مكاتيب الائمه المجلد 2

اشارة

سرشناسه : احمدي ميانجي، علي، 1304 - 1379.، گردآورنده

عنوان و نام پديدآور : مكاتيب الائمه/ علي الاحمدي الميانجي؛ تحقيق و مراجعه مجتبي فرجي.

مشخصات نشر : قم: موسسه دار الحديث العلميه و الثقافيه، مركز الطباعه و النشر، 1427ق.=1385 -

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : مركز بحوث دارالحديث؛ 93.

شابك : دوره: 964-493-021-5 ؛ 34000ريال: ج. 1، چاپ دوم: 964-493-019-3 ؛ 32000ريال: ج. 2: 964-493-021-5 ؛ 28000 ريال: ج.3 964-493-028-2: ؛ 32000 ريال: ج.4: 964-493-165-3 ؛ 50000 ريال: ج.5 : 978-964-493-254-0 ؛ 50000 ريال: دوره، چاپ پنجم: 978-964-493-021-8 ؛ ج.1، چاپ پنجم: 978-964-493-019-5 ؛ ج.2، چاپ پنجم: 978-964-493-020-1 ؛ ج.3، چاپ پنجم: 978-964-493-028-7 ؛ ج.4، چاپ سوم: 978-964-493-165-9 ؛ ج.5، چاپ سوم: 978-964-493-254-0 ؛ ج.6، چاپ چهارم: 978-964-493-344-8

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر همراه با شرح و توضيح نامه هاي حضرت علي (ع) است كه توسط علي احمدي ميانجي گردآوري و تنظيم شده است.

يادداشت : ج.1 - 3 ( چاپ دوم ).

يادداشت : ج.1 تا 3(چاپ اول: 1384).

يادداشت : ج.4 ( چاپ اول: 1385 ).

يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1387).

يادداشت : ج.1-3(چاپ پنجم: 1389).

يادداشت : ج.5،4 و7 (چاپ سوم: 1389).

يادداشت : ج.6(چاپ چهارم: 1389).

يادداشت : كتابنامه.

يادداشت : نمايه.

مندرجات : ج.1و2 . مكاتيب الامام علي.- ج.3. مكاتيب الامام الحسن والحسين و علي بن الحسين و محمدبن علي.- ج.4. مكاتيب الامام جعفربن محمدالصادق والامام موسي بن جعفرالكاظم عليهما السلام.- ج.5. مكاتيب الامام علي بن موسي الرضا عليهما السلام و مكاتيب الامام محمد بن علي الجواد عليهما السلام.- ج.6.مكاتيب الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام و مكاتيب الاما م الحسن بن علي العسكري عليه السلام.- ج.7. مكاتيب الامام ابي القاسم المهدي عجل الله فرجه الشريف.

موضوع : ائمه اثناعشر -- نامه ها

شناسه افزوده : فرجي، مجتبي، 1346 - ، محقق

شناسه افزوده : موسسه علمي - فرهنگي دارالحديث. سازمان چاپ و نشر

رده بندي كنگره : BP36/5/الف3م7 1385

رده بندي ديويي : 297/95

شماره كتابشناسي ملي : 1203857

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

الفصل الرابع : مكاتيبه من نهاية صفّين إلى نهاية النهروان

اشاره

الفصل الرابع : مكاتيبه من نهاية صفّين إلى نهاية النهروان

.

ص: 6

. .

ص: 7

143 _ كتابه عليه السلام إلى الخوارج

144 _ كتابه عليه السلام إلى الخوارج

143كتابه عليه السلام إلى الخوارجقال الطَّبري : وكتب ( أمير المؤمنين عليه السلام ) إلى الخوارج بالنَّهر :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ ، إلى زَيْدِ بنِ حُصَيْن ، وعَبْدِ اللّه ِ بنِ وَهَبٍ ، وَمَنْ مَعَهُما مِنَ النَّاسِ : أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ هَذيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَينِ ارتضيْنا حُكْمَهما قد خالَفا كِتابَ اللّه ِ ، واتّبعا أهواءهما بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّه ِ ، فلم يَعمَلا بالسُّنَّةِ ، ولم يُنَفِّذا لِلقُرآنِ حُكْما ، فَبَرِئ اللّه ُ ورَسولُهُ مِنهُما والمُؤمِنونَ ! فَإذا بَلَغَكُم كِتابِي هَذا فأَقبِلُوا ، فَإنَّا سائِرونَ إِلى عَدُوِّنا وَعدُوِّكُم ، ونَحنُ علَى الأمْرِ الأوَّلِ الَّذي كُنَّا عَليْهِ ، والسَّلامُ » . (1)

144كتابه عليه السلام إلى الخوارجقال البلاذري : ( أنَّه لمَّا ) أجمع عليّ على إتيان صفِّين ، والعود إلى حرب معاوية ثانيا ، كتب إلى الخوارج بالنَّهروان :« أمَّا بَعْدُ ؛ فَقَدْ جاءَكُمْ ما كُنْتُم تُرِيدُونَ ، قَد تَفَرَّقَ الحَكَمانِ عَلى غَيْرِ حُكومَةٍ ، ولا اتّفاقٍ ، فارجِعُوا إلى ما كُنتُمْ عَليْهِ ، فَإنِّي أُريدُ المَسيرَ إلَى الشَّامِ » . (2)

.


1- . تاريخ الطبري : ج5 ص77 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص123 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص503 .
2- . أنساب الأشراف : ج 2 ص141 .

ص: 8

145 _ كتابه عليه السلام إلى الخوارج

146 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

145كتابه عليه السلام إلى الخوارجقال البلاذري : وكتب ( أمير المؤمنين عليه السلام ) إلى الخوارج :« أمَّا بَعدُ ؛ فإنِّي أُذكِّرُكُم ( اللّه َ ) أنْ تكونوا مِنَ الَّذِينَ فارَقُوا دِينَهُم ، وكانوا شِيَعا ، بعد أن أخذ اللّه مِيثاقَكُمْ علَى الجَماعَةِ ، وألَّف بينَ قُلوبِكُمْ علَى الطَّاعَةِ ، وأَنْ تَكونُوا كالَّذينَ تَفَرَّقُوا ، واختَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ البَيِّناتُ » . (1)

146كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسقال الطَّبري : إنَّ عليَّا لمّا نزل بالنُّخيلة وأيس من الخوارج ، خطب النَّاس وحثّهم على الجهاد ، وساق الخطبة ، فقال : وكتب عليّ إلى ابن عبَّاس مع عُتْبَة بن الأخنس بن قيس ، من بني سَعْد بن بَكر :« أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنّا قَدْ خَرَجْنا إلى مُعَسْكَرِنا بالنُّخيْلَةِ ، وقَدْ أجْمَعْنا علَى المَسيرِ إلى عَدُوِّنا مِن أهْلِ المَغْرِبِ ، فأَشْخِصْ بالنَّاسِ حَتَّى يأتِيَكَ رَسُولِي ، وأَقِمْ حَتَّى يأتِيَكَ أمْرِي والسَّلام » .

.


1- . أنساب الأشراف : ج 2 ص 144 .

ص: 9

147 _ كتابه عليه السلام إلى الخوارج

فلمّا قدم عليه الكتاب قرأه على النَّاس ، وأمرهم بالشُّخوص مع الأحنف بن قيس ، فشخص معه منهم ألف وخمسمئة رجُلٍ ، فاستقلَّهُم عَبْدُ اللّه بنُ عبَّاس ، فقام في النَّاس ، فحمد اللّه وأثْنى عليه ، ثُمَّ قال : أمَّا بعدُ ؛ يا أهل البصرة ، فإنَّه جاءني أمر أمير المؤمنين ، يأمرني بإشخاصكم ، فأمرتكم بالنَّفير إليه مع الأحنف بن قيس ، ولم يَشخَص معه منكم إلاَّ ألف وخمسمئة ، وأنتم ستون ألف سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم ! ألا انفِروا مع جارية بن قُدامَة السعدي ، ولا يجعلَنَّ رجل على نفسه سبيلاً ، فإنّي مُوقع بكلّ من وجدته متخلِّفا عن مكتبه ، عاصيا لإمامه ، وقد أمرتُ أبا الأسْوَد الدُّؤلي بِحَشْرِكم ، فلا يَلُمْ رجُلٌ جَعلَ السبيلَ علَى نفسِهِ إلاَّ نفسَهُ . فخرج جارية فعسكر ، وخرج أبو الأسْوَد فحشر النَّاس ، فاجتمع إلى جارية ألف وسبعمئة ، ثُمَّ أقبل حَتَّى وافاه عليٌّ بالنُّخيلة . (1)

147كتابه عليه السلام إلى الخوارجمن كتابه عليه السلام إلى الخوارج في قضيَّة قتلهم عبد اللّه بن خَبَّاب بن الأرَتّ .« بسم اللّه الرحمن الرحيم مِن عبد اللّه ِ وابْنِ عَبْدِهِ ، أميرِ المُؤْمِنينَ وأجِيرِ المُسْلِمِينَ أخِي رَسُول اللّه صلى الله عليه و آله وابْنِ عمِّه ، إلى عَبدِ اللّه ِ بنِ وَهَبٍ وحَرْقُوص بن زُهَيْر المارِقَيْنِ من دِين الإسلام . أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي خُرُوجُكُما واجْتِماعُكما هُنالِك بغَيْر حَقٍّ كانَ لَكُما ولأبَوَيْكُما من قَبْلِكما ، وجَمْعُكُما لهذه الجُمُوع ؛ الَّذين لَمْ يَتفَقَّهوا في الدِّين ، ولَم يعطوا في اللّه اليَقين . والْزَما الحقَّ فإنَّ الحقَّ يُلْزِمُكما مَنْزِلَةَ الحقِّ ثمّ لا يُقضى إلاَّ بالحقِّ ، ولا تَزِيغا فَيَزيغُ مَن مَعَكما من أخباركما فَيكُونَ مَثَلُكما ومَثَلُهم كَمَثَل غَنَمٍ نَفَشَتْ في أرض ذَات عُشْبٍ ، فَرَعَتْ وسَمَنَتْ ، وإنَّما حَتْفُها في سِمْنِها ، وقَد عَلمْنا بأنَّ الدُّنيا كَعُروَتَين سُفلاً وعُلوا ، فمَن تَعَلَّق بالعُلو نَجا ، ومَن اسْتَمْسك بالسُّفل هَلَك ، والسَّعيد مَن سَعَدَتْ به رَعِيَّتُه ، والشَّقيُّ مَن شَقِيَت به رَعِيَّتُه ، وخَيْرُ النَّاس خَيْرُهم لِنَفسه ، وشَرُّهم شَرُّهم لِنَفسه ، ولَيْس بيْنَ اللّه وبينَ أحدٍ قَرابَةٌ ، و « كُلُّ نَفْسٍِ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ » (2) ، والكَلامُ كَثِيرٌ ، وإنَّما نُرِيدُ منْه اليَسِيرَ ، فمَن لَم يَنْتَفِعْ باليَسيرِ ضَرَّهُ الكَثِيرُ ، وقَد جَعَلْتُموني في حالَةِ مَن ضَلَّ وغَوَى وعن طَريقِ الحَقِّ هَوَى ، خَرَجْتُم علَيَّ مخالِفين بَعْدَ أنْ بايَعْتُموني طائِعينَ غَيْرَ مُكْرَهين ، فَنَقَضْتُم عهُودَكم ، ونَكَثْتُم أيْمانَكم ، ثمَّ لَم يَكْفِكم ما أنْتُم فيه مِن العَمى وشَقِّ العَصا ، حتَّى وَثَبْتُم على عَبْدِ اللّه ِ بنِ خَبَّابِ فَقَتَلْتُمُوه وقَتَلْتُم أهْلَه ووَلَدَه ، بغَيْر تِرَةٍ كانَتْ منه إليْكم ولا دخل ،( ذَحْل ) (3) ، وهو ابنُ صاحِبِ رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ولَن يُغْنِي القُعُودُ عَنِ الطَّلَبِ بِدَمِهِ ، فادفعوا إلَيْنا مَن قَتَلَهُ وقَتَلَ أهْلَهُ ووَلَدَه وشَرِك في دمائِهِم ، ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم علَى عَمىً وجَهْلٍ ، فتَكُونوا حَدِيثا لمَنْ بَعْدَكم . وباللّه أُقْسِم قَسَما صادِقا ، لئِن لَم تَدْفَعُوا إلَيْنا قَاتِلَ صاحِبِنا عَبْدِ اللّه ِ بنِ خَبَّاب لم أنْصَرِفْ عَنْكُم دُونَ أنْ أقْضِي فِيْكم إرَبِي ، وباللّه أسْتَعينُ وعلَيْهِ أتَوَكَّلُ والسَّلامُ والرَّحمةُ مِنَ الوَاحِدِ الخَلاَّق عَلى النَّبيِّينَ ، وعَلى عِبادِهِ الصَّالحِينَ .

.


1- . تاريخ الطبري : ج5 ص78 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص401 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص164 كلاهما نحوه .
2- . المدثر : 38 .
3- . ذَحْل : الحقد والعداوة .

ص: 10

. .

ص: 11

148 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

149 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه

ثُمّ طوى الكتاب وخَتَمه ودَفَعه إلى عبد اللّه بن أبي عقب ، وأرسله . » (1)

148كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسوصيَّته عليه السلام لعبْد اللّه بن العبَّاس ، لمَّا بعثَه للاحتجاج على الخوارج :« لا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ ، تَقُولُ ويَقُولُونَ ، ولَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصا . » (2)

149كتابه عليه السلام إلى بعض أمَراء جيشهقال سِبط ابن الجُوزِيّ : كتبه إلى بعض أمراء جيشه في قوم كانوا قد شردوا عن الطَّاعة ، وفارقوا الجماعة ، رواه الشَّعْبيّ ، عن ابن عبَّاس :« سَلامٌ عَليكَ ، أمَّا بَعْدُ ، فإنْ عادَتْ هذِه الشِّرْذِمَةُ إلى الطَّاعة فَذلِكَ الَّذي أُوثِرُهُ ، وإنْ تَمادى بهم العِصيانُ إلى الشِّقاقِ ، فانْهَدْ بمَن أطاعَكَ إلى مَن عَصاكَ ، واسْتَعِن بمَن انْقادَ مَعَكَ علَى مَن تَقاعَسَ عَنْكَ ، فإنَّ المُتكارِهَ مَغِيبُه خَيْرٌ من حُضُورِهِ ، وعدَمُه خيرٌ مِنْ وجُودِهِ ، وقُعُودُه أغْنى مِنْ نُهُوضِهِ » . (3)

.


1- . الفتوح : ج4 ص262 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب77 .
3- . تذكرة الخواصّ : ص157 .

ص: 12

150 _ كتابه عليه السلام إلى زياد بن أبيه

150كتابه عليه السلام إلى زياد بن أبى« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من عَبدِ اللّه ِ عَليِّ بنِ أبي طالب أميرِ المُؤمِنينَ إلى زيادِ بنِ عُبَيدٍ ؛ سلامٌ علَيْكَ أمَّا بَعْدُ ؛ فإنّي قد بعثت أعْيَن بن ضُبَيْعَة لِيُفرِّقَ قومَهُ عَن ابنِ الحَضْرَمِيّ ، فارقب ما يَكونُ مِنْهُ ، فَإنْ فَعَلَ وبَلغَ مِن ذلِكَ ما يَظِنُّ بِهِ وكانَ في ذلِكَ تفريقُ تِلْكَ الأوباش (1) فهو ما نحبّ ، وإن ترامت الاُمورُ بالقَوْمِ إلى الشِّقاقِ والعِصْيانِ ، فانهَضْ بِمَنْ أطاعَكَ إلى مَنْ عَصاكَ ، فَجاهِدْهُمْ فَإنْ ظَفِرْتَ فَهُو ما ظَنَنْتُ ، وإلاَّ فَطاوِلْهُمْ ومَاطِلْهُمْ ، ثُمَّ تَسَمَّعْ بِهمِ وأَبْصِرْ فَكَأنَّ كَتائِبَ المُسلِمينَ قد أظلَّتْ علَيْكَ ، فَقَتَلَ اللّه ُ المُفْسِدينَ الظَّالِمينَ ، ونَصرَ المَؤمِنينَ المُحِقِّين ، والسَّلامُ » . (2)

[ أقول : كتب أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكتاب إلى زياد حينما استخلفه ابن عبَّاس على البصرة ، وقدم على عليٍّ عليه السلام يعزّيه بمُحَمَّد بن أبي بَكر ، ووقع الخلاف في البصرة لمجيى ء ابن الحَضْرَمِيّ مِنْ قِبَلِ معاوية إلى البصرة ، ودعوته أهل البصرة إلى معاوية ؛ وملخَّص الواقعة على ما نقله إبراهيم الثَّقَفيّ في الغارات : ] أنَّ معاوية بن أبي سُفْيَان لمَّا أصاب مُحَمَّد بن أبي بَكر بمصر ، وظهر عليها ، دعا عبد اللّه بن عامر الحَضْرَمِيّ ، فقال له : سِر إلى البصرة ؛ فإن جلّ أهلها يرون رأينا في عثمان ويعظّمون قتله وقد قتلوا في الطَّلب بدمه وهم موتورون . . . [ وحثّ معاوية على ذلك كتاب كتبه إليه عبَّاس بن الضَّحَّاك العبديّ ، وهو كان ممّن يرى عثمان ويخالف قومه في حبّهم عليَّا ، فلبَّاه معاوية وكتب إليه في ذلك ، ورأى معاوية أن يكتب إلى عَمْرو بن العاص في ذلك يستطلع رأيه ويستشيره ، فكتب إليه عَمْرو معجبا برَأيه مصوّبا ومرعوبا ، ولمّا جاءه كتاب عَمْرو دعا ]ابن الحَضْرَمِيّ فقال : سِر على بركة اللّه إلى أهل البصرة ، فانزِلْ في مضر ، واحذر ربيعة ، وتَودد الأزْد ، وانع عثمان بن عَفَّان ، وذكِّرهم الوقعة الَّتِي هلكتهم ، ومَنِّ لمن سمع وأطاع دنيا لا تفنى ، وأثرة لا يفقدها حَتَّى يفقدنا أو نفقده ، فودَّعه ثُمَّ خرج من عنده ، وقد دفع إليه كتابا ، وأمره إذا قدم أن يقرأه على النَّاس . [ فقدم ابن الحَضْرَمِيّ ونزل في بني تميم ، فاجتمع إليه من كان يرى رأي عثمان ، فتكلّم ابنُ الحَضْرَمِيّ وذكّرهم حرب الجمل وما حلّ بهم ]فقام إليه ( رجل اسمه ) الضَّحَّاك بنُ عبدِ اللّه ِ الهِلاليّ ، فقال : قبَّح اللّه ُ ما جئتنا به ودعوتنا إليه ، جئتنا واللّه بمثل ما جاء به صاحباك طَلْحَة والزُبَيْر ، أتيانا وقد بايعنا عليّا عليه السلام واجتمعنا له وكلمتنا واحدة ، ونحن على سبيل مستقيم [ إلى آخر ما قال . فقام عبد اللّه بن خازم السَّلميللّه ، وردَّ على الضَّحَّاك ، وأجاب ابن الحَضْرَمِيّ ، وطال الحِوار واللَّفظ ، وقرأ ابن الحَضْرَمِيّ على النَّاس كتاب معاوية ، واعتزل الأحنف قائلاً : ] لا ناقة لي في هذا ولا جمل ، واعتزل أمرهم ذلك . فكثر الكلام بين الخطباء ] وأقبل النَّاس إلى ابن الحَضْرَمِيّ ، فكثر تبعه ففزع لذلك زياد ، وهاله وهو في دار الإمارة ، فبعث إلى الحُصَيْن بن المُنْذِر ومالك بن مِسْمَع] فاستجارهما فقال مسمع : هذا أمر فيه نظر أرجع وأستشيره ، وأمَّا الحُصَيْن فقال : نعم ، ولم يطمئن زياد فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزْدِيّ فاستجاره ، فأجاره بشرط أن ينزل داره ، فارتحل ليلاً حَتَّى نزل دار صبرة ، وكتب إلى عبد اللّه بن العبَّاس ، فرفع ذلك ابن عبَّاس إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وشاع ذلك في النَّاس بالكوفة ] وغلب ابن الحَضْرَمِيّ على البصرة وجباها واجتمعت الأزْد على زياد ، فصعد المنبر [ وحثَّهم على نصرة أمير المؤمنين عليه السلام والدِّفاع عنه ، فقام شيمان وصبرة ابنه فوعداه النُّصرة . ] ثُمَّ إنَّ شَبَث بن رِبْعيّ قال لعليّ عليه السلام : ابعث إلى هذا الحيِّ من تميم ، فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك ولا تسلط عليهم أزد عمان البُعداء البغضاء ، وقال مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ : إنَّ البعيد البغيض من عصى اللّه وخالف أمير المؤمنين . . . [ فنهاهما عليّ عليه السلام عن ذلك ، ودعا أعْيَن بن ضُبَيْعَة المجاشعي فحكى له القصّة ] . فقال : لا تستأْ يا أمير المؤمنين ، ولا يكن ما تكره ، ابعثني إليهم ، فإنَّا لك زعيم بطاعتهم وتفريق جماعتهم ونفي ابن الحَضْرَمِيّ من البصرة أو قتله . فقال فاخرج السَّاعة ، فخرج من عنده ومضى حَتَّى قدم البصرة ،( مع الكتاب المتقدِّم ) ثُمَّ دخل على زياد [ وأوصل الكتاب ] ، فلمَّا قرأه زياد أقرأه أعْيَن بن ضُبَيْعَة ، فقال له أعين : إنّي لأرجو أن تكفى هذا الأمر إن شاء اللّه ، ثُمَّ خرج من عنده فأتى رحله فجمع إليه رجالاً من قومه ، [ فوعظهم ووبّخهم على عملهم ، وحثّهم فأجابوا وأطاعوه ، فنهض بهم إلى ابن الحَضْرَمِيّ فتصافوا وتوافقوا ، فوعظ أعْيَن بن ضُبَيْعَة المخالفين المنابذين ، وهم يَشتِمُونه وينالون منه ، فانصرف عنهم فلمَّا آوى إلى رحله دخل عليه عشرة فقتلوه ، فكتب زياد بذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعا جارية ، و حكى له القصة ] فقال : يا أمير المؤمنين ابعثني إليهم واستعن باللّه عليهم . [ فقدم جارية البصرة مع خمسين رجلاً من تميم فبدأ بزياد فقام في الأزْد فجزاهم خيرا ] ، قال : جزاكم اللّه من حيٍّ خيرا ما أعظم عناءكم ، وأحسن بلاءكم ، وأطوعكم لأميركم ، وقد عرفتم الحقّ إذ ضيّعه من أنكرهُ ، ودعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه ، ثُمَّ قرأ عليهم وعلى من كان معه من شيعة عليّ عليه السلام وغيرهم كتاب عليٍّ عليه السلام ، فإذا فيه . . . . (3)

.


1- . الأوباش من الناس: الأخلاط، وأوباش من النّاس: وهم الضروب المتفرقون. ( لسان العرب: ج 6 ص 367 )
2- . الغارات : ج2 ص397 وراجع : بحار الأنوار : ج33 ص517 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص46 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص416 ، أنساب الأشراف : ج3 ص190 .
3- . راجع : الغارات : ج2 ص373 _ 397 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص110 _ 112 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص35 _ 46 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص415 _ 416 ، أنساب الأشراف : ج3 ص185 _ 190 ، البداية والنهاية : ج7 ص 316 _ 317 .

ص: 13

. .

ص: 14

. .

ص: 15

زياد بن أبيه

زِيادُ بنُ أبىهو زياد بن سُميَّة ؛ وهي اُمّه ، وقبل استلحاقه بأبي سُفْيَان يقال له : زياد بن عبيد الثَّقَفيّ ، تحدّثنا عنه مجملاً في مدخل البحث . كان من الخطباء (1) والسَّاسة . اشتهر بذكائه المفرط ومكره في ميدان السِّياسة (2) . ولدته سُمَيَّة الَّتي كانت بغيّا من أهل الطائف (3) _ وكانت تحت عبيد الثَّقَفيّ (4) _ في السَّنة الاُولى من الهِجْرة (5) . أسلم زياد في خلافة أبي بكر (6) . ولفت نظر عمر في عنفوان شبابه بسبب كفاءته ودهائه السِّياسي (7) ، فأشخصه في أيّام خلافته إلى اليمن لتنظيم ما حدث فيها من اضطراب (8) . كان عمر بن الخَطَّاب قد استعمله على بعض صدقات البصرة ، أو بعض أعمال البصرة . (9) كان زياد يعيش في البصرة ، وعمل كاتبا لولاتها : أبي موسى الأشْعَرِيّ (10) ، والمُغِيْرَة بن شُعْبَة (11) ، وعبد اللّه بن عامر (12) . وكان كاتبا (13) ومستشارا (14) لابن عبّاس في البصرة أيّام خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . ولمّا توجّه ابن عبّاس إلى صفِّين جعله على خراج البصرة وديوانها وبيت مالها . (15) وعندما امتنع أهل فارس وكرمان من دفع الضَّرائب ، وطردوا واليهم سَهْل بن حُنيف ، استشار الإمام عليه السلام أصحابه لإرسال رجل مدبّر وسياسي إليهم ، فاقترح ابن عبّاس زيادا (16) ، وأكّد جاريةُ بن قُدامَة هذا الاقتراح (17) . فتوجّه زياد إلى فارس وكرمان (18) . وتمكّن بدهائه السِّياسي من إخماد نار الفتنة . وفي تلك الفترة نفسها ارتكب أعمالاً ذميمة فاعترض عليه الإمام عليه السلام . (19) لم يشترك زياد فيحروب الإمام عليه السلام ، وكان مع الإمام وابنه الحسن المُجتبى عليهماالسلامحتَّى استشهاد الإمام عليه السلام ، بل حتَّى الأيّام الاُولى من حكومة معاوية (20) . ثمّ زلّ بمكيدة معاوية ، ووقع فيما كان الإمام قد حذّره منه (21) ، وأصبح أداةً طيّعة لمعاوية تماما ، من خلال مؤامرة الاستلحاق . وسمّاه معاوية أخاه (22) . وشهد جماعة على أنّه ابنُ زِنى . (23) وهكذا أصبح زياد بن أبي سُفْيَان ! كانت المفاسد والقبائح متأصّلة في نفس زياد ، وقد أبرز خبث طينته واسوداد قلبه في بلاط معاوية . ولاّه البصرة في بادئ الأمر ، ثمّ صار أميرا على الكوفة أيضا (24) . ولمّا أحكم قبضته عليهما لم يتورّع عن كلِّ ضرب من ضروب الفساد والظُّلم (25) . وتشدّد كثيرا على النَّاس ، خاصّة شيعة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، (26) إذ سجن الكثيرين منهم في سجون مظلمة ضيّقة أو قتلهم (27) . وأكره النَّاس على البراءة من الإمام عليه السلام (28) وسبّه مصرّا على ذلك . (29) هلك زياد بالطَّاعون (30) سنة 53 ه (31) وهو ابن 53 سنة ، (32) بعد عِقْدٍ من الجور والعدوان والنَّهب ونشر القبائح وإشاعة الرِّجس والفحشاء ، وخَلّفَ من هذه الشجرة الخبيثة ثمرة خبيثة تقطر قبحا ، وهو عبيد اللّه الَّذي فاق أباه في الكشف عن سوء سريرته وظلمه لآل عليّ عليه السلام وشيعته . كان زياد نموذجا واضحا للسياسي الَّذي له دماغ مفكّر ، ولكن ليس له قلب وعاطفة قطّ ! كان الشَّرَه ، والعَبَث ، والنِّفاق في معاملة النَّاس من صفاته الَّتي أشار إليها الإمام عليه السلام ، في رسالة موقظة منبِّهة (33) . كان زياد عظيما عند طلاّب الدُّنيا الَّذين يَعظُم في عيونهم زبرجها وبهرجها ؛ ولذا مدحوه بالذكاء الحادّ والمكانة السَّامية (34) . بَيد أنّ نظرة إلى ما وراء ذلك ، تدلّنا على أ نّه لم يَرْعَوِ من كلّ رجسٍ ودنسٍ وقبحٍ وخبث ، حتَّى من تغيير نسبه أيضا . في سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء _ في ذكر زياد بن أبى _ : هو زياد بن عُبيد الثَّقَفيّ ، وهو زياد بن سُمَيَّة وهي اُمُّه ، وهو زياد بن أبي سُفْيَان الَّذي استلحقه معاوية بأنّه أخوه . كانت سُميّة مولاة للحارث بن كلدة الثَّقَفيّ طبيب العرب ، يُكنّى أبا المُغِيْرَة . له إدراك ، ولد عام الهجرة ، وأسلم زمن الصِّدِّيق وهو مراهق ، وهو أخو أبي بكرة الثَّقَفيّ الصَّحابيّ لاُمّه ، ثمّ كان كاتبا لأبي موسى الأشْعَرِيّ زمن إمرته على البصرة ... . وكان كاتبا بليغا ، كتب أيضا للمُغِيرَةِ ولابن عبّاس ، وغاب عنه بالبصرة . يقال : إنّ أبا سُفْيَان أتى الطَّائف ، فسكر ، فطلب بغيّا ، فواقع سُمَيَّة ، وكانت مزوّجة بعبيد ، فولدت من جماعه زيادا ، فلمّا رآه معاوية من أفراد الدَّهر ، استعطفه وادّعاه ، وقال : نزل من ظهر أبي . ولمّا مات عليّ عليه السلام ، كان زياد نائبا له على إقليم فارس (35) . وفي الاستيعاب _ في ذكر زياد بن أبى _ : كان رجلاً عاقلاً في دنياه ، داهية خطيبا ، له قدر وجلالة عند أهل الدُّنيا (36) . وفي اُسْد الغابَة : كان عظيم السِّياسة ، ضابطا لما يتولاّه (37) . وفي تاريخ اليعقوبيّ : كان ( المُغِيْرَة ) يختلف إلى امرأة من بني هلال يقال لها : اُمّ جميلم ، زوجة الحجَّاج بن عُتيك الثَّقَفيّ ، فاستراب به جماعة من المسلمين ، فرصده أبو بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن مَعْبَد وزياد بن عبيد ، حتَّى دخل إليها فرفعت الرِّيح السِّتر فإذا به عليها ، فوفد على عمر ، فسمع عمر صوت أبي بكرة وبينه وبينه حجاب ، فقال : أبو بكرة ! قال : نعم . قال : لقد جئت ببشر ؟ قال : إنّما جاء به المُغِيْرَة . ثمّ قصّ عليه القصّة . فبعث عمر أبا موسى الأشْعَرِيّ عاملاً مكانه ، وأمره أن يُشخص المُغِيْرَة ، فلمّا قدم عليه جمع بينه وبين الشُّهود ، فشهد الثَّلاثة ، وأقبل زياد ، فلمّا رآه عمر قال : أرى وجه رجل لا يخزي اللّه به رجلاً من أصحاب محمّد ، فلمّا دنا قال : ما عندك يا سلح العقاب ؟ قال : رأيت أمرا قبيحا ، وسمعت نفَسا عاليا ، ورأيت أرجلاً مختلفة ، ولم أرَ الَّذي مثل الميل في المكحلة . فجلد عمر أبا بكرة ، ونافعا ، وشبل بن مَعْبَد ، فقام أبو بكرة وقال : أشهد أنّ المُغِيْرَة زانٍ ، فأراد عمر أن يجلده ثانية ، فقال له : عليَّ إذا توفّي صاحبك حجارة . وكان عمر إذا رأى المُغِيْرَة قال : يا مُغَيْرَة ، ما رأيتك قطّ إلاّ خشيت أن يرجمني اللّه بالحجارة (38) . وفي الاستيعاب : بعث عمر بن الخَطَّاب زيادا في إصلاح فسادٍ وقع باليمن ، فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع النَّاسُ مثلَها ، فقال عَمْرو بن العاص : أما واللّه لو كان هذا الغلام قرشيّا لساق العربَ بعصاه . فقال أبو سُفْيَان بن حرب : واللّه إنّي لأعرف الَّذي وضعه في رحم اُمّه . فقال له عليّ بن أبي طالب : وَمَنْ هُوَ يا أبا سُفْيَان ؟ قال : أنا . قال : مهلاً يا أبا سُفْيَان . فقال أبو سُفْيَان : أما واللّه ِ لَولا خَوْفُ شَخْصٍيَراني يا عَلِيُّ مِنَ الأعادِي لأظهرَ أمرَهُ صَخْرُ بنُ حَرْبٍولَمْ تكُنِ المَقَالَةُ عَنْ زِيادِ وَقَدْ طالَتْ مُجامَلَتِي ثَقِيفاوتَرْكِي فَيِهِمُ ثَمَرَ الفُؤادِ (39) في تاريخ مدينة دمشق عن الشَّعْبيّ : أقام عليّ عليه السلام بعد وقعة الجمل بالبصرة خمسين ليلة ، ثمّ أقبل إلى الكوفة واستخلف عبد اللّه بن عبّاس على البصرة ، فلم يزل ابن عبّاس على البصرة حتَّى سار إلى صفِّين . ثمّ استخلف أبا الأسْوَد الدُّؤلي على الصَّلاة بالبصرة ، واستخلف زيادا على الخراج وبيت المال والدِّيوان ، وقد كان استكتبه قبل ذلك ، فلم يزالا على البصرة حتَّى قدم من صفِّين (40) . وفي تاريخ الطبريّ عن الشَّعْبيّ : لمّا انتقض أهل الجبال وطمع أهلُ الخَراج في كسرهِ ، وأخرجوا سَهْل بن حُنَيْف من فارس _ وكان عاملاً عليها لعليّ عليه السلام _ قال ابن عبّاس لعليّ : أكفيك فارس . فقدم ابن عبّاس البصرة ، ووجّه زيادا إلى فارس في جمع كثير ، فوطئ بهم أهل فارس ، فأدّوا الخراج (41) . وعن عليّ بن كثير : إنّ عليّا استشار النَّاس في رجل يولّيه فارس حين امتنعوا من أداء الخراج ، فقال له جارية بن قُدامَة : ألا أدلّك يا أمير المؤمنين على رجل صليب الرَّأي ، عالم بالسياسة ، كافٍ لما وُلِّي ؟ قال : من هو ؟ قال : زياد . قال : هو لها . فولاّه فارس وكرمان ، ووجّهه في أربعة آلاف ، فدوّخ تلك البلاد حتَّى استقاموا (42) . وفي شرح نهج البلاغة عن عليّ بن محمّد المَدائِنيّ : لمّا كان زمن عليّ عليه السلام ولّى زيادا فارس أو بعض أعمال فارس ، فضبطها ضبطا صالحا ، وجبى خراجها وحماها ، وعرف ذلك معاوية ، فكتب إليه : أمّا بعد ، فإنّه غرّتك قلاع تأوي إليها ليلاً ، كما تأوي الطَّير إلى وكرها ، وايم اللّه ، لولا انتظاري بك ما اللّه أعلم به ، لكان لك منّي ما قاله العبد الصَّالح : « فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَ لَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَ هُمْ صَاغِرُونَ » (43) . وكتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته : تَنْسى أباكَ وقَدْ شالَتْ نَعامَتُهُإذْ يَخطِبُ النَّاسَ والوالي لَهُم عُمَرُ فلمّا ورد الكتاب على زياد قام فخطب النَّاس ، وقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ، ورأس النِّفاق ! يهدّدني وبيني وبينه ابن عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وزوج سيّدة نساء العالمين ، وأبو السبطين ، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء في مئة ألف من المهاجرين والأنصار والتَّابعين لهم بإحسان ! أما واللّه ، لو تخطّى هؤلاء أجمعين إليّ لوجدني أحمر مخشّا ضرّابا بالسَّيف . ثمّ كتب إلى عليّ عليه السلام ، وبعث بكتاب معاوية في كتابه . فكتب إليه عليٌّ عليه السلام ، وبعث بكتابِهِ : أمّا بَعْدُ ، فإنّي قد ولَّيتُكَ ما وَلَّيتُكَ وأَنا أراكَ لِذلِكَ أَهْلاً . . . (44) . وفي أنساب الأشراف : كتب معاوية إلى زياد يتوعّده ويتهدّده ، فخطب النَّاس فقال : أيُّها النَّاس ، كتب إليّ ابن آكلة الأكباد ، وكهف النِّفاق ، وبقيّة الأحزاب ، يتوعّدني ، وبيني وبينه ابن عمّ رسول اللّه في سبعين ألفا ، قبائع سيوفهم عند أذقانهم ، لا يلتفت أحد منهم حتَّى يموت ، أما واللّه ، لئن وصل هذا الأمر إليه ليجدنّي ضرّابا بالسَّيف (45) . وفي تاريخ الخلفاء : وفي سنة ثلاث وأربعين . . . استلحق (46) معاوية زياد بن أبى ، وهي أوّل قضيّة غيّر فيها حكم النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام في الإسلام (47) . وفي تاريخ مدينة دمشق عن سَعيد بن المُسَيَّب : أوّل من ردّ قضاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، دعوة معاوية (48) . وعن ابن أبي نَجيع : أوّل حكم رُدّ من حكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحكم في زياد (49) . وعن عَمْرو بن نعجة : أوّل ذلّ دخل على العرب قتل الحسين ، وادّعاء زياد (50) . وفي مروج الذَّهب : لمّا همّ معاوية بإلحاق زياد بأبي سُفْيَان أبيه _ وذلك في سنة أربع وأربعين _ شهد عنده زياد بن أسماء الحرمازي ومالك بن ربيعة السَّلولي والمُنْذِر بن الزُّبير بن العوّام : أنّ أبا سُفْيَان أخبر أنّه ابنه . . . ثمّ زاده يقينا إلى ذلك شهادة أبي مريم السَّلولي ، وكان أخبر النَّاس ببدء الأمر ، وذلك أنّه جمع بين أبي سُفْيَان وسُمَيَّة اُمّ زياد في الجاهليّة على زنا . وكانت سُمَيَّة من ذوات الرَّايات بالطائف تؤدّي الضَّريبة إلى الحارث بن كلدة ، وكانت تَنزِلُ بالموضِعِ الَّذي تنزل فيه البغايا بالطَّائف خارجا عن الحضر في محلّة يقال لها : حارة البغايا (51) . وفي تاريخ اليعقوبيّ : كان زياد بن عبيد عامل عليّ بن أبي طالب على فارس ، فلمّا صار الأمر إلى معاوية كتب إليه يتوعّده ويتهدّده ، فقام زيادٌ خطيبا ، فقال : إنّ ابن آكلة الأكباد ، وكهف النِّفاق . . . فوجّه معاوية إليه المُغِيْرَة بن شُعْبَة ، فأقدمه ثمّ ادّعاه ، وألحقه بأبي سُفْيَان ، وولاّه البصرة ، وأحضر زياد شهودا أربعة ، فشهد أحدهم أنّ عليّ بن أبي طالب أعلمه أنّهم كانوا جلوسا عند عمر بن الخَطَّاب حين أتاه زياد برسالة أبي موسى الأشْعَرِيّ ، فتكلّم زياد بكلام أعجبه ، فقال : أكنت قائلاً للناس هذا على المنبر ؟ قال : هم أهون عليَّ منك يا أمير المؤمنين ، فقال أبو سُفْيَان : واللّه ، لهو ابني ، ولأنا وضعته في رحم اُمّه . قلت : فما يمنعك من ادّعائه ؟ قال : مخافة هذا العير (52) النَّاهق . وتقدّم آخر فشهد على هذه الشَّهادة . قال زياد الهَمْدانِيّ : لمّا سأله زياد كيف قولك في عليّ ؟ قال : مثل قولك حين ولاّك فارس ، وشهد لك أنّك ابن أبي سُفْيَان . وتقدّم أبو مريم السَّلولي فقال : ما أدري ما شهادة عليّ ، ولكنّي كنت خمّارا بالطائف ، فمرّ بي أبو سُفْيَان منصرفا من سفر له ، فطعم وشرب ، ثمّ قال : يا أبا مريم طالت الغربة ، فهل من بغيّ ؟ فقلت : ما أجد لك إلاّ أمة بني عَجْلان . قال : فَأْتني بها على ما كان من طول ثدييها ونتن رفغها (53) ، فأتيته بها ، فوقع عليها ، ثمّ رجع إليّ فقال لي : يا أبا مريم ، لاستلّت ماء ظهري استلالاً تثيب ابن الحبل في عينها . فقال له زياد : إنّما أتينا بك شاهدا ، ولم نأت بك شاتما . قال : أقول الحقّ على ما كان ، فأنفذ معاوية . . . (54) قال : ما قد بلغكم وشهد بما سمعتم ، فإن كان ما قالوا حقّا ، فالحمد للّه الَّذي حفظ منّي ما ضيّع النَّاس ، ورفع منّي ما وضعوا ، وإن كان باطلاً ، فمعاوية والشُّهود أعلم ، وما كان عبيد إلاّ والدا مبرورا مشكورا (55) . وفي تاريخ الطبريّ عن مَسْلَمَة : استعمل زياد على شرطته عبد اللّه بن حصن ، فأمهل النَّاس حتَّى بلغ الخبر الكوفة ، وعاد إليه وصول الخبر إلى الكوفة ، وكان يؤخّر العشاء حتَّى يكون آخر من يصلّي ثمّ يصلّي ، يأمر رجلاً فيقرأ سورة البقرة ومثلها ، يرتّل القرآن ، فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أنّ إنسانا يبلغ الخريبة . . . (56) . وفي مروج الذَّهب : قد كان زياد جمع النَّاس بالكوفة بباب قصره يحرّضهم على لعن عليّ ، فمن أبى ذلك عرضه على السَّيف (57) . وفي المعجم الكبير عن الحسن : كان زياد يتتبّع شيعة عليّ عليه السلام فيقتلهم ، فبلغ ذلك الحسن بن عليّ عليه السلام فقال : اللَّهمَّ تفرّد بموتِهِ ، فإنّ القتلَ كُفَّارَةٌ (58) . وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء عن الحسن البَصريّ : بلغ الحسن بن عليّ أنّ زيادا يتتبّع شيعة عليّ بالبصرة فيقتلهم ، فدعا عليه . وقيل : إنّه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن ، فأصابه حينئذٍ طاعون في سنة ثلاث وخمسين (59) .

.


1- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص336 الرقم1800 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص496 الرقم112 ، الإصابة : ج 2 ص528 الرقم2994 .
2- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، العقد الفريد : ج4 ص6 ، الإصابة : ج 2 ص528 الرقم2994 .
3- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص219 ؛ مروج الذهب : ج3 ص15 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 ، العقد الفريد : ج4 ص4 ، الإصابة : ج 2 ص528 الرقم2994 .
4- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 ، الإصابة : ج 2 ص527 الرقم2994 ، العقد الفريد : ج4 ص4 .
5- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص163 ، الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، سِيَر أعلامِ النبلاء :ج 3 ص494 الرقم112 وفيهما « ولد عام الهجرة » ، الوافي بالوفيات : ج5 ص 2 ح 10 ، الطبقات الكبرى : ج7 ص100 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 وفيهما « ولد عام الفتح بالطائف » .
6- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص162 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص494 الرقم112 ، الوافي بالوفيات : ج5 ص 2 الرقم 10 ، الإصابة : ج 2 ص528 الرقم2994 .
7- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص166 _ 168 ، أنساب الأشراف : ج5 ص198 .
8- . الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 .
9- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 .
10- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص162 و ص 169 ، الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص494 الرقم112 ، أنساب الأشراف : ج5 ص198 .
11- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص169 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 ، أنساب الأشراف : ج5 ص198 .
12- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص169 .
13- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص169 و170 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 ، أنساب الأشراف : ج5 ص199 .
14- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص171 .
15- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص170 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 وفيه « ناب عنه ابن عبّاس بالبصرة » .
16- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص430 ، البداية والنهاية : ج7 ص318 .
17- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص429 .
18- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص429 ، تاريخ خليفة بن خيّاط :ص144 وفيه « وجّه عليٌّ زيادا فأرضوه وصالحوه وأدَّوا الخراج » .
19- . نهج البلاغة : الكتاب 20 و21 .
20- . العقد الفريد : ج4 ص5 .
21- . نهج البلاغة : الكتاب 44 ؛ الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 .
22- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص218 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص214 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص162 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص494 الرقم112 ، الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص336 الرقم1800 ، تاريخ الخلفاء : ص235 ، العقد الفريد : ج4 ص4 .
23- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص219 ؛ مروج الذهب : ج3 ص14 و15 ، العقد الفريد : ج4 ص4 ، الإصابة :ج2 ص528 الرقم2994 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص495 الرقم112 .
24- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 ، أنساب الأشراف : ج5 ص205 وص 207 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، مروج الذهب : ج3 ص33 و34 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص156 وص 158 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص162 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 .
25- . أنساب الأشراف : ج5 ص216 ، مروج الذهب : ج3 ص35 ، تاريخ الطبري : ج5 ص222 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص474 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص204 . ولمزيد الاطّلاع على حياة زياد بن أبيه راجع : أنساب الأشراف : ج5 ص205_ 250 .
26- . المعجم الكبير : ج3 ص70 ح2690 ، الفتوح : ج4 ص316 ، الوافي بالوفيات : ج5 ص12 الرقم10 .
27- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص202 ، مروج الذهب : ج3 ص35 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 .
28- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص203 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 .
29- . مروج الذهب : ج3 ص35 .
30- . أنساب الأشراف : ج5 ص288 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص203 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 ، الوافي بالوفيات : ج5 ص 3 الرقم 10 ، وفيات الأعيان : ج2 ص462 .
31- . الطبقات الكبرى : ج7 ص100 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص328 الرقم1516 ، المعارف لابن قتيبة : ص346 ، تاريخ دمشق : ج19 ص207 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 ، الوافي بالوفيات : ج5 ص 3 الرقم 10 ، اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 .
32- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص166 ، الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 .
33- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص204 ، نثر الدرّ : ج1 ص321 .
34- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 .
35- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص494 الرقم112 .
36- . الاستيعاب : ج 2 ص100 الرقم829 .
37- . اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 .
38- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص146 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج60 ص35 _ 39 نحوه ، تاريخ الطبري :ج4 ص69 _ 72 ، الأغاني : ج16 ص103 _ 110 وفيه عن الشَّعبي « كانت اُمّ جميل بنت عمر _ الَّتي رُمي بها المغيرة بن شعبة _ بالكوفة تختلف إلى المغيرة في حوائجها ، فيقضيها لها ، قال : ووافقت عمر بالموسم والمغيرة هناك ، فقال له عمر : أ تعرف هذه ؟ قال : نعم ، هذه اُمّ كلثوم بنت عليّ . فقال له عمر : أ تتجاهل عليَّ ؟ ! واللّه ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك ، وما رأيتك إلاّ خفت أن اُرمى بحجارة من السماء » .
39- . الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 ، اُسد الغابة : ج 2 ص336 الرقم1800 نحوه وليس فيه الأبيات ، الوافي بالوفيات : ج5 الرقم 10 وراجع تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص174 ، العقد الفريد : ج4 ص4 .
40- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص170 .
41- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، البداية والنهاية : ج7 ص318 نحوه .
42- . تاريخ الطبري : ج5 ص137 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص429 ، البداية والنهاية : ج7 ص321 كلاهما نحوه .
43- . النمل : 37 .
44- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص181 ، اُسد الغابة : ج 2 ص337 الرقم1800 ، تاريخ مدينة دمشق :ج19 ص175 و176 كلاهما نحوه وراجع الاستيعاب : ج 2 ص101 الرقم829 .
45- . أنساب الأشراف : ج5 ص199 ، تاريخ الطبري : ج5 ص170 نحوه ؛ وقعة صفّين :ص366 وراجع المعارف لابن قتيبة : ص346 والغارات : ج2 ص647 .
46- . في المصدر : « استخلف » ، والصحيح ما أثبتناه .
47- . في المصدر : « استخلف » ، والصحيح ما أثبتناه .
48- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص179 .
49- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص179 .
50- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص179 .
51- . مروج الذهب : ج3 ص14 .
52- . العَيْر : الحمار الوحشيّ (النهاية : ج3 ص328) .
53- . الرُّفْغ بالضم والفتح : واحدُ الأرفاغ ، وهي اُصولُ المَغابن كالآباط والحَوالب ، وغيرها من مَطاوي الأعضاء ، وما يجتمع فيه من الوَسَخ والعَرَق ( النهاية : ج2 ص 244 ) .
54- . بياض في المصدر .
55- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص218 وراجع الفخري : ص109 ، أنساب الأشراف : ج5 ص199 _ 203 .
56- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص204 وراجع أنساب الأشراف : ج5 ص206 .
57- . مروج الذهب : ج3 ص35 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص203 عن عبد الرحمن بن السائب نحوه .
58- . المعجم الكبير : ج3 ص70 ح2690 .
59- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص496 الرقم112 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص202 نحوه وزاد فيه « اللهمّ لا تقتلنّ زيادا وأمِته حتف أنفه » بعد « فدعا عليه » وراجع ص 203 و204 .

ص: 16

. .

ص: 17

. .

ص: 18

. .

ص: 19

. .

ص: 20

. .

ص: 21

. .

ص: 22

. .

ص: 23

. .

ص: 24

. .

ص: 25

. .

ص: 26

. .

ص: 27

151 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

151كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسمن كتاب له عليه السلام إلى عبد اللّه بن العبَّاس بعد مقتل محمَّد بن أبي بكر رحمه الله :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ ، ومُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رحمه الله قَدِ اسْتُشْهِدَ ، فَعِنْدَ اللّه نَحْتَسِبُهُ وَلَدا نَاصِحا ، وعَامِلاً كَادِحا ، وسَيْفا قَاطِعا ، ورُكْنا دَافِعا ، وقَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ النَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ ، وأَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ ، ودَعَوْتُهُمْ سِرّا وجَهْرا وعَوْدا وبَدْءا ، فَمِنْهُمُ الآتِي كَارِها ، ومِنْهُمُ الْمُعْتَلُّ كَاذِبا ، ومِنْهُمُ الْقَاعِدُ خَاذِلاً ، أَسْأَلُ اللّه تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجا عَاجِلاً ، فَوَاللّه لَوْلا طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي الشَّهَادَة ، وتَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى الْمَنِيَّة ، لأَحْبَبْتُ ألاَّ أَلْقَى مَعَ هَؤلاءِ يَوْما وَاحِدا ، ولا أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَدا » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب35 وراجع : الغارات : ج1 ص298 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديدد : ج6 ص92 ، تاريخ الطبري : ج6 ص3412 ، أنساب الأشراف : ج2 ص405 .

ص: 28

152 _ كتابه عليه السلام إلى العمّال

152كتابه عليه السلام إلى العمّال« مِنْ عَبْدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ ، إلى مَن قُرِئ عَليْهِ كِتابي هذا مِنَ العُمَّالِ ، أمَّا بَعْدُ ؛ فإنَّ رجالاً لنا عندهم تبعة ، خرجوا هُرَّابا نَظُنُّهم خَرجُوا نَحوَ بِلادِ البَصْرَةِ ، فاسأل عَنهُمْ أهلَ بِلادِكَ ، واجْعَل عَليْهِم العُيون في كلِّ ناحيةٍ مِنْ أرضِكَ ، ثُمَّ اكتُبْ إليَّ بِما يَنْتَهي إليْكَ عَنهُم . وَالسَّلامُ »

فخرج زياد بن خَصفة حَتَّى أتى داره ، وجمع أصحابه فحمد اللّه ، وأثنى عليه ، ثُمَّ قال : يا معشر بَكر بن وائل ، إنَّ أمير المؤمنين نَدَبني لأمر من أموره مهمّ له ، وأمرني بالانكماش فيه بالعَشِيرَةِ ، حَتَّى آتي أمره ؛ وأنتم شيعته وأنصاره وأوثق حَيٍّ من أحياءِ العرب في نفسه ، فانتدبوا معي السَّاعةَ ، وعجِّلوا . فو اللّه ما كان إلاَّ ساعة حَتَّى اجتمع إليه مئة وثلاثون رجلاً ، فقال : اكتفينا لا نريد أكثر من هؤلاء ؛ فخرج حَتَّى قطع الجسر ، ثُمَّ أتى دير أبي موسى فنزله ، فأقام به بقية يومه ذلك ، ينتظر أمر أمير المؤمنين عليه السلام . قال إبراهيم بن هلال : فحدَّثني مُحَمَّد بن عبد اللّه ، عن ابن أبي سيف ، عن أبي الصَّلت التَّيميّ ، عن أبي سعيد ، عن عبد اللّه بن وأل التَّيمي ، قال : إنّي لعند أمير المؤمنين ؛ إذا فيج (1) قد جاءه يسعى بكتاب من قَرَظَةَ بن كَعْب بن عَمْرو الأنْصاريّ _ وكان أحد عمّاله _ فيه : لِعَبدِ اللّه ِ علِيٍّ أمير المؤمنين مِن قَرَظَةَ بن كَعْب ، سلام عليك ؛ فإنّي أحمدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إله إلاَّ هو ؛ أمَّا بعدُ : فإنّي أخبر أمير المؤمنين ، أنّ خيلاً مرّت من قِبَل الكوفة متوجّهة نحو نفّر ، وأنَّ رجلاً من دهاقين أسفل الفرات قد أسلم وصلَّى ، يقال له : زاذان فروخ ؛ أقبل من عند أخوال له فلقوه ، فقالوا له : أ مسلم أنت أم كافر ؟ قال : بل مسلم ، قالوا : فما تقول في عليّ قال : أقول فيه خيرا ؛ أقول إنَّه أمير المؤمنين عليه السلام وسيّد البشر ووصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فقالوا : كفرت يا عدو اللّه ! ثُمَّ حملت عليه عصابة منهم ، فقطّعوه بأسيافهم ، وأخذوا معه رجلاً من أهل الذِّمة يهوديّا ، فقالوا له : ما دينك ؟ قال : يهوديّ ، فقالوا : خلُّوا سبيل هذا ، لا سبيل لكم عليه ، فأقبل إلينا ذلك الذِّميّ ، فأخبرنا الخبر ، وقد سألت عنهم ، فلم يخبرني أحد عنهم بشيء ، فليكتب إليَّ أمير المؤمنين فيهم برَأي أنتهِ إليه ، إن شاء اللّه (2) .

.


1- . الفيج : رسول السُّلطان على رجله ؛ فارسي معرب « پيك » ( تاج العروس : ج2 ص89 ).
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 3 ص 130.

ص: 29

قصّة الخرّيت بن راشد وما جرى فيها من المكاتبات :

قصّة الخِرّيت بن راشد وما جرى فيها من المكاتبات :قال ابن هلال الثَّقَفيّ ، وروى مُحَمَّد بن عبد اللّه بن عثمان ، عن أبي سيف ، عن الحارث بن كَعْب الأزْدِيّ ، عن عمِّه عبد اللّه بن قعين الأزْدِيّ : كان الخِرّيت بن راشد النَّاجي أحد بني ناجية قد شهد مع علي عليه السلام صفِّين ، فجاء إلى علي عليه السلام بعد انقضاء صفِّين وبعد تحكيم الحَكَمين ، في ثلاثين من أصحابه ، يمشي بينهم حَتَّى قام بين يديه ، فقال : لا واللّه ، لا أطيع أمرك ، ولا أصلّي خلفك ، وإنّي غدا لمفارق لك . فقال له : « ثكلتك أمّك ؛ إذا تنقض عهدك ، وتعصي ربّك ، ولا تضرّ إلاَّ نفسك، أخبرني لِمَ تفعل ذلك ؟ » قال : لأنَّك حكمت في الكتاب ، وضعفت عن الحقّ ، إذ جدّ الجدّ ، وركنت إلى القوم الَّذين ظلموا أنفسهم ، فأنّا عليك رادّ وعليهم ناقم ، ولكم جميعا مُباينٌ . فقال له علي عليه السلام : « ويحك هلمّ إليَّ ، أُدارسك وأناظرك في السُّنن ، وأُفاتحك أُمورا من الحقّ ، أنَّا أعلم بها منك ، فلعلّك تعرف ما أنت الآن له منكر ، وتبصر ما أنت الآن عنه عمٍ وبه جاهل » . فقال الخِرّيت : فإنّي غاد عليك غدا . فقال علي عليه السلام : « اغد ولا يستهوينَّك الشَّيطان ، ولا يتقحمن بك رأي السُّوء ، ولا يستخفنَّك الجهلاء الَّذين لا يعلمون ، فو اللّه إن استرشدتني واستنصحتني وقبلت منّي لأَهدينَّكَ سبيل الرَّشاد » . فخرج الخِرِّيت من عنده منصرفا إلى أهله . قال عبد اللّه بن قعين : فعجلت في أثره مسرعا ، وكان لي من بني عمّه صديق ، فأردت أن ألقى ابن عمّه في ذلك ، فأُعلمه بما كان من قوله لأمير المؤمنين ، وآمر ابن عمّه أن يشتدّ بلسانه عليه ، وأن يأمره بطاعة أمير المؤمنين ومناصحته ، ويخبره أن ذلك خير له في عاجل الدُّنيا وآجل الآخرة . قال : فخرجت حَتَّى انتهيت إلى منزله وقد سبقني فقمت عند باب دار ، فيها رجال من أصحابه لم يكونوا شهدوا معه دخوله على أمير المؤمنين عليه السلام ، فواللّه ما رجع ولا ندم على ما قال لأمير المؤمنين ، وما ردّ عليه ، ولكنّه قال لهم : يا هؤلاء ، إنّي قد رأيت أن أُفارق هذا الرَّجل ، وقد فارقته على أن أرجع إليه من غد ، ولا أرى المفارقة ، فقال له أكثر أصحابه : لا تفعل حَتَّى تأتيه ، فإن أتاك بأمر تعرفه قبلت منه ، وإن كانت الأخرى فما أقدرك على فراقه ! قال لهم : نِعْمَ ما رأيتم ؛ قال : فاستأذنت عليهم فأذنوا لي ، فأقبلت على ابن عمّه _ وهو مدرك بن الرَّيان النَّاجي ، وكان من كبراء العرب _ فقلت له : إنَّ لك عليَّ حقّا لإحسانك وودّك ، وحقّ المسلم على المسلم . إنَّ ابن عمَّك كان منه ما قد ذكر لك ، فاخلُ به فاردد عليه رأيه ، وعظِّم عليه ما أتى ؛ واعلم أنّي خائف إن فارق أمير المؤمنين أن يقتلك ونفسه وعشيرته ، فقال : جزاك اللّه خيرا من أخ ! إن أراد فراق أمير المؤمنين عليه السلام ففي ذلك هلاكه ، وإن اختار مناصحته والإقامة معه ففي ذلك حظُّه ورشده . قال : فأردت الرُّجوع إلى علي عليه السلام لأُعلمه الَّذي كان ؛ ثُمَّ اطمأننت إلى قول صاحبي ، فرجعت إلى منزلي ، فبتّ ثُمَّ أصبحت ، فلمَّا ارتفع النَّهار أتيت أمير المؤمنين عليه السلام ، فجلست عنده ساعة ، وأنا أريد أن أحدّثه بالَّذي كان على خلوة ، فأطلت الجلوس ، ولا يزداد النَّاس إلاَّ كثرة ، فدنوت منه ، فجلست وراءه ، فأصغى إليَّ برَأسه ، فأخبرته بما سمعته من الخِرِّيت ، وما قلت لابن عمّه ، وما ردّ عليَّ ، فقال عليه السلام : « دعه ، فإن قبل الحقّ ورجع عرفنا له ذلك ، وقبلناه منه » ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه ؟ فقال : « إنّا لو فعلنا هذا بكل من يتّهم من النَّاس ملأنا ، السُّجون منهم ، ولا أراني يسعني الوثوب بالنَّاس ، والحبس لهم ، وعقوبتهم حَتَّى يظهروا لي الخلاف » . قال : فسكتّ عنه وتنحّيت ، فجلست مع أصحابي هنيهة ، فقال لي عليه السلام : « ادن منّي » ، فدنوت ، فقال لي مُسِرّا : « اذهب إلى منزل الرَّجل فاعلم ما فعل ؛ فإنَّه قلَّ يوم لم يكن يأتيني فيه قبل هذه السَّاعة » فأتيت إلى منزله ، فإذا ليس في منزله منهم ديّار ، فدرت على أبواب دور أخرى ، كان فيها طائفة من أصحابه ، فإذا ليس فيها داع ولا مجيب . فأقبلت إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال لي حين رآني : « أ وطنوا فأقاموا ، أم جبنوا فظعنوا ؟ » قلت : لا بل ظعنوا ، فقال : « أبعدهم اللّه كما بعدت ثمود ! أما واللّه ِ لو قَدْ أُشرِعَتْ لَهُمُ الأَسنَّةُ ، وصُبَّت علَى هامِهِمُ السُّيوفُ ، لَقدْ نَدِموا ؛ إنّ الشَّيطانَ قَد استهواهُم وأَضلَّهُم ، وهو غَدا مُتبرّئٌ مِنهُم ، ومُخَلٍّ عَنهُم » ؛ فقام إليه زياد بن خصفة ، فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنّه لو لم يكن من مضرّة هؤلاء إلاّ فراقهم إيّانا لم يَعظُم فقدُهم علينا ، فإنّهم قلّما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا ، وقلَّما ينقصون من عددنا بخروجهم منّا ، ولكنّا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممّن يقدمون عليهم من أهل طاعتك ، فائذن لي في اتّباعهم حَتَّى أردّهم عليك إن شاء اللّه . فقال له عليه السلام : « فَاخْرُجْ فِي آثارِهِم راشِدا » ؛ فلمَّا ذهب ليخرج قال له : « وهَلْ تَدرِي أيْنَ تَوجَّهَ القَوْمُ » ؟ قال : لا واللّه ؛ ولكنّي أخرج فأسأل وأتبع الأثر ، فقال : « اخرُجْ رحِمَكَ اللّه ُ حَتَّى تَنزِلَ دَيْرَ أبي مُوسى ، ثُمَّ لا تَبْرحْهُ حَتَّى يأتِيَكَ أمْرِي ؛ فَإنَّهُم إنْ كانُوا خَرجُوا ظاهِرينَ بارِزينَ للناسِ في جَماعَةٍ ؛ فَإنَّ عُمَّالي سَتْكتُبُ إليَّ بِذلِكَ ، وإنْ كانُوا مُتَفرِّقِينَ مُسْتَخْفِين ؛ فَذلِكَ أخفَى لَهُم ، وسأَكْتُبُ إلى مَن حَوْلِي مِن عُمَّالي فِيهِم » . فكتب نسخة واحدة وأخرجها إلى العمّال :

.

ص: 30

. .

ص: 31

. .

ص: 32

كتابه عليه السلام إلى قرظة

كتابه عليه السلام إلى قَرَظةفكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام :« أمّا بَعْدُ ؛ فَقَدْ فَهِمْتُ ما ذَكَرْتَ مِنْ أمْرِ العِصابَةِ الَّتي مَرَّت بِعَمَلِكَ ، فَقَتلَتِ البَرَّ المُسلِمَ ، وأَمِنَ عِندَهُم المُخالِفُ المُشرِكُ ؛ وإنَّ أُولئِكَ قَوْمٌ استَهْواهُمُ الشَّيْطانُ فَضَلُّوا ، كالَّذِين حَسِبُوا ألاَّ تَكونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وصَمُّوا ، فأَسمِعْ بِهِم وأَبْصِرْ يَوْمَ تُخْبَرُ أعْمالُهُم ! فَالزَمْ عَملكَ وأَقبِلْ علَى خَراجِكَ ؛ فَإنَّكَ كَما ذَكرْتَ فِي طاعَتِكَ ونَصيحَتِكَ ، والسَّلامُ » .

[ أقول : كان قَرَظَةُ بن كَعْب ، كاتب عليٍّ عليه السلام على عين التَّمر ، لجباية الخَراج ، وكان قبلها عاملاً له عليه السلام على الكوفة ، وسيأتي كتابه عليه السلام إليه بعد فتح البصرة ، وكان قبلها عاملاً له على البِهقُباذَات . ]قال : فكتب عليّ عليه السلام إلى زياد بن خَصفة مع عبد اللّه بن وائل التَّيميّ كتابا نسخته : « أمَّا بَعدُ ؛ فَقَدْ كُنْتُ أمَرْتُكَ أنْ تنزِلَ دَيْرَ أبي مُوسى حَتَّى يأتِيَكَ أَمرِي ، وذلِكَ أنّي لَمْ أكُنْ عَلِمْتُ أيْنَ تَوَجَّهَ القَوْمُ ، وَقَدْ بَلَغَنِي أنَّهُم أخَذُوا نَحْوَ قَرْيَةٍ مِن قُرى السَّوادِ ، فاتَّبِعْ آثارَهُم ، وسَلْ عَنْهُم ؛ فَإنَّهم قد قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ أهْلِ السَّوادِ مُسْلِما مُصَلِّيا ، فَإذا أنْتَ لَحِقْتَ بِهِم فَاردُدْهُم إليَّ ، فَإنْ أبَوا فَناجِزْهُم ، واستَعِنْ باللّه ِ عَلَيْهِم ؛ فَإنَّهُم قَدْ فارَقُوا الحَقَّ ، وَسَفكُوا الدَّمَ الحَرامَ ، وأَخافُوا السَّبِيلَ ،والسَّلامُ » . قال عبد اللّه بن وأل : فأخذت الكتاب منه عليه السلام _ وأنا يومئذ شابّ _ فمضيت به غير بعيد ثُمَّ رجعت إليه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألا أمضي مع زياد بن خصفة إلى عدوّك ، إذا دفعت إليه كتابك ؟ فقال : « يابنَ أخِي ، افعَلْ ، فو اللّه ِ إنِّي لأَرجُو أنْ تَكونَ مِن أعوانِي علَى الحَقِّ وأنصاري علَى القوْمِ الظَّالِمينَ » . قال : فو اللّه ما أُحِبُّ أنَّ لي بمقالته تلك حُمر النِّعَم ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، أنا واللّه كذلك من أُولئك ؛ أنا واللّه حيثُ تُحِبُّ . (1) ثُمَّ مضيت إلى زياد بكتاب عليٍّ عليه السلام _ ثُمَّ ساق الحديث إلى أن قال : فدعونا أصحابنا ، ودعا الخِرِّيتُ أصحابه ، ثُمَّ اقتتلنا ؛ فواللّه ما رأيت قتالا مثله منذ خلقني اللّه ، لقد تطاعَنّا بالرِّماح حَتَّى لم يبق في أيدينا رمح ، ثُمَّ اضطربنا بالسيوف حتى انحنت ، وعُقِرَت عامَّةُ خَيْلِنا وخَيْلِهم ، وكثرت الجِراح فيما بيننا وبينهم . . .ثُمَّ مضوا فذهبوا وأصبحنا فوجدناهم قد ذهبوا ؛ فواللّه ، ما كرهنا ذلك ؛ فمضينا حَتَّى أتينا البصرة ، وبلغنا أنَّهم أتوا الأهواز ، فنزلوا في جانب منها ، وتلاحق بهم ناس من أصحابهم نحو مئتين كانوا معهم بالكوفة ، لم يكن لهم من القوَّة ما ينهضون به معهم حين نهضوا ؛ فاتَّبعوهم من بعد لحوقهم بالأهواز ، فأقاموا معهم . قال : وكتب زياد بن خَصفة إلى عليّ عليه السلام ( الخبر ) . فلمّا أتاه الكتاب قرأه على النَّاس ، فقام إليه مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحي ، فقال : أصلحك اللّه يا أمير المؤمنين إنَّما كان ينبغي أن يكون مكان كل رجل من هؤلاء الَّذِين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين ، فإذا لحقوهم استأصلوا شأفتهم (2) ، وقطعوا دابرهم ، فأمّا أن تلقاهم بأعدادهم ؛ فلعمري ليصبرنَّ لهم ، فإنَّهم قوم عرب ، والعُدَّة تصبر للعدَّة ، فيقاتلون كلَّ القتال . قال : فقال عليه السلام له : « تَجَهَّز يا مَعْقِل إليْهمِ » ، ونَدَب معه ألفين من أهل الكوفة ، فيهم يزيد بن مَعْقِل . وكتب إلى عبد اللّه بن العبَّاس بالبصرة : « أمَّا بعدُ ؛ فابعث رجلاً من قِبَلِكَ صلِيبا شُجاعا ، مَعرُوفا بالصَّلاحِ ، في ألفي رَجُلٍ مِنْ أهْلِ البَصرَةِ ، فَلْيَتْبَع مَعْقِلَ بن قَيْسٍ ؛ فَإذا خَرَج من أرض البَصْرَةِ ، فَهُو أميرُ أصحابِهِ حَتَّى يَلْقَى مَعْقِلاً ؛ فإذا لَقِيَهُ فَمَعْقِلٌ أميرُ الفَرِيقَينِ ، فَلْيَسْمَعْ مِنْهُ ولْيُطِعْهُ ولا يُخالِفْهُ ؛ ومُرْ زِيادَ بنَ خَصَفَةَ فَلْيُقْبِلْ إِليْنا ، فَنِعْمَ المَرءُ زِيادٌ ؛ ونِعْمَ القَبِيلُ قَبيلُهُ ! والسَّلامُ » . [ أقول : فجهَّز ابن عبَّاس جيشا ، توجَّه إلى مَعْقِل خالد بن معدان الطَّائيّ في ألفي رجل ، وكتب إليه ما يأتي ] قال : وكتب عليه السلام إلى زياد بن خصفة : « أمَّا بعدُ ؛ فقد بلغني كتابك ، وفهمت ما ذكرت به النَّاجيّ وأصحاب ، « الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ » (3) ، « وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَ_نُ أَعْمَ__لَهُمْ » (4) ؛ فهم حَيَارى عَمُون ، « يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا » (5) ؛ ووصفْت ما بلغ بك وبهم الأمر ؛ فأمّا أنت وأصحابك فللّه سعيكم وعليه جزاؤهم ! وأيسر ثواب اللّه للمؤمن خير له من الدُّنيا الَّتي يُقْبل الجاهلون بأنفسهم عليها ، ف « مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَ مَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ » (6) ، وأمّا عدوَّكم الَّذِين لَقِيتُم فحسبهم خروجهم من الهدى ، وارتكاسُهم في الضَلالة ، وردُّهم الحقَّ ، وجماحهم في التِيه ، فذرهم وما يفترون ، ودعهم في طغيانهم يعمهون ، فأسمِع بهم وأبصر ؛ فكأنَّك بهم عن قليل بين أسير وقتيل ، فأقبِل إلينا أنت وأصحابك مأجورين ، فقد أطعتم وسمعتم ، وأحسنتم البلاء ، والسَّلام » . قال : ونزل النَّاجيّ جانبا من الأهواز ، واجتمع إليه علوج كثير من أهلها ؛ ممّن أراد كسر الخَراج ومن اللُّصوص ، وطائفة أخرى من الأعراب ترى رأيه . قال : إبراهيم بن هلال : فحدثنا مُحَمَّد بن عبد اللّه ، قال : حدَّثني ابن أبي سيف ، عن الحارث بن كَعْب ، عن عبد اللّه بن قُعَين ، قال : كنت أنا وأخي كَعْب بن قُعَين في ذلك الجيش مع مَعْقِل بن قَيْس ، فلمَّا أراد الخروج أتى أمير المؤمنين عليه السلام يودّعه ، فقال : « يا مَعْقِل بن قَيْس اتّق اللّه ما استطعت ؛ فإنَّه وصية اللّه للمؤمنين ؛ لا تبغ على أهل القبلة ، ولا تَظلِم أهل الذِّمة ولا تتكبّر ؛ فإن اللّه لا يحبُّ المتكبّرين » . فقال : معقل اللّه المستعان ، فقال :« خير مستعان » . ثُمَّ قام فخرج ، وخرجنا معه ؛ حَتَّى نزل الأهواز ، فأقمنا ننتظر بعْث البصرة ، فأبطأ علينا ، فقام مَعْقِل فقال : أيُّها النَّاس ؛ إنَّا قد انتظرنا أهل البصرة ، وقد أبطئوا علينا ، وليس بنا بحمد اللّه قِلّة ولا وحشة إلى النَّاس ؛ فسيروا بنا إلى هذا العدو القليل الذَّليل ؛ فإنّي أرجو أن ينصرَكم اللّه ويهلكهم . فقام إليه أخي كَعْب بن قُعَين فقال : أصبت إن شاء اللّه رأينا رأيك ، وإنّي لأرجو أن ينصرنا اللّه عليهم ؛ وإن كانت الأخرى ؛ فإنَّ في الموت على الحقّ لتعزيةً عن الدُّنيا . فقال : سيروا على بركة اللّه . فسرنا ، فو اللّه ما زال مَعْقِل بن قَيْس لي ولأخي مكرِما وادّا ، ما يعدِل بنا أحدا من الجند ، ولا يزال يقول لأخي : كيف قلت : إن في الموت على الحقّ لتعزية عن الدُّنيا ! صدقت واللّه وأحسنت ، ووفقت وفقك اللّه ! قال : فو اللّه ما سِرنا يوما ؛ وإذا بفيْج يشتدّ بصحيفة في يده . من عبد اللّه بن عبَّاس إلى مَعْقِل بن قَيْس : أمَّا بعدُ ؛ فإن أدركك رسولي بالمكان الَّذي كنت مقيما به ، أو أدركك وقد شَخَصْت منه ؛ فلا تبرحَنّ من المكان الَّذي ينتهي إليك رسولي وأنت فيه ، حَتَّى يقدَم عليك بعثنا الَّذي وجَّهناه إليك ، فقد وجَّهت إليك خالد بن معدان الطَّائيّ ، وهو من أهل الدين والصَّلاح والنَّجدة ، فاسمع منه وأعرِف ذلك له إن شاء اللّه ، والسَّلام . قال : فقرأه مَعْقِل بن قَيْس على أصحابه . فسرُّوا به ، وحمِدوا اللّه ، وقد كان ذلك الوجه هَالَهم . وأقمنا حَتَّى قدِم علينا خالد بن معدان الطَّائيّ ، وجاءنا حَتَّى دخل على صاحبنا ، فسلّم عليه بالإمْرة ، واجتمعنا جميعا في عسكر واحد ، ثُمَّ خرجنا إلى النَّاجيّ وأصحابه ، فأخذوا يرتفعون نحو جِبال رامهُرْمُز ، يريدون قلعة حَصِينة ، وجاءنا أهل البلد . فأخبرونا بذلك ، فخرجنا في آثارهم فلحقناهم . . . قال : وسار فينا مَعْقِل يحرّضنا ، ويقول : يا عباد اللّه ، لا تبدءوا القوم ، وغُضُّوا الأبصار ، وأقلّوا الكلام ، ووطنوا أنفسكم على الطَّعن والضَّرب ، وأبشروا في قتالهم بالأجر العظيم ، إنَّما تقاتلون مارقةً مرَقتْ وعلُوجا منعوا الخَراج ، ولصوصا وأكرادا فما تنتظرون ! فإذا حملت فشدّوا شدّة رجل واحد . قال : فمرَّ في الصَّفّ يكلّمهم ، يقول هذه المقالة ، حَتَّى إذا مرَّ بالنَّاس كلّهم أقبل فوقف وسط الصَّفّ في القلب ، ونظرنا إليه ما يصنع ، فحرّك رأسَه تحريكتين ، ثُمَّ حمَل في الثَّالثة ؛ وحَمَلنا معه جميعا ، فو اللّه ما صبروا لنا ساعة حَتَّى ولّوا وانهزموا ، وقتلنا سبعين عربيَّا من بني ناجية ، ومن بعض من اتّبعه من العرب ، ونحو ثلاثمئة من العُلوج والأكراد . قال : كَعْب ونظرت ، فإذا صديقي مدرك بن الرّيان قتيلا ، وخرج الخِرّيت منهزما ، حَتَّى لحق بسيف من أسياف البحر ؛ وبها جَماعة من قومه كثير ، فما زال يسير فيهم ويدعوهم إلى خلاف عليّ عليه السلام ، ويزيّن لهم فِراقه ، ويخبرهم أن الهدى في حربه ومخالفته ، حَتَّى اتّبعه منهم ناس كثير . وأقام مَعْقِل بن قَيْس بأرض الأهواز ، وكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام بالفتح ، وكنت أنا الَّذي قدِم بالكتاب عليه ، وكان في الكتاب : لعبد اللّه عليّ أمير المؤمنين ، من مَعْقِل بن قَيْس سلام . عليك فإنّي أَحمَد إليك اللّه الَّذي لا إله إلاَّ هو . أمَّا بعدُ ؛ فإنَّا لقِينا المارقين ؛ وقد استظهروا علينا بالمشركين ؛ فقتلنا منهم ناسا كثيرا ولم نَعْد فيهم سيرتك فلم نقتل منهم مُدبِرا ولا أسيرا ؛ ولم نُذَفِّف منهم على جريح ، وقد نصرك اللّه والمسلمين ، والحمد للّه ربّ العالمين . قال : فلمَّا قدمت بالكتاب على عليّ عليه السلام ، قرأه على أصحابه واستشارهم في الرَّأي ، فاجتمع رأي عامّتهم على قول واحد . قالوا : نرى أن تكتب إلى مَعْقِل بن قَيْس ؛ يتبع آثارهم ، ولا يزال في طلبهم حَتَّى يقتلَهم أو ينفيَهم من أرض الإسلام ؛ فإنّا لا نأمن أن يفسدوا عليك النَّاس . قال : فردّني إليه ، وكتب معي :

.


1- . وفي انساب الأشراف : فكتب عليّ عليه السلام إلى أبي موسى ، ثُمَّ نقل ما يقرب هذا الكتاب ، ثُمَّ قال : ويقال : انَّ عليَّا لم يكتب إلى أبي موسى في هذا بشيء . ( أنساب الأشرا ف : ج3 ص178 ) . أقول : هذا باطل قطعا ، لأنّ عليَّا عليه السلام عزل أبا موسى قبل حرب الجمل ، وهو معلوم .
2- . الشَّأفة في الأصل : قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب ؛ وإذا قطعت مات صاحبها ؛ وقولهم : استأصل اللّه شأفته ؛ أي أذهبه كما تذهب القرحة ، ومعناه أزاله من أصله .
3- . النحل : 108 .
4- . النمل : 24 .
5- . الكهف : 104 .
6- . النحل : 96 .

ص: 33

. .

ص: 34

. .

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

كتابه عليه السلام إلى معقل بن قيس

كتابه عليه السلام إلى مَعْقِل بن قَيْس« أمَّا بعدُ ؛ فالحمد للّه على تأييده أولياء ، وخَذْله أعداءه ، جزاك اللّه والمسلمين خيرا ؛ فقد أحسنتم البلاء ، وقضيْتم ما عليكم ، فاسأل عن أخي بني ناجية ، فإن بلَغَك أنَّه استقرّ في بلد من البلدان ، فسِرْ إليه حَتَّى تقتله أو تنفيَه ، فإنَّه لم يزل للمسلمين عدوَّا ، وللفاسقين وليَّا ، والسَّلام » .

قال : فسأل مَعْقِل عن مسيره والمكان الَّذي انتهى إليه ، فنُبِّئ بمكانه بسيف البحر بفارس ، وأنَّه قد ردّ قومه عن طاعة عليّ عليه السلام ، وأفسد من قبله من عبد القَيس ، ومَن والاهم من سائر العرب ، وكان قومه قد منعوا الصَّدقة عام صفِّين ، ومنعوها في ذلك العام أيضا ، فسار إليهم مَعْقِل بن قَيْس في ذلك الجيش من أهل الكوفة والبصرة ، فأخذوا على أرض فارس ، حَتَّى انتهوْا إلى أسياف البحر ؛ فلمَّا سمع الخِرّيت بن راشد بمسيره ، أقبل على من كان معه من أصحابه _ ممَّن يرى رأي الخوارج _ فأسرَّ إليهم : إنِّي أرى رأيكم ، وإنَّ عليَّا ما كان ينبغي له أن يحكِّم في دين اللّه . وقال : لمن منع الصَّدقة : شُدُّوا أيديكم على صدقاتكم . قال : فلمَّا رجع مَعْقِل ، قرأ على أصحابه كتابا من عليّ عليه السلام فيه :

.

ص: 39

كتابه عليه السلام إلى المارقين

كتابه عليه السلام إلى المارقين« من عَبدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مَن قُرِئ عَليهِ كتابي هذا ؛ مِنَ المُسلِمينَ والمُؤمِنينَ والمارِقينَ والنَّصارى والمُرتدِّينَ . سلامٌ علَى مَنِ اتَّبعَ الهُدى ، وآمَنَ باللّه ِ ورَسُولِهِ وكتابِهِ ، والبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ وافيا بِعَهْدِ اللّه ِ ؛ ولَم يَكُنْ مِنَ الخائِنينَ . أمَّا بَعْدُ ؛ فإنِّي أدعوكُم إلى كتابِ اللّه ِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ ؛ وأَن أعمَلَ فِيكُم بالحَقِّ وبِما أمَرَ اللّه ُ تعالى فِي كتابِهِ ، فَمَنْ رجَعَ مِنكُمْ إلى رَحْلِهِ وكَفَّ يَدَهُ ، واعتَزَلَ هذا المارِقَ الهالِكَ المُحارِبَ ؛ الَّذي حارَبَ اللّه َ ورَسولَهُ والمُسلِمينَ ، وسعَى في الأرضِ فَسادا ، فَلَهُ الأَمانُ على مالِهِ وَدمِهِ . ومَنْ تابَعَهُ علَى حَرْبِنا والخُروجِ مِنْ طاعَتِنا ، استَعَنَّا باللّه ِ عَليْهِ ، وجَعلْناهُ بَيْننا وَبيْنَهُ ، وكفَى باللّه ِ ولِيّا ، والسَّلامُ » .

قال : فأَخرج مَعْقِل رايةَ أمان فنصبها ، وقال : مَن أتاها من النَّاس فهو آمن ، إلاّ الخِرّيت وأصحابه الَّذِين نابذوا أوّل مرّة ، فتفرَّق عن الخِرّيت كل من كان معه من غير قومه . . . [ ثُمَّ وقعت حرب شديدة ، قتل فيها النَّاجي ] قتله النُّعْمَان بن صهبان الرَّاسبيّ وقتل معه في المعركة سبعون ومئة ، وذهب الباقون في الأرض يمينا وشمالاً . . . وكتب مَعْقِل إلى عليّ عليه السلام : أمَّا بعدُ ؛ فإنّي أخبر أمير المؤمنين عن جُنْده ، وعن عدوّه ، أنَّا دفعنا إلى عدوّنا بأسْياف البحر ، فوجدنا بها قبائل ذات حَدّ وعدد ؛ وقد جمعوا لنا ، فدعوناهم إلى الجماعة والطَّاعة ، وإلى حكم الكتاب والسُّنَّة ؛ وقرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ورفعنا لهم راية أمان ؛ فمالت إلينا طائفة منهم ، وثبتت طائفة أُخرى ، فقبِلْنا أمر الَّتي أقبلت ، وصمَدنْا إلى الَّتي أدبرتْ ، فضرب اللّه وجوههم ، ونصَرَنا عليهم ؛ فأمّا من كان مسلما ؛ فإنَّا مننَّا عليه ، وأخذنا بيعته لأمير المؤمنين عليه السلام ، وأخذنا منهم الصَّدقة الَّتي كانت عليهم ؛ وأمَّا مَن ارتدَّ فعرضْنا عليهم الرُّجوع إلى الإسلام ؛ وإلاَّ قتلناهم ؛ فرجعوا إلى الإسلام ؛ غيرَ رجل واحد فقتلناه ؛ وأمَّا النَّصارى ؛ فإنَّا سبيْناهم وأقبلنا بهم ؛ ليكونوا نَكالا لمن بعدهم من أهل الذِّمة ، كي لا يمنعوا الجزية ، ولا يجترئوا على قتال أهل القبلة ؛ وهم للصَّغار والذّلّة أهل . رحمك اللّه يا أمير المؤمنين ، وعليك الصَّلاة والسَّلام ، وأوجب لك جنَّات النَّعيم ، والسَّلام . قال : ثُمَّ أقبل بالأُسارى ، حَتَّى مرّ على مَصْقلة بن هُبيرة الشَّيْبانيّ ، وهو عامل لعليّ عليه السلام على أردَشير خُرَّة (1) ، وهم خمسمئة إنسان ، فبكى إليه النِّساء والصِّبيان ، وتصايح الرِّجال : يا أبا الفضل ، يا حامل الثِّقَل ، يا مؤوي الضَّعيف ، وفكَّاك العصاة ، امنن علينا فاشترنا وأعتقْنا . . . [ فاشتراه مصقلة على خمسمئة ألف درهم ، على أن يصدر المال أوَّلاً وثانيا ؛ فرجع مَعْقِل إلى عليّ عليه السلام ، وأخبره الخبر ] . فقال عليه السلام له : « أحسَنْتَ وأصَبْتَ وَوُفِّقْتَ » . وانتظر عليّ عليه السلام مصقلة أن يبعث بالمال ، فأبطأ به . وبلغ عليَّا عليه السلام أنَّ مصقلة خلَّى الأُسارى ، ولم يسألهم أن يعينوه في فَكاك أنفسهم بشيء . فقال عليه السلام : « ما أرى مَصْقَلَةَ إلاَّ قَدْ حَمَل حَمالَةً ، ولا أراكُم إلاَّ سَترَوْنَهُ عَنْ قَرِيبٍ مُبَلْدَحا » (2) ، ثُمَّ كتب إليه :« أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ من أعظَمِ الخِيانَةِ ، خِيانَةُ الأُمّةِ . . . » . (3) أقول : زياد بن خصفة ، هو التيميّ البَكريّ ، من المخلصين في ولاء عليّ عليه السلام ، وابنه المجتبى السِّبط الأكبر ، بعثه أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية لإتمام الحجَّة ، والدَّعوة إلى الحقّ . (4) وهو قاتل عبيد اللّه بن عمر في صفِّين ، كما صرَّح به ابن سعد . (5) كفى في مدح أمير المؤمنين عليه السلام إيّاه في كتابه إليه : « أنْتَ وأصحابُكَ مأجورون ، فقد أطَعْتُم وسَمِعْتُم وأحسَنْتُم البَلاءَ » . وفي كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس : « فَنِعْمَ المرءُ زِيادٌ ، ونِعْمَ القَبِيلُ قَبِيلُهُ » . وعدَّه الطَّبري : من الرُّؤساء الَّذِين كان يخرجهم أمير المؤمنين عليه السلام للحرب في صفِّين ، كل يوم جندا مع رئيس . (6) وعدَّه الطَّبري : من الَّذِين أرسلهم أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية للاحتجاج ، قال زياد في جواب معاوية : _ حيث قال معاوية لزياد : فإن قطع أرحامنا ، وقتل إمامنا ، وآوى قتلة صاحبنا ، وإنِّي أسألك النُّصرة بأُسرتك وعشيرتك ولك عليّ عهد اللّه وميثاقه إذا ظهرت أن أُوليك أيَّ المصرين أحببت _ فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : أمَّا بعدُ ؛ فإنِّي على بيِّنة من ربِّي ، وبما أنعم عليَّ ، فلن أكون ظهيرا للمجرمين . (7) وعدَّه الطَّبريّ من الرُّؤساء الَّذِين أجابوا أمير المؤمنين عليه السلام للخروج إلى حرب معاوية بعد قصّة الحكمين ، وكتبوا أسماء مقاتلة قومهم ، وبعثه أمير المؤمنين عليه السلام إلى المَدائِن ، لإشخاصهم إلى الحرب . (8) ولمّا خان خالد بن المعمَّر السُّدوسي ، أو اتَّهم بذلك ، قال : زياد بن خصفة لأمير المؤمنين عليه السلام : يا أمير المؤمنين ، استوثق من ابن المعمَّر بالأيمان لا يغدر . (9) فقال أبو الصَّلت التَّيميّ :_ لمّا فرَّ يزيد بن حجية إلى معاوية _ كان دعاؤه عليه السلام : « اللَّهمَّ إنَّ يزيدَ بنَ حُجَيَّةَ هَرَبَ بمالِ المُسلِمينَ ، ولَحِقَ بالقَوْمِ الفاسِقينَ ، فاكفِنا مَكْرَهُ ، وكَيْدَهُ ، واجزِهِ جَزاءَ الظَّالِمينَ » . قال : ورفع القوم أيديهم يؤمنون ، وكان في المسجد عفاق بن شرحبيل بن أبي رهم التَّيميّ شيخا كبيرا ، وكان يعدّ ممَّن شهد على حُجْر بن عَدِيّ ، حَتَّى قتله معاوية ، فقال عفاق : على من يدعو القوم ؟ قالوا على يزيد بن حُجَيَّة ، فقال : تربت أيديكم أَعلى أشرافنا تدعون ، فقاموا إليه فضربوه حَتَّى كاد يهلك ، وقام زياد بن خصفة ، وكان من شيعة عليّ عليه السلام . . . يذكر ضرب النَّاس عفاقا : دَعَوْتُ عِفَاقا لِلهُدى فاستَغَشَّنِيوَوَلَّى فَرِيّا قَولُهُ وهُوَ مُغْضَبُ وَلوْلا دِفاعِي عَنْ عِفاق ومَشْهَدِيهَوَتْ بِعفاقٍ عَوضُ عَنْقاءَ مُغْرِبُ أُنَبِّئهُ أَنَّ الهُدى في اتِّباعِنافَيَأْبى ويُضْرِيهِ المِرَاءُ فَيَشْغَبُ فَإِنْ لا يُشايِعْنا عِفَاقُ فَإِنَّناعلَى الحقِّ ما غَنَّى الحَمَامُ المُطَرِّبُ سَيُغنِي الإلهُ عَنْ عِفَاقٍ وسَعْيِهِإذا بُعِثَتْ للناسِ جَأْوَاءُ تُحْرَبُ قَبائِلُ مِنْ حَيَّيْ مَعَدٍّ ومِثْلُهايَمانِيَةٌ لا تَنْثَنِي حِينَ تُنْدَبُ لَهُم عَدَدٌ مِثلُ التُّرابِ وطَاعَةٌ تُوَدُّ وبَأْسٌ فِي الوَغى لا يُؤنَّبُ (10) فقال زياد بن خصفة _ بعد غارة بُسْر بن أرطاة وخطبة أمير المؤمنين عليه السلام _ : نحن شِيعَتُكَ يا أميرَ المؤمنين ، الَّتي لا نعصيك ولا نخالفك ، فقال : « أَجَلْ أَنتُم كَذلِكَ ، فَتَجهَّزُوا إلى غَزوِ الشَّامِ » . (11) [ وهو من الَّذِين قاموا إلى الحسن عليه السلام ، وأظهروا له الإخلاص والوفاء والنَّصيحة ، ]فقال لهم : « صَدَقْتُم رَحِمَكُم اللّه ُ ! ما زِلْتُ أَعرِفُكُم بِصِدْقِ النِّيَّةِ والوَفاءِ والقَبُولِ والمَودَّةِ الصَّحِيحَةِ ، فَجزاكُمُ اللّه ُ خَيْرا » . (12)

.


1- . أرْدَشِيْر خُرَّه ،بالفتح ثُمَّ السُّكون وفتح الدال المهملة، وكسر الشِّين المعجة، وياء ساكنة وراء ، وخاء معجمة مضمومة ، وراء مفتوحة مشدّدة وهاء : من كور فارس ( مراصد الاطلاع ) .
2- . المبلدح : الملقى على الأرض من الضرب .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص128 _ 145 ؛ الغارات : ج1 ص332 _ 364 ، بحار الأنوار : ج 33 ص405 _ 419 كلاهما نحوه وراجع : تاريخ الطبري : ج 3 ص137 _ 146 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص271 _ 273 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص417 _ 423 ، الفتوح : ج4 ص242 _ 244 ، أنساب الأشراف : ج 3 ص177 _ 184 .
4- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص5 ؛ قاموس الرجال : ج4 ص499 .
5- . راجع : الطبقات الكبرى : ج5 ص18 .
6- . تاريخ الطبري : ج5 ص10 _ 11 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص366 .
7- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص7 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص368 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص2 _ 22 ؛ وقعة صفّين : ص197 _ 199 ، بحار الأنوار : ج32 ص454 _ 455 .
8- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص79 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص402 ؛ قاموس الرجال :ج4 ص500 .
9- . راجع : وقعة صفِّين : ص288 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص226 .
10- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص85 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص149 ؛الغارات : ج2 ص528 و530 و637 .
11- . الغارات: ج 2 ص 637.
12- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص39 ، مقاتل الطالبيين : ص70 ؛ بحار الأنوار :ج44 ص50 .

ص: 40

. .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

معقل بن قيس الرّياحي

مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحيمن تميم ، كان من رجال أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته المخلصين ، وأوليائه المتفانين فيه ، وأعوانه على إقامة الدِّين ، وقمع الظَّالمين . (1) قال ابنُ أبي الحديد : مَعْقِل بن قَيْس ، كان من رجال الكوفة وأبطالها ، وله رئاسة وقدم ، أوفده عَمَّار بن ياسِر إلى عمر بن الخَطَّاب مع الهرمزان لفتح تستر ، وكان من شيعة عليّ عليه السلام ، وجَّهه إلى بنيساقة، فقتل منهم وسبى ، وحارب المستورد بن علفة الخارجي من تَميم الرَّباب ، فقتل كل واحد منهما صاحبه بدجلة . (2) قال ابن حَجَر : وذكره يعقوب بن سُفْيَان في أُمراء عليٍّ يوم الجمل ، وقال الهَيْثم بن عديّ : كان صاحب شرطة عليّ . (3) قال المفيد رحمه الله : إنَّ معقلاً كان على رجّالة بني تميم ، في جند أمير المؤمنين عليه السلام ، في حرب الجمل . (4) [ كان أمير المؤمنين عليه السلام يتهيأ لحرب صفِّين ، دخل عليه جمع فيهم حَنْظَلَة بن الرَّبيع التَّميميّ ، وعبد اللّه بن المعتم ، فأشاروا بالتَّأخير في الحرب ، والمكاتبة مع معاوية ؛ ]فقام إليه مَعْقِل بن قَيْس اليَرْبُوعيّ ثُمَّ الرِّياحيّ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنَّ هؤلاء واللّه ما أتوك بنصح ، ولا دخلوا عليك إلاَّ بغشّ ، فاحذرهم فإنَّهم أدنى العدوّ . (5) [ لمّا عزم أمير المؤمنين عليه السلام على الخروج إلى صفِّين ، جاءه ابن عبَّاس من البصرة ، ومعه رؤوس الأخماس ، وأُمراء الأسباع من أهل الكوفة منهم ، ] مَعْقِل بن قَيْس اليَرْبُوعيّ على تميم وضَبَّة والرَّباب وقريش وكِنانَة وأسَد . (6) [ ولمّا أراد أن يرحل من النُّخيلة خطب النَّاس واستنفرهم ، ] فقام إليه مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحيّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، واللّه لا يتخلَّف عنك إلاَّ ظنين ، ولا يتربّص بك إلاَّ منافق ، فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين . (7) [ بعثه أمير المؤمنين عليه السلام ] من المَدائِن في ثلاثة آلاف رجل ، وقال له : « خُذْ علَى المَوْصِلِ ، ثُمَّ نَصِيبينَ ، ثُمَّ القَنِي بالرَّقَةِ ، فَإنّي مُوافِيها ، وسكِّنِ النَّاسَ وأمِّنْهُم ، ولا تُقاتِلْ إلاَّ مَنْ قاتَلَكَ ، وسِرْ البَرْدَيْنِ ، وغَوِّر بالنَّاسِ ، وأَقِمِ اللَّيلَ ، ورَفّهْ في السَّيْرِ ، ولا تَسِرْ في اللَّيلِ ، فَإنَّ اللّه جَعلَهُ سَكنا ، أرِحْ فِيهِ بَدنَكَ وجُنْدَكَ وظَهْرَكَ ، فإذا كانَ السَّحَرُ أو حِينَ ينبَطِحُ الفَجْرُ فَسِرْ » . (8) كان مَعْقِل من الرُّؤساء الَّذِين يأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام بالقتال في صفِّين كل يوم واحدا منهم . (9) كان مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحي من الرُّؤساء المخلصين ، الَّذِين قاموا إلى أبي الحسن بن عليّ عليهماالسلام وكلّموه وأظهروا له الإخلاص ،بمثل كلام عَدِيّ بن حاتم في الإجابة والقبول ، فقال لهم الحسن عليه السلام : « صَدقْتُم رَحِمَكُم اللّه ُ ، ما زِلْتُ أَعرِفُكُم بِصدْقِ النِّيَّةِ والوفاءِ والقَبولِ والمَوَدَّةِ الصَّحيحَةِ ، فَجَزاكُمُ اللّه ُ خَيْرا » . [ كلامُ عَدِيّ رحمه الله ] . . .ثُمَّ استقبل الحسنَ بوجهه فقال : أصاب اللّه بك المراشد ، وجنَّبك المكاره ، ووفَّقك لما يُحمَدُ وِردُهُ وصَدرُهُ ، قد سَمِعْنا مقالتك ، وانتهينا إلى أمرك وسمعنا لك ، وأطعناك فيما قلت وما رأيت . (10) [ لمّا أغار سُفْيَان بن عَوْف الغامدي على الأنبار . . .خطب أمير المؤمنين عليه السلام النَّاس وحرّضهم وأنّبهم . . . ] فلمَّا دخل منزله ودخل عليه وجوه أصحابه ، قال لهم : « أشيروا عَليَّ بِرَجُلٍ صلِيبٍ ناصِحٍ يَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ السَّوادِ » ، فقال له سعيد بن قيس : يا أمير المؤمنين ، أُشير عليك بالنَّاصح الأريب ، الشُّجاع الصَّليب ، مَعْقِل بن قَيْس التَّميميّ ، قال : نعم ، ثُمَّ دعاه فَوَجَّهَهُ ، فَسارَ فَلَمْ يَقدِمْ حَتَّى أُصيبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام . (11) لمّا ندب أمير المؤمنين عليه السلام للخروج إلى الشَّام ثانيا ، بعد الحكمين ، وأمر كل رئيس أن يكتب : ما عشيرته ومواليهم ويرفعه إليه . أجابه جمع ، منهم مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحيّ . (12) وكان مَعْقِل في حرب الخوارج : على ميسرة أمير المؤمنين عليه السلام . (13) عندما أغار يزيد بن شجرة على مكّة والمدينة ، هَبَّ مَعْقِل إلى مواجهته ، فأسَر عددا من أصحابه ، ولاذ الباقون بالفرار (14) . لمّا عزم الإمام عليه السلام على معاودة قتال معاوية بعد إخماد فتنة النَّهروان ، واستبان الاستعداد النِّسبي الَّذي أبداه أهل الكوفة للقتال ، ذهب مَعْقِل إلى أطراف الكوفة لجمع المقاتلين ، لكنّه تلقّى _ وهو في مهمّته _ الخبر المُفجِعَ لاستشهاد الإمام عليٍّ عليه السلام (15) . أقول : والَّذي تحصَّل ممَّا سردنا ، أنَّه كان من رجال الحرب ، وفرسان الطِّعان من زمن عمر ، وحضر الحروب في عصره ، ثُمَّ صار إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان من رجاله المعروفين والشجعان المشهورين ، وكان ناصحا أريبا ، وشجاعا صليبا ، وظهر منه في تلكم الحروب ما يحكي عن بسالته وعقله وتدبيره ، حَتَّى وقع عند أمير المؤمنين عليه السلام موقع الرِّضا والقبول . والَّذي أتعجَّبُ منه ، هو مقاتلته مع المستورد تحت راية معاوية ، وهو هو ، والرَّاية رايته ، والحكومة حكومته الغاشمة الظَّالمة ، بل الكافرة . والَّذي يحتمل ، هو أن يكون مجبورا لا خيار له ، أو حاربهم من أجل أنَّهم يبغضون عليَّا عليه السلام ويُكَفِّرونهُ . قال الطَّبري : فلمّا أراد الخروج ( لحرب خِرّيت ) أقبل إلى عليّ عليه السلام فودّعه عليه السلام فقال : « يا مَعْقِل ، اتَّقِ اللّه ما استَطَعْتَ ، فإنَّها وصيَّةُ اللّه ِ للمُؤمِنينَ ، لا تَبْغِ علَى أهْلِ القِبلَةِ ، ولا تَظْلِم أهلَ الذِّمَّةِ ، ولا تتكبَّر ، فإنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ المُتكبِّرينَ » . (16) في سنة 43 ه خرج المُسْتَورد _ أحد أقطاب الخوارج _ في أيّام حكومة معاوية الغاصبة (17) ، وهو يريد الشِّيعة ، فنهض مَعْقِل إلى قتاله . واستشهد بعد أن دَحَر جيشه وقتَله في مبارزة بينهما (18) . وصفه سعيد بن قَيْس بأنّه : ناصح أريب ، صليب شجاع (19) .

.


1- . رجال الطوسي :ص47 ، الغارات : ج2 ص782 .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص92 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج59 ص367 ، الإصابة : ج6 ص241 الرقم 8470 ، الكامل للمبرّد : ج3 ص1163 .
3- . الإصابة : ج6 ص241 الرقم 8470 .
4- . الجمل : ص321 .
5- . وقعة صفّين : ص96 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 3 ص175 .
6- . وقعة صفّين :ص117 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 3 ص193 .
7- . وقعة صفّين :ص132 ، بحار الأنوار : ج32 ص422 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 3 ص202 .
8- . وقعة صفّين : ص148 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص208 ، ربيع الأبرار : ج2 ص394 .
9- . وقعة صفّين : ص195 ، بحار الأنوار : ج32 ص428 .
10- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص39 ، مقاتل الطالبيين : ص70 ؛ بحار الأنوار :ج44 ص50 .
11- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص90 ؛ الغارات : ج2 ص482 .
12- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص79 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص402 .
13- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص85 .
14- . الغارات : ج2 ص511 .
15- . الغارات : ج2 ص638 ؛ الأخبار الطوال : ص213 .
16- . تاريخ الطبري : ج5 ص122 .
17- . أنساب الأشراف : ج5 ص175 .
18- . أنساب الأشراف : ج5 ص176 و177 ، تاريخ الطبري : ج5 ص206 ، الكامل للمبرّد :ج3 ص1163 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص465 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص92 .
19- . الأمالي للطوسي : ص174 ح293 ، الغارات : ج2 ص638 .

ص: 44

. .

ص: 45

. .

ص: 46

. .

ص: 47

يزيد بن حجيّة

يَزيدُ بنُ حُجَيَّةمن أصحاب الإمام عليه السلام (1) ، وشهد معه حروبه (2) . وجعله الإمام عليه السلام أحد الشُّهود في التَّحكيم (3) . استعمله الإمام عليه السلام على الرَّيّ (4) ودَسْتَبَى (5) . لكنّه انتهج الخيانة ، إذ نقل ابن الأثير أنّه استحوذ على ثلاثين ألف درهم من بيت المال ؛ وطالبه الإمام بالنقص الحاصل في بيت المال ، فأنكر ذلك ، فجلده (6) وسجنه ، ففرّ من السِّجن والْتَحَقَ بمعاوية (7) . وشهد على حُجْر بن عَدِيّ حين أراد معاوية قتله . (8)

.


1- . تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص147 .
2- . الكامل في التاريخ : ج2 ص367 ، الأخبار الموفّقيّات : ج575 ص374 .
3- . تاريخ الطبري : ج5 ص54 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص389 ، تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص147 وفيه « كان أحد الشُّهود في كتاب الصلح » .
4- . الرَّي : مدينة من بلاد فارس ، والنسبة إليها « الرازي » ( تقويم البلدان : ص421 ) . وهي اليوم تعدّ إحدى نواحي مدينة طهران وضواحيها .
5- . دَسْتَبَى : كورة ( بلدة ) كبيرة كانت مقسومة بين الري وهمذان ؛ فقسم منها يسمّى « دستبى الرازي » وقسم منها يسمّى « دستبى هَمَذان » ( معجم البلدان : ج2 ص454 ) . الغارات : ج2 ص525 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص215 و216 ، الأخبار الموفّقيّات : ج575 ص374 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص367 ، تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص147 ، وفيهما « استعمله على الريّ » .
6- . الكامل في التاريخ : ج2 ص367 .
7- . الغارات : ج2 ص525 _ 528 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص216 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص367 ، الأخبار الموفّقيّات : ج575 ص374 وليس فيه « حَبَسه » ، تاريخ مدينة دمشق : ج65 ص147 .
8- . الغارات : ج2 ص528 ؛ أنساب الأشراف : ج5 ص268 ، تاريخ الطبري : ج5 ص273 .

ص: 48

153 _ كتابه عليه السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشّيبانيّ

153كتابه عليه السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشّيْبانِيّوهو عامله على أردَشِير خُرَّة :بَلَغَنِي عَنْك أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَك ، وعَصَيْتَ إِمَامَك ، أَنَّك تَقْسِمُ فَيْءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وخُيُولُهُمْ وأُرِيقَتْ عليه دِمَاؤهُمْ فِيمَنِ اعْتَامَك مِن أَعْرَابِ قَوْمِك ، فَو الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَة ، لَئِن كان ذلك حَقّا لَتَجِدَنَّ لك علَيَّ هَوَانا ، ولَتَخِفَّنَّ عنْدِي مِيزَانا ، فلا تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّك ، ولا تُصْلِحْ دُنْيَاك بِمَحْقِ دِينِك ، فَتَكُونَ مِن الأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ، أ لا وإِنَّ حَقَّ مَن قِبَلَك وقِبَلَنا مِن الْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا الْفَيْءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عليه ويَصْدُرُونَ عنه . (1) قال اليعقوبي : بلغ أمير المؤمنين عليه السلام أنَّ مصقلة يفرّق ويهب الأموال ( أي أموال أردشير خُرَّة ) وكان عليها ، فكتب إليه : « أمَّا بعدُ ؛ فَقَدْ بَلغَنِي عَنْكَ أمرٌ أكْبَرْتُ أنْ أُصَدِّقَهُ : أنَّك تَقسِمُ فَيءَ المُسلِمينَ في قَومِكَ ، ومَنِ اعتَراكَ مِنَ السَّأَلَةِ والأحزابِ ، وأهْلِ الكِذْبِ مِنَ الشُّعَراءِ ، كما تُقَسِّمُ الجَوْزَ ، فو الَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمَةَ ، لأُفتِشَنَّ عَنْ ذلِكَ تفتِيشا شَافِيا ، فَإنْ وَجْدتُهُ حَقَّا لَتَجِدَنَّ بِنَفْسِكَ علَيَّ هَوانا ، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ أعْمالاً ، « الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا » » (2) .

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب43 ، بحار الأنوار : ج33 ص516 ح712 ؛ نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص175 .
2- . الكهف :104 .

ص: 49

فكتب مصقلة في الجواب : أمَّا بَعْدُ ؛ فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين ، فليسأل إن كان حقَّا ، فليعجِّل عزلي بعد نكالي ، فكلّ مملوكي حرّ ، وعلَيَّ آثامُ ربِيعَةَ ومضر ، إن كنت رزأت (1) من عملي دِينارا ولا درهما ولا غيرهما ، منذ ولّيته إلى أن ورد عليَّ كتاب أمير المؤمنين ، ولتعلَمَنَّ أنَّ العزْلَ أهونُ علَيَّ مِنَ التُّهمَةِ . فلمَّا قرأ كتابه قال : ما أظُنُّ أبا الفضل إلاَّ صادقا . (2) ونقل أنساب الأشراف بنحو آخر أحببت إيراده هنا ، وهو : « بلغني عَنْكَ أمرٌ ، إن كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَد أتيتَ شَيْئا إدَّا (3) ، بَلَغَنِي أنَّك تَقْسِمُ فَيءَ المُسلِمينَ فِيمَنِ اعتَناكَ وتغشَّاك مِن أعرابِ بَكْرِ بنِ وائِلٍ ، فو الَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمَةَ ، وأحاطَ بِكُلِّ شيءٍ عِلْما ، لَئِنْ كان ذلِكَ حَقَّا لتَجِدَنَّ بِكَ علَيَّ هوانا ، فلا تَستَهِينَنَّ بِحَقِّ رَبِّكَ ، ولا تُصلِحَنَّ دُنياكَ بِفَسادِ دِينِكَ ومَحْقِهِ ، فَتَكونُ من الأخسرِينَ أعْمالاً ، « الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا » (4) » . (5) [ أقول : كان مصقلة بن هبيرة الشّيْبانيّ عاملاً على أردشير خُرَّة ، وأردشير خُرَّة : كورة من كور فارس ، وقد مرَّ كتاب له عليه السلام حين اشترى سبي بني ناجية وأعتقهم ، ] وأخّر المال ، فكتب إليه علي عليه السلام بما قدمنا ، ثُمَّ هرب مصقلة إلى معاوية ، فلمَّا بلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : « قَبَّحَ اللّه ُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ، وفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيد، فمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ، ولا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ ، ولو أقام لأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ ، وانْتَظَرْنَا بِمَالِه وُفُورَهُ . » (6)

.


1- . يقال : رزأ _ من باب منع ، والمصدر كالمنع والقفل والمعركة _ رزا ورزا ومرزنة الرجل ماله : نقصة .
2- . تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 201 .
3- . الراغب : أي أمرا منكرا يقع فيه جلبة .
4- . الكهف : 104 .
5- . أنساب الأشراف : ج2 ص389 .
6- . نهج البلاغة : الخطبة44 .

ص: 50

مصقلة بن هبيرة

مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَةكان أحد أصحاب الإمام عليه السلام (1) ، ونائب ابن عبّاس ، ووالي أردشير خرّة (2)(3) فكان عاملاً غير مباشر للإمام عليه السلام . وفي سنة 38 ه (4) ، لمّا ظَهَر مَعْقِل بن قَيْس على الثّوّار المرتدّين من بني ناجية وأسرهم ، اشتراهم مصقلةُ ، وأطلق سراحهم ، ثمّ لم يتمكّن من أداء قيمتهم إلى بيت المال . (5) مضافا إلى تصرّفه في أموال بيت المال ، بالبذل لأقربائه ، والعفو عمّا عليهم . ولهذا استدعاه الإمام وعاتبه على تصرّفه غير المشروع في بيت مال المسلمين ، وإتلافه للأموال ، وطلب منه ردّ ما أخذه من بيت المال لفكّ الأسرى . فعظم ذلك على مصقلة ، حيث لم يكن يتصوّر أنّ الإمام يعامله بهذه الشِّدَّة ، بعد أن رأى عطاء عثمان وهباته من بيت المال ، بل كان يأمل عفو الإمام . فلمّا لم يصل إلى أمله فرّ والتحق بمعاوية (6) . ولهذا قال الإمام عليه السلام في حقّه : « فَعلَ فِعْلَ السَّادَةِ ، وَفرَّ فِرارَ العَبيدِ » (7) . لقد شغل مصقلة بعض المناصب في حكومة معاوية (8) . وشهد على حُجْر بن عَدِيّ حين أراد معاوية قتله . (9) في مروج الذَّهب : مضى الحارث بن راشد النَّاجي في ثلاثمئة من النَّاس فارتدّوا إلى دين النَّصرانيّة . . . فسرّح إليهم عليّ مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحي ، فقتل الحارث ومن معه من المرتدّين بسيف البحر ، وسبى عيالهم وذراريهم ، وذلك بساحل البحرين ، فنزل مَعْقِل بن قَيْس بعض كُوَر الأهواز بسبي القوم ، وكان هنالك مصقلة بن هبيرة الشَّيْبانِيّ عاملاً لعليّ ، فصاح به النِّسوة : امنُن علينا ، فاشتراهم بثلاثمئة ألف درهم وأعتقهم ، وأدّى من المال مئتي ألف ، وهرب إلى معاوية . فقال عليّ : قبّحَ اللّه ُ مصقَلَةَ ! فَعَلَ فِعْلَ السَّيِّدِ ، وفَرّ فِرارَ العَبدِ ، لو أقام أخذنا ما قدرنا على أخْذِهِ ؛ فَإنْ أعسَرَ أنظرناه ، وإن عجز لم نأخُذْهُ بشيءٍ ، وأنفذ العتق . وفي ذلك يقول مصقلة بن هبيرة ، من أبيات : تَرَكْتُ نِساءَ الحيِّ بَكْرِ بنِ وائِلٍوأعتَقْتُ سَبْيا مِنْ لُؤَيِّ بنِ غالِبِ وفارَقْتُ خَيرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍلمالٍ قليلٍ لا مَحالَةَ ذاهِبِ (10) وفي الغارات عن عبد اللّه بن قعين _ بعدما اشترى مصقلة اُسارى بني ناجية _ : انتظر عليّ عليه السلام مصقلة أن يبعث إليه بالمال ، فأبطأ به ، فبلغ عليّا عليه السلام أنّ مصقلة خلّى سبيل الاُسارى ، ولم يسألهم أن يُعينوه في فكاك أنفسهم بشيء . فقال : ما أرى مصقلة إلاّ قد حمل حَمالةً (11) ، لا أراكم إلاّ سترونه عن قريب مُبَلدَحا (12) . ثمّ كتب إليه : « أمّا بعدُ ؛ فإنّ مِن أعظَمِ الخِيانَةِ خِيانَةَ الاُمّةِ ، وأعظَمِ الغِشِّ على أهْلِ المِصْرِ غِشَّ الإمامِ ، وعِنْدَكَ مِنْ حَقِّ المُسلِمينَ خمسمئة ألفِ دِرْهَمٍ ، فابَعثْ إليَّ بِها حِينَ يأتِيكَ رسُولِي ، وإلاّ فأَقْبِلْ إليّ حِينَ تَنظُرُ فِي كتابِي ؛ فَإنِّي قَد تقدَّمْتُ إلى رسُولي أنْ لا يَدَعَكَ ساعَةً واحِدَةً تُقِيمُ بَعْدَ قُدومِهِ عَليْكَ إلاّ أن تبعَثَ بالمالِ ، والسَّلامُ » . قال : وكان الرَّسول أبا حرّة الحنفي ، فقال له أبو حرّة : إن تبعث بهذا المال وإلاّ فاشخَص معي إلى أمير المؤمنين ، فلمّا قرأ كتابه أقبل حتَّى نزل البصرة ، وكان العمّال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عبّاس ، فيكون ابن عبّاس هو الَّذي يبعث به إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له : نعم أنظرني أيّاما ، ثمّ أقبل من البصرة حتَّى أتى عليّا عليه السلام بالكوفة ، فأقرّه عليّ عليه السلام أيّاما لم يذكر له شيئا ثمّ سأله المال ، فأدّى إليه مئتي ألف درهم ، وعجز عن الباقي فلم يقدر عليه (13) . وعن ذهل بن الحارث : دعاني مصقلة إلى رحله ، فقدّم عشاءً فطعمنا منه ، ثمّ قال : واللّه ، إنّ أمير المؤمنين يسألني هذا المال ، وواللّه لا أقدر عليه ، فقلت له : لو شئت لا يمضي عليك جمعة حتَّى تجمع هذا المال ، فقال : واللّه ، ما كنت لاُحمّلها قومي ، ولا أطلب فيها إلى أحد . ثمّ قال : أ ما واللّه ، لو أنّ ابن هند يطالبني بها ، أو ابن عفّان لتركها لي ، أ لم تر إلى ابن عفّان ، حيث أطعم الأشْعَث بن قَيْس مئة ألف درهم من خراج أذربيجان في كلّ سنة ، فقلت : إنّ هذا لا يرى ذلك الرَّأي وما هو بتارك لك شيئا ، فسكت ساعة وسكتُّ عنهُ ، فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتَّى لحق بمعاوية ، فبلغ ذلك عليّا عليه السلام فقال : « ما له ؟ ! ترّحه (14) اللّه ! فَعلَ فِعْلَ السَّيِّدِ ، وفَرّ فِرارَ العَبْدِ ، وخانَ خِيانَةَ الفاجِرِ ، أما إنّهُ لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه ؛ فإن وجدنا له شيئا أخذناه ، وإن لم نقدر له على مال تركناه » ، ثمّ سار إلى داره فهدّمها (15) .

.


1- . رجال الطوسي : ص83 الرقم832 .
2- . أَرْدَشِير خُرَّة : من أجَلّ بقاع فارس ، وقد بناها أردشير بابكان ، ومنها مدينة شيراز ومِيمَنْد وكازرون ، وهي بلدة قديمة ( راجع معجم البلدان : ج1 ص146 ) .
3- . أنساب الأشراف: ج2 ص389، تاريخ مدينة دمشق: ج 58 ص269 الرقم7450 ؛ نهج البلاغة: الكتاب 43 وفيه « هو عامله على أردشيرخرّة » ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص201 وفيه « يهب أموال أردشيرخرّة وكان عليها » .
4- . تاريخ الطبري : ج5 ص128 .
5- . م . تهذيب الأحكام : ج 10 ص140 ح551 ، نهج البلاغة : الخطبة 44 ؛ أنساب الأشراف :ج3 ص181 ، مروج الذهب : ج2 ص419 ، تاريخ الطبري : ج5 ص128 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص270 الرقم7450 . )
6- . أنساب الأشراف : ج3 ص181 ، تاريخ الطبري : ج5 ص129 و130 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص421 و422 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص272 الرقم7450 ؛ الغارات : ج1 ص364 _ 366 ، رجال الطوسي : ص83 الرقم832 وفيه « هرب إلى معاوية » .
7- . أنساب الأشراف : ج3 ص181 ، تاريخ الطبري : ج5 ص129 و130 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص421 و422 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص272 الرقم7450 ؛ الغارات : ج1 ص364 _ 366 ، رجال الطوسي : ص83 الرقم832 وفيه « هرب إلى معاوية » .
8- . أنساب الأشراف : ج3 ص183 وج5 ص278 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص169 ، تاريخ مدينة دمشق : ج58 ص273 الرقم7450 .
9- . أنساب الأشراف : ج3 ص183 وج5 ص278 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص169 ، تاريخ مدينة دمشق : ج58 ص273 الرقم7450 .
10- . مروج الذهب : ج2 ص418 و419 وراجع تاريخ الطبري :ج5 ص130 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص422 ، نهج البلاغة : الخطبة 44 .
11- . الحَمالة : ما يتحمّله الإنسان عن غيره من دِيَة أو غرامة ( النهاية : ج1 ص442 ) .
12- . بلدح الرجل : إذا ضرب بنفسه على الأرض ( تاج العروس : ج4 ص16 ) .
13- . الغارات : ج1 ص364 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص129 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص271 الرقم7450 كلاهما عن عبد اللّه بن فقيم وفيهما « مُلبّدا » بدل « مُبَلدَحا » ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج3 ص144 وراجع أنساب الأشراف : ج3 ص181 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص421 ، الفتوح : ج4 ص244والبداية والنهاية : ج7 ص310 .
14- . التَّرَح : ضدّ الفرح ؛ وهو الهلاك والانقطاع أيضا ( النهاية : ج1 ص186 ) .
15- . الغارات : ج1 ص365 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص130 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ص272 الرقم7450 كلاهما عن عبد اللّه بن فقيم نحوه وراجع أنساب الأشراف : ج3 ص181 و182 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص421 ، الفتوح : ج4 ص244 ، البداية والنهاية : ج7 ص310 .

ص: 51

. .

ص: 52

. .

ص: 53

. .

ص: 54

154 _ كتابه عليه السلام إلى قثم بن العبّاس

154كتابه عليه السلام إلى قُثَمِ بن العبَّاسمن كتاب له عليه السلام إلى قُثْم بن العبَّاس ، وهو عامله على مكَّة :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ عَيْنِي بِالْمَغْرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ ، يُعْلِمُنِي أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى الْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِن أَهْلِ الشَّامِ ، الْعُمْيِ الْقُلُوبِ ، الصُّمِّ الأَسْمَاعِ ، الْكُمْهِ الأَبْصَارِ ، الَّذِين يَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ، ويُطِيعُونَ الْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ، ويَحْتَلِبُونَ الدُّنيا دَرَّهَا بِالدِّينِ ، ويَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بآجِلِ الأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ ، ولَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إلاَّ عَامِلُهُ ، ولا يُجْزَى جَزَاءَ الشَّرِّ إِلاَّ فَاعِلُهُ . فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْك قِيَامَ الْحَازِمِ الصَّلِيبِ ، والنَّاصِحِ اللَّبِيبِ ، التَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ ، الْمُطِيعِ لإِمَامِهِ ، وإيَّاك ومَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ ، ولا تَكُنْ عند النَّعْمَاءِ بَطِرا ، ولا عنْد الْبَأْسَاءِ فَشِلاً ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب33 وراجع : الغارات : ج1 ص501 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص139 .

ص: 55

قثم بن العبّاس

قُثَمُ بنُ العَبّاسقُثَم بن العبّاس بن عبد المطلب القُرَشيّ الهاشِميّ ، واُمّه اُمّ الفضل ، لُبابَة بنت الحارث من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله (1) ، وأخو أحد الحسنين عليهماالسلام من الرِّضاعة (2) ، أثنوا عليه بالمعرفة القويّة والفضل والفضيلة . وليَ مكّة (3) والطَّائف (4) طيلة خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . وصار أمير الحجِّ سنة 38 ه (5) . وعندما أغار بُسْر بن أرطاة على مكّة ، فرَّ منها (6) ثمّ عاد إليها بعد خروج بُسْر . (7) كان قُثَم حاضرا في مسجد الكوفة ، عندما ضُرب الإمام عليه السلام ، وهو الَّذي قبض على ابن ملجم (8) . توفّي قُثَم في فتح سمرقند (9) أيّام معاوية (10) . في الاستيعاب : كان قُثم بن العبّاس واليا لعليّ بن أبي طالب على مكّة ، وذلك أنّ عليّا لمّا ولي الخلافة عزل خالد بن العاصي بن هِشام بن المُغِيْرَة المخزومي عن مكّة ، وولاّها أبا قَتادَة الأنْصاريّ ، ثمّ عزله ، وولّى قُثَم بن العبّاس ، فلم يزل واليا عليها حتَّى قُتل عليّ رضى الله عنه (11) . وفي المستدرك على الصحيحين عن أبي إسْحاق : سألت قثم بن العبّاس : كيف ورث عليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دونكم ؟ قال : لأنّه كان أوّلنا به لحوقا ، وأشدّنا به لزوقا (12) . وفي الطبقات الكبرى : غزا قُثَم خراسان ، وكان عليها سعيد بن عثمان فقال له : أضرب لك بألف سهم ، فقال : لا ، بل اُخمِّس ، ثمّ أعطِ النَّاس حقوقهم ، ثمّ أعطني بعدُ ما شئت . وكان قُثم ورعا فاضلاً ، وتوفّي بسمرقند (13) .

.


1- . مسند ابن حنبل : ج 1 ص440 ح1760 ، التاريخ الكبير : ج 7 ص194 ح863 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص440 الرقم82 ، اُسد الغابة : ج 4 ص373 الرقم4279 وفيها « قد أردفه النبيّ صلى الله عليه و آله خلفه » .
2- . مسند ابن حنبل : ج 10 ص256 ح26939 ، الإصابة : ج 5 ص320 الرقم7096 ، أنساب الأشراف : ج4 ص85 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص440 الرقم82 .
3- . تاريخ الطبري: ج5 ص92 وص155، تاريخ خليفة بن خيّاط: ص152 وفيه «ولاّها أبا قَتادة الأنصاري ثمّ عزله وولّى قثم بن عبّاس، فلم يزل واليا حتَّى قتل عليّ »؛ نهج البلاغة: الكتاب 67، تاريخ اليعقوبي: ج2 ص179 .
4- . تاريخ الطبري : ج5 ص92 و ص 155 .
5- . تاريخ الطبري : ج5 ص132 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص424 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص213 وفيه « أقام الحجّ للناس . . . وفي سنة 37 قثم بن العبّاس وقيل : عبد اللّه بن العبّاس » .
6- . تاريخ الطبري : ج5 ص132 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص424 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص213 وفيه « أقام الحجّ للناس . . . وفي سنة 37 قثم بن العبّاس وقيل : عبد اللّه بن العبّاس » .
7- . الغارات : ج2 ص621 .
8- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص212 .
9- . سَمَرْقَند : بلد معروف في خراسان وهو الآن في طاجيكستان .
10- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص237 ؛ الطبقات الكبرى : ج7 ص367 ، أنساب الأشراف : ج4 ص86 وفيه « ويقال استشهد بها » ، اُسد الغابة : ج 4 ص374 الرقم4279 وفيه « مات بها شهيدا » .
11- . الاستيعاب : ج 3 ص363 الرقم2190 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 .
12- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص136 ح4633 ، المعجم الكبير : ج9 ص 0 ح 86 و ح 85 نحوه ، تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص393 ، اُسد الغابة : ج 4 ص373 الرقم4279 .
13- . الطبقات الكبرى : ج7 ص367 وراجع أنساب الأشراف : ج4 ص86 .

ص: 56

155 _ كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

155كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّاله« أمَّا بعدُ ، فإنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُك فِي أَمَانَتِي ، وجَعَلْتُك شِعَارِي وبِطَانَتِي ، ولَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِن أَهْلِي أَوْثَقَ منْك فِي نَفْسِي ؛ لِمُوَاسَاتِي ، ومُوَازَرَتِي وأَدَاءِ الأَمَانَةِ إِلَيَّ . فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمان عَلَى ابْنِ عَمِّك قَدْ كَلِبَ ، والْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ ، وأَمَانَةَ النَّاس قَدْ خَزِيَتْ ، وهَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ فنَكَتْ (1) وشَغَرَتْ (2) ، قَلَبْتَ لابْنِ عَمِّك ظَهْرَ الْمِجَنِّ ، فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ ، وخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ ، وخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ ، فَلا ابْنَ عَمِّك آسَيْتَ ، ولا الأَمَانَةَ أَدَّيْتَ ، وكأنَّك لَمْ تَكُنِ اللّه َ تُرِيدُ بِجِهَادِك ، وكأنَّك لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّك ، وكأنَّك إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ ، وتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْك الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ ، وعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ ، واخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ علَيْه مِن أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لأَرَامِلِهِمْ وأَيْتَامِهِمُ ، اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ ، فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ ، غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ ، كأنَّك لا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِك تُرَاثَك مِن أَبِيك وأُمِّك . فَسُبْحَانَ اللّه ! أَمَا تُؤمِنُ بِالْمَعَادِ ؟ ! أَومَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ ؟ ! أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِن أُولِي الأَلْبَابِ ، كَيْفَ تُسِيغُ شَرَابا وطَعَاما ، وأَنْتَ تَعْلَمُ أنَّك تَأْكُلُ حَرَاما ، وتَشْرَبُ حَرَاما ، وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ ، وتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِن أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ ، والْمُؤمِنِينَ والْمُجَاهِدِينَ الَّذين أفَاءَ اللّه عَلَيْهِمْ هَذِهِ الأَمْوَالَ ، وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلادَ ! فَاتَّقِ اللّه َ ، وارْدُدْ إِلَى هَؤلاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ ، فإنَّك إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللّه ُ منْك لأُعْذِرَنَّ إِلَى اللّه فِيك ، ولأَضْرِبَنَّك بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَدا ، إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ ، وواللّه ِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ فَعَلا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ ، ولا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ ، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُما ، وأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا . وأُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِن أَمْوَالِهِمْ حَلالٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثا لِمَنْ بَعْدِي . فَضَحِّ رُوَيْدا فَكأنَّك قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى ، ودُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى ، وعُرِضَتْ عَلَيْك أَعْمَالُك بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ ، ويَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ، ولاتَ حِينَ مَناصٍ ! » . (3)

.


