مكاتيب الائمه المجلد 3

اشارة

سرشناسه : احمدي ميانجي، علي، 1304 - 1379.، گردآورنده

عنوان و نام پديدآور : مكاتيب الائمه/ علي الاحمدي الميانجي؛ تحقيق و مراجعه مجتبي فرجي.

مشخصات نشر : قم: موسسه دار الحديث العلميه و الثقافيه، مركز الطباعه و النشر، 1427ق.=1385 -

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : مركز بحوث دارالحديث؛ 93.

شابك : دوره: 964-493-021-5 ؛ 34000ريال: ج. 1، چاپ دوم: 964-493-019-3 ؛ 32000ريال: ج. 2: 964-493-021-5 ؛ 28000 ريال: ج.3 964-493-028-2: ؛ 32000 ريال: ج.4: 964-493-165-3 ؛ 50000 ريال: ج.5 : 978-964-493-254-0 ؛ 50000 ريال: دوره، چاپ پنجم: 978-964-493-021-8 ؛ ج.1، چاپ پنجم: 978-964-493-019-5 ؛ ج.2، چاپ پنجم: 978-964-493-020-1 ؛ ج.3، چاپ پنجم: 978-964-493-028-7 ؛ ج.4، چاپ سوم: 978-964-493-165-9 ؛ ج.5، چاپ سوم: 978-964-493-254-0 ؛ ج.6، چاپ چهارم: 978-964-493-344-8

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر همراه با شرح و توضيح نامه هاي حضرت علي (ع) است كه توسط علي احمدي ميانجي گردآوري و تنظيم شده است.

يادداشت : ج.1 - 3 ( چاپ دوم ).

يادداشت : ج.1 تا 3(چاپ اول: 1384).

يادداشت : ج.4 ( چاپ اول: 1385 ).

يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1387).

يادداشت : ج.1-3(چاپ پنجم: 1389).

يادداشت : ج.5،4 و7 (چاپ سوم: 1389).

يادداشت : ج.6(چاپ چهارم: 1389).

يادداشت : كتابنامه.

يادداشت : نمايه.

مندرجات : ج.1و2 . مكاتيب الامام علي.- ج.3. مكاتيب الامام الحسن والحسين و علي بن الحسين و محمدبن علي.- ج.4. مكاتيب الامام جعفربن محمدالصادق والامام موسي بن جعفرالكاظم عليهما السلام.- ج.5. مكاتيب الامام علي بن موسي الرضا عليهما السلام و مكاتيب الامام محمد بن علي الجواد عليهما السلام.- ج.6.مكاتيب الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام و مكاتيب الاما م الحسن بن علي العسكري عليه السلام.- ج.7. مكاتيب الامام ابي القاسم المهدي عجل الله فرجه الشريف.

موضوع : ائمه اثناعشر -- نامه ها

شناسه افزوده : فرجي، مجتبي، 1346 - ، محقق

شناسه افزوده : موسسه علمي - فرهنگي دارالحديث. سازمان چاپ و نشر

رده بندي كنگره : BP36/5/الف3م7 1385

رده بندي ديويي : 297/95

شماره كتابشناسي ملي : 1203857

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

الحمد للّه ربِّ العالمين ، والصَّلاة والسّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطّاهرين ، واللَّعن على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدِّينِ وبعد : نودّ إعلام القارئ الكريم بأنّ المجلّد هو الجزء الثالث من كتاب «مكاتيب الأئمّة» ، وهو يضمّ بين دفّتيه مكاتيب أربعة من الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، وهم : 1 _ الإمام الحسن عليه السلام 2 _ الإمام الحسين عليه السلام 3 _ الإمام السجّاد عليه السلام 4 _ الإمام الباقر عليه السلام ومن الطبيعي أنّ الظروف التي عاشها هؤلاء الأئمّة كانت متباينة تبعا لحالة المخاض التي كانت تمرّ بها الأمّة وما شهدته من تقلّبات وثورات ، فكانت النتيجة أنّ هذه المكاتيب جاءت مختلفة ومتنوّعة في موضوعاتها ومعطياتها وصيغها الخطابيّة. وغاية أملنا أن نستلهم ويستلهم معنا القارئ الكريم من المضامين السامية النبيلة التي وردت في هذه المكاتيب .

.

ص: 8

. .

ص: 9

مكاتيب الإمام الحسن بن عليّ

اشاره

مكاتيب الإمام الحسن بن عليّ عليهما السلام

.

ص: 10

. .

ص: 11

الفصل الأوّل : مكاتيبه في حياة أبيه

1 كتابُه عليه السلام في قوّة الإيمان

الفصل الأوّل : مكاتيبه عليه السلام في حياة أبيه عليه السلام1كتابُه عليه السلام في قوَّة الإيمانفي تفسير فرات الكوفيّ : قال : حدَّثني عليّ بن الحسين عليه السلام _ معنعنا _ : عن الأصبغ بن نباتة 1 ، قال : كتب عبداللّه بن جُندب (1) إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام : جعلتُ فِداك إنِّي (2) فيَّ ضَعف ، فقوِّني . قال : فأمر عليّ الحسن ابنه أنْ : اُكتب إليه كتاباً ، قال : فكتب الحسن عليه السلام : في علم أهل البيت عليهم السلام وصفة شيعتهم «إنَّ محمَّداً صلى الله عليه و آله كان أمينَ اللّه ِ في أرضِهِ فَلَمَّا أن قُبِضَ مُحمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، وكنَّا أهلَ بيتهِ ، فنحنُ أمناءُ اللّه ِ في أرضهِ ، عندنا علمُ المنايا والبلايا ، وإنَّا لنَعرِفُ الرّجُلَ إذا رأيناهُ بِحقيقَةِ الإيمانِ وحقيقَةِ النِّفاقِ ، وإنَّ شيعَتنا لَمعروفونَ بأسمائِهم وأنسابِهم ، أخذَ اللّه ُ الميثاقَ علينا وعلَيهِم (3) ، يَرِدونَ مَوارِدَنا ويَدخُلونَ مَداخِلَنا ، لَيسَ على مِلَّةِ أبينا إبراهيمَ غَيرُنا وغَيرُهُم ، إنَّا يَومَ القِيامَةِ آخِذينَ بِحُجزَةِ نَبيِّنا ، وإنَّ نبيَّنا آخِذٌ بِحُجزَةِ النُّورِ ، وإنَّ شِيعَتَنا آخذون (4) بِحُجزَتِنا . مَن فَارَقَنا هلَكَ ، ومَن اتَّبعَنا لَحِقَ بِنا ، والتَّاركُ لِوِلايَتِنا كافِرٌ ، والمُتَّبِعُ لِوِلايَتِنا مُؤمِنٌ ، لا يُحِبُّنا كافِرٌ ولا يُبغِضُنا مُؤمِنٌ ، ومَن ماتَ وهُوَ مُحِبُّنا كان حَقّاً علَى اللّه ِ أنْ يبعَثَهُ مَعَنا . نحنُ نورٌ لِمَن تَبِعَنا ، وهُدىً لِمَن اقْتدى بِنا ، ومَن رَغِبَ عَنَّا فليسَ مِنَّا ، ومَن لَم يَكُن مِنَّا فَلَيسَ مِنَ الإسلام ِ في شَيءٍ . بِنا فَتَحَ اللّه ُ الدِّينَ ، وبِنا يَختِمُهُ ، وبِنا أطعَمَكُم اللّه ُ عُشبَ الأَرضِ ، وبِنا مَنَّ اللّه ُ علَيكُم (5) مِنَ الغَرَقِ ، وبِنا يُنقِذُكُمُ اللّه ُ في حَياتِكُم وفِي قُبورِكُم وفي مَحشَرِكُم وَعِندَ الصِّراطِ والميزانِ ، وعِندَ ورودكم الجِنانَ .

.


1- . أقول : الصَّحيح جندب بن عبد اللّه ، وعبد اللّه بن جندب من أصحاب الكاظم والرّضا عليهماالسلام ، ولا يوجد في أصحاب عليّ عليه السلام من اسمه عبد اللّه بن جندب ، وقد عنونه كتب المعاجم والرّجال والتّاريخ كقاموس الرّجال ج : 2 ، ومعجم الحديث ج 4 ، وتنقيح المقال : ج 1 ، وأعيان الشّيعة ج 4 ، والإصابة ج 1 ، وأسد الغابة : ج 1 . وروى هذا الكتاب عن الإمام الرّضا عليه السلام كتبه إلى عبد اللّه جندب ، راجع : مكاتيب الإمام الرّضا عليه السلام : ص 156 .
2- . في نسخة : «إنّ» بدل «إنّي» .
3- . وفي نسخة : «منّا ، ومنهم» .
4- . في المصدر : «آخذين» وما أثبتناه هو الصحيح ، كما في بحار الأنوار .
5- . و في نسخة : «آمنكم اللّه » .

ص: 12

في علم أهل البيت عليهم السلام وصفة شيعتهم

.

.

ص: 13

مثل أهل البيت عليهم السلام في الكتاب

حقّ وليّهم عليهم السلام

جزاء عدوّهم عليهم السلام

منزلة شهداء أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم

مثل أهل البيتعليهم السلام في الكتابوإنَّ مَثلنا في كتابِ اللّه ِ كمَثَلِ المِشْكوةِ ، والمِشكوةُ هِيَ القِندِيلُ ، وفِينا المِصباحُ ، والمِصباحُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وأَهلُ بَيتِهِ ، والمِصباحُ في زُجاجَةٍ «الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ» ، عليّ بن أبي طالب عليه السلام «لا شَرْقِيَّةٍ وَ لاَ غَرْبِيَّةٍ» ، مَعروفَةٍ لا يَهودِيَّةٍ ولا نَصرانِيَّةٍ ، «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نورٌ عَلَى نورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ» . (1)

حقُّ وليِّهم عليهم السلاموحَقِيقٌ علَى اللّه ِ أنْ يأتي وليُّنا يَومَ القِيامَةِ مُشرِقاً وَجهُهُ ، نَيِّراً بُرهانُهُ ، عَظِيمَةً عِندَ اللّه ِ تعالى حُجَّتُهُ ، وحَقيقٌ علَى اللّه ِ أن يَجعَلَ وليَّنا رَفِيقَ الأنبِياءِ والشُّهَداءِ والصِّدِّيقينَ والصَّالِحينَ ، وحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقاً .

جزاء عدوِّهم عليهم السلاموحَقِيقٌ علَى اللّه ِ أن يَجعَلَ عَدُوَّنا والجاحِدَ لِوِلايَتِنا رَفيقَ الشَّياطينِ والكافِرينَ ، وبِئسَ أُولئِكَ رَفيقاً .

منزلة شهداء أهل البيت عليهم السلاموشيعتهمولِشَهيدِنا فَضلٌ علَى شُهَداءِ غَيرِنا بِعَشرِ دَرَجاتٍ ، ولِشَهيدِ شِيعَتِنا فَضلٌ علَى شَهيدِ (2) غَيرِ شيعَتِنا بِسَبعِ دَرَجاتٍ .

.


1- . النّور : 35.
2- . وفي نسخة «الشُّهداء» .

ص: 14

من صفاتهم عليهم السلام

من صفاتهم عليهم السلامفَنَحنُ النُّجَباءُ ، ونَحنُ أفراطُ الأَنبِياءِ ، ونَحنُ خُلَفاءُ الأَرضِ ، ونَحنُ المَخصوصونَ (1) في كِتابِ اللّه ِ ، ونَحنُ أَولى النَّاسِ بِنَبيِّ اللّه ِ ، ونَحنُ الَّذين شَرَعَ اللّه ُ لَنا الدِّينَ ، فَقالَ في كِتابِهِ : «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ اهِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» ، وكونوا علَى جَماعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ » (2) . (3)

.


1- . وفي نسخة «المخلِصون» .
2- . الشّورى : 13 .
3- . تفسير فرات الكوفي : ص 285 ح 385 ، بحار الأنوار : ج 23 ص 313 ح 20 وراجع : تفسير القمي : ج 2 ص 104 ، تأويل الآيات الظاهرة : ج 1 ص 360 ح 6 كلاهما عن الإمام الرّضا عليه السلام .

ص: 15

الفصل الثّاني : مكاتيبه بعد شهادة أبيه وقبل الصُّلح

2 كتابُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلام ينعى أباه

الفصل الثّاني : مكاتيبه عليه السلام بعد شهادة أبيه عليه السلام وقبل الصُّلح2كتابُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلامينعى أباهقال البلاذريّ : قالوا : وكان الحسين عليه السلام بالمدائن ، قد قدَّمه أبوه إليها ، وهو يريد المسير إلى الشَّام ، فكتب إليه الحسن بما حدث من أمر أبيه مع زحر بن قيس الجعفيّ ، فلمَّا أتاه زحر بالكتاب انصرف بالنَّاس إلى الكوفة .. . (1) وفي الكافي : عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمَّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مِهْرَان ، عن سَيْف بن عُمَيرَة ، عن عَمْرو بنِ شِمْرٍ ، عن عبدِاللّه ِ بن الولِيد الجُعْفِيِّ ، عن رجل ، عن أبيه ، قال : لمَّا أُصيب أمير المؤمنين عليه السلام نَعى الحسنُ إلى الحسين عليهماالسلام ، وهو بالمدائن ، فلمَّا قرأ الكتاب ، قال _ الحسين عليه السلام _ :يا لها من مصيبة ما أعظمها ، مع أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : من أُصيب منكم بمصيبة فليذكر مُصابَه بي ، فإنَّه لن يُصاب بمصيبة أعظم منها ، وصَدَق صلى الله عليه و آله . (2)

.


1- . أنساب الأشراف : ج 3 ص 258.
2- . الكافي : ج 3 ص 220 ح 3 ، مسكّن الفؤاد : ص 110 ، بحار الأنوار : ج 42 ص 247 وج82 ص 143.

ص: 16

3 كتابُه عليه السلام إلى معاوية في تحذيره وإنظاره

3كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي تحذيره وإنظارهكتاب كتبه عليه السلام إلى معاوية 1 بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام _ وقد بايعه النَّاس _ وهو : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِن عَبدِاللّه ِ الحَسَنِ أميرِ المؤمِنينَ إلى مُعاوِيَةَ بنِ صَخرٍ : أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ اللّه َ بعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله رَحمَةً للعالَمينَ ، فأظهَرَ بهِ الحَقَّ ، ورَفَعَ بهِ الباطِلَ، وأذلَّ بهِ أهلَ الشِّركِ ، وأعزَّ بهِ العَرَبَ عامَّةً ، وشَرَّفَ بهِ مَن شاءَ مِنهُم خاصَّةً ، فَقالَ تعالى : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ » (1) ، فلمَّا قَبضَهُ اللّه ُ تعالى تَنازَعَتِ العَرَبُ الأمرَ بَعدَهُ ، فَقالَت الأَنصارُ : مِنَّا أميرٌ ومِنكُم أمِيرٌ ؛ وقالَت قُرَيشٌ : نَحنُ أولياؤهُ وَعشيرَتُهُ ، فلا تُنازِعوا سُلطانَهُ ، فَعَرفَتِ العَرَبُ ذَلِكَ لِقُريشٍ ، ونَحنُ الآنَ أولياؤُهُ وذَووا القُربى مِنهُ . وجاحَدَتنا قُرَيشٌ ما عَرَفَت لَها العَرَبُ ، فَهَيهاتَ ! ما أَنصَفَتنا قُرَيشٌ ، وقد كانوا ذوي فَضيلَةٍ في الدِّينِ ، وسابِقَةٍ في الإسلامِ . (2) ولا غَروَ (3) ، أنَّ مُنازعَتَكَ إيَّانا بِغَيرِ حقٍّ في الدِّين مَعروفٍ ، ولا أثَرٍ في الإسلامِ مَحمودٌ ، والمَوعِدُ اللّه ُ تعالى بَينَنا وبَينَكَ ، ونحن نسألُهُ تبارك وتعالَى أنْ لا يُؤتينا في هذهِ الدُّنيا شَيئاً يُنقِصُنا بهِ في الآخِرَةِ . وبَعدُ ؛ فإنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ لَمَّا نَزَلَ بهِ المَوتُ ولاَّني هذا الأمرَ مِن بَعدِهِ ، فاتَّق اللّه َ يا مُعاوِيَةُ ؛ وانظُر لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ما تَحقِنُ بهِ دِماءهُم ، وتُصلِحُ بهِ أُمورَهُم ، والسَّلامَ . (4)

.


1- . الزّخرف : 44 .
2- . ما بين المعقوفين نقلناه من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، والفتوح.
3- . لا غرو : أي لا عجب .
4- . كشف الغمّة : ج 2 ص 196 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 54 ح 6 والمناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 31 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 567 ، معادن الحكمة : ج 2 ص 3 ، جمهرة رسائل العرب : ج 2 ص 12 ؛ مقاتل الطّالبيين : ص 65 ، الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 284 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 24 كلّها نحوه.

ص: 17

. .

ص: 18

وبعث بالكتاب مع الحارث بن سويد التّيميّ ، تَيْم الرِّباب ، وجُنْدب الأزديّ ، فقدما على معاوية فدعواه إلى بيعة الحسن عليه السلام فلم يجبهما . (1) وكتب معاوية جوابه برواية المناقب : فهمت ما ذكرت به محمَّداً صلى الله عليه و آله ، وهو أحقُّ الأوَّلين والآخرين بالفضل كُلِّهِ ، وذكرتَ تَنازُعَ المُسلِمينَ الأمرَ مِن بَعدِهِ ، فَصرَّحتَ بِنَميمَةِ فُلانٍ وفلانٍ وأبي عُبيدَةَ وغَيرِهِم ، فَكَرِهتُ ذلِكَ لَكَ ، لِأنَّ الأُمَّةَ قَد عَلِمَت أنَّ قُريشاً أحَقُّ بِها ، وقَد عَلِمتَ ما جرى مِن أمرِ الحَكَمَينِ فكيف تدعوني إلى أمر ، إنَّما تَطلُبهُ بِحَقِّ أَبيكَ وقد خَرجَ أبوك مِنهُ . (2) نصّ آخر على رواية ابن أعثم : أمَّا بَعدُ ؛فَقَد فَهِمتُ كِتابَكَ وماذَكرتَ بهِ مُحمَّداً صلى الله عليه و آله ،وهُو خيرُ الأوَّلِينَ والآخِرينَ فالفَضْلُ كُلّهُ فيهِ صلى الله عليه و آله ؛ وذَكَرتَ تَنازُعَ المُسلِمينَ الأمرَ مِن بَعدِهِ ، فصرَّحْتَ مِنهم بأبي بكرٍ الصّدِّيق ، وعُمَرَ الفاروقِ ، وأبي عُبيدَةَ الأَمينِ ، وطَلحَةَ ، والزُّبيرِ ، وصُلَحاءِ المُهاجِرينَ ، وكَرِهتُ ذلِكَ لَكَ أبا مُحمَّدٍ ، وذلِكَ أنَّ الأُمَّةَ لمَّا تنازَعَتِ الأمرَ مِن بَعدِ نَبيِّها مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله عَلِمَت أنَّ قُريشاً أَحَقُّها بِهذا الشَّأنِ ؛ لِمَكانِ نَبِيِّها منها ؛ ثمَّ رَأت قُرَيشٌ وَالأنصارُ وَذَوو الفَضلِ والدِّينِ مِنَ المُسلِمينَ أنْ يُوَلُّوا هذا الأمرَ أَعلَمَها بِاللّه ِ ، وأخشاها لَهُ ، وَأَقدَمَها إسلاماً ، فاختاروا أبا بكرٍ الصدِّيقَ وَلَو عَلِموا مَكانَ رَجُلٍ هُوَ أفضَلُ مِن أبي بَكرٍ يَقومُ مَقامَهُ ويَذُبُّ عَن حَوزَةِ الإسلامِ كَذَبِّهِ لَما عَدَلوا ذلِكَ عَنهُ ، فالحالُ بَيني وَبَينَكَ علَى ما كانوا عَلَيهِ ، وَلَو عَلِمتُ أنَّكَ أضبَطُ لِأمرِ الرَّعيَّةِ وَأحوَطُ علَى هذهِ الأُمَّةِ ، وَأَحسنُ سِياسَةً ، وأكيَدُ لِلعَدُوِّ ، وأَقوَى علَى جَميعِ الأُمورِ ، لَسلَّمتُ لَكَ هذا الأمرَ بَعدَ أَبيكَ ، لِأنِّي قَد عَلِمتُ بِأنَّكَ إنَّما تَدَّعي ما تدَّعيهِ نَحوَ أبيكَ ، وَقَد عَلِمتَ أنَّ أباكَ سارَ إلينا فَحارَبَنا ، ثُمَّ صارَ مِن أمرِهِ إلى أنِ اختارَ رَجُلاً وَاختَرنا رَجُلاً ، لِيحكُما بِما يَصلُحُ عَلَيهِ أمرُ الأُمَّةِ ، وَتَعودُ بهِ الأُلفَةُ وَالجَماعَةُ ، وَأَخَذنا على الحَكَمَينِ بِذلِكَ عَهدَ اللّه ِ وَميثاقَهُ ، وأخَذا مِنَّا مِثلَ ذلِكَ على الرِّضى بما حَكَما ، ثمَّ أنَّهما اتَّفقا على خَلعِ أبيكَ فَخَلَعاهُ ، فَكَيفَ تَدعوني إلى أمرٍ إنَّما تَطلُبُهُ بِحَقِّ أَبيكَ ، وَقَد خَرَجَ أَبوكَ مِنُه؟ فانظُر لِنَفسِكَ أبا مُحَمَّدٍ ولدِينِكَ ، والسَّلامُ . (3) نصّ آخر على رواية ابن أبي الحديد : أمَّا بَعدُ ؛ فَقَد فَهِمتُ ما ذَكرتَ بهِ رَسولَ اللّه ِ ، وَهُو أحَقُّ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ بالفَضْلِ كُلِّهِ ، وَذَكَرتَ تَنازُعَ المُسلِمينَ الأمرَ بَعدَهُ ، فَصَرَّحْتَ بِتُهمَةِ أبي بكرٍ الصّدِّيقِ ، وَعُمَرَ ، وأبي عُبَيدَةَ الأمينِ ، وَصُلَحاءِ المُهاجِرينَ ، فَكَرِهتُ لَكَ ذلِكَ ؛ إنَّ الأُمَّةَ لَمَّا تَنازَعَتِ الأمرَ بَينَها رَأت قُريشاً أَخلَقَها (4) بِهِ ؛ فَرَأَت قُرَيشٌ والأنصارُ وذَوو الفَضلِ وَالدِّينِ مِنَ المُسلِمينَ أن يُولُّوا مِن قُريشٍ أعلَمَها باللّه ِ ، وَأخشاها لَهُ ، وَأقواها علَى الأمرِ ، فاختاروا أبا بكرٍ ولَم يَألوا ، وَلَو عَلِموا مَكانَ رَجُلٍ غَيرَ أبي بَكرٍ يَقومُ مَقامَهُ وَيَذُبُّ عَن حَرَمِ الإسلامِ ذَبَّهُ ما عَدَلوا بِالأمرِ إلى أبي بَكرٍ ، والحالُ اليومَ بَيني وَبَينَكَ عَلى ما كانوا عَلَيهِ ، فَلَو عَلِمتُ أنَّكَ أضبَطُ لِأمرِ الرَّعِيَّةِ وأحوَطُ عَلى هذِهِ الأُمَّةِ ، وأحسَنُ سِياسَةً ، وَأكيَدُ لِلعدوّ ، وَأَقوى عَلى جَمعِ الفيءِ ، لَسَلَّمتُ لَكَ الأمرَ بَعدَ أبيكَ ، فَإنَّ أباكَ سَعى عَلى عُثمانَ حَتَّى قُتِلَ مَظلوماً ، فَطالَبَ اللّه ُ بِدَمِهِ ؛ وَمَن يَطلُبُهُ اللّه ُ فَلَن يَفوتَهُ . ثُمَّ ابتزَّ الأمَّةَ أمرَها ، وَفَرَّقَ جَماعَتَها ، فَخالَفَهُ نُظراؤُهُ مِن أهلِ السّابِقَةِ والجِهادِ والقِدَمِ في الإسلامِ ، وادَّعى أنَّهم نَكَثوا بَيعَتَهُ ، فَقاتَلَهم فَسُفِكَتِ الدِّماءُ ؛ واستُحِلَّتِ الحُرَمُ ، ثُمَّ أقبَلَ إلينا لا يَدَّعي عَلينا بيعة ؛ وَلكِنَّهُ يُريدُ أنْ يَملِكَنا اغتِراراً ، فَحارَبناهُ وحارَبَنا ، ثُمَّ صارَتِ الحَربُ إلى أنِ اختارَ رَجُلاً وَاختَرنا رَجُلاً ، لِيَحكُما بِما تَصلُحُ عَليهِ الأمَّةُ ، وتَعودُ بهِ الجَماعَةُ والأُلفَةُ ، وَأخَذنا بِذلِكَ عَلَيهما مِيثاقاً وَعَلَيهِ مِثلَهُ وَعلَينا مِثلَهُ ، عَلى الرِّضى بِما حَكَما ، فَأمضى الحَكَمانِ عَلَيهِ الحُكمَ بِما عَلِمتَ ، وَخَلَعاهُ ، فَوَاللّه ِ ما رَضِيَ بالحُكمِ ، وَلا صَبَرَ لِأمرِ اللّه ِ ؛ فَكَيفَ تَدعوني إلى أمرٍ إنَّما تَطلُبُهُ بِحَقِّ أَبيكَ ، وَقَد خَرَجَ مِنهُ ! فَانظُر لِنَفسِكَ وَلِدينِكَ ، وَالسَّلامُ . (5) نصّ آخر على رواية لأبي الفرج الإصفهانيّ : كتب الحسن عليه السلام إلى معاوية مع جندب (6) بن عبد اللّه الأزديّ : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِن عَبدِ اللّه ِ الحَسَنِ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ : في بعثة النبي صلى الله عليه و آله سَلامٌ عَلَيكَ ، فَإِنِّي أحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ اللّه تعالى عز و جل بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله رَحمَةً للعالَمينَ ، وَمِنَّةً على المُؤمِنينَ ، وكافَّةً إلى النَّاس أجمَعينَ ، «لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ » (7) ، فَبَلَّغَ رِسالاتِ اللّه ِ وَقامَ عَلى أمرِ اللّه ِ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللّه ُ غَيرَ مُقَصِّرٍ ولا وانٍ ، حَتَّى أظهَرَ اللّه ُ بهِ الحَقَّ وَمَحَقَ بهِ الشِّركَ ، ونَصَرَ بهِ المُؤمِنينَ ، وأعزَّ بهِ العَرَبَ ، وشَرَّفَ بهِ قُرَيشاً خاصَّةً ، فَقالَ تَعالى : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ » (8) .

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 25.
2- . المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 31.
3- . الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 285.
4- . أحقّها .
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 25.
6- . في شرح نهج البلاغة : «حرب» بدل «جندب» .
7- . يس : 70 .
8- . الزّخرف : 44 .

ص: 19

. .

ص: 20

في بعثة النبي صلى الله عليه و آله

.

.

ص: 21

في بيان ما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله

في بيان ما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آلهفَلَمَّا تُوفِّيَ صلى الله عليه و آله تَنازَعَتِ سُلطانَهُ العَرَبُ ، فَقالَت قُرَيشٌ : نَحنُ قَبيلَتُهُ وَأُسرَتُهُ وَأَولياؤُهُ ، وَ لا يَحِلُّ لَكُم أنْ تُنازِعونا سُلطانَ مُحَمَّدٍ فِي النَّاسِ وَحَقَّهُ ، فَرَأتِ العَرَبُ أَنَّ القَولَ كَما قَالَت قُرَيشٌ ، وَأنَّ الحُجَّةَ لَهُم في ذلِكَ عَلى مَن نازَعَهُم أمرَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَأَنعَمَت لَهُمُ العَرَبُ ، وَسَلَّمت ذلِكَ . ثُمَّ حاجَجنا نَحنُ قُرَيشاً بِمِثلِ ما حاجَّت بهِ العَرَبَ فَلَم تُنصِفنا قُرَيشٌ إنصافَ العَرَبِ لَها ، إنَّهُم أَخَذوا هذا الأمرَ دُونَ العَرَبِ بالانتصافِ والاحتِجاجِ ، فَلَمَّا صِرنا أهلَ بَيتِ مُحَمَّد وأولياءَهُ إلى مُحاجَّتِهِم ، وَطَلَبِ النَّصَفِ (1) مِنهُم باعَدونا واستَولَوا بِالإجماعِ عَلى ظُلمِنا وَمُراغَمَتِنا (2) وَالعَنَتِ (3) مِنهُم لَنا ، فَالمَوعِدُ اللّه ُ ، وَهُوَ الولِيُّ النَّصيرُ؟ وَقَد تَعَجَّبنا لِتَوثُّبِ المُتَوثِّبينَ عَلَينا في حَقِّنا وَسُلطانِ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله ، وَإنْ كانوا ذَوي فَضيلَةٍ وَسابِقَةٍ فِي الإسلامِ ، فَأَمسَكنا عَن مُنازَعَتِهِم مَخافَةً عَلى الدِّينِ أن يَجِدَ المُنافِقونَ وَالأَحزابُ بِذلِكَ مَغْمزاً (4) يَثلِمونَهُ بهِ ، أو يَكونَ لَهُم بِذلِكَ سَبَبٌ لِما أرادوا بهِ فَسادَهُ .

.


1- . النّصف : الانصاف .
2- . راغمهم : نابذهم وعاداهم .
3- . العنت : المشقَّة .
4- . وليس في فلانٍ مغمز أي : ما فيه ما يغمز فيعاب به ولا مطعن ، والمغامز : المعايب (لسان العرب : ج 15 ص 390) .

ص: 22

العجب من طلب معاوية أمرا ليس هو من أهله

أحقّيّتهُ عليه السلام بالخلافة

حثّ معاوية على التقوى

العجب من طلب معاوية أمرا ليس هو من أهلهفَاليَومَ فَليَعجَبِ المُتَعَجِّبُ مِن تَوَثُّبِكَ يا مُعاوِيَةُ عَلى أمرٍ لَستَ مِن أهلِهِ ، لا بِفَضلٍ فِي الدِّينِ مَعروفٍ ، وَلا أثرٍ فِي الإسلامِ مَحمُودٍ ، وَأنتَ ابنُ حِزبٍ مِنَ الأحزابِ ، وَابنُ أَعدى قُرَيشٍ لِرَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَلَكِنَّ اللّه َ خَيَّبَكَ ، وَسَتَرِدُّ فَتَعلَمُ لِمَن عُقبى الدَّارِ ، وَتاللّه ِ لَتَلْقينَّ عَن قَليلٍ رَبَّكَ ، ثُمَّ لَيَجزِيَنَّكَ بِما قدَّمَت يَداكَ ، وما اللّه ُ بِظلاَّمٍ لِلعَبيدِ .

أحقيتهُ عليه السلام بالخلافةإنَّ عليَّاً _ رِضوانُ اللّه ِ عَلَيهِ _ لمَّا مَضى لِسبيلِهِ _ رَحمَةُ اللّه ِ عَلَيهِ يَومَ قُبِضَ وَيَومَ مَنَّ اللّه ُ عَلَيهِ بالإسلامِ ، ويَومَ يُبْعَث حَيَّاً _ (1) وَلاَّني المُسلِمونَ الأمرَ بَعدَهُ ، فَأسألُ اللّه َ ألاَّ يَزيدَنا فِي الدُّنيا الزّائِلَةِ شَيئاً يُنقِصُنا بهِ فِي الآخرَةِ مِمَّا عِندَهُ مِن كرامَتِهِ ، وَإنَّما حَمَلَني عَلى الكِتابِ إليكَ الإعذارُ فيما بَيني وَبَينَ اللّه ِ سُبحانَهُ وَتعالى في أمرِكَ ، ولَكَ في ذلِكَ إنْ فَعَلتَ الحَظُّ الجَسيمُ ، ولِلمُسلِمينَ فيهِ صَلاحٌ ، فَدَعِ التّمادِيَ فِي الباطِلِ وادخُل فيما دَخَلَ فيهِ النَّاسُ مِن بَيعَتي ، فَإِنَّكَ تَعلَمُ أنِّي أحَقُّ بِهذا الأمرِ مِنكَ عِندَ اللّه ِ وَعِندَ كُلِّ أوَّابٍ حَفيظٍ ، ومَن لَهُ قَلبٌ مُنِيبٌ .

حثُّ معاوية على التقوىوَاتَّقِ اللّه َ ، ودَعِ البغيَ ، واحْقِن دِماءَ المُسلِمينَ ، فَوَاللّه ِ ما لَكَ مِن خَيرٍ في أنْ تَلقى اللّه َ مِن دِمائِهِم بِأكثَرَ مِمَّا أنتَ لاقِيهِ بهِ ، فادخُل في السِّلم وَالطَّاعَةِ ، ولا تُنازِعِ الأمرَ أهلَهُ ، ومَن هُو أحَقُّ بهِ مِنكَ ، لِيُطفِئَ اللّه ُ النَّائِرَةَ (2) بِذلِكَ ، وَتَجمَعُ الكَلِمَةَ ، وَتُصلِحُ ذاتَ البَيْنِ ، وَإِن أَنتَ أبَيتَ إلاَّ التَّمادِيَ في غَيِّكَ نَهَدتُ (3) إِلَيكَ بالمُسلِمينَ فَحاكَمتُكَ ، حَتَّى يَحكُمَ اللّه ُ بَينَنا ، وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ .

.


1- . كذا في المصدر .
2- . النّائرة : العداواة والشّحناء .
3- . في شرح نهج البلاغة : «سرت» بدل «نهدت» .

ص: 23

فكتب إليه معاوية : بسم اللّه الرحمن الرحيم من عَبدِ اللّه أميرِ المُؤمِنينَ إلى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ : سلامٌ علَيكَ ؛ فإنِّي أحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ . أمَّا بعدُ ؛ فَقَد بلَغني كِتابُكَ ، وَفَهِمتُ ما ذَكَرتَ بهِ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مِنَ الفَضلِ ، وَهُوَ أحَقُّ الأوَّلينَ والآخِرينَ بالفَضْلِ كُلِّهِ قَديمهِ وحَديثِهِ ، صَغيرِهِ وَكبيرِهِ ، فَقَد وَاللّه ِ بَلَّغَ وَأَدَّى ، ونَصَحَ وَهَدى ؛ حَتَّى أنْقَذَ اللّه ُ بهِ مِنَ التَّهلُكَةِ ، وأَنارَ بهِ مِنَ العَمَى ، وَهَدَى بهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، فَجزَاه اللّه ُ أفضَلَ ما جَزَى نَبِيّاً عَن أُمَّتِهِ ، وَصَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ يَوْمَ وُلِدَ ، وَيَومَ قُبِضَ ، وَيَومَ يُبْعَثُ حَيَّاً . وَذَكرتَ وَفاةَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله وتَنازُعَ المُسلِمينَ مِن بَعدِهِ ، فرأيتُكَ صَرَّحتَ بِتُهمَةِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ، وَعُمَرَ الفاروقِ ، وَأبي عُبَيدَةَ الأمينِ ، وَحَوارِيِّ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، وَصُلَحاءِ المُهاجِرينَ وَالأنصارِ ، فَكَرِهتُ ذلِكَ لَكَ ، فَإنَّكَ امرِؤ عِندَنا وَعِندَ النَّاسِ غَيرُ ظنِينٍ ولا المُسِيء ، وَلا اللّئيمِ ، وَأنَا أحِبُّ لَكَ القَولَ السَّديدَ ، والذِّكرَ الجَميلَ . إنَّ هذهِ الأمَّة لمَّا اختَلَفَت بَعدَ نبيِّها لَم تَجهَل فَضلَكُم وَلا سابِقَتَكُم ، ولا قَرابَتَكُم مِن النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، ولا مكانتكم فِي الإسلامِ وَأهلِهِ ، فَرأتِ الأُمَّةُ أنْ تُخرِجَ هذا الأمرَ لِقُريشٍ لِمكانِها مِن نَبيِّها ، وَرَأى صُلَحاءُ النَّاسِ مِن قُرَيشٍ والأَنصارِ وَغَيرِهِم مِن سائِرِ النَّاسِ وعامَتِهِم أنْ يُوَلُّوا هذا الأمرَ ِمن قُرَيشٍ أَقدَمَها إسلاماً وَأعلَمَها باللّه ِ ، وأحبَّها لَهُ وَأَقواها عَلى أمرِ اللّه ِ ، واختاروا أبا بكرٍ ، وَكانَ ذلِكَ رَأيَ ذوي الحِجى والدِّينِ والفَضيلَةِ ، والنَّاظرين لِلأُمَّةِ ، فَأوقَعَ ذلِكَ في صُدورِكُم لَهُم التُّهمَةَ وَلَم يَكونوا بِمُتَّهَمينَ ، وَلا فيما أتَوا بِمُخطئينَ ، وَلَو رَأى المُسلِمونَ فِيكُم مَن يُغني غَناءَهُ ، أو يَقومُ مَقامَهُ ، أو يَذبُّ عَن حَريمِ المُسلِمينَ ذَبَّهُ ، ما عَدَلوا بذلِكَ الأَمرِ إلى غَيرِهِ رَغبَةً عَنهُ ، وَلكِنَّهُم عَمِلوا (1) في ذلِكَ بِما رَأوهُ صَلاحاً للإسلامِ وأهلِهِ ، فاللّه ُ يَجزيهِم عَنِ الإسلامِ وَأهلِهِ خَيراً . وَقَد فَهِمتُ الَّذي دَعَوتَنِي إليهِ مِنَ الصُّلحِ ، والحالُ فيما بَيني وَبَينَكَ اليومَ مِثلُ الحالِ الَّتي كُنتُم عَلَيها أنتم وَأبو بَكرٍ بَعدَ النّبي صلى الله عليه و آله ، ولو عَلِمتُ أنَّكَ أضبَطُ مِنِّي للرَعيَّةِ ، وأحوَطُ عَلى هذهِ الأُمَّةِ ، وَأحسَنُ سِياسَةً ، وَأقوى عَلى جَمعِ الأموالِ ، وَأكيَدُ للعَدُوِّ ، لَأَجبتُكَ إلى ما دَعَوتَني إليهِ ، وَرَأيتُكَ لِذلِكَ أَهلاً ، ولكنِّي قَد عَلِمتُ أنِّي أطوَلُ مِنكَ وِلايَةً ، وَأقدَمُ مِنكَ لِهذهِ الأُمَّةِ تَجرِبَةً ، وأكثَرُ مِنكَ سِياسَةً ، وأكبرُ مِنكَ سِنَّاً ، فَأنتَ أحَقُّ أن تُجيبَني إلى هذهِ المَنزِلَةِ الَّتي سَألتَني ، فَادخُل في طاعَتي ، وَلَكَ الأمرُ مِن بَعدي ، وَلَكَ ما في بَيتِ مالِ العراقِ مِن مالٍ بالِغاً ما بَلَغَ ، تَحمِلُهُ إلى حَيثُ أَحبَبتَ ، ولَكَ خَراجُ أيِّ كُوَرِ العِراقِ شِئتَ ؛ مَعونةً لَكَ على نَفَقَتكَ ، يَجيبها لكَ أمينُكَ ، ويَحمِلُها إليكَ في كُلِّ سَنَةٍ ؛ ولَكَ ألاَّ يستولى عَلَيكَ بالإساءَةِ ، ولا تُقضى دونَكَ الأُمورُ ، ولا تُعصى في أمر أَرَدت بهِ طاعَةَ اللّه ِ عز و جل . أعاننا اللّه ُ وإيَّاكَ عَلى طاعَتِهِ ، إنَّه سَميعٌ مُجيبُ الدُّعاءِ ، وَالسَّلامُ . (2) أقول : الَّذي يقوى في النَّظر هو تعدُّدُ الكتَّابين لما بين مضمونيهما من الاختلاف ، وكذا بين جوابي معاوية اختلاف شديد ، وإنْ كان بينهما تشابه أيضاً ، هذا وإن نقلهما المعتزلي أحدهما برواية المدائنيّ والآخر برواية الإصبهانيّ ، وظاهرُ كلامه الاتِّحاد كما فهمه في معنى ذلك ، وظاهرُ كلمات الأعلام عَدا المعتزلي التَّعدّد أيضا ، كما أنَّ الإربلي رحمه اللهنقل الكتاب الأوَّل ، كما أسلفنا عنه ، وقال : وكان بينه وبين الحسن عليه السلام مكاتبات ، واحتجَّ عليه الحسن عليه السلام في استحقاقه الأمر وتوثُّبِ مَن تقدَّم على أبيه عليه السلام وابتزازه (3) ؛ كأنَّه يشير إلى هذا الكتاب .

.


1- . في شرح نهج البلاغة : «علموا» بدل «عملوا» .
2- . مقاتل الطّالبيّين : ص 64 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 33 نحوه ؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 39.
3- . كشف الغمّة : ج 2 ص 165 .

ص: 24

. .

ص: 25

4 كتابه عليه السلام إلى معاوية في ترغيبه باتّباع الحقّ

4كتابه عليه السلام إلى معاويةفي ترغيبه باتّباع الحقّكتب معاوية إلى الحسن بن علي عليهماالسلام : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ اللّه عز و جل يَفعلُ في عبادهِ ما يشاءُ «لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ » (1) فاحْذَر أنْ تكونَ مَنيَّتُكَ على يَد رُعاعٍ مِنَ النَّاسِ ، وَايأس مِن أنْ تَجِدَ فينا غَميزةً (2) ، وإن أنت أعرَضتَ عمَّا أنت فيهِ وَبايعتَني ، وفَيتُ لَكَ بما وَعَدتُ ، وَأجَزتُ لَكَ ما شَرَطتُ ، وأكونُ في ذلِكَ كما قالَ أعشى بني قَيسٍ بنِ ثَعلبة : وَإنْ أحَدٌ أسدى إليكَ أمانَةًفَأَوفِ بِها تُدْعَى إذا مِتَّ وافِياً وَلا تَحسُدِ المَولَى إذا كان ذا غِنىًوَلا تجْفُه إنْ كان فِي المالِ فانِياً ثُمَّ الخلافَةُ لَكَ مِن بعدي ، فَأنتَ أولى النَّاسِ بها ، والسَّلامُ . فأجابه الحسن بن علي عليهماالسلام : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بَعدُ ؛ وَصَلَ إليَّ كِتابُكَ ، تَذكُرُ فيهِ ما ذَكَرتَ ، فَتَركتُ جَوابَكَ خَشيَةَ البَغي عَلَيكَ ، وبِاللّه ِ أَعوذُ مِن ذلِكَ ، فاتَّبِعِ الحَقَّ تَعلَم أنِّي مِن أهلهِ ، وَعَلَيَّ إثمٌ أنْ أَقولَ فأكذِبُ ، والسَّلام . فلمَّا وصل كتاب الحسن إلى معاوية قرأه ، ثمَّ كتب إلى عمَّاله على النّواحي نسخة واحدة : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم من معاوية أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان ، ومن قِبَله من المسلمين . سلام عليكم ، فإنِّي أحمد إليكم اللّه الَّذي لا إله إلاَّ هو ، أمَّا بعدُ ؛ فالحمد للّه الَّذي كفاكم مُؤنَةَ عَدوِّكم ، وَقَتَلَةَ خَليفَتِكُم ، إنَّ اللّه َ بلُطْفهِ ، وحُسنِ صُنْعِهِ ، أتاحَ لِعليِّ بن أبي طالبٍ رَجُلاً من عباده ، فاغتالَهُ فقَتَلهُ ، فتَرَك أصحابَهُ مُتفرِّقينَ مُختَلِفينَ ، وَقد جاءَتنا كُتُبُ أشرافِهِم وقادَتِهِم يَلتَمسونَ الأمانَ لِأنفُسِهِم وَعشائِرِهِم ؛ فَأقبِلوا إليَّ حِينَ يأتيكُم كِتابي هذا بِجُندِكُم وجُهدِكُم وَحُسنِ عِدَّتِكُم ، فَقَد أصَبتم بِحَمدِ اللّه ِ الثَأرَ ، وبَلَغتُمُ الأمَلَ ، وَأهلَكَ اللّه ُ أهلَ البغي والعُدوانِ ، والسَّلامُ عَليكُم ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ . (3)

.


1- . الرّعد : 41 .
2- . الغميزة : المطعن .
3- . مقاتل الطّالبيّين : ص 68 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 37 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 32 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 55 كلّها مع اختلاف يسير.

ص: 26

. .

ص: 27

5 كتابُه عليه السلام إلى معاوية في إظهار دسائسه

5كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي إظهار دسائسهعمرو بن ثابت قال : كنت أختلف إلى أبي إسحاق السَّبيعيّ 1 سَنة أسأله عن خطبة الحسن بن عليّ عليه السلام ، فلا يحدِّثني بها، فدخلت إليه في يوم شات وهو في الشَّمس وعليه برنسه كأ نَّه غُول، فقال لي: مَن أنت؟ فأخبرته ، فبكى وقال : كيف أبوك؟ وكيف أهلك؟ قلت: صالحون، قال : في أيّ شيء تردّد منذ سَنة؟ قلت : في خطبة الحسن بن عليّ بعد وفاة أبيه . قال : (حدَّثني هُبَيْرَة بن بريم 2 ) (1) ، وحدَّثني محمَّد بن محمَّد الباغنديّ ، ومحمَّد بن حَمدان الصّيدلانيّ ، قالا : حدَّثنا إسماعيل بن محمَّد العلويّ ، قال : حدَّثني عمِّي عليّ بن جعفر بن محمَّد ، عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ، دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، والمعنى قريب ، قالوا : خطب الحسن بن عليّ عليهماالسلام بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : لَقَد قُبِضَ في هذهِ اللَيلَةِ رجُلٌ لَم يَسبِقْهُ الأوَّلونَ بِعَمَلٍ ، وَلا يُدرِكُهُ الآخِرونَ بِعَمَلٍ ، وَلَقَد كانَ يُجاهِدُ مَعَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَيَقيهِ (2) بِنَفسِهِ ، وَلَقَد كانَ يُوَجِّهُهُ بِرايَتِهِ ، فَيَكتَنِفُهُ جَبرَئيلُ عَن يَمينِهِ ، وميكائيلُ عَن يَسارِهِ ، فَلا يَرجِعُ حَتَّى يَفتَحَ اللّه ُ عَلَيهِ ، وَلَقَد تُوفِّيَ في هذهِ الليلةِ الَّتي عُرجَ فيها بِعيسى بنِ مَريمَ ، ولقد تُوفِّيَ فيها يُوشَعُ بنُ نوحٌ وَصِيُّ موسى ، وما خَلَّفَ صَفْراءَ ولا بَيضاءَ إلاَّ سَبعمائَةَ دِرهَمٍ مِن عَطائِهِ ، أرادَ أنْ يَبتاعَ بِها خادِماً لِأَهلِهِ . ثمَّ خَنَقَتهُ العَبرَةُ ، فَبَكى وَبَكى النَّاسُ مَعَهُ ، ثُمَّ قالَ : أيُّها النَّاسُ مَن عَرَفَني فَقَد عَرَفَني ، وَمَن لَم يَعرِفني فَأنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أنَا ابنُ البشيرِ ، أنَا ابنُ النَّذيرِ ، أنا ابنُ الدَّاعي إلى اللّه ِ عز و جل بإذنِهِ ، وَأنَا ابنُ السِّراجِ المُنيرِ ، وَأنَا مِن أهلِ البَيت ِ الَّذينَ أذهَبَ اللّه ُ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطَهَّرَهُم تَطهيراً ، والَّذين افترَضَ اللّه ُ مَوَدَّتُهم في كتابِهِ إذْ يقولُ : « وَ مَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا » (3) . فاقترافُ الحَسَنَةِ مَوَدَّتُنا أهلَ البَيتِ . قال أبو مِخْنَف 6 عن رجالِهِ : ثمَّ قامَ ابن عبَّاس بَينَ يَدَيهِ ، فَدَعا النَّاسَ إلى بَيعَتِهِ ، فاستجابوا لَهُ ، وَقالوا : ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة فبايعوه . ثم نزل عن المنبر . قال : ودسَّ معاوية رجلاً من بني حِمْيَر إلى الكوفة ، ورجلاً من بني القَيْن إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار ، فدُلَّ على الحِمْيريّ عند لحام جرير ، وَدُلَّ على القَيْنيّ بالبصرة في بني سُليم ، فَأُخِذا وَقُتِلا . وَكَتبَ الحسَنُ إلى مُعاوِيَةَ : أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّك دَسَستَ إليَّ الرِّجالَ ، كأنَّك تُحِبُّ اللّقاءَ ؛ وما أَشُكُّ في ذلِكَ فَتَوَقَّعهُ إِن شاءَ اللّه ُ ، وَقَد بَلَغَني أنَّك شَمِتَّ بِما لا يَشمَتُ بهِ ذَوو الحِجى ؛ وَإنَّما مَثَلُكَ في ذلِكَ كما قالَ الأوَّلُ : وَقُلْ للَّذِي يَبغي خِلافَ الَّذِي مَضىتَجَهَّز لِأُخرى مِثلَها فَكَأنْ قَدِ وَإنَّا وَمَن قَد ماتَ مِنَّا لَكالَّذِييَروحُ ويُمسي فِي المَبيت لِيَغتدِي فأجابه معاوية : أمَّا بعدُ ؛ فقد وصل كتابُكَ ، وَفَهِمتُ ما ذكرتَ فيهِ ؛ وَلَقد عَلِمتُ بما حدَثَ فَلم أفرح ولم أحزن ، وَلَم أشمَت وَلَم آسَ ، وإنَّ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ كما قال أعشى بني قَيْسِ بنِ ثعلَبَةَ : وَأنْتَ الجَوادُ وأنتَ الَّذيإذا ما القلوبُ مَلأنَ الصُّدُورا جَديرٌ بِطَعنَةِ يَومِ اللِّقاءِ تَضرِبُ منها النِّساءُ النُّحورَا وَما مُزْبَدٌ (4) مِن خَليجِ البحارِ يَعلْو الإكامَ ويَعلُو الجُسورا بِأجَودَ مِنهُ بِما عِندَهُفَيُعطي الأُلوفَ وَيُعطى البُدُورا (5)

.


1- . في شرح نهج البلاغة : «مريم» بدل «بريم» ، أقول : ما وجدنا له بهذا العنوان اسماً في كتب رجال الحديث .
2- . في شرح نهج البلاغة : «فيسبقه» بدل «فيقيه» .
3- . الشّورى : 23 .
4- . في شرح نهج البلاغة : «مِزْيَد» بدل «مُزْبَد» .
5- . مقاتل الطّالبيين : ص 61 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 31 نحوه وراجع : الإرشاد : ج 2 ص 9 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 164 ، الفصول المهمّة : ص 47 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 45 ح 5 .

ص: 28

. .

ص: 29

. .

ص: 30

6 كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفة بعد نقضهم العهد

6كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةبعد نقضهم العهدروى الحارثُ الهمدانيّ 1 قال : لمَّا مات عليٌّ عليه السلام ، جاء النَّاس إلى الحسن بن عليّ عليهماالسلام فقالوا له : أنتَ خليفة أبيك ، ووصيُّه ، ونحنُ السَّامعون المطيعون لك ، فمرنا بأمرك . قال عليه السلام :كذبتم ، واللّه ، ما وفيتم لمَن كان خيراً منِّي فكيف تفون لي؟! أو كيف أطمئنّ إليكم؟ ولا أثق بكم . إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن ، فوافوني هناك . فركب ، وركب معه مَن أراد الخروج ، وتخلَّف عنه خلقٌ كثير لم يفوا بما قالوه ، وبما وعدوه ، وغرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين عليه السلام من قبله . فقام خطيباً وقال : قد غَرَرتُموني كما غَرَرتُم مَن كانَ قَبلي ، مَعَ أيِّ إمامٍ تُقاتِلونَ بَعدي! مَعَ الكافِرِ الظَّالِمِ ، الَّذي لَم يُؤمِن باللّه ِ ، وَلا بِرَسولِهِ قَطُّ ، وَلا أظهَرَ الإسلامَ هُو وَلا بَنو أمَيَّةَ إلاَّ فَرَقاً (1) مِنَ السَّيفِ؟! وَلو لَم يَبقَ لِبني أُمَيَّة إلاَّ عَجوزٌ دَرداءُ (2) لَبَغَت دِينَ اللّه ِ عِوَجاً ، وهَكذا قالَ رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله .

.


1- . فرق : جزع و اشتد خوفه .
2- . الدّرداء : الّتي سقطت أسنانها كلّها .

ص: 31

. .

ص: 32

ثُمَّ وَجَّهَ إليهِ قائِداً في أربَعةِ آلافٍ ، وَكانَ مِن كِندَةَ ، وَأمَرَهُ أنْ يُعَسكِرَ بالأنبارِ (1) ولا يُحدِثَ شَيئاً حَتَّى يَأتيه أمرُهُ . فَلَمَّا تَوَجَّه إلى الأنبارِ ، وَنَزَلَ بِها ، وَعَلِمَ مُعاوِيَةُ بِذلِكَ بَعَثَ إليهِ رُسُلاً ، وَكتَبَ إليهِ مَعَهُم : إنَّك إن أقبلت إليَّ ولَّيتُكَ بَعضَ كُوَرِ الشَّامِ ، أو الجَزيرَةِ ، غَيرَ مُنفِسٍ عَلَيكَ . وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكنديّ _ عدو اللّه _ المال ، وقلب على الحسن عليه السلام وصار إلى معاوية ، في مائتي رجل من خاصَّته وأهل بيته . وبلغ الحسن عليه السلام ذلك فقام خطيباً وقال : هذا الكِندِيُّ تَوَجَّهَ إلى مُعاوِيَةَ وَغَدَرَ بي وَبِكُم ، وَقَد أخبَرتُكُم مَرَّةً بَعدَ أُخرى ، أنَّهُ لا وَفاءَ لَكُم ، أَنتُم عَبيدُ الدُّنيا ، وَأَنا مُوَجّهٌ رَجُلاً آخَرَ مَكانَهُ ، وَأنا أَعلَمُ أنَّهُ سَيَفعَلُ بي وبِكُم ما فَعَلَ صاحِبُهُ ، لا يُراقِبُ اللّه َ فِيَّ ولا فيكُم . فبعث إليه رجلاً من مراد في أربعة آلاف ، وتقدَّم إليه بمشهد من النَّاس ، وتوكَّد عليه ، وأخبره أنَّه سيغدر كما غدر الكنديّ ، فحلف له بالأيمان الَّتي لا تقوم لها الجبال أنَّه لا يفعل . فقال الحسن عليه السلام : إنَّهُ سَيَغدِرُ . فلمَّا توجَّه إلى الأنبار ، أرسل معاوية إليه رسلاً ، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه ، وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم ، ومنَّاه أيّ ولاية أحبّ من كور الشَّام ، أو الجزيرة ، فقلب على الحسن عليه السلام ، وأخذ طريقه إلى معاوية ، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود ، وبلغ الحسن عليه السلام ما فعل المراديّ ، فقام خطيباً وقال : قد أخبَرتُكُم مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ أنَّكُم لا تَفونَ للّه ِِ بِعُهودٍ ، وَهذا صاحِبُكُم المُرادِيُّ غَدَرَ بي وَبِكُم ، وَصارَ إلى مُعاوِيَةَ . ثمَّ كتب معاوية إلى الحسن عليه السلام : يا ابن عمّ ، لا تقطع الرَّحم الَّذي بيني وبينك ، فانَّ النَّاس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك . فقالوا[ أصحابُ الحسن عليه السلام ] : إن خانك الرَّجلان وغدرا ، فإنَّا مناصحون لك . فقال لهم الحسن عليه السلام : لَأعودَنَّ هذهِ المرَّةَ فيما بَيني وَبَينَكُم ، وَإنِّي لَأَعلَمُ أنَّكُم غادِرونَ ، والمَوعِدُ ما بيني وَبَينَكُم ، إنَّ مُعَسكَري بالنُّخَيلَةِ ، فَوافوني هُناكَ ، وَاللّه ِ لا تَفونَ لي بِعَهدٍ ، وَلَتَنقُضُنَّ المِيثاقَ بَيني وَبَينَكُم . ثم إنَّ الحسن عليه السلام أخذ طريق النُّخيلة ، فعسكر عشرة أيَّام ، فلم يحضره إلاَّ أربعة آلاف ، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر ، وقال : يا عَجَباً مِن قَومٍ لا حَياءَ لَهُم ولا دِينَ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ ، وَلَو سَلَّمتُ إلى مُعاوِيَةَ الأمرَ فَأَيمُ اللّه ِ لا تَرونَ فَرَجاً أبداً مَعَ بني أُمَيَّةَ ، وَاللّه ِ ، لَيَسومَنَّكُم سُوءَ العذابِ ، حَتَّى تَتَمَنَّونَ أَن يَلِيَ عَلَيكُم حَبَشِيَّاً ، وَلَو وَجَدتُ أعواناً ما سَلَّمتُ لَهُ الأمرَ ، لأنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلى بني أمَيَّةَ ، فَاُفٍّ وَتَرَحاً يا عَبيدَ الدُّنيا . وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية بأنَّا معك ، وإنْ شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك . ثمَّ أغاروا على فسطاطه ، وضربوه بحربة ، فأُخذ مجروحاً . ثُمَّ كَتَبَ جواباً لِمعاوِيَةَ : إنَّ هذا الأمرَ لي ، والخِلافةَ لي ولِأَهلِ بَيتي ، وإنَّها لَمُحَرَّمَةٌ عَلَيكَ وَعَلى أهل بَيتِكَ ، سَمِعتُهُ من رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، لَو وَجَدتُ صابِرينَ عارِفينَ بِحَقِّي غَيرَ مُنكِرِينَ ، ما سَلَّمتُ لَكَ ولا أعطَيتُكَ ما تُريدُ . وَانصرَفَ إلى الكُوفَةِ . (2)

.


1- . الأنبار : مدينة على نهر الفرات ، غربي بغداد .
2- . الخرائج والجرائح : ج 2 ص 574 الرّقم4 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 44 ، الصّراط المستقيم : ج 2 ص 178.

ص: 33

. .

ص: 34

7 كتابُه عليه السلام لأصحابه جواباً على تعزيتهم له في ابنةٍ

7كتابُه عليه السلام لأصحابهجواباً على تعزيتهم له في ابنةٍأخبرنا محمَّدبن محمَّد ، قال : أخبرنا الشّريف أبو عبداللّه محمَّد بن محمَّد بن طاهر ، قال : أخبرنا أبو العبَّاس أحمد بن محمَّد بن سعيد ، قال : حدَّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفيّ ، قال : حدَّثنا الحسين بن محمَّد ، قال : حدَّثنا أبي ، عن عاصم بن عمر الجعفيّ ، عن محمَّد بن مسلم العبديّ ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول :كتب إلى الحسن بن عليّ عليه السلام قوم من أصحابه يُعَزُّونه عن ابنةٍ لَهُ . فكتب إليهم : أمَّا بَعدُ ؛ فَقَد بَلَغَني كِتابُكُم تُعَزُّوني بِفُلانَةَ ، فَعِندَ اللّه ِ أحتَسِبُها تَسليماً لِقَضائِهِ ، وَصَبراً عَلى بَلائِهِ ، فَإن أوجَعَتنا المَصائِبُ ، وَفَجَعَتنا النَّوائِبُ بالأَحِبَّةِ المَألوفَةِ الَّتي كانَت بِنا حَفِيَّةً (1) ، والإخوانِ المحبين (2) الَّذين كانَ يُسَرُّ بِهِمُ النَّاظِرونَ ، وتَقَرُّ بِهِمُ العُيونُ ، أَضحَوا قَد اختَرمَتهُمُ الأَيَّامُ ، وَنَزَلَ بِهِمُ الحِمامُ ، فَخَلَّفوا الخُلوفَ (3) ، وَأَودَت بِهِمُ الحُتُوفُ (4) ، فَهُم صَرعى في عَساكِرِ المَوتى ، مُتجاوِرونَ في غَيرِ مَحِلِّةٍ التَّجاوُرِ ، وَلا صِلاتٍ بَينَهُم وَلا تَزاوُرَ ، ولا يَتلاقَونَ عَن قُربِ جِوارِهِم ، أَجسامُهُم نائِيَةٌ مِن أَهلِها ، خالِيَةٌ مِن أربابِها ، قد أَخشَعَها إخوانُها (5) ، فَلَم أرَ مِثلَ دارِها داراً ، وَلا مِثلَ قَرارِها قَراراً ، في بُيوتٍ مُوحِشَةٍ ، وحُلولٍ مُخضعَةٍ ، قَد صارَت في تِلكَ الدِّيارِ المُوحِشَةِ ، وَخَرَجَت عَنِ الدَّارِ المُؤنِسَةِ ، فَفارَقَتها مِن غَيرِ قِلىً (6) ، فاستَودَعَتها البَلاءَ ! وَكانَت أمَةً مَملوكَةً ، سَلَكَت سَبيلاً مَسلوكَةً ، صارَ إليها الأَوَّلونَ ، وَسَيَصيرُ إليها الآخِرونَ ، وَالسَّلامُ . (7)

.


1- . الحفيّ : البَرّ اللطيف .
2- . في المصدر : «المحبُّون» ، وما أثبتناه هو الصحيح ، كما في بحار الأنوار .
3- . خلوف: جمع خلف، أي عوض، يقال: خلَفَ اللّه لك خلفا بخير، وأخلف عليك خيرا (النهاية: ج 2 ص 66) .
4- . الحتوف : جمع الحتف بمعنى الموت .
5- . أحزانها .
6- . القِلى : البغض والهجران .
7- . الأمالي للطوسي : ص 202 ح 345 ، بحار الأنوار : ج 43 ص 336 ح 6 وج82 ص 109 ح 54.

ص: 35

8 كتابُه عليه السلام إلى معاوية في تخويله الأمر إليه

8كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي تخويله الأمر إليهدسَّ معاوية إلى عمرو بن حريث ، والأشعث بن قيس ، وإلى حجر بن الحجر ، وشبث بن ربعيّ دسيساً ، أفرد كلَّ واحد منهم بعين من عيونه ، أنَّك إنْ قتلتَ الحسن بن عليّ فلَك مائتا ألف درهم ، وجُنْدٌ من أجناد الشَّام ، وبنْتٌ من بناتي . فبلَغ الحسن عليه السلام ذلك ، فاستلأم ولبس دِرْعاً وكفَّرها (1) ، وكان يحترز ولا يتقدَّم للصَّلاة بهم إلاَّ كذلك ، فرماه أحدهم في الصَّلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللاَّمة . فلمَّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم ، فعمل فيه الخنجر ، فأمر عليه السلام أنْ يُعدَل به إلى بطن جريحى ، وعليها عمُّ المختار بن أبي عبيد مسعود بن قيلة ، فقال المختار لعمِّه : تعال حتَّى نأخذ الحسن ونسلّمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق ، فبدر بذلك الشِّيعة من قول المختار لعمِّه ، فهمّوا بقتل المختار ، فتلطّف عمُّه لمساءلة الشِّيعة بالعفو عن المختار ، ففعلوا ، فقال الحسن عليه السلام : وَيلَكُم ، وَاللّه ِ ، إنَّ مُعاوِيَةَ لا يفي لِأَحدٍ مِنكُم بِما ضَمِنَهُ في قتلي ، وَإنِّي أَظُنُّ أ نّي إن وَضَعتُ يَدي في يَدِهِ فَاُسالِمُهُ لَم يَترُكني أَدينُ لِدينِ جَدي صلى الله عليه و آله ، وَإنِّي أَقدِرُ أن أعبُدَ اللّه َ وَحدي ، وَلكِنّي كَأنِّي أَنظُرُ إلى أبنائِكُم واقِفينَ عَلى أَبوابِ أبنائِهِم يَستسقونَهُم ويَستَطعِمونَهُم بِما جَعَلَهُ اللّه ُ لَهُم فَلا يُسقَونَ وَلا يُطعَمونَ ، فَبُعداً وَسُحْقاً لِما كَسَبَتهُ أَيديكُم! «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » (2) . فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه . فكتب الحسن عليه السلام من فوره ذلك إلى معاوية : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ خطبي انْتهى إلى اليَأسِ مِن حَقٍّ أُحييهِ ، وَباطِلٍ اُميتُهُ ، وخَطبُكَ خَطبُ مَن انتهى إلى مُرادِهِ ، وَإنَّني أعتَزِلُ هذا الأَمرَ وَاُخلّيهِ لَكَ ، وَإن كانَ تَخلِيَتي إيَّاهُ شَرَّاً لَكَ في مَعادِكَ . وَلِي شُروطٌ أَشرُطُها لا تَبهُظَنَّكَ إن وَفَيتَ لي بِها بِعَهدٍ ، وَلا تَخِفُّ إنْ غَدَرتَ . _ وكتب الشَّرط في كتاب آخر فيه يمنيه بالوفاء وترك الغدر _ وسَتندَمُ يا مُعاوِيَةُ كما نَدِمَ غَيرُكَ مِمَّن نَهضَ في الباطِلِ أو قَعَدَ عَنِ الحَقِّ ، حِينَ لَم يَنفَعِ النَّدَمُ ، وَالسَّلام . (3)

.


1- . كلُّ من ستر شيئا ، فقد كفَرَهُ وكفَّره (لسان العرب : ج 15 ص 146) .
2- . الشّعراء : 227 .
3- . علل الشّرائع : ص 220 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 33 وراجع : الإرشاد : ج 2 ص 12 ، كشف الغمّة : ج 1 ص 166 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 41.

ص: 36

. .

ص: 37

الفصل الثالث : مكاتيبه من الصُّلح حتّى الاستشهاد

9 كتابُه عليه السلام إلى معاوية في الصّلح وشروطه

الفصل الثالث :مكاتيبه عليه السلام من الصُّلح حتّى الاستشهاد9كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي الصُّلح وشروطهوَمِن كلامِهِ عليه السلام ما كَتبهُ في كتابِ الصُّلحِ الَّذي اسْتَقَرَّ بَينَهُ وَبَينَ مُعاوِيَةَ ، حَيثُ رأى حَقنَ الدِّماءِ وإطفاءَ الفِتنَةِ ، وَهُو :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا ما صالَحَ (1) عَلَيهِ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ مُعاوِيَةَ بنَ أبي سُفيانَ ، صالَحَهُ عَلى : (أوَّلاً) : أنْ يُسَلِّمَ إلَيهِ وِلايَةَ أمرِ المُسلِمينَ (2) عَلى أنْ يَعمَلَ فِيهِم بِكتابِ اللّه ِ تَعالى ، وسُنَّةِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَسيرَةِ الخُلَفاءِ الرَّاشدينَ (3) . (ثانياً) : وَلَيسَ لِمُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ أنْ يَعهَدَ إلى أَحَدٍ مِن بَعدِهِ عَهداً ، بَل يَكونُ الأَمرُ مِن بَعدِهِ شورى بَينَ المُسلِمينَ . (ثالثاً) : وَعَلى أنَّ النَّاسَ آمِنونَ حَيثُ كانوا مِن أَرضِ اللّه ِ ، شامِهِم ، وَعِراقِهِم ، وحِجازِهِم ، وَيَمَنِهِم (4) . (رابعاً) : وَعَلى أنَّ أصحابَ عَلِيٍّ وَشيعَتِهِ آمِنونَ عَلى أَنفُسِهِم ، وَأَموالِهِم ، وَنسائِهِم ، وأَولادِهِم . وَعَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ بِذلِكَ عَهدُ اللّه ِ وَميثاقُهُ ، وَما أخَذَ اللّه ُ عَلى أحَدٍ مِن خَلقِهِ بالوَفاءِ بِما أَعطى اللّه َ مِن نَفسِهِ . (خامساً) : وَعَلى أنْ لا يَبغي لِلحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ ، وَلا لِأَخيهِ الحُسَينِ ، وَلا لِأَحَدٍ مِن أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله غائِلَةً سِرَّاً وَلا جَهراً،وَلا يُخيفُ أحَدَاً مِنهُم في أُفُقٍ مِنَ الآفاقِ. شَهِدَ عَلَيهِ بِذلِكَ (5) ، وَكَفى بِاللّه ِ شَهيداً ؛ فُلانٌ وفلان ، وَالسَّلامُ .

.


1- . في الفتوح : «اصطلح» بدل «صالح» .
2- . في الفتوح : «المؤمنين» بدل «المسلمين» .
3- . في الفتوح والأنساب : «الصّالحين» بدل «الراشدين» .
4- . في الفتوح : «تهامهم» بدل «يمنهم» .
5- . وفي الفتوح : ( شهد على ذلك ، عبد اللّه بن نوفل بن الحارث ، و عمر بن أبي سلمة ، وفلان وفلان) بدل (شهد عليه بذلك ، وكفى باللّه شهيداً ؛ فلان وفلان ، والسَّلام) ، وفي الأنساب : ( شهد عبد اللّه بن الحارث ، و عمرو بن سلمة) بدل ( شهد عليه بذلك ، وكفى باللّه شهيداً ؛ فلان وفلان ، والسَّلام) .

