سرشناسه : محمدي ري شهري، محمد، 1325 -
عنوان و نام پديدآور : موسوعه الامام علي بن ابي طالب في الكتاب و السنه و التاريخ/ محمد الري شهري، بمساعده محمدكاظم طباطبائي، محمود طباطبائي نژاد؛ مراجعه النهايه حيدر المسجدي، مجتبي الغيوري.
مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر، 1421ق.= 1379.
مشخصات ظاهري : 8 ج.
فروست : مركز بحوث دا رالحديث؛ 16.
شابك : 300000 ريال: دوره 964-493-216-1 : ؛ ج.1 964-493-217-X : ؛ ج.2 964-493-218-8 : ؛ ج. 3، چاپ دوم 964-493-219-6 : ؛ ج.4 964-493-220-X : ؛ ج. 6، چاپ دوم 964-493-222-6 : ؛ ج.7، چاپ دوم 964-493-223-4 : ؛ 22000ريال: ج.12 964-5985-89-7 :
يادداشت : عربي.
يادداشت : فهرستنويسي بر اساس جلد دوم: 1427ق. = 1385.
يادداشت : چاپ دوم.
يادداشت : ج.1، 3، 4، 6 و 7 (چاپ دوم: 1427ق. = 1385).
يادداشت : ج.4 (چاپ؟: 1427ق.= 1385).
يادداشت : ج.12(چاپ اول: 1421ق.=1379).
يادداشت : كتابنامه.
موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت
موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اصحاب
موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- فضايل
شناسه افزوده : طباطبائي، سيدمحمدكاظم، 1344 -
شناسه افزوده : طباطبايي، محمود، 1239 - 1319ق.
شناسه افزوده : مسجدي، حيدر
شناسه افزوده : غيوري،سيد مجتبي، 1350 -
رده بندي كنگره : BP37/م36م8 1379
رده بندي ديويي : 297/951
شماره كتابشناسي ملي : 1670645
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
الفصل الرابع : عزم الإمام على قتال معاوية ثانيا4 / 1خُطبَةُ الإِمامِ قَبلَ المَسيرِ إلَى الشّامِتاريخ الطبري عن عبد الملك بن أبي حرّة :لَمّا خَرَجَتِ الخَوارِجُ وهَرَبَ أبو موسى إلى مَكَّةَ ورَدَّ عَلِيٌّ ابنَ عَبّاسٍ إلى البَصرَةِ ، قامَ فِي الكوفَةِ فَخَطَبَهُم ، فَقالَ : الحَمدُ للّهِِ وإن أتَى الدَّهرُ بِالخَطبِ الفادِحِ ، وَالحَدَثانِ الجَليلِ ، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ . أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ المَعصِيَةَ تورِثُ الحَسرَةَ ، وتُعقِبُ النَّدَمَ ، وقَد كُنتُ أمَرتُكُم في هذَينِ الرَّجُلَينِ وفي هذِهِ الحُكومَةِ أمري ، ونَحَلتُكُم رَأيي ، لَو كانَ لِقَصيرٍ أمرٌ ! ولكِن أبَيتُم إلّا ما أرَدتُم ، فَكُنتُ أنَا وأنتُم كَما قالَ أخو هَوازِنَ : أمَرتُهُمُ أمري بِمُنعَرَجِ اللِّوىَ فَلَم يَستَبينُوا الرُّشدَ إلّا ضُحَى الغَدِ ألا إنَّ هذَينِ الرَّجُلَينِ اللَّذَينِ اختَرتُموهُما حَكَمَينِ قَد نَبَذا حُكمَ القُرآنِ وَراءَ ظُهورِهِما ، وأحيَيا ما أماتَ القرآنُ ، وَاتَّبَعَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما هَواهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ ، فَحَكَما بِغَيرِ حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ ، ولا سُنَّةٍ ماضِيَةٍ ، وَاختَلَفا في حُكمِهِما ، وكِلاهُما لَم يَرشُد ، فَبَرِئَ اللّهُ مِنهُما ورَسولُهُ وصالِحُ المُؤمِنينَ . اِستَعِدّوا وتَأَهَّبوا لِلمَسيرِ إلَى الشّامِ ،
.
ص: 8
وأصبِحوا في مُعَسكَرِكُم إن شاءَ اللّهُ يَومَ الإِثنَينِ (1) .
4 / 2اِستِنصارُ الإِمامِ الخَوارِجَ في قِتالِ مُعاوِيَةَتاريخ الطبري عن عبد الملك بن أبي حرّة :كَتَبَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] إلَى الخَوارِجِ بِالنَّهرِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى زَيدِ بنِ حُصَينٍ ، وعَبدِ اللّهِ بنِ وَهبٍ ، ومَن مَعَهُما مِنَ النّاسِ . أمّا بَعدُ ، فَإنَّ هذَينِ الرَّجُلَينِ اللَّذَينِ ارتَضَينا حُكمَهُما قَد خالَفا كِتابَ اللّهِ ، وَاتَّبَعا أهواءَهُما بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ ، فَلَم يَعمَلا بِالسُّنَّةِ ، ولَم يُنفِذا لِلقُرآنِ حُكما ، فَبَرِئَ اللّهُ ورَسولُهُ مِنهُما وَالمُؤمِنونَ ، فَإِذا بَلَغَكُم كِتابي هذا فَأَقبِلوا ؛ فَإِنّا سائِرونَ إلى عَدُوِّنا وعَدُوِّكُم ، ونَحنُ عَلَى الأَمرِ الأَوَّلِ الَّذي كُنّا عَلَيهِ . وَالسَّلامُ . وكَتَبوا إلَيهِ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكَ لَم تَغضَب لِرَبِّكَ ، إنَّما غَضِبتَ لِنَفسِكَ ، فَإِن شَهِدتَ عَلى نَفسِكَ بِالكُفرِ وَاستَقبَلتَ التَّوبَةَ نَظَرنا فيما بَينَنا وبَينَكَ ، وإلّا فَقَد نابَذناكَ عَلى سَواءٍ ، إنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الخائِنينَ . فَلَمّا قَرَأَ كِتابَهُم أيِسَ مِنهُم ، فَرَأى أن يَدَعَهُم ويَمضِيَ بِالنّاسِ إلى أهلِ الشّامِ حَتّى يَلقاهُم فَيُناجِزَهُم (2) .
أنساب الأشراف عن أبي مجلز :بَعَثَ عَلِيٌّ إلَى الخَوارِجِ أن سيروا إلى حَيثُ شِئتُم ، ولا
.
ص: 9
تُفسِدوا فِي الأَرضِ ؛ فَإِنّي غَيرُ هائِجِكُم ما لَم تُحدِثوا حَدَثا . فَساروا حَتّى أتَوُا النَّهرَوانَ ، وأجمَعَ عَلِيٌّ عَلى إتيانِ صِفّينَ ، وبَلَغَ مُعاوِيَةَ فَسارَ حَتّى أتى صِفّينَ . وكَتَبَ عَلِيٌّ إلَى الخَوارِجِ _ بِالنَّهرَوانِ _ : أمّا بَعدُ ، فَقَد جاءَكُم ما كُنتُم تُريدونَ ، قَد تَفَرَّقَ الحَكَمانِ عَلى غَيرِ حُكومَةٍ ولَا اتِّفاقٍ ، فَارجِعوا إلى ما كُنتُم عَلَيهِ ، فَإِنّي اُريدُ المَسيرَ إلَى الشّامِ . فَأَجابوهُ : أنَّهُ لا يَجوزُ لَنا أن نَتَّخِذَكَ إماما وقَد كَفَرتَ حَتّى تَشهَدَ عَلى نَفسِكَ بِالكُفرِ ، وتَتوبَ كَما تُبنا ، فَإِنَّكَ لَم تَغضَب للّهِِ ، إنَّما غَضِبتَ لِنَفسِكَ . فَلَمّا قَرَأَ جَوابَ كِتابِهِ إلَيهِم يَئِسُ مِنهُم ، فَرَأى أن يَمضِيَ مِن مُعَسكَرِهِ بِالنُّخَيلَةِ _ وقَد كانَ عَسكَرَ بِها حينَ جاءَ خَبرُ الحَكَمَينِ _ إلَى الشّامِ ، وكَتَبَ إلى أهلِ البَصرَةِ فِي النُّهوضِ مَعَهُ (1) .
4 / 3نُزولُ عَسكَرِ الإِمامِ بِالنُّخَيلَةِالأخبار الطوال_ بَعدَ ذِكرِ رِسالَةِ الإِمامِ عليه السلام إلَى الخَوارِجِ وجَوابِهِم لَهُ _: لَمّا قَرَأَ عَلِيٌّ كِتابَهُم يَئِسَ مِنهُم ، ورَأى أن يَدَعَهُم عَلى حالِهِم ، ويَسيرَ إلَى الشّامِ ؛ لِيُعاوِدَ مُعاوِيَةَ الحَربَ ، فَسارَ بِالنّاسِ حَتّى عَسكَرَ بِالنُّخَيلَةِ ، وقالَ لِأَصحابِهِ : تَأَهَّبوا لِلمَسيرِ إلى أهلِ الشّامِ ، فَإِنّي كاتِبٌ إلى جَميعِ إخوانِكُم لِيَقدَموا عَلَيكُم ، فَإِذا وافَوا شَخَصنا إن شاءَ اللّهُ . ثُمَّ كَتَبَ كِتابَهُ إلى جَميعِ عُمّالِهِ أن يُخَلِّفوا خُلفاءَهُم عَلى أعمالِهِم ،
.
ص: 10
ويَقدَموا عَلَيهِ (1) .
تاريخ الطبري عن جبر بن نوف :إنَّ عَلِيّا لَمّا نَزَلَ بِالنُّخَيلَةِ وأيِسَ مِنَ الخَوارِجِ ، قامَ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ مَن تَرَكَ الجِهادَ فِي اللّهِ وأدهَنَ في أمرِهِ كانَ عَلى شَفا هُلكِهِ ، إلّا أن يَتَدارَكَهُ اللّهُ بِنِعمَةٍ ، فَاتَّقُوا اللّهَ ، وقاتِلوا مَن حادَّ اللّهَ ، وحاوَلَ أن يُطفِئَ نورَ اللّهِ ، قاتِلُوا الخاطِئينَ الضّالّينَ ، القاسِطينَ المُجرِمينَ ، الَّذينَ لَيسوا بِقُرّاءٍ لِلقُرآنِ ، ولا فُقهاءَ في الدّينِ ، ولا عُلماءَ فِي التَّأويلِ ، ولا لِهذَا الأَمرِ بِأَهلِ سابِقَةٍ فِي الإِسلامِ . وَاللّهِ ، لَو وَلُّوا عَلَيكُم لَعَمِلُوا فيكُم بِأَعمالِ كِسرى وهِرَقلَ ؛ تَيَسَّروا وتَهَيَّؤوا لِلمَسيرِ إلى عَدُوِّكُم مِن أهلِ المَغرِبِ ، وقَد بَعَثنا إلى إخوانِكُم مِن أهلِ البَصرَةِ لِيَقدَموا عَلَيكُم ، فَإِذا قَدِموا فَاجتَمَعتُم شَخَصنا إن شاءَ اللّهُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ . وكَتَبَ عَلِيٌّ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ _ مَعَ عُتبَةَ بنِ الأَخنَسِ بنِ قَيسٍ مِن بَني سَعدِ بنِ بَكرٍ _ : أمّا بَعدُ ، فَإِنّا قَد خَرَجنا إلى مُعَسكَرِنا بِالنُّخَيلَةِ ، وقَد أجمَعنا عَلَى المَسيرِ إلى عَدُوِّنا مِن أهلِ المَغرِبِ ، فَاشخَص بِالنّاسِ حَتّى يَأتِيَكَ رَسولي ، وأقِم حَتّى يَأتِيَكَ أمري . وَالسَّلامُ (2) .
4 / 4إصرارُ الجَيشِ عَلى قِتالِ الخَوارِجِ قَبلَ المَسيرِمروج الذهب :نَزَلَ عَلِيٌّ الأَنبارَ (3) ، وَالتَأَمَت إلَيهِ العَساكِرُ ، فَخَطَبَ النّاسَ ، وحَرَّضَهُم عَلَى
.
ص: 11
الجِهادِ ، وقالَ : سيروا إلى قَتَلَةِ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ قُدُما ؛ فَإِنَّهُم طالَما سَعَوا في إطفاءِ نورِ اللّهِ ، وحَرَّضوا عَلى قِتالِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ومَن مَعَهُ . ألا إنَّ رَسولَ اللّهِ أمَرَني بِقِتالِ القاسِطينَ ؛ وهُم هؤُلاءِ الَّذينَ سِرنا إلَيهِم ، وَالنّاكِثينَ ؛ وهُم هؤُلاءِ الَّذينَ فَرَغنا مِنهُم ، وَالمارِقينَ ؛ ولَم نَلقَهُم بَعدُ . فَسيروا إلَى القاسِطينَ ؛ فَهُم أهَمَّ عَلَينا مِنَ الخَوارِجِ ، سيروا إلى قَومٍ يُقاتِلونَكُم كَيما يَكونوا جَبّارينَ ، يَتَّخِذُهُم النّاسُ أربابا ، ويَتَّخِذونَ عِبادَ اللّهِ خَوَلاً (1) ، ومالَهُم دُوَلاً . فَأَبَوا إلّا أن يَبدَؤوا بِالخَوارِجِ ، فَسارَ عَلِيٌّ إلَيهِم (2) .
تاريخ الطبري عن أبي الصلت التيمي :بَلَغَ عَلِيّا أنَّ النّاسَ يَقولونَ : لَو سارَ بِنا إلى هذِهِ الحَرَورِيَّةِ فَبَدَأنا بِهِم ، فَإِذا فَرَغنا مِنهُم وَجَّهَنا مِن وَجهِنا ذلِكَ إلَى المُحِلّينَ . فَقامَ في النّاسِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ قَد بَلَغَني قَولُكُم : لَو أنَّ أميرُ المُؤمِنينَ سارَ بِنا إلى هذِهِ الخارِجَةِ الَّتي خَرَجَت عَلَيهِ فَبَدَأنا بِهِم ، فَإِذا فَرَغنا مِنهُم وَجَّهَنا إلَى المُحِلّينَ ، وإنَّ غَيرَ هذِهِ الخارِجَةِ أهَمُّ إلَينا مِنهُم ، فَدَعوا ذِكرَهُم ، وسيروا إلى قَومٍ يُقاتِلونَكُم كَيما يَكونوا جَبّارينَ مُلوكا ، ويَتَّخِذوا عِبادَ اللّهِ خَوَلاً . فَتَنادى النّاسُ مِن كُلِّ جانِبٍ : سِر بِنا يا أميرَ المُؤمِنينَ حَيثُ أحبَبتَ (3) .
الإمامة والسياسة :قامَ عَلِيٌّ فيهِم [أهلِ الكوفَةِ ]خَطيبا ، فَقالَ : أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَني قَولُكُم : لَو أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ سارَ بِنا إلى هذِهِ الخارِجَةِ الَّتي خَرَجَت عَلَينا ، فَبَدَأنا
.
ص: 12
بِهِم ، إلّا أنَّ غَيرَ هذِهِ الخارِجَةِ أهَمُّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ، سيروا إلى قَومٍ يُقاتِلونَكُم كَيما يَكونوا فِي الأَرضِ جَبّارينَ مُلوكا ، ويَتَّخِذُهُم المُؤمِنونَ أربابا ، ويَتَّخِذونَ عِبادَ اللّهِ خَوَلاً ، ودَعوا ذِكرَ الخَوارِجِ . قالَ : فَنادَى النّاسُ مِن كُلِّ جانِبٍ : سِر بِنا يا أميرَ المُؤمِنينَ حَيثُ أحبَبتَ ، فَنَحنُ حِزبُكَ وأنصارُكَ ؛ نُعادي مَن عاداكَ ، ونُشايِعُ مَن أنابَ إلَيكَ وإلى طاعَتِكَ ، فَسِر بِنا إلى عَدُوِّكَ كائِنا مَن كانَ ، فَإِنَّكَ لَن تُؤتى مِن قِلَّةٍ ولا ضَعفٍ ؛ فَإِنَّ قُلوبَ شيعَتِكَ كَقَلبِ رَجُلٍ واحِدٍ فِي الاِجتِماعِ عَلى نُصرَتِكَ ، وَالجِدِّ في جِهادِ عَدُوِّكَ ، فَأَبشِر يا أميرَ المُؤمِنينَ بِالنَّصرِ ، وَاشخَص إلى أيِّ الفَريقَينِ أحبَبتَ ، فَإِنّا شَيعَتُكَ الَّتي تَرجو في طاعَتِكَ وجِهادِ مَن خالَفَكَ صالِحَ الثَّوابِ مِنَ اللّهِ ، تَخافُ مِنَ اللّهِ في خِذلانِكَ وَالتَّخَلُّفِ عَنكَ شَديدَ الوَبالِ . فَبايَعوهُ عَلَى التَّسليمِ وَالرِّضا ، وشَرَطَ عَلَيهِم كِتابَ اللّهِ وسُنَّةَ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله (1) .
.
ص: 13
الفصل الخامس : مسير جيش الإمام إلى النهروان5 / 1ما أدّى إلى تَطَوُّرِ مَوقِفِ الإِمامِ في مُواجَهَةِ الخَوارِجِتاريخ الطبري عن حميد بن هلال_ بَعدَ أن ذَكَرَ أنَّ الخَوارِجَ قَتَلوا عَبدَ اللّهِ ابنَ خَبّابٍ وَامرَأَتَهُ _: وقَتَلوا ثَلاثَ نِسوَةٍ مِن طَيِّءٍ ، وقَتَلوا اُمَّ سِنانٍ الصَّيداوِيَّةَ ، فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا ومَن مَعَهُ مِنَ المُسلِمينَ مِن قَتلِهِم عَبدَ اللّهِ بنَ خَبّابٍ وَاعتِراضِهِم النّاسَ ، فَبَعَثَ إلَيهِمُ الحارِثَ بنَ مُرَّةَ العَبدِيَّ لِيَأتِيَهُم فَيَنظُرَ فيما بَلَغَهُ عَنهُم ، ويَكتُبَ بِهِ إلَيهِ عَلى وَجهِهِ ، ولا يَكتُمَهُ . فَخَرَجَ حَتَّى انتَهى إلَى النَّهرِ لِيُسائِلَهُم ، فَخَرَجَ القَومُ إلَيهِ فَقَتَلوهُ . وأتَى الخبَرُ أميرَ المُؤمِنينَ وَالنّاسَ ، فَقامَ إلَيهِ النّاسُ فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ عَلامَ تَدَعُ هؤُلاءِ وَراءَنا يَخلُفونَنا في أموالِنا وعِيالِنا ؟ ! سِر بِنا إلَى القَومِ ، فَإِذا فَرَغنا مِمّا بَينَنا وبَينَهُم سِرنا إلى عَدُوِّنا مِن أهلِ الشّامِ . وقامَ إلَيهِ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ الكِندِيُّ فَكَلَّمَهُ بِمِثلِ ذلِكَ _ وكانَ النّاسُ يَرَونَ أنَّ الأَشعَثَ يَرى رَأيَهُم ؛ لِأَنَّهُ كانَ يَقولُ يَومَ صِفّينَ أنصَفَنا قَومٌ يَدعونَ إلى كِتابِ اللّهِ ، فَلَمّا أمَرَ عَلِيّا بِالمَسيرِ إلَيهِم عَلِمَ النّاسُ أنَّهُ لَم يَكن يَرى رَأيَهُم _ فَأَجمَعَ عَلى ذلِكَ ،
.
ص: 14
فَنادى بِالرَّحيلِ (1) .
5 / 2إشخاصُ الإِمامِ قَيسَ بنَ سَعدٍ إلَيهِم قَبلَ المَسيرِتاريخ الطبري عن عبد اللّه بن عوف :لَمّا أرادَ عَلِيٌّ المَسيرَ إلى أهلِ النَّهرِ مِنَالأَنبارِ قَدَّمَ قَيسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبادَةَ ، وأمَرَهُ أن يَأتِيَ المَدائِنَ فَيَنزِلَها حَتّى يَأمُرَهُ بِأمرِهِ . ثُمَّ جاءَ مُقبِلاً إلَيهِم ، ووافاهُ قَيسٌ وسَعدُ بنُ مَسعودٍ الثَّقَفِيُّ بِالنَّهرِ ، وبَعَثَ إلى أهلِ النَّهرِ : اِدفَعوا إلَينا قَتَلَةَ إخوانِنا مِنكُم نَقتُلهُم بِهِم ، ثُمَّ أنَا تارِكُكُم وكافٌّ عَنكُم حَتّى ألقى أهلَ الشّامِ ، فَلَعَلَّ اللّهَ يُقَلِّبُ قُلوبَكُم ، ويَرُدُّكُم إلى خَيرٍ مِمّا أنتُم عَلَيهِ مِن أمرِكُم . فَبَعَثوا إلَيهِ ، فَقالوا : كُلُّنا قَتَلَتُهُم ، وكُلُّنا نَستَحِلُّ دِماءَهُم ودِماءَكُم (2) .
تاريخ الطبري عن عبد الرحمن بن أبي الكنود :إنَّ قَيسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبادَةَ قالَ لَهُم [أهلِ النَّهرَوانِ] : عِبادَ اللّهِ ! أخرِجوا إلَينا طَلِبَتَنا مِنكُم ، وَادخُلوا في هذَا الأَمرِ الَّذي مِنهُ خَرَجتُم ، وعودوا بِنا إلى قِتالِ عَدُوِّنا وعَدُوِّكُم ، فَإِنَّكُم رَكِبتُم عَظيماً مِنَ الأَمرِ ؛ تَشهَدونَ عَلَينا بِالشِّركِ ، وَالشِّركُ ظُلمٌ عَظيمٌ ، وتَسفِكونَ دِماءَ المُسلِمينَ وتَعُدّونَهُم مُشرِكينَ . فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ شَجَرَةَ السُّلَمِيُّ : إنَّ الحَقَّ قَد أضاءَ لَنا فَلَسنا نُتابِعُكُم ، أو تَأتونا بِمِثلِ عُمَرَ . فَقالَ : ما نَعلَمُهُ فينا غَيرَ صاحِبِنا ، فَهَل تَعلَمونَهُ فيكُم ؟ وقالَ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ في أنفُسِكُم أن تُهلِكوها : فَإِنّي لَأَرَى الفِتنَةَ قَد غَلَبَت عَلَيكُم .
.
ص: 15
وخَطَبَهُم أبو أيّوبَ خالِدُ بنُ زَيدٍ الأَنصارِيُّ ، فَقالَ : عِبادَ اللّهِ ! إنّا وإيّاكُم عَلَى الحالِ الاُولَى الَّتي كُنّا عَلَيها ، لَيسَت بَينَنا وبَينَكُم فُرقَةٌ ، فَعَلامَ تُقاتِلونَنا ؟ فَقالوا إنّا لَو بايَعناكُمُ اليَومَ حَكَّمتُم غَداً . قالَ : فَإِنّي أنشُدُكُمُ اللّهَ أن تُعَجِّلوا فِتنَةَ العامِ مَخافَةَ ما يَأتي في قابِلٍ (1) .
5 / 3نُزولُ الإِمامِ عَلى فَرسَخَينِ مِنَ النَّهرَوانِالفتوح :سارَ عَلِيٌّ رضى الله عنه حَتّى نَزَلَ عَلى فَرسَخَينِ مِنَ النَّهرَوانِ ، ثُمَّ دَعا بِغُلامِهِ فَقالَ لَهُ : اِركَب إلى هؤُلاءِ القَومِ ، وقُل لَهُم عَنّي : مَا الَّذي حَمَلَكُم عَلَى الخُروجِ عَلَيَّ ، أ لَم أقصِد في حُكمِكُم ؟ أ لَم أعدِل في قَسمِكُم ؟ أ لَم أقسِم فيكُم فَيئَكُم ؟ أ لَم أرحَم صَغيرَكُم ؟ أ لَم اُوَقِّر كَبيرَكُم ؟ أ لَم تَعلَموا أنّي لَم أتَّخِذكُم خَوَلاً ، ولَم أجعَل مالَكُم نَفَلاً ؟ وَانظُر ماذا يَرُدّونَ عَلَيكَ ، وإن شَتَموكَ فَاحتَملِ ، وإيّاكَ أن تَرُدَّ عَلى أحَدٍ مِنهُم شَيئا . فَأَقبَلَ غُلامُ عَلِيٍّ حَتّى أشرَفَ عَلَى القَومِ بِالنَّهرَوانِ ، فَقالَ لَهُم ما أمَرَهُ بِهِ ، فَقالَت لَهُ الخَوارِجُ : اِرجِع إلى صاحِبِكَ ؛ فَلَسنا نُجيبُهُ إلى شَيءٍ يُريدُه أبَدا ، وإنّا نَخافُ أن يَرُدَّنا بِكَلامِهِ الحَسَنِ كَما رَدَّ إخوانَنا بِحَرَوراءَ عَبدَ اللّهِ بنَ الكَوّاءِ وأصحابَهُ ، وَاللّهِ تَعالى يَقولُ : «بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» (2) ، ومَولاكَ عَلِيٌّ مِنهُم ، فَارجِع إلَيهِ وخَبِّرهُ بِأَنَّ اجتِماعَنا هاهُنا لِجِهادِهِ ومُحارَبَتِهِ ، لا لِغَيرِ ذلِكَ (3) .
.
ص: 16
5 / 4إخبارُ الإِمامِ بِما سَيَقَعُ فِي الحَربِالكامل في التاريخ :إنَّ الخَوارِجَ قَصَدوا جِسرَ النَّهرِ وكانوا غَربَهُ ، فَقالَ لِعَلِيٍّ أصحابُهُ : إنَّهُم قَد عَبَرُوا النَّهرَ ! فَقالَ : لَن يَعبُروا . فَأَرسَلوا طَليعَةً ، فَعادَ وأخبَرَهُم أنَّهُم عَبَرُوا النَّهرَ ، وكانَ بَينَهُم وبَينَهُ نُطفَةٌ مِنَ النَّهرِ ، فَلِخَوفِ الطَّليعَةِ مِنهُم لَم يَقرَبهُم ، فَعادَ فَقالَ : إنَّهُم قَد عَبَرُوا النَّهرَ . فَقالَ عَلِيٌّ : وَاللّهِ ما عَبَروهُ ، وإنَّ مَصارِعَهُم لَدونَ الجِسرِ ، ووَاللّهِ لا يُقتَلُ مِنكُم عَشَرَةٌ ، ولا يَسلَمُ مِنهُم عَشَرَةٌ . وتَقَدَّمَ عَلِيٌّ إلَيهِم فَرَآهُم عِندَ الجِسرِ لَم يَعبُروهُ ، وكانَ النّاسُ قَد شَكّوا في قَولِهِ ، وَارتابَ بِهِ بَعضُهُم ، فَلَمّا رَأَوُا الخَوارِجَ لَم يَعبُروا كَبَّروا ، وأخبَروا عَلِيّا بِحالِهِم . فَقالَ : وَاللّهِ ، ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا عَزَمَ عَلى حَربِ الخَوارِجِ ، وقيلَ لَهُ : إنَّ القَومَ عَبَروا جِسرَ النَّهرَوانِ _: مَصارِعُهُم دونَ النُّطفَةِ (2) ، وَاللّهِ ، لا يُفلِتُ مِنهُم عَشَرَةٌ ، ولا يَهلِكُ مِنكُم عَشَرَةٌ (3) .
الكامل للمبرّد :قَد قالَ عَلِيٌّ وقيلَ لَهُ : إنَّهُم يُريدونَ الجِسرَ ، فَقالَ : لَن يَبلُغُوا النُّطفَةَ . وجَعَلَ النّاسُ يَقولونَ لَهُ في ذلِكَ ، حَتّى كادوا يَشُكّونَ ، ثُمَّ قالوا : قَد رَجَعوا يا
.
ص: 17
أميرَ المُؤمِنينَ ! فَقالَ : وَاللّهِ ، ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ . ثُمَّ خَرَجَ إلَيهِم في أصحابِهِ وقَد قالَ لَهُم : إنَّهُ وَاللّهِ ما يُقتَلُ مِنكُم عَشَرَةٌ ، ولا يُفلِتُ مِنهُم عَشَرَةٌ . فَقُتِلَ مِن أصحابِهِ تِسعَةٌ ، وأفلَتَ مِنهُم ثَمانِيَةٌ (1) .
كنز العمّال عن أبي سليمان المرعش :لَمّا سارَ عَلِيٌّ إلَى النَّهرَوانِ سِرتُ مَعَهُ ، فَقالَ عَلِيٌّ : وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لا يَقتُلونَ مِنكُم عَشَرَةً ، ولا يَبقى مِنهُم عَشَرَةٌ . فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ ذلِكَ حَمَلوا عَلَيهِم ، فَقَتَلوهُم (2) .
الإرشاد عن جندب بن عبد اللّه الأزدي :شَهِدتُ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام الجَمَلَ وصِفّينَ لا أشُكُّ في قِتالِ مَن قاتَلَهُ ، حَتّى نَزَلنَا النَّهرَوانَ ، فَدَخَلَني شَكٌّ ، وقُلتُ : قُرّاؤُنا وخِيارُنا نَقتُلُهُم ؟ ! إنَّ هذا لَأَمرٌ عَظيمٌ . فَخَرَجتُ غُدوَةً أمشي ومَعي إداوَةُ (3) ماءٍ ، حَتّى بَرَزتُ عَنِ الصُّفوفِ ، فَرَكَزتُ رُمحي ، ووَضَعتُ تُرسي إلَيهِ ، وَاستَتَرتُ مِنَ الشَّمسِ ، فَإِنّي لَجالِسٌ حَتّى وَرَدَ عَلَيَّ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ لي : يا أخَا الأَزدِ ، أمَعَكَ طَهورٌ ؟ قُلتُ : نَعَم ، فَناوَلتُهُ الإِداوَةَ ، فَمَضى حَتّى لَم أرَهُ ، ثُمَّ أقبَلَ وقَد تَطَهَّرَ فَجَلَسَ في ظِلِّ التُّرسِ ، فَإِذا فارِسٌ يَسأَلُ عَنهُ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هذا فارِسٌ يُريدُكَ ، قالَ : فَأَشِر إلَيهِ ، فَأَشَرتُ إلَيهِ ، فَجاءَ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد عَبَرَ القَومُ وقد قَطَعُوا النَّهرَ ! فَقالَ : كَلّا ، ما عَبَروا . قالَ : بَلى ، وَاللّهِ لَقَد فَعَلوا . قالَ : كَلّا ، ما فَعَلوا .
.
ص: 18
قالَ : فَإِنَّهُ لَكَذلِكَ إذ جاءَ آخَرُ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد عَبَرَ القَومُ ! قالَ : كَلّا ، ما عَبَروا . قالَ : وَاللّهِ ، ما جِئتُكَ حَتّى رَأَيتُ الرّاياتِ في ذلِكَ الجانِبِ ، وَالأَثقالَ . قالَ : وَاللّهِ ما فَعَلوا ، وإنَّهُ لَمَصرَعُهُم ومُهَراقُ دِمائِهِم . ثُمَّ نَهَضَ ونَهَضتُ مَعَهُ ، فَقُلتُ في نَفسي : الحَمدُِللّهِ الَّذي بَصَّرَني هذَا الرَّجُلَ ، وعَرَّفَني أمرَهُ ، هذا أحَدُ رَجُلَينِ : إمّا رَجُلٌ كَذّابٌ جَرِيءٌ ، أو عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ وعَهدٍ مِن نَبِيِّهِ ، اللّهُمَّ ! إنّي اُعطيكَ عَهدا تَسأَلُني عَنهُ يَومَ القِيامَةِ إن أنَا وَجَدتُ القَومَ قَد عَبَروا أن أكونَ أوَّلَ مَن يُقاتِلُهُ ، وأوَّلَ مَن يَطعَنُ بِالرُّمحِ في عَينِهِ ، وإن كانوا لَم يَعبُروا أن اُقيمَ عَلَى المُناجَزَةِ وَالقِتالِ . فَدَفَعنا (1) إلَى الصُّفوفِ ، فَوَجَدنَا الرّاياتِ وَالأَثقالَ كَما هِيَ ، قالَ : فَأَخَذَ بِقَفايَ ودَفَعَني ، ثُمَّ قالَ : يا أخَا الأَزدِ ، أتَبَيَّنَ لَكَ الأَمرُ ؟ قُلتُ : أجَل يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : فَشَأنَكَ بِعَدُوِّكَ . فَقَتَلتُ رَجُلاً ، ثُمَّ قَتَلتُ آخَرَ ، ثُمَّ اختَلَفتُ أنَا ورَجُلٌ آخَرُ أضرِبُهُ ويَضرِبُني فَوَقَعنا جَميعا ، فَاحتَمَلَني أصحابي ، فَأَفَقتُ حينَ أفَقتُ وقَد فَرَغَ القَومُ (2) .
شرح نهج البلاغة :لَمّا خَرَجَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى أهلِ النَّهرِ أقبَلَ رَجُلٌ مِن أصحابِهِ مِمَّن كانَ عَلى مُقَدِّمَتِهِ يَركُضُ ، حَتَّى انتَهى إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : البُشرى يا أميرَ المُؤمِنينَ ! قالَ : ما بُشراكَ ؟ قالَ : إنَّ القَومَ عَبَرُوا النَّهرَ لَمّا بَلَغَهُم وُصولُكَ ، فَأَبشِر ؛ فَقَد مَنَحَكَ اللّهُ أكتافَهُم . فَقالَ لَهُ : آللّهِ أنتَ رَأَيتَهُم قَد عَبَروا !
.
ص: 19
قالَ : نَعَم . فَأَحلَفَهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، في كُلِّها يَقولُ : نَعَم . فَقالَ عَلِيٌّ : وَاللّهِ ، ما عَبَروهُ ، ولَن يَعبُروهُ ، وإنَّ مَصارِعَهُم لَدونَ النُّطفَةِ ، وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لَن يَبلُغُوا الأَثلاثَ ولا قَصرَ بَوازِنَ حَتّى يَقتُلَهُمُ اللّهُ ، وقَد خابَ مَنِ افتَرى . قالَ : ثُمَّ أقبَلَ فارِسٌ آخَرُ يَركُضُ ، فَقالَ كَقولِ الأَوَّلِ ، فَلَم يَكتَرِث عَلِيٌّ عليه السلام بِقَولِهِ وجاءَتِ الفُرسانُ تَركُضُ ، كُلُّها تَقولُ مِثلَ ذلِكَ . فَقامَ عَلِيٌّ عليه السلام فَجالَ في مَتنِ فَرَسِهِ . قالَ : فَيَقولُ شابٌّ مِنَ النّاسِ : وَاللّهِ ، لَأَكونَنَّ قَريبا مِنهُ ، فَإِن كانوا عَبَرُوا النَّهرَ لَأَجعَلَنَّ سِنانَ هذَا الرُّمحِ في عَينِهِ ؛ أيَدَّعي عِلمَ الغَيبِ ! فَلَمَّا انتَهى عليه السلام إلَى النَّهرِ وَجَدَ القَومَ قَد كَسَروا جُفونَ سُيوفِهِم ، وعَرقَبوا خَيلَهُم ، وجَثَوا عَلى رُكَبِهِم ، وحَكَّموا تَحكيمَةً واحِدَةً بِصَوتٍ عَظيمٍ لَهُ زَجَلٌ . (1) فَنَزَلَ ذلِكَ الشّابُّ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي كُنتُ شَكَكتُ فيكَ آنِفا ، وإنّي تائِبٌ إلَى اللّهِ وإلَيكَ ، فَاغفِر لي ! فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ هُوَ الَّذي يَغفِرُ الذُّنوبَ ، فَاستَغفِرهُ (2) .
راجع : ج 6 ص 426 (مصير الخوارج) .
.
ص: 20
. .
ص: 21
الفصل السادس : إقامة الحجّة في ساحة القتال6 / 1اِحتِجاجاتُ الإِمامِ عَلَيهِمنهج البلاغة :مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام قالَهُ لِلخَوارِجِ ، وقَد خَرَجَ إلى مُعَسكَرِهِم وهُم مُقيمونَ عَلى إنكارِ الحُكومَةِ فَقالَ عليه السلام : أكُلُّكُم شَهِدَ مَعَنا صِفّينَ ؟ فَقالوا : مِنّا مَن شَهِدَ ، ومِنّا مَن لَم يَشهَد . قالَ : فَامتازوا فِرقَتَينِ ؛ فَليَكُن مَن شَهِدَ صِفّينَ فِرقَةً ، ومَن لَم يَشهَدها فِرقَةً ، حَتّى اُكَلِّمَ كُلّاً مِنكُم بِكَلامِهِ . ونادَى النّاسَ ، فَقالَ : أمسِكوا عَنِ الكَلامِ ، وأنصِتوا لِقَولي ، وأقبِلوا بِأَفئِدَتِكُم إلَيَّ ، فَمَن نَشَدناهُ شَهادَةً فَليَقُل بِعِلمِهِ فيها . ثُمَّ كَلَّمَهُم عليه السلام بِكَلامٍ طَويلٍ ، مِن جُملَتِهِ أن قالَ عليه السلام : أ لَم تَقولوا عِندَ رَفعِهِمُ المَصاحِفَ حيلَةً وغيلَةً ومَكرا وخَديعَةً : إخوانُنا وأهلُ دَعوَتِنَا استَقالونا وَاستَراحوا إلى كِتابِ اللّهِ سُبحانَهُ ، فَالرَّأيُ القَبولُ مِنهُم ، وَالتَّنفيسُ عَنهُم ؟ فَقُلتُ لَكُم : هذا أمرٌ ظاهِرُهُ إيمانٌ ، وباطِنُهُ عُدوانٌ ، وأوَّلُهُ رَحمَةٌ ، وآخِرُهُ نَدامَةٌ ، فَأَقيموا عَلى شَأنِكُم ، وَالزَموا طَريقَتَكُم ، وعَضّوا عَلَى الجِهادِ بِنَواجِذِكُم ، ولا تَلتَفِتوا إلى ناعِقٍ نَعَقَ ؛ إن اُجيبَ أضَلَّ ، وإن تُرِكَ ذَلَّ .
.
ص: 22
وقَد كانَت هذِهِ الفَعلَةُ ، وقَد رَأَيتُكُم أعطَيتُموها . وَاللّهِ لَئِن أبَيتُها ما وَجَبَت عَلَيَّ فَريضَتُها ، ولا حَمَّلَنِي اللّهُ ذَنبَها . ووَاللّهِ ، إن جِئتُها إنّي لَلمُحِقُّ الَّذي يُتَّبَعُ ، وإنَّ الكِتابَ لَمَعي ، ما فارَقتُهُ مُذ صَحبِتُهُ ، فَلَقَد كُنّا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وإنَّ القَتلَ لَيَدورُ عَلَى الآباءِ وَالأَبناءِ ، وَالإِخوانِ وَالقَراباتِ ، فَما نَزدادُ عَلى كُلِّ مُصيبَةٍ وشِدَّةٍ إلّا إيمانا ، ومُضِيّا عَلَى الحَقِّ ، وتَسليما لِلأَمرِ ، وصَبرا عَلى مَضَضِ (1) الجِراحِ . ولكِنّا إنَّما أصبَحنا نُقاتِلُ إخوانَنا فِي الإِسلامِ عَلى ما دَخَلَ فيهِ مِنَ الزَّيغِ وَالاعوِجاجِ ، وَالشُّبهَةِ وَالتَّأويلِ . فَإِذا طَمِعنا في خَصلَةٍ يَلُمُّ اللّهُ بِها شَعَثَنا ، ونَتَدانى بِها إلَى البَقِيَّةِ فيما بَينَنا ، رَغِبنا فيها ، وأمسَكنا عَمّا سِواها (2) .
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ يَكشِفُ لِلخَوارِجِ الشُّبهَةَ _: فَإِن أبَيتُم إلّا أن تَزعُموا أنّي أخطَأتُ وضَلَلتُ ، فَلِمَ تُضَلِّلونَ عامَّةَ اُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله بِضَلالي ، وتَأخُذونَهُم بِخَطَئي ، وتُكَفِّرونَهُم بِذُنوبي ؟ سُيوفُكُم عَلى عَواتِقِكُم تَضَعونَها مَواضِعَ البُرءِ وَالسُّقمِ ، وتَخلِطونَ مَن أذنَبَ بِمَن لَم يُذنِب ! وقَد عَلِمتُم أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَجَمَ الزّانِيَ المُحصَنَ ، ثُمَّ صَلّى عَلَيهِ ، ثُمَّ وَرَّثَهُ أهلَهُ ، وقتََلَ القاتِلَ ، ووَرَّثَ ميراثَهُ أهلَهُ ، وقَطَعَ السّارِقَ ، وجَلَدَ الزّانِيَ غَيرَ المُحصَنِ ، ثُمَّ قَسَمَ عَلَيهِما مِنَ الفَيءَ ، ونَكَحَا المُسلِماتِ ؛ فَأَخَذَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِذُنوبِهِم ، وأقامَ حَقَّ اللّهِ فيهِم ، ولَم يَمنَعهُم سَهمَهُم مِنَ الإِسلامِ ، ولَم يُخرِج أسماءَهُم مِن بَينِ أهلِهِ . ثُمَّ أنتُم شِرارُ النّاسِ ، ومَن رَمى بِهِ الشَّيطانُ مَرامِيَهُ ، وضَرَبَ بِهِ تيهَهُ (3) ! وسَيَهلِك
.
ص: 23
فِيَّ صِنفانِ : مُحِبٌّ مُفرِطٌ يَذهَبُ بِهِ الحُبُّ إلى غَيرِ الحَقِّ ، ومُبغِضٌ مُفرِطٌ يَذهَبُ بِهِ البُغضُ إلى غَيرِ الحَقِّ ، وخَيرُ النّاسِ فِيَّ حالاً النَّمَطُ الأَوسَطُ ، فَالزَموهُ ، وَالزَمُوا السَّوادَ الأَعظَمَ ، فَإِنَّ يَدَ اللّهِ مَعَ الجَماعَةِ ، وإيّاكُم وَالفُرقَةَ ؛ فَإِنَّ الشّاذَّ مِنَ النّاسِ لِلشَّيطانِ ، كَما أنَّ الشّاذَّ مِنَ الغَنَمِ لِلذِّئبِ . ألا مَن دَعا إلى هذَا الشِّعارِ فَاقتُلوهُ ، ولَو كانَ تَحتَ عِمامَتي هذِهِ ، فَإِنَّما حُكِّمَ الحَكَمانِ لِيُحيِيا ما أحَيا القرآنُ ، ويُميتا ما أماتَ القُرآنُ ، وإحياؤُهُ الاِجتِماعُ عَلَيهِ ، وإماتَتُهُ الاِفتِراقُ عَنهُ . فَإِن جَرَّنَا القُرآنُ إلَيهِمُ اتَّبَعناهُم ، وإن جَرَّهُم إلَينَا اتَّبَعونا . فَلَم آتِ _ لا أبا لَكُم _ بُجرا (1) ، ولا خَتَلتُكُم (2) عَن أمرِكُم ، ولا لَبَّستُهُ عَلَيكُم ، إنَّمَا اجتَمَعَ رَأيُ ملَئِكُم عَلَى اختِيارِ رَجُلَينِ ، أخَذنا عَلَيهِما ألّا يَتَعَدَّيَا القُرآنَ ، فَتاها عَنهُ ، وتَرَكَا الحَقَّ وهُما يُبصِرانِهِ ، وكانَ الجَورُ هَواهُما فَمضَيا عَلَيهِ . وقَد سَبَقَ استِثناؤُنا عَلَيهِما _ فِي الحُكومَةِ بِالعَدلِ ، وَالصَّمدِ لِلحَقِّ _ سوءَ رَأيِهِما ، وجَورَ حُكمِهِما (3) .
التوحيد عن الأصبغ بن نباتة :لَمّا وَقَفَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلَى الخَوارِجِ ، ووَعَظَهُم ، وذَكَّرَهُم ، وحَذَّرَهُم القِتالَ ، قالَ لَهُم : ما تَنقِمونَ مِنّي ؟ أ لا إنّي أوَّلُ مَن آمَنَ بِاللّهِ ورَسولِهِ ؟ ! فَقالوا : أنتَ كَذلِكَ ، ولكِنَّكَ حَكَّمتَ في دينِ اللّهِ أبا موسَى الأَشعَرِيَّ . فَقالَ عليه السلام : وَاللّهِ ، ما حَكَّمتُ مَخلوقا ، وإنَّما حَكَّمتُ القُرآنَ ، ولَولا أنّي غُلِبتُ عَلى أمري وخولِفتُ في رِأيي لَما رَضيتُ أن تَضَعَ الحَربُ أوزارَها بَيني وبَينَ أهلِ حَربِ اللّهِ ، حَتّى اُعلِيَ كَلِمَةَ اللّهِ ، وأنصُرَ دينَ اللّهِ ، ولَو كَرِهَ الكافِرونَ وَالجاهِلونَ (4) .
.
ص: 24
تاريخ الطبري عن أبي سلمة الزهري :إنَّ عَلِيّا قالَ لِأَهلِ النَّهرِ : يا هؤُلاءِ ! إنَّ أنفُسَكُم قَد سَوَّلَت لَكُم فِراقَ هذِهِ الحُكومَةِ الَّتي أنتُمُ ابتَدَأتُموها وسَأَلتُموها وأنَا لَها كارِهٌ ، وأنبَأتُكُم أنَّ القَومَ سَأَلوكُموها مَكيدَةً ودَهنا ، فَأَبَيتُم عَلَيَّ إباءَ المُخالِفينَ ، وعَدَلتُم عَنّي عُدولَ النُّكَداءِ العاصينَ ، حَتّى صَرَفتُ رَأيي إلى رَأيِكُم ، وأنتُم وَاللّهِ مَعاشِرُ أخِفّاءُ الهامِ ، سُفهاءُ الأَحلامِ ، فَلَم آتِ _ لا أبا لَكُم _ حَراما . وَاللّهِ ، ما خَبَلْتُكُم (1) عَن اُمورِكُم ، ولا أخفَيتُ شَيئا مِن هذَا الأَمرِ عَنكُم ، ولا أوطَأتُكُم عَشوَةً (2) ، ولا دَنَّيتُ لَكُم الضَّرّاءَ ، وإن كانَ أمرُنا لِأَمرِ المُسلِمينَ ظاهِرا ، فَأَجمَعَ رَأيُ مَلَئِكُم عَلى أنِ اختاروا رَجُلَينِ ، فَأَخَذنا عَلَيهِما أن يَحكُما بِما فِي القُرآنِ ولا يَعدُواه ، فَتاها ، وتَرَكَا الحَقَّ وهُما يُبصِرانِهِ ، وكانَ الجَورُ هَواهُما . وقَد سَبَقَ استيثاقُنا عَلَيهِما فِي الحُكمِ بِالعَدلِ وَالصَّدِّ لِلحَقِّ سوءَ رَأيِهما ، وجَورَ حُكمِهِما . وَالثِّقَةُ في أيدينا لِأَنفُسِنا حينَ خالَفا سَبيلَ الحَقِّ ، وأتَيا بِما لا يُعرَفُ . فَبَيِّنوا لَنا : بِماذا تَستَحِلّونَ قِتالَنا ، وَالخُروجَ مِن جَماعَتِنا ؟ إنِ اختارَ النّاسُ رَجُلَينِ أن تَضَعوا أسيافَكُم عَلى عَواتِقِكُم ، ثُمَّ تَستَعرِضُوا النّاسَ تَضرِبونَ رِقابَهُم ، وتَسفِكونَ دِماءَهُم ! إنَّ هذا لَهُوَ الخُسرانُ المُبينَ . وَاللّهِ ، لَو قَتَلتُم عَلى هذا دَجاجَةً لَعَظُمَ عِندَ اللّهِ قَتلُها ، فَكَيفَ بِالنَّفسِ الَّتي قَتلُها عِندَ اللّهِ حَرامٌ ! فَتَنادَوا : لا تُخاطِبوهُم ، ولا تُكَلِّموهُم ، وتَهَيَّؤوا لِلِقاءِ الرَّبِّ ، الرَّواحَ الرَّواحَ إلَى الجَنَّةِ (3) .
.
ص: 25
تاريخ الطبري عن زيد بن وهب :إنَّ عَلِيّا أتى أهلَ النَّهرِ فَوَقَفَ عَلَيهِم ، فَقالَ : أيَّتُها العِصابَةُ الَّتي أخرَجَتها عَداوَةُ المِراءِ وَاللَّجاجَةِ ، وصَدَّها عَنِ الحَقِّ الهَوى ، وطَمَحَ بِها النَّزَقُ (1) ، وأصبَحَت فِي اللَّبسِ وَالخَطبِ العَظيمِ ، إنّي نَذيرٌ لَكُم أن تُصبِحوا تُلفيكُمُ الاُمَّةُ غَدا صَرعى بِأَثناءِ هذَا النَّهرِ ، وبِأَهضامِ هذَا الغائِطِ (2) ، بِغَيرِ بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكُم ، ولا بُرهانٍ بَيِّنٍ . أ لَم تَعلَموا أنّي نَهَيتُكُم عَنِ الحُكومَةِ ، وأخبَرتُكُم أنَّ طَلَبَ القَومِ إيّاها مِنكُم دَهنٌ ومَكيدَةٌ لَكُم ، ونَبَّأتُكُم أنَّ القَومَ لَيسوا بِأَصحابِ دينٍ ولا قُرآنٍ ، وأنّي أعرَفُ بِهِم مِنكُم ، عَرَفتُهُم أطفالاً ورِجالاً ، فَهُم أهلُ المَكرِ وَالغَدرِ ، وأنَّكُم إن فارَقتُم رَأيي جانَبتُمُ الحَزمَ ! فَعَصَيتُموني ، حَتّى أقرَرتُ بِأَن حَكَّمتُ . فَلَمّا فَعَلتُ شَرَطتُ وَاستَوثَقتُ ، فَأَخذَتُ عَلَى الحَكَمَينِ أن يُحيِيا ما أحيَا القرآنُ ، وأن يُميتا ما أماتَ القُرآنُ ، فَاختَلَفا ، وخالَفا حُكمَ الكِتابِ وَالسُنَّةِ ، فَنَبَذنا أمرَهُما ، ونَحنُ عَلى أمرِنَا الأَوَّلِ ، فَما الَّذي بِكُم ؟ ومِن أينَ اُتيتُم ؟ قالوا : إنّا حَكَّمنا ،فَلَمّا حَكَّمنا أثِمنا ، وكُنّا بِذلِكَ كافِرينَ ، وقَد تُبنا ، فَإِن تُبتَ كَما تُبنا فَنَحنُ مِنكَ ومَعَك ، وإن أبَيتَ فَاعتَزِلنا ؛ فَإِنّا مُنابِذوكَ على سَواءٍ ، إنَّ اللّهِ لا يُحِبُّ الخائِنينَ . فَقالَ عَلِيٌّ : أصابَكُم حاصِبٌ ، ولا بَقِيَ مِنكُم وابِرٌ ! أبَعدَ إيماني بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهِجرَتي مَعَهُ وجِهادي في سَبيلِ اللّهِ أشهَدُ عَلى نَفسي بِالكُفرِ ! لَقَد ضَلَلتُ إذا وما أنَا مِنَ المُهتَدينَ . ثُمَّ انصَرَفَ عَنهُم (3) .
.
ص: 26
تاريخ بغداد عن جابر :إنّي لَشاهِدٌ عَلِيّا يَومَ النَّهرَوانِ لَمّا أن عايَنَ القَومَ قالَ لِأَصحابِهِ : كُفّوا . فَناداهُم أن أقيدونا (1) بِدَمِ عَبدِ اللّهِ بنِ خَبّابٍ _ وكانَ عامِلُ عَلِيٍّ عَلَى النَّهرَوانِ _. قالوا : كُلُّنا قَتَلَهُ (2) .
6 / 2خُطبَةُ الإِمامِ بَينَ الصَّفَّينِالأخبار الموفّقيّات عن عليّ بن صالح :لَمّا استَوَى الصَّفّانِ بِالنَّهرَوانِ تَقَدَّمَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام بَينَ الصَّفَّينِ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، أيَّتُهَا العِصابَةُ الَّتي أخرَجَتها عادَةُ المِراءِ وَالضَّلالَةِ ، وصَدَفَ بِها عَنِ الحَقِّ الهَوى وَالزَّيغُ ، إنّي نَذيرٌ لَكُم أن تُصبِحوا غَدا صَرعى بِأَكنافِ هذَا النَّهرِ ، أو بِمِلطاطٍ (3) مِنَ الغائِطِ ، بِلا بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكُم ولا سُلطانٍ مُبينٍ . أ لَم أنهَكُم عَن هذِهِ الحُكومَةِ واُحَذِّركُموها ، واُعلِمكُم أنَّ طَلَبَ القَومِ لَها دَهنٌ مِنهُم ومَكيدَةٌ ؟ ! فَخالَفتُم أمري وجانَبتُمُ الحَزمَ فَعَصَيتُموني حَتّى أقرَرتُ بِأَن حَكَّمتُ ، وأخَذتُ عَلَى الحَكَمَينِ فَاستَوثَقتُ ، وأمَرتُهُما أن يُحيِيا ما أحيَا القُرآنُ ، ويُميتا ما أماتَ القرآنُ ، فَخالَفا أمري وعَمَلا بِالهَوى ، ونَحنُ عَلَى الأَمرِ الأَوَّلِ ، فَأَينَ تَذهَبونَ ؟ وأينَ يُتاهُ بِكُم ؟ فَقالَ خَطيبُهُم : أمّا بَعدُ ، يا عَلِيُّ ! فَإِنّا حينَ حَكَّمنا كانَ ذلِكَ كُفرا مِنّا ، فَإِن تُبتَ كَما تُبنا فَنَحنُ مَعَكَ ومِنكَ ، وإن أبَيتَ فَنَحنُ مُنابِذوكَ عَلى سَواءٍ إنَّ اللّه
.
ص: 27
لا يُحِبُّ الخائِنينَ . فَقالَ عَلِيٌّ : أصابَكُم حاصِبٌ (1) ولا بَقِيَ مِنكُم وابِرٌ (2) ، أبعَدَ إيماني بِاللّهِ ، وجِهادي في سَبيلِ اللّهِ ، وهِجرَتي مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله اقِرُّ بِالكُفرِ ؟ ! لَقَد ضَلَلتُ إذا وما أنَا مِن المُهتَدينَ ، ولكِن مُنيتُ بِمَعشَرٍ أخِفّاءِ الهامِ ، سُفَهاءِ الأَحلامِ ، وَاللّهُ المُستَعانُ (3) .
6 / 3رَفعُ رايَةِ الأَمانِتاريخ الطبري عن أبي سلمة الزهري :رَفَعَ عَلِيٌّ رايَةَ أمانٍ مَعَ أبي أيّوبَ ، فَناداهُم أبو أيّوبَ :مَن جاءَ هذِهِ الرّايَةَ مِنكُم مِمَّن لَم يَقتُل ولَم يَستَعرِض فَهُوَ آمِنٌ ، ومَنِ انصَرَفَ مِنكُم إلَى الكوفَةِ أو إلَى المَدائِنِ وخَرَجَ مِن هذِهِ الجَماعَةِ فَهُوَ آمِنٌ ، إنَّهُ لا حاجَةَ لَنا بَعدَ أن نُصيبَ قَتَلَةَ إخوانِنا مِنكُم في سَفكِ دِمائِكُم . فَقالَ فَروَةُ بنُ نَوفَلٍ الأَشجَعِيُّ : وَاللّهِ ، ما أدري عَلى أيِّ شَيءٍ نُقاتِلُ عَلِيّا ؟ ! لا أرى إلّا أن أنصَرِفَ حَتّى تَنفُذَ لي بَصيرَتي في قِتالِهِ أو اتِّباعِهِ ، وَانصَرَفَ في خَمسِمِئَةِ فارِسٍ حَتّى نَزَلَ البَندَنيجَيْنَ (4) وَالدَّسْكَرَةَ ، وخَرَجَت طائِفَةٌ اُخرى مُتَفَرِّقينَ فَنَزَلَتِ الكوفَةَ ، وخَرَجَ إلى عَلِيٍّ مِنهُم نَحوٌ مِن مِئَةِ ، وكانوا أربَعَةَ آلافٍ ، فَكانَ الَّذينَ بَقوا مَعَ عَبدِ اللّهِ بنِ وَهبٍ مِنهُم ألفَينِ وثَمانِمِئَةٍ (5) .
الأخبار الطوال :رَفَعَ عَلِيٌّ رايَةً ، وضَمَّ إلَيها ألفَي رَجُلٍ ، ونادى :
.
ص: 28
مَنِ التَجَأَ إلى هذِهِ الرّايَةِ فَهُو آمِنٌ . ثُمَّ تَواقَفَ الفَريقانِ ، فَقالَ فَروَةُ بنُ نَوفَلٍ الأَشجَعِيُّ _ وكانَ مِن رُؤَساءِ الخَوارِجِ _ لِأَصحابِهِ : يا قَومُ ! وَاللّهِ ما نَدري ، عَلامَ نُقاتِلُ عَلِيّا ، ولَيسَت لَنا في قَتلِهِ حُجَّةٌ ولا بَيانٌ ، يا قَومُ ! انصَرِفوا بِنا حَتّى تَنفُذَ لَنَا البَصيرَةُ في قِتالِهِ أو اتَّباعِهِ . فَتَرَكَ أصحابَهُ في مَواقِفِهِم ، ومَضى في خَمسِمِئَةِ رَجُلٍ حَتّى أتى إلَى البَندَنيجَينِ ، وخَرَجَت طائِفَةٌ اُخرى حَتّى لَحِقوا بِالكوفَةِ ، وَاستَأمَنَ إلَى الرّايَةِ مِنهُم ألفُ رَجُلٍ ، فَلَم يَبقَ مَعَ عَبدِ اللّهِ بنِ وَهبٍ إلّا أقَلُّ مِن أربَعَةِ آلافِ رَجُلٍ (1) .
.
ص: 29
الفصل السابع : القتال7 / 1الدُّعاءُ قَبلَ القِتالِالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَدعو عَلَى الخَوارِجِ فَيَقولُ في دُعائِهِ : اللّهُمَّ رَبَّ البَيتِ المَعمورِ، وَالسَّقفِ المَرفوعِ ، وَالبَحرِ المَسجورِ ، وَالكِتابِ المَسطورِ ، أسأَلُكَ الظَّفَرَ عَلى هؤُلاءِ الَّذينَ نَبَذوا كِتابَكَ وَراءَ ظُهورِهِم ، وفارَقوا اُمَّةَ أحمَدَ عُتُوّاً عَلَيكَ (1) .
7 / 2الأَمرُ بِالقِتالِمروج الذهب_ في ذِكرِ قِتالِ الخَوارِجِ _: لَمّا أشرَفَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] عَلَيهِم قالَ : اللّهُ أكبَرُ ، صَدَقَ اللّهُ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَتَصافَّ القَومُ ، ووَقَفَ عَلَيهِم بِنَفسِهِ ، فَدَعاهُم إلَى الرُّجوعِ وَالتَّوبَةِ ، فَأَبَوا ورَمَوا أصحابَهُ ، فَقيلَ لَهُ : قَد رَمَونا . فَقالَ : كُفّوا .
.
ص: 30
فَكَرَّرُوا القَولَ عَلَيهِ ثَلاثا وهُوَ يَأمُرُهُم بِالكَفِّ ، حَتّى اُتِيَ بِرَجُلٍ قَتيلٍ مُتَشَحِّطٍ بِدَمِهِ . فَقالَ عَلِيٌّ : اللّهُ أكبَرُ ، الآنَ حَلَّ قِتالُهُمُ ، احمِلوا عَلَى القَومِ (1) .
شرح نهج البلاغة عن أبي عبيدة_ فِي الخَوارِجِ _: اِستَنطَقَهُم عَلِيٌّ عليه السلام بِقَتلِ عَبدِ اللّهِ بنِ خَبّابٍ ، فَأَقَرّوا بِهِ . فَقالَ : انفَرِدوا كَتائِبَ لاِسمَعَ قَولَكُم كَتيبَةً كَتيبَةً . فَتَكَتَّبوا كَتائِبَ ، وأقَرَّت كُلُّ كَتيبَةٍ بِمِثلِ ما أقَرَّت بِهِ الاُخرى مِن قَتلِ ابنِ خَبّابٍ ، وقالوا : ولَنَقتُلَنَّكَ كَما قَتَلناهُ ! فَقالَ عَلِيٌّ : وَاللّهِ ، لَو أقَرَّ أهلُ الدُّنيا كُلُّهُم بِقَتلِهِ هكَذا وأنَا أقدِرُ عَلى قَتلِهِم بِهِ لَقَتَلتُهُم . ثُمَّ التَفَتَ إلى أصحابِهِ فَقالَ لَهُم : شُدّوا عَلَيهِم ، فَأَنَا أوَّلُ مَن يَشُدُّ عَلَيهِم (2) .
7 / 3قِتالُ الإِمامِ بِنَفسِهِالكامل للمبرّد :خَرَجَ مِنهُم رَجُلٌ بَعدَ أن قالَ عَلِيٌّ رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ : اِرجِعوا وَادفَعوا إلَينا قاتِلَ عَبدِ اللّهِ بنِ خَبّابٍ . فَقالُوا : كُلُّنا قَتَلَهُ وشَرِكَ في دَمِهِ ! ثُمَّ حَمَلَ مِنهُم رَجُلٌ عَلى صَفِّ عَلِيٍّ _ وقَد قالَ عَلِيٌّ : لا تَبدَؤوهُم بِقِتالٍ _ فَقَتَلَ مِن أصحابِ عَلِيٍّ ثَلاثَةً وهُو يَقولُ : أقتُلُهُم ولا أرى عَلِيّا ولَو بَدا أوجَرتُهُ الخَطِّيّا
.
ص: 31
فَخَرَجَ إلَيهِ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ فَقَتَلَهُ ، فَلَمّا خالَطَهُ السَّيفُ قالَ : حَبَّذَا الرَّوحَةُ إلَى الجَنَّةِ ! فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنِ وَهَبٍ : ما أدري أإلَى الجَنَّةِ أم إلَى النّارِ ؟ فَقالَ رَجُلٌ مِن بَني سَعدٍ : إنَّما حَضَرتُ اغتِرارا بِهذا ، وأراهُ قَد شَكَّ ! ! فَانخَزَلَ بِجَماعَةٍ مِن أصحابِهِ ، ومالَ ألفٌ إلى ناحِيَةِ أبي أيّوبَ الأَنصارِيِّ (1) .
مروج الذهب :حَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الخَوارِجِ عَلى أصحابِ عَلِيٍّ ، فَجَرَحَ فيهِم ، وجَعَلَ يَغشى كُلَّ ناحِيَةٍ ، ويَقولُ : أضرِبُهُم ولَو أرى عَلِيّا ألبَستُهُ أبيَضَ مَشرَفِيّا فَخَرَجَ إلَيهِ عَلِيٍّ رضى الله عنه ، وهُوَ يَقولُ : يا أيُّهذَا المُبتَغي عَلِيّا إنّي أراكَ جاهِلاً شَقِيّا قَد كُنتَ عَن كِفاحِهِ غَنِيّا هَلُمَّ فَابرُز ها هُنا إلَيّا وحَمَلَ عَلَيهِ عَلِيٌّ ، فَقَتَلَهُ . ثُمَّ خَرَجَ مِنهُم آخَرُ ، فَحَمَلَ عَلَى النّاسِ ، فَفَتَكَ فيهِم ، وجَعَلَ يَكُرُّ عَلَيهِم ، وهُوَ يَقولُ : أضرِبُهُم ولَو أرى أبا حَسَن ألبَستُهُ بِصارِمي ثَوبَ غَبَن فَخَرَجَ إلَيهِ عَلِيٌّ وهُوَ يَقولُ : يا أيُّهذَا المُبتَغي أبا حَسَن إليكَ فَانظُر أيُّنا يَلقَى الغَبَن وحَمَلَ عَلَيهِ عَلِيٌّ وشَكَّهُ بِالرَّمحِ ، وتَرَكَ الرَّمحَ فيهِ ، فَانصَرَفَ عَلِيٌّ وهُوَ يَقولُ : لَقَد رَأَيتَ أبا حَسَنٍ فَرَأَيتَ ما تَكرَهُ (2) .
.
ص: 32
7 / 4مُقاتَلَةُ الإِمامِ عَبدَ اللّهِ بنَ وَهبٍالفتوح :تَقَدَّمَ عَبدُ اللّهِ بنِ وَهَبٍ الرّاسِبِيُّ حَتّى وَقَفَ بَينَ الجَمعَينِ ، ثُمَّ نادى بِأَعلى صَوتِهِ : يَابنَ أبي طالِبٍ ! حَتّى مَتى يَكونَ هذِهِ المُطاوَلَةُ بَينَنا وبَينَكَ ؟ ! وَاللّهِ ، لا نَبرَحُ هذِهِ العَرصَةَ أبَدا أو تَأبى عَلى نَفسِكَ ، فَابرُز إلَيَّ حَتّى أبرُزَ إلَيكَ وذَرِ النّاسَ جانِبا . فَتَبَسَّمَ عَلِيٌّ رضى الله عنه ثُمَّ قالَ : قاتَلَهُ اللّهُ مِن رَجُلٍ ما أقَلَّ حياءَهُ ! أما إنَّهُ لِيَعلَمُ أنّي حَليفُ السَّيفِ وجَديلُ الرُّمحِ ، ولكِنَّهُ أيِسَ مِنَ الحَياةِ ، أو لَعَلَّهُ يَطمَعُ طَمَعا كاذِبا . قالَ : وجَعَلَ عَبدُ اللّهِ يَجولُ بَينَ الصَّفّينِ وهُوَ يَرتَجِزُ ويَقولُ : أنَا ابنُ وَهبٍ الرّاسِبِيُّ الثّاري أضرِبُ فِي القَومِ لَأَخذِ الثّارِ حَتّى تَزولَ دَولَةُ الأَشرارِ ويَرجِعَ الحَقُّ إلَى الأَخيارِ ثُمَّ حَمَلَ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ ضَربَةً ألحَقَهُ بِأَصحابِهِ (1) .
7 / 5حَملَةُ ذِي الثُّدَيَّةِ عَلَى الإِمامِكشف اليقين :حَمَلَ ذُو الثُّدَيَّةِ لِيَقتُلَ عَلِيّا عليه السلام ، فَسَبَقَهُ عَلِيٌّ عليه السلام وضَرَبَهُ فَفَلَقَ البَيضَةَ ورَأسَهُ ، فَحَمَلَهُ فَرَسُهُ فَأَلقاهُ في آخِرِ المَعرَكَةِ في جُرفٍ دالِيَةٍ عَلى شَطِّ النَّهرَوانِ (2) .
.
ص: 33
7 / 6سُرعَةُ دَمارِهِمتاريخ الطبري عن أبي سلمة الزهري :وبَعَثَ عَلِيٌّ الأَسوَدَ بنَ يَزيدَ المُرادِيَّ في ألفَي فارِسٍ ، حَتّى أتى حَمزَةَ بنَ سِنانٍ وهُوَ في ثَلاثِمِئَةِ فارِسٍ مِن خَيلِهِم . . . وأقبَلَتِ الخَوارِجُ ، فَلَمّا أن دَنَوا مِنَ النّاسِ نادَوا يَزيدَ بنَ قَيسٍ فَكانَ يَزيدُ بنُ قَيسٍ عَلى أصبَهانَ فَقالوا : يا يَزيدَ بنَ قَيسٍ لا حُكمَ إلّا للّهِِ وإن كَرِهَت أصبَهانُ ، فَناداهُم عَباسُ بنُ شَريكٍ وقَبيصَةُ بنُ ضُبَيعَةَ العَبسِيّانِ يا أعداءَ اللّهِ ، أ لَيسَ فيكُم شُرَيحُ بنُ أوفَى المُسرِفُ عَلى نَفسِهِ ؟ هَل أنتُم إلّا أشباهُهُ ؟ ! قالوا : وما حُجَّتُكُم عَلى رَجُلٍ كانَت فيهِ فِتنَةٌ وفينا تَوبَةٌ ؟ ثُمَّ تَنادَوا : الرَّواحَ الرَّواحَ إلَى الجَنَّةِ ! فَشَدّوا عَلَى النّاسِ وَالخَيلُ أمامَ الرِّجالِ ، فَلَم تَثبُت خَيلُ المُسلِمينَ لِشِدَّتِهِم ، وَافتَرَقَتِ الخَيلُ فِرقَتَينِ : فِرقَةٌ نَحوَ المَيمَنَةِ ، واُخرى نَحوَ المَيسَرَةِ ، وأقبَلوا نَحوَ الرِّجاِل ، فَاستَقبَلَتِ المُرامِيَةُ وُجوهَهُم بِالنَّبلِ ، وعَطَفَت عَلَيهِمُ الخَيلُ مِنَ المَيمَنَةِ وَالمَيسَرَةِ ، ونَهَضَ إلَيهِم الرِّجالُ بِالرِّماحِ وَالسُّيوفِ ، فَوَاللّهِ ما لَبَّثوهُم أن أناموهُم . ثُمَّ إنَّ حَمزَةَ بنَ سِنانٍ صاحِبَ خَيلِهِم لَمّا رَأَى الهَلاكَ ، نادى أصحابَهُ أنِ انزِلوا ، فَذَهَبوا لِيَنزِلوا فَلَم يَتَقارّوا حَتّى حَمَلَ عَلَيهِمُ الأَسوَدُ بنُ قَيسٍ المُرادِيُّ ، وجاءَتهُم الخَيلُ مِن نَحوِ عَلِيٍَّفاُهمِدوا فِي السّاعَةِ (1) .
تاريخ الطبري عن حكيم بن سعد_ في وَصفِ حَربِ النَّهرَوانِ _: ما هُوَ إلّا أن لَقينا أهلَ البَصرَةِ ، فَما لَبَّثناهُم ، فَكَأَنَّما قيلَ لَهُم :موتوا ، فَماتوا قَبلَ أن تَشتَد
.
ص: 34
شَوكَتُهُم ، وتَعظُمَ نِكايَتَهُم (1) .
الإمامة والسياسة عن الثعلبي :لَقَد رَأَيتُ الخَوارِجَ حينَ استَقبَلَتهُمُ الرِّماحُ وَالنَّبلُ كَأَنَّهُم مَعَزٌ اتَّقَتِ المَطَرَ بِقُرونِها ، ثُمَّ عَطَفَتِ الخَيلُ عَلَيهِم مِنَ المَيمَنَةِ وَالمَيسَرَةِ ، ونَهَضَ عَلِيٌّ فِي القَلبِ بِالسُّيوفِ وَالرِّماحِ ، فَلا وَاللّهِ ما لَبِثوا فُواقا (2) ، حَتّى صَرَعَهُمُ اللّهُ ، كَأَنَّما قيلَ لَهُم : موتوا فَماتوا (3) .
الأخبار الطوال_ في ذِكرِ بَدءِ القِتالِ _: قالَ عَلِيٌّ لِأَصحابِهِ : لا تَبدَؤوهُم بِالقِتالِ حَتّى يَبدَؤوكُم . فَتَنادَتِ الخَوارِجُ : لا حُكمَ إلّا للّهِِ وإن كَرِهَ المُشرِكونَ ، ثُمَّ شَدّوا عَلى أصحابِ عَلِيٍّ شِدَّةَ رَجُلٍ واحِدٍ ، فَلَم تَثبُت خَيلُ عَلِيٍّ لِشِدَّتِهِم ، وَافتَرَقَتِ الخَوارُِج فِرقَتَينِ : فِرقَةٌ أخَذَت نَحوَ المَيمَنَةِ ، وفِرقَةٌ اُخرى نَحوَ المَيسَرَةِ . وعَطَفَ عَلَيهِم أصحابُ عَلِيٍّ ، وحَمَلَ قَيسُ بنُ مُعاوِيَةَ البُرجُمِيُّ مِن أصحابِ عَلِيٍّ عَلى شُرَيحِ بنِ أبي أوفى ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيفِ عَلى ساقِهِ فَأَبانَها فَجَعَلَ يُقاتِلُ بِرَجلٍ واحِدَةٍ وهُوَ يَقولُ : الفَحلُ يَحمي شَولَهُ مَعقولاً فَحَمَلَ عَلَيهِ قَيسُ بنُ سَعدٍ فَقَتَلَهُ وقُتِلَتِ الخَوارِجُ كُلُّها رِبضَةً (4) واحِدَةً (5) .
.
ص: 35
7 / 7اِستِبشارُ النّاسِ بِظُهورِ آيَةٍ مِن آياتِ النُّبُوَّةِمسند ابن حنبل عن أبي كثير مولى الأنصار :كُنتُ مَعَ سَيِّدي مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنهحَيثُ قُتِلَ أهلُ النَّهرَوانِ ، فَكَأَنَّ النّاسَ وَجَدوا في أنفُسِهِم مِن قَتلِهِم . فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : يا أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد حَدَّثَنا بِأَقوامٍ يَمرُقونَ مِنَ الدّينِ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، ثُمَّ لا يَرجِعونَ فيهِ أبَدا حَتّى يَرجِعَ السَّهمُ عَلى فوقِهِ ، وإنَّ آيَةَ ذلِكَ أنَّ فيهِم رَجُلاً أسوَدَ مُخدَجَ (1) اليَدِ ، إحدى يَدَيهِ كَثَديِ المَرأَةِ ، لَها حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ ثَديِ المَرأَةِ ، حَولَهُ سَبعُ هُلُباتٍ ، فَالتَمِسوهُ ، فَإِنّي أراهُ فيهِم . فَالتَمَسوهُ فَوَجَدوهُ إلى شَفيرِ النَّهرِ تَحتَ القَتلى ، فَأَخرَجوهُ . فَكَبَّرَ عَلِيٌّ رضى الله عنه فَقالَ : اللّهُ أكَبرُ ، صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ ، وإنَّهُ لَمُتَقَلِّدٌ قَوسا لَهُ عَرَبِيَّةً ، فَأَخَذَها بِيَدِهِ فَجَعَلَ يَطعَنُ بِها في مُخدَجَتِهِ ويَقولُ : صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ ، وكَبَّرَ النّاسُ حينَ رَأَوهُ وَاستَبشَروا ، وذَهَبَ عَنهُم ما كانوا يَجِدونَ (2) .
صحيح مسلم عن بسر بن سعيد عن عبيد اللّه بن أبي رافع :إنَّ الحَرَورِيَّةَ لَمّا خَرَجَت _ وهُوَ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه _ قالوا : لا حُكمَ إلّا للّهِِ . قالَ عَلِيٌّ : كَلِمَةُ حَقٍّ اُريدَ بِها باطِلٌ ، إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَصَفَ ناسا إنّي لَأَعرِفُ صِفَتَهُم في هؤُلاءِ ، يَقولونَ الحَقَّ بِأَلسِنَتِهِم لا يَجوزُ هذا مِنهُم _ وأشارَ إلى حَلقِهِ _ مِن أبغَضِ خَلقِ اللّهِ إلَيهِ مِنهُم أسوَدُ ، إحدى يَدَيهِ طُبيُ شاةٍ أو حَلَمَةُ ثَديٍ . فَلَمّا قَتَلَهُم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه قالَ : اُنظُروا ، فَنَظَروا فَلَم يَجِدوا شَيئا .
.
ص: 36
فَقالَ : اِرجِعوا ، فَوَاللّهِ ! ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ _ مَرَّتَينِ أو ثَلاثا _ ثُمَّ وَجَدوهُ في خَرِبَةٍ ، فَأَتَوا بِهِ حَتّى وَضَعوهُ بَينَ يَدَيهِ . قالَ عُبَيدُ اللّهِ : وأنَا حاضِرٌ ذلِكَ مِن أمرِهِم ، وقَولِ عَلِيٍّ فيهِم (1) .
مروج الذهب :كانَ جُملَةُ مَن قُتِلَ مِن أصحابِ عَلِيٍّ تِسعَةً ، ولَم يُفلِت مِن الخَوارِجِ إلّا عَشَرَةٌ ، وأتى عَلِيٌّ عَلَى القَومِ ، وهُم أربَعَةُ آلافٍ ، فيهِمُ المُخدَجُ ذُو الثَّدِيَّةِ إلّا مَن ذَكَرنا مِن هؤُلاءِ العَشَرَةِ . وأمَرَ عَلِيٌّ بِطَلَبِ المُخدَجِ ، فَطَلَبوهُ ، فَلَم يَقدِروا عَلَيهِ ، فَقامَ عَلِيٌّ وعَلَيهِ أثَرُ الحُزنِ لِفَقدِ المُخدَجِ ، فَانتَهى إلى قَتلى بَعضُهُم فَوقَ بَعضٍ . فَقالَ : اُفرُجوا . فَفَرجوا يَمينا وشِمالاً وَاستَخرَجوهُ . فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : اللّهُ أكبَرُ ، ما كَذَبتُ عَلى مُحَمَّدٍ ، وإنَّهُ لَناقِصُ اليَدِ لَيسَ فيها عَظمٌ ، طَرَفُها حَلَمَةٌ مِثلُ ثَديِ المَرأَةِ ، عَلَيها خَمسُ شَعَراتٍ أو سَبعٌ ، رُؤوسُها مُعَقَّفَةٌ ، ثُمَّ قالَ : اِيتُوني بِهِ . فَنَظَرَ إلى عَضُدِهِ ، فَإِذا لَحمٌ مُجتَمَعٌ عَلى مِنكِبِهِ كَثَديِ المَرأَةِ عَلَيهِ شَعَراتٌ سودٌ إذا مُدَّتِ اللَّحمَةُ امتَدَّت ، حَتّى تُحاذِيَ بَطنَ يَدِهِ الاُخرى ، ثُمَّ تَترَكُ فَتَعودُ إلى مَنكِبِهِ . فَثَنى رِجلَهُ ونَزَلَ ، وخَرَّ للّهِِ ساجِدا (2) .
تاريخ الطبري عن عبد الملك بن أبي حرّة :إنَّ عَلِيّا خَرَجَ في طَلَبِ ذِي الثُّدَيَّةِ ومَعَهُ سُلَيمانُ بنُ ثَمامَةَ الحَنَفِيُّ أبو جَبرَةَ ، وَالرَّيّانُ بنُ صَبرَةَ بنِ هَوذَةَ ، فَوَجَدَهُ الرَّيّانُ ابنُ صَبرَةَ بنِ هَوذَةَ في حُفرَةٍ عَلى شاطِئِ النَّهرِ في أربَعينَ أو خَمسينَ قَتيلاً .
.
ص: 37
قالَ : فَلَمّا استُخرِجَ نَظَرَ إلى عَضُدِهِ ، فَإِذا لَحمٌ مُجتَمَعٌ عَلى مَنكِبِهِ كَثَديِ المَرأَةِ ، لَهُ حَلَمَةٌ عَلَيها شَعَراتٌ سودٌ ، فإِذا مُدَّتِ امتَدَّت حَتّى تُحاذِيَ طولَ يَدِهِ الاُخرى ، ثُمَّ تُترَكُ فَتَعودُ إلى مَنكِبِهِ كَثَديِ المَرأَةِ . فَلَمّا استُخرِجَ قالَ عَلِيٌّ : اللّهُ أكبَرُ ! وَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ ، أما وَاللّهِ لَولا أن تَنكُلوا عَنِ العَمَلِ ، لَأَخبَرتُكُم بِما قَضىَ اللّهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله لِمَن قاتَلَهُم مُستَبصِرا في قِتالِهِم ، عارِفا لِلحَقِّ الَّذي نَحنُ عَلَيهِ (1) .
الكامل في التاريخ :قَد رَوى جَماعَةٌ أنَّ عَلِيّا كانَ يُحَدِّثُ أصحابَهُ قَبلَ ظُهورِ الخَوارِجِ ؛ أنَّ قَوما يَخرُجونَ يَمرُقونَ مِنَ الدّينِ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، عَلامَتُهُم رَجُلٌ مُخدَجُ اليَدِ ، سَمِعوا ذلِكَ مِنهُ مِرارا . فَلَمّا خَرَجَ أهلُ النَّهرَوانِ سارَ بِهِم إلَيهِم عَلِيٌّ وكانَ مِنهُ مَعَهُم ما كانَ ، فَلَمّا فَرَغَ أمَرَ أصحابَهُ أن يَلتَمِسُوا المُخدَجَ ، فَالتَمَسوهُ ، فَقالَ بَعضُهُم : ما نَجِدُهُ ، حَتّى قالَ بَعضُهُم : ما هُوَ فيهِم ، وهُوَ يَقولُ : وَاللّهِ ، إنَّهُ لَفيهِم ، وَاللّهِ ، ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ ! ثُمَّ إنَّهُ جاءَهُ رَجُلٌ فَبَشَّرَهُ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد وَجَدناهُ (2) .
7 / 8كَلامُ الإِمامِ عِندَ المُرورِ بِقَتلَى الخَوارِجِالإمام عليّ عليه السلام_ وقَد مَرَّ بِقَتلَى الخَوارِجِ يَومَ النَّهرَوانِ _: بُؤسا لَكُم ، لَقَد ضَرَّكُم
.
ص: 38
مَن غَرَّكُم ! فَقيلَ لَهُ : مَن غَرَّهُم يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ فَقالَ عليه السلام : الشَّيطانُ المُضِلُّ ، وَالأَنفُسُ الأَمّارَةُ بِالسّوءِ ، غَرَّتهُم بِالأَمانِيِّ ، وفَسَحَت لَهُم بِالمَعاصي ، ووَعَدَتهُمُ الإِظهارَ ، فَاقتَحَمَت بِهِمُ النّارَ (1) .
7 / 9إخبارُ الإِمامِ بِاستِمرارِ نَهجِهِم فِي التّاريخِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا قَتَلَ الخَوارِجَ ، فَقيلَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هَلَكَ القَومُ بِأَجمَعِهِم _: كَلّا وَاللّهِ ، إنَّهُم نُطَفٌ في أصلابِ الرِّجالِ وقَراراتِ النِّساءِ ، كُلَّما نَجَمَ مِنهُم قَرنٌ قُطِعَ ، حَتّى يَكونَ آخِرُهُم لُصوصا سَلّابينَ (2) .
المصنّف عن قتادة :لَمّا قَتَلَهُم قالَ رَجُلٌ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أبادَهُم وأراحَنا مِنهُم . فَقالَ عَلِيٌّ : كَلّا وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، إنَّ مِنهُم لَمَن في أصلابِ الرِّجالِ لَم تَحمِلهُ النِّساءُ بَعدُ ، ولَيَكونَنَّ آخِرُهُم لُصّاصا جَرّادينَ (3) .
المعجم الأوسط عن أبي جعفر الفرّاء :سَمِعَ عَلِيٌّ أحَدَ ابنَيهِ _ إمَّا الحَسَنَ أوِ الحُسَينَ _ يَقولُ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أراحَ اُمَّةَ مُحَمَّدٍ مِن هذِهِ العِصابَةِ . فَقالَ عَلِيٌّ : لَو لَم يَبقَ مِن اُمّة مُحَمَّدٍ إلّا ثَلاثَةٌ لَكانَ أحَدُهُم عَلى رَأيِ هؤُلاءِ ، إنَّهُم لَفي أصلابِ الرِّجالِ وأرحامِ النِّساءِ (4) .
.
ص: 39
شرح نهج البلاغة_ فِي الخَوارِجِ _: وقَد صَحَّ إخبارُهُ عليه السلام عَنهُم أنَّهُم لَم يَهلِكوا بِأَجمَعِهِم في وَقعَةِ النَّهرَوانِ ، وأنَّها دَعوَةٌ سَيَدعو إلَيها قَومٌ لَم يُخلَقوا بَعدُ ، وهكَذا وَقَعَ ، وصَحَّ إخبارُهُ عليه السلام أيضا أنَّهُ سَيَكونُ آخِرُهُم لُصوصا سَلّابينَ ، فَإِنَّ دَعوَةَ الخَوارِجِ اضمَحَلَّت ، ورِجالَها فَنِيَت ، حَتّى أفضَى الأَمرُ إلى أن صارَ خَلَفُهُم قُطّاعَ طَريقٍ ، مُتَظاهِرينَ بِالفُسوقِ وَالفَسادِ فِي الأَرضِ (1) .
تاريخ بغداد عن حبّة العرني :لَمّا فَرَغنا مِنَ النَّهرَوانِ قالَ رَجُلٌ : وَاللّهِ لا يَخرُجُ بَعدَ اليَومِ حَرَورِيٌّ أبَدا . فَقالَ عَلِيٌّ : مَه ! لا تَقُل هذا ، فَوَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ إنَّهُم لَفي أصلابِ الرِّجالِ وأرحامِ النِّساءِ ، ولا يَزالونَ يَخرُجونَ حَتّى تَخرُجَ طائِفَةٌ مِنهُم بَينَ نَهرَينِ ، حَتّى يَخرُجَ إلَيهِم رَجُلٌ مِن وُلدي فَيَقتُلُهُم فَلا يَعودونَ أبَدا (2) .
7 / 10سِياسَةُ الإِمامِ فِي الجَرحى وَالغَنائِمِتاريخ الطبري عن عبد الملك بن أبي حرّة :طَلَبَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] مَن بِهِ رَمَقٌ مِنهُم ، فَوَجَدناهُم أربَعَمِئَةِ رَجُلٍ ، فَأَمَرَ بِهِم عَلِيٌّ فَدُفِعوا إلى عَشائِرِهِم ، وقالَ : اِحمِلوهُم مَعَكُم فَداووهُم ، فَإِذا بَرِئوا فَوافوا بِهِمُ الكوفَةِ ، وخُذوا ما في عَسكَرِهِم مِن شَيءٍ . قالَ : وأمَّا السِّلاحُ وَالدَّوابُّ وما شَهِدوا بِهِ عَلَيهِ الحَربَ ، فَقَسَّمَهُ بَينَ المُسلِمينَ ، وأمَّا المَتاعُ وَالعَبيدُ وَالإِماءُ فَإِنَّهُ حينَ قَدِمَ رَدَّهُ عَلى أهلِهِ (3) .
.
ص: 40
7 / 11خُطبَةُ الإِمامِ لَمّا فَرَغَ مِن قِتالِ الخَوارِجِكنز العمّال عن عبد الملك بن قريب :سَمِعتُ العَلاءَ بنَ زِيادٍ الأَعرابِيَّ يَقولُ : سَمِعتُ أبي يَقولُ : صَعِدَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مِنبَرَ الكوفَةَ بَعدَ الفِتنَةِ وفَراغِهِ مِنَ النَّهرَوانِ فَحَمِدَ اللّهَ وخَنَقَتهُ العِبرَةُ ، فَبَكى حَتَّى اخضَلَّت لِحيَتُهُ بِدُموعِهِ وجَرَت ، ثُمَّ نَفَضَ لِحيَتَهُ فَوَقَعَ رَشاشُها عَلى ناسٍ مِن اُناسٍ ، فَكُنّا نَقولُ : إنَّ مَن أصابَهُ مِن دُموعِهِ فَقَد حَرَمَهُ اللّهُ عَلى النّارِ ، ثُمَّ قالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! لا تَكونوا مِمَّن يَرجُو الآخِرَةَ بِغَيرِ عَمَلٍ ، ويُؤَخِّرُ التَّوبَةَ بِطولِ الأَمَلِ ، يَقولُ فِي الدُّنيا قَولَ الزّاهِدينَ ، ويَعمَلُ فيها عَمَلَ الرّاغِبينَ ، إن اُعطِيَ مِنها لَم يَشبَع ، وإن مُنِعَ مِنها لَم يَقنَع ، يَعجِزُ عَن شُكرِ ما اُوتِيَ ، ويَبتَغِي الزِّيادَةَ فيما بَقِيَ ، ويَأمُرُ ولا يَأتي ، ويَنهى ولا يَنتَهي ، يُحِبُّ الصّالِحينَ ولا يَعمَلُ بِأَعمالِهِم ، ويُبغِضُ الظّالِمينَ وهُوَ مِنهُم ، تَغلِبُهُ نَفسُهُ عَلى ما يَظُنُّ ، ولا يَغلِبُها عَلى ما يَستَيقِنُ ، إنِ استَغنى فُتِنَ ، وإن مَرِضَ حَزِنَ ، وإنِ افتَقَرَ قَنِطَ ووَهَنَ ، فَهُوَ بَينَ الذَّنبِ وَالنِّعمَةِ يَرتَعُ ، يُعافى فَلا يَشكُرُ ، ويُبتَلى فَلا يصَبِرُ ، كَأَنَّ المُحَذَّرَ مِنَ المَوتِ سِواهُ ، وكَأَنَّ مَن وُعِدَ وزُجِرَ غَيرُهُ . يا أغراضَ المَنايا ! يا رَهائِنَ المَوتِ ! يا وِعاءَ الأَسقامِ ! يا نُهبَةَ الأَيّامِ ! ويا ثِقلَ الدَّهرِ ! ويا فاكِهَةَ الزَّمانِ ! ويا نورَ الحَدَثانِ ! ويا خُرسُ عِندَ الحُجَجِ ! ويا مَن غَمَرَتهُ الفِتَنُ وحيلَ بَينَهُ وبَينَ مَعرِفَةِ العِبَرِ . بِحَقٍّ ! أقولُ : ما نَجا مَن نَجا إلّا بِمَعرِفَةِ نَفسِهِ ، وما هَلَكَ مَن هَلَكَ إلّا مِن تَحتِ يَدِهِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا» (1) جَعَلَنَا اللّهُ وإيّاكُم مِمَّن سَمِعَ الوَعظَ فَقَبِلَ ، ودُعِيَ إلَى العَمَلِ فَعَمِلَ (2) .
M2740_T1_File_2604912
.
ص: 41
الفصل الثامن : خروج بقايا من الخوارجالكامل في التاريخ :لَمّا قُتِلَ أهلُ النَّهرَوانِ ، خَرَجَ أشرَسُ بنُ عَوفٍ الشَّيبانِيُّ عَلى عَلِيٍّ _ بِالدَّسكَرَةِ _ في مِئَتَينِ ، ثُمَّ سارَ إلَى الأَنبارِ ، فَوَجَّهَ إلَيهِ عَلِيٌّ الأَبرَشَ بنَ حَسّانٍ في ثَلاثِمِئَةٍ فَواقَعَهُ ، فَقُتِلَ أشرَسُ في رَبيعِ الآخِرِ سَنَةَ ثَمانٍ وثَلاثينَ . ثُمَّ خَرَجَ هِلالُ بنُ عُلَّفَةَ _ مِن تَيمِ الرِّبابِ _ ومَعَهُ أخوهُ مُجالِدٌ ، فَأَتى ماسَبَذانَ (1) ، فَوَجَّهَ إلَيهِ عَلِيٌّ مَعقِلَ بنَ قَيسٍ الرِّياحِيَّ فَقَتَلَهُ وقَتَلَ أصحابَهُ ، وهُم أكثَرُ مِن مِئَتَينِ ، وكانَ قَتَلُهُم في جُمادَى الاُولى سَنَةَ ثَمانٍ وثَلاثينَ . ثُمَّ خَرَجَ الأَشهَبُ بنُ بِشرٍ ، وقيلَ : الأَشعَثُ _ وهُوَ مِن بَجيلَةَ _ في مِئَةٍ وثَمانينَ رَجُلاً ، فَأَتَى المَعرَكَةَ الَّتي اُصيبَ فيها هِلالٌ وأصحابُهُ ، فَصَلّى عَلَيهِم ودَفَنَ مَن قَدِرَ عَلَيهِ مِنهُم . فَوَجَّهَ إلَيهِم عَلِيٌّ جارِيَةَ بنَ قُدامَةَ السَّعدِيَّ ، وقيلَ : حُجرَ بنَ عَدِيٍّ ، فَأَقبَلَ إلَيهِمُ الأَشهَبُ ، فَاقتَتَلا بِجَرجَرايا (2) مِن أرضِ جوخا (3) ، فَقُتِلَ الأَشهَبُ وأصحابُهُ في جُمادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمانٍ وثَلاثينَ .
.
ص: 42
ثُمَّ خَرَجَ سَعيدُ بنُ قُفلٍ التَّيمِيُّ _ مِن تَيمِ اللّهِ بنِ ثَعلَبَةَ _ في رَجَبٍ بِالبَندَنيجَينِ ومَعَهُ مِئَتا رَجُلٍ فَأَتى دَرزِنجانَ (1) _ وهِيَ مِنَ المَدائِنِ عَلى فَرسَخَينِ _ فَخَرَجَ إلَيهِم سَعدُ بنُ مَسعودٍ فَقَتَلَهُم في رَجَبٍ سَنَةَ ثَمانٍ وثَلاثينَ . ثُمَّ خَرَجَ أبو مَريَمَ السَّعدِيُّ التَّميمِيُّ ، فَأَتى شَهرَزورَ (2) ، وأكثَرُ مَن مَعَهُ مِنَ المَوالي ، وقيلَ : لَم يَكُن مَعَهُ مِنَ العَرَبِ غَيرُ سِتَّةِ نَفَرٍ هُوَ أحَدُهُم ، وَاجتَمَعَ مَعَهُ مِئَتا رَجُلٍ ، وقيلَ : أربَعُمِائَةٍ ، وعادَ حَتّى نَزَلَ عَلى خَمسَةِ فَراسِخَ مِنَ الكوفَةِ . فَأَرسَلَ إلَيهِ عَلِيٌّ يَدعوهُ إلى بَيعَتِهِ ودُخولِ الكوفَةِ ، فَلَم يَفعَل ، وقالَ : لَيسَ بَينَنا غَيرُ الحَربِ . فَبَعَثَ إلَيهِ عَلِيٌّ شُرَيحَ بنَ هانِئٍ في سَبعِمِئَةٍ ، فَحَمَلَ الخَوارِجُ عَلى شُرَيحٍ وأصحابِهِ فَانكَشَفوا ، وبَقِيَ شُرَيحٌ في مِائَتَينِ ، فَانحازَ إلى قَريَةٍ ، فَتَراجَعَ إلَيهِ بَعضُ أصحابِهِ ودَخَلَ الباقونَ الكوفَةَ . فَخَرَجَ عَلِيٌّ بِنَفسِهِ وقَدَّمَ بَينَ يَدَيهِ جارِيَةَ بنَ قُدامَةَ السَّعدِيَّ ، فَدَعاهُم جارِيَةُ إلئ طاعَةِ عَلِيٍّ وحَذَّرُهُم القَتلَ فَلَم يُجيبوا ، ولَحِقَهُم عَلِيٌّ أيضا فَدَعاهُم فَأَبَوا عَلَيهِ وعَلى أصحابِهِ ، فَقَتَلَهُم أصحابُ عَلِيٍّ ولَم يَسلَم مِنهُم غَيرُ خَمسينَ رَجُلاً استَأمَنوا فَآمَنَهُم . وكانَ فِي الخَوارِجِ أربَعونَ رَجُلاً جَرحى ، فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِإِدخالِهِمُ الكوفَةَ ومُداواتِهِم حَتّى بَرِؤوا ، وكانَ قَتلُهُم في شَهرِ رَمَضانَ سَنَةَ ثَمانٍ وثَلاثينَ ؛ وكانوا مِن أشجَعِ مَن قاتَلَ مِنَ الخَوارِجِ ، ولِجُرأَتِهِم قارَبُوا الكوفَةَ (3) .
.
ص: 43
الفصل التاسع : خروج الخِرّيت بن راشداُسد الغابة عن الزبير :كانَ الخِرّيتُ عَلى مُضَرَ يَومَ الجَمَلِ مَعَ طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ ، وكانَ عَبدُ اللّهِ بنُ عامِرٍ قَد استَعمَلِ الخِرّيتَ بنَ راشِدٍ عَلى كورَةٍ مِن كُوَرِ فارِسٍ ، ثُمَّ كانَ مَعَ عَلِيٍّ ، فَلَمّا وَقَعَتِ الحُكومَةُ فارَقَ عَلِيّا إلى بِلادِ فارسٍ مُخالِفا ، فَأَرسَلَ عَلِيٌّ إلَيهِ جَيشا ، وَاستَعمَلَ عَلَى الجَيشِ مَعقِلَ بنَ قَيسٍ وزِيادَ بنَ خَصَفَةَ ، فَاجتَمَعَ مَعَ الخِرّيتِ كَثيرٌ مِنَ العَرَبِ ونَصارى كانوا تَحتَ الجِزيَةِ ، فَأَمَرَ العَرَبَ بِإِمساكِ صَدَقاتِهِم وَالنَّصارى بِإِمساكِ الجِزيَةِ ، وكانَ هُناكَ نَصارى أسلَموا ، فَلَمّا رَأَوُا الاِختِلافَ ارتَدّوا وأعانوهُ ، فَلَقوا أصحابَ عَلِيٍّ وقاتَلَهُم ، فَنَصَبَ زِيادُ بنُ خَصَفَةَ رايَةَ أمانٍ ، وأمَرَ مُنادِيا فَنادى : مَن لَحِقَ بِهذِهِ الرّايَةِ فَلَهُ الأَمانُ ، فَانصَرَفَ إلَيها كَثيرٌ مِن أصحابِ الخِرّيتِ ، فَانهَزَمَ الخِرّيتُ فَقُتِلَ (1) .
تاريخ اليعقوبي :خَرَجَ الخِرّيتُ بنُ راشِدٍ النّاجِيُّ في جَماعَةٍ مِن أصحابِهِ ، فَجَرَّدُوا السُّيوفَ بِالكوفَةِ ، فَقَتَلوا جَماعَةً ، وطَلَبَهُمُ النّاسُ ، فَخَرَجَ الخِرّيتُ وأصحابُهُ مِنَ الكوفَةِ ، فَجَعَلوا لا يَمُرّونَ بِبَلَدِ إلَا انتَهَبوا بَيتَ مالِهِ حَتّى صاروا إلى سِيفِ عُمانَ .
.
ص: 44
وكانَ عَلِيٌّ قَد وَجَّهَ الحلوَ بنَ عَوفٍ الأَزدِيَّ عامِلاً عَلى عُمانَ ، فَوَثَبَت بِهِ بَنو ناجِيَةَ فَقَتَلوهُ ، وَارتَدّوا عَنِ الإِسلامِ ، فَوَجَّهَ عَلِيٌّ مَعقِلَ بنَ قَيسٍ الرِّياحِيَّ إلَى البَلَدِ [عُمانَ] ، فَقَتَلَ الخِرّيتَ بنَ راشِدٍ وأصحابُهُ ، وسَبى بَني ناجِيَةَ (1) .
الغارات :شَهِدَ الخِرّيتُ بنُ راشِدٍ النّاجِيُّ وأصحابُهُ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام صِفّينَ ، فَجاءَ الخِرّيتُ إلى عَلِيٍّ عليه السلام في ثَلاثينَ راكِبا مِن أصحابِهِ ، يَمشي بَينَهُم حَتّى قامَ بَينَ يَدَي عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ لَهُ : وَاللّهِ لا اُطيعُ أمرَكَ ، ولا اُصَلّي خَلفَكَ ، وإنّي غَدا لَمُفارِقٌ لَكَ . قالَ : وذاكَ بَعدَ وَقعَةِ صِفّينَ ، وبَعدَ تَحكيمِ الحَكَمَينِ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ ! إذَن تَنقُضُ عَهدَكَ ، وتَعصي رَبَّكَ ، ولا تَضُرُّ إلّا نفسَكَ ! أخبِرني لِمَ تَفعَلُ ذلِكَ ؟ قالَ : لِأَنَّكَ حَكَّمتَ فِي الكِتابِ ، وضَعُفتَ عَنِ الحَقِّ إذ جَدَّ الجِدُّ ، ورَكَنتَ إلَى القَومِ الَّذينَ ظَلَموا أنفُسَهُم ، فَأَنَا عَلَيكَ رادٌّ ، وعَلَيهِم ناقِمٌ ، ولَكُم جَميعا مُبايِنٌ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : وَيحَكَ ! هَلُمَّ إلَيَّ اُدارِسكَ الكِتابَ ، واُناظِركَ فِي السُّنَنِ ، واُفاتِحكَ اُمورا مِنَ الحَقِّ أنَا أعلَمُ بِها مِنكَ ، فَلَعَلَّكَ تَعرِفُ ما أنتَ لَهُ الآنَ مُنكِرٌ ، وتَستَبصِرٌ ما أنتَ بِهِ الآنَ عَنهُ عَمٍ وبِهِ جاهِلٌ . فَقالَ الخِرّيتُ : فَإِنّي عائِدٌ عَلَيكَ غَدا ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : اُغدُ ولا يَستَهوِيَنَّكَ الشَّيطانُ ، ولا يَتَقَحَّمَنَّ بِكَ رَأيُ السَّوءِ ، ولا يَستَخفِنَّكَ الجُهَلاءُ الَّذينَ لا يَعلَمونَ ، فَوَاللّهِ لَئِنِ استَرشَدتَني وَاستَنصَحتَني وقَبِلتَ مِنّي لَأَهدِيَنَّكَ سَبيلَ الرَّشادِ ، فَخَرَجَ الخِرّيتُ مِن عِندِهِ مُنصَرِفا إلى أهلِهِ . قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ قُعَينٍ : فَعَجِلتُ في أثَرِهِ مُسرِعا ، وكانَ لي مِن بَني عَمِّهِ صَديقٌ ،
.
ص: 45
فَأَرَدتُ أن ألقَى ابنَ عَمِّهِ في ذلِكَ ، فَاُعلِمَهُ بِما كانَ مِن قَولِهِ لِأَميرِ المُؤمِنينَ ، وما رَدَّ عَلَيهِ ، وآمُرَ ابنَ عَمِّهِ ذلِكَ أن يَشتَدَّ بِلِسانِهِ عَلَيهِ ، وأن يَأمُرَهُ بِطاعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ ومُناصَحَتِهِ ، ويُخبِرَهُ أنَّ ذلِكَ خَيرٌ لَهُ في عاجِلِ الدُّنيا وآجِلِ الآخِرَةِ . قالَ : فَخَرَجتُ حَتَّى انتَهَيتُ إلى مَنزِلِهِ وقَد سَبَقَني ، فَقُمتُ عِندَ بابِ دارِهِ وفي دارِهِ رِجالٌ مِن أصحابِهِ لَم يَكونوا شَهِدوا مَعَهُ دُخولَهُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَوَاللّهِ مارَجَعَ ولا نَدِمَ عَلى ما قالَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ وما رَدَّ عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ لَهُم : يا هؤُلاءِ ! إنّي قَد رَأَيتُ أن اُفارِقَ هذَا الرَّجُلَ ، وقَد فارَقتُهُ عَلى أن أرجِعَ إلَيهِ مِن غَدٍ ولا أراني إلّا مُفارِقَهُ ، فَقالَ أكثَرُ أصحابِهِ : لا تَفعَل حَتّى تَأتِيَهُ ، فَإِن أتاكَ بِأَمرٍ تَعرِفُهُ قَبِلتَ مِنهُ ، وإن كانَتِ الاُخرى فَما أقدرَكَ عَلى فِراقِهِ ! فَقالَ لَهُم : نِعمَ ما رَأَيتُم . قالَ : ثُمَّ استَأذَنتُ عَلَيهِم فَأَذِنوا لي ، فَأَقبَلتُ عَلَى ابنِ عَمِّهِ وهُوَ مُدرِكُ بنُ الرَّيّانِ النّاجِيُّ ، وكانَ مِن كُبَراءِ العَرَبِ ، فَقُلتُ لَهُ : إنَّ لَكَ عَلِيَّ حَقّا لِاءخائِكَ ووُدِّكَ ، ولِحَقِّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ ؛ إنَّ ابنَ عَمِّكَ كانَ مِنهُ ما قَد ذُكِرَ لَكَ ، فَاخلُ بِهِ وَاردُد عَلَيهِ رَأيَهُ ، وعَظِّم عَلَيهِ ما أتى ، وَاعلَم أنَّني خائِفٌ إن فارَقَ أميرَ المُؤمِنينَ أن يَقتُلَكَ ونَفسَهُ وعَشيرَتَهُ . فَقالَ : جَزاكَ اللّهُ خَيرا مِن أخٍ ؛ فَقَد نَصَحتَ وأشفَقتَ ، إن أرادَ صاحِبي فِراقَ أميرِ المُؤمِنينَ فارَقتُهُ وخالَفتُهُ وكُنتُ أشَدَّ النّاسِ عَلَيهِ ، وأنَا بَعدُ خالٍ بِهِ ، ومُشيرٌ عَلَيهِ بِطاعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ ، ومُناصَحَتِهِ وَالإِقامَةِ مَعَهُ ، وفي ذلِكَ حَظُّهُ ورُشدُهُ ، فَقُمتُ مِن عِندِهِ وأرَدتُ الرُّجوعَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام لِاُعلِمَهُ الَّذي كانَ ، ثُمَّ اطمَأنَنتُ إلى قَولِ صاحِبي ، فَرَجَعتُ إلى مَنزِلي فَبِتُّ بِهِ ثُمَّ أصبَحتُ ، فَلَمّا ارتَفَعَ النَّهارُ أتَيتُ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَجَلَستُ عِندَهُ ساعَةً وأنَا اُريدُ أن اُحَدِّثَهُ بِالَّذي كانَ مِن قَولِهِ لي عَلى خَلوَةٍ ، فَأَطَلتُ الجُلوسَ فَلَم يَزدَدِ النّاسُ إلّا كَثرَةً ، فَدَنَوتُ مِنهُ فَجَلَستُ وَراءَهُ فَأَصغى إلَيَّ بِرَأسِهِ ،
.
ص: 46
فَأَخبَرتُهُ بِما سَمِعتُ مِنَ الخِرّيتِ ، وما قُلتُ لِابنِ عَمِّهِ ، وما رَدَّ عَلَيَّ . فَقالَ عليه السلام : دَعهُ ؛ فَإِن قَبِلَ الحَقَّ ورَجَعَ عَرَفنا ذلِكَ لَهُ وقَبِلناهُ مِنهُ ، وإن أبى طَلَبناهُ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَلِمَ لا تَأخُذُهُ الآنَ فَتَستَوثِقَ مِنهُ ؟ فَقالَ : إنّا لَو فَعَلنا هذا لِكُلِّ مَن نَتَّهِمُهُ مِنَ النّاسِ مَلَأنَا السُّجونَ مِنهُم ، ولا أراني يَسَعَنِي الوُثوبُ عَلَى النّاسِ وَالحَبسُ لَهُم وعُقوبَتُهُم حَتّى يُظهِروا لَنَا الخِلافَ . قالَ : فَسَكَتُّ عَنهُ وتَنَحَّيتُ فَجَلَستُ مَعَ أصحابي ، ثُمَّ مَكَثتُ ما شاءَ اللّهُ مَعَهُم ، ثُمَّ قالَ لي عَلِيٌّ عليه السلام : اُدنُ مِنّي فَدَنَوتُ مِنهُ ، ثُمَّ قالَ لي مُسِرّا : اِذهَب إلى مَنزِلِ الرَّجُلِ فَأَعلِم لي ما فَعَلَ ؛ فَإِنَّهُ قَلَّ يَومٌ لَم يَكُن يَأتيني فيهِ إلّا قَبلَ هذِهِ السّاعَةِ ، قالَ : فَأَتيتُ مَنزِلَهُ فَإِذا لَيسَ في مَنزِلِهِ مِنهُم دَيّارٌ ، فَدُرتُ عَلى أبوابِ دورٍ اُخرى كانَ فيها طائِفَةٌ اُخرى مِن أصحابِهِ فَإِذا لَيسَ فيها داعٍ ولا مُجيبٌ ، فَأَقبَلتُ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ لي حينَ رَآني : أ أمِنوا فَقَطَنوا أم جَبُنوا فَظَعَنوا ؟ قُلتُ : بَل ظَعَنوا ، قالَ : أبعَدَهُمُ اللّهُ كَما بَعِدَت ثَمودُ ، أما وَاللّهِ لَو قَد اُشرِعَت لَهُمُ الأَسِنَّةُ ، وصُبَّت عَلى هامِهِمُ السُّيوفُ ، لَقَد نَدِموا ، إنَّ الشَّيطانَ قَد استَهواهُم فَأَضَلَّهُم وهُوَ غَدا مُتَبَرِّئٌ مِنهُم ، ومُخَلٍّ عَنهُم (1) .
الكامل في التاريخ_ في ذِكرِ أحداثِ سَنَةِ (38ه ) _: وفي هذِهِ السَّنَةِ أظَهَرَ الخِرّيتُ بنُ راشِدٍ النّاجِيُّ الخِلافَ عَلى عَلِيٍّ ، فَجاءَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ وكانَ مَعَهُ ثَلاثُمِئَةٍ مِن بَني ناجِيَةَ ، خَرَجوا مَعَ عَلِيٍّ مِنَ البَصرَةِ ، فَشَهِدوا مَعَهُ الجَمَلَ وصِفّينَ ، وأقاموا مَعَهُ بِالكوفَةِ إلى هذَا الوَقتِ ، فَحَضَرَ عِندَ عَلِيٍّ في ثَلاثينَ راكِبا ، فَقالَ لَهُ : يا عَلِيٌّ ، وَاللّهِ لا اُطيعُ أمرَكَ ، ولا اُصَلّي خَلفَكَ ، وإنّي غَدا مُفارِقٌ لَكَ ، وذلِكَ بَعدَ تَحكيمِ الحَكَمَينِ . فَقالَ لَهُ : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ ، إذَن تَعصي رَبَّكَ ، وتَنكُثُ عَهدَكَ ، ولا تَضُرُّ إلّا نَفسَكَ !
.
ص: 47
خَبِّرني لِمَ تَفعَل ذلِكَ ؟ فَقالَ : لِأنَّكَ حَكَّمتَ وضَعُفتَ عَنِ الحَقِّ ، ورَكَنتَ إلَى القَومِ الَّذينَ ظَلَموا ، فَأَنَا عَلَيكَ زارٍ ، وعَلَيهِم ناقِمٌ ، ولَكُم جَميعا مُبايِنٌ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : هَلُمَّ اُدارِسكَ الكِتابَ واُناظِركَ فِي السُّنَنِ واُفاتِحكَ اُمورا أنَا أعلَمُ بِها مِنكَ ، فَلَعَلَّكَ تَعرِفُ ما أنتَ لَهُ الآنَ مُنكِرٌ ، قالَ : فَإِنّي عائِدٌ إلَيكَ . قالَ : لا يَستَهوِيَنَّكَ الشَّيطانُ ، ولا يَستَخِفَّنَّكَ الجُهّالُ ، وَاللّهِ لَئِنِ استَرشَدتَني وقَبِلتَ مِنّي لَأَهدِيَنَّكَ سَبيلَ الرَّشادِ . فَخَرَجَ مِن عِندِهِ مُنصَرِفا إلى أهلِهِ ، وسارَ مِن لَيلَتِهِ هُوَ وأصحابُهُ ، فَلَمّا سَمِعَ بِمَسيرِهِم عَلِيٌّ قالَ : بُعدا لَهُم كما بَعِدَت ثَمودُ ! إنَّ الشَّيطانَ اليَومَ استَهواهُم وأضَلَّهُم ، وهُوَ غَدا مُتَبَرِّئٌ مِنهُم . فَقالَ لَهُ زِيادُ بنُ خَصَفَةَ البَكرِيُّ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّهُ لَم يَعظُم عَلَينا فَقدُهُم فَتَأسى عَلَيهِم ، إنَّهُم قَلَّما يَزيدونَ في عَدَدِنا لَو أقاموا ، ولَقَلَّما يَنقُصونَ مِن عَدَدِنا بِخُروجِهِم عَنّا ، ولكِنّا نَخافُ أن يُفسِدوا عَلَينا جَماعَةً كَثيرَةً مِمَّن يَقدَمونَ عَلَيكَ مِن أهلِ طاعَتِكَ ، فَأذَن لي فِي اتِّباعِهِم حَتّى أرُدَّهُم عَلَيكَ . فَقالَ : أ تَدري أينَ تَوَجَّهوا ؟ قالَ : لا ، ولكِنّي أسأَلُ وأتبَعُ الأَثَرَ . فَقالَ لَهُ : اُخرُج ، رَحِمَكَ اللّهُ ، وَانزِل دَيرَ أبي موسى ، وأقِم حَتّى يَأتِيَكَ أمري ، فَإِن كانوا ظاهِرينَ فَإِنَّ عُمّالي سَيَكتُبونَ بِخَبَرِهِم . فَخَرَجَ زِيادٌ فَأَتى دارَهُ وجَمَعَ أصحابَهُ مِن بَكرِ بنِ وائِلٍ وأعلَمَهُمُ الخَبَرَ ، فَسارَ مَعَهُ مِئَةٌ وثَلاثونَ رَجُلًا ، فَقالَ : حَسبي . ثُمَّ سارَ حَتّى أتى دَيرَ أبي موسى فَنَزَلَهُ يَوما يَنتَظِرُ أمرَ عَلِيٍّ ، وأتى عَلِيّا كِتابٌ مِن قَرَظَةَ بنِ كَعبٍ الأَنصارِيِّ يَخبِرُهُ أنَّهُم تَوَجَّهوا نَحوَ نِفَّرٍ (1) ، وأنّهُم قَتَلوا رَجُلاً مِن
.
ص: 48
الدَّهاقينِ (1) كانَ أسلَمَ . فَأَرسَلَ عَلِيٌّ إلى زِيادٍ يَأمُرُهُ بِاتِّباعِهِم ويُخبِرُهُ خَبَرَهُم ، وأنَّهُم قَتَلوا رَجُلاً مُسلِما ، ويَأمُرُهُ بِرَدِّهِم إلَيهِ ؛ فَإِن أبَوا يُناجِزُهُم (2) ، وسَيَّرَ الكِتابَ مَعَ عَبدِ اللّهِ بنِ والٍ ، فَاستَأذَنَهُ عَبدُ اللّهِ فِي المَسيرِ مَعَ زِيادٍ ، فَأَذِنَ لَهُ ، وقالَ لَهُ : إنّي لَأَرجو أن تَكونَ مِن أعواني عَلَى الحَقِّ ، وأنصاري عَلَى القَومِ الظّالِمينَ ، قالَ ابنُ والٍ : فَوَاللّهِ ما اُحِبُّ أنَّ لي بِمَقالَتِهِ تِلكَ حُمرَ النَّعَمِ . . . فَتَبِعوا آثارَهُم حَتّى أدرَكوهُم بِالمَذارِ (3) . . . فَدَعاهُ زِيادٌ وقالَ لَهُ : مَا الَّذي نَقَمتَ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ وعَلَينا حَتّى فارَقتَنا ؟ فَقالَ : لَم أرضَ صاحِبَكُم إماما ، ولا سيرَتَكُم سيرَةً ، فَرَأَيتُ أن أعتَزِلَ وأكونَ مَعَ مَن يَدعو إلَى الشّورى ، فَقالَ لَهُ زِيادٌ : وهَل يَجتَمِعُ النّاسُ عَلى رَجُلٍ يُداني صاحِبَكَ الَّذي فارَقتَهُ عِلما بِاللّهِ وسُنَّتِهِ وكِتابِهِ مَعَ قَرابَتِهِ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وسابِقَتِهِ فِي الإِسلامِ ؟ فَقالَ لَهُ : ذلِكَ لا أقولُ لَكَ . فَقالَ لَهُ زيادٌ : فَفيمَ قَتَلتَ ذلِكَ الرَّجُلَ المُسلِمَ ؟ فَقالَ لَهُ : ما أنَا قَتَلتُهُ ، وإنَّما قَتَلَهُ طائِفَةٌ مِن أصحابي . قالَ : فَادفَعهُم إلَينا . قالَ : ما لي إلى ذلِكَ سَبيلٌ . فَدَعا زِيادٌ أصحابَهُ ودَعَا الخِرّيتُ أصحابَهُ ، فَاقتَتَلوا قِتالاً شَديدا تَطاعَنوا بِالرِّماحِ حَتّى لَم يَبقَ رُمحٌ ، وتَضارَبوا بِالسُّيوفِ حَتَّى انحَنَت ، وعُقِرَت عامَّةُ خُيولِهِم ، وكَثُرَتِ الجِراحَةُ فيهم ، وقُتِلَ مِن أصحابِ زِيادٍ رَجُلانِ ، ومِن اُولئِكَ خَمسَةٌ ، وجاءَ اللَّيلُ فَحَجَزَ بَينَهُما ، وقَد كَرِهَ بَعضُهُم بَعضا ، وجُرِحَ زِيادٌ ، فَسارَ الخِرّيتُ مِنَ اللَّيلِ وسارَ زِيادٌ إلَى البَصرَةِ ، وأتاهُم خَبرُ الخِرّيتَ أنَّهُ أتَى الأَهوازَ فَنَزَلَ بِجانِبٍ مِنها وتَلاحَقَ بِهِ ناسٌ مِن أصحابِهِم فَصاروا نَحوَ مِئَتَينِ . . . فَقَدِمَ مَعقِلٌ الأَهوازَ . . . فَلَحِقوهُم قَريبَ جَبَلٍ من جِبالِ رامَهُرمُزَ . . . فَقَتَلَ أصحابُ مَعقِلٍ مِنهُم
.
ص: 49
سَبعينَ رَجُلاً مِن بَني ناجِيَةَ ومَن مَعَهُم مِنَ العَرَبِ ، وقَتَلوا نَحوا مِن ثَلاثِمِئَةٍ مِنَ العُلوجِ (1) وَالأَكرادِ ، وَانهَزَمَ الخِرّيتُ بنُ راشِدٍ فَلَحِقَ بِأَسيافِ البَحرِ ، وبِها جَماعَةٌ كَثيرَةٌ مِن قَومِهِ ، فَما زالَ يَسيرُ فيهِم ويَدعوهُم إلى خِلافِ عَلِيٍّ ، ويُخبِرُهُم أنَّ الهُدى في حَربِهِ حَتَّى اتَّبَعَهُ مِنهُم ناسٌ كَثيرٌ . . . فَكَتَبَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] إلى مَعقِلٍ يُثني عَلَيهِ وعَلى مَن مَعَهُ ويَأمُرُهُ بِاتِّباعِهِ وقَتلِهِ أو نَفيِهِ . . . فَلَمَّا انتَهى مَعقِلٌ إلَيهِ نَصَبَ رايَةَ أمانٍ وقالَ : مَن أتاها مِنَ النّاسِ فَهُو آمِنٌ إلَا الخِرّيتَ وأصحابَهُ الَّذينَ حارَبونا أوَّلَ مَرَّةٍ . فَتَفَرَّقَ عَنِ الخِرّيتِ جُلُّ مَن كانَ مَعَهُ مِن غَيرِ قَومِهِ . . . ثُمَّ حَمَلَ مَعقِلٌ وجَميعُ مَن مَعَهُ فَقاتَلوا قِتالاً شَديدا وصَبَروا لَهُ ، ثُمَّ إنَّ النُّعمانَ بنَ صُهبانَ الرّاسِبِيَّ بَصُرَ بِالخِرّيتِ ، فَحَمَلَ عَلَيهِ فَطَعَنَهُ فَصُرِعَ عَن دابَّتِهِ ، ثُمَّ اختَلَفا ضَربَتَينِ فَقَتَلَهُ النُّعمانُ وقُتِلَ مَعَهُ فِي المَعرَكَةِ سَبعونَ ومِئَةُ رَجُلٍ ، وذَهَبَ الباقونَ يَمينا وشِمالاً (2) .
.
ص: 50
. .
ص: 51
القسم السابع : أيام المحنةوفيه فصول :الفصل الأوّل : عصيان الجيشالفصل الثاني : تحذير الإمام أصحابه من عاقبة العصيانالفصل الثالث : شكوى الإمام من عصيان أصحابهالفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلى معاويةالفصل الخامس : محايدة عدّة من أصحاب الإمامالفصل السادس : استشهاد مالك الأشترالفصل السابع : احتلال مصرالفصل الثامن : هجمات أذناب معاويةالفصل التاسع : تمنّي الاستشهادالفصل العاشر : آخر خطبة خطبها الإمام
.
ص: 52
. .
ص: 53
الفصل الأوّل: عصيان الجيش1 / 1العَزمُ عَلى قِتالِ مُعاوِيَةَ بَعدَ الفَراغِ مِنَ الخَوارِجِتاريخ الطبري عن أبي الدرداء :كانَ عَلِيٌّ لَمّا فَرَغَ مِن أهلِ النَّهرَوانِ حَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ قَد أحسَنَ بِكُم ، وأعَزَّ نَصرَكُم ، فَتَوَجَّهوا مِن فَورِكُم هذا إلى عَدُوِّكُم . قالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، نَفِدَت نِبالُنا ، وكَلَّت سُيوفُنا ، ونَصَلَت أسِنَّةَ رِماحِنا ، وعادَ أكثَرُها قَصدا ، فَارجِع إلى مِصرِنا ، فَلنَستَعِدَّ بِأَحسَنِ عُدَّتِنا ، ولَعَلَّ أميرَ المُؤمِنينَ يَزيدُ في عِدَّتِنا عِدَّةَ مَن هَلَكَ مِنّا ؛ فَإِنَّهُ أوفى لَنا عَلى عَدُوِّنا . وكانَ الَّذي تَوَلّى ذلِكَ الكَلامَ الاَشعَثُ بنُ قَيسٍ . فَأَقبَلَ حَتّى نَزَلَ النُّخَيلَة (1) ، فَأَمَرَ النّاسَ أن يَلزَموا عَسكَرَهُم ، ويُوَطِّنوا عَلَى الجِهادِ أنفُسَهُم ، وأن يُقِلّوا زِيارَةَ نِسائِهِم وأبنائِهِم حَتّى يَسيروا إلى عَدُوِّهِم . فَأقاموا فيهِ أيّاما ، ثُمَّ تَسَلَّلوا مِن مُعَسكَرِهِم ، فَدَخَلوا إلّا رِجالاً مِن وُجوهِ النّاسِ قَليلاً ، وتُرِكَ العَسكَرُ خالِيا ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ دَخَلَ الكوفَةَ ، وَانكَسَرَ عَلَيه
.
ص: 54
رَأيُهُ فِي المَسيرِ (1) .
الغارات عن طارق بن شهاب :إنَّ عَلِيّا عليه السلام انصَرَفَ مِن حَربِ النَّهرَوانِ حَتّى إذا كانَ في بَعضِ الطَّريقِ نادى فِي النّاسِ فَاجتَمَعوا ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ورَغَّبَهُم فِي الجِهادِ ، ودَعاهُم إلَى المَسيرِ إلَى الشّامِ مِن وَجهِهِ ذلِكَ ، فَأَبَوا وشَكَوُا البَردَ وَالجِراحاتِ ، وكانَ أهلُ النَّهرَوانِ قَد أكثَرُوا الجِراحاتِ فِي النّاسِ . فَقالَ : إنَّ عَدُوَّكُم يَألَمونَ كَما تَألَمونَ ، ويَجِدونَ البَردَ كَما تَجِدونَ . فَأعيَوهُ وأبَوا ، فَلَمّا رَأى كَراهِيَتَهُم رَجَعَ إلَى الكوفَةِ وأقامَ بِها أيّاما ، وتَفَرَّقَ عَنهُ ناسٌ كَثيرٌ مِن أصحابِهِ ؛ فَمِنهُم مَن أقامَ يَرى رَأيَ الخَوارِجِ ، ومِنهُم مَن أقامَ شاكّا في أمرِهِ (2) .
تاريخ الطبري عن زيد بن وهب :إنَّ عَلِيّا قالَ لِلنّاسِ _ وهُوَ أوَّلُ كَلامٍ قالَهُ لَهُم بَعدَ النَّهرِ _ : أيُّهَا النّاسُ ، استَعِدّوا إلى عَدُوٍّ في جِهادِهِ القُربَةُ إلَى اللّهِ ، ودَركُ الوَسيلَةِ عِندَهُ . حَيارى فِي الحَقِّ ، جُفاةٍ عَنِ الكِتابِ ، نُكبٍ (3) عَنِ الدّينِ ، يَعمَهونَ فِي الطُّغيانِ ، ويُعكَسونَ في غَمرَةِ الضَّلالِ ، فَ «أَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ» (4) وتَوَكَّلوا عَلَى اللّهِ ، وكَفى بِاللّهِ وَكيلاً ، وكفى بِاللّهِ نَصيرا . قالَ : فَلا هُم نَفَروا ولا تَيَسَّروا ، فَتَرَكَهُم أيّاما حَتّى إذا أيِسَ مِن أن يَفعَلوا ، دَعا رُؤَساءَهُم ووُجوهَهُم فَسَأَلَهُم عَن رَأيِهِم ومَا الَّذي يُنظِرُهُم (5) ؟ فَمِنهُم المُعتَلُّ ، ومِنهُم
.
ص: 55
المُكرَهُ ، وأقَلُّهُم مَن نَشَطَ ، فَقامَ فيهِم خَطيبا فَقالَ : عِبادَ اللّهِ ! ما لَكُم إذا أمَرتُكُم أن تَنفِرُوا اثّاقَلتُم إلَى الأَرضِ ! أرَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ ، وبِالذُّلِّ والهَوانِ مِنَ العِزِّ ! أوَ كُلَّما نَدَبتُكُم إلَى الجِهادِ دارَت أعيُنُكُم كَأَنَّكُم مِنَ المَوتِ في سَكرَةٍ ، وكَأَنَّ قُلوبَكُم مَألوسَةٌ (1) فَأَنتُم لا تَعقِلونَ ! وكَأَنَّ أبصارَكُم كُمهٌ فَأَنتُم لا تُبصِرونَ . للّهِِ أنتُم ! ما أنتُم إلّا اُسودُ الشَّرى فِي الدَّعَةِ ، وثَعالِبُ رَوّاغَةٌ حينَ تُدعَونَ إلَى البَأسِ ، ما أنتُم لي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيالي (2) ، ما أنتُم بِرَكبٍ يُصالُ بِكُم ، ولا ذي عِزٍّ يُعتَصَمُ إلَيهِ . لَعَمرُ اللّهِ ، لَبِئسَ حُشّاشُ الحَربِ أنتُم ! إنَّكُم تُكادونَ ولا تَكيدونَ ، ويُتَنَقَّصُ أطرافَكُم ولا تَتَحاشونَ ، ولا يُنامُ عَنكُم وأنتُم في غَفلَةٍ ساهونَ ، إنّ أخَا الحَربِ اليَقظانَ ذو عقلٍ ، وباتَ لِذُلٍّ مَن وادَعَ ، وغُلِبَ المُتَجادِلونَ ، وَالمَغلوبُ مَقهورٌ ومَسلوبٌ . ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ لي عَلَيكُم حَقّا ؛ وإنَّ لَكُم عَلَيَّ حَقّا ، فَأَمّا حَقُّكُم عَلَيَّ فَالنَّصيحَةُ لَكُم ما صَحِبتُكُم ، وتَوفيرُ فَيئِكُم عَلَيكُم ، وتَعليمُكُم كَيما لا تَجهَلوا ، وتَأديبُكُم كَي تَعَلَّموا ، وأمّا حَقّي عَلَيكُم فَالوَفاءُ بِالبَيعَةِ ، وَالنُّصحُ لي فِي الغَيبِ وَالمَشهَدِ ، وَالإِجابَةُ حينَ أدعوكُم ، وَالطّاعَةُ حينَ آمُرُكُم ، فَإن يُرِدِ اللّهُ بِكُم خَيرا انتَزَعتُم عَمّا أكرَهُ ، وتَراجَعوا إلى ما اُحِبُّ ، تَنالوا ما تَطلُبونَ ، وتُدرِكوا ما تَأمُلونَ (3) .
راجع : ص 156 (غارة سفيان بن عوف) .
.
ص: 56
1 / 2ذَمُّ الإِمامِ أصحابَهُ لَمّا كَرِهُوا المَسيرَ إلَى الشّامِالغارات عن قيس بن السكن :سَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام يَقولُ ونَحنُ بِمَسكِنٍ (1) : يا مَعشَرَ المُهاجِرينَ ! «ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَ_سِرِينَ» (2) . فَتَلَكَّؤوا ، وقالوا : البَردُ شَديدٌ ، وكانَ غَزاتُهُم فِي البرَدِ . فَقالَ عليه السلام : إنَّ القَومَ يَجِدونَ البَردَ كَما تَجِدونَ . قالَ : فَلَم يَفعَلوا وأبَوا ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ مِنهُم قالَ : اُفٍّ لَكُم ! إنَّها سُنَّةٌ جَرَت عَلَيكُم (3) .
شرح نهج البلاغة عن أبي ودّاك :لَمّا كَرِهَ القَومُ المَسيرَ إلَى الشّامِ عَقيبَ واقِعَةِ النَّهرَوانِ أقبَلَ بِهِم أميرُ المُؤمِنينَ ، فَأَنزَلَهُمُ النُّخَيلَةَ ، وأمَرَ النّاسَ أن يَلزِموا مُعَسكَرَهُم ويُوَطِّنوا عَلَى الجِهادِ أنفُسَهُم ، وأن يُقِلّوا زِيارَةَ النِّساءِ وأبنائِهِم حَتّى يَسيرَ بِهِم إلى عَدُوِّهِم ، وكانَ ذلِكَ هُوَ الرَّأيُ لَو فَعَلوهُ ، لكِنَّهُم لَم يَفعَلوا ، وأقبَلوا يَتَسَلَّلونَ ويَدخُلونَ الكوفَةَ ، فَتَرَكوهُ عليه السلام وما مَعَهُ مِنَ النّاسِ إلّا رِجالٌ مِن وُجوهِهِم قَليلٌ ، وبَقِيَ المُعَسكَرُ خالِياً ، فَلا مَن دَخَلَ الكوفَةَ خَرَجَ إلَيهِ ، ولا مَن أقامَ مَعَهُ صَبَرَ ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ دَخَلَ الكوفَةَ . قالَ نَصرُ بنُ مُزاحِمٍ : فَخَطَبَ النّاسَ بِالكوفَةِ ، وهِيَ أَوَّلُ خُطبَةٍ خَطَبَها بَعدَ قُدومِهِ مِن حَربِ الخَوارِجِ ، فَقالَ :
.
ص: 57
أيُّهَا النّاسُ ! استَعِدّوا لِقِتالِ عَدُوٍّ في جِهادِهِمُ القُربَةُ إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، ودَركُ الوَسيلَةِ عِندَهُ ؛ قَومٍ حَيارى عَنِ الحَقِّ لا يُبصِرونَهُ موزَعِينَ (1) بِالجَورِ وَالظُّلمِ لا يَعدِلونَ بِهِ ، جُفاةٍ عَنِ الكِتابِ ، نُكبٍ عَنِ الدّينِ ، يَعمَهونَ (2) فِي الطُّغيانِ ، ويَتَسَكَّعونَ في غَمرَةِ الضَّلالِ ، فَأَعِدّوا لَهُم ما استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيلِ وتَوَكَّلوا عَلَى اللّهِ ، وكفى بِاللّهِ وكَيلاً . قالَ : فَلَم يَنفِروا ولَم يَنشَروا (3) ، فَتَرَكَهُم أيّاماً ، ثُمَّ خَطَبَهُم فَقالَ (4) : اُفٍّ لَكُم ! لَقَد سَئِمتُ عِتابَكُم ! أ رَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ عِوَضا ، وبِالذُّلِّ مِنَ العِزِّ خَلَفا ؟ إذا دَعَوتُكُم إلى جِهادِ عَدُوِّكُم دارَت أعيُنُكُم ، كَأَنَّكُم مِنَ المَوتِ في غَمرَةٍ ، ومِنَ الذُّهولِ في سَكرَةٍ . يَرتَجُّ عَلَيكُم حِواري فَتَعمَهونَ ، فَكَأَنَّ قُلوبَكُم مَألوسَةٌ ، فَأَنتُم لا تَعقِلونَ ، ما أنتُم لي بِثِقَةٍ سَجيسَ اللَّيالي ، وما أنتُم بِرُكنٍ يُمالُ بِكُم ، ولا زَوافِرَ (5) عِزٍّ يُفتَقَرُ إلَيكُم . ما أنتُم إلّا كَإِبلٍ ضَلَّ رُعاتُها ، فَكُلَّما جُمِعَت مِن جانِبٍ انتَشَرَت مِن آخَرَ . لَبِئسَ _ لَعَمرُ اللّهِ _ سَعرُ نارِ الحَربِ أنتُم ! تُكادونَ ولا تَكيدونَ ، وتُنتَقَصُ أطرافُكُم فَلا تَمتَعِضونَ ، لا يُنامُ عَنكُم وأنتُم في غَفلَةٍ ساهونَ ، غُلِبَ وَاللّهِ المُتَخاذِلونَ ! وَايمُ اللّهِ إنّي لَأَظُنُّ بِكُم أن لَو حَمِس الوَغىُ ، وَاستَحَرَّ المَوتُ ، قَد انفَرَجتُم عَنِ ابنِ أبي طالِبٍ انفِراجَ الرَّأسِ . وَاللّهِ إنَّ امرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِن نَفسِهِ يَعرُقُ لَحمَهُ ، ويَهشِمُ عَظمَهُ ، ويَفري جِلدَهُ ، لَعَظيمٌ عَجَزُهُ ، ضَعيفٌ ما ضَمَّت عَلَيهِ جَوانِحُ صَدرِهِ .
.
ص: 58
أنتَ فَكُن ذاكَ إن شِئتَ ؛ فَأَمّا أنَا فَوَاللّهِ دونَ أن اُعطِيَ ذلِكَ ضَربٌ بِالمُشرِفِيَّةِ تَطيرُ مِنهُ فِراشُ الهامِ ، وتَطيحُ السَّواعِدُ وَالأَقدامُ ، ويَفعَلُ اللّهُ بَعدَ ذلِكَ ما يَشاءُ . أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ عَلَيكُم حَقّا ، ولَكُم عَلَيَّ حَقٌّ ؛ فَأَمّا حَقُّكُم عَلَيَّ فَالنَّصيحَةُ لَكُم ، وتَوفيرُ فَيئِكُم عَلَيكُم ، وتَعليمُكُم كَيلا تَجهَلوا ، وتَأديبُكُم كَيما تَعَلَّموا . وأمّا حَقّي عَلَيكُم فَالوَفاءُ بِالبَيعَةِ ، وَالنَّصيحَةُ فِي المَشهَدِ وَالمَغيبِ ، وَالإِجابَةُ حينَ أدعوكُم ، وَالطّاعَةُ حينَ آمُرُكُم . أنتُم اُسودُ الشَّرى فِي الدَّعَةِ ، وثَعالِبُ رَوّاغَةٌ حينَ البَأسِ . إنَّ أخَا الحَربِ اليَقظانُ . ألا إنَّ المَغلوبَ مَقهورٌ ومَسلوبٌ (1) .
.
ص: 59
الفصل الثاني: تحذير الإمام أصحابه من عاقبة العصيان2 / 1التَّحذيرُ مِن غَلَبَةِ أهلِ الشّامِالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ في أصحابِهِ _: أما وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، لَيَظهَرَنَّ هؤُلاءِ القَومُ عَلَيكُم ؛ لَيسَ لِأَنَّهُم أولى بِالحَقِّ مِنكُم ، ولكِن لِاءِسراعِهِم إلى باطِلِ صاحِبِهِم ، وإبطائِكُم عَن حَقّي . ولَقَد أصبَحَتِ الاُمَمُ تَخافُ ظُلمَ رُعاتِها ، وأصبَحتُ أخافُ ظُلمَ رَعِيَّتي . اِستَنفَرتُكُم لِلجِهادِ فَلَم تَنفِروا ، وأسمَعتُكُم فَلَم تَسمَعوا ، ودَعَوتُكُم سِرّا وجَهرا فَلَم تَستَجيبوا ، ونَصَحتُ لَكُم فَلَم تَقبِلوا ، أشُهودٌ كَغَيّابٍ ، وعَبيدٌ كَأربابٍ ! أتلو عَلَيكُمُ الحِكَمَ فَتَنفِرونَ مِنها ، وأعِظُكُم بِالمَوعِظَةِ البالِغَةِ فَتَتَفَرَّقونَ عَنها ، وأحُثُّكُم عَلى جِهادِ أهلِ البَغيِ فَما آتي عَلى آخِرِ قَولي حَتّى أراكُم مُتَفَرِّقينَ أياديَ سَبَأ (1) ، تَرجِعونَ إلى مَجالِسِكُم ، وتَتَخادَعونَ عَن مَواعِظِكُم ، اُقَوِّمُكُم غُدوَةً ، وتَرجِعونَ إلَيَّ عَشِيَّةً ، كَظَهرِ الحَنِيَّةِ (2) ، عَجَزَ المُقوِّمُ ، وَأعضَلَ المُقَوَّمُ .
.
ص: 60
أيُّهَا القَومُ الشّاهِدَةُ أبدانُهُمُ ، الغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُم ، المُختَلِفَةُ أهواؤُهُمُ ، المُبتلى بِهِم اُمَراؤُهُم ، صاحِبُكُم يُطيعُ اللّهَ وأنتُم تَعصونَهُ ، وصاحِبُ أهلِ الشّامِ يَعصِي اللّهَ وهُم يُطيعونَهُ ، لَوَدَدتُ وَاللّهِ أنَّ مُعاوِيَةَ صارَفَني بِكُم صَرفَ الدّينارِ بِالدِّرهَمِ ؛ فَأَخَذَ مِنّي عَشَرَةً مِنكُم ، وأعطاني رَجُلاً مِنهُم ! يا أهلَ الكوفَةِ ! مُنيتُ مِنكُم بِثَلاثٍ وَاثنَتَينِ : صُمٌّ ذَوو أسماعٍ ، وبُكمٌ ذَوو كَلامٍ ، وعُميٌ ذَوو أبصارٍ ، لا أحرارٌ صَدقٌ عِندَ اللِّقاءِ ، ولا إخوانٌ ثِقَةٌ عِندَ البَلاءِ ! تَرِبَت أيديكُم ! يا أشباهَ الإِبِلِ غابَ عَنها رُعاتُها ! كُلَّما جُمِعَت مِن جانِبٍ تَفَرَّقَت مِن آخَرَ ، وَاللّهِ لَكَأَنّي بِكُم فيما إخالُكُم (1) أن لَو حَمِسَ الوَغى ، وحَمِيَ الضِّرابُ ، قَد انفَرَجتُم عَنِ ابنِ أبي طالبٍ انفِراجَ المَرأَةِ عَن قُبُلِها (2) ، وإنّي لَعَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبّي ، ومِنهاجٍ مِن نَبِيّي ، وإنّي لَعَلَى الطَّريقِ الواضِحِ أَلقُطُهُ لَقطا (3) .
عنه عليه السلام_ فِي استِنفارِ النّاسِ إلى أهلِ الشّامِ _: أ لا تَرَونَ يا مَعاشِرَ أهلِ الكوفَةِ ، وَاللّهِ لَقَد ضَرَبتُكُم بِالدِّرَّةِ الَّتي أعِظُ بِهَا السُّفَهاءَ ، فَما أراكُم تَنتَهونَ ، ولَقَد ضَرَبتُكُم بِالسِّياطِ الَّتي اُقيمَ بِهَا الحُدودُ ، فَما أراكُم تَرعَوونَ ، فَما بَقِيَ إلّا سَيفي ، وإنّي لَأَعلَمُ الَّذي يُقَوِّمُكُم بِإِذنِ اللّهِ ، ولكِنّي لا اُحِبُّ أن ألِيَ تِلكَ مِنكُم . وَالعَجَبُ مِنكُم ومِن أهلِ الشّامِ ، أنَّ أميرَهُم يَعصِي اللّهَ وهُم يُطيعونَهُ ، وأنَّ أميرَكُم يُطيعُ اللّهَ وأنتُم تَعصونَهُ ! إن قُلتُ لَكُمُ : انفِروا إلى عَدُوِّكُم ، قُلتُمُ : القَرُّ يَمنَعُنا ! أفَتَرَونَ عَدُوَّكُم لا يَجِدونَ القَرَّ كَما تَجِدونَهُ ؟ ولكِنَّكُم أشبَهتُم قَوما قالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِنفِروا في سَبيلِ اللّهِ ، فَقالَ كُبرَاؤُهُم : لا تَنفِروا فِي الحَرِّ ، فَقالَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ : «قُلْ نَارُ جَهَنَّم
.
ص: 61
أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُواْ يَفْقَهُونَ» (1) . وَاللّهِ لَو ضَرَبتُ خَيشومَ المُؤمِنِ بِسَيفي هذا عَلى أن يُبغِضَني ما أبغَضَني ، ولَو صَبَبتُ الدُّنيا بِحَذافيرِها عَلَى الكافِرِ ما أحَبَّني ، وذلِكَ أنَّهُ قُضِىَ ما قُضِىَ عَلى لِسانِ النَّبِيِّ الاُمِّيِّ أنَّهُ لا يُبغِضُكَ مُؤمِنٌ ، ولا يُحِبُّكَ كافِرٌ ، وقَد خابَ مَن حَمَلَ ظُلما وافتَرى . يا مَعاشِرَ أهلِ الكوفَةِ ! وَاللّهِ لَتَصبِرُنَّ عَلى قِتالِ عَدُوِّكُم ، أو لَيُسَلِّطَنَّ اللّهُ عَلَيكُم قَوما أنتُم أولى بِالحَقِّ مِنهُم ، فَلَيُعَذِّبُنَّكُم ، ولَيُعَذِّبَنَّهُمُ اللّهُ بِأَيديكُم أو بِما شاءَ مِن عِندِهِ ، أفَمِن قَتلَةٍ بِالسَّيفِ تَحيدونَ إلى مَوتَةٍ عَلَى الفِراشِ ؟ ! فَاشهَدوا أنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَوتَةٌ عَلَى الفِراشِ أشَدُّ مِن ضَربَةِ ألفِ سَيفٍ (2) .
الإرشاد_ مِن كَلامِهِ عليه السلام فِي استِبطاءِ مَن قَعَدَ عَن نُصرَتِهِ _: ما أظُنُّ هؤُلاءِ القَومَ _ يَعني أهلَ الشّامِ _ إلّا ظاهِرينَ عَلَيكُم ، فَقالوا لَهُ : بِماذا يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : أرى اُمورَهُم قَد عَلَت ونيرانَكمُ قَد خَبَت ، وأراهُم جادّينَ وأراكُم وانينَ ، وأراهُم مُجتَمِعينَ وأراكُم مُتَفَرِّقينَ ، وأراهُم لِصاحبِهِم مُطيعينَ وأراكُم لي عاصينَ . أمَ وَاللّهِ لَئِن ظَهَروا عَلَيكُم لَتَجِدَنَّهُم أربابَ سوءٍ مِن بَعدي لَكُم ، لَكَأَنّي أنظُرُ إلَيهِم وقَد شارَكوكُم في بِلادكِمُ ، وحَمَلوا إلى بِلادِهِم فَيئَكُم ، وكَأَنّي أنظُرُ إلَيكُم تَكِشّونَ (3) كَشيشَ الضِّبابِ ؛ لا تَأخذُونَ حَقّا ولا تَمنَعونَ للّهِِ حُرمَةً ، وكَأَنّي أنظُرُ إلَيهِم يقَتُلونَ صالِحيكُم ، ويُخيفونَ قُرّاءَكُم ، ويَحرِمونَكُم ويَحجُبونَكُم ، ويُدنونَ النّاسَ دونَكُم ، فَلَو
.
ص: 62
قَد رَأيتُمُ الحِرمانَ وَالأَثَرَةَ ، ووَقعَ السَّيفِ ، ونُزولَ الخَوفِ ، لَقَد نَدِمتُم وخَسِرتُم عَلى تَفريطِكُم في جِهادِهِم ، وتَذاكَرتُم ما أنتُم فيهِ اليَومَ مِنَ الخَفضِ (1) والعافِيَةِ حينَ لا يَنفَعُكُمُ التَّذكارُ (2) .
2 / 2التَّحذيرُ مِن جَهَنَّمِ الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام_ في كَلامِهِ مَعَ أهلِ الكوفَةِ _: أيُّهَا النّاسُ ! إنِّي استنَفَرتُكُم لِجِهادِ هؤُلاءِ القَومِ [أي أهلِ الشّامِ ]فَلَم تَنفِروا ، وأسمَعتُكُم فَلَم تُجيبوا ، ونَصَحتُ لَكُم فَلمَ تَقبَلوا ، شُهودٌ كَالغُيَّبِ ، أتلو عَلَيكُمُ الحِكمَةَ فتُعرِضونَ عَنها ، وأعظِكُمُ بِالمَوعِظَةِ البالِغَةِ فَتَتَفَرَّقونَ عَنها ، كَأنَّكُم حُمُرٌ مُستَنفِرَةٌ فَرَّت مِن قَسوَرَةٍ (3) ، وأحُثُّكُم عَلى جِهادِ أهلِ الجَورِ فَما آتي عَلى آخِرِ قَولي حَتّى أراكُم مُتَفَرِّقينَ أيادِيَ سَبَأٍ ، تَرجِعونَ إلى مَجالِسِكُم تَتَرَبَّعونَ حِلَقا ، تَضرِبونَ الأَمثالَ وتَناشَدونَ الأشعارَ ، وتَجَسَّسونَ الأَخبارَ ، حَتّى إذا تَفَرَّقتُم تَسأَلونَ عَنِ الأَسعارِ ، جَهلةً مِن غَيرِ عِلمٍ ، وغَفلةً مِن غَيرِ وَرَعٍ ، وتَتَبُّعا في غَير خَوفٍ ، نَسيتُمُ الحَربَ والاِستِعدادَ لَها ، فَأَصبَحَت قُلوبُكُم فارِغَةً مِن ذِكرِها ، شَغَلتُموها بِالأَعاليلِ وَالأَباطيلِ . فَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ ! وما لي لا أعجَبُ مِنِ اجتِماعِ قَومٍ عَلى باطِلِهِم ، وتَخاذُلِكُم عَن حَقِّكُم ! يا أهلَ الكوفَةِ ! أنتُم كَاُمِّ مُجالِدٍ ، حَمَلَت فَأَملَصَت (4) ، فَماتَ قَيِّمُها ، وطالَ تَأَيُّمُها ،
.
ص: 63
ووَرِثَها أبعَدُها . وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إنَّ مِن وَرائِكُم للَأَعوَرَ الأَدبَرَ ، جََهنَّمُ الدُّنيا ، لا يُبقي ولا يَذَرُ ، ومِن بَعدِهِ النَّهّاسُ الفَرّاسُ الجَموعُ المَنوعُ ، ثُمَّ لَيَتَوارَثَنَّكُم مِن بَني اُمَيَّةَ عِدَّةٌ ، ما الآخِرُ بِأَرأَفَ بِكُم مِنَ الأَوَّلِ ، ما خَلا رَجُلاً واحِدا (1) ، بَلاءٌ قَضاهُ اللّهُ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ لا مَحالَةَ كائِنٌ ، يَقتُلونَ خِيارَكُم ، ويَستَعبِدونَ أراذِلَكُم ، ويَستَخرِجونَ كُنوزَكُم وذَخائِرَكُم مِن جَوفِ حِجالِكُم (2) ، نِقمَةً بِما ضَيَّعتُم مِن اُمورِكُم ، وصَلاحِ أنفُسِكُم وَدينِكُم . يا أهلَ الكوفَةِ ! اُخبِرُكُم بِما يَكونُ قَبلَ أن يَكونَ ؛ لِتَكونوا مِنهُ عَلى حَذَرٍ ، ولِتُنذِروا بِهِ مَنِ اتَّعَظَ وَاعتَبَرَ : كَأَنّي بِكُم تَقولونَ : إنَّ عَلِيّا يَكذِبُ ، كَما قالَت قُرَيشٌ لِنَبِيِّها صلى الله عليه و آله وسَيِّدِها نَبِيِّ الرَّحمَةِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ حَبيبِ اللّهِ ، فَيا وَيلَكُم ! أفَعَلى مَن أكذِبُ ؟ ! أعَلَى اللّهِ ؟ فَأَنَا أوَّلُ مَن عَبَدَهُ ووَحَّدَهُ ، أم عَلى رَسولِهِ ؟ فَأَنَا أوَّلُ مَن آمَنَ بِهِ وصَدَّقَهُ ونَصَرَهُ ! كَلّا ، وَلكِنَّها لَهجَةٌ خَدِعَةٌ كُنتُم عَنها أغبِياءَ . وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ «لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ» (3) وذلِكَ إذا صَيَّرَكُم إلَيها جَهلُكُم ، ولا يَنفَعُكُم عِندَها عِلمُكُم . فَقُبحا لَكُم يا أشباهَ الرِّجالِ ولا رِجالَ ، حُلومُ (4) الأَطفالِ ، وعُقولُ رَبّاتِ الحِجالِ ، أمَ وَاللّهِ أيُّهَا الشّاهِدَةُ أبدانُهُمُ ، الغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُمُ ، المُختَلِفَةُ أهواؤُهُم ، ما أعَزَّ اللّهُ نَصرَ مَن دَعاكُم ، ولَا استَراحَ قَلبُ مَن قاساكُم ، ولا قَرَّت عَينُ مَن آواكُم ، كَلامُكُم
.
ص: 64
يوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ ، وفِعلُكُم يُطمِعُ فيكُم عَدُوَّكُمُ المُرتابَ . يا وَيحَكُم ! ! أيَّ دارٍ بَعدَ دارِكُم تَمنَعونَ ! ومَعَ أيِّ إمامٍ بَعدي تُقاتِلونَ ! المَغرورُ _ وَاللّهِ _ مَن غَرَرتُموهُ ، مَن فازَ بِكُم فازَ بِالسَّهمِ الأَخيَبِ ، أصبَحتُ لا أطمَعُ في نَصرِكُم ، ولا اُصَدِّقُ قَولَكُم ، فَرَّقَ اللّهُ بَيني وبَينَكُم ، وأعقَبَني بِكُم مَن هُو خَيرٌ لي مِنكُم ، وأعقَبَكُم مَن هُوَ شَرٌّ لَكُم مِنّي . إمامُكُم يُطيعُ اللّهَ وأنتُم تَعصونَهُ ، وإمامُ أهلِ الشّامِ يَعصِي اللّهَ وهُم يُطيعونَهُ ، وَاللّهِ لَوَددتُ أنَّ مُعاوِيَةَ صارَفَني بِكُم صَرفَ الدّينارِ بِالدِّرهَمِ ، فَأَخَذَ مِنّي عَشَرَةً مِنكُم وأعطاني واحِدا مِنهُم . وَاللّهِ لَوَددتُ أنّي لَم أعرِفكُم ولَم تَعرِفوني ؛ فَإِنَّها مَعرِفَةٌ جَرَّت نَدَما . لَقَد وَرَيتُم صَدري غَيظا ، وأفسَدتُم عَلَيَّ أمري بِالخِذلانِ وَالعِصيانِ ، حَتّى لَقَد قالَت قُرَيشٌ : إنَّ عَلِيّا رَجُلٌ شُجاعٌ لكِن لا عِلمَ لَهُ بِالحُروبِ ، للّهِِ دَرُّهُم ! هَل كانَ فيهِم أحَدٌ أطوَلُ لَها مِراسا مِنّي ! وأشَدُّ لَها مُقاساةً ! لَقَد نَهَضتُ فيها وما بَلَغتُ العِشرينَ ، ثُمَّ ها أَنَا ذا قَد ذَرَّفتُ (1) عَلَى السِّتّينَ ، لكِن لا أمَرَ لِمَن لا يُطاعُ . أمَ وَاللّهِ ، لَوَدِدتُ أن رَبّي قَد أخرَجَني مِن بَينِ أظهُرِكُم إلى رِضوانِهِ ، وَأنَّ المَنِيَّةَ لَتَرصُدُني ، فَما يَمنَعُ أشقاها أن يَخضِبَها _ وتَرَكَ يَدَهُ عَلى رَأسِهِ وَلِحيَتِهِ _ عَهدٌ عَهِدَهُ إلَيَّ النَّبِيُّ الاُمِّيُّ ، وقَد خابَ مَنِ افتَرى ، وَنَجا مَنِ اتَّقى وصَدَّقَ بِالحُسنى . يا أهلَ الكوفَةِ ! دَعَوتُكُم إلى جِهادِ هؤُلاءِ لَيلاً ونَهارا وسِرّا وإعلانا ، وقُلتُ لَكُم : اُغزوهُم ؛ فَإِنَّهُ ما غُزِيَ قَومٌ في عُقرِ دارِهِم إلّا ذَلّوا ، فَتَواكَلتُم وتَخاذَلتُم ، وثَقُلَ عَلَيكُم قَولي ، وَاستَصعَبَ عَلَيكُم أمري ، وَاتَّخَذتُموهُ وَراءَكُم ظِهرِيّا ، حَتّى شُنَّت عَلَيكُمُ الغاراتُ ، وظَهَرَت فيكُمُ الفَواحِشُ والمُنكَراتُ تُمَسّيكُم وتُصَبِّحُكُم ، كَما فُعِلَ بِأهل
.
ص: 65
المَثُلات (1) مِن قَبلِكُم ، حَيثُ أخبَرَ اللّهُ تَعالى عَنِ الجَبابِرَةِ وَالعُتاةِ الطُّغاةِ ، وَالمُستَضعَفينَ الغُواةِ ، في قَولِهِ تَعالى : «يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَ فِى ذَ لِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ» (2) .أمَ وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَقَد حَلَّ بِكُمُ الَّذي توعَدونَ . عاتَبتُكُم يا أهلَ الكوفَةِ بِمَواعِظِ القُرآنِ فَلَم أنتَفِع بِكُم ، وأدَّبتُكُم بِالدِّرَّةِ فَلَم تَستَقيموا ، وعاقَبتُكُم بِالسَّوطِ الَّذي يُقامُ بِهِ الحُدودُ فَلَم تَرعَووا ، ولَقَد عَلِمتُ أنَّ الَّذي يُصلِحُكُم هُوَ السَّيفُ ، وما كُنتُ مُتَحَرِّيا صَلاحَكُم بِفَسادِ نَفسي ، ولكِن سَيُسَلَّطُ عَلَيكُم مِن بَعدي سُلطانٌ صَعبُ ، لا يُوَقِّرُ كَبيرَكُم ، ولا يَرحَمُ صَغيرَكُم ، ولا يُكرِمُ عالِمَكُم ، ولا يُقَسِّمُ الفَيءَ بِالسَوِيَّةِ بَينَكُم ، ولَيَضرِبَنَّكُم ، ويُذِلَّنَّكُم ، ويُجَمِّرَنَّكُم (3) فِي المَغازي ، ويَقطَعَنَّ سَبيلَكُم ، ولَيَحجُبَنَّكُم عَلى بابِهِ ، حَتّى يَأكُلَ قَوِيُّكُم ضَعيفَكُم ، ثُمَّ لا يُبعِدُ اللّهُ إلّا مَن ظَلَمَ مِنكُم ، ولَقَلَّما أدبَرَ شَيءٌ ثُمَّ أقبَلَ ، وإنّي لَأَظُنُّكُم في فَترَةٍ ، وما عَلَيَّ إلَا النُّصحُ لَكُم . يا أهلَ الكوفَةِ ! مُنِيتُ مِنكُم بِثَلاثٍ وَاثنَتَينِ : صُمٌّ ذَوو أسماعٍ ، وبُكمٌ ذَوو ألسُنٍ ، وعُميٌ ذوو أبصارٍ ، لا إخوانٌ صَدقٌ عِندَ اللِّقاءِ ، ولا إخوانٌ ثِقَةٌ عِندَ البَلاءِ . اللّهُمَّ إنّي قَد مَلِلتُهُم ومَلّوني ، وسَئِمتُهُم وسَئِموني . اللّهُمَّ لا تُرضِ عَنهُم أميرا ، ولا تُرضِهِم عَن أميرٍ ، وأمِث قُلوبَهُم كَما يُماثُ المِلحُ فِي الماءِ . أمَ وَاللّهِ ، لَو أجِدُ بُدّا مِن كَلامِكُم ومُراسَلَتِكُم ما فَعَلتُ ، ولَقَد عاتَبتُكُم في رُشدِكُم
.
ص: 66
حَتّى لَقَد سَئِمتُ الحَياةَ ، كُلُّ ذلِكَ تُراجِعونَ بِالهُزءِ مِنَ القَولِ فِرارا مِنَ الحَقِّ ، وإلحادا إلَى الباطِلِ الَّذي لا يُعِزُّ اللّهُ بِأَهلِهِ الدّينَ ، وإنّي لَأَعلَمُ أنَّكُم لا تَزيدونَني غَيرَ تَخسيرٍ ، كُلَّما أمَرتُكُم بِجِهادِ عَدُوِّكُمُ اثّاقَلتُم إلَى الأَرضِ ، وسَأَلتُمونِي التَّأخيرَ دِفاعَ ذِي الدَّينِ المَطُولِ . إن قُلتُ لَكُم فِي القَيظِ : سيروا ، قُلتُم : الحَرُّ شَديدٌ ، وإن قُلتُ لَكُم فِي البَردِ : سيروا ، قُلتُم : القَرُّ شَديدٌ ، كُلُّ ذلِكَ فِرارا عَنِ الجَنَّةِ . إذا كُنتُم عَنِ الحَرِّ وَالبَردِ تَعجِزونَ ، فَأَنتُم عَن حَرارَةِ السَّيفِ أعجَزُ وأعجَزُ ، فَإِنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ . يا أهلَ الكوفَةِ ! قَد أتانِي الصَّريخُ يُخبِرُني أنَّ أخا غامِدٍ قَد نَزَلَ الأَنبارَ 1 عَلى أهلِها لَيلاً في أربَعَةِ آلافٍ ، فَأَغارَ عَلَيهِم كَما يُغارُ عَلَى الرّومِ وَالخَزَرِ ، فَقَتَلَ بِها عامِلِي ابنَ حَسّانٍ وقَتَلَ مَعَهُ رِجالاً صالِحينَ ذَوي فَضلٍ وعِبادَةٍ ونَجدَةٍ ، بَوَّأَ اللّهُ لَهُم جَنّاتِ النَّعيمَ ، وأنَّهُ أباحَها ، ولَقَد بَلَغَني أنَّ العُصبَةَ مِن أهلِ الشّامِ كانوا يَدخُلونَ عَلَى المَرأَةِ المُسلِمَةِ وَالاُخرَى المُعاهَدَةِ فَيَهتِكونَ سِترَها ، ويَأخُذونَ القِناعَ مِن رَأسِها ، وَالخُرصَ (1) مِن أُذُنِها ، وَالأَوضاحَ (2) مِن يَدَيها وَرِجلَيها وَعَضُدَيها ، وَالخَلخالَ وَالمِئزَرَ مِن سُوقِها ، فَما تَمتَنِعُ إلّا بِالاِستِرجاعِ وَالنِّداءِ : يا لَلمُسلِمينَ ، فَلا يُغيثُها مُغيثٌ ، ولا يَنصُرُها ناصِرٌ . فَلو أنَّ مُؤمِنا ماتَ مِن دونِ هذا أسَفا ما كانَ عِندي مَلوما ، بَل كانَ عِندى ¨
.
ص: 67
بارّا مُحسِنا . وا عجَبَا كُلَّ العَجَبِ ، مِن تَضافُرِ هؤُلاءِ القَومِ عَلى باطِلِهِم ، وفَشَلِكُم عَن حَقِّكُم ! قَد صِرتُم غَرَضا يُرمى ولا تَرمونَ ، وتُغزَونَ ولا تَغزونَ ، ويُعصَى اللّهُ وتَرضَونَ ، تَرِبَت أيديكُم يا أشباهَ الإبِلِ غابَ عَنها رُعاتُها ، كُلَّمَا اجتَمَعَت مِن جانِبٍ تَفَرَّقَت مِن جانِبٍ (1) .
2 / 3التَّحذيرُ مِنَ الذُّلِّ الشّامِلِالغارات عن جندب بن عبد اللّه الوائلي :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقولُ : أما إنَّكُم سَتَلقَونَ بَعدي ثَلاثا : ذُلّاً شامِلاً ، وسَيفا قاتِلاً ، وأثَرَةً (2) يَتَّخِذُهَا الظّالِمونَ عَلَيكُم سُنَّةً ، فَسَتَذكُروني عِندَِتلكَ الحالاتِ ، فَتَمَنَّونَ لَو رَأَيتُموني ونَصَرتُموني وأهرَقتُم دِماءَكُم دونَ دمي ، فَلا يُبعِدُ اللّهُ إلّا مَن ظَلَمَ . وكانَ جُندَبٌ بَعدَ ذلِكَ إذا رَأى شَيئا يَكرَهُهُ ، قالَ : لا يُبعِدُ اللّهُ إلّا مَن ظَلَمَ (3) .
2 / 4التَّحذيرُ مِن سُلطَةِ غُلامِ ثَقيفٍالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ يَنصَحُ فيهِ أصحابَهُ _: لَو تَعلَمونَ ما أعلَمُ مِمّا طُوِيَ عَنكُم
.
ص: 68
غَيبُهُ ، إذا لَخَرَجتُم إلَى الصُّعُداتِ ، تَبكونَ عَلى أعمالِكُم ، وتَلتَدِمونَ عَلى أنفُسِكُم ، ولَتَرَكتُم أموالَكُم لا حارِسَ لَها ولا خالِفَ عَلَيها ، ولَهَمَّت كُلَّ امرِئٍ مِنكُم نَفسَهُ ، لا يَلتَفِتُ إلى غَيرِها ، ولكِنَّكُم نَسيتُم ما ذُكِّرتُم ، وأمِنتُم ما حُذِّرتُم ، فَتاهَ عَنكُم رَأيُكُم ، وتَشَتَّتَ عَلَيكُم أمرُكُم . ولَوَدِدتُ أنَّ اللّهَ فَرَّقَ بَيني وَبيَنَكُم ، وألحَقَني بِمَن هُوَ أحَقُّ بي مِنكُم . قَومٌ وَاللّهِ مَيامينُ الرَّأيِ ، مَراجيحُ الحِلمِ ، مَقاويلُ بِالحَقِّ ، مَتاريكُ لِلبَغيِ ، مَضَوا قُدُما عَلَى الطَّريقَةِ ، وأوجَفوا عَلَى المَحَجَّةِ ، فَظَفِروا بِالعُقبَى الدّائِمَةِ ، والكَرامَةِ البارِدَةِ . أما وَاللّهِ ، لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيكُم غُلامُ ثَقيفٍ الذَّيّالُ المَيّالُ ، يَأكُلُ خَضِرَتَكُم ، ويُذيبُ شَحمَتَكُم ، إيهٍ أبا وَذَحَةَ (1) ! (2)
.
ص: 69
الفصل الثالث: شكوى الإمام من عصيان أصحابه3 / 1مُنيتُ بِمَن لا يُطيعُالإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَةٍ خَطَبَها عِندَ عِلمِهِ بِغَزوَةِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ لِعَينِ التَّمرِ _: مُنِيتُ بِمَن لا يُطيع إذا أمَرتُ ، ولا يُجيبُ إذا دَعَوتُ ، لا أبا لَكُم ! ما تَنتَظِرونَ بِنَصرِكُم رَبَّكُم ؟ أ ما دينٌ يَجمَعُكُم ، ولا حَمِيَّةٌ تُحمِشُكُم ! أقومُ فيكُم مُستَصرِخا ، واُناديكُم مُتَغَوِّثا ، فَلا تَسمَعونَ لي قَولاً ، ولا تُطيعونَ لي أمرا ، حَتّى تَكَشَّفَ الاُمورُ عَن عَواقِبِ المَساءَةِ ؛ فَما يُدرَكُ بِكُم ثارٌ ، ولا يُبلَغُ بِكُم مَرامٌ . دَعَوتُكُم إلى نَصرِ إخوانِكُم فَجَرجَرتُم جَرجَرَةَ الجَمَلِ الأَسَرِّ ، وتَثاقَلتُم تَثاقُلَ النِّضوِ الأَدبَرِ ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيَّ مِنكُم جُنَيدٌ مُتَذائِبٌ ضَعيفٌ (1) ، «كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ» (2) . (3)
.
ص: 70
عنه عليه السلام_ في ذَمِّ العاصينَ مِن أصحابِهِ _: أحمَدُ اللّهَ عَلى ما قَضى مِن أمرٍ ، وقَدَّرَ مِن فِعلٍ ، وعَلَى ابتِلائي بِكُم أيَّتُهَا الفِرقَةُ الَّتي إذا أمَرتُ لَم تُطِع ، وإذا دَعَوتُ لَم تُجِب . إن اُمهِلتُم خُضتُم ، وإن حورِبتُم خُرتُم . وإنِ اجتَمَعَ النّاسُ عَلى إمامٍ طَعَنتُم . وإن اُجِئتُم إلى مُشاقَّةٍ نَكَصتُم . لا أبا لِغَيرِكُم ! ما تَنتَظِرونَ بِنَصرِكُم وَالجِهادِ عَلى حَقِّكُم ؟ المَوتَ أوِ الذُّلَّ لَكُم ؟ فَوَاللّهِ لَئِن جاءَ يَومي _ ولَيَأتِيَنّي _ لَيُفَرِّقَنَّ بَيني وبَينَكُم وأنَا لِصُحبَتِكُم قالٍ ، وبِكُم غَيرُ كَثيرٍ . للّهِِ أنتُم ! أ ما دينٌ يَجمَعُكُم ؟ ولا حَمِيَّةٌ تَشحَذُكُم (1) ؟ أ وَلَيسَ عَجَباً أنَّ مُعاوِيَةَ يَدعُو الجُفاةَ الطَّغامَ (2) فَيَتَّبِعونَهُ عَلى غَيرِ مَعونَةٍ ولا عَطاءٍ . وأنَا أدعوكُم _ وأنتُم تَريكَةُ الإِسلامِ وبَقِيَّةُ النّاسِ _ إلَى المَعونَةِ أو طائِفَةٍ مِنَ العَطاءِ فَتَفَرَّقونَ عَنّي ، وتَختَلِفونَ عَلَيَّ ؟ ! إنَّهُ لا يَخرُجُ إلَيكُم مِن أمري رِضىً فَتَرضَونَهُ ، ولا سُخطٌ فَتَجتَمِعونَ عَلَيهِ ، وإنَّ أحَبَّ ما أنَا لاقٍ إلَيَّ المَوتُ . قَد دارَستُكُم الكِتابَ ، وفاتَحتُكُمُ الحِجاجَ ، وعَرَّفتُكُم ما أنكَرتُم ، وسَوَّغتُكُم ما مَجَجتُم ، لَو كانَ الأَعمى يَلحَظُ ، أوِ النّائِمُ يَستَيقِظُ . وأقرِب بِقَومٍ مِنَ الجَهلِ بِاللّهِ قائِدُهُم مُعاوِيَةُ ، ومُؤَدِّبُهُمُ ابنُ النّابِغَةِ ! (3)
3 / 2مُنيتُ بِشِرارِ خَلقِ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا تَثاقَلَ النّاسُ عَنِ المَسيرِ إلى جَيشِ مُعاوِيَةَ _: يا أهلَ الكوفَةِ ! كُلَّما
.
ص: 71
سَمِعتُم بِمَنسِرٍ (1) مِن مَناسِرِ أهلِ الشّامِ أظَلَّكُم وأغلَقَ بابَهُ انجَحَرَ كُلُّ امرِئٍ مِنكُم في بَيتِهِ انجِحارَ الضَّبِّ في جُحرِهِ ، وَالضَّبُعِ في وِجارِها ! المَغرورُ مَن غَرَرتُموهُ ، ولَمَن فازَ بِكُم فازَ بِالسَّهمِ الأَخيَبِ . لا أحرارٌ عِندَ النِّداءِ ، ولا إخوانٌ ثِقَةٌ عِندَ النَّجاءِ (2) ، إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ . ماذا مُنِيتُ بِهِ مِنكُم ! عُميٌ لا تُبصِرونَ ، وبُكمٌ لا تَنطِقونَ ، وصُمٌّ لا تَستَمِعونَ ، إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ (3) .
عنه عليه السلام :أمّا بَعدُ يا أهلَ الكوفَةِ ! أكُلَّما أقبَلَ مَنسِرٌ مِن مَناسِرِ أهلِ الشّامِ أغلَقَ كُلُّ امرِئٍ بابَهُ ، وَانجَحَرَ في بَيتِهِ انجِحارَ الضَّبِّ ، وَالضَّبُعِ الذَّليلِ في وِجارِه ؟ اُفٍّ لَكُم ! لَقَد لَقيتُ مِنكُم ، يَوما اُناجيكُم ، ويوما اُناديكُم ؛ فَلا إخوانٌ عِندَ النَّجاءِ ، وَلا أحرارٌ عِندَ النِّداءِ (4) .
عنه عليه السلام_ لَمّا بَلَغَهُ إغارَةُ أصحابِ مُعاوِيَةٍ عَلَى الأَنبارِ ، فَخَرَجَ بِنَفسِهِ ماشِيا حَتّى أتَى النُّخَيلَةَ فَأَدرَكَهُ النّاسُ ، وقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، نَحنُ نَكفيكَهُم فَقالَ _: ما تَكفونَني أنفُسَكُم ، فَكَيفَ تَكفونَني غَيرَكُم ؟ إن كانَتِ الرَّعايا قَبلي لَتَشكو حَيفَ رُعاتِها ، وإنَّنِي اليَومَ لَأَشكو حَيفَ رَعِيَّتي ، كَأَنَّنِي المَقودُ وهُمُ القادَةُ ، أوِ المَوزوعُ وهُمُ الوَزَعَةُ (5)(6) .
.
ص: 72
3 / 3لا غَناءَ في كَثرَةِ عَدَدِكُمنهج البلاغة :مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام وقَد جَمَعَ النّاسُ وحَضَّهُم عَلَى الجِهادِ فَسَكَتوا مَلِيّا ، فَقالَ : ما بالُكُم أمُخرَسونَ أنتُم ؟ فَقالَ قَومٌ مِنهُم : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إن سِرتَ سِرنا مَعَكَ . فَقالَ عليه السلام : ما بالُكُم ! لا سُدِّدتُم لِرُشدٍ ، ولا هُديتُم لِقَصدٍ ! أفي مِثلِ هذا يَنبَغي لي أن أخرُجَ ؟ ! وإنّما يَخرُجُ في مِثلِ هذا رَجُلٌ مِمَّن أرضاهُ مِن شُجعانِكُم وذَوي بَأسِكُم ، ولا يَنبَغي لي أن أدَعَ الجُندَ ، وَالمِصرَ ، وبَيتَ المالِ ، وجِبايَةَ الأَرضِ ، وَالقَضاءَ بَينَ المُسلِمينَ ، وَالنَّظَرَ في حُقوقِ المُطالِبينَ ، ثُمَّ أخرُجُ في كَتيبَةٍ أتبَعُ اُخرى ، أتَقَلقَلُ تَقَلقُلَ القِدحِ فِي الجَفيرِ (1) الفارِغِ ، وإنَّما أنَا قُطبُ الرَّحا ؛ تَدورُ عَلَيَّ وأنا بِمَكاني ، فَإِذا فارَقتُهُ استَحارَ مَدارُها ، وَاضطَرَبَ ثِفالُها (2) . هذا لَعَمرُ اللّهِ الرَّأيُ السّوءُ . وَاللّهِ لَولا رَجائِيَ الشَّهادَةَ عِندَ لِقائِيَ العَدُوَّ _ ولَو قَد حُمَّ (3) لي لِقاؤُهُ _ لَقَرَّبتُ رِكابي ثُمَّ شَخَصتُ عَنكُم ، فَلا أطلُبُكُم ما اختَلَفَ جُنوبٌ وشَمالٌ ، طَعّانينَ عَيّابينَ حَيّادينَ رَوّاغينَ . إنَّهُ لا غَناءَ في كَثرَةِ عَدَدِكُم مَعَ قِلَّةِ اجتِماعِ قلُوبِكُم ، لَقَد حَمَلتُكُم عَلَى الطَّريقِ الواضِحِ الَّتي لا يَهلِكُ عَلَيها إلّا هالِكٌ ؛ مَنِ استَقامَ فَإِلَى الجَنَّةِ ، ومَن زَلَّ فَإِلَى النّارِ ! (4)
.
ص: 73
3 / 4لَبِئسَ حُشّاشُ الحَربِ أنتُمالإمام عليّ عليه السلام_ بَعدَ سَماعِهِ لِأَمرِ الحَكَمَينِ _: لَبِئسَ حُشّاشُ نارِ الحَربِ أنتُم ! اُفٍّ لَكُم ! لَقَد لَقَيتُ مِنكُم بَرحا ، يَوما اُناديكُم ، ويَوما اُناجيكُم ؛ فَلا أحرارٌ صَدقٌ عِندَ النِّداءِ ، ولا إخوانٌ ثِقَةٌ عِندَ النَّجاءِ (1) .
عنه عليه السلام :لَعَمرُ اللّهِ ، لَبِئسَ حُشّاشُ الحَربِ أنتُم ! إنَّكُم تُكادونَ ولا تَكيدونَ ، ويُتَنَقَّصُ أطرافُكُم ولا تَتَحاشونَ ، ولا يُنامُ عَنكُم وأنتُم في غَفلةٍ ساهونَ ، إنَّ أخَا الحَربِ اليَقظانَ ذو عَقلٍ ، وباتَ لِذُلٍّ مَن وادَعَ ، وغُلِبَ المُتَجادِلونَ ، وَالمَغلوبُ مَقهورٌ ومَسلوبٌ (2) .
3 / 5هَيهاتَ أن أطلَعَ بِكُم سَرارَ العَدلِالإمام عليّ عليه السلام :أيَّتُهَا النُّفوسُ المُختَلِفَةُ وَالقُلوبُ المُتَشَتِّتَةُ ، الشّاهِدَةُ أبدانُهُم ، وَالغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُم ، أظأَرُكُم (3) عَلَى الحَقِّ وأنتُم تَنفِرونَ عَنهُ نُفورَ المِعزى مِن وَعوَعَةِ الأَسَدِ ، هَيهاتَ أن أطلَعَ بِكُم سَرارَ (4) العَدلِ ، أو اُقيمَ اعوِجاجَ الحَقِّ . اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ لَم يَكُنِ الَّذي كانَ مِنّا مُنافَسَةً في سُلطانٍ ، ولَا التِماسَ شَيء
.
ص: 74
مِن فُضولِ الحُطامِ ، ولكِن لِنَرُدَّ المَعالِمَ مِن دينِكَ ، ونُظهِرَ الإِصلاحَ في بِلادِكَ ؛ فَيَأمَنَ المَظلومونَ مِن عِبادِكَ ، وتُقامَ المُعَطَّلَةُ منِ حُدودِكَ . اللّهُمَّ إنّي أوَّلُ مَن أنابَ ، وسَمِعَ وأجابَ ، لَم يَسبِقني إلّا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالصَّلاةِ ، وقَد عَلِمتُم أنَّهُ لا يَنبَغي أن يَكونَ الوالي عَلَى الفُروجِ ، وَالدِّماءِ ، وَالمَغانِمِ ، وَالأَحكامِ ، وإمامَةِ المُسلِمينَ البَخيلَ ؛ فَتَكونَ في أموالِهِم نَهمَتُهُ ، ولَا الجاهِلُ ؛ فَيُضِلَّهُم بِجَهلِهِ ، ولَا الجافي ؛ فَيَقطَعَهُم بِجَفائِهِ ، ولَا الحائِفُ لِلدُّوَلِ (1) ؛ فَيَتَّخِذَ قَوماً دونَ قَومٍ ، ولَا المُرتَشي فِي الحُكمِ ؛ فَيَذهَبَ بِالحُقوقِ ويَقِفَ بِها دونَ المَقاطِعِ ، ولَا المُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ ؛ فَيُهلِكَ الاُمَّةَ (2) .
3 / 6ما لي أراكُم عَنِ اللّهِ ذاهِبينَ ؟الإمام عليّ عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! غَيرُ المَغفولِ عَنهُم ، وَالتّارِكونَ ، المَأخوذُ مِنهُم . ما لي أراكُم عَنِ اللّهِ ذاهبِينَ ، وإلى غَيرِهِ راغِبينَ ؟ كَأَنَّكُم نَعَمٌ أراحَ بِها سائِمٌ إلى مَرعىً وَبِيٍّ ومَشرَبٍ دَوِيٍّ . وإنَّما هِيَ كَالمَعلوفَةِ لِلمُدى لا تَعرِفُ ماذا يُرادُ بِها ! إذا اُحسِنَ إلَيها تَحسَبُ يَومَها دَهرَها ، وشِبعَها أمرَها . وَاللّهِ لَو شِئتُ أن اُخبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنكُم بِمَخرَجِهِ ومَولِجِهِ وجَميعِ شَأنِهِ لَفَعَلتُ ، ولكِن أخافُ أن تَكفُروا فِيَّ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . ألا وإنّي مُفضيهِ إلَى الخاصَّةِ مِمَّن يُؤمَنُ ذلِكَ مِنهُ . وَالَّذي بَعَثَهُ بِالحَقِّ وَاصطَفاهُ عَلَى الخَلقِ ما أنطِقُ إلّا صادِقاً . وقَد عَهِدَ إلَيَّ بِذلِكَ كُلِّهِ ، وبِمَهلِكِ مَن يَهلِكُ ، ومَنجى
.
ص: 75
مَن يَنجو ، ومَآلِ هذَا الأَمرِ . وما أبقى شَيئاً يَمُرُّ عَلى رَأسي إلّا أفرَغَهُ في أُذُنَيَّ وأفضى بِهِ إلَيَّ . أيُّهَا النّاسُ ! إنّي وَاللّهِ ما أحُثُّكُم عَلى طاعَةٍ إلّا وأسبِقُكُم إلَيها ، ولا أنهاكُم عَن مَعصِيَةٍ إلّا وأتَناهى قَبلَكُم عَنها (1)(2) .
3 / 7ما بالُكُم ؟ ما دَواؤُ كُم ؟أنساب الأشراف :لَمَّا استَنفَرَ عَلِيٌّ أهلَ الكوفَةِ فَتَثاقَلوا وتَباطَؤوا ، عاتَبَهُم ووَبَّخَهُم ، فَلَمّا تَبَيَّنَ مِنهُمُ العَجزُ ، وخَشِيَ مِنهُمُ التِمامَ عَلَى الخِذلانِ ، جَمَعَ أشرافَ أهلِ الكوفَةِ ودَعا شيعَتَهُ الَّذينَ يَثِقُ بِمُناصَحَتِهِم وَطاعَتِهِم فَقالَ : الحَمدُ للّهِِ ، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، أمّا بَعدُ ؛ أيُّهَا النّاسُ ! فَإِنَّكُم دَعَوتُموني إلى هذِهِ البَيعَةِ فَلَم أرُدَّكُم عَنها ، ثُمَّ بايَعتُموني عَلَى الإِمارَةِ ولَم أسأَلُكُم إيّاها ، فَتَوَثَّبَ عَلَيَّ مُتَوَثِّبونَ ، كَفَى اللّهُ مَؤونَتَهُم ، وصَرَعَهُم لِخُدودِهِم ، وأتعَسَ جُدودَهُم ، وجَعَلَ دائِرَةَ السَّوءِ عَلَيهِم . وبَقِيَت طائِفَةٌ تُحدِثُ فِي الإِسلامِأحداثا ؛ تَعمَلُ بِالهَوى ، وتَحكُمُ بِغَيرِ الحَقِّ ، لَيسَت بِأهلٍ لمَِا ادَّعَت ، وهُم إذا قيلَ لَهُم : تُقَدِّموا قَدَما ، تَقَدَّموا ، وإذا قيلَ لَهُم : أقبِلوا أقبَلوا ، لا يَعرِفونَ الحَقَّ كَمَعرِفَتِهِمُ الباطِلَ ، وَلا يُبطِلونَ كَإِبطالِهِمُ الحَقَّ . أما إنّي قَد سَئِمتُ مِن عِتابِكُم وخِطابِكُم ، فَبَيِّنوا لي ما أنتُم فاعِلونَ ؛ فَإِن كُنتُم
.
ص: 76
شاخِصينَ مَعي إلى عَدُوّي فَهُو ما أطلُبُ وأُحِبُّ ، وإن كُنتُم غَيرَ فاعِلينَ فَاكشِفوا لي عَن أمرِكُم أرى رَأيي . فَوَاللّهِ لَئِن لَم تَخرُجوا مَعي بأَجمَعِكُم إلى عَدُوِّكُم فَتُقاتِلوهُم حَتّى يَحكُمَ اللّهُ بَيننَا وبَينَهُم وهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ لَأَدعُوَنَّ اللّهَ عَلَيكُم ، ثُمَّ لَأَسيرَنَّ إلى عَدُوِّكُم ولَو لَم يَكُن مَعي إلّا عَشَرَةٌ . أ أَجلافُ أهلِ الشّامِ وأعرابُها أصبَرُ عَلى نُصرَةِ الضَّلالِ ، وأشَدُّ اجتِماعا عَلَى الباطِلِ مِنكُم عَلى هُداكُم وحَقِّكُم ؟ ما بالُكُم ؟ ما دَواؤُكُم ؟ إنَّ القَومَ أمثالُكُم لا يُنشَرونَ إن قُتِلوا إلى يَومِ القِيامَةِ (1) .