1- . فَنَكَت: الفَنْك الكذب والتعدّي. ( لسان العرب ج 1 ص 479 ) .
2- . شغَرت: الأرضُ والبكدُ أي خلَتْ من النّاسِ ، ولم يبق بها أحد يحميها ويَضبطها . ( لسان العرب: ج 4 ص 417 ) .
3- . نهج البلاغة : الكتاب41 وراجع : رجال الكشّي : ص60 الرقم110 ؛ نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص167 ، العقد الفريد : ج4 ص357 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص75 وج2 ص82 ، أنساب الأشراف : ج2 ص174 .

ص: 57

. .

ص: 58

156 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

156كتابه عليه السلام إلى معاوية« أمَّا بَعدُ ؛ يا مُعاوِيَةُ ، فإنَّ اللّه َ عَدْلٌ لا يَجورُ ، وعزِيزٌ لا يُغْلَبُ ، يجري بالإحسانِ إحسانا ، وهُوَ بَصيرٌ بِما تَعْمَلُ العِبادُ ، واعلَمْ بأنَّكَ لَمْ تُخْلَقْ للدنيا والخُلودِ فيها ، بَلْ أنْتَ راجِعٌ إلى رَبِّكَ فَمُلاقِيهِ ، فاتّقِ اللّه َ يا مُعاوِيَةُ ، وأنصِفْ مِنْ نَفْسِكَ ، ولا تُطْغِيَنَّكَ الأمانيُّ الباطِلَةُ والغُرورُ ، فَإنّي مُؤْلٍ (1) باللّه ِ ألِيَّةَ صِدْقٍ ، لَئِنْ جَمَعَتْنِي وايَّاكَ دارا لأُزايِلَنَّكَ أبَدا ، أو يَفْتَحُ اللّه ُ بَيْنَنا بالحَقِّ وهو خَيْرُ الفاتِحينَ ، فأَطلِقْ مَنْ فِي يَدَيْكَ مِن إخْوانِنا حَتَّى نُطلِقَ مَنْ فِي أيدينا مِنْ أصحابِكَ ، فَإنّي قَدْ بَعَثْتُ إليْكَ فِي ذلِكَ مَولايَ سَعْدَا _ والسَّلامُ » (2) .

[ أقول : قال ابن أعْثَم : ] بعث معاوية أيضا برجل من أصحابه يقال له : الحارث بن نمر التَّنوخي ، في ألف رجل من حماة أهل الشَّام ، وأمره بالغارة على بلاد الجزيرة مِمَّن هُم في طاعَةِ علِيٍّ رضى الله عنه . قال : فأقبلَتْ خَيلُ أهل الشَّام حَتَّى بلغت تخوم صفِّين ودارا (3) ، فأغاروا على قوم من بني تَغْلِب ممَّن كانوا في طاعة عليّ رضى الله عنه ، فأسروا منهم ثمانية نفر ، وانصرفوا راجعين إلى الشَّام ؛ وقام رجل من أهل الجزيرة يقال له عُتْبَة بن الوعل ، فجمع قومه من بني تَغْلِب ، ثُمَّ صار إلى جسر منبج ، فعبر الفرات وأغار على أوائل الشَّام ، فغنم غنائم كثيرة ورجع إلى بلاد الجزيرة ؛ وأنشأ يقول : ألا أبلِغْ مُعاوِيَةَ بنَ صَخْرٍفَإنّي قَدْ أغَرْتُ كما تُغِيرُ صَبَحْنا مَنبِجا بالخَيْلِ تُردَىشَوازِبُ في أياطِلِها (4) ضَمِيرُ بِكُلِّ سَمَيْدَعٍ ماضٍ جَسُورٍعلَى الأَهْوالِ في ضَنَكٍ يَسِيرُ وكُلُّ مُجَرِّبٍ بَطَلٍ هُمَامٍلدَى الهَيْجاءِ مَطلَبُهُ عَسِيرُ وفِتيانٍ يَرَونَ الصَّبْرَ مَجْدابِأَيدِيهم مُهَنَّدَةٌ ذُكُورُ قال : ثُمَّ كتب عليّ رضى الله عنه إلى معاوية : أمَّا بعدُ ؛ . . . قال : فلمَّا وصل كتاب عليّ إلى معاوية ، أطلق من كان في يديه من أصحاب عليٍّ ، وأطلق عليٌّ أيضا من كان في يديه من أصحاب معاوية . قال : وظنَّ عليّ رضى الله عنه أنّ معاوية لا يُغير عليه بعد ذلك ، فلمَّا كان بعد شهر _ أو أقلّ أو أكثر _ وجَّه معاوية أيضا برجل من أصحاب الشَّام يقال له : سُفْيَان بن عَوْف الغامدي في خيل عظيمة ، وأمره بالمسير والغارة على أداني العِراقِ ، والقتل لمن قدر عليه من شيعة عليّ . قال : فسارت خيل الشَّام حَتَّى انتهت إلى بلد يقال له هِيت ، وبه يومئذ رجل من قبل عليّ رضى الله عنه يقال له كُمَيْل بن زياد النَّخعيّ ؛ فلمَّا بلغه أن خيل الشَّام قد تقاربت من هِيت خلَّف عليها رجلاً من أصحابه في خمسين فارسا ، وسار يريد خيل أهل الشام . قال : فلمَّا أبعد كُمَيْل بن زياد عن مدينة هِيت ، أقبل صاحب معاوية وهو سُفْيَان بن عَوْف الغامدي على هيت وأغار على أطرافها ولم يتبعه أحد . . . قال : ثُمَّ كتب عليّ عليه السلام إلى كُمَيْل بن زياد يلومه على فعله ، وتضييعه مدينة هيت ، وخروجه عنها . (5)

.


1- . الألِيَّة: الحلف، آلى إيلاءً مثل آتى إيتاءً إذا حلف فهو مُؤْلٍ . ( المصباح المنير ص 20 ) .
2- . الفتوح : ج 4 ص 225.
3- . دارا : بلدة من بلاد الجزيرة .
4- . الأيطل: الخاصرة والجمع أياطِل . ( المعجم الوسيط : ج 1 ص 22 ) .
5- . راجع : الفتوح : ج4 ص224 وراجع : أنساب الأشراف : ج3 ص231 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص428 .

ص: 59

. .

ص: 60

157 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

157كتابه عليه السلام إلى معاوية« إنَّك زعَمْت أنَّ الَّذي دعاكَ إلى ما فَعَلْتَ الطَّلبُ بِدَمِ عُثمانَ فما أبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعلِكَ ويْحَكَ ! وما ذَنْبُ أهْلِ الذِّمَّةِ في قَتْلِ ابنِ عَفَّانَ ؟ وبِأَيِّ شَيءٍ تَسْتَحِلُّ أخْذَ فَيءِ المُسلِمينَ ؟ ! فانْزَعْ ولا تَفْعَلْ ؛ واحذَرْ عاقِبَةَ البَغْي والجَوْرِ ، وإنَّما مَثَلِي وَمَثلُكَ كما قال بَلعاءُ لدِرُيدِ بنِ الصِّمَّةِ : مَهْلاً دُريْدُ عَنِ التَّسرُّعِ إنَّنِيماضي الجَنانِ بِمَنْ تَسَرَّعَ مُولَعُ مَهْلاً دُريْدُ عَنِ السَّفاهَةِ إنَّنيماضٍ علَى رَغْمِ العُداةِ سَمَيْدَعُ مَهلاً دُرَيْدُ لا تَكُنْ لاقَيْتَنِييَوْما دُرَيْدُ فَكُلُّ هذا يُصْنَعُ وإذا أهانَكَ مَعْشَرٌ أكْرِمْهُمُفَتَكونَ حَيْثُ تَرى الهوانَ وتَسْمَعُ » . (1)

.


1- . الغارات : ج2 ص489 .

ص: 61

158 _ كتابه عليه السلام إلى زياد ابن أبيه

159 _ كتابه عليه السلام إلى قيس بن سعد بن عبادة

158كتابه عليه السلام إلى زياد ابن أبىمن كتاب له عليه السلام إلى زياد ابن أبى ، وقد بلغه أنَّ معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه :« وقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إلَيْك يَسْتَزِلُّ لُبَّك ، ويَسْتَفِلُّ غَرْبَك ، فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ ، يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، ومِنْ خَلْفِه ، وعَن يَمِينِه ، وعَنْ شِمَالِهِ لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ ، ويَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ . وقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ ، ونَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ ، لا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ ، ولا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ ، والْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ (1) ، والنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ (2) » .

قال الرَّضي رحمه الله : فلمَّا قرَأَ زِيَادٌ الْكِتَابَ ، قَال : شَهِدَ بها ورَبِّ الْكَعْبَةِ ، ولَمْ تَزَلْ في نَفْسه حَتَّى ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ . (3)

159كتابه عليه السلام إلى قَيْس بن سَعْد بن عُبادَةقال اليعقوبي : وكتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، وهو على آذْرَبِيجان بعد أمر النَّهروان :« أمَّا بَعْدُ ، فأَقبِلْ على خَراجِكَ بالحَقِّ ، وأَحْسِنْ إلى جُنْدِكَ بالإنصافِ ، وعَلِّمْ من قِبلَكَ مِمَّا علَّمَكَ اللّه ُ ، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللّه ِ بنَ شُبَيْلٍ الأحْمَسِيِّ ، سأَلنِي الكِتابَ إليْكَ فيهِ بِوصايَتِكَ بِهِ خَيْرا ، فَقَدْ رأيتُهُ وادعا مُتَواضِعا ، فألِنْ حِجابَكَ ، وافتَحْ بابَكَ ، واعمَدْ إلى الحَقِّ ، فإنْ وافَقَ الحَقَّ ما يحبو أسرَّهُ ، ولا تتَّبِعِ الهوى ، فَيُضِلَّكَ عن سبيلِ اللّه ِ ، « إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ » (4) » . (5) ونقل البلاذري هذا الكتاب بصورة أخرى ، وهي : « أمَّا بَعْدُ ؛ فَإنَّ العالِمينَ باللّه ِ العامِلينَ لَهُ ، خِيارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللّه ِ ، وإنَّ المُسلِمينَ لِغَيْرِ الرِّياءِ والسُّمْعَةِ ، لَفي أجرٍ عَظِيمٍ ، وفَضْلٍ مُبينٍ . وَقدْ سأَلَنِي عَبْدُ اللّه ِ بنُ شُبَيْلٍ الأحْمَسِيِّ الكتاب إليك في أمره ، فأُوصيك بهِ خيرا ، فإنِّي رأيتُهُ ، وادِعا مُتَواضِعا ، حَسَنَ السَّمْتِ والهَدْي ، فألِنْ حِجابَكَ ، واعمَدْ للحَقِّ ، ولا تتَّبِعِ الهَوى ، فيُضِلَّكَ عن سبيل اللّه ، والسَّلام » . (6)

.


1- . الواغل : الذي يدخل على القوم في طعامهم ولم يُدْعَ (لسان العرب : ج 11 ص 733) ، والمُدفَّع : المحقور الذي لا يُضيّف ان استضاف (لسان العرب : ج 8 ص 88) .
2- . ناط الشيء : علّقه ، والنوط ما علِّقِ لسان العرب : ج 7 ص 418 ، ومذَبذَب : متردد بين أمرين ، والتَّذَبذُب : التحرُّك (لسان العرب : ج 1 ص 384) .
3- . نهج البلاغة : الكتاب44 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص182 ، أُسد الغابة : ج2 ص216 ، تاريخ مدينة دمشق : ج18 ص172 ، الكامل لابن الأثير : ج3 ص444 .
4- . ص :26 .
5- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص202 .
6- . أنساب الأشراف : ج 2 ص 389 .

ص: 62

. .

ص: 63

الفصل الخامس : مكاتيبه عليه السلام من نهاية النهروان حتى الاستشهاد

اشاره

الفصل الخامس : مكاتيبه من نهاية النهروان حتى الاستشهاد

.

ص: 64

. .

ص: 65

غارة النُّعْمَان بن بشير الأنْصاريّ على عين التَّمر ومالك بن كَعْب الأرْحَبيّ : عن مُحَمَّد بن يوسف بن ثابت : أنَّ النُّعْمَان بن بشير قدم هو وأبو هريرة على عليّ عليه السلام من عند معاوية ، بعد أبي مسلم الخولاني ، يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية ليقتلهم بعثمان ، لعلَّ الحرب أن تطفأ ويصطلح النَّاس ، وإنَّما أراد معاوية أن يرجع مثل النُّعْمَان وأبي هريرة من عند عليّ عليه السلام إلى النَّاس ، وهم لمعاوية عاذرون ولعليّ لائمون ، وقد علم معاوية أنَّ عليَّا عليه السلام لا يدفع قتلة عثمان إليه ، فأراد أن يكون هذان يشهدان له عند أهل الشَّام بذلك ، وأن يُظهر عذره ، فقال لهما : ائتيا عليَّا ، فناشداه اللّه وسلاه باللّه لمَّا دفع إلينا قتلة عثمان ، فإنَّه قد آواهم ومنعهم ، ثُمَّ لا حرب بيننا وبينه ، فإنْ أبى فكونوا شهداء اللّه عليه ، وأقبلا إلى النَّاس فأعلماهم ذلك ، فأتياه ، فدخلا عليه فقال له أبو هريرة : يا أبا حسن ، إنَّ اللّه قد جعل لك في الإسلام فضلاً وشرفا ، أنت ابن عمّ مُحَمَّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد بعثنا إليك ابن عمّك معاوية يسألك أمرا تهدأ به هذه الحرب ، ويصلح اللّه به ذات البين ، أن تدفع إليه قتلة عثمان ابن عمّه ، فيقتلهم به ، ثُمَّ يجمع اللّه به أمرك وأمره ، ويصلح اللّه بينكم ، وتسلم هذه الأمّة من الفتنة والفرقة . ثُمَّ تكلَّم النُّعْمَان بنحو من هذا . فقال عليه السلام لهما : « دعا الكلامَ فِي هذا ، حدِّثني عَنْكَ يا نُعْمانُ ، أنْتَ أهدى قَوْمِكَ سَبِيلاً ؟ » يعني الأنصار ؟ قال : لا . فقال : « كلُّ قومِكَ قد اتَّبعني إلاَّ شُذَّاذا مِنهُم ثَلاثَةٌ أو أربَعَةٌ ، أفتكونُ أنْتَ مِنَ الشُّذَّاذ ؟ » فقال النُّعْمان : أصلحك اللّه ، إنَّما جئت لأكون معك ، وألزمك ، وقد كان معاوية سألني أن أؤدِّي هذا الكلام ، وقد كنت رجوت أن يكون لي موقفٌ أجتمع فيه معك ، وطمعت أن يجري اللّه تعالى بينكما صلحا ، فإذا كان غير ذلك رأيك ، فأنا ملازمك وكائن معك . وأمَّا أبو هريرة فلحق بالشَّام ، فأتى معاوية وخبره الخبر ، فأمره أن يخبر الناس ففعل ، وأمَّا النُّعْمان ، فأقام بعده أشهرا ، ثُمَّ خرج فارَّا من عليٍّ عليه السلام ، حَتَّى إذا مرَّ بعين التَّمر ، أخذه مالك بن كَعْب الأرْحَبيّ ، وكان عامل عليّ عليه السلام عليها ، فأراد حبسه ، وقال له : ما مرَّ بك هاهنا ، قال : إنَّما أنا رسولٌ بلَّغت رسالة صاحبي ، ثُمَّ انصرفت ، فحبسه ، ثُمَّ قال : كما أنت حَتَّى أكتب إلى عليّ عليه السلام فيك ، فناشده ، وعظم عليه أن يكتب إلى عليّ عليه السلام فيه ، وقد كان قال لعليّ عليه السلام : إنَّما جئت لأُقيم ، فأرسل النُّعْمَان إلى قَرَظَةَ بن كَعْب الأنْصاريّ ، وهو بجانب عين التَّمر يجبي خراجها لعليّ عليه السلام ، فجاء مسرعا حَتَّى وصل إلى مالك بن كَعْب ، فقال له : خلِّ سبيل هذا الرَّجل _ يرحمك اللّه _ ، فقال له : يا قرظة ، اتَّق اللّه ، ولا تتكلَّم في هذا ، فإنَّ هذا لو كان من عبَّاد الأنصار ونسَّاكهم ما هرب من أمير المؤمنين إلى أمير المنافقين ، فلم يزل يقسم عليه حتى خلَّى سبيله ، فقال له : يا هذا ، لك الأمان اليوم واللَّيلة وغدا ، ثُمَّ قال : واللّه لئن أدركتك بعدها لأضرِبَنَّ عنقك . . . [ فلمَّا أغار النُّعْمَان على عين التَّمر بعد غارة الضَّحَّاك بن قيس . . .استعان مالك بن كَعْب بقَرَظَة بن كَعْب فقال : إنَّما أنا صاحب خراج ، وليس عندي من أُعينه به ، ثُمَّ استعان بمِخْنَف بن سُلَيْم ، وكان على الصَّدقة لعليّ عليه السلام ، وكان على أرض الفرات ، فأعانه بخمسين رجلاً ، حَتَّى نصر اللّه مالكا ، ورجع النُّعْمَان عنه مخذولاً . (1) فأعان لانقاذ عدوِّ عليّ عليه السلام ، وخذل عامله مالك بن كَعب ، ويحتمل أن لا يكون ذلك خيانة ؛ لعذر له في الواقع ، ولعلَّ عدم مؤاخذة أمير المؤمنين عليه السلام له ناشئة من كونه معذورا ، بل يتّضح ذلك من بقائه إلى جانب الإمام عليه السلام حَتَّى صلَّى عليه حين مات . فقد مات قَرَظَة بالكوفة في خلافة عليّ عليه السلام ، وصلَّى عليه عليّ عليه السلام كما نصَّ على ذلك المؤرّخون . (2) وكانت معه راية الأنصار في صفِّين ، ولمَّا رجع عليّ عليه السلام من حرب البصرة خرج قَرَظَة من النَّاس ، فدنوا منه يهنونه بالفتح ، وإنَّه ليمسح العرق عن جَبهَتِهِ ، فقال له قَرَظَة بن كَعب : الحمد للّه ِ ، يا أمير المؤمنين ، أعزَّ وليّك ، وأذلَّ عدوَّك ، ونصرك على القوم الظَّالمين . قال : وولاّه فارس ] . (3)

.


1- . راجع : الغارات : ج2 ص445 _ 456 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص301 _ 305 .
2- . راجع : تهذيب التهذيب : ج4 ص527 الرقم 6511 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص444 ، أُسد الغابة :ج4 ص380 ، الإستيعاب : ج3 ص365 ، فتوح البلدان : ص446 .
3- . راجع : الغارات : ج2 ص776 و777 ( تعليقة :41 ) ، قاموس الرجال :ص8 ص520 ، سفينة البحار : ج7 ص278 ، تنقيح المقال : ج2 ص28 ، معجم رجال الحديث : ج14 ص82 .

ص: 66

. .

ص: 67

160 _ كتابه عليه السلام إلى صنعاء والجند

160كتابه عليه السلام إلى صَنعاء والجند«مِنْ عَبدِاللّه ِ عليّ أميرِ المُؤمِنينَ، إلى مَنْ شاقَّ (1) وغَدَرَ (2) مِنْ أهلِ الجُنْدِ وصَنعاءَ. أمَّا بَعْدُ، فإنِّي أحمَدُ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ، الَّذي لا يُعقَّبُ لَهُ حُكْمٌ ، ولا يُرَدُّ لَهُ قَضاءٌ ، ولا يُردُّ بأسُهُ عن القَوْمِ المُجرِمينَ . وَقَدْ بلَغَني تجرُّؤكُم وشِقاقُكُم وإعراضُكُم عَنْ دينِكُم، بعد الطَّاعَةِ وإعْطاءِ البيْعَةِ ، فسألتُ أهْلَ الدِّينِ الخالِصِ ، والورَعِ الصَّادِقِ ، واللُّبِّ الرَّاجِحِ ، عَنْ بَدْءِ مَحْرَكِكُم ، وما نَوَيْتُم بهِ ، وما أحْمَشَكُم لَهُ ؛ فحُدِّثْتُ عَنْ ذلِكَ بما لَمْ أرَ لَكُم في شَيءٍ مِنهُ عُذْرا مُبيَّنا، ولا مَقالاً جَمِيلاً، ولا حُجَّةً ظاهِرَةً ؛ فإذا أتاكُم رسُولِي فَتفَرّقُوا وانصَرِفُوا إلى رِحالِكُم أَعْفُ عَنْكُم، وأَصفَحْ عَنْ جاهِلِكُم، وأحفظْ قاصِيَكُم ، وأعْمَلْ فِيكُم بِحُكْمِ الكِتابِ ؛ فإنْ لَمْ تَفعَلُوا ، فاستَعِدُّوا لِقُدومِ جَيْشٍ جَمِّ الفُرسانِ ، عَظيمِ الأرْكانِ ، يَقْصِدُ لِمَنْ طَغَى وعَصَى، فتُطحَنوا كَطَحْنِ الرَّحى؛ فمَن أحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ ، ومَنْ أساءَ فَعَلَيْها ، وما رَبُّكَ بِظلاَّمٍ للعَبيدِ ». (3)

.


1- . الشقاق: المخالفة والعداوة، وكونك في شقّ غير شقّ صاحبك، أو من شقّ العصا بينك وبينه.( تاج العروس: ج13 ص251 ) .
2- . الغدر: نقض العهد والخيانة.( لسان العرب: ج5 ص8 ) .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص5؛ الغارات: ج2 ص595 وزاد في آخره« ألا، فلا يحمد حامد إلاَّ ربّه، ولا يلم لائم إلاَّ نفسه، السَّلام عليكم »، بحار الأنوار: ج34 ص8 ح901.

ص: 68

[ قال ابن أبي الحديد: كتب أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكتاب بعد أن وصل كتاب عُبيد اللّه وسعيد إليه ، وشاور يزيد بن قَيْس الأرْحَبيّ الهَمْدانِيّ رحمه الله؛ ولعلَّه المراد من قوله عليه السلام : « فَسألْتُ أهلَ الدِّينِ الخالِصِ ، والورَع الصَّادقِ ، واللُّبِّ الرَّاجِحِ » ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد بهذه النعوت الرَّسول الَّذي جاء بالكتاب. وقد كانت صنعاء وقتئذٍ عاصمة اليمن، وملوك اليمن كانوا يسكنون صنعاء وماحولها من مخاليف اليمن، وإنَّما صارت عاصمة بعد سلطة الأجاش على اليمن ، وكان الملك يجلس في قصر همدان؛ وقد كتبنا عن اليمن ومخاليفها في مكاتيب الرَّسول ].

.

ص: 69

161 _ كتابه عليه السلام إلى جارية بن قدامة السعديّ

161كتابه عليه السلام إلى جارية بن قُدَامَة السعديّلمَّا أرسله لدفع الطَّاغية بُسْر بن أرطاة ، لما شنَّ الغارة على المؤمنين . أمَّا نصّ اليعقوبي : عن غياث ، عن فطر بن خليفة ، عن أبي خالد الوالبي ، قال : قرأت عهد عليّ عليه السلام لجارية بن قُدامَة السَّعديّ ، وهذه صورته :« أُوصِيكَ يا جارِيَةُ بِتَقْوى اللّه ِ ، فإنَّها جُموعُ الخَيْرِ ، وسِرْ عَلى عَوْنِ اللّه ِ ، فالِقِ عَدُوِّكَ الَّذي وجَّهْتُكَ لَهُ ، ولا تُقاتِلْ إلاّ مَن قاتَلَكَ ، ولا تُجْهِز على جَريحٍ ، ولا تُسَخِرَنَّ دابَةً ، وإن مَشيْتَ ومَشى أصحابُكَ ، ولا تَستأثِرْ علَى أهْلِ المِياهِ بِمياهِهِم ، ولا تَشْرَبَنَّ إلاّ فضلَهُم عَن طيبِ نُفُوسِهِم ، ولا تَشْتِمَنَّ مُسلِما ولا مُسلِمَةً ، فَتُوجِبُ علَى نَفْسِكَ ما لَعلَّكَ تُؤدِّبُ غيرَكَ علَيْهِ ؛ ولا تَظْلِمَنَّ مُعاهِدا ولا مُعاهِدَةً . واذكُرِ اللّه َ ولا تَفْتُرْ ليْلاً ولا نهارا ، واحمِلوا رجَّالَتَكُم ، وتَواسَوا في ذاتِ أيديكُم ، وأجْدِدْ السَّيْرَ ، وأجْلِ العَدُوَّ مِن حَيْثُ كانَ ، واقتُلْهُ مُقْبِلاً ، واردُدْهُ بِغَيْظِهِ صاغِرا ، واسفِكْ الدَّمَ في الحقِّ واحقِنْهُ في الحَقِّ ، ومَنْ تابَ فاقبَلْ توبَتَهُ ، وأخبارُكَ في كُلِّ حينٍ بِكُلِّ حالٍ ، والصِّدْقَ الصِّدْقَ فَلا رأيَ لِكَذُوبٍ » . (1)

وأمَّا نصّ البحار عن كتاب الغارات ، فهو : لمَّا ورد بُسْر بن أرطاة لعنه اللّه للإغارة على مملكة أمير المؤمنين عليه السلام : الحجاز ، والمدينة ، ومكَّة ، واليمن ، بأمر معاوية بن أبي سُفْيَان ، بلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فبعث في أثره جارية بن قُدامَة ، وأوصاه بتقوى اللّه وما يلزمه أن يعمل في مسيره . عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الرَّحمن بن عبيد ، قال : لمَّا بلغ عليَّا عليه السلام دخول بُسْر أرض الحجاز ، وقتله ابني عُبيد اللّه بن العبَّاس ، وقتله عبد اللّه بن عبد المدان ومالك بن عبد اللّه ، بعثني بكتاب في أثر جارية بن قُدامَة ، قبل أن يبلغه أنَّ بُسْرا ظهر على صنعاء ، وأخرج عُبيد اللّه منها وابن نمران ، فخرجت بالكتاب حَتَّى لحق به جارية ففضَّه فإذا فيه : « أمَّا بعدُ ، فإنِّي بَعثْتُكَ في وجْهِكَ الَّذي وَجِّهْتَ لَهُ ، وقد أوْصيْتُكَ بِتقوى اللّه ِ ، وتَقْوى ربّنا جِماعُ كُلِّ خَيْرٍ ورأسِ كُلِّ أمْرٍ ، وتركْتُ أن أُسمِّي لَكَ الأشْياءَ بأعيانِها ، وأنِّي أُفسِّرُها حَتَّى تَعْرِفَها : سِرْ علَى بَركَةِ اللّه ِ حَتَّى تَلْقى عَدُوَّكَ ، ولا تَحْتَقِرَنَّ مَنْ خلق اللّه أحدا ، ولا تُسخِرَنَّ بَعِيرا ولا حِمارا ، وإنْ تَرَجّلْتَ وحَفَيْتَ ، ولا تَستَأثِرَنَّ علَى أهْلِ المِياهِ بِمياهِهِم ، ولا تَشْرَبَنَّ مِنْ مِياهِهِم إلاَّ بِطيبِ أنْفُسِهِم ، ولا تَسُبَّ مُسْلِما ولا مُسلِمَةً ، ولا تَظْلِمْ مُعاهِدَا ولا مُعاهِدَةً ، وصلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِها ، واذْكُرِ اللّه َ باللَّيلِ والنَّهارِ ، واحمِلُوا راجِلَكُم ، وتأسَّوا علَى ذاتِ أيْديكُم ، وأغِذَّ السَّيْرَ حَتَّى تلْحَقَ بِعَدُوِّكَ ، فَتَجْلِيهِم عَنْ بِلادِ اليَمَنِ وتَرُدَّهُم صاغِرينَ إنْ شاءَ اللّه ُ ، والسَّلامُ عَليْكَ ورَحْمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ ». (2) [ أقول : مرَّ في ذيل قصّة ابن الحَضْرَمِيّ ، أنَّ جارية بن قُدامَة هو الَّذي قتل ابن الحَضْرَمِيّ وأصحابه بالبصرة ، وأرسله أمير المؤمنين عليه السلام إلى أهل نجران عند ارتدادهم عن الإسلام (3) ] .

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 200 .
2- . الغارات : ج2 ص628 ، بحار الأنوار : ج34 ص15 .
3- . راجع : رجال الكشّي : ج1 ص322 الرقم168 ، قاموس الرجال : ج2 ص557 الرقم1356 .

ص: 70

جارية بن قدامة السّعديّ

جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ السَّعْدِيّجارية بن قُدامَة التَّميميّ السعدي . كان من صحابة النَّبيّ صلى الله عليه و آله (1) ، ومن أنصار عليِّ عليه السلام الأبرار الشُّجعان (2) . وكان فتيّ القلب ، عميق الرُّؤية ، ذا شخصيّة رفيعة جعلته ودودا محبوبا . وكان ثابت القدم في حُبِّ عليٍّ عليه السلام ، شديدا على أعدائه (3) . ولمّا تقلّد الإمام الخلافة ، أخذ له البيعة في البصرة (4) . وكان من جملة الهائمين بحبّه ، الَّذين عُرفوا باسم شرطة الخميس . وقد شهد مشاهده كلّها بجدٍّ وتفانٍ (5) . وتولّى قيادة قبيلة سَعْد ورَباب في صفِّين . وكان خطيبا مفوَّها ، ويشهد على لباقته وبلاغة لسانه محاوراته في صفِّين ، وكلماته الجريئة ، وعباراته القويّة الدَّامِغة في قصر معاوية دفاعا عن إمامه عليه السلام . وجّهه عليّ بن أبي طالب إلى أهل نجران عند ارتدادهم عن الإسلام (6) . ووجَّهه إلى بُسْر بن أرطاة في ألفين ، وقال له : أنْتَ لَعَمْري لَميمونُ النَّقيبَةِ ، حَسَنُ النِّيَّةِ ، صالِحُ العَشيرَةِ » ، وندب معه ألفين ، وقال بعضهم : ألفا ، وأمره أن يأتي البصرة ، فيضمّ إليه مثلهم . . . ، ثُمَّ أخذ طريق الحجاز ، حَتَّى قدم اليمن ، لم يُغضِبْ أحدا ، ولم يقتل أحدا ، إلاّ قوما ارتدّوا باليمن ، فقتلهم وحرّقهم . (7) [ ولمَّا دخل مكَّة _ وكان دخوله بعد قتل أمير المؤمنين عليه السلام _ قال لهم ]بايعتم معاوية ؟ قالوا : أكْرَهَنا . قال : أخاف أن تكونوا من الَّذِين قال اللّه فيهم : « وَ إِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَ إِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَياطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ » (8) ، قوموا فبايعوا . قالوا : لِمَنْ نبايع رحمك اللّه ؟ وقد هلك أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ولا ندري ما صنع النَّاس بعد . قال : وما عسى أن يصنعوا إلاّ أن يبايعوا الحسن بن علي عليه السلام _ إلى أن قال : _ ثُمَّ دخل المدينة . . . ثُمَّ قال : أيُّها النَّاس ، إنَّ عليَّا رحمه اللّه يوم ولد ، ويوم توفّاه اللّه ، ويوم يبعث حيَّا ، كان عبدا من عباد اللّه الصَّالحين _ إلى أن قال : _ هلك سيّد المسلمين ، وأفضل المهاجرين ، وابن عمّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، أمَّا والَّذي لا إله إلاّ هو ، لو أعلَمُ الشَّامِتَ منكم لتقرَّبْتُ إلى اللّه ِ عز و جلبِسَفْكِ دَمِهِ ، وتعجيله إلى النَّار (9) . [ ولمَّا رجع إلى الكوفة ] دخل على الحسن بن عليّ عليه السلام ، فضرب على يده فبايعه وعزّاه ، وقال : ما يُجْلِسُكَ ؟ سِر يرحَمْك اللّه ، سر بنا إلى عدوّك قبل أن يسار إليك . فقال عليه السلام : « لو كانَ النَّاسُ كلُّهم مِثلَكَ سِرْتُ بِهِم » (10) . قال معاوية لجارية بن قُدامَة : ما كان أهْونَكَ على أهلك إذ سمَّوْك جارية ! قال : ما كان أهْونَك على أهلك إذ سَمَّوك معاوية ! وهي الأُنثى من الكلاب . قال : لا أُمَّ لك ! قال : أُمِّي وَلَدتْني للسُّيوف الَّتي لقِيناك بها في أيْدِينا . قال : إنَّك لتُهَدِّدني . قال : إنَّك لم تَفْتَتِحنا قَسْرا ، ولم تَمْلِكنا عَنْوةً ، ولكنَّك أعطيتنا عهْدا ومِيثاقا ، وأعْطَيناك سَمْعا وطاعةً ، فإن وَفَّيت لنا وَفَّينا لك ، وإن فَزِعْت إلى غير ذلك ، فإنَّا تركنا وراءَنا رجالاً شِدادا ، وألْسِنةً حِدادا . قال له معاوية : لا كَثَّر اللّه في النَّاس أمثالَك . قال جارية : قلْ معروفا ورَاعِنا ، فإنَّ شرَّ الدُّعاء المُحْتَطب 11 . وزاد ابن عساكر والسُّيوطي : فقال له معاوية : أنت السَّاعي مع عليّ بن أبي طالب ، والموقد النَّار في شُعَلِكَ ، تجوس قرى عربيَّة بِسَفْكِ دمائهم ؟ قال جارية : يا معاوية دع عنك عليَّا ، فما أبغضنا عليَّا منذ أحببناه ، ولا غَشَشْناهُ مُنذُ صحِبناهُ (11) . وقال نصر : كان رجُلَ تميمٍ بعدَ الأحنَفِ (12) . بدأت غارات معاوية الظَّالمة على أطراف العراق بعد معركة النَّهروان ، وأشخص عبد اللّه بن عامر الحَضْرَمِيّ إلى البصرة ، ليأخذ له البيعة من أهلها ، ففعل ذلك واستولى على المدينة ، فوَجّه الإمام أميرُ المؤمنين عليه السلام في البداية أعْيَن بن ضُبَيْعَة لإخماد فتنة ابن الحَضْرَمِيّ ، لكنّه استشهد ليلاً في فراشه ، فأرسل جاريةَ ، فاستعادها بتدبير دقيق وشجاعة محمودة ، فأثنى عليه الإمام عليه السلام (13) . وبعثه عليه السلام في الأيّام الأخيرة من حياته لإطفاء فتنة بُسْر بن أرطاة الَّذي كان مثالاً لا نظير له في الخبث واللُّؤم ، وبينا كان جارية في مهمّته هذه استُشهد الإمام عليه السلام . وأخذ جارية البيعة للإمام الحسن عليه السلام من أهل مكّة والمدينة بخُطىً ثابتة ، ووعي عميق للحقّ (14) . وكان جارية ذا سريرة وضيئة ، وروح كبيرة . ولم يخشَ أحدا في إعلان الحقّ قطّ . وهكذا كان ، فقد دافع عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام بحضور معاوية ، وأكّد ثباته على موقفه (15) . وتُوفِّي هذا الرَّجل الجليل بعد حكومة يزيد (16) .

.


1- . الطبقات الكبرى : ج7 ص56 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص364 ، تقريب التهذيب :ج137 ص885 ، تهذيب التهذيب : ج 1 ص415 الرقم1045 ؛ رجال الطوسي : ص33 الرقم157 .
2- . تهذيب الكمال : ج 4 ص481 الرقم886 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص364 ، تهذيب التهذيب : ج1 ص415 الرقم1045 ؛ الغارات : ج2 ص401 .
3- . الغارات : ج2 ص401 .
4- . تاريخ الطبري : ج5 ص112 .
5- . الاستيعاب : ج 1 ص299 الرقم306 ، اُسد الغابة : ج 1 ص502 الرقم664 ، الإصابة : ج 1 ص556 الرقم1052 ، الوافي بالوفيات : ج11 ص37 .
6- . رجال الكشّي : ج 1 ص322 الرقم 168 .
7- . الغارات : ج2 ص623 و624 ، قاموس الرجال : ج 2 ص 558 ، بحار الأنوار : ج34 ص13 .
8- . البقرة : 14 .
9- . الغارات : ج2 ص639 ، قاموس الرجال : ج2 ص560 ، بحار الأنوار : ج 34 ص 17 وراجع : تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 199 .
10- . الغارات : ج2 ص643 ، قاموس الرجال : ج2 ص558 ، بحار الأنوار : ج34 ص18 .
11- . مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص365 ، تهذيب الكمال : ج4 ص482 ، تاريخ الخلفاء : ص238 و239 ؛ الغدير : ج10 ص234 ، قاموس الرجال : ج2 ص559 وراجع : الأمالي للمفيد : ص170 الرقم6 ، الأمالي للطوسي : ص192 ، بحار الأنوار : ج 44 ص 133 الرقم 22 ؛ الإصابة : ج1 ص555 الرقم1052 ، أُسد الغابة : ج1 ص502 الرقم664 ، الاستيعاب : ج1 ص299 الرقم 306 .
12- . وقعة صفِّين : ص25 .
13- . أنساب الأشراف : ج3 ص192 ، تهذيب الكمال : ج 4 ص481 الرقم886 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص364 الرقم201 ، تاريخ الطبري : ج5 ص112 ؛ الغارات : ج2 ص408 .
14- . أنساب الأشراف : ج3 ص215 ، تاريخ الطبري : ج5 ص140 ؛ الغارات : ج2 ص623 و ص 640 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص199 .
15- . تهذيب الكمال : ج 4 ص482 الرقم886 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج5 ص365 .
16- . الثقات لابن حبّان : ج3 ص60 ؛ أعيان الشيعة : ج4 ص58 .

ص: 71

. .

ص: 72

. .

ص: 73

. .

ص: 74

162 _ كتابه عليه السلام إلى شيعته

162كتابه عليه السلام إلى شِيعَتِهقال محمَّد بن يعقوب في كتاب الرَّسائل : عن عليَّ بن إبراهيم بأسناده قال : كتَب أمير المؤمنين عليه السلام كتابا بعد منصرفه من النَّهروان ، وأمر أنْ يقرأ على النَّاس ، وذلك أنَّ الناس سألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان ، فغضب عليه السلام ، وقال :« قَدْ تَفَرَّغْتُم للسُؤَالِ عمَّا لا يَعنِيكُم ، وهذِهِ مِصْرُ قَدِ انفَتَحَتْ ، وقَتَلَ مُعاوِيَةُ بنُ خَدِيْجٍ محمَّدَ بنَ أبي بَكْرٍ ، فيالَها مِنْ مُصِيبَةٍ ما أعظَمَها ، بِمُصيبَتي بِمُحَمَّدٍ ، فواللّه ِ ما كانَ إلاَّ كَبَعْضِ بَنيّ ، سُبْحانَ اللّه ِ بَيْنا نَحْنُ نَرْجو أنْ نَغلِبَ القومَ علَى ما في أيْديِهِم إذْ غلَبونا علَى ما فِي أيدِينا ، وأنا لَكتَّاب لَكُم كِتابا فيه تَصرِيحُ ما سَأَلْتُم ، إنْ شاء اللّه ُ تعالى » . فدعا[ عليه السلام ] كاتبه عُبيد اللّه بن أبي رافع ، فقال له : « أدخِلْ عَليَّ عَشَرَةً مِن ثِقاتِي » . فقال : سمِّهم لي يا أمير المؤمنين . فقال عليه السلام : « أدخِلْ أصبغَ بنَ نباتة ، وأبا الطُّفَيل عامر بن واثِلَة الكِنانيّ ، ورزينَ بنَ حُبَيْشٍ الأسديّ ، وجُوَيْريَّةَ بنَ مُسْهِر العَبْديّ ، وخندفَ بن زُهَيْرٍ الأسَديّ ، وحارِثَةَ بنَ مَضرِبِ الهَمْدَانِيّ ، والحارث بن عبد اللّه الأعْوَر الهَمْدانِيّ ، ومصباحَ النَّخَعيّ ، وعَلْقَمَة بن قَيْس ، وكُمَيْل بن زياد ، وعمير بن زُرَارَة » . فدخلوا عليه ، فقال لهم : « خُذُوا هذا الكِتاب ولْيَقرْأْهُ عُبيدُ اللّه ِ بنُ أبي رافِعٍ وأَنتُم شُهودٌ كُلَّ يومِ جُمُعَةٍ ، فَإنْ شَغِبَ شاغِبٌ عَليْكُم ، فأَنصِفُوهُ بِكتابِ اللّه ِ بَيْنَكُم وبينَهُ » : « بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن عبد اللّه عليٍّ أميرِ المؤمنينَ ، إلى شِيعَتِهِ من المُؤمِنينَ والمُسلِمينَ ، فإنَّ اللّه َ يقولُ : « وَ إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لاَءِبْرَ هِيمَ » (1) ، وهو اسْمٌ شَرَّفَهُ اللّه ُ تعالى في الكِتابِ ، وأنْتُم شِيْعَةُ النَّبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، كمَا أنَّ من شِيعَتِه إبراهيمَ ، إسْمٌ غَيْرُ مخْتَصٍّ ، وأمْرٌ غَيرُ مُبْتَدَع ، وسلامُ اللّه ِ عليْكم ، واللّه ُ هوَ السَّلامُ المُؤمِنُ أوْلِياءَهُ مِنَ العَذابِ المُهِينِ ، الحاكِمُ عليْكُم بعَدْلِهِ . أمَّا بعدُ ، فإنَّ اللّه تعالى بَعَث محمَّدا صلى الله عليه و آله وأنْتُم مَعاشِرَ العَرَبِ علَى شَرِّ حالٍ ، يَغْذُو أحَدُكم كلْبَهُ ، ويَقْتُل وُلْدَه ، ويُغِيْرُ على غَيْرهِ فَيَرْجِعُ وقَدْ أُغيْرَ علَيْهِ ، تأكُلُونَ العَلْهَزَ (2) والهَبِيْدَ (3) ، والمِيْتَةَ والدَّمَ ، تُنِيْخُونَ علَى أحْجارٍ خُشْنٍ ، وأوْثانٍ مُضِلَّةٍ ، وتأكُلُون الطَّعامَ الجَشِبَ ، وتَشْرَبونَ الماءَ الآجِنَ ، تُسافِكونَ دِماءَكم ، ويَسْبِي بعْضُكم بعْضا ، وقَدْ خَصَّ اللّه ُ قُرَيْشا بثَلاثِ آياتٍ ، وعَمَّ العَرَبَ بآيَةٍ ، فأمَّا الآياتُ اللَّواتي في قُرَيْش فهو قوْلُه تعالى : « وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الأَْرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَ_ئاوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (4) . والثَّانِيَةُ : « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْ_ئا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَ لِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَ_سِقُونَ » (5) . والثَّالِثَةُ : قَولُ قرَيْش لنبيِّ اللّه تعالى حيْنَ دَعاهم إلى الإسلامِ والهِجْرَةِ ، فقالوا : « إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ » (6) ، فقال اللّه تعالى : « أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَ تُ كُلِّ شَىْ ءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَ لَ_كِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ » (7) . وأمَّا الآيَةُ الَّتي عَمَّ بها العَرَبَ فهو قوْلُه تعالى : « وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَ نًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَ لِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَ_تِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » (8) . فيالَها من نِعْمَةٍ ما أعْظَمَها إنْ لم تَخرُجُوا منها إلى غَيْرِها ، ويالَها مِن مُصيْبَةٍ ما أعْظَمَها إنْ لم تُؤمِنوا بها وتَرْغَبوا عنْها . فمَضى نبيُّ اللّه صلى الله عليه و آله وقد بلَّغَ ما أُرسِلَ بهِ ، فيالَها مُصِيبةً خَصَّت الأقربينَ ، وعَمَّت المُؤمِنينَ ، لنْ تُصابُوا بمثْلِها ، ولنْ تُعايِنُوا بعدَها مِثْلَها ، فمَضى صلى الله عليه و آله لِسَبيْله ، وتَرَك كِتابَ اللّه ِ وأهلَ بيتِهِ إمامَيْن لا يَخْتَلِفان ، وأخَوَيْنِ لا يَتَخاذَلانِ ، ومجْتَمِعَيْنِ لا يَتَفَرَّقانِ . ولَقد قَبَضَ اللّه ُ محمَّدا نبيَّه صلى الله عليه و آله ولَأنَا أولى النَّاس به ، منِّي بقَميصِي هذا ، وما أُلقِيَ في رُوْعِي ، ولا عَرَضَ فِي رأيي أنَّ وَجْهَ النَّاس إلى غَيْري ، فلمَّا أبْطَاؤُا عَنِّي بالوِلايَة لِهِمَمِهِم ، وتثبَّطَ الأنْصارُ _ وهُم أنصار اللّه ، وكَتِيْبَةُ الإسلام _ وقالوا : أمَّا إذا لم تُسَلِّموها لعَلِيٍّ فَصَاحِبُنا أحقُّ بها من غَيْره . فَوَ اللّه ما أدْرِي إلى مَن أشْكُو ؟ فإمَّا أنْ يكونَ الأنْصارُ ظُلِمَت حَقَّها ، وإمَّا أنْ يكونوا ظَلَمُونِي حَقِّي ، بل حَقِّي المأخُوذُ وأنَا المَظلومُ ، فقال قائلُ قرَيشٍ : الأئِمَّةُ من قرَيشٍ . فدَفَعوا الأنصار عن دَعوتِها ومَنَعُونِي حَقِّي منها . فأتاني رَهْطٌ يَعرِضونَ عليَّ النَّصْر ، منْهُم ابْنا سَعيدٍ ، والمِقْدادُ بنُ الأسْوَدِ ، وأبو ذَرٍّ الغِفارِيُّ ، وعَمَّارُ بنُ ياسِرٍ ، وسَلْمانُ الفارسِيُّ ، والزُبَيْرُ بن العَوام ، والبراءُ بن عازِب ، فقلت لهم : إنَّ عندي من النَّبي صلى الله عليه و آله عهْدا ، وله إليَّ وصيَّةٌ ، لستُ أُخالِفُه عمَّا أمرَنِي به . فَوَاللّه لو خَزَمُونِي بأنفي لأقررْتُ للّه تعالى سَمْعا وطاعةً ، فلَمَّا رأيتُ النَّاس قَدْ انْثالُوا على أبي بكر للْبَيْعَة ، أمْسَكْتُ يدِي وظَنَنْت أنِّي أوْلى وأحقُّ بمقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله منْه ومِن غَيْره ، وقد كان نبيُّ اللّه أمَّر أُسامَة بن زَيْد على جَيْشٍ ، وجعلَهُما في جَيْشه ، وما زالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله إلى أنْ فاضَتْ نفسُه ، يقول : أنْفِذوا جَيش أُسامَةَ ، أنفِذوا جيش أسامَة ، فمَضى جيشُه إلى الشَّام حَتَّى انتهوا إلى أذْرُعاتٍ فلَقِي جيشا من الرُّوم فهَزَمُوهم ، وغَنِمَهُم اللّه أموالَهُم . فلمَّا رأيتُ راجِعةً من النَّاس قَدْ رجَعَتْ عن الإسلام تَدْعُو إلى مَحْو دِين محمَّد وملَّةِ إبراهيم ( عليهماالسلام)، خَشِيتُ إنْ أنا لَم أنْصُر الإسلام وأهلَه ، أرى فيْه ثلْما وهَدْما ، تكون المصيْبَةُ علَيَّ فيْه أعظَمَ من فَوْت ولايَةِ أمورِكم ، الَّتي إنَّما هي متاعُ أيَّام قلائِل ، ثُمَّ تزولُ وتَنْقَشِعُ كمَا يزولُ ويَنْقَشِعُ السَّحابُ ، فَنَهضْتُ مع القوْم في تِلك الأحداث حَتَّى زَهَقَ الباطلُ ، وكانَت كلمةُ اللّه ِ هِيَ العُلْيا وإنْ رَغِمَ الكافرون . ولقَد كان سَعْدٌ لمَّا رأى النَّاس يُبايِعون أبا بَكر ، نادى أيُّها النَّاس إنِّي واللّه ِ ما أَرَدْتُها حَتَّى رأيتُكم تصرفونَها عن عليٍّ ، ولا أبايِعُكم حَتَّى يبايِعَ علِيٌّ ، ولَعَلِّي لا أفْعَلُ وإنْ بايَع . ثُمَّ رَكِب دابَّتَه وأتى حَوْرانَ وأقامَ في خانٍ حَتَّى هلَك ولم يُبايع . وقام فَرْوَةُ بن عَمْرو الأنْصاريُّ ، وكان يَقُودُ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله فَرَسَيْن ، ويَصْرِمُ ألْفَ وَسَق من تَمْر فيتَصدَّقُ به على المساكِينَ ، فنادى : يا معشرَ قرَيْش ، أخبِرُونِي هلْ فيكم رجُلٌ تَحِلُّ له الخِلافَةُ وفيه ما في عليٍّ . فقال : قَيْسُ بن مَخْرَمَة الزُّهْريِّ : لَيْسَ فيْنا مَن فيْه ما في عليٍّ . فقال : صدقْتَ ، فهَل في عليٍّ ما لَيْسَ في أحَدٍ منكم . قال : نَعَمْ . قال : فما صَدَّكم عنه . قال : اجْتِماعُ النَّاس على أبي بكر . قال : أمَا واللّه لئِن أصَبْتُم سُنَّتَكم لقَد أخْطَأْتُم سُنَّةَ نبيِّكم ، ولو جَعَلْتُمُوها في أهل بيت نبيِّكم لأكلْتُم من فوْقِكم ومن تحْت أرْجُلِكم . فوَلِيَ أبو بكر ، فقارَبَ واقْتَصَد ، فَصَحِبْتُه مُناصِحا ، وأطَعْتُه فِيما أطاعَ اللّه فيْه جاهِدا ، حَتَّى إذا احْتُضِرَ . قلت في نَفسِي لَيْسَ يَعْدِل بهذا الأمر عَنِّي ، ولوْلا خاصَّةٌ بينَه وبينَ عمرَ ، وأمْرٌ كانا رَضِياه بينَهما ، لظَنَنْت أنَّه لا يَعْدِلُه عَنِّي ، وقد سمِع قوْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله لبُرَيْدَةَ الأسْلَميِّ _ حين بَعَثَني _ وخالدَ بن الوليد إلى اليَمَن ، وقال : إذا افْتَرَقْتُما فكلُّ واحِدٍ منْكُما على حِيالِه ، وإذا اجْتمعْتُما فعَلِيٌّ عليْكم جميعا . فَغَزَوْنا وأصَبْنا سَبْيا فيهم خَوْلَةُ بنتُ جعْفرٍ جارِ الصَّفا ، فأخَذْتُ الحَنَفِيَّة خَوْلَةَ ، واغْتَنَمَها خالِدٌ منِّي ، وبعَث بُرَيْدَة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله مُحَرِّشَا عَلَيَّ ، فأخبرَه بما كان من أخْذِي خَوْلَةَ فقال : يا بُرَيْدَة حَظُّهُ في الخُمْس أكْثَرُ ممَّا أخَذ ، إنَّه وَليُّكم بعدي . سمعها أبو بكر وعمر ، وهذا بُرَيْدَة حَيٌّ لم يَمُتْ ، فهَل بعْد هذا مقالٌ لقائِلٍ . فبايعَ عمرَ دُونَ المشْوَرَة ، فكانَ مَرْضِيَّ السِّيرة من النَّاس عندَهم ، حَتَّى إذا احْتَضَر ، قلت في نَفسِي لَيْسَ يعدِل بهذا الأَمْر عَنِّي للَّذي قَدْ رأى منِّي في المواطِن ، وسمِع من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجعَلَني سادِسَ سِتَّة ، وأمَرَ صُهَيْبا ، أنْ يُصلِّي بالنَّاس ، ودَعا أبا طَلْحَةَ زَيْد بن سَعد الأنْصاريِّ ، فقال له : كنْ في خمْسِينَ رجلاً من قوْمك فاقْتُل مَن أبى أنْ يَرضى من هؤلاء السِّتَّة . فالعَجَبُ من اخْتلاق القَوْم ، إذ زَعَموا أنَّ أبا بكر اسْتَخْلَفَه النَّبيُّ صلى الله عليه و آله ، فلو كان هذا حقَّا لم يَخْفَ على الأنصار ، فبايَعَه النَّاسُ على شُورى ، ثُمَّ جعَلَها أبو بكر لعُمَرَ برأْيه خاصَّةً ، ثُمَّ جعَلَها عمَرُ برأيه شورى بين سِتَّةٍ ، فهذا العَجَبُ من اختلافهم . والدَّلِيلُ على ما لا أُحِبُّ أنْ أذْكُرَه قولُه : هؤُلاء الرَّهطُ الَّذين قُبِض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو عنْهم راضٍ . فكيفَ يأْمُر بقتل قوْم رضي اللّه عنهم ورسوله ، إنَّ هذا لأمرٌ عجيبٌ ، ولم يكونوا لِولاية أحَدٍ منهم أكْرَه منْهم لولايَتي ، كانوا يسْمعون وأنَا أُحاجُّ أبا بكر وأقول : يا معشر قرَيش أنَا أحقُّ بهذا الأمر منْكم ، ما كان منْكم مَن يقرأُ القرآنَ ، ويَعْرِف السُّنَّة ، ويَدِين بدِين اللّه الحقِّ ، وإنَّما حجَّتي أنِّي وليُّ هذا الأمر من دُونِ قرَيش ، إنَّ نَبِيَّ اللّه صلى الله عليه و آله قال : الْوِلاءُ لمَن أعْتَقَ . فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعِتْق الرِّقاب من النَّار ، وأعْتَقَها من الرِّقِّ ، فكانَ للنَبِيِّ صلى الله عليه و آله وِلاءُ هذِه الأمَّة . وكان لي بعدَه ما كان له ، فمَا جازَ لقرَيش من فَضْلها عليْها بالنَّبيِّ صلى الله عليه و آله جازَ لبَنِي هاشِمٍ على قرَيش ، وجازَ لي على بَنِي هاشِم بقول النَّبيِّ صلى الله عليه و آله يوْم غَدِير خُمٍّ : مَن كنْتُ موْلاه فعَلِيٌ موْلاه . إلاَّ أن تَدَّعِي قرَيش فضْلَها على العرَب بغَيْر النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، فإنْ شاؤوا فليَقُولوا ذلك . فخَشِي القوْم إنْ أنا وُلِّيتُ علَيْهم أنْ آخُذَ بأنفاسهم ، وأعْترِضَ في حلُوقِهِم ، ولا يكون لهم في الأمْر نَصِيبٌ ، فأجْمَعوا عليَّ إجْماعَ رَجُل واحِدٍ منهم ، حتى صَرَفوا الوِلايةَ عَنِّي إلى عثمان ، رجاءَ أنْ ينالُوها ويَتَداوَلُوها فيما بينَهم ، فبيْناهم كذلِك إذ نادى منادٍ لا يُدرى مَن هو ، فأسْمَع أهلَ المديْنة ليْلَةَ بايَعوا عثمان ، فقال : يا ناعِيَ الإسلامِ قُمْ فَانْعَهُقَدْ ماتَ عُرْفٌ وبَدا مُنْكَرُ ما لَقرَيشٍ لا عَلى كَعْبُهامَن قَدَّموا الْيَوْمَ ومَن أخَّرُوا إنَّ عليَّا هو أوْلى بِهِمِنْهُ فَوَلُّوه ولا تُنْكِروا فدَعَونِي إلى بَيْعة عثمان ، فبايعتُ مُسْتَكْرَها وصَبَرْتُ مُحْتَسِبا ، وعَلَّمتُ أهلَ القُنُوط أنْ يقولوا : اللَّهمَّ لك أخْلَصَتِ القلوبُ ، وإليك شَخَصَتِ الأبصارُ ، وأنت دُعِيتَ بالألْسُنِ ، وإليكَ تُحُوكِم في الأعمال ، فافْتَح بيْنَنا وبينَ قوْمِنا بالحقِّ . اللَّهمَّ إنَّا نَشكو إليْك غيبة نبيِّنا وكَثْرَةَ عدوِّنا ، وقِلَّةَ عَدَدِنا ، وهَوانَنا على النَّاس ، وشِدَّة الزَّمان ، ووقُوعَ الفِتَن بِنا . اللَّهمَّ ففرِّج ذلِك بعدْلٍ تُظْهِرُه ، وسلطان حقٍّ تَعِرفُه . فقال عبد الرَّحمن بن عَوْف : يا بن أبي طالب إنَّك على هذا الأمر لحريصٌ . فقلت : لستُ علَيْه حريصا ، وإنَّما أطْلُبُ ميراثَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحقَّه ، وأنَّ وِلاء أمَّته لي من بعده ، وأنتم أحْرَصُ عليْه منِّي إذْ تَحُولُون بيني وبينه ، وتَصرِفون وجْهي دونَه بالسَّيف . اللَّهمَّ إنِّي أسْتَعدِيك على قرَيش ، فإنَّهم قطَعُوا رَحِمِي ، وأضاعُوا أيَّامِي ، ودَفَعوا حقِّي ، وصَغَّروا قدْرِي ، وعَظِيمَ مَنْزِلتي ، وأجْمَعُوا على مُنازَعَتي حقَّا كنْتُ أوْلى بهِ مِنهُم فاسْتَلَبُونِيه ، ثُمَّ قالوا : اصْبِر مَغْموما أو مُتْ متأسِّفا . وأيْمُ اللّه ، لو استطاعوا أنْ يَدْفَعوا قرابَتي كمَا قَطَعوا سَبَبي فَعَلوا ، ولكِنَّهم لن يَجِدوا إلى ذلك سبيلاً . وإنَّما حقِّي على هذه الأُمَّة كرجُلٍ له حقٌّ على قوْمٍ إلى أجَل معلوم ، فإنْ أحْسَنُوا وعَجَّلوا له حقَّه قَبِلَه حامِدا ، وإنْ أخَّرُوه إلى أجله أخَذَه غَيْرَ حامِدٍ ، ولَيْسَ يُعابُ المَرءُ بتأخير حقِّه ، إنَّما يُعابُ مَن أخَذَ ما لَيْسَ لَهُ ، وقد كان رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَهِدَ إليَّ عهْدَا ، فقال : يا بن أبي طالب ، لَكَ وِلاءُ أُمَّتِي ، فإنْ وَلَّوْك في عافِيَة وأجْمَعوا علَيْك بالرِّضا ، فقمْ بأمرهم ، وإن اخْتَلَفوا عليْك فدَعْهُم وما هم فيْه ، فإنَّ اللّه سَيَجْعَلُ لَكَ مخرَجا . فنَظَرْتُ فإذا لَيْسَ لي رافِدٌ ، ولا معِي مساعِدٌ ، إلاَّ أهلَ بَيتي ، فَضَنَنْتُ بهم عن الهَلاك ، ولو كان لي بعدَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عمِّي حمْزةُ وأخي جعفرُ لم أُبايِع كُرْها ، ولكنِّي بُلِيتُ برجلَيْن _ حَدِيثَي عَهْدٍ بالإسلام _ العبَّاس وعَقِيل ، فَضَنَنْتُ بأهل بيتي عن الهَلاك ، فأغْضَيْتُ عَيْني على القَذى ، وتَجَرَّعتُ ريقِي على الشَّجى ، وصَبَرْتُ على أمرِّ من العَلْقَم ، وآلَمَ للقلْب مِن حَزِّ الشِّفار . وأمَّا أمْرُ عثمان فكأنَّه عِلْمٌ من القرون الأُولى « عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَبٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّى وَ لاَ يَنسَى » (9) ، خَذَلَه أهلُ بَدْرٍ . وقَتَلَه أهلُ مصر ، واللّه ، ما أمَرْتُ ولا نَهَيْتُ ، ولو أنَّنِي أمَرْتُ كنتُ قاتلاً ، ولوْ أنَّنِي نَهَيْتُ كنتُ ناصِرا ، وكان الأمرُ لا يَنْفَعُ فيْه العِيانُ ، ولا يَشْفي منْه الخبَرُ ، غَيْرَ أنَّ مَن نصَرَه لا يَسْتَطِيع أنْ يقول هو : خَذَلَه مَن أنَا خير منْه . ولا يَسْتَطِيع مَن خذَلَه أنْ يقول : نَصَرَه مَن هو خَيْرٌ منِّي . وأنَا جامِع أمْرَه : إسْتأْثَرَ فأَساءَ الأَثَرةَ ، وجَزِعْتُم فأسأتُم الجَزَع ، واللّه يَحْكُم بينَكم وبينَه . واللّه ، ما يَلْزِمُنِي في دَم عُثْمان تُهْمَةٌ ، ما كنتُ إلاَّ رَجلاً مِنَ المُسلمينَ المُهاجِرينَ في بَيْتي ، فلمَّا قتَلْتُمُوهُ أتيْتُمُونِي تُبايِعونِي ، فأبَيْتُ عَليْكُم وأبَيْتُم علَيَّ ، فَقَبَضْتُ يَدِي فَبَسَطْتُموها ، وبَسَطْتُها فمَدَدْتُموها ، ثُمَّ تَداكَكْتُم عليَّ تَداكَّ الإبل الْهِيمِ على حِياضِها يوْمَ وُرُودِها ، حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّكم قاتِليَّ ، وأنَّ بعضَكُم قاتِلُ بَعْضٍ ، حَتَّى انْقَطَعت النَّعْلُ ، وسقَطَ الرِّداءُ ، ووُطِئ الضَّعيفُ ، وبَلَغ من سُرور النَّاس ببَيْعتِهم إيَّايَ أنْ حُمِلَ إليْها الصَّغيرُ ، وهَدَجَ إليْها الكَبيرُ ، وتَحامَلَ إليْها العلِيلُ ، وحَسَرَتْ لها الكَعابُ . فقالوا : بايِعنا على ما بُويع عليْه أبو بكر وعمر ، فإنَّا لا نجِدُ غيْرَك ولا نَرْضى إلاَّ بك ، بايِعنا لا نَفْتَرِقُ ولا نَخْتَلفُ ، فبايَعْتُكم على كتاب اللّه وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه و آله دَعَوْتُ الناس إلى بَيْعَتِي ، فمَن بايعَني طائِعا قبِلْتُ منْه ، ومَن أبى ترَكْتُه . فكانَ أوَّل مَن بايعَني طَلْحَةُ والزُّبَيْر ، فقالا : نُبايعُكَ على أنَّا شُرَكاؤُك في الأمر . فقلت : لا ولكِنَّكما شُرَكائي في القوَّة وعَوْنايَ في العَجز ، فبايَعاني على هذا الأمر ، ولو أبَيا لمْ أُكْرِهْهُما كمَا لم أُكْرِه غيْرَهما . وكان طَلْحَةُ يرجو اليَمَنَ ، والزُّبَيْر يَرجو العِراقَ ، فلمَّا عَلِما أنِّي غيْرُ موَلِّيهِما اسْتَأْذَنانِي للعُمْرَة ، يُريدان الغَدْرَ ، فأتَيَا عائِشةَ واسْتَخَفَّاها _ معَ كلّ شَيْءٍ في نفْسِها علَيَّ _ والنِّساءُ نواقِصُ الإيمان ، نواقِصُ العُقولِ ، نَواقِصُ الحُظُوظِ ، فأمَّا نُقْصانُ إيمانِهنَّ : فقُعُودُهنَّ عن الصَّلاة والصِّيام في أيَّام حَيْضِهنَّ ، وأمَّا نقصانُ عقولِهنَّ فلا شَهادةَ لَهنَّ إلاَّ في الدِّين ، وشَهادَةُ امرأتَيْن بِرَجُلٍ ، وأمَّا نقصانُ حظُوظِهِنَّ فمَوارِيثُهنَّ على الأنْصاف مِن موارِيثِ الرِّجالِ . وقَادَهُما عَبدُ اللّه بنُ عامِر إلى البَصْرَةِ ، وضَمِنَ لهُما الأَموالَ والرِّجالَ ، فبَيْنا هُما يَقُودانِها إذْ هي تَقُودُهما ، فاتَّخذاها فِئَةً يقاتِلان دونَها ، فأيُّ خَطِيئَةٍ أعْظَمُ ممَّا أتَيا ، أخرَجا زوْجَةَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من بيْتها ، فَكَشَفا عنها حِجابا ستَرَهُ اللّه عليْها ، وَصانا حَلائِلَهما في بُيُوتِهِما ، ولا أنْصفا اللّه َ ولا رسُولَهُ من أنفُسِهما ، بثلاث خِصالٍ مرْجِعُها علَى النَّاس ( في كتاب اللّه : البَغْيُ والمكرُ والنَّكْث ) ، قال اللّه تعالى : « يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم » (10) ، وقال : « فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ » (11) ، وقال : « وَ لاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ » (12) ، فَقَدْ بَغَيا علَيَّ ، ونَكَثا بيْعتِي ، ومَكَرا بِي ، فمُنِيت بأطْوَعِ النَّاسِ في النَّاسِ عائشةَ بنْتِ أبي بكْرٍ ، وبأشْجَع النَّاس الزُّبَيْر ، وبأخْصَم النَّاس طَلْحَة بن عُبيْد اللّه ، وأعانَهم علَيَّ يَعْلَى بنُ مُنْيَة بأصْوُعِ الدَّنانير ، واللّه ، لئن استقامَ أمْري لأجْعَلَنَّ مالَه فيْئا للمسلمين . ثُمَّ أتوْا البصرةَ ، وأهلُها مجْتَمِعون على بيْعَتي وطاعَتِي ، وبها شِيْعَتي : خُزَّانُ بيْتِ مالِ اللّه ِ ومالِ المُسلمينَ ، فدَعَوا النَّاسَ إلى معْصِيَتي ، وإلى نقْض بيْعتي وطاعتي ، فمَن أطاعَهُم أكْفَرُوهُ ، ومَن عصاهُم قتلُوهُ ؛ فناجَزَهم حَكِيمُ بنُ جَبَلَة ، فقَتَلُوهُ في سَبْعِينَ رَجُلاً من عُبَّادِ أهْلِ البَصْرَةِ ، ومُخْبِتِيهم ، يُسَمُّون المُثَفَّنِين ، كأنَّ راحَ أكُفِّهم ثَفِناتُ الإبل . وأبى أنْ يُبايعَهم يزيدُ بنُ الحارث اليَشْكرِيُّ ، فقال : اتَّقِيا اللّه ، إنَّ أوَّلَكُم قادَنا إلى الْجَنَّة فلا يَقودُنا آخِرُكُم إلى النَّار ، فلا تُكلِّفُونا أنْ نُصدِّقَ المُدَّعِي ونَقْضي على الغائِبِ ، أمَّا يَميني فشَغَلها عليُّ بنُ أبي طالب بَبْيعَتي إيَّاه ، وهذِه شِمالي فارِغَةٌ فخُذاها إنْ شئْتُما . فخُنِق حَتَّى ماتَ رَحِمَهُ اللّه . وقام عبدُ اللّه ِ بنُ حَكِيم التَّميميّ فقال : يا طَلْحَةُ ، هل تعرِف هذا الكتاب ؟ قال : نَعَم هذا كتابي إليك . قال : هل تَدْرِي ما فيْه ؟ قال : اقْرَأْه عليَّ . ( فقرَأَه ) فإذا فيْه عَيْبُ عثمان ، ودُعاؤُه إلى قَتْلِهِ ، فسَيَّرُوهُ مِنَ البصرة ، وأخَذوا عاملي عثمان بن حُنَيْف الأنْصاريّ غَدْرا ، فمَثَّلُوا به كُلَّ المُثْلَة ، ونَتَفُوا كلَّ شَعْرة في رأسه ووجهه . وقتَلوا شِيعَتي طائفةً صبْرا ، وطائفة غَدْرا ، وطائفَةً عَضُّوا بأسْيافهم حَتَّى لَقُوا اللّه ، فواللّه ، لو لمْ يَقْتُلوا منهم إلاَّ رجلاً واحِدا لَحَلَّ لي به دِماؤُهم ، ودِماءُ ذلك الجَيْش ، لرضاهم بقتل مَن قُتِلَ ، مع أنَّهم قَدْ قَتَلُوا أكثرَ من العِدَّة الَّتي قَدْ دخَلُوا بها علَيْهم ، وقد أدالَ اللّه منهم فَبُعْدا للقَوْم الظَّالمين : فأمَّا طَلْحَة فرَماهُ مروانُ بسَهم فقَتَلَهُ وأمَّا الزُّبَيْر فذَكَّرْتُه قوْل رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله : إنَّك تُقاتِل عليَّا وأنتَ ظالمٌ لَهُ . وأمَّا عائِشَةُ فإنَّها كانت نَهاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن مسيرها ، فعَضَّت يدَيْها نادِمةً على ما كانَ منها . وقد كان طَلْحَةُ لمَّا نزَل ذا قارٍ قام خَطِيبا ، فقال : أيُّها النَّاس إنَّا أخطَأْنا في عثمان خطيِئَةً ما يُخرِجنا منها إلاَّ الطَّلبُ بدَمِهِ ، وعليٌّ قاتِلُه وعليْه دَمُهُ ، وقد نَزَلَ دارا مع شُكَّاك اليَمَن ، ونَصارى رَبِيعة ، ومنافِقِي مُضر . فلمَّا بلَغَني قولُه وقولٌ كان عن الزُّبَيْر قبِيحٌ ، بعثت إليهما أُناشِدهُما بحقِّ محمَّد وآله : أما أتيْتُمانِي وأهلُ مصر مُحاصِرو عثمانَ فقُلْتُما : إذهَب بِنا إلى هذا الرَّجل فإنَّا لا نسْتَطِيع قتْلَه إلاَّ بك . لِما تعْلَم أنَّه سَيَّرَ أبا ذرٍّ رحِمَه اللّه ، وفَتَق عَمَّارا ، وآوَى الحَكَمَ بنَ أبي العاص _ وقد طَرَدَهُ رسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وأبو بكرٍ وعُمَر _ واسْتَعمل الفاسِقَ على كتاب اللّه الوليدَ بن عُقْبَةَ ، وسَلَّط خالدَ بن عُرْفطَةَ العَذرِيّ على كتاب اللّه يُمَزِّقُه ويُحْرِقُه ؟ فقلت : كُلَّ هذا قَدْ علِمْتُ ولا أرى قتْلَه يومي هذا ، وأوشَكَ سِقاؤُه أنْ يُخرِجَ المَخْضُ زُبْدَتَه فأقَرَّا بما قلْتُ . وأمَّا قولُكُما ، إنَّكما تَطلُبانِ بدَمِ عُثمانَ ، فهذان ابناهُ عمرو وسَعِيدٌ فخَلُّوا عنهُما يَطلُبانِ دَمَ أبيهِما ، متى كان أسَدٌ وتَيْمٌ أولياءَ بَنِي أُميَّةَ ، فانْقَطَعا عِنْدَ ذلِكَ . فقامَ عِمْرَان بن حُصَيْن الخُزاعِيُّ صاحبُ رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وقال : يا هذان لا تُخرِجانا ببيعتِكُما من طاعَةِ عليٍّ ، ولا تَحْمِلانا على نقْضِ بيْعَتِهِ ، فَإنَّها للّه ِ رِضىً ، أمَا وسِعَتْكُما بيُوتُكما حَتَّى أتيْتُما بأُمِّ المؤمنين ، فالعَجَبُ لاختلافها إيَّاكما ، ومَسِيرِها معَكما ، فكُفَّا عنَّا أنفسَكما وارْجِعا من حَيْثُ جِئتُما ، فلَسْنا عبِيدَ مَن غَلَب ، ولا أوَّلَ مَن سَبَق ؛ فَهَمّا به ثُمَّ كَفَّا عَنْهُ . وكانت عائِشَةُ قَدْ شَكَّتْ في مَسيرِها ، وتعاظَمَتِ القِتال ، فَدَعتْ كاتبَها عُبَيْدَ اللّه ِ بنَ كَعْبٍ النُّمَيْريّ فقالت : اكتُب من عايشة بنْت أبي بكْر إلى عليِّ بن أبي طالب . فقال : هذا أمْرٌ لا يجري به القَلَمُ . قالت : ولِمَ ؟ قال : لأنَّ عليَّ بن أبي طالب في الإسلام أوَّلٌ ، وله بذلك البَدْء في الكتاب . فقالت : اكتب إلى عليّ بن أبي طالب من عايشة بنت أبي بكر ، أمَّا بعدُ . فإنِّي لسْتُ أجهَلُ قَرابَتَك من رسول اللّه ، ولا قدَمَك في الإسلام ، ولا غَناءَك من رسول اللّه ، وإنَّما خرَجْتُ مُصْلِحةً بين بَنِيَّ ، لا أُريدُ حرْبَكَ إن كفَفْتَ عَن هذينِ الرَّجُلَينِ . في كلامٍ لها كثيرٍ ، فلَمْ أُجِبْها بِحَرْفٍ ، وأخَّرْتُ جوابَها لقتالِها . فلَمَّا قضَى اللّه لِي الحُسْنى سِرْتُ إلى الكُوفَة ، واسْتَخْلَفْتُ عبد اللّه بن عبَّاس على البصرة ؛ فقَدِمْتُ الكوفةَ وقد اتَّسَقَتْ لي الوُجُوه كلُّها إلاَّ الشَّام ، فأحْبَبْتُ أنْ أتَّخذَ الحُجَّةَ وأقْضِي العُذْرَ ، أخَذْتُ بقول اللّه تعالى : « وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَآئِنِينَ » (13) . فبَعَثْتُ جَرِيْر بن عبد اللّه إلى معاويَة مُعْذِرا إليْه ، متَّخذا للحجَّة علَيْه ، فرَدَّ كتابِي وجَحَدَ حقِّي ودَفَعَ بَيْعَتِي ، وبَعَثَ إليَّ أَنِ ابْعَثْ إليَّ قَتَلَةَ عُثمانَ ، فبعثْتُ إليه : ما أنْت وقتلَةَ عثمان ، أوْلادُهُ أوْلى بِهِ ، فادْخُل أنْتَ وهُمْ في طاعَتِي ، ثُمَّ خاصِمُوا القوْمَ لأحْمِلَكُم وإيَّاهُم على كتابِ اللّه ِ ، وإلاَّ فَهذِهِ خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عن رِضاع المَلِيِّ ، فلمَّا يَئِس من هذا الأمر ، بعَثَ إليَّ : أَنِ اجعَلْ الشَّام لي حياتَكَ ، فإنْ حدَثَ بِكَ حادِثٌ من الموْت لم يكن لأحَدٍ عليَّ طاعَةٌ ، وإنَّما أرادَ بِذلِكَ أنْ يخْلعَ طاعَتِي من عُنُقِهِ ، فأبيْتُ علَيْه . فبعَثَ إليَّ : أنَّ أهلَ الحِجازِ كانوا الحُكَّامَ على أهْلِ الشَّامِ ، فلمَّا قتلوا عثمان صار أهلُ الشَّام الحُكَّام على أهْلِ الحِجازِ . فبعثْتُ إليْه : إنْ كنتَ صادِقا فَسَمِّ لِي رَجُلاً من قُرَيْش الشَّام تحلُّ له الخِلافَةُ ، ويُقْبَل في الشُّورى ، فإنْ لم تجِدْه سمَّيْتُ لَكَ من قريش الحِجاز مَن يَحِلُّ له الخِلافَة ويُقْبَل في الشُّورى . ونظَرْتُ إلى أهل الشَّام ، فإذا هُم بَقِيَّةُ الأحزابِ فَراشُ نارٍ ، وذِئابُ طَمَعٍ تجمَّع من كلّ أوْبٍ (14) ، ممَّن ينبغي أنْ يؤَدَّب ويُحمَل على السُّنَّة ، ليْسوا من المهاجِرين ولا الأنصار ، ولا التَّابعين بإحْسان ، فدَعَوْتُهم إلى الطَّاعَة والجَماعَة فأبوْا إلاَّ فِراقِي وشِقاقي ، ثُمَّ نَهَضُوا في وجْه المسلمِينَ ، يَنْضَحونَهم بالَّنبل ، ويشْجرونَهم بالرِّماح ، فعند ذلِك نهضْتُ إليهم ، فلمَّا عَضَّتْهُمُ السِّلاح ، ووَجَدوا ألَمَ الجِراح ، رفَعُوا المصاحِفَ فدَعَوْكم إلى ما فيها ، فانْبَأتُكُم أنَّهم لَيْسوا بأهْل دِينٍ ولا قُرْآنٍ ، وإنَّما رَفَعُوها مكيدَةً وخَدِيعَةً فامْضُوا لقِتالِهِم ، فقُلْتُم إقْبَل منهم ، واكْفُفْ عنهم ، فإنَّهم إنْ أجابوا إلى ما في القرآن ، جامَعُونا على ما نحْنُ علَيْهِ من الحقِّ ، فَقَبِلْتُ منهم وكَفَفْت عنهم ، فكانَ الصُّلح بينَكم وبينَهُم على رَجُلَينِ حَكَمَيْنِ ، لِيُحْيِيا ما أحْياه القرآن ، ويُمِيتا ما أماتَهُ القُرآنُ ، فاخْتَلَف رأيُهما ، واخْتَلَف حكْمُهما ، فنَبَذا ما في الكتاب ، وخالَفا ما في القرآن ، وكانا أهلَهُ . ثُمَّ إنَّ طائفةً اعْتَزَلتْ فتَرَكْناهم ما تَرَكونا ، حَتَّى إذا عاثُوا في الأرض يفسدون ويَقْتُلون ، وكان فيمَن قتلُوه أهلُ مِيَرَةٍ من بَنِي أسد ، وخَبَّابا وابْنَه وأُمَّ ولدِه ، والحارِثَ بن مُرَّة العبْدي ، فبَعَثْتُ إليْهم ، داعِيا فقلتُ : ادْفَعوا إليْنا قتَلَةَ إخوانِنا . فقالوا : كلُّنا قَتَلَتهم ، ثُمَّ شَدَّتْ علَيْنا خيْلُهم ورِجالُهم فصَرَعَهُم اللّه ُ مَصارِعَ الظَّالمين ، فلمَّا كان ذلِك من شأْنِهم أمرْتُكُم أنْ تَمْضوا مِن فَوْرِكُم ذلِكَ إلى عَدُوِّكُم فقلتُم : كَلَّتْ سيُوفُنا ، ونَصَلَت أسِنَّةُ رِماحِنا ، وعادَ أكثَرُها قَصيدا ، فَأْذَن لَنا فلْنَرْجِع ولْنَسْتَعدَّ بأحْسَنِ عُدَّتِنا ، وإذا نحنُ رَجَعْنا زِدْنا في مقاتِلتِنا عِدَّةَ مَن قُتِل منَّا ، حَتَّى إذا أظْلَلْتم علَى النُّخيْلَة ، أمرْتُكم أنْ تَلْزِموا مُعَسْكَرَكم ، وأنْ تَضمُّوا إليْه نواصِيَكُم ، وأن تُوَطِّنوا على الجهادِ نفُوسَكم ، ولا تُكْثِروا زيارَةَ أبنائِكم ونِسائكم ، فإنَّ أصحاب الحَرب مُصابِرُوها ، وأهلُ التَّشْمِير فيها ، والَّذِين لا يتَوَجَّدون من سَهَرِ ليْلِهم ولا ظمأ نَهارِهِم ، ولا فِقْدان أوْلادِهِم ، ولا نِسائِهِم . فأقامَتْ طائِفَةٌ مِنكُم مُعَدَّةً ، وطائِفَةٌ دَخَلَت المِصرَ عاصِيةً ، فلا مَن دخَلَ المِصْرَ عادَ إليَّ ، ولا مَن أقامَ مِنكُم ثَبَتَ مَعِي ولا صَبَرَ ، فلقَد رأيتني وما في عَسْكَري منكم خَمْسون رَجُلاً ، فلَمَّا رأيْتُ ما أنتُم علَيْه ، دخَلْتُ عليْكُم ، فما قُدِّر لكم أنْ تخرُجُوا معِي إلى يومِكُم هذا . للّه ِ أبُوكم أ لا تَرَوْن إلى مِصرَ قَد افتُتِحتْ ، وإلى أطرافِكُم قَد انْتُقِصَتْ ، وإلى مصالِحِكم تُرقى وإلى بِلادكم تُغْزى وأنْتم ذَوُو عَدَدٍ جَمٍّ ، وشَوْكةٍ شديدةٍ ، وأولُوا بأسٍ قَدْ كان مَخوفا ، للّه أنتم أيْنَ تَذْهَبون ، وأنَّى تُؤفَكون . ألا وإنَّ القوْم قَدْ جَدُّوا وتآسَوْا وتَناصَروا وتَناصَحوا ، وإنَّكم قَدْ أبَيْتُم ووَنَيْتُم وتَخاذَلْتُم وتَغاشَشْتُم ، ما أنتم إنْ بقِيتُم على ذلِك سُعَداءُ ، فنَبِّهوا رحِمَكم اللّه نائِمَكم ، وتجَرَّدوا وتَحَرَّوا لحَرْب عدوِّكم ، فَقَدْ أبدَت الرَّغْوَة عن الصَّريح ، وأضاءَ الصُّبح لِذِي عَيْنَين ، فانْتَبِهوا ، إنَّما تُقاتِلون الطُّلَقاء وأبناءَ الطُّلقاء ، وأهلَ الجَفاءِ ، ومَن أسْلَمَ كُرْها ، وكان لرسول اللّه أنْفا ، وللإسلام كلِّه حرْبا ، أعداءَ السُّنَّة والقرآن ، وأهلَ البِدَعِ والأحداثِ ، ومَن كانَت نِكايَتُهُ تُتَّقى ، وكان على الإسلامِ وأهلِهِ مَخُوفا ، وآكِلَةَ الرُّشا ، وعَبِيدَ الدُّنيا ، ولَقد أُنْهِي إليَّ أنَّ ابنَ النَّابِغَةِ لم يُبايِع مُعاوية حَتَّى شَرَط له أنْ يؤتِيه أتيَّة هي أعْظَم ممَّا في يدَيْهِ من سُلطانِهِ ، فصَفِرَتْ يَدُ هذا البائعِ دينَهُ بالدُّنيا ، وخزِيَتْ أمانَةُ هذا المشْتَري بنُصْرَة فاسِقٍ غادِرٍ بأموال المسلمين ، وأيُّ سَهْمٍ لهذا المشْتَري بنُصْرةِ فاسِقٍ غادِرٍ ، وقد شَرِب الخَمْرَ ، وضُرِب حَدَّا في الإسلام ، وكلُّكم يعْرِفه بالفَسادِ في الدِّين ، وإنَّ منْهم مَن لم يدخل في الإسلام وأهله حَتَّى رضِخَ له وعليْه رَضِيخَةٌ . فهؤُلاء قادَةُ القوْمِ ، ومَن تَرَكْتُ لَكُم ذِكْرَ مَساويهِ أكثَرُ وأبْوَرُ ، وأنْتُم تعرِفُونَهم بأعيانِهِم وأسْمائِهِم ، كانوا علَى الإسلام ضِدّا ، ولِنَبيِّ اللّه صلى الله عليه و آله حَرْبا ، وللشيْطان حِزْبا ، لم يقْدُم إيمانُهم ولَم يَحْدُث نِفاقُهم ، وهؤلاء الَّذِين لو وُلُّوا عليْكم لأظْهَروا فيْكم الفْخْر والتَّكبُّر والتَّسلُّط بالجَبْريَّة والفَساد في الأرض . وأنتم على ما كان منْكم مِن تَواكُلٍ وتَخاذُلٍ خَيْرٌ منهم وأهْدى سبيلاً ، منْكم الفُقهاءُ والعُلماءُ والفهماءُ وحَمَلَةُ الكتابِ والمتَهَجِّدونَ بالأسحْارِ ، أ لا تَسْخَطون وتَنْقِمون أنْ يُنازِعَكُم الوِلايَةَ السُّفهاءُ البُطاةُ عنِ الإسلامِ الجُفاةُ فيْهِ ، اسمعوا قولي _ يَهْدِكُم اللّه _ إذا قلتُ ، وأطِيعوا أمْري إذا أمرتُ ، فواللّه لئِن أطَعْتُمونِي لا تَغْوَون ، وإن عَصَيْتُمُونِي لا تَرْشُدون ، قال اللّه تعالى : « أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (15) ، وقال اللّه تعالى لنبيِّه صلى الله عليه و آله : « إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ » (16) ، فالهادي بَعْدَ النَّبيّ صلى الله عليه و آله هادٍ لأُمَّته على ما كان من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فمَن عسَى أنْ يكون الهادي إلاَّ الَّذِي دَعاكم إلى الحقِّ ، وقادَكم إلى الهُدى ، خُذُوا للحَرب أُهْبَتَها ، وأعِدُّوا لها عُدّتَها ، فَقَدْ شُبَّت واُوقِدَتْ ، وتجَرَّد لكم الفاسقون ، لكَيْما يُطْفِئوا نُورَ اللّه ِ بأفواهِهِم ويَغرُّوا عبادَ اللّه ِ . ألا إنَّه ليس أولياءُ الشَّيْطان من أهل الطَّمَع والجَفاءِ أوْلى بالحقِّ من أهل البِرِّ والإحسان ، في طاعَة ربِّهم ومُناصَحَة إمامِهم ، إنِّي واللّه ِ لو لَقِيتُهم وَحْدي وهُم أهْلُ الأرضِ ما استَوْحَشْتُ مِنهُم ولا بالَيْتُ ، ولكِنْ أسَفٌ يُرِيبُنِي ، وجَزَعٌ يَعْتَريني من أنْ يَلِي هذه الأُمَّةَ فُجَّارُها وسُفهاؤُها ، فيتَّخِذون مال اللّه دُوَلاً ، وكتاب اللّه دَخَلاً ، والفاسقينَ حِزْبا ، والصَّالحين حرْبا ، وأيْمُ اللّه ِ لوْلا ذلِكَ ما أكْثَرتُ تأْنِيبَكُم وتَحْريضَكُم ، ولَتَرَكْتُكم إذْ أبَيْتُم حَتَّى حُمَّ لي لِقاؤهم . فواللّه إنِّي لعَلَى الحقِّ ، وإنِّي للشَّهادَة لَمُحِبٌّ ، وإنِّي إلى لِقاءِ اللّه ِ _ ربِّي _ لَمُشْتاقٌ ، ولِحُسنِ ثَوابِهِ لَمُنْتَظِرٌ ، إنِّي نافِرٌ بِكُم ف_ « انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَهِدُواْ بِأَمْوَ لِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » (17) ، ولا تَثاقَلُوا في الأرض فتَعُمُّوا بالذُّلِّ ، وتَقِرُّوا بالخَسْف ، ويكونَ نَصِيبُكُم الأخْسَرَ ، إنَّ أخا الحرْبِ اليَقْظانُ الأرِقُ إنْ نامَ لمْ تَنَمْ عَيْنُهُ ، ومَن ضَعُفَ أُوذِيَ ، ومَن كَرِهَ الجِهادَ في سبيلِ اللّه ِ كانَ المَغْبُونَ المَهِينَ . إنِّي لَكُم اليَوْمَ على ما كنْتُ عليْهِ أمْسِ ، ولَسْتم لِي علَى ما كُنْتُم عَلَيْهِ ، مَن تكونوا ناصِريهِ أخَذَ بالسَّهْم الأخْيبِ ، واللّه ِ لَو نَصَرْتُم اللّه َ لنَصَرَكُم وثَبَّتَ أقدامَكُم ، إنَّه حقٌّ علَى اللّه ِ أنْ ينْصُرَ مَن نَصَرَهُ ، ويَخْذُلَ مَن خَذَلَهُ ، أتَرَوْنَ الغَلَبَةَ لِمَنْ صبَرَ بغَيْرِ نَصْرٍ ، وقَد يَكُونُ الصَّبْرُ جُبْنا ويكونُ حَمِيَّةً ، وإنَّما النَّصرُ بالصَّبْرِ ، والوُرودُ بالصُّدورِ ، والبَرْقُ بالمَطَر . اللَّهمَّ اجْمَعْنا وإيَّاهُم على الهُدى ، وزَهِّدْنا وإيَّاهُم في الدُّنيا ، واجعَلِ الآخِرَةَ خيْرا لَنا مِنَ الاُولى » . (18)

.


1- . الصافّات :83 .
2- . العِلْهِز: وَبَرٌ يُخلط بدماء الحَلَم [ وهو العُراد الصِّغار ] كانت العرب في الجاهليّة تأكلُهُ في الجدب ( لسان العرب : ج 5 ص 381 «علهز» ) .
3- . الهبيد: الحنظل، وقيل: حبّهُ، واحدتُهُ: هبيدَة . ( لسان العرب : ج 3 ص 431 «هبد» ) .
4- . الأنفال :26 .
5- . النور :55 .
6- . القصص: 57 .
7- . القصص :57 .
8- . آل عمران :103 .
9- . طه :52 .
10- . يونس :23 .
11- . الفتح :10 .
12- . فاطر :43 .
13- . الأنفال :58 .
14- . من كُلِّ أوبٍ أي: من كلِّ طريقٍ ووجْهٍ وناحية . ( لسان العرب: ج 1 ص 220 «أوب» ).
15- . يونس :35 .
16- . الرعد :7 .
17- . التوبة :41 .
18- . كشف المحجَّة : ص235 _ 269 وراجع : بحار الأنوار : ج30 ص7 _ 37 وج8 ص615 ؛ الإمامة والسياسة : ص154 ، أنساب الأشراف : ج2 ص372 ، المسترشد : ص409 .

ص: 75

. .

ص: 76

. .

ص: 77

. .

ص: 78

. .

ص: 79

. .

ص: 80

. .

ص: 81

. .

ص: 82

. .

ص: 83

. .

ص: 84

. .

ص: 85

. .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

. .

ص: 90

. .

ص: 91

حكيم بن جبلة

حَكِيْمُ بنُ جَبَلَةَحَكِيم بن جَبَلَة بن حُصَيْن العبدي ، ويقال ابن جَبَل . من أصحاب عليّ عليه السلام (1) ، ومن الثَّابتين على طاعته ، والعارفين بحقّه في الخلافة . أثنى عليه أصحاب التَّراجم بعبارات متنوّعة ، منها : كان مُطاعا في قومه (2) ، ومنها : أحد أشراف الأبطال (3) ، ومنها : وما سُمع بأشجع منه (4) . تولّى قيادة البصريّين في الثَّورة على عثمان (5) . وعندما نقض مساعير فتنة الجمل طَلْحَة والزُّبَيْر ، ومن معهما الهدنة مع عثمان بن حنيف ، وحملوا على النَّاس ، وهمّوا باحتلال البصرة ، قاتلهم حَكِيْم وأصحابه بشجاعة وبصيرة . وارتفعت كلمته الرَّائعة عند القتال :إنّي لستُ في شكٍّ من قتال هؤلاء . . . (6) فكانت آية ودليلاً على معرفته الدَّقيقة واعتقاده العميق بالحقّ . وقد رزقه اللّه الشَّهادة في ذلك القتال (7) . وذكر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّ مقتل حَكِيْم كان أحد الأسباب الَّتي دفعته إلى مقاتلة أصحاب الجمل ، ومواجهة فتنتهم وفسادهم (8) . في تاريخ الطبريّ عن الجارُود بن أبي سَبْرَة : لمّا كانت اللَّيلة الَّتي اُخذ فيها عثمان بن حُنَيْف ، وفي رحبة مدينة الرِّزق طعام يرتزقه النَّاس ، فأراد عبد اللّه أن يرزقه أصحابه ، وبلغ حَكِيْمَ بنَ جَبَلَة ما صُنع بعثمان ، فقال : لست أخاف اللّه إن لم أنصره . فجاء في جماعة من عبد القيس ، وبكر بن وائل ، وأكثرهم عبد القيس ، فأتى ابن الزُّبَيْر مدينة الرِّزق ، فقال : ما لك يا حَكِيْم ؟ قال : نريد أن نرتزق من هذا الطَّعام ، وأن تخلّوا عثمان فيُقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتَّى يقدم عليّ ، واللّه لو أجد أعوانا عليكم أخبطكم بهم ما رضيت بهذه منكم ، حتَّى أقتلكم بمن قتلتم ، ولقد أصبحتم ، وإنّ دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا ، أما تخافون اللّه عز و جل ! بمَ تستحلّون سفك الدِّماء ؟ قال : بدم عثمان بن عفّان . قال : فالَّذين قتلتموهم قتلوا عثمان ؟ أما تخافون مقت اللّه ؟ فقال له عبد اللّه بن الزُّبَيْر : لا نرزقكم من هذا الطَّعام ، ولا نُخلّي سبيل عثمان بن حنيف حتَّى يخلع عليّا ، قال حَكِيْم : اللَّهمَّ إنَّك حكم عدل فاشهد . وقال لأصحابه : إنّي لست في شكٍّ من قتال هؤلاء ؛ فمن كان في شكّ فلينصرف . وقاتلَهم فاقتتلوا قتالاً شديدا ، وضرب رجلٌ ساقَ حَكِيْم ، فأخذ حَكِيْم ساقه فرماه بها ، فأصاب عنقه فصرعه ووقذه (9) ثمّ حبا إليه فقتله واتّكأ عليه ، فمرّ به رجل فقال : مَن قتلَك ؟ قال : وِسادتي ! وقُتل سبعون رجلاً من عبد القيس . قال الهذلي : قال حَكِيْم حين قطعت رجله : أقولُ لما جَدَّ بي زِماعِي (10)للرِّجْلِ يا رِجْلِيَ لَنْ تُراعِي إنّ مَعِي مِنْ نَجْدَةٍ ذِراعِي قال عامِر ومَسْلَمَة : قُتل مع حَكِيم ، ابنه الأشرف ، وأخوه الرعل بن جَبَلَة (11) . في سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء : لم يزل يُقاتل يوم الجمل حتَّى قُطعت رِجلُهُ ، فأخذها وضرب بها الَّذي قطعها فقتله بها ، وبقي يُقاتل على رجلٍ واحدة ، ويرتجز ، ويقول : يا ساقُ لَنْ تُراعِيإنَّ مَعِي ذِراعِي أَحْمِي بها كُراعِي (12) فنزف منه دم كثير ، فجلس متّكئا على المقتول الَّذي قطع ساقه ، فمرّ به فارس ، فقال : من قطع رجلك ؟ قال : وِسادتي ! فما سُمِعَ بأشجع منه . ثمّ شدّ عليه سُحَيْم الحُدَّانيّ فقتله (13) . قال الإمام عليّ عليه السلام _ من كلامه حين دخل البصرة _ : عبادَ اللّه ِ ! انهَدُوا (14) إلى هؤلاءِ القَوْمِ مُنْشَرِحَةً صُدورُكُم بِقتالِهِم ؛ فإنَّهُم نَكَثُوا بَيْعَتِي ، وأَخْرجُوا ابنَ حُنَيْفٍ عامِلي ، بعد الضَّرْبِ المُبَرِّحِ والعُقوبَةِ الشَّدِيدَةِ ، وقتلوا السِّيابجة (15) ، وقتلوا حَكِيْمَ بن جَبَلَة العَبْدِي .

.


1- . رجال الطوسي : ص61 الرقم530 .
2- . الاستيعاب : ج 1 ص421 الرقم558 ، اُسد الغابة : ج2 ص57 الرقم1233 .
3- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص531 الرقم136 .
4- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص532 الرقم136 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص495 ، اُسد الغابة : ج2 ص58 الرقم1233 وفيهما « ما رُئي أشجع منه » ، أنساب الأشراف : ج5 ص130 وفيه « أشجع أهل زمانه » .
5- . تاريخ الطبري : ج4 ص378 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص495 وفيه « إنّه أحد من سار إلى الفتنة » ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص531 الرقم136 وفيه « كان أحد من ثار في فتنة عثمان » ، مروج الذهب : ج2 ص352 .
6- . . راجع: تاريخ الطبري : ج4 ص475 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص320 ، الاستيعاب : ج 1 ص423 الرقم558 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص531 الرقم136 نحوه .
7- . . راجع: تاريخ الطبري : ج4 ص466 _ 471 ، الاستيعاب : ج 1 ص421 الرقم558 ، اُسد الغابة :ج2 ص57 الرقم1233 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص532 الرقم136 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج9 ص322 .
8- . الإرشاد : ج1 ص252 ، الجمل : ص334 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص481 .
9- . وقذه : ضربه حتَّى استرخى وأشرف على الموت ( لسان العرب : ج3 ص 519 ) .
10- . الزِّماع : المَضاء في الأمر والعزْم عليه ( لسان العرب : ج8 ص 143 ) .
11- . تاريخ الطبري : ج4 ص474 وراجع الكامل في التاريخ : ج2 ص320 والاستيعاب : ج1 ص4 .
12- . الكُراع من الإنسان : مادون الركبة إلى الكعب ( لسان العرب : ج8 ص 306 ) .
13- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص531 الرقم136 ، تاريخ الطبري : ج4 ص471 ، اُسد الغابة :ج2 ص57 الرقم1233 كلاهما نحوه وراجع الاستيعاب : ج 1 ص421 الرقم558 .
14- . نهد القوم لعدوّهم : إذا صمدوا له وشرعوا في قتاله ( النهاية : ج5 ص134 ) .
15- . قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحُرّاس السجن ( الصحاح : ج1 ص 321 ) .

ص: 92

. .

ص: 93

. .

ص: 94

عامر بن واثلة

عامِرُ بنُ واثِلَةعامر بن واثِلَة بن عبد اللّه الكِنانيّ اللَّيثي ، أبو الطُّفَيل و هو بكنيته أشهر . ولد فيالسنة الَّتي كانت فيها غزوة اُحد . أدرك ثماني سنين من حياة النَّبيّ صلى الله عليه و آله (1) ، ورآه (2) ، وهو آخر من مات من الصَّحابة (3) . وكان يقول : أنا آخر من بقي مِمَّن كان رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله (4) . توفّي سنة 100 ه (5) . كان من أصحاب عليٍّ عليه السلام (6) وثقاته (7) ومُحِبِّيهِ (8) وشيعته (9) وشهد معه جميع حروبه (10) . كان له حظّ وافر من الخطابة ، وكان ينشد الشِّعر الجميل . كما كان مقاتلاً باسلاً في الحروب . خطب في صفِّين كثيرا ، وذهب إلى العسكر ومدح عليّا عليه السلام بشعره النابع من شعوره الفيّاض . وافتخر بصمود أصحاب الإمام ، وقدح في أصحاب الفضائح من الاُمويّين وأخزاهم (11) . وذكره نَصْر بن مزاحم بأنّه من مخلصي الشِّيعة ، وأخبر عن مواقفه الرَّائعة (12) . كان عامر بن واثِلَة حامل لواء المختار ، عندما نهض للثأر بدم الإمام الحسين (13) . وقيل عليه السلام : إنّه كان كيسانيّا (14) ، واختلف فيه (15) . والصَّحيح أنّه رجع إنْ كان كيسانيّا (16) . ساعدته مهارته في الكلام واستيعابه لمعارف الحقّ وإلمامه بكتاب اللّه على أن يتحدّث بصلابة ، دفاعا عن الحقّ ، وتقريعا لغير الكفوئين (17) . لقد كان شخصيّة عظيمة ، ذكره أصحاب الرِّجال بإجلال وإكبار . وقال الذَّهبي في حقّه : كان ثقةً فيما ينقله ، صادقا ، عالما ، شاعرا ، فارسا ، عُمِّر دهرا طويلاً (18) . في وقعة صفِّين عن جابر الجُعْفِي : سمعت تميم بن حذيم النَّاجي يقول : لمّا استقام لمعاوية أمره ، لم يكن شيء أحبّ إليه من لقاء عامر بن واثِلَة ، فلم يزل يكاتبه ويلطف حتَّى أتاه ، فلمّا قدم سأله عن عرب الجاهليّة . قال : ودخل عليه عَمْرو بن العاص ونفرٌ معه ، فقال لهم معاوية : تعرفون هذا ؟ هذا فارس صفِّين وشاعرها ، هذا خليل أبي الحسن . قال : ثمّ قال : يا أبا الطفيل ، ما بلغ من حبّك عليّا ؟ قال : حبّ اُمّ موسى لموسى . قال : فما بلغ من بكائك عليه ؟ قال : بكاء العجوز المِقْلاتِ ، والشيخ الرقوب (19) إلى اللّه أشكو تقصيري . فقال معاوية : ولكنّ أصحابي هؤلاء ، لو كانوا سُئلوا عنّي ما قالوا فيَّ ما قلت في صاحبك . قال : إنّا واللّه لا نقول الباطل . فقال لهم معاوية : لا واللّه ولا الحقّ (20) . وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء عن عبد الرحمن الهَمْدانِيّ : دخل أبو الطُّفَيل على معاوية ، فقال : ما أبقى لك الدَّهر من ثُكلك عليّا ؟ قال : ثُكل العجوز المِقْلات والشيخ الرقوب . قال : فكيف حبّك له ؟ قال : حبّ اُمّ موسى لموسى ، وإلى اللّه أشكو التَّقصير (21) . وفي الاستيعاب : قدم أبو الطُّفَيل يوما على معاوية فقال له : كيف وجدك على خليلك أبي الحسن ؟ قال : كوجد اُمّ موسى على موسى ، وأشكو إلى اللّه التَّقصير (22) . وفي تاريخ اليعقوبيّ : أتاه ( عمرَ بن عبد العزيز ) أبو الطُّفَيل عامر بن واثِلَة ، وكان من أصحاب عليّ ، فقال له : يا أمير المؤمنين ! لِمَ منعتني عطائي ؟ فقال له : بلغني أنّك صقلت سيفك ، وشحذت سنانك ، ونصّلت سهمك ، وغلّفت قوسك ، تنتظر الإمام القائم حتَّى يخرج ، فإذا خرج وفّاك عطاءك . فقال : إنّ اللّه سائلك عن هذا . فاستحيا عمر من هذا وأعطاه (23) . وفي تاريخ مدينة دمشق عن أبي عبد اللّه الحافظ : سمعت أبا عبد اللّه _ يعني محمّد بن يعقوب الأخرم _ يقول : وسُئل لِمَ ترك البخاري حديث أبي الطُّفَيل عامر بن واثِلَة ؟ قال : لأنّه كان يفرط في التَّشيُّع (24) .

.


1- . مسند ابن حنبل : ج 9 ص209 ح23860 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص7 ح6592 ، التاريخ الكبير : ج 6 ص446 ح2947 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص469 الرقم97 ؛ رجال الطوسي : ص70 الرقم646 .
2- . مسند ابن حنبل : ج9 ص209 ح23857 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص468 الرقم97 ، تاريخ بغداد :ج1 ص198 الرقم37 ، المعارف لابن قتيبة : ص341 ، الاستيعاب : ج 2 ص347 الرقم1352 ؛ رجال الكشّي :ج1 ص309 الرقم 149 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص717 ح6592 ، تهذيب الكمال : ج14 ص 81 الرقم 3064 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص68 الرقم176 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص198 الرقم37 ، تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص113 ، تهذيب التهذيب : ج3 ص55 الرقم3613 ؛ وقعة صفّين : ص359 .
4- . مسند ابن حنبل : ج 9 ص209 الرقم23857 ، تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص114 .
5- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص717 ح6594 ، تهذيب الكمال : ج14 ص 81 الرقم 3064 ، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص68 الرقم176 ، الاستيعاب : ج 2 ص347 الرقم1352 .
6- . رجال الطوسي : ص70 الرقم646 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص307 ؛ سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص468 الرقم97 .
7- . كشف المحجّة : ص236 .
8- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص469 الرقم97 ، تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص116 ، الاستيعاب : ج 2 ص347 الرقم1352 .
9- . تهذيب الكمال : ج14 ص 79 الرقم 3064 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص468 الرقم97 ، تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص113 .
10- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص470 الرقم97 ، المعارف لابن قتيبة : ص341 ، الاستيعاب : ج 2 ص347 الرقم1352 ، الوافي بالوفيات : ج 16 ص584 الرقم623 .
11- . وقعة صفّين : ص309 _ 313 و ص 554 .
12- . وقعة صفّين : ص359 .
13- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص469 الرقم97 ، المعارف لابن قتيبة : ص431 ، الوافي بالوفيات :ج16 ص584 الرقم623 وفيه « خرج مع المختار طالبا بدم الحسين عليه السلام » .
14- . رجال الكشّي : ج 1 ص309 الرقم 149 .
15- . قاموس الرجال : ج 5 ص633 الرقم3837 .
16- . معجم رجال الحديث : ج 9 ص205 الرقم6108 .
17- . تنقيح المقال : ج 2 ص119 الرقم6064 نقلاً عن المناقب لابن شهرآشوب ، قاموس الرجال : ج5 ص629 وج630 ص3837 .
18- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص470 الرقم97 .
19- . أي الرجل والمرأة إذا لم يعش لهما ولد ( لسان العرب : ج 1 ص 427 ) .
20- . وقعة صفّين : ص554 ؛ الوافي بالوفيات : ج 16 ص584 الرقم623 .
21- . سِيَر أعلامِ النبلاء: ج 3 ص469 الرقم97، أنساب الأشراف: ج5 ص101، تاريخ مدينة دمشق: ج26 ص116 .
22- . الاستيعاب : ج 4 ص260 الرقم3084 ، اُسد الغابة : ج 6 ص177 الرقم6035 .
23- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص307 .
24- . تاريخ مدينة دمشق : ج26 ص128 .

ص: 95

. .

ص: 96

. .

ص: 97

. .

ص: 98

علقمة بن قيس

عَلْقَمةُ بنُ قَيْسعَلْقَمَة بن قَيْس بن عبد اللّه النَّخَعيّ الكوفيّ ، أبو شِبْل ، أحد فقهاء الكوفة ومحدّثيها وقرّائها الكبار ، ويعدّ من رجال مدرسة ابن مسعود في الفقه والحديث (1) ، ومن الرُّواة الَّذين روى عنهم رجال كُثر . (2) شهد معركة صفِّين (3) ، وفقد فيها إحدى رِجليه (4) . وكان مع الإمام عليّ عليه السلام في النهروان أيضا (5) . أمضى سنتين في خوارزم ، وتوجّه إلى خراسان للقتال . اختُلِف في سنة وفاته بين سنة 61 و65 ه (6) . استشهد أخوه في صفِّين أيضا (7) . في وقعة صفِّين : إنَّ النَّخع قاتلت قتالاً شديدا ، فاُصيب منهم يومئذٍ . . . اُبيّ بن قَيْس أخو عَلْقَمَة بن قَيْس الفقيه ، وقُطعت رجل عَلْقَمَة بن قَيْس فكان يقول : ما اُحبّ أنّ رجلي أصحّ ما كانت ؛ لما أرجو بها من حسن الثَّواب من ربّي (8) .

.


1- . تهذيب الكمال : ج20 ص303 وج304 ص4017 ، تاريخ بغداد : ج 12 ص299 الرقم6743 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص53 وج54 ص14 .
2- . تهذيب الكمال : ج 20 ص302 الرقم4017 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص54 الرقم14 .
3- . الطبقات الكبرى : ج6 ص87 ، تهذيب الكمال : ج 20 ص305 الرقم4017 ، تاريخ بغداد :ج12 ص297 الرقم6743 ، المعارف لابن قتيبة : ص583 .
4- . تاريخ الطبري : ج5 ص32 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص379 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص88 ؛ رجال الكشّي : ج 1 ص317 الرقم 159 وفيهما « عرجت رِجله » ، وقعة صفّين : ص287 .
5- . تاريخ بغداد : ج 12 ص297 الرقم6743 .
6- . تهذيب الكمال : ج 20 ص307 الرقم4017 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص61 الرقم14 .
7- . وقعة صفّين : ص287 ، رجال الكشّي : ج 1 ص317 الرقم 159 ؛ الطبقات الكبرى : ج6 ص88 ، تاريخ الطبري : ج5 ص32 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص379 .
8- . وقعة صفّين : ص287 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص32 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص379 .

ص: 99

المقداد بن عمرو

المِقْدادُ بنُ عَمْروالمِقْداد بن عَمْرو بن ثَعْلَبة البَهْرَاوِيُّ الكِنْديّ ، المعروف بالمِقْداد بن الأسْوَد . طويل القامة ، أسمر الوجه (1) . كان من شجعان الصَّحابة وأبطالهم ونُجَبائهم (2) . شهد المشاهد كلّها مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله (3) . وصَفُوه بأنّه مجمع الفضائل والمناقب ، وكان أحد الأركان الأربعة (4) . وعَدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحد الأربعة الَّذين تشتاق إليهم الجنّة (5) . ثبت على الصِّراط المستقيم بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وحفظ حقّ الولاية العلويّة ، وأعلن مخالفته للذين بدّلوا ، في مسجد النَّبيّ صلى الله عليه و آله (6) . وعُدَّ المِقْدادُ في بعض الرِّوايات أطوع أصحاب الإمام عليه السلام (7) . وكان من الصَّفوة الَّذين صلّوا على الجثمان الطَّاهر لسَّيِّدة النِّساء فاطمة صلوات اللّه عليها (8) . عارض المِقْداد حكومة عثمان ، وأعلن عن معارضته لها من خلال خطبة ألقاها في مسجد المدينة (9) . وقال : إنّي لأعجب من قريش ، أنّهم تركوا رجلاً ما أقول إنّ أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل . . أ ما واللّه ، لو أجد عليه أعوانا . . . . توفّي المِقْداد سنة 33 ه وهو في السَّبعين من عمره (10) . وكان له نصيب من مال الدُّنيا منذ البداية ، فأوصى للحسن والحسين عليهماالسلام بستّة وثلاثين ألف درهم منه (11) . وهذه الوصيّة دليل على حبّه لأهل البيت عليهم السلام وتكريمه واحترامه لهم عليهم السلام . في الأمالي للطوسيّ عن عبد الرحمن بن جُنْدُب عن أبيه : لمّا بويع عثمان ، سمعت المِقْداد بن الأسْوَد الكِنْديّ يقول لعبد الرَّحمن بن عَوْف : واللّه ، يا عبد الرَّحمن ، ما رأيت مثل ما اُتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم . فقال له عبد الرَّحمن : وما أنت وذاك يا مقداد ؟ قال : إنّي واللّه ، اُحبّهم لحبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويعتريني واللّه ، وَجدٌ لا أبثّه بثّة ، لتشرّف قريش على النَّاس بشرفهم ، واجتماعهم على نزع سلطان رسول اللّه صلى الله عليه و آله من أيديهم . فقال له عبد الرَّحمن : ويحك ! واللّه ، لقد اجتهدت نفسي لكم . فقال له المقداد : واللّه ، لقد تركت رجلاً من الَّذين يأمرون بالحقّ وبه يعدلون ، أما واللّه ، لو أنّ لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إيّاهم يوم بدر واُحد . فقال له عبد الرَّحمن : ثكلتك اُمّك يا مقداد ! لا يسمعنّ هذا الكلام منك النَّاس ، أما واللّه ، إنّي لخائف أن تكون صاحب فرقةٍ وفتنةٍ . قال جُنْدُب : فأتيته بعد ما انصرف من مقامه ، فقلت له : يا مِقْداد أنا من أعوانك . فقال : رحمك اللّه ، إنّ الَّذي نريد لا يغني فيه الرَّجلان والثَّلاثة ، فخرجت من عنده وأتيت عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فذكرت له ما قال وقلت ، قال : فدعا لنا بخير (12) . في تاريخ اليعقوبي _ في ذكر أحداث ما بعد استخلاف عثمان _ : مال قوم مع عليّ بن أبي طالب ، وتحاملوا في القول على عثمان . فروى بعضهم قال : دخلت مسجد رسول اللّه ، فرأيت رجلاً جاثيا على ركبتيه ، يتلهّف تلهّف من كأنّ الدُّنيا كانت له فسُلِبَها ، وهو يقول : واعجبا لقريش ! ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيّهم ، وفيهم أوّل المؤمنين ، وابن عمّ رسول اللّه ، أعلم الناس وأفقههم في دين اللّه ، وأعظمهم غناءً في الإسلام ، وأبصرهم بالطريق ، وأهداهم للصراط المستقيم . واللّه ، لقد زوَوْها عن الهادي المهتدي الطَّاهر النَّقيّ ، وما أرادوا إصلاحا للاُمّة ولا صوابا في المذهب ، ولكنّهم آثروا الدُّنيا على الآخرة ، فبُعدا وسُحْقا للقوم الظَّالمين . فدنوت منه فقلت : من أنت يرحمك اللّه ؟ ومن هذا الرَّجل ؟ فقال : أنا المِقْداد بن عمرو ، وهذا الرَّجل عليّ بن أبي طالب . قال : فقلت : أ لا تقوم بهذا الأمر فاُعينك عليه ؟ فقال : يابن أخي ! إنّ هذا الأمر لا يجري فيه الرَّجل ولا الرَّجلان . ثمّ خرجت فلقيت أبا ذرّ ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق أخي المقداد . ثمّ أتيت عبد اللّه بن مسعود ، فذكرت ذلك له ، فقال : لقد اُخبرنا فلم نألُ (13) .

.


1- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص392 ح5484 ، الإصابة : ج 6 ص160 الرقم8201 .
2- . حلية الأولياء : ج1 ص172 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص392 ح5484 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص162 ، تهذيب الكمال :ج 28 ص453 الرقم6162 .
4- . الاختصاص : ص6 .
5- . المعجم الكبير : ج 6 ص215 ح6045 ، حلية الأولياء : ج1 ص142 و ص 190 وفيه « إنّ اللّه تعالى يحبّ أربعة من أصحابي » ؛ الخصال : ص303 ح80 .
6- . الخصال : ص463 ح4 ، الاحتجاج : ج 1 ص194 ح37 ، رجال البرقي : ص64 .
7- . رجال الكشّي : ج1 ص46 الرقم 22 .
8- . الخصال : ص361 ح50 ، رجال الكشّي : ج1 ص34 الرقم 13 ، الاختصاص : ص5 ، تفسير فرات : ج570 ص733 .
9- . تاريخ الطبري : ج4 ص232 و233 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص221 _ 224 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص163 .
10- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص392 ح5484 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص163 ، تهذيب الكمال : ج28 ص456 وج457 ص6162 ، الاستيعاب : ج4 ص43 الرقم2590 ، اُسد الغابة : ج 5 ص244 الرقم5076 .
11- . تهذيب الكمال : ج 28 ص456 الرقم6162 .
12- . الأمالي للطوسي : ص191 ح323 .
13- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص163 .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

. .

ص: 103

أصبغ بن نباتة

أصْبَغُ بنُ نُباتَةأصبغ بن نباتة التَّمِيمي الحنظلي المُجاشِعي . كان من خاصّة الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ومن الوجوه البارزة بين أصحابه (1) ، وأحد ثقاته عليه السلام (2) ، وهو مشهور بثباته واستقامته على حبّه عليه السلام . وصفته النُّصوص التَّاريخيَّة القديمة بأنّه شيعيّ (3) ، وأنّه مشهور بحبّ عليّ عليه السلام . وكان من شرطة الخميس (4) ، ومن اُمرائهم (5) . عاهد الإمام عليّ عليه السلام التَّضحية والفداء والاس (ع) شهاد (6) . وشهد معه الجمل ، وصفِّين (7) . وكان معدودا في أنصاره الأوفياء المخلصين. وهو الَّذي روى عهده إلى مالك الأشْتَر ؛ (8) ذلك العهد العظيم الخالد ! وكان من القلائل الَّذين اُذن لهم بالحضور عند الإمام عليه السلام بعد ضربته (9) . وعُدّ الأصبغ في أصحاب الإمام الحسن عليه السلام أيضا . (10) في وقعة صفِّين عن عمر بن سَعْد الأسَديّ _ في ذكر وقعة صفِّين _ : حرّض عليّ بن أبي طالب أصحابه ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين ! قدِّمني في البقيّة من النَّاس ؛ فإنّك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا . أمّا أهل الشَّام فقد أصبنا منهم ، وأمّا نحن ففينا بعض البقيّة ، ايذن لي فأتقدّم ؟ فقال عليّ : تقدّم باسم اللّه والبركة ، فتقدّم وأخذ رايته ، فمضى وهو يقول : حتَّى مَتَى ترجُو البَقَا يا أَصْبَغُإنَّ الرَّجاءَ بالقُنُوطِ يُدْمَغُ أمَا ترى أحْداثَ دَهْرٍ تَنْبغُفادبُغْ هَواكَ ، والأديمُ يُدبَغُ والرِّفْقُ فيما قَدْ تُرِيدُ أبلَغُاليَوْمَ شُغْلٌ وغَدا لا تَفْرُغُ فرجع الأصبغ وقد خضَبَ سيفه دما ورُمحه ، وكان شيخا ناسكا عابدا ، وكان إذا لقي القوم بعضهم بعضا يغمد سيفه ، وكان من ذخائر عليٍّ ممّن قد بايعه على الموت ، وكان من فرسان أهل العراق ، وكان عليّ عليه السلام يضنّ به على الحرب والقتال (11) .

.


1- . رجال النجاشي : ج1 ص69 الرقم4 ، الفهرست : ص85 الرقم119 ، وقعة صفّين :ص406 وراجع ميزان الاعتدال : ج 1 ص271 الرقم1014 .
2- . كشف المحجّة : ص236 ، وقعة صفّين : ص406 .
3- . الطبقات الكبرى : ج6 ص225 .
4- . الطبقات الكبرى : ج6 ص225 ؛ الاختصاص : ص65 .
5- . وقعة صفّين : ص406 .
6- . رجال الكشّي : ج 1 ص321 الرقم 165 .
7- . وقعة صفّين : ص406 .
8- . رجال النجاشي : ج1 ص70 الرقم4 ، الفهرست : ص85 الرقم119 .
9- . الأمالي للطوسي : ص123 ح191 .
10- . رجال الطوسي : ص93 الرقم919 وراجع تهذيب المقال : ج1 ص198 _ ج204 ص5 .
11- . وقعة صفّين : ص442 .

ص: 104

جويريّة بن مسهر

جُوَيرِيَّةُ بنُ مُسْهِرجُوَيْريَّة بن مُسْهِر العَبْديّ . من أصحاب الإمام عليه السلام (1) السَّابقين المقرّبين (2) ، ومن ثقاته (3) . كان عبدا صالحا ، وصديقا للإمام عليه السلام ، وكان الإمام يحبّه (4) . استشهد جُوَيْريَّة في أيّام خلافة معاوية ، حيث قطع زياد يده ورجله ثمّ صلبه (5) . في الإرشاد : إنّ جُوَيْريَّة بن مُسْهِر وقف على باب القصر فقال : أين أمير المؤمنين ؟ فقيل له : نائم ، فنادى : أيُّها النَّائم ! استيقظ ، فوالَّذي نفسي بيده ، لتُضرَبَنَّ ضَرْبةً على رأسك تُخضَب منها لحيتك ، كما أخبرتنا بذلك من قبل . فسمعه أمير المؤمنين عليه السلام فنادى : أقبِل يا جُوَيْريَّةُ حتَّى اُحدّثَكَ بِحَديثِكَ . فأقبل ، فقال : وأنْتَ _ والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ _ لَتُعْتلَنَّ إلى العُتُلِّ الزَّنيمِ (6) ، ولَيَقْطَعَنَّ يَدكَ ورِجْلَكَ ، ثُمّ لَيَصْلِبنَّكَ تَحْتَ جِذْعِ كافرٍ . فمضى على ذلك الدَّهر حتَّى وليَ زياد في أيّام معاوية ، فقطع يده ورجله ، ثمّ صلبه إلى جذع ابن مكعبر ، وكان جذعا طويلاً ، فكان تحته (7) . وفي شرح نهج البلاغة عن حَبَّة العُرَنِيّ : سرنا مع عليّ عليه السلام يوما ، فالتفت فإذا جُوَيْريَّة خلفه بعيدا ، فناداه : يا جُوَيْريَّة ! الحق بي لا أبا لَكَ ! أ لا تَعْلَمُ أنّي أهْوَاكَ واُحِبُّكَ ؟ قال : فركض نحوه ، فقال له : إنّي محدّثك باُمور فاحفظها ، ثمّ اشتركا في الحديث سرّا ، فقال له جُوَيْريَّة : يا أمير المؤمنين ، إنّي رجل نسيّ ، فقال له : إنّي اُعيد عليك الحديث لتحفظه . ثمّ قال له في آخر ما حدّثه إيّاه : يا جُوَيْريَّةُ ، أحبِبْ حَبِيبَنا ما أحَبَّنا ، فَإِذا أبغَضَنا فابغَضْهُ ، وابغَضْ بَغِيضَنا ما أَبْغَضَنا ، فَإذا أحبَّنا فَأَحِبَّهُ (8) .

.


1- . رجال الطوسي : ص59 الرقم499 ، رجال البرقي : ص5 .
2- . الاختصاص : ص7 .
3- . كشف المحجّة : ص236 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص290 .
5- . الإرشاد : ج1 ص323 ، إعلام الورى : ج1 ص341 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص291 .
6- . عَتَلَهُ فانعتَلَ: جرّهُ جرّا عنيفا وجذبه فحمَلَهُ. والعُتُلّ: الشَّديد الجافي والفظّ الغليظ من الناس. والزنِيمُ: الدَّعيّ المُلصق بالقوم وليس منهم . وقيل : الذي يُعرَف بالشرّ واللؤم ( لسان العرب : ج11 ص423 و ج12 ص277 ) .
7- . الإرشاد : ج1 ص322 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص291 نحوه وراجع إعلام الورى :ج1 ص341 والخرائج والجرائح : ج 1 ص202 الرقم44 .
8- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص290 .

ص: 105

. .

ص: 106

زرّ بن حبيش

زِرُّ بنُ حُبَيْشزرّ بن حُبَيْش بن حُبَاشة الأسَديّ من الفضلاء والعلماء والقرّاء المُطَّلِعين على معارف القرآن، وأحد عيون التَّابعين (1) ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الأجلاّء (2) . وقد شهد الإمام عليه السلام بوثاقته . وبلغ حبّه وودُّه للإمام عليه السلام درجة ، أنّ أصحاب الرِّجال عدّوه علويّا (3) . كان بارعا في أدب العرب . ووصفته كتب التَّراجم بأنّه أعرب النَّاس ، وذكرت أنّ عبد اللّه بن مسعود كان يسأله عن العربيّة (4) . قرأ زرّ القرآن كلّه على أمير المؤمنين عليه السلام (5) ، وقرأه عاصم عليه ، (6) وكان عاصم من القرّاء السَّبعة ، وكبار علماء الكوفة في القرن الثَّاني . عُمِّر زرّ طويلاً ، وتوفّي حوالي سنة 80 ه (7) ، وهو ابن مئة وعشرين سنة (8) . في ميزان الاعتدال عن زرّ بن حُبَيْش : قرأت القرآن كلّه على عليّ عليه السلام فلمّا بلغت : « وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِى رَوْضَ_اتِ الْجَنَّ_اتِ » (9) بكى حتَّى ارتفع نحيبه (10) .

.


1- . الاستيعاب : ج 2 ص131 الرقم873 ، اُسد الغابة : ج 2 ص312 الرقم1735 ، الإصابة : ج2 ص522 الرقم2978 ؛ رجال الطوسي : ص64 الرقم569 . .
2- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص24 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص194 الرقم2350 ؛ رجال الطوسي : ص64 الرقم569 .
3- . تهذيب الكمال : ج 9 ص337 الرقم1976 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 4 ص168 الرقم60 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص29 ، الإصابة : ج 2 ص523 الرقم2978 .
4- . الطبقات الكبرى : ج6 ص105 ، تهذيب الكمال : ج 9 ص337 الرقم1976 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص167 الرقم60 ، المعارف لابن قتيبة : ص427 ، الإصابة : ج 2 ص522 الرقم2978 .
5- . ميزان الاعتدال : ج2 ص73 الرقم2878 ، المناقب للخوارزمي : ج86 ص76 .
6- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 4 ص167 الرقم60 ، المعارف لابن قتيبة : ص530 ، وفيات الأعيان : ج3 ص9 ، تذكرة الحفّاظ : ج1 ص57 الرقم40 .
7- . تاريخ خليفة بن خيّاط : ص222 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص25 .
8- . تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص25 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 4 ص168 الرقم60 ، الاستيعاب : ج 2 ص131 الرقم873 ، اُسد الغابة : ج 2 ص312 الرقم1735 .
9- . الشورى : 22 .
10- . ميزان الاعتدال : ج2 ص73 الرقم2878 ، المناقب للخوارزمي : ج86 ص76 نحوه .