ص: 38

وَلَمَّا تمَّ الصُّلحُ ، وانبرَمَ الأمرُ ، الْتَمَسَ مُعاوِيَةُ مِنَ الحَسَنِ عليه السلام أنْ يَتَكلَّمَ بِمَجمَعٍ مِنَ النَّاسِ ، وَيُعلِمَهُم أَنَّهُ قَد بايَعَ مُعاوِيَةَ ، وَسَلَّمَ الأمرَ إِليهِ ، فَأجابَهُ إلى ذلِكَ ، فَخَطبَ _ وَقَد حَشَدَ النَّاسَ خُطبَةً ، حَمِدَ اللّه َ تعالى وصلَّى عَلى نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله فيها ، وَهِي من كلامه المنقول عنه عليه السلام وَقالَ : أيُّها النَّاسُ إنَّ أكْيَسَ الكَيسِ التُّقى ، وَأَحمَقَ الحُمقِ الفُجورُ ، وَإنَّكم لَو طَلَبتُم ما بَينَ جَابَلْقَ وجَابَرْسَ (1) رَجُلاً جَدُّهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ما وَجَدتموهُ غَيري ، وَغيرَ أخِيَ الحُسينِ ، وقَد عَلِمتُم أنَّ اللّه َ هَداكُم بِجَدَّي مُحَمَّدٍ فَأَنقَذَكُم بهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، وَرَفَعَكُم بهِ مِنَ الجَهالَةِ ، وأعزَّكُم بهِ بَعدَ الذِّلَةِ ، وكَثَّركُم بهِ بَعدَ القِلَّةِ . إنَّ مُعاوِيَةَ نازَعَني حَقَّاً هُوَ لي دُونَهُ ، فَنَظَرتُ لِصَلاحِ الأُمَّةِ وَقَطعِ الفِتنَةِ ، وَقَد كُنتُم بايَعتُموني عَلى أن تُسالِمونَ مَن سالَمتُ ، وَتُحارِبونَ مَن حارَبتُ ، فَرَأيتُ أن أسالِمَ مُعاوِيَةَ ، وَأضَعَ الحَربَ بَيني وَبَينَهُ وَقَد بايَعتُهُ ، وَرَأيتُ حَقنَ الدِّماءِ خَيرا مِن سَفكِها ، ولَم أُرِد بذِلِكَ إلاَّ صلاحَكُم وَبقاءَكُم ، وإن أَدري لَعَلَّهُ فِتنَةٌ لَكُم وَمتاعٌ إلى حِينٍ . (2) أقول : كتب معاوية كتاباً إلى الحسن عليه السلام مشتملاً على الصُّلح ، وبُنُوده وشرُوطه وأرسله إليه أنْ لو أمَّنت النَّاس بايعتك : قال البلاذريّ : ووَجَّه معاوية إلى الحسن عبد اللّه بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس _ ثمَّ ذكر ما جرى بينه وبين الحسن عليه السلام فقال : وبعث أي الحسن عليه السلام _ معهما عمرو بن سلمة الهمدانيّ ثمَّ الأرحبيّ ، ومحمَّد بن الأشعث الكنديّ ، ليكتبا على معاوية الشَّرط ويعطياه الرّضى . فكتب معاوية كتاباً نسخته : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا كتاب للحسن بن عليّ من معاوية بن أبي سفيان . إنِّي صالَحتُك عَلى أنَّ لكَ الأمرَ مِن بَعدي ، ولَكَ عَهدُ اللّه ِ وَميثاقُهُ وذِمَّتُه وذِمَّةُ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَأشدُّ ما أخَذَهُ اللّه ُ عَلى أحَدٍ مِن خَلقِهِ مِن عَهدٍ وَعَقدٍ ، لا أبغيكَ غائِلَةً وَلا مَكروهاً ، وَعَلى أن أعطِيَكَ في كُلِّ سَنَةٍ ألفَ ألفَ دِرهَمٍ مِن بَيتِ المالِ ، وَعَلى أنَّ لَكَ خَراجَ فَسا ، وَدرّ أبجردَ ، تَبعَثُ إليهِما عُمَّالَكَ وتصنَعُ بِهِما ما بَدا لَكَ . شَهِدَ عَبدُ اللّه ِ بنُ عامِرٍ ، وَعَبدُ اللّه ِ بنُ سلَمَةَ الهَمدانيّ ، وَعَبدُ الرَّحمنِ بنُ سَمرَةَ ، ومُحَمَّدُ بنُ الأشعَثِ الكِنديّ . وَكُتِبَ في شَهرِ رَبيعِ الآخِرِ سَنَة إحدى وَأربَعينَ . فلمَّا قرأ الحسن الكتاب قال : يُطَمِّعُني معاويَةُ في أمرٍ لَو أرَدتُ لَم أُسلِّمهُ إليهِ . ثمَّ بعث الحَسَنُ عَبدَ اللّه ِ بنَ الحارِثِ بنَ نوفَلٍ بنِ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطّلبِ ، وَأُمُّهُ هِند بنتُ أبي سفيانَ ، فقالَ لَهُ : ائتِ خالَكَ ، فَقُل لَهُ : إن أمِنتَ بالنَّاسِ بايَعتُكَ . فدفع معاوية إليه صحيفة بيضاء قد خُتم في أسفلها ، وقال : اكتب فيها ما شئت ، فكتب الحسن : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم .. . الحديث . (3) أقول : هذا ما عثرنا عليه من نصّ كتاب الصُّلح بإملاء الحسن عليه السلام ، والَّذي يصرّح به المحقِّقون من موادّ الصُّلح ، أكثر ممَّا ذكر فيه ، أو مخالف لما ذكر فيه ، فمن الملائم أن نذكر شروط الصُّلح على ما نقله المُؤرِّخون والمحدِّثون حتَّى يتَّضح مقدار الخلاف : 1 _ شرط عليه السلام أن يعمل بكتاب اللّه تعالى وسنَّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . 2 _ وأن يعمل على سيرة الخلفاء الرَّاشدين . 3 _ ليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده . (4) 4 _ أن يكون الأمر بعده للحسن عليه السلام . (5) 5 _ فإن حدث للحسن حدث فالأمر للحسين عليهماالسلام . (6) 6 _ الأمن العام لعموم النَّاس الأسود والأحمر، بالعراق والحجاز ، وأن يحتمل عنهم معاوية ما كان فيما مضى ، وأن لا يؤخذ أهل العراق بإحْنَة . (7) 7 _ أن لا يسمّيه أمير المؤمنين (8) ؛ أي الحسن عليه السلام لا يُسمِّي مُعاويةَ بلقب أمير المؤمنين ، أو لا يتسمَّى معاوية بهذا اللَّقب في مكاتباته ومخاطباته . 8 _ أن لا يقيم عنده الشَّهادة . (9) 9 _ أن يترك سبّ أمير المؤمنين عليه السلام ، وأن لا يذكره إلاَّ بخير ، وأن يعدل عن القنوت عليه . (10) 10 _ أن يوصل إلى كلّ ذي حقّ منهم حقّه . (11) 11 _ أن يؤمن شيعته ولا يتعرض لأحد منهم بسوء . (12) هذا بعد ما اشترط الأمن لجميع النَّاس ، أحمرهم وأسودهم تأكيداً وتوثيقاً ، وذلك لما يعلم من الضَّغائن في صدر الأُموي اللّعين ، حتَّى قيل أنَّه راجعه في عشرة منهم قيس بن سعد بن عبادة 13 ؛ الذي توعّده مُعاوية قائلاً : إنِّي حلفت أنِّي متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده ، فراجعه الحسن عليه السلام إنِّي لا أبايعك أبداً وأنت تطلب قيساً أو غير قيس بتبعة قلّت أو كثرت ، فبعث إذ ذَّاك إليه معاوية برقّ أبيض . (13) 12 _ أن يفرِّق في أولاد مَن قتل مع أبيه يوم الجمل ، وأولاد مَن قتل مع أبيه بصفين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد . (14) 13 _ أن لا يبتغي للحسن بن عليّ ، ولا لأخيه الحسين( عليهماالسلام) ، ولا لأحد من أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، غائلة سرَّاً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في أُفق من الآفاق . (15) 14 _ أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ، ويقضى عنه ديونه ، ويدفع إليه في كلّ عام مائةَ ألف . (16) وقد اهتمّوا بذكر هذا الشَّرط لأسباب وأهداف لا تخفى على المتأمّل ، وإليك عبائر القوم : ففي تاريخ الخلفاء : وعلى أن يقضي عنه ديونه (17) . وفي المناقب : ويوفّر عليه حقّه ، كلّ سنة خمسون ألف درهم (18) . وفي مقاتل الطّالبيّين نقلاً عن كتاب معاوية إليه عليه السلام : ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغاً ما بلغ ، تحمله إلى حيث أحببت ، ولك خراج أيّ كور العراق شئت ، معونة لك على نفقتك ، يجبيها لك أمينك ، ويحملها إليك فيكلّ سنة . (19) [وروى ] عبد اللّه بن نوفل بن الحارث الَّذي بعثه الحسن عليه السلام إلى معاوية ، قال له في ذكر الشّروط : وله في كلّ سنة خمسة الآف درهم من بيت المال ، وله خراج دار أبجرد من أرض فارس ؛ وهذا لا ينافيه ردّه عليه السلام المال ، لما قاله عبد اللّه بن نوفل لمعاوية . (20) وفي فتح الباري في ذكر مجيء رسولَي معاوية : وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة الآف ألف في أشياء اشترطها (21) . وعن طريق عوانة بن الحكم : وقد كان صالح الحسنُ معاوية على أن يجعل له ما في بيت ماله ، وخراج دار أبجرد (22) . وفي تاريخ مدينة دمشق : يسلّم له بيت المال ، فيقضي منه دينه ومواعيده الَّتي عليه ، ويتحمّل منه هو ومن معه [من ] عيال أهل أبيه وولده وأهل بيته . . . وأن يحمل إليه خراج فسا ، ودار أبجرد من أرض فارس ، كلّ عام إلى المدينة ما بقي . (23) هذا ما نصّ عليه أهل التّاريخ من مُناوئي أهل البيت ، أو مدافعي آل أُميَّة لعنة اللّه عليهم ، وقد أسلفنا عن فتوح ابن أعثم ، أنَّ الحسن عليه السلام قال في جواب معاوية حيث عرض عليه اشتراط الأموال : وأمَّا المال فليس لمعاوية أن يشترط لي فيء المسلمين . (24) وهذا هو الحقّ ، ولنِعْم ما قال هاشم معروف الحسني في كتابه : أمَّا الرِّوايات الَّتي تنص على أنَّه اشترط لنفسه ما في بيت مال المسلمين في الكوفة ، ومائتي ألف درهم في كلّ عام بالإضافة إلى ذلك، وخراج بعض المقاطعات في الأهواز ، وتفضيل الهاشميّين على بني عبد شمس وغيرهم في العطاء ، هذه الرِّوايات بالإضافة إلى ضعف أسانيدها _ ومع أنَّ النَّاقلين لها من أعداء أهل البيت عليهم السلام ، أو من المحامين لأعدائهم والمدافعين عن الأُمويين ، ومن أصحاب الأقلام المستأجرة _ ، فمن غير البعيد أن تكون من موضوعات الأُمويّين أو العبَّاسيّين ، الَّذين وضعوا حوله عشرات الأحاديث ، ليضعوا في الأذهان ، أنَّ الحسن قد باع الخلافة بالأموال ، وكان منصرفاً إلى الملذّات والشَّهوات عن عظائم الأُمور ، كما قالها أحد حكَّام العبَّاسيّين في محاولة منه لانتقاص بعض الحسنيين ، الَّذين كانوا لا يتحمَّلون الضَّيم ، ويثورون بين الحين والآخر على الظُّلم والطُّغيان في أواخر العصر الأموي والعصر العبَّاسيّ . (25) أقول : بل هو نسيج زمن معاوية لإظهار أنَّ الحسن عليه السلام أيضاً ليس زاهداً في الدُّنيا ، بل هو من أهل الدُّنيا وملاذها وهواها ، كما أشاعوا عن علي عليه السلام أنَّه قال : لا تُزَوِّجوا الحَسَنَ فإنَّهُ رَجُلٌ مِطلاقٌ (26) ، وَ إنَّ الحَسَنَ أهلُ عَيشٍ وخُوانٍ . فإذا حمي الوطيس فليس هو من أهله ، وإنَّه تزوّج عشرات من النِّساء على مهور غالية ومتاع كثير ، لكل زوجة طلَّقها ، وذلك ليسقطوه عن أعين النَّاس ، سيَّما شيعة أهل البيت عليهم السلام ، حتَّى لا يكون أهلاً للخلافة في نظرهم فيكون ذلك مبرِّراً لعهد معاوية إلى يزيد بالخلافة ، وبعد ذلك كلّه ينقلونه في الصُّلح على نحو يشعر أو يفيد بأنَّه لا يرى الحرب تعريضاً بأمير المؤمنين عليه السلام . ويحتمل أن يكون النَّاقلون أخذوا هذه التُّرّهات من رسالة معاوية إليه عليه السلام ، كما أشرنا إليه ، ولم يعثروا على ما نقله ابن أعثم من ردّه عليه السلام لما عرضه معاوية ، وغفلوا عن أنَّ هذا ليس في لفظ كتاب الصُّلح المنقول عنه عليه السلام ، مع تأكيد الاعتبار العقلي بالنَّقل ، ولو فرضنا صحّة ما نقل فلا إشكال عقلاً وشرعاً ، وذلك لينقذه من أيدي الطّغاة وينفقه على أيتام المسلمين وفقرائهم في الكوفة وغيرها ، كما كان ينفق أكثر أمواله في هذا السّبيل ، وقد صحّ عنه أنَّه قاسم الفقراء أمواله ثلاث مرَّات ، وخرج منها بكاملها مرَّتين ، ولو بقيت في تصرّف معاوية ستصرف على الفجور والمنكرات ، وعلى أعوانه الَّذين باعوا دينهم كابن العاص والأشعث بن قيس 28 والمغيرة وغيرهم من الأنصار والأتباع والمفسدين في الأرض . (27) وعلى كلّ حال لم يف معاوية بما عاهد وصالح ، كما شهد به التّاريخ .

.


1- . جابَلْق مدينة بأقصى المغرب، وأهلها من ولد عاد. وجابَرْس مدينة في أقصى المشرق، وأهل جابَرْس من ولد ثمود (معجم البلدان ج 2 ص 90 _ 91).
2- . كشف الغمّة : ج 2 ص 196 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 65 ح 13 ؛ الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 291 نحوه وراجع : أنساب الأشراف : ج 3 ص 287 ، الصّواعق المحرقة : ص 136 ، الفصول المهمّة : ص 161 ، ينابيع المودّة : ج 2 ص 425 الرّقم173.
3- . أنساب الأشراف : ج 3 ص 285.
4- . كشف الغمّة : ج 2 ص 196 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 65 ح 13 ؛ الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 291 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 287.
5- . راجع : الإصابة : ج 2 ص 65 الرقم 1724 ، أُسد الغابة : ج 2 ص 18 الرقم 1165 ، فتح الباري : ج 13 ص 65 ، الإمامة والسّياسة لابن قتيبة : ج 1 ص 184 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 267 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص 227 ، الصّواعق المحرقة : ص 136 ، تهذيب التّهذيب : ج 1 ص 561 ؛ عمدة الطّالب : ص 67.
6- . راجع : الفتوح لابن أعثم : ج 5 ص 12 ؛ عمدة الطّالب : 67 ، حياة الإمام الحسن عليه السلام للقرشي : ج 2 ص 229 ، صلح الحسن عليه السلام لآل ياسين : ص 259.
7- . راجع : تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص 227 ، أسد الغابة : ج 2 ص 18 الرقم 1165 ، الأنساب الأشراف : ج 3 ص 287.
8- . علل الشّرائع : ص 212 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 2 ح 3 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 570 ، معادن الحكمة : ج 2 ص 14 .
9- . علل الشرائع : ص 215 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 3 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 570 ، معادن الحكمة : ج 2 ص 13.
10- . راجع : الإرشاد : ج 2 ص 14 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 141 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 48 ح 5 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 266 ، الفصول المهمّة : ص 161.
11- . الإرشاد : ج 2 ص 14 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 141 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 48 ح 5 ؛ الفصول المهمّة : ص 161.
12- . الإرشاد : ج 2 ص 14 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 141 ، إعلام الورى : ج 1 ص 403 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 48 ح 5 ؛ الفصول المهمّة : ص 161 وراجع : الصّواعق المحرقة : ص 139 ، مقاتل الطّالبيّين : ص 75 ؛ علل الشّرائع : ص 212.
13- . راجع : الدّرجات الرّفيعة : ص 347 ؛ ذخائر العقبى : ص 240.
14- . علل الشّرائع : ص 212 عن يوسف بن مازن الرّاشيّ ، بحار الأنوار : ج 44 ص 2 ح 2 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 570 وراجع : الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 290 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 266 ، فتح الباري : ج 13 ص 55.
15- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 11 ص 43 ، حياة الإمام الحسن عليه السلام : ص 320.
16- . حياة الإمام الحسن عليه السلام للقرشي : ج 2 ص 230 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 ؛ تاريخ الطّبري : ج 4 ص 122 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 266 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص 227 ، فتح الباري : ج 13 ص 55 ، الإمامة والسّياسة : ج 1 ص 185 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 17.
17- . تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص 227 .
18- . المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 33 .
19- . مقاتل الطّالبيّين : ص 67 وراجع : الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 290 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 286.
20- . راجع : الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 290 ؛ سيرة الأئمة الاثني عشر : ج 1 ص 525.
21- . فتح الباري : ج 13 ص 65 .
22- . تاريخ الطّبري : ج 5 ص 160 وراجع : الكامل في التّاريخ : ج 2 ص 446 .
23- . تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 264.
24- . الفتوح لابن أعثم : ج 4 ص 290.
25- . سيرة الأئمّة الاثني عشر : ج 1 ص 526.
26- . الكافي : ج 6 ص 56 ح 4 .
27- . سيرة الأئمة الاثني عشر : ج 1 ص 526 وراجع : شرح نهج البلاغة : ج 4 61 وج6 ص 88 وص280 و286 و288 وج7 ص 151 وج13 ص 220 وج11 ص 44 وج20 ص 16 و17 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 47 ؛ بحار الأنوار : ج 44 ص 123 ، الغدير : ج 11 ص 3 ، حياة الحسن عليه السلام : ج 2 ص 289 _ 372.

ص: 39

. .

ص: 40

. .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

. .

ص: 44

. .

ص: 45

. .

ص: 46

. .

ص: 47

. .

ص: 48

10 كتابُه عليه السلام إلى معاوية بعد نقضه الشّروط

10كتابُه عليه السلام إلى معاويةبعد نقضه الشّروطفي الكامل : لمَّا سلم الحسن الأمر إلى معاوية ، قالوا _ الخوارج _ : قد جاء الآن ما لا شكّ فيه ، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه . فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل ، حتَّى حلُّوا بالنُّخيلة عند الكوفة ، وكان الحسن بن عليّ قد سار يريد المدينة ، فكتب إليه معاوية يدعوه إلى قتال فروة ، فلحقه رسوله بالقادسيَّة أو قريباً منها ، فلم يرجع وكتب إلى معاوية : لو آثرتُ أنْ أقاتِلَ أحَداً مِن أهلِ القِبلَةِ لَبَدأتُ بقِتالِكَ ،فإنِّيتَرَكتُكَ لِصلاحِ الأُمَّةِ ، وحَقْنِ دِمائِها . (1) مكاتيبه من الصُّلح حتّى الاستشهاد

.


1- . الكامل لابن الأثير : ج 2 ص 449 ؛ الغدير : ج 10 ص 173 الرّقم72.

ص: 49

11 كتابُه عليه السلام إلى زياد بعد تعرّضه لشيعة عليّ عليه السلام

11كتابُه عليه السلام إلى زيادبعد تعرّضه لشيعة عليّ عليه السلامروى الشَّرْقي بن القطاميّ ، قال : كان سعيد بن سَرْح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فلمَّا قدم زياد الكوفة طلبه وأخافه ، فأتى الحسن بن عليّ عليه السلام مستجيراً به ، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحَبسهم ، وأخذ مالَه ، ونقض دارَه . فكتب الحسن بن عليّ عليه السلام إلى زياد :أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّكَ عَمَدتَ إلى رَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ لَهُ ما لَهُم وَعلَيهِ ما عَلَيهِم ، فَهَدَمتَ دارَهُ ، وأخَذتَ مالَهُ ، وَحَبَستَ أهلَهُ وَعِيالَهُ ، فَإنْ أتاكَ كتابي هذا فابنِ لَهُ دارَهُ ، واردُد عَلَيهِ عِيالَهُ وَمالَهُ ، وَشَفِّعني فيهِ ، فَقَد أجَرتُهُ . والسَّلامُ .

فكتب إليه زِياد : من زياد بن أبي سُفْيان إلى الحسن بن فاطمة : أمَّا بعدُ ؛ فقد أتاني كتابُكَ تبدأُ فيهِ بِنَفسِكَ قبلي ، وَأنتَ طالِبُ حاجَةٍ ، وَأنا سلطانٌ وأنتَ سُوقةٌ ، وتأمُرُني فيهِ بأمرِ المطاع المُسلَّطِ عَلى رَعِيَّتهِ . كَتَبتَ إليَّ في فاسِقٍ آوَيتَهُ ، إِقامَةً مِنكَ عَلى سوء الرَّأي ، وَرِضىً مِنكَ بِذلِكَ ، وَأَيمُ اللّه ِ لا تَسبِقني بهِ وَلَو كانَ بَينَ جِلدِكَ وَلَحمِكَ ، وَإنْ نِلتُ بَعضَكَ غَيرَ رَفيقٍ بِكَ وَلا مُرعٍ عَلَيكَ ، فَإنَّ أحبَّ لَحمٍ عَلَيّ أن آكُلَهُ لَلَّحمُ الَّذي أنتَ مِنهُ ، فَسَلّمهُ بِجريرَتِهِ إلى مَن هُو أولَى بهِ مِنكَ ، فَإنْ عَفَوتُ عَنهُ لَم أَكُن شَفَّعتُكَ فيهِ ، وَإنْ قَتَلتُهُ لَم أقتلهُ إلاَّ لِحُبّهِ أباكَ الفاسِقَ ؛ والسَّلامُ . فَلَمَّا ورَدَ الكِتابُ عَلى الحَسَنِ عليه السلام قَرَأهُ وَتَبَسَّمَ ، وَكَتَبَ بِذلِكَ إلى مُعاوِيَةَ ، وَجَعَلَ كِتابَ زيادٍ عِطفَهُ ، وبَعَثَ بِهِ إلى الشَّامِ . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة : ج 16 ص 194.

ص: 50

12 كتابُه عليه السلام إلى زياد يفضح فيه نسبه

12كتابُه عليه السلام إلى زياديفضح فيه نسبهوكتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثةَ لهما :مِنَ الحَسَنِ بنِ فاطِمَةَ إلى زيادِ بنِ سُمَيَّةَ : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : الوَلَدُ لِلفراشِ ، وَللعاهِرِ الحَجَرُ ؛ وَالسَّلام .

فلمَّا قرأ معاويةُ كتابَ زياد إلى الحسن ضاقت به الشَّام ، وَكتب إلى زياد : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ الحسنَ بنَ عليٍّ بعثَ إليَّ بكتابِكَ إليهِ جَواباً عَن كتابٍ كتبهُ إليكَ في ابن سَرْحٍ ؛ فَأَكثرتُ العَجَبَ مِنكَ ، وَعَلِمتُ أنَّ لكَ رأيْينِ : أحدُهُما مِن أبي سُفْيانَ ، والآخرُ مِن سُمَيَّةَ ، فَأمَّا الَّذي مِن أبي سُفْيانَ فحِلْمٌ وحَزْمٌ ، وأمَّا الَّذي مِن سُمَيَّةَ ، فَما يكونُ مِن رأي مثلها! مِن ذلِكَ كتابُكَ إلى الحَسَنِ تَشتُم أباه ، وتُعرِّض لَهُ بالفِسقِ ، وَلَعَمرِي إنَّك الأوْلى بالفِسقِ مِن أبيهِ . فَأمَّا أنَّ الحسَنَ بدأ بِنَفسهِ ارتفِاعاً عَلَيكَ ، فَإنَّ ذلِكَ لا يَضعُكَ لو عَقِلتَ ، وَأمَّا تَسلُّطُهُ عَلَيكَ بالأَمرِ فَحَقٌّ لِمِثلِ الحَسَنِ أنْ يتسلَّطَ . وَأمَّا تَركُكَ تَشفيعَهُ فيما شفَعَ فيهِ إليكَ ، فَحَظٌّ دَفَعتَهُ عَن نَفسِكَ إلى مَن هُو أولى بهِ مِنكَ . فَإذا ورَدَ علَيكَ كِتابي فَخَلِّ ما في يَديكَ لِسَعيدِ بنِ أبي سَرْحٍ ، وابنِ لَهُ دارَهُ ، واردُد عَلَيهِ مالَهُ ، وَلا تعرَّض لَهُ . فَقَد كَتبتُ إلى الحَسَنِ أنْ يخيّرهُ ، إنْ شاءَ أقامَ عِندَهُ ، وَإنْ شاءَ رَجَعَ إلى بَلَدِهِ ، وَلا سُلطانَ لَكَ عَلَيهِ لا بِيدٍ وَلا لِسانٍ . وَأمَّا كتابُك إلى الحَسَنِ باسمِهِ واسمِ أمِّهِ ، وَلا تَنسُبُهُ إلى أبيهِ ، فَإنَّ الحسَنَ وَيحك! مَن يُرمَى بهِ الرَّجَوان (1) ؟ وإلى أيِّ أمّ وكَلْتهُ لا أمَّ لَكَ ! أما عَلِمتَ أنَّها فاطِمَةُ بنتُ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَذاكَ أفخَرُ لَهُ لَو كنتَ تَعلَمُهُ وتَعقِلُهُ! وكتب في أسفل الكتاب شعراً من جملته : أمَا حَسَنٌ فابنُ الَّذي كان قبلَهُإذا سار سارَ الموتُ حيث يسيرُ وهَل يَلِدُ الرِّئْبال إلاَّ نظيرَهُوَذا حَسَنٌ شِبْهٌ لَهُ وَنظيرُ وَلكنَّه لو يُوزَنُ الحِلمُ والحِجابِأمرٍ لقالوا يَذبلٌ وَثَبيرُ (2)

.


1- . الرجا : ناحية كلّ شيء ، وخصّ بعضهم به ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها وحافتيها ؛ ويقال : رمى به الرجوان : استهين به ، فكأنَّه رمى به هناك ؛ أرادوا أنَّه طرح في المهالك .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 194 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 19 ص 198 ؛ أعيان الشّيعة : ج 1 ص 573 كلاهما نحوه وراجع : أنساب الأشراف : ج 3 ص 294 .

ص: 51

13 كتابُه عليه السلام إلى زياد بعد نقضه الشروط

13كتابُه عليه السلام إلى زيادبعد نقضه الشروطقال أبو الحسن : طلب زياد رجلاً من أصحاب الحسن ، ممَّن كان في كتاب الأمان ، فكتب إليه الحسن :من الحسن بن عليّ إلى زياد : أمَّا بَعدُ ؛ فَقَد عَلِمتَ ما كُنَّا أخَذنا مِنَ الأمانِ لِأَصحابِنا ، وَقَد ذَكَر لي فُلانٌ أنَّكَ تعرَّضتَ لَهُ ، فَأُحبّ ألاَّ تعرِضَ لَهُ إلاَّ بِخَيرٍ ، والسَّلامُ .

.

ص: 52

فلمَّا أتاه الكتاب ، وذلك بعد ادَّعاء معاوية إيَّاه غَضِبَ حَيثُ لَم يَنسبهُ إلى أبي سُفْيان ، فكتب إليه : من زيادِ بن أبي سُفْيان إلى الحَسَن : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّه أتاني كتابُكَ في فاسِقٍ تُؤويهِ الفُسَّاقُ مِن شيعَتِكَ وَشيعَةِ أَبيكَ ، وَايمُ اللّه ِ لأَطلُبنَّهُ بَينَ جِلدِكَ وَلَحمِكَ ، وَإنَّ أحَبَّ النَّاسِ إليَّ لَحماً أنْ آكُلَهُ لَلَحْمٌ أنت منه ، والسَّلام . فلمَّا قرأ الحسن عليه السلام الكتاب ، بعث به إلى معاوية ، فلمَّا قرأه غضب وكتب : من معاوية بن أبي سُفْيان إلى زياد : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ لكَ رأيين : رأياً من أبي سُفْيان ، وَرَأياً من سُمَيَّة ، فأمَّا رأيك من أبي سُفْيان فحِلْمٌ وحَزم ، وأمَّا رأيك من سُمَيَّة فَما يكونُ من مثلِها . إنَّ الحسن بن عليّ عليه السلام كتب إليَّ بأنَّك عَرضتَ لِصاحبِهِ ، فَلا تَعرِض لَهُ ، فَإنِّي لَم أجعَل لَكَ عَلَيهِ سَبيلاً ، وَإنَّ الحَسَنَ لَيس مِمَّن يُرمَى بهِ الرَّجَوان ، والعَجَبُ مِن كتابِكَ إليهِ ، لا تنَسِبُهُ إلى أبيهِ أو إلى أمِّهِ ، فالآنَ حِينَ اختَرتَ لَهُ ، والسَّلامُ . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 18 وراجع : العقد الفريد : ج 5 ص 11 والبيان والتّبيين : ج 2 ص 298 ؛ الإيضاح : ص 548 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 22 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 92 ح 7 ، أعيان الشّيعة : ج 1 ص 573.

ص: 53

الفصل الرّابع : في مكاتيبه مجهولة التّاريخ

14 كتابُه عليه السلام في القضاء والقدر

الفصل الرّابع : في مكاتيبه عليه السلام مجهولة التّاريخ14كتابُه عليه السلام في القضاء والقدرجاء في الحديث أنَّ الحسن بن أبي الحسن البصريّ (1) كتَب إلى الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام : من الحسن البصريّ إلى الحسن ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّكُم معاشِرَ بني هاشِمٍ ، الفُلْكُ الجاريَةٌ في الّلُجج الغامِرَةِ ، ومصابيحُ الدُّجى ، وأعلامُ الهُدى ، وَالأئمَّةُ القادَةُ ، الَّذين مَن اتَّبعَهُم نَجا ، وَالسَّفينَةُ الَّتي يَؤولُ إليها المُؤمِنونَ ، وَيَنجو فيها المُتمسِّكونَ ، قَد كَثُر _ يا ابنَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله _ عِندَنا الكلامُ فِي القَدَرِ ، واختلافُنا في الاستطاعَةِ ، فَتُعلِمُنا ما نَرى عَلَيهِ رَأَيكَ وَرَأيَ آبائِكَ ، فَإنَّكم ذُرِّيَّةٌ بَعضُها مِن بَعضٍ ، مِن عِلمِ اللّه ِ عُلِّمتُم ، وَهُوَ الشَّاهِدُ عَلَيكُم ، وَأنتُم شُهداءُ عَلى النَّاسِ ، والسَّلامُ . فأجابه الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما : مِنَ الحَسَنِ بن عَليٍّ إلى الحَسنِ البَصريّ : أمَّا بَعْدُ ؛ فَقَد انتهى إليَّ كتابُكَ عِندَ حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ مَن زَعَمتَ مِن أُمَّتِنا ، وَكَيفَ تَرجِعونَ إليْنا ، وَأنتُم بِالقَولِ دُونَ العَمَلِ . وَاعلَم ، أنَّهُ لَولا ما تَناهى إليَّ مِن حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ الأُمَّةِ قِبَلَكَ لَأَمسَكتُ عَن الجَوابِ ، وَلكنّي النَّاصِحُ وابنُ النَّاصِحِ الأمينِ . والَّذي أنا عَلَيهِ أنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، فَقَد كَفَرَ ، وَمَن حَمَلَ المَعاصي عَلى اللّه ِ عز و جل فَقَد فَجَرَ . إنَّ اللّه َ لا يُطاعُ بإكراهٍ ، ولا يُعصى بِغَلَبةٍ ، (2) وَلكنَّهُ عز و جل المالِكُ لِما مَلّكَهُم ، والقادِرُ عَلى ما عَليهِ أَقدَرَهُم ، فَإنِ ائْتَمروا بالطَّاعَةِ لَم يَكُن اللّه ُ عز و جل لَهُم صَادَّاً ، وَلا عَنها مانِعاً ، وإنْ ائْتَمروا بالمَعصِيَةِ فَشَاء سُبحانَهُ أنْ يَمُنَّ عَلَيهِم فَيحولَ بَينَهُم وَبَينها فَعَلَ ، وإنْ لَم يَفعل فَلَيسَ هُو الذي حَمَلَهُم عَلَيها إجْباراً ، وَلا ألزمَهُم بِها إكْراهاً ، بَل احتِجاجُهُ _ جَلَّ ذِكرُهُ _ عَلَيهِم أَن عَرَّفَهُم ، وَجَعَل لَهُمُ السَّبيلَ إلى فِعلِ ما دَعاهم إِليهِ ، وَتركِ ما نَهاهُم عَنهُ ، وَللّه ِِ الحُجَّة البالِغَةُ ، والسَّلامُ . (3) ونصُّ الكتاب على رواية تحف العقول : كتَب الحسنُ بن أبي الحسن البصريّ ، إلى أبي محمدٍ الحسن بن عليّ عليهماالسلام : أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّكم مَعْشَرَ بَني هاشِمٍ الفُلْكُ الجارِيَةُ فِي اللُجَجِ الغامِرَةِ ، وَالأعلامُ النّيّرةُ الشَّاهِرَةُ ، أو كَسَفِينة نوحٍ عليه السلام ، الَّتي نزَلَها المؤمِنونَ ، وَنَجا فيها المُسلِمونَ . كتَبْتُ إليكَ يا ابنَ رَسولِ اللّه ِ عِنْدَ اختلافِنا فِي القَدَرِ وَحَيْرَتِنا فِي الاستِطاعَةِ ، فَأخْبِرْنا بالَّذي عَلَيهِ رَأيُكَ وَرَأيُ آبائِكَ عليهم السلام ، فَإنَّ مِن عِلمِ اللّه ِ عِلْمَكُم ، وَأنتُم شُهدَاءُ على النَّاسِ ، واللّه ُ الشَّاهِدُ عَلَيكُم ، ذُرِّيَّةً بَعضُها مِن بَعضٍ ، واللّه ُ سَميعٌ عليمٌ . فأجابَه الحسن عليه السلام : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم وَصَل إليَّ كتابُك ، وَلَوْلا ما ذَكَرْتَهُ مِن حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ مَن مَضَى قَبلَكَ إذاً ما أخْبَرتُكَ ، أمَّا بَعْدُ : فَمَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ أنَّ اللّه َ يَعْلَمُهُ فَقَد كَفَر ، وَمَن أحالَ المعاصي عَلى اللّه ِ فَقَد فَجَر ، إنَّ اللّه لَم يُطَعْ مُكرِهاً ، ولم يُعْصَ مَغلوباً ، وَلَم يُهْمِلِ العبادَ سُدىً مِنَ المَمْلَكَةِ ، بل هُوَ المالِكُ لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ على ما عَليهِ أقدَرَهُم ، بل أمَرَهُم تَخْييراً ، ونَهاهُم تَحذيراً ، فَإنِ ائْتَمَروا بالطَّاعَةِ لَم يَجِدوا عَنها صَادّاً ، وَإنِ انْتَهوا إلى مَعصِيَةٍ فَشاءَ أنْ يَمُنَّ عَلَيهِم بأنْ يحُولَ بَينَهم وَبَينَها فَعَلَ ، وَإنْ لَم يفعَل فَلَيسَ هُوَ الَّذي حَمَلَهُم عَلَيها جَبْراً ، ولا أُلزِمُوها كُرهاً ، بل مَنَّ عَلَيهِم بأنْ بصَّرَهم وَعَرَّفَهُم وَحَذَّرَهم وأمرَهُم ونَهاهُم ، لا جَبْلاً لهم عَلى ما أمَرَهم بهِ فَيكونُوا كالمَلائِكَةِ ، وَلا جَبْراً لَهُم عَلى ما نَهاهُم عَنهُ ، وَ لِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ ، فَلَو شاءَ لَهداكم أجمَعينَ ، والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى . (4) ونصُّ الكتاب على رواية العدد القويّة : كتب الحسن البصريّ إلى الحسن بن علي عليهماالسلام : أمَّا بَعدُ ؛ فَأنتُم أهلُ بَيتِ النُّبوَّةِ ، ومَعدِنُ الحِكمَةِ ، وَأنَّ اللّه َ جَعَلَكُم الفُلْكَ الجارِيَةَ فِي اللُجَجِ الغامِرَةِ ، يلجأ إليكُمُ اللاّجئُ ، وَيعتَصِمُ بِحبْلِكُم القالي ، مَنِ اقْتدى بِكُم اهتَدى ونَجا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنكُم هَلَكَ وَغَوى ، وأنِّي كتبتُ إليكَ عِندَ الحَيرَةِ واختلافِ الأُمَّةِ في القَدَرِ ، فَتُفضي إِلَينا ما أفضاهُ اللّه ُ إلَيكُم أهلَ البَيتِ ، فَنأخُذُ بِهِ . فكتب إليه الحسن بن علي عليهماالسلام : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّا أهلُ بَيتٍ كما ذَكَرتَ عِندَ اللّه ِ وَعِندَ أَوليائِهِ ، فَأَمّا عِندَكَ وَعِندَ أصحابِكَ ، فَلَو كُنَّا كَما ذَكَرتَ ما تَقَدَّمتمونا ، وَلا استَبدَلتُم بِنا غَيرَنا ، وَلَعَمري لَقَد ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلَكُم في كِتابِهِ ، حَيثُ يقول : «أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ » (5) ، هذا لِأولِيائِكَ فيما سَأَلوا ، وَلَكُم فيما استَبدَلتُم ، وَلَولا ما أُريدُ مِنَ الاحتجاجِ عَلَيكَ وَعَلى أصحابِكَ ما كَتبتُ إِلَيكَ بِشَيءٍ مِمَّا نَحنُ عَلَيهِ . وَلَئِن وَصَلَ كِتابي إِلَيكَ لَتَجِدَنَّ الحُجَّةَ عَلَيكَ وَعَلى أَصحابِكَ مُؤكَّدَةُ ، حَيثُ يَقولُ اللّه ُ عز و جل : «أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (6) . فاتَّبِع ما كَتَبتُ إِلَيكَ فِي القَدَرِ ، فَإنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَقَد كَفَر ، وَمَن حَمَلَ المعاصي عَلى اللّه ِ فَجَرَ ، إنَّ اللّه عز و جل لا يُطلع (يطع) (7) بإكراه ، ولا يُعصى بغلبة ، ولا يُهْمِلُ العِبادَ مِنَ المَلَكَةِ ، ولكنَّه المالِكُ لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ عَلى ما أَقدَرَهُم . فإنْ ائتمروا بالطَّاعَةِ يَكُن عَنها صادَّاً مُثبِّطاً ، وَإنِ ائْتَمَروا بالمَعصِيَةِ ، فَشَاءَ أنْ يَحولَ بَينَهُم وَبَينَ ما ائْتَمَروا بهِ فَعَلَ ، وَإنْ لَم يَفعَل فَلَيسَ هُوَ حَمَلَهُم عَلَيها ، وَلا كَلَّفَهم إيَّاها جَبْراً ، بل تَمكينُهُ إيَّاهُم وإعْذارُهُ إِلَيهِم طَرَّقَهُم وَمَكَّنَهُم ، فَجَعَل لهم السّبيلَ إلى أخذِ ما أمَرَهُم بهِ وَتركِ ما نَهاهُم عَنهُ ، وَوَضْع التَّكليفَ عَن أهلِ النُّقصانِ وَالزَّمانَةِ ، والسَّلامُ . (8) في مكاتيبه مجهولة التّاريخ

.


1- . هو الحسن بن يسار مولى زيد بن ثابت أخو سعيد وعمارة ، المعروف بالحسن البصريّ ، وهو من رؤساء القدريّة ، والمنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وقعد في منزله ولم ينصر الإمام عليه السلام ، وكان من تلامذته ابن أبي العوجاء ، مات سنة110 ه وله تسع وثمانون سنة .
2- . وفي نسخة : زاد «و لم يهمل العباد سُدى من المملكة» .
3- . كنز الفوائد : ج 1 ص 365.
4- . تحف العقول : ص 231 ، إرشاد القلوب : ص 198 نحوه ، بحار الأنوار : ج 5 ص 40 ح 63 وراجع : الفقه المنسوب للإمام الرّضا عليه السلام : ص 408 ، جمهرة رسائل العرب : ج 2 ص 27.
5- . البقرة : 61 .
6- . يونس : 35 .
7- . هكذا في المصدر ، والصواب : «لا يُطاعُ» كما في نصوص المصادر الأُخرى .
8- . العدد القوية : ص 33 ح 25 ، تحف العقول : ص 231 ، بحار الأنوار : ج 10 ص 137 ح 3.

ص: 54

. .

ص: 55

. .

ص: 56

. .

ص: 57

15 كتابُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلام حول كثرة بذْله

15كتابُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلامحول كثرة بذْلهقال في كشف الغُمَّة في مكارم الحسين عليه السلام : وكتب إليه الحسن عليه السلام يلومه (1) على إعطاء الشُّعراءِ ، فكتبَ إليه :أنتَ أعلَمُ مِنِّي بأنَّ خيرَ المالِ ما وُقِيَ بهِ العِرضُ . (2)

.


1- . في البحار : لعلّ لومه عليه السلام ليظهر عذره للنّاس .
2- . كشف الغمّة : ج 2 ص 243 ، نزهة النّاظر : ص 83 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 195 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 181 ، الفصول المهمّة لابن الصّبّاغ : ص 163 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 407 ، كنز العمال : ج 16 ص 204 ح 44226.

ص: 58

. .

ص: 59

الفصل الخامس : في وصاياه عليه السلام

16 وصيّتُه عليه السلام إلى محمّد بن الحنفيّة

الفصل الخامس : في وصاياه عليه السلام16وصيَّتُه عليه السلام إلى محمَّد بن الحنفيَّةمحمَّد بن الحسن وعليُّ بن محمَّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمَّد بن سليمان الدَّيلمِيِّ ، عن بعض أصحابنا ، عن المُفَضَّل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال :لمَّا حضرت الحسن بن عليّ عليهماالسلام الوفاة ، قال : يا قَنْبَرُ انظُر هَل تَرَى مِن وَراءِ بابِكَ مُؤمِناً مِن غَيرِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام؟ فَقالَ : اللّه ُ تَعالى وَرَسولُهُ وابنُ رَسولِهِ ، أَعلَمُ بهِ مِنِّي . قال : ادْعُ لي مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ 1 . فَأَتَيْتُهُ ، فَلَمَّا دَخَلتُ عَلَيهِ ، قالَ : هَل حَدَثَ إلاّ خَيرٌ؟ قُلتُ : أجِب أبا مُحَمَّدٍ ، فَعَجَّلَ عَلى شِسعِ نَعلِهِ ، فَلَم يُسوِّهِ . وخَرَجَ مَعي يَعْدو ، فَلَمَّا قامَ بَينَ يَديهِ سَلَّمَ ، فَقالَ لَهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : اجلُس ؛ فَإنَّهُ لَيس مِثْلُكَ يَغيبُ عَن سَمَاعِ كَلامٍ ، يَحيا بِهِ الأَمواتُ ، وَيَموتُ بِهِ الأَحياءُ . كونوا أَوعِيَةَ العِلمِ وَمَصابيحَ الهُدى ، فَإنَّ ضَوْءَ النَّهارِ ، بَعضُهُ أضْوأُ مِن بَعضٍ ، أ ما عَلِمتَ أنَّ اللّه َ جَعَلَ وُلدَ إبراهيمَ عليه السلام أئمَّةً ، وَفَضَّلَ بَعضَهم عَلى بَعضٍ ، وَآتى داودَ عليه السلام زَبور اً ، وَقَد عَلِمتَ بِما استأثرَ بِهِ مُحمَّداً صلى الله عليه و آله . يا مُحمَّدُ بنَ عَليٍّ ، إنِّي أخافُ عَلَيكَ الحَسَدَ ، وَإنَّما وَصَفَ اللّه ُ بِهِ الكافِرينَ ، فَقالَ اللّه ُ عز و جل : «كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ » (1) ، وَلَم يَجعَلِ اللّه ُ عز و جل لِلشَّيطانِ عَلَيكَ سُلطاناً . يا مُحمَّدُ بنَ عَليٍّ ، ألا أخبِرُكَ بِما سَمِعتُ مِن أبيكَ فيكَ؟ قالَ : بَلى . قالَ : سَمِعتُ أباكَ عليه السلام يَقولُ يوم البصرَةِ : مَن أحَبَّ أن يَبَرَّني في الدُّنيا وَالآخِرَةِ فَليَبَرَّ مُحمَّداً وَلَدي . يا مُحمَّدُ بنَ عَليٍّ ، لَو شِئتَ أن أُخبِرَكَ وَأنتَ نُطْفَةٌ في ظَهر أبيكَ لَأخبَرتُكَ . يا مُحمَّدُ بنَ عليٍّ ، أما عَلِمتَ أنَّ الحُسينَ بنَ عَليٍّ عليه السلام بَعدَ وَفاةِ نفسي ومُفارَقة روحي جِسمي إمامٌ مِن بَعدي ، وَعِندَ اللّه ِ جَلَّ اسمُهُ في الكِتابِ وِراثَةٌ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله أضافَها اللّه ُ عز و جل لَهُ في وِرَاثَةِ أبيه وَأُمِّهِ ، فَعَلِمَ اللّه ُ أنَّكُم خِيرَةُ خَلقِهِ ، فَاصطَفى مِنكُم مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَاختارَ مُحَمَّدٌ( صلى الله عليه و آله ) عَلِيّاً عليه السلام ، وَاختارَني عَليٌّ عليه السلام بِالإمامَةِ ، وَاختَرتُ أنا الحُسَينَ عليه السلام . فَقالَ له محمَّدُ بنُ عَليٍّ : أنتَ إمامٌ ، وَأنتَ وَسيلَتي إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَاللّه ِ لَوَدَدتُ أنَّ نَفسي ذَهَبَت قَبلَ أن أسمَعَ مِنكَ هذا الكَلامَ . ألا وَإنَّ في رَأسي كَلاماً لا تَنزِفُهُ الدِّلاءُ ، وَلا تُغيِّرُهُ نَغْمَةُ الرِّياحِ ، كَالكِتابِ المُعجَمِ في الرَّقِّ المُنَمنَمِ ، أهُمُّ بإِبدائِهِ ، فَأجِدُني سُبِقتُ إليه سَبقَ الكِتابِ المُنزَلِ ، أو ما جاءَت بِهِ الرُّسُلُ ، وَإنَّه لَكَلامٌ يَكِلُّ بِهِ لسانُ النَّاطِقِ ، وَيَدُ الكاتِبِ ، حَتَّى لا يَجِدَ قلَماً ، وَيُؤتوا بالقِرطاسِ حُمَماً ، فَلا يَبلُغُ إلى فَضلِكَ ، وكَذلِكَ يَجزي اللّه ُ المُحسِنينَ ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّه ِ . الحُسينُ أعلَمُنا عِلماً ، وَأثقَلُنا حِلماً ، وَأقرَبُنا مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَحِماً ، كانَ فَقيهاً قَبلَ أن يُخلَقَ ، وَقَرأ الوَحيَ قَبلَ أن يَنطِقَ ، وَلَو عَلِمَ اللّه ُ في أحَدٍ خَيراً ما اصطَفى مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، فَلمَّا اختارَ اللّه ُ مُحَمَّداً ، وَاختارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً ، وَاختارَكَ عَليٌّ إماماً ، وَاختَرتَ الحُسينَ ، سَلَّمنا وَرَضِينا مَن هُوَ بِغَيرِهِ يَرضى ، وَمَن غيرُه كنَّا نَسلَمُ بِهِ مِن مُشكِلاتِ أمرِنا . (2)

.


1- . البقرة : 109 .
2- . الكافي : ج 1 ص 300 ح 2.

ص: 60

. .

ص: 61

17 وصيّتُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلام وابن الحنفيّة

17وصيَّتُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلاموابن الحنفيَّة في الأخبار الطّوال : إنَّ الحسن رضى الله عنه اشْتكى بالمدينة ، فثَقُلَ ، وكان أخوه محمَّد بن الحَنَفِيَّة في ضَيْعَةٍ له ، فأرسل إليه ، فوَافَى ، فدخل عليه ، فجلس عن يساره ، والحسين عن يمينه ، ففتح الحسن عينه ، فرآهما ، فقال للحسين :يا أخي ، أُوصِيكَ بِمُحَمَّدٍ أخيكَ خَيراً ، فَإنَّهُ جلدةُ ما بَينَ العَينَينِ . ثُمَّ قالَ : يا مُحَمّدُ ، وَأنا أُوصيكَ بِالحُسَينِ ، كانِفهُ وَوَازِرهُ . ثُمَّ قالَ : ادفِنوني مَعَ جَدّي صلى الله عليه و آله ، فَإن مُنِعتُم فَالبَقِيعُ .

ثمَّ تُوُفِّي ، فمنع مروان أنْ يُدْفَن مع النّبيّ صلى الله عليه و آله ، فدُفِن في البقيع . (1)

.


1- . الأخبار الطّوال : ص 221.

ص: 62

18 وصيّتُه عليه السلام إلى جنادة بن أبي اُميّة

18وصيَّتُه عليه السلام إلى جنادة بن أبي أُميَّةفي كفاية الأثر :حدَّثني محمَّد بن وهبان البصريّ ، حدَّثني داود بن الهَيثم بن إسحاق النّحويّ ، قال : حدَّثني جدّي إسحاق بن البهلول بن حسان ، قال : حدَّثني طلحة بن زيد الرّقيّ ، عن الزُّبير بن عطا ، عن عمير بن هاني العيسى (1) ، عن جُنادة بن أبي أميد (2) 3 قال : دخلتُ على الحسن بن عليّ عليهماالسلام في مرضه الَّذي توفي فيه ، وبين يديه طشت يقذف فيه (3) الدَّم ، ويخرج كبده قطعة قطعة من السُّم الَّذي أسقاه معاوية لعنه اللّه (4) ، فقلت : يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فَقالَ : يا عبدَ اللّه ِ بِماذا أعالِجُ المَوتَ؟ قلت : إنَّا للّه وإنَّا إليه راجعون . ثمَّ التفت إليَّ ، وقال : وَاللّه ِ ، إنَّهُ لعَهدٌ عَهِدَهُ إلَينا رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، أنَّ هذا الأمرَ يَملِكُهُ إثنا عَشَر إماماً مِن وُلدِ عَليٍّ عليه السلام وَفاطِمَةَ عليهاالسلام ، ما مِنَّا إلاَّ مَسمومٌ أو مَقتولٌ . ثمَّ رفعت الطَّشت ، واتَّكى صلوات اللّه عليه فقلت (5) : عِظْني يابن رسول اللّه . قال : نَعَم ، اسْتَعِدَّ لِسَفَرِكَ ، وَحَصِّل زادَكَ قَبلَ حُلُول أجَلِكَ ، وَاعلَم أنَّهُ تَطلُبُ الدُّنيا والموتُ يطلُبك ، لا تحمِل يومك الَّذي له باب على يومك الَّذي أنتَ فيهِ . (6) وَاعلَم ، أنَّكَ لا تَكسِبُ مِنَ المالِ شَيئاً فَوقَ قُوتِك ، إلاَّ كُنتَ فيهِ خازِناً لِغَيركَ . وَاعلَم ، أنَّ في حَلالِها حِساباً (7) وَحرامِها عِقاباً ، وَفي الشُّبُهاتِ عِتابٌ ، فَأنزِلِ الدُّنيا بِمَنزِلَةِ المِيتَةِ ، خُذ مِنها ما يَكفِيكَ ، فإن كانَ ذلِكَ حَلالاً كُنتَ قَد زَهِدتَ فيها ، وَإن كانَ حَراماً لَم تَكُن قَد أخذتَ مِنَ المِيتةِ ، وَإن كانَ العِتابُ ، فإنَّ العقابَ (8) يسيرٌ . وَاعْمَل لِدُنياكَ كَأنَّكَ تَعيشُ أبداً ، وَاعمَل لاِخِرَتِكَ كَأنَّكَ تَموتُ غَداً . وَإذا أرَدتَ عِزَّاً بِلا عَشيرَةٍ وَهَيبَةً بِلا سُلطانٍ فَاخرج مِن ذُلِّ مَعصِيَةِ اللّه ِ إلى عِزِّ طاعَةِ اللّه عز و جل . وإذا نازَعَتْكَ إلى صُحبَة الرِّجالِ حاجَةٌ فاصحَب مَن إذا صَحِبتَه زانَكَ ، وَإذا خَدَمتَه صانَكَ ، وَإذا أردتَ منه مَعُونَةً فاتَك (9) ، وَإن قُلتَ صَدَّقَ قَولَكَ ، وَإنْ صُلتَ شَدَّ صَولَتَكَ ، وَإن مَدَدْتَ يَدَكَ بِفَضلٍ (10) جَدَّها (11) ، وَإن بَدَت مِنكَ ثُلمَةٌ سَدَّها ، وَإن رأى مِنكَ حَسَنَةً عَدَّها ، وَإن سَألتَهُ أعطاكَ ، وَإن سَكَتَّ عَنهُ ابتَداكَ ، وَإن نزَلَت بِكَ أحَدُّ المُلِمَّاتِ أَسالَكَ (12) ، مَن لا يَأتيكَ مِنهُ البَوائقُ ، وَلا يَختَلِفُ عَلَيكَ مِنهُ الطَّوالِقُ (13) ، وَلا يخذُلُكَ عِندَ الحَقائِقِ ، وَإن تَنازَعْتُما مَنفَساً (14) آثَرَك .

.


1- . وفي نسخة : «العبسيّ» .
2- . وفي نسخة : «أميّة» بدل «أميد» .
3- . وفي نسخة : «طست يقذف عليه» بدل «طشت يقذف فيه» .
4- . وفي نسخة : ليس «معاوية لعنه اللّه » .
5- . وفي نسخة : «فقلت له» .
6- . وفي نسخة : «و لا تمحل هم يومك الّذي لم يأت على يومك».
7- . وفي نسخة : «حساب وعقاب» .
8- . وفي نسخة : «العتاب» .
9- . وفي نسخة : «أعانَك» وفي نسخة أخرى : «عانك» ، وكلاهما أفضل من متن المصدر .
10- . وفي نسخة : «يفصل» .
11- . وفي نسخة : «مدّها» .
12- . في نسخة : «آساك من لا ناسك منه» ، وفي نسخة أخرى : «واساك مَن لا تاتيك» .
13- . وفي نسخة : «الطّرائق» .
14- . وفي نسخة : «نفساً» .

ص: 63

. .

ص: 64

19 وصيّتُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلام

قالَ : ثُمَّ انقَطَعَ نَفَسُهُ ، وَاصفَرَّ لَونُهُ حتَّى خَشتُ (1) عَلَيهِ ، وَدَخَلَ الحُسَينُ صَلواتُ اللّه ِ عَلَيهِ والأسودُ بنُ أبي الأسودِ ، فانكبَّ عليه حتَّى قَبَّلَ رأسه وبَينَ عَينيهِ ، ثمَّ قعد عنده (2) و تسارَّا جميعاً ، فقال (3) أبو الأسود : إنَّ اللّه (4) ، إنَّ الحسن قد نعيت إليه نفسه ، وقد أوصى إلى الحسين عليه السلام . وتوفي عليه السلام في يوم الخميس في آخر صفر ، سنة خمسين من الهجرة ، وله سبعة وأربعون سنة (5) . (6)

19وصيَّتُه عليه السلام إلى الحسين عليه السلامعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه عن بَكْر بن صالح ، قال الكُلَيْنِيُّ وعدَّة من أصحابنا عن ابن زِياد ، عن محمَّد بن سليمان الدَّيْلميِّ ، عن هارون بن الجَهْم ، عن محمَّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :لمَّا حَضَر الحسن بن عليّ عليهماالسلام الوفاة ، قال للحسين عليه السلام : يا أخي، إنِّي أُوصيكَ بوصيَّةٍ فَاحفَظها: إذا أنا مِتُّ فَهَيِّئنِي ، ثُمَّ وَجِّهنِي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأُحْدِثَ بِهِ عَهداً ، ثُمَّ اصرِفني إلى أُمِّي عليهاالسلام ، ثُمَّ رُدَّني فادفنِّي بِالبَقيعِ ، وَاعلَم أنَّهُ سَيُصيبُني مِن عائِشةَ ما يعلَمُ اللّه ُ ، والنَّاسُ صَنِيعُها عَداوَتُها للّه ِِ وَلِرَسولِهِ ، وَعَداوَتُها لَنا أَهلَ البَيتِ . فَلمَّا قُبِضَ الحَسَنُ عليه السلام وَوُضِع عَلى السَّريرِ ثُمَّ انطلَقوا بِهِ إلى مُصَلَّى رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله الَّذي كانَ يُصلِّي فيهِ عَلى الجَنائِزِ ، فَصلَّى عَلَيهِ الحُسَينُ عليه السلام ، وَحُمِلَ وَأُدخِلَ إلى المَسجِدِ . فَلمَّا أُوقِفَ عَلى قبر رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، ذهَب ذو العُوَينَين إلى عائِشَةَ ، فَقالَ لَها : إنَّهُم قَد أقبَلوا بِالحَسَنِ لِيَدفُنوا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، فَخَرَجَت مبادِرةً عَلى بَغلٍ بِسَرجٍ ، فَكانَت أوَّلَ امرَأةٍ رَكِبَت في الإسلام سَرجاً . فَقالَت : نَحُّوا ابنَكُم عَن بَيتي ، فَإنَّهُ لا يُدفَنُ في بَيتي ، وَيُهتَكُ عَلى رَسولِ اللّه ِ حِجابُهُ . فَقالَ لها الحُسَينُ عليه السلام : قدِيماً هتَكتِ أنتِ وَأبوكِ حِجابَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَأدخَلتِ عَلَيهِ بَيتَهُ مَن لا يُحِبُّ قُربَهُ ، وَإنَّ اللّه َ سائِلُكِ عَن ذلِكَ يا عائِشةُ . (7) وفي رواية اُخرى : عن سهل ، عن محمَّد بن سليمان ، عن هارون بن الجَهْم ، عن محمَّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لمَّا احْتُضر الحسن بن عليّ عليهماالسلام ، قالَ للحُسَينِ : يا أخي، إنِّي أُوصيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحفَظها ، فَإذا أنا مِتُّ فَهَيِّئنِي ، ثُمَّ وَجِّهنِي إلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، لأُحدِثَ بِهِ عَهداً ، ثُمَّ اصرِفني إلى أُمِّي فاطِمَةَ عليهاالسلام ، ثُمَّ رُدَّني فَادفِنِّي بِالبَقيعِ ، واعلَم أنَّهُ سَيُصيبُني مِنَ الحُمَيرَاء ما يَعلمُ النَّاسُ مِن صَنِيعِها ، وَعداوَتِها للّه ِِ وَلِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وعَداوَتِها لَنا أهلَ البَيت . فَلَمَّا قُبِضَ الحَسَنُ عليه السلام ، ووضِعَ عَلى سَريرِهِ ، فَانطَلَقوا بِهِ إلى مُصلَّى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الَّذي كانَ يُصَلِّي فيهِ عَلى الجَنائِزِ ، فَصُلِّي عَلى الحَسَنِ عليه السلام ، فَلَمَّا أن صُلِّي عَلَيهِ حُمِلَ ، فَأُدخِلَ المَسجِدَ فَلَمَّا أُوقِفَ عَلى قَبرِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بَلَغَ عائِشَةَ الخَبَرُ ، وَقيلَ لها : إنَّهُم قَد أقبَلوا بِالحَسَنِ بنِ عليٍّ لِيُدفَنَ مَعَ رَسولِ اللّه ِ ، فَخَرَجَتْ مُبادِرَةً عَلى بَغْلٍ بِسَرجٍ فَكانَت أوَّلَ امرَأَةٍ رَكبَت في الإسلامِ سَرجاً ، فَوَقَفَت ، وَقالَت : نَحُّوا ابنَكُم عَن بَيتي ، فَإنَّهُ لا يُدفَنُ فيهِ شَيءٌ ولا يُهتَكُ عَلى رَسولِ اللّه ِ حِجابُهِ . فَقال لها الحُسَينُ بنُ عَليٍّ صَلَواتُ اللّه ِ عَليهِما : قَدِيماً هَتَكتِ أنتِ وَأبوكِ حِجابَ رَسولِ اللّه ِ ، وَأدخَلتِ بَيتَهُ مَن لا يُحِبُّ رَسولُ اللّه ِ قُربَهُ ، وَإنَّ اللّه َ سائلُكِ عَن ذلِكَ يا عائشةُ ، إنَّ أخي أمرَني أن أُقَرِّبَهُ مِن أبيهِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِيُحدِثَ بِهِ عَهداً . وَاعلَمي أنَّ أخي أعلَمُ النَّاسِ بِاللّه ِ وَرَسولِهِ ، وَأعلمُ بِتأْويلِ كِتابِهِ مِن أن يَهتِكَ عَلى رَسولِ اللّه ِ سِترَهُ ، لِأنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالى يَقولُ : « يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ » (8) ، وَقَد أَدخَلتِ أنتِ بَيتَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الرِّجالَ بِغَيرِ إذنِهِ ، وَقَد قالَ اللّه ُ عز و جل : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَ اتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ » (9) ، وَلَعَمري لَقَد ضَربتِ أنتِ لِأبِيكِ وَفارُوقِهِ عِندَ أُذُنِ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله المَعاوِلَ ، وَقالَ اللّه ُ عز و جل : « إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَ اتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَ_ئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى » (10) ، ولَعَمرِي لَقَد أدخَلَ أبوكِ وفارُوقُهُ عَلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بِقُربِهِما مِنهُ الأذَى ، وَما رَعَيا مِن حَقِّهِ ما أمَرَهُما اللّه ُ بهِ عَلى لِسانِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، إنَّ اللّه َ حَرَّمَ مِنَ المُؤمِنينَ أمواتاً ما حَرَّمَ مِنهُم أحياءً ، وَتَاللّه ِ يا عائشةُ ، لو كانَ هذا الَّذي كرِهْتِيهِ مِن دَفْنِ الحَسَنِ عِندَ أبيهِ رَسول اللّه صلوات اللّه عليهما جائِزاً فيما بَينَنا وَبَينَ اللّه ِ لعلِمتِ أنَّهُ سَيُدفَنُ ، وإنْ رُغِمَ مَعطِسُكِ . قال : ثُمَّ تكلَّم محمَّد بن الحنفِيَّة ، وقال : يا عائشة يَوماً على بَغْلٍ ، ويَوماً عَلى جَمَلٍ فما تَمْلِكِينَ نَفسَكِ ، ولا تمْلِكين الأرضَ عَداوَةً لِبني هاشِمٍ . قال : فأقبلت عليه ، فقالت : يا ابن الحنفيَّة ، هؤلاء الفواطِمُ يتكَلَّمُونَ ، فَما كلامُكَ؟ فقال لَها الحسين عليه السلام : وَأنَّى تُبعِدينَ مُحَمَّداً مِنَ الفَوَاطِمِ ؟ فَوَ اللّه ِ لَقَد وَلَدَتهُ ثلاثُ فَوَاطِمَ ، فاطِمَةُ بنتُ عِمرانَ بنِ عائِذ ٍ بنِ عَمروٍ بنِ مَخزُومٍ ، وَفاطِمَةُ بِنتُ أسَد ٍ بنِ هاشمٍ ، وفاطِمةُ بنتُ زائدةَ بنِ الأصَمِّ بنِ رَوَاحةَ بنِ حِجْرٍ بنِ عَبدِ مَعِيصٍ بنِ عامِرٍ .في وصاياه قال : فقالت عائشة لِلْحسين عليه السلام : نَحُّوا ابنَكُم ، واذهبوا بهِ فَإنَّكُم قَومٌ خَصِمُون . قال : فمضَى الحسين عليه السلام إلى قَبرِ أُمِّهِ ، ثُمَّ أخرَجَهُ فَدَفَنَهُ بالبَقيعِ . (11)

.


1- . وفي نسخة : «خشيت» .
2- . وفي نسخة : «عنه جميعاً» و ليس فيه «و تسارا» .
3- . وفي نسخة : «فقال أسود بن أبي الأسود : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون» .
4- . وفي نسخة : «إنّا للّه » .
5- . وفي نسخة : «و دفن بالبقيع» .
6- . كفاية الأثر : ص 226.
7- . الكافي : ج 1 ص 300 ح 1 ، مدينة المعاجز : ج 3 ص 340 الرّقم922 نحوه.
8- . الأحزاب : 53 .
9- . الحجرات : 2 .
10- . الحجرات : 3 .
11- . الكافي : ج 1 ص 302 ح 3 وراجع : دلائل الإمامة : ص 160.

ص: 65

. .

ص: 66

. .

ص: 67

وفي تاريخ مدينة دمشق : أبو حازم : لمَّا حُضِرَ الحسن ، قال للحسين :ادفنوني عِندَ أبي يَعني النَّبيَّ صلى الله عليه و آله ، أمّا أن تَخافوا الدِّماءَ ، فإن خِفتُمُ الدِّماءَ فَلا تُهريقوا فِيَّ دَماً ، ادفنوني عِندَ مَقابِرِ المُسلِمينَ . قال : فلمَّا قُبِض تسلَّح الحسينُ ، وجمعَ مواليهِ ، فقال له أبو هريرة 1 : أنشدُكَ اللّه ووصيّة أخيك ، فإنَّ القوم لنْ يدعوك حتَّى يكون بينكم دماً (1) . قال : فلم يَزل به حتَّى رجع ، قال : ثم دفنوه في بقيع الغرقد . (2)

وفي دلائل الإمامة : ولمَّا حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين عليه السلام : إذا مِتُّ فَغسِّلني ، وَحنِّطني ، وَكَفِّني ، وَصَلِّ عَلَيَّ ، وَاحمِلني إلى قَبرِ جَدّيَ حَتَّى تُلحِدَني إلى جانِبِهِ ، فإن مُنِعتَ مِن ذلِكَ فَبِحَقِّ جَدِّكَ رَسولِ اللّه ِ وَأبيكَ أميرِ المُؤمِنينَ وأُمِّكَ فاطِمَةَ ، وَبِحَقّي عَلَيكَ إن خاصَمَكَ أحَدٌ رُدَّني إلى البَقيعِ ، فَادفنّي فيهِ ، وَلا تُهرِق فِيَّ مِحْجَمَةَ دمٍ . (3)

.


1- . هكذا في المصدر ، والصواب : «دمٌ» .
2- . تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 288 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 254 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص 260.
3- . دلائل الإمامة : ص 160 ح 72 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 141.

ص: 68

20 ما زُعم أنّه عليه السلام أوصى به أخاه الحسين عليه السلام

20ما زُعِمَ أنّه عليه السلام أوصى به أخاه الحسين عليه السلامقال أبو عمر : روينا من وجوه : أنَّ الحسن بن عليّ لمَّا حضرته الوفاةُ ، قال للحسين أخيه :يا أخي ، إنَّ أباكَ حِينَ قُبِضَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله استَشرَفَ لِهذا الأَمرِ ، وَرَجا أنْ يَكونَ صاحِبَهُ ، فَصرَفَهُ اللّه ُ عَنهُ ، وَوَلِيَها أبو بكر ، فَلَمَّا حَضَرت أبا بكر الوَفاةُ تشوَّف لَها أيضاً ، فصُرِفَت عَنهُ إلى عُمَرَ ، فَلَمَّا قُبض عمرُ جَعلَها شورى بَينَ سِتَّةٍ هُو أحَدُهُم ، فَلَم يشكَّ أنَّها لا تَعدوهُ ، فَصُرِفَت عَنهُ إلى عُثمانَ ، فلمَّا هلَكَ عُثمانُ بُويِعَ لَهُ ، ثُمَّ نُوزِعَ حَتَّى جَرَّدَ السَّيف وطلبها ، فما صفا لَهُ شَيءٌ مِنها ، وإنِّي واللّه ِ ما أرى أنْ يَجمَعَ اللّه ُ فينا أهلَ البَيتِ النُّبوَّةَ والخِلافَةَ ، فَلا أعرِفَنَّ ما استَخَفَّكَ سُفهاءُ أهلِ الكُوفَةِ فَأَخرَجوكَ . وَقَد كُنتُ طَلَبتُ إلى عائِشَةَ إذا مِتُّ أنْ أُدفَنَ في بَيتِها مَعَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . فَقالَت : نَعَم وَإنِّي لا أدري ، لَعَلَّهُ كانَ ذلِكَ مِنها حَياءً ، فَإِذا أنَا مِتُّ فاطلُب ذلِكَ إِلَيها ، فَإنْ طابَت نَفسُها فادُفنِّي في بَيتِها ، وَما أظُنُّ إلاَّ القومَ سَيمنَعونَكَ إِذا أردَتَ ذلِكَ ، فَإنْ فَعَلُوا فَلا تُراجِعْهُم في ذلِكَ ، وادفنِّي في بَقيعِ الغَرْقَدِ (1) ، فَإنَّ لي بِمَن فيهِ أُسوَةً .

فَلَمَّا ماتَ الحَسَنُ أتى الحُسينُ عائِشَةَ يَطلُبُ ذلِكَ إلَيها ، فَقالَت : نَعَم حُبَّاً وَكَرامَةً . فبلَغَ ذلِكَ مَروانَ ، فَقالَ مَروانُ : كَذِب وكَذِبَت ، واللّه ِ ، لا يُدفَنُ هُناكَ أبَداً ، مَنعوا عُثمانَ مِن دَفنِهِ فِي المَقبَرَةِ ، ويُريدونَ دَفْن حَسَنٍ في بَيتِ عائِشَةَ ! فَبَلَغَ ذلِكَ حُسيناً ، فَدَخلَ هُو وَمَن مَعهُ فِي السِّلاحِ ، فَبلَغَ ذلِكَ مَروانَ فاستلأمَ في الحَديدِ أيضاً ، فبَلغَ ذلِكَ أبا هُريرَة ، فَقال : واللّه ِ ، ما هُو إلاَّ ظُلم ، يُمنَعُ حَسَنٌ أنْ يُدفَنَ مَعَ أبيهِ ، واللّه ِ إنَّه لاَبنُ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . ثمَّ انطَلَقَ إلى حُسَينٍ ، فَكَلَّمَهُ وناشَدَهُ اللّه َ ، وقالَ لَهُ : ألَيسَ قَد قَالَ أخوكَ : إنْ خِفتَ أنْ يكون قِتالٌ فَرُدَّني إلى مَقبَرَةِ المُسلِمينَ؟ وَلَم يَزَل بهِ حَتَّى فعل ، وَحَمَلَهُ إلى البقيعِ ، وَلَم يَشهَدهُ يَومَئِذٍ مِن بني أُميَّةَ إلاَّ سَعيدُ بنُ العاص ، وَكانَ يَومئذٍ أميراً عَلى المَدينَةِ ، قَدَّمَهُ الحُسين في الصَّلاةِ عَلَيهِ ، وَقالَ : هي السُّنَّة . (2) وقد قال في خلاصة عبقات الأنوار ما نصُّه: لقد افتروا كذبا فزعموا أنّ الإمام الحسن أوصى إلى أخيه الإمام الحسين عليه السلام (ج4 ص 244). والواقع أنَّ هذه الوصية تتضمن تناقضات واضحة، ويمكن أن نشير إليها كالآتي: 1 _ طريقة خطابه عليه السلام لأخيه الحسين «إنّ أباك» غير مستساغة. 2 _ استشراق أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة، وكأنّ النبي صلى الله عليه و آله لم ينصّ عليه. 3 _ كيف يصرف اللّه الحقَّ عن أهله؟ وهو الذي قال في محكم كتابه مخاطبا رسوله الكريم _ في حجّة الوداع _ في شأن تبليغ ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام : « وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ » . 4 _ عدم إمكان صدور عبارة مثل: «حتّى جرّد السيف وطلبها فما صفا له شيء منها» عن الإمام الحسن عليه السلام بحقّ والدهِ، وهو يعلم عصمته وحكمته واتباعه لأمر اللّه . 5 _ «واني واللّه لا أرى أن يجمع اللّه فينا أهل البيت النبوّة والخلافة» هل يعقل أن يقول الحسن ذلك؟ وأن يجهل أمير المؤمنين عليه السلام هذه الحقيقة؟ 6 _ قوله: «فلا أعرفَنَّ ما استخفَّك سفهاءُ أهل الكوفة فأخرجوك... الخ» أليس في هذا _ إن صحَّ _ حجّة على الحسين عليه السلام في خروجه إلى الكوفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا خالف الحسين وصية أخاه؟ 7 _ نفت هذه الرواية ما اجمع عليه المؤرخون في العامة والخاصة، من أنّ عائشة ركبت على بغل وقالت: «نحّوا ابنكم عن بيتي» وقالت: «لا تدخلوا بيتي من لا أحب» وهذه الرواية تُثبت البراءة لعائشة وانّ التقصير من مروان لا منها. 8 _ ما نقله صاحب ذخائر العقبى من أنَّ أبا هريرة كان يتوسل بالحسين عليه السلام في سبيل عدم تضييع وصية أخيه الحسن، وهذا أعجب العجب، أفيكون الحسين محتاجا لمثل هذا النصح؟ أو يكون أبو هريرة أحرص من الحسين على إنفاذ وصية أخيه. وهو الذي نفّذها كاملة ولم يرق في أمر أخيه محجمة من دم. هذا كلّه ما يخصّ مناقشة أقسام من متن هذه الوصية التي نسبت إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام . وأمّا ما يخصّ سندَ هذه الوصيّة فنقول: إنّ الأسانيد التي نقلت بها هذه الوصيّة ضعيفة جدّا، مع اضطراب متونها، ولم تذكر في مصادر أبناء العامّة المعتبرة عندهم، مضافا إلى كونها لم ترد في مصدر واحدٍ من مصادر الشيعة، بل على العكس عدَّها بعض علماء الشيعة من الافتراءات.