3 / 8لَو كانَ لي بِعَدَدِ أهلِ بَدرٍالإمام عليّ عليه السلام :اِتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ وتَحاثّوا عَلَى الجِهادِ مَعَ إمامِكُم ؛ فَلَو كانَ لي مِنكُم عِصابَةٌ بِعَدَدِ أهلِ بَدرٍ ؛ إذا أمَرتُهُم أطاعوني ، وإذَا استَنهَضتُهُم نَهَضوا مَعي ، لَاستَغنَيتُ بِهِم عَن كَثيرٍ مِنكُم ، وأسرَعتُ النُّهوضَ إلى حَربِ مُعاوِيَةَ وأصحابِهِ ؛ فَإِنَّهُ الجِهادُ المَفروضُ (2) .
3 / 9وَدِدتُ أنَّ لي بِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنكُم رَجُلاً مِن أهلِ الشّامِالإمام عليّ عليه السلام :وَدِدتُ وَاللّهِ أنَّ لي بِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنكُم رَجُلاً مِن أهلِ الشّامِ وأنّي صَرَفتُكُم كَما يُصرَفُ الذَّهَبُ ، ولَوَدِدتُ أنّي لَقيتُهُم عَلى بَصيرَتي فَأراحَنِيَ اللّهُ مِن مُقاساتِكُم
.
ص: 77
ومُداراتِكُم كَما يُدارَى البِكارُ العَمِدةُ (1) وَالثِّيابُ المُنهَرِئَةُ كُلَّما خِيطَت مِن جانِبٍ تَهَتَّكَت مِن جانِبٍ (2) .
عنه عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ في أصحابِهِ _: أيُّهَا القَومُ الشّاهِدَةُ أبدانُهُم ، الغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُم ، المُختَلِفَةُ أهواؤُهُم ، المُبتَلى بِهِم اُمَراؤُهُم . صاحِبُكُم يُطيعُ اللّهَ وأنتُم تَعصونَهُ ، وصاحِبُ أهلِ الشّامِ يَعصِي اللّهَ وهُم يُطيعونَهُ ، لَوَدِدتُ وَاللّهِ أنَّ مُعاوِيَةَ صارَفَني بِكُم صَرفَ الدّينارِ بِالدِّرهَمِ ؛ فَأَخَذَ مِنّي عَشَرَةً مِنكُم ، وأعطاني رَجُلاً مِنهُم ! (3)
3 / 10بَلَغَني أنَّكُم تَقولونَ : «عَلِيٌّ يَكذِبُ»الإمام عليّ عليه السلام :أمّا بُعدُ يا أهلَ العِراقِ ، فَإِنَّما أنتُم كَالمَرأَةِ الحامِلِ ؛ حَمَلَت ، فَلَمّا أتَمَّت أملَصَت وماتَ قَيِّمُها ، وطالَ تَأَيُّمُها ، ووَرِثَها أبعَدُها ، أما وَاللّهِ ما أتَيتُكُمُ اختِيارا ، ولكِن جِئتُ إلَيكُم سَوقا . ولَقَد بَلَغَني أنَّكُم تَقولونَ : عَلِيٌّ يَكذِبُ ! قاتَلَكُمُ اللّهُ تَعالى ! فَعَلى مَن أكذِبُ ؟ أ عَلَى اللّهِ ؟ فَأَنَا أوَّلُ مَن آمَنَ بِهِ ، أم عَلى نَبِيِّهِ ؟ فَأَنَا أوَّلُ مَن صَدَّقَهُ ، كَلّا وَاللّهِ ، لكِنَّها لَهجَةٌ غِبتُم عَنها ، ولَم تَكونوا مِن أهلِها ، وَيلُمِّهِ (4) كَيلاً بِغَيرِ ثَمَنٍ ! لَو كانَ لَهُ وِعاءٌ ، «ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ» (5)(6) .
.
ص: 78
3 / 11لا أرى إصلاحَكُم بِإِفسادِ نَفسيالإمام عليّ عليه السلام_ في تَوبيخِ بَعضِ أصحابِهِ _: إنَّكُم وَاللّهِ لَكَثيرٌ فِي الباحاتِ ، قَليلٌ تَحتَ الرّاياتِ ، وإنّي لَعالِمٌ بما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم (1) ، ولكِنّي لا أرى إصلاحَكُم بِإِفسادِ نَفسي (2) .
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ لِلنّاسِ بِالكوفَةِ : يا أهلَ الكوفَةِ ، أ تَرَوني لا أعلَمُ ما يُصلِحُكُم ؟ ! بَلى ، ولكِنّي أكرَهُ أن اُصلِحَكُم بِفَسادِ نَفسي (3) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ لَمّا بَلَغَهُ خَبَرُ بُسرِ بنِ أرطاةَ _: إنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم ، ولكِنّي وَاللّهِ لا أرى إصلاحَكُم بِفَسادِ نَفسي ، إنَّ مِن ذُلِّ المُسلِمينَ وهَلاكِ هذَا الدّينِ أنَّ ابنَ أبي سُفيانَ يَدعُو الأَشرارَ فَيُجابُ ، وأدعوكُم وأنتُمُ الأَفضَلونَ الأَخيارُ فَتُراوِغونَ وتُدافِعونَ (4) .
عنه عليه السلام :ولَقَد عَلِمتُ أنَّ الَّذي يُصلِحُكُم هُوَ السَّيفُ ، وما كُنتُ مُتَحَرِّيا صَلاحَكُم بِفَسادِ نَفسي ، ولكِن سَيُسَلَّطُ عَلَيكُم مِن بَعدي سُلطانٌ صَعبٌ (5) .
.
ص: 79
عنه عليه السلام :قَد عاتَبتُكُم بِدِرَّتِيَ الَّتي اُعاتِبُ بِها أهلي فَلَم تُبالوا ، وضَرَبتُكُم بِسَوطِي الَّذي اُقيمَ بِهِ حُدودُ رَبِّي فَلَم تَرعَووا (1) ، أ تُريدونَ أن أضرِبَكُم بِسَيفي ؟ ! أما إنّي أعلَمُ الَّذي تُريدونَ ويُقيمُ أوَدَكُم ، ولكِن لا أشتَري صَلاحَكُم بِفَسادِ نَفسي ، بَل يُسَلِّطُ اللّهُ عَلَيكُم قَوما فَيَنتَقِمُ لي مِنكُم ! فَلا دُنيَا استَمتَعتُم بِها ، ولا آخرةَ صِرتُم إلَيها ، فَبُعدا وسُحقا لِأَصحابِ السَّعيرِ ! (2)
عيون الحكم والمواعظ :قيلَ لَهُ [عَلِيٍّ] عليه السلام : إنَّ أهلَ العِراقِ لا يُصلِحُهُم إلّا السَّيفُ! فَقالَ : إن لَم يُصلِحُهُم إلّا فَسادي فَلا أصلَحَهُمُ اللّهُ ! (3)
.
ص: 80
. .
ص: 81
الفصل الرابع: هرب عدّة من أصحاب الإمام إلى معاوية4 / 1النَّجاشِيُّمقيس بن عمرو بن مالك المشهور بالنجاشي : من شعراء صدر الإسلام ، وأحد أصحاب الإمام عليه السلام . كان النجاشي من الدعاة لجيش الإمام عليّ عليه السلام بأشعاره ؛ فكان يُحمِّس الناس للقتال من جهة ، ويفضح معاوية وأصحابه ، ويُبدي مخازيهم من جهة اُخرى . فلمّا كان منه ما كان من إفطاره في شهر رمضان وشربه للخمر حدّه الإمام عليه السلام كغيره من العصاة ، ولم يمنع الإمام عليه السلام عن إقامة حدّ اللّه تعالى ما قدّمه من خدمات . فلمّا رأى النجاشي شدّة الإمام وجزمه في إقامة الحدود الإلهيّة ، وعدم منع شيء عن إقامتها _ ولم يكن يتصوّر شدّة الإمام بهذا الحدّ _ اعتزل عن الإمام والتجأ إلى معاوية .
الغارات عن عوانة :خَرَجَ النَّجاشِيُّ في أوَّلِ يَومٍ مِن رَمَضانَ ، فَمَرَّ بِأَبي سَمّالِ الأَسَديِّ وهُوَ قاعِدٌ بِفِناءِ دارِهِ ، فَقالَ لَهُ : أينَ تُريدُ ؟ قالَ : اُريدُ الكُناسَةَ (1) ، قالَ : هَل لَكَ فى ¨
.
ص: 82
رُؤوسٍ وألياتٍ قَد وُضِعَت في التَّنّورِ مِن أوَّلِ اللَّيلِ فَأصبَحَت قَد أينَعَت وتَهَرَّأَت ؟ قالَ : وَيحَكَ ! في أوَّلِ يَومٍ مِن رَمَضانَ ؟ ! قالَ : دَعنا مِمّا لا نَعرفُ ، قالَ : ثُمَّ مَه ؟ قالَ : ثُمَّ أسقيكَ مِن شَرابٍ كَالوَرسِ (1) ، يُطَيِّبُ النَّفسَ ، ويَجري فِي العِرقِ ، ويَزيدُ فِي الطَّرقِ ، يهَضِمُ الطَّعامَ ، ويُسَهِّلُ لِلفَدمِ (2) الكَلامَ . فَنَزَلَ فَتَغَدَّيا ثُمَّ أتاهُ بِنَبيذٍ فَشَرِباهُ ، فَلَمّا كانَ مِن آخِرِ النَّهارِ عَلَت أصواتُهُما ، ولَهُما جارٌ يَتَشَيَّعُ مِن أصحابِ عَلَيٍّ عليه السلام ، فَأَتى عَلِيّا عليه السلام فَأَخبَرَهُ بِقِصَّتِهِما ، فَأَرسَلَ إلَيهِما قَوما فَأَحاطوا بِالدّارِ ، فَأَمّا أبو سَمّالٍ فَوَثَبَ إلى دورِ بَني أسَدٍ فَأَفَلَت ، وأمَّا النَّجاشِيُّ فَاُتِيَ بِهِ عَلِيّا عليه السلام ، فَلَمّا أصبَحَ أقامَهُ في سَراويلَ فَضَرَبَهُ ثَمانينَ ، ثُمَّ زادَهُ عِشرينَ سَوطا ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! أمَّا الحَدُّ فَقَد عَرَفتُهُ ، فَما هذِهِ العِلاوَةُ الَّتي لا تُعرَفُ ؟ قالَ : لِجُرأَتِكَ عَلى رَبِّكَ ، وإفطارِكَ في شَهرِ رَمَضانَ . ثُمَّ أقامَهُ في سَراويلِهِ لِلنّاسِ ، فَجَعَلَ الصِّبيانُ يَصيحونَ بِهِ : خَرِى ءَ النَّجاشِيُّ ، فَجعَلَ يَقولُ : كَلّا وَاللّهِ إنَّها يَمانِيَّةٌ وِكاؤُها شَعرٌ . . . ثُمَّ لَحِقَ بِمُعاوِيَةَ وهَجا عَلِيّا عليه السلام (3) .
4 / 2طارِقُ بنُ عَبدِ اللّهِالغارات عن أبي الزناد :لَمّا حَدَّ عَلِيٌّ عليه السلام النَّجاشِيَّ غَضِبَ لِذلِكَ مَن كانَ مَعَ عَلِيٍّ مِنَ اليَمانِيَّةِ ، وكانَ أخَصُّهُم بِهِ طارِقَ بنَ عَبدِ اللّهِ بنِ كَعبِ بنِ اُسامَةَ النَّهدي ، فَدَخَل
.
ص: 83
عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! ما كُنّا نَرى أنَّ أهلَ المَعصِيَةِ وَالطّاعَةِ ، وأهلَ الفِرقَةِ وَالجَماعَةِ ، عِندَ وُلاةِ العَدلِ ومَعادِنِ الفَضلِ سِيّانُ فِي الجَزاءِ ، حَتّى رَأَيتُ ما كانَ مِن صَنيعِكَ بِأخِيَ الحارِثِ ، فَأَوغَرتَ صُدورَنا ، وشَتَّتَّ اُمورَنا ، وحَمَلتَنا عَلَى الجادَّةِ الَّتي كُنّا نَرى أنَّ سَبيلَ مَن رَكِبَهَا النّارُ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «إِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَا عَلَى الْخَ_شِعِينَ» (1) يا أخا بَني نَهدٍ ، وهَل هُوَ إلّا رَجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ انتَهَكَ حُرمَةَ مَن حَرُمَ اللّهُ، فَأَقَمنا عَلَيهِ حَدّا كانَ كَفّارَتَهُ ! إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَ_ئانُ قَوْمٍ عَلَى أَلَا تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» (2) . قالَ : فَخَرَجَ طارِقٌ مِن عِندِ عَلِيٍّ وهُوَ مُظهِرٌ بِعُذرِهِ قابِلٌ لَهُ ، فَلَقِيَهُ الأَشتَرُ النَّخَعِيُّ ؛ فَقالَ لَهُ : يا طارِقُ أنتَ القائِلُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ : إنَّكَ أوغَرتَ صُدورَنا وشَتَّتَّ اُمورَنا ؟ قالَ طارِقٌ : نَعَم أنَا قائِلُها . قالَ لَهُ الأَشتَرُ : وَاللّهِ ما ذاكَ كَما قُلتَ ، وإنَّ صُدورَنا لَهُ لَسامِعَةٌ ، وإنَّ اُمورَنا لَهُ لَجامِعَةٌ . قالَ : فَغَضِبَ طارِقٌ وقالَ : سَتَعلَمُ يا أشتَرُ أنَّهُ غَيرُ ما قُلتَ ! فَلَمّا جَنَّهُ اللَّيلُ هَمَسَ (3) هُوَ وَالنَّجاشِيُّ إلى مُعاوِيََة (4) .
4 / 3حَنظَلَةُ الكاتِبُوقعة صفّين عن النضر بن صالح :بَعَثَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى حَنظَلَةَ بنِ الرَّبيعِ المَعروفِ بِحَنظَلَة
.
ص: 84
الكاتِبِ _ وهُوَ مِنَ الصّحابَةِ _ فَقالَ : يا حَنظَلَةُ ، أعَلَيَّ أم لي ؟ قالَ : لا عَلَيكَ ولا لَكَ ، قالَ : فَما تُريدُ ؟ قالَ : أشخَصُ إلَى الرُّها (1) فَإِنَّهُ فَرجٌ مِنَ الفُروجِ ، أصمِدُ لَهُ حَتّى يَنقَضي هذَا الأَمرُ . . . فَدَخَلَ مَنزِلَهُ وأغلَقَ بابَهُ حَتّى إذا أمسى هَرَبَ إلى مُعاوِيَةَ . . . وهَرَبَ ابنُ المُعتَمِّ أيضاً حَتّى أتى مُعاوِيَةَ . . . ولكِنَّهُما لَم يُقاتِلا مَعَ مُعاوِيَةَ ، وَاعتَزَلَا الفَريقَينِ جَميعا . . . فَلَمّا هَرَبَ حَنظَلَةُ أمَرَ عَلِيٌّ بِدارِهِ فَهُدّمَت (2) .
4 / 4عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ الرَّحمنِالغارات :كانَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ الرَّحمن بنِ مَسعودٍ . . . شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام صِفّينَ ، وكانَ في أوَّلِ أمرِهِ مَعَ مُعاوِيَةَ ، ثُمَّ صارَ إلى عَلِيٍّ ، ثُمَّ رَجَعَ بَعدُ إلى مُعاوِيَةَ ، ثُمَّ سَمّاهُ عَلِيٌّ عليه السلام الهَجَنَّعَ ، وَالهَجَنَّعُ : الطَّويلُ (3) .
4 / 5القَعقاعُ بنُ شَورٍلَيسَ عِندَنا مَعلوماتٌ كَثيرَةٌ عَن حَياتِهِ . وَلِيَ كَسكَرَ بَعدَ قُدامَةِ بنِ عَجلانَ (4) . وقال
.
ص: 85
ابنُ أبي الحَديدِ : إنَّهُ وَلِيَ «مَيسانَ» أيضا (1) . قَبَضَ عَلى بَيتِ المالِ لِتَرَفُّهٍ ومَلَذّاتِهِ . وحينَ عَلِمَ أنَّ الإِمامَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام اطَّلَعَ عَلى ذلِكَ ، أخَذَ الأَموالَ وذَهَبَ إلى مُعاوِيَةَ (2) . دَنَّسَ قَلبُهُ الأَسوَدُ حَياتَهُ ، وبَلَغَ بِهِ الحالُ أنَّهُ خانَ مُسلِمَ بنَ عَقيلٍ سَفيرَ الإِمامِ الحُسَينِ عليه السلام إلَى الكوفَةِ ، وسَعى في تَفريقِ أصحابِهِ عَنهُ ، مُتَواطِئا مَعَ ابنِ الأَشعَثِ وأضرابِهِ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :تَسألونِي المالَ ؟ ! وقَدِ استَعمَلتُ القَعقاعَ بنَ شورٍ عَلى كَسكَرٍ ، فَأصدَقَ امرَأَةًبِمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، وايمُ اللّهِ لَو كانَ كُفوا ما أصدَقَها ذلِكَ (4) .
4 / 6مَصقَلَةُ بنُ هُبَيرَةَتاريخ دمشق :مَصقَلَةُ بنُ هُبَيرَةَ ... مِن وُجوهِ أهلِ العِراقِ كانَ مِن أصحابِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ ، ووُلِّيَ أردَشيرَخُرَّه مِن قِبَلِ ابنِ عَبّاسٍ ، وعَتَبَ عَلِيٌّ عَلَيهِ في إعطاءِ مالِ الخَراجِ لِمَن يَقصُدُهُ مِن بَني عَمِّهِ ، وقيلَ : لِأَنَّهُ فَدى نَصارى بَني ناجِيَةَ بِخَمسِمِئَةِ ألفٍ ، فَلَم يَرُدَّها كُلَّها ، ووَفَدَ عَلى مُعاوِيَةَ (5) .
تهذيب الأحكام عن أبي الطفيل :إنَّ بَني ناجِيَةَ قَومٌ كانوا يَسكُنونَ الأَسيافَ (6) ، وكانوا قَوما يَدَّعونَ في قُرَيشٍ نَسَبا ، وكانوا نَصارى فَأَسلَموا ، ثُمَّ رَجَعوا عَنِ الإِسلامِ ، فَبَعَثَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مَعقِلَ بنَ قَيسٍ التَّميمِيَّ . . . فَقَتَلَ مُقاتِليهِم وسَبى ذَرارِيَهُم .
.
ص: 86
قالَ : فَأَتى بِهِم عَلِيّا عليه السلام ، فَاشتَراهُم مَصقَلَةُ بنُ هُبَيرَةَ بِمِائَةِ ألفِ دِرهَمٍ فَأَعتَقَهُم ، وحَمَلَ إلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام خَمسينَ ألفا ، فَأَبى أن يَقبِلَها . قالَ : فَخَرَجَ بِها فَدَفَنَها في دارِهِ ولَحِقَ بِمُعاوِيَةَ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ قالَ : فَأَخرَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام دارَهُ وأجازَ عِتقَهُم (1) .
راجع : ج 7 ص 493 (مصقلة بن هبيرة) .
4 / 7مَولىً لِلإِمامِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ مَولىً لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام سَأَلَهُ مالاً ، فَقالَ : يَخرُجُ عَطائي فَاُقاسِمُكَ هُوَ ، فَقالَ : لا أكتَفي ، وخَرَجَ إلى مُعاوِيَةَ فَوَصَلَهُ ، فَكَتَبَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام يُخبِرُهُ بِما أصابَ مِنَ المالِ ، فَكَتَبَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ ما في يَدِكَ مِنَ المالِ قَد كانَ لَهُ أهلٌ قَبلَكَ ، وهُوَ صائِرٌ إلى أهلِهِ بَعدَكَ ، وإنَّما لَكَ مِنهُ ما مَهَّدتَ لِنَفسِكَ ، فَآثِر نَفسَكَ عَلى صَلاحِ وُلدِكَ ؛ فَإِنَّما أنتَ جامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَينِ : إمّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِطاعَةِ اللّهِ فَسعَِدَ بِما شَقيتَ ، وإمّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِمَعصِيَةِ اللّهِ فَشَقِيَ بِما جَمَعتَ لَهُ ، ولَيسَ مِن هذَينِ أحَدٌ بِأهلٍ أن تُؤثِرَهُ عَلى نَفسِكَ ولا تُبَرِّدَ لَهُ عَلى ظَهرِكَ ، فَارجُ لِمَن مضى رَحمَةَ اللّهِ ، وثِق لِمَن بَقِيَ بِرزِقِ اللّهِ (2) .
.
ص: 87
4 / 8النُّعمانُ بنُ العَجلانِتاريخ اليعقوبي عن أبي خالد الوالبي :بَلَغَهُ [الإِمامُ عَلِيّاً عليه السلام ] أنَّ النُّعمانَ بنَ العَجلانِ قَد ذَهَبَ بِمالِ البَحرَينِ ، فَكَتَبَ إلَيهِ عَلِيٌّ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّهُ مَنِ استَهانَ بِالأَمانَةِ ورَغِبَ فِي الخِيانَةِ ، ولَم يُنَزِّه نَفسَهُ ودينَهُ ، أخَلَّ بِنَفسِهِ فِي الدُّنيا ، وما يُشفي (1) عَلَيهِ بَعدُ أمَرُّ وأبقى وأشقى وأطوَلُ . فَخَفِ اللّهَ ! إنَّكَ مِن عَشيرَةٍ ذاتِ صَلاحٍ ، فَكُن عِندَ صالِحِ الظَّنِّ بِكَ ، وراجِع ، إن كانَ حَقّا ما بَلَغَني عَنكَ ، ولا تُقَلِّبَنَّ رَأيي فيكَ ، وَاستَنظِفَ خَراجَكَ ، ثُمَّ اكتُب إلَيَّ لِيَأتِيَكَ رَأيي وأمري ، إن شاءَ اللّهُ . فَلَمّا جاءَهُ كِتابُ عَلِيٍّ عليه السلام ، وعَلِمَ أنَّهُ قَد عَلِمَ حَملَ المالِ ، لَحِقَ مُعاوِيَةَ (2) .
4 / 9يَزيدُ بنُ حُجَيَّةَمن أصحاب الإمام عليه السلام (3) ، وشهد معه حروبه (4) . وجعله الإمام عليه السلام أحد الشّهود في التّحكيم (5) .
.
ص: 88
استعمله الإمام عليه السلام على الرّيّ ودستبى (1)(2) . لكنّه انتهج الخيانة ، إذ نقل ابن الأثير أنّه استحوذ على ثلاثين ألف درهم من بيت المال ؛ وطالبه الإمام بالنّقص الحاصل في بيت المال ، فأنكر ذلك ، فجلده (3) وسجنه ، ففرّ من السّجن والتحق بمعاوية (4) . وشهد على حجر بن عديّ حين أراد معاوية قتله (5) .
الغارات :كانَ يَزيدُ بنُ حُجَيَّةَ قَد استَعمَلَهُ عَلِيٌّ عليه السلام عَلَى الرَّيِّ ودَستَبى ، فَكَسَرَ الخَراجَ وَاحتَجَنَ (6) المالَ لِنَفسِهِ ، فَحَبَسَهُ عَلِيٌّ وجَعَلَ مَعَهُ مَولًى لَهُ يُقالُ لَهُ : سَعدٌ ، فَقَرَّبَ يَزيدُ رَكائِبَهُ وسَعدٌ نائِمٌ ، فَلَحِقَ بِمُعاوِيَةَ . . . وقالَ أيضا شِعرا يَذُمُّ فيهِ عَلِيّا ويُخبِرُهُ أنَّهُ مِن أعدائِهِ ، لَعَنَهُ اللّهُ ، فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا عليه السلام فَدَعا عَلَيهِ ، وقالَ لِأَصحابِهِ : إرفَعوا أيديَكُم فَادعوا عَلَيهِ ، فَدَعا عَلَيهِ عَلِيٌّ عليه السلام وأمَّنَ أصحابَهُ . قالَ أبُو الصَّلتِ التَّيمي : فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اللّهُمَّ إنَّ يَزيدَ بنَ حُجَيَّةَ هَرَبَ بِمالِ المُسلِمينَ ، ولَحِقَ بِالقَومِ الفاسِقينَ ، فَاكفِنا مَكرَهُ وكَيدَهُ ، وَاجزِهِ جَزاءَ الظّالِمينَ (7) .
.
ص: 89
4 / 10كِتابُ الإِمامِ إلى سَهلٍ فيمَن لَحِقَ بِمُعاوِيَةَالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى سَهلِ بنِ حُنَيفِ الأَنصاري ، وهُوَ عامِلُهُ عَلَى المَدينَةِ ، في مَعنى قَومٍ مِن أهلِها لَحِقوا بِمُعاوِيَةَ _: أمّا بَعدُ ؛ فَقَد بَلَغَني أنَّ رِجالاً مِمَّن قَبلَكَ يَتَسَلَّلون إلى مُعاوِيَةَ ؛ فَلا تَأسَف عَلى ما يَفوتُكَ مِن عَدَدِهِم ، ويَذهَبُ عَنكَ مِن مَدَدِهِم ؛ فَكَفى لَهُم غَيّا ، ولَكَ مِنهُم شافِيا ، فِرارُهُم مِنَ الهُدى وَالحَقِّ ، وإيضاعُهُم إلَى العَمى وَالجَهلِ ، وإنَّما هُم أهلُ دُنيا مُقبِلونَ عَلَيها ، ومُهطِعونَ إلَيها ، وقَد عَرَفُوا العَدلَ ورَأَوهُ ، وسَمِعوهُ ووَعَوهُ ، وعَلِموا أنَّ النّاسَ عِندَنا فِي الحَقِّ اُسوَةٌ ، فَهَرَبوا إلَى الأَثَرَةِ ، فَبُعدا لَهُم وسُحقا ! ! إنَّهُم _ وَاللّهِ _ لَم يَنفِروا مِن جَورٍ ، ولَم يَلحَقوا بِعَدلٍ ، وإنّا لَنَطمَعُ في هذَا الأَمرِ أن يُذَلِّلَ اللّهُ لَنا صعَبَهُ ، ويُسَهِّلَ لَنا حَزنَهُ (1) ، إن شاءَ اللّهُ ، وَالسَّلامُ (2) .
.
ص: 90
. .
ص: 91
الفصل الخامس: محايدة عدّة من أصحاب الإمام5 / 1جَريرُ بنُ عَبدِ اللّهِ البَجَلِيُّوقعة صفّين عن صالح بن صدقة_ بَعدَ بَيانِ كِتابِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام إلى مُعاوِيَةَ وإرسالِهِ مَعَ جَريرِ بنِ عَبدِ اللّهِ وكَثرَةِ مُدَّةِ مَقامِهِ مَعَ مُعاوِيَةَ _: لَمّا رَجَعَ جَريرٌ إلى عَلِيٍّ كَثُرَ قَولُ النّاسِ فِي التُّهَمَةِ لِجَريرٍ في أمرِ مُعاوِيَةَ . . . فَلَمّا سَمِعَ جَريرٌ ذلِكَ لَحِقَ بِقَرقيسِيا (1) ، ولَحِقَ بِهِ اُناسٌ مِن قَسرٍ مِن قَومِهِ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ جَريرِ بنِ عَبدِ اللّهِ قَبلَ مُفارَقَتِهِ _: أمّا هذَا الأَكثَفُ عِندَ الجاهِلِيَّةِ _ يَعني جَريرَ بنَ عَبدِ اللّهِ البَجَلِيَّ _ فَهُوَ يَرى كُلَّ أحَدٍ دونَهُ ، ويَستَصغِرُ كُلَّ أحَدٍ ويَحتَقِرُهُ ، قَد مُلِئَ نارا ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ يَطلُبُ رِئاسَةً ، ويَرومُ إمارَةً ، وهذَا الأَعوَرُ [يَعنِي الأَشعَثَ ]يُغويهِ ويُطغيهِ ، إن حَدَّثَهُ كَذِبَهُ ، وإن قامَ دونَهُ نَكَصَ عَنهُ ، فَهُما كَالشَّيطانِ ؛ «إِذْ قَالَ لِلْاءِنسَ_نِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِّنكَ إِنِّى
.
ص: 92
أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَ__لَمِينَ» (1)(2) .
تاريخ الطبري :خَرَجَ جَريرُ بنُ عَبدِ اللّهِ إلى قَرقيسِياءَ وكَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ ، فَكَتَبَ إلَيهِ يَأمُرُهُ بِالقدُومِ عَلَيهِ (3) .
سير أعلام النبلاء عن محمّد بن عمر :لَم يَزَل جَريرٌ مُعتَزِلاً لِعَلِيٍّ ومُعاوِيَةَ بِالجَزيرَةِ ونَواحيها ، حَتّى تُوُفِّيَ بِالشَّراةِ في وِلايَةِ الضَّحّاكِ بنِ قَيسٍ عَلَى الكوفَةِ (4) .
5 / 2أبو عَبدِ الرَّحمنِ السُّلَمِيُّالغارات عن عطاء بن السائب :قالَ رَجُلٌ لِأَبي عَبدِ الرَّحمنِ السُّلَمِيِّ : اُنشِدُكَ بِاللّهِ تُخبِرُني ، فَلَمّا أكَّدَ عَلَيهِ قالَ : بِاللّهِ هَل أبغَضتَ عَلِيّا إلّا يَومَ قَسَّمَ المالَ في أهلِ الكوفَةِ فَلَم يُصِبكَ ولا أهلَ بَيتِكَ مِنهُ شَيءٌ ؟ قال : أمّا إذا أنشَدتَني بِاللّهِ فَلَقَد كانَ ذلِكَ (5) .
5 / 3وائِلُ بنُ حُجرٍالغارات عن فضيل بن خديج :كانَ وائِلُ بنُ حُجرٍ عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام بِالكوفَةِ ، وكانَ يَرى رَأيَ عُثمانَ ، فَقالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : إن رَأَيتَ أن تَأذَنَ لي بِالخُروجِ إلى بِلادي واُصلِحَ مالي هُناكَ ، ثُمَّ لا ألبَثُ إلّا قليلاً إن شاءَ اللّهُ حَتّى أرجِعُ إلَيكَ .
.
ص: 93
فَأَذِنَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام وظَنَّ أنَّ ذلِكَ مِثلُ ما ذَكَرَهُ . فَخَرَجَ إلى بِلادِ قَومِهِ وكانَ قَيلاً (1) مِن أقيالِهِم ، عَظيمَ الشَّأنِ فيهِم ، وكانَ النّاسُ بِها أحزابا وشِيَعا ؛ فَشيعَةٌ تَرى رَأيَ عُثمانَ ، واُخرى تَرى رَأيَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَكانَ وائِلُ بنُ حُجر هُناكَ حَتّى دَخَلَ بُسرٌ صَنعاءَ . فَكَتَبَ إلَيهِ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ شيعَةَ عُثمانَ بِبِلادِنا شُطِرَ أهلُها ، فَأَقدَمَ عَلَينا ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ بِحَضرَمَوتَ أحَدٌ يَرُدُّكَ عَنها ولا يَنصِبَ لَكَ فيها ، فَأَقبَلَ إلَيها بُسرٌ بِمَن مَعَهُ حَتّى دَخَلَها . فَزَعَمَ أنَّ وائِلاً استَقبَلَ بُسرَ بنَ أبي أرطأةَ بِشَنوءَةَ ، فَأعطاهُ عَشَرَةَ آلافٍ ، وأنَّهُ كَلَّمَهُ في حَضرَمَوتَ ، فَقالَ لَهُ : ما تُريدُ ؟ قالَ : اُريدُ أن أقتُلَ رَبَعَ حَضرَمَوتَ ، قالَ : إن كنتَ تُريدُ أن تَقتُلَ رَبَعَ حَضرَمَوتَ فَاقتُل عَبدَ اللّهِ بنَ ثَوابَةَ ؛ إنَّهُ لَرَجُلٌ فيهِم ، وكانَ مِن المَقاوِلةِ (2) العِظامِ ، وكانَ لَهُ عَدُوّا في رَأيِهِ مُخالِفا (3) .
.
ص: 94
. .
ص: 95
الفصل السادس: استشهاد مالك الأشتر6 / 1البِشارَةُ بِالخَيرِالفتوح_ في حَربِ صِفّينَ _: بَكَى الأَشتَرُ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ رضى الله عنه : ما يُبكيكَ _ لا أبكَى اللّهُ عَيناكَ _ ؟ فَقالَ : أبكي يا أميرَ المُؤمِنينَ لِأَنّي أرَى النّاسَ يُقتَلونَ بَينَ يَدَيكَ ، وأنَا لا اُرزَقُ الشَّهادَةَ فَأَفوزَ بِها . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ رضى الله عنه : أبشِر بِالخَيرِ يا مالِكُ (1) .
6 / 2إشخاصُ مالِكٍ إلى مِصرَتاريخ الطبري_ في ذِكرِ أحداثِ سَنَةِ ثَمانٍ وثَلاثينَ مجريّة _: فَلَمَّا انقَضى أمرُ الحُكومَةِ ، كَتَبَ عَلِيٌّ إلى مالِكِ بنِ الحارِثِ الأَشتَرِ _ وهُوَ يَومَئِذٍ بِنَصيبينَ _ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكَ مِمَّنِ استَظهَرتُهُ عَلى إقامَةِ الدّينِ ، وَأقمَعُ بِهِ نَخوَةَ (2) الأَثيمِ ، وأشُدُّ بِهِ الثَّغرَ (3) المَخوفَ . وكُنتُ وَلَّيتُ مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ مِصرَ ، فَخَرجَت عَلَيهِ بِها خَوارِجُ ، وهُو
.
ص: 96
غُلامٌ حَدَثٌ لَيسَ بِذي تَجرِبَةٍ لِلحَربِ ، ولا بِمُجَرِّبٍ لِلأَشياءِ ، فَاقدِم عَلَيَّ ؛ لِنَنظُرَ في ذلِكَ فيما يَنبَغي ، وَاستَخلِف عَلى عَمَلِكَ أهلَ الثِّقَةِ وَالنَّصيحَةِ مِن أصحابِكَ . وَالسَّلامُ . فَأَقبَلَ مالِكٌ إلى عَلِيٍّ حَتّى دَخَلَ عَلَيهِ ، فَحَدَّثَهُ حَديثَ أهلِ مِصرَ ، وخَبَّرَهُ خَبَرَ أهلِها ، وقالَ : لَيسَ لَها غَيرُكَ ، اخرُج رَحِمَكَ اللّهُ ، فِإِنّي إن لَم اُوصِكَ اكتَفَيتُ بِرَأيِكَ ، وَاستَعِن بِاللّهِ عَلى ما أهَمَّكَ ، فَاخلِطِ الشِّدَّةَ بِاللّينِ ؛ وَارفُق ما كانَ الرفِّقُ أبلَغَ ، وَاعتزِم بِالشِّدَّةِ حينَ لا يُغني عَنكَ إلَا الشِّدَّةُ (1) .
6 / 3كِتابُ الإِمامِ إلى أهلِ مِصرَ قَبلَ إشخاصِ مالِكٍالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى أهلِ مِصرَ لَمّا وَلّى عَلَيهِمُ الأَشتَرَ _: مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلَى القَومِ الَّذينَ غَضِبُوا للّهِِ حينَ عُصيَ في أرضِهِ وذُهِبَ بِحَقِّهِ ، فَضَرَبَ الجَورُ سُرادِقَهُ عَلَى البَرِّ وَالفاجِرِ ، وَالمُقيمِ وَالظّاعِنِ (2) ، فَلا مَعروفٌ يُستَراحُ إلَيهِ ، ولا مُنكَرٌ يُتَناهى عَنهُ . أمّا بَعدُ ، فَقَد بَعَثتُ إلَيكُم عَبدا مِن عِبادِ اللّهِ ؛ لا يَنامُ أيّامَ الخَوفِ ، ولا يَنكُلُ (3) عَنِ الأَعداءِ ساعاتِ الرَّوعِ (4) ، أشَدَّ عَلَى الفُجّارِ مِن حَريقِ النّارِ ، وهُوَ مالِكُ بنُ الحارِثِ أخو مَذحِجٍ ، فَاسمَعوا لَهُ ، وأطيعوا أمرَهُ فيما طابَقَ الحَقَّ ، فَإِنَّهُ سَيفٌ مِن سُيوفِ اللّهِ ،
.
ص: 97
لا كَليلُ الظُّبَةِ (1) ، ولا نابِي (2) الضَّريبَةِ ، فِإِن أمَرَكُم أن تَنفِروا فَانفِروا ، وإن أمَرَكُم أن تُقيموا فَأقيموا ؛ فَإِنَّهُ لا يُقدِمُ ولا يُحجِمُ ولا يُؤَخِّرُ ولا يُقَدِّمُ إلّا عَن أمري ، وقَد آثَرتُكُم بِهِ عَلى نَفسي ؛ لِنَصيحَتِهِ لَكُم ، وشِدَّةِ شَكيمَتِهِ (3) عَلى عَدُوِّكُم (4) .
الأمالي للمفيد عن هشام بن محمّد :قَدَّمَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أمامَهُ [أي مالِكٍ ]كِتابا إلى أهلِ مِصرَ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، سَلامٌ عَلَيكُم ، فَإِنّي أحمَدُ إلَيكُمُ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، وأسأَلُهُ الصَّلاةَ عَلى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وإنّي قَد بَعَثتُ إلَيكُم عَبدا مِن عِبادِ اللّهِ ، لا يَنامُ أيّامَ الخَوفِ ، ولا يَنكُلُ عَنِ الأَعداءِ حِذارَ الدَّوائِرِ (5) ، مِن أشَدِّ عَبيدِ اللّهِ بَأسا ، وأكرَمِهِم حَسَبا ، أضَرَّ عَلَى الفُجّارِ مِن حَريقِ النّارِ ، وأبعَدَ النّاسَ مِن دَنَسٍ أو عارٍ ، وهُوَ مالِكُ بنُ الحارِثِ الأَشتَرُ ، لا نابِي الضِّرسِ ، ولا كَليلُ الحَدِّ ، حَليمٌ فِي الحَذَرِ ، رَزينٌ فِي الحَربِ ، ذو رَأيٍ أصيلٍ ، وصَبرٍ جَميلٍ ؛ فَاسمَعوا لَهُ ، وأطيعوا أمرَهُ ، فَإن أمَرَكُم بالنَّفيرِ فَانفِروا ، وإن أمَرَكُم أن تُقيموا فَأقيموا ؛ فَإِنَّهُ لا يُقدِمُ ولا يُحجِمُ إلّا بِأَمري ، فَقَد آثَرتُكُم بِهِ عَلى نَفسي ؛ نَصيحَةً لَكُم ، وشِدَّةَ شَكيمَةٍ عَلى عَدُوِّكُم ، عَصَمَكُمُ اللّهُ بِالهُدى ، وثَبَّتَكُم بِالتَّقوى ، ووَفَّقَنا وإيّاكُم لِما يُحِبُّ ويَرضى . وَالسَّلامُ عَلَيكُم ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ (6) .
.
ص: 98
6 / 4واجِباتُ مالِكٍ في حُكومَةِ مِصرَ (1)الإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكِ الأَشتَرِ حينَ وَلّاهُ مِصرَ وأعمالَها _: بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم . هذا ما أمَرَ بِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ مالِكَ بنَ الحارِثِ الأَشتَرَ في عَهدِهِ إلَيهِ حينَ وَلّاهُ مِصرَ : جِبايَةَ خَراجِها ، ومُجاهَدَةَ عَدُوِّها ، وَاستِصلاحَ أهلِها ، وعِمارَةَ بِلادِها . أمَرَهُ بِتَقوَى اللّهِ ، وإيثارِ طاعَتِهِ ، وَاتِّباعِ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ في كِتابِهِ مِن فَرائِضِهِ وسُنَنِهِ الَّتي لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِاتِّباعِها ، ولا يَشقى إلّا مَعَ جُحودِها وإضاعَتِها ، وأن يَنصُرَ اللّهَ بِيَدِهِ وقَلبِهِ ولِسانِهِ ؛ فَإِنَّهُ قَد تَكَفَّلَ بِنَصِر مَن نَصَرَهُ ، إنَّهُ قَوِيُّ عَزيزٌ . وأمَرَهُ أن يكسِرَ مِن نَفسِهِ عِندَ الشَّهَواتِ ؛ فَإِنَّ النَّفسَ أمّارَةٌ بِالسّوءِ إلّا ما رَحِمَ رَبّي ، إنَّ رَبّي غَفورٌ رَحيمٌ . «وأن يَعتَمِدَ كِتابَ اللّهِ عِندَ الشُّبَهاتِ ؛ فَإِنَّ فيهِ تِبيانَ كُلِّ شَيءٍ ، وهُدىً ورَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ . وأن يَتَحرّى رِضَا اللّهِ ، ولا يَتَعَرَّضَ لِسَخَطِهِ ، ولا يُصِرَّ عَلى مَعصِيَتِهِ ، فَإِنَّهُ لا مَلجَأَ مِنَ اللّهِ إلّا إلَيهِ» . ثُمَّ اعلَم يا مالِكُ أنّي وَجَّهتُكَ إلى بِلادٍ قَد جَرَت عَلَيها دُوَلٌ قَبلَكَ مِن عَدلٍ وجَورٍ ، وأنَّ النّاسَ يَنظُرونَ مِن اُمورِكَ في مِثلِ ما كُنتَ تَنظُرُ فيهِ مِن اُمورِ الوُلاةِ قَبلَكَ ، ويَقولونَ فيكَ ما كنتَ تَقولُ فيهِم ، وإنَّما يُستَدَلُّ عَلَى الصّالِحينَ بِما يُجرِي اللّهُ لَهُم عَلى ألسُنِ عِبادِهِ ، فَليَكُن أحَبَّ الذَّخائِرِ إلَيكَ ذَخيرَةُ العَمَلِ الصّالِحِ «بِالقَصدِ فيما تَجمَعُ وما تَرعى بِهِ رَعِيَّتَكَ» ، فَاملِك هَواكَ ، وشُحَّ بِنَفسِكَ عَمّا لا يَحِلُّ لَكَ ؛ فَإِنَّ الشُّح
.
ص: 99
بِالنَّفسِ الإِنصافُ مِنها فيما أحبَبتَ وكَرِهتَ . وأشعِر قَلبَكَ الرَّحمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، وَالمَحَبَّةَ لَهُم ، وَاللُّطفَ بِالإِحسانِ إلَيهِم ، ولا تَكونَنَّ عَلَيهِم سَبُعاً ضارِياً تَغتَنِمُ اُكلَهُم ؛ فَإِنَّهُم صِنفانِ ؛ إمّا أخٌ لَكَ فِي الدّينِ ، وإمّا نَظيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ ، يَفرُطُ (1) مِنهُمُ الزَّلَلَ ، وتَعرِضُ لَهُمُ العِلَلُ ، ويُؤتى على أيديهِم فِي العَمدِ وَالخَطَاَ، فَأَعطِهِم مِن عَفوِكَ وصَفحِكَ مِثلَ الَّذي تُحِبُّ أن يُعطِيَكَ اللّهُ مِن عَفوِهِ ؛ فَإِنَّكَ فَوقَهُم ، ووالِي الأَمرِ عَلَيكَ فَوقَكَ ، وَاللّهُ فَوقَ مَن وَلّاكَ بِما عَرَّفَكَ مِن كِتابِهِ ، وبَصَّرَكَ مِن سُنَنِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله . عَلَيكَ بِما كَتَبنا لَكَ في عَهدِنا هذا ، لا تَنصِبَنَّ نَفسَكَ لِحَربِ اللّهِ ؛ فَإِنَّهُ لا يَدَ لَكَ بِنِقمَتِهِ ، ولا غِنى بِكَ عَن عَفوِهِ ورَحمَتِهِ . فَلا تنَدَمَنَّ عَلى عَفوٍ ، ولا تَبجَحَنَّ (2) بِعُقوبَةٍ ، ولا تَسرَعَنَّ إلى بادِرَةٍ (3) وَجَدتَ عَنها مَندوحَةً (4) ، ولا تَقولَنَّ : إنّي مُؤَمَّرٌ ؛ آمُرُ فَاُطاعُ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ إدغالٌ (5) فِي القَلبِ ، ومَنهَكَةٌ (6) لِلدّينِ ، وتَقَرُّبٌ مِنَ الفِتَنِ ، فَتَعَوَّذ بِاللّهِ مِن دَركِ الشِّقاءِ . وإذا أعجَبَكَ ما أنتَ فيهِ مِن سُلطانِكَ فَحَدَثَت لَكَ بِهِ اُبَّهَةً أو مَخيلَةً فَانظُر إلى عِظَمِ مُلكِ اللّهِ فَوقَكَ ، وقُدرَتِهِ مِنكَ عَلى ما لا تَقدِرُ عَلَيهِ مِن نَفسِكَ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُطامِنُ (7) إلَيك
.
ص: 100
مِن طِماحِكَ (1) ، ويَكُفُّ عَنكَ مِن غَربِكَ (2) ، ويَفيءُ إلَيكَ ما عَزَبَ (3) مِن عَقلِكَ . وإيّاكَ ومُساماتَهُ في عَظَمَتِهِ ، أو التَّشَبُّهَ بِهِ في جَبَروتِهِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبّارٍ ، ويُهينُ كُلَّ مُختالٍ فَخورٍ . أنصِفِ اللّهَ ، وأنصِفِ النّاسَ مِن نَفسِكَ ومِن خاصَّتِكَ ومِن أهلِكَ ومَن لَكَ فيهِ هَوىً مِن رَعِيَّتِكَ ؛ فَإِنَّكَ إلّا تَفعَل تَظلِم ، ومَن ظَلَمَ عِبادَ اللّهِ كانَ اللّهُ خَصمَهُ دونَ عِبادِهِ ، ومَن خاصَمَهُ اللّهُ أدحَضَ حُجَّتَهُ ، وكانَ للّهِِ حَرباً حَتّى يَنزِعَ ويَتوبَ . ولَيسَ شَيءٌ أدعى إلى تَغييرِ نِعمَةٍ مِن إقامَةٍ عَلى ظُلمٍ ؛ فَإِنَّ اللّهَ يَسمَعُ دَعوَةَ المَظلومينَ ، وهُوَ لِلظّالِمينَ بِمِرصادٍ ، ومَن يَكُن كَذلِكَ فَهُوَ رَهينُ هَلاكٍ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . ولَيَكُن أحَبَّ الاُمورِ إلَيكَ أوسَطُها فِي الحَقِّ ، وأعَمُّها فِي العَدلِ ، وأجمَعُها لِلرَّعِيَّةِ ؛ فَإِنَّ سُخطَ العامَّةِ يُجحِفُ بِرِضَى الخاصَّةِ ، وإنَّ سُخطَ الخاصَّةِ يُغتَفَرُ مَعَ رِضَى العامَّةِ . ولَيسَ أحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أثقَلَ عَلَى الوالي مَؤونَةً فِي الرَّخاءِ ، وأقَلَّ لَهُ مَعونَةً فِي البَلاءِ ، وأكرَهَ لِلإِنصافِ ، وأسأَلَ بِالإِلحافِ (4) ، وأقَلَّ شُكراً عِندَ الإِعطاءِ ، وأبطَأَ عُذراً عِندَ المَنعِ ، وأضعَفَ صَبراً عِندَ مُلِمّاتِ الاُمورِ ، مِنَ الخاصَّةِ ، وإنَّما عَمودُ الدّينِ وجِماعُ المُسلِمينَ وَالعُدَّةُ لِلأَعداءِ أهلُ العامَّةِ مِنَ الاُمَّةِ ، فَليَكُن لَهُم صِغوُكَ ، وَاعمِد لِأَعَمِّ الاُمورِ مَنفَعَةً وخَيرِها عاقِبَةً ، ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ . وَليَكُن أبعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنكَ وأشنَأَهُم عِندَكَ أطلَبُهُم لِعُيوبِ النّاسِ ؛ فَإِنَّ فِي النّاس
.
ص: 101
عُيوباً الوالي أحَقُّ مَن سَتَرَها ، فَلا تَكشِفَنَّ ما غابَ عَنكَ ، وَاستُرِ العَورَةَ مَا استَطَعتَ ؛ يَستُرِ اللّهُ مِنكَ ما تُحِبُّ سَترَهُ مِن رَعِيّتِكَ . وأطلِق عَنِ النّاسِ عُقَدَ كُلِّ حِقدٍ ، وَاقطَع عَنكَ سَبَبَ كُلِّ وِترٍ ، «وَاقبَلِ العُذرَ . وَادرَإِ الحُدودَ بِالشُّبَهاتِ» . وتَغابَ عَن كُلِّ ما لا يَضِحُ (1) لك ، ولا تَعجَلَنَّ إلى تَصديقِ ساعٍ ؛ فَإِنَّ السّاعِيَ غاشٌّ وإن تَشَبَّهَ بِالنّاصِحينَ . لا تُدخِلَنَّ في مَشوِرَتِكَ بَخيلاً يَخذُلُكَ عَنِ الفَضلِ ، ويَعِدُكَ الفَقرَ ، ولا جَباناً يُضعِفُ عَلَيكَ الاُمورَ ، ولا حَريصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالجَورِ ؛ فَإِنَّ البُخلَ وَالجَورَ (2) وَالحِرصَ غَرائِزُ شَتّى يَجمَعُها سوءُ الظَّنِّ بِاللّهِ ، كُمونُها فِي الأَشرارِ . أيقِن أنَّ شَرَّ وُزَرائِكَ مَن كانَ لِلأَشرارِ وَزيراً ، ومَن شَرِكَهُم فِي الآثامِ وقامَ بِاُمورِهِم في عِبادِ اللّهِ ؛ فَلا يَكونَنَّ لَكَ بِطانَةً (3) ، «تُشرِكُهُم في أمانَتِكَ كَما شَرِكوا في سُلطانٍ غَيرِكَ فَأَردَوهُم وأورَدوهُم مَصارِعَ السّوءِ . ولا يُعجِبَنَّكَ شاهِدُ ما يَحضُرونَكَ بِهِ» ؛ فَإِنَّهُم أعوانُ الأَثَمَةِ ، وَإخوانُ الظَّلَمَةِ ، وعُبابُ (4) كُلِّ طَمَعٍ ودَغَلٍ (5) ، وأنتَ واجِدٌ مِنهُم خَيرَ الخَلَفِ مِمَّن لَهُ مِثلُ أدَبِهِم ونَفاذِهِم مِمَّن قَد تَصَفَّحَ الاُمورَ ، فَعَرَفَ مَساوِيَها بِما جَرى عَلَيهِ مِنها ، فَاُولئِكَ أخَفُّ عَلَيكَ مَؤونَةً ، وأحسَنُ لَكَ مَعونَةً ، وأحنى عَلَيكَ عَطفاً ، وأقَلُّ لِغَيرِكَ إلفاً ، لَم يُعاوِن ظالِماً عَلى ظُلمِهِ ، ولا آثِماً عَلى إثمِهِ ، «ولَم يَكُن مَعَ غَيرِكَ لَهُ سيرَةٌ أجحَفَت بِالمُسلِمين
.
ص: 102
وَالمُعاهِدينَ» ؛ فَاتَّخِذ اُولئِكَ خاصَّةً لِخَلَوتِكَ ومَلَاءِكَ . ثُمَّ ليَكُن آثَرُهُم عِندَكَ أقوَلَهُم بِمُرِّ الحَقِّ ، «وأحوَطَهُم عَلَى الضُّعَفاءِ بِالإِنصافِ ، وأقَلَّهُم لَكَ مُناظَرَةً فيما يَكونُ مِنكَ مِمّا كَرِهَ اللّهُ لِأَولِيائِهِ واقِعاً ذلِكَ مِن هَواكَ حَيثُ وَقَعَ ؛ فَإِنَّهُم يَقِفونَكَ عَلَى الحَقِّ ، ويُبَصِّرونَكَ ما يَعودُ عَلَيكَ نَفعُهُ» . وَالصَق بِأهلِ الوَرَعِ وَالصِّدقِ وذَوِي العُقولِ وَالأَحسابِ ، ثُمَّ رُضهُم عَلى ألّا يُطروكَ ، ولا يُبَجِّحوكَ بِباطلٍ لَم تَفعَلهُ ؛ فَإِن كَثرَةَ الإِطراءِ تُحدِثُ الزَّهوَ ، وتُدني مِنَ الغِرَّةِ ، «واَلإِقرارُ بِذلِكَ يوجِبُ المَقتَ مِنَ اللّهِ» . لا يَكونَنَّ المحُسِنُ وَالمُسيءُ عِندَكَ بِمَنزِلَةٍ سَواءٍ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ تَزهيدٌ لِأَهلِ الإِحسانِ ، فِي الإِحسانِ ، وتَدريبٌ لِأَهلِ الإِساءَةِ عَلَى الإِساءَةِ ، فَأَلزِم كُلّاً مِنهُم ما ألزَمَ نَفسَهُ ؛ أدَباً مِنكَ يَنفَعُكَ اللّهُ بِهِ ، وتَنفَعُ بِهِ أعوانَكَ . ثُمَّ اعلَم أنَّهُ لَيسَ شَيءٌ بِأَدعى لِحُسنِ ظَنِّ والٍ بِرَعِيَّتِهِ مِن إحسانِهِ إلَيهِم ، وتَخفيفِهِ المَؤوناتِ عِلَيهِم ، وقِلَّةِ استِكراهِهِ إيّاهُم عَلى ما لَيسَ لَهُ قِبَلَهُم ، فَليَكُن في ذلِكَ أمرٌ يَجتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسنُ ظَنِّكَ بِرَعِيَّتِكَ ؛ فَإِنَّ حُسنَ الظَّنِّ يَقطَعُ عَنكَ نَصَباً طَويلاً ، وإنَّ أحَقَّ مَن حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَن حَسُنَ بِلاؤُكَ عِندَهُ ، وأحَقَّ مَن ساءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَن ساءَ بِلاؤُكَ عِندَهُ ، «فَاعرِف هذِهِ المَنزِلَةَ لَكَ وعَلَيكَ لِتَزِدَكَ بَصيرَةً في حُسنِ الصُّنعِ ، وَاستِكثارِ حُسنِ البَلاءِ عِندَ العامَّةِ ، مَعَ ما يوجِبُ اللّهُ بِها لَكَ فِي المَعادِ» . ولا تَنقُض سُنَّةً صالِحَةً عَمِلَ بِها صُدورُ هذِهِ الاُمَّةِ ، وَاجتَمَعَت بِهَا الاُلفَةُ ، وصَلَحَت عَلَيهَا الرَّعِيَّةُ . ولا تُحدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيءٍ مِمّا مَضى مِن تِلكَ السُّنَنِ ؛ فَيَكونَ الأَجرُ لِمَن سَنَّها ، وَالوِزرُ عَلَيكَ بِما نَقَضتَ مِنها . وأكثِر مُدارَسَةَ العُلَماءِ ، ومُثافَنَةَ (1) الحُكَماءِ ، في تَثبيتِ ما صَلَحَ عَلَيهِ أهلُ بِلادِكَ ،
.
ص: 103
وإقامَةِ مَا استَقامَ بِهِ النّاسُ مِن قَبلِكَ ؛ «فَإِنَّ ذلِكَ يُحِقُّ الحَقَّ ، ويَدفَعُ الباطِلَ ، ويُكتَفى بِهِ دَليلاً ومِثالاً لِأَنَّ السُّنَنَ الصّالِحَةَ هِيَ السَّبيلُ إلى طاعَةِ اللّهِ» . ثُمَّ اعلَم أنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقاتٌ ، لا يَصلُحُ بَعضُها إلّا بِبَعضٍ ، ولا غِنى بِبَعضِها عَن بَعضٍ ؛ فَمِنها جُنودُ اللّهِ ، ومِنها كُتّابُ العامَّةِ وَالخاصَّةِ ، ومِنها قُضاةُ العَدلِ ، ومِنها عُمّالُ الإِنصافِ وَالرِّفقِ ، ومِنها أهلُ الجِزيَةِ وَالخَراجِ مِن أهلِ الذِّمَّةِ ومُسلِمَةِ النّاسِ ، ومِنهَا التُّجّارُ وأهلُ الصِّناعاتِ ، ومِنهَا الطَّبَقَةُ (1) السُّفلى مِن ذَوِي الحاجَةِ وَالمَسكَنَةِ ، وكُلٌّ قَد سَمَّى اللّهُ سَهمَهُ ، ووَضَعَ عَلى حَدِّ فَريضَتِهِ في كِتابِهِ أو سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وعَهداً عِندَنا مَحفوظاً . فَالجُنودُ _ بِإِذنِ اللّهِ _ حُصونُ الرَّعِيَّةِ ، وزَينُ الوُلاةِ ، وعِزُّ الدّينِ ، وسَبيلُ الأَمنِ وَالخَفضِ ، ولَيسَ تَقومُ الرَّعِيَّةُ إلّا بِهِم . ثُمَّ لا قِوامَ لِلجُنودِ إلّا بِما يُخرِجُ اللّهُ لَهُم مِنَ الخَراجِ الَّذي يَصِلونَ بِهِ إلى جِهادِ عَدُوِّهِم ، ويَعتَمِدونَ عَلَيهِ ، ويَكونُ مِن وَراءِ حاجاتِهِم . ثُمَّ لا بَقاءَ لِهذَينِ الصِّنفَينِ إلّا بِالصِّنفِ الثّالِثِ مِنَ القُضاةِ وَالعُمّالِ وَالكُتّابِ ؛ لِما يُحكِمونَ مِنَ الأُمورِ ، ويُظهِرونَ مِنَ الإِنصافِ ، ويَجمَعونَ مِنَ المَنافِعِ ، ويُؤمَنونَ عَلَيهِ مِن خَواصِّ الاُمورِ وعَوامِّها . ولا قِوامَ لَهُم جَميعاً إلّا بِالتُّجّارِ وذَوِي الصِّناعاتِ فيما يَجمَعونَ مِن مَرافِقِهِم ، ويُقيمونَ مِن أسواقِهِم ، ويَكفونَهُم مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيديهِم مِمّا لا يَبلُغُهُ رِفقُ غَيرِهِم . ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفلى مِن أهلِ الحاجَةِ وَالمَسكَنَةِ الَّذينَ يَحِقُّ رِفدُهُم (2) ، وفي فَيءِ اللّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ ، ولِكُلٍّ عَلَى الوالي حَقٌّ بِقَدرٍ يُصلِحُهُ ، ولَيسَ يَخرُجُ الوالي مِن حَقيقَةِ ما
.
ص: 104
ألزَمَهُ اللّهُ مِن ذلِكَ إلّا بالإهتِمامِ والاِستِعانَةِ بِاللّهِ وتَوطينِ نَفسِهِ عَلى لُزومِ الحَقِّ وَالصَّبرِ فيما خَفَّ عَلَيهِ وثَقُلَ . فَوَلِّ مِن جُنودِكَ أنصَحَهُم في نَفسِكَ للّهِِ ولِرَسولِهِ ولِاءِمامِكَ ، وأنقاهُم جَيباً ، وأفضَلَهُم حِلماً ، وأجمَعَهُم عِلماً وسِياسَةً ، مِمَّن يُبطِئُ عَنِ الغَضَبِ ، ويَسرَعُ إلَى العُذرِ ، ويَرأَفُ بِالضُّعَفاءِ ، ويَنبو (1) عَلَى الأَقوِياءِ ، مِمَّن لا يُثيرُهُ العَنفُ ، ولا يَقعُدُ بِهِ الضَّعفُ . ثُمَّ الصَق بِذَوِي الأَحسابِ وأهلِ البُيوتاتِ الصّالِحَةِ والسَّوابِقِ الحَسَنَةِ ، ثُمَّ أهلِ النَّجدَةِ وَالشَّجاعَةِ وَالسَّخاءِ وَالسَّماحَةِ ؛ فَإِنَّهُم جِماعٌ مِنَ الكَرَمِ ، وشُعَبٌ مِنَ العُرفِ ، يَهدونَ إلى حُسنِ الظَّنِّ بِاللّهِ ، وَالإِيمانِ بِقَدَرِهِ . ثُمَّ تَفَقَّد اُمورَهُم بِما يَتَفَقَّدُ الوالدُ مِن وَلَدِهِ ، ولا يَتَفاقَمَنَّ (2) في نَفسِكَ شَيءٌ قَوَّيتَهُم بِهِ . ولا تَحقِرَنَّ لُطفاً تَعاهَدتَهُم بِهِ وإن قَلَّ ؛ فَإِنَّهُ داعِيَةٌ لَهُم إلى بَذلِ النَّصيحَةِ وحسُنِ الظَّنِّ بِكَ . فَلا تَدَع تَفَقُّدَ لَطيفِ اُمورِهِمُ اتِّكالاً عَلى جَسيمِها ؛ فَإِنَّ لِليَسيرِ مِن لُطفِكَ مَوضِعاً يَنتَفِعونَ بِهِ ، ولِلجَسيمِ مَوقِعاً لا يَستَغنونَ عَنهُ . وَليَكُن آثَرُ رُؤوسِ جُنودِكَ مَن واساهُم في مَعونَتِهِ ، وأفضَلَ عَلَيهِم في بَذلِهِ مِمَّن يَسَعُهُم ويَسَعُ مَن وَراءَهُم مِنَ الخُلوفِ (3) مِن أهلِهِم ، حَتّى يَكونَ هَمُّهُم هَمّاً واحِداً في جِهادِ العَدُوِّ . «ثُمَّ واتِر إعلامَهم ذاتَ نَفسِكَ في إيثارِهِم وَالتَّكرِمَةِ لَهُم ، وَالإِرصادِ بِالتَّوسِعَةِ . وحَقِّق ذلِكَ بِحُسنِ الفِعالِ وَالأَثَرِ وَالعَطفِ» ؛ فَإِنَّ عَطفَكَ عَلَيهِم يَعطِفُ قُلوبَهُم عَلَيكَ . وإنَّ أفضَلَ قُرَّةِ العُيونِ لِلوُلاةِ استِفاضَةُ العَدلِ فِي البِلادِ ، وظُهورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ ؛ لِأَنَّه
.
ص: 105
لا تَظهَرُ مَوَدَّتَهُم إلّا بِسَلامَةِ صُدورِهِم ، ولا تَصِحُّ نَصيحَتُهُم إلّا بِحَوطَتِهِم عَلى وُلاةِ اُمورِهِم ، وقِلَّةِ استِثقالِ دَولَتِهِم ، وتَركِ استِبطاءِ انقِطاعِ مُدَّتِهِم . «ثُمَّ لا تَكِلَنَّ جُنودَكَ إلى مَغنَمٍ وَزَّعتَهُ بَينَهُم ، بَل أحدِث لَهُم مَعَ كُلِّ مَغنَمٍ بَدَلاً مِمّا سِواهُ مِمّا أفاءَ اللّهُ عَلَيهِم ، تَستَنصِر بِهِم بِهِ ، ويَكونَ داعِيَةً لَهُم إلَى العَودَةِ لِنَصرِ اللّهِ ولِدينِهِ . وَاخصُص أهلَ النَّجدَةِ في أمَلَهِم إلى مُنتَهى غايَةِ آمالِكَ مِنَ النَّصيحَةِ بِالبَذلِ» ، وحُسنِ الثَّناءِ عَلَيهِم ، ولَطيفِ التَّعَهُّدِ لَهُم رَجُلاً رَجُلاً وما أبلى في كُلِّ مَشهَدٍ ؛ فَإِنَّ كَثرَةَ الذِّكرِ مِنكَ لِحُسنِ فِعالِهِم تَهُزُّ الشُّجاعَ ، وتُحَرِّضُ النّاكِلَ إن شاءَ اللّهُ . «ثُمَّ لا تَدَع أن يَكونَ لَكَ عَلَيهِم عُيونٌ (1) مِن أهلِ الأَمانَةِ وَالقَولِ بِالحَقِّ عِندَ النّاسِ ، فَيَثبِتونَ بَلاءَ كُلِّ ذي بَلاءٍ مِنهُم لِيَثِقَ اُولئِكَ بِعِلمِكَ بِبَلائِهِم» . ثُمَّ اعرِف لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم ما أبلى ، ولا تَضُمَّنَّ بَلاءَ امرِئٍ إلى غَيرِهِ ، ولا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دونَ غايَةِ بَلائِهِ ، «وكافِ كُلاًّ مِنهُم بِما كانَ مِنهُ ، وَاخصُصهُ مِنكَ بِهَزِّهِ» . ولا يَدعُوَنَّكَ شَرَفُ امرِئٍ إلى أن تُعَظِّمَ مِن بَلائِهِ ما كانَ صَغيراً ، ولا ضِعَةُ امرِئٍ عَلى أن تُصَغِّرَ مِن بَلائِهِ ما كانَ عَظيماً . «ولا يُفسِدَنَّ امرَأً عِندَكَ عِلَّةٌ إن عَرَضَت لَهُ ، ولا نُبُوَّةُ حَديثٍ لَهُ قَد كانَ لَهُ فيها حُسنُ بِلاءٍ ، فَإِنَّ العِزَّةَ للّهِِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ . وإنِ استُشهِدَ أحدٌ مِن جُنودِكَ وأهلِ النِّكايَةِ في عَدُوِّكَ فَاخلُفهُ (2) في عِيالِهِ بِما يَخلُفُ بِهِ الوَصِيُّ الشَّفيقُ المُوَثَّقُ بِهِ ؛ حَتّى لا يُرى عَلَيهِم أثَرُ فَقدِهِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُعطِفُ عَلَيكَ قُلوبَ شيعَتِكَ ، ويَستَشعِرونَ بِهِ طاعَتَكَ ، ويَسلَسونَ (3) لِرُكوبِ مَعاريضِ التَّلَفِ الشَّديدِ في وِلايَتِكَ .
.
ص: 106
وقَد كانَت مِنَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سُنَنٌ فِي المُشرِكينَ ومِنّا بَعدَهُ سُنَنٌ ، قَد جَرَت بِها سُنَنٌ وأمثالٌ فِي الظّالِمينَ ، ومَن تَوَجَّهَ قِبلَتَنا ، وتَسمّى بِدينِنا» ؛ وقَد قالَ اللّهُ لِقَومٍ أحَبَّ إرشادَهُم : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَ_زَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ «إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ ذَ لِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» (1) ، وقالَ : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَن_بِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَ_نَ إِلَا قَلِيلاً» (2) » فَالرَّدُ إلَى اللّهِ الأَخذُ بِمُحكَمِ كِتابِهِ ، وَالرَّدُّ إلَى الرَّسولِ الأَخذُ بِسُنَّتِهِ الجامِعَةِ غَيرِ المُتَفَرِّقَةِ ، «ونَحنُ أهلُ رَسولِ اللّهِ الَّذينَ نَستَنبِطُ المُحكَمَ مِن كِتابِهِ ، ونَميزُ المُتَشابِهِ مِنهُ ، ونَعرِفُ النّاسِخَ مِمّا نَسَخَ اللّهُ ووَضَعَ إصرَهُ . فَسِر في عَدُوِّكَ بِمِثلِ ما شاهَدتَ مِنّا في مِثلِهِم مِنَ الأَعداءِ ، وواتِر إلَينَا الكُتُبَ بِالأَخبارِ بِكُلِّ حَدَثٍ يَأتِكَ مِنّا أمرٌ عامٌّ ، وَاللّهُ المُستَعانُ . ثُمَّ انظُر في أمرِ الأِحكامِ بَينَ النّاسَ بَنِيَّةٍ صالِحَةٍ ؛ فَإِنَّ الحُكمَ في إنصافِ المَظلومِ مِنَ الظّالِمِ وَالأَخذِ لِلضَّعيفِ مِنَ القَوِيِّ وإقامَةِ حُدودِ اللّهِ عَلى سُنَّتِها ومِنهاجِها مِمّا يُصلِحُ عِبادَ اللّهِ وبِلادَهُ» . فَاختَر لِلحُكمِ بَينَ النّاسِ أفضَلَ رَعِيَّتِكَ في نَفسِكَ ، «وأنفُسِهِم لِلعِلمِ وَالحِلمِ وَالوَرَعِ وَالسَّخاءِ» ، مِمَّن لا تَضيقُ بِهِ الاُمورُ ، ولا تُمحِكُهُ (3) الخُصومُ ، ولا يَتَمادى في إثباتِ الزَّلَّةِ ، ولا يَحصَرُ مِنَ الفَيءِ إلَى الحَقِّ إذا عَرَفَهُ ، ولا تُشرِفُ نَفسُهُ على طَمَعٍ ، ولا يَكتَفي بِأَدنى فَهمٍ دونَ أقصاهُ ، وأوقَفَهُم فِي الشُّبَهاتِ ، وآخَذَهُم بِالحُجَجِ ، وأقَلَّهُم تَبَرُّماً بِمُراجِعَةِ الخُصومِ ، وأصبَرَهُم عَلى تَكَشُّفِ الاُمورِ ، وأصرَمَهُم عِندَ اتِّضاحِ الحُكمِ ، مِمَّن لا يَزدَهيهِ إطراءٌ ، ولا يَستَميلُهُ إغراقٌ ، ولا
.
ص: 107
يَصغى (1) لِلتَّبليغِ ؛ فَوَلِّ قَضاءَكَ مَن كانَ كَذلِكَ ، وهُم قَليلٌ . ثُمَّ أكثِر تَعَهُّدَ قَضائِهِ ، وَافتَح لَهُ فِي البَذلِ ما يُزيحُ عِلَّتَهُ ، ويَستَعينُ بِهِ ، وتَقِلُّ مَعَهُ حاجَتُهُ إلَى النّاسِ ، وأعطِهِ مِنَ المَنزِلَةِ لَدَيكَ ما لا يَطمَعُ فيهِ غَيرُهُ مِن خاصَّتِكَ ؛ لِيَأمَنَ بِذلِكَ اغتِيالَ الرِّجالِ إيّاهُ عِندَكَ . «وأحسِن تَوقيرَهُ في صُحبَتِكَ ، وقُربَهُ في مَجلِسِكَ ، وأمضِ قَضاءَهُ ، وأنفِذ حُكمَهُ ، وَاشدُد عَضُدَهُ ، وَاجعَل أعوانَهُ خِيارَ مَن تَرضى مِن نُظَرائِهِ مِنَ الفُقَهاءِ وأهلِ الوَرَعِ وَالنَّصيحَةِ للّهِِ ولِعِبادِ اللّهِ ؛ لِيُناظِرَهُم فيما شُبِّهَ عَلَيهِ ، ويَلطِفَ عَلَيهِم لِعِلمِ ما غابَ عَنهُ ، ويَكونونَ شُهَداءَ عَلى قَضائِهِ بَينَ النّاسِ إن شاءَ اللّهُ . ثُمَّ حَمَلَةُ الأَخبارِ لِأَطرافِكَ قُضاةٌ تَجتَهِدُ فيهِم نَفسُهُ ، لا يَختلِفونَ ولا يَتَدابَرونَ في حُكمِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّ الاِختِلافِ فِي الحُكمِ إضاعَةٌ لِلعَدلِ ، وغِرَّةٌ فِي الدّينِ ، وسَبَبٌ مِنَ الفُرقَةِ . وقَد بَيَّنَ اللّهُما يَأتونَ وما يُنفِقونَ ، وأمَرَ بِرَدِّ ما لا يَعلمونَ إلى مَنِ استَودَعَهُ اللّهُ عِلمَ كِتابِهِ ، وَاستَحفَظَهُ الحُكمَ فيهِ ، فَإِنَّما اختِلافُ القُضاةِ في دُخولِ البَغيِ بَينَهُم ، وَاكِتفاءُ كُلِّ امرِئٍ مِنهُم بِرَأيِهِ دونَ مَن فَرَضَ اللّهُ وِلايَتَهُ لَيسَ يُصلِحُ الدّينَ ولا أهلَ الدّينِ عَلى ذلِكَ . ولكِن عَلَى الحاكِمِ أن يَحكُمَ بِما عِندَهُ مِنَ الأَثَرِ وَالسُّنَّةِ ، فَإِذا أعياهُ ذلِكَ رَدَّ الحُكمَ إلى أهلِهِ ، فَإِن غابَ أهلُهُ عَنهُ ناظَرَ غَيرَهُ مِن فُقَهاءِ المُسلِمينَ ؛ لَيسَ لَهُ تَركُ ذلِكَ إلى غَيرِهِ ، ولَيسَ لِقاضِيَينِ مِن أهلِ المِلَّةِ أن يُقيما عَلَى اختِلافٍ فِي الحُكمِ دونَما رُفِعَ ذلِكَ إلى وَلِيٍّ الأَمرِ فيكُم ، فَيَكونَ هُوَ الحاكِمَ بِما عَلَّمَهُ اللّهُ ، ثُمَّ يَجتَمِعانِ عَلى حُكمِهِ فيما وافَقَهُما أو خالَفَهُما» . فَانظُر في ذلِكَ نَظَراً بَليغاً ، فَإِنَّ هذَا الدّينَ قَد كانَ أسيراً بِأيدِي الأَشرارِ ، يُعمَلُ فيهِ بِالهَوى ، وتُطلَبُ بِهِ الدُّنيا .
.
ص: 108
«وَاكُتب إلى قُضاةِ بُلدانِكَ فَليَرفَعوا إلَيكَ كُلَّ حُكمٍ اختَلَفوا فيهِ عَلى حُقوقِهِ ، ثُمَّ تَصَفَّح تِلكَ الأَحكامَ ؛ فَما وافَقَ كِتابَ اللّهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ وَالأَثَرَ مِن إمامِكَ فَأَمضِهِ وَاحمِلهُم عَلَيهِ ، ومَا اشتَبَهَ عَلَيكَ فَاجمَع لَهُ الفُقَهاءَ بِحَضرَتِكَ فَناظِرهُم فيهِ ، ثُمَّ أمضِ ما يَجتَمِعُ عَلَيهِ أقاويلُ الفُقَهاءِ بِحَضرَتِكَ مِنَ المُسلِمينَ ، فَإِنَّ كُلَّ أمرٍ اختَلَفَ فيهِ الرَّعِيَّةُ مَردودٌ إلى حُكمِ الإِمامِ ، وعَلَى الإِمامِ الاِستِعانَةُ بِاللّهِ ، والاِجتِهادِ في إقامَةِ الحُدودِ ، وجَبرِ الرَّعِيَّةِ عَلى أمرِهِ ، ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ» . ثُمَّ انظُر إلى اُمورِ عُمّالِكَ ، وَاستَعمِلُهُم اختِباراً ، ولا تَُولِّهِم اُمورَكَ مُحاباةً (1) وأثَرَةً (2) ؛ فَإِنَّ المُحاباةَ وَالأَثَرَةَ جِماعُ الجَورِ وَالخِيانَةِ ، «وإدخالُ الضَّرورَةِ عَلَى النّاسِ ، ولَيسَت تَصلُحُ الاُمورُ بِالإِدغالِ ، فَاصطَفِ لِوِلايَةِ أعمالِكَ أهلَ الوَرَعِ وَالعِلمِ وَالسِّياسَةِ» ، وتَوَخَّ مِنهُم أهلَ التَّجرِبَةِ وَالحَياءِ مِن أهلِ البُيوتاتِ الصّالِحَةِ وَالقَدَمِ فِي الإِسلامِ ؛ فَإِنَّهُم أكرَمُ أخلاقاً ، وأصَحُّ أعراضاً وأقَلُّ فِي المَطامِعِ إشرافاً ، وأبلَغُ في عَواقِبِ الاُمورِ نَظَراً مِن غَيرِهِم ، «فَليَكونوا أعوانَكَ عَلى ما تَقَلَّدتَ» . ثُمَّ أسبِغ عَلَيهِم «فِي العِمالاتِ ، ووَسِّع عَلَيهِم فِي» الأَرزاقِ ؛ فَإِنَّ في ذلِكَ قُوَّةً لَهُم عَلَى استِصلاحِ أنفُسِهِم ، وغِنىً عَن تَناوُلِ ما تَحتَ أيديهِم ، وحُجَّةً عَلَيهِم إن خالَفوا أمرَكَ ، أو ثَلَموا أمانَتَكَ . ثُمَّ تَفَقَّد أعمالَهُم ، وَابعَثِ العُيونَ عَليَهِم مِن أهلِ الصِّدقِ وَالوَفاءِ ؛ فَإِنَّ تَعَهُّدَكَ فِي السِّرِّ اُمورَهُم حَدوَةٌ لَهُم عَلَى استِعمالِ الأَمانَةِ وَالرِّفقِ بِالرَّعِيَّةِ . وتَحَفَّظ مِنَ الأَعوانِ ؛ فَإِن أحَدٌ مِنهُم بَسَطَ يَدَهُ إلى خِيانَةٍ اجتَمَعَت بِها أخبار
.
ص: 109
عُيونِكَ اكتَفَيتَ بِذلِكَ شاهِداً ، فَبَسَطتَ عَلَيهِ العُقوبَةَ في بَدَنِهِ ، وأخَذتَهُ بِما أصابَ مِن عَمَلِهِ ، ثُمَّ نَصَبتَهُ بِمَقامِ المَذَلَّةِ فَوَسَمتَهُ بِالخِيانَةِ ، وقَلَّدتَهُ عارَ التُّهَمَةِ . وتَفَقَّد ما يُصلِحُ أهلَ الخَراجِ ؛ فَإِنَّ في صَلاحِهِ وصَلاحِهِم صَلاحاً لِمَن سِواهُم ، ولا صَلاحَ لِمَن سِواهُم إلّا بِهِم ؛ لِأَنَّ النّاسَ كُلَّهُم عِيالٌ عَلَى الخَراجِ وأهلِهِ . فَليَكُن نَظَرُكَ في عِمارَةِ الأَرضِ أبلَغَ مِن نَظَرِكَ فِي استِجلابِ الخَراجِ ؛ فَإِنَّ الجَلبَ لا يُدرَكُ إلّا بِالعِمارَةِ ، ومَن طَلَبَ الخَراجَ بِغَيرِ عِمارَةٍ أخرَبَ البِلادَ ، وأهلَكَ العِبادَ ، ولَم يَستَقِم لَهُ أمرُهُ إلّا قَليلاً . «فَاجمَع إلَيكَ أهلَ الخَراجِ مِن كُلِّ بُلدانِكَ ، ومُرهُم فَليُعلِموكَ حالَ بِلادِهِم وما فيهِ صَلاحُهُم ورَخاءَ جِبايَتِهِم ، ثُمَّ سَل عَمّا يَرفَعُ إلَيكَ أهلُ العِلمِ بِهِ مِن غَيرِهِم» ؛ فَإِن كانوا شَكَوا ثِقَلاً أو عِلَّةً مِنِ انقِطاعِ شِربٍ أو إحالَةِ أرضٍ اغتَمَرَها غَرَقٌ أو أجحَفَ بِهِمُ العَطَشُ أو آفَةً خَفَّفتَ عَنهُم ما تَرجو أن يُصلِحَ اللّهُ بِهِ أمرَهُم ، «وإن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بأموالِهِم فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ ؛ فَإِنَّ في عاقِبَةِ كِفايَتِكَ إيّاهُم صَلاحاً ، فَلا يَثقُلَنَّ عَلَيكَ شَيءٌ خَفَّفتَ بِهِ عَنهُمُ المَؤوناتِ» ؛ فَإِنَّهُ ذُخرٌ يَعودونَ بِهِ عَلَيكَ لِعِمارَةِ بِلادِكَ ، وتَزيينِ وِلايَتِكَ ، «مَعَ اقتِنائِكَ مَوَدَّتَهُم وحُسنَ نِيّاتِهِم ، وَاستِفاضَةِ الخَيرِ ، وما يُسَهِّلُ اللّهُ بِهِ مِن جَلبِهِم ، فَإِنَّ الخَراجَ لا يُستَخرَجُ بِالكَدِّ والإتعابِ ، مَعَ أنَّها عُقَدٌ (1) تَعتَمِدُ عَلَيها إن حَدَثَ حَدَثٌ كُنتَ عَلَيهِم مُعتَمِداً» ؛ لِفَضلِ قُوَّتِهِم بِما ذَخَرتَ عَنهُم مِنَ الجَمامِ (2) ، وَالثِّقَةِ مِنهُم بِما عَوَّدتَهُم مِن عَدلِكَ ورِفقِكَ ، ومَعرِفَتِهِم بِعُذرِكَ فيما حَدَثَ مِنَ الأَمرِ الَّذِي اتَّكَلتَ بِهِ عَلَيهِم ، فَاحتَمَلوهُ بِطيبِ أنفُسِهِم ، فَإِنَّ العُمرانَ مُحتَمِلٌ ما حَمَّلتَهُ ، وإنَّما يُؤتى خَرابُ الأَرضِ لِاءِعوازِ أهلِها ،
.
ص: 110
وإنَّما يُعوِزُ أهلُها لِاءِسرافِ الوُلاةِ وسوءِ ظَنِّهِم بِالبَقاءِ وقِلَّةِ انتِفاعِهِم بِالعِبَرِ . «فَاعمَل فيما وُلّيتَ عَمَلَ مَن يُحِبُّ أن يَدَّخِرَ حُسنَ الثَّناءِ مِنَ الرَّعِيَّةِ ، وَالمَثوبَةِ مِنَ اللّهِ ، وَالرِّضا مِنَ الإِمامِ . ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ» . ثُمَّ انظُر في حالِ كُتّابِكَ «فَاعرِف حالَ كُلِّ امرِئٍ مِنهُم فيما يَحتاجُ إلَيهِ مِنهُم ، فَاجعَل لَهُم مَنازِلَ ورُتَباً» ، فَوَلِّ عَلى اُمورِكَ خَيرَهُم ، وَاخصُص رَسائِلَكَ الَّتي تُدخِلُ فيها مَكيدَتَكَ وأسرارَكَ بِأَجمَعِهِم لِوُجوهِ صالِحِ الأَدَبِ ، «مِمَّن يَصلُحُ لِلمُناظَرَةِ في جَلائِلِ الاُمورِ ، مِن ذَويِ الرَّأيِ وَالنَّصيحَةِ وَالذِّهنِ ، أطواهُم عَنكَ لِمَكنونِ الأَسرارِ كَشحاً» ، مِمَّن لا تُبطِرُهُ الكَرامَةُ ، «ولا تَمحَقُ بِهِ الدّالَّةُ (1) » فَيَجتَرِئَ بِها عَلَيكَ في خَلاءٍ ، أو يَلتَمِسَ إظهارَها في مَلاءٍ ، ولا تقصُرُ بِهِ الغَفلَةُ عَن إيرادِ كُتُبِ الأَطرافِ عَلَيكَ ، وإصدارِ جَواباتِكَ عَلَى الصَّواب عَنكَ ، وفيما يَأخُذُ ويُعطي مِنكَ ، ولا يُضعِفُ عَقداً اعتَقَدَهُ لَكَ ، ولا يَعجِزُ عَن إطلاقِ ما عُقِدَ عَلَيكَ ، ولا يَجهَلُ مَبلَغَ قَدرِ نَفسِهِ فِي الاُمورِ ؛ فَإِنَّ الجاهِلَ بِقَدرِ نَفسِهِ يَكونُ بِقَدرِ غَيرِهِ أجهَلَ . «ووَلِّ ما دونَ ذلِكَ مِن رَسائِلِكَ وجَماعاتِ كُتُبِ خَرجِكَ ودَواوينِ جُنودِكَ قَوماً تَجتَهِدُ نَفسَكَ فِي اختِيارِهِم ؛ فَإِنَّها رُؤوسُ أمرِكَ ، أجمَعُها لِنَفعِكَ ، وأعَمُّها لِنَفعِ رَعِيَّتِكَ» . ثُمَّ لا يَكُنِ اختِيارُكَ إيّاهُم عَلى فِراسَتِكَ وَاستِنامَتِكَ (2) وحُسنِ الظَّنِّ بِهِم ، فَإِنَّ الرِّجالَ يَعرِفونَ فِراساتِ الوُلاةِ بِتَصَنُّعِهِم وخِدمَتِهِم ولَيسَ وَراءَ ذلِكَ مِنَ النَّصيحَةِ وَالأَمانَةِ ، ولكِنِ اختَبِرهُم بِما وُلّوا لِلصّالِحينَ قَبلَكَ ، فَاعمِد لِأَحسَنِهِم كانَ فِي العامَّة
.
ص: 111
أثَراً وأعرَفِهِم فيها بِالنَّبلِ وَالأَمانَةِ ، فَإِنَّ ذلِكَ دَليلٌ عَلى نَصيحَتِكَ للّهِِ ولِمَن وُلّيتَ أمرَهُ . «ثُمَّ مُرهُم بِحُسنِ الوِلايَةِ ، ولينِ الكَلِمَةِ» . وَاجعَل لِرَأسِ كُلِّ أمرٍ مِن اُمورِك رَأساً مِنهُم ، لا يَقهَرُهُ كَبيرُها ، ولا يَتَشَتَّتُ عَلَيهِ كَثيرُها . «ثُمَّ تَفَقَّد ما غابَ عَنكَ مِن حالاتِهِم ، واُمورِ مَن يَرِدُ عَلَيكَ رُسُلُهُ ، وذَوِي الحاجَةِ وكَيفِ وِلايَتِهِم وقَبولِهِم وَلِيَّهُم وحُجَّتَهُم ؛ فَإِنَّ التَّبَرُّمَ وَالعِزَّ وَالنَّخوَةَ مِن كَثيرٍ مِنَ الكُتّابِ إلّا مَن عَصَمَ اللّهُ ، ولَيسَ لِلنّاسِ بُدٌّ مِن طَلَبِ حاجاتِهِم» . ومَهما كانَ في كُتّابِكَ مِن عَيبٍ فَتَغابَيتَ عَنهُ اُلزِمتَهُ ، أو فَضلٍ نُسِبَ إلَيكَ ، مَعَ مالَكَ عِندَ اللّهِ في ذلِكَ مِن حُسنِ الثَّوابِ . ثُمَّ التُّجّارُوذَوِي الصِّناعاتِ فَاستَوصِ وأوصِ بِهِم خَيراً ؛ المُقيمِ مِنهُم ، وَالمُضطَرِبِ (1) بِمالِهِ ، وَالمُتَرَفِّقِ بِيَدِهِ ؛ فَإِنَّهُم مَوادٌّ لِلمَنافِعِ ، وجُلّابُها فِي البِلادِ في بَرِّكَ وبَحرِكَ وسَهلِكَ وجَبَلِكَ ، وحَيثُ لا يَلتَئِمُ النّاسُ لِمَواضِعِها ولا يَجتَرِئونَ عَلَيها «مِن بِلادِ أعدائِكَ مِن أهلِ الصِّناعاتِ الَّتي أجرَى اللّهُ الرِّفقَ مِنها عَلى أيديهِم فَاحفَظ حُرمَتَهُم ، وآمِن سُبُلَهُم ، وخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم» ؛ فَإِنَّهُم سِلمٌ لا تُخافُ بائِقَتُهُ ، وصُلحٌ لا تُحذَرُ غائِلَتُهُ ، «أحبُّ الاُمورِ إلَيهِم أجمَعُها لِلأَمنِ وأجمَعُها لِلسُّلطانِ» ، فَتَفَقَّد اُمورَهُم بِحَضرَتِكَ ، وفي حَواشي بِلادِكَ . وَاعلَم مَعَ ذلِكَ أنَّ في كَثيرٍ مِنهُم ضيقاً فاحِشاً ، وشُحّاً قَبيحاً ، وَاحتِكاراً لِلمَنافِعِ ، وتَحَكُّماً فِي البِياعاتِ ، وذلِكَ بابُ مَضَرَّةٍ لِلعامَّةِ ، وعَيبٌ عَلَى الوُلاةِ ؛ فَامنَع الاِحتِكارَ فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى عَنهُ . وَليَكُنِ البَيعُ وَالشِّراءُ بَيعاً سَمِحاً ، بِمَوازينِ عَدلٍ ، وأسعارٍ لا تُجحِفُ بِالفَريقَينِ مِنَ البائِعِ وَالمُبتاعِ ، فَمَن قارَفَ حُكرَةً بَعدَ نَهيِكَ فَنَكِّل وعاقِب في غَيرِ إسرافٍ ؛ «فَإِن
.
ص: 112
رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَعَلَ ذلِكَ» . ثُمَّ اللّهَ اللّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفلى مِنَ الَّذينَ لا حيلَةَ لَهُم ، وَالمَساكينِ ، وَالمُحتاجينَ ، وذَوِي البُؤسِ ، وَالزَّمنى (1) ؛ فَإِنَّ في هذِهِ الطَّبَقَةِ قانِعاً ومُعتَرّاً ، فَاحفَظِ اللّهَ مَا استَحفَظَكَ مِن حَقِّهِ فيها ، وَاجعَل لَهُم قِسماً مِن غَلّاتِ صَوافِي الإِسلامِ في كُلِّ بَلَدٍ ، فَإِنَّ لِلأَقصى مِنهُم مِثلَ الَّذي لِلأَدنى ، وكُلّاً قَدِ استُرعيتَ حَقَّهُ ، فَلا يَشغَلَنَّكَ عَنهُم نَظَرٌ ؛ فَإِنَّكَ لا تُعذَرُ بِتَضييعِ الصَّغيرِ لِاءِحكامِكَ الكَثيرَ المُهِمِّ ، فَلا تُشخِص هَمَّكَ عَنهُم ، ولا تُصَعِّر خَدَّكَ لَهُم ، «وتَواضَع للّهِِ يَرفَعكَ اللّهُ ، وَاخفَض جَناحَكَ لِلضُّعَفاءِ ، وَاربِهِم إلى ذلِكَ مِنكَ حاجَةً» ، وتَفَقَّدَ مِن اُمورِهُم ما لا يَصِلُ إلَيكَ مِنهُم مِمَّن تَقتَحِمُهُ العُيونُ وتَحقِرُهُ الرِّجالُ ، فَفَرِّغ لِاُولئِكَ ثِقَتَكَ مِن أهلِ الخَشيَةِ وَالتَّواضُعِ فَليَرفَع إلَيكَ اُمورَهُم ، ثُمَّ اعمَل فيهِم بِالإِعذارِ إلَى اللّهِ يَومَ تَلقاهُ ، فَإِنَّ هؤُلاءِ أحوَجُ إلَى الإِنصافِ مِن غَيرِهِم ، وكُلٌّ فَأَعذِر إلَى اللّهِ في تَأدِيَةِ حَقِّهِ إلَيهِ . وتَعَهَّد أهلَ اليُتمِ وَالزَّمانَةِ وَالرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّن لا حيلةَ لَهُ ، ولا يَنصِبُ لِلمَسأَلَةِ نَفسَهُ ؛ «فَأَجرِ لَهُم أرزاقاً ، فَإِنَّهُم عِبادُ اللّهِ ، فَتَقَرَّب إلَى اللّهِ بِتَخَلُّصِهِم ووَضعِهِم مَواضِعَهُم في أقواتِهِم وحُقوقِهِم ، فَإِنَّ الأَعمالَ تَخلُصُ بِصِدقِ النِّيّاتِ . ثُمَّ إنَّهُ لا تَسكُنُ نُفوسُ النّاسِ أو بَعضِهِم إلى أنَّكَ قَد قَضَيتَ حُقوقَهُم بِظَهرِ الغَيبِ دونَ مُشافَهَتِكَ بِالحاجاتِ» ، وذلِكَ عَلَى الوُلاةِ ثَقيلٌ ، وَالحَقُّ كُلُّهُ ثَقيلٌ ، وقَد يُخَفِّفُهُ اللّهُ عَلى أقوامٍ طَلَبُوا العاقِبَةَ فَصَبَّروا نُفوسَهُم ، ووَثِقوا بِصِدقِ مَوعودِ اللّهِ «لَمَن صَبَرَ وَاحتَسَبَ ، فَكُن مِنهُم وَاستَعِن بِاللّهِ» . وَاجعَل لِذَوِي الحاجاتِ مِنكَ قِسماً تُفَرِّغُ لَهُم فيهِ شَخصَكَ «وذِهنَكَ مِن كُل
.
ص: 113
شُغُلٍ ، ثُمَّ تَأذَنُ لَهُم عَلَيكَ» ، وتَجلِسُ لَهُم مَجلِساً تَتَواضَعُ فيهِ للّهِِ الَّذي رَفَعَكَ ، وتُقعِدُ عَنهُم جُندَكَ وأعوانَكَ مِن أحراسِكَ وشُرَطِكَ ، «تَخفِضُ لَهُم في مَجلِسِكَ ذلِكَ جَناحَكَ ، وتُلينُ لَهُم كَنَفَكَ في مُراجَعَتِكَ ووَجهِكَ» ؛ حَتّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُم غَيرَ مُتَعتَعٍ ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ في غَيرِ مَوطنٍ : لَن تُقَدَّسَ اُمَّةٌ لا يُؤخَذُ لِلضَّعيفِ فيها حَقُّهُ مِنَ القَوِيِّ غَيرَ مُتَعتَعٍ . ثُمَّ احتَمِلِ الخُرقَ مِنهُم وَالعِيَّ ، ونَحِّ عَنكَ الضّيقَ وَالأَنفَ يَبسُطِ اللّهُ عَلَيكَ أكنافَ رَحمَتِهِ ، ويوجِب لَكَ ثَوابَ أهلِ طاعَتِهِ ، فَأَعطِ ما أعطَيتَ هَنيئاً ، وَامنَع في إجمالٍ وإعذارٍ ، «وتَواضَع هُناك ؛ فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُتَواضِعينَ . وَليَكُن أكرَمَ أعوانِكَ عَلَيكَ أليَنُهُم جانِباً ، وأحسَنُهُم مُراجَعَةً ، وألطَفُهُم بِالضُّعَفاءِ ، إن شاءَ اللّهُ» . ثُمَّ إنَّ اُموراً مِن اُمورِكَ لابُدَّ لَكَ مِن مُباشَرَتِها ؛ مِنها : إجابَةُ عُمّالِكَ ما يَعيى عَنهُ كُتّابُكَ . ومِنها : إصدارُ حاجاتِ النّاسِ في قِصَصِهِم . «ومِنها : مَعرِفَةُ ما يَصِلُ إلَى الكُتّابِ وَالخُزّانِ مِمّا تَحتَ أيديهِم ، فَلا تَتَوانَ فيما هُنالِكَ ، ولا تَغتَنِم تَأخيرَهُ ، وَاجعَل لِكُلِّ أمرٍ مِنها مَن يُناظِرُ فيهِ وُلاتَهُ بِتَفريغٍ لِقَلبِكَ وهَمِّكَ ، فَكُلَّما أمضَيتَ أمراً فَأَمضِهِ بَعدَ التَّروِيَةِ ومُراجَعَةِ نَفسِكَ ، ومُشاوَرَةِ وَلِيِّ ذلِكَ بِغَيرِ احتِشامٍ ، ولا رَأيَ يَكسِبُ بِهِ عَلَيكَ نَقيضُهُ» . ثُمَّ أمضِ لِكُلِّ يَومٍ عَمَلَهُ ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ يَومٍ ما فيهِ . وَاجعَل لِنَفسِكَ فيما بَينَكَ وبَينَ اللّهِ أفضَلَ تِلكَ المَواقيتِ ، وأجزَلَ تِلكَ الأَقسامِ ، وإن كانَت كُلُّها للّهِِ إذا صَحَّت فيهَا النِّيَّةُ وسَلِمَت مِنهَا الرَّعِيَّةُ . وَليَكُن في خاصِّ ما تُخلِصُ للّهِِ بِهِ دينَكَ إقامَةُ فَرائِضِهِ الَّتي هِيَ لَهُ خاصَّةً ، فَأَعطِ اللّهَ مِن بَدَنِكَ في لَيلِكَ ونَهارِكَ ما يَجِبُ ؛ «فَإِنَّ اللّهَ جَعَلَ النّافِلَةَ لِنَبِيِّهِ خاصَّةً دونَ خَلقِهِ فَقالَ : «وَ مِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا» (1) ،
.
ص: 114
فَذلِكَ أمرٌ اختَصَّ اللّهُ بِهِ نَبِيَّهُ وأكرَمَهُ بِهِ ، لَيسَ لِأَحَدٍ سِواهُ ، وهُوَ لِمَن سِواهُ تَطَوَّعٌ ؛ فَإِنَّهُ يَقولُ : «وَ مَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ» (1) » ، فَوَفِّر ما تَقَرَّبتَ بِهِ إلَى اللّهِ وكَرِّمهُ وأدِّ فَرائِضَهُ إلَى اللّهِ كامِلاً غَيرَ مَثلوبٍ ولا مَنقوصٍ ، بالِغاً ذلِكَ مِن بَدَنِكَ ما بَلَغَ . فَإِذا قُمتَ في صَلاتِكَ بِالنّاسِ فَلا تُطوِّلَنَّ ولا تَكونَنَّ مُنَفِّراً ولا مُضَيِّعاً ؛ فَإِنَّ في النّاسِ مَن بِهِ العِلَّةُ ولَهُ الحاجَةُ ، وقَدَسأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ وَجَّهَني إلَى اليَمَنِ : كَيفَ نُصَلّي بِهِم ؟ فَقالَ : صَلَّ بِهِم كَصَلاةِ أضعَفِهِم وكُن بِالمُؤمِنينَ رَحيماً . وبَعدَ هذا فَلا تُطَوَلَنَّ احتِجابَكَ عَن رَعِيَّتِكَ ؛ فَإِنَّ احتِجابَ الوُلاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعبَةٌ مِنَ الضّيقِ ، وقِلَّةُ عِلمٍ بِالاُمورِ ، والاِحتِجابُ يَقطَعُ عَنهُم عِلمَ ما احتَجَبوا دونَهُ ، فَيَصغُرُ عِندَهُم الكَبيرُ ، ويَعظُمُ الصَّغيرُ ، ويَقبُحُ الحَسَنُ ، ويَحسُنُ القَبيحُ ، ويُشابُ الحَقُّ بِالباطِلِ ، وإنَّمَا الوالي بَشَرٌ لا يَعرِفُ ما تَوارى عَنهُ النّاسُ بِهِ مِنَ الاُمورِ ، ولَيسَت عَلَى القَولِ سِماتٌ يُعرَفُ بِهَا الصِّدقُ مِنَ الكَذِبِ ، فَتُحَصِّنَ مِنَ الإِدخالِ فِي الحُقوقِ بِلينِ الحِجابِ ؛ فَإِنَّما أنتَ أحَدُ رَجُلَينِ : إمَّا امرُءٌ سَخَت نَفسُكَ بِالبَذلِ فِي الحَقِّ فَفيمَ احتِجابُكَ مِن واجِبِ حَقُّ تُعطيهِ ، أو خُلقٍ كَريمٍ تُسديهِ ؟ وإمّا مُبتَلًى بِالمَنعِ فَما أسرَعَ كَفَّ النّاسِ عَن مَسأَلَتِكَ إذا أيِسوا مِن بَذلِكَ ، مَعَ أنَّ أكثَرَ حاجاتِ النّاسِ إلَيكَ مالا مَؤونَةَ عَلَيكَ فيهِ؛ مِن شِكايَةِ مَظلِمَةٍ، أو طَلَبِ إنصافٍ . «فَانتَفِع بِما وَصَفتُ لَكَ ، وَاقتَصِر فيهِ عَلى حَظِّكَ ورُشدِكَ ، إن شاءَ اللّهُ» . ثُمَّ إنَّ لِلمُلوكِ خاصَّةٌ وبِطانَةٌ فيهِمُ استِئثارٌ وتَطاوُلٌ ، وقِلَّةُ إنصافٍ ، فَاحسِم مادَّةَ اُولئِكَ بِقَطعِ أسبابِ تِلكَ الأَشياءِ ، ولا تُقطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِن حَشَمِكَ ولا حامَّتِكَ (2) قَطيعَةً ،
.
ص: 115
ولا تَعتَمِدَنَّ فِي اعتِقادِ عُقدَةٍ تَضُرُّ بِمَن يَليها مِنَ النّاسِ ؛ في شِربٍ ، أو عَمَلٍ مُشتَرَكٍ يَحمِلونَ مَؤونَتَهُم عَلى غَيرِهِم ، فَيَكونَ مَهنَأً ذلِكَ لَهُم دونَكَ ، وعَيبُهُ عَلَيكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . «عَلَيكَ بِالعَدلِ في حُكمِكَ إذَا انتَهَتِ الاُمورُ إلَيكَ» ، وألزِمِ الحَقَّ مَن لَزِمَهُ مِنَ القَريبِ وَالبَعيدِ ، وكُن في ذلِكَ صابِراً مُحتَسِباً ، وَافعَل ذلِكَ بِقَرابَتِكَ حَيثُ وَقَعَ ، وَابتَغِ عاقِبَتَهُ بِما يَثقُلُ عَلَيهِ مِنهُ ؛ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذلِكَ مَحمودَةٌ . وإن ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيفاً فَأَصحِر (1) لَهُم بِعُذرِكَ ، وَاعدِل عَنكَ ظُنونَهُم بِإِصحارِكَ ؛ فَإِنَّ في تِلكَ رِياضَةً مِنكَ لِنَفسِكَ ، ورِفقاً مِنكَ بِرَعِيَّتِكَ ، وإعذاراً تَبلُغُ فيهِ حاجَتَكَ مِن تَقويمِهِم عَلَى الحَقِّ في خَفضٍ وإجمالٍ . لا تَدفَعَنَّ صُلحاً دَعاكَ إلَيهِ عَدُوُّكَ فيهِ رِضًى ؛ فَإِنَّ فِي الصُّلحِ دَعَةً (2) لِجُنودِكَ ، وراحَةً مِن هُمومِكَ ، وأمناً لِبِلادِكَ . ولكِنَّ الحَذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِن مُقارَبَةِ عَدُوِّكَ في طَلَبِ الصُّلحِ ؛ فَإِنَّ العَدُوَّ رُبَّما قارَبَ لِيَتَغَفَّلَ ، فَخُذ بِالحَزمِ ، «وتَحَصَّن كُلَّ مَخوفٍ تُؤتى مِنهُ ، وبِاللّهِ الثِّقَةُ في جَميعِ الاُمورِ» . وإن لَجَّت بَينَكَ وبَينَ عَدُوِّكَ قَضِيَّةٌ عَقَدتَ لَهُ بِها صُلحاً أو ألبَستَهُ مِنكَ ذِمَّةً فَحُط عَهدَكَ بِالوَفاءِ ، وَارعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمانَةِ ، وَاجعَل نَفسَكَ جُنَّةً دونَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ مِن فَرائِضِ اللّهِ جَلَّ وعَزَّ النّاسُ أشَدُّ عَلَيهِ اجتِماعاً في تَفريقِ أهوائِهِم وتَشتيتِ أديانِهِم مِن تَعظيمِ الوَفاءِ بِالعُهودِ ، وقَد لَزِمَ ذلِكَ المُشرِكونَ فيما بَينَهُم دونَ المُسلِمينَ لِمَا استَوبَلوا (3) مِنَ الغَدرِ والخَترِ ، فَلا تَغِدرَنَّ بِذِمَّتِكَ ، ولا تُخفِر (4) بِعَهدِكَ ،
.
ص: 116
ولا تَختِلَنَّ (1) عَدُوِّكَ ، فَإِنَّهُ لا يَجتَرِئُ عَلَى اللّهِ إلّا جاهِلٌ ، وقَد جَعَلَ اللّهُ عَهدَهُ وذِمَّتَهُ أمناً أفضاهُ بَينَ العِبادِ بِرَحمَتِهِ ، وحَريماً يَسكُنونَ إلى مَنَعَتِهِ ، ويَستَفيضونَ بِهِ إلى جِوارِهِ ، فَلا خِداعَ ولا مُدالَسَةَ ولا إدغالَ فيهِ (2) . فَلا يَدعُوَنَّكَ ضيقُ أمرٍ لَزِمَكَ فيهِ عَهدُ اللّهِ عَلى طَلَبِ انفِساخِهِ ، فَإِنَّ صَبرَكَ عَلى ضيقٍ تَرجُو انفِراجَهُ وفَضلَ عاقِبَتِهِ خَيرٌ مِن غَدرٍ تَخافُ تَبِعَتَهُ ، وأن تُحيطَ بِكَ مِنَ اللّهِ طِلبَةً ، ولا تَستَقيلُ فيها دُنياكَ ولا آخِرَتَكَ . وإيّاكَ وَالدِّماءَ وسَفكَها بِغَيرِ حِلِّها ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ أدعى لِنِقمَةٍ ولا أعظَمَ لِتَبِعَةٍ ولا أحرى لِزَوالِ نِعمَةٍ وَانقِطاعِ مُدَّةٍ مِن سَفكِ الدِّماءِ بِغَيرِ الحَقِّ ، وَاللّهُ مُبتَدِئٌ بِالحُكمِ بَينَ العِبادِ فيما يَتَسافَكونَ مِنَ الدِّماءِ ، فَلا تَصونَنَّ سُلطانَكَ بِسَفكِ دَمٍ حَرامٍ ، فَإِنَّ ذلِكَ يُخلِقُهُ (3) ويُزيلُهُ ، «فَإِيّاكَ وَالتَّعَرُّضَ لِسَخَطِ اللّهِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ قَد جَعَلَ لِوَلِيِّ مَن قُتِلَ مَظلوماً سُلطاناً ، قالَ اللّهُ : «وَ مَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَ_نًا فَلَا يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا» (4) » . ولا عُذرَ لَكَ عِندَ اللّهِ ولا عِندي في قَتلِ العَمدِ ، لِأَنَّ فيهِ قَوَدَ البَدَنِ ، فَإِنِ ابتَلَيتَ بِخَطَاً وأفرَطَ عَلَيهِ سَوطُكَ أو يَدُكَ لِعُقوبَةٍ فَإِنَّ فِي الوَكزَةِ فَما فَوقَها مَقتَلَةً ، فَلا تَطمَحَنَّ (5) بِكَ نَخوَةُ (6) سُلطانِكَ عَن أن تُؤَدِّيَ إلى أهلِ المَقتولِ حَقَّهُم ؛ «دِيَّةً مُسَلَّمَةً يُتَقَرَّبُ بِها إلَى اللّهِ زُلفى» .
.
ص: 117
إيّاكَ وَالإِعجابَ بِنَفسِكَ ، وَالثِّقَةَ بِما يُعجِبُكَ مِنها ، وحُبَّ الإِطراءِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مِن أوثَقِ فُرصِ الشَّيطانِ في نَفسِهِ لِيَمحَقَ ما يَكونُ مِن إحسانِ المُحسِنِ . إيّاكَ وَالمَنَّ عَلى رَعِيَّتِكَ بِإِحسانٍ ، أوِ التَّزَيُّدَ فيما كانَ مِن فِعلِكَ ، أو تعَِدَهُم فَتُتبِعَ مَوعِدَكَ بِخُلفِكَ ، «أوِ التَّسَرُّعَ إلَى الرَّعِيَّةِ بِلِسانِكَ» ؛ فَإِنَّ المَنَّ يُبطِلُ الإِحسانَ ، وَالخُلفَ يُوجِبُ المَقتَ ، وقَد قالَ اللّهُ جَلَّ ثَناؤُهُ : «كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفْعَلُونَ» (1) . إيّاكَ وَالعَجَلَةَ بِالاُمورِ قَبلَ أوانِها ، وَالتَّساقُطَ فيها عِندَ زَمانِها ، وَاللَّجاجَةَ فيها إذا تَنَكَّرَت ، وَالوَهنَ فيها إذا أوضَحَت ، فَضَع كُلَّ أمرٍ مَوضِعَهُ ، وأوقِع كُلَّ عَمَلٍ مَوقِعَهُ . وإيّاكَ والاِستِئثارَ بِما لِلنّاسِ فيهِ الاُسوَةُ (2) ، «والاِعتِراضَ فيما يَعنيكَ» ، وَالتَّغابي عَمّا يَعنى بِهِ مِمّا قَد وَضَحَ لِعُيونِ النّاظِرينَ ؛ فَإِنَّهُ مَأخوذٌ مِنكَ لِغَيرِكَ . وعَمّا قَليلٍ تُكشَفُ عَنكَ أغطِيَةُ الاُمورِ ، ويُبرِزُ الجَبّارُ بِعَظَمَتِهِ ، فَيُنتَصَفُ المَظلومونَ مِنَ الظّالِمينَ . ثُمَّ املِك حَمِيَّةَ أنفِكَ ، وسَورَةَ (3) حِدَّتِكَ (4) ، وسَطوَةَ يَدِكَ ، وغَربَ لِسانِكَ . وَاحتَرِس كُلَّ ذلِكَ بِكَفِّ البادِرَةِ ، وتَأخيرِ السَّطوَةِ . وَارفَع بَصَرَكَ إلَى السَّماءِ عِندَما يَحضُرُكَ مِنهُ ، حَتّى يَسكُنَ غَضَبُكَ ، فَتَملِكَ الاِختِيارَ ، ولَن تَحكُمَ ذلِكَ مِن نَفسِكَ حَتّى تُكثِرَ هُمومَكَ بِذِكرِ المَعادِ . «ثُمَّ اعلَم أنَّهُ قَد جُمِعَ ما في هذَا العَهدِ مِن صُنوفِ ما لم آلُكَ فيهِ رُشداً إن أحَب
.
ص: 118
اللّهُ إرشادَكَ وتَوفيقَكَ أن تَتَذَكَّرَ ما كانَ مِن كُلِّ ما شاهَدتَ مِنّا ، فَتَكونَ وِلايَتُكَ هذِهِ» مِن حُكومَةٍ عادِلَةٍ ، أو سُنَّةٍ فاضِلَةٍ ، أو أثَرٍ عَن نَبِيِّكَ صلى الله عليه و آله ، أو فَريضَةٍ في كِتابِ اللّهِ ، فَتَقتَدِيَ بِما شاهَدتَ مِمّا عَمِلنا بِهِ مِنها ، وتَجتَهِدَ نَفسَكَ فِي اتِّباعِ ما عَهِدتُ إلَيكَ في عَهدي ، وَاستَوثَقتُ مِنَ الحُجَّةِ لِنَفسي لِكَيلا تَكونَ لَكَ عِلَّةٌ عِندَ تَسَرُّعِ نَفسِكَ إلى هَواها . «فَلَيسَ يَعصِمُ مِنَ السّوءِ ولا يُوَفِّقُ لِلخَيرِ إلّا اللّهُ جَلَّ ثَناؤُهُ . وقَد كانَ مِمّا عَهِدَ إلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في وِصايَتِهِ تَحضيضاً عَلَى الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وما مَلَكَت أيمانُكُم ، فَبِذلِكَ أختِمُ لَكَ ما عَهِدتُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ» . وأنَا أسأَلُ اللّهَ سَعَةَ رَحمَتِهِ ، وعَظيمَ مَواهِبِهِ وقُدرَتِهِ عَلى إعطاءِ كُلِّ رَغبَةٍ أن يُوَفِّقَني وإيّاكَ لِما فيهِ رِضاهُ ؛ مِنَ الإِقامَةِ عَلَى العُذرِ الواضِحِ إلَيهِ وإلى خَلقِهِ ، مَعَ حُسنِ الثَّناءِ فِي العِبادِ ، وحُسنِ الأَثَرِ فِي البِلادِ ، وتَمامِ النِّعمَةِ ، وتَضعيفِ الكَرامَةِ ، وأن يَختِمَ لي ولَكَ بِالسَّعادَةِ وَالشَّهادَةِ ، وإنّا إلَيهِ راغِبونَ . وَالسَّلامُ عَلى رَسولِ اللّهِ وعَلى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ ، وسَلَّمَ كَثيرا (1) .
6 / 5مَكرُ مُعاوِيَةَ في قَتلِ الأَشتَرِتاريخ اليعقوبي :لَمّا بَلَغَ مُعاوَيَةَ أنَّ عَلِيّا قَد وَجَّهَ الأَشتَرَ عَظُمَ عَلَيهِ ، وعَلِمَ أنَّ أهلَ اليَمَنِ أسرَعُ إلَى الأَشتَرِ مِنهُم إلىَ كُلِّ أحَدٍ ، فَدَسَّ لَهُ سَمّا ، فَلَمّا صارَ إلَى القُلزُمِ _ مِنَ الفُسطاطِ عَلى مَرحَلَتَينِ _ نَزَلَ مَنزِلَ رَجُلٍ مِن أهلِ المَدينَةِ يُقالُ لَهُ . . . (2) فَخَدَمَهُ ،
.
ص: 119
وقامَ بِحَوائِجِهِ ، ثُمَّ أتاهُ بِقَعبٍ (1) فيهِ عَسَلٌ قَد صَيَّرَ فيهِ السَّمَّ ، فَسَقاهُ إيّاهُ ، فَماتَ الأَشتَرُ بِالقُلزُمِ ، وبِها قَبرُهُ ، وكانَ قَتلُهُ وقَتلُ مُحَمَّدَ بنِ أبي بَكرٍ في سَنَةِ (38) (2) .
مروج الذهب :وَلّى عَلِيٌّ عليه السلام الأشتَرَ مِصرَ ، وأنفَذَهُ إلَيها في جَيشٍ ، فَلَمّا بَلَغَ ذلِكَ مُعاوِيَةَ دَسَّ إلى دِهقانٍ كانَ بِالعَريشِ ، فَأَرغَبَهُ ، وقالَ : اُترُك خَراجَكَ عِشرينَ سَنَةً وَاحتَل لِلأَشتَرِ بِالسَّمِّ في طَعامِهِ . فَلَمّا نَزَلَ الأَشتَرُ العَريشَ ، سَأَلَ الدِّهقانُ : أيُّ الطَّعامِ وَالشَّرابِ أحَبُّ إلَيهِ ؟ قيلَ لَهُ : العَسَلُ ، فَأَهدى لَهُ عَسَلاً ، وقالَ : إنَّ مِن أمرِهِ وشَأنِهِ كَذا وكَذا ، ووَصفَهُ لِلأَشتَرِ ، وكانَ الأَشتَرُ صائِما ، فَتَناوَلَ مِنهُ شَربَةً ، فَما استَقَرَّت في جَوفِهِ حَتّى تَلِفَ ، وأتى مَن كانَ مَعَهُ عَلَى الدِّهقانِ ومَن كانَ مَعَهُ . وقيلَ : كانَ ذلِكَ بِالقُلزُمِ ، وَالأَوَّلُ أثبَتُ . فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا عليه السلام ، فَقالَ : لِليَدَينِ وَالفَمِ . وبَلَغَ ذلِكَ مُعاوِيَةَ ، فَقالَ : إنَّ للّهِِ جُندا مِنَ العَسَلِ (3) .
تاريخ الطبري عن يزيد بن ظبيان الهمداني :بَعَثَ مُعاوِيَةُ إلَى الجايِستارِ _ رَجُلٍ مِن أهلِ الخَراجِ _ فَقالَ لَهُ : إنَّ الأَشتَرَ قَد وُلِّيَ مِصرَ ، فَإِن أنتَ كَفَيتَنيهِ لَم آخُذ مِنكَ خَراجا ما بَقيتَ ، فَاحتَل لَهُ بِما قَدَرتَ عَلَيهِ . فَخَرَجَ الجايِستارُ حَتّى أتَى القُلزُمَ وأقامَ بِهِ ، وخَرَجَ الأَشتَرُ مِنَ العِراقِ إلى مِصرَ ، فَلَمَّا انتَهى إلَى القُلزُمِ استَقبَلَهُ الجايِستارُ ، فَقالَ : هذا مَنزِلٌ وهذا طَعامٌ وعَلَفٌ ، وأنَا رَجُلٌ مِن أهلِ الخَراجِ ، فَنَزَلَ بِهِ الأَشتَرُ ، فَأَتاهُ الدِّهقانُ بِعَلَفٍ وطَعامٍ ، حَتّى إذا طَعِمَ أتاهُ بِشَربَةٍ مِن عَسَلٍ قَد جَعَلَ فيها سَمّا فَسَقاهُ إيّاهُ ، فَلَمّا شَرِبَها ماتَ .
.
ص: 120
وأقبَلَ مُعاوِيَةُ يَقولُ لِأَهلِ الشّامِ : إنَّ عَلِيّا وَجَّهَ الأَشتَرَ إلى مِصرَ ، فَأَدعُوَا اللّهَ أن يَكفيكُموهُ . قالَ : فَكانوا كُلَّ يَومٍ يَدعونَ اللّهَ عَلَى الأَشتَرِ ، وأقبَلَ الَّذي سَقاهُ إلى مُعاوِيَةَ فَأَخبَرَهُ بِمَهلِكِ الأَشتَرِ ، فَقامَ مُعاوِيَةُ فِي النّاسِ خَطيبا ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وقالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ كانَت لِعَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ يَدانِ يَمينانِ قُطِعَت إحداهُما يَومَ صِفّينَ _ يَعني عَمّارَ بنَ ياسرٍ _ وقُطِعَتِ الاُخرَى اليَومَ _ يَعنِي الأَشتَرَ _ (1) .
الغارات عن مغيرة الضبّي :إنَّ مُعاوِيَةَ دَسَّ لِلأَشتَرِ مَولىً لِالِ عُمَرَ ، فَلَم يَزَلِ المَولى يَذكُرُ لِلأَشتَرِ فَضلَ عَلِيٍّ وبَني هاشِمٍ حَتَّى اطمَأَنَّ إلَيهِ الأَشتَرُ ، وَاستَأنَسَ بِهِ ، فَقَدَّمَ الأَشتَرُ يَوما ثِقلَهُ أو تَقَدَّمَ ثِقلَهُ فَاستَسقى ماءً ، فَقالَ لَهُ مَولى عُمَرَ : هَل لَكَ _ أصلَحَكَ اللّهُ _ في شَربَةِ سَويقٍ ؟ فَسَقاهُ شَربَةَ سَويقٍ فيها سَمٌّ ، فَماتَ . قالَ : وقَد كانَ مُعاوِيَةُ قالَ لِأَهلِ الشّامِ لَمّا دَسَّ إلَيهِ مَولى عُمَرَ : اُدعوا عَلَى الأَشتَرِ ، فَدَعَوا عَلَيهِ ، فَلَمّا بَلَغَهُ مَوتُهُ ، قالَ : أ لا تَرَونَ كَيفَ استُجيبَ لَكُمَ ! (2)
الاختصاص عن عبد اللّه بن جعفر :كان لِمُعاوِيَةَ بِمِصرَ عَينٌ يُقالُ لَهُ : مَسعودُ بنُ جَرَجَةَ ، فَكَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ بِهَلاكِ الأَشتَرِ ، فَقامَ مُعاوِيَةُ خَطيبا في أصحابِهِ فَقالَ : إنَّ عَلِيّا كانَت لَهُ يَمينانِ ، قُطِعَت إحداهُما بِصفّينَ _ يَعني عَمّارا _ واُخرَى اليَومَ ؛ إنَّ الأَشتَرَ مَرَّ بِأَيلَةَ مُتَوَجِّها إلى مِصرَ ، فَصَحِبَهُ نافِعٌ مَولى عُثمانَ ، فَخَدَمَهُ وألطَفَهُ حَتّى أعجَبَهُ ، وَاطمَأَنَّ إلَيهِ ، فَلَمّا نَزَلَ القُلزُمَ أحضَرَ (3) لَهُ شَربَةً مِن عَسَلٍ بِسَمٍّ فَسَقاهُ (4) فَماتَ ، ألا وإنَّ للّهِِ جُنودا مِن عَسَلٍ (5) .
.
ص: 121
6 / 6حُزنُ الإِمامِشرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ الأَشتَرِ وبَعضِ فَضائِلِهِ _: كانَ فارِساً، شُجاعاً، رَئيساً ، مِن أكابِرِ الشّيعَةِ وعُظَمائِها ، شَديدَ التَّحَقُّقِ بِوَلاءِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ونَصرِهِ ، وقالَ فيهِ بَعدَ مَوتِهِ : رَحِمَ اللّهُ مالِكا ، فَلَقَد كانَ لي كَما كُنتُ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا جاءَهُ نَعيُ الأَشتَرِ _: مالِكٌ وما مالِكٌ ! وَاللّهِ ، لَو كانَ جَبَلاً لَكانَ فِندا (2) ، ولَو كانَ حَجَرا لَكانَ صَلدا (3) ، لا يَرتَقيهِ الحافِرُ ، ولا يُوفي (4) عَلَيهِ الطّائِرُ (5) .
رجال الكشّي :لَمّا نُعِيَ الأَشتَرُ مالِكُ بنُ الحارِثِ النَّخَعِيُّ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام تَأوَّهَ حُزنا وقالَ : رَحِمَ اللّهُ مالِكا ، وما مالِكٌ ! عَزَّ عَلَيَّ بِهِ هالِكا ، لَو كانَ صَخرا لَكانَ صَلدا ، ولَو كانَ جَبَلاً لَكانَ فِندا (6) ، وكَأنَّهُ قُدَّ مِنّي قِدّا (7) .
الغارات عن فضيل بن خديج عن أشياخ النخع :دَخَلنا عَلى عَلِيٍّ عليه السلام حينَ بَلَغَهُ مَوتُ الأَشتَرِ ، فَجَعَلَ يَتَلَهَّفُ ويَتَأَسَّفُ عَلَيهِ ، ويَقولُ : للّهِِ دَرُّ مالِكٍ ! وما مالِكٌ ! لَو كانَ جَبَلاً لَكانَ فِندا ، ولَو كانَ حَجَرا لَكانَ صَلدا ، أما وَاللّهِ لَيَهِدَّنَّ مَوتُكَ عالَما ، ولَيُفرِحَنَّ عالَما ، عَلى مِثلِ مالِكٍ فَلتَبكِ البَواكي ، وهَل مَوجودٌ كَمالِكِ ! ! (8)
.
ص: 122
الاختصاص عن عوانة :لَمّا جاءَ هَلاكُ الأَشتَرِ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ صَعِدَ المِنبَرَ فَخَطَبَ النّاسَ ، ثُمَّ قالَ : ألا إنَّ مالِكَ بنَ الحارِثِ قَد مَضى نَحبَهُ ، وأوفى بِعَهدِهِ ، ولَقِيَ رَبَّهُ ، فَرَحِمَ اللّهُ مالِكا ، لَو كانَ جَبَلاً لَكانَ فَذّا ، ولَو كانَ حَجَرا لَكانَ صَلدا ، للّهِِ مالِكٌ ، وما مالِكٌ ! وهَل قامَتِ النِّساءُ عَن مِثلِ مالِكٍ ! وهَل مَوجودٌ كَمالِكِ ! قالَ : فَلَمّا نَزَلَ ودَخَلَ القَصرَ أقبَلَ عَلَيهِ رِجالٌ مِن قُرَيشٍ ، فَقالوا : لَشَدَّ ما جَزِعتَ عَلَيهِ ، ولَقَد هَلَكَ . قال : أما _ وَاللّهِ _ هَلاكُهُ فَقَد أعَزَّ أهلَ المَغرِبِ ، وأذَلَّ أهلَ المَشرِقِ . قالَ : وبَكى عَلَيهِ أيّاما ، وحَزَنَ عَلَيهِ حُزنا شَديدا ، وقالَ : لا أرى مِثلَهُ بَعدَهُ أبَدا (1) .
الغارات عن صعصعة بن صوحان :لَمّا بَلَغَ عَلِيّا عليه السلام مَوتُ الأَشتَرِ قالَ : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، اللّهُمَّ إنّي أحتَسِبُهُ عِندَكَ ، فَإِنَّ مَوتَهُ مِن مَصائِبِ الدَّهرِ ، فَرَحِمَ اللّهُ مالِكا ، فَقَد وَفى بِعَهدِهِ ، وقَضى نَحبَهُ ، ولَقِيَ رَبَّهُ ، مَعَ أنّا قَد وَطَّنّا أنفُسَنا عَلى أن نَصبِرَ عَلى كُلِّ مُصيبَةٍ بَعدَ مُصابِنا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّها أعظَمُ المَصائِبِ (2) .
تاريخ اليعقوبي :لَمّا بَلَغَ عَلِيّا قَتلُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ وَالأَشتَرِ جَزِعَ عَلَيهِما جَزَعا شَديدا ، وتَفَجَّعَ ، وقالَ عَلِيٌّ : عَلى مِثلِكَ فَلتَبكِ البَواكي يا مالِكُ ، وأنّى مِثلُ مالِكٍ ! (3)
الغارات عن علقمة بن قيس النخعي_ بَعدَ شَهادَةِ مالِكِ الأَشتَرِ _: فَما زالَ عَلِيٌّ يَتَلَهَّفُ ويَتَأَسَّفُ حَتّى ظَنَنّا أنَّهُ المُصابُ بِهِ دونَنا ، وقَد عُرَِف ذلِكَ في وَجهِهِ أيّاما (4) .
.
ص: 123
6 / 7فَرَحُ مُعاوِيَةَالغارات عن معاوية_ بَعدَ شَهادَةِ مالِكِ الأَشتَرِ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ كانَ لِعَلِيِّ ابنِ أبي طالِبٍ يَدانِ يَمينانِ ، فَقُطِعَت إحداهُما يَومَ صِفّينَ _ يَعني عَمّارَ بنَ ياسِرٍ _ وقُطِعَتِ الاُخرَى اليَومَ وهُوَ مالِكُ الأَشتَرِ (1) .
6 / 8هَزيمَةُ أهلِ العِراقِ بِمَوتِ الأَشتَرِالغارات عن مغيرة الضبّي :لَم يَزَل أمرُ عَلِيٍّ شَديدا حَتّى ماتَ الأَشتَرُ ، وكانَ الأَشتَرُ بِالكوفَةِ أسوَدَ (2) مِن الأحنَفِ بِالبَصرَةِ (3) .
الأمالي للطوسي عن ربيعة بن ناجذ_ بَعدَ ذِكرِ استِنفارِ الإِمامِ عليه السلام النّاسَ ، وتَقاعُدِهِم عَنهُ ، وَاجتِماعِهِم عَلى خِذلانِهِ ، وخُطبَةِ الإِمامِ في ذلِكَ _: ثُمَّ تَكَلَّمَ النّاسُ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ ولَغَطوا ، فَقامَ رَجُلٌ فَقالَ بِأَعلى صَوتِهِ : اِستَبانَ فَقدُ الأَشتَرِ عَلى أهلِ العِراقِ ، لَو كانَ حَيّا لَقَلَّ اللَّغَطُ ، ولَعَلِمَ كُلُّ امرِئٍ ما يَقولُ (4) .
أنساب الأشراف عن المدائني :ذُكِرَ الأَشتَرُ النَّخَعِيُّ عِندَ مُعاوِيَةَ ، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ النَّخَعِ لِلَّذي ذَكَرَهُ : اُسكُت ، فَإِنَّ مَوتَهُ أذَلَّ أهلَ العِراقِ ، وإنَّ حَياتَهُ أذَلَّت أهَلَ الشّامِ ! فَسَكَتَ مُعاوِيَةُ ولَم يَقُل شَيئا (5) .
.
ص: 124
شرح نهج البلاغة_ بَعدَما أشارَ إلى قِتالِ الأَشتَرِ يَومَ الهَريرِ _: قُلتُ : للّهِِ اُمٌّ قامَت عَنِ الأَشتَرِ ! لَو أنَّ إنسانا يُقسِمُ أنَّ اللّهَ تَعالى ما خَلَقَ فِي العَرَبِ ولا فِي العَجَمِ أشجَعَ مِنهُ إلّا اُستاذَهُ عليه السلام لَما خَشيتُ عَلَيهِ الإِثمَ ! وللّهِِ دَرُّ القائِلِ وقَد سُئِلَ عَنِ الأَشتَرِ : ما أقولُ في رَجُلٍ هَزَمَت حَياتُهُ أهلَ الشّامِ ، وهَزَمَ مَوتُهُ أهلَ العِراقِ ! وبِحَقِّ ما قالَ فيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : كانَ الأَشتَرُ لي كَما كُنتُ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (1) .
6 / 9كتابُ الإِمامِ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍالغارات عن ابن أبي سيف عن أصحابه :إنَّ مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ لَمّا بَلَغَهُ أنَّ عَلِيّا عليه السلام قَد وَجَّهَ الأَشتَرَ إلى مِصرَ شَقَّ عَلَيهِ ، فَكَتَبَ عَلِيٌّ عليه السلام عِندَ مَهلِكِ الأَشتَرِ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _ وذلِكَ حينَ بَلَغَهُ مَوجِدَةُ (2) مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ لِقُدومِ الأَشتَرِ عَلَيهِ _ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ ، سَلامٌ عَلَيكَ . أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَني مَوجِدَتُكَ مِن تَسريحِيَ الأَشتَرَ إلى عَمَلِكَ ، ولَم أفعَل ذلِكَ استِبطاءً لَكَ فِي الجِهادِ ، ولَا استِزادَةً لَكَ مِنّي فِي الجِدِّ ، ولَو نَزَعتُ ما حَوَت يَداك مِن سُلطانِكَ لَوَلَّيتُكَ ما هُوَ أيسَرُ مَؤونَةً عَلَيكَ ، وأعجَبُ ولاِيَةً إلَيكَ ، إلّا أنَّ الرَّجُلَ الَّذي كُنتُ وَلَّيتُهُ مِصرَ كانَ رَجُلاً لَنا مُناصِحا ، وعَلى عَدُوِّنا شَديدا ، فَرَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ ، وقَد استَكمَلَ أيّامَهُ ، ولاقى حِمامَهُ ، ونَحنُ عَنهُ راضونَ ، فَرَضِيَ اللّهُ عَنهُ ، وضاعَفَ لَهُ الثَّوابَ ، وأحسَنَ لَهُ المَآبَ ، فَأصحِر لِعَدُوِّكَ ، وشَمِّر لِلحَربِ ، وَادعُ إلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، وأكثِر ذِكرَ اللّهِ والاِستِعانَةَ بِهِ وَالخَوف
.
ص: 125
مِنهُ يَكفِكَ ما أهمَّكَ ، ويُعِنكَ عَلى ما وَلّاكَ ، أعانَنا اللّهُ وإيّاكَ عَلى ما لايُنالُ إلّا بِرَحمَتِهِ . وَالسَّلامُ (1) .
6 / 10جَوابُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍالغارات عن ابن أبي سيف عن أصحابه :فَكَتَبَ إلَيهِ عليه السلام مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ جَوابَهُ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . لِعَبدِ اللّهِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ مِن مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ ، سَلامٌ عَلَيكَ . فَإِنّي أحمَدُ إلَيكَ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، أمّا بَعدُ ، فَقَدِ انتَهى إلَيَّ كِتابُ أميرِ المُؤمِنينَ ، وفَهِمتُهُ ، وعَرَفتُ ما فيهِ ، ولَيسَ أحدٌ مِنَ النّاسِ أشَدَّ عَلى عَدُوِّ أميرِ المُؤمِنينَ ولا أرأَفَ وأرَقَّ لِوَلِيِّهِ مِنّي ، وقَد خَرَجتُ فَعَسكَرتُ وأمَّنتُ النّاسَ ، إلّا مَن نَصَبَ لَنا حَربا ، وأظهَرَ لَنا خِلافا . وأنَا مُتَّبِعُ أمرِ أميرِ المُؤمِنينَ ، وحافِظُهُ ، ولاجِئٌ إلَيهِ ، وقائِمٌ بِهِ ، وَاللّهُ المُستَعانُ عَلى كُلِّ حالٍ . وَالسَّلامُ (2) .
.
ص: 126
. .
ص: 127
الفصل السابع: احتلال مصر7 / 1إشخاصُ عَمرِو بنِ العاصِ لِقتالِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍالغارات :إنَّ مُعاوِيَةَ لَمّا بَلَغَهُ تَفَرُّقُ النّاسِ عَن عَلِيٍّ عليه السلام وتَخاذُلُهُم ، أرسَلَ عَمرَو بنَ العاصِ إلى مِصرَ في جَيشٍ مِن أهلِ الشّامِ ، فَسارَ حَتّى دَنا مِن مِصرَ ، فَتَلقّى مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ وكانَ عامِلَ عَليٍّ عَلى مِصرَ ، فَلَمّا نَزَلَ أدانِيَ مِصرَ اجتَمَعَت إلَيهِ العُثمانِيَّةُ فَأَقامَ بِها (1) .
تاريخ الطبري عن عبد اللّه بن حوالة الأزدي_ في ذِكرِ إشخاصِ مُعاوِيَةَ عَمرَو ابنَ العاصِ إلى مِصرَ _: بَعَثَهُ في سِتَّةِ آلافِ رَجُلٍ . . . فَخَرَجَ عَمرٌو يَسيرُ حَتّى نَزَلَ أدانِيَ أرضِ مِصرَ ، فَاجتَمَعَتِ العُثمانِيَةُ إلَيهِ فَأَقامَ بِهِم ، وكَتَبَ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ : أمّا بَعدُ ، فَتَنَحَّ عَنّي بِدَمِكَ يَا بنَ أبي بَكرٍ فَإِنّي لا اُحِبُّ أن يُصيبَكَ مِنّي ظُفُرٌ ، إنَّ النّاسَ بِهِذِهِ البِلادِ قَد اجتَمَعوا عَلى خِلافِكَ ورَفضِ أمرِكَ ونَدِموا عَلَى اتِّباعِكَ ، فَهُم مُسَلِّموكَ لَو قَدِ التَقَت حَلَقَتَا البِطانِ (2) ، فَاخرُجِ مِنها فَإِنّي لَكَ مِنَ النّاصِحينَ ، وَالسَّلامُ .
.
ص: 128
وبَعَثَ إلَيهِ عَمرٌو أيضاً بِكِتابِ مُعاوَِيةَ إلَيهِ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ غِبَّ البَغيِ وَالظُّلمِ عَظيمُ الوَبالِ ، وإنَّ سَفكَ الدَّمِ الحَرامِ لا يَسلَمُ صاحبَهُ مِنَ النِّقمَةِ فِي الدُّنيا ومِنَ التِّبعَةِ الموبِقَةِ فِي الآخِرَةِ ، وإنّا لا نَعلَمُ أحَداً كانَ أعظَمَ عَلى عُثمانَ بَغياً ولا أسوَأَ لَهُ عَيباً ولا أشَدَّ عَلَيهِ خِلافاً مِنكَ ، سَعَيتَ عَلَيهِ فِي السّاعينَ وسَفَكتَ دَمَهُ فِي السّافِكينَ ، ثُمَّ أنتَ تَظُنُّ أنّي عَنكَ نائِمٌ أو ناسٍ لَكَ حَتّى تَأتِيَ فَتَأَمَّرَ عَلى بِلادٍ أنتَ فيها جاري ، وجُلُّ أهلِها أنصارِي يَرَونَ رَأيي ويَرقُبونَ قَولي ويَستَصرِخوني عَلَيكَ ، وقَد بَعَثتُ إلَيكَ قَوماً حِناقاً عَلَيكَ يَستَسقونَ دَمَكَ ويَتَقَرَّبونَ إلَى اللّهِ بِجِهادِكَ ، وقَد أعطَوُا اللّهَ عَهداً لَيَمثِلُنَّ بِكَ ، ولَو لَم يَكُن مِنهُم إلَيكَ ما عَدا قَتلِكَ ما حَذَّرتُكَ ولا أنذَرتُكَ ، ولَأَحبَبتُ أن يَقتُلوكَ بِظُلمِكَ وقَطيعَتِكَ وعُدُوِّكَ عَلى عُثمانَ يَومَ يُطعَنُ بِمَشاقِصِكَ (1) بَينَ خُشَشائِهِ (2) وأوداجِهِ ، ولكِن أكرَهُ أن أمثِلَ بِقُرَشِيٍّ ، ولَن يُسَلِّمَكَ اللّهُ مِنَ القِصاصِ أبَداً أينَما كُنتَ . وَالسَّلامُ (3) .
7 / 2استِنصارُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍتاريخ الطبري عن عبد اللّه بن حوالة الأزدي :فَطَوى مُحَمَّدٌ كِتابَيهِما وبَعَثَ بِهِما إلى عَلِيٍّ ، وكَتَبَ مَعَهُما : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ ابنَ العاصِ قَد نَزَلَ أدانِيَ أرضِ مِصرَ ، وَاجتَمَعَ إلَيهِ أهلُ البَلَدِ جُلُّهُم مِمَّن كانَ يَرى رَأيَهُم ، وقَد جاءَ في جَيشٍ لَجِبٍ خَرّابٍ ، وقَد رَأَيتُ مِمَّن
.
ص: 129
قِبَلي بَعضَ الفَشَلِ ، فَإِن كانَ لَكَ في أرضِ مِصرَ حاجَةٌ فَأَمِدَّني بِالرِّجالِ وَالأَموالِ . وَالسَّلامُ عَلَيكَ (1) .
7 / 3كِتابُ الإِمامِ في جَوابِهِتاريخ الطبري عن عبد اللّه بن حوالة الأزدي :فَكَتَبَ إلَيهِ عَلِيٌّ : أمّا بَعدُ ، فَقَد جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ أنَّ ابنَ العاصِ قَد نَزَلَ بِأَدانِيَ أرضِ مِصرَ في لَجَبٍ مِن جَيشِهِ خَرّابٍ، وأنَّ مَن كانَ بِها عَلى مِثلِ رَأيِهِ قَد خَرَجَ إلَيهِ ، وخُروجُ مَن يَرى رَأيَهُ إلَيهِ خَيرٌ لَكَ مِن إقامَتِهِم عِندَكَ ، وذَكَرتَ أنَّكَ قَد رَأيتَ في بَعضٍ مِن قِبَلِكَ فَشَلاً ، فَلا تَفشَل وإن فَشِلوا فَحَصِّن قَريَتَكَ ، وَاضمُم إلَيكَ شيعَتَكَ وَاندُب إلَى القَومِ كِنانَةَ بنَ بِشرٍ المَعروفَ بِالنَّصيحَةِ وَالنَّجدَةِ وَالبَأسِ ، فَإِنّي نادِبٌ إلَيكَ النّاسَ عَلَى الصَّعبِ وَالذَّلولِ ، فَاصبِر لِعَدُوِّكَ وَامضِ عَلى بَصيرَتِكَ وقاتِلهُم عَلى نِيَّتِكَ وجاهِدهُم صابِرا مُحتَسِبا ، وإن كانَت فِئَتُكَ أقَلَّ الفِئَتَينِ فَإِنَّ اللّهَ قَد يُعِزُّ القَليلَ ويَخذُلُ الكَثيرَ . وقَد قَرَأتُ كِتابَ الفاجِرِ بنِ الفاجِرِ مُعاوِيَةَ وَالفاجِرِ بنِ الكافِرِ عَمرٍو ، المُتَحابَّينِ في عَمَلِ المَعصِيَةِ وَالمُتَوافِقَينِ المُرتَشِيَينِ فِي الحُكومَةِ ، المُنكَرَينِ فِي الدُّنيا ، قَدِ استَمتَعوا بِخَلاقِهِم كَما استَمتَعَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم بِخَلاقِهِم ، فَلا يُهلِك إرعادَهُما وإبراقَهُما ، وأجِبهُما إن كنتَ لَم تُجِبهُما بِما هُما أهلُهُ ، فَإِنَّكَ تَجِدُ مَقالاً ما شِئتَ . وَالسَّلامُ (2) .
.
ص: 130
7 / 4إستِنهاضُ الإِمامِ لِلدِّفاعِ عَن مِصرَ ، وعِصيانُ أصحابِهِتاريخ الطبري عن عبد اللّه بن فُقَيم_ بَعدَ ذِكرِ استِصراخِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ إلى عَلِيٍّ عليه السلام _: قامَ عَلِيٌّ فِي النّاسِ وقَد أمَرَ فَنودِيَ : الصَّلاةُ جامِعَةً ! فَاجتَمِعِ النّاسِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وصَلّى عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ هذا صَريخُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ وإخوانِكُم مِن أهلِ مِصرَ ، قَد سارَ إلَيهِمُ ابنُ النّابِغَةِ عَدُوُّ اللّهِ ، ووُلِّيَ مَن عادَى اللّهَ ، فَلا يَكونَنَّ أهلُ الضَّلالِ إلى باطِلِهِم ، وَالرُّكونُ إلى سَبيلِ الطّاغوتِ أشَدَّ اجتِماعا مِنكُم عَلى حَقِّكُم هذا ، فَإِنَّهُم قَد بَدَؤوكُم وإخوانَكُم بِالغَزوِ ، فَاعجَلوا إلَيهِم بِالمُؤاساةِ وَالنَّصرِ . عِبادَ اللّهِ ! إنَّ مِصرَ أعظَمُ مِنَ الشّامِ ، أكثَرُ خَيرا ، وخَيرٌ أهلاً ، فَلا تَغلِبوا عَلى مِصرَ ، فَإِنَّ بَقاءَ مِصرَ في أيديكُم عِزٌّ لَكُم ، وكَبتٌ لِعَدُوِّكُم ، اُخرُجوا إلَى الجَرعَةِ (1) بَينَ الحيرَةِ (2) وَالكوفَةِ ، فَوافوني بِها هُناكَ غَدا إن شاءَ اللّهُ . قالَ : فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ خَرَجَ يَمشي ، فَنَزَلَها بُكرَةً ، فَأَقامَ بِها حَتَّى انتَصَفَ النَّهارُ يَومُهُ ذلِكَ ، فَلَم يُوافِهِ مِنهُم رَجُلٌ واحِدٌ ، فَرَجَعَ . فَلَمّا كانَ مِنَ العَشِيِّ بَعَثَ إلى أشرافِ النّاسِ ، فَدَخَلوا عَلَيهِ القَصرَ وهُوَ حَزينٌ كَئيبٌ ، فَقالَ : الحَمدُ للّهِِ عَلى ما قَضى مِن أمري وقَدَّرَ مِن فِعلي وَابتَلاني بِكُم أيَّتُهَا الفِرقَةُ ؛ مِمَّن لا يُطيعُ اذا أمَرتُ ولا يُجيبُ إذا دَعَوتُ ، لا أبا لِغَيرِكُم ! ما تَنتَظِرونَ بِصَبرِكُم
.
ص: 131
وَالجِهادِ عَلى حَقِّكُم ! المَوتُ وَالذُّلُّ لَكُم في هذِهِ الدُّنيا عَلى غَيرِ الحَقِّ ، فَوَاللّهِ ، لَئِن جاءَ المَوتُ _ ولَيَأتِيَنَّ _ لَيُفَرِّقَنَّ بَيني وبَينَكُم ، وأنَا لِصُحبَتِكُم قالٍ وبِكُم غَيرُ ضَنينٍ ، للّهِِ أنتُم لا دينَ يَجمَعُكُم ولا حَمِيَّةَ تُحميكُم ، إذا أنتُم سَمِعتُم بِعَدُوِّكُم يَرِدُ بِلادَكُم ويَشِنُّ الغارَةَ عَلَيكُم ، أوَ لَيسَ عَجَبا أنَّ مُعاوِيَةَ يَدعُو الجُفاةَ الطَّغامَ فَيَتَّبِعونَهُ عَلى غَيرِ عَطاءٍ ولا مَعونَةٍ ، ويُجيبُونَهُ فِي السَّنَةِ المَرَّتَينِ وَالثَّلاثِ إلى أيِّ وَجهٍ شاءَ ، وأنَا أدعوكُم _ وأنتُم اُولُو النُّهى وبَقِيَّةُ النّاسِ _ عَلَى المَعونَةِ وطائِفَةٌ مِنكُم عَلَى العَطاءِ ، فَتَقومونَ عَنّي وتَعصونَني وتَختَلِفونَ عَلَيَّ ؟ فَقامَ إلَيهِ مالِكُ بنُ كَعبٍ الهَمدانِيُّ ثُمَّ الأَرحَبِيُّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ اندُبِ النّاسَ فَإِنَّهُ لا عِطرَ بَعدَ عَروسٍ (1) ، لِمِثلِ هذَا اليَومِ كُنتُ أدَّخِرُ نَفسي ، وَالأَجرُ لا يَأتي إلّا بِالكَرَّةِ . اِتَّقُوا اللّهَ وأجيبوا إمامَكُم وَانصُروا دَعوَتَهُ وقاتِلوا عَدُوَّهُ ، أنَا أسيرُ إلَيها يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : فَأَمَرَ عَلِيٌّ مُناديهِ سَعداً فَنادى فِي النّاسِ : ألَا انتَدَبوا إلى مِصرَ مَعَ مالِكِ بنِ كَعبٍ . ثُمَّ إنَّهُ خَرَجَ وخَرَجَ مَعَهُ عَلِيٌّ فَنَظَرَ فَإِذا جَميعُ مَن خَرَجَ نَحوَ ألفَي رَجُلٍ . فَقالَ : سِر فَوَاللّهِ ، ما إخالُكَ تُدرِكُ القَومَ حَتّى يَنقَضي أمرَهُم . قالَ : فَخَرَجَ بِهِم فَسارَ خَمساً . و[لَمَّا اُخبِرَ الإِمامُ بِفَتحِ مِصرَ وقَتلِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ] سَرَّحَ عَلِيٌّ عبدَالرَّحمنِ بنَ شُرَيحِ الشِّبامِيَّ إلى مالِكِ بنِ كَعبٍ فَرَدَّهُ مِنَ الطَّريقِ (2) .
.
ص: 132
7 / 5إستِشهادُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍولّى الإمام عليه السلام محمّد بن أبي بكر على مصر سنة 36 ه باقتراح من عبد اللّه بن جعفر ، وذلك بعد عزل قيس بن سعد عنها (1) . من هنا لم يشهد محمّدٌ معركة صفّين (2) . تشدّد محمّد على أشخاص كان هواهم في عثمان (3) ، فتمرّدوا عليه بعدما جرى في صفّين وما آلَت إليه من التحكيم (4) ، وضيّقوا عليه الخناق (5) ، وانتهز معاوية وعمرو بن العاص الفرصة فهبّوا إلى مؤازرة المتمرّدين (6) . فكادت الاُمور تفلت في مصر ، ويخرج هذا الإقليم من سيادة الدولة الإسلاميّة ، لذا عيّن الإمام عليه السلام مالكا مكانه ليُخمد الفتنة المستعرة فيها (7) ، لكنّ هذا النصير الفذّ الفريد استشهد في الطريق بأسلوبٍ غادر خبيث انتهجه معاوية ، فأعاد الإمام عليه السلام محمّدا إليها (8) . بعث معاوية عمرو بن العاص مع لُمّةٍ لإعانة المتمرّدين (9) . وكان لابن العاص نفوذ فيها إذ كان قد فتحها في زمان خلافة عمر (10) . فحدثت اشتباكات استُشهد فيها كنانة
.
ص: 133
الذي كان قد بعثه محمّد على رأس ألفين لمواجهة ابن العاص (1) ، فجرّ ذلك إلى أن ترك أصحاب محمّد أميرهم وحيدا ، فوقع في قبضة العدوّ (2) . ومن جانب آخر لم تُجْدِ استغاثة الإمام عليه السلام واستنصاره أهل الكوفة لمؤازرة محمّد (3) . وآل الأمر إلى أن يضع معاوية بن خديج محمّدا في جلد حمار ميّت ويحرقه ، وهو ظمآن (4) ، وجاء في بعض الأخبار أنّه اُحرق حيّا (5) . أحزن استشهاد محمّد بن أبي بكر الإمام عليه السلام كثيرا (6) ، وتوجّع على ما جرى على عزيزه الراحل ، وجزع عليه أشدّ الجزع ، وحين سُئل عليه السلام عن علّة جزعه الشديد ، قال : «رَحِمَ اللّهُ مُحَمَّدا ؛ كانَ غُلاما حَدَثا ، أما وَاللّهِ لَقَد كُنتُ أرَدتُ أن اُوَلّيَ المِرقالَ هاشِمَ بنَ عُتبَة بنِ أبي وَقّاصٍ مِصرَ ... بِلا ذمٍّ لِمُحَمَّدَ بنِ أبي بكرٍ ، لَقَد أجهَدَ نَفسَهُ وقَضى ما عَلَيهِ» (7) . وكان عليه السلام يُثني عليه ويذكره بخير في مناسبات مختلفة ويقول :
.
ص: 134
«لَقَد كانَ إلِيَّ حَبيبا ، وَكانَ لي رَبيبا (1) ، فَعِندَ اللّهِ نَحتَسِبُهُ وَلَدا ناصِحا ، وَعامِلاً كادِحا ، وَسَيفا قاطِعا ، وَرُكنا دافِعا» (2) .
تاريخ الطبري عن محمّد بن يوسف بن ثابت الأنصاري عن شيخ من أهل المدينة :خَرَجَ مُحَمَّدٌ في ألفَي رَجُلٍ ، وَاستَقبَلَ عَمرُو بنُ العاصِ كِنانَةَ وهُوَ عَلى مُقَدَّمَةِ مُحَمَّدٍ ، فَأَقبَلَ عَمرٌو نَحوَ كِنانَةَ ، فَلَمّا دَنا مِن كِنانَةَ سَرَّحَ الكَتائِبَ كَتيبَةً بَعدَ كَتيبَةٍ ، فَجَعَلَ كِنانَةُ لا تَأتيهِ كَتيبةٌ مِن كَتائِبِ أهلِ الشّامِ إلّا شَدَّ عَلَيها بِمَن مَعَهُ ، فَيَضرِبُها حَتّى يُقَرِّبَها لِعَمرِو بنِ العاصِ ، فَفَعَلَ ذلِكَ مِرارا ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ عَمرٌو بَعَثَ إلى مُعاوِيَةَ بنِ حُدَيجٍ السَّكوني ، فأتاهُ في مِثلِ الدَّهمِ (3) ، فَأَحاطَ بِكَنانَةَ وأصحابِهِ ، وَاجتَمَعَ أهلُ الشّامِ عَلَيهِم مِن كُلِّ جانِبٍ ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ كِنانَةُ بنُ بِشرٍ نَزَلَ عَن فَرَسِهِ ، ونَزَلَ أصحابَهُ وكِنانَةَ يَقولُ : «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَ_بًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْأَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِى الشَّ_كِرِينَ» (4) ، فَضارَبَهُم بِسَيفِهِ حَتَّى استُشهِدَ . وأقبَلَ عَمرُو بنُ العاصِ نَحوَ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ ، وقَد تَفَرَّقَ عَنهُ أصحابُهُ لَمّا بَلَغَهُم قَتلُ كِنانَةَ ، حَتّى بَقِيَ وما مَعَهُ أحَدٌ مِن أصحابِهِ ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ مُحَمَّدٌ خَرَجَ يَمشي فِي الطَّريقِ حَتَّى انتَهى إلى خِربَةٍ في ناحِيَةِ الطَّريقِ ، فَأَوى إلَيها ، وجاءَ عَمرُو ابنُ العاصِ حَتّى دَخَلَ الفُسطاطَ ، وخَرَجَ مُعاوِيَةُ بنُ حُدَيجٍ في طَلَبِ مُحَمَّدٍ . . . حَتّى دَخَلوا عَلَيهِ ، فَاستَخرَجوهُ ، وقَد كادَ يَموتُ عَطَشا ، فَأَقبَلوا بِهِ نَحوَ فُسطاطِ مصر . . . قالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : أ تَدري ما أصنَعُ بِكَ ؟ اُدخِلُكَ في جَوفِ حِمارٍ ، ثُمَّ اُحرِقُه
.
ص: 135
عَلَيكَ بِالنّارِ . فَقالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : إن فَعَلتُم بي ذلِكَ ، فَطالَما فُعِلَ ذلِكَ بَأَولِياءِ اللّهِ ! وإنّي لَأَرجو هذِهِ النّارَ الَّتي تُحرِقُني بِها أن يَجعَلَهَا اللّهُ عَلَيَّ بَردا وسَلاما كَما جَعَلَها عَلى خَليلِهِ إبراهيمَ ، وأن يَجعَلَها عَلَيكَ وعَلى أولِيائِكَ كَما جَعَلَها عَلى نُمرودَ وأولِيائِهِ ، إنَّ اللّهَ يَحرِقُكَ ومَن ذَكَرتَهُ قَبلُ وإمامَكَ _ يَعني مُعاوِيَةَ _ وهذا _ وأشارَ إلى عَمرِو بنِ العاصِ _ بِنارٍ تَلظّى عَلَيكُم ، كُلَّما خَبَت زادَها اللّهُ سَعيرا ، قالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : إنّي إنَّما أقتُلُكَ بِعُثمانَ . قالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : وما أنتَ وعُثمانُ ؟ إنَّ عُثمانَ عَمِلَ بِالجَورِ ، ونَبَذَ حُكمَ القُرآنِ ، وقَد قالَ اللّهُ تَعالى : «ومَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَ_ئِكَ هُمُ الْفَ_سِقُونَ» (1) ، فَنَقَمنا ذلِكَ عَلَيهِ فَقَتَلناهُ ، وحَسَّنتَ أنتَ لَهُ ذلِكَ ونُظَراؤُكَ ، فَقَد بَرَّأَنَا اللّهُ إن شاءَ اللّهُ مِن ذَنبِهِ ، وأنتَ شَريكُهُ في إثمِهِ وعِظَمِ ذَنبِهِ ، وجاعِلُكَ عَلى مِثالِهِ . قالَ : فَغَضِبَ مُعاوِيَةُ فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ ألقاهُ في جيفَةِ حِمارٍ ، ثُمَّ أحرَقَهُ بِالنّارِ ، فَلَمّا بَلَغَ ذلِكَ عائِشَةَ جَزِعَت عَلَيهِ جَزَعا شَديدا ، وقَنَتَت عَلَيهِ في دَبرِ الصَّلاةِ تَدعو عَلى مُعاوِيَةَ وعَمرٍو ، ثُمَّ قَبَضَت عِيالَ مُحَمَّدٍ إلَيها ، فَكانَ القاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ في عِيالِها (2) .
7 / 6حُزنُ الإِمامِالغارات عن مالك بن الجون الحضرمي :إنَّ عَلِيّا عليه السلام قالَ : رَحِمَ اللّهُ مُحَمَّدا ، كانَ غُلاما
.
ص: 136
حَدَثا ، أما وَاللّهِ ، لَقَد كُنتُ أرَدتُ أن اُوَلِّيَ المِرقالَ هاشِمَ بنَ عُتبَةِ بنِ أبي وَقّاصٍ مِصرَ ، وَاللّهِ، لَو أنَّهُ وُلِّيَها لَما خَلّى لِعَمرِو بنِ العاصِ وأعوانِهِ العَرصَةَ ، ولَما قُتِلَ إلّا وسَيفُهُ في يَدِهِ ، بِلا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ فَلَقَد أجهَدَ نَفسَهُ وقَضى ما عَلَيهِ . قالَ : فَقيلَ لَعِلِيٍّ عليه السلام : لَقَد جَزِعتَ عَلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ جَزَعا شَديدا يا أميرَ المُؤمِنينَ ! قالَ : وما يَمنَعُني ؟ إنَّهُ كانَ لي رَبيبا وكانَ لِبَنِيِّ أخا ، وكُنتُ لَهُ والِدا أعُدُّهُ وَلَدا (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في ذِكرِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: لَقَد كانَ إلَيَّ حَبيبا ، وكانَ لي رَبيبا (2) .
عنه عليه السلام_ في ذِكرِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: إنَّهُ كانَ لي وَلَدا ، ولِوُلدي ووُلدِ أخي أخا (3) .
عنه عليه السلام_ لَمّا بَلَغَهُ قَتلُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: إنَّ حُزنَنا عَلَيهِ عَلى قَدرِ سُرورِهِم بِهِ ، إلّا أنَّهُم نَقَصوا بَغيضا ، ونَقَصنا حَبيبا (4) .
7 / 7فَرَحُ مُعاوِيَةَالغارات عن جندب بن عبد اللّه_ في خَبَرِ قَتلِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: قَدِمَ عَلَيهِ [عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ]عَبدُ الرَّحمنِ بنِ المُسَيِّبِ الفَزارِيُّ . . . عَينُهُ بِالشّامِ . . . وحَدَّثَهُ أنَّهُ لَم يَخرُج مِنَ الشّامِ حَتّى قَدِمَتِ البُشرى مِن قِبَلِ عَمرِو بنِ العاصِ تَتري يَتبَعُ بَعضُها عَلى أثَرِ بَعضٍ بِفَتحِ مِصرَ وقَتلِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ ، وحَتّى أذَّنَ مُعاوِيَةُ بِقَتلِهِ عَلَى المِنبَرِ ، فَقال
.
ص: 137
لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما رَأَيتُ يَوما قَطُّ سُرورا بِمِثلِ سُرورٍ رَأَيتُهُ بِالشّامِ ، حَتّى أتاهُم هَلاكُ ابنِ أبي بَكرٍ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أما إنَّ حُزنَنا عَلى قَتلِهِ عَلى قَدرِ سُرورِهِم بِهِ ، لا بَل يَزيدُ أضعافا (1) .
7 / 8كِتابُ الإِمامِ إلَى ابنِ عَبّاسٍ بَعدَ استِشهادِ مُحَمَّدٍالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ عليه السلام إلى عَبدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ ، بَعدَ مَقتَلِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ مِصرَ قَد افتُتِحَت ، ومُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ قَد استُشهِدَ ، فَعِندَ اللّهِ نَحتَسِبُهُ وَلَدا ناصِحا ، وعامِلاً كادِحا ، وسَيفا قاطِعا ، ورُكنا دافِعا ، وقَد كُنتُ حَثَثتُ النّاسَ عَلى لِحاقِهِ ، وأمَرتُهُم بِغِياثِهِ قَبلَ الوَقعَةِ ، ودَعَوتُهُم سِرّا وجَهرا ، وعَودا وبَدءا فَمِنهُمُ الآتي كارِها ، ومِنهُمُ المُعتَلُّ كاذِبا ، ومِنهُمُ القاعِدُ خاذِلاً . أسأَلُ اللّهَ تَعالى أن يَجعَلَ لي مِنهُم فَرَجا عاجِلاً ، فَوَاللّهِ ، لَولا طَمَعي عِندَ لِقائي عَدُوّي فِي الشَّهادَةِ ، وتَوطيني نَفسي عَلَى المَنِيَّةِ ، لَأَحبَبتُ ألّا ألقى مَعَ هؤُلاءِ يَوما واحِدا ، ولا ألتَقي بِهِم أبَدا (2) .
7 / 9خُطبَةُ الإِمامِ بَعدَ قَتلِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍالإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ بَعدَ قَتلِ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: ألا إنَّ مِصرَ قَدِ افتَتَحَهَا الفَجَرَة
.
ص: 138
اُولُو الجَورِ وَالظُّلمِ الَّذينَ صَدّوا عَن سَبيلِ اللّهِ ، وبَغَوا الإِسلامَ عِوَجاً . ألا وإنَّ مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ قَدَ استُشهِدَ ، فَعِندَاللّهِ نَحتَسِبُهُ . أما وَاللّهِ إن كانَ ما عَلِمتُ لَمِمَّن يَنتَظِرُ القَضاءَ ، ويَعمَلُ لِلجَزاءِ ، ويُبغِضُ شَكلَ الفاجِرِ ، ويُحِبُّ هُدَى المُؤمِنِ ، إنّي وَاللّهِ ما ألومُ نَفسي عَلَى التَّقصيرِ ، وإنّي لِمُقاساةِ الحَربِ لَجِدٌّ خَبيرٌ ، وإنّي لَأَقدَمُ عَلَى الأَمرِ وأعرِفُ وَجهَ الحَزمِ ، وأقومُ فيكُم بِالرَّأيِ المُصيبِ ، فَأَستَصرِخُكُم مُعلِنا ، واُناديكُم نِداءَ المُستَغيثِ مُعرِبا ، فَلا تَسمَعونَ لي قَولاً ، ولا تُطيعونَ لي أمرا ، حَتّى تَصيرَ بِيَ الاُمورُ إلى عَواقِبِ المَساءَةِ ، فَأَنتُمُ القَومُ لا يُدرَكُ بِكُمُ الثَّأرُ ، ولا تُنقَضُ بِكُمُ الأَوتارُ ، دَعَوتُكُم إلى غِياثِ إخوانِكُم مُنذُ بِضعٍ وخَمسينَ لَيلَةً فَتَجَرجَرتُم جَرجَرَةَ الجَمَلِ الأَشدَقِ ، وتَثاقَلتُم إلَى الأَرضِ تَثاقُلَ مَن لَيسَ لَهُ نِيَّةٌ في جِهادِ العَدُوِّ ، ولَا اكتِسابِ الأَجرِ ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيَّ مِنكُم جُنَيدٌ مُتَذانِبٌ «كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ» (1) فَاُفٍّ لَكُم ! (2)
7 / 10رِسالَةُ الإِمامِ المَفتوحَةُ إلى اُمَّةِ الإِسلامِ بَعدَ احتِلالِ مِصرَالغارات عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه :دَخَلَ عَمرُو بنُ الحَمِقِ وحُجرُ بنُ عَدِيٍّ وحَبَّةُ العُرَنِيُّ وَالحارِثُ الأَعوَرُ وعَبدُ اللّهِ بنِ سَبَأٍ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام بَعدَمَا افتُتِحَت مِصرُ وهُوَ مَغمومٌ حَزينٌ فَقالوا لَهُ : بَيِّن لَنا ما قَولُكَ في أبي بَكرٍ وعُمَرَ ؟ فَقالَ لَهُم عَلِيٌّ عليه السلام : وهَل فَرَغتُم لِهذا ؟ ! وهذِهِ مِصرُ قَدِ افتُتِحَت وشيعَتي بِها قَد قُتِلَت ، أنَا مُخرِجٌ إلَيكُم كِتاباً اُخبِرُكُم فيهِ عَمّا سَأَلتُم وأسأَلُكُم أن تَحفَظوا مِن حَقّى ¨
.
ص: 139
ما ضَيَّعتُم ، فَاقرَؤوهُ عَلى شيعَتي وكونوا عَلَى الحَقِّ أعواناً . وهذِهِ نُسخَةُ الكِتابِ : مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مَن قَرَأَ كِتابي هذا مِنَ المُؤمِنينَ وَالمُسلِمينَ ، السَّلامُ عَلَيكُم ، فَإِنّي أحمَدُ إلَيكُم اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ . أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله نَذيراً لِلعالَمينَ ، وأميناً عَلَى التَّنزيلِ ، وشَهيداً عَلى هذِهِ الاُمَّةِ ، وأنتُم مَعاشِرُ العَرَبِ يَومَئِذٍ عَلى شَرِّ دينٍ وفي شَرِّ دارٍ ، مُنيخونَ عَلى حِجارَةٍ خَشِنٍ ، وحَيّاتٍ صُمٍّ (1) ، وشَوكٍ مَبثوثٍ فِي البِلادِ ، تَشرَبونَ الماءَ الخَبيثَ ، وتَأكُلونَ الطَّعامَ الجَشيبَ (2) ، وتَسفِكونَ دِماءَكُم ، وتَقتُلونَ أولادَكُم ، وتَقطَعونَ أرحامَكُم ، وتَأكُلونَ أموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ ، سُبُلُكُم خائِفَةٌ ، وَالأَصنامُ فيكُم مَنصوبَةٌ ، وَالآثامُ بِكُم مَعصوبَةٌ ، ولا يُؤمِنُ أكثَرُهُم بِاللّهِ إلّا وهُم مُشرِكونَ ، فَمَنَّ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَيكُم بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَبَعَثَهُ إلَيكُم رَسولاً مِن أنفُسِكُم ، وقالَ فيما أنزَلَ مِن كِتابِهِ : «هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَ_تِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَ_بَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَ_لٍ مُّبِينٍ» (3) وقالَ : «لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» (4) وقالَ : «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ» (5) وقال : «ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» (6) .
.
ص: 140
فَكانَ الرَّسولُ إلَيكُم مِن أنفُسِكُم بِلِسانِكُم ، وكُنتُم أوَّلَ المُؤمِنينَ تَعرِفونَ وَجهَهُ وشيعَتَهُ وعِمارَتَهَ ، فَعَلَّمَكُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَالفَرائِضَ وَالسُّنَّةَ ، وأمَرَكُم بِصِلَةِ أرحامِكُم وحَقنِ دِمائِكُم وصَلاحِ ذاتِ البَينِ ، وأن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إلى أهلِها وأن تُوَفّوا بِالعَهدِ ولاتَنقُضُوا الأَيمانَ بَعدَ تَوكيدِها ، وأمَرَكُم أن تَعاطَفوا وتَبارّوا وتَباذَلوا وتَراحَموا ، ونَهاكُم عَنِ التَّناهُبِ وَالتَّظالُمِ وَالتَّحاسُدِ وَالتَّقاذُفِ وَالتَّباغي ، وعَن شُربِ الخَمرِ وبَخسِ المِكيالِ ونَقصِ الميزانِ ، وتَقَدَّمَ إلَيكُم فيما اُنزِلَ عَلَيكُم : ألّا تَزِنوا ولا تَربوا ولا تَأكُلوا أموالَ اليَتامى ظُلما ، وأن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إلى أهلِها ولاتَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ ، ولاتَعتَدوا إنَّ اللّهَ لايُحِبُّ المُعتَدينَ . وكُلُّ خَيرٍ يُدني إلَى الجَنَّةِ ويُباعِدُ مِنَ النّارِ أمَرَكُم بِهِ ، وكُلُ شَرٍّ يُباعِدُ مِنَ الجَنَّةِ ويُدني مِنَ النّارِ نَهاكُم عَنهُ . فَلَمّا استَكمَلَ مُدَّتَهُ مِنَ الدُّنيا تَوَفّاهُ اللّهُ إلَيهِ سَعيداً حَميداً ، فَيا لَها مُصيبَةً خَصَّتِ الأَقرَبينَ وعَمَّت جَميعَ المُسلِمينَ ، ما اُصيبوا بِمِثلِها قَبلَها ولَن يُعايَنوا بَعدُ اُختَها . فَلَمّا مَضى لِسَبيلِهِ صلى الله عليه و آله تَنازَعَ المُسلِمونَ الأَمرَ بَعدَهُ ، فَوَاللّهِ ما كانَ يُلقى في روعي ولا يَخطُرُ عَلى بالي أنَّ العَرَبَ تَعدِلُ هذَا الأَمرَ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله عَن أهلِ بَيتِهِ ، ولا أنَّهُم مُنَحّوهُ عَنّي مِن بَعدِهِ . فَما راعَني إلَا انثِيالُ النّاسِ عَلى أبي بَكرٍ وإجفالُهُم إلَيهِ لِيُبايِعوهُ ، فَأَمسَكتُ يَدي ورَأَيتُ أنّي أحَقُّ بِمَقامِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي النّاسِ مِمَّن تَولَّى الأَمرَ مِن بَعدِهِ . فَلَبِثتُ بِذلِكَ ماشاءَ اللّهُ حَتّى رَأَيتُ راجِعَةً مِنَ النّاسِ رَجَعَت عَنِ الإِسلامِ يَدعونَ إلى مَحقِ دينِ اللّهِ ومِلَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وإبراهيمَ عليه السلام فَخَشيتُ إن لَم أنصُرِ الإِسلامَ وأهلَهُ أن أرى فيهِ ثَلماً وهَدماً يَكونُ مُصيبَتُهُ أعظَمَ عَلَيَّ مِن فَواتِ وِلايَةِ اُمورِكُمُ ، الَّتي إنَّما هِيَ مَتاعُ أيّامٍ قَلائِلَ ثُمَّ يَزولُ ما كانَ مِنها كَما يَزولُ السَّرابُ وكَما يَنقَشِعُ السَّحابُ ، فَمَشَيتُ عِندَ ذلِكَ إلى أبي بَكرٍ فَبايَعتُهُ ، ونَهَضتُ في تِلكَ الأَحداثِ حَتّى زاغَ الباطِلُ وزَهَقَ ،
.
ص: 141
وكانَت كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ العُليا ولَو كَرِهَ الكافِرونَ . فَتَولّى أبو بَكرٍ تِلكَ الاُمورَ فَيَسَّرَ وشَدَّدَ وقارَبَ وَاقتَصَدَ ، فَصَحِبتُهُ مُناصِحاً وأطَعتُهُ فيما أطاعَ اللّهَ فيهِ جاهِداً ، وما طَمِعتُ أن لَوحَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وأنَا حَيٌّ أن يَرِدَ إلَيَّ الأَمرُ الَّذي نازَعَتهُ فيهِ طَمَعُ مُستَيقِنٍ ولايَئِسَت مِنهُ يَأسُ مَن لايَرجوهُ ، ولَولا خاصَّةُ ما كانَ بَينَهُ وبَينَ عُمَرَ لَظَنَنتُ أنَّهُ لايَدفَعُها عَنّي . فَلَمَّا احتَضَرَ بَعَثَ إلى عُمَرَ فَوَلّاهُ فَسَمِعنا وأطَعنا وناصَحنا ، وتَوَلّى عُمَرُ الأَمرَ فَكانَ مَرضِيَّ السّيرَةِ مَيمونَ النَّقيبَةِ ، حَتّى إذَا احتَضَرَ قُلتُ في نَفسي : لَن يَعدِلَها عَنّي فَجَعَلَني سادِسَ سِتَّةٍ ، فَما كانوا لِوِلايَةِ أحَدٍ أشَدَّ كَراهِيَةٍ مِنهُم لِوِلايَتي عَلَيهِم ، فَكانوا يَسمَعونّي عِندَ وَفاةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله اُحاجُّ أبا بَكرٍ وأقولُ : يا مَعشَرَ قُرَيشٍ إنّا أهلَ البَيتِ أحَقُّ بِهذَا الأَمرِ مِنكُم ، ما كانَ فينا مَن يَقرَأُ القُرآنَ ويعَرَفُ السُّنَّةَ ويَدينُ دينَ الحَقِّ . فَخَشِيَ القَومُ إن أنَا وَلَيتُ عَلَيهِم أن لايَكونَ لَهُم فِي الأَمرِ نَصيبٌ مابَقَوا ، فَأَجمَعوا إجماعاً واحِدا ، فَصَرَفُوا الوِلايَةَ إلى عُثمانَ وأخرَجوني مِنها رَجاءَ أن يَنالوها ويَتَداوَلوها إذ يَئِسوا أن يَنالوا مِن قِبَلي ، ثُمَّ قالوا : هَلُمَّ فَبايِع وإلّا جاهَدناكَ . فَبايَعتُ مُستَكرِهاً وصَبَرتُ مُحتَسِباً ، فَقالَ قائِلُهُم : يَابنَ أبي طالِبٍ إنَّكَ عَلى هذَا الأَمرِ لَحَريصٌ ، فَقُلتُ: أنتُم أحرَصُ مِنّي وأبعَدُ ، أأنَا أحرَصُ إذا طَلَبتُ تُراثي وحَقِّيَ الَّذي جَعَلَنِيَ اللّهُ ورَسولُهُ أولى بِهِ ، أم أنتُم إذ تَضرِبونَ وَجهي دونَهُ وتَحولونَ بَيني وبَينَهُ ؟ ! فَبُهِتوا ، وَاللّهُ لايَهدِي القَومَ الظّالِمينَ . اللّهُمَّ إنّي أستَعديكَ عَلى قُرَيشٍ فَإِنَّهُم قَطَعوا رَحِمي ، وأصغَوا (1) إنائي ، وصَغَّروا عَظيمَ مَنزِلَتي ، وأجمَعوا عَلى مُنازَعَتي حَقّاً كُنتُ أولى بِهِ مِنهُم فَسَلَبونيهِ ، ثُمَّ قالوا : ألا إنَّ فِي الحَقِّ أن تَأخُذَهُ وفِي الحَقِّ أن تَمنَعَهُ فَاصبِر كَمِداً مُتَوَخِّما أومُت مُتَأَسِّفا
.
ص: 142
حَنِقاً . فَنَظَرتُ فَإِذا لَيسَ مَعي رافِدٌ ولاذابٌ ولامُساعِدٌ إلّا أهلُ بَيتي ، فَضَنِنتُ بِهِم عَنِ الهَلاكِ ، فَأَغضَيتُ عَلَى القَذى ، وتَجَرَّعتُ ريقي عَلَى الشَّجى ، وصَبَرتُ مِن كَظمِ الغَيظِ عَلى أمَرَّ مِنَ العَلقَمِ وآلَمَ لِلقَلبِ مِن حَزِّ الشِّفارِ . حَتّى إذا نَقَمتُم عَلى عُثمانَ أتَيتُموهُفَقَتَلتُموهُ ثُمَّ جِئتُموني لِتُبايِعوني ، فَأَبَيتُ عَلَيكُم وأمسَكتُ يَدي فَنازَعتُموني ودافَعتُموني ، وبَسَطتُم يَدي فَكَفُفتُها ، ومَدَدتُم يَدي فَقَبَضتُها ، وَازدَحَمتُم عَلَيَّ حَتّى ظَنَنتُ أنَّ بَعضَكُم قاتِلُ بَعضٍ أو أنَّكُم قاتِلي ، فَقُلتُم : بايِعنا لا نَجِدُ غَيرَكَ ولا نَرضى إلّا بِكَ ، فَبايِعنا لا نَفتَرِق ولا تَختَلِف كَلِمَتُنا . فَبايَعتُكُم ودَعَوتُ النّاسَ إلى بَيعَتي ، فَمَن بايَعَ طائِعا قَبِلتُهُ مِنهُ ، ومَن أبى لَم اُكرِههُ وتَرَكتُهُ . فَبايَعَني فيمَن بايَعَني طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ولَو أبَيا ما اُكرِهتُهُما كَما لَم اُكرِه غَيرَهُما ، فَما لَبِثنا إلّا يَسيرا حَتّى بَلَغَني أن خَرَجا مِن مَكَّةَ مُتَوَجِّهينَ إلَى البَصرَةِ في جَيشٍ ما مِنهُم رَجُلٌ إلّا بايَعَني وأعطانِيَ الطّاعَةَ ، فَقَدِما عَلى عامِلي وخُزّانِ بَيتِ مالي وعَلى أهلِ مِصرَ كُلُّهُم عَلى بَيعَتي وفي طاعَتي فَشَتَّتوا كَلِمَتَهُم وأفسَدوا جَماعَتَهُم ، ثُمَّ وَثَبوا عَلى شيعَتي مِنَ المُسلِمينَ فَقَتَلوا طائِفَةً مِنهُم غَدرا ، وطائِفَةً صَبرا ، وطائِفَةً عَصَّبوا بِأَسيافِهِم فَضارَبوا بهِا حَتّى لَقُوا اللّهَ صادِقينَ ، فَوَاللّهِ ، لَو لَم يُصيبوا مِنهُم إلّا رَجُلاً واحِدا مُتَعَمِّدينَ لِقَتلِهِ بِلا جُرمٍ جَرَّهُ لِحَلَّ لي بِهِ قَتلُ ذلِكَ الجَيشِ كُلِّهِ ، فَدَع ما إنَّهم قَد قَتَلوا مِنَ المُسلِمينَ أكثَرَ مِنَ العِدَّةِ الَّتي دَخَلوا بِها عَلَيهِم ، وقَد أدالَ (1) اللّهُ مِنهُم فَبُعدا لِلقَومِ الظّالِمينَ . ثُمَّ إنّي نَظَرتُ في أهلِ الشّامِ فَإِذا أعرابٌ أحزابٌ ، وأهلُ طَمَعٍ جُفاةٌ طَغامٌ (2)
.
ص: 143
يَجتَمِعونَ مِن كُلِّ أوبٍ ، ومَن كانَ يَنبَغي أن يُؤَدَّبَ ويُدَرَّبَ أو يُوَلّى عَلَيهِ ويُؤخَذَ عَلى يَدَيهِ ، لَيسوا مِنَ المُهاجِرينَ ولَا الأَنصارِ ، ولَا التّابِعينَ بِإِحسانٍ ، فَسِرتُ إلَيهِم فَدَعَوتُهُم إلَى الطّاعَةِ وَالجَماعَةِ ، فَأَبَوا إلّا شِقاقا ونِفاقا ونُهوضا في وُجوهِ المُسلِمينَ ، يَنضِحونَهُم (1) بِالنَّبلِ ويَشجُرونَهُ (2) بِالرِّماحِ . فَهُناكَ نَهَدتُ (3) إلَيهِم بِالمُسلِمينَ فَقاتَلتُهُم ، فَلَمّا عَضَّهُمُ السِّلاحُ ووَجَدوا ألَمَ الجِراحِ رَفَعُوا المَصاحِفَ يَدعونَكُم إلى ما فيها ، فَأَنبَأتُكُم أنَّهُم لَيسوا بِأَصحابِ دينٍ ولا قُرآنٍ ، وأنَّهُم رَفَعوها غَدرا ومَكيدَةً وخَديعَةً ووَهنا وضَعفا ؛ فَامضوا عَلى حَقِّكُم وقِتالِكُم ، فَأَبَيتُم عَلَيَّ وقُلتُم : اِقبَل مِنهُم ، فَإِن أجابوا إلى ما فِي الكِتابِ جامِعونا عَلى ما نَحنُ عَلَيهِ مِنَ الحَقِّ ، وإن أبَوا كانَ أعظَمَ لِحُجَّتِنا عَلَيهِم ، فَقَبِلتُ مِنكُم ، وكَفُفتُ عَنهُم إذ أبَيتُم ووَنَيتُم ، وكانَ الصُّلحُ بَينَكُم وبَينَهُم عَلى رَجُلَينِ يُحيِيانِ ما أحيَا القُرآنُ ، ويُميتانِ ما أماتَ القُرآنُ ، فَاختَلَفَ رَأيُهُما وتَفَرَّقَ حُكمُهُما ، ونَبَذا ما فِي القُرآنِ وخالَفا ما فِي الكِتابِ ، فَجَنَّبَهُمَا اللّهُ السَّدادَ ودَلّاهُما فِي الضَّلالِ ، فَنبَذا (4) حُكمَهُما وكانا أهلَهُ . فَانخَزَلَت (5) فِرقَةٌ مِنّا فَتَرَكناهُم ما تَرَكونا حَتّى إذا عَثَوا فِي الأَرضِ يَقتُلونَ ويُفسِدونَ أتَيناهُم فَقُلنا : اِدفَعوا إلَينا قَتَلةَ إخوانِنا ، ثُمَّ كِتابُ اللّهِ بَينَنا وبَينَكُم ، قالوا : كُلُّنا قَتَلَهُم ، وكُلُّنَا استَحَلَّ دِماءَهُم ودِماءَكُم ، وشُدَّت عَلَينا خَيلُهُم ورِجالُهُم ، فَصَرَعَهُمُ اللّهُ مَصرَعَ الظّالِمينَ .
.
ص: 144
فَلَمّا كانَ ذلِكَ مِن شَأنِهِم أمَرتُكُم أن تَمضوا مِن فَورِكُم ذلِكَ إلى عَدُوِّكُم فَقُلتُم : كَلَّت سُيوفُنا ، ونَفِدَت نِبالُنا ، ونَصَلَت (1) أسِنَّةُ رِماحِنا ، وعادَ أكثَرُها قَصدا (2) فَارجِع بِنا إلى مِصرِنا لِنَستَعِدَّ بِأَحسَنِ عُدَّتِنا ، وإذا رَجَعتَ زِدتَ في مُقاتَلَتِنا عِدَّةَ مَن هَلَكَ مِنّا وفارَقَنا ، فَإِنَّ ذلِكَ أقوى لَنا عَلى عَدُوِّنا . فَأَقبَلتُ بِكُم حَتّى إذا أطلَلتُم عَلَى الكوفَةِ أمَرتُكُم أن تَنزِلوا بِالنُّخَيلَةِ (3) ، وأن تَلزَموا مُعَسكَرَكُم ، وأن تَضُمّوا قَواضِبَكُم (4) ، وأن تُوَطِّنوا عَلَى الجِهادِ أنفُسَكُم ، ولا تُكثِروا زِيارَةَ أبنائِكُم ونِسائِكُم . فَإِنَّ أصحابَ الحَربِ المُصابِروها ، وأهلَ التَّشميرِ فيهَا الَّذينَ لا يَنوحونَ مِن سَهَرِ لَيلِهِم ولا ظَمَأِ نَهارِهِم ولا خَمَصِ بُطونِهِم ولا نَصَبِ أبدانِهِم ، فَنَزَلَت طائِفَةٌ مِنكُم مَعي مُعَذِّرَةً ، ودَخَلَت طائِفَةٌ مِنكُم المِصرَ عاصِيَةً ، فَلامَن بَقِيَ مِنكُم ثَبَتَ وصَبَرَ ، ولا مَن دَخَلَ المِصرَ عادَ إلَيَّ ورَجَعَ ، فَنَظَرتُ إلى مُعَسكَري ولَيسَ فيهِ خَمسونَ رَجُلاً ، فَلَمّا رَأَيتُ ما أتَيتُم دَخَلتُ إلَيكُم فَما قَدَرتُ عَلى أن تَخرُجوا مَعي إلى يَومِنا هذا . فَما تَنتَظِرونَ ؟ أ ما تَرَونَ إلى أطرافِكُم قَدِ انتَقَصَت ، وإلى أمصارِكُم قَدِ افتُتِحَت ، وإلى شيعَتي بِها بَعدُ قَد قُتِلَت ، وإلى مَسالِحِكُم (5) تُعرى ، وإلى بِلادِكُم تُغزى ، وأنتُم ذَوو عَدَدٍ كَثيرٍ ، وشَوكَةٍ وبَأسٍ شَديدٍ ، فَما بالُكُم ؟ للّهِِ أنتُم ! مِن أينَ تُؤتَونَ ؟ وما لَكُم أنّى تؤُفَكونَ؟ ! وأنّى تُسحَرونَ ؟ ! ولَو أنَّكُم عَزَمتُم وأجمَعتُم لَم تُراموا،
.