ص: 107

163 _ كتابه عليه السلام في الجهاد

163كتابه عليه السلام في الجهادإبراهيم الثَّقَفيّ في كتابه : دعا سعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ فبعثه من النُّخيلة بثمانية آلاف ، وذلك أ نّه أخبر أنّ القوم جاءوا في جمع كثيف فقال له : إنّي قد بعثتك في ثمانية آلاف فاتَّبع هذا الجيش حَتَّى تخرجه من أرض العِراق ، فخرج على شاطئ الفرات في طلبه ، حَتَّى إذا بلغ عانات ، سرَّح أمامه هانئ بن الخَطَّاب الهَمْدانِيّ فاتبع آثارَهُم حَتَّى إذا بلغ أداني قنسرين _ وقد فاتوه _ ثُمَّ انصرف . قال فلبث عليّ عليه السلام ترى فيه الكآبة والحزن حَتَّى قدم عليه سعيد بن قَيْس ، فكتب كتابا وكان في تلك الأيّام عليلاً فلم يطق على القيام في النَّاس بكلّ ما أراد من القول ، فجلس بباب السَّدة الَّتي تصل إلى المسجد ، ومعه الحسن والحسين عليهماالسلاموعبد اللّه بن جَعْفَر بن أبي طالب ، فدعا سعدا مولاه فدفع الكتاب إليه ، فأمره أن يقرأه على النَّاس فقام سَعْد بحيث يسمع عليّ قراءته ، وما يردُّ عليه النَّاس ، ثُمَّ قرأ الكتاب : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ ؛ مِن عَبْدِ اللّه ِ عَليّ ، إلى مَنْ قُرِئ عَليهِ كتابي مِنَ المُسلِمينَ : سلامٌ عَليْكُم ، أمَّا بَعْدُ ؛ فالحَمْدُ للّه ِ رَبِّ العالَمِينَ ، وسلامٌ على المُرسَلِينَ ، ولا شَرِيكَ للّه ِ الأحَدِ القَيُّومِ ، وصلواتُ اللّه ِ على مُحَمَّدٍ والسَّلامُ عَليْهِ في العالَمِينَ أمَّا بعدُ ؛ فإنِّي قَدْ عاتَبْتُكُم في رُشْدِكُم حَتَّى سَئِمْتُ ، أرجَعْتُمونِي بالهُزْءِ مِنْ قَولِكُم ، حَتَّى بَرِمْتُ . هُزْءٌ مِنَ القَوْلِ لا يُعاديهِ وخَطَلٌ لا يُعَزُّ أهلُهُ ، ولَو وجَدتُ بُدَّا مِن خِطابِكُم والعِتاب إليكُم ، ما فعلت ، وهذا كتابي يُقرأ عليكم ، فَرُدُّوا خَيْرا وافعَلوهُ ، وما أَظُنُّ أنْ تفعَلُوا فاللّه ُ المُستَعانُ . أيُّها النَّاس ، إنَّ الجِهادَ بابٌ مِن أبوابِ الجَنَّةِ فَتَحهُ اللّه ُ لِخاصَّةِ أوليائِهِ ، وهو لِباسُ التَّقوى ودِرْعُ اللّه ِ الحَصِينَةُ وجُنَّتُهُ الوَثِيقَةُ ، فَمَنْ تَركَ الجِهادَ في اللّه ِ ألبسَهُ اللّه ُ ثَوْبَ ذِلَّةٍ ، وشَمَلَهُ البَلاءُ ، وضَرَبَ على قلبِهِ بالشُّبُهاتِ ، ودِيثَ بالصَّغارِ والقَماءَةِ ، وأُدِيلَ الحَقُّ مِنهُ بِتَضْييعِ الجِهاد ، وسِيمَ الخَسْفَ ، ومُنِعَ النَّصَفَ ، ألا وإنِّي قد دعَوتُكُم إلى جِهادِ عدوِّكم ليلاً ونهارا ، وسرّا وجهرا ، وقلتُ لَكُم : اغزُوهُم قَبْلَ أن يَغْزُوكُم ، فَواللّه ِ ما غُزِيَ قومٌ قَطُّ في عُقْرِ دارِهِم إلاَّ ذَلُّوا فَتَواكَلْتُم وتَخَاذَلْتُم ، وثَقُلَ عَليْكُم قَوْلي فَعَصَيْتُم واتَّخَذتُموهُ وراءكم ظِهْرِيّا حَتَّى شُنَّتْ عَليْكُم الغاراتُ في بِلادِكُم ، ومُلِكَتْ عَليْكُم الأوطانُ . وهذا أخو غامِدٍ قَد وردَتْ خَيْلُهُ الأنبارَ ، فَقَتلَ بِها أشْرَسَ بنَ حَسَّان ، فَأَزالَ مسالِحَكُم عَنْ مواضِعِها ، وقَتَلَ مِنكُمْ رجالاً صالِحينَ ، وقَد بَلَغنِي أنَّ الرَّجُلَ مِنْ أعدائِكُم كانَ يَدْخُلُ بَيْتَ المَرأَةِ المُسلِمَةِ والمُعاهِدَةِ فَيَنتَزِعُ خَلخالَها مِن ساقِها ، ورُعُثَها مِن أُذُنِها فلا تمتنعُ مِنهُ ، ثُمَّ انصَرَفُوا وافِرينَ ، لَم يَكلَمْ مِنهُم رجُلٌ كَلْما . فَلَوْ أنَّ امرَأً مُسْلِما ماتَ مِن دُونِ هذا أسَفا ، ما كانَ عندي مَلُوما ، بل كانَ عندي بِهِ جَدِيرا . فَيا عجَبا عجَبا ، واللّه ِ ، يُمِيتُ القَلْبَ ، ويَجْلِبُ الهَمَّ ، ويُسَعِّرُ الأحزانَ ، مِن اجتِماعِ هَؤلاءِ عَلى باطِلِهم وتَفَرُّقِكُم عَن حَقِّكُم ، فَقُبْحا لَكُم وتَرَحا ، لَقدْ صَيَّرتُم أَنْفُسَكم غَرَضا يُرْمى ، يُغارُ عَلَيْكُم ولا تُغِيرونَ ، وتُغْزَوْنَ ولا تَغْزُونَ ، ويُعْصى اللّه ُ وتَرْضَوْنَ ، ويُقضى إليكم فلا تأنفون ، قَد نَدَبْتُكُم إلى جِهادِ عَدُوِّكُم في الصَّيفِ فَقلْتُم : هذهِ حمَّارَةُ القَيْظِ ، أَمهِلْنا حَتَّى يَنْسَلِخَ عَنّا الحَرُّ ، وإذا أَمَرْتُكُم بالسَّيرِ إليْهِم في الشِّتاءِ قُلتُم : هذه صَبَّارَةُ القُرِّ ؛ أمْهِلْنا يَنسَلِخْ عَنّا البَرْدُ ، فَكُلُّ هذا فرارا مِنَ الحَرِّ والصِّرّ ؟ فإذا كنتم من الحَرّ والبَرْدِ تَفِرُّونَ فَأَنتُم واللّه ِ مِنْ حَرِّ السُّيُوفِ أفَرُّ لا والَّذي نَفْسُ ابنِ أبي طالِبٍ بِيَدِهِ عَنِ السَّيْفِ تَحيدونَ ؟ فحتّى متى ؟ وإلى متى ؟ يا أشباهَ الرِّجالِ ولا رِجالَ ، ويا طَغَامَ الأحْلامِ ، أحلامُ الأطفالِ وعُقولُ رَبَّاتِ الحِجالِ ، اللّه ُ يَعْلَمُ لَقَدْ سَئِمْتُ الحَياةَ بَيْنَ أظهُرِكُم ، ولَوَدَدْتُ أنَّ اللّه َ يَقْبِضُنِي إلى رحْمَتِهِ مِن بَيْنِكُم ، ولَيْتَنِي لَمْ أرَكُم ولَمْ أَعرِفْكُم ، مَعْرِفَةٌ واللّه ِ جَرَّتْ نَدَما ، وأَعقَبَتْ سَدَما (1) ، أوغرتم _ يعلم اللّه _ صدري غَيْظا ، وجَرَّعْتمُوني جُرَعَ التَّهمامِ (2) ، أنفاسا وأفسدتم عَليَّ رأيي وخرصي بالعصيان والخذلان ، حَتَّى قالت قريش وغيرها : إن ابنَ أبي طالِبٍ رَجُلٌ شُجَاع ولكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بالحَرْبِ . للّه ِ أبُوهُم ! وهَلْ كانَ مِنهُم رَجُلٌ أشَدُّ مُقاساةً وتَجْرِبَةً ولا أطولُ لَها مِراسا مِنِّي ، فواللّه ِ لَقَدْ نَهَضْتُ فِيها وما بَلغْتُ العِشْريَن ، فها أَنا ذا قَدْ ذرّفت (3) على السِّتين ، ولكِنْ لا رأْيَ لِمَنْ لا يُطاعُ » . (4) إبراهيم الثَّقَفيّ في كتابه : سُفْيَان بن عَوْف الغامديّ قال : دعاني معاوية فقال : إني باعثك في جيش كثيف ، ذي أداة وجلادة ، فالزم لي جانب الفرات ، حَتَّى تمرَّ بهيت فتقطعها ، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم ، وإلاَّ فامض حَتَّى تغير على الأنبار ، فَإنْ لم تجد بها جندا فامض حَتَّى تغير على المَدائِنِ ، ثُمَّ أقبل إليَّ واتّق أن تقرب الكوفة ، واعلم أنَّك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المَدائِن ، فكأنَّك أغرت على الكوفة ، إنَّ هذه الغارات _ يا سُفْيَان _ على أهل العِراق ترهب قلوبهم ، وتجرئ كلّ من كان له فينا هوى منهم ، ويرى فراقهم ، وتدعو إلينا كلّ من كان يخاف الدَّوائر . وخَرِّب كلّ ما مررت به من القرى واقتل كلّ من لقيت مِمَّن ليس هو على رأيك ، وأحرب الأموال فَإنَّهُ شبيه بالقتل ، وهو أوجع للقلوب . . . قال : فواللّه الَّذي لا إله إلاَّ هو ، ما مرّت بي ثلاثة حَتَّى خرجت في ستة آلاف ، ثُمَّ لزمت شاطئ الفرات فأغذذت السَّير حَتَّى أمُرَّ بهيت ، فبلغهم أنّي قد غشيتهم فقطعوا الفرات ، فمررت بها وما بها عريب . . . فمضيت حَتَّى أفتتح الأنبار وقد أُنذروا بي فخرج إليَّ صاحبُ المَسلحةِ فوقف لي ، فلم أقدم عليه حَتَّى أخذتُ غلمانا من أهل القرية ، فقلت لهم : خبّروني ، كم بالأنبار من أصحاب عليّ عليه السلام ؟ قالوا : عِدَّةُ رِجالِ المَسْلَحَةِ خَمسمِئةٌ ، ولكنّهم قد تبدّدوا ورجعوا إلى الكوفة ، ولا ندري الَّذي يكون فيها ، قد يكون مئتي رجل . قال : فنزلت فكتّبت أصحابي كتائب ، ثُمَّ أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة فيقاتلونهم ، واللّه ويصبرون لهم ، ويطاردونهم في الأزقة ، فلمَّا رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مئتين ، ثُمَّ أتبعتهم الخيل ، فلمَّا مشت إليهم الرِّجال وحملت عليهم الخيل فلم يكن إلاَّ قليلاً حَتَّى تفرَّقوا وقتل صاحبهم في رجال من أصحابه ، وأتيناه في نيِّف وثلاثين رجُلاً ، فحملنا ما كان في الأنبار من أموال أهلها ثُمَّ انصرفت . . . عن مُحَمَّد بن مِخْنَف : أنَّ سُفْيَان بن عَوْف لمَّا أغار على الأنبار ، قدم علج من أهلها على عليٍّ عليه السلام فأخبره الخبر ، فصعد المنبر فقال : أيُّها النَّاسُ ، إنَّ أخاكُم البَكْرِيَّ قَدْ أُصِيبَ بالأنبارِ ، وهو مُعْتَزٌّ لا يَخافُ ما كانَ ، فاختارَ ما عِنْدَ اللّه ِ علَى الدُّنيا ، فانتَدِبُوا إليْهِم حَتَّى تُلاقُوهُم فإن أصبْتُم مِنهُم طَرَفا أنكَلْتُموهُم عَنِ العِراقِ أبدا ما بَقُوا ، ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُم رجاءَ أنْ يُجيبُوهُ أو يَتَكلَّمُوا ، أو يَتَكلَّمَ مُتَكَلّمٌ مِنهُم بِخَيْرٍ . فَلَم يَنْبُس أحَدٌ مِنهُم بِكَلِمَةٍ ، فلمَّا رأى صمتهم على ما في أنفسهم نزل فخرج يمشي راجلاً حَتَّى أتى النُّخيلة ، والنَّاس يمشون خلفه حَتَّى أحاط به قوم من أشرافهم فقالوا : ارجع يا أمير المؤمنين نَحْنُ نَكفِيكَ ، فقال عليه السلام : « ما تَكْفُونَنِي ولا تَكْفُونَ أنْفُسَكُم » فلم يزالوا به حَتَّى صرفوه إلى منزله ، فرجع وهو واجم كئيب . ودعا سعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ، فبعثه من النُّخيلة بثمانية آلاف ، وذلك أنّه أخبر أن القوم جاءوا في جمع كثيف ، فقال له : « إنّي قد بَعَثْتُكَ في ثمانِيَةِ آلافٍ ، فاتَّبِعْ هذا الجَيْشَ حَتَّى تُخرِجَهُ مِن أرْضِ العِراقِ » فخرج على شاطئ الفرات في طلبه إذا بلغ عانات سرّح أمامه هانئ بن الخَطَّاب الهَمْدانِيّ فاتَّبَعَ آثارَهُم ، حَتَّى إذا بلغ أداني قَنَسْرينَ ، وقد فاتوه ثُمَّ انصرف . قال : فلبث عليّ عليه السلام ترى فيه الكآبة والحزن ، حَتَّى قدم عليه سعيد بن قَيْس ، فكتب كتابا وكان في تلك الأيَّامِ عليلاً ، فلم يطق على القيام في النَّاس بكلّ ما أراد من القول ، فجلس بباب السّدَّةِ الَّتي تصل إلى المسجد ، ومعه الحسن والحسين عليهماالسلاموعبدُ اللّه ِ بنُ جَعْفَر بنِ أبي طالبٍ ، فدعا سعدا مولاه ، فدفع الكتاب إليه فأمره أن يقرأه على النَّاس ، فقام سعد بحيث يسمع عليّ قراءته وما يردّ عليه النَّاس ثُمَّ قرأ الكتاب : بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ . . . (5) قال ابن أبي الحديد : هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام ، قد ذكرها كثير من الناس ورواها أبو العبَّاس المُبَرِّد في أوّل الكامل . (6) وقال المُبَرِّد : أنه خطبها بالنُّخيلة على رباوة من الأرض . (7) وقال الجاحظ : أغار سُفْيَان بن عَوْف الأزدي ثُمَ الغامدي على الأنبار ، زمان عليّ بن أبي طالب رضى الله عنهوعليها حَسَّان أو ابن حسَّان البَكري فقتله ، وأزال تلك الخيل عن مسالِحِها ، فخرج عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه حتى جلَسَ على باب السَّدة ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على نبيّه ثُمَّ قال . . . (8) وفي معاني الأخبار : إنَّ عليَّا انتهى إليه أنَّ خيلاً لمعاوية وردت الأنبار ، فقتلوا عاملاً له يقال له : حسَّان بن حَسَّان ، فخرج مُغضَبا يجرُّ ثوبَهُ حَتَّى أتى النُّخيلة ، واتَّبعه فَرَقِيَ رِباوَةً من الأرض . . . (9) والأمر سهل ، وقد نقل نظره المصنف رحمه الله (10) : إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر فكتب في كتاب ، وقُرئ على النَّاسِ فاختلف النَّاس في أنَّه عليه السلام خطب أو كتب فَقُرئَ . (11) صورة أخرى على رواية المفيد رحمه الله : ومن كلامه عليه السلام في مقام آخر : « أيُّها النَّاس ، إنِّي اسْتَنْفَرتُكُم لِجِهادِ هؤلاء القوْمِ فَلَمْ تَنْفِروا ، وأسمَعْتُكم فَلَم تُجِيبُوا ، ونَصَحْتُ لكُم فلَم تَقْبَلوا ، شُهودٌ كالغُيَّبِ ، أَتْلو عَليْكُم الحِكْمَةَ فتُعرِضونَ عَنها ، وأعِظُكُم بالمَوْعِظَةِ البالِغَةِ فَتَتفَرقُونَ عَنْها ، كأنَّكم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرةٌ فَرَّت من قَسْوَرةٍ ؛ وأحُثُّكم على جِهادِ أهْلِ الجَوْرِ ، فما آتِي على آخِرِ قولِي حَتَّى أراكُم متفرِّقِينَ أياديَ سَبَأ ، تَرجِعون إلى مجالِسِكُم تَتَربَّعونَ حَلَقا ، تَضرِبُونَ الأمثالَ ، وتَناشَدُونَ الأشْعارَ ، وتَجَسَّسُون الأخْبارَ ، إذا تَفرَّقتُم تَسْأَلونَ عن الأسْعارِ ، جَهْلةً مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ ، وغَفْلةً مِن غَير وَرَعٍ ، وتَتَبُّعا في غَيْرِ خَوْفٍ ، نَسِيتُم الحَرْبَ والاستِعْدادَ لَها ، فأصبَحَتْ قلوبُكُم فارِغَةً مِن ذِكْرِها ، شَغَلتُموها بالأعالِيلِ والأباطِيلِ . فالعَجَبُ كلُّ العَجَبِ ! وما لي لا أعجَبُ من اجتِماعِ قَوْمٍ على باطِلِهم ، وتخاذُلِكُم عَنْ حَقِّكُم ! يا أهلَ الكُوفَةِ ، أنتم كأُم مُجالِدٍ ، حَمَلتْ فأملَصَتْ ، فماتَ قيِّمُها ، وطالَ تأيُّمُها ، ووَرِثَها أبْعَدُها . والَّذِي فلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمَةَ ، إنَّ مِنْ ورائِكُم لَلْأعوَرُ الْأدبَرُ ، جهنَّم الدُّنيا لا يُبقي ولا يَذَرُ ، ومن بَعْدِهِ النَّهَّاسُ الفرَّاسُ الجَموعُ المَنوعُ ، ثُمَّ لَيَتوارثَنَّكم من بني أُميَّة عِدَّةٌ ، ما الآخَرُ بأرأَفَ بِكُم مِنَ الأوَّلِ ، ما خَلا رجُلاً واحِدا ، بلاءٌ قَضاهُ اللّه ُ علَى هذهِ الأُمَّةِ لا مَحالَةَ كائِنٌ ، يَقتُلونَ خِيارَكُم ، ويَسْتَعْبِدُونَ أراذِلَكُم ، ويَسْتَخْرِجُونَ كُنوزَكُم وذخائِرَكُم من جَوْفِ حِجالِكُم ، نَقِمَةً بِما ضيَّعتُم من أُمورِكُم وصَلاحِ أنْفُسِكُم ودينِكُم . يا أهلَ الكُوفَةِ ، أُخبِرُكُم بِما يكونُ قَبْلَ أن يَكونَ ، لِتَكونوا مِنْهُ علَى حَذَرٍ ، ولِتُنذِروا بِهِ مَنِ اتَّعَظَ واعتَبَرَ ، كأنِّي بكم تقولون : إنَّ عليَّا يَكِذبُ ، كما قالَتْ قُريشٌ لنَبِيِّها_ صلى الله عليه و آله _ وسيِّدِها نَبِيِّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّد بنِ عَبْدِ اللّه ِ حَبيبِ اللّه ِ ، فيَا وَيْلَكُم ، أفَعَلى مَن أكذِبُ ؟ ! أعَلَى اللّه ِ ، فأنَا أوَّل مَن عَبَدَه وَوَحَدَّهُ ، أمْ على رَسُولِهِ ، فأنَا أوَّل مَن آمَنَ بهِ وصدَّقَهُ ونَصَرَهُ ! كلاَّ ولكنَّها لَهْجَةُ خُدْعَةٍ كُنتُم عنها أغبياءَ . والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بعدَ حينٍ ، وذلك إذا صَيَّركُم إليها جهلُكُم ، ولا يَنفَعُكم عِنْدَها علمُكُم ، فَقُبْحا لَكُم يا أشباهَ الرِّجالِ ولا رِجالَ ، حُلُومُ الأطْفالِ وعُقُولُ رَبَّاتِ الحِجالِ ، أمَ واللّه ِ أيُّها الشَّاهِدَةُ أبدانُهُم ، الغائِبَةُ عَنْهُم عُقُولُهم ، المُخْتَلِفَةُ أهواؤهُم ، ما أعزَّ اللّه ُ نصْرَ من دَعاكُم ، ولا استراحَ قلبُ مَن قاساكم ، ولا قرَّتْ عَينُ مَن آواكُم ، كلامُكُم يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ ، وفِعْلُكم يُطمِعُ فيكم عدوَّكم المُرتابَ . يا وَيْحُكم ، أيَّ دارٍ بعدَ دارِكم تَمنعونَ ! ومع أيِّ إمامٍ بَعْدي تُقاتِلونَ ! المَغْرُورُ _ واللّه ِ _ من غَرَرْتُموهُ ، مَن فازَ بكم فازَ بالسَّهْمِ الأخْيَبِ ، أصبَحْتُ لا أطمَعُ في نَصْرِكُم ، ولا أُصدِّقُ قولَكُم ، فرَّقَ اللّه ُ بَيْنِي وبينَكم ، وأعقَبَنِي بِكُم مَن هُو خَيْرٌ لِي مِنْكُم ، وأعقَبَكم مَن هُو شرٌّ لَكُم منِّي . إمامُكم يُطيعُ اللّه َ وأنتم تَعصُونَه ، وإمامُ أهْلِ الشَّام يَعصي اللّه وهم يُطِيعونَهُ ، واللّه ِ لَوَدَدْتُ أنَّ مُعاوِيَةَ صارَفَني بِكُم صَرْفَ الدِّينارِ بالدِّرْهَمِ ، فأخَذَ منِّي عَشَرَةً مِنْكُم وأعطانِي واحدا مِنهُم ، واللّه لَوَددْتُ أنِّي لم أعرِفْكُم ولم تَعرِفُوني ، فإنَّها معرِفةٌ جَرَّتْ نَدَما . لقد وَرَيْتُم صَدري غَيظا ، وأفسَدْتُم علَيَ أمري بالخِذلان والعِصيان ، حَتَّى لقد قالت قريشٌ : إنَّ عليَّا رجلٌ شجاعٌ ، لكن لا عِلْمَ لَهُ بالحُروبِ ، للّه ِ دَرُّهُم ، هل كان فِيهِم أحدٌ أطولُ لها مِرَاسا منِّي ! وأشدُّ لها مُقاساةً ! لقد نَهَضْتُ فيها وما بَلَغتُ العِشرين ، ثُمَّ ها أنا ذا قد ذَرَّفْتُ على السِّتِّين ، لكن لا أمْرَ لمَن لا يُطاعُ . أمَ واللّه ِ لوَدِدْتُ أنَّ ربِّي قد أخرجَنِي مِن بَيْنِ أظْهُرِكُم إلى رِضْوانِهِ ، وإنَّ المَنِيَّةَ لتَرصُدُنِي ، فما يَمنَعُ أشقاها أن يَخضِبها ؟ _ وتَرَك يدَهُ علَى رأسِهِ ولِحْيَتِهِ _ عَهْدٌ عَهِدَهُ إليَّ النَّبيُّ الأُمِّيُّ وقد خابَ مَن افترى ، ونَجا مَن اتَّقى وصدَّق بالحُسنى . يا أهلَ الكوفة ، دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلاً ونهارا وسِرَّا وإعلانا ، وقلتُ لَكُم : اغزُوهُم ، فَإنَّه ما غُزِي قومٌ في عُقْر دارهم إلاَّ ذَلُّوا ، فتواكَلتُم وتخاذَلتُم ، وثَقُلَ عليكم قولي ، واستَصْعَبَ علَيْكُم أمري ، واتَّخذتُموه وَراءكم ظِهْريَّا ، حَتَّى شُنَّت عَلَيْكُم الغاراتُ ، وظَهَرَتْ فِيكُمُ الفَواحِشُ والمنكَرات ، تُمَسِّيكم وتُصَبِّحُكم ، كما فَعَلَ بأهْلِ المَثُلاتِ مِن قَبْلِكُم ، حيث أخبَرَ اللّه ُ تعالى عَنِ الجَبابِرَةِ والعُتاةِ الطُّغاةِ ، والمُستَضْعَفِينَ الغُواةِ في قوله تعالى : « يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَ فِى ذَلِكُم بَلاَءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ » (12) ، أم والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَة لقد حلَّ بكم الذي تُوعدون . عاتَبتُكُم _ يا أهْلَ الكُوفَةِ _ بِمواعِظِ القُرآنِ ، فلم أنتفِعْ بِكُمْ ، وأدَّبْتُكُم بالدِّرَّة فلم تَستَقِيمُوا ، وعاقَبتُكم بالسَّوطِ الَّذِي يُقامُ بهِ الحُدودُ فَلمْ تَرعَوُوا ، ولَقَدْ عَلِمْتُ أنَّ الَّذِي يُصلِحُكُم هو السَّيفُ ، وما كنتُ متحرِّيا صَلاحَكُم بفَسادِ نفسِي ، ولكن سَيُسَلَّطُ عليْكُم مِن بَعْدِي سُلْطانٌ صَعْبٌ ، لا يُوقِّرُ كَبيرَكُم ولا يَرْحَمُ صغِيرَكُم ، ولا يُكرِمُ عالِمَكُم ولا يَقسِمُ الفَيءَ بالسَّويَّة بَيْنَكُم ، ولَيَضربَنَّكم ويُذِلَّنَّكم ويُجَمِّرَنَّكم في المَغازي ، ويَقْطَعَنَّ سَبِيلَكُم ، ولَيَحْجُبَنَّكم على بابِهِ ، حَتَّى يأكُلَ قويُّكُم ضعيفَكم ، ثُمَّ لا يُبْعِدُ اللّه َ إلاَّ مَن ظَلَم مِنْكُم ، ولَقَلَّما أدبرَ شيءٌ ثُمَّ أقبَلَ ، وإنِّي لأظنُّكم في فَتْرةٍ وما علَيَّ إلاَّ النُّصحُ لكم . يا أهلَ الكوفةِ ، مُنِيتُ منكم بثلاثٍ واثنتين صُمٌّ ذَوو أسماع ، وبُكْمٌ ذَوو ألسُنٍ ، وعُمْيٌ ذَوو أبصارٍ لا إخوانُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقاء ، ولا إخوانُ ثِقَةٍ عِنْدَ البَلاءِ . اللَّهمَّ إني قَدْ مَللتُهم ومَلُّونِي ، وسئمتُهم وسئِمُوني . اللَّهمَّ لا تُرضِ عنهم أميرا ، ولا تُرضِهِم عَنْ أمِيرٍ ، وأمِثْ قلوبَهُم كما يُماثُ المِلْحُ في الماءِ . أمَ واللّه ِ ، لو أجِدُ بُدَّا مِنَ كلامِكُم ومُراسَلَتِكُم ما فَعَلْتُ ، ولقد عاتبْتُكُم في رُشْدِكُم حَتَّى لَقد سَئِمتُ الحياةَ ؛ كُلَّ ذلِكَ تُراجِعونَ بالهُزءِ مِنَ القَوْلِ فِرارا من الحَقِّ ، وإلحادا إلى الباطِلِ الَّذِي لا يُعِزُّ اللّه ُ بأهلِهِ الدِّينَ ، وإنِّي لأعْلَمُ أنَّكُم لا تَزيدونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ، كُلَّما أَمرْتُكُم بِجِهادِ عَدُوِّكُم اثَّاقلْتُم إلى الأرضِ ، وسألتُموني التّأْخِيرَ دِفاعَ ذِي الدَّين المَطُولِ . إن قلتُ لكُم في القَيْظِ : سِيرُوا ، قُلْتُم : الحَرُّ شديدٌ ، وإن قلتُ لَكُم في البَرْدِ سِيروا ، قلتم : القُرُّ شديدٌ ، كلُّ ذلكَ فِرارا عن الجَنَّةِ ، إذا كنتُم عن الحرِّ والبَردِ تَعجِزونَ ، فَأنتُم عَن حرارَةِ السَّيفِ أعجَزُ وأعجَزُ ، فإنَّا للّه ِ وإنَّا إليهِ راجعونَ . يا أهلَ الكوفةِ ، قد أتانِي الصَّريِخُ يُخبِرُنِي أنَّ أخا غامِدٍ قَد نَزَلَ الأنْبَارَ عَلى أهلِها لَيلاً ، في أربعةِ آلافٍ ، فأغارَ عَليهم كما يُغارُ على الرُّوم والخَزَر ، فقَتَل بها عامِلي ابن حَسَّان ، وقَتل معَه رجالاً صالحين ذَوي فَضْل وعبادةٍ ونَجْدةٍ ، بَوَّأ اللّه لهم جنَّات النَّعيم ، وأنَّه أباحَها ، ولقَد بلَغنِي أنّ العُصْبَة من أهل الشَّام كانوا يَدخلون على المرأة المُسلِمَةِ والأُخْرى المعاهَدَةِ ، فيهتِكون سِتْرَها ، ويأخذون القِناعَ من رأسها ، والخُرْصَ من أُذُنِها ، والأوْضاحَ من يديها ، ورِجْلَيها وعَضُدَيْها ، والخَلخالَ والمِئْزَرَ من سُوقها ، فما تَمْتَنِع إلاَّ بالاسترجاع والنِّداء : يا للمسلمين ، فلا يُغيثها مُغِيثٌ ، ولا يَنصرُها ناصِرٌ ؛ فلو أنَّ مؤمنا مات من دون هذا أسفا ما كان عِندي ملُوْما ، بل كان عندي بارَّا مُحْسِنا . واعجبا كلَّ العَجَب ، مِنْ تظافُرِ هؤلاء القوْمِ على باطِلِهم ، وفَشَلِكُم عَنْ حَقِّكُم ! قد صِرْتُم غَرَضا يُرمى ولا تَرْمُون ، وتُغْزَوْنَ ولا تَغْزَوْن ، ويُعصى اللّه ُ وتَرضَوْن ، تَرِبَتْ أيْديكُم يا أشباهَ الإبِلِ ، غابَ عَنها رُعاتُها ، كُلَّما اجتمَعَتْ مِنْ جانِبٍ تَفرَّقتْ مِنْ جانِبٍ » (13) . (14) أقول : لابدَّ من هنا ذكر أمور :

.


1- . السَّدَمُ _ مُحرّكةً _ : الهمُّ مع أسفٍ وغيظٍ، وفِعْلُهُ كفَرِحَ.
2- . التَّهْمَامُ _ بالفتح _ الهمّ . أنفاسا: أي جُرعة بَعْدَ جُرعَةٍ، والمراد أنّ أنفاسه أمست همّا يتجرّعهُ .
3- . في المصدر: «زرّفتُ» وما أثبتناه هو الصحيح .
4- . الغارات : ج2 ص470 والكافي : ج5 ص4 ح6 ، نهج البلاغة : الخطبة27 ، نثر الدر :ج1 ص297 ، بحار الأنوار : ج34 ص55 ح931 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص201 ، الكامل للمبرد : ج1 ص30 ، العقد الفريد : ج3 ص121 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص74 في كلها « ان الجهاد . . .الخ » مع اختلاف .
5- . الغارات : ج2 ص465 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص88 نحوه .
6- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص75 .
7- . الكامل للمبرد : ج1 ص29 .
8- . البيان والتبيين : ج2 ص53 .
9- . معاني الأخبار : ص309 ح1 ، ونقله أيضا عيون الأخبار لابن قتيبة : ج2 ص236 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص88 وبحار الأنوار : ج34 ص64 ح931 نقلاً عنه .
10- . شرح نهج البلاغة : ج2 ص 88 .
11- . راجع : شرح نهج البلاغة للبحراني : ج2 ص31 ، الأخبار الطوال : ص211 ، الأغاني : ج16 ص286 ، مقاتل الطالبيين :ص41 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص427 .
12- . البقرة :49 .
13- . الإرشاد : ج1 ص278 ، الاحتجاج : ج1 ص409 ح89 ، الغارات : ج2 ص494 ، بحار الأنوار : ج34 ص13 ح956 وراجع : نهج البلاغة : الخطبة97 .
14- . ومن المحتمل أنَّ السَّيِّد الرضي رضى الله عنه اختار ما نقله في نهج البلاغة عمّا رواه شيخنا الأعظم المفيد ؛ كما هو دأبه والاختلاف بين الروايات كثيرة والخطبة مشهورة بين العامة والخاصة .

ص: 108

. .

ص: 109

. .

ص: 110

. .

ص: 111

. .

ص: 112

. .

ص: 113

. .

ص: 114

. .

ص: 115

. .

ص: 116

. .

ص: 117

الأوَّل :اختلف في اسم عامله عليه السلام على الأنبار ، فقيل أنّه حَسَّان بن حَسَّان البَكريّ ، كما في نفس هذا الكتاب على نقل نهج البلاغة (1) والكامل (2) والكافي (3) ومعاني الأخبار (4) وفي الإصابة ، في ترجمة سُفْيَان بن عَوْف الغامدي (5) وفي العِقْد : حسَّان البَكري (6) وفي البيان والتَّبيين : حَسَّان أو ابن حسَّان (7) وفي الأغاني : حسَّان بن حسَّان (8) وكذا في شرح البحرانيّ (9) . وقيل : أشرس بن حَسَّان كما في الغارات (10) وابن أبي الحديد ناقلاً عنه (11) والطبريّ (12) وابن الأثير في الكامل (13) وأنساب الأشراف (14) واليعقوبيّ (15) . وعنونه العلاّمة الشُّوشتريّ ، ولم يرجّح أحدهما ، واكتفى بنقل الأقوال (16) ، وقال نَصْر بن مزاحم في وقعة صفِّين : وبعث أبا حَسَّان البَكريّ على استان العالي (17) . وفي معجم البلدان : الاستان العال : كورة في غربي بغداد من السَّواد ، تشتمل على أربعة طساسيج وهي : الأنبار وبادرويا وقطربل ومسكن . (18) فيحتمل أن يكون اسمه أشرس وكنيته أبا حَسَّان ، فوقع السَّهو من الرُّواة فقالوا : حسَّان بن حسَّان ، بدل أبو حَسَّان بن حسَّان .

.


1- . نهج البلاغة :الخطبة 27 .
2- . الكامل للمبرّد : ج1 ص29 .
3- . الكافي : ج5 ص5 ح 6 .
4- . معاني الأخبار : ص309 ح1 .
5- . الإصابة : ج3 ص106 الرقم 3334 .
6- . العقد الفريد : ج3 ص121 .
7- . البيان والتبيين : ج2 ص53 .
8- . الأغاني : ج16 ص287 .
9- . شرح نهج البلاغة للبحراني : ج2 ص31 .
10- . الغارات : ج2 ص469 .
11- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص87 .
12- . تاريخ الطبري : ج5 ص134 .
13- . الكامل في التاريخ : ج2 ص425 .
14- . أنساب الأشراف : ج 3 ص 201 .
15- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص196 .
16- . قاموس الرجال : ج3 ص176 .
17- . وقعة صفّين : ص11 .
18- . معجم البلدان : ج1 ص174 .

ص: 118

الأمر الثَّاني :سند الكتاب أو الخطبة : رواها الكليني رحمه الله بهذا الإسناد : أحمد بن مُحَمَّد بن سعيد ، عن جعفر بن عبد اللّه العلوي ، وأحمد بن مُحَمَّد الكوفي ، عن عليّ بن العبَّاس ، عن إسماعيل بن إسحاق ، جميعا عن أبي روح فرج بن قُرَّة عن مَسْعَدَة بن صَدَقَة عن ابن أبي ليلى عن أبي عبد اللّه السَّلمي قال قال : أمير المؤمنين عليه السلام أمَّا بَعْدُ ؛ فإنّ الجهاد . . . (1) ورواه الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في معاني الأخبار قال : حدّثنا أبو العبّاس مُحَمَّد بن إبراهيم بن إسحاق الطَّالقاني رضى الله عنه ، قال : حدّثنا عبد العزيز بن يَحْيَى الجلوديّ ، قال: حدَّثنا هِشام بن عليّ ومُحَمَّد بن زكريّا الجوهريّ قالا : حدّثنا ابن عائشة بإسناد ذكره ، أنّ عليّا عليه السلام انتهى إليه . . . (2) وقال أبو الفرج الإصفهاني في كتابه : حدَّثني بها العبّاس بن عليّ النِّسائي وغيره ، قالوا : حدثنا مُحَمَّد بن حَسَّان الأزرق قال : حدّثنا شبابة بن سوار قال : حدّثنا قَيْس بن الرَّبيع عن عمرو بن قَيْس الملائيّ عن أبي صادق : أنّه عليه السلام خطب النَّاس . . . (3)

.


1- . الكافي : ج5 ص4 ح6 ، وراجع : الغارات : ج2 ص820 .
2- . معاني الأخبار : ص309 ح1 .
3- . مقاتل الطالبيين : ص41 .

ص: 119

الأمر الثَّالث :قال ابن أبي الحديد في شرح هذه الخطبة : واعلم أنّ التَّحريض على الجهاد والحضّ عليه ، قد قال فيه النَّاس فأكثروا ، وكلّهم أخذوا من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، فمن جيّد ذلك ما قاله ابن نباتة الخطيب : أيُّها النَّاس . . . هذا آخر خطبة ابن نباتة ، فانظر إليها وإلى خطبته عليه السلام بعين الإنصاف ، تجدها بالنِّسبة إليها كمخنث بالنِّسبة إلى فحل ، أو كسَيْفٍ من رصاص بالإضافة إلى سيف من حديد . وانظر ما عليها من أثر التّوليد وشين التَّكلُّف وفجاجة كثير من الألفاظِ ، ألا ترى إلى فجاجَةِ قوله : « كأنَّ أسماعَكُم تَمُجُّ ودائِعَ الوَعْظِ ، وكأنّ قلوبَكُم بها استِكبارٌ عَنِ الحِفْظِ » وكذلك ليس يخفى نزول قوله : « تَنُدُّونَ مِن عَدُوِّكُم نَدِيدَ الإبلِ ، وتَدَّرِعُونَ لَهُ مَدارِعَ العَجْزِ والفَشَلِ » وفيها كثير من هذا الجنس إذا تأمّله الخبير عرفه ، ومع هذا فهي مسروقة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام . . . _ ثُمَّ ذكر قسما من سرقاته ، وتكلّم على تمييز الفصيح عن غيره فقال : _ (1) فإن شئت أن تزداد استبصارا ، فانظر القرآن العزيز ، واعلم أنّ النَّاس قد اتفقوا على أنَّه في أعلى طبقات الفصاحة ، وتأمّلْهُ تأمُّلاً شافِيا ، وانظر إلى ما خصَّ به من مزيَّة الفصاحة والبعد عن التَّقعيرِ والتَّقعيب والكلام الوحشي الغريب ، وانظر كلام أمير المؤمنين عليه السلام فإنَّك تَجِدُهُ مُشتقّا من ألفاظِهِ ، ومقتَضَبا مِن معانِيهِ ومذاهبه ، ومحذوَّا به حذوه ، ومسلوكا به في منهاجه ، فهو وإن لم يكن نظيرا ولا ندَّا ، يصلح أن يقال : إنَّه ليس بَعدَهُ كلامٌ أفصح منه ولا أجزل ، ولا أعلى ولا أفخم ولا أنبل ، إلاَّ أن يكون كلامُ ابن عمِّه عليه السلام وهذا أمر لا يعلمه إلاَّ من ثبتت له قدم راسخة في علم هذه الصَّناعة ، وليس كلّ النَّاس يصلح لانتقاد الجوهر ، بل ولا لانتقاد الذَّهب ، ولِكُلِّ صناعة أهل ، ولُكلِّ عمل رجال . . . (2)

.


1- . ما بين الشارحتين ليس من المصدر .
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص80 .

ص: 120

164 _ كتابه عليه السلام إلى سهل بن حنيف الأنصاريّ

164كتابه عليه السلام إلى سَهْل بن حُنَيْف الأنْصاريّومن كتاب له عليه السلام إلى سَهْل بن حُنَيْف الأنْصاريّ ، وهو عامله على المدينة ، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية :« أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِمَّنْ قِبَلكَ يَتَسَلَّلُونَ إلى مُعَاوِيَةَ ، فَلا تَأْسَفْ على ما يَفُوتُكَ من عَدَدِهِمْ ، ويَذْهَبُ عَنْكَ من مَدَدِهِمْ ، فَكَفَى لَهُمْ غَيّا ، ولَك مِنْهم شَافِيا ، فِرَارُهُمْ من الْهُدَى والْحَقِّ ، وإيضَاعُهُمْ إلى الْعَمَى والْجَهْلِ ، فإنَّما هُمْ أَهْلُ دُنْيا مُقْبِلُونَ عَليْها ، ومُهْطِعُونَ إليْها ، وقَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ ورَأَوْهُ وسَمِعُوهُ ووَعَوْهُ ، وعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ ، فَهَرَبُوا إلى الأَثَرَة فَبُعْدا لَهُمْ وسُحْقا ! إنَّهُمْ واللّه ِ ، لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَوْرٍ ، ولَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ ، وإنَّا لَنَطْمَعُ في هَذَا الأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللّه لَنَا صَعْبَهُ ، ويُسَهِّلَ لَنا حَزْنَهُ ، إنْ شَاءَ اللّه ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب70 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص192 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص157 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص604 .

ص: 121

165 _ كتابه عليه السلام إلى كميل بن زياد

165كتابه عليه السلام إلى كُمَيْل بن زيادوهو عامله على هِيت ، ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا الغارة . إلى كُمَيْل بن زياد النَّخَعيّ .« أمَّا بعدُ ؛ فَإِنَّ تَضْيِيعَ الْمَرْءِ ما وُلِّي وتَكَلُّفَه ما كُفِي ، لَعَجْزٌ حاضِرٌ ورأْيٌ مُتَبَّر وإِنَّ تَعاطِيَكَ الْغارَةَ على أهل قِرْقِيسِيا ، وتَعْطِيلَك مَسالِحَك الَّتي ولَّيْنَاكَ ليْس بِها مَنْ يَمْنَعُها ، ولا يَرُدُّ الجَيْش عَنْها ، لرَأْيٌ شَعاع ، فَقد صِرْتَ جِسْرا لِمَن أَراد الْغَارَةَ مِن أعْدَائِكَ على أَوْلِيَائِكَ ، غيرَ شَدِيدِ الْمَنْكِبِ ولا مَهِيبِ الْجانِبِ ولا سادٍّ ثُغْرَةً ، ولا كاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً ، ولا مُغْنٍ عن أَهْل مِصرِهِ ، ولا مُجْزٍ عن أمِيرِهِ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب61 ، بحار الأنوار : ج33 ص522 ح715 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص149 ، وراجع : أنساب الأشراف : ج2 ص231 .

ص: 122

قال ابن أعثم: فلمَّا كان بعد ذلك بأيَّام ، وجَّه معاوية أيضا برجل من أهل الشَّام يقال له عبد الرَّحمن بن أشْيَم في خيل من أهل الشَّام إلى بلاد الجزيرة ، فأقبل عبد الرَّحمن بن أشْيَم هذا في خيله من أهل الشَّام يريد الجزيرة ، وبالجزيرة يومئذ رجل يقال له شَبِيْب بن عامر . قال : وشَبِيْب هذا هو جَدّ الكرماني (1) الَّذي كان بخراسان ، وكان بينه وبين نَصْر بن سَيَّار ما كان ، وكان هذا شَبِيْب مقيما بنصيبين في ستمئة رجل من أصحاب عليّ رضى الله عنه ، فكتب إلى كُمَيْل بن زِياد : أمَّا بعدُ ؛ فإنّي أخبرك أنَّ عبد الرَّحمن بن أشْيَم قد وصل إليّ من الشَّام في خيل عظيمة ، ولست أدري أين يريد ، فكن على حذر ، والسَّلام . قال : فكتب إليه كُمَيْل : أمَّا بعدُ ؛ فقد فهمت كتابك وأنا سائر إليك بِمَنْ معي من الخيل ، والسَّلام . قال : ثُمَّ استخلف كُمَيْل بن زياد رجلاً يقال له : عبد اللّه بن وهب الرَّاسبيّ ، وخرج من هِيت في أربعمئة فارس كلّهم أصحاب بَيْضٍ ودُروع ، حَتَّى صار إلى شَبِيْب بنُصيبِينَ ، وخرج شَبِيْب من نصيبين في ستمئة رجل ، فساروا جميعا في ألف فارس يريدون عبد الرَّحمن ، وعبد الرَّحمن يومئذٍ بمدينة يقال لها : كَفَرْتُوثا (2) في جيش لجب من أهل الشَّام ، فأشرفت خيل أهل العِراق على خيل أهل الشَّام . قال : وجعل كُمَيْل بن زياد يرتجز ويقول : يا خَيْرَ مَنْ جُرَّ لَهُ خَيْرُ القَدَرْفاللّه ُ ذو الآلاءِ أعلَى وأَبَرْ يَخذُلُ مَن شاءَ ومَنْ شاءَ نَصَرْ . . .قال : واختلط القوم فاقتتلوا قتالاً شديدا ، فقتل من أصحاب كُمَيْل : رجلان عبد اللّه بن قَيْس القابِسيّ ، ومُدرِك بن بِشْر الغَنَوِيّ ، ومن أصحاب شَبِيْب أربعةُ نفر ؛ ووقعَتِ الهزيمة على أهل الشَّام فقتل منهم بشر كثير ، فَوَلَّوا الأدبار منهزمين نحو الشَّام . . . فقال : ثُمَّ رجع شَبِيْب بن عامر إلى نصيبين ؛ ورجع كُمَيْل بن زياد إلى هِيت ، وبلغ ذلك عليَّا رضى الله عنه ، فكتب إلى كُمَيْل بن زياد :

.


1- . الكرماني : هو عليّ بن جديع بن شبيب بن عامر الأزدي .
2- . كَفَرْتُوثا : قرية كبيرة من أعمال الجزيرة ، بينها وبين دارا خمسة فراسخ .

ص: 123

كتابه عليه السلام إلى كميل بن زياد

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى كُمَيْل بن زِياد« أمَّا بَعْدُ ؛ فالحَمْدُ للّه ِ الَّذي يَصْنَعُ للمَرْءِ كَيْفَ يَشاءُ ، ويُنْزِلُ النَّصْرَ علَى مَنْ يَشاءُ إذا شاءَ ، فَنِعْمَ المولى رَبُّنا ونِعْمَ النَّصيرُ ، وقد أحسَنْتَ النَّظَرَ للمُسلِمينَ ونَصَحْتَ إمامَكَ ، وقُدْما كانَ ظَنِّي بِكَ ذلِكَ ، فجربت والعصابة الَّتي نهضت بهم إلى حرب عدوّك خير ما جُزي الصَّابرون والمجاهدون ، فانظر لا تغزونّ غزوة ولا تجلون إلى حرب عدوّك خطوة بعد هذا حَتَّى تستأذنني في ذلك _ كفانا اللّه وإيَّاك تظاهر الظَّالمين ، إنَّه عزيز حكيم ، والسَّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته _ » . (1)

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ من عَبدِ اللّه ِ عليّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى عَبدِ اللّه بنِ عبَّاسٍ ، أمَّا بَعدُ ؛ فانظُر ما اجتَمَعَ عِندَكَ مِن غَلاَّتِ المُسلِمينَ وفَيْئِهِم ، فاقسِمْهُ مَنْ قِبَلَكَ حَتَّى تُغنِيَهُم ، وابعَث إلينا بِما فَضُلَ نَقسِمْهُ فِيمَن قِبَلَنا ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . الفتوح: ج 4 ص 228، وراجع: أنساب الأشراف: ج 3 ص 231 .
2- . وقعة صفِّين : ص106 ، بحار الأنوار : ج32 ص402 .

ص: 124

كميل بن زياد

كُمَيْلُ بنُ زِيَادٍهو كُمَيْل بن زياد بن نُهَيك النَّخَعيّ الكوفيّ ، من أصحاب الإمامين أمير المؤمنين عليّ عليه السلام (1) ، وأبي محمّد الحسن عليه السلام (2) . عُدّ من ثقات أصحاب الإمام عليّ عليه السلام (3) ، وقيل في حقّه : كان شجاعا فاتكا ، وزاهدا عابدا (4) . كان في مقدّمة الكوفيّين الثَّائرين على عثمان (5) ، فأقصاه عثمان مع عدّة إلى الشام (6) . ولمّا كانت حرب صفِّين شارك فيها مع أهل الكوفة . (7) ولاّه الإمام على هيت (8) ، فلم يتحمّل عِبْأها ، بل كان ضعيفا في ولايته ، فعاتبه الإمام على ذلك (9) . روى عن أمير المؤمنين عليه السلام (10) ، لم يرد ذكره في واقعة كربلاء ، ولا في ثورة التَّوَّابين والمختار . استشهد كُمَيْل _ والَّذي كان من جملة العبّاد الثَّمانية المشهورين في الكوفة (11) _ في سنة 82 ه (12) على يد الحجّاج لعنه اللّه (13) . في شرح نهج البلاغة : كان كُمَيْل بن زياد عامل عليّ عليه السلام على هِيت ، وكان ضعيفا ، يمرّ عليه سرايا معاوية تنهب أطراف العراق ولا يردّها ، ويحاول أن يجبر ما عنده من الضَّعف بأن يُغير على أطراف أعمال معاوية ، مثل قرقيسيا (14) وما يجري مجراها من القرى الَّتي على الفرات . فأنكر عليه السلام ذلك من فعله ، وقال : إنّ مِنَ العَجْزِ الحاضِرِ أن يُهمِلَ الوالي ما وَلِيَهُ ، ويتكَلّفَ ما لَيسَ مِن تكلِيفِهِ (15) . وفي الإرشاد عن المُغِيْرَة : لمّا وُلّي الحجّاج طلب كُمَيْلَ بن زياد ، فهرب منه ، فحرم قومَه عطاءهم ، فلمّا رأى كُمَيْل ذلك قال : أنا شيخ كبير قد نفد عمري ؛ لا ينبغي أن أحرم قومي عطيّاتهم ، فخرج فدفع بيده إلى الحجّاج ، فلمّا رآه قال له : لقد كنت اُحبّ أن أجد عليك سبيلاً ! فقال له كُمَيْل : لا تَصْرِفْ (16) عليَّ أنيابك ، ولا تَهدَّمْ (17) عليَّ ، فو اللّه ، ما بقي من عمري إلاّ مثل (18) كواسل الغبار ، فاقضِ ما أنت قاضٍ ، فإنّ الموعد اللّه ، وبعد القتل الحساب ، ولقد خبّرني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّك قاتلي . فقال له الحجّاج : الحجّة عليك إذا ! فقال كُمَيْل : ذاك إن كان القضاء إليك ! قال : بلى ، قد كنتَ فيمن قتل عثمان بن عفّان ! اضربوا عنقه . فضُربت عنقه (19) . وكان كُمَيْل ممَّن ثار على سَعيد عامل عثمان ، وضربوا عنده رجلاً يدفع عن سعيد ، وكان من المسيّرين من الكوفة إلى الشَّام بأمر عثمان ، وبينهم وبين معاوية هناك مجادلات ومناظرات ، ثُمَّ سيّروا إلى حِمْص ، ثُمَّ ارجعوا إلى الكوفة ، كل ذلك بأمر من عثمان . (20) وقد روى كُمَيْل عن عليّ عليه السلام دعاء الخضر المعروف بدعاء كُمَيْل ، كما في الإقبال ، وفي المصباح روي أنَّ كميلاً رأى أمير المؤمنين عليه السلام يدعو بهذا الدُّعاء في ليلة النِّصف من شعبان ساجدا ، قال عليه السلام له بعد تعليمه هذا الدُّعاء ، أوجب لك طول الصُّحبة لنا أن نجود لك بما سألت ( كما في الإقبال ) . (21) قال سعيد بن زَيْد بن أرطاة : لقيت كُمَيْل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : ألا أخبرك بوصيَّة أوصاني بها يوما هي خير لك من الدُّنيا بما فيها ؟ فقلت : بلى ، قال : قال لي عليٌّ عليه السلام : « يا كُمَيْلُ بنَ زيادٍ ، سَمّ كُلَّ يَومٍ باسمِ اللّه ِ ، وقُلْ لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ باللّه ِ ، وتوكَّل علَى اللّه ِ ، واذكرنا وسمّ بأسمائنا ، وصلّ علينا واستَعْذِ باللّه ِ رَبِّنا ، وادرأ بذلِكَ عَن نَفْسِكَ ، وما تَحوطُهُ عِنايَتُكَ ، تُكْفَ شَرَّ ذلِكَ اليَومِ . يا كُمَيْلُ إنَّ رسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أدَّبهُ اللّه ُ عز و جل ، وهُوَ أدَّبَنِي ، وأنا أُؤدِّبُ المُؤمِنينَ ، وأُورِّثُ الأدَبَ المُكرَمِينَ . يا كُمَيْلُ ما مِنْ عِلمٍ إلاّ وأَنا أفتَحُهُ ، وما مِن سِرٍّ إلاّ والقائم عليه السلام يَختِمُهُ . يا كُمَيْلُ ذُرِّيةٌ بَعضُها مِن بَعضٍ ، واللّه ُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . يا كُمَيْلُ لا تأخُذْ إلاّ عَنَّا ، تَكُنْ مِنَّا . يا كُمَيْلُ ما مِنْ حَرَكَةٍ إلاّ وأنتَ مُحتاجٌ فيها إلى مَعونَةٍ فيها إِلى مَعرِفَةٍ » . . . الحديث . (22) قال كُمَيْل بن زياد : ( أخذ بيدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فخرج بي إلى ناحية الجبَّانة ، فلمَّا أصحر ، تنفَّس الصُّعداء ثمَّ ) قال : « إنَّ هذِهِ القلُوبَ أوْعِيَةٌ فخَيْرُها أوْعاها ، احفَظْ عَنِّي ما أقولُ لَكَ : النَّاسُ ثَلاثةٌ : عالِمٌ ربَّانيٌّ ، ومتَعَلِّمٌ علَى سَبيلِ النَّجاةِ ، وهَمَجٌ رُعاعٌ ، أتباعُ كُلِّ ناعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ ريحٍ ، لم يَسْتَضِيئوا بِنُورِ العِلمِ فَيهتَدُوا ولَمْ يَلجؤوا إلى رُكْنٍ وَثِيقٍ فيَنْجوا . يا كُمَيْلُ ، العِلمُ خَيرٌ مِنَ المالِ ، العِلمُ يَحْرُسُكَ وأنتَ تَحْرُسُ المالَ ، والمالُ تُفْنيهِ النَّفَقَةُ ، والعِلمُ يزْكُو على الإنفاقِ ، العِلمُ حاكِمٌ ، والمالُ مَحكُومٌ علَيهِ . يا كُمَيْلُ بنَ زيادٍ ، مَحَبَّةُ العالِمِ دِينٌ يُدانُ بهِ ، بِهِ يَكسِبُ الإنسانُ الطَّاعَةَ في حَياتِهِ ، وجَمِيلَ الأُحدُوثَةِ بَعد وفاتِهِ ، ومَنْفَعَةُ المالِ تَزُولُ بزَوالِهِ ، ماتَ خُزَّان الأَموالِ وهُم أحياءٌ ، والعُلماءُ باقونَ ما بَقِيَ الدَّهرُ ، أعيانُهم مَفقُودَةٌ ، وأمثِلَتُهُم فِي القُلوبِ مَوجودَةٌ . ها ، إنَّ هاهنا لَعِلْما جَمَّا _ وأشار إلى صَدْرِهِ _ لم أُصِبْ لَهُ خَزَنةً ، بلَى أصِيبُ لَقِنا غَيرَ مأمُونٍ ، مستعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ في طَلَبِ الدُّنيا ، يَسْتَظهِر بِحُجَجِ اللّه ِ علَى أوليائِهِ ، وبِنعْمَةِ اللّه ِ علَى معاصِيهِ ، أو مُنْقادا لِحَمَلَةِ الحَقِّ لا بصيرةَ لَهُ في أحْنائِهِ ، ينقَدِحُ الشَّكُّ في قلبِهِ بأوَّل عارِضٍ مِن شُبهَةٍ ، اللَّهُمَّ لا ذا ولا ذاك ، أو مَنْهُوما باللَّذَّة سَلِسَ القِيادِ للشَّهوةِ ، أو مُغْرَما بالجَمعِ والادِّخارِ ، لَيْسا مِنْ رُعاةِ الدِّينِ ، ولا مِنْ ذَوِي البَصائِرِ واليَقِينِ ، أقرَبُ شَبَها بِهِما الأنعامُ السَّائِمَةُ ، كذلِكَ يَموتُ العِلمُ بِمَوْتِ حَمَلَتِهِ . اللَّهمَّ بلى لا تخلو الأرضُ مِن قائِمٍ للّه ِ بِحُجَّةٍ ، إمَّا ظاهرا مشهورا ، أو خَائِفا مَغمُورا ، لِئلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللّه ِ وبيِّناتُهُ ، ورُواةُ كتابِهِ ، وأيْنَ أُولئِكَ ؟ هُم الأقلُّونَ عَدَدا ، الأعظَمونَ قَدْرا ، بِهم يَحفَظُ اللّه ُ حُجَجَهُ حَتَّى يُودِعَهُ نُظَراءَهُم ، ويَزْرَعَها فِي قُلوبِ أشباهِهِم ، هَجَمَ بِهِم العِلمُ على حَقائِقِ الإيمانِ ، فَباشَرُوا رُوحَ اليَقينِ ، واسْتَلانوا ما استَوْعَرَ مِنهُ المُترَفُونَ ، واستأنَسُوا بِما استوْحَشَ مِنُه الجاهِلونَ ، صَحِبوا بأبْدانٍ أرواحُها معَلَّقَةٌ بالمَحَلِّ الأعلَى . يا كُمَيْلُ أُولئِكَ أُمناءُ اللّه ِ في خَلقِهِ ، وخلفاؤه في أرضِهِ ، وسُرُجُه فِي بلادِهِ ، والدُّعاةُ إلى دينِهِ ، واشَوْقَاهُ إلى رُؤيَتِهِم ، أستَغفِرُ اللّه َ لِي ولَكَ » . (23) وفي الإصابة : كُمَيْل بن زياد . . . النَّخَعيّ التَّابعيّ الشَّهير ، له إدراكٌ . . . مات سَنَة اثنتين وثمانين وهو ابن سبعين سنة ، فيكون قد أدرك مِنَ الحياة النَّبويَّة ثَماني عشْرَةَ سنَة ، وقال ابن سعد : شهد مع عليّ صفِّين ، وكان شريفا مطاعا ثقة ، قليل الحديث . (24)

.


1- . رجال الطوسي : ص80 الرقم792 ، رجال البرقي : ص6 ؛ تهذيب الكمال : ج 24 ص219 الرقم4996 .
2- . رجال الطوسي : ص95 الرقم946 .
3- . كشف المحجّة: ص236؛ تهذيب الكمال: ج 24 ص219 الرقم 4996، الإصابة: ج 5 ص486 الرقم7516.
4- . البداية والنهاية : ج9 ص46 .
5- . أنساب الأشراف : ج6 ص139 ، تاريخ الطبري : ج4 ص326 .
6- . تاريخ الطبري : ج4 ص323 و ص 326 .
7- . الطبقات الكبرى : ج6 ص179 ، الإصابة : ج 5 ص486 الرقم7516 ، تاريخ مدينة دمشق : ج50 ص249 .
8- . هِيْت : بلدة في العراق على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار ( معجم البلدان : ج5 ص421 ) .
9- . نهج البلاغة : الكتاب 61 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص231 .
10- . نهج البلاغة : الحكمة 147 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص205 ؛ تهذيب الكمال : ج 24 ص220 الرقم4996 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 50 ص251 الرقم5829 .
11- . تهذيب الكمال : ج 24 ص219 الرقم4996 ، تاريخ مدينة دمشق : ج50 ص250 .
12- . الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص249 الرقم1058 ، تاريخ مدينة دمشق : ج50 ص257 ، تاريخ الطبري : ج6 ص365 وفيه « سنة 83 ه » .
13- . الإرشاد : ج1 ص327 ؛ تهذيب الكمال: ج 24 ص219 الرقم4996، الطبقات الكبرى: ج6 ص179، الطبقات لخليفة بن خيّاط : ص249 الرقم1058 ، الإصابة : ج 5 ص486 الرقم7516 ، البداية والنهاية : ج9 ص46.
14- . قَرْقيسياء : بلد في العراق على نهر الخابور قرب صفّين والرَّقّة ، وعندها مصبّ الخابور في الفرات ( راجع معجم البلدان : ج4 ص328 ) .
15- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص149 .
16- . الصَّرِيْف : صَوت الأنياب . وصَرَف نابَه وبِنابِه : حَرَقه : ( حَكَّه ) فسمعت له صوتا ( لسان العرب : ج9 ص191 ) .
17- . من المجاز : تَهَدَّم عليه غَضَبا ؛ إذا تَوَعَّدَهُ . وفي الصِّحاح : اشتدَّ غَضَبُه ( تاج العروس : ج17 ص744 ) .
18- . كأنّها بقايا الغبار الَّتي كسلت عن أوائله .
19- . الإرشاد : ج1 ص327 ؛ الإصابة : ج 5 ص486 الرقم7516 نحوه وراجع: تاريخ الطبري : ج4 ص404 وتاريخ مدينة دمشق : ج50 ص256 .
20- . تاريخ الطبري : ج4 ص318 و323 .
21- . الإقبال : ج3 ص331 .
22- . بشارة المصطفى : ص 25 ، تحف العقول : ص171 ، بحار الأنوار : ج77 ص266 .
23- . تحف العقول : ص169 وراجع : نهج البلاغة : الحكمة147 ، الخصال : ص186 ح257 ، الأمالي للطوسي : ص21 ح23 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص194 ، شرح الأخبار : ج2 ص371 ، بحار الأنوار : ج1 ص188 ح4 ؛ العِقد الفريد : ج2 ص212 ،المناقب للخوارزمي : ص367 .
24- . الإصابة : ج5 ص485 الرقم 7516 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص124 .

ص: 125

. .

ص: 126

. .

ص: 127

. .

ص: 128

. .

ص: 129

166 _ كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

166كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّالهأمَّا بَعْدُ ؛ فقد بَلَغَنِي عَنكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فقد أَسْخَطْتَ رَبَّكَ ، وعَصَيْتَ إمامَك ، وأَخْزَيْتَ أَمانَتك ، بَلَغَنِي أَنَّك جَرَّدْتَ الأرْضَ فأَخَذْتَ ما تَحْتَ قَدَمَيْكَ ، وأَكَلْتَ ما تَحْتَ يَدَيْك فَارْفَعْ إليَّ حِسَابَك ، واعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاس ، والسلامُ . (1)

[ أقول : نقله السَّيِّد رحمه الله كما ذكرنا من دون إيعاز إلى المكتوب إليه ، ولكن ابن عبد رب ، والبلاذري صرَّحوا بأنَّه عبد اللّه بن عبَّاس ، ابن عمّه والوالي على البصرة من قِبَله . ولا بأس بذكر جميع ما يتعلّق بقصّة ابن عبَّاس في بيت مال البصرة ، قال الطبري : مرَّ عبد اللّه بن عبَّاس على أبي الأسْوَد ، فقال : لو كنت من البهائم كنت جملاً ، ولو كنت راعيا ما بلغت المرعى ، ولا أحسنت مهنته في المشي (2) ] . قال ابن أعْثَم : ثُمَّ بعث عليّ إلى عبد اللّه بن العبَّاس ، وهو عامله على البصرة ، يأمره أن يخرج إلى الموسم فيقيم الحجّ للنَّاس . قال : فدعا عبد اللّه بن عبَّاس بأبي الأسْوَد الدُّؤلي فاستخلفه على صلاة البصرة ، ودعا بزياد بن أبى فجعله على الخَراج ، وتجهَّز عبد اللّه بن عبَّاس ، وخرج إلى الموسم . قال : وجرت بين أبي الأسْوَد وزياد بن أبى منافرة ، فهجاه أبو الأسْوَد ، وقال فيه هذه الأبيات : ألاَ بَلِّغا عَنِّي زِيادَا رِسالَةًيُحِثُّ إليهِ حَيثُ كانَ مِنَ الأَرْضِ فَما لَكَ من وَرْدٍ إذا ما لَقِيتَنِييُقطَّعُ دُونِي طَرْفُ عَينِيَ كالمُغْضِي وما لِي إذا ما أخْلَفَ الوِدُّ بَينَناأُمِرُّ القُوى مِنهُ وتَعْمَلُ في النَّقْضِ أَلَم تَرَ أَنِّي لا أُكَوِّنُ شِيمَتِييُكَوِّنُ غُولُ الأرْضِ في الطُّولِ والعَرضِ قال : ثُمَّ بلغ أبا الأسْوَد بعد ذلك أنّ زيادا يشتمه ، ويقول فيه القبيح ، فأنشأ يقول : نُبِّئْتُ أنَّ زِيادَا ظَلَّ يَشتِمُنِيوالقَولُ يُكتَبُ عِندَ اللّه ِ والعَمَلُ لقد (3) لَقِيتُ زِيادا ثُمَّ قُلْتُ لَهُمِن قَبلِ ذلِكَ ما جاءَتْ بهِ الرُّسُلُ حَتَّامَ تَذكُرُنِي فِي كُلِّ مُجتَمَعٍعَرْضا وأنتَ إذا ما شِئْتَ تَنتَقِلُ حَتَّامَ تَشْتِمُني حَتَّامَ تَذكُرُنيوقَدْ ظَلَمْتَ وتَسْتَعْفِي وتَنْتَصِلُ ثُمَّ تَعُودُ وتنسى مَا يوافِقُنِيوالعُذْرُ يُندِمُ و النِّسيانُ والعَجَلُ قال : وقدم عَبدُ اللّه ِ بنُ العبَّاسِ مِنَ الحَجِّ ، فأقبلَ إليهِ زِيادُ بنُ أبىِ ، فَشكَى إليهِ أبا الأسْوَدَ الدُّؤَلِيّ ، وذكر أنَّه قَد هَجاهُ ، فأرسَلَ إليهِ ابنُ عبَّاس فَدَعاهُ ، فَقالَ : أما واللّه ، لو كُنتَ مِنَ البهائِم . . . فكتب _ أبو الأسْوَد _ إلى عليّ بن أبي طالب : أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ اللّه تبارك وتعالى قد جعلك يا أمير المؤمنين واليا مؤتمنا ، وراعيا مسؤولاً ، ولقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة ، ناصحا للرعيّة ، تُوفِّر عليهم حقوقهم ، وتزجر نفسك عن دنياهم ، ولا تأكل أموالهم ولا ترتشي في أموالهم ، وإنَّ ابن عمِّك هذا قد أكل مالَ اللّه بغير حقّ ، فلم يسعني كتمانك ذلك ، فانظر رحمك اللّه فيما هاهنا ، واكتب إليَّ برَأيِكَ فيما أحببت من ذلك _ إن شاء اللّه _ . [ فَلَمَّا وصل كتاب أبي الأسْوَد عليَّا عليه السلام وقرأه ]فكتب إليه عليّ رضى الله عنه :

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب40 ، بحار الأنوار : ج33 ص515 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص397 ، العِقد الفريد : ج3 ص346 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص164 ، جمهرة رسائل العرب: ج1 ص515 الرقم537 .
2- . تاريخ الطبري : ج5 ص141 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص432 ، أنساب الأشراف : ج2 ص396 ، العِقد الفريد : ج3 ص346 .
3- . في المصدر «قد» والصحيح «ولقد».

ص: 130

. .

ص: 131

كتابه عليه السلام لأبي الأسود الدّؤليّ

كتابه عليه السلام لأبي الأسْوَد الدُّؤليّ« أمَّا بَعدُ ؛ فَمِثلُكَ نصَحَ الإمامَ والأُمَّةَ ، ودلَّ علَى الحَقِّ ، وقَد كَتبْتُ إلى صاحِبِكَ فيما ذكَرتَ مِن أمرِهِ وَلم أُعلِمْهُ بكِتابِكَ إليَّ ، فلا تدَعَنَّ إعلامِي بِما يَكونُ بِحَضرَتِكَ ما فِيهِ النَّظَرُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فإنَّه واجِبٌ عَلَيكَ فِي دِينِكَ ، والسلامُ عليكَ ورحْمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ » (1) .

[ أقول : كتب عليٌّ عليه السلام إلى ابنِ عبَّاسٍ الكتاب المُتَقدّمَ ، وقال ابنُ أعثم : كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابن عبَّاس : ] صورة أخرى من كتابهِ إلى ابن عبَّاس : « أمَّا بَعدُ ؛ يا بنَ العَبَّاسِ فَقد بَلغَنِي عَنْكَ أُمُورٌ ، اللّه ُ أعلَمُ بِها ، فَإنْ تَكُنْ حَقَّا فَلَسْتُ أرْضاها لَكَ ، وإنْ تَكُن باطِلاً فَإثمُها على مَن اقتَرفَها ، فَإذا ورَدَ علَيكَ كِتابي هذا فأَعْلِمْنِي في جوابِهِ ما أخذْتَ مِن مَالِ البَصرَةِ ، من أينَ أخَذتَهُ ، وفِيمَ وضَعْتَهُ » (2) . [ فلمَّا وصل الكتاب إلى ابن عبَّاس كتب إليه عليه السلام ] أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ كُلَّ الَّذي بَلَغَكَ باطِلٌ ، وأنا لِمَا تحت يديّ ضابط ، وعليه حافِظٌ ، فلا تُصَدِّقْ علَيَّ الظَّنينَ . (3) [ صورة أخرى على رواية ابن أعثم : ] أمَّا بَعدُ ؛ فقد عَلِمتُ الَّذي بلغكَ عنِّي ، وأنَّ الَّذي أبلغك الباطل ، وإنِّي لِما تَحْتَ يَدَيّ لَضابِطٌ وحافِظٌ ، فلا تُصَدّق أقوالَ الوُشاةِ ما لَم يَكُنْ ، وأمَّا تَعظيمُكَ مَرزأَةَ ما رَزأته (4) من هذه البلدَة ، فواللّه لَئِن ألقى اللّه َ عز و جل بِما في الأرض مِن لُجَيْنِها وعِقْيانِها ، وعلى ظَهْرِها من طِلاعِها أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أَلقاهُ وقد أرَقْتُ دِماءَ الأُمَّةِ ؛ فابعث إلى عَمَلِكَ مَن أحبَبْتَ فإنِّي مُعتَزِلٌ عَنهُ ، والسَّلامُ (5) . (6) فكتب عليّ عليه السلام :

.


1- . الفتوح : ج4 ص240 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص141 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص433 ، العِقد الفريد : ج3 ص346 ، أنساب الأشراف : ج2 ص397 .
2- . الفتوح: ج 4 ص 242.
3- . العِقد الفريد : ج3 ص346 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص141 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص433 ، أنساب الأشراف : ج2 ص397 .
4- . رزأ المال: إذا أصاب منه شيئا .
5- . الفتوح : ج4 ص242 .
6- . وخلط ابن أعثمَّ بين هذا الكتاب والكتاب الَّذي تقدَّم عن العقد الفريد وأنساب الأشراف وتاريخ الطبري ، وبين ما يأتي .

ص: 132

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس« أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّهُ لا يَسَعُنِي تَرْكُكَ حَتَّى تُعلِمَني ما أخَذْتَ مِنَ الجِزْيَةِ مِن أيْنَ أخَذْتَهُ ، وما وضَعتَ مِنها أينَ وضَعْتَهُ . فاتَّقِ اللّه َ ، فِيما ائتمَنْتُكَ عَليهِ ، واستَرْعَيْتُكَ إيَّاهُ ، فَإنَّ المَتاعَ بِما أنتَ رازِمُهُ (1) قَلِيلٌ ، وتَبِعاتُهُ وبِيلَةٌ لا تَبِيدُ . والسَّلامُ » .

.


1- . رازمه : أي جامعه .

ص: 133

فلمَّا رأى أنَّ عليَّا غيرَ مُقلعِ عنه ، كتَبَ إليهِ : أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّه بَلَغَنِي تَعظِيمُكَ عَليَّ مَرْزِئة مالٍ بلَغَك أنِّي رَزَأتُه (1) أهلَ هذه البلاد ، وايم اللّه ِ ، لأنْ ألقى اللّه بما في بَطن هذه الأرض من عِقْيانها (2) ومُخبئها ، وبما على ظَهرها من طِلاعها ذَهَبا ، أحبُّ إليَّ من أن ألقى اللّه وقد سَفكتُ دِماءَ هَذهِ الأُمَّةِ لأنالَ بِذلِكَ المُلْكَ والإمْرَةَ . ابعث إلى عَملِكَ مَن أحبَبْتَ ، فإنِّي ظاعِنٌ . والسَّلامُ . (3) فلمَّا أراد عبد اللّه _ بن عبَّاس _ المسيرَ من البصرة دعا أخوالَه من بني هلال بن عامر بن صَعْصَعَة لِيَمنَعوهُ ، فجاء الضَّحَّاك بن عبد اللّه الهِلاليّ ، فأجاره ، ومعه رجلٌ منهم يقال له : عبد اللّه بن رَزين وكان شجاعا بَئيسا ، فقالت بنو هِلال : لا غنى بنا عن هَوازن ، فقالت هَوازان : لا غنى بنا عن بني سُلَيْم . ثُمَّ أتتهم قَيس ، فلمَّا رأى اجتماعَهم له حَمل ما كان في بيت مال البصرة ، وكان فيما زعموا سِتَّةَ آلافِ ألفٍ ، فجعله في الغرائر . قال : فحدَّثني الأزرق اليَشكريّ ، قال : سمعنا أشياخَنا من أهل البصرة قالوا : لمَّا وَضع المالَ في الغرائر ثُمَّ مَضى به ، تَبِعَتْه الأخْماسُ كلّها بالطَفّ ، على أربع فراسخ من البصرة ، فوافقوه . فقالت لهم قَيس : واللّه ، لا تصلوا إليهِ ومنَّا عينٌ تطْرُف . فقال ضَمْرة ، وكان رأسَ الأزْد : واللّه إنَّ قَيسا لاَءخوَتُنا في الإسلام ، وجيرانُنا في الدار ، وأعْوانُنا على العَدوّ ، إنَّ الَّذيتَذهبون بهِ المال ، لو رُدَّ عليكم لكان نصيبُكم مِنه الأقلّ ، وهم خيرٌ لكم من المال . قالوا : فما ترى ؟ قال : انصرفوا عنهم . فقالت بكرُ بن وائل ، وعبدُ القَيس : نِعمَ الرَّأي رَأيُ ضَمْرة ، واعتزلوهم . فقالَت بَنو تميم : واللّه ، لا نُفارِقُهم حَتَّى لَنُقاتِلَهم عَليهِ . فقال الأحْنَفُ بن قَيس : أنتم واللّه ، أحقُّ إلاَّ تُقاتِلوهُم عَليهِ ، وقد تَرك قتالَهم مَن هو أبعدُ مِنكُم رَحِما . قالوا : واللّه ِ لنُقاتلنَّهم فقال: واللّه لا نعاونكم على قتالهم ، وانصرف عنهم فقدم عليهم ابنُ المُجاعة ، فقاتَلهم . فحمَل عليه الضَّحَّاكُ بن عبد اللّه فطعنه في كَتفِهِ فصرَعَهُ ، فسقط إلى الأرض بغير قَتل ، وحَمَل سَلمة بن ذُؤيب السَّعدي على الضَّحَّاك فصَرَعَهُ أيضا ، وكَثُرت بينهم الجِراحُ مِن غَيرِ قَتْلٍ . فقال الأخماسُ الَّذِين اعتزلوا : واللّه ما صنعتم شيْئا . اعتزلتم قتالهم وتركتموهم يَتشاجرون . فجاؤوا حَتَّى صرَفوا وجوهَ بَعضِهِم عَن بعضٍ ، وقالوا لِبَني تميمٍ : واللّه ِ ، إنَّ هذا اللُّؤمَ قَبيحٌ ، لنحن أسخى أنفسا منكم حين تركنا أموالَنا لِبَني عَمّكم ، وأنتم تُقاتِلونَهم عليها ، خلُّوا عنهم وأرواحَهم ، فإنَّ القوم فُدحوا . فانصرفوا عنهم ، ومَضى معه ناسٌ من قَيس ، فيهم الضَّحَّاك بنُ عَبدِ اللّه ِ وعبدُ اللّه ِ بنُ رَزين ، حَتَّى قَدِموا الحجازَ ، فَنَزلَ مكَّة ، فجعَلَ راجِزٌ لِعَبدِ اللّه ِ بنِ عَبَّاسٍ يَسوقُ لَهُ في الطَّريقِ ويقول : صَبَّحتُ مِن كاظِمَةَ القَصْرَ الخَرِبْ مَعَ ابنِ عبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبْوجعل ابن عبَّاس يرتجز ، ويقول : آوِي إلى أهلِكِ يا رَبابُ آوِي فَقَدْ حانَ لَكِ الإيابُ وجعل أيضا يرتجز ، ويقول : وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنا هَمِيساإنْ يَصْدُقِ الطَيرُ نَنِكْ لَمِيسَا فقيل له : يا أبا العبَّاس ، أمِثلُكَ يَرْفَثُ فِي هذا المَوضِعْ ؟ قال : إنَّما الرَّفث ما يقال عند النِّساء . قال أبو محمَّد : فلمَّا نزل مكّةَ اشترى من عطاء بن جُبَيْر مولى بني كَعْب ، من جواريه ثلاثَ مُولّداتٍ حجازيّاتٍ ، يُقالُ لهنَّ : شاذِن ، وحَوراء ، وفُتون . بثلاثةِ آلاف دِينار . وقال سُلَيْمانُ بن أبي راشد ، عن عَبدِ اللّه بن عُبيد ، عن أبي الكَنُود ، قال : كنت من أعوان عبد اللّه بالبصرة ، فلمَّا كان من أمره ما كان أتيتُ عليَّا فأخبرتُه ، فقال : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ ءَايَتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَنُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ » (4) . ثُمَّ كتب معه إليه : أمَّا بَعدُ ؛ فَإنِّي كُنتُ أشركْتُكَ في أمانَتِي . . . إلى آخِرِ ما نقله المصنّف رحمه الله في معادن الحكمة ، فكتب إليه ابن عبَّاس ما نقله المصنّف ، فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام ما نقله المصنّف . (5) قال ابن عبد رب ، بعد نقل ما ذكرنا من الكتب : فكتب إليه ابن عبَّاس في جوابه : واللّه ِ ، لئن لم تَدعْنِي مِن أساطِيرِكَ لأَحْمِلَنَّهُ إلى معاوية يُقاتلك بهِ ، فكفَّ عنه عليّ . (6)

.


1- . يقال : رزأ المال رزاء ومرزئة ، إذا أصاب منه شيئا .
2- . العقيان : الذَّهب .
3- . العِقد الفريد : ج3 ص346 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص141 ، الكامل في التاريخ :ج2 ص433 ، أنساب الأشراف : ج2 ص899 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص280 .
4- . الأعراف :175 .
5- . العِقد الفريد : ج3 ص347 _ 349 وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص142 ، الكامل في التاريخ : ج3 ص433 ، أنساب الأشراف : ج2 ص389 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص167 ؛ نهج البلاغة : الكتاب 41 ، تذكرة الخواصّ : ص151 ، رجال الكشّي : ج1 ص279 ، بحار الأنوار : ج33 ص499 ح705 ، معادن الحكمة : ج1 ص235 _ 238 .
6- . العِقد الفريد : ج3 ص349 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص520 .

ص: 134

. .

ص: 135

. .

ص: 136

الأقوال في القصّة وما يتلوها

الأقوال في القِصَّة وما يتلوها :قال الطَّبريّ : وحدَّثني أبو زَيْد ، قال : زعَم أبو عُبَيْدة ولم أسمعه منه ، أنَّ ابن عبَّاس لم يبرح من البصرة حَتَّى قُتِلَ عليّ عليه السلام ، فشخص إلى الحسن ، فشهد الصُّلحَ بينه وبين معاوية ، ثُمَّ رجع إلى البصرة ، وثِقَلُه بها ، فحمَله ومالاً من بيت المال قليلاً ؛ وقال : هي أرزاقي . قال أبو زَيْد : ذكرتُ ذلك لأبي الحسن فأنكرَه وزعَم أنَّ عليَّا قُتل وابن عبَّاس بمكَّة ، وأنَّ الَّذي شهد الصُّلح بين الحسن ومعاوية عُبيدُ اللّه بن عبَّاس . (1) قال العلاّمة في خلاصته : عبد اللّه بن العبَّاس ، من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كان محبّا لعليّ عليه السلام ، وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى ، وقد ذكر الكِشّي أحاديثَ تتضمَّنُ قَدحا فيه ، وهو أجلّ من ذلك ، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير ، وأجبنا عنها . (2) وقال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله في شرح حديث : ويحتمل أن يكون كناية عن ابن عبَّاس فإنَّه قد انحرف عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وذهب بأموال البصرة إلى الحجاز ، ووقع بينه عليه السلام وبينه مكاتبات تدلّ على شقاوته وارتداده . (3) وقال وكيع في أخبار القضاة : قال أبو بكر : ولمَّا خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى البصرة استخلف عبد اللّه بن عبَّاس . . .فولَّى عبد اللّه بن عبَّاس على القضاء عبد الرَّحمن بن يزيد الحُدَّانيّ . . . وقيل استقضى ابن عبَّاس أبا الأسْوَد الدُّؤلي . . .عزله واستقضى الضَّحَّاك بن عبد اللّه الهِلاليّ . . . وقال أبو عبيدة : كان ابن عبَّاس يفتي النَّاس ويحكم بينهم ، وإنَّه خرج إلى عليٍّ ، ومعه أبو الأسْوَد الدُّؤلي وغيره من أهل البصرة ، فاستقضى الحارث بن عبد عوف بن أصرم بن عَمْرو الهِلالي ، ثُمَّ قدم ابن عبَّاس فأقر الحارث ، وابن عبَّاس يتولّى عامَّة الأحكام بالبصرة ، ثُمَّ كان بعد ذلك كلّما شخص عن البصرة استخلف أبا الأسْوَد ، فكان هو المفتي ، والقاضي يومئذٍ يُدعى المفتي ، فلم يزل كذلك حَتَّى قتل عليّ عليه السلام في سَنَة أربعين . . . وقال أبو عبيدة : لم ينزح ابن عبَّاس من البصرة حَتَّى قتل عليّ عليه السلام ، فشخص إلى الحسن بن عليّ ، وشهد الصُّلح بينه وبين معاوية ، ثُمَّ رجع إلى البصرة وثقله بها ، فحمله ومالاً من مالها ، وقال : هي أرزاقياجتمعت . وأنكر المَدائِنيّ ذلك ، وزعم أنَّ عليَّا عليه السلام قتل ، وابن عبَّاس بمكَّة ، وأنَّ الَّذي شهد الصُّلح عُبيدُ اللّه بن عبَّاس . (4)

.


1- . تاريخ الطبري : ج5 ص143 وراجع : أنساب الأشراف : ج2 ص402 .
2- . خلاصة الأقوال : ص190 الرقم586 ، جامع الرواة : ج1 ص449 .
3- . بحار الأنوار : ج69 ص225 .
4- . أخبار القضاة : ج1 ص287 _ 289 .

ص: 137

عبيد اللّه بن عبّاس

عُبَيدُ اللّه ِ بنُ عَبّاسعبيد اللّه بن عبّاس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أخو عبد اللّه بن عبّاس ، ابن عمّ النبيّ صلى الله عليه و آله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام . وُلِدَ على عهد النَّبيّ صلى الله عليه و آله . (1) وقيل : إنّه سمع الحديث عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صغره ، وحَفِظَه ، وحدّث به ، وكان مشهورا بالسَّخاء . (2) ولاّه الإمام عليه السلام على اليمن (3) ، وفرّ بعد غارة بُسر بن أرطاة عليها (4) ، وعثر بُسر على طفلَيه الصغيرين فذبحهما (5) . وعاد عبيد اللّه إليها بعد أن غادرها بُسر . (6) جعله الإمام الحسن عليه السلام على مقدّمة الجيش الَّذي أنفذه إلى معاوية ، ولكنّه خان ، وانخدع بمال معاوية ، ومن ثمّ التحق به . (7) وتوفّي بالمدينة في أيام معاوية ويقال : إنّه كفّ بصره . (8) في الغارات عن أبي روق : كان الَّذي هاج معاوية على تسريح بسر بن أبي أرطاة إلى الحجاز واليمن ، أنّ قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظّمون قتله لم يكن لهم نظام ولا رأس ، فبايعوا لعليّ عليه السلام على ما في أنفسهم ، وعامل عليّ عليه السلام يومئذ على صنعاء عبيد اللّه بن العبّاس ، وعامله على الجَنَد (9) سعيد بن نمران ، فلما اختلف الناس على عليّ عليه السلام بالعراق ، وقتل محمّد بن أبي بكر بمصر ، وكثرت غارات أهل الشَّام تكلّموا ، ودعوا إلى الطَّلب بدم عثمان ، ومنعوا الصَّدقات وأظهروا الخلاف ، فبلغ ذلك عبيد اللّه بن العبّاس فأرسل إلى ناس من وجوههم فقال : ما هذا الَّذي بلغني عنكم ؟ قالوا : إنّا لم نزل ننكر قتل عثمان ونرى مجاهدة من سعى عليه ، فحبسهم ، فكتبوا إلى من بالجند من أصحابهم فثاروا بسعيد بن نمران فأخرجوه من الجند وأظهروا أمرهم ، وخرج إليهم من كان بصنعاء ، وانضمّ إليهم كلّ من كان على رأيهم ، ولحق بهم قوم لم يكونوا على رأيهم إرادة أن يمنعوا الصَّدقة . فذكر من حديث أبي روق قال : والتقى عبيد اللّه وسعيد بن نمران ومعهما شيعة عليّ ، فقال ابن عبّاس لابن نمران : واللّه ، لقد اجتمع هؤلاء وإنّهم لنا لمقاربون ولئن قاتلناهم لا نعلم على من تكون الدَّائرة ، فهلمّ فلنكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام بخبرهم وعددهم وبمنزلهم الَّذي هم به ، فكتبا إلى عليّ عليه السلام : أمّا بعد ، فإنّا نخبر أمير المؤمنين أنّ شيعة عثمان وثبوا بنا وأظهروا أنّ معاوية قد شيّد أمره ، واتّسق له أكثر النَّاس ، وإنّا سرنا إليهم بشيعة أمير المؤمنين ومن كان على طاعته ، وإنّ ذلك أحمشهم وألّبهم ، فتعبّوا لنا وتداعوا علينا من كلّ أوبٍ ، ونصرهم علينا من لم يكن له رأي فيهم ، ممّن سعى إلينا إرادة أن يمنع حقّ اللّه المفروض عليه ، وقد كانوا لا يمنعون حقّا عليهم ولا يؤخذ منهم إلاّ الحقّ فاستحوذ عليهم الشَّيطان ، فنحن في خير ، وهم منك في قفزة ، وليس يمنعنا من مناجزتهم إلاّ انتظار الأمر من مولانا أمير المؤمنين أدام اللّه عزّه وأيّده وقضى بالأقدار الصَّالحة في جميع اُموره ، والسَّلام . فلمّا وصل كتابهما ساء عليّا عليه السلام وأغضبه فكتب إليهما : « من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى عبيد اللّه بن العبَّاس وسَعيد بن نِمْران ، سلامٌ عليكما ، فإنِّي أحمَدُ إليكما اللّه َ الَّذي لا إل إلاَّ هو ، أمَّا بَعْدُ ، فإنَّه أتاني كتابُكما تذكُران فيه خروج هذه الخارجة ، وتعظّمان من شأنها صغيرا ، وتُكَثِّران من عددها قليلاً ، وقد علمتُ أنَّ نَخْبَ أفئدتكما وصِغَر أنفسكما وشَتات رأيكما، وسوءَ تدبيركما، هو الَّذي أفسد عليكما مَن لم يكن عنكما نائما ، وجَرَّأ عليكما مَن كان عن لقائكما جَبانا ، فإذا قدم رسولي عليكما، فامْضِيا إلى القوم حتَّى تقرآ عليهم كتابي إليهم ، وتدعوَاهم إلى حظّهم وتقوى رَبِّهم ؛ فإنْ أجابوا حَمِدنا اللّه وقَبِلنا منهم ، وإنْ حاربوا استعنَّا عليهم باللّه ، ونبذناهم على سواء « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَآئِنِينَ » (10) . والسَّلام عليكما » (11) . وعن أبي الودّاك : كنت عند عليّ عليه السلام حين قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه وعلى عبيد اللّه ألاّ يكونا قاتلا بسرا ، فقال سعيد : واللّه قاتلت ، ولكنّ ابن عبّاس خذلني وأبى أن يقاتل ، ولقد خلوت به حين دنا منّا بسر ، فقلت : إنّ ابن عمّك لا يرضى منّي ولا منك إلاّ بالجدّ في قتالهم ، وما نعذر . قال ابن أعثم : ثُمَّ اعتزل ابن عبَّاس عمل البصرة ، وقعد في منزله ، فكتب إليه عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه بكتاب يعذله فيه على غضبه ، ويكذب من سعى به إليه ، وأعاده إلى عمله . (12) وروى الكِشّيّ عن الزُّهْريّ ، عن الحارث يقول : استعمل عليّ عليه السلام على البصرة عبد اللّه بن عبَّاس ، فحمل كُلَّ مال في بيت المال بالبصرة ، ولحق بمكَّة ، وترك عليَّا عليه السلام ، وكان مبلغه ألفي ألف درهم . فصعد عليّ عليه السلام المنبر حين بلغه ذلك فبكى ، فقال : « هذا ابنُ عَمّ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فِي عِلْمِهِ وقَدْرِهِ يَفعَلُ مِثلَ هذا ، فكَيفَ يُؤْمَنُ مَن كانَ دُونَهُ ، اللَّهمَّ إنِّي قَدْ مَلَلْتُهم فَأرِحْنِي مِنهُم ، واقبضني إِليْكَ غيرَ عاجِزٍ ولا مَلُولٍ . (13) وقال اليعقوبيّ : وكتب أبو الأسْوَد الدُّؤلي ، وكان خليفة عبد اللّه بن عبَّاس بالبصرة ، إلى عليّ عليه السلام يعلمه أنَّ عبد اللّه أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم ، فكتب إليه يأمره بردِّها ، فامتنع ، فكتب يقسم له باللّه لتردّنها ، فلمَّا ردَّها عبد اللّه بن عبَّاس ، أو ردّ أكثرها ، كتب إليه عليّ عليه السلام : « أمَّا بَعدُ ، فإنَّ المَرءَ يَسرّهُ دَرْكُ ما لَم يَكُن لِيفوتَهُ ، ويَسوؤهُ فَوتُ ما لَم يَكُن لِيُدرِكَهُ ، فَما أتاكَ مِن الدُّنيا فلا تُكثِرْ بهِ فَرَحا ، وما فاتَكَ مِنها فلا تُكثِرْ عَليهِ جَزَعا ، واجعَل هَمَّكَ لِما بَعدَ المَوْتِ . والسَّلامُ » (14) . وقال المأمون في رسالته إلى بني هاشم في أمير المؤمنين عليه السلام : . . . ثُمَّ لم يزل الأمور تتراقى به إلى أن ولّي أمور المسلمين ، فلم يعن بأحد من بني هاشم إلاَّ بعبد اللّه بن عبَّاس تعظيما لحقَّه ، وصِلَةً لِرَحِمِهِ ، وثِقةً بهِ ، فكانَ مِن أمرِهِ الَّذي يَغفِرُ اللّه ُ لَهُ . (15) وقال ابن الزُّبَيْر في خطبته بمكَّة على المنبر وابن عبَّاس جالس مع النَّاس تحت المنبر : إنَّ هاهنا رَجُلاً قد أعمى اللّه ُ قَلبَهُ كما أعمَى بَصرَهُ ، يَزعُم أنَّ مُتعَةَ النِّساءِ حَلالٌ مِنَ اللّه ِ ورَسُولِهِ ، ويفتي في القَمْلَةِ والنَّملَةِ وقَدِ احتَمَلَ بَيْتَ مَالِ البَصرَةِ بالأمْسِ ، وتَرَكَ المُسلِمينَ بِها يَرتَضِخُونَ النَّوى ، وكَيفَ ألومُهُ في ذلِكَ وقَد قاتَلَ أُمَّ المُؤمِنينَ ، وحَواري رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ومَن وَقاهُ بِيَدِهِ . فَقالَ ابنُ عبَّاسٍ لِقائدِهِ سَعْدِ بنِ جُبَيْر بنِ هِشامٍ مَولَى بَنِي أسَدٍ بنِ خُزَيْمَةَ : استقبل بِي وَجْهَ ابنِ الزُّبَيْرِ وارفَعْ مِن صَدْرِي ، وكانَ ابنُ عبَّاس قَد كُفَّ بَصرُهُ ، فاستَقبَلَ بهِ قائدهُ وجْهَ ابنِ الزُّبَيْرِ ، وأقامَ قامته ، فحسر عن ذراعيه ، ثُمَّ قال : يا بن الزُّبَيْر ، . . . أمَّا حَمْلِي المالَ ، فإنَّه كان مالاً جَبيناهُ فأعَطْينا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وبقيت بقيَّةٌ هِي دُونَ حقّنا في كتاب اللّه ، فأخذناها بحقّنا . (16) وحينما فرَّ عبيد اللّه بن العبَّاس إلى معاوية فخرج أمير الجند بعده قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، وصلّى بالنَّاس وخطب ، فقال : . . . وإنَّ أخاه ولاّهُ عَلِيٌّ أمير المؤمنين على البصرة ، فسرق مالَ اللّه ومالَ المُسلِمينَ ، فاشترى بهِ الجواري ، وزعم أنَّ ذلك له حلال . (17) واختار الأكثر كما صرَّح به ابن أبي الحديد ، أنَّه أخذ بيت مال البصرة ، وفارق عليَّا عليه السلام ، ومال إليهِ ابنُ الأثيرِ في الكامِلِ فِي التاريخِ ، وأُسْدِ الغَابَةِ ، والبَلاذِريّ في أنسابِ الأشْرافِ . (18) وقال ابن أبي الحديد في شَرحِ الكِتابِ المُتقدِّم _ فَإنِّي كُنتُ أشرَكْتُك في أمانَتِي _ : وقد اختَلَفَ النَّاسُ فِي المَكتُوبِ إليهِ هذا الكتاب ، فقال الأكثرون : إنَّه عَبدُ اللّه ِ بنُ العبَّاس رحمه الله ، وروَوْا في ذلك روايات ، واستدلُّوا عليه بألفاظٍ مِن ألفاظِ الكِتابِ ، كَقولهِ « أشرَكْتُكَ فِي أمانَتِي ، وجَعَلْتُكَ بِطانَتِي ، وشِعارِي ، وأنَّهُ لَم يَكُنْ فِي أهْلِي رَجُلٌ أوثَقُ مِنْكَ » ، وقوله : « عَلى ابنِ عَمّكَ قَد كَلِبَ » ، ثُمَّ قال ثانيا : « قلبتَ لابنِ عَمّكَ ظَهْرَ المِجَنِّ » ، ثُمَّ قال ثالثا: « ولابن عمّك آسيتَ » ، وقوله : « لا أبا لِغَيْرِكَ » ، وهذه كلمة لا تقال إلاَّ لمثله ، فأمَّا غيره من أفناء النَّاس ، فإنَّ عليَّا عليه السلام كان يَقولُ : « لا أبا لَكَ » . وقوله : « أيُّها المَعدودُ كانَ عِندَنا مِن أُولِي الأَلبابِ » ، وقوله : « لو أنَّ الحَسَنَ والحُسَينَ عليهماالسلام » ، وهذا يدلّ على أنّ المكتوب إليه هذا الكتاب قريب من أن يجري مجراهما عنده . وقد رَوَى أرباب هذا القول أنَّ عبد اللّه بن عبَّاس كتب إلى عليّ عليه السلام جوابا من هذا الكتاب ، قالوا : وكان جوابه : _ فنقل الكتب المتقدّمة _ . وقال آخرونَ وهم الأقلّون : هذا لم يكن ، ولا فارق عبد اللّه بن عبَّاس عليَّا عليه السلام ، ولا باينه ولا خالفه ، ولم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل عليّ عليه السلام . قالوا : ويدلُّ على ذلك ما رواه أبو الفرج عليّ بن الحسين الإصفهانيّ من كتابه الَّذي كتبه إلى معاوية من البصرة لما قتل عليّ عليه السلام ، وقد ذكرناه من قبل ، قالوا : وكيف يكون ذلك ولم يخدعه معاوية ، ويجرّه إلى جهته ، فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمَّال أمير المؤمنين عليه السلام واستمالهم إليه بالأموال ، فمالوا وتركوا أمير المؤمنين عليه السلام ، فما بالُه وقد عَلِمَ النَّبوة الَّتي حدثتْ بينهما ، لم يستمل ابن عبَّاس ، ولا اجتذبه إلى نفسه ؛ وكل مَن قرأ السِّير ، وعرف التَّواريخ يعرف مشاقّة ابن عبَّاس لمعاوية بعد وفاة عليٍّ عليه السلام ، وما كان يلقاه به من قوارع الكلام ، وشديد الخصام ، وما كان يثني به على أمير المؤمنين عليه السلام ، ويذكر خصائصه وفضائله ، ويصدع به من مناقبه ومآثره ، فلو كان بينهما غبار أو كَدر لَما كان الأمر كذلك ، بل كانت الحال تكون بالضِّدّ لِما اشتهر من أمرهما . وهذا عندي هو الأمثل والأصوب . وقد قال الرَّاونديّ : المكتوب إليه هذا الكتاب هو عُبَيد اللّه بن العبَّاس ، لا عبد اللّه ؛ وليس ذلك بصحيح ، فإنَّ عبيد اللّه كان عامل عليٍّ عليه السلام على اليمن ، وقد ذكرت قصته مع بُسر بن أرطاة فيما تقدَّم ، ولم ينقل عنه أنَّه أخذ مالاً ، ولا فارق طاعة . وقد أشكل عليَّ أمرُ هذا الكتاب ، فإن أنا كذّبت النَّقل ، وقلتُ : هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام ، خالفتُ الرُّواة ، فإنَّهم قد أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه ، وقد ذكِر في أكثر كتب السِّيَر . وإن صرفته إلى عبد اللّه بن عبَّاس صدَّني عنه ما أعلمه من ملازمته ، لطاعة أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعد وفاته . وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى مَن أصرفه من أهل أمير المؤمنين عليه السلام ، والكلامُ يشعر بأنَّ الرَّجل المخاطَب من أهله وبني عمّه ، فأنا في هذا الموضع من المتوقِّفين . (19) وقال ابن ميثم في الشَّرح : المشهور أنَّ هذا الكتاب إلى عبد اللّه بن عبَّاس حين كان واليا له على البصرة ، وألفاظ الكتاب « فَإنِّي كُنتُ أشرَكْتُكَ في أمانَتِي . . . » ، تنبه على ذلك _ ثُمَّ بعد نقله ما تقدَّم نقله في المعادن قال :_ وأنكر قوم ذلك ، وقالوا : إنَّ عبد اللّه بن عبَّاس لم يفارق عليَّا عليه السلام ، ولا يجوز أن يقول في حقِّه ما قال القطب الرَّاونديّ رحمه الله ، يكون المكتوب إليه هو عُبيد اللّه ، وحمله على ذلك أشبه ، وهو به أليق . واعلم أنَّ هذين القولين لا مستند لهما : أمَّا الأوَّل فهو مجرّد استبعاد أن يفعل ابن عبَّاس ما نسب إليه ، ومعلوم أنَّ ابن عبَّاس لم يكن معصوما ، وعليٌّ عليه السلام لم يكن ليراقب في الحقّ أحدا ، ولو كان أعزّ أولاده كما تمثَّل بالحسن والحسين عليهماالسلامفي ذلك ، فكيف بابن عمِّه ، بل يجب أن يكون الغلظة على الأقرباء في هذا الأمر أشدّ . ثُمَّ إنَّ غلظته عليه وعتابه له لا يوجب مفارقته إيِّاه ، لأنَّه كان إذا فعل أحد من أصحابه ما يستحق به المؤاخذة أخذه به ، سواء كان عزيزا أو ذليلاً ، قريبا منه أو بعيدا ، فإذا استوفى حقّ اللّه منه ، أو تاب إليه ممَّا فعل عاد في حقِّه إلى ما كان عليه . . . وأمَّا القول الثَّاني ، فإنَّ عُبيد اللّه كان عاملاً له عليه السلام باليمن ولم ينقل عنه مثل ذلك . (20)

.


1- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص512 الرقم121 .
2- . ذخائر العقبى : ص394 ؛ الدرجات الرفيعة : ص144 .
3- . أنساب الأشراف : ج4 ص79 ، تاريخ الطبري : ج5 ص92 و ص 155 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص151 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 ، الغارات : ج2 ص621 .
4- . الغارات : ج2 ص62 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص139 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص513 الرقم121 ، اُسد الغابة : ج03 ص52 الرقم3470 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص151 .
5- . الغارات : ج2 ص621 ؛ تاريخ الطبري : ج5ص140 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص513 الرقم121 ، اُسد الغابة :ج3 ص520 الرقم3470 .
6- . اُسد الغابة :ج3 ص520 الرقم3470 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص151 .
7- . رجال الكشّي : ج1 ص330 الرقم179 ، مقاتل الطالبيّين : ص73 .
8- . أنساب الأشراف : ج4 ص79 ، سِيَر أعلامِ النبلاء ج3 ص514 الرقم121 ،تاريخ خليفة بن خيّاط : ص171 .
9- . الجَنَد : شمالي تَعِز ، وهي عن صنعاء ثمانية وأربعون فرسخا . ( تقويم البلدان : ص91 ) .
10- . الأنفال : 58 .
11- . الغارات : ج2 ص592 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص3 .
12- . الفتوح : ج4 ص242 .
13- . رجال الكشّي : ج1 ص279 الرقم 109 ، بحار الأنوار : ج42 ص152 ح21 .
14- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 205 وراجع : نهج البلاغة : الكتاب22 ، خصائص الأئمة عليهم السلام :ص95 ، تحف العقول : ص200 ، بحار الأنوار : ج33 ص495 ؛ تاريخ مدينة دمشق :ج42 ص503 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص140 .
15- . الطرائف : ص278 ، بحار الأنوار : ج49 ص210 .
16- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج20 ص129 _ 130 .
17- . مقاتل الطالبيين :ص73 .
18- . راجع: الكامل في التاريخ: ج2 ص432، أُسد الغابة: ج 3 ص 293 الرقم 3037 فيترجمة عبد اللّه ، أنساب الأشراف: ج2 ص903.
19- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص169 _ 172 ، بحار الأنوار : ج33 ص500 _ 503 .
20- . شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج5 ص89 _ 90 .

ص: 138

. .

ص: 139

. .

ص: 140

. .

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

. .

ص: 144

. .

ص: 145

أبو الأسود الدّؤليّ

أبو الأسْوَدِ الدُّؤلِيّهو ظالِم بن عَمْرو (1) ، المعروف بأبي الأسْوَد الدُّؤلي (2) . أحد الوجوه البارزة والصَّحابة المشهورين للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام . (3) أسلم على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لكنّه لم يَحْظَ برؤيته (4) . وهو من المتحقّقين بمحبّة عليّ ومحبّة ولده (5) . ويمكن أن نستشفّ هذا الحبّ من أشعاره الحِسان (6) . الَّذين ترجموا له ذكروه بعناوين متنوّعة منها : علويّ (7) ، شاعر متشيِّع (8) ، من وجوه الشِّيعة (9) . شَهِد أبو الأسْوَد حروب الإمام عليه السلام ضدّ مساعير الفتنة في الجمل (10) ، و صفِّين (11) . وعيّنه الإمام عليه السلام قاضيا على البصرة عندما ولّى عليها ابن عبّاس (12) . وكان ابن عبّاس يقدّره ، وحينما كان يخرج من البصرة ، يُفوّض إليه أعمالها (13) ، وكان ذلك يحظى بتأييد الإمام عليه السلام أيضا (14) . ووسّع أبو الأسْوَد علم النَّحو بأمر الإمام عليه السلام الَّذي كان قد وضع اُسسه وقواعده (15) ، وأقامه ورسّخ دعائمه (16) ، وهو أوّل من أعجم القرآن الكريم وأشكله (17) . وله في الأدب العربي منزلة رفيعة ؛ فقد عُدّ من أفصح النَّاس (18) . وتبلور نموذج من هذه الفصاحة في شعره الجميل الَّذي رثى به الإمام عليه السلام ، وهو آية على محبّته للإمام ، وبغضه لأعدائه . ولم يدّخر وسعا في وضع الحقّ موضعه ، والدفاع عن عليّ عليه السلام ، ومناظراته مع معاوية (19) دليل على صراحته وشجاعته وثباته واستقامته في معرفة « خلافة الحقّ » و « حقّ الخلافة » ومكانة عليّ عليه السلام العليّة السَّامقة . وخطب بعد استشهاد الإمام عليه السلام خطبة حماسيّة من وحي الألم والحرقة ، وأخذ البيعة من النَّاس للإمام الحسن عليه السلام بالخلافة (20) . فارق أبو الأسْوَد الحياة سنة 69 ه (21) . في ربيع الأبرار : سأل زياد بن أبيه أبا الأسْوَد عن حبّ عليّ فقال : إنّ حبّ عليّ يزداد في قلبي حِدّة ، كما يزداد حبّ معاوية في قلبك ؛ فإنّي اُريد اللّه والدَّار الآخرة بحبّي عليّا ، وتريد الدُّنيا بزينتها بحبّك معاوية ، ومثلي ومثلك كما قال أخو مَذْحِج : خَلِيلانِ مُخْتَلِفٌ شَأنُنَااُريدُ العَلاَء ويَهوَى اليَمَنْ اُحِبُّ دِماءَ بَنِي مَالِكٍورَاقَ المُعَلّى بَياضُ اللَّبَنْ (22) وفي العقد الفريد : لمّا قَدِمَ أبو الأسْوَد الدُّؤلي على معاوية عام الجماعة (23) ، قال له معاوية : بلغني يا أبا الأسْوَد أنّ عليّ بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكَمين ، فما كنت تحكم به ؟ قال : لو جعلني أحدهما لجمعت ألفا من المهاجرين وأبناء المهاجرين ، وألفا من الأنصار وأبناء الأنصار ، ثمّ ناشدتُهُم اللّه : المهاجرين وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطُّلَقاء ؟ قال له معاوية : للّه ِِ أبُوكَ ! أيُّ حَكَمٍ كُنتَ تَكونُ لَو حُكّمْتَ ! (24) وفي تاريخ مدينة دمشق : كان أبو الأسْوَد مِمّن صحب عليّا ، وكان من المتحقّقين بمحبّته ومحبّة ولده ، وفي ذلك يقول : يَقُولُ الأرذَلُونَ بَنُو قُشَيْرٍطَوالَ الدَّهرِ لا يَنسى عَلِيّا اُحبُّ مُحمَّدا حُبّا شَديِدَاوَعبّاسا وحَمْزَةَ والوَصِيّا فَإنْ يَكُ حُبُّهُم رُشْدا اُصِبْهُولَيس بُمِخْطِئٍ إنْ كانَ غَيّا وكان نازلاً في بني قُشَير بالبصرة ، وكانوا يرجمونه باللَّيل لمحبّته لعليّ وولده ، فإذا أصبح فذكر رجمهم ، قالوا : اللّه يرجمك ، فيقول لهم : تكذبون ، لو رجمني اللّه لأصابني ، وأنتم ترجمون فلا تُصيبون (25) . وفي سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء عن أبي الأسْوَد : دخلتُ على عليٍّ ، فرأيته مطرقا ، فقلت : فيم تتفكّر يا أمير المؤمنين ؟ قال : سمعت ببلدكم لَحْنا ، فأردت أن أضع كتابا في اُصُولِ العَربيّةِ . فقلت : إن فعلت هذا أحييتنا ! فأتيته بعد أيّام ، فألقى إليَّ صحيفة فيها : الكلام كلّه : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرْفٌ ؛ فالاسم ما أنبأ عن المُسمَّى ، والفعلُ ما أنبأ عن حرَكَةِ المُسمَّى ، والحرفُ ما أنبأ عن معنىً ليس باسم ولا فِعْلٍ . ثمّ قال لي : زده وتتبّعْه ، فجمعت أشياء ثمّ عرضتها عليه (26) . وفي الأغاني : قيل لأبي الأسْوَد : من أين لك هذا العلم _ يعنون به النَّحو _ ؟ فقال : أخذت حدوده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (27) . وفي : « الأربعون حديثا » عن عليّ بن محمّد : رأيت ابنة أبي الأسْوَد الدُّؤليّ وبين يدَي أبيها خَبيص (28) ، فقالت : يا أبه ، أطعِمني ، فقال : افتحي فاك . قال : ففتحت ، فوضع فيه مثل اللّوزة ، ثمّ قال لها : عليك بالتَّمر ؛ فهو أنفع وأشبع . فقالت : هذا أنفع وأنجع ؟ فقال: هذا الطَّعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام . فقالت : قبّحه اللّه ! يخدعنا عن السَّيِّد المطهّر بالشَهْدِ المُزَعْفَرِ ؟ تبّا لمرسله وآكله ! ثمّ عالجت نفسها وقاءت ما أكلت منه ، وأنشأت تقول باكيةً : أبالِشَهْدِ المُزعْفَرِ يا بنَ هِنْدٍنَبِيعُ إليكَ إسلاما ودِينا فلا واللّه لَيسَ يَكونُ هذاومولانا أميرُ المُؤْمِنينا (29)

.


1- . قد اختُلف في اسمه كما اختُلف في اسم أبيه وجدّه ، والمشهور ما ورد في المتن ، والَّذي يسهّل الأمر أنّه مشهور بكنيته ولقبه ، ولم يختلف في كنيته أحد .
2- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 ، المعارف لابن قتيبة : ص434 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص176 وفيه « ديلي » بدل « دؤلي » .
3- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص195 ، اُسد الغابة : ج 3 ص102 الرقم2652 .
4- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص184 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص82 الرقم28 ، البداية والنهاية :ج8 ص312 .
5- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص188 .
6- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص188 و ص 200 ، الأغانى¨ : ج12 ص372 ، الكامل للمبرّد : ج3 ص1125 .
7- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص184 .
8- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 .
9- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص82 الرقم28 ، الأغانى¨ : ج12 ص346 .
10- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص82 الرقم28 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص278 الرقم124 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص184 .
11- . المعارف لابن قتيبة : ص434 ، وفيات الأعيان : ج 2 ص535 الرقم313 .
12- . تاريخ الطبري : ج5 ص93 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص276 الرقم124 .
13- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 ، المعارف لابن قتيبة : ص434 ؛ وقعة صفّين : ص117 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص205 .
14- . الطبقات الكبرى : ج7 ص99 .
15- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص82 الرقم28 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج 5 ص278 الرقم124 ، الأغاني : ج12 ص347 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص189 ، البداية والنهاية : ج8 ص312 .
16- . يدور كلام كثير حول إرساء دعائم علم النحو : فالاُول لم يتردّدوا في دور الإمام عليه السلام وأبي الأسود فيه . أمّا المتأخّرون من الدارسين والباحثين العرب فقد تأثّر بعضهم بآراء بعض المستشرقين الَّذين تردّدوا فيه . راجع : دائرة المعارف بزرگ اسلامى ( بالفارسيّة ) : ج5 ص180 _ 191 ، وتوفّر بعض الكتّاب على انتقاد آراء اُخرى في سياق تثبيتهم دور الإمام عليه السلام وأبي الأسود فيه .
17- . الأغاني : ج12 ص347 ، الإصابة : ج 3 ص455 الرقم4348 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص192 و193 ، وفيات الأعيان : ج2 ص537 .
18- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص190 .
19- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص177 .
20- . الأغاني : ج12 ص380 .
21- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص86 الرقم28 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص210 ، الأغاني : ج12 ص386 .
22- . ربيع الأبرار : ج3 ص479 .
23- . عام الجماعة : هو العام الَّذي سلّم فيه الإمام الحسن عليه السلام الأمر لمعاوية ، وذلك في جُمادى الاُولى سنة ( 41 ه ) ( جواهر المطالب : ج2 ص199 ) .
24- . العقد الفريد : ج3 ص342 ، تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص180 عن سعيد عن بعض أصحابه نحوه وليس فيه سؤال معاوية .
25- . تاريخ مدينة دمشق : ج25 ص188 ، الكامل للمبرّد : ج3 ص1125 ، الأغاني : ج12 ص371 عن ابن عائشة عن أبيه وكلاهما نحوه مع زيادة في الأبيات ، وفيات الأعيان : ج2 ص535 وليس فيه الأبيات .
26- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص84 الرقم28 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص279 وراجع الأغاني : ج12 ص347 ووفيات الأعيان : ج2 ص535 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص20 .
27- . الأغاني : ج12 ص348 ، وفيات الأعيان : ج2 ص537 وفيه « لقّنت » بدل «أخذت » .
28- . الخَبيصُ : حَلواء معمول من التمر والسَّمن ، يُخبَص [ أي يُخلَط ] بعضه في بعض ( راجع : تاج العروس : ج 9 ص 265 ) .
29- . الأربعون حديثا لمنتجب الدين بن بابويه : 81 .

ص: 146

. .

ص: 147

. .

ص: 148

. .

ص: 149

. .

ص: 150

عبد اللّه بن عبّاس

عَبدُ اللّه ِ بنُ عَبّاسعبد اللّه بن عبّاس بن عبد المطلب أبو العبّاس القُرَشيّ الهاشِميّ ، من المفسّرين والمحدّثين المشهورين في التَّاريخ الإسلامي (1) وُلِدَ بمكّة في الشِّعب قبل الهجرة بثلاث سنين (2) . وذهب إلى المدينة سنة 8 ه ، عام الفتح (3) . كان عمر يستشيره في أيّام خلافته (4) . وعندما ثار النَّاس على عثمان ، كان مندوبه في الحجّ . (5) ولمّا آلت الخلافة إلى الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام كان صاحبه ، ونصيره ، ومستشاره ، وأحد ولاته واُمرائه العسكريّين . كان على مقدّمة الجيش في معركة الجمل (6) ، ثمّ ولي البصرة (7) بعدها . وقبل أن تبدأ حرب صفِّين ، استخلف أبا الأسْوَد الدُّؤليّ على البصرة وتوجّه مع الإمام عليه السلام لحرب معاوية (8) . كان أحد اُمراء الجيش في الأيّام السَّبعة الاُولى من الحرب (9) . ولازم الإمام عليه السلام بثباتٍ على طول الحرب . اختاره الإمام عليه السلام ممثّلاً عنه في التَّحكيم ، بَيْدَ أنّ الخوارج والأشْعَث عارضوا ذلك قائلين : لا فرق بينه وبين عليّ عليه السلام (10) . حاورَ الخوارج مندوبا عن الإمام عليه السلام في النَّهروان مرارا . وأظهر في مناظراته الواعية عدمَ استقامتهم ، وتزعزع موقفهم ، كما أبان منزلة الإمام الرَّفيعة السَّامية . كان واليا على البصرة عند استشهاد الإمام عليه السلام (11) . بايع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام (12) ، وتوجّه إلى البصرة من قِبَله (13) . ولم يشترك مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء . وعلّل البعض ذلك بعماه . لم يبايع عبدَ اللّه بن الزُّبَيْر حين استولى على الحجاز ، والبصرة ، والعراق . ومحمّد بن الحنفيّة لم يبايعه أيضا ، فكَبُرَ ذلك على ابن الزُّبَيْر حتَّى همّ بإحراقهما (14) . كان ابن عبّاس عالما له منزلته الرَّفيعة العالية في التَّفسير ، والحديث ، والفقه . وكان تلميذ الإمام عليه السلام في العلم (15) مفتخرا بذلك أعظم افتخار . توفّي ابن عبّاس في منفاه بالطائف سنة 68 ه وهو ابن إحدى وسبعين (16) ، وهو يكثر من قوله : اللَّهمَّ إنِّي أتقرَّب إليك بمحمّدٍ وآله ، اللَّهمَّ إنِّي أتقرّب إليك بولاية الشيخ عليّ بن أبي طالب (17) وفي رواية : لمّا حضرت عبد اللّه بن عبّاس الوفاة قال : اللَّهمَّ إنِّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب (18) . خلفاء بني العبّاس من ذرّيّته وأخبر الإمام عليه السلام بهذا في خطابه لابن عبّاس أبا الأملاك . في المستدرك على الصحيحين عن الزُّهْريّ : قال المهاجرون لعمر بن الخَطَّاب : ادع أبناءنا كما تدعو ابن عبّاس . قال : ذاكم فتى الكهول ، إنّ له لسانا سؤولاً، وقلبا عقولاً (19) . وفي أنساب الأشراف : إنّ ابن عبّاس خلا بعليٍّ حين أراد أن يبعث أبا موسى فقال : إنّي أخاف أن يخدع معاوية وعَمْرو أبا موسى فابعثني حكما ولا تبعثه ولا تلتفت إلى قول الأشْعَث وغيره مِمّن اختاره فأبى ، فلمّا كان من أمر أبي موسى وخديعة عَمْرو له ما كان ، قَالَ عَليٌّ : « للّه ِ دَرُّ ابنِ عبّاس إنْ كانَ لَيْنظُرُ إلى الغَيْبِ مِنْ سِترٍ رَقِيقٍ » (20) . وفي مختصر تاريخ مدينة دمشق عن المَدائِنيّ : قال عليّ بن أبي طالب في عبد اللّه بن عبّاس : « إنّهُ يَنظُرُ إلى الغَيبِ مِنْ سِتْرٍ رَقِيقٍ لِعَقْلِهِ وفِطْنَتِهِ بالاُمُورِ » (21) . وعن أبي نصر بن أبي ربيعة : ورد صَعْصَعَة بن صُوحان على عليّ بن أبي طالب رضى الله عنهمن البصرة ، فسأله عن عبد اللّه بن عبّاس ، وكان على خلافته بها ، فقال صَعْصَعَة : يا أمير المؤمنين ، إنّه آخذ بثلاث وتارك لثلاث : آخذ بقلوب الرِّجال إذا حدّث ، وبحسن الاستماع إذا حُدِّثَ ، وبأيسَرِ الأُمورِ إذا خُولِفَ . تارِكٌ للمِراءِ ، وتارك لِمُقاربة اللَّئيمِ ، وتارِكٌ لِما يُعتَذَرُ مِنهُ . (22) وفي رجال الكشّي عن الشَّعْبيّ : لمّا احتمل عَبدُ اللّه ِ بنُ عَبّاسٍ بيتَ مالِ البَصْرَةِ وذَهبَ بهِ إلى الحِجازِ ، كَتَبَ إليهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : « مِنْ عَبدِ اللّه عَليّ بنِ أبي طالبٍ إلى عَبْدِ اللّه ِ بنِ عَبّاس ، أمّا بَعْدُ ، فإنّي قَد كُنْتُ أشْرَكْتُكَ فِي أمانَتِي ، ولَم يَكُن أحَدٌ مِن أهْلِ بَيتِي فِي نَفْسِي أَوثَقُ مِنْكَ لِمُؤاساتي ومُؤازَرَتِي وأَداءِ الأمانَةِ إليَّ ، فَلَمّا رَأيْتَ الزَّمانَ علَى ابنِ عَمِّكَ قَد كَلِبَ ، والعَدُوَّ عَليهِ قَد حَرِبَ ، وأمانَةُ النَّاسِ قَد خَرِبَتْ ، وَهَذهِ الاُمُورِ قَد قَسَتْ ، قَلَبْتَ لابنِ عَمَّك ظَهْرَ المِجَنِّ (23) ، وَفارَقْتَهُ مَعَ المُفارِقِينَ ، وخَذَلْتَهُ أَسْوَأَ خِذلانٍ الخاذِلِينَ . فَكَأنَّكَ لَم تَكُنْ تُرِيدُ اللّه َ بِجِهادِكَ ، وكأنَّكَ لَم تَكُنْ علَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكَ ، وكَأَنّكَ إنّما كُنْتَ تَكِيدُ اُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله علَى دُنياهُم ، وتَنْوِي غِرَّتَهُم (24) ، فلمّا أمكَنَتْكَ الشِّدَّةُ في خِيانَةِ اُمَّةِ مُحَمّدٍ أسرَعْتَ الوَثْبَةَ وعجَّلْتَ العَدوَةَ ، فاختَطَفْتَ ما قَدِرْتَ علَيهِ اختِطافَ الذِّئبِ الأَزَلِّ (25) رَميَةَ المِعزى الكَسِيرِ . كأنّك _ لا أبا لَكَ _ إنّما جَرَرْتَ إلى أهلِكَ تُراثَكَ مِن أبِيكَ واُمّكَ ، سُبحانَ اللّه ِ ! أ ما تُؤْمِنُ بالمَعادِ ؟ ! أ وَما تَخافُ مِن سُوءِ الحِسابِ ؟ ! أ وَما يَكبُرُ علَيْكَ أن تَشتَرِيَ الإماءَ ، وتَنْكِحَ النِّساءَ بأَمْوالِ الأرامِلِ والمُهاجِرينَ الَّذينَ أفاءَ اللّه ُ علَيْهِم هذهِ البِلادَ ؟ ! اردُدْ إلى القَوْمِ أمْوالَهُم ، فوَاللّه ِ لَئِنْ لَم تَفْعَلْ ثُمّ أمكَنَنِيَ اللّه ُ مِنكَ لاَُعذِرَنَّ اللّه َ فِيكَ ، فوَاللّه ِ لَو أنّ حَسَنا وحُسَيْنا فَعَلا مِثلَ ما فَعَلْتَ ، لَمَا كانَ لَهُما عِندِي في ذلِكَ هَوادَةٌ ، ولا لِواحِدٍ مِنهُما عِندِي فيهِ رُخْصَةٌ ، حَتَّى آخُذَ الحَقَّ ، واُزيحَ الجَورَ عَن مَظْلُومِها ، والسَّلامُ » . قال : فكتب إليه عبد اللّه بن عبّاس : أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك ، تعظّم علَيَّ إصابة المال الَّذي أخذته من بيت مال البصرة ، ولعَمري إنّ لي في بيت مال اللّه أكثر مِمَّا أخذت ، والسَّلام . قال : فكتب إليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام : « أمّا بعد ، فالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ من تَزيينِ نَفْسِكَ ، أنّ لكَ في بَيْتِ مالِ اللّه ِ أكْثَرَ مِمّا أخَذْتَ ، وأكثَرَ ممّا لِرَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ ، فَقَدْ أفلَحْتَ إن كان تمنِّيكَ الباطِلَ ، وادّعاؤكَ ما لا يَكونُ يُنجِيكَ من الإثمِ ، ويحلُّ لَكَ ما حَرَّمَ اللّه ُ علَيكَ ، عَمَّركَ اللّه ُ أنَّكَ لَأَنْتَ العَبدُ المُهتدِي إذا . فَقَد بلَغَنِي أنَّكَ اتّخذْتَ مَكَّةَ وطَنا وضَرَبْتَ بِها عَطَنا (26) ، تَشتَرِي مُولَّداتِ مَكَّةَ والطائِفِ ، تَختارُهُنَّ علَى عَينِكَ ، وتُعطِي فِيهِنَّ مالَ غَيرِكَ ، وإنّي لَأُقسِمُ باللّه ِ ربِّي وربِّك ربّ العِزَّةِ ، ما يَسُرُّني أنّ ما أخَذْتَ مِن أموالِهِم لي حلالٌ أدَعُهُ لِعَقبِي مِيرَاثا ، فَلا غَرْوَ ، وأشدَّ باغتباطِكَ تأكُلُهُ رُويدا رُويدَا ، فَكَأَنْ قد بَلَغْتَ المَدَى ، وعُرِضْتَ على ربِّكَ ، والمَحَلّ الَّذي يَتَمنَّى الرَّجْعَةَ ، والمُضيِّعُ للتَوبَةِ كَذلِكَ وما ذلِكَ ، ولات حين مَناصٍ ! والسَّلام » . قال : فكتب إليه عبد اللّه بن عبّاس : أمّا بعد ، فقد أكثرت عليَّ ، فوَاللّه لأن ألقى اللّه بجميع ما في الأرض من ذهبها وعقيانها ، أحبّ إليّ أن ألقى اللّه بدم رجل مسلم (27) . وفي تاريخ الطبريّ : خرج عبد اللّه بن العبّاس من البصرة ، ولحق مكّة في قول عامّة أهل السِّيَر ، وقد أنكر ذلك بعضهم ، وزعم أنّه لم يزل بالبصرة عاملاً عليها من قِبَل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام حتَّى قُتل ، وبعد مقتل عليّ حتَّى صالح الحسن معاوية ، ثمّ خرج حينئذٍ إلى مكّة (28) .

.


1- . أنساب الأشراف : ج4 ص39 ، حلية الأولياء : ج1 ص314 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص331 الرقم51 .
2- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص615 ح6277 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص173 الرقم14 ، تاريخ مدينة دمشق : ج29 ص289 ، سير أعلام النبلاء : ج 3 ص332 الرقم51 .
3- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص333 الرقم51 .
4- . تاريخ بغداد : ج 1 ص173 الرقم14 .
5- . أنساب الأشراف : ج4 ص39 ، تاريخ الطبري : ج4 ص448 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص349 الرقم51 .
6- . الجمل : ص319 ؛ العقد الفريد : ج3 ص314 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص90 .
7- . أنساب الأشراف : ج4 ص39 ، تاريخ الطبري : ج5 ص93 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص353 الرقم51 ؛ الجمل : ص420 .
8- . أنساب الأشراف : ج4 ص39 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص173 الرقم14 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص353 الرقم51 ؛ الجمل : ص421 ، وقعة صفّين : ص117 .
9- . وقعة صفّين : ص221 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص13 ، مروج الذهب : ج2 ص388 .
10- . وقعة صفّين : ص499 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص51 ، الأخبار الطوال : ص192 ، الفتوح : ج4 ص198 .
11- . تاريخ الطبري : ج5 ص155 ؛ الإرشاد : ج2 ص9 .
12- . الإرشاد : ج2 ص8 ؛ الفتوح : ج4 ص283 .
13- . الإرشاد : ج2 ص9 .
14- . الطبقات الكبرى : ج5 ص100 و101 ، تاريخ مدينة دمشق : ج54 ص338 و339 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص356 الرقم51 ، البداية والنهاية : ج8 ص306 .
15- . رجال العلاّمة الحلّى¨ : ص103 ؛ مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج 12 ص301 الرقم154 ، البداية والنهاية : ج8 ص298 .
16- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص626 ح6309 و ص ج615 ص6277 ، التاريخ الكبير : ج 5 ص 3 ح5 ، أنساب الأشراف : ج4 ص71 ، مروج الذهب : ج3 ص108 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص359 الرقم51 .
17- . كفاية الأثر : ص22 ، بشارة المصطفى : ص239 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص200 ؛ فضائل الصحابة لابن حنبل : ج 2 ص662 الرقم1129 وليس في الثلاثة الأخيرة « اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّد وآله » .
18- . فضائل الصحابة لابن حنبل : ج 2 ص662 الرقم1129 ؛ بشارة المصطفى : ص239 ، العمدة :ج272 ص429 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص200 ، نهج الحقّ : ص221 .
19- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص621 ح6298 ، مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص304 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص345 الرقم51 .
20- . أنساب الأشراف : ج3 ص121 .
21- . مختصر تاريخ مدينة دمشق : ج12 ص305 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص35 ، المناقب للخوارزمي : ج197 ص238 وليس فيهما « لعقله وفطنته بالاُمور » .
22- . شعب الإيمان : ج 6 ص 352 ح 8483 ، البداية والنهاية : ج 8 ص 300 .
23- . ظَهر المِجَنّ : هذه كلمة تُضرب مَثلاً لمن كان لصاحبه على مَودّة أو رعاية ثمّ حالَ عن ذلك ( النهاية : ج1 ص308 ) .
24- . الغِرَّة : الغَفْلة ( النهاية : ج3 ص354 ) .
25- . الأزلّ : بتشديد اللاّم : السريع الجري .
26- . العطن : مبرك الإبل ، المراح ( النهاية : ج3 ص258 ) .
27- . رجال الكشّي : ج 1 ص279 الرقم 110 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص400 ، العقد الفريد :ج3 ص348 عن أبي الكنود ، الأوائل لأبي هلال : 196 كلّها نحوه .
28- . تاريخ الطبري : ج5 ص141 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص432 .