.


1- . بقيع الغرقد : هو مقبرة أهل المدينة ، وسمّى بذلك لأنّه كان فيه غرقد ، وهو ضرب من شجر العضاه وشجر الشّوك .
2- . ذخائر العقبى للطبري : ص 244 وراجع: سِيَر أعلام النبلاء: ج 3 ص 278 .

ص: 69

. .

ص: 70

. .

ص: 71

21 وصيّتُه عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلام

21وصيَّتُه عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلامفي الأمالي : حدَّثنا محمَّد بن محمَّد ، قال : حدَّثنا أبو الحسن عليّ بن بلال المهلبيّ ، قال : حدَّثنا مزاحم بن عبدالوارث بن عبَّاد البصريّ بمصر ، قال : حدَّثنا محمَّد بن زكريَّا الغلابيّ ، قال : حدَّثنا العبَّاس بن بكَّار ، قال : حدَّثنا أبو بكر الهذليّ ، عن عكرمة ، عن ابن عبَّاس 1 . قال الغلابيّ : وحدَّثنا أحمد بن محمَّد الواسطيّ ، قال : حدَّثنا محمَّد بن صالح بن النَّطَّاح ، ومحمَّد بن الصّلت الواسطيّ ، قالا : حدَّثنا عمر بن يونس اليماميّ ، عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبَّاس . قال : وحدَّثنا أبو عيسى عبيد اللّه بن الفضل الطّائيّ ، قال : حدَّثنا الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن عمربن عليّبن الحسين بن عليّبن أبيطالب( عليهم السلام) ، قال : حدَّثني محمَّد بن سلام الكوفيّ ، قال : حدَّثنا أحمد بن محمَّد الواسطيّ ، قال : حدَّثنا محمَّد بن صالح ، ومحمَّد بن الصّلت ، قالا : حدَّثنا عمر بن يونس اليماميّ ، عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبَّاس ، قال : دخل الحسين بن عليّ( عليهماالسلام) على أخيه الحسن بن عليّ ( عليهماالسلام) في مرضه الَّذي تُوفّي فيه ، فقال له : كَيفَ تَجِدُك يا أَخي؟ قال : أجِدُني في أوَّلِ يَومٍ مِن أيَّامِ الآخِرَةِ ، وآخِرَ يَومٍ مِن أيّامِ الدُّنيا ، وَاعلَم أ نِّي لا أسبِقُ أَجَلي ، وَأنِّي وارِدٌ عَلى أبي وَجَدّي عليهماالسلام ، عَلى كُرهٍ منِّي لفِراقِكَ وفِراقِ إخوَتِكَ وفِراقِ الأَحِبَّةِ ، واستَغفِرُ اللّه َ مِن مَقالَتي هذهِ وأتوبُ إلَيهِ ، بَل عَلى مَحَبَّةٍ مِنِّي لِلِقاء رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَأميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وَلِقاءِ فاطِمَةَ ، وحَمزَةَ ، وَجَعفر ٍ عليهم السلام ، وَفِي اللّه ِ عز و جل خَلَفٌ مِن كُلِّ هالِكٍ ، وعَزاءٌ مِن كُلِّ مُصيبَةٍ ، وَدَركٌ مِن كُلِّ ما فاتَ . رَأَيتُ يا أخي كَبدِي آنِفاً فِي الطَّستِ ، وَلَقَد عَرَفتُ مَن دَهاني ، وَمِن أينَ أُتيتُ ، فما أَنتَ صانِعٌ بهِ يا أَخي؟ فقال الحسين عليه السلام : أقتلُهُ واللّه ِ . قال : فَلا أُخبِرُكَ بهِ أبَداً حَتَّى نَلقى رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَلكِن اكتُب : هذا ما أوصى بهِ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إلى أخيهِ الحُسينِ بنِ عَلِيٍّ : أوصى أ نَّهُ يَشهَدُ أنْ لا إلَه إلاَّ اللّه ُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأنَّهُ يَعبُدُهُ حَقَّ عِبادَتِهِ ، لا شَريكَ لَهُ فِي المُلكِ ، وَلا وَلِيَّ لَهُ مِنَ الذُّلِّ ، وَأنَّهُ خَلَق كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقديراً ، وَأنَّهُ أَولى مَن عُبِدَ ، وأحَقُّ مَن حُمِدَ ، مَن أطاعَهُ رَشِدَ ، وَمَن عصاهُ غَوى ، وَمَن تابَ إليهِ اهتَدى . فَإنِّي أُوصيكَ يا حُسَينُ : بِمَن خَلَّفتُ مِن أهلي ، وَوُلدي ، وَأَهلِ بَيتِكَ ، أنْ تَصفَحَ عَن مُسيئهم ، وَتَقبَلَ مِن مُحسِنِهم ، وتَكونُ لَهُم خَلَفاً وَوالِداً ، وأنْ تَدفِنَني مَعَ جَدّي رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَإنِّي أحَقُّ بهِ وبِبَيتِهِ مِمَّن أُدخِلَ بَيتَهُ بِغَيرِ إذنِهِ ، وَلا كِتابَ جاءَهُم مِن بَعدِهِ ، قال اللّه تَعالى فيما أنزلَهُ عَلى نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله في كِتابهِ : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ » (1) ، فَوَ اللّه ِ ما أُذِنَ لَهُم فِي الدُّخولِ عَلَيهِ في حَياتِهِ بِغَيرِ إذنِهِ ، ولا جاءَهُم الإذنُ في ذلِكَ مِن بَعدِ وَفاتِهِ ، وَنَحنُ مَأذونٌ لَنا فِي التَّصرُّفِ فيما وَرِثناهُ مِن بَعدِهِ ، فَإنْ أبَت عَلَيكَ الإمرأة فَأُنشِدُكَ بِالقَرَابَةِ الَّتي قَرَّبَ اللّه ُ عز و جل مِنكَ ، وَالرَّحِمِ الماسَّةِ مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنْ لا تُهريقَ فِيَّ مِحْجَمَةً (2) مِن دَم حَتَّى نلقى رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَنَختَصِمُ إليهِ ، وَنُخبِرُهُ بِما كان مِنَ النَّاسِ إلينا بَعدَهُ . ثُمَّ قُبِضَ عليه السلام . (3)

.


1- . الأحزاب : 53 .
2- . المِحْجمة : أداة الحجم ، والقارورة الَّتي يُجمع فيها دم الحِجامة .
3- . الأمالي للطوسي : ص 158 ح 267 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 151 ، إثبات الهداة : ج 5 ص 170 ، أعيان الشّيعة : ج 4ص79.

ص: 72

. .

ص: 73

. .

ص: 74

. .

ص: 75

. .

ص: 76

. .

ص: 77

. .

ص: 78

. .

ص: 79

22 وصيّتُه عليه السلام إلى القاسم بن الحسن عليهماالسلام

22وصيَّتُه عليه السلام إلى القاسم بن الحسن8الفخريّ قال : رُوي أنَّه لمَّا آلَ أمرُ الحُسين عليه السلام إلى القتال بكربلاء ، وقتل جميع أصحابه ووقعت النَّوبة على أولاد أخيه الحسن عليه السلام ، جاء القاسم بن الحسن عليهماالسلام ، وقال : يا عَمُّ الإجازة لأمضي إلى هؤلاء الكفَّارِ . فقال له الحسين عليه السلام : يابنَ أخي ، أنتَ مِن أخي عَلامَةٌ ، وَأُريدُ أَن تبقى لي لأَتسلَّى بِكَ . وَلَم يُعطِهِ إجازةً للبِراز . فَجَلَس مَهموماً مَغموماً باكِيَ العَينِ ، حَزينَ القَلبِ ، وَأجازَ الحُسينُ عليه السلام إخوَتَهُ للبرازِ وَلَم يُجِزهُ ، فَجَلَسَ القاسِمُ مُتألّماً ، وَوَضَعَ رأسَهُ عَلى رِجلَيهِ ، وذَكَر أنَّ أباه قَد رَبَطَ لَهُ عوذَةً في كَتفِهِ الأيمَنِ ، وَقال لَهُ إذا أصابَكَ أَلمٌ وَهَمٌّ ، فَعَلَيكَ بِحَلِّ العوذَةِ وَقِراءَتِها ، فَافهَم مَعناها واعمَل بِكُلِّ ما تَراهُ مَكتوباً فيها ، فَقالَ القاسِمُ لِنَفسِهِ : مَضى سنونُ عَلَيَّ وَلَم يُصِبني مِثلُ هذا الألَمِ ، فَحَلَّ العُوذَةَ وَفَضَّها ، وَنَظَر إلى كتابَتِها ، وإِذا فيها : يا ولدي يا قاسِمُ ، أُوصيكَ إنَّكَ إذا رَأَيتَ عَمَّكَ الحُسينَ عليه السلام في كَربلاءَ ، وَقَد أحاطَت بهِ الأَعداءُ ، فَلا تَترُكِ البِرازَ وَالجِهادَ لِأَعداءِ اللّه ِ وأعداءِ رَسولِهِ ، وَلا تَبخَل عَلَيهِ بِرِوحِكَ ، وكُلَمَّا نَهاكَ عَنِ البِرازِ عاوِدْهُ لِيأذَنَ لَكَ فِي البِرازِ ، لِتَحظى في السَّعادَةِ الأبديَّةِ . فقام القاسمُ مِن ساعَتِهِ ، وَأتى إلى الحُسينِ عليه السلام ، وَعَرَض ما كَتَب أبوهُ الحَسنُ عليه السلام عَلى عَمِّهِ الحُسينِ عليهماالسلام ، فَلَمَّا قَرأ الحُسينُ عليه السلام العوذَةَ ، بكى بُكاءً شَديداً ، وَنادى بالوَيلِ وَالثُّبورِ ، وتَنفَّسَ الصُّعداءَ ، وَقال : يا ابنَ الأخِ ، هَذهِ الوَصِيَّةُ لَكَ مِن أبيكَ ، وَعِندي وَصِيَّةٌ أُخرى مِنهُ لَكَ ، وَلابُدَّ مِن إنفاذِها . . . (1) وهذا هو ما عثرنا عليه من مكاتيب الإمام الحسن المجتبى عليه السلام والحمد للّه ربّ العالمين.

.


1- . مدينة المعاجز : ج 3 ص 366 الرّقم931.

ص: 80

. .

ص: 81

مكاتيب الإمام الحسين بن عليّ

اشاره

مكاتيب :الإمام الحسين بن عليّ عليهماالسلام

.

ص: 82

. .

ص: 83

الفصل الأوّل : مكاتيبه في عهد معاوية

1 كتابه عليه السلام إلى معاوية في احتجاجه عليه السلام عليه

في تكذيب الوشاة به عليه السلام

الفصل الأوّل :مكاتيبه عليه السلام في عهد معاوية1كتابُه عليه السلام إلى معاويةفي احتجاجه عليه السلام عليهقال عليه السلام _ في جواب كتاب كتبه إليه معاوية على طريق الاحتجاج _ : في تكذيب الوشاة به عليه السلامأمَّا بَعدُ ؛ فَقَد بَلَغَني كِتابُكَ ، أنَّهُ بَلَغَكَ عَنِّي أُمورٌ أنَّ بي عَنها غِنىً ، وَزَعَمتَ أنِّي راغِبٌ فيها ، وَأَنا بِغَيرِها عَنكَ جَديِرٌ ، وأمَّا ما رَقى إِليكَ عَنِّي ، فَإنَّهُ إنَّما رَقاهُ إِليكَ المَلاّقونَ (1) المَشَّاؤون بالنَّمائِم ، المُفَرِّقونَ بَينَ الجَمعِ . كَذِبَ السَّاعونَ الواشونَ ، ما أَردتُ حَربَكَ وَلا خِلافاً عَلَيكَ ، وأَيمُ اللّه ِ إنِّي لَأَخافُ اللّه َ عَزَّ ذِكرُهُ في تَركِ ذلِكَ ، وَما أَظُنُّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالى بِراضٍ عَنِّي بِتَركِهِ ، وَلا عاذرِي بِدُونِ الاعتذارِ إِليهِ فِيكَ ، وَفي أولِيائِكَ القاسِطينَ المُجلِبينَ حِزبِ الظَّالِمينَ ، بِأولِياءِ الشَّيطانِ الرَّجيمِ .

.


1- . المَلَق : الوُدُّ واللُّطف الشّديد(الصّحاح : ج 4 ص 1557) .

ص: 84

توبيخه على قتل حجر وأصحابه

توبيخه على قتل حجر وأصحابهألَستَ قاتِلَ حُجْرِ بنِ عَديٍّ أخي كِندَةَ 1 وَأَصحابِهِ الصَّالِحينَ المُطيعينَ العابِدينَ ، كانوا يُنكِرونَ الظُّلمَ ، وَيَستَعظِمونَ المُنكَرَ والبِدَعَ ، ويُؤثِرونَ حُكمَ الكِتابِ ، ولا يَخافونَ فِي اللّه ِ لَومَةَ لائِمٍ ، فَقَتَلتَهُم ظُلماً وَعُدواناً مِن بَعدِ ما كُنتَ أعطَيتَهم الأمانَ والأَيمانَ المُغَلَّظَةَ ، وَالمَواثيقَ المُؤَكَّدَةَ ، لا تَأخُذُهُم بِحَدَثٍ كانَ بَينَكَ وَبَينَهُم ، وَلا بِإِحنَةٍ (1) تَجِدُها في صَدرِكَ عَلَيهِم . أوَلَستَ قاتِلَ عَمرو بنِ الحَمِقِ صاحِبِ رَسولِ اللّه ِ( صلى الله عليه و آله ) ،العَبدِ الصَّالِحِ الَّذي أبْلَتهُ العِبادَةُ فَصَفِرَت لَونُهُ ، ونَحِلَت جِسمُهُ ، بَعدَ أنْ أمَّنتَهُ وَأعطَيتَهُ مِن عُهُودِ اللّه ِ عز و جل وَمِيثاقَهُ ما لَو أَعطَيتَهُ العُصَم (2) فَفَهِمَتهُ لَنَزَلَت إِلَيكَ مِن شَعَفِ الجبالِ (3) ، ثُمَّ قَتَلتَهُ جُرأةً علَى اللّه ِ عز و جل ، واستخِفافاً بِذلِكَ العَهدِ؟

.


1- . أحن الرجل : من باب تعب : حَقَد وأضمر العداء ، والإحنة إسم منه (المصباح المنير : ص 6) .
2- . غراب أعصم : في أحد جناحيه ريشة بيضاء ، وقيل : هو الَّذي إحدى رجليه بيضاء ، وقيل : هو الأبيض . (لسان العرب : ج 12 ص 406) .
3- . شعف الجبال : رؤوس الجبال(لسان العرب : ج 9 ص 177) .

ص: 85

. .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

. .

ص: 90

. .

ص: 91

. .

ص: 92

تعجّبه عليه السلام من استلحاق زياد

لومه على قتل الحضرميّين

تعجّبه عليه السلام من استلحاق زيادأوَ لَستَ المُدَّعي زِيادَ بنَ سُميَّةَ ، المَولودَ علَى فِراشِ عُبَيدٍ عَبدِ ثَقيفٍ ، فَزَعَمتَ أنَّهُ ابنُ أَبيكَ ، وَقَد قالَ رَسولُ اللّه ِ ( صلى الله عليه و آله ) : الوَلَدُ لِلفرِاشِ ، وَللعاهِرِ الحَجَرُ ؛ فَتَركتَ سُنَّةَ رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، واتَّبَعتَ هَواكَ بِغَيرِ هُدى مِنَ اللّه ِ ، ثُمَّ سَلَّطتَهُ عَلى أَهلِ العِراقِ ، فَقَطَعَ أيدِي المُسلِمينَ وَأَرجُلَهُم وَسَمَلَ أعيُنَهُم (1) ، وَصَلَبَهُم علَى جُذُوعِ النَّخلِ ، كَأنَّكَ لَستَ مِن هذِهِ الأُمَّةِ ، ولَيسوا مِنكَ؟

لومه على قتل الحضرميّينأوَ لَستَ صاحِبَ الحَضرَمِيّينِ ، الذينِ كَتَبَ إلَيكَ فِيهِم ابنُ سُمَيَّة : أنَّهُم علَى دِينِ عَلِيٍّ وَرَأيِهِ ، فَكَتَبتَ إِلَيهِ : اقتُل كُلَّ مَن كانَ علَى دِينِ عَلِيٍّ[ عليه السلام ]وَرَأيِهِ ، فَقَتَلَهُم ، وَمَثَّلَ بِهِم بِأَمرِكَ ، وَدِينُ عَلِيٍّ _ واللّه _ وابنِ عَلِيٍّ (2) الَّذي كان يَضرِبُ عَلَيهِ أَباكَ ، وَهُوَ أَجلَسَكَ مَجلِسَكَ الَّذي أَنتَ فيهِ ، وَلَولا ذَلِكَ لَكانَ أَفضَلَ شَرَفِكَ وَشَرَفِ أَبيكَ تَجَشُّمُ الرِّحلَتَينِ اللَّتَينِ بِنا مَنَّ اللّه ُ عَلَيكُم فَوَضَعَهُما عَنكُم؟

.


1- . سَلَمْت عينه : فَقَأْتها بحديدة محْماة (المصباح المنير : ص 286) .
2- . هكذا في المصدر ، وفي المصادر الاُخرى لا توجد : «وابن عليّ» .

ص: 93

في تحذيره من الفتنة وشقّ عصا الاُمّة

في أنّه عليه السلام لا يخاف معاوية

في تحذيره من سوء العاقبة والحساب

في تحذيره من الفتنة وشقّ عصا الاُمّةمكاتيب الإمام الحسين بن عليّوَقُلتَ فيما تَقولُ : انظر لِنَفسِكَ وَلِدِينِكَ وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، واتَّقِ شَقَّ عَصا هذِهِ الأُمَّةِ ، وَأَن تَرُدَّهُم في فِتنَةٍ . فَلا أعرِفُ فِتنَةً أعظَمُ مِن ولايَتِكَ عَلَيها ، ولا أعلَمُ نَظَراً لِنفسي ووُلدي وَأُمَّةِ جَدِّي( صلى الله عليه و آله ) أفضل مِن جِهادِكَ ، فَإنْ فَعلتُهُ فَهُو قُربَةٌ إلى اللّه ِ عز و جل ، وإنْ تَرَكتُهُ فَأستَغفِرُ اللّه َ لِذَنبي ، وأَسأَ لَهُ تَوفِيقي لإرشادِ أُموري .

في أنّه عليه السلام لا يخاف معاويةوَقُلتَ فِيما تَقولُ : إنْ أُنكِركَ تُنكِرني ، وَإنْ أَكِدكَ تَكِدني ، وهَل رَأيُكَ إلاَّ كَيدُ الصَّالِحينَ ، مُنذُ خُلِقتَ؟ فَكِدني ما بَدا لَكَ إنْ شِئتَ فَإنِّي أَرجو أنْ لا يَضُرَّني كَيدُكَ ، وأنْ لا يَكونَ علَى أحَدٍ أضرَّ مِنهُ عَلَى نَفسِكَ ، عَلَى أنَّكَ تَكِيدُ فَ_تُوقِظُ عَدُوَّكَ ، وَتُوبِقُ نَفسَكَ ، كَفِعلِكَ بِهؤُلاءِ الَّذينَ قَتَلتَهُم ، وَمَثَّلتَ بِهِم بَعدَ الصُّلحِ والأيمانِ والعَهدِ والمِيثاقِ فَقَتَلتَهُم مِن غَيرِ أنْ يَكونوا قَتَلوا ، إلاَّ لِذِكرِهِم فَضلَنا ، وَتَعظيمِهِم حَقَّنا ، بِما بهِ شَرُفتَ وَعُرِفتَ ، مَخافَةَ أمرٍ لَعَلَّكَ لَو لَم تَقتُلهُم مِتَّ قَبل أنْ يَفعَلوا ، أوْ ماتوا قَبلَ أنْ يُدرَكوا .

في تحذيره من سوء العاقبة والحسابأبشِر يا مُعاوِيَةُ بالقِصاصِ ، واستَعِدَّ للحِسابِ ، واعلَم أنَّ للّه ِِ عز و جل كِتاباً لا يُغادِرُ صَغيرَةً ولا كَبِيرَةً إلاَّ أحصاها ، وَلَيسَ اللّه ُ تَبارَكَ وَتَعالى بِناسٍ أَخذَكَ بالظِّنَّة ، وَقَتلَكَ أَولِياءَهُ بالتُّهمَةِ ، وَنَفيَكَ إيَّاهُم مِن دارِ الهِجرَةِ إلى الغُربَةِ وَالوَحشَةِ ، وَأَخذَكَ النَّاسَ بِبَيعَةِ ابنِكَ غُلامٍ مِنَ الغِلمانِ ، يَشرَبُ الشَّرابَ ، ويَلعَبُ بالكِعابِ 1 لا أعلَمُكَ إلاَّ قَد خَسِرتَ نَفسَكَ ، وشَرَيتَ دِينَكَ ، وَغَشَشتَ رَعِيَّتَكَ ، وخُنْتَ أمانَتَكَ ، وسَمِعتَ مَقالَةَ السَّفيهِ الجاهِلِ ، وأَخَفتَ التَّقِيَّ الوَرِعَ الحَليمَ .

.

ص: 94

في تكذيب الوشاة به عليه السلام

قال : فلمَّا قرأ معاوية كتاب الحسين عليه السلام ، قال : لقد كان في نفسه ضبّ (1) عليَّ ما كنت أشعر به . فقال له ابنه يزيد ، وعبداللّه بن أبي عمر بن حفص (2) : أجبه جواباً شديداً تصغر إليه نفسه ، وتذكر أباه بأسوأ فعله وآثاره . فقال : كلاَّ ، أرأيتما لو أنِّي أردت أنْ أعيب عليَّاً محقّاً ما عسيت أنْ أقول ، إنَّ مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل ، وما لا يعرف النَّاس ، ومتى عبت رجلاً بما لا يعرف النَّاس لم يحفل به صاحبه ، ولم يره شيئاً ، وما عسيت أنْ أعيب حسيناً ، وما أرى للعيب فيه موضعاً ، ألا إنِّي قد أردت أنْ أكتب إليه ، وأتوعَّده وأهدده ، وأجهله ، ثمَّ رأيت أنْ لا أفعل . قال : فما كتب إليه بشيء يسوؤه ، ولا قطع عنه شيئاً كان يصله به ، كان يبعث إليه في كلّ سنة ألف ألف درهم ، سوى عروض وهدايا من كلّ ضرب (3) . (4) نصّ الكتاب على رواية الإمامة والسِّياسة :

في تكذيب الوشاة به عليه السلامأمَّا بَعدُ ؛ فَقَد جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ أنَّهُ انتَهَت إِلَيكَ عَنِّي أُمورٌ ؛ لَم تَكُن تَظُنُّني بِها ، رَغبَةً بي عَنها ، وَإنَّ الحَسناتِ لا يَهدي لها ، ولا يُسَدِّد إِلَيها إلاَّ اللّه ُ تَعالى ، وَأمَّا ما ذَكَرتَ أنَّهُ رُقِيَ إِلَيكَ عَنِّي ، فَإنَّما رَقَّاه المَلاَّقُونَ ، المَشاؤُونَ بالنَّمِيمَةِ ، المُفَرِّقونَ بَينَ الجَمعِ ، وكَذِبَ الغَاوونَ المارِقُونَ ، ما أَرَدتُ حَرباً وَلا خِلافاً ، وَإنِّي لَأَخشى للّه ِ في تَركِ ذلِكَ ، مِنكَ وَمِن حِزبِكَ ، القاسِطينَ المُحِلِّينَ ، حزِبِ الظَّالِمِ ، وأَعوانِ الشَّيطانِ الرَّجيمِ .

.


1- . الضبّ : الحقد (المصباح المنير : ص 357) .
2- . عبداللّه بن عمرو بن العاص .
3- . وفي نسخة : «عرض» .
4- . الاحتجاج : ج 2 ص 89 _ 93 ح 164 وراجع : رجال الكشي : ج 1 ص 252 ، دعائم الإسلام : ج 2 ص 131 ح 468 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 212 وج66 ص 495 ح 41 ؛ أنساب الأشراف : ج 3 ص 367 ، تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام الحسين : ص 198 ،الإمامة والسّياسة : ج 1 ص 201 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 162.

ص: 95

توبيخه على قتل حجر وأصحابه

تعجّبه عليه السلام من استلحاق زياد

توبيخه على قتل حجروأصحابهألستَ قاتِلَ حُجرٍ ، وَأَصحابِهِ العابِدينَ المُخبِتينَ ، الَّذينَ كانوا يَستَفظِعونَ البِدَعَ ، ويَأمُرونَ بِالمَعروفِ ، وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ ، فَقَتَلتَهُم ظُلماً وَعُدواناً ، مِن بَعدِ ما أعطَيتَهُمُ المَواثِيقَ الغَليظَةَ ، والعُهودَ المُؤَكَّدَةَ ، جَراءَةً علَى اللّه ِ وَاستِخفافاً بِعَهدِهِ .

تعجّبه عليه السلام من استلحاق زيادأوَ لستَ بِقاتِلِ عَمرو بنِ الحَمِقِ ، الَّذي أَخلَقَت وأَبلَت وَجهَهُ العِبادَةُ ، فَقَتَلتَهُ مِن بَعدِ ما أَعطَيتَهُ مِنَ العُهودِ ما لَو فَهِمتَهُ العُصَمُ ، نَزلَت مِن شُعَفِ الجِبالِ . أوَ لستَ المُدَّعي زِياداً في الإسلامِ (1) ، فَزَعَمتَ أنَّهُ ابنُ أبي سُفيانَ ، وَقَد قَضى رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : أنَّ الوَلَدَ لِلفِراشِ ، ولِلعاهِرِ الحَجَرُ ؛ ثُمَّ سَلَّطتَهُ علَى أهلِ الإسلامِ ، يَقتُلُهُم ويُقَطِّعُ أَيدِيَهُم وَأَرجُلَهُم مِن خِلافٍ ، ويصلبهم على جذوع النَّخل . سُبحانَ اللّه ِ يا مُعاوِيَةُ ! لَكَأنَّكَ لَستَ مِن هذهِ الأُمَّةِ ، وَليسوا مِنكَ .

.


1- . يريد زياد بن أبيه ، حيث استلحقه معاوية ، وجعله أخيه ، وسمَّاه زياد بن أبي سفيان ، وكان أبو سفيان قد أنكر أنَّه ابنه من سميَّة (انظر ما ذكره المسعودي في مروج الذّهب : ج 3 ص 7) .

ص: 96

لومه على قتل الحضرمي

في عدم الاكتراث بتهديده

أمره بالتقوى وتحذيره من الحساب

لومه على قتل الحضرميأوَ لَستَ قاتِلَ الحَضرَميِّ الَّذي كَتَبَ إلَيكَ فيهِ زِيادٌ أنَّهُ علَى دِينِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللّه ُ وَجهَهُ ، وَدِينُ عَليٍّ هُو دِينُ ابنِ عَمِّهِ صلى الله عليه و آله ، الَّذي أجلَسَكَ مَجلِسَكَ الَّذي أَنتَ فيهِ ، وَلَولا ذلِكَ كانَ أَفضَلَ شَرَفِكَ وَشَرَفِ آبائِكَ تَجَشُّمُ الرِّحلَتَينِ : رِحلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيفِ ، فَوَضَعَها اللّه ُ عَنكُم بِنا ، مِنَّةً عَلَيكُم . وَقُلتَ فِيما قُلتَ : لا تُردُّ هذه الأُمَّةُ في فِتنَةٍ ، وَإنِّي لا أعلَمُ لَها فِتنَةً أعظَمَ مِن إمارَتِكَ عَليها . وَقُلتَ فيما قُلتَ : انظر لِنَفسِكَ وَلِدينِكَ وَلأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، وَإنِّي واللّه ِ ، ما أَعرِفُ أفضَلَ مِن جِهادِكَ ، فَإن أَفعَلْ فَإنَّهُ قُربَةٌ إلى رَبِّي ، وَإنْ لَم أَفعَلهُ فَأَستَغفِرُ اللّه َ لِديني ، وَأَسأَ لُهُ التَّوفيقَ لِما يُحِبُّ وَيَرضى .

في عدم الاكتراث بتهديدهوَقُلتَ فيما قُلتَ : مَتى تَكدِني أَكِدكَ ، فَكدِني يا مُعاوِيَةُ فيما بَدا لَكَ ، فَلَعَمْرِي لَقَديماً يُكادُ الصَّالِحونَ ، وَإنِّي لَأَرجو أنْ لا تَضِرَّ إلاَّ نفسَكَ ، وَلا تَمحَقَ إلاَّ عَمَلَكَ ، فَكدِني ما بَدا لَكَ .

أمره بالتقوى وتحذيره من الحسابواتَّقِ اللّه َ يا مُعاوِيَةُ ، واعلَم أنَّ لِلّهِ كتاباً لا يُغادِرُ صَغيرةً ولا كَبيرَةً إلاَّ أحصاها . وَاعلَم أنَّ اللّه َ لَيسَ بناسٍ لَكَ قَتلَكَ بالظّنَّةِ ، وَأخذَكَ بالتُّهمَةِ ، وإمارَتَكَ صَبيّاً يَشرَبُ الشَّرابَ ، وَيَلعَبُ بالكِلابِ ، ما أَراكَ إلاَّ وَقَد أَوبَقتَ (1) نَفسَكَ ، وَأَهلَكتَ دينَكَ ، وَأَضَعتَ الرَّعِيَّةَ ، والسَّلام . (2)

.


1- . وَبَقَ : هلك ، ويتعدّى بالهمزة ، فيقال : أوبقته (المصباح المنير : ص 646) .
2- . الإمامة والسّياسة : ج 1 ص 202.

ص: 97

وقال الكِشّيّ : رُوي أنَّ مروان بن الحَكَم كَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ ، وَهُو عامِلُهُ عَلى المَدينَةِ : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ عمرو بن عثمان ذكر أنَّ رجلاً من أهل العراق ، ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن عليّ ، وذكر أنَّه لا يأمنُ وثوبَهُ ، وقد بحثت عن ذلك ، فبلغني أنَّه يريد الخلاف يومَه هذا ، ولستُ آمن أن يكون هذا أيضاً لما بعده ، فاكتب إليَّ برأيك في هذا ، والسَّلام . فكتب إليه معاوية : أمَّا بعدُ ، فقد بلغني كتابُك وفهِمتُ ما ذكرت فيه من أمر الحُسينِ ، فإيَّاكَ أنْ تعرِضَ للحسينِ في شيءٍ ، واترك حُسيناً ما تركَكَ ، فإنَّا لا نُريدُ أنْ تعرِضَ لَهُ في شيءٍ ما وفى ببيعتنا ، ولم يَنْزُ 1 على سلطاننا (1) ، فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته (2) ، والسَّلام . وكتب معاوية إلى الحسين بن عليّ عليه السلام : أمَّا بعدُ ؛ فقد انتهت (3) إليَّ أُمور عنك ، إنْ كانت حقَّاً فقد أظنُّكَ تَرَكتَها رغبَةً فَدَعها ، ولَعَمْرُ اللّه ِ ، إنَّ مَن أعطى اللّه َ عَهدَهُ وميثاقَهُ لَجَديرٌ بالوَفاءِ ، وإن كانَ الَّذي بَلَغَني باطِلاً ، فإنَّك أنت أعذلُ النَّاسِ لِذلِكَ ، وَعظَ نَفَسِكَ فَاذكُرهُ ، ولِعَهدِ اللّه ِ أوفِ ، فإنَّك متى ما أُنكِركَ تُنكِرني ، ومتى أكدِك تَكِدني ، فاتَّق شَقَّكَ عصا هذِهِ الأُمَّةِ ، وأن يَرُدَّهُم اللّه ُ عَلى يَدَيكَ في فِتنَةٍ ، وَقَد عَرَفتَ النَّاسَ وبَلَوتَهُم ، فَانظُر لِنَفسِكَ وَلِدينِكَ وَلِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ولا يُسخِفَنَّكَ السُّفهاءُ وَالَّذينَ لا يَعلَمونَ . فَلَمَّا وصلَ الكتابُ إلى الحُسينِ عليه السلام كتبَ إليهِ : . . . (4)

.


1- . وفي نسخة : «ولم ينازعنا سلطاننا» .
2- . قوله : «فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته» ؛ من كمن له كموناً ، بمعنى تواري واستخفي . قال في المغرب : ومنه الكمين من حيل الحرب ، وهو أن يستخفوا في مكمن لا يفطن لهم ، وكمن عنه كموناً ، أي اختفي . وفي القاموس : إنَّ الفعل منه من بابي نصر وسمع ، ويقال : في المشهور من بابي ضرب ونصر .
3- . في المصدر : «انتهيت» ، وما أثبتناه هو الصحيح .
4- . رجال الكشّي : ج 1 ص 250 الرقم 97 _ 99 .

ص: 98

2 كتابه عليه السلام إلى معاوية بعد حيازته عليه السلام قافلة من اليمن

2كتابُه عليه السلام إلى معاويةبعد حيازته عليه السلام قافلة من اليمنورد في شرح نهج البلاغة : كان مالٌ حُمِل من اليَمن إلى معاوية ، فلمَّا مرَّ بالمدينة وَثَبَ عليه الحسينُ بن عليّ عليه السلام ، فأخَذَه وقَسَمَه في أهل بيته ومواليه ، وكتب إلى معاوية :من الحسين بن عليّ إلى معاوية بن أبي سفيان : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ عِيْرا مرَّت بِنا مِنَ اليَمنِ ، تَحمِلُ مالاً وَحُلَلاً وَعَنْبَراً وَطِيْباً إليكَ لِتُودِعَها خَزائِنَ دِمشقَ ، وَتَعُلُّ (1) بها بَعدَ النَّهَلِ (2) بَني أبيكَ ، وَإنِّي احتَجتُ إليها فَأَخَذتُها ، والسَّلام .

.


1- . علّه : إذا سقاه السّقية الثانية (الصّحاح : ج 5 ص 1773) .
2- . النهل : الشّربُ الأوّل (الصّحاح : ج 5 ص 1837) .

ص: 99

فكتب إليه معاوية : من عِندِ عَبدِ اللّه ِ مُعاوِيَةَ أميرِ المُؤمِنينَ إلى الحُسَينِ بن عَلِيٍّ : سلامٌ عليكَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ كتابَكَ ورَدَ عَلَيَّ تذكُر أنَّ عِيْراً مرَّت بِكَ مِنَ اليَمَنِ تَحمِلُ مالاً وَحُلَلاً وَعَنْبَراً وَطِيْباً إليَّ لأُودِعَها خَزَائِنَ دِمَشقَ ، وأعُلُّ بها بَعدَ النَّهَلِ بني أبي ، وأنَّكَ احتَجتَ إليها فَأخَذتَها وَلَم تَكُن جَديراً بِأَخذِها إذْ نَسَبتَها إليَّ ؛ لأنَّ الوالي أحقُّ بالمالِ ، ثُمَّ عَلَيهِ المَخرَجُ مِنهُ ، وَأيمُ اللّه ِ ، لو تُرِكَ ذلِكَ حَتَّى صارَ إليَّ ، لم أبْخَسْكَ حَظَّكَ مِنهُ ، وَلكنِّي قَد ظَنَنتُ يابنَ أخي أنَّ في رأسِكَ نَزْوَةً ، وَبِوُدِّي أن يَكونَ ذلِكَ في زَماني فَأَعرِفَ لَكَ قَدرَكَ ، وأتجاوَزَ عن ذلِكَ ، وَلكنِّي واللّه ِ ، أتخوَّفُ أنْ تُبتلى بِمَن لا يُنظِرُكَ فُواقَ ناقَةٍ . وكتب في أسْفَل كتابه : يا حسينُ بنَ عليّ ليس ماجِئتَ بالسَّائغِ يوماً في العِلَلْ أَخذُكَ المالَ وَلم تُؤْمَرْ بهِإنَّ هذا مِن حُسينٍ لعَجَلْ قَد أجزْناها وَلَم نَغْضَبْ لَهاواحتمَلْنا مِن حُسَينٍ ما فَعَلْ يا حُسينُ بنَ عليٍّ ذَا الأمَللَكَ بعدِي وَثْبَةٌ لا تُحْتَمَلْ وبِوُدِّي أنَّني شاهِدُهافأليها مِنكَ بالخُلْقِ الأجَلْ إنَّني أرْهَبُ أنْ تَصْلَى بِمَنعِندَهُ قَد سَبَقَ السّيفُ العَذَلْ (1) وهذِهِ سَعَةُ صَدرٍ وفراسَةٌ صادِقةٌ . (2)

.


1- . سبق السيف العذل : يضرب لما قد فات ، وأصل ذلك أنّ الحرث بن ظالم ضرب رجلاً فقتله ، فأخبر بعذره ، فقال : سبق السيف العذل (لسان العرب : ج 11 ص 438) .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 18 ص 409 وراجع : البداية والنّهاية : ج 8 ص 162.

ص: 100

3 كتابه عليه السلام إلى معاوية حول معاملة له مع مسلم بن عقيل

3كتابُه عليه السلام إلى معاويةحول معاملة له مع مسلم بن عقيلروى المدائنيّ ، قال : قال معاوية يوماً لعَقيل بن أبي طالب : هل من حاجة فأقضيها لك؟ قال : نعم ، جارية عُرِضت عليَّ وأبى أصحابُها أنْ يبيعوها إلاَّ بأربعين ألفْاً ، فأحبّ معاويةُ أنْ يمازحَه . فقال : وما تصنع بجارية قيمتُها أربعون ألفاً ، وأنتَ أعمى تجتزِئ بجارية قيمتها خمسُون درهماً . قال : أرجو أنْ أطأها فتلد لي غلاماً إذا أغضبتَه يضرب عنقك بالسَّيف . فضحك معاوية ، وقال : مازحناك يا أبا يزيد ! وأمر فابتيعَت له الجارية الَّتى أولد منها مسلِماً ، فلمَّا أتت على مسلم ثماني عشرة سنة _ وقد مات عَقيل أبوه _ قال لمعاوية : يا أمير المؤمنين إنَّ لي أرضاً بمكان كذا من المدينة ، وإنِّي أُعطيتُ بها مئة ألف ، وقد أحببتَ أنْ أبيعَك إيَّاها ، فادفع إليَّ ثمنها ، فأمر معاوية بقبض الأرض ، ودفع الثَّمن إليه . فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فكتب إلى معاوية : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّكَ غَرَرتَ غُلاماً من بني هاشم ، فابتَعتَ مِنهُ أرضاً لا يَملِكُها ، فاقبض مِنَ الغُلامِ ما دَفَعتَهُ إليهِ ، وارْدُدْ إلينا أرضَنا . فبعث معاوية إلى مسلم ، فأخبَرهُ ذلِكَ ، وَأقرَأهُ كِتابَ الحُسَينِ عليه السلام ، وَقال : ارْدُد علينا مالَنا ، وخُذ أرضَكَ ، فَإنَّك بِعتَ ما لا تَملِك . فقالَ مسلم : أمَّا دونَ أنْ أضرِبَ رأسك بالسَّيف فَلا . فَاستَلقى مُعاوِيَةُ ضاحِكاً يَضرِبُ برِجْلَيهِ ، فَقالَ : يا بُنيَّ ، هذا وَاللّه ِ ، كَلامٌ قالَهُ لي أَبوكَ حِينَ ابتعتُ لَهُ أُمَّكَ . ثُمَّ كتبَ إلى الحُسَينِ : إنِّي قَد رَدَدتُ عَلَيكُمُ الأَرضَ وَسَوَّغْتُ مُسلِماً ما أخَذَ . فقال الحسين عليه السلام : أبيتم يا آلَ أبي سُفيانَ إلاَّ كرَماً . (1) أقول : هذا من مفتعلات المدائنيّ وأضرابه ، لأنَّ مسلما رحمه الله _ على ما يظهر من الشَّواهد _ لم يكن وقتئذٍ شابَّاً له ثمان عشرة سنة ، بل هو من الرِّجال الكاملين ، مضافاً إلى أنَّه لم يكن بين بني هاشم وَبني أميَّة هذه المودَّة .

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 11 ص 251.

ص: 101

4 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة بعد شهادة الحسن عليه السلام

4كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةبعد شهادة الحسن عليه السلامو[ لمَّا ] بلغ أهل الكوفة وفاة الحسن ، فاجتمع عظماؤهم فكتبوا إلى الحسين رضى الله عنه يُعزُّونه . وكتب إليه جَعْدَة بن هُبَيْرَة بن أبي وَهَب 1 ، وكان أمحْضَهم حُبَّاً ومَودَّةً : أمَّا بَعدُ ؛ فإن مَن قِبَلَنا مِن شيعَتِكَ مُتَطَلِّعَةٌ أَنفُسُهُم إلَيكَ ، لا يَعْدِلونَ بِكَ أحَداً ، وَقَد كانوا عَرَفوا رأيَ الحَسَنِ أَخيكَ في دَفعِ الحَربِ ، وَعَرَفوكَ باللِّينِ لأَولِيائِكَ ، وَالغِلْظَةِ عَلى أَعدائِكَ ، والشِّدَّةِ في أمرِ اللّه ِ ، فَإنْ كُنتَ تُحِبُّ أنْ تَطلُبَ هذا الأمرَ فَأقدِم علَينا ، فَقَد وطَّنا أَنفُسَنا عَلى المَوتِ مَعَكَ . فكتب إليهم :أمَّا أخي ، فَأَرجو أنْ يكونَ اللّه ُ قَد وَفَّقهُ ، وسَدَّده فيما يأتي . وَأمَّا أنَا ، فَلَيسَ رأيي اليومَ ذلِكَ ، فالصَقوا رَحِمَكُم اللّه ُ بالأَرضِ ، واكمَنوا فِي البُيوتِ ، وَاحتَرِسوا مِنَ الظِّنَّةِ ما دامَ مُعاوِيَةُ حَيَّاً ، فَإن يُحدِثِ اللّه ُ بهِ حَدَثاً وأنَا حَيٌّ ، كَتَبتُ إِلَيكُم برأيي ، وَالسَّلام . (1)

.


1- . الأخبار الطّوال : ص 221 وراجع : تهذيب تاريخ ابن عساكر : ج 4 ص 326 ، تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه السلام : ص 197 ، تاريخ الخلفاء : ص 206 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 361 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 161 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 87 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 324.

ص: 102

. .

ص: 103

وقال المفيد رحمه الله: ما رواه الكَلبيُّ والمدائنيُّ وغيرُهما من أصحاب السِّيرة قالوا : لمَّا مات الحسنُ بنُ عليٍّ عليهماالسلام ، تحرَّكَتِ الشِّيعةُ بالعِراقِ ، وكَتَبوا إلى الحُسَينِ عليه السلام في خَلعِ مُعاوِيَةَ ، والبَيعَةِ لَهُ ، فامتنَعَ عَلَيهِم ، وذكَرَ أنَّ بينَهُ وبينَ مُعاوِيَةَ عَهْداً وَعَقداً لا يجوزُ لَهُ نقضُهُ ، حتَّى تمضِيَ المُدَّةُ ، فإنْ ماتَ مُعاوِيَةُ (1) نظَرَ في ذلِكَ . (2) وَيقرُبُ مِنهُ كلامُ الفَتَّال . (3) وَقالَ البلاذريّ بعد ذكره كتاب أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام في التَّعزية في شهادة الحسن عليه السلام : وَكتبَ إليهِ بنو جَعْدَةَ يُخبِرونَهُ بِحُسنِ رأي أَهلِ الكوفَةِ فيهِ ، وحُبِّهِم لِقدومِهِ وتَطَلُّعِهِم إِلَيهِ ، وأَن قَد لَقُوا مِن أنصارِهِ وإخوانِهِ مَن يَرضى هَديَهُ ، ويُطْمَأنُّ إلى قَولِهِ ، ويَعرِفُ نَجدَتَهُ وبأسَهُ ، فَأَفضوا إِلَيهِم بما هُم عَلَيهِ مِن شَنآنِ ابن أبي سفيانَ ، وَالبراءَةِ مِنهُ ، ويَسأَلونَهُ الكِتابَ إليهِم بِرَأيهِ . . . (4)

.


1- . مات معاويةُ ، وذلك للنصف من رجب سنة ستِّين من الهجرة .
2- . الإرشاد : ج 2 ص 32 ، أعلام الورى : ج 1 ص 434 نحوه ، بحار الأنوار : ج 44 ص 324 ح 2.
3- . روضة الواعظين :ج 1 ص 390 ح 413.
4- . أنساب الأشراف : ج 3 ص 366.

ص: 104

. .

ص: 105

الفصل الثّاني : مكاتيبه في عهد يزيد

5 كتابه عليه السلام إلى يزيد في التّبري من أعماله

الفصل الثّاني : مكاتيبه عليه السلام في عهد يزيد5كتابُه عليه السلام إلى يزيدفي التّبري من أعمالهقال ابن أعثم : وإذا كتاب يزيد بن معاوية 1 قد أقْبَل من الشَّام إلى أهل المدينة على البَرِيد من قريش وغيرهم من بني هاشم (1) ، وفيه هذه الأبيات : يا أيُّها الرَّاكِبُ الغادي لِطَيَّتهِعَلى عُذافِرَةٍ في سَيرِهِ قحمُ عَلى نَأيِ المَزارِ بِها اللّه ُ والرَّحِمُ وَمَوقِفٍ بِفِناءِ البَيتِ يَنشُدُهُعَهدُ الإلهِ وما تُوفي بهِ الذِّمَمُ غَنَّيتُمُ قَومَكُم فَخرَاً بِأُمِّكُمُأُمٌّ لعَمري حَصانٌ بَرَّةٌ كَرَمُ هِيَ الَّتي لا يُداني فَضلَها أحَدٌبِنتُ الرَّسولِ وَخَيرُ النَّاسِ قَد عَلِموا وَفَضلُها لَكُمُ فَضلٌ وَغَيرُكُمُمِن يَومِكُم لَهُمُ في فَضلِها قَسَمُ إنِّي لَأَعلَمُ حَقَّاً غيرَ ما كَذِبٍوَالطَّرفُ يَصدُقُ أحياناً وَيَقتَصِمُ أن سوفَ يُدرِكُكُم ما تَدَّعونَ بِهاقَتلَى تَهاداكُمُ العُقبانُ والرَّخَمُ يا قَومَنا لا تَشُبُّوا الحَربَ إذ سَكَنَتتَمَسَّكوا بِحبالِ الخَيرِ وَاعتَصِموا قَد غَرَّتِ الحَربُ مَن قد كانَ قَبلَكُممِنَ القُرونِ وَقَد بادَت بِها الأُمَمُ فَأنصِفوا قَومَكُم لا تَهلِكوا بَذَخاًفَرُبَّ ذي بَذَخٍ زَلَّت بِهِ القَدَمُ قال : فنظر أهل المدينة إلى هذه الأبيات ، ثمَّ وجَّهوا بها وبالكتاب إلى الحسين بن عليّ رضى الله عنه ، فلمَّا نظر فيه ، عَلِم أنَّه كتابُ يزيد بن معاوية ، فكتَب الحسين[ عليه السلام ]الجواب : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم فَإنْ كَذَّبوكَ فَقُل لي عَمَلي وَلَكُم عَمَلُكُم ، أنْتم بَريئُونَ مِمَّا أعمَلُ ، وَأنَا بَريء مِمَّا تَعملونَ _ والسَّلامُ _ . قال: ثمَّ جمَع الحسين[ عليه السلام ] أصحابه الَّذين قد عزموا على الخروج معه إلى العراق ، فأعطى كلّ واحد منهم عشرَة دنانير وجَمَلاً يحمل عليه زاده ورَحله ، ثمَّ إنَّه طاف بالبيت وبالصَّفا والمروة ؛ وتهيَّأ للخروج ، فحمل بناته وأخواته على المحامل . (2)

.


1- . وفي البداية والنّهاية : أنّ يزيد بن معاوية كتب إلى ابن عبّاس يخبره بخروج الحسين إلى مكّة ، وأحسبه قد جاءه رجال من أهل المشرق فمنّوه بالخلافة ، وعندك منهم خبر وتجربة ، فإنْ كان قد فعل فقد قطع راسخ القرابة ، وأنت كبير أهل بيتك ، والمنظور إليه فاكففه عن السّعي في الفرقة (البداية والنهاية : ج 8 ص 164) .
2- . الفتوح : ج 5 ص 68 وراجع : تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين عليه السلام : ص 203 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ص 218 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 177.

ص: 106

. .

ص: 107

. .

ص: 108

. .

ص: 109

. .

ص: 110

6 وصيّته عليه السلام لمحمّد بن الحنفيّة حين عزم عليه السلام الخروج من المدينة إلى مكّة

6وصيّته عليه السلام لمحمّد بن الحنفيّةحين عزم عليه السلام الخروج من المدينة إلى مكّةفي مقتل الحسين :قال : خرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة وأتى قبر جدِّه صلى الله عليه و آله فقال :السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّه ِ ، أنا الحُسينُ بنُ فاطِمَة فَرخُكَ وابنُ فَرخَتِكَ ، وسِبطُكَ والثِّقلُ الَّذي خَلَّفتَهُ في أُمَّتِكَ . فاشهَد عَلَيهِم يا نَبيَّ اللّه ِ أنَّهُم قَد خَذَلوني ، وَضَيَّعوني ، وَلَم يَحفَظوني ، وَهذهِ شَكوايَ إلَيكَ حتَّى ألقاكَ صَلّى اللّه ُ عَلَيكَ ، ثُمَّ صفَّ قَدَميهِ فَلَم يَزل راكِعاً ساجِداً .

قال : وأرسل الوليدُ بن عُتْبة إلى منزلِ الحسين[ عليه السلام ] لينظر أخرَجَ مِنَ المَدينَةِ أم لا ، فلم يصب في منزله ،فقال :مكاتيبه في عهد يزيد الحمدُ للّه ِ إذ خرَجَ وَلَم يَبتَلِني اللّه ُ في دَمِهِ . قال : ورجَعَ الحسينُ إلى مَنزلِهِ عِندَ الصُّبح . . . فلمَّا كانت اللَّيلة الثَّالثة ، خرج إلى القبر أيضاً فصلَّى ركعات ، فلمَّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللَّهمَّ إنَّ هذا قبرُ نبيِّك مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وأنا ابنُ بنتِ نَبيِّكَ ، وَقد حضَرني مِنَ الأمرِ ما قَد عَلِمتَ ، اللَّهمَّ إنِّي أُحِبُّ المَعروفَ ، وأُنكِرُ المنكَرَ ، وَأَنا أسأَلُكَ يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ بِحَقِّ هذا القَبرِ وَمَن فيهِ إلاَّ اختَرتَ لِي مِن أمري ما هوَ لَكَ رِضىً ، ولِرَسولِكَ رِضىً ، ولِلمُؤمِنينَ رِضَىً . ثمَّ جعل يبكي عند القبر حتَّى إذا كان قريباً من الصُّبح ، وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول اللّه قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ومن خلفه فجاء حتَّى ضمَّ الحسين إلى صدره وقبَّل بين عينيه وقال : حَبيبي يا حسينُ كأنِّي أَراكَ عَن قَريبٍ مُرَمَّلاً بِدِمائِكَ ، مَذبوحاً بِأَرضِ كَربلاء ، بين عِصابَةٍ من أُمَّتي ، وَأنتَ معَ ذلِكَ عَطشانُ لا تُسقى ، وَظَمآنُ لا تُروى ، وَهُم في ذلِكَ يَرجونَ شَفاعَتي ، مالَهُم ؟ لا أَنالَهُمُ اللّه ُ شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ . وما لَهُم عِندَ اللّه ِ مِن خَلاقٍ . حبيبي يا حسينُ إنَّ أباكَ وَأُمَّكَ وأَخاكَ قَدِموا علَيَّ وَهُم إلَيكَ مُشتاقونَ ، وإنَّ لَكَ في الجَنَّةِ لَدَرجاتٌ لَن تنالَها إلاَّ بالشَّهادَةِ . قال : فجعل الحسين[ عليه السلام ] في منامه ينظر إلى جدِّه محمَّد صلى الله عليه و آله ، ويَسمَعُ كلامَهُ ويَقولُ لَه : يا جَدَّاهُ لا حاجَةَ لي في الرُّجُوعِ إلى الدُّنيا ، فَخُذني إلَيكَ وَأدخِلني مَعَكَ إِلى قَبرِكَ . فقال له النبيُّ صلى الله عليه و آله : يا حُسينُ لابدَّ لَكَ مِنَ الرُّجوع إلى الدُّنيا حتَّى تُرزَقَ الشَّهادَةَ ، وما قَد كَتَبَ اللّه ُ لَكَ فيها مِنَ الثَّوابِ العَظيمِ ، فَإنَّكَ وأباكَ وأَخاكَ وعَمَّكَ وَعَمَّ أَبيكَ تُحشَرونَ يَومَ القِيامَةِ فِي زُمرَةٍ واحِدَةٍ ، حتَّى تَدخلوا الجَنَّةَ . قال : فانتبه الحسين[ عليه السلام ] من نومه فزعاً مرعوباً فقصَّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطَّلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في شرق ولا غرب قوم أشدَّ غمَّاً من أهل بيت رسول اللّه [ صلى الله عليه و آله ] ، ولا أكثر باكياً ولا باكية . قال : وتهيَّأ الحسين عليه السلام وعزم على الخروج مِنَ المدينَةِ ، ومضى في جوف اللَّيل إلى قبر أُمّه فصلّى عِندَ قبرها وودَّعها ، ثُمَّ قامَ من قبرِها وصار إلى قبر أخيهِ الحَسَنِ عليه السلام ، ففعل كذلِكَ ، ثُمَّ رجَعَ إلى مَنزلِهِ في وَقتِ الصُّبحِ ، فأقبل إليهِ أخوهُ مُحمَّدُ بنُ الحَنَفيَّةِ فقال لَهُ : يا أخي ، فَديتُكَ نفسي أنتَ أحَبُّ النَّاسِ إليَّ ، وَأعزُّهم عَلَيَّ ، وَلَستُ واللّه ِ ، أدَّخِرُ النَّصيحَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الخَلقِ ، وَلَيسَ أحَدٌ أحَقَّ بها مِنكَ ، لأنَّكَ مِزاجُ مائي وَنَفسي وروحي وَبَصَري وَكَبيرُ أهلِ بَيتي ، وَمن وجَبَ طاعَتُهُ في عُنُقي ، لِأنَّ اللّه َ تبارَكَ وَتَعالى قَد شَرَّفَكَ وَجَعَلكَ مِن ساداتِ أهلِ الجَنَّةِ . إنِّي أُريدُ أن أُشيرَ عَلَيكَ فاقبَل مِنَّي . فقال له الحسين عليه السلام : قُل يا أَخي ما بَدا لَكَ . فقال : أُشير عَلَيكَ أن تَتَنحَّى بِنَفسِكَ عَن يَزيدِ بنِ مُعاوِيَة ، وعَنِ الأمصارِ ما استَطعتَ ، وأَن تَبعَثَ رُسلَكَ إلى النَّاسِ فَتَدعوهُم إلى بَيعَتِكَ ، فَإن بايَعَكَ النَّاسُ حَمِدتَ اللّه َ عَلى ذلِكَ وقُمتَ فيهم بِما كانَ يَقومُهُ رَسولُ اللّه ِ وَالخُلفاءُ الرَّاشِدونَ المَهديُّونَ من بَعدِهِ ، حتَّى يَتوفّاكَ اللّه ُ وهو عَنكَ راضٍ ، وَالمُؤمِنونَ عَنكَ راضونَ ، كما رَضوا عَن أَبيكَ وأَخيكَ ، وإن اجتَمَعَ النَّاسُ عَلى غَيرِكَ حَمِدتَ اللّه َ عَلى ذلِكَ وَسَكَتَّ وَلَزِمتَ مَنزِلَكَ ، فَإنِّي خائِفٌ عَلَيكَ أن تَدخُلَ مِصراً مِنَ الأَمصارِ ، أو تأتيَ جَماعَةً مِنَ النَّاسِ فَيَقتَتِلونَ ، فَتَكونُ طائِفَةٌ مِنهُم مَعَكَ ، وَطائِفَةٌ عَلَيكَ فَتُقتَلُ بَينَهُم . فقال له الحسين : يا أخي فَإلى أينَ أذهَبُ؟ قال : تَخرُجُ إلى مَكَّة فَإن اطمأنَّت بِكَ الدَّارُ بِها فَذاكَ الَّذي تُحِبُّ ، وَإن تَكُنِ الأُخرى خَرَجتَ إلى بِلادِ اليَمنِ ، فَإنَّهم أنصارُ جَدِّكَ وَأبيكَ وَأخيكَ ، وَهُم أرأَفُ وَأرَقُّ قُلوباً ، وأوسَعُ النَّاسِ بِلاداً ، وأرجحهم عُقولاً ؛ فَإنِ اطمَأنَّت بِكَ أرضُ اليَمن فذاكَ ، وَإلاَّ لحَقتَ بالرِّمالِ وشُعوبِ الجِبالِ ، وَصِرتَ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ ، حَتَّى تَنظُرَ ما يؤولُ إلَيهِ أمرُ النَّاسِ ، وَيَحكُمَ اللّه ُ بَينَنا وَبَينَ القَومِ الفاسِقينَ . فقال لَهُ الحسينُ عليه السلام : ياأخي وَاللّه ِ لَو لَم يَكُنْ مَلجَأٌ ، وَلا مَأوى لَما بايَعتُ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَة ، فَقَد قالَ النبيُّ صلى الله عليه و آله : اللّهم لا تُبارِك في يَزيدَ . فقطع محمَّد الكلام وبكى ، فبكى معه الحسين عليه السلام ساعةً ، ثمَّ قال : ياأخي جَزاكَ اللّه ُ عَنِّي خَيراً ، فَلَقَد نَصَحتَ وَأَشرتَ بالصَّوابِ ، وَأَرجوا أنْ يَكونَ رأيُك مُوفَّقاً مُسَدَّداً ، وأنا عازِمٌ عَلى الخُروجِ إلى مَكَّةَ ، وَقَد تَهيّأتُ لِذلِكَ أنا وَإخوَتي وبَنو أخي وَشِيعَتي مِمَّن أَمرُهُم أَمري وَرَأيُهم رَأيي . وَأَمَّا أنتَ يا أَخي فَلا عَلَيكَ أنْ تُقيمَ فِي المَدِينَةِ ، فَتَكونُ لِي عَيناً عَلَيهِم ، وَلا تُخفِ علَيَّ شيئاً مِن أُمورِهم . ثمَّ دعا الحُسينُ عليه السلام بِدَواةٍ وبَياضٍ ، وكتَبَ هذه الوَصِيَّةَ لأخيهِ مُحَمّد : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا ما أوصى بهِ الحُسينُ بنُ عليٍّ بنِ أبي طالِبٍ إلى أَخيهِ مُحَمَّدِ بنِ عليٍّ المعروف بابن الحنَفيَّةِ : إنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، جاءَ بالحَقِّ مِن عِندِ الحَقِّ ، وَأَنَّ الجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ ، وَأنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وأنَّ اللّه َ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ ، إنِّي لَم أخرُج أشِرَاً ولا بَطِراً ، وَلا مُفسِداً ، وَلا ظالِماً ، وَإنَّما خَرَجتُ أطلُبُ الإصلاحَ في أُمَّةِ جَدِّي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أُريدُ أنْ آمُرَ بالمَعروفِ ، وَأنْهى عَنِ المُنكَرِ ، وَأَسِير بسِيرَةِ جَدِّي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَسيرَةِ أبي عليِّ بنِ أبي طالِبٍ[ عليه السلام ] ، (1) فمَن قَبِلَني بِقَبولِ الحَقِّ فَاللّه ُ أوْلى بِالحَقِّ ، وَمَن رَدَّ علَيَّ هذا صَبَرتُ حتَّى يَقضِيَ اللّه ُ بَيني وبَينَ القَومِ بِالحَقِّ ، ويَحكُمَ بَيني وَبَينَهُم وَهُو خَيرُ الحاكِمينَ ؛ وَهذهِ وَصِيَّتي يا أَخي ، وما تَوفيقي إلاَّ باللّه ِ ، عَلَيهِ تَوكَّلتُ وإلَيهِ أُنيبُ ، والسَّلامُ عَلَيكَ وعَلى مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، وَلا قوَّة إلاَّ باللّه العليّ العظيم . قال : ثُمّ طوى الحسين كتابه هذا وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمَّد ، ثمّ ودَّعه ، وخرج في جوف اللَّيل ، يُريد مكَّة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان في سنة ستّين (2) ؛ فلزم الطَّريق الأعظم فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية : «فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (3) . (4)

.


1- . زاد في الفتوح، و مقتل الحسين : «وسيرة الخلفاء الرَّاشدين» .
2- . وفيالطّبري : « خرج ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب » .
3- . القصص : 21 .
4- . مقتل الحسين للخوارزميّ :ج1 ص 186 ، الفتوح : ج 5 ص 21 نحوه وراجع : الإرشاد : ج 2 ص 33 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 89 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 329 ، نفس المهموم : ص 38 ، معالي السّبطين : ج 1 ص 212 .

ص: 111

. .

ص: 112

. .

ص: 113

. .

ص: 114

7 كتابه عليه السلام إلى بني هاشم حين خروجه من المدينة

7كتابُه عليه السلام إلى بني هاشمحين خروجه من المدينةحدَّثنا أيّوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن مروان بن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : ذكرنا خروج الحسين وتخلّف ابن الحنفيَّة عنه ، قال : قال أبو عبداللّه :يا حمزة إنِّي سأُحَدِّثك في هذا الحديث ، ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا ، إنَّ الحسين لمَّا فصل متوجِّهاً ، دعا بقرطاس وكتب :

.

ص: 115

8 وصيّته عليه السلام والكتب الّتي أودعها أمّ سلمة حين عزم عليه السلام إلى العراق

بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيممكاتيبه في عهد يزيد من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّهُ مَن لَحِقَ بي مِنكُم اسْتُشْهِدَ مَعي ، ومَن تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغِ الفَتحَ ؛ والسَّلامُ . 1 (1)

8وصيّته عليه السلام والكتب الّتي أودعها أُمّ سلمةحين عزم عليه السلام إلى العراقرواه الحسين بن سعيد ، عن حمَّاد بن عيسى ، عن ربعيّ بن عبداللّه ، عن الفضيل بن يسار قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام :لمَّا توجَّه الحسينُ عليه السلام إلى العراق ، دفع إلى أُمّ سلمة 3 زوج النّبيّ صلى الله عليه و آله الوصيّة والكتب وغير ذلِكَ وقال لَها : إذا أتاكِ أكبرُ ولدي فادفعي إليه ما قَد دَفَعتُ إلَيكِ . فلمَّا قتل الحسين عليه السلام أتى عليّ بن الحسين عليهماالسلام أُمّ سلمة ، فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين عليه السلام . (2)

.


1- . بصائر الدّرجات : ص 481 ح 5 ، كامل الزّيارات : ص 157 ح 195 ، مثير الأحزان : ص 27 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 76 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 330 نقلاً عن كتاب الرّسائل وص87 ح 23 ؛ دلائل الإمامة : ص 188 ، نوادر المعجزات للطبريّ : ص 109 .
2- . كتاب الغيبة للطوسي : ص 195 ح 159 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 18 ح 3 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 172.

ص: 116

9 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة في إرسال مسلم بن عقيل إليهم

9كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةفي إرسال مسلم بن عقيل إليهمقال المفيد رحمه الله:بلغَ أهل الكوفة هلاك معاويةَ فأرجفوا بيزيدَ ، وعَرفوا خبرَ الحسين عليه السلام وامتناعَه من بيعته، وما كان من ابن الزُّبير في ذلِكَ،وخروجهما إلى مكَّةَ ،فاجتمعت الشِّيعةُ بالكوفة في منزل سُليمان بن صُرَد ، فذكروا هلاكَ معاوية ، فحمدوا اللّه عليه ، فقال سليمان :

.

ص: 117

إنَّ معاويَةَ قَد هلَكَ ، وإنَّ حُسَيناً قَد تَقَبَّضَ (1) عَلى القَومِ بِبَيعَتِهِ ، وَقَد خرَجَ إلى مَكَّةَ ، وَأنتُم شِيعَتُهُ وشِيعَةُ أبيهِ ، فَإن كُنتُم تَعلَمونَ أنَّكُم ناصِروهُ ومُجاهِدو عَدوِّه (فأعلِموهُ ، وإنْ خِفْتُمُ الفَشَلَ وَالوَهنَ فلا تَغرُّوا الرَّجُلَ في نَفسِهِ ، قالوا : لا ، بَل نُقاتِلُ عَدُوَّهُ ، وَنَقتُلُ أَنفُسَنا دُونَهُ ، قال :) (2) ، فَكَتَبُوا : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيممكاتيبه في عهد يزيد للحُسينِ بنِ عَليّ عليهماالسلام من سُليمان ب_ن صُ_رَد 3 ، وال_مسيَّب ب_ن نَجَبَة 4 ، ورِفاعة بن شدَّاد 5 ، وحبيب بن مُظاهر (3) ، وشيعتِه من المؤمنينَ والمسلمين من أهل الكوفة : سلامٌ عليك ؛ فإنَّا نَحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إله إلاَّ هو . أمَّا بعدُ ؛ فالحَمدُ للّه ِ الَّذي قَصَمَ عَدُوَّكَ الجبَّارَ العَنيد ، الَّذي انتزى عَلى هذه الأُمَّةِ فابْتَزَّها أمرَها ، وغصبَها فيئَها ، وتأمَّرَ عليها بغير رضىً منها ، ثمَّ قتلَ خيارَها ، واستبقى شِرارَها ، وجعل مالَ اللّه دُولةً بين جبابرتِها وأغنيائها (4) ، فبعُداً له كما بَعُدَت ثمودُ . إنَّه ليس علينا إمامٌ ، فأقبِلْ إلينا لعلَّ اللّه أنْ يجمعَنا بك على الحقّ ، والنُّعمانُ بن بَشيرٍ في قصر الإمارة لسنا نُجمعُ معه في جمعةٍ ، ولا نخرجُ معه إلى عيدٍ ، ولو قد بَلَغَنا أنَّك أقبلتَ إلينا أخرجناه حتَّى نُلحقَه بالشَّام ، إنْ شاء اللّه . ثُمَّ سرَّحوا الكتاب مع عبداللّه بن مِسْمَعٍ الهَمْدانيّ ، وعبداللّه بن والٍ 8 ، وأمروهما بالنّجاء (5) ، فخرجا مُسرِعَينِ حتَّى قدما على الحسين عليه السلام بمكَّة ، لعشرٍ مضَيْنَ من شهر رمضان . ولبثَ أهل الكوفة يومين بعدَ تسريحهم بالكتاب،وأنفذوا قَيْسَ بنَ مُسْهِر الصَّيْداويّ 10 ، وعبدالرَّحمن بن عبداللّه الأرحبيّ 11(6) وعمارةَ بن عبدالسَّلوليّ 13 إلى الحسين عليه السلام ، ومعهم نحوٌ من مئةٍ وخمسين صحيفةً من الرَّجل والإثنينِ والأربعة . ثُمَّ لبثوا يومَينِ آخرين وسرَّحوا إليه هانئ بنَ هانئ السَّبيعيّ 14 ، وسعيد بن عبداللّه الحنفيّ 15 ، وكتبوا إليه : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم للحسين بن عليّ من شيعته من المؤمنين والمسلمين : أمَّا بعدُ ؛ فحيَّ هلا ، فإنَّ النَّاس يَنتَظِرونَكَ ، لا رأْيَ لَهُم غَيرَكَ ، فالعَجَلَ العَجَلَ ، ثُمَّ العَجَلَ العَجَل ، وَالسَّلامُ . وكتبَ شَبَثُ بنُ رِبعيّ 16 ، وحَجَّارُ بنُ أبجرَ 17 ، ويزيدُ بن الحارث ب_ن رُوَيْم (7) ، وعُروةُ بن قَيْس (8) ، (9) وعمرو بن الحجَّاج الزُّبيديّ 21 ، ومحمَّد بن عمرو التَّيميّ (10) : أمَّا بعدُ ؛ فقد اخضرَّ الجَنابُ ، وأينعتِ الثِّمارُ ، فإذا شئتَ فاقدمْ على جُنْدٍ لك مجنّدٍ ، والسَّلام . وتلاقت الرُّسلُ كلُّها عنده ، فقرأ الكُتبَ ، وسألَ الرُّسلَ عَن النَّاس ، ثُمَّ كتب مع هانئ بن هانئ ، وسعيد بن عبداللّه ، وكانا آخِرَ الرُّسل : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم من الحسين بن عليّ إلى المَلإ من المسلمين والمؤمنين . أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ هانِئاً وسَعيداً قَدِما عَلَيَّ بِكُتُبِكُم ، وكانا آخِرَ مَن قدِمَ علَيَّ من رُسُلكم ، وقد فَهمْتُ كُلَّ الَّذي اقْتَصصْتُم وذَكَرْتم ، ومقالَة جُلِّكم : أنَّه ليسَ علَينا إمامٌ فأقبِل لعَلَّ اللّه َ أنْ يَجمعَنا بِكَ عَلى الهُدى والحَقِّ . وإنِّي باعِثٌ إلَيكُم أَخي وَابنَ عَمِّي وَثِقَتي مِن أَهلِ بَيتي ، فَإن كَتَبَ إِليَّ أنَّه قَد اجتَمَعَ رَأيُ مَلَئِكُم وذَوي الحِجا والفَضْلِ (11) مِنكُم عَلى مِثْلِ ما قَدِمَتْ بهِ رُسُلُكُم وَقَرأْتُ في كُتبِكُم ، أَقدِمُ عَلَيكُم وَشيكاً ، إن شاءَ اللّه ُ . فلَعَمْرِي ، ما الإمامُ إلاَّ الحاكِمُ (12) بِالكتابِ ، القائِمُ (13) بالقِسطِ ، الدَّائِنُ بِدينِ الحَقِّ ، الحابِسُ نفسَه عَلى ذاتِ اللّه ِ ، وَالسَّلامُ . ودعا الحُسينُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام مُسلِمَ بنَ عَقيلِ بنِ أبي طالِبٍ رضِيَ اللّه ُ عَنهُ ، فسرَّحه مَعَ قَيْس بن مُسْهِر الصَّيداويّ ، وعُمارة بن عبدٍ السَّلوليّ ، وعبدالرَّحمن بن عبداللّه الأرْحبيّ ، وأمرَه بتقوى اللّه ، وكِتمان أمرِه واللُّطف ، فإنْ رأى النَّاس مجتمعينَ مُسْتوسِقين عَجَّل إليه بذلك . (14)

.