ص: 145
ألا إنَّ القَومَ قَدِ اجتَمَعوا وتَناشَبوا وتَناصَحوا وأنتُم قَد وَنَيتُم وتَغاشَشتُم وَافتَرَقتُم ، ما أنتُم إن أتمَمتُم عِندي عَلى ذي سَعداءَ ، فَأَنبَهوا نائِمَكُم وَاجتَمَعوا عَلى حَقِّكُم ، وتَجَرَّدوا لِحَربِ عَدُوِّكُم ، قَد بَدَتِ الرُّغوَةُ عَنِ الصَّريحِ (1) وقَد بَيَّنَ الصُّبحُ لِذي عَينَينِ . إنَّما تُقاتِلونَ الطُّلَقاءَ وأبناءَ الطُّلَقاءِ ، واُولِي الجَفاءِ ومَن أسلَمَ كَرها ، وكانَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنفُ الإِسلامِ كُلِّهِ حَربا ، أعداءُ اللّهِ وَالسُّنَّةِ وَالقُرآنِ وأهلُ البِدَعِ وَالأَحداثِ ، ومَن كانَت بَوائِقُهُ تُتَّقى ، وكانَ عَلَى الإِسلامِ وأهلِهِ مَخوفا ، وأكَلَةُ الرُّشا وعَبَدَةُ الدُّنيا . لَقَد اُنهِيَ إلَيَّ أنَّ ابنَ النّابِغَةِ (2) لَم يُبايِع حَتّى أعطاهُ ثَمَنا وشَرَطَ أن يُؤتِيَهُ أتِيَّةً هِيَ أعظَمُ مِمّا في يَدِهِ مِن سُلطانِهِ ، ألا صَفِرَت يَدُ هذَا البائِعِ دينَهُ بِالدُّنيا ! وخَزِيَت أمانَةُ هذَا المُشتَري نُصرَةَ فاسِقٍ غادِرٍ بِأَموالِ المُسلِمينَ ! وإنَّ فيهِم لَمَن قَد شَرِبَ فيكُمُ الخَمرَ وجُلِدَ الحَدَّ فِي الإِسلامِ ، يُعرَفُ بِالفِسادِ فِي الدِّينِ وَالفِعلِ السَيِّي ، وإنَّ فيهِم لَمَن لَم يُسلِم حَتّى رُضِخَ لَهُ عَلَى الإِسلامِ رَضيخَةً (3) . فَهؤُلاءِ قادَةُ القَومِ ، ومَن تَرَكَت ذِكرَ مَساويهِ مِن قادَتِهُم مِثلُ مَن ذُكِرَت مِنهُم بَل هُوَ شَرٌّ مِنهُم ، وهؤُلاءِ الَّذينَ ذُكِرَت لَو وَلَّوا عَلَيكُم لَأَظهَروا فيكُمُ الفَسادَ وَالكِبرَ وَالفُجورَ وَالتَّسَلُّطَ بِالجَبرِيَّةِ وَالفَسادِ فِي الأَرضِ ، وَاتَّبَعُوا الهَوى وحَكَموا بِغَيرِ الحَقِّ ، ولَأَنتُم عَلى ما كانَ فيكُم مِن تَواكُلٍ وتَخاذُلٍ خَيرٌ مِنهُم وأهدى سَبيلاً ؛ فيكُمُ العُلَماءُ وَالفُقَهاءُ وَالنُّجَباءُ وَالحُكَماءُ ، وحَمَلَةُ الكِتابِ ، وَالمُتَهَجِّدونَ بِالأَسحارِ ، وعَمّارُ المَساجِدِ بِتِلاوَةِ القُرآنِ ، أفَلا تَسخَطونَ وتَهتَمّونَ أن يُنازِعَكُمُ الوِلايَةَ عَلَيكُم
.
ص: 146
سُفَهاؤُكُم ، وَالأَشرارُ الأَراذِلُ مِنكُم ؟ ! فَاسمَعوا قَولي _ هَداكُمُ اللّهُ _ إذا قُلتُ ، وأطيعوا أمري إذا أمَرَتُ ! فَوَاللّهِ لَئِن أطَعتُموني لا تَغوونَ ، وإن عَصَيتُموني لا تَرشُدونَ ، خُذوا لِلحَربِ اُهبَتَها ، وأعِدّوا لَها عُدَّتَها ، وأجمَعوا إلَيها فَقَد شُبَّت واوقِدَت نارُها وعَلا شَنارُها (1) وتَجَرَّدَ لَكُم فيهَا الفاسِقونَ كَي يُعَذِّبوا عِبادَ اللّهِ ، ويُطفِئوا نورَ اللّهِ . ألا إنَّهُ لَيسَ أولِياءُ الشَّيطانِ مِن أهلِ الطَّمَعِ وَالجَفاءِ وَالكِبرِ بِأَولى بِالجِدِّ في غَيِّهِم وضَلالِهِم وباطِلِهِم مِن أولِياءِ اللّهِ ، مِن أهلِ البِرِّ وَالزَّهادَةِ وَالإِخباتِ في حَقِّهِم وطاعَةِ رَبِّهم ومُناصَحَةِ إمامِهِم . إنّي وَاللّهِ ، لَو لَقيتُهُم فَردا وهُم مِل ءُ الأَرضِ ما بالَيتُ ولَا استَوحَشتُ ، وإنّي مِن ضَلالَتِهِمُ الَّتي هُم فيها وَالهُدَى الَّذي نَحنُ عَلَيهِ لَعَلى ثِقَةٍ وبَيِّنَةٍ ويَقينٍ وصَبرٍ ، وإنّي إلى لِقاءِ رَبّي لَمُشتاقٌ ، ولِحُسنِ ثَوابِ رَبّي لَمُنتَظِرٌ ، ولكِنَّ أسَفا يَعتَريني ، وحُزنا يُخامِرُني مِن أن يَلِيَ أمرَ هذِهِ الاُمَّةِ سُفهاؤُها وفُجّارُها فَيَتَّخِذوا مالَ اللّهِ دُوَلاً ، وعِبادَ اللّهِ خَوَلاً (2) وَالصّالِحينَ حَربا وَالفاسِقينَ حِزبا ، وَايمُ اللّهِ ، لَولا ذلِكَ ما أكثَرتُ تَأنيبَكُم وتَأليبَكُم وتَحريضَكُم ، ولَتَرَكتُكُم إذ وَنَيتُم وأبَيتُم حَتّى ألقاهُم بِنَفسي مَتى حَمَّ (3) لي لِقاؤُهُم ! فَوَاللّهِ ، إنّي لَعَلَى الحَقِّ ، وإنّي لِلشَّهادَةِ لَمُحِبٌّ ، ف «انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَ_هِدُواْ بِأَمْوَ لِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ذَ لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (4) ولا تُثاقِلوا إلَى الأَرضِ فَتَقِرّوا بِالخَسفِ وتَبوؤوا بِالذُّلِّ ، ويَكُن نَصيبُكُمُ الأَخسَرَ ، إنَّ أخا الحَرب
.
ص: 147
اليَقظانَ الأَرِقُ ، ومَن نامَ لَم يَنُم عَنهُ ، ومَن ضَعُفَ أودى ، ومَن تَرَكَ الجِهادَ فِي اللّهِ كانَ كَالمَغبونِ المَهينِ . اللّهُمَّ اجمَعنا وإيّاهُم عَلَى الهُدى ، وزَهِّدنا وإيّاهُم فِي الدُّنيا ، وَاجعَلِ الآخِرَةَ خَيرا لَنا ولَهُم مِنَ الاُولى ، وَالسَّلامُ 1 .
.
ص: 148
. .
ص: 149
الفصل الثامن: هجمات أذناب معاوية8 / 1السياسة العلوية والسياسة الاُمويّةبعد أن تحمّل معاوية مرارة الانكسار في صفَّين توصّل إلى هذه النتيجة وهي عدم قدرته على مواجهة الإمام وجهاً لوجه ، فانتهج اُسلوباً آخر من أجل الوصول إلى أهدافه وأطماعه المشؤومة ، فاتّخذ سياسة غير إسلاميّة و غير إنسانيّة في مواجهة الإمام ؛ وهي سياسة الإيذاء المباغت ، من قبيل : الاغتيال ، وإحراق المنازل والبيوت ، ونهب الأموال ، وإثارة الرعب والخوف بين الناس ، وسلب الأمن عن البلاد الإسلاميّة . وفي هذا المجال كتب المسعودي _ المؤرّخ المعروف _ : «وكان معاوية في بقيّة أيّام عليّ يبعث سرايا تُغير ، وكذلك عليّ كان يبعث من يمنع سرايا معاوية من أذيّة الناس» (1) . وقد رام معاويةُ بانتهاجه هذه السياسة اللئيمة الخطرة الأهدافَ التالية : 1 _ زرع اليأس في قلوب الناس من حكومة الإمام عليه السلام ، وفَتّ مقاومتهم ومنعهم عن الاستمرار في معاضدة الإمام .
.
ص: 150
2 _ السيطرة على المحالّ التي لها موقع سياسي هامّ كالبصرة ومصر . 3 _ إلجاء الإمام إلى المقابلة بالمثل ، وإزالة قدسيّة الإمام من أذهان الناس . 4 _ استغلال غطاء «عهد الصلح» المشروط _ الذي أمضاه الإمام في التحكيم _ لخدمة مصالحه وأهدافه ، وبالتالي دفع الإمام لنقض العهد المذكور . والذي ساعد على إيجاد أرضيّة مناسبة لهذه السياسة الخطرة هو استشهاد جملة من أركان جيش الإمام من جانب ، ومن جانب آخر تعب جيش الإمام وعدم طاعتهم لقائدهم . لكنّ الإمام عليه السلام _ في ذلك الظرف الحسّاس _ لم يتخطّ حدود العدالة قَيدَ أنملة ، وأبقى درساً عمليّاً للحكومات التي تريد الاستنارة بنهجه في الوفاء والثبات على هذه السياسة المباركة ، بل لم يكن حاضراً لنقض ذلك العهد المشروط الذي اُلجئ إلى قبوله . وإليك كلام الإمام عليه السلام في هذا المجال :
الإرشاد :ومِن كَلامِهِ عليه السلام لَمّا نَقَضَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ شَرطَ المُوادَعَةِ وأقبَلَ يَشُنُّ الغاراتِ عَلى أهلِ العِراقِ ، فَقالَ بَعدَ حَمدِ اللّهِ وَالثَّناءِ عَلَيهِ : ما لِمُعاوِيَةَ قاتَلَهُ اللّهُ ؟ ! لَقَد أرادَني عَلى أمرٍ عَظيمٍ ، أرادَ أن أفعَلَ كَما يَفعَلُ ، فَأَكونَ قَد هَتَكتُ ذِمَّتي ونَقَضتُ عَهدي ، فَيَتَّخِذَها عَلَيَّ حُجَّةً ، فَتَكونَ عَلَيَّ شَينا إلى يَومِ القِيامَةِ كُلَّما ذُكِرتُ . فَإِن قيلَ لَهُ : أنتَ بَدَأتَ ، قالَ : ما عَلِمتُ ولا أمَرتُ ، فَمِن قائِلٍ يَقولُ : قَد صَدَقَ ، ومِن قائِلٍ يَقولُ : كَذِبَ . أمَ واللّهِ ، إنَّ اللّهَ لَذو أناةٍ وحِلمٍ عَظيمٍ ، لَقَد حَلُمَ عَن كَثيرٍ مِن فَراعِنَةِ الأَوَّلينَ وعاقَبَ فَراعِنَةً ، فَإِن يُمهِلهُ اللّهُ فَلَن يَفوتَهُ ، وهُوَ لَهُ بِالمِرصادِ عَلى مَجازِ طَريقِهِ . فَليَصنَع ما بَدا لَهُ فَإِنّا غَيرُ غادِرينَ بِذِمَّتِنا ، ولا ناقِضينَ لِعَهدِنا ، ولا مُرَوِّعين
.
ص: 151
لِمُسلِمٍ ولا مُعاهَدٍ ، حَتّى يَنقَضي شَرطُ المُوادَعَةِ بَينَنا ، إن شاءَ اللّهُ (1) .
8 / 2هُجومُ ابنُ الحَضرَمِيِّ عَلَى البَصرَةِتاريخ الطبري عن أبي نعامة :لَمّا قُتِلَ مُحَمَّدُ بنُ أبي بكرٍ بِمِصرَ ، خَرَجَ ابنُ عَبّاسٍ مِنَ البَصرَةِ إلى عَلِيٍّ بِالكوفَةِ وَاستَخلَفَ زِيادا ، وقَدِمَ ابنُ الحَضرَمِيِّ مِن قِبَلِ مُعاوِيَةَ فَنَزَلَ في بَني تَميمٍ ، فَأَرسَلَ زِيادٌ إلى حَضينِ بِن المُنذِرِ ومالِكِ بنِ مِسمَعٍ فَقالَ : أنتُم يا مَعشَرَ بَكرِ بنِ وائِلٍ مِن أنصارِ أميرِ المُؤمِنينَ وثِقاتِهِ ، وقَد نَزَلَ ابنُ الحَضرَمِيِّ حَيثُ تَرَونَ وأتاهُ مَن أتاهُ ، فَامنَعوني حَتّى يَأتِيَني رَأيُ أميرِ المُؤمِنينَ . فَقالَ حَضينٌ : نَعَم . وقالَ مالِكٌ : _ وكانَ رَأيُهُ مائِلاً إلى بَني اُمَيَّةَ وكانَ مَروانُ لَجَأَ إلَيهِ يَومَ الجَمَلِ _ هذا أمرٌ لي فيهِ شُرَكاءُ أستَشيرُ وأنظِرُ . فَلَمّا رَأى زِيادٌ تَثاقُلَ مالِكٍ خافَ أن تَختَلِفَ رَبيعَةُ ، فَأَرسَلَ إلى نافِعٍ أن أشِر عَلَيَّ فَأَشارَ عَلَيهِ نافِعٌ بِصَبرَةَ بنِ شَيمانَ الحُدّانِيِّ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ زِيادٌ فَقالَ : أ لا تُجيرُني وبَيتَ مالِ المُسلِمينَ فَإِنَّهُ فَيؤُكُم وأنَا أمينُ أميرِ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : بَلى إن حَمَلتَهُ إلَيَّ ونَزَلتَ داري . قال : فَإِنّي حامِلُهُ ، فَحَمَلَهُ وخَرَجَ زِيادٌ حَتّى أتَى الحُدّاَن ونَزَلَ في دارِ صَبرَةَ بنِ شَيمانَ ، وحَوَّلَ بَيتَ المالِ وَالمِنبَرَ فَوَضَعَهُ في مَسجِدِ الحُدّانِ ، وتَحَوَّلَ مَعَ زِيادٍ خَمسونَ رَجُلاً مِنهُم أبو أبي حاضِرٍ . وكانَ زِيادٌ يُصَلِّي الجُمعَةَ في مَسجِدِ الحُدّانِ ويُطعِمُ الطَّعامَ . فَقالَ زِيادٌ لِجابِرِ بنِ وَهَبٍ الراسِبِيِّ : يا أبا مُحَمَّدٍ إنّي لا أرَى ابنَ الحَضرَمِيِّ يَكُفُّ ،
.
ص: 152
ولا أراهُ إلّا سَيُقاتِلُكُم ، ولا أدري ما عِندَ أصحابِكَ فآمُرَهُم وانظُرَ ما عِندَهُم ، فَلَمّا صَلّى زِيادٌ جَلَسَ فِي المَسجِدِ ، وَاجتَمَعَ النّاسُ إلَيهِ فَقالَ جابِرٌ : يا مَعشَرَ الأَزدِ ، تَميمٌ تَزعُمُ أنَّهُم هُمُ النّاسُ وأنَّهُم أصبَرُ مِنكُم عِندَ البَأسِ ، وقَد بَلَغَني أنَّهُم يُريدونَ أن يَسيروا إلَيكُم حَتّى يَأخُذوا جارَكُم ويُخرِجوهُ مِنَ المِصرِ قَسراً ، فَكَيفَ أنتُم إذا فَعَلوا ذلِكَ وقَد أجَرتُموهُ وبَيتَ مالِ المُسلِمينَ ؟ ! فَقالَ صَبرَةُ بنُ شَيمانَ ، وكانَ مُفَخَّماً : إن جاءَ الأَحنَفُ جِئتُ ، وإن جاءَ الحُتاتُ جِئتُ ، وإن جاءَ شُبّانٌ فَفينا شُبّانٌ . فَكانَ زِيادٌ يَقولُ : إنَّنِي استَضحَكتُ ونَهَضتُ ، وما كِدتُ مَكيدَةً قَطُّ كُنتُ إلَى الفَضيحَةِ بِها أقرَبَ مِنّي لِلفَضيحَةِ يَومَئِذٍ لِما غَلَبَني مِنَ الضِّحكِ . قالَ : ثُمَّ كَتَبَ زِيادٌ إلى عَلِيٍّ : إنَّ ابنَ الحَضرَمِيِّ أقبَلَ مِنَ الشّامِ فَنَزَلَ في دارِ بَني تَميمٍ ، ونَعى عُثمانَ ودَعا إلَى الحَربِ وبايَعَتهُ تَميمٌ وجُلُّ أهلِ البَصرَةِ ، ولَم يَبقَ مَعي مَن أمتَنِعُ بِهِ ، فَاستَجَرتُ لِنَفسي ولِبَيتِ المالِ صَبرَةَ بنَ شَيمانَ ، وتَحَوَّلتُ فَنَزَلتُ مَعَهُم ، فَشيعَةُ عُثمانَ يَختَلِفونَ إلَى ابنِ الحَضرَمِيِّ . فَوَجِّه عَلَيَّ أعيَنَ بنَ ضُبَيعَةَ المُجاشِعِيَّ لِيُفَرِّقَ قَومَهُ عَنِ ابنِ الحَضرَمِيِّ ، فَانظُر ما يَكونُ مِنهُ ، فَإِن فَرَّقَ جَمعَ ابنِ الحَضرَمِيِّ فَذلِكَ ما تُريدُ ، وإن تَرَقَّت بِهِمُ الأُمورُ إلَى التَّمادي فِي العِصيانِ فَانهَض إلَيهِم فَجاهِدهُم ، فَإِن رَأَيتَ مِمَّن قِبَلَكَ تَثاقُلاً وخِفتَ أن لا تَبلُغَ ما تُريدَ ، فَدارِهِم وطاوِلهُم ثُمَّ تَسَمَّع وأبصِر ، فَكَأَنَّ جُنودَ اللّهِ قَد أظَلَّتكَ تَقتُلُ الظّالِمينَ . فَقَدِمَ أعيَنُ فَأَتى زِياداً فَنَزَلَ عِندَهُ ، ثُمَّ أتى قَومَهُ وجَمَعَ رِجالاً ونَهَضَ إلَى ابنِ الحَضرَمِيِّ ، فَدَعاهُم فَشَتَموهُ وناوَشوهُ فَانصَرَفَ عَنهُم ، ودَخَلَ عَلَيهِ قَومٌ فَقَتَلوهُ . فَلَمّا قُتِلَ أعيَنُ بنُ ضُبَيعَةَ أرادَ زِيادٌ قِتالَهُم ، فَأَرسَلَت بَنو تَميمٍ إلَى الأَزدِ : إنّا
.
ص: 153
لَم نُعَرِّض لِجارِكُم ولا لِأَحَدٍ مِن أصحابِهِ ، فَماذا تُريدونَ إلى جارِنا وحَربِنا ؟ فَكَرِهَتِ الأَزدُ القِتالَ وقالوا : إن عَرَّضوا لِجارِنا مَنَعناهُم ، وإن يَكُفّوا عَن جارِنا كَفُفنا عَن جارِهِم فَأَمسَكوا . وكَتَبَ زِيادٌ إلى عَلِيٍّ : أنَّ أعيَنَ بنَ ضُبَيعَةَ قَدِمَ فَجَمَعَ مَن أطاعَهُ مِن عَشيرَتِهِ ، ثُمَّ نَهَضَ بِهِم بِجِدٍّ وصِدقِ نِيَّةٍ إلَى ابنِ الحَضرَمِيِّ ، فَحَثَّهُم عَلَى الطّاعَةِ ودَعاهُم إلَى الكَفِّ وَالرُّجوعِ عَن شِقاقِهِم ، ووافَقَتهُم عامَّةُ قَومٍ فَهالَهُم ذلِكَ ، وتَصَدَّعَ عَنهُم كَثيرٌ مِمَّن كانَ مَعَهُم يُمنّيهِم نُصرَتَهُ ، وكانَت بَينَهُم مُناوَشَةٌ ، ثُمَّ انصَرَفَ إلى أهلِهِ فَدَخَلوا عَلَيهِ فَاغتالوهُ فَاُصيبَ ، رَحِمَ اللّهُ أعيَنَ ، فَأَرَدتُ قِتالَهُم عِندَ ذلِكَ فَلَم يَخِفَّ معَي مَن أقوى بِهِ عَلَيهِم ، وتَراسَلَ الحَيّانَ فَأَمسَكَ بَعضَهُم عَن بَعضٍ . فَلَمّا قَرَأَ عَلِيٌّ كِتابَهُ دَعا جارِيَةَ بنَ قُدامَةَ السَّعدِيَّ فَوَجَّهَهُ في خَمسينَ رَجُلاً مِن بَني تَميمٍ ، وبَعَثَ مَعَهُ شَريكَ بنَ الأَعوَرِ ويُقالُ : بَعَثَ جارِيَةَ في خَمسِمِئَةِ رَجُلٍ ، وكَتَبَ إلى زِيادٍ كِتاباً يُصَوِّبُ رَأيَهُ فيما صَنَعَ وأمَرَهَ بِمَعونَةِ جارِيَةَ بنِ قُدامَةَ وَالإِشارَةِ عَلَيهِ ، فَقَدِمَ جارِيَةُ البَصرَةَ ، فَأَتى زِياداً فَقالَ لَهُ : اِحتَفِز وَاحذَر أن يُصيبَكَ ما أصابَ صاحِبَكَ ، ولا تَثِقَنَّ بِأَحَدٍ مِنَ القَومِ . فَسارَ جارِيَةُ إلى قَومِهِ فَقَرَأَ عَلَيهِم كِتابَ عَلِيٍّ ووَعَدَهُم ، فَأَجابَهُ أكثَرُهُم ، فَسارَ إلَى ابنِ الحَضرَمِيِّ فَحَصَرَهُ في دارِ سِنبيلٍ ثُمَّ أحرَقَ عَلَيهِ الدّارَ وعَلى مَن مَعَهُ ، وكانَ مَعَهُ سَبعونَ رَجُلاً _ ويُقالُ أربَعونَ _ وتَفَرَّقَ النّاسُ ورَجَعَ زِيادٌ إلى دارِ الإِمارَةِ ، وكَتَبَ إلى عَلِيٍّ مَعَ ظَبيانَ بنِ عُمارَةَ وكانَ مِمَّن قَدِمَ مَعَ جارِيَةَ . . . وأنَّ جارِيَةَ قَدِمَ عَلَينا فَسارَ إلَى ابنِ الحَضرَمِيِّ فَقَتَلَهُ حَتَّى اضطَرَّهُ إلى دارٍ مِن دورِ بَني تَميمٍ في عِدَّةِ رِجالٍ مِن أصحابِهِ بَعدَ الإِعذارِ وَالإِنذارِ وَالدُّعاءِ إلَى
.
ص: 154
الطّاعَةِ ، فَلَم يُنيبوا ولَم يَرجِعوا ، فَأَضرَمَ عَلَيهِمُ الدّارَ فَأَحرَقَهُم فيها وهَدَمَت عَلَيهِم ، فَبُعداً لِمَن طَغى وعَصى (1) .
8 / 3غارَةُ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍتاريخ اليعقوبي :وَجَّهَ مُعاوِيَةُ النُّعمانَ بنَ بَشيرٍ ، فَأَغارَ عَلى مالِكِ بنِ كَعبٍ الأَرحَبِيِّ ، وكانَ عامِلَ عَلِيٍّ عَلى مَسلَحَةِ عَينِ التَّمرِ . فَنَدَبَ عَلِيٌّ فَقالَ : يا أهلَ الكوفَةِ ! اِنتَدِبوا إلى أخيكُم مالِكِ بنِ كَعبٍ ، فَإِنَّ النُّعمانَ ابنَ بَشيرٍ قَد نَزَلَ بِهِ في جَمعٍ لَيسَ بِكَثيرٍ لَعَلَّ اللّهَ أن يَقطَعَ مِنَ الظّالِمينَ طَرَفا . فَأَبطَؤوا ، ولَم يَخرُجوا (2) .
الكامل في التاريخ :في هذِهِ السَّنَةِ [39 ه ] فَرَّقَ مُعاوِيَةُ جُيوشَهُ فِي العِراقِ في أطرافِ عَلِيٍّ ، فَوَجَّهَ النُّعمانَ بنَ بَشيرٍ في ألفِ رَجُلٍ إلى عَينِ التَّمرِ ، وفيها : مالِكُ بنُ كَعبٍ مَسلَحةً لِعَلِيٍّ في ألفِ رَجُلٍ ، وكانَ مالِكٌ قَد أذِنَ لِأَصحابِهِ فَأَتُوا الكوفَةَ ولَم يَبقَ مَعَهُ إلّا مِئَةُ رَجُلٍ ، فَلَمّا سَمِعَ بِالنُّعمانِ كَتَبَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ يُخبِرُهُ ويَستَمِدُّهُ . فَخَطَبَ عَلِيٌّ النّاسَ ، وأمَرَهُم بِالخُروجِ إلَيهِ ، فَتَثاقَلوا . وواقَعَ مالِكٌ النُّعمانَ وجَعَلَ جِدارَ القَريَةِ في ظُهورِ أصحابِهِ ، وكَتَبَ مالِكٌ إلى مِخنَفِ بنِ سُلَيمٍ يَستَعينُهُ ، وهُوَ قَريبٌ مِنهُ ، وَاقتَتَلَ مالِكٌ وَالنُّعمانُ أشَدَّ قِتالٍ ، فَوَجَّهَ مِخنَفٌ ابنَهُ عَبدَ الرَّحمنِ في خَمسينَ رَجُلاً ، فَانتَهَوا إلى مالِكٍ وقَد كَسَروا جُفونَ سُيوفِهِم وَاستَقتَلوا ، فَلَمّا رَآهُم أهلُ الشّامِ انهَزَموا عِندَ المَساءِ ، وظَنّوا أنَّ لَهُم مَدَدا ، وتَبِعَهُم مالِكٌ فَقَتَلَ مِنهُم ثَلاثَةَ نَفَرٍ .
.
ص: 155
ولَمّا تَثاقَلَ أهلُ الكوفَةِ عَنِ الخُروجِ إلى مالِكٍ ، صَعِدَ عَلِيٌّ المِنبَرَ فَخَطَبَهُم ، ثُمَّ قالَ : يا أهلَ الكوفَةِ ! كُلَّما سَمِعتُم بِجَمعٍ مِن أهلِ الشّامِ أظَلَّكُمُ انجَحَرَ كُلُّ امرِئٍ مِنكُم في بَيتِهِ ، وأغلَقَ عَلَيهِ بابَهُ انجِحارَ الضَّبِّ في جُحرِهِ ، وَالضَّبُعِ في وِجارِها ، المَغرورُ مَن غَرَرتُموهُ ، ومَن فازَ بِكُم فازَ بِالسَّهمِ الأَخيَبِ ، لا أحرارٌ عِندَ النِّداءِ ، ولا إخوانٌ عند النَّجاءِ ! إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ! ماذا مُنيتُ بِهِ مِنكُم ؟ عُميٌ لا يُبصِرونَ ، وبُكمٌ لا يَنطِقونَ ، وصُمٌّ لا يَسمَعونَ ! إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي استِنفارِ أهلِ الكوفَةِ بَعدَ غارَةِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ _: يا أهلَ الكوفَةِ ! المَنسِرُ (2) مِن مَناسِرِ أهلِ الشّامِ ، إذا أظَلَّ عَلَيكُم أغلَقتُم أبوابَكُم ، وَانجَحَرتُم في بُيوتِكُمُ انجِحارَ الضَّبَّةِ في جُحرِها ، وَالضَّبُعِ في وِجارِها ، الذَّليلُ وَاللّهِ مَن نَصَرتُموهُ ، ومَن رَمى بِكُم رَمى بِأَفوَقِ ناصِلٍ ، اُفٍّ لَكُم ! لَقَد لَقيتُ مِنكُم تَرَحا ، وَيحَكُم ! يَوما اُناجيكُم ويَوما اُناديكُم ، فَلا اُجابُ عِندَ النِّداءِ ، ولا إخوانٌ صَدقٌ عِندَ اللِّقاءِ ، أنَا وَاللّهِ مُنيتُ بِكُم ، صُمٌّ لا تَسمَعونَ ، بُكمٌ لا تَنطِقونَ ، عُميٌ لا تُبصِرونَ ، فَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ! وَيحَكُم ! اُخرُجوا إلى أخيكُم مالِكِ بنِ كَعبٍ ، فَإِنَّ النُّعمانَ بنَ بَشيرٍ قَد نَزَلَ بِهِ في جَمعٍ مِن أهلِ الشّامِ لَيسَ بِالكَثيرِ ، فَانهَضوا إلى إخوانِكُم لَعَلَّ اللّهَ يَقطَعُ بِكُم مِنَ الظّالِمينَ طَرَفا ! ثُمَّ نَزَلَ . فَلَم يَخرُجوا ، فَأَرسَلَ إلى وُجوهِهِم وكُبَرائِهِم ، فَأَمَرَهُم أن يَنهَضوا ويَحِثُّوا النّاسَ عَلَى المَسيرِ ، فَلَم يَصنَعوا شَيئا (3) .
.
ص: 156
8 / 4غارَةُ سُفيانَ بنِ عَوفٍالغارات عن سفيان بن عوف الغامدي :دَعاني مُعاوِيَةُ فَقالَ : إنّي باعِثُكَ في جَيشٍ كَثيفٍ ذي أداةٍ وجَلادَةٍ فَالزَم لي جانِبَ الفُراتِ حَتّى تَمُرَّ بِهيتَ (1) فَتَقطَعَها ، فَإِن وَجَدتَ بِها جُندا فَأَغِر عَلَيهِم وإلّا فَامضِ حَتّى تُغيرَ عَلَى الأَنبارِ ، فَإِن لَم تَجِد بِها جُندا فَامضِ حَتّى تُغيرَ عَلَى المَدائِنِ ثُمَّ أقبِل إلَيَّ ، وَاتَّقِ أن تَقرُبَ الكوفَةَ ، وَاعلَم أنَّكَ إن أغَرتَ عَلى أهلِ الأَنبارِ وأهلِ المَدائِنِ فَكَأَنَّكَ أغَرتَ عَلَى الكوفَةِ ، إنَّ هذِهِ الغاراتِ يا سُفيانُ عَلى أهلِ العِراقِ تَرهَبُ قُلوبَهُم وتُجَرِّئُ كُلَّ مَن كانَ لَهُ فينا هَوىً مِنهُم ويَرى فِراقَهُم ، وتَدعو إلَينا كُلَّ مَن كانَ يَخافُ الدَّوائِرَ ، وخَرَّبَ كُلَّ ما مَرَرتَ بِهِ مِنَ القُرى ، وَاقتُل كُلَّ مَن لَقيتَ مِمَّن لَيسَ هُوَ عَلى رَأيِكَ ، وَاحرَبِ (2) الأَموالَ ، فَإِنَّهُ شَبيهٌ بِالقَتلِ وهُوَ أوجَعُ لِلقُلوبِ (3) .
الكامل في التاريخ :وَجَّهَ مُعاوِيَةُ في هذِهِ السَّنَةِ [39 ه ] أيضا سُفيانَ بنَ عَوفٍ في سِتَّةِ آلافِ رَجُلٍ ، وأمَرَهُ أن يَأتِيَ هيتَ فَيَقطَعَها ، ثُمَّ يَأتِيَ الأَنبارَ وَالمَدائِنَ فَيوقِعَ بِأَهلِها . فَأَتى هيتَ فَلَم يَجِد بِها أحَدا ، ثُمَّ أتَى الأَنبارَ وفيها مَسلَحَةٌ لِعَلِيٍّ تَكونُ خَمسَمِئَةِ رَجُلٍ وقَد تَفَرَّقوا ولَم يَبقِ مِنهُم إلّا مِائَتا رَجُلٍ ، وكانَ سَبَبُ تَفَرُّقِهِم أنَّهُ كانَ عَلَيهِم كُمَيلُ بنُ زِيادٍ ، فَبَلَغَهُ أنَّ قَوما بِقَرقيسِيا يُريدونَ الغارَةَ عَلى هيتَ فَسارَ إلَيهِم بِغَيرِ أمرِ عَلِيٍّ . فَأَتى أصحابُ سُفيانَ وكُمَيلٌ غائِبٌ عَنها ، فَأَغضَبَ ذلِكَ عَلِيّا عَلى كُمَيلٍ ، فَكَتَب
.
ص: 157
إلَيهِ يُنكِرُ ذلِكَ عَلَيهِ . وطَمِعَ سُفيانُ في أصحابِ عَلِيٍّ لِقِلَّتِهِم فَقاتَلَهُم ، فَصَبَرَ أصحابُ عَلِيٍّ ثُمَّ قُتِلَ صاحِبُهُم ، وهُوَ أشرَسُ بنُ حَسّانٍ البَكرِيُّ ، وثَلاثونَ رَجُلاً ، وَاحتَمَلوا ما فِي الأَنبارِ مِن أموالِ أهلِها ورَجَعوا إلى مُعاوِيَةَ . وبَلَغَ الخَبَرُ عَلِيّا فَأَرسَلَ في طَلَبِهِم فَلَم يُدرِكوا (1) .
تاريخ اليعقوبي :أغارَ سُفيانُ بنُ عَوفٍ عَلَى الأَنبارِ ، فَقَتَلَ أشرَسَ بنَ حَسّانِ البَكرِيَّ ، فَأَتبَعَهُ عَلِيٌّ سَعيدَ بنَ قَيسٍ ، فَلَمّا أحَسَّ بِهِ انصَرَفَ مُوَلِّيا ، وتَبِعَهُ سَعيدٌ إلى عاناتٍ فَلَم يَلحَقهُ (2) .
الغارات عن محمّد بن مخنف :إنَّ سُفيانَ بنَ عَوفٍ لَمّا أغارَ عَلَى الأَنبارِ قَدِمَ عِلجٌ (3) مِن أهلِها عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ . فَصَعِدَ المِنبَرَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ أخاكُمُ البَكرِيَّ قَد اُصيبَ بِالأَنبارِ وهُوَ مُعتَزٌّ لا يَخافُ ما كانَ ، فَاختارَ ما عِندَ اللّهِ عَلَى الدُّنيا فَانتَدَبوا إلَيهِم حَتّى تُلاقوهُم ، فَإِن أصَبَتُم مِنهُم طَرَفا أنكَلتُموهُم عَنِ العِراقِ أبَدا ما بَقَوا . ثُمَّ سَكَتَ عَنهُم رَجاءَ أن يُجيبوهُ أو يَتَكَلَّموا ، أو يَتَكَلَّمَ مُتَكَلِّمٌ مِنهُم بِخَيرٍ فَلَم يَنبِس أحَدٌ مِنهُم بِكَلِمَةٍ ، فَلَمّا رَأى صَمتَهُم عَلى ما في أنفُسِهِم نَزَلَ فَخَرَجَ يَمشي راجِلاً حَتّى أتَى النُّخَيلَةَ وَالنّاسُ يَمشونَ خَلفَهُ حَتّى أحاطَ بِهِ قَومٌ مِن أشرافِهِم ، فَقالوا : اِرجِع يا أميرَ المُؤمِنينَ نَحنُ نَكفيكَ .
.
ص: 158
فَقالَ : ما تَكفونَني ولا تَكفونَ أنفُسَكُم ، فَلَم يَزالوا بِهِ حَتّى صَرَفوهُ إلى مَنزِلِهِ ، فَرَجَعَ وهُوَ واجِمٌ كَئيبٌ . ودَعا سَعيدَ بنَ قَيسٍ الهَمدانِيَّ فَبَعَثَهُ مِنَ النُّخَيلَةِ بِثَمانِيَةِ آلافٍ ، وذلِكَ أنَّهُ اُخبِرَ : أنَّ القَومَ جاؤوا في جَمعٍ كَثيفٍ . فَقالَ لَهُ : إنّي قَد بَعَثتُكَ في ثَمانِيَةِ آلافٍ ، فَاتَّبِع هذَا الجَيشَ حَتّى تُخرِجَهُ مِن أرضِ العِراقِ . فَخَرَجَ عَلى شاطِئِ الفُراتِ في طَلَبِهِ حَتّى إذا بَلَغَ عاناتٍ سَرَّحَ أمامَهُ هانِئَ بنَ الخطَّابِ الهَمدانِيَّ ، فَاتَّبَعَ آثارَهُم حَتّى إذا بَلَغَ أدانِيَ أرضِ قِنَّسرينَ (1) وقَد فاتوهُ ، ثُمَّ انصَرَفَ . قالَ : فَلَبِثَ عَلِيٌّ عليه السلام تُرى فيهِ الكَآبَةُ وَالحُزنَ حَتّى قَدِمَ عَلَيهِ سَعيدُ بنُ قَيسٍ فَكَتَبَ كِتابا ، وكانَ في تِلكَ الأَيّامِ عَليلاً فَلَم يُطِق عَلَى القِيامِ فِي النّاسِ بِكُلِّ ما أرادَ مِنَ القَولِ ، فَجَلَسَ بِبابِ السُّدَّةِ الَّتي تَصِلُ إلَى المَسجِدِ ، ومَعَهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهماالسلاموعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ ، فَدَعا سَعدا مَولاهُ فَدَفَعَ الكِتابَ إلَيهِ فَأَمَرَهُ أن يَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ ، فَقامَ سَعدٌ بِحَيثُ يَسمَعُ عَلِيٌّ قِراءَتَهُ وما يَرُدُّ عَلَيهِ النّاسُ ، ثُمَّ قَرَأَ الكِتابَ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ إلى مَن قُرِئَ عَلَيهِ كِتابي مِنَ المُسلِمينَ ، سَلامٌ عَلَيكُم . أمّا بَعدُ ، فَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، وسَلامٌ عَلَى المُرسَلينَ ، ولا شَريكَ للّهِِ الأَحَدِ القَيّومِ ، وصَلَواتُ اللّهِ عَلى مُحَمَّدٍ وَالسَّلامُ عَلَيهِ فِي العالَمينَ .
.
ص: 159
أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قَد عاتَبتُكُم في رُشدِكُم حَتّى سَئِمتُ ، أرجَعتُموني بِالهُزءِ مِن قَولِكُم حَتّى بَرِمتُ ، هَزِءَ مَنِ القَولُ لا يُعاديهِ ، وخَطِلَ مَن يُعِزُّ أهلَهُ ، ولَو وَجَدتُ بُدّا مِن خِطابِكُم وَالعِتابِ إلَيكُم ما فَعَلتُ ، وهذا كِتابي يَقرَأُ عَلَيكُم فَرُدّوا خَيرا وَافعَلوهُ ، وما أظُنُّ أن تَفعَلوا ، فَاللّهُ المُستعانُ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا بَلَغَهُ إغارَةُ أصحابِ مُعاوِيَةَ عَلَى الأَنبارِ 2 ، فَخَرَجَ بِنَفسِهِ ماشِيا حَتّى أتَى النُّخَيلَةَ فَأَدرَكَهُ النّاسُ ، وقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ نَحنُ نَكفيكَهُم _: ما تَكفونَني أنفُسَكُم ، فَكَيفَ تَكفونَني غَيرَكُم ؟ إن كانَتِ الرَّعايا قَبلي لَتَشكو حَيفَ رُعاتِها ، وإنَّنِي اليَومَ لَأَشكو حَيفَ رَعِيَّتي ، كَأَنَّنِي المَقودُ وهُمُ القادَةُ ، أوِ المَوزوعُ وهُمُ الوَزَعَةُ (2) .
عنه عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ لِأَهلِ الكوفَةِ بَعدَ تَحريضِهِم عَلى قِتالِ سُفيانَ بنِ عَوفٍ الَّذي غارَ عَلَى الأَنبارِ ، بَعدَ إباءِ أصحابِهِ عليه السلام عَنِ القِتالِ _: أيُّهَا النّاسُ المُجتَمِعَةُ أبدانُهُم ، المُتَفَرَّقَةُ أهواؤُهُم ، ما عَزَّ مَن دَعاكُم ، ولَا استَراحَ مَن قاساكُم ، كَلامُكُم يُوهِنُ الصُمَّ الصَّلابَ ، وفِعلُكُم يُطمِعُ فيكُم عَدُوَّكُم ، إن قُلتُ لَكُم : سيروا إلَيهِم فِي الحَرِّ ، قُلتُم : أمهِلنا يَنسَلِخ عَنَّا الحَرُّ ، وإن قُلتُ لَكُم : سيروا إلِيهِم فِي الشِّتاءِ ، قُلتُم : أمهِلنا حَتّى يَنسَلِخ عَنَّا البَردُ ، فِعلَ ذِي الدَّينِ المَطولِ . مَن فازَ بِكُم فازَ بِالسَّهمِ الأَخيَبِ . أصبَحتُ لا اُصدِّقُ قَولَكُم ، ولا أطمَعُ في نَصرِكُم ، فَرَّقَ اللّهُ بَيني وبَينَكُم .
.
ص: 160
أيّ دارٍ بَعدَ دارِكُم تَمنَعونَ ؟ ! ومَعَ أيِّ إمامٍ بَعدي تُقاتِلونَ ؟ ! أما إنَّكُم سَتُلقَونَ بَعدي أثَرَةً يَتَّخِذُها عَلَيكُمُ الضُّلّالُ سُنَّةً ، وفَقرا يَدخُلُ بُيوتَكُم ، وسَيفا قاطِعا ، وتَتَمَنَّونَ عِندَ ذلِكَ أنَّكُم رَأَيتُموني وقاتَلتُم مَعي وقُتِلتُم دوني (1) .
عنه عليه السلام_ مِن كلامٍ لَهُ عليه السلام فِي استِنهاضِ النّاسِ _: ألا وإنّي قَد دَعَوتُكُم إلى قِتالِ هؤُلاءِ القَومِ لَيلاً ونَهارا ، وسِرّا وإعلانا ، وقُلتُ لَكُم : اُغزوهُم قَبلَ أن يَغزوكُم ، فَوَاللّهِ ما غُزِيَ قَومٌ قَطُّ في عُقرِ دارِهِم إلّا ذَلّوا . فَتَواكَلتُم وتَخاذَلتُم حَتّى شُنَّت عَلَيكُمُ الغاراتُ ، ومُلِكَت عَلَيكُمُ الأَوطانُ . هذا أخو غامِدٍ وقَد وَرَدَت خَيلُهُ الأَنبارَ ، وقَتَلَ حَسّانَ بنَ حَسّانِ البَكرِيَّ ، وأزالَ خَيلَكُم عَن مَسالِحِها ، وقَد بَلَغَني أنَّ الرَّجُلَ مِنهُم كانَ يَدخُلُ عَلَى المَرأَةِ المُسلِمَةِ ، وَالاُخرَى المُعاهَدَةِ ، فَيَنتَزِعُ حِجلَها ، وقُلبَها (2) وقَلائِدَها ورِعاثَها (3) ، ما تَمنَعُ مِنهُ إلّا بِاالِاستِرجاعِ والِاستِرحامِ . ثُمَّ انصَرَفوا وافِرينَ ما نالَ رَجُلاً مِنهُم كَلمٌ (4) ، ولا اُريقَ لَهُم دَمٌ ، فَلَو أنَّ امرَأً مُسلِما ماتَ مِن بَعدِ هذا أسَفا ما كانَ بِهِ مَلوما ، بَل كانَ عِندي بِهِ جَديرا ، فَيا عَجَبا عَجَبا وَاللّهِ يُميثُ القَلبَ ويَجلِبُ الهَمَّ مِنِ اجتِماعِ هؤُلاءِ عَلى باطِلِهِم ، وتَفَرُّقِكِم عَن حَقِّكُم ! فَقُبحا لَكُم وتَرَحا ، حينَ صِرتُم غَرَضا يُرمى ، يُغارُ عَلَيكُم ولا تُغيرونَ ، وتُغزَونَ ولا تَغزونَ ، ويُعصَى اللّهُ وترضَونَ ! فَإِذا أمَرتُكُم بِالسَّيرِ إلَيهِم في أيّامِ الحَرِّ قُلتُم : هذِهِ حَمارَّةُ القَيظِ ، أمهِلنا يُسَبَّخُ (5) عَنَّا الحَرُّ ، وإذا أمَرتُكُم بِالسَّيرِ إلَيهِم فِى ¨
.
ص: 161
الشِّتاءِ قُلتُم : هذِهِ صَبارَّةُ القَرِّ ، أمهِلنا يَنسَلِخ عَنَّا البَردُ ، كُلُّ هذا فِرارا مِنَ الحَرِّ والقَرِّ ، فَإِذا كُنتُم مِنَ الحَرِّ والقَرِّ تَفِرّونَ ، فَأَنتُم وَاللّهِ مِنَ السَّيفِ أفَرُّ ! يا أشباهَ الرِّجالِ ولا رِجالَ ! حُلومُ الأَطفالِ ، وعُقولُ رَبّاتِ الحِجالِ ، لَوَدِدتُ أنّي لَم أرَكُم ولَم أعرِفكُم مَعرِفَةً وَاللّهِ جَرَّت نَدَما ، وأعقَبَت ذَمّا . قاتَلَكُمُ اللّهُ ! لَقَد مَلَأتُم قَلبي قَيحاً ، وشَحَنتُم صَدري غَيظا ، وجَرَّعتُموني نُغَبَ (1) التَّهْمامِ (2) أنفاسا ، وأفسَدتُم عَلَيَّ رَأيي بِالعِصيانِ وَالخِذلانِ حَتّى لَقَد قالَت قُرَيشٌ : إنَّ ابنَ أبي طالِبٍ رَجُلٌ شُجاعٌ ، ولكِن لا عِلمَ لَهُ بِالحَربِ . للّهِِ أبوهُم ! وهَل أحَدٌ مِنهُم أشَدُّ لَها مِراسا ، وأقدَمُ فيها مَقاما مِنّي ! لَقَد نَهَضتُ فيها وما بَلَغَتُ العِشرينَ ، وها أنَا قَد ذَرَّفتُ عَلَى السِّتّينَ ! ولكِن لا رَأيَ لِمَن لا يُطاعُ ! (3) .
الأمالي للطوسي عن ربيعة بن ناجذ :لَمّا وَجَّهَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ ، سُفيانَ بنَ عَوفٍ الغامِدِيَّ إلَى الأَنبارِ لِلغارَةِ ، بَعَثَهُ في سِتَّةِ آلافِ فارِسٍ ، فَأَغارَ عَلى هِيتَ وَالأَنبارِ ، وقَتَلَ المُسلِمينَ ، وسَبىَ الحَريمَ ، وعَرَضَ النّاسَ عَلَى البَراءَةِ مِن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، استَنفَرَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام النّاسَ ، وقَد كانوا تَقاعَدوا عَنهُ ، وَاجتَمَعوا عَلى خِذلانِهِ ، وأمَرَ مُناديهِ فِي النّاسِ فَاجتَمَعوا ، فَقامَ خَطيباً ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وصَلّى عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ : أيُّهَا النّاسُ ، فَوَ اللّهِ لاَهلُ مِصرِكُم فِي الأَمصارِ أكثَرُ فِي العَرَبِ مِنَ الأَنصارِ ، وما كانوا يَومَ عاهَدوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يَمنَعوهُ ومَن مَعَهُ مِنَ المُهاجِرين
.
ص: 162
حَتّى يُبلِّغَ رِسالاتِ اللّهِ إلّا قَبيَلَتينِ صغيرٌ مَولِدُهُما ، ما هُما بِأَقدَمِ العَرَبِ ميلاداً ، ولا بِأَكثَرِهِ عَدَداً ، فَلَمّا آوَوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأصحابَهُ ، ونَصَرُوا اللّهَ ودينَهُ ، رَمَتهُمُ العَرَبُ عَن قَوسٍ واحِدَةٍ ، وتَحالَفَت عَلَيهِمُ اليَهودُ ، وغَزَتهُمُ القَبائِلُ قَبيلَةٌ بَعدَ قَبيلَةٍ ، فَتَجَرَّدوا لِلدّينِ ، وقَطَعوا ما بَينَهُم وبَينَ العَرَبِ مِنَ الحَبائِلِ ، وما بَينَهُم وبَينَ اليَهودِ مِنَ العُهودِ ، ونَصَبوا لِأَهلِ نَجدٍ وتَهامَةَ ، وأهلِ مَكَّةَ وَاليَمامَةَ ، وأهلِ الحَزَنِ وأهلِ السَّهلِ ؛ قَناةَ الدّينِ وَالصَّبرِ تَحتَ حَماسِ الجِلادِ ، حَتّى دانَت لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله العَرَبُ ، فَرَأى فيهِم قُرَّةَ العَينِ قَبلَ أن يَقبِضَهُ اللّهُ إلَيهِ ، فَأَنتُم فِي النّاسِ أكثَرُ مِن اُولئِكَ في أهلِ ذلِكَ الزَّمانِ مِنَ العَرَبِ . فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ آدَمُ طُوالٌ ، فَقالَ : ما أنتَ كَمُحَمَّدٍ ! ولا نَحنُ كَاُولئِكَ الَّذينَ ذَكَرتَ ؛ فلا تُكَلِّفنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ! فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أحسِن مِسمَعاً تُحسِن إجابَةً ، ثَكَلَتكُمُ الثَّواكِلُ ! ما تَزيدونَني إلّا غَمّاً ، هَل أخبَرتُكُم أنّي مِثلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وأنَّكُم مِثلُ أنصارِهِ ، وإنَّما ضَرَبتُ لَكُم مَثَلاً ، وأنَا أرجو أن تَأسَوا بِهِم . ثُمَّ قامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقالَ : ما أحوَجَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ومَن مَعَهُ إلى أصحابِ النَّهرَوانِ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ النّاسُ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ ولَغَطوا ، فَقامَ رَجُلٌ فَقالَ بِأَعلى صَوتِهِ : اِستَبانَ فَقدُ الأَشتَرِ عَلى أهلِ العِراقِ ؛ لَو كانَ حَيّا لَقَلَّ اللَّغَطُ ، ولَعَلِمَ كُلُّ امرِئٍ ما يَقولُ . فَقالَ لَهُم أميرُ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ : هَبِلَتكُمُ الهَوابِلُ ! لَأَنا أوجَبُ عَلَيكُم حَقّاً مِنَ الأَشتَرِ ، وهَل لِلأَشتَرِ عَلَيكُم مِنَ الحَقِّ إلّا حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ ؟ وغَضِبَ فَنَزَلَ . فَقامَ حُجرُ بنُ عُدِيٍّ وسَعدُ بنُ قَيسٍ ، فَقالا : لا يَسوؤُكَ اللّهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، مُرنا بِأَمرِكَ نَتَّبِعهُ ، فَوَ اللّهِ العَظيمِ ما يَعظُمُ جَزَعُنا عَلى أموالِنا أن تُفَرَّقَ ، ولا عَلى عَشائِرِنا
.
ص: 163
أن تُقتَلَ في طاعَتِكَ ، فَقالَ لَهُم : تَجَهَّزوا لِلسَّيرِ إلى عَدُوِّنا . ثُمَّ دَخَلَ مَنزِلَهُ عليه السلام ودَخَلَ عَلَيهِ وُجوهُأصحابِهِ ، فَقالَ لَهُم : اُشيروا عَلَيَّ بِرَجُلٍ صَليبٍ ناصِحٍ يَحشُرُ النّاسَ مِنَ السّوادِ ، فَقالَ سَعدُ بنُ قَيسٍ : عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ بِالنّاصِحِ الأَريبِ الشُّجاعِ الصَّليبِ مَعقِلِ بنِ قَيسٍ التَّميمِيِّ ، قالَ : نَعَم ، ثُمَّ دَعاهُ فَوَجَّهَهُ وسارَ ، ولَم يَعُد حَتّى اُصيبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام (1) .
8 / 5غارَةُ عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعَدَةَتاريخ الطبري عن عوانة :وَجَّهَ مُعاوِيَةُ [في سنة 39 ه ] أيضا عَبدَ اللّهِ بنَ مَسعَدَةَ الفَزارِيَّ في ألفٍ وسَبعِمِئَةِ رَجُلٍ إلى تَيماءَ (2) ، وأمَرَهُ أن يُصَدِّقَ مَن مَرَّ بِهِ مِن أهلِ البَوادي ، وأن يَقتُلَ مَنِ امتَنَعَ مِن عَطائِهِ صَدَقَةَ مالِهِ ، ثُمَّ يَأتِيَ مَكَّةَ وَالمَدينَةَ وَالحِجازَ ، يَفعَلَ ذلِكَ ، وَاجتَمَعَ إلَيهِ بَشَرٌ كَثيرٌ مِن قَومِهِ . فَلَمّا بَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا وَجَّهَ المُسَيِّبَ بنَ نَجَبَةَ الفزارِيَّ ، فَسارَ حَتّى لَحِقَ ابنَ مَسعَدَةَ بِتَيماءَ فَاقتَتَلوا ذلِكَ اليَومَ حَتّى زالَتِ الشَّمسُ قِتالاً شَديدا ، وحَمَلَ المُسَيِّبُ عَلَى ابنِ مَسعَدَةَ فَضَرَبَهُ ثَلاثَ ضَرَباتٍ ، كُلِّ ذلِكَ لا يَلتَمِسُ قَتلَهُ ويَقولُ لَهُ : النَّجاءَ النَّجاءَ (3) ! فَدَخَلَ ابنُ مَسعَدَةَ وعامَّةُ مَن مَعَهُ الحِصنَ ، وهَرَبَ الباقونَ نَحوَ الشّامِ ، وَانتَهَبَ الأَعرابُ إبِلَ الصَّدَقَةَ الَّتي كانَت مَعَ ابنِ مَسعَدَةَ ، وحَصَرَهُ ومَن كانَ مَعَهُ المُسَيِّبُ ثَلاثَةَ أيّامٍ ، ثُمَّ ألقَى الحَطَبَ عَلَى البابِ ، وألقَى النّيرانَ فيهِ ، حَتَّى احتَرَقَ .
.
ص: 164
فَلَمّا أحَسّوا بِالهَلاكِ أشرَفوا عَلَى المُسَيِّبِ فَقالوا : يا مُسَيِّبُ ! قَومَكَ ! فَرَقَّ لَهُم ، وكَرِهَ هَلاكَهُم ، فَأَمَرَ بِالنّارِ فَاُطفِئَت ، وقالَ لِأَصحابِهِ : قَد جاءَتني عُيونٌ فَأَخبَروني أنَّ جُندا قَد أقبَلَ إلَيكُم مِنَ الشّامِ ، فَانضَمّوا في مَكانٍ واحدٍ . فَخَرَجَ ابنُ مَسعَدَةَ في أصحابِهِ لَيلاً حَتّى لَحِقوا بِالشّامِ ، فَقالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ شَبيبٍ : سِر بِنا في طَلَبِهِم ، فَأَبى ذلِكَ عَلَيهِ ، فَقالَ لَهُ : غَشَشتَ أميرَ المُؤمِنينَ ، وداهَنتَ في أمرِهِم (1) .
تاريخ اليعقوبي :بَعَثَ مُعاوِيَةُ عَبدَ اللّهِ بنَ مَسعَدَةَ بنِ حُذَيفَةَ بنِ بَدرِ الفَزارِيَّ في جَرِيدَةِ خَيلٍ (2) ، وأمَرَهَ أن يَقصِدَ المَدينَةَ ومَكَّةَ فَسارَ في ألفٍ وسَبعِمِئَةٍ . فَلَمّا أتَى عَلِيّا الخَبَرُ وَجَّهَ المُسَيِّبَ بنَ نَجَبَةَ الفَزارِيَّ ، فَقالَ لَهُ : يا مُسَيِّبُ ! إنَّكَ مِمَّن أثِقُ بِصَلاحِهِ وبَأسِهِ ونَصيحَتِهِ ، فَتَوَجَّه إلى هؤُلاءِ القَومِ وأثّر فيهِم ، وإن كانوا قَومَكَ . فَقالَ لَهُ المُسَيِّبُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّ مِن سَعادَتي أن كُنتُ مِن ثِقاتِكَ . فَخَرَجَ في ألفَي رَجُلٍ مِن هَمدانَ وطَيِّءٍ وغَيرِهِم ، وأغَذَّ السَّيرَ ، وقَدَّمَ مُقَدَّمَتَهُ ، فَلَقوا عَبدَ اللّهِ بنَ مَسعَدَةَ ، فَقاتَلوهُ ، فَلَحِقَهُمُ المُسَيِّبُ ، فَقاتَلَهُم حَتّى أمكَنَهُ أخذُ ابنِ مَسعَدَةَ ، فَجَعَلَ يَتَحاماهُ (3) . وَانهَزَمَ ابنُ مَسعَدَةَ ، فَتَحَصَّنَ بِتَيماءَ وأحاطَ المُسَيِّبُ بِالحِصنِ ، فَحَصَرَ ابنَ مَسعَدَةَ وأصحابَهُ ثَلاثا ، فَناداهُ : يا مُسَيِّبُ ! إنَّما نَحنُ قَومُكَ ، فَليَمَسَّكَ الرَّحمُ ، فَخَلّى لِابنِ مَسعَدَةَ وأصحابِهِ الطَّريقَ ، ونَجا مِنَ الحِصنِ .
.
ص: 165
فَلَمّا جَنَّهُمُ اللَّيلُ خَرَجوا مِن تَحتِ لَيلَتِهِم حَتّى لَحِقوا بِالشّامِ ، وصَبَّحَ المُسَيِّبُ الحِصنُ ، فَلَم يَجِد أحَدا . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنِ شَبيبٍ : داهَنتَ وَاللّهِ يا مُسَيِّبُ في أمرِهِم ، وغَشَشتَ أميرَ المُؤمِنينَ . وقَدِمَ عَلى عَلِيٍّ فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : يا مُسَيِّبُ ! كُنتَ مِن نُصّاحي ، ثُمَّ فَعَلتَ ما فَعَلتَ ! ، فَحَبَسَهُ أيّاما ، ثُمَّ أطلَقَهَ ووَلّاهُ قَبضَ الصَّدَقَةِ بِالكوفَةِ (1) .
8 / 6غارَةُ الضَّحّاكِ بنِ قَيسٍالغارات عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري :دَعا مُعاوِيَةُ الضَّحّاكَ بنَ قَيسٍ الفِهرِيَّ ، وقالَ لَهُ : سِر حَتّى تَمُرَّ بِناحِيَةِ الكوفَةِ ، وتَرتَفِعَ عَنها مَا استَطَعتَ ، فَمَن وَجَدتَهُ مِنَ الأَعرابِ في طاعَةِ عَلِيٍّ فَأَغِر عَلَيهِ ، وإن وَجَدتَ لَهُ مَسلَحَةً (2) أو خَيلاً فَأَغِر عَلَيهِما ، وإذا أصبَحتَ في بَلدَةِ فَأَمسِ في اُخرى ، ولا تُقيمَنَّ لِخَيلٍ بَلَغَكَ أنَّها قَد سُرِّحَت إلَيكَ لِتَلقاها فَتُقاتِلَها ، فَسَرَّحَهُ فيما بَينَ ثَلاثَةِ آلافٍ إلى أربَعَةِ آلافِ جَريدَةِ خَيلٍ . فَأَقبَلَ الضَّحّاكُ يَأخُذُ الأَموالَ ، ويَقتُلُ مَن لَقِيَ مِنَ الأَعرابِ حَتّى مَرَّ بِالثَّعلَبِيَّةِ فَأَغارَ خَيلُهُ عَلَى الحاجِّ ، فَأَخَذَ أمتِعَتَهُم ، ثُمَّ أقبَلَ فَلَقِيَ عَمرَو بنَ عُمَيسِ بنِ مَسعودٍ الذُّهلِيَّ _ وهُوَ ابنُ أخي عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ صاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ فَقَتَلَهُ في طَريقِ الحاجِّ عِندَ القُطقُطانَةِ (3) وقَتَلَ مَعَهُ ناسا مِن أصحابِهِ .
.
ص: 166
قالَ أبو رَوقٍ : فَحَدَّثَني أبي أنَّهُ سَمِعَ عَلِيّا عليه السلام وقَد خَرَجَ إلَى النّاسِ وهُوَ يَقولُ عَلَى المِنبَرِ : يا أهلَ الكوفَةِ ! اُخرُجوا إلَى العَبدِ الصّالِحِ عَمرِو بنِ عُمَيسٍ ، وإلى جُيوشٍ لَكُم قَد اُصيبَ مِنها طَرَفٌ ؛ اُخرُجوا فَقاتِلوا عَدُوَّكُم وَامنَعوا حَريمَكُم ، إن كُنتُم فاعِلينَ . قالَ : فَرَدّوا عَلَيهِ رَدّا ضَعيفا ، ورَأى مِنهُم عَجزا وفَشَلاً فَقالَ : وَاللّهِ ، لَوَدِدتُ أنَّ لي بِكُلِّ مِئَةٍ مِنكُم رَجُلاً مِنهُم ، وَيحَكُم اُخرُجوا مَعي ، ثُمَّ فِرّوا عَنّي إن بدا لَكُم ، فَوَاللّهِ ما أكرَهُ لِقاءَ رَبّي عَلى نِيَّتي وبَصيرَتي ، وفي ذلِكَ رَوحٌ لي عَظيمٌ ، وفَرَجٌ مِن مُناجاتِكُم ومُقاساتِكُم ومُداراتِكُم مِثلَ ما تُدارى البِكارُ العَمِدةُ ، وَالثِّيابُ المُتَهَتِّرَةُ ، كُلَّما خِيطَت مِن جانِبٍ تَهَتَّكَت عَلى صاحِبِها مِن جانِبٍ آخَرَ ، ثُمَّ نَزَلَ . فَخَرَجَ يَمشي حَتّى بَلَغَ الغَرِيَّينِ (1) ، ثُمَّ دَعا حُجرَ بنَ عَدِيٍّ الكِندِيَّ مِن خَيلِهِ فَعَقَدَ لَهُ ثَمَّ رايَةً عَلى أربَعَةِ آلافٍ ، ثُمَّ سَرَّحَهُ (2) . فَخَرَجَ حَتّى مَرَّ بِالسَّماوَةِ (3) _ وهِيَ أرضُ كَلبٍ _ فَلَقِيَ بِها امرَأَ القَيسِ بنَ عَدِيِّ بنِ أوسِ بنِ جابِرِ بنِ كَعبِ بنِ عُلَيمٍ الكَلبِيَّ أصهارَ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليهم السلام ، فَكانوا أدِلّاءَهُ عَلى طَريقِهِ وعَلَى المِياهِ ، فَلَم يَزَل مُغِذّا في أثَرَ الضَّحّاكِ حَتّى لَقِيَهُ بِناحِيَةِ تَدمُرَ فَواقَفَهُ فَاقتَتَلوا ساعَةً ، فَقُتِلَ مِن أصحابِ الضَّحّاكِ تِسعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ،
.
ص: 167
وقُتِلَ مِن أصحابِ حُجرٍ رَجُلانِ : عَبدُ الرَّحمنِ وعَبدُ اللّهِ الغامِديُّ ، وحَجَزَ اللَّيلُ بَينَهُم ، فَمَضَى الضَّحّاكُ ، فَلَمّا أصبَحوا لَم يَجِدوا لَهُ ولِأَصحابِهِ أثَرا (1) .
تاريخ الطبري عن عوانة :وَجَّهَ مُعاوِيَةُ الضَّحّاكَ بنَ قَيسٍ ، وأمَرَهَ أن يَمُرَّ بِأَسفَلِ واقِصَةَ (2) ، وأن يُغيرَ عَلى كُلِّ مَن مَرَّ بِهِ مِمَّن هُوَ في طاعَةِ عَلِيِّ مِنَ الأَعرابِ ، ووَجَّهَ مَعَهُ ثَلاثَةَ آلافِ رَجُلٍ . فَسارَ فَأَخَذَ أموالَ النّاسِ ، وقَتَلَ مَن لَقِيَ مِنَ الأَعرابِ ، ومَرَّ بِالثَّعلَبِيَّةِ فَأَغارَ عَلى مَسالِحِ عَلِيٍّ ، وأخَذَ أمتِعَتَهُم ، ومَضى حَتَّى انتَهى إلَى القُطقُطانَةِ . فَأَتى عَمرَو بنَ عُمَيسِ بنِ مَسعودٍ ، وكانَ في خَيلٍ لِعَلِيٍّ وأمامَهُ أهلُهُ ، وهُوَ يُريدُ الحَجَّ ، فَأَغارَ عَلى مَن كانَ مَعَهُ ، وحَبَسَهُ عَنِ المَسيرِ . فَلَمّا بَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا سَرَّحَ حُجرَ بنَ عَدِيِّ الكِندِيَّ في أربَعَةِ آلافٍ ، وأعطاهُم خَمسينَ خَمسينَ ، فَلَحِقَ الضَّحّاكَ بِتَدمُرَ فَقَتَلَ مِنهُم تِسعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، وقُتِلَ مِن أصحابِهِ رَجُلانِ ، وحالَ بَينَهُم اللَّيلُ ، فَهَرَبَ الضَّحّاكُ وأصحابُهُ ، ورَجَعَ حُجرٌ ومَن مَعَهُ (3) .
تاريخ اليعقوبي :جَلَسَ عَلِيٌّ فِي المَسجِدِ ، فَنَدَبَ النّاسَ ، وَانتَدَبَ أربَعَةُ آلافٍ ، فَسارَ بِهِم في طَلَبِ القَومِ ، وأغَذَّ المَسيرَ حَتّى لَقِيَهُم بِتَدمُرَ مِن عَمَلِ حِمصَ ، فَقاتَلَهُم فَهَزَمَهُم ، حَتّى انتَهَوا إلَى الضَّحّاكِ ، وحَجَزَ بَينَهُم اللَّيلُ ، فَأَدلَجَ (4) الضَّحّاكُ عَلى وَجهِه
.
ص: 168
مُنصَرِفا ، وشَنَّ حُجرُ بنُ عَدِيٍّ ومَن مَعَهُ الغارَةَ في تِلكَ البِلادِ يَومَينِ ولَيلَتَينِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ بَعدَما أغارَ الضَّحّاكُ بنُ قَيسٍ عَلَى القُطقُطانَةِ ، فَبَلَغَ عَلِيّا إقبالُهُ وأنَّهُ قَد قَتَلَ ابنَ عُمَيسٍ _: يا أهلَ الكوفَةِ ! اُخرُجوا إلى جَيشٍ لَكُم قَد اُصيبَ مِنهُ طَرَفٌ ، وإلَى الرَّجُلِ الصّالِحِ ابنِ عُمَيسٍ (2) فَامنَعوا حَريمَكُم وقاتِلوا عَدُوَّكُم ، فَرَدّوا رَدّا ضَعيفا . فَقالَ : يا أهلَ العِراقِ ! وَدِدتُ أنَّ لي بِكُم بِكُلِّ ثَمانِيَةٍ مِنكُم رَجُلاً مِن أهلِ الشّامِ ، ووَيلٌ لَهُم ! قاتَلوا مَعَ تَصَبَّرِهِم عَلى جَورٍ . وَيحَكُم ! اُخرُجوا مَعي ، ثُمَّ فِرّوا عَنّي إن بَدا لَكُم ، فَوَاللّهِ إنّي لَأَرجو شَهادَةً ، وإنَّها لَتَدورُ عَلى رَأسي مَعَ ما لي مِنَ الرَّوحِ العَظيمِ في تَركِ مُداراتِكُم كَما تُدارَى البِكارُ الغُمرَةُ (3) ، أوِ الثِّيابُ المُتَهَتِّكَةُ ، كُلَّما حِيصَت (4) مِن جانِبٍ تَهَتَّكَت مِن جانِبٍ (5) .
الإرشاد_ لَمّا بَلَغَ عَلِيّا عليه السلام غارَةُ الضَّحّاكِ بنِ قَيسٍ وقَتلُهُ ابنَ عُمَيسٍ _: يا أهلَ الكوفَةِ ! اُخرُجوا إلَى العَبدِ الصّالِحِ وإلى جَيشٍ لَكُم قَد اُصيبَ مِنهُ طَرَفٌ ، اُخرُجوا فَقاتِلوا عَدُوَّكُم ، وَامنَعوا حَريمَكُم إن كُنتُم فاعِلينَ . قالَ : فَرَدّوا عَلَيهِ رَدّا ضَعيفا ، ورَأى مِنهُم عَجزا وفَشَلاً . فَقالَ : وَاللّهِ لَوَدِدتُ أنَّ لي بِكُلِّ ثَمانِيَةٍ مِنكُم رَجُلاً مِنهُم ، وَيحَكُم ! اُخرُجوا مَعي ثُمَّ فِرّوا عَلَيَّ إن بَدا لَكُم ، فَوَاللّهِ ما أكرَهُ لِقاءَ رَبّي عَلى نِيَّتي وبَصيرَتي ، وفي ذلِكَ رَوحٌ لي عَظيمٌ ، وفَرَجٌ مِن مُناجاتِكُم ومُقاساتِكُم ومُداراتِكُم مِثلَ ما تُدارَى البِكار
.
ص: 169
العَمِدَةُ أوِ الثِّيابُ المُتَهَتِّرَةُ ، كُلَّما خِيطَت مِن جانِبٍ تَهَتَّكَت مِن جانِبٍ عَلى صاحِبِها (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ بَعدَ غارَةِ الضَّحّاكِ بنِ قَيسٍ صاحِبِ مُعاوِيَةَ عَلَى الحاجِّ بَعدَ قِصَّةِ الحَكَمَينِ وفيها يَستَنهِضُ أصحابَهُ لِما حَدَثَ فِيالأَطرافِ _: أيُّهَا النّاسُ المُجتَمِعَةُ أبدانُهُم ، المُختَلِفَةُ أهواؤُهُم ، كَلامُكُم يُوهِي الصُّمَّ الصَّلابِ ، وفِعلُكُم يُطمِعُ فيكُمُ الأَعداءَ ؛ تَقولونَ فِي المَجالِسِ كَيتَ وكَيتَ ، فَإِذا جاءَ القِتالُ قُلتُم : حِيدي حَيادِ (2) . ما عَزَّت دَعوَةُ مَن دَعاكُم ، ولَا استَراحَ قَلبُ مَن قاساكُم ، أعاليلُ بِأَضاليلَ ، وسَأَلتُمونِيَ التَّطويلَ ، دِفاعَ ذِي الدَّينِ المَطولِ ، لا يَمنَعُ الضَّيمَ الذَّليلُ ، ولا يُدرَكُ الحَقُّ إلّا بِالجِدِّ . أيَّ دارٍ بَعدَ دارِكُم تَمنَعونَ ، ومَعَ أيِّ إمامٍ بَعدي تُقاتِلونَ ؟ المَغرورُ وَاللّهِ مَن غَرَرتُموهُ . ومَن فازَ بِكُم فَقَد فازَ _ وَاللّهِ _ بِالسَّهمِ الأَخيَبِ ، ومَن رَمى بِكُم فَقَد رمى بِأَفوَقِ (3) ناصِلٍ ، أصبَحتُ وَاللّهِ لا اُصدِّقُ قَولَكُم ، ولا أطمَعُ في نَصرِكُم ، ولا اُوعِدُ العَدُوَّ بِكُم ، ما بالُكُم ؟ ما دَواؤُكُم ؟ ما طِبُّكم ؟ القَومُ رِجالٌ أمثالُكُم ، أ قَولاً بِغَيرِ عِلمٍ ، وغَفلةً مِن غَيرِ وَرَعٍ ، وطَمَعا في غَيرِ حَقٍّ ؟ (4)
.
ص: 170
8 / 7غارَةُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ قَباثٍالكامل في التاريخ_ في أحداثِ سَنَةِ تِسعٍ وثَلاثينَ هجريّة _: وفيها سَيَّرَ مُعاوِيَةُ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ قَباثِ بنِ أشيَمَ إلى بِلادِ الجَزيرَةِ وفيها شَبيبُ بنُ عامِرٍ _ جَدُّ الكِرمانِيِّ الَّذي كانَ بِخُراسانَ _ وكانَ شَبيبٌ بِنَصيبينَ (1) ، فَكَتَبَ إلى كُمَيلِ بنِ زِيادٍ ، وهُوَ بِهيتَ ، يُعلِمُهُ خَبَرَهُم . فَسارَ كُمَيلٌ إلَيهِ نَجدَةً لَهُ في سِتِّمِئَةِ فارِسٍ ، فَأَدرَكوا عَبدَ الرَّحمنِ ومَعَهُ مَعَنُ بنُ يَزيدَ السُّلَمِيُّ ، فَقاتَلَهُما كُميلٌ وهَزَمَهُما ، فَغَلَبَ عَلى عَسكَرِهِما ، وأكثَرَ القَتلَ في أهلِ الشّامِ ، وأمَرَ أن لا يُتبَعُ مُدبِرٌ ولا يُجهَزَ عَلى جَريحٍ ، وقُتِلَ مِن أصحابِ كُمَيلٍ رَجُلانِ . وكَتَبَ إلى عَلِيٍّ بِالفَتحِ فَجَزاهُ خَيرا ، وأجابَهُ جَوابا حَسَنا ورَضِيَ عَنهُ ، وكانَ ساخِطا عَلَيهِ ... . وأقبَلَ شَبيبُ بنُ عامِرٍ مِن نَصيبينَ فَرَأى كُمَيلاً قَد أوقَعَ بِالقَومِ فَهَنَّأَهُ بِالظَّفَرِ ، وأتبَعَ الشّامِيّينَ فَلَم يَلحَقهُم ، فَعَبَرَ الفُراتَ ، وبَثَّ خَيلَهُ ، فَأَغارَت عَلى أهلِ الشّامِ حَتّى بَلَغَ بَعلَبَكَّ (2) . فَوَجَّهَ مُعاوِيَةُ إلَيهِ حَبيبَ بنَ مَسلَمَةَ فَلَم يُدرِكهُ ، ورَجَعَ شَبيبٌ فَأَغارَ عَلى نَواحِى ¨
.
ص: 171
الرَّقَّةِ (1) ؛ فَلَم يَدَع لِلعُثمانِيَّةِ بِها ماشِيةً إلَا استاقَها ، ولا خَيلاً ولا سِلاحا إلّا أخَذَهُ ، وعادَ إلى نَصيبينَ وكَتَبَ إلى عَلِيٍّ . فَكَتَبَ إلَيهِ عَلِيٌّ يَنهاهُ عَن أخذِ أموالِ النّاسِ إلَا الخَيلَ وَالسِّلاحَ الَّذي يُقاتِلونَ بِهِ ، وقالَ : رَحِمَ اللّهُ شَبيبا ، لَقَد أبعَدَ الغارَةَ وعَجَّلَ الِانتِصارَ (2) .
8 / 8غارَةُ بُسرِ بنِ أرطاةَتاريخ الطبري عن عوانة :أرسَلَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ بَعدَ تَحكيمِ الحَكَمَينِ بُسرَ بنَ أبي أرطاةَ _ وهُوَ رَجُلٌ مِن بَني عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ _ في جَيشٍ ، فَساروا مِنَ الشّامِ حَتّى قَدِمُوا المَدينَةَ ، وعامِلُ عَلِيٍّ عَلَى المَدينَةِ يَومَئِذٍ أبو أيّوبٍ الأَنصارِيُّ ، فَفَرَّ مِنهُم أبو أيّوبٍ ، فَأَتى عَلِيّا بِالكوفَةِ . ودَخَلَ بُسرٌ المَدينَةَ ، قالَ : فَصَعِدَ مِنبَرَها ولَم يُقاتِلهُ بِها أحَدٌ ، فَنادى عَلَى المِنبَرِ : يا دينارُ ، ويا نَجّارُ ، ويا زُرَيقُ ، شَيخي شَيخي ! عَهدي بِهِ بِالأَمسِ ، فَأَينَ هُوَ ! يَعني عُثمانَ . ثُمَّ قالَ : يا أهلَ المَدينَةِ ! وَاللّهِ ، لَولا ما عَهِدَ إلَيَّ مُعاوِيَةُ ما تَرَكتُ بِها مُحتَلِما إلّا قَتَلتُهُ ، ثُمَّ بايَعَ أهلُ المَدينَةِ . وأرسَلَ إلى بَني سَلَمَةَ ، فَقالَ : وَاللّهِ ، ما لَكُم عِندي مِن أمانٍ ، ولا مُبايَعَةٍ حَتّى تَأتوني بِجابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ .
.
ص: 172
فَانطَلَقَ جابِرٌ إلى اُمِّ سَلَمَةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَها : ماذا تَرَينَ ؟ إنّي قَد خَشيتُ أن اُقتَلَ ، وهذِهِ بَيعَةُ ضَلالَةٍ . قالَت : أرى أن تُبايَعَ ؛ فَإِنّي قَد أمَرتُ ابني عُمَرَ بنَ أبي سَلَمََة أن يُبايِعَ ، وأمَرتُ خَتَني عَبدَ اللّهِ بنَ زَمعَةَ _ وكانَتِ ابنَتُها زَينَبُ ابنَةُ أبي سَلَمَةَ عِندَ عَبدِ اللّهِ بنِ زَمعَةَ فَأتاهُ جابِرٌ فَبايَعَهُ . وهَدَمَ بُسرٌ دورا بِالمَدينَةِ ، ثُمَّ مَضى حَتّى أتى مَكَّةَ ، فَخافَهُ أبو موسى أن يَقتُلَهُ ، فَقالَ لَهُ بُسرٌ : ما كُنتُ لِأَفعَلَ بِصاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذلِكَ ، فَخَلّى عَنهُ . وكَتَبَ أبو موسى قَبلَ ذلِكَ إلَى اليَمَنِ : إنَّ خَيلاً مَبعوثَةً مِن عِندِ مُعاوِيَةَ تَقتُلُ النّاسَ ، تَقتُلُ مَن أبى أن يُقِرَّ بِالحُكومَةِ . ثُمَّ مَضى بُسرٌ إلَى اليَمَنِ ، وكانَ عَلَيها عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ عامِلاً لِعَلِيٍّ ، فَلَمّا بَلَغَهُ مَسيرُهُ فَرَّ إلَى الكوفَةِ حَتّى أتى عَلِيّا ، وَاستَخلَفَ عَبدَ اللّهِ بنَ عَبدِ المَدانِ الحارِثِيَّ عَلَى اليَمَنِ ، فَأَتاهُ بُسرٌ فَقَتَلَهُ وقَتَلَ ابنَهُ ، ولَقِيَ بُسرٌ ثَقَلَ (1) عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ ، وفيهِ ابنانِ لَهُ صَغيرانِ فَذَبَحَهُما . وقَد قالَ بَعضُ النّاسِ : إنَّهُ وَجَدَ ابنَي عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ عِندَ رَجُلٍ مِن بَني كِنانَةَ مِن أهلِ البادِيَةِ ، فَلَمّا أرادَ قَتلَهُما ، قالَ الكِنانِيُّ : عَلامَ تَقتُلُ هذَينِ ولا ذَنبَ لَهُما ! فَإِن كُنتَ قاتِلَهُما فَاقتُلني . قالَ : أفعَلُ ، فَبَدَأَ بِالكِنانِيِّ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ قَتَلَهُما ، ثُمَّ رَجَعَ بُسرٌ إلَى الشّامِ . وقَد قيلَ : إنَّ الكِنانِيَّ قاتَلَ عَنِ الطِّفلَينِ حَتّى قُتِلَ ، وكانَ اسمُ أحَدِ الطِّفلَينِ اللَّذَينِ قَتَلَهُما بُسرٌ : عَبدَ الرَّحمنِ ، وَالآخَرِ قُثَمَ ، وقَتَلَ بُسرٌ في مَسيرِهِ ذلِكَ جَماعَةً كَثيرَةً مِن
.
ص: 173
شيعَةِ عَلِيٍّ بِاليَمَنِ . وبَلَغَ عَلِيّا خَبَرُ بُسرٍ ، فَوَجَّهَ جارِيَةَ بنَ قُدامَةَ في ألفَينِ ، ووَهَبَ بنَ مَسعودٍ في ألفَينِ ، فَسارَ جارِيَةُ حَتّى أتى نَجرانَ فَحَرَّقَ بِها ، وأخَذَ ناسا مِن شيعَةِ عُثمانَ فَقَتَلَهُم ، وهَرَبَ بُسرٌ وأصحابُهُ مِنهُ ، وأتبَعَهُم حَتّى بَلَغَ مَكَّةَ . فَقالَ لَهُم جارِيَةُ : بايِعونا . فَقالوا : قَد هَلَكَ أميرُ المُؤمِنينَ ، فَلِمَن نُبايِعُ ؟ قالَ : لِمَن بايَعَ لَهُ أصحابُ عَلِيٍّ ، فَتَثاقَلوا ، ثُمَّ بايَعوا . ثُمَّ سارَ حَتّى أتَى المَدينَةَ وأبو هُرَيرَةَ يُصَلّي بِهِم ، فَهَرَبَ مِنهُ ، فَقالَ جارِيَةُ : وَاللّهِ ، لَو أخَذتُ أبا سِنَّورٍ لَضَرَبتُ عُنُقَهُ ، ثُمَّ قالَ لِأَهلِ المَدينَةِ : بايِعُوا الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ ، فَبايَعوهُ . وأقامَ يَومَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ مُنصَرِفا إلَى الكوفَةِ ، وعادَ أبو هُرَيرَةَ فَصَلّى بِهِم (1) .
تاريخ اليعقوبي :وَجَّهَ مُعاوِيَةُ بُسرَ بنَ أبي أرطاةَ ، وقيلَ : ابنَ أرطاةَ العامِرِيَّ مِن بَني عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ _ في ثَلاثَةِ آلافِ رَجُلٍ ، فَقالَ لَهُ : سِر حَتّى تَمُرَّ بِالمَدينَةِ ، فَاطرُد أهلَها ، وأخِف مَن مَرَرتَ بِهِ ، وَانهَب مالَ كُلِّ مَن أصَبتَ لَهُ مالاً مِمَّن لَم يَكُن دَخَلَ في طاعَتِنا . وأوهِم أهلَ المَدينَةِ أنَّكَ تُريدُ أنفُسَهُم ، وأنَّهُ لا بَراءَةَ لَهُم عِندَكَ ، ولا عُذرَ . وسِر حَتّى تَدخُلَ مَكَّةَ ، ولا تَعَرَّض فيها لِأَحَدٍ . وَأرهِبِ النّاسَ فيما بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ ، وَاجعَلهُم شَرّاداتٍ ، ثُمَّ امضِ حَتّى تَأتِيَ صَنعاءَ ؛ فَإِنَّ لَنا بِها شيعَةً ، وقَد جاءَني كِتابُهُم .
.
ص: 174
فَخَرَجَ بُسرٌ ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِحَيٍّ مِن أحياءِ العَرَبِ إلّا فَعَلَ ما أمَرَهُ مُعاوِيَةُ ، حَتّى قَدِمَ المَدينَةَ وعَلَيها أبو أيّوبِ الأَنصارِيُّ ، فَتَنَحّى عَنِ المَدينَةِ . ودَخَلَ بُسرٌ ، فَصَعِدَ المِنبَرَ ثُمَّ قالَ : يا أهلَ المَدينَةِ ! مَثَلُ السَّوءِ لَكُم ، «قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَ_ئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَ قَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ » (1) ، ألا وإنَّ اللّهَ قَد أوقَعَ بِكُم هذَا المَثَلَ وجَعَلَكُم أهلَهُ ، شاهَتِ الوُجوهُ ، ثُمَّ ما زالَ يَشتِمُهُم حَتّى نَزَلَ . قالَ : فَانطَلَقَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ إلى اُمِّ سَلَمَةَ _ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : إنّي قَد خَشيتُ أن اُقتَلَ ، وهذِهِ بَيعَةُ ضَلالٍ . قالَت : إذا فَبايِع ؛ فَإِنَّ التَقِيَّةَ حَمَلَت أصحابَ الكَهفِ عَلى أن كانوا يَلبَسونَ الصُّلُبَ ، ويَحضُرونَ الأَعيادَ مَعَ قَومِهِم . وهَدَمَ بُسرٌ دورا بِالمَدينَةِ ، ثُمَّ مَضى حَتّى أتى مَكَّةَ ، ثُمَّ مَضى حَتّى أتَى اليَمَنَ ، وكانَ عَلَى اليَمَنِ عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ عامِلُ عَلِيٍّ . وبَلَغَ عَلِيّا الخَبَرُ ، فَقامَ خَطيبا فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ أوَّلَ نَقصِكُم ذَهابُ اُولِي النُّهى وَالرَّأيِ مِنكُم ؛ الَّذينَ يُحَدِّثونَ فَيَصدُقونَ ، ويَقولونَ فَيَفعَلونَ ، وإنّي قَد دَعَوتُكُم عَودا وبَدءا ، وسِرّا وجَهرا ، ولَيلاً ونَهارا ؛ فَما يَزيدُكُم دُعائي إلّا فِرارا ، ما ينفَعُكُمُ المَوعِظَةُ ولَا الدُّعاءُ إلَى الهُدى وَالحِكمَةِ . أما واللّهِ ، إنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ، ولكِن في ذلِكَ فَسادي ، أمهِلوني قَليلاً ، فَوَاللّهِ ، لَقَد جاءَكُم مَن يُحزِنُكُم ويُعَذِّبُكُم ويُعَذِّبُهُ اللّهُ بِكُم . إنَّ مِن ذُلِّ الإِسلامِ وهَلاكِ الدّينِ أنَّ ابنَ أبي سُفيانَ يَدعُو الأَراذِلَ وَالأَشرار
.
ص: 175
فَيُجيبونَ ، وأدعوكُم ، وأنتُم لا تُصلَحونَ ، فَتُراعونَ ، هذا بُسرٌ قَد صارَ إلَى اليَمَنِ وقَبلَها إلى مَكَّةَ وَالمَدينَةِ . فَقامَ جاريةُ بنُ قُدامَةَ السَّعدِيُّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! لا عَدَّمَنَا اللّهُ قُربَكَ ، ولا أرانا فِراقَكَ ، فَنِعمَ الأَدَبُ أدَبُكَ ، ونِعمَ الإِمامُ وَاللّهِ أنتَ ، أنَا لِهؤُلاءِ القَومِ فَسَرِّحني إلَيهِم ! قالَ : تَجَهَّز ؛ فَإِنَّكَ ما عَلِمتُكَ رجُلٌ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ ، المُبارَكُ المَيمونُ النَّقيبَةُ . ثُمَّ قامَ وَهَبُ بنُ مَسعودٍ الخَثعَمِيُّ فَقالَ : أنَا أنتَدِبُ يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : اِنتَدِب ، بارَكَ اللّهُ عَلَيكَ . فَخَرَجَ جارِيَةُ في ألفَينِ ، ووَهَبُ ابنُ مَسعودٍ في ألفَينِ ، وأمَرَهُما عَلِيٌّ أن يَطلُبا بُسرا حَيثُ كانَ حَتّى يَلحَقاهُ ، فَإِذَا اجتَمَعا فَرَأَسَ النّاسَ جارِيَةُ . فَخَرَجَ جارِيَةُ مِنَ البَصرَةِ ، ووَهَبُ مِنَ الكوفَةِ ، حَتَّى التَقَيا بِأَرضِ الحِجازِ . ونَفَذَ بُسرٌ مِنَ الطّائِفِ ، حَتّى قَدِمَ اليَمَنَ ، وقَد تَنَحّى عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ عَنِ اليَمَنِ ، وَاستَخلَفَ بِها عَبدَ اللّهِ بنَ عَبدِ المَدانِ الحارِثِيَّ ، فَأَتاهُ بُسرٌ فَقَتَلَهُ ، وقَتَلَ ابنَهُ مالِكَ بنَ عَبدِ اللّهِ ، وقَد كانَ عُبَيدُ اللّهِ خَلَّفَ ابنَيهِ عَبدَ الرَّحمنِ وقُثَمَ عِندَ جُوَيرِيَّةَ ابنَةِ قارِظٍ الكِنانِيَّةِ _ وهِيَ اُمُّهُما _ وخَلَّفَ مَعَها رَجُلاً مِن كِنانَةَ . فَلَمَّا انتَهى بُسرٌ إلَيها دَعَا ابنَي عُبَيدِ اللّهِ لِيَقتُلَهما ، فَقامَ الكِنانِيُّ فَانتَضى سَيفَهُ وقالَ : وَاللّهِ لَاُقتَلَنَّ دونَهُما فَاُلاقي عُذرا لي عِندَ اللّهِ وَالنّاسِ ، فَضارَبَ بِسَيفِهِ حَتّى قُتِلَ ، وخَرَجَت نِسوَةٌ مِن بَني كِنانَةَ فَقُلنَ : يا بُسرُ ! هذَا (1) الرِّجالُ يُقتَلونَ ، فَما بالُ الوِلدانِ ؟ ! وَاللّهِ ما كانَتِ الجاهِلِيَّةُ تَقتُلُهُم ، وَاللّهِ إنَّ سُلطانا لا يَشتَدُّ إلّا بِقَتلِ الصِّبيانِ ورَفعِ الرَّحمَةِ لَسُلطانُ سَوءٍ . فَقالَ بُسرٌ : وَاللّهِ ، لَقَد هَمَمتُ أن أضَعَ فيكُنَّ السَّيفَ ، وقَدَّمَ الطِّفلَينِ فَذَبَحَهُما . . . .
.
ص: 176
ثُمَّ جَمَعَ بُسرٌ أهلَ نَجرانَ فَقالَ : يا إخوانُ النَّصارى ! أما وَالَّذي لا إلهَ غَيرُهُ لَئِن بَلَغَني عَنكُم أمرٌ أكرَهُهُ لَاُكثِرَنَّ قَتلاكُم . ثُمَّ سارَ نَحوَ جَيشانَ _ وهُم شيعَةٌ لِعَلِيٍّ _ فَقاتَلَهُم ، فَهَزَمَهُم ، وقَتَلَ فيهِم قَتلاً ذَريعا ، ثُمَّ رَجَعَ إلى صَنعاءَ . وسارَ جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ السَّعدِيُّ حَتّى أتى نَجرانَ وطَلَبَ بُسرا ، فَهَرَبَ مِنهُ فِي الأَرضِ ، ولَم يَقُم لَهُ ، وقَتَلَ مِن أصحابِهِ خَلقا ، وأتبَعَهُم بِقَتلٍ وأسرٍ حَتّى بَلَغَ مَكَّةَ ، ومَرَّ بُسرٌ حَتّى دَخَلَ الحِجازَ لا يَلوي عَلى شَيءٍ . فَأَخَذَ جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ أهلَ مَكَّةَ بِالبَيعَةِ ، فَقالوا : قَد هَلَكَ عَلِيٌّ فَلِمَن نُبايِعُ ؟ قالَ : لِمَن بايَعَ لَهُ أصحابُ عَلِيٍّ بَعدَهُ ، فَتَثاقَلوا . فَقالَ : وَاللّهِ ، لَتُبايِعُنَّ ولَو بِأَستاهِكُم ، فَبايَعوا ودَخَلَ المَدينَةَ ، وقَدِ اصطَلَحوا عَلى أبي هُرَيرَةَ فَصَلّى بِهِم ، فَفَرَّ مِنهُ أبو هُرَيرَةَ . فَقالَ جارِيَةُ : يا أهلَ المَدينَةِ ! بايِعوا لِلحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ ، فَبايَعوا . ثُمَّ خَرَجَ يُريدُ الكوفَةَ ، فَرَدَّ أهلُ المَدينَةِ أبا هُرَيرَةَ . . . وحَدَّثَ أبُو الكَنودِ أنَّ جارِيَةَ مَرَّ في طَلَبِ بُسرٍ فَما كانَ يَلتَفِتُ إلى مَدينَةَ ، ولا يَعرُجُ عَلى شَيءٍ حَتَّى انتَهى إلَى اليَمَنِ ونَجرانَ ، فَقَتَلَ مَن قَتَلَ ، وهَرَبَ مِنهُ بُسرٌ ، وحَرَّقَ تَحريقا ، فَسُمِّيَ مُحَرِّقا (1) .
الاستيعاب :أرسَلَ مُعاوِيَةُ بُسرَ بنَ أرطاةَ إلَى اليَمَنِ ، فَسَبى نِساءً مُسلِماتٍ ، فَاُقِمنَ فِي السّوقِ (2) .
تاريخ اليعقوبي عن أبي خالد الوالبي :قَرَأتُ عَهدَ عَلِيٍّ لِجارِيَةَ بنِ قُدامَةَ : اُوصيكَ يا جارِيَةُ بِتَقوَى اللّهِ ؛ فَإِنَّها جَموعُ الخَيرِ ، وسِر عَلى عَونِ اللّهِ ، فَالقَ عَدُوَّكَ الَّذي وَجَّهتُكَ لَهُ ، ولا تُقاتِل إلّا مَن قاتَلَكَ ، ولا تُجهِز عَلى جَريحٍ ، ولا تُسَخِّرَنَّ دابَّةً ، وإن
.
ص: 177
مَشَيتَ ومَشى أصحابُكَ . ولا تَستَأثِر عَلى أهلِ المِياهِ بِمِياهِهِم ، ولا تَشرَبَنَّ إلّا فَضلَهُم عَن طيبِ نُفوسِهِم ، ولا تَشتِمَنَّ مُسلِما ولا مُسلِمَةً ؛ فَتوجِبَ عَلى نَفسِكَ ما لَعَلَّكَ تُؤَدِّبُ غَيرَكَ عَلَيهِ . ولا تَظلِمَنَّ مُعاهَدا ، ولا مُعاهَدَةً ، وَاذكُرِ اللّهَ ، ولا تَفتُر لَيلاً ولا نَهارا ، وَاحمِلوا رَجّالَتَكُم ، وتَواسَوا في ذاتِ أيديكُم ، وأجدِدِ السَّيرَ ، وأجلِ العَدُوَّ مِن حَيثُ كانَ ، وَاقتُلهُ مُقبِلاً ، وَاردُدهُ بِغَيظِهِ صاغِرا . وَاسفِكِ الدَّمَ فِي الحَقِّ ، وَاحقِنهُ فِي الحَقِّ ، ومَن تابَ فَاقبَل تَوبَتَهُ ، وإخبارَكَ في كُلِّ حينٍ بِكُلِّ حالٍ ، وَالصِّدقَ الصِّدقَ ! فَلا رَأيَ لِكَذوبٍ (1) .
الغارات عن عبد الرحمن السلمي :رَجَعَ بُسرٌ فَأَخَذَ عَلى طَريقِ السَّماوَةِ ، حَتّى أتَى الشّامَ فَقَدِمَ عَلى مُعاوِيَةَ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إحمَدِ اللّهَ ؛ فَإِنّي سِرتُ في هذَا الجَيشِ أقتُلُ عَدُوَّكَ _ ذاهِبا وراجِعا _ لَم يَنكُب رَجُلٌ مِنهُم نَكبَةً . فَقالَ مُعاوِيَةُ : اللّهُ فَعَلَ ذلِكَ لا أنتَ ! ! وكانَ الَّذي قَتَلَ بُسرٌ في وَجهِهِ _ ذاهِبا وراجِعا _ ثَلاثينَ ألفا ، وحَرَّقَ قَوما بِالنّارِ (2) .
الغارات عن الكلبي ولوط بن يحيى الأزدي :إنَّ ابنَ قَيسِ بنِ زُرارَةَ الشّاذي فَخذٌ مِن هَمدانَ قَدِمَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَأَخبَرَهُ بِخُروجِ بُسرٍ ، فَنَدَبَ عَلِيٌّ عليه السلام النّاسَ فَتثاقَلوا عَنهُ ، فَقالَ : أ تُريدونُ أن أخرُجَ بِنَفسي في كَتيبَةٍ تَتبَعُ كَتيبَةً فِي الفَيافي (3) وَالجِبالِ ؟ ! ذَهَبَ وَاللّهِ مِنكُم اُولُو النُّهى وَالفَضلِ الَّذينَ كانوا يُدعَونَ فَيُجيبونَ ، ويُؤمَرونَ فَيُطيعونَ ، لَقَد
.
ص: 178
هَمَمتُ أن أخرُجَ عَنكُم فَلا أطلُبُ بِنَصرِكُم مَا اختَلَفَ الجَديدانِ . فَقامَ جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ ، فَقالَ : أنَا أكفيكَهُم يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَقالَ : أنتَ لَعَمري لَمَيمونُ النَّقيبَةِ ، حَسَنُ النِّيَّةِ ، صالِحُ العَشيرَةِ . ونَدَبَ مَعَهُ ألفَينِ ، وقالَ بَعضُهُم : ألفا . وأمَرَهُ أن يَأتِيَ البَصرَةَ فَيَضُمَّ إلَيهِ مِثلُهُم ، فَشَخصَ جارِيَةُ وخَرَجَ مَعَهُ يُشَيِّعُهُ ، فَلَمّا وَدَّعَهُ قالَ : اِتَّقِ اللّهَ الَّذي إلَيهِ تَصيرُ ، ولا تَحتَقِر مُسلِما ولا مُعاهَدا ، ولا تَغصِبَنَّ مالاً ولا وَلَدا ولا دابَّةً وإن حَفيتَ وتَرَجَّلتَ ، وصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقتِها . فَقَدِمَ جارِيَةُ البَصرَةَ فَضَمَّ إلَيهِ مِثلُ الَّذي مَعَهُ ثُمَّ أخَذَ طَريقَ الحِجازِ حَتّى قَدِمَ اليَمَنَ ، لَم يَغصِب أحَدا ، ولَم يَقتُل أحَدا إلّا قَوما ارتَدّوا بِاليَمَنِ ، فَقَتَلَهُم وحَرَّقَهُم ، وسَأَلَ عَن طَريقِ بُسرٍ ، فَقالوا : أخَذَ عَلى بِلادِ بَني تَميمٍ ، فَقالَ : أخَذَ في دِيارِ قَومٍ يَمنَعونَ أنفُسَهُم ، فَانصَرَفَ جارِيَةُ فَأَقامَ بِجُرَشَ (1)(2) .
الغارات عن أبي ودّاك الشاذي :قَدِمَ زُرارَةُ بنُ قَيسٍ الشّاذي فَخَبَّرَ عَلِيّا عليه السلام بِالعِدَّةِ الَّتي خَرَجَ فيها بُسرٌ ، فَصَعِدَ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيِه ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ؛ أيُّهَا النّاسُ ! فَإِنَّ أوَّلَ فُرقَتِكُم وبَدءِ نَقصِكُم ذَهابُ اُولِي النُّهى وأهلِ الرَّأيِ مِنكُمُ ، الَّذينَ كانوا يُلقَونَ فَيُصَدِّقونَ ، ويَقولونَ فَيَعدِلونَ ، ويُدعَونَ فَيُجيبونَ ، وأنَا وَاللّهِ قَد دَعَوتُكُم عَودا وبَدءا وسِرّا وجِهارا ، وفِي اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَالغُدُوِّ وَالآصالِ ، فَما يَزيدُكُم دُعائي إلّا فِرارا وإدبارا ، أ ما تَنفَعُكُمُ العِظَةُ وَالدُّعاءُ إلَى الهُدى وَالحِكمَةِ ، وإنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم ، ولكِنّي وَاللّهِ لا اُصلِحُكُم بِإِفسادِ نَفسي ، ولكِن أمهِلوني قَليلاً ، فَكَأَنَّكُم وَاللّهِ بِامرِئٍ قَد جاءَكُم يَحرِمُكُم ويُعَذِّبُكُم
.
ص: 179
فَيُعَذِّبُهُ اللّهُ كَما يُعَذِّبُكُم . إنَّ مِن ذُلِّ المُسلِمينَ وهَلاكِ الدّينِ أنَّ ابنَ أبي سُفيانَ يَدعُو الأَراذِلَ وَالأَشرارَ فَيُجابُ ، وأدعوكُم وأنتُمُ الأَفضَلونَ الأَخيارُ فَتُراوِغونَ وتُدافِعونَ ، ما هذا بِفِعلِ المُتَّقينَ ، إنَّ بُسرَ بنَ أبي أرطاةَ وَجَّهَ إلَى الحِجازِ ، وما بُسرٌ ؟ ! لَعَنَهُ اللّهُ ، لِيَنتَدِب إلَيهِ مِنكُم عِصابَةٌ حَتّى تَرُدّوهُ عَن شَنَّتِهِ ، فَإِنَّما خَرَجَ في سِتِّمِئَةٍ أو يَزيدونَ . قالَ : فَسَكَتَ النّاسُ مَلِيّا لا يَنطِقونَ ، فَقالَ : ما لَكُم أ مُخرَسونَ أنتُم لا تَتَكَلَّمونَ ؟ فَذَكَرَ عَنِ الحارِثِ بنِ حَصيرةَ عَن مُسافِرِ بنِ عَفيفٍ قالَ : قامَ أبو بُردَةَ بنُ عَوفٍ الأَزدِيُّ فَقالَ : إن سِرتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ سِرنا مَعَكَ ، فَقالَ : اللّهُمَّ ما لَكُم ؟ لا سُدِّدتُم لِمَقالِ الرُّشدِ ، أ في مِثلِ هذا يَنبَغي لي أن أخرُجَ ؟ ! إنَّما يَخرُجُ في مِثلِ هذا رَجُلٌ مِمَّن تَرضَونَ مِن فُرسانِكُم وشُجعانِكُم ، ولا يَنبَغي لي أن أدَعَ الجُندَ وَالمِصرَ ، وبَيتَ المالِ ، وجِبايَةَ الأَرضِ ، وَالقَضاءَ بَينَ المُسلِمينَ ، وَالنَّظَرَ في حُقوقِ النّاسِ ، ثُمَّ أخرُجَ في كَتيبةٍ أتبَعُ اُخرى فِي الفَلَواتِ وشَعَفِ الجِبالِ ، هذا وَاللّهِ الرَّأيُ السّوءُ ، وَاللّهِ لَولا رَجائي عِندَ لِقائِهِم ، لَو قَد حُمَّ لي لِقاؤُهُم ، لَقَرَّبتُ رِكابي ثُمَّ لَشَخَصتُ عَنكُم فَلا أطلُبُكُم مَا اختَلَفَ جَنوبٌ وشَمالٌ ، فَوَاللّهِ إنَّ في فِراقِكُم لَراحَةً لِلنَّفسِ وَالبَدَنِ . فَقامَ إلَيهِ جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ السَّعدِيُّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ لا أعدَمَنَا اللّهُ نَفسَكَ ، ولا أرانَا اللّهُ فِراقَكَ ، أنَا لِهؤُلاءِ القَومِ ، فَسَرِّحني إلَيهِم ، قالَ : فَتَجَهَّز ؛ فَإِنَّكَ ما عَلِمتُ مَيمونُ النَّقيبَةِ . وقامَ إلَيهِ وَهَبُ بنُ مَسعودٍ الخَثعَمِيُّ ، فَقالَ : أنَا أنتَدِبُ إلَيهِم يا أميرَ المُؤمِنينَ ! قالَ : فَانتَدِب بارَكَ اللّهُ فيكَ ، ونَزَلَ (1) .
.
ص: 180
قالَ لَهُم عَلِيٌّ : ما لَكُم لا تَرُدّونَ جَوابا ولا تُرجِعونَ قَولاً ؟ أدعوكُم إلى جِهادِ عَدُوِّكُم سِرّا وجَهرا فَلَم يَزِدكُم دُعائي إلّا فِرارا ، أ تَتَناشَدونَ الأَشعارَ وتَتَسَلَّونَ عَنِ الأَسفارِ ، تَرِبَت يَداكُم ! لَقَد نَسيتُمُ الحَربَ وَالِاستِعدادِ لَها ، فَأَصبَحَت قُلوبُكُم فارِغَةً عَن ذِكرِها . قالَ : فَلَم يُجِبهُ أحَدٌ مِنهُم بِشَيءٍ . فَقالَ : أ وَلَيسَ مِنَ العَجَبِ أنَّ مُعاوِيَةَ يَأمُرُ فَيُطاعُ ويَدعو فَيُجابُ ، وآمُرُكُم فَتُخالِفونَ وأدعوكُم فَلا تُجيبونَ ؟ ذَهَبَ وَاللّهِ اُولُو النُّهى وَالفَضلِ وَالتُّقى ، الَّذينَ كانوا يَقولونَ فَيَصدُقونَ ، ويُدعَونَ فَيُجيبونَ ، ويَلقَونَ عَدُوَّهُم فَيَصبِرونَ ، وبَقيتُ في حُثالَةِ قَومٍ لا يَنتَفِعونَ بِمَوعِظَةٍ ولا يُفَكِّرونَ في عاقِبَةٍ . لَقَد هَمَمتُ أن أشخَصَ عَنكُم فَلا أطلُبَ نَصرَكُم مَا اختَلَفَ الجَديدانِ (1) ، وإنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم ، وكَأَنّي بِكُم وقَد وَلّاكُم مِن بَعدي مَن يَحرِمُكُم عَطاءَكُم ويَسومُكُم سوءَ العَذابِ ، وَاللّهُ المُستَعانُ وعَلَيهِ التَّكلانُ . فَلَمّا فَرَغَ عَلِيٌّ رضى الله عنه ونَظَرَ أنَّهُ لَيسَ يُجيبُهُ أحَدٌ ، انصَرَفَ إلى مَنزِلِهِ (2) .
الغارات عن عبد الرحمن بن نعيم :اِجتَمَعَ ذاتَ يَومٍ هُوَ [أي بُسرٌ ]وعُبَيدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ عِندَ مُعاوِيَةَ _ بَعدَ صُلحِ الحَسَنِ عليه السلام _ فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ لِمُعاوِيَةَ : أنتَ أمَرتَ هذَا القاطِعَ البَعيدَ الرَّحِمَ القَليلَ الرَّحمَ بِقَتلِ ابنَيَّ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : ما أمَرتُهُ بِذلِكَ ولا هَوَيتُ . فَغَضِبَ بُسرٌ ورَمى بِسَيفِهِ وقالَ : قَلَّدتَني هذَا السيفَ وقُلتَ : اِخبِط بِهِ النّاسَ حَتّى إذا بَلَغَتَ ما بَلَغتَ ، قُلتَ : ما هَوَيتُ ولا أمَرتُ .
.
ص: 181
فَقالَ مُعاوِيَةُ : خُذ سَيفَكَ ! فَلَعَمري إنَّكَ لَعاجِزٌ حينَ تُلقي سَيفَكَ بَينَ يَدَي رَجُلٍ مِن بَني عَبدِ مَنافٍ ، وقَد قَتَلتَ ابنَيهِ أمسَ . فَقالَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ : أ تَراني كُنتُ قاتِلَهُ بِهِما ؟ فَقالَ ابنٌ لِعُبَيدِ اللّهِ : ما كُنّا نَقتُلُ بِهِما إلّا يَزيدَ وعَبدَ اللّهِ ابنَي مُعاوِيَةَ . فَضَحِكَ مُعاوِيَةُ ، وقالَ : وما ذَنبُ يَزيدَ وعَبدِ اللّهِ ؟ ! (1)
.
ص: 182
. .
ص: 183
الفصل التاسع: تمنّي الاستشهاد9 / 1إنَّ أحَبَّ ما أنَا لاقٍ إلَيَّ المَوتُالإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ عليه السلام في ذَمِّ العاصينَ مِن أصحابِهِ _: أحمَدُ اللّهَ عَلى ما قَضى مِن أمرٍ ، وقَدَّرَ مِن فِعلٍ ، وعَلَى ابتِلائي بِكُم أيَّتُهَا الفِرقَةُ الَّتي إذا أمَرتُ لَم تُطِع ، وإذا دَعَوتُ لَم تُجِب . إن اُمهِلتُم خُضتُم ، وإن حورِبتُم خُرتُم ، وإنِ اجتَمَعَ النّاسُ عَلى إمامٍ طَعَنتُم ، وإن اُجِئتُم إلى مُشاقَّةٍ نَكَصتُم . لا أبا لِغَيرِكُم ! ما تَنتَظِرونَ بِنَصرِكُم وَالجِهادِ عَلى حَقِّكُم ؟ المَوتَ أوِ الذُّلَّ لَكُم ؟ فَوَاللّهِ لَئِن جاءَ يَومي _ ولَيَأتِيَنّي _ لَيُفَرِّقَنَّ بَيني وبَينَكُم وأنَا لِصُحبَتِكُم قالٍ ، وبِكُم غيرُ كَثيرٍ . للّهِِ أنتُم ! أ ما دينٌ يَجمَعُكُم ! ولا حَمِيَّةٌ تَشحَذُكُم ! أوَ لَيسَ عَجَبا أنَّ مُعاوِيَةَ يَدعُو الجُفاةَ الطَّغامَ فَيَتَّبِعونَهُ عَلى غَيرِ مَعونَةٍ ولا عَطاءٍ ، وأنَا أدعوكُم _ وأنتُم تَريكَةُ الإِسلامِ ، وبَقِيَّةُ النّاسِ _ إلَى المَعونَةِ أو طائِفَةٍ مِنَ العَطاءِ ، فَتَفَرَّقونَ عَنّي وتَختَلِفونَ عَلَيَّ ؟ ! إنَّهُ لا يَخرُجُ إلَيكُم مِن أمري رِضىً فَتَرضَونَهُ ، ولا سُخطٌ فَتَجتَمِعونَ عَلَيهِ ، وإن
.
ص: 184
أحَبَّ ما أنَا لاقٍ إلَيَّ المَوتُ ! قَد دارَستُكُمُ الكِتابَ ، وفاتَحتُكُمُ الحِجاجَ ، وعَرَّفتُكُم ما أنكَرتُم ، وسَوَّغتُكُم ما مَجَجتُم ، لَو كانَ الأَعمى يَلحَظُ ، أوِ النّائِمُ يَستَيقِظُ ! وأقرِب بِقَومٍ _ مِنَ الجَهلِ بِاللّهِ _ قائِدُهُم مُعاوِيَةُ ! ومُؤَدِّبُهُمُ ابنُ النّابِغَةِ ! (1)
9 / 2اللّهُمَّ مَلِلتُهُم ومَلّونيالغارات عن أبي صالح الحنفي :رَأَيتُ عَلِيّا عليه السلام يَخطُبُ وقَد وَضَعَ المُصحَفَ عَلى رَأسِهِ حَتّى رَأَيتُ الوَرَقَ يَتَقَعقَعُ عَلى رَأسِهِ . قالَ : فَقالَ : اللّهُمَّ قَد مَنَعوني ما فيهِ فَأَعطِني ما فيهِ ، اللّهُمَّ قَد أبغَضتُهُم وأبغَضوني ، ومَلِلتُهُم ومَلّوني ، وحَمَلوني عَلى غَيرِ خُلقي وطَبيعَتي وأخلاقٍ لَم تَكُن تُعرَفُ لي ، اللّهُمَّ فَأَبدِلني بِهِم خَيرا مِنهُم ، وأبدِلهُم بي شَرّا مِنّي ، اللّهُمَّ مِث (2) قُلوبَهُم كَما يُماثُ المِلحُ فِي الماءِ (3) .
الغارات عن ابن أبي رافع :رَأَيتُ عَلِيّا عليه السلام قَدِ ازدَحَموا عَلَيهِ حَتّى أدَمَوا رِجلَهَ . فَقالَ : اللّهُمَّ قَد كَرِهتُهُم وكَرِهوني ، فَأَرِحني مِنهُم وأرِحهُم مِنّي (4) .
تاريخ الإسلام عن محمّد ابن الحنفيّة :كانَ أبي يُريدُ الشّامَ ، فَجَعَلَ يَعقِدُ لِواءَهُ ثُمَّ يَحلِفُ لا يَحِلُّهُ حَتّى يَسيرَ ، فَيَأبى عَلَيهِ النّاسُ ، ويَنتَشِرُ عَلَيهِ رَأيُهُم ويَجبُنونَ ، فَيَحِلَّهُ ويُكَفِّرُ عَن يَمينِهِ ، فَعَلَ ذلِكَ أربَعَ مَرّاتٍ ، وكُنتُ أرى حالَهُم فَأَرى ما لا يَسُرُّني . فَكَلَّمت
.
ص: 185
المِسوَرَ بنَ مَخرَمَةَ يَومَئِذٍ ، وقُلتُ : أ لا تُكَلِّمُهُ أين يَسيرُ بِقَومٍ لا وَاللّهِ ما أرى عِندَهُم طائِلاً ؟ قالَ : يا أبَا القاسِمِ ، يَسيرُ لِأَمرٍ (1) قَد حُمَّ (2) ، قَد كَلَّمتُهُ فَرَأَيتُهُ يَأبى إلَا المَسيرَ . قالَ ابنُ الحَنَفِيَّةِ : فَلَمّا رَأى مِنهُم ما رَأى قالَ : اللّهُمَّ إنّي قَد مَلِلتُهُم وقَد مَلّوني ، وأبغَضتُهُم وأبغَضوني ، فَأَبدِلني خَيرا مِنهُم ، وأبدِلهُم شَرّا مِنّي (3) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ عليه السلام عِندَ وُصولِ خَبَرِ الأَنبارِ إلَيهِ _: أمَ وَاللّهِ لَوَدِدتُ أنَّ رَبّي قَد أخرَجَني مِن بَينِ أظهُرِكُم إلى رِضوانِهِ ، وإنَّ المَنِيَّةَ لَتُرصِدُني ، فَما يَمنَعُ أشقاها أن يَخضِبَها ؟ _ وتَرَكَ يَدَهُ عَلى رَأسِهِ ولِحيَتِهِ _ عَهدٌ عَهِدَهُ إلَيَّ النَّبِيُّ الاُمِّيُّ ، وقَد خابَ مَنِ افتَرى ، ونَجا مَنِ اتَّقى وصَدَّقَ بِالحُسنى (4) .
الإرشاد عن الإمام عليّ عليه السلام :يا أهلَ الكوفَةِ ! خُذوا اُهبَتَكُم لِجِهادِ عَدُوِّكُم مُعاوِيَةَ وأشياعِهِ . قالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أمهِلنا يَذهَبُ عَنَّا القَرُّ . فَقالَ : أمَ وَاللّهِ الَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَيَظهَرَنَّ هؤُلاءِ القَومُ عَلَيكُم ، لَيسَ بِأَنَّهُم أولى بِالحَقِّ مِنكُم ، ولكِن لِطاعَتِهِم مُعاوِيَةَ ومَعصِيَتِكُم لي . وَاللّهِ لَقَد أصبَحَتِ الاُمَمُ كُلُّها تَخافُ ظُلمَ رُعاتِها ، وأصبَحتُ أنَا أخافُ ظُلمَ رَعِيَّتي ، لَقَدِ استَعمَلتُ مِنكُم رِجالاً فَخانوا وغَدَروا ، ولَقَد جَمَعَ بَعضُهُم مَا ائتَمَنتُهُ عَلَيهِ مِن فَيءِ المُسلِمينَ فَحَمَلَهُ إلى مُعاوِيَةَ ، وآخَرُ حَمَلَهُ إلى مَنزِلِهِ تَهاوُناً بِالقُرآنِ ، وجُرأَةً عَلَى الرَّحمنِ ، حَتّى لَو أنَّنِي ائتَمَنتُ أحَدَكُم عَلى عِلاقِةِ سَوطٍ لَخانَني ، ولَقَد أعيَيتُموني ! ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ إلَى السَّماءِ فَقالَ : اللّهُمَّ إنّي قَد سَئِمتُ الحَياةَ بَينَ ظَهرانَي هؤُلاء
.
ص: 186
القَومِ ، وتَبَرَّمتُ الأَمَلَ . فَأَتِح لي صاحِبي حَتّى أستَريحُ مِنهُم ويَستَريحوا مِنّي ، ولَن يُفلِحوا بَعدي (1) .
نهج البلاغة :مِن خُطبَةٍ لَهُ عليه السلام وقَد تَواتَرَت عَلَيهِ الأَخبارُ بِاستيلاءِ أصحابِ مُعاوِيَةَ عَلَى البِلادِ ، وقَدِمَ عَلَيهِ عامِلاهُ عَلَى اليَمَنِ ، وهُما عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ وسَعيدُ بنُ نَمرانَ لَمّا غَلَبَ عَلَيهِما بُسرُ بنُ أبي أرطاةَ ، فَقامَ عليه السلام عَلَى المِنبَرِ ضَجَرا بِتَثاقلُِ أصحابِهِ عَنِ الجِهادِ ، ومُخالَفَتِهِم لَهُ فِي الرَّأيِ فَقالَ : ما هِيَ إلَا الكوفَةُ ، أقبِضُها وأبسُطُها ، إن لَم تَكوني إلّا أنتِ تَهُبُّ أعاصيرُكِ فَقَبَّحَكِ اللّهُ ! وتَمَثَّلَ بِقَولِ الشّاعِرِ : لَعَمرُ أبيكَ الخَيرِ يا عَمرُو إنَّني عَلى وَضَرٍ (2) مِن ذَا الإِناءِ قَليلِ ثُمَّ قالَ عليه السلام : اُنبِئتُ بُسرا قَدِ اطَّلَعَ اليَمَنَ ، وإنّي وَاللّهِ لَأَظُنُّ أنَّ هؤُلاءِ القَومَ سَيُدالونَ (3) مِنكُم بِاجتِماعِهِم عَلى باطِلِهِم ، وتَفَرُّقِكُم عَن حَقِّكُم ، وبِمَعصِيَتِكُم إمامَكُم فِي الحَقِّ ، وطاعَتِهِم إمامَهُم فِي الباطِلِ ، وبِأَدائِهِمُ الأَمانَةَ إلى صاحِبِهِم وخِيانَتِكُم ، وبِصَلاحِهِم في بِلادِهِم وفَسادِكُم . فَلَوِ ائتَمَنتُ أحَدَكُم عَلى قَعْبٍ (4) لَخَشيتُ أن يَذهَبَ بِعِلاقَتِهِ . اللّهُمَّ إنّي قَد مَلِلتُهُم ومَلّوني ، وسَئِمتُهُم وسَئِموني ، فَأبدِلني بِهِم خَيرا مِنهُم ، وأبدِلهُم بي شَرّا مِنّي ، اللّهُمَّ مِث قُلوبَهَم كما يُماثُ المِلحُ فِي الماءِ ، أما وَاللّهِ لَوَدِدتُ أنَّ لي بِكُم ألفَ فارِسٍ مِن بَني فِراسِ بنِ غَنمٍ . هُنالِكَ لَو دَعَوتَ أتاكَ مِنهُم فَوارِسُ مِثلُ أرمِيَةِ الحَميمِ ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام مِنَ المِنبَرِ (5) .
.
ص: 187
البداية والنهاية عن زهير بن الأرقم :خَطَبَنا عَلِيٌّ يَومَ جُمُعَةَ ، فَقالَ : نُبِّئتُ أنَّ بُسرا قَد طَلَعَ اليَمَنَ ، وإنّي وَاللّهِ لَأَحسَبُ أنَّ هؤُلاءِ القَومَ سَيَظهَرونَ عَلَيكُم ، وما يَظهَرونَ عَلَيكُم إلّا بِعِصيانِكُم إمامَكُم وطاعَتِهِم إمامَهُم ، وخِيانَتِكُم وأمانَتِهِم ، وإفسادِكُم في أرضِكُم وإصلاحِهِم ، قَد بَعَثتُ فُلانا فَخانَ وغَدَرَ ، وبَعَثتُ فُلانا فَخانَ وغَدَرَ ، وبَعَثَ المالَ إلى مُعاوِيَةَ ، لَوِ ائتَمَنتُ أحَدَكُم عَلى قَدَحٍ لَأَخَذَ عِلاقَتَهُ ، اللّهُمَّ سَئِمتُهُم وسَئِموني ، وكَرِهتُهُم وكَرِهوني ، اللّهُمَّ فَأَرحِهُم مِنّي وأرِحني مِنهُم . قالَ : فَما صَلَّى الجُمُعَةَ الاُخرى حَتّى قُتِلَ رَضِيَ اللّهُ عَنهُ وأرضاهُ (1) .
راجع : ص 237 (ما ينتظر أشقاها ؟ !).
.
ص: 188
. .
ص: 189
الفصل العاشر: آخر خطبة خطبها الإمامنهج البلاغة :رُوِي عَن نَوفِ البِكالِيِّ قالَ : خَطَبَنا بِهذِهِ الخُطبَةِ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ عليه السلام بِالكوفَةِ وهُوَ قائِمٌ عَلى حِجارَةٍ نَصَبَها لَهُ جَعدَةُ بنُ هُبَيرَةَ المَخزومِيُّ ، وعَلَيهِ مِدرَعَةٌ مِن صوفٍ وحَمائِلُ سَيفِهِ ليفٌ ، وفي رِجلَيهِ نَعلانِ مِن ليفٍ ، وكَأَنَّ جَبينَهُ ثَفِنَةُ بَعيرٍ . فَقالَ عليه السلام : الحَمدُ للّهِِ الَّذي إلَيهِ مَصائِرُ الخَلقِ ، وعَواقِبُ الأَمرِ . نَحمَدُهُ عَلى عَظيمِ إحسانِهِ ونَيِّرِ بُرهانِهِ ، ونَوامي فَضلِهِ وَامتِنانِهِ ، حَمداً يَكونُ لِحَقِّهِ قَضاءً ، ولِشُكرِهِ أداءً ، وإلى ثَوابِهِ مُقَرِّبا ، ولِحُسنِ مَزيدِهِ موجِباً . ونَستَعينُ بِهِ استِعانَةَ راجٍ لِفَضلِهِ ، مُؤَمِّلٍ لِنَفعِهِ ، واثِقٍ بِدَفعِهِ ، مُعتَرِفٍ لَهُ بِالطَّولِ ، مُذعِنٍ لَهُ بِالعَمَلِ وَالقَولِ . ونُؤمِنُ بِهِ إيمانَ مَن رَجاهُ موقِناً ، وأنابَ إلَيهِ مُؤمِناً ، وخَنَعَ لَهُ مُذعِناً ، وأخلَصَ لَهُ مُوَحِّداً ، وعَظَّمَهُ مُمَجِّداً ، ولاذَ بِهِ راغِباً مُجتَهِداً . لَم يُولَد سُبحانَهُ فَيَكونَ فِي العِزِّ مُشارَكاً ، ولَم يَلِد فَيَكونَ مَوروثاً هالِكاً . ولَم يَتَقَدَّمهُ وَقتٌ ولا زَمانٌ . ولَم يَتَعاوَرهُ زِيادَةٌ ولا نُقصانٌ ، بَل ظَهَرَ لِلعقُولِ بِما أرانا مِن عَلاماتِ التَّدبيرِ المُتقَنِ وَالقَضاءِ المُبرَمِ . فَمِن شَواهِدِ خَلقِهِ خَلقُ السَّمواتِ مُوَطَّداتٍ بِلا عَمَدٍ ، قائِماتٍ بِلا سَنَدٍ . دَعاهُن
.
ص: 190
فَأَجَبنَ طائِعاتٍ مُذعِناتٍ ، غَيرَ مُتَلَكِّئاتٍ ولا مُبطِئاتٍ . ولَولا إقرارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبوبِيَّةِ وإذعانُهُنَّ بِالطَّواعِيَةِ لَما جَعَلَهُنَّ مَوضِعا لِعَرشِهِ ، ولا مَسكَناً لِمَلائِكَتِهِ ، ولا مَصعَداً لِلكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالعَمَلِ الصّالِحِ مِن خَلقِهِ . جَعَلَ نُجومَها أعلاماً يَستَدِلُّ بِهَا الحَيرانُ في مُختَلِفِ فِجاجِ (1) الأَقطارِ . لَم يَمنَع ضَوءَ نورِهَا ادلِهمامُ سُجُفِ اللَّيلِ المُظلِمِ . ولَا استَطاعَت جَلابيبُ سَوادِ الحَنادِسِ أن تَرُدَّ ما شاعَ فِي السَّمواتِ مِن تَلَألُؤِ نورِ القَمَرِ . فَسُبحانَ مَن لا يَخفى عَلَيهِ سَوادُ غَسَقٍ داجٍ ولا لَيلٍ ساجٍ (2) في بِقاعِ الأَرَضينَ المُتَطَأطِئاتِ ، ولا في يَفاعِ (3) السُّفعِ (4) المُتَجاوِراتِ . وما يَتَجَلجَلُ بِهِ الرَّعدُ في اُفُقِ السَّماءِ ، وما تَلاشَت عَنهُ بُروقُ الغَمامِ ، وما تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ تُزيلُها عَن مَسقَطِها عَواصِفُ الأَنواءِ وَانهِطالُ السَّماءِ ، ويَعلَمُ مَسقَطَ القَطرَةِ ومَقَرَّها ، ومَسحَبَ الذَّرَّةِ ومَجَرَّها ، وما يَكفِي البَعوضَةَ مِن قوتِها ، وما تَحمِلُ الاُنثى في بَطنِها . الحَمدُ للّهِِ الكائِنِ قَبلَ أن يَكونَ كُرسِيٌّ أو عَرشٌ ، أو سَماءٌ أو أرضٌ أو جانٌّ أو إنسٌ ، لا يُدرَكُ بِوَهمٍ ، ولا يُقَدَّرُ بِفَهمٍ . ولا يَشغَلُهُ سائِلٌ ، ولا يَنقُصُهُ نائِلٌ ، ولا يَنظُرُ بِعَينٍ ، ولا يُحَدُّ بِأَينٍ . ولا يُوصَفُ بِالأَزواجِ ، ولا يُخلَقُ بِعِلاجٍ . ولا يُدرَكُ بِالحَواسِّ . ولا يُقاسُ بِالنّاسِ . الَّذي كَلَّمَ موسى تَكليماً ، وأراهُ مِن آياتِهِ عَظيماً . بِلا جَوارِحِ ولا أدَواتٍ ، ولا نُطقٍ ولا لَهَواتٍ . بَل إن كُنتَ صادِقاً أيُّهَا المُتَكَلِّفُ لِوَصفِ رَبِّكَ فَصِف جَبرائيلَ وميكائيلَ وجُنودَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبينَ في حُجُراتِ القُدُسِ مُرجَحِنّينَ (5) ، مُتَوَلِّهَةً عُقولُهُم أن يَحُدّوا أحسَن
.
ص: 191
الخالِقينَ . فَإِنَّما يُدرَكُ بِالصِّفاتِ ذَوُو الهَيئاتِ وَالأَدَواتِ ، ومَن يَنقَضي إذا بَلَغَ أمَدَ حَدِّهِ بِالفَناءِ ؛ فَلا إلهَ إلّا هُوَ ، أضاءَ بِنورِهِ كُلَّ ظَلامٍ ، وأظلَمَ بِظُلمَتِهِ كُلَّ نورٍ . اُوصيكُم عِبادَ اللّهِ بِتَقوَى اللّهِ الَّذي ألبَسَكُمُ الرِّياشَ (1) وأسبَغَ عَلَيكُمُ المَعاشَ . ولَو أنَّ أحَداً يَجِدُ إلَى البَقاءِ سُلّماً ، أو إلى دَفعِ المَوتِ سَبيلاً ، لَكانَ ذلِكَ سُلَيمانُ بنُ داوُدَ عليه السلام الَّذي سُخِّرَ لَهُ مُلكُ الجِنِّ وَالإِنسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وعَظيمِ الزُّلفَةِ ، فَلَمَّا استَوفى طُعمَتَهُ ، وَاستَكمَلَ مُدَّتَهُ ، رَمَتهُ قِسِيُّ الفَناءِ بِنِبالِ المَوتِ ، وأصبَحَتِ الدِّيارُ مِنهُ خالِيَةً ، وَالمَساكِنُ مُعَطَّلَةً ، ووَرِثَها قَومٌ آخَرونَ ، وإنَّ لَكُم فِي القُرونِ السّالِفَةِ لَعِبرَةً ! أينَ العَمالِقَةُ وأبناءُ العَمالِقَةِ ! أينَ الفَراعِنَةُ وأبناءُ الفَراعِنَةِ ! أينَ أصحابُ مَدائِنِ الرِّسِّ الَّذينَ قَتَلُوا النَّبِيّينَ ، وأطفَؤوا سُنَنَ المُرسَلينَ ، وأحيَوا سُنَنَ الجَبّارينَ ! وأينَ الَّذينَ ساروا بِالجُيوشِ وهَزَموا بِالاُلوفِ . وعَسكَرُوا العَساكِرَ ومَدَّنُوا المَدائِنَ . ومِنها : قَد لَبِسَ لِلحِكمَةِ جُنَّتَها ، وأخَذَها بِجَميعِ أدَبِها مِنَ الإِقبالِ عَلَيها ، وَالمَعرِفَةِ بِها ، وَالتَّفَرُّغِ لَها ؛ فَهِيَ عِندَ نَفسِهِ ضالَّتُهُ الَّتي يَطلُبُها ، وحاجَتُهُ الَّتي يَسأَلُ عَنها ؛ فَهُوَ مُغتَرِبٌ إذَا اغتَرَبَ الإِسلامُ ، وضَرَبَ بِعَسيبِ (2) ذَنَبِهِ ، وألصَقَ الأَرضَ بِجِرانِهِ (3) . بَقِيَّةٌ مِن بَقايا حُجَّتِهِ ، خَليفَةٌ مِن خَلائِفِ أنبِيائِهِ . ثُمَّ قالَ عليه السلام : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي قَد بَثَثتُ لَكُمُ المَواعِظَ الَّتي وَعَظَ الأَنبِياءُ بِها اُمَمَهُم ، وأدَّيتُ إلَيكُم ما أدَّتِ الأَوصِياءُ إلى مَن بَعدَهُم ، وأدَّبتُكُم بِسَوطي فَلَم تَستَقيموا . وحَدَوتُكُم بِالزَّواجِرِ فَلَم تَستَوسِقوا (4) . للّهِِ أنتُم ! أ تَتَوَقَّعونَ إماماً غَيري يَطَأُ بِكُم
.
ص: 192
الطَّريقَ ، ويُرشِدُكُمُ السَّبيلَ ؟ ألا إنَّهُ قَد أدبَرَ مِنَ الدُّنيا ما كانَ مُقبِلاً ، وأقبَلَ مِنها ما كانَ مُدبِراً ، وأزمَعَ (1) التَّرحالَ عِبادُ اللّهِ الأَخيارُ ، وباعوا قَليلاً مَِن الدُّنيا لا يَبقى بِكَثيرٍ مِنَ الآخِرَةِ لا يَفنى . ما ضَرَّ إخوانَنَا الَّذينَ سُفِكَت دِماؤُهُم وهُم بِصِفّينَ ألّا يَكونُوا اليَومَ أحياءً ؟ يُسيغونَ الغُصَصَ ويَشرَبونَ الرَّنقَ (2) . قَد _ وَاللّهِ _ لَقُوا اللّهَ فَوَفّاهُم اُجورَهُم ، وأحَلَّهُم دارَ الأَمنِ بَعدَ خَوفِهِم . أينَ إخوانِيَ الَّذينَ رَكِبُوا الطَّريقَ ومَضَوا عَلَى الحَقِّ ؟ أينَ عَمّارٌ ؟ وأينَ ابنُ التَّيِّهانِ ؟ وأينَ ذُو الشَّهادَتَينِ ؟ وأينَ نُظَراؤُهُم مِن إخوانِهِمُ الَّذينَ تَعاقَدوا عَلَى المَنِيَّةِ ، واُبرِدَ بِرُؤوسِهِم إلَى الفَجَرَةِ . قالَ : ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى لِحيَتِهِ الشَّريفَةِ الكَريمَةِ فَأَطالَ البُكاءَ ، ثُمَّ قالَ عليه السلام : أوِّهِ عَلى إخوانِيَ الَّذينَ تَلَوُا القُرآنَ فَأَحكَموهُ ، وتَدَبَّرُوا الفَرضَ فَأَقاموهُ ، أحيَوُا السُّنَّةَ وأماتُوا البِدعَةَ . دُعُوا لِلجِهادِ فَأَجابوا ، ووَثِقوا بِالقائِدِ فَاتَّبَعوهُ . ثُمَّ نادى بِأعلى صَوتِهِ : الجِهادَ الجِهادَ عِبادَ اللّهِ ! ألا وإنّي مُعَسكِرٌ في يَومي هذا ؛ فَمَن أرادَ الرَّواحَ إلَى اللّهِ فَليَخرُج ! قالَ نَوفٌ : وعَقَدَ لِلحُسَينِ عليه السلام في عَشَرَةِ آلافٍ ، ولِقَيسِ بنِ سَعدٍ في عَشَرَةِ آلافٍ ، ولِأَبي أيّوبٍ الأَنصارِيِّ في عَشَرَةِ آلافٍ ، ولِغَيرِهِم عَلى أعدادٍ اُخَرَ وهُوَ يُريدُ الرَّجعَةَ إلى صِفّينَ ، فَما دارَتِ الجُمُعَةُ حَتّى ضَرَبَهُ المَلعونُ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَتَراجَعَتِ العَساكِرُ ، فَكُنّا كَأَغنامٍ فَقَدَت راعيَها تَخَتطِفُهَا الذِّئابُ مِن كُلِّ مَكانٍ (3) .
.
ص: 193
بحث في جذور التخاذلعرفنا في القسم الخامس أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حظي بتأييد شعبي واسع ، ووصل إلى الخلافة عبر انتخابات حرّة ، حتى بلغ من إقبال الناس على بيعته وفرحهم بها أنّه قال في وصفها : «أقبَلتُم إلَيَّ إقبالَ العوذِ المَطافيلِ عَلى أولادِها» (1) . كما قرأنا في هذا الفصل أنّ الجماهير راحت تبتعد عن الإمام تدريجيّاً ولمّا تمضِ مدّة قصيرة على حكمه ، حيث فقد حماية وتأييد أغلبهم ؛ ففي الأيّام الاُولى _ من عهد الإمام السياسيّ _ نقض بعض الناس البيعة فخرجوا مع ثلّة من السبّاقين إلى بيعة الإمام ليثيروا حرب الجمل . على خطٍّ آخر بادر جمع من الشخصيّات المعروفة ذات التأثير الشعبي البارز للالتحاق بمعاوية ، كما انفصل آخرون عن صفّ الإمام وقرّروا اتّخاذ موقف الحياد . هكذا راح يتضاءل التأييد الشعبي لحكم الإمام يوماً بعد آخر ، بحيث لم يفقد الحكم العلوي ذلك التأييد الجماهيري العارم الذي برز في الأيّام الاُولى للبيعة فحسب ، بل انقلب التأييد إلى معارضة! حتى آلَ الأمر في نهاية المطاف إلى أن يعيش الإمام الأشهر الأخيرة من حياته وحيداً وهو يشكو مرارة غربته ، وعصيان أصحابه ، وعدم طاعتهم .
.
ص: 194
إشكاليّة الموضوعتكمن إشكاليّة الموضوع في الأسئلة الأساسيّة التالية : ما هي الأسباب وراء ابتعاد أكثريّة الناس عن الإمام علي عليه السلام ؟ لماذا لم يستطع الإمام أن يحافظ على تأييد أغلبيّة الجمهور لحكمه؟ لماذا حلّت الفرقة بين الجماهير خلال حكم الإمام ، ولم يستطع إيجاد وحدة الكلمة بين صفوف الجماهير التي بايعته؟ لماذا صار الإمام أواخر حياته يبثّ شكواه على الدوام من عدم حماية الناس لحركته الإصلاحيّة ، وهو يقول : «هَيهاتَ أن أطلَعَ بِكُم سَرارَ العدَلِ» (1) ، ويقول : «اُريدُ أن اُداوِيَ بِكُم وأنتُم دائي» (2) ، ويقول : «مُنيتُ بِمَن لا يُطيعُ» (3) ، ويقول : «لا غَناءَ في كَثرَةِ عَدَدِكُم مَعَ قِلَّةِ اجتِماعِ قُلوبِكُم!» (4) ، ويقول : «لَو كانَ لي بِعَدَدِ أهلِ بَدرٍ» (5) ، ويقول : «وَدِدتُ أنّي أبيعُ عَشَرَةً مِنكُم بِرَجُلٍ مِن أهلِ الشّامِ!» (6) . وبكلمة مختصرة : ما هو سبب إدبار عامّة الناس عن الحكم العلوي بعد ذلك الإقبال منقطع النظير الذي حظي به الإمام يوم البيعة؟ أليس في انفضاض الناس عن الإمام وبقائه وحيداً ما يدلّ على عدم إمكانيّة ممارسة الحكم عمليّاً وفق اُصول المنهج السياسي العلوي ، وأنّه لا مكان للمدينة العلويّة الفاضلة إلّا في دنيا الخيال؟
.
ص: 195
قبل أن نلجأ للإجابة على هذه الأسئلة وبيان أسباب بقاء الإمام وحيداً ، من الضروري الإشارة إلى نقطتين :
أ : دور الخواصّ في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّةلقد كان للخواصّ على مرّ التأريخ _ ولا يزال _ الدور الأكبر في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة التي يشهدها أيّ مجتمع (1) ، فالنخب هي التي تأخذ موقع الجمهور في العادة وتقرّر بدلاً منه ، على حين ليس للجمهور _ في الأغلب _ إلّا اتّباع تلك النخب والانقياد لها . وقد تُرتّب النخبُ المشهد _ أحيانا _ بصيغة بحيث تتوهّم الجماهير أنّها صاحبة القرار! ففي عصرٍ كصدر الإسلام كان لرؤساء القبائل الدور المحوري في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة . وفي عصرٍ آخر صار ذلك التأثير إلى النخب الفكريّة وقادة الأحزاب . أما في العصر الحاضر فإنّ الذي يتحكّم بالجمهور ويوجّهه ويصوغ قراراته هم كبار المشرفين على الشبكات الخبريّة ، وأجهزة الاتّصال المختلفة ، والقنوات والنظم الإعلاميّة ، وأصحاب الجرائد ، والصحفيّون .
ب : دور أهل الكوفة في حكم الإماميحتلّ العراق في الجغرافيّة السياسيّة لعصر صدر الإسلام موقع الجسر الذي يربط شرق العالم الإسلامي بغربه ، كما يعدّ مصدراً لتزويد السلطة المركزيّة بما تحتاج إليه من جندٍ وقوّاتٍ عسكريّة . وفي العراق تحظى الكوفة بموقع خاصّ ، وحساسيّة كبرى . لقد مُصِّرت الكوفة عام 17 ه ؛ لتكون مقرّاً للجند ، حيث تقارَنَ تمصير هذه المدينة مع إيجاد معسكرات كبرى للجند .
.
ص: 196
بهذا يتّضح أنّ الكوفة هي قاعدة عسكريّة ، ومن ثمّ فإنّ من يسكنها لم يكن يفكّر بأكثر من القتال والبعوث وفتح البلدان والحصول على الغنائم وغير ذلك ممّا له صلة بهذه الدائرة . لقد كان من سكن الكوفة بعيداً عن المدينة المنوّرة التي تحتضن أكثريّة الصحابة ، كما أنّ تردّد الصحابة على هذا المصر كان قليلاً أيضاً ، إذ سار عمر بسياسةٍ تقضي أن لا يتوزّع الصحابة في الأمصار بل يبقون في المدينة من حوله (1) . على هذا الأساس لم يحظَ الكوفيّون بالمعرفة الدينيّة اللازمة ، وظلّ حظّهم ضئيلاً من تعاليم الشريعة والعلوم الدينيّة . لقد تحدّث عمر صراحةً إلى من رغب من الصحابة قصدَ الكوفة ، ونهاهم عن تعليم الحديث ؛ لئلّا يضرّوا اُنس هؤلاء بالقرآن (2) . هذا وقد برزت في الكوفة طبقة عُرفت ب_ «القرّاء» ، ألّفت فيما بعد البذور التأسيسيّة لتيّار الخوارج . ثم نقطة أساسيّة اُخرى تتمثّل بالنسيج القبائلي الموجود في الكوفة وهيمنة الطباع القبليّة ، وثقافة القبيلة وموازينها على مجتمع الكوفة ، ففي إطار نسيج ثقافيّ كهذا تكون الكلمة الفصل لرئيس القبيلة ، أما البقيّة فهم تبع له ، من دون أن تكون لهم حرّية الاختيار . بضمّ هاتين المقدّمتين لبعضهما نخلص إلى هذه النتيجة : عندما نقول : «إنّ الناس انفضّوا عن الإمام علي عليه السلام وتركوه وحيداً» فما نقصده بذلك هو تخلّي الخواصّ والنخب ورؤساء قبائل الاُمّة الإسلاميّة عنه ، بالخصوص أهل العراق ، وبخاصّة أهل الكوفة .
.
ص: 197
وفيما يلي نعرض دراسة أسباب هذه الظاهرة ، وكيف بقي الإمام وحيداً ، من خلال ما ورد على لسان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام .
غربة الإمام على لسانهذكرنا قبل ذلك أنّ الإمام عليّاً عليه السلام استطاع أن يعكس في أيّام حكمه القصير أبهى صورة للحكم القائم على أساس القيم الإنسانيّة . فالنهج العلوي في الحكم لم يكن يستقطب إليه المؤمنين بالقيم الإسلاميّة فحسب ، بل كان _ ولا يزال _ يجذب إلى دائرة نفوذه حتى أولئك الذين لا يدينون بهذه القيم من بني الإنسان . لذلك كلّه لا يمكن أن يكون سبب انفضاض الناس عن الإمام كامناً بخطأ منهجه في الحكم ، بل ثم لذلك أدلّة اُخرى . لقد بيّن الإمام نفسه أسباب إدبار الجمهور عن حكمه بعد أن كانوا أقبلوا عليه ، وكشف بالتفصيل دوافع إحجام المجتمع عن برنامجه الإصلاحي ، كما وضع يده على الجذر الذي تنتهي إليه الاختلافات التي عصفت بالمجتمع ، والاضطرابات التي برزت أيّام حكمه . وفيما يلي نقدّم أجوبة الإمام على هذه النقاط :
.
ص: 198
( 1)تضادّ الإراداتيبرز السبب الأوّل في ابتعاد الناس عن الإمام بذلك الاختلاف الأساسي الذي ظهر بين الرؤى ، والتضادّ المبدئي الذي حصل بين دوافع القوم وأهدافهم ؛ فلم يكن دافع أغلب الذين ثاروا على عثمان _ لاسيما بعض قادة الحركة مثل طلحة والزبير _ هو إعادة المجتمع إلى سيرة النبيّ وسنّته ، واستئناف القيم الإسلاميّة الأصيلة ، بل كان الباعث على ذلك هو ضجر هؤلاء من الاستئثار القبلي والحزبي الذي مارسه بنو اُميّة وفي طليعتهم عثمان . وبذلك لم يكن هدف هؤلاء من قتل عثمان ومبايعة الإمام علي عليه السلام يتخطّى هذه النقطة ، حيث لبثوا بانتظار حلّ الإمام لهذه المشكلة . أمّا الإمام ، فقد كان له في قبول الحكم هدف وباعث آخر ، فقد كان يهدف من وراء الاستجابة أن يعيد المجتمع إلى سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله وسنّته ، ويبادر إلى إحياء القيم الإسلاميّة ، ويطلق حركة إصلاحيّة عميقة وواسعة في المجتمع والدولة تطال جميع المرافق الإداريّة والثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقضائيّة . وخلاصة الكلام أنّ مطامح الجمهور كانت شخصيّة ، وما يريده الإمام كان إلهيّاً . فبينما كانت الناس تدور حول منافعها الشخصيّة ، كان الإمام يسعى إلى استئناف القيم الإسلاميّة وتطبيقها . وهذا ما أشار إليه بقوله عليه السلام : «ولَيسَ أمري وَأمرُكُم واحِدَاً ؛ إنّي اُريدُكُم للّهِِ ، وأنتُم تُريدونَني لِأَنفُسِكُم» . (1) في أجواء كهذه ، عندما لمس الناس أنّ الإمام لا يتواءم وإيّاهم في الهدف ، راحوا يتخلّون عن مساندته . ثمّ بمرور الزمان ، وكلّما اتّضحت دوافع الإمام في العمل أكثر راح تأييد الناس يتضاءل ، وتتّسع الفجوة بينهم وبين الإمام .
.
ص: 199
( 2)خيانة الخواصّ وتبعيّة العواملقد كان لرؤساء القبائل في العهد العلوي الدور الأبرز في اتّخاذ القرار ، والتأثير على أغلبيّة الجمهور . ولم تؤتِ جهود الإمام ثمارها المرجوّة على صعيد الارتقاء بهؤلاء فكريّاً ، من خلال تصحيح نظرتهم إلى الحقّ ، بحيث يعرفون الحقّ بمعيار الحقّ ، لا بمعيار الرجال الذين يَكنّون لهم الاحترام (1) . لقد صارت هذه الأجواء _ التي تقف حائلاً صلباً دون تحقّق الإصلاحات الأساسيّة _ تلقي في نفس الإمام الألم والمضاضة . وممّا جاء عن الإمام في تحليل هذا الفضاء الاجتماعي الذي يبعث على الملالة ، قوله عليه السلام : «النّاسُ ثَلاثَةٌ : فَعالِمٌ رَبّانِيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ ؛ أتباعٌ كُلِّ ناعِقٍ ، يَميلونَ مَعَ كُلِّ ريحٍ ، لَم يَستَضيئوا بِنورِ العِلمِ ، ولَم يَلجَؤوا إلى رُكنٍ وَثيقٍ» (2) . يقسّم هذا النص العلوي الناسَ في انتخاب طريق الحياة إلى ثلاثة أقسام ، هي : القسم الأوّل : العلماء الذين عرفوا طريق الحياة الصحيح ، حيث يطلق الإمام على هؤلاء وصف «العالم الربّاني» . القسم الثاني : هم ذلك الفريق من الناس الذي يسعى لمعرفة الطريق الصحيح ، ويتحرّك باتّجاه معرفة الحقّ ، وهؤلاء في الوصف العلوي «متعلّمون على سبيل
.
ص: 200
نجاة» . أمّا القسم الثالث فلا هو بالذي يعرف الطريق الصحيح للحياة ، ولا هو يبذل سعيه في سبيل معرفته ، بل يتمثّل معياره في اتّخاذ القرار واختيار النهج الذي يسلكه بالتقليد الأعمى للخواصّ ، واتّباع الشخصيّات دون بصيرة ، وهؤلاء هم «الهمج الرعاع» . إنّ معنى «الهمج» هو الذباب الصغير الذي يحطّ على وجه الغنم أو الحمير ، و«الرعاع» بمعنى الأحمق والتافه الذي لا قيمة له . فشبّه التحليل العلوي أولئك الذين لا يعرفون طريق الحياة الصحيح ، ولا يسمحون لأنفسهم بالتفكير به ، بل غاية حظّهم اتّباع الآخرين اتّباعاً أعمى ، شبّههم بالذباب ؛ إذ هم يحيطون بجاهلٍ أكبر منهم يستمدّون منه ، وهو يغذوهم! إنّ أمثال هؤلاء لا يتمتّعون بقاعدة فكريّة وعقيديّة متينة ، وهم يتّبعون الغيرمن دون تفحّص لكونه حقّا أو باطلاً ، بل يتّبعونه لمحض كونه رئيس قبيلة ، أو قائد حزب ، أو شخصيّة تحظى بالاحترام بالنسبة إليهم ، فهم كالذباب تماماً ؛ كلّما تحرّكت الريح من جانب تحرّك معها . والذي يبعث على ألم الإمام وتوجّعه أنّ أغلب من يعاصره من الناس كان من القسم الثالث . فقد كان عليٌّ يعيش وسط جمهور ليس من أهل المعرفة والتشخيص ، ولا هو ممن يتحرّى المعرفة ويتحرّك في مسار البحث والتحقيق . بيد أن الأمضّ على الإمام في ذلك كلّه أنّه عليه السلام قلّما كان يعثر على من يباثّه همومه ، ويتحدّث إليه بمثل هذه المصائب الاجتماعيّة . أجل ، لم يكن مع عليّ من يستطيع أن يُفصح له بحقيقة من يعيش معهم ، وعلامَ يمارس حكمه . وعندما أراد مرّة أن يُفصح بخبيئة نفسه لكميل بن زياد _ وهو من خواصّه وممّن
.
ص: 201
يطيق سماع تحليله المتوجّع للوضع القائم _ تراه أخذ بيده ، وصار به إلى الصحراء ، وبالحزن الممزوج بالألم أشار إليه أنّه لا يستطيع أن يتحدّث بهذا الكلام لكلّ أحد ؛ لعدم قدرة الجميع على تحمّله ، وأنّه كلما حظي الإنسان بقاعدة فكريّة أكبر واُفق معنوي أوسع ، كان ذا قيمة أكثر ، ثمّ بعد ذلك حدّثه بسرّ انفضاض الناس عن نهجه ، وانكفائهم عنه ، وتنكّبهم عن برنامجه الإصلاحي ، حيث ذكر له أنّ المشكلة الأساسيّة في ذلك تعود إلى جهل الناس ، واتّباعهم الأعمى للخواصّ ممن هو خائن أو جاهل .
صراحة أكثر في بيان الانحرافتناول الإمام في حديث خاصّ مشكلاته مع الناس بصراحة أكثر ، ففي هذا الحديث _ الذي أدلى به الإمام إلى عائلته وعدد من خواصّه _ أوضح أين تكمن جذور الفتنة ، ولماذا ابتلي المجتمع الإسلامي بالفرقة والاختلاف على عهده ، ولماذا لم يستطِع تنفيذ برنامجه لإصلاح المجتمع وإعادته إلى سيرة النبي صلى الله عليه و آله وسنّته ، وأخيراً لماذا لم ينهض الجمهور لتأييد سياسته والدفاع عنها . لقد بدأ أمير المؤمنين عليه السلام كلامه _ في المجلس المذكور _ بالحديث النبوي التالي : «ألا إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عَلَيكُم خُلَّتانِ : اتِّباعُ الهَوى ، وطولُ الأَمَلِ» . 1 وهكذا تتبدّل الأهواء والأنانيات إلى بدعٍ ضدّ الدين ، لكنّها متلبّسة بدثار
.
ص: 202
الدين . ثم تنشأ في هذا الاتّجاه البُؤر المتعصّبة ، والتجمّعات العمياء ، وتتبدّل الفتنة الأخلاقيّة إلى فتنة ثقافيّة ، ثمّ إلى فتنة سياسيّة واجتماعيّة ، حيث يسعى أصحاب الفتنة إلى تسويغ مقاصدهم من خلال استغلال نصاعة الحق . يقول عليه السلام : «ألا إنَّ الحَقَّ لَو خَلَصَ لَم يَكُنِ اختِلافٌ ، ولَو أنَّ الباطِلَ خَلَصَ لَم يَخفَ عَلى ذي حِجى ، لكِنَّهُ يُؤخَذُ مِن هذا ضِغثٌ ومِن هذا ضِغثٌ» . 1 في فضاء ثقافي مثل هذا تتعذّر الإصلاحات الجذريّة ، وتستعصي عمليّاً عمليّة العودة إلى السنّة النبويّة . بعد بيان هذه المقدمة انعطف الإمام صوب جوهر القضيّة ، وراح يعدّد صراحة عدداً من البدع التي شاعت في المجتمع الإسلامي ممّا ورثه من السابقين عليه ، ثم أكّد بألم أن ليس في وسعه أن يفعل شيئاً في هذا المجال ؛ لأنّ مواجهة هذه الانحرافات الثقافيّة تنتهي بتفرّق الجند عنه وبقائه وحيداً ، فقال عليه السلام : «ولَو حَمَلتُ النّاسَ عَلى تَركِها وحَوَّلتُها إلى مَواضِعِها وإلى ما كانَت في عَهدِ رَسولٍ صلى الله عليه و آله لَتَفَرَّقَ عَنّي جُندي ، حَتّى أبقى وَحدي ، أو قَليلٌ مِن شيعَتي» (1) .
.
ص: 203
إتمام الحجّة على الخواصّ والعوامّإنّ ما ذكره الإمام مجملاً إلى كميل بن زياد _ في الصحراء _ من خطر خيانة الخواصّ وتبعيّة العوام ، وما كان قد أشار إليه بهذا الشأن في مجلس خاصّ جمع فيه عدّة من المقرّبين والأتباع المخلصين ، عاد لاستعراضه تفصيلاً أمام جمهور الناس في خطبة طويلة ألقاها في الأشهر الأخيرة من حكمه ، حيث أتمّ بذلك الحجّة على الخواصّ والعوامّ معاً . لقد استعرض الإمام في كلامه هذا _ الذي حمل عنوان «الخطبة القاصعة» (1) والتي أدلى بها بعد معركة النهروان كما يتّضح من متنها _ نقاطاً أساسيّة على غاية قصوى من الأهميّة ترتبط بمعرفة المجتمع المعاصر له ، وعلل انكسار النهضات الدينيّة قبل الإسلام ، ثم ما يتصل بالتنبؤ بمستقبل المسلمين ومآل الإسلام .
تحذير للخواصّفي هذا الخطاب وبعد أن عرّج الإمام على المصير الذي آل إليه إبليس بعد ستّة آلاف سنة من العبادة ، انعطف إلى النخب التي لها في خدمة الإسلام سابقة مشرقة ، وراح يحذّرها من أن تؤول إلى المصير نفسه ، وهو يقول : «فَاحذَروا _ عِبادَ اللّهِ _ عَدُوَّ اللّهِ أن يُعدِيَكُم بِدائِهِ ، وأن يَستَفِزَّكُم بِنِدائِهِ!» . ولكي لا تُبتلى الاُمة بهذا المصير يتحتّم عليها أن تكفّ عن العصبيّة ، وأحقاد
.
ص: 204
الجاهليّة ، وعن التكبّر ، فقال عليه السلام : «فَأَطفِئوا ما كَمَنَ في قُلوبِكُم مِن نيرانِ العَصَبِيَّةِ ، وأحقادِ الجاهِلِيَّةِ ، فَإِنَّما تِلكَ الحَمِيَّةُ تَكونُ فِي المُسلِمِ مِن خَطَراتِ الشَّيطانِ ، ونَخَواتِهِ ، ونَزَعاتِهِ ، ونَفَثاتِهِ . وَاعتَمِدوا وَضعَ التَّذَلُّلِ عَلى رُؤوسِكُم ، وإلقاءِ التَّعَزُّزِ تَحتَ أقدامِكُم ، وخَلعَ التَّكَبُّرِ مِن أعناقِكُم» .
تحذير للعواموفي إدامة خطابه راح الإمام يركّز بكثافة على جماهير الناس ، وهو يحذّرها من السادة والكبراء ، فلو أنّ اُولئك لم ينثنوا عن علوّهم وتكبّرهم فلا ينبغي للجمهور أن يتّبعهم ، ويكون أداة يستغلّها الكبراء في تحقيق أهدافهم اللامشروعة . ثم ألفتَ نظر الجماهير إلى أن جميع الفتن وضروب الفساد تنبع من تلكم الرؤوس فقال : «ألا فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن طاعَةِ ساداتِكُم وكُبَرائِكُمُ الَّذينَ تَكَبَّروا عَن حَسَبِهِم ، وتَرَفَّعوا فَوقَ نَسَبِهِم . . . ؛ فَإِنَّهُم قَواعِدُ العَصَبِيَّةِ ، ودَعائِمُ أركانِ الفِتنَةِ . . . وهُم أساسُ الفُسوقِ ، وأحلاسُ العُقوقِ ، اتَّخَذَهُم إبليسُ مَطايا ضَلالٍ ، وجُنداً بِهِم يَصولُ عَلَى النّاسِ» . وبعد أن انتهى الإمام من بيان عدد من المقدّمات الضروريّة في هذا المجال ، انعطف إلى بحث أخلاقي سياسي مهمّ ، وهو يتحدث عن الامتحانات الإلهيّة الصعبة ودورها في تربية الإنسانيّة ، فقد أكّد أنّ فلسفة ما يلاقيه الإنسان من ضروب المحن والمصائب وما يعانيه من مشاقّ الحياة ، هي عين حكمة الصلاة والصوم والزكاة ، حيث أنّها تهدف أيضاً إلى بناء الإنسان معنويّاً ، وتزكيته من الرذائل الخلقيّة ، بالأخصّ الأثرة والكبر والغرور . ثم دعا الناس أن يعتبروا بمصير النهضات الدينيّة التي سبقت الإسلام ، وما آلت إليه من انكسار إثر الفرقة والاختلاف ، فحذّرهم أن لا يجرّ كِبرُ الخواصّ وعلوّهم
.
ص: 205
واتّباع العوامّ الحكومةَ الإسلاميّة إلى مصير مماثل لما انتهت إليه النهضات السابقة . وعند هذه النقطة راح الإمام يدقّ أجراس الخطر بصراحة ، وهو يتمّ الحجة على الخواصّ والعوامّ معاً ، بقوله لهم : «ألا وإنَّكُم قَد نَفَضتُم أيدِيَكُم مِن حَبلِ الطّاعَةِ ، وثَلَمتُم حِصنَ اللّهِ المَضروبَ عَلَيكُم ، بِأَحكامِ الجاهِليَّةِ . . . وَاعلَموا أنَّكُم صِرتُم بَعدَ الهِجرَةِ أعراباً ، وبَعدَ المُوالاةِ أحزاباً ؛ ما تَتَعَلَّقونَ مِنَ الإِسلامِ إلّا بِاسمِهِ ، ولا تَعرِفونَ مِنَ الإيمانِ إلّا رَسمَهُ . . . ألا وإنَّكُم قَد قَطَعتُم قَيدَ الإِسلامِ ، وعَطَّلتُم حُدودَهُ ، وأمَتُّم أحكامَهُ» (1) .
.
ص: 206
( 3)العدالة في التوزيعتكمن إحدى أهمّ أسباب ابتعاد الخواصّ عن الإمام والتفاف العوام حوله بسياسة العدالة الاقتصاديّة . لطالما حضّ المقرّبون إلى الإمام أن يغضّ الطرف عن هذا النهج ، ليستحوذ على ولاء رؤساء القبائل ، ويستقطب إليه نفوذ الشخصيّات البارزة من خلال منحهم مزايا ماديّة خاصّة . بيدَ أنّ الإمام كان يرى أنّ هذا العرض يتنافى مع اُصول الحكم العلوي ، ويتعارض مع مرتكزاته ، ومن ثمّ فإنّ العمل به معناه أن ينفض الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يديه عن أهداف الحكم الإسلامي ، ويتخلّى عن غاياته . لذلك لم يُبدِ استعداداً لقبوله . فيما يلي أمثلة لهذه العروض مقرونة بجواب الإمام عليها : 1 _ جاء في كتاب الغارات : شَكَا عَلِيٌّ عليه السلام إلَى الأشتَرِ فِرارَ النّاسِ إلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ الأشتَرُ : يا أمِيرَ المُؤمِنينَ ، إنّا قَاتَلنَا أهلَ البَصرَةِ بِأَهلِ البَصرَةِ وَأَهلَ الكُوفَةِ ، وَالرَّأيُ وَاحِدٌ ، وَقَد اختَلَفُوا بَعدُ ، وَتَعادَوا ، وَضَعُفَتِ النِّيّةُ ، وَقَلَّ العَدلُ ، وَأنتَ تَأخُذُهُم بِالعَدلِ ، وَتَعمَلُ فِيهِم بِالحَقِّ ، وَتُنصِفُ الوَضِيعَ مِنَ الشَّريفِ ، وَلَيسَ لِلشَّريفِ عِندَكَ فَضلُ مَنزِلَةٍ عَلَى الوَضِيعِ ، فَضَجَّت طائِفَةٌ مِمَّن مَعَكَ عَلَى الحَقِّ إذ عُمُّوا بِهِ ، وَاغتَمُّوا مِنَ العَدلِ إذ صارُوا فيهِ ، وَصارَت صَنائِعُ مُعاوِيَةَ عِندَ أهلِ الغِنى وَالشَّرَفِ ، فَتاقَت أنفُسُ النَّاسِ إلَى الدُّنيا ، وَقَلَّ مِنَ النّاسِ مَن لَيسَ لِلدُّنيا بِصاحِبٍ ، وَأكثَرُهُم مَن يَجتَوي الحَقَّ ، وَيَستَمرِي الباطِلَ ، وَيُؤثِرُ الدُّنيا . فإن تَبذُلِ المَالَ يا أمِيرَ المُؤمِنينَ تَمِل إلَيكَ أعناقُ النّاسِ ، وَتَصفُ نَصِيحَتُهُم ، وَتَستَخِلص وُدُّهم . صَنَعَ اللّهُ لَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وَكَبَتَ عَدُوَّكَ ، وَفَضَّ جَمعَهُم ، وَأوهَنَ كَيدَهُم ، وَشَتَّتَ اُمورَهُم ، إنَّه
.
ص: 207
بِما يَعمَلُونَ خَبِيرٌ . فَأَجَابَهُ عَلِيٌ عليه السلام ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأثنى عَلَيهِ ، وَقالَ : أمّا مَا ذَكَرتَ مِن عَمَلِنا وَسِيرَتِنا بِالعَدلِ ، فَإِنَّ اللّهَ يَقُولُ : «مَّنْ عَمِلَ صَ__لِحًا فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَ مَا رَبُّكَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ» (1) وَأَنَا مِن أن أكُونَ مُقَصِّراً فيما ذَكَرتَ أخوَفُ . وَأمّا مَا ذَكَرتَ مِن أنَّ الحَقَّ ثَقُلَ عَلَيهِم فَفارَقُونا لِذلِكَ ، فَقَد عَلِمَ اللّهُ أنَّهُم لَم يُفارِقُونا مِن جَورٍ ، وَلَم يُدعَوا إذ فارَقُونا إلى عَدلٍ ، وَلَم يَلتَمِسُوا إلّا دُنَياً زَائِلَةً عَنهُم كَأَن قَد فَارَقُوها ، وَلَيُسأَلُنَّ يَومَ القِيَامَةِ : ألِلدُّنيا أرادُوا أم للّهِِ عَمِلُوا؟ وَأَمَّا مَا ذَكَرتَ مِن بَذلِ الأَموالِ وَاصطِناعِ الرِّجَالِ ، فَإِنّا لا يَسَعُنا أن نُؤتِيَ أمرَأً مِنَ الفَيءِ أكثَرَ مِن حَقِّهِ ، وَقَد قَالَ اللّهُ وَقُولُهُ الحَقُّ : «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّ_بِرِينَ» (2) . وَبَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وَحدَهُ فَكَثَّرَهُ بَعدَ القِلَّةِ ، وَأعَزَّ فِئَتَهُ بَعدَ الذِّلَّةِ ، وَإن يُرِدِ اللّهُ أن يُوَلِّينَا هذَا الأَمرَ يُذَلِّل لَنَا صَعبَهُ ، وُيُسَهِّل لَنَا حَزنَهُ (3) . وَأَنا قابِلٌ مِن رَأيِكَ مَا كَانَ للّهِِ رِضَىً ، وَأنتَ مِن آمِنِ أصحابِي ، وَأوثَقِهِم فِي نَفسِي ، وَأنصَحِهِم وَأَرآهُم عِندِي (4) . 2 _ وفي الكتاب نفسه روى عن ربيعة وعمّارة ما نصّه : إِنَّ طائِفَةً مِن أصحابِ عَلِيٍ عليه السلام مَشَوا إلَيهِ فَقالُوا : يا أمِيرَ المُؤمِنينَ ، أعطِ هذِهِ الأَموالَ ، وَفَضِّل هؤُلاءِ الأَشرافَ مِنَ العَرَبِ وَقُرَيشَ عَلَى المَوالِيِّ وَالعَجَمِ ، وَمَن تَخافُ خِلافَهُ مِنَ النّاسِ وَفِرارَهُ . قالَ : وَإنَّما قالُوا لَهُ ذلِكَ لِلَّذِي كانَ مُعاوِيَةُ يَصنَعُ مَن أَتاهُ .
.
ص: 208
فَقالَ لَهُم عَلِيٌّ عليه السلام : أَتَأمُرونِي أَن أَطلُبَ النَّصرَ بِالجَورِ ؟ ! وَاللّهِ لا أَفعَلُ ما طَلَعَت شَمسٌ ، وَما لاحَ فِي السَّماءِ نَجمٌ . وَاللّهِ ، لَو كانَ ما لُهُم لِي لَواسَيتُ بَينَهُم ، فَكَيفَ وَإِنَّما هِيَ أموالُهُم ؟ ! (1) . 3 _ بعث سهل بن حنيف _ والي الإمام على المدينة _ رسالة إليه ، يخبره فيها أنّ جمعاً من أهل المدينة التحق بمعاوية . فكتب الإمام في جوابه : «أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَني أنَّ رِجالاً مِمَّن قِبَلَكَ يَتَسَلَّلونَ إلى مُعاوِيَةَ ، فَلا تَأسَف عَلى ما يَفوتُكَ مِن عَدَدِهِم ، ويَذهَبُ عَنكَ مِن مَدَدِهِم ، فَكَفى لَهُم غَيّاً ولَكَ مِنهُم شافِياً فِرارُهُم مِنَ الهُدى وَالحَقِّ ، وإيضاعُهُم إلَى العَمى وَالجَهلِ ، وإنَّما هُم أهلُ دُنيا مُقبِلونَ عَلَيها ، ومُهطِعونَ إلَيها ، وقَد عَرَفُوا العَدلَ ورَأَوهُ ، وسَمِعوهُ ووَعَوهُ ، وعَلِموا أنَّ النّاسَ عِندَنا فِي الحَقِّ اُسوَةٌ ، فَهَربوا إلَى الأَثَرَةِ ، فَبُعداً لَهُم وسُحقاً!! إنَّهُم _ وَاللّهِ _ لَم يَنفِروا مِن جَورٍ ، ولَم يَلحَقوا بِعَدلٍ ، وإنّا لَنَطمَعُ في هذَا الأَمرِ أن يُذَلِّلَ اللّهُ لَنا صَعبَهُ ، ويُسَهِّلَ لَنا حَزنَهُ ، إن شاءَ اللّهُ . وَالسَّلامُ» (2) .
.
ص: 209
( 4)تجنّب القوّة في إجراء الأحكامالمدرسة الاُمويّة ترى أنّ الهدف يوجّه الوسيلة ، بحيث يستطيع السياسي أن يستفيد من الأدوات اللامشروعة في سياساته وبرامجه وأوامره . ومن ثمّ فإنّ القائد ليس له أن يضلّل الجمهور بلغة التطميع فحسب ، بل له أيضاً أن يفرض نفسه عليه عبرَ استخدام لغة التهديد والتوسّل بالقوّة . ولقد استطاع معاوية من خلال توظيف هذه السياسة أن يحافظ على التفاف الناس حوله . وربما كان يستطيع أن يحافظ على المصالح الوطنيّة للشام من خلال هذا النهج . بيد أن الأمر يختلف في المدرسة العلويّة التي لا تُجيز توظيف الأدوات غير المشروعة في تنفيذ السياسات المطلوبة ؛ وعندئذ لا يستطيع القائد أن يتوسّل بلغة التطميع لتنفيذ الحكم ، كما لا يستطيع أن يستخدم لغة التهديد مع الناس . وعلى هذا الأساس لم يكن الإمام عليه السلام على استعداد أن يجبر الناس على طاعته بالقوّة ؛ فعندما أجبره الجُند في حرب صفّين على إيقاف القتال والإذعان إلى التحكيم ، قال : «ألا إنّي كُنتُ أميرَ المُؤمِنينَ ، فَأَصبَحتُ اليَومَ مَأموراً ، وكُنتُ ناهِياً ، فَأَصبَحتُ مَنهِيّاً ، وقَد أحبَبتُمُ البَقاءَ ولَيسَ لي أن أحمِلَكُم عَلى ما تَكرَهونَ» (1) . على هذا الضوء لا يستطيع الحكم العلوي تحقيق مراميه الإصلاحيّة إلّا على أساس الاختيار الشعبي الحرّ لبرامج الإمام بهذا الشأن ، وإلّا فالإمام لا يرى نفسه
.
ص: 210
مخوّلاً باستخدام منطق القوّة والتوسّل بالسيف لإجبار الناس على طاعته ، فالجمهور سوف ينتخب الطريق الذي يريده هو . وبعبارة اُخرى : إنّ إحدى أجوبة الإمام على هذا التساؤل : لماذا ترك الناسُ الإمامَ وحيداً؟ هو : إنّني لستُ على استعداد أن اُجبر هؤلاء على الطاعة بمنطق السيف ؛ فهذا الاُسلوب وإن كان يحلّ مشكلة الحكم مؤقّتاً ، إلّا أنّ هذا الحكم لن يغدو بعدئذ حكماً علويّاً! لقد تكرّر هذا المعنى في كلام الإمام ، ففي خطاب لأهل الكوفة ، قال بعد أن بثّ شكواه منهم : «يا أهلَ الكوفَةِ ! أتَرَوني لا أعلَمُ ما يُصلِحُكُم؟! بَلى ، ولكِنّي أكرَهُ أن اُصلِحَكُم بِفَسادِ نَفسي» (1) . وكما قال مرّة اُخرى : «ولَقَد عَلِمتُ أنَّ الَّذي يُصلِحُكُم هُوَ السَّيفُ ، وما كُنتُ مُتَحَرِّياً صَلاحَكُم بِفَسادِ نَفسي ، ولكِن سَيُسَلَّطُ عَلَيكُم بَعدي سُلطانٌ صَعبٌ» (2) . يوجّه الإمام في هذا الكلام خطابه إلى اُولئك الذين أساؤوا استخدام أجواء الحرّيّة في ظلال حكمه ، وصاروا يتمرّدون على طاعته ؛ بأنّني أستطيع كبقيّة السياسيّين المحترفين أن أضطرّكم إلى إطاعتي ، وبمقدوري أن أقوِّم أودَكم ببساطة من خلال القوّة وعبر منطق السيف ؛ بيدَ أنّني أربأ بنفسي أن اُقدم على ذلك ؛ لأنّ إصلاح أمركم بالسيف ومنطق القوّة لا يكون إلّا بالتضحية بقيمي الأخلاقيّة ، وهذا الثمن يتنافى مع فلسفة حكمي . لكن اعلموا بأنّ المستقبل يُخبئ لكم في أحشائه آتياً عظيماً! فبسلوككم هذا إنّما توطّئون لأنفسكم نازلة قومٍ لا يحكمونكم إلّا بالسيف ، ولا يتحدّثون إليكم إلّا بمنطق القوّة ، ولا يعرفون بكم الشفقة! لقد خاطب الإمام أولئك بقوله عليه السلام : «لا يَصلُحُ لَكُم يا أهلَ العِراقِ إلّا مَن أخزاكُم وأخزاهُ اللّهُ!» (3) .
.
ص: 211
تحقّق نبوءة الإمامهكذا مضى عليّ عليه السلام مظلوماً من بين الناس ؛ وبتعبيره : «إن كانَتِ الرَّعايا قَبلي لَتَشكو حَيفَ رُعاتِها ، وإنَّنِي اليَومَ لَأَشكو حَيفَ رَعِيَّتي» (1) . لقد أوضح للاُمّة أنّ هضم الرعيّة لحقوق الوالي العادل لا يقلّ في تبعاته الخطرة على المجتمع عن عمل الوالي الظالم ، وهو يقول : «وإذا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ واِلَيها ، أو أجحَفَ الوالي بِرَعِيَّتِهِ ، اختَلَفَت هُنالِكَ الكَلِمَةُ ، وظَهَرَت مَعالِمُ الجَورِ ، وكَثُرَ الإِدغالُ فِي الدّينِ ، وتُرِكَت مَحاجُّ السُّنَنِ ، فَعُمِلَ بِالهَوى ، وعُطِّلَتِ الأَحكامُ ، وكَثُرَت عِلَلُ النُّفوسِ ، فَلا يُستَوحَشُ لِعَظيمِ حَقٍّ عُطِّلَ ، ولا لِعَظيمِ باطِلٍ فُعِلَ ، فَهُنالِكَ تَذِلُّ الأَبرارُ ، وتَعِزُّ الأَشرارُ ، وتَعظُمُ تَبِعاتُ اللّهِ سُبحانَهُ عِندَ العِبادِ» (2) . لم تلبث الأمّة بعد استشهاد الإمام إلّا أربعة وثلاثين عاماً حتّى تحقّقت نبوءته فيها . ففي عهد خلافة عبد الملك بن مروان خرجت على الحكومة المركزيّة من جهة الأهواز جماعة من الخوارج يطلق عليها الأزارقة ، ولم تكن ثَمَّ منطقة يمكن أن يُبعث منها جند لمواجهة هؤلاء غير الكوفة ، لكنّ أهل الكوفة لم يذعنوا لذلك ، ولم يستجيبوا لرغبة الحكم ، ولم يعبؤوا به . بادر عبد الملك إلى عقد مجلس ضمَّ الخواصّ والمقرّبين لمعالجة المشكلة وتدبّر الحلّ ، فاستنهضهم ضمن خطابٍ حماسي ، قائلاً : «فمن ينتدب لهم منكم بسيفٍ قاطع ، وسنان لامع!» ، فخيّم الصمت على الجميع ، ولم يَنبِس أحدهم ، إلّا الحجّاج بن يوسف _ الذي كان قد انتهى لتَوّه من مهمّة في مكّة قضى فيها على حركة عبد اللّه بن الزبير _ فنهض من مكانه وأبدى استعداده للمهمّة . بيدَ أن
.
ص: 212
عبد الملك لم يرضَ ، وطلب منه الجلوس . وفي إطار حديثه عن كيفيّة إرسال الجند إلى الأهواز توجّه عبد الملك مجدّداً إلى القوم طالباً من الحضور أن يذكروا له أكفأ الرجال أميراً على العراق ، ومن يكون قائداً للجيش الذي سيقود المعركة مع الأزارقة ، وهو يقول : ويلكم! مَن للعراق؟ فصمتوا ، وقام الحجّاج ثانية ، وقال : أنا لها . الطريف في الأمر أنّ عبد الملك التفت هذه المرّة إلى الحجّاج مستوضحاً عن الوسيلة التي يلجأ إليها في دفع الناس لطاعته ، حيث سأله نصّاً : إنّ لكلّ أمير آلة وقلائد ، فما آلتك وقلائدك؟ أوضح الحجّاج لعبد الملك أنّه سيلجأ إلى القوّة واستعمال السيف لإجبار الناس على الطاعة ، وأنّه لن يوفِّر جهداً في استغلال سياسة التهديد والترغيب وتوظيفها بأقصى مداها حتى يقضي على جميع المناوئين ، معبِّراً عن هذا النهج بقوله : «فمن نازعني قصمته ، ومن دنا منّي أكرمته ، ومن نأى عنّي طلبته ، ومن ثبت لي طاعنته ، ومن ولّى عنّي لحقته ، ومن أدركته قتلته . . . إنّ آلتي : ازرع بدرهمك مَن يواليك ، واحصد بسيفك مَن يعاديك» . وافق عبد الملك على هذا النهج ، وكتب للحجّاج عهده على العراقين أعني الكوفة والبصرة سنة (74) للهجرة . أمّا الحجّاج فكان أوّل ما نطق به في أوّل لقاء جمعه مع أهل الكوفة ، قوله لهم : «إنّي لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها ، وإنّي لصاحبها ، وكأنّي أنظر إلى الدماء ، وإنّها لترقرق بين العمائم واللحى . . . واعلموا أنّي لا أعِد إلّا وفيت ، ولا أقول إلّا أمضيت ، ولا أدنو إلّا فهمت ، ولا أبعد إلّا سمعت ، فإيّاكم وهذه الهنات والجماعات والبطالات ، وقال وقيل وماذا يقول ، وأمر فلان إلى ماذا يؤول . وما أنتم يا أهل
.
ص: 213
العراق ويا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق! وإنّما أنتم أهل قرية «كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَ_ئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَ قَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ» (1) . . . ؛ ألا إنّ سيفي سيروى من دمائكم ، ويفري من جلودكم ، فمن شاء فليحقن دمه» 2 . لقد أدرك الناس من خلال القسوة التي أبداها الحجّاج منذ اليوم الأوّل لعهده أنّه جادّ في تنفيذ سياسته ، حازم في العمل بما يقول . وحيث كان ذاك فقد أمر في اليوم الثاني مناديه أن يطوف في سكك الكوفة وطرقها ، وهو يقرأ على الناس : «ألا إنّنا قد أجّلنا من كان من أصحاب المهلّب ثلاثاً ، فمن أصبناه بعد ذلك فعقوبته ضرب عنقه» . لكي يضمن الحجّاج تنفيذ أمره دعا حاجبه زياد بن عروة وصاحب شرطته ؛ وأمرهما أن يطوفا في سكك المدينة وطرقها مع عدد من الجند ؛ يشرفان على خروج الناس إلى القتال ، ومن أبى أو تأخّر عن النفير ضربت عنقه . هكذا التحق بالمهلّب بن أبي صفرة قائد الجيش الذي خرج لحرب الأزارقة جميع من كان معه بادئ الأمر ، وعادوا إليه بعد أن كانوا تركوه وحيداً ، دون أن
.
ص: 214
يتخلّف أحد (1) . لقد استطاع عبد الملك بن مروان إسكات جميع المعارضين والقضاء على الخارجين عليه من خلال الاتكاء إلى سياسة البطش والإرهاب هذه ، وإجرائها في جميع أمصار العالم الإسلامي ، حتى بلغ من أمره أنّه خرج إلى مكّة حاجّاً سنة (75) وهو مطمئنّ البال . قال اليعقوبي بهذا الشأن : «ولما استقامت الاُمور لعبد الملك ، وصلحت البلدان ، ولم تبق ناحية تحتاج إلى صلاحها والاهتمام بها ، خرج حاجّاً سنة 75» (2) . أجل ، هذه هي الإصلاحات التي يكون ثمنها فساد المُصلح . والإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن على استعداد أن يصلح المجتمع بهذه الطريقة ، فعليّ لا يستطيع أن يميل إلى نهج يحلّ مشكلة الحكم من خلال التضحية بالقيم الإنسانيّة . ولو حصل ذلك لن تكون عندئذٍ ثمّ حاجة إلى بعث الأنبياء وإلى القادة الإلهيّين ، ومن ثمّ ليس هناك حاجة إلى قيادة عليّ عليه السلام بالأساس ، بل لن يكون للحكم العلوي من معنى ، إنّما يغدو شعاراً بلا مفهوم ؛ لأنّ في وسع الجميع ممارسة الحكم بهذه الطريقة ، كما تَمَّ ذلك فعلاً ، حيث مارسوا الحكم قروناً باسم الإسلام . وأمّا الحكم العلوي فإنّ الأصالة فيه للقيم ، وعلى هذا لم يكن الإمام علي عليه السلام على استعداد للتضحية بالقيم الإنسانيّة والإسلاميّة مهما كان الثمن . وإنّ الحكم الذي يجعل القيم فداءً لمصالح الحكم والحاكمين هو حكم اُموي ، وليس علويّاً ولا إسلاميّاً وإن توارى خلف اسم علي والإسلام! بديهيّ لم يعد لسياسة القوّة ولغة السيف وقعٌ ولا تأثير يذكر في العالم المعاصر .
.
ص: 215
فقد راحت الأدوات العسكريّة تفقد فاعليتها بالتدريج ، واكتشف الحكّام والساسة وسائل جديدة لممارسة السلطة على أساس النهج الاُموي ؛ فالوسائل صارت أكثر تعقيداً ممّا كانت عليه في الماضي ، وأفدح خطراً في هتك القيم الإنسانيّة ووأدها ، ومن بين ذلك برز برنامج «الإصلاح الاقتصادي» الذي يضحّي بالعدالة الاجتماعيّة ، ويأتي تطبيقه على أساس تدمير الطبقات الضعيفة في الهرم الاجتماعي والقضاء عليها .
.