ص: 151

. .

ص: 152

. .

ص: 153

. .

ص: 154

. .

ص: 155

. .

ص: 156

تحقيقات وملاحظات

تحقيقات وملاحظات :لا نجد بعد التَّحقيق والتَّدقيق في حياة عبد اللّه بن العبَّاس في زمان خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، مدَّة فارق فيها عبد اللّه عليَّا عليه السلام وذهب إلى مكَّة ، على ما نقل في هذه القصّة : لأنَّ بيعة أميرالمؤمنين عليه السلام بعد مقتل عثمان وقعت سَنَة 35 ه . ق،وكان ابن عبَّاس وقتئذٍ بالمدينة ، وهو عنده عليه السلام ليلاً ونهارا ، يخدمه ويناصحه ، وكان من الَّذين كانوا يتفانون فيه . (1) ولمَّا خرج عليّ عليه السلام إلى البصرة خرج ابن عبَّاس معه ، ولمَّا بلغ ذا قار بعثه عليّ عليه السلام إلى الكوفة لاستنفار النَّاس إلى حرب الجمل مع محمَّد بن أبي بكر أو مع الأشْتَر (2) ، ورجع إلى عليّ عليه السلام بذي قار ، وارتحل معه حَتَّى نزل البصرة (3) ، وأرسله أمير المؤمنين عليه السلام إلى عائِشَة وطَلْحَة والزُّبَيْر . (4) فلمَّا انتهت الحرب جعله أمير المؤمنين عليه السلام عاملاً على البصرة ، وكان ذلك سنة ستّ وثلاثين . (5) وحجَّ في تلك السَّنة بالناس لأمير المؤمنين عليه السلام . (6) ولمَّا أراد عليه السلام المسير إلى صفِّين ، كتب إلى ابن عبَّاس كتابا يأمره فيه بالشُّخوص إليه مع المؤمنين المسلمين من أهل البصرة ، وكان سَنَة ستّ وثلاثين . وجمع الطَّبري بينهما بأنَّ ابتداء الحرب كان سَنَة ستّ وثلاثين وآخرها كان سَنَة سبع وثلاثين ، وعلى كل حال كان ابن عبَّاس في تلك المدَّة وحتّى انقضاء الحرب عند عليّ عليه السلام ، وله مواقف كريمة مشكورة وخطب جليلة فيها . إلاّ ما كان من حجَّة للناس من قبل أمير المؤمنين عليه السلام . (7) فلمَّا انقضت الحرب بمكر ابن النَّابغة ، وابن هند ، وجهالة قرّاء العراق ، وفتنةِ الأشْعَث وتدبيره ، وكذا سائر مخالفي عليّ عليه السلام الموجودين بين أهل العراق من عيون معاوية وجواسيسه ، حَتَّى انتهى الأمر إلى التَّحكيم ، واختار معاوية وأهل الشام عَمْرو بن العاص لعنه اللّه تعالى ، واختلف أهل العراق ، وقال لهم عليّ عليه السلام : « اختاروا أحد الرَّجلين ، عبد اللّه بن عبَّاس أو الأشْتَر » ، وذلك لوثوقه بهما واعتماده عليهما ، ولكن القرّاء أبَوْا ذلك ، ومالوا إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ المخالف لعليّ عليه السلام . (8) وكان ذلك سَنَة سبع وثلاثين ، لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر ، كما تقدَّم . (9) وقال الواقديّ ، والمسعوديّ ، واليعقوبيّ : أنَّه كان سَنَة ثمان وثلاثين . (10) فلمَّا خرج الحكمان إلى دومة الجندل بعث عليّ عليه السلام شُرَيْح بن هاني على أربعمئة إلى دومة الجندل ، وبعث معهم عبد اللّه بن العبَّاس ليصلّي بهم ، ومعهم أبو موسى ، فكان ابن عباس هناك يصلّي بهم ويراقب الأمور ، ويلتقي مع أبي موسى ويحذّره ، وله في ذلك مواقف مشرِّفة وكريمة ، حَتَّى انقضى أمر الحكمين بانخداع الأشْعَرِيّ وشقائه ، بخداع عَمْرو بن العاص لعنهما اللّه تعالى . (11) قال البلاذري : لمَّا أهلَّ ( هلال ) شهر رمضان سَنَة سبع وثلاثين ، خرج معاوية من دمشق في أربعمئة حَتَّى نزل دومة الجندل ، وسرّح يزيد بن الحرّ العَبْسِيّ إلى عليّ يعلمه نزوله دومة الجندل ، ويسأله الوفاء ، فأتى عليَّا ، فحثّه على الشُّخوص ، وقال :إنَّ في حضورك هذا الأمر صلاحا ووضعا للحرب وإطفاءً للنائرة . فقال عليّ : « يا بن الحرّ ، إنِّي آخذ بأنفاس هؤلاء ، فإن تركتهم وغبت عنهم كانت الفتنة في هذا المصر أعظم من الحرب بينهم وبين أهل الشَّام ، ولكنّي أسرّح أبا موسى ، فقد رضيه النَّاس ، وأُسرّح ابن عبَّاس ، فهو يقوم مقامي ، ولن أغيب عمَّا حضره ، ففعل ذلك فبعث إلى ابن عبَّاس ، فأقدمه من البصرة . (12) كان ابن عبَّاس بعد كتابة كتاب الصُّلح وإلى حضوره في دومة الجندل في البصرة ، كما صرَّح به البلاذري في كلامه المتقدّم ، بأنَّه : « بعث إلى ابن عبَّاس فأقدمه من البصرة » ، فهو رجع من الشَّام إلى عمله بالبصرة ، وبقي فيها إلى أن كتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام ، واستقدمه . وقال ابن الأثير : فلمَّا خرجت الخوارج وهرب أبو موسى إلى مكَّة وردَّ عليٌّ ابنَ عبَّاس إلى البصرة ، قام في الكوفة فخطبهم فقال : . . . (13) ولمَّا رجع أمير المؤمنين عن الشَّام إلى الكوفة ، وفارقه الخوارج ولم يدخلوا الكوفة ، وأتوا قرية يقال لها حروراء ، فنزلوا بها وهم اثنا عشر ألفا ، وقالت الشِّيعة : في أعناقنا بَيعة ثانية ، نحن أولياءُ مَن والَيت ، وأعداءُ مَن عادَيت . فقالت الخوارج : استبقتم أنتم وأهلُ الشَّام إلى الكفر كَفَرَسيْ رِهان ، بايع أهلُ الشام معاوية على ما أحبّوا وكرهوا ، وبايعتم أنتم عليَّا على أنَّكم أولياء مَن والى وأعداءُ مَن عادَى . فقال لهم زياد بن النَّضْر : واللّه ، ما بسط عليٌّ يدَه فبايعناه قطُّ ، إلاَّ على كتاب اللّه وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه و آله ، ولكنَّكم لمَّا خالفتموه جاءته شيعتُه ، فقالوا : نحن أولياءُ مَن والَيت ، وأعداءُ مَن عادَيت ، ونحن كذلك ، وهو على الحقّ والهدى ، ومن خالفه ضالٌّ مضِلٌّ ، وبعث عليّ ابن عبَّاس إليهم . (14)

.


1- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص427 _ 441 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص302 _ 307 ،الإصابة : ج4 ص468 ، أُسد الغابة : ج4 ص106 ، مروج الذَّهب : ج2 ص358 .
2- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص482 _ 487 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص327 ، أنساب الأشراف : ج3 ص29 و31 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص10 و18 و19 ؛ بحار الأنوار : ج32 ص86 و87 .
3- . راجع : أنساب الأشراف : ج3 ص31 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج14 ص18 و19 ، البداية والنهاية : ج7 ص237 .
4- . راجع : العِقد الفريد : ج3 ص314 ، الفتوح : ج2 ص486 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص162 و163 و165 و169 ؛ الجمل : ص314 و316 و317 ، رجال الكشّي : ج1 ص277 .
5- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص543 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص347 ،أنساب الأشراف :ج3 ص62 ، مروج الذَّهب : ج2 ص381 .
6- . راجع : تاريخ اليعقوبي : ج2 ص213 .
7- . راجع : وقعة صفِّين : ص116 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص78 ،مروج الذَّهب : ج2 ص384 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص187 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص404 الرقم429 .
8- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص51 و67 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص387 ، مروج الذَّهب : ج2 ص402 ، الفتوح : ج4 ص198 ، البداية والنهاية : ج7 ص276 ؛ وقعة صفِّين :ص499 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص189 .
9- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص57 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص376 _ 398 ، أنساب الأشراف : ج3 ص111 .
10- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص71 ، مروج الذَّهب : ج2 ص406 و407 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص190 .
11- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص67 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص394 و395 ، مروج الذَّهب : ج2 ص402 ، أنساب الأشراف : ج3 ص120 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص244 ؛ وقعة صفِّين : ص533 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص190 .
12- . أنساب الأشراف : ج3 ص120 .
13- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص77 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص400 ، أنساب الأشراف :ج2 ص140 .
14- . تاريخ الطبري : ج5 ص64 و73 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص393 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص32 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص191 .

ص: 157

. .

ص: 158

. .

ص: 159

167 _ كتابه عليه السلام إلى قدامة بن عجلان

167كتابه عليه السلام إلى قُدامَة بن عَجْلان[ قُدامَة _ بضمّ القاف كثُمامَة _ بن عَجْلان _ بفتح العين كشَعبان _ لم أجد ترجمته في الكتب الموجودة عندي إلاّ أنَّ الطَّبريّ فقد ذكر قُدامَة بن عَجْلان الأزْدِيّ فيمَن شهِد حُجْر بن عديّ رحمه الله (1) ] . في أنساب الأشراف : كتب عليه السلام إلى قُدامَة بن عَجْلان ، عامله على كَسْكَر : « أمَّا بعدُ ، فاحْمِل ما قِبَلَك مِن مالِ اللّه ِ ، فإنَّه فيءٌ للمُسلمِينَ ، لسْتَ بأوفَرَ حَظَّا فيهِ مِن رَجُلٍ مِنهُم ، ولا تَحْسَبنَّ يا بن أُمِّ قُدامَةَ أنَّ مالَ كَسْكَرَ مُباحٌ لكَ كَمالٍ وَرِثْتَهُ عَن أَبيكَ وأُمِّكَ ، فتَعجَّل حَمْلَهُ ، وأعجِل في الإقْبال إلَيْنا ، إن شاءَ اللّه ُ » . (2)

.


1- . راجع : تاريخ الطبري : ج5 ص270 .
2- . أنساب الأشراف : ج2 ص388 .

ص: 160

قدامة بن عجلان الأزديّ

168 _ كتابه عليه السلام إلى سليمان بن صرد الخزاعيّ

قُدامَةُ بنُ عَجْلانِ الأزْدِيّكان من ولاة الإمام عليه السلام على منطقة كَسكَر (1) . ويُستشفّ من كتاب الإمام عليه السلام إليه (2) أنّه كان قد أفرط في التَّصرّف ببيت المال ، فانتقده الإمام عليه السلام على ذلك . ولم نحصل على معلومات أكثر حول حياته . في أنساب الأشراف : قُدامَة بن عَجْلان عامله ( أي عليّ عليه السلام ) على كَسْكَر (3) .

168كتابه عليه السلام إلى سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّقال البلاذري : وكتب عليه السلام إلى سُلَيْمان بن صُرَد ، وهو بالجَبَل :ذَكَرْتَ ما صارَ في يَدَيْكَ مِن حُقُوقِ المُسلمِينَ ، وإنَّ مَن قِبَلَك وقِبَلَنا في الحَقِّ سَواءٌ ، فأعلِمنِي ما اجْتَمَع عِندَكَ مِن ذلِكَ ، فأعْطِ كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّهُ ، وابْعَث إليْنا بِما سِوى ذلِكَ لَنَقْسِمَه فِيمَن قِبَلَنا ، إن شاءَ اللّه ُ . (4)

.


1- . كَسْكَر : كورة واسعة . . . ، وقصبتها اليوم واسط الَّتي بين الكوفة والبصرة . . . ، ويقال : إنّ حدّ كورة كسكر من الجانب الشرقي في آخر سقي النَّهروان إلى أن تصبّ دجلة في البحر ( معجم البلدان : ج4 ص461 ) .
2- . أنساب الأشراف : ج2 ص388 .
3- . أنساب الأشراف : ج2 ص388 ، الأخبار الطوال : ص153 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص151 وفيه « البحران » بدل « كسكر » ، وقعة صفّين : ص11 وفيه « قدامة بن مظعون » وهو مخالف لبقيّة المصادر .
4- . أنساب الأشراف : ج2 ص393 .

ص: 161

سليمان بن صرد الخزاعيّ

سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ[ سُلَيْمان ، هو ابن صُرَد بن الجَوْن الخُزاعِيّ ، كان اسمه في الجاهليَّة يسارا ، فسمَّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله سُلَيْمانَ ، يُكنَى أبا المُطَرِّف ، وكان خَيِّرا فاضلاً ، له دِينٌ وعبادة ، سَكن الكوفة ، أوَّل ما نزلها المسلمون ، وكان له قدْرٌ وشَرَفٌ في قومه ، وشهِد مع عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه مشاهده كلّها ، وهو الَّذي قتل حوشبا (1) ذا ظليم الألهاني بصفين مبارزة ، وكان فيمَن كتَب إلى الحسين بن عليّ رضى الله عنه بعد موت معاوية ، يسأله القدوم إلى الكوفة ، فلمَّا قدمها ترَك القِتال معه ، فلمَّا قتِل الحسين ندم هو والمُسَيَّب بن نَجَبَة الفَزَارِيّ ، وجميع مَن خذلَه ولم يقاتل معه ، وقالوا : ما لنا توبة إلاّ أن نطْلب بدمه ، فخرجوا من الكوفة مستهلّ ربيع الآخر ، من سَنَة خمس وستين ، وولّوا أمرهم سُلَيْمان بن صُرَد ، وسمَّوه أمير التَّوَّابين ، وساروا إلى عُبيد اللّه بن زياد ، وكان قد سار من الشَّام في جيش كبير يريد العراق ، فالتقوا بعَين الوردة من أرض الجزيرة ، وهي رأس عين ، فقتل سُلَيْمان بن صُرَد والمُسَيَّب بن نَجَبَة وكثيرٌ مِمَّن معهما ، وحُمِلَ رأسُ سُلَيْمان والمُسَيَّب إلى مروان بن الحَكَم بالشَّام ، وكان عُمْرُ سُلَيْمانَ حِين قُتِل ثلاثا وتسعين سَنَة . هذا ما ورد في أُسْد الغابة ، والإصابة والاستيعاب ، إلاّ أنَّ ابن الأثير وهم في قوله : وشهد مع عليّ رضى الله عنه مشاهده كلّها ؛ لأنَّ سُلَيْمان لم يشهد الجمل ، كما يستفاد من كلام ابن حَجَر وأبي عمر . وعدَّه الكِشّي من كِبار التَّابعين ، وعن الشيخ : أنَّه عدَّه من الصَّحابة ، ويؤيِّده سِنّه عند وفاته ، وهو من خزاعة (2) . ] قال نصر : إنَّ سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ دخل على عليّ بن أبي طالب بعد رجْعَته من البصرة ، فعاتبَه وعذَلَه ، وقال له : « ارتبْتَ وتربَّصْتَ وراوَغْتَ ، وقد كنتَ من أوثَق النَّاس في نفسِي وأسرعِهم _ فيما أظنُّ _ إلى نصرتي ، فما قَعد بك عن أهل بيت نبيِّك ، وما زهَّدكَ في نَصرِهم » . فقال : يا أمير المؤمنين ، لا تردَّنَّ الأمور على أعقابها ، ولا تؤنِّبني بما مضَى منها ، واسْتبق مَوَدَّتِي يخلص لك نصيحتِي ، وقد بقيتْ أمورٌ تعرف فيها وليَّك من عدوِّك . فسكت عنه وجلَس سُلَيْمان قليلاً ثُمَّ نهَض ، فخرَج إلى الحسن بن عليّ وهو قاعد في المسجد ، فقال : ألا أُعَجِّبك من أمير المؤمنين ، وما لقيتُ منه من التَّبْكِيت والتَّوبيخ ؟ فقال له الحسن : « إنَّما يُعاتَب مَن تُرْجى موَدَّتُه ونصيحتُه » . فقال : « إنَّه بقيت أمور سيَسْتَوسِقُ فيها القنا ، ويُنتضَى فيها السُّيوف ، ويحتاج فيها إلى أشباهي ، فلا تَسْتغشُّوا عَتْبِي ، ولا تتَّهِموا نصيحتِي . فقال له الحسن : « رحِمَكَ اللّه ُ ، ما أنتَ عِندَنا بالظَّنين » . (3) وكان سُلَيْمان على رجَّالة الميمنة في صفِّين (4) ، فكتب عُقْبَة بن مسعود عامل عليّ على الكوفة إلى سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ : أمَّا بعدُ فإنّهم « إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَو يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَ لَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا » (5) فعليك بالجهاد والصَّبر مع أمير المؤمنين ، والسَّلام عليك . (6) قال نَصْر : عن عمر بن سَعد ، عن الصَّقعب بن زُهَيْر ، عن عَوْن بن أبي جُحَيْفة ، قال : أتى سُلَيْمان بن صُرَد عليَّا أمير المؤمنين بعد الصَّحيفة ، ووجهه مضروبٌ بالسَّيف فلمَّا نظر إليه عليّ ، قال : « « فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً » (7) ، فأنتَ مِمَّن ينتظِر ، و ممَّن لم يبدِّل » . فقال : يا أمير المؤمنين ، أمَا لو وجدتُ أعوانا ما كُتبتْ هذه الصَّحيفة أبدا ، أمَا واللّه لقد مشيتُ في النَّاس ليعودوا إلى أمرهم الأوَّل ، فما وجدتُ أحدا عنده خيرٌ إلاَّ قليلاً . (8) وفي تنزيه الأنبياء : روى عبَّاس بن هِشام ، عن أبيه ، عن أبي مِخْنَف ، عن أبي الكنود عبد الرَّحمن بن عبيد ، قال : لمَّا بايع الحسن عليه السلام معاوية ، أقبلت الشِّيعة تتلاقى بإظهار الأسف والحسرة على ترْك القِتال ، فخرجوا إليه بعد سنتين من يوم بايع معاوية ، فقال له عليه السلام سُلَيْمان بن صُرد الخُزاعِيّ : ما ينقضي تعجُّبنا من بيعتك معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة ! كلّهم يأخذ العطاء ، وهم على أبواب منازلهم ، ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم ، سوى شيعتك من أهل البصرة والحجاز ، ثمَّ لم تأخذ لنفسك ثقة في العقد ، ولا حظَّا من العطيَّة ، فلو كنت إذ فعلتَ ما فعلتَ أشهدت على معاوية وجوه أهل المشرق والمغرب ، وكتبتَ عليه كتابا بأنَّ الأمر لك بعده ، كان الأمر علينا أيسر ، ولكنَّه أعطاك شيئا بينك وبينه لم يفِ به ، ثمَّ لم يلبثَ أن قال على رؤوس الأشهاد : إنِّي كنتُ شرَطت شروطا ، ووعدتُ عداة إرادة لإطفاء نار الحرب ، ومداراة لقطع الفتنة ، فأمَّا إذا جمع اللّه لنا الكلمة والأُلفة فإنَّ ذلك تحت قدمي . واللّه ، ما عنى بذلك غيرك ، ولا أراد بذلك إلاَّ ما كان بينه وبينك ، وقد نقض . فإذا شئت فأعِدَّ للحرب عدّة ، وَأْذن لي في تَقَدُمِّكَ إلى الكوفة ، فأخرج عنها عاملها ، وأظهر خلعه ، وننبذه إليه على سَواء ، « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَآئِنِينَ » (9) . وتكلَّم الباقون بمثل كلام سُلَيْمان ، فقال الحسن عليه السلام : « أنْتم شيعَتُنا ، وأهلُ مَوَدَّتِنا ، ولو كُنتُ بالحَزْمِ في أمرِ الدُّنيا أعْمَلُ ، ولِسُلطانِها أرْبَضُ وأنْصَبُ ، ما كانَ مُعاويةُ بأشدَّ مِنِّي بأْسا ، ولا أشَدَّ شكِيمةً ، ولا أمضَى عَزيمَةً ، ولكنِّي أرَى غَيرَ ما رَأيتُم ، وما أردتُ بِما فَعَلْتُ إلاَّ حَقْن الدِّماءِ ، فارضُوا بِقَضاءِ اللّه ِ ، وسَلِّموا لِأَمرِهِ ، والْزَمُوا بُيوتَكُم ، وأَمسِكُوا » . أو قال : « كُفُّوا أيدِيَكُم حَتَّى يَسْتَرِيحَ برٌّ أو يُسترَاحَ مِن فاجِرٍ » . (10) [ وبقي الشّيعة ، ومن رؤسائهم سُلَيْمان على هذه العقيدة كاظمين الغيظ ، صابرين على البلايا ، إلى أن مات الحسن عليه السلام ، فاجتمعوا أيضا وكتبوا إلى الحسين عليه السلام ، يستنهضونه للخروج على معاوية ، فأجابهم بالأمر بالسُّكوت إلى أن مات معاوية ، وصلى نارَا حامِيَة ] . فاجتمعت الشّيعة بالكوفة في منزل سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ ، فذكروا هلاك معاوية ، فحمدوا اللّه وأثنوا عليه ، فقال سُلَيْمان : إنَّ معاوية قد هلك ، وإنَّ حسينا قد تقبّض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكَّة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإنْ كنتم تعلمون أنَّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه ، فأعلِموهُ ، وإن خفتم الفَشَل والوَهَن فلا تغرُّوا الرَّجل في نفسه . قالوا : لا ، بل نقاتل عدوّه ونقتل أنفسنا دونَه » (11) . قال هِشام بنُ محمَّد ، حدَّثنا أبو مِخْنَف ، قال: حدَّثنِي يوسف بن يزيد ، عن عبد اللّه بن عَوْف بن الأحمر الأزْدِيّ ، قال : لمَّا قتل الحسين بن عليّ ورجع ابن زياد من مُعَسْكَره بالنُّخَيْلَة ، فدخل الكوفة ، تلاقتِ الشّيعة بالتَّلاوُم والتَنَدُّم ، ورأت أنَّها قد أخطأتْ خطأ كبيرا بدعائهم الحسينَ إلى النُّصْرة وتركهم إجابتَه ، ومقتلِه إلى جانبهم لم يَنصروه ، ورأوا أنَّه لا يُغسل عارُهم ، والإثم عنهم في مقتله إلاّ بقتل مَن قتَلَه ، أو القتل فيه ، ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نَفَر من رؤوس الشّيعة إلى سُلَيْمان بن صُرَد الخُزاعِيّ ، وكانت له صُحبة مع النَّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، وإلى المُسَيَّب بن نَجَبَة الفَزَارِيّ ، وكان من أصحاب عليّ وخيارهم ، وإلى عبد اللّه بن سَعْد بن نفيل الأزْدِيّ ، وإلى عبد اللّه بن وال التَّيميّ ، وإلى رُفاعَة بن شَدَّاد البَجَليّ . ثُمَّ إنَّ هؤلاء النَّفَر الخمسة اجتمعوا في منزل سُلَيْمان بن صُرَد . . .[ فتكلَّم المُسَيَّب بن نَجَبَة ، ثُمَّ عبد اللّه بن وال ، وعبد اللّه بن سَعْد بكلام يطول ذكره ، ثُمَّ تكلَّم سُلَيْمان ] . قال حَمِيد بن مسلِم : واللّه ، إنِّي لَشاهدٌ بهذا اليوم ، يوم ولَّوا سُلَيْمان بن صُرَد ، وإنَّا يومئذٍ لأكثر من مئة رجل من فُرسان الشّيعة ووجوهِهم في داره . قال : فتكلَّم سُلَيْمان بن صُرَد فشدَّد ، وما زال يردّد ذلك القولَ في كل جمعة حَتَّى حفظتُه ، بَدَأ فقال : أُثني على اللّه خَيْرا ، وأحمد آلاءَه وبلاءَه ، وأشهَد أن لا إله إلاَّ اللّه ، وأنَّ محمَّدا رسوله ، أمَّا بعدُ ، فإنِّي واللّه ، لخائِف ألاَّ يكون آخرنا إلى هذا الدَّهر الَّذِي نكدت فيه المعيشة ، وعظُمت فيه الرّزيَّة ، وشَمِل فيه الجورُ أولي الفضل من هذه الشّيعة ، لما هو خير ؛ إنَّا كنَّا نمدّ أعناقنا إلى قدوم آل نبيِّنا ، ونمنِّيهم النَّصرَ ، ونحثّهم على القُدوم ، فلمَّا قدِموا ونَيْنا وعَجْزنا ، وادَّهنَّا ، وتَربَّصنا ، وانْتَظرنا ما يكون حَتَّى قُتل فينا وَلَدُ نبيِّنا ، وسُلالَتُه ، وعُصارتُه ، وبَضعةٌ من لَحْمه ودَمِه ، إذ جعل يَسْتَصرِخ فلا يُصرَخ ، ويسأل النَّصَف فلا يُعطاه ، اتَّخذه الفاسقون غَرَضا للنَّبل ، ودرَّية للرّماح حَتَّى أقصدوه ، وعدَوْا عليه فسَلبوه . ألا انْهَضوا فقد سخِط ربُّكم ، ولا ترجعوا إلى الحلائِل والأبناء حَتَّى يَرضَى اللّه ، واللّه ، ما أظنُّه راضيَّا دون أن تناجِزوا مَن قتله ، أو تُبيروا . ألا لا تهابوا الموت ، فواللّه ، ما هابه امرؤ قطُّ إلاَّ ذلّ ، كونوا كالأُلَى من بني إسرائيل ، إذ قال لهم نبيِّهم « إِنَّكُمْ ظَ_لَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ » (12) ، فما فعَل القومُ ؟ جَثَوا على الرُّكب واللّه ِ ، ومدّوا الأعناق ، ورضُوا بالقَضاء حَتَّى حينَ علموا أنَّه لا ينجيهم من عظيم الذَّنب إلاَّ الصَّبر على القتل ، فكيف بكم لو قد دُعيتم إلى مثْل ما دُعِي القوم إليه ! أشْحَذوا السيوف ، وركِّبوا الأسنَّة ، « و أَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ » (13) ، حَتَّى تُدعوا حينَ تُدْعَون وتُستنفرون . [ فأجابته الشيعة بإعطاء المال والنَّفس في سبيل اللّه ، فكتَب إلى سَعْد بن حُذَيْفَة بالمَدائِن : ] بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ من سُلَيْمانَ بن صُرَد ، إلى سَعْد بن حُذَيْفَة ومَن قِبَله من المؤمنين . سلامٌ عليكم ؛ أمَّا بعدُ ، فإنَّ الدُّنيا دارٌ قد أدبر منها ما كان معروفا ، وأقبل منها ما كان مُنْكَرا ، وأصبحتْ قد تشنَّأتْ إلى ذوِي الألباب ، وأزمَع بالتَّرحال منها عبادُ اللّه الأخيار ، وباعوا قليلاً من الدُّنيا لا يبقَى بجَزيل مَثُوبَة عند اللّه لا تَفْنَى . إنَّ أولياءَ من إخوانكم ، وشيعة آل نبيِّكم نظروا لأنفسهم فيما ابتُلوا به من أمر ابن بنت نبيِّهم الَّذِي دُعِيَ فأجاب ، ودعا فلم يُجَب ، وأراد الرَّجعة فحُبِس ، وسأل الأمان فمُنع ، وترك النَّاسَ فلم يتركوه ، وعَدَوْا عليه فقتلوه ، ثُمَّ سلبوه وجرّدوه ظلْما وعُدوانا وغِرَّةً باللّه وجهلاً ، وبعين اللّه ما يعملون ، وإلى اللّه ما يرجعون « وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » (14) . فلمَّا نظروا إخوانكم ، وتدَبَّروا عواقبَ ما استقبلوا ، رأوا أن قد خطئوا بخِذلان الزَّكيّ الطَيِّب وإسلامه وترك مواساته ، والنَّصر له خَطَأً كبيرا ليس لهم منه مخرجٌ ولا توبة ، دون قتل قاتلِيه أو قتْلِهم حَتَّى تَفنَى على ذلك أرواحهم ، فقد جَدّ إخوانكم فجِدُّوا ، وأعِدُّوا واستعدّوا ، وقد ضربْنا لإخواننا أجلاً يوافوننا إليه ، وموطِنا يَلْقَوننا فيه . فأمَّا الأجل ، فغُرَّةُ شَهر رَبيع الآخر ، سَنَة خمس وستين ، وأمَّا الموطِن الَّذِي يَلقَوننا فيه فالنُّخَيلة . أنتم الَّذِين لم تزالوا لنا شيعة وإخوانا ، وإلاَّ وقد رأينا أن ندعوَكم إلى هذا الأمر الَّذي أراد اللّه به إخوانكم فيما يزعمون ، ويُظهرون لنا أنَّهم يتوبون ، وإنَّكم جُدَرَاءُ بتَطْلاب الفضل . . . (15) ولاّه الإمام عليه السلام على منطقة الجبل (16) ، ومدح صلابته في الدِّين (17) . وفي أيّام الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كان من أصحابه (18) . لمّا هلك يزيد ، جمع شيعة الكوفة ونظّم ثورة التَّوَّابين على ابن زياد رافعا شعاره المعروف يالَثارات الحسين (19) . وكانت هذه الثَّورة حماسيّة عاطفيّة . وانهزم سُلَيْمان أمام عبيد اللّه بن زياد بعد قتالٍ شديدٍ ، ورزقه اللّه الشَّهادة سنة 65 ه ، وله (20) من العمر 93 سنة (21) .

.


1- . حوشبا : يعني حوشب بن القباعي الألهاني .
2- . راجع : الاستيعاب : ج2 ص210 الرقم1061 ، الإصابة : ج3 ص144 الرقم3470 ، أُسد الغابة : ج2 ص548 الرقم2231 ؛ رجال الكشّي : ج1 ص286 الرقم124 ، رجال الطوسي : ص40 الرقم255 و ص66 الرقم597 وص94 الرقم936 .
3- . وقعة صفِّين : ص6 ، قاموس الرجال : ج5 ص279 وراجع : الفتوح : ج2 ص492 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص105 .
4- . وقعة صفِّين : ص205 .
5- . الكهف :20 .
6- . وقعة صفِّين : ص313 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص247 .
7- . الأحزاب :23 .
8- . وقعة صفِّين : ص519 ، بحار الأنوار : ج32 ص545 ح456 وراجع : المعيار والموازنة :ص181 .
9- . الأنفال :58 .
10- . تنزيه الأنبياء : ص171 و172 ، بحار الأنوار : ج44 ص29 و30 .
11- . الإرشاد : ج2 ص36 وراجع : إعلام الورى : ج1 ص436 ، روضة الواعظين : ص190 ، بحار الأنوار : ج44 ص331 و332 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص352 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص533 ، أخبار الطِوال : ص229 ، تذكرة الخواصّ : ص243 ، الملهوف : ص102 .
12- . البقرة :54 .
13- . الأنفال :60 .
14- . الشعراء :227 .
15- . تاريخ الطبري : ج5 ص552 _ 556 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص624 _ 626 ، الغارات : ج2 ص774 .
16- . أنساب الأشراف : ج2 ص393 .
17- . وقعة صفّين : ص519 .
18- . رجال الطوسي : ص94 الرقم936 .
19- . تاريخ الطبري : ج5 ص583 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص635 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص258 .
20- . الطبقات الكبرى : ج4 ص292 و293 ، تهذيب الكمال : ج 11 ص456 الرقم2531 ، تاريخ الطبري : ج5 ص583 _ 599 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص635 _ 641 ، اُسد الغابة : ج 2 ص548 الرقم2231 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص258 وفيه « سنة 66 ه » .
21- . الطبقات الكبرى : ج4 ص293 ، تهذيب الكمال : ج 11 ص456 الرقم2531 ، الاستيعاب : ج2 ص211 الرقم1061 ، اُسد الغابة : ج 2 ص549 الرقم2231 .

ص: 162

. .

ص: 163

. .

ص: 164

. .

ص: 165

. .

ص: 166

. .

ص: 167

. .

ص: 168

169 _ كتابه عليه السلام إلى النّعمان بن عجلان

169كتابه عليه السلام إلى النُّعْمَان بن عَجْلانقال اليعقوبيّ : بلغ عليَّا عليه السلام أنَّ النُّعْمان بن عَجْلان قد ذهب بمال البحرين ، فكتب إليه :« أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّه من استَهانَ بالأَمانَةِ ، ورَغَبَ فِي الخِيانَةِ ، ولَم يُنزِّه نَفسَهُ ودِينَهُ ، أخَلَّ بِنَفسِهِ في الدُّنيا ، وما يُشفِي عَليهِ بَعدُ أمرُّ وأبقى وأشقى وأطوَلُ ، فَخَفِ اللّه َ ! إنَّكَ مِن عَشيرَةٍ ذاتِ صَلاحٍ ، فكن عِندَ صالِحِ الظَّنِّ بِكَ ، وراجِعْ إن كانَ حَقَّا ما بَلغَنِي عَنْكَ ، ولا تَقْلِبَنَّ رأيي فِيكَ ، واستَنظِفْ خَراجَكَ ، ثُمَّ اكتُب إليَّ لِيأتِيَكَ رأيي أمري ، إن شاءَ اللّه ُ » . (1) صورة ثانية للكتاب : « أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ مَنْ أدَّى الأمانَةَ ، وحَفِظَ حَقَّ اللّه ِ في السِّرِّ والعَلانِيَّةِ ، ونَزَّهَ نفسَهُ ودِينَهُ مِنَ الخِيانَةِ ، كانَ جَدِيرا بأنْ يرفَعَ اللّه ُ درجَتَهُ في الصَّالِحينَ ، ويُؤتِيهِ أفضَلَ ثَوابِ المُحسِنينَ ، ومَنْ لَم يُنَزِّه نَفسَهُ ودِينَهُ عَن ذلِكَ أخَلَّ بِنَفسِهِ فِي الدُّنيا وأوبَقَها فِي الآخِرَةِ ، فَخَفِ اللّه َ في سِرِّكَ وجَهرِكَ ، ولا تَكُنْ مِنَ الغافِلينَ عَن أمرِ مَعادِكَ ، فإنَّكَ مِن عَشِيرَةٍ صالِحَةٍ ، ذاتِ تَقوى وعِفَّةٍ وأمانَةٍ ، فَكُن عِندَ صالِحِ ظنِّي بِكَ ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص201 .
2- . أنساب الأشراف : ج2 ص388 .

ص: 169

[ أقول : قال اليعقوبي : لمَّا جاءه كتاب عليّ عليه السلام ، وعلِمَ أنَّه قد عرف بأمره حمل المال ولحق معاوية . وقال ابن الأثير في أُسْد الغابة : واستعمله عليّ بن أبي طالب على البحرين ، فجعل ويُعطي كُلَّ من جاءه من بني زُرَيق ، فقال فيه الشَّاعر : أرَى فِتْنتةً قد ألْهَتِ النَّاسَ عَنْكُمُفَنَدْلاً زُرَيقَ المالَ مِن كُلِّ جانِبِ فَإنَّ ابنَ عَجْلانَ الَّذي قَدْ عَلِمْتُمُيُبَدِّدُ مَالَ اللّه ِ فِعْلَ المُناهِبِ يَمُرُّونَ بالدَهْنا خِفافا عيابُهُم ويَخْرُجْنَ مِن دارِينَ بُجْرَ الحَقائبِ (1) وكان عمر بن أبي سلمة واليا على البحرين ، فعزله أمير المؤمنين عليه السلام بلا ذمّ له ، بل للحضور في حرب صفِّين ، وبعث مكانه النُّعْمان بن عَجْلان ، فغرَّه مال الدُّنيا فزلّت به قدمه ، ففرَّ إلى ابن حرب لعنه اللّه تعالى ، وكان شاعرا ذا لسان وفصاحة ، سيّدا في قومه ، وبصيرا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، كما تحكى عنه أشعاره . (2) ونقل نَصْر له أشعارا يفتخر فيها بحرب صفِّين ، وظاهرها حضوره في الوقعة ، وهو بعيد . (3) وجعله أيضا من شهود كتاب الصُّلح من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو أيضا بعيد ] .

.


1- . أُسد الغابة : ج5 ص317 الرقم 5254 ، الإصابة : ج3 ص562 ، قاموس الرجال : ج9 ص220 .
2- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص174 .
3- . راجع : وقعة صفِّين : ص380 .

ص: 170

170 _ كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

170كتابه عليه السلام إلى بعض عُمّالهقال اليعقوبي : وجَّه ( أمير المؤمنين عليه السلام ) رجلاً من أصحابه إلى بعض عُمَّاله مستحثَّا ، فاستخفَّ به ، فكتب إليه :« أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّكَ شتمْتَ رَسُولي وزَجَرْتَهُ ، وبلَغَنِي أنَّك تُبَخّرُ وتُكثِرُ مِنَ الادِّهان وألوان الطَّعام ، وتتكلَّم علَى المِنبَر بِكلامِ الصِّدِّيقينَ ، وتَفعَلُ ، إذا نَزَلْتَ ، أفعالَ المُحلِّينَ ، فإنَّ ذلِكَ كذلِكَ ، فنفسَكَ ضَرَرْتَ وأدبي تعرَّضْتَ . ويحَكَ أن تقولَ : العظَمَةُ والكِبرياءُ رِدائي فَمَنْ نازَعَنِيهما سَخْطتُ عَليهِ ، بَل ما علَيكَ أنْ تَدَّهِنَ رَفَيها ، فَقَد أمرَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بذلِكَ ، وما حَمَلَكَ أن تُشهِدَ الناسَ عَليْكَ بِخِلافِ ما تَقولُ ثَمَّ على المِنْبَرِ ، حَيثُ يَكثُرُ عَليْكَ الشَّاهِدُ ، ويَعظُمُ مَقْتُ اللّه ِ لَكَ ، بل كَيْفَ تَرجُو ، وأنتَ مُتَهوِّع في النَّعيمِ جَمَعْتَهُ مِنَ الأرمَلَةِ واليَتيمِ ، أن يُوجِبَ اللّه ُ لَكَ أجَر الصَّالِحينَ ، بل ما عَلَيكَ ثَكَلتْكَ أُمُّكَ ، لو صُمْتَ للّه ِ أيَّاما ، وتصدَّقْتَ بطائِفَةٍ مِن طَعامِكَ ، فإنَّها سِيرَةُ الأنبياءِ وأدَبُ الصَّالِحينَ . أصلِحْ نفسَكَ ، وتُبْ مِن ذَنبِكَ ، وأدِّ حَقَّ اللّه ِ علَيكَ ، والسَّلامُ » . (1) وقال ابن أبي الحديد : فأمَّا أوَّل ما ارتفع به زياد فهو استخلاف ابن عبَّاس له على البصرة في خلافة عليّ عليه السلام ، وبلغت عليَّا عنه هَنات ، فكتب إليه يلومه ويؤنّبه ، فمنها الكتاب الَّذي ذكر الرَّضي رحمه الله بعضه ، وقد شرحْنا فيما تقدَّم ما ذكر الرَّضي منه ، وكان عليٌّ عليه السلام أخرج إليه سَعْدا مولاه يحثّه على حَمْل مال البصرة إلى الكوفة ، وكان بين سَعْد وزياد مُلاحاة ومنازعة ، وعاد سَعْد وشكاه إلى عليٍّ عليه السلام وعابه ، فكتب عليّ عليه السلام إليه : « أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ سَعْدا ذكَرَ أنَّك شتَمتَهُ ظُلما ، وهدَّدْتَهُ وجَبَهتَهُ تَجَبُّرا وتَكَبُّرا ، فَما دعاكَ إلى التَّكبُّرِ ؟ وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الكِبرُ رداءُ اللّه ِ فَمَن نازعَ اللّه َ رداءَهُ قصَمَهُ . وقد أخبَرَني أنَّكَ تُكثِرُ مِنَ الألوانِ المُختَلِفَةِ في الطَّعامِ في اليومِ الواحِدِ ، وتدَّهِنُ كُلَّ يَومٍ ، فَما عَليْكَ لو صُمْتَ للّه ِ أيَّاما ، وتصدَّقتَ بِبَعضِ ما عِندَكَ مُحتَسِبا ، وأكَلْتَ طَعامَكَ مِرارا قَفَارا ، فإنَّ ذلِكَ شعارُ الصَّالِحينَ ! أفتَطمَعُ وأَنتَ مُتمرِّغٌ في النَّعيمِ ، تستأثِرُ بهِ علَى الجارِ والمِسكينِ والضَّعِيفِ والفَقِيرِ والأرمَلَةِ واليَتيمِ ، أن يُحسَبَ لَكَ أجرُ المُتَصدِّقِينَ ، وأخبرني أنَّكَ تَتَكلّمُ بِكَلامِ الأبرارِ ، وتَعمَلُ عَمَلَ الخاطِئينَ ، فإن كُنتَ تَفعَلُ ذلِكَ فَنَفسَكَ ظَلَمْتَ ، وعَمَلَكَ أَحْبَطْتَ ، فَتُبْ إلى ربِّكَ يُصلِحْ لَكَ عَمَلَكَ ، واقتَصِدْ في أمرِكَ ، وقَدِّمْ إلى ربِّك الفَضلَ لِيَوْمِ حاجَتِكَ ، وادَّهِنْ غِبّا (2) ، فإنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : ادّهِنُوا غِبّا ولا تدّهنوا رِفها (3) » . (4)

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص202 .
2- . الغبّ : الإتيان في اليومين ، وقال الحسن : في كلّ اُسبوع ( لسان العرب :ج1 ص 635 و636 ) .
3- . الرَّفْه : كثرة التَّدَهُّن والتَّنَعُّم ( النهاية : ج2 ص 247 ) .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص 196 وراجع : نثر الدرّ : ج1 ص321 .

ص: 171

. .

ص: 172

كتابه عليه السلام إلى زياد بن عبيد

فكتب إليه زياد : أمَّا بعدُ ؛ يا أمير المؤمنين ، فإنَّ سعدا قَدِم عليَّ ، فأساء القول والعمل ، فانتهرتهُ وزجرتُهُ ، وكان أهلاً لأكثر من ذلك . وأمَّا ما ذَكرتَ من الإسرافِ واتِّخاذِ الألوان مِنَ الطَّعامِ والنَّعَمِ ، فإنْ كان صادقا فأثابه اللّه ُ ثوابَ الصَّالحين ، وإن كان كاذبا فوقاه اللّه أشدَّ عقوبة الكاذبين . وأمَّا قوله : إنِّي أصِفُ العدلَ وأُخالِفُهُ إلى غيره ، فإنَّي إذَنْ من الأخسرين . فخذ يا أمير المؤمنين ، بِمَقالٍ قُلتُهُ في مقامٍ قُمتُهُ ؛ الدَّعوى بِلا بيّنَةٍ ، كالسَّهمِ بلا نَصْلٍ ، فَإن أتاك بشاهِدَيْ عَدلٍ ، وإلاّ تبيَّنَ لَكَ كِذبهُ وظلمُه . (1) [ ويظهر من كلام ابن أبي الحديد أنَّ الَّذي ذكره الرَّضي رحمه الله ليس مختصرا من هذا الكتاب ، بل هو كتاب مستقل كتبه لمَّا بلغه عن زياد هَنات . ]

كتابه عليه السلام إلى زِياد بن عُبَيْدقال اليعقوبيّ : وكتب إلى زياد وكان عامله على فارس : « أمَّا بَعدُ ، فإنَّ رَسُولي أخبَرنِي بِعُجْبٍ ، زَعَمَ أنَّكَ قُلتَ لَهُ فيما بيَنَكَ وبَينَهُ : أنَّ الأكرادَ هاجَت بِكَ ، فكَسَرت عَليْكَ كَثِيرا مِنَ الخَراجِ ، وقُلتَ لَهُ : لا تُعلِم بِذلِكَ أميرَ المُؤمِنينَ ، يا زِيادُ ، وأُقسِمُ باللّه ِ ، إنَّكَ لكاذِبٌ ، ولَئِن لَم تَبعَثْ بِخَراجِكَ لأَشُدَّنَّ عَليكَ شَدَّةً تَدعُكَ قَلِيلَ الوَفْرِ ، ثَقِيلَ الظَّهرِ ، إلاّ أن تَكونُ لما كَسَرْتَ مِنَ الخَراجِ مُحتَمِلاً » (2) .

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ص 197 .
2- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص204 .

ص: 173

[ قلت : زياد وما أدراك ما زياد ، الدَّعي اللَّعين الفاجر السَّفَّاك ، هو ابن عبيد ، وابن سميَّة دعيّ أبي سُفْيَان ، كان يكنَّى أبا المُغِيْرَة ، وسُمَيَّة هي جارية الحارث بن كلدة ، وكان يطؤها بملك اليمين . والعجب من الشَّارح الآملي حيث قال : هو زياد بن أبي سُفْيَان تبعا لأبي عمر في الاستيعاب ، وابن سَعْد في الطَّبقات في مواضع كثيرة ، وليس منهما بعجب ، وفي أُسْد الغابَة : زياد بن سُمَيَّة ، وفي القاموس : زياد بن عبيد ، والأمر سهل ] . قال ابن أبي الحديد : والأكثرون يقولون : إنَّ عبيدا كان عبدا ، وإنَّه بقي إلى أيّام زياد ، فابتاعه وأعتقه ، وسنذكر ما ورد في ذلك ، ونسبة زياد لغير أبيه لخمول أبيه ، والدعوة الَّتي استلحق بها ، فقيل تارةً زياد بن سُمَيَّة ، وهي أُمّه ، وكانت أمة للحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثَّقَفيّ ، طبيب العرب ، وكانت تحت عبيد . وقيل تارةً زياد ابن أبى ، وقيل تارةً زياد بن أمّ ، ولمَّا استُلحِقَ قال له أكثر الناس زياد بن أبي سُفْيَان ، لأنَّ النَّاس مع الملوك الَّذِين هم مظنَّة الرَّهبة والرَّغبة ، وليس أتباع الدِّين بالنِّسبة إلى أتباع الملوك ، إلاّ كالقطرة في البحر المحيط ، فأمَّا ما كان يدعى به قبل الاستلحاق فزياد بن عبيد ، ولا يشكّ في ذلك أحد . (1) وقد ولد عام الهجرة ، أو قبلها ، وليست له صحبة ولا رواية ( أُسْد الغابَة والاستيعاب ) ، وقال في الإصابة : ذكره أبو عمر في الصَّحابة ، ولم يذكر ما يدلّ على صحبته ، ويزعم آل زياد أنَّه دخل على عمرو ، له سبع عشرة سنة . وأخبرني زياد بن عثمان أنَّه كان له في الهجرة عشر سنين ، وقيل ولد عام الفتح ، وقيل ولد عام الهجرة ، وقيل قبل الهجرة . (2) كانت أمّه من البغايا بالطائف (3) ، وكان زياد كاتبا لسَعْد بن أبي وَقَّاص في قرب القادسيّة ، (4) وقاسماً في فتح الأبِلَّة ، وكان له أربع عشرة سنة ، (5) استعمله عمر على بعض أعمال البصرة أو صدقاتها ، وقيل استخلفه أبو موسى الأشْعَرِيّ ، وكان كاتبا له . (6) وكان أحد الشُّهود على المُغِيْرَة بن شُعْبَة ، فلم يشهد ، وكان عاقلاً في دنياه ، داهية خطيبا ، له قدر وجلالة عند أهل الدُّنيا . (7) وبعث عمر زيادا لإصلاح فسادٍ وقع باليمن ، فرجع من وجهه ، وخطب خطبة لم يُسمع النَّاس مِثْلها ، فقال عَمْرو بن العاص : أما واللّه ، لو كان هذا الغلام قرشيّا لساق العرب بعصاه ، فقال أبو سُفْيَان : واللّه ، إنِّي لأعرف الَّذي وضعه في رحِم أمّه . فقال عليّ بن أبي طالب : « ومن هو يا أبا سُفْيَان ؟ » . قال : أنا . قال : « مهلاً يا أبا سُفْيَان » . فقال أبو سُفْيَان : أما واللّه ِ لَولا خَوْفُ شَخْصٍيَراني يا عَلِيُّ مِنَ الأعادِي لَأَظْهَرَ أمرَهُ صَخْرُ بنُ حَرْبٍولَم يَخَفِ المَقالَةَ فِي زِيادِ وَقَدْ طالَتْ مُجامَلَتِي ثَقِيفاوتَرْكِي فِيهِمُ ثَمَرَ الفُؤادِ (8) وقيل : قدم زياد من تُستَر من عند أبي موسى على عمر ، فأمر أن يتكلَّم ويخبر النَّاس بفتح تُستَر ، فقام وتكلَّم فأبلغ ، فعجب النَّاس ، وقالوا : إن ابن عبيد لخطيب ، فقال أبو سُفْيَان ،ما أقره في رحم أُمّه غيري . (9) وقد اعتزل زياد حرب الجمل ، ولم يشهدها ، فجاء عبد الرَّحمن بن أبي بكرة إلى أمير المؤمنين عليه السلام في المستأمنين ، فقال عليه السلام : « وَعمّك القاعِدُ المُتربِّصُ بِي وعَمُّك المُتَربِّصُ المُتقاعِدُ بي » . فقال : واللّه يا أمير المؤمنين ، إنَّه لك لوادّ ، وأنَّه على مسرّتك لحريص ، ولكنَّه بلغني أنَّه يشتكي ، فلمَّا مشى إليه عليّ ودخل عليه ، قال : « تقاعدتَ عنِّي ، وتربَّصْتَ بي » ، ووضع يده على صدره ، وقال : « هذا وجع بيّن » . فاعتذر إليه زياد ، فقبل عذره ، واستشاره ، وأراده عليٌّ على البصرة ، فقال : رجل من أهل بيتك يسكن إليه النَّاس ، فإنَّه أجدر أن يطمئنّوا أو ينقادوا ، وسأكفيكه وأشيرُ عليه ، فافترقا على ابن عبَّاس ، ورجع عليٌّ إلى منزله . (10) وزاد الطَّبري أنَّه عليه السلام وَلَّي زيادا الخَراج ، وأمر ابن عبَّاس أن يسمع منه ، مع أنَّ الطَّبري صرَّح (11) بأنَّ ابن عبَّاس لمَّا شَخص إلى الكوفة استعمل زيادا على الخَراج ، وصرّح (12) بأنَّ الصَّدقات والجند والمعادن كانت لابن عبَّاس أيَّام ولايته ، والَّذي أظنّ أنَّ هذه الزِّيادة الَّتي اختصَّ بها الطَّبري ، قد وردت في ذيل رواية سيف بالسند المعروف ، ولم يذكر ذلك ابن أبي الحديد ، ولا ابن حَجَر ، ولا ابن الأثير ، ولا أبو عمر ، وأوَّل عمل عمل لأمير المؤمنين عليه السلام هو ما كان باستخلاف ابن عبَّاس له على البصرة ، لمَّا قتل محمَّد بن أبي بكر ، وخرج ابن عبَّاس إلى الكوفة معزّيا ، ووقعت فتنة ابن الحَضْرَمِيّ وقتئذٍ كما تقدَّم . (13) وفي أنساب الأشراف : إنَّ عليَّا عليه السلام ضمّ زيادا إلى ابن عبّاس كاتبا ، وأنَّ ابن عبَّاس ولاّه على الخَراج . (14) ولمَّا قتل عليّ عليه السلام أهلَ النَّهروان خالَفَه قوم كثير ، ومنهم بنو ناجية ، وانتقضت عليه أطرافه ، وانتقض أهلُ الأهواز ، وطَمِع أهلُ الخَراج في كسره ، ثُمَّ أخرجوا سهل بن حُنَيف من فارس ، وكان عامل عليٍّ عليها ، فقال : ابن عبَّاس لعليّ أنا أكفيك فارسَ بزياد ، فأمره عليٌّ أن يوجّهه إليها فقدِم ابن عبَّاس البصرةَ ، ووجَّهه إلى فارس في جمع كثير ، فوطئ بهم أهل فارس ، فأدَّوا الخَراج . (15) وكان ذلك سَنَة 39 ه . ق كما في تاريخ الطَّبري . (16) فكتب عليّ عليه السلام إليه هذا الكتاب يتهدّده ويتوعّده . ولمَّا قدِم زياد فارس ، بعث إلى رؤسائها ، فوعد مَن نصرَه ومنَّاه ، وخوَّف قوما وتوعَّدهم ، وضرب بعضَهم ببعض ، ودلّ بعضَهم على عورة بعض ، وهربتْ طائفة ، وأقامت طائفة ، فقتل بعضُهم بعضا ، وصفَتْ له فارس ، فلم يَلْقَ فيها جمعا ولا حَرْبا ، وفعل مثلَ ذلك بكرْمان ، ثُمَّ رجع إلى فارس ، فسار في كُوَرِها ومنَّاهم ، فسَكَن النَّاس إلى ذلك ، فاستقامت له البلاد ، وأتى إصْطَخْرَ فنزلها ، وحصَّن بها قلعةً تُسمَّى قلعةَ زياد . (17) وقد قتل عليّ عليه السلام وهو بها . (18) وفي تلكم المدّة كتب معاوية إلى زياد بالتَّهديد إن لم يطعه ، فلمَّا وصل الكتاب إليه خطب فقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ، ورأس النِّفاق يهدّدني ، وبيني وبينه ابنُ عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وزوج سيّدة نساء العالمين ، وأبو السِّبطين ، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء ، في مئة ألف من المهاجرين والأنصار والتَّابعين لهم بإحسان . أمَا واللّه ، لو تخطّى هؤلاء أجمعين إليّ لوجدني أحْمَر مِخشَّا ضرَّابا بالسَّيفِ ، ثُمَّ كتب إلى عليّ عليه السلام وبعث بكتاب معاوية إليه . فلمَّا وقف عليّ عليه السلام على الكتاب كتب إليه . . . (19) . فلمَّا قرأ زياد كتاب أمير المؤمنين عليه السلام وفيه « وإنَّما كانَتْ مِن أَبي سُفْيَانَ فَلتَةٌ زمَنَ عُمَرَ ، لا تَستَحِقُّ بِها نَسَبا ولا مِيراثا ، وإنَّ مُعاوِيَةَ يأتي المَرءَ مِن بَينِ يَديْهِ وخَلْفِهِ فاَحذَرهُ ، والسَّلامُ » ؛ قال : شهد لي أبو حسن وربّ الكعبة . (20) ولمَّا قتل أمير المؤمنين عليه السلام بايع زياد الحسن عليه السلام ، ولكنَّه ما لبث أن نكث حيث كان شقيَّا وفاسقا متعدِّيا طاغيا متهتّكا ، لا دين له ولا تقوى ، ولذلك صدر منه في زمن أمير المؤمنين عليه السلام بفارس والبصرة ، ما أوجب أن يكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام . وإنَّما كان يَتَّقِي غضب أمير المؤمنين عليه السلام ومؤاخذته ، ولم يكن يرجو من معاوية إجابة أو عطفا إليه لو أنَّه خرج إليه ، إذ لم يكن لعبيد ولا لبنيه في المجتمع شأن يذكر حَتَّى يميل إلى معاوية ، ويترك عليَّا عليه السلام ، فلمَّا قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، واستماله معاوية ، مال إليه رجوعا إلى أصله وميلاً إلى سنخه ، والنَّاس معادن كمعادن الذَّهب والفضة ، « ثُمَّ كَانَ عَقِبَةَ الَّذِينَ أَسَئواْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِ_ئايَ_تِ اللَّهِ وَ كَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ » (21) . استماله معاوية واستلحقه بأبي سُفْيَان في قِصَّةٍ مشهورة ، ذكرها المُؤرِّخون . (22) وكان ذلك في سَنَة أربع وأربعين ، رغما لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « الولَدُ لِلفِراشِ ، وللعاهِرِ الحجَرُ » ، ولذلك هجره أخوه أبو بكر ولم يكلّمه ، وصار ذلك سُبّة على معاوية ، وزياد عند المسلمين ، وهجاه الشُّعراء بحيث اضطرَّ زياد إلى تأليف كتاب المثالب ، ودفعه إلى ولده حَتَّى يدافعوا به عن حسبهم . وردَّهُ معاوية إلى عمله إلى سَنَة خمس وأربعين ، ثُمَّ بعثه عاملاً على البصرة وخراسان وسجستان ، ثُمَّ جمع له الهند والبَحرين . (23) وقَتل حين ورد البصرة سبعمئة إنسانٍ في ليلة واحدة ، ثُمَّ أخذ في قتل الشِّيعة ، ومحبّي أمير المؤمنين عليه السلام تحت كُلِّ حَجَر ومَدَر ، بِكُلِّ ظنّه وتهمة ، ثُمَّ جمع له الكوفة أيضا ، وجعل على البصرة سمرة بن جُنْدُب ، فكان يقيم ستة أشهر بالكوفة ، وستة بالبصرة ، وقتل سمرة إلى أن عاد زياد ثمانية آلاف . (24) قال ابن أبي الحديد ، ونعم ما قال : قلت : قبّح اللّه زيادا ، فإنَّه كافأ إنعام عليّ عليه السلام وإحسانه إليه ، واصطناعه له بما لا حاجة إلى شرحه من أعماله القبيحة بشيعته ومحبّيه ، والإسراف في لعنه ، وتهجين أفعاله ، والمبالغة في ذلك بما قد كان معاوية يرضى باليسير منه ، ولم يكن يفعل ذلك لطلب رضا معاوية ، كلاّ بل يفعله بطبعه ، ويعاديه بباطنه وظاهره ، وأبى اللّه إلاّ أن يرجع إلى أمّه ، ويصحّح نسبه ، وكلّ إناء ينضح بما فيه ، ثُمَّ جاء ابنه بعد ، فختم تلك الأعمال السَّيِّئة بما ختم ، وإلى اللّه تُرجع الأمور . (25) وهو الَّذي فعل بحُجْر بن عَدِيّ وأصحابه رضوان اللّه عليهم ما هو معروف ، من أخذهم وتقييدهم وإرسالهم إلى معاوية مع شهادة مزوّرة ، وهو الَّذي كتب إلى معاوية في حقّ الحَضْرَمِيَّين ، أنَّهم على دين عليٍّ وعلى رأيه ، فكتب إليه معاوية اقتل كُلّ من كان على دين عليٍّ ورأيه ، فقتلهم ومثّل بهم . (26) وقال زياد في خطبته البتراء : وإنِّي أقسم اللّه لآخُذَنَّ الوليَّ بالوليّ ، والمقيم بالظَّاعن ، والمقبل بالمدبر ، والصَّحيح منكم بالسقيم . ولقد عمل بما قال ، وزاد ثُمَّ زاد ، زاده اللّه من عذابه الأليم . وقد أخذ ليلة أعرابيا ، فأدخل عليه ، فقال له زياد : هل سمعتَ النِّداء ؟ قال : لا واللّه ، قدمتُ بحَلوبة (27) لي ، وغشيَني اللَّيلُ ، فاضطررتْها إلى موضع ، فأقمتُ لأُصبِحَ ، ولا علمَ لي بما كان من الأمير . قال : أظنّك واللّه ِ صادقا ، ولكنَّ في قتلك صَلاحَ هذه الأمَّة ، ثُمَّ أمر به فضُربت عُنقُه . (28) روى ابن الكلبي : أنَّ عَبَّادا استلحقه زياد ، كما استلحق معاوية زيادا . (29) فكتب الحسنُ بن عليّ عليه السلام إلى زياد : « أمَّا بعدُ ؛ فإنَّك عَمَدتَ إلى رَجُلٍ مِنَ المُسلمِينَ لَهُ ما لَهم ، وعَليهِ ما عَليْهِم ، فهَدَمتَ دارَهُ ، وأخَذْتَ مالَهُ ، وحَبَستَ أهلَهُ وعِيالَهُ ، فإن أتاكَ كِتابِي هذا فابنِ لَهُ دارَهُ ، واُردُدْ عَليْهِ عِيالَهُ ومالَهُ ، وشفِّعْنِي فيهِ ، فَقَد أجَرْتُهُ ، والسَّلامُ » . فكتب إليه زياد : من زياد بن أبي سُفْيَان إلى الحسن بن فاطمة ، أمَّا بعدُ ، فقد أتاني كتابُك تبدأ فيه بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سُوقة ، وتأمرني فيه بأمرِ المطاع المسلّط على رعيّته . كتبت إليَّ في فاسق آويته ، إقامةً منك على سوء الرَّأي ، ورِضا مِنكَ بِذلِكَ ، وايمُ اللّه ِ لا تَسبِقُني بهِ ، ولو كان بين جِلدِكَ ولَحْمِكَ ، وإن نلت بَعْضَكَ غَيرَ رَفِيقٍ بِكَ ولا مُرْعٍ عَلَيكَ ، فإنَّ أحبَّ لَحمٍ عَلَيَّ أن آكُلَهُ لَلَّحمُ الَّذي أنت مِنهُ ، فَسَلّمهُ بِجرَيرَتِهِ إلى مَن هُوَ أولَى بِهِ مِنْكَ ، فإن عَفَوتُ عَنهُ لم أكُنْ شفّعتُكَ فيهِ ، وإن قَتَلتُهُ لم أقتلْه إلاّ لِحُبّهِ أباكَ الفاسِقَ ؛ والسَّلام . فلمَّا ورد الكتاب على الحسن عليه السلام ، قرأه وتبسَّم ، وكتب بذلك إلى معاوية ، وجعل كتاب زياد عِطفه ، وبعثَ به إلى الشَّام ، وكتب جواب كتابه كلمتين لا ثالِثَةَ لَهُما : « مِنَ الحَسَنِ بنِ فاطِمَةَ إلى زيادِ بنِ سُمَيَّةَ ، أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : الوَلدُ للفرِاشِ وللعاهِرِ الحجرُ ، والسَّلامُ » . فلمَّا قرأ معاويةُ كتابَ زياد إلى الحسن ضاقت به الشَّام ، وكتب إلى زياد : أمَّا بعدُ ، فإنَّ الحسن بن عليّ بعث إليَّ بكتابك إليه جوابا عن كتاب كتبه إليك في ابن سَرْح ، فأكْثَرتُ العجَبَ مِنكَ ، وعَلِمتُ أنَّ لكَ رأيينِ : أحدُهما من أبي سُفْيَان ، والآخرُ مِن سُمَيَّةَ . فأمَّا الَّذي من أبي سُفْيَانَ فحِلْمٌ وحزمٌ ، وأمَّا الَّذي من سُميَّة فما يكون من رأي مِثلها ! من ذلك كتابك إلى الحسن تَشُتم أباه ، وتُعرِّض له بالفسق ، ولَعَمرِي إنَّك الأولى بالفِسقِ مِن أبيهِ . فأمَّا أنَّ الحسنَ بدأ بنفسه ارتفاعا عليك ، فإنَّ ذلك لا يضعك لو عقلت ، وأمَّا تسلّطه عليك بالأمر فحقّ لِمثل الحسن أن يتسلّط ، وأمَّا تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك ، فحظٌّ دفعتَه عَن نَفسِكَ إلى مَن هُو أولى بهِ مِنكَ . فإذا ورد عليك كتابي فخَلّ ما في يديْكَ لسَعِيد بنِ أبي سَرْحٍ ، وابن لَهُ دارَهُ ، واردُدْ علَيهِ مالَهُ ، ولا تعرض له ، فقد كتبتُ إلى الحسن أن يخيّره إن شاء أقام عنده ، وإن شاء رجع إلى بلده ، ولا سلطان لك عليه ، لا بيدٍ ولا لسان . وأمَّا كتابك إلى الحسن ، باسمه واسم أُمّهِ ، ولا تَنسُبه إلى أبيه ، فإنَّ الحسن وَيحك ! من لا يُرمَى بهِ الرَجَوان ، وإلى أيّ أمّ وَكْلته لا أمَّ لك ! أمَا علمتَ أنَّها فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فذاك أفخر لَهُ لو كنتَ تَعلَمه وتعقُله ! وكَتَب في أسفل الكتاب شعرا ، من جملته : أمَا حَسَنٌ فابنُ الَّذي كانَ قَبْلَهُإذا سارَ سارَ المَوتُ حَيثُ يَسيرُ وهَلْ يَلِدُ الرِئْبالُ إلاَّ نَظِيرَهُوذا حَسَنٌ شِبْهٌ لَهُ ونظيرُ ولكنَّهُ لَو يُوزَنُ الحِلمُ والحجابأمرٍ لقالُوا يَذْبُلٌ وثَبِيرُ (30) وفي سَنَة ثلاث وخمسين ، هلك زياد بن أبى بالكوفة في شهر رمضان ، وكان يكنَّى أبا المُغِيْرَة ، وقد كان كتب إلى معاوية أنَّه قد ضبط العراق بيمينه وشماله فارغة ، فجمع له الحجاز مع العراقين ، واتصل خبر ولايته بأهل المدينة فاجتمع الصَّغير والكبير بمسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وضجّوا إلى اللّه ، ولاذوا بقبر النَّبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثة أيَّام لعلمهم بما هو عليه من الظُّلم والعسف ، فخرجت في كفّه بثرة فحكّها فسرت واسودَّت ، فصارت آكلة سوداء ، فهلك بذلك ، وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وقيل اثنتين وأربعين ، ودفن بالثّوبة من أرض الكوفة . وقد كان زياد جمع النَّاس بالكوفة بباب القصر يحرّضهم على لعن عليّ عليه السلام ، فمن أبى ذلك عرضه على السَّيف ، فذكر عبد الرَّحمن بن السَّائب ، قال : حضرت فصرت إلى الرُّحبة ومعي جَماعة من الأنصار ، فرأيت شيئا في منامي وأنا جالس في الجماعة ، وقد خفقتُ ، وهو أنّي رأيت شيئا طويلاً قد أقبل ، فقلت : ما هذا ؟ فقال : أنا النّقاد ذو الرَّقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر ، فانتبهت فزعا فما كان إلاّ مقدار ساعة ، حَتَّى خرج خارج من القصر ، فقال : انصرفوا فإنَّ الأمير مشغول عنكم ، وإذا به قد أصابه ما ذكرنا من البلاء . (31) وكتب الحسين عليه السلام كتابا إلى معاوية وفيه : « أو لستَ المدَّعي زيادا في الإسلام ، فزعمت أنَّه ابن أبي سفيان ، وقد قضى رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنَّ الولدَ للفراشِ ، وللعاهِرِ الحَجرُ . ثُمَّ سلّطْتَهُ على أهل الإسلام ، يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ، من خلاف ، ويصلِبُهُم على جُذوعِ النَّخلِ ، سبحان اللّه يامُعاوِيَةُ ، لكَأنَّكَ لَسْتَ مِن هذهِ الاُمَّةِ ، ولَيسوا مِنْكَ ، أوَ لستَ قاتِلَ الحضرمي الذي كتبَ إليكَ فيهِ زيادٌ أنَّهُ على دِينِ عليٍّ » . (32) بقي الكلام حول سرّ توليته عليه السلام زيادا مع عزله عليه السلام معاوية ، وابن عامر ونظراءهما من الظَّالمين الفاسقين ، حسما لمادّة الفساد ، وقطعا لأيدي الظَّالمين ، حَتَّى لا يتحكَّموا بالنَّاس ، ويتسلّطوا على الأُمَّةِ ، ولكنَّ حقيقة الأمر هي أ نّه لم يظهر من زياد إلى تلكم الآونة عمل سيّئ يوجب حرمانه عن الولاية من قبله ، بل لم نعثر في تاريخ حياته في زمن عمر وعثمان ، مع أنَّه كان كاتبا أو محاسبا في فتح جلولاء وتُستَر ، وكان كاتبا لأبي موسى ، ثُمَّ لعبد اللّه بن عامر ، ثُمَّ لابن عبَّاس ، بل كان كاتبا للمُغيرَةِ أيضا . (33) بل جعل أبو موسى زيادا يلي أُمور البصرة ، وشكوا إلى عمر تفويض الأمر إليه ، فأحضر عمر زيادا ، وكلّمه فردّه ، وأمر أمراء البصرة أن يشربوا برأيه . (34) وذلك مع كفايته في الأُمور الدُّنيويّة ، وحفظه ظواهر الشَّرع ، وبراءتهِ من معاوية وأضرابه ، كما مرّ من خطبته ، وكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام « فإنِّي وَلَّيتُكَ ما وَلَّيتُكَ ، وأنا أراكَ لِذلِكَ أهْلاً . . . » . (35) وهو يدلُّ على ما قلنا ، مع شدّة مراقبة أمير المؤمنين عليه السلام إيّاه ، ودقّته في أفعاله ، كما يظهر من كتبه عليه السلام إليه ، ولقد نقلها المصنف ونقلنا منها ما فاته . وبعد ذلك كلّه ، فلو طرده أمير المؤمنين عليه السلام لكان بلا عذر ظاهر وحجَّة مبرّرة ، ولاستماله معاوية ، واستفاد منه ضدَّ عليّ عليه السلام ، وأيَّد حكومته الغاشمة ، بآرائه وحيله وسياسته وتدبيره ، كابن العاص وأضرابه . وأمير المؤمنين عليه السلام مع علمه بعاقبة أمر زياد وأعماله القبيحة في المستقبل داراه ، كما دارى ابن ملجم وغيره ، ولم يمنعه علمه بهذا من العدل فيه ، وإجراء أحكام الشرع في حقّه .

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص180 .
2- . راجع : الاستيعاب : ج 2 ص 100 الرقم 829 .
3- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص187 ، مروج الذَّهب : ج3 ص15 ؛ سفينة البحار : ج1 ص580 ، الغدير : ج10 ص319 وتاريخ اليعقوبي والإصابة .
4- . تاريخ الطبري : ج3 ص489 .
5- . تاريخ الطبري : ج3 ص597 .
6- . تاريخ الطبري : ج4 ص184 وراجع : الإصابة ، أُسد الغابة، الاستيعاب.
7- . راجع : الطبري : ج4 ص69 ، فتوح البلدان : ص481 والإصابة و أُسد الغابة و الاستيعاب .
8- . راجع : العِقد الفريد : ج5 ص106 ، مروج الذَّهب : ج3 ص16 ، تاريخ مدينة دمشق :ج19 ص175 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص180 و181 وج1 ص173 ، أُسد الغابة ، الاستيعاب ؛ الغارات : ج2 ص926 ، بحار الأنوار : ج33 ص518 ،الغدير :ج10 ص216 _ 227 .
9- . راجع : قاموس الرِّجال : ج 4 ص 506 الرقم 3004 ، وأُسد الغابة .
10- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص543 ، تاريخ مدينة دمشق : ج19 ص171 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص79 .
11- . تاريخ الطبري : ج5 ص136 .
12- . تاريخ الطبري : ج5 ص155 .
13- . راجع: تاريخ الطبري : ج5 ص110 ؛ سفينة البحار : ج8 ص579 .
14- . أنساب الأشراف : ج1 ص271 و293 .
15- . تاريخ الطبري : ج5 ص122 ، الإصابة : ج1 ص563 ، أُسد الغابة : ج1 ص215 .
16- . تاريخ الطبري : ج5 ص136 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص181 .
17- . تاريخ الطبري : ج5 ص138 ، مروج الذَّهب : ج3 ص6 .
18- . تاريخ الطبري : ج5 ص155 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص182 وأُسد الغابة .
19- . راجع : أُسد الغابة : ج2 ص337 الرقم 1800 ، الإصابة : ج2 ص569 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص43 وج16 ص181 ؛ وقعة صفِّين : ص366 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص207 .
20- . أُسد الغابة : ج2 ص337 الرقم 1800 وراجع : الإصابة ، الاستيعاب .
21- . الروم: 10 .
22- . راجع : العِقد الفريد : ج5 ص106 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص187 ، مروج الذَّهب : ج3 ص6 ، الإصابة : ج1 ص563 ، الاستيعاب : ج1 ص570 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص208 ، سفينة البحار : ج1 ص580 ، الغدير : ج10 ص216 و . . .
23- . تاريخ الطبري : ج5 ص217 .
24- . راجع : العِقد الفريد : ج4 ص7 ، تاريخ الطبري : ج5 ص216 _ 226 ، مروج الذَّهب : ج3 ص35 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص218 _ 224 ، الغدير : ج11 ص29 _ 32 .
25- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص139 .
26- . بحار الأنوار : ج44 ص126 ، الغدير : ج11 ص37 _ 57 و61 .
27- . ناقة حلوب : أيهي ممّا يحلب ، والحلوب والحلوبة سواء (النهاية : ج 1 ص 422).
28- . تاريخ الطبري : ج5 ص119 و222 وراجع :الكامل في التاريخ : ج2 ص474 ، أنساب الأشراف : ج5 ص219 وص 206 و225 .
29- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص193 .
30- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص194 ، الغدير : ج11 ص31 .
31- . راجع : العِقد الفريد : ج4 ص8 وج1 ص82 ، تاريخ الطبري : ج7 ص158 _ 162 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص58 ، مروج الذَّهب : ج3 ص35 ، الاستيعاب : ج2 ص105 الرقم 829 ؛ الأمالي للطوسي : ص233 ح413 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص224 ، الغدير : ج11 ص31 .
32- . الإمامة والسياسة : ج 1 ص 203 وراجع : جمهرة رسائل العرب : ج2 ص 67 ؛ الاحتجاج : ج2 ص91 ح 164 ، رجال الكشّي: ج 1 ص 255 الرقم 99 ، أعيان الشيعة : ج4 ص59 ، بحار الأنوار : ج44 ص213 ح 9 ، الغدير : ج10 ص160 .
33- . العِقد الفريد : ج4 ص4 _ 10 .
34- . تاريخ الطبري : ج4 ص185 .
35- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص182 ؛ معادن الحكمة : ج1 ص196 الرقم38 .

ص: 174

. .

ص: 175

. .

ص: 176

. .

ص: 177

. .

ص: 178

. .

ص: 179

. .

ص: 180

. .

ص: 181

. .

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

171 _ كتابه عليه السلام إلى عوسجة بن شدّاد

171كتابه عليه السلام إلى عَوْسَجة بن شَدّاد[ روى العلاّمة النُّوري في المستدرك (1) ، عن إبراهيم الثَّقَفيّ في كتاب الغارات ] ، عن أبي زكريَّا الحَريريّ ، عن يَحْيَى بن صالح ، عن الثِّقات من أصحابه أنَّ عليَّا عليه السلام كتب إلى عوْسَجة بن شَدَّاد : « مِن عَبدِ اللّه ِ عليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى عَوْسَجَةَ بنِ شَدَّاد : سلامٌ علَيكَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ جُهَّالَ العِبادِ تُستَفَزُّ قُلوبَهُم بالأطماعِ ، حَتَّى تَستَعْلِقَ الخَدائِعُ فَتَرِينُ بالمُنى ، عَجِبتُ مِنِ ابتياعِكَ المَملوكَةَ الَّتي أمرتك بابتِياعِها من مالِكِها ، ولم تُعلِمْنِي حِينَ ابتعْتَها أنَّ لها بَعلاً ، فلمَّا أتَتْنِي فَسأَلتُها رَدْدتُها إليْكَ مَعَ مَولايَ مِثْعب ، فَادعُ الَّذي باعَكَ الجارِيَةَ وادعُ زَوْجَها ، فابتَع مِن زَوْجِها بِضْعَها وأخلِصها إنْ رَضِيَ ، فإن أبى وكَرِهَ بَيعَ بِضْعِها ، فاقبِضْ ثَمنَها واردُدْها إلى البائِعِ ، والسَّلامُ . وكتب عُبيدُ اللّه ِ بنُ أبي رافعٍ في سَنَةِ تِسْعٍ وثَلاثِينَ » . (2)

.


1- . مستدرك الوسائل : ج15 ص28 ح 17441 .
2- . الغارات : ج1 ص115 .

ص: 185

. .

ص: 186

. .

ص: 187

الفصل السّادس : وصاياه عليه السلام

اشاره

الفصل السَّادس : وصاياه عليه السلام

.

ص: 188

. .

ص: 189

172 _ كتابه عليه السلام في عين أبي نيزر والبغيبغة

172كتابه عليه السلام في عين أبي نيزر والبغيبغةروى المُبَرِّدُ في الكامل : كان أبو نيزر من أبناء بعض ملوك الأعاجم ، قال : وصحَّ عندي بعد ، أنَّه من ولد النَّجاشيّ ، فرغب في الإسلام صغيرا ، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأسلم ، وكان معه في بيوته ، فلمَّا توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله صار مع فاطمة وولدها عليهم السلام . قال أبو نيزر : جاءني عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنا أقوم بالضَّيعتين : عين أبي نيزر والبغيبغة ، فقال لي : « هَل عِندَكَ مِنْ طَعَامٍ » ؟ فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين ، قرع من قرع الضَّيعة ، صنعته بإهالة سنخة ، فقال : « علَيَّ بهِ » . فقام إلى الرَّبيع وهو جدول ، فغسل يديه ، ثُمَّ أصاب من ذلك شيئا ، ثُمَّ رجع إلى الرَّبيع فغسل يديه بالرَّمل حَتَّى أنقاهما ، ثُمَّ ضمَّ يديه كل واحدة منهما إلى أختها ، وشرب بهما حسى من الرَّبيع ، ثُمَّ قال : « يا أبا نيزر ، إنَّ الأكُفَّ أنظَفُ الآنِيَةِ » ، ثُمَّ مسح ندى ذلك الماء على بطنِهِ ، وقال : « مَن أدخلَهُ بطْنُهُ النَّارَ فأبعَدَهُ اللّه ُ ! » ثُمَّ أخذ المعول وانحدر فجعل يضرب وأبطأ عليه الماء ، فخرج وقد تفضج (1) جبينه عرقا ، فانتكف العرق من جبينه ، ثُمَّ أخذ المعول وعاد إلى العين ، فأقبل يضرب فيها وجعل يهمهم فانثالت كأنها عنق جزور ، فخرج مسرعا ، فقال : « أُشهِدُ اللّه َ ، أنَّها صَدَقَةٌ ، عَليَّ بِدَواةٍ وصَحِيفَةٍ » ، قال : فعجلت بهما إليه ، فكتب : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هذا ما تصَدَّقَ بهِ عَبدُ اللّه ِ عليٌّ أميرُ المُؤمِنينَ ، تَصَدَّقَ بالضَّيعَتَينِ المَعرُوفَتَينِ بِعَينِ أبي نَيزرَ والبُغَيْبُغَةِ علَى فُقراءِ أهلِ المَدِينَةِ ، وابنِ السَّبِيلِ ، ليَقِيَ بِهِما وجْهَهُ حَرَّ النّار يَوَم القِيامَةِ ، لا تُباعا ولا تُوهبا ، حَتَّى يَرِثَهُما اللّه ُ ، وهو خَيرُ الوارِثينَ ، إلاَّ أن يَحتاجَ إليهِما الحَسَنُ أو الحُسَينُ فَهُما طِلْقٌ لَهُما ، ولَيس لِأحدٍ غَيرِهِما » . قال محمَّد بن هِشام : فركب الحسين رضى الله عنه دَين ، فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مئتي ألفِ دِينارٍ ، فأبى أن يَبِيعَ ، وقالَ : « إنَّما تصدَّق بِهِما أبي ليَقِيَ اللّه ُ بها وجهَهُ حَرَّ النَّارِ ، ولَستُ بائِعَها بِشَيءٍ » . وتحدِّث الزُّبَيْريون ، أنَّ معاوية كتب إلى مروان بن الحَكَم ، وهو والي المدينة : أمَّا بعدُ ، فإنَّ أمير المؤمنين أحبَّ أن يَرُدَّ الأُلفة ، ويسلّ السَّخيمة ، ويصل الرَّحم ، فإذا ورد عليك كتابي فاخطب إلى عبد اللّه بن جعفر ابنته أُمَّ كلثوم على يزيد بن أمير المؤمنين ، وأرغِبْ لَهُ في الصَّداق . فوجَّه مروان إلى عبد اللّه بن جعفر ، فقرأ عليه كتاب معاوية ، وأعلمه ما في ردّ الأُلفة من صَلاح ذات البين ، واجتماع الدَّعوة . فقال عبد اللّه : إنَّ خالها الحسين بينبع ، وليس مِمَّن يفتات عليه بأمْرٍ ، فأنظرني إلى أن يقدم ، وكانت أمّها زينب بنت عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه . فلمَّا قدم الحسين ذكر ذلك له عبد اللّه بن جعفر ، فقام من عنده فدخل إلى الجارية ، فقال : « يا بنيَّة ، إنَّ ابن عمّك القاسم بن محمَّد بن جعفر بن أبي طالب أحقُّ بِكِ ، ولَعلَّكِ تَرغبينَ فِي كَثرةِ الصَّداقِ ، وقد نَحَلتُكِ البُغَيبُغاتِ » . فلمَّا حضر القوم للإملاك تكلَّم مروان ، فذكر معاوية وما قصده من صلة الرَّحم وجمع الكلمة . فتكلَّم الحسين فزوّجها من القاسم بن محمَّد . فقال له مروان : أغدرا يا حُسينُ ؟ ! قال : « أنتَ بَدأتَ ، خَطبَ أبو مُحمَّدٍ الحسنُ بنُ علِيٍّ عليهماالسلام عائِشَة بِنتَ عُثمانَ بنَ عفان ، واجتمعنا لِذلِكَ ، فتكلّمْتَ أنتَ فَزَوَّجْتَها مِن عَبدِ اللّه ِ بنِ الزُّبَيْرِ » . فقال مروان : ما كان ذلك ، فالتفت الحسين إلى محمَّد بن حاطب فقال : « أَنشُدُكَ اللّه َ ، أكانَ ذاكَ » قال : اللَّهمَّ نعم ، فلم تزل هذه الضَّيعة في أيدي بني عبد اللّه ِ بنِ جعفَر ، من ناحية أمّ كُلثوم ، يتوارثونها ، حَتَّى ملك أمير المؤمنين المأمون ، فذُكر ذلك له ، فقال : كلاّ ، هذا وَقفُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ صلواتُ اللّه ِ علَيهِ ، فانتزعها من أيديهم ، وعوّضهم منها ، وردَّها إلى ما كانت عليه . (2) [ قال العلاّمة الأمين رحمه الله : كلام المُبَرَّد في خبر تزويج أمّ كلثوم هذه ، يدلُّ على أنَّ الحسين عليه السلام نحلها البغيبغة ، ورواية ابن شهر آشوب تدلُّ على أنَّه نحلها ضيعته بالمدينة أو أرضه بالعقيق ، وأرض العقيق خارجة عن البغيبغة الَّتي بينبع ، أمَّا ضيعته بالمدينة فيمكن انطباقها على الَّتي بينبع ، لأنَّها من توابع المدينة ، وحينئذ فيرجح ما ذكره المُبَرِّد ، ويضعَّف أنَّه نحلها أرضه بالعقيق . نحلة الحسين عليه السلام البغيبغة الدَّاخلة في الوقف لأُمّ كلثوم ، هو أخذ بالرُّخصة الَّتي رخَّصها له أبوه ، ولم يعمل بها في بيع عين أبي نيزر من معاوية ، للبون الشَّاسع بين المقامين ، فلذلك توارثها بنو عبد اللّه بن جعفر من ناحية أمّ كلثوم] . (3)

.


1- . فلان يتفضّجُ عرقا ، إذا عرقت أُصول شعره ولم يبتل (لسان العرب : ج 2 ص 346) .
2- . الكامل للمبرّ د : ج3 ص1127 _ 1130 وراجع : الإصابة : ج7 ص343 ، معجم البلدان : ج1 ص469 وج4 ص175 ، المناقب للكوفي : ج2 ص81 _ 83 ؛ الكافي : ج6 ص179 ح1 ، بحار الأنوار : ج42 ص71 ح1 ، أعيان الشيعة : ج1 ص434 .
3- . أعيان الشيعة : ج1 ص435 .

ص: 190

. .

ص: 191

. .

ص: 192

عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب

عَبدُ اللّه ِ بنُ جَعْفَرِ بنِ أبي طالِبعبد اللّه بن جَعْفَر بن أبي طالِب القُرَشيّ الهاشِميّ ، يُكنَّى أبا جعفر من صحابة النبيّ صلى الله عليه و آله (1) . وعندما هاجرت أوّل مجموعة من المسلمين إلى الحبشة ، كان جعفر بن أبي طالب المشهور بذي الجناحين (2) ، وزوجته أسماء بنت عميس معهم (3) ، وولد عبد اللّه هناك (4) . كان له من العمر سبع سنين عندما جاء إلى المدينة مع أبيه . ولمّا نظر إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله تبسّم وبسط يده ، فبايعه عبد اللّه (5) . استشهد والده جعفر في مؤتة ، فتكفّل النَّبيّ صلى الله عليه و آله تربيته (6) . كان أخا لمحمّد بن أبي بكر ، ويَحْيَى بن عليّ بن أبي طالب من جهة الاُمّ (7) . وكانت تربطه بآل الرَّسول صلى الله عليه و آله وشيجة قويّة . وهو زوج زينب بنت عليّ عليه السلام . شهد صفِّين مع عمّه أمير المؤمنين عليه السلام (8) . ولم يأذن له بالقتال . وعندما عاد إلى الكوفة قال عليه السلام : . . . لئلاّ ينقطع به نسل بني هاشم (9) . وكان عبد اللّه طويل الباع ، فصيح اللسان ، ثابتا على الحقّ . عدّه المؤرّخون وأصحاب التراجم من أجواد العرب المشهورين (10) ، بل من أسخاهم (11) . وذكروا قصصا في ذلك (12) ، من هنا سُمّي : بحر الجود (13) . كان يُصحر بالحقّ في مواطن كثيرة ، ويرعى المنزلة الرَّفيعة لأمير المؤمنين عليه السلام وآل الرَّسول صلى الله عليه و آله . ولم يسكت عن الطَّعن في الشَّجرة الملعونة الاُمويّين ، على مرأى ومسمع منهم (14) ، مع هذا كلّه كان معاوية يكرمه (15) . وكان مع الحسنين عليهماالسلام بعد استشهاد أبيهما ، وتبعهما بصدق . وكان يتأسّف على عدم حضوره في كربلاء ، لكنّه كان يفتخر ويعتز باستشهاد أولاده مع الحسين عليه السلام (16) . توفّي عبد اللّه بالمدينة سنة 80 ه عام الجُحاف (17) (18) وهو ابن ثمانين سنة (19) .

.


1- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6412 ، سِيَر أعلامِ النُّبلاء : ج3 ص 456 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 248 ؛ رجال الطوسي : ص42 الرقم 287 .
2- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6408 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص 456 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 248 ؛ رجال الطوسي : ص42 الرقم 287 .
3- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6408 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص 457 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 250 .
4- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6408 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 252 .
5- . راجع : المستدرك على الصحيحين : ج3 ص 655 ح 6410 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص 457 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 252 .
6- . راجع : الطبقات الكبرى : ج4 ص 37 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص456 و ص 458 الرقم 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص 255 .
7- . اُسد الغابة : ج 3 ص199 الرقم2864 ، الإصابة : ج4 ص37 الرقم4609 .
8- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص460 الرقم93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص272 ، الإصابة : ج 37 ص 4609 ، تهذيب التهذيب : ج 3 ص108 الرقم3773 .
9- . الخصال : ص380 ح58 ، وقعة صفّين : ص530 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص61 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص391 .
10- . الاستيعاب : ج3 ص18 الرقم1506 .
11- . الاستيعاب : ج3 ص17 الرقم1506 .
12- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج3 ص459 _ 461 ص 93 ، تاريخ مدينة دمشق : ج7 ص 275 _ 294 .
13- . الاستيعاب : ج3 ص17 الرقم1506 ، اُسد الغابة : ج 3 ص200 الرقم2864 .
14- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص229 و ج 6 ص 295 .
15- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص656 ح6413 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 3 ص459 الرقم93 ، الاستيعاب : ج3 ص17 الرقم1506 .
16- . تاريخ الطبري : ج5 ص466 .
17- . سيلٌ كان ببطن مكّة جَحف الحاج وذهب بالإبل وعليها الحُمولة ( تهذيب الكمال : ج14 ص 372 ) .
18- . تهذيب الكمال : ج 14 ص372 الرقم3202 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص215 ، المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص655 ح6408 وليس فيهما « عام الجُحاف » ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص253 ، الاستيعاب : ج3 ص17 الرقم1506 .
19- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص655 ح6408 ، تاريخ مدينة دمشق : ج27 ص298 ، تقريب التهذيب : ص298 ح3251 .

ص: 193

. .

ص: 194

173 _ كتابه عليه السلام في وقف داره

173كتابه عليه السلام في وقف دارهروي في الوسائل عن الحسين بن سعيد ، عن محمَّد بن عاصم ، عن الأسْوَد بن أبي الأسْوَد الدُّؤلي ، عن رِبْعيّ بن عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « تصدَّقَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بدارٍ له بالمدينة في بني زريق ، فكتب : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هذا ما تصَدَّقَ بهِ عليُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وهوَ حَيٌّ سَوِيٌّ ، تَصَدّقَ بدارِهِ الَّتي فِي بَنِي زُرَيقٍ صَدَقَةً ، لا تُباعُ ولا تُوهَبُ حَتَّى يَرِثَها اللّه ُ الَّذي يَرِثُ السَّماواتِ والأرضَ ، وأسكَنَ هذهِ الصَّدَقَةَ خالاتِهِ ما عِشْنَ وعاشَ عَقِبُهُنَّ ، فإذا انقَرضُوا فَهِي لذَوي الحاجَةِ مِنَ المُسلِمينَ » . (1) بنو زريق هم ابن عامر بن زريق ، بطن من الخَزْرَج ، مِنهم أبو رافع بن مالك ، وهو أوَّل من أسلم من الأنصار . (2)

.


1- . تهذيب الأحكام : ج9 ص132 ح560 ، الاستبصار : ج4 ص98 ح380 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص248 ح5588 ، مستدرك الوسائل : ج14 ص54 ح16090 .
2- . نهاية الارب للقلقشندي : ص252 الرقم 953 وراجع : معجم القبائل العرب : ج2 471 .

ص: 195

174 _ كتابه عليه السلام لمحمّد بن الحنفيّة

174كتابه عليه السلام لمحمَّد بن الحنفيَّةنقل مصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله (1) وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة عن كتاب من لا يحضره الفقى ، ولكنَّه فاته جزء منها نقله الفقيه ، وهو : قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة :« يا بُنَيَّ إذا قَويتَ فاقوَ علَى طاعَةِ اللّه ِ ، وإذا ضَعُفتَ فاضعُفْ عن مَعصِيَةِ اللّه ِ عز و جل ، وإنِ استَطعْتَ ألاّ تُمَلِّكَ المَرأةَ مِن أمرِها ما جاوَزَ نَفْسَها فافعَلْ ، فإنَّه أَدوَمُ لِجَمالِها وأرخَى لِبالِها ، وأحسَنُ لِحالِها ، فإنَّ المَرأةَ رَيحانَةٌ ولَيسَت بِقَهرَمَانَةٍ ، فَدارِها على كُلِّ حَالٍ ، وأحسِن الصُّحبَةَ لَها لِيصفُو عَيشُكَ » . (2) قال ابن عبد ربّ في العِقد الفريد ، وكتب إلى ابنه محمَّد بن الحنفيَّة ، ثُمَّ نقل فصلاً قد يشابه في بعض الجملات ما ذكره المصنّف رحمه الله عن الفقى ، ونحن ننقله هنا تتميما للفائدة ، وإكثارا للعائدة : كتب إلى ابنه محمَّد بن الحنفيَّة : « أن تَفَقَّه في الدِّينِ ، وعَوِّد نفسَكَ الصَّبرَ علَى المكروهِ ، وكِلْ نفسَكَ في أمورِكَ كُلِّها إلى اللّه ِ عز و جل ، فإنَّك تَكِلُها إلى كَهْفٍ . وأخْلِصْ المسألَةَ لِرَبِّك ، فإنَّ بِيَدِهِ العَطاءَ والحِرمانَ ، وأكثِرِ الاستخارَةَ لَهُ ، واعلَمْ أنَّ مَن كانَت مَطِيَّته اللَّيلَ والنَّهارَ فإنَّه يُسار بهِ وإنْ كانَ لا يَسِيرُ ، فَإنَّ اللّه َ تعالى قَد أبى إلاّ خَرابَ الدُّنيا وعِمارَةَ الآخِرَةِ . فإن قَدَرتَ أن تَزْهَدَ فِيها زُهْدَك كُلَّهُ فافعَلْ ذلِكَ ، وإن كُنتَ غَيرَ قابِلٍ نَصِيحَتِي إيَّاكَ ، فاعلَم عِلْما يقينا أنَّك لن تَبْلُغ أملَكَ ، ولا تَعْدو أجلَكَ ، وأنَّك في سَبِيلِ مَن كانَ قَبْلَكَ ، فَأَكرِمْ نفسَكَ عَن كُلِّ دَنِيَّةٍ ، وإن ساقَتكَ إلى الرَّغائِبِ ، فَإنَّكَ لن تَعتاضَ بِما تَبْذُلُ مِن نَفسِكَ عِوَضا ، وإيَّاكَ أن تُوجِفَ بِكَ مَطايا للطَّمعِ ، وتَقولُ : متى ما أُخِّرت نَزَعتُ ، فإنَّ هذا أهْلَكَ مَن هَلكَ قَبْلَكَ . وأمسِكْ عَليكَ لِسانَكَ ، فإنَّ تَلافِيك ما فَرَطَ مِن صَمْتِكَ أيْسرُ علَيكَ مِن إدراكِ ما فاتَ مِن مَنْطِقِكَ ، واحفَظْ ما في الوِعاءِ بشَدِّ الوِكاءِ ، فحُسْنُ التَّدبِيرِ مَعَ الاقتصادِ أبْقى لَكَ مِنَ الكَثيرِ مَعَ الفَسادِ ، والحُرْفَةِ (3) مع العِفَّةِ خيرٌ مِنَ الغِنى مَعَ الفُجُورِ ، والمَرْءُ أحفظُ لِسِرّهِ ، ولَرُبَّما سَعَى فيما يَضُرُّهُ . وإيَّاكَ والاتّكالَ علَى الأمانِي ، فإنَّها بضائِعُ النَّوكَى (4) ، وتُثَبِّطُ عَنِ الآخِرَةِ والأُولَى . (5) ومن خير حظّ الدُّنيا القَرِينُ الصَّالِحُ ، فقارِنْ أهلَ الخَيرِ تَكنْ مِنهُم ، وبايِنْ أهلَ الشَّرّ تَبِنْ عَنهُم ، ولا يَغْلِبَنَّ عليْكَ سُوءُ الظَّنِّ ، فَإنَّهُ لَن يَدعَ بَينَكَ وبَينَ خَلِيلٍ صُلْحا . أذْكِ قلْبَكَ بالأدَبِ ، كما تُذْكَى النَّارُ بالحَطَبِ ، واعلَم أنَّ كُفْرَ النِّعْمَةِ لُؤْمٌ ، وصُحْبَةَ الأحمَقِ شُؤمٌ ، ومِنَ الكَرَمِ مَنْعُ الحُرَمِ ، ومَن حَلُم سادَ ، ومَن تَفَهّم ازدَادَ . إمْحَض أخاكَ النَّصِيحَةَ ، حسنةً كانَت أو قَبيحَةً ، لا تَصْرِمْ أخَاكَ علَى ارتيابٍ ، ولا تَقْطَعْهُ دُونَ استِعتابٍ ، ولَيسَ جزاءُ مَن سَرَّكَ أن تَسُوءَهُ . الرِّزقُ رِزقان : رِزْقٌ تَطْلُبهُ ، ورِزْقٌ يَطلُبُكَ ، فإن لَمْ تأتِهِ أتاكَ . واعلَمْ يا بُنيَّ أنَّ مالَكَ مِن دُنياكَ إلاَّ ما أصْلَحْتَ بهِ مَثْواكَ ، فأَنْفِقْ مِن خَيْرِكَ ، ولا تَكُن خازِنا لِغَيرِكَ ، وإن جَزعْتَ على ما يُفلِتُ مِن يَديْكَ فاجزَع علَى ما لَمْ يَصِل إليْكَ ، رُبّما أخطأ البَصيرُ قَصْدَهُ ، وأبصَرَ الأعمَى رُشْدَهُ ، ولَم يَهْلِكِ امرؤٌ اقتَصَدَ ، ولم يَفْتَقِرْ مَن زَهَدَ . مَن ائتمَنَ الزَّمانَ خانَهُ ، ومَن تَعَظَّمَ علَيْهِ أهانَهُ . رأسُ الدِّينِ اليَقينُ ، وتَمامُ الإخْلاصِ اجتِنابُ المَعاصِي ، وخيرُ المَقالِ ما صَدَّقَهُ الفِعالُ . سَلْ عن الرَفِيقِ قَبلَ الطَّريقِ ، وعَنِ الجَارِ قَبْلَ الدَّارِ . واحمِلْ لِصَديقِكَ علَيكَ . واقْبَل عُذرَ مَن اعتَذَرَ إليْكَ ، وأخِّر الشَّرَّ ما استَطَعْتَ ، فإنَّكَ إذا شِئْتَ تَعجَّلْتَهُ . لا يَكُنْ أخوكَ علَى قَطيعَتِكَ أقَوى مِنْكَ علَى صِلَتِهِ ، وعلَى الإساءَةِ أقوى مِنْكَ علَى الإحسانِ . لا تُمَلّكن المرأةَ مِنَ الأمْرِ ما يُجاوِزُ نَفْسَها ، فَإنَّ المَرأةَ رَيْحانَةٌ ، ولَيسَتْ بِقَهْرمَانَةٍ ، فَإنَّ ذلِكَ أدومُ لِحالِها ، وأَرْخَى لِبالِها . واغضُض بَصَرَها بِسَتْرِكَ ، واكفُفْها بِحجابِكَ . وأكرِمِ الَّذِينَ بِهِم تَصُولُ ، وإذا تطاوَلتَ بِهم تَطُولُ . أسألُ اللّه َ أن يُلْهِمَكَ الشُّكرَ والرُّشْدَ ، ويُقَوِّيكَ على العَمَلِ بِكُلِّ خَيْرٍ ، ويَصرِفُ عَنْكَ كُلَّ مَحْذورٍ بِرَحمَتِهِ ، والسَّلامُ علَيكَ ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ . (6)

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص 454 الرقم 88 .
2- . من لايحضره الفقيه : ج3 ص556 ح4911 .
3- . الحُرْفة : الضيق والإقلال .
4- . النوكى _ بالفتح كسكرى _ : جمع أنوك ، أي الأحمق .
5- . الأماني : جمع الأُمنية : الأمل . والبضائع : جمع البضاعة : رأس المال . والنَّوكى : الحمقى لفظا ومعنىً . وتثبط : تعوق وتؤخّر .
6- . العِقد الفريد : ج2 ص333 _ 335 .

ص: 196

. .

ص: 197

. .

ص: 198

[ أقول : نقل الصَّدوق رحمه الله هذه الوصيَّة متفرّقة في الفقى ، في آخر كتاب المزار باب الفروض على الجوارح (1) ، وفي آخر الفقى باب النَّوادر (2) ، ونقل مصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله ذلك كلّه ، ولم يشر إلى كونها كتابا ، ولكن من المعلوم أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب كتابين : أحدهما إلى السِّبط الأكبر المجتبى عليه السلام ، وثانيهما إلى محمَّد بن الحنفية رحمه الله ، كما عن الشيخ والنَّجاشي ، أنَّهما ذكرا في ترجمة الأصبغ ، أنَّه روى كتاب عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى الأشْتَر ، وكتاب وصيَّته إلى محمَّد بن الحنفيَّة ، كما في قاموس الرِّجال في ترجمة الأصْبَغ ، ونهج السَّعادة ، وجامع الرواة ، ومرَّ عن ابن عبد ربّ شطر منه ، ونُقل في نهج السَّعادة ، وممَّن ذكر السَّند للوصيّة الشَّريفة السَّيِّد ابن طاووس رحمه الله ، نقلاً عن الجزء الأوَّل من كتاب الزَّواجر والمواعظ ، من نسخة تاريخها ذو القعدة من سَنَة ثلاث وسبعين وأربعمئة ، تأليف أبي أحمد الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري ، قال : وأخبرنا أحمدُ بنُ عبد الرَّحمن بن فضَّال القاضي قال : حدَّثنا الحسن بن محمَّد بن أحمد ، وأحمد بن جعفر بن محمَّد بن زَيْد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمَّد الحسني ، قال : حدَّثنا الحسن بن عبدك ، قال : حدَّثنا الحسن بن ظَريف بن ناصِح ، عن الحسن ( الحسين ) بن عَلوان ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي ، قال : كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه محمَّد . وقال السَّيِّد رحمه الله : واعلم أنَّه قد روى الشَّيخ المتفق على ثقته وأمانته ، محمَّد بن يعقوب الكليني تغمَّده اللّه جل جلاله برحمته ، رسالة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، إلى ابنه الحسن عليه السلام ، وروى رسالة أخرى مختصرة ، عن خطّ عليّ عليه السلام ، إلى ولده محمَّد بن الحنفيَّة ، وذكر الرِّسالتين في كتاب الرَّسائل ، ووجدنا منها نسخة قديمة يوشك أن تكون كتابتها في زمان حياة محمَّد بن يعقوب رحمه الله ،انتهى . والَّذي يظهر من الكليني رحمه الله أنَّ هذه الرِّسالة المختصرة الَّتي ذكرها ابن طاووس رحمه الله ، غير الَّتي ذكرها الصَّدوق رحمه الله ، إذ هو ينقل بعض جملات الوصيَّة في الكافي ، وينسبها إلى كتابه للحسن عليه السلام ، ثُمَّ يروي بعده رواية أنَّه كتابه لمحمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله ، قال في كتاب النِّكاح من الكافي ] : عن أبي عبد اللّه ِ الأشْعَريُّ ، عن بَعْض أصحابِنا ، عن جعفر بن عَنْبَسَةَ ، عن عُبَادَةَ بن زِياد ، عن عمْرو بن أبي المِقْدَامِ ، عن أبي جعفر عليه السلام ، وأحمَدَ بن مُحَمَّدٍ العَاصِمِيّ ، عمَّن حَدَّثه ، عن مُعَلَّى بن محمَّد ، عن علِيِّ بن حَسَّان ، عن عبد الرَّحْمن بن كَثِيرٍ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في رِسَالته إلى الحسن عليه السلام : « إيَّاكَ ومُشَاوَرَةَ النِّساءِ ، فإنَّ رَأْيَهُنَّ إلى الأفْنِ ، وعَزْمَهُنَّ إلى الوَهْنِ ، واكْفُفْ علَيْهِنَّ من أبْصَارهِنَّ بِحجابِك إيّاهُنَّ ، فإنَّ شِدَّة الحِجاب خَيْرٌ لك ولَهُنَّ من الاِرْتِيَاب ، ولَيسَ خُرُوجُهُنَّ بأشَدَّ من دُخُول مَن لا تَثِقُ بهِ عَلَيْهِنَّ ، فَإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لا يَعْرِفْنَ غَيْرَك مِنَ الرِّجالِ فَافْعَلْ » . [ ثُمَّ قال : ] أحمدُ بنُ مُحَمَّد بنِ سَعِيدٍ ، عن جعفر بن مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِيِّ ، عن عليِّ بن عبْدَكٍ ، عن الحسن بن ظَريف بن ناصِحٍ ، عن الحُسَيْن بن علْوَانَ ، عن سَعْد بن طَرِيفٍ ، عن الأصْبَغ بن نُبَاتَةَ ، عن أمِير المُؤمِنِين عليه السلام مِثْلَهُ ، إِلاّ أنَّهُ قال : كَتَب بهذه الرِّسَالَة أمير المُؤمِنِين عليه السلام إلى ابنه مُحَمَّد بن الحَنَفِيَّة . (3) [ ثُمَّ نقل بالسند المتقدّم ] عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال في رسالَة أمير المُؤمِنِين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام : « لا تُمَلِّكِ المَرْأةَ من الأمر ما يُجَاوِزُ نَفْسَها ، فإنَّ ذلك أنْعَمُ لِحَالِها ، وأرْخَى لِبَالِهَا ، وأدْوَمُ لِجَمَالِهَا ، فإنَّ المَرْأةَ رَيْحَانَةٌ وليستْ بِقَهْرَمانَةٍ ، ولا تَعْدُ بِكَرَامَتِها نَفْسَها ، واغْضُضْ بَصَرَها بِسِتْرِك ، واكْفُفْها بِحِجَابِكَ ، ولا تُطْمِعْها أنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا ، فَيَمِيلَ عليْك مَن شَفَعَتْ له عليك مَعَها ، واسْتَبْقِ من نفسِك بَقِيَّةً ، فَإِنَّ إِمْسَاكَك نفسَك عَنْهُنَّ ، وهُنَّ يَرَيْنَ أنَّكَ ذُو اقْتِدَارٍ خَيْرٌ مِنْ أن يَرَيْنَ مِنك حَالاً على انْكِسَارٍ » . [ ثُمَّ نقل بالسند المتقدّم المذكور ] عن الأصْبَغِ بن نُبَاتَةَ عن أمير المُؤمِنين عليه السلام مِثْلَهُ إِلاّ أنَّه قال : كَتَبَ أمير المُؤمِنين صلَوَاتُ اللّه عليه بهذِه الرِّسَالَة إلى ابْنِه مُحَمَّدٍ رِضْوَانُ اللّه عليه . (4) [ فيستفاد من كلامه أنَّ الرِّسالة عنده كانت واحدة إلاّ أنَّه نقله بسندين : أحدهما يتّصل بالإمام الصَّادق عليه السلام ، وينسبها إلى الحسن عليه السلام ، وثانيهما يتّصل بالأصبغ بن نُباتَة ، وينسبه إلى محمَّد رحمه الله . وأمَّا سند الشَّيخ والنَّجاشي لكتابه عليه السلام إلى محمَّد رضوان اللّه عليه ، فينتهي إلى محمَّد بن أحمد بن أحمد الثَّلج ، عن جعفر بن محمَّد الحسيني ، عن عليّ بن عبدك (5) ، عن الحسن بن ظَريف ، عن الحسين بن علوان ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة . كما أنَّ سندهما لعهده عليه السلام للأشْتَر رضوان اللّه عليه ، ينتهى إلى الحسن بن ظَريف ، عن الحسين بن علوان ، عن سَعْد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة . كما أنَّ كتاب أمير المؤمنين عليه السلام في الدِّيات ، ينتهى إلى الحسن بن ظَريف أيضا ، فيستفاد أنَّ لحسن بن ظَريف كتابا حاويا لهذه الكتب ، روى عنه الرُّواة ، ولا ينافي ذلك رواية الكليني رحمه الله بعض فقرات كتابه إلى الحسن عليه السلام بسند آخر ، وكذا لا ينافيه رواية الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الخصال شطرا من كتابه عليه السلام إلى محمَّد بسند آخر ، حيث قال : ] حدَّثنا أبي رحمه الله ، قال : حدَّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حَمَّاد بن عيسى ، عمَّن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين في وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة : واعلَمْ أنَّ مُروءَةَ المَرءِ المُسلِمِ مُروءَتانِ : مُروءَةٌ في حَضَرٍ ، ومُروءَةٌ في سَفَرٍ . فأمَّا مُروءَةُ الحضَرِ فَقِراءَةُ القُرآنِ ، ومُجالَسَةُ العُلَماءِ ، والنَّظَرُ فِي الفِقهِ ، والمُحافَظَةُ علَى الصَّلاةِ فِي الجَماعاتِ . وأمَّا مُروءَةُ السَّفَرِ فَبَذلُ الزَّادِ ، وقِلَّةُ الخِلافِ علَى مَن صَحِبَكَ ، وَكثرَةُ ذِكْرِ اللّه ِ عز و جلفي كُلِّ مَصعَدٍ ومَهبِطٍ ونُزولٍ وقِيامٍ وقُعودٍ . (6) قال : حدَّثنا أبي رحمه الله ، قال حدَّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حَمَّاد بن عيسى ، عمَّن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة : « إيَّاكَ والعُجْبَ ، وسُوءَ الخُلُقِ ، وقِلَّةَ الصَّبرِ ، فَإنَّهُ لا يَستَقِيمُ لكَ علَى هذهِ الخِصالِ الثَّلاثِ صاحِبٌ ، ولا يَزالُ لكَ علَيها مِنَ النَّاسِ مُجانِبٌ ، وألزِمْ نَفسَكَ التَّودُّدَ واصبِرْ على مَؤوناتِ النَّاسِ نفسَكَ ، وأبذِلْ لِصَدِيقِكَ نفسَكَ ومالَكَ ، ولِمَعرِفَتِكَ رِفدَكَ ومَحضَرَكَ ، ولِلعامَّةِ بِشْرَكَ ومَحبَّتَكَ ، ولِعَدوِّكَ عَدلَكَ وإنصافَكَ ، واضنُنْ بِدِينِكَ وعِرضِكَ عَن كُلِّ أَحدٍ ، فَإنَّهُ أسلَمُ لِدينِكَ ودُنياكَ » . (7) [ والسَّند الَّذي ذكره الصَّدوق رحمه الله في مشيخة الفقى لوصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لمحمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله ، هو ما تقدَّم من سند الرِّواية المتقدّمة . وذلك لأنَّه يمكن أن يكون الكتاب معروفا مشهورا ، رواه العلماء بطرق مختلفة ، وشيخنا الكليني والصَّدوق رويا بسند يتّصل إلى الإمام أبي عبد اللّه ، أو أبي جعفر عليهماالسلامكتابه عليه السلام إلى ابنه السبط الأكبر عليه السلام ، وإلى محمَّد بن الحنفيَّة رحمه الله ، والشَّيخ والنَّجاشي رويا كتاب حسن بن ظَريف ، المشتمل عليهما وعلى غيرهما . واشتبه الأمر على بعض ، فتوهّم كونه كتابا واحدا قد ينسب إلى الإمام الحسن ، وقد عليه السلام ينسب إلى محمَّد رحمه الله ، وممَّا يؤيِّد هذا التوهُّم عبارتا الكليني رحمه اللهالمتقدّمتان ] .

.


1- . من لا يحضره الفقيه : ج2 ص626 ح 3215 .
2- . من لا يحضره الفقيه : ج4 ص483 ح 5834 .
3- . الكافي : ج 5 ص 338 ح7 .
4- . الكافي : ج 5 ص 510 ح3 .
5- . في البحار : «عبدل» .
6- . الخصال : ص54 ح71 .
7- . الخصال : ص147 ح178 ، بحار الأنوار : ج74 ص175 .

ص: 199

. .

ص: 200

. .

ص: 201

. .

ص: 202

175 _ وصيّته عليه السلام لابنه محمّد بن الحنفيّة

175وصيَّته عليه السلام لابنه محمَّد بن الحَنَفيَّة« يا بُنَيَّ لا تَقلْ ما لا تَعلَم ، بَل لا تَقُل كلَّ ما تَعلَم ، فإنَّ اللّه َ تَبارَك وتَعالَى قَدْ فَرَضَ علَى جَوارِحِكَ كُلِّها فَرَائِضَ يَحتَجُّ بها علَيْكَ يَوْمَ القِيامَةِ ، ويَسأَلُكَ عَنْها ، وذَكَّرَها ووَعَظَها ، وحَذَّرَها وأدَّبَها ، ولَمْ يَترُكْها سُدىً . فقالَ اللّه ُ عز و جل : « وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْ_ئولاً » (1) ، وقال عز و جل : « إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَ هُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ » (2) ، ثُمَّ اسْتعْبدَها بطَاعَتِهِ فقالَ عز و جل : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ارْكَعُواْ وَ اسْجُدُواْ وَ اعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَ افْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (3) ، فَهذِه فَرِيضَةٌ جامِعَةٌ وَاجِبَةٌ علَى الجَوارِحِ . وقال عز و جل : « وَ أَنَّ الْمَسَجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا » (4) ، يعْنِي بالمَساجِدِ ، الوَجْهَ ، واليَدَيْنِ ، والرُّكْبَتَيْنِ والإبْهامَينِ . وَقالَ عز و جل : « وَ مَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لاَ أَبْصَرُكُمْ وَ لاَ جُلُودُكُمْ » (5) ، يعْني بالجُلُودِ الفَروجَ ، ثُمَّ خصَّ كلَّ جَارِحَةٍ مِن جَوَارِحِكَ بفَرْضٍ ، ونَصَّ علَيْها : فَفَرَضَ علَى السَّمْعِ ، ألاّ تُصغي بهِ إلَى المَعاصِي ، فقال عز و جل : « وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ » ، وقال عز و جل : « وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءَايَتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ » (6) ، ثمَّ اسْتَثْنى عز و جل موْضِعَ النِّسيانِ ، فَقالَ : « وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّ_لِمِينَ » (7) ، وقال عز و جل : « فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ أُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الْأَلْبَبِ » (8) ، وقال عز و جل : « وَ إِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَامًا » (9) ، وقال عز و جل : « وَ إِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ » (10) ، فهذا ما فَرَضَ اللّه ُ عز و جل علَى السَّمعِ ، وهوَ عَملُهُ . وفَرَضَ على البَصر ، ألاّ ينْظرَ إلَى ما حَرَّم اللّه عز و جل علَيْهِ ، فقالَ عَزَّ مَن قائلٍ : « قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَ يَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ » (11) ، فَحَرَّمَ أنْ يَنظُرَ أحدٌ إلى فَرْجِ غَيْرِهِ . وفَرَضَ علَى اللِّسانِ ، الإقْرارَ والتَّعبِيرَ عَنِ القَلبِ بِما عَقَدَ عَلَيْهِ ، فقال عز و جل : « قُولُواْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا » (12) _ الآية _ ، وقال عز و جل : « وَ قُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا » (13) . وفَرَضَ على القلبِ ، وهو أمِيرُ الجَوارِحِ ، الَّذِي بهِ تعْقِلُ وتَفْهَمُ وتَصْدُرُ عَن أمْرِهِ ورأيهِ فَقالَ عز و جل : « إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئنُّ بِالاْءِيمَنِ » (14) _ الآية _ ، وقالَ تَعالَى حِيْنَ أخْبَرَ عَن قومٍ أعطَوا الإِيمانَ بأفواهِهِم ، ولم تُؤمِنْ قلُوبُهُم ، فَقالَ تعالى : « الَّذِينَ قَالُواْ ءَامَنَّا بِأَفْوَ هِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ » (15) ، وَقالَ عز و جل : « أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » (16) ، وقال عز و جل : « وَإِن تُبْدُواْ مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ » (17) . وفَرَضَ علَى اليَدَينِ ألاّ تمدَّهما إلى ما حرَّمَ اللّه ُ عز و جل علَيْكَ ، وأنْ تَستَعمِلَهُما بِطاعَتِهِ ، فقال عز و جل : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » (18) ، وقال عز و جل : « فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرِّقَابِ » (19) . وفَرَضَ علَى الرِّجْلَينِ أنْ تَنقُلَهما في طاعَتِهِ ، وألاّ تمْشي بِهِما مِشيةَ عاصٍ ، فقال عز و جل : « وَ لاَ تَمْشِ فِى الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا » (20) ، وقال عز و جل : « الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَ هِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ » (21) ، فأخبَرَ عنْها أنَّها تشهَدُ علَى صاحِبِها يَوْمَ القِيامَةِ . فهذا ما فَرَضَ اللّه ُ تَبارَكَ وتَعالَى علَى جَوارِحِكَ ، فاتَّقِ اللّه َ يا بُنَيَّ ، واسْتَعمِلْها بِطاعَتِهِ ورِضْوانِهِ . وإيَّاك أنْ يَراكَ اللّه ُ تَعالَى عِنْدَ معْصِيتِهِ ، أو يَفقِدَكَ عِنْدَ طاعَتِهِ ، فَتَكُونَ مِنَ الخاسِرينَ . وعلَيْكَ بقراءَةِ القُرآنِ ، والعَملِ بِما فيْهِ ، ولُزُوم فَرائِضِهِ وشَرائِعِهِ ، وحَلالِهِ وحَرامِهِ ، وأمْرِهِ ونَهْيِهِ ، والتَّهجُّدِ بهِ ، وتِلاوَتِهِ في لَيْلِكَ ونَهارِكَ ، فإنَّهُ عَهدٌ مِنَ اللّه ِ تَبارَكَ وتَعالَى إلى خَلقِهِ ، فَهوَ واجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ أنْ يَنْظر كلَّ يَوْمٍ في عَهْدِهِ ، ولوْ خَمسِينَ آيةً . واعْلَم أنَّ درجاتِ الجَنَّةِ على عَدَدِ آيات القُرآنِ ، فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ يُقال لِقارِئ القُرآنِ : اقْرَأ وارْقَ ، فَلا يكونُ في الجَنَّةِ بَعْد النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ أرفع دَرجَةً مِنْهُ » . (22)

.


1- . الإسراء :36 .
2- . النور :15 .
3- . الحج :77 .
4- . الجن :18 .
5- . فصلت :22 .
6- . الأنعام :68 .
7- . الأنعام :68 .
8- . الزمر : 17 و 18 .
9- . الفرقان : 72 .
10- . القصص :55 .
11- . النور :30 .
12- . البقرة : 136 .
13- . البقرة :83 .
14- . النحل :106 .
15- . المائدة :41 .
16- . الرعد :28 .
17- . البقرة :284 .
18- . المائدة :6 .
19- . محمد :4 .
20- . الإسراء :37 و38 .
21- . يس :65 .
22- . من لايحضره الفقيه : ج2 ص627 ح3215 .

ص: 203

. .

ص: 204

. .

ص: 205

. .