1- . تقبّض ببيعته : انزوى بها ولم يعطهم إيّاها(لسان العرب : ج 7 ص 214) .
2- . وفي نسخة أخرى : بدل ما بين القوسين : «و نقتل أنفسنا دونه» .
3- . وفي نسخة أخرى : «مُظهِّر» بدل «مظاهر» .
4- . وفي نسخة أخرى : «عتاتها» بدل «جبابرتها» .
5- . النّجاء : السّرعة (القاموس المحيط) .
6- . في النّسخ الخطيّة : عبداللّه بن شدَّاد الأرْحبيّ ، وبعده بأسطر ذكره باسم عبدالرَّحمن بن عبداللّه الأرْحبيّ ، والمصادر مجمعة عليه (وانظر: تاريخ الطّبري: ج5 ص352، أنساب الأشراف : ج3 ص158، الفتوح لابن أعثم: ج 5 ص 32 ، وقعة الطّف لأبي مخنف : ص 92 ، تذكرة الخواصّ : ص 220 ، وفي الأخبار الطّوال : ص 229) .
7- . البداية والنّهاية : في الطّبري : (ج7 ص 55) والفتوح : (ج6 ص 57) يزيد بن الحارث بن رويم وهو من شيعة بني أُميّة (البداية والنّهاية : ج 8 ص 272) .
8- . الظّاهر أنَّ الصّحيح عزرة بن قيس ، انظر تاريخ الطّبري( : ج 5 ص 353) ، أنساب الأشراف (: ج 3 ص 158) ، وهو عزرة بن قيس بن عزيّة الأحمر البجليّ الدُّهنيّ الكوفيّ .
9- . في الأخبار الطّوال : لمّا صلّى عمر بن سعد الغداة نهد بأصحابه وعلى ميمنته عمرو بن الحجّاج، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن . . . وعلى الخيل عُروة بن قيس، وعَلى الرّجالة شبث بن ربعيّ . . . (الأخبار الطّوال : ص 256، إعلام الورى : ج 1 ص 458) .
10- . الظّاهر أنَّ الصّحيح محمَّد بن عمير التَّميميّ ، انظر تاريخ الطّبري( : ج 5 ص 353) ، أنساب الأشراف( : ج 3 ص 158) ، وهو محمَّد بن عمير بن عطارد بن صاحب الدَّارميّ التَّميميّ الكوفيّ ، كان من أشراف أهل الكوفة (لسان الميزان : ج 5 ص 330 الرقم 1094 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج 23 ص 151) .
11- . وفي نسخة : «الفضيلة» بدل «الفضل» .
12- . وفي نسخة : «العامل» .
13- . وفي نسخة : «الآخذُ» .
14- . الإرشاد : ج 2 ص 36 وراجع : روضة الواعظين : ج 1 ص 393 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 90 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 42 ، تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 42 ، الملهوف : ص 16 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 334 ؛ تذكرة الخواص : ص 255 ، تاريخ الطّبريّ : ج 5 ص 353 ، مقتل الحسين للخوارزميّ : ج 1 ص 195 ، الكامل في التاريخ : ج 3 ص 357 ، الفتوح : ج 5 ص30 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص 159 ، الفصول المهمّة : ص 171 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 152.

ص: 118

. .

ص: 119

. .

ص: 120

. .

ص: 121

. .

ص: 122

. .

ص: 123

. .

ص: 124

. .

ص: 125

. .

ص: 126

10 كتابه عليه السلام إلى مسلم بن عقيل يقوّي عزمه

10كتابُه عليه السلام إلى مسلم بن عقيليقوّي عزمهدعا الحسينُ بن عليّ عليهماالسلام مسلمَ بن عقيل بن أبي طالب رضى الله عنه فسرَّحَه مع قَيْس بن مُسْهِر الصَّيداويّ ، وعمارة بن عبد السّلوليّ وعبدالرَّحمن بن عبداللّه الأرحبيّ ، وأمرَه بتقوى اللّه وكتمانِ أمرِه واللُّطف ، فإنْ رأى النَّاس مجتمعينَ مُسْتوسقِينَ عَجَّلَ إليه بذلك . فأقبلَ مسلم حتَّى أتى المدينة فصلَّى في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وودّعَ من أحبَّ من أهله ، ثمَّ استأْجَر دليلين من قَيس ، فأقبلا به يتنكَّبان الطَّريقَ ، فضّلا وأصابَهم عطشٌ شديدٌ فعجزا عن السَّير ، فأومئا له إلى سَنَن الطَّريق بعدَ أن لاحَ لهما ذلك ، فسلكَ مسلمٌ ذلك السَّننَ ،و ماتَ الدَّليلان عطشاً . فكتب مسلمُ بن عقيل _ رحمه الله _ من الموضع المعروف بالمضيق مع قَيس بن مُسْهِرٍ : أمّا بعدُ ؛ فإنَّني أقبلتُ من المدينة مع دليلين لي فجارَا عن الطَّريق ، فضلاّ واشتدَّ علينا العطشُ فلم يلبثا أن ماتا ، وأقبلْنا حتَّى انتهينا إلى الماء فلم نَنْجُ إلاَّ بحُشاشة أنفسنا ، وذلك الماءُ بمكانٍ يُدعى المضيقَ من بطن الخَبْتِ (1) ، وقد تَطيَّرتُ من وجهي هذا ، فإنْ رأيتَ أعفيتَني منه وبعثتَ غيري ، والسَّلامُ . فكتب إليه الحسين بن عليّ عليهماالسلام : أمَّا بعدُ ؛ فَقَد خَشيتُ (2) أنْ لا يكونَ حَمَلَكَ عَلى الكتابِ إليَّ في الاسْتِعفاءِ مِن الوَجْهِ الَّذي وَجَّهتُكَ لَه إلاَّ الجُبْنَ ، فامْضِ لِوَجهِكَ الَّذي وَجَّهتُكَ لَهُ ، وَالسَّلامُ . فلمَّا قرأ مُسلِمٌ الكتابَ قال : أمَّا هذا فَلَستُ أتخوَفُهُ عَلى نفسي . فأقبلَ حتَّى مرَّ بماء لِطَيءٍ ، فنزلَ به ثمَّ ارتحلَ منه ، فإذا رجلٌ يرمي الصَّيدَ ، فنظرَ إليه قد رمى ظَبْياً حين أشرفَ (3) له فصرعَه ، فقال مسلم : نقتلُ عدوَّنا إنْ شاء اللّه . ثمَّ أقبل حتَّى دخل الكوفة ، فنزل في دار المختار بن أبي عبيد ... (4)

.


1- . الخبت : ماء لقبيلة كلب . (معجم البلدان) .
2- . وفي نسخة : «حسبت» .
3- . وفي نسخة : «أشراب» . واشرأب : مدّ عنقه لينظر .(الصّحاح) .
4- . الإرشاد : ج 2 ص 39 وراجع : المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 90 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 335 ؛ أنساب الأشراف : ج 3 ص 370 ، تاريخ الطّبري : ج 5 ص 347 ، الكامل في التّاريخ : ج 2 ص 534 ، الفتوح : ج 5 ص 55 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 152 .

ص: 127

. .

ص: 128

11 كتابه عليه السلام إلى أشراف البصرة في دعوتهم إلى كتاب اللّه وسنّة النبيّ صلى الله عليه و آله

11كتابُه عليه السلام إلى أشراف البصرةفي دعوتهم إلى كتاب اللّه وسنّة النبيّ صلى الله عليه و آلهأبو مِخْنَف قال : حدَّثني الصّقعب بن زهير ، عن أبي عثمان النّهديّ ، قال : كتَب حسينُ مع مولىً لهم يقال له سليمان ،وكتب بنُسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة ، وإلى الأشراف ؛ فكتب إلى مالك بن مِسْمَع البَكريّ ، وإلى الأحْنَف بن قَيْس 1 ، وإلى المنذر بن الجارود 2 ، وإلى مسعود بن عمرو ، وإلى قَيْس بن الهيثم ، وإلى عمرو بن عبيد اللّه بن مَعمَر ، فجاءت منه نسخةً واحدة إلى جميع أشرافها : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ اللّه اصْطَفى مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله على خَلْقِهِ ، وأكرَمَهُ بنُبوَّتِهِ ، واخْتارَهُ لِرِسالَتِهِ ، ثُمَّ قبَضَه اللّه ُ إلَيهِ ، وَقَد نصَح لِعبادِهِ ، وَبلَّغَ ما أُرْسِلَ بهِ صلى الله عليه و آله وكُنَّا أهلَه وأولياءَهُ وأوصياءَهُ ، ووَرَثَتَهُ ، وأحَقَّ النَّاسِ بمِقامهِ في النَّاسِ ، فَاستَأثَرَ عَلَينا قَومُنا بِذلِكَ ، فرَضِينا وَكَرِهْنا الفُرقَةَ ، وَأحبَبنا العافِيَةَ ، وَنَحنُ نَعلَمُ أنَّا أحَقُّ بِذلِكَ الحَقِّ المستَحَقِّ عَلَينا مِمَّن تَوَلاَّهُ ، وقد أحسنوا وَأَصلَحوا ، وَتَحَرَّوا الحَقَّ ، فَرَحِمَهُم اللّه ُ ، وغَفَر لَنا وَلَهُم . وَقَد بَعَثتُ رسولي إلَيكُم بِهذا الكِتابِ ، وَأنَا أدْعُوكُم إِلى كِتابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، فإنَّ السُّنَّة قَد أُميْتَت ، وإنَّ البِدعَةَ قَد أُحيِيتْ ، وَإنْ تَسمَعوا قَولي ، وَتُطيعوا أَمري ، أَهدِكُم سبيلَ الرَّشادِ ، والسَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ اللّه ِ . فكلُّ مَن قَرأ ذلِكَ الكِتابَ مِن أشرافِ النَّاسِ كَتمَهُ ، غيرَ المُنذر بنِ الجارودِ ، فإنَّه خشيَ بزعمه أن يكون دَسيساً من قِبَل عُبيدِ اللّه ِ ، فَجاءَهُ بالرُّسولِ مِنَ العَشِيَّةِ الَّتي يُريدُ صبيحتَها أن يسبِقَ إلى الكوفَةِ ، وأقرأه كتابَه ، فَقدَّمَ الرَّسولَ فضَربَ عُنُقَهُ ، وصَعِدَ عُبَيدُ اللّه ِ مِنبرَ البَصرَةِ ، فحَمِدَ اللّه وَأثنَى عَلَيهِ ، ثُمَّ قال : أمَّا بَعدُ ، فَوَاللّه ِ ، ما تُقْرَنُ بي الصّعْبةُ ، ولا يُقعقَعُ لي بالشَّنآن ، وَإنِّي لَنِكْلٌ (1) لِمَن عاداني ، وسَمٌّ لِمَن حارَبَني ، أُنصِفُ القارَةَ مَن راماها . يا أهلَ البَصرَةِ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ ولاَّني الكوفَةَ وأنَا غادٍ إليها الغَداةَ ، وقَدِ استَخلَفتُ عَلَيكُم عُثمانَ بنَ زِيادِ بنِ أبي سُفيانَ ، وإيَّاكُم والخِلافَ والإرجافَ ، فَوَالَّذي لا إلهَ غيرُهُ ، لَئِن بَلَغَني عن رَجُلٍ مِنكُم خِلافٌ لأقتُلَنَّهُ وعَريفَهُ وَوَلِيَّهُ ، وَلآخُذَنَّ الأدنى بالأقصى حتَّى تَستَمِعوا لي ، وَلا يكونَ فيكُم مُخالِفٌ ولا مُشاقٌّ ، أنَا ابنُ زياد أشبَهتُهُ من بَينِ مَن وَطى ء الحصى ، ولَم ينتزعني شبَه خالٍ ، ولا ابنُ عَمٍّ . ثمَّ خرج من البصرة واستخلف أخاه عثمان بن زياد ، وأقبل إلى الكوفة ، ومعه مسلم بن عمرو الباهليّ ، وشُريك بن الأعور الحارثيّ 4 ، وحَشَمه وأهل بيته ، حتَّى دخل الكوفة ، وعليه عِمامةٌ سوداء ، وهو متلثّم ، والنَّاس قد بلغهم إقبال حسين إليهم ، فهم ينتظرون قدومَه فظنُّوا حينَ قدم عبيد اللّه أنَّه الحسين ، فأخذ لا يمرُّ على جماعة من النَّاس إلاَّ سلّموا عليه ، وقالوا مرحباً بك يابن رسول اللّه ، قدمتَ خيرَ مَقْدَم ، فرأى من تباشيرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه . فقال مسلم بن عمرو لمَّا أكثروا : تأخَّروا ، هذا الأميرُ عُبيد اللّه بن زياد ، فأخذ حين أقْبَل على الظّهر ، وإنَّما معه بضعة عشر رجلاً ، فلمَّا دخل القصر وعلم النَّاس أنَّه عبيداللّه بن زياد دَخلَهم من ذلك كآبة وحُزن شَديدٌ ، وغاظ عبيدَ اللّه ما سمع منهم ، وقال : ألا أرى هؤلاء كما أرى (2) . وفي الأخبار الطّوال : وقد كان الحسين بن عليّ رضى الله عنه كتَب كتاباً إلى شيعته من أهل البصرة مع مولى له يسمّى سلمان نسخته : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ إلى مالِك بنِ مِسمَعٍ ، والأحنَفِ بنِ قَيسٍ ، والمُنذِرِ بنِ الجارودِ ، وَمَسعودِ بنِ عمرو ، وقيس بن الهيثم : سلامٌ عَلَيكُم ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنِّي أدعوكُم إلى إِحياءِ مَعالِمِ الحَقِّ ، وإماتَةِ البِدَعِ ، فَإنْ تُجيبوا تَهتَدوا سُبُلَ الرَّشادِ ، وَالسَّلامُ . (3)

.


1- . يقال : رجلٌ نَكَلٌ وَنِكلٌ ، أي : يُنكَّلُ به أعداؤهُ ، وفيه : «إنّ اللّه يُحبّ النَّكَلَ ، قيل : وما ذاك؟ قال : الرَّجل القويّ المجرّب المُبدئ المعيد (النهاية : ج 5 ص 116) .
2- . تاريخ الطّبري : ج 5 ص 357 وراجع : أنساب الأشراف : ج 2 ص 78 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج 1 ص 211 ، الكامل في التّاريخ : ج 2 ص 535 ، الفتوح : ج 5 ص 37 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 157 وص170 .
3- . الأخبار الطّوال : ص 231.

ص: 129

. .

ص: 130

. .

ص: 131

. .

ص: 132

. .

ص: 133

. .

ص: 134

12 كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن جعفر قبل خروجه عليه السلام من مكّة

12كتابُه عليه السلام إلى عبداللّه بن جعفرقبل خروجه عليه السلام من مكّةقال أبو مِخْنَف : حدَّثني الحارث بن كعب الوالبيّ ، عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب قال : لمَّا خرجنا من مكَّة كتب عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب 1 إلى الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمَّد : أمَّا بَعدُ ، فإنِّي أسألُكَ باللّه ِ لَمَّا انصرفتَ حِينَ تنظُرُ في كِتابي ، فإنِّي مُشفِقٌ علَيكَ من الوَجهِ الَّذي تَوَجَّهُ لَهُ أنْ يَكونَ فيهِ هَلاكُكَ ، واستئصالُ أهلِ بَيتِكَ ، إنْ هلكتَ اليومَ طُفِى ء نورُ الأرض ، فإنَّك عَلَمُ المُهتدينَ ، وَرَجاءُ المُؤمِنينَ ؛ فلا تَعجَل بالسَّيرِ ، فإنِّي في أَثَرِ الكتابِ ، وَالسَّلامُ . (1) وفي المناقب : وكتب إليه عبداللّه بن جعفر من المدينة في ذلك فأجابه[ عليه السلام ] :إنِّي قَد رَأيتُ جَدِّي رَسولَ اللّه ِ في مَنامي ، فَخَبَّرني بِأَمرٍ وَأنَا ماضٍ لَهُ ، لي كان أمْ عليَّ ، واللّه يابنَ عَمّ ، لَيُعتَدَيَنَّ عَلَيَّ كما يَعتَدي اليهودُ يَومَ السَّبتِ . وخرج . (2)

.


1- . تاريخ الطّبري : ج 5 ص 387 وراجع : الكامل في التّاريخ : ج 2 ص 548 ، تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه السلام : ص 202 ، الفتوح : ج 5 ص 67 ، الفصول المهمّة : ص 174 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 163 ؛ الإرشاد : ج 2 ص 35 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 43 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 366.
2- . المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 94 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 366 ؛ الفتوح : ج 5 ص 67.

ص: 135

. .

ص: 136

وفي مقتل الحسين عليه السلام : فكتب إليه الحسينُ [ بن عليّ عليهماالسلام ] :أمَّا بعدُ ، فَإنَّ كتابَكَ ورَدَ عَلَيَّ ، فَقَرأتُهُ وفَهِمتُ ما فيهِ ؛ اعلم أنِّي قد رأيتُ جَدِّي رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله في مَنامي ، فَأَخبرَني بِأَمرٍ أنَا ماضٍ لَهُ ، كان لِيَ الأمرُ أوْ علَيَّ ، فوَ اللّه ِ يابنَ عَمّ لو كُنتُ في جحر هامَّةٍ (1) مِن هَوامِّ الأَرضِ لاستَخرجوني حَتَّى يَقتُلوني ، وواللّه ِ ليَعتَدُنَّ علَيَّ كما اعتَدَت اليَهودُ في يومِ السَّبتِ ، والسَّلامُ . (2)

وفي الطبقات : كتب عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب إليه كتاباً يحذِّره أهل الكوفة ، ويناشده اللّه أنْ يشخص إليهم . فكتبَ إليهِ الحُسينُ [ عليه السلام ] : إنِّي رأيتُ رُؤيا ، ورأيتُ فيها رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وأَمرَني بِأَمرٍ أنا ماضٍ لَهُ ، وَلَستُ بِمُخبرٍ بِها أحَداً حَتَّى اُلاقي عَمَلي (3) .

.


1- . الهامّة : ما له سمّ يقتل كالحيّة ، وقد تطلق الهوام على ما لا يقتل كالحشرات (المصباح المنير : ص 641) .
2- . مقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 218 وراجع : الفتوح : ج 5 ص 67 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 94.
3- . الطبقات الكبرى (الطبقة الخامسة من الصَّحابة) : ج 1 ص 447 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 418 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص 9 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 209 ، سِيَر أعلام النُّبلاء : ج 3 ص 297 ، بغية الطلب في تاريخ حلب : ج 6 ص 2610 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 163 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 94 نحوه .

ص: 137

13 كتابه عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن العاص بعد إعطائه الأمان له عليه السلام

13كتابُه عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن العاصبعد إعطائه الأمان له عليه السلامقام عبداللّه بنُ جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلَّمه ، وقال : اكتب إلى الحسين كتاباً تَجعَل له فيه الأمان ، وتُمنِّيه فيه البِرّ والصِّلة ، وتُوثِّق له في كتابك ، وتسأله الرُّجوع لعلَّه يطمئنّ إلى ذلِكَ فيرجع ؛ فقال عمرو بن سعيد : اكتبْ ما شئتَ وأتِني به حتَّى أختِمَهُ . فكتب عبداللّه بن جعفر الكتاب ، ثمَّ أتى به عمرو بن سعيد ، فقال له : اختِمه ، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ، فإنَّه أحْرَى أنْ تطمئنَّ نفسُه إليه ، ويعلم أنَّه الجِدُّ منك ، ففعل وكان عمرو بن سعيد عاملَ يزيدَ بن معاوية على مكَّة ، قال : فلحقه يحيى وعبداللّه بن جعفر ، ثُمَّ انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب ، فقالا : أقرأناه الكتاب ، وجهدْنا به ، وكان مِمَّا اعتَذَرَ به إليْنا أنْ قال : إنِّي رأيتُ رُؤيا فيها رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَأُمِرتُ فيها بِأَمرٍ ، أنا ماضٍ لَهُ ، عَلَيَّ كانَ أو لِي . فقالا له : فما تلك الرّؤيا؟ قال : ما حَدَّثتُ أحَداً بِها ، وَما أنَا مُحَدِّثٌ بِها حتَّى ألقَى رَبِّي . قال : وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم من عمرو بن سعيد إلى الحُسين بن عليّ : أمَّا بَعدُ ؛ فإنِّي أسألُ اللّه َ أن يَصرِفَكَ عَمَّا يُوبِقُكَ ، وأن يَهدِيَكَ لِما يُرشِدُكَ ؛ بَلَغَني أنَّكَ قَد تَوَجَّهتَ إلى العِراقِ ، وَإنِّي أُعيذُكَ باللّه ِ مِن الشِّقاقِ ، فَإنِّي أَخافُ عَلَيكَ فيهِ الهَلاكَ ، وقَد بَعَثتُ إليكَ عَبدَاللّه ِ بنَ جَعفَرٍ ، ويحيى بنَ سَعيدٍ ، فأقْبِل إليَّ مَعَهُما ، فَإنَّ لَكَ عِندي الأمانَ وَالصِّلَةَ وَالبِرَّ وَحُسنَ الجِوارِ لَكَ ، اللّه ُ عَلَيَّ بذلِكَ شَهيدٌ وَكَفيلٌ ، وَمُراعٍ وَوَكيلٌ ؛ وَالسَّلامُ عَلَيكَ . قال : وكتَب إليه الحسينُ : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّهُ لَم يُشاقِقِ اللّه َ وَرَسولَهُ مَن دَعا إلى اللّه ِ عز و جل ، وعَمَل صالِحاً ؛ وقال : إنَّني مِنَ المُسلِمينَ ، وقَد دَعَوتَ إلى الأمانِ والبِرِّ والصِّلَةِ ، فَخَيرُ الأَمانِ ، أمانُ اللّه ِ ، وَلَن يُؤمِنَ اللّه ُ يَومَ القِيامَةِ مَن لَم يَخَفهُ فِي الدُّنيا ، فَنَسألُ اللّه َ مَخافَةً في الدُّنيا تُوجِبُ لَنا أمانَهُ يَومَ القِيامَةِ ، فَإن كُنتَ نوَيتَ بِالكتابِ صِلَتي وَبِرِّي ، فَجُزيتَ خَيراً فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؛ والسَّلامُ . (1) قال ابن أعثم : وَكتب إليه سعيد بن العاص من المدينة : أمَّا بَعدُ ؛ فَقَد بلغني أنَّكَ قَد عَزَمتَ عَلى الخُروجِ إلى العِراقِ ، وَقَد عَلِمتَ ما نَزَلَ بابنِ عَمِّكَ مُسلمِ بنِ عَقيلٍ رحمه الله وَشيعَتِهِ ، وَأنَا أُعيذُكَ باللّه ِ مِنَ الشَّيطانِ (2) ، فَإنِّي خائِفٌ عَلَيكَ مِنهُ الهلاكَ ، وَقَد بَعَثتُ إلَيكَ بابني [عبداللّه بن جعفر و ]يحيى بن سعيد ، فأقبل إليَّ معه فلَكَ عِندَنا الأَمانُ والصِّلَةُ والبِرُّ والإحسانُ وحُسنُ الجِوارِ ، وَاللّه ُ لَكَ بذلِكَ عَلَيَّ شهيدٌ ووَكيلٌ ومُراعٍ وكفيلٌ ، _ والسَّلامُ _ . (3) وهو مَحَلُّ إشكالٍ من جِهَتينِ : الأُولى : إنَّ سعيد بن العاص مات سنة 58 ه في قصره ، ودفن بالبقيع ، كما في هامش الفتوح هنا . والثَّانية : إنَّ خروجَه عليه السلام كان يوم التَّروية قبل شهادَةِ مسلم عليه السلام .

.


1- . تاريخ الطّبري : ج 5 ص 388 وراجع : الطّبقات الكبرى (الطبقة الخامسة من الصحابة) : ج 1 ص 448 ، مقتل الحسين للخوارزمي :ج1 ص 217 ، الكامل في التّاريخ : ج 4 ص 40 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 419 الرّقم1323 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 210 ، الفتوح : ج 5 ص 67 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص 9 ، سِيَر أعلام النُّبلاء : ج 3 ص 297 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 164 ؛ الإرشاد : ج 2 ص 35 ، كشف الغمّة : ج 2 ص 43 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 94 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 366.
2- . وفي نسخة : «الشِّقاق» .
3- . الفتوح : ج 5 ص 67.

ص: 138

. .

ص: 139

14 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة جواباً لكتاب مسلم بن عقيل

14كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةجواباً لكتاب مسلم بن عقيلقال المفيد رحمه الله: ولمَّا بلغَ الحسين عليه السلام الحاجِرَ من بطن الرُّمَّة (1) ، بعثَ قَيسَ بنَ مُسْهِر الصَّيداويّ ، _ ويقال : بل بعثَ أخاه من الرّضاعة عبدَاللّه بن يَقْطُر (2) 3 _ إلى أهل الكوفة ، ولَم يكن عليه السلام عَلِم بخبر مسلم بن عقيل رحمةُ اللّه عليهما ، وكتَب معه إليهم :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِنَ الحُسينِ بن عليٍّ إلى إخوانِهِ مِنَ المُؤمِنينَ والمُسلِمينَ : سلامٌ عَلَيكُم ، فَإنِّي أحمَدُ إليكُم اللّه َ الَّذي لا إله إلاَّ هُو . أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ كتابَ مُسلِمِ بنِ عَقيلٍ جاءَني يُخبِرُ فيهِ بِحُسنِ رَأيكم ، واجتِماعِ مَلَئِكُم عَلى نَصرِنا ، والطَّلَبِ بِحَقِّنا ، فَسَألتُ اللّه َ أنْ يُحسِنَ لَنا الصَّنيعَ ، وأنْ يُثيبَكُم عَلى ذلِكَ أعظمَ الأَجرِ ، وَقَد شَخَصتُ إلَيكُم مِن مَكَّةَ يَومَ الثُّلاثاءِ لِثَمانٍ مَضَينَ مِن ذي الحَجَّةِ يَومَ التَّروِيَةِ ، فإذا قَدِمَ عَلَيكُم رَسولي فانكَمِشوا (3) في أمرِكُم وَجِدُّوا ، فَإنِّي قادِمٌ عَلَيكُم في أيَّامي هذهِ ، وَالسَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ اللّه ِ .

.


1- . بطن الرمة : منزل يجمع طريق البصرة والكوفة إلى المدينة المنوّرة (مراصد الاطلاع : ج 2 ص 634) .
2- . كذا في النّسخ الخطيّة وكذا ضبطه علماؤنا إلاّ أنّ ابن داوود ذكر قولاً بالباء «بقطر»(ص125 الرقم920) ، وهو قول الطّبريّ في تاريخه (ج5 ص 398) ، وضبطه ابن الأثير بالباء كما في الكامل في التاريخ (ج4 ص 42) ، وفي القاموس المحيط : بقطر كعصفر ، رجل .
3- . وفي نسخة : «فأكمشوا» بدل «فانكمِشوا» ؛ وكلاهما بمعنى أسرعوا .

ص: 140

وكانَ مُسلِمٌ كتبَ إليهِ قَبلَ أنْ يُقتلَ بِسَبعٍ وعِشرينَ لَيلَةٍ ، وكَتبَ إليهِ أهلُ الكوفَةِ : إنَّ لَكَ هاهُنا مئةَ ألفَ سَيفٍ فَلا تَتَأخَّر . فأقبلَ قَيس بن مُسْهِرٍ إلى الكوفَةِ بِكِتابِ الحُسَينِ عليه السلام حتَّى إذا انْتهى إلى القادِسيَّةِ ، أخذَه الحُصَينُ بنُ نُمَيرٍ فأنْفَذَه (1) إلى عُبيدِاللّه ِ بنِ زيادٍ ، فَقالَ لَهُ عُبيدُاللّه ِ : اصعد فسُبَّ الكذَّابَ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ . فصَعِدَ قيسٌ فحَمِد اللّه َ وَأَثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّها النَّاسُ ، إنَّ هذا الحُسينَ بنَ عَلِيٍّ خيرُ خَلقِ اللّه ِ ابنُ فاطمةَ بنتِ رَسولِ اللّه ِ ، وَأنَا رَسولُهُ إلَيكُم فَأَجيبوهُ ، ثُمَّ لَعَنَ عُبيدَاللّه ِ بنَ زِيادٍ وأباهُ ، واستَغفَرَ لِعَلِيّ بن أبي طالبٍ عليه السلام وصَلَّى عَلَيهِ . فأمرَ بهِ عُبَيدُاللّه ِ أنْ يُرمى بهِ من فَوقِ القَصرِ ، فرَمَوا بهِ فَتَقَطّعَ . (2)

.


1- . وفي نسخة : «فبعث به» .
2- . الإرشاد : ج 2 ص 70 وراجع : روضة الواعظين : ج 1 ص 395 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 95 ، مثير الأحزان : ص 30 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 370 ؛ أنساب الأشراف : ج 3 ص 167 ، الأخبار الطوال : ص 245 ، تاريخ الطّبري : ج 5 ص 395 ، البداية والنّهاية : ج 8 ص 168.

ص: 141

15 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة قبل وصوله إلى كربلاء يرغّبهم في نصرته

15كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةقبل وصوله إلى كربلاء يرغّبهم في نصرتهكتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة قبلَ الوصولِ إلى كربلاء : قال ابن أعثم الكوفيّ : أصبح الحسين من وَراء عذيب الهجانات (1) ، قال : وإذا بالحُرّ بن يزيد ، قد ظهر له أيضاً في جيشه ، فقال الحسين : ما وَراءَكَ يابنَ يَزيد ! أليسَ قَد أمَرتَنا أنْ نأخُذَ عَلى الطَّريقِ فَأَخذنا وَقَبِلنا مَشوَرَتكَ؟ فقال : صدقتَ ، ولكنَّ هذا كتابُ عُبيدِ اللّه بن زياد ، قد وَرد عليَّ يُؤنِّبني وَيُعنِّفني في أمرِكَ . فقالَ الحُسينُ : فَذَرْنا حَتَّى نَنزِلَ بِقَريَةِ نينوى (2) أو الغاضِرِيّةِ (3) . فَقالَ الحُرُّ : لا واللّه ِ ، ما أَستطيعُ ذلِكَ ، هذا رَسولُ عُبَيدِاللّه ِ بنِ زيادٍ مَعي ، وَرُبَّما بَعَثهُ عَيناً عَلَيَّ . قال : فأقبَلَ الحسينُ بنُ عليٍّ عَلى رَجُلٍ من أصحابهِ يقال له زهير بن القين البجليّ 4 ، فقال له : يابن بنت رسول اللّه ! ذَرْنا حتَّى نُقاتِل هؤلاء القَومَ ، فإنَّ قتالَنا السَّاعَةَ نحنُ وإيَّاهم أيسرُ عَلَينا وَأهوَنُ من قتال مَن يأتينا من بعدهم . ف_قال ال_حسين : صَ_دَقتَ يا زُه_يرُ ! ولكِنْ ما كُنتُ بالَّذي أُنذِرُهم بِ_قِتالٍ حَتَّى يبتدروني . فقال له زهير : فَسِر بنا حتَّى نصيرَ بِكَربلاءَ ، فإنَّها عَلى شاطِى ءِ الفُراتِ ، فنكونَ هنالِكَ ، فَإِن قاتلونا (4) قاتلناهم ، واستعنّا باللّه عليهم . قال : فدمعت عينا الحسين ، ثمَّ قال : اللَّهمَّ! ثُمَّ اللَّهمَّ! إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الكَربِ والبلاءِ ! قال : ونزَل الحسين في موضعه ذلك ، ونزَل الحرّ بن يزيد حذاءَه في ألْف فارِس ، ودَعا الحسين بدَواةٍ وبَياضٍ ، وكتَب إلى أشراف الكوفة ممَّن كان يظنُّ أنَّه على رأيه . بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ إلى سُلَيمانَ بنِ صُرَدٍ ، والمُسَيَّبِ بنِ نَجْبَةٍ ، ورُفاعَةَ بنِ شَدَّادٍ ، وعبدِاللّه بن والِ ، وجَماعَةِ المُؤمِنينَ : أمَّا بعدُ ؛ فَقَد عَلِمتُم أنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَد قالَ في حَياتِهِ : مَن رَأى سُلطاناً جائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرَمِ أو تارِكاً (5) لِعَهدِ اللّه ِ ، ومُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَعَمِلَ في عِبادِ اللّه ِ بالإثْمِ والعُدوانِ ، ثُمَّ لَم يُغَيِّر عَلَيهِ (6) بِقَولٍ وَلا فِعلٍ ، كانَ حَقَّاً (7) عَلى اللّه ِ أَن يُدخِلَهُ مُدخَلَهُ ؛ وَقَد عَلِمتُم أنَّ هؤلاءِ لَزِموا طاعَةَ الشَّيطانِ ، وَتَوَلَّوا عن طاعَةِ الرَّحمنِ ، وأظهَروا الفَسادَ ، وَعَطَّلُوا الحُدودَ ، واسْتأثَروا (8) بالْفَيء ، وَأحَلُّوا حَرَامَ اللّه ِ ، وَحَرَّموا حَلالَهُ . وأنا أحَقُّ مِن غيري بِهذا الأمرِ لِقَرابَتي مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَقَد أتَتْني كُتُبُكُم ، وَقَدِمَت عَلَيَّ رُسُلُكم بِبَيْعَتِكُم ، أنَّكُم (9) لا تَخذُلُوني ، فَإنْ وَفَيْتُم لي بِبَيْعَتِكُم فَقَد اسْتوفَيتُم حَقَّكُم وحَظَّكُم وَرُشدَكُم ، ونفسي مَعَ أنْفُسِكُم ، وَأهلي وَوَلَدي مَعَ أَهاليكُم وأولادِكم ، فَلَكُم فِيَّ (10) أُسْوَةٌ ، وإنْ لَم تفعَلوا وَنَقَضْتُم عَهدَكُم وَمَواثيقَكُم وَخَلَعْتم بَيعَتَكُم ، فَلَعَمْرِي ما هِيَ مِنكُم بِنُكرٍ (11) ، لقد فعَلْتُموها بِأبي وَأَخي وَابنِ عَمِّي ، هَلِ المَغرُورُ إلاَّ مَن اغْترَّ بِكُم ، فَإنَّما حَقَّكُم (12) أَخطَأتُم ، وَنَصيبَكُم ضَيَّعْتُم ، وَمَن نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفسِهِ ، وسَيُغْني اللّه ُ عَنكُم _ وَالسَّلامُ _ . قال : ثُمَّ طوى الكِتابَ ، وخَتَمَهُ وَدَفَعَهُ إلى قَيس بن مُسْهِرٍ الصَّيداويّ وَأَمَرَهُ أن يسيرَ إلى الكوفَةِ . (13)

.


1- . عُذيب الهجانات : هو من منازل حاجّ الكوفة ، وقيل هو حدّ السّواد (معجم البلدان : ج 4 ص 92) .
2- . نينوى : ناحية بسواد الكوفة ، منها كربلاء الحسين عليه السلام (معجم البلدان : ج 5 ص 339) .
3- . الغاضرية : قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء .
4- . في الطّبري : «فإن منعونا» بدل «قاتلونا» .
5- . في الطّبري : «ناكثاً» بدل «تاركاً» .
6- . في الطّبري : «لم يعتبر» بدل «يغيّر» .
7- . في الطّبري : «حقيقاً» بدل «حقّاً» .
8- . في الطّبري : «استثاروا» بدل «استأثروا» .
9- . وفي نسخة : زاد : «لا تُسلِّموني و» .
10- . وفينسخة : «وبي» .
11- . في الكامل في التاريخ : «بنكير» بدل «بنكر» .
12- . في الطّبري والكامل في التاريخ : «فحظّكم» بدل «حقّكم» .
13- . الفتوح : ج 5 ص 80 وراجع : الكامل في التاريخ : ج 2 ص 553 ، تاريخ الطّبري : ج 5 ص 409 ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج 4 ص 96 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 381.

ص: 142

. .

ص: 143

. .

ص: 144

16 كتابه عليه السلام إلى حبيب بن مظاهر يدعوه إلى نصرته عليه السلام

16كتابُه عليه السلام إلى حبيب بن مُظاهريدعوه إلى نصرته عليه السلامإنَّ حبيب بن مُظاهر 1 كان ذات يوم واقفاً في سُوق الكوفة عند عطَّار يشتري صباغاً لكريمته ، فمرَّ عليه مسلم بن عوسجة ، فالتفت حبيب إليه وقال : يا أخي يا مسلم إنِّي أرى أهل الكوفة يجمعون الخيل والأسلحة ، فبكى مسلم وقال : يا حبيب إنَّ أهل الكوفة صمّموا على قتال ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فبكى حبيب ورَمى الصّبغ من يده وقال : واللّه لا تصبغ هذه إلاَّ من دَم مِنْحري دونَ الحسين عليه السلام . ولمَّا وَصل الحسين عليه السلام في مسيره إلى الكوفة إلى أرض وخيَّم في وادٍ منها ، وعلم بقتل ابن عمِّه مسلم بن عقيل ، وأنَّ أهل الكوفة غدروا به ، وكان قد عقد اثنتي عشرة راية ، ثمّ أمر جمعاً بأن يحمل كلّ واحدٍ منهم راية منها ، فأتوا (1) إليه أصحابه ، وقالوا له : يابن رسول اللّه ، دَعْنا نَرْتَحل من هذه الأرض . فقال لهم : صَبْراً حتَّى يأتِيَ إلينا مَن يَحمِلُ هذه الرَّايَةَ الأُخرى . فقال لهم بعضهم : سَيّدي تفضَّل عَلَيَّ بِحَملِها ، فَجزّاه الحُسَينُ عليه السلام خيراً . وقال : يأتي إليها صاحِبُها . ثمَّ كتب كتابا نسخته كذا : مِنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ بنِ أبي طالبٍ إلى الرَّجُلِ الفَقيهِ حَبيبِ بنِ مُظاهِر : أمَّا بعدُ يا حبيب ؛ فَأنتَ تَعلَمُ قَرابَتَنا مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَأنتَ أَعرَفُ بِنا من غَيْرِكَ ، وأنتَ ذُو شيمَةٍ وغَيْرَةٍ ، فَلا تَبخَل عَلَينا بِنَفسِكَ ، يُجازيكَ جَدِّي رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَومَ القِيامَةِ . ثُمَّ أرسلَهُ إلى حبيبٍ (2)

.


1- . كذا في المصدر ، والصحيح : «فأتى» .
2- . إكسير العبادات في أسرار الشهادات : ج 2 ص 591 ، معالي السّبطين : ج 1 ص 370 .

ص: 145

. .

ص: 146

17 كتابه عليه السلام إلى بني هاشم من كربلاء

17كتابُه عليه السلام إلى بني هاشممن كربلاءقال محمَّد بن عمرو : حدَّثني كرام عبد الكريم بن عمرو ، عن ميسر بن عبد العزيز ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كتب الحسينُ بنُ عليٍّ عليهماالسلام إلى مُحَمَّد بن عليٍّ عليه السلام من كربلاء :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم مِنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ عليهماالسلام إلى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ ، ومَن قِبَلَهُ مِن بني هاشِم : أمَّا بَعدُ ؛ فَكَأنَّ الدُّنيا لَم تَكُن ، وَكَأنَّ الآخِرَةَ لَم تَزَل ، وَالسَّلامُ . (1)

.


1- . كامل الزّيارات : ص 157 ح 196 ، بحار الأنوار : ج 45 ص 87 ح 23.

ص: 147

الفصل الثّالث : المكاتيب المنسوبة إليه عليه السلام

18 كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن عبّاس

الفصل الثّالث : المكاتيبُ المنسوبة إليه عليه السلام18كتابُه عليه السلام إلى عبداللّه بن عبّاسذكر في تحف العقول : كَتَبَ (الحُسين عليه السلام ) إلى عَبدِاللّه ِ بن العبَّاس (1) حينَ سَيَّره (2) عبداللّه بن الزُّبير إلى اليَمن :أمَّا بَعدُ ؛ بلَغَني أنَّ ابنَ الزُّبَيرِ سَيَّرَكَ إلى الطَّائِفِ ، فرَفَعَ اللّه ُ لَكَ بِذلِكَ ذِكراً ، وَحَطَّ بهِ عَنكَ وِزْراً ، وَإنَّما يُبْتَلَى الصَّالِحونَ . وَلَو لَمْ تُؤجَر إلاَّ فيما تُحِبُّ لَقَلَّ (3) الأَجرُ ، عَزَمَ اللّه ُ لَنا وَلَكَ بالصَّبرِ عِندَ البَلْوى ، والشُّكرِ عِندَ النُّعْمى ، وَلا أَشْمَتَ بِنا ولا بِكَ عَدُوَّاً حاسِداً أبَداً ، والسَّلامُ . (4)

.


1- . أشار إليه في مكاتيب الإمام الحسن عليه السلام .
2- . إنّما وقع هذا التّسيير بعد قتل المختار النّاهض الوحيد لطلب ثار الإمام السّبط المفدّى ، فالكتاب هذا لا يمكن أنْ يكون للحسين السّبط عليه السلام ، ولعلَّه لولده الطَّاهر عليّ السّجاد عليه السلام .
3- . وزاد في نسخة : «لقاء» .
4- . تحف العقول : ص 246 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 117.

ص: 148

19 كتابه عليه السلام إلى معاوية

أقول : كان تسيير ابن عبَّاس إلى الطّائف في زَمَن حكومة ابن الزُّبير ، وكان ذلك بعد شهادة الحسين عليه السلام ، فإذاً لا يمكن أنْ يكون هذا الكتاب منه ، بل هو من ابن الحنفيَّة كما ذكره المُؤرِّخون (1) ، أو من عليّ بن الحسين عليه السلام ، كما ذكر في هامش تحف العقول .

19كتابُه عليه السلام إلى معاويةقال القيروانيّ في زهر الآداب : كتَب معاوية إلى الحسين كتاباً يوبّخه فيه بتزويجه جاريته الَّتي أعتقها ، بأنَّك تزوَّجت جاريتك وتركت أكفاءك ؛ فكتب عليه السلام :أمَّا بَعْدُ ؛ فقد بَلَغَنِي كِتَابُكَ وَتَعييرُكَ إيَّاي بِأنِّي تَزوَجتُ مَوْلاتِي ، وَتَرَكتُ أكفائي مِن قُريشٍ ، فَلَيْسَ فَوْقَ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُنْتَهى في شَرفٍ ولا نَسَبٍ ، وَإنَّما كانَت مِلْكَ يَمِينِي خَرَجَتْ من يَدي بأمْرٍ الْتَمَستُ فيهِ ثَوَابَ اللّه ِ ، ثُمَّ ارْتَجَعْتُها على سُنَّة نبيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَد رَفَعَ اللّه ُ بالإسلام الخَسِيسَةَ ، وَوَضَعَ عَنَّا بهِ النَّقيصَةَ ، فَلا لُؤمَ عَلى امْرِىمُسْلِمٍ إلاَّ في أمرِ مَأثَمٍ ، وإنَّما اللُّؤمُ لُؤمُ الجَاهِلِيَّةِ (2) .

ولكن نسبه الكلينيّ رحمه الله في الكافي (3) وغيره إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، لا إلى الحسين بن عليّ عليهماالسلام في زمن عبدالملك .

.


1- . راجع : الأمالي للطوسي : ص 119 ح 186 وتاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 9 .
2- . أعيان الشيعة : ج 1 ص 583 ، ولم نجد نسخة زهر الآداب .
3- . وفيه : عدّةٌ من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه ، عن عبدالرّحمن بن محمّد ، عن يزيد بن حاتم ، قال : كان لعبدالمَلِك بن مروان عَيْنٌ بالمدينة يكتبُ إليه بِأخْبار ما يَحْدُثُ فيها ، وإنَّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام أعتق جاريةً ، ثمّ تزوّجَها ، فكتب العَيْنُ إلى عبدالملك ، فكتب عبد الملك إلى عليّ بن الحسين عليه السلام : أمّا بعد ؛ فقد بلغني تَزْوِيجُك مَوْلاتَك وقد عَلِمْتُ أنّه كان في أكْفَائِكَ من قريش مَن تَمَجَّدُ به في الصِّهْر ، وتَسْتَنْجِبُهُ في الوَلَد ، فلا لِنَفْسك نَظَرْتَ ولا على وُلْدِكَ أبْقَيْتَ ، والسّلام . فكتب إليه عليّ بن الحسين عليه السلام : أمّا بعد ، فقد بلغني كتابُك تُعَنِّفُنِي بِتَزْوِيجِي مَوْلاتِي ، وتزْعُمُ أنّه كان في نساء قريش مَنْ أتَمَجَّدُ به في الصِّهْر ، وأسْتَنْجِبُهُ في الولد ، وأنّه ليس فوق رسول اللّه صلى الله عليه و آله . . . (الكافي : ج5 ص 344 ح 4) .

ص: 149

20 كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة

20كتابُه عليه السلام إلى أهل الكوفةكتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة لمّا سارَ ورأى خِذلانهم إيَّاه :أمَّا بَعدُ ؛ فَتَبَّاً لَكُم أيَّتُها الجَماعَةُ وَتَرَحاً ، حين اسْتَصْرخْتُمونا وَلِهِينَ فأصْرخْناكم موجِفينَ ، سَلَلتم عَلَينا سَيفاً كانَ في أَيمانِنا ، وحَششْتُم عَلَينا ناراً اقْتدَحْناها عَلى عَدُوِّنا وَعَدُوِّكم ، فأصْبحْتم إلْباً لَفَّاً على أوليائكم ويَداً لأعدائكم ، بِغَيرِ عَدلٍ أفشوْهُ فيكُم وَلا لِأَمَلِ أَصبَحَ لَكُم فيهِم وَعَن غَيرِ حَدَثٍ كان مِنَّا، ولا رأيٍ تَفيَّل عَنَّا ، فهَّلا لَكُمُ الوَيلاتُ . تركتُمونا والسَّيفُ مَشِيمٌ (1) والجَأشُ طامِنٌ والرّأيُ لَم يُسْتَحصَفْ (2) ولكنِ اسْتَسْرَعْتُم إلَيها كَتَطائِرِ الدَّبى (3) وتَداعَيْتُم عَنها كتداعي الفَراش . فَسُحقاً وَبُعداً لِطواغِيتِ الأُمَّةِ، وشُذَّاذِ الأحزابِ ، ونَبَذَة الكتابِ ، ونَفثَةِ الشَّيطانِ ، ومُحَرِّفي الكلامِ ، وَمُطفئي السُّنَنِ ، وَمُلحقي العَهَرَةِ بِالنَّسَبِ ، المستهزئِين الَّذين جعلوا القُرآنَ عِضينَ . وَاللّه ِ إنَّهُ لخَذلٌ فيكُم مَعروفٌ ، قد وَشَجتْ عَلَيهِ عُروقُكُم ، وَتَوارَت عَلَيهِ أُصولُكُم ، فَكُنْتُم أخْبَثَ ثَمَرَةٍ شَجا لِلنَّاطِرِ ، وَاُكْلَةً للغاصِبِ . أَلا فَلَعنَةُ اللّه ِ عَلى النَّاكِثينَ الَّذين يَنقُضُون الأيمانَ بَعد تَوكيدِها ، وقَد جَعَلوا اللّه َ عَلَيهِم كَفيلاً . أَلا وَإنَّ الدَّعِيَّ ابنَ الدَّعِيِّ قَد رَكَزَ مِنَّا بَينَ اثنتَينِ بَينَ المِلَّةِ وَالذّلَّةِ وَهيهاتَ مِنَّا الدَّنيئَةُ ، يأبى اللّه ُ ذلِكَ وَرَسولُهُ والمُؤمِنونَ ، وَحُجُورٌ طابَت ، وَاُنُوفٌ حَمِيَّةٌ ، وَنُفوس أبِيَّةٌ ، وأنْ نُؤثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ عَلى مَصارِعِ الكِرامِ ، وَإنِّي زاحِفٌ إِلَيهِم بِهذهِ الاُسرَةِ عَلى كَلَبِ العَدُوِّ وكَثرَةِ العَدَدِ وخِذْلَةِ النَّاصِرِ . ألا وَما يلْبَثونَ إلاَّ كَرَيْثِما يُركَبُ الفَرَسُ حتّى تَدورَ رَحا الحَربِ وتُعلَقَ النُّحورُ . عَهدٌ عَهِدَهُ إليَّ أبي عليه السلام . فَاجمَعوا أمرَكُم ثُمَّ كِيدونِ فَلا تُنظِرونِ ، إنّي تَوَكَّلتُ عَلى اللّه ِ رَبّي وَرَبِّكُم ، ما مِن دابّةٍ إلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصيتها ، إنّ رَبّي عَلى صِراطٍ مُستقيمٍ . (4)

.


1- . شِمتُ السَّيفَ : أغمدته (الصّحاح : ج 5 ص 1963) .
2- . استحصف الشّيءُ أي استحكم ، والحصيف المحكمُ العقل (الصحاح : ج 4 ص 1344) .
3- . الدَّبا مقصور : الجراد قبل أن يطير ، وقيل : هو نوع يشبه الجراد ، واحدتُهُ دَباة (الصحاح : ج 6 ص 2333) .
4- . تحف العقول : ص 240.

ص: 150

ذكر المؤرّخون وأهل السّير هذا الحديث ، مع اختلاف في كون الإمام عليه السلام قد قاله في المعركة حين أحاطوا به من كلّ جانب ، أو من كتابه عليه السلام (1) .

.


1- . راجع : الاحتجاج : ج 2 ص 97 ح 167 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج 3 ص 257 ، بحار الأنوار : ج 45 ص 9 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 218 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج 2 ص 6 .

ص: 151

الفصل الرّابع : مكاتيبه في أُمور شتّى

21 كتابه عليه السلام في القدر

الفصل الرّابع : مكاتيبه عليه السلام في أُمور شتّى21كتابُه عليه السلام في القدرفي فقه الرِّضا عليه السلام : قال العالم عليه السلام : كتَب الحسن بن أبي الحسن البصريّ ، إلى الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، يسأله عن القدر ، فكتب إليه :اتَّبع ما شَرَحتُ لَكَ فِي القَدَرِ ، مِمَّا أُفضي إليْنا أهلَ البَيتِ ، فَإنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ فَقَدْ كَفَر ، ومَن حَمَل المعاصي عَلى اللّه ِ عز و جل فَقَد فجَر وافْتَرى عَلى اللّه ِ افتراءً عظيماً ، إنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتعالى لا يُطاعُ بإكْراهٍ ، ولا يُعصى بِغَلَبةٍ ، وَلا يُهمِلُ العِبادَ في الهَلَكَةِ ، وَلكِنَّهُ المالِكُ لِمَا ملَّكَهم ، والقادِرُ لِمَا عَلَيهِ أقدَرَهُم . فإنْ ائْتمروا بالطَّاعَةِ لَم يَكُن لَهُم صادَّاً عَنها مُبطِّئاً ، وإنْ ائْتمروا بالمَعصِيَةِ فَشاءَ أنْ يَمُنَّ عَلَيهِم ، فَيَحولَ بَينَهم وَبَينَ ما ائْتمروا بهِ ، فَإنْ فَعَلَ وَإنْ لَم يفعَل فَلَيس هُوَ حامِلُهُم عليه (1) قسراً ، ولا كلَّفهم جَبْراً بِتَمكينِهِ إيَّاهُم بَعدَ إعْذارِهِ وإنْذارِهِ لَهُم ، واحتجاجِهِ عَلَيهِم ، طَوَّقَهَم وَمَكَّنهُم وجَعَل لَهُمُ السَّبيلَ إلى أخذِ ما إليهِ دَعاهُم ، وتَرْكِ ما عَنهُ نَهاهُم ، جَعَلَهم مُستَطيعينَ لأَخْذِ ما أمرَهُم بهِ من شَيءٍ غيرِ آخِذيهِ ، ولِتَركِ ما نَهاهُم عَنهُ مِن شَيءٍ غَيرِ تاركِيهِ ، والحَمدُ للّه ِ الَّذي جَعَلَ عِبادَهُ أقوياءَ لِما أمرَهُم بهِ ، يَنالونَ بِتِلكَ القُوَّةِ ، وَنهاهُم عَنهُ ، وجَعَلَ العُذرَ لِمَن لَم يَجعَل لَهُ السَّبَبُ جُهداً مُتَقَبَّلاً . (2)

.


1- . في المصدر : «عليهم» ، وما أثبتناه هو الصحيح ، كما في بحار الأنوار .
2- . الفقه المنسوب إلى الإمام الرّضا عليه السلام : ص 408 ، بحار الأنوار : ج 5 ص 124 ح 71 نقلاً عنه.

ص: 152

22 كتابه عليه السلام في المحبّة

23 كتابه عليه السلام في الموعظة

أقول : وقد تقدَّم عن الحسن عليه السلام في مكاتيبه ما يقرب من ذلك .

22كتابه عليه السلام في المحبَّةأحمد بن أبي القاسم عن أبيه قال : كتب أخ للحسين بن عليّ[ عليه السلام ] إلى الحسين عليه السلام كتاباً يستبطئه في مكاتبته ، قال : فكتب إليه الحسين[ عليه السلام ] :يا أخي ، لَيسَ تَأكيدُ المَوَدَّةِ بِكَثرَةِ المُزاوَرَةِ ، وَلا بِمُواتَرَةِ المُكاتَبةِ ، وَلكِنَّها في القَلبِ ثابِتَةٌ ، وعِندَ النّوازِلِ مَوجودَةٌ . (1)

23كتابُه عليه السلام في الموعظةعن العدّة ، عن أحمد بن محمَّد بن خالد ، عن شرِيف بن سابِقٍ ، عن الفضل بن أبي قُرَّةَ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : كَتَبَ رَجُلٌ إلى الحسين صلوات اللّه عليه عِظْنِي بِحَرْفَيْن ، فكتَبَ إليه :عن العدّة ، عن أحمد بن محمَّد بن خالد ، عن شرِيف بن سابِقٍ ، عن الفضل بن أبي قُرَّةَ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : كَتَبَ رَجُلٌ إلى الحسين صلوات اللّه عليه عِظْنِي بِحَرْفَيْن ، فكتَبَ إليه : مَن حاوَل أمْراً بمعْصِيَة اللّه ِ كانَ أفْوتَ لِما يَرْجُو ، وَأسْرَعَ لِمَجِيءِ ما يَحْذَرُ . (2)

.


1- . بغية الطّلب في تاريخ حلب : ج 6 ص 2589.
2- . الكافي : ج 2 ص 373 ح 3 ، تحف العقول : ص 248 وفيه كلام الإمام عليه السلام ، بحار الأنوار : ج 73 ص 392 ح 3.

ص: 153

24 كتابه عليه السلام في خير الدّنيا والآخرة

25 كتابه عليه السلام في تفسير الصّمد

24مكاتيبه في أُمور شتّىكتابُه عليه السلام في خير الدّنيا والآخرةحدَّثنا محمَّد بن موسى بن المتوكِّل ، قال : حدَّثنا محمَّد بن أبي عبداللّه الكوفيّ ، عن موسى بن عِمران النَّخَعِي ، عن عمِّه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن يحيى بن أبي القاسم ، عن الصَّادق جعفر بن محمَّد ، عن أبيه ، عن جدِّه ( عليهم السلام) ، قال : كتب رجل إلى الحسين بن عليّ( عليه السلام ) : يا سيِّدي ، أخبِرني بِخَيرِ الدُّنيا والآخرة . فكتب إليه :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّه مَن طَلَبَ رِضا اللّه ِ بسَخَطِ النَّاسِ كَفاهُ اللّه ُ أُمورَ النَّاسِ ، وَمَن طَلَبَ رِضا النَّاسِ بِسَخَطِ اللّه ِ وَكَلَه اللّه ُ إلى النَّاسِ ، والسَّلامُ . (1)

25كتابُه عليه السلام في تفسير الصَّمدقال وَهَبُ بن وَهَب القُرَشِيّ : وحدَّثني الصَّادق جعفرُ بن محمَّد ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه عليهم السلام: أنَّ أهل البصرة كَتَبوا إلى الحسين بن عليّ عليهماالسلام يسألونَه عن الصَّمد؟ فكتب إليهم :بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بَعدُ ؛ فَلا تَخوضُوا في القُرآنِ ، ولا تُجادِلوا فيهِ ، ولا تَتَكلَّموا فيهِ بِغَيرِ عِلمٍ ، فَقَد سَمِعتُ جَدِّي رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن قالَ في القُرآنِ بِغَيرِ عِلمٍ فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، وإنَّ اللّه َ سُبحانَهُ قَد فَسَّرَ الصَّمَدَ ، فَقال : «اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ » ، ثُمَّ فسَّرَه فَقالَ : «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ » . «لَمْ يَلِدْ » لَمْ يَخْرُج مِنهُ شَيءٌ كَثيفٌ ، كالوَلَدِ وَسائرِ الأَشياءِ الكَثِيفَةِ الَّتي تَخْرُجُ مِنَ المخلوقِين ، وَلا شَيءٌ لَطِيفٌ كالنَّفس ، ولا يَتَشَعَّبُ مِنهُ البَدَواتُ ، كالسِّنَةِ والنَّوْمِ والخَطْرَةِ والهَمِّ والحُزْنِ والبَهْجَة وَالضِّحكِ والبُكاء والخَوْفِ والرَّجاءِ والرَّغبَةِ والسَّأمَةِ والجُوع والشِّبَع ، تَعالى أنْ يخْرُجَ مِنهُ شَيءٌ ، وأنْ يَتَولَّد مِنهُ شَيءٌ كَثيفٌ أوْ لَطيفٌ . «وَ لَمْ يُولَدْ » لمْ يَتَولَّدْ من شَيءٍ ، وَلَم يَخْرُج من شَيء ، كما يَخْرُج الأشياءُ الكَثِيفةُ من عناصِرِها ، كالشَّيءِ مِنَ الشَّيءِ ، والدَّابَّةِ مِنَ الدَّابَةِ ، والنَّباتِ مِنَ الأرضِ ، والماءِ مِنَ الينابِيعِ ، والثِّمارِ مِنَ الأَشجارِ ، وَلا كَما يَخرُجُ الأشياءُ اللَّطيفَةُ مِن مراكِزِها ، كالبَصَرِ مِنَ العَينِ ، والسَّمْعِ مِنَ الأُذُنِ ، والشَّمِّ مِنَ الأنْفِ ، وَالذَّوْقِ مِنَ الفَمِ ، وَالكلامِ مِنَ اللِّسانِ ، والمَعْرِفَةِ والتَّميّزِ مِنَ القَلبِ ، وَكالنَّارِ مِنَ الحَجَرِ ، لا بَلْ هُوَ اللّه ُ الصَّمدُ الَّذي لا مِن شيءٍ ، وَلا في شَيءٍ ، وَلا عَلى شَيءٍ ، مُبْدِعُ الأشياءِ وَخالِقُها ، ومُنْشِئُ الأشياءِ بقُدْرَتِهِ ، يَتَلاشى ما خُلِقَ للفناءِ بِمَشِيَّتِهِ ، وَيَبْقى ما خُلِقَ للبقاءِ بِعلْمِهِ . فَذلِكُمُ اللّه ُ الصَّمَدُ الَّذي لَم يَلِد وَلَم يُولَد ، عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ الكَبيرُ المُتعالِ ، وَلمْ يَكُنْ لَه كُفُواً أحَدٌ . (2)

.


1- . الأمالي للصدوق : ص 268 ح 293 وراجع : الاختصاص : ص 225 ، مشكاة الأنوار : ص 72 ح 128 ، روضة الواعظين : ج 2 ص 405 ح 1436 ، بحار الأنوار : ج 71 ص 371 ح 3 ؛ سنن التّرمذي : ج 4 ص 610 ح 2414 ، صحيح ابن حبّان : ج 1 ص 511 ح 277 ، كنز العمّال : ج 15 ص 772 ح 43034.
2- . التّوحيد : ص 90 ح 5 ، مجمع البيان : ج 10 ص 861 ، بحار الأنوار : ج 3 ص 223.

ص: 154

. .

ص: 155

26 وصيّته عليه السلام لعامّة النّاس

26وصيّته عليه السلام لعامّة النّاسأُوصيكُم بِتقوى اللّه ِ وَأُحَذِّرُكُم أيّامَهُ ، وَأَرفَعُ لَكُم أَعلامَهُ ، فَكَأنَّ المَخوفَ قَد أَفِدَ بمَهولِ وُرودهِ ، ونكيرِ حُلولِهِ وبَشِع مَذاقِهِ ، فاعْتَلق مُهَجَكُم وحالَ بَينَ العَمَلِ وَبَينَكُم ، فبادِروا بِصِحَّة الأجسامِ في مُدَّة الأَعمارِ ، كأنَّكم ببَغَتاتِ طَوارقِهِ فتنْقُلُكُم مِن ظَهرِ الأرضِ إلى بَطنِها ، وَمِن عُلُوِّها إلى سُفلِها ، وَمِن أُنْسِها إلى وَحشَتِها ، ومن رَوحِها وضَوئِها إلى ظُلمَتِها ، وَمِن سَعَتِها إلى ضِيقِها ؛ حَيث لا يُزارُ حَميمٌ ولا يُعاد سَقيمٌ ولا يُجابُ صَريخٌ . أعانَنا اللّه ُ وإيَّاكم عَلى أهوالِ ذلِكَ اليَومِ ، ونجَّانا وإيَّاكم مِن عقابهِ ، وأوْجَبَ لنا وَلَكُم الجَزيلَ مِن ثَوابِهِ . عِبادَ اللّه ِ ، فَلَو كانَ ذلِكَ قَصِرَ مَرْماكُم ومَدى مَظعَنِكُم ، كان حَسْبُ العامِلِ شُغلاً يَستفْرِغُ عَلَيهِ أحزانَهُ ويَذْهَلُهُ عَن دُنياه وَيُكثِرُ نَصَبَه لِطَلَبِ الخَلاصِ مِنهُ ، فَكَيفَ وَهُو بَعدَ ذلِكَ مُرتَهَنٌ بِاكتسابِهِ ، مُستَوقَفٌ عَلى حِسابهِ ، لا وَزيرَ لَهُ يَمنَعُه ولا ظَهيرَ عَنهُ يَدفَعُهُ ، وَيَومَئِذٍ لا يَنفَعُ نَفساً إيمانُها لَم تَكُن آمَنتْ مِن قَبلُ أو كَسَبتْ في إيمانِها خَيراً ، قل انتظروا إنَّا مُنتَظِرونَ . أُوصيكُم بِتقوى اللّه ِ ، فَإنَّ اللّه َ قَد ضَمِنَ لِمَن اتَّقاهُ أنْ يحوِّله عَمَّا يَكرَهُ إلى ما يُحِبُّ ويَرزُقُهُ من حَيثُ لا يَحتَسِبُ . فإيَّاكَ أنْ تَكونَ مِمَّن يَخافُ عَلى العِبادِ مِن ذُنوبِهِم ، ويأمَنُ العُقوبَةَ مِن ذَنبِهِ ، فَإنَّ اللّه َ تبارَكَ وَتعالى لا يُخْدَعُ عَن جَنَّتِهِ ، ولا يُنالُ ما عِندَهُ إلاَّ بِطاعَتِهِ إن شاءَ اللّه ُ . (1)

.


1- . تحف العقول : ص 239 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 120 ح 3.

ص: 156

27 كتابه عليه السلام إلى أخيه الحسن عليه السلام في بذْل المال

27كتابُه عليه السلام إلى أخيه الحسن عليه السلامفي بذْل المالقال في كشف الغمَّة ، في مكارم الحُسين عليه السلام : كتَب إليه الحسن عليه السلام يلومه على إعْطاء الشُّعراء ، فكتَب إليه :أنتَ أعلْمُ منِّي بأنَّ خَيرَ المالِ ما وقى العِرضَ . (1)

وهذا الكتابُ ذُكر أيضاً في مكاتيبِ الإمام الحسن عليه السلام . هذا هو ما حصلنا عليه من مكاتيب الإمام الحسين الشهيد عليه السلام والحمد للّه ربّ العالمين .

.


1- . كشف الغمّة : ج 2 ص 243 ، نزهة النّاظر : ص 73 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 195 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج 14 ص 181 ، الفصول المهمّة : ص 163 ، تهذيب الكمال : ج 6 ص 407.

ص: 157

مكاتيب الإمام عليّ بن الحسين

اشاره

مكاتيب : الإمام عليّ بن الحسين عليهماالسلام

.

ص: 158

. .

ص: 159

الفصل الأوّل : مكاتيبه

1 كتابه عليه السلام في الزّهد

الفصل الأوّل : مكاتيبهمكاتيبه عليه السلام1كتابُه عليه السلام في الزُّهدمحمّد بن يحْيى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى وعليِّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً عن الحسن بن مَحْبُوبٍ ، عن مالك بن عطيَّة ، عن أبي حمزة ، قال : ما سمعْتُ بأحدٍ من النَّاس كان أزْهَدَ من عليِّ بن الحسين عليهماالسلام إلاّ ما بلغني من عليِّ بن أبي طالبٍ عليه السلام . قال أبو حمزة : كان الإمامُ عليُّ بن الحسين عليهماالسلام إذا تكَلَّم في الزُّهد ووَعَظ أبْكَى مَن بحضْرته . قال أبو حمزة : وقرأْتُ صحيفةً فيها كلامُ زهْد من كلام عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وكتَبْتُ ما فيها ثُمَّ أتيْت عليَّ بن الحُسَيْنِ صلوات اللّه عليه فعَرَضْتُ ما فيها عليْه ، فعَرَفَه وصحَّحَه وكان ما فيها :بسم اللّه الرحمن الرَّحيم . كَفانا اللّه ُ وإيَّاكُم كَيْدَ الظَّالمينَ ، وَبغيَ الحاسدينَ ، وَبَطشَ الجبَّارينَ . أيُّها المُؤمنونَ لا يَفتِنَنَّكمُ الطَّواغيتُ ، وأتباعُهُم مِن أهلِ الرَّغبَةِ في هذه الدُّنيا ، المائِلونَ إليها ، المُفْتَتِنونَ بها المُقبِلونَ عليها وعلى حُطامِها الهامدِ ، وهَشيمِها البائِدِ غداً ، و احْذَروا ما حَذَّركُمُ اللّه ُ مِنها ، وازْهدوا فيما زهَّدكم اللّه ُ فيهِ مِنها ، ولا تَرْكَنوا إلى ما في هذه الدُّنيا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَها دارَ قَرارٍ ومَنزِلَ اسْتِيطانٍ . واللّه ِ إنَّ لكُم ممَّا فيها عَلَيها لدَليلاً وتَنْبِيهاً ، مِن تَصريفِ أيَّامِها وتَغيُّرِ انْقِلابِها ومَثُلاتِها و تَلاعُبِها بأهلها ، إنَّها لَتَرْفَعُ الخَمِيلَ ، وتَضَعُ الشَّريفَ ، وتُورِدُ أقواماً إلى النَّار غداً ؛ ففي هذا مُعْتَبَرٌ ، ومُخْتَبَرٌ ، وزاجِرٌ لِمُنتبِهٍ ، إنَّ الأمورَ الوارِدَةَ عَلَيكُم في كُلّ يومٍ ولَيلَةٍ مِن مُظلِماتِ الفِتَنِ ، وحَوادِثِ البِدَعِ ، وسُنَنِ الجَوْرِ ، وبَوائِقِ الزَّمانِ ، وهَيْبةِ السُّلطانِ ، ووسْوسَةِ الشَّيطانِ ، لَتُثبِّطُ القلوبَ عن تنبُّهِها ، وتذْهِلُها عن موجودِ الهُدَى ، ومعرفَةِ أهلِ الحَقّ إلاّ قليلاً مِمَّنْ عَصَمَ اللّه ُ ، فَلَيسَ يعرِفُ تصَرُّفَ أيَّامِها ، وتَقَلُّبَ حالاتِها ، وعاقِبةَ ضرَرِ فتْنتِها إلاّ مَن عَصَمَ اللّه ُ ، ونَهَجَ سبيلَ الرُّشدِ ، وسَلكَ طَريقَ القَصدِ ؛ ثُمَّ اسْتعانَ على ذلك بالزُّهدِ ، فكرَّرَ الفكرَ ، واتَّعظَ بالصَّبرِ ، فازْدَجر ، وزهِدَ في عاجِلِ بَهْجةِ الدُّنيا وتجافى عَن لذَّاتِها ، ورَغِبَ في دائِمِ نَعيمِ الآخِرةِ ، وسَعى لها سَعْيَها وراقَبَ المَوتَ ، وشَنأ الحَياةَ معَ القَوْمِ الظَّالِمينَ . نظَر إلى ما في الدُّنيا بعَيْنٍ نَيِّرةٍ حَديدَةِ البَصَرِ ، وأبْصَرَ حَوادِثَ الفِتَن ، وضلالَ البِدَعِ ، وجَوْرَ المُلوكِ الظَّلَمَةِ . فَلقَد لَعَمري استَدبرتُمُ الاُمورَ الماضِيَةَ في الأيَّامِ الخالِيَةِ مِنَ الفِتَنِ المُترَاكِمَةِ ، والاِنهِماكِ فيما تَسْتَدلُّونَ بِهِ على تَجنُّبِ الغُواةِ وأهلِ البِدَعِ والبَغيِ والفَسادِ في الأرضِ بِغَيرِ الحَقِّ ، فاسْتعينوا باللّه ِ ، وارجِعوا إلى طاعَةِ اللّه ِ ، وطاعَةِ مَن هُوَ أولى بِالطَّاعَةِ مِمَّن اتُّبِعَ فأُطيعُ . فالحَذَرَ الحَذَرَ مِن قَبلِ النَّدامَةِ والحَسرَةِ ، والقُدومِ عَلى اللّه ِ ، والوُقوفِ بَينَ يَدَيهِ . وتاللّه ِ ما صَدَرَ قَوْمٌ قطُّ عَن مَعصِيةِ اللّه ِ إلاّ إلى عَذابِهِ ، وَ ما آثر قَومٌ قطُّ الدُّنيا على الآخِرةِ إلاّ سَاءَ مُنقلَبُهُم ، وَساءَ مَصيرُهُم ، وما العِلمُ باللّه ِ والعَمَلُ إلاّ إلْفانِ مُوْتَلِفانِ ، فمَن عرَفَ اللّه َ خافَهُ وحثَّهُ الخَوفُ على العَمَلِ بِطاعَةِ اللّه ، وإنَّ أربابَ العِلمِ وأتباعَهُم ، الَّذينَ عَرَفوا اللّه َ فَعَمِلوا لَهُ ورَغِبوا إليهِ ، وَقَد قالَ اللّه ُ : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ » (1) . فلا تَلتَمِسوا شَيئاً مِمَّا في هذه الدُّنيا بِمعصِيَةِ اللّه ِ ، واشتغِلوا في هذهِ الدُّنيا بِطاعَةِ اللّه ِ ، واغتنِموا أيَّامَها ، واسعَوا لما فيهِ نَجاتُكُم غَداً مِن عَذابِ اللّه ِ ، فإنَّ ذلك أقلُّ لِلتَّبِعَةِ ، وأدنى مِنَ العُذرِ ، وأرجى لِلنَّجاةِ ، فقَدِّموا أمرَ اللّه ِ ، وطاعَةَ مَن أوجَبَ اللّه ُ طاعَتَهُ بَينَ يَدَي الاُمورِ كُلِّها ، ولا تُقدِّموا الاُمورَ الوارِدَةَ عَلَيكُم مِن طاعَةِ الطَّوَاغيتِ مِن زَهرَة الدُّنيا بين يَدَي اللّه ِ وطاعَتِهِ ، وطاعَةِ أُولي الأمرِ مِنكُم ، واعلَموا أنَّكُم عَبِيدُ اللّه ِ ونَحنُ مَعَكُم يَحكُمُ عَلَينا و عَلَيكُم ، سَيِّدٌ حَاكِمٌ غَداً وهُوَ مُوقِفُكُم ومُسائِلُكُم ؛ فأعِدُّوا الجَوابَ قَبلَ الوقوفِ والمُساءَلَةِ والعَرضِ على رَبِّ العالَمينَ ، يَومَئِذٍ لا تَكَلَّمُ نفسٌ إلاّ بإذنِه . واعلَموا أنَّ اللّه َ لا يُصَدِّقُ يَومئذٍ كاذِباً ، ولا يُكَذِّبُ صادِقاً ، ولا يَرُدُّ عُذرَ مُستَحِقٍّ ، ولا يَعذِرُ غيرَ مَعذورٍ ، لهُ الحُجَّةُ على خَلقِهِ بالرُّسُلِ ، والأوصِياءِ بَعدَ الرُّسُلِ . فاتَّقوا اللّه َ عبادَ اللّه ِ ، واستَقْبِلوا في إصلاحِ أنفُسِكُم ، وطاعَةِ اللّه ِ ، وطاعَةِ مَن تَولَّونَهُ فيها ، لعلّ نادِماً ، قَد نَدِمَ فيما فرَّطَ بالأمسِ في جَنبِ اللّه ِ ، وضَيَّع من حُقوقِ اللّه ِ ، واستغفِروا اللّه َ ، و توبوا إليهِ ، فإنَّهُ يَقبَلُ التَّوبةَ ، ويَعفو عَنِ السَّيِّئةِ ، ويَعلمُ ما تَفعَلونَ . وإيَّاكم وصُحبَةَ العاصينَ ، ومَعونَةَ الظَّالِمينَ ، ومُجاوَرَةَ الفاسِقينَ ، احذَروا فِتْنتَهُم ، وتَباعَدوا من ساحَتِهِم ، واعلَموا أنَّهُ مَن خَالَفَ أولِياءَ اللّه ِ ودَانَ بِغَيرِ دِينِ اللّه ِ ، واستَبدَّ بأمرِهِ دُونَ أمرِ وليِّ اللّه ِ ، كانَ في نارٍ تَلتَهِبُ ، تَأكلُ أبداناً قَد غابَت عنها أرواحُها ، وغَلَبَتْ عَلَيها شِقوَتُها ، فَهُم مَوتى ، لا يَجِدونَ حَرَّ النَّارِ ، وَلَو كانوا أحياءً لوَجَدوا مَضَضَ حَرِّ النَّارِ . واعتَبِروا يا اُولي الأبصارِ ، واحمَدوا اللّه َ على ما هداكُم ، واعلَمُوا أنَّكُم لا تَخرُجونَ مِن قُدرةِ اللّه ِ إلى غَيرِ قُدرَتِهِ ، وسَيرى اللّه ُ عَمَلَكُم ورَسولُه ، ثُمَّ إليه تُحشَرونَ ، فانتفِعوا بالعِظَةِ ، وتَأدَّبُوا بآدابِ الصَّالحينَ . (2)

.