ص: 216
( 5)العوامل الجانبيّةيمثِّل ما ذكرناه حتى الآن العوامل الأساسيّة لتخاذل الناس وبقاء الإمام وحده آخر أيّام حكمه . وهناك مجموعة اُخرى من العوامل هي وإن لم تكن بمستوى هذه تأثيرا ، إلّا أنّه لا يمكن الإغضاء عن الدور الذي ساهمت به في إبعاد الجماهير عن الإمام . سنطلق على المجموعة الثانية وصف العوامل الجانبيّة التي اصطفّت إلى جوار العوامل الأساسيّة ، وراحت تخلق المشكلات لحكم الإمام ؛ وهي :
أ : شُبهة قتال أهل القبلةانطلقت المواجهة في جميع الحروب التي سبقت العهد العلوي مع الكفّار ، بحيث لم يكن بمقدور أحد أن يثير شبهة في هذا المجال . أمّا الحروب التي اندلعت في ظلّ حكم الإمام ، وتحرّكت في مسار إصلاح المجتمع الإسلامي ومن أجل إعادته إلى ظلال سيرة النبي صلى الله عليه و آله وسنّته ، فقد وقعت مع أهل القبلة . لقد انطلقت هذه الحروب في مواجهة اُناسٍ يدّعون الانتماء إلى الإسلام أيضاً ، بل لبعضهم سوابق مشرقة في خدمة هذا الدين . من هنا كان النبيّ صلى الله عليه و آله قد أطلق في تنبّؤاته على هذه الحروب صفة القتال على أساس تأويل القرآن (1) . أجل ، لقد هيّأت حروب أهل القبلة التي اشتعلت في أيّام حكم الإمام الأرضيّةَ المناسبة لإيجاد الشبهة ، وانفصال الناس عن الإمام ، ومنابذتهم له .
.
ص: 217
وعلى هذا الأساس اختارت شخصيّات بارزة موقفها منذ البدء في أن لا تكون إلى جوار علي عليه السلام في هذه الحروب . ولمّا استوضح الإمام من هؤلاء بواعث موقفهم هذا ، أجاب سعد بن أبي وقّاص : «إنّي أكره الخروج في هذه الحرب لئلّا اُصيب مؤمناً ، فإن أعطيتني سيفاً يعرف المؤمن من الكافر قاتلتُ معك» . وقال له اُسامة : «أنت أعزّ الخلق عليّ ، ولكنّي عاهدت اللّه أن لا اُقاتل أهل لا إله إلّا اللّه » (1) . وقال عبد اللّه بن عمر : «لست أعرف في هذه الحرب شيئاً ، أسألك ألّا تحملني على ما لا أعرف» (2) . لقد التقى استعداد الناس ذهنيّا بشبهة عدم استساغة قتال أهل القبلة ، مع تلك الشبهات التي أثارها المناوئون لمنهج الإصلاح العلوي ، بالأخصّ معاوية في حربه الدعائيّة الشعواء ضدّ الإمام (3) ؛ التقى هذا بذاك ، وصارا سبباً في عرقلة حركة التعبئة العامّة وتهديدها بأخطار جدّيّة ، بحيث لم يجد الإمام مناصّاً من أن يلج الميدان بنفسه أغلب الأحيان ، وينهض شخصيّاً بإرشاد الناس وتوجيههم . خاطبهم عليه السلام في البدء : «وقَد فُتِحَ بابُ الحَربِ بَينَكُم وبَينَ أهلِ القِبلَةِ ، ولا يَحمِلُ هذَا العِلمَ إلّا أهلُ البَصَرِ وَالصَّبرِ وَالعِلمِ بِمَواضِعِ الحَقِّ ، فَامضوا لِما تُؤمَرونَ بِهِ ، وقِفوا عِندَ ما تُنهَونَ عَنهُ ، ولا تَعجَلوا في أمرٍ حَتّى تَبَيَّنوا ؛ فَإِنَّ لَنا
.
ص: 218
مَعَ كُلِّ أمرٍ تُنكِرونَهُ غِيَراً» (1) . مع أنّ الإمام لم يألُ جهداً في أن يستفيد من أيّ فرصة تسنح لتوجيه الناس وإرشادهم ، إلّا أنّه كان عسيراً على كثيرين أن يهضموا أنّ علياً عليه السلام ينطق بالحقّ ، وأنّ طلحة والزبير وعائشة _ في الوقت ذاته _ سادرون في الغيّ (2) .
ب : القتال بلا غنيمةمن العوامل السلبيّة التي أثّرت في الجماهير غيابُ الغنيمة ؛ فمع تدنّي مستوى الوعي الثقافي للقاعدة الشعبيّة العريضة صار لغياب الغنائم الحربيّة الكبرى أثر في تخريب الحالة النفسيّة للقوّات المقاتلة ، ودفعها إلى الملالة والإحباط والتعب من الحرب ، ومن ثمّ عدم طاعة الإمام والانقياد له ، يفوق ما كان لشبهة قتال أهل القبلة . لقد اعتاد المقاتلون الحصول على غنائم وافرة في العهود التي سبقت عهد الإمام ، من خلال حروب الكفّار ، وبالأخصّ حروب فارس والروم . أمّا الآن فقد راح الإمام عليه السلام يدعوهم منذ أوائل أيّام حكمه _ ولأوّل مرّة _ إلى حرب لا غنيمة من ورائها ، أو أن يكون نصيبهم منها ضئيلاً لا قيمة له . وهذا ما لم يألفه الناس قبل ذلك ، ومن ثمّ لم يكونوا على استعداد لقبوله كما يبدو . لقد كان اقتران الحرب بالغنيمة أمراً ذا مغزى للجمهور الذي يعيش في ذلك العصر . وعندما ننظر إلى القاعدة الشعبيّة التي رافقت الإمام عليه السلام في حروبه وشهرت السيف معه ضدّ أصحاب الفتنة ، نجدها في الغالب غير متحلّية بالبصيرة ، ولا ملتمسة منار الحقّ ، بحيث يكون الحقّ هو هدفها في إشهار السيف ، ورضا اللّه هو الغاية القصوى التي تتمنّاها من القتال ، بل كان الجمّ الغفير من هؤلاء يفكّر بمنافعه
.
ص: 219
الشخصيّة قبل أن يفكّر بالحقّ ومصلحة الدين . فمن بين الاعتراضات التي طالما كرّرها جند الإمام في حربي الجمل والنهروان ، هو : لماذا لا يسلبون نساء القوم ويتّخذونهنّ سبايا واُسارى؟ ولماذا لا توزّع عليهم أموالهم؟ قال ابن أبي الحديد بهذا الصدد : «اتّفقت الرواة كلّها على أنّه عليه السلام قبض ما وجد في عسكر الجمل ؛ من سلاح ودابّة ومملوك ومتاع وعروض ، فقسّمه بين أصحابه ، وأنّهم قالوا له : اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقاً ، فقال : لا . فقالوا : فكيف تحلّ لنا دماءهم وتحرِّم علينا سبيهم؟!» (1) . لقد تلاقحت عوامل الملالة والتعب والإحباط التي عاشها الجند بعد سنتين من ممارسة القتال بدون غنائم وعوائد مادّيّة ، مع التبعات السلبيّة لشبهة عدم شرعيّة قتال أهل القبلة ؛ حتى إذا ضُمّت هذه إلى تلك ، ثمّ التقت الحصيلة مع العناصر الأساسيّة للتخاذل ، صار من الطبيعي أن تجرّ الحالة إلى عدم انقياد هؤلاء وعصيانهم ، بحيث راح الإمام يواجه مشكلة حقيقيّة جادّة في استنفار القوّات وتعبئتها أواخر عهد حكمه .
ج : فقد الأخلّة وخلّص الأعوانتتمثّل إحدى العوامل الاُخر التي ساهمت في غربة الإمام وبقائه وحيداً أواخر عهده في الحكم بغياب أبرز الخلّان ، وفقدان الشخصيّات الكبيرة التي كان لكلّ منها أثره المباشر في توجيه جيشه . لقد كان هؤلاء لساناً ناطقاً ، تُلهب كلماتهم النفوس ، وتثبّت القلوب في الأزمات ، وتثير خطبهم الحماس في سوح القتال ، ولهم تأثير بليغ على الناس .
.
ص: 220
هذه هي سوح القتال ومضامير الحياة وقد خلت من عمّار بن ياسر ، ومالك الأشتر ، وهاشم بن عتبة ، كما لم يعُد فيها أثر يذكر لمحمّد بن أبي بكر ، وعبد اللّه بن بديل ، وزيد بن صوحان ، حتى يُلهبوا بكلماتهم المضيئة حماسَ الناس ، ويُثيروا فيهم العزائم . وها هو الإمام يومئ إلى تلك الأطواد الشامخة بالبصيرة ، المتوهِّجة بالنور ، وسط ساحةٍ عنود يمتنع فيها الأصحاب ، وينأون عن نصرته بهذه الذريعة وتلك ، ويتحدّث عن رهبان الليل ، وليوث الوغى إذا حمي الوطيس ، والسابقين في مضمار الإيمان والعمل ، فيقول : «أينَ القَومُ الَّذينَ دُعوا إلَى الإِسلامِ فَقَبِلوهُ ، وقَرَؤُوا القُرآنَ فَأَحكَموهُ ، وهيجُوا إلَى الجِهادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقاحِ إلى أولادِها ، وسَلَبُوا السُّيوفَ أغمادَها ، وأخَذوا بِأَطرافِ الأَرضِ زَحفاً زَحفاً ، وصَفّاً صَفّاً . بَعضٌ هَلَكَ ، وبَعضٌ نَجا . لا يُبَشَّرونَ بِالأَحياءِ ، ولا يُعَزَّونَ عَنِ المَوتى . مُرهُ (1) العُيونِ مِنَ البُكاءِ ، خُمصُ البُطونِ مِنَ الصِّيامِ ، ذُبُلُ الشِّفاهِ مِنَ الدُّعاءِ ، صُفرُ الأَلوانِ مِنَ السَّهَرِ ، عَلى وُجوهِهِم غَبَرَةُ الخاشِعينَ ، اُولئِكَ إخوانِيَ الذّاهِبونَ ، فَحقَّ لَنا أن نَظمَأَ إلَيهِم ، ونَعَضَّ الأَيدِيَ عَلى فِراقِهِم» (2) . وقد عاد الإمام إلى ذكر اُولئك الأخلّاء في آخر خطبة ألقاها ، قبل عدّة أيّام من اغتياله ، فقال : «أينَ إخوانِيَ الَّذينَ رَكِبُوا الطَّريقَ ، ومَضَوا عَلَى الحَقِّ ! أينَ عَمّارٌ ! وأينَ ابنُ التَّيِّهانِ ! وأينَ ذُو الشَّهادَتَينِ ! وأينَ نُظَراؤُهُم مِن إخوانِهِمُ الَّذينَ تَعاقَدوا عَلَى المَنِيَّةِ ، واُبرِدَ بِرُؤوسِهِم إلَى الفَجَرَةِ!» (3) .
.
ص: 221
على خطٍ آخر كان الخوارج جزءاً من جند الإمام ومقاتلي جيشه ، ثمّ ما لبثوا أن تحوّلوا بعد صفّين إلى موقعٍ مناهض للإمام ، فكان مآلهم أن قتلوا في النهروان ، أو صاروا أحلاس بيوتهم . وبذلك غابت عن صفوف العسكر أيضاً هذه القوّة القتاليّة الوثّابة ، فصار الإمام عليّ عليه السلام وحيداً فريداً غريباً .
.
ص: 222
الكَفاءة القياديّة للإمام في وحدتهآخر وأهمّ نقطة تجدر بعنايتنا في بحث عوامل وحدة الإمام وتقصّي جذور هذه الحالة ، هي القدرة القياديّة والكفاءة الإداريّة الفذّة التي حظي بها أمير المؤمنين عليه السلام في هذه البرهة الحالكة ، ممّا لم نرَ مَن تنبّه إليها . تكشف الوثائق التأريخيّة أنّ الإمام عليّاً عليه السلام أبدى في عهد غربته أسمى حالات الكفاءة القياديّة ، وأظهر من نفسه أجلّ معاني القدرة الإداريّة وأرفعها ؛ فحين نسجّل أنّ عليّاً بقي وحيداً فليس معنى ذلك أنّ عناد الجند وعدم انقياده لطاعته اضطرّه إلى أن يكون حِلْس بيته ، أو أنّه افتقد في الأشهر الأخيرة من خلافته قدرته القياديّة ، وغابت عنه جدارته في إدارة المجتمع ، بحيث راح يمضي وقته ببثّ شكواه ، ولم يكن له شاغل حتى لحظة استشهاده غير تقريع الناس ولومهم على عدم دفاعهم عن نهجه الإصلاحي . كلّا ، بل هذه هي صفحات التأريخ تجهر عن واقع مغاير بالكامل ، وهي تبدي الإمام وقد بذل جهوده القصوى في هذه المدّة ، وتظهره وقد بذل جهد طاقته في هذه الأيّام إذا ما قيست ببقيّة أشواط حكمه . لقد كان على الإمام أن ينهض في هذه البرهة بالعب ء وحده ، وأن يبادر لمل ء الفراغات جميعاً ، وأن يمضي حتى آخر لحظة من حياته على السبيل ذاتها التي اختطّها لحكمه ، وأعلنها منذ اليوم الأوّل . ولقد حدث هذا تماماً . تعالوا معنا نرقب المشهد عن كثب ؛ في مجتمع لم تكن النخبة على استعداد
.
ص: 223
لمسايرته ، ولم يكن الخواصّ راضين بمماشاته ، وكان العوامّ تبعاً لاُولئك ؛ وفي فضاء ينضح بشبهة قتال أهل القبلة ، ومحاربة شخصيّات لها في هذا الدين سابقة ، وهي إلى ذلك تتسربل وشاح القدسيّة وتتظاهر به ؛ وفي ظلّ أوضاع قاتمة انقلب فيها المقاتلون إلى حالة مطبقة من التآكل والضجر بعد ثلاثة حروب دمويّة أمضوها في سنتين من دون غنائم ومكاسب مادّيّة تذكر . وفي مشهد غاب عنه كبار أصحاب الإمام وخلّص حواريه ، وفي الوقت الذي راح جيش معاوية يواصل غاراته على الناس من دون انقطاع ، في أجواء مكفهرّةٍ كهذه ، كم هي الكفاءة التي يحتاج إليها القائد لكي يحثّ الجمهور على العودة إلى القتال ، ويعبّئه لحرب معاوية مجدّداً من دون أن يتوسّل بمنطق القوّة؟ لقد كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يحظى بهذه الكفاءة كلّها ، وخير ما يشهد لهذه الكفاءة ويفصح عن هذا الادّعاء بجلاء هو الخطبة الحماسيّة التي كان قد ألقاها الإمام قبل بعث الجند إلى صفّين مجدّداً ، فعن نوف البكالي ، قال : «خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي ، وعليه مدرعة من صوف ، وحمائل سيفه ليف ، وفي رجليه نعلان من ليف ، وكأن جبينه ثَفَنةُ بعير» . وفي نهاية الخطبة نادى الإمام بأعلى صوته : «الجِهادَ الجِهادَ عِبادَ اللّهِ! ألا وإنّي مُعَسكِرٌ في يَومي هذا ، فَمَن أرادَ الرَّواحَ إلَى اللّهِ فَليَخرُج!» قال نوف : وعقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد اُخر ، وهو يريد الرجعة إلى صفّين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم _ لعنه اللّه _ فتراجعت العساكر ، فكنّا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كلّ مكان! (1)
.
ص: 224
هكذا يظهر أنّ ما كان يندّ عن الإمام من صيحات متوجّعة ، وما كان يبثّ به أصحابه من شكاوى مكرّرة ، لم يكن عن ضعف قيادي ، كما لم يكن إظهاراً لعجز عن إدارة المجتمع في مثل ذلك الفضاء الذي كان يعمّه ، وتلك الخصائص التي كانت تفشو فيه . إنّما رام الإمام أن يستفيد من هذه اللغة في حثّ الناس وتعبئتها للحركة والجهاد بدلاً من استخدام منطق القوّة والسيف . إنّ تعبئة الإمام لتلك القوّات الكثيفة في ظلّ الأوضاع التي مرّت الإشارة إليها ولمّا يبقَ على استشهاده إلّا أقلّ من اسبوع ، ينبئ من جهة عن الكفاءة الاستثنائيّة الممتازة التي يحظى بها في تعبئة جماهير الناس ، ويكشف من جهة اُخرى عن نجاح النهج العلوي في إدارة الاجتماع السياسي .
.
ص: 225
القسم الثامن : استشهاد الإمام عليوفيه فصول :الفصل الأوّل : إخبار النبيّ باستشهادهالفصل الثاني : إخبار الإمام باستشهادهالفصل الثالث : التآمر في اغتيال الإمامالفصل الرابع : اغتيال الإمامالفصل الخامس : من الاغتيال إلى الاستشهادالفصل السادس : بعد الاستشهادالفصل السابع : زيارة الإمام
.
ص: 226
. .
ص: 227
الفصل الأوّل: إخبار النبيّ باستشهاده1 / 1الشَّهادَةُ مِن وَرائِكَالإمام عليّ عليه السلام :إنَّهُ لَمّا أنزَلَ اللّهُ سُبحانَهُ قَولَهُ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ» (1) عَلِمتُ أنَّ الفِتنَةَ لا تَنزِلُ بِنا ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أظهُرِنا ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما هذِهِ الفِتنَةُ الَّتي أخبَرَكَ اللّهُ تَعالى بِها ؟ فَقالَ : يا عَلِيُّ ، إنَّ اُمَّتي سَيُفتَنونَ مِن بَعدي . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أَ وَلَيسَ قَد قُلتَ لي يَومَ اُحُدٍ حَيثُ استُشهِدَ مَن استُشهِدَ مِنَ المُسلِمينَ ، وحيزَت عَنِّي الشَّهادَةُ ، فَشُقَّ ذلِكَ عَلَيَّ ، فَقُلتَ لي : أبشِر ، فَإِنَّ الشَّهادَةَ مِن وَرائِكَ ؟ فَقالَ لي : إنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ ، فَكَيفَ صَبرُكَ إذَن ؟ فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، لَيسَ هذا مِن مَواطِنِ الصَّبرِ ، ولكِن مِن مَواطِنِ البُشرى وَالشُّكرِ (2) .
.
ص: 228
اُسد الغابة عن ابن عبّاس :قالَ عَلِيٌّ _ يَعني لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _ : إنَّكَ قُلتَ لي يَومَ اُحُدٍ ، حينَ اُخِّرَت عَنِّي الشَّهادَةُ ، وَاستُشهِدَ مَنِ استُشهِدَ : إنَّ الشَّهادَةَ مِن وَرائِكَ ، فَكَيفَ صَبرُكَ إذا خُضِبَت هذِهِ مِن هذِهِ بِدَمٍ ، وأهوى بِيَدِهِ إلى لِحيَتِهِ ورَأسِهِ ؟ فَقالَ عَلِيٌّ : يا رَسولَ اللّهِ ، أمّا أن تُثبِتَ لي ما أثبَتَّ ، فَلَيسَ ذلِكَ مِن مَواطِنِ الصَّبرِ ، ولكِن مِن مَواطِنِ البُشرى وَالكَرامَةِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله خَطَبَنا ذاتَ يَومٍ فَقالَ : أيُّها النّاسُ إنَّهُ قَد أقبَلَ إلَيكُم شَهرُ اللّهِ ... ثُمَّ بَكى ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما يُبكيكَ ؟ فَقالَ : يا عَلِيُّ ، أبكي لِما يُستَحَلُّ مِنكَ في هذَا الشَّهرِ ، كَأَنّي بِكَ وأنتَ تُصَلّي لِرَبِّكَ ، وقَدِ انبَعَثَ أشقَى الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، شَقيقُ عاقِرِ ناقَةِ ثَمودَ ، فَضَرَبَكَ ضَربَةً عَلى قَرنِكَ فَخَضَّبَ مِنها لِحيَتَكَ» . قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، وذلِكَ في سَلامَةٍ مِن ديني ؟ فَقالَ : في سَلامَةٍ مِن دينِكَ . ثُمَّ قالَ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، مَن قَتَلَكَ فَقَد قَتَلَني ، ومَن أبغَضَكَ فَقَد أبغَضَني ، ومَن سَبَّكَ فَقَد سَبَّني ، لِأَنَّكَ مِنّي كَنَفسي ، روحُكَ مِن روحي ، وطينَتُكَ مِن طينَتي ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَني وإيّاكَ ، وَاصطَفاني وإيّاكَ ، فَاختارَني لِلنُبُوَّةِ ، وَاختارَكَ لِلإِمامَةِ ، فَمَن أنكَرَ إمامَتَكَ فَقَد أنكَرَ نُبُوَّتي . يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي ، وأبو وُلدي ، وزَوجُ ابنَتي ، وخَليفَتي عَلى اُمَّتي في حَياتي وبَعدَ مَماتي ، أمرُكَ أمري ، ونَهيُكَ نَهيي ، اُقسِمُ بِالَّذي بَعَثَني بِالنُّبُوَّةِ وجَعَلَني خَيرَ البَرِيَّةِ ، إنَّكَ لَحُجَّةُ اللّهِ عَلى خَلقِهِ ، وأمينُهُ عَلى سِرِّهِ ، وخَليفَتُهُ عَلى عِبادِهِ» . (2)
.
ص: 229
1 / 2إنَّكَ مَقتولٌالمعجم الكبير عن جابر :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ رضى الله عنه : إنَّكَ امرُؤٌ مُستَخلَفٌ ، وإنَّكَ مَقتولٌ ، وهذِهِ مَخضوبَةٌ مِن هذِهِ _ [يَعني] لِحيَتَهُ مِن رَأسِهِ _ (1) .
المستدرك على الصحيحين عن أنس بن مالك :دَخَلتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنهيَعودُهُ وهُوَ مَريضٌ وعِندَهُ أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، فَتَحَوَّلا حَتّى جَلَسَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ : ما أراهُ إلّا هالِكٌ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّهُ لَن يَموتَ إلّا مَقتولاً ، ولَن يَموتَ حَتّى يَملَأَ غَيظا (2) .
مسند ابن حنبل عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري :خَرَجتُ مَعَ أبي عائِدا لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ مِن مَرَضٍ أصابَهُ ثَقُلَ مِنهُ ، قالَ : فَقالَ لَهُ أبي : ما يُقيمُكَ في مَنزِلِكَ هذا ؟ لَو أصابَكَ أجَلُكَ لَم يَلِكَ إلّا أعرابُ جُهَينَةُ ، تُحمَلُ إلَى المَدينَةِ ، فَإِن أصابَكَ أجَلُكَ وَلِيَكَ أصحابُكَ وصَلّوا عَلَيكَ . فَقالَ عَلِيٌّ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَهِدَ إلَيَّ أن لا أموتَ حَتّى اُؤَمِّرَ ثُمَّ تُخضَبُ هذِهِ _ يَعني لِحيَتَهُ _ مِن دَمِ هذِهِ _ يَعني هامَتَهُ _ فَقُتِلَ ، وقُتِلَ أبو فَضالَةَ مَعَ عَلِيٍّ يَومَ صِفّينَ (3) .
.
ص: 230
1 / 3بِأَبِيَ الوَحيدُ الشَّهيدُمسند أبي يعلى عن عائشة :رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله التَزَمَ عَلِيّا وقَبَّلَهُ ويَقولُ : بِأَبِيَ الوَحيدُ الشَّهيدُ ، بِأَبِيَ الوَحيدُ الشَّهيدُ (1) .
الأمالي للمفيد عن عائشة :جاءَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام يَستَأذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَلَم يَأذَن لَهُ ، فَاستَأذَنَ دَفعَةً اُخرى ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : اُدخُل يا عَلِيُّ . فَلَمّا دَخَلَ قامَ إلَيهِ رَسولُاللّهِ صلى الله عليه و آله فَاعتَنَقَهُ وقَبَّلَ بَينَ عَينَيهِ وقالَ : بِأَبِيَ الشَّهيدُ ، بَأَبِيَ الوَحيدُ الشَّهيدُ (2) .
1 / 4قاتِلُهُ أشقَى الآخِرينَالطبقات الكبرى عن عبيد اللّه :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : يا عَلِيُّ ، مَن أشقَى الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ؟ قالَ : اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ . قال : أشقَى الأَوَّلينَ عاقِرُ النّاقَةِ ، وأشقَى الآخِرينَ الَّذي يَطعَنُكَ يا عَلِيُّ . وأشارَ إلى حَيثُ يُطعَنُ (3) .
.
ص: 231
المعجم الكبير عن صهيب :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ يَوما لِعَلِيٍّ رضى الله عنه : مَن أشقَى الأَوَّلينَ ؟ قالَ : الَّذي عَقَرَ النّاقَةَ يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : صَدَقتَ ، فَمَن أشقَى الآخِرينَ ؟ قالَ : لا عِلمَ لي يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : الَّذي يَضرِبُكَ عَلى هذِهِ ، وأشارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ إلى يافوخِهِ . فَكانَ عَلِيٌّ رضى الله عنهيَقولُ لِأَهلِ العِراقِ : أما وَاللّهِ لَوَدِدتُ أنَّهُ قَدِ ابتَعَثَ أشقاكُم فَخَضَبَ هذِهِ _ يَعني لِحيَتَهُ _ مِن هذِهِ ، ووَضَعَ يَدَهُ عَلى مُقَدَّمِ رَأسِهِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، تَدري مَن أشقَى الأَوَّلينَ ؟ قُلتُ : اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ . قالَ : عاقِرُ النّاقَةِ . قالَ : تَدري مَن شَرُّ ، وقالَ مَرَّةً : مَن أشقَى الآخِرينَ ؟ قُلتُ : اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ . قالَ : قاتِلُكَ (2) .
1 / 5قاتِلُهُ أشقى هذِهِ الاُمَّةِالمعجم الكبير عن جابر :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ رضى الله عنه : مَن أشقى ثَمودَ ؟ قالَ : مَن عَقَر
.
ص: 232
النّاقَةَ . قالَ : فَمَن أشقى هذِهِ الاُمَّةِ ؟ قالَ : اللّهُ أعلَمُ . قالَ : قاتِلُكَ (1) .
مسند أبي يعلى عن أبي سنان :مَرِضَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مَرَضا شَديدا حَتّى أدنَفَ (2) ، وخِفنا عَلَيهِ ، ثُمَّ إنَّهُ بَرَأَ ونَقِهَ ، فَقُلنا : هَنيئا لَكَ أبَا الحَسَنِ ، الحَمدُ للّهِِ الَّذي عافاكَ ، قَد كُنّا نَخافُ عَلَيكَ . قالَ : لكِنّي لَم أخَف عَلى نَفسي ، أخبَرَنِيَ الصّادِقُ المَصدوقُ أنّي لا أموتُ حَتّى اُضرَبَ عَلى هذِهِ _ وأشارَ إلى مُقَدَّمِ رَأسِهِ الأَيسَرِ _ فَتُخَضِّبَ هذِهِ مِنها بِدَمٍ _ وأخَذَ بِلِحيَتِهِ _ وقالَ لي : يَقتُلُكَ أشقى هذِهِ الاُمَّةِ ، كَما عَقَرَ ناقَةَ اللّهِ أشقى بَني فُلانٍ مِن ثَمودَ (3) .
الإصابة :عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُلجَمٍ المُرادِيُّ أدرَكَ الجاهِلِيَّةَ وهاجَرَ في خِلافَةِ عُمَرَ وقَرَأَ عَلى مُعاذِ بنِ جَبَلٍ ، ذَكَرَ ذلِكَ أبو سَعيدِ بنُ يونُسَ ، ثُمَّ صارَ مِن كِبارِ الخَوارِجِ ، وهُوَ أشقى هذِهِ الاُمَّةِ بِالنَّصِّ الثّابِتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِقَتلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (4) .
1 / 6قاتِلُهُ أشقَى النّاسِمسند ابن حنبل عن عمّار بن ياسر :كُنتُ أنَا وعَلِيٌّ رَفيقَينِ في غَزوَةِ ذاتِ العَشيرَةِ ، فَلَمّا نَزَلَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأقامَ بِها رَأَينا ناسا مِن بَني مُدلِجٍ يَعمَلونَ في عَينٍ لَهُم في نَخلٍ فَقالَ لي عَلِيٌّ : يا أبَا اليَقظانِ ، هَل لَكَ أن نَأتِيَ هؤُلاءِ فَنَنظُرَ كَيفَ يَعمَلونَ ؟ . فَجِئناهُم فَنَظَرنا إلى عَمَلِهِم ساعَةً ثُمَّ غَشِيَنَا النَّومُ فَانطَلَقتُ أنَا وعَلِيٌّ فَاضطَجَعنا في صَورٍ (5) مِن
.
ص: 233
النَّخلِ في دَقعاءَ (1) مِنَ التُّرابِ فَنُمنا ، فَوَاللّهِ ما أهَبنا إلّا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُحَرِّكُنا بِرِجلِهِ وقَد تَتَرَّبنا مِن تِلكَ الدَّقعاءِ ، فَيَومَئِذٍ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : «يا أبا تُرابٍ» لِما يَرى عَلَيهِ مِنَ التُّرابِ . قالَ : أ لا اُحَدِّثُكُما بِأشقَى النّاسِ رَجُلَينِ ؟ قُلنا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : اُحَيمِرُ ثَمودَ الَّذي عَقَرَ النّاقَةَ ، وَالَّذي يَضرِبُكَ يا عَلِيُّ عَلى هذِهِ _ يَعني قَرنَهُ _ حَتّى تُبَلَّ مِنهُ هذِهِ _ يَعني لِحيَتَهُ _ (2) .
المستدرك على الصحيحين عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم :إنَّ أبا سِنانِ الدُّؤَلِيَّ حَدَّثَهُ أنَّهُ عادَ عَلِيّا رضى الله عنهفي شَكوىً لَهُ أشكاها ، قالَ : فَقُلتُ لَهُ : لَقَد تَخَوَّفنا عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ في شَكواكَ هذِهِ . فَقالَ : لكِنّي وَاللّهِ ما تَخَوَّفتُ عَلى نَفسي مِنهُ ؛ لِأَنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله الصّادِقَ المَصدوقَ يَقولُ : إنَّكَ سَتُضرَبُ ضَربَةً هاهُنا وضَربَةً هاهُنا _ وأشارَ إلى صُدغَيهِ _ فَيَسيلُ دَمُها حَتّى تَختَضِبَ لِحيَتُكَ ، ويَكونُ صاحِبُها أشقاها ، كَما كانَ عاقِرُ النّاقَةِ أشقى ثَمودَ (3) .
.
ص: 234
. .
ص: 235
الفصل الثاني: إخبار الإمام باستشهاده2 / 1إنّي مَقتولٌمسند ابن حنبل عن زيد بن وهب :قَدِمَ عَلِيٌّ رضى الله عنه عَلى قَومٍ مِن أهلِ البَصرَةِ مِنَ الخَوارِجِ ، فيهم رَجُلٌ يُقالُ لَهُ : الجَعدُ بنُ بَعجَةَ ، فَقالَ لَهُ : اِتَّقِ اللّهَ يا عَلِيُّ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ . فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : بَل مَقتولٌ ، ضَربَةٌ عَلى هذا تَخضِبُ هذِهِ _ يَعني لِحيَتَهُ مِن رَأسِهِ _ عَهدٌ مَعهودٌ ، وقَضاءٌ مَقضِيٌّ ، وقَد خابَ مَنِ افتَرى (1) .
مسند أبي يعلى عن أبي الأسود الدِّيلي عن الإمام عليّ عليه السلام :أتاني عَبدُ اللّهِ بنُ سَلامٍ ، وقَد وَضَعتُ قَدَمي فِي الغَرزِ (2) فَقالَ لي : لا تَقدَمِ العِراقَ ، فَإِنّي أخشى أن يُصيبَكَ بِها ذُبابُ السَّيفِ (3) . قالَ عَلِيٌّ : وَايمُ اللّهِ ، لَقَد أخبَرَني بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ أبُو الأَسوَدِ : فَما
.
ص: 236
رَأَيتُ كَاليَومِ قَطُّ مُحارِبا يُخبِرُ بِذا عَن نَفسِهِ (1) .
الإرشاد عن الإمام عليّ عليه السلام :أتاكُم شَهرُ رَمَضانَ ، وهُوَ سَيِّدُ الشُّهورِ ، وأوَّلُ السَّنَةِ ، وفيهِ تَدورُ رَحىَ السُّلطانِ ، ألا وإنَّكُم حاجُّوا العامِ صَفّا واحِدا ، وآيَةُ ذلِكَ أنّي لَستُ فيكُم . فَكانَ أصحابُهُ يَقولونَ : إنَّهُ يَنعى إلَينا نَفسَهُ ، فَضُرِبَ عليه السلام في لَيلَةِ تِسعَ عَشَرَةَ ، ومَضى في لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ مِن ذلِكَ الشَّهرِ (2) .
الإمام الصادق عليه السلام_ في ذِكرِ مَجيءِ رَجُلٍ مِنَ اليَهودِ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وسُؤالِهِ عَن أشياءَ _: قالَ : كَم يَعيشُ وَصِيُّ نَبِيِّكُم بَعدَهُ ؟ قالَ : ثَلاثينَ سَنَةً . قالَ : ثُمَّ ماذا ، يَموتُ أو يُقتَلُ ؟ قالَ : يُقتَلُ ويُضرَبُ عَلى قَرنِهِ فَتُخضَبُ لِحيَتُهُ . قالَ : صَدَقتَ وَاللّهِ ، إنَّهُ لَبِخَطِّ هارونَ وإملاءِ موسى عليه السلام (3) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ عليه السلام عِندَ وُصولِ خَبَرِ الأَنبارِ إلَيهِ _: أمَ وَاللّهِ لَوَدِدتُ أنَّ رَبّي قَد أخرَجَني مِن بَينِ أظهُرِكُم إلى رِضوانِهِ ، وإنَّ المَنِيَّةَ لَتُرصِدُني ، فَما يَمنَعُ أشقاها أن يَخضِبَها ؟ _ وتَرَكَ يَدَهُ عَلى رَأسِهِ ولِحيَتِهِ _ عَهدٌ عَهِدَهُ إلَيَّ النَّبِيُّ الاُمِّيُّ ، وقَد خابَ مَنِ افتَرى ، ونَجا مَنِ اتَّقى وصَدَّقَ بِالحُسنى (4) .
راجع : ج 5 ص 476 (إنّ الاُمّة ستغدر بك) .
.
ص: 237
2 / 2ما يَنتَظِرُ أشقاها ؟الغارات عن ابن أبي ليلى عن الإمام عليّ عليه السلام :إنّي مَيِّتٌ أو مَقتولٌ بَل قَتلاً ، ما يَنتَظِرُ أشقاها أن يَخضِبها مِن فَوقِها بِدَمٍ ؟ ! _ وضَرَبَ بِيَدِهِ إلى لِحيَتِهِ _ (1) .
تاريخ بغداد عن عبد اللّه بن سبع :سَمِعتُ عَلِيّا عَلَى المِنبَرِ وهُوَ يَقولُ : ما يَنتَظِرُ أشقاها ؟ عَهِدَ إلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَتُخضَبَنَّ هذِهِ مِن هذِهِ _ وأشارَ ابنُ داوُدَ (2) إلى لِحيَتِهِ ورَأسِهِ _ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! أخبِرنا مَن هُوَ حَتّى نَبتَدِرَهُ ؟ فَقالَ : أنشُدُ اللّهَ رَجُلاً قَتَلَ بي غَيرَ قاتِلي (3) .
البداية والنهاية عن ثعلبة بن يزيد :قالَ عَلِيٌّ : وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَتُخضَبَنَّ هذِهِ مِن هذِهِ لِلحيَتِهِ مِن رَأسِهِ فَما يَحبِسُ أشقاها ؟ ! فَقالَ عُبدُ اللّهِ بنُ سبعٍ : وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! لَو أنَّ رَجُلاً فَعَلَ ذلِكَ لَأَبَدنا عِترَتَهُ . فَقالَ : أنشُدُكُم بِاللّهِ أن يُقتَلَ غَيرُ قاتِلي (4) .
تاريخ دمشق عن سعيد بن المسيّب :رَأَيتُ عَلِيّا عَلَى المِنبَرِ وهُوَ يَقولُ : لَتُخضَبَنَّ هذِهِ مِن هذِهِ _ وأشارَ بِيَدِهِ إلى لِحيَتِهِ وجَبينِهِ _ فَما يَحبِسُ أشقاها ؟ قالَ : فَقُلتُ : لَقَدِ ادَّعى عَلِيٌّ عِلمَ الغَيبِ ، فَلَمّا قُتِلَ عَلِمتُ أنَّهُ قَد كانَ عُهِدَ إلَيهِ (5) .
.
ص: 238
الإمام عليّ عليه السلام :ما يَحبِسُ أشقاها أن يَجيءَ فَيَقتُلَني ؟ ! اللّهُمَّ إنّي قَد سَئِمتُهُم وسَئِموني فَأَرِحني مِنهُم وأرِحهُم مِنّي ! (1)
عنه عليه السلام :أ لَم يَأنِ لِأَشقاها ؟ لَتُخضَبَنَّ هذِهِ مِن هذِهِ ، يَعني لِحيَتَهُ مِن رَأسِهِ (2) .
الإرشاد عن الأجلح عن أشياخ كندة :سَمِعتُهُم أكثَرَ مِن عِشرينَ مَرَّةً يَقولونَ : سَمِعنا عَلِيّا عليه السلام عَلَى المِنبَرِ يَقولُ : ما يَمنَعُ أشقاها أن يَخضِبَها مِن فَوقِها بِدَمٍ ؟ ويَضَعُ يَدَهُ عَلى لِحيَتِهِ عليه السلام (3) .
البداية والنهاية :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ رضى الله عنه قَد تَنَغَّصَت عَلَيهِ الاُمورُ ، وَاضطَرَبَ عَلَيهِ جَيشُهُ ، وخالَفَهُ أهلُ العِراقِ ، ونَكَلوا عَنِ القِيامِ مَعَهُ ، وَاستَفحَلَ أمرُ أهلِ الشّامِ ، وصالوا وجالوا يَمينا وشِمالاً ، زاعِمينَ أنَّ الإمرَةَ لِمُعاوِيَةَ بِمُقتَضى حُكمِ الحَكَمَينِ في خَلعِهِما عَلِيّا وتَولِيَةِ عَمرِو بنِ العاصِ مُعاوِيَةَ عِندَ خُلُوِّ الإمرَةِ عَن أحَدٍ ، وقَد كانَ أهلُ الشّامِ بَعدَ التَّحكيمِ يُسَمّونَ مُعاوِيَةَ الأَميرَ ، وكُلَّمَا ازدادَ أهلُ الشّامِ قُوَّةً ضَعُفَ جَأشُ (4) أهلِ العِراقِ ، هذا وأميرُهُم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ خَيرُ أهلِ الأَرضِ في ذلِكَ الزَّمانِ ، أعبَدُهُم وأزهَدُهُم ، وأعلَمُهُم وأخشاهُم للّهِِ عَزَّ وجَلَّ ، ومَعَ هذا كُلِّهِ خَذَلوهُ وتَخَلَّوا عَنهُ ، حَتّى كَرِهَ الحَياةَ وتَمَنَّى المَوتَ ، وذلِكَ لِكَثرَةِ الفِتَنِ وظُهورِ المِحَنِ ، فَكانَ يُكثِرُ أن يَقولَ : ما يَحبِسُ أشقاها ؟ أي ما يَنتَظِرُ ؟ ما لَهُ لا يَقتُلُ ؟ ثُمَّ يَقولُ :
.
ص: 239
وَاللّهِ لتُخضَبَنَّ هذِهِ _ ويُشيرُ إلى لِحَيتِهِ _ مِن هذِهِ _ ويُشيرُ إلى هامَتِهِ _ (1) .
2 / 3لَتُخضَبَنَّ هذِهِ مِن هذِهِالطبقات الكبرى عن اُمّ جعفر سرّيّة عليّ عليه السلام :إنّي لَأَصِبُّ عَلى يَدَيهِ الماءَ إذ رَفَعَ رَأسَهُ ، فَأَخَذَ بِلِحيَتِهِ فَرَفَعَها إلى أنفِهِ ، فَقالَ : واها لَكَ ، لَتُخضَبَنَّ بِدَمٍ ! قالَت : فاُصيبَ يَومَ الجُمُعَةِ (2) .
مسند ابن حنبل عن عبد اللّه بن سبع :خَطَبَنا عَلِيٌّ رضى الله عنهفَقالَ : وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَتُخضَبَنَّ هذِهِ مِن هذِهِ . قالَ : قالَ النّاسُ : فَأَعلِمنا مَن هُوَ ؟ وَاللّهِ لنُبيرَنَّ (3) عِترَتَهُ ! قالَ : أنشُدُكُم بِاللّهِ أن يُقتَلَ غَيرُ قاتِلي (4) .
الإمام عليّ عليه السلام :بِاللّهِ ، لَتُخضَبَنَّ هذِهِ مِن دَمِ هذا _ يَعني لِحيَتَهُ مِن رَأسِهِ _ (5) .
الغارات عن مازن :رَأَيتُ عَلِيّا عليه السلام أخَذَ بِلِحيَتِهِ وهُوَ يَقولُ : وَاللّهِ لَيَخضِبَنَّها مِن فَوقِها بِدَمٍ ، فَما يَحبِسُ أشقاكُم (6) .
.
ص: 240
الغارات عن ثعلبة بن يزيد الحمّاني :شَهِدتُ لِعَلِيٍّ عليه السلام خُطبَةً ، فَجِئتُ إلى أبي فَقُلتُ : أ سَمِعتَ مِن هذا خُطبَةً آنِفا لَيَستَقتِلَنَّ ؟ قالَ : وما ذاكَ ؟ قالَ : سَمِعتُهُ يَقولُ : وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لَتُخضَبَنَّ هذِهِ مِن هذا _ يَعني لِحيَتَهُ مِن رأسِهِ _ . قال : سَمِعتُ ذلِكَ (1) .
علل الشرائع عن الأصبغ بن نباتة :قُلتُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : ما مَنَعَكَ مِنَ الخِضابِ وقَدِ اختَضَبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : أنتَظِرُ أشقاها أن يَخضِبَ لِحيَتي مِن دَمِ رَأسي بَعدَ عَهدٍ مَعهودٍ أخبَرَني بِهِ حَبيبي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله (2) .
الفتوح :قَدِمَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ مِن سَفَرِهِ ، وَاستَقبَلَهُ النّاسُ يُهَنِّئونَهُ بِظَفَرِهِ بِالخَوارِجِ ، ودَخَلَ إلَى المَسجدِ الأَعظَمِ ، فَصَلّى فيهِ رَكعَتَينِ ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ فَخَطَبَ خُطبَةً حَسناءَ ثُمَّ التَفَتَ إلَى ابنِهِ الحُسَينِ فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ! كَم بَقِيَ مِن شَهرِنا هذا _ يَعني شَهرَ رَمَضانَ الَّذي هُم فيهِ _ ؟ فَقالَ الحُسَينُ : سَبعَ عَشَرَةَ يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ إلى لِحيَتِهِ وهِيَ يَومَئِذٍ بَيضاءُ وقالَ : وَاللّهِ لَيَخضِبَنَّها بِالدَّمِ إذِ انبَعَثَ أشقاها ، قالَ ثُمَّ جَعَلَ يَقولُ : اُريدُ حَياتَهُ ويُريدُ قَتلي خَليلي مَن عَذيري مِن مُرادِ 3(3)
.
ص: 241
2 / 4يَقتُلُني رَجُلٌ خامِلُ الذِّكرِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّما يَقتُلُني رَجُلٌ خامِلُ الذِّكرِ ، ضَئيلُ النَّسَبِ ، غيلَةً في غَيرِ مَأقِطِ (1) حَربٍ ، ولا مَعرَكَةِ رِجالٍ ، وَيلُمَّهُ أشقَى البَشَرِ ، لَيَوَدَّنَّ أنَّ اُمَّهُ هَبِلَت بِهِ ! أما إنَّهُ وأحمَرَ ثَمودَ لَمَقرونانِ في قَرَنٍ (2) .
2 / 5مَعرِفَةُ الإِمامِ بِقاتِلِهِالإرشاد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة :جَمَعَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام النّاسَ لِلبَيعَةِ ، فَجاءَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُلجَمِ المُرادِيُّ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ فَرَدَّهُ مَرَّتَينِ أو ثَلاثا ثُمَّ بايَعَهُ ، وقالَ عِندَ بَيعَتِهِ لَهُ : ما يَحبِسُ أشقاها ؟ فَوَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لَتُخضَبَنَّ هذِهِ مِن هذا . ووَضَعَ يَدَهُ عَلى لِحيَتِهِ ورَأسِهِ عليه السلام ، فَلَمّا أدبَرَ ابنُ مُلجَمٍ عَنهُ مُنصَرِفا قالَ عليه السلام مُتَمَثِّلاً : اُشدُد حَيازيمَكَ لِلمَوتِ فَإِنَّ المَوتَ لاقيكَ ولا تَجزَع مِنَ المَوتِ إذا حَلَّ بِواديكَ كَما أضحَكَكَ الدَّهرُ كَذاكَ الدَّهرُ يُبكيكَ (3)
الإرشاد عن المعلّى بن زياد :جاءَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُلجَمٍ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام يَستَحمِلُهُ ، فَقالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اِحمِلني . فَنَظَرَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ثُمَّ قالَ لَهُ :
.
ص: 242
أنتَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُلجَمٍ المُرادِيُ ؟ قال : نَعَم . قالَ : أنتَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُلجَمٍ المُرادِيُ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : يا غَزوانُ ، اِحمِلهُ عَلَى الأَشقَرِ . فَجاءَ بِفَرَسٍ أشقَرَ فَرَكِبَهُ ابنُ مُلجَمٍ المُرادِيُ وأخَذَ بِعِنانِهِ ، فَلَمّا وَلّى قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : اُريدُ حِباءَهُ ويُريدُ قَتلي عَذيرَكَ (1) مَن خَليلُكَ مِن مُرادِ قالَ : فَلَمّا كانَ مِن أمرِهِ ما كانَ ، وضَرَبَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام قُبِضَ عَلَيهِ وقَد خَرَجَ مِنَ المَسجِدِ ، فَجيءَ بِهِ إلى أميرِ المُؤمِنينَ ، فَقالَ عليه السلام : وَاللّهِ لَقَد كُنتُ أصنَعُ بِكَ ما أصنَعُ ، وأنَا أعلَمُ أنَّكَ قاتِلي ، ولكِن كُنتُ أفعَلُ ذلِكَ بِكَ لِأَستَظهِرَ بِاللّهِ عَلَيكَ (2) .
الطبقات الكبرى عن محمّد بن سيرين :قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ لِلمُرادِيِّ : اُريد حِباءَهُ ويُريدُ قَتلي عَذيرَكَ مَن خَليلُكَ مِن مُرادِ (3)
الإرشاد عن الأصبغ بن نباتة :أتَى ابنُ مُلجَمٍ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَبايَعَهُ فيمَن بايَعَ ، ثُمَّ أدبَرَ عَنهُ فَدَعاهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَتَوَثَّقَ مِنهُ وتَوَكَّدَ عَلَيهِ ألّا يَغدِرَ ولا يَنكُثَ ، فَفَعَلَ ، ثُمَّ أدبَرَ عَنهُ ، فَدَعاهُ الثّانِيَةَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَتَوَثَّقَ مِنهُ وتَوَكَّدَ عَلَيهِ ألّا يَغدِرَ ولا يَنكُثَ فَفَعَلَ ، ثُمَّ أدبَرَ عَنهُ ، فَدَعاهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام الثّالِثَةَ فَتَوَثَّقَ مِنهُ وتَوَكَّدَ عَلَيهِ ألّا يَغدِرَ ولا يَنكُثَ . فَقالَ ابنُ مُلجِمٍ : وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ما رَأَيتُكَ فَعَلتَ هذا بِأحَدٍ غَيري . فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : اُريد حِباءَهُ ويُريدُ قَتلي عَذيرَكَ مَن خَليلُكَ مِن مُرادِ اِمضِ يَابنَ مُلجَمٍ فَوَاللّهِ ما أرى أن تَفِيَ بِما قُلتَ (4) .
.
ص: 243
تاريخ اليعقوبي :قَدِمَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُلجَمٍ المُرادِيُّ الكوفَةَ لِعَشرٍ بَقينَ مِن شَعبانَ سَنَةَ (40ه ) ، فَلَمّا بَلَغَ عَلِيّا قُدومُهُ قالَ : وقَد وافى ؟ أما إنَّهُ ما بَقِيَ عَلَيَّ غَيرُهُ ، هذا أوانُهُ . فَنَزَلَ عَلَى الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ الكِندِيِّ ، فَأَقامَ عِندَهُ شَهرا يَستَحِدُّ سَيفَهُ (1) .
.
ص: 244
. .
ص: 245
الفصل الثالث: التآمر في اغتيال الإمامالإرشاد عن أبي مخنف لوط بن يحيى وإسماعيل بن راشد وأبي هشام الرفاعي وأبي عمرو الثقفي وغيرهم :إنَّ نَفَرا مِن الخَوارِجِ اجتَمَعوا بِمَكَّةَ ، فَتَذاكَرُوا الاُمَراءَ ، فَعابوهُم وعابوا أعمالَهُم عَلَيهِم ، وذَكَروا أهلَ النَّهروانِ وتَرَحَّموا عَلَيهِم ، فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ : لَو أنّا شَرَينا أنفُسَنا للّهِِ ، فَأَتَينا أئِمَّةَ الضَّلالِ ، فَطَلَبنا غِرَّتَهُم (1) ، فَأَرَحنا مِنهُمُ العِبادَ وَالبِلادَ ، وثَأَرنا بِإِخوانِنا لِلشُّهَداءِ بِالنَّهرَوانِ . فَتَعاهَدوا عِندَانقِضاءِ الحَجِّ عَلى ذلِكَ ، فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُلجَمٍ : أنَا أكفيكُم عَلِيّا ، وقالَ البَرَكُ بنُ عَبدِ اللّهِ التَّميمِيُّ : أنَا أكفيكُم مُعاوِيَةَ ، وقالَ عَمرُو بنُ بَكرٍ التَّميمِيُّ : أنَا أكفيكُم عَمرَو بنَ العاصِ ، وتَعاقَدوا عَلى ذلِكَ ، وتَوافَقوا عَلَيهِ وعَلَى الوَفاءِ ، وَاتَّعَدوا لِشَهرِ رَمَضانَ في لَيلَةِ تِسعَ عَشَرَةَ ، ثُمَّ تَفَرَّقوا 2 .
.
ص: 246
. .
ص: 247
مَا الَّذي تُسَمّي لي مِنَ الصَّداقِ ؟ فَقالَ لَها : اِحتَكَمي ما بَدا لَكَ . فَقالَت لَهُ : أنَا مُحتَكِمَةٌ عَلَيكَ ثَلاثَةَ آلافِ دِرهَمٍ ، ووَصيفا وخادِما ، وقَتلَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ 1 . فَقالَ لَها : لَكِ جَميعُ ما سَأَلتِ ، وأمّا قَتلُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَأنّى لي بِذلِكَ ؟ فَقالَت : تَلتَمِسُ غِرَّتَهُ ، فَإِن أنتَ قَتَلتَهُ شَفَيتَ نَفسي وهَنَّأَكَ العَيشُ مَعي ، وإن قُتِلتَ فَما عِندَ اللّهِ خَيرٌ لَكَ مِنَ الدُّنيا . فَقالَ : أما وَاللّهِ ما أقدَمَني هذَا المِصرَ _ وقَد كُنتُ هارِبا مِنهُ لا آمَنُ مَعَ أهلِهِ _ إلّا ما سَأَلتِني مِن قَتلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَلَكِ ما سَأَلتِ . قالَت : فَأَنَا طالِبَةٌ لَكَ بَعضَ مَن يُساعِدُكَ عَلى ذلِكَ ويُقَوّيكَ . ثُمَّ بَعَثَت إلى وَردانَ بنِ مُجالِدٍ _ مِن تَيمِ الرُّبابِ _ فَخَبَّرتَهُ الخَبَرَ وسَأَلَتهُ مَعونَةَ ابنِ مُلجِمٍ ، فَتَحَمَّلَ ذلِكَ لَها ، وخَرَجَ ابنُ مُلجَمٍ فَأَتى رَجُلاً مِن أشجَعَ يُقالُ لَهُ شَبيبُ بنُ بَجرَةَ ، فَقالَ : يا شَبيبُ ، هَل لَكَ في شَرَفِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؟ قالَ : وما ذاكَ ؟ قالَ : تُساعِدُني عَلى قَتلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ _ وكانَ شَبيبٌ عَلى رَأيِ الخَوارِجِ _ . فَقالَ لَهُ : يَابنَ مُلجَمٍ ، هَبَلَتكَ الهَبولُ ، لَقَد جِئتَ شَيئا إدّا ، وكَيفَ تَقدِرُ عَلى ذلِكَ ؟ فَقالَ لَهُ ابنُ مُلجَمٍ : نَكمُنُ لَهُ فِي المَسجِدِ الأَعظَمِ ، فَإِذا خَرَجَ لِصَلاةِ الفَجرِ فَتَكنا بِهِ ، وإن نَحنُ قَتَلناهُ شَفَينا أنفُسَنا وأدرَكنا ثَأرَنا . فَلَم يَزَل بِهِ حَتّى أجابَهُ ، فَأَقبَلَ مَعَهُ حَتّى دَخَلَا المَسجِدَ عَلى قُطامَ _ وهِيَ مُعتَكِفَةٌ فِي المَسجِدِ الأَعظَمِ ، قَد ضَرَبَت عَلَيها قَبَّةً _ فَقالَ لَها : قَدِ اجتَمَعَ رَأيُنا عَلى قَتلِ هذَا الرَّجُلِ . قالَت لَهُما : فَإِذا أرَدتُما ذلِكَ فَالقَياني في هذَا المَوضِعِ .
.
ص: 248
فَانصَرَفا مِن عِندِها فَلَبِثا أيّاما ، ثُمَّ أتَياها ومَعَهُمَا الآخَرُ لَيلَةَ الأَربَعاءِ لِتِسعَ عَشَرَةَ لَيلَةً خَلَت مِن شَهرِ رَمَضانَ سَنَةِ أربَعينَ مِنَ الهِجرَةِ ، فَدَعَت لَهُم بِحَريرٍ فَعَصَبَت بِهِ صُدورَهُم ، وتَقَلَّدوا أسيافَهُم ومَضَوا وجَلَسوا مُقابِلَ السُّدَّةِ الَّتي كانَ يَخرُجُ مِنها أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلَى الصَّلاةِ ، وقَد كانوا قَبلَ ذلِكَ ألقَوا إلَى الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ ما في نُفوسِهِم مِنَ العَزيمَةِ عَلى قَتلِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وواطَأَهُم عَلَيهِ وحَضَرَ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ في تِلكَ اللَّيلَةِ لِمَعونَتِهِم عَلى مَا اجتَمَعوا عَلَيهِ (1) .
العدد القويّة عن أبي مجلز :جاءَ رَجُلٌ مِن مُرادٍ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وهُوَ يُصَلّي فِي المَسجِدِ ، فَقالَ لَهُ : اِحتَرِس فَإِنَّ اُناسا مِن مُرادٍ يُريدونَ قَتَلَكَ ، فَقالَ : إنَّ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مَلَكَينِ يَحفَظانِهِ مِمّا لَم يُقَدَّر ، فَإِذا جاءَ القَدَرُ خَلَّيا بَينَهُ وبَينَهُ ، وإنَّ الأَجَلَ جُنَّةٌ حَصينَةٌ . وقالَ الشَّعبِيُّ : أنشَدَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قَبلَ أن يُستَشهَدَ بِأَيّامٍ : تِلكُم قُرَيشٌ تَمَنّاني لِتَقتُلَني فَلا وَرَبِّكَ ما فازوا ولا ظَفِروا فَإِنَ بَقيتُ فَرَهنُ ذِمَّتي لَهُم وإن عُدِمتُ فَلا يَبقى لَها أثَرُ وسَوفَ يورِثُهُم فَقدي عَلى وَجَلِ ذُلَّ الحَياةِ بِما خانوا وما غَدَروا (2)
.
ص: 249
بحث حول المتآمرين لاغتيال الإمام عليّيفهم من النصوص التاريخيّة أنّ الأخبار التي رواها مؤرخو الشيعة والسنّة تشير إلى أنّ الإمام عليّا عليه السلام اغتيل بمؤامرة نفّذها عدد من بقايا الخوارج . وتتلخص أخبار المؤرخين الأوائل في هذا المجال : أنّ جماعة من الخوارج اجتمعوا بعد معركة النهروان في مكّة وأقسموا على الانتقام لقتلاهم ، واستقرّ رأيهم بعد المداولات حول كيفية إيجاد حلّ لمشكلات العالم الإسلامي على أنّ منشأ الفتنة ثلاثة أشخاص هم : علي عليه السلام ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص . ومادام هؤلاء الثلاثة أحياءً فستبقى الاُمّة الإسلاميّة تعيش حالة من الاضطراب . وهكذا أخذ ثلاثة من اُولئك القوم على عاتقهم مهمّة اغتيال هؤلاء الثلاثة . تبنّى عبد الرحمن بن ملجم المرادي مهمّة اغتيال الإمام عليّ عليه السلام ، وتبنّى برك بن عبد اللّه التميمي مهمّة اغتيال معاوية ، واُنيطت مهمّة قتل عمرو بن العاص بعمرو بن بكر التميمي . وعزم هؤلاء الثلاثة على تنفيذ خطّة القتل في إحدى ليالي شهر رمضان حيث يضطرّ هؤلاء الثلاثة إلى القدوم إلى المسجد _ وبناءً على المشهور لدينا في ليلة التاسع عشر من رمضان . فقتل عمرو بن بكر الذي كان مكلّفا بقتل عمرو بن العاص شخصا آخر كان قد
.
ص: 250
ذهب إلى الصلاة بدلاً عن ابن العاص في تلك الليلة ، وجرح برك بن عبد اللّه معاوية . أمّا ابن ملجم فقد استطاع تنفيذ مهمّته بتحريض من قطام _ وكانت امرأة جميلة _ وبمساعدة من وردان بن مجالة وشبيب بن بجرة ، وأنهى مهمّة قتل الإمام عليّ عليه السلام . وهذه الرواية متّفق عليها من قبل جميع المؤرّخين المسلمين تقريبا . وهل كانت القصّة على هذا المنوال حقّا ، أم أنّ الحقيقة شيء آخر؟ وهل كان الخوارج _ كما جاء في النصوص التاريخيّة _ هم المخطّطون الأصليّون لاغتيال الإمام ولم يكن لمعاوية أيّ دور فيه؟ وهل الحكايات التي حكيت حول دور قطام في اغتيال الإمام كانت صحيحة ، أم أنّ المخطّط الأصلي لاغتيال الإمام كان معاوية ، وكلّ ما جاء في التاريخ عن الفاعلين ليس إلّا تلفيقا يراد منه تبرئة ساحة معاوية من جريمة اغتيال أمير المؤمنين؟ يميل بعض المؤرخين المعاصرين إلى تأييد الفرضية ، وينكرون أساسا دور الخوارج في عملية الاغتيال هذه . أشار الدكتور شهيدي إلى هذا الافتراض قائلاً : «لا اُريد القول كما قال المؤرّخ الأباضي المعاصر الشيخ سليمان يوسف بن داود بأنّ الخوارج كانوا أنصار الإمام عليٍّ عليه السلام ولم يشتركوا في قتله ، وأنّ قبيلة بني مراد التي ينتمي إليها ابن ملجم لم تكن من الخوارج ، وأنّ قصة ابن ملجم ورفيقيه من تلفيق جلاوزة معاوية لإخفاء الحقيقة عن الناس . وقد عرضت بعض الانتقادات على كتابه هذا في لقاء جمع بيننا في الجزيرة ، وكتبتها له في رسالة أيضا . ولكن لو أنّ أحدا قال بأنّ مؤامرة شهادة الإمام عليٍّ عليه السلام ليست بالشكل الذي شاع على الألسن ، فإنني لا أستبعد صحّة قوله» (1) .
.
ص: 251
وبعد نقده لبعض النصوص المتعلّقة بدور قطام في مؤامرة الاغتيال هذه كتب ما يلي : «مجموع هذه التناقضات يؤيد كون هذه القصّة ملفّقة . ويبدو أنّ قصّة قطام قد ابتدعت ورُبطت بقصّة أولئك الثلاثة لكي تتقبلها الأذهان أكثر» (1) . يبدو أنّ على الباحث الذي يريد الاقتراب من الحقيقة عند تتبّع واقعة قتل الإمام ومعرفة مسبّبيها أن يبحث في دور الخوارج ومعاوية وقطام في قتل الإمام كلّاً على حدة :
1 _ دور الخوارجدور الخوارج في مؤامرة قتل الإمام عليٍّ عليه السلام من مسلّمات التاريخ الإسلامي ولا يمكن إنكارها . وقد أذعن الخوارج أنفسهم لهذه الحقيقة . فقد نظم عمران بن حطان قصيدة في الثناء على عمل ابن ملجم جاء فيها : يا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادِ بِهَا إلّا لِيَبلُغَ مِنْ ذِيِ العَرشِ رِضْوَانَا إنّي لَأَذكُرُهُ حِينا فَأَحْسِبُهُ أَوفَى البَرِيَّةِ عِندَ اللّهِ مِيزانَا (2) وقال ابن أبي ميّاس المرادي: وَنَحْنُ ضَرَبنَا يا لَكَ الخَيرُ حَيدَرَا أبا حَسَنٍ مَأمُومَةً فَتَفَطَّرا وَنَحْنُ خَلَعنَا مُلكَهُ مِنْ نِظامِهِ بِضَرْبَةِ سَيْفٍ إذ عَلا وَتَجَبَّرا وَنَحْنُ كِرامٌ فِي الصَّباحِ أعِزَّةٌ إذِا المَوتُ بِالمَوتِ ارتَدى وَتَأَزَّرا (3)
.
ص: 252
لا شكّ في أنّ مثل هذه المسألة لو كانت من اختلاق قُصّاص معاوية لما بقي هذا الموضوع التاريخي المهمّ خافيا عن أذهان المؤرّخين والمحدّثين . ويمكن فهم مدى دور الخوارج في هذه المؤامرة من خلال معرفة هل هم تصرّفوا فيها على نحو مستقلّ أم كانوا في عملهم القذر هذا أداة بيد معاوية أو جلاوزته؟ وكذلك من خلال النظر إلى كيفيّة تنفيذ المؤامرة . وهذه المسائل تتطلّب التأمّل والتمعّن .
2 _ دور معاويةلا يوجد من الناحية التاريخيّة سند يمكن أن يعزو بوضوح مؤامرة قتل الإمام إلى معاوية . ولكن توجد ثمّة قرائن لا يمكن للباحث أن ينكر في ضوئها دور معاوية في هذه الواقعة . لا شكّ في أنّ معاوية كان بصدد قتل الإمام ؛ وذلك لأنّه كان يعلم جيّدا بأنّه لن يصل إلى الخلافة طالما بقي عليّ عليه السلام حيّا ، هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى فإنّ قتل الإمام في ساحة المعركة لم يكن أمرا ميسورا ، بل إنّ تجربة وقعة صفّين أثبتت لو أنّ هذه الحرب تكرّرت مرّةً اُخرى لانتهت قطعا بهزيمة معاوية والقضاء عليه . وعلى هذا فإنّ أفضل السبل لإزاحة الإمام عن الطريق هو اغتياله ، وهو عمل سبق له أن جرّبه مع مالك الأشتر الذي يعتبر من أفضل العناصر التي وقفت إلى جانب الإمام . وكان أنجح اُسلوب لتنفيذ الخطّة هو تنفيذها على يد أنصار سابقين للإمام ؛ أي على يد بقايا الخوارج الذين دخلوا مؤخّرا في صراع مع الإمام ، وكانوا يفكّرون بالانتقام لقتلاهم . وتوفّرت لديهم الدواعي الكافية للإقدام على هذا العمل الخطير والخبيث ، هذا فضلاً عن عدم إمكانية تتبّع المؤامرة والوصول الى الفاعل الأصلي ، ولعلّ هذا هو السبب الذي أدّى إلى عدم وجود أي سند تاريخي يثبت ارتباط هذه
.
ص: 253
القضية بمعاوية . ومن الطبيعي أنّ أمثال هذه القرارات السرّية من قبل الحكومات ليست مما يمكن للمؤرخين الاطّلاع عليه وتثبيته في كتبهم . إحدى القرائن الاُخرى الجديرة بالتأمّل في هذا السياق هو دور الأشعث في هذه الواقعة ؛ فهو لم يكن مؤيّدا للإمام من كلّ قلبه ، بل إنّه هدّد الإمام بالقتل ، ووصفه الإمام علانية بالنفاق ، ولكن بما أنّه كان رئيسا لقبيلة كندة ، فإنّ الإمام كان ينتهج معه اُسلوب المداراة ؛ لأنّ إبعاده عن الإمام كان يخلق له مشكلة مع تلك القبيلة الكبيرة ويمنعها من الوقوف إلى جانبه . إنّ دور الأشعث في فرض التحكيم على الإمام ، واختيار أبي موسى للتحكيم وما تبع ذلك من وقائع ، ينمّ عن علاقاته الخفية بمعاوية . وعلى هذا الأساس فإنّ علمه المسبق بعملية الاغتيال قبل وقوعها ، وعلاقة ابن ملجم به قبل تنفيذ العملية يعدّ مؤشّرا على وجود يد لدمشق في تلك الحادثة . نقل ابن أبي الدنيا عن اُستاذه عبد الغفّار أنّه قال : «سَمِعتُ غَيِرَ واحِدٍ يَذكُرُ أَنَّ اِبنَ مُلجَمٍ باتَ عِندَ الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ ، فَلَمّا أسحَرَ جَعَلَ يَقُولُ لَهُ : أَصبَحتَ» (1) . ونقل الكثير من المؤرّخين أنّ ابن ملجم عندما مرّ بالأشعث عند المسجد قبل الإقدام على عملية الاغتيال ، قال له : «النَّجاءَ النَّجاءَ لِحاجَتِكَ فَقَد فَضِحَكَ الصُّبحُ» . ولما سمع حُجر بن عدي مقالته عرف مقصوده ، فقال له : «قَتَلتَهُ يا أَعوَرُ» (2) ، وخرج من المسجد من ساعته ليبلغ الإمام بالقضية ، ولكنّ الإمام كان قد دخل من باب آخر ، وعندما وصل حجر ، كان الرَّجل قد ضرب الإمام ! يمكن لهذه القرائن أن تؤيّد تدخّل دمشق في اغتيال الإمام ، ولكن لا بمعنى نفي أي دور للخوارج في ذلك الاغتيال ، ولكن يعني أنّهم اُقدموا على هذا العمل تحت تأثير مكائد معاوية ولو عن طريق وسطاء ، مثلما يسري هذا الاحتمال على قضية
.
ص: 254
فرض التحكيم على الإمام . الشبهة الوحيدة التي يمكنها الطعن بهذا الرأي هي أنّه لو كانت لمعاوية يد في اغتيال الإمام لما انعكست هذه الخطّة عليه وعلى رفيقه المقرّب عمرو بن العاص . ويمكن الإجابة عن هذه الشبهة بالقول : أولاً : يحتمل أنّ الضربة التي أصابت ألية معاوية ، كانت _ مثل قتل شخص آخر بدلاً من عمرو بن العاص _ لعبة سياسية لكي يواجه الحاكم الجديد مشاكل أقلّ مع الناس . ثانيا : في المؤامرات غير المباشرة التي تحوكها وتنفّذها العناصر المعارضة ، كثيرا ما تطال نيران تلك المؤامرات المخطّطين الأصليّين وخاصة في ذلك العصر الذي كانت تنعدم فيه وسائل الاتصال السريع .
3 _ دور قطامذهب المؤرخون إلى الإفراط والتفريط فيما يخصّ دور قطام في مقتل أمير المؤمنين . فالبعض جعل لها في هذه الحادثة دورا أساسيا ، ولعلّ أول مؤرّخ بالغ في تضخيم دور قطام في مؤامرة القتل ، هو ابن أعثم . ونقل كتاب بحار الأنوار عن كتابٍ مجهولٍ هذه القصّة على صورة رواية غرامية . وعندما وقعت هذه القصة بيد القاص المسيحي جرجي زيدان ، جعل لها أغصانا وفروعا كثيرة . وفي مقابل ذلك شكّك مؤرخون معاصرون من خلال عرضهم لبعض الإشكالات والتناقضات الموجودة في هذه القصّة ، في أصل وجود مثل هذه القضية في قتل الإمام عليه السلام . ويبدو أنّ أصل وجود قطام ودورها في مؤامرة اغتيال الإمام شيء لا يمكن إنكاره . بيد أنّ الحكايات التي جاءت بهذا الخصوص في فتوح ابن أعثم وفي بحار الأنوار ، وفي كتاب جرجي زيدان لا واقع لها .
.
ص: 255
تتفق مصادر قديمة كالطبقات الكبرى (م230) ، الإمامة والسياسة (م276) ، أنساب الإشراف (م279) ، الأخبار الطوال (م282) والكامل للمبرد (م285) ، مقاتل الطالبيّين (م 356) على دور امرأة اسمها قطام قُتل أبوها وأخوها _ وفي بعض النصوص عمّها _ في معركة النهروان ، ممّا جعلها تحقد على الإمام وتشارك في مؤامرة اغتياله ، وكانت على صلة بابن ملجم . وعلى هذا لا يمكن إنكار أصل القصّة بهذه البساطة . ولكن يمكن التشكيك في كيفيّتها . وأما ما جاء منها على شكل رواية ابن اعثم أو كتاب مجهول نقل عنه بحار الأنوار ، فهو باطل قطعا . وربما يمكن القول بأنّ أقرب النصوص إلى الواقع هو النصّ الذي جاء في كتابي أنساب الأشراف والإمامة والسياسة الذيجاء فيه : «قَدِمَ ابنُ مُلجَمٍ الكُوفَةَ وَكَتَمَ أمرَهُ، وَتَزَوَّجَ إمرَأَةً يُقالُ لَها : قُطامُ بِنتُ عَلْقَمَةَ ، وَكَانَت خَارِجِيَّةً ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَد قَتَلَ أخَاهَا فِي حَرْبِ الخَوارِجِ ، وَتَزَوَّجَها عَلَى أن يَقتُلَ عَلِيَّا فَأقَامَ عِندَهَا مُدَّةً ، فَقَالَت لَهُ فِي بَعضِ الأيّامِ وَهُوَ مُختَفٍ : لَطالَما أحبَبتَ المَكثَ عِندَ أهلِكَ وَأضرَبتَ عَنِ الأمرِ الَّذي جِئتَ بِسَبَبِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي وَقتَا وَأعِدْتُ فيه أصحَابِي وَلَنْ اُجَاوِزَهُ» (1) .
.
ص: 256
. .
ص: 257
الفصل الرابع: اغتيال الإمام4 / 1لَيلَةُ التّاسِعِ عَشرٍالإرشاد عن عثمان بن المغيرة:لَمّا دَخَلَ شَهرُ رَمَضانَ كانَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام يَتَعَشّى لَيلَةً عِندَ الحَسَنِ ولَيلَةً عِندَ الحُسَينِ ولَيلَةً عِندَ عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ ، وكانَ لا يَزيدُ عَلى ثَلاثِ لُقَمٍ ، فَقيلَ لَهُ في لَيلَةٍ مِن تِلكَ اللَّيالي في ذلِكَ ، فَقالَ : يَأتيني أمرُ اللّهِ وأنَا خَميصٌ (1) ، إنَّما هِيَ لَيلَةٌ أو لَيلَتانِ . فَاُصيبَ عليه السلام في آخِرِ اللَّيلِ (2) .
الإرشاد عن اُمّ موسى_ خادِمَةِ عَلِيٍّ عليه السلام وهِيَ حاضِنَةُ فاطِمَةَ ابنَتِهِ _: سَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام يَقولُ لِابنَتِهِ اُمِّ كُلثومٍ : يا بُنَيَّةُ ، إنّي أراني قَلَّ ما أصحَبُكُم . قالَت : وكَيفَ ذلِكَ ، يا أبَتاه ؟
.
ص: 258
قالَ : إنّي رَأَيتُ نَبِيَّ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَنامي وهُوَ يَمسَحُ الغُبارَ عَن وَجهي ويَقولُ : يا عَلِيُّ ، لا عَلَيكَ ، قَد قُضِيَت ما عَلَيكَ . قالَت : فَما مَكَثنا إلّا ثَلاثا حَتّى ضُرِبَ تِلكَ الضَّربَةُ ، فَصاحَت اُمُّ كُلثومٍ فَقالَ : يا بُنَيَّةُ لا تَفعَلي ، فَإِنّي أرى رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُشيرُ إلَيَّ بِكَفِّهِ : يا عَلِيُّ ، هَلُمَّ إلَينا ، فَإِنَّ ما عِندَنا هُوَ خَيرٌ لَكَ (1) .
الإمام الحسن عليه السلام :أتَيتُهُ [عَلِيّا عليه السلام ] سَحَرا فَجَلَستُ إلَيهِ فَقالَ : إنّي بِتُّ اللَّيلَةَ اُوقِظُ أهلي ، فَمَلَكَتني عَينايَ وأنَا جالِسٌ فَسَنَحَ لي رَسولُ اللّهِ فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما لَقيتُ مِن اُمَّتِكَ مِنَ الأَوَدِ (2) وَاللَّدَدِ (3) ؟ فَقالَ لي : اُدعُ اللّهَ عَلَيهِم ، فَقُلتُ : اللّهُمَّ أبدِلني بِهِم خَيرا لي مِنهُم وأبدِلهُم شَرّا لَهُم مِنّي (4) .
الإمام الحسين عليه السلام :قالَ لي عَلِيٌّ : سَنَحَ لِيَ اللَّيلَةَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَنامي ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما لَقيتُ مِن اُمَّتِكَ مِنَ الأَوَدِ وَاللَّدَدِ ؟ قالَ : اُدعُ عَلَيهِم . قُلتُ : اللّهُمَّ أبدلِني بِهِم مَن هُوَ خَيرٌ لي مِنهُم ، وأبدِلهُم بي مَن هُوَ شَرٌّ مِنّي . فَخَرَجَ ، فَضَرَبَهُ الرَّجُلُ (5) .
.
ص: 259
مسند أبي يعلى عن أبي صالح عن الإمام عليّ عليه السلام :رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله في مَنامي فَشَكَوتُ إلَيهِ ما لَقيتُ مِن اُمَّتِهِ ، مِنَ الأَوَدِ وَاللَّدَدِ ، فَبَكَيتُ فَقالَ لي : لا تَبكِ يا عَلِيُّ ، وَالتَفَتَ ، فَالتَفَتُّ فَإِذا رَجُلانِ يَتَصَعَّدانِ (1) ، وإذا جَلاميدُ يُرضَخُ بِها رُؤوسُهُما حَتّى تُفضَخَ (2) ، ثُمَّ يَرجِعُ _ أو قالَ : يَعودُ _ . قالَ : فَغَدَوتُ إلى عَلِيٍّ كَما كُنتُ أغدو عَلَيهِ كُلَّ يَومٍ ، حَتّى إذا كُنتُ فِي الخَرّازينَ لَقيتُ النّاسَ فَقالوا : قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ (3) .
الإرشاد عن الحسن البصري :سَهِرَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام فِي اللَّيلَةِ الَّتي قُتِلَ في صَبيحَتِها ، ولَم يَخرُج إلَى المَسجِدِ لِصَلاةِ اللَّيلِ عَلى عادَتِهِ ، فَقالَت لَهُ ابنَتُهُ اُمُّ كُلثومٍ _ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيها _ : ما هذَا الَّذي قَد أسهَرَكَ ؟ فَقالَ : إنّي مَقتولٌ لَو قَد أصبَحتُ . وأتاهُ ابنُ النَّبّاحِ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ ، فَمَشى غَيرَ بَعيدٍ ثُمَّ رَجَعَ ، فَقالَت لَهُ ابنَتُهُ اُمُّ كُلثومٍ : مُر جَعدَةَ فَليُصَلِّ بِالنّاسِ . قالَ : نَعَم ، مُروا جَعدَةَ فَليُصَلِّ . ثُمَّ قالَ : لا مَفَرَّ مِنَ الأَجَلِ ، فَخَرَجَ إلَى المَسجِدِ (4) .
الإرشاد :رُوِيَ أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام سَهِرَ تِلكَ اللَّيلَةَ ، فَأَكثَرَ الخُروجَ وَالنَّظَرَ فِي السَّماءِ وهُوَ يَقولُ : وَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ ، وإنَّهَا اللَّيلَةُ الَّتي وُعِدتُ بِها ، ثُمَّ يُعاوِدُ مَضجَعَهُ ، فَلَمّا طَلَعَ الفَجرُ شَدَّ إزارَهُ وخَرَجَ وهُوَ يَقولُ : اُشددُ حَيازيمَكَ لِلمَوتِ فَإِنَّ المَوتَ لا قيكَ ولا تَجزَع مِنَ المَوتِ إذا حَلَّ بِواديكَ فَلَمّا خَرَجَ إلى صَحنِ الدّارِ استَقبَلَتهُ الإِوَزُّ فَصِحنَ في وَجهِهِ ، فَجَعَلوا يَطرُدونَهُنَّ فَقالَ : «دَعوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ نَوائِحُ» ، ثُمَّ خَرَجَ فَاُصيبَ عليه السلام (5) .
.
ص: 260
فضائل الصحابة عن الحسن بن كثير عن أبيه :خَرَجَ عَلِيٌّ إلَى الفَجرِ فَأَقبَلنَ الوَزُّ يَصِحنَ في وَجهِهِ فَطَرَدوهُنَّ عَنهُ . فَقالَ : ذَروهُنَّ فَإِنَّهُنَّ نَوائِحُ . فَضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ (1) .
أنساب الأشراف عن الحسن بن بزيع :إنَّ عَلِيّا خَرَجَ اللَّيلَةَ الَّتي ضُرِبَ في صَبيحَتِها فِي السَّحَرِ وهُوَ يَقولُ : اُشدُد حَيازيمَكَ لِلمَوتِ فَإِنَّ المَوتَ لاقيكَ ولا تَجزَع مِنَ المَوتِ إذا حَلَّ بِواديكَ (2)
مروج الذهب :كانَ [ عَلِيٌّ عليه السلام ] يُكثِرُ مِن ذِكرِ هذَينِ البَيتَينِ : اُشدُد حَيازيمَكَ لِلمَوتِ فَإِنَّ المَوتَ لاقيكا ولا تَجزَع مِنَ المَوتِ إذا حَلَّ بِواديكا
.
ص: 261
وسُمِعا مِنهُ فِي الوَقتِ الَّذي قُتِلَ فيهِ ، فَإِنَّهُ قَد خَرَجَ إلَى المَسجِدِ ، وقَد عَسَرَ عَلَيهِ فَتحُ بابِ دارِهِ ، وكانَ مِن جُذوعِ النَّخلِ ، فَاقتَلَعَهُ وجَعَلَهُ ناحِيَةً ، وَانحَلَّ إزارُهُ ، فَشَدَّهُ وجَعَلَ يُنشِدُ هذَينِ البَيتَينِ المُتِقَدِّمَينِ (1) .
الفتوح :جاءَ عَلِيٌّ رحمه الله إلى بابِ دارٍ مُفَتَّحَةٍ لِيَخرُجَ ، فَتَعَلَّقَ البابُ بِمِئزَرِهِ فَحَلَّ مِئزَرَهُ وهُوَ يَقولُ : اُشدُد حَيازيمَكَ لِلمَوتِ فَإِنَّ المَوتَ لاقيكا ولا تَجزَع مِنَ المَوتِ فَقَد حَلَّ بِواديكا فَقَد أعرِفُ أقواما وإن كانوا صَعاليكا مَساريعَ (2) إلَى النَّجدةِ ولِلغَيِّ مُتاريكا (3)
بحار الأنوار عن اُمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام :لَمّا كانَت لَيلَةُ تِسعَ عَشَرَةَ مِن شَهرِ رَمَضانَ قَدَّمتُ إلَيهِ عِندَ إفطارِهِ طَبَقا فيهِ قُرصانِ مِن خُبزِ الشَّعيرِ وقَصعَةٌ فيها لَبَنٌ ومِلحٌ جَريشٌ ، فَلَمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ أقبَلَ عَلى فُطورِهِ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيهِ وتَأَمَّلَهُ حَرَّكَ رَأسَهُ وبَكى بُكاءً شَديدا عالِيا ، وقالَ : يا بُنَيَّةُ ما ظَنَنتُ أنَّ بِنتا تَسوءُ أباها كَما قَد أسَأتِ أنتِ إلَيَّ . قالَت : وما ذا يا أباه ؟ قالَ : يا بُنَيَّةُ أ تُقَدِّمينَ إلى أبيكَ إدامَينِ في فَردِ طَبَقٍ واحِدٍ ؟ أ تُريدينَ أن يَطولَ وُقوفي غَدا بَينَ يَدَيِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ يَومَ القِيامَةِ ؟ ! أنَا اُريدُ أن أتَّبِعَ أخي وَابنَ عَمّي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ما قُدِّمَ إلَيهِ إدامانِ في طَبَقٍ واحِدٍ إلى أن قَبَضَهُ اللّهُ ، يا بُنَيَّةُ ما مِن رَجُلٍ طابَ مَطعَمُهُ ومَشرَبُهُ ومَلبَسُهُ إلّا طالَ وُقوفُهُ بَينَ يَدَيِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ يَومَ القِيامَةِ ، يا
.
ص: 262
بُنَيَّةُ إنَّ الدُّنيا في حَلالِها حِسابٌ وفي حَرامِها عِقابٌ . . . يا بُنَيَّةُ وَاللّهِ لا آكُلُ شَيئا حَتّى تَرفَعينَ أحَدَ الإِدامَينِ ، فَلَمّا رَفَعَتهُ تَقَدَّمَ إلَى الطَّعامِ فَأَكَلَ قُرصا واحِدا بِالمِلحِ الجَريشِ ، ثُمَّ حَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قامَ إلى صَلاتِهِ فَصَلّى ولَم يَزَل راكِعا وساجِدا ومُبتَهِلاً ومُتَضَرِّعا إلَى اللّهِ سُبحانَهُ ، ويُكثِرُ الدُّخولَ وَالخُروجَ وهُوَ يَنظُرُ إلَى السَّماءِ وهُوَ قَلَقٌ يَتَمَلمَلُ . . . . قالَت : ولَم يَزَل تِلكَ اللَّيلَةُ قائِما وقاعِدا وراكِعا وساجِدا ، ثُمَّ يَخرُجُ ساعَةً بَعدَ ساعَةٍ يَقلِبُ طَرفَهُ فيِ السَّماءِ ويَنظُرُ فِي الكَواكِبِ وهُوَ يَقولُ : وَاللّهِ ما كَذبتُ ولا كُذِّبتُ ، وإنَّهَا اللَّيلَةُ الَّتي وُعِدتُ بِها ، ثُمَّ يَعودُ إلى مُصَلّاهُ ويَقولُ : اللّهُمَّ بارِك لي فِي المَوتِ ، ويُكثِرُ مِن قَولِ : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ ويُصَلّي عَلَى النَّبِيِّ وآلِهِ ، ويَستَغفِرُ اللّهَ كَثيرا . قالَت : فَلَمّا رَأَيتُهُ في تِلكَ اللَّيلَةِ قَلَقا مُتَمَلمِلاً كَثيرَ الذِّكرِ والاِستِغفارِ أرِقتُ مَعَهُ لَيلَتي وقُلتُ : يا أبَتاه ما لي أراكَ هذِهِ اللَّيلَةَ لا تَذوقُ طَعمَ الرُّقادِ ؟ قالَ : يا بُنَيَّةُ إنَّ أباكِ قَتَلَ الأَبطالَ وخاضَ الأَهوالَ وما دَخَلَ الخَوفُ لَهُ جَوف (1) ، وما دَخَلَ في قَلبي رُعبٌ أكثَرُ مِمّا دَخَلَ في هذِهِ اللَّيلَةِ ، ثُمَّ قالَ : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ . فَقُلتُ : يا أباه مالَكَ تَنعى نَفسَكَ مُنذُ اللَّيلَةِ ؟ قالَ : يا بُنَيَّةُ قَد قَرُبَ الأَجَلُ وَانقَطَعَ الأَمَلُ . قالَت اُمُّ كُلثومٍ : فَبَكَيتُ فَقالَ لي : يا بُنَيَّةُ لا تَبكينَ فَإِنّي لَم أقلُ ذلِكَ إلّا بِما عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله . ثُمَّ إنَّهُ نَعَسَ وطَوى ساعَةً ، ثُمَّ استَيقَظَ مِن نَومِهِ وقالَ : يا بُنَيَّةُ إذا قَرُبَ وَقتَ الأَذانِ فَأَعلِميني . ثُمَّ رَجََع إلى ما كانَ عَلَيهِ أوَّلَ اللَّيلِ مِنَ الصَّلاة وَالدُّعاءِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللّهِ سُبحانَهُ وتَعالى .
.
ص: 263
قالَت اُمُّ كُلثومٍ : فَجَعَلتُ أرقُبُ وَقتَ الأَذانِ ، فَلَمّا لاحَ الوَقتُ أتَيتُهُ ومَعي إناءٌ فيهِ ماءٌ ، ثُمَّ أيقَظتُهُ ، فَأَسبَغَ الوُضوءَ وقامَ ولَبِسَ ثِيابَهُ وفَتَحَ بابَهُ ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الدّارِ وكانَ فِي الدّارِ إوَزٌّ قَد اُهدِيَ إلى أخِيَ الحُسَينِ عليه السلام ، فَلَمّا نَزَلَ خَرَجنَ وَراءَهُ ورَفرَفنَ وصِحنَ في وَجهِهِ ، وكانَ قَبلَ تِلكَ اللَّيلَةِ لَم يَصِحنَ . فَقالَ عليه السلام : لا إلهَ إلَا اللّهُ صَوارِخُ تَتبَعُها نَوائِحُ ، وفي غَداةِ غَدٍ يَظهَرُ القَضاءُ . فَقُلتُ لَهُ : يا أباه هكَذا تَتَطَيَّرُ ؟ فَقالَ : يا بُنَيَّةُ ما مِنّا أهلَ البَيتِ مَن يَتَطَيَّرُ ولا يُتَطَيَّرُ بِهِ ، ولكِن قَولٌ جَرى عَلى لِساني ، ثُمَّ قالَ : يا بُنَيَّةُ بِحَقّي عَلَيكِ إلّا ما أطلَقتيهِ ، فَقَد حَبَستِ ما لَيسَ لَهُ لِسانٌ ولا يَقدِرُ عَلَى الكَلامِ إِذا جاعَ أو عَطِشَ ، فَأَطعِميهِ وأسقيهِ وإلّا خَلّي سَبيلَهُ يَأكُل مِن حَشائِشِ الأَرضِ (1) .
تنبيه الخواطر عن إسماعيل بن عبد اللّه الصلعي :لَمّا كَثُرَ الاِختِلافُ بَينَ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقُتِلَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ تَخَوَّفتُ عَلى نَفسِيَ الفِتنَةَ ، فَاعتَزَمتُ عَلَى اعتِزالِ النّاسِ ، فَتَنَحَّيتُ إلى ساحِلِ الَبحرِ فَأَقَمتُ فيهِ حينا لا أدري ما فيهِ النّاسُ مُعتَزِلاً لِأَهلِ الهُجرِ وَالإِرجافِ ، فَخَرَجتُ مِن بَيتي لِبَعضِ حَوائِجي وقَد هَدَأَ اللَّيلُ ونامَ النّاسُ ، فَإِذا أنَا بِرَجُلٍ عَلى ساحِلِ البَحرِ يُناجي رَبَّهُ ويَتَضَرَّعُ إلَيهِ بِصَوتٍ شَجِيٍّ وقَلبٍ حَزينٍ ، فَنُضتُ (2) إلَيهِ وأصغَيتُ إلَيهِ مِن حَيثُ لا يَراني ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ : يا حَسَنَ الصٌّحبَةِ ، يا خَليفَةَ النَّبِيّينَ ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، البَدِئُ البَديعُ لَيسَ مِثلَكَ شَيءُّ ، وَالدّائِمُ غَيرُ الغافِلِ ، وَالحَيُّ الَّذي لا يَموتُ ، أنتَ كُلَّ يَومٍ في شَأنٍ ، أنتَ خَليفَةُ مُحَمَّدٍ وناصِرُ مُحَمَّدٍ ومُفَضِّلُ مُحَمَّدٍ ، أنتَ الَّذي أسأَلُكَ أن تَنصُرَ وَصِيَّ مُحَمَّد
.
ص: 264
وخَليفَةَ مُحَمَّدٍ وَالقائِمَ بِالقِسطِ بَعدَ مُحَمَّدٍ ، اعطِف عَلَيهِ بِنَصرٍ أو تَوَفّاهُ بِرَحمَةٍ . قالَ : ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وقَعَدَ مِقدارَ التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ إنَّهُ سَلَّمَ فيما أحسَبُ تِلقاءَ وَجهِهِ ، ثُمَّ مَضى فَمَشى عَلَى الماءِ ، فَنادَيتُهُ مِن خَلفِهِ : كَلِّمني يَرحَمُكَ اللّهُ ، فَلَم يَلتَفِت وقالَ : الهادي خَلفَكَ فَاسأَلهُ عَن أمرِ دينِكَ . فَقُلتُ : مَن هُوَ يَرحَمُكَ اللّهُ ؟ فَقالَ : وَصِيُّ مُحَمَّدٍ مِن بَعدِهِ ، فَخَرَجتُ مُتَوَجِّها إلَى الكوفَةِ فَأَمسَيتُ دونَها ، فَبِتُّ قَريبا مِنَ الحيرَةِ ، فَلَمّا أجَنَّنِي اللَّيلُ إذا أنَا بِرَجُلٍ قَد أقبَلَ حَتَّى استَتَرَ بِرابِيَةٍ ، ثُمَّ صَفَّ قَدَمَيهِ فَأَطالَ المُناجاةَ ، وكانَ فيما قالَ : اللّهُمَّ إنّي سِرتُ فيهِم ما أمَرَني رَسولُكَ وصَفِيُّكَ فَظَلَموني ، فَقَتَلتُ المُنافِقينَ كَما أمَرتَني فَجَهِلوني . وقَد مَلِلتُهُم ومَلّوني وأبغَضتُهُم وأبغَضوني ، ولَم تَبقَ خَلَّةٌ أنتَظِرُها إلَا المُرادِيُّ ، اللّهُمَّ فَعَجِّل لَهُ الشَّقاوَةَ وتَغَمَّدني بِالسَّعادَةِ ، اللّهُمَّ قَد وَعَدَني نَبِيُّكَ أن تَتَوفّاني إلَيكَ إذا سَأَلتُكَ ، اللّهُمَّ وقَد رَغِبتُ إلَيكَ في ذلِكَ ، ثُمَّ مَضى ، فَقَفَوتُهُ فَدَخَلَ مَنزِلَهُ ، فَإِذا هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام . قالَ : فَلَم ألبَث إذ نادَى المُنادي بِالصَّلاةِ ، فَخَرَجَ وَاتَّبَعتُهُ حَتّى دَخَلَ المَسجِدَ فَعَمَّمَهُ ابنُ مُلجَمٍ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ بِالسَّيفِ (1) .
4 / 2فَجرُ التّاسِعِ عَشرٍالإمام الحسن عليه السلام :دَخَلَ ابنُ النَّبّاح [المُؤَذِّنُ] عَلَيهِ [عَلِيٍّ عليه السلام ] فَقالَ : الصَّلاةُ . فَأَخَذتُ بِيَدِهِ، فَقامَ ومَشَى ابنُ النَّبّاحِ بَينَ يَدَيهِ ومَشَيتُ خَلفَهُ ، فَلَمّا خَرَجَ مِنَ البابِ نادى : أيُّهَا النّاسُ الصَّلاةُ ، الصَّلاةُ _ وكَذلِكَ كانَ يَصنَعُ في كُلِّ يَومٍ ، ويَخرُجُ ومَعَهُ دِرَّتُه
.
ص: 265
يوقِظُ النّاسَ _ فَاعتَرَضَهُ الرَّجُلانِ ، فَرَأَيتُ بَريقَ السَّيفِ وسَمِعتُ قائِلاً يَقولُ : الحُكمُ يا عَلِيُّ للّهِِ لا لَكَ . ثُمَّ رَأَيتُ سَيفا ثانِيا ؛ فَأَمّا سَيفُ ابنِ مُلجَمٍ فَأَصابَ جَبهَتَهُ إلى قَرنِهِ ووَصَلَ إلى دِماغِهِ ، وأمّا سَيفُ ابنِ بَجرَةَ فَوَقَعَ فِي الطّاقِ . وقالَ عَلِيٌّ : لا يَفوتَنَّكُمُ الرَّجُلُ (1) .
الإرشاد :كانَ حُجرُ بنُ عَدِيٍّ في تِلكَ اللَّيلَةِ بائِتا فِي المَسجِدِ ، فَسَمِعَ الأَشعَثَ يَقولُ لِابنِ مُلجَمٍ : النَّجاءَ النَّجاءَ لِحاجَتِكَ فَقَد فَضَحَكَ الصُّبحُ ، فَأَحَسَّ حُجرٌ بِما أرادَ الأَشعَثُ ، فَقالَ لَهُ : قَتَلتَهُ يا أعوَرُ . وخَرَجَ مُبادِرا لِيَمضِيَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَيُخبِرَهُ الخَبَرَ ويُحَذِّرَهُ مِنَ القَومِ ، وخالَفَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَدَخَلَ المَسجِدَ ، فَسَبَقَهُ ابنُ مُلجَمٍ فَضَرَبَهُ بِالسَّيفِ ، وأقبَلَ حُجرٌ وَالّناسُ يَقولونَ : قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ . قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ (2) .
مروج الذهب :كانَ عَلِيٌّ يَخرُجُ كُلَّ غَداةٍ أوَّلَ الأَذانِ يوقِظُ النّاسَ لِلصَّلاةِ ، وقَد كانَ ابنُ مُلجَمٍ مَرَّ بِالأَشعَثِ وهُوَ فِي المَسجِدِ ، فَقالَ لَهُ : فَضَحَكَ الصُّبحُ ، فَسَمِعَها حُجرُ بنُ عَدِيٍّ ، فَقالَ : قَتَلتَهُ يا أعوَرُ قَتَلَكَ اللّهُ . وخَرَجَ عَلِيٌّ رضى الله عنه يُنادي : أيُّهَا النّاسُ ، الصَّلاةُ . فَشَدَّ عَلَيهِ ابنُ مُلجَمٍ وأصحابُهُ وهُم يَقولونَ : الحُكُم للّهِِ ، لا لَكَ ، وضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ عَلى رَأسِهِ بِالسَّيفِ في قَرنِهِ ، وأمّا شَبيبٌ فَوَقَعَت ضَربَتُهُ بِعِضادَةِ البابِ ، وأمّا مُجاشِعُ بنُ وَردانَ فَهَرَبَ ، وقالَ عَلِيٌّ : لا يَفوتَنَّكُمُ الرَّجُلُ . وشَدَّ النّاسُ عَلَى ابنِ مُلجَمٍ يَرمونَهُ بِالحَصباءِ ، ويَتَناوَلونَهُ ويَصيحونَ ، فَضَرَبَ ساقَهُ رَجُلٌ مِن هَمدانَ بِرِجلِهِ ، وضَرَبَ المُغيرَةُ بنُ نَوفَلِ بنِ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِب
.
ص: 266
وَجهَهُ فَصَرَعَهُ ، وأقبَلَ بِهِ إلَى الحَسَنِ (1) .
تاريخ اليعقوبي :وضَرَبَهُ [ابنُ مُلجَمٍ] عَلى رَأسِهِ ، فَسَقَطَ وصاحَ : خُذوهُ ، فَابتَدَرَهُ النّاسُ ، فَجَعَلَ لا يَقرَبُ مِنهُ أحَدٌ إلّا نَفَحَهُ بِسَيفِهِ ، فَبادَرَ إلَيهِ قُثَمُ بنُ العَبّاسِ ، فَاحتَمَلَهُ وضَرَبَ بِهِ الأَرضَ ، فَصاحَ : يا عَلِيُّ ، نَحِّ عَنّي كَلبَكَ ، وأتى بِهِ إلى عَلِيٍّ ، فَقالَ : اِبنُ مُلجَمٍ ؟ قالَ : نَعَم . فَقالَ : يا حَسَنُ شَأنَكَ بِخَصمِكَ ، فَأَشبِع بَطنَهُ ، وَاشدُد وَثاقَهُ ، فَإِن مُتُّ فَأَلحِقهُ بي اُخاصِمُهُ عِندَ رَبّي ، وإن عِشتُ فَعَفوٌ أو قِصاصٌ (2) .
بحار الأنوار عن لوط بن يحيى عن أشياخه :فَلَمّا أحَسَّ الإِمامُ بِالضرَّبِ لَم يَتَأَوَّه وصَبَرَ وَاحتَسَبَ ، ووَقَعَ عَلى وَجهِهِ ولَيسَ عِندَهُ أحَدٌ قائِلاً : بِسمِ اللّهِ وبِاللّهِ وعَلى مِلَّةِ رَسولِ اللّهِ ، ثُمَّ صاحَ وقالَ : قَتَلَنِي ابنُ مُلجَمٍ قَتَلَنِي اللَّعينُ ابنُ اليَهودِيَّةِ ورَبِّ الكَعبَةِ ، أيُّهَا النّاسُ لا يَفوتَنَّكُمُ ابنُ مُلجَمٍ . . . . فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ الضَّجَّةَ ثارَ إلَيهِ كُلُّ مَن كانَ فِي المَسجِدِ ، وصاروا يَدورونَ ولا يَدرونَ أينَ يَذهَبونَ مِن شِدَّةِ الصَّدمَةِ وَالدِّهشَةِ، ثُمَّ أحاطوا بِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وهُوَ يَشُدَّ رَأسَهُ بِمِئزَرِهِ ، وَالدَّمُ يَجري عَلى وَجهِهِ ولِحيَتِهِ ، وقَد خُضِبَت بِدِمائِهِ وهُوَ يَقولُ : هذا ما وَعَدَ اللّهُ ورَسولُهُ وصَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ . . . . فَدَخَلَ النّاسُ الجامِعَ فَوَجَدُوا الحَسَنَ ورَأسَ أبيهِ في حِجرِهِ ، وقَد غَسَلَ الدَّمَ عَنهُ وشَدَّ الضَّربَةَ وهِيَ بَعدَها تَشخَبُ دَماً ، ووَجهُهُ قَد زادَ بَياضاً بِصُفرَةٍ ، وهُوَ يَرمُقُ السَّماءَ بِطَرفِهِ ولِسانِهِ يُسَبِّحُ اللّهَ ويُوَحِّدُهُ ، وهُوَ يَقولُ : أسأَلُكَ يا رَبِّ الرَّفيعَ الأَعلى فَأَخَذَ الحَسَنُ عليه السلام رَأسَهُ في حِجرِهِ فَوَجَدَهُ مَغشِيّاً عَلَيهِ ، فَعِندَها بَكى بُكاءً شَديدا
.
ص: 267
وجَعَلَ يُقَبِّلُ وَجهَ أبيهِ وما بَين عَينَيهِ ومَوضِعَ سُجودِهِ ، فَسَقَطَ مِن دُموعِهِ قَطَراتٌ عَلى وَجهِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَفَتَحَ عَينَيهِ فَرَآهُ باكِياً ، فَقالَ لَهُ : يا بُنَيَّ ياحَسَنُ ما هذَا البُكاءُ ؟ يا بُنَيَّ لارَوعُ عَلى أبيكَ بَعدَ اليَومِ ، هذا جَدُّكَ مُحَمَّدٌ المُصطَفى وخَديجَةُ وفاطِمَةُ وَالحورُ العينُ مُحدِقونَ مُنتَظِرونَ قُدومَ أبيكَ ، فَطِب نَفساً وقَرَّ عَيناً ، وَاكفُف عَنِ البُكاءِ فَإِنَّ المَلائِكَةَ قَدِ ارتَفَعَت أصواتَهُم إلَى السَّماءِ ، يا بُنَيَّ أ تَجزَعُ عَلى أبيكَ وغَداً تُقتَلُ بَعدي مَسموماً مَظلوماً ؟ ويُقتَلُ أخوكَ بِالسَّيفِ هكَذا ، وتَلحَقانِ بِجَدِّكُما وأبيكُما واُمِّكُما (1) .
تاريخ الطبري عن محمّد ابن الحنفيّة :كُنتُ وَاللّهِ إنّي لَاُصَلّي تِلكَ اللَّيلَةَ الَّتي ضُرِبَ فيها عَلِيٌّ فِي المَسجِدِ الأَعظَمِ ، في رِجالٍ كَثيرٍ مِن أهلِ المِصرِ ، يُصَلّونَ قَريبا مِنَ السُّدَّةِ ، ما هُم إلّا قِيامٌ ورُكوعٌ وسُجودٌ ، وما يَسأَمونَ مِن أوَّلِ اللَّيلِ إلى آخِرِهِ ، إذ خَرَجَ عَلِيٌّ لِصَلاةِ الغَداةِ ، فَجَعَلَ يُنادي : أيُّهَا النّاسُ ، الصَّلاةُ ، الصَّلاةُ ، فَما أدري أخرَجَ مِنَ السُّدَّةِ فَتَكَلَّمَ بِهذِهِ الكَلِماتِ أم لا ! فَنَظَرتُ إلى بَريقٍ ، وسَمِعتُ : الحُكمُ للّهِِ يا عَلِيُّ لا لَكَ ولا لِأَصحابِكَ ، فَرَأَيتُ سَيفا ، ثُمَّ رَأَيتُ ثانِيا ، ثُمَّ سَمِعتُ عَلِيّا يَقولُ : لا يَفوتَنَّكُمُ الرَّجُلُ . وشَدَّ النّاسُ عَلَيهِ مِن كُلِّ جانِبٍ . قالَ : فَلَم أبرَح حَتّى اُخِذَ ابنُ مُلجَمٍ واُدخِلَ عَلى عَلِيٍّ ، فَدَخَلتُ فيمَن دَخَلَ مِنَ النّاسِ ، فَسَمِعتُ عَلِيّا يَقولُ : النَّفسُ بِالنَّفسِ ، إن أنَا مُتُّ فَاقتُلوهُ كَما قَتَلَني ، وإن بَقيتُ رَأَيتُ فيهِ رَأيي (2) .
.
ص: 268
فضائل الصحابة عن الليث بن سعد :إنَّ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ مُلجَمٍ ضَرَبَ عَلِيّا في صَلاةِ الصُّبحِ عَلى دَهسٍ (1) بِسَيفٍ كانَ سَمَّهُ بِالسَّمِّ (2) .
عمدة الطالب :خَرَجَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] فَلَمّا دَخَلَ المَسجِدَ أقبَلَ يُنادي : الصَّلاةُ الصَّلاةُ ، فَشَدَّ عَلَيهِ ابنُ مُلجَمٍ _ لَعنَةُ اللّهِ عَلَيهِ _ فَضَرَبَهُ عَلى رَأسِهِ بِالسَّيفِ ، فَوَقَعَت ضَربَتُهُ في مَوضِعِ الضَّربَةِ الَّتي ضَرَبَهُ إيّاها عَمرُو بنُ عَبدِ وَدٍّ يَومَ الخَندَقِ (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :لَمّا ضَرَبَ ابنُ مُلجَمٍ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ ابنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وكانَ مَعَهُ آخَرُ فَوَقَعَت ضَربَتُهُ عَلَى الحائِطِ ، وأمَّا ابنُ مُلجَمٍ فَضَرَبَهُ فَوَقَعَتِ الضَّربَةُ وهُوَ ساجِدٌ عَلى رَأسِهِ عَلَى الضَّربَةِ الَّتي كانَت ، فَخَرَجَ الحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهماالسلاموأخَذَا ابنَ مُلجَمٍ وأوثَقاهُ ، وَاحتُمِلَ أميرُ المُؤمِنينَ فاُدخِلَ دارَهُ ، فَقَعَدَت لُبابَةُ عِندَ رَأسِهِ وجَلَسَت اُمُّ كُلثومٍ عِندَ رِجلَيهِ ، فَفَتَحَ عَينَيهِ فَنَظَرَ إلَيهِما فَقالَ : الرَّفيقُ الأَعلى خَيرٌ مُستَقَرّا وأحسَنُ مُقيلاً ، ضَربَةٌ بِضَربَةٍ أوِ العَفوُ إن كانَ ذلِكَ ، ثُمَّ عَرِقَ ، ثُمَّ أفاقَ فَقالَ : رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَأمُرُني بِالرَّواحِ إلَيهِ عِشاءً ثَلاثَ مَرّاتٍ (4) .
مقتل أمير المؤمنين عن عمران بن ميثم عن أبيه :إنَّ عَلِيّا خَرَجَ إلى صَلاةِ الصُّبحِ فَكَبَّرَ فِي الصَّلاةِ ثُمَّ قَرَأَ مِن سورَةِ الأَنبِياءِ إحدى عَشَرَةَ آيَةً ، ثُمَّ ضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ مِنَ الصَّفِّ عَلى قَرنِهِ (5) .
.
ص: 269
مقتل أمير المؤمنين عن عمر بن عبد الرحمن بن نفيع بن جعدة بن هبيرة :إنَّهُ لَمّا ضَرَبَ ابنُ مُلجَمٍ عَلِيّا عليه السلام وهُوَ فِي الصَّلاةِ تَأَخَّرَ فَدَفَعَ في ظَهرِ جَعدَةَ بنِ هُبَيرَةَ فَصَلّى بِالنّاسِ (1) .
بحار الأنوار عن لوط بن يحيى عن أشياخه عن محمّد ابن الحنفيّة :إنَّ أبي عليه السلام قالَ : اِحمِلوني إلى مَوضِعِ مُصَلّايَ في مَنزِلي . قالَ : فَحَمَلناهُ إلَيهِ وهُوَ مُدنِفٌ وَالنّاسُ حَولُهُ ، وهُم في أمرٍ عَظيمٍ باكينَ مَحزونينَ ، قَد أشرَفوا عَلَى الهَلاكِ مِن شِدَّةِ البُكاءِ وَالنَّحيبِ (2) .
4 / 3فُزتُ وَرَبِّ الكَعبَةِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا ضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ _: فُزتُ ورَبِّ الكَعبَةِ (3) .
المن_اقب لابن شهر آش_وب ع_ن محمّد ب_ن عب_د اللّه الأزدي :أقبَلَ أميرُ المُؤمِنينَ يُنادي : الصَّلاةُ ، الصَّلاةُ ، فَإِذا هُوَ مَضروبٌ ، وسَمِعتُ قائِلاً يَقولُ : الحُكمُ للّهِِ يا عَلِيُّ لا لَكَ ولا لِأَصحابِكَ ، وسَمِعتُ عَلِيّا يَقولُ : فُزتُ وَرَبِّ الكَعبَةِ ، ثُمَّ يَقولُ : لا يَفوتَنَّكُمُ الرَّجُلُ (4) .
الإمامة والسياسة عن المدائني :لَمّا كانَ اليَومُ الَّذي تَواعَدوا فيهِ خَرَجَ عَدُوُّ اللّهِ ، فَقَعَدَ لِعَلِيٍّ حينَ خَرَجَ عَلِيٌّ لِصَلاةِ الصُّبحِ ، صَبيحَةَ نَهارِ الجُمُعَةِ ، لَيلَةَ عَشرٍ بَقِيَت مِن رَمَضانَ سَنَةَ أربَعينَ ، فَلَمّا خَرَجَ لِلصَّلاةِ وَثَبَ عَلَيهِ وقالَ : الحُكمُ للّهِِ لا لَكَ يا عَلِيُّ ، وضَرَبَهُ عَلى قَرنِهِ بِالسَّيفِ . فَقالَ عَلِيٌّ : فُزتُ ورَبِّ الكَعبَةِ . ثُمَّ قالَ : لا يَفوتَنَّكُمُ الرَّجُلُ . فَشَدَّ النّاسُ عَلَيهِ ، فَأَخَذوهُ (5) .
.
ص: 270
بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتليُستفاد من النصوص التاريخيّة والحديثيّة التي مرّ قسم منها بأنّ الإمام عليّا عليه السلام كان من غير شكّ على علم بشهادته ، وكان يعلم بوقتها وأنّه كان يعرف قاتله أيضاً ، وحتى إنّ بعض خواصّه كانوا على اطّلاع بهذا الأمر (1) . ومن هنا فلا بدّ من التساؤل عن السبب الذي جعل الإمام يعرّض نفسه للقتل . ألم يكن مكلّفاً بوقاية نفسه من القتل لكي تنتفع الاُمّة الإسلاميّة من بركات وجوده أكثر فأكثر؟ ألا يُعتبر ذهابه إلى المسجد في الليلة التي يعلم بأنّه سيُقتل فيها ، إلقاءً للنفس في التهلكة؟ وهذا التساؤل يثار أيضاً حول سائر الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ، وهو أنّهم إذا كانوا على علم بشهادتهم ، لماذا لم يتوقّوها؟
مبادئ علم الإمام :قبل الإجابة عن التساؤلات أعلاه ، ينبغي الإجابة عن سؤال آخر ، وهو من أين يعلم الأئمّة الكيفيّة التي سيقتلون فيها؟ قدّمنا إجابة تفصيليّة عن هذا السؤال في كتاب «أهل البيت في الكتاب والسنّة»
.
ص: 271
تحت عنوان «مبادئ علومهم» . أمّا الجواب الإجمالي عن هذا السؤال فهو أنّ مبادئ العلوم المتنوّعة الواسعة عند أهل البيت هي عبارة عن : تعاليم الرسول صلى الله عليه و آله التي انتقلت عن طريق الإمام علي عليه السلام إلى سائر الأئمّة عليهم السلام ، وكتب الأنبياء السابقين ، وكتاب الإمام عليّ عليه السلام ، ومصحف فاطمة عليهاالسلام ، وكتاب الجفر ، وكتاب الجامعة ، والإلهام (1) . واستناداً إلى النصوص التي أوردناها في الفصل الرابع من ذلك القسم ، فإنّ أئمّة أهل البيت كانوا يكسبون معرفة ما يريدون معرفته بواسطة الطرق التي سبقت الإشارة اليها .
إجابات عن سبب تعريض الإمام نفسه للقتل :عرضت إجابات مختلفة حول عدم توقّي الأئمّة لشهادتهم مع علمهم بوقوعها ، ويتلخّص أهم تلك الأسباب فيما يلي :
1 _ عدم العلم التفصيليمع أنّ الأئمة كانوا على معرفة إجماليّة بالكيفيّة التي سيُقتلون بها ، إلّا أنّهم لم يكن لديهم علم تفصيلي بالموضوع ، حتى وإن كان سبب عدم العلم يعود إلى عدم إرادتهم لمعرفته . بيد أنّ هذا الجواب يتنافى مع ظاهر الروايات الدالّة على أنّ الأئمّة كان لديهم علم تفصيلي بوقائع شهاداتهم ، أو يمكن القول على الأقلّ بأنّ هذا التوجيه غير مقبول فيما يخصّ شهادة الإمام عليّ عليه السلام ولا سيما في ضوء وجود كلّ هذه النصوص التاريخيّة والحديثيّة التي اطّلعنا على بعضٍ منها . ومن المثير للعجب أن يقول الشيخ
.
ص: 272
المفيد : «فأمّا علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل» .
2 _ عدم العلم أثناء وقوع التقدير الإلهيويفيد هذا المعنى أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا على علم تفصيلي بخبر شهادتهم ، ولكن هذا العلم يُسلَب منهم وقت استشهادهم وفقاً للتقدير الإلهي القطعي . جاءت رواية عن الإمام الرضا عليه السلام يمكن أن تؤيّد في أحد احتمالاتها صحّة هذا الجواب ، قال الحسن بن الجهم : قُلتُ للإمام الرضا عليه السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله والليلة التي يُقتل فيها والموضع الذي يُقتل فيه ، وقوله لمّا سمع صياح الإوزّ في الدار : صوائح تتبعها نوائح ، وقول اُمّ كلثوم : لو صلّيت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلّي بالناس ! فأبى عليها ، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح ، وقد عرف عليه السلام أنّ ابن ملجم لعنه اللّه قاتله بالسيف ، كان هذا ممّا لم يجز تعرّضه! فقال : «ذلِكَ كانَ ، ولكِنَّهُ خُيِّرَ في تِلكَ اللَّيلَةِ لِتَمضِيَ مَقاديرُ اللّهِ عَزَّوجَلَّ» (1) . لقد جاء في بعض نسخ المصدر كلمة «حيّر» بدل «خيّر» ، وعلى هذا فإنّ قول الإمام يدلّ بكل وضوح بأنّه طرأت عليه في تلك اللحظة حالة لم يبقَ معها عليه تكليف بدفع القتل عن نفسه ، لكي يجري التقدير الإلهي .
3 _ الإمام مكلّف باختيار الشهادةلاشكّ في أنّ تقدير الشهادة للإمام يأتي على أساس الحكمة الإلهيّة البالغة ، ولها مصالح ملزمة يجب أن تتحقّق . ولهذا السبب يتعيّن على الإمام أن لا يتوقّى منها ، وليس هذا فحسب ، بل ويجب عليه اختيار الشهادة رغم علمه الدقيق بكيفيّة
.
ص: 273
استشهاده . وذلك لأنّ اختيار الشهادة مع العلم بوقتها وكيفيّتها يُعدُّ فضيلة لا يحتملها إلّا القادة الربانيّون الكبار وخواصّ أصحابهم . ومع أنّني لم اُلاحظ أحدا تعرض لهذا الجواب ، ولكن يبدو أنّه أفضل ما يُمكن أن يُعلّل به عدم وقاية أئمّة أهل البيت أنفسهم من الشهادة ، مع علمهم بكيفيّتها ، وهو ممّا تؤيّده الأدلّة العقليّة والنقليّة (1) . ولغرض تقديم مزيد من المعلومات للباحثين ، نورد فيما يلي نصَّ جواب الشيخ المفيد ، والعلّامة الطباطبائي :
جواب الشيخ المفيدنقل العلّامة المجلسي أنّ الشيخ المفيد سُئل في المسائل العكبريّة : الإمام عندنا مجمع على أنّه يعلم ما يكون ، فما بال أمير المؤمنين عليه السلام خرج إلى المسجد وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان ؟ وما بال الحسين بن علي عليهماالسلام سار إلى الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنه مقتول في سفرته تلك ؟ ولِمَ لمّا حُصروا وعرف أنّ الماء قد مُنع منه وأنّه إن حفر أذرعا قريبة نبع الماء ، ولم يحفر وأعان على نفسه حتى تلف عطشا؟ والحسن عليه السلام وادع معاوية وهادنه وهو يعلم أنّه ينكث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه عليه السلام . فأجاب الشيخ رحمه اللّه عنها بقوله : وأما الجواب عن قوله : «إنّ الإمام يعلم ما يكون» فإجماعنا أنّ الأمر على خلاف ما قال ، وما أجمعت الشيعة على هذا القول . وإنّما إجماعهم ثابت على أنّ الإمام يعلم الحكم في كلّ ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون على التفصيل والتمييز . وهذا يسقط الأصل الذي بَنى عليه الأسئلة بأجمعها . ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ويكون بإعلام اللّه تعالى له ذلك . فأمّا القول بأنه يعلم
.
ص: 274
كلّ ما يكون فلسنا نطلقه ولا نصوّب قائله لدعواه فيه من غير حجّة ولا بيان . والقول بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم قاتله والوقت الذي يُقتل فيه فقد جاء الخبر متظاهرا أنّه كان يعلم في الجملة أنّه مقتول ، وجاء أيضا بأنّه يعلم قاتله على التفصيل . فأما علمه بوقت قتله فلم يأتِ عليه أثر على التحصيل . ولو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون ، إذ كان لا يمتنع أن يتعبّده اللّه تعالى بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل ، ليبلغه بذلك علوّ الدرجات ما لا يبلغه إلّا به . ولعلمه بأنّه يطيعه فيذلك طاعة لو كلّفها سواه لم يردها . ولا يكون بذلك أميرالمؤمنين عليه السلام ملقياً بيده إلى التهلكة ، ولا معيناً على نفسه معونة تستقبح في العقول . وأما علم الحسين عليه السلام بأنّ أهل الكوفة خاذلوه ، فلسنا نقطع على ذلك ، إذ لا حجّة عليه من عقل ولا سمع ، ولو كان عالماً بذلك لكان الجواب عنه ما قدّمناه في الجواب عن علم أمير المؤمنين عليه السلام بوقت قتله ومعرفة قاتله كما ذكرناه . وأما دعواه علينا أنّا نقول : إنّ الحسين عليه السلام كان عالماً بموضع الماء قادراً عليه ، فلسنا نقول ذلك ، ولا جاء به خبر ، على أنّ طلب الماء والاجتهاد فيه يقضي بخلاف ذلك ، ولو ثبت أنّه كان عالماً بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون متعبداً بترك السعي في طلب الماء من حيث كان ممنوعاً منه حسب ما ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام ، غير أنّ ظاهر الحال بخلاف ذلك على ما قدّمناه . والكلام في علم الحسن عليه السلام بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ماتقدّم ، وقد جاء الخبر بعلمه بذلك ، وكان شاهد الحال له يقضي به ، غير أنّه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم أصحابه له إلى معاوية ، وكان في ذلك لطف في بقائه إلى حال مضيّه ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولده ، ودفع فساد في الدين هو أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته ، وكان عليه السلام أعلم بما صنع لما ذكرناه وبيّنا الوجوه فيه . انتهى كلامه .
.
ص: 275
أقول : وسأل السيّد مهنّا بن سنان العلّامة الحلّي عن مثل ذلك في أمير المؤمنين عليه السلام فأجاب بأنّه يحتمل أن يكون عليه السلام اُخبر بوقوع القتل في تلك الليلة ، ولم يعلم في أي وقت من تلك الليلة أو أي مكان يقتل ، وأنّ تكليفه عليه السلام مغاير لتكليفنا ، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات اللّه تعالى ، كما يجب على المجاهد الثبات ، وإن كان ثباته يفضي إلى القتل (1) .
جواب العلّامة الطباطبائي :قال العلّامة الطباطبائي في هذا المجال : الإمام عليه السلام واقف بإذن اللّه على حقائق عالم الوجود كيفما كانت ؛ سواء كانت محسوسة أم خارج دائرة الحسّ كالموجودات السماويّة والحوادث الماضية ووقائع المستقبل . والدليل على هذا القول هو : جاء في الروايات المتواترة المنقولة في الجوامع الحديثيّة الشيعيّة ككتاب الكافي ، والبصائر ، وكتب الصدوق ، وكتاب بحار الأنوار وغيرها مما لايحصى ولا يُعدّ من الروايات بأنَّ الإمام عليه السلام واقف بكلّ شيء لا عن طريق العلم الاكتسابي وإنّما بطريق الموهبة الإلهيّة ، وبإمكانه أن يعلم كلّ شيء بإذن اللّه من خلال أدنى توجّه . النكتة التي ينبغي الالتفات إليها في هذا المجال هي أنّ هذا العلم اللدني الذي تثبته الأدلة العقليّة والنقليّة ، لا تخلّف فيه ولا تغيير ، ولا خطأ ، ويُسمّى بعلم ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ ، والعلم بما له صلة بالقضايا الإلهيّة الحتميّة . وهذا المطلب يستلزم عدم وجود أيّ تكليف بمتعلّق هذا العلم من حيث كونه حتمي الوقوع ولا يرتبط به قصد وطلب من الإنسان ؛ وذلك أنّ التكليف يأتي عادة
.
ص: 276
عن طريق الإمكان بالفعل ، وعن طريق كون الفعل والترك كلاهما بيد المكلّف يختار منهما ما يشاء . وأمّا ما كان ضروري الوقوع ومتعلّقاً بالقضاء الحتمي ، فمن المحال أن يكون موضع تكليف . فمن الممكن مثلاً أن يأمر اللّه العبد بفعل أو ترك ما بيده فعله أو تركه . ولكن من المحال أن يأمره بفعل أو ترك ما قضت به الإرادة الإلهيّة ولا مجال فيه للأخذ والردّ ؛ لأنّ مثل هذا الأمر والنهي عبث ولغو . وكذلك يتسنّى للإنسان أن يعقد العزم على تحقيق عمل يحتمل فيه الإمكان وعدم الإمكان ويجعله نصب عينيه ويسعى من أجل تحقيقه ، ولكنه لا يستطيع إطلاقاً أن يقصد تحقيق أمر يقيني لايخضع للتغيير والتخلّف ؛ لأنّ إرادة أو عدم إرادة الإنسان ، وقصده وعدم قصده لا تأثير له في أمر واقع لا محالة ، من جهة كونه واقعاً . فتأمّل . يتّضح من خلال هذا البيان : 1 _ إنّ هذا العلم اللدنّي لدى الإمام عليه السلام لا تأثير له في أعماله ولا صلة له بتكاليفه الخاصّة . وكلّ أمر مفروض من جهة تعلّقه بقضاء اللّه الحتمي الوقوع ، لا يكون موضوعاً لأمر الإنسان أو نهيه أو قصده أو إرادته . أجل إنّ متعلق القضاء الحتمي والمشيئة الإلهيّة القاطعة للحقّ تعالى هو الرضا بالقضاء كما قال سيّد الشهداء عليه السلام في اللحظات الأخيرة من حياته حينما كان يتمرّغ في الدم والتراب : «رِضاً بِقَضائِكَ وتَسليماً لِأَمرِكَ لامَعبودَ سِواكَ» . وكذلك فيما جاء في خطبته عند خروجه من مكّة : «رِضَا اللّهِ رِضانا أهلَ البَيتِ» . 2 _ حتميّة فعل الإنسان من حيث تعلّقه بالقضاء الإلهي لاتتنافى مع صفته الاختيارية من حيث النشاط الاختياري للإنسان ؛ لأنّ القضاء الإلهي يتعلّق بكيفياته
.
ص: 277
لابمطلقه ؛ كأن يشاء اللّه أن يؤدي الإنسان كذا عمل اختياري بإرادته ، ففي مثل هذه الحالة يكون التحقق الخارجي لهذا الفعل حتميّاً لامفرّ منه من حيث تعلّقه بالإرادة الإلهيّة ، وهو في الوقت ذاته اختياري ويتصف بصفة الإمكان بالنسبة للإنسان ، فتأمّل . 3 _ لاينبغي أخذ ظواهر أعمال الإمام عليه السلام الخاضعة للتطابق مع العلل والأسباب الظاهريّة كدليل على عدم امتلاكه لهذا العلم اللدنّي ، وشاهداً على الجهل بالواقع ، كأن يقال : إذا كان لدى الإمام الحسين عليه السلام علم بالواقع لماذا أرسل مسلم بن عقيل نيابة عنه إلى الكوفة؟ ولماذا بعث كتاباً إلى أهل الكوفة بيد الصيداوي؟ ولماذا خرج من مكّة إلى الكوفة؟ ولماذا ألقى بنفسه إلى التهلكة والباري تعالى يقول : «وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» (1)(2) .
.
ص: 278
. .
ص: 279
الفصل الخامس: من الاغتيال إلى الاستشهاد5 / 1أمرُ الإِمامِ بِالإِحسانِ إلى قاتِلِهِ5 / 1 _ 1أَطيبوا طَعامَهُ وألينوا فِراشَهُأنساب الأشراف_ في ذِكرِ ما جَرى بَعدَ اغتِيالِ الإِمامِ عليه السلام _: أمَّا ابنُ مُلجَمٍ فَاُخِذَ واُدخِلَ عَلى عَلِيٍّ ، فَقالَ : أطيبوا طَعامَهُ وألينوا فِراشَهُ ، فَإِن أعِش فَأَنَا وَلِيُّ دَمي ؛ فَإِمّا عَفَوتُ وإمَّا اقتَصَصتُ ، وإن أمُت فَأَلحِقوهُ بي «وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (1) . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيَّ بن أبي طالِبٍ عليه السلام خَرَجَ يُوقِظُ النّاسَ لِصَلاةِ الصُّبحِ ، فَضَرَبَهُ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُلجَمٍ بِالسَّيفِ عَلى اُمِّ رَأسِهِ ، فَوَقَعَ عَلى رُكبَتَيهِ وأخَذَهُ فَالتَزَمَهُ حَتّى أخَذَهُ النّاسُ وحُمِلَ عَلِيٌّ حَتّى أفاقَ ، ثُمَّ قالَ لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام : اِحبِسوا هذَا الأَسيرَ وأطعِموهُ وَاسقوهُ وأحسِنوا إسارَهُ ، فَإِن عِشتُ فَأَنَا أولى بِما صَنَعَ بي ؛
.
ص: 280
إن شِئتُ استَقَدتُ وإن شِئتُ عَفَوتُ وإن شِئتُ صالَحتُ ، وإن مُتُّ فَذلِكَ إلَيكُم ، فَإِن بَدا لَكُم أن تَقتُلوهُ فَلا تُمَثِّلوا بِهِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا اُتِيَ بِابنِ مُلجَمٍ أسيرا عِندَهُ _: إنَّهُ أسيرٌ ؛ فَأَحسِنوا نُزُلَهُ ، وأكرِموا مَثواهُ ؛ فَإِن بَقيتُ قَتَلتُ أو عَفَوتُ ، وإن مُتُّ فَاقتُلوهُ قَتلَتي «وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (2) . (3)
مقتل أمير المؤمنين عن عامر الشعبي :لَمّا ضُرِبَ عَلِيٌّ تِلكَ الضَّربَةَ قالَ : ما فَعَلَ ضارِبي ؟ قالوا : قَد أخَذناهُ . قالَ : أطعِموهُ مِن طَعامي ، وَاسقوهُ مِن شَرابي ؛ فَإِن أنَا عِشتُ رَأَيتُ فيهِ رَأيي ، وإن أنَا مُتُّ فَاضرِبوهُ ضَربَةً لا تَزيدوهُ عَلَيها (4) .
المستدرك على الصحيحين عن الشعبي :لَمّا ضَرَبَ ابنُ مُلجَمٍ عَليّا تِلكَ الضَّربَةَ أوصى_'feبِهِ عَلِيٌّ فَقالَ : قَد ضَرَبَني فَأَحسِنوا إلَيهِ وألينوا لَهُ فِراشَهُ ؛ فَإِن أعِش فَهَضمٌ (5) أو قِصاصٌ ، وأن أمُت فَعالِجوهُ ؛ فَإِنّي مُخاصِمُهُ عِندَ رَبّي عَزَّ وجَلَّ (6) .
.
ص: 281
الفتوح :كانَ عَلِيٌّ رضى الله عنه يَفتَقِدُهُ ويَقولُ لِمَن في مَنزِلِهِ : أرسَلتُم إلى أسيرِكُم طَعاما ؟ (1) .
بحار الأنوار عن لوط بن يحيى عن أشياخه :اُغمِيَ عَلَيهِ ساعَةً طَويلَةً وأفاقَ _ وكَذلِكَ كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُغمى عَلَيهِ ساعَةً طَويلَةً ويُفيقُ اُخرى ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه و آله كانَ مَسموما _ فَلَمّا أفاقَ ناولَهُ الحَسَنُ عليه السلام قَعباً (2) مِن لَبَنٍ ، فَشَرِبَ مِنهُ قَليلاً ثُمَّ نَحّاهُ عَن فيهِ وقالَ : اِحمِلوهُ إلى أسيرِكُم ، ثُمَّ قالَ لِلحَسَنِ عليه السلام : بِحَقّي عَلَيكَ يا بُنَيَّ إلّا ما طَيَّبتُم مَطعَمَهُ ومَشرَبَهُ ، وَارفُقوا بِهِ إلى حينِ مَوتي ، وتُطعِمُهُ مِمّا تَأكُلُ وتَسقيهِ مِمّا تَشرَبُ حَتّى تَكونَ أكرَمَ مِنهُ ، فَعِندَ ذلِكَ حَمَلوا إلَيهِ اللَّبَنَ وأخبَروهُ بِما قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام في حَقَّهِ (3) .
5 / 1 _ 2إيّاكُم وَالمُثلَةَالإمام عليّ عليه السلام_ مِن وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام لَمّا ضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ _: يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، لا اُلفِيَنَّكُم تَخوضونَ دِماءَ المُسلِمينَ خَوضا ، تَقولونَ : قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ . ألا لا تَقتُلُنَّ بي إلّا قاتِلي . اُنظُروا إذا أنَا مُتُّ مِن ضَربَتِهِ هذِهِ فَاضرِبوهُ ضَربَةً بِضَربَةٍ ، ولا تُمَثِّلوا بِالرَّجُلِ ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إيّاكُم وَالمُثلَةَ ولَو بِالكَلبِ العَقورِ ! (4)
الرياض النضرة :لَمّا اُخِذَ [ابنُ مُلجَمٍ] قالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : اِحبسُوهُ ؛ فَإن مُتُّ فَاقتُلوهُ ، ولا
.
ص: 282
تُمَثَّلوا بِهِ ، وإن لَم أمُت فَالأَمرُ إلَيَّ فِي العَفوِ أوِ القِصاصِ (1) .
5 / 1 _ 3ألَم اُحسِن إلَيكَ ؟ !تاريخ الطبري عن إسماعيل بن راشد :قالَ عَلِيٌّ : عَلَيَّ بِالرَّجُلِ [ابنِ مُلجَمٍ] ، فَاُدخِلَ عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أي عَدُوَّ اللّهِ ، أ لَم اُحسِن إلَيكَ ؟ ! قالَ : بَلى ، قالَ : فَما حَمَلَكَ عَلى هذا ؟ قالَ : شَحَذتُهُ أربَعينَ صَباحا ، وسَألتُ اللّهَ أن يَقتُلَ بِهِ شَرَّ خَلقِهِ ، فَقالَ عليه السلام : لا أراكَ إلّا مَقتولاً بِهِ ، ولا أراكَ إلّا مِن شَرِّ خَلقِهِ (2) .
5 / 2خِطابُ اُمِّ كُلثومٍ لِابنِ مُلجَمٍتاريخ الطبري عن إسماعيل بن راشد :إنَّ النّاسَ دَخَلوا عَلَى الحَسَنِ فَزِعينَ لِما حَدَثَ مِن أمرِ عَلِيٍّ ، فَبَينَما هُم عِندَهُ وَابنُ مُلجَمٍ مَكتوفٌ بَينَ يَدَيهِ إذ نادَتهُ اُمُّ كلثُومٍ بِنتُ عَلِيٍّ وهِيَ تَبكي : أي عَدُوَّ اللّهِ ! لا بَأسَ عَلى أبي ، وَاللّهُ مُخزيكَ ، قالَ : فَعَلى مَن تَبكينَ ؟ وَاللّهِ لَقَدِ اشتَرَيتُهُ بِأَلفٍ ، وسَمَمتُهُ بِأَلفٍ ، ولَو كانَت هذِهِ الضَّربَةُ عَلى جَميعِ أهلِ المِصرِ ما بَقِيَ مِنهُم أحَدٌ 3 .
.
ص: 283
5 / 3زِيارَةُ الطَّبيبِمقاتل الطالبيّين عن عمر بن تميم وعمرو بن أبي بكار :إنَّ عَلِيّا لَمّا ضُرِبَ جُمِعَ لَهُ أطِبّاءُ الكوفَةِ ؛ فَلَم يَكُن مِنهُم أحَدٌ أعلَمُ بِجَرحِهِ مِن أثيرِ بنِ عَمرِو بنِ هانِئِ السَّكونِيِّ ، وكانَ مُتَطَبِّبا صاحِبَ كُرسِيٍّ يُعالِجُ الجِراحاتِ ، وكانَ مِنَ الأَربَعينَ غُلاما الَّذينَ كانَ خالِدُ بنُ الوَليدِ أصابَهُم في عينِ التَّمرِ فَسَباهُم ، وإنَّ أثيرا لَمّا نَظَرَ إلى جَرحِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام دَعا بِرِئَةِ شاةٍ حارَّةٍ وَاستَخرَجَ عِرقا مِنها ، فَأَدخَلَهُ فِي الجَرحِ ثُمَّ استَخرَجَهُ فَإِذا عَلَيهِ بَياضُ الدِّماغِ ، فَقالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اِعهَد عَهدَكَ ؛ فَإِنَّ عَدُوَّ اللّهِ قَد وَصَلَت ضَربَتُهُ إلى اُمِّ رَأسِكَ (1) .
5 / 4وَصايَا الإِمامِتاريخ دمشق عن عقبة بن أبي الصهباء :لَمّا ضَرَبَ ابنُ مُلجِمٍ عَلِيّا دَخَلَ عَلَيهِ الحَسَنُ وهُوَ باكٍ ، فَقالَ لَهُ : ما يُبكيكَ يا بُنَيَّ ؟ قالَ : وما لِيَ لا أبكي وأنتَ في أوَّلِ يَومٍ مِنَ الآخِرَةِ ، وآخِرِ يَومٍ مِنَ الدُّنيا ؟ فَقالَ : يا بُنَيَّ احفَظ أربَعا وأربَعا لا يَضُرُّكَ ما عَمِلتَ مَعَهُنَّ ، قالَ : وما هُنَّ يا أبَةِ ؟ قالَ : إنَّ أغنَى الغِنَى العَقلُ ، وأكبَرَ الفَقرِ الحُمقُ ، وأوحَشَ الوَحشَةِ العُجبُ ، وأكرَمَ الحَسَبِ الكَرَمُ وحُسنُ الخُلقِ . قالَ : قُلتُ : يا أبَةِ هذِهِ الأَربَعُ ، فَأَعطِنِي الأربَعَ الاُخَرَ ، قالَ : إيّاكَ ومُصادقَة
.
ص: 284
الأَحمَقِ ؛ فَإِنَّهُ يُريدُ أن يَنفَعَكَ فَيَضُرَّكَ ، وإيّاكَ ومُصادَقَةَ الكَذّابِ ؛ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إلَيكَ البَعيدَ ويُبَعِّدُ عَلَيكَ القَريبَ ، وإيّاكَ ومُصادَقَةَ البَخيلِ ؛ فَإِنَّهُ يَقعُدُ عَنكَ أحوَجَ ما يَكونُ إلَيهِ ، وإيّاكَ ومُصادَقَةَ الفاجِرِ ؛ فَإِنَّهُ يَبيعُكَ بِالتّافِهِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن وَصِيَّةٍ لَهُ لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلاملَمّا ضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ _: اُوصيكُما بِتَقوَى اللّهِ ، وألّا تَبغِيَا الدُّنيا وإن بَغتَكُما ، ولا تَأسَفا عَلى شَيءٍ مِنها زُوِيَ عَنكُما ، وقولا بِالحَقِّ ، وَاعمَلا لِلأَجرِ ، وكونا لِلظّالِمِ خَصما ، ولِلمَظلومِ عَونا . اُوصيكُما وجَميعَ وُلدي وأهلي ومَن بَلَغَهُ كِتابي بِتَقوَى اللّهِ ونَظمِ أمرِكُم وصَلاحِ ذاتِ بَينِكُم ؛ فَإِنّي سَمِعتُ جَدَّكُما صلى الله عليه و آله يَقولُ : صَلاحُ ذاتِ البَينِ أفضَلُ مِن عامَّةِ الصَّلاةِ وَالصِّيامِ . اللّهَ اللّهَ فِي الأَيتامِ ؛ فَلا تُغِبّوا (2) أفواهَهُم ، ولا يَضيعوا بِحَضرَتِكُم . وَاللّهَ اللّهَ في جيرانِكُم ؛ فَإِنَّهُم وَصِيَّةُ نَبِيِّكُم . ما زالَ يوصي بِهِم حَتّى ظَنَنّا أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُم . وَاللّهَ اللّهَ فِي القُرآنِ ، لا يَسبِقُكُم بِالعَمَلِ بِهِ غَيرُكُم . وَاللّهَ اللّهَ فِي الصَّلاةِ ؛ فَإِنَّها عَمودُ دينِكُم . وَاللّهَ اللّهَ في بَيتِ رَبِّكُم ، لا تُخَلّوهُ ما بَقيتُم ؛ فَإِنَّهُ إن تُرِكَ لَم تُناظَروا . وَاللّهَ اللّهَ فِي الجِهادِ بِأَموالِكُم وأنفُسِكُم وألسِنَتِكُم في سَبيلِ اللّهِ . وعَلَيكُم بِالتَّواصُلِ وَالتَّباذُلِ ، وإيّاكُم وَالتَّدابُرَ وَالتَّقاطُعَ .
.
ص: 285
لا تَترُكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ ، فَيُوَلّى عَلَيكُم شِرارُكُم ، ثُمَّ تَدعونَ فَلا يُستَجابُ لَكُم . ثُمَّ قالَ : يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، لا اُلفِيَنَّكُم تَخوضونَ دِماءَ المُسلِمينَ خَوضا ، تَقولونَ : قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ . ألا لا تَقتُلُنَّ بي إلّا قاتِلي . اُنظُروا إذا أنَا مُتُّ مِن ضَربَتِهِ هذِهِ ، فَاضرِبوهُ ضَربَةً بِضَربَةٍ ، ولا تُمَثِّلوا بِالرَّجُلِ ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إيّاكُم وَالمُثلَةَ ولَو بِالكَلبِ العَقورِ (1) .
الكافي عن عبد الرحمن بن الحجّاج :بَعَثَ إلَيَّ أبو الحَسَنِ موسى عليه السلام بِوَصِيَّةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وهِيَ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، هذا ما أوصى بِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، أوصى أنَّهُ يَشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، أرسَلَهُ بِالهُدى ودينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ ولَو كَرِهَ المُشرِكونَ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وآلِهِ . ثُمَّ إنَّ صَلاتي ونُسُكي ومَحيايَ ومَماتي للّهِِ رَبِّ العالَمينَ لا شَريكَ لَهُ ، وبِذلِكَ اُمِرتُ وأنَا مِنَ المُسلِمينَ . ثُمَّ إنّي اُوصيكَ يا حَسَنُ وجَميعَ أهلِ بَيتي ووُلدي ومَن بَلَغَهُ كِتابي بِتَقوَى اللّهِ رَبِّكُم ولا تَموتُنَّ إلّا وأنتُم مُسلِمونَ ، وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللّهِ جَميعا ولا تَفَرَّقوا ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «صَلاحُ ذاتِ البَينِ أفضَلُ مِن عامَّةِ الصَّلاةِ وَالصِّيامِ» وأنَّ المُبيرَةَ الحالِقَةَ لِلدّينِ فَسادُ ذاتِ البَينِ ، ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ ، اُنظُروا ذَوي أرحامِكُم فَصِلوهُم يُهَوِّنُ اللّهُ عَلَيكُمُ الحِسابَ . اللّهَ اللّهَ فِي الأَيتامِ ؛ فَلا تُغِبّوا أفواهَهُم ، ولا يَضيعوا بِحَضرَتِكُم ؛ فَقَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن عالَ يَتيما حَتّى يَستَغنِيَ أوجَبَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ بِذلِكَ الجَنَّةَ ،
.
ص: 286
كَما أوجَبَ لِاكِلِ مالِ اليَتيمِ النّارَ . اللّهَ اللّهَ فِي القُرآنِ ؛ فَلا يَسبِقُكُم إلَى العَمَلِ بِهِ أحَدٌ غَيرُكُم . اللّهَ اللّهَ في جيرانِكُم ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله أوصى بِهِم ، وما زالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يوصي بِهِم حَتّى ظَنَنّا أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُم . اللّهَ اللّهَ في بَيتِ رَبِّكُم ؛ فَلا يَخلو مِنكُم ما بَقيتُم ؛ فَإِنَّهُ إن تُرِكَ لَم تُناظَروا ، وأدنى ما يَرجِعُ بِهِ مَن أمَّهُ أن يُغفَرَ لَهُ ما سَلَفَ . اللّهَ اللّهَ فِي الصَّلاةِ ؛ فَإِنَّها خَيرُ العَمَلِ ، إنَّها عَمودُ دينِكُم . اللّهَ اللّهَ فِي الزَّكاةِ ؛ فَإِنَّها تُطفِئُ غَضَبَ رَبِّكُم . اللّهَ اللّهَ في شَهرِ رَمَضانَ ؛ فَإِنَّ صِيامَهُ جُنَّةٌ مِنَ النّارِ . اللّهَ اللّهَ فِي الفُقرَاءِ وَالمَساكينَ ؛ فَشارِكوهُم في مَعايِشِكُم . اللّهَ اللّهَ فِي الجِهادِ بِأموالِكُم وأنفُسِكُم وألسِنَتِكُم ؛ فَإِنَّما يُجاهِدُ رَجُلانِ : إمامٌ هُدى ، أو مُطيعٌ لَهُ مُقتَدٍ بِهُداهُ . اللّهَ اللّهَ في ذُرِّيَّةِ نَبِيِّكُم ؛ فَلا يُظلَمُنَّ بِحَضرَتِكُم وبَينَ ظَهرانيكُم وأنتُم تَقدِرونَ عَلَى الدَّفعِ عَنهُم . اللّهَ اللّهَ في أصحابِ نَبِيِّكُمُ الَّذينَ لَم يُحدِثوا حَدَثا ولَم يُؤووا مُحدِثا ؛ فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أوصى بِهِم ، ولَعنَ المُحدِثَ مِنهُم ومِن غَيرِهِم ، وَالمُؤوي لِلمُحدِثِ . اللّهَ اللّهَ فِي النِّساءِ وفيما مَلَكَت أيمانُكُم ؛ فَإِنَّ آخِرَ ماتَكَلَّمَ بِهِ نَبِيُّكُم عليه السلام أن قالَ : اُوصيكُم بِالضَّعيفَينِ : النِّساءِ ، وما مَلَكَت أيمانُكُم . الصَّلاةَ الصَّلاةَ الصَّلاةَ ، لا تَخافوا فِي اللّهِ لَومَةَ لائِمٍ ، يَكفِكُمُ اللّهُ مَن آذاكُم وبَغى عَلَيكُم ، قولوا لِلنّاسِ حُسنا كَما أمَرَكُمُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ ، ولا تَترُكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ فَيُوَلِّيَ اللّهُ أمرَكُم شِرارَكُم ثُمَّ تَدعونَ فَلا يُستَجابُ لَكُم عَلَيهِم ، وعَلَيكُم يا بَنِيَّ بِالتَّواصُلِ وَالتَّباذُلِ وَالتَّبارِّ ، وإيّاكُم وَالتَّقاطُعَ وَالتَّدابُرَ وَالتَّفَرُّقَ ،
.
ص: 287
«وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْاءِثْمِ وَالْعُدْوَ نِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (1) ، حَفِظَكُمُ اللّهُ مِن أهلِ بَيتٍ ، وحَفِظَ فيكُم نَبِيِّكُم ، أستَودَعُكُمُ اللّهَ وأقرَأُ عَلَيكُمُ السَّلامَ ورَحمَةَ اللّهِ وبَرَكاتِهِ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ حَقَّ قَدرِهِ مُتَّبِعينَ أمرَهُ ، وأحمَدُهُ كَما أحَبَّ ، ولا إلهَ إلَا اللّهُ الواحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ كَمَا انتَسَبَ . أيُّهَا النّاسُ ! كُلُّ امرِئٍ لاقٍ في فِرارِهِ ما مِنهُ يَفِرُّ ، والأَجَلُ مَساقُ النَّفسِ إلَيهِ ، والهَربُ مِنهُ مُوافاتُهُ ، كَمِ اطَّرَدَتِ الأَيّامُ أبحَثُها عَن مَكنونِ هذَا الأَمرِ ، فَأَبَى اللّهُ عَزَّ ذِكرُهُ إلّا إخفاءَهُ ، هَيهاتَ عِلمٌ مَكنونٌ . أمّا وَصِيَّتي فَأَن لا تُشرِكوا بِاللّهِ جَلَّ ثَناؤُهُ شَيئا ، ومُحَمَّدا صلى الله عليه و آله فَلا تُضَيِّعوا سُنَّتَهُ ، أقيموا هذَينِ العَمودَينِ ، وأوقِدوا هذَينِ المِصباحَينِ ، وخَلاكُم ذَمُّ (3) ما لَم تَشرُدوا ، حُمِّلَ كُلُّ امرِئٍ مَجهودَهُ ، وخُفِّف عَنِ الجَهَلَةِ ، رَبٌّ رَحيمٌ ، وإمامٌ عَليمٌ ، ودينٌ قوَيمٌ . أنَا بِالأَمسِ صاحِبُكُم وأنَا اليَومَ عِبرَةٌ لَكُم ، وغَدا مُفارِقُكُم ، إن تَثبُتِ الوَطَأةُ في هذِهِ المَزَلَّةِ فَذاكَ المُرادُ ، وإن تَدحَضِ القَدَمُ ، فَإِنّا كُنّا في أفياءِ أغصانٍ وذَرى رِياحٍ ، وتَحتَ ظِلِّ غَمامَةٍ اضمَحَلَّ فِي الجَوِّ مُتَلَفَّقُها ، وعَفا فِي الأرَضِ مَحَطُّها ، وإنَّما كُنتُ جارا جاوَرَكُم بَدَني أيّاما وسَتُعقَبونَ مِنّي جُثَّةً خَلاءً ، ساكِنَةً بَعدَ حَرَكَةٍ ، وكاظِمَةً بَعد
.
ص: 288
نُطقٍ ، لِيَعِظكُم هُدُوّي وخُفوتُ إطراقي وسُكونُ أطرافي ؛ فَإِنَّهُ أوعَظُ لَكُم مِنَ النّاطِقِ البَليغِ ، وَدَّعتُكُم وَداعَ مُرصِدٍ لِلتَّلاقي ، غَدا تَرَونَ أيّامي ، ويُكشَفُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ عن سَرائِري ، وتَعرِفوني بَعدَ خُلُوِّ مَكاني ، وقِيامِ غَيري مَقامي ، إن أبقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمي ، وإن أفنَ فَالفَناءُ ميعادي ، وإن أعفُ فَالعَفوُ لي قُربَةٌ ، ولَكُم حَسَنَةٌ ، فَاعفوا وَاصفَحوا ، «أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ» (1) . فَيالَها حَسرَةً عَلى كُلِّ ذي غَفلَةٍ أن يَكونَ عُمُرُهُ عَلَيهِ حُجَّةً أو تُؤَدّيهِ أيّامُهُ إلى شِقوَةٍ ، جَعَلَنَا اللّهُ وإيّاكُم مِمَّن لا يُقَصِّرُ بِهِ عَن طاعَةِ اللّهِ رَغبَةٌ ، أو تَحُلُّ بِهِ بَعدَ المَوتِ نِقمَةٌ ؛ فَإِنَّما نَحنُ لَهُ وبِهِ . ثُمَّ أقبَلَ عَلَى الحَسَنِ عليه السلام فَقالَ : يا بُنَيَّ ضَربَةٌ مَكانَ ضَربَةٍ ولا تَأثَم (2) .
عنه عليه السلام :وَصِيَّتي لَكُم : أن لا تُشرِكوا بِاللّهِ شَيئا ، ومُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله فَلا تُضَيِّعوا سُنَّتَهُ ، أقيموا هذَينِ العَمودَينِ ، وأوقِدوا هذَينِ المِصباحَينِ ، وخَلاكُم ذَمٌّ ! أنَا بِالأَمسِ صاحِبُكم ، وَاليَومَ عِبرَةٌ لَكُم ، وغَدا مُفارِقُكُم ، إن أبقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمي ، وإن أفنَ فَالفَناءُميعادي ، وإن أعفُ فَالعَفوُ لي قُربَةٌ ، وهُوَ لَكُم حَسَنَةٌ ، فَاعفوا «أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ» . وَاللّهِ ما فَجَأَني مِنَ المَوتِ وارِدٌ كَرِهتُهُ ، ولا طالِعٌ أنكَرتُهُ ، وما كُنتُ إلّا كَقارِبٍ وَرَدَ ، وطالِبٍ وَجَدَ «وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ» (3) . (4)
.
ص: 289
الإمام الحسن عليه السلام :لَمّا حَضَرَت أبِيَ الوَفاةُ أقبَلَ يوصي فَقالَ : هذا ما أوصى بِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أخو مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ وابنُ عَمِّهِ ووَصِيُّهُ وصاحِبُهُ . وأوَّلُ وَصِيَّتي أنّي أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُهُ وخِيَرَتُهُ ، اختارَهُ بِعِلمِهِ ، وَارتَضاهُ لِخِيَرَتِهِ ، وأنَّ اللّهَ باعِثٌ مَن فِي القُبورِ ، وسائِلُ النّاسِ عَن أعمالِهِم ، وعالِمٌ بِما فِي الصُّدورِ . ثُمَّ إنّي اُوصيكَ ياحَسَنُ _ وكَفى بِكَ وَصِيّا _ بِما أوصاني بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإِذا كانَ ذلِكَ يا بُنَيَّ فَالزَم بَيتَكَ ، وَابكِ عَلى خَطيئَتِكَ ، ولاتَكُنِ الدُّنيا أكبَرَ هَمِّكَ . واُوصيكَ يا بُنَيَّ بِالصَّلاةِ عِندَ وَقتِها ، وَالزَّكاةِ في أهلِها عِندَ مَحَلِّها ، وَالصُّمتِ عِندَ الشُّبهَةِ ، والِاقتِصادِ فِي العَمَلِ ، وَالعَدلِ فِي الرِّضا وَالغَضَبِ ، وحُسنِ الجِوارِ ، وإكرامِ الضَّيفِ ، ورَحمَةِ المَجهودِ وأصحابِ البَلاءِ ، وصِلَةِ الرَّحِمِ ، وحُبِّ المَساكينَ ومُجالَسَتِهِم ، وَالتَّواضُعِ ؛ فَإِنَّهُ مِن أفضَلِ العِبادَةِ ، وقَصرِ الأَمَلِ ، وذِكرِ المَوتِ ، وَالزُّهدِ فِي الدُّنيا ؛ فَإِنَّكَ رَهنُ مَوتٍ ، وغَرَضُ بِلاءٍ ، وطَريحُ سُقمٍ . واُوصيكَ بِخَشيَةِ اللّهِ في سِرِّ أمرِكَ وعَلانِيَتِهِ ، وأنهاكَ عَنِ التَّسَرُّعِ بِالقَولِ وَالفِعلِ ، وإذا عَرَضَ شَيءٌ مِن أمرِ الآخِرَةِ فَابدَأ بِهِ ، وإذا عَرَضَ شَيءٌ مِن أمرِ الدُّنيا فَتَأَنَّهُ حَتّى تُصيبَ رُشدَكَ فيهِ . وإيّاكَ ومَواطِنَ التُّهَمَةِ وَالمَجلِسَ المَظنونَ بِهِ السّوءُ ؛ فَإِنَّ قَرينَ السّوءِ يُغَيِّرُ جَليسَهُ . وكُن للّهِِ يا بُنَيَّ عامِلاً ، وعَنِ الخَنا زَجورا ، وبِالمَعروفِ آمِرا ، وعَنِ المُنكَرِ ناهِيا ، وواخِ الإِخوانَ فِي اللّهِ ، وأحِبَّ الصّالِحَ لِصَلاحِهِ ، ودارِ الفاسِقَ عَن دينِكَ ، وأبغِضهُ بِقَلبِكَ ، وزايِلهُ بِأَعمالِكَ لِئَلّا تَكونَ مِثلَهُ . وإيّاكَ وَالجُلوسَ فِي الطُّرُقاتِ ، ودَعِ المُماراةَ ومُجاراةَ مَن لا عَقلَ لَهُ ولا عِلمَ . وَاقتَصِد يا بُنَيَّ في مَعيشَتِكَ ، وَاقتَصِد في عِبادَتِكَ ، وعَلَيكَ فيها بِالأَمرِ الدّائِمِ الَّذي تُطيقُهُ . وَالزَمِ الصُّمتَ تَسلَم ، وقَدِّم لِنَفسِكَ تَغنَم ، وتَعَلَّمِ الخَيرَ تَعلَم ، وكُن للّهِِ ذاكِرا
.
ص: 290
عَلى كُلِّ حالٍ ، وَارحَم مِن أهلِكَ الصَّغيرَ ، ووَقِّر مِنهُمُ الكَبيرَ ، ولا تَأكُلَنَّ طَعاما حَتّى تَصَّدِّقَ مِنهُ قَبلَ أكلِهِ . وعَلَيكَ بِالصَّومِ ؛ فَإِنَّهُ زَكاةُ البَدَنِ وجُنَّةٌ لِأَهلِهِ ، وجاهِد نَفسَكَ ، وَاحذَر جَليسَكَ ، واَجتَنِب عَدُوَّكَ ، وعَلَيكَ بِمَجالِسِ الذِّكرِ ، وأكثِر مِنَ الدُّعاءِ ؛ فَإِنّي لَم آلُكَ يا بُنَيَّ نُصحا ، وهذا فِراقٌ بَيني وبَينَكَ . واُوصيكَ بِأَخيكَ مُحَمَّدٍ خَيرا ؛ فَإِنَّهُ شَقيقُكَ وَابنُ أبيكَ ، وقَد تَعلَمُ حُبّي لَهُ . وأمّا أخوكَ الحُسَينُ فَهُوَ ابنُ اُمِّكَ ، ولا أزيدُ الوَصاةَ بِذلِكَ ، وَاللّهُ الخَليفَةُ عَلَيكُم ، وإيّاهُ أسأَلُ أن يُصلِحَكُم ، وأن يَكُفَّ الطُّغاةَ البُغاةَ عَنكُم ، وَالصَّبرَ الصَّبرَ حَتّى يَتَوَلَّى اللّهُ الأَمرَ ، ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ (1) .
تاريخ الطبري :نَظَرَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] إلى مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ ، فَقالَ : هَل حَفِظتَ ما أوصَيتُ بِهِ أخَوَيكَ ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : فَإِنّي اُوصيكَ بِمِثلِهِ ، واُوصيكَ بِتَوقيرِ أخَوَيكَ ؛ لِعَظيمِ حَقِّهِما عَلَيكَ ، فَاتَّبِع أمرَهُما ، ولا تَقطَع أمرا دونَهُما . ثُمَّ قالَ : اُوصيكُما بِهِ ؛ فَإِنَّهُ شَقيقُكُما ، وَابنُ أبيكُما ، وقَد عَلِمتُما أنَّ أباكُما كانَ يُحِبُّهُ . وقالَ لِلحَسَنِ : اُوصيكَ أي بُنَيَّ بِتَقوَى اللّهِ ، وإقامِ الصَّلاةِ لِوَقتِها ، وإيتاءِ الزَّكاةِ عِندَ مَحَلِّها ، وحُسنِ الوُضوءِ ؛ فَإِنَّهُ لا صلاةَ إلّا بِطَهورٍ ، ولا تُقبَلُ صَلاةٌ مِن مانِعِ زَكاةٍ ، واُوصيكَ بِغَفرِ الذَّنبِ، وكَظمِ الغَيظِ ، وصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَالحِلمِ عِندَ الجَهلِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدّينِ ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الأَمرِ ، وَالتَّعاهُدِ لِلقُرآنِ ، وحُسنِ الجِوارِ ، وَالأَمرِ بِالمَعروفِ ، وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ ، وَاجتِنابِ الفَواحِشِ (2) .
.
ص: 291
الإمام الباقر عليه السلام :لَمَّا احتُضِرَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام جَمَعَ بَنيهِ : حَسَنا وحُسَينا وَابنَ الحَنَفِيَّةِ وَالأَصاغِرَ مِن وُلدِهِ ، فَوَصّاهُم وكانَ في آخِرِ وَصِيَّتِهِ : يا بَنَيَّ ، عاشِرُوا النّاسَ عِشرَةً إن غِبتُم حَنّوا إلَيكُم ، وإن فُقِدتُم بَكَوا عَلَيكُم . يا بَنِيَّ ، إنَّ القُلوبَ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ ، تَتَلاحَظُ بِالمَوَدَّةِ ، وتَتَناجى بِها ، وكَذلِكَ هِيَ فِي البُغضِ ، فَإِذا أحبَبتُمُ الرَّجُلَ مِن غَيرِ خَيرٍ سَبَقَ مِنهُ إلَيكُم فَارجوهُ ، وإذا أبغَضتُمُ الرَّجُلَ مِن غَيرِ سوءٍ سَبَقَ مِنهُ إلَيكُم فَاحذَروهُ (1) .
الإمام الكاظم عليه السلام_ في بَيانِ وَصِيَّةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: هذا ما قَضى بِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ في أموالِهِ هذِهِ الغَدَ مِن يَومَ قَدِمَ مَسكِنَ (2) ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ وَالدّارِ الآخِرَةِ وَاللّهُ المُستَعانُ عَلى كُلِّ حالٍ ، ولا يَحِلُّ لِامرِئٍ مُسلِمٍ يُؤمَنُ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ أن يَقولَ في شَيءٍ قَضَيتُهُ مِن مالي ولا يُخالِفَ فيهِ أمري مِنٍ قَريبٍ أو بَعيدٍ . أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ وَلائِدِيَ اللّائي أطوفُ عَلَيهِنَّ السَّبَعَةَ عَشَرَ مِنهُنَّ اُمَّهاتُ أولادٍ مَعَهُنَّ أولادُهُنَّ ، ومِنهُنَّ حَبالى ومِنهُنَّ مَن لا وَلَدَ لَهُ ، فَقَضايَ فيهِنَّ إن حَدَثَ بي حَدَثٌ أنَّهُ مَن كانَ مِنهُنَّ لَيسَ لَها وَلَدٌ ولَيسَت بِحُبلى فَهِيَ عَتيقٌ لِوَجهِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيهِنَّ سَبيلٌ ، ومنَ كانَ مِنهُنَّ لَها وَلَدٌ أو حُبلى فَتُمسَكُ عَلى وَلَدِها وهِيَ مِن حَظِّهِ ، فَإِن ماتَ وَلَدُها وهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتيقٌ لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَيها سَبيلٌ ، هذا ما قَضى بِهِ عَلِيٌّ في مالِهِ الغَدَ مِن يَومَ قَدِمَ مَسكَنَ ، شَهِدَ أبو سَمُرِ بنِ أبرَهَةَ ، وصَعصَعَةُ بنُ صوحانَ ،
.
ص: 292
ويَزيدُ بنُ قَيسٍ ، وهَيّاجُ بنُ أبي هَيّاجٍ ، وكَتَبَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ بِيَدِهِ لِعَشرٍ خَلَونَ مِن جُمادَى الاُولى سَنَةَ سَبعٍ وثَلاثينَ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :قاتِلوا أهلَ الشّامِ مَعَ كُلِّ إمامٍ بَعدي (2) .
5 / 5عِيادَةُ الإِمامِاُسد الغابة عن عمرو ذي مرّ :لَمّا اُصيبَ عَلِيٌّ بِالضَّربَةِ دَخَلتُ عَلَيهِ وقَد عَصبَ رَأسَهُ . قالَ : قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أرِني ضَربَتَكَ ، قالَ : فَحَلَّها ، فَقُلتُ : خَدشٌ ولَيسَ بِشَيءٍ ، قالَ : إنّي مُفارِقُكُم ، فَبَكَت اُمُّ كُلثومٍ مِن وَراءِ الحِجابِ ، فَقالَ لَها : اُسكُتي ! فَلو تَرَينَ ما أرى لَما بَكيتِ ، قالَ : فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ماذا تَرى ؟ قالَ : هذِهِ المَلائِكَةُ وُفودٌ وَالنَّبِيّونَ ، وهذا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يا عَلِيُّ ، أبشِر ، فَما تَصيرُ إلَيهِ خَيرٌ مِمّا أنتَ فيهِ (3) .
الأمالي للمفيد عن الأصبغ بن نباتة :لَمّا ضَرَبَ ابنُ مُلجِمٍ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام غَدَونا عَلَيهِ نَفَرٌ مِن أصحابِنا ، أنَا وَالحارِثُ وسُوَيدُ بنُ غَفَلَةَ وجَماعةٌ مَعَنا ، فَقَعَدنا عَلَى البابِ فَسَمِعنَا البُكاءَ فَبَكَينا ، فَخَرَجَ إلَينَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام فَقالَ : يَقولُ لَكُم أميرُ المُؤمِنينَ : اِنصَرِفوا إلى مَنازِلِكُم . فَانصَرَفَ القَومُ غَيري ، وَاشتَدَّ البُكاءُ مِن مَنزِلِهِ فَبَكَيتُ فَخَرَجَ الحَسَنُ عليه السلام فَقالَ : أ لَم أقُل لَكُمُ انصَرِفوا . فَقُلتُ : لا وَاللّهِ يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، ما تُتابِعُني نَفسي ، ولا تَحمِلُنى ¨
.
ص: 293
رِجلي أن أنصَرِفَ حَتّى أرى أميرَ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ . قالَ : فَتَلَبَّثَ ، فَدَخَلَ ، ولَم يَلبَث أن خَرَجَ فَقالَ لي : اُدخُل ، فَدَخَلتُ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَإِذا هُوَ مُستَنِدٌ ، مَعصوبُ الرَّأسِ بِعِمامَةٍ صَفراءَ ، قَد نُزِفَ واصفَرَّ وَجهُهُ ، ما أدري وَجهُهُ أصفَرُ أمِ العِمامَةُ ، فَأَكبَبتُ عَلَيهِ فَقَبَّلتُهُ وبَكَيتُ ، فَقالَ لي : لا تَبكِ يا أصبَغُ ؛ فَإِنَّها وَاللّهِ الجَنَّةُ ، فَقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إنّي أعلَمُ وَاللّهِ أنَّكَ تَصيرُ إلَى الجَنَّةِ ، وإنَّما أبكي لِفِقداني إيّاكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ (1) .
بحار الأنوار عن محمّد ابن الحنفيّة :بِتنا لَيلَةَ عِشرينَ مِن شَهرِ رَمَضانَ مَعَ أبي وقَد نَزَلَ السَّمُّ إلى قَدَمَيهِ ، وكانَ يُصَلّي تِلكَ اللَّيلَةَ مِن جُلوسٍ ، ولَم يَزَل يوصينا بِوَصاياهُ ويُعَزّينا عَن نَفسِهِ ويُخبِرُنا بِأَمرِهِ وتِبيانِهِ إلى حينِ طُلوعِ الفَجرِ ، فَلَمّا أصبَحَ استَأذَنَ النّاسُ عَلَيهِ ، فَأَذِنَ لَهُم بِالدُّخولِ ، فَدَخَلوا عَلَيهِ وأقبَلوا يُسَلِّمونَ عَلَيهِ ، وهُوَ يَرُدُّ عَلَيهِمُ السَّلامَ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ اِسأَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني ، وخَفِّفوا سُؤالَكُم لِمُصيبَةِ إمامِكُم ، قالَ : فَبَكَى النّاسُ عِندَ ذلِكَ بُكاءً شَديداً ، وأشفَقوا أن يَسأَلوهُ تَخفيفاً عَنهُ ، فَقامَ إلَيهِ حُجرُ بنُ عَدِيٍّ الطّائِيُّ وقالَ : فَيا أسفى عَلَى المَولَى التَّقِيِّ أبو (2) الأَطهارِ حَيدَرَةُ الزَّكِيِّ قَتلَهُ كافِرٌ حَنِثٌ زَنيمٌ لَعينٌ فاسِقٌ نَغِلٌ شَقِيِّ فَيَلَعَنُ رَبُّنا مَن حادَ عَنكُم ويبَرَأ مِنكُمُ لَعناً وَبِيِّ لِأَنَّكُمُ بِيَومِ الحَشرِ ذُخري وأنتُم عِترَةُ الهادِي النَّبِيِّ فَلَمّا بَصِرَ بِهِ وسَمِعَ شِعرَهُ قالَ لَهُ : كَيفَ لي بِكَ إذا دُعيتَ إلَى البَراءَةِ مِنّي ، فَما عَساكَ أن تَقولَ ؟ فَقالَ : وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَو قُطِّعتُ بِالسَّيفِ إرباً إرباً ، واُضرِمَ لِى
.
ص: 294
النّارُ واُلقيتُ فيها لَاثَرتُ ذلِكَ عَلَى البَراءَةِ مِنكَ ، فَقالَ : وُفِّقتَ لِكُلِّ خَيرٍ يا حُجرُ ، جَزاكَ اللّهُ خَيراً عَن أهلِ بَيتِ نَبِيِّكَ (1) .
5 / 6كَلِماتُ الإِمامِ قُبَيلَ مَوتِهِالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامِهِ قُبَيلَ مَوتِهِ _: وَاللّهِ ، ما فَجَأني مِنَ المَوتِ وارِدٌ كَرِهتُهُ ، ولا طالِعٌ أنكَرتُهُ ، وما كُنتُ إلّا كَقارِبٍ وَرَدَ ، وطالِبٍ وَجَدَ «وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ» (2) . (3)
العدد القويّة عن الواقدي :آخِرُ كَلِمَةٍ قالَها أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : يا بَنِيَّ إذا مُتُّ فَأَلحِقوا بِيَ ابنَ مُلجَمٍ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ اُخاصِمُهُ عِندَ رَبِّ العالَمينَ ، ثُمَّ قَرَأَ : «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَ مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (4) الآيَةَ (5) .
الإمام الكاظم عليه السلام_ في ذِكرِ شَهادَةِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: ثُمَّ لَم يَزَل يَقولُ : «لا إلهَ إلَا اللّهُ ، لا إلهَ إلَا اللّهُ» حَتّى قُبِضَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ورَحمَتُهُ (6) .
.
ص: 295
5 / 7لِقاءُ المَحبوبِالأمالي للصدوق عن حبيب بن عمرو :دَخَلتُ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام في مَرَضِهِ الَّذي قُبِضَ فيهِ فَحَلَّ عَن جِراحَتِهِ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما جُرحُكَ هذا بِشَيءٍ وما بِكَ مِن بَأسٍ ، فَقالَ لي : يا حَبيبُ ، أنَا وَاللّهِ مُفارِقُكُمُ السّاعَةَ . قالَ : فَبَكَيتُ عِندَ ذلِكَ وبَكَت اُمُّ كُلثومٍ وكانَت قاعِدَةً عِندَهُ ، فَقالَ لَها : ما يُبكيكِ يا بُنَيَّةُ ؟ فَقالَت : ذَكَرتَ يا أبَةِ إنَّكَ تُفارِقُنَا السّاعَةَ فَبَكَيتُ ، فَقالَ لَها : يا بُنَيَّةُ لا تَبكينَ ، فَوَاللّهِ لَو تَرَينَ ما يَرى أبوك ما بَكَيتِ . قالَ حَبيبٌ : فَقُلتُ لَهُ : ومَا الَّذي تَرى يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ فَقالَ : يا حَبيبُ ، أرى مَلائِكَةَ السَّماواتِ وَالنَّبِيّينَ بَعضُهُم في أثَرِ بَعضٍ وُقوفا إلى أن يَتَلَقَّوني ، وهذا أخي مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله جالِسٌ عِندي يَقولُ : اِقدَم ؛ فَإِنَّ أمامَكَ خَيرٌ لَكَ مِمّا أنتَ فيهِ . قالَ : فَما خَرَجتُ مِن عِندَهُ حَتّى تُوُفِّيَ عليه السلام (1) .
ربيع الأبرار عن أسماء بنت عُميس :أنَا لَعِندَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام بَعدَما ضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ ، إذ شَهَقَ شَهقَةً ، ثُمَّ اُغمِيَ عَلَيهِ ، ثُمَّ أفاقَ فَقالَ : مَرحَبا ، مَرحَبا ، الحَمدُ للّهِِ الَّذي صَدَقَنا وَعدَهُ ، وأورَثَنَا الجَنَّةَ ، فَقيلَ لَهُ : ما تَرى ؟ قالَ : هذا رَسولُ اللّهِ ، وأخي جَعفَرٌ ، وعَمّي حَمزَةُ ، وأبوابُ السَّماءِ مُفَتَّحَةٌ ، وَالمَلائِكَةُ يَنزِلونَ يُسَلِّمونَ عَلَيَّ ويُبَشِّرونَ ، وهذِهِ فاطِمَةُ قَد طافَ بِها وَصائِفُها مِنَ الحورِ ، وهذِهِ مَنازِلي فِيالجَنَّةِ ، «لِمِثْلِ هَ_ذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَ_مِلُونَ » (2)(3) .
بحار الأنوار عن محمّد ابن الحنفيّة :لَمّا كانَت لَيلَةُ إحدى وعِشرينَ وأظلَمَ اللَّيلُ _ وهِيَ اللَّيلَةُ الثّانِيَةُ مِنَ الكائِنَةِ _ جَمَعَ أبي أولادَهُ وأهلَ بَيتِهِ ووَدَّعَهُم . . . ثُمَّ عَرَضنا عَلَيه
.
ص: 296
المَأكولَ وَالمَشروبَ فَأَبى أن يَشرَبَ فَنَظَرنا إلى شَفَتَيهِ وهُما يَختَلِجانِ بِذِكرِ اللّهِ تَعالى ، وجَعَلَ جَبينُهُ يَرشَحُ عَرَقاً وهُوَ يَمسَحُهُ بِيَدِهِ ، قُلتُ : يا أبَتِ أراكَ تَمسَحُ جَبينَكَ فَقالَ : يا بُنَيَّ ، إنّي سَمِعتُ جَدَّكَ (1) رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ المُؤمِنَ إذا نَزَلَ بِهِ المَوتُ ودَنَت وَفاتُهُ عَرِقَ جَبينُهُ وصارَ كَاللُّؤلُؤِ الرَّطبِ وسَكَنَ أنينُهُ ، ثُمَّ قالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ويا عَونُ ، ثُمَّ نادى أولادَهُ كُلَّهُم بِأَسمائِهِم صَغيراً وكَبيراً واحِداً بَعدَ واحِدٍ ، وجَعَلَ يُوَدِّعُهُم ويَقولُ : اللّهُ خَليفَتي عَلَيكُم ، أستَودِعُكُمُ اللّهَ وهُم يَبكونَ ، فَقالَ لَهُ الحَسَنُ عليه السلام : يا أبَه ، ما دَعاكَ إلى هذا ؟ فَقالَ لَهُ : يا بُنَيَّ إنّي رَأَيتُ جَدَّكَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَنامي قَبلَ هذِهِ الكائِنَةِ بِلَيلَةٍ ، فَشَكَوتُ إلَيهِ ما أنَا فيهِ مِنَ التَّذَلُّلِ وَالأَذى مِن هذِهِ الاُمَّةِ ، فَقالَ لي : اُدعُ عَلَيهِم ، فَقُلتُ : اللّهُمَّ أبدِلهُم بي شَرّاً مِنّي وأبدِلني بِهِم خَيراً مِنهُم ، فَقالَ لي : قَدِ استَجابَ اللّهُ دُعاكَ ، سَيَنقُلُكَ إلَينا بَعدَ ثَلاثٍ ، وقَد مَضَتِ الثَّلاثُ ، يا أبا مُحَمَّدٍ اُوصيكَ _ ويا أبا عَبدِ اللّهِ _ خَيراً ، فَأَنتُما مِنّي وأنَا مِنكُما . . . ثُمَّ قالَ : يا أبا مُحَمَّدٍ ويا أبا عَبدِ اللّهِ كَأَنّي بِكُما وقَد خَرَجَت عَلَيكُما مِن بَعدي الفِتَنُ مِن ههُنا ، فَاصبِرا حَتّى يَحكُمَ اللّهُ وهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ . ثُمَّ قالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ أنتَ شَهيدُ هذِهِ الاُمَّةِ ؛ فَعَلَيكَ بِتَقوَى اللّهِ وَالصَّبرِ عَلى بَلائِهِ ، ثُمَّ اُغمِيَ عَلَيهِ ساعَةً ، وأفاقَ وقالَ : هذا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَمّي حَمزَةُ وأخي جَعفَرُ وأصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وكُلُّهُم يَقولونَ : عَجِّل قُدومَكَ عَلَينا فَإِنّا إلَيكَ مُشتاقونَ ، ثُمَّ أدارَ عَينَيهِ في أهلِ بَيتِهِ كُلِّهِم وقالَ : أستَودِعُكُم اللّهُ جَميعاً سَدَّدَكُمُ اللّهُ جَميعاً حَفِظَكُمُ اللّهُ جَميعاً ، خَليفَتي عَلَيكُمُ اللّهُ وكَفى بِاللّهِ خَليفَةً . ثُمَّ قالَ : وعَلَيكُمُ السَّلامُ يا رُسُلَ رَبّي .
.
ص: 297
ثُمَّ قالَ : «لِمِثْلِ هَ_ذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَ_مِلُونَ» (1) «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّ الَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ» (2) وعَرِقَ جَبينُهُ وهُوَ يَذكُرُ اللّهَ كَثيراً ، وما زالَ يَذكُرُ اللّهَ كَثيراً ويَتَشَهَّدُ الشَّهادَتَينِ . ثُمَّ استَقبَلَ القِبلَةَ وغَمَّضَ عَينَيهِ ومَدَّ رِجلَيهِ ويَدَيهِ وقالَ : أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، ثُمَّ قَضى نَحبَهُ عليه السلام . و كانَت وَفاتُهُ في لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، وكانَت لَيلَةُ الجُمُعَةِ سَنَةَ أربَعينَ مِنَ الهِجرَةِ (3) .
5 / 8بُكاءُ الأَرضِالمستدرك على الصحيحين عن أسماء الأنصاريّة :ما رُفِع حَجَرٌ بِإيلِياءَ (4) لَيلَةَ قَتلِ عَلِيٍّ إلّا ووُجِدَ تَحتَهُ دَمٌ عَبيطٌ (5) .
المستدرك على الصحيحين عن ابن شهاب :قَدِمتُ دِمَشقَ وأنَا اُريدُ الغَزوَ ، فَأَتَيتُ عَبدَ المَلِكِ لِاُسَلِّمَ عَلَيهِ ، فَوَجَدتُهُ في قُبَّةٍ عَلى فَرشٍ بِقُربِ القائِمِ وتَحتَهُ سِماطانِ ، فَسَلَّمتُ ثُمَّ جَلَستُ ، فَقالَ لي : يَابنَ شَهابٍ ، أ تَعلَمُ ما كانَ في بَيتِ المَقدِسِ صَباحَ قَتلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؟ فَقُلتُ : نَعَم ، فَقالَ : هَلُمَّ ، فَقُمتُ مِن وَراءِ النّاسِ حَتّى أتَيتُ خَلفَ القُبَّةِ ، فَحَوَّلَ إلَيَّ وَجهَهُ فَأَحنا عَلَيَّ فَقالَ ما كانَ ؟ فَقُلتُ لَم يُرفَع حَجَرٌ مِن بَيتِ المَقدِسِ إلا
.
ص: 298
وُجِدَ تَحتَهُ دَمٌ ، فَقالَ : لَم يَبقَ أحَدٌ يَعلَمُ هذا غَيري وغَيرُكَ ، لا يَسمَعَنَّ مِنكَ أحَدٌ ، فَما حَدَّثتُ بِهِ حَتّى تُوُفِّيَ (1) .
5 / 9تاريخُ شَهادَتِهِكان اغتيال الإمام عليه السلام على يد ابن ملجم على المشهور في فجر اليوم التاسع عشر (2) من شهر رمضان . وكانت شهادته عليه السلام في ليلة الجمعة 3 الحادي والعشرين (3) من
.
ص: 299
شهر رمضان سنة (40 ه ) (1) ، والذي يصادف ليلة نزول القرآن (2) . وهناك أقوال اُخر حول تاريخ اغتياله وهي : اليوم السابع عشر (3) ، والحادي والعشرون (4) من شهر رمضان . كما ذُكرت أقوال اُخر حول تاريخ شهادته وهي : اليوم الثالث والعشرون (5) ، والتاسع عشر (6) ، والسابع عشر (7) ، والسابع والعشرون (8) من شهر رمضان سنة (40 ه ) . وهناك اختلاف أيضا بين المؤرّخين حول سنّ الإمام عليه السلام حين شهادته ؛ فقد ذكر أكثر المؤرّخين والمحدّثين من الفريقين أنّ عمره الشريف كان
.
ص: 300
(63 سنة) (1) بيد أنّ هناك أقوال اُخر في هذا المضمار ، وهي : (58 سنة) (2) و(65 سنة) (3) و(64 سنة) (4) .
الكافي :قُتِلَ عليه السلام في شَهرِ رَمَضانِ لِتِسعٍ بَقينَ مِنهُ لَيلَةَ الأَحَدِ سَنَةَ أربَعينَ مِنَ الهِجرَةِ ، وهُوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتّينَ سَنَةً (5) .
الإرشاد :كانَت وَفاةُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام قُبَيلَ الفَجرِ مِن لَيلَةِ الجُمُعَةِ لَيلَةَ إحدى وعِشرينَ مِن شَهرِ رَمَضانَ سَنَةَ أربَعينَ مِنَ الهِجرَةِ قَتيلاً بِالسَّيفِ ، قَتَلَهُ ابنُ مُلجَمٍ المُرادِيُّ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ في مَسجِدِ الكوفَةِ ، وقَد خَرَجَ عليه السلام يوقِظُ النّاسَ لِصَلاةِ الصُّبحِ لَيلَةَ تِسعَ عَشَرَةَ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، وقَد كانَ ارتَصَدَهُ مِن أوَّلِ اللَّيلِ لِذلِكَ ، فَلَمّا مَرَّ بِهِ فِي المَسجِدِ وهُوَ مُستَخفٍ بِأَمرِهِ مُماكِرٌ بِإِظهارِ النَّومِ في جُملَةِ النِّيامِ ثارَ إلَيهِ فَضَرَبَهُ عَلى اُمِّ رَأسِهِ بِالسَّيفِ وكانَ مَسموما ، فَمَكَثَ يَومَ تِسعَةَ عَشَرَ ولَيلَةَ عِشرينَ ويَومَها ولَيلَةَ إحدى وعِشرينَ إلى نَحوِ الثُّلثِ الأَوَّلِ مِنَ اللَّيلِ ، ثُمَّ قَضى نَحبَهُ عليه السلام شَهيدا ، ولَقِيَ رَبَّهُ تَعالى مَظلوما (6) .
تاريخ اليعقوبي_ بَعدَ ذِكرِ إصابَةِ الإِمامِ عليه السلام بِالسَّيفِ _في خَبَرٍ : أقامَ يَومَينِ وماتَ لَيلَة
.
ص: 301
الجُمُعَةِ أوَّلَ لَيلَةٍ مِنَ العَشرِ الأَواخِرِ مِن شَهرِ رَمَضانَ سَنَةَ (40) ، ومِن شُهورِ العَجَمِ في كانونِ الآخِرِ ، وهُوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتّينَ سَنَةً ، وغَسَّلَهُ الحَسَنُ ابنُهُ بِيَدِهِ ، وصَلّى عَلَيهِ وكَبَّرَ عَلَيهِ سَبعا ، وقالَ : أما إنَّهُ لا يُكَبِّرُ عَلى أحَدٍ بَعدَهُ ، ودُفِنَ بِالكوفَةِ في مَوضِعٍ يُقالُ لَهُ الغَرِيُّ (1) .
المستدرك على الصحيحين عن الحريث بن مخشى :إنَّ عَلِيّا قُتِلَ صَبيحَةَ إحدى وعِشرينَ مِن رَمَضانَ ، قالَ : فَسَمِعتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ يَقولُ وهُوَ يَخطُبُ وذَكَرَ مَناقِبَ عَلِيٍّ فَقالَ : قُتِلَ لَيلَةً اُنزِلَ القُرآنُ ، ولَيلَةً اُسرِيَ بِعيسى ، ولَيلَةً قُبِضَ موسى . قالَ : وصَلّى عَلَيهِ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام (2) .
الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا قُبِضَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قامَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام في مَسجِدِ الكوفَةِ ، فَحَمِدَ اللّهُ وأثنى عَلَيهِ وصَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ إنَّهُ قَد قُبِضَ في هذِهِ اللَّيلَةِ رَجُلٌ ما سَبَقَهُ الأَوَّلونَ ، ولا يُدرِكُهُ الآخِرونَ ، إنَّهُ كانَ لَصاحِبَ رايَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ عَن يَمينِهِ جَبرَئيلُ وعَن يَسارِهِ ميكائيلُ ، لا يَنثَني حَتّى يَفتَحَ اللّهُ لَهُ . وَاللّهِ ما تَرَكَ بَيضاءَ ولا حَمراءَ إلّا سَبعُمِئَةِ دِرهَمٍ فَضَلَت عَن عَطائِهِ ، أرادَ أن يَشتَرِيَ بِها خادِما لِأَهلِهِ . وَاللّهِ لَقَد قُبِضَ فِي اللَّيلَةِ الَّتي فيها قُبِضَ وَصِيُّ موسى يوشَعُ بنُ نونٍ ، وَاللَّيلَةِ الَّتي عُرِجَ فيها بِعيسَى ابنِ مَريَمَ ، وَاللَّيلَةِ الَّتي نَزَلَ فيها القُرآنُ (3) .
.