ص: 206

176 _ وصيّته عليه السلام لابنه محمّد بن الحنفيّة

176وصيَّته عليه السلام لابنه محمَّد بن الحَنَفيَّة« يا بُنَيَّ إيَّاكَ والاتِّكالَ علَى الأمَانِيِّ ، فَإنَّها بَضَائِعُ النَّوكى (1) ، وتثبيطٌ عَنِ الآخِرَةِ ، ومِن خَيْرِ حَظِّ المَرءِ قَرِينٌ صَالِحٌ . جَالِسْ أهْلَ الخَيْرِ تَكنْ مِنْهُم ، بَايِنْ أهْلَ الشَّرِّ ومَن يَصدُّكَ عَن ذِكْرِ اللّه ِ عز و جل وذِكْرِ المَوْتِ بالأباطِيلِ المُزَخْرَفَةِ والأراجِيْفِ المُلَفَّقَةِ تَبْنِ مِنهُم . ولا يغْلِبَنَّ علَيْكَ سُوءُ الظَّنِّ باللَّهِ عز و جل ، فإنَّه لَنْ يَدَعْ بيْنك وبيْن خَلِيلِكَ صُلْحا . أذْكِ بالأدَبِ قَلْبَكَ كمَا تُذكِي النَّارَ بالحَطَبِ ، فَنِعْمَ العَوْنُ الأدبُ للنَّحيزة (2) والتَّجارِبُ لِذي اللُّبِّ ، اضْمم آرَاءَ الرِّجالِ بَعْضَها إلى بَعْضٍ ، ثمَّ اخْتَر أقربَها إلى الصَّوابِ ، وأبْعدَها مِنَ الارتيابِ . يا بُنَيَّ ، لا شَرَفَ أعلَى من الإسلامِ ، ولا كَرَمَ أعَزُّ مِنَ التَّقوى ، ولا مَعْقِلَ أحْرَزُ مِنَ الوَرَعِ ، ولا شَفِيعَ أنْجَحُ مِنَ التَّوبَةِ ، ولا لِباسَ أجْمَلُ مِنَ العَافِيَةِ ، ولا وِقايَةَ أمْنَعُ مِنَ السَّلامَةِ ، ولا كَنْزَ أغْنَى مِنَ القُنُوعِ ، ولا مَالَ أذْهَبُ للفاقَةِ مِنَ الرِّضا بالقُوتِ ، ومَن اقْتَصَرَ على بُلْغَةِ الكَفَافِ فَقَدْ انْتَظَم الرَّاحَةَ وتَبَوَّأ خَفضَ الدَّعَةِ ، الحِرصُ داعٍ إلى التَّقحُّمِ في الذُّنوبِ . ألْقِ عنْك وَارِداتِ الهُمُومِ بعَزَائِمِ الصَّبرِ ، عَوِّد نَفْسَكَ الصَّبرَ ، فَنِعْمَ الخُلُقُ الصَّبرُ ، واحْمِلْها علَى ما أصابَكَ مِن أهْوَالِ الدُّنيا وهُمُومِها ، فازَ الفَائِزُونَ ، ونَجَا الَّذينَ سَبَقَتْ لَهم مِنَ اللّه ِ الحُسْنَى ، فَإنَّهُ جُنَّةٌ من الفَاقَةِ ، وألجِئْ نَفْسَكَ في الأمورِ كُلِّها إلى اللّه ِ الواحِدِ القَهَّارِ ، فَإنَّكَ تُلْجِئُها إلى كَهفٍ حَصِينٍ ، وحِرزٍ حَريزٍ ، ومانِعٍ عَزيزٍ ، وأخْلِص المسأَلةَ لِربِّكَ ، فإنَّ بِيَدِهِ الخَيْرَ والشَّرَّ ، والإعْطاءَ والمَنْعَ ، والصِّلةَ والحِرمانَ » . وقال عليه السلام في هذه الوصيَّة : « يا بُنَيَّ ، الرِّزقُ رِزقانِ : رِزْقٌ تَطْلُبُه ورِزْقٌ يَطْلُبُكَ ، فإنْ لمْ تَأتِهِ أتَاكَ ، فَلا تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ علَى هَمِّ يَوْمِكَ ، وكَفاكَ كُلَّ يوْمٍ ما هُو فيْهِ ، فإنْ تَكُن السَّنَةُ مِن عُمُرِكَ ، فَإنَّ اللّه َ عز و جلسَيأتِيكَ في كُلِّ غَدٍ بجَدِيدٍ ما قَسَم لَكَ ، وإنْ لمْ تَكنِ السَّنَةُ مِن عُمُرِكَ فما تصنَعُ بِغَمِّ وهَمِّ ما لَيْسَ لَكْ ؟ واعْلَم أنَّه لنْ يَسبِقَكَ إلى رِزقِكَ طالِبٌ ، ولَنْ يغلِبَكَ علَيْهِ غالِبٌ ، ولنْ يحتَجِبَ عَنْكَ ما قدِّر لَكَ ، فكَم رَأيْتُ مِن طالِبٍ مُتعِبٍ نفْسَهُ مُقَتَّرٍ علَيْه رِزْقُهُ ، ومُقْتَصِدٍ في الطَّلبِ قَدْ ساعَدَتهُ المَقادِيرُ ، وكُلٌّ مَقرونٌ بهِ الفَناءُ ، اليَوْمَ لَكَ وأنْتَ مِن بُلوغِ غَدٍ علَى غَيْرِ يَقينٍ ، وَلَرُبَّ مُسْتَقْبِلٍ يَوْما لَيسَ بمُسْتدْبِرِهِ ، ومَغْبوطٍ في أوَّل لَيْلَةٍ قامَ في آخِرِها بَواكِيْهِ ، فلا يغرَّنَّكَ مِنَ اللّه طُولُ حُلُولِ النِّعَمِ ، وإبْطاءُ مَوارِدِ النِّقَمِ ، فإنَّه لوْ خَشِيَ الفَوْتَ عاجَلَ بالعُقُوبَةِ قبْلَ المَوْتِ . يا بُنَيَّ اقْبَلْ مِنَ الحُكَماءِ مَوَاعِظَهم ، وتدبَّر أحْكامَهم ، وكُنْ آخَذَ النَّاسِ بما تَأمُر بِهِ ، وأكفَّ النَّاسِ عَمَّا تَنْهَى عَنْهُ ، وَأْمُر بالمَعروفِ تَكُن مِن أهلِهِ ، فإنَّ اسْتِتمامَ الأُمُورِ عِنْدَ اللّه ِ تَبارَكَ وتَعالَى الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ . وتَفقَّه في الدِّينِ فَإنَّ الفُقَهاءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ ، إنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِيْنارَا ولا دِرْهَما ، ولكنَّهم ورَّثوا العِلْمَ ، فمَن أخذَ مِنْهُ أخذ بَحَظٍّ وافرٍ ، واعْلَم أنَّ طالِبَ العِلمِ يَسْتَغفِرُ لَهُ مَن فِي السَّماواتِ والأرضِ ، حتَّى الطَّيرُ في جَوِّ السَّماءِ ، والحُوتُ في البَحرِ ، وأنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَها لِطالِبِ العِلْمِ رضىً بهِ ، وفيْه شَرَفُ الدُّنيا والفوزُ بالجَنَّةِ يوْمَ القِيامَةِ ، لأنَّ الفُقَهاء هُمُ الدُّعاةُ إلى الجِنانِ ، والأدلاَّءُ علَى اللّه ِ تَبارَكَ وتَعالَى . وأحْسِن إلى جَمِيعِ النَّاسِ كمَا تُحِبُّ أنْ يُحْسَنَ إليْكَ ، وارضَ لَهُم ما تَرضاهُ لِنَفْسِكَ ، واسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ ما تَسْتَقْبِحُهُ من غَيْرِكَ ، وحَسِّن مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ خُلُقَكَ ، حَتَّى إذا غِبتَ عنْهمُ حَنُّوا إليْكَ ، وإذا مِتَّ بَكَوا عَلَيْكَ ، وقالوا : إنَّا للَّهِ وإنَّا إليْهِ رَاجِعونَ ، ولا تَكُن مِنَ الَّذِينَ يُقالُ عِنْدَ موْتِهِ : الحَمدُ للَّهِ ربِّ العالَمِينَ . واعْلَم أنَّ رأسَ العَقْلِ بعْدَ الإيمانِ باللَّهِ عز و جل مُدارَاةُ النَّاسِ ، ولا خَيْرَ فِيمَن لا يُعاشِرُ بالمَعرُوفِ مَن لا بُدَّ مِن معَاشَرَتِهِ حتَّى يَجْعَلَ اللّه ُ إلى الخَلاصِ مِنْهُ سَبِيلاً ، فإنِّي وجَدتُ جَمِيعَ ما يَتعَايشُ بِهِ النَّاسُ وبهِ يَتَعاشَرونَ مِل ءَ مِكْيالٍ ثُلْثاه استحِسانٌ ، وَثُلثُهُ تَغافُلٌ . وما خَلَق اللّه ُ عز و جل شَيئا أحْسَنَ مِن الكَلامِ ولا أقْبَحَ مِنْهُ ، بالكَلامِ ابْيضَّتِ الوُجُوهُ ، وبالكَلامِ اسْوَدَّتِ الوُجُوهُ ، واعْلَم أنَّ الكَلامَ في وثاقِكَ ما لَم تَتَكلَّم بهِ ، فإذا تكلَّمتَ بهِ صِرْتَ في وَثاقِهِ ، فاخزِنْ لِسانَكَ كمَا تَخْزِنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ ، فإنَّ اللِّسان كَلْبٌ عَقُورٌ ، فإنْ أنْتَ خلَّيتَهُ عُقِرَ ، ورُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبتَ نِعمَةً ، مَن سيَّبَ عِذارَهُ قادَهُ إلى كُلِّ كَرِيهَةٍ وفَضِيحَةٍ ، ثمَّ لَم يَخلَصْ مِن دَهْرِهِ إلاَّ على مَقْتٍ من اللّه عز و جل ، وذَمٍّ مِنَ النَّاسِ . قَدْ خاطَرَ بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأيِهِ ، ومَن اسْتقْبَل وُجوهَ الآراءِ عَرَفَ مَواقِعَ الخَطاَ ، مَن تَورَّطَ في الأُمورِ غَيْرَ ناظِرٍ في العَواقِبِ فَقَدْ تعرَّضَ لِمُفظِعاتِ النَّوائِبِ . والتَّدبيرُ قَبْلَ العَمَلِ يُؤمِنكَ مِنَ النَّدمِ ، والعاقِلُ مَن وعظَتْهُ التَّجارِبُ ، وفي التَّجارِبِ عِلمٌ مُستَأنَفٌ ، وفي تقلُّبِ الأحوالِ عِلمُ جواهِرِ الرِّجالِ ، الأيَّامُ تَهتِكُ لَكَ عَنِ السَّرائِرِ الكامِنَةِ . تَفهَّمْ وَصيَّتي هذِهِ ، ولا تَذهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحا ، فَإنَّ خَيْرَ القَوْلِ ما نَفَعَ . اعْلَم يا بُنَيَّ ، أنَّه لا بُدَّ لَكَ مِن حُسْنِ الارْتِيادِ ، وبَلاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهرِ ، فلا تَحْمِلْ علَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طاقَتِكَ ، فيَكونَ علَيْك ثِقْلاً في حَشْرِكَ ونَشْرِكَ في القِيامَةِ ، فَبِئْسَ الزَّادُ إلى المَعادِ العُدوانُ علَى العِبادِ . واعْلَم أنَّ أمامَكَ مَهالِكَ ومَهاوِيَ وجُسورا وعقبةً كئودا ، لا محَالةَ أنْتَ هابِطُها ، وأنَّ مَهبِطَها إمَّا على جَنَّةٍ أو على نارٍ ، فارتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْل نُزولِكَ إيَّاها ، وإذا وجَدتَ مِن أهْلِ الفَاقَةِ مَن يَحمِلُ زَادَكَ إلى القِيامَةِ فيُوافِيكَ بِهِ غَدا حَيْثُ تَحتاجُ إليْهِ فاغْتَنِمْهُ وحَمِّلْهُ ، وأَكثِرْ مِن تَزَوُّدِهِ وأنتَ قادِرٌ عَليْهِ ، فلَعلَّكَ تَطلبُهُ فَلا تَجِدُهُ ، وإيَّاكَ أنْ تَثِقَ لِتَحمِيلِ زَادِكَ بِمَن لا وَرَعَ لَهُ ولا أمَانَةَ ، فَيَكونُ مَثلُكَ مَثلَ ظَمآنٍ رأى سَرابا حتَّى إذا جاء./َه لَمْ يَجِدْه شَيْئا ، فتبقى فِي القِيامَةِ مُنْقَطَعا بِكَ » . وقال عليه السلام في هذه الوصيَّة : « يا بُنَيَّ ، البَغْي سَائِقٌ إلى الحَينِ (3) ، لَنْ يهْلِكَ امرؤٌ عَرَفَ قَدرَهْ ، مَن حَصَّن شَهْوتَهُ صَانَ قَدْرَهُ ، قِيْمة كُلِّ امْرئٍ ما يُحْسِنُ ، الاعتبار يفيدك الرَّشادَ ، أشْرَفُ الغِنَى تَرْكُ المُنَى ، الحِرصُ فَقْرٌ حاضِرٌ ، المودَّةُ قِرابَةٌ مُسْتَفادةٌ ، صَدِيقُكَ أخُوكَ لِأبِيكَ ، وأُمِّكَ ، ولَيْس كُلُّ أخٍ لَكَ مِن أبِيكَ وأمِّكَ صَديِقَكَ ، لا تتَّخذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقَا فَتُعادِي صَدِيقَكَ ، كَمْ من بَعِيدٍ أقربُ مِنكَ مِن قَريبٍ ، وَصُولٌ مُعدِمٌ خَيْرٌ مِن مُثرٍ جافٍ . الموعِظَةُ كَهْفٌ لِمَن وَعاها ، مَن مَنَّ بِمَعروفِهِ أفْسَدَهُ ، مَن أساءَ خُلُقَهُ عَذَّبَ نَفْسَهُ ، وكانَتْ البَغْضَةُ أوْلى بهِ . لَيْسَ مِنَ العدْلِ القضاءُ بالظَّنِّ على الثِّقةِ ، ما أقْبَحَ الأشَرَ عِنْدَ الظَّفَرِ ، والكآبَةَ عِنْدَ النَّائِبَةِ المُعضِلَةِ ، والقَسوَةَ علَى الجارِ ، والخلافَ علَى الصَّاحِبِ ، والحِنْثَ مِن ذِي المُروءَةِ ، والغَدرَ مِنَ السُّلْطانِ . كُفْرُ النِّعَمِ مُوقٌ (4) ، ومجالَسَةُ الأحْمَقِ شُؤمٌ ، اعرِفِ الحَقَّ لِمَن عرَفَهُ لَكَ ، شريفا كانَ أو وضيعا ، مَن تَركَ القصْدَ جارَ ، مَن تَعَدَّى الحقَّ ضَاقَ مَذهَبُهُ ، كَمْ من دنِفٍ قد نَجَا ، وصَحِيحٍ قَدْ هَوى ، قَدْ يكونُ اليأسُ إدراكا ، والطَّمَعُ هَلاكا ، اسْتَعْتِبْ مَن رَجَوْتَ عِتابَهُ . لا تبيتَنَّ مِنِ امرئٍ على غَدرٍ ، الغَدرُ شَرُّ لِباسِ المَرءِ المُسْلِمِ ، مَن غَدَرَ ما أخْلَقَ ألاّ يُوفى لَهُ ، الفَسادُ يُبِيرُ الكَثِيرَ ، والاقْتصادُ ينْمِي اليَسِيرَ . مِنَ الكَرَمِ الوَفاءُ بالذِّمَمِ ، مَن كَرُمَ سادَ ، ومَن تَفَهَّمَ ازْدَادَ . امْحض أخاكَ النَّصِيْحَةَ ، وساعِدْهُ على كُلِّ حالٍ ما لَم يَحمِلْكَ علَى مَعصِيَةِ اللّه ِ عز و جل ، زُلْ مَعَهُ حَيْثُ زَالَ ، لا تَصرِمْ أخاكَ على ارْتيابٍ ، ولا تَقطَعْهُ دُونَ اسْتِعْتابٍ ، لعلَّ لَهُ عُذْرا وأنْتَ تَلُومُ ، اقبَلْ مِن مُتَنَصِّلٍ عُذْرَهُ فَتَنالَكَ الشَّفاعَةُ ، وأكْرم الَّذِي بِهِم تَصولُ ، وازْدَدْ لَهم طُولَ الصُّحْبَة بِرَّا وإكْراما وتَبْجِيلاً وتَعْظِيما ، فليْس جَزاءُ مَن عَظَّمَ شَأنَكَ أنْ تَضَعَ مِن قَدرِهِ ، ولا جَزاءُ مَن سَرَّكَ أنْ تَسوءَهُ . أكثر البِرَّ ما اسْتَطَعْتَ لِجَلِيْسِكَ ، فإنَّك إذا شِئْتَ رأيْتَ رُشدَهُ ، مَن كَساهُ الحَيْاءُ ثوبَهُ اخْتَفى عَنِ العُيون عَيْبُهُ ، مَن تَحرَّى القَصْدَ خَفَّت عَليْهِ المُؤَنُ ، مَن لَمْ يُعطِ نفسَهُ شَهوتَها أصابَ رُشْدَهُ . مَعَ كُلِّ شِدَّةٍ رَخاءٌ ، ومَعَ كلِّ أَكلةٍ غَصَصٌ ، لا تُنالُ نِعمَةٌ إلاَّ بَعْدَ أذىً . لِنْ لِمَن غَاظَكَ تظْفَر بِطَلِبَتِكَ . ساعاتُ الهُمُومِ ساعاتُ الكَفَّارات . والسَّاعاتُ تُنْفِدُ عُمرَكَ . لا خَيْرَ في لَذَّةٍ بَعْدَها النَّارُ ، وما خَيْرٌ بخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّار ، وما شَرٌّ بشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ ، كُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الجنَّةِ مَحْقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دُونَ النَّارِ عافِيَةٌ . لا تُضِيعَنَّ حقَّ أخِيكَ اتِّكالاً علَى ما بَيْنَكَ وبيْنَهُ ، فَإنَّه لَيْسَ لَكَ بأخٍ مَن أضَعْتَ حَقَّهُ ، ولا يَكونَنَّ أَخُوكَ علَى قَطِيعَتِكَ أقوى مِنْكَ علَى صِلَتِهِ ، ولا علَى الإساءَةِ إليْكَ أقْوَى مِنكَ علَى الإحسانِ إليْهِ . يا بُنَيَّ ، إذا قَويتَ فاقْوَ على طاعَةِ اللّه ِ عز و جل ، وإذا ضَعُفْتَ فاضْعَفْ عَن مَعصِيَةِ اللّه ِ عز و جل ، وإنْ اسْتَطَعْتَ ألاّ تملِّك المَرأةَ مِن أمرِها ما جاوَزَ نفْسَها فَافْعلْ ، فَإنَّه أدومُ لِجمالِها ، وأرْخَى لِبالِها ، وأحْسَنُ لِحالِها ، فإنَّ المَرْأة رَيْحَانَةٌ ولَيْسَت بِقَهْرَمانَةٍ ، فَدَارِها علَى كُلِّ حالٍ ، وأحْسِن الصُّحبَةَ لَها ، فَيصفُوَ عَيْشُكَ . احْتمِلْ القَضاءَ بالرِّضا ، وإنْ أحْبَبْتَ أنْ تَجْمَعَ خَيْرَ الدُّنيا والآخِرَة فاقْطَع طَمَعَكَ مِمَّا فِي أيدي النَّاسِ ، والسَّلامُ علَيْكَ ورَحْمةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ » .

.


1- . النَّوكى : جمع الأنوك بمعنى الأحمق ، والجاهل العاجز .
2- . نحيزة :الطبيعة والطريق .
3- . الحَين : الهلاك والمحنة .
4- . المُوقُ _ بضم الميم _ : الحُمق في غباوة، أي كفران النّعمة من الحماقة .

ص: 207

. .

ص: 208

. .

ص: 209

. .

ص: 210

. .

ص: 211

هذا آخر وصيَّته عليه السلام لمحمَّد بن الحنفيَّة . (1)

.


1- . من لايحضره الفقيه : ج4 ص384 _ 392 ح5834 وراجع : الخصال : ص147 ، الاختصاص :ص229 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص505 ، بحار الأنوار : ج16 ص48 وج71 ص86 و287 وج72 ص315 ج73 ص75 و397 وج76 ص226 وج 77 ص 197 و396 وج74 ص175 ؛ العقد الفريد : ج3 ص156 .

ص: 212

177 _ كتابه عليه السلام في وصيّة ماله

177كتابه عليه السلام في وصيَّة مالهالسيّد رحمه الله في نهج البلاغة ، قال : ومن وصيَّة له عليه السلام بما يعمل في أمواله ، كتبها بعد منصرفه من صفِّين :« هَذَا مَا أَمَرَ بِه عَبدُ اللّه عليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَميرُ الْمُؤمِنِينَ في مَالِه ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّه لِيُولِجَهُ به الْجَنَّةَ ويُعْطِيَهُ به الأَمَنَةَ . منها : فَإِنَّهُ يَقُومُ بِذَلِك الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَأْكُلُ مِنهُ بالْمَعْرُوف ، ويُنْفِقُ مِنْهُ بالْمَعْرُوف فَإِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ وحُسَيْنٌ حَيٌّ قَام بِالأمْرِ بَعْدَهُ ، وأَصْدَرَهُ مَصْدَرَهُ وإِنَّ لابْنَيْ فَاطِمَةَ من صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثْلَ الَّذي لِبَنِي عَلِيٍّ ، وإِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الْقِيَامَ بِذَلك إِلَى ابْنَيْ فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّه ، وقُرْبَةً إلى رَسُول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتَكْرِيما لِحُرْمَتِه ، وتَشْرِيفا لِوُصْلَتِه ، ويَشْتَرِطُ علَى الَّذي يَجْعَلُهُ إِلَيْه أَنْ يَتْرُك الْمَالَ عَلَى أُصُولِه ، ويُنْفِقَ مِنْ ثَمَرِه حَيْثُ أُمِرَ بِه وهُدِيَ لَه ، وأَلاَّ يَبِيعَ مِنْ أَوْلادِ نَخِيلِ هَذِهِ الْقُرَى وَدِيَّةً حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاسا ، ومَنْ كَانَ مِنْ إِمَائِي اللاَّتِي أَطُوفُ عَلَيْهِنَّ لَهَا وَلَدٌ أو هِيَ حَامِلٌ فَتُمْسَكُ علَى وَلَدِهَا وهِيَ مِنْ حَظِّه ، فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهَا وهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتِيقَةٌ قَدْ أَفْرَجَ عَنْهَا الرِّقُّ وحَرَّرَهَا الْعِتْقُ » (1) .

[ أقول : قال السَّيِّد رحمه الله بعد نقل الكتاب ما لفظه : ] قوله عليه السلام في هذه الوصيَّة : « أَلاَّ يَبِيعَ مِنْ نَخلها وَدِيَّةً » : الوَدِيَّةُ الفسيلة ، وجمعها وَدِيّ . وقوله عليه السلام : « حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاسا » ، هو من أفصح الكلام ، والمراد به أنَّ الأرض يكثر فيها غراس النَّخل حَتَّى يراها النَّاظر على غير تلك الصِّفة الَّتي عرفها بها ، فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها . انتهى . [ نقلت الوصيَّة في كتب الأعلام من المحدِّثين والمؤرّخين أطول ممَّا ذكره السيّد رحمه الله ، فاختار منها السَّيِّد ما ذكره . (2) وهو دأبه في النَّهج ، وسوف نأتي ببعض نصوصها . وأمَّا سند الوصيَّة : ] فقد رواها الكليني رحمه الله عن أبي علِيٍّ الأشْعَرِيّ ، عن مُحَمَّد بن عبد الجَبَّار ، ومُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيلَ ، عن الفَضْل بن شَاذَان ، عن صَفْوَان بن يَحْيَى ، عن عَبد الرَّحْمن بن الحَجَّاج ، قال : بَعَثَ إِلَيَّ أبو الحَسَن مُوسَى عليه السلام بِوَصِيَّةِ أمِير المُؤمِنِينَ عليه السلام . (3) ورواهُ الشَّيخ رحمه الله في التَّهذيب باسناده عن الحسين بن سَعيد ، عن صَفْوَان ، عن عبد الرَّحمن بن الحجاج ، قال بعث إليَّ بهذه الوصيَّة أبو إبراهيم عليه السلام . (4) ورواها عبد الرَّزاق في المصنف ، قال أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاءٌ أنَّه بلغه أنَّ عليَّا كتب في عهده : « إنِّي تَركتُ تِسعَ عَشرَةَ سَرِيَّة ، فأيَّتُهنَّ ما كانت ذاتَ ولَدٍ قُوِّمَت بِحِصَّةِ وَلدِها بميراثِهِ مِنِّي ، وأَيَّتُهُنَّ ما لَم تَكُن ذاتَ ولَدٍ فَهِيَ حُرَّةٌ » . قال : فسألت محمَّد بن عليّ بن حسين الأكبر ، أذلك في عهد عليّ ؟ قال : نعم . عبد الرَّزَّاق ، عن ابن عُيَيْنَة ، عن عَمْرو بن دِينار ، قال : كتب عليّ في وصيّته : « فإن حدَثَ بي حدَثٌ في هذا الغَزوِ ، أمَّا بعدُ ؛ فَإنَّ ولائِدِي الّلاتي أطوفُ عَلَيهِنَّ تِسعَ عَشرَةَ ولِيدَة ، مِنهُنَّ أُمّهاتُ أولادٍ مَعَهُنَّ أولادُهُنَّ ، ومِنهُنَّ حُبالَى ، ومِنهُنَّ من لا وَلدَ لَهُنَّ ، فَقَضيْتُ : إن حدَثَ بي حدَثٌ فِي هذا الغزوِ فَإنَّ مَن كانَت مِنهُنَّ لَيسَت بِحُبلى ، وليسَ لَها ولَدٌ ، فَهِي عَتِيقَةٌ لِوَجْهِ اللّه ِ ، لَيسَ لِأحَدٍ علَيْها سَبِيلٌ ، ومَن كانَت مِنهُنَّ حُبلَى ، أو لَها ولَدٌ ، فَإنَّها تُحبَس علَى ولَدِها وهِي مِن حَظِّهِ ، فإن ماتَ ولَدُها وهِي حَيَّةٌ فَإنَّها عَتِيقَةٌ لِوَجهِ اللّه ِ . هذا ما قَضَيتُ فِي ولائِدِي التِّسْعَ عشرَةَ ، واللّه ُ المُستعانُ ، شَهِدَ هَيَّاج بنُ أبي سُفْيَان ، وعُبيدُ اللّه ِ بنُ أبي رافِعٍ ، وكتب في جُمادى سنة سبع وثلاثين » . (5) [ صورة مفصَّلة من الوصيّة على رواية الكليني رحمه الله : ] أبُو عَلِيٍّ الأشْعَرِيُّ ، عن مُحَمَّدِ بن عَبْد الجَبَّارِ ومُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عن الفَضْلِ بن شَاذَانَ ، عن صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمن بْنِ الحَجَّاجِ ، فقال بَعَثَ إِلَيَّ أبُو الحَسَنِ مُوسَى عليه السلام بِوَصِيَّةِ أمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام ، وهِي: « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هَذَا مَا أوْصَى بِهِ وقَضَى بِهِ فِي مَالِهِ عَبدُ اللّه ِ عَلِيٌّ ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّه ِ ، لِيُولِجَنِي بِهِ الجَنَّةَ ، ويَصْرِفَنِي بِهِ عَنِ النَّارِ ، ويَصْرِفَ النَّارَ عَنِّي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ . أنَّ مَا كَانَ لِي مِنْ مَالٍ بِيَنْبُعَ يُعْرَفُ لِي فِيهَا ومَا حَوْلَهَا صَدَقَةٌ ورَقِيقَهَا ، غَيْرَ أنَّ رَبَاحا وأبَا نَيْزَرَ وجُبَيْرا عُتَقَاءُ ، لَيْسَ لِأحَدٍ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ ، فَهُمْ مَوَالِيَّ يَعْمَلُونَ فِي المَالِ خَمْسَ حِجَجٍ ، وفِيهِ نَفَقَتُهُمْ ، ورِزْقُهُمْ وأرْزَاقُ أهَالِيهِمْ ، ومَع ذَلِكَ مَا كَانَ لِي بِوَادِي القُرَى كُلِّهُ مِنْ مَالٍ لِبَنِي فَاطِمَةَ ، ورَقِيقُهَا صَدَقَةٌ ، ومَا كَانَ لِي بِدَيْمَةَ وأهْلِهَا صَدَقَةٌ ، غَيْرَ أنَّ زُرَيْقا لَهُ مِثْلُ مَا كَتَبْتُ لِأصْحَابِهِ ، ومَا كَانَ لِي بِأُذَيْنَةَ وأهْلِهَا صَدَقَةٌ ، والفُقَيْرَيْنِ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ صَدَقَةٌ فِي سَبِيلِ اللّه ِ ، وإِنَّ الَّذي كَتَبْتُ مِنْ أمْوَالِي هَذِهِ صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ ، بَتْلَةٌ حَيّا أنَا أو مَيِّتا ، يُنْفَقُ فِي كُلِّ نَفَقَةٍ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللّه ِ فِي سَبِيلِ اللّه ِ ووَجْهِهِ وذَوِي الرَّحِمِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وبَنِي المُطَّلِبِ ، والقَرِيبِ والبَعِيدِ ، فَإِنَّهُ يَقُومُ عَلَى ذَلِكَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَأْكُلُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ ، ويُنْفِقُهُ حَيْثُ يَرَاهُ اللّه ُ عز و جل فِي حِلٍّ مُحَلَّلٍ لا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ ، فَإِنْ أرَادَ أنْ يَبِيعَ نَصِيبا مِنَ المَالِ فَيَقْضِيَ بِهِ الدَّيْنَ فَلْيَفْعَلْ إِنْ شَاءَ ، ولا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ إِنْ شَاءَ جَعَلَهُ سَرِيَّ المِلْكِ ، وَإِنَّ وُلْدَ عَلِيٍّ ومَوَالِيَهُمْ وأمْوَالَهُمْ إِلَى الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وإِنْ كَانَتْ دَارُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ غَيْرَ دَارِ الصَّدَقَةِ فَبَدَا لَهُ أنْ يَبِيعَهَا فَلْيَبِعْ إِنْ شَاءَ ، لا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ ، وإِنْ بَاعَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ ثَمَنَهَا ثَلاثَةَ أثْلاثٍ : فَيَجْعَلُ ثُلُثا فِي سَبِيلِ اللّه ِ ، وثُلُثا فِي بَنِي هَاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ ، ويَجْعَلُ الثُّلُثَ فِي آلِ أبِي طَالِبٍ ، وإِنَّهُ يَضَعُهُ فِيهِمْ حَيْثُ يَرَاهُ اللّه ُ . وإِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ وحُسَيْنٌ حَيٌّ ، فَإِنَّهُ إِلَى الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وإِنَّ حُسَيْنا يَفْعَلُ فِيهِ مِثْلَ الَّذي أمَرْتُ بِهِ حَسَنا ، لَهُ مِثْلُ الَّذي كَتَبْتُ لِلْحَسَنِ ، وعَلَيْهِ مِثْلُ عَلَى الحَسَنِ . وإِنَّ لِبَنِي ( ابْنَيْ ) فَاطِمَةَ مِنْ صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثْلَ الَّذي لِبَنِي عَلِيٍّ ، وإِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الَّذِي جَعَلْتُ لاِبْنَيْ فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّه ِ عز و جل ، وتَكْرِيمَ حُرْمَةِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وتَعْظِيمَهُمَا ، وتَشْرِيفَهُمَا ، ورِضَاهُمَا . وإِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ وحُسَيْنٍ حَدَثٌ ، فَإِنَّ الآخِرَ مِنْهُمَا يَنْظُرُ فِي بَنِي عَلِيٍّ ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِمْ مَنْ يَرْضَى بِهُدَاهُ وإِسْلامِهِ وأمَانَتِهِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ ، وإِنْ لَمْ يَرَ فِيهِمْ بَعْضَ الَّذي يُرِيدُهُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ أبِي طَالِبٍ يَرْضَى بِهِ ، فَإِنْ وَجَدَ آلَ أبِي طَالِبٍ قَدْ ذَهَبَ كُبَرَاؤهُمْ وذَوُو آرَائِهِمْ ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ إِلَى رَجُلٍ يَرْضَاهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وإِنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَى الَّذي يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ ، أنْ يَتْرُكَ المَالَ عَلَى أُصُولِهِ ، ويُنْفِقَ ثَمَرَهُ حَيْثُ أمَرْتُهُ بِهِ مِنْ سَبِيلِ اللّه ِ ، ووَجْهِهِ ، وذَوِي الرَّحِمِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ ، والقَرِيبِ والبَعِيدِ ، لا يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ ، ولا يُوهَبُ ، ولا يُورَثُ . وإنَّ مال مُحمَّد بن عليٍّ على نَاحِيَته ، وهُو إلى ابْنَي فَاطِمَةَ ، وإنَّ رَقِيقِي الَّذِين فِي صَحِيفَةٍ صَغِيرة الَّتي كُتِبتْ لي عُتَقَاءُ ، هذا ما قَضَى به عليُّ بنُ أبِي طَالب في أمْوَالِه هَذه ، الغَدَ ، مِن يَوْمِ قَدِمَ مَسْكِنَ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّه ِ ، والدَّارَ الآخِرَةَ ، واللّه ُ المُسْتَعَانُ على كُلِّ حالٍ . ولا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مُسْلِمٍ يُؤمِنُ بِاللّه واليَوْم الآخِر أنْ يَقُول في شَيْءٍ قَضَيْتُهُ مِنْ مالِي ، ولا يُخَالِف فِيه أمْرِي مِن قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ . أمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ وَلائِدِي اللاّئِي أطُوفُ عَلَيْهِنَّ السَّبْعَةَ عَشَرَ (6) ، مِنْهُنَّ أُمَّهَاتُ أوْلادٍ معهُنَّ أوْلادُهُنَّ ، ومِنْهُنَّ حُبَالَى ، ومِنْهُنَّ مَن لا وَلَد له ، فَقَضَاي فِيهِنَّ إِنْ حَدَث بي حَدَثٌ ، أنَّهُ مَن كَان مِنْهُنَّ لَيْس لهَا وَلَدٌ ولَيْسَتْ بِحُبْلَى فَهِي عَتِيقٌ لِوَجْه اللّه عز و جل ، لَيْس لِأحَدٍ عَلَيْهِنَّ سَبِيلٌ ، ومَن كَان مِنْهُنَّ لهَا وَلَدٌ أو حُبْلَى فَتُمْسَكُ على وَلَدهَا وهِي مِن حَظِّه ، فَإِنْ مَات وَلَدُهَا وهِي حَيَّةٌ فَهي عَتِيقٌ ، لَيْس لِأحَدٍ عليْهَا سَبِيلٌ . هذا ما قَضَى بِه علِيٌّ في مَالِه ، الغَدَ مِنْ يَوْم قَدِم مَسْكِن ، شَهِد أبُو شِمْرِ بْن أبْرَهَة ، وصَعْصَعَةُ بنُ صُوحان ، ويَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ ، وهَيَّاجُ بْنُ أبي هَيَّاجٍ ، كَتَب عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ بِيَدِه لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِن جُمَادَى الاُولَى ، سَنَةَ سَبْعٍ وثَلاثِينَ » . (7) [ وكَانَتِ الوَصِيَّةُ الاُخْرَى مَعَ الاُولَى : ] « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هَذَا مَا أوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ ، أوْصَى أنَّهُ يَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ . . . » إلى آخر ما نقله المصنف رحمه اللهفي معادن الحكمة . (8) [ صورة ثالثة من الوصيَّة على رواية دعائم الإسلام : ] وعن عليّ عليه السلام أنَّه أوصَى بأوقافٍ أوقفها من أمواله ، ذكرها في كتاب وصيَّتِه . كان فيما ذكره منها : « هذا ما أوصَى بهِ وَقْفا ، فقضَى في مالِهِ علِيُّ بنُ أبي طالبٍ ابتغاءَ وجهِ اللّه ِ ، ليُولِجَنِي اللّه ُ بهِ الجَنَّةَ ، ويَصرِفَني عَنِ النَّارِ ، ويَصرِفَ النَّارَ عَنِّي يومَ تَبْيَضُّ وُجوهٌ ، وتَسودُّ وجوهٌ . ما كان لي يَنْبُعُ من مالٍ ، ويُعرَفُ لي منها وما حَوْلَها صَدَقَةٌ ورَقيقَها . غير أنَّ رياحا ، وأبا بيرز ، وحَبْتَرا عُتَقَاءُ لَيسَ لِأحَدٍ علَيهم سَبِيلٌ ، وهُم موالِيَّ يَعملُونَ في المالِ خَمسَ حِجَجٍ ، وفِيهِ نَفَقَتُهُم ورِزقُهُم ورِزْقُ أهالِيهِم ، ومَعَ ذلِكَ ما كانَ لِي بِوادِي القُرَى ثُلُثُه مالُ بني فاطمةَ ، ورقيقُها صَدَقَةٌ ، وما كانَ لي بِبُرْقَةَ وأهلِها صَدَقَةٌ . غير أنَّ زُرَيْقا لَهُ مِثلُ ما كتَبتُ لأَصحابِهِ . وما كانَ لِي بأُذَيْنَةَ وأهلِها صَدَقَةٌ ، والذي كَتَبْتُ مِن أموالِي هذهِ صَدَقَةٌ واجِبَةٌ بَتْلَةٌ ، حَيٌ أنا أو ميّتٌ ، تُنفَق في كُلِّ نفَقَةِ يُبْتَغَى بِها وجْهُ اللّه ِ ، وفي سَبيلِ اللّه ِ وَوجْهِهِ ، وذوي الرَّحِمِ مِن بَنِي هاشِم وَبنِي عَبدِ المُطَّلِبِ ، والقريبِ والبَعيدِ ، وأنَّه يَقُومُ علَى ذلِكَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام ، يأكُلُ مِنهُ بالمَعروفِ ، ويُنفِقُهُ حَيثُ يُرِيهِ اللّه ُ في حِلٍّ مُحَلَّلٍ لا حَرَجَ عَليهِ فِيه . وإنْ أرادَ أنْ يَبذِلَ مالاً مِنَ الصَّدَقَةِ مكانَ مالٍ فَإنَّهُ يَفعَلُ ذلِكَ لا حَرَجَ عَليهِ فِيهِ ، وإنْ أرادَ أنْ يَبِيعَ نَصِيبا مِنَ المالِ فَيَقضِي بهِ الدَّينَ فعَلَ إنْ شاءَ ، ولا حَرَجَ علَيهِ فيهِ . وإنَّ وَلَدَ عليٍّ ومالَهُم إلى الحسنِ بنِ علِيٍّ ، وإنْ كانَت دارُ الحَسَنِ بنِ عليّ دارا غيرَ دارِ الصَّدَقَةِ ، فبَدَا لَهُ أنْ يَبِيعَها فليَبِعْ إنْ شاءَ ولا حَرَجَ عَليهِ فيه ، فإنْ باعَ فثمنُها ثَلاثَةُ أثلاثٍ ، يَجعَلُ ثُلُثا في سَبِيلِ اللّه ِ ، وثُلُثا في بَنِي هاشمٍ ، وثُلُثا في آلِ أبي طالبٍ ، يضَعُهُ فيهِ حَيثُ يُرِيهِ اللّه ُ . وإنْ حَدَثَ بالحَسَنِ حَدَثٌ والحُسينُ حيٌّ فَإنَّهُ إلى الحُسينِ بنِ علِيٍّ ، وإنَّ حُسينَ بنَ علِيٍّ يفعَلُ فيهِ مِثلَ الَّذي أمَرتُ حَسَنا ، ولَهُ مِثلُ الَّذي كَتبتُ للحَسَنِ ، وعَليهِ مِثلُ الَّذي علَى حَسَنٍ . وإنَّ الَّذي لبني فاطِمَةَ مِن صدَقَةِ علِيّ عليه السلام مثل الَّذي لِبَنِي علِيٍّ ، وإنِّي إنَّما جَعَلت الَّذي جعلتُ إلى بني فاطِمَةَ ابتغاءَ وجْهِ اللّه ِ ثُمَّ لِكَريمِ حُرمَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وتعظيما ، وتشريفا ، ورِضا بِهِما ، فَإنْ حَدَثَ بالحَسَنِ والحُسَينِ حَدَثٌ فَإنَّ ولَدَ الآخِرِ مِنهُما ينظُرُ في ذلِكَ ، وإنْ رأى أنْ يُوَلِّيَهُ غَيرَهُ نُظِرَ في بني عليٍّ فإن وجد فيهم مَن يرتضِي دِينَهُ وإسلامَهُ وأمانَتَهُ جَعَلَهُ إليهِ إنْ شاءَ ، وإن لَم يَرَ فيهِم الَّذي يُريدُهُ فإنَّه يَجعَلُهُ إنْ شاءَ إلى رَجُلٍ مِن آلِ أبي طالبٍ يَرتَضِيهِ ، فَإن وجَدَ آلُ أبي طالِبٍ يَومَئذٍ قَد ذهَبَ أكابِرُهُم ، وذَوُو آرائِهِم وأسنانِهِم ، فَإنَّهُ يَجعَلُهُ إن شاءَ إلى رَجُلٍ يَرضَى حالَهُ مِن بَنِي هاشِمٍ ، ويَشتَرِطُ علَى الَّذي يَجعَلُ ذلِكَ إليهِ أنْ يَترُكَ المَالَ علَى أصلِهِ ، ويُنفِق ثَمَرتَهُ حَيثُ أمرْتُه فِي سبيلِ اللّه ِ عز و جلوَوُجُوهِهِ ، وذوي الرَّحِمِ منِ بَنِي هاشِمٍ ، وبَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ ، والقَريبِ والبَعيدِ ، لا يُباعُ مِنهُ شَيءٌ ، ولا يُوهَبُ ولا يُورَثُ ، وإنَّ مالَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله على ناحِيَتِهِ إلى بَنِي فاطِمَةَ ، وكذلِكَ مَالُ فاطِمَةَ إلى بَنِيها » . وذكر باقي الوصيَّة . (9)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب24 ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج4 ص405 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص146 .
2- . راجع : الكافي : ج7 ص49 ح7 ، تهذيب الاحكام : ج9 ص146 ح608 ، مسند زيد بن عليّ :ص378 ، دعائم الإسلام : ج2 ص339 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص123 ، بحار الأنوار : ج41 ص40 ؛ السنن الكبرى : ج6 ص161 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج7 ص228 ، الكامل للمبرّد : ج2 ص131 ، وفاء الوفاء : ج4 ص1371 ، كنز العمّال : ج10 ص216 ح1662 .
3- . الكافي : ج7 ص49 ح7 .
4- . تهذيب الأحكام : ج9 ص146 ح608 .
5- . المصنّف لعبد الرزّاق : ج7 ص288 الرقم 13212 و13213 .
6- . هكذا في المصدر، والصحيح : السبع عشرَة .
7- . الكافي : ج7 ص49 ح7 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص146 ح608 ، بحار الأنوار : ج41 ص40 ح19 .
8- . الكافي : ج7 ص51 ح7 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص177 ح714 ، بحار الأنوار : ج42 ص248 ح51 ، معادن الحكمة : ج1 ص367 .
9- . دعائم الإسلام : ج2 ص341 ح1284 ، مستدرك الوسائل : ج14 ص52 ح16086 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج1 ص225 _ 228 .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

. .

ص: 216

. .

ص: 217

. .

ص: 218

. .

ص: 219

178 _ وصيّة له عليه السلام لعسكره بصفّين

178وصيّة له عليه السلام لعسكره بصفِّينسنح بخاطري أن اتبعها بوصيَّته عليه السلام لجُنده : 1 . قال نَصْر : عُمَر بن سَعْد ، وحدَّثني رجلٌ عن عبد اللّه بن جُنْدُب ، عن أبيه ، أنَّ عليَّا عليه السلام كان يأمرنا في كلِّ موطن لقينا معه عدوَّه يقول :« لا تُقاتِلوا القَومَ حَتَّى يَبدَؤوكُم ، فإنَّكم بِحَمدِ اللّه ِ علَى حُجَّةٍ ، وتَركُكُم إيَّاهُم حَتى يبدؤوكُم حُجَّةٌ أُخرى لَكُم عَليهِم ، فإذا قاتَلْتُموهُم فهزمتموهم ، فلا تَقتُلوا مُدبِرَا ، ولا تُجهِزوا على جَريحٍ ، ولا تَكشِفُوا عَورَةً ، ولا تُمثِّلوا بِقَتيلٍ ، فإذا وَصَلْتُم إلى رِحالِ القَومِ فلا تهتُكِوا سِتْرا ، ولا تدخُلُوا دارا إلاَّ بإذني ، ولا تأخذوا شَيئا مِن أموالِهِم إلاَّ ما وجَدتُم في عَسكَرِهِم ، ولا تُهِيجُوا امرأةً بِأذىً ، وإنْ شَتَمنَ أعراضَكُم ، وتَناولْنَ أُمراءَكُم وصُلَحاءَكُم ، فَإنَّهنَّ ضِعافُ القُوى والأنْفُسِ والعُقُولِ ، ولَقد كُنَّا وإنَّا لنُؤمَر بالكَفِّ عَنهُنَّ ، وإنَّهُنَّ لَمُشرِكاتٌ ، وإنْ كانَ الرَّجُلُ لَيتناوَلَ المرأةَ في الجاهِليَّةِ بالهَراوَةِ أو الحَدِيدِ ، فيُعيَّرُ بِها عَقِبُهُ مِن بَعدِهِ » (1) .

.


1- . وقعة صفِّين : ص203 ، بحار الأنوار : ج33 ص461 ح677 وراجع : الكافي : ج5 ص38 ح3 ؛ مروج الذَّهب : ج2 ص371 ، تاريخ الطبري : ج5 ص10 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص370 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص25 .

ص: 220

وعن الحَضْرَمِيّ ، قال : سمعتُ عليَّا عليه السلام حرَّضَ في النَّاس في ثلاثة مواطنَ : في يوم الجمَل ، ويوم صفِّين ، ويوم النَّهْرَوان ، فقال :« عبادَ اللّه ِ ، اتَّقوا اللّه َ عز و جل ، وغُضُّوا الأبصارَ ت ، واخفِضُوا الأصواتَ ، وأقِلُّوا الكَلامَ ، ووطِّنوا أنفسَكُم على المُنازَلَةِ والمُجاوَلَةِ ، والمُبارَزَةِ والمُعانَقَةِ والمُكادَمَةِ ، واثبتوا « وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (1) ، « وَلاَ تَنَزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّبِرِينَ » (2) ، اللَّهمَّ ألْهِمْهم الصَّبرَ ، وأنزِلْ علَيهِم النَّصرَ ، وأعظِمْ لَهُم الأجرَ . » (3)

[ نصّ السَّيِّد في النَّهج : ] ومن وصيَّة له عليه السلام لعَسْكرِه قبْل لِقاء العدوِّ بصفِّين :« لا تُقاتِلُوهُم حَتَّى يَبْدَؤوكُمْ ، فإنَّكم بِحَمْدِ اللّه ِ على حُجَّةٍ ، وتَرْكُكُم إيَّاهم حتى يَبْدَؤوكُم حُجَّةٌ أُخْرى لَكم علَيهِم ، فإذا كانتِ الهَزِيمَةُ بِإذْن اللّه فلا تَقْتُلوا مُدْبِرا ، ولا تُصِيبُوا مُعْوِرا ، ولا تُجْهِزُوا على جَرِيحٍ ، ولا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً ، وإنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُم ، وسَبَبْنَ أُمراءَكم ، فإنَّهُنَّ ضَعِيفاتُ الْقُوَى والأنْفُسِ والْعُقُول ، إنْ كُنَّا لَنُؤمَر بالكَفِّ عَنْهُنَّ ، وإنَّهُنَّ لَمُشْركاتٌ ، وإنْ كان الرَّجُلُ لَيَتناوَلُ المَرأَةَ في الجَاهِلَيَّةِ بالفَهْر أو الهِرَاوَةِ ، فيُعَيَّرُ بِها وعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ . » (4)

[ نصّ المسعوديّ : ] فقام عليّ رضى الله عنه في النَّاس خطيبا رافعا صوته ، فَقالَ :« أيُّها النَّاسُ ، إذا هَزمتُموهُم فَلا تُجْهِزُوا علَى جَريحٍ ، ولا تَقتُلوا أسِيرا ، ولا تتَّبعوا مُوَلِّيا ، ولا تَطلُبُوا مُدبِرا ، ولا تَكشِفُوا عورَةً ، ولا تُمثِّلوا بِقَتيلٍ ، ولا تَهتِكُوا سترا ، ولا تَقرُبُوا شيئا مِن أموالِهم إلاَّ ما تجِدونَهُ في عَسكَرِهِم مِن سِلاحٍ أو كُرَاعٍ أو عَبْدٍ أو أمَةٍ ، وما سِوى ذلِكَ فَهُو مِيراثُ لِوَرَثَتِهِم على كِتابِ اللّه ِ » . (5)

.


1- . الأنفال : 45 .
2- . الأنفال : 46 .
3- . وقعة صفِّين : ص204 ، وراجع : الكافي : ج5 ص38 ح2 ، الإرشاد : ج1 ص265 ؛ مروج الذهب : ج2 ص371 ، بحار الأنوار : ج32 ص566 ح470 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص11 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص370 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص26 .
4- . نهج البلاغة : الكتاب 14 ، بحار الأنوار : ج33 ص458 ح674 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص104 .
5- . مروج الذَّهب : ج2 ص371 .

ص: 221

وفي فروع الكافي بَابُ ما كان يُوصِي أمير المُؤمِنين عليه السلام به عنْد القِتال : عليُّ بن إِبراهيم ، عن أبيه ، عن بعْض أصحابه ، عن أبي حمْزةَ ، عن عَقِيلٍ الخُزَاعِيِّ ، أنَّ أمير المُؤمنين عليه السلام كان إذا حضَر الحَرْبَ يُوصِي لِلْمُسْلِمِين بِكلماتٍ فيقول :« تَعَاهَدُوا الصَّلاةَ ، وحافِظُوا عليها واسْتَكْثِرُوا منها ، وتَقَرَّبُوا بها فإنَّها كانت على المُؤمِنين كِتَابا مَوْقُوتا ، وقد عَلِم ذلِكَ الكُفَّارُ حِين سُئِلُوا « مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » (1) ، وقد عَرَف حَقَّها مَن طَرَقَها ، وأُكْرِم بها مِن المُؤمنين الَّذِين لا يَشْغَلُهُمْ عنها زَيْنُ مَتَاعٍ ، ولا قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ مَالٍ ولا وَلدٍ ، يَقُولُ اللّه ُ عز و جل : « رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تَجَرَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلَوةِ » (2) ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله مُنْصِبا لِنفْسِه بعد البُشْرَى له بِالجَنَّة من ربِّه ، فقال عليه السلام : « وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا » (3) . . .الآية ، فكان يأْمُرُ بها أهْلَهُ ، ويُصَبِّرُ عليها نفْسَه . ثُمَّ إنَّ الزَّكاةَ جُعِلَتْ مع الصَّلاة قُرْبَانا لأهْلِ الإسْلامِ على أهْل الإسْلام ، ومَنْ لَمْ يُعْطِهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بها يَرْجُو بها من الثَّمَنِ ما هُو أفْضَلُ منها ، فإنَّه جاهِلٌ بِالسُّنَّة ، مَغْبُونُ الأجْرِ ، ضَالُّ العُمُرِ ، طَوِيلُ النَّدَم بِتَرْكِ أمْرِ اللّه ِ عز و جل ، والرَّغْبَةِ عمَّا عَليهِ صَالِحُو عبادِ اللّه ِ ، يَقولُ اللّه ُ عز و جل : « وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى » (4) ، مِن الأمانَةِ فَقَد خَسِر مَنْ لَيْس مِنْ أهْلِها ، وضَلَّ عَمَلُه ، عُرِضَتْ على السَّمَاوَات المَبْنِيَّة ، والأرْضِ المِهَاد ، والجِبَال المَنْصُوبَة ، فلا أطْوَل ولا أعْرَض ، ولا أعْلى ولا أعْظَم ، لَوِ امْتَنَعْنَ مِن طُولٍ أو عَرْضٍ أو عِظَمٍ أو قُوَّةٍ أو عِزَّةٍ امْتَنَعْنَ ، ولكِنْ أشْفَقْنَ من العُقُوبَة . ثُمَّ إنَّ الجِهاد أشْرَفُ الأعْمَال بعد الإسْلام ، وهو قِوَامُ الدِّين ، والأجْرُ فيه عَظِيمٌ مع العِزَّة والمَنَعَة ، وهو الكَرَّةُ فيه الحَسَنَاتُ ، والبُشْرَى بِالْجَنَّة بَعدَ الشَّهَادَةِ ، وبالرِّزْق غَدا عِندَ الرَّبِّ ، والكَرَامَةِ يقول اللّه ُ عز و جل : « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » (5) الآيَة ، ثُمَّ إنَّ الرُّعْب والخَوْفَ من جِهادِ المُسْتَحِقِّ لِلْجِهادِ ، والمُتَوَازِرِينَ على الضَّلالِ ضَلالٌ في الدِّينِ ، وسَلْبٌ لِلدُّنْيَا مَعَ الذُّلِّ والصَّغَارِ ، وفِيهِ اسْتِيجَابُ النَّارِ بالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ عِنْد حَضْرَةِ القِتَالِ ، يَقولُ اللّه ُ عز و جل : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبَارَ » (6) ، فحَافِظُوا على أمْرِ اللّه ِ عز و جل فِي هذهِ المَوَاطِنِ الَّتي الصَّبْرُ عليْها كَرَمٌ وسَعَادَةٌ ونَجَاةٌ في الدُّنيا والآخِرَةِ ، مِن فَظِيع الهَوْلِ والمَخَافَةِ ، فَإنَّ اللّه َ عز و جل لا يَعْبَأُ بما العِبَادُ مُقْتَرِفُونَ لَيْلَهُم ونَهَارَهُم ، لَطُفَ به عِلْماً ، وَكُلُّ ذَلك في كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى ، فَاصْبِرُوا وصَابِرُوا ، واسْألُوا النَّصْرَ ، ووَطِّنُوا أنْفُسَكم على القِتَال ، واتَّقُوا اللّه َ عز و جل ، « إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّ الَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ » (7) » . (8)

.


1- . المدثر : 42 و43 .
2- . النور : 37 .
3- . طه : 132 .
4- . النساء : 115 .
5- . آل عمران : 169 .
6- . الأنفال : 15 .
7- . النحل : 128 .
8- . الكافي : ج 5 ص 36 ح1 ، بحار الأنوار : ج33 ص446 ح659 وراجع : نهج البلاغة :الخطبة 199 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج10 ص202 .

ص: 222

. .

ص: 223

وفي حديث مالك بن أعْيَنَ ، قال : حَرَّضَ أمير المُؤمِنِين _ صلوات اللّه عليه _ النَّاس بِصِفِّينَ ، فقال :« إنَّ اللّه عز و جل دَلَّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُم من عذابٍ ألِيمٍ ت ، وتُشْفِي بكُمْ على الخَيْر ، الإيمَانِ بِاللّه ، والجِهَاد في سَبِيل اللّه ، وجَعَلَ ثَوَابَهُ مَغْفِرَةً لِلذَّنْب ، ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّات عَدْنٍ ، وقال عز و جل : « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَنٌ مَّرْصُوصٌ » (1) ، فَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ كَالْبُنْيَان المَرْصُوص ، فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ ، وأخِّرُوا الحَاسِرَ ، وعَضُّوا على النَّوَاجِذِ ، فإنَّه أنْبَأُ لِلسُّيُوف على الهَامِ ، والتَوُوا على أطْرَاف الرِّمَاح ، فَإنَّهُ أمْوَرُ لِلأسِنَّة ، وغُضُّوا الأبْصَارَ ، فإنَّهُ أرْبَطُ لِلْجَأْش ، وأسْكَنُ لِلْقُلُوبِ ، وأمِيتُوا الأصْوَاتَ ، فإنَّه أطْرَدُ لِلْفَشَل ، وأوْلَى بِالْوَقَار ، ولا تَمِيلُوا بِرَايَاتِكُم ، ولا تُزِيلُوها ، ولا تَجْعَلُوهَا ، إلاّ مع شُجْعَانِكُمْ ، فإنَّ المَانِعَ لِلذِّمَار ، والصَّابِرَ عِندَ نُزُولِ الحَقَائِق ، هُم أهْلُ الحِفَاظ ، ولا تُمَثِّلُوا بِقَتِيلٍ ، وإذا وَصَلْتُمْ إلى رِجَالِ القَوْمِ ، فلا تَهْتِكُوا سِتْرا ، ولا تَدْخُلُوا دَارا ، ولا تَأْخُذُوا شَيْئا مِن أمْوَالِهِم ، إلاّ ما وجَدْتُمْ في عَسْكَرِهِم ، ولا تُهَيِّجُوا امْرَأةً بِأذىً ، وإنْ شَتَمْنَ أعْرَاضَكُمْ ، وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ وصُلَحَاءَكُمْ ، فإنَّهُنَّ ضِعَافُ القُوَى والأنْفُس والعُقُولِ ، وقد كُنَّا نُؤمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ ، وهُنَّ مُشْرِكَاتٌ ، وإنْ كان الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ المَرْأةَ فَيُعَيَّرُ بها ، وعَقِبُهُ من بعْدهِ . واعْلَمُوا أنَّ أهْلَ الحِفَاظِ ، هُمُ الَّذِين يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ ، ويَكْتَنِفُونَهَا ، ويَصِيرُونَ حِفَافَيْهَا ، ووَرَاءَهَا وأمامَها ، ولا يُضَيِّعُونَها ، لا يَتأخَّرُونَ عنها فَيُسَلِّمُوهَا ، ولا يَتَقَدَّمُونَ عليْها فَيُفْرِدُوهَا . رَحِمَ اللّه ُ امْرَأً وَاسَى أخَاهُ بِنَفْسِه ، ولمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إلى أخيه ، فَيَجْتَمِعَ قِرْنُهُ وقِرْنُ أخِيه ، فَيَكْتَسِبَ بِذَلك اللاّئِمَةَ ويَأْتي بِدَنَاءَةٍ ، وكَيْفَ لا يكون كَذَلِك وهو يُقَاتِلُ الاِثْنَيْن ، وهذا مُمْسِكٌ يَدَهُ قد خَلَّى قِرْنَهُ على أخِيه هَارِبا مِنهُ يَنْظُرُ إليهِ ، وهذا فمَن يَفْعَلْهُ يَمْقُتْهُ اللّه ُ ، فلا تَعَرَّضُوا لِمَقْت اللّه عز و جل ، فإنَّما مَمَرُّكُمْ إلى اللّه ، وقد قال اللّه ُ عز و جل : « قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً » (2) ، وايْمُ اللّه ِ ، لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِن سُيُوفِ العاجِلَةِ لا تَسْلَمُونَ مِن سُيُوفِ الآجِلَةِ ، فَاسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ ، والصِّدْقِ ، فإنَّما يَنْزِلُ النَّصْرُ بَعدَ الصَّبْرِ ، فَجَاهِدُوا في اللّه ِ حَقَّ جِهادِهِ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ بِاللّه » . (3)

.


1- . الصف : 4 .
2- . الأحزاب : 16 .
3- . الكافي : ج5 ص39 ح4 ، وقعة صفِّين : ص235 نحوه ، بحار الأنوار : ج32 ص562 ح468 وراجع : الإرشاد : ج1 ص265 ، نهج البلاغة : الكتاب124 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص16 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص373 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص187 ، البداية والنهاية : ج7 ص263 .

ص: 224

وقال عليه السلام :« إنِّي قد رأيْتُ جَوْلَتَكُمْ وانْحِيَازَكُمْ عن صُفُوفِكُم ، تَحُوزُكُمُ الجُفَاةُ والطُّغَاةُ وأعْرَابُ أهْلِ الشَّام ، وأنْتُمْ لَهَامِيمُ العَرَب والسَّنَامُ الأعْظَمُ ، وعُمَّارُ اللَّيْل بِتِلاوَة القُرْآن ، دَعْوَةِ أهْلِ الحَقِّ إذْ ضَلَّ الخَاطِئُونَ ، فلَوْلا إقْبَالُكُمْ بعد إدْبَارِكُمْ ، وكَرُّكُمْ بعد انْحِيَازِكُم ، لَوَجب عليْكُم ما يَجِبُ على المُوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ دُبُرَهُ ، وكُنْتُمْ فيما أرَى من الهالِكِينَ ، ولقد هَوَّنَ عليَّ بَعْضَ وَجْدِي ، وشَفَى بَعْضَ حَاجِ صَدْرِي ، إذا رَأيْتُكُمْ حُزْتُمُوهُم كما حَازُوكُم ، فأزَلْتُمُوهُمْ عَن مَصَافِّهِم كما أزَالُوكُمْ ، وأنْتُم تَضْرِبُونَهُم بِالسُّيُوف حَتَّى رَكِبَ أوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ كالإبلِ المَطْرُودَةِ الهِيمِ ، الآنَ فاصْبِرُوا نزَلَت عليكُم السَّكِينةُ ، وثَبَّتَكُمُ اللّه ُ باليَقِين ، ولْيَعْلَمِ المُنْهَزِمُ بأنَّهُ مُسْخِطٌ رَبَّه ، ومُوبِقٌ نَفْسَهُ ، إِنَّ في الفِرَار مَوْجِدَةَ اللّه ، والذُّلَّ اللاّزِمَ ، والعَارَ البَاقِيَ ، وفَسَادَ العَيْشِ علَيْه ، وإِنَّ الفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيدٍ في عُمُرِه ، ولا مَحْجُوزٍ بيْنَه وبيْن يَوْمه ، ولا يَرْضَى رَبُّه ، ولَمَوْتُ الرَّجُلِ مَحْقا قَبْلَ إِتْيَانِ هَذِه الخِصَالِ خَيْرٌ مِنَ الرِّضَا بالتَّلْبِيسِ بِها ، والإقْرَارِ عَلَيْها » . (1)

.


1- . الكافي : ج5 ص40 ح4 ، وقعة صفِّين : ص256 ، بحار الأنوار : ج32 ص472 ح411 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص204 كلّها نحوه وراجع : نهج البلاغة : الكتاب107 ، المعيار والموازنة : ص149 .

ص: 225

وفي كلامٍ لَهُ آخَرَ :« وإذا لَقِيتُم هَؤلاءِ القوْم غَدا فلا تُقاتِلُوهُم ، حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ ، فإذا بَدَؤُوا بكُمْ فانْهُدُوا إليْهم . وعليْكم السَّكِينَةَ والوَقَارَ ، وعَضُّوا على الأضْرَاس ، فإنَّه أنْبَأُ لِلسُّيُوفِ عن الهَام ، وغُضُّوا الأبْصَارَ ، ومُدُّوا جِبَاهَ الخُيُول ووُجُوهَ الرِّجَالِ ، وأقِلُّوا الكَلامَ ، فإنَّه أطْرَدُ لِلْفَشَلِ ، وأذْهَبُ بالْوَهَلِ (1) ، ووَطِّنُوا أنْفُسَكُمْ على المُبَارَزَة والمُنَازَلَة والمُجَادَلَة ، واثْبُتُوا ، واذْكُرُوا اللّه َ عز و جل كَثِيرا ، فإنَّ المَانِع لِلذِّمَارِ عند نُزُولِ الحَقَائِقِ ، هُم أهْلُ الحِفَاظِ ، الَّذِين يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِم ، ويَضْرِبُونَ حَافَتَيْهَا وأمامَها ، وإذا حَمَلْتُمْ فَافْعَلُوا فِعْلَ رَجُلٍ وَاحِدٍ . وعليْكم بالتَّحامِي ، فإنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ لا يَشُدُّونَ عليْكم كَرَّةً بَعدَ فَرَّةٍ ، ولا حَمْلَةً بعد جَوْلَةٍ ، ومَنْ ألْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَاقْبَلُوا منْه ، واسْتَعِينُوا بالصَّبْر ، فإنَّ بعْد الصَّبْر النَّصْرَ من اللّه عز و جل « إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (2) » . (3)

قال نَصْر : حدَّثني رجلٌ عن مالك الجُهَنيّ ، عن زَيْد بن وَهب ، أنَّ عليَّا مرَّ على جماعةٍ من أهل الشَّام بصفِّين فيهم الوليد بن عُقْبَة ، وهم يشتمونه ويقصبونه ، فأخبروه بذلك ، فوقَف في ناس من أصحابه ، فقال :« انْهدوا إليهِم ، وعليْكم السَكينةُ وسيما الصَّالحين ووَقَارُ الإسلامِ ، واللّه ، لأقرَبُ قَومٍ مِنَ الجَهلِ باللّه ِ عز و جل قَومٌ قائِدُهُم ومُؤدِّبهم مُعاوِيَةُ ، وابنُ النَّابِغَةِ ، وأبو الأعْوَرِ السَّلَميِّ ، وابنُ أبي مُعَيطٍ ، شارِبُ الحَرامِ ، والمَجلُودُ حَدَّا في الإسلامِ ، وَهُم أُولاءِ يَقومُونَ فَيقصِبُونَنِي ، ويشتُمونَنِي ، وقَبلَ اليَومِ ما قاتَلُوني وشتَمونِي ، وأنا إذ ذاك أدعُوهُم إلى الإسلامِ ، وهُم يَدعُونَنِي إلى عبادَةِ الأصنامِ ، فالحَمدُ للّه ِ ، ولا إلهَ إلاّ اللّه ُ ، وقَدِيما ما عادَانِي الفاسِقُونَ ، إنَّ هذا هُوَ الخَطبُ الجَلِيلُ . إنَّ فُسّاقا كانُوا عِندَنا غَيرَ مَرضِيينَ ، وعلَى الإسلامِ وأهلِهِ مُتَخَوِّفِينَ ، أصبحوا وقَد خَدَعوا شَطْرَ هذهِ الأُمَّةِ ، فأشرَبُوا قُلوبَهم حُبَّ الفِتنَةِ ، فاستمالُوا أهواءَهُم بالإفْكِ والبُهتان ، وقد نَصَبُوا لَنا الحَرْبَ ، وجَدُّوا في إطفاءِ نُورِ اللّه ِ « وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ » (4) . اللَّهمَّ فإنَّهم قَد رَدُّوا الحَقَّ ، فافضُضْ جَمعَهُم ، وشتِّتْ كَلِمَتَهُم ، وأبْسِلْهم بِخَطاياهُم ؛ فَإنَّهُ لا يَذِلّ مَنْ وَاليتَ ، ولا يَعِزُّ مَن عادَيتَ » . (5)

.


1- . الوَهَلُ بالتحريك ، الفَزَعُ . ( لسان العرب ج 11 ص 737 ) .
2- . الأعراف: 128 .
3- . الكافي : ج 5 ص 41 ح4 ، بحار الأنوار : ج32 ص564 ح469 .
4- . الصفّ : 8 .
5- . وقعة صفِّين : ص391 وراجع : الإرشاد : ج1 ص264 ، كتاب سُلَيم بن قيس : ج2 ص811 ، بحار الأنوار : ج32 ص613 ، المعيار والموازنة : ص152 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص45 .

ص: 226

[ هذا بعض ما أورده المحدّثون من كلمات سيِّد المسلمين عليه السلام في هذا المضمار ، وإن أردت الوقوف على أكثر من ذلك فراجع نهج البلاغة (1) ، والمستدرك : كتاب الجهاد ، ونهج السَّعادة (2) ، وعيون الأخبار لابن قُتَيْبَة (3) . وفي محاسن البيهقي نقل وصيَّةً أخرى له عليه السلام ، قال : ويروى أنَّ ابن عبَّاس رحمه الله ، قال : عَقُم النِّساء أنْ يجئنَ بمِثلِ عليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، ما رأيت مُحْرِبا يُزَنّ به لَرَأيْتَه يومَ صفِّين ، وعلى رأسه عِمامَة بَيْضاء ، وكأنَّ عينيه سراجا سَليطٍ (4) ، وهو يَقِف على شِرْذِمَةٍ بَعدَ شِرْذِمَةٍ مِنَ النَّاسِ ، يَعظِهُم ويَحضُّهُم ويُحَرّضُهُم ، حَتَّى انتهى إليَّ ، وأنَا في كَثفٍ مِنَ النَّاسِ ، فَقالَ : « مَعاشِرَ المُسلِمينَ ، استَشعِروا الخَشْيةَ ، وأكمِلُوا الّلأمَةَ ، وتَجَلْبَبُوا بالسَّكِيْنَةِ ، وغُضُّوا الأصواتَ ، والحَظوا الشَّزرَ ، واطعَنُوا الوَجْرَ ، وصِلُوا السُّيوفَ بالخُطى والرِّماحَ بالنَّبلِ ، فَإنَّكُم بِعَينِ اللّه ِ ، ومَعَ ابنِ عَمِّ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، تُقاتِلُونَ عَدُوَّ اللّه ِ ، عَلَيْكُم بِهذا السَّوادِ الأعظَمِ ، والرَّواقِ المُطَنَّبِ ، فاضرِبُوا ثَبَجَهُ ، فإنَّ الشَّيطان راكِسٌ فِي كَسرِهِ ، مُفْتَرِشٌ ذِراعَيهِ ، قَد قَدَّمَ للوَثبةِ يدا ، وأخَّرَ للنُّكوصِ رِجْلاً ، فَصَمدا صَمْدا حَتَّى يَنجَلِيَ لَكمُ الحَقُّ ، وأنتمُ الأعْلَونَ ، واللّه ُ مَعَكُم ، ولنْ يَتَرِكُم أعْمالَكُم » (5) .

.


1- . نهج البلاغة : الخطبة 11 و24 و64 و105 و121 و122 والكتاب11 و12 و14 و16 .
2- . نهج السعادة : ج2 ص333 و335 و337 و354 .
3- . عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص110 .
4- . السّليط ما يُضاء به ، ومن هذا قيل للزيْتِ سليط ( لسان العرب ) .
5- . المحاسن والمساوئ للبيهقي : ص 45 ، تاريخ مدينة دمشق : ج 42 ص 460 ، كنزالعمّال : ج 11 ص 346 الرقم 31750 وفي كلاهما نحوه مع الزيادة ؛ خصائص الأئمة : ص 75 ، تفسير فرات الكوفي : ص 431 الرقم 569 كلاهمانحوه وراجع : بشارة المصطفى : ص141 ، بحار الأنوار : ج32 ص601 ح476 ؛ عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص110 ، بهج الصباغة : ج10 ص170 و171 .

ص: 227

179 _ وصيّته عليه السلام لمخنف بن سليم

179وصيّته عليه السلام لمِخْنَف بن سُلَيْم« أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سَرَائِرِ أَمْرِهِ ، وخَفِيَّاتِ عَمَلِهِ حَيْثُ لا شَهِيدَ غَيْرُهُ ، ولا وَكِيلَ دُونَهُ . وأَمَرَهُ أَلاَّ يَعْمَلَ بِشَيْءٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا أَسَرَّ ، ومَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وعَلانِيَتُهُ وفِعْلُهُ ومَقَالَتُهُ ، فَقَدْ أَدَّى الأَمَانَةَ ، وأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ . وأَمَرَهُ أَلا يَجْبَهَهُمْ ، ولا يَعْضَهَهُمْ (1) ، ولا يَرْغَبَ عَنْهُمْ ، تَفَضُّلا بِالإمَارَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمُ الإخْوَانُ فِي الدِّينِ ، والأعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ ، وإِنَّ لَكَ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيبا مَفْرُوضا ، وحَقّا مَعْلُوما ، وشُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَةٍ ، وضُعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ ، وإِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ ، فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ ، وإِلاَّ تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاس خُصُوما يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وبُؤسَى لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ الْفُقَرَاءُ والْمَسَاكِينُ والسَّائِلُونَ والْمَدْفُوعُونَ والْغَارِمُونَ وابْنُ السَّبِيلِ ومَنِ اسْتَهَانَ بِالأمَانَةِ ، ورَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ ، ولَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ ودِينَهُ عَنْهَا ، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ والْخِزْيَ فِي الدُّنيا ، وهُوَ فِي الآخِرَةِ أَذَلُّ وأَخْزَى ، وإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الأمَّةِ ، وأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الأئِمَّةِ ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . عَضهَهُ يعضَهُهُ : قال فيه ما لم يكن ( لسان العرب ج 13 ص 515 ) .
2- . نهج البلاغة : الكتاب 26 ، بحار الأنوار : ج33 ص528 ح719 مع اختلاف يسير ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص158 الرقم26 وفيه « شاهد » بدل « شهيد » .

ص: 228

صورة ما نقله النُّعْمَان بن محمّد : قال : أنَّه استعمل عليٌّ عليه السلام مِخْنَفَ بنَ سُلَيْمٍ على صدقات بَكر بن وائل ، وكتب له عهدا كان فيه :« فمَن كانَ مِن أهْلِ طاعَتِنا مِن أهْلِ الجَزيرَةِ ، وفِيما بَينَ الكُوفَةِ وأرْضِ الشَّامِ ، فَادَّعَى أنَّهُ أدَّى صدَقَتَهُ إلى عُمَّالِ الشَّامِ ، وهُوَ في حوزَتِنا مَمنوعٌ قَد حَمَتْهُ خَيلُنا ورِجالُنا ، فلا تُجِز لَهُ ذَلِكَ ، وإن كان الحَقُّ علَى ما زَعَمَ ، فإنَّه ليسَ لَهُ أن يَنزِلَ بِلادَنا ، ويُؤَدِّي صدَقةَ مالِهِ إلى عَدُوِّنا » . (1)

وعن عليّ عليه السلام أنَّه أوصى مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ ، وقد بعثه على الصَّدقة بوصية طويلة ، أمره فيها بتقوى اللّه ربّه في سرائر أموره وخفيّات أعماله ، وأن يلقاهم ببسط الوجه ، ولين الجانب ، وأمره أن يلزم التَّواضع ، ويجتنب التَّكَبُّر ، فَإنَّ اللّه يرفَع المتواضعين ، ويضع المتكبّرين ، ثُمَّ قال له :« يا مِخْنَفُ بنُ سُلَيْمٍ ، إنَّ لَكَ في هذه الصَّدَقَةِ نَصِيبا وحَقَّا مَفْرُوضا ، ولَكَ فِيها شُرَكاءَ فُقَراءَ ومساكِينَ وغارِمينَ ومجاهدِينَ وأبْنَاءَ سَبيلٍ ، وممْلوكِينَ ومتألَّفينَ . وإنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ فَوَفّهِم حُقُوقَهُم ، وإلاَّ فَإنَّكَ مِن أكثرِ النَّاسِ يَومَ القِيامَةِ خُصَماءَ ، وَبُؤسا لامرئٍ أنْ يَكونَ خَصْمُهُ مِثلَ هؤلاء » . (2)

.


1- . دعائم الإسلام : ج1 ص259 ، بحار الأنوار : ج96 ص70 .
2- . دعائم الإسلام : ج1 ص252 ، بحار الأنوار : ج96 ص85 ح7 .

ص: 229

] لمّا انقضت حرب البصرة ورجع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة ، جاء إليه عدّة لم يشهدوا الحرب ، وكانوا يعتذرون ، فنظر عليه السلام إلى مِخْنَف بن سُلَيْم فقال ] :« لكِنَّ مِخْنَفَ بنَ سُلَيْمٍ وقومَهُ لَم يتخلَّفُوا ، ولم يَكُن مَثَلُهُم مَثَلَ القومِ الَّذِين قال اللّه ُ تعالى : « وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَ_ئِنْ أَصَبَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَ_لَيْتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا » (1) » . (2)

أقول : فما ذكره الطَّبريّ وابن الأثير من أن راية الأزْد من أهل الكوفة كانت مع مِخْنَف بن سُلَيْم فقتل ، (3) غير صحيح ، لما تقدَّم ويأتي من أنَّه بقي وشهد في حرب صفِّين . . . (4) . ولمّا كان إغارة النُّعْمَان بن بشير في ألف رجل إلى عين التَّمر ، وفيها مالك بن كَعْب في ألف رجل مسلحة لعليّ ، وكان مالك قد أذن لأصحابه ، فأتوا الكوفة ولم يبق معه إلاَّ مئة رجل ، فلمَّا سمع بالنُّعْمان كتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام يخبره ويستمدّه . . . وكتب مالك إلى مِخْنَف بن سُلَيْم يستعينه ، وهو قريب منه ، واقتتل مالك والنُّعْمَان أشدّ قتال ، فوجّه مِخْنَف ابنه عبد الرَّحمن في خمسين رجلاً ، فانتهوا إلى مالك ، وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا ، فلمَّا رآهم أهل الشَّام انهزموا عند المساء وظنّوا أنَّ لهم مددا . (5) وصرَّح الثَّقَفيّ بأنَّ مِخْنَفا كان على الصَّدقة لعليّ عليه السلام . (6) قال نصر : قال عمر عن الحارث بن حصين عن أشياخ من الأزْد : أنَّ مِخْنَف بن سُلَيْم لمّا ندب أزد العِراق إلى قتال أزد الشَّام ، حمد اللّه وأثنى عليه ، ( فقال : الحمد للّه والصَّلاةُ على مُحَمَّدٍ رسولِهِ . . . (7) ) ثُمَّ قال : إنَّ من الخطب الجليل والبلاء العظيم ، أنّا صرفنا إلى قومنا ، وصرفوا إلينا ، فواللّه ، ما هي إلاَّ أيدينا نقطعها بأيدينا ، وما هي إلاَّ أجنحتنا نحذفها بأسيافنا ، فإن نحن لم نفعل لم نناصح صاحبنا ، ولم نواس جماعتنا ، وإن نحن فعلنا فعِزَّنا أبَحنا ، ونارنا أخمدنا . فقال جُنْدُب بن زُهَيْر : واللّه ، لو كنّا آباءهم ولدناهم ، أو كنا أبناءهم ولدونا ، ثُمَّ خرجوا من جماعتنا ، وطعنوا على إمامنا ، وآزروا الظَّالمين والحاكمين بغير الحقّ على أهل مّلتنا وذمّتنا ، ما افترقنا بعد أن اجتمعنا ، حَتَّى يرجعوا عمّا هم عليه ، ويدخلوا فيما ندعوهم إليه ، أو تكثر القتلى بيننا وبينهم . فقال مِخْنَف : أعْزَبَكَ اللّه ُ في التِّيه . أما واللّه ، ما علِمتك صغيرا ولا كبيرا إلاَّ مشؤوما ، واللّه ، ما ميَّلْنا الرَّأي بين أمرين قطُّ ، أيَّهما نأتي ، وأيَّهما ندع ، في الجاهلية ولا بعدما أسلمنا ، إلاَّ اخترت أعسرهما وأنكدهما . اللَّهمَّ فأن نُعافى أحبُّ إلينا من أن نبتلى . فأعط كل رجل منّا ما سألك . . . (8) . [ لمّا وقعت قصّة ابن الحَضْرَمِيّ في البصرة ، ونصر بنو تميم البصرة عبد اللّه بن عامر الحَضْرَمِيّ ، ونصر الأزْد زيادا ، وقاموا دونه ] فقال شَبَث بن رِبْعيّ لعليّ عليه السلام : يا أمير المؤمنين ، ابعث إلى هذا الحيِّ مِن تَميم ، فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك ، ولا تسلِّط عليهم أزد عمان البعداء البغضاء ، فإنَّ واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم . فقال له مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ : إنَّ البعيد البغيض من عصى اللّه ، وخالف أمير المؤمنين وهم قومك ، وإنَّ الحبيب القريب من أطاع اللّه ، ونصر أمير المؤمنين وهم قومي ، وأحدهم خير لأمير المؤمنين من عشرة من قومك . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « مَهْ ، تَناهَوا أيُّها النَّاسُ ، ولَيردَعْكُمُ الإسلامُ ، ووَقارُهُ عَنِ التَّباغي والتَّهاذي . . . » . (9) قتل مِخْنَف بن سُلَيْم في عَين الوَردة ، سنة أربع وستين . (10) نَصْر عن مُحَمَّد بن عُبيد اللّه عن الحكم قال : لمّا هرب مِخْنَف بالمال ، قال عليّ عليه السلام : « عَذَرتُ القِردانَ فَما بَالُ الحَلَم ؟ » (11) . (12) وفي معجم رجال الحديث : مِخْنَف بن سُلَيْم ابن خالة عائشة ، عربي كوفي ، عدّه الشَّيخ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وعدَّه البرقي من خواصّ أصحابِ أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن . (13)

.


1- . النساء : 72 _ 73 .
2- . وقعة صفّين :ص8 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص106 .
3- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص521 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص343 .
4- . راجع : تهذيب التهذيب : ج5 ص 375 الرقم7718 ، أُسد الغابة : ج5 ص122 الرقم4804 .
5- . الكامل في التاريخ : ج2 ص425 ، وراجع : تاريخ الطبري : ج5 ص133 ، البداية والنهاية : ج7 ص320 ؛ الغارات : ج2 ص450 .
6- . راجع : الغارات : ج2 ص450 ، دعائم الإسلام : ج1 ص252 .
7- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص209 .
8- . وقعة صفّين: ص 262 ؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 26 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 5 ص 209 كلاهما نحوه .
9- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص44 ؛ الغارات : ج2 ص394 .
10- . راجع : تهذيب التهذيب : ج5 ص375 الرقم7718 .
11- . القردان _ بالضم _ : جمع قُراد ، والحَلَمُ جنس منه صغار .
12- . وقعة صفّين :ص11 ، قاموس الرجال : ج8 ص458 .
13- . راجع : معجم رجال الحديث : ج18 ص107 الرقم12181 ، رجال الطوسي : ص81 الرقم 808 ، رجال البرقي : ص6 .

ص: 230

. .

ص: 231

. .

ص: 232

شبث بن ربعيٍّ التّميميّ

شَبَثُ بنُ رِبْعِيٍّ التَّمِيمِيّشَبَث بن رِبْعيّ التَّميميّ اليَرْبُوعيّ ، أبو عبد القدّوس الكوفيّ أحد الوجوه المتلوّنة المشبوهة العجيبة في التَّاريخ الإسلاميّ . كانَ مؤذّنا لسَجاح (1) ، ثُمَّ أسلَم (2) ، وله دور في فتنة عثمان (3) . كانَ من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في عصره (4) ، ومن اُمراء جيشه في حرب صفِّين (5) . وأوفده الإمام إلى معاوية ليتحدّث معه (6) . بيد أنّه لحق بالخوارج بعد التَّحكيم ، وصار من اُمراء عسكرهم . (7) ثمّ فارقهم بعد مدّة، وعاد إلى جيش الإمام عليه السلام (8) ، وكان قائد ميسرته في النهروان (9) . كاتب الإمام الحسين عليه السلام بعد هلاك معاوية كسائر الكوفيّين ، ودعاه إلى الكوفة (10) . ثمّ انضمّ إلى جماعة ابن زياد ، وثبّط النَّاس عن مسلم بن عَقِيل عليه السلام (11) . وكان ممّن قاتل مسلما (12) . وكان أحد القادة العسكريّين في جيش يزيد يوم الطَّفّ (13) . وبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام جدّد بناء مسجده بالكوفة ؛ فرحا بقتل الحسين (14) . وعندما ثار المختار نهض شَبَث أيضا للثأر بدم الحسين عليه السلام (15) . ثمّ اشترك مع مُصْعَب بن الزُّبَيْر ضدّ المختار (16) . مات بالكوفة سنة 80 ه (17) .

.


1- . سجاح : هي امرأة ادّعت النبوّة ( المعارف لابن قتيبة : ص405 ) .
2- . تهذيب الكمال : ج 12 ص352 الرقم2686 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 ، تاريخ الطبري : ج3 ص274 .
3- . تاريخ الطبري : ج4 ص483 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 .
4- . تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 ؛ رجال الطوسي : ص68 الرقم620 .
5- . وقعة صفّين : ص205 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص147 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص541 ، الأخبار الطوال : ص172 .
6- . وقعة صفّين : ص198 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص5 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص367 .
7- . تاريخ الطبري : ج5 ص63 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص144 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 ، مروج الذهب : ج2 ص405 .
8- . سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 150 الرقم51 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص473 الرقم3197 ، ميزان الاعتدال : ج2 ص261 الرقم3654 .
9- . تاريخ الطبري : ج5 ص85 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص405 ، الأخبار الطوال : ص210 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص169 .
10- . تاريخ الطبري : ج5 ص353 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص534 ، الأخبار الطوال :ص 229 .
11- . الإرشاد : ج2 ص52 و53 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص369 ، الأخبار الطوال : ص239 .
12- . تاريخ الطبري : ج5 ص381 .
13- . الإرشاد : ج2 ص95 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج4 ص98 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص422 ، تهذيب التهذيب : ج 2 ص473 الرقم3197 .
14- . الكافي : ج 3 ص490 ح2 ، تهذيب الأحكام : ج 3 ص250 ح687 .
15- . تقريب التهذيب : ج263 ص2735 .
16- . الأخبار الطوال : ص301 ، تقريب التهذيب : ج263 ص2735 ، تاريخ الطبري : ج6 ص44 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص666 .
17- . تقريب التهذيب : ج263 ص2735 .

ص: 233

. .

ص: 234

180 _ وصيّته عليه السلام لمعقل بن قيس

180وصيَّته عليه السلام لمَعْقِل بن قَيْسمن وصيَّة له عليه السلام وصّى بها مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحيّ حين أنفذه إلى الشَّام في ثلاثة آلاف مقدّمة له :« اتَّقِ اللَّه الَّذي لا بُدَّ لكَ مِنْ لِقَائِه ، ولا مُنْتَهَى لك دُونَهُ ، ولا تُقَاتِلَنَّ إلاَّ مَنْ قَاتَلك ، وسِرِ الْبَرْدَيْنِ ، وغَوِّرْ بالنَّاس ، ورَفِّهْ في السَيْر ، ولا تَسِرْ أَوَّل اللَّيْل ، فإِنَّ اللّه جَعَلَهُ سَكَنا وقَدَّرَهُ مُقاما لا ظَعْنا ، فَأَرِحْ فيه بدنَك ، ورَوِّحْ ظَهْرَك فإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَحَرُ أو حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَسِرْ علَى بَرَكَةِ اللّه ِ ، فَإِذَا لَقِيتَ العَدُو فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطا ، ولا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ ، ولا تَبَاعَدْ عَنهُم تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَك أَمْرِي ، ولا يَحْمِلَنَّكُم شَنآنُهُمْ ( سبابهم ) علَى قِتَالهم قَبْلَ دُعَائِهِمْ ، والإِعْذَارِ إِليهم » . (1)

[ أقول : قال العلاّمة الآملي في الشَّرح : وصيَّته عليه السلام لمَعْقِل على نسخة نصر ، لا تتجاوز عن قوله : « حِينَ يَنبَطِحُ الفَجرُ فَسِرْ » (2) ، كما قلناها عنه ، وذيلها كان من وصيَّته عليه السلام لمالك الأشْتَر ، وقد رواها نصر أيضا في صفِّين . (3) فاتّضحَ أنَّ هذه الوصيّة مُلَفّقة مِن وصيّيتينِ ، صدرُها من وصِيَّتِهِ عليه السلام لِمَعْقِل ، وذَيلُها لمالِك ، والشَّريفُ الرَّضيُّ مال إلى أنَّها وصيّة واحِدَةٌ ، قالها لِمَعْقِل ، وقد علمت ما فيه . على أنّ إسقاط بعض عباراته عليه السلام ، وتلفيقَ بَعضٍ آخرَ إلى خطبة أو كتاب غير عزيز في النَّهج ، وقد دريت أنَّه من عادَةِ الرَّضي رحمه الله ؛ لأنَّ ما كان يهمَّه التقاط الفصيح من كلامه عليه السلام . اللَّهمَّ إلاَّ أن يقال : أنَّه ظفر برواية أخرى لا توافق ما في تاريخ أبي جَعْفَر الطبريّ ، وما في صفِّين لنصر ، وعدَّ فيها جَمِيعَ هذه الوصيّة وصيَّة واحِدَةً لِمَعْقِل ، ولم نظفر بها . والَّذي يُسهِّلُ الخَطبَ أن يقال : أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب مضمونا واحدا ودستورا ، فأرسلَهُ إلى أكثر من واحد من أُمراء جيشه ، فإنَّ ما يجب أن ينتبه إليه أحدهم من شؤون الحرب يجب أن ينتبه إليه الآخرُ أيضا ، غاية الأمر ، إنَّ نصرا لم ينقل وصيَّته عليه السلام لمَعْقِل كاملة ، وذلك لأنَّ ظاهر كلام الشَّريف الرَّضي رحمه اللهيأبى أن يقال : إنَّ هذه الوصيَّة ملفّقة من وصيّيتين ، وهو رحمه الله أجلّ شأنا من أن يسند وصيته عليه السلام لمالك ، إلى أنّها وصيَّته لمَعْقِل والمواضع الَّتي أسقط منها بعضُ كلامه عليه السلام ، ولفق بعضُهُ الآخر يغاير المقام ، فَتَأمَّل ] .

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب12 ، وقعة صفِّين : ص148 ، شرح نهج البلاغة للبحراني : ج4 ص379 ، بحار الأنوار : ج32 ص428 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص208 كلّها نحوه .
2- . وقعة صفِّين : ص149 .
3- . وقعة صفِّين : ص153 .

ص: 235

181 _ وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسن عليه السلام

181وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسن عليه السلاممصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله وصيَّة أمير المؤمنين عليه السلام عند موته ، عن السيّد رحمه اللهفي نهج البلاغة ، وعن الكافي ، وتهذيب الأحكام ، وتوجد في الفقى ، وروضة الواعظين وغيرها (1) ؛ ولكن نقل في البحار عن مجالس المفيد رحمه الله ، وأمالي الشَّيخ رحمه اللهالوصيَّة بلفظ آخر ، أحببنا نقله هنا لتتميم الفائدة : ] « هذا ما أوصى بهِ عليُّ بن أبي طالبٍ أخو مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللّه ِ ، وابنُ عَمِّهِ ، ووصِيُّهُ ، وصاحِبُهُ ، وأوَّلُ وصيَّتي أنِّي أشهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وأنَّ محمَّدا رسولُهُ وخِيَرَتُهُ ، اختارَهُ بِعلمِهِ ، وارتضاهُ لِخِيرَتِهِ ، وأنَّ اللّه َ باعِثٌ مَن في القُبورِ ، وسائِلٌ النَّاسَ عَن أعمالِهِم ، وعالِم بِما في الصُّدُورِ ، ثُمَّ إنِّي أُوصيك يا حَسَنُ _ وكفى بِكَ وصِيَّا _ بِما أوصاني بهِ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فإذا كانَ ذلِكَ يا بُنَيَّ فالزَم بَيتَكَ ، وابْكِ على خَطِيئَتِكَ ، ولا تَكُنِ الدُّنيا أكبرَ هَمِّكَ . وأُوصِيكَ يا بُنَيّ بالصَّلاةِ عِندَ وقتِها ، والزَّكاةِ في أهْلِها عِندَ مَحَلِّها ، والصَّمتِ عِندَ الشُّبهَةِ ، والاقتصادِ في العَمَلِ ، والعَدلِ في الرِّضا والغَضَبِ ، وحُسْنِ الجِوارِ ، وإكرامِ الضَّيفِ ، ورَحْمَةِ المَجهُودِ وأصحابِ البلاءِ ، وصِلَةِ الرَّحِمِ ، وحُبِّ المساكِينَ ومُجالَسَتِهِم والتَّواضُعِ ، فَإنَّهُ مِن أفضَلِ العِبَادَةِ ، وقُصْرِ الأمَلِ ، وذِكْرِ المَوتِ ، والزُّهْدِ في الدُّنيا ، فَإنَّكَ رَهْن مَوتٍ ، وغَرضُ بَلاءٍ ، وطَرِيحُ سُقمٍ . وأُوصِيكَ بِخَشيَةِ اللّه ِ في سِرِّ أمرِكَ وعَلانِيَتِهِ ، وأنهاكَ عَنِ التَّسرُّعِ بالقَولِ والفِعلِ ، وإذا عَرَضَ شيءٌ مِن أمرِ الآخِرَةِ فابدأ بهِ ، وإذا عَرضَ شيءٌ مِن أمرِ الدُّنيا فَتَأنَّهُ تُصِيبُ رُشدَكَ فِيه ، وإيَّاكَ ومَواطِنَ التُّهمَةِ والمَجلِسَ المَظنُونِ بهِ السُّوءَ ، فإنَّ قَرينُ السُّوءِ يُغيِّرُ جَلِيسَهُ ، وكُن للّه ِ يا بُنَيَّ عامِلاً ، وعَنِ الخَنَى (2) زَجُورا ، وبالمَعرُوفِ آمِرا ، وعَنِ المُنكَرِ نَاهِيا ، وواخِ الإخوانَ في اللّه ِ ، وأحِبَّ الصَّالِحَ لِصَلاحِهِ ، ودارِ الفاسِقَ عَن دِينِكَ ، وأبغِضْهُ بِقَلبِكَ ، وزايِلهُ بِأعْمالِكَ لِئلاَّ تَكونَ مِثلَهُ . وإيَّاك والجُلوسَ في الطُّرقاتِ ، ودَعِ المُماراةَ ومُجاراةَ مَن لا عَقلَ لَهُ ولا عِلمَ ، واقْتَصِدْ يا بُنَيَّ في مَعيشَتِكَ ، واقْتَصِد في عبادَتِكَ ، وعليك فيها بالأمرِ الدَّائِمِ الَّذي تُطِيقُهُ ، وألزمَ الصَّمْتَ تَسلَمْ ، وقَدِّمْ لِنَفسِكَ تَغنَم ، وتَعَلَّمِ الخَيرَ تَعلَمْ ، وكُنْ للّه ِ ذاكرا علَى كلِّ حالٍ ، وارْحَمْ مِن أهلِكَ الصَّغيرَ ، ووَقِّرْ مِنهُم الكبيرَ ، ولا تأكُلَنَّ طَعاما حَتَّى تَصَدَّق مِنهُ قَبلَ أكلِهِ . وَعليْكَ بالصَّوم فَإنَّهُ زكَاةُ البَدَنِ وَجُنَّةٌ لأهلِهِ ، وجاهِد نَفسَكَ ، واحذَر جَلِيسَكَ ، واجتَنِبْ عَدُوَّكَ ، وعلَيكَ بِمَجالِسِ الذِّكرِ ، وأكثِر مِنَ الدُّعاءِ ، فإنِّي لَم آلِكَ يا بُنَيَّ نُصْحا ، وهذا فِراقٌ بَينِي وبيْنَكَ . وأُوصِيكَ بأخِيكَ مُحَمَّدٍ خَيرا ، فإنَّه شَقِيقُكَ وابنُ أبِيكَ ، وقد تعلَمُ حُبِّي لَهُ . وَأمَّا أخوكَ الحُسينُ ، فهو ابنُ أُمِّكَ ، ولا أزيدُ الوُصاةَ بِذلِكَ ، واللّه ُ الخَلِيفَةُ علَيكُم ، وإيَّاهُ أسألُ أن يُصلِحَكُم ، وأن يَكُفَّ الطُغاةَ البُغاةَ عَنكُم ، والصَّبرَ الصَّبرَ حَتَّى يَتولَّى اللّه ُ الأَمرَ ، ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ العَلِيِّ العَظِيمِ » (3) . [ ونقل في البحار عن العدد القويَّة وصيَّة لأمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده الحسن عليه السلام تشبه الملاحم . ] « كَيْفَ وأنَّى بِكَ يا بُنَيَّ إذا صِرْتَ في قَوْمٍ ، صَبِيُّهم غاوٍ ، وشابُّهُم فاتِكٌ ، وشَيْخُهُم لا يأمُرُ بِمَعروفٍ ، وَلا يَنْهى عن مُنْكَرٍ ، وعالِمُهُم خَبٌّ مَوَّاهٌ مُسْتَحوِذٌ علَيهِ هَواهُ (4) ، مُتَمَسِّكٌ بعاجِلِ دُنْياهُ ، أشَدُّهُم عليْكَ إقْبالاً يَرصُدُكَ بالغَوائِلِ (5) . ويَطْلُبُ الحِيْلَةَ بالتَمنّي ، ويَطْلُب الدُّنيا بالاجتهادِ . خَوْفُهُم آجِلٌ ، ورَجاؤهُم عاجِلٌ ، لا يَهابُون إلاَّ مَن يَخافُونَ لِسانَهُ ، ويَرجُون نَوالَهُ ، دِينُهم الرِّباء ، كُلُّ حقٍّ عِندَهُم مَهْجورٌ ، ويُحِبُّون مَن غَشَّهُم ، ويَمُلُّون مَن داهَنَهم ، قلوبُهم خاوِيَةٌ . لا يَسمعون دُعاءً ، ولا يُجيبُون سائِلاً . قد اسْتَوْلَت عليهم سَكْرَةُ الغَفْلَةِ ، إن تَركْتَهم لا يَترُكُون ، وإن تابَعْتَهم اغْتالُوك ، إخوانُ الظَّاهِرِ ، وأعداءُ السِّرِ ، يَتَصاحَبُونَ على غَيرِ تَقوى ، فإذا افتَرَقُوا ذَمَّ بَعضُهُم بعضْا . تموتُ فيْهم السُّنَنُ ، وتَحْيى فِيهِمُ البِدَعُ ، فأحْمَقُ النَّاسِ مَن أسِفَ على فَقْدِهِم ، أو سُرَّ بكَثرَتِهِم . فَكُنْ يا بُنَيَّ ، عِندَ ذلِكَ كابنِ اللَّبُونِ (6) لا ظَهْرَ فيُركَب ، ولا وَبَر فيُسْلَب ، ولا ضَرْعَ فيُحْلَب ، فما طِلابُك (7) لِقَومٍ إن كُنتَ عالِما أعابُوكَ ، وإن كنتَ جاهِلاً لم يُرْشِدُوكَ ، وإن طلبْتَ العِلمَ قالوا : متَكلِّف متَعَمِّقٌ ، وإن تركتَ طلَبَ العِلمِ قالوا : عاجِزٌ غَبِيٌّ ، وإن تحقَّقْت لِعبَادَةِ ربِّك قالوا : متصنِّع مُراءٍ . وإن لزِمْتَ الصَّمْتَ قالوا : ألكَنٌ ، وإن نطقْت قالوا : مِهذارٌ ، وإن أنفقْتَ قالوا : مُسْرِفٌ ، وإن اقتصدْت قالوا : بخيلٌ ، وإن احْتَجْت إلى ما في أيديهم صارَمُوك وذَمُّوك ، وإن لم تعْتَدّ بِهِم كَفَّرُوك ، فَهذهِ صِفَةُ أهلِ زَمانِكَ ، فأصْغاك مَن فَرَغَ مِن جَوْرِهِم ، وأمِنَ مِنَ الطمَع فِيهِم ، فَهو مُقْبِلٌ على شأنِهِ ، مُدارٍ لأهْلِ زمانِهِ . ومنِ صِفَةِ العالِمِ ألاّ يَعِظَ إلاَّ مَن يَقْبَلُ عِظَتَهُ ، ولا ينْصَحُ مُعْجَبا برَأيْهِ ، ولا يُخْبِرُ بما يَخافُ إذاعَتَهُ ، ولا تُوْدِع سِرَّك إلاَّ عِندَ كُلِّ ثِقَةٍ ، ولا تَلْفِظ إلاَّ بما يَتَعارَفونَ (8) بهِ النَّاسُ ، ولا تُخالِطهم إلاَّ بما يَعقِلونَهُ ، فاحذَر كُلَّ الحَذَرِ ، وكُن فَرْدا وحيْدا . واعلَم أنّ مَن نَظَرَ في عَيبِ نفْسِهِ شُغِلَ عَن عَيبِ غَيرهِ ، ومَن كابَد الأُمورَ عَطِبَ ، ومَن اقْتَحَم اللُّجَجَ غَرِق ، ومَن أُعْجِبَ برأيهِ ضَلَّ ، ومَن استَغْنى بِعقْلِهِ زَلَّ ، ومَن تَكبَّرَ على النَّاسِ ذَلَّ ، ومَن مزَحَ اسْتُخِفَّ بهِ ، ومَن كَثَّرَ مِن شيء عُرِفَ بهِ ، ومَن كَثُرَ كلامُه كَثُرَ خَطؤهُ ، ومَن كَثُرُ خَطؤهُ قلَّ حَياؤهُ ، ومَن قلَّ حَياؤهُ قلَّ ورَعُهُ ، ومَن قلَّ ورَعُهُ قلَّ دِينُهُ ، ومَن قلَّ دينُه ماتَ قلبُهُ ، ومَن ماتَ قلبُه دَخَلَ النَّارَ » . (9)

.


1- . الكافي : ج7 ص51 ح 7 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص177 ، نهج البلاغة : الكتاب47 ، روضة الواعظين : ص152 ، بحار الأنوار : ج42 ص256 ح78 ؛ مقاتل الطالبيين : ص52 .
2- . الخنى : الفحش في القول .
3- . الأمالي للمفيد : ص221 _ 223 ح 1 ، الأمالي للطوسي : ص7 ح8 ، كشف الغمَّة : ج2 ص161 _ 163 ، بحار الأنوار : ج42 ص202 .
4- . الخب : الخداع . وموه الخبر : زوره عليه وزخرفه ولبسه ، أو بلغه خلاف ما هو .
5- . الغوائل : جمع غائلة ، وهي الشَّر ، والحنق ، والداهية .
6- . اللبون _ كصبور _ : الناقة والشَّاة ذات اللبن غزيرا كان أم لا ، والجمع لبن : _ بضم اللام وسكون الباء وقد تُضم الباء للاتباع _ وابن اللبون ولد الناقة استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة ، والانثى بنت لبون ، سمي بذلك لأن اُمه ولدت غيره فصار لها لبن ، وجمع الذكور كالاناث بنات لبون ، والضرع _ للحيوانات ذات الظلف أو الخف كالثدي للمرأة _ معروف .
7- . الطِلاب _ على زنة ضراب _ مصدر لقولهم : طالبه مطالبة ، أي طلب منه حقا له عليه .
8- . كذا في المصدر ، والصحيح: « بما يَتعارف » .
9- . العدد القويّة : ص357 _ 359 ح22 ، بحار الأنوار : ج77 ص234 ح3 وراجع : نهج البلاغة : الحكمة 349 .

ص: 236

. .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

ص: 239

[ روى الشيخ في أماليه باسناده ] قال أوصى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى الحسن بن عليّ عليه السلام ، فقال : فيما أوصى به إليه :« يا بُنَيَّ ، لا فَقرَ أشدُّ مِنَ الجَهلِ ، ولا عُدمَ أعدَمُ مِنَ العَقلِ ، ولا وَحدَةَ أوحشُ مِنَ العُجبِ ، ولا حَسَبَ كَحُسْن الخُلُقِ ، ولا وَرَعَ كالكَفِّ عَن محارِمِ اللّه ِ ، ولا عِبادَةَ كالتَفكُّرِ في صَنْعَةِ اللّه عز و جل . يا بُنَيَّ ، العقلُ خليلُ المَرء ، والحِلم وزيرُه ، والرِفقُ والدُه ، والصَّبرُ من خَيرِ جُنودِهِ . يا بُنَيَّ ، إنَّه لا بُدَّ للعاقِلِ من أنْ ينْظُرَ في شأنِهِ ، فَلْيَحفَظ لِسانَهُ ، ولْيَعْرِفْ أهْلَ زمانِهِ . يا بُنَيَّ ، إنَّ مِنَ البَلاءِ الفاقَةُ ، وأشَدُّ من ذلِكَ مَرَضُ البَدَنِ ، وأشَدُّ من ذلِكَ مَرَضُ القَلبِ ، وإنَّ مِنَ النِّعَمِ سِعَةُ المالِ ، وأفضَلُ مِن ذلِكَ صِحَّةُ البَدَنِ ، وأفضَلُ مِن ذلِكَ تَقوى القُلوبِ . يا بُنَيَّ ، للمُؤمن ثَلاثُ ساعاتٍ : ساعَةٌ يُناجي فيها ربَّهُ ، وساعَةٌ يُحاسِبُ فيها نَفسَهُ ، وساعَةٌ يَخلُو فيها بَين نفسِهِ ولَذَّتِها فيما يَحِلُّ ويَجمُلُ ؛ وليسَ للمُؤمن بُدٌّ مِن أنْ يَكونَ شاخِصا في ثَلاثٍ : مَرَمَّةٍ لِمَعاشٍ ، أو خُطوَةٍ لِمَعادٍ ، أو لَذَّة في غَيرِ مُحَرَّمٍ » . (1)

.


1- . الأمالي للطوسي : ص146 ح240 ، كشف الغمّة : ج2 ص10 نحوه ، بحار الأنوار : ج88 ح13 .

ص: 240

[ وروى في البحار ] وصيَّة له عليه السلام إلى السِّبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام :« يا بُنَيَّ ، إذا نزَل بِكَ كَلَبُ الزَّمانِ (1) وقَحْطُ الدَّهْرِ ، فعلَيكَ بِذَوي الأُصُولِ الثَّابِتَةِ ، والفُروعِ النَّابِتَةِ ، مِن أهْلِ الرَّحْمَةِ والإيثارِ والشَّفَقَةِ ، فإنَّهم أقضى للحاجاتِ ، وأمضى لِدَفعِ المُلِمَّاتِ . وإيَّاكَ وطلَبَ الفَضلِ ، واكتِسابَ الطَّساسِيجِ (2) والقَرارِيط (3) ، من ذَوي الأكُفِّ اليابِسَةِ ، والوُجُوهِ العابِسَةِ ، فإنَّهم إن أعْطَوْا مَنُّوا ، وإن مَنَعُوا كَدُّوا (4) . ثُمَّ أنْشأ يقولُ : واسْأَلِ العُرْفَ إن سألْتَ كَرِيمالَم يَزَلْ يَعرِفُ الغِنى واليَسارا فَسُؤالُ الكَرِيمِ يُورِثُ عِزَّاوسُؤَالُ اللَّئيمِ يُورِثُ عارَا وإذا لَمْ تَجِدْ مِنَ الذُلِّ بُدَّافالْقَ بالذُلِّ إن لَقِيتَ الكِبارا لَيسَ إجْلالُك الكَبِيرَ بِعارٍإنَّما العارُ أنْ تُجِلَّ الصِّغارا » . (5)

.


1- . كلْب الزَّمان : شدته ( الصحاح ) .
2- . الطساسيج : جمع طسّوج ، وهو جزء من أجزاء الدانق العملة المعروفة . ( الصحاح _ طسج _ ) .
3- . القراريط : جمع القيراط ، وهو نصف دانق . وعند اليونايين القيراط : حبة خرنوب ونصف دانق . والدرهم عندهم اثنتا عشرة حبة . وقيل : القيراط بمكة : ربع سدس دينار . وفي العراق نصف عشره . وأهل الشَّام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين . وأصل القيراط : قراط _ بالتشديد _ فأبدل احد حرفي تضعيفه ياءً كما ابدلوا في دينار ، ولذلك يجمع على قراريط ، كما يجمع الدينار على دنانير .
4- . أكديتُ الرجُلَ عن الشّيء رددتهُ عنه .
5- . أعلام الدين : ص274 ، بحار الأنوار : ج96 ص159 ح38 .

ص: 241

182 _ وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسين عليه السلام

182وصيّة له عليه السلام إلى الإمام الحسين عليه السلام[ نقل ابن أبي شُعْبَة في تحف العقول : ] وصيَّته لابنه الحسين عليه السلام ، وهي :« يا بُنَيَّ ، أُوصِيكَ بِتقوى اللّه ِ فِي الغِنى والفَقْرِ ، وكَلِمَةِ الحَقِّ في الرِضا والغَضَبِ ، والقَصْدِ في الغِنى والفَقْرِ ، وبالعَدلِ علَى الصَّدِيقِ والعَدُوِّ ، وبالعَمَلِ في النَّشاطِ والكَسَلِ ، والرِّضا عَنِ اللّه ِ في الشِدَّةِ والرَّخاءِ . أيْ بُنَيَّ ، ما شَرُّ بعدَه الجَنَّةُ بِشَرٍّ ، ولا خَيْرٌ بعدَه النَّارُ بخَيرٍ ، وكلُّ نَعيمٍ دُونَ الجَنَّةِ مَحْقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النَّارِ عافِيَةٌ . واعلَمْ أيْ بُنَيَّ ، أنَّه مَن أبْصَرَ عَيبَ نفسِهِ شُغِلَ عَن عَيبِ غَيرهِ ، ومَن تَعَرَّى من لِباسِ التَّقوى لَم يَسْتَتِر بِشَيءٍ مِنَ اللِّباسِ ، ومَن رَضِيَ بِقِسَمِ اللّه ِ لَمْ يَحْزَن على ما فاتَهُ ، ومَن سَلَّ سَيْفَ البَغي قُتِل به ، ومَن حفَر بئرا لأخِيهِ وقَعَ فيها ، ومَن هتَكَ حِجابَ غَيرِهِ انكشَفَتْ عَوْراتُ بيتِهِ ، ومَن نَسِيَ خَطيئَتَهُ اسْتَعْظَمَ خَطيئَةَ غيرِهِ ، ومَن كابَدَ الأمُورَ عَطَبَ ، ومَن اقتَحَمَ الغَمَراتِ غَرِق ، ومَن أُعْجِبَ برأيه ضَلَّ ، ومَن استغْنى بِعقلِهِ زلَّ ، ومَن تَكبَّر على النَّاس ذَلَّ ، ومَن خالَطَ العُلماءَ وُقِّرَ ، ومَن خالَطَ الأنْذالَ حُقِّرَ ، ومَن سَفِهَ على النَّاسِ شُتِمَ ، ومَن دخَلَ مَداخِلَ السَوْء اتُّهِمَ ، ومَن مزَح اسْتُخِفَّ بِهِ ، ومَن أكثَر مِن شيءٍ عُرِف بهِ ، ومَن كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ خَطؤهُ ، ومَن كَثُرَ خَطؤهُ قلَّ حياؤُه ، ومَن قلَّ حياؤُه قلَّ وَرَعُهُ ، ومَن قلَّ وَرعُهُ ماتَ قَلبُه ، ومَن ماتَ قلبُهُ دَخَلَ النَّارَ . أيْ بُنَيَّ ، مَن نظَر في عيوب النَّاس ورضِيَ لِنفْسِهِ بها فَذاكَ الأحمَقُ بعَيْنِهِ ، ومَن تفكَّر اعتَبَر ، ومَن اعتبَر اعتزَلَ ، ومَن اعتزَل سَلِمَ ، ومَن تَركَ الشَّهواتِ كانَ حُرَّا ، ومَن تَرَكَ الحَسَدَ كانَت لَهُ المَحَبَّةُ عِندَ النَّاسِ . أيْ بُنَيَّ ، عِزُّ المُؤمِنِ غِناهُ عَنِ النَّاسِ ، والقَناعة مالٌ لا يَنْفَدُ ، ومَن أكثرَ ذِكْرَ المَوتِ رضِيَ مِنَ الدُّنيا باليَسيرِ ، ومَن عَلِمَ أنَّ كلامَهُ مِن عَملِهِ قلَّ كلامُه إلاّ فيما يَنفَعُهُ . أيْ بُنَيَّ ، العَجَبُ مِمَّن يَخافُ العقابَ فلَم يَكُفَّ ، ورَجا الثَّوابَ فَلم يَتُبْ ويَعمَلْ . أيْ بُنَيَّ ، الفِكرةُ تُورِث نورا ، والغَفلَةُ ظُلمةٌ ، والجهالةُ ضلالةٌ ، والسَّعيد مَن وُعِظَ بِغَيرهِ ، والأدبُ خَيرُ مِيراثٍ ، وحُسْنُ الخُلُقِ خَيرُ قَرينٍ ، ليسَ مَعَ قطيعَةٍ نَماءٌ ، ولا مَعَ الفُجورِ غِنىً . أيْ بُنَيَّ ، العافية عَشَرةُ أجزاء : تِسعةٌ مِنها فِي الصَّمتِ ، إلاّ بِذكْرِ اللّه ِ ، وواحِدٌ في تَركِ مُجالَسَةِ السُّفهاءِ . أيْ بُنَيَّ ، مَن تَزَيَّا بِمعاصي اللّه ِ فِي المَجالِسِ أورَثَه اللّه ُ ذُلاًّ ، ومَن طلَب العِلمَ عَلِمَ . يا بُنَيَّ ، رأسُ العِلمِ الرِّفقُ ، وآفتُهُ الخُرْقُ (1) ، ومِن كُنوزِ الإيمانِ الصَّبرُ على المصائِبِ ، والعَفافُ زِينَةُ الفَقرِ ، والشُّكرُ زِينَةُ الغِنى ، كَثرةُ الزِّيارَة تُورِثُ المَلالَةَ ، والطَّمأنِينَةُ قَبْلَ الخُبْرةِ ضِدُّ الحَزْمِ ، وإعجابُ المَرءِ بِنَفسهِ يَدُلُّ على ضَعْفِ عَقلِهِ . أيْ بُنَيَّ ، كمْ نَظْرَةٍ جَلَبت حَسْرةً ، وكم مِن كَلِمَةٍ سَلَبتْ نِعْمةً . أيْ بُنَيَّ ، لا شرَف أعلَى مِنَ الإسلامِ ، ولا كَرَمَ أعزُّ مِنَ التَّقوى ، ولا مَعقِلَ أحْرَزُ مِنَ الوَرَعِ ، ولا شَفِيعَ أنجَحُ من التَّوبَةِ ، ولا لِباسَ أجمَلُ مِنَ العافِيَةِ ، ولا مالَ أذهَبُ بالفَاقَةِ مِنَ الرِّضا بالقُوتِ ، ومَنِ اقتَصَر على بُلْغَةِ الكَفاف تعَجَّل الرَّاحَةَ وتبَوَّأ خَفْضَ الدَّعَةِ . أيْ بُنَيَّ ، الحِرصُ مِفتاحُ التَّعَبِ ، ومَطيَّةُ النَّصَبِ ، وداعٍ إلى التَقَحُّم في الذُّنوبِ والشَّرَهُ جامِعٌ لمساوِئ العُيوبِ ، وكَفاكَ تأديبا لِنفسِكَ ما كَرِهتَه مِن غَيرِكَ ، لِأخِيكَ علَيكَ مِثلُ الَّذي لَكَ عَليهِ ، ومَن تورَّطَ في الأُمورِ بِغَيرِ نَظَرٍ في العواقِبِ فَقد تَعَرَّضَ للنوائِبِ ، التَّدبيرُ قَبلَ العَمَلِ يُؤمِنُكَ النَّدَمَ ، مَن اسْتَقبَل وُجُوهَ الآراءِ عَرَفَ مواقِعَ الخَطاَ ، الصَّبرُ جُنَّةٌ مِنَ الفاقَةِ ، البُخلُ جِلْبابُ المَسْكَنَةِ ، الحِرصُ عَلامَةُ الفَقرِ ، وَصُولُ مُعْدِمٌ خَيرٌ مِن جافٍ مُكْثِرٍ ، لِكُلِّ شيءٍ قُوتٌ ، وابنُ آدَمَ قُوتُ المَوْتِ . أيْ بُنَيَّ ، لا تُؤيِس مُذنِبا ، فَكَمْ من عاكِفٍ على ذَنبِهِ خُتِمَ لَهُ بِخَيرٍ ، وكمْ مِنْ مُقْبِلٍ على عملِهِ مُفسِدٍ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ، صائرٍ إلى النَّار ، نَعوذُ باللّه ِ مِنها . أيْ بُنَيَّ ، كمْ مِن عاصٍ نَجا ، وكَم من عامِلٍ هَوى ، مَن تَحَرَّى الصِّدقَ خَفَّتْ عَليهِ المُؤَنُ ، فِي خِلافِ النَّفْسِ رُشدُها ، السَّاعاتُ تَنْتَقِصُ الأعمارَ ، وَيلٌ للباغِينَ مِن أحكَمِ الحاكِمينَ ، وعالِمِ ضَمِيرِ المُضْمِرِينَ . يا بُنَيَّ ، بِئسَ الزَّادُ إلى المَعادِ العُدوانُ علَى العِبادِ ، في كُلِّ جُرْعَة شَرَقٌ ، وفي كُلِّ أُكْلَةٍ غَصَصٌ ، لن تُنالَ نِعمَةٌ إلاَّ بفِراقِ أُخرى ، ما أقرَبَ الرَّاحَةَ مِنَ النَّصَبِ والبُؤْسَ مِنَ النَّعيمِ والمَوتَ مِنَ الحياةِ والسَّقَمَ مِنَ الصِّحَّة ، فَطُوبَى لِمَنْ أخلَصَ للّه ِ عَمَلَهُ وعِلْمَهُ وحُبَّه وبُغضَهُ وأخْذَهُ وتَرْكَهُ وكَلامَهُ وصَمْتَهُ وفِعلَهُ وقَوْلَه ، وبَخٍ بَخٍ لِعالِمٍ عَمِل فَجَدَّ ، وخافَ البَياتَ فأعَدَّ واستَعدَّ ، إنْ سُئِل نصَحَ ، وإنْ تُرِكَ صَمَتَ ، كلامُه صَوابٌ ، وسُكوتُهُ مِن غَيرِ عِيٍّ جَوابٌ ، والوَيلُ لِمَن بُلِي بحِرْمانٍ وخِذلانٍ وعِصيانٍ ، فاسْتَحسَن لِنَفسِهِ ما يَكْرَهُهُ مِن غَيرِهِ ، وأزْرَى علَى النَّاسِ بِمِثْلِ ما يَأْتي . واعلم أيْ بُنَيَّ ، أنَّه مَن لانَت كَلِمَتُهُ وَجَبَت مَحَبَّتُه ، وَفَّقَك اللّه ُ لِرُشْدِكَ ، وجَعَلَكَ مِن أهْلِ طاعَتِهِ بِقُدْرَتِهِ ، إنَّه جَوادٌ كَرِيمٌ » . (2)

.


1- . الخُرْق : الشدَّة .
2- . تحف العقول : ص88 _ 91 ، بحار الأنوار : ج77 ص236 وراجع : نزهة الناظر : ص61 ح43 .

ص: 242

. .

ص: 243

. .

ص: 244

183 _ كتابه عليه السلام للحسن عليه السلام

183كتابه عليه السلام للحسن عليه السلامروى في الدَّعائم : عن عليّ بن الحسين ومحمَّد بن عليّ عليهماالسلام ، أنَّهما ذَكرَا وصيَّة عليَّ عليه السلام ، فقالا :أوصَى إلى ابنه الحَسَنِ ، وأشهدَ على وصيَّتِهِ الحُسينَ ومُحَمَّدا وجَميعَ وَلَدِهِ ورُؤساءَ شيعتهِ وأهلَ بَيتهِ ، ثُمَّ دفع الكتابَ إليه والسِّلاحَ ، ثُمَّ قال له : أمَرَنِي رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنْ أُوصِي إليكَ ، وأنْ أَدْفَع إليْك كُتُبي وسِلاحي ، كما أوْصَى إليَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ودَفَعَ إليَّ كُتُبَه وسِلاحَه ، وأمَرَنِي أن آمُرَك إذا حَضَرَك المَوْتُ ، أن تَدْفَع ذلك إلى أخِيك الحُسَيْن _ ثُمَّ أقبل عَلى الحُسَين ، فقال : _ وأمَرَك رَسُولُ اللّه ِ أنْ تدفَعَهُ إلى ابنِكَ هذا . _ ثُمَّ أخَذَ بِيَد ابنه عليّ بن الحُسَين فَضَمهُ إليه ، فقال له :_ يا بُنَيَّ ، وأمَرَك رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله أن تَدْفَعَه إلى ابنِك مُحَمَّد ، فاقْرئهُ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومِنِّي السَّلام ، _ ثُمَّ أقبلَ إلى ابنِه الحسَن فقال : _ يا بُنَيَّ أنتَ وَلِيُّ الأمرِ ، ووَلِيُّ الدَّمِ ، فإنْ عَفَوْتَ فلَكَ ، وإن قَتَلْتَ فَضَرْبَةً مَكَانَ ضَرْبَةٍ ، ولا تَأْتُم (1) .

وكان قبلَ ذلك قد خصَّ الحسَن والحسَين عليهماالسلام بوصيَّة أسرَّها إليهما ، كَتَب لهما فيها أسماء الملوك في هذه الدُّنيا ، ومدَّة الدُّنيا وأسماء الدُّعاة إلى يوم القيامة ، ودفع إليهما كتاب القرآن وكتاب العلم ، ثُمَّ لمَّا جمع النَّاس ، قال لهما : ما قال ، ثُمَّ كتب كتاب وصيَّة ، وهو :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هذا ما أوْصَى بِهِ عَبدُ اللّه ِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ لآخِرِ أيَّامِه مِنَ الدُّنيا ، وهو صائِرٌ إلى بَرْزَخِ المَوْتَى والرَحِيل عَنِ الأهْل والأخِلاَّء . وهُو يَشْهَد أن لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وَحْدَه لا شَريِك لَهُ ، وأنَّ محمَّدا عبْدُه ورسولُه وأميِنُهُ ، صَلواتُ اللّه عليْه وعلى آلِهِ وعلَى إخوانِهِ المُرسَلِينَ وذُرِّيِتِهِ الطَّيِّبِينَ ، وجَزى اللّه ُ عنَّا مُحَمَّدا أفْضلَ ما جَزى نَبِيَّا عن أُمَّتِه . وأُوصِيك يا حَسَنُ ، وجميعَ مَن حَضَرَنِي من أهلِ بَيْتِي ووَلَدِي وشِيعَتِي بتقْوَى اللّه ِ ، ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأنتُم مسْلِمونَ ، واعْتَصِموا بِحَبْلِ اللّه ِ جَميعا ولا تَفَرَّقُوا ، فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يقولُ : صَلاحُ ذاتِ البَيْن أفضَلُ مِن عامَّةِ الصَّلاةِ والصَّومِ . وأُوصِيكُم بالعَمَلِ قبْلَ أن يُؤْخَذَ مِنكُم بالكَظْمِ ، وباغتِنامِ الصِحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ ، وقبْلَ « أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنبِ اللَّهِ وَ إِن كُنتُ لَمِنَ السَّخِرِينَ » (2) ، أو تقولُ : لوْ أنَّ اللّه هَدانِي لَكنتُ من المُتَّقِين ، وأنَّى ، ومِن أيْنَ ، وقدْ كُنتَ لِلهَوى مُتَّبِعَا ، فيُكْشَفُ عن بَصَرِهِ ، وتُهْتَكُ لَهُ حُجُبُهُ ، لِقَولِ اللّه ِ عز و جل : « فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَ_آءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » (3) ، أنَّى لَهُ البَصَر ، ألا أبْصَرَ قبْلَ هذا الوَقْتِ الضَّرَرَ ، قبْلَ أن تُحْجَب التَّوْبَةُ بِنُزُول الكُرْبَةِ فَتَتَمنَّى النَّفسُ أن لوْ رُدَّتْ لِتَعمَل بتقْواها ، فلا يَْنَفُعها المُنى . وأوصِيكم بمُجانَبَة الهَوى ، فإنَّ الهَوى يَدْعُو إلى العَمى ، وهُو الضَّلالُ في الآخِرَةِ والدُّنيا . وأُوصِيكُم بالنَّصيْحةِ للّه ِ عز و جل ، وكَيْفَ لا تَنْصَحُ لِمَن أخرَجَكَ مِن أصَلابِ أهلِ الشِّركِ ، وأنْقَذَك من جُحُودِ أهلِ الشَّكِّ ، فاعبُدهُ رَغْبَةً ورَهْبةً ، وما ذاكَ عِندَهُ بِضائِعٍ . وأُوصِيكم بالنَّصيحَةِ للرَّسولِ الهادِي مُحمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ومِنَ النَّصيحَةِ لَهُ أن تَؤَدُّوا إليْهِ أجْرَهُ ، قالَ اللّه ُ عز و جل : « قُل لاَّ أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى » (4) ، ومَن وَفَّى مُحَمَّدا أجْرَه بمَوَدَّة قَرابَتِهِ ، فقدْ أدَّى الأمانَةَ ، ومَن لَم يُؤَدِّها كان خَصْمَهُ ، ومَن كانَ خصْمَهُ خَصَمَهُ ، ومَن خَصَمَه فَقد باءَ بغَضَبٍ مِنَ اللّه ِ ، ومأواهُ جَهَنَّمُ ، وبِئسَ المَصيرُ . يا أيُّها النَّاس ، إنَّه لا يُحَبُّ محمَّدٌ إلاَّ للّه ، ولا يُحَبُّ آلُ مُحمَّد إلاَّ لِمُحَمَّدٍ ، ومَن شاء فليُقْلِل ، ومَن شاءَ فلْيُكْثِر ، وأُوصيكم بمَحَبَّتِنا والإحْسان إلى شِيعَتِنا ، فمَن لم يفْعل فليس منَّا . وأُوصِيكُم بأصحاب مُحمَّدٍ ، الَّذِين لم يُحْدِثوا حَدَثا ، ولمْ يُؤوُوا مُحْدِثا ، ولم يمنَعوا حَقَّا ، فإنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قَد أوْصانا بهم ، ولَعَن المُحْدِث مِنهُم ومِن غَيرِهِم . وأُوصِيكم بالطَّهارةِ الَّتي لا تَتِمُّ الصَّلاة إلاَّ بِها ، وبالصَّلاة الَّتي هِيَ عمودُ الدِّينِ ، وقِوامُ الإسلام ، فَلا تَغْفُلُوا عَنها ، وبالزَّكاة الَّتي بِها تَتِمُّ الصَّلاةُ ، وبِصَوْمِ شَهرِ رَمضَانَ ، وحِجِّ البَيْتِ ( الحَرام ) ، من استطاعَ إليهِ سبيلاً ، وبالجِهادِ في سبيلِ اللّه ِ ، فإنَّه ذُرْوَةُ الأعمالِ وعِزُّ الدِّين والإسلامِ ، والصَّومِ فَإنَّهُ جُنَّةٌ من النَّار ، وعليْكم بالمُحافَظَة على أوقات الصَّلاة ، فليس منِّي مَن ضَيَّع الصَّلاةَ . وأُوصِيكُم بصَلاةِ الزَّوالِ فَإنَّها صَلاةُ الأوَّابين . وأُوصِيكم بأربع رَكَعات بعدَ صَلاة المَغرب فلا تَتْرُكوهُنَّ ، وإن خِفْتُم عَدوَّا . وأُوصِيكم بقِيامِ اللَّيلِ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ ، فإنْ غَلَبَ عليْكُم النَّومُ ففي آخِرِهِ ، ومَن مُنِعَ بِمَرَضٍ فإنَّ اللّه َ يَعذِرُ بالعُذْرِ ، وليس منِّي ولا مِن شيعتِي مَن ضَيَّع الوِتْرَ ، أو مَطَلَ بِرَكعَتي الفجرِ . ولا يَرِدُ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله مَن أكل مالاً حَراما ، لا واللّه ِ ، لا واللّه ِ ، لا واللّه ِ ، ولا يَشْرَبُ مِن حَوْضِهِ ، ولا تَنالُهُ شَفاعَتُهُ ، لا واللّه ِ ، ولا مَن أدَمَن شَيئا مِن هذهِ الأشْربَةِ المُسْكِرَةِ ، ولا مَن زَنَى بمُحْصَنَةٍ ، لا واللّه ِ ، ولا مَن لم يَعْرِف حَقِّي ، ولا حقَّ أهلِ بيتي ، وهي أوْجَبُهنَّ ، لا واللّه ِ ، ولا يَرِدُ عليهِ مَن اتَّبع هَواهُ ، ولا مَن شَبَعَ وجَارُهُ المُؤمِنُ جائِعٌ ، ولا يَرِدُ علَيهِ مَن لم يكُن قَوَّاما للّه ِِ بالقِسْطِ . إنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَهِدَ إليَّ ، فقالَ : يا عليُّ ، مُرْ بالمَعروفِ ، وإنْهَ عَنِ المُنكَرِ بِيَدِكَ ، فإنْ لم تَسْتَطِعْ فبِلسانِكَ ، فإنْ لم تَسْتَطع فَبِقلبِكَ ، وإلاَّ فلا تَلُومَنَّ إلاَّ نَفسَكَ . وإيَّاكم والغَيْبَةَ ، فإنَّها تَحْبِطُ الأعمالَ ، صِلوا الأرحامَ ، وأفْشُوا السَّلامَ ، وصَلُّوا والنَّاسُ نِيامٌ . وأُوصيكم يا بَنِي عَبدِ المُطَّلِب خاصَّةً ، أنْ يَتَبَيَّنَ فَضْلُكُم على مَن أحسَنَ إليْكُم ، وتصديقِ رَجاءِ مَن أمَّلَكُم ، فإنَّ ذلِكُم أشْبَهُ بِأنسابِكُم . وإيَّاكم والبُغْضَةَ لِذَوِي أرحامِكُم المُؤمِنينَ ، فإنَّها الحالِقَةُ للدِّينِ ، وعليْكُم بِمُداراةِ النَّاسِ ، فإنَّها صَدَقةٌ ، وأكْثِروا مِن قَوْلِ لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ العَلِيِّ العظِيمِ ، وعَلِّموها أطفالَكُم ، وأسرِعُوا بخِتانِ أوْلادِكم ، فَإنَّهُ أطْهَر لَهُم ، ولا تَخْرُجَنَّ مِن أفواهِكُم كِذْبَةً ما بَقيِتُم ، ولا تَتكلَّمُوا بالفُحْشِ ، فَإنَّهُ لا يَلِيقُ بِنا ولا بشِيعَتِنا ، وإنَّ الفاحِشَ لا يَكونُ صَدِيقا ، وإنَّ المُتَكَبِّرَ مَلْعُونٌ ، والمتواضِعَ عِندَ اللّه ِ مَرْفُوعٌ . وإيَّاكُم والكِبْرَ ، فَإنَّهُ رِداءُ اللّه ِ عز و جل ، فَمَن نازَعَهُ رِداءَهُ قَصَمَهُ اللّه ُ . واللّه َ اللّه َ فِي الأيتامِ ، فلا يَجُوعُنَّ بِحَضْرَتِكُم . واللّه َ اللّه َ في ابن السَبيل ، فلا يَسْتَوحِشنَّ من عَشِيرَتِه بمَكانِكم . واللّه َ اللّه َ في الضَّيْفِ ، لا يَنْصَرِفَنَّ إلاَّ شاكِرا لَكُم . واللّه َ اللّه َ في الجِهادِ للأَنفُسِ ، فهي أعدى العَدوِّ لَكُم ، فإنَّه قالَ اللّه ُ تبارَكَ وتَعالى : « إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّى » (5) ، وإنَّ أوَّلَ المعاصِي تَصدِيقُ النَّفسِ ، والرُّكُونُ إلى الهَوَى . واللّه َ اللّه َ ، لا تَرغَبوا في الدُّنيا ، فإنَّ الدُّنيا هي رأسُ الخطايا ، وهِي مِن بَعدُ إلى زَوالٍ . وإيَّاكُم والحَسدَ ، فإنَّه أوَّل ذَنبٍ كان مِنَ الجِنِّ قَبْلَ الإنْسِ . وإيَّاكُم وتَصدِيقَ النِّساءِ ، فإنَّهنَّ أخْرَجْنَ أباكُم مِنَ الجَنَّةِ ، وصَيَّرْنَه إلى نَصَبِ الدُّنيا . وإيَّاكم وسوءَ الظَّنِّ ، فإنَّه يَحْبِط العَمَلَ ، و « اتَّقُواْ اللَّهَ وَ قُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَ_لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ » (6) ، وعليْكم بطاعَة مَن لا تُعْذَرون في تَركِ طاعَتِهِ ، وطاعَتِنا أهلَ البَيتِ ، فقد قَرَن اللّه ُ طاعَتَنا بطاعَتِهِ وطاعَةَ رَسُولِهِ ، ونَظَمَ ذلك في آيةٍ مِن كتابِهِ ، منَّا مِنَ اللّه ِ عَلينا وعلَيكُم ، وأوجَبَ طاعَتَهُ وطاعَةَ رَسولِهِ وطاعَةَ وُلاةِ الأمرِ مِن آلِ رَسُولِهِ ، وأمَرَكم أن تَسْألوا أهلَ الذِّكْرِ ، ونحنُ واللّه ِ أهلُ الذِكْرِ ، لا يُدَّعي ذلِكَ غيرُنا إلاَّ كاذِبا ، يُصَدِّقُ ذلِكَ قَولُ اللّه ِ عز و جل : « قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءَايَتِ اللَّهِ مُبَيِّنَتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ_لِحَتِ مِنَ الظُّ_لُمَتِ إِلَى النُّورِ » (7) ، ثُمَّ قال : « فَسْ_ئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » (8) ، فنَحنُ أهلُ الذِكْر ، فاقْبَلوا أمرَنا ، وانْتَهوا عمَّا نَهيْنا ، ونَحنُ الأبوابُ الَّتي أُمرْتُم أن تأتُوا البُيوتَ مِنها ، فنَحْنُ واللّه ِ ، أبوابُ تِلكَ البُيُوتِ ، ليسَ ذلِكَ لِغَيرِنا ، ولا يَقولُهُ أحَدٌ سِوانا . وأيُّها النَّاس ، هل فيكم أحدٌ يَدَّعِي قِبَلي جَوْرا في حكْمٍ ، أو ظُلمْا في نفْس ، أو مالٍ ، فليَقمْ أُنْصِفْه من ذلِكَ . فقام رجلٌ من القوم ، فأثْنى ثَناءً حسَنا عَليهِ ، وأطراه وذكَر مناقِبَهُ في كلام طويل ، فقال عليّ عليه السلام : أيُّها العَبدُ المُتكَلِّمُ ، ليسَ هذا حِينَ إطْراءٍ ، وما أُحِبُّ أن يَحْضُرَني أحدٌ في هذا المَحْضَر بِغَيرِ النَّصِيحَةِ ، واللّه ُ الشَّاهِدُ على مَن رَأى شيْئا يَكْرَهُهُ فلم يُعَلمْنِيه ، فَإنِّي أُحِبُّ أن أسْتَعْتِب من نفسِي قَبلَ أن تَفُوتَ نَفْسِي ، اللَّهمَّ إنَّك شَهِيدٌ ، وكفى بِكَ شَهِيدا ، إنِّي بايَعتُ رَسُولَكَ وحُجَّتَكَ في أرضِكَ مُحمَّدا صلى الله عليه و آله ، أنَا وثَلاثَةٌ مِن أهْلِ بَيتي علَى ألاّ نَدَعَ للّه ِِ أمرا إلاَّ عَمِلْناهُ ، ولا نَدَعَ لَهُ نهيْا إلاَّ رَفَضْناهُ ، ولا وَليَّا إلاّ أحببْناه ، ولا عَدوَّا إلاَّ عاديناه ، ولا نُولِّي ظُهُورَنا عَدُوَّا ، ولا نَمِلَّ عَن فَريضَةٍ ، ولا نَزْدادَ للّه ِ ولِرَسولِهِ ، إلاَّ نصيْحَةً ، فَقُتِلَ أصحابِي _ رَحمَةُ اللّه ِ ورِضوانُهُ علَيْهِم _ وكُلُّهُم مِن أهلِ بَيتي : عُبَيْدَةُ بنُ الحارِثِ( رحمه الله ) ، قُتِل ببَدْر شهيِدا ، وعَمِّي حمْزَةُ قتِل يَومَ أُحُدٍ شهيدا رحْمَةُ اللّه عَليهِ ورضوانُهُ ، وأخي جَعفَرٌ قتِل يومَ مُؤتَةَ شَهيدا رحمةُ اللّه عليه ، فأنزل اللّه ُ فيَّ وفي أصحابي ، « مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً » (9) ، أنَا واللّه المنْتَظِر ، ما بَدَّلَت تبديلاً ، ثُمَّ وَعَدَنا بِفَضلِهِ الجَزاءَ ، فقال : « قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ » (10) ، وقَد آنَ لِي فِيما نَزَلَ بي أن أفْرَحَ بِنِعمَةِ رَبِّي . فأثْنَوا عليه خَيْرا وبَكَوا ، فقال : أيُّها النَّاس أنَا أحِبُّ أن أُشهِد عليْكم ألاّ يَقومَ أحَدٌ ، فيقولَ أرَدتُ أن أقولَ فخِفْتُ ، فقد أعْذَرتُ بيني وبينكم ، اللَّهمَّ إلاَّ أن يكون أحَدٌ يرِيد ظُلمِي والدَّعوَى عَليَّ بِما لَم أجْنِ ، أمَا إنِّي لم أسْتَحِلَّ مِن أحَدٍ مالاً ، ولم أسْتَحلَّ مِن أحَدٍ دَما بِغَيرِ حِلِّهِ ، جاهدْتُ مَع رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بأمْرِ اللّه ِ وأمرِ رَسولِهِ ، فلمَّا قَبَض اللّه ُ رَسُولَهُ جاهدتُ مَن أمَرَنِي بجهادِهِ مِن أهلِ البَغيِ ، وسمَّاهُم لي رَجُلاً رَجُلاً ، وحَضَّني على جِهادِهِم ، وقال : يا عليُّ تقاتِلُ النَّاكِثينَ ، وسمَّاهم لِي ، والقاسِطينَ ، وسَمَّاهُم لِي ، والمارِقينَ ، وسمَّاهم لِي ، فلا تَكثُر مِنكُمُ الأقوالُ ، فَإنَّ أصْدَقَ ما يكونُ المَرءُ عِندَ هذا الحالِ : فقالوا خَيرا ، وأثْنَوا بِخَيرٍ وبَكَوا ، فقال للحسن : يا حَسَنُ ، أنتَ وليُّ دَمِي وهو عندك ، وقد صَيَّرتُهُ إليكَ ( يعني ابن ملجم لعنة اللّه عليه ) ، ليس لِأحَدٍ فِيهِ حُكْمٌ ، فَإنْ أردتَ أن تَقتُلَ فاقْتُل ، وإن أردْتَ أن تَعفُو فاعفُ ، وأنت الإمامُ بَعدِي ، ووارثُ عِلمِي ، وأفْضلُ مَن أتْرُكُ بعدي ، وخَيرُ مَن أُخلِّفُ مِن أهلِ بَيتي ، وأخوكَ ابنُ أُمِّكَ ، بَشّرَكُما رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله بالبُشْرى ، فأبْشِرا بِما بَشَّرَكُما ، واعْمَلا للّه ِِ بالطَّاعَةِ ، فاشْكُراهُ عَلى النِّعْمَةِ . ثُمَّ لم يَزَل يقول عليه السلام : اللَّهمَّ اكفِنا عَدُوَّك الرَّجيم ، اللَّهمَّ إنِّي أُشهِدُك أنَّك لا إلهَ إلاَّ أنتَ ، وأنَّك الواحِدُ ، الصَّمَدُ ، لم تَلِد ، ولَم تُولَد ، ولم يَكُن لكَ كُفُوا أحَدٌ ، فلَكَ الحَمدُ ، عدَدَ نَعْمَائِك لَدَيَ ، وإحسانِك عِندي ، فاغْفِر لِي ، وارحَمْنِي ، وأنتَ خَيرُ الرَّاحِمينَ . ولم يزَل يقول عليه السلام : لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، وحْدَكَ لا شريك لك ، وأنَّ محمَّدا عبدُك ورَسُولُك ، عُدَّةً لِهذا المَوْقِفِ وما بَعدَهُ مِنَ المواقِفِ ، اللَّهمَّ أجْزِ مُحَمَّدا عَنَّا خَيْرا ، وأجْزِ محمَّدا عنَّا خَيْرَ الجَزاء ، وبلِّغْه مِنَّا أفضلَ السَّلامِ ، اللَّهمَّ ألحقنِي بهِ ، ولا تَحُل بَيني وَبيْنَهُ ، إنَّك سميعُ الدُّعاءِ ، رَؤوفٌ رَحِيمٌ . ثُمَّ نظَر إلى أهل بيته ، فقال : حَفِظَكم اللّه ُ مِن أهْلِ بَيتٍ ، وحَفِظَ فِيكُم نَبيَّكُم ، وأسْتَوْدِعُكم اللّه َ ، وأقرأَ عليْكم السَّلامُ . ثُمَّ لم يَزَل يقولُ : لا إلهَ إلاَّ اللّه ُ ، مُحمَّدٌ رَسُولُ اللّه ِ » .