1- . فاطر : 28 .
2- . الكافي : ج 8 ص 14 ح 2 ، الأمالي للمفيد : ص 198 ح 32 ، العدد القوية : ص 59 ح 79 كلاهما نحوه ، بحارالأنوار : ج 78 ص 151 ح 12 .

ص: 160

. .

ص: 161

. .

ص: 162

2 كتابه عليه السلام في المواعظ يوم الجمعة

2كتابُه عليه السلام في المواعظيوم الجمعةحدَّثني محمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى وعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن الحسن بن مَحبُوب ، عن عبد اللّه بن غالب الأسديِّ ، عن أبيه ، عن سعيد بن المُسَيَّب ، 1 قال : كان عليُّ بن الحسين عليهماالسلام يَعِظُ النَّاس ويُزَهِّدهم في الدُّنيا ويُرَغِّبهُم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جُمُعة ، في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحُفِظ عنه وكُتِب ، كان يقول :

.

ص: 163

. .

ص: 164

. .

ص: 165

. .

ص: 166

الوصيّة بالتّقوى

الوصيّة بالتّقوى :«أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللّه َ ، واعلَموا أنَّكُم إليهِ تُرجَعونَ ، فَتجِدُ كلُّ نَفسٍ ما عَمِلَت في هذِهِ الدُّنيا مِن خَيرٍ مُحْضَراً ، وما عَمِلَت مِن سوءٍ توَدُّ لَو أنَّ بَينَها وبَينَهُ أمداً بَعيداً ، ويُحذِّرُكُمُ اللّه ُ نَفسَهُ ، وَيْحَكَ يا ابنَ آدمَ الغافِلَ ، ولَيسَ بِمَغفولٍ عَنهُ .

.

ص: 167

التّحذير من الموت

التّذكير بالمعاد

التّحذير من الموت :يا ابنَ آدَمَ إنَّ أجَلَكَ أسْرَعُ شَيْءٍ إلَيكَ ، قَد أقبَلَ نَحوَكَ حَثيثاً يَطْلُبُكَ ، وَيوشِكُ أنْ يُدْرِكَكَ ، وكَأن قَد أوْفَيتَ أجَلَكَ ، وقَبَضَ المَلَكُ روحَكَ ، وصِرتَ إلى قَبرِكَ وَحيداً ، فَرَدَّ إليكَ فيهِ روحَكَ ، واقْتَحَمَ عَليكَ فيهِ مَلَكانِ ، ناكِرٌ ونكيرٌ لمُسائَلتِكَ وشَديدِ امتِحانِكَ . أ لا وإنَّ أوَّلَ ما يَسْألانِكَ عَن رَبِّكَ الَّذي كنتَ تَعبُدُهُ ، وعَن نبيِّكَ الَّذي أُرْسِلَ إلَيكَ ، وعن دينِكَ الَّذي كُنتَ تَدِينُ بِهِ ، وعَن كِتابِكَ الَّذي كُنتَ تتْلُوهُ ، وعَن إمامِكَ الَّذي كُنتَ تَتَولاّهُ ، ثُمَّ عَن عُمُرِكَ فيما كُنتَ أفْنَيْتَهُ ، ومالِكَ مِن أيْنَ اكْتَسَبتَهُ وفيما أنتَ أنفقْتَهُ ، فخُذ حِذْرَكَ ، وانظُر لِنَفسِكَ ، وأعِدَّ الجَوابَ قَبلَ الاِمتِحانِ والمُسَائَلَةِ والاِختِبارِ . فإنْ تَكُ مؤمِناً عارِفاً بدِينِكَ ، مُتَّبِعاً للصَّادِقينَ ، مُوالِياً لأوْلياءِ اللّه ِ لقَّاكَ اللّه ُ حُجَّتَكَ ، وأنْطَقَ لِسانَكَ بِالصَّوابِ ، وأحسَنْتَ الجَوابَ ، وبُشِّرْتَ بالرِّضوانِ والجَنَّةِ مِنَ اللّه عز و جل ، واسْتقْبَلَتْكَ الملائِكَةُ بالرَّوحِ والرَّيحانِ ، وإنْ لم تَكُن كذلِكَ تَلَجْلَجَ لِسانُكَ ، ودُحِضَتْ حُجَّتُكَ ، وعَيِيتَ عَنِ الجَوابِ ، وبُشِّرتَ بالنَّارِ ، واسْتقْبلَتْكَ مَلائِكَةُ العَذابِ بِنُزُلٍ مِن حَميمٍ ، وتصْلِيَةِ جَحيمٍ .

التّذكير بالمعاد :واعلَم يا ابنَ آدمَ أنَّ مِن وَراءِ هذا أعظَمَ وأفْظَعَ وأوْجَعَ للقلوبِ يومَ القِيامَةِ ، ذلِكَ يَومٌ مَجموعٌ لَهُ النّاسُ ، وذلِكَ يومٌ مَشهودٌ يَجْمَعُ اللّه ُ عز و جل فيهِ الأوَّلينَ والآخِرينَ ، ذلِكَ يومٌ يُنْفَخُ في الصُّورِ ، وتُبعْثَرُ فيهِ القبورُ ، وذلِكَ يومُ الآزِفَةِ إذِ القلوبُ لدَى الحَناجِرِ كاظِمينَ ، وذلِكَ يَومٌ لا تُقالُ فيهِ عَثرَةٌ ، ولا يُؤخَذُ مِن أحَدٍ فِدْيَةٌ ، وَلا تُقْبَلُ مِن أحَدٍ مَعْذِرَةٌ ، ولا لأَِحَدٍ فيهِ مُسْتقْبَلُ تَوبَةٍ ، لَيسَ إلاّ الجَزاءُ بِالحَسَناتِ والجَزاءُ بالسَّيِّئاتِ .

.

ص: 168

التّرغيب في الخير والتّرهيب والتّحذير من الغفلة

في ذمّ الرّكون إلى الدّنيا

التّرغيب في الخير والتّرهيب والتّحذير من الغَفلة :فمَنْ كانَ مِنَ المؤمِنينَ عَمِلَ في هذهِ الدُّنيا مِثقالَ ذرَّةٍ مِن خَيرٍ وَجَدَهُ ، ومَن كانَ مِنَ المؤمِنينَ عَمِلَ في هذه الدُّنيا مِثقالَ ذَرَّةٍ مِن شَرٍّ وَجَدَهُ ، فاحْذَروا أيُّها النَّاسُ مِنَ الذُّنوبِ والمَعاصي ما قَد نَهاكُمُ اللّه ُ عَنها ، وَحذَّرَكُموها في كِتابِهِ الصَّادِقِ والبَيانِ النَّاطِقِ ، ولا تَأْمَنوا مَكْرَ اللّه ِ وَتحذيرَهُ وَتهديدَهُ عِندَ ما يَدعوكُم الشَّيطانُ اللَّعينُ إلَيهِ مِن عاجِلِ الشَّهَواتِ واللَّذَّاتِ في هذه الدُّنيا ، فإنَّ اللّه َ عز و جل يَقولُ : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ » (1) ، وأشْعِروا قُلوبَكُم خَوْفَ اللّه ِ ، وتَذكَّروا ما قَد وَعَدَكُمُ اللّه ُ في مَرجِعِكُم إليه مِن حُسْنِ ثَوابِهِ ، كما قَد خَوَّفَكُم مِن شَديدِ العِقابِ ، فإنَّه مَن خافَ شَيئاً حَذِرَهُ ، ومَن حذِرَ شيئاً تَرَكَهُ . ولا تكونوا من الغافِلينَ المائِلينَ إلى زَهْرَةِ الدُّنيا الَّذينَ مَكَروا السَّيِّئاتِ فَإنَّ اللّه َ يَقولُ في مُحْكَمِ كِتابِهِ : «أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّ_ئاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (2) ، فاحْذَروا ما حَذَّرَكُمُ اللّه ُ بِما فَعَلَ بالظَّلَمَةِ في كِتابِهِ ، ولا تَأْمَنوا أنْ يَنزِلَ بِكُم بَعضُ ما تَواعَدَ بِهِ القَومَ الظَّالِمينَ في الكِتابِ .

في ذمّ الرّكون إلى الدّنيا :واللّه ِ ، لَقد وَعظَكُمُ اللّه ُ في كِتابِهِ بِغَيرِكُم ، فَإنَّ السَّعيدَ مَن وُعِظ بِغَيرِهِ ، وَلَقَد أسْمَعَكُمُ اللّه ُ في كِتابِهِ ما قَد فَعَلَ بالقَومِ الظَّالمينَ مِن أهلِ القُرَى قَبلَكُم ، حَيثُ قالَ : «وَ كَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً» وإنَّما عَنى بالقَريَةِ أهلَها حَيثُ يقول : «وَ أَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءَاخَرِينَ» ، فقال عز و جل : «فَلَمَّآ أحَسُّوا بَأْسَنَآ إِذَا هُم مِنْهَا يَرْكُضُونَ » ، يعنِي يَهْربونَ ، قالَ : «لاَ تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسألُونَ » ، فلمَّا أتاهُمُ العَذابُ «قَالُوا يَاوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فما زالَت تِلْكَ دَعْويهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ » (3) . وَأيْمُ اللّه ِ ، إنَّ هذهِ عِظَةٌ لَكُم وتَخوِيفٌ ، إن اتَّعظْتُم وخِفْتُم ، ثُمَّ رَجَعَ القَولُ مِنَ اللّه ِ في الكِتابِ على أهلِ المَعاصي وَالذُّنوبِ ، فَقَالَ عز و جل : «وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ ياوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ » (4) . فإنْ قُلتُم أيُّها النَّاسُ : إنَّ اللّه عز و جل إنَّما عنَى بهذا أهلَ الشِّركِ ، فَكَيفَ ذلِكَ وهُوَ يَقولُ : «وَ نَضَعُ الْمَوَ ازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلاَ تُظْ_لَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَ كَفَى بِنَا حَاسِبِينَ » (5) . اعلَموا عِبادَ اللّه ِ ، أنَّ أهلَ الشِّركِ لا يُنْصَبُ لهُمُ المَوازينُ ، ولا يُنْشَرُ لهمُ الدَّواوينُ ، وإنَّما يُحشَرونَ إلى جَهَنَّمَ زُمَراً ، وإنَّما نَصْبُ المَوازينِ ونَشْرُ الدَّواوينِ لِأهلِ الإسلامِ . فَاتَّقوا اللّه َ عِبادَ اللّه ِ ، واعلَموا أنَّ اللّه َ عز و جل لَم يُحِبَّ زَهْرةَ الدُّنيا وعاجِلَها لِأحدٍ مِن أوليائِهِ ، ولم يُرَغِّبْهُم فيها وَفي عاجِلِ زهْرتِها وَظاهِر بَهْجَتِها ، وإنَّما خَلَقَ الدُّنيا وخلَقَ أهلَها لِيبْلُوَهُم فيها أيُّهُم أحسنُ عَمَلاً لآخِرَتِهِ . وأيْمُ اللّه ِ ، لقَد ضَرَبَ لَكُم فيهِ الأمثالَ وصرَّفَ الآياتِ لِقومٍ يعقِلونَ ، ولا قوَّةَ إلاّ باللّه ِ . فازهَدوا فيما زَهَّدَكُم اللّه ُ عز و جل فيه مِن عاجِلِ الحَياةِ الدُّنيا ، فإنَّ اللّه َ عز و جل يَقولُ وقَولُهُ الحقُّ : «إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الْأَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » (6) . فكونوا عِبادَ اللّه ِ مِنَ القَومِ الَّذين يَتَفَكَّرونَ ، ولا تَرْكَنوا إلى الدُّنيا ، فإنَّ اللّه عز و جل قالَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : «وَ لاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَ_لَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ » (7) ، ولا تَركَنوا إلى زَهْرةِ الدُّنيا وما فيها ، رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَها دارَ قَرارٍ ومنزِلَ اسْتِيطانٍ ، فإنَّها دارُ بُلْغَةٍ ، ومَنزِلُ قُلْعَةٍ ، ودارُ عَمَلٍ . فتزَوَّدوا الأعمالَ الصَّالِحَةَ فيها قَبلَ تَفَرُّقِ أيَّامِها ، وقَبلَ الإذْنِ مِنَ اللّه ِ في خَرابِها ، فكأن قَد أخْرَبَها الَّذي عَمَرَها أوَّلَ مَرَّةٍ وابْتدَأها ، وهُو وَلِيُّ ميراثِها ، فأسألُ اللّه َ العَوْنَ لَنا ولَكُم على تزَوُّدِ التَّقوى ، والزُّهْدِ فيها ، جَعَلَنا اللّه ُ وإيَّاكُم مِنَ الزَّاهِدينَ في عاجِلِ زَهْرةِ الحَياةِ الدُّنيا ، الرَّاغبينَ لآجِلِ ثَوابِ الآخِرَةِ ، فإنَّما نَحنُ بِهِ ولَهُ وَصَلَّى اللّه ُ على مُحَمَّدٍ النَّبيِّ وَآلِهِ وسَلَّمَ ؛ والسَّلامُ عَلَيكُم ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ . (8)

.


1- . الأعراف : 201 .
2- . النحل : 45 إلى 47 .
3- . الأنبياء : 11 _ 15 .
4- . الأنبياء : 46 .
5- . الأنبياء : 47 .
6- . يونس : 24 .
7- . هود : 113 .
8- . الكافي : ج 8 ص 72 ح 29 ، الأمالي للصدوق : ص 593 ح 822 ، تحف العقول : ص 249 كلاهما نحوه ، بحارالأنوار : ج 6 ص 223 ح 24 و ج 78 ص 143 ح 6 .

ص: 169

. .

ص: 170

3 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان في التّزويج

3كتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانفي التَّزويجعِدَّةٌ مِن أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللّه ، عن عبد الرَّحمان بن محمّد ، عن يزيد بن حاتم ، قال : كان لعبد المَلِك بن مَرْوان عَين بالمدينة ، يَكتُب إليه بأخبار ما يَحدث فيها ، وإنَّ عليَّ بن الحسين عليهماالسلامأعْتق جاريةً ثمَّ تزوَّجها ، فكَتب العَينُ إلى عبد المَلِك ، فكَتب عبد المَلِك إلى عليِّ بن الحسين عليهماالسلام : أمَّا بعدُ ؛ فقد بلغني تزويجك مولاتَك ، وقد علمْت أنَّه كان في أكفائك من قريش ، من تَمَجَّدُ بهِ الصِّهرَ ، وتَسْتَنْجِبهُ في الولد ، فلا لنفسك نظرْت ، ولا على وُلْدك أبقيْت ؛ والسَّلام . فكتب إليهِ عليُّ بن الحسين عليهماالسلام :أمَّا بَعدُ ؛ فقَد بَلغَني كِتابُكَ تُعَنِّفُني بِتَزْويجي مَوْلاتي ، وتزْعُمُ أنَّهُ كانَ في نِساءِ قُرَيشٍ مَن أتَمَجَّدُ بِهِ في الصِّهْرِ ، وأسْتَنْجِبُهُ في الوَلَدِ ، وأنَّه لَيسَ فَوقَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُرْتَقىً في مَجْدٍ ، ولا مُسْتَزادٌ في كَرَمٍ ، وإنَّما كانَت مِلْكَ يَميني خَرَجَتْ متى أرادَ اللّه ُ عز و جل منِّي بأمرٍ ألْتمِسُ بِهِ ثَوابَهُ ، ثُمَّ ارْتَجَعْتها على سُنَّةٍ ، ومَن كانَ زَكيّاً في دينِ اللّه ِ فَلَيسَ يُخِلُّ بِهِ شَيْءٌ مِن أمرِهِ ، وقَد رفَعَ اللّه ُ بالإسلامِ الخَسيسَةَ وتَمَّمَ بهِ النَّقيصَةَ ، وأذْهَبَ اللُّؤمَ ، فَلا لُؤمَ على امْرئٍ مُسلمٍ ، إنَّما اللُّؤمُ لُؤمُ الجاهِليَّةِ ، والسَّلامُ .

.

ص: 171

فلمَّا قرَأ الكتاب رمَى به إلى ابنه سليْمان ، فقرَأه ، فقال : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخَر عليك عليُّ بن الحسين عليهماالسلام . فقال : يا بُنيَّ لا تقلْ ذلك ، فإنّها (1) ألْسُنُ بني هاشم ، الَّتي تَفْلِق الصَّخْرَ ، وتَغْرِفُ مِن بحرٍ ، إنَّ عليَّ بن الحسين عليهماالسلاميا بُنيَّ ، يَرْتَفِعُ مِن حيثُ يَتَّضِعُ النَّاسُ . (2) وفي الكافي أيضاً نصّ آخر : عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فَضَّال ، عن ثَعْلَبة بن مَيْمُون ، عمَّن يَرْوي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنَّ عليَّ بنَ الحُسَينِ عليهماالسلام تزَوَّجَ سُرِّيَّةً كانَت للحَسَنِ بنِ عَليٍّ عليهماالسلام ، فَبَلَغَ ذلكَ عَبدَ المَلِكِ بنَ مَروانَ ، فَكَتبَ إليهِ في ذلِكَ كِتاباً ؛ أنَّكَ صِرْتَ بَعْلَ الإماءِ . فكَتبَ إليهِ عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام : أنَّ اللّه َ رفَع بالإسلامِ الخَسِيسَةَ ، وأتمَّ بهِ النَّاقِصَةَ ، فأكرَمَ بِهِ مِنَ اللُّؤمِ ، فَلا لُؤمَ عَلى مُسلِمٍ ، إنَّما اللُّؤمُ لُؤمُ الجاهليَّةِ ، إنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنكَح عَبدَهُ وَنَكَحَ أَمَتَهُ . فلمَّا انتهى الكتاب إلى عبد المَلِك ، قال لمَن عنده : خبِّروني عن رجل إذا أتى ما يضع النَّاسَ لَم يزِدْهُ إلاّ شَرَفاً؟ قالوا : ذاكَ أميرُ المُؤمِنينَ . قال : لا وَاللّه ِ ، ما هُوَ ذاكَ . قالوا : ما نَعرِفُ إلاّ أميرَ المُؤمِنينَ . قال : فَلا وَاللّه ِ ، ما هُوَ بِأميرِ المُؤمِنينَ ، وَلكِنَّهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام . (3) وفي تهذيب الأحكام : عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عبد اللّه بن زرارة ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : « لمَّا زَوَّجَ عَليٌّ بنُ الحسَين عليه السلام أُمَّهُ مَولاهُ ، وتزوَّج هُوَ مَولاتَهُ كتَبَ إليهِ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ كتاباً يَلومُهُ فيهِ ، وَيقولُ لَهُ : إنَّكَ قَد وَضَعتَ شَرَفَكَ وحَسَبَكَ . فَكَتَبَ إليهِ عليُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : إنَّ اللّه َ تعالى رَفَعَ بالإسلامِ كلَّ خَسيسَةٍ ، وأتمَّ بِهِ النَّاقِصَةَ ، وأذهَبَ بِهِ الُّلؤمَ ، فَلا لؤمَ على مُسلمٍ ، وإنَّما اللُّؤمُ لُؤمُ الجاهِلِيَّةِ . وَأمَّا تَزويجُ أمِّي ، فإِنِّي إنَّما أرَدتُ بِذلِكَ بِرَّها . فلمَّا انتهى الكتاب إلى عبد المَلِك ، قال : لقد صنع عليّ بن الحسين أمرين ، ما كان يصنعهما أحد إلاَّ عليُّ بنُ الحُسينِ ، فإنَّ بذلك قد زاد شرفاً . (4) وفي كتاب الزهد : النَّضر بن سويد ، عن حسين بن موسى ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : إنَّ عليَّ بنَ الحُسَينِ عليهماالسلام تَزوَّجَ أمَّ ولدِ عَمِّهِ الحَسَنِ عليه السلام ، وزَوَّجَ أُمّهُ مَولاهُ ، فَلَمَّا بَلَغَ ذلكَ عَبدَ المَلِكِ بنَ مَروانَ كَتَبَ إليهِ : يا عليُّ بنَ الحُسَينِ ، كأنَّكَ لا تَعرِفُ مَوضِعَكَ مِن قَومِكَ وقَدرَكَ عِندَ النَّاسِ ، تَزَوَّجتَ مَولاةً ، وَزَوَّجتَ مَولاكَ بِأُمّكَ! فَكَتَبَ إليه عليُّ بنُ الحُسَينِ : فَهِمتُ كِتابَكَ ، ولَنا أُسوَةٌ بِرَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقَد زَوَّجَ زَينَبَ بِنتَ عَمِّهِ زَيداً مَولاهُ ، وتَزوَّجَ مَولاتَهُ صَفيَّةَ بِنتَ حُيَّي بن أخطَبَ » . (5) وقال ابنُ قتيبةَ : تزوَّج عليّ بن الحسين أمَّ ولدٍ لبعض الأنصار ، فلامَه عبد المَلِك في ذلك . فكتب إليه : « إنَّ اللّه َ قَد رَفَعَ بالإسلامِ الخَسيسةَ ، وأتمَّ النَّقيصَةَ ، وأكرَمَ بِهِ مِنَ اللُّؤمِ ، فَلا عارَ على مُسلِمٍ ، هذا رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَد تَزوَّجَ أمَتَهُ وامرأةَ عَبدِهِ» . فقال عبدُ المَلِك : إنَّ عليّ بن الحسين يتشرّف من حيث يتَّضِعُ النَّاسُ . (6) وفي المعارف : روى عليّ بن محمّد عن عثمان بن عثمان قال : زوّج عليّ بن الحسين أُمّه من مولاه ، وأعتق جارية له وتزوّجها ، فكتب إليه عبد الملك يعيِّره بذلك ، فكتب إليه عليٌّ عليه السلام : د كانَ لكُم في رَسولِ اللّه ِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ ، قَد أعتَقَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله صفيّةَ بنتَ حُيَيّ (7) وَتَزوّجَها ، وأعتَقَ زَيدَ بنَ حارِثَةَ وزوَّجَهُ ابنةَ عَمّتِهِ زينبَ بنتَ جَحشٍ » . (8) وأصلُ هذا الموضوع ناشى ءٌ من وهم ؛ لأنَّ السِّيدة أمّ الإمام توفيت في نفاسها ، وقد ذكر ذلك جمهور المُؤرِّخين والرُّواة . وأنَّ الإمام الرِّضا عليه السلام صرح بذلك في حديثه مع سهل بن القاسم النُّوشجانيّ ، فقد قال عليه السلام : « . . . وكانَت صاحِبَةُ الحُسَينِ عليه السلام نَفَسَت بِعليِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام ، فكفَّلَ عليَّاً عليه السلام بعضَ أُمَّهاتِ وُلدِ (9) أبيهِ ، فنَشَأ وهُو لا يعرِفُ أُمّاً غَيرَها ، ثُمَّ علِمَ أنَّها مَولاتُهُ ، فكانَ النَّاسُ يسمُّونَها أمَّه ، وزَعَموا أنَّهُ زوَّج أمَّه ، ومعاذ اللّه إنَّما زوَّج هذه .. . و كان سبب ذلك أنَّه واقع بعض نسائه ، ثمَّ خرج يغتسل ، فلقيته أُمُّه هذه ، فقال لها : إنْ كانَ في نَفسِكِ مِن هذا الأمرِ شَيءٌ فاتَّقي اللّه َ وأعلِميني . فقالَت : نَعم . فزوَّجَها ؛ فَقالَ النَّاسُ : زوَّجَ عليُّ بنُ الحسين عليه السلام أمّه . . . (10)

.


1- . في المصدر : «فإنّه» والصواب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
2- . الكافي : ج 5 ص 344 ح 4 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 164 ح 6 نقلاً عنه وراجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 300.
3- . الكافي : ج 5 ص 346 ح 6 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 105 ح 94 نقلاً عنه.
4- . تهذيب الأحكام : ج 7 ص 397 ح 1587.
5- . الزهد للحسين بن سعيد : ص 60 ح 159 ، بحار الأنوار : ج 22 ص 214 ح 47 ، وج46 ص 139 ح 30.
6- . عيون الأخبار لابن قتيبة : ج 4 ص 8.
7- . و في وفيات : حُيَي بن أخطَب .
8- . المعارف لابن قتيبة : ص 215 ، وفيات الأعيان لابن خلكان : ج 3 ص 269 نقلاً عنه ، البداية والنهاية : ج 9 ص 108.
9- . وفي نسخة : «أولاد» بدل «ولد» .
10- . عيون أخبار الرضا : ج 2 ص 128 ح 6 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 8 ح 19 .

ص: 172

. .

ص: 173

. .

ص: 174

. .

ص: 175

4 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان وإخباره بمكتوبة الحجّاج

4كتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانوإخباره بمكتوبة الحجّاجإنَّ الحجَّاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان : إنْ أردتَ أنْ يَثبُتَ مُلكُكَ فاقتُل عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ . فكتب عبد الملك إليه : أمَّا بعد ؛ فَجنِّبني دِماءَ بني هاشم واحقِنها ، فإنِّي رأيتُ آلَ أبي سفيانَ لمَّا اُولعوا فيها لَم يَلبَثوا أنْ أزالَ اللّه ُ المُلكَ عَنهُم . وَبَعَث بالكتابِ إِلَيهِ سِرَّاً . فكتب عليُّ بن الحُسَينِ عليه السلام إلى عبدِ المَلِكِ مِنَ السَّاعَةِ الَّتي أنفذَ فيها الكتابَ إلى الحجَّاجِ : «وقَفتُ على ما كَتَبتَ في حَقنِ دماءِ بني هاشمٍ ، وقَد شَكَرَ اللّه ُ لَكَ ذلِكَ وثبَّتَ مُلكَكَ ، وزادَ في عُمُرِكَ» . وبعث به مع غلام له بتاريخ السَّاعَةِ الَّتي أنفَذَ فيها عبدُ المَلِكِ كتابه إلى الحجَّاج بذلك . فلمَّا قدم الغُلام وأوصل الكتاب إليه ، نظر عبد الملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقاً لتاريخ كتابه ، فَلَم يَشُكَّ في صِدقِ زَينِ العابدينَ عليه السلام ففرِحَ بذلِكَ ، وبعثَ إليهِ بوِقر دنانير ، وسأله أنْ يبسُطَ إليهِ بِجميعِ حَوائجِهِ وحوائجِ أهلِ بَيتِهِ ومَواليهِ . وكان في كتابه عليه السلام : « إنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أتاني في النَّومِ فعرَّفَني ما كتَبتَ بهِ إلى الحَجَّاجِ وما شَكَرَ اللّه ُ لكَ مِن ذلِكَ» . (1) والكتاب على رواية كشف الغمّة : أبو عبد اللّه عليه السلام قال : «لمَّا وَليَ عبدُ الملِكِ بنِ مَروانَ الخِلافَةَ كَتَبَ إلى الحَجَّاجِ بنِ يُوسفَ : بسمِ اللّه الرَّحمن الرَّحيمِ مِن عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ أميرِ المؤمنينَ الى الحَجَّاجِ بنِ يُوسفَ ، أمّا بعدُ ؛ فانظُر دِماءَ بني عَبدِ المطَّلِبِ فاحتَقِنها واجتَنِبها ، فإنِّي رأيتُ آل أبي سُفيانَ لمَّا وَلَغوا فيها لم يَلبَثوا إلاَّ قليلاً والسَّلام . قال : وبعث بالكتاب سِرَّاً ، وورد الخبر على عليّ بن الحسين ساعة كتب الكتاب ، وبعث به الى الحجَّاج ، فقيل له : إنَّ عبد الملك قد كتب إلى الحجَّاج كذا وكذا ، وإنَّ اللّه قد شكر له ذلك ، وثبَّتَ مُلكَهُ ، وزادَهُ بُرهَةً ، قال : فكتب عليّ بن الحسين : بِسمِ اللّه الرَّحمن الرَّحيمِ إلى عبدِ الملكِ بنِ مروانَ أميرِ المؤمنينَ مِن عَليِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام : أمَّا بعدُ ، فإنَّكَ كَتَبتَ يومَ كذا وكذا ، مِن ساعةِ كذا وكذا ، مِن شهرِ كَذا وكَذا ، بِكَذا وكَذا ، وَإنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنبَأني وخَبَّرَني ، وإنَّ اللّه َ قَد شَكَرَ لَكَ ذلِكَ ، وثَبَّتَ مُلكَكَ وزادَكَ فيهِ بُرهَةً . وطوى الكتابَ وخَتَمَهُ ، وأرسَلَ بهِ مَعَ غُلامٍ لهُ على بَعيرِهِ ، وأمَرَهُ أن يوصِلَهُ إلى عَبدِ الملِكِ ساعَةَ يَقدِمُ عَلَيهِ ؛ فَلمَّا قَدِمَ الغُلامُ أوصَلَ الكِتابَ إلى عَبدِ المَلكِ ، فَلمَّا نَظَرَ في تاريخ الكِتَابِ وَجَدَهُ مُوافِقاً لِتِلكَ السَّاعَةِ الَّتي كَتَبَ فيها إلى الحَجَّاجِ ، فَلم يَشُكَّ في صِدقِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام ، وفَرِحَ فَرَحاً شديداً ، وبَعَثَ إلى عَليِّ بنِ الحسينِ عليهماالسلام بَوِقرِ راحِلَتِهِ دَراهِمَ ثَواباً لِما سَرَّهُ مِنَ الكِتابِ . (2)

.


1- . الخرائج والجرائح : ج 1 ص 256 الرقم2 ، إثبات الهداة : ج 5 ص 234 الرقم26 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 28 ح 19.
2- . كشف الغمة : ج 2 ص 324 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 44 ح 44 نقلاً عنه وراجع : ينابيع المودة لذوي القربى : ج 3 ص 105.

ص: 176

. .

ص: 177

5 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان في جواب تهديده

6 كتابه عليه السلام إلى ملك الرّوم جواباً على كتابه لعبد الملك بن مروان

5كتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانفي جواب تهديدهمحاسن البرقي (1) : بلغ عبد الملك أنَّ سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند زين العابدين ، فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة ، فأبى عليه ، فكتب إليه عبد الملك يهدده وأنَّه يقطع رزقه من بيت المال . فأجابه عليه السلام :«أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ اللّه َ ضَمِنَ لِلمُتقينَ المَخرَجَ مِن حَيثُ يَكرَهونَ ، والرِّزقَ من حَيثُ لا يَحتَسبونَ ، وَقالَ جَلَّ ذِكرُهُ : «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ » (2) ، فانظُر أيُّنا أوْلى بهذهِ الآيةِ؟» (3)

6كتابُه عليه السلام إلى ملك الرُّومجواباً على كتابه لعبد الملك بن مروانكتب ملك الرُّوم إلى عبد الملك : أكلتَ لحمَ الجملِ الَّذي هربَ عليهِ أبوكَ مِنَ المدينةِ ، لأََغزُوَنَّكَ بِجُنودٍ مائةِ ألفٍ ومائةِ ألفٍ ومائةِ ألفٍ . فكتبَ عبدُ المَلِكِ إلى الحَجَّاجِ أنْ يبعث إلى زين العابدين عليه السلام ، ويتوعَّده ويكتب إليه ما يقول ففعل . فقال عليّ بن الحسين :«إنَّ للّه ِ لَوحاً مَحفوظاً يلحظُهُ في كُلِّ يومٍ ثلاثمائةَ لَحظَةٍ ، لَيسَ منها لَحظَةٌ إلاَّ يُحيي فيها ويُميتُ ويُعِزُّ ويُذِلُّ ، وَيَفعَلُ ما يَشآءَ ، وَإنِّي لأََرجو أنْ يَكفِيَكَ مِنها لحظَةٌ واحِدَةٌ» .

.


1- . لم نعثر عليه في المحاسن .
2- . الحج : 38 .
3- . المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 165 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 95 .

ص: 178

7 كتابه عليه السلام إلى محمّد بن مسلم الزّهريّ

في الحثّ على شكر النّعمة

فكتبَ بها الحجَّاجُ إلى عبدِ المَلكِ ، فكتب عبد الملك بذلك إلى ملك الرُّوم ، فلمَّا قرأه قال : ما خَرَجَ هذا إلاَّ مِن كلامِ النُّبوَّةِ . (1)

7كتابُه عليه السلام إلى محمّد بن مسلم الزُّهريّ 2في الحثّ على شكر النّعمة :«كفانا اللّه ُ وإيِّاكَ مِنَ الفِتَنِ ورَحِمَكَ مِنَ النَّارِ ، فَقَد أصبَحتَ بحالٍ ينبغي لِمَن عرَفَكَ بها أنْ يَرحَمَكَ ، فَقَد أثقَلَتكَ نِعَمُ اللّه ِ بِما أصَحَّ مِن بَدَنِكَ ، وَأَطالَ مِن عُمرِكَ ، وقامَتْ علَيكَ حُجَجُ اللّه ِ بما حمَّلَكَ مِن كتابِه ، وفَقَّهكَ فيهِ مِن دينهِ ، وعَرَّفكَ من سُنَّةِ نَبيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَرَضَ (2) لَكَ في كُلِّ نِعْمَةٍ أنعَمَ بِها عَلَيكَ ، وفي كُلِّ حُجَّةٍ احتَجَّ بِها عَليكَ الفَرضَ بِما قضى .مكاتيب الإمام عليّ بن الحسين فَما قَضَى إلاَّ ابتلى شُكرَكَ في ذلِكَ ، وأبْدى فيه فَضلَهُ عَلَيكَ (3) ، فقالَ : «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ » (4) . فانظُر أيَّ رَجُلٍ تَكونُ غَداً إذا وَقَفتَ بَينَ يَدَي اللّه ِ ، فَسَألكَ عَن نِعَمِهِ عَلَيكَ كَيفَ رَعَيتَها ، وَعَن حُجَجَهُ عَلَيكَ كَيفَ قَضَيتَها ، ولا تَحسَبَنَّ اللّه َ قابِلاً مِنكَ بالتَّعذيرِ ، ولا رَاضِياً مِنكَ بالتَّقصيرِ ، هيهاتَ هيهاتَ لَيسَ كَذلِكَ ، أخَذَ عَلى العُلماءِ في كتابهِ إذ قالَ : «لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ » (5) . التّحذيرُ مِنَ الرُّكونِ إلى الظَّلَمة :مكاتيبه وَاعلَم أنَّ أدنى ما كَتَمتَ وأخَفَّ ما احتَمَلتَ أن آنستَ وَحشَةَ الظَّالِمِ ، وسَهَّلتَ لَهُ طريقَ الغَيَّ بِدُنوِّكَ مِنهُ حِينَ دَنوتَ ، وإجابَتُكَ لَهُ حِينَ دُعيتَ ، فما أخوَفَني أن تَكونَ تَبوءُ بإثمِكَ غَداً مَعَ الخوَنَةِ ، وَأن تُسألَ عَمَّا أخَذْتَ بإعانَتِكَ عَلى ظُلمِ الظَّلَمَةِ ، إنَّكَ أَخذتَ ما لَيسَ لَكَ مِمَّن أَعطاكَ ، ودَنوتَ مِمَّن لَم يَرُدَّ على أحَدٍ حقَّاً ، وَلَم تَرُدَّ باطِلاً حِينَ أَدناكَ . وَأَحبَبتَ (6) مَن حادَّ اللّه َ ، أو لَيسَ بِدُعائِهِ إيِّاكَ حِينَ دَعاكَ ، جَعلُوكَ قُطباً أداروا بِكَ رَحَى مَظالِمِهِم ، وَجِسراً يَعبُرونَ عَليكَ إلى بَلاياهُم وَسُلَّماً إلى ضَلالَتِهم ، داعِياً إلى غَيِّهم ، سالِكاً سَبيلَهُم ، يُدخُلُونَ بِكَ الشَّكَّ عَلى العُلماءِ ، وَيقْتادونَ بِكَ قُلوبَ الجُهَّالَ إلَيهِم ، فَلَم يَبلُغ أخَصُّ وُزرائِهِم ، وَلا أقوى أَعوانِهِم إلاَّ دُونَ ما بَلَغتَ مِن إصلاحِ فَسادِهِم واختِلافِ الخاصَّةِ والعامَّةِ إِلَيهِم ، فَما أقلَّ ما أَعطَوكَ في قَدرِ ما أخَذوا مِنكَ ، وما أيسَرَ ما عَمَروا لَكَ ، فَكَيفَ ما خَرَّبوا عَلَيكَ . فانظُر لِنَفسِكَ فإنَّهُ لا يَنظرُ لَها غَيرُكَ ، وحاسِبها حِسابَ رَجُلٍ مَسؤولٍ . في التّزهيد بالدُّنيا : وانظُر كَيفَ شُكرُكَ لِمَن غَذَّاك بِنِعَمِهِ صغيراً وكبيراً ، فَما أخوَفَني أنْ تَكونَ كما قالَ اللّه ُ في كتابهِ : «فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَْدْنَى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا» (7) ، إنَّكَ لَستَ في دارِ مُقامٍ ، أنتَ في دارٍ قَد آذنت بِرَحيلٍ ، فما بقاءُ المَرءِ بَعدَ قُرَنائِهِ . طوبى لِمَن كانَ في الدُّنيا عَلى وَجَلٍ ، يا بُؤسَ لِمَن يَموتُ وتَبقى ذُنوبُهُ مِن بَعدِهِ . احذَر فَقَد نُبِّئتَ ، وبادِر فَقَد اُجِّلتَ ، إنَّكَ تُعامِلُ مَن لا يَجهَلُ ، وإنَّ الَّذي يَحفَظُ عَلَيكَ لا يَغفَلُ ، تَجَهَّز فَقَد دَنا مِنكَ سَفَرٌ بَعيدٌ ، وَداوِ ذَنبَكَ فَقَد دَخَلَهُ سُقْمٌ شَديدٌ . وَلا تَحسَب أنِّي أرَدتُ توبِيخَكَ وَتعنِيفَكَ (8) وَتعييرَكَ ، لَكِنِّي أرَدتُ أن يُنعِشَ اللّه ُ ما قد فاتَ مِنَ رَأيِكَ ، ويرُدَّ إلَيكَ ما عَزَبَ (9) من دِينِكِ ، وذَكَرْتُ قَولَ اللّه ِ تَعالى في كتابهِ : «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » (10) . أغفَلْتَ ذِكرَ مَن مَضَى من أسنانِكَ وَأقرانِكَ ، وَبقيتَ بَعدَهُم كَقرنٍ أعْضَبَ (11) . انظُر هَل ابتلُوا بمِثلِ ما ابتُليتَ ، أَم هَل وقَعوا في مِثلِ ما وَقَعتَ فيهِ ، أم هَل تَراهُم ذَكَرتَ خَيراً أهمَلوهُ (12) ، وعَلِمتَ شيئاً جَهِلوهُ ، بَل حَظِيتَ بِما حَلَّ من حالِكَ في صُدورِ العامَّةِ وكَلَفِهِم بِكَ ، إذ صاروا يقتَدونَ بِرأيِكَ ، وَيعمَلونَ بِأمرِكَ ، إن أحلَلتَ أحلُّوا ، وإن حَرَّمتَ حَرَّموا ، وَلَيسَ ذلِكَ عِندَكَ ، وَلكِن أظهرَهم عَلَيكَ رَغبَتُهُم فيما لَدَيكَ ، ذَهابُ عُلمائِهِم ، وغَلَبةُ الجَهلِ عَلَيكَ وعَلَيهِم ، وحُبُّ الرِّئاسَةِ ، وطَلَبُ الدُّنيا مِنكَ ومِنهُم . أما ترى ما أنتَ فيهِ مِنَ الجَهلِ والغِرَّةِ ، وما النَّاسُ فيهِ مِنَ البلاءِ والفِتنَةِ ، قد ابتلَيتَهُم وفَتنتَهُم بالشُّغلِ عَن مَكاسِبِهم مِمَّا رَأَوا ، فتاقَت نُفوسُهُم إلى أنْ يبلَغوا مِنَ العِلمِ ما بلَغْتَ ، أو يُدركوا بِهِ مِثلَ الذي أدرَكتَ ، فوقَعوا مِنكَ في بَحرٍ لا يُدرَكُ عُمقُهُ ، وفي بلاءٍ لا يُقدَّرُ قَدرُهُ ، فاللّه ُ لنا ولَكَ وَهُو المُستعانُ . في الحثِّ على ترك ما هو فيه وتوبيخه على رغبته في الدّنيا : أمَّا بَعدُ ؛ فَأعرِض عَن كُلِّ ما أنتَ فيهِ حَتَّى تَلحَقُ بالصَّالِحينَ ، الَّذين دُفِنوا في أسمالِهم (13) ، لاصِقة بُطونُهم بِظُهورِهِم ، ليسَ بَينَهم وبينَ اللّه ِ حِجابٌ ، ولا تَفْتِنُهُم الدُّنيا ، ولا يُفتَنون بِها ، رَغَبوا فطَلَبوا فَما لَبِثوا أنْ لَحِقوا ، فإذا كانت الدُّنيا تَبلُغُ مِن مِثلِكَ هذا المبلَغِ معَ كِبَرِ سِنِّكَ ، وَرُسوخِ علمِكَ ، وَحُضور أجلِكَ ، فَكَيفَ يَسْلَم الحدَثُ في سِنِّهِ ، الجاهِلُ في علمِهِ ، المأفُونُ في رأيهِ (14) ، المدخولُ في عَقلِهِ ؛ إنَّا للّه ِ وإنَّا إليهِ راجِعونَ ، على مَنِ المُعَوَّلُ (15) ؟ وعِندَ مَنِ المُستَعتَبُ؟ نَشكو إلى اللّه ِ بَثَّنا وما نرى فيكَ ، وَنَحتَسِبُ عِندَ اللّه ِ مُصيبَتَنا بِكَ . فانظُر كيفَ شُكرُكَ لِمَن غَذَّاكَ بِنِعَمهِ صغيراً وكبيراً ، وكيفَ إعظامُكَ لِمَن جَعَلَكَ بِدينهِ في النَّاسِ جَميلاً ، وكيف صيانَتُك لكِسوَةِ مَن جَعلَكَ بِكِسوتِهِ فِي النَّاسِ ستِيراً ، وكَيفَ قرْبُكَ أو بُعدكَ مِمَّن أمرَكَ أنْ تكونَ مِنهُ قريباً ذليلاً . ما لَكَ لا تنْتَبهُ مِن نَعْستِكَ ، وتَستقِيلُ من عَثْرَتِكَ فتقولُ : واللّه ِ ما قُمتُ للّه ِ مَقاماً واحداً أحييْتُ بهِ لَهُ ديناً أو أمَتُّ لَهُ فيهِ باطِلاً ، فَهذا شكرُكَ مَنِ استَحمَلَكَ (16) . ما أخوَفَني أن تكونَ كَمَن قالَ اللّه ُ تَعالى في كتابِهِ : «أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا » (17) ، استحمَلَكَ كتابَهُ واستَودَعَكَ عِلمَهُ فأضعْتَها ، فنحمِدُ اللّه َ الَّذي عافانا مِمَّا ابتلاكَ بِهِ وَالسَّلامُ» . (18)

.


1- . المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 161 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 132.
2- . في المصدر : «فرضي» والتصويب من بحار الأنوار .
3- . في بعض النسخ : «فرض لك في كلّ نعمة أنعم بها عليك ، وفي كلّ حجّة احتجّ بها عليك الفرض ، فما قضى إلاّ ابتلى شكرك .. . » .
4- . إبراهيم : 7 .
5- . آل عمران : 187 .
6- . في بعض النسخ : «وأجبت» بدل «وأحببت» .
7- . الأعراف : 169 .
8- . عنّفه : لامه وعتب عليه ولم يرفق به ، وينعش اللّه ما فات أي يجبر ويتدارك .
9- . عزب : بَعُدَ .
10- . الذاريات : 55 .
11- . العضباء : الشّاة المكسورة القرن .
12- . في بعض النسخ : «أم هل ترى ذكرت خيراً علموه وعملت شيئاً جهلوه» ، وفى بعضها«أم هل تراه ذكراً خيراً عملوه ، وعملت شيئاً جهلوه» .
13- . الأسمال _ جمع سمل بالتحريك _ : الثوب الخلق البالي .
14- . المأفون : الّذي ضعف رأيه ، والمدخول في عقله : الّذي دخل في عقله الفساد .
15- . المعوّل : المعتمد والمستغاث ، واستعتبه : استرضاه ، والبث : الحال ، الشتات ، أشدّ الحزن .
16- . استحملك : سألك أنْ يحمل . وفي بعض النسخ «من استعملك» بدل «من استحملك» ، أي سألك أنْ يعمل .
17- . مريم : 59 .
18- . تحف العقول : ص 274 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 132 ح 2 .

ص: 179

. .

ص: 180

. .

ص: 181

التّحذير من الرّكون إلى الظّلمة

.

.

ص: 182

في التّزهيد بالدّنيا

.

.

ص: 183

في الحثّ على ترك ما هو فيه وتوبيخه على رغبته في الدّنيا

.

.

ص: 184

8 كتابه عليه السلام في المواعظ

8كتابُه عليه السلام في المواعظعن بريد العجليّ عن أبي جعفر عليه السلام قال :«وجدنا في كتاب عليّ بن الحسين عليهماالسلام «أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ » (1) ، قال : إذا أدَّوا فرايضَ اللّه ِ ، وأخذوا بِسُنَنِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وتَورَّعوا عَن محارِمِ اللّه ِ ، وزَهَدوا في عاجِلِ زَهرَةِ الدُّنيا ، ورَغَبوا فيما عِندَ اللّه ِ ، واكتَسبوا الطَّيِّبَ مِن رِزقِ اللّه ِ ، لا يريدونَ بهِ التَّفاخُرَ والتَّكاثُرَ ، ثُمَّ انفَقوا فيما يَلزَمهُم مِن حُقوقٍ واجِبَةٍ ، فَأُولئِكَ الَّذين بارَكَ اللّه ُ لَهُم فيما اكتسَبوا ، وَيُثابونَ على ما قَدَّموا لآِخِرَتِهِم» . (2)

.


1- . يونس : 62 .
2- . تفسير العيّاشي : ج 2 ص 124 ح 31 ، بحار الأنوار : ج 69 ص 277 ح 11 نقلاً عنه وراجع : التّبيان : ج 5 ص 401.

ص: 185

9 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان في هدية المختار

10 رسالته عليه السلام في الحقوق

99مكاتيب الإمام عليّ بن الحسينكتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانمكاتيبهفي هدية المختارفي البداية والنهاية : قال محمّد بن سعد : أنبأ عليّ بن محمّد ، عن سعيد بن خالد ، عن المقبريّ قال : بعث المختار إلى عليّ بن الحسين بمائة ألف ، فكره أن يقبلها ، وخاف أنْ يَرُدَّها ، فاحتَبَسَها عِندَهُ ، فَلَمّا قُتِلَ المُختار كتب إلى عبد الملك بن مروان :«إنَّ المختارَ بَعثَ إليَّ بِمائَةِ ألفٍ ، فَكَرِهتُ أنْ أقبَلَها ، وكَرِهتُ أنْ أَرُدَّها ، فابعَث مَن يَقبَضُها» .

فَكَتبَ إليهِ عَبدُ المَلِكِ : يا بنَ عَمِّ! خُذها فَقَد طَيَّبتُها لَكَ . فَقَبِلَها . (1)

10رسالته عليه السلام في الحقوقالحُقوق الخمسونَ الَّتي كتب بها عليّ بن الحسين سيّد العابدين عليهماالسلام إلى بعض أصحابه . حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى رضى الله عنه ، قال : حدَّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيُّ ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريُّ ، قال : حدَّثنا خيران بن داهر ، قال : حدَّثني أحمد بن عليِّ بن سليمان الجبليُّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليٍّ ، عن محمّد بن فُضَيل ، عن أبي حمزة الثُّماليِّ 2 ، قال : هذه رسالة عليِّ بن الحسين عليهماالسلامإلى بعض أصحابه :«اعلَم أنَّ للّه ِِ عز و جل علَيكَ حُقوقاً مُحيطَةً بِكَ في كُلِّ حَرَكَةٍ تحَرَّكتَها ، أو سكَنَةٍ سكَنتَها ، أو حالٍ حِلتَها ، أو مَنزِلَةٍ نَزَلتَها ، أو جارحة قَلّبْتَها ، أو آلةٍ تَصَرَّفتَ فيها ، فَأكبَرُ حُقوقِ اللّه ِ تبارَكَ وَتَعالى عَلَيكَ ما أَوجَبَ عَلَيكَ لِنَفسِهِ مِن حَقِّهِ الَّذي هُوَ أصلُ الحُقوقِ ، ثُمَّ ما أوجَبَ اللّه ُ عز و جل عَلَيكَ لِنَفسِكَ مِن قَرنِكَ إلى قَدَمِكَ عَلى اختلافِ جَوارِحِكَ . فجعَلَ عز و جل لِلِسانِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِسَمعِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِبَصرِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِيَدِكَ عَلَيكَ حَقَّاً،وَلِرِجلِكَ عَلَيكَ حَقَّاً، وَلِبَطنِكَ عَلَيكَ حَقَّاً، وَلِفَرجِكَ عَلَيكَ حَقَّاً؛ فَهذِهِ الجَوارِحُ السَّبعُ الَّتي بها تكون الأفعال ، ثمَّ جعل عز و جل لأفعالك عليك حقوقاً . فَجَعَلَ لِصَلاتِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، ولِصَومِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، ولِصَدَقَتِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِهَديِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلأِفعالِكَ عَلَيكَ حُقوقاً . ثُمَّ يَخرُجُ الحُقوقُ مِنكَ إلى غَيرِكَ مِن ذَوي الحُقوقِ الواجِبَةِ عَلَيكَ ، فَأَوجَبُها عَلَيكَ حُقوقُ أئمَّتِكَ ، ثُمَّ حُقوقُ رَعيَّتِكَ ، ثُمَّ حُقوقُ رَحِمِكَ ، فَهذِهِ حُقوقٌ تَتَشعَّبُ مِنها حُقوقٌ . فَحُقوقُ أئمَّتِكَ ثَلاثَةٌ أوجَبُها علَيكَ : حَقُّ سائِسِكَ (2) بالسُّلطانِ ، ثُمَّ حَقُّ سائِسِكَ بالعِلمِ ، ثُمَّ حَقُّ سائِسِكَ بالمُلكِ ، وكلُّ سائسٍ إمامٌ . وَحُقوقُ رَعيَِّتِكَ ثَلاثَةٌ أوجبَهُا عَلَيكَ : حَقُّ رعيَّتِكَ بِالسُّلطانِ ، ثُمَّ حقُّ رعيَّتِكَ بِالعِلمِ ، فإنَّ الجاهِلَ رَعِيَّةُ العالِمِ ، ثُمَّ حَقُّ رَعيَّتِكَ بالمِلكِ مِنَ الأزواجِ وَم_ا مَلَكَ_ت الأَيمانُ . وَحُقوقُ رَعيَّتِكَ كَثيرَةٌ ، متّصلَةٌ بِقَدرِ اتِّصالِ الرَّحِمِ فِي القَرابَةِ : وأوجَبُها عَلَيكَ حَقُّ أُمِّكَ ، ثُمَّ حَقُّ أبيكَ ، ثُمَّ حَقُّ وُلدِكَ ، ثُمَّ حَقُّ أخيكَ ، ثُمُّ الأَقربُ فالأقرَبُ ، والأَولى فَالأَولى ، ثُمَّ حَقُّ مَولاكَ المُنعِمِ عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَولاكَ الجارِيَةُ نِعمَتُهُ عَلَيكَ (3) ، ثُمَّ حَقُّ ذوي المَعروفِ لَدَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مُؤَذِّ نُكَ لِصَلاتِكَ ، ثُمَّ حَقُّ إمامِكَ في صَلاتِكَ ، ثُمَّ حَقُّ جَليسِكَ ، ثُمَّ حَقُّ جارِكَ ، ثُمَّ حَقُّ صاحِبِكَ ، ثُمَّ حَقُّ شَريكِكَ ، ثُمَّ حَقُّ مالِكَ ، ثُمَّ حَقُّ غريمِكَ الَّذي تُطالِبُهُ ، ثُمَّ حَقُّ غريمِكَ الَّذي يُطالِبُكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَليطِكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَصمِكَ المُدَّعي عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَصمِكَ الَّذي تَدَّعي عَلَيهِ ، ثُمَّ حَقُّ مُستَشيرِكَ ، ثُمَّ حَقُّ المُشيرِ عَلَيكَ ، ثمَّ حَقُّ مُستَنصِحِكَ ، ثُمَّ حَقُّ النَّاصِحِ لَكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَن هو أكبرُ مِنكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَن هُوَ أصغَرُ مِنكَ ، ثُمَّ حَقُّ سائِلِكَ ، ثُمَّ حقُّ مَن سألتهُ ، ثُمَّ حَقُّ مَن جَرى لَكَ عَلى يَديهِ مساءَةٌ بِقَولٍ أو فِعلٍ (4) عَن تَعَمُّدٍ مِنهُ أو غير تَعَمُّدٍ ، ثُمَّ حَقُّ أهلِ مِلَّتكَ عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ أهلِ ذِمَّتِكَ ، ثُمَّ الحُقوق الجارِيَةُ بِقَدرِ عِلَلِ الأَحوالِ وتَصَرُّفِ الأسبابِ . فَطوبى لِمَن أعانَهُ اللّه ُ على قَضاءِ ما أوجَبَ عَلَيهِ مِن حُقوقِهِ ، وَوَفَّقَهُ لِذلِكَ وَسَدَّدَهُ . فَأمَّا حَقُّ اللّه ِ الأكبرُ عَلَيكَ : فَأنْ تعبُدَهُ لا تُشرِكُ بِه شَيئاً ، فإذا فَعَلتَ بالإخلاصِ جَعَل لَكَ عَلى نَفسِهِ أنْ يكفِيَكَ أمرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وَحَقُّ نفسِكَ عَلَيكَ : أنْ تَستَعمِلَها بِطاعَةِ اللّه ِ عز و جل . وَحَقُّ اللِّسانِ : إكرامُهُ عَن الخنى ، وتَعويدُهُ الخَيرَ ، وَتَركُ الفُضولِ الَّتي لا فائِدَةَ لَها ، والبِرُّ بالنَّاسِ ، وحُسنُ القَولِ فِيهم . وَحَقُّ السَّمعِ : تَنزيهُهُ عَن سَماع الغيبَةِ ، وسَماعِ ما لا يَحِلُّ سَماعُهُ . وحَقُّ البَصرِ : أنْ تغضَّه عَمَّا لا يحِلُّ لَكَ ، وَتَعتَبِرَ بالنَّظَرِ بِه . وحَقُّ يَدِكَ : أنْ لا تَبسطَها إلى ما لا يَحِلُّ لَكَ . وَحَقُّ رِجلَيكَ : أنْ لا تمشي بهِما إلى ما لا يَحِلُّ لَكَ ، فبهما تَقِفُ عَلى الصِّراطِ ، فانْظُر أنْ لا تَزِلَّ بِكَ فَترَدَّى فِي النَّار؟ وَحَقُّ بطنِكَ : أنْ لا تَجعَلَهُ وِعاءً للحَرامِ ، ولا تزيدَ عَلى الشِّبعِ . وَحَقُّ فَرْجِكَ : أنْ تُحَصِّنَهُ عَنِ الزِّنا ، وَتَحفَظَهُ مِن أنْ يُنظَرَ إليهِ . وَحَقُّ الصَّلاةِ : أنْ تَعلَمَ أنَّها وِفادَةٌ إلى اللّه ِ عز و جل وَأنتَ فيها قائمٌ (5) بَينَ يَدَيْ اللّه ِ عز و جل ، فإذا عَلِمتَ ذلِكَ ، قُمتَ مَقامَ العَبدِ الذَّليلِ الحَقيرِ الرَّاغِبِ الرَّاهِبِ الرَّاجي الخائِفِ المُستَكينِ المُتَضرِّعِ المُعظِّمِ لِمَن كانَ بَينَ يَديهِ بِالسُّكونِ والوَقارِ ، وتُقبِلُ عَلَيها بِقَلبِكَ ، وَتُقِيمُها بِحُدودِها وَحُقوقِها . وحَقُّ الحَجِّ : أنْ تَعلَمَ أنَّهُ وِفادةٌ إلى رَبِّكَ ، وفِرارٌ إليهِ مِن ذُنوبِكَ ، وبهِ (6) قَبول تَوبَتِكَ ، وقَضاءُ الفَرضِ الَّذي أوجَبَهُ اللّه ُ عَلَيكَ . وَحَقُّ الصَّومِ : أنْ تعلَمَ أنَّهُ حِجابٌ ضربَهُ اللّه ُ عز و جل على لِسانِكَ وسَمْعِكَ وبَصَرِكَ وبَطْنِكَ وفَرْجِكَ لِيَسْتُرَكَ بهِ مِنَ النَّارِ ، فإنْ تَرَكتَ الصَّومَ خَرَقتَ سِترَ اللّه ِ عَلَيكَ . وَحَقُّ الصَّدَقَةِ : أنْ تعلَمَ أنَّها ذُخْرُكَ عِندَ رَبِّك عز و جل ، وَوَديعَتُكَ الَّتي لا تَحتاجُ إلى الإشهادِ عَلَيها ، فإذا عَلِمتَ ذلِكَ كُنتَ بِما تَستَودِعُهُ سِرّاً أوثَقَ مِنكَ بِما تَستَودِعُهُ علانِيَّةً ، وَتَعلَمُ أنَّها تَدفَعُ البَلايا والأسقامَ عَنكَ فِي الدُّنيا ، وتَدفَعُ عَنكَ النَّارَ في الآخِرَةِ . وَحَقُّ الهَدي : أنْ تُريدَ بهِ وَجهَ اللّه ِ عز و جل ، وَلا تريد بهِ خَلقَهُ ، ولا تُريدُ بهِ إلاَّ التَّعرُّضَ لِرَحمَةِ اللّه ِ ، ونجاةِ روحِكَ يَومَ تَلقاهُ . وحَقُّ السُّلطانِ : أنْ تعلَمَ أنَّكَ جُعِلْتَ لَهُ فِتنَةً ، وأنَّهُ مُبتلًى فيكَ بِما جعَلَهُ اللّه ُ عز و جل لَهُ عَلَيكَ مِنَ السُّلطانِ ، وأنَّ عَلَيكَ أنْ لا تَتَعرَّضَ لِسَخَطِهِ فَ_تُلقي بِيَدِكَ إلى التَّهْلُكَةِ ، وتَكونُ شَريكاً لَهُ فيما يأتي إلَيكَ مِن سوءٍ . وحَقُّ سائِسِكَ بِالعِلمِ : التَّعظيمُ لَهُ ، والتَّوقيرُ لِمَجلِسِهِ ، وحُسنُ الاستِماعِ إلَيهِ ، والإقبالِ عَلَيهِ ، وأنْ لا تَرفَعَ عَلَيهِ صَوتَكَ ، وأنْ لا تُجيبَ أحَداً يَسألُهُ عَن شَيءٍ حتَّى يكونَ هُو الَّذي يُجيبُ ، ولا تُحَدِّثَ في مَجلِسهِ أحَداً ، ولا تغتابَ عِندَهُ أحَداً ، وأنْ تدفَعَ عَنهُ إذا ذُكِرَ عِندَكَ بِسوءٍ ، وَأنْ تستُرَ عُيوبَهُ ، وتُظهِرَ مَناقِبَهُ ، ولا تجالِسَ لَهُ عَدُوَّاً ، ولا تعادي لَهُ وليّاً ، فإذا فَعَلتَ ذلِكَ شَهِدَت لَكَ مَلائِكَةُ اللّه ِ بِأنَّكَ قَصدتَهُ ، وتعلَّمتَ عِلمَهُ للّه ِ جَلَّ اسمُه لا للنَّاسِ . وأمَّا حَقُّ سائِسِكَ بالمُلكِ : فَأنْ تُطيعَهُ ، ولا تَعصِيَهُ إلاَّ فيما يُسخِطُ اللّه َ عز و جل ، فَإنَّهُ لاطاعَةَ لِمَخلوقٍ في مَعصِيَةِ الخالِقِ . وَأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالسُّلطانِ : فأنْ تعلَمَ أنَّهُم صاروا رَعِيَّتَكَ لِضَعفِهِم وَقُوَّتِكَ ، فيَجِبُ أنْ تعدِلَ فيهم ، وتكونَ لَهُم كالوالدِ الرَّحيمِ ، وتَغفِرَ لَهُم جَهلَهُم ، وَلا تعاجِلَهُم بالعُقوبَةِ ، وتَشكُرَ اللّه َ عز و جل على ما آتاكَ مِنَ القُوَّةِ عَلَيهِم . وأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالعِلمِ : فأنْ تعلَمَ أنَّ اللّه َ عز و جل إنَّما جَعَلَكَ قَيِّماً لَهُم فيما آتاكَ مِنَ العِلمِ ، وفَتَح لَكَ مِن خَزَائِنِهِ ، فَإنْ أحسَنتَ في تَعليمِ النَّاسِ وَلَم تَخرَقْ بِهِم ولَم تَضجَر عَلَيهِم ، زادَكَ اللّه ُ مِن فَضلِهِ ، وإنْ أنتَ مَنَعتَ النَّاسَ عِلمَكَ ، أو خَرَقتَ بِهِم عِندَ طَلَبِهم العِلَم مِنكَ ، كان حَقّاً على اللّه ِ عز و جل أنْ يسلِبَكَ العِلمَ وَبهاءَهُ ، ويُسقِطَ مِنَ القُلوبِ مَحِلَّكَ . وأمَّا حَقُّ الزَّوجَةِ : فأنْ تعلَمَ أنَّ اللّه َ عز و جل جَعَلَها لَكَ سَكَناً وأُنساً ، فَتعلَمُ أنَّ ذلِكَ نِعمَةٌ مِنَ اللّه ِ عَلَيكَ ، فَتُكرِمُها وَتَرفَقُ بِها ، وإنْ كانَ حَقُّكَ عَلَيها أوجَبَ ، فَإنَّ لَها عَلَيكَ أنْ ترحَمَها ، لأِنَّها أسيرُكَ ، وَتُطعِمَها وَتكسوها ، وإذا جَهِلَت عَفوتَ عَنها . وَأمَّا حَقُّ مَملوكِكَ : فَأنْ تعلَمَ أنَّهُ خَلقُ رَبِّكَ ، وابنُ أبيكَ وأُمِّكَ ولَحمِكَ وَدَمِكَ ، لم تَملِكهُ ، لأنَّكَ صَنعتَهُ دونَ اللّه ِ ، ولا خَلَقتَ شَيئاً مِن جَوارِحِهِ ، وَلا أخرَجتَ لَهُ رِزقاً ، ولكِنَّ اللّه عز و جل كفاكَ ذلِكَ ، ثُمَّ سخَّرهُ لَكَ ، وائتمنَكَ علَيهِ ، واستَوْدَعَكَ إيَّاهُ لِيَحفَظَ لَكَ مَا تأتيهِ من خَيرٍ إلَيهِ ، فَأحسِنْ إلَيهِ كَما أحسَنَ اللّه ُ إلَيْكَ ، وإنْ كَرِهْتَهُ استَبدَلْتَ بهِ ، وَلَم تُعَذِّب خَلقَ اللّه ِ عز و جل ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . وحقُّ أمِّك : فأنْ تعلم أنَّها حَمَلَتكَ حَيثُ لا يَحتَمِلُ أحَدٌ أحَداً ، وأَعطَتكَ مِن ثَمَرَةِ قَلبها ما لا يُعطي أحَدٌ أحَداً ، وَوَقَتكَ بِجميعِ جَوارِحِها ، ولَم تُبالِ أنْ تَجوعَ وتُطعِمَكَ ، وتَعطَشَ وتَسقِيَكَ ، وتَعرى وَتكسوَكَ ، وتَضحى وتُظِلَّكَ ، وتَهجُرَ النَّومَ لأجلِكَ ، وَوَقَتْكَ الحَرَّ والبَردَ لِتكونَ لَها ، فإنَّكَ لا تُطيقُ شُكرَها إلاَّ بِعَونِ اللّه ِ تَعالى وَتَوفيقِهِ . وأمَّا حقُّ أبيك : فأنْ تعلَمَ أنَّهُ أَصلُكَ ، وأنَّهُ لَولاهُ لَم تَكُن ، فَمَهْمَا رَأيْتَ في نَفْسِكَ مِمَّا يُعْجِبُكَ ، فاعلَم أنَّ أباكَ أصلُ النِّعمَةِ عَلَيكَ فيهِ ، فاحمَدِ اللّه َ واشكُرهُ عَلى قَدرِ ذلِكَ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . وَأمَّا حَقُّ وَلَدِكَ : فأنْ تَعلَمَ أنَّهُ مِنكَ ، ومُضافٌ إليكَ في عاجِلِ الدُّنيا بِخَيرِهِ وَشَرِّهِ ، وأنَّكَ مَسؤولٌ عَمَّا ولَّيتَهُ مِن حُسْنِ الأدَبِ ، والدَّلالة على رَبِّهِ عز و جل ، والمَعونَةِ عَلى طاعَتِهِ ، فاعمَل في أمرِهِ عَمَلَ مَن يَعلَمُ أنَّهُ مُثابٌ عَلى الإحسانِ إِليهِ ، مُعاقَبٌ عَلى الإساءَةِ إليهِ . وَأمَّا حَقُّ أخيكَ : فَأنْ تعلَمَ أنَّهُ يَدُكَ وَعِزُّكَ وقُوَّتُكَ ، فَلا تتَّخِذهُ سِلاحاً على مَعصِيَةِ اللّه ِ ، ولا عُدَّةً للظُّلمِ لِخَلقِ اللّه ِ ، ولا تَدَع نُصرَتَهُ عَلى عَدُوِّهِ والنَّصيحَةَ لَهُ ، فإنْ أطاع اللّه ، وإلاَّ فَليَكُنِ اللّه ُ أكرَم عَلَيكَ مِنهُ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ مَولاكَ المُنعِمِ عَلَيكَ : فأنْ تعلَمَ أنَّهُ أنفَقَ فِيكَ مالَهُ ، وأخرجَكَ مِن ذُلِّ الرِّقِّ ، وَوَحشَتِهِ إلى عزِّ الحُرِّيَّةِ وأُنسِها ، فأَطلَقَكَ مِن أَسرِ المَلكَةِ ، وَفَكَّ عَنكَ قَيدَ العُبودِيَّةِ ، وأخرجَكَ مِنَ السِّجنِ ، وملَّكَكَ نَفسَكَ ، وفرَّغَكَ لِعبادَةِ رَبِّكَ ، وتعلَمَ أنَّهُ أَولى الخَلقِ بِكَ في حياتِكَ وَموتِكَ ، وَأنَّ نُصرَتَهُ عَلَيكَ واجِبَةٌ بِنَفسِكَ وما احتاجَ إليهِ مِنكَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ مولاكَ الَّذي أنعَمتَ عَلَيهِ : فأنْ تعلَمَ أنَّ اللّه عز و جل جَعَل عِتقَكَ لَهُ وَسيلةً إليهِ ، وحِجاباً لَكَ مِنَ النَّارِ ، وَأنَّ ثوابَكَ في العاجِلِ ميراثُهُ إذا لَم يَكُن لَهُ رَحِمٌ، مُكافأةً بِما أنفَقتَ مِن مالِكَ ، وفي الآجِلِ الجَنَّةُ . وأمَّا حَقُّ ذي المَعروفِ عَلَيكَ : فَأنْ تَشكُرَهُ ، وَتَذكُرَ مَعروفَهُ ، وتُكسِبَهُ المَقالَةَ الحَسنَةَ ، وتُخلِصَ لَهُ الدُّعاءَ فيما بينَكَ وبَينَ اللّه ِ عز و جل ، فإذا فَعَلتَ ذلِكَ كُنتَ قَد شَكَرتَهُ سِرّاً وعَلانِيَّةً ، ثُمَّ إنْ قَدِرتَ على مُكافَأتِهِ يَوماً كافَيتَهُ . وَأمَّا حَقُّ المُؤذِّنِ : أنْ تعلَمَ أنَّهُ مُذَكِّرٌ لَكَ رَبَّك عز و جل ، وداعٍ لَكَ إلى حَظِّكَ ، وَعَونُكَ على قَضاءِ فَرضِ اللّه ِ عَلَيكَ ، فَاشكُره على ذلِكَ شُكرَكَ للمُحسِنِ إلَيكَ . وأمَّا حَقُّ إمامِكَ في صَلاتِكَ : فأنْ تعلَمَ أنَّهُ تَقَلَّد السَّفارَةَ فيما بَينَكَ وَبَينَ رَبِّكَ عز و جل ، وتكلَّم عَنكَ ولَم تَتَكلَّم عَنهُ ، ودعا لَكَ ولَم تَدعُ لَهُ ، وكَفاكَ هَولَ المُقامِ بَينَ يَدَي اللّه ِ عز و جل ، فإنْ كانَ بهِ نَقصٌ كانَ بهِ دونَكَ ، وإنْ كانَ تماماً كُنتَ شَريكَهُ ، ولم يَكُن لَهُ عَلَيكَ فَضلٌ ، فَوَقى نفسَكَ بِنَفسِهِ وصَلاتَكَ بِصلاتِهِ ، فَتشكُر لَهُ على قَدرِ ذلِكَ . وأمَّا حَقُّ جَليسِكَ : فَأنْ تُلينَ لَهُ جانِبَكَ ، وتُنصِفَهُ في مُجازاة اللَّفظِ ، ولا تَقومُ من مَجلِسِكَ إلاَّ بإذنِهِ ، ومَن يجلسُ إليهِ يجَوزُ لَهُ القِيامُ عَنكَ بِغَيرِ إذنِكَ ، وَتَنسى زَلاَّتِهِ ، وتَحفَظَ خَيراتِهِ ، ولا تُسمِعَهُ إلاَّ خَيراً . وأمَّا حقُّ جارِكَ : فَحِفظُهُ غائِباً ، وإكرامُهُ شاهِداً ، ونُصرَتُهُ إذ كانَ مَظلوماً ، ولا تتَّبِ__ع لَهُ عَورَةً ، فَإنْ عَلِمتَ عَلَيهِ سوءاً ستَرتَهُ عَلَيهِ ، وإِنْ عَلِمتَ أنَّه يقبَلُ نَصيحَتَكَ نَصَحتَهُ فيما بَينَكَ وبَينَهُ ، وَلا تُسلِمْهُ عِندَ شَديدَةٍ ، وَتُقيلُ عَثْرَتَهُ ، وتَغفِرُ ذَنبَهُ ، وتعاشِرُهُ مُعاشَرَةً كريمَةً ، ولا قوَّة إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ الصَّاحِب : فأنْ تصحَبَهُ بالتَّفضُّلِ والإنصافِ ، وتُكرِمَهُ كما يُكرِمُكَ ، (7) وكُن عَلَيهِ رَحمَةً ، ولا تَكُن عَلَيهِ عَذاباً ، وَلا قوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . وَأمَّا حَقُّ الشَّريكِ : فإنْ غاب كَفَيتَهُ ، وإنْ حَضَرَ رَعَيتَهُ ، ولا تَحكُم دونَ حُكمِهِ ، ولا تَعمَل بِرَأيِكَ دونَ مناظَرَتِهِ ، وتحفظُ عَلَيهِ مالَهُ ، ولا تَخونُهُ فيما عَزَّ أو هانَ مِن أمرِهِ ، فإنَّ يَد اللّه ِ تبارَكَ وتَعالى على الشَّريكَينِ ما لَم يتخاوَنا ، وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ مالِكَ : فأنْ لا تأخذَهُ إلاَّ من حِلِّهِ ، ولا تُنفِقَهُ إلاَّ في وَجهِهِ ، ولا تُؤثِرَ على نَفسِكَ مَن لا يَحمَدُكَ ، فاعمَل بهِ بِطاعَةِ رَبِّكَ ، ولا تَبخَل بهِ فَتَبوءَ بالحَسرةِ والنَّدامَةِ مَعَ السَّعَةِ (8) ، وَلا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وأمَّا حَقُّ غَريمِكَ الَّذي يُطالِبُكَ : فإنْ كُنتَ مُوسِراً أعطَيتَهُ ، وإنْ كُنتَ مُعسِراً أرضَيتَهُ بِحُسنِ القَولِ ، ورَدَدْتَهُ عَن نَفسِكَ رَدّاً لطيفاً . وحَقُّ الخليطِ : أنْ لا تَغرَّهُ ، ولا تَغُشَّهُ ، ولا تَخدَعَهُ ، وَتتَّقي اللّه َ تَبارَكَ وتَعالى في أمرِهِ . وحَقُّ الخَصمِ المُدَّعي عَلَيكَ : فإنْ كانَ ما يدَّعي عَلَيكَ حَقّاً كُنتَ شاهِدَهُ على نَفسِكَ وَلَم تَظلِمهُ ، وَأوفيتَهُ حَقَّهُ ، وإنْ كانَ ما يدَّعي باطِلاً رَفَقتَ بهِ ، وَلم تأتِ في أمرهِ غَيرَ الرِّفقِ ، ولَم تُسخِط رَبَّكَ في أمرِهِ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وحَقُّ خَصمِكَ الَّذي تدَّعي عَلَيه : إِنْ كُنتَ مُحِقّاً في دَعوَتِكَ أجمَلتَ مُقاوَلَتهُ ، ولَم تَجحَد حَقَّهُ ، وإنْ كُنتَ مُبطِلاً في دَعوَتِكَ اتَّقيتَ اللّه عز و جل و تُبتَ إليهِ ، وتَركتَ الدَّعوى . وحَقُّ المُستشيرِ : إِنْ عَلِمتَ أنَّ لَهُ رأياً أشَرتَ عَلَيهِ ، وإنْ لم تَعلَم أرشَدتَهُ إلى مَن يَعلَمُ . وَحَقُّ المُشير عَلَيكَ : أنْ لا تتَّهِمَهُ فيما لا يوافِقُكَ من رَأيهِ ، فَإنْ وافَقَكَ حَمِدتَ اللّه َ عز و جل . وحَقُّ المُستَنصِحِ : أن تؤدِّي إلَيهِ النَّصيحَةَ ، وَليَكُن مَذهَبُكَ الرَّحمَةَ لَهُ ، والرِّفقَ بهِ . وحَقُّ النَّاصِحِ : أنْ تُلينَ لَهُ جَناحَكَ ، وتُصغي إليهِ بِسَمعِكَ ، فَإنْ أتى بالصَّواب حَمِدتَ اللّه َ عز و جل ، وإنْ لَمْ يُوافِق رحمَتَهُ ، ولَم تتَّهِمهُ وَعلِمتَ أنَّهُ أخطأ ، وَلَم تُؤاخِذهُ بِذلِكَ إلاَّ أنْ يَكونَ مُستَحقّاً للتُّهمَةِ ، فَلا تَعبأ بِشيءٍ مِن أمرِهِ عَلى حالٍ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ . وَحَقُّ الكبيرِ : تَوقيرُهُ لِسنِّهِ ، وإجلالِهِ لِتَقَدُّمِهِ في الإسلامِ قَبلَكَ ، وَتَركُ مُقابَلَتِهِ عِندَ الخِصامِ ، ولا تَسبقهُ إلى طريقٍ ، ولا تَتقدَّمهُ ، ولا تَستجهِلهُ ، وإنْ جَهِلَ عَلَيكَ احتَمَلتَهُ وأكرَمتَهُ لِحَقِّ الإسلامِ وحُرْمَتِهِ . وَحَقُّ الصَّغيرِ : رَحمَتُه في تَعليمِهِ ، والعَفوُ عَنهُ ، والسَّترُ عَلَيهِ ، والرِّفقُ بهِ ، والمعونَةُ لَهُ . وحَقُّ السَّائِلِ : إعطاؤهُ على قَدرِ حاجَتِهِ . وَحَقُّ المسئولِ : إنْ أعطى فاقبَل مِنهُ بالشُّكرِ والمَعرِفَةِ بِفَضلِهِ ، وإنْ مَنَعَ فَاقبَل عُذرَهُ . وحَقُّ من سَرَّك للّه ِ تَعالى ذكرُهُ : أنْ تحمَدَ اللّه َ عز و جل أوَّلاً ، ثُمَّ تَشكُرُهُ . وحَقُّ مَن أساءَكَ : أنْ تعفوَ عَنهُ ، وإنْ عَلِمتَ أنَّ العفوَ يَضُرُّ انتصرتَ ، قال اللّه ُ تبارَكَ وتعالى : «وَ لَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُ_لْمِهِ فَأُولئكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيلٍ » (9) . وَحَقُّ أهل مِلَّتِكَ : إضمارُ السَّلامَةِ والرَّحمَةِ لَهُم ، والرِّفقُ بِمُسيئهِم ، وتَألُّفهُم ، واستِصلاحُهُم ، وشُكرُ مُحسِنِهِم ، وكَفُّ الأذى عَنهُم ، وتُحِبُّ لَهُم ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ ، وتَكرَهُ لَهُم ما تَكرَهُ لِنَفسِكَ ، وأنْ يكونَ شُيوخُهُم بِمَنزِلَةِ أبيكَ ، وَشُبَّانُهُم بِمَنزِلَةِ إخوَتِكَ ، وعَجائِزُهُم بِمَنزِلةِ أُمِّكَ ، والصِّغارُ بِمَنزِلةِ أولادِكَ . وحَقُّ الذِّمَّة : أنْ تقبَلَ مِنهُم ما قَبِلَ اللّه ُ عز و جل ، ولا تَظلِمهُم ما وَفوا للّه ِ عز و جل بِعَهدِهِ» . (10)

.