ص: 302
الإمام الحسن عليه السلام :قُتِلَ عَلِيٌّ لَيلَةً نَزَلَ القُرآنُ (1) .
المناقب لابن شهر آشوب :قُبِضَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] قَتيلاً في مَسجِدِ الكوفَةِ وَقتَ التَّنويرِ لَيلَةَ الجُمُعَةِ ، لِتِسعَةَ عَشَرَ مَضَينَ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، عَلى يَدَي عَبدِ الرَّحمنِ بنِ مُلجَمٍ المُرادِيِّ ، وقَد عاوَنَهُ وَردانُ بنُ مُجالِدٍ مِن تَيمِ الرُّبابِ ، وشَبيبُ بنُ بَجرَةَ ، وَالأَشعَثُ بنُ قَيسٍ ، وقُطامُ بِنتُ الأَخضَرِ ، فَضَرَبَهُ سَيفاً عَلى رَأسِهِ مَسموماً (2) .
.
ص: 303
الفصل السادس: بعد الاستشهاد6 / 1التَّجهيزُ وَالدَّفنُفرحة الغري عن اُمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام :آخِرُ عَهدِ أبي إلى أخَوَيَّ عليهماالسلام أن قالَ : يا بَنِيَّ إن أنَا مُتُّ فَغَسِّلاني ، ثُمَّ نَشِّفاني بِالبُردَةِ الَّتي نَشَّفتُم بِها رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وفاطِمَةَ عليهاالسلام ، ثُمَّ حَنِّطاني وسَجِّياني عَلى سَريري ، ثُمَّ انتَظِرا حَتّى إذَا ارتَفَعَ لَكُما مُقَدَّمُ السَّريرِ فَاحمِلا مُؤَخَّرَهُ ، قالَت : فَخَرَجتُ اُشَيِّعُ جِنازَةَ أبي ، حَتّى إذا كُنّا بِظَهرِ الغَرِيِّ رَكَزَ (1) المُقَدَّمُ فَوَضَعنَا المُؤَخَّرَ ، ثُمَّ بَرَزَ الحَسَنُ بِالبُردَةِ الَّتي نُشِّفَ بِها رَسولُ اللّهِ وفاطِمَةُ فَنَشَّفَ بِها أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ثُمَّ أخَذَ المِعوَلَ فَضَرَبَ ضَربَةً فَانشَقَّ القَبرُ عَن ضَريحٍ ، فَإِذا هُوَ بِساجَةٍ مَكتوبٍ عَلَيها : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ هذا قَبرٌ ادَّخَرَهُ نوحُ النَّبِيُّ لِعَلِيٍّ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ قَبلَ الطّوفانِ بِسَبعِمِئَةِ عامٍ . قالَت اُمُّ كُلثومٍ : فَانشَقَّ القَبرُ ، فَلا أدري أغارَ سَيِّدي فِي الأَرضِ أم اُسرِيَ بِهِ إلَى السَّماءِ ؟ إذ سَمِعتُ ناطِقاً لَنا بِالتَّعزِيَةِ : أحسَنَ اللّهُ لَكُمُ العَزاءَ في سَيِّدِكُم
.
ص: 304
وحُجَّةِ اللّهِ عَلى خَلقِهِ (1) .
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا اُصيبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما : غَسِّلاني وكَفِّناني وحَنِّطاني وَاحمِلاني عَلى سَريري ، وَاحمِلا مُؤَخَّرَهُ تُكفَيانِ مُقَدَّمَهُ ، فَإِنَّكُما تَنتَهِيانِ إلى قَبرٍ مَحفورٍ ، ولَحدٍ مَلحودٍ ، ولَبِنٍ مَوضوعٍ ، فَالحَداني وأشرِجَا اللَّبِنَ عَلَيَّ ، وَارفَعا لَبِنَةً مِمّا يَلي رَأسي فَانظُرا ما تَسمَعانِ . فَأَخَذَا اللَّبِنَةَ مِن عِندِ الرَّأسِ بَعدَما أشرَجا عَلَيهِ اللَّبِنَ ، فَإِذا لَيسَ فِي القَبرِ شَيءٌ وإذا هاتِفٌ يَهتِفُ : أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ عَبدا صالِحا فَأَلحَقَهُ اللّهُ بِنَبِيِّهِ ، وكَذلِكَ يَفعَلُ بِالأَوصِياءِ بَعدَ الأَنبِياءِ ، حَتّى لَو أنَّ نَبِيّا ماتَ فِي المَشرِقِ وماتَ وَصِيُّهُ فِي المَغرِبِ لَأَلحَقَ اللّهُ الوَصِيَّ بِالنَّبِيِّ (2) .
فضائل الصحابة عن هارون بن سعد :كانَ عِندَ عَلِيٍّ مِسكٌ فَوَصّى أن يُحَنَّطَ بِهِ ، وقالَ : فَضلٌ مِن حَنوطِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (3) .
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا غُسِّلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام نودوا مِن جانِبِ البَيتِ : إن أخَذتُم مُقَدَّمَ السَّريرِ كُفيتُم مُؤَخَّرَهُ ، وإن أخَذتُم مُؤَخَّرَهُ كُفيتُم مُقَدَّمَهُ (4) .
العدد القويّة :ولَمّا تُوُفِّيَ عليه السلام غَسَّلَهُ ابناهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ وعَبدُ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ ، وقيلَ : مُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِيَّةِ ، وقيلَ : إنَّهُ لَم يُغَسَّل لِأَنَّهُ سَيِّدُ الشُّهَداءِ . قيلَ : كُفِّنَ في ثَلاثَةِ أثوابٍ بيضٍ لَيسَ فيها قَميصٌ ولا عِمامَةٌ ، وكانَ عِندَهُ مِن
.
ص: 305
بَقايا حَنوطِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَحَنَّطوهُ بِها ، وصَلّى عَلَيهِ وَلَدُهُ الحَسَنُ عليه السلام ، وكَبَّرَ عَلَيهِ خَمساً ، وقيلَ : سِتّاً ، وقيلَ : سَبعاً (1) .
الإرشاد عن حبّان بن عليّ العنزي عن مولىً لعليّ عليه السلام :لَمّا حَضَرَت أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام الوَفاةُ قالَ لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام : إذا أنَا مُتُّ فَاحمِلاني عَلى سَريري ، ثُمَّ أخرِجاني وَاحمِلا مُؤَخَّرَ السَّريرِ ؛ فَإِنَّكُما تُكفيانِ مُقَدَّمَهُ ، ثُمَّ ائتِيا بِيَ الغَرِيَّينِ (2) ؛ فَإِنَّكُما سَتَرَيانِ صَخرَةً بَيضاءَ تَلمَعُ نورا ، فَاحتَفِرا فيها ؛ فَإِنَّكُما تَجِدانِ فيها ساجَةً ، فَادفِناني فيها . قالَ : فَلَمّا ماتَ أخرَجناهُ وجَعَلنا نَحمِلُ مُؤَخَّرَ السَّريرِ ونُكفى مُقَدَّمَهُ ، وجَعَلنا نَسمَعُ دَويّا وحَفيفا حَتّى أتَينَا الغَرِيَّينِ ، فَإِذا صَخرَةٌ بَيضاءَ تَلمَع نورا ، فَاحتَفَرنا فَإِذا ساجَةٌ مَكتوبٌ عَلَيها : «مِمَّا ادَّخَرَ نوحٌ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ» . فَدَفَنّاهُ فيها ، وَانصَرَفنا ونَحنُ مَسرورونَ بِإِكرامِ اللّهِ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَلَحِقَنا قَومٌ مِنَ الشّيعَةِ لَم يَشهَدوا الصَّلاةَ عَلَيهِ ، فَأَخبَرناهُم بِما جَرى وبِإِكرامِ اللّهِ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالوا : نُحِبُّ أن نُعايِنَ مِن أمرِهِ ما عايَنتُم . فَقُلنا لَهُم : إنَّ المَوضِعَ قَد عُفِّيَ أثَرُهُ بِوَصِيَّةٍ مِنهُ عليه السلام ، فَمَضَوا وعادوا إلَينا فَقالوا : إنَّهُمُ احتَفَروا فَلَم يَجِدوا شَيئا (3) .
6 / 2خُطبَةُ الإِمامِ الحَسَنِ بَعدَ أبيهِتاريخ الطبري عن خالد بن جابر :سَمِعتُ الحَسَنَ يَقولُ _ لَمّا قُتِلَ عَلِيٌّ عليه السلام وقَد قام
.
ص: 306
خَطيبا ، فَقالَ _ : لَقَد قَتَلتُمُ اللَّيلَةَ رَجُلاً في لَيلَةٍ فيها نَزَلَ القُرآنُ ، وفيها رُفِعَ عيسَى بنُ مَريَمَ عليه السلام ، وفيها قُتِلَ يوشَعُ بنُ نونٍ فَتى موسى عليهماالسلام . وَاللّهِ ما سَبَقَهُ أحَدٌ كانَ قَبلَهُ ، ولا يُدرِكُهُ أحَدٌ يَكونُ بَعدَهُ ، وَاللّهِ إن كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَيَبعَثُهُ فِي السَّرِيَّةِ وجَبريلُ عَن يَمينِهِ وميكائيلُ عَن يَسارِهِ ، وَاللّهِ ما تَرَكَ صَفراءَ ولا بَيضاءَ إلّا ثَمانُمِئَةٍ _ أو سَبعُمِئَةٍ _ أرصَدَها لِخادِمِهِ (1) .
خصائص أمير المؤمنين عن هبيرة بن يريم :خَرَجَ إلَينَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ وعَلَيهِ عِمامَةٌ سَوداءُ ، فَقالَ : لَقَد كانَ فيكُم بِالأَمسِ رَجُلٌ ما سَبَقَهُ الأَوَّلونَ ولايُدرِكُهُ الآخِرونَ . وإنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ فيهِ : لاُعطِيَنَّ الرّايَةَ غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، ويُقاتِلَ جَبرَئيلُ عَن يَمينِه وميكائيلُ عَن يَسارِهِ ، ثُمَّ لا تُرَدُّ رايَتُهُ حَتّى يَفتَحَ اللّهُ عَلَيهِ . ما تَرَكَ دينارا ولا دِرهَما إلّا سَبعُمِئَةِ دِرهَمٍ أخَذَها مِن عَطائِهِ ، أرادَ أن يَبتاعَ بِها خادِما لِأَهلِهِ .
راجع : (2) ص 298 (تاريخ شهادته) .
6 / 3في رثاء الإمامالمناقب لابن شهرآشوب :رَثى الإمام الحسن عليه السلام عليّ بن أبي طالب : أينَ مَن كانَ لِعِلمِ ال _مُصطَفى فِي النّاسِ بابا أينَ مَن كانَ إذا ما قَحَطَ النّاسُ سَحابا أينَ مَن كانَ إذا نو دِيَ فِي الحَربِ استَجابا أينَ مَن كانَ دُعاهُ مُستَجابا ومُجابا ولَهُ عليه السلام : خَلِّ العُيونَ وما أرَد نَ مِنَ البُكاءِ عَلى عَلِيِّ لا تَقبَلَنَّ مِنَ الخَلِيِّ فَليَسَ قَلبُكَ بِالخَلِيِّ للّهِِ أنتَ إذَا الرِّحا لُ تَضَعضَعَت وَسَطَ النَّدِيِّ فَرَّجتَ غُمَّتَهُ ولَم تَرَكَن إلى فَشَلٍ وعِيِّ ولَهُ عليه السلام : خَذَلَ اللّهُ خاذِليهِ ولا أغ _مَدَ عَن قاتِليهِ سَيفَ الفَناءِ (3)
.
ص: 307
تاريخ الطبري عن أبي الأسود الدؤلي_ في رثاء الإمام عليّ عليه السلام _: ألا أبلِغ مُعاوِيَةَ بنَ حَربٍ فَلا قَرَّت عُيونُ الشّامِتينا أ في شَهرِ الصِّيامِ فَجَعتُمونا بِخَيرِ النّاسِ طُرّا أجمَعينا ! قَتَلتُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا ورَحَّلَها ومَن رَكِبَ السّفينا ومَن لَبِسَ النِّعالَ ومَن حَذاها ومَن قَرَأَ المثَانِيَ وَالمُبينا إذَا استَقبَلتَ وَجهَ أبي حُسَينٍ رَأَيتَ البَدرَ راعَ النّاظِرينا لَقَد عَلِمَت قُرَيشٌ حَيثُ كانَت بِأَنَّكَ خَيرُها حَسَبا ودِينا (1)
.
ص: 308
الكامل للمبرّد عن أبي زبيد الطائي_ يَرثي عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام _: إنَّ الكِرامَ عَلى ما كانَ مِن خُلقٍ رَهطُ امرِئٍ خارَهُ لِلدّينِ مُختارُ طَبٍّ بَصيرٍ بِأَضغانِ الرِّجالِ ولَم يُعدَل بِحَبرِ رَسولِ اللّهِ أحبارُ وقَطرَةٍ قَطَرَت إذ حانَ مَوعِدُها وكُلُّ شَيءٍ لَهُ وَقتٌ ومِقدارُ حَتّى تَنَصَّلَها في مَسجِدٍ طُهرٍ عَلى إمامٍ هُدىً إِنْ مَعشَرٌ جاروا حُمَّت لِيَدخُلَ جَنّاتٍ أبو حَسَنٍ واُوجِبَت بَعدَهُ لِلقاتِلِ النّارُ (1)
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ : ألا مَن لي بِنَشرِكَ يا اُخيّا ومَن لي أن أبُثَّكَ ما اُرَيّا طَوَتكَ خُطوبُ دَهرٍ قَد تَوَلّى كَذاكَ خُطوبُهُ نَشرا وطَيّا وكانَت في حَياتِكَ لي عِظاتٌ وأنتَ اليَومَ أوعَظُ مِنكَ حَيّا (2)
المناقب لابن شهر آشوب عن أبي صالح :لَمّا قُتِلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ قالَ ابنُ عَبّاسٍ : هذَا [اليَومَ] (3) نَقَصَ الفِقهُ وَالعِلمُ مِن أرضِ المَدينَةِ . ثُمَّ قالَ : إنَّ نُقصانَ الأَرضِ نُقصانُ عُلَمائِها وخِيارِ أهلِها ، إنَّ اللّهَ لا يَقبِضُ هذَا العِلمَ انتِزاعاً يَنتَزِعُهُ مِن صُدورِ الرِّجالِ ، ولكِنَّهُ يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَماءِ ، حَتّى إذا لَم يَبقَ عالِمٌ اتَّخَذَ النّاسُ رُؤَساءَ جُهّالاً ، فَيُسأَلوا فَيُفتوا بِغَيرِ عِلمٍ ، فَيَضِلّوا وأضَلّوا (4) .
.
ص: 309
بحار الأنوار عن لوط بن يحيى عن أشياخه :لَمّا اُلحِدَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وَقَفَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ العُبَدِيُّ عَلَى القَبرِ ، ووَضَعَ إحدى يَدَيهِ عَلى فُؤادِهِ وَالاُخرى قَد أخَذَ بِها التُّرابَ ويُضرِبُ بِهِ رَأسَهُ ، ثُمَّ قالَ : بِأَبي أنتَ واُمّي يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ثُمَّ قالَ : هَنيئاً لَكَ يا أبَا الحَسَنِ ! فَلَقَد طابَ مَولِدُكَ ، وقَوِيَ صَبرُكَ ، وعَظُمَ جِهادُكَ ، وظَفِرتَ بِرَأيِكَ ، ورَبِحَت تِجارَتُكَ ، وقَدِمتَ عَلى خالِقِكَ ، فَتَلَقّاكَ اللّهُ بِبِشارَتِهِ ، وحَفَّتكَ مَلائِكَتُهُ ، وَاستَقرَرتَ في جِوارِ المُصطَفى ، فَأَكرَمَكَ اللّهُ بِجِوارِهِ ، ولَحِقتَ بِدَرَجَةِ أخيكَ المُصطَفى ، وشَرِبتَ بِكَأسِهِ الأَوفى ، فَاسأَلِ اللّهَ أن يَمُنَّ عَلَينا بِاقتِفائِنا أثَرَكَ وَالعَمَلِ بِسيرَتِكَ ، وَالمُوالاةِ لِأَولِيائِكَ ، وَالمُعاداةِ لِأَعدائِكَ ، وأن يَحشُرَنا في زُمرَةِ أولِيائِكَ ، فَقَد نِلتَ ما لَم يَنَلهُ أحَدٌ ، وأدرَكتَ مالَم يُدرِكهُ أحَدٌ ، وجاهَدتَ في سَبيلِ رَبِّكَ بَينَ يَدَي أخيكَ المُصطَفى حَقَّ جِهادِهِ ، وقُمتَ بِدينِ اللّهِ حَقَّ القِيامِ ، حَتّى أقَمتَ السُّنَنَ ، وأبَرتَ الفِتَنَ وَاستَقامَ الإِسلامُ ، وَانتَظَمَ الإِيمانُ ، فَعَلَيكَ مِنّي أفضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ . بِكَ اشتَدَّ ظَهرُ المُؤمِنينَ ، وَاتَّضَحَت أعلامُ السُّبُلِ ، واُقيمَتِ السُّنَنُ ، وما جُمِعَ لِأَحَدٍ مَناقِبُكَ وخِصالُكَ ، سَبَقتَ إلى إجابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مُقدِماً مُؤثِراً ، وسارَعتَ إلى نُصرَتِهِ ، ووَقَيتَهُ بِنَفسِكَ ، ورَمَيتَ سَيفَكَ ذَا الفَقارِ في مَواطِنِ الخَوفِ وَالحَذَرِ ، قَصَمَ اللّهُ بِكَ كُلَّ جَبّارٍ عَنيدٍ ، ودَلَّ (1) بِكَ كُلَّ ذي بَأسٍ شَديدٍ ، وهَدَمَ بِكَ حُصونَ أهلِ الشِّركِ وَالكُفرِ وَالعُدوانِ وَالرَّدىِ ، وقَتَلَ بِكَ أهلَ الضَّلالِ مِنَ العِدى ، فَهَنيئاً لَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كُنتَ أقرَبَ النّاسِ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قُرباً ، وأوَّلَهُم سِلماً ، وأكثَرَهُم عِلماً وفَهماً ، فَهَنيئاً لَكَ يا أبَا الحَسَنِ ، لَقَد شَرَّفَ اللّهُ مَقامَكَ ، وكُنتَ أقرَبَ النّاسِ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَسَباً ، وأوَّلَهُم إسلاماً ، وأوفاهُم يَقيناً ، وأشَدَّهُم قَلباً ، وأبذَلَهُم لِنَفسِهِ مُجاهِداً ، وأعظَمَهُم فِى ¨
.
ص: 310
الخَيرِ نَصيباً ؛ فَلا حَرَمَنَا اللّهُ أجرَكَ ، ولا أذَلَّنا بَعدَكَ ، فَوَاللّهِ لَقَد كانَت حَياتُكَ مَفاتِحَ لِلخَيرِ ومَغالِقَ لِلشَّرِّ ، وإنَّ يَومَكَ هذا مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ ومِغلاقُ كُلِّ خَيرٍ ، ولَو أنَّ النّاسَ قَبِلوا مِنكَ لَأَكَلوا مِن فَوقِهِم ومِن تَحتِ أرجُلِهِم ، ولكِنَّهُم آثَرُوا الدُّنيا عَلَى الآخِرَةِ . ثُمَّ بَكى بُكاءً شَديداً وأبكى كُلَّ مَن كانَ مَعَهُ ، وعَدَلوا إلَى الحَسَنِ وَالحُسَينِ ومُحَمَّدٍ وجَعفَرٍ وَالعَبّاسِ ويَحيى وعَونٍ وعَبدِ اللّهِ عليهم السلام ، فَعَزَّوهُم في أبيهِم صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، وَانصَرَفَ النّاسُ ، ورَجَعَ أولادُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وشيعَتُهُم إلَى الكوفَةِ (1) .
الكافي عن اُسيد بن صفوان :لَمّا كانَ اليَومُ الَّذي قُبِضَ فيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ارتُجَّ المَوضِعُ بِالبُكاءِ ودَهِشَ النّاسُ كَيَومٍ قُبِضُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وجاءَ رَجُلٌ باكِيا وهُوَ مُسرِعٌ مُستَرجِعٌ وهُوَ يَقولُ : اليَومَ انقَطَعَت خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ، حَتّى وَقَفَ عَلى بابِ البَيتِ الَّذي فيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : رَحِمَكَ اللّهُ يا أبَا الحَسَنِ ! كُنتَ أوَّلَ القَومِ إسلاما ، وأخلَصَهُم إيمانا ، وأشَدَّهُم يَقينا ، وأخوَفَهُم للّهِِ ، وأعظَمَهُم عَناءً ، وأحوَطَهُم عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وآمَنَهُم عَلى أصحابِهِ ، وأفضَلَهُم مَناقِبَ ، وأكرَمَهُم سَوابِقَ ، وأرفَعَهُم دَرَجَةً ، وأقرَبَهُم مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأشبَهَهُم بِهِ هَدياً وخُلقا وسَمتا وفِعلاً ، وأشرَفَهُم مَنزِلَةً ، وأكرَمَهُم عَلَيهِ ، فَجَزاكَ اللّهُ عَنِ الإِسلامِ وعَن رَسولِهِ وعَنِ المُسلِمينَ خَيرا . قَويتَ حينَ ضَعُفَ أصحابُهُ ، وبَرَزتَ حينَ استَكانوا ، ونَهَضتَ حينَ وَهِنوا ، ولَزِمتَ مِنهاجَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ هَمَّ أصحابُهُ ، وكُنتَ خَليفَتَهُ حَقّا ، لَم تُنازِع ولَم تَضرُع بِرَغمِ المُنافِقينَ ، وغَيظِ الكافِرينَ ، وكَرهِ الحاسِدينَ ، وصُغرِ الفاسِقينَ . فَقُمتَ بِالأَمرِ حينَ فَشِلوا ، ونَطَقتَ حينَ تَتَعتَعوا ، ومَضَيتَ بِنورِ اللّهِ إذ وَقَفوا ، فَاتَّبَعوكَ فَهُدوا ، وكُنتَ أخفَضَهُم صَوتا ، وأعلاهُم قُنوتا ، وأقَلَّهُم كَلاما ، وأصوَبَهُم
.
ص: 311
نُطقا ، وأكبَرَهُم رَأيا ، وأشجَعَهُم قَلبا ، وأشَدَّهُم يَقينا ، وأحسَنَهُم عَمَلاً ، وأعرَفَهُم بِالاُمورِ . كُنتَ وَاللّهِ يَعسوبا لِلدّينِ ، أوَّلاً وآخِرا : الأَوَّلُ حينَ تَفَرَّقَ النّاسُ ، وَالآخِرُ حينَ فَشِلوا ، كُنتَ لِلمُؤمنينَ أباً رَحيماً ، إذ صاروا عَلَيكَ عِيالاً ، فَحَمَلتَ أثقالَ ما عَنهُ ضَعُفوا ، وحَفِظتَ ما أضاعوا ، ورَعَيتَ ما أهمَلوا ، وشَمَّرتَ إذِ (1) اجتَمَعوا ، وعَلَوتَ إذ هَلِعوا ، وصَبَرتَ إذ أسرَعوا ، وأدرَكتَ أوتارَ ما طَلَبوا ، ونالوا بِكَ ما لَم يَحتَسِبوا . كُنتَ عَلَى الكافِرينَ عَذابا صَبّاً ونَهباً ، ولِلمُؤمِنينَ عَمَدا وحِصنا ، فَطِرتَ وَاللّهِ بِنَعمائِها وفُزتَ بِحِبائِها ، وأحرَزتَ سَوابِقَها ، وذَهَبتَ بِفَضائِلِها ، لَم تَفلُل حُجَّتُكَ ، ولَم يَزُغ قَلبُكَ ، ولَم تَضعُف بَصيرَتُكَ ، ولَم تَجبُن نَفسُكَ ولَم تَخُر . كُنتَ كَالجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ العَواصِفُ ، وكُنتَ كَما قالَ : آمَنَ النّاسُفي صُحبَتِكَ وذاتِ يَدِكَ ، وكُنتَ كَما قالَ : ضَعيفاً في بَدَنِكَ ، قَوِيّاً في أمرِ اللّهِ ، مُتَواضِعا في نَفسِكَ ، عَظيما عِندَ اللّهِ ، كَبيرا فِي الأَرضِ ، جَليلاً عِندَ المُؤمِنينَ ، لَم يَكُن لِأَحَدٍ فيكَ مِهمَزٌ ، ولا لِقائِلٍ فيكَ مَغمَزٌ ، ولا لِأَحَدٍ فيكَ مَطمَعٌ ، ولا لِأَحَدٍ عِندَكَ هَوادَةٌ ، الضَّعيفُ الذَّليلُ عِندَكَ قَوِيٌّ عَزيزٌ حَتّى تَأخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ ، وَالقَوِيُّ العَزيزُ عِندَكَ ضَعيفٌ ذَليلٌ حَتّى تَأخُذَ مِنهُ الحَقَّ ، وَالقَريبُ وَالبَعيدُ عِندَكَ في ذلِكَ سَواءٌ ، شَأنُكَ الحَقُّ وَالصِّدقُ وَالرِّفقُ ، وقَولُكَ حُكمٌ وحَتمٌ وأمرُكَ حِلمٌ وحَزمٌ ، ورأيُكَ عِلمٌ وعَزمٌ فيما فَعَلتَ ، وقَد نُهِجَ السَّبيلُ ، وسَهُلَ العَسيرُ واُطفِئَتِ النّيرانُ ، وَاعتَدَلَ بِكَ الدّينُ ، وقَوِيَ بِكَ الإِسلامُ ، فَظَهَرَ أمرُ اللّهِ ولَو كَرِهَ الكافِرونَ ، وثَبَتَ بِكَ الإِسلامُ وَالمُؤمِنونَ ، وسَبَقتَ سَبقا بَعيدا ، وأتعَبتَ مَن بَعدَكَ تَعَبا شَديدا ، فَجَلَلتَ عَنِ البُكاءِ ، وعَظُمَت رَزِيَّتُكَ فِي السَّماءِ ، وهَدَّت مُصيبَتُكَ الأَنامَ ، فَإِنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعوَن ، رَضينا عَنِ اللّهِ قَضاهُ ، وسَلَّمنا للّه
.
ص: 312
أمرَهُ ، فَوَاللّهِ لَن يُصابَ المُسلِمونَ بِمِثلِكَ أبَداً . كُنتَ لِلمُؤمِنينَ كَهفاً وحِصناً ، وقُنَّةً (1) راسِياً ، وعَلَى الكافِرينَ غِلظَةً وغَيظاً ، فَأَلحَقَكَ اللّهُ بِنَبِيِّهِ ، ولا أحرَمَنا أجرَكَ ، ولا أضَلَّنا بَعدَكَ . وسَكَتَ القَومُ حَتّى انقَضى كَلامُهُ وبَكى وبَكى أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ طَلَبوهُ فَلَم يُصادِفوهُ (2) .
6 / 4مَوقِفُ عائِشَةَ مِن قَتلِ الإِمامِمقاتل الطالبيّين عن أبي البختري :لَمّا أن جاءَ عائِشَةَ قَتلُ عَلِيٍّ عليه السلام سَجَدَت (3) .
الاستيعاب عن عائشة_ لَمّا بَلَغَها قَتلُ عَلِيٍّ عليه السلام _: لِتَصنَعِ العَرَبُ ما شاءَت ؛ فَلَيسَ أحَدٌ يَنهاها (4) .
تاريخ الطبري :لَمَّا انتَهى إلى عائِشَةَ قَتلُ عَلِيٍّ رضى الله عنهقالَت : فَأَلقَت عَصاها وَاستَقَرَّت بِهَا النَّوى كَما قَرَّ عَينا بِالإِيابِ المُسافِرُ فَمَن قَتَلَهُ ؟ فَقيلَ : رَجُلٌ مِن مُرادٍ ، فَقالَت : فَإِن يكُ نائِيا فَلَقَد نَعاهُ غُلامٌ لَيسَ في فيهِ التُّرابُ فَقالَت زَينَبُ ابنَةُ أبي سَلَمَةَ : أ لِعَلِيٍّ تَقولينَ هذا ؟ فَقالَت : إنّي أنسى ، فَإِذا نَسيتُ فَذَكِّروني (5) .
.
ص: 313
6 / 5كَلامُ مُعاوِيَةَ لَمّا جيءَ بِنَعيِ الإِمامِتاريخ دمشق عن المغيرة :لَمّا جيءَ مُعاوِيَةُ بِنَعيِ عَلِيٍّ وهُوَ قائِلٌ مَعَ امرَأَتِهِ بِنتِ قَرَظَةَ في يَومٍ صائِفٍ قالَ : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، ماذا فَقَدوا مِنَ العِلمِ وَالحِلمِ وَالفَضلِ وَالفِقهِ ! فَقالَتِ امرَأَتُهُ : أنتَ بِالأَمسِ تطَعَنُ في عَينَيهِ وتَستَرجِعُ اليَومَ عَلَيهِ ؟ ! قالَ : وَيلَكِ ! لا تَدرينَ ماذا فَقَدوا مِن عِلمِهِ وفَضلِهِ وسَوابِقِهِ (1) .
6 / 6قِصاصُ ابنِ مُلجَمٍتهذيب الأحكام عن أبي مطر :لَمّا ضَرَبَ ابنُ مُلجَمٍ الفاسِقُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ لَهُ الحَسَنُ عليه السلام : أقتُلُهُ ؟ قالَ : لا ، ولكِنِ احبِسهُ ؛ فَإِذا مُتُّ فَاقتُلوهُ ، وإذا مُتُّ فَادفِنوني في هذَا الظَّهرِ في قَبرِ أخَوَيَّ هودٍ وصالِحٍ عليهماالسلام (2) .
فضائل الصحابة عن الحسن بن كثير عن أبيه :قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، خَلِّ بَينَنا وبَينَ مُرادٍ ؛ فَلا تَقومُ لَهُم زاعِبَةٌ (3) أو راعِيَةٌ أبَدا ، قالَ : لا ، ولكِنِ احبِسُوا الرَّجُلَ ، فَإِن أنَا مُت
.
ص: 314
فَاقتُلوهُ ، وإن أعِش فَالجُروحُ قِصاصٌ (1) .
مقاتل الطالبيّين عن عبد اللّه بن محمّد الأزدي :اُدخِلَ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ عَلى عَلِيٍّ ، ودَخَلتُ عَلَيهِ فيمَن دَخَلَ ، فَسَمِعتُ عَلِيّا يَقولُ : «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» (2) إن أنَا مُتُّ فَاقتُلوهُ كَما قَتَلَني ، وإن سَلِمتُ رَأَيتُ فيهِ رَأيي (3) .
الإرشاد :جاءَ النّاسُ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالوا لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ مُرنا بِأَمرِكَ في عَدُوِّ اللّهِ ؛ فَلَقَد أهلَكَ الاُمَّةَ وأفسَدَ المِلَّةَ ! فَقالَ لَهُم أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : إن عِشتُ رَأَيتُ فيهِ رَأيي ، وإن هَلَكتُ فَاصنَعوا بِهِ ما يُصنَع بِقاتِلِ النَّبِيِّ ، اُقتُلوهُ ثُمَّ حَرِّقوهُ بَعدَ ذلِكَ بِالنّارِ (4) .
مسند ابن حنبل عن أبي تحيى :لَمّا ضَرَبَ ابنُ مُلجَمٍ عَلِيّا رضى الله عنه الضَّربَةَ قالَ عَلِيٌّ : اِفعَلوا بِهِ ما أرادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يَفعَلَ بِرَجُلٍ أرادَ قَتلَهُ ، فَقالَ : اُقتُلوهُ ثُمَّ حَرِّقوهُ (5) .
تاريخ اليعقوبي :إجتَمَعَ النّاسُ ، فَبايَعُوا الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ ، وخَرَجَ الحَسَنُ ابنُ عَلِيٍّ إلَى المَسجِدِ الجامِعِ ، فَخَطَبَ خُطبَةً لَهُ طَويلَةً ، ودَعا بِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ مُلجَمٍ ، فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : مَا الَّذي أمَرَكَ بِهِ أبوكَ ؟ قالَ : أمَرَني أن لا أقتُلَ غَيرَ قاتِلِهِ ، وأن اُشبِع
.
ص: 315
بَطنَكَ ، واُنعِمَ وِطاءَكَ ، فَإِن عاشَ أقتَصُّ أو أعفو ، وإن ماتَ اُلحِقَنَّكَ بِهِ . فَقالَ ابنُ مُلجَمٍ : إن كانَ أبوكَ لِيَقولُ الحَقَّ ويَقضي بِهِ في حالِ الغَضَبِ وَالرِّضا ، فَضَرَبَهُ الحَسَنُ بِالسَّيفِ ، فَالتَقاهُ بِيَدِهِ فَنَدَرَت (1) ، وقَتَلَهُ (2) .
الإرشاد :لَمّا قُضِىَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وفَرَغَ أهلُهُ مِن دَفنِهِ جَلَسَ الحَسَنُ عليه السلام وأَمَرَ أن يُؤتِىَ بِابنِ مُلجَمٍ ، فَجيءَ بِهِ ، فَلَمّا وَقَفَ بَينَ يَدَيهِ قالَ لَهُ : يا عَدُوَّ اللّهِ ! ! قَتَلتَ أميرَ المُؤمِنينَ ، وأعظَمتَ الفَسادَ فِي الدّينِ . ثُمَّ أمَرَ بِهِ فَضُرِبَت عُنُقُهُ ، وَاستَوهَبَت اُمُّ الهَيثَمِ بِنتُ الأَسوَدِ النَّخَعِيَّةُ جيفَتَهُ مِنهُ لِتَتَوَلّى إحراقَها ، فَوَهَبَها لَها ، فَأَحرَقَتها بِالنّارِ (3) .
تاريخ الطبري :وقَد كانَ عَلِيٌّ نَهَى الحَسَنَ عَنِ المُثلَةِ ، وقالَ : يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، لا اُلفِيَنَّكُم تَخوضونَ دِماءَ المُسلِمينَ ، تَقولونَ : قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ ، قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ ! ألا لا يُقتَلَنَّ إلّا قاتِلي . انظُر يا حَسَنُ ؛ إن أنَا مُتُّ مِن ضَربَتِهِ هذِهِ فَاضرِبهُ ضَربَةً بِضَربَةٍ ، ولا تُمَثِّل بِالرَّجُلِ ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إيّاكُم وَالمُثلَةَ ولَو أنَّها بِالكَلبِ العَقورِ . فَلَمّا قُبِضَ عليه السلام بَعَثَ الحَسَنُ إلَى ابنِ مُلجَمٍ ، فَقالَ لِلحَسَنِ : هَل لَكَ فِيَّ خَصلَةٌ ؟ إنّي وَاللّهِ ما أعطَيتُ اللّهَ عَهدا إلّا وَفَيتُ بِهِ ، إنّي كُنتُ قَد أعطَيتُ اللّهَ عَهدا عِندَ الحَطيمِ أن أقتُلَ عَلِيّا ومُعاوِيَةَ أو أموتَ دونَهُما ، فَإِن شِئتَ خَلَّيتَ بَيني وبَينَهُ ، ولَكَ اللّهَ عَلَيَّ إن لَم أقتُلهُ _ أو قَتَلتُهُ ثُمَّ بَقيتُ _ أن آتِيَكَ حَتّى أضَعَ يَدي في يَدِكَ . فَقالَ لَهُ الحَسَنُ : أما
.
ص: 316
وَاللّهِ حَتّى تُعايِنَ النّارَ فَلا . ثُمَّ قَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ أخَذَهُ النّاسُ فَأَدرَجوهُ في بَواري ، ثُمَّ أحرَقوهُ بِالنّارِ (1) .
6 / 7مَكانُ قَبرِ الإِمامِالإمام الباقر عليه السلام :كانَ في وَصِيَّةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : أن أخرِجوني إلَى الظَّهر فَإِذا تَصَوَّبَت أقدامُكُم وَاستَقبَلَتكُم ريحٌ فَادفِنوني ، وهُوَ أوَّلُ طورِ سَيناءَ ، فَفَعَلوا ذلِكَ (2) .
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ يَأتِي النَّجَفَ ويَقولُ : وادِي السَّلامِ ومَجمَعُ أرواحِ المُؤمِنينَ ونِعمَ المَضجَعُ لِلمُؤمِنِ هذَا المَكانُ . وكانَ يَقولُ : اللّهُمَّ اجعَل قَبري بِها (3) .
فرحة الغري عن أحمد بن حباب :نَظَرَ أميرُ المُؤمِنينَ إلى ظَهرِ الكوفَةِ فَقالَ : ما أحسَنَ ظَهرَكَ ، وأطيَبَ قَعرَكَ ! اللّهُمَّ اجعَل قَبري بِها (4) .
تهذيب الأحكام عن أبي طالب :سَأَلتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عليهماالسلام : أينَ دَفَنتُم أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : عَلى شَفيرِ الجُرُفِ ، ومَرَرنا بِهِ لَيلاً عَلى مَسجِدِ الأَشعَثِ ، وقالَ : اِدفِنوني في قَبرِ أخي هودٍ عليه السلام (5) .
.
ص: 317
الإرشاد عن جابر بن يزيد :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الباقِرَ عليه السلام : أينَ دُفِنَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ : دَفَنَ بِناحِيَةِ الغَرِيَّينِ ، ودُفِنَ قَبلَ طُلوعِ الفَجرِ ، ودَخَلَ قَبرَهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ ومُحَمَّدٌ بَنو عَلِيٍّ عليه السلام وعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ رضى الله عنه (1) .
فرحة الغري عن أبي بصير :سَأَلتُ أباجَعفَرٍ عليه السلام عَن قَبرِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ؛ فَإِنَّ النّاسَ قَدِ اختَلَفوا فيهِ ، قالَ : إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام دُفِنَ مَعَ أبيهِ نوحٍ في قَبرِهِ ، قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ مَن تَوَلّى دَفنَهُ ؟ فَقالَ : رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَعَ الكِرامِ الكاتِبينَ بِالرَّوحِ وَالرَّيحانِ (2) .
تهذيب الأحكام عن أبي بصير :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : أينَ دُفِنَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ : دُفِنَ في قَبرِ أبيهِ نوحٍ عليه السلام قُلتُ : وأينَ قَبرُ نوحٍ ؟ النّاسُ يَقولونَ : إنَّهُ فِي المَسجِدِ ، قالَ : لا ، ذاكَ في ظَهرِ الكوفَةِ (3) .
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا قُبِضَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أخرَجَهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ ورَجُلانِ آخَرانِ ، حَتّى إذا خَرَجوا مِنَ الكوفَةِ تَرَكوها عَن أيمانِهِم ، ثُمَّ أخَذوا فِي الجَبّانَةِ حَتّى مَرّوا بِهِ إلَى الغَرِيِّ ، فَدَفَنوهُ وسَوَّوا قَبرَهُ فَانصَرَفوا (4) .
فرحة الغري عن عبد الرحيم القصير :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام عَن قَبرِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مَدفونٌ في قَبرِ نوحٍ . قالَ : قُلتُ : ومَن نوحٌ ؟ قالَ : نوحٌ النَّبِيُّ عليه السلام . قُلتُ : كَيفَ صارَ هكَذا ؟ فَقالَ : إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ صِدّيقٌ ، هَيَّأَ اللّهُ لَهُ مَضجَعَهُ في مَضجَعِ صِدّيقٍ .
.
ص: 318
يا عَبدَ الرَّحيمِ ، إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخبَرَنا بِمَوتِهِ وبِالمَوضِعِ الَّذي دُفِنَ فيهِ ، وأنزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ حَنوطا مِن عِندِهِ مَعَ حَنوطِ أخيهِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأخبَرَهُ أنَّ المَلائِكَةَ تُنزِلُهُ قَبرَهُ ، فَلَمّا قُبِضَ عليه السلام كانَ فيما أوصى بِهِ ابنَيهِ الحَسَنَ والحُسَينَ عليهماالسلام إذ قالَ لَهُما : إذا مُتُّ فَغَسِّلاني وحَنِّطاني وَاحمِلاني بِاللَّيلِ سِرّا ، وَاحمِلا يا بَنِيَّ بِمُؤَخَّرِ السَّريرِ وَاتبَعاهُ ، فَإِذا وُضِعَ فَضَعا ، وَادفِناني فِي القَبرِ الَّذي يوضَعُ السَّريرُ عَلَيهِ ، وَادفِناني مَعَ مَن يُعينُكُما عَلى دَفني فِي اللَّيلِ ، وسَوِّياهُ (1) .
فرحة الغري عن أبي بكر بن عيّاش :سَأَلتُ أبا حَصينٍ وَالأَعمَشَ وغَيرَهُم فَقُلتُ : أخبَرَكُم أحَدٌ أنَّهُ صَلّى عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أو شَهِدَ دَفنَهُ ؟ قالوا : لا ، فَسَأَلتُ أباكَ مُحَمَّدَ بنَ السّائِبِ فَقالَ : اُخرُج بِهِ لَيلاً ، وخَرَجَ بِهِ الحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهماالسلامومُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِيَّةِ وعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ وعِدَّةٌ مِن أهلِ بَيتِهِ ، فَدُفِنَ في ظَهرِ الكوفَةِ ، فَقُلتُ لِأَبيكَ : لِمَ فَعَلَ بِهِ ذلِكَ ؟ قالَ : مَخافَةَ أن يَنبُشُهُ الخَوارِجُ وغَيرُهُم (2) .
تاريخ اليعقوبي :دُفِنَ بِالكوفَةِ في مَوضِعٍ يُقالُ لَهُ : الغَرِيُّ (3) .
6 / 8إخفاءُ قَبرِ الإِمامِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام أمَرَ ابنَهُ الحَسَنَ أن يَحفِرَ لَهُ أربَعَةَ قُبورٍ في أربَعَةِ مَواضِعَ : فِي المَسجِدِ ، وفِي الرُّحبَةِ ، وفِيالغَرِيِّ ، وفي دارِ جَعدَةَ بنِ هُبَيرَةَ ، وإنَّما أرادَ بِهذا أن لا يَعلَمَ أحَدٌ مِن أعدائِهِ مَوضِعَ قَبرِهِ عليه السلام (4) .
.
ص: 319
إرشاد القلوب :لَمّا قُبِضَ وغُسِّلَ وكُفِّنَ اُخرِجَ إلى مَسجِدِ الكوفَةِ أربَعُ تَوابيتَ فَصُلِّيَ عَلَيها ، ثُمَّ اُدخِلَ تابوتٌ إلَى البَيتِ وَالثَّلاثَةُ الباقِيَةُ مِنها ما بُعِثَ إلى جَهَةِ بَيتِ اللّهِ الحَرامِ ، ومِنها ما حُمِلَ إلى مَدينَةِ الرَّسولِ ، ومِنها ما نُقِلَ إلَى البَيتِ المُقدِسِ ، وفَعَلَ ذلِكَ لِاءِخفائِهِ عليه السلام (1) .
راجع : العنوان التالي .
6 / 9ظُهورُ قَبرِ الإِمامِكتاب من لا يحضره الفقيه عن صفوان عن الإمام الصادق عليه السلام :سارَ وأنَا مَعَهُ فِي القادِسِيَّةِ (2) حَتّى أشرَفَ عَلَى النَّجَفِ . . . ثُمَّ قالَ عليه السلام : اِعدِلِ بِنا ، قالَ : فَعَدَلتُ بِهِ فَلَم يَزَل سائِرا حَتّى أتَى الغَرِيَّ ، فَوَقَفَ عَلَى القَبرِ فَساقَ السَّلامَ مِن آدَمَ عَلى نَبِيٍّ نَبِيٍّ عليهم السلام وأنَا أسوقُ السَّلامَ مَعَهُ حَتّى وَصَلَ السَّلامُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ خَرَّ عَلَى القَبرِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ وعَلا نَحيبَهُ ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى أربَعَ رَكَعاتٍ _ وفي خَبَرٍ آخَرَ : سِتَّ رَكَعاتٍ _ وصَلَّيتُ مَعَهُ ، وقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ما هذَا القَبرُ ؟ قالَ: هذَا القَبرُ قَبرُ جَدّي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام (3) .
فرحة الغري عن صفوان الجمّال :خَرَجتُ مَعَ الصّادِقِ عليه السلام مِنَ المَدينَةِ اُريدُ الكوفَةَ ، فَلَمّا جُزنا بابَ الحيرَةِ (4) قالَ : يا صَفوانُ . قُلتُ : لَبَّيكَ يَابنَ رَسولِ اللّهِ . قالَ : تُخرِجُ المَطايا
.
ص: 320
إلَى القائِمِ وجِدَّ الطَّريقَ إلى الغَرِيِّ . قالَ صَفوانُ : فَلَمّا صِرنا إلى قائِمِ الغَرِيِّ أخرَجَ رِشاءً (1) مَعَهُ دَقيقا قَد عُمِلَ مِنَ الكِنبارِ (2) ، ثُمَّ تَبَعَّدَ مِنَ القائِمِ مَغرِبا خُطىً كَثيرَةً ، ثُمَّ مَدَّ ذلِكَ الرِّشاءَ حَتَّى انتَهى إلى آخِرِهِ فَوَقَفَ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إلَى الأَرضِ فَأَخرَجَ مِنها كَفّا مِن تُرابٍ فَشَمَّهُ مَلِيّا ، ثُمَّ أقبَلَ يَمشي حَتّى وَقَفَ عَلى مَوضِعِ القَبرِ الآنَ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ المُبارَكَةِ إلَى التُّربَةِ ، فَقَبَضَ مِنها قَبضَةً ، ثُمَّ شَهِقَ شَهقَةً حَتّى ظَنَنتُ أنَّهُ فارَقَ الدُّنيا ، فَلَمّا أفاقَ قالَ: هاهُنا وَاللّهِ مَشهَدُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، ثُمَّ خَطَّ تَخطيطا ، فَقُلتُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، ما مَنَعَ الأَبرارَ مِن أهلِ بَيتِهِ مِن إظهارِ مَشهَدِهِ ؟ قالَ : حَذَرا مِن بَني مَروانَ وَالخَوارِجِ أن تَحتالَ في أذاهُ (3) .
الكافي عن صفوان الجمّال :كُنتُ أنَا وعامِرٌ وعَبدُ اللّهِ بنُ جُذاعَةَ الأَزدِيُّ عِندَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام قالَ : فَقالَ لَهُ عامِرٌ : جُعِلتُ فِداكَ إنَّ النّاسَ يَزعُمونَ أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام دُفِنَ بِالرُّحبَةِ (4) ؟ قالَ : لا ، قالَ : فَأَينَ دُفِنَ ؟ قالَ : إنَّهُ لَمّا ماتَ احتَمَلَهُ الحَسَنُ عليه السلام فَأَتى بِهِ ظَهرَ الكوفَةِ قَريبا مِنَ النَّجَفِ يَسرَةً عَنِ الغَرِيِّ يَمنَةً عَنِ الحيرَةِ ، فَدَفَنَهُ بَينَ ذَكَواتٍ 5 بيضٍ .
.
ص: 321
فَلَمّا كانَ بَعدُ ذَهَبتُ إلَى المَوضِعِ فَتَوَهَّمتُ مَوضِعا مِنهُ ، ثُمَّ أتَيتُهُ فَأَخبَرتُهُ فَقالَ لي : أصَبتَ رَحِمَكَ اللّهُ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ (1) .
الكافي عن عبد اللّه بن سنان :أتاني عُمَرُ بنُ يَزيدَ فَقالَ لي : إركَب ، فَرَكِبتُ مَعَهُ ، فَمَضَينا حَتّى أتَينا مَنزِلَ حَفصٍ الكُناسِيِّ ، فَاستَخرَجتُهُ فَرَكِبَ مَعَنا ، ثُمَّ مَضَينا حَتّى أتَينا الغَرِيَّ فَانتَهَينا إلى قَبرٍ ، فَقالَ : إنزِلوا هذا قَبرُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقُلنا مِن أينَ عَلِمتَ ؟ فَقالَ : أتَيتُهُ مَعَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام حَيثُ كانَ بِالحيرَةِ غَيرَ مَرَّةٍ ، وخَبَّرَني أنَّهُ قَبرُهُ (2) .
الإرشاد :تَوَلّى غُسلَهُ وتَكفينَهُ ابناهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهماالسلام بِأَمرِهِ ، وحَمَلاهُ إلَى الغَرِيِّ مِن نَجَفٍ الكوفَةَ ، فَدَفَناهُ هُناكَ وعَفَيا مَوضِعَ قَبرِهِ بِوَصِيَّةٍ كانَت مِنهُ إلَيهِما في ذلِكَ ؛ لِما كانَ يُعلِمُهُ عليه السلام مِن دَولَةِ بَني اُمَيَّةَ مِن بَعدِهِ ، وَاعتِقادِهِم في عَداوَتِهِ ، وما يَنتَهونَ إلَيهِ بِسوءِ النِّيّاتِ فيهِ مِن قَبيحِ الفِعالِ وَالمَقالِ بِما تَمَكَّنوا مِن ذلِكَ ، فَلَم يَزَل قَبرُهُ عليه السلام مخُفىً حَتّى دَلَّ عَلَيهِ الصّادِقُ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ عليهماالسلامفِي الدَّولَةِ العَبّاسِيَّةِ ، وزارَهُ عِندَ وُرودِهِ إلى أبي جَعفَرٍ [المَنصورِ] _ وهُوَ بِالحيرَةِ _ فَعَرَفَتهُ الشّيعَةُ وَاستَأنَفوا إذ ذاكَ زِيارَتَهُ عَلَيهِ السَّلامُ وعَلى ذُرِّيَّتِهِ الطّاهِرينَ ، وكانَ سِنُّهُ عليه السلام يَومَ وَفاتِهِ ثَلاثا وسِتّينَ سَنَةً (3) .
الإرشاد عن عبد اللّه بن حازم :خَرَجنا يَوما مَعَ الرَّشيدِ مِنَ الكوفَةِ نَتَصَيَّدُ ، فَصِرنا إلى ناحِيَةِ الغَرِيَّينِ وَالثَّوِيَّةِ (4) ، فَرَأَينا ظِباءً فَأَرسَلنا عَلَيهَا الصُّقورَةَ وَالكِلابَ ، فَجاوَلَتها ساعَةً ثُمَّ لَجَأَتِ الظِّباءُ إلى أكَمَةٍ (5) فَسَقَطَت عَلَيها فَسَقَطَتِ الصُّقورَةُ ناحِيَةً ورَجَعتِ الكِلابُ ، فَعَجِبَ الرَّشيدُ مِن ذلِكَ ، ثُمَّ إنَّ الظِّباءَ هَبَطَت مِنَ الأَكَمَةِ فَهَطبت الصُّقورَةُ وَالكِلابُ ،
.
ص: 322
فَرَجَعَتِ الظِّباءُ إلَى الأَكَمَةِ فَتَراجَعَت عَنهَا الكِلابُ وَالصُّقورَةُ ، فَفَعَلَت ذلِكَ ثَلاثا ، فَقالَ الرَّشيدُ : اُركُضوا ؛ فَمَن لَقيتُموهُ فَأَتَوني بِهِ ، فَأَتَيناهُ بِشَيخٍ مِن بَني أسَدٍ ، فَقالَ لَهُ هارونُ : أخبَرَني ما هذِهِ الأَكَمَةُ ؟ قالَ : إن جَعَلتَ لِيَ الأَمانَ أخبَرتُكَ . قالَ : لَكَ عَهدُ اللّهِ وميثاقُهُ أن لا اهيجُكَ ولا اُؤذيكَ . قالَ : حَدَّثَني أبي عَن آبائي أنَّهُم كانوا يَقولونَ : إنَّ في هذِهِ الأَكَمَةِ قَبرَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، جَعَلَهُ اللّهُ حَرَما لا يَأوي إلَيهِ شَيءٌ إلّا أمِنَ . فَنَزَلَ هارونُ فَدَعا بِماءٍ وتَوَضَّأَ وصَلّى عِندَ الأَكَمَةِ وتَمَرَّغَ عَلَيها وجَعَلَ يَبكي ، ثُمَّ انصَرَفنا (1) .
.
ص: 323
بحث حول موضع قبر الإمامقال العلّامة المجلسي قدس سره : اعلم أنّه كان في بعض الأزمان بين المخالفين اختلاف في موضع قبره الشريف عليه السلام ؛ فذهب جماعة من المخالفين إلى أنّه دُفن في رحبة مسجد الكوفة ، وقيل : إنّه دفن في قصر الإمارة ، وقيل : إنّه أخرجه معه الحسن عليه السلام وحمله معه إلى المدينة ودفنه بالبقيع ، وكان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ ، وقد أجمعت الشيعة على أنّه عليه السلام مدفون بالغريّ في الموضع المعروف عند الخاصّ والعامّ ، وهو عندهم من المتواترات ، رووه خلفاً عن سلف إلى أئمّة الدين صلوات اللّه عليهم أجمعين ، وكان السبب في هذا الاختلاف إخفاء قبره عليه السلام خوفاً من الخوارج والمنافقين ، وكان لا يعرف ذلك إلّا خاصّ الخاصّ من الشيعة ، إلى أن ورد الصادق عليه السلام الحيرة في زمن السفّاح فأظهره لشيعته ، ومن هذا اليوم إلى الآن يزوره كافّة الشيعة في هذا المكان ، وقد كتب عبد الكريم بن أحمد ابن طاووس كتاباً في تعيين موضع قبره عليه السلام وردّ أقوال المخالفين وسمّاه فرحة الغريّ ، وذكر فيه أخباراً متواترة فرّقناها على الأبواب . وقال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (1) : قال أبو الفرج الأصفهاني : حدّثني أحمد بن عيسى ، عن الحسين بن نصر ، عن زيد بن المعدّل ، عن يحيى بن شعيب ، عن أبي مخنف ، عن فضل بن جريح ، عن الأسود الكندى ¨
.
ص: 324
والأجلح قالا : توفّي عليّ عليه السلام وهو ابن أربع وستّين سنة في عام أربعين من الهجرة ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت في شهر رمضان ، وولي غسله ابنه الحسن عليه السلام وعبد اللّه بن العبّاس ، وكفّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ، وصلّى عليه ابنه الحسن ، فكبر عليه خمس تكبيرات ، ودفن في الرحبة ممّا يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح ، هذه رواية أبي مخنف . قال أبوالفرج : وحدّثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن العلوي ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن عليّ الخلال ، عن جدّه قال : قلت للحسين بن عليّ عليهماالسلام : أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال : خرجنا به ليلاً من منزله حتى مررنا به على منزل الأشعث حتى خرجنا به إلى الظَّهر بجنب الغريّ ، قلت : وهذه الرواية هي الحقّ ، وعليها العمل ، وقد قلنا فيما تقدّم أن أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب ، وهذا القبر الذي بالغريّ هو الذي كان بنو عليّ يزورونه قديماً وحديثاً ويقولون : هذا قبر أبينا ، لا يشكّ أحد في ذلك من الشيعة ولا من غيرهم، أعني بنيعليّ من ظهر الحسن والحسين وغيرهما من سلالته المتقدّمين منهم والمتأخّرين ما زاروا ولا وقفوا إلّا على هذا القبر بعينه . وقد روى أبو الفرج عليّ بن عبد الرحمن الجوزي عن أبي الغنائم قال : مات بالكوفة ثلاثمائه صحابي، ليس قبر أحد منهم معروفاً إلّاقبرأميرالمؤمنين عليه السلام ، وهو القبر الذي تزوره الناس الآن ، جاء جعفر بن محمّد وأبوه محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلامفزاراه ولم يكن إذ ذاك قبر ظاهر ، وإنّما كان به شُيوخ (1) أيضا ، حتى جاء محمّد بن زيد الداعي صاحب الديلم فأظهر القبّة (2) .
.
ص: 325
الفصل السابع: زيارة الإمام7 / 1ثَوابُ زِيارَتِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن زارَ عَلِيّا بَعدَ وَفاتِهِ فَلَهُ الجَنَّةُ (1) .
الإمام الصادق عليه السلام :بَينَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام في حِجرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ رَفَعَ رَأسَهُ فَقالَ : يا أبَه ، ما لِمَن زارَكَ بَعدَ مَوتِكَ ؟ فَقالَ : يا بُنَيَّ ، مَن أتاني زائِرا بَعدَ مَوتي فَلَهُ الجَنَّةُ ، ومَن أتى أباكَ زائِرا بَعدَ مَوتِهِ فَلَهُ الجَنَّةُ ، ومَن أتى أخاكَ زائِرا بَعدَ مَوتِهِ فَلَهُ الجَنَّةُ ، ومَن أتاكَ زائِرا بَعدَ مَوتِكَ فَلَهُ الجَنَّةُ (2) .
كامل الزيارات :قالَ الحَسَنُ عليه السلام لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أبَةِ ما جَزاءُ مَن زارَكَ ؟ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : بُنَيَّ مَن زارَني حَيّا أو مَيِّتا ، أو زارَ أباكَ ، كانَ حَقّا عَلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ أن أزورَهُ يَومَ القِيامَةِ فَاُخَلِّصَهُ مِن ذُنوبِهِ (3) .
.
ص: 326
الإمام الصادق عليه السلام :أتى أعرابِيٌّ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ مَنزِلي ناءٍ عَن مَنزِلِكَ ، وإنّي أشتاقُكَ وأشتاقُ إلى زِيارَتِكَ ، وأقدَمُ فَلا أجِدُكَ وأجِدُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَيُؤنِسُني بِحَديثِهِ ومَواعِظِهِ ، وأرجِعُ وأنَا مُتَأَسِّفٌ عَلى رُؤيَتِكَ . فَقالَ عليه السلام : مَن زارَ عَلِيّاً عليه السلام فَقَد زارَني ، ومَن أحَبَّهُ فَقَد أحَبَّني ، ومَن أبغَضَهُ فَقَد أبغَضَني ، أبلِغ قَومَكَ هذا عَنّي ، ومَن أتاهُ زائِراً فَقَد أتاني وأنَا المُجازي لَهُ يَومَ القِيامَةِ ، وجَبرَئيلُ ، وصالِحُ المُؤمِنينَ (1) .
الكافي عن يونس بن أبي وهب القصري :دَخَلتُ المَدينَةَ فَأَتَيتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، أتَيتُكَ ولَم أزُر أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، قالَ : بِئسَ ما صَنَعتَ لَولا أنَّكَ مِن شيعَتِنا ما نَظَرتُ إلَيكَ ، أ لا تَزورُ مَن يَزورُهُ اللّهُ مَعَ المَلائِكَةِ ، ويَزورُهُ الأَنبِياءُ ، ويَزورُهُ المُؤمِنونَ ؟ قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، ما عَلِمتُ ذلِكَ . قالَ : اِعلَم أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، أفضَلُ مِنَ الأَئِمَّةِ كُلِّهِم ، ولَهُ ثَوابُ أعمالِهِم ، وعَلى قَدرِ أعمالِهِم فُضِّلوا (2) .
الإمام الصادق عليه السلام :مَن تَرَكَ زِيارَةَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام لَم يَنظُرِ اللّهُ إلَيهِ ، أ لا تَزورونَ مَن تَزورُهُ المَلائِكَةُ وَالنَّبِيّونَ عليهم السلام ؟ إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام أفضَلُ مِن كُلِّ الأَئِمَّة ، ولَهُ مِثلُ ثَوابِ أعمالِهِم ، وعَلى قَدرِ أعمالِهِم فُضِّلوا (3) .
تهذيب الأحكام عن أبي عامر الساجي :أتَيتُ أبا عَبدِ اللّهِ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، ما لِمَن زارَ قَبرَهُ _ يَعني أميرَ المُؤمِنينَ _ وعَمَّرَ تُربَتَهُ _ ؟
.
ص: 327
قالَ : يا أبا عامِرٍ ، حَدَّثَني أبي عَن أبيهِ عَن جَدِّهِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عَن عَلِيٍّ عليهم السلام أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ لَهُ : وَاللّهِ لَتُقتَلَنَّ بِأَرضِ العِراقِ ، وتُدفَنُ بِها . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما لِمَن زارَ قُبورَنا وعَمَّرَها وتَعاهَدَها ؟ فَقالَ لي : يا أبَا الحَسَنِ ! إنَّ اللّهَ جَعَلَ قَبرَكَ وقَبرَ وُلدِكَ بِقاعاً مِن بُقاعِ الجَنَّةِ وعَرصَةً مِن عَرصاتِها ، وإنَّ اللّهَ جَعَلَ قُلوبَ نُجَباءَ مِن خَلقِهِ وصَفوَتِهِ مِن عِبادِهِ تَحِنُّ إلَيكُم وتَحتَمِلُ المَذَلَّةَ وَالأَذى فيكُم ، فَيُعَمِّرونَ قُبورَكُم ويُكثِرونَ زيارَتَها تَقَرُّبا مِنهُم إلَى اللّهِ مَوَدَّةً مِنهُم لِرَسولِهِ ، اُولئِكَ يا عَلِيُّ المَخصوصونَ بِشَفاعَتي وَالوارِدونَ حَوضي ، وهُم زُوّاري غَدا فِي الجَنَّةِ . يا عَلِيُّ ! مَن عَمَّرَ قُبورَكُم وتَعاهَدَها فَكَأَنَّما أعانَ سُلَيمانَ بنَ داوُدَ عَلى بِناءِ بَيتِ المَقدِسِ ، ومَن زارَ قُبورَكُم عَدَلَ ذلِكَ لَهُ ثَوابَ سَبعينَ حَجَّةً بَعدَ حَجَّةِ الإِسلامِ ، وخَرَجَ مِن ذُنوبِهِ حَتّى يَرجِعَ مِن زِيارَتِكُم كَيَومٍ وَلَدَتهُ اُمُّهُ ، فَابشِر وبَشِّر أولِياءَكَ ومُحِبّيكَ مِنَ النَّعيمِ وقُرَّةِ العَينِ بِما لا عَينٌ رَأَت ولا اُذُنٌ سَمِعَت ولا خَطَرَ عَلى قَلبِ بَشَرٍ . ولكِنَّ حُثالَةً مِنَ النّاسِ يُعَيِّرونَ زُوّارَ قُبورِكُم بِزِيارَتِكُم كَما تُعَيَّرُ الزّانِيَةُ بِزِناها ، اُولئِكَ شِرارُ اُمَّتي ، لا نالَتهُم شَفاعَتي ، ولا يَرِدونَ حَوضي (1) .
تهذيب الأحكام عن جعفر بن محمّد بن مالك عن رجاله يرفعه :كُنتُ عِندَ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليهماالسلام وقَد ذَكَرَ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ ابنُ مارِدٍ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : ما لِمَن زارَ جَدَّكَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ؟ فَقالَ : يَابنَ مارِدٍ ، مَن زارَ جَدّي عارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ حَجَّةً مَقبولَةً وعُمرَةً مَبرورَةً ، وَاللّهِ يَابنَ مارِدٍ ما
.
ص: 328
يُطعِمُ اللّهُ النّارَ قَدَما اغبَرَّت في زِيارَةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ماشِيا كانَ أو راكِبا ، يَابنَ مارِدٍ ! اُكتُب هذَا الحَديثَ بِماءِ الذَّهَبِ (1) .
الإمام الصادق عليه السلام :مَن زارَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ماشِيا كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ حِجَّةً وعُمرَةً ، فَإِن رَجَعَ ماشِيا كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطوَةٍ حِجَّتَينِ وعُمرَتَينِ (2) .
7 / 2ما يُقالُ في زِيارَتِهِالإمام الصادق عليه السلام :زارَ زَينُ العابِدينَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام قَبرَ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ووَقَفَ عَلَى القَبرِ فَبَكى ثُمَّ قالَ : السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أمينَ اللّهِ في أرضِهِ ، وحُجَّتَهُ عَلى عِبادِهِ ، أشهَدُ أنَّكَ جاهَدتَ فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، وعَمِلتَ بِكِتابِهِ ، وَاتَّبَعتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، حَتّى دَعاكَ اللّهُ إلى جِوارِهِ ، وقَبَضَكَ إلَيهِ بِاختِيارِهِ ، وألزَمَ أعداءَكَ الحُجَّةَ في قَتلِهِم إيّاكَ ، مَعَ مالَكَ مِنَ الحُجَجِ البالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلقِهِ . اللّهُمَّ فَاجعَل نَفسي مُطمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ ، راضِيَةً بِقَضائِكَ ، مولَعَةً بِذِكرِكَ ودُعائِكَ ، مُحِبَّةً لِصَفوَةِ أولِيائِكَ ، مَحبوبَةً في أرضِكَ وسَمائِكَ ، صابِرَةً عَلى نُزولِ بَلائِكَ ، شاكِرَةً لِفَواضِلِ نَعمائِكَ ، ذاكِرَةً لِسَوابِغِ آلائِكَ ، مُشتاقَةً إلى فرَحَةِ لِقائِكَ ، مُتَزَوَّدَةً التَّقوى لِيَومِ جَزائِكَ ، مُسَتَنَّةً بِسُنَنِ أولِيائِكَ ، مُفارَقَةً لِأَخلاقِ أعدائِكَ ، مَشغولَةً عَنِ الدُّنيا بِحَمدِكَ وثَنائِكَ . ثُمَّ وَضَعَ خَدَّهُ عَلَى القَبرِ وقالَ : اللّهُمَّ إنَّ قُلوبَ المُخبِتينَ إلَيكَ والِهَةٌ ، وسُبُل
.
ص: 329
الرّاغِبينَ إلَيكَ شارِعَةٌ ، وأعلامَ القاصِدينَ إلَيكَ واضِحَةٌ ، وأفئِدَةَ العارِفينَ مِنكَ فازِعَةٌ ، وأصواتَ الدّاعينَ إلَيكَ صاعِدَةٌ ، وأبوابَ الإِجابَةِ لَهُم مُفَتَّحَةٌ ، ودَعوَةَ مَن ناجاكَ مُستَجابَةٌ ، وتَوبَةَ مَن أنابَ إلَيكَ مَقبولَةٌ ، وعَبرَةَ مَن بَكى مِن خَوفِكَ مَرحومَةٌ ، وَالإِعانَةَ لِمَنِ استَعانَ بِكَ مَوجودَةٌ ، وَالإِغاثَةَ لِمَنِ استَغاثَ بِكَ مَبذولَةٌ ، وعِداتِكَ لِعِبادِكَ مُنَجَّزَةٌ ، وزَلَلَ مَنِ استَقالَكَ مُقالَةٌ ، وأعمالَ العامِلينَ لَدَيكَ مَحفوظَةٌ ، وأرزاقَكَ إلَى الخَلائِقِ مِن لَدُنكَ نازِلَةٌ ، وعَوائِدَ المَزيدِ لَهُم مُتَواتَرَةٌ ، وذُنوبَ المُستغَفِرينَ مَغفورَةٌ ، وحَوائِجَ خَلقِكَ عِندَكَ مَقضِيَّةٌ ، وجَوائِزَ السّائِلينَ عِندَكَ مُوَفَّرَةٌ ، وعَوائِدَ المَزيدِ إلَيهِم واصِلَةٌ ، ومَوائِدَ المُستَطعِمينَ مُعَدَّةٌ ، ومَناهِلَ الظِّماءِ مُترَعَةٌ . اللّهُمَّ فَاستَجِب دُعائي ، وَاقبَل ثَنائي ، وأعطِني جَزائي ، وَاجمَع بَيني وبَينَ أولِيائي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وعَلِيٍّ وفاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ ، إنَّكَ وَلِيُّ نَعمائي ، ومُنتَهى رَجائي ، وغايَةُ مُنايَ في مُنقَلَبي ومَثوايَ . أنتَ إلهي وسَيِّدي ومَولايَ اغفِر لِأَولِيائِنا ، وكُفَّ عَنّا أعداءَنا ، وَاشغَلهُم عَن أذانا ، وأظهِر كَلِمَةَ الحَقِّ وَاجعَلهَا العُليا ، وأدحِض كَلِمَةَ الباطِلِ وَاجعَلهَا السُّفلى ، إنَّك عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ 1 .
الإمام الباقر عليه السلام :مَضَيتُ مَعَ والِدي عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام إلى قَبرِ جَدّي أميرِ المُؤمِنينَ عَلِى
.
ص: 330
بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام بِالنَّجَفِ بِناحِيَةِ الكوفَةِ ، فَوَقَفَ عَلَيهِ ثُمَّ بَكى ، وقالَ : السَّلامُ عَلى أبِي الأَئِمَّةِ ، وخَليلِ النُّبُوَّةِ ، وَالمَخصوصِ بِالاُخُوَّةِ ، السَّلامُ عَلى يَعسوبِ الإيمانِ ، وميزانِ الأَعمالِ ، وسَيفِ ذِي الجَلالِ ، السَّلام عَلى صالِحِ المُؤمِنينَ ، ووارِثِ عِلمِ النَّبِيّينَ ، الحاكِمِ في يَومِ الدّينِ ، السَّلامُ عَلى شَجَرَةِ التَّقوى ، السَّلامُ عَلى حُجَّةِ اللّهِ البالِغَةِ ، ونِعمَتِهِ السّابِغَةِ ، ونِقمَتِهِ الدّامِغَةِ ، السَّلامُ عَلَى الصِّراطِ الواضِحِ ، وَالنَّجمِ اللّائِحِ ، وَالإِمامِ النّاصِحِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . ثُمَّ قالَ : أنتَ وَسيلَتي إلَى اللّهِ وذَريعَتي ، و لي حَقُّ مُوالاتي وتَأميلي ؛ فَكُن لي شَفيعي إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ فِي الوُقوفِ عَلى قَضاءِ حاجَتي ؛ وهِيَ فَكاكُ رَقَبَتي مِنَ النّارِ ، وَاصرِفني في مَوقِفي هذا بِالنُّجحِ ، وبِما سَأَلتُهُ كُلِّهُ بِرَحمَتِهِ وقُدرَتِهِ . اللّهُمَّ ارزُقني عَقلاً كامِلاً ، ولُبّاً راجِحاً ، وقَلباً زاكِياً ، وعَمَلاً كَثيراً ، وأدَباً بارِعاً ، وَاجعَل ذلِكَ كُلَّهُ لي ، ولا تَجعَلهُ عَلَيَّ ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (1) .
المزار عن صفوان :سَأَلتُ الصّادِقَ عليه السلام ، فَقُلتُ: كَيفَ تَزورُ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ . . . قُل : السَّلامُ عَلى أبِي الأَئِمَّةِ وخَليلِ النُّبُوَّةِ المَخصوصِ بِالاُخُوَّةِ . السَّلامُ عَلى يَعسوبِ الدّينِ وَالإيمانِ وكَلِمَةِ الرَّحمنِ . السَّلامُ عَلى ميزانِ الأَعمالِ ، ومُقَلِّبِ الأَحوالِ ، وسَيفِ ذِي الجَلالِ ، وساقِي السَّلسَبيلِ الزُّلالِ . السَّلامُ عَلى صالِحِ المُؤمِنينَ ، ووارِثِ عِلمِ النَّبِيّينَ ، وَالحاكِمِ يَومَ الدّينِ . السَّلامُ عَلى شَجَرَةِ التَّقوى ، وسامِعِ السِّرِّ وَالنَّجوى . السَّلامُ عَلى حُجَّةِ اللّهِ البالِغَةِ ، ونِعمَتِهِ السّابِغَةِ ، ونِقمَتِهِ الدّامِغَةِ . السَّلام عَلَى الصِّراطِ الواضِحِ ، وَالنَّجمِ اللّائِحِ ، وَالإِمامِ النّاصِحِ ، وَالزِّنادِ القادِحِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . ثُمَّ تَقولُ : اللّهُمَّ صَلِّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ أخي نَبِيِّكَ ، ووَلِيِّهِ ،
.
ص: 331
وناصِرِهِ ، ووَصِيِّهِ ، ووَزيرِهِ ، ومُستَودَعِ عِلمِهِ ، ومَوضِعِ سِرِّهِ ، وبابِ حِكمَتِهِ ، وَالنّاطِقِ بِحُجَّتِهِ ، وَالدّاعي إلى شَريعَتِهِ ، وخَليفَتِهِ في اُمَّتِهِ ، ومُفَرِّجِ الكَربِ عَن وَجهِهِ ، قاصِمِ الكَفَرَةِ ، ومُرغِمِ الفَجَرَةِ ، الَّذي جَعَلتَهُ مِن نَبِيِّكَ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى . اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ، وَالعَن مَن نَصَبَ لَهُ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، وصَلِّ عَلَيهِ أفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أحَدٍ مِن أوصِياءِ أنبِيائِكَ يارَبَّ العالَمينَ (1) .
الإمام الصادق عليه السلام :إذا أرَدتَ زِيارَةَ قَبرِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَتَوَضَّأ وَاغتَسِل وَامشِ عَلى هُنَيئَتِكَ وقُل : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أكرَمَني بِمَعرِفَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ومَن فَرَضَ طاعَتَهُ رَحمَةً مِنهُ وتَطَوُّلاً مِنهُ عَلَيَّ بِالإيمانِ . الحَمدُ للّهِِ الَّذي سَيَّرني في بِلادِهِ ، وحَمَلَني عَلى دَوابِّهِ ، وطَوى لِيَ البَعيدَ ، ودَفَعَ عَنِّي المَكروهَ حَتّى أدخَلَني حَرَمَ أخي رَسولِهِ صلى الله عليه و آله فَأَرانيهِ في عافِيَةٍ . الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَني مِن زُوّارِ قَبرِ وَصِيِّ رَسولِهِ . الحَمدُ للّهِِ الَّذي هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أن هَدانَا اللّهُ ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، جاءَ بِالحَقِّ مِن عِندِهِ ، وأشهَدُ أنَّ عَلِيّاً عَبدُ اللّهِ وأخو رَسولِهِ عليهماالسلام . ثُمَّ تَدنو مِنَ القَبرِ وتَقولُ : السَّلامُ مِنَ اللّهِ ، وَالتَّسليمُ عَلى مُحَمَّدٍ أمينِ اللّهِ عَلى رِسالَتِهِ ، وعَزائِمِ أمرِهِ ، ومَعدِنَ الوَحيِ وَالتَّنزيلِ ، الخاتِمِ لِما سَبَقَ ، والفاتِحِ لِمَا استُقبِلَ ، والمُهَيمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ ، وَالشّاهِدِ عَلَى الخَلقِ ، السِّراجِ المُنيرِ ، وَالسَّلامُ عَلَيهِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأهلِ بَيتِهِ المَظلومينَ أفضَلَ وأكمَلَ وأرفَعَ وأنفَعَ وأشرَف
.
ص: 332
ما صَلَّيتَ عَلى أنبِيائِكَ وأصفِيائِكَ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَبدِكَ وخَيرِ خَلقِكَ بَعدَ نَبِيِّكَ وأخي رَسولِكَ ووَصِيِّ رَسولِكَ الَّذي بَعَثتَهُ بِعِلمِكَ ، وجَعَلتَهُ هادِياً لِمَن شِئتَ مِن خَلقِكَ ، وَالدَّليلَ عَلى مَن بَعَثتَهُ بِرِسالاتِكَ ، ودَيّانَ الدّينِ بِعَدلِكَ ، وفصَلِ قَضائِكَ بَينَ خَلقِكَ ، وَالسَّلامُ عَلَيهِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الأَئِمَّةِ مِن وُلدِهِ القَوّامينَ بِأَمرِكَ مِن بَعدِهِ ، المُطَهَّرينَ الّذينَ ارتَضَيتَهُم أنصاراً لِدينِكَ ، وحَفَظَةً عَلى سِرِّكَ ، وشُهَداءَ عَلى خَلقِكَ ، وأعلاماً لِعِبادِكَ ، وصَلِّ عَلَيهِم جَميعاً مَا استَطَعتَ . السَّلامُ عَلى خالِصَةِ اللّهِ مِن خَلقِهِ ، السَّلامُ عَلَى المُؤمِنينَ الَّذينَ قاموا بِأَمرِكَ ، وآزَروا أولِياءَ اللّهِ وخافوا لِخَوفِهِم . السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا حَبيبَ حَبيبِ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا صَفوَةَ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَمودَ الدّينِ ، ووارِثَ عِلمِ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، وصاحِبَ المَقامِ وَالصِّراطِ المُستَقيمِ ، أشهَدُ أنَّكَ قَد أقَمتَ الصَّلاةَ ، وآتَيتَ الزَّكاةَ ، وأمَرتَ بِالمَعروفِ ، ونَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ ، وَاتَّبَعتَ الرَّسولَ ، وتَلَوتَ الكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ ، ووَفَيتَ بِعَهدِ اللّهِ ، وجاهَدتَ فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، ونَصَحتَ للّهِِ ولِرَسولِهِ ، وجُدتَ بِنَفسِكَ صابِراً ، مُجاهِداً عَن دينِ اللّهِ مُوَقِّياً لِرَسولِهِ طالِباً لِما عِندَ اللّهِ ، راغِباً فيما وَعَدَ اللّهُ مِن رِضوانِهِ ، مَضَيتَ لِلَّذي كُنتَ عَلَيهِ شاهِداً وشَهيداً ومَشهوداً ، فَجَزاكَ اللّهُ عَن رَسولِهِ وعَنِ الإِسلامِ وأهلِهِ أفضَلَ الجَزاءِ ، ولَعَنَ اللّهُ مَن قَتَلَكَ ، ولَعَنَ اللّهُ مَن بايَعَ عَلى قَتلِكَ ولَعَنَ اللّهُ مَن خالَفَكَ ، ولَعَنَ اللّهُ مَنِ افتَرى عَلَيكَ وظَلَمَكَ وغَصَبَكَ ، ومَن بَلَغَهُ ذلِكَ فَرَضِيَ بِهِ ، أنَا إلَى اللّهِ مِنهُم بَريءٌ ولَعَنَ اللّهُ اُمَّةً خالَفَتكَ ، واُمَّةً جَحَدَت وِلايَتَكَ ، واُمَّةً تَظاهَرَت عَلَيكَ واُمَّةً قَتَلَتكَ واُمَّةً قاتَلَتكَ واُمَّةً خَذَلَتكَ وخَذَّلَت عَنكَ ، الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ النّارَ مَثواهُم وبِئسَ الوِردُ المَورودُ . اللّهُمَّ العَن اُمَّةً قَتَلَت أنبِياءَكَ وأوصِياءَ أنبِيائِكَ بِجَميعِ لَعَناتِكَ ، وأصلِهِم حَرَّ نارِكَ ،
.
ص: 333
وَالعَنِ الجَوابيتَ وَالطَّواغيتَ وَالفَراعِنَةَ وَاللّاتَ وَالعُزّى وَالجِبتَ وَالطّاغوتَ وكُلَّ نِدٍّ يُدعى مِن دونِ اللّهِ وكُلَّ مُحدِثٍ مُفتَرٍ ، اللّهُمَّ العَنهُم وأشياعَهُم وأتباعَهُم ومُحِبيّهِم وأولِياءَهُم لَعناً كَثيراً . اللّهُمَّ العَن قَتَلَةَ الحُسَينِ _ ثَلاثاً _ اللّهُمَّ عَذِّبهُم عَذاباً لا تُعَذِّبُهُ أحَداً مِنَ العالَمينَ ، وضاعِف عَلَيهِم عَذابَكَ بِما شاقّوا وُلاةَ أمرِكَ ، وأعِدَّ لَهُم عَذاباً لَم تَحِلَّهُ بِأَحَدٍ مِن خَلقِكَ ، اللّهُمَّ وأدخِل عَلى قَتَلَةِ أنصارِ رَسولِكَ وأنصارِ أميرِ المُؤمِنينَ وعَلى قَتَلَةِ الحُسَينِ وأنصارِ الحُسَينِ ، وقَتَلَةِ مَن قُتِلَ في وِلايَةِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام أجمَعينَ عَذاباً مُضاعَفاً في أسفَلِ دَرَكِ الجَحيمِ لا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذابُ وهُم فيهِ مُبلِسونَ ، مَلعونونَ ناكِسو رُؤوسِهِم قَد عايَنُوا النَّدامَةَ وَالخِزيَ الطَّويلَ بِقَتلِهِم عِترَةَ نَبِيِّكَ ورَسولِكِ وأتباعِهِم مِن عِبادِكَ الصّالِحينَ . اللّهُمَّ وَالعَنهُم في مُستَسَرِّ السِّرِّ وظاهِرِ العَلانِيَةِ ، وسَمائِكَ وأرضِكَ . اللّهُمَّ اجعَل لي لِسانَ صِدقٍ في أولِيائِكَ وحَبِّب إلَيَّ مَشهَدَهُم ومُشاهَدَهُم حَتّئ تَلحَقَني بِهِم وتَجعَلَني لَهُم تَبَعاً فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . وَاجلِس عِندَ رَأسِهِ وقُل : سَلامُ اللّهِ وسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبينَ وَالمُسَلِّمينَ بِقُلوبِهِم ، وَالنّاطِقينَ بِفَضلِكَ ، وَالشّاهِدينَ عَلى أنَّكَ صادِقٌ صِدّيقٌ عَلَيكَ يا مَولايَ ، صَلَّى اللّهُ عَلى روحِكَ وبَدَنِكَ ، طُهرٌ طاهِرٌ مُطَهَّرٌ مِن طُهرٍ طاهِرٍ مُطَهَّرٍ أشهَدُ لَكَ يا وَلِيَّ اللّهِ ووَلِيَّ رَسولِهِ بِالبَلاغِ وَالأَداءِ ، وأشهَدُ أنَّكَ حَبيبُ اللّهِ ، وأنَّكَ بابُ اللّهِ ، وأنَّكَ وَجهُ اللّهِ الَّذي مِنهُ يُؤتى ، وأنَّكَ سَبيلُ اللّهِ وأنَّكَ عَبدُ اللّهِ ، وأنَّكَ أخو رَسولِهِ ، أتَيتُكَ وافِداً لِعَظيمِ حالِكَ ومَنزِلَتِكَ عِندَ اللّهِ وعِندَ رَسولِهِ ، مُتَقَرِّباً إلَى اللّهِ بِزِيارَتِكَ ، طالِباً خَلاصَ رَقَبَتي ، مُتَعَوِّذاً بِكَ مِن نارٍ استَحقَقتُها بِما جَنَيتُ عَلى نَفسي ، أتَيتُكَ انقِطاعاً إلَيكَ وإلى وُلدِكَ الخَلَفِ مِن بَعدِكَ عَلى تَزكِيَةِ الحَقِّ ، فَقَلبي لَكُم مُسَلِّمٌ ، وأمري لَكُم مُتَّبِعٌ ، ونُصرَتي لَكُم مُعَدَّةٌ ، أنَا عَبدُ اللّهِ ومَولاكَ وفي طاعَتِكَ الوافِدُ الَيكَ ، ألتَمِسُ بِذلِكَ كَمالَ المَنزِلَةِ عِندَ اللّهِ ، وأنتَ مِمَّن أمَرَنِيَ اللّهُ بِصِلَتِهِ ، وحَثَّني عَلى بِرِّهِ ، ودَلَّني عَلى فَضلِهِ وهَدانى ¨
.
ص: 334
بِحُبِّه ، ورَغَّبَني فِي الوِفادَةِ إلَيهِ ، وألهَمَني طَلَبَ الحَوائِجِ مِن عِندِهِ ، أنتُم أهلُ بَيتٍ ؛ سَعَدَ مَن تَوَلّاكُم ولا يُخَيَّبُ مَن أتاكُم ولا يَخسَرُ مَن يَهواكُم ولا يَسعَدُ مَن عاداكُم ، لا أجِدُ أحَداً أفزَعُ إلَيهِ خَيراً لي مِنكُم ، أنتُم أهلُ بَيتِ الرَّحمَةِ ودَعائِمُ الدّينِ وأركانُ الأَرضِ وَالشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ . اللّهُمَّ لا تُخَيِّب تَوَجُّهي إلَيكَ بِرَسولِكَ وآلِ رَسولِكَ ، ولا تَرُدَّ استِشفاعي بِهِم إلَيكَ . اللّهُمَّ أنتَ مَنَنتَ عَلَيَّ بِزِيارَةِ مَولايَ ووِلايَتِهِ ومَعرِفَتِهِ ، فَاجعَلني مِمَّن يَنصُرُهُ ومِمَّن يُنتَصَرُ بِهِ ، ومُنَّ عَلَيَّ بِنَصري لِدينِكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، اللّهُمَّ إنّي أحيا عَلى ما حَيِيَ عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وأموتُ عَلى ما ماتَ عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (1) .
عنه عليه السلام_ في زِيارَةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: يا صَفوانُ إذا حَدَثَ لَكَ إلَى اللّهِ حاجَةٌ فَزُرهُ بِهذِهِ الزِّيارَةِ مِن حَيثُ كُنتَ : السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا صِفوَةَ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا أمينَ اللّهِ . السَّلامُ عَلى مَنِ اصطَفاهُ اللّهُ وَاختَصَّهُ وَاختارَهُ مِن بَرِيَّتِهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا خَليلَ اللّهِ ما دَجَى اللَّيلُ وغَسَقَ ، وأضاءَ النَّهارُ وأشرَقَ . السَّلامُ عَلَيكَ ما صَمَتَ صامِتٌ ، ونَطَقَ ناطِقٌ ، وذَرَّ شارِقٌ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلى مَولانا أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، صاحِبِ السَّوابِقِ وَالمَناقِبِ وَالنَّجدَةِ ، ومُبيدِ الكَتائِبِ ، الشَّديدِ البَأسِ ، العَظيمِ المِراسِ ، المَكينِ الأَساسِ ، ساقِي المُؤمِنينَ بِالكَأسِ مِن حَوضِ الرَّسولِ المَكينِ الأَمينِ . السَّلامُ عَلى صاحِبِ النُّهى وَالفَضلِ وَالطَّوائِلِ ، وَالمَكرُماتِ وَالنَّوائِلِ ، السَّلامُ عَلى فارِسِ المُؤمِنينَ ، ولَيثِ المُوَحِّدينَ ، وقاتِلِ المُشرِكينَ ، ووَصِيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ .
.
ص: 335
السَّلامُ عَلى مَن أيَّدَهُ اللّهُ بِجَبرَئيلَ وأعانَهُ بِميكائيلَ وأزلَفَهُ فِي الدّارَينِ ، وحَباهُ بِكُلِّ ما تَقَرُّ بِهِ العَينُ ، وصلَّى اللّهُ عَلَيهِ وعَلى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ ، وعَلى أولادِهِ المُنتَجَبينَ وعَلَى الأَئِمَّةِ الرّاشِدينَ الَّذينَ أمَروا بِالمَعروفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ ، وفَرَضوا عَلَينَا الصَّلَواتِ ، وأمروا بِإيتاءِ الزَّكاةِ ، وعَرَّفونا صِيامَ شَهرِ رَمَضانَ وقِراءَةَ القُرآنِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا يَعسوبَ الدّينِ ، وقائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا بابَ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَينَ اللّهِ النّاظِرَةَ ، ويَدَهُ الباسِطَةَ واُذُنَهُ الواعِيَةَ ، وحِكمَتَهُ البالِغَةَ ، ونِعمَتَهُ السّابِغَةَ ، السَّلامُ عَلى قَسيمِ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، السَّلامُ عَلى نِعمَةِ اللّهِ عَلَى الأَبرارِ ونِقمَتِهِ عَلَى الفُجّارِ . السَّلامُ عَلى سَيِّدِ المُتَّقينَ الأَخيارِ . السَّلامُ عَلى أخي رَسولِ اللّهِ وَابنِ عَمِّهِ ، وزَوجِ ابنَتِهِ وَالمَخلوقِ مِن طينَتِهِ . السَّلامُ عَلَى الأَصلِ القَديمِ وَالفَرعِ الكَريمِ . السَّلامُ عَلَى الثَّمَرِ الجَنِيِّ . السَّلامُ عَلى أبِي الحَسَنِ عَلِيٍّ . السَّلامُ عَلى شَجَرَةِ طوبى وسِدرَةِ المُنتَهى . السَّلامُ عَلى آدَمَ صِفوَةِ اللّهِ ، ونوحٍ نَبِيِّ اللّهِ ، وإبراهيمَ خَليلِ اللّهِ ، وموسى كَليمِ اللّهِ ، وعيسى روحِ اللّهِ ، ومُحَمَّدٍ حَبيبِ اللّهِ ، ومَن بَينَهُم مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهداءِ وَالصّالِحينَ وحَسُنَ اُولئِكَ رَفيقاً . السَّلامُ عَلى نورِ الأَنوارِ وسَليلِ الأَطهارِ وعَناصِرِ الأَخيارِ . السَّلامُ عَلى والِدِ الأَئِمَّةِ الأَبرارِ . السَّلامُ عَلى حَبلِ اللّهِ المَتينِ ، وجَنبِهِ المَكينِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلى أمينِ اللّهِ في أرضِهِ وخَليفَتِهِ في عِبادِهِ ، وَالحاكِمِ بِأَمرِهِ ، وَالقَيِّمِ بِدينِهِ ، وَالنّاطِقِ بِحِكمَتِهِ ، وَالعامِلِ بِكِتابِهِ ، أخِي الرَّسولِ ، وزَوجِ البَتولِ ، وسَيفِ اللّهِ المَسلولِ . السَّلامُ عَلى صاحِبِ الدِّلالاتِ وَالآياتِ الباهِراتِ وَالمُعجِزاتِ القاهِراتِ ، وَالمُنجي مِنَ الهَلَكاتِ الَّذي ذَكَرَهُ اللّهُ في مُحكَمِ الآياتِ ، فَقالَ تَعالى : «وَ إِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَ_بِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ » (1) .
.
ص: 336
السَّلامُ عَلَى اسمِ اللّهِ الرَّضِيِّ ، ووَجهِهِ المُضيءِ ، وجَنبِهِ العَلِيِّ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلى حُجَجِ اللّهِ وأوصِيائِهِ ، وخاصَّةِ اللّهِ وأصفِيائِهِ ، وخالِصَتِهِ واُمَنائِهِ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، قَصَدتُكَ يا مَولايَ يا أمينَ اللّهِ وحُجَّتَهُ زائِراً عارِفاً بِحَقِّكَ ، مُوالِياً لِأَولِيائِكَ ، مُعادِياً لِأَعدائِكَ ، مُتَقَرِّباً إلَى اللّهِ بِزِيارَتِكَ ، فَاشفَع لي عِندَ اللّهِ رَبّي ورَبِّكَ في خَلاصِ رَقَبَتي مِنَ النّارِ ، وقَضاءِ حَوائِجي حَوائِجِ الدُّنيا والآخِرَةِ . ثُمَّ انكَبَّ عَلَى القَبرِ فَقَبِّلهُ وقُل : سَلامُ اللّهِ وسَلامُ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبينَ ، والمُسَلِّمينَ لَكَ بِقُلوبِهِم يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وَالنّاطِقينَ بِفَضلِكَ ، وَالشّاهِدينَ عَلى أنَّكَ صادِقٌ أمينٌ ، وأشهَدُ أنَّكَ طُهرٌ طاهِرٌ مُطَهَّرٌ مِن طُهرٍ طاهِرٍ مُطَهَّرٍ . أشهَدُ لَكَ يا وَلِيَّ اللّهِ ووَلِيَّ رَسولِهِ بِالبَلاغِ وَالأَداءِ ، وأشهَدُ أنَّكَ جَنبُ اللّهِ وبابُهُ ، وحَبيبُ اللّهِ ووَجهُهُ الَّذي يُؤتى مِنهُ ، وأنَّكَ سَبيلُ اللّهِ ، وأنَّكَ عَبدُ اللّهِ وأخو رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، أتَيتُكَ مُتَقَرِّباً إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ بِزِيارَتِكَ ، راغِباً إلَيكَ فِي الشَّفاعَةِ ، أبتَغي بِشَفاعَتِكَ خَلاصَ رَقَبَتي مِنَ النّارِ ، مُتَعَوِّذاً بِكَ مِنَ النّارِ هارِباً مِن ذُنوبِيَ الَّتي احتَطَبتُها عَلى ظَهري ، فَزِعاً إلَيكَ رَجاءَ رَحمَةِ رَبّي ، أتَيتُكَ استَشفِعُ بِكَ يا مَولايَ ، وأتَقَرَّبُ إلَى اللّهِ لِيَقضِيَ بِكَ حَوائِجي ، فَاشفَع يا أميرَ المُؤمِنينَ إلَى اللّهِ فَإِنّي عَبدُ اللّهِ ومَولاكَ وزائِرُكَ ، ولَكَ عِندَ اللّهِ المَقامُ المَحمودُ ، وَالجاهُ العَظيمُ ، وَالشَّأنُ الكَبيرُ ، وَالشَّفاعَةُ المَقبولَةُ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وصَلِّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ ، عَبدِكَ المُرتَضى ، وأمينِكَ الأَوفى ، وعُروَتِكَ الوُثقى ، ويَدِكَ العُليا ، وجَنبِكَ الأَعلى ، وكَلِمَتِكَ الحُسنى ، وحُجَتِّكَ عَلَى الوَرى ، وصِدّيقِكَ الأَكبَرِ ، وسَيِّدِ الأَوصِياءِ ، ورُكنِ الأَولِياءِ ، وعِمادِ الأَصفِياءِ ، أميرِ المُؤمِنينَ ، ويَعسوبِ الدّينِ ، وقُدوَةِ الصّالِحينَ ، وإمامِ المُخلَصينَ ، وَالمَعصومِ مِنَ الخَلَلِ ، المُهَذَّبِ مِنَ الزَّلَلِ ، المُطَهَّرِ مِنَ العَيبِ المُنَزَّهِ مِنَ الرَّيبِ ، أخي نَبِيِّكَ ووَصِيِّ رَسولِكَ ، البائِتِ عَلى فِراشِهِ ، وَالمُواسي لَهُ بِنَفسِهِ ، وكاشِفِ الكَربِ عَن وَجهِهِ ، الَّذي جَعَلتَهُ سَيفاً لِنُبُوَّتِهِ ، وآيَةً لِرِسالَتِهِ ، وشاهِداً عَلى اُمَّتِه ودِلالَةً لِحُجَّتِهِ ،
.
ص: 337
وحامِلاً لِرايَتِهِ ، ووِقايَةً لِمُهجَتِهِ ، وهادِياً لِاُمَّتِهِ ، ويَداً لِبَأسِهِ ، وتاجاً لِرَأسِهِ ، وباباً لِسِرِّهِ ، ومِفتاحاً لِظَفَرِهِ ، حَتّى هَزَمَ جُيوشَ الشِّركِ بِإِذنِكَ ، وأبادَ عَساكِرَ الكُفرِ بِأَمرِكَ ، وبَذَلَ نَفسَهُ في مَرضاةِ رَسولِكَ ، وجَعَلَها وَقفاً عَلى طاعَتِهِ ، فَصَلِّ اللّهُمَّ عَلَيهِ صَلاةً دائِمَةً باقِيَةً . ثُمَّ قُل : السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ اللّهِ وَالشِّهابَ الثّاقِبَ ، وَالنّورَ العاقِبَ ، يا سَليلَ الأَطائِبِ . يا سِرَّ اللّهِ ، إنَّ بَيني وبَينَ اللّهِ تَعالى ذُنوباً قَد أثقَلَت ظَهري ، ولا يَأتي عَلَيها إلّا رِضاهُ ، فَبِحَقِّ مَنِ ائتَمَنَكَ عَلى سِرِّهِ ، وَاستَرعاكَ أمرَ خَلقِهِ ، كُن لي إلَى اللّهِ شَفيعاً ، ومِنَ النّارِ مُجيراً ، وعَلَى الدَّهرِ ظَهيراً ؛ فَإِنّي عَبدُ اللّهِ ووَلِيُّكَ وزائِرُكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيكَ (1) .
عنه عليه السلام :إذا أرَدتَ الزِّيارَةَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَاغتَسِل حَيثُ تَيَسَّرَ لَكَ ، وقُل حينَ تَعزِمُ : اللّهُمَّ اجعَل سَعيي مَشكوراً ، وذَنبي مَغفوراً ، وعَمَلي مَقبولاً ، وَاغسِلني مِنَ الخَطايا وَالذُّنوبِ ، وطَهِّر قَلبي مِن كُلِّ آفَةٍ ، وزَكِّ عَمَلي ، وتَقَبَّل سَعيي ، وَاجعَل ما عِندَكَ خَيراً لي ، اللّهُمَّ اجعَلني مِنَ التَّوّابينَ ، وَاجعَلني مِنَ المُتَطَهِّرينَ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ . ثُمَّ امشِ وعَلَيكَ السَّكينَةُ وَالوَقارُ حَتّى تأتِيَ بابَ الحَرَمِ فَقُم عَلَى البابِ وقُل : اللّهُمَّ إنّي اُريدُكَ فَأَرِدني ، وأقبَلتُ بِوَجهي إلَيكَ ؛ فَلا تُعرِض بِوَجهِكَ عَنّي ، وإنّي قَصَدتُ إلَيكَ فَتَقَبَّل مِنّي ، وإن كُنتُ ماقِتاً فَارضَ عَنّي ، وإن كُنتُ ساخِطاً عَلَيَّ فَاعفُ عَنّي ، وَارحَم مَسيري إلَيكَ بِرَحمَتِكَ أبتَغي بِذلِكَ رِضاكَ ؛ فَلا تَقطَع رَجائي ولا تُخَيِّبني يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . اللّهُمَّ أنتَ السَّلامُ ، ومِنكَ السَّلامُ ، وإلَيكَ يَعودُ السَّلامُ ، وأنتَ مَعدِنُ السَّلامِ ، حَيِّينا رَبَّنا مِنكَ بِالسَّلامِ . الحَمدُ للّهِِ الَّذي لَم يَتَّخِذ صاحِبَةً ولا وَلَداً ، والحَمدُ للّهِِ الَّذي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقديراً . السَّلامُ عَلَيكَ يا أبَا الحَسَنِ ، أشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ عَن رَسولِ اللّهِ ما أمَرَكَ بِهِ ،
.
ص: 338
ووَفَيتَ بِعَهدِ اللّهِ ، وتَمَّت بِكَ كَلِماتُ اللّهِ ، وجاهَدتَ في سَبيلِ اللّهِ حَتّى أتاكَ اليَقينُ ، لَعَنَ اللّهُ مَن قَتَلَكَ ، ولَعَنَ اللّهُ مَن بَلَغَهُ ذلِكَ فَرَضِيَ عَنهُ ، أنَا بِأَبي أنتَ وأميّ وَلِيٌّ لِمَن والاكَ ، وعَدُوٌّ لِمَن عاداكَ أبرَأُ إلَى اللّهِ مِمَّن بَرِئتَ مِنهُ وبَرئٌ مِنكُم . ثُمَّ تَقولُ : السَّلامُ عَلَيكَ يا أبَا الحَسَنِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، أشهَدُ أنَّكَ تَسمَعُ صَوتي ، أتَيتُكَ مُتَعاهِداً لِديني وبَيعَتي ، اِئذَن لي في بَيتِكَ ، أشهَدُ أنَّ روحَكَ المُقَدَّسَةَ اُغيبَت بِالقُدسِ وَالسَّكينَةِ ، جُعِلَت لَها بَيتاً تَنطِقُ عَلى لِسانِكَ . ثُمَّ ادخُل وقُل : السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللّهِ المُقَرَّبينَ ، السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللّهِ المُردِفينَ ، السَّلامُ عَلى حَمَلَةِ العَرشِ الكَروبيّينَ (1) ، السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللّهِ المُنتَجَبينَ السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللّهِ المُسَوَّمينَ ، السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللّهِ الَّذينَ هُم في هذَا الحَرَمِ بِإِذنِ اللّهِ مُقيمونَ . الحَمدُ للّهِِ الَّذي أكرَمَني بِمَعرِفَتِهِ ومَعرِفَةِ رَسولِهِ ومَن فَرَضَ طاعَتَهُ رَحمَةً مِنهُ وتَطَوُّلاً مِنهُ عَلَيَّ بِذلِكَ . الحَمدُ للّهِِ الَّذي سَيَّرني في بِلادِهِ ، وحَمَلَني عَلى دَوابِّهِ ، وطَوى إلَيَّ البَعيدَ ودَفَعَ عَنِّي المَكارِهَ حَتّى أدخَلَني حَرَمَ وَلِيِّ اللّهِ وأرانيهِ في عافِيَةٍ . الحَمدُ للّهِِ الَّذي هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أن هَدانَا اللّهُ ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، جاءَ بِالحَقِّ مِن عِندِهِ ، وأشهَدُ أنَّ عَلِيّاً عَبدُ اللّهِ وأخو رَسولِهِ ، اللّهُمَّ عَبدُكَ وزائِرُكَ مُتَقَرِّبٌ إلَيكَ بِزِيارَةِ أخي رَسولِكَ ، وعَلى كُلِّ مَزورٍ حَقٌّ عَلى مَن أتاهُ وزارَهُ ، وأنتَ أكرَمُ مَزورٍ وخَيرُ مَأتِيٍّ ، فَأَسأَلُكَ يا رَحمنُ يا رَحيمُ يا واحِدُ يا أحَدُ يا فَردُ يا صَمَدُ يا مَن لَم يَلِد ولَم يولَد ولَم يَكُن لَهُ كُفُواً أحَدٌ ، أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن تَجعَلَ تُحفَتَكَ إيّايِ مِن زِيارَتي في مَوقِفي هذا فِكاكَ رَقَبَتي مِنَ النّارِ ، وَاجعَلني مِمَّن يُسارِعُ فِي الخَيرات
.
ص: 339
رَغَباً ورَهَباً ، وَاجعَلني مِنَ الخاشِعينَ . اللّهُمَّ إنَّكَ بَشَّرتَني عَلى لِسانِ نَبِيِّكَ فَقُلتَ : «وَ بَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ» (1) ، اللّهُمَّ فَإِنّي بِكَ مُؤمِنٌ ، وبِجَميعِ آياتِكَ موقِنٌ ، فَلا تُوقِفني بَعدَ مَعرِفَتِهِم مَوقِفاً تَفضَحُني عَلى رُؤوسِ الخَلائِقِ ، بَل أوقِفني مَعَهُم وتَوَفَّني عَلى تَصديقي ؛ فَإِنَّهُم عَبيدُك ، خَصَصتَهُم بِكَرامَتِكَ ، وأمَرتَني بِاتِّباعِهِم . ثُمَّ تَدنو مِنَ القَبرِ وتَقولُ : السَّلامُ مِنَ اللّهِ عَلى رَسولِ اللّهِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ خاتَمِ النَّبِيّينَ وإمامِ المُتَّقينَ . السَّلامُ عَلى أمينِ اللّهِ عَلى رِسالاتِهِ ، وعَزائِمِ رُسُلِهِ ، ومَعدِنِ الوَحيِ وَالتَّنزيلِ ، الخاتِمِ لِما سَبَقَ ، وَالفاتِحِ لِمَا استُقبِلَ ، وَالمُهَيمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ ، وَالشّاهِدِ عَلَى الخَلقِ وَالسِّراجِ المُنيرِ ، وَالسَّلامُ عَلَيهِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأهلِ بَيتِهِ المَظلومينَ ، أفضَلَ وأكمَلَ وأرفَعَ وأنفَعَ وأشرَفَ ما صَلَّيتَ عَلى أحَدٍ مِن أنبِيائِكَ وأصفِيائِكَ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَبدِكَ وخَيرِ خَلقِكَ بَعدَ نَبِيِّكَ ووَصِيِّ رَسولِكَ ، الَّذي انتَجَبتَهُ بِعِلمِكَ ، وجَعَلتَهُ هادِياً لِمَن شِئتَ مِن خَلقِكَ ، وَالدَّليلَ عَلى مَن بَعَثتَهُ بِرِسالاتِكَ ، ودَيّانَ يَومِ الدّينِ بِعَدلِكَ ، وفَصلِ خِطابِكَ مِن خَلقِكَ ، وَالمُهَيمِنَ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ ، وَالسَّلامُ عَلَيهِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . اللّهُمَّ وصَلِّ عَلَى الأَئِمَّةِ مِن وُلدِهِ ، القَوّامينَ بِأَمرِكَ مِن بَعدِ نَبِيِّكَ ، المُطَهَّرينَ الَّذينَ ارتَضَيتَهُم أنصاراً لِدينِكَ وأعلاماً لِعِبادِكَ . ثُمَّ تَقولُ : السَّلامُ عَلَى الأَئِمَّةِ المُستَودَعينَ . السَّلامُ عَلى خالِصَةِ اللّهِ مِن خَلقِهِ أجمَعينَ . السَّلامُ عَلَى المُؤمِنينَ الَّذينَ قاموا بِأَمرِ اللّهِ وخالَفوا لِخَوفِهِ العالَمينَ . السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللّهِ المُقَرَّبينَ . ثُمَّ تَقولُ : السَّلامُ عَلَيكَ يا أمينَ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا حَبيبَ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا
.
ص: 340
وَلِيَّ اللّهِ . السّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا إمامَ الهُدى . السَّلامُ عَلَيكَ يا عَلَمَ التُّقى . السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا البَرُّ التَّقِيُّ . السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا السِّراجُ المُنيرُ . السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أبَا الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وَصِيَّ الرَّسولِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَمودَ الدّينِ ووارِثَ عِلمِ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ وصاحِبَ الميسَمِ ، وَالصِّراطَ المُستَقيمَ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ اللّهِ ، أنتَ أوَّلُ مَظلومٍ ، وأوَّلُ مَن غُصِبَ حَقُّهُ ، صَبَرتَ وَاحتَسَبتَ حَتّى أتاكَ اليَقينُ ، وأشهَدُ أنَّكَ لَقيتَ اللّهَ وأنتَ شَهيدٌ ، عَذَّبَ اللّهُ قاتِلَكَ بِأَنواعِ العَذابِ . جِئتُكَ يا وَلِيَّ اللّهِ عارِفاً بِحَقِّكَ ، مُستَبصِراً بِشَأنِكَ ، مُعادِياً لِأَعدائِكَ ومَن ظَلَمَكَ ، ألقى عَلى ذلِكَ رَبّي إن شاءَ اللّهُ ، إنَّ لي ذُنوباً كَثيرَةً ، فَاشفَع لي فيها عِندَ رَبِّكَ ؛ فَإِنَّ لَكَ عِندَ اللّهِ مَقاماً مَحموداً ، وإنَّ لَكَ عِندَهُ جاهاً وشِفاعَةً ، وقَد قالَ اللّهُ تَعالى : «وَ لَا يَشْفَعُونَ إِلَا لِمَنِ ارْتَضَى» (1) . السَّلامُ عَلَيكَ يا نورَ اللّهِ في سَمائِهِ وأرضِهِ ، واُذُنَهُ السّامِعَةَ ، وذِكرَهُ الخالِصَ ، ونورَهُ السّاطِعَ . أشهَدُ أنَّ لَكَ مِنَ اللّهِ المَزيدَ ، وأنَّ وَجهَكَ إلى قِبَلِ رَبِّ العالَمينَ ، وأنَّ لَكَ مِنَ اللّهِ رِزقاً جَديداً تَغدو عَلَيكَ المَلائِكَةُ في كُلِّ صَباحٍ ، رَبِّ اغفِر لي ، وتَجاوَز عَن سَيِّئاتي ، وَارحَم طولَ مَكثي فِي القِيامَةِ بِهِ ؛ فَإِنَّكَ عَلّامُ الغُيوبِ ، وأنتَ خَيرُ الوارِثينَ . ثُمَّ تَقولُ : السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ آدَمَ صِفوَةِ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ نوحٍ نَبِيِّ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ إبراهيمَ خَليلِ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ هودٍ نَبِيِّ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ داوُدَ خَليفَةِ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عيسى روحِ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبيبِ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ اللّهِ . السَّلامُ عَلَيك
.
ص: 341
أيُّهَا الصِّدّيقُ الشَّهيدُ . السَّلامُ عَلَيكَ وعَلَى الأَرواحِ الَّتي حَلَّت بِفِنائِكَ وأناخَت بِرَحلِكَ . السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللّهِ المُحدِقينَ بِكَ . أشهَدُ أنَّكَ أقَمتَ الصَّلاةَ ، وآتَيتَ الزَّكاةَ ، وأمَرتَ بِالمَعروفِ ، ونَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ ، وَاتَّبَعتَ الرَّسولَ ، وتَلَوتَ الكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ ، وبَلَّغتَ عَن رَسولِ اللّهِ ، ووَفَيتَ بِعَهدِ اللّهِ ، وتَمَّت بِكَ كَلِماتُ اللّهِ ، وجاهَدتَ في سَبيلِ اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ونَصَحتَ للّهِِ ولِرَسولِهِ ، وجُدتَ بِنَفسِكَ صابِراً مُحتَسِباً ومُجاهِداً عنَ دينِ اللّهِ ، مُوَقِّياً لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، طالِباً ما عِندَ اللّهِ ، راغِباً فيما وَعَدَ اللّهُ ، ومَضَيتَ لِلَّذي كنُتَ عَلَيهِ شاهِداً ومَشهوداً ، فَجَزاكَ اللّهُ عَن رَسولِهِ وعَن الإِسلامِ وأهلِهِ أفضَلَ الجَزاءِ . وكُنتَ أوَّلَ القَومِ إسلاماً ، وأخلَصَهُم إيماناً ، وأشَدَّهُم يَقيناً ، وأخَوَفَهُم للّهِِ ، وأعظَمَهُم عَناءً ، وأحوَطَهُم عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأفضَلَهُم مَناقِبَ ، وأكثَرَهُم سَوابَِق ، وأرفَعَهُم دَرَجَةً ، وأشرَفَهُم مَنزِلَةً ، وأكرَمَهُم عَلَيهِ ، قَويتَ حينَ ضَعُفَ أصحابُهُ ، وبَرَزتَ حينَ استَكانوا ، ونَهَضتَ حينَ وَهَنوا ، ولَزِمتَ مِنهاجَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكُنتَ خَليفَتَهُ حَقّاً بِرَغمِ المُنافِقينَ ، وغَيظِ الكافِرينَ ، وكَيدِ الحاسِدينَ ، وضِغنِ الفاسِقينَ ، فَقُمتَ بِالأَمرِ حينَ فَشِلوا ، ونَطَقتَ حينَ تَتَعتَعوا ، ومَضَيتَ بِنورِ اللّهِ إذ وَقَفوا ، فَمَنِ اتَّبَعَكَ فَقَد هُدِيَ . كُنتَ أقَلَّهُم كَلاماً ، وأصوَبَهُم مَنطِقاً ، وأكثَرَهُم رَأياً ، وأشجَعَهُم قَلباً ، وأشَدَّهُم يَقيناً وأحسَنَهُم عَمَلاً ، وأعرَفَهُم بِاللّهِ ، كُنتَ لِلدّينِ يَعسوباً أوَّلاً حينَ تَفَرَّقَ النّاسُ ، وآخِراً حينَ فَشِلوا ، كُنتَ لِلمُؤمِنينَ أباً رَحيماً إذ صاروا عَلَيكَ عِيالاً ، فَحَمَلتَ أثقالَ ما عَنهُ ضَعُفوا ، وحَفِظتَ ما أضاعوا ، ورَعَيتَ ما أهمَلوا ، وشَمَّرتَ إذ جَنَبوا ، وعَلَوتَ إذ هَلِعوا ، وصَبَرتَ إذ جَزِعوا ، كُنتَ عَلَى الكافِرينَ عَذاباً صَبّاً وغِلظَةً وغَيظاً ، ولِلمُؤمِنينَ عَيناً وحِصناً وعَلَماً ، لَم تُفلَل (1) حُجَّتُكَ ، ولَم يَرتَب قَلبُكَ ،
.
ص: 342
ولَم تَضعُف بَصيرَتُكَ ، ولَم تَجبُن نَفسُكَ ، وكُنتَ كَالجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ العَواصِفُ ، ولا تُزيلُهُ القَواصِفُ (1) ، وكُنتَ _ كَما قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ قَوِيّاً في أمرِ اللّهِ ، وَضيعاً في نَفسِكَ ، عَظيماً عِندَ اللّهِ ، كَبيراً فِي الأَرضِ جَليلاً فِي السَّماءِ ، لَم يَكُن لِأَحَدٍ فيكَ مَهمَزٌ ، ولا لِقائِلٍ فيكَ مَغمَزٌ ، ولا لِأَحَدٍ عِندَكَ هَوادَةٌ ، الضَّعيفُ الذَّليلُ عِندَكَ قَوِيٌّ عَزيزٌ حَتّى تَأخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ ، وَالقَوِيُّ العَزيزُ عِندَكَ ضَعيفٌ ذَليلٌ حَتّى تَأخُذَ مِنهُ الحَقَّ ، وَالقرَيبُ وَالبَعيدُ عِندَكَ في ذلِكَ سَواءٌ شَأنُكَ الحَقُّ وَالصِّدقُ وَالرِّفقُ ، وقَولَُك حُكمٌ وحَتمٌ ، وأمرُكَ حُكمٌ وحَزمٌ ، ورَأيُكَ عِلمٌ وعَزمٌ ، إعتَدَلَ بِكَ الدّينُ ، وسَهُلَ بِكَ العَسيرُ ، وَاُطفِئَت بِكَ النّيرانُ ، وقَوِيَ بِكَ الإِسلامُ وَالمُؤمِنونَ ، وسَبَقتَ سَبقاً بَعيداً ، وأتعَبتَ مَن بَعدَكَ تَعَباً شَديداً ، فَعَظُمَت رَزِيَّتُكَ فِي السَّماءِ ، وهَدَّت مُصيبَتُكَ الأَنامَ ، فَإِنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ . . . اللّهُمَّ العَن قَتَلَةَ أميرِ المُؤمِنينَ ، اللّهُمَّ العَن قَتَلَةَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ اللّهُمَّ عَذَّبَهُم عَذاباً لا تُعَذِّبُهُ أحَداً مِنَ العالَمينَ وضاعِف عَلَيهِم عَذابَكَ بِما شاقّوا وُلاةَ أمرِكَ ، وعَذِّبهُم عَذاباً لَم تَحِلَّهُ بِأَحَدٍ مِن خَلقِكَ . اللّهُمَّ أدخِل عَلى قَتَلَةِ رَسولِكَ ، وأولادِ رَسولِكَ ، وعَلى قَتَلَةِ أميرِ المُؤمِنينَ ، وقَتَلَةِ أنصارِهِ ، وقَتَلَةِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ وأنصارِهِما ، ومَن نَصَبَ لِالِ مُحَمَّدٍ وشيعَتِهِم حَرباً مِنَ النّاسِ أجمَعين ، عَذابا مُضاعَفا في أسفَلِ الدَّرَكِ مِنَ الجَحيمِ لا يُخَفَّفُ عَنهُم مِن عذابِها وهُم فيهِ مُبلِسونَ ، مَلعونونَ ، ناكِسو رُؤوسِهِم عِندَ رَبِّهِم ، قَد عايَنُوا النَّدامَةَ وَالخِزيَ الطَّويلَ ، بِقَتلِهِم عِترَةَ أنبِيائِكَ ورُسُلِكِ وأتباعَهُم مِن عِبادِكَ الصّالِحينَ . اللّهُمَّ العَنهُم في مُستَسَرِّ السِّرِّ وظاهِرِ العَلانِيَةِ في سَمائِكَ وأرضِكَ . اللّهُمَّ اجعَل لي لِسانَ صِدقٍ في أولِيائِكَ ، وحَبِّب إلَيَّ مَشاهِدَهُم حَتّى تُلحِقَني بِهِم ، وتَجعَلَني لَهُم تَبَعاً فِي الدُّنيا وَالآخِرَة
.
ص: 343
يا أرحَمَ الرّاحِمينَ (1) .
المزار_ في أعمالِ اليَومِ السّابِعِ عَشَرَ مِن شَهرِ رَبيعِ الأَوَّلِ _: رُوِيَ أنَّ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الصّادِقَ عليهماالسلام زارَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام في هذَا اليَومِ بِهذِهِ الزِّيارَةِ ، وعَلَّمَها لِمُحَمَّدِ بنِ مُسلِمٍ الثَّقَفِيِّ فَقالَ : إذا أتَيتَ مَشهَدَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَاغتَسِل لِلزِّيارَةِ وَالبَس أنظَفَ ثِيابِكَ وشُمَّ شَيئاً مِنَ الطّيبِ وعَلَيكَ السَّكينَةُ وَالوِقارُ . فَإِذا وَصَلتَ إلى بابِ السَّلامِ فَاستَقبِلِ القِبلَةَ وكَبِّر اللّهَ ثَلاثينَ مَرَّةً وقُل : السَّلامُ عَلى رَسولِ اللّهِ . السَّلامُ عَلى خِيَرَةِ اللّهِ . السَّلامُ عَلَى البَشيرِ النَّذيرِ ، السِّراجِ المُنيرِ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلَى الطُّهرِ الطّاهِرِ . السَّلامُ عَلَى العَلَمِ الزّاهِرِ . السَّلامُ عَلَى المَنصورِ المُؤَيَّدِ . السَّلامُ عَلى أبِي القاسِمِ مُحَمَّدٍ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلى أنبِياءِ اللّهِ المُرسَلينَ ، وعِبادِ اللّهِ الصّالِحينَ . السَّلامُ عَلى مَلائِكَةِ اللّهِ الحافّينَ بِهذَا الحَرَمِ وبِهذَا الضَّريحِ اللّائِذينَ بِهِ ورَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ . ثُمَّ ادنُ مِنَ القَبرِ وقُل : السَّلامُ عَلَيكَ يا وَصِيَّ الأَوصِياءِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا عِمادَ الأَتقِياءِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ الأَولِياءِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا سَيِّدَ الشُّهَداءِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا آيَةَ اللّهِ العُظمى . السَّلامُ عَلَيكَ يا خامِسَ أهلِ العَباءِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا قائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلينَ الأَتقِياءِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا زَينَ المُوَحِّدينَ النُّجَباءِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا خالِصَ الأَخِلّاءِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا والِدَ الأَئِمَّةِ الاُمَناءِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا صاحِبَ الحَوضِ وحامِلَ اللِّواءِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا قَسيمَ الجَنَّةِ ولَظى . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن شُرِّفَت بِهِ مَكَّةُ ومِنى ، السَّلامُ عَلَيكَ يا بَحرَ العُلومِ وكَهفَ الفُقَراءِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن وُلِدَ فِي الكَعبَةِ ، وزُوِّجَ فِي السَّماءِ بِسَيِّدَةِ النِّساءِ ، وكانَ شُهودُهَا المَلائِكَةَ السَّفَرَةَ الأَصفِياءَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مِصباحَ الضِّياءِ . السَّلامُ عَلَيك
.
ص: 344
يا مَن خَصَّهُ النَّبِيُّ بِجَزيلِ الحِباءِ (1) . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن باتَ عَلى فِراشِ خاتَمِ الأَنبِياءِ ، ووَقاهُ بِنَفسِهِ شَرَّ الأَعداءِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن رُدَّت لَهُ الشَّمسُ فَسامى شَمعونَ الصَّفاءَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن أنجَى اللّهُ سَفينَةَ نوحٍ بِاسمِهِ وَاسمِ أخيهِ حَيثُ التَطَمَ حَولَها الماءُ وطَمى . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن تابَ اللّهُ بِهِ وبِأخيهِ عَلى آدَمَ إذ غَوى ، السَّلامُ عَلَيكَ يا فُلكَ النَّجاةِ الَّذي مَن رَكِبَهُ نَجا ومَن تَأَخَّرَ عَنهُ هَوى . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن خاطَبَ الثُّعبانَ وذِئبَ الفَلا . السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللّهِ عَلى مَن كَفَرَ وأنابَ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا إمامَ ذَوِي الأَلبابِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَعدِنَ الحِكمَةِ وفَصلَ الخِطابِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا ميزانَ يَومِ الحِسابِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا فاصِلَ الحُكمِ النّاطِقَ بِالصَّوابِ . السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا المُتَصَدِّقُ بِالخاتَمِ فِي المِحرابِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن كَفَى اللّهُ المُؤمِنينَ القِتالَ بِهِ يَومَ الأَحزابِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن أخلَصَ للّهِِ الوَحدانِيَّةَ وأنابَ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا قاتِلَ خَيبَرَ وقالِعَ البابِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن دَعاهُ خَيرُ الأَنامِ إلَى المَبيتِ عَلى فِراشِهِ ، فَأَسلَمَ نَفسَهُ إلَى المَنِيَّةِ وأجابَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن لَهُ طوبى وحُسنُ مَآبٍ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ عِصمَةِ الدّينِ ويا سَيِّدَ السّاداتِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا صاحِبَ المُعجِزاتِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن كُتِبَ اسمُهُ فِي السَّماءِ عَلَى الُّسرادِقاتِ (2) ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَظهَرَ العَجائِبِ وَالآياتِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ الغَزَواتِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مُخبِراً بِما غَبَرَ وبِما هُوَ آتٍ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مُخاطِبَ ذِئبِ الفَلَواتِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا خاتِمَ الحَصى ومُبَيِّنَ المُشكِلاتِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن عَجِبَت مِن حَمَلاتِهِ فِي الوَغى
.
ص: 345
مَلائِكَةُ السَّماواتِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن ناجَى الرَّسولَ فَقَدَّمَ بَينَ يَدَي نَجواهُ الصَّدَقاتِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا والِدَ الأَئِمَّةِ البَرَرَةِ السّاداتِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلَيكَ يا تالِيَ المَبعوثِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عِلمِ خَيرِ مَوروثٍ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلَيكَ يا سَيِّدَ الوَصِيّينَ السَّلامُ عَلَيكَ يا إمامَ المُتَّقينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا غِياثَ المَكروبينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا عِصمَةَ المُؤمِنينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَظهَرَ البَراهينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا طه ويس . السَّلامُ عَلَيكَ يا حَبلَ اللّهِ المَتينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا مَن تَصَدَّقَ بِخاتَمِهِ عَلَى المِسكينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا قالِعَ الصَّخرَةِ عَن فَمِ القَليبِ ومُظهِرَ الماءِ المَعينِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا عَينَ اللّهِ النّاظِرَةَ فِي العالَمينَ ، ويَدَهُ الباسِطَةَ ولِسانَهُ المُعَبَّرَ عَنهُ في بَرِيَّتِهِ أجمَعينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عِلمِ النَّبِيّينَ ، ومُستَودَعَ عِلمِ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، ويا صاحِبَ لِواءِ الحَمدِ ، وساقي أولِيائِهِ مِن حَوضِ خاتَمِ النَّبِيّينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا يَعسوبَ الدّينِ ، وقائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، ووالِدَ الأَئِمَّةِ المَرضيّينَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلَى اسمِ اللّهِ الرَّضِيِّ ووَجهِهِ المُضيء ، وجَنبِهِ القَوِيِّ ، وصِراطِهِ السَّوِيِّ ، السَّلامُ عَلَى الإِمامِ النَّقِيِّ ، المُخلِصِ الصَّفِيِّ . السَّلامُ عَلَى الكَوكَبِ الدُّرِّيِّ . السَّلامُ عَلَى الاِءمامِ أبِي الحَسَنِ عَلِيٍّ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلى أئِمَّةِ الهُدى ، ومَصابيحِ الدُّجى ، وأعلامِ التُّقى ، ومَنارِ الهُدى ، وذَوِي النُّهى ، وكَهفِ الوَرى ، وَالعُروَةِ الوُثقى ، وَالحُجَّةِ عَلى أهلِ الدُّنيا ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلى نورِ الأَنوارِ وحُجَجِ الجَبّارِ ، ووالِدِ الأَئِمَّةِ الأَطهارِ ، وقَسيمِ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، المُخبِرِ عَنِ الآثارِ ، المُدَمِّرِ عَلَى الكُفّارِ ، مُستَنقِذِ الشّيعَةِ المُخلَصينَ مِن عَظيمِ الأَوزارِ . السَّلامُ عَلَى المَخصوصِ بِالطّاهِرَةِ التَّقِيَّةِ ابنَةِ المُختارِ ، المَولودِ فِي البَيتِ ذِى ¨
.
ص: 346
الأَستارِ ، المُتَزَوِّجِ فِي السَّماءِ بِالبَرَّةِ الطّاهِرَةِ الرَّضِيَّةِ المَرضِيَّةِ ابنَةِ الأَطهارِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلَى النَّبَأِ العَظيمِ الَّذي هُم فيهِ مُختَلِفونَ ، وعَلَيهِ يُعرَضونَ ، وعَنهُ يُسأَلونَ . السَّلامُ عَلى نورِ اللّهِ الأَنوَرِ ، وضِيائِهِ الأَظهَرِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ اللّهِ وحُجَّتَهُ ، وخالِصَةَ اللّهِ وخاصَّتَهُ ، أشهَدُ يا وَلِيَّ اللّهِ وحُجَّتَهُ ، وخالِصَةَ اللّهِ ، ووَلِيَّ رَسولِهِ ، لَقَد جاهَدتَ في سَبيلِ اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، وَاتَّبَعتَ مِنهاجَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وحَلَّلتَ حَلالَ اللّهِ ، وحَرَّمتَ حَرامَهُ ، وشَرَّعتَ أحكامَهُ ، وأقَمتَ الصَّلاةَ ، وآتَيتَ الزَّكاةَ ، وأمَرتَ بِالمَعروفِ ، ونَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ ، وجاهَدتَ في سَبيلِ اللّهِ صابِراً ناصِحاً مُجتَهِداً مُحتَسِباً عِندَ اللّهِ عَظيمَ الأَجرِ ، حَتّى أتاكَ اليَقينُ ؛ فَلَعَن اللّهُ مَن دَفَعَكَ عَن حَقِّكَ ، وأزالَكَ عَن مَقامِكَ ، ولَعَنَ اللّهُ مَن بَلَغَهُ ذلِكَ فَرَضِيَ بِهِ ، اُشهِدُ اللّهَ ومَلائِكَتَهُ وأنبِياءَهُ ورُسُلَهُ أنّي والٍ لِمَن والاكَ ، وعادٍ لِمَن عاداكَ ، وَالسَّلامُ عَلَيكَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . ثُمَّ انكَبَّ عَلَى القَبرِ فَقَبِّلهُ وقُل : أشهَدُ أنَّكَ تَسمَعُ كَلامي وتَشهَدُ مَقامي ، وأشهَدُ لَكَ يا وَلِيَّ اللّهِ بِالبَلاغِ وَالأَداءِ . يا مَولايَ ، يا حُجَّةَ اللّهِ ، يا أمينَ اللّهَ ، يا وَلِيَّ اللّهِ ، إنَّ بَيني وبَينَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ذُنوباً قَد أثقَلَت ظَهري ومَنَعتَني مِنَ الرُّقادِ ، وذِكرُها يُقَلقِلُ أحشائي ، وقَد هَرَبتُ إلَى اللّهِ تَعالى وإلَيكَ ؛ فَبِحَقِّ مَنِ ائتَمَنَكَ عَلى سِرِّهِ ، وَاستَرعاكَ أمرَ خَلقِهِ ، وقَرَنَ طاعَتَكَ بِطاعَتِهِ ، ومُوالاتَكَ بِمُوالاتِهِ ، كُن لي إلَى اللّهِ شَفيعاً ، ومِنَ النّارِ مُجيراً ، وعَلَى العَدُوِّ نَصيرا ، وعَلَى الدَّهرِ ظَهيراً . ثُمَّ انكَبَّ عَلَى القَبرِ وقُل : يا وَلِيَّ اللّهِ ، يا حُجَّةَ اللّهِ يابابَ حِطَّةِ اللّهِ ، وَلِيُّكَ وزائِرُكَ وَاللّائِذُ بِقَبرِكَ ، وَالنّازِلُ بِفِنائِكَ ، وَالمُنِيخُ رَحلَهُ في جِوارِكَ يَسأَلُكَ أن تَشفَعَ لَهُ إلَى اللّهِ في قَضاءِ حاجَتِهِ ونُجحِ طَلِبَتِهِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؛ فَإِنَّ لَكَ عِندَ اللّهِ الجاه
.
ص: 347
العَظيمَ وَالشَّفاعَةَ المَقبولَةَ ، فَاجعَلني يا مَولايَ مِن هَمِّكَ ، وأدخِلني في حِزبِكَ . وَالسَّلامُ عَلَيكَ وعَلى ضَجيعَيكَ آدَمَ ونوحٍ . وَالسَّلامُ عَلَيكَ وعَلى وَلَدَيكَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، وعَلَى الأَئِمَّةِ الطّاهِرينَ مِن ذُرِّيَّتِكَ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . ثُمَّ صَلِّ سِتَّ رَكَعاتٍ : لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام رَكعَتَينِ زيارَةً ، ولِادَمَ عليه السلام رَكعَتَينِ زِيارَةً ولِنوحٍ عليه السلام رَكعَتَينِ زِيارَةً ، وَادعُ اللّهَ كَثيراً يُجابُ إن شاءَ اللّهُ تَعالى (1) .
الإمام الهادي عليه السلام_ ما يُقالُ عِندَ قَبرِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: السّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ اللّهِ ، أنتَ أوَّلُ مَظلومٍ ، وأوَّلُ مَن غُصِبَ حَقُّهُ ، صَبَرتَ وَاحتَسَبتَ حَتّى أتاكَ اليَقينُ ، وأشهَدُ أنَّكَ قَد لَقَيتَ اللّهَ وأنتَ شَهيدٌ ، عَذَّبَ اللّهُ قاتِلَكَ بِأَنواعِ العَذابِ ، وجَدَّدَ عَلَيهِ العَذابَ ، جِئتُكَ عارِفا بِحَقِّكَ ، مُستَبصِرا بِشَأنِكَ ، مُعادِيا لِأَعدائِكَ ومَن ظَلَمَكَ ، ألقى عَلى ذلِكَ رَبّي إن شاءَ اللّهُ ، يا وَلِيَّ اللّهِ إنَّ لي ذُنوباً كَثيرَةً ، فَاشفَع لي إلى رَبِّكَ عَزَّ وجَلَّ ؛ فَإِنَّ لَكَ عِندَ اللّهِ مَقاما مَحمودا ، وإنَّ لَكَ عِندَ اللّهِ جاها وشَفاعَةً . وقالَ اللّهُ تَعالى : «وَ لَا يَشْفَعُونَ إِلَا لِمَنِ ارْتَضَى» (2) .
7 / 3ما ظَهَرَ عِندَ قَبرِهِ مِنَ الكَراماتِأقول : إنّ ما ظهر من الكرامات عند قبر الإمام علي عليه السلام وفي مشهده الشريف أكثر من أن يذكر جزء منه في هذا الكتاب ، فضلاً عن استقصائه ؛ فإنّه بحاجة إلى كتاب
.
ص: 348
مستقلّ ، بل قد يكون ذا عدّة أجزاء . ولكن نشير هنا إلى عدّة نماذج منها :
7 / 3 _ 1كَرامَةٌ لَهُ في حَقِّ كَمالِ الدّينِ القُمِّيِّإرشاد القلوب عن كمال الدين غياث القمّي :دَخَلتُ حَضرَةَ مَولانا أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ثُمَّ قُمتُ ، فَتَعَلَّقَ مِسمارٌ مِنَ الضَّريحِ المُقَدَّسِ في قَبائي فَخَرَّقَهُ ، فَقُلتُ مُخاطِباً لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : ما أعرِفُ عِوَضَ هذا إلّا مِنكَ . وكانَ إلى جانِبي رَجُلٌ رَأيُهُ غَيرُ رَأيي ، فَقالَ مُستَهزِئاً : ما يُعطيكَ عِوَضَهُ إلّا قَباءً ورِداءً ! وَانفَصَلنا عَنِ الزِّيارَةِ وجِئنا إلَى الحِلَّةِ ، وكانَ كَمالُ الدّينِ بنُ قِشمٍ النّاصِرِيُّ هَيَّأَ لِشَخصٍ يُريدُ أن يُنفِذَهُ إلى بَغدادَ قَباءً ورِداءً ، فَخَرَجَ الخادِمُ عَلى لِسانِ ابنِ قِشمٍ وقالَ : اُطلُبوا كَمالَ الدّينِ القُمِّيَّ ، فَجِئتُ وأخَذَ بِيَدي إلَى الخَزانَةِ وألبَسَني قَباءً ورِداءً ، فَخَرَجتُ ودَخَلتُ حَتّى اُسَلِّمَ عَلَى ابنِ قِشمٍ واُقَبِّلُ كَفَّهُ ، فَنَظَرَ إلَيَّ نَظَراً عَرَفتُ الكَراهِيَةَ في وَجهِهِ ، وَالتَفَتَ إلَى الخادِمِ وقالَ لَهُ : طَلَبتُ فُلاناً ! فَقالَ الخادِمُ : إنَّما طَلَبتُ كَمالَ الدّينِ القُمِّيَّ ، فَشَهِدَ الجَماعَةُ الَّذينَ هُم جُلَساءُ الأَميرِ أنَّهُ [أمَرَ (1) ]بِحُضورِ كَمالِ الدّينِ القُمِّيِّ المَذكورِ . فَقُلتُ : أيُّهَا الأَميرُ ، ما خَلَعتَ أنتَ عَلِيَّ هذِهِ الخَلعَةَ بَل أميرُ المُؤمِنينَ خَلَعَني ، فَالتَمَسَ مِنِّي الحِكايَةَ ، فَحَكَيتُ لَهُ ، فَخَرَّ ساجِداً وقالَ : الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ إذ كانَتِ الخَلعَةُ عَلى يَدي (2) .
.
ص: 349
7 / 3 _ 2كَرامَةٌ لَهُ في رَجُلٍ فاقِدِ البَصَرِفرحة الغري عن الشيخ حسين بن عبد الكريم الغروي :كانَ قَد وَفَدَ إلَى المَشهَدِ الشَّريفِ الغَرَوِيِّ _ عَلى ساكِنِهِ السَّلامُ _ رَجُلٌ أعمى مِن أهلِ تَكريتَ (1) ، وكانَ قَد عَمِيَ عَلى كِبَرٍ ، وكانَت عَيناهُ ناتِئَتَينِ عَلى خَدِّهِ وكانَ كَثيراً ما يَقعُدُ عِندَ المَسأَلَةِ ويُخاطِبُ الجِنابَ الأَقدَسَ بِخِطابٍ خَشَنٍ ، وكُنتُ تارَةً أهُمُّ بِالإِنكارِ عَلَيهِ وتارَةً يُراجِعُني الفِكرُ فِي الصَّفحِ عَنهُ ، فَمَضى عَلى ذلِكَ مُدَّةٌ ، فَإِذا أنَا في بَعضِ الأَيّامِ قَد فَتَحتُ الخَزانَةَ إذ سَمِعتُ ضَجَّةً عَظيمَةً ، فَظَنَنتُ أنَّهُ قَد جاءَ لِلعَلَوِيّينَ بَرٌّ مِن بَغدادَ أو قَد قُتِلَ فِي المَشهَدِ قَتيلٌ ، فَخَرَجتُ ألتَمِسُ الخَبَرَ ، فَقيلَ لي : هاهُنا أعمى قَد رُدَّ بَصَرُهُ ، فَرَجَوتُ أن يَكونَ ذلِكَ الأَعمى ، فَلَمّا وَصَلتُ إلَى الحَضرَةِ الشَّريفَةِ وَجَدتُهُ ذلِكَ الأَعمى بِعَينِهِ ، وعَيناهُ كَأَحسَنِ ما تَكونُ ، فَشَكَرتُ اللّهَ تَعالى عَلى ذلِكَ . وزادَ والِدي عَلى هذِهِ الرِّوايَةِ أنَّهُ كانَ يَقولُ لَهُ مِن جُملَةِ كَلامِهِ كَخَطابِ الأَحياءِ : وكَيفَ يَليقُ أن أجيءَ وأمشِيَ فَيَشتَفي مَن لا يُحِبُّ (2) .
7 / 3 _ 3كَرامَةٌ لَهُ في حَقِّ رَجُلٍ نَصرانِيٍّإرشاد القلوب عن عليّ بن يحيى بن حسين الطّحال المقدادي :أخبَرَني أبي ، عَن أبيهِ ، عَن جَدِّهِ ، أنَّهُ أتاهُ رَجُلٌ مَليحُ الصّورَةِ ، نَقِيُّ الأَثوابِ دَفَعَ إلَيهِ دينارَينِ وقالَ لي : أغلِق عَلَيَّ بابَ القُبَّةِ وذَرني وَحدي أعبُدُ اللّهَ ، فَأَخَذَهُما مِنهُ وأغلَقَ البابَ ، فَنامَ فَرَأى
.
ص: 350
أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام في مَنامِهِ وهُوَ يَقولُ : اُقعُد أخرِجهُ عَنّي ؛ فَإِنَّهُ نَصرانِيٌّ ، فَنَهَضَ عَلِيُّ بنُ طِحالٍ وأخَذَ حَبلاً فَوَضَعَهُ في عُنُقِ الرَّجُلِ وقالَ لَهُ : اُخرُج ، تَخدَعُني بِالدّينارَينِ وأنتَ نَصرانِيٌّ ؟ ! فَقالَ لَهُ : لَستُ بِنَصرانِيٍّ . قالَ : بَلى إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام أتاني فِي المَنامِ وأخبَرَني أنَّكَ نَصرانِيٌّ وقالَ : أخرِجهُ عَنّي ، فَقالَ : اُمدُد يَدَكَ ، وأنَا أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللّهِ ، وأنَّ عَلِيّاً أميرَ المُؤمِنينَ خَليفَةُ اللّهِ ، وَاللّهِ ما عَلِمَ أحَدٌ بِخُروجي مِنَ الشّامِ ، ولا عَرِفَني أحَدٌ مِنَ العِراقِ ، ثُمَّ حَسُنَ إسلامُهُ (1) .
7 / 3 _ 4ما حَصَلَ لِأَبِي البَقاءِ قَيِّمِ مَشهَدِ أميرِ المُؤمِنينَفرحة الغري :في سَنَةِ إحدى وخَمسِمِئَةٍ بيعَ الخُبزُ بِالمَشهَدِ الشَّريفِ الغَرَوِيِّ كُلُّ رِطلٍ بِقيراطٍ ، بَقِيَ أربَعينَ يَوما ، فَمَضَى القَومُ مِنَ الضُّرِّ عَلى وُجوهِهِم إلَى القُرى ، وكانَ مِن القَومِ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ أبُو البَقاءِ بنُ سُوَيقَةَ ، وكانَ لَهُ مِنَ العُمرِ مِئَةٌ وعَشرُ سِنينَ ، فَلَم يَبقَ مِنَ القَومِ سِواهُ ، فَأَضَرَّ بِهِ الحالُ ، فَقالَت لَهُ زَوجَتُهُ وبَناتُهُ : هَلَكنا ! امضِ كَما مَضَى القَومُ ، فَلَعَلَّ اللّهَ تَعالى يَفتَحُ بِشَيءٍ نَعيشُ بِهِ ، فَعَزَمَ عَلَى المُضِيِّ ، فَدَخَلَ إلَى القُبَّةِ الشَّريفَةِ صَلَواتُ اللّهِ عَلى صاحِبِها وزارَ وصَلّى ، وجَلَسَ عِندَ رأسِهِ الشَّريفِ وقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ لي في خدمَتِكَ مِئَةُ سَنَةٍ ما فارَقتُكَ ، ما رَأَيتُ الخَلَّةَ ولَا السُّكونَ ، وقَد أضَرَّ بي وبِأَطفالي الجوعُ ، وها أنَا مُفارِقُكَ ويَعِزُّ عَلَيَّ فِراقُكَ ، أستَودِعُكَ اللّهَ هذا فِراقٌ بَيني وبَينَكَ . ثُمَّ خَرَجَ ومَضى مَعَ المُكارِيَةِ حَتّى يَعبُرَ إلَى الوَقفِ وسَوراءَ ، وفي صُحبَتِهِ وهَبانُ السُّلَمِيُّ وأبوكُردِيٍّ وجَماعَةٌ مِنَ المُكارِيَّةِ طَلَعوا مِنَ المَشهَدِ ، وأقبَلوا إلى أبي هُبَيشٍ قالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ : هذا وَقتٌ كَثيرٌ ، فَنَزَلوا ونَزَلَ أبُو البَقاءِ مَعَهُم ، فَنامَ فَرَأى في مَنامِه
.
ص: 351
أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام وهُوَ يَقولُ لَهُ : يا أبَا البَقاءِ ، فارَقتَني بَعدَ طولِ هذِهِ المُدَّةِ ؟ ! عُد إلى حَيثُ كُنتَ ، فَانتَبَهَ باكِيا فَقيلَ لَهُ : ما يُبكيكَ ؟ فَقَصَّ عَلَيهِمُ المَنامَ ورَجَعَ ، فَحَيثُ رَأَينَهُ بَناتُهُ صَرَخنَ في وَجهِهِ ، وقَصَّ عَلَيهِنَّ القِصَّةَ وطَلَعَ ، وأخَذَ مِفتاحَ القُبَّةِ مِنَ الخازِنِ أبي عَبدِ اللّهِ بنِ شَهرِيارِ القُمِّيِّ ، وقَعَدَ عَلى عادَتِهِ ، بَقِيَ ثَلاثَةَ أيّامٍ فَفِي اليَومِ الثّالِثِ أقبَلَ رَجُلٌ وبَينَ كِتفَيهِ مِخلاةً كَهَيئَةِ المُشاةِ إلى طَريقِ مَكَّةَ ، فَحَلَّها وأخرَجَ مِنها ثِيابا لَبِسَها ، ودَخَلَ إلَى القُبَّةِ الشَّريفَةِ وزارَ وصَلّى ، ودَفَعَ إلَيَّ خَفيفاً وقالَ : اِئتِ بِطَعامٍ نَتَغَدّى ، فَمَضَى القَيِّمُ أبُو البَقاءِ وأتى بِخُبزٍ ولَبَنٍ وتَمرٍ ، فَقالَ لَهُ : ما يُؤكَلُ لي هذا ولكِنِ امضِ بِهِ إلى أولادِكَ يَأكُلونَهُ ، وخُذ هذَا الدّينارَ الآخَرَ وَاشتَرِ لَنا بِهِ دَجاجاً وخُبزاً ، فَأَخَذتُ لَهُ بِذلِكَ ، فَلَمّا كانَ وَقتُ صَلاةِ الظُّهرِ صَلَّى الظُّهرَينِ وأتى إلى دارِهِ وَالرَّجُلُ مَعَهُ ، فَأَحضَرَ الطَّعامَ وأكَلا ، وغَسَلَ الرَّجُلُ يَدَيهِ وقالَ لي : اِئتِني بِأَوزانِ الذَّهَبِ ، فَطَلَعَ القَيِّمُ أبُوالبَقاءِ إلى زَيدِ بنِ واقِصَةَ _ وهُوَ صائِغٌ عَلى بابِ دارِ التَّقِيّ بنِ اُسامَةَ العَلَوِيِّ النَّسّابَةِ _ فَأَخَذَ مِنهُ الصّينِيَّةَ وفيها أوزانُ الذَّهَبِ وأوزانُ الفِضَّةِ فَجَمَعَ الرَّجُلُ جَميعَ الأَوزانِ فَوَضَعَها فِي الكِفَّةِ حَتَّى الشَّعيرَةَ وَالاُرزَةَ وحَبَّةَ الشَّبَهِ ، وأخرَجَ كيساً مَملُوّاً ذَهَباً ، وتَرَكَ مِنهُ بِحِذاءِ الأَوزانِ وصَبَّهُ في حُجرِ القَيِّمِ ونَهَضَ ، وشَدَّ ما تَخَلَّفَ عَنهُ وبَدَّلَ لِباسَهُ ، فَقالَ لَهُ القَيِّمُ : يا سَيِّدي ما أصنَعُ بِهذا ؟ قالَ لَهُ : هُوَ لَكَ ، قالَ : مِمَّن ؟ قالَ : مِنِ الَّذي قالَ لَكَ : إرجِع إلى حَيثُ كُنتَ . قالَ لي : أعطِهِ حِذاءَ الأَوزانِ ، ولَو جِئتَ بِأَكثَرَ مِن هذِهِ الأَوزانِ لَأَعطَيتُكَ ، فَوَقَعَ القَيِّمُ مَغشِيّاً عَلَيهِ ، ومَضَى الرَّجُلُ ، فَزَوَّجَ القَيِّمُ بَناتَهُ وعَمَّرَ دارَهُ وحَسُنَت حالُهُ (1) .
راجع : كتاب «بحار الأنوار» : ج 42 ص 311 باب 129 «ما ظهر عند الضريح المقدّس من المعجزات والكرامات» .
.
ص: 352
. .
ص: 353
القسم التاسع : الآراء حول شخصية الإمام عليوفيه فصول :الفصل الأوّل : عليّ عن لسان القرآنالفصل الثاني : عليّ عن لسان النبيّالفصل الثالث : عليّ عن لسان عليّالفصل الرابع : عليّ عن لسان أهل البيتالفصل الخامس : عليّ عن لسان أزواج النبيّالفصل السادس : عليّ عن لسان أصحاب النبيّالفصل السابع : عليّ عن لسان أصحابهالفصل الثامن : عليّ عن لسان أعدائهالفصل التّاسع : علي عن لسان الأعيانالفصل العاشر : عليّ عن لسان الشعراء
.
ص: 354
. .
ص: 355
الفصل الأوّل: عليّ عن لسان القرآنعليّ عليه السلام حافظ سرّ القرآن الكريم ، والمظهر الأسمى لفهم هذا الكتاب الإلهيّ . إنّه قرين هذا النداء السماويّ ، ولسانه الناطق . وارتباطه به ارتباط وثيق لا ينفكّ ، ويظلّ هذا الارتباط قائما إلى يوم القيامة ، والميعاد على حوض الكوثر . وهذه الحقيقة العظيمة نطق بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حديث الثقلين العظيم ، وقال صلى الله عليه و آله في كلام آخر له أيضا : «عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيٍّ ؛ لا يَفتَرِقانِ حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ» (1) . يترجم لنا هذا الكلام الثمين أنّ عليّا عليه السلام عِدل القرآن الكريم ، والمدافع الدؤوب عن معارفه ، وحليفه الكبير المبيّن لتعاليمه ، كما قال عليه السلام : «ذلِكَ القُرآنُ فَاستَنطِقوهُ ولَن يَنطِقَ ، ولكِن اُخبِرُكُم عَنهُ» (2) . وهذه حقيقة أقرّ بها الجميع ، واعترف بها الصحابة منذ الأيّام الاُولى (3) . من جهة اُخرى يمكننا أن نفهم من هذا الكلام النبويّ الرفيع أنّ القرآن الكريم
.
ص: 356
أفضل وثيقة دالّة على عظمة عليّ عليه السلام وناطقة بجلالته وسموّ شأنه : «وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيٍّ» . ولم يَخْفَ هذا على أحد منذ الأيّام الاُولى لنزول القرآن الكريم ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «ما أنزَلَ اللّهُ آيَةً فيها «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ» إلّا وعَلِيٌّ رَأسُها وأميرُها» (1) . وقال مفسّر القرآن الكبيرُ عبد اللّه بن عبّاس : «لَيسَ مِن آيَةٍ فِي القُرآنِ فيها : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ» إلّا وعَلِيٌّ رَأسُها وأميرُها وشَريفُها . ولَقَد عاتَبَ اللّهُ أصحابَ مُحَمَّدٍ فِي القُرآنِ ، وما ذَكَرَ عَلِيّا إلّا بِخَيرٍ» (2) . وقال أيضا : «ما نَزَلَ في أحَدٍ مِن كِتابِ اللّهِ تَعالى ما نَزَلَ في عَلِيٍّ» (3) . وقال حذيفة بن اليمان : «ما نَزَلَت فِي القُرآنِ «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ» إلّا كانَ لِعَلِيٍّ لُبُّها ولُبابُها» (4) . وقال مجاهد : «نَزَلَت في عَلِيٍّ سَبعونَ آيَةً ، لَم يَشرَكهُ فيها أحَدٌ» (5) . وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : «لَقَد نَزَلَت في عَلِيٍّ ثَمانونَ آيَةً صَفوا في كِتابِ اللّهِ ، ما يَشرَكُهُ فيها أحَدٌ مِن هذِهِ الاُمَّةِ» (6) . وما سنذكره في السطور القادمة من هذه المجموعة ما هو غَيضٌ من فَيض . وقد آثرنا الإيجاز في عرض هذه الحقائق .
.
ص: 357
1 / 1نَفسُ النَّبِيِّ«فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَ_ذِبِينَ» (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ النَّصارَى ادَّعَوا أمرا فَأَنزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ فيهِ : «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَ_ذِبِينَ» ، فَكانَت نَفسي نَفسُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ وَالنِّساءُ فاطِمَةُ عليهاالسلام ، وَالأَبناء الحَسَنُ وَالحُسَينُ (2) .
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ» _: الحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهماالسلام، «وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» : رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَلِيٌّ عليه السلام ، «وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ» : فاطِمَةُ عليهاالسلام (3) .
عيون أخبار الرضا عن الريّان بن الصلت عن الإمام الرضا عليه السلام_ في مُحاجَّتِهِ مَعَ جَماعَةٍ مِن عُلَماءِ أهلِ العِراقِ وخُراسانَ في مَجلِسِ المَأمونِ لَمّا قالوا لَهُ : هَل فَسَّرَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ الِاصطِفاءَ فِي الكِتابِ ؟ _: فَسَّرَ الِاصطِفاءَ فِي الظّاهِرِ سِوَى الباطِنِ فِي اثنَي عَشَرَ مَوطِنا ومَوضِعا . . . وأمَّا الثّالِثَةُ فَحينَ مَيَّزَ اللّهُ الطّاهِرينَ مِن خَلقِهِ ، فَأَمَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِالمُباهَلَةِ بِهِم في آيَةِ الِابتِهالِ ، فَقالَ عَزَّ وجَلَّ : يا مُحَمَّدُ «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَ_ذِبِينَ» . فَبَرَّزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلِيّا وَالحَسَنَ وَالحُسَينَ وفاطِمَةَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ، وقَرَنَ أنفُسَهُم بِنَفسِهِ ، فَهَل تَدرونَ ما مَعنى
.
ص: 358
قَولِهِ : «وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» ؟ قالَتِ العُلَماءُ : عَنى بِهِ نَفسَهُ . فَقالَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام : لَقَد غَلِطتُم ، إنَّما عَنى بِها عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ومِمّا يَدُلُّ عَلى ذلِكَ قَولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حينَ قالَ : «لَيَنتَهِيَنَّ بَنو وَليعَةَ أو لَأَبعَثَنَّ إلَيهِم رَجُلاً كَنَفسي» ؛ يَعني عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام . . . فَهذِهِ خُصوصِيَّةٌ لا يَتَقَدَّمُهُم فيها أحَدٌ ، وفَضلٌ لا يَلحَقُهُم فيهِ بَشَرٌ ، وشَرَفٌ لا يَسبِقُهُم إلَيهِ خَلقٌ ؛ إذ جَعَلَ نَفسَ عَلِيٍّ عليه السلام كَنَفسِهِ (1) .
طرائف المقال :قالَ المَأمونُ لِلرِّضا عليه السلام : مَا الدَّليلُ عَلى خِلافَةِ جَدِّكَ [عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ] ؟ قالَ عليه السلام : «أنفُسَنا» ، فَقالَ المَأمونُ : لَولا «نِساءَنا»! فَقالَ الرِّضا عليه السلام : لَولا «أبناءَنا»! فَسَكَتَ المَأمونُ (2)(3) .
دلائل النبوّة عن جابر_ في تَفسيرِ آيَةِ المُباهَلَةِ _: «وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» : رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَلِيٌّ ، «وَأَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ» : الحَسَنُ وَالحُسَينُ ، «وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ» : فاطِمَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنهُم أجمَعينَ (4) .
تفسير الطبري عن زيد بن عليّ عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ» الآيَةَ _: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وعَلِيٌّ وفاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ (5) .
.
ص: 359
الكشّاف_ في ذِكرِ المُباهَلَةِ _: أتى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقَد غَدا مُحتَضِنا الحُسَينَ ، آخِذا بِيَدِ الحَسَنِ ، وفاطِمَةُ تَمشي خَلفَهُ ، وعَلِيٌّ خَلفَها ، وهُوَ يَقولُ : إذا أنَا دَعَوتُ فَأَمِّنوا . فَقالَ اُسقُفُّ نَجرانَ : يا مَعشَرَ النَّصارى ! إنّي لَأَرى وُجوها لَو شاءَ اللّهُ أن يُزيلَ جَبَلاً مِن مَكانِهِ لَأَزالَهُ بِها ، فَلا تُباهِلوا فَتَهلِكوا ، ولا يَبقى عَلى وَجهِ الأَرضِ نَصرانِيٌّ إلى يَومِ القِيامَةِ (1) .
المحاسن والمساوئ عن رجل من بني هاشم :حَدَّثَني أبي قالَ : حَضَرتُ مَجلِسَ مُحَمَّدِ بنِ عائِشَةَ بِالبَصرَةِ ، إذ قامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن وَسَطِ الحَلقَةِ فَقالَ : يا أبا عَبدِ الرَّحمنِ ، مَن أفضَلُ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ : أبو بَكرٍ ، وعُمَرُ ، وعُثمانُ ، وطَلحَةُ ، وَالزُّبَيرُ ، وسَعدٌ ، وسَعيدٌ ، وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ ، وأبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ . فَقالَ لَهُ : فَأَينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ؟ قالَ : يا هذا ! تَستَفتي عَن أصحابِهِ أم عَن نَفسِهِ ؟ قالَ : بَل عَن أصحابِهِ . قالَ : إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى يَقولُ : «قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» ، فَكَيفَ يَكونُ أصحابُهُ مِثلَ نَفسِهِ ؟ ! (2)
راجع : ص 423 (نفسي) . و كتاب «شواهد التنزيل» : ج 1 ص 155 _ 167 .
.
ص: 360
1 / 2شاهِدٌ مِنهُ«أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ» : أنَا ، «وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» : عَلِيٌّ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :رَسولُ اللّهِ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ ، وأنَا الشّاهِدُ مِنهُ (3) .
عنه عليه السلام :الَّذي قالَ اللّهُ تَعالى : «وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» . . . أنَا (4) .
تفسير الطبري عن عبد اللّه بن يحيى :قالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : ما مِن رَجُلٍ مِن قُرَيشٍ إلّا وقَد نَزَلَت فيهِ الآيَةُ وَالآيَتانِ . فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : فَأَنتَ فَأَيُّ شَيءٍ نَزَلَ فيكَ ؟ فَقالَ عَلِيٌّ : أما تَقرَأُ الآيَةَ الَّتي نَزَلَت في هودٍ : «وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» ؟ (5)
.
ص: 361
المناقب لابن المغازلي عن عبّاد بن عبد اللّه :سَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام يَقولُ : ما نَزَلَت آيَةٌ في كِتابِ اللّهِ جَلَّ وعَزَّ إلّا وقَد عَلِمتُ مَتى نَزَلَت ، وفيمَ اُنزِلَت . وما مِن قُرَيشٍ رَجُلٌ إلّا قَد نَزَلَت فيهِ آيَةٌ مِن كِتابِ اللّهِ تَسوقُهُ إلى جَنَّةٍ أو نارٍ . فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَما نَزَلَت فيكَ ؟ فَقالَ عليه السلام : لَولا أنَّكَ سَأَلتَني عَلى رُؤوسِ المَلَأِ ما حَدَّثتُكَ ، أما تَقرَأُ : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» ؟ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ ، وأنَا الشّاهِدُ مِنهُ ، أتلوهُ وأتَّبِعُهُ . وَاللّهِ لَاءِن تَعلَموا (1) ما خَصَّنَا اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ أهلَ البَيتِ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا عَلَى الأَرضِ مِن ذَهَبَةٍ حَمراءَ ، أو فِضَّةٍ بَيضاءَ (2) .
تذكرة الخواصّ عن زاذان :سَمِعتُهُ [عَلِيّا عليه السلام ] يَقولُ : وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَو ثُنِيَت لي وِسادَةٌ لَحَكَمتُ بَينَ أهلِ التَّوراةِ بِتَوراتِهِم ، وبَينَ أهلِ الإِنجيلِ بِإِنجيلِهِم ، وأهلِ الزَّبورِ بِزَبورِهِم ، وبَينَ أهلِ الفُرقانِ بِفُرقانِهِم . وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، ما مِن رَجُلٍ مِن قُرَيشٍ جَرَت عَلَيهِ المَواسي (3) إلّا وأنَا أعرِفُ لَهُ آيَةً تَسوقُهُ إلَى الجَنَّةِ أو تَقودُهُ إلَى النّارِ . فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَما آيَتُكَ الَّتي اُنزِلَت فيكَ ؟ فَقالَ : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» ، فَرَسولُ اللّهِ عَلى بَيِّنَةٍ ، وأنَا شاهِدٌ مِنهُ (4) .
.
ص: 362
الإمام الحسن عليه السلام :قَد قالَ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ المُنزَلِ عَلى نَبِيِّهِ المُرسَلِ : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» فَرَسولُ اللّهِ الَّذي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ ، وأبَي الَّذي يَتلوهُ وهُوَ شاهِدٌ مِنهُ (1) .
تفسير فرات عن زيد بن سلام الجعفي :دَخَلتُ عَلى أبي جَعفَرٍ عليه السلام فَقُلتُ : أصلَحَكَ اللّهُ ، حَدَّثَني خَيثَمَةُ عَنكَ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» فَحَدَّثَني أنَّكَ حَدَّثتَهُ : أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ ، وعَلِيٌّ عليه السلام يَتلوهُ مِن بَعدِهِ ، وهُوَ الشّاهِدُ ، وفيهِ نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ ؟ قالَ عليه السلام : صَدَقَ وَاللّهِ خَيثَمَةُ ، لَهكَذا حَدَّثتُهُ (2) .
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» _: الَّذي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالَّذي تَلاهُ منِ بَعدِهِ الشّاهِدُ مِنهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، ثُمَّ أوصِياؤُهُ واحِدٌ بَعدَ واحِدٍ (3) .
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» _: الَّذي هُوَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ هاهُنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالشّاهِدُ الَّذي يَتلوهُ مِنهُ عَلِيٌّ عليه السلام ، يَتلوهُ إماما مِن بَعدِهِ ، وحُجَّةً عَلى مَن خَلَّفَهُ مِن اُمَّتِهِ (4) .
الكافي عن أحمد بن عمر الحلّال :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» ، فقالَ عليه السلام : أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ الشّاهِدُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ (5) .
.
ص: 363
شواهد التنزيل :عَنِ ابنِ عَبّاسٍ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ» قالَ : النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، «وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» قالَ : هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (1) .
تفسير الفخر الرازي_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» _: . . . ثالِثُها : أنَّ المُرادَ هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه . وَالمَعنى : أنَّهُ يَتلو تِلكَ البَيِّنَةَ ، وقَولُهُ : «مِنْهُ» أي هذَا الشّاهِدُ مِن مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وبَعضٌ مِنهُ ، وَالمُرادُ مِنهُ تَشريفُ هذَا الشّاهِدِ بِأَنَّهُ بَعضٌ مِن مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله (2) .
راجع : كتاب «شواهد التنزيل» : ج 1 ص 359 _ 369 .
1 / 3الَّذي عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ« وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ » (3) .
الأمالي للصدوق عن أبي سعيد الخدري :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَن قَولِ اللّهِ جَلَّ ثَناؤُهُ . . . : «وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ» ، قالَ صلى الله عليه و آله : ذاكَ أخي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (4) .
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: إيّايَ عَنى بِمَن عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ (5) .
الإمام الباقر عليه السلام_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (6) .
.
ص: 364
عنه عليه السلام_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ الأَوَّلُ وَالآخِرُ (1) .
عنه عليه السلام_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: نَزَلَت في عَلِيٍّ عليه السلام ؛ إنَّهُ عَالِمُ هذِهِ الاُمَّةِ بَعدَ النَّبِيِّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وآلِهِ (2) .
تفسير القرطبي عن عبد اللّه بن عطاء :قُلتُ لِأَبي جَعفَرِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليهم السلام : زَعَموا أنَّ الَّذي عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ عَبدُ اللّهِ بنُ سَلامٍ ! فَقالَ : إنَّما ذلِكَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (3) .
الكافي عن بريد بن معاوية :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَ بَيْنَ_كُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ» ؟ قالَ عليه السلام : إيّانا عَنى ، وعَلِيٌّ عليه السلام أوَّلُنا وأفضَلُنا وخَيرُنا بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله (4) .
.
ص: 365
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى قالَ لِموسى عليه السلام : «وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الأَْلْوَاحِ مِن كُلِّ شَىْ ءٍ مَّوْعِظَةً» (1) ، ولَم يَقُل : كُلَّ شَيءٍ مَوعِظَةً ! وقالَ لِعيسى عليه السلام : «وَ لِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ» (2) ، ولَم يَقُل : كُلَّ شَيءٍ ! وقالَ لِصاحِبِكُم أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ» ، وقالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مُّبِينٍ» (3) ، وقالَ : «وَ كُلَّ شَىْ ءٍ أَحْصَيْنَ_هُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ» (4) ، وعِلمُ هذَا الكِتابِ عِندَهُ (5) .
بصائر الدرجات عن عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام :كُنتُ عِندَهُ فَذَكَروا سُلَيمانَ وما اُعطِيَ مِنَ العِلمِ وما اُوتِيَ مِنَ المُلكِ ، فَقالَ لي : وما اُعطِيَ سُلَيمانُ بنُ داودَ ؟ ! إنَّما كانَ عَندَهُ حَرفٌ واحِدٌ مِنَ الِاسمِ الأَعظَمِ ، وصاحِبُكُمُ الَّذي قالَ اللّهُ : «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ» وكانَ وَاللّهِ عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام عِلمُ الكِتابِ . فَقُلتُ : صَدَقتَ وَاللّهِ جُعِلتُ فِداكَ (6) .
تفسير القمّي_ في قَولِهِ تَعالى : «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ» _: حَدَّثَني أبي عَنِ ابنِ أبي عُمَيرٍ عَنِ ابنِ اُذَينَةَ عَن أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام قالَ : الَّذي عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ هُوَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام . وسُئِلَ عَنِ الَّذي عِندَهُ عِلمٌ مِنَ الكِتابِ أعلَمُ ، أمِ الَّذي عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ ؟ فَقالَ عليه السلام : ما كانَ عِلمُ الَّذي عِندَهُ عِلمٌ مِنَ الكِتابِ عِندَ الَّذي عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ إلا
.
ص: 366
بِقَدرِ ما تَأخُذُ البَعوضَةُ بِجَناحِها مِن ماءِ البَحرِ ! (1)
الإمام الرضا عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ» _: عَلِيٌّ عليه السلام (2) .
المناقب لابن شهر آشوب :مُحَمَّدُ بنُ مُسلِمٍ وأبو حَمزَةَ الثُّمالِيُّ وجابِرُ بنُ يَزيدَ عَنِ الباقِرِ عليه السلام ، وعَلِيُّ بنُ فَضّالٍ وَالفُضَيلُ بنُ يَسارٍ وأبو بَصيرٍ عَنِ الصّادِقِ عليه السلام ، وأحمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيُّ ومُحَمَّدُ بنُ الفُضَيلِ عَنِ الرِّضا عليه السلام ، وقَد رُوِيَ عَنِ موسَى بنِ جَعفَرٍ عليه السلام ، وعَن زَيدِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وعَن مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ ، وعَن سَلمانَ الفارِسِيِّ ، وعَن أبي سَعيدٍ الخُدرِيِّ ، وعَن إسماعيلَ السُّدِّيِّ : أنَّهُم قالوا في قَولِهِ تَعالى : «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ» : هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (3) .
راجع : ج 6 ص 47 (علم الكتاب) و ص 49 (علم القرآن) .
1 / 4المُؤمِنُ«أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ» (4) .
تفسير الطبري عن عطاء بن يسار_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: نَزَلَت بِالمَدينَةِ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وَالوَليدِ بنِ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ؛ كانَ بَينَ الوَليدِ وبَينَ عَلِيٍّ عليه السلام كَلامٌ ، فَقالَ الوَليدُ بنُ عُقبَةَ : أنَا أبسَطُ مِنكَ لِسانا ، وأحَدُّ مِنكَ سِنانا ، وأرَدُّ مِنكَ لِلكَتيبَةِ ! فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اُسكُت ؛ فَإِنَّكَ فاسِقٌ .
.
ص: 367
فَأَنزَلَ اللّهُ فيهِما : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ» إلى قوله : «بِهِ تُكَذِّبُونَ» (1) . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام وَالوَليدَ بنَ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ تَشاجَرا ، فَقالَ الفاسِقُ الوَليدُ بنُ عُقبَةَ : أنَا وَاللّهِ أبسَطُ مِنكَ لِسانا ، وأحَدُّ مِنكَ سِنانا ، وأمثَلُ مِنكَ جُثُوّا (3) فِي الكَتيبَةِ ! قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اُسكُت ؛ فَإِنَّما أنتَ فاسِقٌ . فَأَنزَلَ اللّهُ : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ فَلَهُمْ جَنَّ_تُ الْمَأْوَى نُزُلَا بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» فَهُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (4) .
الفتوح_ في كَلامٍ جَرى بَينَ الوَليدِ وعَلِيٍّ عليه السلام _: قالَ الوَليدُ لِعَلِيٍّ : أنَا أحَدُّ مِنكَ سِنانا ، وأسلَطُ مِنكَ لِسانا ، وأملَأُ مِنكَ حَشوا لِلكَتيبَةِ ! فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : اُسكُت ؛ فَإِنَّما أنتَ فاسِقٌ . فَغَضِبَ الوَليدُ مِن ذلِكَ وشَكا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِذلِكَ ، فَنَزَلَت فيهِ هذِهِ الآيَةُ : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ» يَعنِي الوَليدَ بنَ عُقبَةَ . فَأَنشَدَ حَسّانُ بنُ ثابِتٍ الأَنصارِيُّ يَقولُ في ذلِكَ أبياتا مَطلَعُها : أنزَلَ اللّهُ وَالكِتابُ عَزيزُ في عَلِيٍّ وفِي الوَليدِ قُرآنا (5)
.
ص: 368
الأمالي للصدوق عن أبي مخنف لوط بن يحيى وغير واحد من العلماء_ في كَلامٍ جَرى بَينَ الإِمامِ الحَسَنِ عليه السلام وَالوَليدِ بنِ عُقبَةَ _: فَقالَ لَهُ الحَسَنُ عليه السلام : لا ألومُكَ أنَ تَسُبَّ عَلِيّا عليه السلام وقَد جَلَدَكَ فِي الخَمرِ ثَمانينَ سَوطا ، وقَتَلَ أباكَ صَبرا بِأَمرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في يَومِ بَدرٍ ، وقَد سَمّاهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ في غَيرِ آيَةٍ مُؤمِنا ، وسَمّاكَ فاسِقا ، وقَد قالَ الشّاعِرُ فيكَ وفي عَلِيٍّ عليه السلام : أنزَلَ اللّهُ فِي الكِتابِ عَلَينا في عَلِيٍّ وفِي الوَليدِ قُرآنا فَتَبَوَّأَ الوَليدُ مَنزِلَ كُفرِ وعَلِيٌّ تَبَوَّأَ الإيمانَا لَيسَ مَن كانَ مُؤمِنا يَعبُدُ اللّ_ _هَ كَمَن كانَ فاسِقا خَوّانا سَوفَ يُدعَى الوَليدُ بَعدَ قَليل وعَلِيٌّ إلَى الجَزاءِ عِيانا فَعَلِيٌّ يُجزى هُناكَ جِنانا وهُناكَ الوَليدُ يُجزى هَوانا (1)
راجع : ج 7 ص 137 (الوليد بن عقبة) . و كتاب «شواهد التنزيل» : ج 1 ص 572 _ 581 .
1 / 5السّابِقُ«وَ السَّ_بِقُونَ السَّ_بِقُونَ * أُوْلَ_ئكَ الْمُقَرَّبُونَ» (2) .
«وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِينَ وَالْأَنصَارِ» (3) .
.
ص: 369
الأمالي للمفيد عن ابن عبّاس :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَن قَولِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «وَ السَّ_بِقُونَ السَّ_بِقُونَ * أُوْلَ_ئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِى جَنَّ_تِ النَّعِيمِ» ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : قالَ لي جَبرَئيلُ : ذاكَ عَلِيٌّ وشيعَتُهُ ؛ هُمُ السّابِقونَ إلَى الجَنَّةِ ، المُقَرَّبونَ إلَى اللّهِ تَعالى بِكَرامَتِهِ لَهُم (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :السُّبَّقُ ثَلاثَةٌ : فَالسّابِقُ إلى موسى يوشَعُ بنُ نونٍ ، وَالسّابِقُ إلى عيسى صاحِبُ ياسينَ (2) ، وَالسّابِقُ إلى مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام_ لِلمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ في أيّامِ خِلافَةِ عُثمانَ _: أنشُدُكُمُ اللّهَ ، أ تَعلَمونَ حَيثُ نَزَلَت : «وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِينَ وَالْأَنصَارِ» و «السَّ_بِقُونَ السَّ_بِقُونَ * أُوْلَئكَ الْمُقَرَّبُونَ» سُئِلَ عَنها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : أنزَلَهَا اللّهُ تَعالى فِي الأَنبِياءِ وأوصِيائِهِم ، فَأَنَا أفضَلُ أنبِياءِ اللّهِ ورُسُلِهِ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وَصِيّي أفضَلُ الأَوصِياءِ ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم (4) .
الإمام الحسن عليه السلام :قَد قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «وَ السَّ_بِقُونَ السَّ_بِقُونَ * أُوْلَ_ئكَ الْمُقَرَّبُونَ» وكانَ أبي سابِقَ السّابِقينَ إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وإلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله وأقرَبَ الأَقرَبينَ ، فَقَد قالَ اللّهُ تَعالى : «لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قَ_تَلَ أُوْلَ_ئكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً» (5) .
.
ص: 370
فَأَبي كانَ أوَّلَهُم إسلاما وإيمانا ، وأوَّلَهُم إلَى اللّهِ ورَسولِهِ هِجرَةً ولُحوقا ، وأوَّلَهُم عَلى وُجدِهِ ووُسعِهِ نَفَقَةً ، قالَ سُبحانَهُ : «وَ الَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لِاءِخْوَ نِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْاءِيمَ_نِ وَ لَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» (1) فَالنّاسُ مِن جَميعِ الاُمَمِ يَستَغفِرونَ لَهُ بِسَبقِهِ إيّاهُمُ الإيمانَ بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وذلِكَ أنَّهُ لَم يَسبِقهُ إلَى الإيمانِ أحَدٌ ، وقَد قالَ اللّهُ تَعالى : «وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَ_نٍ» فَهُوَ سابِقُ جَميعِ السّابِقينَ ، فَكَما أنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ فَضَّلَ السّابِقينَ عَلَى المُتَخَلِّفينَ واَلمُتَأَخِّرينَ ، فَكَذلِكَ فَضَّلَ سابِقَ السّابِقينَ عَلَى السّابِقينَ (2) .
الدرّ المنثور عن ابن عبّاس_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ السَّ_بِقُونَ السَّ_بِقُونَ» _: نَزَلَت في حِزقيلَ مُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ ، وحَبيبٍ النَّجّارِ الَّذي ذُكِرَ في يس ، وعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وكُلُّ رَجُلٍ مِنهُم سابِقُ اُمَّتِهِ ، وعَلِيٌّ عليه السلام أفضَلُهُم سَبقا (3) .
راجع : ج 5 ص 207 (أوّل من أسلم) . و كتاب «شواهد التنزيل» : ج 2 ص 291 _ 297 .
1 / 6المُؤمِنُ المُجاهِدُ«أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ وَجَ_هَدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّ__لِمِينَ » (4) .
.
ص: 371
الإمام الحسن عليه السلام :قَد قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ» الآيَةَ فَكانَ أبِيَ المُؤمِنَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمُجاهِدَ في سَبيلِ اللّهِ حَقّا ، وفيهِ نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ (1) .
الإمام الباقر عليه السلام_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام (2) .
المصنّف عن الشعبي_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: نَزَلَت فِي عَلِيٍّ عليه السلام وَالعَبّاسِ (3) .
تفسير الطبري عن محمّد بن كعب القرظي :اِفتَخَرَ طَلحَةُ بنُ شَيبَةَ _ مِن بَني عَبدِ الدّارِ _ وعَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالَ طَلحَةُ : أنَا صاحِبُ البَيتِ مَعي مِفتاحُهُ ، لَو أشاءُ بِتُّ فيهِ . وقالَ عَبّاسٌ : أنَا صاحِبُ السِّقايَةِ وَالقائِمُ عَلَيها ، ولَو أشاءُ بِتُّ فِي المَسجِدِ . وقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : ما أدري ما تَقولانِ ! لَقَد صَلَّيتُ إلَى القِبلَةِ سِتَّةَ أشهُرٍ قَبلَ النّاسِ ، وأنَا صاحِبُ الجِهادِ . فَأَنزَلَ اللّهُ : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» الآيَةَ كُلَّها (4) .
تاريخ دمشق عن أنس :قَعَدَ العَبّاسُ وشَيبَةُ صاحِبُ البَيتِ يَفتَخِرانِ ، فَقالَ لَهُ العَبّاسُ : أنَا أشرَفُ مِنكَ ؛ أنَا عَمُّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ووَصِيُّ أبيهِ ، وساقِي الحَجيجِ . فَقالَ شَيبَةُ : أنَا أشرَفُ مِنكَ ؛ أنَا أمينُ اللّهِ عَلى بَيتِهِ ، وخازِنُهُ ، أ فَلَا ائتَمَنَكَ كَمَا
.
ص: 372
ائتَمَنَني ؟ فَهُما عَلى ذلِكَ يَتَشاجَرانِ ، حَتّى أشرَفَ عَلَيهِما عَلِيٌّ ، فَقالَ لَهُ العَبّاسُ : عَلى رِسلِكَ يَابنَ أخِ ! فَوَقَفَ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ العَبّاسُ : إنَّ شَيبَةَ فاخَرَني فَزَعَمَ أنَّهُ أشرَفُ مِنّي ! فَقالَ : فَما قُلتَ لَهُ أنتَ يا عَمّاه ؟ قالَ : قُلتُ لَهُ : أنَا عَمُّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ووَصِيُّ أبيهِ ، وساقِي الحَجيجِ ، أنَا أشرَفُ مِنكَ . فَقالَ لِشَيبَةَ : ماذا قُلتَ لَهُ أنتَ يا شَيبَةُ ؟ قالَ : قُلتُ لَهُ : أنَا أشرَفُ مِنكَ ، أنَا أمينُ اللّهِ عَلى بَيتِهِ وخازِنُهُ ، أ فَلَا ائتَمَنَكَ كَمَا ائتَمَنَني ؟ قالَ : فَقالَ لَهُما : اِجعَلا لي مَعَكُما مَفخَرا . قالا : نَعَم . قالَ : فَأَنَا أشرَفُ مِنكُما ، أنَا أوَّلُ مَن آمَنَ بِالوَعيدِ مِن ذُكورِ هذِهِ الاُمَّةِ ، وهاجَرَ وجاهَدَ . فَانطَلَقوا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَجَثَوا بَينَ يَدَيهِ ، فَأَخبَرَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُم بِمَفخَرِهِ ، فَما أجابَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِشَيءٍ ، فَانصَرَفوا عَنهُ ، فَنَزَلَ الوَحيُ بَعدَ أيّامٍ فيهِم ، فَأَرسَلَ إلَيهِم ثَلاثَتِهِم حَتّى أتَوهُ ، فَقَرَأَ عَلَيهِم : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ» إلى آخِرِ العَشرِ (1) .
.
ص: 373
1 / 7صالِحُ المُؤمِنينَ«إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَ إِن تَظَ_هَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صَ__لِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلَ_ئِكَةُ بَعْدَ ذَ لِكَ ظَهِيرٌ» (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :صالِحُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا نَزَلَت : «وَ صَ__لِحُ الْمُؤْمِنِينَ» قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، أنتَ صالِحُ المُؤمِنينَ (3) .
عنه عليه السلام :لَقَد عَرَّفَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّاً عليه السلام أصحابَهُ مَرَّتَينِ ؛ أمّا مَرَّةً فَحَيثُ قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، وأمَّا الثّانِيَةَ فَحَيثُ نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صَ__لِحُ الْمُؤْمِنِينَ» الآيَةَ ، أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ، هذا صالِحُ المُؤمِنينَ (4) .
تفسير فرات عن رشيد الهجري :كُنتُ أسيرُ مَعَ مَولايَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام في هذَا الظَّهرِ (5) ، فَالتَفَتَ إلَيَّ فَقالَ : أنَا _ وَاللّهِ يا رُشَيدُ _ صالِحُ المُؤمِنينَ (6) .
.
ص: 374
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس_ فيقَولِهِ عَزَّ وجَلَّ : «وَ صَ__لِحُ الْمُؤْمِنِينَ» _: هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (1) .
راجع : كتاب «شواهد التنزيل» : ج 2 ص 341 _ 352 .
1 / 8اُذُنٌ واعِيَةٌ«لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ » (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ أمَرَني أن اُدنِيَكَ واُعَلِّمَكَ لِتَعِيَ ، واُنزِلَت هذِهِ الآيَةُ : «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ» ، فَأَنتَ اُذُنٌ واعِيَةٌ لِعِلمي (3) .
تاريخ دمشق عن بريدة الأسلمي :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : إنَّ اللّهَ أمَرَني أن اُدنِيَكَ ولا اُقصِيَكَ ، وأن اُعَلِّمَكَ وأن تَعِيَ ، وحَقٌّ عَلَى اللّهِ أن تَعِيَ . قالَ : ونَزَلَت «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ» (4) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا نَزَلَت : «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ» قالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : سَأَلتُ اللّهَ أن يَجعَلَها اُذُنَكَ يا عَلِيُّ (5) .
.
ص: 375
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا نَزَلَت : «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ» قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : هِيَ اُذُنُكَ يا عَلِيُّ (1) .
تفسير الطبري عن مكحول :قَرَأَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ» ثُمَّ التَفَتَ إلى عَلِيٍّ فَقالَ : سَأَلتُ اللّهَ أن يَجعَلَها اُذُنَكَ . قالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : فَما سَمِعتُ شَيئا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَنَسيتُهُ (2) .
ينابيع المودّة عن الأصبغ بن نباتة :لَمّا قَدِمَ عَلِيٌّ عليه السلام الكوفَةَ صَلّى بِالنّاسِ أربَعينَ صَباحا يَقرَأُ : «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» (3) فَعابَهُ بَعضٌ ، فَقالَ : إنّي لَأَعرِفُ ناسِخَهُ ومَنسوخَهُ ، ومُحكَمَهُ ومُتَشابِهَهُ ، وما حَرفٌ نَزَلَ إلّا وأنَا أعرِفُ فيمَن اُنزِلَ ، وفي أيِّ يَومٍ ، وأيِّ مَوضِعٍ اُنزِلَ ، أماتَقرَؤونَ : «إِنَّ هَ_ذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى» (4) وَاللّهِ هِيَ عِندي ، وَرِثتُها مِن حَبيبي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ومِن إبراهيمَ وموسى عليهماالسلام ، وَاللّهِ أنَا الَّذي أنزَلَ اللّهُ فِيَّ : «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ» ، فَإِنّا كُنّا عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَيُخبِرُنا بِالوَحيِ فَأَعيهِ ويَفوتُهُم ، فَإِذا خَرَجنا
.
ص: 376
قالوا : «مَاذَا قَالَ ءَانِفًا» (1)(2) .
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ» _: وَعَتها اُذُنُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام مِنَ اللّهِ ما كانَ وما يَكونُ (3) .
راجع : ج 6 ص 40 (لم ينس ما سمعه) . و كتاب «شواهد التنزيل» : ج 2 ص 361 _ 380 .
1 / 9خَيرُ البَرِيَّةِ«إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» (4) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ خَيرُ البَرِيَّةِ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» _: أنتَ يا عَلِيُّ وشيعَتُكَ (6) .
تاريخ دمشق عن جابر بن عبد اللّه :كُنّا عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَأَقبَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، فَقال
.