.


1- . تَأْتُم : أي ، لا تبطى ء من أتم .
2- . الزمر :56 .
3- . ق :22 .
4- . الشورى :23 .
5- . يوسف :53 .
6- . الأحزاب : 70 و71 .
7- . الطلاق : 10 و11 .
8- . النحل : 43 .
9- . الأحزاب : 23 .
10- . يونس : 58 .

ص: 245

. .

ص: 246

. .

ص: 247

. .

ص: 248

. .

ص: 249

. .

ص: 250

. .

ص: 251

حتَّى قُبِض صلوات اللّه عليه ورحمته ورضوانه ، ليلةَ إحدى وعِشرين من شَهر رمضان ، سَنَة أربعين من الهِجرة . (1) [ أقول : ونقل له عليه السلام أيضا وصايا لأصحابه وأولاده ، ولا بأس بنقل بعضها : نقل في نهج السَّعادة عن دستور معالم الحكم : ] قال القُضاعي : لمَّا ضُربَ أمير المؤمنين عليه السلام ، اجتمع إليه أهل بيته وجَماعة من خاصَّة أصحابه ، فقال : « الحمْدُ للّه ِ الَّذي وَقَّتَ الآجالَ ، وقَدَّر أرزاقَ العِبادِ ، وجعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرا ، ولَم يُفَرِّط في الكتاب مِن شَيءٍ ، فقالَ : « أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ » (2) ، وقال عز و جل : « قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ » (3) ، وقال عز و جل لنبيِّه صلى الله عليه و آله : « وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (4) . لقد خبَّرَنِي حَبِيبُ اللّه ، وخِيَرَتُه من خلقه ، وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ عن يَومِي هذا ، وعَهِد إليَّ فيهِ ، فقال : يا عليُّ ، كيفَ بِكَ إذا بقيتَ في حُثالَةٍ (5) مِنَ النَّاسِ ، تَدعُو فَلا تُجابُ ، وتَنْصَحُ عَنِ الدِّينِ فلا تُعانُ . وقد مالَ أصحابُكَ ، وشَنَفَ لَكَ نُصَحاؤُكَ ، وكان الَّذي مَعكَ أشدُّ عليْكَ مِن عَدُوِّكَ إذا اسْتَنْهَضْتَهم صَدُّوا مُعرضِينَ ، وإنِ اسْتَحْثَثْتَهم أدْبَروا نافِرينَ ، يَتَمَّنونَ فَقْدَك لِما يرَوْن من قِيامِكَ بِأَمْرِ اللّه ِ عز و جل ، وصَرْفِك إيَّاهُم عَنِ الدُّنيا ، فَمِنهُم مَن قد حَسَمْتَ طَمَعَهُ فهُو كاظِمٌ علَى غَيْظِهِ ، ومِنهُم مَن قَتَلْتَ أُسْرَتَه فهو ثائِرٌ متربّصٌ بِكَ رَيْبَ المَنونِ ، وصُرُوفِ النَّوائِبِ ، وكُلُّهم نَغِلُ الصَّدرِ ، ملْتَهِبُ الغَيْظِ ، فَلا تَزالُ فِيهِم كذلِكَ حَتَّى يَقتُلوكَ مكْرا ، أو يُرْهِقُوك شَرَّا ، وسَيُسَمُّونَك بأسماءَ قَد سمَّونِي بِها ، فَقالُوا : كاهِنٌ ، وقالُوا سَاحِرٌ ، وقالوا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ ، فاصْبِر ، فإنَّ لَكَ فِيَّ أسْوَةٌ . وبذلك أمَرَ اللّه ُ ، إذ يقولُ : « لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » (6) . يا عليُّ ، إنَّ اللّه َ عز و جل أمرَنِي أن أُدنِيَكَ ولا أُقْصِيَكَ ، وأن أُعَلِّمَكَ ولا أُهْمِلَكَ ، وأن أُقَرِّبَكَ ولا أجْفُوكَ . فهذِه وصيَّتُه إليَّ ، وَعهْدُه لِي . ثُمَّ إنِّي أُوصِيكُم أيُّها النَّفَرُ ، الَّذينَ قَامُوا بِأمرِ اللّه ِ ، وذَبُّوا عَن دِينِ اللّه ِ ، وجَدُّوا في طَلَبِ حُقُوقِ الأرامِلِ والمساكِينَ ، أُوصِيكُم بَعدِي بالتَّقوى ، وأُحَذِّرُكُم الدُّنيا والاغْتِرارِ بزِبرِجِها وزُخرُفِها ، فَإنَّها مَتاعُ الغُرورِ ، وجانِبوا سَبِيلَ مَن رَكَنَ إليْها ، وطَمَست الغَفْلةُ على قُلوبِهِم ، حَتَّى أَتاهُم مِنَ اللّه ِ ما لَم يَحْتَسِبُوا . وأُخِذُوا بَغْتَةً وهُم لا يشْعرُونَ . وقد كان قبْلَكُم قَومٌ خلَفوا أنبياءَهُم باتِّباعِ آثارِهِم ، فَإنْ تمسَّكْتُم بِهَديهِم ، واقتَدَيتُم بِسُنَّتِهِم لَمْ تُضِلُّوا . إنَّ نبِيَّ اللّه ِ صلى الله عليه و آله خلَّف فِيكُم كِتابَ اللّه ِ ، وأهلَ بَيتِهِ ، فَعِندَهُم عِلمُ ما تَأتُونَ وما تتَّقونَ ، وهُمُ الطَّريقُ الواضِحُ ، والنُّورُ اللائِحُ ، وأركانُ الأرضِ القوَّامُونَ بالقِسطِ ، بِنُورهِم يُستَضاءُ ، بِهَديِهِم يُقتَدى ، من شَجَرةٍ كَرُمَ مَنْبَتُها ، فَثَبَتَ أصلُها ، وبَسَقَ فَرْعُها ، وطابَ جَناها ، نبَتتْ فِي مُستَقرِّ الحَرَمِ ، وسُقِيت ماءَ الكرَمِ ، وَصَفَتْ مِنَ الأقذاءِ والأدناسِ ، وتُخُيِّرت مِن أطيَبِ مَواليدِ النَّاسِ ، فَلا تَزولوا عَنهُم فَتَفرَّقوا ، ولا تَتَحرَّفوا عَنهُم فتَمَزَّقُوا ، والزَموهُم تَهتَدوا وتَرشُدوا ، واخْلُفوا رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فِيهِم بأحسَنِ الخِلافَةِ ، فَقَدْ أخبرَكُم أنَّهما لَن يَفتَرِقا حَتَّى يَرِدا علَيَّ الحَوضَ ، أعْني كتابَ اللّه ِ وذرِّيَّتَهُ . أستودِعُكم اللّه َ الَّذي لا تَضِيعُ ودائِعُهُ ، بلَّغَكُم اللّه ُ ما تأمُلونَ ، ووَقاكُم ما تَحذَرونَ . اقرؤوا على أهلِ مَودَّتي السَّلامَ ، والخَلَفِ وخَلَفِ الخَلَفِ ، حفِظَكم اللّه ُ ، وحَفِظَ فِيكم نَبِيَّكُم ، والسَّلامُ » . (7) ثُمَّ نقل وصيّته عليه السلام للمؤمنين بآل النَّبِيّ صلى الله عليه و آله بصورة أُخرى ، وهي : « وفِيكُم مَن يَخْلُفُ مِنْ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ما إن تمسَّكْتُم بهِ لَن تضِلُّوا ، هُمُ الدُّعاةُ ، وهُمُ النَّجاةُ ، وهُمْ أركانُ الأرضِ ، وهُمُ النُّجومُ ، بِهِم يُسْتَضاءُ ، مِن شَجَرةٍ طابَ فَرعُها ، وَزيْتونَهٍ طابَ ( بُورِكَ ) أصلُها ، نَبَتت في الحَرَمِ ، وسُقِيت مِنْ كرَم إلى خَيْرِ مُستوْدَعٍ ، مِن مُبارَكٍ إلى مُبارَكٍ ، صَفَت مِنَ الأقْذارِ والأدناسِ ، ومِن قبيح مأنَبَه شِرار النَّاس ، لَها فرُوعٌ طِوالٌ ، وَثمَرٌ لا تُنالُ ، حَسِرَت عَن وصْفِها وصفاتِها الألسُنُ ، وَقصُرَت عن بُلوغِها الأعناقُ ، فَهُم الدُّعاةُ ، وهُمُ النَّجاةُ ، وبالنَّاسِ إليهِم الحَاجَةٌ ، فاخْلُفوا رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فيهِم بأحسَنِ الخِلافَةِ ، فَقَدْ أخبرَكُم أيُّها الثَّقلانِ أنَّهما لَن يَفْتَرِقا ، هُم والقُرآنُ ، حَتَّى يرِدَا عليَّ الحَوضَ ، فالزَموهُم تهتَدوا وترشُدوا ، ولا تتفرَّقوا عنهم ، فتفرَّقوا وتمزَّقوا » (8) . ولنكتف بنقل هذا المقدار ، وللقارئ الكريم أن يراجع مضانَّ هذه الروايات ، كنهج البلاغة ، ومروج الذَّهب والكافي والبحار (9) .

.


1- . دعائم الإسلام : ج2 ص348 _ 355 ح1297 وراجع : الكافي : ج1 ص297 ح1 وح5 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص176 ح714 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص189 ح5433 ، الغيبة للطوسي : ص194 ح157 ، كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي : ج2 ص924 ، بحار الأنوار : ج43 ص322 ح1 .
2- . النساء : 78 .
3- . آل عمران : 154 .
4- . لقمان : 17 .
5- . الحثال والحثالة _ كغراب وثعالة _ : الرديء من كلّ شيء . وحثالة الناس : رذالهم . وحثالة الدهن : ثفله . ويقال : هو من حثالتهم ، أي ممّا لا خير فيه منهم .
6- . الأحزاب : 21 .
7- . دستور معالم الحكم : ص72 _ 74 ؛ نهج السعادة : ج8 ص368 الرقم56 .
8- . شرف النبيّ عليهم السلام : ص256 ؛ إثباة الهداة : ج 1 ص 704 ، نهج السعادة : ج 8 ص 395 .
9- . راجع: الكافي : ج1 ص299 و300 ، نهج البلاغة : الخطبة147 والكتاب 23 ، بحار الأنوار : ج42 ص206 ح11 وص212 ح12 ؛ مروج الذَّهب : ج2 ص424 .

ص: 252

. .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

184 _ وصيّته عليه السلام للحسن والحسين عليهماالسلام

184وصيَّته عليه السلام للحسن والحسين عليهماالسلاممن وصيّة له عليه السلام للحسن والحسين عليهماالسلام لمَّا ضربَه ابن ملجِم لعنه اللّه :« أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللّه ، وأَلاَّ تَبْغِيَا الدُّنيا وإِنْ بَغَتْكُمَا ، ولا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا ، وقُولا بِالْحَقِّ ، واعْمَلا لِلأَجْرِ ، وكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْما ، ولِلْمَظْلُومِ عَوْنا . أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وَلَدِي ، وأَهْلِي ، ومَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللّه ، ونَظْمِ أَمْرِكُمْ ، وصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ ، فإنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا صلى الله عليه و آله يَقُولُ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِن عَامَّةِ الصَّلاةِ والصِّيَامِ . اللّه َ اللّه َ فِي الأَيْتَامِ ، فَلا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ ، ولا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ . واللّه َ اللّه َ فِي جِيرَانِكُمْ ، فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ ، مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ . واللّه َ اللّه َ فِي الْقُرْآنِ لا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ . واللّه َ اللّه َ فِي الصَّلاةِ فإنَّها عَمُودُ دِينِكُمْ . واللّه َ اللّه َ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ ، لا تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ ، فإنَّه إِنْ تُرِك لَمْ تُنَاظَرُوا . واللّه َ اللّه َ فِي الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ ، وأَنْفُسِكُمْ ، وأَلْسِنَتِكُمْ ، فِي سَبِيلِ اللّه . وعَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ والتَّبَاذُلِ ، وإِيَّاكُمْ والتَّدَابُرَ والتَّقَاطُعَ . لا تَتْرُكُوا الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ . ثُمَّ قَالَ : يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضا تَقُولُونَ : قُتِلَ أَميرُ الْمُؤمِنِينَ ! أَلا لا تَقْتُلُنَّ بِي إِلاَّ قَاتِلِي ، انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِن ضَرْبَتِهِ هَذِهِ ، فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ ، ولا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ ، فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ : إِيَّاكُمْ والْمُثْلَةَ ، ولَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ » (1) .

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب 47 وراجع : الكافي : ج7 ص51 _ 52 ، التهذيب : ج2 ص 327 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص189 _191 ، تحف العقول : ص197 ، الغيبة للطوسي : ص215 ، الأمالي للطوسي : ص212 ، روضة الواعظين : ص118 ، كشف الغمّة : ج1 ص431 ، كتاب سُلَيم بن قيس : ص15 ، فرحة الغري : ص23 ؛ تاريخ الطبري : ج6 ص3461 ، الكامل للمبرّ د :ج2 ص152 ، الكامل لابن الأثير : ج3 ص391 ، مروج الذهب : ج2 ص412 ، الفتوح :ج4 ص142 ، المناقب للخوارزمي : ص278 ، الأمالي للزجاجي : ص112 .

ص: 256

185 _ وصيّته عليه السلام قبل شهادته

186 _ وصيّته عليه السلام لمّا دعاه اللّه إلى جواره

185وصيَّته عليه السلام قبل شهادتهمن كلام له عليه السلام قاله قبل موته على سبيل الوصيَّة لمَّا ضربَه ابن ملجِم لعنه اللّه :« وَصِيَّتِي لَكُمْ ألاّ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئا ومُحَمَّدٌ _ صلى اللّه عليه وآله _ فَلا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وأَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وخَلاكُمْ ذَمٌّ أَنَا بِالأَمْسِ صَاحِبُكُمْ والْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وغَدا مُفَارِقُكُمْ إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي وإِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وهُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ فَاعْفُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّه لَكُمْ واللّه مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ ولا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ ومَا كُنْتُ إِلاّ كَقَارِبٍ وَرَدَ وطَالِبٍ وَجَدَ وما عنْد اللّه خَيْرٌ لِلأَبْرارِ » . (1)

186وصيَّته عليه السلام لمَّا دعاه اللّه إلى جوارهقال عبد الرَّحمن بن الحجاج رحمه الله : كانت الوَصِيَّةُ الاُخْرَى الَّتي بَعَثهَا العَبْدُ الصَّالِحُ الإمام الكاظِم عليه السلام ، إليَّ _ مَعَ الاُولَى _ هذه : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هَذَا مَا أوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ ، أوْصَى أنَّهُ يَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ ، أرْسَلَهُ بِالْهُدَى ودِينِ الحَقِّ ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ . ثُمَّ إِنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي للّه ِِ رَبِّ العَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ ، وأنَا مِنَ المُسْلِمِينَ . ثُمَّ إِنِّي أُوصِيكَ يَا حَسَنُ وجَمِيعَ أهْلِ بَيْتِي ووُلْدِي ومَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللّه رَبِّكُمْ ، ولا تَمُوتُنَّ إِلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعا ولا تَفَرَّقُوا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ : صَلاحُ ذَاتِ البَيْنِ أفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاةِ والصِّيَامِ ، وأنَّ المُبِيرَةَ الحَالِقَةَ لِلدِّينِ فَسَادُ ذَاتِ البَيْنِ ، ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ العَلِيِّ العَظِيمِ ، انْظُرُوا ذَوِي أرْحَامِكُمْ فَصِلُوهُمْ يُهَوِّنِ اللّه عَلَيْكُمُ الحِسَابَ . اللّه َ اللّه َ فِي الأيْتَامِ فَلا تُغِبُّوا أفْوَاهَهُمْ ، ولا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ ، فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ : مَنْ عَالَ يَتِيما حَتَّى يَسْتَغْنِيَ أوْجَبَ اللّه عز و جل لَهُ بِذَلِكَ الجَنَّةَ ت ، كَمَا أوْجَبَ لآِكِلِ مَالِ اليَتِيمِ النَّارَ . اللّه َ اللّه َ فِي القُرْآنِ فَلا يَسْبِقُكُمْ إِلَى العَمَلِ بِهِ أحَدٌ غَيْرُكُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي جِيرَانِكُمْ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله أوْصَى بِهِمْ ، ومَا زَالَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ فَلا يَخْلُو مِنْكُمْ مَا بَقِيتُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا وأدْنَى مَا يَرْجِعُ بِه مَن أمَّهُ أنْ يُغْفَرَ لَهُ مَا سَلَفَ . اللّه َ اللّه َ فِي الصَّلاةِ فَإِنَّهَا خَيْرُ العَمَلِ ، إِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ رَبِّكُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَإِنَّ صِيَامَهُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ . اللّه َ اللّه َ فِي الفُقَرَاءِ والمَسَاكِينِ ، فَشَارِكُوهُمْ فِي مَعَايِشِكُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي الجِهَادِ بِأمْوَالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ وألْسِنَتِكُمْ ، فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ رَجُلانِ : إِمَامُ هُدىً ، أو مُطِيعٌ لَهُ مُقْتَدٍ بِهُدَاهُ . اللّه َ اللّه َ فِي ذُرِّيَّةِ نَبِيِّكُمْ ، فَلا يُظْلَمَنَّ بِحَضْرَتِكُمْ وبَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ ، وأنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ . اللّه َ اللّه َ فِي أصْحَابِ نَبِيِّكُمُ ، الَّذِينَ لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثا ، ولَمْ يُؤوُوا مُحْدِثا ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله أوْصَى بِهِمْ ، ولَعَنَ المُحْدِثَ مِنْهُمْ ، ومِنْ غَيْرِهِمْ ، والمُؤوِيَ لِلْمُحْدِثِ . اللّه َ اللّه َ فِي النِّسَاءِ وفِيمَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ ، فَإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه و آله أنْ قَال : أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ النِّسَاءِ ومَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمُ . الصَّلاةَ الصَّلاةَ الصَّلاةَ ، لا تَخَافُوا فِي اللّه لَوْمَةَ لائِمٍ ، يَكْفِكُمُ اللّه مَنْ آذَاكُمْ وبَغَى عَلَيْكُمْ ، قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا كَمَا أمَرَكُمُ اللّه عز و جل . ولا تَتْرُكُوا الأمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَن المُنْكَرِ ، فَيُوَلِّيَ اللّه أمْرَكُمْ شِرَارَكُمْ ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ . وعَلَيْكُمْ يَا بَنِيَّ بِالتَّوَاصُلِ ، والتَّبَاذُلِ ، والتَّبَارِّ . وإِيَّاكُمْ والتَّقَاطُعَ ، والتَّدَابُرَ ، والتَّفَرُّقَ . وتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى ، ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والعُدْوَانِ . واتَّقُوا اللّه ، إِنَّ اللّه شَدِيدُ العِقَابِ . حَفِظَكُمُ اللّه مِنْ أهْلِ بَيْتٍ ، وحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ ، أسْتَوْدِعُكُمُ اللّه ، وأقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلامَ ، ورَحْمَةَ اللّه وبَرَكَاتِهِ » .

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب23 .

ص: 257

. .

ص: 258

. .

ص: 259

ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ : لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ، لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ، حَتَّى قُبِضَ صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ ورَحْمَتُهُ ، فِي ثَلاثِ لَيَالٍ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ ، مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ ، سَنَةَ أرْبَعِينَ مِنَ الهِجْرَةِ ، وكَانَ ضُرِبَ لَيْلَةَ إِحْدَى وعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ . (1) [ وقد نقل السَّيِّد رحمه الله في نهج البلاغة روايتين ، إحداهما بالرَّقم « 11 » من باب الكتب بعنوان : وصيّته له عليه السلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدوّ ، وثانيتهما بالرَّقم « 56 » بعنوان : ومن وصيّته له عليه السلام وصّى بها شُرَيْح بن هانئ لمّا جعله على مقدّمته إلى الشام ، ونحن نورد الرِّوايتين ] : وصيّته عليه السلام لشُرَيْح بن هانئ( لمّا جعله على مقدمته إلى الشَّام ) : « اتَّقِ اللَّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ ومَسَاءٍ ، وخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغرُورَ ، ولا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ ، واعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ الأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ ، فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعا رَادِعا ولِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِما قَامِعا » . (2) ومن وصيّة له عليه السلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدوّ : « فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍ أو نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الأَشْرَافِ ، أو سِفَاحِ الْجِبَالِ ، أو أَثْنَاءِ الأَنْهَارِ ، كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءا ودُونَكُمْ مَرَدّا ، ولْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أو اثْنَيْنِ ، واجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ ، ومَنَاكِبِ الْهِضَابِ لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِن مَكَانِ مَخَافَةٍ ، أو أَمْنٍ ، واعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ ، وعُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلائِعُهُمْ ، وإِيَّاكُمْ والتَّفَرُّقَ ، فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعا ، وإِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعا ، وإِذَا غَشِيَكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً ، ولا تَذُوقُوا النَّوْمَ غِرَارا ، أو مَضْمَضَةً » . (3) [ يحتمل أن يكون ما نقله السَّيِّد رحمه الله بالرَّقم « 11 » مختارا من الكتاب المتقدِّم ، كما هو دأبه رحمه الله في النَّهج ، وما نقله بالرَّقم «56» من وصيّته خارجا عن الكتاب الذي وصّى به شُرَيْح بن هانئ ، كليهما حين التّوديع ، كما تقدَّم في وصيَّته عليه السلام لزياد حين ودّعه . ] نقل تحف العقول من وصيّته عليه السلام لزياد بن النَّضْر ، حين أنفذه على مقدمته إلى صفِّين : ثُمَّ أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذّره : اعلم أنّ مقدّمة القوم عيونهم . . . . (4) _ فساقَ قريبا مِنَ الكِتابِ المُتقدِّمِ _ . صورة الوصّية والكتاب على نقل تحف العقول : « اتّقِ اللّه َ في كُلِّ مَمْسَىً ومَصْبَحٍ ، وخَفْ على نَفسِكَ الغُرورَ ، ولا تأمنْها علَى حالٍ مِنَ البَلاءِ . واعلَم ، أنَّك إنْ لَم تزَعْ نَفسَكَ عَن كَثيرٍ مِمّا تُحِبُّ مخافَةَ مَكروهِهِ ، سَمَتْ بِكَ الأهواءُ إلى كَثيرٍ مِنَ الضُرِّ حَتَّى تَظْعَنَ ، فَكُن لِنَفسِكَ مانِعا وازِعا عَنِ الظُّلمِ والغَيِّ والبَغْي والعُدوان . قد ولَّيتُكَ هذا الجُنْدَ ، فلا تستذلَّنَّهُم ، ولا تَستَطِل عَليهِم ، فإنَّ خيرَكُم أتقاكُم ، تَعَلَّم مِن عالِمِهِم ، وعَلِّمْ جاهِلَهُم ، واحلُم عَن سفِيهِهِم ، فَإنَّك إنَّما تُدرِكَ الخَيرَ بالعِلمِ وكَفِّ الأذى والجَهلِ . ثُمَّ أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذِّره : اعلم أنَّ مُقدِّمَةَ القَوْمِ عُيونُهم ، وعُيُونُ المُقدِّمَةِ طَلائِعُهُم ، فإذا أنْتَ خَرجْتَ مِن بلادِكَ ودَنوْتَ مِن عَدوِّكَ ، فلا تَسأمْ مِن تَوْجِيه الطَّلائِعِ في كُلِّ ناحِيَةٍ ، وفي بَعضِ الشِّعابِ والشَّجَرِ والخَمَرِ ، وفي كلِّ جانِبٍ ، حَتَّى لا يُغِيركُم عَدُوُّكم ويَكونَ لَكم كَمِينٌ . ولا تُسَيِّر الكَتائِبَ والقَبائِلَ مِن لَدُنِ الصَّباحِ إلى المَسَاءِ ، إلاَّ تَعْبئَةً ، فإنْ دَهَمَكُم أمْرٌ أو غَشِيَكُم مَكْرُوهٌ ، كُنْتُم قد تَقَدَّمْتُم في التَّعبِئَةِ ، وإذا نَزَلْتُم بِعَدوٍّ أو نَزَلَ بِكُم فَلْيَكُن مُعَسْكَرُكُم في أقْبالِ الأَشرافِ ، أو في سِفاحِ الجِبالِ ، أو أثْناءِ الأنْهارِ ، كَيما يكونُ لَكُم رِدْءا ، ودُوْنَكم مَرَدَّا . ولتَكُن مُقاتَلَتُكم من وَجْهٍ واحدٍ أو اثْنَين ، واجْعَلوا رُقَباءَكم في صَياصِي الجِبالِ وبأعْلى الأشْرافِ ، وبمناكِبِ الأنْهارِ ، يُريئُون لكم لئَلاَّ يأتيَكُم عَدُوٌّ من مَكانِ مخافَةٍ أو أمْنٍ ، وإذا نَزَلْتُم فانزِلُوا جَميعا ، وإذا رَحَلْتُم فارْحَلُوا جَميعا ، وإذا غَشِيَكُم اللَّيْلُ فَنَزلْتُم ، فحُفُّوا عَسْكَرَكم بالرِّماح والتِّرَسَةِ ، واجْعَلوا رُماتَكُم يَلُوونَ تِرسَتُكم ، كَيْلا تُصابَ لَكُم غِرَّةٌ ، ولا تُلْقى لَكُم غَفْلَةٌ ، واحْرُس عَسْكَركَ بِنَفسِكَ . وإيَّاك أن تَرْقُدَ ، أو تُصْبِحَ إلاَّ غِرارا أو مَضْمَضَةً ، ثُمَّ لِيَكُنْ ذلِكَ شَأنَك ودَأبَكَ حَتَّى تَنْتَهي إلى عَدُوِّكَ ، وعَلَيْك بالتَّأنِّي في حَرْبِكَ . وإيَّاكَ والعَجَلَةَ إلاَّ أن تُمَكِّنَكَ فُرْصَةٌ . وإيَّاك أنْ تُقاتِل إلاَّ أنْ يَبْدَؤوك ، أو يأتِيَك أمْرِي ، والسَّلامُ عليْكَ ورَحمَةُ اللّه ِ » . (5)

.


1- . الكافي : ج7 ص51 ح7 وراجع : تحف العقول : ص197 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص113 ، مقاتل الطالبيين : ص25 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج6 ص120 ، ذخائر العقبى :ص116 ، المناقب للخوارزمي : ص278 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب56 ، بحار الأنوار : ج33 ص261 ح676 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص138 الرقم56 نحوه .
3- . نهج البلاغة :الكتاب11 ، تحف العقول : ص192 ، بحار الأنوار : ج33 ص461 ح676 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص89 الرقم11 كلّها نحوه .
4- . تحف العقول :ص191 .
5- . تحف العقول : ص191 ، بحار الأنوار : ج33 ص465 ح676 ، وقعة صفّين :ص121 و123 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص89 كلاهما نحوه .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

. .

ص: 263

الفصل السابع : مكاتيبه عليه السلام المجهولة التاريخ

اشاره

الفصل السابع : مكاتيبه عليه السلام المجهولة التاريخ

.

ص: 264

. .

ص: 265

187 _ كتابه عليه السلام إلى زياد

187كتابه عليه السلام إلى زياد[ نقل مصنّف كتاب معادن الحكمة (1) عن السَّيِّد الرَّضي رحمه الله في نهج البلاغة صورة لهذا الكتاب ، ونقلنا صورة ثانية له عن اليعقوبيّ ، ونقل البلاذري صورة ثالثة ، وهي : ] ووجَّه عليه السلام إلى زياد رسولاً ليأخذه لحمل ما اجتمع عنده من المال ، فحمل زياد ما كان عنده ، وقال للّرسول : إنَّ الأكراد قد كَسَروا مِنَ الخَراجِ ، وأنَا أُداريهم فلا تُعلِم أميرَ المؤمنين ذلِكَ فيرى أنَّه اعتلالُ مِنِّي . فقدم الرَّسول ، فأخبر عليَّا عليه السلام بما قال زياد ، فكتَب إليه : « قد بَلَّغَنِي رَسولي عَنْكَ ما أخْبَرْتَهُ بهِ عَنِ الأكْرادِ ، واسْتِكْتامَكَ إيَّاهُ ذلِكَ ، وقد عَلِمْتُ أنَّك لم تُلْقِ ذلِكَ إليهِ إلاَّ لِتُبْلِغَني إيَّاهُ ، وإنِّي أُقْسِمُ باللّه ِ عز و جل قَسَما صادِقا لَئِن بلَغَنِي أنَّك خُنْتَ مِن فَيءِ المُسلِمينَ شَيئا صَغِيرا أو كَبِيرا ، لأشدُّنَّ علَيْكَ ، شَدَّةً يَدَعُك (2) قَلِيلَ الوَفْرِ ، ثَقِيلَ الظَّهر ، والسَّلامُ » . (3)

.


1- . معادن الحكمة : ج1 ص314 الرقم40 .
2- . هكذا في المصدر، والصحيح: «تَدَعُكَ» كما في نهج البلاغة، الكتاب 20.
3- . أنساب الأشراف : ج2 ص390 وراجع : نهج البلاغة : الكتاب20 .

ص: 266

كتابه عليه السلام إلى زياد

كتابه عليه السلام إلى زيادفي نهج البلاغة : من كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبى ، وهو خليفة عامله عبد اللّه بن عبَّاس على البصرة ، وعبد اللّه عامل أمير المؤمنين عليه السلام يومئذٍ عليها ، وعلى كور الأهواز ، وفارس وكرمان وغيرها . « وإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَما صَادِقا ، لَئِنْ بَلَغَنِي أنَّك خُنْتَ مِن فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئا ، صَغِيرا أو كَبِيرا ، لأَشُدَّنَّ عَلَيْك شَدَّةً تَدَعُك قَلِيلَ الْوَفْرِ ، ثَقِيلَ الظَّهْرِ ، ضَئِيلَ الأَمْرِ ، والسَّلامُ . » (1) [ أخرجهُ مصنّف كتاب معادن الحكمة (2) إلى زياد ، وأشرنا إليه في ترجمة زياد ، ولكن في شرح ابن أبي الحديد أخرجه بصورة أخرى ، لا مناص من نقله هنا ، وهو : ] « أمَّا بعدُ ، فإنِّي قد وَلَّيْتُك ما وَلَّيتُك ، وأنَا أراكَ لذلك أهْلاً ، وإنَّهُ قد كانَت مِن أبي سُفْيَانَ فَلْتَةٌ في أيَّامِ عُمَرَ مِن أمانِيِّ التِّيِهِ وكَذِبِ النَّفسِ ، لَم تَستَوْجِبْ بِها مِيرَاثا ، ولَم تستَحِقَّ بِها نَسَبا ، وإنَّ مُعاوِيَةَ كالشّيْطانِ الرَّجيمِ ، يأتِي المرْءَ مِن بَينِ يَديْهِ ، ومِن خَلْفِهِ ، وعن يَمِينِهِ ، وعن شِمالِهِ ، فاحْذَرْهُ ، ثُمَّ احْذَرْهُ ، ثُمَّ احْذَرْهُ ، والسَّلامُ » . (3)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب20 .
2- . معادن الحكمة : ج1 ص307 الرقم38 .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص182 وراجع : الإصابة : ج1 ص549 ، تاريخ مدينة دمشق : ج18 ص172 ؛ وقعة صفِّين : ص366 .

ص: 267

188 _ كتابه عليه السلام إلى أهل البصرة

188كتابه عليه السلام إلى أهل البصرة« مِن عَبدِ اللّه ِ علِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مَن قُرِئَ علَيهِ كِتابي هذا مِن ساكِني البَصرَةِ مِنَ المُؤمِنينَ والمُسلِمينَ : سلامٌ عَليكُمْ ، أمَّا بَعدُ ؛ فَإنَّ اللّه َ حَلِيمٌ ذو أناةٍ لا يَعجَلُ بِالعُقوبَةِ قَبلَ البَيِّنَةِ ، ولا يأخُذُ المُذنِبَ عِندَ أوَّلِ وَهلَةٍ ، ولكِنَّهُ يَقبَلُ التَّوبَةَ ، ويَستَدِيمُ الأَناةَ ، ويَرضى بالإِنابَةِ ، لِيَكونَ أعظَمَ للِحُّجَةِ وأبلَغَ فِي المَعذِرَةِ ، وقد كانَ مِن شِقاقِ جُلَّكُم أيُّها النَّاسُ ما استَحقَقْتَم أنْ تُعاقَبوا عَليهِ فَعفَوتُ عَن مُجرِمِكُم ، ورَفعتُ السَّيفَ عَن مُدبِرِكُم ، وقَبلِتُ مِن مُقبِلِكُم ، وأخَذتُ بَيعَتَكُم ؛ فَإن تَفُوا بِبَيعَتِي ، وتَقبَلُوا نَصيحَتِي ، وتَستَقِيمُوا علَى طاعَتِي أعمَلْ فِيكُم بالكتابِ والسُّنّةِ وقَصدِ الحَقِّ وأُقِمْ فِيكُم سَبِيلَ الهُدى ، فَو اللّه ِ ، ما أعلَمُ أنَّ واليا بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أعلَمُ بِذَلِكَ مِنّي ولا أعمَلُ ، أقولُ قَولِي هذا صادِقا غَيرَ ذامٍّ لِمَن مَضَى ولا مُنتَقِصا لِأَعْمالِهِم ، فَإن خَطَت بِكُم الأهواءُ المُردِيَةُ وسفَهُ الرَّأي الجائِرِ إلى مُنابَذَتِي تُرِيدونَ خِلافِي ، فَهأنذا قَرّبْتُ جِيادي ورَحَّلْتُ رِكابِي ، وايمُ اللّه ِ ، لَئِنْ ألجأتُمونِي إلى المَسيرِ إليكُم لأُوقِعَنَّ بِكُم وَقَعَةً لا يكونُ يَومُ الجَمَلِ عِندَها إلاَّ كَلَعْقَةِ لاعِقٍ ، وإنّي لَظَانٌّ ألاّ تجعَلُوا إن شاءَ اللّه ُ علَى أنفُسِكُم سَبِيلاً ، وقَد قَدَّمْتُ هذا الكِتابَ حُجَّةً عَلَيكُم ، ولَن أكتُبَ إليكُم مِن بَعدِهِ كِتابا إنْ أنتُم استَغشَشْتُم نصيحَتي ونابَذتُم رَسُولِي حَتَّى أكونَ أنا الشَّاخِصَ نَحوَكُم إنْ شاءَ اللّه ُ ، والسَّلامُ . » (1)

[ نقل مصنف كتاب معادن الحكمة ، عن السَّيِّد الرَّضي رحمه الله في نهج البلاغة : ومن المعلوم أنَّ السَّيِّدَ رحمه الله اختصر كما هو دأبه في نهج البلاغة ، فلمَّا قرأ جارية كتاب أمير المؤمنين عليه السلام على النَّاس قام صبرة بن شيمان فقال : سمعنا وأطعنا ، ونحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب ، ولمن سالم أمير المؤمنين سلم ، إن كفيت يا جارية قومك بقولك . فقام وجوه النَّاس وتكلَّموا ، فقام زياد خطيبا في الأزْد فأجابوه ، وقدم جارية قومه فلم يجيبوه ، فأرسل إلى زياد والأزْد يستصرخه ، وجاءت الأزْد وجاء شريك بن الأعْوَر ناصرا جارية ، فانهزم تَميم وابن الحَضْرَمِيّ ودخلوا دار سبيل السَّعدي ، فحضروا ابن الحَضْرَمِيّ فقال جارية : عَلَيَّ بالنَّار ، فأحرق الدَّارَ ، فهلك ابن الحَضْرَمِيّ في سبعين رَجُلاً . ] (2)

.


1- . الغارات : ج2 ص403 وراجع : بحار الأنوار : ج33 ص495 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص112 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص49 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص416 ، أنساب الأشراف : ج3 ص191 ، البداية والنهاية : ج7 ص318 .
2- . راجع : الغارات : ج 2 ص 404 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 4 ص 50 .

ص: 268

189 _ كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

189كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس[ نقل مصنف كتاب معادن الحكمة رحمه اللهكتابا له عليه السلام إلى عبد اللّه بن العبَّاس ، ولكن نقله الكشّي وأنساب الأشراف ونهج السَّعادة بصور أخرى : ] أمَّا نصُّ ما نقل المُصنِّفُ :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ مِنَ العَجَبِ أنْ تُزَيِّنَ نَفْسُكَ ، أنَّ لكَ في بَيتِ مالِ المُسلمِينَ مِنَ الحَقِّ أكْثَرَ مِمَّا لِرَجُلٍ واحِدٍ مِنَ المُسلمِينَ ، فقَد أفْلَحْتَ إنْ كانَ تَمَنِّيك الباطِلَ ، وادِّعاؤ ما لا يكونُ يُنْجِيكَ مِنَ المأثْمِ ، ويُحِلُّ لَكَ المُحَرَّمَ ، إنَّك لأنْت المُهْتَدِي السَّعيدُ إذا . وقد بَلغَنِي أنَّكَ اتَّخذتَ مَكَّةَ وَطَنا ، وضَرَبْتَ بِها عَطَنا ، تَشْتَري بِها المُوَلَّداتُ من مكَّة والمدينة ، والطائفِ تخْتَارُهنَّ علَى عَيْنِكَ ، وتُعْطِي فِيهِنَّ مالَ غَيْرِكَ ، فارجِعْ _ هداكَ اللّه ُ _ إلى رُشدِكَ ، وتُبْ إلى اللّه ِ رَبِّكَ ، واخرُجْ إلى المُسلِمِينَ مِن أموالِهِم ، فَعَمَّا قَليلٍ تُفارِقُ مَن ألِفْتَ ، وتَتْرُكُ ما جَمْعْتَ ، وتغِيبُ في صَدْعٍ مِنَ الأرضِ غَيْرَ مُوسَّدٍ ، ولا مُمَهَّدٍ ، قَدْ فارقْتَ الأحبابَ ، وسَكَنْتَ التُّراب ، وواجَهْتَ الحِسابَ ، غَنِيَّا عَمَّا خَلَّفْتَ ، فَقِيْرا إلى ما قَدَّمْتَ ، والسَّلامُ » . (1) وأمَّا نصُّ الكَشّي : « أمَّا بَعدُ ، فالعَجَبُ كُلُّ العَجَب مِن تَزيينِ نَفْسِكَ ، أنَّ لَكَ في بَيتِ مَالِ اللّه أكْثَرَ مِمَّا أخذت وأكثر ممّا لرَجُلٍ مِنَ المُسلمِينَ ، فقد أفْلَحْتَ إن كانَ تَمَنِّيكَ الباطِلَ ، وادِّعاو ما لا يكونُ يُنْجِيكَ مِنَ الإثْمِ ، ويُحِلُّ لَكَ ما حَرَّمَ اللّه ُ عَليْكَ ، عَمَّرَك اللّه ُ ، أنَّك لَأنْتَ العَبدُ المُهتَدِي إذا . فقد بلغنِي أنَّك اتَّخذتَ مكَّةَ وَطَنا ، وضَرَبْت بها عَطَنا ، تَشْتَري مُوَلَّدات مكَّةَ والطَّائِفِ ، وتخْتَارُهنَّ على عَيْنِكَ ، وتُعْطِي فِيهِنَّ مالَ غيْرِكَ ، وأنِّي لأُقْسِمُ باللّه ِ رَبِّي ورَبِّكَ ورَبِّ العِزَّةِ : ما يَسرُّنِي أنَّ ما أخَذْتُ مِن أموالِهِم لِي حَلالٌ ، أدَعُهُ مِيراثا ، فَما فلا غرو وأشدّ باغْتِباطِك تأكُلُهُ رُوَيْدا رُوَيْدا ، فكأَنْ قَد بَلغْتَ الْمَدى ، وعُرِضْتَ علَى رَبِّكَ بالمَحَلِّ الَّذِي يَتَمَنَّى الرَّجْعَةَ والمُضَيِّع للتَّوبَةِ كَذلِكَ ، وما ذلِكَ ولاتَ حِينَ مَناصٍ » . (2) أمَّا نصُّ أنساب الأشراف : « أمَّا بعدُ ، فإنَّ من أعْجَبِ العَجَبِ تَزْيينُ نَفسِكَ لَكَ أنَّ لكَ في بَيتِ المالِ مِنَ الحَقِّ أكْثَرَ مِمَّا لرَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ ، ولَقد أفْلَحتَ إنْ كانَ ادِّعاؤكَ ما لا يكونُ وتَمَنِّيكَ الباطِلَ يُنَجيِّك مِنَ الإثمِ . عَمَّرَكَ اللّه ُ أنَّك لَأنْتَ السَّعِيدُ إذا ! وقد بلغنِي أنَّك اتَّخَذتَ مكَّة وَطَنا ، وصَيَّرتَها عَطَنا ، واشْتريت موَلَّدات المَدينَةِ والطَّائِفِ ، تَتَخَيَّرَهُنَّ على عَينِكَ ، وتُعطِي فِيهِنَّ مالَ غَيْرِكَ ، واللّه ِ ما أُحِبُّ أن يَكُونَ الَّذي أخذتُ مِن أموالِهِم لِي حلالاً أدَعُه مِيراثا ، فكيَفَ لا أتعَجَّبُ مِنَ اغتِباطِكَ بأكْلِهِ حَراما ! فَضَحِّ رُويْدا ، فكأنَّك قد بَلغْتَ الْمَدى ، حَيثُ يُنادِي المُغْترُّ بالحَسْرَةِ ، ويَتَمَنَّى المُفْرِطُ التَّوبَةَ ، والظَّالِمُ الرَّجْعَةَ ، ولاتَ حِينَ مناصٍ ، والسَّلامُ » . (3) ونصُّ نهج السَّعادة : « أمَّا بعدُ ، فإنَّ العَجَبَ كُلَّ العَجَب مِنْكَ ، إذْ تَرى لِنَفْسِكَ في بيتِ مالِ اللّه ِ أكْثَرَ مِمَّا لِرَجُلٍ مِن المُسلمِينَ ، قد أفْلَحْتَ إن كانَ تَمَنِّيكَ الباطِلَ ، وادِّعاؤكَ ما لا يكونُ يُنْجِيكَ مِنَ الإثْمِ ، ويُحِلُّ لكَ ما حَرَّم اللّه ُ عَليْكَ . عَمَّرَك اللّه ُ إنَّك لَأنْتَ البَعِيْدُ البَعِيدُ ، قد بَلغَنِي أنَّك اتَّخذتَ مَكَّةَ وَطَنا ، وضَرَبْت بِها عَطَنا ، تَشْتَري المُوَلَّداتِ مِنَ المَدينَةِ والطَّائِفِ ، وتخْتَارُهنَّ علَى عَيْنِكَ ، وتُعْطِي بِها مالَ غَيْرِكَ ، وإنِّي أُقْسِمُ باللّه ِ رَبِّي ورَبِّكَ ورَبِّ العِزَّة مِا أُحِبُّ أنَّ ما أخَذْتُ مِنْ أموالِهِم لِي حَلالاًً أدَعُه مِيراثا لِعَقبِي ، فَما بالُ اغْتِباطِكَ بهِ تأكلُهُ حَراما . ضَحِّ رُوَيْدا فكأنَّك قد بَلَغْتَ الْمَدى ودُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرى ، وعُرِضَتْ عَليكَ أعْمالُكَ بالمَحَلِّ الَّذِي يُنادِي فيهِ المُغْتَرُّ بالْحَسْرَةِ ، ويَتَمَنَّى المُضَيَّعُ التَّوبَةَ ، والظَّالِمُ الرَّجْعَةَ ولاتَ حِينَ مَناصٍ » . (4)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص170 .
2- . رجال الكشّي : ج1 ص280 .
3- . أنساب الأشراف : ج 2 ص401 .
4- . نهج السعادة : ج 5 ص 331 الرقم 169 .

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسكان ابن عبَّاس يقول : ما انْتفعت بكلامٍ بعدَ كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانتفاعي بهذا الكلامِ :« أمَّا بعدُ ، فإنَّ المَرءَ قدْ يَسُرُّهُ دَرْكُ ما لَمْ يكُنْ لِيَفُوتَهُ ، ويَسُوؤ فَوْتُ ما لَم يكُنْ لِيُدْرِكَهُ ، فلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِما نِلْتَ مِن آخِرَتِكَ ، ولِيَكُن أسَفُكَ علَى ما فَاتَكَ مِنْها ، وما نِلْتَ مِن دُنيْاكَ فلا تُكْثِر بهِ فَرَحا ، وما فاتَك مِنها فَلاَ تَأْسَ عَليْهِ جَزَعا ، ولِيَكُن هَمُّك فيما بَعدَ المَوْتِ . » (1)

وهذا الكتاب أورده محمَّد بن يعقوب رحمه الله في الكافي هكذا : عِدَّةٌ من أصْحَابِنا ، عن سَهْلِ بن زِيَادٍ ، عن عَلِيِّ بن أسْبَاطٍ ، رَفَعَهُ قال : كَتَبَ أمِيرُ المُؤمِنِين عليه السلام إلى ابن عَبَّاسٍ :« أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ يَسُرُّ المَرْءَ ما لمْ يَكُن لِيَفُوتَهُ ، ويَحْزُنُهُ ما لمْ يَكُن لِيُصِيبَهُ أبَدا ، وإنْ جَهَدَ فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بما قَدَّمْتَ مِن عَمَلٍ صَالِحٍ ، أو حُكْمٍ ، أو قَوْلٍ ، ولْيَكُنْ أسَفُكَ فيما فَرَّطْتَ فيه من ذَلِكَ ، ودَعْ ما فَاتَكَ من الدُّنْيَا ، فلا تُكْثِرْ علَيْه حَزَنا ، وما أصَابَكَ مِنْها فلا تَنْعَمْ بِه سُرُورا ، ولْيَكُنْ هَمُّكَ فِيما بَعْدَ المَوْتِ ، والسَّلامُ . » (2)

ومثله على ما في نهج البلاغة :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الْمَرْءَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ ، ويَحْزَنُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، فَلا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِك مِنْ دُنْيَاك بُلُوغُ لَذَّةٍ أو شِفَاءُ غَيْظٍ ، ولكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ أو إِحْيَاءُ حَقٍّ ، ولْيَكُنْ سُرُورُك بِمَا قَدَّمْتَ ، وأَسَفُك عَلَى مَا خَلَّفْتَ ، وهَمُّك فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ » . (3)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص140 .
2- . الكافي : ج8 ص240 ح327 .
3- . نهج البلاغة : الكتاب66 .

ص: 272

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبّاس

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس« أمَّا بَعدُ ، فاطلُب ما يَعْنِيكَ ، واتْرُك ما لا يَعْنِيكَ ، فإنَّ في ترْكِ ما لا يَعْنِيكَ دَرْكَ ما يَعنِيكَ ، وإنَّما تَقْدِمُ على ما أسْلَفْتَ لا علَى ما خَلَّفْتَ ، وابنِ ما تَلْقاهُ غدا على ما تلقاةُ ، والسَّلامُ . » (1)

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاسكتب عليّ عليه السلام إلى ابن عبَّاس :« أمَّا بعدُ ، فلا يكُن حَظُّك فِي وِلايَتِك مالاً تسْتَفِيدُ ، ولا غَيْظا تَشتَفِيه ، ولكِن أماتَةَ باطلٍ ، وإحْياءَ حقٍّ » . (2)

كتابه عليه السلام إلى ابن عبَّاس« أمَّا بعدُ ، فإنَّك لَسْتَ بسابِقٍ أجَلَك ، ولا مَرْزُوقٍ ما لَيْسَ لَكَ ، واعْلَم بأنَّ الدَّهر يوْمان : يوْمٌ لَكَ ، ويَوْمٌ عليْك ، وأنَّ الدُّنْيا دارُ دُوَلٍ ، فمَا كان منْها لَك أتَاك علَى ضَعْفِك ، وما كان منها علَيْك لم تَدْفَعْه بقُوَّتِك » . (3)

.


1- . تحف العقول : ص218 ، بحار الأنوار : ج78 ص57 .
2- . بحار الأنوار : ج40 ص328 ح 10 نقلاً عن المناقب لابن شهرآشوب .
3- . نهج البلاغة : الكتاب72 .

ص: 273

190 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أكابر أصحابه

190كتابه عليه السلام إلى بعض أكابر أصحابهقال السَّيِّد بن طاووس رحمه الله : إنَّ الشَّيخ محمَّد بن يعقوب الكليني رحمه اللهذكر في كتاب الرَّسائل المعتمد علَيه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام رسالة تتضمّن ذكر الأئمَّة من ذرِّيته عليهم السلام . قال محمَّد بن يعقوب : ما هذا لفظه : عن عليّ بن محمَّد ، ومحَّمد بن الحسن وغيرهما ، عن سَهْل بن زياد ، عن العبَّاس بن عِمْرَان ، عن محمَّد بن القاسم بن الوليد الصَّيرفيّ ، عن المفضل ، عن سِنان بن طريف ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :« كان أمير المؤمنين عليه السلام يكتب بهذه الخُطبَةِ إلى بَعْضِ أكابِرِ أصحابِهِ ، وفيها كَلامٌ عَن رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : » « بِسْمِ اللّه الرَّحْمن الرَّحِيمِ إلى المُقَرَّبِين المقرِّين في الأظِلَّةِ ، المُمْتَحَنِينَ بالبَلِيَّةِ ، المُسارِعِينَ في الطَّاعَةِ المُسْتَيقِنِينَ بِيَ الكَرَّةَ ، تَحِيَّةٌ مِنَّا إليْكُم ، وسَلامٌ عَليْكُم . أمَّا بَعدُ ، فإنَّ نورَ البَصِيرَةِ رَوحُ الحَياةِ الَّذِي لا يَنْفَعُ إيمانٌ إلاَّ بِهِ مَعَ اتِّباعِ كَلِمَةِ اللّه ِ ، والتَّصديِقِ بها ، فالْكلمَةُ مِنَ الرُّوحِ ، والرُّوحُ مِنَ النُّورِ ، والنُّورُ نورُ السَّماواتِ والأرضِ ، فبِأيْدِيكم سَبَبٌ وَصَلَ إليْكم منَّا ، نِعْمَةً مِنَ اللّه ِ لا تَعْقِلونَ شُكْرَها خَصَّكُم بِها واسْتَخْلصَكُم لَها ، « وَ تِلْكَ الْأَمْثَلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ الْعَ_لِمُونَ » (1) ، إنَّ اللّه َ عَهِدَ عَهْدا أنْ لنْ يَحِلَّ عَقْدَهُ أحَدٌ سِواهُ ، فسارِعُوا إلى وَفاءِ العَهْد ، وامْكُثوا في طَلَبِ الفَضَلِ ، فإنَّ الدُّنيا عَرَضٌ حاضِرٌ يأكُلُ منها البَرُّ والفاجِرُ ، وإنَّ الآخِرَةَ وَعْدٌ صادِقٌ يَقْضِي فيها مَلِكٌ قادرٌ . أ لا وإنَّ الأمرَ كمَا وُقِّعَ ، لِسَبْعٍ بَقِينَ مِن صَفَر تَسِيرُ فيها الجنُوُدُ ، ويُهْلَكُ فِيها المُبْطِلُ الجَحُودُ خُيولُها عِرابٌ ، وفُرسانُها حِرابٌ ، ونَحْنُ بِذلِكَ واثِقونَ ، ولِما ذَكرْنا مُنْتَظِرونَ انْتظارَ المُجْدِبِ المَطَرَ ، لِيَنْبُت العُشْبُ ، ويُجْني الثَّمرَةَ . دَعانِي إلى الكتابِ إليْكم اسْتِنْقاذُكُم مِنَ العَمى ، وإرْشادُكم بابَ الهُدى ، فاسْلُكوا سَبيلَ السَّلامَةِ ، فإنَّها جِماعُ الكَرَامَةِ ، اصْطَفَى اللّه ُ مَنْهَجَهُ ، وَبيَّنَ حُجَجَهُ ، وأرَفَّ أُرَفَهُ ، ووَصَفَه وَحَدَّه ، وجَعَلَه نَصًّا كمَا وصَفَه . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنَّ العبْد إذا دخَلَ حُفْرَتَه يأتِيه مَلَكانِ : أحدُهُما مُنْكَرٌ ، والآخَرُ نَكِيرٌ ، فأوَّل ما يَسألانِه عن ربِّهِ ، وعَن نَبِيِّهِ ، وعَن ولِيِّهِ ، فَإنْ أجابَ نَجا ، وإنْ تَحَيَّر عَذَّباهُ . فَقال قائِلٌ : فَما حالُ مَن عَرَفَ رَبَّهُ ، وعرَفَ نَبِيَّهُ ، ولَمْ يَعرِفْ ولِيَّهُ ؟ فقال صلى الله عليه و آله : ذلِك مُذَبْذَبٌ « لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ » (2) . قيل : فمَن الوَليُّ يا رسول اللّه ؟ فقال : وَليُّكم في هذا الزَّمانِ أنَا ومَن بَعْدي وَصِيِّي ، ومَن بعْدِ وَصيَّي لِكُلِّ زمانٍ حُجَجُ اللّه ِ كَيْما لا تَقولونَ كمَا قال الضُّلاَّلُ حيْنَ فارَقَهم نبِيُّهم : « رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَ نَخْزَى » (3) ، وإنَّما كان تَمامُ ضَلالِهِم جَهالَتَهم بالآياتِ وهُم الأوصياءُ ، فأجابَهم اللّه ُ : « قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَبُ الصِّرَ طِ السَّوِىِّ وَمَنِ اهْتَدَى » (4) ، وإنَّما كان تَرَبُّصُهم أنْ قالوا : نحْنُ في سَعَةٍ عَن مَعْرِفَةِ الأوصياءِ حَتَّى يُعْلِنَ الإمامُ عِلْمَهُ . فالأَوصياءُ قُوَّامٌ عليْكم بَينَ الْجَنَّةِ والنَّارِ ، لا يدخُلُ الجَنَّةَ إلاَّ مَن عَرَفَهم وعَرَفُوهُ ، ولا يدْخُلُ النَّارَ إلاَّ مَن أنْكَرَهُم ، وأنْكَرَوهُ ، لأنَّهم عُرَفاءُ العِبادِ ، عَرَّفَهم اللّه ُ إيَّاهُم عِنْدَ أخْذِ المَواثِيقِ عَليْهِم بالطَّاعَةِ لَهُم ، فَوَصَفَهم في كتابِهِ فقالَ جَلَّ وعَزَّ : « وَعَلَى الأَْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاَّ بِسِيمَاهُمْ » (5) ، وهم الشُّهداءُ علَى النَّاسِ والنَّبِيُّونَ شُهداءُ لَهُم بأخْذِهِ لَهُم مواثِيقَ العِبادِ بِالطَّاعَةِ ، وذلِكَ قَولُهُ : « فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا * يَوْمَ_ئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا » (6) ، وكذلك أوْحى اللّه ُ إلى آدمَ : أنْ يا آدَمُ قَدْ انْقَضَتْ مُدَّتُكَ ، وقُضِيَت نبُوَّتُكَ ، واسْتَكْمَلتْ أيَّامُكَ ، وحَضَرَ أجلُكَ ، فخُذْ النَّبُوَّةَ ، ومِيْرَاثَ النُّبوَّةِ واسْمَ اللّه ِ الأكبَرِ ، فادْفَعْهُ إلى ابْنِكَ هِبَةِ اللّه ِ ، فإنِّي لم أدَع الأرضَ بِغَيْرِ عَلَمٍ يُعرَفُ ، فلَمَ يَزَل الأنْبياء والأوْصياء يَتَوارَثون ذَلِكَ حَتَّى انْتَهى الأمرُ إليَّ ، وأنَا أدْفَعُ ذلِكَ إلى علِيٍّ وَصِيِّي ، وهُوَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هارُوْنَ مِن مُوسى ، وإنٍّ عليٍّا يُورِّث وُلْدَه حَيّهُم عَن مَيِّتِهم ، فمَن سَرَّه أنْ يَدْخُل جنَّةَ رَبِّهِ فلِيَتَولَ عليَّا والأَوصياءَ من بَعْدِهِ ، ولِيُسَلِّم لِفَضْلِهِم ،فإنَّهم الهُداةُ بَعْدي ، أعطاهُمُ اللّه ُ فَهْمِي وعِلْمِي ، فَهُم عِتْرَتِي مِن لَحْمِي ودَمِي ، أشْكُو إلى اللّه ِ عَدُوَّهُم ، والمنْكِرَ لَهُم فَضْلَهُم ، والقاطِعَ عَنْهم صِلَتِي . فنَحنُ أهْلَ البَيْتِ شَجَرَةُ النُّبوَّةِ ، ومَعْدِنُ الرَّحْمَةِ ، ومخْتَلَفُ الملائِكة ، وموْضِعُ الرِّسالَةِ ، فمثَلُ أهلِ بيْتِي في هذه الأمَّةِ كمَثَلِ سَفِيَنةِ نُوْحٍ ، مَن رَكِبَها نَجَا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنْها هلَكَ ، ومَثَل بابِ حِطَّةٍ في بَنِي إسرائيل ، مَن دخَلَهُ غُفِرَ لَهُ ، فأيُّما رايَةٍ خَرجَتْ ليْسَت مِن أهلِ بيْتي فَهِي دَجَّالِيَّةٌ . إنَّ اللّه َ اختارَ لِدِينِهِ أقواما انْتَخَبَهم للقِيامِ علَيْهِ والنَّصرِ لَهُ ، طَهَّرَهم بِكَلَمَةِ الإسلامِ ، وأَوحى إليْهِم مُفْتَرَضَ القُرآنِ ، والعَمَلَ بطاعَتِهِ في مَشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها . إنَّ اللّه َ خَصَّكُم بالإسلامِ ، واسْتَخْلَصَكم لَهُ ، وذلِكَ لأنَّهُ أمْنَعُ سَلامَةً ، وأجْمَعُ كَرامَةً ، اصْطَفَى اللّه ُ مَنْهَجَهُ ، ووَصَفَهُ ووَصَفَ أخلاقَهُ ، ووَصَلَ أطنابَهُ ، مِن ظاهِرِ عِلْمٍ ، وباطِنِ حُكمٍ ( حلْم ) ، ذِي حَلاوَةٍ ومَرارَةٍ ، فمَن طَهُرَ باطِنُه رَأى عَجائِبَ مَناظِرهِ في موارِدهِ ومصادرِهِ ، ومَن فَطَنَ لِما بَطَنَ رَآى مَكْنُونَ الفِطَنِ ، وعجائِبَ الأمثالِ والسُّنَنِ ، ظاهِرُهُ أنِيقٌ ، وباطِنُه عَمِيقٌ ، ولا تَفْنَى غَرائِبُهُ ، ولا تَنْقَضي عجائِبُه فيهِ ، مَفاتِيحُ الكَلامِ ، ومَصابِيحُ الظَّلامِ ، لا يُفْتَحُ الخَيْرات إلاَّ بِمفاتِحِهِ ، ولا تُكْشَفُ الظُّلماتُ إلاَّ بمصابِيحِهِ ، فيْهِ تَفْصِيلٌ وتَوْصِيلٌ ، وبَيانُ الاسْمَين الأعلَيْنِ ، الَّذِين جُمِعا فاجْتَمَعا ، ولا يَصْلُحان إلاَّ معا ، يُسَمَّيانِ ، ويُوصَلانِ فيَجْتَمعانِ ، تَمامُهما في تَمامِ أَحَدِهِما ، حَوَالَيْهما نجُومٌ ، وعلى نُجومِها نُجومٌ ، لَيَحْمي حِماهُ ، ويَرْعى مَرْعاهُ . وفي القرآن تِبيانُهُ ، وبيانُهُ ، وحُدودُهُ ، وأرْكانُه ، ومواضِيعُ مقادِيرِهِ ، ووَزْنُ ميزانِهِ : مِيزانُ العَدْلِ ، وحُكْمُ الفَصلِ ، إنَّ رُعاةَ الدِّين فَرَّقوا بَينَ الشَّكِّ واليَقِينِ ، وجاؤوا بالحَقِّ ، بَنَوا للإسلام بُنْيانا ، فأسَّسُوا لَهُ أساسا وأركانا ، وجاؤوا على ذلِكَ شُهودا ، بِعَلاماتٍ وأماراتٍ ، فِيها كِفاءُ المُكْتَفي ، وشِفاءُ المُسْتَشْفي ، يَحومونَ حِماهُ ، ويَرْعَوْن مَرْعاه ، ويَصُونُون مَصُونَه ، ويُفَجِّرون عُيونَهُ ، لِحبِّ اللّه ، وبِرِّهِ وتعظِيمِ أمْرِهِ ، وذكْرِهِ ممَّا يَجبُّ أنْ يُذْكَرَ بهِ ، يتَواصلُونَ بالوِلايَة ، ويَتنازَعونَ بِحُسْنِ الرِّعايَةِ ، ويَتَساقَون بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ ، ويَتلاقَونَ بِحُسنِ التَّحِيَّةِ ، وأخلاقٍ سَنِيَّةٍ ، قُوَّامٌ عُلَماءُ ، أمَناءُ ، لا يَسوغُ فيهِمُ الرِّيبَةُ ، ولا تُشْرَعُ فيهم الغِيْبَةُ ، فمَن اسْتَبْطَنَ من ذلِكَ شَيْئا اسْتَبْطَنَ خُلُقا سَنيَّا . فطُوبى لِذِي قلبٍ سَلِيمٍ ، أطاعَ مَن يَهديهِ ، واجْتَنَبَ مَن يُردِيهِ ، ويَدْخُلُ مَدْخَلَ كَرامَةٍ ، ويَنالُ سبِيلَ سَلامَةٍ ، تَبْصِرةً لمَن بَصَّرَهُ ، وطاعَةً لِمَن يَهديِهِ إلى أفضَلِ الدِّلالَةِ ، وكَشْفِ غِطاءِ الجَهالَةِ المُضِلَّةِ المُهْلِكَةِ ، ومَن أرادَ بعْدَ هذا فلْيُطَهِّرَ بالهُدى ديْنَه ، فإنَّ الهُدى لا تُغْلَقُ أبوابُهُ ، وقد فُتِحَتْ أسبابُهُ ببُرهانٍ وبَيانٍ ، لامْرِئٍ اسْتَنْصَحَ ، وقَبِلَ نصِيحَةَ مَن نَصَحَ بخُضُوعٍ ، وحُسْنِ خشُوعٍ ، فلْيُقبِل امْرؤ بِقَبُولِها ، ولِيَحْذَر قارِعَةً قبْلَ حُلُولِها ، والسَّلامُ » . (7)

.


1- . العنكبوت :43 .
2- . النساء: 143 .
3- . طه :134 .
4- . طه :134 .
5- . الأعراف :46 .
6- . النساء : 41 و42 .
7- . كشف المحجَّة : ص270 _ 276 وراجع : بحار الأنوار : ج30 ص 37 ، إثبات الهداة : ج3 ص75 .

ص: 274

. .

ص: 275

. .

ص: 276

. .

ص: 277

191 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه

191كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهكتب إلى بعض أصحابه واعظا له : علِيُّ بْنُ إبراهيمَ ، عن مُحَمَّدِ بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، عن أبِي جَمِيلَةَ ، قال : قال أبُو عَبد اللّه عليه السلام : « كَتَبَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام إلَى بَعْضِ أصْحَابِهِ يَعِظُهُ :« أُوصِيكَ ونَفْسِي بِتَقْوَى مَنْ لا تَحِلُّ مَعْصِيَتُهُ ، ولا يُرْجَى غَيْرُهُ ، ولا الغِنَى إلاّ به ، فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللّه جَلَّ وعَزَّ وقَوِي ، و شَبِعَ ورَوِيَ ، ورُفِعَ عَقْلُهُ عَنْ أهْلِ الدُّنْيَا ، فَبَدَنُهُ مَعَ أهْلِ الدُّنْيَا ، وقَلْبُهُ وعَقْلُهُ مُعَايِنُ الآخِرَةِ ، فَأطْفَأ بِضَوْءِ قَلْبِهِ مَا أبْصَرَتْ عَيْنَاهُ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا ، فَقَذَّرَ حَرَامَهَا ، وجَانَبَ شُبُهَاتِهَا ، وأضَرَّ واللّه ، بِالْحَلالِ الصَّافِي إِلاّ مَا لا بُدَّ لَهُ منه ، مِنْ كسْرَةٍ مِنْهُ يَشُدُّ بِهَا صُلْبَهُ ، وثَوْبٍ يُوَارِي بِه عَوْرَتَهُ مِنْ أغْلَظِ مَا يَجِدُ وأخْشَنِه ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ فِيما لا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ثِقَةٌ ولا رَجَاءٌ ، فَوَقَعَتْ ثِقَتُهُ ورجَاؤهُ علَى خَالِقِ الأشْيَاءِ ، فَجَدَّ واجْتَهَدَ ، وأتْعَبَ بَدَنَهُ حَتَّى بَدَتِ الأضْلاعُ ، وغَارَتِ العَيْنَانِ ، فَأبْدَلَ اللّه لَه مِن ذَلِكَ قُوَّةً فِي بَدَنِهِ ، وشِدَّةً فِي عَقْلِهِ ، ومَا ذُخِرَ لَهُ فِي الآخِرَةِ أكْثَرُ . فَارْفُضِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا يُعْمِي ويُصِمُّ ، ويُبْكِمُ ويُذِلُّ الرِّقَابَ ، فَتَدَارَكْ مَا بَقِيَ مِن عُمُرِكَ ، ولا تَقُلْ غَدا أو بَعْدَ غَدٍ ، فَإنَّما هَلَكَ مَنْ كان قَبْلَكَ بإِقَامَتِهِمْ علَى الأمَانِيِّ والتَّسْوِيفِ ، حَتَّى أتَاهُمْ أمْرُ اللّه بَغْتَةً وهُمْ غَافِلُونَ ، فَنُقِلُوا علَى أعْوَادِهِمْ إلى قُبُورِهِمُ المُظْلِمَةِ الضَّيِّقَةِ ، وقَدْ أسْلَمَهُمُ الأوْلادُ والأهْلُونَ . فَانْقَطِعْ إلَى اللّه بِقَلْبٍ مُنِيبٍ مِنْ رَفْضِ الدُّنْيَا ، وعَزْمٍ لَيْسَ فِيهِ انْكِسَارٌ ، ولا انْخِزَالٌ ، أعَانَنَا اللّه وإِيَّاكَ علَى طَاعَتِه ، ووَفَّقَنَا اللّه وإِيَّاكَ لِمَرْضَاتِه » . (1)

.


1- . الكافي : ج2 ص136 ح23 .

ص: 278

192 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابه

192كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهابن ادْريس قَدَسَ اللّه نفْسَه ، عن ابن قُولَوىْ رحمه الله ، عن جَميل ( بن دَرّاج رحمه الله ) قال : قال أبو عبد اللّه ( الإمام جعفر بن محمَّد الصَّادق عليهماالسلام ) : بَلَغ أميرَ المؤمنين عليه السلام موْتُ رَجُلٍ مِن أصحابه ، ثُمَّ جاء خَبر آخَر ، أنَّه لمْ يمت فكتب عليه السلام إليه :« بسم اللّه الرحمن الرحيم أمَّا بعدُ ، فإنَّه قَدْ كان أتَانا خَبَرٌ ارْتَاعَ له إخْوانُك ، ثُمَّ جاء تَكْذِيبُ الخَبَرِ الأوَّل ، فأنْعَمَ ذلِك أنْ سرَرنا ، وإنَّ السُّرُور وَشِيكُ الانْقِطاع ، يَبْلُغُه عمَّا قَليلٍ تَصْدِيقُ الخَبَر الأوَّل ، فهَل أنْت كائِنٌ كَرَجلٍ قَدْ ذَاقَ المَوْتَ وعَاش ما بَعْدَه ، فسَألَ الرَّجْعَةَ فأُسْعِفَ بطَلِبتِه ، فهُو مُتَأهِّبٌ دائب بنقلِ ماأسرَّهُ (1) من مَاله إلى دَار قَرارِه ، لا يَرى أنَّ له مالاً غَيْرَه . واعْلَم أنَّ اللَّيْلَ والنَّهارَ لمْ يَزالا دائِبَيْن في نَقْصِ الأعْمارِ ، وإنْفادِ الأموالِ وَطَيِّ الآجالِ ، هيْهاتَ هيهاتَ قَدْ صَبَّحا عادا وثَمُودَا وقُرُونا بيْنَ ذلِكَ كَثِيرا ، فأصْبَحوا قَدْ وَرَدُوا علَى ربِّهم ، وقَدِموا على أعمالِهِم ، واللَّيلُ والنَّهارُ غَضَّان جَديِدانِ ، لا يُبْلِيهِما ما مَرّا بهِ ، يَسْتَعدَّانِ لِمَنْ بَقِيَ بِمِثلِ ما أصابا فيهِ مَن مَضى . واعْلَم إنَّما أنْت نَظِيرُ إخوانِكَ وأشْباهِكَ مَثَلُكَ كَمَثَلِ الجَسَدِ ، قَدْ نُزِعَتْ قُوَّتُهُ ، فلَمْ يَبْقَ إلاَّ حُشاشَةُ نَفْسِهِ ينْتَظِرُ الدَّاعِي ، فتَعَوَّذ باللّه ِ مِمَّا نَعِظُ بهِ ، ثُمَّ تُقصِّر عَنْهُ » . (2)

.


1- . في المصدر: «ينقل بأَسرهِ» والتصويب من بحار الأنوار .
2- . مستطرفات السرائر : ص141 ح 4 وراجع : بحار الأنوار : ج6 ص134 ؛ جمع الجوامع : ج2 ص151 ، كنز العمّال :ج8 ص219 .

ص: 279

193 _ كتابه عليه السلام إلى مولى له

193كتابه عليه السلام إلى مولى لهعلِيُّ بْنُ إبْراهِيمَ ، عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، عن بَعْضِ أصْحَابه ، عن أبِي عَبد اللّه عليه السلام ، قال: « إنَّ مَوْلىً لأمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام سَألَهُ مَالاً ، فقال : يَخْرُجُ عَطَائِي فَأُقَاسِمُكَ هُوَ . فقال : لا أكْتَفِي ،( و ) خَرَجَ إلى مُعاوِيَةَ ، فَوَصَلَهُ فَكَتَبَ إلى أمير المُؤمِنِينَ عليه السلام ، يُخْبِرُهُ بما أصابَ من المال ، فَكَتَبَ إلَيْه أمِيرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام :« أمَّا بَعْدُ ، فإنَّ ما في يَدِكَ مِنَ المالِ قَدْ كانَ لَهُ أهْلٌ قَبْلَكَ ، وهُو صَائِرٌ إلى أهْلِهِ بَعْدَكَ . وإنَّما لكَ مِنْهُ ما مَهَّدْتَ لِنَفْسِكَ ، فَآثِرْ نَفْسَكَ علَى صَلاح وُلْدِكَ ، فَإنَّما أنْتَ جَامِعٌ لِأحَدِ رَجُلَيْنِ : إمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فيه بِطَاعَةِ اللّه ِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ ، وإِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِمَعْصِيَةِ اللّه ِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ ، ولَيْسَ مِن هذَيْنِ أحَدٌ بِأهْلٍ أنْ تُؤثِرَهُ على نَفْسِكَ ، ولا تُبَرِّدَ لَهُ علَى ظَهْرِك ، فَارْجُ لِمَنْ مَضَى رَحْمَةَ اللّه ، وَثِقْ لِما بَقِيَ بِرِزْقِ اللّه ِ . (1)

.


1- . الكافي: ج8 ص73 ح28 وراجع: نهج البلاغة: الحكمة416، المناقب لابن شهرآشوب: ج1 ص312 _ 315 .

ص: 280

194 _ كتابه عليه السلام إلى من يريد عزله

194كتابه عليه السلام إلى مَن يُريد عَزلهأورد أبو عمر في الاستيعاب :« « قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ » (1) ، « وَ لاَ تَعْثَوْاْ فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَ مَآ أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ » (2) » . « إذا أتَاكَ كِتابِي هذا فاحْتَفِظْ بما فِي يَدَيْكَ مِن أعمالِنا حَتَّى نَبْعَثَ إليكَ مِن يَتَسَلَّمُهُ مِنكَ». (3)

.


1- . الأعراف : 85 .
2- . هود : 85 و 86 .
3- . الاستيعاب : ج3 ص211 الرقم 1875 وراجع : تاريخ بغداد : ج4 ص211 ، تاريخ مدينة دمشق :ج65 ص316 ، العِقد الفريد : ج1 ص291 ، بلاغات النساء : ص48 ذكرا كلاهما الأخير في ذيل قصّة سودة ، بنت عمارّة ، معجم المؤلفين : ج1 ص256 ؛ مطالب السؤول : ص93 ، بحار الأنوار : ج41 ص119 نقلاً عن كشف الغمّة ، قاموس الرجال : ج10 ص464 وفيه « كتابه عليه السلام إلى عامله يريد عزله ، قال أبو عمر : إذا بلغه من أحدهم خيانة كتب إليه ويستفاد منه ، أنَّه كان يكتبه إلى كلّ مَن يريد عزله » .

ص: 281

195 _ كتابه عليه السلام في الدّيات

195كتابه عليه السلام في الدِّيات[ روى الشَّيخ الأعظم الكليني رحمه الله في الكافي ، وكذا الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في مَن لا يحضره الفقى ، والشيخ الطُّوسيّ في الاستبصار ، والتَّهذيب بإسنادهم ، ونحن نذكر الأسانيد أوَّلاً ، ثُمَّ ننقله عن التَّهذيب ، لكون روايته أجمع وأكمل ، ونتعرَّض لذكر ما أورده الكافي ومَن لا يحضره الفقى . ] قال في الكافي : عليُّ بنُ إبراهيمَ ، عن مُحَمَّد بنِ عِيسَى ، عن يُونُسَ وعِدَّةٌ من أصْحَابِنَا ، عن سَهْل بن زِيادٍ ، عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، أنَّهُ عَرَضَ على أبِي الحَسَن الرِّضَا عليه السلام كتابَ الدِّيَاتِ ، وكان فيه . . . عليٌّ ، عن أبيه ، عن ابن فَضَّالٍ ، عن الرِّضا عليه السلام مِثْلَهُ . (1) ثُمَّ ذكر بسَنَده عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، وعن أبيه ، عن ابن فَضَّالٍ ، جمِيعا عن أبي الحسن الرِّضا عليه السلام ، قال : يُونُسُ عَرَضْتُ عليْه الكتابَ ، فقال : « هو صَحِيحٌ » . [ ثُمَّ نقل شطرا من الكتاب ، فقال : ] عِدَّةٌ من أصحابِنا عن سَهْل بن زِيادٍ ، عن الحسن بن ظَرِيفٍ ، عن أبيه ظَرِيفِ بن ناصِحٍ ، عن رَجُلٍ يُقال له عبد اللّه بنُ أيُّوبَ ، قال : حدَّثنِي أبُو عَمْرو المُتَطَبِّبُ ، قال : عَرَضْتُ هذا الكتابَ على أبي عبد اللّه ِ عليه السلام وعليُّ بنُ فَضَّالٍ ، عن الحَسنِ بنِ الجَهْمِ ، قال : عَرَضْتُهُ على أبي الحسنِ الرِّضا عليه السلام ، فقال لي : « ارْوُوهُ فإنَّهُ صَحِيحٌ » ثُمَّ ذكَر مثْلَه . (2) وذكر شَطْرا منه بإسناده عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، عن أبي الحسن عليه السلام ، وعنه عن أبيه ، عن ابن فَضَّالٍ ، قال : عرضْتُ الكتاب على أبي الحسن عليه السلام ، فقال : « هو صَحِيحٌ . . . » . (3) وعليُّ بنُ إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابنِ فَضَّالٍ ومُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ جَمِيعا قالا : عَرَضْنا كتابَ الفرَائِض عن أمير المُؤمنينَ عليه السلام على أبي الحسن الرِّضا ، فقال : عليه السلام « هُوَ صَحِيحٌ » . (4) وعِدَّةٌ من أصْحابنا عن سَهْلِ بن زيادٍ ، عن الحسن بن ظَرِيفٍ ، عن أبِيه ظَرِيفِ بن ناصِحٍ ، قال : حَدَّثَنِي رجلٌ يقال له عبد اللّه بن أيُّوبَ ، قال : حَدَّثَنِي أبُو عَمْرٍو المُتَطَبِّبُ ، قال عَرَضْتُهُ على أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : أفْتَى -أمير المؤمنين عليه السلام فكَتَب النَّاسُ فُتْياهُ ، وكتَبَ بهِ أميرُ المُؤمنين إلى أُمرائِهِ ورُؤوس أجْنَادِه . . . ثُمَّ ساق الحديث . (5) وروى الحسن بن عليِّ بن فضَّالٍ عن ظَريف بن ناصحٍ عن عبد اللّه بن أيُّوب ، قال : حَدَّثنِي الحسين الرَّوَّاسيُّ ، عن ابن أبي عُمَيرٍ الطَّبيب ، قال : عَرَضْت هذه الرِّواية على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال : « نَعم هِيَ حَقٌّ ، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمُر عُمَّالَه بذلك » . (6) وإسناده إلى ابن فضَّال كما في مشيخَة الفقى ، عن أبيه ، عن سَعْد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمَّد بن عيسَى عنه . (7) وفي التَّهذيب : محمَّد بن الحسن بن الوَليْد ، عن محمَّد بن الحسن الصَّفار ، عن أحمد بن محمَّد بن عيسَى ، عن الحسن بن عليّ بن فضَّال ، عن ظَرِيف بن ناصِح ، وروى أحمد بن محمَّد بن يَحْيَى ، عن العبَّاس بن معْرُوف ، عن الحسن بن عليّ بن فضَّال ، عن ظَرِيف بن ناصِح وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضَّال ، عن ظَريْف بن ناصِح وسَهْل بن زِياد ، عن الحسن بن ظَريْف ، عن أبيه ظَرِيف بن ناصِح ، ورواه محمَّد بن الحسن بن الوَلِيد ، عن أحمدَ بن إدْرِيس ، عن محمَّد بن حَسَّان الرَّازيّ ، عن إسماعيل بن جعفر الكِنْديّ ، عن ظَرِيف بن ناصِح ، قال : حَدَّثنِي رجُلٌ يقال له : عبد اللّه بن أيُّوب ، قال : حَدَّثنِي أبو عَمْرو المُتَطَبِّبُ ، قال : عَرَضَت هذه الرِّواية على أبي عبد اللّه عليه السلام ، وروى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فَضَّال ومحمَّد بن عيسَى ، عن يُونُسَ ، جميْعا عن الرِّضا عليه السلام ، قالا عرضنا عليه الكتابَ ، فقال : هو نعَم حقٌّ ، وقد كان أميرُ المؤمنين عليه السلام يأمر عُمَّالَه بذلك . (8) ونقل في مواضعَ مِن التَّهذيب شَطْرا من هذا الكتاب ، بهذه الأسانيد . (9) وذكر العلاَّمة النُّوري رحمه الله في خاتمة المستدرك ، كتاب الدِّيَات لظَرِيف بن ناصِح ، وبحث في اعتباره وطرق العلماء رضي الله عنهم إليه ، الَّتي يتَّصِل إلى المشايخ الثَّلاثة العِظام ، وإسناد المشايخ العِظام إلى ظَرِيف بن ناصِح إلى الإمام أبي عبد اللّه أو إلى أبي الحسن الرِّضا عليهماالسلام ، وهي ما تقدَّم مُفصَّلاً ، واعترف في آخر كلامه بوجود الاختلاف بين ما نقله الكافي والتَّهذيب والفقيه ، وما في كتاب الدِّيَات الموجود عنده . (10) ويظهر ممَّا نقله الكليني (11) والتَّهذيب (12) ، أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أفتى بما في هذا الكتاب في وقائع متعدِّدة في زَمَن الخلَفاء ، وطِيلة خِلافَتِهِ الظَّاهرة ، أو في زَمَن حكومته الظَّاهرة فقط ، فكتَب النَّاس فُتياه وجمعوها ، فأمر عليه السلام أن يكتب منها نسخ كَثيرة ، وأرسل إلى كُلِّ واحد من عُمَّاله منها نُسْخة ، وأمرَهم أن يعملوا على وفقها . وذكَر مسلم في صحيحه ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ، قال : كتبْتُ إلى ابن عبَّاس أسألُه أن يَكتب لي كتابا ، ويُخْفي عنِّي . فقال : وَلَدٌ ناصِحٌ ، أنَا اخْتَارُ الأمورَ اخْتيارا ، وأُخفِي عنه . قال فَدَعا بقَضاء عليٍّ . فجعَل يكتُب منه أشياءَ . ويَمُرُّ به الشَّيءُ ، فيقول : واللّه ِ ما قَضَى بهذا عليٌّ إلاَّ أن يكون ضَلَّ . ثُمَّ نقل عن طاوُوس قال : أُتِي ابنُ عبَّاس بكتابٍ فيه قَضَاءُ عليٍّ رضى الله عنهفمَحَاه ، إلاَّ قَدْرَ ، وأشَارَ سُفْيانُ بن عُيَيْنَةَ بِذِراعِهِ . (13) [ ويستفاد ممَّا مرَّ أنَّ قضايا أمير المؤمنين عليه السلام كانت تكتب وقتئذٍ ، وكان في أيدي النَّاس منها نُسَخ يكتبون عنها ويروون ، وأنَّ ابن عبَّاس كان عنده منها نسْخَة ، يكتب منها ويتركها ويأتوه بأُخرى فيقرؤها ، ويمْحو منها ما كان موضوعا على أمير المؤمنين عليه السلام بزعمه . ] ومن الذِين كتبوا قضايا أمير المؤمنين عليه السلام وألَّفوا فيها كتابا ، أبو رافِع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولأبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله كتاب السُّنن والأحكام والقضايا (14) . ثُمَّ ذكر النَّجَّاشي إسناده إلى رواية الكتاب بابا بابا ، الصَّلاة والصِّيام والحجّ والزَّكاة والقضايا . (15) وفي الفهرست للطوسي رحمه الله في ترجمة عُبيد اللّه بن أبي رافِع ساقَ سنده إلى كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ، تأليف عُبيد اللّه إلى محمَّد بن عُبيد اللّه بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدِّه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ويظهر منه أنَّ الكتاب لأبي رافع ، وإن كان في أوَّل كلامه : إنَّ لعُبيد اللّه كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام (16) . وقال المحدِّث القمّي رحمه الله في الكُنى : وله كتاب السُّنن والأحكام والقضايا ، وهو أوَّل مَن جمَع الحديث ورتَّبَه بالأبواب . (17) ولكن من المحتمل أن يكون كتابه كتابا واحدا جامعا للسنن والأحكام والقضايا ، لا أنَّه أفرد للقضايا كتابا ، وأمَّا ابنه عُبيدُ اللّه ِ فقد عمل هو الآخر كتابا أفرده في قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ، كما صرَّح به الشيخ في الفهرست ، وقاموس الرِّجال ، قال : عُبيد اللّه بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين عليه السلام ، له كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ، وكتاب تسمية مَن شهِد مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل وصفِّين والنَّهروان من الصّحابة . (18) [ فمن المحتمل أن يكون الكتاب ، إمَّا من أبي رافِع ، أو ابنه عُبيد اللّه ، أو غيرهما ، أخذه أمير المؤمنين عليه السلام منهم ، فكتبه وأرسله إلى عُمَّاله ليعملوا بما فيه ، كما يشهد به سياق الكتاب وأسلوبه ، وصريح الرِّواية كما تقدَّم ، ولكنَّ يُبعِّده أنَّ ظاهر قوله عليه السلام : « وكتب به أمير المؤمنين إلى أمرائهِ ورؤوس أجناده » ، وقوله عليه السلام : « نعم هو حقٌّ ، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمُر عُمَّالُه بِذلِكَ » ، أنَّه عليه السلام كتبه إلى عُمَّاله ليعملوا به طيلة حكومته ، وذلك يُناسب أن يكون الكتاب في أوَّل خلافته ، حَتَّى يعملوا على وِفقه ، لا بعد أن جمع النَّاس الفتيا وكتبوها وأرسله إلى عُمَّاله ، لأنَّ كتاب النَّاس أمر تدريجي حَسب وقوع الحوادث . ومن المحتمل أن يكون الكتاب الموجود هو ما كتبه النَّاس ، وكان يوافق ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى عُمَّاله ، أو يكون الكتاب الموجود هو ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام ، والنّاس أيضا كانوا ألَّفوا على وِفقه تدريجا ، فهو موافق لمَا فيه من الأحكام ، وإن كان قد يخالفه عبارة وترتيبا . ] قال في التَّهذيب : « أفْتَى عليه السلام في كُلِّ عَظْمٍ لَهُ مُخّ فريضَةٌ مُسَمَّاةٌ إذا كُسِرَ فَجُبِرَ عَلى غيرِ عَثمٍ ولا عَيْبٍ ، فجعَلَ فريضَةَ الدِّيَةِ سِتَّة أجزاءٍ ، وجَعلَ في الرُّوحِ والجَنِينِ والأشفَارِ والشَّلَلِ والأعضَاءِ والإبهامِ لِكُلِّ جُزءٍ سِتَّةُ فَرائِضَ ، جَعل دِيَّةَ الجَنِينِ مِئَةَ دِينارٍ وجعَلَ مَنِيَّ الرَّجُل إلى أن يَكونَ جَنِينا خَمْسَةَ أجْزَاء ، فإذا كان جَنِينا قبلَ أن تَلِجَه الرُّوحُ مِئَةَ دِينار ، فجعَلَ للنُّطْفَةِ عِشْرِينَ دِينارا ، وهُوَ الرَجُلُ يُفْزِعُ عن عِرْسِهِ فَيُلقي النُّطْفَةَ وهو لا يُرِيدُ ذلِكَ ، فجعَلَ فِيها أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عِشْرِينَ دِينارا الخمس ، ولِلْعَلَقَةِ خُمُسَي ذلِكَ أرْبَعِينَ دِينَارا ، وذلِكَ للمَرأةِ أيضا تُطرَقُ أو تُضرَبُ فُتلقِيهِ ، ثُمَّ المُضْغَةَ سِتِّين دِينارا إذا طَرَحَتْه المَرأةُ أيضا في مثل ذلِكَ ، ثُمَّ العَظْمُ ثَمانِين دِينارا إذا طَرَحَتْه المرأة ، ثُمَّ الجَنِين أيضا مِئةَ دِينارٍ إذا طَرقَهُم عَدوٌّ فأسقطْن النِّساءُ في مِثلِ هذا ، أوجَبَ على النِّساءِ ذلِكَ من جِهَةِ المَعقِلَةِ مثْلَ ذلِكَ ، فإذا وُلِد المَوْلُودُ واسْتَهَلَّ _ وهوَ البُكاءُ _ فَبَيَّتوهُم فَقَتَلُوا الصِّبيانَ ، فَفِيهم ألفُ دِينارٍ لِلذَّكَرِ وللأُنثى على مِثلِ هذا الحِسابِ علَى خَمْسمئَةِ دِينارٍ . وأمَّا المَرأةُ إذا قُتِلَت وهِيَ حامِلٌ مُتِمٌّ فلَمْ تسْقُطْ وَلَدَها ولَمْ يُعْلَمْ أ ذَكَرٌ هُوَ أمْ أُنْثَى ، ولَمْ يُعْلَمْ بَعْدَهَا مَاتَ أو قَبْلَهَا ، فَدِيتُهُ نِصْفَانِ ، نِصْفُ دِيَّةِ الذَّكَرِ ونِصْفُ دِيَّةِ الاُنْثَى ، ودِيَّةُ المَرْأةِ كَامِلَةٌ بَعْدَ ذَلك . وأفْتَى في مَنِيِّ الرَّجُلِ يُفْزِعُ عن عِرْسِه فَيَعْزِلُ عَنْهَا المَاءَ ولَمْ يُرِدْ ذَلِكَ نِصْفَ خُمُسِ المئَةِ من دِيَّةِ الجنين عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ، وإن أفْرَغَ فِيهَا عِشْرونَ دِينَارا ، وجَعَل في قِصَاصِ جِرَاحَتِهِ ومَعْقُلَتِهِ على قَدْرِ دِيَتِهِ وهِي مئَةُ دِينَارٍ ، وقَضَى في جِراحة الجَنِينِ مِنْ حِسَابِ المئَةِ على ما يَكُونُ مِن جِرَاح الرَّجُل والمَرْأةِ كَامِلَةً . وأفْتَى عليه السلام في الجَسَد ، وجعلَه سِتَّة فَرائِض : النَّفْسُ ، والبَصَر ، والسَمْع ، والكَلام ، والعَقْل ، ونقْصُ الصَّوْت ، من الغَنَنِ والبَحَحِ والشَّلَل في اليَدَيْن والرِّجْلَين ، فجعَل هذا بقِياسِ ذلِكَ الحُكْمِ . ثُمَّ جعَلَ مَعَ كلِّ شَيءٍ مِن هذهِ قِسَامَةً على نحْو ما بلَغت الدِّيةُ . والقَسَامَةُ في النَّفس ، جعَل على العَمْد خَمْسِين رجلاً ، وعلى الخطأ خمسة وعشرين رجلاً على ما بلغت دِيَته ألفَ دِينار ، وعلى الجراح بقَسَامَة سِتَّة نَفَر ، فمَا كان دونَ ذلك فحِسابُه على سِتَّة نَفَر . والقَسَامَة في النَّفْس والسَّمْعِ والبَصَرِ والعَقْلِ والصَّوْتِ من الغَنَنِ والبَحَحِ ونَقْص اليَدَيْنِ والرِّجْلين ، فهذه سِتَّة أجزاء الرَّجل . فالدِّيةُ في النَّفسِ ألفُ دِينارٍ . والأنْفُ ألفُ دِينارٍ . والضَّوْءُ كُلُّهُ مِنَ العَيْنَيْنِ ألفُ دِينارٍ . والبَحَحُ ألفُ دِينارٍ . وشَلَلُ اليَدَيْنِ ألفُ دِينارٍ . والرِّجلَينِ ألفُ دِينارٍ . وذِهابُ السَّمْعِ كُلّهِ ألفُ دينارٍ . والشَّفَتَيْن إذا اسْتُؤصِلتا ألفُ دِينارٍ . والظَّهْرُ إذا حَدب ألف دِينار . والذَّكَرُ ألفُ دِينار . واللِّسانُ إذا اسْتُؤصِلَ ألفُ دينارٍ . والأنْثَيَين ألفُ دينارٍ . وجعل عليه السلام دِيَّة الجراحَةُ في الأعضاء كلّها في الرَّأس والوَجْهِ وسائِر الجَسَدِ من السَّمْعِ والبَصَرِ والصَّوْتِ والعَقْلِ واليَدَينِ والرِّجْلَينِ ، في القَطْع والكَسْرِ والصَّدْعِ والبَططِّ والمُوضِحَةَ والدَّامِيَةِ ونَقْلِ العِظامِ والنَّاقِبَة يكون في شَيءٍ من ذلك ، فمَا كان مِن عَظْمٍ كُسِر فجُبِرَ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ لم يُنْقَل منه العِظام ، فإنَّ دِيتَه مَعْلومَةٌ ، فإذا أُوْضِحَ ولمْ يُنْقَل منْه العِظامٌ فدِيَّةُ كَسْرِه ودِيَّةُ مُوضِحَتِه ، ولكلَّ عَظْمٍ كُسِر مَعلُوم . فدِيَّةُ نَقْل عِظامِه ، نصْفُ دِيَّة كَسْرِه . ودِيَّةُ مُوضِحَتِه رُبْعُ دِيَّةِ كَسْرِه ممَّا وارَتِ الثِّيابُ من ذلك غَيْرَ قَصَبَتَي السَّاعِد والأصابع . وفي قَرْحَة لا تَبْرَأُ ثُلُثُ دِيَّةِ ذلك العُضْو الَّذِي هي فيِه . فإذا أُصِيْب الرَّجل في إحْدَى عَيْنَيه فإنَّها تُقَاسُ بِبَيْضَةٍ تُرْبَطُ على عَيْنِه المُصَابَةِ ويُنْظَرُ ما يَنْتَهِي بَصَر عَيْنِه الصَّحِيْحَةِ ، أو يده الصحيحة ثُمَّ تغْطَى عَيْنه الصَّحِيحَة ، ويُنْظَرُ ما يَنْتَهِي بَصَرُ عَيْنه المُصابَة ، فيُعْطَى دِيَتَه من حِسَاب ذلك ، والقَسَامَةُ مع ذلك من السِتَّة أجْزَاء للقَسَامَة على سِتَّة نَفَر على قَدْر ما أُصِيب من عَيْنه ، فإن كان سُدُسَ بَصَرِه حَلَفَ الرَّجل وحْدَه وأُعْطِيَ ، وإن كان ثُلُثَ بَصَرِه حَلَفَ هو ، وحَلَفَ معَه رَجُلٌ آخَرُ ، وإن كان نِصْفَ بصَرِه حَلَفَ هو وحَلَفَ معَه رَجُلان ، وإن كان ثُلُثَي بَصَرِه حَلَفَ هو وحَلَفَ معَه ثَلاثَةُ رِجال ، وإن كان أرْبَعَةَ أخْمَاسِ بصَرِه حَلَفَ هو وحَلَفَ معه أرْبَعَةُ رجالٍ ، وإن كان بَصَرَه كلَّه حَلَفَ هوَ وحَلَفَ معَه خَمْسَةُ رِجالٍ . ذلك في القَسَامَة في العَيْنَين . قال : وأفْتَى عليه السلام فيِمَن لمْ يكنْ له مَن يَحْلِف معه ولمْ يوثقْ به على ما ذهب من بصَرِه ، أنَّه يضاعف عليه اليَمِين ، إن كان سُدُسَ بصَرِه حَلَفَ واحِدةً ، وإن كان الثُلُثَ حَلَفَ مَرَّتَينِ ، وإن كان النِّصْفَ حَلَفَ ثَلاثَ مَرَّات ، وإن كان الثُّلُثَيْن حَلَفَ أرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وإن كان خَمْسَةَ أسْدَاسٍ حَلَفَ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، وإن كان بصرَه كلَّه حَلَفَ سِتَّ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ يُعْطَى ، وإن أبَى أن يَحْلِف لمْ يُعْط إلاَّ ما حَلَفَ عليه ، ووَثق منه بِصِدقٍ ، والوالي يَسْتَعِين في ذلك بالسُّؤال والنَّظر والتَّثبُّت في القِصَاص والحُدُود والقَوَدِ ، وإن أصابَ سَمْعه شَيءٌ فعَلَى نَحْوِ ذلك يُضْرَبُ له شَيء لِكَي يُعْلَمَ مُنْتَهى سَمْعِه ، ثُمَّ يُقاسُ ذلك والقَسَامَةُ علَى نَحْو ما نَقَصَ من سَمْعِه فإن كان سَمْعَه كلَّه فعَلَى نَحْوِ ذلِكَ ، وإنْ خِيفَ منهُ فُجُورٌ ترَكَ حَتَّى يغْفُلَ ، ثُمَّ يصاحُ بهِ ، فإن سَمِعَ عاودَهُ الخُصُومُ إلى الحاكِمِ ، والحاكِمُ يعمل فيه برأيِه ، ويحط عنه بعض ما أخذ . وإن كان النَّقصُ في الفَخِذِ أو في العَضُدِ فإنَّه يُقاسُ بخَيْط تُقاسُ رِجْلُه الصَّحِيحَة أو يده الصحيحة ، ثُمَّ يُقاسُ به المُصابَة ، فيُعَلَّمُ ما نَقَصَ من يدِه أو رِجْلِه ، وإن أُصِيبَ السَّاق أو السَّاعِدُ مِنَ الفَخِذِ أو العَضُدِ يُقاسُ ويَنْظُرُ الحاكِمُ قَدْرَ فَخِذِه . وقَضَى عليه السلام في صَدغ الرَّجُل إذا أُصِيبَ فلَم يَسْتَطِع أن يَلْتَفِت إلاَّ ما انحَرَفَ الرَّجلُ نِصْفُ الدِّيَة خَمْسُمئَةِ دِينار ، وما كان دونَ ذلك فبِحِسابِه . وقَضَى عليه السلام في شَفْرالعَيْن الأعلَى، إن أُصِيبَ فشُتِرَ فَدِيتُه ثُلُثُ دِيةِ العَيْن ، مئَةُ وسِتَّة وسِتُّون دِينارا وثُلُثَا دِينارٍ ، وإن أُصِيبَ شَفْرُ العَيْن الأسفَلُ فدِيَتُه نِصْفُ دِيَّةِ العَيْن ، مئَتا دِينار وخَمْسُون دِينارا . فإن أُصيبَ الحاجِبُ فذَهَبَ شَعْرُه كلُّه فَدِيتُه نِصْفُ دِيَّة العَيْن ، مئَتا دِينار وخَمْسُون دِينارا ، فمَا أُصِيب منه فعَلَى حِسَابِ ذلِكَ . فإن قُطِعَت رَوْثَةُ الأنْفِ فدِيتُها خَمْسُمئَةُ دِينارٍ نصفُ الدِّيَةِ ، وإنْ أُنفِذَتْ فيهِ نافِذَةٌ لا تَنْسَدُّ بِسَهم أو برُمْحٍ فدِيَتُه ثَلاثُمئة وثَلاَثَ وثَلاثَونَ دِينارا وثُلُث ، وإنْ كانت نافِذَةٌ فبَرَأتْ والتَأمَتْ فدِيَتُها خُمُسُ دِيَّة رَوْثَة الأنْف مئَةُ دِينار ، فما أُصيبَ فعَلَى حِسابِ ذلك ، فإن كانَت النَّافِذَةٌ في أحَدِ المِنْخَرَيْن إلى الخَيْشُوم وهو الحاجِزٌ بين المَنْخَرَين فدِيَتُها عُشْرُ دِيَّةِ رَوْثَةِ الأنْفِ ، لأنَّه النِّصفُ . والحاجِز بين المِنْخَرَيْن خَمْسُون دِينارا ، وإن كانَت الرَّمية نفذت في أحد المَنْخَرَين والخَيْشُوم إلى المَنْخَر الآخَر ، فدِيتُها سِتَّةٌ وسِتَّون دِينارا وثُلُثَا دِينارٍ . وإذا قُطِعَت الشَّفَةُ العُلْيا واسْتُؤصِلَتْ فدِيتُها نصْفُ الدِّية ، خَمْسُمئَة دِينارٍ ، فما قُطِع منها فبِحِسابِ ذلِكَ ، فإن انْشَقَّتْ فبَدَا منها الأسْنان ، ثُمَّ دُووِيَتْ فبَرَأتْ والتَأمَتْ فدِيَّة جُرحِها ، والحكومةُ فيها خُمُسُ دِيَّةِ الشَّفَةِ مِئةُ دِينارٍ ، وما قُطِعَ مِنها فبِحِسابِ ذلِكَ ، وإنْ شُتِرَتْ وشَيِنَتْ شَيْنَا قبيحا فدِيتُها مِئَةُ دِينارٍ ، وسِتَّة وسِتُّون دِينارا ، وثُلُثَا دِينارٍ ، ودِيَّةُ الشَّفَةِ السُّفْلَى إذا قُطِعَتْ واسْتُؤصِلَت ثُلُثَا الدِّيَة كَمَلاً سِتَّمئَةٌ وسِتّةٌ وسِتُّون دِينارا وثُلُثَا دِينارٍ ، فما قُطِع منها فبِحِساب ذلك ، فإن انْشَقَّتْ حَتَّى يَبْدو منها الأسنان ثُمَّ بَرَأت والتأمَت مئة دِينارٍ وثَلاثَة وثَلاثُون دينارا وثُلُثُ دينارٍ ، وإن أُصِيَبت فشَيِنَتْ شَيْنَا فاحِشا فَدِيتُها ثلاثمئةُ دينارٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُون دينارا وثُلُثُ دينارٍ وذلك ثُلُث دِيتِها . قال : وسألتُ أبا جعفر عليه السلام عن ذلِكَ ، فقالَ : بَلَغَنا أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَضَّلَها لأنَّها تُمْسِكُ الطَّعامَ والماءَ ، فلذلِك فَضَّلَها في حُكُومَتِه . وفي الخَدِّ إذا كانَتْ فيه نافِذَةٌ وبَدَا منها جَوْف الفَم فدِيتُها مِئَةُ دينارٍ فإن دُووِي فبَرَأ والتَأمَ وبهِ أثَرٌ بَيِّنٌ وشَيْنٌ فاحِش فدِيَتُه خَمْسُون دينارا ، فإن كانت نافِذَةٌ في الخَدَّيْن كِلَيْهما فدِيتُها مئِةُ دِينارٍ وذلِكَ نِصْفُ دِيَّةِ الَّتي بَدَا منها الفَمْ . فإن كانَت رُمِيَت بنَصِلٍ يَنْفُذُ في العَظْم حَتَّى يَنْفُذَ إلى الحَنَك فدِيتُها مئَةٌ وخَمْسُون دينارا ، جُعِل منها خَمْسُون دينارا لِمُوضِحَتِها ، وإن كانَت ناقِبَةٌ ولمْ تَنْفُذ فدِيتُها مئَة دينارٍ ، فإنْ كانَت مُوضِحَةٌ في شيء من الوَجْه فدِيتُها خَمْسُون دينارا ، فإن كان لها شَيْنٌ فدِيَّةُ شَيْنِها رُبْعُ دِيَّةِ مُوضِحَتها ، وإن كان جُرْحا ولم يُوضِح ثُمَّ بَرَأ ، وكان في الخَدَّين أثر فَدِيتُه عَشَرَةُ دَنانِيرَ . وإنْ كان في الوَجْه صَدْعٌ فديتُه ثَمانُونَ دِينارا ، فإن سَقَطَتْ منه جِذْوَة لَحْمٍ ولم يُوضِح وكان قَدْرَ الدِّرهم فمَا فوقَ ذلك فديتُها ثَلاثُونَ دينارا . ودِيَّةُ الشَّجَّة إن كانَت مُوضِحَةٌ أربعونَ دِينارا إذا كانَت في الجَسَد ، وفي موضِع الرَّأسِ خمْسُون دِينارا ، فإن نقل منها العِظام فدِيتُها مِئَةُ دِينارٍ وخَمْسُون دِينارا ، فإنْ كانَت ناقِبَةً في الرَّأس فتِلك تُسمَّى المأمُومَة ، وفيها ثُلُث الدِيةِ ، ثَلاثَمئَةُ دينارٍ ، وثَلاثَة وثَلاثُون دينارا وثُلُث دينارٍ . وجعل عليه السلام في الأسنان في كلِّ سِنٍّ خَمْسين دِينارا ، وجعل الأسنان سَوَاء ، وكان قبْل ذلك يَجعل في الثَّنيَّة خَمْسين دِينارا ، وفي ما سِوى ذلك من الأسنان في الرّبَاعِيَة أربعين دِينارا ، وفي النَّاب ثَلاثين دِينارا ، وفي الضِّرْس خَمْسَةٌ وعشرين دِينارا ، فإذا اسْوَدَّت السِّنُّ إلى الحَوْل فلَم تَسْقُط فدِيتُها دِيَّةُ السَّاقِط خَمْسُونَ دِينارا ، وإن تصَدَعَتْ ولم تَسْقُط فدِيتُها خَمسَةٌ وعشرونَ دينارا ، فما انْكَسَر منها فبِحِسابه من الخمسين ، وإنْ سَقَطَتْ بعْدُ وهِي سَوْدَاء فدِيتُها اثْنَا عَشَرَ دينارا ونِصْفٌ ، وما انْكَسَر منها مِن شَيءٍ فبِحِسابه من الخَمْسَةِ وعِشْرِين دِينارا . وفي التَّرْقُوَة إذا انْكَسَرَتْ فجُبِرَتْ على غَير عَثْمٍ ولا عَيْبٍ أرْبَعُون دِينارا ، فإن انْصَدَعَتْ فدِيتُها أربعَةُ أخْماس دِيَّةُ كَسِرِها اثْنانِ وثَلاثُون دِينارا ، فإن أوْضَحَتْ فدِيتُها خَمْسَةُ وعِشرُونَ دِينارا ، وذلك خَمْسَةُ أجْزَاءٍ من دِيتِها إذا انْكَسَرَتْ ، فإن نُقِّلَ منْها العِظامُ فدِيتُها نِصْفُ دِيَّةِ كَسْرِها عِشرُون دِينارا ، فإن نُقِبَت فدِيتُها رُبُعُ ديَّةِ كَسْرِها عَشَرَةُ دَنانيرَ . ودِيَّةُ المَنْكِبِ إذا كُسِرَ خُمُسُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دينارٍ ، فإن كان في المَنْكِب صَدْعٌ فدِيتُه أرْبَعَةُ أخْماس دِيَّةِ كَسْرِه ثَمانُونَ دِينارا ، فإن أُوضِحَ فديتُهُ رُبُعُ ديَّةِ كَسْرِه خَمْسَةٌ وعِشْرُون دينارا ، فإن نُقِلَتْ منه العِظامُ فَديتُهُ مئَةُ دينارٍ وخَمسةٌ وسَبْعُونَ دينارا ، منها مِئةُ دينارٍ ديَّةُ كَسرِهِ ، وخَمسونَ دينارا لنَقْلِ العِظامِ ، وخَمسةٌ وعِشرُون دِينارا للمُوضِحَة ، وإن كانَت ناقِبَةً فديتُها رُبُعُ ديَّةِ كَسرِها خَمسةٌ وعشرونَ دينارا ، فإن رُضَّ فَعَثَمَ فَدِيتُهُ ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ دينارٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإنْ كان فُكَّ فَدِيتُهُ ثَلاثُونَ دِينَارا . وفي العَضُدِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ فَدِيتُها خُمُسُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِها نِصْفُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْبِها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا . وفي المِرْفَقِ إذا كُسِرَ فَجُبِرَ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ فَدِيتُهُ مئَةُ دِينَارٍ وذلِكَ خُمُسُ دِيَّةِ اليَد ، فإن انْصَدَعَ فَدِيتُهُ أرْبَعَةُ أخْمَاسِ ، ديَّةُ كَسْرِهِ ثَمَانُونَ دِينَارا فإنْ أوضِحَ فدِيتُه رُبُعُ ديَّةِ كَسْرِه خمسَةٌ وعِشرونَ دينارا فإن نُقِّلت منهُ العِظَامُ فَدِيتُهُ مئَةُ دِينَارٍ وخَمْسَةٌ وسَبْعُونَ دِينَارا ، لِلْكَسْرِ مئَةُ دِينَارٍ ، ولِنَقْلِ العِظَامِ خَمْسُونَ دِينَارا ، ولِلْمُوضِحَةِ خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، فَإنْ كَانَتْ فيه نَاقِبَةً فَدِيتُهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِه خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، فَإنْ رُضَّ المِرْفَقُ فَعَثَمَ فَدِيتُهُ ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةِ دِينَارٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فَإنْ كان فُكَّ فَدِيتُهُ ثَلاثُونَ دِينَارا ، وفي المِرْفق الآخر مثْل ذلك سَواء . وفي السَّاعِدِ إِذَا كُسِرَ فجُبِرَ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإنْ كُسِرَ إحْدَى القَصَبَتَيْنِ من السَّاعِد فَدِيتُها خُمُسُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ ، وفي أحدهما أيضا فِي الكَسْرِ لِأحَدِ الزَّنْدَيْنِ خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي كِلَيْهِما مئَةُ دِينَارٍ ، فإن انْصَدَعَ إِحْدَى القَصَبَتَيْنِ ففيها أرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِيَّةِ إِحْدَى قَصَبَتَيِ السَّاعِدِ أرْبَعُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا مئةُ دينارٍ وذلك خُمُسُ دِيَّةِ اليد ، وإن كانت ناقبة فدِيتُها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا نِصْفُ دِيَّةِ مُوضِحَتِهَا ، اثْنَا عَشَرَ دِينَارا ونِصْفٌ ، ودِيَّةُ نَافِذَتِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، فإنْ صارت فيها قَرْحَةٌ لا تبرأ فَدِيتُهَا ثُلُثُ دِيَّةِ السَّاعِدِ ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ فذلك ثُلُثُ دِيَّةِ الَّتي هِيَ فِيهِ . ودِيَّةُ الرُّسْغِ (19) إذا رُضَّ فَجُبِرَ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ ثُلُثُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ وسِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ . وفي الكَفِّ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ على غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةُ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ ، إن فُكَّ الكَفُّ فَدِيتُهَا ثُلُثُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ وسِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِها مئة دينارٍ وثمانية وسبعون دِينارا ، نِصْفُ دِيَّةِ كَسْرِهَا ، وفي نَافِذَتِهَا إن لَمْ تَنْسَدَّ خُمُسُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ ، فإن كانَتْ نَافِذة فَدِيتُهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا . ودِيَّةُ الأصَابِعِ والقَصَبِ الَّذِي في الكَفِّ في الإبْهَامِ إذا قُطِعَ ثُلُثُ دِيَّةِ اليَدِ مئَةُ دِينَارٍ وسِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ قَصَبَةِ الإبْهَامِ الَّتي في الكَفِّ تُجْبَرُ على غَيْر عَثْمٍ خُمُسُ دِيَّةِ الإبْهَامِ ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ إذا اسْتَوَى جَبْرُهَا وثَبَتَ ، ودِيَّةُ صَدْعِها سِتَّةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِها ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ نِصْفُ دِيَّةِ نَقْلِ عِظَامِهَا ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا نِصْفُ دِيَّةِ نَاقِلَتِهَا ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ فَكِّهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ، ودِيَّةُ المَفْصِلِ الثَّانِي مِنْ أعْلَى الإبْهَامِ إن كُسِرَ فَجُبِرَ على غَيْرِ عَثْمٍ ولا عَيْبٍ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ المُوضِحَةِ إن كَانَتْ فِيها أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نقْبهِ أرْبَعَةُ دَنانِيرٍ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ صَدْعِهَا ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا خَمْسَةُ دَنَانِيرَ ، فما قُطِعَ منها فَبِحِسَابِهِ علَى مَنْزِلَته . وفي الأصَابِعِ في كُلِّ إِصْبَعٍ سُدُسُ دِيَّةِ اليَدِ ثَلاثَةٌ وثَمَانُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ أصَابِعِ الكَفِّ الأرْبَع سِوَى الإبْهَامِ دِيَّةُ كُلِّ قَصَبَةٍ عِشْرُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كُلِّ مُوضِحَةٍ في كُلِّ قَصَبَةٍ من القَصَبِ الأرْبَعِ أصَابِع أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْلِ كُلِّ قَصَبَةٍ مِنْهُنَّ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كَسْرِ كُلِّ مَفْصِلٍ من الأصَابِعِ الأرْبَعِ الَّتي تَلِي الكَفَّ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي صَدْعِ كُلِّ قَصَبَةٍ مِنْهُنَّ ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثا دِينَارٍ . فإنْ كان في الكَفِّ قَرْحَةٌ لا تَبْرَأُ فَدِيتُهَا ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفِي نَقْلِ عِظَامِهِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهِ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَسُدُسُ ، وفي نَقْبها أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ ، وفي فَكِّها خَمْسَةُ دَنَانِيرَ . ودِيَّةُ المَفْصِلِ الأوْسَطِ من الأصَابِعِ الأرْبَعِ إذا قُطِعَ فَدِيتُهُ خَمْسَةٌ وخَمْسُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي كَسْرِهِ أحَدَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي صَدْعِهِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ ونِصْفُ دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهِ دِينَارَانِ وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي نَقْلِ عِظَامِها خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي نَقْبِهِ دِينَارَانِ وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي فَكِّهِ ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي المَفْصِلِ الأعْلَى من الأصَابِعِ الأرْبَعِ إذا قُطِعَ سَبْعَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ونِصْفُ دِينار ورُبُعٌ عُشْرِ دِينَارٍ ، وفي كَسْرِهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، وفي نَقْبِهِ دِينَار وثُلُث ، وفي فَكِّهِ دينار وأرْبَعة أخماس دِينَارٍ ، وفي ظُفُرِ كلِّ إصْبَعٍ مِنْهَا خَمْسَةُ دَنَانِيرَ . وفِي الكَفِّ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ فَدِيتُهَا أرْبَعُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ صَدْعِهَا أرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِيَّةِ كَسْرِهَا اثْنَانِ وثَلاثُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِها خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا عِشْرُونَ دِينَارا ونِصْفُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ، ودِيَّةُ قَرْحَةٍ لا تَبْرَأُ ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي الصَّدْرِ إذا رُضَّ فَثَنَى شِقَّاه كِلاهما فَدِيتُهُ خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ إحدى شِقَّيْهِ إذا انْثَنَى مِئَتَانِ وخَمْسُونَ دِينَارا ، وإذا انْثَنَى الصَّدْرُ والكَتِفَانِ فَدِيتُهُ مع الكَتِفَيْنِ ألْفُ دِينَارٍ ، فإن انْثَنَى أحَدُ الكَتِفَيْنِ مع شِقِّ الصَّدْرِ فَدِيتُهُ خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَةِ في الصَّدْرِ خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ مُوضِحَةِ الكَتِفَيْنِ والظَّهْرِ خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، وإن اعْتَرَى الرَّجُلَ من ذلك صَعَرٌ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَلْتَفِتَ فَدِيتُهُ خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ . وإن انْكَسَرَ الصُّلْبُ فَجُبِرَ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ فَدِيتُهُ مئَةُ دِينَارٍ ، فإنْ عَثَمَ فَدِيتُهُ ألْفُ دِينَارٍ . وفي الأضْلاعِ فيما خَالَطَ القَلْبَ من الأضْلاع إذا كُسِرَ منْها ضِلْعٌ فَدِيتُهُ خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، وفي صَدْعِه اثْنَا عَشَرَ دِينَارا ونِصْفٌ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ ونِصْفٌ ، ومُوضِحَتِهِ علَى رُبُعِ كَسْرِهِ ، ودِيَّةُ نَقْبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ . وفي الأضْلاعِ ممَّا يَلِي العَضُدَيْنِ دِيَّةُ كُلِّ ضِلْعٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ إذا كُسِرَ ، ودِيَّةُ صَدْعِهِ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ ، ومُوضِحَةِ كُلِّ ضِلْعٍ رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهِ دِينَارَانِ ونِصْفُ دينارٍ ، وإنْ نُقِبَ ضِلْعٌ منها فَدِيتُه دِينَار ونِصْفُ دِينَارٍ ، وفي الجَائِفَةِ ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإن نَقبَ من الجَانِبَيْنِ كِلَيْهِما برَمْيَة أو طَعْنَة وقعتْ فيالصِّفَاق فَدِيتُهَا أرْبَعُمئَةِ دِينَارٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي الأُذُنِ إذا قُطِعَتْ فَدِيتُهَا خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ ، وما قُطِعَ مِنْها فَبِحِسَابِ ذَلِكَ . وفي الوَرِكِ إذا كُسِرَ فَجُبِرَ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلين مِئَتَا دِينَارٍ ، فإنْ صُدِعَ الوِرْكُ فَدِيتُهُ مئَةٌ وسِتُّونَ دِينَارا أرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِيَّةِ كَسْرِهِ ، فإنْ أوْضَحَتْ فَدِيتُهُ رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهِ خَمْسُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ مئَةٌ وخَمْسَةٌ وسَبْعُونَ دِينَارا مِنْهَا لِكَسْرِهَا مئَةُ دِينَارٍ ، ولِنَقْلِ عِظَامِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، ولِمُوضِحَتِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ فَكِّهَا ثُلثَا دِيتها ، فإن رُضَّتْ وعَثَمَتْ فَدِيتُهَا ثَلاثُمئَةِ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي الفَخِذِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلين مِئَتَا دِينَارٍ ، فإن عَثَمَتْ الفَخِذ فَدِيتُهَا ثَلاثُمئَةٍ دينار وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ، ودِيَّةُ المُوضِحَة العَثْم أرْبَعَةُ أخْمَاسِ ، دِيَّةِ كَسْرِهَا مئَةُ وسِتُّونَ دِينَارا ، فإن كَانَتْ قَرْحَةً لا تَبْرَأُ فَدِيتُهَا ثُلُثُ دِيَّةِ كَسْرِهَا سِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا نِصْفُ دِيَّةِ كَسْرِهَا مئَةُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُون دِينَارا . وفي الرُّكْبَةِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلين مِئَتَا دِينَارٍ ، فإن تصَدَّعَتْ فَدِيتُهَا أرْبَعَةُ أخْمَاسِ ، دِيَّةِ كَسْرِهَا مئَةٌ وسِتُّونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهَا مئَةُ دِينَارٍ وخَمْسَةٌ وسَبْعُونَ دِينَارا ، مِنْهَا في دِيَّةُ كَسْرِهَا مئَةُ دِينَارٍ ، وفي نَقْلٍ عِظَامِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي مُوضِحَتِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، فإنْ رُضَّتْ فَعَثَمَتْ فَفِيها ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإن فُكَّتْ فَفِيها ثَلاثَةُ أجْزَاءٍ من دِيَّةِ الكَسْرِ ثَلاثُونَ دِينَارا . وفي السَّاقِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلَينِ مِئَتَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ صَدْعِهَا أرْبَعَةُ أخْمَاس ، دِيَّةِ كَسْرِهَا مئَةٌ وسِتُّونَ دِينَارا ، وفي مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي نَقلِ عِظامِها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي نَقْبِهَا نِصْفُ دِيَّةِ مُوضِحَتِهَا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا ، وفي نُفُوذِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي قَرْحَةٍ لا تَبْرَأُ ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، فإنْ عَثَمَتِ السَّاقُ فَدِيتُهَا ثُلُثُ دِيَّةِ النَّفْسِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي الكَعْبِ إذا رُضَّ فَجُبِرَ علَى غَيْرِ عَثْمٍ ولا عَيْبٍ ثُلُثُ دِيَّةِ الرِّجْلَينِ ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ . وفي القَدَمِ إذا كُسِرَتْ فَجُبِرَتْ علَى غَيْر عَثْمٍ ولا عَيْبٍ خُمُسُ دِيَّةِ الرِّجْلين مِئَتَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهَا رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا ، وفي نَاقِبَةٍ فِيها رُبُعُ دِيَّةِ كَسْرِهَا خَمْسُونَ دِينَارا . ودِيَّةُ الأصَابِع والقَصَب الَّتي في القَدَمِ للإبْهَامِ ثُلُثُ دِيَّةِ الرِّجْلين ثَلاثُمئَةٍ وثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كَسْرِ قَصَبَةِ الإبْهَامِ الَّتي تَلِي القَدَمَ خُمُسُ دِيَّةِ الإبْهَامِ سِتَّةٌ وسِتُّونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي صَدْعِهَا سِتَّةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهَا ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي نَقْلِ عِظَامِهَا سِتَّةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي نَقْبِهَا ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي فَكِّهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ . ودِيَّةُ المَفْصِلِ الأعْلَى من الإبْهَامِ وهُوَ الثَّانِي الَّذِي فِيهِ الظُّفُرُ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي مُوضِحَتِهِ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسٌ ، وفي نَقْلِ عِظَامِهِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثُ دِينَارٍ ، وفي نَاقِبَتِهِ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسٌ ، وفي صَدْعِه ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثٌ ، وفي فَكِّه خَمْسَةُ دَنَانِيرَ ، وفي ظُفُرِهِ ثَلاثُونَ دِينَارا ، وذَلِكَ لِأنَّهُ ثُلُثُ دِيَّةِ الرِّجْلِ ، ودِيَّةُ كُلِّ إصْبَعٍ مِنْها سُدُسُ دِيَّةِ الرِّجْلِ ثَلاثَةٌ وثَمَانُونَ دِينَارا وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ قَصَبَةِ الأصَابِعِ الأرْبَعِ سِوَى الإبْهَامِ دِيَّةُ كسر كُلِّ قَصَبَةٍ مِنْها سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَةِ كُلِّ قَصَبَةِ مِنْها أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسٌ ، ودِيَّةُ نَقْلِ كُلِّ عَظْمِ قَصَبَةٍ مِنْهُنَّ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثٌ ، وديَّة صَدْعِها ثَلاثَةَ عشَرَ دِينارا وثُلثُ دِينارٍ ، ودِيَّةُ نَقبِ كُلِّ قصَبَةٍ منهُنَّ أربَعَةُ دَنانِيرَ وسُدُسٌ ، وديَّة قرحَةٍ لا تبرأُ في القَدمِ ثَلاثَةٌ وثَلاثونَ دِينارا وثُلُثٌ ، وديَّة كَسرِ المَفْصِلِ الذي يَلِي القَدَمَ مِنَ الأصابِعِ سِتَّةَ عشَرَ دِينارا وثُلُثٌ ، وديَّة صدْعِها ثَلاثَةَ عَشَرَ دِينارا وثُلثُ دينارٍ ، وديَّة نَقْلِ كُلِّ قصَبَةٍ مِنهُنَّ ثَمانِيَةُ دنانِيرَ وثُلثُ دِينارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَةِ كُلِّ قَصَبَةٍ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِهَا أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وسُدُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ فَكِّهَا خَمْسَةُ دَنَانِيرَ ، وفي المَفْصِلِ الأوْسَطِ مِن الأصَابِعِ الأرْبَعِ إذا قُطِعَ فَدِيتُهُ خَمْسَةٌ وخَمْسُونَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كَسْرِهِ أحَدَ عَشَرَ دِينَارا وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ صَدْعِهِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهِ دِينَارَانِ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وثُلُثَا دِينَارٍ ، ودِيَّةُ فَكِّهِ ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ وثُلثَا دِينار ، ودِيَّةُ نَقْبِهِ دِينَارَانِ وثُلُثَا دِينَارٍ ، وفي المَفْصِل الأعْلَى مِن الأصَابِعِ الأرْبَعِ الَّتي فِيها الظُّفُرُ إذا قُطِعَ فَدِيتُهُ سَبْعَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كَسْرِهِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ صَدْعِهِ أرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وخُمُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ مُوضِحَتِهِ دِينَارٌ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْلِ عِظَامِهِ دِينَارَانِ وخُمُسُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ نَقْبِهِ دِينَارٌ وثُلُثُ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ فَكِّهِ دِينَار وأرْبَعَةُ أخْمَاسِ دِينَارٍ ، ودِيَّةُ كُلِّ ظُفُرٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ . وأفْتَى عليه السلام في حَلَمَة ثَدْيِ الرَّجُلِ ثُمُنُ الدِّيةِ مئَةٌ دِينار وخَمْسَةٌ وعِشْرُونَ دِينَارا . وفي خُصْيَة الرَّجل خَمْسُمئَة دِينار . قال : وإنْ أُصِيب رَجُل فَأُدِرَ خُصْيَتَاهُ كِلْتَاهُمَا فَدِيتُهُ أرْبَعُمئَةِ دِينَارٍ ، فإنْ فَحِجَ فلَمْ يَقدِر على المَشْي إِلاّ مَشْيا لا يَنْفَعُهُ ، فَدِيتُهُ أرْبَعَةُ أخْمَاسِ ، دِيَّةِ النَّفْسِ ثَمَانيمئَةِ دِينَارٍ ، فإنْ أُحْدِبَ مِنْها الظَّهْرُ فَحِينَئِذٍ تَمَّتْ ، دِيتُهُ ألْفُ دِينَارٍ ، والقَسَامَةُ في كُلِّ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ سِتَّةُ نَفَرٍ علَى مَا بَلَغَتْ دِيتُهُ . وأفْتَى عليه السلام في الوَجيئة إذا كانَت في العَانَة فَخَرَقَتِ السِّفَاقَ فَصَارَتْ أُدْرَةً فِي إِحْدَى الخُصْيَتَيْنِ ، فَدِيتُهَا مِئَتَا دِينَارٍ خُمُسُ الدِّيةِ . و في النَّافِذَةِ إذا نَفِذَتْ مِن رُمْحٍ أو خِنْجَرٍ في شَيْءٍ مِن الرَّجُلِ من أطْرَافِهِ ، فَدِيتُهَا عُشْرُ دِيَّةِ الرَّجُلِ مئَةُ دِينَارٍ . وقَضَى عليه السلام : أنَّه لا قَوَدَ لِرَجُلٍ أصابَهُ والِدُه في أمْرٍ يَعِيبُ عَليهِ فيهِ فأصَابَه عَيْبٌ مِن قَطْعٍ وغَيْرِهِ وتكونُ لَهُ الدِّيةُ ولا يُقادُ ، ولا قَوَدَ لامْرَأة أصابَها زوجُها فَعِيبَت ، وغُرمُ العَيبِ عَلى زَوجِها ولا قِصاصَ عليه . وقَضَى عليه السلام في امْرَأةٍ رَكِبَها زَوجُها فأعفَلَها ، أنَّ لَها نِصْفَ دِيتِها مئتان وخَمْسُونَ دِينارا . وقَضَى عليه السلام في رَجُلٍ افْتَضَّ جَارِيَةً بإصْبَعِه فَخَرقَ مَثَانَتَها ، فلا تَمْلِكُ بَولَها ، فجَعَل لَها ثُلُثَ الدِّية ، مئَةً وسِتَّةً وسِتِّينَ دِينارا وثُلُثَي دينَارٍ ، وقَضَى عليه السلام لها عليه صِدَاقَهَا مِثْلَ نِساءِ قَوْمِها » . (20) إلى هنا تمَّ ما أورده الشيخ في التَّهذيب مفصَّلاً ، ولكنَّه نقل أوَّل هذا الكتاب بنحوٍ آخر قال : « إنَّ أمِير المُؤمِنِينَ عليه السلام جَعَلَ دِيَّةَ الجَنِينِ مئَةَ دِينَارٍ ، وجَعَلَ مَنِيَّ الرَّجُلِ إلى أنْ يَكُونَ جَنِينا خَمْسَةَ أجْزَاءٍ : فَإذَا كان جَنِينا قَبْلَ أنْ يَلِجَ الرُّوحُ فيه مِئَةَ دِينَارٍ ، وذَلِكَ أنَّ اللّه َ عز و جل خَلَقَ الاْءِنسَانَ مِن سُلاَلةٍ ، وهِيَ النُّطْفَةُ فَهَذَا جُزْءٌ ، ثُمَّ عَلَقَةً فَهُوَ جُزْءَانِ ، ثُمَّ مُضْغَةً ثَلاثَة أجْزَاءٍ ، ثُمَّ عَظْم فَهيَ أرْبَعَةُ أجْزَاءٍ ، ثُمَّ يُكْسَى لَحْما فَحِينَئِذٍ ثَمَّ جَنِينا ، فَكَمَلَتْ لَهُ خَمْسَةُ أجْزَاءٍ مئَةُ دِينَارٍ والمئَةُ دِينَارٍ خَمْسَةُ أجْزَاءٍ . فَجَعَلَ لِلنُّطْفَةِ خُمُسَ المئَةِ عِشْرِينَ دِينَارا ، ولِلْعَلَقَةِ خُمُسَيِ المئَةِ أرْبَعِينَ دِينَارا ، ولِلْمُضْغَةِ ثَلاثَةَ أخْمَاسِ المئَةِ سِتِّينَ دِينَارا ، ولِلْعَظْمِ أرْبَعَةَ أخْمَاسِ المئَةِ ثَمَانِينَ دِينَارا ، فإذَا أُنْشِئ فِيهِ خَلْقٌ آخَرُ وهُوَ الرُّوحُ فَهُوَ حِينَئِذٍ نَفْسٌ ألْفُ دِينَارٍ دِيَّةٌ كَامِلَةٌ إنْ كان ذَكَرا ، وإنْ كان أُنْثَى فَخَمْسُمئَةِ دِينَارٍ . وإنْ قُتِلَتِ امْرَأةٌ وهِيَ حُبْلَى فَتَمَّ فلَمْ يَسْقُطْ وَلَدُهَا ولَمْ يُعْلَمْ أذَكَرٌ هُوَ أمْ أُنْثَى ولَمْ يُعْلَمْ أبَعْدَهَا مَاتَ أو قَبْلَهَا ، فَدِيتُهُ نِصْفَانِ : نِصْفُ دِيَّةِ الذَّكَرِ ونِصْفُ دِيَّةِ الاُنْثَى ، ودِيَّةُ المَرْأةِ كَامِلَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ ، وذلِكَ سِتَّةُ أجْزَاءٍ مِنَ الجَنِينِ . وأفْتَى عليه السلام في مَنِيِّ الرَّجُلِ يُفْرِغُ مِن عِرْسِهِ فَيَعْزِلُ عنْها المَاءَ ولَمْ يُرِدْ ، ذَلِكَ نِصْفَ خُمُسِ المئَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ، وإِذَا أفْرَغَ فِيهَا عِشْرِينَ دِينَارا ، وقَضَى فِي دِيَّةِ جِرَاحِ الجَنِينِ مِن حِسَابِ المئَةِ علَى ما يكونُ مِن جِرَاحِ الذَّكَرِ والاُنْثَى الرَّجُلِ والمَرْأةِ كَامِلَةً ، وجَعَلَ لهُ في قِصَاصِ جِرَاحَتِه ومَعْقُلَتِهِ علَى قَدْرِ دِيتِهِ ، وهيَ مئَةُ دِينَارٍ » . (21) ثُمَّ نقل الشيخ رحمه الله شَطْرا منه من قوله عليه السلام : « وجَعَل عليه السلام دِيَّةَ الجِرَاحَة » _ إلى قوله عليه السلام _ « العَظْمُ الَّذِي هوَ فيِه » ، باختلاف يسير ، وزادَ « وأفْتَى في النَّافِذَةِ إذا أُنْفِذَتْ مِن رُمْحٍ أو خِنْجَرٍ في شَيْءٍ مِن الرَّجُل في أطْرَافِه ، فَدَّيتُهَا عُشْرُ دِيَّة الرَّجُلِ مئَةُ دِينَارٍ » (22) . وهذه الجملة موجودة في الكتاب في آخِرِ قولِهِ ، وأفْتَى عليه السلام في الوَجِيئَةِ . ونقل شَطْرا من أوَّل الكتاب من قوله : « الصَّوْت ، من الغَنَنِ » _ إلى قوله _ « والأنْثَيَين ألف دينار » ، وهكذا ، « ذَهَابِ السَّمْعِ كُلِّهِ ألْفُ دِينَارٍ ، والصَّوْتِ كُلِّهِ مِنَ الغَنَنِ ، والبَحَحِ ألْفُ دِينَارٍ ، وشَلَلِ اليَدَيْنِ كِلْتَيْهِمَا ، وَالشَّلَلِ كُلِّهِ ألْفُ دِينَارٍ ، وشَلَلِ الرِّجْلَيْنِ ألْفُ دِينَارٍ ، والشَّفَتَيْنِ إذا اسْتُؤصِلَتَا ألْفُ دِينَارٍ ، والظَّهْرِ إذا حَدِبَ ألْفُ دِينَارٍ ، والذَّكَرِ إذا اسْتُؤصِلَ ألْفُ دِينَارٍ ، والبَيْضَتَيْنِ ألْفُ دِينَارٍ ، وفي صُدْغِ الرَّجُلِ إذا أُصِيبَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَلْتَفِتَ إلاّ مَا انْحَرَفَ الرَّجُلُ نِصْفُ الدِّيةِ خَمْسُمئَةِ دِينَارٍ ، فما كان دُونَ ذَلِكَ فَبِحِسَابِه » . (23) ونقل شَطْرا منه من قوله : « وقَضَى عليه السلام في شَفْر العَيْن » _ إلى قوله _ « علَى حساب ذلك » ، باختلاف يسير . (24) ونقل شَطْرا آخر أيضا من قوله : « فإذا أُصِيْبَ الرَّجُلُ في إحْدَى عَيْنَيهِ » _ إلى قوله _ « حَلَفَ معَه خَمْسَةُ رِجالٍ » . ونقل بعده جملاً كثيرة المخالفة في المتن ولذا فلابُدَّ من نقلها كلّها قال : « وكَذَلِكَ القَسَامَةُ كُلُّهَا فِي الجُرُوحِ ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَابِ بَصَرُهُ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ ضُوعِفَتْ عَلَيْهِ الأيْمَانُ إنْ كان سُدُسَ بَصَرِهِ حَلَفَ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وإنْ كان ثُلُثَ بَصَرِهِ حَلَفَ مَرَّتَيْنِ وهذا الحِسَابِ ، وإِنَّمَا القَسَامَةُ على مَبْلَغِ مُنْتَهَى بَصَرِهِ ، وإنْ كان السَّمْعَ فعلَى نَحْوٍ منْ ذَلِكَ غَيْرَ أنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يُعْلَمَ مُنْتَهَى سَمْعِهِ ، ثُمَّ يُقَاسُ من ذلِكَ ، والقَسَامَةُ علَى نَحْوِ ما يَنْقُصُ مِن سَمْعِه ، فإنْ كان سَمْعَهُ كُلَّهُ فَخِيفَ منْه فُجُورٌ فإنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى إذا اسْتَقَلَّ نَوْما صِيحَ بِه ، فإنْ سَمِعَ قَاسَ بَيْنَهُمُ الحَاكِمُ بِرَأْيِه ، وإنْ كان النَّقْصُ فِي العَضُدِ والفَخِذِ فَإنَّهُ يُعَلَّمُ قَدْرُ ذَلِكَ يُقَاسُ بِخَيْط رِجْلِه الصَّحِيحَةِ ، ثُمَّ يُقَاسُ بِه المُصَابَةُ ، فَيُعَلَّمُ قَدْرُ ما نَقَصَتْ رِجْلُهُ أو يَدُهُ ، فإنْ أُصِيبَ السَّاقُ أو السَّاعِدُ فَمِنَ الفَخِذِ والعَضُدِ يُقَاسُ ويَنْظُرُ الحَاكِمُ قَدْرَ فَخِذِهِ » . (25)

.