1- . البداية والنهاية : ج 9 ص 106.
2- . السائس : القائم بامر والمدبر له .
3- . كذا والظاهر تصحيفه ، والصواب كما سيأتي في تفصيله عليه السلام هذه الحقوق : «حق مولاك الجارية نعمتك عليه» .
4- . زاد في التحف : «أو مسرة بقول أو فعل» ولعله سقط من النساخ .
5- . في المصدر «قائما» والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
6- . وفي الفقيه : «فيه» بدل «به» .
7- . وزاد في الفقيه : « .. . يكرمك، ولا تدعه يسبق إلى مكرمةٍ، فإنْ سبق كافأته وتودُّه كما يودُّك، وتزجره عمَّا يهمُّ به من معصيةٍ .
8- . في الفقيه : «التَّبِعَة» بدل «السعة» .
9- . الشورى : 41 .
10- . الخصال : ص 564 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 74 ص 2 ح 1 وراجع من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 619.

ص: 186

. .

ص: 187

. .

ص: 188

. .

ص: 189

. .

ص: 190

. .

ص: 191

. .

ص: 192

. .

ص: 193

. .

ص: 194

. .

ص: 195

أقول : نقلها العلاّمة المجلسيّ رحمه الله عن الخصال أوَّلاً ، ثمَّ عن الأمالي للصدوق رحمه الله ، ثمَّ عن تحف العقول ، وقال : إنَّما أوردناه مكرَّراً للاختلاف الكثير بينهما ، وقوة سند الأوَّل ، وكثر فوائد الثَّاني . أرى أنْ نقتفي أثره في نقل النَّصَّين : نصُّ الأمالي : حدَّثنا الشَّيخ الجليل أبو جعفر مُحمّد بنُ عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضى الله عنه ، قال : حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى رضى الله عنه ، قال : حدَّثنا محمّد بن جعفر الكوفيّ الأسديّ ، قال : حدَّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيّ ، قال : حدَّثنا عبداللّه بن أحمد ، قال : حدَّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثُّماليّ ، عن سيِّد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : «حَقُّ نفسِكَ عَلَيكَ : أنْ تَستعمِلَها بِطاعَةِ اللّه ِ عز و جل . و حَقُّ اللِّسانِ : إكرامُهُ عَن الخَنى ، وَتعويدُهُ الخَيرَ ، وتَركُ الفُضُولِ الَّتي لا فائِدَةَ لَها .. . (1) نصُّ تُحَفِ العُقولِ : الحسنُ بن عليِّ بن شُعْبَة في تُحَف العقول ، في مواعظ السَّجَّاد عليه السلام ، قال في رسالَته عليه السلام المعروفَة برسالة الحقوق : اعلَمْ رَحِمَكَ اللّه ُ ، أنَّ للّه ِ عَلَيكَ حُقوقا مُحِيطَةً بِكَ ، في كلِّ حَرَكَةٍ تَحرَّكْتَها ، أوْ سَكَنَةٍ سَكَنْتَها ، أوْ منزِلَةٍ نَزلْتَها ، أوْ جارِحَةٍ قلَبْتَها ، أوْ آلةٍ تَصَرَّفْتَ بِها بَعْضُها أكبَرُ من بعضٍ ، وأكبرُ حُقوق اللّه ِ عَلَيكَ ما أوْجَبَهُ لِنَفسِهِ تَبارَكَ وَتَعالى مِن حَقِّهِ الَّذي هُو أصلُ الحُقوقِ ومِنهُ تفَرَّعُ ، ثمَّ أوْجَبَهُ عَلَيكَ لِنَفسِكَ من قَرْنِكَ إلى قَدَمِكَ عَلى اختِلافِ جَوارِحِكَ . فجعَل لِبَصَرِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، ولِسَمعِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، ولِلِسانِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، وَلِيَدِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، ولرِجْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً ، ولِبَطْنِكَ عَليكَ حَقّاً ، ولِفَرْجِكَ عَلَيكَ حقَّاً ، فَهذِه الجَوارِحُ السَّبْعُ الَّتي بِها تكونُ الأفْعال ، ثُمَّ جَعَل عز و جل لأفعالِكَ عَلَيكَ حُقوقاً ، فجَعَلَ لِصَلاتِكَ عَليكَ حَقَّاً ، ولِصَومِكَ عَليكَ حَقّاً ، و لِصَدَقَتِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، وَلِهَدْيِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، ولأَفعالِكَ عَلَيكَ حَقَّاً ، ثُمَّ تَخرُجُ الحُقوقُ مِنكَ إلى غَيرِكَ مِن ذوي الحُقوقِ الواجِبَةِ عَلَيكَ ، وأوجَبُها عَلَيكَ حُقوقُ أئمَّتِكَ ، ثُمَّ حُقوقُ رَعِيَّتِكَ ، ثُمَّ حُقوقُ رَحِمِكَ ؛ فهذهِ حُقوقٌ يَتَشَعَّبُ مِنها حُقوقٌ . فحُقوقُ أئمَّتِكَ ثَلاثَةٌ : أوجَبُها عَليكَ : حَقُّ سائِسِكَ بالسُّلطانِ ، ثُمَّ سائِسِكَ بِالعِلمِ ، ثُمَّ حَقُّ سائِسِكَ بالمُلكِ ؛ وكُلُّ سائِسٍ إمامٌ . وحُقوقُ رَعِيَّتِكَ ثَلاثَةٌ أوجَبُها عَلَيكَ : حَقُّ رعِيَّتِكَ بالسُّلطانِ ، ثُمَّ حقُّ رعِيَّتِكَ بالعِلمِ ، فَإنَّ الجاهِلَ رَعيَّةُ العالِمِ ، وَحَقُّ رعِيَّتِكَ بالمُلكِ مِنَ الأزْواجِ وما ملَكتَ مِنَ الأيْمانِ . وحُقوقُ رَحِمِكَ كَثيرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بقَدْرِ اتِّصالِ الرَّحِمِ في القَرابَةِ فأوْجَبُها عَلَيكَ : حَقُّ أُمِّكَ ، ثُمَّ حَقُّ أبيكَ ، ثُمَّ حَقُّ وُلْدِكَ ، ثُمَّ حَقُّ أخيكَ ثُمَّ الأقرَبُ فالأقْرَبُ ، والأوَّلُ فالأَوَّلُ ، ثُمَّ حَقُّ مولاكَ المُنْعِمِ عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَولاكَ الجارِيَةُ نِعمتُكَ عَلَيهِ ، ثُمَّ حَقُّ ذي المَعروفِ لَدَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مُؤذِّ نِكَ بالصَّلاةِ ، ثُمَّ حَقُّ إمامِكَ في صَلاتِكَ ، ثُمَّ حَقُّ جَلِيسكَ ، ثُمَّ حَقُّ جارِكَ ، ثُمَّ حَقُّ صاحِبِكَ ، ثُمَّ حَقُّ شَريكِكَ ، ثُمَّ حَقُّ مالِكَ ، ثُمَّ حَقُّ غَريمِكَ الَّذي تُطالِبُهُ ، ثُمَّ حقُّ غَريمِكَ الَّذي يُطالِبُكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَلِيطِكَ ، ثُمَّ حَقُّ خصْمِكَ المُدَّعي عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ خَصمِكَ الَّذي تَدَّعي عَلَيهِ ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَشيرِكَ ، ثُمَّ حَقُّ المُشيرِ عَلَيكَ ، ثُمَّ حَقُّ مُسْتَنْصِحِكَ ، ثُمَّ حَقُّ النَّاصِحِ لَكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَن هُو أكبرُ مِنكَ ، ثُمَّ حَقُّ مَن هُوَ أصغَرُ مِنكَ ، ثُمَّ حقُّ سائِلِكَ ، ثُمَّ حقُّ مَن سألْتَهُ ، ثُمَّ حَقُّ مَن جرَى لَكَ عَلَى يَديْهِ مَساءَةٌ بقول ، أو فِعلٍ ، أوْ مَسَرَّةٌ بذلِكَ بقول أوْ فعل ، عَن تَعَمُّدٍ مِنهُ ، أوْ غيرِ تَعَمُّدٍ مِنهُ ، ثُمَّ حَقُّ أهلِ مِلَّتِكَ عامَّةً ، ثُمَّ حَقُّ أهلِ الذِّمَّةِ ، ثُمَّ الحُقوقُ الجارِيَةُ بِقدْرِ عِلَلِ الأحوالِ ، وتَصرُّفِ الأسبابِ ؛ فَطُوبى لِمَن أعانَهُ اللّه ُ على قَضاءِ ما أوجَبَ عَلَيهِ مِن حُقوقِهِ وَوَفَّقَهُ وَسدَّدَهُ .

.


1- . الأمالي للصدوق : ص 451 ح 610 .

ص: 196

. .

ص: 197

1 _ فأمّا حقّ اللّه الأكبر

1 _ فأمَّا حقُّ اللّه ِ الأكبرُ :فَإنَّك تَعْبُدَهُ لا تُشرِكُ بِهِ شَيئاً ، فإذا فَعَلْتَ ذلِكَ بإخلاصٍ جَعَل لَكَ على نَفسِهِ أنْ يكْفِيَكَ أمْرَ الدُّنيا والآخِرَةِ ، ويَحْفَظَ لَكَ ما تُحِبُّ مِنها .

.

ص: 198

2 _ وأمّا حقّ نفسك عليك

3 _ وأمّا حقّ اللّسان

4 _ وأمّا حقّ السّمع

5 _ وأمّا حقّ بصرك

6 _ وأمّا حق رجليك

2 _ وأمَّا حقُّ نفسِكَ عَلَيكَ :فَأنْ تسْتَوْفِيها في طاعَةِ اللّه ِ فَتُؤدِّي إلى لسانِكَ حَقَّهُ ، وإلى سَمْعِكَ حَقَّهُ ، وإلى بَصَرِكَ حَقَّهُ ، وإلى يَدِكَ حَقَّها ، وإلى رِجْلِكَ حَقَّها ، وإلى بَطْنِكَ حَقَّهُ ، وإلى فَرْجِكَ حَقَّهُ ، وتسْتَعينُ بِاللّه ِ على ذلِكَ .

3 _ وأمَّا حقُّ اللِّسان :فإكرامُهُ عَنِ الخَنى ، وتَعْوِيدُهُ عَلى الخَيرِ ، وحَمْلُهُ عَلى الأدبِ ، وإجْمامُهُ إلاَّ لمَوْضعِ الحاجَةِ ، والمنفَعة للدِّين والدُّنيا ، وإعْفاؤهُ مِنَ الفُضولِ الشَّنِعَةِ القَلِيلَةِ الفَائِدةِ الَّتي لا يُؤمَن ضَرَرُها مَعَ قِلَّةِ عائِدَتها وبُعْد شاهِدِ العَقلِ والدَّليلِ عَلَيهِ ، وتَزَيُّنُ العاقِلِ بِعَقْلِهِ حُسْنُ سِيرَتِهِ في لِسانِهِ ، وَلا قوَّة إلاَّ باللّه ِ العَليِّ العظيمِ .

4 _ وأمَّا حقُّ السَّمعِ :فتَنْزِيهُهُ أن تجعَلَهُ طَريقاً إلى قَلْبِكَ إلاَّ لِفَوْهَةٍ كَريمَةٍ تُحْدِثُ في قَلبِكَ خَيراً ، أوْ تكْسِبُ خُلُقاً كريماً ، فإنَّه بابُ الكلام إلى القلبِ يُؤدِّي إليهِ ضُروبَ المعاني عَلى ما فيها مِن خَيرٍ أوْ شَرٍّ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

5 _ وأمَّا حَقُّ بَصَرِكَ :فغَضُّه عَمَّا لا يحِلُّ لَكَ ، وتَرْكُ ابتذَالِهِ إلاَّ لِمَوضِعِ عِبْرَةٍ تَستَقبِلُ بها بَصَراً ، أوْ تستفيد بها عِلماً ، فَإنَّ البَصَر بابُ الاعْتبارِ .

6 _ وأمَّا حَقُّ رجليكَ :فأنْ لاتَمْشيَ بهما إلى ما لا يَحِلُّ لكَ ، ولا تجعلهما مطِيَّتكَ في الطَّريق المُسْتَخِفَّةِ بأهلِها فيها ، فَإنَّها حامِلَتُكَ وسالِكَةٌ بِكَ مَسْلَك الدِّين والسَّبقِ لَكَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 199

7 _ وأمّا حقّ يدك

8 _ وأمّا حقّ بطْنك

9 _ وأمّا حقّ فرْجك

10 _ فأمّا حقّ الصّلاة

7 _ وأمَّا حقُّ يدك :فأنْ لا تبْسُطَها إلى ما لا يَحِلُّ لَكَ فتَنالُ بما تبْسُطُها إليهِ مِن اللّه ِ العُقوبَةَ في الآجِلِ ، ومِنَ النَّاسِ بِلِسانِ اللاَّئِمَةِ في العاجِلِ ، ولا تقْبِضها مِمَّا افترَضَ اللّه ُ عليها ، ولكِن تُوقِّرُها بِقَبْضِها عَن كثيرٍ مِمَّا لا يحِلُّ لها ، وتبْسطُها (1) إلى كثير ممَّا ليس عليها ، فإذا هي قَد عُقِلتْ و شَرُفَتْ في العاجِلِ ، ووجَبَ لها حُسْنُ الثَّوابِ في الآجِل .

8 _ وأمَّا حقُّ بطْنك :فأنْ لا تجعَلَهُ وِعاءً لِقَليلٍ مِنَ الحَرامِ ولا لِكَثيرٍ ، وأن تَقتَصِدَ لَهُ في الحَلالِ ، وَلا تُخرِجَهُ مِن حَدِّ التَّقوِيَةِ إلى حَدِّ التَّهْوينِ،وَذَهابِ المُروَّةِ،وضَبْطُهُ إذا هَمَّ بالجُوعِ والظَّمإ ، فإنَّ الشِّبَع المُنْتهي بِصاحِبِهِ إلى التَّخَمِ مَكْسَلَةٌ ومَثْبَطَةٌ ومَقْطَعَةٌ عن كُلِّ بِرٍّ وكَرَمٍ ، وَأنَّ الرِّيَّ المُنتهي بصاحِبهِ إلى السُّكْرِ مَسْخَفَةٌ ومَجْهَلَةٌ ومَذْهَبَةٌ للمُروَّةِ .

9 _ وأمَّا حَقُّ فرْجِكَ :فحِفْظهُ مِمَّا لا يَحِلُّ لَكَ ، والاسْتعانَةُ عَليهِ بِغَضِّ البَصرِ ، فإنَّهُ مِن أعْوَنِ الأعْوانِ ، وكَثْرَةِ ذِكْرِ الموْتِ ، والتَّهَدُّدِ لِنفْسِكَ باللّه ِ ، والتَّخْويفِ لَها بِه ، وباللّه ِ العِصْمَةُ والتَّأييدُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّة إلاَّ بهِ .

ثُمَّ حُقوق الأفعالِ10 _ فأمَّا حقُّ الصَّلاة :فأنْ تعلَم إنَّها وِفادَةٌ إلى اللّه ِ ، وأنَّك قائِمٌ بها بينَ يَدَي اللّه ِ ، فإذا عَلِمْتَ ذلِكَ كُنتَ خَلِيقاً أنْ تَقومَ فيها مَقامَ الذَّليلِ الرَّاغِبِ الرَّاهِبِ الخائِفِ الرَّاجي المسكينِ المُتَضرِّعِ ، المُعَظِّمِ مَن قامَ بينَ يَديْهِ بالسُّكونِ والإطْرَاقِ ، وخُشُوعِ الأطرَافِ ، ولِينِ الجَناحِ ، وحُسْنِ المناجاةَ لَه ، في نفسِهِ والطَّلَب إليهِ في فِكاك رَقَبَتِكَ الَّتي أحاطَتْ به خَطيئتُك واستَهْلَكَتْها ذُنوبُكَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.


1- . في المصدر : «وبسطها» والصواب ما أثبتناه .

ص: 200

11 _ وأمّا حقّ الصّوم

12 _ وأمّا حقّ الصّدقة

13 _ وأمّا حقّ الهدْي

11 _ وَأمَّا حقُّ الصَّوم :فأنْ تعلَم أنَّه حِجابٌ ضرَبَهُ اللّه ُ عَلى لسانِكَ ، وسَمْعِكَ ، وبَصَرِكَ ، وفرْجِكَ ، وبَطْنِكَ ليسْتُركَ بهِ مِنَ النَّارِ ، وهكذا جاءَ في الحَديثِ : «الصَّوم جُنَّةٌ من النَّار » فإنْ سَكَنتْ أطرافُكَ في حَجْبَتِها رَجَوْتَ أنْ تكونَ مَحْجوباً ، وإنْ أنْت تركْتها تضطَرِبُ في حِجابها ، وترفَعُ جَنَباتِ الحِجابِ ، فتطَّلِعُ إلى ما لَيسَ لَها بالنَّظْرَةِ الدَّاعِيَةِ للشَّهوة والقُوَّةِ الخارِجَةِ عن حَدِّ التَّقيَّةِ للّه ِ ، لم تأمَن أنْ تَخْرِق الحِجابَ وتَخْرُجَ مِنهُ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

12 _ وأمَّا حقُّ الصَّدقة :فأنْ تعلَمَ أَنَّها ذُخْرُكَ عِندَ ربِّكَ ، ووَديعَتُكَ الَّتي لا تَحتاجُ إلى الإشهادِ ، فإذا عَلِمتَ ذلِكَ كُنتَ بما استوْدَعْتهُ سِرّاً ، أوْثَقَ بِما استوْدعْته علانيةً ، وكُنتَ جدِيراً أنْ تكونَ أسْررْتَ إليهِ أمْراً أعْلَنْتَهُ ، وكان الأمْرُ بينَكَ وبَينَهُ فيها سِرّاً على كُلِّ حالٍ ، ولَم تستَظْهِر عَلَيهِ فيما استوْدَعْتَهُ مِنها بإشهاد الأسْماعِ والأبصارِ عَلَيهِ بها ، كأنَّها أوْثَقُ في نَفسِكَ لا كأنَّك لا تثِقُ بهِ في تأْدِيَةِ وَديعَتِكَ إلَيكَ ، ثمَّ لَم تَمْتَنَّ بِها على أحَدٍ لأنَّها لَكَ ، فإذا امْتَنَنْت بِها لم تأمَن أنْ تَكونَ بها مِثْلُ تَهْجِين حالِكَ مِنها إلى مَن مَنَنْت بِها عَلَيهِ ، لأنَّ في ذلِكَ دليلاً على أنَّكَ لم تُرِد نفسَكَ بِها ، ولَو أردْت نفسَكَ بِها لم تَمْتَنَّ بِها على أحَدٍ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

13 _ وأمَّا حَقُّ الهَدْي :فأنْ تُخلِصَ بها الإرادَةَ إلى رَبِّكَ ، والتَّعرُّضَ لِرَحْمَتِهِ وقَبولِهِ ، ولا تُريدُ عُيونَ النَّاظِرينَ دونَهُ ، فإذا كُنتَ كذلِكَ لَم تَكُن مُتَكَلِّفاً ولا مُتصَنِّعاً ، وكُنتَ إنَّما تقْصِدُ إلى اللّه ِ ، واعلَمُ أنَّ اللّه َ يراد باليَسير ولا يُراد بالعَسير ، كما أراد بِخَلْقهِ التَّيْسير وَلَم يُرِد بِهِم التَّعْسيرَ ، و كذلِكَ التَّذلُّلُ أوْلى بِكَ مِنَ التَّدَهْقُنِ ؛ لأنَّ الكُلْفةَ والمُؤنَةَ في المُتَدَهْقِنينَ ، فأمَّا التَّذلُّلُ والتَّمَسْكُنُ فلا كُلْفَةَ فيهما ، ولا مُؤَنَةَ عَلَيهِما ، لأنَّهما الخِلْقَةُ ، وهما موْجودانِ في الطَّبيعَةِ ، و لا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 201

14 _ فأمّا حقّ سائسك بالسّلطان

15 _ وأمّا حقّ سائسك بالعلم

ثمَّ حُقوقُ الأئمَّةِ14 _ فأمَّا حقُّ سائِسِكَ بالسُّلطانِ :فأنْ تعلم أنَّك جُعِلتَ لَهُ فِتْنةً ، وأنَّه مُبْتلًى فيكَ بما جعَلَهُ اللّه ُ لَهُ عَليكَ مِنَ السُّلطانِ وأن تُخلِصَ لَه في النَّصيحَةِ ، وأنْ لا تُماحِكَهُ وقد بُسِطَتْ يَدُه علَيكَ ، فَتَكونُ سَبَبَ هَلاكِ نَفسِكَ وهَلاكِهِ وتَذَلَّلْ وتَلَطَّفْ لإعطائِهِ مِنَ الرِّضى ما يَكُفُّهُ عَنكَ ،ولا يضُرُّ بِدينِكَ ، وتَستعِينُ عليهِ في ذلِكَ باللّه ِ ،ولا تُعازَّهُ ولا تُعانِدْهُ ، فإنَّك إن فعلْتَ ذلِكَ عقَقْتَهُ وعَقَقْت نفسَكَ ، فعَرَّضْتها لِمَكروهِهِ وعرَّضْتَهُ لِلهلَكَةِ فيكَ ، وكُنتَ خلِيقاً أنْ تكونَ مُعِيناً لَهُ على نفسِكَ ، وشَريكاً لَهُ فيما أتى إلَيكَ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

15 _ وأمَّا حقُّ سائِسِكَ بالعِلم :فالتَّعْظيمُ لَهُ والتَّوْقِيرُ لِمَجلِسهِ ، وَحُسْنُ الاسْتِماع إلَيهِ ، والإقبالُ عَلَيهِ ، والمَعونَةُ لَهُ على نَفسِكَ فيما لا غِنى بِكَ عَنهُ مِنَ العِلمِ ، بأنْ تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ ، وتُحَضِّرَهُ فَهْمَكَ ، وتُذَكِّي لَهُ قلْبَكَ ، وتُجلِّي لَهُ بَصرَكَ بترْك اللَّذَّاتِ ، ونَقْص الشَّهواتِ ، وأنْ تعلَمَ أنَّكَ فيما ألْقى إليكَ رَسولُهُ إلى مَن لَقِيكَ مِن أهلِ الجَهل ، فلزِمَكَ حُسْنُ التَّأْدِيَةِ عَنهُ إِلَيهِم ، ولا تَخُنْهُ في تأْدِيَةِ رسالَتِهِ والقِيامِ بِها عَنهُ ، إذا تَقَلَّدْتَها ، ولا حَوْل ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 202

16 _ وأمّا حقّ سائسك بالملك

17 _ فأمّا حقوق رعيّتك بالسّلْطان

18 _ وأمّا حقّ رعيّتك بالعلم

19 _ وأمّا حقّ رعيّتك بملك النّكاح

16 _ وأمَّا حقُّ سائسِكَ بالمُلكِ :فَنحْوٌ مِن سائِسِكَ بالسُّلطانِ إلاَّ أنَّ هذا يملِكُ ما لا يَمْلِكهُ ذاكَ ، تلْزَمُكَ طاعَتُهُ فيما دَقَّ وجَلَّ مِنكَ ، إلاَّ أنْ يُخْرِجَكَ من وُجوبِ حَقِّ اللّه ِ ، ويَحولَ بينَكَ وبَينَ حَقِّهِ وحُقوقِ الخَلْقِ ، فإذا قَضَيْتَهُ رَجَعْت إلى حَقِّهِ فتشاغَلْتَ بِه ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

ثُمَّ حُقوقُ الرَّعِيَّةِ17 _ فأمَّا حقوق رعيَّتك بالسُّلْطان :فأنْ تعْلَم أنَّك إنَّما اسْتَرْعَيْتَهم بِفَضلِ قُوَّتِكَ عَلَيهم ، فإنَّه إنَّما أحلَّهُم مَحَلَّ الرَّعيَّةِ لَكَ ضَعْفُهم وذُلُّهم ، فَما أوْلى من كَفاكَهُ ضَعْفَه وذُلَّهُ ، حتَّى صيَّرَهُ لَكَ رَعِيَّةً ، وصَيَّر حُكْمَكَ علَيهِ نافِذاً لا يَمْتَنِعُ مِنكَ بعِزَّةٍ ولا قُوَّةٍ ، ولا يَسْتنْصِرُ فيما تَعاظَمَهُ مِنكَ إلاَّ باللّه ِ بالرَّحْمَةِ والحِياطَةِ والأناةِ ، وما أوْلاك إذا عَرَفْت ما أعْطاكَ اللّه ُ من فَضلِ هَذه العِزَّةِ ، والقُوَّةِ الَّتي قَهرْتَ بِها أنْ تكونَ للّه ِ شاكِراً ، ومَن شَكَرَ اللّه َ أعْطاهُ فيما أنْعَمَ عَلَيهِ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

18 _ وأمَّا حقُّ رعيَّتك بالعلم :فأنْ تعلَم أنَّ اللّه َ قَد جَعَلَكَ لَهم فيما آتاك مِنَ العِلم وَوَلاَّكَ مِن خِزَانَةِ الحِكمَةِ ، فإنْ أحْسنْتَ فيما ولاَّكَ اللّه ُ من ذلِكَ ، وقُمْتَ بهِ لَهُم مَقامَ الخازِنِ الشَّفيقِ النَّاصِحِ لِمَولاهُ في عَبيدِهِ ، الصَّابرِ المحْتَسِبِ الَّذي إذا رأى ذا حاجَةٍ أخرَجَ لَه مِنَ الأموالِ الَّتي في يَديهِ كُنتَ راشِداً ، وكُنتَ لذلِكَ آمِلاً مُعتَقِداً ، وإلاَّ كُنتَ لَهُ خائِناً ، ولِخَلْقهِ ظالِماً ، ولسَلبهِ وعزِّهِ متعَرِّضاً .

19 _ وأمَّا حقُّ رعيَّتك بملك النِّكاح :فأنْ تعلَمَ أنَّ اللّه َ جَعَلَها سَكَناً ، ومُسْتَرَاحاً ، وأُنْساً وواقِيَةً ، وكذلِكَ كُلُّ واحِدٍ مِنكُما يجِب أنْ يَحمَدَ اللّه َ على صاحِبهِ ، و يعلَم أنَّ ذلِكَ نِعْمَةٌ مِنهُ عَلَيهِ ، ووجَبَ أنْ يُحْسِنَ صُحْبَةَ نِعْمَة اللّه ِ ، ويُكرِمَها ويَرْفَقَ بها ، وإنْ كانَ حقُّكَ عَلَيها أغْلظَ وطاعَتُك بها ألْزمَ فيما أحبَبتَ وَكَرِهتْ ، ما لم تَكُن مَعصِيَةً فَإنَّ لها حَقُّ الرَّحمَةِ والمُؤانَسَةِ ، ومَوْضِعُ السُّكونِ إليها قضاءُ اللَّذَّةِ الَّتي لابُدَّ من قضائِها ، وذلِكَ عَظيمٌ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 203

20 _ وأمّا حقّ رعيّتك بملْك اليمين

21 _ فحقّ أمّك

20 _ وأمَّا حقُّ رعيَّتك بمِلْك اليمِين :فأنْ تعلَم أنَّه خلْقُ ربِّكَ ولَحْمُكَ ودمُكَ ، وأنَّك تملِكُهُ لا أنتَ صَنَعْتَهُ دونَ اللّه ِ ، ولا خَلقْتَ لَهُ سَمْعاً ولا بَصَراً ، ولا أجْريت لَهُ رِزقاً ، ولَكِنَّ اللّه َ كَفاكَ ذلِكَ . ثُمَّ سَخَّرُهُ لَكَ وائْتَمَنك علَيهِ ، واسْتوْدَعَكَ إيَّاه لتَحْفَظَهُ فيهِ ، وتسيرَ فيهِ بِسيرَتِهِ ، فتُطْعِمَهُ مِمَّا تأكُلُ ، وتُلْبِسَهُ مِمَّا تَلْبَسُ ، وَلا تكلِّفَه ما لا يُطِيقُ ، فإنْ كرِهتَهُ خَرجتَ إلى اللّه ِ مِنهُ ، واسْتبدَلتَ بِه ، ولم تُعذِّب خَلْقَ اللّه ِ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

وأمَّا حقُّ الرَّحِم21 _ فحقُّ أمِّك :فأنْ تعلَم أنَّها حمَلَتْكَ حَيثُ لا يَحمِلُ أحَدٌ أحَداً ، وأطعَمَتْكَ مِن ثَمرَةِ قَلْبها ما لا يُطْعِمُ أحدٌ أحَداً ، وإنَّها وَقَتْكَ بِسَمعِها وبَصَرِها ويَدِها ورِجْلِها وشَعْرِها وبَشَرِها وجَميعِ جوارِحِها ، مُسْتبْشِرةً بذلِكَ ، فَرِحَةً مُوابِلَةً ، محْتمِلَةً لِما فيهِ مَكروهُها وألَمُها وثِقْلُها وغَمُّها ، حَتَّى دفعَتْها عَنكَ يَدُ القدْرة ، وأخْرجَتكَ إلى الأرضِ ، فرَضِيتْ أنْ تَشْبَعَ وتجوعُ هي ، وتَكْسوَكَ وتعْرى وتُرْوِيَكَ وتَظْمأُ وتُظلَّكَ وتَضْحى ، وتُنعِّمَك بِبُؤسِها ، وَتُلَذِّذَكَ بالنَّوْمِ بِأرقِها ، كان بطْنُها لَكَ وِعاءً ، وحُجْرها لَكَ حُواءً ، وثَدْيُها لَكَ سِقاءً ، ونفْسُها لَكَ وِقاءً ، تباشِرُ حَرَّ الدُّنيا وبَرْدَها لَكَ ودونَكَ ، فتَشْكُرها على قَدْرِ ذلِكَ ، ولا تَقْدر علَيهِ إلاَّ بعَوْنِ اللّه ِ وتَوْفيقِهِ .

.

ص: 204

22 _ وأمّا حقّ أبيك

23 _ وأمّا حقّ ولدك

24 _ وأمّا حقّ أخيك

25 _ وأمّا حقّ المنْعم عليك بالولاء

22 _ وأمَّا حقُّ أبيك :فتعلَم أنَّه أصلُكَ ، وأنَّكَ فرعُه ، وأنَّك لَولاهُ لَم تَكُن، فَمَهما رأيتَ في نَفسِكَ مِمَّا يُعجِبُكَ ، فاعلَم أنَّ أباكَ أصلُ النِّعمَةِ علَيكَ فيهِ، واحمَدِ اللّه َ واشكُرهُ على قَدرِ ذلِكَ . ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

23 _ وأمَّا حقُّ وَلَدِك :فَتَعْلَمُ أنَّهُ مِنكَ ، ومُضافٌ إليكَ في عاجِلِ الدُّنيا بِخَيرِهِ وشَرِّهِ ، وأنَّك مَسؤولٌ عمَّا وَلّيتَهُ مِن حُسْنِ الأدَبِ والدَّلالةِ إلى رَبِّهِ ، والمَعونَةِ لَهُ على طاعَتِهِ فيكَ وفِي نفسِهِ ، فمُثابٌ على ذلِكَ ومُعاقَبٌ ، فاعمَل في أمرهِ عَمَل المُتزَيِّنِ بِحُسنِ أثرِهِ عَلَيهِ في عاجِلِ الدُّنيا ، المُعَذِّر إلى ربِّهِ فيما بينَكَ وبينَهُ بحُسْنِ القِيام عَلَيهِ والأخْذِ لَهُ مِنهُ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

24 _ وأمَّا حقُّ أخيك :فَتَعْلَمُ أنَّه يدُكَ الَّتي تَبْسُطُها، وظهْرُكَ الَّذي تَلْتَجِئُ إليهِ ، وعِزُّك الَّذي تَعتمِدُ عَلَيهِ ، وَقُوَّتُكَ الَّتي تَصولُ بها ، فلا تتَّخذْهُ سِلاحاً على مَعصِيَةِ اللّه ِ ، ولا عُدَّةً للظُّلم بِحَقِّ اللّه َ ، ولا تَدَع نُصْرَتَهُ على نَفسِهِ ، ومعونَتَهُ على عَدُوِّهِ ، والحَوْلَ بينَهُ وبينَ شَياطينهِ ، وَتَأدِيَةَ النَّصيحَةِ إلَيهِ ، وَالإقبالَ عَلَيهِ في اللّه ِ ، فإنِ انْقادَ لِربِّهِ وأحْسَن الإجابَة لَهُ ، وإلاَّ فَليَكُنِ اللّه ُ آثرَ عِندَكَ ، و أكرَمَ عَلَيكَ مِنهُ .

25 _ وأمَّا حقُّ المُنْعِمِ عَلَيكَ بالوَلاء :فَأن تَعْلَمَ أنَّهُ أنفَقَ فيكَ مالَهُ ، وأخرجَكَ مِن ذُلِّ الرِّقِّ ، ووَحشَتِهِ إلى عِزِّ الحُرِّيَّةِ وأُنْسِها ، وأطلقَكَ مِن أسْر المَلكَةِ ، وفَكَّ عَنكَ حَلَقَ العُبودِيَّةِ ، وأوْجدَكَ رائِحَةَ العِزِّ ، وأخرجَكَ من سِجْن القَهْرِ ، ودفع عنك العُسْرَ ، وبسَط لكَ لسانَ الإنْصافِ ، وأباحَكَ الدُّنيا كُلَّها ، فملَّكَكَ نفسَكَ ، وحَلَّ أسرَكَ ، وَفرَّغكَ لِعبادَةِ رَبِّكَ ، واحتَمَل بذلِكَ التَّقْصيرَ في مالِهِ ، فَتَعلَمُ أنَّهُ أوْلى الخَلقِ بِكَ بَعدَ أُولي رَحِمِكَ في حياتِكَ ومَوْتِكَ ، وأحَقُّ الخَلْقِ بِنَصْرِكَ ومَعونَتِكَ ، ومُكانَفَتِكَ في ذاتِ اللّه ِ ، فلا تُؤثِر عَليهِ نَفسَكَ ما احتاجَ إلَيكَ .

.

ص: 205

26 _ وأمّا حقّ مولاك الجارية عليه نعمتك

27 _ وأمّا حقّ ذي المعروف عليك

28 _ وأمّا حقّ المؤذّن

26 _ وأمَّا حَقُّ مولاكَ الجاريَةُ عليهِ نِعمَتُكَ :فَأنْ تَعلَمَ أنَّ اللّه َ جَعَلَكَ حامِيَةً عَلَيهِ ، وَوَاقِيةً وناصِراً ومَعْقِلاً ، وجَعَلَهُ لَكَ وسيلَةً وسَبباً بينَك وبَينَهُ ، فبالْحَريِّ أنْ يحْجُبَك عَنِ النَّارِ ، فَيَكونُ في ذلِكَ ثوابٌ مِنهُ في الآجِلِ ، ويُحكَم لَكَ بميراثِهِ في العاجِلِ ، إذا لم يَكُن لَهُ رَحِمٌ مكافأةً لِما أنْفَقْتَهُ مِن مالِكَ عَلَيهِ ، وقُمتَ بهِ مِن حَقِّهِ بَعدَ إنفاقِ مالِكَ ، فإنْ لم تقم بِحَقّهِ خِيفَ عَلَيكَ أنْ لا يُطيِّبَ لَكَ مِيراثَهُ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

27 _ وأمَّا حقُّ ذي المَعروفِ عَلَيْكَ :فأنْ تَشكُرَهُ وتَذكُرَ معروفَهُ وتَنْشُرَ لَهُ المقالَةَ الحَسَنَة ، وتُخلِصَ لَهُ الدُّعاءَ فيما بينَكَ وبَينَ اللّه ِ سُبحانَهُ ، فإنَّكَ إذا فَعَلتَ ذلِكَ كُنتَ قَد شَكرتَهُ سِرّاً وعَلانِيَةً ، ثُمَّ إنْ أمْكَنَ مُكافأتُهُ بالفِعلِ كافأْتَهُ ، وإلاَّ كُنتَ مُرْصِداً لَهُ مُوَطِّناً نفسَكَ عَلَيها .

28 _ وأمَّا حقُّ المؤذِّن :فأنْ تعلَمَ أنَّهُ مُذكِّرُكَ بِربِّكَ ، وداعيكَ إلى حَظِّكَ ، وأفضلُ أعوانِكَ على قضاءِ الفريضَةِ الَّتي افترضَها اللّه ُ عَلَيكَ، فَتشْكرُهُ على ذلِكَ شُكْرَكَ للمُحْسِنِ إلَيكَ ، وإنْ كُنتَ في بَيتِكَ مهتَمّاً لذلِكَ لَم تَكُن للّه ِ في أمرِهِ مُتَّهِماً ، وعَلِمْتَ أنَّهُ نِعمَةٌ مِنَ اللّه ِ عَلَيكَ ، لا شَكَّ فيها، فَأَحسِن صُحْبَةَ نِعمَةِ اللّه ِ بِحَمدِ اللّه ِ عَلَيها على كُلِّ حالٍ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 206

29 _ وأمّا حقّ إمامك في صلاتك

30 _ وأمّا حقّ الجليس

31 _ وأمّا حقّ الجار

29 _ وأمَّا حقُّ إمامِكَ في صلاتِكَ :فَأنْ تَعلَمَ أنَّهُ قَد تَقَلَّدَ السَّفارَةَ فيما بَينَكَ وَبَينَ اللّه ِ ، والوِفادَةَ إلى رَبِّكَ ، وَتكَلَّمَ عَنكَ ولَم تَتَكلَّم عَنهُ ، ودعا لَكَ ولَم تَدْعُ لَهُ ، وطلَبَ فيكَ ولم تَطْلُب فيهِ ، وَكَفاكَ هَمَّ المُقامِ بَينَ يَدي اللّه ِ ، والمُساءَلَةَ لَهُ فَيكَ ، ولَم تَكْفِهِ ذلِك ، فإنْ كان في شيْءٍ من ذلِكَ تقْصِيرٌ كان بهِ دونَكَ ، و إنْ كانَ آثِماً لَم تَكُن شريكَهُ فيه ولَم يَكُن لهُ عَلَيكَ فَضلٌ ، فوَقى نفسَكَ بنَفسِهِ ، وَوَقى صَلاتَكَ بِصَلاتِهِ ، فتشْكُرَ لَهُ على ذلِكَ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

30 _ وأمَّا حقُّ الجلِيسِ :فأنْ تُلِينَ لَهُ كَنفَكَ ، وتُطِيبَ لَهُ جانِبَكَ ، وتُنصِفَهُ في مُجاراةِ اللَّفظِ ، ولا تُغْرِقَ في نَزْعِ اللَّحْظِ إذا لَحَظْتَ ، وتَقْصِدَ في اللَّفظِ إلى إفْهامِهُ إذا لَفَظْتَ ، وإنْ كُنتَ الجَلِيسَ إليهِ كُنتَ في القيامِ عَنهُ بالخِيارِ ، وإنْ كان الجالِسَ إليكَ كانَ بالخِيارِ ، ولا تَقومَ إلاَّ بإذْنِهِ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

31 _ وأمَّا حقُّ الجارِ :فحِفْظُهُ غائِباً ، وكَرَامَتُه شاهِداً ، ونُصرَتُهُ ومعونَتُهُ في الحَاليْنِ جَميعاً ، لا تتبَّعَ لَهُ عَوْرةً ، و لا تَبْحَث لَهُ عَن سَوْأةٍ لِتعْرِفَها ، فإنْ عَرَفْتَها مِنهُ مِن غَير إرادَةٍ مِنكَ ولا تكَلُّفٍ ، كُنتَ لِما عَلِمْتَ حِصْناً حصِيناً ، وسِتْراً سَتِيراً ، لو بَحَثَتِ الأسِنَّةُ عَنهُ ضَمِيراً لَم تتصِلْ إليهِ ، لانْطِوائِهِ عَلَيهِ ، لا تَستَمِع عَلَيهِ مِن حَيثُ لا يَعلَمُ ، لا تُسْلِمْهُ عِندَ شَديدَةٍ ، ولاتَحْسُدْهُ عِندَ نِعمَةٍ ، تُقِيلُ عَثْرتَهُ ، وَتغْفِرُ زَلَّتهُ ، ولا تدَّخِر حِلْمَكَ عَنهُ إذا جَهِلَ عَلَيكَ ، ولا تَخرُج أنْ تكونَ سِلْماً لَهُ تَرُدُّ عَنهُ لِسانَ الشَّتِيمَةِ ، وتُبْطِلُ فيه كَيدَ حامِلِ النَّصيحَةِ ، وتعاشِرُهُ مُعاشرَةً كَريمَةً ، ولا حَولَ ولا قوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 207

32 _ وأمّا حقّ الصّاحب

33 _ وأمّا حقّ الشّريك

34 _ أمّا حقّ المال

35 _ وأمّا حقّ الغريم الطّالب لك

32 _ وأمَّا حقُّ الصَّاحِب :فأنْ تصْحبَهُ بالفَضلِ ما وَجدْتَ إليهِ سبيلاً ، وإلاَّ فَلا أقلَّ مِنَ الإنصافِ ، وأنْ تُكرِمَهُ كما يكْرِمُكَ ، وتحْفظَهُ كما يَحْفَظُكَ ، ولا يَسبِقَكَ فيما بينَكَ وبَينَهُ إلى مَكرُمَةٍ ، فإنْ سبَقَكَ كافأْتهُ ، ولا تُقَصِّرْ بهِ عمَّا يَستحِقُّ من المَوَدَّةِ تُلْزِمُ نفسَكَ نَصيحَتَهُ وحِياطتَهُ ، ومعاضَدَتَهُ على طاعَةِ ربِّهِ ، ومعونَتَهُ على نَفسِهِ ، فيما لا يَهُمُّ بهِ من مَعصِيَةِ ربِّهِ ، ثُمَّ تكونُ عَلَيهِ رَحمَةً ، ولا تكونُ عَلَيهِ عَذاباً ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

33 _ وأمَّا حقُّ الشَّريكِ :فإنْ غابَ كفيْتَهُ ، وإنْ حَضَرَ ساوَيْتَهُ ، ولا تَعْزِم على حُكمِكَ دونَ حُكمِهِ ، ولا تَعمَل بِرأيِكَ دونَ مُناظَرَتِهِ ، وتَحفَظَ عَلَيهِ مالَهُ ، وتَنْفي عَنهُ خيانَتَهُ فيما عَزَّ أوْ هانَ ، فإنَّهُ بَلَغَنا أنَّ يدَ اللّه ِ عَلى الشَّريكَينِ ما لَم يتَخاوَنا ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

34 _ أمَّا حَقُّ المالِ :فأنْ لا تأخُذَهُ إلاَّ مِن حِلِّهِ ، ولا تُنْفِقَهُ إلاَّ في حِلِّهِ ، ولا تُحَرِّفَهُ عَن مواضِعِهِ ، ولا تَصرِفَهُ عَن حقائِقِهِ ، ولا تجعَلَهُ إذا كانَ مِنَ اللّه ِ إلاَّ إليهِ ، وسَبَباً إلى اللّه ُ لا تُؤثِرُ بهِ على نَفسِكَ مَن لَعَلَّهُ لا يَحْمَدُكَ، وبالحَرِيِّ أنْ لا يُحسِنَ خِلافَتَهُ في تَرِكَتِكَ ، ولا يَعمَلُ فيهِ بِطاعَةِ رَبِّكَ فَتكونَ مُعِيناً لَهُ على ذلِكَ ، أو بِما أحدَثَ في مالِكَ أحسنَ نظراً لِنَفسِهِ ، فَيَعمَلَ بِطاعَةَ رَبِّهِ فيذْهَبُ بِالغَنيمَةِ ، وتَبُوءُ بالإثمِ والحَسرَةِ والنَّدامَةِ مَعَ التَّبِعَةِ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

35 _ وأمَّا حَقُّ الغَريمِ الطَّالبِ لَكَ :فَإنْ كُنتَ موسِراً أوْفيتَهُ وكَفَيْتَه وأغنَيتَهُ ، ولَم تردُدْهُ وتَمْطُلْهُ ، فَإنَّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قالَ : مَطْلُ الغنيِّ ظُلْمٌ . وإنْ كُنتَ معسِراً أرضَيتَهُ بِحُسْنِ القَولِ ، وطلَبتَ إليهِ طَلَباً جَميلاً ، ورَدَدْتهُ عن نفسِكَ رَدّاً لَطيفاً ، ولَم تَجمَع عَليهِ ذَهابَ مالِهِ وَسوءَ مُعامَلَتِهِ ، فإنَّ ذلِكَ لُؤمٌ ، و لا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 208

36 _ وأمّا حقّ الخليط

37 _ وأمّا حقّ الخصْم المدّعي عليك

38 _ وأمّا حقّ الخصم المدّعى عليه

36 _ وأمَّا حقُّ الخَلِيط :فأنْ لا تغُرَّهُ ، ولا تغُشَّهُ ، ولا تُكَذِّبَهُ ، ولا تُغْفِلَهُ ، ولا تَخْدَعَهُ ، و لاتعمَلَ في انتقاضِهِ عَمَلَ العَدُوِّ الَّذي لا يُبْقي على صاحبِهِ ، وإِن اِطمأنَّ إلَيكَ استقْصَيْتَ لَهُ على نَفسِكَ ، وعَلِمْتَ أنَّ غَبْنَ المُسترسِلِ رِباً . و لا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

37 _ وأمَّا حقُّ الخَصْم المُدَّعي عليك :فإنْ كانَ ما يَدَّعي علَيكَ حَقَّاً لم تَنفَسِخ في حُجَّتِهِ ، ولم تَعمَل في إبطالِ دَعوَتِهِ وكُنتَ خَصمَ نَفسِكَ لَهُ ، والحاكِمَ عَلَيها ، والشَّاهِدَ لَهُ بِحَقِّهِ دُونَ شهادَةِ الشُّهودِ ، فإنَّ ذلِكَ حَقُّ اللّه ِ عَلَيكَ ، وإنْ كانَ ما يَدَّعيهِ باطِلاً رَفقْتَ بهِ ، وَروَّعتَهُ وناشَدْتَهُ بِدينِهِ ، وكَسرْتَ حِدَّتَهُ عَنكَ بِذِكرِ اللّه ِ ، وألْقيتَ حَشْوَ الكَلامِ ، ولَغْطَهُ الَّذي لا يَرُدُّ عَنكَ عادِيَةَ عَدُوِّكَ ، بَل تَبُوءُ بإثْمِهِ ، وبهِ يشْحَذُ علَيكَ سَيْفَ عَداوَتِهِ ، لأنَّ لفظَةَ السُّوءِ تَبْعَثُ الشَّرَّ ، والخَيرُ مَقْمَعَةٌ للشَّرِّ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

38 _ وأمَّا حَقُّ الخَصم المُدَّعى عَلَيهِ :فَإنْ كانَ ما تَدَّعيهِ حَقَّاً أجْمَلْتَ في مقاوَلَتِهِ بمَخْرَجِ الدَّعوى ، فَإنَّ للدَّعوى غِلْظَةً في سَمْع المُدَّعى عَلَيهِ ، وقَصَدْتَ قصدَ حُجَّتِكَ بالرِّفقِ ، وأمْهَلِ المُهْلَةِ ، وأبْينِ البَيانِ ، وألْطَفِ اللُّطْفِ ، ولم تَتَشاغَل عَن حُجَّتِكَ بمنَازَعَتِهِ بالقِيل وَالقالِ ، فتُذْهِبُ عنكَ حُجَّتَكَ ، ولا يكونُ لَكَ في ذلِكَ دَرَكٌ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.

ص: 209

39 _ وأمّا حقّ المسْتشير

40 _ وأمّا حقّ المشير عليك

41 _ وأمّا حقّ المسْتنْصح

42 _ وأمّا حقّ النّاصح

39 _ وأمَّا حَقُّ المُسْتَشِيرِ :فَإنْ حضرَكَ لَهُ وجْهُ رأيٍ جَهِدتَ لَهُ في النَّصيحَةِ ، وأشَرتَ عَلَيهِ بِما تعلَمُ ، أنَّكَ لَو كُنتَ مكانَهُ عَمِلتَ بهِ ، وذلِكَ لِيَكُن مِنكَ في رَحمَةٍ ولِينٍ ، فَإنَّ اللِّينَ يؤنِسُ الوَحشَةَ ، وإنَّ الغَلِظ يُوحِشُ مَوضِعَ الأُنْسِ وإنْ لم يَحضُرْكَ لَهُ رأيٌ ، وعَرَفْتَ لَهُ مَن تَثِقُ بِرَأيهِ ، وتَرْضى بِهِ لِنَفسِكَ دَلَلْتَهُ عَلَيهِ ، وأرْشَدْتَهُ إلَيهِ ، فَكُنتَ لَم تأْ لُهُ خَيراً ، ولَم تدَّخِرْهُ نُصْحاً ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

40 _ وأمَّا حقُّ المُشِير عَلَيكَ :فلا تَتَّهِمْهُ فيما لا يُوافِقُكَ عَلَيهِ مِن رأيهِ إذا أشارَ عَلَيكَ ، فإنَّما هِيَ الآراءُ وتَصرُّفُ النَّاسِ فيها واختِلافُهُم ، فَكُن عَليهِ في رأيهِ بالخيارِ إذا اتَّهمْتَ رأيَهُ ، فأمَّا تُهمَتُهُ فلا تَجوزُ لَكَ إذا كان عِندَكَ مِمَّن يَستَحِقُّ المُشاوَرَةَ ، ولا تَدع شُكرَهُ على ما بَدا لَكَ من إشْخاصِ رأيهِ وحسْن وجهِ مَشورَتِهِ ، فإذا وافَقَكَ حَمِدْتَ اللّه َ ، وقَبِلتَ ذلِكَ مِن أخيكَ بالشُّكرِ والإرصادِ بالمُكافَأةِ في مثلها إنْ فزَع إلَيكَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

41 _ وأمَّا حَقُّ المسْتَنْصِحِ :فإنَّ حَقَّهُ أنْ تُؤدِّيَ إلَيهِ النَّصيحَةَ على الحَقِّ الَّذي تَرى لَهُ أنَّهُ يَحمِلُ ، ويَخرُجُ المَخْرَجَ الَّذي يَلِينُ على مَسامِعِهِ ، وتُكَلِّمَهُ مِنَ الكلامِ بِما يُطيقُهُ عَقلُهُ ، فإنَّ لِكُلِّ عَقلٍ طَبقَةً مِنَ الكلامِ يعرِفُهُ ويَجْتَنِبُهُ ، وليَكُن مذهَبُكَ الرَّحمَةَ ، ولا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

42 _ وأمَّا حقُّ النَّاصح :فأنْ تُلينَ لَهُ جَناحَكَ ، ثمَّ تَشْرَئِبَّ لَهُ قلْبَكَ ، وتَفتَح لَهُ سمعَكَ حَتَّى تَفْهَمَ عَنهُ نَصيحَتَهُ ، ثُمَّ تَنْظُرَ فيها ، فَإنْ كانَ وُفَّقَ فيها للصَّوابِ حَمِدتَ اللّه َ على ذلِكَ وقبِلْتَ مِنهُ ، وعَرَفْتَ لَهُ نَصيحَتَهُ ، وإنْ لمْ يَكُن وُفِّقَ لَها (1) فيها رَحِمْتَهُ ، وَلَمْ تَتَّهِمْهُ ، وعَلِمتَ أنَّهُ لَم يأْلُكَ نُصْحاً ، إلاَّ أنَّهُ أخطَأ ، إلاَّ أن يكون عندك مُسْتَحقَّاً للتُّهمَة ، فلا تَعْبأْ بشيْء من أمره على كلّ حالٍ ، ولا قوَّة إلاَّ باللّه ِ .

.


1- . هكذا في المصدر، والصواب: «له».

ص: 210

43 _ وأمّا حقّ الكبير

44 _ وأمّا حقّ الصّغير

45 _ وأمّا حقّ السّائل

43 _ وأمَّا حقُّ الكبير :فإنَّ حقَّه تَوْقِيرُ سِنِّهِ ، وإجلالُ إسلامِهِ إذا كانَ من أهلِ الفَضلِ في الإسلامِ بِتَقْديمِهِ فيهِ ، وترْكِ مُقابَلَتِهِ عِندَ الخِصامِ ، ولا تسْبِقْهُ إلى طَريقٍ ، ولا تَؤُمَّهُ في طريقٍ ولا تَستَجْهِلْهُ ، وإنْ جَهِلَ عَلَيكَ تَحَمَّلْتَ ، وأكرَمْتَهُ بِحَقِّ إسلامِهِ مَعَ سِنِّهِ ، فإنَّما حَقُّ السِّنِّ بِقَدْرِ الإسلامِ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

44 _ وأمَّا حقُّ الصَّغير :فَرَحْمَتُهُ وتَثْقِيفُهُ وتَعْلِيمُهُ والعَفوُ عَنهُ ، والسَّتْرُ عَلَيهِ ، والرِّفُق بِهِ ، والمعُونَةُ لَهُ ، والسَّتْرُ على جرائِرِ حَدَاثَتِهِ ، فإنَّهُ سَبَبٌ للتَّوبَةِ ، والمُدارَاةُ لَهُ ، وتَرْكُ مُماحَكَتِهِ ، فإنَّ ذلِكَ أدْنى لِرُشْدِهِ .

45 _ وأمَّا حقُّ السَّائلِ :فإعطاؤهُ إذا تَيَقَّنتَ صِدقَهُ ، وقَدرْتَ على سَدِّ حاجَتِهِ ، والدُّعاءُ لَهُ فيما نزَلَ بهِ ، والمُعَاوَنةُ لَهُ على طَلِبَتِهِ ، وإنْ شَكَكْتَ في صِدْقِهِ وسَبَقَتْ إليهِ التُّهَمَةُ لَهُ ، ولم تَعْزِم على ذلِكَ لم تأمَن أنْ يَكونَ من كَيْدِ الشَّيطانِ ، أرَاد أنْ يَصُدَّكَ عَن حَظِّكَ ، ويحُولَ بَينَكَ وَبَينَ التَّقرُّبِ إلى ربِّكَ فَتَرَكتَهُ بِسَتْرهِ ، ورَدَدْتَهُ رَدّاً جميلاً ، وإنْ غلَبْتَ نَفسَكَ في أمرِهِ وأعطَيْتَهُ على ما عرَضَ في نفسِكَ منه ، فإنَّ ذلِكَ مِن عَزْمِ الاُمورِ .

.

ص: 211

46 _ وأمّا حقّ المسؤول

47 _ وأمّا حقّ من سرّك اللّه به وعلى يديْه

48 _ وأمّا حقّ من ساءلك القضاء على يديْه بقول أو فعل

46 _ وأمَّا حقُّ المَسؤولِ :فَحَقُّهُ إنْ أعْطى قُبِلَ مِنهُ ما أعْطى بالشُّكرِ لَهُ والمَعرِفَةِ لِفضْلهِ ، وطلَبِ وَجْهِ العُذْر في مَنعِهِ ، وأحسِن بهِ الظَّنَّ ، واعلَم أنَّه إنْ منَعَ فمالَهُ منَع ، وأنْ لَيسَ التَّثْرِيبُ في مالِهِ وإنْ كانَ ظالِماً ، فَإنَّ الإنسان لظَلُومٌ كَفَّارٌ .

47 _ وأمَّا حقُّ من سَرَّك اللّه به وعلى يديْه :فإنْ كانَ تعمَّدَها لَكَ حَمِدْتَ اللّه َ أوَّلاً ، ثُمَّ شكرْتَهُ على ذلِكَ بقَدْرهِ في مَوْضِعِ الجَزاءِ ، و كافأْتَهُ على فَضلِ الابْتداءِ ، وأرْصَدْتَ لَهُ المُكافأةَ ، وإنْ لم يَكُن تَعَمَّدَها حَمِدْتَ اللّه َ وشكرْتَهُ وعَلِمْتَ أنَّهُ مِنهُ تَوَحَّدَكَ بِها ، وأحْبَبْتَ هذا إذ كانَ سبباً مِن أسبابِ نِعَمِ اللّه ِ عَلَيكَ ، وترْجو لَهُ بعد ذلِكَ خَيراً ، فإنَّ أسبابَ النِّعَمِ بَرَكَةٌ حَيثُ ما كانَت وإنْ كانَ لَم يَتَعمَّد ، و لا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ .

48 _ وأمَّا حقُّ من ساءَكَ القضاءُ على يَديْهِ بِقَولٍ أو فِعلٍ :فإنْ كان تعمَّدَها كانَ العفْوُ أوْلى بِكَ لما فيهِ لَهُ مِنَ القَمْعِ وحُسْنِ الأدَبِ مَعَ كثيرِ أمْثاله مِنَ الخُلُقِ ، فإنَّ اللّه َ يقولُ : «وَ لَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُ_لْمِهِ فَأُولَئكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيلٍ » إلى قولهِ: «لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (1) ، وقال عز و جل : «وَ إِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَ لَئن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ » (2) ، هذا في العَمدِ ؛ فإن لم يكن عَمْداً لم تَظْلِمهُ بتَعَمُّدِ الانتصارِ مِنهُ ، فتكونُ قد كافأْتَهُ في تعمُّدٍ على خَطإٍ ، ورَفقْتَ بهِ ورَدَدْتهُ بألْطَفِ ما تَقْدِرُ عَلَيهِ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ .

.


1- . الشورى : 41 إلى 43 .
2- . النحل : 126 .

ص: 212

49 _ وأمّا حقّ أهل ملّتك عامّة

50 _ وأمّا حقّ أهل الذّمّة

49 _ وأمَّا حقُّ أهل مِلَّتِكَ عامَّةً :فإضْمارُ السَّلامَةِ ، ونَشْرُ جَناحِ الرَّحْمةِ ، والرِّفْقُ بمُسِيئِهم ، وتألُّفُهُم ، واسْتِصْلاحُهم ، وشكرُ محسِنِهم إلى نفسهِ وإلَيكَ ، فإنَّ إحسانَهُ إلى نفسِهِ إحسانُهُ إلَيكَ إذا كَفَّ عَنكَ أذَاهُ ، وكفاكَ مَؤونَتَهُ ، وحبَس عَنكَ نفسَهُ ، فعُمَّهم جَميعاً بِدَعوَتِكَ ، وانْصُرْهُم جَميعاً بِنُصْرَتِكَ ، وأنزلهم جميعاً مِنكَ مَنازِلَهم ، كبيرَهم بِمَنزلَةِ الوَالدِ ، وصغيرَهم بِمَنزلَةِ الْوَلَدِ ، وأوْسَطَهم بِمَنزلَةَ الأخِ ، فمَن أتاك تَعاهَدتَهُ بلُطْفٍ ورَحمَةٍ ، وَصِلْ أخاكَ بِما يَجِبُ للأخِ على أخيهِ .

50 _ وأمَّا حَقُّ أهلِ الذِّمَّةِ :فالحكمُ فيهم أنْ تَقْبَلَ مِنهم ما قبِلَ اللّه ُ ،وتَفِيَ بِما جعَلَ اللّه ُ لَهُم من ذمَّتِهِ وعَهْدِهِ ،وتكِلَهُمْ إليهِ فيما طَلِبوا من أنفُسِهِم ، وأُجْبِروا عَلَيه ، وتَحْكُمَ فيهم بما حَكَم اللّه ُ بهِ على نَفسِكَ فيما جرَى بَينَكَ وبينَهُم من مُعامَلَةٍ ، وَليَكُن بينَكَ وبَينَ ظُلمِهِم من رِعايَةِ ذِمَّةِ اللّه ِ ، والوفاءِ بِعَهدِهِ وعَهدِ رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حائِلٌ ، فإنَّهُ بلَغَنا أنَّهُ قالَ : من ظَلَمَ مُعاهَداً كُنتُ خَصْمَهُ فاتَّق اللّه َ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ . فَهذهِ خمسونَ حقَّاً مُحِيطاً بِكَ ، لا تخْرُج مِنها في حالٍ مِنَ الأحوالِ ، يجِبُ عَلَيكَ رِعايَتُها ، والعَمَلُ في تأْدِيَتِها ، والاستعانَةُ باللّه ِ جَلَّ ثناؤهُ على ذلِكَ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ ، والحمدُ للّه ِ ربِّ العالمينَ . (1)

.


1- . تحف العقول : ص 255.