ص: 377
النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : قَد أتاكُم أخي ، ثُمَّ التَفَتَ إلَى الكَعبَةِ فَضَرَبَها بِيَدِهِ ، ثُمَّ قالَ : وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، إنَّ هذا وشيعَتَهُ لَهُمُ الفائِزونَ يَومَ القِيامَةِ ، ثُمَّ قالَ : إنَّهُ أوَّلُكُم إيمانا مَعي ، وأوفاكُم بِعَهدِ اللّهِ ، وأقوَمُكُم بِأَمرِ اللّهِ ، وأعدَلُكُم فِي الرَّعِيَّةِ ، وأقسَمُكُم بِالسَّوِيَّةِ ، وأعظَمُكُم عِندَ اللّهِ مَزِيَّةً . قالَ : ونَزَلَت : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قالَ : فَكانَ أصحابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله إذا أقبَلَ عَلِيٌّ قالوا : قَد جاءَ خَيرُ البَرِيَّةِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :حَدَّثَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأنَا مُسنِدُهُ إلى صَدري فَقالَ : أي عَلِيُّ ، أ لَم تَسمَع قَولَ اللّهِ تَعالى : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» ؟ أنتَ وشيعَتُكَ . ومَوعِدي ومَوعِدُكُمُ الحَوضُ إذا جَثَتِ الاُمَمُ لِلحِسابِ تُدعَونَ غُرّا مُحَجَّلينَ (2)(3) .
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : يا عَلِيُّ «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ أُوْلَ_ئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» : أنتَ وشيعَتُكَ . تَرِدُ عَلَيَّ أنتَ وشيعَتُكَ راضينَ مَرضِيّينَ (4) .
راجع : ص 451 (خير من أترك بعدي) . و كتاب «شواهد التنزيل» : ج 2 ص 459 _ 474 .
.
ص: 378
1 / 10خَصمُ الكُفّارِ«هَ_ذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ» (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :فينا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «هَ_ذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ» (2) .
صحيح البخاري عن أبي مجلَز عن قيس بن عباد عن الإمام عليّ عليه السلام :أنَا أوَّلُ مَن يَجثو بَينَ يَدَيِ الرَّحمنِ لِلخُصومَةِ يَومَ القِيامَةِ . قالَ قَيسٌ : وفيهِم نَزَلَت : «هَ_ذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ» قالَ : هُمُ الَّذينَ بارَزوا يَومَ بَدرٍ : عَلِيٌّ وحَمزَةُ وعُبَيدَةُ ، وشَيبَةُ بنُ رَبيعَةَ وعُتبَةُ بنُ رَبيعَةَ وَالوَليدُ بنُ عُتبَةَ (3) .
صحيح البخاري عن قيس بن عباد :سَمِعتُ أبا ذَرٍّ يُقسِمُ قَسَما : إنَّ هذِهِ الآيَةَ : «هَ_ذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ» نَزَلَت فِي الَّذينَ بَرَزوا يَومَ بَدرٍ : حَمزَةَ وعَلِيٍّ وعُبَيدَةَ بنِ الحارِثِ ، وعُتبَةَ وشَيبَةَ _ ابنَي رَبيعَةَ _ وَالوَليدِ بنِ عُتبَةَ (4) .
.
ص: 379
الدرّ المنثور عن ابن عبّاس :لَمّا بارَزَ عَلِيٌّ وحَمزَةُ وعُبَيدَةُ وعُتبَةُ وشَيبَةُ وَالوَليدُ ، قالوا لَهُم : تَكَلَّموا نَعرِفكُم . قالَ : أنَا عَلِيٌّ ، وهذا حَمزَةُ ، وهذا عُبَيدَةُ ، فَقالوا : أكفاءٌ كِرامٌ . فَقالَ عَلِيٌّ : أدعوكُم إلَى اللّهِ وإلى رَسولِهِ . فَقالَ عُتبَةُ : هَلُمَّ لِلمُبارَزَةِ . فَبارَزَ عَلِيٌّ شَيبَةَ فَلَم يَلبَث أن قَتَلَهُ ، وبارَزَ حَمزَةُ عُتبَةَ فَقَتَلَهُ ، وبارَزَ عُبَيدَةُ الوَليدَ فَصَعُبَ عَلَيهِ ، فَأَتى عَلِيٌّ عليه السلام فَقَتَلَهُ ، فَأَنزَلَ اللّهُ «هَ_ذَانِ خَصْمَانِ» الآيَةَ (1) .
الدرّ المنثور عن لاحق بن حميد :نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ يَومَ بَدرٍ : «هَ_ذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ» في عُتبَةَ بنِ رَبيعَةَ ، وشَيبَةَ بنَ رَبيعَةَ ، وَالوَليدِ بنِ عُتبَةَ ، ونَزَلَت : «إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ» إلى قَولِهِ : «وَ هُدُواْ إِلَى صِرَ طِ الْحَمِيدِ» (2) في عَلِيِّ بنِ أبيطالِبٍ ، وحَمزَةَ ، وعُبَيدَةَ بنِ الحارِثِ (3) .
البداية والنهاية :قَد شَهِدَ عَلِيٌّ بَدرا ، وكانَت لَهُ اليَدُ البَيضاءُ فيها ، بارَزَ يَومَئِذٍ فَغَلَبَ وظَهَرَ ، وفيهِ وفي عَمِّهِ حَمزَةَ وابنِ عَمِّهِ عُبَيدَةَ بنِ الحارِثِ وخُصومِهِمُ الثَّلاثَةِ : عُتبَةَ ، وشَيبَةَ ، وَالوَليدِ بنِ عُتبَةَ ، نَزَلَ قَولُهُ تَعالى : «هَ_ذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ» الآيَةَ (4) .
.
ص: 380
1 / 11الهادي«إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ » (1) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :لَمّا نَزَلَت : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أنَا المُنذِرُ ، وعَلِيٌّ الهادي ، بِكَ يا عَلِيُّ يَهتَدِي المُهتَدونَ (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِلإِمامِ الحَسَنِ عليه السلام _: يا حَسَنُ ، إنَّ اللّهَ يَقولُ : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فَأَنَا المُنذِرُ ، وعَلِيٌّ الهادي (3) .
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المُنذِرُ ، وأنَا الهادي (4) .
الأمالي للصدوق عن عبّاد بن عبد اللّه :قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : ما نَزَلَت مِنَ القُرآنِ آيَةٌ إلّا وقَد عَلِمتُ أينَ نَزَلَت ، وفيمَن نَزَلَت ، وفي أيِّ شَيءٍ نَزَلَت ، وفي سَهلٍ نَزَلَت أو في جَبَلٍ نَزَلَت . قيلَ : فَما نَزَلَ فيكَ ؟ فَقالَ عليه السلام : لَولا أنَّكُم سَأَلتُموني ما أخبَرتُكُم ، نَزَلَت فِيَّ هذِهِ الآيَةُ : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فَرَسولُ اللّهِ المُنذِرُ ، وأنَا الهادي إلى ما جاءَ بِهِ (5) .
تاريخ دمشق عن مجاهد_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: الهادي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (6) .
راجع : ج 1 ص 491 (أحاديث الهداية) . و كتاب «شواهد التنزيل» : ج 1 ص 381 _ 395.
.
ص: 381
1 / 12الوَلِيُّ المُتَصَدِّقُ فِي الرُّكوعِ«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ » (1) .
المعجم الأوسط عن عمّار بن ياسر :وَقَفَ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ سائِلٌ وهُوَ راكِعٌ في تَطَوُّعٍ ، فَنَزَعَ خاتَمَهُ فَأَعطاهُ السّائِلَ ، فَأَتى رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَعلَمَهُ ذلِكَ ، فَنَزَلَت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله هذِهِ الآيَةُ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» فَقَرَأَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ (2) .
تفسير الطبري عن مجاهد_ في قُولِهِ تَعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» الآيَةَ _: نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ تَصَدَّقَ وهُوَ راكِعٌ (3) .
المناقب لابن شهر آشوب :اِجتَمَعَتِ الاُمَّةُ [عَلى] (4) أنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَت في عَلِيٍّ عليه السلام لَمّا تَصَدَّقَ بِخاتَمِهِ وهُوَ راكِعٌ ، لا خِلافَ بَينَ المُفَسِّرينَ في ذلِكَ ، ذَكَرَهُ الثَّعلَبِيُ، وَالماوَردِيُّ، وَالقُشَيرِيُّ، وَالقَزوينِيُّ ، وَالرّازِيُّ ، وَالنَّيسابورِيُّ ، وَالفَلَكِيُّ ، وَالطّوسِيُّ ، وَالطَّبَرِيُّ في تَفاسيرِهِم عَنِ السُّدِّيِّ ، ومُجاهِدٍ ، وَالحَسَنِ ، وَالأَعمَشِ ، وعُتبَةَ بنِ أبي حَكيمٍ ، وغالِبِ بنِ عَبدِ اللّهِ ، وقَيسِ بنِ الرَّبيعِ ، وعَبايَةَ الرَّبعِيِّ ، وعَبدِ اللّهِ بن
.
ص: 382
عَبّاسٍ ، وأبي ذَرٍّ الغِفارِيِّ . وذَكَرَهُ ابنُ البَيِّعِ في مَعرِفَةِ اُصولِ الحَديثِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وَالواحِدِيُّ في أسبابِ نُزولِ القُرآنِ عَنِ الكَلبِيِّ عَن أبي صالِحٍ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ ، وَالسَّمعانِيُّ في فَضائِلِ الصَّحابَةِ عَن حُمَيدٍ الطَّويلِ عَن أنَسٍ ، وسَلمانُ بنُ أحمَدَ في مُعجَمِهِ الأَوسَطِ عَن عَمّارٍ ، وأبو بَكرٍ البَيهَقِيُّ فِي المُصَنَّفِ ، ومُحَمَّدٌ الفَتّالُ فِي التَّنويرِ وفِي الرَّوضَةِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سَلامٍ ، وأبي صالِحٍ ، وَالشَّعبِيِّ ، ومُجاهِدٍ ، وزُرارَةَ بنِ أعيَنَ عَن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ ، وَالنَّطَنزِيُّ فِي الخَصائِصِ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ ، وَالإِبانَةِ عَنِ الفَلَكِيِّ عَن جابِرٍ الأَنصارِيِّ ، وناصِحٍ التَّميمِيِّ ، وَابنِ عَبّاسٍ ، وَالكَلبِيِّ ، في رِواياتٍ مُختَلِفَةِ الأَلفاظِ مُتَّفِقَةِ المَعاني (1) .
راجع : ج 1 ص 461 (أحاديث الولاية) .
1 / 13الَّذي يَشري نَفسَهُ ابتِغاءَ مَرضاةِ اللّهِ« وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ » (2) .
الإمام زين العابدين عليه السلام_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: نَزَلَت في عَلِيٍّ عليه السلام حينَ باتَ عَلى فِراشِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (3) .
الإمام الباقر عليه السلام :أمّا قَولُهُ تَعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ» فَإِنَّها اُنزِلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام حينَ بَذَلَ نَفسَهُ للّه
.
ص: 383
ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله لَيلَةَ اضطَجَعَ عَلى فِراشِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمّا طَلَبَتهُ كُفّارُ قُرَيشٍ (1) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :باتَ عَلِيٌّ لَيلَةَ خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى المُشرِكينَ عَلى فِراشِهِ لِيُعمِيَ عَلى قُرَيشٍ ، وفيهِ نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» (2) .
اُسد الغابة عن الثعلبي :أنزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى المَدينَةِ في شَأنِ عَلِيٍّ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» (3) .
الأمالي للطوسي عن أبي زيد سعيد بن أوس :كانَ أبو عَمرِو بنُ العَلاءِ إذا قَرَأَ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» قالَ : كَرَّمَ اللّهُ عَلِيّا ، فيهِ نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ (4) .
المناقب لابن شهر آشوب :الثَّعلَبِيُّ في تَفسيرِهِ ، وَابنُ عَقِبٍ في مَلحَمَتِهِ ، وأبُو السَّعاداتِ في فَضائِلِ العَشَرَةِ ، وَالغَزّالِيُّ فِي الإِحياءِ ، وفي كِيمياءِ السَّعادَةِ أيضا ، بِرِواياتِهِم عَن أبِي اليَقظانِ ، وجَماعَةٌ مِن أصحابِنا ومَن يَنتَمي إلَينا نَحوُ ابنِ بابَوَيهِ ، وَابنِ شاذانَ ، وَالكُلَينِيِّ ، وَالطّوسِيِّ ، وَابنِ عُقدَةَ ، وَالبَرقِيِّ ، وَابنِ فَيّاضٍ ، وَالعَبدَلِيِّ ، وَالصَّفوانِيِّ ، وَالثَّقَفِيِّ بِأَسانيدِهِم عَنِ ابنِ عَبّاسٍ ، وأبي رافِعٍ ، وهِندِ بنِ أبي هالَةَ ، أنَّهُ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أوحَى اللّهُ إلى جَبرَئيلَ وميكائيلَ : إنّي آخَيتُ بَينَكُما ، وجَعَلتُ عُمُرَ أحَدِكُما أطوَلَ مِن عُمُرِ صاحِبِهِ ، فَأَيُّكُما يُؤثِرُ أخاهُ ؟ فَكِلاهُما كَرِهَا المَوتَ . فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِما : أ لّا كُنتُما مِثلَ وَلِيّي عَلِيِّ بن أبي طالِبٍ ؟ آخَيتُ بَينَهُ وبَين
.
ص: 384
مُحَمَّدٍ نَبِيّي ، فَآثَرَهُ بِالحَياةِ عَلى نَفسِهِ ، ثُمَّ ظَلَّ أورَقَدَ (1) عَلى فِراشِهِ يَقيهِ بِمُهجَتِهِ ! اهبِطا إلَى الأَرضِ جَميعا ، فَاحفَظاهُ مِن عَدُوِّهِ . فَهَبَطَ جِبريلُ فَجَلَسَ عِندَ رَأسِهِ ، وميكائيلُ عِندَ رِجلَيهِ ، وجَعَلَ جَبرَئيلُ يَقولُ : بَخٍ بخٍ ! مَن مِثلُكَ يَابنَ أبي طالِبٍ وَاللّهُ يُباهي بِكَ (2) المَلائِكَةَ ؟ فَأَنزَلَ اللّهُ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» (3) .
تفسير الفخر الرازي_ في تَفسيرِ الآيَةِ الكَريمَةِ _: نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، باتَ عَلى فِراشِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَيلَةَ خُروجِهِ إلَى الغارِ . ويُروى : أنَّهُ لَمّا نامَ عَلى فِراشِهِ قامَ جِبريلُ عليه السلام عِندَ رَأسِهِ ، وميكائيلُ عليه السلام عِندَ رِجلَيهِ ، وجِبريلُ يُنادي : بَخٍ بَخٍ ! مَن مِثلُكَ يَابنَ أبي طالِبٍ يُباهِي اللّهُ بِكَ المَلائِكَةَ ؟ ونَزَلَتِ الآيَةُ (4) .
راجع : ج 1 ص 145 (الإيثار الرائع ليلة المبيت) . و ج 5 ص 248 (كمال الإيثار) . و ج 7 ص 168 (وضع الأحاديث في ذمّه) .
1 / 14الَّذي يُنفِقُ مالَهُ بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ سِرّا وعَلانِيَةً« الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَ لَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ » (5) .
.
ص: 385
المعجم الكبير عن ابن عبّاس_ في قَولِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَ لَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً» _: نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، كانَت عِندَهُ أربَعَةُ دَراهِمَ ، فَأَنفَقَ بِاللَّيلِ واحِدا ، وبِالنَّهارِ واحِدا ، وفِي السِّرِّ واحِدا ، وفِي العَلانِيَةِ واحِدا (1) .
تفسير العيّاشي عن أبي إسحاق :كانَ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام أربَعَةُ دَراهِمَ لَم يَملِك غَيرَها ، فَتَصَدَّقَ بِدِرهَمٍ لَيلاً ، وبِدِرهَمٍ نَهارا ، وبِدِرهَمٍ سِرّا ، وبِدِرهَمٍ عَلانِيَةً ، فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا عَلِيُّ ، ما حَمَلَكَ عَلى ما صَنَعتَ ؟ قالَ عليه السلام : إنجازُ مَوعودِ اللّهِ . فَأَنزَلَ اللّهُ : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَ لَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً» الآيَةَ (2) .
تفسير الفخر الرازي_ في تَفسيرِ الآيَةِ الكَريمَةِ _: في سَبَبِ النُّزولِ وُجوهٌ : الأَوَّلُ : لَمّا نَزَلَ قَولُهُ تَعالى : «لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ» (3) بَعَثَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ إلى أصحابِ الصُّفَّةِ بِدَنانيرَ ، وَبَعَثَ عَلِيٌّ رضى الله عنه بِوَسقٍ (4) مِن تَمرٍ لَيلاً ، فَكانَ أحَبَّ الصَّدَقَتَينِ إلَى اللّهِ تَعالى صَدَقَتُهُ ، فَنَزَلَت هذِهِ الآيَةُ ، فَصَدَقَةُ اللَّيلِ كانَت أكمَلَ . وَالثّاني : قالَ ابنُ عَبّاسٍ : إنَّ عَلِيّا عليه السلام ما كانَ يَملِكُ غَيرَ أربَعَةِ دَراهِمَ ، فَتَصَدَّقَ بِدِرهَمٍ لَيلاً ، وبِدِرهَمٍ نَهارا ، وبِدِرهَمٍ سِرّا ، وبِدِرهَمٍ عَلانِيَةً ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : ما حَمَلَكَ عَلى هذا ؟ فَقالَ : أن أستَوجِبَ ما وَعَدَني رَبّي ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : لَكَ ذلِكَ . فَأَنزَل
.
ص: 386
اللّهُ تَعالى هذِهِ الآيَةَ (1) .
المناقب لابن شهر آشوب :ابنُ عَبّاسٍ وَالسُّدِّيُّ ومُجاهِدٌ وَالكَلبِيُّ وأبو صالِحٍ وَالواحِدِيُّ وَالطّوسِيُّ وَالثَّعلَبِيُّ وَالطَّبرَسِيُّ وَالماوَردِيُّ وَالقُشَيرِيُّ وَالثُّمالِيُّ وَالنَّقّاشُ وَالفَتّالُ وعُبَيدُ اللّهِ بنُ الحُسَينِ وعَلِيُّ بنُ حَربٍ الطّائِيُّ في تَفاسيرِهِم : أنَّهُ كانَ عِندَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام أربَعَةُ دَراهِمَ مِنَ الفِضَّةِ ، فَتَصَدَّقَ بِواحِدٍ لَيلاً ، وبِواحِدٍ نَهارا ، وبِواحِدٍ سِرّا ، وبِواحِدٍ عَلانِيَةً ، فَنَزَلَ : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَ لَهُم بِالَّيْلِ» الآيَةَ ، فَسَمّى كُلَّ دِرهَمٍ مالاً ، وبَشَّرَهُ بِالقَبولِ (2) .
راجع: ج 5 ص 262 (سماحة الكفّ) . و كتاب «شواهد التنزيل» : ج 1 ص 140 _ 149 .
1 / 15المُؤَذِّنُ بَينَ أصحابِ الجَنَّةِ وَالنّارِ«وَنَادَى أَصْحَ_بُ الْجَنَّةِ أَصْحَ_بَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّن بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّ__لِمِينَ » (3) .
الإمام عليّ عليه السلام : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّن بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّ__لِمِينَ» فَأَنَا ذلِكَ المُؤَذِّنُ (4) .
عنه عليه السلام :أنَا المُؤَذِّنُ عَلَى الأَعرافِ (5) .
عنه عليه السلام :أنَا المُؤَذِّنُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّن بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَة
.
ص: 387
اللَّهِ عَلَى الظَّ__لِمِينَ» أنَا ذلِكَ المُؤَذِّنُ ، وقالَ : «وَأَذَنٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» (1) فَأَنَا ذلِكَ الأَذانُ (2) .
الكافي عن أحمد بن عمر الحلّال :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ عليه السلام عَن قَولِهِ تَعالى : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّن بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّ__لِمِينَ» ؟قالَ عليه السلام :المُؤَذِّنُ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام (3) .
1 / 16وِلايَتُهُ كَمالُ الدّينِ«الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (4) .
«يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَ_فِرِينَ » (5) .
تاريخ بغداد عن أبي هريرة :مَن صامَ يَومَ ثَماني عَشرَةَ مِن ذِي الحِجَّةِ كُتِبَ لَهُ صِيامُ سِتّينَ شَهرا ، وهُوَ يَومُ غَديرِ خُمٍّ لَمّا أخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَقالَ : أ لَستُ وَلِيَّ المُؤمِنينَ ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ .
.
ص: 388
قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : بَخٍ بَخٍ لَكَ يَابنَ أبي طالِبٍ ، أصبَحتَ مَولايَ ومَولى كُلِّ مُسِلمٍ . فَأَنزَلَ اللّهُ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (1) .
النور المشتعل عن أبي سعيد الخدري :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله دَعَا النّاسَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام في غَديرِ خُمٍّ ، وأمَرَ بِما تَحتَ الشَّجَرِ مِنَ الشَّوكِ فَقُمَّ (2) ، وذلِكَ يَومُ الخَميسِ ، فَدَعا عَلِيّا فَأَخَذَ بِضَبعَيهِ (3) فَرَفَعَهُما حَتّى نَظَرَ النّاسُ إلى بَياضِ إبطَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ لَم يَتَفَرَّقوا حَتّى نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُ أكبَرُ عَلى إكمالِ الدّينِ ، وإتمامِ النِّعمَةِ ، ورِضَى الرَّبِّ بِرِسالَتي ، وبِالوِلايَةِ لِعَلِيٍّ عليه السلام مِن بَعدي . ثُمَّ قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ (4) .
تاريخ دمشق عن أبي سعيد الخدري :نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْك
.
ص: 389
مِن رَّبِّكَ» عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (1) .
راجع : ج 1 ص 511 (حديث الغدير) .
1 / 17مَوَدَّتُهُ مِنَ الرَّحمنِ«إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا » (2) .
الدرّ المنثور عن البرّاء :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : قُل : اللّهُمَّ اجعَل لي عِندَكَ عَهدا ، وَاجعَل لي عِندَك وُدّا ، وَاجعَل لي في صُدورِ المُؤمِنينَ مَوَدَّةً . فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالى : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا» . قالَ : فَنَزَلَت في عَلِيٍّ عليه السلام (3) .
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، أ لا اُعَلِّمُكَ ؟ قُل : اللّهُمَّ اجعَل لي عِندَكَ عَهدا ، وَاجعَل لي عِندَكَ وُدّا . فَنَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا» (4) .
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الآيَهِ الكَريمَةِ _: كانَ سَبَبُ نُزولِ هذِهِ الآيَةِ : أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام
.
ص: 390
كانَ جالِسا بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : قُل يا عَلِيُّ : اللّهُمَّ اجعَل لي في قُلوبِ المُؤمِنينَ وُدّا ، فَأَنزَلَ اللّهُ : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا» (1) .
عنه عليه السلام :دَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في آخِرِ صَلاتِهِ رافِعا بِها صَوتَهُ يُسمِعُ النّاسَ يَقولُ : اللّهُمَّ هَب لِعَلِيٍّ المَوَدَّةَ في صُدورِ المُؤمِنينَ ، وَالهَيبَةَ وَالعَظَمَةَ في صُدورِ المُنافِقينَ ، فَأَنزَلَ اللّهُ : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا» (2) .
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا» _: وِلايَةُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام هِيَ الوُدُّ الَّذي قالَ اللّهُ تَعالى (3) .
المعجم الأوسط عن ابن عبّاس :نَزَلَت في عَلِيٍّ : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا» . قالَ : مَحَبَّةً في قُلوبِ المُؤمِنينَ (4) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَقِيَني رَجُلٌ فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، أما وَاللّهِ إنّي لَاُحِبُّكَ فِي اللّهِ ، فَرَجَعتُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَخبَرتُهُ بِقَولِ الرَّجُلِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَعَلَّكَ يا عَلِيُّ اصطَنَعتَ إلَيهِ مَعروفا ، فَقُلتُ : وَاللّهِ ، مَا اصطَنَعتُ إلَيهِ مَعروفا !
.
ص: 391
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ قُلوبَ المُؤمِنينَ تَتوقُ (1) إلَيكَ بِالمَوَدَّةِ . فَنَزَلَ قَولُهُ تَعالى : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا» (2) .
تذكرة الخواصّ عن ابن عبّاس_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا» _: هذَا الوُدُّ جَعَلَهُ اللّهُ لِعَلِيٍّ في قُلوبِ المُؤمِنينَ (3) .
راجع : ج 7 ص 7 (القسم الرابع عشر: حُبّ الإمام عليّ) . و كتاب «بحار الأنوار» : ج 35 ص 183 _ 436 و كتاب «شواهد التنزيل» : ج 1 ص 464 _ 477.
.
ص: 392
. .
ص: 393
الفصل الثاني: عليّ عن لسان النبيّ«ما عَرَفَكَ يا عَلِيُّ حَقَّ مَعرِفَتِكَ إلَا اللّهُ وأنَا» . ما توفّر عليه هذا الفصل هو كلمات عظيمة ، وقمم سامقة ، ومدائح لا نظير لها صدرت عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بشأن عليّ عليه السلام . وفي البدء نرى من الضروري أن نذكر عددا من النقاط حيال أبعاد شخصيّة الإمام عليّ عليه السلام ، والموقع الذي يحظى به هذا الإمام العظيم بنظر النبيّ صلى الله عليه و آله وما لَه من مكانة من خلال تعاليم الدين نفسه . هذه النقاط هي :
1 _ سعة حديث النبيّ حيال عليّتُؤلّف كلمات رسول اللّه صلى الله عليه و آله الوضّاءة الشطرَ الأعظم ممّا ذكرناه في فصول هذا الكتاب من معالم عن عليّ عليه السلام ، وممّا توفّرنا على بيانه من أبعاد شخصيّة هذا العظيم . على هذا الضوء راح الكلام النبوي يشعّ في أرجاء تمام صفحات هذا الكتاب . وما نسجّله هنا _ باختصار _ ما هو إلّا نقاط بارزة ، وتجلّيات مشرقة من كلام النبيّ العظيم ، ممّا لم يأتِ ذكره في الفصول الاُخر أو لم يرد بتفصيل .
.
ص: 394
2 _ عليٌّ السرّ المكتوملشخصيّة أمير المؤمنين أبعاد مجهولة واسعة ، ومن ثمّ فقد اعترف الكثيرون على امتداد التاريخ بعجزهم عن الارتقاء إلى مكامن تلك الشخصيّة التي لا نظير لها في تاريخ الإسلام . بيدَ أنّ هذه الحقيقة تجلّت على أسمى وجه وأتمّه في كلام النبيّ صلى الله عليه و آله . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ما عَرَفَكَ يا عَلِيُّ حَقَّ مَعرِفَتِكَ إلَا اللّهُ وأنَا» (1) . لكن ما قدر ما أظهره النبيّ من تلك المعرفة ؟ وكم كان يطيق المجتمع من تلك الحقائق ؟ وكيف تعاملت _ الاُمّة _ مع ما أبداه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأظهره ؟! قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لَولا أن يَقولَ فيكَ الغالونَ مِن اُمَّتي ما قالَتِ النَّصارى في عيسَى بنِ مَريَمَ ؛ لَقُلتُ فيكَ قَولاً لا تَمُرُّ بِمَلَأٍ مِنَ النّاسِ إلّا أخَذُوا التُّرابَ مِن تَحتِ قَدَمَيكَ يَستَشفونَ بِهِ» (2) . أجل ؛ إنّ الاُمّة لا تطيق سطوع حقيقة شخصيّتك ، ولا تتحمّل ظهور فضائلك ومناقبك كما هي ، وليس للآذان قدرة على الإصغاء إليها ، ولا للنفوس قابليّة الانغمار بها والارتواء من نميرها . مع ذلك كلّه ، تبقى أجمل الصيغ عن شخصيّة أمير المؤمنين وأسماها ، وأنطق الأوصاف وأبلغها وأثراها دلالةً فيما جاء ؛ هي تلك التي نجدها في كلام النبيّ المصطفى صلى الله عليه و آله . بيد أنّ السؤال : هل يعبّر ما احتوته صفحات الآثار المكتوبة من الكلمات المحمّديّة حيال الإمام عن جميع ما كان ، أم إنّ كثيرا من تلك الحقائق بقي رهين الصدور خشية الأذى وخوف التبعات ، ثم دُفن مع أهله واندثر مع أصحابه ؟ لسنا نريد في هذه المقدّمة أن نُزيح الستار عن هذا المشهد من التاريخ المليء
.
ص: 395
بالغصص ، لكنّنا نؤكّد أنّ ما بقي هو غيض من فيض ، وما وصل إلينا محض اُمثولات من حقائق ما برحت ثاويةً في صدر التاريخ ، غائرةً في أحشائه ، ومُجرّد أحاديث قصار من كلام سامق طويل لم يُبَح به . عجبا واللّه ! إنّ اُولئك الذين لم يطيقوا أشعّة الشمس ، لم يرضَوا بهذا القليل ولم يتحمّلوه ؛ إذ سرعان ما أصدروا حكمهم عليه ب_ «الوضع» عنادا من عند أنفسهم ، وجنوحا عن الحقّ ، ومعاداةً للفضيلة ، ثمّ ما لبثوا أن سعَوا بذريعة «الوضع» إلى إبعاد هذا القليل عن ساحة الثقافة ومضمار الفكر ، وحذفه من صفحات أذهان الناس . أما في المواضع التي استعصت فيها تلك الفضائل على التكذيب بما لها من قوّة ومن تلألؤ ساطع ، فقد بادر اُولئك إلى التحريف المعنوي ، وتوسّلوا بتوجيهات غير منطقيّة وبجهود عقيمة ، علّهم ينالون بها شيئا من تشعشع أنوار الحقّ ، ويقلّلون من امتداده . وفي هذا المضمار نسجّل بأسف : ما أكثر الكتابات التي اُهملت بسبب هذه الهجمات الثقافيّة ، وما أكثر ما ضاع !
3 _ كلام النبيّ نافذة لمعرفة عليّعليٌّ سرّ الوجود المكتوم ؛ وهل ثَمَّ سبيل إلى اكتناه هذا السرّ وفتح مغاليقه سوى الاستمداد من أعلم شخصيّة في الوجود وأدراها بالسرّ ؟ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأعرف الوجود بالسرّ ، وهو إلى ذلك مُعلّم الإمام عليه السلام ومُربّيه ، وقد كان الإمام عليه السلام تلميذه ورفيق دربه وقرينه . لقد أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّا وضمّه إليه صغيرا ، ثمّ تمتم بنداء الوحي في ثنايا روحه وجوانبها ، فطفقت أعماق وجود عليّ تفوح بشذى عطر التعاليم الإلهيّة وتنضح بنداها .
.
ص: 396
وهكذا كان عليٌّ ماثلاً أمامه بكلّ وجوده كالمرآة الصافية . وعندما كان النبيّ يتحدّث عنه فإنّما يتحدّث بمثل هذه النظرة ومن خلالها . ولك أن تتأمّل هذا الوصف العلوي الأخّاذ الناطق ، في بيان الصلة فيما بينهما (صلوات اللّه وسلامه عليهما) ؛ إذ يقول أمير المؤمنين : «وَضَعَني في حِجرِهِ وأنَا وَلَدٌ ، يَضُمُّني إلى صَدرِهِ ، ويَكنُفُني فِي فِراشِهِ ، ويُمِسُّني جَسَدَهُ ، ويُشِمُّني عَرفَهُ ، وكانَ يَمضَغُ الشَّيءَ ثُمَّ يُلقِمُنيهِ ، وما وَجَدَ لي كَذبَةً في قَولٍ ، ولا خَطلَةً في فِعلٍ ، ولَقَد قَرَنَ اللّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله مِن لَدُن أن كانَ فَطيما أعظَمَ مَلَكٍ مِن مَلائِكَتِهِ يَسلُكُ بِهِ طَريقَ المَكارِمِ ، ومَحاسِنَ أخلاقِ العالَمِ ، لَيلَهُ ونَهارَهُ . ولَقَد كُنتُ أتَّبِعُهُ اتِّباعَ الفَصيلِ أثَرَ اُمِّهِ ، يَرفَعُ لي في كُلِّ يَومٍ مِن أخلاقِهِ عَلَما ، ويَأمُرُني بِالِاقتِداءِ بِهِ . ولَقَد كانَ يُجاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِراءَ فَأَراهُ ولا يَراهُ غَيري . ولَم يَجمَع بَيتٌ واحِدٌ يَومَئِذٍ فِي الإِسلامِ غَيرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وخَديجَةَ وأنَا ثالِثُهُما . أرى نورَ الوَحيِ وَالرِّسالَةِ ، وأشُمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ . ولَقَد سَمِعتُ رَنَّةَ الشَّيطانِ حينَ نَزَلَ الوَحيُ عَلَيهِ صلى الله عليه و آله ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما هذِهِ الرَّنَّةُ ؟ فَقالَ : هذَا الشَّيطانُ قَد أيِسَ مِن عِبادَتِهِ ، إنَّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ ، وتَرى ما أرى ، إلّا أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ، ولكِنَّكَ لَوَزيرٌ وإنَّكَ لَعَلى خَيرٍ» (1) . إنّ رسول اللّه عليه السلام موصول بمصدر الوحي ومنبثق الإلهام ، ومن ثَمَّ فما يقوله هو انعكاس لتجلّيات ربّانيّة ، وتجلٍّ لحقائق الوحي ، وهو تبلور لكلام اللّه سبحانه . فعندما يتحدّث النبيّ عن عليّ فكأنّ الذي يتحدّث عنه هو اللّه جلّ جلاله ، وهو سبحانه الذي يكشف الستر والأسرار ، ويزيح الحُجب عن الشخصيّة السامقة لإمام الإنسانيّة .
.
ص: 397
وحيثُ نطلّ على المشهد من زاوية اُخرى ؛ فإنّ عليّا هو نظير رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو مثيله . وعلى ضوء الكلام الالهي الساطع : «وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» فإنّ عليّا عليه السلام هو نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله له جميع ما للنبيّ الأقدس من مقامات ظاهريّة وباطنيّة ما خلا النبوّة . فعندما يتحدّث رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الإمام أمير المؤمنين ويكشف عن مؤهّلاته وما يحظى به من جدارة ، إنّما يضع في الحقيقة امتداده الوجودي بين يدي الآخرين ، ويعرض نظيره ويعرّف به من أجل الأهداف السياسيّة والاجتماعيّة العالية للاُمّة الإسلاميّة ، ويقدّم إلى الناس كافّة أفضل شخصيّة وأسماها نشأت في ظِلال الأنوار الإلهيّة الساطعة .
4 _ تصنيفُ كلام النبيّ حيال عليّقبل أن نبادر إلى تصنيف كلام النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله حيال الإمام عليّ بن أبي طالب ، ونستخلصه من خلال عناوين نأتي بها في إطار نظرة سريعة عامّة ، ينبغي أن نعترف أنّ الاستخلاص الدقيق والتصنيف الكامل التامّ لما قاله النبيّ في عليّ لهو عمل عظيم شاقّ ، وهو _ بلا شك _ يتطلّب مجالاً أوسع من الفرصة المتاحة لنا في مقدّمة هذا الفصل . بيد أنّنا مع ذلك نسعى من خلال الإفادة من روايات هذا الفصل وما جاء في الفصول الاُخر ، أن نشقّ طريقا صوب المراد والمقصود ؛ وإن لم يكن بالمستوى اللائق . بهذا الشأن تبرز أمامنا العناوين التالية :
.
ص: 398
أ : عليٌّ من حيث الخلق والتكوينيرتبط جزء من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الإمام عليّ بجوهره الوجودي وكيفيّة خلقه . فمن وجهة نظر النبيّ يعدّ عليّ ورسول اللّه _ صلوات اللّه وسلامه عليهما _ شعاع نور واحد ، والاثنان هما تجلٍّ لنور اللّه سبحانه ؛ فلحم عليّ هو لحم النبيّ ، ودمُه دمُه ، وروحُه روحُه ، وباطنُه باطنُه . طينتهما واحدة ، وكلاهما من شجرةٍ واحدةٍ ، وسائر الناس من شجرٍ شتّى ومن طِيَنٍ مختلفة . كثيرةٌ هي الروايات التيتشير إلى هذه الحقيقة الرفيعة في مصادر الفريقين ، قد جاء بعضها في أوائل هذا الفصل بعبارات مختلفة مبيّنة لحقيقة واحدة ناصعة .
ب : عليٌّ من حيث الاُسرةعليٌّ عليه السلام هو ابن عمّ النبيّ صلى الله عليه و آله وصهره ووالد ريحانتيه . بيدَ أنّ الأسمى من ذلك كلّه أنّ عليّا هو الشخصيّة السامقة في أهل البيت التي تحظى بمكانةٍ مرموقةٍ ، وأحد «أصحاب الكساء» و «الخمسة الطيّبين» الذين نزلت بحقّهم آية التطهير وهي تهبهم أرفع فضيلة وأسماها . فضلاً عن ذلك ، أنّ النبيّ كان يرى أنّ دوام نسله ينحدر من صلب عليّ الطاهر ، وهو صلى الله عليه و آله يقول : «إنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ ذُرِّيَّةَ كُلِّ نَبِيٍّ مِن صُلبِهِ ، وإنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ ذُرِّيَّتي مِن صُلبِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ» (1) . وبخلود نسل النبيّ في ذريّة عليّ سجّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله للإمام أبي الريحانتين الحسن والحسين وبحكمٍ إلهي ناصع ، أرفع خصوصيّة له وأرقى فضيلة .
ج : عليٌّ من حيث العلميُعدّ عليّ بنظر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أعلم الاُمّة وأكثرها بصيرة . لقد قدّم النبيّ عليّا
.
ص: 399
خازنا لعلمه والمؤتمن عليه ، ووارثه وحافظ أسراره ومعدن تمام علمه ، وتحدّث عنه بوصفه الإنسان الذي يحظى من جميع علم البشريّة بتسعة أعشاره . ثمّ أكّد الحقيقة التي تفيد أنّ الطريق إلى بلوغ اُفق العلم النبوي وساحة المعارف المحمّديّة إنّما يكمن فقط في سلوك جانب عليّ . فعليٌّ على دراية بجميع ما في الكتب السماويّة وما تحويه من أحكام وتعاليم ؛ درايته بالقرآن وتعاليمه وأحكامه . وعليّ الأعلم بحقائق القرآن ، والأكثر إحاطة من الجميع بدقائقه ، بحيث لم يكن على وجه الأرض وعلى امتداد الزمان غيره يقول : «سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني» 1 .
د : عليٌّ من حيث العقيدةإنّ مَن ترعرع منذ الصغر في حضن النبيّ صلى الله عليه و آله ، واختلطت لحظات حياته وتواشجت بلحظات حياة النبيّ ، وسمع نداء الوحي الربّاني ولم يلوّث الكفر له روحا قطّ حتى للحظة واحدة لخليقٌ به أن يحتلّ عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله تلك المكانة العظيمة . لقد كان عليّ من بين الرجال أوّل من صدع بإيمانه برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي الإيمان كان أمير المؤمنين الذروة في الشهود القلبي ، وهذا النبيّ يقول في خطاب نفسه الوضّاءة المنوّرة : «إنَّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ وتَرى ما أرى» (1) . وهو صلى الله عليه و آله الذي يشهد على استقامته وثبات إيمانه ورسوخه ، بقوله : «الإيمان
.
ص: 400
مُخالِطٌ لَحمَكَ ودَمَكَ كَما خالَطَ لَحمي ودَمي» (1) . بهذه الشهادات _ وغيرها _ وضع النبيّ ذلك المؤمن النقي في أرفع ذرى اليقين .
ه : عليٌّ من حيث الأخلاقكان من بين ما أعلنه النبيّ صلى الله عليه و آله في فلسفة بعثته وهدف رسالته ، هو إتمام «مكارم الأخلاق» . من هذا المنطلق سعى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى عرض مشروع جديد ، وتربية إنسان آخر ، وأن يصنع من المؤمنين بمبدئه ومنهجه مُثُلاً عمليّة للنهج الإنساني ، وقُدوات رفيعة لمكارم الأخلاق . عند هذه النقطة يبرز حكم النبيّ حيال عليّ سامقا موحيا وهو يعدّه الأحسن أخلاقا ، والقمّة في التحمّل والصبر والاستقامة والتواضع والزهد وسائر مكارم الأخلاق . ومع ذلك كلّه كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الأصلب في إجراء حكم الحقّ ، ثابتا لا يتزعزع في العلم بالأحكام الإلهيّة ، صلبا لا تلين له قناة في تنفيذ العدل والعدالة ، حتى قيل فيه : إنّه «كلمة العدل» والتجسيد الواقعي للعدل والإنصاف .
و : عليٌّ في مضمار العملكثيرهم أصحاب الادّعاءات ، وليسوا قلّة اُولئك الذين يتحدّثون عن الحقّ ويرفعون شعاره ، لكن إذا ما أزفت ساعة العمل ، وراحت عمليّة إحقاق الحقّ تحتاج إلى الجهد والمثابرة ، وتتطلّب التضحية والثبات ، صار أهل الحقّ قلّة وكَثُر الفارّون ! أمّا عليّ فهو في مضمار العمل اُمثولة لا نظير لها أيضا ، ذلك أنّ اقترانه بالحقّ واتّباعه له ، وثباته إلى جوار القرآن ، أمليا أن يسجّل له رسول اللّه صلى الله عليه و آله غير مرّة معيّته مع القرآن ، ومعيّته مع الحقّ وعدم انفصاله عنهما .
.
ص: 401
فهو أوّل إنسانٍ يقيم الصلاة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان له حضوره الأوفر في سوح القتال وميادين الجهاد أكثر من أيّ شخص آخر ، ولم يُدبر عن عدوٍّ قطّ ، حتى حَمل على صدره وسام : «لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ» . ثمّ عدّ النبيّ ضربته يوم الخندق أفضل من أعمال الاُمّة وعبادة الثقلين _ جميعا _ إلى يوم القيامة . ولك أن ترى في صفحات هذه المجموعة بعض التجلّيات الوضّاءة للثبات العلوي .
ز : عليٌّ من حيث السياسةمن خلال التأمّل بما جاء عن النبيّ حيال عليّ ، بإلقاء الأضواء على الكيفيّة التي صدر بها ذلك ، ثُمّ بتفحّص الأجواء التي انطلقت فيها تلك الحقائق ، والأرضيّة التي تحرّكت عليها الخطابات النبويّة فيما أعلنت من مناقب ومكرمات علويّة ؛ لا يبقى ثَمَّ شكّ بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان بصدد بيان الموقع الرفيع لقيادة المستقبل، وتحديد المسار إلى أفضل إنسان يتسنّم هذا الموقع، والمصداق الإلهي الوحيد لهذا العنوان . على هذا الضوء خطّ رسول اللّه _ للاُمّة والرسالة _ قيادة الغد وسياسة المستقبل ، بحيث راح يكتب جميع ما قاله على هذا الصعيد وجها آخر عبر هذه الرؤية . بيدَ أنّ ما يعنينا التركيز عليه في هذا المجال ، هو تلك العناوين والأحاديث التي تمسّ هذه الحقيقة عن كثب وتتّصل بها على نحو أوثق . لقد سجّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله للإمام عليّ موقع الأب في بيان طبيعة صلته بالاُمّة ، وهو يقول : «حَقُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ كَحَقِّ الوالِدِ عَلى وَلدِهِ» (1) . وها هو ذا النبيّ الأكرم يطلق على عليّ لقب «سيّد العرب» و «سيّد المسلمين» و «سيّد الدنيا والآخرة» ، حيث تكتسب هذه الألقاب إيحاءات خاصّة بلحاظ ما ل_ «السيادة» من معنى .
.
ص: 402
كما كان من بين ما نَحلَه به من ألقاب اُخر تبعث على الفخر وصْفه له ب_ «حجّة اللّه » و «صاحب السرّ» و «الوزير» و «الوصيّ» و «الخليفة» . أمّا تعبيره عنه بأنّ حزبه حزب اللّه ، و «عَلِيٌّ مِنّي وأنَا مِنهُ» فيحمل دلالات مكثّفة على ما نحن فيه ومعاني خاصّة تدلّ عليه ، بالأخصّ قوله : «عَلِيٌّ مِنّي وأنَا مِنهُ» و «لَحمُهُ لَحمي ودَمُهُ دَمي» بلحاظ ما تحمله هذه الألفاظ من مدلولات في إطار ذلك العصر وثقافته . ثمّ يجيء قول النبيّ : «عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ» (1) و «عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ وَالقُرآنُ مَعَهُ» (2) ليدلّل بوضوح على أنّ إطاعة عليّ إطاعة للّه وللرسول ، واتّباع للحقّ والقرآن ، وأنّ عليّا «محور» في القيادة والسياسة ، وهو «سفينة النجاة» إذا ارتطمت _ بالاُمّة _ الأمواج ، وأحاطت بها الحركات العاتية ، حيث يقول صلى الله عليه و آله : «مَثَلُ عَلِيٍّ في هذِهِ الاُمَّةِ كَمَثَلِ الكَعبَةِ» (3) . وقوله صلى الله عليه و آله : «يا عَلِيُّ مَثَلُكَ في اُمَّتي كَمَثَلِ سَفينَةِ نوحٍ مَن رَكِبَها نَجا ومَن تَخَلَّفَ عَنها غَرِقَ» (4) . لقد تواترت الأحاديث النبويّة التي تؤكّد لزوم حبّ عليّ ، وتعدّ حبّه «حبّ اللّه » و«حبّ رسول اللّه » ، وتنظر إلى حبّ أمير المؤمنين ك_ «فريضة» و «عبادة» ، بل تخطّت مدلولات الحديث النبوي ذلك كلّه ، وهي تسجّل أنّ حبّ عليٍّ هو من دين اللّه بالصميم ؛ تداخل مع أصله وامتزج بأساسه ، حيث قال صلى الله عليه و آله : «لا يُحِبُّهُ إلّا مُؤمِنٌ ولا يُبغِضُهُ إلّا مُنافِقٌ ، وحُبُّهُ إيمانٌ وبُغضُهُ كُفرٌ» (5) . وقال : «مَن أحَبَّ عَلِيّا فَقَدِ اهتَدى» (6) . وفي المقابل ارتبط بغض عليّ بالكفر ، حيث عدّ النبيّ مبغضيه منافقي الاُمّة ،
.
ص: 403
وعدّ أعداءه ومناوئيه أعداءً للّه وللرسول . لقد جاء ذلك كلّه من أجل فتح جبهة مترامية الأطراف تمتدّ بامتداد التاريخ نفسه ، لتجعل من عليّ بؤرةً يرتبط بها أهل الحقّ بحزامٍ وثيقٍ وتدع مواضع المناوئين لعليّ ومخالفيه تتواصل مع خنادق الظلمة وأهل الباطل ؛ لتشقّ الطريق في نهاية المآل إلى حركة سياسيّة مستقبليّة قويمة ، من أجل سياسة الغد ومرحلة ما بعد النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله . لقد بلغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بهذا الجهد المستقبلي الصادح بالحقّ ، ذروته في واقعة «غدير خم» ، عندما أعلى عليّا أمام الاُلوف وعلى رؤوس الأشهاد قائدا للمستقبل ، بصراحة ومن دون لبس ، في مشهدٍ أخّاذ لا يُمحى عن الذاكرة ، ممّا ستأتي تفاصيله في صفحات هذه المجموعة . إنّ العناوين والأوصاف التي اختارها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ جاءت بأجمعها هادفةً موحيةً . فما جاء على لسان النبيّ في صفة عليّ من أنّه «حبل اللّه المتين» ، «عمود الدين» ، «يعسوب المؤمنين» ، «راية الهدى» ، «مدينة الهدى» ، «الصدّيق الأكبر» ، «الفاروق الأعظم» و «وليّ كلّ مؤمن بعدي» يكفي كلّ واحد منها ليخطّ للإمام الموقع الأفضل والمكانة الأسمى . أمّا ما جاء عن النبيّ من مضامين مفادها : أفلح من اتّبعك ، وضلّ عن السبيل من حادَ عنك ، وليس من سبيل للمؤمنين إلى معرفتي أقوم منك ، ولولاك ما عرفني مؤمن ، ففيه دلالة على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يفكّر من خلال هذه المقولات بأهمّ ما يشغله ، متمثّلاً بهداية الاُمّة واستقامتها على طريق الحقّ ؛ يترسّم لذلك العلاج ويحدّد لها الطريق ، لكي تهتدي الاُمّة بذلك ، وتعثر على سبيل الجنّة وتنأى عن النار المحرقة .
.
ص: 404
لقد أخذت مهمّة إبراز هذه الحقائق وإشاعة هذه التعاليم المنقذة على النبيّ حياته كلّها ، بحيث لم يغفل رسول اللّه صلى الله عليه و آله لحظة واحدة عن هذه الرؤية المستقبليّة ، والتطلّع إلى ما وراء الحاضر ، والتوجيه من أجل غدٍ مطمئنّ وضّاح . إنّ هذه الموسوعة هي برمّتها دليل ناصع على هذه الحقيقة ، وأنّ أوضح قسم يدلّ عليها هو القسم الثالث منها .
ح : عليٌّ من حيث المقامات المعنويّةينظرُ عليٌّ إلى ما وراء هذه الدنيا كنظرته إلى هذه الدنيا ، وإنّ الحقائق العلويّة وعالم الملكوت واضح لديه وضوح ما بين يديه ؛ والأمر بعد ذلك كما يقول : «لَو كُشِفَ الغِطاءُ مَا ازدَدتُ يَقينا» (1) . إنّ التأمّل في تمام الأبعاد الشامخة المتطاولة لهذه الشخصيّة يكشف عن رُقيّ مركزها المعنوي ، والموقع الذي يحظى به الإمام على قمم المعنويّة وذُراها . ومع ذلك كلّه ، لو لم تكن إلّا هذه الكلمات المنيفة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في إضاءة هذا الجانب من شخصيّة عليّ لكفاه كي يتبوّأ أرقى مواقع هذا الخطّ ، ويحلّق في أقصى ذُرى المعنويّة ، حيث يقول فيه النبيّ : «عَلِيٌّ خَيرُ البَشَرِ» (2) وقوله : «خَيرُ مَن أترُكُ بَعدي» (3) . تدلّ هذه الكلمات النبويّة السامقة على أنّ عليّا هو الأفضل بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو الأكمل ، وهو الشخصيّة التي لا يرقى إليها نظير . وهذه الفضيلة في الحقيقة هي اُمّ فضائل الإمام ، وهي رأسها جميعا . عليٌّ زوج الزهراء البتول ، ولو لم يكن كذلك لما كان لها كفؤ ، وهذه آية التطهير تشهد لعليّ بالطهارة والفلاح . لكنّ لعليّ فوق ذلك فضيلة تسموا على الطهارة
.
ص: 405
والعصمة ، التي راح يفخر بها ملائكة اللّه المقرّبون وكرامه الكاتبون ، واستوجبت رضا اللّه المطلق ، ورضا رسوله وأمين الوحي الإلهي عنه ؛ تلك هي سلوكه إلى اللّه ، ومراحل تقرّبه إليه ، وبلوغه المقصد الأعلى للإنسانيّة ، والحظّ الأوفى من الكمال ، حتى كان من ذلك في الذروة القصوى ، بحيث عُدّ ذكره والنظر إليه عبادة للّه المتعال .
ط : المنزلة الاُخرويّةحينما بُعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واُبلغ الأمر بالرسالة ، واُرسل الى هداية الاُمّة والناس كافّة ، كانت أوّل يد شدّت على يديه الشريفتين هي يد عليّ ، وعلى هذا يمضي الأمر يوم القيامة ، إذ تكون أوّل يد تصافح يد النبيّ ، وأوّل كفّ توضع بكفّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله هي كفّ عليّ . وكفّ عليّ هذه هي التي تحمل «لواء الحمد» راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عرصات القيامة . وعليٌّ أوّل وارد على «الكوثر» ، وهو خليفة النبيّ عليه . وفي الآخرة يتألّق اسم عليّ بلقب «سيّد الشهداء» و «أبي الشهداء» . ولن يمضي على «الصراط» أحد ولن يجوز عليه إنسان إلّا بإمضاء عليّ ، ولا غرو فهو «قسيم الجنّة والنار» . عليٌّ في القيامة رفيق النبيّ وصاحبه ، وقرينه ، له في عرصاتها منزلة عظيمة ، بحيث يضيء وسط الجميع كالشمس المشرقة .
ي : مظلوميّة عليّلماذا كلّ هذا التركيز على شخصيّة عليّ ؟ ولماذا هذا التمجيد والتبجيل ؟ عليّ كبير ، وشأنه أعظم من أن يرقى إلى ذراه الطير (1) ؛ فإذن ينبغي لهذه الشخصيّة أن
.
ص: 406
تعرّف ، بَيدَ أنّ السؤال لا يزال : لماذا كلّ هذا التأكيد على لزوم حبّ عليّ وموالاته ؟ ولماذا هذا التحذير من مناوءاته ومخالفته وانتهاك حرمته ؟ عجبا لهذا الحديث المليء بالشجون ! لكأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتشوّف ذلك كلّه ويتطلّع إليه عبر مرآة الزمان ؛ ينظر ضروب المظالم والإحن والأضغان ، يرى غربة عليّ ووحدته وما ينزل به من الظلم الفظيع . أجل ، لكأنّ رسول اللّه ينظر إلى ذلك كلّه ، وهو يخاطب أمير المؤمنين بقوله : «إنَّ الاُمَّةَ سَتَغدِرُ بِكَ مِن بَعدي» 1 . يا للعجب !! رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينتخب عليّا لمؤاخاته من بين الجميع ، ويأتيه أمر السماء بغلق الأبواب المشرعة على المسجد كلّها إلّا باب عليّ . يصرّح بمنزلة عليّ مرّات ومرّات ، ويمتدحه على مرأى من الاُمّة ومسمع ، ويشيد بمكانته ، ويذكر بوضوح أنّ من آذى عليّا فقد آذاه ، ومن سبّ عليّا فقد سبّ اللّه ورسوله . لكنّه يعود ليسجّل بقلب مصدوع مليء بالألم مظلوميّةَ الإمام ، وما يؤول إليه من الانغمار بدم الجراح ، فيقول مخاطبا إيّاه مواسيا : «بِأَبِي الوَحيدُ الشَّهيدُ» 2 . وهكذا لا يرتقي إلى عليٍّ نظير في الأبعاد الإنسانيّة كلّها ، كما من العجب أن لا
.
ص: 407
يرتقي إلى مظلوميّته أحدٌ أيضا ! على ضوء النقاط التي مرّت ، نقدّم فيما يلي شطرا من كلمات النبيّ صلى الله عليه و آله حيال عليّ عليه السلام :
2 / 1الخِلقَةُ2 / 1 _ 1أنَا وعَلِيٌّ مِن نورٍ واحِدٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خُلِقتُ أنَا وعَلِيٌّ مِن نورٍ واحِدٍ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: خُلِقتُ أنَا وأنتَ مِن نورِ اللّهِ تَعالى (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :أنَا وعَلِيٌّ مِن نورٍ واحِدٍ ، وأنَا وإيّاهُ شَيءٌ واحِدٌ ، وإنَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ ، لَحمُهُ لَحمي ، ودَمُهُ دَمي ، يُريبُني (3) ما أرابَهُ ، ويُريبُهُ ما أرابَني (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :خُلِقتُ أنَا وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مِن نورٍ واحِدٍ ، نُسَبِّحُ اللّهَ يَمنَةَ العَرشِ قَبلَ أن يُخلَقَ آدَمُ بِأَلفَي عامٍ (5) .
.
ص: 408
عنه صلى الله عليه و آله :كُنتُ أنَا وعَلِيٌّ نورا بَينَ يَدَيِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ قَبلَ أن يَخلُقَ آدَمَ بِأَربَعَةَ عَشَرَ ألفَ عامٍ ، فَلَمّا خَلَقَ اللّهُ آدَمَ قَسَّمَ ذلِكَ النّورَ جُزأَينِ ؛ فَجُزءٌ أنَا ، وجُزءٌ عَلِيٌّ عليه السلام (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :كُنتُ أنَا وعَلِيٌّ نورا بَينَ يَدَيِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، يُسَبِّحُ اللّهَ ذلِكَ النّورُ ويُقَدِّسُهُ قَبلَ أن يَخلُقَ اللّهُ آدَمَ بِأَلفِ عامٍ ، فَلَمّا خَلَقَ اللّهُ آدَمَ رَكَّبَ ذلِكَ النّورَ في صُلبِهِ ، فَلَم يَزَل في شَيءٍ واحِدٍ حَتَّى افتَرَقنا في صُلبِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَفِيَّ النُّبُوَّةُ ، وفي عَلِيٍّ الخِلافَةُ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أنزَلَ قِطعَةً مِن نورٍ فَأَسكَنَها في صُلبِ آدَمَ ، فَساقَها حَتّى قَسَّمَها جُزأَينِ ، جُزءا في صُلبِ عَبدِ اللّهِ ، وجُزءا في صُلبِ أبي طالِبٍ ، فَأَخرَجَني نَبِيّا ، وأخرَجَ عَلِيّا وَصِيّا (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :قالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، خَلَقَنِيَ اللّهُ تَعالى وأنتَ مِن نورِ اللّهِ حينَ خَلَقَ آدَمَ ، وأفرَغَ ذلِكَ النّورَ في صُلبِهِ ، فَأَفضى بِهِ إلى عَبدِ المُطَّلِبِ ، ثُمَّ افتَرَقا مِن عَبدِ المُطَّلِبِ ؛ أنَا في عَبدِ اللّهِ وأنتَ في أبي طالِبٍ ، لا تَصلُحُ النُّبُوَّةُ إلّا لي ، ولا تَصلُح
.
ص: 409
الوَصِيَّةُ إلّا لَكَ ، فَمَن جَحَدَ وَصِيَّتَكَ جَحَدَ نُبُوَّتي ، ومَن جَحَدَ نُبُوَّتي أكَبَّهُ اللّهُ عَلى مَنخِرَيهِ فِي النّارِ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُنتُ أنَا وعَلِيٌّ نورا بَينَ يَدَيِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ قَبلَ أن يَخلُقَ آدَمَ بِأَربَعَةِ آلافِ عامٍ ، فَلَمّا خَلَقَ اللّهُ تَعالى آدَمَ سَلَكَ ذلِكَ النّورَ في صُلبِهِ ، فَلَم يَزَلِ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ يَنقُلُهُ مِن صُلبٍ إلى صُلبٍ حَتّى أقَرَّهُ في صُلبِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، ثُمَّ أخرَجَهُ مِن صُلبِ عَبدِ المُطَّلِبِ فَقَسَّمَهُ قِسمَينِ ؛ فَصُيِّرَ قِسمٌ في صُلبِ عَبدِ اللّهِ ، وقِسمٌ في صُلبِ أبي طالِبٍ ، فَعَلِيٌّ مِنّي ، وأنَا مِن عَلِيٍّ ، لَحمُهُ مِن لَحمي ، ودَمُهُ مِن دَمي ، فَمَن أحَبَّني (2) فَبِحُبّي أحبَّهُ ، ومَن أبغَضَهُ فَبِبُغضي أبغَضَهُ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :كُنتُ أنَا وعَلِيٌّ نورا في جَبهَةِ آدَمَ عليه السلام ، فَانتَقَلنا مِنَ الأَصلابِ الطّاهِرَةِ إلَى الأَرحامِ المُطَهَّرَةِ الزّاكِيَةِ حَتّى صِرنا في صُلبِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَانقَسَمَ النّورُ قِسمَينِ ، فَصارَ قِسمٌ في عَبدِ اللّهِ وقِسمٌ في أبي طالِبٍ ، فَخَرَجتُ مِن عَبدِ اللّهِ ، وخَرَجَ عَلِيٌّ مِن أبي طالِبٍ ، وهُوَ قَولُ اللّهِ جَلَّ وعَزَّ : «الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَ صِهْرًا وَ كَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا» (4)(5) .
الإمام عليّ عليه السلام :دَخَلتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وهُوَ في بَعضِ حُجُراتِهِ ، فَاستَأذَنتُ عَلَيهِ فَأَذِنَ لي ، فَلَمّا دَخَلتُ قالَ لي : . . . يا عَلِيُّ ، الثّابِتُ عَلَيكَ كَالمُقيمُ مَعي ، ومُفارِقُكَ مُفارِقي . يا
.
ص: 410
عَلِيُّ ، كَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُكَ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى خَلَقَني وإيّاكَ مِن نورٍ واحِدٍ (1) .
2 / 1 _ 2أنَا وعَلِيٌّ مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :النّاسُ مِن شَجَرٍ شَتّى ، وأنَا وعَلِيٌّ مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :أنَا وعَلِيٌّ مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍ ، وَالنّاسُ مِن أشجارٍ شَتّى (3) .
المستدرك على الصحيحين عن جابر بن عبد اللّه :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيٍّ : يا عَلِيُّ ، النّاسُ مِن شَجَرٍ شَتّى ، وأنَا وأنتَ مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍ ، ثُمَّ قَرَأَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «وَ جَنَّ_تٌ مِّنْ أَعْنَ_بٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَ غَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَآءٍ وَ حِدٍ» (4)(5) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خُلِقَ النّاسُ مِن أشجارٍ شَتّى ، وخُلِقتُ أنَا وعَلِيٌّ مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍ ؛ فَأَنَا أصلُها ، وعَلِيٌّ فَرعُها ، فَطوبى لِمَنِ استَمسَكَ بِأَصلِها ، وأكَلَ مِن فَرعِها (6) .
.
ص: 411
كنز الفوائد عن ابن عبّاس :رَأَيتُ أبا ذَرٍّ الغِفارِيَّ مُتَعَلِّقا بِحَلقَةٍ بِبَيتِ اللّهِ الحَرامِ ، وهُوَ يَقولُ : . . . إنّي رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي العامِ الماضي وهُوَ آخِذٌ بِهذِهِ الحَلقَةِ ، وهُوَ يَقولُ : أيُّهَا النّاسُ ! لَو صُمتُم حَتّى تَكونوا كَالأَوتادِ ، وصَلَّيتُم حَتّى تَكونوا كَالحَنايا (1) ، ودَعَوتُم حَتّى تَقَطَّعوا إربا إربا ، ثُمَّ بَغَضتُم عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، أكَبَّكُمُ اللّهُ فِي النّارِ . قُم يا أبَا الحَسَنِ ، فَضَعَ خَمسَكَ في خَمسي _ يَعني كَفَّكَ في كَفّي _ فَإِنَّ اللّهَ اختارَني وإيّاكَ مِن شَجَرَةٍ ؛ أنَا أصلُها ، وأنتَ فَرعُها ، فَمَن قَطَعَ فَرعَها أكَبَّهُ اللّهُ عَلى وَجهِهِ فِي النّارِ (2) .
تاريخ دمشق عن جابر بن عبد اللّه :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِعَرَفاتٍ وعَلِيٌّ تُجاهَهُ ، فَأَومَأَ إلَيَّ وإلى عَلِيٍّ فَأَتَينَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وهُوَ يَقولُ : اُدنُ يا عَلِيُّ ، فَدَنا مِنهُ عَلِيٌّ ، فَقالَ : ضَع خَمسَكَ في خَمسي _ يَعني كَفَّكَ في كَفّي _ يا عَلِيُّ ، خُلِقتُ أنَا وأنتَ مِن شَجَرَةٍ ؛ أنَا أصلُها ، وأنتَ فَرعُها ، وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ أغصانُها ، فَمَن تَعَلَّقَ بِغُصنٍ مِنها دَخَلَ الجَنَّةَ (3) .
تاريخ دمشق عن أبي اُمامة الباهلي :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : خُلِقَ الأَنبِياءُ مِن أشجارٍ شَتّى ، وخَلَقَني وعَلِيّا مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍ ؛ فَأَنَا أصلُها ، وعَلِيٌّ فَرعُها ، وفاطِمَةُ لِقاحُها ، وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ ثَمَرُها ، فَمَن تَعَلَّقَ بِغُصنٍ مِن أغصانِها نَجا ، ومَن زاغَ هَوى . ولَو أنَّ عَبدا عَبَدَ اللّهَ بَينَ الصَّفا وَالمَروَةِ ألفَ عامٍ ، ثُمَّ ألفَ عامٍ ، ثُمَّ ألفَ عامٍ ، ثُمَّ لَم يُدرِك مَحَبَّتَنا إلّا أكبَّهُ اللّهُ عَلى مَنخِرَيهِ فِي النّارِ ، ثُمَّ تَلا : «قُل لَا أَسْئالُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا
.
ص: 412
إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» (1)(2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خُلِقتَ يا عَلِيُّ مِن شَجَرَةٍ خُلِقتُ مِنها ، أنَا أصلُها ، وأنتَ فَرعُها ، وَالحُسَينُ وَالحَسَنُ أغصانُها ، ومُحِبّونا وَرَقُها ، فَمَن تَعَلَّقَ بِشَيءٍ مِنها أدخَلَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ الجَنَّةَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :النّاسُ مِن أشجارٍ شَتّى ، وأنَا وعَلِيٌّ مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍ ؛ أنَا أصلُها ، وعَلِيٌّ فَرعُها ، وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ أثمارُها ، وفي قَلبِ كُلِّ مُؤمِنٍ غُصنٌ مِن أغصانِها (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :خُلِقتُ أنَا وهارونُ بنُ عِمرانَ ويَحيَى بنُ زَكَرِيّا وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مِن طينَةٍ واحِدَةٍ (5) .
راجع : ص 524 (كالضوء من الضوء).
2 / 1 _ 3لَحمُهُ لَحمي ودَمُهُ دَميرسول اللّه صلى الله عليه و آله :هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، لَحمُهُ لَحمي ، ودَمُهُ دَمي ، هُوَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (6) .
.
ص: 413
عنه صلى الله عليه و آله :هذا عَلِيٌّ سِيطَ (1) لَحمُهُ بِلَحمي ، ودَمُهُ بِدَمي ، وهُوَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مِنّي ، وأنَا مِن عَلِيٍّ ، لَحمُهُ مِن لَحمي ، ودَمُهُ مِن دَمي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: لَحمُهُ مِن لَحمي ، ودَمُهُ مِن دَمي ، وهُوَ عَيبَةُ (4) عِلمي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ، أحِبّوا عَلِيّا ؛ فَإِنَّ لَحمَهُ لَحمي ، ودَمَهُ دَمي (6) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: كَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُكَ ؛ لِأَنَّكَ مِنّي وأنَا مِنكَ ، لَحمُكَ مِن لَحمي ، ودَمُكَ مِن دَمي ، وروحُكَ مِن روحي ، وسَريرَتُكَ مِن سَريرَتي ، وعَلانِيَتُكَ مِن عَلانِيَتي (7) .
.
ص: 414
عنه صلى الله عليه و آله :ألا وإنَّ الأَرضَ لا تَخلو (1) مِنّي مادامَ عَلِيٌّ حَيّا فِي الدُّنيا بَقِيَّةً مِن بَعدي ، عَلِيٌّ فِي الدُّنيا عِوَضٌ مِنّي مِن بَعدي ، عَلِيٌّ كَجِلدي ، عَلِيٌّ كَلَحمي ، عَلِيٌّ عَظمي ، عَلِيٌّ كَدَمي ، عَلِيٌّ عُروقي (2) .
2 / 2الاُسرَةُ2 / 2 _ 1أبو رَيحانَتَيَّفضائل الصحابة عن حماد بن عيسى عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام عن جابر :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : سَلامٌ عَلَيكَ أبَا الرَّيحانَتَينِ مِنَ الدُّنيا ، فَعَن قَليلٍ يَذهَبُ رُكناكَ وَاللّهُ خَليفَتي عَلَيكَ . فَلَمّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله قالَ عَلِيٌّ : هذا أحَدُ الرُّكنَينِ الَّذي قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا ماتَت فاطِمَةُ عليهاالسلامقالَ : هُوَ الرُّكنُ الآخَرُ الَّذي قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله (3) .
معاني الأخبار عن حماد بن عيسى عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام عن جابر :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام قَبلَ مَوتِهِ بِثَلاثٍ : سَلامُ اللّهِ عَلَيكَ يا أبَا الرَّيحانَتَينِ ، اُوصيكَ بِرَيحانَتَيَّ مِنَ الدُّنيا ، فَعَن قَليلٍ يَنهَدُّ رُكناكَ ، وَاللّهُ خَليفَتي عَلَيكَ . فَلَمّا قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ عَلِيٌّ : هذا أحَدُ رُكنَيَّ الَّذي قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَلَمّا ماتَت فاطِمَةُ سَلامُ اللّهِ عَلَيها قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : هذَا الرُّكنُ الثّانِي الَّذي قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله (4) .
.
ص: 415
2 / 2 _ 2أعَزُّ عَلَيَّ مِن فاطِمَةَالإمام عليّ عليه السلام :خَطَبتُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فاطِمَةَ عليهاالسلام ، فَزَوَّجَني ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أنَا أحَبُّ إلَيكَ أم هِيَ ؟ قالَ : هِيَ أحَبُّ إلَيَّ مِنكَ ، وأنتَ أعَزُّ عَلَيَّ مِنها (1) .
فضائل الصحابة عن أبي نجيح :أخبَرَني مَن سَمِعَ عَلِيّا عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ يَقولُ : لَمّا أرَدتُ أن أخطُبَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَذَكَرتُ أن لا شَيءَ لي ، ثُمَّ ذَكَرتُ عائِدَتَهُ وصِلَتَهُ فَخَطَبتُها ، فَقالَ : وهَل عِندَكَ شَيءٌ ؟ قُلتُ : لا ، قالَ : فَأَينَ دِرعُكَ الحُطَمِيَّةُ (2) الَّتي كُنتُ أعطَيتُكَ يَومَ كَذا وكَذا ؟ قُلتُ : هِيَ عِندي ، قالَ : فَأتِ بِها ، قالَ : فَأَتَيتُهُ بِها ، فَأَنكَحَنيها . فَلَمّا أن دَخَلَت عَلَيَّ قالَ : لا تُحدِثَنَّ شَيئا حَتّى آتِيَكُما ، فَاستَأذَنَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَلَينا كِساءٌ أو قَطيفَةٌ فَتَحَشحَشنا (3) فَقالَ : مَكانَكُما عَلى حالِكُما ، فَدَخَلَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَجَلَسَ عِندَ رُؤوسِنا ، فَدَعا بِإِناءٍ فيهِ ماءٌ فَاُتِيَ بِهِ ، فَدَعا فيهِ بِالبَرَكَةِ ثُمَّ رَشَّهُ عَلَينا ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أنَا أحَبُّ إلَيكَ أم هِيَ ؟ قالَ : هِيَ أحَبُّ إلَيَّ مِنكَ ، وأنتَ أعَزُّ عَلَيَّ مِنها (4) .
.
ص: 416
المعجم الأوسط عن أبي هريرة :قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : يا رَسولَ اللّهِ ، أيُّما أحَبُّ إلَيكَ : أنَا أم فاطِمَةُ ؟ قالَ : فاطِمَةُ أحَبُّ إلَيَّ مِنكَ ، وأنتَ أعَزُّ عَلَيَّ مِنها (1) .
المعجم الكبير عن ابن عبّاس :دَخَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى عَلِيٍّ وفاطِمَةَ وهُما يَضحَكانِ ، فَلَمّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله سَكَتا ، فَقالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ما لَكُما كُنتُما تَضحَكانِ ، فَلَمّا رَأَيتُماني سَكَتتُما ؟ فَبادَرَت فاطِمَةُ فَقالَت : بِأَبي أنتَ يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ هذا : أنَا أحَبُّ إلى رَسولِ اللّهِ مِنكِ ، فَقُلتُ : بَل أنَا أحَبُّ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنكَ . فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقالَ : يا بُنَيَّةُ ، لَكِ رِقَّةُ الوَلَدِ ، وعَلِيٌّ أعَزُّ عَلَيَّ مِنكِ (2) .
2 / 2 _ 3خَيرٌ مِنَ الحَسَنِ وَالحُسَينِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَسَنُ وَالحُسَينُ سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ، وأبوهُما خَيرٌ مِنهُما (3) .
.
ص: 417
المعجم الكبير عن سلمان الفارسي :كُنّا حَولَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَجاءَت اُمُّ أيمَنَ ، فَقالَت : يا رَسولَ اللّهِ ، لَقَد ضَلَّ الحَسَنُ وَالحُسَينُ . . . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قوموا فَاطلُبُوا ابنَيَّ . . . ثُمَّ أتاهُما فَأَفرَق بَينَهُما ومَسَحَ وَجهَهُما وقالَ : بِأَبي واُمّي أنتُما ، ما أكرَمَكُما عَلَى اللّهِ ! ثُمَّ حَمَلَ أحَدَهُما عَلى عاتِقِهِ الأَيمَنِ ، وَالآخَرَ عَلى عاتِقِهِ الأَيسَرِ ، فَقُلتُ : طوباكُما نِعمَ المَطِيَّةُ مَطِيَّتُكُما . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ونِعمَ الرّاكِبانِ هُما ، وأبوهُما خَيرٌ مِنهُما (1) .
المعجم الكبير عن حذيفة :رَأَينا في وَجهِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله السُّرورَ يَوما مِنَ الأَيّامِ ، فَقُلنا : يا رَسولَ اللّهِ ، لَقَد رَأَينا في وَجهِكَ تَباشيرَ السُّرورِ ، قالَ : وكَيفَ لا اُسَرُّ وقَد أتاني جَبرَئيلُ عليه السلام فَبَشَّرَني أنَّ حَسَنا وحُسَينا سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ، وأبوهُما أفضَلُ مِنهُما (2) .
2 / 2 _ 4في صُلبِهِ ذُرِّيَّتيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ ذُرِّيَّةَ كُلِّ نَبِيِّ في صُلبِهِ ، وإنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ ذُرِّيَّتي في صُلبِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (3) .
.
ص: 418
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ ذُرِّيَّةَ كُلِّ نَبِيٍّ في صُلبِهِ ، وجَعَلَ ذُرِّيَّتي في صُلبِ هذا (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، ما بَعَثَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ نَبِيّا إلّا وجَعَلَ ذُرِّيَّتَهُ من صُلبِهِ ، وجَعَلَ ذُرِّيَّتي مِن صُلبِكَ ، ولَولاكَ ما كانَت لي ذُرِّيَّةٌ (2) .
2 / 3المَنزِلَةُ عِندَ النَّبِيِّ2 / 3 _ 1مَنزِلَتُهُ مِنّي كَمَنزِلَتي عِندَاللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مِنّي بِمَنزِلَتي مِن رَبّي (3) .
الأمالي للطوسي عن عبد اللّه بن مسعود :رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وكَفُّهُ في كَفِّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وهُوَ يُقَلِّبُهُ . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما مَنزِلَةُ عَلِيٍّ مِنكَ ؟ فَقالَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ : كَمَنزِلَتي مِنَ اللّهِ (4) .
بشارة المصطفى عن ابن مسعود :نَظَرَ إلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ واضِعٌ كَفَّهُ في كَفِّ عَلِيٍّ عليه السلام
.
ص: 419
مُبتَسِما في وَجهِهِ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما مَنزِلَةُ عَلِيٍّ مِنكَ ؟ قالَ : كَمَنزِلَتي عِندَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ (1) .
تاريخ دمشق عن جابر بن عبد اللّه :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَزَلَ بِخُمٍّ ، فَتَنَحَّى النّاسُ عَنهُ ، ونَزَلَ مَعَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، فَشَقَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله تَأَخُّرُ النّاسِ عَنهُ ، فَأَمَرَ عَلِيّا لِيَجمَعَهُم ، فَلَمَّا اجتَمَعوا قامَ فيهِم وهُوَ مُتَوَسِّدٌ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَحَمِدَ اللّهَ ، وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي قَد كَرِهتُ تَخَلُّفَكُم وتَنَحِّيَكُم عَنّي حَتّى خُيِّلَ إلَيَّ أنَّهُ لَيسَ مِن شَجَرَةٍ أبغَضَ إلَيكُم مِن شَجَرَةٍ تَليني . ثُمَّ قالَ : لكِنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أنزَلَهُ [اللّهُ] مِنّي بِمَنزِلَتي عِندَهُ ، فَرَضِيَ اللّهُ عَنهُ كَما أنَا راضٍ عَنهُ ، فَإِنَّهُ لا يَختارُ عَلى قُربي ومَحَبَّتي شَيئا . ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ فَقالَ : اللّهُمَّ مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ (2) .
راجع : ج 1 ص 419 (أحاديث المنزلة) .
2 / 3 _ 2بِمَنزِلَةِ رَأسي مِن بَدَنيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مِنّي بِمَنزِلَةِ رَأسي مِن بَدَني (3) .
.
ص: 420
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مِنّي مِثلُ رَأسي مِن بَدَني (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مِنّي كَرَأسي مِن بَدَني (2) .
2 / 3 _ 3هُوَ مِنّي وأنَا مِنهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مِنّي وأنَا مِنهُ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ مِنّي وأنَا مِنكَ (4) .
.
ص: 421
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ، إنَّ عَلِيّا مِنّي ، وأنَا مِن عَلِيٍّ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مِنّي ، وأنَا مِن عَلِيٍّ ، ولا يُؤَدّي عَنّي إلّا أنَا أو عَلِيٌّ (2) .
سنن الترمذي عن عمران بن حصين :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله جَيشا ، وَاستَعمَلَ عَلَيهِم عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، فَمَضى فِيالسَّرِيَّةِ فَأَصابَ جارِيَةً فَأَنكَروا عَلَيهِ ، وتَعاقَدَ أربَعَةٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالوا : إذا لَقينا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخبَرناهُ بما صَنَعَ عَلِيٌّ ، وكانَ المُسلِمونَ إذا رَجَعوا مِنَ السَّفَرِ بَدَؤوا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَسَلَّموا عَلَيهِ ، ثُمَّ انصَرَفوا إلى رِحالِهِم ، فَلَمّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةُ سَلَّموا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله . فَقامَ أحَدُ الأَربَعَةِ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ لَم تَرَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ صَنَعَ كَذا وكَذا ، فَأَعرَضَ عَنهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قامَ الثّاني فَقالَ مِثلَ مَقالَتِهِ ، فَأَعرَضَ عَنهُ ، ثُمَّ قامَ الثّالِثُ فَقالَ مِثلَ مَقالَتِهِ ، فَأَعرَضَ عَنهُ ، ثُمَّ قامَ الرّابِعُ فَقالَ مِثلَ ما قالوا ، فَأَقبَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالغَضَبُ يُعرَفُ في وَجهِهِ ، فَقالَ : ما تُريدونَ مِن عَلِيٍّ ؟ ما تُريدونَ مِن عَلِيٍّ ؟ ما تُريدونَ مِن عَلِيٍّ ؟ إنَّ عَلِيّا مِنّي وأنَا مِنهُ ، وهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي (3) .
.
ص: 422
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أمّا أنتَ يا عَلِيُّ فَخَتَني (1) وأبو وُلدي ، وأنَا مِنكَ وأنتَ مِنّي (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :اُهدِيَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله قِنوُ (3) مَوزٍ ، فَجَعَلَ يُقَشِّرُ المَوزَ ويَجعَلُها في فَمي ، فَقالَ لَهُ قائِلٌ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ تُحِبُّ عَلِيّا ؟ قالَ : أوَما عَلِمتَ أنَّ عَلِيّا مِنّي وأنَا مِنهُ ؟ ! (4)
راجع : ج 1 ص 248 (البعث لإعلان البراءة من المشركين) .
2 / 3 _ 4اُحِبُّ لَهُ ما اُحِبُّ لِنَفسيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، اُحِبُّ لَكَ ما اُحِبُّ لِنَفسي ، وأكرَهُ لَكَ ما أكرَهُ لِنَفسي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنّي اُحِبُّ لَكَ ما اُحِبُّ لِنَفسي ، وأكرَهُ لَكَ ما أكرَهُ لِنَفسي (6) .
.
ص: 423
2 / 3 _ 5نَفسيرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: ذاكَ نَفسي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مِنّي كَنَفسي ، طاعَتُهُ طاعَتي ، ومَعصِيَتُهُ مَعصِيَتي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ كَنَفسي ، لا فَرقَ بَيني وبَينَهُ إلَا النُّبُوَّةَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :فَأَمّا عَلِيٌّ فَأَنَا هُوَ ، وهُوَ أنَا (4) .
نثر الدرّ :سُئِلَ [رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] عَن أصحابِهِ فَذَكَرَهُم ، ثُمَّ سُئِلَ عَن عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ صلى الله عليه و آله : وهَل يُسأَلُ الرَّجُلُ عَن نَفسِهِ (5) .
المست_درك على الصحيحي_ن ع_ن عب_د ال_رحمن بن ع_وف :اِفتَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَكَّةَ ، ثُمَّ انصَرَفَ إلَى الطّائِفِ فَحاصَرَهُم ثَمانِيةً أو سَبعَةً ، ثُمَّ أوغَلَ غُدوَةً أو رَوحَةً ، ثُمَّ نَزَلَ ، ثُمَّ هَجَرَ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي لَكُم فَرَطٌ (6) ، وإنّي اُوصيكُم بِعِترَتي خَيرا ، مَوعِدُكُمُ الحَوضُ . وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ! لَتُقيمُنَّ الصَّلاةَ ولَتُؤتُنَّ (7) الزَّكاةَ أو لَأَبعَثَنَّ عَلَيكُم رَجُلاً مِنّي أو كَنَفسي فَلَيَضرِبَنَّ أعناقَ مُقاتِليهِم وَلَيَسبِيَنَّ ذَرارِيَّهُم . قالَ : فَرَأَى النّاسُ أنَّهُ يَعني أبا بَكرٍ أو عُمَرَ ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقالَ : هذا (8) .
.
ص: 424
فضائل الصحابة عن المطّلب بن عبد اللّه بن حنطب :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِوَفدِ ثَقيفٍ حينَ جاؤوهُ : وَاللّهِ لَتُسلِمُنَّ أو لَأَبعَثَنَّ إلَيكُم رَجُلاً مِنّي _ أو قالَ : مِثلَ نَفسي _ فَلَيَضرِبَنَّ أعناقَكُم ، وَلَيَسبِيَنَّ ذَرارِيَّكُم ، ولَيَأخُذَنَّ أموالَكُم . قالَ عُمَرُ : فَوَاللّهِ مَا اشتَهَيتُ الإِمارَةَ إلّا يَومَئِذٍ ؛ جَعَلتُ أنصِبُ صَدري لَهُ رَجاءَ أن يَقولَ : هذا ، فَالتَفَتَ إلى عَلِيٍّ فَأَخَذَ بِيَدِهِ ثُمَّ قالَ : هُوَ هذا ، هُوَ هذا . مَرَّتَينِ (1) .
المصنّف عن عبد اللّه بن شدّاد :قَدِمَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَفدُ أبي سَرحٍ مِنَ اليَمَنِ فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَتُقيمُنَّ الصَّلاةَ ، ولَتُؤتُنَّ الزَّكاةَ ، ولَتَسمَعُنَّ ولَتُطيعُنَّ أو لَأَبعَثَنَّ إلَيكُم رَجُلاً لِنَفسي ، يُقاتِلُ مُقاتِلَتَكُم ، ويَسبي ذَرارِيَّكُم ، اللّهُمَّ أنَا أو كَنَفسي . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ (2) .
المعجم الأوسط عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَيَنتَهِيَنَّ بَنو وَليعَةَ (3) أو لَأَبعَثَنَّ إلَيهِم رَجُلاً عِندي كَنَفسي ، يَقتُلُ مُقاتِلَتَهُم ويَسبي ذَرارِيَّهُم ، وهُوَ ذا . ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى كَتِفِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (4) .
.
ص: 425
الخصال عن عامر بن واثلة :كُنتُ فِي البَيتِ يَومَ الشّورى ، فَسَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام وهُوَ يَقولُ : . . . نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، هَل فيكُم أحَدٌ قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَيَنتَهِيَنَّ بَنو وَليعَةَ أو لَأَبعَثَنَّ إلَيهِم رَجُلاً كَنَفسي ، طاعَتُهُ كَطاعَتي ، ومَعصِيَتُهُ كَمَعصِيَتي ، يَغشاهُم بِالسَّيفِ غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا (1) .
راجع : ص 357 (نفس النبيّ) و ج 5 ص 222 (امتحن اللّه قلبه للإيمان) .
2 / 3 _ 6حَبيبيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيّا حَبيبي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . . . حَبيبُ اللّهِ وحَبيبي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أخي وحَبيبي ، فَمَن أرادَكَ أرادَني (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ خاصَّةُ أهلي ، وحَبيبي إلى قَلبي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ اتَّخَذَني خَليلاً كَمَا اتِّخَذَ إبراهيمَ خَليلاً ، وإنَّ قَصري فِي الجَنَّةِ وقَصرَ إبراهيمَ فِي الجَنَّةِ مُتَقابِلانِ ، وقَصرَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ بَينَ قَصري وقَصرِ إبراهيمَ ، فَيا لَهُ مِن حَبيبٍ بَينَ خَليلَينِ ! (6)
.
ص: 426
تاريخ دمشق عن علقمة الأسود عن عائشة قالت :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ وهُوَ في بَيتِها لَمّا حَضَرَهُ المَوتُ _ : اُدعوا لي حَبيبي ، فَدَعوتُ لَهُ أبا بَكرٍ ، فَنَظَرَ إلَيهِ ثُمَّ وَضَعَ رَأسَهُ . ثُمَّ قالَ : اُدعوا لي حَبيبي ، فَدَعَوا لَهُ عُمَرَ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيهِ وَضَعَ رَأسَهُ . ثُمَّ قالَ : اُدعوا لي حَبيبي ، فَقُلتُ : وَيلَكُم ! اُدعوا لَهُ (1) عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، فَوَاللّهِ ما يُريدُ غَيرَهُ ، فَلَمّا رَآهُ أفرَدَ الثَّوبَ الَّذي كانَ عَلَيهِ ثُمَّ أدخَلَهُ فيهِ، فَلَم يَزَل يَحتَضِنُهُ حَتّى قُبِضَ ويَدُهُ عَليهِ (2) .
2 / 3 _ 7خَليليرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ خَليلي ، ووَزيري ، وخَليفَتي في أهلي ، وخَيرَ مَن أترُكُ بَعدي ، ويُنجِزُ مَوعِدي ، ويَقضي دَيني عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . . . خَليلُ اللّهِ وخَليلي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :ألا إنَّ أخي ، وخَليلي ، ووَزيري ، وصَفِيّي ، وخَليفَتي مِن بَعدي . . . عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (5) .
.
ص: 427
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ نَبِيٍّ خَليلٌ ، وإنَّ خَليلي وأخي عَلِيٌّ (1) .
2 / 3 _ 8قاضي دَينيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ يَقضي دَيني (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَقضي عَنّي دَيني إلّا أنَا أو عَلِيٌّ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يَقضي دَيني ويُنجِزُ مَوعودي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أخي ، ووَزيري ، تَقضي دَيني ، وتُنجِزُ مَوعِدي ، وتُبرِئُ ذِمَّتي (5) .
.
ص: 428
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أخي ، وأبو وُلدي ، تُقاتِلُ عَن سُنَّتي ، وتُبرِئُ ذِمَّتي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ تَغسِلُ جُثَّتي ، وتُؤَدّي ذِمَّتي ، وتُواريني في حُفرَتي ، وتَفي بِذِمَّتي (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا نَزَلَت : «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (3) . . . فَبَدَرَهُم (4) رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : أيُّكُم يَقضي عَن (5) دَيني ؟ قالَ : فَسَكَتُّ وسَكَتَ القَومُ ، فَأَعادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المَنطِقَ ، فَقُلتُ : أنَا يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : أنتَ يا عَلِيُّ ، أنتَ يا عَلِيُّ (6) .
عنه عليه السلام :لَمّا نَزَلَت : «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، اصنَع لي رِجلَ شاةٍ بِصاعٍ مِن طَعامٍ . . . فَبَدَرَهُم (7) رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالكَلامِ ، فَقالَ : أيُّكُم يَقضي دَيني ، ويَكونُ خَليفَتي ووَصِيّي مِن بَعدي ؟ قالَ : فَسَكَتَ العَبّاسُ مَخافَةَ أن يُحيطَ ذلِكَ بِمالِهِ ، فَأَعادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الكلامَ ، فَسَكَتَ القَومُ وسَكَتَ العَبّاسُ مَخافَةَ أن يُحيطَ ذلِكَ بِمالِهِ ، فَأَعادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الكَلامَ الثّالِثَةَ . . . فَقُلتُ : أنَا يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : أنتَ يا عَلِيُّ ، أنتَ يا عَلِيُّ (8) .
مسند ابن حنبل عن عبّاد بن عبد اللّه الأسدي عن الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ :
.
ص: 429
«وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» قالَ : جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أهلَ بَيتِهِ ، فَاجتَمَعَ ثَلاثونَ ، فَأَكَلوا وشَرِبوا ، قالَ : فَقالَ لَهُم : مَن يَضمَنُ عَنّي دَيني ومَواعيدي ، ويَكونُ مَعي فِي الجَنَّةِ ، ويَكونُ خَليفَتي في أهلي ؟ فَقالَ رَجُلٌ _ لَم يُسَمِّهِ شَريكٌ (1) _ : يا رَسولَاللّهِ ، أنتَ كُنتَ بَحرا ، مَن يَقومُ بِهذا ! قالَ : ثُمَّ قالَ الآخَرَ ، فَعَرَضَ ذلِكَ عَلى أهلِ بَيتِهِ ، فَقالَ عَلِيٌّ : أنَا (2) .
خصائص أمير المؤمنين عن سعد بن أبي وقّاص :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الجُحفَةِ (3) ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَخَطَبَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي وَلِيُّكُم ؟ قالوا : صَدَقتَ يا رَسولَ اللّهِ ، أنتَ وَلِيُّنا . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَرَفَعَها فَقالَ : هذا وَلِيّي ويُؤَدّي عَنّي دَيني ، وأنَا مُوالي مَن والاهُ ومُعادي مَن عاداهُ (4) .
الإمام عليّ عليه السلام :أ لا تَرى يا طَلحَةُ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لي _ وأنتُم تَسمَعونَ : يا أخي ، إنَّهُ لا يَقضي عَنّي دَيني ، ولا يُبرِئُ ذِمَّتي غَيرُكَ ، أنتَ تُبرِئُ ذِمَّتي ، وتُؤَدّي أمانَتي ؟ ! (5)
علل الشرائع عن زيد بن عليّ عليه السلام :لَمّا حَضَرَت رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله الوَفاةُ ورَأسُهُ في حِجرِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَالبَيتُ غاصٌّ بِمَن فيهِ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، وَالعَبّاسُ قاعِدٌ قُدّامَهُ ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَبّاسُ ، أ تَقبَلُ وَصِيَّتي ، وتَقضي دَيني ، وتُنجِزُ مَوعِدي ؟ فَقالَ : إنِّى ¨
.
ص: 430
امرُؤٌ كَبيرُ السِّنِّ كَثيرُ العِيالِ لا مالَ لي ، فَأَعادَها عَلَيهِ ثَلاثا ، كُلَّ ذلِكَ يَرُدُّها عَلَيهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : سَاُعطيها رَجُلاً يَأخُذُها بِحَقِّها لا يَقولُ مِثلَ ما تَقولُ ، ثُمَّ قالَ : يا عَلِيُّ ، أَ تقبَلُ وَصِيَّتي ، وتَقضي دَيني ، وتُنجِزُ مَوعِدي ؟ قالَ : فَخَنَقَتهُ العَبرَةُ ولَم يَستَطِع أن يُجيبَهُ ، ولَقَد رَأى رَأسَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَذهَبُ ويَجيءُ في حِجرِهِ ، ثُمَّ أعادَ عَلَيهِ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : نَعَم بِأَبي أنتَ واُمّي يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ : يا بِلالُ ، ائتِ بِدِرعِ رَسولِ اللّهِ ، فَأَتى بِها ، ثُمَّ قالَ : يا بِلالُ ، ائتِ بِرايَةِ رَسولِ اللّهِ ، فَأَتى بِها ، ثُمَّ قالَ : يا بِلالُ ، ائتِ بِبَغلَةِ رَسولِ اللّهِ بِسَرجِها ولِجامِها ، فَأَتى بِها ، ثُمَّ قالَ : يا عَلِيُّ ، قُم فَاقبِض هذا بِشَهادَةِ مَن فِي البَيتِ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، كَي لا يُنازِعَكَ فيهِ أحَدٌ مِن بَعدي ، قالَ : فَقامَ عَلِيٌّ عليه السلام وحَمَلَ ذلِكَ حَتَّى استَودَعَ جَميعَ ذلِكَ في مَنزِلِهِ ثُمَّ رَجَعَ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَني في وَصِيَّتِهِ بِقَضاءِ دُيونِهِ وعِداتِهِ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، قَد عَلِمتَ أنَّهُ لَيسَ عِندي مالٌ ، فَقالَ : سَيُعينُكَ اللّهُ . فَما أرَدتُ أمرا مِن قَضاءِ دُيونِهِ وعِداتِهِ إلّا يَسَّرَهُ اللّهُ لي ، حَتّى قَضَيتُ دُيونَهُ وعِداتِهِ ، وأحصَيتُ ذلِكَ فَبَلَغَ ثَمانينَ ألفا ، وبَقِيَ بَقِيَّةٌ أوصَيتُ الحَسَنَ أن يَقضِيَها (2) .
المناقب لابن شهر آشوب عن قتادة :بَلَغَنا أنَّ عَلِيّا عليه السلام نادى ثَلاثَةَ أعوامٍ بِالمَوسِمِ : مَن كانَ لَهُ عَلى رَسولِ اللّهِ دَينٌ فَليَأتِنا نَقضِ (3) عَنهُ (4) .
.
ص: 431
2 / 3 _ 9وَلِيّي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِمسند ابن حنبل عن ابن عبّاس :قالَ [رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ]لِبَني عَمِّهِ : أيُّكُم يُواليني فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؟ _ وعَلِيٌّ مَعَهُ جالِسٌ _ فَأَبَوا ، فَقالَ عَلِيٌّ : أنَا اُواليكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . قالَ : أنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . قالَ : فَتَرَكَهُ ثُمَّ أقبَلَ عَلى رَجُلٍ مِنهُم فَقالَ : أيُّكُم يُواليني فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؟ فَأَبَوا ، قالَ : فَقالَ عَلِيٌّ : أنَا اُواليكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، فَقالَ : أنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (1) .
المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ [لِبَني عَمِّهِ] : أيُّكُم يَتَوَلّاني فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؟ فَقالَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنهُم : أ تَتَوَلّاني (2) فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؟ فَقالَ : لا ، حَتّى مَرَّ عَلى أكثَرِهِم ، فَقالَ عَلِيٌّ : أنَا أتَوَلّاكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . فَقالَ : أنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (3) .
المعجم الكبير عن ابن عبّاس :قالَ [رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ]لِبَني عَمِّهِ : أيُّكُم يَتَوَلّاني فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؟ ثَلاثا حَتّى مَرَّ عَلى آخِرِهِم ، فَقالَ عَلِيٌّ : يا نَبِيَّ اللّهِ ، أنَا وَلِيُّكَ فِي الدُّنيا وفِي الآخِرَةِ .
.
ص: 432
فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (1) .
2 / 3 _ 10حَياتُهُ ومَوتُهُ مَعيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أبشِر يا عَلِيُّ ، حَياتُكَ ومَوتُكَ مَعي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: حَياتُكَ حَياتي ، ومَوتُكَ مَوتي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :ألا وإنّي أخوكَ يا عَلِيُّ ، وأنتَ مَعي في كُلِّ دارِ كَرامَةٍ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (4) .
2 / 4المَكانَةُ السِّياسِيَّةُ وَالِاجتِماعِيَّةُ2 / 4 _ 1أنَا وعَلِيٌّ أبَوا هذِهِ الاُمَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنا وعَلِيٌّ أبَوا هذِهِ الاُمَّةِ (5) .
.
ص: 433
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنَا وأنتَ أبَوا هذِهِ الاُمَّةِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنَا وأنتَ يا عَلِيُّ أبَوا هذَا الخَلقِ ، فَمَن عَقَّنا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ ، أمِّن يا عَلِيُّ ، فَقُلتُ : آمينَ يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ : يا عَلِيُّ ، أنَا وأنتَ مَولَيا هذَا الخَلقِ ، فَمَن جَحَدَنا وَلاءَنا وأنكَرَنا حَقَّنا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ ، أمِّن يا عَلِيُّ ، فَقُلتُ : آمينَ يا رَسولَ اللّهِ (2) .
الإمام الرضا عليه السلام :إنَّ شَفَقَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عَلى اُمَّتِهِ شَفَقَةُ الآباءِ عَلَى الأَولادِ ، وأفضَلُ اُمَّتِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ومِن بَعدِهِ شَفَقَةُ عَلِيٍّ عليه السلام عَلَيهِم كَشَفَقَتِهِ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّهُ وَصِيُّهُ وخَليفَتُهُ وَالإِمامُ بَعدَهُ ، فَلِذلِكَ قالَ صلى الله عليه و آله : «أنَا وعَلِيٌّ أبَوا هذِهِ الاُمَّةِ» (3) .
2 / 4 _ 2حَقُّهُ عَلَى الاُمَّةِ كَحَقِّ الوالِدِ عَلى وَلَدِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :حَقُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ كَحَقِّ الوالِدِ عَلى وَلَدِهِ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :حَقُّ عَلِيٍّ عَلَى المُسلِمينَ حَقُّ الوالِدِ عَلى وَلَدِهِ (5) .
.
ص: 434
عنه صلى الله عليه و آله :حَقُّ عَلِيٍّ عَلَى النّاسِ حَقُّ الوالِدِ عَلى وَلَدِهِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ في هذِهِ الاُمَّةِ كَمَثَلِ الوالِدِ (2) .
2 / 4 _ 3سَيِّدُ العَرَبِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنَا سَيِّدُ وُلدِ آدَمَ ، وعَلِيٌّ سَيِّدُ العَرَبِ (3) .
الإمام الحسن عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أنَسُ ، انطَلِق فَادعُ لي سَيِّدَ العَرَبِ _ يَعني عَلِيّا _ فَقالَت عائِشَةُ : أ لَستَ سَيِّدَ العَرَبِ ؟ قالَ : أنَا سَيِّدُ وُلدِ آدَمَ ، وعَلِيٌّ سَيِّدُ العَرَبِ (4) .
الإمام الحسين عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أنَسُ ، ادعُ لي سَيِّدَ العَرَبِ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ لَستَ سَيِّدَ العَرَبِ ؟ قالَ : أنَا سَيِّدُ وُلدِ آدَمَ ، وعَلِيٌّ سَيِّدُ العَرَبِ (5) .
المعجم الأوسط عن أنس بن مالك :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : مَن سَيِّدُ العَرَبِ ؟ قالوا : أنتَ يا
.
ص: 435
رَسولَ اللّهِ . قالَ : أنَا سَيِّدُ وُلدِ آدَمَ ، وعَلِيٌّ سَيِّدُ العَرَبِ (1) .
الأمالي للطوسي عن أنس بن مالك :بَينَما أنَا اُوَضِّئُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ دَخَلَ عَلِيٌّ عليه السلام فَجَعَلَ يَأخُذُ مِن وَضوئِهِ فَيَغسِلُ بِهِ وَجهَهُ ، ثُمَّ قالَ : أنتَ سَيِّدُ العَرَبِ . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أنتَ رَسولُ اللّهِ وسَيِّدُ العَرَبِ . قالَ : يا عَلِيُّ ، أنَا رَسولُ اللّهِ وسَيِّدُ وُلدِ آدَمَ ، وأنتَ أميرُ المُؤمِنينَ وسَيِّدُ العَرَبِ (2) .
المستدرك على الصحيحين عن عائشة :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اُدعوا لي سَيِّدَ العَرَبِ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ لَستَ سَيِّدَ العَرَبِ ؟ قالَ : أنَا سَيِّدُ وُلدِ آدَمَ ، وعَلِيٌّ سَيِّدُ العَرَبِ (3) .
معاني الأخبار عن عائشة :كُنتُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَأَقبَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ : هذا سَيِّدُ العَرَبِ . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ لَستَ سَيِّدَ العَرَبِ ؟ قالَ : أنَا سَيِّدُ وُلدِ آدَمَ ، وعَلِى ¨ٌّ سَيِّدُ العَرَبِ. ومَا السَّيِّدُ؟ قالَ: مَنِ افتُرِضَت طاعَتُهُ كَمَا افتُرِضَت طاعَتي (4) .
تاريخ بغداد عن سلمة بن كهيل :مَرَّ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وعِندَهُ عائِشَةُ ، فَقالَ لَها : إذا سَرَّكِ أن تَنظُري إلى سَيِّدِ العَرَبِ فَانظُري إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقالَت : يا نَبِيَّ اللّهِ ، أ لَستَ سَيِّدَ العَرَبِ ؟ فَقالَ : أنَا إمامُ المُسلِمينَ ، وسَيِّدُ المُتَّقينَ ، إذا سَرَّكِ أن تَنظُري إلى سَيِّدِ العَرَبِ فَانظُري إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (5) .
.
ص: 436
2 / 4 _ 4سَيِّدُ المُسلِمينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اُوحِيَ إلَيَّ في عَلِيٍّ ثَلاثٌ : أنَّهُ سَيِّدُ المُسلِمينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أوحى إلَيَّ في عَلِيٍّ ثَلاثَةَ أشياءَ لَيلَةَ أسرى : أنَّهُ سَيِّدُ المُؤمِنينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :اِنتَهَيتُ لَيلَةَ اُسرِيَ بي إلى سِدرَةِ المُنتَهى ، فَأَوحَى اللّهُ إلَيَّ في عَلِيٍّ ثَلاثا : إنَّهُ إمامُ المُتَّقينَ ، وسَيِّدُ المُسلِمينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ إلى جَنّاتِ النَّعيمِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: مَرحَبا بِسَيِّدِ المُسلِمينَ وإمامِ المُتَّقينَ (4) .
تاريخ دمشق عن عائشة :أقبَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ يَوما ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : هذا سَيِّدُ المُسلِمينَ ، فَقُلتُ : أ لَستَ سَيِّدَ المُسلِمينَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : أنَا خَاتَمُ النَّبِيّينَ ،
.
ص: 437
ورَسولُ رَبِّ العالَمينَ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ سَيِّدُ المُؤمِنينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ سَيِّدُ هذِهِ الاُمَّةِ بَعدي ، وأنتَ إمامُها ، وخَليفَتي عَلَيها ، مَن فارَقَكَ فارَقَني يَومَ القِيامَةِ ، ومَن كانَ مَعَكَ كانَ مَعي يَومَ القِيامَةِ (3) .
تاريخ بغداد عن رُشيد مولى المنصور :كُنتُ يَوما عِندَ المَهدِيِّ _ العَبّاسِيِّ _ فَذُكِرَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، فَقالَ المَهدِيُّ : حَدَّثَني أبي عَن جَدّي عَن أبيهِ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ : كُنتُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وعِندَهُ أصحابُهُ حافّينَ بِهِ ، إذ دَخَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، إنَّكَ عَبقَرِيُّهُم . قالَ المَهدِيُّ : أي سَيِّدُهُم (4) .
جامع الأحاديث عن داود بن رشيد الخوارزمي عن أبيه :كُنتُ ذاتَ يَومٍ عِندَ المَهدِيِّ ، فَذَكَروا عَلِيّا ، فَقالَ المَهدِيُّ : حَدَّثَني أبِيَ المَنصورُ ، عَن أبيهِ ، عَن جَدِّهِ ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ : كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله جالِسا وأصحابُهُ حافّونَ بِهِ ، إذ دَخَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام المَسجِدَ وعِندَهُ وِجهَةٌ فيها (5) فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِأَصحابِهِ : أ لا تَقومونَ إلى عَبقَرِيِّكُم ؟ فَقامَ إلَيهِ القَومُ بِأَجمَعِهِم قِياما . قالَ المَهدِيُّ : قالَ لِيَ المَنصورُ : يَعني إلى سَيِّدِكُم (6) .
.
ص: 438
2 / 4 _ 5سَيِّدٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِتاريخ بغداد عن ابن عبّاس :نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى عَلِيٍّ فَقالَ : أنتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنيا ، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام _: زَوجُكِ سَيِّدٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام _: وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ ، لَقَد زَوَّجتُكِ سَيِّدا فِي الدُّنيا ، وسَيِّدا فِي الآخِرَةِ ؛ فَلا يُحِبُّهُ إلّا مُؤمِنٌ ، ولا يُبغِضُهُ إلّا مُنافِقٌ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا فاطمةُ ، إنّي زَوَّجتُكِ سَيِّدا فِي الدُّنيا ، وإنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحينَ (4) .
2 / 4 _ 6خِيَرَةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا فاطِمَةُ ، أما تَرضَينَ أنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ اطَّلَعَ إلى أهلِ الأَرضِ ، فَاختار
.
ص: 439
رَجُلَينِ : أحَدُهُما أبوكِ ، وَالآخَرُ بَعلُكِ ؟ ! (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام في شَكاتِهِ الَّتي قُبِضَ فيها _: يا حَبيبَتي ، أما عَلِمتِ أنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ اطَّلَعَ إلَى الأَرضِ اطِّلاعَةً فَاختارَ مِنها أباكِ ، فَبَعَثَ بِرِسالَتِهِ ، ثُمَّ اطَّلَعَ اطِّلاعَةً فَاختارَ مِنها بَعلَكِ ، وأوحى إلَيَّ أن اُنكِحَكِ إيّاهُ ؟ ! (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ اطَّلَعَ عَلى أهلِ الأَرضِ اطِّلاعَةً فَاختارَني ، ثُمَّ اطَّلَعَ الثّانِيَةَ فَاختارَكَ بَعدي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أشرَفَ عَلَى الدُّنيا فَاختارَني مِنها عَلى رِجالِ العالَمينَ ، ثُمَّ اطَّلَعَ الثّانِيَةَ فَاختارَكَ عَلى رِجالِ العالَمينَ بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :أنتَ يا عَلِيُّ ووَلَدايَ خِيَرَةُ اللّهِ مِن خَلقِهِ (5) .
مقاتل الطالبيّين عن سهل بن سعد الساعدي :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخَذَ عَلِيّا مِن أبيهِ وهُو
.
ص: 440
صَغيرٌ في سَنَةٍ (1) أصابَت قُرَيشا وقَحطٍ نالَهُم ، وأخَذَ حَمزَةُ جَعفَرا ، وأخَذَ العَبّاسُ طالِبا ، لِيَكفوا أباهُم مُؤنَتَهُم ، ويُخَفِّفوا عَن ثِقِلِهم ، وأخَذَ هُوَ عَقيلاً لِمَيلِهِ كانَ (2) إلَيهِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِختَرتُ مَنِ اختارَ اللّهُ لي عَلَيكُم عَلِيّا (3) .
2 / 4 _ 7حُجَّةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنَا وعَلِيٌّ حُجَّةُ اللّهِ عَلى عِبادِهِ (4) .
تاريخ دمشق عن أنس :كُنتُ جالِسا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، إذ أقبَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا أنَسُ ، أنَا وهذا حُجَّةُ اللّهِ عَلى خَلقِهِ (5) .
تاريخ بغداد عن أنس بن مالك :كُنتُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَرَأى عَلِيّا مُقبِلاً ، فَقالَ : أنَا وهذا حُجَّةٌ عَلى اُمَّتي يَومَ القِيامَةِ (6) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ حُجَّةُ اللّهِ ، وخَليفَتُهُ عَلى عِبادِهِ (7) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي وخَليفَتي ، وحُجَّةُ اللّهِ عَلى اُمَّتي بَعدي ، لَقَد سَعِدَ مَن
.
ص: 441
تَوَلّاكَ ، وشَقِيَ مَن عاداكَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ وقَد أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام _: مَعاشِرَ النّاسِ ، هذا مَولَى المُؤمِنينَ ، وقاتِلُ الكافِرينَ ، وحُجَّةُ اللّهِ عَلَى العالَمينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :لَيلَةَ اُسرِيَ بي إلَى السَّماءِ كَلَّمَني رَبّي جَلَّ جَلالُهُ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، فَقُلتُ : لَبَّيكَ رَبّي ، فَقالَ : إنَّ عَلِيّا حُجَّتي بَعدَكَ عَلى خَلقي ، وإمامُ أهلِ طاعَتي ، مَن أطاعَهُ أطاعَني ، ومَن عَصاهُ عَصاني ، فَانصِبهُ عَلَما لِاُمَّتِكَ يَهتَدونَ بِهِ بَعدَكَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ حُجَّةَ اللّهِ عَلَيكُم بَعدي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . . . حُجَّةُ اللّهِ وحُجَّتي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ الحُجَّةُ بَعدي عَلَى الخَلقِ أجمَعينَ (6) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ، مَن أحَبَّ أن يَعرِفَ الحُجَّةَ بَعدي فَليَعرِف عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ (7) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: مَعاشِرَ النّاسِ ، إنَّهُ مِحنَةُ الوَرى ، وَالحُجَّةُ العُظمى ، وَالآيَةُ الكُبرى (8) .
.
ص: 442
عنه صلى الله عليه و آله :مَكتوبٌ عَلَى العَرشِ : لا إلهِ إلَا اللّهُ ، مُحَمَّدٌ نَبِيُّ الَّرحمَةِ ، وعَلِيٌّ مُقيمُ الحُجَّةِ . مَن عَرَفَ حَقَّ عَلِيٍّ زَكا وطَهُرَ ، ومَن أنكَرَ حَقَّهُ لُعِنَ وخابَ (1) .
2 / 4 _ 8صاحِبُ سِرّيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :صاحِبُ سِرّي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ وَصِيّي ، ومَوضِعَ سِرّي ، وخَيرَ مَن أترُكُ بَعدي ، ويُنجِزُ عِدَتي ، ويَقضي دَيني عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا اُمَّ سَلَمَةَ ، هذا عَلِيٌّ ، سَيِّدٌ مُبَجَّلٌ ، مُؤَمَّلُ المُسلِمينَ ، وأميرُ المُؤمِنينَ ، ومَوضِعُ سِرّي وعِلمي ، وبابِيَ الَّذي آوي إلَيهِ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ جَعَلَ عَلِيّا وَصِيّي ، ومَنارَ الهُدى بَعدي ، ومَوضِعَ سِرّي ، وعَيبَةَ عِلمي ، وخَليفَتي في أهلي ، إلَى اللّهِ أشكو ظالِميهِ مِن اُمَّتي مِن بَعدي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: قَد عَلَّمتُهُ عِلمي ، وَاستَودَعتُهُ سِرّي ، وهُوَ أميني عَلى اُمَّتي (6) .
الأمالي للصدوق عن أبي اُمامة :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام إذا قالَ شَيئا لَم نَشُكَّ فيهِ ، وذلِكَ أنّا سَمِعنا
.
ص: 443
رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : خازِنُ سِرّي بَعدي عَلِيٌّ (1) .
راجع : ج 6 ص 13 (التعلّم في مدرسة النبي) ، و ص 25 (المنزلة العلميّة) .
2 / 4 _ 9وَزيري (2)رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أقولُ كَما قالَ أخي موسى : اللّهُمَّ اجعَل لي وَزيرا مِن أهلي ، عَلِيّا أخِي ، اشدُد بِهِ أزري وأشرِكهُ في أمري ، كَي نُسَبِّحَكَ كَثيرا ونَذكُرَكَ كَثيرا ، إنَّك كُنتَ بِنا بَصيرا (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :أقولُ كَما قالَ أخي موسى : رَبِّ اشرَح لي صَدري ، ويَسِّر لي أمري ، وَاجعَل لي وَزيرا مِن أهلي ، عَلِيّا أخي ، اُشدُد بِهِ أزري (4) .
الإمام الباقر عليه السلام :وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِعَرجٍ (5) ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ إنَّ عَبدَكَ موسى دَعاكَ فَاستَجَبتَ لَهُ ، وألقَيتَ عَلَيهِ مَحَبَّةً مِنكَ ، وطَلَبَ مِنكَ أن تَشرَحَ لَهُ صَدرَهُ ، وتُيَسِّرَ لَهُ أمرَهُ ، وتَجعَلَ لَهُ وَزيرا مِن أهلِهِ وتَحُلَّ العُقدَةَ مِن لِسانِهِ ، وأنَا أسأَلُكَ بِما سَأَلَكَ عَبدُكَ موسى : أن تَشرَحَ بِهِ صَدري ، وتُيَسِّرَ لي أمري ، وتَجعَلَ لى ¨
.
ص: 444
وَزيرا مِن أهلي عَلِيّا أخي (1) .
عنه عليه السلام :لَمّا نَزَلَت «وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى * هَ_رُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى» (2) كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى جَبَلٍ ، ثُمَّ دَعا رَبَّهُ وقالَ : اللّهُمَّ اشدُد أزري بِأَخي عَلِيٍّ . فَأَجابَهُ إلى ذلِكَ (3) .
الدرّ المنثور عن أسماء بنت عميس :رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِإِزاءِ ثَبيرٍ (4) وهُوَ يَقولُ : أشرِقَ ثَبيرُ أشرِقَ ثَبيرُ ، اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ بِما سَأَلَكَ أخي موسى : أن تَشرَحَ لي صَدري ، وأن تُيَسِّرَ لي أمري ، وأن تَحُلَّ عُقدَةً مِن لِساني يَفقَهوا قَولي ، وَاجعَل لي وَزيرا مِن أهلي ، عَليّا (5) أخِي اشدُد بِهِ أزري وأشرِكهُ في أمري ، كَي نُسَبِّحَكَ كَثيرا ونَذكُرَكَ كَثيرا ، إنَّكَ كُنتَ بِنا بَصيرا (6) .
المناقب لابن المغازلي عن ابن عبّاس :أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدي ، وأخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ ، فَصَلّى أربَعَ رَكَعاتٍ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ إلَى السَّماءِ فَقالَ : اللّهُمَّ سَأَلَكَ موسَى بنُ عِمرانَ ، وإنَّ مُحَمَّدا سَأَلَكَ : أن تَشرَحَ لي صَدري ، وتُيَسِّرَ لي أمري ، وتَحلُلَ (7) عُقدَةً مِن لِساني يَفقَهوا قَولي، وَاجعَل لي وَزيرا مِن أهلي عَلِيّا، اُشدُد بِهِ أزري، وأشرِكهُ في أمري (8) .
.
ص: 445
شواهد التنزيل عن حذيفة بن أسيد :أخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ : أبشِر وأبشِر ، إنَّ موسى دَعا رَبَّهُ أن يَجعَلَ لَهُ وَزيرا مِن أهلِهِ هارونَ ، وإنّي أدعو رَبّي أن يَجعَلَ لي وَزيرا مِن أهلي عَلِيّا (1) أخي ، اُشدُد بِهِ ظَهري ، وأشرِكُه في أمري (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالَى اصطَفاني وَاختارَني ، وجَعَلَني رَسولاً ، وأنزَلَ عَلَيَّ سَيِّدَ الكُتُبِ ، فَقُلتُ : إلهي وسَيِّدي ، إنَّكَ أرسَلتَ موسى إلى فِرعَونَ ، فَسَأَلَكَ أن تَجعَلَ مَعَهُ أخاهُ هارونَ وَزيرا ، تَشُدُّ بِهِ عَضُدَهُ ، وتُصَدِّقُ بِهِ قَولَهُ ، وإنّي أسأَلُكَ يا سَيِّدي وإلهي ، أن تَجعَلَ لي مِن أهلي وَزيرا ، تَشُدُّ بِهِ عَضُدي ، فَجَعَلَ اللّهُ لي عَلِيّا وَزيرا وأخا ، وجَعَلَ الشَّجاعَةَ في قَلبِهِ ، وألبَسَهُ الهَيبَةَ عَلى عَدُوِّهِ ، وهُوَ أوَّلُ مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني ، وأوَّلُ مَن وَحَّدَ اللّهَ مَعي ، وإنّي سَأَلتُ ذلِكَ رَبّي عَزَّ وجَلَّ فَأَعطانيهِ ، فَهُوَ سَيِّدُ الأَوصِياءِ ؛ اللُّحوقُ بِهِ سَعادَةٌ ، وَالمَوتُ في طاعَتِهِ شَهادَةٌ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أخي ووَزيري ، تَقضي دَيني ، وتُنجِزُ مَوعِدي ، وتُبرِئُ ذِمَّتي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ خَليلي ووَزيري وخَيرَ مَن أخلُفُ بَعدي ، يَقضي دَيني ، ويُنجِزُ مَوعودي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (5) .
.
ص: 446
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أخي ، ووَزيري ، وخَيرَ مَن أخلُفُهُ بَعدي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . . . أخي وصاحِبي ووَزيري ووَصِيّي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أشرَفَ عَلى أهلِ الدُّنيا ، فَاختارَني مِنها عَلى رِجالِ العالَمينَ ، ثُمَّ اطَّلَعَ الثّانِيَةَ فَاختارَكَ عَلى رِجالِ العالَمينَ ، ثُمَّ اطَّلَعَ الثّالِثَةَ فَاختارَ الأَئِمَّةَ مِن وُلدِكَ عَلى رِجالِ العالَمينَ ، ثُمَّ اطَّلَعَ الرّابِعَةَ فَاختارَ فاطِمَةَ عَلى نِساءِ العالَمينَ . يا عَلِيُّ ، إنّي رَأَيتُ اسمَكَ مَقرونا بِاسمي في ثَلاثَةِ مَواطِنَ ، فَآنَستُ بِالنَّظَرِ إلَيهِ : إنّي لَمّا بَلَغتُ بَيتَ المَقدِسِ في مِعراجي إلَى السَّماءِ وَجَدتُ عَلى صَخرَتِها : لا إلهَ إلَا اللّهُ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ ، أيَّدتُهُ بِوَزيرِهِ ، ونَصَرتُهُ بِوَزيرِهِ . فَقُلتُ لِجَبرَئيلَ عليه السلام : مَن وَزيري ؟فَقالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَلَمَّا انتَهَيتُ إلى سِدرَةِ المُنتَهى وَجَدتُ مَكتوبا عَلَيها : إنّي أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا وَحدي ، مُحَمَّدٌ صَفوَتي مِن خَلقي ، أيَّدتُهُ بِوَزيرِهِ ، ونَصَرتُهُ بِوَزيرِهِ . فَقُلتُ لِجَبرَئيلَ عليه السلام : مَن وَزيري ؟ فَقالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَلَمّا جاوَزتُ سِدرَةَ المُنتَهَى انتَهَيتُ إلى عَرشِ رَبِّ العالَمينَ جَلَّ جَلالُهُ ، فَوَجَدتُ مَكتوبا عَلى قَوائِمِهِ : إنّي أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا وَحدي ، مُحَمَّدٌ حَبيبي ، أيَّدتُهُ بِوَزيرِهِ ، ونَصَرتُهُ بِوَزيرِهِ (3) .
.
ص: 447
عنه صلى الله عليه و آله :يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اِسمَعي وَاشهَدي : هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وَزيري فِي الدُّنيا ووَزيري فِي الآخِرَةِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :ولَقَد سَمِعتُ رَنَّةَ (2) الشَّيطانِ حينَ نَزَلَ الوَحيُ عَلَيهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما هذِهِ الرَّنَّةُ ؟ فَقالَ : هذَا الشَّيطانُ قَد أيِسَ مِن عِبادَتِهِ . إنَّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ ، وتَرى ما أرى ، إلّا أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ، ولكِنَّكَ لَوَزيرٌ ، وإنَّكَ لَعَلى خَيرٍ (3) .
عنه عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَضِيَني لِنَفسِهِ أخا ، وَاختَصَّني لَهُ وَزيرا (4) .
عنه عليه السلام :لَمّا نَزَلَت : «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» . . . دَعا رسَولُ اللّهِ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، وهُم إذ ذاكَ أربَعونَ رَجُلاً _ يَزيدونَ رَجُلاً أو يَنقُصونَ رَجُلاً _ فَقالَ : أيُّكُم يَكونُ أخي ووَصِيّي ووارِثي ووَزيري وخَليفَتي فيكُم بَعدي ؟ فَعَرَضَ عَلَيهِم ذلِكَ رَجُلاً رَجُلاً ، كُلُّهُم يَأبى ذلِكَ ، حَتّى أتى عَلَيَّ ، فَقُلتُ : أنَا يا رَسولَ اللّهِ ، فَقالَ : يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ! هذا أخي ، ووارِثي ، ووَصِيّي ، ووَزيري ، وخَليفَتي فيكُم بَعدي (5) .
تاريخ دمشق عن أنس بن مالك :كُنّا إذا أرَدنا أن نَسأَلَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرنا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أو سَلمانَ الفارِسيَّ أو ثابِتَ بنَ مُعاذٍ الأَنصارِيَّ ، لِأَنَّهُم كانوا أجرَأ
.
ص: 448
أصحابِهِ عَلى سُؤالِهِ ، فَلَمّا نَزَلَت : «إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ» (1) وعَلِمنا أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نُعِيَت إلَيهِ نَفسُهُ ، قُلنا لِسَلمانَ : سَل رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَن نُسنِدُ إلَيهِ اُمورَنا ، ويَكونُ مَفزَعَنا ؟ ومَن أحَبُّ النّاسِ إلَيهِ ؟ . . . [فَسَكَتَ عَنهُ أياما ثُمَّ قالَ] : إنَّ أخي ووَزيري وخَليفَتي في أهلِ بَيتي ، وخَيرَ مَن تَرَكتُ بَعدي ، يَقضي دَيني ، ويُنجِزُ مَوعِدي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
الأمالي للطوسي عن أبي ذرّ :رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله آخِذا بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي ، وصَفِيّي ، ووَصِيّي ، ووَزيري ، وأميني ، مَكانُكَ مِنّي في حَياتي وبَعدَ مَوتي كَمَكانِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ مَعي (3) .
راجع : ج 1 ص 129 (المؤازرة على الدعوة) . و ص 369 (أحاديث الوصاية) ، و ص 403 (أحاديث الوراثة) ، و ص 409 (أحاديث الخلافة) ، و ص 419 (أحاديث المنزلة) .
2 / 4 _ 10وَصِيّيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ وارِثي ، ووَصِيّي ، تَقضي دَيني ، وتُنجِزُ عِداتي ، وتَقتُلُ عَلى سُنَّتي (5) .
.
ص: 449
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ أخي ، ووَصِيّي ، وخَليفَتي عَلى اُمَّتي في حَياتي وبَعدَ مَوتي ، مَن أطاعَهُ أطاعَني ، ومَن وافَقَهُ وَافَقَني ، ومَن خالَفَهُ خالَفَني (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :أنَا مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ سَيِّدُ النَّبِيّينَ ، وعَلِيٌّ ابنُ عَمّي سَيِّدُ الوَصِيّينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :أبشِر يا عَلِيُّ ؛ فَإِنَّ جَبرَئيلَ أتاني فَقالَ لي : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى نَظَرَ إلى أصحابِكَ ، فَوَجَدَ ابنَ عَمِّكَ وخَتَنَكَ عَلَى ابنَتِكَ فاطِمَةَ ، خَيرَ أصحابِكَ ، فَجَعَلَهُ وَصِيَّكَ وَالمُؤَدِّيَ عَنكَ (3) .
الأم_الي للمفي_د عن ج_ابر بن عبد اللّه بن ح_رام الأنص_اري :أتَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، مَن وَصِيُّكَ ؟ قالَ : فَأَمسَكَ عَنّي عَشرا لا يُجيبُني ، ثُمَّ قالَ : يا جابِرُ ، أ لا اُخبِرُكَ عَمّا سَأَلتَني ؟ فَقُلتُ : بِأَبي واُمّي أنتَ ، أمَ وَاللّهِ لَقَد سَكَتَّ عَنّي حَتّى ظَنَنتُ أنَّكَ وَجَدتَ (4) عَلَيَّ ، فَقالَ : ما وَجَدتُ عَلَيكَ يا جابِرُ ، ولكِن كُنتُ أنتَظِرُ ما يَأتيني مِنَ السَّماءِ ، فَأَتاني جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ رَبَّكَ يُقرِئُكَ السَّلامَ ويَقولُ لَكَ : إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ وَصِيُّكَ وخَليفَتُكَ عَلى أهلِكَ واُمَّتِكَ ، وَالذَّائِدُ (5) عَن حَوضِكَ ، وهُوَ صاحِبُ لِوائِكَ يَقدُمُكَ إلَى الجَنَّةِ (6) .
راجع : ج 1 ص 369 (أحاديث الوصاية) .
.
ص: 450
2 / 4 _ 11خَليفَتيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ الإِمامُ وَالخَليفَةُ مِن بَعدي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يَابنَ مَسعودٍ ، عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ إمامُكُم بَعدي ، وخَليفَتي عَلَيكُم (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ خَليفَةُ اللّهِ وخَليفَتي ، وحُجَّةُ اللّهِ وحُجَّتي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :خُلِقتُ أنَا وعَلِيٌّ مِن نورٍ واحِدٍ قَبلَ أن يَخلُقَ اللّهُ آدَمَ بِأَربَعَةِ آلافِ عامٍ ، فَلَمّا خَلَقَ اللّهُ آدَمَ رَكَّبَ ذلِكَ النّورَ في صُلبِهِ ، فَلَم يَزَل في شَيءٍ واحِدٍ حَتَّى افتَرَقا في صُلبِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَفِيَّ النُّبُوَّةُ ، وفي عَلِيٍّ الخِلافَةُ (4) .
راجع : ج 1 ص 409 (أحاديث الخلافة) .
2 / 4 _ 12صَفِيّيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أمّا أنتَ يا عَلِيُّ فَصَفِيّي وأميني (5) .
.
ص: 451
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أخي وصَفِيّي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي ، ووَصِيّي ، ونَصيحي ، وصَفِيّي ، وصاحِبي ، وخالِصُ اُمَّتي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أخي ، وأنتَ وَصِيّي ، وأنتَ صَفِيّي ، ووَزيري ، ووارِثي ، وَالمُؤَدّي عَنّي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ . . . صَفِيُّ اللّهِ وصَفِيّي (4) .
2 / 4 _ 13خَيرُ مَن أترُكُ بَعديرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَيرُ مَن أترُكُ بَعدي ، ويُنجِزُ عِدَتي ، ويَقضي دَيني عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :خَيرُ مَن أخلُفُ بَعدي ، يَقضي دَيني ، ويُنجِزُ مَوعودي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (6) .
عنه صلى الله عليه و آله :خَيرُ مَن أخلُفُ بَعدي ، وخَيرُ أصحابي عَلِيٌّ (7) .
.
ص: 452
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ خَيرُ النّاسِ بَعدي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :خَيرُ مَن يَمشي عَلى وَجهِ الأَرضِ بَعدي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :خَيرُ رِجالِكُم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :أحَبُّ أهلِ بَيتي إلَيَّ ، وأفضَلُ مَن أترُكُ بَعدي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :ما أظَلَّتِ الخَضراءُ ، ولا أقَلَّتِ الغَبراءُ بَعدي أفضَلَ مِن عَلِيٍّ (5) .
الأمالي للصدوق عن سلمان :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِندَ المَوتِ ، فَقالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أفضَلُ مَن تَرَكتُ بَعدي (6) .
الأمالي للصدوق عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ ذاتَ يَومٍ في مَنزِلِ اُمِّ إبراهيمَ ، وعِندَه نَفَرٌ مِن أصحابِهِ ، إذ أقبَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَلَمّا بَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله قالَ : يا مَعشرَ النّاسِ . أقبَلَ إلَيكُم خَيرُ النّاسِ بَعدي (7) .
2 / 4 _ 14حِزبُهُ حِزبُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . حِزبُكَ حِزبُ اللّهِ (8) .
عنه صلى الله عليه و آله :حِزبُ عَلِيٍّ حِزبُ اللّهِ ، وحِزبُ أعدائِهِ حِزبُ الشَّيطانِ (9) .
.
ص: 453
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: اُشهِدُ اللّهَ تَعالى ومَن حَضَرَ مِن اُمَّتي أنَّ حِزبَكَ حِزبي ، وحِزبي حِزبُ اللّه ، وأنَّ حِزبَ أعدائِكَ حِزبُ الشَّيطانِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :وِلايَةُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وِلايَةُ اللّهِ ، وحُبُّهُ عِبادَةُ اللّهِ ، وَاتِّباعُهُ فَريضَةُ اللّهِ ، وأولِياؤُهُ أولِياءُ اللّهِ ، وأعداؤُهُ أعداءُ اللّهِ ، وحِزبُهُ حِزبُ اللّهِ ، وسِلمُهُ سِلمُ اللّهِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّكَ لَن تَضِلَّ ولَم تَزِلَّ ، ولَولاكَ لَم يُعرَف حِزبُ اللّهِ بَعدي (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :قالَ لي سَلمانُ : قَلَّما طَلَعتَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأنَا مَعَهُ إلّا ضَرَبَ بَينَ كَتِفَيَّ ، فَقالَ : يا سلمانُ ! هذا وحِزبُهُ المُفلِحونَ (4) .
عنه عليه السلام :حَدَّثَني سَلمانُ الخَيرِ فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، قَلَّما أقبَلتَ أنتَ ، وأنَا عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلّا قالَ : يا سَلمانُ ، هذا وحِزبُهُ هُمُ المُفلِحونَ يَومَ القِيامَةِ (5) .
2 / 4 _ 15طاعَتُهُ طاعَةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أطاعَني فَقَد أطاعَ اللّهَ ، ومَن عَصاني فَقَد عَصَى اللّهَ ، ومَن أطاعَ عَلِيّا
.
ص: 454
فَقَد أطاعَني ، ومَن عَصى عَلِيّا فَقَد عَصاني (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أطاعَ عَلِيّا فَقَد أطاعَني ، ومَن عَصى عَلِيّا فَقَد عَصاني ، ومَن عَصاني فَقَد عَصَى اللّهَ ، ومَن أحَبَّ عَلِيّا فَقَد أحَبَّني ، ومَن أحَبَّني فَقَد أحَبَّ اللّهَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: مَن أطاعَني فَقَد أطاعَ اللّهَ ، ومَن عَصاني فَقَد عَصَى اللّهَ ، ومَن أطاعَكَ فَقَد أطاعَني ، ومَن عَصاكَ فَقَد عَصاني (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَمّارٍ _: إنَّهُ سَيَكونُ في اُمَّتي مِن بَعدي هَناتٌ (4) حَتّى يَختَلِفَ السَّيفُ فيما بَينَهُم ، وحَتّى يَقتُلَ بَعضُهُم بَعضا ، وحَتّى يَبرَأَ بَعضُهُم مِن بَعضٍ ، فَإِذا رَأَيتَ ذلِكَ فَعَلَيكَ بِهذَا الأَصلَعِ عَن يَميني عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وإن سَلَكَ النّاسُ كُلُّهُم وادِيا وسَلَكَ عَلِيٌّ وادِيا ، فَاسلُك وادِيَ عَلِيٍّ ، وخَلِّ عَنِ النّاسِ ، إنَّ عَلِيّا لا يَرُدُّكَ عَن هُدىً ، ولا يَدُلُّكَ عَلى رَدىً . يا عَمّارُ ، طاعَةُ عَلِيٍّ طاعَتي ، وطاعَتي طاعَةُ اللّهِ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: مَن أحَبَّهُ أحَبَّني ، ومَن أطاعَهُ أطاعَني (6) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: طاعَتُهُ مِن بَعدي كَطاعَتي عَلى اُمَّتي (7) .
.
ص: 455
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أمينُ اُمَّتي ، وحُجَّةُ اللّهِ عَلَيها بَعدي ، قَولُكُ قَولي ، وأمرُكَ أمري ، وطاعَتُكَ طاعَتي ، وزَجرُكَ زَجري ، ونَهيُكَ نَهيي ، ومَعصِيَتُكَ مَعصِيَتي ، وحِزبُكَ حِزبي ، وحِزبي حِزبُ اللّهِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: جَعَلتُكَ عَلَما فيما بَيني وبَينَ اُمَّتي ، فَمَن لَم يَتَّبِعكَ فَقَد كَفَرَ (2) .
2 / 4 _ 16مَثَلُهُ مَثَلُ الكَعبَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَثَلُ عَلِيٍّ في هذِهِ الاُمَّةِ كَمَثَلِ الكَعبَةِ (3) .
تاريخ دمشق عن أبي ذرّ :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَثَلُ عَلِيٍّ فيكُم _ أو قالَ : في هذِهِ الاُمَّةِ _ كَمَثَلِ الكَعبَةِ المَستورَةِ ، النَّظَرُ إلَيها عِبادَةٌ ، وَالحَجُّ إلَيها فَريضَةٌ (4) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّما مَثَلُكَ فِي الاُمَّةِ مَثَلُ الكَعبَةِ ، نَصَبَهَا اللّهُ عَلَما ، وإنَّما تُؤتى مِن كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ ، ونادٍ سَحيقٍ ، وإنَّما أنتَ العَلَمُ عَلمُ الهُدى ، ونورُ الدّينِ ، وهُوَ نورُ اللّهِ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ بِمَنزِلَةِ الكَعبَةِ تُؤتى ولا تَأتي ، فَإِن أتاكَ هؤُلاءِ القَوم
.
ص: 456
فَسَلَّموها إلَيكَ _ يَعنِي الخِلافَةَ _ فَاقبَل مِنهُم ، وإن لَم يَأتوكَ فَلا تَأتِهِم حَتّى يَأتوكَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّما أنتَ بِمَنزِلَةِ الكَعبَةِ تُؤتى ولا تَأتي ، فَإِن أتاكَ هؤُلاءِ القَومُ فَسَلَّموا لَكَ الأَمرَ فَاقبَلهُ مِنهُم ، وإن لَم يَأتوكَ فَلا تَأتِهِم حَتّى يَأتُوا اللّهَ (2) .
كفاية الأثر عن محمود بن لبيد_ في حَديثٍ لَهُ مَعَ فاطِمَةَ عليهاالسلام بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في إمامَةِ عَلِيٍّ عليه السلام _: قالَ : قُلتُ : يا سَيِّدَتي ، فَما بالُهُ قَد قَعَدَ عَن حَقِّهِ ؟ فَقالَت : يا أبا عُمَرَ ، لَقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَثَلُ الإِمامِ مَثَلُ الكَعبَةِ ؛ إذ تُؤتى ولا يَأتي _ أو قالَت : مَثَلُ عَلِيٍّ _ (3) .
2 / 4 _ 17مَثَلُهُ مَثَلُ سَفينَةِ نوحٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، مَثَلُكَ في اُمَّتي كَمَثَلِ سَفينَةِ نوحٍ ، مَن رَكِبَها نَجا ومَن تَخَلَّفَ عَنها غَرِقَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: مَثَلُكَ ومَثَلُ الأَئِمَّةِ مِن وُلدِكَ بَعدي مَثَلُ سَفينَةِ نوحٍ ؛ مَن رَكِبَها نَجا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنها غَرِقَ ، ومَثَلُكُم كَمَثَلِ النُّجومِ ؛ كُلَّما غابَ نَجمٌ طَلَعَ نَجمٌ إلى يَومِ القِيامَةِ (5) .
راجع : كتاب «أهل البيت في الكتاب والسنّة»: ص 87 (الفصل الثاني : مكانتهم) .
.
ص: 457
2 / 4 _ 18كَلِمَةُ عَدلٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيّا لَيسَ بِظَلّامٍ ، ولَم يُخلَق لِلظُّلمِ ، لِأَنَّ الوِلايَةَ لِعَلِيٍّ مِن بَعدي ، وَالحُكمَ حُكمُهُ ، وَالقَولَ قَولُهُ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَني ميزانَ قِسطٍ ، وجَعَلَ عَلِيّا كَلِمَةَ عَدلٍ (2) .
راجع : ج 2 ص 279 (القسم الخامس : سياسة الإمام عليّ عليه السلام ) .
2 / 4 _ 19حَبلُ اللّهِ المَتينُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ حَبلُ اللّهِ المَتينُ ، وعُروَتُهُ الوُثقَى الَّتي لَا انفِصامَ لَها (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَركَبَ سَفينَةَ النَّجاةِ ، ويَستَمسِكَ بِالعُروَةِ الوُثقى ، ويَعتَصِمَ بِحَبلِ اللّهِ المَتينِ ، فَليُوالِ عَلِيّا بَعدي ، وَليُعادِ عَدُوَّهُ ، وَليَأتَمَّ بِالأَئِمَّةِ الهُداةِ مِن وُلدِهِ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :خَلَّفتُ فيكُمُ العَلَمَ الأَكبَرَ ، عَلَمَ الدّينِ ونورَ الهُدى وضِياءَهُ ، وهُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، ألا وهُوَ حَبلُ اللّهِ ، فَاعتَصِموا بِحَبلِ اللّهِ جَميعا ولا تَفَرَّقوا (5) .
.
ص: 458
الإمام الحسين عليه السلام :جاءَ رَجُلٌ في هَيئَةِ أعرابِيٍّ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، بِأَبي أنتَ واُمّي ، ما مَعنى : «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ» (1) ؟ فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أنَا نَبِيُّ اللّهِ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ حَبلُهُ . فَخَرَجَ الأَعرابِيُّ وهُوَ يَقولُ : آمَنتُ بِاللّهِ وبِرَسولِهِ ، وَاعتَصَمتُ بِحَبلِهِ (2) .
الإمام زين العابدين عليه السلام :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ جالِسا ومَعَهُ أصحابُهُ فِي المَسجِدِ ، فَقالَ : يَطلُعُ عَلَيكُم مِن هذَا البابِ رَجُلٌ مِن أهلِ الجَنَّةِ يَسأَلُ عَمّا يَعنيهِ ، فَطَلَعَ رَجُلٌ طُوالٌ يُشَبَّهُ بِرِجالِ مُضَرَ ، فَتَقَدَّمَ فَسَلَّمَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وجَلَسَ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنّي سَمِعتُ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ فيما اُنزِلَ : «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ» ، فَما هذَا الحَبلُ الّذي أمَرَنَا اللّهُ بِالِاعتِصامِ بِهِ ، وأن لا نَتَفَرَّقَ عَنهُ ؟ فَأَطرَقَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَلِيّا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وأشارَ بِيَدِهِ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وقالَ : هذا حَبلُ اللّهِ الَّذي مَن تَمَسَّكَ بِهِ عُصِمَ بِهِ في دُنياهُ ، ولَم يَضِلَّ بِهِ في آخِرَتِهِ . فَوَثَبَ الرَّجُلُ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَاحتَضَنَهُ مِن وَراءِ ظَهرِهِ وهُوَ يَقولُ : اِعتَصَمتُ بِحَبلِ اللّهِ وحَبلِ رَسولِهِ ، ثُمَّ قامَ فَوَلّى وخَرَجَ. فَقامَ رَجُلٌ مِنَ النّاسِ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ألحَقُهُ فَأَسأَلُهُ أن يَستَغفِرَ لي ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ : إذا تَجِدُهُ مُوَفَّقا ، فَقالَ : فَلَحِقَهُ الرَّجُلُ فَسَأَلَهُ أن يَستَغفِرَ اللّهَ لَهُ ، فَقالَ لَهُ : أفَهِمتَ ما قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وما قُلتُ لَهُ ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : فَإِن كُنتَ مُتَمَسِّكا بِذلِكَ الحَبلِ يغَفِرُ اللّهُ لَكَ ، وإلّا فَلا يَغفِرُ اللّهُ لَكَ (3) .
.
ص: 459
2 / 4 _ 20عَمودُ الدّينِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ عَمودُ الدّينِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . أنتَ رُكنُ الإِيمانِ وعَمودُ الإِسلامِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عَمودُ الإِيمانِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أصلُ الدّينِ ، ومَنارُ الإيمانِ ، وغَايَةُ (4) الهُدى ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، أشهَدُ لَكَ بِذلِكَ (5) .
2 / 4 _ 21يَعسوبُ المُؤمِنينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ يَعسوبُ (6) المُؤمِنينَ (7) .
.
ص: 460
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَالمالُ يَعسوبُ المُنافِقينَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَالمالُ يَعسوبُ الكُفّارِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَالمالَ يَعسوبُ الظَّلَمَةِ .
راجع: (3) ص 535 (يعسوب المؤمنين) .
2 / 4 _ 22رايَةُ الهُدىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ آيَةُ الحَقِّ ، ورايَةُ الهُدى (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّكَ لَسبيلُ الجَنَّةِ ، ورايَةُ الهُدى ، وعَلَمُ الحَقِّ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: يا أبا ذَرٍّ ، هذا رايَةُ الهُدى، وكَلِمَةُ التَّقوى ، وَالعُروَةُ الوُثقى (6) .
.
ص: 461
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . أنتَ مِصباحُ الدُّجى ، وأنتَ مَنارُ الهُدى ، وأنتَ العَلَمُ المَرفوعُ لِأَهلِ الدُّنيا (1) .
راجع :ج 1 ص 452 (إمام أولياء اللّه ) .
2 / 4 _ 23الصِّراطُ المُستَقيمُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «وَأَنَّ هَ_ذَا صِرَ طِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ» (2) _: سَأَلتُ اللّهَ أن يَجعَلَها لِعَلِيٍّ فَفَعَلَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . أنتَ الطَّريقُ إلَى اللّهِ ، وأنتَ النَّبَأُ العَظيمُ ، وأنتَ الصِّراطُ المُستَقيمُ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ الطَّريقُ الواضِحُ ، وأنتَ الصِّراطُ المُستَقيمُ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ الصِّراطُ المُستَقيمُ ، وإنَّهُ الَّذي يَسأَلُ اللّهُ عَن وِلايَتِهِ يَومَ القِيامَةِ (6) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . الصِّراطُ صِراطُكَ ، وَالميزانُ ميزانُكَ ، وَالمَوقِفُ مَوقِفُكَ (7) .
.
ص: 462
تفسير فرات عن أبي برزة :بَينَما نَحنُ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ قالَ _ وأشارَ بِيَدِهِ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام _ : «وَأَنَّ هَ_ذَا صِرَ طِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ» (1) .
المناقب لابن شهر آشوب عن جابر بن عبد اللّه :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله هَيَّأَ أصحابَهُ عِندَهُ إذ قالَ _ وأشارَ بِيَدِهِ إلى عَلِيٍّ _ : هذا صِراطٌ مُستَقيمٌ فَاتَّبِعوهُ. . . (2) .
تفسير العيّاشي عن بريد العجلي عن الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَأَنَّ هَ_ذَا صِرَ طِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ» _د: أ تَدري ما يَعني بِ «صِرَ طِى مُسْتَقِيمًا» ؟ قُلتُ : لا . قالَ : وِلايَةَ عَلِيٍّ وَالأَوصِياءِ ، قالَ : وتَدري ما يَعني «فَاتَّبِعُوهُ» ؟ قالَ : قُلتُ : لا . قالَ : يَعني عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ (3) .
الإمام الباقر عليه السلام_ فِي الآيَةِ الكَريمَةِ _: آلُ مُحَمَّدٍ عليهم السلام الصِّراطُ الَّذي دَلَّ عَلَيهِ (4) .
راجع : كتاب «بحار الأنوار» : ج 35 ص 363 _ 374 .
2 / 4 _ 24مَدينَةُ الهُدىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيّا هُوَ مَدينَةُ هُدىً ؛ فَمَن دَخَلَها نَجا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنها هَلَكَ (5) .
.
ص: 463
2 / 4 _ 25الصِّدّيقُ الأَكبَرُ وَالفاروقُ الأَعظَمُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ الفاروقُ الأَعظَمُ ، وأنتَ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :صِدّيقُ هذِهِ الاُمَّةِ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وهُوَ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وَالفاروقُ الأَعظَمُ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :خُذوا بِحُجزَةِ هذَا الأَنزَعِ (3) _ يَعني عَلِيّا عليه السلام _ فَإِنَّهُ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وهُوَ الفاروقُ يَفرُقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :الصِّدّيقونَ ثَلاثَةٌ : حَبيبٌ النَّجّارُ مُؤمِنُ آلِ ياسينَ ، وحِزييلُ مُؤمِنُ آلِ فِرعَونَ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وهُوَ أفضَلُهُم (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :الصِّدّيقونَ ثَلاثَةٌ : حَبيبٌ النَّجّارُ مُؤمِنُ آلِ ياسينَ الَّذي قالَ : «يَ_قَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ» (6) وحِزقيلُ مُؤمِنُ آلِ فِرعَونَ الَّذي قالَ : «أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّى
.
ص: 464
اللَّهُ» (1) وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ الثّالِثُ ، وهُوَ أفضَلُهُم (2) .
المعجم الكبير عن أبي ذرّ وسلمان :أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : . . . هذَا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وهذا فاروقُ هذِهِ الاُمَّةِ يَفرُقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ (3) .
راجع : ص 532 (الصدّيق الأكبر) ، و ص 533 (الفاروق الأكبر) . و ج 1 ص 504 (عليّ فاروق الاُمّة) .
2 / 4 _ 26لَولاهُ لَم يُعرَفِ المُؤمِنونَ بَعديرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، لَولاكَ لَما عُرِفَ المؤُمِنونَ بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: لَولا أنتَ لَم يُعرَفِ المُؤمِنونَ بَعدي (5) .
.
ص: 465
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: لَولاكَ ما عُرِفَ المُنافِقونَ مِنَ المُؤمِنينَ (1) .
كفاية الأثر عن عمّار بن ياسر :أتَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ لَهُ : يا رَسولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيكَ ، إنَّ عَلِيّا قَد جاهَدَ فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ . فَقالَ : لِأَنَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ ، وارِثُ عِلمي ، وقاضي دَيني ، ومُنجِزُ وَعدي ، وَالخَليفَةُ بَعدي ، ولَولاهُ لَم يُعرَفِ المُؤمِنُ المَحضُ (2) .
2 / 4 _ 27مَن خالَفَ طَريقَتَهُ ضَلَّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أما إنَّكَ المُبتَلى وَالمُبتَلى بِكَ ، أما إنَّكَ الهادي مَنِ اتَّبَعَكَ ، ومَن خالَفَ طَريقَتَكَ فَقَد ضَلَّ إلى يَومِ القِيامَةِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :لَن تَضِلّوا ولَن تَهلِكوا وأنتُم في مُوالاةِ عَلِيٍّ ، وإن خالَفتُموهُ فَقَد ضَلَّت بِكُمُ الطُّرُقُ وَالأَهواءُ فِي الغَيِّ ، فَاتَّقُوا اللّهَ في ذِمَّةِ اللّهِ فَإِنَّ ذِمَّةَ اللّهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (4) .
المناقب لابن المغازلي عن زيد بن أرقم :كُنّا جُلوسا بَينَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : أ لا أدُلُّكُم عَلى مَن إذَا استَرشَدتُموهُ لَن تَضِلّوا ولَن تَهلِكوا ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : هُوَ هذا _ وأشارَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام _ ثُمَّ قالَ : وآخوهُ ووازِروهُ وَاصدُقوهُ وَانصَحوهُ ؛ فَإِنَّ جَبرَئيلَ عليه السلام أخبَرَني بِما قُلتُ لَكُم (5) .
راجع : ج 1 ص 497 (أحاديث العصمة) .
.
ص: 466
2 / 4 _ 28بابُ حِطَّةٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ بابُ حِطَّةٍ (1) ، مَن دَخَلَ مِنهُ كانَ مُؤمِنا ، ومَن خَرَجَ مِنهُ كانَ كافِرا (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: مَثَلُكَ في اُمَّتي مَثَلُ بابِ حِطَّةٍ في بَني إسرائيلَ ؛ فَمَن دَخَلَ في وِلايَتِكَ فَقَد دَخَلَ البابَ كَما أمَرَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ عَلِيّا صِدّيقُ هذِهِ الاُمَّةِ وفاروقُها ومُحَدَّثُها ، إنَّهُ هارونُها ويوشَعُها وآصَفُها وشَمعونُها ، إنَّهُ بابُ حِطَّتِها وسَفينَةُ نَجاتِها (4) .
راجع : ص 572 (المناقب المنثورة) . و كتاب «أهل البيت في الكتاب والسنّة»: ص 89 (مثلهم مثل باب حطّة) .
2 / 4 _ 29بابُ الجَنَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنَا مَدينَةُ الجَنَّةِ وعَلِيٌّ بابُها ؛ فَمَن أرادَ الجَنَّةَ فَليَأتِها مِن بابِها (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنَا مَدينَةُ الجَنَّةِ وأنتَ بابُها يا عَلِيُّ ، كَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يَدخُلُها مِن
.
ص: 467
غَيرِ بابِها (1) .
إرشاد القلوب عن ابن عبّاس :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَعاشِرَ النّاسِ ، اعلَموا أنَّ للّهِِ تعالى بَاباً مَن دَخَلَها أمِنَ مِنَ النّارِ ومِنَ الفَزَعِ الأَكبَرِ . فَقامَ إلَيهِ أبو سَعيدٍ الخُدرِيُّ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، اِهدِنا إلى هذَا البابِ حَتّى نَعرِفَهُ ؟ فَقالَ : هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، سَيِّدُ الوَصِيّينَ وأميرُ المُؤمِنينَ ، وأخو رَسولِ رَبِّ العالَمينَ ، وخَليفَتُهُ عَلَى النّاسِ أجمَعينَ (2) .
راجع : ج 6 ص 25 (باب علم النبيّ) .
2 / 5الكَمالاتُ المَعنَوِيَّةُ2 / 5 _ 1فيهِ خِصالُ الأَنبِياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن أرادَ أن يَنظُرَ إلى آدَمَ في عِلمِهِ ، وإلى نوحٍ في فَهمِهِ ، وإلى إبراهيمَ في حِلمِهِ ، وإلى يَحيَى بنِ زَكَرِيّا في زُهدِهِ ، وإلى موسَى بنِ عِمرانَ فيبَطشِهِ ، فَليَنظُر إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (3) .
.
ص: 468
تاريخ دمشق عن أنس :كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إذا أرادَ أن يَشهَرَ (1) عَلِيّا في مَوطِنٍ أو مَشهَدٍ عَلا عَلى راحِلَتِهِ وأمَرَ النّاسَ أن يَنخَفِضوا دونَهُ ، وإنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَهَرَ عَلِيّا يَومَ خَيبَرَ فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! مَن أحَبَّ أن يَنظُرَ إلى آدَمَ في خَلقِهِ ، وأنَا في خُلُقي ، وإلى إبراهيمَ في خُلَّتِهِ ، وإلى موسى في مُناجاتِهِ ، وإلى يَحيى في زُهدِهِ ، وإلى عيسى في سُنَّتِهِ ، فَليَنظُر إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، إذا خَطَرَ بَينَ الصَّفَّينِ كَأَنَّما يَتَقَلَّعُ (2) مِن صَخرٍ أو يَتَحَدَّرُ مِن دَهرٍ (3)(4) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :من أرادَ أن يَنظُرَ إلى آدَمَ في عِلمِهِ ، وإلى نوحٍ في تَقواهُ ، وإلى إبراهيمَ في حِلمِهِ ، وإلى موسى في هَيبَتِهِ ، وإلى عيسى في عِبادَتِهِ ، فَليَنظُر إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أرادَ أن يَنظُرَ إلى نوحٍ في عَزمِهِ ، وإلى آدَمَ في عِلمِهِ ، وإلى إبراهيمَ في حِلمِهِ ، وإلى موسى في فِطنَتِهِ ، وإلى عيسى في زُهدِهِ ، فَليَنظُر إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (6) .
.
ص: 469
الأمالي للطوسي عن عبد اللّه بن مسعود :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله جالِسا في جَماعَةٍ مِن أصحابِهِ إذ أقبَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن أرادَ أن يَنظُرَ إلى آدَمَ في عِلمِهِ ، وإلى نوحٍ في حِكمَتِهِ ، وإلى إبراهيمَ في حِلمِهِ ، فَليَنظُر إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أعطَى اللّهُ عَلِيّا مِنَ الفَضلِ جُزءا لَو قُسِّمَ عَلى أهلِ الأَرضِ لَوَسِعَهُم ، وأعطاهُ مِنَ الفَهمِ جُزءا لَو قُسِّمَ عَلى أهلِ الأَرضِ لَوَسِعَهُم . شَبَّهتُ لينَهُ بِلينِ لوطٍ ، وخُلُقَهُ بِخُلُقِ يَحيى ، وزُهدَهُ بِزُهدِ أيّوبَ ، وسَخاءَهُ بِسَخاءِ إبراهيمَ ، وبَهجَتَهُ بِبَهجَةِ سُلَيمانَ بنِ داوُدَ ، وقُوَّتَهُ بِقُوَّةِ داوُدَ (2) .
الإمام الحسين عليه السلام :نَظَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وقَد أقبَلَ وحَولَهُ جَماعَةٌ مِن أصحابِهِ ، فَقالَ : مَن أرادَ أن يَنظُرَ إلى يوسُفَ في جَمالِهِ ، وإلى إبراهيمَ في سَخائِهِ ، وإلى سُلَيمانَ في بَهجَتِهِ ، وإلى داوُدَ في قُوَّتِهِ ، فَليَنظُر إلى هذا (3) .
2 / 5 _ 2أفضَلُكُمالأمالي للمفيد عن أبي اُمامة الباهلي :وَاللّهِ لا يَمنَعُني مَكانُ مُعاوِيَةَ أن أقولَ الحَقَّ في عَلِيٍّ عليه السلام ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عَلِيٌّ أفضَلُكُم ، وفِي الدّينِ أفقَهُكُم ، وبِسُنَّتي أبصَرُكُم ، ولِكِتابِ اللّهِ أقرَؤُكُم ، اللّهّمَّ إنّي اُحِبُّ عَلِيّا فَأَحِبَّهُ ، اللّهُمَّ إنّى ¨
.
ص: 470
اُحِبُّ عَلِيّا فَأَحِبَّهُ (1) .
تفسير فرات عن عبد اللّه بن مسعود :غَدَوتُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَرَضِهِ الَّذي قُبِضَ فيهِ ، فَدَخَلتُ المَسجِدَ وَالنّاسُ أحفَلَ (2) ما كانوا كَأَنَّ عَلى رُؤوسِهِمُ الطَّيرَ ، إذ أقبَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام حَتّى سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَتَغامَزَ بِهِ بَعضُ مَن كانَ عِندَهُ ، فَنَظَرَ إلَيهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : أ لا تَسأَلونَ عَن أفضَلِكُم ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ : أفضَلُكُم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ؛ أقدَمُكُم إسلاما ، وأوفَرُكُم إيمانا ، وأكثَرُكُم عِلما ، وأرجَحُكُم حِلما ، وأشَدُّكُم للّهِِ غَضَبا ، وأشَدُّكُم نِكايَةً فِي الغَزوِ وَالجِهادِ . فَقالَ لَهُ بَعضُ مَن حَضَرَ : يا رَسولَ اللّهِ ، وإنَّ عَلِيّا قَد فُضِّلَنا بِالخَيرِ كُلِّهِ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أجَل ، هُوَ عَبدُ اللّهِ وأخو رَسولِ اللّهِ ؛ فَقَد عَلَّمتُهُ عِلمي ، وَاستَودَعتُهُ سِرّي ، وهُوَ أميني عَلى اُمَّتي (3) .
2 / 5 _ 3خَيرُ البَشَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ خَيرُ البَشَرِ ، مَن أبى فَقَد كَفَرَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يَقُل : عَلِيٌّ خَيرُ النّاسِ ، فَقَد كَفَرَ (5) .
.
ص: 471
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ خَيرُ البَشَرِ ، فَمَنِ امتَرى (1) فَقَد كَفَرَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ خَيرُ البَشَرِ ، مَن شَكَّ فيهِ فَقَد كَفَرَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ أنتَ خَيرُ البَشَرِ ، لا يَشُكُّ فيكَ إلّا كافِرٌ (4) .
اليقين عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :سَمِعتُهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِاُذُنَيَّ هاتَينِ يَقولُ _ وإلّا فَصَمَّتا _ : عَلِيٌّ بَعدي خَيرُ البَشَرِ ، مَن أبى فَقَد كَفَرَ (5) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ ابنَتي سَيِّدَةُ نِساءِ العالَمينَ ، وإنَّ بَعلَها لا يُقاسُ بِأَحَدٍ مِنَ النّاسِ (6) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا فاطِمَةُ ، أبشِري بِطيبِ النَّسلِ ، فَإِنَّ اللّهَ فَضَّلَ بَعلَكِ عَلى سائِرِ خَلقِهِ (7) .
الإمام الباقر عن آبائه عليهم السلام: سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَن خيرِ النّاسِ ، فَقالَ : خَيرُها وأتقاها وأفضَلُها وأقرَبُها إلَى الجَنَّةِ أقرَبُها مِنّي ، ولا فيكُم أتقى ولا أقرَبُ إلَيَّ مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (8) .
المناقب لابن المغازلي عن مسروق :قالَت عائِشَةُ : يا مَسروقُ ، إنَّكَ مِن وُلدي ، وإنَّكَ مِن
.
ص: 472
أحَبِّهِم إلَيَّ ، فَهَل عِندَكَ عِلمٌ مِنَ المُخدَجِ (1) ؟ قالَ : قُلتُ : نَعَم ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عَلى نَهرٍ يُقالُ لِأَعلاهُ : تامَرّا ، ولِأَسفَلِهِ : النَّهرَوانُ ، بَينَ حَقايِقَ (2) وطَرفاءَ . قالَت : أبغِني (3) عَلى ذلِكَ بَيِّنَةً . فَأَتَيتُها بِخَمسينَ رَجُلاً مِن كُلِّ خَمسٍ (4) بِعَشَرَةٍ _ وكانَ النّاسُ إذ ذاكَ أخماسا _ يَشهَدونَ أنَّ عَلِيّا عليه السلام قَتَلَهُ عَلى نَهرٍ يُقالُ لِأَعلاهُ : تامَرّا ، ولِأَسفَلِهِ : النَّهرَوانُ ، بَينَ حَقايِقَ وطَرفاءَ ، فَقُلتُ : يا اُمَّه ، أسأَلُكِ بِاللّهِ وبِحَقِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وبِحَقّي _ فَإِنّي مِن وُلدِكِ _ أيَّ شَيءٍ سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ فيهِ ؟ قالَت : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : هُم شَرُّ الخَلقِ وَالخَليقَةِ ، يَقتُلُهُم خَيرُ الخَلقِ وَالخَليقَةِ ، وأقرَبُهُم عِندَ اللّهِ وَسيلَةً (5) .
2 / 5 _ 4سَيِّدُ الشُّهَداءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ سَيِّدُ الشُّهَداءِ ، وأبُو الشُّهَداءِ الغُرَباءِ (6) .
.
ص: 473
الأمالي للصدوق عن أنس بن مالك :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يَدخُلُ عَلَيكُم مِن هذَا البابِ خَيرُ الأَوصِياءِ ، وسَيِّدُ الشُّهَداءِ ، وأدنَى النّاسِ مَنزِلَةً مِنَ الأَنبِياءِ . فَدَخَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وما لي لا أقولُ هذا يا أبَا الحَسَنِ ؛ وأنتَ صاحِبُ حَوضي ، وَالموفي بِذِمَّتي ، وَالمُؤَدّي عَنّي دَيني ! (1)
راجع : ص 230 (بأبي الوحيد الشهيد) .
2 / 5 _ 5اللّهُ انتَجاهُسنن الترمذي عن جابر :دَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا يَومَ الطّائِفِ فَانتَجاهُ (2) ، فَقالَ النّاسُ : لَقَد طالَ نَجواهُ مَعَ ابنِ عَمِّهِ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَا انتَجَيتُهُ ، ولكِنَّ اللّهَ انتَجاهُ (3) .
المعجم الكبير عن جابر :لَمّا كانَ يَومُ غَزوَةِ الطّائِفِ قامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام مَلِيّا (4) مِنَ النَّهارِ ، فَقالَ لَهُ أبو بَكرٍ : يا رَسولَ اللّهِ ، لَقَد طالَت مُناجاتُكَ عَلِيّا مُنذُ اليَومِ ! فَقال
.
ص: 474
رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما أنَا انتَجَيتُهُ ، ولكِنَّ اللّهَ انتَجاهُ (1) .
الإرشاد عن جابر بن عبداللّه الأنصاري :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمّا خَلا بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام يَومَ الطّائِفِ ، أتاهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، فَقالَ : أ تُناجيهِ دونَنا وتَخلو بِهِ دونَنا ؟ ! فَقالَ : يا عُمَرُ ، ما أنَا انتَجَيتُهُ بَلِ اللّهُ انتَجاهُ (2) .
تاريخ دمشق عن جابر :لَمّا كانَ يَومُ الطّائِفِ ناجى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا طَويلاً ، فَلَحِقَ أبا بَكرٍ وعُمَرَ فَقالا : طالَت مُناجاتُكَ عَلِيّا يا رَسولَ اللّهِ ! قالَ : ما أنَا اُناجيهِ ، ولكِنَّ اللّهَ انتَجاهُ (3) .
الأمالي للطوسي عن جابر :ناجى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام يَومَ الطّائِفِ فَأَطالَ مُناجاتَهُ ، فَرَأَى الكَراهَةَ في وُجوهِ رِجالٍ فَقالوا : قَد أطالَ مُناجاتَهُ مُنذُ اليَومِ ! فَقالَ : ما أنَا انتَجَيتُهُ ، ولكِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ انتَجاهُ (4) .
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله انتَجى عَلِيّا عليه السلام يَومَ الطّائِفِ ، فَقالَ أصحابُهُ : يا رَسولَ اللّهِ ، انتَجَيتَ عَلِيّا مِن بَينِنا وهُوَ أحدَثُنا سِنّا ! فَقالَ : ما أنَا اُناجيهِ ، بَلِ اللّهُ يُناجيهِ (5) .
.
ص: 475
2 / 5 _ 6اللّهُ ورَسولُهُ وجَبرَئيلُ عَنهُ راضونَالمعجم الكبير عن أبي رافع :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ عَلِيّا مَبعَثا ، فَلَمّا قَدِمَ قالَ لَهُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُ ورَسولُهُ وجِبريلُ عليهم السلام عَنكَ راضونَ (1) .
شرح الأخبار عن جابر بن عبد اللّه :لَمّا أن قَدِمَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِفَتحِ خَيبَرَ ، قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، إنّي اُخبِرتُ خَبَرَكَ واُوتيتُ مُنايَ فيكَ ، وإنّي عَنكَ راضٍ . قالَ : فَدَمَعَت عَينا عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لا تَبكِ ، فَإِنَّ اللّهَ ومَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وجَبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ عَنكَ راضونَ ، ولَولا أن تَقولَ اُمَّتي فيكَ ما قالَتِ النَّصارى فِي المَسيحِ لَقُلتُ اليَومَ فيكَ مَقالاً لا تَمُرُّ عَلى مَلَأٍ مِنَ النّاسِ _ قَلّوا أو كَثُروا _ إلّا أخَذُوا التُّرابَ مِن تَحتِ قَدَمَيكَ ، وفَضلَ طَهورِكَ ، يَلتَمِسونَ بِهِ البَرَكَةَ ويَستَشفونَ بِهِ (2) .
المحاسن والمساوئ عن عطاء :كانَ لِعَلِيٍّ عليه السلام مَوقِفٌ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الجُمُعَةِ ؛ إذا خَرَجَ أخَذَ بِيَدِهِ ، فَلا يَخطو خُطوَةً إلّا قالَ : اللّهُمَّ هذا عَلِيٌّ اتَّبَعَ مَرضاتِكَ فَارضَ عَنهُ . حَتّى يَصعَدَ المِنبَرَ (3) .
راجع : ص 513 (لولا مخافة الغلوّ) .
.
ص: 476
2 / 5 _ 7ما كُتِبَ عَلَيهِ ذَنبٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ حافِظَي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ لَيَفتَخِرانِ عَلى جَميعِ الحَفَظَةِ بِكَينونَتِهِما مَعَ عَلِيٍّ ؛ وذلِكَ أنَّهُما لَم يَصعَدا إلَى اللّهِ تَعالى بِشَيءٍ مِنهُ يُسخِطُ اللّهَ تَعالى (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مَلَكَي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ لَيَفتَخِرانِ عَلى سائِرِ الأَملاكِ بِكَونِهِما مَعَ عَلِيٍّ ؛ لِأَنَّهُما لَم يَصعَدا إلَى اللّهِ مِنهُ قَطُّ بِشَيءٍ يُسخِطُهُ (2) .
الإمام الصادق عليه السلام :أقبَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوما واضِعا يَدَهُ عَلى كَتِفِ العَبّاسِ فَاستَقبَلَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَعانَقَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقَبَّلَ ما بَينَ عَينَيهِ ، ثُمَّ سَلَّمَ العَبّاسُ عَلى عَلِيٍّ فَرَدَّ عَلَيهِ رَدّا خَفيفا ، فَغَضِبَ العَبّاسُ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، لا يَدَعُ عَلِيٌّ زَهوَهُ (3) ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَبّاسُ ، لا تَقُل ذلِكَ في عَلِيٍّ ، فَإِنّي لَقيتُ جَبرَئيلَ آنِفا فَقالَ لي : لَقِيَنِي المَلَكانِ المُوَكَّلانِ بِعَلِيٍّ السّاعَةَ فَقالا : ما كَتَبنا عَلَيهِ ذَنبا مُنذُ وُلِدَ إلى هذَا اليَومِ (4) .
راجع : ج 1 ص 497 (أحاديث العصمة) .
.
ص: 477
2 / 5 _ 8ذِكرُهُ عِبادَةٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ذِكرُ عَلِيٍّ عِبادَةٌ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :النَّظَرُ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عِبادَةٌ ، وذِكرُهُ عِبادَةٌ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :ذِكرُ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ عِبادَةٌ ، وذِكري عِبادَةٌ ، وذِكرُ عَلِيٍّ عِبادَةٌ ، وذِكرُ الأَئِمَّةِ مِن وُلدِهِ عِبادَةٌ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :زَيِّنوا مَجالِسَكُم بِذِكرِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (4) .
2 / 5 _ 9النَّظَرُ إلَيهِ عِبادَةٌرسول اللّه صلى الله عليه و آله :النَّظَرُ إلى عَلِيٍّ عِبادَةٌ (5) .
.
ص: 478
عنه صلى الله عليه و آله :النَّظَرُ إلى وَجهِ عَلِيٍّ عِبادَةٌ (1) .
تاريخ بغداد عن أبي هريرة :رَأَيتُ مَعاذَ بنَ جَبَلٍ يُديمُ النَّظَرَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقُلتُ : ما لَكَ تُديمُ النَّظَرَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام كَأَنَّكَ لَم تَرَهُ ؟ فَقالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : النَّظَرُ إلى وَجهِ عَلِيٍّ عِبادَةٌ (2) .
الأمالي للطوسي عن حجر المدري :قَدِمتُ مَكَّةَ وبِها أبو ذَرٍّ جُندَبُ بنُ جُنادَةَ ، وقَدِمَ في ذلِكَ العامِ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ حاجّا ، ومَعَهُ طائِفَةٌ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ فيهِم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَبَينا أنَا فِي المَسجِدِ الحَرامِ مَعَ أبي ذَرٍّ جالِسٌ إذ مَرَّ بِنا عَلِيٌّ عليه السلام ووَقَفَ يُصَلّي بِإِزائِنا ، فَرَماهُ أبو ذَرٍّ بِبَصَرِهِ ، فَقُلتُ : يَرحَمُكَ اللّهُ يا أبا ذَرٍّ ، إنَّكَ لَتَنظُرُ إلى عَلِيٍّ فَما تَقلَعُ عَنهُ ! قالَ : إنّي أفعَلُ ذلِكَ ، وقَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : النَّظَرُ إلى عَلِيٍّ عِبادَةٌ ، وَالنَّظَرُ إلَى الوالِدَينِ بِرَأفَةٍ ورَحمَةٍ عِبادَةٌ ، وَالنَّظَرُ فِي الصَّحيفَةِ _ يَعني صَحيفَةَ القُرآنِ _ عِبادَةٌ ، وَالنَّظَرُ إلَى الكَعبَةِ عِبادَةٌ (3) .
الرياض النضرة عن جابر :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام : عُد عِمرانَ بنَ الحُصَينِ فَإِنَّهُ مَريضٌ ، فَأَتاهُ وعِندَهُ مُعاذٌ وأبو هُرَيرَةُ ، فَأَقبَلَ عِمرانُ يُحِدُّ النَّظَرَ إلى عَلِيٍّ ، فَقالَ :
.
ص: 479
سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : النَّظَرُ إلى عَلِيٍّ عِبادَةٌ (1) .
تاريخ دمشق عن عائشة :قُلتُ لِأَبي : إنّي أراكَ تُطيلُ النَّظَرَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ! فَقالَ لي : يا بُنَيَّةُ ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : النَّظَرُ في وَجهِ عَلِيٍّ عِبادَةٌ (2) .
جامع الأحاديث للقمّي عن عائشة :دَخَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلى أبي في مَرَضِهِ الَّذي قَبَضَهُ اللّهُ فيهِ ، فَجَعَلَ أبي يَنظُرُ إلَيهِ فَما يُزيغُ بَصَرَهُ عَنهُ . فَلَمّا خَرَجَ عَلِيٌّ عليه السلام فَقُلتُ : يا أبَةِ ، رَأَيتُكَ تَنظُرُ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَما تُزيغُ بَصَرَكَ عَنهُ ! قالَ : يا بُنَيَّةُ ، إن أفعَل هذا فَقَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : النَّظَرُ إلى عَلِيٍّ عِبادَةٌ (3) .
تاريخ دمشق عن يونس مولى الرشيد :كُنتُ واقِفا عَلى رَأسِ المَأمونِ وعِندَهُ يَحيَى بنُ أكثَمَ القاضي ، فَذَكَروا عَلِيّا وفَضلَهُ ، فَقالَ المَأمونُ : سَمِعتُ الرَّشيدَ يَقولُ : سَمِعتُ المَهدِيَّ يَقولُ : سَمِعتُ المَنصورَ يَقولُ : سَمِعتُ أبي يَقولُ : سَمِعتُ جَدّي يَقولُ سَمِعتُ ابنَ عَبّاسٍ يَقولُ : رَجَعَ عُثمانُ إلى عَلِيٍّ فَسَأَلَهُ المَصيرَ إلَيهِ ، فَصار إلَيهِ ، فَجَعَلَ يَحُدُّ النَّظَرَ إلَيهِ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : ما لَكَ يا عُثمانُ ، ما لَكَ تَحُدُّ النَّظَرَ إلَيَّ ؟ قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : النَّظَرُ إلى عَلِيٍّ عِبادَةٌ (4) .
2 / 5 _ 10مَغفورٌ لَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أ لا اُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ إذا قُلتَهُنَّ غَفَرَ اللّهُ لَكَ وإن كُنتَ مَغفورا
.
ص: 480
لَكَ ؟ قالَ : قُل : لا إلهَ إلَا اللّهُ العَلِيُّ العَظيمُ ، لا إلهَ إلَا اللّهُ الحَليمُ الكَريمُ ، لا إلهَ إلَا اللّهُ ، سُبحانَ اللّهِ رَبِّ العَرشِ العَظيمِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أ لا اُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ إذا قُلتَهُنَّ غُفِرَ لَكَ مَعَ أنَّهُ مَغفورٌ لَكَ ؟ لا إلهَ إلَا اللّهُ الحَليمُ الكَريمُ ، لا إلهَ إلَا اللّهُ العَلِيُّ العَظيمُ ، سُبحانَ اللّهِ رَبِّ السَّماواتِ السَّبعِ ورَبِّ العَرشِ العَظيمِ ، الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أ لا اُعَلِّمُكَ دُعاءً تَدعو بِهِ لَو كانَ عَلَيكَ مِثلُ عَدَدِ الذَّرِّ ذُنوبا لَغُفِرَت لَكَ مَعَ أنَّهُ مَغفورٌ لَكَ ؟ قُل : اَللّهُ لا إلهَ إلَا أنتَ الحَكيمُ الكَريمُ ، تَبارَكتَ سُبحانَكَ رَبِّ العَرشِ العَظيمِ (3) .
2 / 6المَقاماتُ الاُخرَوِيَّةُ2 / 6 _ 1أوَّلُ مَن يُصافِحُنيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وأوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ (4) .
.
ص: 481
عنه صلى الله عليه و آله_ وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ هذا أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وهُوَ أوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هذا أوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :سَتَكونُ مِن بَعدي فِتنَةٌ ، فَإِذا كانَ ذلِكَ فَالزَموا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّهُ أوَّلُ مَن يَراني ، وأوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ أوَّلُ مَنِ اتَّبَعَني ، وهُوَ أوَّلُ مَن يُصافِحُني بَعدَ الحَقِّ (4) .
الإصابة عن ليلى الغفاريّة :كُنتُ أغزو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَاُداوِي الجَرحى وأقومُ عَلَى المَرضى ، فَلَمّا خَرَجَ عَلِيٌّ إلَى البَصرَةِ خَرَجتُ مَعَهُ ، فَلَمّا رَأَيتُ عائِشَةَ أتَيتُها ، فَقُلتُ : هَل سَمِعتِ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَضيلَةً في عَلِيٍّ ؟ قالَت : نَعَم ، دَخَلَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ مَعي ، وعَلَيهِ جَردُ قَطيفَةٍ (5) ، فَجَلَسَ بَينَنا ، فَقُلتُ : أما وَجَدتَ مَكانا
.
ص: 482
هُوَ أوسَعُ لَكَ مِن هذا ؟ ! فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا عائِشَةُ دَعي لي أخي ؛ فَإِنَّهُ أوَّلُ النّاسِ إسلاما ، وآخِرُ النّاسِ بي عَهدا ، وأوَّلُ النّاسِ لي لُقِيّا يَومَ القِيامَةِ (1) .
2 / 6 _ 2صاحِبُ لِوائيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ أخي ، وصاحِبُ لِوائي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِي عليه السلام _: أنتَ صاحِبُ لِوائي فِي الآخِرَةِ ، كَما أنتَ صاحِبُ لِوائي فِي الدُّنيا (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ صاحِبُ لِوائي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (4) .
تاريخ دمشق عن أنس بن مالك :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : بِأَبي (5) واُمّي ، مَن صاحِبُ لِوائِكَ يَومَ القِيامَةِ ؟ قالَ : صاحِبُ لِوائي فِي دارِ الدُّنيا _ وأومَأَ إلى
.
ص: 483
عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ _ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبيطالِبٍ أميني غَدا فِي القِيامَةِ ، وصاحِبُ رايَتي فِي القِيامَةِ ، عَلِيٌّ مَفاتيحُ خَزائِنِ رَحمَةِ رَبّي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: سَأَلتُ رَبّي عَزَّ وجَلَّ أن يَجعَلَكَ حامِلَ لِوائي ؛ وهُوَ لِواءُ اللّهِ الأَكبَرُ ، عَلَيهِ مَكتوبٌ : المُفلِحونَ الفائِزونَ بِالجَنَّةِ ، فَأَعطاني (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أمامي ، وبِيَدِهِ لِوائي ؛ وهُوَ لِواءُ الحَمدِ ، مَكتوبٌ عَلَيهِ : لا إلهَ إلَا اللّهُ ، المُفلِحون هُمُ الفائِزونَ بِاللّهِ (4) .
المناقب للخوارزمي عن جابر بن عبد اللّه :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : أوَّلُ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، فَقامَ إلَيهِ أبو دُجانَةَ فَقالَ لَهُ : أ لَم تُخبِرنا عَنِ اللّهِ تَعالى أنَّهُ أخبَرَكَ أنَّ الجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الأَنبِياءِ حَتّى تَدخُلَها أنتَ ، وعَلَى الاُمَمِ حَتّى تَدخُلَها اُمَّتُكَ ؟ ! قالَ : بَلى ، ولكِن أما عَلِمتَ أنَّ حامِلَ لِواءِ الحَمدِ أمامَهُم ! وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ حامِلُ لِواءِ الحَمدِ يَومَ القِيامَةِ بَينَ يَدَيَّ ؛ يَدخُلُ بِهِ الجَنَّةَ وأنَا عَلى أثَرِهِ . فَقامَ عَلِيٌّ عليه السلام وقَد أشرَقَ وَجهُهُ سُرورا ويَقولُ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي شَرَّفَنا
.
ص: 484
بِكَ يا رَسولَ اللّهِ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أمامي يَومَ القِيامَةِ ، فَيُدفَعُ إلَيَّ لِواءُ الحَمدِ فَأَدفَعُهُ إلَيكَ ، وأنتَ تَذودُ النّاسَ عَن حَوضِهِ (2)(3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ مَعي ؛ مَعَكَ لِواءُ الحَمدِ وأنتَ تَحمِلُهُ ، وأعطاني أنَّكَ وَلِيُّ المُؤمِنينَ مِن بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ مَعي ، ومَعَنا لِواءُ الحَمدِ وهُوَ بِيَدِكَ ، تَسيرُ بِهِ أمامي ، تَسبِقُ بِهِ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ (6) لِوائي مَعَهُ يَومَ القِيامَةِ ، وتَحتَهُ آدَمُ وما وَلَدَ (7) .
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ رُفِعَت لِهذِهِ الاُمَّةِ أعلامٌ ، فَأَوَّلُ الأَعلامِ لِوائِيَ الأَعظَمُ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وَالنّاسُ أجمَعينَ تَحتَ لِوائِهِ ، يُنادي مُنادٍ : هذَا الفَضَلُ يَابن
.
ص: 485
أبي طالِبٍ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ أتاني جَبرَئيلُ عليه السلام وبِيَدِهِ لِواءُ الحَمدِ ؛ وهُوَ سَبعونَ شِقَّةً (2) ، الشِّقَّةُ مِنهُ أوسَعُ مِنَ الشَّمسِ وَالقَمَرِ ، فَيَدفَعُهُ إلَيَّ ، فَآخُذُهُ وأدفَعُهُ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (3) .
فضائل الصحابة عن محدوج بن زيد :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله آخى بَينَ المُسلِمينَ ثُمَّ قالَ : يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، أما عَلِمتَ يا عَِليُّ أنَّهُ أوَّلُ مَن يُدعى بِهِ يَومَ القِيامَةِ يُدعى بي ، فَأَقومُ عَن يَمينِ العَرشِ في ظِلِّهِ فَاُكسى حُلَّةً خَضراءَ مِن حُلَلِ الجَنَّةِ ، ثُمَّ يُدعى بِالنَّبِيّينَ بَعضُهُم عَلى أثَرِ بَعضٍ ، فَيَقومونَ سِماطَينِ (4) عَن يَمينِ العَرشِ ويُكسَونَ حُلَلاً خَضراءَ مِن حُلَلِ الجَنَّةِ ؟ ألا وإنّي اُخبِرُكَ يا عَلِيُّ أنَّ اُمَّتي أوَّلُ الاُمَمِ يُحاسَبونَ يَومَ القِيامَةِ ، ثُمَّ أبشِر (5) أوَّلُ مَن يُدعى بِكَ لِقَرابَتِكَ مِنّي ومَنزِلَتِكَ عِندي ، ويُدفَعُ إلَيكَ لِوائي ؛ وهُوَ لِواءُ الحَمدِ ، فَتَسيرُ بِهِ بَينَ السِّماطينِ ، آدَمُ عليه السلام وجَميعُ خَلقِ اللّهِ يَستَظِلّونَ بِظِلِّ لِوائي يَومَ القِيامَةِ ، وطولُهُ مَسيرَةُ ألفِ سَنَةٍ ، سِنانُهُ ياقوتَةٌ حَمراءُ ، قُضُبُهُ فِضَّةٌ بَيضاءُ ، زُجُّهُ (6) دُرَّةٌ خَضراءُ ، لَهُ ثَلاثُ ذَوائِبَ مِن نورٍ ؛ ذُؤابَةٌ فِي المَشرِقِ ، وذُؤابَةٌ فِي المَغرِبِ ، وَالثّالِثَة
.
ص: 486
وَسَطَ الدُّنيا ، مَكتوبٌ عَلَيهِ ثَلاثَةُ أسطُرٍ ؛ الأَوَّلُ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، وَالثّاني : الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، وَالثّالِثُ : لا إلهَ إلَا اللّهُ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ ، طولُ كُلِّ سَطرٍ [مَسيرَةُ] ألفِ سَنَةٍ ، وعَرضُهُ مَسيرَةُ ألفِ سَنَةٍ . فَتَسيرُ بِاللِّواءِ وَالحَسَنُ عَن يَمينِكَ وَالحُسَينُ عَن يَسارِكَ ، حَتّى تَقِفَ بَيني وبَينَ إبراهيمَ في ظِلِّ العَرشِ ، ثُمَّ تُكسى حُلَّةً خَضراءَ مِنَ الجَنَّةِ ، ثُمَّ يُنادي مُنادٍ مِن تَحتِ العَرشِ : نِعمَ الأَبُ أبوكَ إبراهيمُ ، ونِعمَ الأَخُ أخوكَ عَلِيٌّ . أبشِر يا عَلِيُّ ! إنَّكَ تُكسى إذا كُسيتُ ، وتُدعى إذا دُعيتُ ، وتُحَيّى إذا حُيّيتُ (1)(2) .