1- . الكافي : ج7 ص311 ح1 .
2- . الكافي : ج 7 ص324 ح9 .
3- . الكافي : ج 7 ص327 ح5 .
4- . الكافي : ج 7 ص 330 ح1 .
5- . الكافي : ج 7 ص 330 ح2 .
6- . من لا يحضره الفقيه : ج4 ص75 ح5150 .
7- . من لا يحضره الفقيه : ج4 ص495 .
8- . تهذيب الأحكام : ج10 ص295 ح1148 .
9- . تهذيب الأحكام : ج10 ص169 ح668 وص245 ح968 وص258 ح1019 وص292 ح1135 وص295 ح1148 ، الاستبصار : ج4 ص299 ح3 .
10- . خاتمة مستدرك الوسائل : ج1 ص104 _ 106 الرقم18 .
11- . الكافي : ج7 ص330 ح2 .
12- . تهذيب الأحكام : ج10 ص258 ح1019 .
13- . صحيح مسلم : ج1 ص13 و14 ح 7 .
14- . الشيعة وفنون الإسلام : ص66 .
15- . رجال النجّاشي : ج1 ص61 _ 67 .
16- . الفهرست : ص174 الرقم467 .
17- . الكنى والألقاب : ج1 ص77 و78 .
18- . قاموس الرجال : ج7 ص56 الرقم4707 ، الشيعة وفنون الإسلام : ص68 .
19- . قال الخليل : الرُّسغ مَفصِلُ ما بين السَّاعد والكَفّ ( العين : ج1 ص676 ) .
20- . تهذيب الأحكام : ج10 ص295 _ 308 ح1148 وراجع : الكافي : ج7 ص311 _ 340 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص75 _ 92 ح5150 .
21- . تهذيب الأحكام : ج10 ص285 ح1107 ، الكافي : ج 7 ص343 ح1 نحوه .
22- . تهذيب الأحكام : ج10 ص292 ح1135 ، الكافي : ج 7 ص327 ح5 .
23- . تهذيب الأحكام : ج10 ص245 ح968 ، الكافي : ج 7 ص311 ح1 .
24- . تهذيب الأحكام : ج10 ص248 ح1019 ، الكافي : ج 7 ص330 ح2 .
25- . تهذيب الأحكام : ج10 ص267 ح1050 ، الكافي : ج 7 ص324 ح9 مع اختلاف يسير .

ص: 282

. .

ص: 283

. .

ص: 284

. .

ص: 285

. .

ص: 286

. .

ص: 287

. .

ص: 288

. .

ص: 289

. .

ص: 290

. .

ص: 291

. .

ص: 292

. .

ص: 293

. .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

. .

ص: 297

. .

ص: 298

. .

ص: 299

. .

ص: 300

. .

ص: 301

. .

ص: 302

أبو رافع مولى رسول اللّه

أبو رافِعٍ مولى رسول اللّهغَلَبتْ عليه كنيتُه ، واختُلف في اسمه ، فقيل : أسلَمُ ؛ وهو أشهر ما قيل فيه ، وقيل : إبراهيم (1) ، وقيل غير ذلك . أحد الوجوه البارزة في التَّشيُّع ، ومن السَّابقين إلى التَّأليف والتَّدوين والعلم ، وأحد صحابة الإمام الأبرار . كان غلاما للعبّاس عمّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله (2) ، ثمّ وهبه العبّاس للنبيّ صلى الله عليه و آله (3) . ولمّا أسلم العبّاس وبلّغ أبو رافع رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله بإسلامه أعتقه . (4) شهد أبو رافع حروب النَّبيّ صلى الله عليه و آله كلّها إلاّ بدرا (5) . ووقف بعده إلى جانب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ثابت العقيدة ولم يفارقه (6) . وهو أحد رواة حديث الغدير (7) . وعُدّ من أبرار الشِّيعة وصالحيهم (8) . وكان مع الإمام عليه السلام أيضا في جميع معاركه (9) . وكان مسؤولاً عن بيت ماله عليه السلام بالكوفة (10) . وولداه عبيد اللّه (11) ، وعليّ (12) من كُتّابه . ولأبي عليه السلام رافع كتاب كبير عنوانه ، السُّنن والقضايا والأحكام (13) ، يشتمل على الفقه في أبوابه المختلفة ، رواه جمع من المحدّثين الكبار وفيهم ولده . وله كتب اُخرى منها كتاب : أقضية أمير المؤمنين ، و كتاب الدِّيات وغيرهما ، ويعتقد بعض العلماء أنّها قاطبةً أبواب ذلك الكتاب الكبير وفصوله (14) . وذهب أبو رافع مع الإمام الحسن عليه السلام إلى المدينة بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (15) . ووضع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام نصف بيت أبيه تحت تَصرُّفهِ . وروى أبو رافع عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أيضا (16) . وذكر البعض أنّه توفّي سنة 40 ه . (17) في رجال النَّجاشي عن أبي رافع : دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو نائم ، أو يوحى إليه ، وإذا حيّة في جانب البيت ، فكرهت أن أقتلها فاُوقِظَهُ ، فاضطجعت بينه وبين الحيّة ، حتَّى إن كان منها سوء يكون إليّ دونه ، فاستيقظَ وهو يتلو هذه الآية : « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ » (18) . ثمّ قال : الحمد للّه الَّذي أكمل لِعَليٍّ عليه السلام مُنيته ، وهنيئا لعليّ عليه السلام بِتفضيل اللّه ِ إيّاهُ ، ثمّ التفت ، فرآني إلى جانبه ، فقال : ما أضجَعكَ هاهنا يا أبا رافع ؟ فأخبرته خبر الحيّة ، فقال : قم إليها فاقتُلها ، فقتلتها . ثمّ أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيدي فقال : يا أبا رافع كَيفَ أنتَ وقومُ يقاتِلونَ عَلِيّا عليه السلام هُو عَلى الحَقِّ وهم على الباطل ! يكون في حَقّ اللّه ِ جِهادُهُم ، فَمَنَ لَم يَستطِع جِهادَهُم فَبقلبهِ ، فَمَن لَم يَستَطِعْ فليس وراءَ ذلِكَ شيءٌ ، فَقُلتُ : ادعُ لي إنْ أدركْتُهم أن يُعينني اللّه ُ ويُقوّيني عَلى قتالهم ، فَقالَ : اللَّهمَّ إن أدرَكَهُم فقوِّه وأعِنْه . ثمّ خَرَج إلى النَّاس ، فقال : يا أيُّها النَّاس ! مَن أحَبَّ أن يَنظُرَ إلى أمِيني على نَفسي وأهلِي ، فهذا أبو رافع أميني علَى نَفسِي . (19) وعن عَوْن بن عُبَيْد اللّه بن أبي رافع : لمّا بويع عليّ عليه السلام وخالفه معاوية بالشَّام ، وسار طَلْحة والزُّبَيْر إلى البصرة ، قال أبو رافع : هذا قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «سيُقاتِلُ عليّا عليه السلام قَومٌ يَكونُ حقّا فِي اللّه ِ جهادهُم» . فباع أرضه بخيبر وداره ، ثمّ خرج مع عليّ عليه السلام وهو شيخ كبير له خمس وثمانون سنة ، وقال : الحمد للّه ، لقد أصبحت لا أحد بمنزلتي ، لقد بايعت البيعتين ، بيعة العَقَبَة ، وبيعة الرِّضوان ، وصلّيت القبلتين ، وهاجرت الهجر الثَّلاث ، قلت : وما الهجر الثَّلاث ؟ قال : هاجرت مع جعفر بن أبي طالب _ رحمة اللّه عليه _ إلى أرض الحبشة ، وهاجرت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة ، وهذه الهجرة مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى الكوفة ، فلم يزل مع عليّ عليه السلام حتَّى استشهد عليّ عليه السلام ، فرجع أبو رافع إلى المدينة مع الحسن عليه السلام ، ولا دار له بها ولا أرض ، فقسم له الحسن عليه السلام دار عليّ عليه السلام بنصفين ، وأعطاه سُنُح (20) : أرض أقطعه إيّاها ، فباعها عبيد اللّه بن أبي رافع من معاوية بمئة ألف وسبعين ألفا . (21)

.


1- . الاستيعاب : ج 1 ص177 الرقم34 ؛ تهذيب المقال : ج 1 ص164 الرقم1 .
2- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص690 ح6536 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص73 ، تاريخ الطبري : ج3 ص170 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 ؛ رجال النجاشي : ج1 ص61 الرقم1 .
3- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص690 ح6536 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص73 ، تاريخ الطبري : ج3 ص170 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 .
4- . الطبقات الكبرى : ج4 ص73 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 ، سِيَر أعلامِ النبلاء :ج2 ص16 الرقم3 ، الاستيعاب : ج 1 ص177 الرقم34 ؛ رجال النجاشي : ج1 ص61 الرقم1 .
5- . الطبقات الكبرى : ج4 ص74 ، الاستيعاب : ج 1 ص178 الرقم34 ؛ رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 وفيه « وشهد مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله مشاهده » .
6- . رجال النَّجاشي : ج1 ص62 الرقم1 ، الأمالي للطوسي : ص59 ح86 .
7- . مقتل الحسين للخوارزمي :ج1 ص48 ؛ الغدير : ج1 ص16 ح8 .
8- . رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 .
9- . رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 ، الأمالي للطوسي : ص59 ح86 .
10- . الكامل في التاريخ : ج2 ص441 .
11- . الطبقات الكبرى : ج4 ص74 ، تاريخ الطبري : ج3 ص170 وفيه « عبيدة اللّه » ؛ رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 ، رجال الطوسي : ص71 الرقم654 .
12- . رجال النجاشي : ج1 ص62 الرقم1 ، رجال ابن داوود : ص134 الرقم1011 وراجع تهذيب المقال : ج1 ص164 _ 182 الرقم1 .
13- . رجال النجاشي : ج1 ص64 الرقم1 .
14- . تدوين السنّة الشريفة : ص138 _ 142 .
15- . رجال النجاشي : ج1 ص64 الرقم1 ، الأمالي للطوسي : ص59 ح86 .
16- . التاريخ الكبير : ج 5 ص138 ح415 .
17- . سيرأعلام النبلاء : ج2 ص16 الرقم3 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 ، وقيل « مات بعد قتل عثمان » كما في الطبقات الكبرى : ج4 ص75 وتاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص668 ، وقيل « توفّي في خلافة عليّ عليه السلام » كما في سِيَرِ أعلامِ النبلاء : ج2 ص16 الرقم3 والاستيعاب : ج 1 ص178 الرقم34 .
18- . المائدة : 55 .
19- . رجال النجاشي : ج 1 ص 63 الرقم 1 .
20- . سُنُح : موضع بعَوالي المدينة ، فيه منازل بني الحارث بن الخزرج ( النهاية : ج2 ص407 ) .
21- . رجال النجاشي : ج 1 ص 64 الرقم 1 .

ص: 303

. .

ص: 304

. .

ص: 305

196 _ كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشعريّ

196كتابه عليه السلام إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ« مُروا الأقارِبَ أن يَتزاورُوا ولا يَتَجاوَرُوا » .

[ نقله العلاّمة المتتبّع المحققّ الكاشانيّ في المَحَجَّة البيضاء ، بعد ما نقله عن عمر بن الخَطَّاب ، أنَّه كتبه إلى عمَّاله ، قال : وقد نسب بعض العلماء هذه المكاتبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنَّه كتبه إلى أبي موسى الأشْعَرِيّ ] . (1)

.


1- . المحجَّة البيضاء : ج3 ص429 .

ص: 306

197 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن العاص

198 _ كتابه في قائم سيفه عليه السلام

197كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاصكتب عليّ رضى الله عنه إلى عَمْرو بن العاص : لَأُصبِحَنَّ العاصِ وابنَ العاصِيتِسعِينَ ألفا عاقِدِي النَّواصِي مُسْتَحْقِبِيْنَ حَلَقَ الدِّلاصِقد جنَّبوا الخَيْلَ مَعَ القِلاصِ آسادُ غيلٍ حِينَ لا مَناصِ

فكتب عَمْرو بن العاص إلى عليّ رضى الله عنه أبياتا مطلعها : ألَسْتَ بِالعاصِي وشيخِ العاصِيمِن مَعشَرٍ في غالبٍ مصّاص (1)

198كتابه في قائم سيفه عليه السلاميقال: إنَّ هذه الأبيات كانت مكتوبة على قائم سيف الإمام عليّ بن أبيطالب رضى الله عنه: النَّاسُ حِرصٌ عَلى الدُّنيا وقَدْ فَسَدَتْفَصَفُوها لَكَ مَمزُوجٌ بِتَكدِيرِ فَمِنْ مُكِبٍّ عَليها لا تُساعِدُهُوعاجِزٍ نَالَ دُنياهُ بِتَقصِيرِ لَم يُدرِكُوها بِعَقلٍ عِندَما قُسِمَتْوإنَّما أدرَكُوها بالمَقادِيرِ لَو كانَ عَن قُدْرَةٍ أو عَن مُغالَبَةٍطَارَ البُزاةُ بأرزَاقِ العَصافِيرِ » . (2) وفي لفظ ابن عساكر : للناسِ حِرصٌ عَلى الدُّنيا وتَدبِيرِوصَفُوها لَكَ مَمزُوجٌ بِتَكدِيرِ لَم يُرزَقُوها بِعَقلٍ عِندما قُسِمَتْلَكِنَّهُم رُزِقُوها بالمَقادِيرِ كَم مِن أديبٍ لَبِيبٍ لا تُساعِدُهُومائقٍ نَالَ دُنياهُ بِتَقصِيرِ لو كانَ عَنْ قُوَّةٍ أو عن مُغالَبَةٍطارَ البُزاةُ بأرزَاقِ العَصافِيرِ » . (3)

.


1- . الفتوح : ج2 ص539 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص361 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج3 ص169 ؛ وقعة صفِّين :ص136 .
2- . بهجة المجالس وأنس المجالس : ج1 ص143 عن بَكر بن حمّاد .
3- . تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص525 ، البداية والنهاية : ج8 ص10 .

ص: 307

199 _ كتابه عليه السلام إلى شبيب بن عامر

199كتابه عليه السلام إلى شَبِيْب بن عامركتب ( أمير المؤمنين عليه السلام ) إلى شَبِيْب بن عامر بمثل هذه النَّسخة :« أمَّا بعدُ ؛ فالحَمُد للّه الَّذي يَصنَعُ للمَرءِ كَيفَ يَشاءُ ، ويُنزِلُ النَّصرَ عَلى مَن يَشاءُ إذا شاءَ ، فَنِعْمَ المَولَى رَبُّنا ونِعمَ النَّصِيرُ ، وقَد أَحسَنتَ النَّظَرَ لِلمُسلِمينَ ونَصَحتَ إمامَكَ ، وقُدْما كانَ ظَنِّي بِكَ ذلِكَ فجربت (1) والعصابَةَ الَّتي نَهَضْتَ بِهِم إلى حَربِ عَدُوّكَ خَيرَ ما جُزِيَ الصَّابِرونَ والمُجاهِدُونَ ، فانظُر لا تَغزُوَنَّ غَزوَةً ولا تَجلُوَنَّ إلى حَرْبِ عَدُوِّكَ خُطوَةً بعدَ هذا حَتَّى تَستأذِنَني في ذلِكَ _ كفانا اللّه ُ وإيَّاكَ تَظاهُرَ الظَّالِمِينَ ، إنَّه عَزيزٌ حَكِيمٌ ، والسَّلامُ عَليكَ ورحمَةُ اللّه ِ وَبَركاتُهُ _ » . وليس فيها زيادة غير هذه الكلمات :« واعلَم يا شَبِيْبُ أنَّ اللّه َ ناصِرُ مَن نَصَرَهُ ، وجاهَدَ في سَبيلِهِ _ والسَّلامُ عَليكَ ورَحمَةُ اللّه ِ وَبَرَكاتُهُ _ » . (2)

.


1- . كذا في المصدر، والظاهر أنّها : «فَجُزيتَ» .
2- . الفتوح : ج4 ص228 وراجع : الكامل في التاريخ : ج2 ص428 ، أنساب الأشراف : ج3 ص232 .

ص: 308

200 _ كتابه عليه السلام إلى بعض عمّالة

كتابه عليه السلام إلى عمّاله

200كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّالة« أمَّا بعدُ ، فإنَّك مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ ، وأَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الأَثِيمِ ، وأَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الْمَخُوفِ . فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّك ، واخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّينِ ، وارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ ، واعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لا تُغْنِي عَنْك إِلاَّ الشِّدَّةُ ، واخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَك ، وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَك ، وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَك ، وآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ والنَّظْرَةِ ، والإِشَارَةِ والتَّحِيَّةِ ، حَتَّى لا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِك ، ولا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِن عَدْلِك ، والسَّلامُ » . (1)

كتابه عليه السلام إلى عمَّالهإنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى عمّاله :« أدِقُّوا أقْلامَكم ، وقارِبُوا بينَ سُطورِكم ، وأحْذِفُوا عَنِّي فضُولَكم ، وأقْصِدوا قصْدَ المعاني ، وإيَّاكم والإكْثارَ ، فإنَّ أموالَ المُسلِمينَ لا تحْتَمِلُ الإضْرارَ » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب46 .
2- . الخصال : ص310 ح 85 ، بحار الأنوار : ج76 ص49 .

ص: 309

كتابه عليه السلام إلى عمّاله

كتابه عليه السلام إلى عمّاله

كتابه عليه السلام إلى عمّاله

كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

كتابه عليه السلام إلى عمّالهروى مُحَمَّد بن يعقوب الكليني رضى الله عنه ، عن أبي عليّ الأشْعَرِيّ ، عن مُحَمَّد بن عبد الجبّار ، عن صَفْوَان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ قال :كان أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يكتب إلى عمّاله : « لا تَسخَروا المُسلِمينَ ، ومَن سألَكُم غَيرَ الفَرِيضَةِ فَقَد اعتَدَى فَلا تُعطُوهُ . وكانَ عليه السلام يَكتُبُ ويُوصِي بالفَّلاحِينَ خَيرا وهُم الأكّارُونَ » . (1)

كتابه عليه السلام إلى عمّالهروى أبو البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ؛ أنَّ عليّا عليه السلام كان يكتب إلى أُمراء الأجناد :أنشُدُكُم اللّه َ في فَلاّحِي الأرضِ أن يُظلَمُوا قِبَلَكُم . (2)

كتابه عليه السلام إلى عمَّالهكتَب عليه السلام إلى عمَّاله ( بالفتح ) في الآفاق ، في كلام طويل ، وكان فيه :« إنَّ اللّه َ تعالَى قَتَل طَلْحَةَ والزُّبَيْرَ عَلى بَغْيِهِما وشِقاقِهِما ونَكْثِهما ، وهَزْم جَمْعَها ، ورَدَّ عائِشَةَ خاسِرَةً » . (3)

كتابه عليه السلام إلى بَعْض عمَّاله« أَمَّا بعْدُ ، فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا منْك غِلْظَةً وقَسْوَةً ، واحْتِقَارا وجَفْوَةً ، ونَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلاً ، لأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ ، ولا أَنْ يُقْصَوْا ، ويُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ ، فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَابا مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ ، ودَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ والرَّأْفَة ، وامْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ والإِدْنَاءِ ، والإِبْعَادِ والإِقْصَاءِ إِنْ شَاءَ اللّه » . (4)

.


1- . الكافي : ج5 ص284 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص154 ح30 ، النوادر للأشعري :ص164 ح425 ، بحار الأنوار : ج103 ص172 ح6 .
2- . قرب الإسناد : ص138 ح489 ، بحار الأنوار : ج100 ص33 ح10 .
3- . الفصول المختارة : ص142 .
4- . نهج البلاغة : الكتاب19 وراجع : تاريخ اليعقوبي : ج2 ص192 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص161 .

ص: 310

كتابه عليه السلام إلى بعض عمّاله

201 _ كتابه عليه السلام إلى القضاة

كتابه عليه السلام إلى بعض عمَّالهقال الزُّهْريّ : دخلت إلى عمر يوما ، فبينا أنَا عنده إذ أتاه كتاب من عامل له ، يخْبِره أنَّ مدينتهم قد احتاجت إلى مَرمَّة ، فقلت له : إنَّ بعض عمَّال عليّ بن أبي طالب كتَب بمثل هذا ، وكتَب إليه :« أمَّا بَعدُ ، فَحَصّنْها بالعَدلِ ، ونَقِّ طُرُقَها مِنَ الجَوْرِ » .

فكتَب بذلك عمر إلى عامله . (1)

201كتابه عليه السلام إلى القضاةقال عليه السلام لقضاته : _ وقد سألوه بم نحكم يا أمير المؤمنين ؟ فقال :« اقضُوا كَما كُنتُم تَقضُونَ ، حَتَّى تكونَ النَّاسُ جَماعَةً ، أو أموتُ كما ماتَ أصحابِي» (2) . 3

.


1- . تاريخ اليعقوبي : ج2 ص306 وراجع : تاريخ مدينة دمشق : ج45 ص202 .
2- . تهذيب الأحكام : ج9 ص259 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج7 ص72 .

ص: 311

قال ابن أبي الحديد : ثُمَّ ذكر عليه السلام نكتة لطيفة في هذا المعنى ، فقال : « العادَةُ أنَّ الرَّعِيَّةَ تَخافُ ظُلمَ الوالي وأنا أخافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي » ؛ ومن تأمّل أحواله عليه السلام في خلافته ، علم أنَّه كان كالمحجور عليه لا يتمكّن من بلوغ ما في نفسه ، وذلك لأنَّ العارفين بحقيقة حاله كانوا قليلين ، وكان السَّواد الأعظم ، لا يعتقدون فيه الأمر الَّذي يجب اعتقاده فيه ، ويرون تفضيل من تقدّمه من الخلفاء عليه ، ويظنّون أنّ الأفضليّة إنَّما هي الخلافة ، ويقلّد أخلافهم أسلافهم ، ويقولون لولا أنَّ الأوائل علموا فضل المتقدّمين عليه لما قدّموهم ، ولا يرونه إلاَّ بعين التَّبعية لِمَن سَبقهُ ، وأنَّه كان رعيّة لهم ، وأكثرهم إنّما يحارب معه بالحميّة وبنخوة العربيّة ، لا بالدين والعقيدة ، وكان عليه السلام مدفوعا إلى مداراتهم ومقاربتهم ، ولم يكن قادرا على إظهار ما عنده ، أ لا ترى إلى كتابه إلى قضاته في الأمصار ، وقوله : فاقضوا كما . . . وهذا الكلام لا يحتاج إلى تفسير ، ومعناه واضح ، وهو أ نَّه قال لهم : اتّبعوا عادتكم الآن بعاجل الحال في الأحكام والقضايا الَّتي كنتم تقضون بها إلى أن يكون للناس جماعة ، أي إلى أن تسفر هذه الأُمور والخطوب عن الاجتماع وزوال الفرقة وسكون الفتنة ، وحينئذ أُعرِّفُكم ما عندي في هذه القضايا والأحكام الَّتي قد استمررتم عليها . ثُمَّ قال : « أو أموتُ كما ماتَ أصحابِي » ، فمن قائل يقول : عَنَى بأصحابه الخلفاء المُتقدّمين ، ومن قائل يقول : عَنَى بأصحابه شيعتَه كسَلْمان ، وأبي ذرّ ، والمقداد ، وعَمَّار ، ونحوهم . (1)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج7 ص72 .

ص: 312

202 _ كتابه عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه

202كتابه عليه السلام لشُرَيْح بن الحَارِث قَاضِيهرُوِيَ أَنَّ شُرَيْحَ بن الْحَارِثِ قَاضِيَ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام اشْتَرَى عَلَى عَهْدِهِ دَارا بِثَمَانِينَ دِينَارا فَبَلَغَهُ ذَلِك ، فَاسْتَدْعَى شُرَيْحا وقال لَهُ :«بَلَغَنِي أنَّك ابْتَعْتَ دَارا بِثَمَانِينَ دِينَارا ، وكَتَبْتَ لَهَا كِتَابا ، وأَشْهَدْتَ فِيهِ شُهُودا». فقال لَهُ شُرَيْحٌ : قَدْ كانَ ذَلِك يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ . قال : فَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظَرَ الْمُغْضَبِ ، ثُمَّ قال لَهُ : « يَا شُرَيْحُ أَمَا إنَّهُ سَيَأْتِيك مَنْ لا يَنْظُرُ فِي كِتَابِك ، ولا يَسْأَلُك عَنْ بَيِّنَتِك ، حَتَّى يُخْرِجَك مِنْهَا شَاخِصا ، ويُسْلِمَك إلَى قَبْرِك خَالِصا ، فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ ، لا تَكُونُ ابْتَعْتَ هَذِهِ الدَّارَ مِن غَيْرِ مَالِك ، أو نَقَدْتَ الثَّمَنَ مِن غَيْرِ حَلالِك ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنيا ودَارَ الآخِرَةِ . أَمَا إنَّك لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِك مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَك كِتَابا عَلَى هَذِهِ النُّسْخَة ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقُ ، والنُّسْخَةُ هَذِه » : « هَذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ مِن مَيِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ اشْتَرَى مِنْهُ دَارا مِنْ دَارِ الْغُرُورِ ، مِن جَانِبِ الْفَانِينَ ، وخِطَّةِ الْهَالِكِينَ ، وتَجْمَعُ هَذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ : الْحَدُّ الأَوَّلُ يَنْتَهِي إلَى دَوَاعِي الآفَاتِ ، والْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ ، والْحَدُّ الثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى الْهَوَى الْمُرْدِي ، والْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطان الْمُغْوِي ، وفِيهِ يُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ ! اشْتَرَى هَذَا الْمُغْتَرُّ بِالأَمَلِ مِن هَذَا الْمُزْعَجِ بِالأَجَلِ ، هَذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِن عِزِّ الْقَنَاعَةِ ، والدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ والضَّرَاعَةِ ، فَمَا أَدْرَكَ هَذَا الْمُشْتَرِي فيما اشْتَرَى مِنْهُ مِن دَرَك ، فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ الْمُلُوك ، وسَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ ، ومُزِيلِ مُلْك الْفَرَاعِنَةِ ، مِثْلِ كسْرَى وقَيْصَرَ ، وتُبَّعٍ وحِمْيَرَ ، ومَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ ، ومَنْ بَنَى وشَيَّدَ وزَخْرَفَ ونَجَّدَ ، وادَّخَرَ واعْتَقَدَ ، ونَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ إِشْخَاصُهُمْ جَمِيعا إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضِ والْحِسَابِ ، ومَوْضِعِ الثَّوَابِ والْعِقَابِ ، إِذَا وَقَعَ الأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، « وَ خَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِ_لُونَ » (1) ، شَهِدَ عَلَى ذَلِك الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِن أَسْرِ الْهَوَى وسَلِمَ مِن عَلائِقِ الدُّنيا » . (2)

.


1- . غافر :78 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب3 وراجع : الأمالي للصدوق : ص187 ، روضة الواعظين : ص366 ، دستور معالم الحكم : ص135 ، بحار الأنوار : ج77 ص277 ؛ تذكرة الخواص : ص185 .

ص: 313

203 _ كتابه عليه السلام إلى أمراء البلاد

204 _ كتابه عليه السلام إلى قثم بن العبّاس

203كتابه عليه السلام إلى أُمراء البلادفي معنى الصلاة :« أمَّا بَعْدُ ؛ فَصَلُّوا بالنَّاس الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِن مَرْبِض الْعَنْزِ ، وصَلُّوا بِهِم الْعَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِن النَّهَار ، حِينَ يُسَارُ فيها فَرْسَخَان ، وصَلُّوا بِهِم الْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ ، ويَدْفَعُ الْحَاجُّ إلى مِنىً ، وصَلُّوا بِهِم الْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى الشَفَقُ إلى ثُلُث اللَّيْلِ ، وصَلُّوا بِهِم الْغَدَاةَ والرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِه ، وصَلُّوا بِهِم صَلاةَ أَضْعَفِهِم ، ولا تكونُوا فَتَّانِينَ » . (1)

204كتابه عليه السلام إلى قُثَمِ بن العبَّاسوهو عامله على مكّة : « أمَّا بَعْدُ ؛ فأقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ ، وذَكِّرْهُم بأيّامِ اللّه ِ ، واجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ ، فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ ، وعَلِّمِ الْجَاهِلَ ، وذَاكِرِ الْعَالِمَ ، ولا يَكُنْ لَك إلى النَّاس سَفِيرٌ إلاّ لِسَانُك ، ولا حَاجِبٌ إلاَّ وَجْهُك ، ولا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَن لِقَائِك بها ، فإنَّها إِنْ ذِيدَتْ عَن أَبْوَابِك في أَوَّل وِرْدِها لَم تُحْمَدْ فيما بعْدُ على قَضَائها ، وانْظُر إلى ما اجْتَمَعَ عندك مِن مَال اللّه ِ ، فَاصْرِفْهُ إلى مَن قِبَلَك مِن ذَوِي الْعِيَال ، والْمَجَاعَةِ مُصِيبا بِهِ مَوَاضِعَ الْفَاقَة ، والْخَلاّتِ ، وما فَضَلَ عَن ذَلِك فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا ، ومُرْ أَهْلَ مَكَّةَ ألاّ يَأْخُذُوا مِن سَاكِنٍ أَجْرا ، فَإِنَّ اللّه سُبْحَانَهُ يَقُولُ : سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ والْبادِ ، فَالْعَاكِفُ الْمُقِيمُ بِه ، والْبَادِي الَّذِي يَحُجُّ إليْه مِن غَيْر أَهْلِه ، وَفَّقَنَا اللّه ُ وإيَّاكُم لِمَحَابِّهِ ، والسَّلام » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب52 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص22 . وراجع في شرح هذه الجملات : شرح الحميدي ، والبحراني .
2- . نهج البلاغة : الكتاب67 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج18 ص30 .

ص: 314

[ أقول : قُثَمُ _ كَزُفَر كما في القاموس _ بن العبَّاس ، عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأُمُّه أُمّ الفضل ، أوَّل امرأة أسلمت بمكّة بعد خَديجة رضي اللّه عنها ، وكان يشبه النَّبيَّ صلى الله عليه و آله . سأل عبد الرَّحمن بن خالد قُثَم : ما شأن عليٍّ ؟ كان له من رسول اللّه صلى الله عليه و آله منزلة لم تكن للعبَّاس ؟ وفي رواية : كيف ورث عليٌّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دونكم ؟ فقال قُثَم : كان أوَّلُنا لحوقا ، وأشدّنا لزوقا _ لزوما _ (1) ، وكان آخر النَّاس عهدا برسول اللّه صلى الله عليه و آله (2) . وكان قُثَمُ أخا الحسن عليه السلام من الرِّضاعة ، لأنَّه عليه السلام كان يرتضع من لبن أُمّ الفضل أُمّ قُثَم . (3) وقد ولاّه أمير المؤمنين عليه السلام لمَّا بويع على مكّة والطَّائف ، كما في الطَّبري (4) ، أنَّه ولاّه المدينة ، والأوَّل أصحّ ، لأنَّه أشهر ، بل متّفق عليه بين المؤرّخين ، ومخالفه ينتهي إلى الزُّبَيْر بن بكَّار ، ولعلَّ ابن قُتَيْبَة أيضا ينتهي إليه ، ويمكن الجمع بين القولين بقول ثالث ، وهو أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام عزل خالد بن العاص بن هِشام عن مكّة ، وولاّها أبا قَتادَة الأنصاريّ ، ثُمَّ عزله وولاّها قُثَم ، كما في الإصابة ، والاستيعاب ، فلعلّ قُثَم كان على المدينة حين كان أبو قَتادَة على مكّة ، ثُمَّ عزل أبا قَتادَة ، وولّى قُثَم على مكَّة ، وولّى سَهْل بن حُنَيْف على المدينة ، وعلى أيّ حال ، فقد كان قُثَم على مكّة والطَّائف ، حَتَّى قتل أمير المؤمنين عليه السلام . وتوفّي قُثَم في زمن معاوية بسمرقند شهيدا ، كما في أُسْد الغابَة والإصابة والاستيعاب . وله أقاصيص في الكرم ، ووفور العطاء ، ومدحَه الشُّعراء ، وقد ذكرها أبو الفرج . (5) ولم أعثر إلى الآن على قدح فيه ، بل قال الطَّبري : أنَّه كان وَرِعا فاضِلاً ، بل هذا الكتاب يدلّ على جلالته ، ولم يذكره قَيْس بن سَعْد بطل الشِّيعة ، وخطيب الأنصار بسوء ، حين خطب بعد فرار عُبيد اللّه إلى معاوية ، مع أنَّه وقع في عبد اللّه ، وعُبيد اللّه ، والعبَّاس . وهذا ، أيضا يدلّ على جلالته ، إلاَّ أنَّه فرّ وخلّى مكّة لبُسر بن أرطاة لعنه اللّه تعالى ] . (6)

.


1- . راجع : أُسد الغابة والإصابة .
2- . راجع : الاستيعاب ، أُسد الغابة ، الإصابة .
3- . راجع : بحار الأنوار : ج43 ص255 .
4- . تاريخ الطبري : ج4 ص455 و492 وج5 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص53 وراجع : أُسد الغابة : ج 5 ، ص 316 الرقم 5254 ، الإصابة : ج 6 ص 351 الرقم 8767 ، الاستيعاب : ج 4 ص 64 الرقم 2648 .
5- . راجع : سفينة البحار : ج2 ص408 وقاموس الرجال .
6- . راجع:الطبقات الكبرى:ج7 ص367،سِيَر أعلامِ النبلاء:ج3 ص441،المنتخب من ذيل المذيّل للطبري:ص38.

ص: 315

. .

ص: 316

امّ الفضل بنت الحارث

اُمُّ الفَضْلِ بنْتُ الحارِثهي لبابة بنت الحارث بن حَزْن الهلاليّة ، أُمّ الفضل ، وهي زوجة العبّاس بن عبد المطّلب ، واُمّ أكثر بنيه ، وهي اُخت ميمونة زوج النَّبيّ صلى الله عليه و آله . يقال : إنّها أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة ، روى ابن عبّاس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال :« الأخوات المؤمنات : ميمونة بنت الحارث وأُمّ الفضل وسلمى وأسماء» . (1)

في الفتوح : كتبت أُمّ الفضل بنت الحارث إلى عليّ رضى الله عنه : بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم ، لعبد اللّه عليٍّ أمير المؤمنين من أُمّ الفضل بنت الحارث ، أمّا بعد ؛ فإنّ طَلْحَة والزُّبَيْر وعائِشَة قد خرجوا من مكّة يريدون البصرة ، وقد استنفروا النَّاس إلى حربك ، ولم يخفّ معهم إلى ذلك إلاّ من كان في قلبه مرض ، ويد اللّه فوق أيديهم ، والسَّلام . قال : ثمّ دفعت أُمّ الفضل هذا الكتاب إلى رجل من جُهينة له عقل ولسان ، يقال له : ظفْر ، فقالت : خذ هذا الكتاب ، وانظر أن تقتل في كلّ مرحلة بعيرا وعَلَيَّ ثمنه ، وهذه مِئةُ دينار قد جَعلتُها لكَ ، فجُدّ السَّيرَ حتَّى تلقى عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، فتدفع إليه كتابي هذا . قال : فسار الجُهَنيّ سيرا عنيفا حتَّى لحق أصحاب علِيٍّ رضى الله عنه وهم على ظهر المسير (2) ، فلمّا نظروا إليه نادوه من كلّ جانب : أيُّها الرَّاكب ما عندك ؟ قال : فنادى الجُهَنيّ بأعلى صوته شعرا يخبر فيه قدوم عائِشَة وطَلْحَة والزُّبَيْر . (3)

.


1- . الاستيعاب : ج 4 ص462 الرقم3514 وراجع اُسد الغابة : ج 7 ص246 الرقم7252 .
2- . أي يتهيّؤوا للخروج إلى الشام .
3- . الفتوح : ج2 ص456 وراجع: تاريخ الطبري : ج4 ص451 .

ص: 317

أبو قتادة الأنصاريّ

أبو قَتادَةَ الأنْصارِيّهو الحارث بن رِبْعيّ بن بَلْدَمَة ، أبو قَتادَة الأنْصاريّ الخَزْرَجيّ ، وهو مشهور بكنيته ، كان من الصَّحابة (1) . شارك في معركة اُحد وما بعدها من المعارك (2) . وكان أحد الشَّجعان في جيش (3) النَّبيِّ صلى الله عليه و آله حتَّى ذكره صلى الله عليه و آله بأنّه من خيرة المقاتلين . كان من صحابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (4) ، واشترك في جميع حروبه (5) . قال في معركة الجمل قولاً يدلّ على إيمانه العميق ووفائه للإمام عليه السلام (6) . وكان على الرَّجّالة في النهروان (7) . وولاّه الإمام عليه السلام على مَكّة (8) . توفّي أبو قَتادَة في أيّام خلافة الإمام عليه السلام . (9) في الاستيعاب : إنّ عليّا لمّا وليَ الخلافة عزل خالد بن المُغِيْرَة العاصي بن هِشام بن المخزومي عن مكّة ، وولاّها أبا قَتادَة الأنْصاريّ . (10) وفي تاريخ الطبريّ عن أبي قَتادَة _ لعليّ عليه السلام في حرب الجمل _ : يا أمير المؤمنين ! إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قلّدني هذا السَّيف وقد شِمْته (11) فطال شَيمه ، وقد أنَى تجريدُه على هؤلاء القوم الظَّالمين الَّذين لم يألوا الاُمَّةَ غشّا ؛ فإن أحببت أن تقدّمني ، فقدِّمني . (12)

.


1- . رجال الطوسي : ص35 الرقم183 ؛ تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص341 .
2- . المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص546 ح6031 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص159 الرقم10 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص340 ، الاستيعاب : ج 4 ص295 الرقم3161 ، اُسد الغابة : ج 6 ص244 الرقم6173 .
3- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص341 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج 2 ص449 الرقم87 ، الاستيعاب : ج1 ص353 الرقم414 ، اُسد الغابة : ج 6 ص244 الرقم6173 .
4- . رجال الطوسي : ص83 الرقم837 ؛ تاريخ بغداد : ج 1 ص159 الرقم10 .
5- . تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص342 ، الاستيعاب : ج 4 ص295 الرقم3161 ، اُسد الغابة :ج6 ص245 الرقم6173 .
6- . تاريخ الطبري : ج4 ص451 .
7- . تاريخ الطبري : ج5 ص85 ، الأخبار الطوال : ص210 ، تاريخ بغداد : ج 1 ص159 الرقم10 وفيه « حضر معه قتال الخوارج بالنهروان » .
8- . رجال الطوسي : ص83 الرقم837 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 ، الاستيعاب : ج 3 ص363 الرقم2190 وزاد فيهما « ثمّ عزله » .
9- . الاستيعاب : ج 4 ص295 الرقم3161 ، اُسد الغابة : ج 6 ص245 الرقم6173 ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج2 ص453 الرقم87 ، وذكرت بعض المصادر أنّه « توفّي سنة 54 ه وهو ابن سبعين سنة » كما في المستدرك على الصحيحين : ج 3 ص547 ح6033 ، المعجم الكبير : ج 3 ص240 ح3274 .
10- . الاستيعاب : ج 3 ص363 الرقم2190 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص152 وفيه « خالد بن سعيد بن العاصي » .
11- . الشَّيْم : إغماد السيف ، وهو من الأضداد ( النهاية : ج2 ص521 ) .
12- . تاريخ الطبري : ج4 ص451 .

ص: 318

205 _ كتابه عليه السلام بين ربيعة واليمن

205كتابه عليه السلام بين رَبيعة واليَمن« هذا ما اجْتَمَعَ عليه أَهْلُ اليَمَنِ حَاضِرُها وبَادِيها ، ورَبِيعَةُ حَاضِرُهَا ، وبَادِيها أَنَّهُم على كِتَابِ اللّه ِ يَدْعُونَ إليهِ ، ويَأْمُرُونَ بهِ ، ويُجِيبُون مَنْ دَعا إليهِ ، وأَمَرَ به لا يَشْتَرُونَ بهِ ثَمَنا ، ولا يَرْضَوْنَ بهِ بَدَلاً ، وأنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ على مَن خالَفَ ذَلِكَ ، وتَرَكَهُ أَنْصَارٌ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ ، دَعْوَتُهُم واحِدَةٌ ، لا يَنْقُضُون عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ عَاتِبٍ ، ولا لِغَضَبِ غَاضِبٍ ، ولا لاسْتِذْلالِ قَوْمٍ قَوْما ، ولا لِمَسَبَّةِ قَوْمٍ قَوْما على ذلك ، شَاهِدُهُمْ وغَائِبُهُم ، وسَفِيهُهُم وعَالِمُهُم ، وحَلِيمُهُم وجَاهِلُهُم ، ثُمَّ إنَّ علَيْهم بذلِك عَهْدَ اللّه ومِيثَاقَهُ ، إنَّ عَهْد اللّه كَانَ مَسؤولاً ، وكَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب74 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج18 ص66 ، شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج5 ص231 .

ص: 319

[ أقول : اليمن كلُّ من ولده قحطان : نحو حِمْيَر ، وعكّ ، وجُذام ، وكِنْدَة ، والأزْد ، وغيرهم . ورَبيعة هو : ربيعة بن نِزار بن مَعَدّ بن عَدنان ؛ وهم بَكْر ، وتَغْلِب ، وعبد القَيس . (1) وسُمِّي قَحطان أبو اليَمن ، وللمسعوديّ في مُروج الذَّهب (2) كلام في المغاضبة بين رَبيعة ومُضرّ ، وبين اليَمانيَّة القَحطانيين ، وإنَّ الموجد لها هو الكميت الأسدي ، بأمر عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر ، وذلك بإنشائه قصائد في مدح نِزار ، وتفضيلهم على قحطان ، فأثار غضب اليمانيَّة ، وتسبّب في قيام المنازعات بينهم. وعلى التَّفصيل المذكور في الكتاب المشار إليه ، كأنَّ هذه العصبية المنتِجة للمغاضبة المذكورة كانت عريقةً (3) كامنة ، وإنَّ هذا الكتاب بينهما كان لإطفاء نارها وإخماد فتنتها ، ولعلَّ السَّبب في كتابة هذا العهد حِراجة (4) الموقف ، وعظم الفتن الَّتي كان أمير المؤمنين عليه السلام يعلمها . في الحديث عن النَّبي صلى الله عليه و آله : « كلُّ حِلْفٍ كان في الجاهِليَّةِ فلا يَزيدُهُ الإسلامُ إلاّ شِدَّةً » ؛ ولا حِلْف في الإسلام ، لكنَّ فِعْلَ أمير المؤمنين عليه السلام أولى بالاتّباع من خبر الواحد ، وقد تحالفت العرب في الإسلام مرارا ، ومن أراد الوقوف على ذلك فليطلبه من كتب التَّواريخ] . (5)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج18 ص66 .
2- . مروج الذَّهب : ج3 ص244 .
3- . أي الأصيلة .
4- . أي الصعابة .
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج18 ص67 .

ص: 320

206 _ كتابه عليه السلام لأبي الأسود في النّحو

206كتابه عليه السلام لأبي الأسْوَد في النَّحوقال العلاّمة التُّستريّ في القاموس في ترجمة أبي الأسْوَد : وأمَّا تأسيسه النَّحو ، ففي معجم الأُدباء ، ياقوت الحَمَويّ ، عن أمالي الزَّجاج ، عن الطَّبريّ _ صاحب المازني _ عن السَّجستانيّ ، عن الخُضْريّ ، عن سَعِيد بن سَلَمَة الباهِليّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي الأسْوَد، قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فرأيته مطرقا مفكّرا ! فقلت : فِيمَ تفكّر يا أمير المؤمنين ؟ قال : « إنِّي سمِعتُ بِبلدِكُم لَحْنا ، فأرَدتُ أنْ أضَعَ كِتابا في أُصُولِ العَربِيَّةِ » . فقلت : إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين ، أحييتنا وبقيت هذه اللُّغة فينا ؛ ثُمَّ أتيته بعد أيَّام ، فألقى إليَّ صحيفة ، فيها : « بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ الكلامُ كلّه : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرفٌ ؛ والاسمُ ، ما أنبأ عَنِ المُسمَّى ، والفِعلُ ، ما أنبأ عَن حَرَكَةِ المُسمَّى ، والحَرفُ ، ما أنبأ عَن مَعنى لَيسَ باسمٍ ولا فِعْلٍ » . ثُمَّ قال لي : « تتبّعْهُ وزِدْ فيهِ ما وقَعَ لَكَ ، واعلَم يا أبا الأسْوَدِ ، أنَّ الأشياء ثَلاثَةٌ : ظاهِرٌ ، ومُضمَرٌ ، وشيءٌ لَيسَ بِظَاهِرٍ ولا مُضمَرٍ » . قال : فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه ، وكان من ذلك حروف النَّصب ، فكان منها : إنَّ وأنَّ وليتَ ولعلَّ وكأنَّ ، ولم أذكر لكنَّ . فقال لي : « لِمَ تَركْتَها » ؟ فقلت : لم أحسبها منها . فقال : « بل هِيَ مِنها فَزِدْها فِيها » . (1) ونقله العلاّمة المجلسي في البحار نقلاً عن المناقب هكذا : « الكلامُ ثلاثَةُ أشياء : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرفٌ جاء لِمَعنى ، فالاسمُ : ما أَنبأَ عَنِ المُسمَّى ، والفِعلُ : ما أنبَأ عن حَرَكَةِ المُسمَّى ، والحَرفُ : ما أوجَدَ مَعنىً فِي غَيرِهِ ؛ وكتَبَ عليُّ بنُ أبي طالب » (2) [ وفي ملحقات إحقاق الحقّ (3) نقل تأسيسه عليه السلام لعلم النَّحو عن الأنباري في كتابيه : لمع الأدلّة ونزهة الألبّاء ، والقفطي في إنباه الرُّواة ، والزَّجاجيّ : في الإيضاح ، وابن كثير في البداية والنِّهاية ، والدِّينَوري في الشِّعر والشُّعراء ، والعسكري في المصون ، وابن العمَّاد في شذرات الذَّهب ، والقلقشندي في صبح الأعشى ، والسَّمعاني في الأنساب ، وابن النَّديم في الفهرست ، واليافعي في مِرآة الجنان ، والكنفراني في المُوفَّى ، والزُّبيديّ في تاج العروس ، والإشبيلي في طبقات النُّحاة ، والسُّيوطي في الوسائل وتاريخ الخلفاء ، والبستوي في محاضرة الأوائل ، والذَّهبيّ في تاريخ الإسلام ، والمُبَرِّد في الفاضل ، وغيرهم ، ثُمَّ نقل علل التَّأسيس ، ثُمَّ ذكر ما ألقاه أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي الأسْوَد عَلى اختلافِ النُّسخ : 1 . أملى على أبي الأسْوَد جوامعه وأُصوله _ أي النَّحو _ من جملتها : ]الكلام كلّه ثلاثة أشياء : اسم ، وفعل ، وحرف ؛ ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ، ونكرة ، وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرَّفع ، والنَّصب ، والجرّ . (4) [ 2 . عن أنباه الرُّواة للشَيْبانِيّ (5) موافقا لما مرّ عن ياقوت الحموي الملحقات ] .

.


1- . قاموس الرجال : ج5 ص582 الرقم 3771 وراجع : سِيَر أعلامِ النبلاء : ج4 ص84 .
2- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص47 ، بحار الأنوار : ج40 ص162 .
3- . إحقاق الحق : ج8 ص1 _ 10 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص20 .
5- . أنباه الرواة : ج1 ص4 .

ص: 321

. .

ص: 322

3 . روى أبو الأسْوَد قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فوجدت في يده رقعة ، فقلت : ما هذه يا أمير المؤمنين ؟فقال : « إنِّي تأمّلتُ كَلامَ العَرَبِ ، فَوجَدتُهُ قَد فسَدَ بِمُخالَطَةِ هذهِ الحَمراءِ ، يَعنِي الأعاجِمَ ، فأرَدتُ أن أصنَعَ شَيئا يَرجِعُون إليهِ ، ويَعتَمِدونَ عَليهِ » ، ثُمَّ ألقى إليَّ الرَّقعة ، وفيها مكتوب : « الكلامُ كُلُّهُ : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرفٌ ، فالاسمُ : ما أنبأَ عَنِ المُسمَّى ، والفِعلُ : ما أنبأ بِهِ ، والحَرفُ : ما أفادَ مَعنى » . وقال لي : « انحُ هذا النَّحوَ ، وأضعِفْ ما وَقَعَ إليْكَ ، واعلم يا أبا الأسْوَد ، إنَّ الأسماء ثلاثةٌ : ظاهرٌ ، ومُضْمرٌ ، واسم لا ظاهر ولا مضمر ، وإنَّما يتفاضل النَّاس يا أبا الأسْوَد ، فيما ليس بظاهر ولا مضمر ، وأراد بذلِكَ الاسمَ المُبهَم » .

قال : ثُمَّ وضعت بابي العطف والنَّعت ، ثُمَّ بابي التَّعجّب والاستفهام ، إلى أن وصلت إلى باب إنَّ وأخواتها ، ما خلا لكنَّ ، فلمَّا عرضتها على عليّ عليه السلام ، أمرني بضمّ لكنَّ إليها ، وكنت كلَّما وضعت بابا من أبواب النَّحو عرضتها عليه رضى الله عنه ، إلى أن حصلت ما فيهِ الكفاية . قال عليه السلام : « ما أحسن هذا النَّحوَ الَّذي نَحَوتَ » فَلذلِكَ سُمّيَ نَحْوَا » . (1) [ ويعلم من الأخبار المنقولة أنَّ أبا الأسْوَد أخذ بعضه عن أمير المؤمنين عليه السلام مكتوبا ، وبعضه شفاها ، وألحق به من عند نفسه أشياء ، ثُمَّ قرأه على أمير المؤمنين عليه السلام ، فقرّره ، وصحّحه ، إلى أن حصلت ما به الكفاية ، وكان أبو الأسْوَد لا يخرجه بل يخفيه ويسرّه ويضن به حَتَّى أمره زياد . (2) بل إليه تنتهي العلوم الإسلاميَّة والكمالات الإنسانيَّة ، وقد أقرّ به ابن أبي الحديد ] . (3) قال ابن أبي الحديد : وما أقولُ في رجل أقَرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جَحْدُ مناقبهِ ، ولا كتمانُ فضائله . . . وما أقول في رجل تُعْزَى إليه كلُّ فضيلة ، وتنتهي إليه كل فِرْقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل ويَنبوعها ، وأبو عُذْرِها ، وسابق مضمارها ، ومجلِّي حَلْبتها ، كلُّ مَن بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى . وقد عرفتَ أنَّ أشرف العلوم هو العلم الإلهيّ ، لأنَّ شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرفَ العلوم ، ومن كلامه عليه السلام اقتبس ، وعنه نقل ، وإليه انتهى ، ومنه ابتدأ ، فإنَّ المعتزلة _ الَّذِين هم أهلُ التُّوحيد والعدل ، وأرباب النَّظر ، ومنهم تعلَّم النَّاس هذا الفنّ _ تلامذتُه وأصحابه ؛ (4) ] ثُمَّ ذكر إسناد العلوم الإسلاميَّة إليه مفصَّلاً ] .

.


1- . نزهة الألبّاء : ص3 وراجع : غرر الخصائص .
2- . راجع : الشيعة وفنون الإسلام : ص53 _ 164 ؛ الإصابة : ج2 ص242 .
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص16 _ 20 وج16 ص146 . وراجع : مطالب السؤول : ص 28 ، ملحقات الإحقاق : ج8 ص1 _ 66 والشيعة وفنون الإسلام : ص 53 _ 164 .
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص16 _ 20 .

ص: 323

207 _ كتابه عليه السلام لمن يستعمله على الصدقات

207كتابه عليه السلام لمَن يستعمله على الصَدقات« انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللّه ِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، ولا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِما ، ولا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِها ، ولا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللّه في مَالِه ، فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ والْوَقَارِ حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ ، فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ، ولا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ، ثُمَّ تَقُول : عِبَادَ اللّه أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللّه وخَلِيفَتُهُ لآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللّه في أَمْوَالِكُمْ ، فَهَلْ للّه في أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤدُّوهُ إلى وَلِيِّه ، فَإِنْ قال قَائِلٌ لا فَلا تُرَاجِعْهُ ، وإِنْ أَنْعَمَ لَك مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ ، أو تُوعِدَهُ ، أو تَعْسِفَهُ ، أو تُرْهِقَهُ ، فَخُذْ مَا أَعْطَاك مِنْ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أو إِبِلٌ فَلا تَدْخُلْهَا إلاَّ بِإِذْنِه ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَه ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ ، ولا عَنِيفٍ بِه ، ولا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً ، ولا تُفْزِعَنَّهَا ، وَتَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فيها ، واصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ، ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اخْتَارَ فَلا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ ، ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِي صَدْعَيْنِ ، ثُمَّ خَيِّرْهُ ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ ، فَلا تَزَالُ كَذَلِك حَتَّى يَبْقَى مَا فيه وَفَاءٌ لِحَقِّ اللّه في مَالِه فَاقْبِضْ حَقَّ اللّه مِنْهُ ، فَإِنِ اسْتَقَالَك فَأَقِلْهُ ثُمَّ اخْلِطْهُمَا ، ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذي صَنَعْتَ أَوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللّه في مَالِه ، ولا تَأْخُذَنَّ عَوْدا ، ولا هَرِمَةً ، ولا مَكْسُورَةً ، ولا مَهْلُوسَةً ، ولا ذَاتَ عَوَارٍ ، ولا تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إلاَّ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ رَافِقا بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ ، ولا تُوَكِّلْ بِهَا إلاَّ نَاصِحا شَفِيقا وأَمِينا حَفِيظا غَيْرَ مُعْنِفٍ ولا مُجْحِفٍ ولا مُلْغِبٍ ولا مُتْعِبٍ ، ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَك نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللّه بِه ، فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُك فَأَوْعِزْ إِلَيْه أَلاّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وبَيْنَ فَصِيلِهَا ، ولا يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذَلِك بِوَلَدِهَا ؛ ولا يَجْهَدَنَّهَا رُكُوبا ، ولْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا في ذَلِك وبَيْنَهَا ، ولْيُرَفِّهْ عَلَى اللاغِبِ ، ولْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ والظَّالِع ، ولْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ ، ولا يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ ، ولْيُرَوِّحْهَا في السَّاعَات ، ولْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَاف والأَعْشَابِ ، حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللّه ، بُدَّنا مُنْقِيَاتٍ غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ ، ولا مَجْهُودَاتٍ لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللّه وسُنَّةِ نَبِيِّه صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّ ذَلِك أَعْظَمُ لأَجْرِك وأَقْرَبُ لِرُشْدِك إِنْ شَاءَ اللّه ُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب25 وراجع : الكافي : ج3 ص536 ح1 ، التهذيب الأحكام : ج4 ص96 ح274 ، المقنعة : ص255 ، الغارات : ج1 ص125 وج8 ص110 ، بحار الأنوار : ج33 ص524 ، ح717 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص151 .

ص: 324

. .

ص: 325

[ أقول : رواها الكليني رحمه الله بسند صحيح يأتي ذكره ، وكذا الشَّيخ في التَّهذيب ، ورواها الشَّيخ المفيد رحمه الله في المُقنعة عن حَمَّاد ، عن حريز ، عن بُرَيْد ، ورواها عنه ابن إدريس في السَّرائر ، ولعلَّه أخذه عن كتاب حَمَّاد لا عن الكافي] . ورواها الثَّقَفيّ بالسند الآتي قال : حدَّثنا محمّد ، قال : حدَّثنا الحسن ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : وأخبرني يَحْيَى بن صالح الحريري ، قال : أخبرنا أبو العبَّاس الوليد بن عَمْرو ، وكان ثقة ، عن عبد الرَّحمن بن سُلَيْمان ، عن جعفر بن محمّد بن عليّ عليه السلام ، قال : بَعَثَ علِيٌّ عليه السلام مُصَّدِقا مِنَ الكُوفَةِ إلى بادِيَتِها . . . الحديث . (1) [ نقلناها من الكتب ، وإن لم يُشر إليه في رواية الكافي وغيره ، لِأنَّ ]السَّيِّدَ رحمه اللهقال : و« من وصيَّة له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصَّدقات ، وإنَّما ذكرنا هنا جُمَلاً منها ليعلم بها أنَّه عليه السلام كان يقيم عماد الحقّ ، ويشرع أمثلة العدل في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها » . (2) وفي النِّهاية : « ظلع » ، وفي حديثه _ يعني أمير المؤمنين عليه السلام _ : « ولْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ والظَّالِع » ، أي بذات الجَرَب والعَرْجاء ، (3) وكذا أشار إلى الحديث في « نطف » قال : ومنه حَديثُ عليٍّ « ولْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَاف والأَعْشَابِ » ، يعني الإبل والماشية النِّطاف جمع نطفة يريد أنَّها إذا وردت على المياه والعُشْب يَدَعُها لِتَرِد وتَرْعَى . (4) وكذا في « مصر » قال : وفي حديث عليٍّ « ولا يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذَلِك بِوَلَدِهَا » ، المصر : الحلب بثلاث أصابع يريد لا يكثر من أخذ لبنها . (5) وراجع : لسان العرب (6) في هذا الموادّ ، وغرضنا من نقل جملات النِّهاية إنَّ الحديث مشهور . صورة أخرى من الكتاب : عَلِيُّ بن إِبْرَاهِيم ، عن أبِيه ، عن حَمَّاد ، بن عِيسَى ، عن حَرِيزٍ ، عن بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، قَال : سَمِعْتُ أبَا عَبدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُول : « بَعَثَ أمِيرُ المُؤمِنِين _ صلوات اللّه عليه _ مُصَدِّقا مِن الكُوفَة إلى بَادِيَتِهَا ، فقالَ لَهُ : يا عبدَ اللّه ِ انْطَلِقْ ، وعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللّه ِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، ولا تُؤثِرَنَّ دُنْيَاكَ على آخِرَتِكَ ، وكُنْ حَافِظا لِمَا ائْتَمَنْتُكَ عليه ، رَاعِيا لِحَقِّ اللّه ِ فيهِ ، حَتَّى تَأْتِيَ نَادِيَ بَنِي فُلانٍ ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ من غَيْرِ أنْ تُخَالِطَ أبْيَاتَهُمْ ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِسَكِينَةٍ ووَقارٍ ، حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ ، وتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قُلْ لَهُمْ يا عِبَادَ اللّه ِ ، أرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللّه ِ ، لآِخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللّه في أمْوَالِكُمْ ، فَهَلْ للّه ِ في أمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤدُّونَ إلى وَلِيِّه ، فَإِنْ قَال لَكَ قَائِلٌ : لا ، فَلا تُرَاجِعْه ، وإِنْ أنْعَمَ لَكَ مِنْهُمْ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِن غَيْر أنْ تُخِيفَهُ أو تَعِدَهُ إلاَّ خَيْرا ، فَإِذَا أتَيْتَ مَالَه فَلا تَدْخُلْه إلاَّ بِإِذْنِه ، فَإِنَّ أكْثَرَه لَه ، فَقُلْ يا عبد اللّه ِ أ تَأْذَنُ لِي في دُخُولِ مَالِك ، فإِنْ أذِنَ لَكَ فَلا تَدْخُلْهُ دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ فِيهِ ، ولا عُنْفٍ به ، فَاصْدَعِ المَالَ صَدْعَيْن ، ثُمَّ خَيِّرْهُ أيَّ الصَّدْعَيْنِ شَاءَ ، فَأيَّهُمَا اخْتَارَ فَلا تَعْرِضْ لَهُ ، ثُمَّ اصْدَعِ البَاقِي صَدْعَيْنِ ، ثُمَّ خَيِّرْهُ ، فَأيَّهُمَا اخْتَارَ فلا تَعْرِضْ لَهُ ، ولا تَزَالُ كذلك حَتَّى يَبْقَى ما فِيه وَفَاءٌ لِحَقِّ اللّه ِ تَبَارَك وتعالَى مِن مَالِه ، فَإِذَا بَقِي ذَلِك فَاقْبِضْ حَقَّ اللّه ِ مِنْه ، وإنِ اسْتَقَالَكَ فَأقِلْهُ ، ثُمَّ اخْلِطْهَا ، واصْنَعْ مِثْلَ الَّذي صَنَعْتَ أوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللّه في مَالِه ، فَإِذَا قَبَضْتَهُ فلا تُوَكِّلْ بِه إلاَّ نَاصِحا شَفِيقا أمِينا حَفِيظا غَيْرَ مُعْنِفٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا ، ثُمَّ احْدُرْ كُلَّ ما اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِن كُلِّ نَادٍ إِلَيْنا نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أمَر اللّه ُ عز و جل ، فَإِذَا انْحَدَرَ بِهَا رَسُولُكَ فَأوْعِزْ إِلَيْه ألاّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وبَيْنَ فَصِيلِهَا ، ولا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ، ولا يَمْصُرَنَّ لَبَنَهَا فَيُضِرَّ ذَلِكَ بِفَصِيلِهَا ، ولا يَجْهَدَ بِهَا رُكُوبا ولْيَعْدِلْ بَيْنَهُنَّ في ذَلِك ، ولْيُورِدْهُنَّ كُلَّ مَاءٍ يَمُرُّ بِه ، ولا يَعْدِلْ بِهِنَّ عن نَبْتِ الأرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطَّرِيقِ في السَّاعَة الَّتي فِيهَا تُرِيحُ وتَغْبُقُ ، ولْيَرْفُقْ بِهِنَّ جُهْدَهُ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللّه ، سِحَاحا سِمَانا غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ ، ولا مُجْهَدَاتٍ فَيُقْسَمْنَ بِإِذْنِ اللّه ، على كِتَاب اللّه ِ وسُنَّةِ نَبِيِّه صلى الله عليه و آله عَلى أوْلِيَاءِ اللّه ِ ، فَإِنَّ ذلِك أعْظَمُ لِأجْرِكَ ، وأقْرَبُ لِرُشْدِكَ يَنْظُرُ اللّه ُ إِلَيْهَا وإِلَيْكَ ، وإلى جُهْدِكَ ، ونَصِيحَتِكَ لِمَن بَعَثَك وبُعِثْتَ في حَاجَتِه ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله قال : مَا يَنْظُرُ اللّه ُ إِلى وَلِيٍّ له يَجْهَدُ نَفْسَهُ بِالطَّاعَة والنَّصِيحَة لَه ، ولاِءمَامِهِ إلاَّ كَانَ مَعَنَا في الرَّفِيقِ الأعْلَى . قَال : ثُمَّ بَكَى أبُو عبد اللّه عليه السلام ، ثُمَّ قال : يا بُرَيْدُ ، لا واللّه ِ ، مَا بَقِيَتْ للّه ِِ حُرْمَةٌ إِلاّ انْتُهِكَتْ ، ولا عُمِلَ بِكِتَابِ اللّه ِ ولا سُنَّةِ نَبِيِّهِ في هَذَا العَالَم ، ولا أُقِيمَ في هَذا الخَلْقِ حَدٌّ مُنْذُ قَبَضَ اللّه ُ أمِيرَ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّه ِ وسَلامُهُ عَلَيْه ، ولا عُمِلَ بِشَيْءٍ مِن الحَقِّ إِلى يَوْمِ النَّاس هَذَا ، ثُمَّ قال : أمَا واللّه ِ ، لا تَذْهَبُ الأيَّامُ واللَّيَالِي حَتَّى يُحْيِيَ اللّه ُ المَوْتَى ، ويُمِيتَ الأحْيَاءَ ، ويَرُدَّ اللّه ُ الحَقَّ إِلى أهْلِه ، ويُقِيمَ دِينَهُ الَّذي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِه ونَبِيِّهِ ، فَأبْشِرُوا ، ثُمَّ أبْشِرُوا ، ثُمَّ أبْشِرُوا ، فوَ اللّه ِ ، مَا الحَقُّ إِلاّ في أيْدِيكُم » . (7)

.


1- . الغارات : ج1 ص126 وج 2 ص 724 .
2- . الغارات : ج2 ص723 .
3- . النهاية لابن أثير : ج3 ص158 .
4- . النهاية لابن أثير : ج5 ص75 .
5- . النهاية لابن أثير : ج4 ص336 .
6- . لسان العرب : ج5 ص175 .
7- . الكافي : ج3 ص536 _ 538 ح1 .

ص: 326

. .

ص: 327

. .

ص: 328

208 _ كتابه عليه السلام في الصدقة

208كتابه عليه السلام في الصدقةروى محمَّد بن عِيسَى ، عن محمَّد بن مِهْرَان ، عن عَبد اللّه بن زُرْعَة _ زَمْعَة _ عن أبيه عن جدَّه _ عن جَدِّ أبِيه _ : إنَّ أمِيرُ المُؤمِنِينَ _ صلوات اللّه عليه _ كَتَب في كِتَابِهِ الَّذي كَتَبه له بِخَطِّه ، حِينَ بَعَثَهُ عَلى الصَّدَقَات :« مَنْ بَلَغ عِنْده مِن الإبِل صَدَقَةُ الجَذَعَةِ ، ولَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ ، وعِنْدَهُ حِقَّةٌ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه الحِقَّةُ ، ويَجْعَلُ مَعهَا شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ ، ولَيْسَتْ عنده حِقَّةٌ ، وعندَه جَذَعَةٌ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه الجَذَعَةُ ، ويُعْطِيهِ المُصَدِّقُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ حِقَّةً ، ولَيْسَتْ عنده حِقَّةٌ ، وعندَه بنت لَبُونٍ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه بْنَت لَبُونٍ ، ويُعْطِي معها شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ لَبُونٍ ، ولَيْسَتْ عندَه ابْنَةُ لَبُونٍ ، وعندَه حِقَّةٌ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ الحِقَّةُ منه ، ويُعْطِيهِ المُصَدِّقُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ لَبُونٍ ، وعندَه ابْنَةُ مَخَاضٍ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه ابْنَةُ مَخَاضٍ ، ويُعْطِي معها شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما . ومن بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ مَخَاضٍ ، ولَيْسَتْ عندَه ابْنَةُ مَخَاضٍ ، وعنده ابْنَةُ لَبُونٍ ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ منه بنت لَبُونٍ ، ويُعْطِيهِ المُصَدِّقُ شَاتَيْنِ أو عِشْرِينَ دِرْهَما ، ومن لَمْ يَكُنْ عندَه ابْنَةُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا ، وعندَه ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ منه ابْنُ لَبُونٍ ، ولَيْسَ معه شَيْءٌ . ومن لَمْ يَكُنْ عنده إِلاّ أرْبَعَ مِن الإبِل ، ولَيْس له مَالٌ غَيْرُهَا ، فليْس فيها شَيْءٌ إِلاّ أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا ، فَإِذا بلَغ مالُه خَمْسا ( من الإبِل ) ففيه شَاةٌ » . (1)

.


1- . المقنعة : ص253 _ 255 ، الكافي : ج3 ص539 ح7 ، تهذيب الاحكام : ج4 ص95 ، كلاهما نحوه مع اختلاف يسير ، وراجع : صحيح البخاري : ج1 ص527 ح1385 ، سنن أبي داوود :ج2 ص96 ح1567 ، سنن ابن ماجة : ج1 ص575 ح1800 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص35 _ 37 ح72 ، كنز العمّال : ج6 ص316 ح15831 .

ص: 329

209 _ كتابه عليه السلام إلى عمرو بن العاص

[ أقول :سند الكليني هو : عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيم ، عن أبيه ، عن مُحَمَّد بن عِيسَى ، عن يُونُسَ ، عن مُحَمَّد بن مُقَرِّنِ بن عبد اللّه بن زَمْعَةَ بن سُبَيْعٍ ، عن أبِيه ، عن جَدِّه ، عن جَدِّ أبِيه ، أنَّ أمير المُؤمِنِينَ عليه السلام كَتَبَ له في كِتابِه الَّذي كَتَبَ له بِخَطِّه ، حِين بَعَثَهُ على الصَّدَقَات . . .الحديث . (1) وهذا غير ما نقلناه من سند المفيد رحمه الله . ]

209كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاصنَصْر : قال عُمَر : عن أبي زُهَيْر العَبْسِيّ ، عن النَّضْر بن صالح قال : كنت مع شُرَيْح بن هانئ في غزوة سِجِسْتان ، فحدَّثني أنَّ عليّا أوصاه بكلمات إلى عَمْرو بن العاص ، قال له : قل لعَمْرو إنْ لقِيتَه :« إنَّ عليّا يقولُ لكَ : إنَّ أفضل الخَلقِ عِندَ اللّه ِ مَن كانَ العَمَلُ بالحَقِّ أحبَّ إليهِ وإنْ نَقَصَهُ ، وإنَّ أبعد الخَلقِ مِنَ اللّه ِ مَن كان العَمَلُ بالباطِلِ أحبَّ إليهِ وإن زادَهُ . واللّه ِ يا عَمْرو ، إنَّك لَتعلَمُ أينَ مَوضِعُ الحَقِّ ، فلِمَ تتجاهَل ؟ أبِأنْ أوتِيتَ طَمَعا يَسِيرا ، فَكُنتَ للّه ِ ولأوليائِهِ عَدُوَّا ، فكأنْ واللّه ِ ، ما أُوتِيتَ قَد زالَ عَنكَ فلا تَكُن للخائِنينَ خَصِيما ، ولا للِظالِمينَ ظَهِيرا . أما إنّي أعلَمُ أنّ يومَكَ الَّذي أنتَ فيهِ نادِمٌ ، هوَ يَومُ وفاتِكَ ، وسَوْفَ تَتَمنّى أنَّكَ لَم تُظهِرْ لِمُسلِمٍ عَداوةً ، ولم تَأخُذْ علَى حُكْمٍ رِشوَةً » .

.


1- . الكافي : ج3 ص539 ح7 .

ص: 330

قال شُرَيْح : فأبلغتُه ذلك ، فتمعَّر وجهُ عَمرو ، وقال : متى كنت أقبل مشورة عليٍّ ، أو أنيبُ إلى أمره وأعتدُّ برَأيه ؟ فقلت : وما يمنعك يا بن النَّابغة أن تقبل من مولاك وسيِّد المسلمين بعد نبيّهم صلى الله عليه و آله مَشْوَرَتَهُ . لقد كان مَن هو خير منك ، أبو بَكر وعمر ، يستشيرانه ويعملان برَأيه . فقال : إنَّ مِثلي لا يُكَلِّمُ مِثلَكَ . فقلت : بأيِّ أبوَيكَ تَرغبُ عن كلامي ؟ بأبيك الوشيظ ، أم بأمِّك النَّابغة ؟ فقام من مكانه . (1) [ لمّا أخذ زياد حُجْر بن عَدِيّ وأصحابه وأشهد هم على ] أنَّ حُجْرا جمع إليه الجموع ، وأظهر شتم الخليفة ، ودعا على أمير المؤمنين _ يعني معاوية _ وزعم أنَّ هذا الأمر لا يصلح إلاَّ في آل أبي طالب . . . فشهد عدّة ، وكتب في الشُّهود شُرَيْح القاضي وشُرَيْح بن هانئ . . .ثُمَّ دفع زياد حُجْر بن عَدِيّ وأصحابه إلى وائل بن حُجْر الحَضْرَمِيّ وكَثير بن شِهاب وأمرهما أن يسيرا بهم إلى الشَّام ، فخرجوا عشيَّة ، فلمَّا بلغوا الغَرِيَّينِ ، لحقهم شُرَيْح بن هانئ وأعطى وائلاً كتابا ،و . . . فإذا فيه : بلغني أنَّ زيادا كتب شهادتي وإنَّ شهادتي على حُجْر أنَّه مِمَّن يقيم الصَّلاة ويؤتي الزَّكاة ويديم الحجّ والعُمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدَّم والمال فإن شئت فاقتله وإن شئت فدعه . (2)

.


1- . وقعة صفّين : ص542 ، بحار الأنوار : ج33 ص300 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص69 ،الكامل في التاريخ : ج2 ص394 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص254 كلّها نحوه مع اختلاف يسير .
2- . الكامل في التاريخ : ج2 ص496 ، تاريخ الطبري : ج5 ص272 ، تاريخ مدينة دمشق : ج8 ص22 ، تاريخ ابن خلدون : ج3 ص15 كلّها نحوه .

ص: 331

210 _ كتابه عليه السلام إلى الحسن عليه السلام

211 _ كتابه عليه السلام لبعض أهل الكوفة

210كتابه عليه السلام إلى الحسن عليه السلامنقل في العِقد الفريد : قال ووقّع ( يعني أمير المؤمنين عليه السلام ) في كتاب جاءه من الحسن بن عليّ رضى اللّه عنهما :« رأي الشَّيخِ خَيرٌ مِن مَشهَدِ الغُلامِ » . (1)

211كتابه عليه السلام لبعض أهل الكوفةروي أنَّ بعض أهل الكوفة اشترى دارا ، وناول أمير المؤمنين عليه السلام رقَّا ، وقال له اكتب لي قبالة فكتب عليه السلام :« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ هذا ما اشترى مَيّتٌ عن مَيِّتٍ دارا في بَلدَةِ المُذنِبينَ ، وسَكَنَةِ الغافِلينَ ، الحَدُّ مِنها ينتهي إلى المَوتِ ، والثَّاني إلى القَبرِ ، والثَّالِثُ إلى الحِسابِ ، والرَّابِعُ إمَّا إلى الجَنَّةِ ، وإمَّا إلى النَّارِ . ثُمَّ كتَبَ في ذيلها هذه الأبيات : النَّفسُ تَبكِي علَى الدُّنيا وقَدْ عَلِمَتْأنَّ السَّلامَةَ مِنْها تَرْكُ ما فِيها لا دارَ للمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُهاإلاَّ الَّتي كانَ قَبلَ المَوْتِ بانِيها فَإنْ بناها بِخَيرٍ طَابَ مَسكَنُهاوإنْ بَناها بِشَرٍّ خَابَ ثاوِيها أينَ المُلوكُ الَّتي كانَتْ مُسلَّطَةًحتَّى سَقاها بِكَأسِ المَوتِ ساقِيها لِكُلِّ نَفْسٍ وإنْ كانتْ علَى وجَلٍمِنَ المَنِيَّةِ آمالٌ تُقَوِّيها فالمَرءُ يَبْسُطُها والدَّهرُ يَقْبِضُهاوالنَّفْسُ تَنشُرُها والمَوتُ يَطْوِيها أمْوالُنا لِذَوي المِيراثِ نَجْمَعُها وَدُورنا لِخَرابِ الدَّهْرِ نَبْنِيها كَم مِنْ مَدائِنَ فِي الآفاقِ قَدْ بُنِيَتْ أمسَتْ خَرابا ودُونَ المَوتِ أهلِيها » . (2)

.


1- . العِقد الفريد : ج3 ص231 .
2- . منهاج البراعة : ج17 ص106 عن شرح الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام للحسين بن معين الميبدي ( ص448 ) .

ص: 332

212 _ كتابه عليه السلام لسويد بن غفلة

213 _ كتابه عليه السلام إلى والي المدينة

212كتابه عليه السلام لسُوَيْد بن غَفَلةأخرج الطَّبريّ ، عن سيف ، عن ثابت بن هُرَيْم ، عن سُوَيد بن غَفَلَة ، قال : استقطعت عليَّا رضى الله عنه ، فقال :« اكتبْ : هذا ما أقطَعَ عليٌّ سُوَيدا أرْضا لداذَوَيْهِ ، ما بَينَ كذا إلى كذا وما شَاءَ اللّه ُ » (1) .

213كتابه عليه السلام إلى والي المدينةقال الكشّيّ : وجدت في كتاب أبي عبد اللّه الشَّاذانيّ ، قال : حدَّثنِي جعفر بن محمَّد المَدائنِيّ ، عن موسى بن القاسم العِجْليّ ، عن صَفْوَان ، عن عبد الرَّحمن بن الحجَّاج ، عن أبي عبد اللّه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : كتب عليّ عليه السلام إلى والي المدينة :« لا تُعْطِيَنَّ سَعْدا ولا ابنَ عُمَرَ مِنَ الفِيءِ شَيئا ، فأمَّا أُسامَةُ بنُ زَيْدٍ فإنِّي قَد عَذَرْتُهُ فِي اليَمِينِ الَّتي كانَت علَيهِ » . (2)

.


1- . تاريخ الطبري : ج3 ص589 .
2- . رجال الكشّي : ج1 ص197 الرقم82 ، رجال ابن داوود : ص48 الرقم156 ، قاموس الرجال : ج1 ص717 الرقم670 .

ص: 333

214 _ كتابه عليه السلام إلى الحارث الهمدانيّ

214كتابه عليه السلام إلى الحارِث الهَمْدانِيّ« و تَمسَّك بِحَبْلِ القرآن واسْتَنْصِحْهُ وأَحِلَّ حَلالَهُ وحَرِّمْ حَرامَهُ وصَدِّق بِما سلَفَ مِنَ الحَقِّ واعْتَبِر بِما مضى مِنَ الدُّنيا لِما بَقِيَ مِنها فإنَّ بَعضَها يُشْبِهُ بَعْضا وآخِرَها لاحقٌ بِأوَّلِها وكُلُّها حائِلٌ مُفارِقٌ وعَظِّمِ اسمَ اللّه ِ أنْ تَذكُرَهُ إلاَّ علَى حَقٍّ ، وأكثِر ذِكْرَ المَوتِ وما بَعْد المَوتِ ، ولا تَتَمنَّ المَوتَ إلاَّ بِشَرطٍ وثيقٍ واحْذَر كُلَّ عَمَلٍ يَرضاهُ صاحِبُهُ لِنَفسهِ ويُكْرَه لِعَامَّةِ المُسلِمينَ واحْذَر كُلَّ عَمَلٍ يُعْملَ بهِ في السِّرِّ ويُسْتحى مِنْهُ في العَلانِيَةِ واحْذَر كُلَّ عَمَلٍ إذا سُئِل عَنهُ صاحِبُهُ أنْكَرَهُ أو اعْتَذَر مِنْهُ ولا تَجْعل عِرْضَكَ غَرَضا لنِبالِ القَولِ ولا تُحدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ ما سَمِعتَ بهِ فَكَفى بِذلِكَ كَذِبا ، ولا تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كلَّ ما حدَّثُوكَ بهِ فَكَفى بذلِكَ جَهلاً ، واكْظِم الغَيْظَ وتَجاوَزْ عِنْدَ المَقْدِرَةِ واحْلُم عِنْدَ الغَضَبِ واصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ تكُنْ لكَ العاقِبَةُ واسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَةٍ أنْعَمها اللّه ُ عَليكَ ولا تُضَيِّعنَّ نِعْمةً مِن نِعَمِ اللّه ِ عِندَكَ ولْيُرَ علَيْكَ أثَرُ ما أنْعَمَ اللّه ُ بهِ عَليكَ . واعْلَم أنَّ أفْضَلَ المُؤمنينَ أفضلُهُم تَقْدِمةً مِن نَفسِهِ وأهْلِه ومالِه فإنَّك ما تُقَدِّمْ من خَيْر يَبْقَ لَكَ ذُخْرُه ، وما تُؤخِّرْه يكُن لِغَيرِكَ خَيْرُهُ واحْذَر صَحابَةَ مَن يَفِيلُ رأيُهُ ويُنْكَر عَمَلُهُ فَإنَّ الصَّاحِبَ مَعْتَبِرٌ بِصاحِبِهِ واسْكُنِ الأمْصارَ العِظامَ فإنَّها جِماعُ المُسلِمينَ واحْذَرِ مَنازِلَ الغَفْلَةِ والجَفاءِ وقِلَّةَ الأعوانِ على طاعَةِ اللّه ِ ، واقْصُر رأيكَ على ما يَعْنيكَ وإيَّاكَ ومقاعِدَ الأسْواقِ فإنَّها محاضِرُ الشَّيْطان ومعارِيضُ الفِتَنِ وأكْثِر أنْ تَنْظُرَ إلى مَن فُضِّلْتَ علَيْه ، فإنَّ ذلِكَ مِن أبوابِ الشُّكْرِ ولا تُسافِر في يَومِ جُمُعَةٍ حتى تَشْهَدَ الصَّلاةَ إلاَّ فاصِلاً في سَبيلِ اللّه ِ ، أو في أمرٍ تُعْذَرُ بهِ وأطِعِ اللّه َ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فإنَّ طاعَةَ اللّه ِ فاضِلَةٌ علَى ما سِواها خادِعْ نفْسَكَ فِي العِبادَةِ وارْفَقْ بِها ، ولا تَقْهَرها وخُذْ عَفْوَها ونَشاطَها إلاَّ ما كانَ مكتوبا علَيْكَ مِنَ الفرِيضَةِ ، فإنَّه لا بُدَّ مِن قَضائِها وتَعَاهُدِها عِنْدَ مَحَلِّها وإيَّاك أنْ يَنْزِلَ بِكَ المَوتُ وأنتَ آبقٌ مِن رَبِّكَ في طَلَب الدُّنيا ، وإيَّاكَ ومُصاحَبَةَ الفُسَّاقِ فَإنَّ الشَّرَّ بالشَرِّ مُلْحَقٌ ووَقِّرِ اللّه َ وأحْبِبْ أحِبَّاءَهُ واحْذَر الغَضَبَ فإنَّه جُنْدٌ عظِيمٌ مِن جُنُودِ إبْليسِ ، والسَّلامُ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب 69 ، بحار الأنوار : ج 33 ص 508 ح 707 نقلاً عنه ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 18 ص 41 .

ص: 334

215 _ كتابه عليه السلام إلى معاوية

215كتابه عليه السلام إلى معاوية« فَاتَّقِ اللّه فِيمَا لَدَيْكَ ، وانْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ ، وارْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لا تُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ ، فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلاما وَاضِحَةً ، وسُبُلاً نَيِّرَةً ، ومَحَجَّةً نَهْجَةً ، وغَايَةً مُطَّلَبَةً ، يَرِدُهَا الأكْيَاسُ ، ويُخَالِفُهَا الأَنْكَاسُ ، مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ وخَبَطَ فِي التِّيهِ ، وغَيَّرَ اللّه نِعْمَتَهُ ، وأَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ ، فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ ، فَقَدْ بَيَّنَ اللّه لَكَ سَبِيلَكَ وحَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ ، فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْرٍ ، ومَحَلَّةِ كُفْرٍ ، فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّا ، وأَقْحَمَتْكَ غَيّا ، وأَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ ، وأَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب30 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص7 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص433 .

ص: 335

216 _ كتابه عليه السلام إلى المنذر بن الجارود

217 _ كتابه عليه السلام إلى زياد ابن أبيه

216كتابه عليه السلام إلى المُنْذِر بن الجارُودمن كتاب له عليه السلام إلى المُنْذِر بن الجارُود العَبديّ ، وقد استعمله على بعض النَّواحي ، وخان في بعض ما ولاَّه من أعماله :« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ صَلاحَ أَبِيك غَرَّنِي مِنْك ، وظَنَنْتُ أَنَّك تَتَّبِعُ هَدْيَهُ ، وتَسْلُك سَبِيلَهُ ، فَإذَا أَنْتَ فِي مَا رُقِّيَ إلَيَّ عَنْك لا تَدَعُ لِهَوَاك انْقِيَادا ، ولا تُبْقِي لآخِرَتِك عَتَادا ، تَعْمُرُ دُنْيَاك بِخَرَابِ آخِرَتِك ، وتَصِلُ عَشِيرَتَك بِقَطِيعَةِ دِينِك ، ولَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْك حَقّا لَجَمَلُ أَهْلِك ، وشِسْعُ نَعْلِك خَيْرٌ مِنْك . ومَنْ كَانَ بِصِفَتِك فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ ، أو يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ ، أو يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ ، أو يُشْرَك فِي أَمَانَةٍ ، أو يُؤمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ ، فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْك كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللّه » .

قال الرَّضي رحمه الله : والمُنْذِر بن الجارُود هذا هو الَّذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام :« إنَّه لَنَظَّارٌ فِي عِطْفَيهِ ، مُختالٌ في بُردَيهِ ، تفَّال في شِراكِيهِ » . (1)

217كتابه عليه السلام إلى زياد ابن أبيه« فَدَعِ الإِسْرَافَ مُقْتَصِدا ، واذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَدا ، وأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ وقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ ، أَ تَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ اللّه أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ وأَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ ؟ وتَطْمَعُ وأَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ تَمْنَعُهُ الضَّعِيفَ والأَرْمَلَةَ أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ الْمُتَصَدِّقِينَ ؟ وإِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِمَا أَسْلَفَ ، وقَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ ، والسَّلامُ » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب71 وراجع : الغارات : ج2 ص897 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص192 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص163 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص605 .
2- . نهج البلاغة : الكتاب21 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص196 .

ص: 336

218 _ كتابه عليه السلام إلى عمّاله على الخراج

218كتابه عليه السلام إلى عمّاله على الخَراج« مِنْ عَبدِ اللّه عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ إلَى أَصْحَابِ الْخَرَاجِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَإنَّ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ ما هُو صَائِرٌ إلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا يُحْرِزُهَا ، واعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ يَسِيرٌ ، وأَنَّ ثَوَابَهُ كَثِيرٌ ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِيما نَهَى اللّه ُ عَنْهُ مِن الْبَغْيِ والْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ ، لَكَانَ في ثَوَابِ اجْتِنَابِهِ ما لا عُذْرَ فِي تَرْك طِلَبِهِ . فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، واصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ ، فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ ، ووُكَلاءُ الأُمَّةِ ، وسُفَرَاءُ الأَئِمَّةِ ، ولا تُحْشِمُوا أَحَدا عَنْ حَاجَتِهِ ، ولا تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ ، ولا تَبِيعُنَّ لِلنَّاسِ فِي الْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاءٍ ولا صَيْفٍ ، ولا دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا ، ولا عَبْدا . ولا تَضْرِبُنَّ أَحَدا سَوْطا لِمَكَانِ دِرْهَمٍ ، ولا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلٍّ ولا مُعَاهَدٍ ، إِلاَّ أَنْ تَجِدُوا فَرَسا أو سِلاحا يُعْدَى بِهِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ ، فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعَ ذَلِك فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ الإِسْلامِ ، فَيَكُونَ شَوْكَةً عَلَيْهِ . ولا تَدَّخِرُوا أَنْفُسَكُمْ نَصِيحَةً ، ولا الْجُنْدَ حُسْنَ سِيرَةٍ ، ولا الرَّعِيَّةَ مَعُونَةً ، ولا دِينَ اللّه قُوَّةً ، وأَبْلُوا فِي سَبِيلِ اللّه مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ ، فَإِنَّ اللّه َ سُبْحَانَهُ قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا وعنْدَكُمْ أَنْ نَشْكُرَهُ بِجُهْدِنَا ، وأَنْ نَنْصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا ، ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ » . (1)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب51 وراجع : وقعة صفِّين : ص108 ، بحار الأنوار : ج75 ص355 ، المعيار والموازنة : ج4 ص232 .

ص: 337

219 _ كتابه عليه السلام إلى أمراء الخراج

219كتابه عليه السلام إلى أُمراء الخَراج« بسم اللّه الرحمن الرحيم مِن عَبدِ اللّه ِ عليٍّ أمِيرِ المُؤمِنينَ إلى أُمَراءِ الخَراجِ . أمَّا بَعْدُ ، فإنَّه مَن لَمْ يَحْذَرْ ما هو صَائِرٌ إلَيْه ، لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ ولَمْ يَحْرِزْها ، ومَنِ اتَّبَعَ هَواهُ وانْقادَ لَه علَى ما يَعْرِفُ نَفْعَ عاقِبَتِهِ عمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحَنَّ مِنَ النَّادِمينَ . ألا وإنَّ أسْعَدَ النَّاسِ في الدُّنيا مَن عَدَلَ عمَّا يَعْرِفُ ضَرَّهُ ، وإنَّ أشْقاهم مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ ، فاعْتَبِروا ، واعْلَمُوا أنَّ لَكُم ما قَدَّمْتُم مِن خَيْرٍ ، وما سِوى ذلِكَ وَدَدْتُم لَوْ أنَّ بَيْنَكُم وبَيْنَهُ أمَدَا بَعْيدا ويُحَذِّرُكم اللّه ُ نفسَه ، واللّه ُ رَؤوُفٌ ورَحِيمٌ بالعِباد ، وأنَّ علَيْكُم ما فَرَّطْتُم فيه ، وإنَّ الَّذي طَلَبْتُم لَيَسِيرٌ وأنَّ ثوابَهُ لكَبِيرٌ ، ولَو لَم يَكن فيْما نُهِي عَنهُ مِنَ الظُّلمِ والعُدوانِ عِقابٌ يُخافُ ، كانَ في ثَوابِهِ ما لا عُذْرَ لِأحَدٍ بتَرْكِ طَلِبَتِهِ ، فارْحَموا تُرْحَموا ولا تُعَذِّبوا خَلْقَ اللّه ِ ، ولا تُكَلِّفُوهُم فَوْقَ طاقَتِهِم ، وأنْصِفُوا النَّاسَ مِن أنْفُسِكِم ، واصْبِروا لِحَوائِجِهم فإنَّكم خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ ، لا تَتَّخِذُنَّ حجَّابا ، ولا تَحْجُبُنَّ أحَدَا عن حاجَتِهِ حتَّى يُنْهِيها إليْكُم ، ولا تأخُذُوا أحدا بأحَدٍ ، إلاَّ كَفِيلاً عمَّن كَفَلَ عَنْهُ ، واصْبِروا أنْفُسَكُم على ما فيْهِ الاغْتِباطُ ، وإيَّاكم وتأخِيرَ العَمَلِ ودَفْعَ الخَيْرِ ، فَإنَّ في ذلِكَ النَّدمُ ، والسَّلامُ » (1)

.


1- . وقعة صفِّين : ص108 .

ص: 338

220 _ كتابه عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه

221 _ من كلام له عليه السلام في وصف الإسلام

220كتابه عليه السلام إلى بَعْض أمراء جيشه« فَإنْ عَادُوا إلَى ظِلِّ الطَّاعَةِ فَذَاكَ الَّذِي نُحِبُّ ، وإِنْ تَوَافَتِ الأُمُورُ بِالْقَوْمِ إلَى الشِّقَاقِ والْعِصْيَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إلَى مَنْ عَصَاكَ ، واسْتَغْنِ بِمَنِ انْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ ، فَإِنَّ الْمُتَكَارِهَ مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِن مَشْهَدِهِ ، وقُعُودُهُ أَغْنَى مِن نُهُوضِهِ » . (1)

221من كلام له عليه السلام في وصف الإسلامعليُّ بْنُ إبْراهيمَ ، عن أبِيه ، ومُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى ، عن أحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وعِدَّةٌ من أصْحابِنا ، عن أحْمَدَ بن مُحَمَّد بن خَالِدٍ ، جَمِيعا عن الحَسَن بن مَحْبُوبٍ ، عن يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ ، عن جابرٍ ، عن أبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وبأسانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ عن الأصْبَغ بن نُبَاتَة ، قال : خَطَبَنَا أميرُ المُؤمنين عليه السلام في دَاره ، أو قال في القَصْرِ ونَحْنُ مُجْتَمِعُونَ ، ثُمَّ أمَرَ صَلَوَاتُ اللّه علَيْه ، فَكُتِبَ في كِتَابٍ ، وقُرِئ علَى النَّاسِ ، ورَوَى غَيْرُهُ : أنَّ ابن الكَوَّاءِ سَألَ أمِيرَ المُؤمِنِين عليه السلام عن صِفَة الإسْلام والإيمَان والكُفْرِ والنِّفَاقِ ، فقال :أمَّا بَعْدُ ، فَإنَّ اللّه َ تَبَارَكَ وتَعَالَى شَرَعَ الإسْلامَ ، وسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ ، وأعَزَّ أرْكَانَهُ لِمَنْ حَارَبَهُ ، وجَعَلَهُ عِزّا لِمَنْ تَوَلاّهُ ، وسِلْما لِمَنْ دَخَلَهُ ، وهُدىً لِمَنِ ائْتَمَّ بِه ، وزِينَةً لِمَنْ تَجَلَّلَهُ ، وعُذْرا لِمَنِ انْتَحَلَهُ ، وعُرْوَةً لِمَنِ اعْتَصَمَ بِه ، وحَبْلاً لِمَنِ اسْتَمْسَكَ بِه ، وبُرْهَانا لِمَنْ تَكَلَّمَ بِه ، ونُورا لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِه ، وعَوْنا لِمَنِ اسْتَغَاثَ بِه ، وشَاهِدا لِمَنْ خَاصَمَ بِه ، وفَلَجا لِمَنْ حَاجَّ بِه ، وعِلْما لِمَنْ وَعَاهُ ، وحَدِيثا لِمَنْ رَوَى ، وحُكْما لِمَنْ قَضَى ، وحِلْما لِمَنْ جَرَّبَ ، ولِبَاسا لِمَنْ تَدَبَّرَ ، وفَهْما لِمَنْ تَفَطَّنَ ، ويَقِينا لِمَنْ عَقَلَ ، وبَصِيرَةً لِمَنْ عَزَمَ ، وآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ ، وعِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ ، ونَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ ، وتُؤدَةً لِمَنْ أصْلَحَ ، وزُلْفَى لِمَنِ اقْتَرَبَ ، وثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ ، ورَخَاءً لِمَنْ فَوَّضَ ، وسُبْقَةً لِمَنْ أحْسَنَ ، وخَيْرا لِمَنْ سَارَعَ ، وجُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ ، ولِبَاسا لِمَنِ اتَّقَى ، وظَهِيرا لِمَنْ رَشَدَ ، وكَهْفا لِمَنْ آمَنَ ، وأمَنَةً لِمَنْ أسْلَمَ ، ورَجَاءً لِمَنْ صَدَقَ ، وغِنًى لِمَنْ قَنِعَ . فَذَلِكَ الحَقُّ سَبِيلُهُ الهُدَى ، ومَأْثُرَتُهُ المَجْدُ ، وصِفَتُهُ الحُسْنَى ، فَهُوَ أبْلَجُ المِنْهَاجِ مُشْرِقُ المَنَارِ ، ذَاكِي المِصْبَاحِ ، رَفِيعُ الغَايَةِ ، يَسِيرُ المِضْمَارِ ، جَامِعُ الحَلْبَةِ ، سَرِيعُ السُّبْقَةِ ، ألِيمُ النَّقِمَةِ ، كَامِلُ العُدَّةِ ، كَرِيمُ الفُرْسَانِ . فَالإيمَانُ مِنْهَاجُهُ ، والصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ ، والفِقْهُ مَصَابِيحُهُ ، والدُّنْيَا مِضْمَارُهُ ، والمَوْتُ غَايَتُهُ ، والقِيَامَةُ حَلْبَتُهُ ، والجَنَّةُ سُبْقَتُهُ ، والنَّارُ نَقِمَتُهُ ، والتَّقْوَى عُدَّتُهُ ، والمُحْسِنُونَ فُرْسَانُهُ . فَبِالإيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ ، وبِالصَّالِحَاتِ يُعْمَرُ الفِقْهُ ، وبِالْفِقْهِ يُرْهَبُ المَوْتُ ، وبِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا ، وبِالدُّنْيَا تَجُوزُ القِيَامَةَ ، وبِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الجَنَّةُ ، والجَنَّةُ حَسْرَةُ أهْلِ النَّارِ ، والنَّارُ مَوْعِظَةُ المُتَّقِينَ ، والتَّقْوَى سِنْخُ الإيمَان » . (2)

.


1- . نهج البلاغة : الكتاب4 وراجع : تذكرة الخواص : ص166 .
2- . الكافي : ج2 ص49 ح1 وراجع : نهج البلاغة : الخطبة104 ، الأمالي للمفيد : ص275 ، الأمالي للطوسي : ص35 .

ص: 339

. .

ص: 340

. .

ص: 341

فائدة

اشاره

فائدة

.

ص: 342

. .

ص: 343

لا بدّ هنا من بيان أمور :

لا بدَّ هنا من بيان أمور :الأوَّل :قال ابن أبي الحديد : قد عاتبت العثمانيَّة ، وقالت : إنَّ أبا بكر مات ولم يخلّف دينارا ولا درهما ، وإنَّ عليّا عليه السلام مات وخلَّف عَقارا كثيرا _ يَعنون نَخْلاً _ قيل لهم : قد عَلِم كل أحد أنَّ عليّا عليه السلام استخرَج عيونا بكدِّ يده بالمدينة ، ويَنْبُع وسُوَيْعة ، وأحْيَا بها مَواتا كثيرا ، ثُمَّ أخرَجها عن ملِكه ، وتَصدَّق بها على المسلمين ، ولم يمتْ وشيءٌ منها في ملِكه ، ألا ترى إلى ما تتضمّنه كُتبُ السِيَر والأخبار من منازعة زَيْد بن عليّ ، وعبد اللّه بن الحسن في صَدَقات عليّ عليه السلام ، ولم يُورِّث عليٌّ عليه السلام بنيه قليلاً من المال ، ولا كثيرا ، إلاَّ عبيدَه وإماءَه وسبعمئة دِرهَم من عَطائِهِ ، تركها ليشتريَ بها خادما لأهله قيمتُها ثمانيةٌ وعشرون دِينارا ، على حَسَب المئة أربعة دنانير ، وهكذا كانت المعاملة بالدراهم إذ ذاك ، وإنَّما لم يَترُك أبو بكر قليلاً ، ولا كثيرا ، لأنَّه ما عاش ، ولو عاش لتَرَك ، ألا تَرَى أن عمر أصدَق أمَّ كلثوم أربعين ألفَ دِرهْم ، ودَفَعها إليها ! وذلك لأنَّ هؤلاء طالت أعمارُهم ، فمنهم من دَرَّتْ عليه أخلاف التجارة ، ومنهم مِنَ كان يَستعمر الأرض ويَزرَعها ، ومنهم من استفضل من رزقه مِنَ الفيء . وفَضَلَهم أمير المؤمنين عليه السلام ، بأنَّه كان يَعمل بيده ، ويَحرُث الأرض ، ويَسْتَقي الماء ، ويغرِسُ النَّخلَ ، كل ذلك يباشِرهُ بنفسِه الشَّريفة ، ولم يَسْتبِق منه لوقته ، ولا لَعقبه قليلاً ولا كثيرا ، وإنَّما كان صَدَقَةً ؛ وقد مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وله ضِياعٌ كثيرةٌ جليلة جدَّا بخيْبَر وفَدَك وبَني النَّضير ، وكان له وادِي نخْلة وضِياعٌ أخرى كثيرة بالطائف ، فصارت بعد موته صدقة بالخَبَر الَّذي رواه أبو بكر . فإن كان عليّ عليه السلام مَعيبا بضِياعه ونخلِه ، فكذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذا كفر وإلحاد ! وإن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنَّما ترك ذلك صَدَقَةً ، فرسول اللّه صلى الله عليه و آله _ تنزَّه عن ذلك _ ما رَوَى عنه الخبر في ذلك إلاَّ واحد من المسلمين ، وعليّ عليه السلام كان في حياته قد أثبتَ عند جميع المسلمين بالمدينة أنَّها صَدَقة ، فالتُّهمة إليه في هذا الباب أبعَد . (1) أقول : اشتغل أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن منع عن حقِّه ، وأبعد من عمله الاجتماعيّ وهو الحكومة على المجتمع ؛ بالزِّراعة والغرس وإحياء الأرض ، حَتَّى صارت له مزارع وبساتين كثيرة في ينبع ، ووادي القرى وخيبر وفدك ، حَتَّى قال عليه السلام : مضى عليَّ ما أربط الحجر على بطني من الجوع ، واليوم يبلغ صدقتي في كُلِّ سَنَة أربعون ألف دِينارٍ . (2) قال النَّووي في تهذيب الأسماء ، وابن حَجَر في أُسْد الغابَة : ليس المراد من الصَّدقة الزَّكاة ، بل المراد غِلاّت موقوفاته عليه السلام . ذكرنا تفاصيل أمواله وموقوفاته وصدقاته عليه السلام في أُصول مالكيت (3) ، وقلنا : إنَّ عليا عليه السلام كان إماما للبشر سيّما المسلمين ، في العبادة والايمان والعلم والبيان والعمل والكسب من الحلال ، فلمَّا أُبعد عليه السلام عن الخلافة ، وحرم عباد اللّه عن أنوار الإمامة والولاية ، وأُقصِي عن الحكم والقضاء ، وابتلي الإسلام بهذه المصيبة العظمى ، اشتغل بالعبادة والزَّرع والغرس والسَّقي ، فأحيا الأراضي ، وأجرى العيون والآبار والقنوات ، فحصل له مزارع وبساتين ، وقد ذكرت ذلك في كتب الحديث والتَّاريخ والتَّراجم . (4) عن عَلِيُّ بن إِبْرَاهِيمَ ، عن أبِيه ، عن ابن أبِي عُمَيْرٍ ، عن سَيْفِ بن عَمِيرَةَ وسَلَمَةَ صَاحِبِ السَّابِرِيِّ ، عن أبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ الشَّحَّام ، عن أبِي عَبدِ اللّه عليه السلام : « أنَّ أمِيرَ المُؤمِنِينَ عليه السلام أعْتَقَ ألْفَ مَمْلُوكٍ من كَدِّ يَدِهِ » . وعن أحْمَدَ بن أبِي عَبدِ اللّه ، عن شَرِيفِ بن سَابِقٍ ، عن الفَضْلِ بن أبِي قُرَّةَ ، عن أبِي عَبدِ اللّه عليه السلام قال : « كَانَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيْهِ يَضْرِبُ بِالْمَرِّ ويَسْتَخْرِجُ الأرَضِينَ ، وكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَمَصُّ النَّوَى بِفِيهِ ، ويَغْرِسُهُ فَيَطْلُعُ من سَاعَتِه » . مُحَمَّدُ بن يَحْيَى ، عن أحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ ، عن ابْنِ فَضَّالٍ ، عن ابن بُكَيْرٍ ، عن زُرَارَة ، وعن أبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قال : « لَقِيَ رَجُلٌ أمِيرَ المُؤمِنِينَ عليه السلام وتَحْتَهُ وَسْقٌ من نَوىً ، فَقَال لَه : مَا هَذَا يَا أبَا الحَسَنِ تَحْتَكَ ؟ فَقَال : مئَةُ ألْفِ عَذْقٍ إِنْ شَاءَ اللّه ُ ، قال : فَغَرَسَهُ فلمْ يُغَادَرْ مِنْهُ نَوَاةٌ وَاحِدَةٌ » . وعن سَهْلِ بن زِيَادٍ ، عن ابن مَحْبُوبٍ ، عن عبد اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عن أبِي عبد اللّه عليه السلام ، قَال : « إِنَّ أمِيرَ المُؤمِنِينَ عليه السلام كَانَ يَخْرُجُ ومَعَهُ أحْمَالُ النَّوَى ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا أبَا الحَسَنِ، مَا هَذَا مَعَك؟ فَيَقُول: نَخْلٌ إِنْ شَاءَ اللّه ُ، فَيَغْرِسُهُ فَلَمْ يُغَادَرْ مِنْهُ وَاحِدَةٌ». (5) قال في المناقب بعد نقل الحديث الثَّالث : فهو من أوقافه ، ووقف مالا بخيبر وبوادي القرى ، ووقف مال أبي نيرو ، والبغيبغة ، وارباجا ، وارينه ، ورعدا ، ورزينا ، ورَباحا ، على المؤمنين ، وأمر بذلك أكثر ولد فاطمة من ذوي الأمانة والصَّلاح ، وأخرج مئة عين ينبع ، جعلها للحجيج ، وهو باق إلى يومنا هذا ، وحفر آبارا في طريق مكّة والكوفة وبنى مسجد الفتح في المدينة ، وعند مقابل قبر حمزة ، وفي الميقات ، وفي الكوفة ، وجامع البصرة ، وفي عبادان وغير ذلك . (6) وكان عليه السلام في خلافته يصرف في نفسه وعائلته من غِلاّت أملاكِهِ بالمدينة ، ولا يصرف من بيت المال ، وعن أبي جعفر عليه السلام قال : قبض عليّ عليه السلام وعليه دَين ثمانمئة ألفِ دِرهَمٍ ، فباع الحسنُ عليه السلام ضيعة له بخمسمئة ألف درهم ، فقضاها عنه ، وباع ضيعة أخرى له بثلاثمئة ألف درهم فقضاها عنه ، وذلك أنَّه لم يكن يذر من الخمس شيئا ، وكان تنوبه نوائب . (7) وعَلِيٌّ عن أبِيه ، عن ابن أبِي عُمَيْرٍ ، عن عبد الرَّحْمن بن الحَجَّاج ، عن مُحَمَّدِ بن مُسْلِمٍ ، عن أبِي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « لَمَّا وَلِي عَلِيٌّ عليه السلام صَعِد المِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللّه َ ، وأثْنَى عَلَيْه ، ثُمَّ قال :إِنِّي واللّه لا أرْزَؤكُمْ من فَيْئِكُمْ دِرْهَما ، مَا قَام لِي عِذْقٌ بِيَثْرِبَ . . . » . (8) ويقول : « فَوَ اللّه ِ ما كَنَزتُ من دنياكُم تِبْرا ، ولا ادَّخرْت من غنائمها وَفْرا ، ولا أعْدَدْت لِبالي ثَوْبَيَّ طِمْرا . . . » . (9) العباس قال : حدَّثنا ابن المبارك ، قال : حدَّثنا بكر بن عيسى ، قال : كان عليّ عليه السلام يقول : « يا أهَل الكوفة ، إذا أَنَا خرجتُ من عندكم بغير رَحلي وراحِلَتي وغلامي فأَنَا خائنٌ ، وكانت نفقته تأتيه من غلّته بالمدينة من يَنْبُع ، وكان يطعم النَّاس الخُبْز واللَّحم ، ويأكل من الثَّريدِ بالزَّيتِ ، ويُكلِّلُها بالتَّمرِ مِنَ العَجْوةِ . . . » . (10) ويقول : « دخلتُ بلادَكُم بأشمالي هذهِ ورحلتي وراحِلَتي ومَا هي ، فإن أَنَا خَرجتُ مِن بِلادِكُم بِغَيرِ ما دخَلتُ ، فإنَّني مِنَ الخائِنينَ » . وفي رواية : « يا أهلَ البَصرةِ ، ما تنْقِمونَ مِنِّي ؟ إنَّ هذا لَمِن غَزْلِ أهلِي » ، وأشار إلى قميصه . (11) وروى أبو مِخْنَف لوط بن يَحْيَى ، عن رجاله ، قال : « لمَّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام التُّوجُّهَ إلى الكوفة قام في أهل البصرة ، فقال : ما تنْقِمون عليّ يا أهل البصرة ؟ _ وأشار إلى قميصه وردائِهِ ، فقال : _ واللّه إنَّهما لَمِنْ غَزلِ أهلِي ما تنْقِمونَ منِّي يا أهلَ البَصرَةِ ؟ _ وأشار إلى صرّة في يَدِهِ فيها نَفَقَتُهُ فَقالَ : _ واللّه ما هي إلاَّ من غلّتي بالمدينة ، فإن أَنَا خرجتُ من عندكم بأكثر ممَّا ترون فأَنَا عند اللّه من الخائنين . (12) هذا عمله وكسبه منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأُقصي عن مقامه الَّذي جعله اللّه له ، وصبر وفي العين قَذى وفي الحَلقِ شَجَى وهذا أيضا صدقاته وعطاياه ، ثُمَّ جعل أملاكه وأمواله كلّها وقفا في سبيل اللّه لبني هاشم ، وبني عبد المطّلب ، وللحجيج والفقراء ، والمَساكِينَ . مُحَمَّدُ بن يَحْيَى ، عن أحْمَدَ بن مُحَمَّد وعليُّ بن مُحَمَّدٍ ، عن سَهْل بن زِيَاد ، جَمِيعا عن ابن مَحْبُوب ، عن أبي حَمْزَة عن أبي جَعْفَر عليه السلام ، قال : « لمَّا قُبِض أميرُ المُؤمِنِين عليه السلام ، قَام الحَسَن بن عليّ عليه السلام في مسجِد الكُوفَة ، فَحَمِد اللّه ، وأثْنَى عليه ، وصَلَّى على النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قال : أيُّهَا النَّاس ، إِنَّهُ قد قُبِض في هَذه اللَّيْلَة رَجُلٌ ما سَبَقَهُ الأوَّلُونَ ولا يُدْرِكُهُ الآخِرُون . . . واللّه ِ ، مَا تَرَكَ بَيْضَاءَ ، ولا حَمْرَاء ، إِلاّ سَبْعَمئة درْهمٍ فَضَلَتْ عن عَطَائِه ، أرادَ أنْ يَشْتَرِي بها خَادِما لِأهْلِه . . . (13)

.


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص146 .
2- . راجع : مسند ابن حنبل : ج1 ص334 ح1367 و1368 ، أُسد الغابة : ج4 ص97 ، تاريخ مدينة دمشق : ج42 ص375 ؛ كشف المحجّة لثمرة المهجة : ص182 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص72 ، بحار الأنوار : ج41 ص26 و43 .
3- . أصول مالكيت : ج2 ، فارسي .
4- . راجع : الإرشاد : ج2 ص141 و142 ، الغارات : ج2 ص701 ، المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص122 و123 و153 و157 و158 ، بحار الأنوار : ج41 ص39 و40 و125 ؛ السنن الكبرى :ج6 ص139 و165 و266 ، المصنف لعبد الرزاق : ج9 ص169 ، أنساب الأشراف : ج2 ص330 و360 و361 و420 وج3 ص28 و30 و31 ، معجم البلدان : ج4 ص269 وج5 ص449 و450 ، تاريخ اصبهان : ج2 ص144 ، تهذيب تاريخ مدينة دمشق : ج4 ص167 وج5 ص463 .
5- . الكافي : ج 5 ص74 ح2 و4 و6 و9 .
6- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص123 .
7- . راجع: كشف المحجّة لثمرة المهجة : ص183 ، بحار الأنوار : ج40 ص239 _ 338 ح 23 .
8- . الكافي : ج8 ص182 ح204 ، الاختصاص : ص151 ، بحار الأنوار : ج41 ص131 ح43 .
9- . نهج البلاغة : الكتاب45 ، بحار الأنوار : ج40 ص340 ح27 ، معادن الحكمة : ج1 ص220 .
10- . الغارات : ج1 ص68 ، بحار الأنوار : ج41 ص137 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد :ج2 ص200 .
11- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص98 ، بحار الأنوار : ج40 ص325 ح7 .
12- . الجمل : ص422 .
13- . الكافي : ج1 ص457 ح8 وراجع : الإرشاد : ج2 ص8 ، كشف الغمَّة : ج1 ص179 ، بحار الأنوار : ج25 ص214 ح5 ؛ مسند ابن حنبل : ج1 ص4266 ح1720 ، أنساب الأشراف : ج3 ص259 ، العقد الفريد : ج2 ص399 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج7 ص219 .

ص: 344

. .

ص: 345

. .

ص: 346

. .

ص: 347

. .

ص: 348

رباح

الثَّاني :رَباحبالرَّاء المهملةِ المفتوحةِ ، والباءِ المُوحَّدةِ مِن تَحت ، والحاءِ المُهمَلَةِ . (1) وما في الوسائل في النَّسخة الموجودة عندي : «أبو رِياح » تصحيف ، لاتفاق النُّسخ الموجودة عندي من الوصيّة بكونه رَباحا ، كان عبدا أعتَقهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . (2) قال الطَّبري : رَباح كان يُؤذِّن للنبي ، ويحتمل أن يكون رَباح اسم سَفِينة ، مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، الَّذي كان لأمّ سَلمة ، فأعتقته واشترطت عليه خِدْمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله مدّة حياته . (3) ولكن صرَّح ابن سَعْد في الطَّبقات بأنَّ رَباحا وسفينة كانا عبدين له صلى الله عليه و آله ، فأعتقهما . (4) كان أسود اللّون يُؤذِّن على رسول اللّه صلى الله عليه و آله (5) ، ويستقى له من بئر غرس ، وبيوت السُّقيا بأمره (6) ، ولمَّا قتل يسار مولى النَّبي صلى الله عليه و آله جعل رَباحا مكانه ، فكان يقوم بلقاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (7) ذكر ابن الأثير في أُسْد الغابَة رَباحا تارة بقوله : رَباح الأسْوَد مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأُخرى : رَباح مولى أمّ سلمة (8) . وكذا ابن حَجَر (9) ، وهو _ أي رباح _ أحد شهود الصديقة الطَّاهرة في قضيّة فدك . (10) وظَّاهر الوصيَّة : أنَّ رَباحا هذا مولى عليٍّ عليه السلام ، وأنَّه هو اشتراه وأعتقه ، إذ معنى هذه الجملة : فَهُم موالِيَّ ، إلاَّ أن يريد أنَّ موالي رسول اللّه صلى الله عليه و آله هم موالي أهل البيت عليهم السلام . ولكن في الدَّعائم: وعن عليّ عليه السلام ، أنَّه أعتق أبا بيرز (نيزر) وحبترا ورِياحاوزريقا، على أن يعملوا في ضيعة حبسها أربع سنين ، ثُمَّ هم أحرار فعملوا ثُمَّ عتقوا . (11) وفي الكافي : عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، أو قال مُحَمَّد بن يَحْيَى ، عن أحْمَدَ بن محمَّد ، عن ابن فَضَّالٍ ، عن عبد الرَّحْمن ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « أوْصَى أمِيرُ المُؤمِنِين عليه السلام ، فقال :إِنَّ أبا نِيْزَرَ ورَبَاحا وجُبَيْرا عَتَقُوا على أنْ يَعْمَلُوا فِي المال خَمْسَ سِنِينَ . (12) رَباح بفتح الرَّاء ، وباء موحدة ، وبالحاء المهملة ، أسود نوبي اشتراه من وفد عبد العَقِيل ، فأعتقه ، وكان يأذن عليه أحيانا إذا انفرد . (13)

.