ص: 213

الفصل الثاني : المكاتيب الّتي لم يعثر على نصّها والكتب المنسوبة إليه

11 كتابه عليه السلام إلى يزيد بعد واقعة الحرّة

الفصل الّثاني : المكاتيب الّتي لم يعثر على نصّها و الكتب المنسوبة إليه عليه السلام11كتابُه عليه السلام إلى يزيدبعد واقعة الحرَّةقال عبد الملك بن نوفل : حدَّثني حبيب ، أنَّه بلغه في عشرة ، قال : فلم أبرحْ حتَّى رأيت يزيد بن معاوية خرج إلى الخيل يتصفَّحها ويَنظر إليها .. . وفَصَل ذلك الجيش من عند يزيد وعليهم مسلم بن عُقْبة ، وقال له : إنْ حدَث بك حدَثٌ فاستخلفْ على الجيش حُصين بن نُمَير السَّكونيّ ، وقال له : ادعُ القوم ثلاثاً ، فإنْ هم أجابوك وإلاَّ فقاتلهم ، فإذا أظهرتَ عليهم فأبِحْها ثلاثاً ، فما فيها من مال أو رِقَةٍ (1) أوْ سِلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاثُ فاكفُف عن النَّاس ؛ وانظر عليّ بن الحسين ، فاكففْ عنه واستَوصِ به خيراً ، وأدنِ مجلسه ، فإنَّه لم يدخل في شيء مِمَّا دخلوا فيه ، وقد أتاني كتابُه .. . (2) أقول : لم يذكر لفظ الكتاب .

.


1- . في حديث : «فهاتوا صدقَةَ الرِّقَة» يُريدُ الفضّةَ والدَّراهِمَ المضروبةَ منها (النهاية : ج 2 ص 254 «رقَه») .
2- . تاريخ الطبري : ج 5 ص 484 ، الكامل في التاريخ : ج 4 ص 112.

ص: 214

12 كتابه عليه السلام إلى المختار جواباً لكتاب وصله منه

12كتابُه عليه السلام إلى المختارجواباً لكتاب وصله منهأبو حمزة الثماليّ قال : كنت أزور عليّ بن الحسين عليه السلام في كلّ سنة مرَّة في وقت الحجّ ، فأتيته سنة من ذاك وإذا على فخذه صبيّ ، فقعدت إليه وجاء الصبيّ فوقع على عتبة الباب فانشجّ ، فوثب إليه عليّ بن الحسين عليه السلام .. . ويقول له : «يا بُنيَّ أعيذُكَ باللّه ِ أن تكونَ المصلوبَ في الكُناسَةِ» . قُلتُ : بأبي أنتَ وأمِّي وأيُّ كُناسَةٍ؟ قال : «كُناسَةُ الكوفَةِ» . قلتُ : جُعِلتُ فِداكَ أو يكونُ ذلِكَ؟ قال : «إي والّذي بعث محمّداً بالحقّ ، إنْ عشتَ بعدي لترينَّ هذا الغلامَ في ناحِيةٍ مِن نَواحي الكُوفَةِ مَقتولاً مَدفوناً مَنبوشاً مَسلوباً مَسحوباً مَصلوباً فِي الكُناسَةِ ، ثُمَّ يُنزَلُ ويُحرَقُ ويُدَقُّ ويذرَّى في البرِّ» . قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ وما اسمُ هذا الغُلامِ؟ قال : «هذا ابني زَيدٌ» . ثُمَّ دَمِعَت عَيناهُ ، ثُمَّ قالَ : «أَلا أحدِّثُكَ بِحديثِ ابني هذا؟ بَينا أنا ليلةً ساجِدٌ وراكِعٌ إذ ذهَبَ بي النَّومُ في بَعضِ حالاتي ، فرأيتُ كأنِّي فِي الجنَّةِ ، وكأنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وفاطمةَ والحَسنَ والحُسينَ قد زَوَّجوني جارِيَةً مِن حُور العينِ ، فواقَعتُها فاغتَسلتُ عِندَ سِدرَةِ المُنتهى وَوَليتُ ، وهاتِفٌ بي يهتِفُ : لِيَهنِكَ زَيدٌ ، لِيَهنِكَ زَيدٌ ، لِيَهنِكَ زَيدٌ ، فاستَيقَظتُ فَأصَبتُ جَنابَةً ، فَقُمتُ فتطهَّرتُ (1) للصلاة ، وصَلَّيتُ صَلاةَ الفَجرِ ، وَدُقَّ البابُ ، وقيلَ لي : على الباب رجُلٌ يطلبُكَ ، فَخَرجتُ فإذا أنا بِرَجُلُ مَعَهُ جارِيَةٌ ملفوفٌ كُمُّها عَلى يَدِهِ ، مُخَمَّرَةٌ بِخِمارٍ . فَقُلتُ : حاجَتُكَ؟ فقال : أردتُ عليَّ بنَ الحُسينِ . قُلتُ : أنا عليُّ بنُ الحُسَينِ . فَقالَ : أنا رَسولُ المُختارِ بنِ أبي عُبَيدٍ الثَّقفيِّ ، يُقرِؤكَ السَّلامَ ويَقولُ : وَقَعت هذهِ الجارِيَةُ في ناحِيَتِنا فاشتَرَيتُها بِستمائَةِ دينارٍ ، وَهذهِ ستمائَةُ دينارٍ فاستَعِن بِها على دَهرِكَ . وَدَفَعَ إليَّ كِتاباً ، فَأَدخَلتُ الرَّجُلَ والجارِيَةَ ، وكَتَبتُ لَهُ جَوابَ كِتابهِ وأَتَيتُ بهِ إلى الرَّجُلِ .. . » (2) . وَلَم يَذكُر نَصَّ الجَوابِ .

.


1- . في المصدر : «وطهرت» وما أثبتناه هو الصحيح كما في بحار الأنوار .
2- . فرحة الغري : ص 115 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 183 ح 48 نقلاً عنه ، ذوب النضار : ص 63 .

ص: 215

13 كتابه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروان يحذّره من الاغترار

13كتابُه عليه السلام إلى عبد الملك بن مروانيحذِّره من الاغترارفي البصائر والذّخائر : كتب عليّ بن الحسين عليهماالسلام إلى عبد الملك بن مروان : «أمَّا بعدُ ؛ إنَّك أعزُّ ما تكونُ باللّه ِ ، أحوجُ ما تكونُ إليهِ ، فإنْ عَزَزْت بِه فاعفُ لَهُ ، فإنَّكَ بُه مُقَدّرٌ وإلَيهِ تُرجَعُ» (1) . (2)

.


1- . البصائر والذخائر لأبي حيّان التوحيدي : ج 1 ص 208 الرقم636 .
2- . في تاريخ مدينة دمشق : قال أبو بكر بن دريد : وكتب عبد الملك إلى الحجَّاج في أيَّام ابن الأشعث : إنَّك أعزُّ ما تكون باللّه ، أحوج ما تكون إليه ، وإذا عززت باللّه فاعف له ، فإنَّك به تعزُّ وإليه تُرجع.(ج37 ص 141 وراجع : البداية والنهاية : ج 9 ص 79).

ص: 216

. .

ص: 217

الفصل الثالث : وصاياه

14 وصيّته عليه السلام لابنه في الدّعاء لكشف البلاء

الفصل الثّالث : وصاياه عليه السلام14وصيَّته عليه السلام لابنهفي الدُّعاء لكشف البلاءعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن ابن أبي حمزة ، قال : سمعت عليَّ بن الحسين عليهماالسلام يقولُ لابنهِ :يا بُنيَّ مَن أصابَهُ مِنكُم مُصيبَةٌ أو نزَلَت بهِ نازِلةٌ فليتوضَّأ وليُسْبِغ الوُضوءَ ، ثُمَّ يُصلِّي رَكعتينِ أو أربعَ رَكَعاتٍ ، ثُمَّ يقولُ في آخرِهِنَّ : «يا موْضِعَ كُلِّ شكوى ، ويا سامِعَ كُلِّ نَجوى وشاهِدَ كُلِّ ملاَءٍ ، وعالِمَ كُلِّ خَفِيَّةٍ ، ويا دافِعَ ما يَشاءُ مِن بَلِيَّةٍ ، ويا خليلَ إبراهيمَ ، ويا نَجِيَّ موسى ، ويا مُصطَفِيَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أَدعوكَ دُعاءَ مَن اشتدَّت فاقَتُهُ ، وقلَّتْ حِيلَتُهُ ، وضَعُفَتْ قُوَّتُهُ ، دُعاءَ الغَريقِ الغَريبِ المُضْطَرِّ الَّذي لا يَجِدُ لِكَشفِ ما هُوَ فيهِ إِلاّ أنتَ ، يا أرحَمَ الرَّاحمينَ» . فإنَّهُ لا يَدعو بهِ أحَدٌ إلاّ كَشَفَ اللّه ُ عَنهُ إنْ شاءَ اللّه ُ . (1)

.


1- . الكافي : ج 2 ص 560 ح 15 ، الدعوات : ص 129 ح 323 ، كشف الغمة : ج 2 ص 176 وكلاهما نحوه مع اختلاف يسير.

ص: 218

15 وصيّته عليه السلام لابنه و فيها مواعظ له

16 وصيّته عليه السلام لابنه في شكر النّعمة

15وصيَّته عليه السلام لابنهو فيها مواعظ لهمحمَّد بن أحمد بن يزيد الجمحيّ قال : حدَّثني هارون بن يحيى الخاطبيّ قال : حدَّثني عليّ بن عبد اللّه بن مالك الواسطيّ ، قال : حدَّثني عثمان بن عثمان بن خالد ، عن أبيه ، قال : مرض عليّ بن الحسين عليه السلام مرضه الَّذي توفيَّ فيه ، فجمع أولاده محمَّد ، والحسن ، وعبد اللّه ، وعمر ، وزيد ، والحسين ، وأوصى إلى ابنه محمَّد وكنَّاه بالباقر ، وجعل أمرهم إليه ، وكان فيما وعظه في وصيّته أنْ قال :«يا بُنيَّ إنَّ العقلَ رائِدُ الرُّوحِ ، والعِلمَ رائدُ العَقلِ ، والعَقلَ تُرجمانُ العِلمِ . واعلَم أنَّ العِلمَ أتقى ، واللِّسانَ أكثرُ هَذراً . واعلَم يا بنيَّ أنَّ صلاحَ شأنِ الدُّنيا بحذافيرِها في كلمتَينِ : إصلاحُ شأنِ المعاشِ مل ءُ مكيالٍ ، ثُلُثاهُ فِطنَةٌ ، وثُلثُهُ تَغافُلٌ ، لأنَّ الإنسانَ لا يَتَغافَلُ عَن شيءٍ قد عَرَفَهُ فَفَطِنَ فيه . واعلَم أنَّ السَّاعاتِ يُذهِبُ (1) غَمَّكَ ، وإنَّك لا تَنالُ نِعمَةً إلاَّ بِفراقِ أُخرى ، فإيَّاكَ والأمَلَ الطويلَ ، فَكَم مِن مُؤَمِّلٍ أملاً لا يَبلُغُهُ ، وجامِعِ مالٍ لا يأكُلُهُ ، ومانِعِ مالٍ سوفَ يَترُكُهُ ، ولعلَّهُ مِن باطِلٍ جَمَعهُ ومِن حَقًّ مَنَعهُ، أصابَهُ حَراماً، وَوَرَّثَهُ عَدُوَّا، احتمَلَ إصرَهُ وباءَ بِوِزرِهِ،ذلِكَ هو الخُسرانُ المُبينُ». (2)

16وصيَّته عليه السلام لابنهفي شكر النِّعمةفي الأمالي : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضَّلِ ، قال : حدَّثنا أبو بشر حيَّان بن بشر الأسديّ القاضيّ بالمصيصة ، قال : حدَّثني خالي أبو عكرمة عامر بن عمران الضَّبيّ الكوفيّ ، قال : حدَّثنا محمّد بن المفضَّل الضَّبيّ ، عن أبيه المفضَّل بن محمّد ، عن مالك بن أعين الجهنيّ ، قال : أوصى عليّ بن الحسين ( عليهماالسلام) بعض ولده فقال :«يا بُنيَّ اشكُرِ اللّه َ فيما أنعَمَ عَلَيكَ ، وَأَنعِمْ على مَن شَكَرَكَ ، فإنَّهُ لا زَوالَ للنِّعمَةِ إذا شَكَرتَ علَيها ، ولا بقاءَ لَها إذا كَفَرتَها ، والشَّاكِرُ بِشُكرِهِ أسعَدُ مِنهُ بالنِّعمَةِ الَّتي وجَبَ علَيهِ الشُّكرُ بِها ، وتلا _ يعني عليَّ بن الحسين عليهماالسلام _ قولَ اللّه ِ تعالى : «وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ » (3) _ إلى آخر الآية _ » . (4) وفي كفاية الأثر : حدَّثنا محمّد بن عبد اللّه بن المطَّلب ، قال : حدَّثنا أبو بشر الأسديّ القاضيّ بالمصيصة ، قال : حدَّثنيّ خالي أبو عكرمة بن عمران الضبيّ الكوفيّ ، قال : حدّثني محمّد بن المفضل الضبيّ ، عن أبيه المفضل بن محمّد ، عن مالك بن أعين الجهنيّ ، قال : أوصى عليّ بن الحسين عليه السلام ابنه محمّد بن عليّ صلوات اللّه عليهما فقال : «يا بُنيَّ إنِّي جَعَلتُكَ خَليفَتي مِن بَعدي ، لا يَدَّعي فيما بَيني وبينَكَ أحدٌ إلاَّ قلَّدَهُ اللّه ُ يَومَ القيامَةِ طَوقاً مِن نارٍ ، فاحمَدِ اللّه َ على ذلِكَ واشكُرهُ . يا بُنيَّ اشكُر لِمَن أنعَمَ عَلَيكَ ، وأَنعِم على مَن شكَرَكَ ، فإنَّه لا تَزولُ نِعمَةُ إذا شُكِرَت ، ولابقاءَ لها إذا كُفِرَت ، والشَّاكرُ بِشُكرِهِ ، أسعَدُ مِنهُ بِالنِّعمَةِ الَّتي وجَبَ عَلَيهِ بها الشُّكرُ . _ وتلا عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام _ «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ » (5) » . (6)

.


1- . هكذا في المصدر، والصواب: «تُذهِبُ».
2- . كفاية الأثر : ص 239 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 230 ح 7 نقلاً عنه..
3- . إبراهيم : 7 .
4- . الأمالي للطوسي : ص 501 ح 1096.
5- . إبراهيم : 7 .
6- . كفاية الأثر : ص 240 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 231 ح 8 نقلاً عنه.

ص: 219

. .

ص: 220

17 وصيّته عليه السلام لابنه في من ينبغي اجتنابه

18 وصيّته عليه السلام لابنه في فعل الخير

17وصيَّته عليه السلام لابنهفي من ينبغي اجتنابهأبو المفضَّل قال : أخبرنا رجاء بن يحيى أبو الحسين العبرتائيّ الكاتب ، قال : حدَّثنا هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب بِسُرَّ مَن رأى ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ( عليهم السلام) ، قال : أردت سفراً ، فأوصاني أبي عليّ بن الحسين( عليه السلام ) ، فقال في وصيَّته :«إيَّاك يا بُنيَّ أنْ تصاحِبَ الأحمَقَ أو تخالِطَهُ ، واهجُرهُ ولا تُحادِثهُ ، فإنَّ الأحمَقَ هُجْنَةٌ (1) غائِباً كانَ أو حاضِراً ، إنْ تكلَّم فضحَهُ حُمقُهُ ، وإنْ سكَتَ قصَّر به عِيُّهُ ، وإنْ عَمِلَ أفسَدَ ، وَإنِ استُرعِيَ أضاعَ ، لا عِلمُهُ من نفسِهِ يُغنيهِ ، ولا عِلمُ غَيرِهِ يَنفَعُهُ ، ولا يُطيعُ ناصِحَهُ ، ولا يستريحُ مُقارِنُهُ ، تَوَدُّ اُمّهُ ، إنَّها ثَكِلَتهُ ، وامرَأتُهُ أنَّها فَقَدَتهُ ، وجارُهُ بُعدَ دارِهِ ، وجَليسُهُ الوحدَةَ مِن مُجالَسَتِهِ ، إنْ كان أصغَرَ مَن في المَجلِسِ أعْيَى (2) مَنْ فَوقَهُ ، وإنْ كانَ أكبَرَهُم أفسَدَ مَن دُونَهُ» . (3)

18وصيَّته عليه السلام لابنهفي فعل الخيرمحمّد بن أبي عبد اللّه ، عن موسى بن عمران ، عن عمِّه الحسين بن عيسى بن عبد اللّه ، عن عليِّ بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «أخذ أبي بيدي ثمَّ قال : يا بُنيَّ إنَّ أبي مُحمَّدَ بنَ عليٍّ عليه السلام أخذَ بيدي كما أخذْتُ بِيَدِكَ وقالَ : إنَّ أبي عَليَّ بن الحسين عليهماالسلام أخذ بيدي ، وقال : يا بُنيَّ افعَلِ الخَيرَ إلى كُلِّ مَن طَلِبَهُ مِنكَ ، فإنْ كانَ من أهلِهِ فَقَد أصَبتَ موْضِعَهُ ، وإنْ لَم يَكُن مِن أهلِهِ كُنتَ أنتَ من أهلِهِ ، وإنْ شَتَمَكَ رَجُلٌ عن يَمينِكَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلى يَسارِكَ ، فاعْتذَرَ إليكَ فاقبَل عُذْرَهُ» . (4)

.


1- . الهجنة في الكلام : العيب والقبح ، وفي العلم : إضاعته .
2- . في المصدر : «أعني» والصواب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .
3- . الأمالي للطوسي : ص 613 ح 1268 ، بحار الأنوار : ج 74 ص 197 ح 33نقلاً عنه.
4- . الكافي : ج 8 ص 152 ح 141 ، مسائل علي بن جعفر : ص 342 ح 843.

ص: 221

19 وصيّته عليه السلام لابنه و فيها مواعظ له

20 وصيّته عليه السلام لابنه في المجالسة

19وصيَّته عليه السلام لابنهو فيها مواعظ لهقال العتبي : قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام وكان من أفضل بني هاشِمٍ لابنهِ :«يا بُنيَّ اصبر على النوائِبِ ، ولا تَتَعرّض للحُقوقِ ، ولا تُجِب (1) أخاكَ إلى الأَمرِ الَّذي مَضَرَّتُهُ عَليكَ أكثرُ من مَنفَعَتِهِ لَهُ» . (2)

20وصيَّته عليه السلام لابنهفي المجالسةروى عليُّ بن جعفر عن أبيه عن جدّه عن عليّ بن الحسين عليه السلام أنّه كان يقول لبنيهِ :«جالسوا أهلَ الدِّينِ والمَعرِفَةِ ، فإنْ لم تَقدِروا عَلَيهِم فالوَحدَةُ آنَسُ وَأَسلَمُ ، فإنْ أبيتُم إلاّ مُجالَسَةَ النَّاسِ ، فَجالِسوا أهلَ المُرُوَّاتِ فإنَّهُم لا يَرفِثونَ في مَجالسِهِم» . (3)

.


1- . في البداية والنهاية : «تخيب» بدل «تجب» .
2- . المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 165 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 95 ؛ تهذيب الكمال : ج 20 ص 399 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 41 ص 408 ، البداية والنهاية : ج 9 ص 133.
3- . رجال الكشي : ج 2 ص 788 ح 954.

ص: 222

21 وصيّته عليه السلام لابنه في من لا ينبغي مصاحبته

21وصيَّته عليه السلام لابنهفي من لا ينبغي مصاحبتهأبو عليّ المقرئ : أنبأنا أبو نعيم ، ثنا محمّد بن عليّ بن حبيش ، ثنا أحمد بن يوسف الضَّحاك ، ثنا محمّد بن يزيد ، ثنا محمّد بن عبد اللّه القرشيّ ، ثنا محمّد بن عبداللّه الزَّبيريّ ، عن أبي حمزة الثُّماليّ حدَّثني أبو جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام قال :«أوصاني أبي فقالَ لا تَصحَبَّنَ خَمسَةً ، ولا تُحادِثهُم ولا تُرافِقهُم في طريق . قال قلتُ : جُعِلتُ فِداكَ يا أبة ، مَن هؤلاءِ الخمسةُ؟ قال : لا تصحَبَنَّ فاسِقاً ، فإنَّه بايِعُكَ بأكلةٍ فَما دونَها . قال قلتُ : يا أبة ، وَما دونَها؟ قال : يطمَعُ فيها ثُمَّ لا يَنالُها . قال قُلتُ : يا أبة ، ومَنِ الثَّاني؟ قال : لا تَصحَبَنَّ البَخيلَ ، فإنَّه يَقطَعُ بِكَ في مالِهِ أحوجَ مَا كنُتَ إلَيهِ . قال قُلتُ : يا أبة ، ومَن الثَّالِثُ؟ قال : لا تَصحَبَنَّ كذَّاباً ، فإنَّهُ بِمَنزِلَةِ السَّرابِ ، يُبَعِّدُ مِنكَ القريبُ ، ويُقرِّبُ مِنكَ البعيدُ . قُلتُ : يا أبة ، ومَن الرَّابِعُ؟ قال : لا تَصحَبَّنَ أحمَقَ ، فإنَّهُ يُريدُ أنْ ينفَعَكَ فَيَضُرَّكَ . قال قُلتُ : يا أبة ، ومَن الخامِسُ؟ قال : لا تَصحَبَنَّ قاطِعَ رَحِمٍ ، فإنِّي وَجَدتُهُ مَلعوناً في كتابِ اللّه ِ عَزَّ وجَلَّ في ثَلاثَةِ مواضِع» . (1)

.


1- . تاريخ مدينة دمشق : ج 54 ص 292 ؛ كشف الغمّة : ج 2 ص 293 ، العدد القويّة : ص 319 ح 22 كلاهما نحوه مع اختلاف.

ص: 223

22 وصيّته عليه السلام لأصحابه في الاهتمام بالآخرة

23 وصيّته عليه السلام لابنه في ناقته

22وصيَّته عليه السلام لأصحابهفي الاهتمام بالآخرةقال : أخبرني أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين قال : حدَّثني أبي ، قال : حدَّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميريّ ، قال : حدَّثنا أيُّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن جميل بن درَّاج ، عن أبي حمزة الثُّماليِّ رحمه الله عن عليّ بن الحسين زين العابدين عليهماالسلام أنَّه قال يوماً لأصحابه :«إخواني! أُوصيكُم بِدارِ الآخِرَةِ ، ولا أُوصيكُم بِدارِ الدُّنيا ، فإنَّكُم عَلَيها حرَيصونَ وبِها مُتَمسِّكونَ ، أما بلَغَكُم ما قال عيسى بنُ مريمَ عليهماالسلامللحواريّينَ؟ قال لهم : الدُّنيا قَنطَرَةٌ فاعبروها ولا تَعمُروها . وقال : أيُّكم يَبني على مَوجِ البَحرِ داراً؟ تِلكُم الدَّارُ الدُّنيا ، فَلا تتَّخذوها قَراراً» . (1)

23وصيَّته عليه السلام لابنهفي ناقتهحدَّثني محمّد بن الحسن قال : حدَّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمد بن أبي عبدِ اللّه ِ البرقيّ ، عن يونس بن يعقوب ، عن الصَّادقِ عليه السلام قال :« قال عليُّ بنُ الحُسينِ عليهماالسلام لابنه ِ مُحَمّدٍ عليه السلام حينَ حَضَرتهُ الوَفاةُ : إنَّني قَد حَجَجتُ على ناقتي هذهِ عِشرينَ حِجَّةً فلَم أقرَعها بِسَوطٍ قَرعَةً ، فإذا نَفِقَت فادفُنها لا تأكلُ لحمَها السِّباعُ ، فإنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قالَ : ما مِن بَعيرٍ يُوقَفُ علَيهِ مَوقِفَ عَرَفَة سبعَ حِجَجٍ إلاَّ جَعَلَهُ اللّه ُ مِن نِعَمِ الجَنَّةِ ، وبارَكَ في نسلِهِ» .

.


1- . الأمالي للمفيد : ص 43 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 73 ص 107 ح 107.

ص: 224

24 وصيّته عليه السلام لابنه في الصبر على الحقّ

25 وصيّته عليه السلام لابنه في التّحذير عن الظّلم

فلمَّا نَفِقَت حَفَر لَها أبو جَعفرٍ عليه السلام ودفَنَها . (1)

24وصيَّته عليه السلام لابنهفي الصبر على الحقّعدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبداللّه ، عن إسماعيل بن مهران ، عن دُرُسْتَ بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة قال : قال أبو جعفر عليه السلام :وقال : يا بُنيَّ أُوصيكَ « بما أوْصاني بهِ أبي حِينَ حضَرَتْهُ الوَفاةُ ، وبما ذَكَرَ أنَّ أباهُ أوْصاهُ بهِ يا بُنيَّ اصبِر على الحَقِّ وإنْ كانَ مُرّاً (2) » . (3)

25وصيَّته عليه السلام لابنهفي التَّحذير عن الظُّلمعدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن إسماعيل بن مهران ، عن دُرُسْتَ بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة الثُّماليّ ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :«لمَّا حضر عليّ بن الحسين عليهماالسلام الوفاة ضمَّني إلى صدره ،ثمَّ قال : يا بُنيَّ اُوصيكَ بما أوصاني بهِ أبي عليه السلام حينَ حَضَرتهُ الوفاةُ ، وبما ذَكَر أنَّ أباهُ أوصاهُ بهِ ، قالَ : يا بُنيَّ إيِّاكَ وظُلمَ مَن لا يَجِدُ عَلَيكَ ناصِراً إلاَّ اللّه َ» . (4)

.


1- . ثواب الأعمال : ص 74 ح 1 ، المحاسن : ج 2 ص 479 ح 2662 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 70 ح 46.
2- . وزاد في الفقيه : «يوف إليك أجرك بغير حساب» .
3- . الكافي : ج 2 ص 91 ح 13 ، من لايحضره الفقيه : ج 4 ص 410 ح 5891 ، بحار الأنوار : ج 70 ص 184.
4- . الكافي : ج 2 ص 331 ح 5 ، الخصال : ص 16 ح 59 ، الأمالي للصدوق : ص 249 ح 272 ، تحف العقول : ص 246.

ص: 225

26 وصيّته عليه السلام لابنه في تغسيله عليه السلام

27 وصيّته عليه السلام لابنه في التّرغيب بحسن الخلق

26وصيَّته عليه السلام لابنهفي تغسيله عليه السلامأبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال :«كان فيما أوصى بهِ إليَّ أبي عليُّ بنُ الحسينُ عليهماالسلام : أنْ قال : يا بُنيَّ إذا أنا مِتُّ فلا يلي غُسلي غَيرُكَ ، فإنَّ الإمامَ لا يُغَسِّلُهُ إلاَّ إمامٌ مِثلُهُ . واعلم يا بُنيَّ أنَّ عبدَ اللّه ِ أخاكَ سَيَدعو النَّاسَ إلى نَفسِهِ ، فامنَعهُ ، فإنْ أبى فَدَعهُ ، فإنَّ عُمُرَهُ قصيرٌ» . قال الباقِرُ عليه السلام : «فلمَّا مضى أبي ادَّعى عبدُ اللّه ِ الإمامَةَ فَلَم أُنازِعهُ ، فَلَم يلبَث إلاَّ شُهوراً يَسيرَةً حَتَّى قضى نحبَهُ» . (1)

27وصيَّته عليه السلام لابنهفي التّرغيب بحسن الخلقالزُّهريّ قال : دَخَلتُ على عليِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام في المَرَضِ الّذي تُوفِّيَ فيهِ .. . ثُمَّ دخَلَ علَيهِ مُحَمّد ابنهُ فَحدَّثهُ طويلاً بالسرِّ ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ فيما يَقولُ : «عَليكَ بِحُسنِ الخُلُقِ » .

.


1- . الخرائج والجرائح : ج 1 ص 264 الرقم 8 ، كشف الغمة : ج 2 ص 351 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 166 ح 9.

ص: 226

قُلتُ : يابنَ رَسولِ اللّه ِ [من (1) الأمر من اللّه ] ما لا بدّ لنا منه _ ووقع في نفسي أنّه قد نعى نفسه _ فإلى مَن نختلفُ بعدك؟ قال : «يا أبا عبد اللّه ، إلى ابني هذا وأشار إلى محمّدٍ ابنهِ ، أنّه وصيّي ، ووارثي ، وَعَيبَةُ علمي ، ومَعدِنُ العِلمِ ، وباقِرُ العِلمِ» . قلت : يابن رسول اللّه ما معنى باقر العلم؟ قال : «سوفَ يختَلِفُ إليهِ خَلاصُ (2) شيعتي ويَبقُرُ العِلمَ علَيهِم بَقرَاً» . قال : ثُمّ أرسَلَ مُحَمَّداً ابنَهُ في حاجَةٍ لَهُ إلى السُّوقِ ، فلمّا جاءَ مُحَمّدٌ ، قُلتُ : يابنَ رسولِ اللّه ِ هَلاّ أوصيتَ (3) أكبرِ أولادِكَ؟ فقال : «يا أبا عبدِ اللّه ِ ، ليسَتِ الإمامَةُ بالصِّغْرِ والكِبَر ، هكذا عَهِدَ إلينا رَسولُ اللّه ُ صلى الله عليه و آله ، وهَكذا وجَدنا مَكتوباً في اللَّوحِ والصَّحيفَةِ» . قلتُ : يابنَ رَسولِ اللّه ِ فَكَم عَهِدَ إليكُم نبيُّكم أنْ تكونَ الأوصياءُ بعدَهُ؟ قال : «وجَدنا في الصَّحيفَةِ واللَّوحِ اثنَيْ عَشَرَ أسَامِيَ مَكتوبَةً بإمامَتِهِم وَأسامِيَ آبائِهِم و أُمّهاتِهِم» . ثمّ قال : «يخرجُ من صُلبِ محمّد ابني سَبعَةٌ مِنَ الأوصياءِ فيهِم المَهديُّ » . (4) وهذا هو ما عثرنا عليه من مكاتيب الإمام زين العابدين عليه السلام والحمد للّه ربّ العالمين .

.


1- . وفي نسخة : «إنْ كان من أمر اللّه » بدل «من الأمر من اللّه » .
2- . وفي نسخة : «ملاء من شيعتي» بدل «خلاص شيعتي» .
3- . وفي نسخة : «هذا أوصيت إليه» بدل «هلا أوصيت» .
4- . كفاية الأثر : ص 241 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 232 ح 9.

ص: 227

مكاتيب الإمام محمّد بن عليّ الباقر

اشاره

مكاتيب : الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليهماالسلام

.

ص: 228

. .

ص: 229

الفصل الأوّل : مكاتيبه العامّة

1 دعاؤه عليه السلام الذي كان يسمّيه الجامع

توحيد اللّه وتسبيحه وحمده

الفصل الأوّل : مكاتيبه عليه السلام العامّة1دعاؤه عليه السلام الذي كان يسمِّيه الجامععليٌّ ، عن أبيه ، عن ابن مَحْبوب ، عن هِشام بن سالم ، عن أبي حمزة (1) ، قال : أخذْت هذا الدُّعاء عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام ، قال : وكان أبو جعفر يُسَمِّيه الجامع :توحيد اللّه وتسبيحه وحمده بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم . أشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللّه ُ ، وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، آمَنتُ باللّه ِ وبِجَميعِ رُسُلِهِ ، وبِجَميعِ ما أُنزِلَ بهِ على جَميعِ الرُّسُلِ ، وَأنَّ وَعْد اللّه ِ حَقٌّ ، ولِقاءَهُ حَقٌّ ، وصدَقَ اللّه ُ وبَلَّغَ المُرسَلونَ ، والحَمدُ للّه ِِ رَبِّ العالَمينَ ، وسُبحانَ اللّه ِ كُلَّما سَبَّحَ اللّه َ شَيْءٌ ، وَكما يُحبُّ اللّه ُ أنْ يُسبَّحَ ، والحَمدُ للّه ِِ كُلَّما حَمِدَ اللّه َ شَيْءٌ ، وكمَا يُحِبُّ اللّه ُ أنْ يُحمَدَ ، ولا إلهَ إلاّ اللّه ُ كُلَّما هَلَّلَ اللّه َ شَيءٌ ، وَكَما يُحِبُّ اللّه ُ أنْ يُهلَّلَ ، واللّه ُ أكبرُ كُلَّما كَبَّرَ اللّه َ شَيْءٌ ، وَكَما يُحِبُّ اللّه ُ أنْ يُكَبَّرَ . في طلب الخير اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ مَفاتيحَ الخَيْرِ وخَواتِيمَهُ وَسَوابِغَهُ وَفَوائِدَهُ وبَرَكاتِهِ ، وما بَلَغَ عِلْمَهُ عِلْمي ، وما قَصَرَ عن إحْصائِهِ حِفْظي . طلب المعرفة وإخلاص العمل اللَّهمَّ انْهَجْ إليَّ أسبابَ مَعرِفَتِهِ ، وافْتَحْ لي أبْوابَهُ ، وغَشِّني بِبَركاتِ رَحمَتِكَ ، ومُنَّ عَلَيَّ بعِصْمَةٍ عَنِ الإزالَةِ عَن دينِكَ ، وَطَهِّر قَلبي مِنَ الشَّكِّ ، ولا تَشْغَل قَلبي بدُنْيايَ وعاجِلِ مَعاشي، عن آجِلِ ثَوابِ آخِرَتي ، واشْغَل قَلبي بِحفظِ ما لا تَقْبَلُ مِنِّي جَهلَهُ ، وذَلِّلْ لِكُلِّ خَيرٍ لِساني ، وَطَهِّر قَلبي مِنَ الرِّياءِ ، ولا تُجْرِهِ في مَفاصِلِي ، واجْعَلْ عَمَلي خالِصاً لَكَ . الاستعاذة باللّه اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ ، وأنواعِ الفوَاحِشِ كُلِّها ، ظاهِرِها وباطِنِها وغَفَلاتِها ، وَجَميعِ ما يُريدُني بهِ الشَّيطانُ الرَّجيمُ ، وما يُريدُني بهِ السُّلطانُ العَنِيدُ ، مِمَّا أحَطْتَ بِعلْمِهِ ، وأنتَ القادِرُ عَلى صَرْفِهِ عَنِّي . اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنْ طَوارِقِ الجِنِّ والإِنسِ ، وزَوابِعِهِم وبَوائِقِهِم ومكايِدِهِم ، وَمَشاهِدِ الفَسَقَةِ مِنَ الجِنِّ والإنسِ ، وأنْ أُسْتَزَلَّ عَن دِيني فتَفْسُدَ عليَّ آخِرَتي ، وأنْ يَكونَ ذلِكَ مِنهُم ضَرَراً علَيَّ في معاشي ، أوْ يَعْرِضُ بَلاءٌ يُصِيبُني مِنهُم ، لا قُوَّة لي بهِ وَلا صَبْرَ لي عَلى احْتِمالِهِ فَلا تَبْتَلِني يا إلهي بِمُقاسَاتِهِ ، فيَمْنَعَني ذلِكَ عَن ذِكرِكَ ويَشْعَلَني عَن عبادَتِكَ ، أنتَ العاصِمُ المانِعُ الدَّافِعُ الواقِي مِن ذلِكَ كُلِّهِ . طلب الرزق أسألُكَ اللَّهُمَّ الرَّفاهِيَةَ في مَعيشَتي ما أبْقَيْتني ، مَعيشَةً أقوَى بِها عَلى طاعَتِكَ ، وأبلُغُ بها رِضوانَكَ ، وأصِيرُ بها إلى دَارِ الحَيَوَانِ غَداً ، ولا تَرْزُقْني رِزْقاً يُطْغِيني ، ولا تَبْتَلِني بِفَقْرٍ أشْقَى بهِ مُضَيَّقاً عَلَيَّ ، أعطنِي حَظّاً وافِراً في آخِرَتِي ، وَمَعَاشاً واسِعاً هَنِيئاً مَرِيئاً في دُنيايَ ، ولا تَجعَلْ الدُّنيا عَلَيَّ سِجْناً ، ولا تَجعَلْ فِراقَها عَلَيَّ حُزْناً ، أجِرْني من فِتْنَتِها ، واجعَلْ عَمَلِي فيها مَقبولاً ، وسَعْيِي فيها مَشْكُوراً . الاستعانة باللّه عزّ وجلّ على الأعداء اللَّهمَّ وَمَنْ أرادَني بِسُوءٍ فأرِدْهُ بِمِثْلِهِ ، وَمَنْ كادَنِي فيها فَكِدْهُ ، واصْرِفْ عَنِّي هَمَّ مَن أدخَلَ عَلَيَّ هَمَّهُ ، وامكُرْ بِمَن مَكَرَ بي فإنَّك خَيرُ الماكِرينَ ، وَافْقَأ عَنِّي عُيونَ الكفَرَةِ الظَّلَمَةِ ، والطُّغاةِ والحَسَدَةِ . التحرّز باللّه عزّ وجلّ اللَّهمَّ وأنزِل عَلَيَّ مِنكَ السَّكينَةَ ، وألْبِسْني دِرْعَكَ الحَصِينَةَ ، واحْفَظْني بسِتْرِكَ الواقِي ، وجَلِّلْني عافِيَتَكَ النَّافِعَةَ ، وَصَدِّقْ قَولي وَفِعالي ، وبارِكْ لي في وُلْدي وأهْلي ومالِي . طلب المغفرة اللَّهُمَّ ، ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ وما أغْفَلْتُ ، وما تَعَمَّدْتُ وما تَوانَيْتُ ، وما أعْلَنْتُ وما أسْرَرْتُ ، فاغْفِرْهُ لي يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ . (2)

.


1- . هو ثابت بن دينار وقد مضى شرح أحواله مختصراً في مكاتيب الإمام عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، فراجع .
2- . الكافي : ج 2 ص 587 ح 26 ، تهذيب الأحكام : ج 3 ص 76 ح 236 ، مهج الدعوات : ص 172 ، بحار الأنوار : ج 94 ص 268.

ص: 230

في طلب الخير

طلب المعرفة وإخلاص العمل

الاستعاذة باللّه

طلب الرزق

.

.

ص: 231

الاستعانة باللّه عزّ وجلّ على الأعداء

التحرّز باللّه عزّ وجلّ

طلب المغفرة

2 كتابه عليه السلام إلى سعْد الخير في التّقوى و . . .

2كتابُه عليه السلام إلى سَعْد الخَيرفي التَّقوى و . . .محمَّد بن يحيَى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمِّه حمزة بن بزيع والحسَين بن محمّد الأشعريّ ، عن أحمدَ بن محمّد بن عبد اللّه ، عن يزيد بن عبد اللّه ، عمَّن حدَّثَه ، قال : كتَب أبو جعفر عليه السلام (1) إلى سعد الخَيْر 2 :مكاتيب الإمام محمّد بن عليّ الباقرفي التقوى و آثاره «بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بَعدُ ، فإنِّي أُوصيكَ بِتَقوى اللّه ِ ، فَإنَّ فيها السَّلامَةَ مِن التَّلَفِ ، والغَنِيمةَ في المُنْقَلَبِ ، إنَّ اللّه َ عز و جل يَقِي بالتَّقوَى عَنِ العَبدِ ما عَزَبَ عَنهُ عَقْلُهُ ، وَيُجْلِي بالتَّقوى عَنهُ عمَاهُ وجَهْلَهُ ، وبالتَّقْوى نجَا نُوحٌ ومَن مَعَهُ في السَّفينَةِ ، وصالِحٌ ومَن مَعَهُ من الصَّاعِقَةِ ، وبالتَّقوى فَازَ الصَّابِرونَ ، ونجَتْ تِلكَ العُصَبُ مِنَ المَهالِكِ ، وَلَهُم إخوانٌ على تِلكَ الطَّريقَةِ يَلتَمسونَ تِلكَ الفَضيلَةِ ، نبَذُوا طُغيانَهُمْ مِنَ الإيرادِ بالشَّهوَاتِ لِمَا بَلَغهُم في الكتابِ مِنَ المَثُلاتِ ، حَمِدوا رَبَّهُم عَلى ما رَزَقَهُم ، وَهُو أهلُ الحَمدِ وذَمُّوا أنفُسَهُم على ما فرَّطُوا ، وهُم أهلُ الذَّمِّ . وعلِمُوا أنَّ اللّه َ _ تبارَكَ وَتَعالى _ الحَلِيمُ العَلِيمُ ، إنَّما غَضَبُهُ عَلى مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنهُ رِضاهُ ، وإنَّما يَمْنَع مَنْ لَمْ يَقْبَل مِنهُ عَطاهُ ، وإنَّما يُضِلُّ مَنْ لَمْ يَقْبَل مِنهُ هُدَاهُ ، ثُمَّ أمْكَنَ أهلَ السَّيِّئاتِ مِنَ التَّوبَةِ بِتَبديلِ الحَسَناتِ ، دَعا عِبادَهُ في الكِتابِ إلى ذلِكَ بصَوْت رفِيعٍ لَمْ يَنقَطِعْ ، وَلَمْ يَمْنَعْ دُعاءَ عِبادِهِ ، فلَعَنَ اللّه ُ الَّذينَ يكْتُمونَ ما أنزَلَ اللّه ُ ، وكَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ، فسَبَقَتْ قَبلَ الغَضَبِ فَتَمَّتْ صِدْقاً وَعَدْلاً ، فَلَيسَ يَبْتَدِئُ العِبادَ بالغَضَبِ قَبلَ أنْ يُغْضِبوهُ ، وذلِكَ مِن عِلْمِ اليَقينِ وعِلْمِ التَّقوَى .

.


1- . تردّد السيّد الخوئي بين كون المراد منه الجواد أو الباقر عليهماالسلام(معجم الرجال الحديث : ج 8 ص 96) ، وصرّح المحقق التستري بأنّ المراد منه الباقر عليه السلام .(قاموس الرجال : ج 5 ص 35) .

ص: 232

في التقوى وآثاره

.

.

ص: 233

في آثار نبذ الكتاب

في حال من اعتمد على الناس بدل اللّه

في آثار نبذ الكتابوَكُلُّ أمَّة قَد رَفَعَ اللّه ُ عَنهُم عِلمَ الكِتابِ حِينَ نَبَذُوهُ ، ووَلاّهُمْ عَدُوَّهُم حِينَ تَوَلَّوهُ ، وَكانَ مِن نَبْذِهِمُ الكِتابَ أنْ أقاموا حُرُوفَهُ ، وَحَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم يَرْوونَه وَلا يَرْعَوْنَهُ ، والجُهَّالُ يُعْجِبهم حِفْظُهم للرِّوايَةِ ، والعُلماءُ يَحْزُنُهم تَرْكُهم للرِّعايَةِ ، وكانَ مِن نَبْذِهِمُ الكِتابَ أنْ وَلَّوْهُ الَّذينَ لا يَعلَمونَ ، فأوْرَدُوهُم الهَوَى ، وأصْدَرُوهُم إلى الرَّدَى ، وغيَّروا عُرَى الدِّين ، ثُمَّ ورَّثُوه في السَّفَهِ والصِّبا ، فالاُمَّةُ يَصْدُرونَ عَنْ أمْرِ النَّاسِ بَعْدَ أمرِ اللّه ِ تبارَكَ وتَعالى وَعَلَيهِ يَرِدونَ . في حال من اعتمد على الناس بدل اللّه فَبِئْسَ للظَّالِمينَ بَدَلاً وَلايَةُ النَّاسِ بَعدَ وَلايَةِ اللّه ِ ، وَثَوابُ النَّاسِ بَعدَ ثَوابِ اللّه ِ ، وَرِضا النَّاسِ بَعْدَ رِضا اللّه ِ ، فَأصبَحَتِ الاُمَّةُ كَذلِكَ ، وَفِيهِمُ المُجتَهِدونَ في العِبادَةِ عَلى تِلكَ الضَّلالَةِ ، مُعْجَبونَ مَفْتُونونَ ، فعبادَتُهُم فِتنَةٌ لَهُم ، وَلِمَنِ اقتَدَى بِهِم ، وقد كانَ في الرُّسُلِ ذِكْرَى للعابِدينَ . إنَّ نبيّاً مِنَ الأنْبياءِ كانَ يَستَكْمِلُ الطَّاعَةَ ، ثُمَّ يَعْصي اللّه َ تبارَكَ وتَعالى في البابِ الواحِدِ ، فَخَرَج بهِ مِنَ الجَنَّةِ ، ويُنْبَذُ بِهِ في بَطْنِ الحُوتِ ، ثُمَّ لا يُنَجِّيه إلاّ الاعْترافُ والتَّوبَةُ . في التحذير من المتشبّهين بالصلحاء فاعرِفْ أشْباهَ الأحْبارِ والرُّهْبانِ ، الَّذين سارُوا بِكِتْمانِ الكِتابِ وَتَحْريفِهِ ، فما رَبِحَتْ تِجارَتُهُم وما كانوا مهتدين ، ثُمَّ اعرِفْ أشْباهَهُم مِن هذهِ الاُمَّةِ ، الَّذينَ أقاموا حُرُوفَ الكِتابِ وحَرَّفُوا حُدُودَهُ فَهُم مَعَ السَّادَةِ والكُبَرَة ، فإذا تفرَّقَتْ قادَةُ الأهْواءِ ، كانوا مَعَ أكثَرِهِم دُنْيا ، وَذلِكَ مبْلَغُهُم مِنَ العِلمِ لا يَزالونَ كذلِكَ في طَبَعٍ وَطَمَعٍ ، لا يَزالُ يُسْمَعُ صوْتُ إبْليسَ عَلى ألْسِنَتِهِم بباطِلٍ كثير ، يَصْبِرُ مِنهُمُ العُلماءُ عَلى الأذَى وَالتَّعْنِيفِ ، ويَعِيبونَ على العُلماءِ بالتَّكليفِ ، والعُلماءُ في أنفُسِهِم خانَةٌ (1) إنْ كتَمُوا النَّصِيحَةَ ، إنْ رَأوْا تائِهاً ضَالاًّ لا يَهْدونَهُ ، أو مَيِّتاً لا يُحْيُونَهُ ، فَبِئْسَ ما يَصْنَعُونَ ، لِأنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالَى أخَذَ عَلَيهِم المِيثاقَ في الكتابِ أنْ يأْمُروا بالمَعروفِ وبِما أُمِرُوا بهِ ، وأنْ ينهَوا عَمَّا نُهُوا عَنهُ ، وأنْ يَتَعاوَنوا عَلى البِرِّ والتَّقوَى ، ولا يتعَاوَنوا عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ .

.


1- . الخونُ : أن يُؤتَمنَ الإنسانُ فلا يَنصَحُ ، خانَهُ يخونُهُ خانَةً (لسان العرب : ج 13 ص 144) .

ص: 234

في التحذير من المتشبّهين بالصلحاء

حال العلماء مع الجهّال

حال العلماء مع الجهّالفالعُلماءُ مِنَ الجُهَّالِ في جَهْدٍ وجِهادٍ . إنْ وَعَظَتْ قالوا : طَغَتْ ، وإنْ عَلَّمُوا الحَقَّ الَّذي تَرَكوا . قالوا : خَالَفَت ، وإن اعْتَزَلوهُم قالوا : فارَقتْ ، وإنْ قالوا : هاتوا بُرهانَكُم على ما تُحدِّثونَ ، قالوا : نافَقَتْ ، وإنْ أطاعُوهم ، قالوا : عَصيت اللّه َ عز و جل ، فهَلك جُهَّالٌ فِيما لا يَعلَمونَ ، أُمِّ_يُّون فيما يَتْلونَ ، يُصَدِّقُونَ بالكتابِ عِندَ التَّعْريفِ ، ويُكَذِّبونَ بهِ عِندَ التَّحْريفِ فلا يُنْكِرونَ ، أُولئِكَ أشْباهُ الأحْبار والرُّهْبان ، قادَةٌ في الهوَى ، سادَةٌ في الرَّدَى ، وآخَرون مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَةِ والهُدَى ، لا يعْرِفون إحْدَى الطَّائِفتيْن مِنَ الاُخْرَى ، يَقولونَ : ما كانَ النَّاسُ يَعرِفونَ هذا ، ولا يَدْرُونَ ما هُوَ ، وصَدَقوا ، تَرْكَهُم رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلى البَيْضاءِ ، لَيْلُها مِن نَهارِها ، لم يَظْهَرْ فِيهِم بِدْعَةٌ ، ولم يُبَدَّلْ فِيهِم سُنَّةٌ ، لا خِلافَ عِندَهُم ولا اخْتِلافَ ، فَلَمَّا غَشِي النَّاسَ ظُلْمَةُ خَطاياهُم صاروا إمامَيْنِ ، دَاعٍ إلى اللّه ِ تَبارَكَ وَتَعالى ، ودَاعٍ إلى النَّارِ ، فعِندَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيطانُ فعَلا صَوْتُه عَلى لِسانِ أوْلِيائِهِ ، وكثُر خَيْلُهُ ورَجْلُهُ ، وَشارَكَ في المالِ والوَلَدِ مَنْ أشْرَكَهُ ، فَعُمِل بالبِدْعَةِ ، وتُرِكَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، ونَطَقَ أوْلياءُ اللّه ِ بالحُجَّةِ ، وَأَخذُوا بالكِتابِ والحِكمَةِ ، فَتَفرَّقَ من ذلِكَ اليَومِ أهلُ الحَقِّ وأهلُ الباطِلِ ، وَتَخاذَلَ وَتَهادَنَ أهلُ الهُدَى ، وَتَعاوَنَ أهلُ الضَّلالَةِ ، حتَّى كانَت الجَماعَةُ مَعَ فلانٍ وَأشْباهِهِ ، فاعرِف هذا الصِّنْفَ . وصِنْفٌ آخَرُ ، فأبْصِرهم رأْيَ العَين نُجَباءَ ، والزَمْهُم حَتَّى ترِد أهلَكَ ؛ فَإنَّ الخاسرين الَّذين خَسِروا أنفُسَهُم وَأهْلِيهِم يَومَ القيامَةِ ، ألا ذلِكَ هُوَ الخُسْرانُ المُبِينُ . [إلى هاهنا رواية الحسين ، وفي رواية محمّد بن يحيَى زيادةٌ] :

.

ص: 235

في النصح والإرشاد

في النصح والإرشادمكاتيب الإمام محمّد بن عليّ الباقرلَهُم عِلمٌ بالطَّريقِ ، فَإنْ كانَ دونَهُم بَلاءٌ فلا تَنظُرْ إلَيهِم ، فإن كانَ دُونَهُم عَسْفٌ من أهلِ العَسْفِ وخَسْفٌ ، وَدونَهُم بلايا تَنْقضِي ، ثُمَّ تصِير إلى رَخاءٍ ، ثُمَّ اعلَم أنَّ إخْوان الثِّقَةِ ذَخائِرُ ، بَعضُهُم لِبَعْضٍ ، وَلَولا أنْ تَذهَبَ بِكَ الظُّنونُ عَنِّي لَجَلَيْتُ لَكَ عَن أشْياءَ مِنَ الحَقِّ غَطَّيْتُها ، ولَنَشَرْتُ لَكَ أشياءَ مِنَ الحَقِّ كتَمْتُها ، وَلكِنِّي أتَّقيكَ وأسْتَبْقِيكَ ، وَلَيسَ الحَلِيمُ الَّذي لا يَتَّقي أحداً في مَكانِ التَّقوى ، والحِلمُ لِباسُ العالِمِ ، فلا تَعْرَيَنَّ مِنهُ والسَّلامُ» . (1)

.


1- . الكافي :ج 8 ص 52 ح 16 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 358 ح 2.

ص: 236

3 كتابه عليه السلام إلى سعْد الخير في معرفة الإمام و . . .

3كتابُه عليه السلام إلى سَعْد الخَيرفي معرفة الإمام و . . .محمَّد بن يحيَى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بَزيع ، عن عمِّه حمزة بن بزيع ، قال : كتَب أبو جعفر عليه السلام إلى سعْد الخَيْر :«بسم اللّه الرَّحْمن الرَّحيم أمَّا بَعْدُ ، فَقَد جاءَني كِتابُكَ تَذْكُرُ فيهِ مَعرِفَةَ ما لا يَنْبَغي تَرْكُهُ ، وطاعَةَ مَن رِضا اللّه ِ رِضاهُ ، فَقُلتَ مِن ذلِكَ لِنَفسِكَ ما كانَت نَفسُكَ مُرْتَهَنَةً لَو تَرَكْتَهُ ، تَعْجَبُ أنَّ رِضا اللّه ِ وطاعَتَهُ وَنَصيحَتَهُ لا تُقْبَل وَلا تُوجَدُ ولا تُعْرَفُ إلاّ فِي عِبادٍ غُرَباءَ أخْلاءً من النَّاس ، قد اتَّخَذَهُم النَّاسُ سِخْرِيّاً لما يَرْمُونَهُم بهِ مِنَ المُنكَراتِ ، وكان يُقالُ : لا يَكونُ المُؤمنُ مُؤمِنا حَتَّى يَكونَ أبْغَضَ إلى النَّاسِ مِن جِيفَةِ الحِمارِ ، وَلَولا أنْ يُصيبَكَ مِنَ البَلاءِ مِثْلُ الَّذي أصابَنا فَتَجعَلَ فِتْنةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللّه ِ _ وأُعيذُكَ باللّه ِ وَإيَّانا من ذلِكَ _ لَقَرُبْتَ عَلى بُعْدِ مَنزِلَتِكَ . وَاعلَم رَحِمَكَ اللّه ُ ، أنَّهُ لا تُنالُ مَحَبَّةُ اللّه ِ إلاّ بِبُغْضِ كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ ، وَلا ولايَتُهُ إلاّ بمُعاداتِهِم ، وَفَوْتُ ذلِكَ قَلِيلٌ يَسيرٌ ، لِدَرْكِ ذلِكَ مِنَ اللّه ِ لِقَومٍ يَعلَمونَ . يا أخي ، إنَّ اللّه َ عز و جل جَعَلَ في كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ بَقايا مِن أهْلِ العِلمِ ، يَدْعُونَ مَن ضَلَّ إلى الهُدى ، ويَصْبِرونَ مَعَهُم عَلى الأذَى ، يُجيبون دَاعِيَ اللّه ِ ، ويَدعونَ إلى اللّه ِ ، فأبْصرْهم رَحِمَكَ اللّه ُ ، فَإنَّهم في مَنْزِلَةٍ رَفيعَةٍ ، وإنْ أصابَتْهُم في الدُّنيا وَضِيعَةٌ ، إنَّهم يُحْيونَ بِكتابِ اللّه ِ المَوْتى ، ويُبَصِّرُنَّ بِنورِ اللّه ِ مِنَ العَمَى . كَم مِن قتيلٍ لاِءبْليسَ قَدْ أحْيَوْهُ ، وكَم من تَائِهٍ ضَالٍّ قد هَدَوْهُ يَبْذُلون دِماءَهُمْ دُونَ هَلَكَةِ العِبادِ ، وَما أحسَنَ أثَرَهُم عَلى العبادِ ، وأقْبحَ آثارَ العبادِ عَلَيهِم» . (1)

.


1- . الكافي :ج 8 ص 56 ح 17 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 362 ح 3.

ص: 237

4 كتابهُ عليه السلام في الأئمّة

5 كتابه عليه السلام لعمر بن عبد العزيز

4كتابُهُ عليه السلام في الأئَمّةِحدَّثنا أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن إسمعيل ، عن منصور ، عن طلحة بن زيد ومحمّد بن عبد الجبّار بغير هذا الإسناد ، يرفعه إلى طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :قرأت في كتاب أبي : الأئِمَّةُ (1) في كِتابِ اللّه ِ إمامانِ : إمامُ الهُدى ، وإمامُ الضَّلالِ . فأمَّا أئِمَّة الهُدى فَيُقدِّمونَ أمرَ اللّه ِ قَبلَ أمرِهِم ، وَحُكْمَ اللّه ِ قَبلَ حُكْمِهِم . وَأمَّا أئِمَّةُ الضَّلالِ ، فَإنَّهُم يُقَدِّمونَ أمْرَهُم قَبلَ أمْرِ اللّه ِ ، وحُكْمَهُم قَبلَ حُكْمِ اللّه ِ ، اتِّباعاً لِأَهوائِهِم ، وخِلافاً لِمَا فِي الكتابِ . (2)

5كتابه عليه السلام لعمر بن عبد العزيزتاريخ اليعقوبي _ في وفاةِ عليّ بن الحسين عليه السلام _ : وذكره يوماً عمر بن عبد العزيز ، فقال : ذهب سراج الدُّنيا ، وجمال الإسلام ، وزين العابدين . فقيل له : إنّ ابنه أبا جعفر _ محمّد بن عليّ _ فيه بقيّة ، فكتب عمر يختبره ، فكتب إليه محمّد كتاباً يعظه ويخوّفه . فقال عمر : أخرِجوا كتابه إلى سليمان ، فأُخرج كتابه ، فوجده يقرّظه ، ويمدحه ، فأنفذ إلى عامل المدينة ، وقال له : أحضِر محمّداً ، وقل له : هذا كتابك إلى سليمان تقرّظه ، وهذا كتابك إليّ مع ما أظهرت من العدل والإحسان . فأحضره عامل المدينة ، وعرّفه ما كتب به عمر ، فقال عليه السلام : إنّ سليمانَ كانَ جَبّاراً ، كتبتُ إليهِ بما يُكتبُ إلى الجَبّارينَ ، وإنَّ صاحِبَك أظهَرَ أمراً فكتَبتُ إلَيهِ بِما شاكَلَهُ . وكتب عامل عمر إليه بذلِكَ ، فقال عمر : إنّ أهلَ هذا البَيتِ لا يُخلِيهم اللّه ُ مِن فضلٍ . (3)

.


1- . في المصدر : «أئمّة» ، والتصويبُ من بحارِ الأنوار .
2- . بصائر الدرجات : ص 32 ح 1 ، بحار الأنوار : ج 24 ص 156 ح 14 نقلاً عنه.
3- . تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 305.

ص: 238

6 كتابه عليه السلام إلى جابر بن يزيد الجعفيّ في الكتمان

6كتابُه عليه السلام إلى جابر بن يزيد الجعفيّفي الكتمانجبريل بن أحمد،حدَّثني الشّجاعيّ،عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن النَّضر، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام وأنا شابٌّ ، فقال :«مَن أنتَ ؟» قُلتُ : مِن أهْلِ الكوفَةِ . قال : «مِمَّن؟» قلت : مِن جُعفِيّ . قال : «ما أقدمَكَ إلى هاهنا؟» قُلتُ : طَلَبُ العِلمِ . قال : «مِمَّنْ؟» قُلتُ : مِنكَ . قال : «فإذا سألَكَ أحَدٌ مِن أينَ أنتَ؟ فَقُلْ مِن أهْلِ المَدينَةِ» قالَ : قُلتُ : أسألك قَبلَ كُلِّ شَيءٍ عَنْ هذا ، أَيَحِلُّ لي أن أكذِبَ؟ قال : «ليس هذا بِكَذِبٍ ، مَنْ كانَ في مَدينَةٍ ، فَهُو مِن أهْلِها حَتَّى يَخرُجَ » . قال : ودفع إليَّ كِتاباً ، وقالَ لِي : «إنْ أنتَ حَدَّثتَ بهِ حَتَّى تهلِكَ بَنو أُمَيَّةَ ، فَعَلَيكَ لَعنتي ولَعنَةُ آبائِي ، وَإذا أَنتَ كَتَمتَ مِنهُ شَيْئاً بَعدَ هلاكِ بَني أُمَيَّةَ فَعَلَيكَ لَعنَتي وَلَعنَةُ آبائِي» . ثُمَّ دَفَعَ إليَّ كِتاباً آخَرَ ، ثُمَّ قَالَ : «وهاكَ هذا ، فَإنْ حَدَّثْتَ بِشَيْءٍ مِنهُ أبَداً فَعَلَيكَ لَعنَتي ولَعنَةُ آبائِي » . (1)

.


1- . رجال الكشي : ج 2 ص 438 ح 339 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 200 وفيه إلى «فهو من أهلِها حتّى يخرج» ، بحارُ الأنوارِ : ج 2 ص 70 ح 28 نقلاً عنه.

ص: 239

7 كتابه عليه السلام إلى جابر الجعفيّ في أمره بالجنون

7كتابه عليه السلام إلى جابر الجعفيّفي أمره بالجنونعليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حَمَّاد ، عن محمّد بن أُورَمَة ، عن أحمد بن النَّضْر ، عن النُّعْمان بن بشير ، قال : كنت مُزَامِلاً لجابر بن يزيد الجُعْفيّ 1 ، فلمَّا أنْ كنَّا بالمدينة دخَل على أبي جعفر عليه السلام ، فودَّعَه وخرج من عنده ، وهو مسْرورٌ حتّى وردْنا الاُخَيْرِجَة (1) أوّل منزل نَعْدِل من فَيْدَ إلى المدينة يوم جُمُعة ، فصلَّيْنا الزَّوال ، فلمَّا نهَض بنا البعير إذا أنا برجل طُوال آدَم معه كتابٌ ، فناولَه جابراً ، فتناولَه فقبَّلَه وَوَضعَه على عينيه ، وإذا هو من محمّد بن عليّ إلى جابر بن يزيد وعليه طينٌ أسود رَطْبٌ ، فقال له : متى عهدُك بسَيِّدي؟ فقال : السَّاعة . فقال له : قبْل الصَّلاة أو بعد الصَّلاة؟ فقال : بعد الصَّلاة . ففَكَّ الخاتَم ، وأقْبل يقْرؤه ، ويَقْبِضُ وجْهَه ، حتّى أتى على آخره ، ثمَّ أمسك الكتاب ، فما رأيتُه ضاحكاً ولا مسرورا حتّى وافى الكوفة ، فلمَّا وَافَيْنا الكوفةَ ليلاً بِتُّ لَيْلَتي ، فلمَّا أصْبحت أتيتُه إعْظاماً له ، فوجدْتُه قد خرَج عليَّ وفي عنُقه كِعَابٌ ، قد علَّقها وقد ركِب قصَبةً وهو يقول : مَنْصُورَ (2) بن جُمْهُورأميراً غيرَ مأْمور وأبياتاً من نَحْو هذا . فنظَر في وجْهي ، ونظرْت في وجهه ، فلم يقُل لي شيئاً ، ولم أقل له ، وأقبلتُ أبكِي لمَّا رأيتُه ، واجْتمَع عليَّ وعليه الصِّبْيان والنَّاس ، وجاء حتّى دخَل الرَّحَبَة ، وأقبل يَدُور مع الصِّبْيان ، والنَّاس يقولون : جُنَّ جابر بن يزيد ، جُنَّ ، فوَ اللّه ِ ما مَضَت الأيَّام حتّى ورَد كتاب هِشام بن عبد المَلِك إلى وَالِيه ، أنِ انْظُر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجُعْفيّ ، فاضرب عُنُقَه ، وابْعث إليَّ برأْسه . فالْتفت إلى جُلَسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجُعْفِيّ؟ قالوا : أصلَحك اللّه ُ ، كان رجلاً له عِلم وفضْلٌ وحدِيثٌ ، وحجَّ فجُنَّ ، وهو ذَا في الرَّحَبة مع الصِّبْيان على القَصَب ، يَلْعَب معهم . قال : فأشْرَف عليه فإذا هو مع الصِّبْيان ، يلْعَب على القَصَب . فقال : الحمد للّه ِ الَّذي عافاني من قتْله . قال : ولم تَمْض الأيَّام ، حتّى دخَل مَنْصُور بن جُمْهُور الكوفةَ ، وصنَع ما كان يقول جابر . (3)

.


1- . أخاريج وأخرجة والخرج إسم موضع بالمدينة .
2- . في المصدر : «أجد منصور» ، والصواب ما أثبتناه من المصادر الاُخرى .
3- . الكافي :ج 1 ص 396 ح 7 ، الاختصاص : ص 67 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 323 ، بحار الأنوار : ج 27 ص 23 ح 15 وج46 ص 282 ح 85.

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

. .

ص: 244

. .

ص: 245

. .

ص: 246

8 كتابه عليه السلام في الدّعاء والعوذة لما يعرض للصبيان من الرّياح

8كتابه عليه السلام في الدّعاء والعوذةلما يعرض للصبيان من الرّياحمحمّد بن جعفر أبو العبّاس ، عن محمّد بن عيسى عن صالح بن سعيد ، عن إبراهيم بن محمّد بن هارون أنّه كتب إلى أبي جعفر عليهماالسلام يسأله عوذة للرياح الّتي تعرض للصبيان . فكتب إليه بخطّه بهاتين العوذتين ، وزعم صالح أنّه أنفدهما إلى إبراهيم بخطّه :اللّه ُ أكبرُ اللّه ُ أكبرُ اللّه ُ أكبرُ ، أشهَدُ أنْ لا إلاّ اللّه ُ ، أشهد أنّ مُحَمّداً رسولُ اللّه ِ ، اللّه ُ أكبرُ اللّه ُ أكبرُ لا إلَه إلاّ اللّه ُ ولا رَبَّ لي إلاّ اللّه ُ ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحَمدُ لا شريكَ لَهُ سُبحانَ اللّه ِ ، ما شاءَ اللّه ُ كانَ وما لَم يَشَأ لم يَكُن ، اللّهمَّ ذا الجَلالِ والإكرامِ ، رَبَّ مُوسى وعِيسى وإبراهِيمَ الّذي وَفَّى ، إلهَ إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطِ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ مَعَ ما عَدَّدَتَ مِن آياتِكَ ، وبِعَظمَتِكَ وبما سألَكَ بهِ النبيّونَ وبِأَنّكَ ربُّ النّاسِ ، كُنتَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وأنتَ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ ، أسألُكَ باسمِكَ الّذي تُمسِكُ بهِ السماواتِ أنْ تقَعَ على الأرضِ إلاّ بإذنِكَ وبِكَلماتِكَ التّاماتِ الّتي تُحيي بها (1) الموتى أنْ تُجيرَ عبدَكَ فُلاناً من شرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وما يعرُجُ إليها وما يخرُجُ مِنَ الأرضِ وما يلِجُ فيها وسلامٌ على المُرسَلينَ والحمدُ للّه ِ ربِّ العالَمينَ . وكتب إليه أيضاً بخطّه : بسمِ اللّه ِ وباللّه ِ وإلى اللّه ِ وكما شاءَ اللّه ُ وأُعيذُهُ بِعزِّةِ اللّه ِ وجَبَروتِ اللّه ِ وقُدرَةِ اللّه ِ ومَلَكوتِ اللّه ِ ، هذا الكِتابُ مِنَ اللّه ِ شِفاءٌ لِفلانِ بنِ فلانٍ ، (ابنِ) عَبدِكَ وابنِ أمَتِكَ عَبْدَي اللّه ِ صلى الله عليه و آله . (2)

.


1- . في المصدر : «تُحيي به» ، وما أثبتناه من بحار الأنوار هو الصحيح .
2- . الكافي : ج 2 ص 571 ح 10 ، بحار الأنوار : ج 95 ص 112 ح 1 ، وراجع : عدّة الداعي : ص 264.

ص: 247

9 كتابه عليه السلام إلى حصين الثّعلبيّ في الفرج

9كتابه عليه السلام إلى حصين الثّعلبيّفي الفَرَجِحدَّثنا محمّد بن همَّام ، عن جعفر بن محمّد بن مالك قال : حدَّثني أحمد بن ميثم ، عن عبيد اللّه بن موسى ، عن عبد الأعلى بن حصين الثعلبيّ ، عن أبيه قال : لقيت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام في حجّ أو عمرة فقلت له : كبرت سنِّي و دقَّ عظمي ، فلست أدري يقضى لي لقاؤك أم لا ، فاعهد إليَّ عهداً ، و أخبرني متى الفَرَجُ؟ فقال :إنَّ الشَّريدَ الطَّريدَ الفريدَ الوحيدَ ، المُفرَدَ مِن أهلِهِ ، الموتورَ بِوالدِهِ ، المُكَنَّى بِعَمِّهِ هُوَ صاحِبُ الرَّاياتِ ، واسمُهُ اسمُ نبيّ .

فقلت أعد عليَّ . فدعا بكتابِ أديمٍ أو صحيفة فكتب لي فيها . (1) وفي رواية أخرى : حدَّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد قال : حدَّثنا أبو عبد اللّه يحيى بن زكريّا بن شيبان من كتابه ، قال : حدَّثنا يونس بن كليب قال : حدَّثنا معاوية بن هشام ، عن صباح قال : حدَّثنا سالم الأشل ، عن حصين التغلبيّ قال : لقيت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام _ وذكر مثل الحديث الأوّل إلاَّ أنَّه قال : _ ثمَّ نظر إليَّ أبو جعفر عند فراغه من كلامه ، فقال : أحَفِظْتَ أم أكتُبُها لَكَ؟ فَقُلتُ : إنْ شِئتَ ، فدعا بِكِراعٍ مِن أديمٍ أو صحَيفَةٍ فَكتَبَها لي ، ثُمّ دَفَعَها إليَّ ، وأخرَجَها حُصينُ إلينا فَقَرأها عَلَينا ، ثُمَّ قالَ : هذا كتابُ أبي جَعفَر عليه السلام . (2)

.


1- . الغيبة للنعماني : ص 178 ح 23 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 37 ح 9.
2- . الغيبة للنعماني : ص 178 ح 22 ، بحار الأنوار : ج 51 ص 38 ح 10.

ص: 248

10 كتابه عليه السلام إلى سدير الصّيْرفيّ

10كتابه عليه السلام إلى سَديِر الصَّيْرفيّمحمَّدُ بن يحيَى ، عن محمّد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن سَديِر الصَّيْرفيّ 1 ، قال : أوصاني أبو جعفر عليه السلام بحوائجَ له بالمدينة ، فخرجتُ فبيْنا أنَا بين فَجِّ الرَّوْحاء على راحِلَتي ، إذا إنسانٌ يَلْوي ثوْبَه ، قال : فمِلْتُ إليه وظَنَنْت أنَّه عَطْشان ، فناوَلْتُه الإداوَة ، فقال لي : لا حاجَةَ لي بِها وناوَلَني كِتاباً طِينُه رَطْبٌ . قال : فلمَّا نظَرْتُ إلى الخاتَمِ ، إذا خاتَمُ أبي جعفر عليه السلام ، فقلتُ : مَتَى عَهْدُكَ بصاحِبِ الكتابِ؟ قال : السَّاعةَ ، وإذا في الكتابِ أشياءُ يأْمرُني بِها . ثمَّ التفَتُّ فإذا ليس عندي أحَدٌ ، قال : ثمَّ قدِمَ أبو جَعفَر عليه السلام فلَقيتُهُ ، فَقُلتُ : جُعِلْتُ فِداكَ ، رجُلٌ أتاني بِكتابِكَ وطِينُه رَطْبٌ . فقال : يا سَدِيرُ ، إنَّ لنا خدَماً من الجِنِّ ، فإذا أردْنا السُّرْعَةَ بعثْناهُم . وفي رواية أُخْرَى ، قال : إنَّ لنا أتْباعاً مِنَ الجِنِّ كمَا أنَّ لنا أتْباعاً من الإنسِ ، فإذا أرَدْنا أمراً بَعثْناهُم . (1)

.


1- . الكافي : ج 1 ص 395 ح 4 ، المناقب لابن شهر آشوب :ج4 ص 190 ، بصائر الدرجات : ص 116 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 284.