راجع : ج 5 ص 502 (صاحب راية النبيّ) .
2 / 6 _ 3صاحِبُ حَوضيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صاحِبُ حَوضي يَومَ القِيامَةِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . أنتَ صاحِبُ حَوضي (4) .
.
ص: 487
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . . . صاحِبُ حَوضي وشَفاعَتي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مَعي غَدا فِي القِيامَةِ عَلى حَوضي ، وصاحِبُ لِوائي ، ومَعي غَدا عَلى مَفاتيحِ خَزائِنِ جَنَّةِ رَبّي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ صاحِبي عَلَى الحَوضِ غَدا ، وأنتَ صاحِبي فِي المَقامِ المَحمودِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أميني فِي القِيامَةِ عَلى حَوضي ، وصاحِبُ لِوائي ، ومُعيني غَدا فِي القِيامَةِ عَلى مَفاتيحِ خَزائِنِ جَنَّةِ رَبّي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا فاطِمَةُ ، إنّي غَدا مُقيمٌ عَلِيّا عَلى حَوضي ، يَسقي مَن عَرَفَ مِن اُمَّتي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :اُعطيتُ في عَلِيٍّ خَمسا هُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنيا وما فيها . . . وأمَّا الثّالِثَةُ : فَواقِفٌ عَلى عُقرِ (6) حَوضي ، يَسقي مَن عَرَفَ مِن اُمَّتي (7) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنّي سَأَلتُ رَبّي فيكَ خَمسَ خِصالٍ فَأَعطاني . . . وأمَّا الرّابِعَةُ : فَسَأَلتُ رَبّي أن تَسقِيَ اُمَّتي مِن حَوضي فَأَعطاني (8) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّكَ غَدا عَلَى الحَوضِ خَليفَتي ، وإنَّكَ أوَّلُ مَن يَرِدُ عَلَى
.
ص: 488
الحَوضَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أوَّلُ مَن يَرِدُ حَوضي ، تَسقي مِنهُ أولِياءَكَ ، وتَذودُ (2) عَنهُ أعداءَكَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ غَدا عَلَى الحَوضِ خَليفَتي تَذودُ عَنهُ المُنافِقينَ ، وأنتَ أوَّلُ مَن يَرِدُ عَلَيَّ الحَوضَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، مَعَكَ يَومَ القِيامَةِ عَصاً مِن عِصِيِّ الجَنَّةِ ، تَذودُ بِهَا المُنافِقينَ عَن حَوضي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، إنَّكَ لَذَوّادٌ عَن حَوضي يَومَ القِيامَةِ ؛ تَذودُ كَما يُذادُ البَعيرُ الضّالُّ عَنِ الماءِ بِعَصاً مَعَكَ مِن عَوسَجٍ (6) ، كَأَنّي أنظُرُ إلى مُقامِكَ مِن حَوضي (7) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وشيعَتُكَ عَلَى الحَوضِ تَسقونَ مَن أحبَبتُم وتَمنَعونَ مَن كَرِهتُم (8) .
.
ص: 489
عنه صلى الله عليه و آله :أنَا وارِدُكُم عَلَى الحَوضِ ، وأنتَ يا عَلِيُّ السّاقي (1) .
الإمام الحسن عليه السلام_ لِمُعاوِيَةَ بنِ حُدَيجٍ _: أنتَ السَّبّابُ عَلِيّا عِندَ ابنِ آكِلَةِ الأَكبادِ ؟ ! أما لَئِن وَرَدتَ عَلَيهِ الحَوضَ _ وما أراكَ تَرِدُهُ _ لَتَجِدَنَّهُ مُشَمِّرا (2) حاسِرا ذِراعَيهِ ، يَذودُ الكُفّارَ وَالمُنافِقينَ عَن حَوضِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَما تُذادُ غَريبَةُ الإِبِلِ عَن صاحِبِها ، قَولُ الصّادِقِ المَصدوقِ أبِي القاسِمِ صلى الله عليه و آله (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَأَذودَنَّ بِيَدَيَّ هاتَينِ القَصيرَتَينِ عَن حَوضِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله راياتِ الكُفّارِ وَالمُنافِقينَ كَما تُذادُ غَريبَةُ الإِبِلِ عَن حِياضِها (4) .
2 / 6 _ 4مَعَهُ جَوازُ الصِّراطِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا يَجوزُ أحَدٌ الصِّراطَ إلّا مَن كَتَبَ لَهُ عَلِيٌّ الجَوازَ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلَى الصِّراطِ لَعَقَبَةً لا يَجوزُها أحَدٌ إلّا بِجَوازٍ مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (6) .
.
ص: 490
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ ونُصِبَ الصِّراطُ عَلى ظَهرانَي (1) جَهَنَّمَ ، لا يَجوزُها ولا يَقطَعُها إلّا مَن كانَ مَعَهُ جَوازٌ بِوِلايَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ ، أقامَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ جِبرَئيلَ ومُحَمَّدا عَلَى الصِّراطِ ، فَلا يَجوزُهُ أحَدٌ إلّا مَن كانَ مَعَهُ بَراءَةٌ مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ يَومَ القِيامَةِ عَلَى الحَوضِ ، لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلّا مَن جاءَ بِجَوازٍ مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (4) .
المناقب لابن شهر آشوب :سَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله جَبرَئيلَ : كَيفَ تَجوزُ اُمَّتِيَ الصِّراطَ ؟ فَمَضى ودَعا وقالَ : إنَّ اللّهَ تَعالى يُقرِئُكَ السَّلامَ ويَقولُ : إنَّكَ تَجوزُ الصِّراطَ بِنوري ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ يَجوزُ الصِّراطَ بِنورِكَ ، واُمَّتُكَ تَجوزُ الصِّراطَ بِنورِ عَلِيٍّ ؛ فَنورُ اُمَّتِكَ مِن نورِ عَلِيٍّ ، ونورُ عَلِيٍّ مِن نورِكَ ، ونورُكَ مِن نورِ اللّهِ (5) .
راجع : ج 1 ص 489 (مضارّ مخالفته ومفارقته) . و ج 7 ص 35 (جواز الصراط) و ص 36 (الثبات على الصراط) .
2 / 6 _ 5هُوَ فِي الجَنَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ (6) .
.
ص: 491
الإمام عليّ عليه السلام :كُنتُ أمشي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في بَعضِ طُرُقِ المَدينَةِ فَأَتَينا عَلى حَديقَةٍ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أحسَنَ هذِهِ الحَديقَةَ ! فَقالَ : ما أحسَنَها ، ولَكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . ثُمَّ أتَينا عَلى حَديقَةٍ اُخرى ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أحسَنَها مِن حَديقَةٍ ! فَقالَ : لَكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها . حَتّى أتَينا عَلى سَبعِ حَدائِقَ أقولُ : يا رَسولَ اللّهِ ما أحسَنَها ، ويَقولُ : لَكَ فِي الجَنَّةِ أحسَنُ مِنها (1) .
فضائل الصحابة عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :كُنّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عِندَ امرَأَةٍ مِنَ الأَنصارِ صَنَعَت لَهُ طَعاما ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله _ وذَكَرَ الحَديثَ وقالَ في آخِرِهِ _ : يَدخُلُ عَلَيكُم رَجُلٌ مِن أهلِ الجَنَّةِ . فَرَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يُدخِلُ رَأسَهُ تَحتَ الوَدِيِّ (2) ويَقولُ : اللّهُمَّ إن شِئتَ جَعَلتَهُ عَلِيّا . فَدَخَلَ عَلِيٌّ عليه السلام فَهَنَّيناهُ (3) .
2 / 6 _ 6رَفيقي فِي الجَنَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ رَفيقي فِي الجَنَّةِ (4) .
.
ص: 492
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي وصاحِبي ورَفيقي فِي الجَنَّةِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :قالَ أخي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، أنتَ صاحِبي ورَفيقي فِي الجَنَّةِ (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ مَعي فِي الجَنَّةِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنّي سَأَلتُ اللّهَ أن يَجعَلَكَ مَعي فِي الجَنَّةِ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ أقرَبُ النّاسِ مِنّي مَوقِفا يَومَ القِيامَةِ ، ومَنزِلي ومَنزِلُكَ فِي الجَنَّةِ مُتَواجِهانِ كَمَنزِلِ الأَخَوَينِ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، يَدُكَ في يَدي يَومَ القِيامَةِ ، تَدخُلُ مَعي حَيثُ أدخُلُ (6) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: تُؤتى يَومَ القِيامَةِ بِناقَةٍ مِن نوقِ الجَنَّةِ فَتَركَبُها ، ورُكبَتُكَ مَعَ رُكبَتي ، وفَخِذُكَ مَعَ فَخِذي ؛ حَتّى تَدخُلَ الجَنَّةَ (7) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: يا اُمَّ سَلَمَةَ ، إنَّهُ يُبعَثُ يَومَ القِيامَةِ عَلى ناقَةٍ مِن نوقِ الجَنَّةِ يُقالُ لَها : «مَحبوبَةٌ» ، تَصُكُّ رُكبَتُهُ مَعَ رُكبَتي وفَخِذُهُ مَعَ فَخِذي (8) .
.
ص: 493
تاريخ دمشق عن جابر :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنَا وهذا _ يَعني عَلِيّا _ نَجيءُ يَومَ القِيامَةِ كَهاتَينِ _ وجَمَعَ بَينَ إصبَعَيهِ السَّبّابَتَينِ _ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :دَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأنَا نائِمٌ عَلَى المَنامَةِ (2) ، فَاستَسقَى الحَسَنُ أوِ الحُسَينُ ، قالَ : فَقامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى شاةٍ لَنا بَكيءٍ (3) فَحَلَبَها فَدَرَّت ، فَجاءَهُ الحَسَنُ فَنَحّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَت فاطِمَةُ عليهاالسلام : يا رَسولَ اللّهِ ، كَأَنَّهُ أحَبُّهُما إلَيكَ ؟ قالَ : لا ، ولكِنَّهُ استَسقى قَبلَهُ . ثُمَّ قالَ : إنّي وإيّاكِ وهذَينِ وهذَا الرّاقِدَ في مَكانٍ واحِدٍ يَومَ القِيامَةِ (4) .
كشف الغمّة :قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يا رَسولَ اللّهِ ، هَل نَقدِرُ أن نَزورَكَ فِي الجَنَّةِ كُلَّما أرَدنا ؟ قالَ : يا عَلِيُّ ، إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفيقا أوَّلُ مَن أسلَمَ مِن اُمَّتِهِ . فَنَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «أُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّ__لِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا» (5) ، فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام فَقالَ لَهُ : إنَّ اللّهَ قَد أنزَلَ بَيانَ ما سَأَلتَ فَجَعَلَكَ رَفيقي لِأَنَّكَ أوَّلُ مَن أسلَمَ ، وأنتَ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ (6) .
تاريخ دمشق عن زيد بن أبي أوفى :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَسجِدَهُ فَقالَ : أينَ فُلانُ ابنُ فُلانٍ ؟ فَجَعَلَ يَنظُرُ في وُجوهِ أصحابِهِ _ فَذَكَرَ الحَديثَ فِي المُؤاخاةِ وفيهِ _ : فَقال
.
ص: 494
عَلِيٌّ : لَقَد ذَهَبَ روحي وَانقَطَعَ ظَهري حينَ رَأَيتُكَ فَعَلتَ بِأَصحابِكَ ما فَعَلتَ غَيري ، فَإِن كانَ هذا مِن سَخَطٍ عَلَيَّ فَلَكَ العُتبى وَالكَرامَةُ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ ، ما أخَّرتُكَ إلّا لِنَفسي ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، وأنتَ أخي ووارِثي . قالَ : وما أرِثُ مِنكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : ما وَرَّثَتِ الأَنبِياءُ مِن قَبلي . قال : وما وَرَّثَتِ الأَنبِياءُ مِن قَبلِكَ ؟ قالَ : كِتابَ رَبِّهِم وسُنَّةَ نَبِيِّهِم . وأنتَ مَعي في قَصري فِي الجَنَّةِ مَعَ فاطِمَةَ ابنَتي ، وأنتَ أخي ورَفيقي . ثُمَّ تَلا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِخْوَ نًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَ_بِلِينَ» (1) ؛ المُتَحابّينَ فِي اللّهِ يَنظُرُ بَعضُهُم إلى بَعضٍ (2) .
راجع : ص 482 (صاحب لوائي) .
2 / 6 _ 7ذو قَرنَيِ الجَنَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ لَكَ كَنزا فِي الجَنَّةِ ، وإنَّكَ ذو قَرنَيها (3)(4) .
.
ص: 495
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ لَكَ كَنزا فِي الجَنَّةِ ، وأنتَ ذو قَرنَيها (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ لَكَ بَيتا فِي الجَنَّةِ ، وإنَّكَ ذو قَرنَيها (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :أنتَ يا عَلِيُّ فِي الجَنَّةِ ، وأنتَ ذو قَرنَيها (3) .
2 / 6 _ 8يَزهَرُ فِي الجَنَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ يَزهَرُ فِي الجَنَّةِ كَكَوكَبِ الصُّبحَةِ لِأَهلِ الدُّنيا (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ يُضيءُ لِأَهلِ الجَنَّةِ كَما يَزهَرُ كَوكَبُ الصُّبحِ لِأَهِلِ الدُّنيا (5) .
.
ص: 496
2 / 6 _ 9قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيّا قَسيمُ النّارِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّكَ قَسيمُ النّارِ ، وإنَّكَ تَقرَعُ بابَ الجَنَّةِ وتُدخِلُها بِغَيرِ حِسابٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، فَيَومَ القِيامَةِ تَقولُ النّارُ (4) : هذا لي وهذا لَكَ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :يُنادِي المُنادي [يَومَ القِيامَةِ] : يا عَلِيُّ ، أدخِل مَن أحَبَّكَ الجَنَّةَ ومَن عاداكَ النّارَ ، فَأَنتَ قَسيمُ الجَنَّةِ وأنتَ قَسيمُ النّارِ (6) .
.
ص: 497
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلّا مَن عَرَفَكَ وعَرَفتَهُ ، ولا يَدخُلُ النّارَ إلّا مَن أنكَرَكَ وأنكَرتَهُ . يا عَلِيُّ ، أنتَ وَالأَئِمَّةُ مِن وُلدِكَ عَلَى الأَعرافِ يَومَ القِيامَةِ ، تَعرِفُ المُجرِمينَ بِسيماهُم ، وَالمُؤمِنينَ بِعَلاماتِهِم (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ . . . يُجمَعُ لَكَ الأَوَّلونَ وَالآخِرونَ في صَعيدٍ واحِدٍ ، فَتَأمُرُ بِشيعَتِكَ إلَى الجَنَّةِ وبِأَعدائِكَ إلَى النّارِ ، فَأَنتَ قَسيمُ الجَنَّةِ وأنتَ قَسيمُ النّارِ ، ولَقَد فازَ مَن تَوَلّاكَ وخَسِرَ مَن عاداكَ ، فَأَنتَ في ذلِكَ اليَومِ أمينُ اللّهِ وحِجَّةُ اللّهِ الواضِحَةُ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ مِن بُطنانِ العَرشِ : أينَ سَيِّدُ الأَنبِياءِ ؟ فَأَقومُ ، ثُمَّ يُنادي : أينَ سَيِّدُ الأَوصِياءِ ؟ فَتَقومُ ، ويَأتيني رِضوانُ بِمَفاتيحِ الجَنَّةِ ، ويَأتيني مالِكٌ بَمَقاليدِ النّارِ ، فَيَقولانِ : إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ أمَرَنا أن نَدفَعَها إلَيكَ ونَأمُرَكَ أن تَدفَعَها إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَتَكونُ يا عَلِيُّ قَسيمَ الجَنَّةِ وَالنّارِ (3) .
علل الشرائع عن المفضّل بن عمر :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليه السلام : لِمَ صارَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ قَسيمَ الجَنَّةِ وَالنّارِ ؟ قالَ : لِأَنَّ حُبَّهُ إيمانٌ وبُغضَهُ كُفرٌ ، وإنَّما خُلِقَتِ الجَنَّةُ لِأَهلِ الإِيمانِ ، وخُلِقَتِ النّارُ لِأَهلِ الكُفرِ ، فَهُوَ عليه السلام قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، لِهذِهِ العِلَّةِ فَالجَنَّةُ لا يَدخُلُها إلّا أهلُ مَحَبَّتِهِ ، وَالنّار
.
ص: 498
لا يَدخُلُها إلّا أهلُ بُغضِهِ (1) .
معاني الأخبار عن الحسن بن عليّ بن فضّال :سَأَلتُ الرِّضا أبَا الحَسَنِ عليه السلام فَقُلتُ لَهُ : لِمَ كُنِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِأَبِي القاسِمِ ؟ فَقالَ : لِأَنَّهُ كانَ لَهُ ابنٌ يُقالُ لَهُ : قاسِمٌ ، فَكُنِّيَ بِهِ . فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، فَهَل تَراني أهلاً لِلزِّيادَةِ ؟ فَقالَ : نَعَم ، أما عَلِمتَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : أنَا وعَلِيٌّ أبَوا هذِهِ الاُمَّةِ ؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : أما عَلِمتَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبٌ لِجَميعِ اُمَّتِهِ ، وعَلِيٌّ عليه السلام فيهِم بِمَنزِلَتِهِ ؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : أما عَلِمتَ أنَّ عَلِيّا قاسِمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ ؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : فَقيلَ لَهُ : أبُو القاسِمِ ؛ لِأَنَّهُ أبو قاسِمِ الجَنَّةِ وَالنّارِ (2) .
عيون أخبار الرضا عن أبي الصلت الهروي :قالَ المَأمونُ يَوما لِلرِّضا عليه السلام : يا أبَا الحَسَنِ ، أخبِرني عَن جَدِّكَ أميرِ المُؤمِنينَ بِأَيِّ وَجهٍ هُوَ قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ وبِأَيِّ مَعنىً ، فَقَد كَثُرَ فِكري في ذلِكَ ؟ فَقالَ لَهُ الرِّضا عليه السلام : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ لَم تُرَوَّ عَن أبيكَ عَن آبائِهِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : حُبُّ عَلِيٍّ إيمانٌ وبُغضُهُ كُفرٌ ؟ فَقالَ : بَلى . قالَ الرِّضا عليه السلام : فَقِسمَةُ الجَنَّةِ وَالنّارِ إذا كانَت عَلى حُبِّهِ وبُغضِهِ فَهُوَ قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ . فَقالَ المَأمونُ : لا أبقانِيَ اللّهُ بَعدَكَ يا أبَا الحَسَنِ ، أشهَدُ أنَّكَ وارِثُ عِلمِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ أبُو الصَّلتِ الهَرَوِيُّ : فَلَمَّا انصَرَفَ الرِّضا عليه السلام إلى مَنزِلِهِ أتَيتُهُ فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، ما أحسَنَ ما أجَبتَ بِهِ أميرَ المُؤمِنينَ ! فَقالَ الرِّضا عليه السلام : يا أبَا الصَّلتِ ، إنَّما كَلَّمتُهُ مِن حَيثُ هُوَ ، ولَقَد سَمِعتُ أبي يُحَدِّثُ عَن آبائِهِ عَن عَلِيٍّ عليه السلام أنَّهُ قالَ : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ، أنتَ قَسيمُ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ، تَقولُ لِلنّارِ : هذا لي وهذا لَكِ (3) .
.
ص: 499
بشارة المصطفى عن عيسى بن فاشي :قَدِمتُ مِنَ المَدائِنِ في بَعضِ الأَوقاتِ إلى بَغدادَ ، فَدَخَلتُ سِكَّةً مِنَ السِّكَكِ الَّتي لَم يَكن لي عَهدٌ بِسُلوكِها ، فَوَجَدتُ جَمعا كَثيرا مِن أصحابِ الحَديثِ مَعَ المُحَدِّثِ ، فَنَزَلتُ عَن دابَّتي وقَعَدتُ في آخِرِ النّاسِ ، فَلَمّا تَمَّ المَجلِسُ وتَفَرَّقوا تَقَدَّمتُ إلَى المُحَدِّثِ لِأَسأَلَهُ عَن أشياءَ ، وكانَ أحمَدَ بنَ حَنبَلٍ ، فَقُلتُ : أنَا _ أعَزَّكَ اللّهُ _ رَجُلٌ مِنَ السَّوادِ ، ومَذهَبُنا مُوالاةُ أهلِ البَيتِ عليهم السلاموتَرِدُ عَلَينا أحاديثُ يَجِبُ أن نَعرِفَ صِحَّتَها ، فَأَسأَلُكَ عَن بَعضِها ؟ فَقالَ : سَل . فَقُلتُ : الحَديثُ يُروى في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : «أنتَ قَسيمُ النّارِ»؟ قالَ : وكانَ عَلى يَمينِهِ أحمَدُ بنُ نَصرِ بنِ مالِكٍ ، فَذَهَبَ أحمَدُ بنُ نَصرٍ يُنكِرُ الحَديثَ ، فَسَكَّتَهُ أحمَدُ وقالَ : إنَّهُ يَسأَلُ ! ثُمَّ قالَ : هذا حَديثٌ في إسنادِهِ (1) ، ولكِن فِي الحَديثِ الآخَرِ : «اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ» ما يُغني عَنهُ ، وهُوَ حَديثٌ صَحيحٌ ، ويَجوزُ أن يَكونَ مَن والاهُ فِي الجَنَّةِ ومَن عاداهُ فِي النّارِ ، فَمَعنى هذَا الحَديثِ في هذَا الحَديثِ (2) .
2 / 7المَناقِبُ المَعدودَةُ2 / 7 _ 1اُعطيتَ ثَلاثاالإمام عليّ عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، إنَّكَ اُعطيتَ ثَلاثا . قُلتُ : فِداكَ أبي واُمّي،
.
ص: 500
وما اُعطيتُ ؟ قالَ : اُعطيتَ صِهرا مِثلي ، واُعطيتَ مِثلَ زَوجَتِكَ فاطِمَةَ ، واُعطيتَ مِثلَ وَلَدَيكَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ (1) .
عنه عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، إنَّكَ اُعطيتَ ثَلاثا لَم يُعطَها أحَدٌ مِن قَبلِكَ . قُلتُ : فِداكَ أبي واُمّي ، وما اُعطيتُ ؟ قالَ : اُعطيتَ صِهرا مِثلي ، واُعطيتَ مِثلَ زَوجَتِكَ ، واُعطيتَ مِثلَ وَلَدَيكَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ (2) .
عنه عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، إنَّكَ اُعطيتَ ثَلاثَةَ ما لَم اُعطَ أنَا . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما اُعطيتُ ؟ فَقالَ : اُعطيتَ صِهرا مِثلي ولَم اُعطَ ، واُعطيتَ زَوجَتَكَ فاطِمَةَ ولَم اُعطَ ، واُعطيتَ مِثلَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ ولَم اُعطَ (3) .
الفضائل لابن شاذان عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اُعطيتُ ثَلاثا وعَلِيٌّ مُشارِكي فيها ، واُعطِيَ عَلِيٌّ ثَلاثَةً ولَم اُشارِكهُ فيها ، فَقيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ومَا الثَّلاثُ الَّتي شارَكَكَ فيها عَلِيٌّ ؟ فَقالَ : لِواءُ الحَمدِ لي وعَلِيٌّ حامِلُهُ ، وَالكَوثَرُ لي وعَلِيٌّ ساقيهِ ، وَالجَنَّةُ لي وعَلِيٌّ قاسِمُها . وأمَّا الثَّلاثُ الَّتي اُعطِيَت عَلِيّا ولَم اُشارِكهُ فيها : فَإِنَّهُ اُعطِيَ رَسولَ اللّهِ صِهرا ولَم اُعطَ مِثلَهُ ، واُعطِيَ زَوجَتَهُ فاطِمَةَ الزَّهراءَ ولَم اُعطَ مِثلَها ، واُعطِيَ وَلَدَيهِ الحَسَنَ وَالحُسَينَ ولَم اُعطَ مِثلَهُما (4) .
.
ص: 501
2 / 7 _ 2سَأَلتُ رَبّي فيكَ خَمسَ خِصالٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، سَأَلتُ رَبّي فيكَ خَمسَ خِصالٍ فَأَعطاني ؛ أمّا أوَّلُها : فَسَأَلتُ رَبّي أن أكونَ أوَّلَ مَن تَنشَقُّ عَنهُ الأَرضُ وأنفُضَ التُّرابَ عَن رَأسي وأنتَ مَعي ، فَأَعطاني . وأمَّا الثّانِيَةُ : فَسَأَلتُ رَبّي أن يَقِفَني عِندَ كِفَّةِ الميزانِ وأنتَ مَعي ، فَأَعطاني . وأمَّا الثّالِثَةُ : فَسَأَلتُ رَبّي أن يَجعَلَكَ فِي القِيامَةِ صاحِبَ لِوائي ، فَأَعطاني . وأمَّا الرّابِعَةُ : فَسَأَلتُ رَبّي أن يَسقِيَ اُمَّتي مِن حَوضي بِيَدِكَ ، فَأَعطاني . وأمَّا الخامِسَةُ : فَسَأَلتُ رَبّي أن يَجعَلَكَ قائِدَ اُمَّتي إلَى الجَنَّةِ ، فَأَعطاني . فَالحَمدُ للّهِِ الَّذي مَنَّ عَلَيَّ بِذلِكَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: سَأَلتُ اللّهَ فيكَ خَمسا فَأَعطاني أربَعا ومَنَعَني واحِدَةً ؛ سَأَلتُهُ فَأَعطاني فيكَ : أنَّكَ أوَّلُ مَن تَنشَقُّ الأَرضُ عَنهُ يَومَ القِيامَةِ ، وأنتَ مَعي ، مَعَكَ لِواءُ الحَمدِ وأنتَ تَحمِلُهُ ، وأعطاني أنَّكَ وَلِيُّ المُؤمِنينَ مِن بَعدي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :سَأَلتُ اللّهَ _ يا عَلِيُّ _ فيكَ خَمسا ، فَمَنَعَني واحِدَةً وأعطاني أربَعا : سَأَلتُ اللّهَ أن يَجمَعَ عَلَيكَ اُمَّتي فَأَبى عَلَيَّ ، وأعطاني فيكَ : أنَّ أوَّلَ مَن تَنشَقُّ عَنهُ الأَرضُ يَومَ القِيامَةِ أنَا وأنتَ مَعي ، مَعَكَ لِواءُ الحَمدِ ، وأنتَ تَحمِلُهُ بَينَ يَدَيَّ تَسبِقُ بِهِ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، وأعطاني فيكَ : أنَّكَ وَلِيُّ المُؤمِنينَ بَعدي (3) .
.
ص: 502
2 / 7 _ 3اُعطيتُ في عَلِيٍّ خَمسارسول اللّه صلى الله عليه و آله :اُعطيتُ في عَلِيٍّ خَمسا هُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنيا وما فيها ، أمّا واحِدَةٌ : فَهُوَ تَكايَ (1) بَينَ يَدَيِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ حَتّى يُفرَغَ مِنَ الحِسابِ . وأمَّا الثّانِيَةُ : فَلِواءُ الحَمدِ بِيَدِهِ ، آدَمُ عليه السلام ومَن وَلَدَ تَحتَهُ . وأمَّا الثّالِثَةُ : فَواقِفٌ عَلى عُقرِ حَوضي يَسقي مَن عَرَفَ مِن اُمَّتي ، وأمَّا الرّابِعَةُ : فَساتِرُ عَورَتي ومُسَلِّمي إلى رَبّي عَزَّ وجَلَّ . وأمَّا الخامِسَةُ : فَلَستُ أخشى عَلَيهِ أن يَرجِعَ زانِيا بَعدَ إحصانٍ ولا كافِرا بَعدَ إيمانٍ (2) .
2 / 7 _ 4أعطانِي اللّهُ خَمسا وأعطى عَلِيّا خَمسارسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِابنِ عَبّاسٍ _: أعطانِيَ اللّهُ خَمسا وأعطى عَلِيّا خَمسا : أعطاني جَوامِعَ الكَلِمِ وأعطى عَلِيّا جَوامِعَ العِلمِ ، وجَعَلَني نَبِيّا وجَعَلَ عَلِيّا وَصِيّا ، أعطانِيَ الكَوثَرَ وأعطى عَلِيّا السَّلسَبيلَ (3) ، وأعطانِيَ الوَحيَ وأعطى عَلِيّا الإِلهامَ ، وأسرى بي إلَيهِ وفُتِحَت لَهُ أبوابُ السَّماءِ حَتّى رَأى ما رَأَيتُ ونَظَرَ إلى ما نَظَرتُ إلَيهِ . _ ثُمَّ قالَ _ : يَا بنَ عَبّاسٍ ! مَن خالَفَ عَلِيّا فَلا تَكونَنَّ ظَهيرا لَهُ ولا وَلِيّا ؛ فَوَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ ما يُخالِفُهُ أحَدٌ إلّا غَيَّرَ اللّهُ ما بِهِ مِن نِعمَةٍ ، وشَوَّهَ خَلقَهُ قَبلَ إدخالِهِ النّارَ .
.
ص: 503
يَا بنَ عَبّاسٍ ! لا تَشُكَّ في عَلِيٍّ ؛ فَإِنَّ الشَّكَّ فيهِ يُخرِجُ عَنِ الإِيمانِ ، ويوجِبُ الخُلودَ فِي النّارِ (1) .
2 / 7 _ 5تَخصِمُ النّاسَ بِسَبعٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أخصِمُكَ بِالنُّبُوَّةِ ولا نُبُوَّةَ بَعدي ، وتَخصِمُ النّاسَ بِسَبعٍ ولا يُحاجُّكَ فيهِ (2) أحَدٌ مِن قُرَيشٍ : اللّهُمَّ أنتَ أوَّلُهُم إيمانا بِاللّهِ ، وأوفاهُم بِعَهدِ اللّهِ ، وأقوَمُهُم بِأَمرِ اللّهِ ، وأقسَمُهُم بِالسَّوِيَّةِ ، وأعدَلُهُم فِي الرَّعِيَّةِ ، وأبصَرُهُم بِالقَضِيَّةِ ، وأعظَمُهُم عِندَ اللّهِ مَزِيَّةً (3) .
حلية الأولياء عن أبي سعيد الخدري :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام _ وضَرَبَ بَينَ كَتِفَيهِ _ : يا عَلِيُّ ، لَكَ سَبعُ خِصالٍ لا يُحاجُّكَ فيهِنَّ أحَدٌ يَومَ القِيامَةِ : أنتَ أوَّلُ المُؤمِنينَ بِاللّهِ إيمانا ، وأوفاهُم بِعَهدِ اللّهِ ، وأقوَمُهُم بِأَمرِ اللّهِ ، وأرأَفُهُم بِالرَّعِيَّةِ ، وأقسَمُهُم بِالسَّوِيَّةِ ، وأعلَمُهُم بِالقَضِيَّةِ ، وأعظَمُهُم مَزِيَّةً يَومَ القِيامَةِ (4) .
.
ص: 504
كنز العمّال عن عبد اللّه بن عبّاس :سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ يَقولُ : كُفّوا عَن ذِكرِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ فَقَد رَأَيتُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيهِ خِصالاً لَأَن تَكونَ لي وَاحِدَةٌ مِنهُنَّ في آلِ الخَطّابِ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ : كُنتُ أنَا وأبو بَكرٍ وأبو عُبَيدَةَ في نَفَرٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَانتَهَيتُ إلى بابِ اُمِّ سَلَمَةَ وعَلِيٌّ قائِمٌ عَلَى البابِ ، فَقُلنا : أرَدنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يَخرُجُ إلَيكُم . فَخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَسِرنا إلَيهِ ، فَاتَّكَأَ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ مَنكِبَهُ ، ثُمَّ قالَ : إنَّكَ مُخاصَمٌ تُخاصَمُ ؛ أنتَ أوَّلُ المُؤمِنينَ إيمانا ، وأعلَمُهُم بِأَيّامِ اللّهِ ، وأوفاهُم بِعَهدِهِ ، وأقسَمُهُم بِالسَّوِيَّةِ ، وأرأَفُهُم بِالرَّعِيَّةِ ، وأعظَمُهُم رَزِيَّةً ، وأنتَ عاضِدي ، وغاسِلي ، ودافِني ، وَالمُتَقَدِّمُ إلى كُلِّ شَديدَةٍ وكَريهَةٍ ، ولَن تَرجِعَ بَعدي كافِرا ، وأنتَ تَتَقَدَّمُني بِلِواءِ الحَمدِ ، وتَذودُ عَن حَوضي . ثُمَّ قالَ ابنُ عَبّاسٍ مِن نَفسِهِ : ولَقَد فازَ عَلِيٌّ بِصِهرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وبَسطَةً فِي العَشيرَةِ ، وبَذلاً لِلماعونِ ، وعِلما بِالتَّنزيلِ ، وفِقها لِلتَّأويلِ ، ونَيلاً لِلأَقرانِ (1) .
2 / 7 _ 6إنَّ اللّهَ أعطاني فيكَ سَبعَ خِصالٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أعطاني فيكَ سَبعَ خِصالٍ : أنتَ أوَّلُ مَن يَنشَقُّ عَنهُ القَبرُ مَعي ، وأنتَ أوَّلُ مَن يَقِفُ عَلَى الصِّراطِ مَعي ، وأنتَ أوَّلُ مَن يُكسى إذا كُسيتُ ويُحَيّى إذا حُيّيتُ ، وأنتَ أوَّلُ مَن يَسكُنُ مَعي في عِلِّيّينَ ، وأنتَ أوَّلُ مَن يَشرَبُ مَعي مِنَ الرَّحيقِ المَختومِ الَّذي خِتامُهُ مِسكٌ (2) .
.
ص: 505
عنه صلى الله عليه و آله :يا فاطِمَةُ ، إنَّ اللّهَ أعطاني في عَلِيٍّ سَبعَ خِصالٍ : هُوَ أوَّلُ مَن يَنشَقُّ عَنهُ القَبرُ مَعي ، وهُوَ أوَّلُ مَن يَقِفُ مَعي عَلَى الصِّراطِ فَيَقولُ لِلنّارِ : خُذي ذا وذَري ذا ، وأوَّلُ مَن يُكسى إذا كُسيتُ ، وأوَّلُ من يَقِفُ مَعي عَلى يَمينِ العَرشِ ، وأوَّلُ مَن يَقرَعُ مَعي بابَ الجَنَّةِ ، وأوَّلُ مَن يَسكُنُ مَعي عِلِّيّينَ ، وأوَّلُ مَن يَشرَبُ مَعي مِنَ الرَّحيقِ المَختومِ «خِتَ_مُهُ مِسْكٌ وَ فِى ذَ لِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَ_فِسُونَ» (1) . (2)
2 / 7 _ 7اُعطيتُ فيكَ تِسعَ خِصالٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اُعطيتُ فيكَ يا عَلِيُّ تِسعَ خِصالٍ : ثَلاثٌ فِي الدُّنيا ، وثَلاثٌ فِي الآخِرَةِ ، وَاثنَتانِ لَكَ ، وواحِدَةٌ أخافُها عَلَيكَ . فَأَمَّا الثَّلاثَةُ الَّتي فِي الدُّنيا : فَإِنَّكَ وَصِيّي ، وخَليفَتي في أهلي ، وقاضي دَيني . وأمَّا الثَّلاثُ الَّتي فِي الآخِرَةِ : فَإِنّي اُعطى لِواءَ الحَمدِ فَأَجعَلُهُ في يَدِكَ وآدَمُ وذُرِّيَّتُهُ تَحتَ لِوائي ، وتُعينُني عَلى مَفاتيحِ الجَنَّةِ ، واُحَكِّمُكَ في شَفاعَتي لِمَن أحبَبتَ . وأمَّا اللَّتانِ لَكَ : فَإِنَّكَ لَن تَرجِعَ بَعدي كافِرا ، ولا ضالّاً . وأمَّا الَّتيأخافُها عَلَيكَ : فَغَدرَةُ قُرَيشٍ بِكَ بَعدي ياعَلِيُّ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :اُعطيتُ في عَلِيٍّ تِسعَ خِصالٍ : ثَلاثا فِي الدُّنيا ، وثَلاثا فِي الآخِرَةِ ، وَاثنَتَينِ أرجوهُما لَهُ ، وواحِدَةً أخافُها عَلَيهِ . وأمَّا الثَّلاثَةُ الَّتي فِي الدُّنيا : فَساتِرُ عَورَتي ، وَالقائِمُ بِأَمرِ أهلِ بَيتي ، ووَصِيّي في أهلي . وأمَّا الثَّلاثَةُ الَّتي فِي الآخِرَةِ : فَإِنّي اُعطى لِواءَ الحَمدِ فَاُعطيهِ يَحمِلُهُ ، وأتَّكِئُ عَلَيهِ عِندَ قِيامِ الشَّفاعَةِ ، ويُعينُني عَلى مَفاتيح
.
ص: 506
الجَنَّةِ . وأمَّا الاِثنَتانِ اللَّتانِ أرجوهُما لَهُ : فَإِنَّهُ لا يَرجِعُ بَعدي كافِرا ، ولا ضالّاً . وأمَّا الواحِدَةُ الَّتي أخافُها عَلَيهِ : فَغَدرُ قُرَيشٍ بِهِ بَعدي (1) .
2 / 7 _ 8الجَوامِعُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أقدَمُ اُمَّتي سِلما ، وأكثَرُهُم عِلما ، وأصَحُّهُم دينا ، وأفضَلُهُم يَقينا ، وأحلَمُهُم حِلما ، وأسمَحُهُم كَفّا ، وأشجَعُهُم قَلبا ، وهُوَ الإِمامُ وَالخَليفَةُ بَعدي (2) .
الفضائل عن سلمان والمقداد وأبي ذرّ :إنَّ رَجُلاً فاخَرَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ياعَلِيُّ ، فاخِر أهلَ الشَّرقِ وَالغَربِ وَالعَجَمِ ؛ فَأَنتَ أكرَمُهُم وَابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأكرَمُهُم أخا (3) ، وأكرَمُهُم عَمّاً ، وأعظَمُهُم حَزما وحِلما وأقدَمُهُم سِلما ، وأكثَرُهُم عِلما ، وأعظَمُهُم غِنىً في نَفسِكَ ومالِكَ ، وأنتَ أقرَؤُهُم لِكِتابِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، وأعلَمُهُم بِسُنَّتي ، وأشجَعُهُم قَلبا في لِقاءِ الحَربِ ، وأجوَدُهُم كَفّا ، وأزهَدُهُم فِي الدُّنيا ، وأشَدُّهُم جِهادا ، وأحسَنُهُم خُلُقا ، وأصدَقُهُم لِسانا ، وأحَبُّهُم إلَى اللّهِ وإلَيَّ ، وسَتَبقى بَعدي ثَلاثينَ سَنَةً تَعبُدُ اللّهَ تَعالى وتَصبِرُ عَلى ظُلمِ قُرَيشٍ لَكَ ،
.
ص: 507
ثُمَّ تُجاهِدُ في سَبيلِ اللّهِ إذا وَجَدتَ أعوانا ، فَقاتِل عَلى تَأويلِ القُرآنِ كَما قاتَلتُ عَلى تَنزيلِهِ ، ثُمَّ تُقتَلُ شَهيدا ؛ فَتُخضَبُ لِحيَتُكَ مِن دَمِ رَأسِكَ ، وقاتِلُكَ يَعدِلُ عاقِرَ ناقَةِ صالِحٍ فَي البَغضاءِ للّهِِ وَالبُعدِ مِنَ اللّهِ . يا عَلِيُّ ، إنَّكَ مِن بَعدي في كُلِّ أمرٍ (1) مَغلوبٌ مَغصوبٌ ، تَصبِرُ عَلَى الأَذى فِي اللّهِ وفي رَسولِهِ ، مُحتَسِبا أجرَكَ غَيرَ ضائِعٍ عِندَ اللّهِ ، فَجَزاكَ اللّهُ عَنِ الإِسلامِ بَعدي خَيرا (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ أخي ، ووَزيري ، وأميني ، وَالقائِمُ مِن بَعدي بِأَمرِ اللّهِ ، وَالموفي بِذِمَّتي ، ومُحيي سُنَّتي ، وهُوَ أوَّلُ النّاسِ إيمانا بي ، وآخِرُهُم بي عَهدا عِندَ المَوتِ ، وأوَّلُهُم لِقاءً إلَيَّ يَومَ القِيامَةِ ، فَليُبَلِّغ شاهِدُكُم غائِبَكُم (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنَا مَدينَةُ الحِكمَةِ وأنتَ بابُها ، ولَن تُؤتَى المَدينَةُ إلّا مِن قِبَلِ البابِ ، فَكَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُكَ ؛ لِأَنَّكَ مِنّي وأنَا مِنكَ ، لَحمُكَ مِن لَحمي ، ودَمُكَ مِن دَمي ، وروحُكَ مِن روحي ، وسَريرَتُكَ مِن سَريرَتي ، وعَلانِيَتُكَ مِن عَلانِيَتي ، وأنتَ إمامُ اُمَّتي وخَليفَتي عَلَيها بَعدي ، سَعِدَ مَن أطاعَكَ وشَقِيَ مَن عَصاكَ ، ورَبِحَ مَن تَوَلّاكَ وخَسِرَ مَن عاداكَ ، وفازَ مَن لَزِمَكَ وهَلَكَ مَن فارَقَكَ ، مَثَلُكَ ومَثَلُ الأَئِمَّةِ مِن وُلدِكَ بَعدي مَثَلُ سَفينَةِ نوحٍ ؛ مَن رَكِبَها نَجا ومَن تَخَلَّفَ عَنها غَرِقَ ، ومَثَلُكُم كَمَثَلِ النُّجومِ ؛ كُلَّما غابَ نَجمٌ طَلَعَ نَجمٌ إلى يَومِ القِيامَةِ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اِسمَعي وَاشهَدي ؛ هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أخي فِي الدُّنيا
.
ص: 508
وأخي فِي الآخِرَةِ . يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اِسمَعي وَاشهَدي ؛ هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وَزيري فِي الدُّنيا ووَزيري فِي الآخِرَةِ . يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اِسمَعي وَاشهَدي ؛ هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ حامِلُ لِوائي فِي الدُّنيا وحامِلُ لِوائي غَدا فِي القِيامَةِ . يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اِسمَعي وَاشهَدي ؛ هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وَصِيّي وخَليفَتي مِن بَعدي ، وقاضي عِداتي ، وَالذّائِدُ عَن حَوضي . يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اِسمَعي وَاشهَدي ؛ هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ سَيِّدُ المُسلِمينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وقاتِلُ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . أنتَ صاحِبي إذا قُمتُ المَقامَ المُحمودَ ، تَشفَعُ لِمُحِبّينا فَتُشَفَّعُ فيهِم (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ! أنَا البَشيرُ وأنَا النَّذيرُ ، وأنَا النَّبِيُّ الاُمِّيُّ ، إنّي مُبَلِّغُكُم عَنِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ في أمرِ رَجُلٍ لَحمُهُ مِن لَحمي ، ودَمُهُ مِن دَمي ، وهُوَ عَيبَةُ العِلمِ ، وهُوَ الَّذِي انتَخَبَهُ اللّهُ مِن هذِهِ الاُمَّةِ وَاصطَفاهُ وهَداهُ وتَوَلّاهُ ، وخَلَقَني وإيّاهُ ، وفَضَّلَني بِالرِّسالَةِ وفَضَّلَهُ بِالتَّبليغِ عَنّي ، وجَعَلَني مَدينَةَ العِلمِ وجَعَلَهُ البابَ ، وجَعَلَهُ خازِنَ العِلمِ وَالمُقتَبَسَ مِنهُ الأَحكامُ ، وخَصَّهُ بِالوَصِيَّةِ ، وأبانَ أمرَهُ ، وخَوَّفَ مِن عَداوَتِهِ ، وأزلَفَ (3) مَن والاهُ ، وغَفَرَ لِشيعَتِهِ ، وأمَرَ النّاسَ جَميعا بِطاعَتِهِ .
.
ص: 509
وإنَّهُ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ : مَن عاداهُ عاداني ، ومَن والاهُ والاني ، ومَن ناصَبَهُ ناصَبَني ، ومَن خالَفَهُ خالَفَني ، ومَن عَصاهُ عَصاني ، ومَن آذاهُ آذاني ، ومَن أبغَضَهُ أبغَضَني ، ومَن أحَبَّهُ أحَبَّني ، ومَن أرداهُ أرداني ، ومَن كادَهُ كادَني ، ومَن نَصَرَهُ نَصَرَني (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ حُجَّةُ اللّهِ ، وأنتَ بابُ اللّهِ ، وأنتَ الطَّريقُ إلَى اللّهِ ، وأنتَ النَّبَأُ العَظيمُ ، وأنتَ الصِّراطُ المُستَقيمُ ، وأنتَ المَثَلُ الأَعلى . يا عَلِيُّ ، أنتَ إمامُ المُسلِمينَ ؛ وأميرُ المُؤمِنينَ ، وخَيرُ الوَصِيّينَ ، وسَيِّدُ الصِّدّيقينَ . يا عَلِيُّ ، أنتَ الفاروقُ الأَعظَمُ ، وأنتَ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ . يا عَلِيُّ ، أنتَ خَليفَتي عَلى اُمَّتي ، وأنتَ قاضي دَيني ، وأنتَ مُنجِزُ عِداتي . يا عَلِيُّ ، أنتَ المَظلومُ بَعدي . يا عَلِيُّ ، أنتَ المُفارَقُ بَعدي . يا عَلِيُّ ، أنتَ المُحجورُ بَعدي . اُشهِدُ اللّهَ تَعالى ومَن حَضَرَ مِن اُمَّتي أنَّ حِزبَكَ حِزبي ، وحِزبي حِزبُ اللّهِ ، وأنَّ حِزبَ أعدائِكَ حِزبُ الشَّيطانِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ خَليفَةُ اللّهِ وخَليفَتي ، وحُجَّةُ اللّهِ وحُجَّتي ، وبابُ اللّهِ وبابي ، وصَفِيُّ اللّهِ وصَفِيّي ، وحَبيبُ اللّهِ وحَبيبي ، وخَليلُ اللّهِ وخَليلي ، وسَيفُ اللّهِ وسَيفي ، وهُوَ أخي وصاحِبي ووَزيري ووَصِيّي ، مُحِبُّهُ مُحِبّي ، ومُبغِضُهُ مُبغِضي ، ووَلِيُّهُ وَلِيّي ، وعَدُوُّهُ عَدُوّي ، وحَربُهُ حَربي ، وسِلمُهُ سِلمي ، وقَولُهُ قَولي ، وأمرُهُ أمري ، وزَوجَتُهُ ابنَتي ، ووَلَدُهُ وَلَدي ، وهُوَ سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، وخَيرُ اُمَّتي أجمَعينَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، مَن قَتَلَكَ فَقَد قَتَلَني ، ومَن أبغَضَكَ فَقَد أبغَضَني ، ومَن سَبَّكَ فَقَد
.
ص: 510
سَبَّني ؛ لِأَنَّكَ مِنّي كَنَفسي ، روحُكَ مِن روحي ، وطينَتُكَ مِن طينَتي . إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَني وإيّاكَ ، وَاصطَفاني وإيّاكَ ، وَاختارَني لِلنُّبُوَّةِ وَاختارَكَ لِلإِمامَةِ ، فَمَن أنكَرَ إِمامَتَكَ فَقَد أنكَرَ نُبُوَّتي . يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي ، وأبو وُلدي ، وزَوجُ ابنَتي ، وخَليفَتي عَلى اُمَّتي في حَياتي وبَعدَ مَوتي ، أمرُكَ أمري ، ونَهيُكَ نَهيي . اُقسِمُ بِالَّذي بَعَثَني بِالنُّبُوَّةِ وجَعَلَني خَيرَ البَرِيَّةِ إنَّكَ لَحُجَّةُ اللّهِ عَلى خَلقِهِ ، وأمينُهُ عَلى سِرِّهِ ، وخَليفَتُهُ عَلى عِبادِهِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :أمّا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فَإِنَّهُ أخي وشَقيقي ، وصاحِبُ الأَمرِ بَعدي ، وصاحِبُ لِوائي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وصاحِبُ حَوضي وشَفاعَتي ، وهُوَ مَولى كُلِّ مُسلِمٍ ، وإمامُ كُلِّ مُؤمِنٍ ، وقائِدُ كُلِّ تَقِيٍّ ، وهُوَ وَصِيّي وخَليفَتي عَلى أهلي واُمَّتي في حَياتي وبَعدَ مَماتي ، مُحِبُّهُ مُحِبّي ، ومُبغِضُهُ مُبغِضي ، وبِوِلايَتِهِ صارَت اُمَّتي مَرحومَةً ، وبِعَداوَتِهِ صارَتِ المُخالِفَةُ لَهُ مِنها مَلعونَةً (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ صاحِبُ حَوضي ، وصاحِبُ لِوائي ، ومُنجِزُ عِداتي ، وحَبيبُ قَلبي ، ووارِثُ عِلمي ، وأنتَ مُستَودَعُ مَواريثِ الأَنبِياءِ ، وأنتَ أمينُ اللّهِ في أرضِهِ ، وأنتَ حُجَّةُ اللّهِ عَلى بَرِيَّتِهِ ، وأنتَ رُكنُ الإِيمانِ ، وأنتَ مِصباحُ الدُّجى ، وأنتَ مَنارُ الهُدى ، وأنتَ العَلَمُ المَرفوعُ لِأَهلِ الدُّنيا ، مَن تَبِعَكَ نَجا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنكَ هَلَكَ ، وأنتَ الطَّريقُ الواضِحُ ، وأنتَ الصِّراطُ المُستَقيمُ ، وأنتَ قائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وأنتَ يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وأنتَ مَولى مَن أنَا مَولاهُ ، وأنَا مَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ، لا يُحِبُّكَ إلّا طاهِرُ الوِلادَةِ ، ولا يُبغِضُكَ إلّا خَبيثُ الوِلادَةِ ، وما عَرَجَ بي رَبّي عَزَّ وجَلَّ إلَى
.
ص: 511
السَّماءِ قَطُّ وكَلَّمَني رَبّي إلّا قالَ لي : يا مُحَمَّدُ ، أقرِئ عَلِيّا مِنِّي السَّلامَ وعَرِّفهُ أنَّهُ إمامُ أولِيائي ونورُ أهلِ طاعَتي . فَهَنيئا لَكَ _ يا عَلِيُّ _ عَلى هذِهِ الكِرامَةِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ! مَن أحسَنُ مِنَ اللّهِ قيلاً ، وأصدَقُ مِن اللّهِ حَديثا ؟ مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ رَبَّكُم جَلَّ جَلالُهُ أمَرَني أن اُقيمَ لَكُم عَلِيّا عَلَما وإماما ، وخَليفَةً ووَصِيّا ، وأن أتَّخِذَهُ أخا ووَزيرا . مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ عَلِيّا بابُ الهُدى بَعدي ، وَالدّاعي إلى رَبّي ، وهُوَ صالِحُ المُؤمِنينَ «وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَ عَمِلَ صَ__لِحًا وَ قَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (2) . مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ عَلِيّا مِنّي ، وَلَدُهُ وَلَدي ، وهُوَ زَوجُ حَبيبَتي ، أمرُهُ أمري ، ونَهيُهُ نَهيي . مَعاشِرَ النّاسِ ! عَلَيكُم بِطاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَعصِيَتِهِ ، فَإِنَّ طاعَتَهُ طاعَتي ، ومَعصِيَتَهُ مَعصِيَتي . مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ عَلِيّا صِدّيقُ هذِهِ الاُمَّةِ وفاروقُها ومُحَدَّثُها ، إنَّهُ هارونُها ويوشَعُها وآصَفُها وشَمعونُها ، إنَّهُ بابُ حِطَّتِها ، وسَفينَةُ نَجاتِها ، وإنَّهُ طالوتُها وذو قَرنَيها . مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّهُ مِحنَةُ الوَرى ، وَالحُجَّةُ العُظمى ، والآيَةُ الكُبرى ، وإمامُ أهلِ الدُّنيا ، وَالعُروَةُ الوُثقى . مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ عَلِيّا مَعَ الحَقِّ ، وَالحَقَّ مَعَهُ وعَلى لِسانِهِ . مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ عَلِيّا قَسيمُ النّارِ ؛ لا يَدخُلُ النّارَ وَلِيٌّ لَهُ ، ولا يَنجو مِنها عَدُو
.
ص: 512
لَهُ . إنَّهُ قَسيمُ الجَنَّةِ ؛ لا يَدخُلُها عَدُوٌّ لَهُ ، ولا يُزَحزَحُ عَنها وَلِيٌّ لَهُ . مَعاشِرَ أصحابي ! قَد نَصَحتُ لَكُم ، وبَلَّغتُكُم رِسالَةَ رَبّي ، ولكِن لا تُحِبّونَ النّاصِحينَ . أقولُ قَولي هذا وأستَغفِرُ اللّهَ لي ولَكُم (1) .
2 / 8لا يُعرَفُ حَقَّ مَعرِفَتِهِ2 / 8 _ 1فَضائِلُهُ لا تُحصىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى جَعَلَ لِأَخي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَضائِلَ لا يُحصي عَدَدَها غَيرُهُ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ جَعَلَ لِأَخي عَلِيٍّ فَضائِلَ لا تُحصى كَثيرَةً (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :لَو أنَّ الغِياضَ (4) أقلامٌ ، وَالبَحرَ مِدادٌ ، وَالجِنَّ حُسّابٌ ، وَالإِنسَ كُتّابٌ ، ما أحصَوا فَضائِلَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (5) .
.
ص: 513
2 / 8 _ 2لَولا مَخافَةُ الغُلُوِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: وَالَّذي نفَسي بِيَدِهِ ، لَولا أن يَقولَ فيكَ طَوائِفُ مِن اُمَّتي ما قالَتِ النَّصارى في عيسَى بنِ مَريَمَ ، لَقُلتُ فيكَ اليَومَ مَقالاً لا تَمُرُّ بِأَحَدٍ مِنَ المُسلِمينَ إلّا أخَذَ التُّرابَ مِن أثَرِ قَدَمَيكَ يَطلُبونَ بِهِ البَرَكَةَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: لَولا أن يَقولَ فيكَ الغالونَ مِن اُمَّتي ما قالَتِ النَّصارى في عيسَى بنِ مَريَمَ ، لَقُلتُ فيكَ قَولاً لا تَمُرُّ بِمَلَأٍ مِنَ النّاسِ إلّا أخَذُوا التُّرابَ مِن تَحتِ قَدَمَيكَ يَستَشفونَ بِهِ (2) .
الأمالي للصدوق عن جابر بن عبد اللّه :لَمّا قَدِمَ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِفَتحِ خَيبَرَ ، قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَولا أن تَقولَ فيكَ طَوائِفُ مِن اُمَّتي ما قالَتِ النَّصارى لِلمَسيحِ عيسَى بنِ مَريَمَ ، لَقُلتُ فيكَ اليَومَ قَولاً لا تَمُرُّ بِمَلَأٍ إلّا أخَذُوا التُّرابَ مِن تَحتَ رِجلَيكَ ومِن فَضلِ طَهورِكَ يَستَشفُونَ بِهِ ! ولكِن حَسبُكَ أن تَكونَ مِنّي وأنَا مِنكَ ، تَرِثُني وأرِثُكَ ، وأنَّكَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، وأنَّكَ تُبرِئُ ذِمَّتي ، وتُقاتِلُ عَلى سُنَّتي ، وأنَّكَ غَدا عَلَى الحَوضِ خَليفَتي ، وأنَّكَ أوَّلُ مَن يَرِدُ عَلَيَّ الحَوضَ ، وأنَّكَ أوَّلُ مَن يُكسى مَعي ، وأنَّكَ أوَّلُ داخِلٍ الجَنَّةَ مِن اُمَّتي ، وأنَّ شيعَتَكَ عَلى مَنابِرَ مِن نورٍ مُبيَضَّةً وُجوهُهُم حَولي ، أشفَعُ لَهُم ، يَكونونَ غَدا فِي الجَنَّةِ جيراني ، وأنَّ حَربَكَ حَربي وسِلمَكَ سِلمي ، وأنَّ سِرَّكَ سِرّي وعَلانِيَتَكَ عَلانِيَتي ، وأنَّ سريرَةَ صَدرِكَ كَسَريرَتي ، وأنَّ وُلدَكَ وُلدي ، وأنَّكَ تُنجِزُ عِداتي ، وأن
.
ص: 514
الحَقَّ مَعَكَ ، وأنَّ الحَقَّ عَلى لِسانِكَ وقَلبِكَ وبَينَ عَينَيكَ ، الإيمانُ مُخالِطٌ لَحمَكَ ودَمَكَ كَما خالَطَ لَحمي ودَمي ، وأنَّهُ لَن يَرِدَ عَلَيَّ الحَوضَ مُبغِضٌ لَكَ ، ولَن يَغيبَ عَنهُ مُحِبٌّ لَكَ حَتّى يَرِدَ الحَوضَ مَعَكَ . قالَ : فَخَرَّ عَلِيٌّ عليه السلام ساجِدا ، ثُمَّ قالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أنعَمَ عَلَيَّ بِالإِسلامِ ، وعَلَّمَنِي القُرآنَ ، وحَبَّبَني إلى خَيرِ البَرِيَّةِ خاتَمِ النّبِيّينَ وَسَيِّدِ المُرسَلينَ ، إحسانا مِنهُ وفَضلاً مِنهُ عَلَيَّ . قالَ : فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لَولا أنتَ لَم يُعرَفِ المُؤمنونَ بَعدي (1) .
2 / 8 _ 3ما عَرَفَهُ إلَا اللّهُ وأنَارسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، ما عَرَفَ اللّهَ إلّا أنَا وأنتَ ، وما عَرَفَني إلَا اللّهُ وأنتَ ، وما عَرَفَكَ إلَا اللّهُ وأنَا (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، ما عَرَفَ اللّهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ غَيري وغَيرُكَ ، وما عَرَفَكَ حَقَّ مَعرِفَتِكَ غَيرُ اللّهِ وغَيري (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :ما عَرَفَكَ يا عَلِيُّ حَقَّ مَعرِفَتِكَ إلَا اللّهُ وأنَا (4) .
.
ص: 515
الفصل الثالث: عليّ عن لسان عليّبَحثٌ حَولَ مَدحِ الإِمامِ نَفسَهُإنّ أحد الفصول التربويّة الثمينة الموقظة في خطب الإمام أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ورسائله هي الكلمات التي تعكس أبعاداً من شخصيّته الفريدة . وما سوف نعرضه في هذا الفصل يمثّل شذرات من تلك الكلمات الدرّيّة ، وستأتي نماذج اُخرى من كلماته عليه السلام في طيّات فصول الكتاب المتنوّعة . إنّ النظرة السطحيّة العابرة لهذه الكلمات قد توحي بأنّ الإمام كان يمدح نفسه ، ولعلّها تسوق القارئ إلى القول بأنّ مثل هذه الكلمات تتنافى مع قوله تعالى «فَلَا تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى» (1) . علما أنّه عليه السلام قد أشار إلى ذلك بقوله : «ولَولا ما نَهَى اللّهُ عَنهُ مِن تَزكِيَةِ المَرءِ نَفسَهُ ، لَذَكَرَ ذاكِرٌ فَضائِلَ جَمَّةً» (2) . وهذا الكلام يمكن أن يكون آيةً على مسار تزكية النفس وكيفيّته ، وجوازه أو حظره . لاشكّ في أنّ الإمام عليّاً عليه السلام كان يقوم بواجب شرعيّ لا مناص منه ؛ إذ لو كانت تزكية المرء نفسه كذبا فهي محرّمة ، ولو كانت صدقا _ ولا مصلحة ملزمة
.
ص: 516
فيها _ فهي لا جَرمَ مذمومة ، وأمّا لو كانت ذات مصلحة فهي محمودة لا محالة . وخلاصة القول : لو ترتّبت عليها مصالح مهمّة ملزمة وكانت تصبّ في اتّجاه إحقاق الحقّ والدفاع عن الحقوق فلا نرتاب في وجوبها ، وإذا صدف عنها الإنسان بذريعة عدم التحدّث عن النفس فذلك مذموم وحرام ، وهو يمهّد لضياع الحقائق والقيم . . . . ومن هنا فإنّنا حينما نلاحظ كلمات المدح عند الإمام نلمس فيها دفاعاً عن شخصيّة إنسان مظلوم ؛ ألجأه الواجب إلى إماطة اللثام عن حقٍّ ضائع مكتوم ، في ظروف لم يَحُلْ فيها مساعير الفتنة دون قول الحقّ فحسب ، بل تقوّلوا وافتَرَوا وتخرّصوا لتشويه صورة الحقّ . ولقد تحدّث الإمام عليه السلام من أجل قشع الغمائم السوداء عن سماء الحياة الفكريّة للمجتمع ، وإراءة ما كان ، وما جرى على الحقّ ، وإلّا فإنّ حقيقة حياته الصادقة عليه السلام وشخصيّته الرفيعة هما أعظم شأنا من أن يتحدّث عن نفسه، أو أن يُمنى بحبّ الذات ! ويتسنّى لنا أن نحلّل بعض التساؤلات المثارة حول مدح الإمام ذاته، وتحدّثه بفضائله ومعالم عظمته بما يأتي :
1 _ امتثال أمر اللّه تعالى في بيان نعمهكان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يلهج بذكر النعم الإلهيّة ، ويتحدّث بفضل اللّه تعالى عليه، وهو بكلماته البليغة شكور يقدّر النعمة والمنعِم ويثمّنها . ومن أقواله عليه السلام : «أنَا قاتِلُ الأَقرانِ، ومُجَدِّلُ الشُّجعانِ . أنَا الَّذي فَقَأتُ عَينَ الشِّركِ، وثَلَلتُ عَرشَهُ ؛ غَيرَ مُمتَنٍّ عَلَى اللّهِ بِجِهادي ولامُدِلٍّ (1) إلَيهِ بِطاعَتي ، ولكِن اُحَدِّثُ بِنِعمَةِ رَبّي (2) » (3) .
.
ص: 517
2 _ بيان الحقائق التاريخيّةتتبلور كلّ حادثة في ثنايا التاريخ، وتُنقل على مرّ الدهور، لكن كيف تُنقل ؟ من هم الذين كانوا اُولي الدور المؤثّر في الأحداث ؟ وكيف ظهرت الأحداث ؟ و و و . . . تبلور الإسلام في شبه الجزيرة العربيّة كقضيّة عجيبة ، وأنتج ردود فعل كثيرة ، وفتح طريقه من بين المنعطفات الوعرة والوهاد والنجاد التي لا تُحصى ومضى قُدُما . وكان لعليّ عليه السلام الدور الأكبر فيه . بَيْد أنّ الذي كان يقال للأجيال السابقة آنذاك ، هل كان كذلك حقّا ؟ ! وحين حدث التغيير في الحكم بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ، فإنّ هذا التغيير قد استتبع تغييراتٍ كثيرة ، منها وضع لكثير من الشخصيّات، ورفع لكثير غيرها ، ومنها اختلاق لكثير من الشخصيّات ، ومكابرة لكثير غيرها . . . وكان الإمام عليه السلام هو الذي رفع لواء الحقّ في وقت قد كُمّت فيه الأفواه، وقُطعت الألسن، وكُسرت الأقلام . وبيّن عليه السلام حقائق التاريخ كما هي عليه . فمن كان له الدور الأوّل والتأثير الأكبر في هذا التاريخ غير عليٍّ عليه السلام ؟ !
3 _ الدفاع عن الحقّ دفاع مظلومقلنا إنّ التغييرات السياسيّة تستتبع تغييرات اجتماعيّة وثقافيّة كثيرة، وكان الإمام عليه السلام أكثر الناس ظُلامةً في ظلّ تلك التغييرات ، وقد صبر مهضوما مظلوما لمصلحة الإسلام _ وقد تحدّثنا عن ذلك في أحد المواضع (1) _ بَيْد أنّه حاول أن يتحدّث عن هذه الظلامة ، ويحول دون تحريف التاريخ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً (2) .
.
ص: 518
وعندما بلغت التهديدات ذروتها سكت البعض خوفا ، واُلجم البعض الآخر حرصا على الحياة بعدما كثرت مغرياتها ، فمن يتحدّث عن عليٍّ عليه السلام ؟ ومن يُفصح عن «حقّ الخلافة» و«خلافة الحقّ» ؟ وأنكى من ذلك كلّه أنّ حزب الطُّلَقاء استحوذ على مقدّرات الاُمّة ، فنال من عليٍّ ما شاء ، واختلق _ باطلاً _ فضائل موهومة لبعض الصحابة كي يقلّل قبسا ولو ضئيلاً من فضائل عليٍّ ، فهل للإمام سبيل غير تعريف نفسه للاُمّة ، والإصحار بفضائله ومناقبه ؟ ! إنّه عليه السلام بكلماته المذكورة في موقع الدفاع عن المظلوم ، وهو نفسه المنادي بضرورة الدفاع عن المظلوم، ومقارعة الظالم .
4 _ الدفاع عن حقّ الناسعندما تُفْتَعل الأجواء الكاذبة في المجتمع ، وتجرف الدعايات المسمومة المضادّة بعض الناس باطلاً ، وتقذف ببعضهم الآخر ظلما ، ويتربّع غير الجُدَراء على دفّة الحكم ، ويتسلّمون مقاليد الأمر ، وينزوي الجدراء المؤهَّلون ويبتعدون عن مسرح الحياة ، فالتقصير على المجتمع ؛ إذ أباح ظلمهم ، وضيّع حقّه في الاستهداء بهم والاستنارة بجدارتهم . فالنضال ضدّ هذه الأجواء الكاذبة ، وإعادة الحقّ إلى نصابه يمثّلان دفاعا عن حقّ الناس . ومن كان يمتري في أنّ عليّا عليه السلام كان الأجدر الأكفأ ؟ أ لم يَقُل عمر بن الخطّاب : «إنَّهُ لَأَحراهُم أن يُقيمَهُم عَلى طَريقَةٍ مِنَ الحَقِّ» (1) ؟ فماذا يفعل الناس في خضمّ حضورهم ؟ ! وإذا عرّف الإمام عليه السلام نفسه وتحدّث عن جدارته ولياقته فإنّما يدافع عن حقّ الناس الثابت ، أي حقّ معرفة الأجدر ، وتحكيم الأصلح .
.
ص: 519
هذه وغيرها تمثّل سرّ حديث عليٍّ عن عليٍّ ، وبعبارة اُخرى ، إنّ عليّ بن أبي طالب يتحدّث عن الإمام عليّ ، وعن أجدر إنسانٍ لتسلّم زمام الاُمور .
5 _ الدفاع عن الذات إزاء الهجوم الدعائي العنيفبيد أنّ ما يفوق في أهميّته جميع الأدلّة التي ذكرناها كبواعث أملت على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن يبادر إلى تبيين فضائله والحديث عن خصائصه بنفسه ، هي طبيعة الأجواء التي أعلن فيها ذلك على الملأ العام . حياة عليّ عليه السلام مدهشة حقّاً ؛ أيّامها ملأى بالدروس ، وتاريخها حافل بالعظات . شخصيّة تتألّق بوهجٍ مضيء مرتفع ، رجل في مثل هذه الصلابة والرسوخ العظيم ، مؤمن يسمو به إيمانه ، فلا توازيه نجوم السماء علوّاً وجلالاً . شخصيّة كهذه تتبوّأ منصّة كلّ هذه المكرمات ، ثمّ تطلع عليها أجواء محمومة بالدعاية الباطلة ، كيف ستبدو في عيون جيلٍ راح ينظر إليها وهي تمسك أزمّة الحكم بعد ربع قرن من الغياب ؟ وكيف ستكتسب موقعها في ذهنه ووعيه ؟ هذا هو السؤال . إنّ دراسة حياة عليّ عليه السلام المترعة نوراً وحركة ومضاء ، تكشف عن أنّ هذا العظيم لم يتحدّث على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن نفسه قط ، مع ما كانت تزهر به أيّامه من مآثر عظمى وإنجازات باهرة . لكن بعد أن مضى النبيّ الأقدس إلى الرفيق الأعلى بادر الإمام في الأيّام الاُولى التي شهدت تغيّر الحكم وتنكّب الحياة السياسيّة عن اُصولها ؛ بادر للحديث عن سابقته الوضيئة في هذا الدين ، وراح يصدع بحقّه في كلّ مكان ؛ رغبة منه بإحقاق الحقّ ، وإجهاراً للحقيقة ، ودفاعاً عن موقع «الإمامة» .
.
ص: 520
لكن للأسف لم تُغنِ جهود الإمام شيئاً ، فاختطّت الخلافة مساراً آخر ! غير استثناءات قليلة ومواضع نادرة ، فلاذ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بصمت رهيب استغرق من عمره سنوات مديدة ، وطوى عن حقّه كَشْحاً ، وكلماته المتوجّعة تقول : «فَصَبَرتُ وفِي العَينِ قَذىً ، وفِي الحَلقِ شَجاً (1) » . ولمّا تسلّل «حزب الطلقاء» إلى واقع الحياة الإسلاميّة ، وترسّخت أقدامه على عهد الخليفة الثالث ، اتّسع حجم الأكاذيب والافتراءات ، وطفقت تنهال من كلّ جانب ولا سيما في الشام ؛ لتصنع أجواء مكفهرّة نتنة ، تقلب الحقائق ، وتحاصر أهل الحقّ وأنصاره خاصّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . وقف الإمام يواجه كلّ هذه الأكاذيب والافتراءات ، والسيول المتدفّقة من التزييف والاتّهام وقلب الحقائق وكتمانها ، يتصدّره بلاط معاويّة المغموس بالخداع والحيلة ، وبإصرار جاهلي عنيد على إفساد الأذهان ، وتلويث العقول بموج عارم من الأباطيل والزخارف والسفاهات . ولمّا كان معاويّة يعرف أن شخصيّة عليّ عليه السلام لو راحت تسطع من وراء غيوم الدعاية المضادّة المتلبّدة الداجية لانهارت حياته السياسيّة والاجتماعيّة ، وذهبت أدراج الرياح ، لذلك حشّد كلّ قواه وإرادته وتصميمه على استهداف هذه الشخصيّة ، فراح يضخّم ذاته حتى ينال من عليّ عليه السلام ما استطاع ، ولم تتهيّأ له وسيلة إلّا ركبها في هذه الحرب البغيضة الشعواء ، حتى بلغت به جرأته أن يفرض لعن عليّ عليه السلام في «الصلوات» ! ترى ماذا عسى الإمام عليّ عليه السلام أن يفعل في مواجهة جوّ وبيء مثل هذا يزدحم
.
ص: 521
بالأكاذيب والافتراءات والتضليل ، وتتشابك فيه أحابيل الدعاية المضادّة ؟ ليس أمامه إلّا أن يجهر بفضائله ، ويكشف عن مثالب «حزب الطلقاء» وسوآتهم . إنّ شطراً عظيماً ممّا نطق به الإمام من فضائله كان لمواجهة فضاء وبيء مسعور مثل هذا . ولا ريب في أنّ ذلك مهمّة صعبة ، شاقّة ، مجهدة بيد أنّها ضروريّة لا مناص منها . ولمّا كان عليّ عليه السلام لا يعرف إلّا الحقّ ، وليس له هدف إلّا أن يعلو الحقّ ، تحتّم عليه أن ينطق وأن يتحدّث ولو كلّفه ذلك جهداً ومرارة . وهذا ما فعله تماماً إمامُنا سلام اللّه عليه .
.
ص: 522
3 / 1المَكانَةُ عِندَ رَسولِ اللّهِ3 / 1 _ 1القَرابَةُ القَريبَةُالإمام عليّ عليه السلام_ في بَيانِ قُربِهِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: وقَد عَلِمتُم مَوضِعي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالقَرابَةِ القَريبَةِ ، وَالمَنزِلَةِ الخَصيصَةِ ؛ وَضَعَني في حِجرِهِ وأنَا وَلَدٌ ، يَضُمُّني إلى صَدرِهِ ، ويَكنُفُني في فِراشِهِ ، ويُمِسُّني جَسَدَهُ ، ويُشِمُّني عَرفَهُ . وكانَ يَمضَغُ الشَّيءَ ثُمَّ يُلقِمُنيهِ . وما وَجَدَ لي كَذبَةً في قَولٍ ، ولا خَطلَةً في فِعلٍ . ولَقَد قَرَنَ اللّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله _ مِن لَدُن أن كانَ فَطيما _ أعظَمَ مَلَكٍ مِن مَلائِكَتِهِ ، يَسلُكُ بِهِ طَريقَ المَكارِمِ ، ومَحاسِنَ أخلاقِ العالَمِ ، لَيلَهُ ونَهارَهُ . ولَقَد كُنتُ أتَّبِعُهُ اتِّباعَ الفَصيلِ أثَرَ اُمِّهِ ، يَرفَعُ لي في كُلِّ يَومٍ منِ أخلاقِهِ عَلَما ، ويَأمُرُني بِالاِقتِداءِ بِهِ . ولَقَد كانَ يُجاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِراءَ فَأَراهُ ، ولا يَراهُ غَيري . ولَم يَجمَع بَيتٌ واحِدٌ يَومَئِذٍ فِي الإِسلامِ غَيرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وخَديجَةَ وأنَا ثالِثُهُما . أرى نورَ الوَحيِ وَالرِّسالَةِ ، وأشُمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ . ولَقَد سَمِعتُ رَنَّةَ الشَّيطانِ حينَ نَزَلَ الوَحيُ عَلَيهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما هذِهِ الرَّنَّةُ ؟ فَقالَ : هذَا الشَّيطانُ قَد أيِسَ مِن عِبادَتِهِ ، إنَّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ ، وتَرى ما أرى ، إلّا أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ، ولكِنَّكَ لَوَزيرٌ ، وإنَّكَ لَعَلى خَيرٍ (1) .
.
ص: 523
عنه عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله استَوهَبَني عَن أبي في صَبائي ، وكُنتُ أكيلَهُ وشَريبَهُ ، ومؤنِسَهُ ومُحَدِّثَهُ (1) .
الإرشاد_ في ذِكرِ أحوالِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام بَعدَ الهِجرَةِ _: أنزَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عِندَ وُرودِهِ المَدينَةَ دارَهُ ، وأحَلَّهُ قَرارَهُ ، وخَلَطَهُ بِحُرَمِهِ وأولادِهِ ، ولَم يُمَيِّزهُ مِن خاصَّةِ نَفسِهِ ، ولَا احتَشَمَهُ في باطِنِ أمرِهِ وسِرِّهِ (2) .
3 / 1 _ 2كُنتُ كَجُزءٍ مِنهُالإمام عليّ عليه السلام :كُنتُ في أيّامِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَجُزءٍ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، يَنظُرُ إلَيَّ النّاسُ كَما يُنظَرُ إلَى الكَواكِبِ في اُفُقِ السَّماءِ ، ثُمَّ غَضَّ (3) الدَّهرُ مِنّي ، فَقُرِنَ بي فُلانٌ وفُلانٌ ، ثُمَّ قُرِنتُ بِخَمسَةٍ أمثَلُهُم عُثمانُ ، فَقُلتُ : وا ذَفَراه ! ثُمَّ لَم يَرضَ الدَّهرُ لي بِذلِكَ حَتّى أرذَلَني ، فَجَعَلَني نَظيرا لِابنِ هِندٍ وَابنِ النّابِغَةِ ، لَقَدِ استَنَّتِ الفِصالُ حَتَّى القَرعى (4)(5) .
راجع : ص 531 (فيا عجبا للدهر) .
3 / 1 _ 3كَالعَضُدِ مِنَ المَنكِبِالإمام عليّ عليه السلام :أنَا مِن رسَولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَالعَضُدِ مِنَ المَنكِبِ ، وكَالذِّراعِ مِنَ العَضُدِ ، وكَالكَفِّ مِنَ الذِّراعِ ، رَبّاني صَغيرا ، وآخاني كَبيرا (6) .
.
ص: 524
3 / 1 _ 4كَالضَّوءِ مِن الضَّوءِالإمام عليّ عليه السلام :أنا مِن رَسولِ اللّهِ كَالضَّوءِ مِنَ الضَّوءِ 1 ، وَالذِّراعِ مِنَ العَضُدِ (1) .
عنه عليه السلام :أنا مِن أحمَدَ كَالضَّوءِ مِنَ الضَّوءِ (2) .
الإمام الصادق عليه السلام_ لِمُحَمَّدِ بنِ حَربٍ الهِلالِيِّ _: إنَّ عَلِيّا عليه السلام بِرَسولِ اللّهِ شُرِّفَ ، وبِهِ ارتَفَعَ . . . أما عَلِمتَ أنَّ المِصباحَ هُوَ الَّذي يُهتدى بِهِ فِي الظُّلمَةِ ، وَانبِعاثُ فَرعِهِ مِن أصلِهِ ، وقَد قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «أنَا مِن أحمَدَ كَالضَّوءِ مِنَ الضَّوءِ» ! أ ما عَلِمتَ أنَّ مُحَمَّدا وعَلِيّا صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما كانا نورا بَينَ يَدَيِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ قَبلَ خَلقِ الخَلقِ بِأَلفَي عامٍ ، وأنَّ المَلائِكَةَ لَمّا رَأَت ذلِكَ النُّورَ رَأَت لَهُ أصلاً قَدِ انشَعَبَ فيهِ شُعاعٌ لامِعٌ ، فَقالَت : إلهَنا وسَيِّدَنا ، ما هذَا النّورُ ؟ فَأَوحَى اللّهُ عَزَّ وجَلَّ إلَيهِم : هذا نورٌ مِن نوري ، أصلُهُ نُبُوَّةٌ ، وفَرعُهُ إمامَةٌ ، أمَّا النُبُوَّةُ فَلِمُحَمَّدٍ عَبدي ورَسولي ، وأمَّا الإِمامَةُ فَلِعَلِيٍّ حُجَّتي ووَلِيّي (3) .
راجع: ص 407 (أنا وعليّ من نور واحد) .
.
ص: 525
3 / 1 _ 5صِنوُ رَسولِ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :أنَا صِنوُ (1) رَسولِ اللّهِ ، وَالسّابِقُ إلَى الإِسلامِ ، وكاسِرُ الأَصنامِ ، ومُجاهِدُ الكُفّارِ ، وقامِعُ الأَضدادِ (2) .
عنه عليه السلام :أنَا صِنوُهُ ، ووَصِيُّهُ ، ووَلِيُّهُ ، وصاحِبُ نَجواهُ وسِرِّهِ (3) .
راجع : ص 410 (أنا وعليّ من شجرة واحدة) .
3 / 1 _ 6ديني دينُهُ وحَسَبي حَسَبُهُالإمام عليّ عليه السلام :ديني دينُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وحَسَبي حَسَبُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَمَن تَناوَلَ ديني وحَسَبي فَقَد تَناوَلَ دينَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وحَسَبَهُ (4) .
عنه عليه السلام :حَسَبي حَسَبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وديني دينُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ومَن نالَ مِنّي شَيئا فَإِنَّما يَنالُهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله (5) .
عنه عليه السلام :إنَّ حَسَبي حَسَبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وعِرضي عِرضُهُ ، ودَمي دَمُهُ ، فَمَن أصابَ مِنّى ¨
.
ص: 526
شَيئا فَإِنَّما أصابَهُ عَن (1) رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (2) .
3 / 1 _ 7كُنتُ آخِرَ النّاسِ عَهدا بِهِالإمام عليّ عليه السلام :إنّي كُنتُ آخِرَ النّاسِ عَهدا بِرَسولِ اللّهِ ، ودَلَّيتُهُ في حُفرَتِهِ (3) .
عنه عليه السلام :لَقَد قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وإنَّ رَأسَهُ لَفي حِجري ، ولَقَد وَلِّيتُ غُسلَهُ بِيَدي ، تَقلِبُهُ المَلائِكَةُ المُقَرَّبونَ مَعي (4) .
عنه عليه السلام :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كانَ واضِعا رَأسَهُ في حِجري ، فَلَم يَزَل يَقولُ : الصَّلاةَ الصَّلاةَ ، حَتّى قُبِضَ (5) .
عنه عليه السلام :لَقَد قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وإنَّ رَأسَهُ لَعَلى صَدري ، ولَقَد سالَت نَفسُهُ في كَفّي ، فَأَمرَرتُها عَلى وَجهي . ولَقَد وَليتُ غُسلَهُ صلى الله عليه و آله وَالمَلائِكَةُ أعواني ، فَضَجَّتِ الدّارُ وَالأَفنِيَةُ ؛ مَلَأٌ يَهبِطُ ، ومَلَأٌ يَعرُجُ ، وما فارَقَت سَمعي هَينَمَةٌ (6) مِنهُم ، يُصَلّونَ عَلَيهِ حَتّى وارَيناهُ في ضَريحِهِ . فَمَن ذا أحَقُّ بِهِ مِنّي حَيّا ومَيِّتا ؟ ! فَانفُذوا عَلى بَصائِرِكُم ، وَلتَصدُق نِيّاتُكُم في جِهادِ عَدُوِّكُم ، فَوَالَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ إنّي لَعَلى جادَّةِ الحَقِّ ، وإنَّهُم لَعَلى مَزَلَّةِ الباطِلِ .
.
ص: 527
أقولُ ما تَسمَعونَ وأستَغفِرُ اللّهَ لي ولَكُم (1) .
3 / 1 _ 8أنَا أولى بِهِ حَيّا ومَيِّتاالإمام عليّ عليه السلام :أنَا أولى بِرَسولِ اللّهِ حَيّا ومَيِّتا ، وأنَا وَصِيُّهُ ، ووَزيرُهُ ، ومُستَودَعُ سِرِّهِ وعِلمِهِ (2) .
عنه عليه السلام :نَحنُ أولى بِرَسولِ اللّهِ حَيّا ومَيِّتا (3) .
عنه عليه السلام :وَاللّهِ ، إنّي لَأَخوهُ ، ووَلِيُّهُ ، ووارِثُهُ ، وَابنُ عَمِّهِ ، فَمَن أحَقُّ بِهِ مِنّي ؟ ! (4)
راجع : ص 418 (المنزلة عند النبيّ) .
3 / 2مُنتَهَى الخُضوعِ لِلنَّبِيِّ3 / 2 _ 1أنَا عَبدٌ مِن عَبيدِ مُحَمَّدٍالإمام الصادق عليه السلام :جاءَ حِبرٌ مِنَ الأَحبارِ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، مَتى كانَ رَبُّكَ ؟ فَقالَ لَهُ : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ ! ومَتى لَم يَكُن حَتّى يُقالَ : مَتى كانَ ؟ ! كان
.
ص: 528
رَبّي قَبلَ القَبلِ بِلا قَبلٍ ، وبَعدَ البَعدِ بِلا بَعدٍ ، ولا غايَةَ ولا مُنتَهى لِغايَتِهِ ، انقَطَعَتِ الغاياتُ عِندَهُ ، فَهُوَ مُنتَهى كُلِّ غايَةٍ . فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ فَنَبِيٌّ أنتَ ؟ فَقالَ : وَيلَكَ ! إنَّما أنَا عَبدٌ مِن عَبيدِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله (1) .
3 / 2 _ 2لَم اُخالِف رَسولَ اللّهِ قَطُّالإمام عليّ عليه السلام :إنّي وَاللّهِ لَم اُخالِف رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَطُّ ، ولَم أعصِهِ في أمرٍ قَطُّ ، أقيهِ بِنَفسي فِي المَواطِنِ الَّتي تَنكُصُ فيهَا الأَبطالُ وتُرعَدُ مِنهَا الفَرائِصُ ، بِقُوَّةٍ أكرَمَنِي اللّهُ بِها ، فَلَهُ الحَمدُ (2) .
عنه عليه السلام :ما رَدَدتُ عَلَى اللّهِ كَلِمَةً قَطُّ ، ولا خالَفتُ النَّبِيَّ في شَيءٍ ، أفديهِ فِي المَواطِنِ كُلِّها بِنَفسي ، ولَقَد جَلَّيتُ الكَربَ العَظيمَ عَن وَجهِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، نَجدَةً أعطانيها رَبّي (3) .
عنه عليه السلام :لَقَد عَلِمَ المُستَحفَظونَ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أنّي لَم أرُدَّ عَلَى اللّهِ ولا عَلى رَسولِهِ ساعَةً قَطُّ ، ولَقَد واسَيتُهُ بِنَفسي فِي المَواطِنِ الَّتي تَنكُصُ فيهَا الأَبطالُ وتَتَأَخَّرُ فيهَا الأَقدامُ ، نَجدَةً أكرَمَنِي اللّهُ بِها (4) .
.
ص: 529
3 / 3التَّقَدُّمُ عَلَى الأَقرانِ3 / 3 _ 1لا يَتَقَدَّمُني أحَدٌ إلّا أحمَدُالإمام عليّ عليه السلام :لا يَتَقَدَّمُني أحَدٌ إلّا أحمَدُ صلى الله عليه و آله ، وإنّي وإيّاهُ لَعَلى سَبيلٍ واحِدٍ ، إلّا أنَّهُ هُوَ المَدعُوُّ بِاسمِهِ (1) .
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنّي أوَّلُ مَن أنابَ ، وسَمِعَ فَأَجابَ ، لَم يَسبِقني إلّا رَسولُكَ (2) .
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّيأوَّلُ مَن أنابَ ، وسَمِعَ وأجابَ ، لَم يَسبِقني إلّا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالصَّلاةِ (3) .
عنه عليه السلام :أنَا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وأنَا الفاروقُ الأَوَّلُ ، أسلَمتُ قَبلَ إسلامِ النّاسِ ، وصَلَّيتُ قَبلَ صَلاتِهِم (4) .
عنه عليه السلام :وَاللّهِ لَأَنَا أوَّلُ مَن صَدَّقَهُ (5) .
راجع : ج 5 ص 205 (لم يكفر باللّه طرفة عين) ، و ص 207 (أول من أسلم) . و ص 279 (أوّل من صلّى مع النبيّ) . و ص 287 (أوّل من عَبَد اللّه من الاُمّة) .
.
ص: 530
3 / 3 _ 2لَن يُسرِعَ أحَدٌ قَبلي إلى دَعوَةِ حَقٍّالإمام عليّ عليه السلام_ في قَضِيَّةِ الشّورى _: لَن يُسرِعَ أحَدٌ قَبلي إلى دَعوَةِ حَقٍّ ، وصِلَةِ رَحِمٍ ، وعائِدَةِ كَرَمٍ ، فَاسمَعوا قَولي ، وعوا مَنطِقي (1) .
عنه عليه السلام_ في قَضِيَّةِ الشّورى _: لَن يُسرِعَ أحَدٌ قَبلي إلى دَعوَةِ حَقٍّ ، وصِلَةِ رَحِمٍ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ ، اِسمَعوا كَلامي ، وعوا مَنطِقي (2) .
3 / 3 _ 3كُنتُ أخفَضَهُم صَوتا وأعلاهُم فَوتاالإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ بَعدَ وَقعَةِ النَّهرَوانِ _: فَقُمتُ بِالأَمرِ حينَ فَشِلوا ، وتَطَلَّعتُ حينَ تَقَبَّعوا ، ونَطَقتُ حينَ تَعتَعوا ، ومَضَيتُ بِنورِ اللّهِ حينَ وَقَفوا . وكُنتُ أخفَضَهُم صَوتا ، وأعلاهُم فَوتا (3) ، فَطِرتُ بِعِنانِها ، وَاستَبدَدتُ بِرِهانِها ، كَالجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ القَواصِفُ ، ولا تُزيلُهُ العَواصِفُ ، لَم يَكُن لِأَحَدٍ فِيَّ مَهمَزٌ ، ولا لِقائِلٍ فِيَّ مَغمَزٌ (4) .
3 / 3 _ 4أنَا خَيرٌ مِنكَ ومِنهُماشرح نهج البلاغة :قالَ لَهُ [لِعَلِيٍّ عليه السلام ] عُثمانُ _ في كَلامٍ تَلاحَيا فيهِ حَتّى جَرى ذِكرُ أبي بَكرٍ وعُمَرَ _ : أبو بَكرٍ وعُمَرُ خَيرٌ مِنكَ . فَقالَ : أنَا خَيرٌ مِنكَ ومِنهُما ، عَبَدتُ اللّه
.
ص: 531
قَبلَهُما ، وعَبَدتُهُ بَعدهُما (1) .
الإحتجاج :رُوِيَ أنَّ يَوما مِنَ الأَيّامِ قالَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : إن تَرَبَّصتَ بي فَقَد تَرَبَّصتَ بِمَن هُوَ خَيرٌ مِنّي ومِنكَ . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : ومَن هُوَ خَيرٌ مِنّي ؟ ! قالَ : أبو بَكرٍ وعُمَرُ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : كَذَبتَ ، أنَا خَيرٌ مِنكَ ومِنهُما ؛ عَبَدتُ اللّهَ قَبلَكُم ، وعَبَدتُهُ بعَدَكُم (2) .
راجع: ص 620 (أبو الهيثم مالك بن التيِّهان) . و ج 5 ص 62 (الجاحظ) .
3 / 3 _ 5فَيا عَجَبا لِلدَّهرِ !الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مُعاوِيَةَ _: فَيا عَجَبا لِلدَّهرِ ؛ إذ صِرتُ يُقرَنُ بي مَن لَم يَسعَ بِقَدَمي ، ولَم تَكُن لَهُ كَسابِقَتِيَ الَّتي لا يُدلي أحَدٌ بِمِثلِها ، إلّا أن يَدَّعِيَ مُدَّعٍ ما لا أعرِفُهُ ، ولا أظُنُّ اللّهَ يَعرِفُهُ . وَالحَمدُ للّهِِ عَلى كُلِّ حالٍ (3) .
عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ تَشتَمِلُ عَلَى الشَّكوى مِن أمرِ الخِلافَةِ _: أما وَاللّهِ لَقَد تَقَمَّصَها فُلانٌ ، وإنَّهُ لَيَعلَمُ أنَّ مَحَلّي مِنها مَحَلُّ القُطبِ مِنَ الرَّحا ، يَنحَدِرُ عَنِّي السَّيلُ ، ولا يَرقى إلَيَّ الطَّيرُ . . . حَتّى مَضَى الأَوَّلُ لِسَبيلِهِ ، فَأَدلى بِها إلى فُلانٍ بَعدَهُ . . . حَتّى إذا مَضى لِسَبيلِهِ جَعَلَها في جَماعَةٍ زَعَمَ أنّي أحَدُهُم ، فَيا لَلّهِ ولِلشّورى ! مَتَى اعتَرَضَ الرَّيبُ فِيَّ مَع
.
ص: 532
الأَوَّلِ مِنهُم حَتّى صِرتُ اُقرَنُ إلى هذِهِ النَّظائِرِ ! (1)
راجع : ص 523 (كنت كجزء منه) .
3 / 4الفَضائِلُ الباهِرَةُ3 / 4 _ 1الآيَةُ الكُبرىالإمام عليّ عليه السلام :أنَا الحُجَّةُ العُظمى ، وَالآيَةُ الكُبرى ، وَالمَثَلُ الأَعلى (2) .
عنه عليه السلام :ما للّهِِ نَبَأٌ أعظَمُ مِنّي ، وما للّهِِ آيَةٌ أكبَرُ مِنّي (3) .
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ يَقولُ : ما للّهِِ عَزَّ وجَلَّ آيَةٌ هِيَ أكبَرُ مِنّي ، ولا للّهِِ مِن نَبَأٍ أعظَمُ مِنّي (4) .
3 / 4 _ 2الصِّدّيقُ الأَكبَرُالإمام عليّ عليه السلام :أنَا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ (5) .
.
ص: 533
عنه عليه السلام :أنَا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وأنَا الفاروقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ (1) .
عنه عليه السلام :ألا وإنّي فيكُم _ أيُّهَا النّاسُ _ كَهارونَ في آلِ فِرعَونَ ، وكَبابِ حِطَّةٍ في بَني إسرائيلَ ، وكَسَفينَةِ نوحٍ في قَومِ نوحٍ ، إنِّي النَّبَأُ العَظيمُ ، وَالصِّدّيقُ الأَكبَرُ (2) .
راجع : ص 463 (الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم) .
3 / 4 _ 3الفاروقُ الأَكبَرُالإمام عليّ عليه السلام :أنَا الفاروقُ الأَكبَرُ (3) .
عنه عليه السلام :إنِّي الفاروقُ الأَكبَرُ (4) .
عنه عليه السلام :أنَا الفاروقُ الأَكبَرُ ، وأنَا الإِمامُ لِمَن بَعدي ، وَالمُؤدّي عَمَّن كانَ قَبلي (5) .
راجع : ج 1 ص 504 (علي فاروق الاُمّة) .
.
ص: 534
3 / 4 _ 4القُرآنُ النّاطِقُالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا أرادَ أهلُ الشّامِ أن يَجعَلُوا القُرآنَ حَكَماً بِصِفّينَ _: أنَا القُرآنُ النّاطِقُ (1) .
عنه عليه السلام :أنَا كَلامُ اللّهِ النّاطِقُ (2) .
عنه عليه السلام :هذا كِتابُ اللّهِ الصّامِتُ ، وأنَا المُعَبِّرُ عَنهُ ، فَخُذوا بِكتابِ اللّهِ النّاطِقِ ، وذَرُوا الحُكمَ بِكتابِ اللّهِ الصّامِتِ ؛ إذ لا مُعَبِّرَ عَنهُ غَيري (3) .
عنه عليه السلام :يَابنَ أبي سُفيانَ ، أنتَ تَدعوني إلَى العَمَلِ بِكِتابِ اللّهِ وأنَا كِتابُهُ النّاطِقُ إنَّ هذا لَهُوَ العَجَبُ العَجيبُ وَالأَمرُ الغَريبُ (4) .
راجع : ج 6 ص 49 (علم القرآن) .
3 / 4 _ 5أعرَفُ النّاسِ بِالكِتابِ وَالسُّنَّةِالإمام عليّ عليه السلام :أنَا . . . أعرَفُكُم بِالكِتابِ وَالسُّنَّةِ ، وأفقَهُكُم فِي الدّينِ ، وأعلَمُكُم بِعَواقِبِ الاُمورِ (5) .
راجع : ج 6 ص 47 (أنواع علومه) .
.
ص: 535
3 / 4 _ 6يَعسوبُ المُؤمِنينَالإمام عليّ عليه السلام :أنَا يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وأنَا أوَّلُ السّابِقينَ (1) .
عنه عليه السلام :أنَا يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَالمالُ يَعسوبُ الفُجّارِ (2) .
عنه عليه السلام :أنَا يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَالمالُ يَعسوبُ الظَّلَمَةِ (3) .
عنه عليه السلام :أنَا أميرُ المُؤمِنينَ ، ويَعسوبُ المُتَّقينَ (4) .
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيّا أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ يَقولُ : أنَا يَعسوبُ الدّينِ ، وأميرُ المُؤمنِينَ ، وإنَّ كِثرَةَ المالِ عَدُوٌّ لِلمُؤمِنينَ ، ويَعسوبُ المُنافِقينَ (5) .
كنز العمّال عن أبي مسعر :دَخَلتُ عَلى عَلِيٍّ وبَينَ يَدَيهِ ذَهَبٌ ، فَقالَ : أنَا يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وهذا يَعسوبُ المُنافِقينَ ، وقالَ : بي يَلوذُ المُؤمِنونَ ، وبِهذا يَلوذُ المُنافِقونَ (6) .
راجع : ص 459 (يعسوب المؤمنين) .
.
ص: 536
3 / 4 _ 7أوَّلُ مَن يَجثو لِلخُصومَةِ يَومَ القِيامَةِالإمام عليّ عليه السلام :أنَا أوَّلُ مَن يَجثو بَينَ يَدَيِ الرَّحمنِ لِلخُصومَةِ يَومَ القِيامَةِ (1) .
عنه عليه السلام :أنَا أوَّلُ مَن يَجثو بَينَ يَدَيِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ يَومَ القِيامَةِ لِلخُصومَةِ (2) .
3 / 4 _ 8قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِالإمام عليّ عليه السلام :أنَا قَسيمُ اللّهِ بَينَ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، لا يَدخُلُها داخِلٌ إلّا عَلى حَدِّ قَسمي (3) .
عنه عليه السلام :أنَا قَسيمُ الجَنَّةِ وَالّنارِ ؛ اُدخِلُ أولِيائِيَ الجَنَّةَ ، واُدخِلُ أعدائِيَ النّارَ (4) .
عنه عليه السلام :أنَا قَسيمُ النّارِ يَومَ القِيامَةِ ، أقولُ : هذا لي ، وهذا لَكِ (5) .
عنه عليه السلام :أنَا قَسيمُ النّارِ يَومَ القِيامَةِ ، أقولُ : خُذي ذا ، وذَري ذا (6) .
.
ص: 537
عنه عليه السلام :أنَا قَسيمُ النّارِ ، فَمَن تَبِعَني فَهُوَ مِنّي ، ومَن عَصاني فَهُوَ مِن أهلِ النّارِ (1) .
عنه عليه السلام :أنَا صِراطُ اللّهِ الَّذي مَن لَم يَسلُكهُ بِطاعَةِ اللّهِ فيهِ هُوِيَ بِهِ إلَى النّارِ ، وأنَا سَبيلُهُ الَّذي نَصَبَني لِلاِتِّباعِ بَعدَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، أنَا قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، وأنَا حُجَّةُ اللّهِ عَلَى الفُجّارِ ، ونورُ الأَنوارِ (2) .
عنه عليه السلام :أنَا قَسيمُ النّارِ ، وخازِنُ الجِنانِ ، وصاحِبُ الحَوضِ ، وصاحِبُ الأَعرافِ (3) .
راجع : ص 496 (قسيم الجنّة والنار) و ج 7 ص 54 (أحبّ الخلق إلى اللّه «حديث المفضّل بن عمر») .
3 / 5المَناقِبُ المَعدودَةُ3 / 5 _ 1لَقَد اُعطيتُ السِّتَّالإمام عليّ عليه السلام :لَقَد اُعطيتُ السِّتَّ ؛ عِلمَ المَنايا وَالبَلايا وَالوَصايا ، وفَصلَ الخِطابِ ، وإنّي لَصاحِبُ الكَرّاتِ ، ودَولَةِ الدُّوَلِ ، وإنّي لَصاحِبُ العَصا وَالميسَمِ ، وَالدّابَةُ الَّتي تُكَلِّمُ النّاسَ (4) .
.
ص: 538
3 / 5 _ 2لَقَد اُعطيتُ السَّبعَالإمام عليّ عليه السلام :لَقَد اُعطيتُ السَّبعَ الَّتي لَم يَسبِقني إلَيها أحَدٌ ؛ عُلِّمتُ الأَسماءَ ، وَالحُكومَةَ بَينَ العِبادِ ، وتَفسيرَ الكِتابِ ، وقِسمَةَ الحَقِّ مِنَ المَغانِمِ بَينَ بَني آدَمَ ، فَما شَذَّ عَنّي مِنَ العِلمِ شَيءٌ إلّا وقَد عَلَّمَنيهِ المُبارَكُ . ولَقَد اُعطيتُ حَرفا يَفتَحُ ألفَ حَرفٍ ، ولَقَد اُعطِيَت زَوجَتي مُصحَفا فيهِ مِنَ العِلمِ ما لَم يَسبِقها إلَيهِ أحَدٌ خاصَّةً مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ (1) .
3 / 5 _ 3اُعطيتُ تِسعاالإمام عليّ عليه السلام :اُعطيتُ تِسعا لَم يُعطَ أحَدٌ قَبلي سِوَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؛ لَقَد فُتِحَت لِيَ السُّبُلُ ، وعُلِّمتُ المَنايا ، وَالبَلايا ، وَالأَنسابَ ، وفَصلَ الخِطابِ ، ولَقَد نَظَرتُ فِي المَلَكوتِ بِإِذنِ رَبّي فَما غابَ عَنّي ما كانَ قَبلي ولا ما يَأتي بَعدي ، وإنَّ بِوِلايَتي أكمَلَ اللّهُ لِهذِهِ الاُمَّةِ دينَهُم ، وأتَمَّ عَلَيهِمُ النِّعَمَ ، ورَضِيَ لَهُم إسلامَهُم ؛ إذ يَقولُ يَومَ الوِلايَةِ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : يا مُحَمَّدُ ! أخبِرهُم أنّي أكمَلتُ لَهُمُ اليَومَ دينَهُم ، وأتمَمتُ عَلَيهِمُ النِّعَمَ ، ورَضيتُ إسلامَهُم . كُلُّ ذلِكَ مَنَّ اللّهُ بِهِ عَلَيَّ ، فَلَهُ الحَمدُ (2) .
عنه عليه السلام :اُحاجُّ النّاسَ يَومَ القِيامَةِ بِتِسعٍ ؛ بِإِقامِ الصَّلاةِ ، وإيتاءِ الزَّكاةِ ، وَالأَمرِ بِالمَعروفِ ،
.
ص: 539
وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ ، وَالعَدلِ فِي الرَّعِيَّةِ ، وَالقَسمِ بِالسَّوِيَّةِ ، وَالجِهادِ في سَبيلِ اللّهِ ، وإقامَةِ الحُدودِ وأشباهِهِ (1) .
3 / 5 _ 4كانَ لي مِن رَسولِ اللّهِ عَشرُ خِصالٍالإمام عليّ عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! إنَّهُ كانَ لي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَشرُ خِصالٍ ، هُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ؛ قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وأنتَ أقرَبُ الخَلائِقِ إلَيَّ يَومَ القِيامَةِ فِي المَوقِفِ بَينَ يَدَيِ الجَبّارِ ، ومَنزِلُكَ فِي الجَنَّةِ مُواجِهُ مَنزِلي كَما يَتَواجَهُ مَنازِلُ الإِخوانِ فِي اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، وأنتَ الوارِثُ مِنّي ، وأنتَ الوَصِيُّ مِن بَعدي في عِداتي وأمري ، وأنتَ الحافِظُ لي في أهلي عِندَ غَيبَتي ، وأنتَ الإِمامُ لِاُمَّتي ، وَالقائِمُ بِالقِسطِ في رَعِيَّتي ، وأنتَ وَلِيّي ، ووَلِيّي وَلِيُّ اللّهِ ، وعَدُوُّكَ عَدُوّي ، وعَدُوّي عَدُوُّ اللّهِ (2) .
عنه عليه السلام :كانَ لي عَشرٌ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يُعطَهُنَّ أحَدٌ قَبلي ، ولا يُعطاهُنَّ أحَدٌ بَعدي ؛ قالَ لي : يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وأنتَ أقرَبُ النّاسِ مِنّي مَوقِفا يَومَ القِيامَةِ ، ومَنزلي ومَنزِلُكَ فِي الجَنَّةِ مُتَواجِهَينِ (3) كَمَنزِلِ الأَخَوَينِ ، وأنتَ الوَصِيُّ ، وأنتَ الوَلِيُّ ، وأنتَ الوَزيرُ ، عَدُوُّكَ عَدُوّي ، وعَدُوّيَعُدوُّ اللّهِ ، ووَلِيُّكَ وَلِيّي ، ووَلِيّي وَلِيُّ اللّهِ (4) .
.
ص: 540
عنه عليه السلام :كانَت لي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَشرُ خِصالٍ ، ما يَسُرُّني بِإِحداهُنَّ ما طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ، وما غَرَبَت . فَقيلَ لَهُ : بَيِّنها لَنا يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، أنتَ الأَخُ ، وأنتَ الخَليلُ ، وأنتَ الوَصِيُّ ، وأنتَ الوَزيرُ ، وأنتَ الخَليفَةُ فِي الأَهلِ وَالمالِ وفي كُلِّ غَيبَةٍ أغيبُها ، ومَنزِلَتُكَ مِنّي كَمَنزِلَتي مِن رَبّي ، وأنتَ الخَليفَةُ في اُمَّتي ، وَلِيُّكَ وَلِيّي ، وعَدُوُّكَ عَدُوّي ، وأنتَ أميرُ المُؤمِنينَ وسَيِّدُ المُسلِمينَ مِن بَعدي (1) .
3 / 5 _ 5قَد وَفَّيتُ سَبعا وسَبعا وبَقِيَتِ الاُخرىالإمام الباقر عليه السلام :أتى رَأسُ اليَهودِ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام عِنَد مُنصَرَفِهِ عَن وَقعَةِ النَّهرَوانِ وهُوَ جالِسٌ في مَسجِدِ الكوفَةِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إني اُريدُ أن أسأَلَكَ عَن أشياءَ لا يَعلَمُها إلّا نَبِيٌّ أو وَصِيُّ نَبِيٍّ . قالَ : سَل عَمّا بَدا لَكَ يا أخَا اليَهودِ . قالَ : إنّا نَجِدُ فِي الكِتابِ أنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ إذا بَعَثَ نَبِيّا أوحى إلَيهِ أن يَتَّخِذَ مِن أهلِ بَيتِهِ مَن يَقومُ بِأَمرِ اُمَّتِهِ مِن بَعدِهِ ، وأن يَعهَدَ إلَيهِم فيهِ عَهدا يُحتَذى عَلَيهِ ويُعمَلُ بِهِ في اُمَّتِهِ مِن بَعدِهِ ، وأنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَمتَحِنُ الأَوصِياءَ في حَياةِ الأَنبِياءِ ، ويَمتَحِنُهُم بَعدَ وَفاتِهِم ، فَأَخبِرني كَم يَمتَحِنُ اللّهُ الأَوصِياءَ في حَياةِ الأَنبِياءِ ؟ وكَم يَمتَحِنُهُم بَعدَ وَفاتِهِم مِن مَرَّةٍ ؟ وإلى ما يَصيرُ آخِرُ أمرِ الأَوصِياءِ إذا رَضِيَ مِحنَتَهُم ؟ فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ غَيرُهُ ، الَّذي فَلَقَ البَحرَ لِبَني إسرائيلَ ، وأنزَلَ التَّوراةَ عَلى موسى عليه السلام ، لَئِن أخبَرتُكَ بِحَقٍّ عَمّا تَسأَلُ عَنهُ لَتُقِرَّنَّ بِهِ ؟ قالَ : نَعَم .
.
ص: 541
قالَ : وَالَّذي فَلَقَ البَحرَ لِبَني إسرائيلَ ، وأنزَلَ التَّوراةَ عَلى موسى عليه السلام ، لَئِن أجَبتُكَ لَتُسلِمَنَّ ؟ قالَ : نَعَم . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَمتَحِنُ الأَوصِياءَ في حَياةِ الأَنبِياءِ في سَبعَةِ مَواطِنَ ؛ لِيَبتَلِيَ طاعَتَهُم ، فَإِذا رَضِيَ طاعَتَهُم ومِحنَتَهُم أمَرَ الأَنبِياءَ أنَ يَتَّخِذوهُم أولِياءَ في حَياتِهِم ، وأوصِياءَ بَعدَ وَفاتِهِم ، ويَصيرُ طاعَةُ الأَوصِياءِ في أعناقِ الاُمَمِ مِمَّن يَقولُ بِطاعَةِ الأَنبِياءِ . ثُمَّ يَمتَحِنُ الأَوصِياءَ بَعدَ وَفاةِ الأَنبِياءِ عليهم السلام في سَبعَةِ مَواطِنَ ؛ لِيَبلُوَ صَبرَهُم ، فَإِذا رَضِيَ مِحنَتَهُم خَتَمَ لَهُم بِالسَّعادَةِ لِيُلحِقَهُم بِالأَنبِياءِ ، وقَد أكمَلَ لَهُمُ السَّعادَةَ . قالَ لَهُ رَأسُ اليَهودِ : صَدَقتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَأَخبِرني كَمِ امتَحَنَكَ اللّهُ في حَياةِ مُحَمَّدٍ مِن مَرَّةٍ ؟ وكَمِ امتَحَنَكَ بَعدَ وَفاتِهِ مِن مَرَّةٍ ؟ وإلى ما يَصيرُ آخِرُ أمرِكَ ؟ فَأَخَذَ عَلِيٌّ عليه السلام بِيَدِهِ ، وقالَ : اِنهَض بِنا اُنبِئكَ بِذلِكَ . فَقامَ إلَيهِ جَماعَةٌ مِن أصحابِهِ فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أنبِئنا بِذلِكَ مَعَهُ ، فَقالَ : إنّي أخافُ أن لا تَحتَمِلَهُ قُلوبُكُم . قالوا : ولِمَ ذاكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : لِاُمورٍ بَدَت لي مِن كَثيرٍ مِنكُم . فَقامَ إلَيهِ الأَشتَرُ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أنبِئنا بِذلِكَ ، فَوَاللّهِ إنّا لَنَعلَمُ أنَّهُ ما عَلى ظَهرِ الأَرضِ وَصِيُّ نَبِيٍّ سِواكَ ، وإنّا لَنَعلَمُ أنَّ اللّهَ لا يَبعَثُ بَعدَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله نَبِيّا سِواهُ ، وأنَّ طاعَتَكَ لَفي أعناقِنا ، مَوصولَةً بِطاعَةِ نَِبيِّنا . فَجَلَسَ عَلِيٌّ عليه السلام وأقبَلَ عَلَى اليَهودِيِّ فَقالَ : يا أخَا اليَهودِ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ امتَحَنَني في حَياةِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله في سَبعَةِ مَواطِنَ ، فَوَجَدَني فيهِنَّ _ مِن غَيرِ تَزكِيَةٍ لِنَفسي _ بِنِعمَةِ اللّهِ لَهُ مُطيعا . قالَ : وفيمَ وفيمَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : أمّا أوَّلُهُنَّ فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أوحى إلى نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله وحَمَّلَهُ الرِّسالَةَ ، وأنَا أحدَثُ أهلِ بَيتي سِنّا ، أخدِمُهُ في بَيتِهِ ، وأسعى في قَضاءٍ بَينَ يَدَيهِ في أمرِهِ (1) ، فَدَعا صَغيرَ بَني عَبدِ المُطَّلِب
.
ص: 542
وكَبيرَهُم إلى شَهادَةِ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وأنَّهُ رَسولُ اللّهِ ، فَامتَنَعوا مِن ذلِكَ ، وأنكَروهُ عَلَيهِ ، وهَجَروهُ ، ونابَذوهُ ، وَاعتَزَلوهُ ، وَاجتَنَبوهُ ، وسائِرُ النّاسِ مُقصينَ لَهُ ومُخالِفينَ عَلَيهِ ، قَد استَعظَموا ما أورَدَهُ عَلَيهِم مِمّا لَم تَحتَمِلهُ قُلوبُهُم وتُدرِكهُ عُقولُهُم ، فَأَجَبتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَحدي إلى ما دَعا إلَيهِ مُسرِعاً مُطيعاً موقِناً ، لَم يَتَخالَجني في ذلِكَ شَكٌّ ، فَمَكَثنا بِذلِكَ ثَلاثَ حِجَجٍ وما عَلى وَجهِ الأَرضِ خَلقٌ يُصَلّي أو يُشهَدُ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِما آتاهُ اللّهُ غَيري وغَيرُ ابنَةِ خُوَيلِدٍ رَحِمَهَا اللّهُ ، وقَد فَعَلَ . ثُمَّ أقبَلَ عليه السلام عَلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الثّانِيَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ قُرَيشاً لَم تَزَل تَخَيَّلُ الآراءَ وتَعمَلُ الحِيَلَ في قَتلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حَتّى كانَ آخِرُ مَا اجتَمَعَت في ذلِكَ يَومَ الدّارِ _ دارِالنَّدوَةِ _ وإبليسُ المَلعونُ حاضِرٌ في صورَةِ أعوَرِ ثَقيفٍ ، فَلَم تَزَل تَضرِبُ أمرَها ظَهرا لِبَطنٍ حَتَّى اجتَمَعَت آراؤُها عَلى أن يَنتَدِبَ مِن كُلِّ فَخِذٍ مِن قُرَيشٍ رَجُلٌ ، ثُمَّ يَأخُذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم سَيفَهُ ، ثُمَّ يَأتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وهُوَ نائِمٌ عَلى فِراشِهِ فَيَضرِبونَهُ جَميعاً بِأَسيافِهِم ضَربَةَ رَجُلٍ واحِدٍ فَيَقتُلوهُ ، وإذا قَتَلوهُ مَنَعَت قُرَيشٌ رِجالَها ولَم تُسَلِّمها ، فَيَمضي دَمُهُ هَدَراً . فَهَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَأَنبَأَهُ بِذلِكَ وأخبَرَهُ بِاللَّيلَةِ الَّتي يَجتَمِعونَ فيها ، وَالسّاعَةِ الَّتي يَأتونَ فِراشَهُ فيها ، وأمَرَهُ بِالخُروجِ فِي الوَقتِ الَّذي خَرَجَ فيهِ إلَى الغارِ . فَأَخبَرَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالخَبَرِ ، وأمَرَني أن أضطَجِعَ في مَضجَعِهِ ، وأقِيَهُ بِنَفسي ، فَأَسرَعتُ إلى ذلِكَ مُطيعاً لَهُ ، مَسروراً لِنَفسي بِأَن اُقتَلَ دونَهُ ، فَمَضى عليه السلام لَوَجهِهِ ، وَاضطَجَعتُ في مَضجَعِهِ ، وأقبَلَت رَجّالاتُ قُرَيشٍ موقِنَةً في أنفُسِها أن تَقتُلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا استَوى بي وبِهِمُ البَيتُ الَّذي أنَا فيهِ ناهَضتُهُم بِسَيفي ، فَدَفَعتُهُم عَن نَفسي بِما قَد عَلِمَهُ اللّهُ وَالنّاسُ . ثُمَّ أقبَلَ عليه السلام عَلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا :
.
ص: 543
بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الثّالِثَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ ابنَي رَبيعَةَ وَابنَ عُتبَةَ _ كانوا فُرسانَ قُرَيشٍ _ دَعَوا إلَى البِرازِ يَومَ بَدرٍ ، فَلَم يَبرُز لَهُم خَلقٌ مِن قُرَيشٍ ، فَأَنهَضَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَعَ صاحِبَيَّ رَضِيَ اللّهُ عَنهُما وقَد فَعَلَ وأنَا أحدَثُ أصحابي سِنّاً ، وأقَلُّهُم لِلحَربِ تَجرِبَةً ، فَقَتَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِيَدي وَليداً وشَيبَةَ سِوى مَن قَتَلتُ مِن جَحاجِحَةِ قُرَيشٍ في ذلِكَ اليَومِ ، وسِوى مَن أسَرتُ ، وكانَ مِنّي أكثَرُ مِمّا كانَ مِن أصحابي ، وَاستُشهِدَ ابنُ عَمّي (1) في ذلِكَ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ . ثُمَّ التَفَتَ إلى أصحابِهِ فَقالَ : ألَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : وأمَّا الرّابِعَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ أهلَ مَكَّةَ أقبَلوا إلَينا عَلى بَكرَةِ أبيهِم قَدِ استَحاشوا مَن يَليهِم مِن قَبائِلِ العَرَبِ وقُرَيشٍ ؛ طالِبينَ بِثَأرِ مُشرِكي قُرَيشٍ في يَومِ بَدرٍ ، فَهَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَأَنبَأَهُ بِذلِكَ ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وعَسكَرَ بِأَصحابِهِ في سَدِّ اُحُدٍ ، وأقبَلَ المُشرِكونَ إلَينا فَحَمَلوا إلَينا (2) حَملَةَ رَجُلٍ واحِدٍ ، وَاستُشهِدَ مِنَ المُسلِمينَ مَنِ استُشهِدَ ، وكانَ مِمَّن بَقِيَ [ماكانَ] (3) مِنَ الهَزيمَةِ ، وبَقيتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ومَضَى المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ إلى مَنازِلِهِم مِنَ المَدينَةِ، كُلٌّ يَقولُ : قُتِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وقُتِلَ أصحابُهُ . ثُمَّ ضَرَبَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ وُجوهَ المُشرِكينَ ، وقَد جُرِحتُ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَيِّفاً وسَبعينَ جِراحَةً ، مِنها هذِهِ وهذِهِ _ ثُمَّ ألقى عليه السلام رِداءَهُ وأمَرَّ يَدَهُ عَلى جِراحاتِهِ _ وكانَ مِنّي في ذلِكَ ما عَلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ثَوابُهُ ، إن شاءَ اللّهُ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
.
ص: 544
فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الخامِسَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ قُرَيشاً وَالعَرَبُ تَجَمَّعَت وعَقَدَت بَينَها عَقداً وميثاقاً لا تَرجِعُ مِن وَجهِها حَتّى تَقتُلَ رَسولَ اللّهِ وتَقتُلَنا مَعَهُ مَعاشِرَ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، ثُمَّ أقبَلَت بِحَدِّها وحَديدِها حَتّى أناخَت عَلَينا بِالمَدينَةِ واثِقَةً بِأَنفُسِها فيما تَوَجَّهَت لَهُ ، فَهَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَأَنبَأَهُ بِذلِكَ ، فَخَندَقَ عَلى نَفسِهِ ومَن مَعَهُ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ . فَقَدِمَت قُرَيشٌ فَأَقامَت عَلَى الخَندَقِ مُحاصِرَةً لَنا ، تَرى في أنفُسِهَا القُوَّةَ وفينَا الضَّعفَ ، تُرعِدُ وتُبرِقُ ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَدعوها إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ويُناشِدُها بِالقَرابَةِ وَالرَّحِمِ فَتَأبى ، ولا يَزيدُها ذلِكَ إلّا عُتُوّاً ، وفارِسُها وفارِسُ العَرَبِ يَومَئِذٍ عَمرُو بنُ عَبدِ وَدٍّ يَهدِرُ كَالبَعيرِ المُغتَلِمِ ، يَدعو إلَى البِرازِ ، ويَرتَجِزُ ، ويَخطِرُ بِرُمحِهِ مَرَّةً وبِسَيفِهِ مَرَّةً ، لا يُقدِمُ عَلَيهِ مُقدِمٌ ، ولا يَطمَعُ فيهِ طامِعٌ ، ولا حَمِيَّةٌ تُهَيِّجُهُ ، ولا بَصيرَةٌ تُشَجِّعُهُ ، فَأَنهَضَني إلَيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وعَمَّمَني بِيَدِهِ ، وأعطاني سَيفَهُ هذا _ و ضَرَبَ بِيَدِهِ إلى ذِي الفَقارِ _ فَخَرَجتُ إلَيهِ ونِساءُ أهلِ المَدينَةِ بَواكٍ ؛ إشفاقاً عَلَيَّ مِن ابنِ عَبدِ وَدٍّ ، فَقَتَلَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِيَدي ، وَالعَرَبُ لا تَعُدُّ لَها فارِساً غَيرَهُ ، وضَرَبَني هذِهِ الضَّربَةَ _ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى هامَتِهِ _ فَهَزَمَ اللّهُ قُرَيشاً وَالعَرَبَ بِذلِكَ ، وبِما كان مِنّي فيهِم مِنَ النِّكايَةِ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : وأمَّا السّادِسَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنّا وَرَدنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَدينَةَ أصحابِكَ خَيبَرَ عَلى رِجالٍ مِنَ اليَهودِ وفُرسانِها مِن قُرَيشٍ وغَيرِها ، فَتَلَقَّونا بِأَمثالِ الجِبالِ مِنَ الخَيلِ وَالرِّجالِ وَالسِّلاحِ ، وهُمَ في أمنَعِ دارٍ وأكثَرِ عَدَدٍ ، كُلٌّ يُنادي ويَدعو ويُبادِرُ إلَى القِتالِ ، فَلَم يَبرُز إلَيهِم مِن أصحابي أحَدٌ إلّا قَتَلوهُ ، حَتّى إذَا احمَرَّتِ الحَدَقُ ، ودُعيتُ إلَى النِّزالِ ، وأهَمَّت كُلَّ امرِىٍء نَفسُهُ . وَالتَفَتَ بَعضُ أصحابي إلى بَعضٍ وكُلٌّ يَقولُ : يا أبَا الحَسَنِ انهَض . فَأَنهَضَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى دارِهِم ، فَلَم يَبرُز إلَيَّ مِنهُم
.
ص: 545
أحَدٌ إلّا قَتَلتُهُ ، ولا يَثبُتُ لي فارِسٌ إلّا طَحَنتُهُ ، ثُمَّ شَدَدتُ عَلَيهِم شِدَّةَ اللَّيثِ عَلى فَريسَتِهِ ، حَتّى أدخَلتُهُم جَوفَ مَدينَتِهِم مُسَدَّداً عَلَيهِم ، فَاقتَلَعتُ بابَ حِصنِهِم بِيَدي ، حَتّى دَخَلتُ عَلَيهِم مَدينَتَهُم وَحدي أقتُلُ مَن يَظهَرُ فيها مِن رِجالها ، وأسبي مَن أجِدُ مِن نِسائِها حَتَّى افتَتَحتُها (1) وَحدي ، ولَم يَكُن لي فيها مُعاوِنٌ إلَا اللّهُ وَحدَهُ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : وأمَّا السّابِعَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمّا تَوَجَّهَ لِفَتحِ مَكَّةَ أحَبَّ أن يُعذِرَ إلَيهِم ويَدعُوَهُم إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ آخِراً كَما دَعاهُم أوَّلاً ، فَكَتَبَ إلَيهِم كِتاباً يُحَذِّرُهُم فيهِ ويُنذِرُهُم عَذابَ اللّهِ ، ويَعِدُهُمُ الصَّفحَ ، ويُمَنّيهِم مَغفِرَةَ رَبِّهِم ، ونَسَخَ لَهُم في آخِرِهِ سورَةَ بَراءَةٌ لِيَقرَأَها عَلَيهِم . ثُمَّ عَرَضَ عَلى جَميعِ أصحابِهِ المُضِيَّ بِهِ ، فُكُلُّهُم يَرَى التَّثاقُلَ فيهِ ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ نَدَبَ مِنهُم رَجُلاً فَوَجَّهَهُ بِهِ ، فَأَتاهُ جَبرَئيلُ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ . فَأَنبَأَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِذلِكَ ، ووَجَّهَني بِكِتابِهِ ورِسالَتِهِ إلى أهلِ مَكَّةَ ، فَأَتَيتُ مَكَّةَ وأهلُها مَن قَد عَرَفتُم ؛ لَيسَ مِنهُم أحَدٌ إلّا ولَو قَدَرَ أن يَضَعَ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنّي إرباً لَفَعَلَ ، ولَو أن يَبذُلَ في ذلِكَ نَفسَهُ وأهلَهُ ووُلدَهُ ومالَهُ ، فَبَلَّغتُهُم رِسالَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وقَرَأتُ عَلَيهِم كِتابَهُ ، فَكُلُّهُم يَلقاني بِالتَّهَدُّدِ وَالوَعيدِ ، ويُبدي لِيَ البَغضاءَ ، ويُظهِرُ الشَّحناءَ مِن رِجالِهِم ونِسائِهِم ، فَكانَ مِنّي في ذلِكَ ما قَد رَأَيتُم . ثُمَّ التَفَتَ إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : يا أخَا اليَهودَ ، هذِهَ المَواطِنُ الَّتِي امتَحَنَني فيهِ رَبّي عَزَّ وجَلَّ مَعَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، فَوَجَدَني فيها كُلِّها بِمَنِّهِ مُطيعاً ، لَيسَ لِأَحَدٍ فيها مِثلُ الَّذي لي ، ولَو شِئتُ لَوَصَفتُ ذلِكَ ، ولكِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ نَهى عَنِ التَّزكِيَةِ .
.
ص: 546
فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، صَدَقتَ وَاللّهِ ، ولَقَد أعطاكَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ الفَضيلَةَ بِالقَرابَةِ مِن نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله ، وأسعَدَكَ بِأَن جَعَلَكَ أخاهُ ، تَنزِلُ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، وفَضَّلَكَ بِالمَواقِفِ الَّتي باشَرتَها ، وَالأَهوالِ الَّتي رَكِبتَها ، وذَخَرَ لَكَ الَّذي ذَكَرتَ وأكثَرَ مِنهُ مِمّا لَم تَذكُرهُ ، ومِمّا لَيسَ لِأَحَدٍ مِنَ المُسلِمينَ مِثلُهُ ، يَقولُ ذلِكَ مَن شَهِدَكَ مِنّا مَعَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله ومَن شَهِدَكَ بَعدَهُ ، فَأَخبِرنا يا أميرَ المُؤمِنينَ ، مَا امتَحَنَكَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ بَعدَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله فَاحتَمَلتَهُ وصَبَرتَ ؟ فَلَو شِئنا أن نَصِفَ ذلِكَ لَوَصَفناهُ ، عِلماً مِنّا بِهِ ، وظُهوراً مِنّا عَلَيهِ ، إلّا أنّا نُحِبُّ أن نَسمَعَ مِنكَ ذلِكَ كَما سَمِعنا مِنكَ مَا امتَحَنَكَ اللّهُ بِهِ في حَياتِهِ فَأَطَعتَهُ فيهِ . فَقالَ عليه السلام : يا أخَا اليَهودِ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ امتَحَنَني بَعدَ وَفاةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله في سَبعَةِ مَواطِنَ ، فَوَجَدَني فيهِنَّ _ مِن غَيرِ تَزكِيَةٍ لِنَفسي _ بِمَنِّهِ ونِعمَتِهِ صَبوراً . أمّا أوَّلُهُنَّ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّهُ لَم يَكُن لي خاصَّةً دونَ المُسلِمينَ عامَّةً أحَدٌ آنَسُ بِهِ أو أعتَمِدُ عَلَيهِ أو أستَنيمُ (1) إلَيهِ أو أتَقَرَّبُ بِهِ غَيرُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، هُوَ رَبّاني صَغيراً ، وبَوَّأَني (2) كَبيراً ، وكَفانِي العَيلَةَ ، وجَبَرَني مِنَ اليُتمِ ، وأغناني عَنِ الطَّلَبِ ، ووَقانِيَ المَكسَبَ ، وعالَ لِيَ النَّفسَ وَالوَلَدَ وَالأَهلَ . هذا في تَصاريفِ أمرِ الدُّنيا ، مَعَ ما خَصَّني بِهِ مِنَ الدَّرَجاتِ الَّتي قادَتني إلى مَعالِي الحَقِّ (3) عِندَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، فَنَزَلَ بي مِن وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما لَم أكُن أظُنُّ الجِبالَ لَو حُمَّلَتهُ عَنوَةً كانَت تَنهَضُ بِهِ ، فَرَأَيتُ النّاسَ مِن أهلِ بَيتي ما بَينَ جازِعٍ لا يَملِكُ جَزَعَهُ ، ولا يَضبِطُ نَفسَهُ ، ولا يَقوى عَلى حَملِ فادِحِ ما نَزَلَ بِهِ ؛ قَد أذهَبَ الجَزَعُ صَبرَهُ ، وأذهَلَ عَقلَهُ ، وحالَبَينَهُ وبَينَ الفَهم
.
ص: 547
وَالإِفهامِ ، وَالقَولِ وَالإِسماعِ ، وسائِرُ النّاسِ مِن غَيرِ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ بَينَ مُعَزٍّ يَأمُرُ بِالصَّبرِ ، وبَينَ مُساعِدٍ باكٍ لِبُكائِهِم ، جازِعٍ لِجَزَعِهِم ، وحَمَلتُ نَفسي عَلَى الصَّبرِ عِندَ وَفاتِهِ بِلُزومِ الصَّمتِ ، وَالاِشتِغالِ بِما أمَرَني بِهِ مِن تَجهيزِهِ وتَغسيلِهِ وتَحنيطِهِ وتَكفينِهِ وَالصَّلاةِ عَلَيهِ ووَضعِهِ في حُفرَتِهِ ، وجَمعِ كِتابِ اللّهِ وعَهدِهِ إلى خَلقِهِ ، لا يَشغَلُني عَن ذلِكَ بادِرُ دَمعَةٍ ، ولا هائِجُ زَفرَةٍ ، ولا لاذِعُ حُرقَةٍ ، ولا جَزيلُ مُصيبَةٍ ، حَتّى أدَّيتُ في ذلِكَ الحَقَّ الواجِبَ للّهِِ عَزَّ وجَلَّ ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله عَلَيَّ ، وبَلَّغتُ مِنهُ الَّذي أمَرَني بِهِ ، وَاحتَمَلتُهُ صابِراً مُحتَسِباً . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الثّانِيَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَّرَني في حَياتِهِ عَلى جَميعِ اُمَّتِهِ ، وأخَذَ عَلى جَميعِ مَن حَضَرَهُ مِنهُمُ البَيعَةَ وَالسَّمعَ وَالطّاعَةَ لاِمري ، وأمَرَهُم أن يُبَلِّغَ الشّاهِدُ الغائِبَ ذلِكَ ، فَكُنتُ المُؤَدِّيَ إلَيهِم عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمرَهُ إذا حَضَرتُهُ ، وَالأَميرَ عَلى مَن حَضَرَني مِنهُم إذا فارَقتُهُ ، لا تَختَلِجُ في نَفسي مُنازَعَةُ أحَدٍ مِنَ الخَلقِ لي في شَيءٍ مِنَ الأَمرِ في حَياةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ولا بَعدَ وَفاتِهِ . ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِتَوجيهِ الجَيشِ الَّذي وَجَّهَهُ مَعَ اُسامَةَ بنِ زَيدٍ عِندَ الَّذي أحدَثَ اللّهُ بِهِ مِنَ المَرَضِ الَّذي تَوَفّاهُ فيهِ ، فَلَم يَدَعِ النَّبِيُّ أحَداً مِن أفناءِ العَرَبِ ولا مِنَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ وغَيرِهِم مِن سائِرِ النّاسِ مِمَّن يَخافُ عَلى نَقضِهِ ومُنازَعَتِهِ ، ولا أحَداً مِمَّن يَراني بِعَينِ البَغضاءِ مِمَّن قَد وَتَرتُهُ بِقَتلِ أبيهِ أو أخيهِ أو حَميمِهِ إلّا وَجَّهَهُ في ذلِكَ الجَيشِ ، ولا مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، وَالمُسلِمينَ وغَيرِهِم ، وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم ، وَالمُنافِقينَ ؛ لِتَصفُوَ قُلوبُ مَن يَبقى مَعي بِحَضرَتِهِ ، ولِئَلّا يَقولَ قائِلٌ شَيئاً مِمّا أكرَهُهُ ، ولا يَدفَعَني دافِعٌ مِنَ الوِلايَةِ وَالقِيامِ بِأَمرِ رَعِيَّتِهِ مِن بَعدِهِ . ثُمَّ كانَ آخِرُ ما تَكَلَّمَ بِهِ في شَيءٍ مِن أمرِ اُمَّتِهِ أن يَمضِيَ جَيشُ اُسامَة
.
ص: 548
ولا يَتَخَلَّفَ عَنهُ أحَدٌ مِمّن أنهَضَ مَعَهُ ، وتَقَدَّمَ في ذلِكَ أشَدَّ التَّقَدُّمِ ، وأوعَزَ فيهِ أبلَغَ الإِيعازِ ، وأكَّدَ فيهِ أكثَرَ التَّأكيدِ ، فَلَم أشعُر بَعدَ أن قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلّا بِرِجالٍ مِن بَعثِ اُسامَةَ بنِ زَيدٍ وأهلِ عَسكَرِهِ قَد تَرَكوا مَراكِزَهُم ، وأخَلّوا مَواضِعَهُم ، وخالَفوا أمرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيما أنهَضَهُم لَهُ وأمَرَهُم بِهِ وتَقَدَّمَ إلَيهِم ؛ مِن مُلازَمَةِ أميرِهِم ، وَالسَّيرِ مَعَهُ تَحتَ لِوائِهِ حَتّىَينفُذَ لِوَجهِهِ الَّذي أنفَذَهُ إلَيهِ ، فَخَلَّفوا أميرَهُم مُقيماً في عَسكَرِهِ ، وأقبَلوا يَتَبادَرونَ عَلَى الخَيلِ رَكضاً إلى حَلِّ عُقدَةٍ عَقَدَهَا اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لي ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله في أعناقِهِم فَحَلّوها ، وعَهدٍ عاهَدُوا اللّهَ ورَسولَهُ فَنَكَثوهُ ، وعَقَدوا لِأَنفُسِهِم عَقداً ضَجَّت بِهِ أصواتُهُم ، وَاختَصَّت بِهِ آراؤُهُم مِن غَيرِ مُناظَرَةٍ لِأَحَدٍ مِنّا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، أو مُشارَكَةٍ في رَأيٍ ، أوِ استِقالَةٍ لِما في أعناقِهِم مِن بَيعَتي ، فَعَلوا ذلِكَ وأنَا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَشغولٌ ، وبِتَجهيزِهِ عَن سائِرِ الأَشياءِ مَصدودٌ ، فَإِنَّهُ كانَ أهَمَّها ، وأحَقَّ ما بُدِئَ بِهِ مِنها . فَكانَ هذا _ يا أخَا اليَهودِ _ أقرَحَ ما وَرَدَ عَلى قَلبي مَعَ الَّذي أنَا فيهِ مِن عَظيمِ الرَّزِيَّةِ وفاجِعِ المُصيبَةِ ، وفَقِد مَن لا خَلَفَ مِنهُ إلَا اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى ، فَصَبَرتُ عَلَيها إذ (1) أتَت بَعدَ اُختِها عَلى تَقارُبِها وسُرعَةِ اتِّصالِها. ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ: أ لَيسَ كَذلِكَ؟ قالوا: بَلى يا أميرَالمُؤمِنينَ. فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الثّالِثَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ القائِمَ بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله كانَ يَلقاني مُعتَذِراً في كُلِّ أيّامِهِ ، ويَلومُ غَيرَهُ مَا ارتَكَبَهُ مِن أخذِ حَقّي ، ونَقضِ بَيعَتي ، ويَسأَلُني تَحليلَهُ ، فَكُنتُ أقولُ : تَنقَضي أيّامُهُ ثُمَّ يَرجِعُ إلَيَّ حَقِّيَ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ لي عَفواً هَنيئاً مِن غَيرِ أن اُحدِثَ فِي الإِسلامِ _ مَعَ حُدوثِهِ وقُربِ عَهدِهِ بِالجاهِلِيَّةِ _ حَدَثاً في طَلَبِ حَقّي بِمُنازَعَةٍ ، لَعَلَّ فُلاناً يَقولُ فيها : نَعَم ، وفُلاناً يَقولُ : لا ، فَيَؤولُ ذلِكَ مِنَ القَولِ إلَى الفِعلِ ، وجَماعَةٌ مِن خَواصِّ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أعرِفُهُم بِالنُّصحِ للّهِِ ولِرَسولِهِ ولِكِتابِه
.
ص: 549
ودينِهِ الإِسلامِ يَأتُونِّي عَوداً وبَدءاً وعَلانِيَةً وسِرّاً فَيَدعُونِّي إلى أخذِ حَقّي ، ويَبذُلونَ أنفُسَهُم في نُصرَتي ، لِيُؤَدّوا إلَيَّ بِذلِكَ بَيعَتي في أعناقِهِم ، فَأَقولُ : رُوَيداً وصَبراً قَليلاً ؛ لَعَلَّ اللّهَ يَأتيني بِذلِكَ عَفواً بِلا مُنازَعَةٍ ، ولا إراقَةِ الدِّماءِ ، فَقَدِ ارتابَ كَثيرٌ مِنَ النّاسِ بَعدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وطَمِعَ فِي الأَمرِ بَعدَهُ مَن لَيسَ لَهُ بِأَهلٍ ، فَقالَ كُلُّ قَومٍ : مِنّا أميرٌ ، وما طَمِعَ القائِلونَ في ذلِكَ إلّا لِتَناوُلِ غَيرِي الأَمرَ . فَلَمّا دَنَت وَفاةُ القائِمِ وَانقَضَت أيّامُهُ صَيَّرَ الأَمرَ بَعدَهُ لِصاحِبِهِ ، فَكانَت هذِهِ اُختَ اُختِها ، ومَحَلُّها مِنّي مِثلُ مَحَلِّها ، وأخَذا مِنّي ما جَعَلَهُ اللّهُ لي ، فَاجتَمَعَ إلَيَّ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِمَّن مَضى ومِمَّن بَقِيَ مِمَّن أخَّرَهُ اللّهُ مَنِ اجتَمَعَ ، فَقالوا لي فيها مِثلَ الَّذي قالوا في اُختِها ، فَلَم يَعدُ قولِيَ الثّاني قولِيَ الأَوَّلَ ، صَبراً وَاحتِساباً ويَقيناً وإشفاقاً مِن أن تَفنى عُصبَةٌ تَأَلَّفَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِاللّينِ مَرَّةً وبِالشِّدَّةِ اُخرى ، وبِالنُّذرِ مَرَّةً وبِالسَّيفِ اُخرى ، حَتّى لَقَد كانَ مِن تَأَلُّفِهِ لَهُم أن كانَ النّاسُ في الكَرِّ وَالفِرارِ وَالشَّبَعِ وَالرَّيِّ وَاللِّباسِ وَالوِطاءِ وَالدِّثارِ ، ونَحنُ أهلُ بَيتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله لا سُقوفَ لِبُيوتِنا ، ولا أبوابَ ولاسُتورَ إلَا الجَرائِدُ وما أشبَهَها ، ولا وِطاءَ لَنا ، ولا دِثار عَلَينا ، يَتَداوَلُ الثَّوبَ الواحِدَ فِي الصَّلاةِ أكثَرُنا ، ونَطوِي اللَّيالِيَ وَالأَيّامَ عامَّتُنا ، ورُبَّما أتانَا الشَّيءُ مِمّا أفاءَهُ اللّهُ عَلَينا وصَيَّرَهُ لَنا خاصَّةً دونَ غَيرِنا _ ونَحنُ عَلى ما وَصَفتُ مِن حالِنا _ فَيُؤثِرُ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أربابَ النِّعَمِ وَالأَموالِ تَأَلُّفاً مِنهُ لَهُم . فَكُنتُ أحَقَّ مَن لَم يُفَرِّق هذِهِ العُصبَةَ الَّتي أَلَّفَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولَم يَحمِلها عَلَى الخُطَّةِ الَّتي لا خَلاصَ لَها مِنها دونَ بُلوغِها ، أو فَناءِ آجالِها ؛ لِأَنّي لَو نَصَبتُ نَفسي فَدَعَوتُهُم إلى نُصرَتي كانوا مِنّي وفي أمري عَلى إحدى مَنزِلَتَينِ ؛ إمّا مُتَّبِعٌ مُقاتِلٌ ، وإمّا مَقتولٌ إن لَم يَتَّبِعِ الجَميعَ ، وإمّا خاذِلٌ يَكفُرُ بِخِذلانِهِ إن قَصَّرَ في نُصرَتي أو أمسَكَ عَن طاعَتي ، وقَد عَلِمَ اللّهُ أنّي مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، يَحُلُّ بِهِ فى ¨
.
ص: 550
مُخالَفَتي وَالإِمساكِ عَن نُصرَتي ما أحَلَّ قَومُ موسى بِأَنفُسِهِم في مُخالِفَةِ هارونَ وتَركِ طاعَتِهِ . ورَأَيتُ تَجَرُّعَ الغُصَصِ ، ورَدَّ أنفاسِ الصُّعَداءِ ، ولُزومَ الصَّبرِ حَتّى يَفتَحَ اللّهُ أو يَقضِيَ بِما أحَبَّ أزيَدَ لي في حَظّي ، وأرفَقَ بِالعِصابَةِ الَّتي وَصَفتُ أمرَهُم «وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا» (1) . ولَو لَم أتَّقِ هذِهِ الحالَةَ _ يا أخَا اليَهودِ _ ثُمَّ طَلَبتُ حَقّي لَكُنتُ أولى مِمَّن طَلَبَهُ ؛ لِعِلمِ مَن مَضى مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ومَن بِحَضرَتِكَ مِنهُ بِأَنّي كُنتُ أكثَرَ عَدَداً ، وأعَزَّ عَشيرَةً ، وأمنَعَ رِجالاً ، وأطوَعَ أمراً ، وأوضَحَ حُجَّةً ، وأكثَرَ فِي هذَا الدّينِ مَناقِبَ وآثاراً ؛ لِسَوابِقي وقَرابَتي ووِراثَتي ، فَضلاً عَنِ استِحقاقي ذلِكَ بِالوَصِيَّةِ الَّتي لا مَخرَجَ لِلعِبادِ مِنها ، وَالبَيعَةِ المُتَقَدِّمَةِ في أعناقِهِم مِمَّن تَناوَلَها ، وقَد قُبِضَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وإنَّ وِلايَةَ الاُمَّةِ في يَدِهِ وفي بَيتِهِ ، لا في يَدِ الاُلى تَناوَلوها ولا في بُيوتِهِم ، ولَأَهلُ بَيتِهِ الَّذينَ أذهَبَ اللّهُ عَنهُمُ الرِّجسَ وطَهَّرَهُم تَطهيرا أولى بِالأَمرِ مِن بَعدِهِ مِن غَيرِهِم في جَميعِ الخِصالِ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الرّابِعَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ القائِمَ بَعدَ صاحِبِهِ كانَ يُشاوِرُني في مَوارِدِ الاُمورِ فَيُصدِرُها عَن أمري ، ويُناظِرُني في غَوامِضِها فَيُمضيها عَن رَأيي ، لا أعلَمُ أحَداً ولايَعلَمُهُ أصحابي يُناظِرُهُ في ذلِكَ غَيري ، ولا يَطمَعُ فِي الأَمرِ بَعدَهُ سِوايَ ، فَلَمّا أن أتَتهُ مَنِيَّتُهُ عَلى فَجأَةٍ بِلا مَرَضٍ كان قَبلَهُ ، ولا أمرٍ كانَ أمضاهُ في صِحَّةٍ مِن بَدَنِهِ ، لَم أشُكَّ أنّي قَدِ استَرجَعتُ حَقّي في عافِيَةٍ بِالمَنزِلَةِ الَّتي كُنتُ أطلُبُها ، وَالعاقِبَةِ الَّتي كُنتُ ألتَمِسُها ، وإنَّ اللّهَ سَيَأتي بِذلِكَ عَلى أحسَنِ ما رَجَوتُ ، وأفضَلِ ما أمَّلتُ ، وكانَ مِن فِعلِهِ أن خَتَمَ أمرَهُ بِأَن سَمّى قَوماً أنَا سادِسُهُم ، ولَم
.
ص: 551
يَستَوِني (1) بِواحِدٍ مِنهُم ، ولا ذَكَرَ لي حالاً في وِراثَةِ الرَّسولِ ، ولا قَرابَةٍ ، ولا صِهرٍ ، ولا نَسَبٍ ، ولا لِواحِدٍ مِنهُم مِثلُ سابِقَةٍ مِن سَوابِقي ، ولا أثَرٌ مِن آثاري ، وصَيَّرَها شورى بَينَنا ، وصَيَّرَ ابنَهُ فيها حاكِماً عَلَينا ، وأمَرَهُ أن يَضرِبَ أعناقَ النَّفَرِ السَّتَّةِ الَّذينَ صَيَّرَ الأَمرَ فيهم إن لَم يُنفِذوا أمرَهُ ، وكَفى بِالصَّبرِ عَلى هذا _ يا أخَا اليَهودِ _ صَبراً . فَمَكَثَ القَومُ أيّامَهُم كُلَّها كُلٌّ يَخطُبُ لِنَفسِهِ ، وأنَا مُمسِكٌ عَن أن سَأَلوني عَن أمري ، فَناظَرتُهُم في أيّامي وأيّامِهِم ، وآثاري وآثارِهِم ، وأوضَحتُ لَهُم ما لَم يَجهَلوهُ مِن وُجوهِ استِحقاقي لَها دونَهُم ، وذَكَّرتُهُم عَهدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَيهِم ، وتأكيدَ ما أكَّدَهُ مِنَ البَيعَةِ لي في أعناقِهِم . دَعاهُم حُبُّ الإِمارَةِ ، وبَسطُ الأَيدي وَالأَلسُنِ فِي الأَمرِ وَالنَّهيِ ، وَالرُّكونُ إلَى الدُّنيا ، وَالِاقتِداءُ بِالماضينَ قَبلَهُم إلى تَناوُلِ ما لَم يَجعَلِ اللّهُ لَهُم . فَإِذا خَلَوتُ بِالواحِدِ ذَكَّرتُهُ أيّامَ اللّهِ ، وحَذَّرتُهُ ما هُوَ قادِمٌ عَلَيهِ وصائِرٌ إلَيهِ ، التَمَسَ مِنّي شَرطاً أن اُصَيِّرَها لَهُ بَعدي ، فَلَمّا لَم يَجِدوا عِندي إلَا المَحَجَّةَ البَيضاءَ ، وَالحَملَ عَلى كِتابِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ووَصِيَّةِ الرَّسولِ ، وإعطاءَ كُلِّ امرِئٍ مِنهُم ماجَعَلَهُ اللّهُ لَهُ ، ومَنعَهُ ما لَم يَجعَلِ اللّهُ لَهُ ، أزالَها عَنّي إلَى ابنِ عَفّانَ ؛ طَمَعاً فِي الشَّحيحِ مَعَهُ فيها ، وَابنُ عَفّانَ رَجُلٌ لَم يَستَوِ بِهِ وبِواحِدٍ مِمَّن حَضَرَهُ حالٌ قَطُّ ، فَضلاً عَمَّن دونَهُم ، لا بِبَدرٍ _ الَّتي هِيَ سَنامُ فَخرِهِم _ ولا غَيرِها مِنَ المَآثِرِ الَّتي أكرَمَ اللّهُ بِها رَسولَهُ ، ومَنِ اختَصَّهُ مَعَهُ مِن أهلِ بَيتِهِ عليهم السلام . ثُمَّ لَم أعلَمِ القَومَ أمسَوا مِن يَومِهِم ذلِكَ حَتّى ظَهَرَت نَدامَتُهُم ، ونَكَصوا عَلى أعقابِهِم ، وأحالَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ ، كُلٌّ يَلومُ نَفسَهُ ويَلومُ أصحابَهُ ، ثُمَّ لَم تَطُلِ الأَيّامُ بِالمُستَبِدِّ بِالأَمرِ ؛ ابنِ عَفّانَ حَتّى أكفَروهُ وتَبَرَّؤوا مِنهُ ، ومَشى إلى أصحابِهِ خاصَّة
.
ص: 552
وسائِرَ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عامَّةً يَستَقيلُهُم مِن بَيعَتِهِ ، ويَتوبُ إلَى اللّهِ مِن فَلتَتِهِ ، فَكانَت هذِهِ _ يا أخَا اليَهودِ _ أكبَرَ مِن اُختِها ، وأفظَعَ وأحرى أن لا يُصبَرَ عَلَيها ، فَنالَني مِنهَا الَّذي لا يُبلَغُ وَصفُهُ ، ولا يُحَدُّ وَقتُهُ ، ولَم يَكُن عِندي فيها إلَا الصَّبرُ عَلى ما أمَضُّ وأبلَغُ مِنها . ولَقَد أتانِيَ الباقونَ مِنَ السِّتَّةِ مِن يَومِهِم كُلٌّ راجِعٌ عَمّا كانَ رَكِبَ مِنّي يَسأَلُني خَلعَ ابنِ عَفّانَ ، وَالوُثوبَ عَلَيهِ ، وأخذَ حَقّي ، ويُؤتيني صَفقَتَهُ وبَيعَتَهُ عَلَى المَوتِ تَحتَ رايَتي ، أو يَرُدَّ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَيَّ حَقّي . فَوَاللّهِ _ يا أخَا اليَهودِ _ ما مَنَعَني مِنها إلَا الَّذي مَنَعَني مِن اُختَيها قَبلَها ، ورَأَيتُ الإِبقاءَ عَلى مَن بَقِيَ مِنَ الطّائِفَةِ أبهَجَ لي وآنَسَ لِقَلبي مِن فَنائِها ، وعَلِمتُ أنّي إن حَمَلتُها عَلى دَعوَةِ المَوتِ رَكِبتُهُ . فَأَمّا نَفسي فَقَد عَلِمَ مَن حَضَرَ مِمَّن تَرى ومَن غابَ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أنَّ الموتَ عِندي بِمَنزِلَةِ الشَّربَةِ البارِدَةِ فِي اليَومِ الشَّديدِ الحَرِّ مِن ذِي العَطَشِ الصَّدى (1) ، ولَقَد كُنتُ عاهَدتُ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ ورَسولَهُ صلى الله عليه و آله أنَا وعَمّي حَمزَةُ وأخي جَعفَرٌ وَابنُ عَمّي عُبَيدَةُ عَلى أمرٍ وَفَينا بِهِ للّهِِ عَزَّ وجَلَّ ولِرَسولِهِ ، فَتَقَدَّمَني أصحابي وتَخَلَّفتُ بَعدَهُم لِما أرادَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ ، فَأَنزَلَ اللّهُ فينا : «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَ_هَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً » (2) حَمزَةُ وجَعفَرٌ وعُبَيدَةُ ، وأنَا وَاللّهِ المُنتَظِرُ _ يا أخَا اليَهودِ _ وما بَدَّلتُ تَبديلاً ، وما سَكَّتَني عَنِ ابنِ عَفّانَ وحَثَّني عَلَى الإِمساكِ عَنهُ إلّا أنّي عَرفتُ مِن أخلاقِهِ فيمَا اختَبَرتُ مِنهُ بِما لَن يَدَعَهُ حَتّى يَستَدعِيَ الأَباعِدَ إلى قَتلِهِ وخَلعِهِ ، فَضلاً عَنِ الأَقارِبِ ، وأنَا في عُزلَةٍ ، فَصَبَرتُ حَتّى كانَ ذلِكَ ، لَم أنطِق فيهِ بِحَرفٍ مِن «لا» ولا «نَعَم» .
.
ص: 553
ثُمَّ أتانِيَ القَومُ وأنَا _ عَلِمَ اللّهُ _ كارِهٌ ؛ لِمَعرِفَتي بِما تَطاعَموا بِهِ مِنِ اعتِقالِ الأَموالِ ، وَالمَرَحِ فِي الأَرضِ ، وعِلمِهِم بِأَنَّ تِلكَ لَيسَت لَهُم عِندي ، وشَديدٌ عادَةٌ مُنتَزِعَةٌ ، فَلَمّا لَم يَجِدوا عِندي تَعَلَّلُوا الأَعاليلَ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ فَقالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الخامِسَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإنَّ المُتابِعينَ لي لَمّا لَم يَطمَعوا في تِلكَ مِنّي وَثَبوا بِالمَرأَةِ عَلَيَّ وأنَا وَلِيُّ أمرِها ، وَالوَصِيُّ عَلَيها ، فَحَمَلوها عَلَى الجَمَلِ ، وشَدّوها عَلَى الرِّحالِ ، وأقبَلوا بِها تَخبِطُ الفَيافِيَ (1) ، وتَقطَعُ البَرارِيَ ، وتَنبَحُ عَلَيها كِلابُ الحَوأَبِ ، وتُظهِرُ لَهُم عَلاماتِ النَّدَمِ في كُلِّ ساعَةٍ وعِندَ كُلِّ حالٍ ، في عُصبَةٍ قَد بايَعوني ثانِيَةً بَعدَ بَيعَتِهِمُ الاُولى في حَياةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، حَتّى أتَت أهلَ بَلدَةٍ قَصيرَةٍ أيديهِم ، طَويلَةٍ لِحاهُم ، قَليلَةٍ عُقولُهُم ، عازِبَةٍ آراؤُهُم ، وهُم جيرانُ بَدوٍ ، ووُرّادُ بَحرٍ ، فَأَخرَجَتهم يَخبِطونَ بِسُيوفِهِم مِن غَيرِ عِلمٍ ، ويَرمونَ بِسِهامِهِم بِغَيرِ فَهمٍ . فَوَقَفتُ مِن أمرِهِم عَلَى اثنَتَينِ كِلتاهُما في مَحَلَّةِ المَكروهِ ؛ مِمَّن إن كَفَفتُ لَم يَرجِع ولمَ يَعقِل ، وإن أقَمتُ كُنتُ قَد صِرتُ إلَى الَّتي كَرِهتُ ، فَقَدَّمتُ الحُجَّةَ بِالإِعذارِ وَالإِنذارِ ، ودَعَوتُ المَرأَةَ إلَى الرُّجوعِ إلى بَيتِها ، وَالقَومَ الَّذينَ حَمَلوها عَلَى الوَفاءِ بِبَيعَتِهِم لي ، وَالتَّركِ لِنَقضِهِم عَهدَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ فِيَّ ، وأعطَيتُهُم مِن نَفسي كُلَّ الَّذي قَدَرتُ عَلَيهِ ، وناظَرتُ بَعضَهُم فَرَجَعَ ، وذَكَّرتُ فَذَكَرَ . ثُمَّ أقبَلتُ عَلَى النّاسِ بِمِثلِ ذلِكَ فَلَم يَزدادوا إلّا جَهلاً وتَمادِياً وغَيّاً ، فَلَمّا أبَوا إلّا هِيَ ، رَكِبتُها مِنهُم ، فَكانَت عَلَيهِمُ الدَّبرَةُ (2) ، وبِهِمُ الهَزيمَةُ ، ولَهُمُ الحَسرَةُ ، وفيهِمُ الفَناءُ وَالقَتلُ . وحَمَلتُ نَفسي عَلَى الَّتي لَم أجِد مِنها بُدّاً ، ولَم يَسَعني إذ فَعَلتُ ذلِك
.
ص: 554
وأظهَرتُهُ آخِراً مِثلُ الَّذي وَسَعَني مِنهُ أوَّلاً ؛ مِنَ الإِغضاءِ وَالإِمساكِ ، ورَأَيتُني إن أمسَكتُ كُنتُ مُعيناً لَهُم عَلَيَّ بِإِمساكي عَلى ما صاروا إلَيهِ ، وطَمِعُوا فيهِ مِن تَناوُلِ الأَطرافِ ، وسَفكِ الدِّماءِ ، وقَتلِ الرَّعِيَّةِ ، وتَحكيمِ النِّساءِ النَّواقِصِ العُقولِ وَالحُظوظِ عَلى كُلِّ حالٍ ، كَعادَةِ بَني الأَصفَرِ ومَن مَضى مِن مُلوكِ سَبَاً وَالاُمَمِ الخالِيَةِ ، فَأَصيرُ إلى ما كَرِهتُ أوَّلاً وآخِراً . وقَد أهمَلتُ المَرأَةَ وجُندَها يَفعَلونَ ما وَصَفتُ بَينَ الفَريقَينِ مِنَ النّاسِ ، ولَم أهجُم عَلَى الأَمرِ إلّا بعَدَما قَدَّمتُ وأخَّرتُ ، وتَأَنَّيتُ وراجَعتُ ، وأرسَلتُ وسافَرتُ ، وأعذَرتُ وأنذَرتُ ، وأعطَيتُ القَومَ كُلَّ شَيءٍ التَمَسوهُ بَعدَ أن عَرَضتُ عَلَيهِم كُلَّ شَيءٍ لَم يَلتَمِسوهُ ، فَلَمّا أبَوا إلّا تِلكَ ، أقدَمتُ عَلَيها ، فَبَلَغَ اللّهُ بي وبِهِم ما أرادَ ، وكانَ لي عَلَيهِم بِما كانَ مِنّي إلَيهِم شَهيداً . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : وأمَّا السّادِسَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَتَحكيمُهُمُ الحَكَمَينِ وُمحارَبَةُ ابنِ آكِلَةِ الأَكبادِ وهُوَ طَليقٌ مُعانِدٌ للّهِِ عَزَّ وجَلَّ ولِرَسولِهِ وَالمُؤمِنينَ مُنذُ بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّداً إلى أن فَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ مَكَّةَ عَنوَةً ، فَاُخِذَت بَيعَتُهُ وبَيعَةُ أبيهِ لي مَعَهُ في ذلِكَ اليَومِ وفي ثَلاثَةِ مَواطِنَ بَعدَهُ ، وأبوهُ بِالأَمسِ أوَّلَ مَن سَلَّمَ عَلَيَّ بِإِمرَةِ المؤُمِنينَ ، وجَعَلَ يَحُثُّني عَلَى النُّهوضِ في أخَذِ حَقّي مِنَ الماضينَ قَبلي ، ويُجَدِّدُ لي بَيعَتَهُ كُلَّما أتاني . وأعجَبُ العَجَبِ أنَّهُ لَمّا رَأى رَبّي تَبارَكَ وتَعالى قَد رَدَّ إلَيَّ حَقّي وأقَرَّ في مَعدِنِهِ ، وَانقَطَعَ طَمَعُهُ أن يَصيرَ في دينِ اللّهِ رابِعاً ، وفي أمانَةٍ حُمِّلناها حاكِماً ، كَرَّ عَلَى العاصِي بنِ العاصِ فَاستَمالَهُ ، فَمالَ إلَيهِ ، ثُمَّ أقبَلَ بِهِ بَعدَ أن أطمَعَهُ مِصرَ ، وحَرامٌ عَلَيهِ أن يَأخُذَ مِنَ الفَيءِ دونَ قِسمِهِ دِرهَماً ، وحَرامٌ عَلَى الرّاعي إيصالُ دِرهَمٍ إلَيهِ فَوقَ حَقِّهِ ، فَأَقبَلَ يَخبِطُ البِلادَ بِالظُّلمِ ، ويَطَأُها بِالغَشمِ ، فَمَن بايَعَه
.
ص: 555
أرضاهُ ، ومَن خالَفَهُ ناواهُ . ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَيَّ ناكِثاً عَلَينا ، مُغيراً فِي البِلادِ شَرقاً وغَرباً ، ويَميناً وشِمالاً ، وَالأَنباءُ تَأتيني وَالأَخبارُ تَرِدُ عَلَيَّ بِذلِكَ ، فَأَتاني أعوَرُ ثَقيفٍ فَأَشارَ عَلَيَّ أن اُوَلِّيَهُ البِلادَ الَّتي هُوَ بِها ؛ لِاُدارِيَهُ بِما اُوَلّيهِ مِنها ، وفِي الَّذي أشارَ بِهِ الرَّأيُ في أمرِ الدُّنيا ، لَو وَجَدتُ عِندَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ في تَولِيَتِهِ لي مَخرَجاً ، وأصَبتُ لِنَفسي في ذلِكَ عُذراً ، فَأَعلَمتُ الرَّأيَ في ذلِكَ ، وشاوَرتُ مَن أثِقُ بِنَصيحَتِهِ للّهِِ عَزَّ وجَلَّ ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ولي ولِلمُؤمِنينَ ، فَكانَ رَأيُهُ في ابنِ آكِلَةِ الأَكبادِ كَرَأيي ، يَنهاني عنَ تَولِيَتِهِ ، ويُحَذِّرُني أن اُدخِلَ في أمرِ المُسلِمينَ يَدَهُ ، ولَم يَكُنِ اللّهُ لِيَراني أتَّخِذُ المُضِلّينَ عَضُداً (1) . فَوَجَّهتُ إلَيهِ أخا بَجيلَةَ مَرَّةً ، وأخَا الأَشعَرِيّينَ مَرَّةً ، كِلاهُما رَكَنَ إلَى الدُّنيا ، وتابَعَ هَواهُ فيما أرضاهُ ، فَلَمّا لَم أرَهُ أن يَزدادَ فيمَا انتَهَكَ مِن مَحارِمِ اللّهِ إلّا تَمادِياً شاوَرتُ مَن مَعي مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله البَدرِيّينَ ، وَالَّذينَ ارتَضَى اللّهُ عَزَّ وجَلَّ أمرَهُم ورَضِيَ عَنهُم بَعدَ بَيعَتِهِم ، وغَيرِهِم مِن صُلَحاءِ المُسلِمينَ وَالتّابِعينَ ، فَكُلٌّ يُوافِقُ رَأيُهُ رَأيي ؛ في غَزوِهِ ومُحارَبَتِهِ ومَنعِهِ مِمّا نالَت يَدُهُ . وإنّي نَهَضتُ إلَيهِ بِأَصحابي ، اُنفِذُ إلَيهِ مِن كُلِّ مَوضِعٍ كُتُبي ، واُوَجِّهُ إلَيهِ رُسُلي ، أدعوهُ إلَى الرُّجوعِ عَمّا هُوَ فيهِ ، وَالدُّخولِ فيما فيهِ النّاسُ مَعي ، فَكَتَبَ يَتَحَكَّمُ عَلَيَّ ، ويَتَمَنّى عَلَيَّ الأَمانِيَّ ، ويَشتَرِطُ عَلَيَّ شُروطاً لا يَرضاهَا اللّهُ عَزَّ وجَلَّ ورَسولُهُ ولَا المُسلِمونَ ، ويَشتَرِطُ في بَعضِها أن أدفَعَ إلَيهِ أقواماً مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أبراراً ، فيهِم عَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، وأينَ مِثلُ عَمّارٍ ؟ ! وَاللّهِ لَقَدَرَأيتُنا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وما يُعَدُّ مِنّا خَمسَةٌ إلّا كانَ سادِسَهُم ، ولا أربَعَةٌ إلّا كانَ خامِسَهُم ، اشتَرَطَ دَفعَهُم إلَيهِ لِيَقتُلَهُم
.
ص: 556
ويُصَلِّبَهُم . وَانتَحَلَ دَمَ عُثمانَ ، ولَعَمرُو اللّهِ ما ألَّبَ (1) عَلى عُثمانَ ولا جَمَعَ النّاسَ عَلى قَتلِهِ إلّا هُوَ وأشباهُهُ مِن أهلِ بَيتِهِ ، أغصانُ الشَّجَرَةِ المَلعونَةِ فِي القُرآنِ . فَلَمّا لَم اُجِب إلى مَا اشتَرَطَ مِن ذلِكَ كَرَّ مُستَعلِياً في نَفسِهِ بِطُغيانِهِ وبَغيِهِ ، بِحَميرٍ لا عُقولَ لَهُم ولا بَصائِرَ ، فَمَوَّهَ لَهُم أمراً فَاتَّبَعوهُ ، وأعطاهُم مِنَ الدُّنيا ما أمالَهُم بِهِ إلَيهِ ، فَناجَزناهُم وحاكَمناهُم إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ بَعدَ الإِعذارِ وَالإِنذارِ ، فَلَمّا لَم يَزِدهُ ذلِكَ إلّا تَمادِياً وبَغياً لَقيناهُ بِعادَةِ اللّهِ الَّتي عَوَّدَناهُ مِنَ النَّصرِ عَلى أعدائِهِ وعَدُوِّنا ، ورايَةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِأَيدينا ، لَم يَزَلِ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى يَفُلُّ حِزبَ الشَّيطانِ بِها حَتّى يَقضِيَ المَوتَ عَلَيهِ ، وهُوَ مُعلِمُ راياتِ أبيهِ الَّتي لَم أزَل اُقاتِلُها مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في كُلِّ المَواطِنِ ، فَلَم يَجِد مِنَ المَوتِ مَنجى إلَا الهَرَبَ ، فَرِكَبَ فَرَسَهُ ، وقَلَبَ رايَتَهُ ، لا يَدري كَيفَ يَحتالُ . فَاستَعانَ بِرَأيِ ابنِ العاصِ ، فَأَشارَ عَلَيهِ بِإِظهارِ المَصاحِفِ ، ورَفعِها عَلَى الأَعلامِ وَالدُّعاءِ إلى ما فيها ، وقالَ : إنَّ ابنَ أبي طالِبٍ وحِزبَهُ أهلُ بَصائِرَ ورَحمَةٍ وتُقيا (2) ، وقَد دَعَوكَ إلى كِتابِ اللّهِ أوَّلاً وهُم مُجيبوكَ إلَيهِ آخِراً . فَأَطاعَهُ فيما أشارَ بِهِ عَلَيهِ ؛ إذ رَأى أنَّهُ لا مَنجى لَهُ مِنَ القَتلِ أوِ الهَرَبِ غَيرُهُ ، فَرَفَعَ المَصاحِفَ يَدعو إلى ما فيها بِزَعمِهِ . فَمالَت إلَى المَصاحِفِ قُلوبٌ ، ومَن بَقِيَ من أصحابي بَعدَ فَناءِ أخيارِهِم وجَهدِهِم في جِهادِ أعداءِ اللّهِ وأعدائِهِم عَلى بَصائِرِهِم ، وظَنّوا أنَّ ابنَ آكِلَةِ الأَكبادِ لَهُ الوَفاءُ بِما دَعا إلَيهِ ، فَأَصغَوا إلى دَعوَتِهِ ، وأقبَلوا بِأَجمَعِهِم في إجابَتِهِ ، فَأَعلَمتُهُم أنَّ ذلِكَ مِنه
.
ص: 557
مَكرٌ ومِنِ ابنِ العاصِ مَعَهُ ، وأنَّهُما إلَى النَّكثِ أقرَبُ مِنهُما إلَى الوَفاءِ . فَلَم يَقبَلوا قَولي ، ولَم يُطيعوا أمري ، وأَبَوا إلّا إجابَتَهُ ، كَرِهتُ أم هَويتُ ، شِئتُ أو أبَيتُ ، حَتّى أخَذَ بَعضُهُم يَقولُ لِبَعضٍ : إن لَم يَفعَل فَأَلحِقوهُ بِابنِ عَفّانَ ، أوِ ادفَعوهُ إلَى ابنِ هِندٍ بِرُمَّتِهِ . فَجَهَدتُ _ عَلِمَ اللّهُ جَهدي _ ولَم أدَع غُلّةً (1) في نَفسي إلّا بَلَّغتُها في أن يُخَلّوني ورَأيي ، فَلَم يَفعَلوا ، وراوَدتُهُم عَلَى الصَّبرِ عَلى مِقدارِ فُواقِ النّاقَةِ أو رَكضَةِ الفَرَسِ فَلَم يُجيبوا ، ما خَلا هذَا الشَّيخَ _ وأومَأَ بِيَدِهِ إلَى الأَشتَرِ _ وعُصبَةً مِن أهلِ بَيتي ، فَوَاللّهِ ما مَنَعَني أن أمضِيَ عَلى بَصيرَتي إلّا مَخافَةَ أن يُقتَلَ هذانِ _ وأومَأَ بِيَدِهِ إلَى الحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام _ فَيَنقَطِعَ نَسلُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وذُرِّيَّتُهُ مِن اُمَّتِهِ ، ومَخافَةَ أن يُقتَلَ هذا وهذا _ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ ومُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ _ فَإِنّي أعلَمُ لَولا مَكاني لَم يَقِفا ذلِكَ المَوقِفَ ، فَلِذلِكَ صَبَرتُ عَلى ما أرادَ القَومُ ، مَعَ ما سَبَقَ فيهِ مِن عَلمِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ . فَلَمّا رَفَعنا عَنِ القَومِ سُيوفَنا تَحَكَّموا فِي الاُمورِ ، وتَخَيَّروا الأَحكامَ وَالآراءَ ، وتَرَكُوا المَصاحِفَ وما دَعَوا إلَيهِ مِن حُكمِ القُرآنِ ، وما كُنتُ اُحَكِّمُ في دينِ اللّهِ أحَداً ؛ إذ كانَ التَّحكيمُ في ذلِكَ الخَطَأَ الَّذي لا شَكَّ فيهِ ولَا امتِراءَ ، فَلَمّا أبَوا إلّا ذلِكَ أرَدتُ أن اُحَكِّمَ رَجُلاً مِن أهلِ بَيتي أو رَجُلاً مِمَّن أرضى رَأيَهُ وعَقلَهُ وأثِقُ بِنَصيحَتِهِ ومَوَدَّتِهِ ودينِهِ ، وأقبَلتُ لا اُسَمّي أحَداً إلَا امتَنَعَ مِنهُ ابنُ هِندٍ ، ولا أدعوهُ إلى شَيءٍ مِنَ الحَقِّ إلّا أدبَرَ عَنهُ . وأقبَلَ ابنُ هِندٍ يَسومُنا (2) عَسفاً ، وما ذاكَ إلّا بِاتِّباعِ أصحابي لَهُ عَلى ذلِكَ .
.
ص: 558
فَلَمّا أبَوا إلّا غَلَبَتي عَلَى التَّحَكُّمِ تَبَرَّأتُ إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ مِنهُم ، وفَوَّضتُ ذلِكَ إلَيهِم ، فَقَلَّدوهُ امرَءاً ، فَخَدَعَهُ ابنُ العاصِ خَديعَةً ظَهَرَت في شَرقِ الأَرضِ وغَربِها ، وأظهَرَ المَخدوعُ عَلَيها نَدَماً . ثُمَّ أقبَلَ عليه السلام عَلى أصحابِهِ فَقال : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : وأمَّا السّابِعَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ عَهِدَ إلَيَّ أن اُقاتِلَ في آخِرِ الزَّمانِ مِن أيّامي قَوماً مِن أصحابي يَصومونَ النَّهارَ ويَقومونَ اللَّيلَ ويَتلونَ الكِتابَ ، يَمرُقونَ _ بِخِلافِهِم عَلَيَّ ومُحارَبَتِهِم إيّايَ _ مِنَ الدّينِ مُروقَ السَّهمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، فيهِم ذُو الثُدَيَّةِ ، يُختَمُ لي بِقَتلِهِم بِالسَّعادَةِ . فَلَمَّا انصَرَفتُ إلى مَوضِعي هذا _ يَعني بَعدَ الحَكَمَينِ _ أقبَلَ بَعضُ القَومِ عَلى بَعضٍ بِاللائِمَةِ فيما صاروا إلَيهِ مِن تَحكيمِ الحَكَمَينِ ، فَلَم يَجِدوا لِأَنفُسِهِم مِن ذلِكَ مَخرَجاً إلّا أن قالوا : كانَ يَنبَغي لِأَميرِنا أن لا يُبايِعَ (1) مَن أخطَأَ ، وأن يَقضِيَ بِحَقيقَةِ رَأيِهِ عَلى قَتلِ نَفسِهِ وقَتلِ مَن خالَفَهُ مِنّا ، فَقَد كَفَرَ بِمُتابَعَتِهِ إيّانا وطاعَتِهِ لَنا فِي الخَطَأِ ، واُحِلَّ لَنا بِذلِكَ قَتلُهُ وسَفكُ دَمِهِ . فَتَجَمَّعوا عَلى ذلِكَ وخَرَجوا راكِبينَ رُؤوسَهُم ، يُنادونَ بِأَعلى أصواتِهِم : لا حُكمَ إلّا للّهِِ ، ثُمَّ تَفَرَّقوا ؛ فِرقَةٌ بِالنُّخَيلَةِ ، واُخرى بِحَروراءَ ، واُخرى راكِبَةٌ رَأسَها تَخبِطُ الأَرضَ شَرقاً حَتّى عَبَرَت دِجلَةَ ، فَلَم تَمُرَّ بِمُسلِمٍ إلَا امتَحَنَتهُ ؛ فَمَن تابَعَهَا استَحيَتهُ ، ومَن خالَفَها قَتَلَتهُ . فَخَرَجتُ إلَى الاُولَيَينِ واحِدَةً بَعدَ اُخرى أدعوهُم إلى طاعَةِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وَالرُّجوعِ إلَيهِ ، فَأَبَيا إلَا السَّيفَ ، لا يَقنَعُهُما غَيرُ ذلِكَ ، فَلَمّا أعيَتِ الحيلَةُ فيهِما حاكَمتُهُما إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، فَقَتَلَ اللّهُ هذِهِ وهذِهِ . وكانوا _ يا أخَا اليَهودِ _ لَولا
.
ص: 559
ما فَعَلوا لَكانوا رُكناً قَوِيّاً وسَدّاً مَنيعاً ، فَأَبَى اللّهُ إلّا ما صاروا إلَيهِ . ثُمَّ كَتَبتُ إلَى الفِرقَةِ الثّالِثَةِ ، ووَجَّهتُ رَسُلي تَترى ، وكانوا مِن جِلَّةِ أصحابي ، وأهلِ التَّعَبُّدِ مِنهُم ، وَالزُّهدِ فِي الدُّنيا ، فَأَبَت إلَا اتِّباعَ اُختَيها ، وَالِاحتِذاءَ عَلى مِثالِهِما ، وأسرَعَت في قَتلِ مَن خالَفَها مِنَ المُسلِمينَ ، وتَتابَعَت إلَيَّ الأَخبارُ بِفِعلِهِم . فَخَرَجتُ حَتّى قَطَعتُ إلَيهِم دِجلَةَ ، اُوَجِّهُ السُّفَراءَ وَالنُّصَحاءَ ، وأطلُبُ العُتبى بِجُهدي بِهذا مَرَّةً وبِهذا مَرَّةً _ وأومَأَ بِيَدِهِ إلَى الأَشتَرِ ، والأَحنَفِ بنِ قَيسٍ ، وسَعيدِ بنِ قَيسٍ الأَرحَبِيِّ ، وَالأَشعَثِ بنِ قَيسٍ الكِندِيِّ _ فَلَمّا أبَوا إلّا تِلكَ رَكِبتُها مِنهُم فَقَتَلَهُمُ اللّهُ _ يا أخَا اليَهودِ _ عَن آخِرِهِم ، وهُم أربَعَةُ آلافٍ أو يَزيدونَ ، حَتّى لَم يَفلِت مِنهُم مُخبِرٌ ، فَاستَخرَجتُ ذَا الثُّدَيَّةِ مِن قَتلاهُم بِحَضرَةِ مَن تَرى ، لَهُ ثَديٌ كَثَديِ المَرأَةِ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : قَد وَفَيتُ سَبعاً وسَبعاً يا أخَا اليَهودِ ، وبَقِيَتِ الاُخرى ، وأوشِك بِها فَكَأَن قَد (1) . فَبَكى أصحابُ عَلِيٍّ عليه السلام ، وبَكى رَأسُ اليَهودِ ، وقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا بِالاُخرى ؟ فَقالَ : الاُخرى أن تُخضَبَ هذِهِ _ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى لِحيَتِهِ _ مِن هذِهِ _ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى هامَتِهِ _ . قالَ : وَارتَفَعَت أصواتُ النّاسِ فِي المَسجِدِ الجامِعِ بِالضَّجَّةِ وَالبُكاءِ ، حَتّى لَم يَبقَ بِالكوفَةِ دارٌ إلّا خَرَجَ أهلُها فَزِعاً ، وأسلَمَ رَأسُ اليَهودِ عَلى يَدَي عَلِيٍّ عليه السلام مِن ساعَتِهِ . ولَم يَزَل مُقيماً حَتّى قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، واُخِذَ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَأَقبَلَ رَأسُ اليَهودِ حَتّى وَقَفَ عَلَى الحَسَنِ عليه السلام وَالنّاسُ حَولَهُ وَابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ بَينَ يَدَيهِ ، فَقالَ لَهُ : يا أبَا مُحَمَّدٍ ، اقتُلهُ قَتَلَهُ اللّهُ ؛ فَإِنّي رَأَيتُ فِي الكُتُبِ الَّتى ¨
.
ص: 560
اُنزِلَت عَلى موسى عليه السلام أنَّ هذا أعظَمُ عِندَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ جُرماً مِن ابنِ آدَمَ قاتِلِ أخيهِ ، ومِنَ القُدارِ عاقِرِ ناقَةِ ثَمودَ (1) .
3 / 5 _ 6لي سَبعونَ مَنقَبَةًالخصال عن مكحول :قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام : لَقَد عَلِمَ المُستَحفَظونَ مِن أصحابِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أنَّهُ لَيسَ فيهِم رَجُلٌ لَهُ مَنقَبَةٌ إلّا وقَد شَرِكتُهُ فيها وفَضَلتُهُ (2) ، ولي سَبعونَ مَنقَبَةً لَم يَشرَكني فيها أحَدٌ مِنهُم . قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَأَخبِرني بِهِنَّ . فَقالَ عليه السلام : إنَّ أوَّلَ مَنقَبَةٍ لي : أنّي لَم اُشرِك بِاللّهِ طَرفَةَ عَينٍ ، ولَم أعبُدِ اللّاتَ وَالعُزّى . وَالثّانِيَةُ : أنّي لَم أشرَبِ الخَمرَ قَطُّ . وَالثّالِثَةُ : أنَّ رَسولَ اللّهِ استَوهَبَني عَن أبي في صَبائي ، وكُنتُ أكيلَهُ وشَريبَهُ ومُؤنِسَهُ ومُحَدِّثَهُ . وَالرّابِعَةُ : أنّي أوَّلُ النّاسِ إيمانا وإسلاما . وَالخامِسَةُ : أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قال لي : يا عَلِيُّ ، أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي . وَالسّادِسَةُ : أنّي كُنتُ آخِرَ النّاسِ عَهدا بِرَسولِ اللّهِ ، ودَلَّيتُهُ في حُفرَتِهِ . وَالسّابِعَةُ : أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنامَني عَلى فِراشِهِ حَيثُ ذَهَبَ إلَى الغارِ ، وسَجّانى ¨
.
ص: 561
بِبُردِهِ ، فَلَمّا جاءَ المُشرِكونَ ظَنّوني مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله فَأَيقَظوني ، وقالوا : ما فَعَلَ صاحِبُكَ ؟ فَقُلتُ : ذَهَبَ في حاجَتِهِ ، فَقالوا : لَو كانَ هَرَبَ لَهَرَبَ هذا مَعَهُ . وأمَّا الثّامِنَةُ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَّمَني ألفَ بابٍ مِنَ العِلمِ ، يَفتَحُ كُلُّ بابٍ ألفَ بابٍ ، ولَم يُعَلِّم ذلِكَ أحَدا غَيري . وأمَّا التّاسِعَةُ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لي : يا عَلِيُّ ، إذا حَشَرَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ نُصِبَ لي مِنبَرٌ فَوقَ مَنابِرِ النَّبِيّينَ ، ونُصِبَ لَكَ مِنبَرٌ فَوقَ مَنابِرِ الوَصِيّينَ فَترَتَقي عَلَيهِ . وأمَّا العاشِرَةُ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يا عَلِيُّ ، لا اُعطى فِي القِيامَةِ إلّا سَأَلتُ لَكَ مِثلَهُ . وأمَّا الحادِيَةَ عَشرَةَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي وأنَا أخوكَ ، يَدُكَ في يَدي حَتّى تَدخُلَ الجَنَّةَ . وأمَّا الثّانِيَةَ عَشرَةَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يا عَلِيُّ ، مَثَلُكَ في اُمَّتي كَمَثَلِ سَفينَةِ نوحٍ ؛ مَن رَكِبَها نَجا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنها غَرِقَ . وأمَّا الثّالِثَةَ عَشرَةَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَمَّمَني بِعِمامَةِ نَفسِهِ بِيَدِهِ ، ودَعا لي بِدَعَواتِ النَّصرِ عَلى أعداءِ اللّهِ ، فَهَزَمتُهُم بِإِذنِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ . وأمَّا الرّابِعَةَ عَشرَةَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَني أن أمسَحَ يَدي عَلى ضَرعِ شاةٍ قَد يَبِسَ ضَرعُها ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، بَلِ امسَح أنتَ . فَقالَ : يا عَلِيُّ ، فِعلُكَ فِعلي . فَمَسَحتُ عَلَيها يَدي ، فَدَرَّ عَلَيَّ مِن لَبَنِها ، فَسَقَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَربَةً ، ثُمَّ أتَت عَجوزَةٌ فَشَكَتِ الظَّمَأَ فَسَقَيتُها ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنّي سَأَلتُ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أن يُبارِكَ في يَدِكَ ، فَفَعَلَ . وأمَّا الخامِسَةَ عَشرَةَ : فَإنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أوصى إلَيَّ وقالَ : يا عَلِيُّ ، لا يَلي غُسلى ¨
.