1- . راجع : تاريخ الخميس : ج2 ص178 .
2- . راجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص498 ، السيرة الحلبيّة : ج3 ص326 ؛ بحار الأنوار :ج22 ص256 و262 و263 .
3- . تاريخ الطبري : ج3 ص171 .
4- . راجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص498
5- . راجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص498 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص658 ، أُسد الغابة :ج2 ص248 ، الإصابة : ج2 ص377 ، السيرة الحلبيّة : ج3 ص326 .
6- . الطبقات الكبرى : ج1 ص504 .
7- . راجع : أنساب الأشراف : ج2 ص127 ، الإصابة : ج2 ص377 .
8- . راجع : أُسد الغابة : ج2 ص248 الرقم 1607 وص 249 الرقم 1611 .
9- . راجع : تفسير الفخر الرازي : ج29 ص285 ، فتوح البلدان : ج1 ص35 الرقم114 .
10- . راجع : الإصابة : ج2 ص376 الرقم 2568 وص 377 الرقم 2571 .
11- . دعائم الإسلام : ج2 ص306 ح1151 .
12- . الكافي : ج6 ص179 ح1 ، بحار الأنوار : ج42 ص71 ح1 .
13- . تاريخ الخميس : ج2 ص178 .

ص: 349

. .

ص: 350

أبو نيزر

أبو نِيْزَربكسر النُّون ، وسكون الياء المثناة التَّحتانيّة ، وفتح الزَّاء المعجمة ، بعدها راء مهملة ، (1) وهو الصَّحيح ، لاتفاق نسخ الوسائل والتَّهذيب والوافي في الوصيّة تلك ، فما في المستدرك « أبو يثرب » ، وما في الدَّعائم « أبو بيرز » تصحيف . وقد تقدَّم في « رَباح » ، أنَّ عليَّا عليه السلام أعتقه بشرط . (2) قال ابن حَجَر : يقال : إنَّه ولد النَّجاشيّ جاء وأسلم ، وكان مع النَّبيّ صلى الله عليه و آله في مؤنته ، ثُمَّ كان مع فاطمة ، ثُمَّ مع ولدها ، وكان يقوم بضيعتي عليٍّ اللّتين في البقيع ، تُسمَّى إحداهما البغيبغة ، والأُخرى عين أبي نيزر (3) ، وقد تقدَّم كلام المُبَرِّد في الكامل . وقال الحلبي في السِّيرة : إنَّ عليّا رضى الله عنه وجد ابن النَّجاشي عند تاجر بمكَّة ، فاشتراه منه ، وأعتقه مكافاةً لما صَنع أبوه مع المسلمين ، وكان يقال له : « نيزر » مولى عليّ كرَّم اللّه وجهه ، ويقال : إنَّ الحَبَشة لمَّا بلغهم خبره أرسلوا وافدا ، منهم إليه ليملّكوه ، ويُتوِّجُوه ولم يختلفوا عليه ، فأبى وقال : ما كنت أطلب الملك بعد أن منَّ اللّه عليَّ بالإسلام ، وكان من أطول النَّاس قامة ، وأحسنِهِم وجها . (4) قال السَّمهوديّ : وأبو نيزر مولى عليّ ، الَّذي ينسب إليه العين ، كان ابنا للنجّاشيّ ، الَّذي هاجر إليه المسلون ، اشتراه عليّ ، وأعتقه مكافاة لأبيه . (5) قال العلاَّمة السَّيِّد الأمين : كلام المُبَرِّد دالّ على أنَّه أسلم صغيرا على يدي النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فكان معه في مؤونته ، ثُمَّ مع فاطمة وولدها . وكلام ابن إسحاق دالّ على أنَّ عليَّا عليه السلام اشتراه وأعتقه ، وجعله في الضَّيعتين ، ويمكن الجمع بأنَّ عليَّا عليه السلام اشتراه من تاجر وهو صغير وأعتقه ، ثُمَّ جاء به إلى النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فأسلم وبقي عند النَّبيّ صلى الله عليه و آله إلى وفاته ، فانتقل إلى بيت عليّ ، فصار مع فاطمة وولدها ، ثُمَّ جعله في الضَّيعتين . (6)

.


1- . الإصابة : ج7 ص343 الرقم 10660 ، معجم البلدان : ج4 ص175 .
2- . راجع : دعائم الإسلام : ج2 ص306 ح 1151 ، بحار الأنوار : ج42 ص71 ح1 .
3- . راجع : الإصابة : ج7 ص343 الرقم 10660 ، وفاء الوفاء : ج4 ص1272 .
4- . وفاء الوفاء : ج4 ص1271 ، وراجع : معجم البلدان : ج4 ص175 .
5- . وفاء الوفاء : ج4 ص1271 .
6- . أعيان الشيعة : ج1 ص435 .

ص: 351

جبير

جُبَيْربالجيم ، ثُمَّ الباء ، ثُمَّ الرَّاء المهملة ، كما في نسخ الوسائل والوافي والكافي والبحار ؛ وما في الدَّعائم « حبتر » تصحيف . (1) لم أجد إلى الآن جُبَيْرا في مواليه عليه السلام ، ولا في موالي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إلاَّ في هذا الكتاب .

.


1- . راجع : الكافي : ج7 ص51 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص148 ، بحار الأنوار : ج41 ص42 ح19 .

ص: 352

أبو سمر بن أبرهة

أبو سمر بن أبرهةوفي التَّهذيب : « أبو شمر » ، وفي الوافي والكافي والبحار ، وقاموس الرِّجال « أبو سمر » بالمهملة ، وفي الإصابة : أبو شمر بن أبرهة _ بالمعجمة _ الحِمْيَرِيّ ، وفد على النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وقتل مع عليّ عليه السلام بصفِّين (1) ، وفي كتاب صفِّين لنصر : عمر بن سَعْد قال : أبو يَحْيَى ، عن الزُّهْريّ ، قال : وخرج في ذلك اليوم _ يعني اليوم الخامس من أيَّام صفِّين _ شمر بن أبرهة بن الصَّبَاح الحِمْيَرِيّ فلحق بعليّ عليه السلام في ناس ، من قُرَّاء أهل الشَّام ففتّ ذلك في عضد معاوية وعمرو . . . وقتل من أصحاب معاوية أكثر ، وقتل فيهم تلك اللَّيلة شمر بن أبرهة . (2) [ أقول : الَّذي نقله نَصْر هو شمر بن أبرهة ، والَّذي شهد في الكتاب هو أبو شمرة ، ولكن في قاموس الرِّجال ، قال : أبو شمر بن أبرهة بن الصَّبَاح الحِمْيَرِيّ ] ، قال : عدَّه « جخ » في « ي » قائلاً : وكان معه رجال أهل الشَّام بأمير المؤمنين عليه السلام يوم صفِّين . (3) فعلى هذا ما في كلام نصر من أنَّ اسمه « شمر » تصحيف ، فيحتمل أن يكون المذكور في الكتاب هو أبو شمر بن أبرهة ، ولكنَّه ذكر أيضا : « أبو سمرة بن أبرهة » ، قائلاً يظهر من الصدقات . جعل أمير المؤمنين له من شهود الوصيّة ( قال بعد نقله عن التَّنقيح ) : الَّذي وجدت أبو سمرة بن أبرهة . والصَّحيح : هو أبو شمر بن أبرهة ، كما في الإصابة ، وفي هامش الكافي للعلاّمة الزَّنجاني : الصَّواب ، شمر بالمعجمة ، كما في التَّهذيب ، وترجم له في الإصابة ، وورد ذكره في مقدمة الأنساب للسمعاني . (4)

.


1- . الإصابة : ج7 ص175 الرقم 10110 وراجع : أعيان الشيعة : ج7 ص350 .
2- . وقعة صفّين : ص222 و369 وراجع: الغدير : ج9 ص502 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص180 .
3- . قاموس الرجال : ج10 ص98 .
4- . راجع : الإصابة : ج7 ص175 الرقم 10110 ، الأنساب : ج1 ص29 .

ص: 353

سعيد بن قيس الهمدانيّ

سَعِيدُ بنُ قَيْسٍ الهَمْدَانِيّأحد شهود الوصيَّة على رواية التَّهذيب ، هو من التَّابعين الكِبار ورؤسائهم ، وزُهَّادهم ، مدحه أمير المؤمنين عليه السلام في قصيدة يمدح بها هَمْدان : « يَقودُهُمُ حامِي الحَقِيقَةِ ماجِدٌسَعِيدُ بنُ قَيْسٍ والكَرِيمُ يُحامِي » (1) وكان سيّدا مطاعا في هَمْدان ، وكان من أبطال أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام في صفِّين (2) ، وما بعده وذخائره ، وإن كان غاب عنه في الجمل فَأنَّبه الأمير عليه السلام حين دخل الكوفة ، ودخل عليه سعيد بن قَيْس فسلَّم عليه ، فقال له عليّ عليه السلام : « وعَليكَ وإنْ كُنتَ مَعَ المُترَبِّصينَ » . فقال : حاش للّه يا أمير المؤمنين ، لست من أولئك . قال : « فعَل اللّه ُ ذلِكَ » (3) . وجعله أمير المؤمنين عليه السلام على هَمْدان ومن معهم من حمير (4) ، وجعله من أُمراء أسباع الكوفة . وكان سعيد قبل ذلك في حرب نهاوند من الأبطال العظماء أشراف الكوفة ، والمبادرين إلى الجهاد (5) ، وبعثه عثمان على الرَّيّ ، وكان بها حَتَّى قتل عثمان ، وكان سعيد على هَمْدان فعزل (6) ، ثُمَّ رجع سعيد بعد قتل عثمان فصار من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وخواصّه ، وأبطاله المحامين عن حوزته بأشدّ ما يمكن ، وهو القائِلُ لِأميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام حين شكا تَثاقُلَ أصحابِهِ في نُصرتِهِ : « واللّه ، لو أمرتنا بالسير إلى قسطنطنيَّة وروميّة مُشاةً حُفاةً على غير عطاء ، ولا قوّة ، ما خالفتك ، ولا رَجُلٌ من قومي . فقال عليه السلام : « صدَقتُم جَزاكُمُ اللّه ُ خَيرا » (7) . وهو القائل في عليّ عليه السلام يرتجز بصفِّين : هذا عليٌّ وابنُ عَمِّ المُصطَفىأوَّلُ مَن أجَابَهُ فِيما رَوَى هُو الإمامُ لا يُبالِي مَن غَوَى (8) [ وهو الخطيب بقُناصِرِين ] ،عن مالك بن قُدامَة الأرجي ، قال : قام سعيد بن قَيْس يخطب أصحابه بقُناصِرين ، فقال : الحمد للّه الَّذي هدانا لدينه ، وأورثنا كتابَه ، وامتنَّ علينا بنبيِّه صلى الله عليه و آله فجعله رحمةً للعالمين ، وسيّدا للمسلمين ، وقائدا للمؤمنين ، وخاتَمَ النَّبيّين ، وحجَّةَ اللّه العظيم على الماضين والغابرين ، وصلوات اللّه عليه ورحمة اللّه وبركاته . ثُمَّ كان ممَّا قضَى اللّه وقدَّرهُ _ والحمد للّه على ما أحببنا وكرهنا _ أنْ ضمّنا وعَدُوَّنا بقُناصِرين ، فلا يُحْمَد بنا اليومَ الحِياصُ ، وليس هذا بأوان انصرافٍ ، ولات حينَ مَناص . وقد اختصَّنا اللّه بنعمةٍ فلا نستطيع أداءَ شُكرها ، ولا نُقَدِّرُ قدرها : أنَّ أصحابَ مُحمَّدٍ المصطَفَينَ الأخيارَ معنا ، وفي حيِّزِنا . فواللّه الَّذي هو بالعباد بصيٌر أن لو كان قائدُنا حبشيَّا مجدَّعا إلاّ أنّ معنا من البَدْرِييِّن سبعين رجلاً ، لكان ينبغي لنا أن تَحسُنَ بصائرُنا ، وتطيبَ أنفسنا ، فكيف وإنَّما رئيسُنا ابنُ عمّ نبيِّنا ، بدريٌ صِدق ، صَلّى صغيرا ، وجاهد مع نبيِّكم كبيرا . ومعاوية طليقٌ من وِثاق الأسارِ ، وابنُ طليق ، إلاّ أنَّه أغوى جُفاةً فأورَدَهم النَّارَ ، وأورَثهم العار ، واللّه ، مُحِلٌّ بهم الذُلّ والصَّغار . أ لا إنَّكم ستلقَون عدوَّكم غدا ، فعليكم بِتَقوى اللّه ِ والجِدِّ والحزم ، والصِدق والصَّبر ؛ فإنَّ اللّه مع الصَّابرين . ألا إنَّكم تفوزون بقتلهم ، ويشقَون بقتلكم ، واللّه لا يقتلُ رجلٌ منكم رجلاً منهم أدخل اللّه القاتلَ جنَّات عدْنٍ ، وأدخلَ المقتولَ نارا تلَظَّى ، « لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ » (9) عصمنا اللّه وإيَّاكم بما عصم بهِ أولياءَهُ ، وجعلنا وإيَّاكم مِمَّن أطاعَهُ واتَّقاه ، وأستغفر اللّه لنا ولكم وللمؤمنين . ثُمَّ قال الشَّعْبيّ : لعَمري لقد صدق بفعله ، وبما قاله في خطبته (10) . وهو القائل يوم الجمل ، وكان في عسكر عليّ عليه السلام : أيّةُ حَرْبٍ أُضرِمَتْ نِيرانُهاوكُسِّرَتْ يَومَ الوغى مُرَّانُها قُل للوَصيِّ أقبلَت قَحطانُهافادعُ بِها تَكفِيكَها هَمْدَانُها هُمُ بَنوها وهُمُ إخوَانُها (11) وهُوَ المجيب لكلام أمير المؤمنين حين قال لهم : « يا معشر هَمْدان ، أنتم دِرعي ورُمْحي يا هَمْدان ، ما نَصرتُم إلاّ اللّه َ ، و لا أجبتم غيرَه » . فقال سعيد بن قيس : أجَبْنا اللّه وأجَبْناك ، ونصرنَا نبيَّ اللّه صلى اللّه عليه في قبره ، وقاتلنا معك مَن ليس مِثلَك ، فارمِ بنا حيثُ أحبَبْت (12) . وهو الَّذي ينادي يوم صفِّين قومه ، ويقول : يا معشر هَمْدان ، إنَّ عكّا قد بايعوا أنفسهم وأديانهم من معاوية بالدُّنيا ، فبيعوا أنتم أنفسكم من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه بالآخرة (13) . ولسعيد بن قَيْس في حرب صفِّين مشاهد عظيمة ، ومواقف محمودة ، حَتَّى غمّ معاوية (14) ، وسرَّ أمير المؤمنين عليه السلام حَتَّى قال فيه وفي هَمْدان قصيدة ، يقول فيها : « ولو كنتُ بوَّابا على باب جنَّةلَقُلْتُ لهَمْدَانَ ادخُلِي بِسَلامِ » (15) أرسله عليّ عليه السلام مع بشير بن عَمْرو الأنْصاريّ ، وشَبَث بن رِبْعيّ التَّميميّ إلى معاوية ليدعوه إلى اللّه عز و جل وإلى الطَّاعة والجماعة 16 . قال نَصْر : حدثنا عمر بن سَعْد قال : لمَّا تعاظمت الأمور على معاوية _ قبل قتل عُبيد اللّه بن عُمَر بن الخَطَّاب _ دعا عَمْرو بن العاص ، وبُسْر بن أرطاة ، وعُبَيد اللّه بن عُمر بن الخَطَّاب ، وعبد الرَّحمن بن خالد بن الوليد ، فقال لهم : إنَّه قد غمَّني رجالٌ من أصحاب عليّ ، منهم سعيد بن قَيْس في هَمْدان ، والأشْتَر في قومه ، والمِرْقال وعَدِيّ بن حاتم وقَيْس بن سَعْد في الأنصار ، _ ثُمَّ عيَّن لكل منهم رجلاً من هؤلاء الفجَّار _ فقال ، فأنا أكفيكم سَعيد بن قَيْس وقومَه غدا . . . فأصبح معاوية في غده ، فلم يدع فارسا إلاّ حشَدَه ، ثُمَّ قصد لهَمْدان بنفسه وتقدَّم الخيلَ وهو يقول : لا عَيشَ إلاّ فَلْقُ قِحْفِ الهامِمن أرحَبٍ وشاكرٍ وشِبامِ فطعن في أعراض الخيل مليَّا . ثُمَّ إنَّ هَمْدان تنادت بشِعارها ، وأقحمَ سَعيد بن قَيْس فرسَه على معاوية ، واشتدَّ القِتالُ ، وحجز بينهم اللَّيل ؛ فذكرت هَمْدان أنْ معاوية فاتها ركْضا . وقال سَعيد بن قَيْس في ذلك : يا لَهْفَ نَفسِي فاتَنِي مُعاوِيَةْفَوقَ طِمِرٍّ كالعُقابِ هاوِيَةْ (16) ومدحه معاوية فقال لأصحابه : وقد عبأت نفسي لسيّدهم وشجاعهم سعيد بن قيس (17) . وعابه عُتْبَة بن أبي سُفْيَان بقوله : وأمَّا سَعيد بن قَيْس فقلَّد عليَّا دينه (18) . [ كان مع معاوية أربعة آلاف خُضْريَّة عليهم عُبيد اللّه بن عُمَر ] ، كان مع عليّ عليه السلام أربعة آلاف مجفِّف (19) من هَمْدان ، مع سعيد بن قَيْس رَجْراجَة ، وكان عليهم البَيْضُ والسِّلاح والدُّروع . (20) [ فلمَّا تداعى النَّاس إلى الصُّلح بعد رفع المصاحف ، وتكلَّم من الفريقين مَن تكلَّم كما تقدَّم فتكلَّم سَعيد ]وقال : يا أهل الشَّام ، إنَّه قد كان بنينا وبينكم أمورٌ حامينا فيها على الدِّين والدُّنيا ، سمَّيتموها غدرا وسَرَفا ، وقد دعوتُمونا اليومَ إلى ما قاتلناكم عليه بالأمس ، ولم يكنْ ليرجع أهلُ العراق إلى عِراقهم ، ولا أهلُ الشَّام إلى شامهم ، بأمر أجملَ من أن يحكم بما أنزل اللّه ، فالأمر في أيدينا دُونكم ، وإلاّ فنحن نحن وأنتم أنتم (21) . [ لم يكن سعيد كالأشتر وعَدِيّ من المستبصرين في قضية التَّحكيم ، وقال نصر : وأمَّا سعيد بن قَيْس فتارةً هكذا ، وتارةً هكذا ، يعني قد لا يرى إلاّ الحرب ، وقد يرى الموادعة ، ولكنَّه لمَّا سمع كلام أمير المؤمنين عليه السلام ]يقول : « إنَّما فَعَلْتُ ما فَعَلْتُ لمَّا بدا فِيكُم الخَوَرُ والفَشَلُ » . فجمع سعيدُ بن قَيْسٍ قومَه ، ثُمَّ جاء في رجراجةٍ من هَمْدان كأنَّها ركنُ حَصِير _ يعني جبلاً باليمن _ فيهم عبد الرَّحمن بن سعيد بن قيس ، غلامٌ له ذؤابة ، فقال سعيد : هأنذا وقومي ، لا نُرادُّك ، ولا نرُدّ عليك ، فمُرْنا بما شئت . قال : أمَا لو كان هذا قبل رَفعْ المصاحف لأزَلْتُهم عن عسكرهم أو تنفرد سالِفَتي قبل ذلك ، ولكن انصرِفُوا راشدين ؛ فلعَمري ما كنتُ لأُعرِّضَ قبيلةً واحدةً للناس . (22) كان سعيد بن قَيْس في خدمة الحرب بعد كتابة الصُّلح ، فكان في الكوفة لمَّا أغار سُفْيَان بن عَوْف على الأنبار بعثه عليّ عليه السلام في ثمانية آلاف . (23) لمَّا عزم أمير المؤمنين الرُّجوع إلى الشَّام ثانيا ، وطلب من أصحابه التهيُّؤ والاستعداد فقام حُجْر بن عَدِيّ ، وسعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ، فقالا : لا يسؤك اللّه يا أمير المؤمنين ، مرنا بأمرك نتبعه ، فو اللّه ما نعظم جزعا على أموالنا إن نفدت ، ولا على عشائرنا إن قتلت في طاعتك . فقال : « تَجَهَّزوا لِلمَسيرِ إلى عَدُوِّنا » . (24) [ ولمَّا قال عليه السلام في جمع من رؤساء عسكره ورؤوس القبائل ] « قال : يا أَهلَ الكُوفَةِ أنتم إخوانِي وأنْصارِي ، وأعْوانِي عَلَى الحَقِّ ، وصَحَابتِي علَى جِهادِ عَدُوِّي المُحِلِّينَ بِكُم ، أضرِبُ المُدْبِرَ وأرجو تَمامَ طاعَةِ المُقْبِلِ ، وقد بَعْثتُ إلى أهْلِ البَصرَةِ فاستنفرتُهُم إليكُم ، فَلَم يأتِني مِنهُم إلاّ ثَلاثَةُ آلافٍ ومئِتا رَجُلٍ ، فأعينوني بِمُناصَحَةٍ جَلِيَّةٍ خَلِيَّةٍ مِنَ الغِشِّ . . . وإنِّي أسألُكُم أن يَكتُبَ لِي رَئيسُ كُلِّ قَومٍ ما في عَشِيرَتِهِ مِنَ المُقاتِلَةِ وأبناءِ المُقاتِلَةِ ، الَّذِين أدرَكُوا القِتالَ ، وعِبدَانِ عَشِيرَتِهِ وموَالِيهِم ، ثُمَّ يَرفَعُ ذلِكَ إلينا » . فقام سعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ ، فقال : يا أميرَ المُؤمِنينَ سَمْعَا وطاعةً ، وودَّا ونصيحةً ، أنا أوَّل النَّاس جاء بما سألت ، وبما طلبت » . (25) ثُمَّ بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام كان سعيد بن قَيْس من شيعة الحسن عليه السلام وكان معه في تجهيزه العساكر إلى معاوية ، وأوصى الحسن عليه السلام عُبيد اللّه بن عبَّاس بمشاورة قَيْس بن سَعْد وسعيد بن قيس . (26) بقي سعيد بن قَيْس حَتَّى ابتلى بالحَجَّاج لعنه اللّه فأجبره مِن تزويجِ ابنَتهِ مِن رجُلٍ ناصبيٍّ (27) . كان مقاتلاً شجاعا وبطلاً ، شهد الجمل (28) ، وصفِّين (29) . جعله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أميرا على همدان في الجمل (30) وصفِّين (31) . وفي سياق خطبة بليغة خطبها في جماعة من أصحابه ، كشف حقيقة الجيشين جيّدا ، وأظهر انقياده التامّ للإمام عليه السلام ، (32) ودلّ على عظمة جيش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الَّذي كان فيه ثُلّة من البدريّين . ثمّ بيّن منزلة الإمام الرَّفيعة بكلام رائع ، وفضحَ معاوية وأخزاه مشيرا إلى السَّابقة السيّئة له ولأسلافه (33) . وقد أصحر بطاعته المطلقة للإمام عليه السلام بعبارات حماسيّة في مواطن كثيرة . وكان الإمام عليه السلام يُثني على ذلك الرَّجل الزَّاهد المقاتل . (34) أشخصه الإمام عليه السلام إلى الأنبار 36 بعد معركة صفِّين لصدّ الغارات الَّتي كان يشنّها سُفْيَان بن عَوْف (35) . وثبت سعيد على صراط الحقّ بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان من أصحاب الإمام الحسن عليه السلام ، وبعثه الإمام الحسن عليه السلام ليخلف قَيْس بن سَعْد في قيادة الحرب ضدّ مُعاوِيَةَ . توفّي (36) سعيد بن قَيْس حوالي سنة 41 ه (37) .

.


1- . قاموس الرجال : ج5 ص114 الرقم 3248 ، تنقيح المقال : ج2 ص29 ، سفينة البحار : ج4 ص157 ( الهامش ) ، راجع : بحار الأنوار : ج33 ص497 .
2- . سفينة البحار : ج4 ص157 .
3- . وقعة صفِّين : ص7 .
4- . وقعة صفين : ص117 و205 ، تنقيح المقال : ج2 ص30 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص27 ، الفتوح : ج3 ص25 وفيه : « على خيل الجناح سعيد بن قيس » .
5- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص128 _ 129 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص182 .
6- . راجع : تاريخ الطبري : ج4 ص330 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص273 .
7- . سفينة البحار : ج4 ص157 .
8- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج13 ص232 .
9- . الزخرف :75.
10- . وقعة صفِّين : ص236 ، الغدير : ج10 ص233 _ 232 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج5 ص188 ، جمهرة رسائل العرب : ج1 ص355 .
11- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص144 .
12- . وقعة صفِّين : ص437 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص78 .
13- . الفتوح : ج3 ص58 .
14- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص69 ؛ وقعة صفِّين : ص427 .
15- . وقعة صفِّين : ص437 وراجع : الغدير : ج10 ص426 ، مواقف الشيعة : ج2 ص426 ، بحار الأنوار : ج32 ص448 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص78 ، تاريخ الطبري : ج4 ص573 .
16- . وقعة صفِّين : ص426 ؛ وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص 69 ، الفتوح : ج3 ص44 .
17- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص74 .
18- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج8 ص61 .
19- . المجفف : لابس التجفاف ، وأصله ما يوضع على الخيل من حديد وغيره .
20- . وقعة صفِّين : ص453 .
21- . وقعة صفِّين : ص483 ، المعيار والموازنة : ص174 .
22- . وقعة صفِّين : ص520 .
23- . راجع : الغارات : ج2 ص470 و481 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص88 .
24- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص90 .
25- . تاريخ الطبري : ج5 ص79 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص402 .
26- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص38 _ 40 ؛ وتنقيح المقال : ج2 ص29 .
27- . مروج الذَّهب : ج3 ص152 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص61 ؛ راجع : تنقيح المقال : ج2 ص30 .
28- . الجمل : ص319 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص144 .
29- . تاريخ الطبري : ج4 ص574 ، الفتوح : ج3 ص31 .
30- . الجمل : ص319 .
31- . وقعة صفّين : ص205 ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص147 ، الفتوح : ج3 ص31 .
32- . وقعة صفّين : ص236 و ص 437 ، الغارات : ج2 ص481 و ص 637 ، الأمالي للطوسي : ص174 ح293 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص79 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص402 ، الفتوح : ج3 ص31 .
33- . وقعة صفّين : ص236 و237 .
34- . المناقب لابن شهرآشوب : ج3 ص171 ، الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ عليه السلام : ج572 ص432 ، بحار الأنوار : ج32 ص497 وفيهما « منهم » بدل « ماجد » .
35- . الغارات : ج2 ص470 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص196 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص134 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 ص88 .
36- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص40 ، مقاتل الطالبيّين : ص71 .
37- . تنقيح المقال : ج2 ص29 الرقم4860 .

ص: 354

. .

ص: 355

. .

ص: 356

. .

ص: 357

. .

ص: 358

. .

ص: 359

. .

ص: 360

. .

ص: 361

هيّاج بن أبي الهيّاج

هَيَّاج بن أبي الهَيَّاج( هياج _ لشداد _ ق ) وفي رواية عبد الرَّزَّاق هَيَّاج بن أبي سُفْيَان . قال في تنقيح المقال : هَيَّاج بن هَيَّاج ، عدّه الشَّيخ في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم أقف على توثيقه في كلام أحد من أصحابنا ، لكنَّه ثقةٌ على الأقوى ، لجعل أمير المؤمنين إيَّاه من شهود وصيَّته ، المنقولة في باب صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله وفاطمة والأئمّة عليهم السلاممن وصايا الكافي بطريق صحيح . . . (1) .

الثَّالث :الأماكن المذكورة في هذه الكتب هي :1 . « اُذينة » : بالألف المضمومة ، ثُمَّ الذَّال المعجمة المفتوحة ، ثُمَّ الياء المثنّاة من تحت ، ثُمَّ النَّون ( كما في الكافي والتَّهذيب والوسائل ) كجهنية ، اسم وادٍ من أودية القبلية (2) . والقَبَلِية ( بفتحتين وإليها تضاف معادن القبلية ) هي من نواحي الفُرْع (3) ، سراة بين المدينة وينبع ، ما سال منها إلى ينبع سمّي بالغور ، وما سال منها إلى أودية المدينة سُمّي القبليّة . « تَيتَد » قال الياقوت : ثالثه مثل أوَّله مفتوح ، ودال مهملة ، اسم واد من أودية القَبلِية ، وهو المعروف باُذينة ، وفيه عرض فيه النَّخل من صَدَقَة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، عن الزَّمخشريّ ، عن السَّيِّد عليّ العلويّ (4) . 2 . « ديمة » كما في الكافي أو « دعة » كما في نسخة منه أو « ترعة » كما في أخرى أو « ذعة » : ولم أجد إلى الآن في تفسير هذه المواضع شيئا إلاّ ما ذكره السُّمهوديّ : قال : وذكر ابن شَبَّة في صدقات عليّ رضى الله عنه واديا يقال له « نزعة » بناحية فدك بين لابتي حرَّة . (5) وفي الدَّعائم « بَرْعة » و« برقة » وبَرْعة مخالف بالطائف ، وبُرَع جبل شبهامة (6) . و« بُرقة » بالضَّم ، وروي بالفتح من صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله (7) . والظَّاهر أنَّ الصَّحيح هو « ترعة » كما تقدم . 3 . « يَنْبُع » : بالفتح ، ثُمَّ السُّكون ، وضمّ الموحدة ، وإهمال العين مضارع _ نبع الماء ، أي ظهر من نواحي المدينة على أربعة أيَّام ، وإنَّما أحرزت عنها في الأعصر الأخيرة ، سميت به لكثرة ينابيعها ، قال بعضهم : عددت بها مئة وسبعين عينا . ولمَّا أشرف عليها عليّ رضى الله عنه ونظر إلى جبالها ، قال : لقد وضعت على نقيٍّ من الماء عظيم ، وسكانها جُهينة ، وبنو ليث ، والأنصار ، وهي اليوم لبني حسن العلويّين . (8) وروى ابن شَبَّة : أنَّ عمر بن الخَطَّاب أقطع عليَّا بيَنْبُع ، ثُمَّ اشترى عليّ إلى قطيعة عمر شيئاً ، وفيها عيون عذاب غزيرة (9) وروى أيضا عن كشد بن مالك الجُهَنيّ ، قال : . . .فلمَّا أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينبع أقطعها لكشد ، فقال : إنِّي كبير ولكن أقطعها لابن أخي فأقطعها له ، فابتاعها منه عبد الرَّحمن بن سعد الأنْصاريّ بثلاثين ألف درهم ، فخرج عبد الرَّحمن إليها وأصابه صافيها وربحها فقدرها ، وأقبل راجعا فلحق عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه دون يَنْبُع ، فقال : « مِن أينَ جِئتَ ؟ » فقال : من يَنْبُع ، وقد سئمتها فهل لك أن تبتاعها ؟ قال عليّ : « قد أخَذتُها بالثَّمن » . قال هي لك ، فكان أوَّل شيء عَمِلَه عليٌّ فيها البغيبغة (10) . وعن عَمَّار بن ياسر ، قال : اقطع النَّبيّ صلى الله عليه و آله عليَّا بذي العشيرة من يَنْبُع ، ثُمَّ اقطعه عمر بعدما استخلف قطيعة ، واشترى عليٌّ إليها قطيعة ، وكانت أموال عليّ بيَنْبُع عيونا متفرِّقة تصدَّق بها (11) . وروى أحمد بن الضَّحَّاك أنَّ أبا فضالة خرج عائدا لعليّ بيَنْبُع وكان مريضا ، فقال له : ما يسكنك هذا المنزل ؟ لو هلكت لم يَلِكَ إلاّ الأعرابُ أعرابُ جُهينة ، فاحتَمِل إلى المَدِينَةِ فإن أصابَكَ قَدَرٌ وَلَيكَ أصحابُكَ ، فقال عليّ عليه السلام : « إنِّي لَستُ بِميّتٍ مِن وَجَعي هذا ، إنَّ رسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله عَهدَ إليَّ ألاّ أموتَ حَتَّى أُضرَبَ ، ثُمَّ تُخضَبُ هذه _ يعني لِحيَتَهُ _ مِن هذِه ، يَعني هامَتُهُ . (12) قال ياقوت : هي عن يمين رَضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر ، على ليلة من رَضوى ، من المدينة على سبع مراحل ، وهي لبني حسن بنِ عليٍّ ، وكان يسكنها الأنصار ، وجُهينة ، وليث ، وفيها عيون عذاب غزيرة ، وواديها لها يَلْيَل ، وبها مِنبَر ، وهي قرية غنَّاء وواديها يصبّ في غَيْقَةَ ، وقال غيره : يَنْبُع حِصن به نخيل وماء وزرع ، وبها وُقوف لعليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه يتولاّها وُلده (13) . وقال ابن دُريد : يَنْبُع بَين مَكَّةَ والمدينة ، وقال غيره : يَنْبُع من أرض تهامة غزاها النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فلم يَلْقَ كيدا ، وهي قريبة من طريق الحاجّ الشَّاميّ (14) . قال ابن شَبَّة : فيما نقل في صدقاته : وكانت أمواله متفرقة بيَنْبُع ، ومنها عينٌ يقال لها : عَينُ البحير ، وعين يقال لها : عين أبي نيرز ، وعين يقال لها : نولا ، وهي الَّتي يقال : إنَّ عليَّا رضى الله عنه عمل فيها بيده ، وفيها مسجد النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو متوجّه إلى ذي العشيرة ، وعمل عليّ أيضا بيَنْبُع البغيبغات . وفي كتاب صدقته : « أنَّ ما كان لي بيَنْبُع مِن ماءٍ يُعرَفُ لِي فيها وما حَولَهُ صَدَقَةٌ وقَفتُها ، غَيرَ أنّ رَباحا وأبا نيزر وجُبَيْرا أعتقناهم ، وهُم يَعمَلونَ فِي الماء خَمسَ حِجَجٍ ، وفِيهِ نَفَقَتُهم ورِزقُهُم ، انتهى . (15) وفي المناقب أخرج : مئة عين ينبع جعلها للحجيج (16) . وعن أيّوب بن عطِيَّة الحَذَّاء ، قال : سمِعت أبا عَبد اللّه عليه السلام يقول : «قَسَمَ نَبِيُّ اللّه صلى الله عليه و آله الفَيْءَ فأصَاب عليَّا عليه السلام أرْضا ، فاحْتَفَر فيها عَيْنا ، فخرَج مَاءٌ يَنْبُعُ في السَّماء كَهَيْئَة عُنُق البَعِير فسَمَّاها يَنْبُع ، فجَاء البَشِير يُبَشِّرُ ، فَقَالَ عليه السلام : بَشِّر الوَارِثَ ، هِي صَدَقَةٌ بَتَّةً بَتْلاً في حَجِيجِ بَيْتِ اللّه ، وعابِرِي سَبِيل اللّه ، لا تُبَاعُ ، ولا تُوهَبُ ، ولا تُورَثُ . . . الحديث (17) . 4 . « البُغَيْبِغَة » : ( مصغّر البُغْبُغ كقنفذ: البئر القريبة الرَّشاء _ ق ) ضيعة بالمدينة ، أو عين غزيرة كثيرة النَّخل لآل رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (18) روى ابن شَبَّة : أنَّ يَنْبُع لمَّا صارت لعليّ رضى الله عنه كان أوَّل شيء عمل فيها البغيبغة ، وأنَّه لمَّا بشَّر بها حين صارت له قال : « تسرُّ الوارث » ، ثُمَّ قال : « هي صَدَقَةٌ علَى المَساكِينِ وابن السَّبيلِ وذوي الحاجَةِ الأقرَبِ » (19) . وفي رواية الواقدي : أنَّ جدادها بلغ لي زمن عليّ رضى الله عنه ألف وَسْق » (20) . وقال محمَّد بن يَحْيَى : عمل عليّ بيَنْبُع البغيبغات ، وهي عيون ؛ منها عين يقال لها : خَيفُ الأراكِ ، ومنها عين يقال لها : خَيفُ ليلى ، ومنها عين يُقال لها : خَيفُ بِسطاس ، قال : وكانت البغيبغات ممَّا عمل عليّ وتصدَّق به ، فلم يزل في صدقاته حَتَّى أعطاها حسين بن عليّ ، عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، يأكل ثمرها ، ويستعين بها على دَيْنه ومؤنته ، على ألاّ يزوّج ابنته من يزيد بن معاوية ، فباع عَبدُ اللّه ِ تِلكَ العُيونِ من معاوية ، ثُمَّ قبضت حين ملك بنو هاشم الصَّوافيّ ، فكلَّم فيها عبد اللّه بن حسن بن حسن أبا العبَّاس ، وهو خليفة فردّها في صَدَقَة عليّ ، فأقامت في صدقته حَتَّى قبضها أبو جعفر في خلافته ، وكلَّم فيها الحسنُ بنُ زَيْدٍ المهديَّ حين استخلف ، وأخبره خبرها ، فردَّها مع صدقات عليّ (21) . قال ياقوت : قال محمّد بن يزيد في كتاب الكامل رووا أنَّ عليّ بن أبي طالب رضى الله عنهلمَّا أوصى إلى ابنه الحسن في وقف أمواله ، وأن يجعل فيها ثلاثة من مواليه وقف فيها عين أبي نيزر والبغيبغة ، قال : وهذا غلط ، لأنَّ وقفه هذين الموضعين كان لسنتين مِن خلافَتِهِ (22) . [ أقول : وقف عليّ عليه السلام البغيبغة وعين أبي نيزر كان في أوَّل ما ملك يَنْبُع ، وكان ذلك في نهاية زمن الخليفة الأوَّل أو الثَّاني ، ووقفه لسائر ما يملكه من الضَّيعة والبساتين كان قبيل شهادته عليه السلام بِمَسْكِنْ . أمَّا كون وقفه في زمان الخليفة الثَّاني ، لما في النَّقل من أنَّه جاء وطلب الطَّعام من أبي نيزر ، ثُمَّ دخل وشرع في الحفر ، ولما تقدّم من أنَّه عليه السلام أوَّل ما عمل البغيبغة ، ووقفه بعد العمل ، فلا مجال لتوهّم كونه لسنتين من خلافته ، وقول أبي نيزر له : « يا أمير المؤمنين » ، دالاً على كونه في زمان خلافته مدفوعٌ ، بأنَّ أبا نيزر هو شيعته ومولاه ، وهو يعرف أنَّه أمير المؤمنين بِنَصِّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله من اللّه تعالى ] . قال العلاّمة الأمين في أعيان الشِّيعة : إنَّ المبرّد صرَّح بأنَّ وقف عليّ عليه السلام الضَّيعتين كان لسنتين من خلافته ، وخطاب أبي نيزر بقوله : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين ، وقوله في كتاب الوقف : « هذا ما تَصَدَّقَ بهِ عَبدُ اللّه ِ عليٌّ أمِيرُ المُؤمِنينَ » دالّ على أنَّ ذلك في زمن خلافته ، وما ذكره من أنَّ وقفه للضيعتين كان لمَّا جاء أبا نيزر ، وهو يقوم بهما ، وضرب في العين بالمعول فانثالت كأنَّها عُنُق بعير ، دالّ على أنَّ ذلك كان وعليّ بالحجاز ، مع أنَّه بعد أن ذهب إلى العراق واتّخذ الكوفة مسكنا لم يذكر أحد أنَّه رجع إلى الحجاز ، ومتى كان يمكنه أن يرجع وهو قد ذهب للعراق لحرب أصحاب الجمل ، وبعد فراغه اشتغل بحرب صفِّين ، وبعده بحرب الخَوارِجَ ، ثُمَّ استشهد فلم تكن لَهُ فرصة لِئَن يذهب للحجاز ، وليس هناك أمر مهمّ يدعوه للذهاب . (23) [ وأمَّا أنَّ وقف سائر أمواله كان في مَسْكنِ ، فبتصريحه في الكتاب بذلك ] . 5 . « وادي القُرى » : واد كثير القرى ، بين المدينة والشَّام ، وقال الحافظ بن حَجَر : هي مدينةٌ قديمة بين المدينة والشَّام [ وعلى سبع ليال من المدينة ، أو ستّ من أعمال المدينة ] . قال أبو المُنْذِر : سُمّي وادي القرى ؛ لأنَّ الوادي كان من أوَّله إلى آخره قرى منظمة ، وكانت من أعمال البلاد وآثار القرى إلى الآن بها ظاهرة ، إلاّ أنَّها في وقتنا هذا كلّها خراب ، ومياهها جارية تتدفق ضائقة ، لا ينتفع بها أحد (24) . 6 . « الفُقَيْرَيْن » : عن جعفر بن محمَّد ، قال : « أقطع النَّبيّ صلى الله عليه و آله عليَّا أربع أرضين : الفقيران (25) ، وبئر قيس ، والشَّجرة ، وأقطع عمر يَنْبُع ، وأضاف إليها غيرها (26) . الفَقِير ضدُّ الغنيِّ ، اسم موضعين قرب المدينة ، يقال لهما : الفقيران (27) ، وعن جعفر الصَّادق رضى الله عنه : « أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله أقطع عليَّا » . . . وبعالية المدينة حديقة تعرف بالفُقَير بالضّمّ تصغير الفَقِير بالفتح . ونقل ابن شَبْة في صَدَقَة عليّ رضى الله عنه أنَّ منها الفُقَيْرَيْن بالعالية ، وأنَّه ذكر أنَّ حسنا أو حُسَينا باع ذلك ، فتلك الأموال متفرّقة في أيدي النَّاس ، ثُمَّ حكى كتاب الصَّدقة نصّا ، ولفظه : « والفَقِير لِي كما قَد عَلِمتمُ صَدَقَةٌ في سبيلِ اللّه ِ » . ثُمَّ ذكر تسويغ البيع لكلّ من الحسن والحسين دون غيرهما ، وسبق في الصَّدقات بمكاتبة سَلْمانَ سيّدَه القرظى على أن يُحْيي له ذلك النَّخل بالفقير ، فالظَّاهر : أنَّه المعروف اليوم بالفقير قرب بني قريظة ، وإن كان أصله مكبّرا فقد صغروه كما صغّروا الشَّجرة فيقولون فيها « الشُجَيرَة » (28) . وكان الفقير لعليّ بن أبي طالب . . . وهيفي وسط العوالي ، وفيها نخيل كثير ، أكثر من هذا القَدَر ، وفيها العنب ، والرُّمَّان ، واللِّيمون الحلو والحامض ، والزهر والفل ( الفول ) بقرب البئر ، وفي البئر ماء عذب طيِّب ، وعندها النَّخلة الَّتي غرسها النَّبيّ صلى الله عليه و آله بيده المباركة الشَّريفة ، فأثمرت في تلك السَّنة ، وغرس عمر بن الخَطَّاب واحد ودي فقلعها النَّبيّ صلى الله عليه و آله وغرسها بيده . . . (29) . قال السُّمهوديّ : الفقير اسمُ الحديقة بالعالية ، قُرب بني قريظة ، وقد خفي ذلك على بعضهم ، فقال : كما نقله ابن سيِّد النَّاس : قوله « بالفقير » الوجْهُ إنَّما هو بالعفير ، انتهى . والصَّواب إنَّه اسم لموضع ، وليس هو من صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فقد ذكر ابن شَبَّة في كتاب صَدَقَة عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه الَّذي كان بيد الحسن بن زَيْد ما لفظه : « والفقيرُ لي كما قد عَلِمتُم صَدَقَةٌ في سبيلِ اللّه ِ » ، لكنَّه سمَّاه قبل ذلك في أخبار صدقاته بالفُقَيْرَيْن ، مُثَنَّى ، فقال : وكان لي صدقات بالمدينة، الفُقَيْرَيْن بالعالية، وبئر الملك بقناة ، فالظَّاهر أنَّه يسمَّى . بكلّ من اسمين ، وأهل المدينة اليوم ينطقون به مفردا بضم الفاء تصغير الفقير ضِدَّ الغني (30) . [ أقول الَّذي ذكرته كتب الأماكن والبقاع هو الفقير ، والفُقَيْرَيْن ، كما في الكافي ، ونقل في البحار عنه ، ولكن في التَّهذيب « القصيرة » ، وفي الوسائل عنه « القصيرتين » ، وفي روضة المتقين « القفيزتين » ، وفي تكملة المنهاج عن مرآة العقول « العفيرتين » ، وعن بعض النُّسخ « الفقرتين » ، ولم أتحقق هذه كلّها ، وأظنّها تصحيفا من النُّسَّاخ ، كما قال العلاّمة المجلسي رحمه اللهفي البحار : الظَّاهر أنَّ أكثر هذه الأسماء ممَّا صحّفه النُّسّاخ (31) وإن قاله في أسماء صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، ولكنَّه جار هنا أيضا . وعلى كلّ حال هذه من صَدَقَة عليٍّ عليه السلام حول المدينة المُشرَّفة ، وقد ذكروا له عليه السلام صدقات حول المدينة المكرّمة غير هذه وهي : 1 . « سويقة » : تصغير ساق . . . قال المجد : هي موضع قرب المدينة يسكنه آل عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، وكان محمَّد بن صالح بن عبد اللّه بن موسى الحسني خرج على المتوكِّلل ، فأنفذ إليه أبا السَّاج في جيش ضخم ، فظفر به وبجماعة من أهله فأخذهم ، وقيَّدهم ، وقتل بعضهم ، وأخرب سويقة ، وعَقَر بها نخلاً كثيرا ، وخرَّب منازلهم ، وما أفلحت سويقة بعد ذلك ، وكانت من جملة صدقات عليّ بن أبي طالب . . . وسويقة أيضا : جبيل بين يَنْبُع والمدينة ، نقلة ياقوت عن ابن السِّكِّيت ، وتعرف اليوم بالسويق منازل بني إبراهيم أخي النَّفس الزَّكيّة . . . وجوّ سويقة من نواحي المدينة لآل عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه (32) . وفي شرح ابن أبي الحديد: « سويعة » بالعين بدل القاف ، وهو تصحيف (33) . 2 . « بئر الملك » : نقل ابن شَبَّة : إنَّ علي بن أبي طالب رضى الله عنه كان من صدقاته بالمدينة بئر الملك بقناة (34) ، وقناة وادٍ من أودية المدينة المشرفة (35) . 3 . « بئر قيس » : وقد تقدَّم أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقطع لعليّ عليه السلام « أربع أرضين : الفقيران ، وبئر قيس » (36) . 4 . « الشَّجرة » : وقد تقدَّم أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه و آله أقطع عليَّا عليه السلام أربع أرضين . الفقيران وبئر قَيْس والشجرة . والشَّجرة كما ذكره السَّمهوديّ : بلفظ واحدة ، الشَّجر يضاف إليها مسجد ذي الحُليفة ، وهي سَمُرة كان النَّبيّ صلى الله عليه و آله ينزل تحتها هناك فعرف الموضع بها ، والشَّجرة أيضا : مال فيه أُطْمٌ (37) لبني قُرَيظة ؛ ولعلَّه المعروف اليوم هناك بالشجيرة مصغّرا (38) . ويعرف بمسجد ذي الحليفة (39) ، وقال العزّ بن جماعة : وبذي الحليفة البئر الَّتي تسمّيها العوام بئر عليّ ، وينسبونها إلى عليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، لظنِّهم أنَّه قاتلُ الجنّ بها ، وهو كذب ، ونسبتها إليه غير معروفة عند أهل العلم (40) . 5 . « حرّة الرَّجْلَى » : بديار بني القين . . . وقال ابن شَبَّة في صدقات عليٍّ : وله بحرَّة الرَّجْلاَء من ناحية شعب زيد وادٍ يُدعى الأحمر ، شطره في الصَّدقة وشطره بأيدي آل مناع ، وبني عَدِيّ منحة مِن عليٍّ أو له أيضا بِحَرَّة الرَّجْلَى ، واد يقال له : « البيضاء » (41) ، فيه مزارع وعفا ، وهو في الصَّدقة ، ثُمَّ قال : وله بناحية فَدَك بأعلى حرّة الرَّجْلَى ما يقال له : « القصيبة » (42) . 6 . « مَسْكِن » : بالفتح ثُمَّ السُّكون وكسر الكاف ونون . . .هو موضع قريب من أوَانا على نهر دُجيل عند دير الجاثليق ، فيها لاقى عساكر الحسن عليه السلام مع معاوية ، ووقع الحرب بين عبد الملك ومُصْعَب بن الزُّبَيْر (43) .

.


1- . تنقيح المقال : ج3 ص305 ، قاموس الرجال : ج9 ص373 .
2- . معجم البلدان : ج1 ص133 ، تاج العروس : ج18 ص14 .
3- . الفُرْع : من أعمال المدينة عن يسار السَّقيا على ثمانية بُرُد من المدينة ، وبها منبر ونخل ومياه كثيرة ، وهي قرية غنّاء كبيرة ، وأجلّ عيونها ، عينان غزيرتان إحداهما : الربض والسُّقيا قرية عظيمة قريبة من البحر ، على ميسرة يوم وليلة ، وقال المجد : هي على يومين من المدينة . ( راجع : وفاء الوفاء : ج2 ص1234 و1281 ، معجم البلدان : ج3 ص228 وج4 ص252 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص591 .
4- . معجم البلدان : ج2 ص65 .
5- . وفاء الوفاء : ج4 ص1161 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج4 ص590 .
6- . دعائم الإسلام : ج2 ص342 ؛ قاموس المحيط : ج3 ص4 ، معجم البلدان : ج1 ص385 .
7- . وفاء الوفاء : ج4 ص1147 وراجع : فتوح البلدان : ص27 .
8- . وفاء الوفاء : ج4 ص1334 وراجع : معجم البلدان : ج5 ص449 ، النهاية لابن أثير :ج46611 ، تاج العروس : ج11 ص466 ، لسان العرب : ج8 ص345 ، لغت نامه دهخدا : ج13 ص19722 .
9- . وفاء الوفاء : ج4 ص1334 ، وراجع : السنن الكبرى للبيهقي : ج6 ص265 ح11897 ، فتوح البلدان : ص23 ، معجم البلدان : ج5 ص450 .
10- . وفاء الوفاء : ج4 ص1334 .
11- . وفاء الوفاء : ج4 ص1334 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص588 .
12- . وفاء الوفاء : ج4 ص1335 ؛ الغارات : ج2 ص701 .
13- . معجم البلدان : ج5 ص450 ، وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج13 ص296 ؛ تكملة منهاج البراعة : ج88 ص374 .
14- . معجم البلدان : ج5 ص450 ، وراجع : نهاية الإرب للقلقشندي : ص17 ، تكملة منهاج البراعة : ج18 ص375 .
15- . وفاء الوفاء : ج4 ص1271 .
16- . المناقب لابن شهرآشوب : ج2 ص123 ، الغارات : ج2 ص701 نحوه ، بحار الأنوار :ج41 ص32 ح3 .
17- . الكافي : ج7 ص54 ح9 ، دعائم الإسلام : ج2 ص341 ح 1283 ، بحار الأنوار : ج41 ص39 ح18 . وفي ذخائر العقبى : إنّ عمر أقطع عليَّا ينبع ، ثُمَّ اشترى علي أرضا إلى جنب قطعه فحفر فيها عينا ، فبينا هم يعملون فيها ، إذا انفجر عليهم مثل عُنُق الجزور من الماء ، فأتى عليّ رضى الله عنه فبشّر بذلك ، فقال : « بشروا الوارث » ، ثُمَّ تصدّق بها على الفقراء والمساكين وابن السّبيل وفي سبيل اللّه ليوم تبيضّ فيه وجوه وتسوّد فيه وجوه ، ليصرف اللّه به وجهي عن النَّار ويصرف النَّار عن وجهي . أخرجه ابن السَّمان في موقفه .
18- . القاموس المحيط : ج3 ص103 ، لسان العرب : ج8 ص419 ، وفاء الوفاء : ج1 ص469 .
19- . وفاء الوفاء : ج4 ص1150 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص584 نحوه .
20- . وفاء الوفاء : ج4 ص1150 ؛ ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص584 .
21- . وفاء الوفاء : ج4 ص1151 ، وراجع : ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص584 .
22- . معجم البلدان : ج1 ص469 ، وراجع : وفاء الوفاء : ج4 ص1150 _ 1151 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص585 .
23- . أعيان الشيعة : ج1 ص434 ( وله رحمه الله تحقيق حول هذا الكتاب فراجع ، وقد ذكر قسما منه فيما تقدَّم بما بما يرتبط بالمقام .
24- . راجع : وفاء الوفاء : ج 4 ص 1328 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ص 15 ص 66 ؛ الغارات : ج 2 ص 513 .
25- . هكذا في المصدر ، والظاهر أنَّها « الفقيرين » .
26- . معجم البلدان : ج5 ص450 ، فتوح البلدان : ص22 ؛ تكملة منهاج البراعة : ج18 ص375 .
27- . هكذا في المصدر ، والظاهر أنَّها « الفقيرين ».
28- . وفاء الوفاء : ج4 ص1282 وراجع : ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص590 .
29- . عمدة الأخبار : ص390 .
30- . وفاء الوفاء : ج3 ص992 ، مراصد الاطّلاع : ج3 ص1038 .
31- . بحار الأنوار : ج22 ص295 .
32- . وفاء الوفاء : ج4 ص1239 ، معجم البلدان : ج3 ص287 راجع : مقاتل الطالبيين :ص374 _ 480 ، القاموس المحيط : ج3 ص247 ، تاج العروس : ج13 ص229 ، ملحقات إحقاق الحقّ : ج8 ص588 .
33- . راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج15 ص146 .
34- . وفاء الوفاء : ج4 ص1144 .
35- . وفاء الوفاء : ج3 ص1074 .
36- . وفاء الوفاء : ج4 ص1282 .
37- . الاُطْم _ بالضم _ : حِصْنٌ مَبْنيٌّ بحجارة ( لسان العرب : ج 12 ص 19 ) .
38- . وفاء الوفاء : ج4 ص1242 و1282 .
39- . وفاء الوفاء : ج4 ص 1193 و1195 .
40- . وفاء الوفاء : ج4 ص1195 .
41- . وفاء الوفاء : ج4 ص1186 ، معجم البلدان : ج1 ص530 .
42- . وفاء الوفاء : ج4 ص1186 .
43- . معجم البلدان : ج5 ص127 وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج16 ص40 .

ص: 362

. .

ص: 363

. .

ص: 364

. .

ص: 365

. .

ص: 366

. .

ص: 367

. .

ص: 368

. .

ص: 369

. .

ص: 370

. .

ص: 371

. .

ص: 372

الرابع :في نقل الكافي جملة لا يتّضح معناها وهي: « إنَّ مال مُحَمَّد بن عليٍّ علَى نَاحِيَتهِ ، وهُو إلى ابْنَي فَاطِمَةَ » (1) . والجملة مجملة فيها تحريف ، وفي الدَّعائم: « وإنَّ مال مُحَمَّد صلى الله عليه و آله إلى بني فاطمة ، وكذلك مال فاطمة إلى بينها » ، والظَّاهر صحَّة نقل الدَّعائم ، وفيها إشارتان : الأُولى : إلى صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحوائط الثَّانية إلى صدقاتها ، وجعل أمرها إلى الحسنين صلوات اللّه عليه أجمعين ، ولا بأس بنقلها بنصّها ، واللَّفظ للكافي : مُحَمَّد بن يَحْيَى ، عن أحمد بن مُحَمَّد ، عن أبي الحسن الثَّاني عليه السلام ، قال : سَألْتُهُ عن الحِيطَان السَّبْعَة الَّتي كانتْ مِيرَاث رسُول اللّه صلى الله عليه و آله لِفَاطِمَةَ عليهاالسلام ، فقال : « لا إنَّمَا كانتْ وَقْفا ، وكان رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله يأْخُذُ إليْه منْها ما يُنْفِق على أضْيَافهِ ، والتّابِعَةُ يَلْزَمُهُ فيها ، فلمَّا قُبِض جاء العبَّاسُ يُخَاصِم فاطِمَة عليهاالسلام فيها فَشَهِد عليٌّ عليه السلام وغَيْرُهُ أنَّها وَقْفٌ على فاطمَةَ عليهاالسلام ، وهِي الدَّلالُ ، والعَوَافُ ، والحُسْنَى ، والصَافِيَةُ ، ومَا لاُِمِّ إِبْرَاهِيم ، والمَيْثَبُ والبُرْقَةُ . (2) عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نَجران ، عن عاصِم بن حُمَيْدٍ ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « ألا أُقْرِئُكَ وَصِيَّةَ فَاطِمَةَ عليهاالسلام ؟ » قال: قلتُ : بَلَى . قال : فَأخْرَجَ حُقّا أو سَفَطا ، فَأخْرَجَ مِنْه كِتَابا فَقَرَأهُ ؛ بِسْمِ اللّه ِ الرَحْمن الرَحِيم هذا مَا أوْصَتْ بِه فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أوْصَتْ بِحَوَائِطِهَا السَّبْعَةِ العَوَافِ والدَّلال ، والبُرْقَة ، والمَيْثَب ، والحُسْنَى ، والصَافِيَة ، ومَا لاُِمِّ إِبْرَاهِيم ، إلى عليِّ بن أبي طَالِبٍ عليه السلام ، فإنْ مَضَى عليٌّ فإلى الحَسَن ، فإنْ مَضَى الحَسَنُ فإلى الحُسَيْن ، فإنْ مَضَى الحُسَيْنُ فإلى الأكبَر من وُلْدِي ؛ شَهِد اللّه ُ على ذَلِك ، والمِقْدَادُ بْنُ الأسْوَد ، والزُبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ ، وكَتَبَ عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ . (3) ولها صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها وصيَّة أُخرى ، أحرى بالذِّكر هنا وهي : « بِسْمِ اللّه ِ الرَحْمن الرَحِيم هذا ما كَتَبتْ فاطِمَةُ عليهاالسلام بِنتُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله في مالِها ، إن حدَثَ بِها حادِثٌ تَصدَّقَتْ بِثمانِينَ أُوقِيَّةً تُنفَقُ عَنها ، مِن ثِمارِها الَّتي لَها كُلَّ عامٍ في كُلِّ رَجبٍ بَعد نَفقَةِ السَّقْي ونَفَقَةِ المغلّ (4) ، وأنَّها أنفَقَتْ أثمارَها العامَ ، وأَثمارَ القَمحِ عاما قابِلاً في أوان غَلّتها ، وإنَّها أمرَتْ لِنساءِ مُحَمَّدٍ أبيها خمسا وأربَعِينَ أُوقِيَّةً ، وأمرَتْ لِفُقراءِ بَنِي هاشِمٍ وبَنِي عَبدِ المُطَّلِبِ بِخَمسينَ أُوقِيَّةً . وكَتَبتْ في أصْلِ مالِها في المَدينَةِ : أنَّ عليَّا عليه السلام سأَلَها أن تُوَلّيَهُ مالَها ، فَيَجمَعُ مالَها إلى مالِ رَسُول اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فلا تَفرَّقَ ، وتَليهِ ما دامَ حَيّا ، فإذا حدَثَ بهِ حادِثٌ دفعَهُ إلى ابنيَّ الحَسَنِ والحُسَينِ فَيَلِيانِهِ . وإنِّي دَفَعْتُ إلى عَلِيّ بن أبي طالِبٍ علَى أنِّي اُحلّلُه فيه ، فَيَدفَعُ مالِي ومالَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله لا يُفَرِّق مِنهُ شَيئا ، يَقضِي عنِّي مِن أثْمارِ المَالِ ، ما أمَرتُ بهِ وما تصَدَّقْتُ بهِ ، فإذا قضى اللّه ُ صدَقَتَها ، وما أمَرتُ بِهِ فالأمرُ بِيَدِ اللّه ِ تعالَى وبِيَدِ عليّ عليه السلام يتصدَّق وَيُنفِقُ حَيثُ شاءَ لا حَرَجَ عَليهِ ، فإذا حَدَثَ بهِ حَدَثٌ دفَعَهُ إلى ابنيَّ الحَسَنِ والحُسَينِ المالَ جَمِيعا ، مالي ومالُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَيُنفِقانِ ويَتَصدَّقانِ حَيثُ شاءا ، ولا حَرَجَ عَليهِما . وإنَّ لابنة جُنْدُب _ يَعني بِنت أبي ذَرّ الغِفارِيّ _ التَّابوتَ الأصغرَ ، وتَغطُّها فِي المَالِ ما كانَ ، ونَعلَيَّ الآدَميّينِ ، والنَّمطَ ، والجبَّ ، والسَّريرَ ، والزّريبَةَ ، والقَطِيفَتَينِ . وإن حَدَث بأحَدٍ مِمَّن أوصيتُ لَهُ قَبل أن يُدفَع إليهِ ، فَإنَّه يُنفَقُ فِي الفُقرَاءِ والمَساكِينِ . وأنَّ الأستارَ لا يَستَتِرُ بها امرأةٌ إلاّ إحدى ابنتيَّ ، غيرَ أنَّ عليَّا يَستَتِرُ بِهِنَّ إنْ شاءَ ما لَم يَنكَحْ (5) . وإنَّ هذا ما كَتَبتْ فاطِمَةُ عليهاالسلام في مالِها وقَضَتْ فِيهِ واللّه ُ شهيدٌ ، والمِقْدادُ بن الأسْوَدُ ، والزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ ، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ كتبها ، وليس على عليّ بن أبي طالب حرج فيما فعل من معروف (6) . ] وحيث إنَّ فاطمة عليهاالسلام جعلت تولية صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله الَّتي كانت بيدها ، وتولية صدقتها كلّها إلى عليّ عليه السلام ، أشار عليّ عليه السلام فيكتابه إلى الصَّدقتين، وإنَ توليتهما إلى الحسنين عليهماالسلام كما أوصت هي صلوت اللّه عليها إليهما ، بعد أمير المؤمنين عليه السلام . قال الأحمدي : الرِّقة ،كذا في الوسائل ، وفي الفقيه والتَّهذيب والوافي : البرقة بالباء الموحّدة ، ثُمَّ الرَّاء المهملة ، ثُمَّ القاف ، وهو الصَّحيح لِأنَّ « بُرقة » بالضّم ، وقد رواه بعضهم بالفتح ، بالمدينة ، من الأموال الَّتي كانت من صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي أمالي الشَّيخ « البرقط » ، ولكنَّه تصحيف بُرقة : وهي معروفة في قبلة المدينةِ ، ممَّا يلي المشرق (7) . والعواف بالعين المهملة وآخره الفاء ، كذا في جميع نسخ الكتاب ، وفي الدَّعائم : العوالي ( على ما في هامشه ) (8) ، وفي كتب التَّواريخ : الأعواف ] . قال السَّمهوديّ : الأعواف ، ويقال : العواف إحدى صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله وآباره المتقدّمة (9) ، موضع بالمدينة كان فيه مال لأهل المدينة . وفي الحديث : « طلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله سارقا ، فهرب منه فنكبه الحجر الَّذي وضع بين الأعواف صدقة النَّبيّ صلى الله عليه و آله والشَّطبية » . . . (10) وفي الطَّبقات في ذكر أموال « مخبرين » الَّتي صارت من صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله « الأعواف » (11) . قال العلاّمة المجلسي رحمه الله : الظَّاهر أنَّ أكثر هذه الأسماء مِمَّا صحَّفَهُ النُّسّاخ و « العواف » صحيح مذكور في تاريخ المدينة ، لكن في أكثر رواياته « أعواف » ، وفي بعضها « العواف » (12) . [ أقول : أكثر نسخ الوصيَّة ، بل أكثر روايات أهل البيت عليهم السلام « العواف » ] . قال السّمهودي : « الأعواف » جزع معروف بالعالية بقرب المربوع ، والجزع منعطف الوادي ، ووسطه أو منقطعه أو منحناه أو هو مكان بالوادي لا شجر فيه (13) . وبئر أعواف بالمدينة معروف . (14) الدَّلال : بالمهملات كذا في جميع النُّسخ إلاّ في تاج العروس في كلمة « ميثب » فإنَّه نقله « الزلال » ، والظَّاهر أنَّه تصحيف ، لأنَّه نقله عن ياقوت ، وفيه : « الدلال » . روى عن جعفر بن محمَّد عن أبيه ، قال : « كان الدَّلال لامرأة من بني النَّضير ، وكان لها سَلْمان الفارسِيّ ، فكاتبته على أن يُحييها لها ، ثُمَّ هو حرّ ، فأعلم بذلك النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، فخرج إليها ، فجلس على فقير ، ثُمَّ جعل يحمل إليه الوَدِيّ فيضعُه بيده ، فما عَدَتْ منها وديّة أن أطلعت . قال : ثُمَّ أفاءها اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله ، قال : والَّذي يظهر عندنا أنَّه من أموال بني النَّضير ، وممَّا يدلّ على ذلك أنَّ مهزورا يسقيها ، ولم يزل يسمع أنَّه لا يسقي إلاّ أموال بني النَّضير . قلت: فيه نظر؛ إذ المعروف ببنيالنَّضير إنَّما هو مذينب ، ومهزور لبنيقريظة (15) . نقل العلاّمة المجلسي في البحار هذا الكلام إلى هنا ، ثُمَّ قال : ويُؤيّدها في سنن أبي داوود : أنَّه كانت نخل بني النَّضير لرسول اللّه صلى الله عليه و آله خاصّة ، أعطاه اللّه إيَّاه ، فقال : « مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ » الآية (16) ، فأعطى أكثرها المهاجرين ، وبقي منها صدقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الَّتي في أيدي بني فاطمة الحَوائط السَّبعة . (17) قال في المراصد : « الدلال » كسَحاب : اسم حائط من الحوائط الَّتي تصدَّق بها النَّبيّ صلى الله عليه و آله ممَّا أوصى إليه من أموال بني النَّضير . . . (18) . والدَّلال جزع معروف أيضا قبل (19) الصَّافة بِقُربِ المُليكى (20) . « الميثب » : بالميم ، ثُمَّ الياء المثنّاة التَّحتانيَّة ، ثُمَّ الثَّاء المثلّثة الفوقانيّة ، ثُمَّ الباء الموحّدة ، كذا في التَّهذيب ، والفقيه ، والوافي ، والكافي . وفي الوسائل « المبيت » بالباء الموحّدة بدل الياء ، والياء بدل الثَّاء ، ثُمَّ التَّاء بدل الباء . قال في الفقيه : المسموع من ذكر أحد الحوائط « الميثب » ، ولكنّي سمعت السَّيِّدَ أبا عبد اللّه محمَّد بن الحسن الموسوي أدام اللّه توفيقه يذكر أنَّها تعرف عندهم بالميثم (21) ، وفي الدَّعائم : « المنت » وهو تصحيف (22) . وفي القاموس _ في وثب _ : « المِيثَب » بكسر الميم ، الأرض السَهلَة والقافِز والجالِسُ ، وما ارتَفَع من الأرض ، وماءٌ لعُبادَةَ ، وماءٌ لِعقيل ، ومالٌ بالمدينة إحدى صدقاته صلى الله عليه و آله ، هكذا وَقَع في كُتب اللُّغة ، وهو غَلَطٌ صريحٌ ، والصَّوابُ مِيثٌ ، ك « مِيل » ، من الأرض المَيثاء . (23) وردّ عليه الزُّبيدي في التَّاج قال : ومِيثَبٌ : مالٌ بالمدينة الشَّريفة ، من إحدى صَدقاته صلى الله عليه و آله ، وله فيها سَبعة حِيطان ، كان أوصى بها مُخَيْرِيقٌ اليهوديٌ للنبيّ صلى الله عليه و آله . . . وأسماءُ هذه الحِيطان : بَرْقَةُ ، ومِيثَبُ ، والصَّافَةُ ، وأعواف ، وحَسْنَى والزَلال ومشْرَبَةُ أُمّ إبراهيم . كذا في المعجم . هكذا وقع في كتب اللُّغة ، بل وفي أسماء المواضع والبِقاع ، كالمراصد ، والمُعجَم لياقوت ، وغيرِهما ومصَنَّفات أبي عُبَيْد . وقوله : هو غلَطٌ صريحٌ ، فيه ما فيه ؛ لأنَّه ليس له تخطِئة نصٍّ صحيح . وقوله الصَّوابُ « مِيثٌ » ، ك « مِيل » مأخوذ من الأرض المَيْثاء ، وهي السَهلَة ، لا يَنهَض دليلاً على ما قاله ، بل المُعْتَمَد ما ذهب إليه الأئمَّة . وقد سبَق الكلام عليه . وأيضا هذا الَّذي ادّعاه أنَّه الصَّواب ، إنَّما هو ذو المِيثب : موضعٌ بعَقيق المدينة (24) . قال ياقوت : و« مِيثَب » مال بالمدينة إحدى صدقات النَّبيّ ، وله فيها سبعة حيطان ، وكان قد أوصى بها مُخَيْريق اليهودي للنبيّ صلى الله عليه و آله (25) . والميثب : غير معروف اليوم ، ويؤخذ من وصف هذه الأربعة _ يعني الصَّافية وبُرقة والدَّلال والميثب _ بكونها متجاورات فربما من الأماكن المذكورة ، ولعلَّه بقرب بُرقة ، لِما سبق من أنَّهما غرسهما سَلْمان ، وكانا لشخص واحد (26) . رُوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « المِيثبُ هُوَ الَّذي كاتَبَ عليهِ سَلْمانُ ، فأفاءَ اللّه ُ عز و جل علَى رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَهوَ في صدَقَتِها » . « الحُسْنَى » : أحد صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، لكن ضبَطها المراغي بالضَّم (27) ، فيسقيها مهزور ، وهي من ناحية القف (28) . الحسنى : بالحاء المهملة ، والسِّين والنَّون والياء مقصورا ، كذا في جميع النُّسخ الموجودة مِنَ الوصيَّة وغيرها . قال السّمهودي : وحُسْنَى : ضبطها الزين المراغي ، كما في خطّه بالقلم ، بضمّ الحاء ، وسكون السِّين المهملتين ، ثُمَّ نون مفتوحة _ قال : وروايته كذلك في ابن زبالة بالسين بعد الحاء ، قال : ولا يعرف اليوم ، ولعلَّه تصحيف من الحِنَّاء ، بالنُّون بعد الحاء ، وهو معروف اليوم . قلت : حملُ ذلك على التَّصحيف المذكور مُتعذِّر ؛ لأنّي رأيته بحاء ، ثُمَّ سين ، ثُمَّ نون ، في عدّة مواضع من كتاب ابن شَبَّة ، ومن كتاب ابن زبالة ، وغيرهما ، وإن أراد أنّ أهلَ زمانِهِ صَحَّفوهُ بالحِنَّاء ، فلا يصحّ أيضا ، لأنَّ الموضع المعروف اليوم بالحناء في شرق الماجشونية ، ولا يشرب بمهزور ، وقد تقدَّم أنَّ حُسْنَى يسقيها مهزور ، وأنَّها بالقُفِّ . . . والَّذي يظهر أنَّ حُسْنَى هو الموضع المعروف اليوم بالحسينيات بِقُربِ الدَّلال ، فإنَّه بجهة القُفِّ ، يَشرَبُ بِمَهزورٍ (29) . وينافي ذلك ما يأتي من أنَّ الحسينيات في شاميِّ المَشرَبة . قال في العمدة : « القُفّ » بالضَّم وتشديد الفاء ، علَمٌ لوادٍ من أودية المدينةِ ، عليه أموال . . . والظَّاهر أنَّه الموضع المعروف بالحسينيات في شامي المشربة ، وهي من القُفِّ . . . (30) « الصَّافية » : بالصَّاد المهملة ، ثُمَّ الألف ، ثُمَّ الفاء ، ثُمَّ الياء ، ثُمَّ التَّاء ، كذا في جميع النُّسخ الَّتي عثرتُ عليها . قال السَّمهوديّ : فأمَّا الصَّافِيةُ ، وبُرقة ، والدَّلال ، والميثب ، فمجاورات لأعلى الصُّورين من خلف قصر مروان بن الحكم ، ويسقيها مهزور (31) ، فالصَّافية معروفة هناك اليوم ، قال الزين المراغي : هي في شرقي المدينة الشَّريفة بجزع زهرة (32) . مال أُمّ إبراهيم : ويقال مشربة أُمّ إبراهيم : مشْرُبة بالفتح والضَّم ، الغرفة ، ومشربة أُمّ إبراهيم ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله معروفة بالعالية (33) . روى ابن شَبَّة فيما جاء في صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله عن ابن شهاب : إنَّ تلك الصَدَقَات كانت أموالاً لمُخَيْرِيق كما سيأتي ، وعَدَّ منها مَشْرُبَةَ أُمّ إبراهيم ، ثُمَّ قال : وأمَّا مَشْربة أُمّ إبراهيم فإذا خَلَّفْتَ بين مِدْرَاس اليهودِ ، فجئت مالَ أبي عُبَيْدة بن عُبيد اللّه بن زمعة الأسدي ، فمشرَبة أُمّ إبراهيم إلى جنبه ، وإنَّما سُمِّيت مَشْربةَ أُمِّ إبراهيم ، لأنَّ أُمّ إبراهيم ابن النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، وَلَدَتْه فيها ، وتعلَّقَت حين ضربها المَخَاضُ بخشبة من خشَب تلك المَشْرُبَة ، فتلك الخشبة اليوم معروفة . قال ابن النَّجار : وهذا الموضع بالعَوالي من المدينة بين النُّخيل ، وهو أكَمَة قد حُوِّط عليها بِلَبِن . والمَشْرُبَة : البستان ، وأظنُّه قد كان بستانا لمارِيَة القِبْطِيّةِ أُمّ إبراهيم ابن النَّبيِّ صلى الله عليه و آله . قلت : قال في الصِّحاح : المِشربة بالكسر _ أي بكسر الميم _ إناء يُشرَبُ فيه ، والمَشْرُبَة بالفتح : الغرفة . . . والظَّاهر أنَّه كان عِليَّة في ذلك البستان ، وهو أحَد صدقات النَّبيّ صلى الله عليه و آله ، وهذا هو الَّذي يناسب ما تقدَّم من رواية ابن شَبَّة (34) . هذه كلّها صدقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الَّتي اخْتُلف فيها : أنَّها كانت من أموال مُخَيْرِيق اليهوديّ ، الَّذي أسلم ، ثُمَّ حضر أحدا ، وأوصى بماله _ إن قتل _ إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمَّا استشهد صار كلّها لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجعلها صدقة في سَنَة سبع (35) . أو أنَّها من أموال بني النَّضير من الفيء كانت له صلى الله عليه و آله ، وصارت كلّها صدقة بعد موته صلى الله عليه و آله للحديث المرفوع : « نَحنُ معاشِر الأنبياءِ لا نُورَثُ ، ما تركناهُ صَدَقَةٌ » (36) . أو أنَّها كانت من الفيء فتملَّكها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حينما قسّم الفيء فجعل كلّها صدقة في سبيل اللّه ، أو وقفا خاصَّا لأولاده وبني هاشم 37 . [ وأمَّا صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله غير هذه الحَوائط السَّبعة فهي على ما عثرت عليه إلى الآن . وأمَّا صدقات فاطمة عليهاالسلام الَّتي ذكرت في هذه الوصيَّة ، فهي على ما وقفتُ عليه في كتب الحديث ، والتَّاريخ ، والأماكن ، والبقاع ، فهي على ما عثرنا عليه في المصادر ] .

.


1- . الكافي : ج7 ص50 ح 7 ، بحار الأنوار : ج41 ص41 ح 19 .
2- . راجع: الكافي : ج7 ص47 ح 1 .
3- . الكافي : ج7 ص48 ح 5 ، تهذيب الأحكام : ج9 ص144 ح 603 ، من لا يحضره الفقيه : ج4 ص244 ح 5578 ، دعائم الإسلام : ج2 ص343 ح 1286 ، كشف الغمّة : ج2 ص125 نحوه اختصارا ، بحار الأنوار : ج43 ص185 ح18 .
4- . الغلّة : الدخل الذي يحصل من الزرع والثمر ، وفلان يُغِلَّ على عياله ، أي يأتيهم بالغلّة (لسان العرب : ج 11 ص 504) .
5- . نقل أعداء أهل البيت عليهم السلام إنّ فاطمة عليهاالسلام أحدثت على بيتها سترا ، فلمَّا رآه رسول اللّه صلى الله عليه و آله رجع ولم يدخل بيتها ، والستر مذكور في هذه الوصيَّة كما نقله أحمد في المسند قال : « حدّثنا عبد اللّه ، حدّثني أبي ، حدَّثنا عبد الصمد ، حدَّثنا القاسم بن الفضل قال : قال لنا محمَّد بن عليّ : كتب إلى عمر بن عبدالعزيز أن أنسخ إليه وصيّة فاطمة ، فكان في وصيّتها السِّتر الَّذي يزعم النَّاس أنَّها أحدثته ، وإنَّ رسول اللّه دخل عليها ، فلمَّا رآه رجع » ردّ الباقر عليه السلام هذه المزعمة .
6- . بحار الأنوار : ج103 ص184 ح 13 نقلاً عن مصباح الأنوار .
7- . راجع : الأمالي للطوسي : ص266 ح 490 ، وفاء الوفاءِ : ج4 ص1147 وج3 ص993 ، الطبقات الكبرى : ج 1 ص502 ، فتوح البلدان : ص27 _ 28 ، النهاية لابن أثير : ج1 ص120 .
8- . دعائم الإسلام : ج2 ص341 ( الهامش ) .
9- . وفاء الوفاء : ج 4 ص 1128 وراجع: الإصابة : ج 6 ص 47 نقل عن الزبير بن بكّار ، وفيه «ميثر» بدل «الميثب» و«المعوان» بدل «الأعواف» .
10- . عمدة الأخبار : ص238 و480 وراجع : وفاء الوفاء : ج3 ص988 .
11- . راجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص502 .
12- . بحار الأنوار : ج22 ص295 .
13- . راجع : وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
14- . راجع : عمدة الأخبار : ص257 _ 258 ، وفاء الوفاء : ج3 ص949 .
15- . وفاءِ الوفاءِ : ج3 ص989 ، بحار الأنوار : ج22 ص299 وراجع : سنن أبي داوود : ج3 ص157 ح3004 ، الطبقات الكبرى : ج1 ص502 .
16- . الحشر : 6 .
17- . بحار الأنوار : ج22 ص299 وراجع : سنن أبي داوود : ج3 ص157 ح3004 ،
18- . مراصد الاطّلاع : ج2 ص531 .
19- . في المصدر: « قبلى »، ولا معنى له .
20- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
21- . من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 245 .
22- . راجع : دعائم الإسلام : ج 2 ص 341 .
23- . القاموس المحيط : ج1 ص136 .
24- . تاج العروس : ج2 ص462 .
25- . معجم البلدان : ج5 ص241 .
26- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
27- . عمدة الأخبار : ص303 .
28- . وفاء الوفاء : ج3 ص989 .
29- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 وراجع : الطبقات الكبرى : ج1 ص502 .
30- . عمدة الأخبار : ص398 ، وفاء الوفاء : ج4 ص1291 نحوه .
31- . وفاء الوفاء : ج3 ص988 وراجع الطبقات الكبرى : ج1 ص502 .
32- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
33- . وفاء الوفاء : ج3 ص993 .
34- . وفاء الوفاء : ج3 ص825 _ 826 وراجع : الطبقات الكبرى : ج8 ص502 .
35- . راجع : الإصابة : ج6 ص46 ، قاموس الرجال : ج8 ص458 ،فتوح البلدان للبلاذري :ص27 و28 ، الطبقات الكبرى : ج1 ص502 ، وفاء الوفاء : ج3 ص989 و988 و990 ، وج4 ص1166 ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج4 ص164 _ 165 ، معجم البلدان : ج5 ص241 و290 و291 ،البداية والنهاية : ج4 ص36 _ 37 ،تاج العروس : ج2 ص461 _ 462 في « وثب » ، الأحكام السلطانية للماوردي :ص196 ، الأحكام السلطانية أبي يعلى : ص183 ، الاكتفاء : ج2 ص103 ، بحار الأنوار : ج22 ص 298 عن السمهودي ، مقدمّة مرآة العقول : ج1 ص128 و129 ( عن الواقدي وامتاع الأسماع والاصابة ووفاء الوفاء ) ، عمدة الأخبار : ص439 و440 ، الكامل في التاريخ : ج1 ص557 ، التراتيب الإدارية : ج1 ص402 ، مراصد الاطّلاع : ج2 ص531 في « دلال » .
36- . راجع : وفاء الوفاء : ج3 ص990 _ 991 .

ص: 373

. .

ص: 374

. .

ص: 375

. .

ص: 376

. .

ص: 377

. .

ص: 378

. .

ص: 379

. .

ص: 380

. .

ص: 381

. .

ص: 382

. .

ص: 383

. .

ص: 384

. .

ص: 385

. .

ص: 386

. .

ص: 387

. .

ص: 388

. .

ص: 389

. .

ص: 390

. .

ص: 391

. .

ص: 392

. .

ص: 393

. .

ص: 394

. .

ص: 395

. .

ص: 396

. .

ص: 397

. .

ص: 398

. .

ص: 399

. .

ص: 400

. .

ص: 401

. .

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

. .

ص: 405

. .

ص: 406

. .

ص: 407

. .

ص: 408

. .

ص: 409

. .

ص: 410

. .

ص: 411

. .

ص: 412

. .

ص: 413

. .

ص: 414

. .

ص: 415

. .

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

. .

ص: 419

. .

ص: 420

. .

ص: 421

. .

ص: 422

. .

ص: 423

. .

ص: 424

. .

ص: 425

. .

ص: 426

. .

ص: 427

. .

ص: 428

. .

ص: 429

. .

ص: 430

. .

ص: 431

. .

ص: 432

. .

ص: 433

. .

ص: 434

. .

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

. .

ص: 439

. .

ص: 440

. .

ص: 441

. .

ص: 442

. .

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

. .

ص: 446

. .

ص: 447

. .

ص: 448

. .

ص: 449

. .

ص: 450

. .

ص: 451

. .

ص: 452

. .

ص: 453

. .

ص: 454

. .

ص: 455

. .

ص: 456

. .

ص: 457

. .

ص: 458

. .

ص: 459

. .

ص: 460

. .

ص: 461

. .

ص: 462

. .

ص: 463

. .

ص: 464

. .

ص: 465

. .

ص: 466

. .

ص: 467

. .

ص: 468

. .

ص: 469

. .

ص: 470

. .

ص: 471

. .

ص: 472

. .

ص: 473

. .

ص: 474

. .

ص: 475

. .

ص: 476

. .

ص: 477

. .

ص: 478

. .

ص: 479

. .

ص: 480

. .

ص: 481

. .

ص: 482

. .

ص: 483

. .

ص: 484

. .

ص: 485

. .

ص: 486

. .

ص: 487

. .

ص: 488

. .

ص: 489

. .

ص: 490

. .

ص: 491

. .

ص: 492

. .

ص: 493

. .

ص: 494

. .

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

. .

ص: 498

. .

ص: 499

فهرس المنابع و المآخذ

فهرس المنابع والمآخذ1. أبو ذرّ الغفاري، محمد جواد آل الفقيه (م 1405 ه )، بيروت: مؤسّسة الأعلمي . 2. إثبات الهداة ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (م 1104 ه ) ، قم : المطبعة العلميّة . 3. أحاديث أُم المؤمنين عائشة، مرتضى العسكري، معاصر، التوحيد للنشر . 4. الاحتجاج على أهل اللجاج ، أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (م 620 ه ) ، تحقيق : إبراهيم البهادري - محمّد هادي بهْ ، طهران: دار الاُسوة ، 1413 ه ، الاُولى . 5. إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل (مع تعليقات آية اللَّه العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي) ، نور اللَّه بن السيّد شريف الشوشتري (الشهيد القاضي)، (م 1019 ه ) ، قم: مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، 1411 ه ، الاُولى . 6. الأحكام السلطانيّة ، أبو يعلى محمّد بن الحسين الفرّاء الحنبلي (م 458 ه ) ، طهران: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1406 ه ، الثانية . 7. الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داوود الدينوري (م 282 ه )، تحقيق: عبدالمنعم عامر، قم: انتشارات الشريف الرضي ، 1409 ه ، الاُولى . 8. أخبار القضاة، أبو بكر محمّد بن خلف بن حبّان الضبي (وكيع) (م 306 ه ) ، بيروت: عالم الكتب. 9. الأخبار الموفّقيّات ، أبو عبد اللَّه الزبير بن بكّار القرشي (م 256 ه ) ، تحقيق : سامي مكّي العاني ، قم: منشورات الشريف الرضي ، 1416 ه ، الاُولى . 10. الاختصاص ، المنسوب إلى أبي عبداللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه)، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ه ، الرابعة. 11. اختيار مصباح السالكين ، ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، مشهد : مجمع البحوث الإسلامية . 12. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسي) ( م 460 ه ) تحقيق: مهدي الرجائي، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1404 ه ، الاُولى . 13. الأربعون حديثاً عن أربعين شيخاً من أربعين صحابيّاً ، منتجب الدين الرازي (م 585 ه ) ، تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم ، 1408 ه ، الاُولى . 14. الإرشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد ، أبو عبداللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 613 ق) ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1413 ه . 15. إرشاد القلوب، أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن الديلمي (م 711 ه) ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، 1398 ه ، الرابعة . 16. الإستبصار فيما اختلف من الأخبار، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه) ، تحقيق : حسن الموسوي الخرسان ، طهران : دار الكتب الإسلاميّة . 17. الاستيعاب في أسماء الأصحاب ، أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي المالكي (م 363 ه ) ، تحقيق : عليّ محمّد معوّض و عادل أحمد عبد الموجود ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1415 ه ، الاُولى . 18. اُسد الغابة في معرفة الصحابة ، أبو الحسن عزّالدين عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني (ابن الأثير الجزري) (م 630 ه ) ، تحقيق : عليّ محمّد معوّض وعادل أحمد عبد الموجود ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1415 ه ، الاُولى . 19. الإصابة في تمييز الصحابة ، أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمّد بن محمّد بن عليّ الكناني (ابن حجر العسقلاني) (م 852 ه ) ، تحقيق : ولي عارف ، مصر : مطبعة السعادة ، 1323 ه ، و بيروت : 1415 ه . 20. أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والرواة عنه ، محمّد هادي الأميني ، بيروت: دار الكتاب الإسلامي ، 1412 ه ، الاُولى . 21. الاُصول الستّة عشر ، عدّة من الرواة ، دار الشبستري ، قم ، 1405 ه ، الثانية . 22. أعلام الدين في صفات المؤمنين، أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن الديلمي (م 711 ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، 1414 ه، الثانية . 23. إعلام الورى بأعلام الهدى، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري ، بيروت: دارالمعرفة ، 1399 ه ، الاُولى . 24. أعيان الشيعة ، محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي الشقرائي (م 1371 ه ) ، إعداد : حسن الأمين ، بيروت: دار التعارف ، 1403 ه ، الخامسة . 25. الأغاني ، أبو الفرج عليّ بن الحسين الإصفهاني (م 356 ه ) ، تحقيق : خليل محي الدين ، بيروت: دار الكتب المصرية ، 1358 ه ، الأُولى . 26. الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة ، أبو القاسم عليّ بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (م 664 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1414 ه ، الاُولى . 27. الإكتفاء بما تضمّنه من مغازي رسول اللَّه والثلاثة الخلفاء ، أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي ، بيروت : عالم الكتب . 28. أمالي الشيخ الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة) (م 460 ه) ، قم : مكتبة الداوري . 29. أمالي الصدوق ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، بيروت: مؤسّسة الأعلمي ، 1400 ه ، الخامسة . 30. أمالي المرتضى ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى ) (م 426 ه ) ، قم: الأُولى . 31. أمالي المفيد ، أبو عبد اللَّه محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق : حسين اُستاد ولي و علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ه ، الثانية . 32. الإمامة والسياسة (تاريخ الخلفاء) ، أبو محمّد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (م 276 ه ) ، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى بابي الحلبي ، 1388 ه . 33. إنباه الرواة على إنباء النحاة ، علي بن يوسف القفطي (م 646 ه) ، القاهرة: مطبعة دار الكتب العربية، 1371 ه . 34. أنساب الأشراف ، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (م 279 ه ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، بيروت : دار المعارف ، الثالثة . 35. إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (السيرة الحلبيّة) ، علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي (القرن 11 ه ) ، بيروت: دار الفكر العربي، 1400 ه . 36. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهارعليهم السلام ، محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (م 1110ه) ، تحقيق ونشر: دار إحياء التراث ، بيروت ، 1412ه ، الثانية . 37. البحر الزخّار (مسند سعد بن أبي وقّاص) ، أبو بكر أحمد بن عمرو العتكي البزّار (م 292 ه ) ، القاهرة: مكتبة ابن تيميّة ، 1413 ه . 38. البداية والنهاية ، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (م 774 ه ) ، تحقيق ونشر : مكتبة المعارف ، بيروت . 39. البرصان و العرجان و العميان و الحولان ، أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني (الجاحظ) (م 255 ه ) ، تحقيق : عبد السلام محمّد هارون ، العراق: دار الرشيد ، 1982 م . 40. بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، أبو جعفر محمّد بن محمّد بن عليّ الطبري (م 525 ه ) ، المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، 1383 ه ، الثانية . 41. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فَرّوخ الصفّار القمّي (م 290 ه) ، تصحيح وتعليق : ميرزا محسن كوچه باغي التبريزي ، قم: مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، 1404 ه ، الاُولى . 42. بلاغات النساء ، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر (ابن طيفور) (م 280 ه ) ، قم: منشورات الشريف الرضي . 43. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ، محمّد تقي بن محمّد كاظم التستري (م 1415 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة نهج البلاغة ، طهران: أمير كبير ، 1418 ه ، الاُولى . 44. بهجة المجالس وأُنس المجالس ، أبو عمر يوسف بن عبداللَّه النمري القرطبي (ابن عبد البر) ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1981 م . 45. البيان والتبيين ، أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني الليثي (الجاحظ) (م 255 ه ) ، شرح : حسن السندوبي ، دار الجاحظ ، 1409 ه ، والقاهرة : مطبعة الاستقامة ، 1366 ه . 46. تاج العروس من جواهر القاموس ، محمّد بن محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي (م 1205 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت: دار الفكر ، 1414 ه ، الاُولى . 47. تاريخ ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمّد بن خلدون الحضرمي (م 808 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 48. تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير و الأعلام ، أبو عبداللَّه محمّد بن أحمد بن عثمان (الذهبي) (م 748 ه ) ، تحقيق : عمر عبدالسلام تدمري ، القاهرة: دار الرائد العربي ، 1405 ه ، و بيروت : دار الكتاب العربي ، 1411 ه ، و حيدر آباد الدكن ، 1354 ه . 49. تاريخ إصبهان ، أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني (م 430 ه ) ، تحقيق : سيّد كسروي حسن ، بيروت : دار الكتب العلميّة ، 1410 ه - 1990 م، الاُولى . 50. تاريخ الاُمم والملوك (تاريخ الطبري) ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، مصر : دار المعارف . 51. تاريخ بغداد أو مدينة السلام ، أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغدادي (م 463 ه ) ، المدينة المنوّرة : المكتبة السلفيّة . 52. تاريخ الخلفاء ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت : دار الجيل ، 1408 ه ، الاُولى . 53. تاريخ خليفة بن خيّاط ، أبو عمرو خليفة بن خيّاط العصفري (م 240 ه ) ، تحقيق : سهيل زكّار ، بيروت : دار الفكر ، 1414 ه . 54. تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس ، حسين بن محمّد بن الحسن الدياربكري المالكي (م 966 ه ) ، تحقيق : علي زغلول ، بيروت : دار الفكر ، 1406 ه . 55. التاريخ الصغير ، أبو عبد اللَّه محمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه ) ، تحقيق : محمود إبراهيم زائد ، بيروت: دار المعرفة ، 1406 ه ، الاُولى . . تاريخ الطبري = تاريخ الاُمم والملوك 56. التاريخ الكبير ، أبو عبد اللَّه محمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه ) ، بيروت: دار الفكر . 57. تاريخ مدينة دمشق ، أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة اللَّه المعروف بابن عساكر الدمشقي (م 571 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت : دار الفكر، 1415 ه ، الاُولى . 58. تاريخ اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح (اليعقوبي) (م 284 ه ) ، بيروت: دار صادر . 59. تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ، شرف الدين علي الغروي الحسيني الإسترآبادي النجفي (م ح 933 ه ) ، تحقيق: حسين استاد ولي، قم : مؤسّسة النشر الإسلامي، 1409 ه ، الاُولى . 60. تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله ، أبو محمّد الحسن بن عليّ الحرّاني (ابن شعبة) (م 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ، الثانية . 61. تدوين السنّة الشريفة ، محمّد رضا الحسيني الجلالي (معاصر) ، قم: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1413 ه ، الاُولى . 62. تذكرة الحفّاظ ، أبو عبد اللَّه شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 63. تذكرة الخواصّ ، يوسف بن فُرغلي بن عبد اللَّه (سبط ابن الجوزي) (م 654 ه ) ، تقديم : محمّد صادق بحر العلوم ، طهران: مكتبة نينوى الحديثة . . تذكرة خواصّ الاُمّة في خصائص الأئمّةعليهم السلام = تذكرة الخواصّ . التراتيب الإدارية = نظام الحكومة النبوية . تراجم مصنّفي الكتب العربية = معجم المؤلّفين . تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن . تفسير الطبري = جامع البيان في تفسير القرآن 64. تفسير العيّاشي ، أبو النضر محمّد بن مسعود السلمي السمرقندي (العيّاشي) (م 320 ه ) ، تحقيق : السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي ، طهران: المكتبة العلميّة ، 1380 ه ، الاُولى . . تفسير الفخر الرازي = التفسير الكبير ومفاتيح الغيب 65. تفسير فرات الكوفي ، أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (القرن الرابع الهجري) ، إعداد : محمّد الكاظم ، طهران: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1410 ه ، الاُولى . 66. تفسير القمّي ، أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307 ه ) ، إعداد : الطيّب الموسوي الجزائري ، مطبعة النجف الأشرف . 67. التفسير الكبير ومفاتيح الغيب ، أبو عبد اللَّه محمّد بن عمر (الفخر الرازي) (م 604 ه ) ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1408 ه ، والبهية: دار الطباعة العامرة . 68. تفسير نورالثقلين ، عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي (م 1112 ه ) ، تحقيق : هاشم الرسولي المحلّاتي ، قم: المطبعة العلمية ، 1412 ه ، الرابعة . 69. تقريب التهذيب، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني ، بيروت : دار الكتاب العلمية . 70. تلخيص الشافي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، بيروت: دار العلم للملايين ، 1402 ه . 71. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ، أبو الحسين ورّام بن أبي فراس (م 605 ه ) ، بيروت: دار التعارف ودار صعب . 72. تنزيه الأنبياء ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى ) (م 436 ه ) ، بيروت: دار الأضواء . 73. تنقيح المقال في علم الرجال ، عبد اللَّه بن محمّد حسن المامقاني (م 1351 ه ) ، بيروت: دار الكتاب العربي ، 1402 ه . 74. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسي) (م 460 ه ) ، بيروت: دار التعارف ، 1401 ه ، الاُولى . 75. تهذيب تاريخ دمشق الكبير ، أبو القاسم عليّ بن الحسين بن هبة اللَّه (ابن عساكر الدمشقي) (م 571 ه) ، تحقيق : عبدالقادر بدران ، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1407 ه ، الثالثة. 76. تهذيب التهذيب ، أبو الفضل أحمد بن علي بن أحمد (ابن حجر العسقلاني) (م 852 ه ) ، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1415 ه ، الاُولى . 77. تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، يونس بن عبد الرحمن المزّي (م 742 ه ) ، تحقيق : بشّار عوّاد معروف ، بيروت: مؤسّسة الرسالة ، 1409 ه ، الاُولى . 78. تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال ، محمّد علي الموحّد الأبطحي (معاصر) ، قم ، 1417 ه ، الثانية . 79. الثقات ، محمّد بن حبّان البُستي (م 354 ه ) ، حيدرآباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، 1404 ه ، الاُولى . 80. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، أبو جعفر محمّد بن عليّ القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، طهران: مكتبة الصدوق . 81. جامع البيان في تفسير القرآن ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه ) ، بيروت: دار الفكر . 82. جامع الرواة ، محمّد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري (م 1101 ه ) ، بيروت : دار الأضواء ، 1403 ه . 83. جامع السعادات ، محمّد مهدي بن أبي ذر النراقي (م 1209 ه ) ، تحقيق: محمّد كلانتر ، قم: مؤسّسة إسماعيليان للطباعة . 84. الجامع الصحيح ، أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (م 297 ه ) ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر ، بيروت: دار إحياء التراث . 85. الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، القاهرة ، 1306 ه ، الاُولى . 86. جمع الجوامع ، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، مصر: الهيئة المصرية العامّة ، الاُولى . 87. الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة ، أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق : السيّد عليّ مير شريفي ، قم: المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، 1413 ه ، الاُولى . 88. جمهرة خطب العرب ، أحمد زكي صفوت ، بيروت: المكتبة العلميّة . 89. جمهرة رسائل العرب ، أحمد زكي صفوت ، مصر: مطبعة مصطفى البابي وأولاده، 1391 ه . 90. الجواهر الحسان في تفسير القرآن ، عبدالرحمن بن محمّد بن مخلوف أبي زيد الثعالبي المالكي (م 875 ه ) ، تحقيق: علي محمّد معوّض - عادل أحمد عبدالموجود ، بيروت: دار إحياء التراث العربي . 91. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ، محمّد حسن بن محمّد باقر النجفي (ت 1266 - 1412 ه ) ، بيروت: مؤسّسة المرتضى العالمية ، 1412 ه ، الاُولى . 92. جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أبو البركات محمّد بن أحمد الباعوني الدمشقي (م 871 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، قم: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، 1415 ه ، الاُولى . 93. الحكمة الخالدة ، أبو علي أحمد بن محمّد مسكويه (م 1358ه ) ، طهران: جامعة طهران. 94. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الإصبهاني (م 430 ه ) ، بيروت: دار الكتاب العربي ، 1387 ه ، الثانية . 95. خاتمة مستدرك الوسائل ، ميرزا حسين بن الميرزا محمّد تقي بن علي النوري الطبرسي (م 1320 ه ) ، قم: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، 9 ج . 96. الخرائج والجرائح ، أبو الحسين سعيد بن عبد اللَّه الراوندي (قطب الدين الراوندي) (م 573 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي (عج) ، قم ، 1409 ه ، الاُولى . 97. خصائص الأئمّةعليهم السلام ، أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي ( الشريف الرضي ) (م 406 ه ) ، تحقيق : محمّد هادي الأميني ، مشهد : مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للحضرة الرضويّة المقدّسة ، 1406 ه . . خصائص أمير المؤمنين عليه السلام = خصائص الأئمّةعليهم السلام 98. خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (م 303 ه ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، 1403 ه ، الاُولى . 99. الخصال، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، بيروت: مؤسّسة الأعلمي ، 1410 ه ، الاُولى . 100. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهَّر الحلّي (م 726 ه ) ، تصحيح : محمّد صادق بحر العلوم ، قم: انتشارات الرضي ، الاُولى . 101. الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ، صدر الدين عليّ بن أحمد المدني الشيرازي (السيّد علي خان) (م 1120 ه ) ، قم: مكتبة بصيرتي ، 1397 ه ، الثانية . 102. الدرّ المنثور في التفسير المأثور ، عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (م 911 ه ) ، بيروت : دار الفكر ، 1403 ه ، الاُولى . 103. دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم ، أبو عبد اللَّه بن محمّد بن سلامة القضاعي (م 454 ه ) ، قم : مكتبة المفيد . 104. دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام ، أبو حنيفة النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363 ه ) ، تحقيق : آصف بن عليّ أصغر فيضي ، مصر: دار المعارف ، 1389 ه ، الثالثة . 105. دلائل النبوّة ، أحمد بن الحسين البيهقي (م 458 ه )، تحقيق: صقر ، بيروت: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية . 106. دلائل النبوّة ، أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الإصفهاني (م 430 ه )، بيروت : دار الفكر . 107. الديوان المنسوب إلى الإمام علي ، الإمام علي عليه السلام، قم: انتشارات پيام اسلام . 108. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، أبو العبّاس أحمد بن عبد اللَّه الطبري (م 693 ه ) ، بيروت: دار المعرفة . 109. ربيع الأبرار ونصوص الأخبار ، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (م 538 ه ) ، تحقيق : سليم النعيمي ، قم: منشورات الرضي ، 1410 ه ، الاُولى . 110. رجال ابن داوود ، أبو منصور الحسن بن عليّ بن داوود الحلّي (م 737 ه ) ، تحقيق: محمّد صادق آل بحر العلوم ، قم: انتشارات الشريف الرضي ، 1392 ه . 111. رجال البرقي ، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي الكوفي (م 274 ه ) ، طهران: جامعة طهران ، 1342 ه ، الاُولى . 112. رجال الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (الشيخ الطوسي) (م 460 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ه ، الاُولى . . رجال العلّامة الحلّي = خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . رجال الكشّي = اختيار معرفة الرجال . رجال النجاشي = تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال . رجال النجاشي = فهرس أسماء مصنّفي الشيعة 113. روضة الواعظين ، محمّد بن حسن بن عليّ بن أحمد الفتّال النيشابوري (م 508 ه ) ، تحقيق: غلامحسين المجيدي و مجتبى الفرجي، قم: منشورات دليل ما . 114. رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين ، علي صدر الدين ابن معصوم (السيّد علي خان المدني) (م 1120 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1409 - 1413 ه . 115. الرياض النضرة في فضائل العشرة ، محبّ الدين الطبري الشافعي (م 694 ه) ، بيروت، 1403 ه . 116. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (م 598 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1410 ه ، الثانية . 117. سفينة البحار و مدينة الحِكَم و الآثار ، عباس بن محمّد رضا القمّي (م 1359 ه ) ، طهران: دار الاُسوة ، 1414 ه ، الاُولى . 118. سنن ابن ماجة ، أبو عبد اللَّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (م 275 ه ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1395 ه ، الاُولى . 119. سنن أبي داوود ، أبو داوود سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي (م 275 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت: دار إحياء السنّة النبوية . . سنن الترمذي = الجامع الصحيح 120. السنن الكبرى ، أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (م 458 ه ) ، تحقيق : محمّد عبد القادر عطا ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1414 ه ، الاُولى . 121. سنن النسائي (بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي) ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (م 303 ه ) ، بيروت: دار المعرفة ، 1414 ه . 122. سير أعلام النبلاء ، أبو عبد اللَّه محمّد بن أحمد الذهبي (م 748 ه ) ، تحقيق : شُعيب الأرنؤوط ، بيروت : مؤسّسة الرسالة ، 1414 ، العاشرة . . سيرة ابن هشام = السيرة النبوية . السيرة الحلبيّة = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون 123. السيرة النبويّة ، أبو محمّد عبد الملك بن هشام بن أيّوب الحميري (م 218 ه ) ، تحقيق : مصطفى السقّا - إبراهيم الأبياري ، قم: مكتبة المصطفى ، 1355 ه ، الاُولى . 124. الشافي في الإمامة ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى) (م 436 ه ) ، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، طهران: مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، 1410 ه ، الثانية . 125. شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار ، أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد المصري (م 363 ه ) ، تحقيق : محمّد الحسيني الجلالي ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 ه ، الاُولى . . شرح صحيح البخاري = عُمدة القاري 126. شرح نهج البلاغة ، عزّ الدين عبد الحميد بن محمّد بن أبي الحديد المعتزلي (ابن أبي الحديد) (م 656 ه ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت: دار إحياء التراث ، 1387 ه ، الثانية . . شرح نهج البلاغة الوسيط = اختيار مصباح السالكين 127. شرف النبي المصطفى ، أحمد بن عبدالملك بن أبي عثمان بن محمّد بن إبراهيم الخركوشي النيشابوري الواعظ (م 407 ه) ، الاُولى . 128. شُعب الإيمان ، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (م 458 ه ) ، تحقيق : محمّد السعيد بسيوني زغلول ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1410 ه ، الاُولى . 129. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، أبو القاسم عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن أحمد (الحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي النيسابوري) (القرن الخامس الهجري) ، تحقيق وتعليق : محمّد باقر المحمودي ، طهران: مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1411 ه ، الاُولى . 130. الشيعة وفنون الإسلام ، حسن بن هادي الصدر (م 1331 ه ) ، صيدا : مطبعة العرفان . 131. صبح الأعشى في صناعة الإنشاء ، أحمد بن عبد اللَّه القلقشندي (م 821 ه ) ، مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي . 132. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة ، أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 398 ه ) ، بيروت: دار العلم للملايين . 133. صحيح البخاري ، أبو عبد اللَّه محمّد بن إسماعيل البخاري (م 256 ه ) ، تحقيق : مصطفى ديب البغا ، بيروت: دار ابن كثير ، 1410 ه ، الرابعة. 134. صحيح مسلم ، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (م 261 ه ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، القاهرة: دار الحديث ، 1412 ه ، الاُولى . 135. الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة ، أحمد بن حجر الهيثمي المكي (م 974 ه ) ، تخريج وتعليق وتقديم: عبدالوهاب عبداللطيف، مصر : مكتبة القاهرة ، 1385 ه - 1965م، الثانية . 136. الطبقات ، أبو عمرو خليفة بن خيّاط العصفري (م 204 ه ) ، تحقيق : سهيل زكّار ، بيروت: دار الفكر ، 1414 ه . 137. الطبقات الكبرى ، محمّد بن سعد كاتب الواقدي (م 230 ه ) ، بيروت: دار صادر . 138. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، أبو القاسم عليّ بن موسى الحلّي (م 664 ه ) ، قم: مطبعة الخيّام ، 1400 ه ، الاُولى . 139. العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة ، جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن عليّ المطهّر (العلّامة الحلّي) (م 726 ه ) ، تحقيق : مهدي الرجائي ، قم: مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، 1408 ه ، الاُولى . 140. العقد الفريد ، أبو عمر أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي (م 328 ه ) ، تحقيق : أحمد الزين و إبراهيم الأبياري ، بيروت : دار الأندلس ، 1408 ه ، الاُولى . 141. علل الشرائع ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث ، 1408 ه ، الاُولى . 142. عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، أحمد بن عليّ الحسني (ابن عنبة) (م 828 ه ) ، تحقيق: آل الطالقاني ، قم: انتشارات الشريف الرضي ، الثانية ، 1362 ش . . العمدة = عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار 143. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار ، يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي (ابن بطريق) (م 600 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ه ، الاُولى . 144. عُمدة القاري ، أبو محمّد محمود بن أحمد العيني (م 855 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 145. عوالي اللآلي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة ، محمّد بن عليّ بن إبراهيم الإحسائي (ابن أبي جمهور) (م 940 ه ) ، تحقيق : مجتبى العراقي ، قم: مطبعة سيّد الشهداء ، 1403 ه ، الاُولى . 146. عيون الأخبار ، أبو محمّد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (م 276 ه ) ، قم: منشورات الشريف الرضي ، 1343 ه ، الاُولى . 147. عيون أخبار الرضاعليه السلام ، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، تحقيق : مهدي الحسيني اللاجوردي ، طهران: منشورات جهان . 148. عيون الحكم والمواعظ ، أبو الحسن عليّ بن محمّد الليثي الواسطي (قرن 6 ه ) ، تحقيق : حسين الحسني البيرجندي ، قم: دار الحديث ، 1376 ش ، الاُولى . 149. الغارات ، أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد (ابن هلال الثقفي) (م 283 ه ) ، تحقيق : جلال الدين المحدّث الأُرموي ، طهران: منشورات أنجمن آثار ملّي ، 1395 ه ، الاُولى . 150. الغدير في الكتاب والسنّة والأدب ، عبد الحسين أحمد الأميني (م 1390 ه ) ، بيروت: دار الكتاب العربي ، 1387 ه ، الثالثة. 151. غرر الخصائص الواضحة ، إبراهيم بن يحيى الكتبي (الوطواط)، أُخذ بالواسطة . 152. الغيبة ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، تحقيق : عباد اللَّه الطهراني وعلي أحمد ناصح ، قم: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة ، 1411 ه ، الاُولى . 153. فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمّد العسقلاني (ابن حجر) (م 852 ه ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي . 154. الفتوح ، أبو محمّد أحمد بن أعثم الكوفي (م 314 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت: دار الأضواء ، 1411 ه ، الاُولى . 155. فتوح البلدان ، أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري (م 279 ه ) ، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية . 156. الفخري في أنساب الطالبيين ، إسماعيل بن الحسين المروزي . 157. فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والأئمّة من ذريّتهم عليهم السلام ، إبراهيم بن محمّد بن المؤيد بن عبد اللَّه الجويني الخراساني (م 730 ه ) ، إعداد : محمّد باقر المحمودي ، بيروت : مؤسّسة المحمودي للطباعة والنشر ، 1398 ه - 1978 م ، الاُولى . 158. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، غياث الدين عبد الكريم بن أحمد الطاووسي العلوي (م 693 ه ) ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية . 159. الفردوس بمأثور الخطاب ، أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني (م 509 ه ) ، تحقيق : السعيد ابن بسيوني زغلول ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1406 ه ، الاُولى . 160. الفصول المختارة من العيون والمحاسن ، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (الشريف المرتضى وعلم الهدى) (م 436 ه ) ، قم: المؤتمر العالمي بمناسبة ذكرى ألفيّة الشيخ المفيد ، 1413 ه ، الاُولى . 161. فضائل الصحابة ، أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل الشيباني (م 241 ه ) ، مراجعة : وصي اللَّه محمّد عبّاس ، دار العلم : مكّة المكرّمة ، 1403 ، الاُولى . . الفقيه = كتاب من لا يحضره الفقيه 162. فهرس أسماء مصنّفي الشيعة ، أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي (م 450 ه ) ، بيروت: دار الأضواء ، 1408 ه ، الاُولى . 163. الفهرست ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم : مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ه ، الاُولى . 164. القاموس المحيط و القابوس الوسيط ، محمّد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي الشافعي (م 817 ه ) ، القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1952 م ، الثانية . 165. قرب الإسناد ، أبو العبّاس عبداللَّه بن جعفر الحِمْيري القمّي (م بعد 304 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1413 ه ، الاُولى . 166. القواعد والفوائد ، أبو عبداللَّه محمّد بن جمال الدين المكّي العاملي (الشهيد الأوّل) (م 786 ه ) ، قم: منشورات مكتبة المفيد . 167. القواعد والفوائد الحديثية من منهاج السنّة النبوية ، أبو العبّاس أحمد بن عبدالحليم الحرَّاني ، مكّة المكرّمة: دار عالم الفوائد ، 1417 ه . 168. الكافي ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ثقة الإسلام) (م 329 ه )، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، دار الكتب الإسلاميّة ، 1388 ه . 169. الكامل ، أبو العبّاس محمّد بن يزيد الأزدي (المبرّد) (م 285 ه ) ، تحقيق: محمّد أحمد الدالي ، بيروت: مؤسّسة الرسالة ، 1413 ه ، الثانية . 170. الكامل في التاريخ ، أبو الحسن عليّ بن محمّد الشيباني الموصلي (ابن الأثير) (م 630 ه ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1408 ه ، الاُولى . 171. كتاب سليم بن قيس ، سليم بن قيس الهلالي العامري (م حوالي 90 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر الأنصاري ، قم: نشر الهادي ، 1415 ه ، الاُولى . 172. كتاب العين ، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (م 175 ه ) ، تحقيق : مهدي المخزومي ، قم: دار الهجرة ، 1409 ه ، الاُولى . 173. كتاب من لا يحضره الفقيه ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، طهران : دار الكتب الإسلاميّة ، 1390 ه . 174. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ، عليّ بن عيسى الإربلي (م 687 ه ) ، تصحيح : هاشم الرسولي المحلّاتي ، بيروت: دار الكتاب الإسلامي ، 1401 ه ، الاُولى . 175. كشف المحجّة لثمرة المُهْجة ، أبو القاسم عليّ بن موسى بن طاووس الحلّي (م 664 ه ) ، تحقيق : محمّد الحسّون ، قم: مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 ه ، الاُولى . 176. كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر (العلّامة الحلّي) (م 726 ه ) ، تحقيق : حسين درگاهي ، إحياء التراث العربي . 177. كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الإثني عشر ، أبو القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز القمّي (القرن الرابع الهجري) ، تحقيق : عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري ، قم: انتشارات بيدار ، 1401 ه ، الأُولى . . كنز جامع الفوائد = تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة 178. كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ، علاء الدين عليّ المتّقي بن حسام الدين الهندي (م 975 ه ) ، تصحيح : صفوة السقّا ، بيروت: مكتبة التراث الإسلامي ، 1397 ه ، الاُولى . 179. كنز الفوائد ، أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449 ه ) ، إعداد : عبد اللَّه نعمة ، قم: دار الذخائر ، 1410 ه ، الاُولى . 180. الكنى والألقاب ، عبّاس بن محمّد رضا القمّي (م 1359 ه ) ، طهران: مكتبة الصدر ، 1368 ه ، الخامسة . 181. اللباب في تهذيب الأنساب ، عزّ الدين المبارك بن محمّد بن محمّد بن الأثير الشيباني الشافعي (م 606 ه ) ، مكّة المكرّمة: المكتبة الفيصلية [ بي تا] . 182. اللباب في تهذيب الأنساب ، أبو الحسن علي بن محمّد الشيباني الموصلي ، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1420 ه . 183. لسان العرب ، أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (م 711 ه ) ، بيروت : دار صادر ، 1410 ه 1990 م ، الاُولى . 184. لسان الميزان ، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (م 852 ه ) ، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود وعليّ محمّد معوّض، بيروت: دار الكتب العلمية، 1416 ه ، الاُولى . 185. لغة نامه دهخدا ، علي أكبر دهخدا (م 1956 م) ، طهران : جامعة طهران - كلية الآداب ، مطبعة سيروس ، 1968 م . 186. مجمع الأمثال ، أبو الفضل أحمد بن محمّد الميداني النيسابوري (م 518 ه ) ، بيروت: دار الجيل، 1416 ه . 187. مجمع البحرين ، فخر الدين الطريحي (م 1085 ه ) ، تحقيق : أحمد الحسيني ، طهران: مكتبة نشر الثقافة الإسلاميّة ، 1408 ه ، الثانية . 188. مجمع البيان في تفسير القرآن ، أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548 ه ) ، تحقيق : هاشم الرسولي المحلّاتي و فضل اللَّه اليزدي الطباطبائي ، بيروت: دار المعرفة ، 1408 ه ، الثانية . 189. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، نور الدين عليّ بن أبي بكر الهيثمي (م 807 ه ) ، تحقيق : عبد اللَّه محمّد درويش ، بيروت: دار الفكر ، 1412 ه ، الاُولى . 190. مجموعة الوثائق السياسية ، محمّد حميد اللَّه الحيدرآبادي، بيروت: دار النفائس، 1405 ه . . مجموعة ورّام = تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 191. المحاسن ، أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280 ه ) ، تحقيق : مهدي الرجائي ، قم: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ، 1413 ه ، الاُولى . 192. المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء ، محمّد بن المرتضى (المولى محسن الكاشاني) (م 1091 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ه ، الثالثة . 193. مختصر تاريخ دمشق ، محمّد بن مكرم الأنصاري (ابن منظور) (م 711 ه ) ، تحقيق: راتب حمّوش ، دمشق: دار الفكر . 194. مراصد الاطّلاع ، أبو الفضائل عبدالمؤمن بن عبدالحقّ البغدادي ، بيروت : دار المعرفة ، 1373 ه . 195. مروج الذهب ومعادن الجوهر ، أبو الحسن عليّ بن الحسين المسعودي (م 346 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، مصر: مطبعة السعادة ، 1384 ه ، الرابعة . 196. المستدرك على الصحيحين ، أبو عبد اللَّه محمّد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابوري (م 405 ه ) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، بيروت: دار الكتب العلميّة ، 1411 ه ، الاُولى . 197. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، ميرزا حسين النوري الطبرسي (م 1320 ه ) ، قم: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ه ، الاُولى . 198. المسترشد في إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه ) ، تحقيق: أحمد المحمودي ، طهران: مؤسّسة الثقافة الإسلاميّة لكوشانبور ، 1415 ه ، الاُولى . 199. مسند أبي يعلى الموصلي ، أبو يعلى أحمد بن عليّ بن المثنّى التميمي الموصلي (م 307ه )، تحقيق وتعليق: إرشاد الحق الأثري، جدّة: دار القبلة للثقافة ، 1408 ه ، الاُولى . 200. مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني (م 241ه )، تحقيق: عبداللَّه محمّد الدرويش، بيروت: دار الفكر ، 1414 ه ، الثانية . 201. مسند الإمام زيد (مسند زيد) ، المنسوب إلى زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام (م 122 ه ) ، بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة ، 1966 م ، الاُولى . . مسند البزّار = البحر الزخّار 202. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ، أبو الفضل عليّ الطبرسي (القرن السابع الهجري) ، تحقيق : مهدي هوشمند ، قم: دار الحديث ، 1418 ه ، الاُولى . 203. مصباح المتهجّد ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (م 460 ه ) ، تحقيق : علي أصغر مرواريد ، بيروت: مؤسّسة فقه الشيعة ، 1411 ه ، الاُولى . 204. المصنّف ، أبو بكر عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني (م 211 ه ) ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ، بيروت: المجلس العلمي . 205. المصنّف في الأحاديث والآثار ، أبو بكر عبد اللَّه بن محمّد بن أبي شيبة العبسي الكوفي (م 235 ه ) ، تحقيق : سعيد محمّد اللحّام ، بيروت: دار الفكر ، 1409 ، الاُولى . 206. معادن الحكمة في مكاتيب الأئمّة ، محمّد بن الحسن بن المرتضى الفيض الكاشاني (عَلَمُ الهُدى ) (م 1115 ه ) ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ه . 207. المعارف ، أبو محمّد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة (م 213 ه ) ، حقّقه وقدّم له : ثروت عكاشة ، مصر : دار المعارف ، الثانية . 208. معاني الأخبار ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش ، الاُولى . 209. معجم البلدان ، أبو عبد اللَّه شهاب الدين ياقوت بن عبد اللَّه الحموي الرومي(م 626 ه ) ، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1399 ه ، الاُولى . 210. معجم رجال الحديث ، أبو القاسم بن علي أكبر الخوئي (م 1413 ه ) ، بيروت: دار إحياء التراث ، 1403 ه . 211. المعجم الصغير ، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الشامي الطبراني (م 360 ه ) ، تحقيق : محمّد عثمان ، بيروت: دار الفكر ، 1401 ه ، الثانية . 212. معجم قبائل العرب ، عمر رضا كحّالة ، بيروت: مؤسّسة الرسالة ، 1414 ه ، السابعة . 213. المعجم الكبير ، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني (م 360 ه ) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، بيروت: دار إحياءالتراث العربي ، 1404 ه ، الثانية. 214. معجم المؤلّفين ، عمر رضا كحّالة ، بغداد: مكتبة المثنى و بيروت: دار إحياء التراث العربي ، 1409 ه . 215. المعيار والموازنة ، أبو جعفر محمّد بن عبد اللَّه الإسكافي (م 240 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي . 216. مفردات ألفاظ القرآن ، أبو القاسم الحسين بن محمّد الراغب الأصفهاني (م 502 ه ) ، تحقيق : صفوان عدنان داوودي ، دمشق: بيروت: دار القلم ، 1412 ه ، الاُولى . 217. المفصّل ، محمود بن عمر بن محمّد بن أحمد الزمخشري (م 538 ه) . 218. المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، جواد علي ، بغداد: جامعة بغداد ، 1413 ه . 219. مقاتل الطالبيّين ، أبو الفرج عليّ بن الحسين بن محمّد الإصبهاني (م 356 ه ) ، تحقيق : أحمد صقر ، قم: منشورات الشريف الرضي ، 1405 ه ، الاُولى . 220. مقتل الحسين ، أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي (م 157 ه )، قم: المطبعة العلمية ، 1364 ش ، الثانية . 221. مقتل الحسين ، موفّق بن أحمد بن محمّد المكّي الخوارزمي (م 568 ه ) ، تحقيق: محمّد السماوي، قم : مكتبة المفيد . 222. مقدّمة ابن خلدون ، عبدالرحمن بن محمّد بن خلدون (م 808 ه ) ، بيروت: دار إحياء التراث العربي . 223. المقنعة ، أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1410 ه ، الثانية . 224. ملحقات إحقاق الحقّ ، شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي ، قم : مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، 1408 ه . 225. الملهوف على قتلى الطفوف ، أبو القاسم عليّ بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (م 664 ه ) ، تحقيق : فارس تبريزيان ، طهران: دار الاُسوة ، 1414 ه ، الاُولى . 226. مناقب آل أبي طالب ، أبو جعفر رشيد الدين محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (م 588 ه ) ، قم: المطبعة العلمية . . مناقب ابن شهرآشوب = مناقب آل أبي طالب 227. مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، محمّد بن سليمان الكوفي القاضي (م 300 ه ) ، تحقيق : محمّد باقر المحمودي ، قم: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، 1412 ه ، الاُولى . 228. مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد الواسطي الشافعي (ابن المغازلي) (م 483 ه ) ، إعداد : محمّد باقر البهبودي ، طهران: المكتبة الإسلاميّة ، 1402 ه ، الثانية . . المناقب لابن الدمشقي = جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام . المناقب لابن المغازلي = مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام 229. المنتخب من كتاب ذيل المذيّل ، الطبري، بيروت: مؤسّسة الأعلمي . 230. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ، حبيب اللَّه بن محمّد العلوي الخوئي (م 1324 ه ) ، بيروت: مؤسّسة الوفاء ، 1403 ه . 231. مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي ، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي . 232. مهج الدعوات ومنهج العبادات ، أبو القاسم بن موسى الحلّي (ابن طاووس) (م 664 ه ) ، قم: دار الذخائر ، 1411 ه ، الاُولى . 233. ميزان الإعتدال في نقد الرجال، أبو عبداللَّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (م 748 ه )، تحقيق: علي محمّد البجاوي، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1963 م . 234. ميزان الحكمة ، محمّد المحمّدي الريشهري ، قم: دار الحديث ، 1416 ه ، الاُولى . 235. نثر الدرّ ، أبو سعيد منصور بن الحسين الآبي (م 421 ه ) ، تحقيق : محمّد علي قرنة ، مصر: الهيئة المصريّة العامّة ، 1981 م ، الاُولى . 236. نزهة الألبّاء في طبقات الأُدباء ، عبدالرحمن بن محمّد الأنباري . 237. نظام الحكومة النبوية (التراتيب الإداريّة) ، عبدالحي الكتاني الإدريسي الحسني الفاسي، بيروت: دار الكتاب العربي . 238. نفس المهموم ، عبّاس بن محمّد رضا القمّي ، قم: انتشارات ذوي القربى ، 1412 ه . 239. النوادر ، أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي (القرن الثالث الهجري) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي (عج) - قم ، 1408 ، الاُولى . 240. نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، أحمد بن عبداللَّه القلقشندي (م 821 ه) ، بيروت: إدارة البحوث العلمية ، 1402 ه . 241. النهاية في غريب الحديث والأثر ، أبو السعادات مبارك بن مبارك الجزري (ابن الأثير) (م 606 ه ) ، تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ، قم: مؤسّسة إسماعيليان ، 1367 ش ، الرابعة . 242. نهج البلاغة ، ما اختاره أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي (الشريف الرضي) (م 406 ه ) من كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، تحقيق: كاظم المحمّدي و محمّد الدشتي ، قم: انتشارات الإمام علي عليه السلام، 1369 ش ، الثانية . 243. نهج الحقّ و كشف الصدق ، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (العلّامة الحلّي) (م 726 ه ) ، تحقيق: عين اللَّه الحسني الإرموي ، قم: دار الهجرة ، 1407 ه ، الاُولى . 244. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ، محمّد باقر المحمودي (معاصر) ، بيروت: مؤسّسة الأعلمي . 245. الوافي، المولى محسن بن مرتضى (الفيض الكاشاني) (م 1091 ه ) ، تحقيق : ضياء الدين الحسيني الإصفهاني ، شرح: رفيع الدين نائيني ، إصفهان: مكتبة أميرالمؤمنين علي عليه السلام العامة ، 1406 ه ، الاُولى ، 17 ج . 246. الوافي بالوفيات ، صفيّ الدين خليل بن أيبك الصَّفَدي (م 749 ه ) ، قيسبادان (ألمانيا): فرانزشتاينر ، 1381 ه ، الثانية . 247. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (م 1104 ه ) ، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم ، 1409 ه ، الاُولى . 248. وفاء الوفاء بأخبار المصطفى ، أبو الحسن عليّ بن عبد اللَّه السمهودي ، القاهرة: مطبعة الآداب والمؤيد ، 1326 م . 249. وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان ممّا ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان ، شمس الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد البرمكي (ابن خلّكان) (م 681 ه ) ، تحقيق : إحسان عبّاس ، بيروت: دار صادر ، 1398 ه . 250. وقعة صفّين ، نصر بن مزاحم المنقري (م 212 ه ) ، تحقيق و شرح : عبد السلام محمّد هارون ، قم: مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، 1382 ه ، الثانية . 251. ينابيع المودّة لذوي القربى ، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (م 1294 ه ) ، تحقيق : عليّ جمال أشرف الحسيني ، طهران: دار الاُسوة للطباعة والنشر ، 1416 ه ، الاُولى .

.

ص: 500

. .

ص: 501

. .

ص: 502

. .

ص: 503

. .

ص: 504

. .

ص: 505

. .

ص: 506

. .

ص: 507

. .

ص: 508

. .

ص: 509

. .

ص: 510

. .

ص: 511

. .

ص: 512

. .

ص: 513

. .

ص: 514

. .

ص: 515

. .

ص: 516

. .

ص: 517

. .

ص: 518

. .

ص: 519

. .

ص: 520

. .

ص: 521

. .

ص: 522

. .

ص: 523

الفهرس التفصيلي .

ص: 524

. .

ص: 525

. .

ص: 526

. .

ص: 527

. .

ص: 528

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.