ص: 249

11 كتابه عليه السلام إلى درجان في إحضار الميت

11كتابه عليه السلام إلى درجانفي إحضار الميتعن أبي عيينة 1 : إنّ رجلاً جاء إلى أبي جعفر عليه السلام فدخل عليه ، فقال : أنا رجلٌ من أهل الشَّام لم أزل _ واللّه _ أتولاَّكم أهلَ البيت ، وأتبرَّأ من أعدائكم ، وإنَّ أبي لا رحمهُ اللّه ُ ! كان يتولَّى بني أمَيَّةَ ويُفَضِّلُهُم عَلَيكُم ، فكنت أبغضه على ذلك ، وكان يُبغضني على حبِّكم ، ويحرمني ماله ، ويجفوني في حياته و مماته ، وقد كان له مالٌ كثير ، ولم يكن له ولَد غيري ، وكان مسكنه بالرملة ، وكانت له حبيبة يخلو فيها لفسقه ، فلمَّا مات طلبتُ ماله في كلّ موضع فلم أظفر به ، ولست أشكّ أنّه دفنه في موضع وأخفاه منِّي لا رضي اللّه عنه . فقال له أبو جعفر عليه السلام أفَتُحِبُّ أنْ تَراهُ وتَسأَلَهُ أينَ وَضَعَ مالَهُ؟ فقال له الرَّجل : نعم ، وإنِّي مُحتاجٌ فَقيرٌ . فكتب له أبو جعفر كتاباً بيده في رِقٍّ أبيض ، ثمّ ختمه بخاتمه ، ثمّ قال : اذهَبْ بِهذا الكتابِ اللّيلَةَ البقيعَ حَتَّى تَوسَّطَ ثُمّ تُنادي : يا دُرْجانُ ، فإنَّه سَيأتِيكَ رَجُلٌ مُغتَمٌّ ، فادفَع إليهِ كِتابي وقُلْ لَهُ : أنا رَسولُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ ، فسألْهُ عمّا بَدا لَكَ . قال : فأخذ الرَّجل الكتاب وانطلق ، فلمّا كان من الغد أتيتُ أبا جعفر معتمداً لأنظرَ ما حالُ الرَّجل ؛ فإذا هو على باب أبي جعفر عليه السلام ينتظر متى يؤذَنَ له ، فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام ، فقال له الرَّجل : اللّه ُ أعلَمُ عِندَ مَنْ يَضَعُ عِلمَهُ ! فَقَدِ انطَلَقتُ بِكتابِكَ اللَّيلَةَ حَتَّى تَوسَّطتُ البَقيعَ ، فناديتُ دُرجاناً ، فَأتى رَجُلٌ مُغتَمٌّ . فقالَ : أنا دُرجانُ ، فما حاجَتُكَ؟ فقلتُ : أنا رَسولُ مُحَمّدِ بنِ عَلِيٍّ إلَيكَ ، وَهذا كِتابُهُ . فَقالَ : مَرحَباً بِرَسولِ حُجَّةِ اللّه ِ عَلى خَلقِهِ ، فأخَذَ كتابَهُ فَقَرَأهُ فقالَ : أتُحِبُّ أنْ تَرَى أباكَ؟ فَقُلتُ : نَعَم . قال : فلا تبرَح مِن موضِعِكَ حَتّى آتيكَ بهِ ؛ فإنَّه بِضَجْنانَ . فانطلَقَ فَلَم يَلبَث إلاَّ قليلاً حَتَّى أتاني بِرَجُلٍ أسوَدَ ، في عُنُقِهِ حَبلٌ أسوَدُ ، مُدلِعٌ لِسانَهُ يَلهَثُ ، وعلَيهِ سِربالٌ أسوَدُ ، فقالَ لي : هذا أبوكَ ، ولكِنْ غَيَّرَهُ اللَّهَبُ ، ودُخانُ الجَحيمِ ، وَجُرَعُ الحَميمِ ، والعذابُ الأليمُ ، فَقُلتُ لَهُ : أنتَ أبي؟ فقالَ : نَعَم . قلتُ : مَن غيَّرَكَ وغَيَّرَ صورَتَكَ؟ قال : إنِّي كُنتُ أتولَّى بَني أُميَّةَ ، واُفضِّلُهُم على أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَعَذَّبني اللّه ُ على ذلِكَ ، وإنَّكَ كُنتَ تَتولَّى أهلَ بَيتِ نبيِّكَ ، وَكُنتُ أُبغِضُكَ على ذلِكَ فأحرِمُكَ مالي ، وَدَفَنتُهُ عَنكَ ، فأنا اليومَ على ذلِكَ مِنَ النَّادِمينَ ، فانطَلِقِ إلى حَديقَتي ، فاحتَفِر تَحتَ الزّيتونَةِ ، فَخُذِ المالَ وَهُو مائةٌ وخمسونَ ألفاً ، فادفَع إلى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ خَمسينَ ألفاً وَلكَ الباقي . قال : فإنِّي مُنطَلِقٌ حَتّى آتي بالمالِ . قال أبو عُيَينَةَ : فلَمّا كان الحولُ قلتُ لأبي جَعفَر عليه السلام : ما فَعَل الرَّجُلُ؟ قال : قَد جاءَنا بِخَمسينَ ألفاً قضيتُ بِها دَيناً كانَ عَلَيَّ ، وابتَعتُ بِها أرضاً ، ووصلتُ مِنها أهلَ الحاجَةِ مِن أهلِ بَيتي . أما إنَّ ذلِكَ سَيَنفَعُ المَيِّتَ النَّادِمَ على ما فَرَّطَ مِن حُبِّنا أهلَ البيتِ ، وَضَيَّعَ من حَقِّنا بما أدخَلَ عَلَيَّ مِنَ الرِّفقِ والسُّرورِ . (1)

.


1- . روضة الواعظين : ج 1 ص 464 ح 455 و راجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 193 ، الخرائج والجرائح : ج 2 ص 597 ح 9 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 267.

ص: 250

. .

ص: 251

. .

ص: 252

12 خطّه عليه السلام في وصيّة محمّد بن الحنفيّة

12خطّه عليه السلام في وصيّة محمّد بن الحنفيَّةمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن عبد الصَّمد بن محمّد ، عن حنَّان بن سَديِر ، عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال :دَخلتُ على مُحمَّدِ بنِ عليّ بن الحَنَفِيَّةِ 1 وَقَدِ اعتَقَلَ لِسانُهُ ، فَأمَرتُهُ بالوَصِيَّةِ ، فَلَم يُجِبْ . قالَ : فأمَرتُ بالطَّشتِ ، فَجُعِلَ فيهِ الرَّملُ فَوُضِعَ ، فقلتُ لَهُ : فَخُطَّ بِيَدِكَ . قال : فَخَطّ وصيَّتهُ بِيَدِهِ إلى رَجُلٍ ، ونَسَختُ أنا فِي صَحيفَةٍ . (1)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 9 ص 241 ح 934 ، من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 197 ح 5454 ، كمال الدين : ص 36 و زاد في سنده «حدثنا أبي رضي اللّه عنه قال : حدثنا أحمد بن إدريس عن محمّد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم...» وفيهما «فخطّ وصيّته بيده في الرمل» بدل «فخطّ وصيّته بيده إلى رجل».

ص: 253

13 صحيفته عليه السلام في مسائل شبه الخصومة

13صحيفته عليه السلام في مسائل شبه الخصومةأخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النُّعمان ، قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن ، عن أبيه ، عن محمّد بن الحسن الصَّفار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفيّ 1 ، قال : دخل رجل على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلامومعه صحيفة مسائل شبه الخصومة . فقال له أبو جعفر عليه السلام هذهِ صَحيفَةُ تَخاصُمٍ على الدّينِ الّذي يَقبَلُ اللّه ُ فيهِ العَمَلَ . فقالَ : رَحِمَكَ اللّه ُ ، هذا الّذي أُريدُ . فقال أبو جعفر عليه السلام : أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأنّ مُحَمّداً عَبدُهُ ورَسولَهُ ، وتُقِرُّ بما جاءَ من عندِ اللّه ِ ، والوِلايَةِ لنا أهلَ البَيتِ ، والبراءَةِ مِن عَدُوِّنا ، والتَّسليم (1) لنا ، والتَّواضُعِ والطُّمَأْنينَةِ ، وانتظارِ أمرِنا ، فَإنَّ لنا دولَةً إنْ شاءَ اللّه ُ تَعالى جاءَ بِها . (2)

.


1- . في المصدر : «والتسلُّمِ» وما أثبتناه من بحار الأنوار هو الصحيح .
2- . الأمالي للطوسي : ص 179 ح 299 ، بحار الأنوار : ج 69 ص 2 ح 2.

ص: 254

. .

ص: 255

الفصل الثّاني : مكاتيبه الفقهيّة

14 كتابه عليه السلام في نوافل شهر رمضان

الفصل الثّاني : مكاتيبه عليه السلام الفقهيّة14كتابه عليه السلام في نوافل شهر رمضانعليّ بن حاتم 1 عن الحسن بن عليّ عن أبيه قال : كتب رجل إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عن صلاة نوافل شهر رمضان وعن الزّيادة فيها؟ فكتب عليه السلام إليه كتاباً قرأته بخطّه :صَلِّ في أوَّلِ شَهرِ رَمَضانَ في عِشرينَ لَيلَةً عِشرينَ رَكْعَةً ، صَلِّ مِنها ما بَينَ المَغرِبِ والعَتْمَةِ ثَماني رَكَعاتِ ، وبَعدَ العِشاءِ اثَنَتَي عَشرَةَ رَكْعَةً ، وفي العَشرِ الأواخِرِ ثَماني رَكَعاتٍ بَينَ المَغرِبِ والعَتمَةِ وَاثنَتَينِ وَعِشرينَ رَكعَةً بَعدَ العَتمَةِ ، إلاّ في لَيلَةِ إحدى وَعِشرينَ ، فَإنّ المائَةَ تَجزيكَ إنْ شاءَ اللّه ُ تعالى وذلِكَ سِوى الخَمسينَ ، وأكثِر من قراءَةِ إنّا أنزلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ . (1)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 3 ص 67 ح 220.

ص: 256

15 كتابه عليه السلام في الحجّ

15كتابه عليه السلام في الحجّمحمّد بن الصّفار ، عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن مهزيار عن بكر بن صالح (1) قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام : أنّ ابني معي ، وَقَد أمَرتُهُ أنْ يَحِجّ عن أُمِّي أيجزي عنها حَجَّة الإسلام؟ فكتب عليه السلام :لا ، وكانَ ابنُهُ صَرورَةً وكانت أُمُّهُ صَرورَةً . (2)

.


1- . بكر بن صالح : من أصحاب الباقر عليه السلام (رجال الطوسي : ص 127 الرقم 1291) .
2- . تهذيب الأحكام : ج 5 ص 412 ح 1433 ، وسائل الشيعة : ج 11 ص 174 ح 14557.

ص: 257

16 كتابه عليه السلام في المتعة

17 كتابه عليه السلام في السبق والرماية

16كتابه عليه السلام في المتعةعيسى بن يزيد قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام في رجل تكون في منزله امرأة تخدمه فيلزم النَّظرُ إليها فَيتَمتّعُ بِها ، والشَّرطُ أنْ لا يفتضَّها؟ فكتب :لا بأسَ بالشَّرطِ إذا كانت مِتعَةً . (1)

17كتابه عليه السلام في السّبق و الرّمايةمحمّد بن عيسى اليقطيني ، عن أبي عاصم ، عن هاشم بن ماهويه المداريّ ، عن الوليد بن أبان الرازي قال : كتب ابن زاذان فروخ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام يسأله عن الرّجل يركض في الصّيد لا يريد بذلك طلب الصّيد ، وإنّما يريدُ بذلك التّصحُّحَ . قال :لا بأسَ بِذلِكَ لا لِلَّهوِ . (2)

.


1- . رسالة المتعة : ص 13 ح 35 ، خلاصة الإيجاز : ص 55 ، بحار الأنوار : ج 103 ص 310 ح 47.
2- . المحاسن : ج 2 ص 468 ح 2622 ، بحار الأنوار : ج 65 ص 286 ح 41.

ص: 258

18 إملاؤه عليه السلام لورد بن زيد في الذّبيحة

18إملاؤه عليه السلام لورد بن زيدفي الذّبيحةفضالة ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن الورد بن زيد 1 ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : حدّثني حديثاً و أمله عليَّ حتّى أكتبه . فقال :أينَ حفِظُكُم يا أهلَ الكوفَةِ؟ قال : قلت : حَتَّى لا يَرُدَّهُ عَلَيَّ أحَدٌ . ما تقول في مجوسيّ قال : بسم اللّه ، ثمّ ذبح؟ فقال : كُلْ . قلت : مُسلِمٌ ذبَحَ ولَم يُسَمِّ؟ فقال : لا تَأكُلْهُ ، إنَّ اللّه َ تعالى يَقولُ : فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسمُ اللّه ِ عَلَيهِ ، و لا تَأكُلُوا مِمَّا لم يُذكَرِ اسمُ اللّه ِ عَلَيهِ (1) . (2)

.


1- . اقتباس من آيتين من سورة الأنعام : « فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِ_آيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ» (118 و 119) .
2- . تهذيب الأحكام : ج 9 ص 69 ح 293 ، من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 331 ح 4183.

ص: 259

19 كتابه عليه السلام في الذبائح

20 كتابه عليه السلام في الميراث

19كتابه عليه السلام في الذّبائحفضالة عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن الورد بن زيد قال : قلت لأبي جعفر عليهماالسلام : حدّثني حديثاً و أمله عليّ حتّى أكتبه . فقال:أين حِفظُكُم يا أهلَ الكوفَةِ ؟ قال : قلتُ : حتّى لا يَرُدَّهُ عَلَيَّ أحَدٌ . ما تقولُ في مجوسيّ قال : بسم اللّه ، ثمّ ذبح ؟ فقال: كُلْ . قلت : مُسلِم ذبَحَ ولَم يُسَمِّ ؟ فقال : لا تأكُلهُ ، إنَّ اللّه َ تعالى يَقولُ : فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللّه ِ عَلَيهِ ولا تأكُلوا مِمّا لم يُذكَرِ اسمُ اللّه ِ عَلَيهِ . (1)

20كتابه عليه السلام في الميراثمحمّد الكاتب عن عبد اللّه بن عليّ بن عمر بن يزيد عن عمّه محمّد بن عمر 2 أنّه كتب إلى أبي جعفر عليهماالسلام يسأله عن رَجُلٍ ماتَ ، وكانَ مَولىً لِرجُلٍ وَقَدْ ماتَ مَولاهُ قَبلَهُ ، ولِلمَولى ابنٌ وبناتٌ ، فَسَألتُهُ عن مِيراثِ المَولى؟ فقال :هُو للرِجالِ دونَ النِّساءِ . (2)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 9 ص 69 ح 293 ، وسائل الشيعة : ج 24 ص 63 ح 30003.
2- . تهذيب الأحكام : ج 9 ص 397 ح 1419 ، وسائل الشيعة : ج 26 ص 87 ح 32549.

ص: 260

. .

ص: 261

21 كتابه عليه السلام في الجهاد

21كتابُه عليه السلام في الجهادمحمَّد بن يحْيَى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسَى ، عن الحسن بن مَحْبُوب 1 ، عن بعض أصحابه قال كتَب أبو جعفر عليه السلام في رسالة إلى بعض خلفاء بني أُميَّة :«وَمِن ذلِكَ ما ضَيَّعَ الجهادَ الّذي فَضَّلَهُ اللّه ُ عز و جل عَلى الأعمالِ ، وفَضَّل عامِلَهُ على العُمَّالِ تفضِيلاً في الدَّرَجاتِ والمَغفِرَةِ والرَّحْمَةِ ؛ لِأنَّهُ ظَهَر بهِ الدِّينُ ، وَبهِ يُدفَعُ عَنِ الدِّينِ ، وبهِ اشتَرى اللّه ُ مِنَ المُؤمِنينَ أنفُسَهُم وأموالَهُم بالجَنَّةِ بَيْعاً مُفْلِحاً مُنْجِحاً ، اشترَط عَلَيهِم فيهِ حِفْظَ الحُدُودِ ، وأوَّلُ ذلِكَ الدُّعاءُ إلى طاعَةِ اللّه ِ عز و جل من طاعَةِ العِبادِ ، وإلى عبادَةِ اللّه ِ مِن عبادَةِ العِبادِ ، وإلى وَلايَةِ اللّه ِ مِن وَلايَةِ العِبادِ ، فَمَن دُعِي إلى الجِزْيةِ فأبى قُتِلَ وسُبِيَ أهلُهُ ، وَليْسَ الدُّعاءُ من طاعَةِ عَبدٍ إلى طاعَةِ عبدٍ مِثْلِهِ ، وَمَن أقَرَّ بالْجِزْيَةِ لَم يُتَعَدَّ عَلَيهِ ، ولم تُخْفَرْ ذِمَّتُهُ ، وكُلِّفَ دُونَ طاقَتِهِ ، وكانَ الفَيْءُ للمُسلِمينَ عامَّةً غيْرَ خاصَّةٍ ، وإنْ كانَ قِتالٌ وسَبْيٌ سِيرَ في ذلِكَ بسِيرَتِهِ ، وَعَمِل في ذلِكَ بسُنَّتِهِ مِنَ الدِّينِ ، ثُمَّ كَلَّف الأعْمَى والأعرَجَ ، الَّذين لا يَجدونَ ما يُنْفِقونَ عَلى الجِهادِ بعد عُذْر اللّه عز و جل إيَّاهم ، ويُكَلِّف الَّذينَ يُطِيقونَ ما لا يُطِيقونَ ، وإنَّما كانوا أهلَ مِصرٍ يُقاتِلونَ مَن يَلِيهِ ، يُعْدَلُ بينَهُم في البُعُوثِ ، فذَهبَ ذلِكَ كُلُّهُ ، حَتَّى عادَ النَّاسُ رَجُلَينِ : أجيرٌ مؤتَجِر بَعْدَ بيْعِ اللّه ِ ، ومُسْتأْجِرٌ صاحِبُهُ غارِمٌ ، وبَعْدَ عُذْرِ اللّه ِ ، وذهَبَ الحَجُّ فضُيِّع ، وافْتقَر النَّاسُ فمَن أعْوجُ مِمَّن عَوَّجَ هذا ، وَمَن أقوَمُ مِمَّن أقامَ هذا ، فرَدَّ الجِهادَ على العِبادِ ، وزَادَ الجهادَ عَلى العِبادِ ، إنَّ ذلِكَ خَطَأٌ عَظِيمٌ» . (1)

.


1- . الكافي :ج 5 ص 3 ح 4 ، تفسير نور الثقلين : ج 2 ص 269 ح 356.

ص: 262

22 كتابه عليه السلام إلى هشام بن عبدالملك في الحدّ

22كتابه عليه السلام إلى هشام بن عبدالملك في الحدّعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن آدمَ بن إسحاق ، عن عبد اللّه بن محمّد الجُعْفِيِّ 1 ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام وجاءَه كتاب هِشام بن عبد المَلِك في رجل نبَش امْرَأة فسلَبَها ثيابَها ، ثمَّ نكَحَها ، فإنَّ النَّاس قد اخْتلفوا عليْنا هاهنا ، فَطائِفَةٌ قالوا : اقتُلوهُ ، وطائِفةٌ قالوا : أحْرِقوهُ . فكَتب إليه أبو جعفر عليه السلام :إنَّ حُرْمَةَ الميِّتِ كحُرْمَةِ الحَيِّ ، حَدُّه أنْ تُقْطَع يَدُهُ لنَبْشهِ وسَلْبهِ الثِّيابَ ، ويُقامُ عَلَيهِ الحَدُّ في الزِّنَى ، إنْ أُحْصِنَ رُجِم ، وإنْ لَم يَكُنْ أُحْصِنَ جُلِدَ مِائَةً . (1)

.


1- . الكافي ،ج7 ص228 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج10 ص63 ص12 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص74 ح5145.

ص: 263

23 كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن المبارك في عتقه

23كتابُه عليه السلام إلى عبد اللّه بن المباركفي عتقهبكر بن صالح : إنَّ عبد اللّه بن المبارك 1 أتى أبا جعفر عليه السلام فقال : إنِّي رَوَيتُ عَن آبائك عليهم السلام، إنَّ كُلَّ فتحٍ بِضَلالٍ فَهوَ للإمامِ . فقال :نعم . قلت : جُعِلتُ فِداكَ ، فإنَّهُم أتَوا بي مِن بَعضِ فُتوحِ الضَّلالِ ، وقد تخلَّصتُ مِمَّن مَلكوني بِسَبَبٍ ، وقد أتيتُكَ مُستَرَقّاً مُستَعبَداً . قال عليه السلام : قد قبلت . فلمَّا كانَ وَقتُ خُروجهِ إلى مَكَّةَ قال : مُذ حَجَجتُ فَتَزوّجتُ وَمَكسَبي مِمَّا يَعطِفُ عليّ إخواني ، لا شيءَ لي غيرُهُ فَمُرني بِأمرِكَ . فقال عليه السلام : انصرف إلى بلادِكَ وأنتَ مِن حَجِّكَ وَتَزويجِكَ وكَسبِكَ في حِلٍّ ، ثمّ أتاهُ بَعدَ سِتِّ سِنينَ ، وَذكَرَ لَهُ العُبودِيَّةَ التَّي ألزَمَها نَفسَهُ . فقال : أنتَ حُرٌّ لِوَجهِ اللّه ِ تَعالى . فَقالَ : اكتُب لي بهِ عَهداً ، فخرَجَ كِتابُهُ : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم هذا كتابُ محمّد بن عليّ الهاشميّ العلويّ لعَبدِ اللّه ِ بنِ المُبارَكِ فتاهُ ، إنِّي أعتِقُكَ لِوَجهِ اللّه ِ ، والدَّارِ الآخِرَةِ لا رَبَّ لكَ إلاَّ اللّه ُ ، ولَيسَ عَلَيكَ سَيّدٌ ، وأنتَ مَولايَ وَمَولى عَقِبي مِن بَعدِي .

.

ص: 264

وكُتِبَ في المُحرَّم سَنَةَ ثلاثِ عَشرَةَ ومائةً ، وَوَقَّعَ فيهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ بِخَطِّ يدِهِ ، وَختمَهُ بِخاتَمِهِ . وَيُقال : إنّه هاشِميّ من هاشميّين ، وعلويّ من علويّين ، وفاطميّ من فاطميّين ، لأنّه أوّل ما اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهماالسلام . وكانت أُمُّه أُمَّ عبداللّه بنت الحسن بن عليّ . وكان عليه السلام أصدقَ النّاسِ لهجَةً ، وأحسنهم بَهجَةً ، وأبذَلَهُم مُهجَةً 1 . (1)

.


1- . المناقب لابن شهر آشوب : ج 4 ص 208 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 339 ح 28 نقلاً عنه و راجع : رجال الكشي : ج 2 ص 839 الرقم1076.

ص: 265

. .

ص: 266

. .

ص: 267

الفصل الثالث : وصاياه

24 وصيّته عليه السلام لعمر بن عبد العزيز

الفصل الثالث : وصاياه عليه السلام24وصيّته عليه السلام لعمر بن عبد العزيزفي تاريخ مدينة دمشق : قرأت بخطّ عبد الوهاب الميدانيّ سماعه من أبي سليمان بن زبر عن أبيه أبي محمّد قال : وأخبرني أحمد بن عبد اللّه قال : وجدت في كتاب جدي بخطّه عن الفرات بن السّائب ، عن أبي حمزة : أنَّ عمر بن عبد العزيز _ لمّا وُلِّي _ بعث إلى الفقهاء فقرّبهم وكانوا أخصّ النّاس به بعث إلى محمّد بن عليّ بن حسين أبي جعفر ، وبعث إلى عون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود ، وكان من عُبّاد أهل الكوفة وفقهائهم فقدم عليه ، وبعث إلى محمّد بن كعب القرظيّ _ وكان من أهل المدينة من أفاضلهم وفقهائهم _ فلمّا قَدِمَ أبو جعفر محمّد بن عليّ على عمر بن عبد العزيز ، وأراد الانصراف إلى المدينَةِ ، قال : بينما هو جالس في النّاس ينتظرون الدخول على عمر ، إذ أقبل ابن حاجب عمر ، وكان أبوه مريضاً فقال : أين أبو جعفر ليدخل ، فأشفق محمّد بن عليّ أنْ يقوم فلا يكون هو الّذي دعا به فنادى ثلاث مرّات . قال : لم يَحضُر يا أميرَ المُؤمنينَ . قال : بلى قد حضر ، حدّثني بذلك الغلام . قال : فقد ناديته ثلاث مرّات . قال : كيف؟ قلت : قال قلت : أين أبو جعفر؟ قال : ويحك اخرج . فقل : أين محمّد بن عليّ؟ فخرج فقام فدخل فحدّثَهُ ساعَةً وقال : إنّي أُريدُ الوَداعَ يا أميرَ المُؤمنينَ قال عمر : فأوصِني يا أبا جَعفَر : قال : أُوصيك بِتَقوى اللّه ِ ، واتَّخِذِ الكبيرَ أباً والصَّغيرَ وَلَداً والرَّجُلَ أخاً . فقال : رحِمَكَ اللّه ُ ، جَمَعتَ لنا واللّه ِ ما إنْ أخَذنا بهِ وأماتَنا اللّه ُ عَلَيهِ استَقامَ لَنا الخَيرُ إن شاءَ اللّه ُ . ثُمَّ خرج فلمّا انصرف إلى رحله ، أرسل إليه عمر : إنّي أُريدُ أنْ آتيكَ فاجلِس في إزارٍ ورداءٍ ، فَبعَثَ إليهِ : لا بل أنا آتيك فأقسَمَ عَلَيهِ عُمَرُ . فأتاه عُمَرُ فالتزمَهُ ووَضَعَ صدرَهُ علَى صَدرِهِ ، وأقبَلَ يَبكِي ثُمَّ جَلَسَ بينَ يَدَيهِ ، ثُمَّ قامَ وليسَ لِأَبي جَعفَر حاجَةٌ سَألَهُ إيَّاها إلاّ قَضاها لَهُ ، وانصَرَفَ فَلَم يلتقيا حَتَّى ماتا جميعاً ، رَحِمَهُما اللّه ُ . (1)

.


1- . تاريخ مدينة دمشق : ج 54 ص 270.

ص: 268

25 وصيّته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفيّ في الوعظ

25وصيّته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفيّفي الوعظالإمام الباقر عليه السلام :يا جابِرُ اغْتَنِم مِن أهلِ زمانِكَ خَمْساً : اغتنم خمسا : إنْ حَضَرتَ لم تُعرَفْ ، وإنْ غِبْتَ لم تُفْتَقَدْ ، وإنْ شَهِدتَ لَم تُشاوَر ، وإنْ قُلتَ لم يُقْبَل قَولُكَ ، وإنْ خَطَبتَ لم تُزَوَّج . اُوصيك بخمسٍ : وَأُوصيكَ بِخَمسٍ : إنْ ظُلِمتَ فلا تَظلِمْ ، وإنْ خَانوكَ فلا تَخُنْ . وإنْ كُذِّبتَ فَلا تَغْضَب ، وإنْ مُدِحتَ فلا تَفرَحْ ، وإنْ ذُمِمْتَ فلا تَجزَعْ . وَفَكِّر فيما قِيلَ فيكَ ، فإنْ عَرَفتَ مِن نَفسِكَ ما قِيلَ فيكَ ، فسُقُوطُكَ مِن عَينِ اللّه ِ جَلَّ وَعَزَّ عِندَ غَضَبِكَ من الحقِّ ، أعظَمُ عَلَيكَ مُصيبَةً مِمَّا خِفْتَ مِن سُقوطِكَ مِن أعيُنِ النَّاسِ ، وإنْ كُنتَ عَلى خِلافِ ما قيلَ فِيكَ ، فثوابٌ اكتَسبْتَهُ مِن غَيرِ أنْ يَتْعَبَ بَدَنُكَ . علامة الأولياء : واعلَم بأنَّك لا تكونُ لنا ولِيّاً حتَّى لَو اجتَمَعَ عَلَيكَ أهْلُ مِصرِكَ وَقَالوا : إنَّكَ رَجُلُ سَوءٍ لَم يَحزُنكَ ذلِكَ ، وَلَو قالوا : إنَّكَ رَجُلٌ صالِحٌ لم يَسُرَّك ذلِكَ ، ولكِنِ اعرِضْ نَفسَكَ عَلى كتابِ اللّه ِ ، فإنْ كُنتَ سالِكاً سَبيلَهُ ، زَاهِداً في تَزْهيدِهِ ، راغِباً في تَرْغيبهِ ، خائِفاً مِن تَخويفِهِ فاثْبُتْ وأبْشِر ، فإنَّهُ لا يَضُرُّكَ ما قِيلَ فيكَ . وإنْ كُنتَ مُبائِناً لِلقُرآنِ ، فماذا الَّذي يَغرُّكَ مِن نَفسِكَ . في أحوال المؤمن : إنَّ المُؤمِنَ مَعْنيٌّ بِمُجاهَدة نفسِهِ لَيغلِبَها عَلى هَواها ، فمَرَّةً يُقيمُ أوَدَها (1) ويُخالِفُ هَواها في مَحَبَّةِ اللّه ِ ، وَمَرَّةً تَصْرَعُهُ نَفسُهُ فَيَتَّبِعُ هَواها فَيُنْعِشُهُ اللّه ُ (2) فينْتَعِشُ ، وَيُقيلُ اللّه ُ عَثْرَتَه فَيَتذكَّرُ ، ويفزَعُ إلى التّوبَةِ والمَخَافَةِ فيزدادُ بَصيرَةً وَمَعرِفَةً لِما زيدَ فيهِ مِنَ الخَوفِ ، وَذلِكَ بأنَّ اللّه َ يَقولُ : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَ_ائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ» (3) . في القناعة : يا جابِرُ ؛ استَكثِرْ لِنَفسِكَ مِنَ اللّه ِ قَليلَ الرِّزقِ تَخَلُّصاً إلى الشُّكرِ ، واستَقْلِل مِن نفسِكَ كَثيرَ الطَّاعَةِ للّه ِ إزْراءً عَلى النَّفسِ (4) وَتَعرُّضاً للعَفوِ . في أهمية العلم : وَادفَع عَن نَفسِكَ حاضِرَ الشَّرِّ بِحاضِرِ العِلمِ . واستعمِل حاضِرَ العلِم بِخالِصِ العَمَلِ . وَتَحرَّز في خالِصِ العَمَلِ مِن عَظيمِ الغَفلَةِ بِشِدَّة التَّيقُّظِ . واستَجلِبْ شِدَّةَ التَّيقُّظِ بِصدقِ الخَوفِ . واحذَر خَفِيَّ التَّزيُّنِ بحِاضِرِ الحَياةِ ، وتَوَقَّ مُجازَفَةَ الهَوى بِدَلالَةِ العَقلِ . وقِفْ عند غَلَبَةِ الهَوى باستِرشادِ العِلمِ . واستَبْقِ خالِصَ الأعمالِ لِيومِ الجَزاءِ . وَانزِلْ ساحَةَ القَناعَةِ باتِّقاءِ الحِرْصِ ، وَادفَعْ عَظيمَ الحِرصِ بإيثارِ القَناعَةِ . واستَجلِب حَلاوَةَ الزَّهادَةِ بِقِصَرِ الأمَلِ . واقطَع أسبابَ الطَّمَعِ بِبَرد اليأسِ . وَسُدَّ سَبيلَ العُجْبِ بِمَعرِفَةِ النَّفسِ . وَتَخَلَّص إلى راحَةِ النَّفسِ بِصِحَّةِ التَّفويضِ . فيما يخصُّ البدنَ والقلب : واطلب راحَةَ البَدَنِ بإجمامِ (5) القَلبِ . وَتَخَلّص إلى إجمامِ القَلبِ بقِلَّةِ الخَطأ . وَتَعَرَّض لِرِقَّة القلبِ بِكَثْرةِ الذِّكرِ في الخلوَاتِ . وَاستَجلِب نُورَ القَلْبِ بِدَوامِ الحُزنِ . التحذير من إبليس : وَتَحَرَّز مِن إبليسَ بالخَوفِ الصَّادِقِ . وإيَّاكَ والرَّجاءَ الكاذِبَ ، فَإنَّهُ يُوقِعُكَ في الخَوفِ الصَّادِقِ . التحبّب إلى اللّه : وَتَزَيَّنْ للّه ِ عز و جل بالصِّدقِ في الأعْمالِ . وَتَحَبَّبْ إلَيهِ بِتَعجيلِ الانتقالِ . وَإيَّاك وَالتَّسويفَ ، فَإنَّهُ بَحرٌ يَغْرَقُ فيهِ الهَلْكَى . وإيَّاكَ والغَفلَةَ ، ففيها تَكونُ قَساوَةُ القَلبِ . وَإيَّاك وَالتَّوانِيَ فيما لا عُذرَ لَكَ فِيهِ ، فَإلَيهِ يَلْجَأ النَّادِمونَ . مواعظ للتوبة : واسترجِع سالِفَ الذُّنوبِ بِشِدَّة النَّدَمِ ، وكَثرةِ الاستِغفارِ . وَتَعرَّضْ للرَّحْمَةِ وَعَفْوَ اللّه ِ بِحُسْنِ المُراجَعَةِ ، وَاستَعِنْ على حُسْنِ المُراجَعَةِ بِخالِصِ الدُّعاءِ وَالمُناجاةِ في الظُّلَمِ . في الشكر وطلب الرزق : وَتَخَلَّص إلى عَظيمِ الشُّكرِ باستِكثارِ قَليلِ الرِّزقِ ، واستِقلالِ كَثيرِ الطَّاعَةِ . واستجلِب زيادَةَ النِّعَمِ بِعَظيمِ الشُّكرِ والتَّوسُّلِ إلى عَظيمِ الشُّكرِ بِخَوفِ زَوَالِ النِّعَمِ . في طلب العزّ ودفع الذلّ : وَاطلُب بَقاءَ العِزِّ بإماتَةِ الطَّمَعِ . وَادفَع ذُلَّ الطَّمَعِ بِعِزِّ اليَأسِ ، وَاستَجْلِبْ عِزَّ اليأسِ بِبُعدِ الهِمَّةِ ، وَتَزَوَّدْ مِنَ الدُّنيا بِقِصَرِ الأمَلِ . وبادِر بانْتهازِ البُغْيَةِ (6) عِندَ إمكانِ الفُرْصَةِ ، وَلا إمكانَ كالأيَّامِ الخالِيَةِ مَعَ صِحَّةِ الأبدانِ . وصايا قصار : وَإيِّاكَ والثِّقَةَ بِغَيرِ المَأمونِ ، فَإنَّ لِلشَّرِّ ضَراوَةً (7) كضَراوَةِ الغِذاءِ . وَاعلَم أنَّهُ لا عِلمَ كَطَلَبِ السَّلامَةِ ، ولا سَلامَةَ كَسَلامَةِ القَلبِ . وَلا عَقلَ كَمُخالَفَةِ الهَوى . وَلا خَوْفَ كَخَوْفٍ حاجِزٍ . وَلا رجاءَ كَرَجاءٍ مُعِينٍ . وَلا فَقرَ كَفَقرِ القَلبِ . وَلا غِنى كغِنى النَّفسِ . وَلا قُوَّةَ كَغَلَبةِ الهَوَى . وَلا نُورَ كَنورِ اليَقينِ . وَلا يَقينَ كاستِصغارِكَ الدُّنيا . وَلا مَعرِفَةَ كَمَعرِفَتِكَ بِنَفسِكَ . وَلا نِعمَةَ كالعافِيَةِ . وَلا عافِيَةَ كَمُساعَدَةِ التَّوفيقِ . وَلا شَرَفَ كَبُعدِ الهِمَّةِ . وَلا زُهدَ كَقِصَرِ الأمَلِ . وَلا حِرصَ كالمُنافَسَةِ (8) فِي الدَّرَجاتِ . وَلا عَدْلَ كالإنصافِ . وَلا تَعَدِّيَ كالجَوْرِ . وَلا جَورَ كَمُوافَقَةِ الهَوى . وَلا طاعَةَ كأداءِ الفَرائِضِ . وَلا خَوفَ كالحُزنِ . وَلا مُصيبَةَ كَعَدَمِ العَقلِ . وَلا عَدمَ عَقلٍ كَقِلَّةِ اليَقينِ . وَلا قِلَّةَ يَقينٍ كَفَقْدِ الخَوْفِ . وَلا فَقدَ خَوفٍ كَقِلَّةِ الحُزنِ عَلى فَقْدِ الخَوْفِ . وَلا مُصيبَةَ كاستهانَتِكَ بالذَّنبِ وَرِضاكَ بالحالَةِ الَّتي أنتَ عَلَيها . ولا فَضيلَةَ كالجِهادِ . ولا جِهادَ كَمُجاهَدَةِ الهَوى . ولا قُوَّةَ كَرَدِّ الغَضَبِ . ولا مَعصِيَةَ كَحُبِّ البَقاءِ . ولا ذُلَّ كَذُلِّ الطَّمَعِ . وَإيَّاكَ والتَّفريطَ عِندَ إمكانِ الفُرْصَةِ ، فَإنَّهُ مَيَدانٌ يَجري لِأهلِهِ بالخُسرانِ . (9)

.


1- . الاَوَد : العوج . وقد يأتي بمعنى القوّة .
2- . نعشه اللّه : رفعه وأقامه وتداركه من هلكة وسقطة . وينعش أي ينهض _ وينشط .
3- . الأعراف :201 .
4- . أزرى على النفس : عابها وعاتبها . ويحتمل أنْ يكون : ازدراء _ من باب الافتعال _ أي احتقاراً واستخفافاً .
5- . الجمام _ بالفتح _ : الراحة . واجمّ نفسه أي: تركها .
6- . البغية : مصدر بغى الشيء أي طلبه ، وانتهاز البغية : اغتنامها والنهوض إليها مبادراً .
7- . الضراوة : مصدر ضرى بالشيء ، أي لهج به وتعوده وأولع به .
8- . المنافسة : المفاخرة والمباراة .
9- . تحف العقول : ص 284 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 162 ح 1 نقلاً عنه.

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

ص: 272

. .

ص: 273

26 وصيّته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفيّ

26وصيّته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفيّجابر ، قال : دخلْنا على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام ونحن جَماعةٌ بعد ما قضينا نُسكَنا ، فودَّعناه وقلنا له : أوصِنا يابن رسول اللّه . فقال :لِيُعِنْ قَويُّكُم ضَعيفَكُم ، وَليَعْطِف غَنِيُّكُم على فَقيرِكُم ، وَليَنْصَحِ الرَّجُلُ أخاهُ كنُصْحِهِ لِنَفسِهِ ، وَاكْتُموا أسرَارَنا ، ولا تَحمِلوا النَّاسَ على أعناقِنا ، وَانظُروا أمرَنا وَما جاءَكُم عَنَّا ، فإنْ وجَدتُموهُ للقُرآنِ موافِقاً فَخُذُوا بهِ ، وإنْ لم تجِدوهُ مُوافِقاً فَرُدُّوهُ ، وانْ اشْتَبَهَ الأمرُ عَلَيكُم فيهِ فَقِفوا عِندَهُ ، وَرُدُّوهُ إلينا حَتّى نَشْرَح لَكُم مِن ذلِكَ ما شُرِحَ لَنا ، وإذا كُنتُم كَما أوصَيناكُم ، لَم تَعْدُوا إلى غَيرِهِ ، فماتَ مِنكُم مَيِّتٌ قَبلَ أنْ يَخرُجَ قائِمُنا كانَ شَهِيداً ، وَمَن أدرَكَ مِنكُم قائِمَنا فقُتِلَ مَعهُ كانَ لَهُ أجرُ شَهيدَينِ ، ومَن قَتَلَ بَينَ يَدَيهِ عَدُوَّاً لَنا كانَ لَهُ أجرُ عِشرينَ شَهِيداً . (1)

.


1- . الأمالي للطوسي : ص 232 ح 410 ، بشارة المصطفى : ص 113 ، بحار الأنوار : ج 52 ص 122 ح 5.

ص: 274

27 وصيّته عليه السلام لأبي الجارود

27وصيّته عليه السلام لأبي الجارودأبو الجارود 1 ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له عليه السلام : أوصني ، فقال :اُوصيكَ بِتَقوَى اللّه ، وأنْ تَلْزَم بَيتَكَ ، وَتَقْعُدَ في دَهْماءِ هَؤُلاءِ النَّاسِ ، وَإيَّاكَ والخوارِجَ مِنَّا فإنَّهُم لَيسوا على شَيْءٍ وَلا إلى شَيْءٍ . وَاعلَمْ أنَّ لِبَني أُمَيَّةَ مُلْكاً لا يَستَطيعُ النَّاسُ أنْ ترْدَعَهُ ، وأنَّ لِأهلِ الحَقِّ دَولَةً إذا جاءَتْ وَلاَّها اللّه ُ لِمَن يَشاءُ مِنَّا أهلَ البَيتِ ، فَمَن أدرَكَها مِنكُم كانَ عِندَنا في السَّنامِ الأَعلَى ، وإنْ قَبَضَه اللّه ُ قَبلَ ذلِكَ خارَ لَهُ . وَاعْلَم أنَّهُ لا تَقومُ عِصابَةٌ تَدْفَعُ ضَيْماً أو تُعِزُّ دِيناً إلاَّ صَرَعَتْهُم المَنِيَّةُ والبَلِيَّةُ حَتّى تَقومَ عِصابَةٌ شَهِدوا بَدرَاً مَعَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لا يُوارى قَتيلُهُم ، وَلا يُرفَعُ صَرِيعُهُم ، ولا يُداوى جَريحُهُم . قُلتُ : مَنْ هُمْ؟ قال : الملائِكَةُ . (1)

.


1- . الغيبة للنعماني : ص 194 ح 2 ، بحار الأنوار : ج 52 ص 136 ح 14.

ص: 275

. .

ص: 276

28 وصيّته عليه السلام لحمران بن أعْين

28وصيّته عليه السلام لحَمران بن أعْينحَمران بن أعْين 1 ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، فقلت له أوصني ، فقال : أوصيك بتقوى اللّه ، وإيِّاك والمِزاحَ ، فإنَّهُ يُذهِبُ هَيْبةَ الرَّجُلِ وماءَ وَجهِهِ ، وَعَلَيكَ بِالدُّعاءِ لإخوانِكَ بِظَهرِ الغَيبِ ، فإنَّه يُهيلُ الرِّزقَ ، يَقولُها ثَلاثاً . (1)

.


1- . مستطرفات السرائر : ص 144 ح 13 ، بحار الأنوار : ج 76 ص 60 ح 14.

ص: 277

. .

ص: 278

. .

ص: 279

29 وصيّته عليه السلام لخيْثمة

29وصيّته عليه السلام لخَيْثَمَةمحمّد بن يحيَى عن أحمدَ بن محمّد بن عيسَى عن عليّ بن النُّعْمان عن ابن مُسْكان عن خَيْثَمَة 1 قال : دخلْت على أبي جعفر عليه السلام أُوَدِّعُه ، فقال : يا خَيْثَمةُ أبلِغْ مَن ترَى مِن مَوالينا السَّلامَ ، وَأوْصِهِم بِتَقوَى اللّه ِ العَظِيم ، وأنْ يعود غَنِيُّهُم على فَقيرِهِم ، وَقَوِيُّهُم على ضَعيفِهِم ، وأنْ يَشهَدَ حَيُّهُم جِنازَةَ مَيِّتِهِم وأنْ يَتَلاقَوْا في بُيُوتِهِم ، فإنَّ لُقيا بَعضِهِم بَعضاً حَياةٌ لِأَمرِنا ، رَحِمَ اللّه ُ عَبداً أحيا أمرَنا . يا خَيْثَمَةُ أبلِغْ مَوالينا ، أنَّا لا نُغْني عَنهُم مِنَ اللّه ِ شَيئاً إلاّ بِعَمَلٍ ، وَأنَّهُم لَن يَنالوا وَلايتَنا إلاّ بالوَرَعِ ، وأنَّ أشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَومَ القِيامَةِ مَن وَصَفَ عَدْلاً ثُمَّ خالَفَهُ إلى غَيْرِهِ . (1)

.


1- . الكافي :ج 2 ص 175 ح 2 ، الدعوات : ص 225 ح 622 عن المفضل وفيه إلى «رَحِمَ اللّه ُ عَبداً أحيا أمرَنا» ، مشكاة الأنوار : ص 96 ح 216 نحوه ، بحار الأنوار : ج 74 ص 343 ح 2.

ص: 280

. .

ص: 281

30 وصيّته عليه السلام لبعض شيعته

وصايا للشيعة

في صفات شيعتهم عليهم السلام

30وصيّته عليه السلام لبعض شيعتهفي دعائم الإسلام : عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام ، أنَّه أوصَى بعض شيعته فقال :وصايا للشيعة يا مَعشَرَ شيعَتِنا ، اسمَعوا وافهَمُوا وصايانا وَعَهْدَنا إلى أوليائِنا ، اُصدقُوا في قَولِكُم ، وبَرُّوا في أيْمانِكُم لأوليائِكُم وأعدائِكُم ، وَتَواسَوا بِأَموالِكُم ، وتَحَابُّوا بِقُلوبِكُم ، وتَصَدَّقوا على فُقَرائِكُم ، وَاجتَمِعُوا عَلى أمرِكُم ، ولا تَدخُلوا غِشَّاً ولا خِيانَةً على أحَدٍ ، ولا تَشُكُّوا بَعدَ اليَقينِ ، ولا تَرجِعُوا بَعدَ الإقدامِ جُبْنا ، ولا يُوَلِّ أحَدٌ مِنكُم أهلَ مَوَدَّتِهِ قَفاهُ ، ولا تَكونَنَّ شَهوَتُكُم في مَوَدّةِ غَيرِكُم ، ولا مَوَدَّتُكُم فيما سِواكُم ، ولا عَمَلُكُم لِغَيرِ رَبِّكُم ، ولا إيمانُكُم وَقَصدُكُم لِغَيرِ نَبِيِّكُم ، وَاستَعينوا باللّه ِ وَاصبِروا ، إنَّ الأرضَ للّه ِ ، يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ والعاقِبَةُ للمُتَّقينَ ، وإنَّ الأرضَ للّه ِ يُورِثُها عبادَهُ الصالِحينَ . في صفات شيعتهم عليهم السلام ثُمَّ قال : إنَّ أولياءَ اللّه ِ وأولياءَ رَسُولِهِ مِن شيعَتِنا ، مَن إذا قالَ صَدَقَ ، وإذا وَعَدَ وَفَى ، وإذا ائتُمِنَ أدَّى ، وإذا حُمِّل في الحقِّ احتَمَل ، وإذا سُئِلَ الواجِبَ أعطَى ، وإذا أمرَ بالحَقِّ فَعَلَ ، شيعَتُنا مَن لا يَعدو عِلمُهُ سَمعَهُ ، شيعَتُنا من لا يمدَحُ لَنا مَعِيبا ولا يواصِلُ لنا مُبغِضاً ، ولا يجالِسُ لَنا قالِياً ، إن لَقِيَ مؤمِنا أكرَمَهُ ، وإنَّ لَقِيَ جاهِلاً هَجَرَهُ ، شيعَتُنا من لا يهرُّ هَريرَ الكلبِ ، ولا يَطمَعُ طمَعَ الغُرابِ ، ولا يسألُ أحَداً إلاَّ مِن إخوانِهِ ، وإنْ ماتَ جُوعاً ، شيعَتُنا مَن قالَ بقولِنا وَفارَقَ أحبَّتَهُ فينا ، وَأدنَى البُعداءَ في حُبِّنا ، وأبعَدَ القُرباءَ في بُغضِنا . فقال له رجل ممَّن شهد : جُعِلتُ فِداكَ : أينَ يُوجَدُ مَثَلُ هَؤُلاءِ؟ فقال : في أطرافِ الأرَضِينَ ، أُولئِكَ الخَفيضُ عَيشُهُم ، القَريرَةُ أعيُنُهُم ، إن شَهِدوا لَم يُعرَفُوا ، وإن غابُوا لم يُفتَقَدوا ، وإن مَرِضوا لم يُعادُوا ، وإن خَطَبُوا لم يُزَوَّجوا ، وإن وَرَدوا طريقا تَنكَّبُوا ، وَإذا خاطَبَهُم الجاهِلونَ قالوا سَلاماً ، ويَبيتونَ لِرَبِّهِم سُجَّداً وَقِياماً .

.

ص: 282

في عاقبة من يتشيّع باللسان دون القلب

في الموعظة وصفات العباد الصالحين

في أحوال علماء الشيعة

في عاقبة من يتشيّع باللّسان دون القلبقال :يابنَ رَسولِ اللّه ِ ، فَكَيفَ بالمُتشيّعينَ بِألسِنَتِهِم وَقُلوبُهُم على خِلافِ ذلِكَ؟ فقالَ : التمحيصُ يأتي عَلَيهِم بِسنينَ تُفنيهم ، وَضَغائِنَ تُبيدُهُم واختلافٍ يَقتُلُهُم ، أما والّذي نَصَرَنا بأيدي ملائِكَتِهِ لا يقتُلُهُم اللّه ُ إلاّ بِأيديهِم ، فَعَليكم بالإقرارِ إذا حَدّثتم ، وبالتَّصديقِ إذا رأيتُم ، وَتَركِ الخُصومَةِ فإنَّها تُقصيكُم ، وإيَّاكم أنْ يَبعَثَكُم قَبلَ وَقتِ الأجَلِ فَتُطَلُّ دِماؤكُم ، وَتَذهَبُ أنفسُكُم ، وَيذمُّكُم مَن يأتي بَعدَكُم ، وَتَصيروا عِبرَةً للناظِرينَ . في الموعظة وصفات العباد الصالحين : وَإنَّ أحسَنَ النَّاسِ فعلاً مَنْ فارَقَ أهْلَ الدُّنيا مِن والِدٍ وَوَلَدٍ ، وَوَالى وَوَازَرَ وَناصَحَ وكافا إخوانَهُ في اللّه ِ ، وإنْ كانَ حَبشيّاً أو زِنجياً ، وإنْ كانَ لا يُبعَثُ مِنَ المُؤمِنينَ أسوَدَ ، بَلْ يَرجِعونَ كأنَّهم البَرَدُ (1) قد غُسِلُوا بِماءِ الجِنانِ ، وأصابوا النَّعيمَ المُقيمَ ، وجالَسُوا الملائِكَةَ المُقرَّبينَ ، وَرَافقوا الأنبياءَ المُرسَلينَ ، وَلَيسَ مِن عَبْدٍ أكرمَ على اللّه ِ من عَبدٍ شُرِّدَ وَطُرِدَ في اللّه ِ حَتَّى يَلقى اللّه َ على ذلِكَ ، شيعَتُنا المُنذِرونَ في الأرضِ ، سُرُجٌ (2) وعلاماتٌ وَنُورٌ لِمَن طلَبَ ما طَلَبوا ، وقادَةٌ لاِهْلِ طاعَةِ اللّه ِ ، شُهداءُ على مَن خالَفَهُم مِمَّن ادَّعَى دَعْوَاهم ، سَكَنٌ لِمَن أتاهُم ، لُطَفاءُ بِمَن وَالاهُم ، سُمَحاءُ ، أعِفَّاءُ ، رُحَماءُ ، فَذلِكَ صِفَتُهُم في التَّورَاةِ والإنجيلِ والقُرآنِ العَظيمِ .

في أحوال عُلَماءِ الشِّيعَةِإنَّ الرَّجل العالِمَ من شيعَتِنا إذا حفِظَ لِسانَهُ وطابَ نَفْسا بِطاعَةِ أوليائِهِ ، وَأضمَرَ المُكايَدَةَ لِعَدُوِّه بِقَلبِهِ ، وَيَغدو حِينَ يَغدو وَهوَ عارِفٌ بِعُيوبِهِم ، ولا يُبدِي ما في نَفسِهِ لَهُم ، يَنظُرُ بِعَينِهِ إلى أعمالِهِم الرَّدِيَّة ، وَيَسمَعُ بِأُذنِهِ مَساوِيهِم ، وَيَدعو بِلسانِهِ عَلَيهِم ، مُبغِضوهُم أوْلياؤُهُ ومُحبُّوهُم أعداؤُهُ . فقال له رجل : بأبي أنت وأمّي ، فما ثواب مَن وصفت إذا كان يُصبح آمنا ويُمسي آمنا وَيبيتُ محفوظاً ، فما منزلته وثوابه؟ فقال : تُؤمَرُ السَّماءُ بإظلالِهِ ، وَالأَرضُ بِإكرامِهِ ، والنُّورُ بِبُرهانِهِ . قال : فما صِفَتهُ في دُنياهُ؟ قال : إنْ سأل أُعطِي ، وإنْ دَعا أُجِيبَ ، وإنْ طَلَبَ أدرَكَ ، وإنْ نصَرَ مَظلوماً عَزَّ . (3)

.


1- . البَرَد : شيء ينزل من السحاب يشبه الحصى ، ويسمّى حبّ الغمام وحب المُزن (المصباح المنير : ص 43) .
2- . السِّراجُ : المصباحُ ، والجمع سُرُجٌ (المصباح المنير : ص 272) .
3- . دعائم الإسلام : ج 1 ص 64.

ص: 283

31 وصيّته عليه السلام لبعض شيعته في المسافرة

31وصيّته عليه السلام لبعض شيعتهفي المسافرةقال عليه السلام لبعض شيعته وقد أراد سفراً فقال له : أوصني . فقال :لا تَسيرَنَّ شِبراً وأنتَ حافٍ (1) ، ولا تَنزِلَنَّ عَن دَابَّتِكَ لَيلاً إلاَّ ورِجْلاك في خُفٍّ ، وَلا تَبولَنَّ في نَفَقٍ ، ولا تَذوقَنَّ بقْلَةً ولا تشُمَّها حَتَّى تعلَمَ ما هِيَ ، وَلا تشرَبْ مِن سِقاءٍ حتَّى تعرِفَ ما فِيهِ ، ولا تَسيرَنَّ إلاَّ مَعَ مَن تَعرِفُ ، واحذَر مَن لا تَعرِفُ . (2) وفي نزهة النّاظر : وقال له عليه السلام بعضُ شيعَتِهِ : أوصِني _ وَهوَ يُريدُ سَفَراً _ فقالَ لَهُ عليه السلام : لا تَسيرَنَّ شِبراً وَأنتَ حاقِنٌ (3) ، ولا تَنزِلَنَّ عن دابَّتِكَ لَيلاً لِقَضاءِ حاجَةٍ إلاَّ ورِجلُكَ في خُفٍّ ، ولا تَبولَنَّ في نَفَقٍ ، ولا تَذوقَنَّ بَقلَةً ولا تَشُمَّها حتّى تَعْلَمَ ما هِيَ ، ولا تَشرَبْ مِن سقاءٍ حَتَّى تعلَمَ ما فيهِ ، واحذَر مَن تَعرِفُ ، ولا تَصحَبْ مَن لا تَعرِفُ . (4)

.


1- . و في نسخة : «سيراً وأنت خاف» بدل «شبراً وأنت حاف» .(راجع : بحار الأنوار : ج 78 ص 189 ح 46) .
2- . أعلام الدين : ص 302 ، بحار الأنوار : ج 99 ص 123 ح 10 نقلاً عنه.
3- . والحاقن : الذي حبس بوله .
4- . نزهة النَّاظر وتنبيه الخاطر : ص 103 ح 32.

ص: 284

32 وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلام

33 وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلام

32وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلامحدَّثنا أبو أحمد القاسم بن محمّد السرَّاج الهَمَدانيّ بِهَمَدان ، قال : حدَّثنا أبو بكر محمّد بن أحمد الضبّيّ ، قال : حدَّثنا محمّد بن عبد العزيز الدَّينوريّ ، قال : حدَّثنا عبيد اللّه بن موسى العبسيّ ، عن سفيان الثوريّ قال : لقيت الصَّادق بن الصَّادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام فقلت له : يا ابن رسول اللّه أوصني . . . فقال لي :يا سُفيانُ ، أمَرَني وَالِدي عليه السلام بِثَلاثٍ وَنَهاني عَن ثَلاثٍ ، فكانَ فِيما قالَ لي : يا بُنَيَّ ، مَن يَصحَبْ صاحِبَ السُّوءِ لا يَسلَم ، ومَن يَدخُل مَداخِلَ السُّوءِ يُتَّهَم ، ومَن لا يَملِكُ لِسانَهُ يَندَمُ ، ثُمَّ أنشدني فقال عليه السلام : عَوِّد لسانَكَ قَولَ الخَيرِ تَحظَ بِهِإنَّ اللِّسانَ لِما عَوَّدتَ يَعتادُ مُوكَّل بِتَقاضِي ما سَنَنْتَ لَهُفي الخَيرِ والشَرِّ فانظُر كَيفَ تَعتادُ (1)

33وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلامقال محمّد بن عليّ الباقر لابنه جعفر عليهماالسلام : يا بُنَيَّ ، إنَّ اللّه َ خَبَّأَ ثَلاثَةَ أشياءَ في ثلاثَةِ أشياءَ : خَبَّأ رِضاهُ في طاعَتِهِ ، فَلا تَحْقِرَنَّ مِنَ الطَّاعَةِ شَيئاً ، فَلَعَلَّ رِضاهُ فيهِ . وخَبَّأ سُخْطَهُ في مَعصِيَتِهِ ، فلا تحْقِرَنَّ مِنَ المعاصي شيئاً ، فَلَعَلَّ سُخْطَهُ فيهِ . وخَبَّأ أولياءَهُ في خَلْقِهِ ، فلا تَحقِرَنَّ أحَدَاً ، فَلَعَلَّ ذلِكَ الوَلِيَّ . (2)

.


1- . الخصال : ص 169 ح 222 ، بحار الأنوار : ج 71 ص 278 ح 17 نقلاً عنه .
2- . نثر الدرر : ج 1 ص 343 ، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : ص 99 ح 15 ، كشف الغمة : ج 2 ص 360 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 187.

ص: 285

34 وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلام

35 وصاياه عليه السلام لابنه

34وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلامقال محمّد بن عليّ الباقر لابنه جعفر عليهماالسلام :يا بُنيَّ ، إذا أنعَمَ اللّه ُ علَيكَ بِنِعمَةٍ فَقُل : الحَمدُ للّه ِ ، وإذا أحزَنَكَ أمرٌ فَقُل : لا حَولَ وَلا قُوَّة إلاَّ باللّه ِ ، وإذا أبطَأ عَليكَ الرّزقُ فَقُل : أستَغفِرُ اللّه َ . (1)

35وصاياه عليه السلام لابنهمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :لمّا حَضَرَتْ أبي عليه السلام الوفاةُ قالَ : يا جَعفرُ ، أُوصيكَ بِأصحابي خَيْراً . قُلت : جُعِلتُ فِداكَ ، واللّه ِ لَأدَعَنَّهُم ، وَالرَّجُلُ مِنهُم يَكونُ في المِصرِ فلاَ يَسألُ أحَداً . (2)

.


1- . نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : ص 99 ح 14 ، كشف الغمة : ج 2 ص 362 ، بحار الأنوار : ج 78 ص 187 ح 30.
2- . الكافي : ج 1 ص 306 ح 2.

ص: 286

36 وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلام

37 إملاؤه عليه السلام لابنه عليه السلام

36وصيّته عليه السلام لابنه عليه السلامعليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونسَ بن عبد الرَّحمان ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :إِنَّ أبِي عليه السلام اسْتوْدَعَني ما هُناكَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ قالَ : ادعُ لي شُهوداً ، فَدَعوْتُ لَهُ أربعةً مِن قُرَيْشٍ ، فَيهِم نافعٌ مولى عَبدِ اللّه ِ بنِ عُمَرَ ، فقال : اكتُبْ ، هذا ما أوصَى بهِ يَعقوبُ بَنِيهِ ، يا بَنيَّ إنَّ اللّه َ اصطَفى لَكُم الدِّينَ فلا تَمُوتُنَّ إلاّ وأنتُم مُسلِمونَ ، وأوْصَى مُحمَّد بنُ عليٍّ إلى جَعفَرِ بِن مُحَمَّدٍ ، وَأمَرَهُ أنْ يُكَفِّنَهُ في بُرْدِهِ الَّذي كانَ يُصلِّي فيهِ الجُمُعَةَ ، وأنْ يُعَمِّمَهُ بعِمامَتِهِ ، وأنْ يُرَبِّعَ قَبرَهُ ، ويَرْفَعَهُ أرْبَعَ أصابِعَ ، وأنْ يَحُلَّ عَنهُ أطْمارَهُ عِندَ دَفْنِهِ . ثمَّ قال للشُّهُود : انصرِفوا رَحِمَكُم اللّه ُ . فَقُلت لَهُ : يا أبَتِ _ بعدَ ما انصرَفوا _ ما كان في هذا بِأنْ تُشهِدَ عَلَيهِ . فقال : يا بُنَيَّ كَرِهْتُ أنْ تُغْلَبَ ، وَأنْ يقال إنَّه لم يُوصَ إليهِ ، فأرَدْتُ أنْ تكونَ لَكَ الحُجَّةُ . (1)

37إملاؤه عليه السلام لابنه عليه السلامعليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن الوشّاء ، عن أبي خيثمة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :إنّ أبي أمَرَني أنْ أُغسِّلَهُ إذا تُوفِّيَ ، وَقالَ لِي : اكتُب يا بُنَيَّ ، ثُمَّ قالَ : إنَّهُم يَأمرونَكَ بِخِلافِ ما تَصنَعُ ، فَقُل لَهُم : هذا كتابُ أبي وَلَستُ أعدو قَولَهُ ، ثُمَّ قالَ : تَبدَأ فَتَغسِلُ يَدَيهِ ، ثُمَّ تُوضِّيه وُضوءَ الصَّلاةِ ، ثُمَّ تَأخذُ ماءً وسِدراً . تمام الحديث . (2)

.


1- . الكافي :ج 1 ص 307 ح 8 ، الإرشاد : ج 2 ص 181 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 398 ، بحار الأنوار : ج 47 ص 13 ح 9.
2- . تهذيب الأحكام : ج 1 ص 303 ح 883.

ص: 287

38 وصيّته لابنه عليه السلام في التّكفين

38وصيّته لابنه عليه السلامفي التّكفينعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَيْر ، عن حَمَّاد ، عن الحَلَبيّ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :كتَب أبي في وَصِيَّتهِ أنْ أُكَفِّنَهُ في ثَلاثَةِ أثوابٍ : أحَدُها رِداءٌ لَهُ حِبَرَةٌ كانَ يُصَلِّي فيهِ يَومَ الجُمُعَةِ ، وثَوْبٌ آخَرُ ، وقَميصٌ . فَقُلتُ لِأبي : لِمَ تَكتُب هذا؟ فَقالَ : أخافُ أنْ يغْلِبَكَ النَّاسُ ، وإنْ قالوا : كَفِّنْهُ في أربَعَةٍ أوْ خَمسَةٍ فلا تَفْعَلُ ، وَعَمِّمْنِي بعِمامَةٍ ، وَلَيسَ تُعَدُّ العِمامَةُ مِنَ الكَفَنِ ، إنَّما يُعَدُّ ما يُلَفُّ بهِ الجَسَدُ . (1) وفي رواية اُخرى : عِدَّةٌ مِن أصحَابِنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن مَحْبُوب ، عن عليِّ بن رِئَاب ، عن الحَلَبيّ ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يُغَسَّلُ الميِّتُ ثَلاثَ غَسَلاتٍ ؛ مَرَّةً بالسِّدْرِ ، وَمَرَّةً بالماءِ يُطْرَحُ فيهِ الكافورُ ، وَمَرَّةً أُخْرى بالماءِ القَرَاحِ ، ثمَّ يُكَفَّنُ . وقال : إنَّ أبي كتَبَ في وَصِيَّتهِ أنْ أُكَفِّنَهُ في ثلاثَةِ أثوابٍ ؛ أحدُها رِدَاءٌ لَهُ حِبَرَةٌ ، وثوْبٌ آخَرُ ، وقمِيصٌ . قُلتُ : ولِمَ كتَب هذا؟ قال : مخافَة قَوْلِ النَّاسِ ، وعَصَّبْناه بَعدَ ذلِكَ بعِمامَةٍ ، وشَقَقْنا لَهُ الأرضَ مِن أجْلِ أنَّهُ كانَ بادِناً ، وَأمَرَني أنْ أرْفَعَ القبرَ مِنَ الأرضِ أربَعَ أصابِعَ مُفَرَّجاتٍ ، وَذَكَرَ أنَّ رَشَّ القَبرِ بِالماءِ حَسَنٌ . (2)

.


1- . الكافي :ج 3 ص 144 ح 7 ، تهذيب الأحكام : ج 1 ص 293 ح 857 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 220 ح 24.
2- . الكافي :ج 3 ص 140 ح 3 ، تهذيب الأحكام : ج 1 ص 300 ح 44 ، بحار الأنوار : ج 46 ص 220.

ص: 288

. .

ص: 289

الفصل الرّابع : في ما ينسب إليه

39 كتابه عليه السلام في المساهمة

الفصل الرّابع : في ما ينسب إليه عليه السلام39كتابه عليه السلام في المساهمةأق_ول : ورويت صفة م_ساهمة برواية اُخرى بإسنادنا إل_ى عمرو بن أبي المقدام 1 ، عن أحدهما عليهماالسلام المساهمة تكتب : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم اللّهمَّ فاطِرَ السَّماواتِ والأرضِ ، عالِمَ الغَيبِ والشَّهادَةِ ، الرَّحمنَ الرَّحيمَ ، أنتَ تَحكُمَ بَينَ عِبادِكَ فيما كانُوا فيهِ يَختَلِفونَ ، أسألُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ، أنْ تُصلِّي على مُحمَّدٍ وآل مُحمَّدٍ ، وأنْ تُخرِجَ لي خَيرَ السَّهمَينِ في دِيني وَدُنيايَ ، وَعاقِبَةِ أمرِي وعاجِلِهِ ، إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، ما شاءَ اللّه ُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ صلَّى اللّه ُ على مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَسَلَّمَ . ثُمّ تَكتُبُ ما تُريدُ في رُقعَتَينِ ، وَيَكونُ الثَّالِثُ غُفْلاً (1) ، ثُمَّ تُجِيلُ السِّهامَ ، فَأيُّها خَرَجَ عَمِلتَ عَلَيهِ ولا تُخالِفْ ، فَمَن خَالَفَ يُصنَعْ لَهُ ، وإنْ خرَجَ الغَفلُ رمَيْتَ بهِ . (2)

.


1- . قِدْحٌ غُفْلٌ : لا خير فيه ، ولا نصيب له ، ولا غُرمَ عليه ، والغُفْل : المقيّد الذي أُغفِلَ فلا يرجى خيره ولا يخشى شرُّه (لسان العرب : ج 11 ص 499) .
2- . الأمان من أخطار الأسفار : ص 97 ، فتح الأبواب ص 269 ، بحار الأنوار : ج 91 ص 234 ح 8.

ص: 290

40 كتابه عليه السلام إلى شهاب في الأُضحيّة

40كتابه عليه السلام إلى شهابفي الأُضحِيَّةحَمَّاد ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : لا يَتَزوَّدِ الحاجُّ مِن أُضحِيَّتِهِ ، وَلَهُ أنْ يأكُلَ بِمِنِى أيّامَها . قال : وَهذهِ مَسألَةُ شهابٍ 1 كَتَبَ إِليهِ فيها . (1)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 5 ص 227 ح 767.

ص: 291

41 كتابه عليه السلام إلى رجل

41كتابه عليه السلام إلى رجلعليّ بن مهزيار 1 قال : كتب رجل إلى أبي جعفر عليهماالسلام يحكي له شيئاً ، فكتب عليه السلام إليه :وَاللّه ِ ما كانَ ذاكَ ، وَإنِّي لَأَكرَهُ أنْ أقولَ واللّه ، عَلى حالٍ من الأَحوالِ ، وَلكنَّهُ غَمَّني أنْ يقولَ : ما لَم يَكُنْ . (1)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج 8 ص 290 ح 1072 ، النوادر للأشعري : ص 52 ح 98 ، بحار الأنوار : ج 104 ص 281 ح 18.

ص: 292

42 وصيّته عليه السلام لرجل

42وصيّته عليه السلام لرجلفي كتاب بحار الأنوار عن كتاب قضاء الحُقوق للصُّوري في حديث قال : إنَّ أبا جعفر الباقر عليهماالسلام استقبل الكعبة وقال :الحَمدُ للّه ِ الَّذي كَرَّمَكِ وَشَرَّفَكِ وَعَظَّمَكِ وجَعَلَكِ مَثابَةً للنَّاسِ وأمْناً ، واللّه ِ لَحُرمَةُ المُؤمِنِ أعظَمُ حُرْمَةً مِنكِ ، ولَقَد دخل عليه رجلٌ من أهل الجَبل فسلَّم عليه ، فقال : له عند الوداع : أوصِني . فقال : أُوصيكَ بِتَقوَى اللّه ِ ، وَبِرِّ أخيكَ المُؤمِنِ ، فأحببْت (1) لَهُ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ ، وإنْ سألَكَ فَأعْطِهِ ، وإنْ كَفَّ عَنكَ فاعرِضْ عَلَيهِ ، لا تَمُلَّه فإنَّهُ لا يَمُلُّكَ ، وَكُن لَهُ عَضُداً ، فإنْ وجَدَ عَلَيكَ فَلا تُفارِقْهُ حَتَّى تَسِلَّ سَخيمَتَهُ ، فإنْ غابَ فاحفَظْهُ في غَيْبَتِهِ ، وَإنْ شَهِدَ فاكْنُفْهُ ، وَاعضُدْهُ ، وَزُرْهُ ، وأكرِمْهُ ، والطُفْ بهِ ، فإنّهُ مِنكَ وَأنتَ مِنهُ ، وَفِطرُكَ لِأَخيكَ المُؤمنِ ، وإدخالُ السُّرورِ عَلَيهِ أفضَلُ مِنَ الصِّيامِ وأعظَمُ أجرَاً (2) . (3) وهذا ما عثرنا عليه من مكاتيب الإمام الباقر عليه السلام ، وَآخِرُ دَعوانا : «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ» .

.


1- . هكذا في المصدر، والصواب: «فأحبب».
2- . وذكر في أكثر النّصوص هذه الوصيّة للإمام الصادق عليه السلام .
3- . بحار الأنوار : ج 74 ص 233 ح 28.

ص: 293

. .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

. .

ص: 297

. .

ص: 298

. .

ص: 299

. .

ص: 300

. .

ص: 301

. .

ص: 302

. .

ص: 303

. .

ص: 304

. .

ص: 305

. .

ص: 306

. .

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

. .

ص: 310

. .

ص: 311

. .

ص: 312

. .

ص: 313

. .

ص: 314

. .

ص: 315

. .

ص: 316

. .

ص: 317

. .

ص: 318

. .

ص: 319

. .

ص: 320

. .

ص: 321

. .

ص: 322

. .

ص: 323

. .

ص: 324

. .

ص: 325

. .

ص: 326

. .

ص: 327

. .

ص: 328

. .

ص: 329

الفهرس التفصيلي .

ص: 330

. .

ص: 331

. .

ص: 332

. .

ص: 333

. .

ص: 334

. .

ص: 335

. .

ص: 336

. .

ص: 337

. .

ص: 338

. .

ص: 339

. .

ص: 340

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.