ص: 562
غَيرُكَ ، ولا يُواري عَورَتي غَيرُكَ ؛ فَإِنَّهُ إن رَأى أحَدٌ عَورَتي غَيرُكَ تَفَقَّأَت عَيناهُ . فَقُلتُ لَهُ : كَيفَ لي بِتَقليبِكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : إنَّكَ سَتُعانُ ، فَوَاللّهِ ما أرَدتُ أن اُقَلِّبَ عُضوا مِن أعضائِهِ إلّا قُلِّبَ لي . وأمَّا السّادِسَةَ عَشرَةَ : فَإِنّي أرَدتُ أن اُجَرِّدَهُ ، فَنوديتُ : يا وَصِيَّ مُحَمَّدٍ ، لا تُجَرِّدهُ فَغَسِّلهُ وَالقَميصُ عَلَيهِ ، فَلا وَاللّهِ الَّذي أكرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ وخَصَّهُ بِالرِّسالَةِ ما رَأَيتُ لَهُ عَورَةً ، خَصَّنِيَ اللّهُ بِذلِكَ مِن بَينِ أصحابِهِ . وأمَّا السّابِعَةَ عَشرَةَ : فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ زَوَّجَني فاطِمَةَ ، وقَد كانَ خَطَبَها أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، فَزَوَّجَنِيَ اللّهُ مِن فَوقِ سَبعِ سَماواتِهِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : هَنيئا لَكَ يا عَلِيُّ ؛ فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ زَوَّجَكَ فاطِمَةَ سَيِّدَةَ نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ ، وهِيَ بَضعَةٌ مِنّي . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أوَلَستُ مِنكَ ؟ فَقالَ : بَلى ، يا عَلِيُّ وأنتَ مِنّي وأنَا مِنكَ كَيَميني مِن شِمالي ، لا أستَغني عَنكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وأمَّا الثّامِنَةَ عَشرَةَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قال لي : يا عَلِيُّ ، أنتَ صاحِبُ لِواءِ الحَمدِ فِي الآخِرَةِ ، وأنتَ يَومَ القِيامَةِ أقرَبُ الخَلائِقِ مِنّي مَجلِسا ، يُبسَطُ لي ، ويُبسَطُ لَكَ ، فَأَكونُ في زُمرَةِ النَّبِيّينَ ، وتَكونُ في زُمرَةِ الوَصِيّينَ ، ويوضَعُ عَلى رَأسِكَ تاجُ النّورِ وإكليلُ الكَرامَةِ ، يَحُفُّ بِكَ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حَتّى يَفرَغَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ مِن حِسابِ الخَلائِقِ . وأمَّا التّاسِعَةَ عَشرَةَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : سَتُقاتِلُ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ ، فَمَن قاتَلَكَ مِنهُم فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ رَجُلٍ مِنهُم شَفاعَةً في مِئَةِ ألفٍ مِن شيعَتِكَ . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، فَمَنِ النّاكِثونَ ؟ قالَ : طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ، سَيُبايِعانِكَ بِالحِجازِ ، ويَنكُثانِكَ بِالعِراقِ ، فَإِذا فَعَلا ذلِكَ فَحارِبُهما ؛ فَإِنَّ في قِتالِهِما طَهارَةً لِأَهلِ الأَرضِ . قُلتُ : فَمَنِ القاسِطونَ ؟ قالَ : مُعاوِيَةُ وأصحابُهُ . قُلتُ : فَمَنِ المارِقونَ ؟ قالَ :
.
ص: 563
أصحابُ ذِي الثُدَيَّةِ ، وهُم يَمرُقونَ مِنَ الدّينِ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، فَاقتُلهُم ؛ فَإِنَّ في قَتلِهِم فَرَجا لِأَهلِ الأَرضِ ، وعَذابا مُعَجَّلاً عَلَيهِم ، وذُخرا لَكَ عِندَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ يَومَ القِيامَةِ . وأمَّا العِشرونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لي : مَثَلُكَ في اُمَّتي مَثَلُ بابِ حِطَّةٍ في بَني إسرائيلَ ؛ فَمَن دَخَلَ في وِلايَتِكَ فَقَد دَخَلَ البابَ كَما أمَرَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ . وأمَّا الحادِيَةُ وَالعِشرونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : أنَا مَدينَةُ العِلمِ وعَلِيٌّ بابُها ، ولَن تُدخَلَ المَدينَةُ إلّا مِن بابِها . ثُمَّ قالَ : يا عَلِيُّ ، إنَّكَ سَتَرعى ذِمَّتي ، وتُقاتِلُ عَلى سُنَّتي ، وتُخالِفُكَ اُمَّتي . وأمَّا الثّانِيَةُ وَالعِشرونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَ ابنَيَّ الحَسَنَ وَالحُسَينَ مِن نورٍ ألقاهُ إلَيكَ وإلى فاطِمَةَ ، وهُما يَهتَزّانِ كَما يَهتَزُّ القُرطانِ إذا كانا فِي الاُذُنَينِ ، ونورُهُما مُتَضاعِفٌ عَلى نورِ الشُّهَداءِ سَبعينَ ألفَ ضِعفٍ . يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ قَد وَعَدَني أن يُكرِمَهُما كَرامَةً لا يُكرِمُ بِها أحَدا ما خَلَا النَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ . وأمَّا الثّالِثَةُ وَالعِشرونُ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أعطاني خاتَمَهُ _ في حَياتِهِ _ ودِرعَهُ ومِنطَقَتَهُ وقَلَّدَني سَيفَهُ وأصحابُهُ كُلُّهُم حُضورٌ ، وعَمِّيَ العَبّاسُ حاضِرٌ ، فَخَصَّنِيَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ مِنهُ بِذلِكَ دونَهُم . وأمَّا الرّابِعَةُ وَالعِشرونَ : فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أنزَلَ عَلى رَسولِهِ : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَ_جَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً» (1) ، فَكانَ لي دينارٌ ، فَبِعتُهُ عَشَرَةَ دَراهِمَ ، فَكُنتُ إذا ناجَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أصَّدَّقُ قَبلَ ذلِكَ بِدِرهَمٍ ، ووَاللّهِ ما فَعَلَ هذا
.
ص: 564
أحَدٌ مِن أصحابِهِ قَبلي ولا بَعدي ؛ فَأَنزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَ_تٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» (1) الآيَةَ ، فَهَل تَكونُ التَّوبَةُ إلّا مِن ذَنبٍ كانَ ! ! وأمَّا الخامِسَةُ وَالعِشرونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : الجَنَّةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الأَنِبياءِ حَتّى أدخُلَها أنَا ، وهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الأَوصِياءِ حَتّى تَدخُلَها أنتَ . يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى بَشَّرَني فيكَ بِبُشرىً لَم يُبَشِّر بِها نَبِيّا قَبلي ؛ بَشَّرَني بِأَنَّكَ سَيِّدُ الأَوصِياءِ ، وأنَّ ابنَيكَ الحَسَنَ وَالحُسَينَ سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ . وأمَّا السّادِسَةُ وَالعِشرونَ : فَإِنَّ جَعفرا أخِي الطَّيّارُ فِي الجَنَّةِ مَعَ المَلائِكَةِ ، المُزَيَّنُ بِالجَناحَينِ مِن دُرٍّ وياقوتٍ وزَبَرجَدٍ . وأمَّا السّابِعَةُ وَالعِشرونَ : فَعَمّي حَمزَةُ سَيِّدُ الشُّهَداءِ فِي الجَنَّةِ . وأمَّا الثّامِنَةُ وَالعِشرونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى وَعَدَني فيكَ وَعدا لَن يُخلِفَهُ ، جَعَلَني نَبِيّا وجَعَلَكَ وَصِيّا ، وسَتَلقى مِن اُمَّتي مِن بَعدي ما لَقِيَ موسى مِن فَرعَونَ ، فَاصبِر وَاحتَسِب حَتّى تَلقاني ، فَاُوالِيَ مَن والاكَ ، واُعادِيَ مَن عاداكَ . وأمَّا التّاسِعَةُ وَالعِشرونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يا عَلِيُّ ، أنتَ صاحِبُ الحَوضِ ، لا يَملِكُهُ غَيرُكَ . وسَيَأتيكَ قَومٌ فَيَستَسقونَكَ ، فَتَقولُ : لا ، ولا مِثلُ ذَرَّةٍ ، فَيَنصَرِفونَ مُسوَدَّةً وُجوهُهُم . وسَتَرِدَ عَلَيكَ شيعَتي وشيعَتُكَ ، فَتَقولُ : رَوَّوا رِواءً مَروِيّينَ ، فَيَروَونَ مُبيَضَّةً وُجوهُهُم . وأمَّا الثَّلاثونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يُحشَرُ اُمَّتي يَومَ القِيامَةِ عَلى
.
ص: 565
خَمسِ راياتٍ ... وَالرّابِعَةُ مَعَ أبِي الأَعوَرِ السُّلَمِيِّ . وأمَّا الخامِسَةُ فَمَعَكَ يا عَلِيُّ ، تَحتَهَا المُؤمِنونَ ، وأنتَ إمامُهُم . ثُمَّ يَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى لِلأَربَعَةِ : «ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَاب بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ» (1) ، وهُم شيعَتي ومَن والاني ، وقاتَلَ مَعِي الفِئَةَ الباغِيَةَ وَالنّاكِبَةَ عَنِ الصِّراطِ وبابِ الرَّحمَةِ وهُم شيعَتي ، فَيُنادي هؤُلاءِ : «أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَى وَ لَ_كِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَ تَرَبَّصْتُمْ وَ ارْتَبْتُمْ وَ غَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ وَ غَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِىَ مَوْلَاكُمْ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ» (2) . ثُمَّ تَرِدُ اُمَّتي وشيعَتي فَيَروَونَ مِن حَوضِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وبِيَدي عَصا عَوسَجٍ أطرُدُ بِها أعدائي طَردَ غَريبَةِ الإِبِلِ . وأمَّا الحادِيَةُ وَالثّلاثَونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : لَولا أن يَقولَ فيكَ الغالونَ مِن اُمَّتي ما قالَتِ النَّصارى في عيسَى ابنِ مَريَمَ ، لَقُلتُ فيكَ قَولاً لا تَمُرُّ بِمَلأٍ مِنَ النّاسِ إلّا أخَذُوا التُّرابَ مِن تَحتِ قَدَمَيكِ ؛ يَستَشفونَ بِهِ . وأمّا الثّانِيَةُ وَالثَّلاثونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى نَصَرَني بِالرُّعبِ ، فَسَأَلتُهُ أن يَنصُرَكَ بِمِثلِهِ ، فَجَعَلَ لَكَ مِن ذلِكَ مِثلَ الَّذي جَعَلَ لي . وأمَّا الثّالِثَةُ وَالثَّلاثونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله التَقَمَ اُذُني وعَلَّمَني ما كانَ وما يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، فَساقَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ ذلِكَ إلَيَّ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله . وأمَّا الرّابِعَةُ وَالثَّلاثونَ : فَإِنَّ النَّصارَى ادَّعَوا أمرا ، فَأَنزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ فيهِ : «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا
.
ص: 566
وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَ_ذِبِينَ» (1) ، فَكانَت نَفسي نَفسَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ وَالنِّساءُ فاطِمَةَ عليهاالسلام ؛ وَالأَبناءُ الحَسَنَ وَالحُسَينَ . ثُمَّ نَدِمَ القَومُ ، فَسَأَلوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله الإِعفاءَ ، فَأَعفاهُم . وَالَّذي أنزَلَ التَّوراةَ عَلى موسى وَالفُرقانَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله لَو باهَلونا لَمُسِخوا قِرَدَةً وخَنازِيرَ . وأمَّا الخامِسَةُ وَالثَّلاثونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَجَّهَني يَومَ بَدرٍ فَقالَ : اِيتِني بِكَفِّ حَصَياتٍ مَجموعَةً في مَكانٍ واحِدٍ ، فَأَخَذتُها ثُمَّ شَمَمتُها ، فَإِذا هِيَ طَيِّبَةٌ تَفوحُ مِنها رائِحَةُ المِسكِ ، فَأَتَيتُهُ بِها ، فَرَمى بِها وُجوهَ المُشرِكينَ ، وتِلكَ الحَصَياتُ أربَعٌ مِنها كُنَّ مِنَ الفِردَوسِ ، وحَصاةٌ مِنَ المَشرِقِ ، وحَصاةٌ مِنَ المَغرِبِ ، وحَصاةٌ مِن تَحتِ العَرشِ ، مَعَ كُلِّ حَصاةٍ مِئَةُ ألفِ مَلَكٍ مَدَدا لَنا ، لَم يُكرِمِ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهذِهِ الفَضيلَةِ أحَدا قَبلُ ولا بَعدُ . وأمَّا السّادِسَةُ وَالثَّلاثونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : وَيلٌ لِقاتِلِكَ ؛ إنَّهُ أشقى مِن ثَمودَ ، ومِن عاقِرِ النّاقَةِ ، وإنَّ عَرشَ الرَّحمنِ لَيَهتَزُّ لِقَتلِكَ ، فَأَبشِر يا عَلِيُّ فَإِنَّكَ في زُمرَةِ الصَّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ . وأمَّا السّابِعَةُ وَالثَّلاثونَ : فَإِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى قَد خَصَّني مِن بَينِ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله بِعِلمِ النّاسِخِ وَالمَنسوخِ ، وَالمُحكَمِ وَالمُتَشابِهِ ، وَالخاصِّ وَالعامِّ ، وذلِكَ مِمّا مَنَّ اللّهُ بِهِ عَلَيَّ وعَلى رَسولِهِ . وقالَ لِيَ الرَّسولُ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أمَرَني أن اُدنِيَكَ ولا اُقصِيَكَ ، واُعَلِّمَكَ ولا أجفُوَكَ ، وحَقٌّ عَلَيَّ أن اُطيعَ رَبّي ، وحَقٌّ عَلَيكَ أن تَعِيَ . وأمَّا الثّامِنَةُ وَالثَّلاثونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَني بَعثا ، ودَعا لي بِدَعَواتٍ ، وأطَلَعَني عَلى ما يَجري بَعدَهُ ، فَحَزِنَ لِذلِكَ بَعضُ أصحابِهِ ، قالَ : لَو قَدَرَ مُحَمَّدٌ أن يَجعَلَ ابن
.
ص: 567
عَمِّهِ نَبِيّا لَجَعَلَهُ ، فَشَرَّفَنِي اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِالاِطِّلاعِ عَلى ذلِكَ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله . وأمَّا التّاسِعَةُ وَالثَّلاثونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : كَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُ عَلِيّا ؛ لا يَجتَمِعُ حُبّي وحُبُّهُ إلّا في قَلبِ مُؤمِنٍ . إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ أهلَ حُبّي وحُبِّكَ _ يا عَلِيُّ _ في أوَّلِ زُمرَةِ السّابِقينَ إلَى الجَنَّةِ ، وجَعَلَ أهلَ بُغضي وبُغضِكَ في أوَّلِ زُمرَةِ الضّالّينَ مِن اُمَّتي إلَى النّارِ . وأمَّا الأَربَعونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَجَّهَني في بَعضِ الغَزَواتِ إلى رَكِيٍّ (1) فَإِذا لَيسَ فيهِ ماءٌ ، فَرَجَعتُ إلَيهِ فَأَخبَرتُهُ ، فَقالَ : أفيهِ طينٌ ؟ قُلتُ : نَعَم . فَقالَ ، ائتِني مِنهُ ، فَأَتَيتُ مِنهُ بِطينٍ ، فَتَكَلَّمَ فيهِ ، ثُمَّ قالَ : ألقِهِ فِي الرَّكِيِّ ، فَأَلقَيتُهُ ، فَإِذَا الماءُ قَد نَبَعَ حَتَّى امتَلَأَ جَوانِبُ الرَّكِيِّ ، فَجِئتُ إلَيهِ فَأَخبَرتُهُ ، فَقالَ لي : وُفِّقتَ يا عَلِيُّ ، وبِبَرَكَتِكَ نَبَعَ الماءُ . فَهذِهِ المَنقَبَةُ خاصَّةٌ بي مِن دونِ أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله . وأمَّا الحادِيَةُ وَالأَربَعونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : أبشِر يا عَلِيُّ ؛ فَإِنَّ جَبرَئيلَ أتاني فَقالَ لي : يا مُحَمَّدُ إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى نَظَرَ إلى أصحابِكَ فَوَجَدَ ابنَ عَمَّكَ وخَتَنَكَ عَلَى ابنَتِكَ فاطِمَةَ خَيرَ أصحابِكَ ، فَجَعَلَهُ وَصِيَّكَ وَالمُؤَدِّيَ عَنكَ . وأمَّا الثّانِيَةُ وَالأَربَعونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ يَقولُ : أبشِر يا عَلِيُّ ؛ فَإِنَّ مَنزِلَكَ فِي الجَنَّةِ مُواجِهُ مَنزِلي ، وأنتَ مَعي فِي الرَّفيقِ الأَعلى في أعلى عِلِّيّينَ . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وما أعلى عِلِّيّونَ ؟ فَقالَ : قُبَّةٌ مِن دُرَّةٍ بَيضاءَ ، لَها سَبعونَ ألفَ مِصراعٍ ، مَسكَنٌ لي ولَكَ يا عَلِيُّ . وأمَّا الثّالِثَةُ وَالأَربَعونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ رَسَخَ حُبّي في قُلوبِ المُؤمِنينَ ، وكَذلِكَ رَسَخَ حُبَّكَ _ يا عَلِيُّ _ في قُلوبِ المُؤمِنينَ ، ورَسَخَ بُغضي وبُغضَكَ في قُلوبِ المُنافِقينَ ؛ فَلا يُحِبُّكَ إلّا مُؤمِنٌ تَقِيٌّ ، ولا يُبغِضُكُ إلّا مُنافِقٌ كافِرٌ .
.
ص: 568
وأمَّا الرّابِعَةُ وَالأَربَعونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : لَن يُبغِضَكَ مِنَ العَرَبِ إلّا دَعِيٌّ ، ولا مِنَ العَجَمِ إلّا شَقِيٌّ ، ولا مِنَ النِّساءِ إلّا سَلَقلَقِيَّةٌ (1) . وأمَّا الخامِسَةُ وَالأَربَعونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله دَعاني وأنَا رَمِدُ العَينِ ، فَتَفَلَ في عَيني ، وقالَ : اللّهُمَّ اجعَل حَرَّها في بَردِها ، وبَردَها في حَرِّها ، فَوَاللّهِ ، مَا اشتَكَت عَيني إلى هذِهِ السّاعَةِ . وأمّا السّادِسَةُ وَالأَربَعونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَ أصحابَهُ وعُمومَتَهُ بِسَدِّ الأَبوابِ ، وفَتَحَ بابي بِأَمرِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ . فَلَيسَ لِأَحَدٍ مَنقَبَةٌ مِثلُ مَنقَبَتي . وأمَّا السّابِعَةُ وَالأَربَعونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَني في وَصِيَّتِهِ بِقَضاءِ دُيونِهِ وعِداتِهِ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، قَد عَلِمتَ أنَّهُ لَيسَ عِندي مالٌ ! فَقالَ : سَيُعينُكَ اللّهُ . فَما أرَدتُ أمرا مِن قَضاءِ دُيونِهِ وعِداتِهِ إلّا يَسَّرَهُ اللّهُ لي ، حَتّى قَضَيتُ دُيونَهُ وعِداتِهِ ، وأحصَيتُ ذلِكَ فَبَلَغَ ثَمانينَ ألفا ، وبَقِيَ بَقِيَّةٌ أوصَيتُ الحَسَنَ أن يَقضِيَها . وأمَّا الثّامِنَةُ وَالأَربَعونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أتاني في مَنزِلي ، ولَم يَكُن طَعِمنا مُنذُ ثَلاثَةِ أيّامٍ ، فَقالَ : يا عَلِيُّ ، هَل عِندَكَ مِن شَيءٍ ؟ فَقُلتُ : وَالَّذي أكرَمَكَ بِالكَرامَةِ وَاصطَفاكَ بِالرِّسالَةِ ما طَعِمتُ وزَوجَتي وَابنايَ مُنذُ ثَلاثَةِ أيّامٍ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا فاطِمَةُ ، ادخُلِي البَيتَ وَانظُري هَل تَجِدينَ شَيئا ؟ فَقالَت : خَرَجتُ السّاعَةَ ! فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أدخُلُهُ أنَا ؟ فَقالَ : اُدخُل بِاسمِ اللّهِ . فَدَخَلتُ ، فَإِذا أنَا بِطَبَقٍ مَوضوعٍ عَلَيهِ رُطَبٌ مِن تَمرٍ ، وجَفنَةٌ (2) مِن ثَريدٍ ، فَحَمَلتُها إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا عَلِيُّ ، رَأَيتَ الرَّسولَ الَّذي حَمَلَ هذَا الطَّعامَ ؟ فَقُلتُ : نَعَم . فَقالَ : صِفهُ لي . فَقُلتُ : مِن بَينِ أحمَرَ وأخضَرَ وأصفَرَ . فَقالَ : تِلكَ خُطَطُ جَناحِ جَبرَئيلَ عليه السلام مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَالياقوتِ . فَأَكَلنا
.
ص: 569
مِنَ الثَّريدِ حَتّى شَبِعنا ، فَما رَأى إلّا خَدشَ أيدينا وأصابِعِنا . فَخَصَّنِي اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِذلِكَ مِن بَينِ أصحابِهِ . وأمَّا التّاسِعَةُ وَالأَربَعونَ : فَإِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَصَّ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِالنُّبُوَّةِ ، وخَصَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِالوَصِيَّةِ ، فَمَن أحَبَّني فَهُوَ سَعيدٌ يُحشَرُ في زُمرَةِ الأَنبِياءِ عليهم السلام . وأمَّا الخَمسونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ بِبَراءَةَ مَعَ أبي بَكرٍ ، فَلَمّا مَضى أتى جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ . فَوَجَّهَني عَلى ناقَتِهِ العَضباءِ ، فَلَحِقتُهُ بِذِي الحُلَيفَةِ فَأَخَذتُها مِنهُ ، فَخَصَّنِي اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِذلِكَ . وأمَّا الحادِيَةُ وَالخَمسونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أقامَني لِلنّاسِ كافَّةً يَومَ غَديرِ خُمٍّ ، فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، فَبُعدا وسُحقا لِلقَومِ الظّالِمينَ . وأمَّا الثّانِيَةُ وَالخَمسونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : يا عَلِيُّ ، أ لا اُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ عَلَّمَنيهِنَّ جَبرَئيلُ عليه السلام ؟ ! فَقُلتُ : بَلى . قالَ : قُل : يا رازِقَ المُقِلّينَ ، ويا راحِمَ المَساكينَ ، ويا أسمَعَ السّامِعينَ ، ويا أبصَرَ النّاظِرينَ ، ويا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، ارحَمني وَارزُقني . وأمَّا الثّالِثَةُ وَالخَمسونَ : فَإِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى لَن يَذهَبَ بِالدُّنيا حَتّى يَقومَ مِنَّا القائِمُ ، يَقتُلُ مُبغِضينا ، ولا يَقبَلُ الجِزيَةَ ، ويَكسِرُ الصَّليبَ وَالأَصنامَ ، ويَضَعُ الحَربُ أوزارَها ، ويَدعو إلى أخذِ المالِ فَيَقسِمُهُ بِالسَّوِيَّةِ ، ويَعدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ . وأمَّا الرّابِعَةُ وَالخَمسونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يا عَلِيُّ ، سَيَلعَنُكَ بَنو اُميَّةَ ، ويَرُدُّ عَلَيهِم مَلَكٌ بِكُلِّ لَعنَةٍ ألفَ لَعنَةٍ ، فَإِذا قامَ القائِمُ لَعَنَهُم أربَعينَ سَنَةً . وأمَّا الخامِسَةُ وَالخَمسونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قال لي : سَيَفتَتِنُ فيكَ طَوائِفُ مِن اُمَّتي ؛ فَيَقولونَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يُخَلِّف شَيئا ، فَبِماذا أوصى عَلِيّا ؟ أ وَلَيسَ كِتابُ رَبّي أفضَلَ الأَشياءِ بَعدَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ! ! وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ لَئِن لَم تَجمَعه
.
ص: 570
بِإِتقانٍ لَم (1) يُجمَع أبَدا . فَخَصَّنِيَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِذلِكَ مِن دونِ الصَّحابَةِ . وأمَّا السّادِسَةُ وَالخَمسونَ : فَإِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَصَّني بِما خَصَّ بِهِ أولياءَهُ وأهلَ طاعَتِهُ ، وجَعَلَني وارِثَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ فَمَن ساءَهُ ساءَهُ ، ومَن سَرَّهُ سَرَّهُ _ وأومَأَ بِيَدِهِ نَحوَ المَدينَةِ _ . وأمَّا السّابِعَةُ وَالخَمسونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ في بَعضِ الغَزَواتِ ، فَفُقِدَ الماءُ ، فَقالَ لي : يا عَلِيُّ ، قُم إلى هذِهِ الصَّخرَةِ ، وقُل : أنَا رَسولُ رَسولِ اللّهِ ، انفَجِري لي ماءً . فَوَاللّهِ الَّذي أكرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ لَقَد أبلَغتُهَا الرِّسالَةَ ، فَأَطلَعَ مِنها مِثلُ ثَديِ البَقَرِ ، فَسالَ مِن كُلِّ ثَديٍ مِنها ماءٌ ، فَلَمّا رَأَيتُ ذلِكَ أسرَعتُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَأَخبَرتُهُ ، فَقالَ : اِنطَلِق ياعَلِيُّ ، فَخُذ مِنَ الماءِ ، وجاءَ القَومُ حَتّى مَلَؤوا قِرَبَهُم وأداواتِهِم ، وسَقَوا دَوابَّهُم ، وشَرِبوا ، وتَوَضَّؤوا . فَخَصَّنِي اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِذلِكَ مِن دونِ الصَّحابَةِ . وأمَّا الثّامِنَةُ وَالخَمسونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَني في بَعضِ غَزَواتِهِ _ وقَد نَفِدَ الماءُ _ فَقالَ : يا عَلِيُّ ، ائِتني بِتَورٍ (2) . فَأَتَيتُهُ بِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمنى ويَدي مَعَها فِي التَّورِ ، فَقالَ : اُنبُع ، فَنَبَعَ الماءُ مِن بَينِ أصابِعِنا . وأمَّا التّاسِعَةُ وَالخَمسونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَجَّهَني إلى خَيبَرَ ، فَلَمّا أتَيتُهُ وَجَدتُ البابَ مُغلَقا ، فَزَعزَعتُهُ شَديدا ، فَقَلَعتُهُ ورَمَيتُ بِهِ أربَعينَ خُطوَةً ، فَدَخَلتُ ، فَبَرَزَ إلَيَّ مَرحَبٌ ، فَحَمَلَ عَلَيَّ وحَمَلتُ عَلَيهِ ، وسَقَيتُ الأَرضَ مِن دَمِهِ . وقَد كانَ وَجَّهَ رَجُلَينِ مِن أصحابِهِ فَرَجَعا مُنكَسِفَينِ . وأمَّا السِّتّونَ : فَإِنّي قَتَلتُ عَمرَو بنَ عَبدِ وَدٍّ ، وكانَ يُعَدَّ بِأَلفِ رَجُلٍ . وأمَّا الحادِيَةُ وَالسِّتّونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يا عَلِيُّ ، مَثَلُكَ في اُمَّتى ¨
.
ص: 571
مَثَلُ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» (1) ؛ فَمَن أحَبَّكَ بِقَلبِهِ فَكَأَنَّما قَرَأَ ثُلُثَ القُرآنِ ، ومَن أحَبَّكَ بِقَلبِهِ وأعانَكَ بِلِسانِهِ فَكَأَنَّما قَرَأَ ثُلُثَيِ القُرآنِ ، ومَن أحَبَّكَ بِقَلبِهِ وأعانَكَ بِلِسانِهِ ونَصَرَكَ بِيَدِهِ فَكَأَنَّما قَرَأَ القُرآنَ كُلَّهُ . وأمَّا الثّانِيَةُ وَالسِّتّونَ : فَإِنّي كُنتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في جَميعِ المَواطِنِ وَالحُروبِ ، وكانَت رايَتُهُ مَعي . وأمَّا الثّالِثَةُ وَالسِّتّونَ : فَإِنّي لَم أفِرَّ مِنَ الزَّحفِ قَطُّ ، ولَم يُبارِزني أحَدٌ إلّا سَقَيتُ الأَرضَ مِن دَمِهِ . وأمَّا الرّابِعَةُ وَالسِّتّونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله اُتِيَ بِطَيرٍ مَشوِيٍّ مِنَ الجَنَّةِ ، فَدَعَا اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أن يُدخِلَ عَلَيهِ أحَبَّ خَلقِهِ إلَيهِ ، فَوَفَّقَنِي اللّهُ لِلدُّخولِ عَلَيهِ حَتّى أكَلتُ مَعَهُ مِن ذلِكَ الطَّيرِ . وأمَّا الخامِسَةُ وَالسِّتّونَ : فَإِنّي كُنتُ اُصَلِّي فِي المَسجِدِ فَجاءَ سائِلٌ ، فَسَأَلَ وأنَا راكِعٌ ، فَناوَلتُهُ خاتَمي مِن إصبَعي ، فَأَنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى فِيَّ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» (2) . وأمَّا السّادِسَةُ وَالسِّتّونَ : فَإِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى رَدَّ عَلَيَّ الشَّمسَ مَرَّتَينِ ، ولَم يَرُدَّها عَلى أحَدٍ مِن اُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله غَيري . وأمَّا السّابِعَةُ وَالسِّتّونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَ أن اُدعى بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ في حَياتِهِ وبَعدَ مَوتِهِ ، ولَم يُطلِق ذلِكَ لِأَحِدٍ غَيري . وأمَّا الثّامِنَةُ وَالسِّتّونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : يا عَلِيُّ ، إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ مِن بُطنانِ العَرشِ : أينَ سَيِّدُ الأَنبِياءِ ؟ فَأَقومُ ، ثُمَّ يُنادي : أينَ سَيِّدُ الأَوصِياءِ ؟
.
ص: 572
فَتَقومُ ، ويَأتيني رِضوانُ بِمَفاتيحِ الجَنَّةِ ، ويَأتيني مالِكٌ بِمَقاليدِ النّارِ ، فَيَقولانِ : إِنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ أمَرَنا أن نَدفَعَها إلَيكَ ، ونَأمُرَكَ أن تَدفَعَها إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَتَكونُ _ يا عَلِيُّ _ قَسيمَ الجَنَّةِ وَالنّارِ . وأمَّا التّاسِعَةُ وَالسِّتّونَ : فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : لَولاكَ ما عُرِفَ المُنافِقونَ مِنَ المُؤمِنينَ . وأمَّا السَّبعونَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نامَ ونَوَّمَني وزَوجَتي فاطِمَةَ وَابنَيَّ الحَسَنَ وَالحُسَينَ ، وألقى عَلَينا عَباءَةً قَطَوانِيَّةً ، فَأَنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى فينا : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (1) ، وقالَ جَبرَئيلُ عليه السلام : أنَا مِنكُم يا مُحَمَّدُ ، فَكانَ سادِسُنا جَبرَئيلَ عليه السلام (2) .
3 / 6المَناقِبُ المَنثورَةُالإمام عليّ عليه السلام :أنَا رَبّانِيُّ هذِهِ الاُمَّةِ (3) .
عنه عليه السلام :أنَا داعيكُم إلى طاعَةِ رَبِّكُم ، ومُرشِدُكُم إلى فَرائِضِ دينِكُم ، ودَليلُكُم إلى ما يُنجيكُم (4) .
عنه عليه السلام :أنَا أنفُ الهُدى وعَيناهُ ، فَلا تَستَوحِشوا مِن طَريقِ الهُدى ؛ لِقَلَّةِ مَن يَغشاهُ (5) .
.
ص: 573
عنه عليه السلام :أنَا شاهِدٌ لَكُم ، وحَجيجٌ يَومَ القِيامَةِ عَنكُم (1) .
عنه عليه السلام :أنَا أولى بِرَسولِ اللّهِ حَيّا ومَيِّتا ، وأنَا وَصِيُّهُ ووَزيرُهُ ومُستَودَعُ سِرِّهِ وعِلمِهِ ، وأنَا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وَالفاروقُ الأَعظَمُ ، وأوَّلُ مَن آمَنَ بِهِ وصَدَّقَهُ ، وأحسَنُكُم بَلاءً في جِهادِ المُشرِكينَ ، وأعرَفُكُم بِالكِتابِ وَالسُّنَّةِ ، وأفقَهُكُم في الدّينِ ، وأعلَمُكُم بِعَواقِبِ الاُمورِ ، وأذرَبُكُم (2) لِسانا ، وأثبَتُكُم جَنانا (3) .
عنه عليه السلام :أنَا حَجيجُ المارِقينَ ، وخَصيمُ النّاكِثينَ المُرتابينَ (4) .
عنه عليه السلام :أنَا أخو رَسولِ اللّهِ ، وابنُ عَمِّهِ ، وسَيفُ نَقِمَتِهِ ، وعِمادُ نُصرَتِهِ وبَأسُهُ وشِدَّتُهُ (5) .
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: أنَا قاتِلُ الأَقرانِ ، ومُجَدِّلُ الشُّجعانِ ، أنَا الَّذي فَقَأتُ عَينَ الشِّركِ ، وثَلَلتُ (6) عَرشَهُ ، غَيرَ مُمتَنٍّ عَلَى اللّهِ بِجِهادي ، ولا مُدِلٍّ إلَيهِ بِطاعَتي ، ولكِن اُحَدِّثُ بِنِعمَةِ رَبّي (7) .
عنه عليه السلام :أنَا خَليفَةُ رَسولِ اللّهِ فيكُم ، ومُقيمُكُم عَلى حُدودِ دينِكُم ، وداعيكُم إلى جَنَّةِ المَأوى (8) .
عنه عليه السلام :أنَا صِراطُ اللّهِ الَّذي مَن لا يَسلُكُهُ بِطاعَةِ اللّهِ فيهِ هَوى بِهِ إلَى النّارِ ، أنَا سَبيلُهُ الّذي نَصَبَني لِلاِتِّباعِ بَعدَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، أنَا قَسيمُ النّارِ ، أنَا حُجَّةُ اللّهِ عَلَى الفُجّارِ ،
.
ص: 574
أنَا نورُ الأَنوارِ (1) .
عنه عليه السلام :أنَا حُجَّةُ اللّهِ ، وأنَا خَليفَةُ اللّهِ ، وأنَا صِراطُ اللّهِ ، وأنَا بابُ اللّهِ ، وأنَا خازِنُ عِلمِ اللّهِ ، وأنَا المُؤتَمَنُ عَلى سِرِّ اللّهِ ، وأنَا إمامُ البَرِيَّةِ بَعدَ خَيرِ الخَليقَةِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرحَّمَةِ صلى الله عليه و آله (2) .
عنه عليه السلام :أنَا إمامُ البَرِيَّةِ ، ووَصِيُّ خَيرِ الخَليقَةِ ، وزَوجُ سَيِّدَةِ نِساءِ الاُمَّةِ ، وأبُو العِترَةِ الطّاهِرَةِ وَالأَئِمَّةِ الهادِيَةِ . أنَا أخو رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ووَصِيُّهُ ، ووَلِيُّهُ ، ووَزيرُهُ ، وصاحِبُهُ ، وصَفِيُّهُ ، وحَبيبُهُ ، وخَليلُهُ . أنَا أميرُ المُؤمِنينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وسَيِّدُ الوَصِيّينَ . حَربي حَربُ اللّهِ ، وسِلمي سِلمُ اللّهِ ، وطاعَتي طاعَةُ اللّهِ ، ووِلايَتي وِلايَةُ اللّهِ ، وشيعَتي أولِياءُ اللّهِ ، وأنصاري أنصارُ اللّهِ (3) .
عنه عليه السلام :أنَا سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، ووَصِيُّ سَيِّدِ النَّبِيّينَ ، أنَا إمامُ المُسلِمينَ ، وقائِدُ المُتَّقينَ ، ومَولَى المُؤمِنينَ ، وزَوجُ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ . أنَا المُتَخَتِّمُ بِاليَمينِ ، وَالمُعَفِّرُ لِلجَبينِ . أنَا الَّذي هاجَرتُ الهِجرَتَينِ ، وبايَعتُ البَيعَتَينِ . أنا صاحِبُ بَدرٍ وحُنَينٍ ، أنَا الضّارِبُ بِالسَّيفَينِ ، وَالحامِلُ عَلى فَرَسَينِ . أنَا وارِثُ عِلمِ الأَوَّلينَ ، وحُجَّةُ اللّهِ عَلَى العالَمينَ بَعدَ الأَنبِياءِ ومُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ صلى الله عليه و آله خاتَمِ النَّبِيّينَ ، أهلُ مَوالاتي مَرحومونَ ، وأهلُ عِداوتي مَلعونونَ . ولَقَد كانَ حَبيبي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَثيرا ما يَقولُ لي : يا عَلِيُّ حُبُّكَ تَقوىً وإيمانٌ ، وبُغضُكُ كُفرٌ ونِفاقٌ ، وأنَا بَيتُ الحِكمَةِ ، وأنتَ مِفتاحُهُ ، وكَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُكَ (4) .
.
ص: 575
عنه عليه السلام :أنَا خَليفَةُ رَسولِ اللّهِ ووَزيرُهُ ووارِثُهُ ، أنَا أخو رَسولِ اللّهِ ووَصِيُّهُ وحَبيبُهُ ، أنَا صَفِيُّ رَسولِ اللّهِ وصاحِبُهُ . أنَا ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ ، وزَوجُ ابنَتِهِ ، وأبو وُلدِهِ . أنَا سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، ووَصِيُّ سَيِّدِ النَّبِيّينَ . أنَا الحُجَّةُ العُظمى ، والآيَةُ الكُبرى ، وَالمَثَلُ الأَعلى ، وبابُ النَّبِيِّ المُصطَفى . أنَا العُروَةُ الوُثقى ، وكَلِمَةُ التَّقوى ، وأمينُ اللّهِ _ تَعالى ذِكرُهُ _ عَلى أهلِ الدُّنيا (1) .
عنه عليه السلام :أنَا الهادي ، وأنَا المُهتَدي . وأنَا أبُو اليَتامى وَالمساكينِ ، وزَوجُ الأَرامِلِ ، وأنَا مَلجَأُ كُلِّ ضَعيفٍ ، ومَأمَنُ كُلِّ خائِفٍ . وأنَا قائِدُ المُؤمِنينَ إلَى الجَنَّةِ ، وأنَا حَبلُ اللّهِ المَتينُ ، وأنَا عُروَةُ اللّهِ الوُثقى ، وكَلِمَةُ التَّقوى . وأنَا عَينُ اللّهِ ، ولِسانُهُ الصّادِقُ ، ويَدُهُ ، وأنَا جَنبُ اللّهِ الَّذي يَقولُ : «أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَ_حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنبِ اللَّهِ» (2) . وأنَا يَدُ اللّهِ المَبسوطَةُ عَلى عِبادِهِ بِالرَّحمَةِ وَالمَغفِرَةِ ، وأنَا بابُ حِطَّةٍ . مَن عَرَفَني وعَرَفَ حَقّي فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ ؛ لِأَنّي وَصِيُّ نَبِيِّهِ في أرضِهِ ، وحُجَّتُهُ عَلى خَلقِهِ ، لا يُنكِرُ هذا إلّا رادٌّ عَلَى اللّهِ ورَسولِهِ (3) .
عنه عليه السلام :أنَا قَلبُ اللّهِ الواعي ، ولِسانُهُ النّاطِقُ ، وأمينُهُ عَلى سِرِّهِ ، وحُجَّتُهُ عَلى خَلقِهِ ، وخَليفَتُهُ عَلى عِبادِهِ ، وعَينُهُ النّاظِرَةُ في بَرِيَّتِهِ ، ويَدُهُ المَبسوطَةُ بِالرَّأفَةِ وَالرَّحمَةِ ، ودينُهُ الَّذي لا يُصَدِّقُني إلّا مَن مَحَضَ الإِيمانَ مَحضا ، ولا يُكَذِّبُني إلّا مَن مَحَضَ الكُفرَ مَحضا (4) .
.
ص: 576
عنه عليه السلام :أنَا عَينُ اللّهِ ، وأنَا يَدُ اللّهِ ، وأنَا جَنبُ اللّهِ ، وأنَا بابُ اللّهِ (1) .
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «يَ_حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنبِ اللَّهِ» _: قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أنَا جَنبُ اللّهِ ، وأنَا حَسرَةُ النّاسِ يَومَ القِيامَةِ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا عِلمُ اللّهِ ، وأنَا قَلبُ اللّهِ الواعي ، ولِسانُ اللّهِ النّاطِقُ ، وعَينُ اللّهِ ، وجَنبُ اللّهِ ، وأنَا يَدُ اللّهِ (3) .
الإرشاد عن حكيم بن جبير عن الإمام عليّ عليه السلام :أنَا عَبدُ اللّهِ ، وأخو رَسولِ اللّهِ ، وَرِثتُ نَبِيَّ الرَّحمَةِ ، ونَكَحتُ سَيِّدَةَ نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ . وأنَا سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، وآخِرُ أوصِياءِ النَّبِيّينَ ، لا يَدَّعي ذلِكَ غَيري إلّا أصابَهُ اللّهُ بِسوءٍ . فَقالَ رَجُلٌ مِن عَبسٍ كانَ جالِسا بَينَ القَومِ : مَن لا يُحسِنُ أن يَقولَ هذا : «أنَا عَبدُ اللّهِ ، وأخو رَسولِ اللّهِ» ! فَلَم يَبرَح مَكانَهُ حَتّى تَخَبَّطَهُ الشَّيطانُ (4) ، فَجُرَّ بِرِجلِهِ إلى بابِ المَسجِدِ . فَسَأَلنا قَومَهُ عَنهُ ، فَقُلنا : هَل تَعرِفونَ بِهِ عَرَضا قَبلَ هذا ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا (5) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنّي مُستَوفٍ رِزقي ، ومُجاهِدٌ نَفسي ، ومُنتَهٍ إلى قِسمي (6) .
عنه عليه السلام :إنّي مُحارِبٌ أمَلي ، ومُنتَظِرٌ أجَلي (7) .
.
ص: 577
عنه عليه السلام :إنّي لَعَلى إقامَةِ حُجَجِ اللّهِ اُقاوِلُ ، وعَلى نُصرَةِ دينِهِ اُجاهِدُ واُقاتِلُ (1) .
عنه عليه السلام :إنّي لَأَرفَعُ نَفسي أن تَكونَ حاجَةٌ لا يَسَعُها جودي ، أو جَهلٌ لا يَسَعُهُ حِلمي ، أو ذَنبٌ لا يَسَعُهُ عَفوي ، أو أن يَكونَ زَمانٌ أطوَلَ مِن زَماني (2) .
عنه عليه السلام :إنّي لَأَرفَعُ نَفسي أن أنهَى النّاسَ عَمّا لَستُ أنتَهي عَنهُ ، أو آمُرَهُم بِما لا أسبِقُهُم إلَيهِ بِعَمَلي ، أو أرضى مِنهُم بِما لا يُرضي رَبّي (3) .
عنه عليه السلام :إنّي وَاللّهِ ما أحُثُّكُم عَلى طاعَةٍ إلّا وأسبِقُكُم إلَيها ، ولا أنهاكُم عَن مَعصِيَةٍ إلّا وأ تَناهى قَبلَكُم عَنها (4) .
عنه عليه السلام :إنّي لَمِن قَومٍ لا تَأخُذُهُم فِي اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ ، سيماهُم سيمَا الصِّدّيقينَ ، وكَلامُهُم كَلامُ الأَبرارِ ، عُمّارُ اللَّيلِ ومَنارُ النَّهارِ ، مُتَمَسِّكونَ بِحَبلِ القُرآنِ ، يُحيونَ سُنَنَ اللّهِ وسُنَنَ رَسولِهِ ، لا يَستَكبِرونَ ولا يَعلونَ ، ولا يَغُلّونَ ، ولا يفُسِدونَ ، قُلوبُهُم فِي الجِنانِ ، وأجسادُهُم فِي العَمَلِ (5) .
المناقب لابن المغازلي عن ابن عبّاس :نَظَرَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام في وُجوهِ النّاسِ فَقالَ : إنّي لَأَخو رَسولِ اللّهِ ووَزيرُهُ ، وقَد عَلِمتُم أنّي أوَّلُكُم إيمانا بِاللّهِ ورَسولِهِ ، ثُمَّ دَخَلتُم بَعدي فِي الإِسلامِ رَسَلاً (6) . وإنّي لَابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأخوهُ ، وشَريكُهُ في نَسَبِهِ ، وأبو وُلدِهِ ، وزَوجُ ابنَتِهِ سَيِّدَةِ وُلدِهِ وسَيِّدَةِ نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ . ولَقَد عَرَفتُم أنّا ما خَرَجنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَخرَجا قَطُّ إلّا رَجَعنا وأنَا أحَبُّكُم
.
ص: 578
إلَيهِ ، وأوثَقُكُم في نَفسِهِ ، وأشَدُّكُم نِكايَةً لِلعَدُوِّ ، وأثَرا فِي العَدُوِّ . ولَقَد رَأَيتُم بِعثَتَهُ إيّايَ بِبَراءَةٌ . ولَقَد آخى بَينَ المُسلِمينَ ، فَمَا اختارَ لِنَفسِهِ أحَدا غَيري . ولَقَد قالَ لي : أنتَ أخي وأنَا أخوكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . ولَقَد أخرَجَ النّاسَ مِنَ المَسجِدِ وتَرَكَني . ولَقَد قالَ لي : أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّما مَثَلي بَينَكُم كَمَثَلِ السِّراجِ فِي الظُّلمَةِ ؛ يَستَضيءُ بِهِ مَن وَلَجَها ، فَاسمَعوا أيُّهَا النّاسُ وعوا ، وأحضِروا آذانَ قُلوبِكُم تَفهَموا (2) .
عنه عليه السلام :إنَّما هِيَ نَفسي أروضُها (3) بُالتَّقوى ؛ لِتَأتِيَ آمِنَةً يَومَ الخَوفِ الأَكبَرِ ، وتَثبُتَ عَلى جَوانِبِ المَزلَقِ . . . وَايمُ اللّهِ _ يَمينا أستَثني فيها بِمَشيئَةِ اللّهِ _ لَأَروضَنَّ نَفسي رِياضَةً تَهِشُّ مَعَها إلَى القُرصِ إذا قَدَرتُ عَلَيهِ مَطعوما ، وتَقَنَعُ بِالمِلحِ مَأدوما ، ولَأَدَعَنَّ مُقلَتي كَعَينِ ماءٍ نَضَبَ مَعينَها ، مُستَفرِغَةً دُموعَها . أ تَمتَلِئُ السّائِمَةُ مِن رِعيِها فَتَبرُكَ ، وتَشبَعُ الرَّبيضَةُ مِن عُشبِها فَتَربِضَ ، ويَأكُلُ عَلِيٌّ مِن زادِهِ فَيَهجَعَ ؟ ! قَرَّت إذا عَينُهُ إذَا اقتَدى بَعدَ السِّنينَ المُتَطاوِلَةِ بِالبَهيمَةِ الهامِلَةِ ، وَالسّائِمَةِ المَرعِيَّةِ (4) .
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ اسمُهُ امتَحَنَ بي عِبادَهُ ، وقَتَلَ بِيَدي أضدَادَهُ ، وأفنى بِسَيفي جُحّادَهُ ، وجَعَلَني زُلفَةً لِلمُؤمِنينَ ، وحِياضَ مَوتٍ عَلَى الجَبّارينَ ، وسَيفَهُ عَلَى المُجرِمينَ ، وشَدَّ بي أزرَ (5) رَسولِهِ ، وأكرَمَني بِنَصرِهِ ، وشَرَّفَني بِعِلمِهِ ، وحَبانى ¨
.
ص: 579
بِأَحكامِهِ ، وَاختَصَّني بِوَصِيَّتِهِ ، وَاصطَفاني بِخِلافَتِهِ في اُمَّتِهِ ؛ فَقالَ صلى الله عليه و آله _ وقَد حَشَدَهُ المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ وَانغَصَّت بِهِمُ المَحافِلُ _ : أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ عَلِيّا مِنّي كَهارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي . فَعَقَلَ المُؤمِنونَ عَنِ اللّهِ نُطقَ الرَّسولِ ، إذ عَرَفوني أنّي لَستُ بِأَخيهِ لِأَبيهِ واُمِّهِ كَما كانَ هارونُ أخا موسى لِأَبيهِ واُمِّهِ ، ولا كُنتُ نَبِيّا فَأقتَضِيَ نُبُوَّةً ، ولكِن كانَ ذلِكَ مِنهُ استِخلافا لي كَمَا استَخَلَفَ موسى هارونَ عليهماالسلام ، حَيثُ يَقولُ : «اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (1) . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله _ حينَ تَكَلَّمَت طائِفَةً فَقالَت : نَحنُ مَوالي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى حَجَّةِ الوِداعِ ثُمَّ صارَ إلى غَديرِ خُمٍّ ، فَأَمَرَ فَاُصلِحَ لَهُ شِبهُ المِنبَرِ ، ثُمَّ عَلاهُ وأخَذَ بِعَضُدي حَتّى رُئِيَ بَياضُ إبطَيهِ ، رافِعا صَوتَهُ قائِلاً في مَحفِلِهِ _ : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ» ، فَكانَت عَلى وِلايَتي وِلايَةُ اللّهِ ، وعَلى عَداوَتي عَداوَةُ اللّهِ . وأنزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ في ذلِكَ اليَومِ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (2) ، فَكانَت وِلايَتي كَمالَ الدّينِ ، ورِضَا الرَّبِّ جَلُّ ذِكرُهُ . وأنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالَى اختِصاصا لي ، وتَكَرُّما نَحَلَنيهِ ، وإعظاما وتَفضيلاً مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَنَحَنيهِ ، وهُوَ قَولُهُ تَعالى : «ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلَهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَ_سِبِينَ » (3) . فِيَّ مَناقِبُ لَو ذَكَرتُها لَعَظُمَ بِهَا الِارتِفاعُ ، فَطالَ لَهَا الِاستِماعُ (4) .
.
ص: 580
كتاب سُليم بن قيس :جاءَ رَجُلٌ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وأنَا أسمَعُ ، فَقالَ : أخبِرني يا أميرَ المُؤمِنينَ بِأَفضَلِ مَنقَبَةٍ لَكَ ؟ قالَ : ما أنزَلَ اللّهُ فِيَّ مِن كِتابِهِ . قالَ : وما أنزَلَ اللّهُ فيكَ ؟ قالَ : قَولُهُ : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» ، (1) أنَا الشّاهِدُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وقَولُهُ «وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَ_بِ» (2) إيّايَ عَنى . ولَم يَدَع شَيئا مِمّا ذَكَرَ اللّهُ فيهِ إلّا ذَكَرَهُ . قالَ : فَأَخبِرني بِأَفضَلِ مَنقَبَةٍ لَكَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ عليه السلام : نَصبُهُ إيّايَ بِغَديرِ خُمٍّ ، فَقامَ لي بِالوِلايَةِ مِنَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ بِأَمرِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى . وقَولُهُ : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى» (3) .
الأمالي للمفيد عن الأصبغ بن نباتة :دَخَلَ الحارِثُ الهَمدانِيُّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام في نَفَرٍ مِنَ الشّيعَةِ وكُنتُ فيهِم ، فَجَعَلَ الحارِثُ يَتَأَوَّدُ في مِشيَتِهِ ، ويَخبِطُ (4) الأَرضَ بِمِحجَنِهِ (5) ، وكانَ مَريضا ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام _ وكانَت لَهُ مِنهُ مَنزِلَةٌ _ فَقالَ : كَيفَ تَجِدُكَ يا حارِثُ ؟ فَقالَ : نالَ الدَّهرُ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِنّي ، وزَادَني اُوارا (6) وغَليلاً اختِصامُ أصحابِكَ بِبابِكَ . قالَ : وفيمَ خُصومَتُهُم ؟ قالَ : فيكَ وفِي الثَّلاثَةِ مِن قَبلِكَ ، فَمِن مُفرِطٍ مِنهُم غالٍ ، ومُقتَصِدٍ تالٍ ومِن مُتَرَدِّدٍ مُرتابٍ ، لا يَدري أ يُقدِمُ أم يُحجِمُ . فَقالَ : حَسبُكَ يا أخا هَمدانَ ، ألا إنَّ خَيرَ شيعَتي النَّمَطُ الأَوسَطُ ؛ إلَيهِم يَرجِعُ الغالي ، وبِهِم يَلحَقُ التّالي .
.
ص: 581
فَقالَ لَهُ الحارِثُ : لَو كَشَفتَ _ فِداكَ أبي واُمّي _ الرَّينَ عَن قُلوبِنا ، وجَعَلتَنا في ذلِكَ عَلى بَصيرَةٍ مِن أمرِنا . قالَ عليه السلام : قَدكَ (1) ، فَإِنَّكَ امرُؤٌ مَلبوسٌ عَلَيكَ . إنَّ دينَ اللّهِ لا يُعرَفُ بِالرِّجالِ ، بَل بِآيَةِ الحَقِّ ، فَاعرِف الحَقَّ تَعرِف أهلَهُ . يا حارِثُ ، إنَّ الحَقَّ أحسَنُ الحَديثِ ، وَالصّادِعَ بِهِ مُجاهِدٌ ، وبِالحَقِّ اُخبِرُكَ ، فَأَرعِني سَمعَكَ ، ثُمَّ خَبِّر بِهِ مَن كانَ لَهُ حَصافَةٌ (2) مِن أصحابِكَ . ألا إنّي عَبدُ اللّهِ ، وأخو رَسولِهِ ، وصِدّيقُهُ الأَوَّلُ ، صَدَّقتُهُ وآدَمُ بَينَ الرّوحِ وَالجَسَدِ ، ثُمَّ إنّي صِدّيقُهُ الأَوَّلُ في اُمَّتِكُم حَقّا ، فَنَحنُ الأَوَّلونَ ونَحنُ الآخِرونَ ، ونَحنُ خاصَّتُهُ _ يا حارِثُ _ وخالِصَتُهُ ، وأنَا صِنوُهُ ووَصِيُّهُ ووَلِيُّهُ وصاحِبُ نَجواهُ وسِرِّهِ . اُوتيتُ فَهمَ الكِتابِ ، وفَصلَ الخِطابِ ، وعِلمَ القُرونِ وَالأَسبابِ ، وَاستودِعتُ ألفَ مِفتاحٍ ، يَفتَحُ كُلُّ مِفتاحٍ ألفَ بابٍ ، يُفضي كُلُّ بابٍ إلى ألفِ ألفِ عَهدٍ ، واُيِّدتُ وَاتُّخِذتُ ، واُمدِدتُ بِلَيلَةِ القَدرِ نَفلاً ، وإنَّ ذلِكَ يَجري لي ولِمَنِ استُحفِظَ مِن ذُرِّيَّتي ما جَرَى اللَّيلُ وَالنَّهارُ حَتّى يَرِثَ اللّهُ الأَرضَ ومَن عَلَيها ، واُبَشِّرُكَ يا حارِثُ لَتَعرِفُني عِندَ المَماتِ ، وعِندَ الصِّراطِ ، وعِندَ الحَوضِ ، وعِندَ المُقاسَمَةِ . قالَ الحارِثُ : ومَا المُقاسَمَةُ يا مَولايَ ؟ قالَ : مُقاسَمَةُ النّارِ ، اُقاسِمُها قِسمَةً صَحيحَةً ، أقولُ : هذا وَلِيّي فَاترُكيهِ ، وهذا عَدُوّي فَخُذيهِ ، ثُمَّ أخَذَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِيَدِ الحارِثِ فَقالَ : يا حارِثُ ، أخَذتُ بِيَدِكَ كَما أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدي فَقالَ لي _ وقَد شَكَوتُ إلَيهِ حَسَدَ قُرَيشِ وَالمُنافِقينَ لي _ :«إنَّهُ إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ أخَذتُ بِحَبلِ اللّهِ وبِحُجزَتِهِ _ يَعني عِصمَتَهُ مِن ذِي العَرشِ تَعالى _ وأخَذتَ أنتَ يا عَلِيُّ بِحُجزَتي ،
.
ص: 582
وأخَذَ ذُرِّيَّتُكَ بِحُجزَتِكَ ، وأخَذَ شيعَتُكُم بِحُجزَتِكُم » ، فَماذا يَصنَعُ اللّهُ بِنَبِيِّهِ ؟ وما يَصنَعُ نَبِيُّهُ بِوَصِيِّهِ ؟ خُذها إلَيكَ يا حارِثُ قَصيرَةً مِن طَويلَةٍ ، نَعَم أنتَ مَعَ [مَن] (1) أحبَبتَ ولَكَ مَا اكتَسَبتَ _ يَقولُها ثَلاثا _ فَقامَ الحارِثُ يَجُرُّ رِداءَهُ وهُوَ يَقولُ : ما اُبالي بَعدَها متَى لَقيتُ المَوتَ أو لَقِيَني (2) .
3 / 7الإِمامُ يَصِفُ نَفسَهُ نَظماتاريخ دمشق عن أبي عبيدة :كَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : يا أبَا الحَسَنِ ، إنَّ لي فَضائِلَ كَثيرَةً ، وكانَ أبي سَيِّدا فِي الجاهِلِيَّةِ ، وصِرتُ مَلِكا فِي الإِسلامِ ، وأنَا صِهرُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وخالُ المُؤمِنينَ ، وكاتِبُ الوَحيِ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أبِالفَضائِلِ يَفخَرُ عَلَيَّ ابنُ آكِلَةِ الأَكبادِ ؟ ! ثُمَّ قالَ عليه السلام : اُكتُب يا غُلامُ : مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ أخي وصِهري وحَمزَةُ سَيِّدُ الشُّهَداءِ عَمّي وجَعفَرٌ الَّذي يُمسي ويُضحي يَطيرُ مَعَ المَلائِكَةِ ابنُ اُمّي وبِنتُ مُحَمَّدٍ سَكَني وعِرسي مَسوطٌ لَحمُها بِدَمي ولَحمي وسِبطا أحمَدَ وَلَدايَ مِنها فَأَيُّكُمُ لَهُ سَهمٌ كَسَهمي ؟ ! سَبَقتُكُمُ إلَى الإِسلامِ طُرّا صَغيرا ما بَلَغتُ أوانَ حُلمي فَقالَ مُعاوِيَةُ : أخفوا هذَا الكِتابَ ؛ لا يَقرَأهُ أهلُ الشّامِ فَيَميلونَ إلَى
.
ص: 583
ابنِ أبي طالِبٍ (1) .
تاريخ دمشق عن زيد بن عليّ :اِجتَمَعَت قُرَيشٌ في حَلقَةٍ فَتَفاخَروا حَتَّى انتَهَوا إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالوا لَهُ : يا أبَا الحَسَنِ قُل ، فَقَد قالَ أصحابُكَ . قالَ : فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اللّهُ أكرَمَنا بِنَصرِ نَبِيِّهِ وبِنا أقامَ دَعائِمَ الإِسلامِ وبِنا أعَزَّ نَبِيَّهُ وكِتابَهُ وأعَزَّنا بِالنَّصرِ وَالإِقدامِ في كُلِّ مَعرَكَةٍ تُطيرُ سُيوفُنا فيهَا الجَماجِمَ عَن قِراعِ الهامِ يَنتابُنا جِبريلُ في أبياتِنا بِفَرائضِ الإِسلامِ وَالأَحكامِ فَيَكونُ أوَّلَ مُستَحِلٍّ حِلَّهُ (2) ومُحَرِّمٍ للّهِِ كُلَّ حَرامِ نَحنُ الخِيارُ مِنَ البَرِيَّةِ كُلِّها ونِظامُها وزِمامُ كُلِّ زِمامِ الخائِضو غَمَراتِ كُلِّ كَريهَةِ وَالضّامِنونَ حَوادِثَ الأَيّامِ وَالمُبرِمونَ قِوَى الاُمورِ بِعِزِّهِم وَالنّاقِضونَ مَرائِرَ الإِبرامِ سائِل أبا كَرِبٍ وسائِل تُبَّعا وأهلَ الحَيرِ (3) وَالأَزلامِ إنّا لَنَمنَعُ مَن أرَدنا مَنعَهُ ونَجودُ بِالمَعروفِ وَالإِنعامِ وتَرُدُّ عادِيَةَ الجُيوشِ سُيوفُنا ونُقيمُ رَأسَ الأَصيَدِ (4) القَمقامِ فَقالوا : يا أبَا الحَسَنِ ، ما تَرَكتَ لَنا شَيئا ! ! (5)
.
ص: 584
تاريخ دمشق عن جابر بن عبد اللّه :سَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام يُنشِدُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ وفي حَديثِ أبي مسعودٍ : يُنشِدُ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَسمَعُ _ : أنَا أخُو المُصطَفى لا شَكَّ في نَسَبي مَعَهُ رُبيتُ وسِبطاهُ هُما وَلَدي جَدّي وجَدُّ رَسولِ اللّهِ مُنفَرِدُ وفاطِمٌ زَوجي لا قَولَ ذي فَنَدِ صَدَّقتُهُ وجَميعُ النّاسِ في بُهَمِ مِنَ الضَّلالَةِ وَالإِشراكِ وَالنَّكَدِ فَالحَمدُ للّهِ شُكرا لا شَريكَ لَهُ البَرِّ بِالعَبدِ وَالباقي بِلا أمَدِ _ زَادَ الحَدّادُ _ : فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقالَ : صَدَقتَ يا عَلِيُّ ! (1)
الإمام عليّ عليه السلام : يُهَدِّدُني بِالعَظيمِ الوَليدُ فَقُلتُ : أنَا ابنُ أبي طالِبِ أنَا ابنُ المُبَجَّلِ بُالأَبطَحَينِ وبِالبَيتِ مِن سَلَفي غالِبِ فَلا تَحسَبَنّي أخافُ الوَليدَ ولا أنَّني عَنهُ بِالهائِبِ فَيَابنَ مُغيرَةَ إنِّي امرُؤٌ سَموحُ الأَنامِلِ بِالقاضِبِ طوَيلُ اللِّسانِ عَلَى الشّانِئينَ قَصيرُ اللِّسانِ عَلَى الصّاحِبِ خَسِرتُم بِتَكذيبِكُم لِلرَّسولِ تَعيبونَ ما لَيسَ بِالعائِبِ وكَذَّبتُموهُ بِوَحيِ السَّماءِ ألا لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الكاذِبِ (2)(3)
.
ص: 585
عنه عليه السلام : لَقَد عَلِمَ الاُناسُ بِأَنَّ سَهمي مِنَ الإِسلامِ يَفضُلُ كُلَّ سَهمِ وأحمَدٌ النَّبِيُّ أخي وصِهري عَلَيهِ اللّهُ صَلَّى وَابنُ عَمّي وإنّي قائِدٌ لِلنّاسِ طُرّا إلَى الإِسلامِ مِن عُربٍ وعُجمِ وقاتِلُ كُلِّ صِنديدٍ رَئيسِ وجَبّارٍ مِنَ الإِسلامِ ضَخمِ وفِي القُرآنِ ألزَمَهُم وَلائي وأوجَبَ طاعَتي فَرضا بِعَزمِ كَما هارونُ مِن موسى أخوهُ كَذاكَ أنَا أخوهُ وذاكَ اِسمي لِذاكَ أقامَني لَهُمُ إماما وأخبَرَهُم بِهِ بِغَديرِ خُمِّ فَمَن مِنكُم يُعادِلُني بِسَهمي وإسلامي وسابِقَتي ورَحمي فَوَيلٌ ثُمَّ وَيلٌ ثُمَّ وَيلُ لِمَن يَلقَى الإِلهَ غَدا بِظُلمي ووَيلٌ ثُمَّ وَيلٌ ثُمَّ وَيلٌ لِجاحِدِ طاعَتي ومُزيدِ هَضمي ووَيلٌ لِلَّذي يَشقى سَفاها يُريدُ عَداوتي مِن غَيرِ جُرمِ (1)
شرح نهج البلاغة :كانَ أبو طالِبٍ كَثيرا ما يَخافُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله البَياتَ إذا عَرَفَ مَضجَعَهُ ، يُقيمُهُ لَيلاً مِن مَنامِهِ ، ويُضجِعُ ابنَهُ عَلِيّا مَكانَهُ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ لَيلَةً : يا أبَتِ ، إنّي مَقتولٌ . فَقالَ لَهُ : اِصبِرَن يا بُنَيَّ فَالصَّبرُ أحجى كُلُّ حَيٍّ مَصيرُهُ لِشَعوبِ قَدَّرَ اللّهُ وَالبَلاءُ شَديدُ لِفِداءِ الحَبيبِ وَابنِ الحَبيبِ لِفِداءِ الأَغَرِّ ذِي الحَسَبِ الثا قِبِ وَالباعِ وَالكريمِ النَّجيبِ إن تُصِبكَ المَنونُ فَالنَّبلُ تُبرى فَمُصيبٌ مِنها وغَيرُ مُصيبِ كُلُّ حَيٍّ وإن تَمَلّى بِعُمرِ آخِذٌ مِن مَذاقِها بِنَصيبِ فَأَجابَ عَلِيٌّ عليه السلام فَقالَ لَهُ : أتَأمُرُني بِالصَّبرِ في نَصرِ أحمَدِ ووَاللّهِ ما قُلتُ الَّذي قُلتُ جازِعا ولكِنَّنيأحبَبتُ أن تَرى نُصرَتي وتَعلَمَ أنّي لَم أزَل لَكَ طائِعا سَأَسعى لِوَجهِ اللّهِ في نَصرِ أحمَدِ نَبِيِّ الهُدَى المَحمودِ طِفلاً ويافِعا (2)
.
ص: 586
. .
ص: 587
الفصل الرابع: عليّ عن لسان أهل البيت4 / 1فاطِمَةُ بِنتُ رَسولِ اللّهِفاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ منِ كَلامٍ لَها بَعدَ وَفاةِ أبيها صلى الله عليه و آله لَمّا دَخَلَت عَلى أبي بَكرٍ وهُوَ في حَشدٍ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وغَيرِهِم _: أيُّهَا النّاسُ اعلَموا : أنّي فاطِمَةُ ، وأبي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، أقولُ عَودا وبَدءا ، ولا أقولُ ما أقولُ غَلَطا ، ولا أفعَلُ ما أفعَلُ شَطَطا (1) ، «لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» (2) ، فَإِن تَعزوهُ وتَعِرفوهُ تَجِدوهُ أبي دونَ نِسائِكُم ، وأخَا ابنِ عَمّي دونَ رِجالِكُم . . . فَأَنقَذَكُمُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى بِأَبي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله بَعدَ اللَّتَيّا وَالَّتي (3) ، وبَعدَ أن مُنِيَ بِبُهَمِ (4)
.
ص: 588
الرِّجالِ وذُؤبانِ العَرَبِ ومَرَدَةِ أهلِ الكِتابِ ، «كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ» (1) ، أو نَجَمَ قَرنُ الشَّيطانِ ، أو فَغَرَت (2) فاغِرَةٌ مِنَ المُشرِكينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها (3) ، فَلا يَنكَفِئُ حَتّى يَطَأَ صِماخَها (4) بِأَخمَصِهِ (5) ، ويُخمِدَ لَهَبَها بِسَيفِهِ ، مَكدودا في ذاتِ اللّهِ ، مُجتَهِدا في أمرِ اللّهِ ، قَريبا مِن رَسولِ اللّهِ ، سَيِّدا في أولِياءِ اللّهِ ، مُشَمِّرا ، ناصِحا ، مُجِدّا ، كادِحا ، لا تَأخُذُهُ في اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ (6) .
عنها عليهاالسلام_ خِطابا لِقَومٍ وَقَفوا خَلفَ بابِ بَيتِها لِأَخذِ البَيعَةِ مِنَ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: لا عَهدَ لي بِقَومٍ أسوَأَ مَحضَرا مِنكُم ؛ تَرَكتُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله جِنازَةً بَينَ أيدينا ، وقَطَعتُم أمرَكُم فيما بَينَكُم ، ولَم تُؤَمِّرونا ، ولَم تَرَوا لَنا حَقّا ، كَأَنَّكُم لَم تَعلَموا ما قالَ يَومَ غَديرِ خُمٍّ ! وَاللّهِ لَقَد عَقَدَ لَهُ يَومَئِذٍ الوَلاءَ ؛ لِيَقطَعَ مِنكُم بِذلِكَ مِنهَا الرَّجاءَ ، ولكِنَّكُم قَطَعتُمُ الأَسبابَ بَينَكُم وبَينَ نَبِيِّكُم ، وَاللّهُ حَسيبٌ بَينَنا وبَينَكُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (7) .
الأمالي للطوسي عن ابن عبّاس :دَخَلَت نِسوَةٌ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ عَلى فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَعُدنَها في عِلَّتِها ، فَقُلنَ لَها : السَّلامُ عَلَيكِ يا بِنتَ رَسولِ اللّهِ ، كَيفَ أصبَحتِ ؟ فَقالَت : أصبَحتُ وَاللّهِ عائِفَةً (8) لِدُنياكُنَّ ، قالِيَةً (9) لِرِجالِكُنَّ ، لَفَظتُهُم (10) بَعد
.
ص: 589
إذ عَجَمتُهُم (1) ، وسَئِمتُهُم بَعدَ إذ سَبَرتُهُم (2) ، فَقُبحا لِاُفونِ الرَّأيِ (3) وخَطَلِ القَولِ (4) وخَوَرِ القَناةِ (5) ، و «لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى الْعَذَابِ هُمْ خَ__لِدُونَ» (6) ، ولا جَرَمَ وَاللّهِ لَقَد قَلَّدتُهم رِبقَتَها (7) ، وشَنَنتُ (8) عَلَيهِم عارَها ، فَجَدعا ورَغما لِلقَومِ الظّالِمينَ . وَيحَهُم ! أنّى زَحزَحوها عَن أبِي الحَسَنِ ! ما نَقَموا وَاللّهِ مِنهُ إلّا نَكيرَ سَيفِهِ ، ونَكالَ وَقعِهِ ، وتَنَمُّرَهُ (9) في ذاتِ اللّهِ ، وتَاللّهِ لَو تَكافّوا عَلَيهِ عَن زِمامٍ نَبَذَهُ إلَيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَاعتَلَقَهُ ، ثُمَّ لَسارَ بِهِم سَيرا سُجُحا (10) ، فَإِنَّهُ قَواعِدُ الرِّسالَةِ، ورَواسِي النُّبُوَّةِ ، ومَهبِطُ الرّوحِ الأَمينِ ، وَالبَطينُ بِأَمرِ الدّينِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ : «أَلَا ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ» (11) .
.
ص: 590
وَاللّهِ لا يَكتَلِمُ (1) خِشاشُهُ (2) ، ولا يُتَعتَعُ راكِبُهُ (3) ، ولَأَورَدَهُم مَنهَلاً رَوِيّا فَضفاضا (4) ، تَطفَحُ ضَفَّتَهُ ، ولَأَصدَرَهُم بِطانا قَد خَثَرَ (5) بِهِمُ الرَّيُّ ، غَيرَ مُتَحَلٍّ بِطائِلٍ (6) إلّا بِغَمرِ النّاهِلِ (7) ورَدعِ سَورَةِ (8) السّاغِبِ (9) ، ولَفُتِحَت عَلَيهِم بَرَكاتٌ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ ، وسَيَأخُذُهُمُ اللّهُ بِما كانوا يَكسِبونَ . فَهَلُمَّ فَاسمَع ، فَما عِشتَ أراكَ الدَّهرُ العَجَبَ ، وإن تَعجَب بَعدَ الحادِثِ ، فَما بالُهُم بِأَيِّ سَنَدٍ استَنَدوا أم بِأَيَّةِ عُروَةٍ تَمَسَّكوا ؟ «لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ» (10) و «بِئْسَ لِلظَّ__لِمِينَ بَدَلًا» (11) . استَبدَلُوا الذُّنابى بِالقَوادِمِ ، وَالحَرونَ (12) بِالقاحِمِ (13) ، وَالعَجُزَ بِالكاهِلِ (14) ، فَتَعسا لِقَومٍ «يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» (15) «أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لَ_كِن لَا يَشْعُرُونَ » (16) «أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَا يَهِدِّى إِلَا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُم
.
ص: 591
كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (1) . لَقِحَت فَنَظِرَةٌ رَيثَما تُنتَجُ ، ثُمَّ احتَلَبوا طِلاعَ القَعبِ (2) دَما عَبيطا (3) وذُعافا (4) مُمِضّا (5) ، هُنالِكَ يَخسَرُ المُبطِلونَ ويَعرِفُ التّالونَ غِبَّ (6) ما أسَّسَ الأَوَّلونَ ، ثُمَّ طيبوا بَعدَ ذلِكَ عَن أنفُسِكُم لِفِتنَتِها ، ثُمَّ اطمَئِنّوا لِلفِتنَةِ جَأشا (7) ، وأبشِروا بِسَيفٍ صارِمٍ ، وهَرجٍ دائِمٍ شامِلٍ ، وَاستِبدادٍ مِنَ الظّالِمينَ ، يَدَعُ فَيئَكُم زَهيدا ، وجَمعَكُم حَصيدا ، فَيا حَسرَةً لَهُم وقَد عَمِيَت عَلَيهِمُ الأَنباءُ «أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَ أَنتُمْ لَهَاكَ_رِهُونَ» (8) . (9)
4 / 2الإِمامُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ المُجَتَبىالإمام الحسن عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ عَلِيّاً أميرَ المُؤمِنينَ بابُ هُدىً ؛ فَمَن دَخَلَهُ اهتَدى ، ومَن خالَفَهُ تَرَدّى (10) .
عنه عليه السلام :ما قُدِّمَت رايَةٌ قوتِلَ تَحتَها أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلّا نَكَسَهَا اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى ، وغُلِبَ أصحابُها ، وَانقَلَبوا صاغِرينَ ، وما ضَرَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِسَيفِهِ ذِي الفَقار
.
ص: 592
أحَدا فَنَجا ، وكان إذا قاتَلَ قاتَلَ جَبرَئيلُ عَن يَمينِهِ ، وميكائيلُ عَن يَسارِهِ ، ومَلَكُ المَوتِ بَينَ يَدَيهِ (1) .
عنه عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ بَعدَ استِشهادِ أبيهِ عليه السلام _: يا أيُّهَا النّاسُ ! لَقَد فارَقَكُم أمسِ رَجُلٌ ما سَبَقَهُ الأَوَّلونَ ، ولايُدرِكُهُ الآخِرونَ ، ولَقَد كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَبعَثُهُ المَبعَثَ فُيُعطيهِ الرّايَةَ ، فَما يَرجِعُ حَتّى يَفتَحَ اللّهُ عَلَيهِ ، جِبريلُ عَن يَمينِهِ ، وميكائيلُ عَن شِمالِهِ ، ما تَرَكَ بَيضاءَ ولا صَفراءَ إلّا سَبعَمِئَةِ دِرهَمٍ فَضَلَت مِن عَطائِهِ ، أرادَ أن يَشتَرِيَ بِها خادِما (2) .
عنه عليه السلام_ مِن كلامِهِ عليه السلام وهُوَ يَستَنفِرُ أهلَ الكوفَةِ لِنُصرَةِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام في قِتالِ النّاكِثينَ _: لَقَد عَلِمتُم أنَّ عَلِيّا صَلّى مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَحدَهُ ، وإنَّهُ يَومَ صَدَّقَ بِهِ لَفي عاشِرَةٍ مِن سِنِّهِ ، ثُمَّ شَهِدَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله جَميعَ مَشاهِدِهِ . وكانَ مِنِ اجتِهادِهِ في مَرضاةِ اللّهِ وطاعَةِ رَسولِهِ ، وآثارِهِ الحَسَنَةِ فِي الإِسلامِ ما قَد بَلَغَكُم ، ولَم يَزَل رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله راضِيا عَنهُ ، حَتّى غَمَّضَهُ بِيَدِهِ ، وغَسَّلَهُ وَحدَهُ وَالمَلائِكَةُ أعوانُهُ ، وَالفَضلُ ابنُ عَمِّهِ يَنقُلُ إلَيهِ الماءَ ، ثُمَّ أدخَلَهُ حُفرَتَهُ ، وأوصاهُ بِقَضاءِ دَينِهِ وعِداتِهِ ، وغَيرِ ذلِكَ مِن اُمورِهِ ، كُلُّ ذلِكَ مِن مَنِّ اللّهِ عَلَيهِ (3) .
عنه عليه السلام_ في خُطبَتِهِ لَمّا أجمَعَ عَلى صُلحِ مُعاوِيَةَ _: كانَ أبي عليه السلام أوَّلَ مَنِ استَجابَ للّهِِ تَعالى ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وأوَّلَ مَن آمَنَ وصَدَّقَ اللّهَ ورَسولَهُ ، وقَد قالَ اللّهُ تَعالى في كِتابِه
.
ص: 593
المُنزَلِ عَلى نَبِيِّهِ المُرسَلِ : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِىوَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» (1) فَرَسولُ اللّهِ الَّذي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ ، وأبِي الَّذي يَتلوهُ ، وهُوَ شاهِدٌ مِنهُ . وقَد قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ أمَرَهُ أن يَسيرَ إلى مَكَّةَ وَالمَوسِمِ بِبَراءَةٍ : «سِر بِها يا عَلِيُّ ؛ فَإِنّي اُمِرتُ أن لا يَسيرَ بِها إلّا أنَا أو رَجُلٌ مِنّي ، وأنتَ هُوَ يا عَلِيُّ» فَعَلِيٌّ مِن رَسولِ اللّهِ ، ورَسولُ اللّهِ مِنهُ . وقالَ لَهُ نَبِيُّ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ قَضى بَينَهُ وبَينَ أخيهِ جَعفرِ بنِ أبي طالِبٍ عليهماالسلام ومَولاهُ زَيدِ بنِ حارِثَةَ فِي ابنَةِ حَمزَةَ : «أمّا أنتَ يا عَلِيُّ فَمِنّي وأنَا مِنكَ ، وأنتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي» . فَصَدَّقَ أبي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله سابِقا ووَقاهُ بِنَفسِهِ ، ثُمَّ لَم يَزَل رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في كُلِّ مَوطِنٍ يُقَدِّمُهُ ولِكُلِّ شَديدَةٍ يُرسِلُهُ ، ثِقَةً مِنهُ ، وطُمَأنينَةً إلَيهِ ، لِعِلمِهِ بِنَصيحَتِهِ للّهِِ ورَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وإنَّهُ أقرَبُ المُقَرَّبينَ مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ ، وقَد قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «وَ السَّ_بِقُونَ السَّ_بِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» (2) وكانَ أبي سابِقَ السّابِقينَ إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وإلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله وأقرَبَ الأَقرَبينَ ، فَقَد قالَ اللّهُ تَعالى : «لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قَ_تَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً» (3) . فَأَبي كانَ أوَّلَهُم إسلاما وإيمانا ، وأوَّلَهُم إلَى اللّهِ ورَسولِهِ هِجرَةً ولُحوقا ، وأوَّلَهُم عَلى وُجدِهِ ووُسعِهِ نَفَقَةً ، قالَ سُبحانَهُ : «وَ الَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لِاءِخْوَ نِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْاءِيمَ_نِ وَ لَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» (4) فَالنّاسُ مِن جَميعِ الاُمَمِ يَستَغفِرونَ لَهُ بِسَبقِهِ إيّاهُمُ الإِيمانَ بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ،
.
ص: 594
وذلِكَ أنَّهُ لَم يَسبِقهُ إلَى الإِيمانِ أحَدٌ ، وقَد قالَ اللّهُ تَعالى : «وَ السَّ_بِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَ_جِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَ_نٍ» (1) فَهُوَ سابِقُ جَميعِ السّابِقينَ ، فَكَما أنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ فَضَّلَ السّابِقينَ عَلَى المُتَخَلِّفينَ وَالمُتَأَخِّرينَ ، فَكَذلِكَ فَضَّلَ سابِقَ السّابِقينَ عَلَى السّابِقينَ (2) .
راجع : ج 7 ص 129 (معاوية بن حديج) .
4 / 3الإِمامُ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ سَيِّدُالشُّهَداءِتاريخ دمشق عن مولى لحذيفة :كانَ حُسَينُ بنُ عَلِيٍّ آخِذا بِذِراعي في أيّامِ المَوسِمِ ، قالَ : ورَجُلٌ خَلفَنا يَقولُ : اللّهُمَّ اغفِر لَهُ ولِاُمِّهِ ، فَأَطالَ ذلِكَ ، فَتَرَكَ الحُسَينُ ذِراعي وأقبَلَ عَلَيهِ فَقالَ : قَد آذَيتَنا مُنذُ اليَومِ ، تَستَغفِرُ لي ولِاُمّي وتَترُكُ أبي ؟ وأبي خَيرٌ مِنّي ومِن اُمّي (3) .
اُسد الغابة عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه :كُنتُ في مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في حَلقَةٍ فيها أبو سَعيدٍ الخُدرِيُّ وعَبدُ اللّهِ بنُ عَمرٍو ، فَمَرَّ بِنا حُسَينُ بنُ عَلِيٍّ ، فَسَلَّمَ ، فَرَدَّ القَومُ السَّلامَ ، فَسَكَتَ عَبدُ اللّهِ حَتّى فَرَغوا ، رَفَعَ صَوتَهُ وقالَ : وعَلَيكَ السَّلامُ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَى القَومِ ، فَقالَ : أ لا اُخبِرُكُم بِأَحَبِّ أهلِ الأَرضِ إلى أهلِ السَّماءِ ؟ قالوا : بَلى . قالَ : هُوَ هذَا الماشي ؛ ما كَلَّمَني كَلِمَةً مُنذُ لَيالي صِفّينَ ، ولَأَن يَرضى عَنّي أحَبُّ إلَيَّ مِن أن يَكونَ لي حُمرُ النَّعَمِ . قالَ أبو سَعيدٍ : أ لا تَعتَذِرُ إلَيهِ ؟
.
ص: 595
قالَ : بَلى ، قالَ : فَتَواعَدا أن يَغدُوا إلَيهِ . قالَ : فَغَدَوتُ مَعَهُما ، فَاستَأذَنَ أبو سَعيدٍ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ ، ثُمَّ استَأذَنَ عَبدُ اللّهِ ، فَلَم يَزَل بِهِ حَتّى أذِنَ لَهُ . فَلَمّا دَخَلَ قالَ أبو سَعيدٍ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، إنَّكَ لَمّا مَرَرتَ بِنا أمسِ _ فَأَخبَرَهُ بِالَّذي كانَ مِن قَولِ عَبدِ اللّهِ بنِ عَمرٍو _ . فَقالَ حُسَينٌ : أعَلِمتَ يا عَبدَ اللّهِ أنّي أحَبُّ أهلِ الأَرضِ إلى أهلِ السَّماءِ ؟ قالَ : إي ورَبِّ الكَعبَةِ . قالَ : فَما حَمَلَكَ عَلى أن قاتَلتَني وأبي يَومَ صِفّينَ ؟ فَوَاللّهِ لَأَبي كانَ خَيرا مِنّي . قالَ : أجَل (1) .
كتاب سليم بن قيس :حَجَّ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وعَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ وعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ مَعَهُ ، فَجَمَعَ الحُسَينُ عليه السلام بَني هاشِمٍ رِجالَهُم ونِساءَهُم ومَوالِيَهُم وشيعَتَهُم مَن حَجَّ مِنهُم ، ومِنَ الأَنصارِ مِمَّن يَعرِفُهُ الحُسَينُ عليه السلام وأهلُ بَيتِهِ ، ثُمَّ أرسَلَ رُسُلاً : لا تَدَعوا أحَدا مِمَّن حَجَّ العامَ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله المَعروفينَ بِالصَّلاحِ وَالنُّسُكِ إلَا أجمِعوهُم لي ، فَاجتَمَعَ إلَيهِ بِمِنىً أكثَرُ مِن سَبعِمِئَةِ رَجُلٍ وهُم في سُرادِقِهِ (2) عامَّتُهُم مِنَ التّابِعينَ ونَحوٌ مِن مِئَتَي رَجُلٍ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وغَيرِهِم . فَقامَ فيهِمُ الحُسَينُ عليه السلام خَطيبا ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ . . . إلى أن قالَ : أنشُدُكُمُ اللّهَ ، أ تَعلَمونَ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ كانَ أخا رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ آخى بَينَ أصحابِهِ ، فَآخى بَينَهُ وبَينَ نَفسِهِ وقالَ : «أنتَ أخي وأنَا أخوكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ» ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
.
ص: 596
قالَ : أنشُدُكُمُ اللّهَ ، هَل تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله اشتَرى مَوضِعَ مَسجِدِهِ ومَنازِلِهِ فَابتَناهُ ، ثُمَّ ابتَنى فيهِ عَشَرَةَ مَنازِلَ ؛ تِسعَةً لَهُ ، وجَعَلَ عاشِرَها في وَسَطِها لِأَبي ، ثُمَّ سَدَّ كُلَّ بابٍ شارِعٍ إلَى المَسجِدِ غَيرَ بابِهِ ، فَتَكَلَّمَ في ذلِكَ مَن تَكَلَّمَ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : «ما أنَا سَدَدتُ أبوابَكُم وفَتَحتُ بابَهُ ، ولكِنَّ اللّهَ أمَرَني بِسَدِّ أبوابِكُم وفَتحِ بابِهِ» . ثُمَّ نَهَى النّاسَ أن يَناموا فِي المَسجِدِ غَيرَهُ ، وكانَ يُجنِبُ فِي المَسجِدِ ومَنزِلُهُ في مَنزِلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَوُلِدَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ولَهُ فيهِ أولادٌ ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أ فَتَعلَمونَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ حَرَصَ عَلى كُوَّةٍ قَدرَ عَينِهِ يَدَعُها مِن مَنزِلِهِ إلَى المَسجِدِ ، فَأَبى عَلَيهِ ، ثُمَّ خَطَبَ صلى الله عليه و آله قالَ : «إنَّ اللّهَ أمَرَ موسى أن يَبنِيَ مَسجِدا طاهِرا لا يَسكُنُهُ غَيرُهُ وغَيرُ هارونَ وَابنيهِ ، وإنَّ اللّهَ أمَرَني أن أبنِيَ مَسجِدا طاهِرا لا يَسكُنُهُ غَيري وغَيرُ أخي وَابنَيهِ» ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قال : أنشُدُكُمُ اللّهَ ، أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَصَبَهُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ فَنادى لَهُ بِالوِلايَةِ وقالَ : «لِيُبَلِّغِ الشّاهِدُ الغائِبَ» ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أنشُدُكُمُ اللّهَ ، أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لَهُ في غَزوَةِ تَبوكَ : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، وأنتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي» ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أنشُدُكُمُ اللّهَ ، أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ دَعَا النَّصارى مِن أهلِ نَجرانَ إلَى المُباهَلَةِ لَم يَأتِ إلّا بِهِ وبِصاحِبَتِهِ وَابنَيهِ ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم .
.
ص: 597
قالَ : أنشُدُكُمُ اللّهَ ، أ تَعلَمونَ أنَّهُ دَفَعَ إلَيهِ اللِّواءَ يَومَ خَيبَرَ ثُمَّ قالَ : «لَأَدفَعُهُ إلى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، ويُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، كَرّارٍ غَيرِ فَرّارٍ ، يَفتَحُهَا اللّهُ عَلى يَدَيهِ» ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَهُ بِبَراءَةٍ وقالَ : «لا يُبَلِّغُ عَنّي إلّا أنَا أو رَجُلٌ مِنّي» ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم تَنزِل بِهِ شِدَّةٌ قَطُّ إلّا قَدَّمَهُ لَها ثِقَةً بِهِ ، وإنَّهُ لَم يَدعُهُ بِاسمِهِ قَطُّ إلّا أن يَقولَ : يا أخي ، وَادعوا لي أخي ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَضى بَينَهُ وبَينَ جَعفَرٍ وزَيدٍ فَقالَ لَهُ : «يا عَلِيُّ ، أنتَ مِنّي وأنَا مِنكَ ، وأنتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ بَعدي» ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أ تَعلَمونَ أنَّهُ كانَت لَهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كُلَّ يَومٍ خَلوَةٌ ، وكُلَّ لَيلَةٍ دَخلَةٌ ، إذا سَأَلَهُ أعطاهُ وإذا سَكَتَ أبدَأَهُ ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَضَّلَهُ عَلى جَعفَرٍ وحَمزَةَ حينَ قالَ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام : «زَوَّجتُكِ خَيرَ أهلِ بَيتي ؛ أقدَمَهُم سِلما ، وأعظَمَهُم حِلما ، وأكثَرَهُم عِلما» ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قال : أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : «أنَا سَيِّدُ وُلِد آدَمَ ، وأخي عَلِيٌّ سَيِّدُ العَرَبِ ، وفاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ ، وَابنايَ الحَسَنُ وَالحُسَينُ سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ» ؟
.
ص: 598
قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَهُ بِغُسلِهِ ، وأخبَرَهُ أنَّ جَبرَئيلَ يُعينُهُ عَلَيهِ ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ في آخِرِ خُطبَةٍ خَطَبَها : «أيُّهَا النّاسُ ، إنّي تَرَكتُ فيكُمُ الثَّقَلَينِ : كِتابَ اللّهِ وأهلَ بَيتي ، فَتَمَسَّكوا بِهِما لَن تَضِلّوا» ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . فَلَم يَدَع شَيئا أنزَلَهُ اللّهُ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام خاصَّةً وفي أهلِ بَيتِهِ مِنَ القُرآنِ ولا عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله إلّا ناشَدَهُم فيهِ ، فَيَقولُ الصَّحابَةُ : اللّهُمَّ نَعَم ، قَد سَمِعنا ، ويَقولُ التّابِعِيُّ : اللّهُمَّ قَد حَدَّثَنيهِ مَن أثِقُ بِهِ ؛ فُلانٌ وفُلانٌ . ثُمَّ ناشَدَهُم أنَّهُم قَد سَمِعوهُ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُ عَلِيّا فَقَد كَذَبَ ، لَيسَ يُحِبُّني وهُوَ يُبغِضُ عَلِيّا» فَقالَ لَهُ قائِلٌ : يا رَسولَ اللّهِ ، وكَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : «لِأَنَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ ، مَن أحَبَّهُ فَقَد أحَبَّني ، ومَن أحَبَّني فَقَد أحَبَّ اللّهَ ، ومَن أبغَضَهُ فَقَد أبغَضَني ، ومَن أبغَضَني فَقَد أبغَضَ اللّهَ» ؟ فَقالوا : اللّهُمَّ نَعَم ، قَد سَمِعنا ، وتَفَرَّقوا عَلى ذلِكَ (1) .
راجع : ج 1 ص 377 (الوصيّ) . و ج 3 ص 314 (عبد اللّه بن عمرو بن العاص) .
4 / 4الإِمامُ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ زَينُ العابِدينَالإمام زين العابدين عليه السلام_ في زِيارَةِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: السَّلامُ عَلَيكَ يا أمينَ اللّهِ في أرضِهِ ،
.
ص: 599
وحُجَّتَهُ عَلى عِبادِهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أشهَدُ أنَّكَ جاهَدتَ في اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، وعَمِلتَ بِكِتابِهِ ، وَاتَّبَعتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى دَعاكَ اللّهُ إلى جِوارِهِ ، فَقَبَضَكَ إلَيهِ بِاختِيارِهِ ، وألزَمَ أعداءَكَ الحُجَّةَ مَعَ ما لَكَ مِنَ الحُجَجِ البالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلقِهِ (1) .
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ في مَجلِسِ يَزيدَ _: أنَا ابنُ عَلِيٍّ المُرتَضى ، أنَا ابنُ مَن ضَرَبَ خَراطيمَ الخَلقِ حَتّى قالوا لا إلهَ إلَا اللّهُ ، أنَا ابنُ مَن ضَرَبَ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِسَيفَينِ ، وطَعَنَ بِرُمحَينِ ، وهاجَرَ الهِجرَتَينِ ، وبايَعَ البَيعَتَينِ ، وصَلَّى القِبلَتَينِ ، وقاتَلَ بِبَدرٍ وحُنَينٍ ، ولَم يَكفُر بِاللّهِ طَرفَةَ عَينٍ ، أنَا ابنُ صالِحِ المُؤمِنينَ ، ووارِثِ النَّبِيّينَ ، وقامِعِ المُلحِدينَ ، ويَعسوبِ المُسلِمينَ ، ونورِ المُجاهِدينَ ، وزَينِ العابِدينَ ، وتاجِ البَكّائينَ ، وأصبَرِ الصّابِرينَ ، وأفضَلِ القائِمينَ مِن آلِ ياسينَ ، ورَسولِ رَبِّ العالَمينَ . أنَا ابنُ المُؤَيَّدِ بِجَبرَئيلَ ، المَنصورِ بِميكائيلَ ، أنَا ابنُ المُحامي عَن حَرَمِ المُسلِمينَ ، وقاتِلِ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ ، وَالمُجاهِدِ أعداءَهُ النّاصِبينَ ، وأفخَرِ مَن مَشى مِن قُرَيشٍ أجمَعينَ ، وأوَّلِ مَن أجابَ وَاستَجابَ للّهِِ مِنَ المُؤمِنينَ ، وأقدَمِ السّابِقينَ ، وقاصِمِ المُعتَدينَ ، ومُبيرِ المُشرِكينَ ، وسَهمٍ مِن مَرامِي اللّهِ عَلَى المُنافِقينَ ، ولِسانِ حِكمَةِ العابِدينَ ، ناصِرِ دينِ اللّهِ ، ووَلِيِّ أمرِ اللّهِ ، وبُستانِ حِكمَةِ اللّهِ ، وعَيبَةِ عِلمِ اللّهِ . سَمِحٌ ، سَخِيٌّ ، بُهلولٌ زَكِيٌّ أبطَحِيٌّ رَضِيٌّ مَرضِيٌّ ، مِقدامٌ هَمّامٌ ، صابِرٌ صَوّامٌ ، مُهَذَّبٌ قَوّامٌ ، شُجاعٌ قَمقامٌ (2) ، قاطِعُ الأَصلابِ ، ومُفَرِّقُ الأَحزابِ ، أربَطُهُم جَنانا ، وأطبَقُهُم عِنانا ، وأجرَأُهُم لِسانا ، وأمضاهُم عَزيمَةً ، وأشَدُّهُم شَكيمَةً (3) ، أسدٌ باسِلٌ ،
.
ص: 600
وغَيثٌ هاطِلٌ . يَطحَنُهُم فِي الحُروبِ _ إذَا ازدَلَفَتِ الأَسِنَّةُ وقَرُبَتِ الأَعِنَّةُ _ طَحنَ الرَّحى ، ويَذروهُم ذَروَ الرّيحِ الهَشيمِ ، لَيثُ الحِجازِ ، وصاحِبُ الإِعجازِ ، وكَبشُ العِراقِ ، الإِمامُ بِالنَّصِّ وَالاِستِحقاقِ ، مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ ، أبطَحِيٌّ تِهامِيٌّ ، خَيفِيٌّ عَقَبِيٌّ ، بَدرِيٌّ اُحُدِيٌّ ، شَجَرِيٌّ مُهاجِرِيٌّ ، مِنَ العَرَبِ سَيِّدُها ، ومِنَ الوَغى لَيثُها . وارِثُ المَشعَرَينِ ، وأبُو السِّبطَينِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، مَظهَرُ العَجائِبِ ، ومُفَرِّقُ الكَتائِبِ ، وَالشِّهابُ الثّاقبُ ، وَالنّورُ العاقِبُ ، أسَدُ اللّهِ الغالِبُ ، مَطلوبُ كُلِّ طالِبٍ ، غالِبُ كُلِّ غالِبٍ ، ذاكَ جَدّي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (1) .
راجع : ج 5 ص 289 (شدّة عبادته) .
4 / 5الإِمامُ مُحَمُّدُ بنُ عَلِيٍّ الباقِرُالإمام الباقر عليه السلام_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: وإن كانَ صاحِبُكُم لَيَجلِسُ جِلسَةَ العَبدِ ، ويَأكُلُ إكلَةَ العَبدِ ، ويُطعِمُ النّاسَ خُبزَ البُرِّ وَاللَّحمَ ، ويَرجِعُ إلى أهلِهِ فَيَأكُلُ الخُبزَ وَالزَّيتَ ، وإن كانَ لَيَشتَرِي القَميصَ السُّنبُلانِيَّ ثُمَّ يُخَيِّرُ غُلامَهُ خَيرَهُما ، ثُمَّ يَلبَسُ الباقِيَ ، فَإِذا جازَ أصابِعَهُ قَطَعَهُ ، وإذا جازَ كَعبَهُ حَذَفَهُ ، وما وَرَدَ عَلَيهِ أمرانِ قَطُّ كِلاهُما للّهِِ رِضىً إلّا أخَذَ بِأَشَدِّهِما عَلى بَدَنِهِ . ولَقَد وَلِيَ النّاسَ خَمسَ سِنينَ فَما وَضَعَ آجُرَّةً عَلى آجُرَّةٍ ولا لَبِنَةً عَلى لَبِنَةٍ ، ولا أقطَعَ قَطيعَةً ، ولا أورَثَ بَيضاءَ ولا حَمراءَ إلّا سَبعَمِئَةِ دِرهَمٍ فَضَلَت مِن عَطاياهُ ، أرادَ أن يَبتاعَ لِأَهلِهِ بِها خادِما ، وما أطاقَ أحَدٌ عَمَلَهُ ، وإن كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام
.
ص: 601
لَيَنظُرُ في كِتابٍ مِن كُتُبِ عَلِيٍّ عليه السلام فَيَضرِبُ بِهِ الأَرضَ ويَقولُ : مَن يُطيقُ هذا (1) .
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ نَصَبَ عَلِيّا عليه السلام عَلَما بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ ، فَمَن عَرَفَهُ كانَ مُؤمِنا ، ومَن أنكَرَهُ كانَ كافِرا ، ومَن جَهِلَهُ كانَ ضالّاً ، ومَن نَصَبَ مَعَهُ شَيئا كانَ مُشرِكا ، ومَن جاءَ بِوِلايَتِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ ، ومَن جاءَ بِعَداوَتِهِ دَخَلَ النّارَ (2) .
عنه عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام بابٌ فَتَحَهُ اللّهُ ، فَمَن دَخَلَهُ كان مُؤمِنا ، ومَن خَرَجَ مِنهُ كانَ كافِرا ، ومَن لَم يَدخُل فيهِ ولَم يَخرُج مِنهُ كانَ فِي الطَّبَقَةِ الَّذينَ قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : لي فيهِمُ المَشيئَةُ (3) .
عنه عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ يَعمَلُ بِكِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ ، فَإِذا وَرَدَ عَلَيهِ شَيءٌ وَالحادِثُ الَّذي لَيسَ فِي الكِتابِ ولا فِي السُّنَّةِ ألهَمَهُ اللّهُ الحَقَّ فيهِ إلهاما ، وذلِكَ وَاللّهِ مِن المُعضِلاتِ (4) .
4 / 6الإِمامُ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصّادِقُالإمام الصادق عليه السلام_ لِيونُسَ بنِ أبي وَهبٍ _: اِعلَم أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام أفضَلُ عِندَ اللّهِ مَِن الأِئِمَّةِ كُلِّهِم ، ولَهُ ثَوابُ أعمالِهِم ، وعَلى قَدرِ أعمالِهِم فُضِّلوا (5) .
.
ص: 602
عنه عليه السلام :وِلايَتي لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أحَبُّ إلَيَّ مِن وِلادَتي مِنهُ (1) .
عنه عليه السلام :وِلايَتي لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام أحَبُّ إلَيَّ مِن وِلادَتي مِنهُ ؛ لِأَنَّ وِلايَتي لَهُ فَرضٌ ، ووِلادَتي مِنهُ فَضلٌ (2) .
عنه عليه السلام :إنَّ وَلِيَّ عَلِيٍّ عليه السلام لا يَأكُلُ إلَا الحَلالَ ؛ لِأَنَّ صاحِبَهُ كانَ كَذلِكَ . . . أما وَالَّذي ذَهَبَ بِنَفسِهِ ، ما أكَلَ مِنَ الدُّنيا حَراما قَليلاً ولا كَثيرا حَتّى فارَقَها ، ولا عَرَضَ لَهُ أمرانِ كِلاهُما للّهِِ طاعَةٌ إلّا أخَذَ بِأَشَدِّهِما عَلى بَدَنِهِ ، ولا نَزَلَت بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله شَديدَةٌ قَطُّ إلّا وَجَّهَهُ فيها ثِقَةً بِهِ ، ولا أطاقَ أحَدٌ مِن هذِهِ الاُمَّةِ عَمَلَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعدَهُ غَيرُهُ ، ولَقَد كانَ يَعمَلُ عَمَلَ رَجُلٍ كَأَنَّهُ يَنظُرُ إلَى الجَنَّةِ وَالنّارِ . ولَقَد أعتَقَ ألفَ مَملوكٍ مِن صُلبِ مالِهِ ، كُلُّ ذلِكَ تَحَفّى (3) فيهِ يَداهُ، وتَعَرَّقَ جَبينُهُ، التِماسَ وَجهِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وَالخَلاصَ مِنَ النّارِ ، وما كانَ قوتُهُ إلَا الخَلَّ وَالزَّيتَ ، وحَلواهُ التَّمرُ إذا وَجَدَهُ ، ومَلبوسُهُ الكَرابيسُ ، فَإِذا فَضَلَ عَن ثِيابِهِ شَيءٌ دَعا بِالجَلَمِ فَجَزَّهُ (4) .
عنه عليه السلام_ في وَصفِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: وَالَّذي ذَهَبَ بِنَفسِهِ ، ما أكَلَ مِنَ الدُّنيا حَراما قَطُّ حَتّى خَرَجَ مِنها ، وَاللّهِ إن كانَ لَيَعرِضُ لَهُ الأَمرانِ كِلاهُما لِلّهِ عَزَّ وجَلَّ طاعَةٌ ؛ فَيَأخُذُ بِأَشَدِّهِما عَلى بَدَنِهِ ، وَاللّهِ لَقَد أعتَقَ ألفَ مَملوكٍ لِوَجهِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ دَبِرَت فيهِم يَداهُ ،
.
ص: 603
وَاللّهِ ما أطاقَ عَمَلَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن بَعدِهِ أحَدٌ غَيرُهُ ، وَاللّهِ ما نَزَلَت بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله نازِلَةٌ قَطُّ إلّا قَدَّمَهُ فيها ثِقَةً مِنهُ بِهِ ، وإن كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَيَبعَثُهُ بِرايَتِهِ فَيُقاتِلُ ؛ جَبرَئيلُ عَن يَمينِهِ وميكائيلُ عَن يَسارِهِ ، ثُمَّ ما يَرجِعُ حَتّى يَفتَحَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُ (1) .
عنه عليه السلام_ في زِيارَةِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: السَّلامُ عَلَيكَ ياوَصِيَّ الأَوصِياءِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا عِمادَ الأَتقِياءِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وَلِيَّ الأَولِياءِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سَيِّدَ الشُّهَداءِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا آيَةَ اللّهِ العُظمى (2) .
عنه عليه السلام_ حينَ زارَ قَبرَ الحُسَينِ عليه السلام _: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَبدِكَ وأخي رَسولِكَ ، الَّذِي انتَجَبتَهُ بِعِلمِكَ ، وجَعَلتَهُ هادِيا لِمَن شِئتَ مِن خَلقِكَ ، وَالدَّليلَ عَلى مَن بَعَثتَهُ بِرِسالاتِكَ ، ودَيّانَ الدّينِ بِعَدلِكَ ، وفَصلَ قَضائِكَ بَينَ خَلقِكَ ، وَالمُهَيمِنَ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ ، وَالسَّلامُ عَلَيهِ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ (3) .
عنه عليه السلام_ في زِيارَةِ عَلِيٍّ عليه السلام _: السَّلامُ عَلى ميزانِ الأَعمالِ ، ومُقَلِّبِ الأَحوالِ ، وسَيفِ ذِي الجَلالِ (4) .
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن فَضيلَةٍ لِأَميرِالمُؤمِنينَ عليه السلام لَم يَشرَكهُ فيها غَيرُهُ _: فَضَلَ الأَقرَبينَ بِالسَّبقِ ، وفَضَلَ الأَبعَدينَ بِالقَرابَةِ (5) .
عنه عليه السلام :عَلِيٌّ عليه السلام بابُ الهُدى ، مَن خالَفَهُ كان كافِرا ، ومَن أنكَرَهُ دَخَلَ النّارَ (6) .
.
ص: 604
عنه عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بابَ اللّهِ لا يُؤتى إلّا مِنهُ ، وسَبيلَهُ الَّذي مَن تَمَسَّكَ بِغَيرِهِ هَلَكَ ، كَذلِكَ جَرى حُكمُ الأَئِمَّةِ عليهم السلام بَعدَهُ واحِدا بَعدَ واحِدٍ ، جَعَلَهُمُ اللّهُ أركانَ الأَرضِ ، وهُمُ الحُجَّةُ البالِغَةُ عَلى مَن فَوقَ الأَرضِ ومَن تَحتَ الثَّرى . أما عَلِمتَ أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ يَقولُ : «أنَا قَسيمُ اللّهِ بَينَ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، وأنَا الفاروقُ الأَكبَرُ ، وأنَا صاحِبُ العَصا وَالميسَمِ ، ولَقَد أقَرَّ لي جَميعُ المَلائِكَةِ وَالرّوحُ بِمِثلِ ما أقَرّوا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ولَقَد حُمِلتُ مِثلَ حَمولَةِ مُحَمَّدٍ ؛ وهِيَ حَمولَةُ الرَّبِّ ، وإنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله يُدعى فَيُكسى ، ويُستَنطَقُ فَيَنطِقُ ، واُدعى فَاُكسى ، واُستَنطَقُ فَأَنطِقُ ، ولَقَد اُعطيتُ خِصالاً لَم يُعطَها أحَدٌ قَبلي ، عُلِّمتُ البَلايا وَالقَضايا وفَصلَ الخِطابِ» (1) .
عنه عليه السلام :عَلِيٌّ قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ (2) .
تفسير العيّاشي عن يحيى بن مساور الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام :قُلتُ : حَدِّثني في عَلِيٍّ حَديثا . فَقالَ : أشرَحُهُ لَكَ أم أجمَعُهُ ؟ قُلتُ : بَلِ اجمَعهُ ، فَقالَ : عَلِيٌّ بابُ هُدىً ؛ مَن تَقَدَّمَهُ كانَ كافِرا ، ومَن تَخَلَّفَ عَنهُ كانَ كافِرا . قُلتُ : زِدني . قالَ : إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نُصِبَ مِنبَرٌ عَن يَمينِ العَرشِ لَهُ أربَعٌ وعِشرونَ مِرقاةً ، فَيَأتي عَلِيٌّ وبِيَدِهِ اللِّواءُ حَتّى يَرتَقِيَهُ ويَركَبَهُ ويُعرَضَ الخَلقُ عَلَيهِ ، فَمَن عَرَفَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ ، ومَن أنكَرَهُ دَخَلَ النّارَ . قُلتُ لَهُ : توجَدُ فيهِ مِن كِتابِ اللّهِ ؟ قالَ : نَعَم ، ما يَقولُ في هذِهِ الآيَةِ ، يَقولُ تَبارَكَ وتَعالى : «فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» (3) هُوَ وَاللّهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (4) .
.
ص: 605
الإمام الصادق عليه السلام_ في دُعاءِ يَومِ الغَديرِ _: . . . أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عبَدِ اللّهِ ، وأخي رَسولِهِ ، وَالصِّدِّيقِ الأَكبَرِ ، وَالحُجَّةِ عَلى بَرِيَّتِهِ ، المَُؤيَّدِ بِهِ نَبِيُّهُ ، ودينُهُ الحَقُّ المُبينُ ، عَلَما لِدينِ اللّهِ ، وخازِنا لِعِلمِهِ ، وعَيبَةُ غَيبِ اللّهِ ، ومَوضِعُ سِرِّ اللّهِ ، وأمينُ اللّهِ عَلى خَلقِهِ ، وشاهِدُهُ في بَرِيَّتِهِ (1) .
شرح نهج البلاغة عن زرارة :قيلَ لِجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام : إنَّ قَوما هاهُنا يَنتَقِصونَ عَلِيّا عليه السلام . قالَ : بِمَ يَنتَقِصونَهُ لا أبا لَهُم ؟ ! وهَل فيهِ مَوضِعُ نَقيصَةٍ ؟ ! وَاللّهِ ما عَرَضَ لِعَليٍّ أمرانِ قَطُّ كِلاهُما لِلّهِ طاعَةٌ إلّا عَمِلَ بِأَشَدِّهِما وأشَقِّهِما عَلَيهِ ، ولَقَد كانَ يَعمَلُ العَمَلَ كَأَنَّهُ قائِمٌ بَينَ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، يَنظُرُ إلى ثَوابِ هؤُلاءِ فَيَعمَلُ لَهُ ، ويَنظُرُ إلى عِقابِ هؤُلاءِ فَيَعمَلُ لَهُ ، وإن كانَ لَيَقومُ إلَى الصَّلاةِ ، فَإِذا قالَ : «وَجَّهتُ وَجهِيَ» تَغَيَّرَ لَونُهُ ، حَتّى يُعرَفَ ذلِكَ في وَجهِهِ . ولَقَد أعتَقَ ألفَ عَبدٍ مِن كَدِّ يَدِهِ كُلٌّ مِنهُم يَعرَقُ فيهِ جَبينُهُ ، وتَحَفّى فيه كَفُّهُ ، ولَقَد بُشِّرَ بِعَينٍ نَبَعَت في مالِهِ مِثلَ عُنُقِ الجَزورِ ، فَقالَ : «بَشِّرِ الوارِثَ بَشَرٍّ» ثُمَّ جَعَلَها صَدَقَةً عَلَى الفُقَراءِ وَالمَساكينَ وَابنِ السَّبيلِ إلى أن يَرِثَ اللّهُ الأَرضَ ومَن عَلَيها ، لِيَصرِفَ اللّهُ النّارَ عَن وَجهِهِ ، ويَصرِفَ وَجهَهُ عَنِ النّارِ (2) .
راجع : ج 1 ص 598 (زيارة أميرالمؤمنين في عيد الغدير) . و ج 5 ص 251 (زينة الزهد) . و ص 284 (حاله عند حضور وقت الصلاة) . و ج 6 ص 56 (علم الدين) .
.
ص: 606
4 / 7الإِمامُ موسَى بنُ جَعفَرٍ الكاظِمُالإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام بابٌ مِن أبوابِ الهُدى ؛ فَمَن دَخَلَ مِن بابِ عَلِيٍّ كانَ مُؤمِنا ، ومَن خَرَجَ مِنهُ كانَ كافِرا ، ومَن لَم يَدخُل فيهِ ولَم يَخرُج مِنهُ كانَ فِي الطَّبَقَةِ الَّذينَ لِلّهِ فيهِمُ المَشيئَةُ (1) .
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أسأَلُكَ أن تُصَلِّيَ عَلى مَولانا وسَيِّدِنا ورَسولِكَ مُحَمَّدٍ حَبيبِكَ . . . وعَلى أخيهِ ووَصِيِّهِ وصِهرِهِ ووارِثِهِ ، وَالخَليفَةِ لَكَ مِن بَعدِهِ في خَلقِكَ وأرضِكَ ، أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (2) .
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: إلهي . . . قُلتَ وقَولُكَ الحَقُّ لا خُلفَ لَهُ ولا تَبديلَ «يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاس بِإِمَ_مِهِمْ» (3) ذلِكَ يَومُ النُّشورِ «إِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ» (4) و «بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ » (5) ، اللّهُمَّ إنّي اُقِرُّ واُشهِدُ ، وأعتَرِفُ ولا أجحَدُ ، واُسِرُّ واُظهِرُ ، واُعلِنُ واُبطِنُ بِأَنَّكَ أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ ، وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُكَ ورَسولُكَ ، وأنَّ عَلِيّا أميرَ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدَ الوَصِيّينَ ، ووارِثَ عِلمِ النَّبِيّينَ ، وقاتِلَ المُشرِكينَ ، وإمامَ المُتَّقينَ ، ومُبيرَ المُنافِقينَ ، ومُجاهِدَ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ ، إمامي ومَحَجَّتي ، ومَن لا أثِقُ بِالأَعمالِ وإن زَكَت ، ولا أراها مُنجِيَةً لي وإن صَلُحَت إلّا بِوِلايَتِهِ وَالايتِمامِ بِهِ وَالإِقرارِ بِفَضائِلِهِ وَالقَبولِ مِن حَمَلَتِها وَالتَّسليمِ لِرُواتِها (6) .
.
ص: 607
عنه عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ الفُضَيلِ عَن قَولِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِى سَوِيًّا عَلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ » (1) _: إنَّ اللّهَ ضَرَبَ مَثَلَ مَن حادَ عَنِ وِلايَةِ عَلِيٍّ كَمَن يَمشي عَلى وَجهِهِ لا يَهتَدي لِأَمرِهِ، وجَعَلَ مَن تَبِعَهُ سَوِيّا عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ، وَالصِّراطُ المُستَقيمُ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام (2) .
راجع : ص 461 (الصراط المستقيم) .
4 / 8الإِمامُ عَلِيُّ بنُ موسَى الرِّضاالإمام الرضا عليه السلام_ لِعَبدِ اللّهِ بنِ أبانٍ الزَّيّاتِ _: أما تَقرَأُ كِتابَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «وَ قُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» (3) ؟ قالَ : هُوَ وَاللّهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (4) .
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلَى المَأمونِ حينَ سَأَلَهُ عَن مَحضِ الإِسلامِ _: إنَّ الدَّليلَ بَعدَهُ [رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ]وَالحُجَّةَ عَلَى المُؤمِنينَ ، وَالقائِمَ بِأَمرِ المُسلِمينَ ، وَالنّاطِقَ عَنِ القُرآنِ ، وَالعالِمَ بِأَحكامِهِ ، أخوهُ وخَليفَتُهُ ووَصِيُّهُ ووَلِيُّهُ ، وَالَّذي كانَ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى، عَلِيُّ بنُ أبيطالِبٍ عليه السلام أميرُالمُؤمِنينَ، وإمامُ المُتَّقينَ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وأفضَلُ الوَصِيّينَ ، ووارِثُ عِلمِ النَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ (5) .
عنه عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ فَضّالٍ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام كَيفَ مالَ النّاسُ عَنهُ إلى
.
ص: 608
غَيرِهِ وقَد عَرَفوا فَضلَهُ وسابِقَتَهُ ومَكانَهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ _: إنَّما مالوا عَنهُ إلى غَيرِهِ وقَد عَرَفوا فَضلَهُ ، لِأَنَّهُ قَد كانَ قَتَلَ مِن آبائِهِم وأجدادِهِم وإخوانِهِم وأعمامِهِم وأخوالِهِم وأقرِبائِهِمُ المُحادّينَ للّهِِ ولِرَسولِهِ عَدَدا كَثيرا ، فَكانَ حِقدُهُم عَلَيهِ لِذلِكَ في قُلوبِهِم ، فَلَم يُحِبّوا أن يَتَوَلّى عَلَيهِم ، ولَم يَكُن في قُلوبِهِم عَلى غَيرِهِ مِثلُ ذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَكُن لَهُ فِي الجِهادِ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِثلُ ما كانَ لَهُ ، فَلِذلِكَ عَدَلوا عَنهُ ومالوا إلى سِواهُ (1) .
الكافي عن أحمد بن عمر:سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ عليه السلام لِمَ سُمِّيَ أميرَالمُؤمِنينَ عليه السلام ؟ قالَ : لِأَنَّهُ يِميرُهُمُ العِلمَ ، أ ما سَمِعتَ في كتابِ اللّهِ «وَ نَمِيرُ أَهْلَنَا» (2)(3) .
الكافي عن أحمد بن عمر الحلّال :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ عليه السلام عَن قَولِهِ تَعالى : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّن بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّ__لِمِينَ» (4) قالَ: المُؤَذِّنُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام (5) .
4 / 9الإِمامُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الجَوادُالإمام الجواد عليه السلام :عَلَّمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام ألفَ كَلِمَةٍ ، كُلُّ كَلِمَةٍ يَفتَحُ ألفَ كَلِمَةٍ (6) .
الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه :قالَ عَلِيُّ بنُ حَسّانَ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : يا سَيِّدي إن
.
ص: 609
النّاسَ يُنكِرونَ عَلَيكَ حَداثَةَ سِنِّكَ ، فَقالَ : وما يُنكِرونَ مِن ذلِكَ قَولَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ؟ لَقَد قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «قُلْ هَ_ذِهِ سَبِيلِى أَدْعُواْ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِى» (1) فَوَاللّهِ ما تَبِعَهُ إلّا عَلِيٌّ عليه السلام ولَهُ تِسعُ سِنينَ وأنَا ابنُ تِسعِ سِنينَ (2) .
4 / 10الإِمامُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الهاديالإمام الهادي عليه السلام_ في رِسالَتِهِ إلى أهلِ الأَهوازِ _: اِجتَمَعَتِ الاُمَّةُ قاطِبَةً لَا اختِلافَ بَينَهُم في ذلِكَ : أنَّ القُرآنَ حَقٌّ لا رَيبَ فيهِ عِندَ جَميعِ فِرَقِها ، فَهُم في حالَةِ الاِجتِماعِ عَلَيهِ مُصيبونَ ، وعَلى تَصديقِ ما أنزَلَ اللّهُ مُهتَدونَ ، لِقَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : «لا تَجتَمِعُ اُمَّتي عَلى ضَلالَةٍ» فَأَخبَرَ صلى الله عليه و آله أنَّ مَا اجتَمَعَت عَلَيهِ الاُمَّةُ ولَم يُخالِف بَعضُها بَعضا هُوَ الحَقُّ ، فَهذا مَعنَى الحديثِ لا ما تَأَوَّلَهُ الجاهِلونَ ، ولا ما قالَهُ المُعانِدونَ مِن إبطالِ حُكمِ الكِتابِ وَاتِّباعِ حُكمِ الأَحاديثِ المُزَوَّرَةِ وَالرِّواياتِ المُزَخرَفَةِ ، وَاتِّباعِ الأَهواءِ المُردِيَةِ المُهلِكَةِ الَّتي تُخالِفُ نَصَّ الكِتابِ ، وتَحقيقَ الآياتِ الواضِحاتِ النَّيِّراتِ . نَحنُ نَسأَلُ اللّهَ أن يُوَفِّقَنا لِلصَّوابِ ، ويَهدِيَنا إلَى الرَّشادِ . فَإِذا شَهِدَ الكِتابُ بِتَصديقِ خَبَرٍ وتَحقيقِهِ ، فَأَنكَرَتهُ طائِفَةٌ مِنَ الاُمَّةِ وعارَضَتهُ بِحَديثٍ مِن هذِهِ الأَحاديثِ المُزَوَّرَةِ ، فَصارَت بِإِنكارِها ودَفعِهَا الكِتابَ كُفّارا ضُلّالاً ، وأصَحُّ خَبَرٍ ما عُرِفَ تَحقيقُهُ مِنَ الكِتابِ مِثلُ الخَبَرِ المُجمَعِ عَلَيهِ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَيثُ قالَ : «إنّي مُستَخلِفٌ فيكُم خَليفَتَينِ : كِتابَ اللّهِ وعِترَتي ، ما إن تَمَسَّكتُم بِهِما لَن تَضِلّوا بَعدي ، وإنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ» وَاللَّفظَةُ الاُخرى عَنهُ في هذَا المَعنى بِعَينِهِ ، قَولُهُ صلى الله عليه و آله : «إنّي تارِكٌ فيكُمُ الثَّقلَينِ : كِتابَ اللّه
.
ص: 610
وعِترَتي أهلَ بَيتي ، وإنَّهُما لَم يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ما إن تَمَسَّكتُم بِهِما لَن تَضِلّوا» . فَلَمّا وَجَدنا شَواهِدَ هذَا الحَديثِ نَصّا في كِتابِ اللّهِ تَعالى مِثلَ قَولِهِ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» (1) ثُمَّ اتَّفَقَت رِواياتُ العُلَماءِ في ذلِكَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّهُ تَصَدَّقَ بِخاتَمِهِ وهُوَ راكِعٌ ، فَشَكَرَ اللّهُ ذلِكَ لَهُ ، وأنزَلَ الآيَةَ فيهِ ، ثُمَّ وَجَدنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد أبانَهُ مِن أصحابِهِ بِهذِهِ اللَّفظَةِ : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ» وقَولِهِ صلى الله عليه و آله : «عَلِيٌّ يَقضي دَيني ويُنجِزُ مَوعِدي ، وهُوَ خَليفَتي عَلَيكُم بَعدي» وقَولِهِ صلى الله عليه و آله حَيثُ استَخلَفَهُ عَلَى المَدينَةِ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ! أ تَخلُفُني مَعَ النِّساءِ وَالصِّبيانِ ؟ فَقالَ : «أما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي» فَعَلِمنا أنَّ الكِتابَ شَهِدَ بِتَصديقِ هذِهِ الأَخبارِ ، وتَحقيقِ هذِهِ الشَّواهِدِ ، فَلَزِمَ الاُمَّةَ الإِقرارُ بِها ؛ إذ كانَت هذِهِ الأَخبارُ وافَقَتِ القُرآنَ ، ووافَقَ القُرآنُ هذِهِ الأَخبارَ ، فَلَمّا وَجَدنا ذلِكَ مُوافِقا لِكِتابِ اللّهِ ، ووَجَدنا كِتابَ اللّهِ لِهذِهِ الأَخبارِ مُوافِقا ، وعَلَيها دَليلاً ، كانَ الِاقتِداءُ بِهذِهِ الأَخبارِ فَرضا لا يَتَعَدّاهُ إلّا أهلُ العِنادِ وَالفَسادِ (2) .
عنه عليه السلام_ في زِيارَةِ صاحِبِ الأَمرِ عليه السلام _: اللّهُمَّ وصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ ، ودَيّانِ دينِكِ ، وَالقائِمِ بِالقِسطِ مِن بَعدِ نَبِيِّكَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ أميرِ المُؤمِنينَ ، وإمامِ المُتَّقينَ ، وسَيِّدِ الوَصِيّينَ ، ويَعسوبِ الدّينِ ، وقائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، قِبلَةِ العارِفينَ ، وعَلَمِ المُهتَدينَ ، وعُروَتِكَ الوُثقى ، وحَبلِكَ المَتينِ ، وخَليفَةِ رَسولِكَ عَلَى النّاسِ أجمَعينَ ، ووَصِيِّهِ فِي الدُّنيا وَالدّينِ (3) .
.
ص: 611
4 / 11الإِمامُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ العَسكَرِيُّالإمام العسكري عليه السلام_ فِي الصَّلاةِ عَلَى الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، أخي نَبِيِّكَ ، ووَصِيِّهِ ، ووَلِيِّهِ ، وصَفِيِّهِ ، ووَزيرِهِ ، ومُستَودَعِ عِلمِهِ ، ومَوضِعِ سِرِّهِ ، وبابِ حِكمَتِهِ ، وَالنّاطِقِ بِحُجَّتِهِ ، وَالدّاعي إلى شَريعَتِهِ ، وخَليفَتِهِ في اُمَّتِهِ ، ومُفَرِّجِ الكُرَبِ عَن وَجهِهِ ، قاصِمِ الكَفَرَةِ ، ومُرغِمِ الفَجَرَةِ ، الَّذي جَعَلتَهُ مِن نَبِيِّكَ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى . اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ، وَالعَن مَن نَصَبَ لَهُ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، وصَلِّ عَلَيهِ أفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أحَدٍ مِن أوصِياءِ أنبِيائِكَ يا رَبَّ العالَمينَ (1) .
راجع : ج 5 ص 270 (التواضع عن رفعة) .
4 / 12الإِمامُ الحُجَّةُ بنُ الحَسَنِ المَهدِيُّالإمام المهدي عليه السلام_ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ . . . وصَلِّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ ، ووارِثِ المُرسَلينَ ، وقائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وسَيِّدِ الوَصِيّينَ ، وحُجَّةِ رَبِّ العالَمينَ (2) .
.
ص: 612
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى أحمَدَ بنِ إسحاقَ _: بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله رَحَمةً لِلعالَمينَ ، وتَمَّمَ بِهِ نِعمَتَهُ ، وخَتَمَ بِهِ أنبِياءَهُ ، وأرسَلَهُ إلَى النّاسِ كافَّةً ، وأظهَرَ مِن صِدقِهِ ما أظهَرَ ، وبَيَّنَ مِن آياتِهِ وعَلاماتِهِ ما بَيَّنَ ، ثُمَّ قَبَضَهُ صلى الله عليه و آله حَميدا فَقيدا سَعيدا ، وجَعَلَ الأَمرَ مِن بَعدِهِ إلى أخيهِ وَابنِ عَمِّهِ ووَصِيِّهِ ووارِثِهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ثُمَّ إلَى الأَوصِياءِ مِن وُلدِهِ واحِدا واحِدا ، أحيا بِهِم دينَهُ ، وأتَمَّ بِهِم نورَهُ (1) .
.
ص: 613
الفصل الخامس: عليّ عن لسان أزواج النبيّ5 / 1اُمُّ سَلَمَةَالمعجم الكبير عن اُمّ سلمة :كانَ عَلِيٌّ عَلَى الحَقِّ ؛ مَنِ اتَّبَعَهُ اتَّبَعَ الحَقَّ ، ومَن تَرَكَهُ تَرَكَ الحَقَّ ، عَهدا مَعهودا قَبلَ يَومِهِ هذا (1) .
تاريخ دمشق عن اُمّ سلمة :وَاللّهِ إنَّ عَلِيّا عَلَى الحَقِّ قَبلَ اليَومِ وبَعدَ اليَومِ ، عَهدا مَعهودا وقَضاءً مَقضِيّا (2) .
المستدرك على الصحيحين عن اُمّ سلمة :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كانَ إذا غَضِبَ لَم يَجتَرِئ أحَدٌ مِنّا [أن] (3) يُكَلِّمَهُ غَيرُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (4) .
خصائص أمير المؤمنين عن اُمّ سلمة :إنَّ أقرَبَ النّاسِ عَهدا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيٌّ عليه السلام (5) .
.
ص: 614
المستدرك على الصحيحين عن أبي موسى عن اُمّ سلمة :وَالَّذي أحلِفُ بِهِ ، إن كانَ عَلِيٌّ لَأَقرَبَ النّاسِ عَهدا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ عُدنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله غَداةً وهُوَ يَقولُ : «جاءَ عَلِيٌّ ؟ جاءَ عَلِيٌّ ؟» مِرارا ، فَقالَت فاطِمَةُ عليهاالسلام : كَأَنَّكَ بَعَثتَهُ في حاجَةٍ . قالَت : فَجاءَ بَعدُ . قالَت اُمُّ سَلَمَةَ : فَظَنَنتُ أنَّ لَهُ إلَيهِ حاجَةً ، فَخَرَجنا مِنَ البَيتِ فَقَعَدنا عِندَ البابِ ، وكُنتُ مِن أدناهُم إلَى البابِ ، فَأَكَبَّ عَلَيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وجَعَلَ يُسارُّهُ ويُناجيهِ ، ثُمَّ قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن يَومِهِ ذلِكَ ، فَكانَ عَلِيٌّ أقرَبَ النّاسِ عَهدا (1) .
تاريخ دمشق عن زيد بن أرقم :دَخَلتُ عَلى اُمِّ سَلَمَةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَت : مِمَّن أنتَ ؟ قُلتُ : مِن أهلِ الكوفَةِ . قالَت : مِن الَّذينَ يُسَبُّ فيهِم رَسولُ اللّهِ ؟ قُلتُ : لا وَاللّهِ يا اُمَّه ، ما سَمِعتُ أحَدا يَسُبُّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَت : بَلى وَاللّهِ ، إنَّهُم يَقولونَ : فَعَلَ اللّهُ بِعَلِيٍّ ومَن يُحِبُّهُ ، وقَد كانَ _ وَاللّهِ _ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُحِبُّهُ ! (2)
تاريخ الطبري عن أبي عمرة_ قَبلَ حَربِ الجَمَلِ _: قامَت اُمُّ سَلَمَةَ فَقالَت : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَولا أن أعصِيَ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ وأنَّكَ لا تَقبَلُهُ مِنّي لَخَرَجتُ مَعَكَ ، وهذَا ابني عُمَرُ _ وَاللّهِ لَهُوَ أعَزُّ عَلَيَّ مِن نَفسي _ يَخرُجُ مَعَكَ فَيَشهَدُ مَشاهِدَكَ . فَخَرَجَ فَلَم يَزَل مَعَهُ (3) .
راجع: ج 5 ص 235 (الصبر وفي العين قذى) . و ج 7 ص 187 (اُمّ سلمة) .
.
ص: 615
5 / 2عائِشَةُالتاريخ الكبير عن عائشة :أعلَمُ النّاسِ بِالسُّنَّةِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (1) .
أنساب الأشراف عن عائشة :هُوَ أعلَمُ مَن بَقِيَ بِالسُّنَّةِ (2) .
شواهد التنزيل عن عائشة :عَلِيٌّ عليه السلام أعلَمُ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله بِما اُنزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله (3) .
خصائص أمير المؤمنين عن جميع بن عمير :دَخَلتُ مَعَ اُمّي عَلى عائِشَةَ ، فَسَمِعتُها تَسأَلُها مِن وَراءِ الحِجابِ عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَت : تَسأَليني عَن رَجُلٍ ما أعلَمُ أحَدا كانَ أحَبَّ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنهُ ولا أحَبَّ إلَيهِ مِنِ امرَأَتِهِ ؟ ! (4)
المصنّف عن جميع بن عمير :دَخَلتُ عَلى عائِشَةَ أنَا واُمّي وخالَتي ، فَسَأَلناها : كَيفَ كانَ عَلِيٌّ عِندَهُ ؟ فَقالَت : تَسأَلونّي عَن رَجُلٍ وَضَعَ يَدَهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَوضِعا لَم يَضَعها أحَدٌ ، وسالَت نَفسُهُ في يَدِهِ ومَسَحَ بِها وَجهَهُ وماتَ ، فَقيلَ : أينَ يَدفِنونَهُ ؟ فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : ما فِي الأَرضِ بُقعَةٌ أحَبَّ إلَى اللّهِ مِن بُقعَةٍ قُبِضَ فيها نَبِيُّهُ ، فَدَفَنّاهُ ؟ ! (5)
.
ص: 616
تاريخ دمشق عن صدقة بن سعيد عن جميع بن عمير :إنَّ اُمَّهُ وخالَتَهُ دَخَلَتا عَلى عائِشَةَ ، فَقالَتا : يا اُمَّ المُؤمِنينَ ، أخبِرينا عَن عَلِيٍّ عليه السلام . قالَت : أيَّ شَيءٍ تَسأَلنَ ؟ ! عَن رَجُلٍ وَضَعَ يَدَهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَوضِعا فَسالَت نَفسُهُ في يَدِهِ فَمَسَحَ بِها وَجهَهُ ، وَاختَلَفوا في دَفنِهِ ، فَقالَ : إنَّ أحَبَّ البِقاعِ إلَى اللّهِ مَكانٌ قُبِضَ فيهِ نَبِيُّهُ ؟ ! قالَتا (1) : فَلِمَ خَرَجتِ عَلَيهِ ؟ قالَت : أمرٌ قُضِيَ ؛ لَوَدِدتُ أن أفدِيَهُ بِما عَلَى الأَرضِ ! (2)
تاريخ بغداد عن نُبيط بن شريط الأشجعي :لَمّا فَرَغَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مِن قِتالِ أهلِ النَّهرَوانِ قَفَلَ أبو قَتادَةَ الأَنصارِيُّ ومَعَهُ سِتّونَ أو سَبعونَ مِنَ الأَنصارِ . قالَ : فَبَدَأَ بِعائِشَةَ ، قالَ أبو قَتادَةَ : فَلَمّا دَخَلتُ عَلَيها قالَت : ما وَراوَكَ ؟ فَأَخبَرتُها أنَّهُ لَمّا تَفَرَّقَتِ المُحَكِّمَةُ مِن عَسكَرِ أميرِ المُؤمِنينَ لَحِقناهُم فَقَتَلناهُم . . . فَقالَت عائِشَةُ : ما يَمنَعُني ما بَيني وبَينَ عَلِيٍّ أن أقولَ الحَقَّ ؛ سَمِعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : تَفتَرِقُ اُمَّتي عَلى فِرقَتَينِ ، تَمرُقُ بَينَهُما فِرقَةٌ مُحَلِّقونَ رُؤوسَهُم ، مُحفونَ شَوارِبَهُم ، اُزُرُهُم إلى أنصافِ سُوقِهِم ، يَقرَؤونَ القُرآنَ لا يَتَجاوَزُ تَراقِيَهُم ، يَقتُلُهُم أحَبُّهُم إلَيَّ وأحَبُّهُم إلَى اللّهِ تَعالى . فَقُلتُ : يا اُمَّ المُؤمِنينَ ، فَأَنتِ تَعلَمينَ هذا فَلِمَ كانَ الَّذي مِنكِ ؟ ! قالَت : يا أبا قَتادَةَ ، وكانَ أمرُ اللّهِ قَدَرا مَقدورا ، ولِلقَدَرِ أسبابٌ (3) .
شرح نهج البلاغة عن مسروق :إنَّ عائِشَةَ قالَت لَهُ لَمّا عَرَفَت أنَّ عَلِيّا عليه السلام قَتَلَ ذَا الثُّدَيَّةِ : لَعَنَ اللّهُ عَمرَو بنَ العاصِ ! فَإِنَّهُ كَتَبَ إلَيَّ يُخبِرُني أنَّهُ قَتَلَهُ بِالإِسكَندَرِيَّةِ ، ألا إنَّهُ لَيس
.
ص: 617
يَمنَعُني ما في نَفسي أن أقولَ ما سَمِعتُهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ يَقولُ : يَقتُلُهُ خَيرُ اُمَّتي مِن بَعدي (1) .
الاستيعاب عن عائشة_ لَمّا بَلَغَها قَتلُ عَلِيٍّ عليه السلام _: لِتَصنَعِ العَرَبُ ما شاءَت ! فَلَيسَ أحَدٌ يَنهاها (2) .
راجع : ص 312 (موقف عائشة من قتل الإمام) . و ج 3 ص 248 (محادثات الإمام وعائشة) . و ج 5 ص 289 (كثرة صلاته وصومه) .
5 / 3مَيمونَةُالمصنّف عن أبي إسحاق عن جدّته ميمونة :لَمّا كانَتِ الفُرقَةُ قيلَ لِمَيمونَةَ بِنتِ الحارِثِ : يا اُمَّ المُؤمِنينَ ! فَقالَت : عَلَيكُم بِابنِ أبي طالِبٍ ؛ فَوَاللّهِ ما ضَلَّ ولا ضُلَّ بِهِ (3) .
المستدرك على الصحيحين عن جُرَيّ بن كليب العامري :لَمّا سارَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى صِفّينَ كَرِهتُ القِتالَ ، فَأَتَيتُ المَدينَةَ ، فَدَخَلتُ عَلى مَيمونَةَ بِنتِ الحارِثِ ، فَقالَت : مِمَّن أنتَ ؟ قُلتُ : مِن أهلِ الكوفَةِ . قالَت : مِن أيِّهِم ؟ قُلتُ : مِن بَني عامِرٍ . قالَت : رَحبا علَى رَحبٍ وقُربا عَلى قُربٍ تَجيءُ ، ما جاءَ بِكَ ؟ قُلتُ : سارَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى صِفّينَ وكَرِهتُ القِتالَ ، فَجِئنا إلى هاهُنا . قالَت : أكُنتَ بايَعتَهُ ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَت : فَارجِع إلَيهِ فَكُن مَعَهُ ؛ فَوَاللّهِ ما ضَلَّ ولا ضُلَّ بِهِ (4) .
.
ص: 618
المعجم الكبير عن جريّ بن سمرة :لَمّا كانَ بَينَ أهلِ البَصرَةِ الَّذي كانَ بَينَهُم وبَينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، انطَلَقتُ حَتّى أتَيتُ المَدينَةَ ، فَأَتَيتُ مَيمونَةَ بِنتَ الحارِثِ ، وهِيَ مِن بَني هِلالٍ ، فَسَلَّمتُ عَلَيها ، فَقالَت : مِمَّنِ الرَّجُلُ ؟ قُلتُ : مِن أهلِ العِراقِ . قالَت : مِن أيِّ أهلِ العِراقِ ؟ قُلتُ : مِن أهلِ الكوفَةِ . قالَت : مِن أيِّ أهلِ الكوفَةِ ؟ قُلتُ : مِن بَني عامِرٍ . فَقالَت : مَرحى ! قُربا عَلى قُربٍ ورَحبا عَلى رَحبٍ ، فَمَجيءُ ما جاءَ بِكَ ؟ قُلتُ : كانَ بَينَ عَلِيٍّ عليه السلام وطَلحَةَ وَالزُّبَيرِ الَّذي كانَ ، فَأَقبَلتُ فَبايَعتُ عَلِيّا . قالَت : فَالحَق بِهِ ؛ فَوَاللّهِ ما ضَلَّ ولا ضُلَّ بِهِ _ حَتّى قالَتها ثَلاثا _ (1) .
.
ص: 619
الفصل السادس: عليّ عن لسان أصحاب النبيّ6 / 1أبو أيّوبَ الأَنصارِيُّتاريخ بغداد عن إبراهيم عن علقمة والأسود :أتَينا أبا أيّوبَ الأَنصارِيَّ عِندَ مُنصَرَفِهِ مِن صِفّينَ ، فَقُلنا لَهُ : يا أبا أيّوبَ ، إنَّ اللّهَ أكرَمَكَ بِنُزولِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وبِمَجيءِ ناقَتِهِ تَفَضُّلاً مِنَ اللّهِ وإكراما لَكَ حَتّى أناخَت بِبابِكَ دونَ النّاسِ ، ثُمَّ جِئتَ بِسَيفِكَ عَلى عاتِقِكَ تَضرِبُ بِهِ أهلَ لا إلهَ إلَا اللّهُ ؟ ! فَقالَ : يا هذا ، إنَّ الرّائِدَ لا يَكذِبُ أهلَهُ ، وإنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَنا بِقِتالِ ثَلاثَةٍ مَعَ عَلِيٍّ ؛ بِقِتالِ النّاكِثينَ ، وَالقاسِطينَ ، وَالمارِقينَ . فَأَمَّا النّاكِثونَ فَقَد قَابَلناهُم أهلُ الجَمَلِ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ، وأمَّا القاسِطونَ فَهذا مُنصَرَفُنا مِن عِندِهِم _ يَعني مُعاوِيَةَ وعَمرا _ وأمَّا المارِقونَ فَهُم أهلُ الطَّرفاواتِ ، وأهلُ السُّعَيفاتِ ، وأهلُ النُّخَيلاتِ ، وأهلُ النَّهرَواناتِ ، وَاللّهِ ما أدري أينَ هُم ، ولكِن لابُدَّ مِن قِتالِهِم إن شاءَ اللّهُ . قالَ : وسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَمّارٍ : يا عَمّارُ ، تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ ، وأنتَ إذ ذاكَ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَكَ . يا عَمّارَ بنَ ياسِرٍ ، إن رَأَيتَ عَلِيّا قَد سَلَكَ وادِيا وسَلَكَ النّاسُ وادِيا غَيرَهُ فَاسلُك مَعَ عَلِيٍّ ؛ فَإِنَّهُ لَن يُدَلِّيَكَ (1) في رَدىً ، ولَن يُخرِجَكَ مِن
.
ص: 620
هُدىً . يا عَمّارُ ، مَن تَقَلَّدَ سَيفا أعانَ بِهِ عَلِيّا عَلى عَدُوِّهِ قَلَّدَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ وِشاحَينِ (1) مِن دُرٍّ ، ومَن تَقَلَّدَ سَيفا أعانَ بِهِ عَدُوَّ عَلِيٍّ عَلَيهِ قَلَّدَهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ وِشاحَينِ مِن نارٍ . قُلنا : يا هذا ، حَسبُكَ رَحِمَكَ اللّهُ ! حَسبُكَ رَحِمَكَ اللّهُ ! (2)
راجع : ج 1 ص 470 (عليّ مولا من كان النبيّ مولاه) . و ج 3 ص 51 (أبو أيّوب الأنصاري) .
6 / 2أبُو الهَيثَمِ مالِكُ بنُ التَّيِّهانِالأوائل عن الهيثم بن عديّ :قامَ أبُو الهَيثَمِ بنُ التَّيِّهانِ خَطيبا بَينَ يَدَي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ : إنَّ حَسَدَ قُرَيشٍ إيّاكَ عَلى وَجهَينِ : أمّا خِيارُهُم فَتَمَنَّوا أن يَكونوا مِثلَكَ ؛ مُنافَسَةً فِي المَلَأِ وَارتِفاعِ الدَّرَجَةِ ، وأمّا شِرارُهُم فَحَسَدوكَ حَسَدا أثقَلَ القُلوبَ وأحبَطَ الأَعمالَ ؛ وذلِكَ أنَّهُم رَأَوا عَلَيكَ نِعمَةً قَدَّمَكَ إليهَا الحَظُّ ، وأخَّرَهُم عَنهَا الحِرمانُ ، فَلَم يَرضَوا أن يَلحَقوكَ حَتّى طَلَبوا أن يَسبِقوكَ ، فَبَعُدَت عَلَيهِم وَاللّهِ الغايَةُ ، واُسقِطَ المِضمارُ (3) ! فَلَمّا تَقَدَّمتَهُم بِالسَّبقِ وعَجَزوا عَنِ اللِّحاقِ بَلَغوا مِنكَ ما رَأَيتَ .
.
ص: 621
وكُنتَ وَاللّهِ أحَقَّ قُرَيشٍ بِشُكرِ قُرَيشٍ ؛ نَصَرتَ نَبِيَّهُم (1) حَيّا ، وقَضَيتَ عَنهُ الحُقوقَ مَيِّتا . وَاللّهِ ما بَغيُهُم إلّا عَلى أنفُسِهِم ، ولا نَكَثوا إلّا بَيعَةَ اللّهِ ، يَدُ اللّهِ فَوقَ أيديهِم ! فَها نَحنُ مَعاشِرَ الأَنصارِ أيدينا وألسِنَتُنا لَكَ ؛ فَأَيدينا عَلى مَن شَهِدَ ، وألسِنَتُنا عَلى مَن غابَ (2) .
6 / 3أبو بَكرِ بنُ أبي قُحافَةَالسنن الكبرى عن أبي بكر :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عِترَةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (3) .
تاريخ أصبهان عن جابر :كُنتُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وعِندَهُ أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ وَاخذُل مَن خَذَلَهُ . فَقالَ أبو بَكرٍ لِعُمَرَ : هذِهِ وَاللّهِ الفَضيلَةُ ! (4)
تاريخ دمشق عن الشعبي :بَينا أبو بَكرٍ جالِسٌ ، إذ طَلَعَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام مِن بَعيدٍ ، فَلَمّا رَآهُ قالَ أبو بَكرٍ : مَن سَرَّهُ أن يَنظُرَ إلى أعظَمِ النّاسِ مَنزِلَةً ، وأقرَبِهِم قَرابَةً ، وأفضَلِهِم دالَّةً (5) ، وأعظَمِهِم غَناءً عَنِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَليَنظُر إلى هذَا الطّالِعِ (6) .
المناقب للخوارزمي عن الشعبي :نَظَرَ أبو بَكرٍ الصِّدّيقُ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام مُقبِلاً ،
.
ص: 622
فَقالَ : مَن سَرَّهُ أن يَنظُرَ إلى أقرَبِ النّاسِ قَرابَةً مِن نَبِيِّهِم صلى الله عليه و آله ، وأجوَدِهِ مِنهُ مَنزِلَةً، وأعظَمِهِم عِندَ اللّهِ غَناءً، وأعظَمِهِم عَلَيهِ، فَليَنظُر إلى عَلِيٍّ عليه السلام (1) .
الفصول المختارة عن الشعبي :مَرَّ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلى أبي بَكرٍ ومَعَهُ أصحابُهُ ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ ومَضى . فَقالَ أبو بَكرٍ : مَن سَرَّهُ أن يَنظُرَ إلى أوَّلِ النّاسِ فِي الإِسلامِ سَبقا ، وأقرَبِ النّاسِ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَرابَةً ، فَليَنظُر إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام (2) .
6 / 4أبو ذَرٍّ الغِفارِيُّتاريخ دمشق عن معاوية بن ثعلبة :أتى رَجُلٌ أبا ذَرٍّ وهُوَ جالِسٌ في مَسجِدٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا أبا ذَرٍّ ، أ لا تُخبِرُني بِأَحَبِّ النّاسِ إلَيكَ ؟ فَإِنّي أعرِفُ أنَّ أحَبَّهُم إلَيكَ أحَبُّهُم إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ : إي ورَبِّ الكَعبَةِ ! إنَّ أحَبَّهُم إلَيَّ أحَبُّهُم إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ هُو ذاكَ الشَّيخُ _ وأشارَ إلى عَلِيٍّ وهُوَ يُصَلّي أمامَهُ _ (3) .
اليقين عن معاوية بن ثعلبة الليثي_ لِأَبي ذَرٍّ _: قُلتُ : يا أبا ذَرٍّ ، إنّا لَنَعلَمُ أنَّ أحَبَّهُم إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أحَبُّهُم إلَيكَ . قالَ : أجَل . قُلنا : فَأَيُّهُم أحَبُّ إلَيكَ ؟ قالَ : هذَا الشَّيخُ المَظلومُ المُضطَهَدُ حَقُّهُ _ يَعني أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام _ (4) .
.
ص: 623
أنساب الأشراف عن أبيسُخيلة :مَرَرتُ أنَا وسَلمانُ _ بِالرَّبَذَةِ (1) _ عَلى أبي ذَرٍّ ، فَقالَ : إنَّهُ سَتَكونُ فِتنَةٌ ، فَإِن أدرَكتُموها فَعَلَيكُم بِكِتابِ اللّهِ وعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عَلِيٌّ أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وأوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ ، وهُوَ يَعسوبُ المُؤمِنينَ (2) .
تاريخ دمشق عن أبي سخيلة :حَجَجتُ أنَا وسَلمانُ ، فَنَزَلنا بِأَبي ذَرٍّ ، فَكُنّا عِندَهُ ما شاءَ اللّهُ ، فَلَمّا حانَ مِنّا حُفوفٌ (3) ، قُلتُ : يا أبا ذَرٍّ ، إنّي أرى اُمورا قَد حَدَثتَ ، وإنّي خائِفٌ أن يَكونَ فِي النّاسِ اختِلافٌ ، فَإِن كانَ ذلِكَ فَما تَأمُرُني ؟ قالَ : اِلزَم كِتابَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وعَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَأَشهَدُ أنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عَلِيٌّ أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وأوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ ، وهُوَ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وهُوَ الفاروقُ ؛ يَفرُقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ (4) .
كنز الفوائد عن سهل بن سعيد :بَينا أبو ذَرٍّ قاعِدٌ مَعَ جَماعَةٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ وكُنتُ يَومَئِذٍ فيهِم _ ، إذ طَلَعَ عَلَينا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَرَماه أبو ذَرٍّ بِنَظَرِهِ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَى القَومِ بِوَجهِهِ ، فَقالَ : مَن لَكُم بِرَجُلٍ مَحَبَّتُهُ تُساقِطُ الذّنوبَ عَن مُحِبّيهِ كَما تُساقِطُ الرّيحُ العاصِفُ الهَشيمَ مِنَ الوَرَقِ عَنِ الشَّجَرِ ! سَمِعتُ نَبِيَّكُم صلى الله عليه و آله يَقولُ ذلِكَ لَهُ .
.
ص: 624
قالوا : مَن هُوَ يا أبا ذَرٍّ ؟ قالَ : هُوَ الرَّجُلُ المُقبِلُ إلَيكُم ؛ ابنُ عَمِّ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ، يَحتاجُ أصحابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله إلَيهِ ، ولا يَحتاجُ إلَيهِم ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عَلِيٌّ بابُ عِلمي ، ومُبَيِّنٌ لِاُمَّتي ما اُرسِلتُ بِهِ مِن بَعدي ؛ حُبُّهُ إيمانٌ ، وبُغضُهُ نِفاقٌ ، وَالنَّظَرُ إلَيهِ بِرَأفَةٍ ومَوَدَّةٍ عِبادَةٌ . وسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَبِيَّكُم يَقولُ : مَثَلُ أهلِ بَيتي في اُمَّتي مَثَلُ سَفينَةِ نوحٍ ؛ مَن رَكِبَها نَجا ، ومَن رَغِبَ عَنها هَلَكَ ، ومَثَلُ بابِ حِطَّةٍ في بَني إسرائيلَ ؛ مَن دَخَلَهُ كانَ آمِنا مُؤمِنا ، ومَن تَرَكَهُ كَفَرَ . ثُمَّ إنَّ عَلِيّا عليه السلام جاءَ فَوَقَفَ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ قالَ : يا أبا ذَرٍّ ، مَن عَمِلَ لِاخِرَتِهِ كَفاهُ اللّهُ أمرَ دُنياهُ وآخِرَتِهِ ، ومَن أحسَنَ فيما بَينَهُ وبَينَ اللّهِ كَفاهُ اللّهُ الَّذي بَينَهُ وبَينَ عِبادِهِ ، ومَن أحسَنَ سَريرَتَهُ أحسَنَ اللّهُ عَلانِيَتَهُ .إنَّ لُقمانَ الحَكيمَ قالَ لِابنِهِ وهُوَ يَعِظُهُ : يا بُنَيَّ ، مَنِ الَّذِي ابتَغَى اللّهَ عَزَّ وجَلَّ فَلَم يَجِدهُ ؟ ! ومَن ذَا الَّذي لَجَأَ إلَى اللّهِ فَلَم يُدافِع عَنهُ ؟ ! أم مَن ذَا الَّذي تَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ فَلَم يَكفِهِ ؟ ! ثُمَّ مَضى _ يَعني عَلِيّا عليه السلام _ فَقالَ أبو ذَرٍّ : وَالَّذي نَفسُ أبي ذَرٍّ بِيَدِهِ ، ما مِن اُمَّةٍ ائتَمَّت _ أو قالَ : اتَّبَعَت _ رَجُلاً وفيهِم مَن هُوَ أعلَمُ بِاللّهِ ودينِهِ مِنهُ ، إلّا ذَهَبَ أمرُهُم سَفالاً (1)(2) .
راجع : ج 7 ص 226 (أبو ذرّ الغِفاري) .
6 / 5أبو سَعيدٍ الخُدرِيُّشرح نهج البلاغة عن أبي سعيد الخدري :كُنّا بِنورِ إيمانِنا نُحِبُّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَمَن
.
ص: 625
أحَبَّهُ عَرَفنا أنَّهُ مِنّا (1) .
الأمالي للطوسي عن أبي سعيد الخدري_ لَمّا ذَكَروا عَلِيّا عليه السلام _: إنَّهُ كانَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِمَنزِلَةٍ خاصَّةٍ ، ولَقَد كانَت لَهُ عَلَيهِ دِخلَةٌ لَم تَكُن لِأَحَدٍ مِنَ النّاسِ (2) .
راجع : ج 7 ص 107 (النفاق) .
6 / 6أنَسُ بنُ مالِكٍالأمالي للطوسي عن عبد المؤمن الأنصاري عن أبيه عن أنس بن مالك :سَأَلتُهُ : مَن كانَ آثَرَ النّاسِ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيما رَأَيتَ ؟ قالَ : ما رَأَيتُ أحَدا بِمَنزِلَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ كانَ يَبعَثُني في جَوفِ اللَّيلِ إلَيهِ ، فَيَستَخلي بِهِ حَتّى يُصبِحَ ، هذا كانَ لَهُ عِندَهُ حَتّى فارَقَ الدُّنيا (3) .
شرح نهج البلاغة :ذَكَرَ جَماعَةٌ مِن شُيوخِنا . . . ناشَدَ عَلِيٌّ عليه السلام النّاسَ في رَحَبَةِ القَصرِ (4) _ أو قالَ : رَحَبَةِ الجامِعِ بِالكوفَةِ _ : أيُّكُم سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟ فَقامَ اثنا عَشَرَ رَجُلاً فَشَهِدوا بِها ، وأنَسُ بنُ مالِكٍ فِي القَومِ لَم يَقُم . فَقالَ لَهُ عليه السلام : يا أنَسُ ، ما يَمنَعُكَ أن تَقومَ فَتَشهَدَ ، ولَقَد حَضَرتَها ؟ ! فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كَبِرتُ ونَسيتُ . فَقالَ عليه السلام : اللّهُمَّ إن كانَ كاذِبا فَارمِهِ بِها بَيضاءَ لا تُواريهَا العِمامَةُ !
.
ص: 626
قالَ طَلحَةُ بنُ عُمَيرٍ : فَوَاللّهِ لَقَد رَأَيتُ الوَضَحَ (1) بِهِ بَعدَ ذلِكَ أبيضَ بَينَ عَينَيهِ . ورَوى عُثمانُ بنُ مُطَرِّفٍ أنَّ رَجُلاً سَأَلَ أنَسَ بنَ مالِكٍ في آخِرِ عُمُرِهِ عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالَ : إنّي آلَيتُ ألّا أكتُمَ حَديثا سُئِلتُ عَنهُ في عَلِيٍّ عليه السلام بَعدَ يَومِ الرَّحَبَةِ ، ذاكَ رَأسُ المُتَّقينَ يَومَ القِيامَةِ ، سَمِعتُهُ وَاللّهِ مِن نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله (2) .
راجع: ج 1 ص 582 (الدعاء على الكاتمين) .
6 / 7ثابِتُ بنُ قَيسٍ الأَنصارِيُّتاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ بَيعَةِ النّاسِ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: وقامَ قَومٌ مِنَ الأَنصارِ فَتَكَلَّموا ، وكانَ أوَّلَ مَن تَكَلَّمَ ثابِتُ بنُ قَيسِ بنِ شَمّاسٍ الأَنصارِيُّ ، وكانَ خَطيبَ (3) الأَنصارَ ، فَقالَ : وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَئِن كانوا تَقَدَّموكَ فِي الوِلايَةِ فَما تَقَدَّموكَ فِي الدّينِ ، ولَئِن كانوا سَبَقوكَ أمسِ لَقَد لَحِقتَهُمُ اليَومَ ! ولَقَد كانوا وكُنتَ لا يَخفى مَوضِعُكَ ، ولا يُجهَلُ مَكانُكَ ، يَحتاجونَ إلَيكَ فيما لا يَعلَمونَ ، ومَا احتَجتَ إلى أحَدٍ مَعَ عِلمِكَ ! (4) .
6 / 8جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّالإمام الباقر عليه السلام :سُئِلَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : ذاكَ وَاللّه
.
ص: 627
أميرُ المُؤمِنينَ ، ومِحنَةُ المُنافِقينَ ، وبَوارُ سَيفِهِ عَلَى القاسِطينَ وَالنّاكِثينَ وَالمارِقينَ (1) .
عنه عليه السلام :سُئِلَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، قالَ : ذلِكَ وَاللّهِ أميرُ المُؤمِنينَ ، ومُخزِي المُنافِقينَ ، وبَوارُ الكافِرينَ ، وسَيفُ اللّهِ عَلَى القاسِطينَ وَالنّاكِثينَ وَالمارِقينَ (2) .
فضائل الصحابة عن أبي الزبير :قُلتُ لِجابِرٍ : كَيفَ كانَ عَلِيٌّ عليه السلام فيكُم ؟ قالَ : ذلِكَ مِن خَيرِ البَشَرِ ؛ ما كُنّا نَعرِفُ المُنافِقينَ إلّا بِبُغضِهِم إيّاهُ (3) .
المصنّف عن عطيّة بن سعد :دَخَلنا عَلى جابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ _ وهُوَ شَيخٌ كَبيرٌ وقَد سَقَطَ حاجِباهُ عَلى عَينَيهِ _ فَقُلتُ : أخبِرنا عَن هذَا الرَّجُلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؟ فَرَفَعَ حاجِبَيهِ بِيَدَيهِ ، ثُمَّ قالَ : ذاكَ مِن خَيرِ البَشَرِ (4) .
تاريخ دمشق عن جابر بن عبد اللّه_ لَمّا سُئِلَ عَن عَلِيٍّ عليه السلام _: ذاكَ خَيرُ البَرِيَّةِ ، لا يُبغِضُهُ إلّا كافِرٌ (5) .
تاريخ دمشق عن جابر بن عبد اللّه :عَلِيٌّ خَيرُ البَشَرِ ، لا يَشُكُّ فيهِ إلّا مُنافِقٌ (6) .
أنساب الأشراف عن محمّد بن عبد اللّه بن عطيّة العوفي :قُلتُ لِجابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ : أيَّ رَجُلٍ كانَ فيكُم عَلِيٌّ عليه السلام ؟ قال : كانَ وَاللّهِ خَيرَ البَرِيَّةِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (7) .
.
ص: 628
تاريخ دمشق عن عبيد بن أبي الجعد :سُئِلَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ عَن قِتالِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : ما يَشُكُّ في قِتالِ عَلِيٍّ عليه السلام إلّا كافِرٌ (1) .
كتاب من لا يحضره الفقيه :كانَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ يَدورُ في سِكَكِ الأَنصارِ بِالمَدينَةِ وهُوَ يَقولُ : عَلِيٌّ خَيرُ البَشَرِ ، فَمَن أبى فَقَد كَفَرَ . يا مَعاشِرَ الأَنصارِ ، أدِّبوا أولادَكُم عَلى حُبِّ عَلِيٍّ ، فَمَن أبى فَانظُروا في شَأنِ اُمِّهِ ! (2)
الخصال عن جابر بن عبد اللّه :لَقَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ في عَلِيٍّ عليه السلام خِصالاً لَو كانَت واحِدَةٌ مِنها في جَميعِ النّاسِ لَاكتَفَوا بِها فَضلاً : قَولُهُ صلى الله عليه و آله : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ موَلاهُ . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : عَلِيٌّ مِنّي كَهارونَ مِن موسى . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : عَلِيٌّ مِنّي وأنَا مِنهُ . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : عَلِيٌّ مِنّي كَنَفسي ؛ طاعَتُهُ طاعَتي ومَعصِيَتُهُ مَعصِيَتي . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : حَربُ عَلِيٍّ حَربُ اللّهِ ، وسِلمُ عَلِيٍّ سِلمُ اللّهِ . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : وَلِيُّ عَلِيٍّ وَلِيُّ اللّهِ ، وعَدُوُّ عَلِيٍّ عَدُوُّ اللّهِ . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : عَلِيٌّ حُجَّةُ اللّهِ . وخَليفَتُهُ عَلى عِبادِهِ . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : حُبُّ عَلِيٍّ إيمانٌ وبُغضُهُ كُفرٌ . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : حِزبُ عَلِيٍّ حِزبُ اللّهِ ، وحِزبُ أعدائِهِ حِزبُ الشَّيطانِ . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَهُ ، لا يَفتَرِقانِ حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ .
.
ص: 629
وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : عَلِيٌّ قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنّارِ . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : مَن فارَقَ عَلِيّا فَقَد فارَقَني ، ومَن فارَقَني فَقَد فارَقَ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله : شيعَةُ عَلِيٍّ هُمُ الفائِزونَ يَومَ القِيامَةِ (1) .
راجع: ج 7 ص 103 (خبث الولادة) .
6 / 9حُذَيفَةُ بنُ اليَمانِشرح نهج البلاغة عن حذيفة بن اليمان :كُنّا نَعبُدُ الحِجارَةَ ونَشرَبُ الخَمرَ ، وعَلِيٌّ مِن أبناءِ أربَعَ عَشرَةَ سَنَةً قائِمٌ يُصَلّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لَيلاً ونَهارا ، وقُرَيشٌ يَومَئِذٍ تُسافِهُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ما يَذُبُّ عَنهُ إلّا عَلِيٌّ عليه السلام (2) .
الأمالي للصدوق عن حذيفة بن اليمان_ في وَصفِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: ذاكَ خَيرُ البَشَرِ ، ولا يَشُكُّ فيهِ إلّا مُنافِقٌ (3) .
شرح الأخبار عن حذيفة بن اليمان_ في وَصفِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: ذلِكَ خَيرُ هذِهِ الاُمَّةِ بَعدَ نَبِيِّها صلى الله عليه و آله ، لا يَشُكُّ فيهِ إلّا مُنافِقٌ (4) .
مروج الذهب :كانَ حُذَيفَةُ عَليلاً بِالكوفَةِ في سَنَةِ سِتٍّ وثَلاثينَ ، فَبَلَغَهُ قَتلُ عُثمانَ وبَيعَةُ النّاسِ لِعَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : أخرِجوني وَادعوا : الصَّلاةَ جامِعَةً ، فَوُضِعَ عَلَى المِنبَرِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وصَلّى عَلَى النَّبِيِّ وعَلى آلِهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ النّاسَ قَد
.
ص: 630
بايَعوا عَلِيّا عليه السلام ، فَعَلَيكُم بِتَقوَى اللّهِ ، وَانصُروا عَلِيّا عليه السلام ووازِروهُ ؛ فَوَاللّهِ إنَّهُ لَعَلَى الحَقِّ آخِرا وأوَّلاً ، وإنَّهُ لَخَيرُ مَن مَضى بَعدَ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ومَن بَقِيَ إلى يَومِ القِيامَةِ . ثُمَّ أطبَقَ يَمينَهُ عَلى يَسارِهِ ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ اشهَد أنّي قَد بايَعتُ عَلِيّا عليه السلام ! وقالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أبقاني إلى هذَا اليَومِ . وقالَ لِابنَيهِ صَفوانَ وسَعدٍ : اِحمِلاني ، وكونا مَعَهُ ؛ فَسَتَكونُ لَهُ حُروبٌ كَثيرَةٌ فَيَهلِكُ فيها خَلقٌ مِنَ النّاسِ ، فَاجتَهِدا أن تَستَشهِدا مَعَهُ ؛ فَإِنَّهُ وَاللّهِ عَلَى الحَقِّ ، ومَن خالَفَهُ عَلَى الباطِلِ . وماتَ حُذَيفَةُ بَعدَ هذَا اليَومِ بِسَبعَةِ أيّامٍ (1) .
أنساب الأشراف عن أبي شريح :إنَّ الحَسَنَ عليه السلام وعَمّارا قَدِمَا الكوفَةَ يَستَنفِرانِ النّاسَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ حُذَيفَةُ : إنَّ الحَسَنَ وعَمّارا قَدِما يَستَنفِرانِكُم ، فَمَن أحَبَّ أن يَلقى أميرَ المُؤمِنينَ حَقّا حَقّا فَليَأتِ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام (2) .
إرشاد القلوب :لَمّا وَصَلَ عَهدُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام إلى حُذَيفَةَ [والِي المَدائِنِ] جَمَعَ النّاسَ وصَلّى بِهِم ثُمَّ أمَرَ بِالكِتابِ فَقَرَأَهُ عَلَيهِم . . . ثُمَّ إنَّ حُذَيفَةَ صَعِدَ المِنبَرَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وصَلّى عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ قالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أحيَا الحَقَّ وأماتَ الباطِلَ ، وجاءَ بِالعَدلِ ودَحَضَ الجَورَ وكَبَتَ (3) الظّالِمينَ . أيُّهَا النّاسُ ! إنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ ورَسولُهُ وأميرُ المُؤمِنينَ حَقّا حَقّا ، وخَيرُ مَن نَعلَمُهُ بَعدَ نَبِيِّنا رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأولَى النّاسِ بِالنّاسِ ، وأحَقُّهُم بِالأَمرِ ، وأقرَبُهُم إلَى الصِّدقِ ، وأرشَدُهُم إلَى العَدلِ ، وأهداهُم سَبيلاً ، وأدناهُم إلَى اللّهِ وَسيلَةً ، وأقرَبُهُم
.
ص: 631
بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَحِما ، أنيبوا إلى طاعَةِ أوَّلِ النّاسِ سِلما ، وأكثَرِهِم عِلما ، وأصدَقِهِم طَريقَةً ، وأسبَقِهِم إيمانا ، وأحسَنِهِم يَقينا ، وأكثَرِهِم مَعروفا ، وأقدَمِهِم جِهادا ، وأعَزِّهِم مَقاما ، أخي رَسولِ اللّهِ وَابنِ عَمِّهِ ، وأبِي الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، وزَوجِ الزَّهراءِ البَتولِ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ ، فَقوموا أيُّهَا النّاسُ ! فَبايِعوا عَلى كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ ، فَإِنَّ للّهِِ في ذلِكَ رَضىً ، ولَكُم مَقنَعٌ وصَلاحٌ ، وَالسَّلامُ . فَقامَ النّاسُ بِأَجمَعِهِم ، فَبايَعوا أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام بِأَحسَنِ بَيعَةٍ وأجمَعِها . فَلَمّا استَتَمَّتِ البَيعَةُ ، قامَ إلَيهِ فَتىً _ مِن أبناءِ العَجَمِ ووُلاةِ الأَنصارِ ، لِمُحَمَّدِ بنِ عُمارَةَ بنِ التَّيِّهانِ أخي أبِي الهَيثَمِ بنِ التَّيِّهانِ _ يُقالُ لَهُ : مُسلِمٌ ، مُتَقَلِّدا سَيفا ، فَناداهُ مِن أقصَى النّاسِ : أيُّهَا الأَميرُ ! إنّا سَمِعناكَ تَقولُ في أوَّلِ كَلاِمَك : انَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ ورَسولُهُ وَأميرُ المُؤمِنينَ حَقّا حَقّا ؛ تَعريضا مِمَّن كانَ قَبلَهُ مِنَ الخُلَفاءِ أ نَّهُم لَم يَكونوا اُمَراءَ المُؤمِنينَ حَقّا ، فَعَرِّفنا أيُّهَا الأَميرُ ، رَحِمَكَ اللّهُ ! ولا تَكتُمنا ؛ فَإِنَّكَ مِمَّن شَهِدَ وغِبنا ، ونَحنُ مُقَلِّدونَ ذلِكَ في أعناقِكُم ، وَاللّهُ شاهِدٌ عَلَيكُم فيما تَأتونَ بِهِ مِنَ النَّصيحَةِ لِاُمَّتِكُم ، وصِدقِ الخَبَرِ عَن نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله . قالَ حَذيفَةُ : أيُّهَا الرَّجُلُ ، أمّا إذا سَأَلتَ وفَحَصتَ هكَذا ، فَاسمَع وَافهَم ما اُخبِرُكَ بِهِ : أمّا مَن تَقَدَّمَ مِنَ الخُلَفاءِ قَبلَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام مِمَّن تَسَمّى بِأَميرِ المُؤمِنينَ ، فَإِنَّهُم تَسَمَّوا بِذلِكَ وسَمّاهُمُ النّاسُ بِهِ ، وأمّا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فَإِنَّ جَبرائيلَ عليه السلام سَمّاهُ بِهذَا الاِسمِ عَنِ اللّهِ تَعالى ، وشَهِدَ لَهُ الرَّسولُ صلى الله عليه و آله عَن سَلامِ جَبرائيلَ لَهُ بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ ، وكانَ أصحابُ رَسولِ اللّهِ يَدعونَهُ في حيَاةِ رَسولِ اللّهِ بِأَميرِ المُؤمِنينَ (1) .
الأمالي للطوسي عن عليّ بن علقمة الأنماري :لَمّا قَدِمَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ رضى الله عنهيَستَنفِرانِ النّاسَ ، خَرَجَ حُذَيفَةُ رحمه الله وهُوَ مَريضٌ مَرَضَهُ الَّذي قُبِض
.
ص: 632
فيهِ ، فَخَرَجَ يُهادى بَينَ رَجُلَينِ (1) ، فَحَرَّضَ النّاسَ وحَثَّهُم عَلَى اتِّباعِ عَلِيٍّ عليه السلام وطاعَتِهِ ونُصرَتِهِ ، ثُمَّ قالَ : ألا مَن أرادَ _ وَالَّذي لا إلهِ غَيرُهُ _ أن يَنظُرَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ حَقّا حَقّا ، فَليَنظُر إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَوازِروهُ وَاتَّبِعوهُ وَانصُروهُ (2) .
الأمالي للطوسي عن أبي راشد :لَمّا أتى حُذَيفَةَ بَيعَةُ عَلِيٍّ عليه السلام ، ضَرَبَ بِيَدِهِ واحِدَةً عَلَى الاُخرى وبايَعَ لَهُ ، وقالَ : هذِهِ بَيعَةُ أميرِ المُؤمِنينَ حَقّا ، فَوَاللّهِ لا يُبايَعُ بَعدَهُ لِواحِدٍ مِن قُرَيشٍ إلّا أصغَرَ أو أبتَرَ يُوَلِّي الحَقَّ استَهُ ! (3)
6 / 10خُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ الأَنصارِيُّالمستدرك على الصحيحين عن الأسود بن يزيد النخعي:لَمّا بويِعَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلى مِنبَرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَ خُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ الأَنصارِيُّ وهُوَ واقِفٌ بَينَ يَدَيِ المِنبَرِ : إذا نَحنُ بايَعنا عَلِيّا فَحَسبُنا أبو حَسَنٍ مِمّا نَخافُ مِنَ الفِتَنْ وَجَدناهُ أولَى النّاسِ بِالنّاسِ إنَّهُ أطَبُّ (4) قُرَيشٍ بِالكِتابِ وبِالسُّنَنْ فَإِنَّ قُرَيشا ما تَشُقُّ غُبارَهُ إذا ما جَرى يَوما عَلَى الضُّمَّرِالبُدَنْ وفيهِ الَّذي فيهِم مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ وما فيهِمُ بَعضُ الَّذي فيهِ مِن حَسَنْ (5)
.
ص: 633
6 / 11سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍصحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه :أمَرَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ سَعدا فَقالَ : ما مَنَعَكَ أن تَسُبَّ أبَا التُّرابِ ؟ فَقالَ : أما ما ذَكَرتُ ثَلاثا قالَهُنَّ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَلَن أسُبَّهُ ، لَأَن تَكونَ لي واحِدَةٌ مِنهُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِن حُمرِ النَّعَمِ (1) : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لَهُ ، خَلَّفَهُ في بَعضِ مَغازيهِ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : يا رَسولَ اللّهِ ، خَلَّفتَني مَعَ النِّساءِ وَالصِّبيانِ ؟ ! فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنّهُ لا نُبُوَّةَ بَعدي ؟ ! وسَمِعتُهُ يَقولُ يَومَ خَيبَرَ : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ . قالَ : فَتَطاوَلنا لَها ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : اُدعوا لي عَلِيّا ، فَاُتِيَ بِهِ أرمَدَ ، فَبَصَقَ في عَينِهِ ودَفَعَ الرّايَةَ إلَيهِ ، فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ . ولَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ» (2) دَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا وفاطِمَةَ وحَسَنا وحُسَينا عليهم السلام فَقالَ : اللّهُمَّ هؤُلاءِ أهلي (3) .
المستدرك على الصحيحين عن عامر بن سعد :قالَ مُعاوِيَةُ لِسَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ : ما يَمنَعُكَ أن تُسَبَّ ابنَ أبي طالِبٍ ؟
.
ص: 634
قالَ : فَقالَ : لا أسُبُّ ما ذَكَرتُ ثَلاثا قالَهُنَّ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، لَأَن تكونَ لي واحِدَةٌ مِنهُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِن حُمرِ النَّعَمِ . قالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : ما هُنَّ يا أبا إسحاقَ ؟ قالَ : لا أسُبُّهُ ما ذَكَرتُ حينَ نَزَلَ عَلَيهِ الوَحيُ ، فَأَخَذَ عَلِيّا وَابنَيهِ وفاطِمَةَ عليهم السلامفَأَدخَلَهُم تَحتَ ثَوبِهِ ، ثُمَّ قالَ : رَبِّ ، إنَّ هؤُلاءِ أهلُ بَيتي . ولا أسَبُّهُ ما ذَكَرتُ حينَ خَلَّفَهُ في غَزوَةِ تَبوكَ غَزاها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : خَلَّفَتني مَعَ الصِّبيانِ وَالنِّساءِ ؟ ! قالَ : أ لا تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نُبُوَّةَ بَعدي ؟ ! ولا أسُبُّهُ ما ذَكَرتُ يَومَ خَيبَرَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَاُعطِيَنَّ هذِهِ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويَفتَحُ اللّهُ عَلى يَدَيهِ . فَتَطاوَلنا لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : أينَ عَلِيٌّ ؟ قالوا : هُوَ أرمَدُ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : اُدعوهُ ، فَدَعَوهُ فَبَصَقَ في وَجهِهِ ، ثُمَّ أعطاهُ الرّايَةَ ، فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ . قالَ : فَلا وَاللّهِ ، ما ذَكَرَهُ مُعاوِيَةُ بِحَرفٍ حَتّى خَرَجَ مِنَ المَدينَةِ (1) .
خصائص أمير المؤمنين عن أبي نجيح :إنَّ مُعاوِيَةَ ذَكَرَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالَ سَعد بنُ أبي وَقّاصٍ : وَاللّهِ لَأَن تَكونَ لي إحدى خِلالِهِ الثَّلاثِ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن تَكونَ لي ما طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ : لَأَن يكَونَ قالَ لي ما قالَ لَهُ حينَ رَدَّهُ مِن تَبوكَ : «أما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ مِن بَعدي ؟ !» ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أن يَكونَ لي ما طَلَعَت عَليَهِ الشَّمسُ !
.
ص: 635
ولَأَن يَكونَ قالَ لي ما قالَ لَهُ يَومَ خَيبَرَ : «لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، يَفتَحُ اللّهُ تَعالى عَلى يَدَيهِ ، لَيسَ بِفَرّارٍ» أحَبُّ إلَيَّ مِن أن يَكونَ لي ما طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ! ولَأَن أكونَ كُنتُ صِهرَهُ عَلَى ابنَتِهِ ، ولي مِنهَا الوَلَدُ مِنها ما لَهُ ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أن يَكونَ لي ما طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ! (1)
مجمع الزوائد عن محمّد بن إبراهيم التيمي :إنَّ فُلانا دَخَلَ المَدينَةَ حاجّا ، فَأَتاهُ النّاسُ يُسَلِّمونَ عَلَيهِ ، فَدَخَلَ سَعَدٌ فَسَلَّمَ ، فَقالَ : وهذا لَم يُعِنّا عَلى حَقِّنا عَلى باطِلِ غَيرِنا . قالَ : فَسَكَتَ عَنهُ ساعَةً ، فَقالَ : ما لَكَ لا تَتَكَلَّمُ ؟ فَقالَ : هاجَت فِتنَةٌ وظُلمَةٌ فَقُلتُ لِبَعيري : إخ إخ ، فَأَنَختُ حَتَّى انجَلَت . فَقالَ رَجُلٌ : إنّي قَرَأتُ كِتابَ اللّهِ مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ فَلَم أرَ فيهِ إخ إخ . قالَ : فَغَضِبَ سَعدٌ ، فَقالَ : أمّا إذ قُلتَ ذاكَ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ _ أوِ الحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ _ حَيثُ كانَ . قالَ : مَن سَمِعَ ذلِكَ مَعَكَ ؟ قالَ : قالَهُ في بَيتِ اُمِّ سَلَمَةَ . قالَ : فَأَرسَلَ إلى اُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَها ، فَقالَت : قَد قالَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في بَيتي . فَقالَ الرَّجُلُ لِسَعدٍ : ما كُنتَ عِندي قَطُّ ألوَمَ مِنكَ الآنَ ! فَقالَ : ولِمَ ؟ قالَ : لَو سَمِعتُ هذا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لَم أزَل خادِما لِعَلِيٍّ عليه السلام حَتّى أموتَ ! ! (2)
.
ص: 636
المناقب لابن شهر آشوب :دَخَلَ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ عَلى مُعاوِيَةَ بَعدَ مُصالَحَةِ الحَسَنِ عليه السلام ، فَقالَ مُعاوِيَةُ : مَرحَبا بِمَن لايَعرِفُ حَقّا فَيَتَّبِعَهُ ولا باطِلاً فَيَجتَنِبَهُ ! فَقالَ : أرَدتَ أن اُعينَكَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام بَعدَما سَمِعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِابنَتِهِ فاطِمَةَ عليهاالسلام : أنتِ خَيرُ النّاسِ أبا وبَعلاً ! (1) .
تاريخ دمشق عن الحارث بن مالك :أتَيتُ مَكَّةَ ، فَلَقيتُ سَعدَ بنَ أبي وَقّاصٍ ، فَقُلتُ : هَل سَمِعتَ لِعَلِيٍّ عليه السلام مَنقَبَةً ؟ قالَ : قَد شَهِدتُ لَهُ أربَعا ، لَأَن تَكونَ لي واحِدَةٌ مِنهُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنيا اُعَمَّرُ فيها مِثلَ عُمُرِ نوحٍ عليه السلام : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ أبا بَكرٍ بِ «بَراءَة» إلى مُشرِكي قُرَيشٍ ، فَسارَ بِها يَوما ولَيلَةً ، ثُمَّ قالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : «اِتَّبِع أبا بَكرٍ فَخُذها فَبَلِّغها ، ورُدَّ عَلَيَّ أبا بَكرٍ» فَرَجَعَ أبو بَكرٍ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أَنَزَلَ بي شَيءٌ ؟ قالَ صلى الله عليه و آله : لا ، إلّا خَيرٌ ، إلّا أنَّهُ لَيسَ يُبَلِّغُ عَنّي إلّا أنَا أو رَجُلٌ مِنّي _ أو قالَ : مِن أهلِ بَيتي _ . قالَ : فَكُنّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فِي المَسجِدِ ، فَنودِيَ فينا لَيلاً : لِيَخرُج مِنَ المَسجِدِ إلّا آلُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وآلُ عَلِيٍّ عليه السلام ، قالَ : فَخَرَجنا نَجُرُّ نِعالَنا ، فَلَمّا أصبَحنا أتَى العَبّاسُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أخرَجتَ أعمامَكَ وأصحابَكَ وأسكَنتَ هذَا الغُلامَ ؟ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما أنَا أمَرتُ بِإِخراجِكُم ولا إسكانِ هذَا الغُلامِ ، إنَّ اللّهَ هُوَ أمَرَ بِهِ . قالَ : والثّالِثَةُ : أنَّ نَبِيَّ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ عُمَرَ (2) وسَعدا إلى خَيبَرَ، فَخَرَجَ سَعدٌ ورَجَع
.
ص: 637
عُمَرُ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ _ في ثَناءٍ كَثيرٍ أخشى أن اُخطِئَ بَعضَهُ _ فَدَعا عَلِيّا عليه السلام ، فَقالوا لَهُ : إنَّهُ أرمَدُ ، فَجيءَ بِهِ يُقادُ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله لَهُ : اِفتحَ عَينَيكَ ، فَقالَ عليه السلام : لا أستَطيعُ . قالَ : فَتَفَلَ في عَينَيهِ مِن ريقِهِ ، وَدَلَكها بِإِبهامِهِ ، وأعطاهُ الرّايَةَ . وَالرّابِعَةُ : يَومَ غَديرِ خُمٍّ ؛ قامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَبلَغَ ، ثُمَّ قالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ قالوا : بَلى . قالَ صلى الله عليه و آله : اُدنُ يا عَلِيُّ ، فَرَفَعَ يَدَهُ ، ورَفَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَدَهُ ، حَتّى نَظَرتُ إلى بَياضِ إبطَيهِ ، فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ _ حَتّى قالَها ثَلاثَ مَرّاتٍ _ . وَالخامِسَةُ مِن مَناقِبِهِ : أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله غَزا عَلى ناقَتِهِ الحَمراءِ ، وخَلَّفَ عَلِيّا عليه السلام ، فَنَفِسَت (1) ذلِكَ عَلَيهِ قُرَيشٌ ، وقالوا : إنَّهُ إنَّما خُلِّفَ أنَّهُ استَثقَلَهُ ، وكَرِهَ صُحبَتَهُ . فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا عليه السلام ، قالَ : فَجاءَ حَتّى أخَذَ بِغَرزِ النّاقَةِ (2) فَقالَ عَلِيٌّ : زَعَمَت قُرَيشٌ أنَّكَ إنَّما خَلَّفتَني أنَّكَ تَستَثقِلُني وكَرِهتَ صُحبَتي ! قالَ : وبَكى عَلِيٌّ عليه السلام . قالَ : فَنادى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي النّاسِ ، فَاجتَمَعوا ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! ما مِنكُم أحَدٌ إلّا ولَهُ حامَّةٌ (3) ، أ ما تَرضَى _ ابنَ أبي طالِبٍ _ أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ؟ ! فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : رَضيتُ عَنِ اللّهِ ورَسولِهِ (4) .
.
ص: 638
المستدرك على الصحيحين عن خيثمة بن عبد الرحمن :سَمِعتُ سَعدَ بنَ مالِكٍ (1) ، وقالَ لَهُ رَجُلٌ : إنَّ عَلِيّا يَقَعُ فيكَ أنَّكَ تَخَلَّفتَ عَنهُ ! فَقالَ سَعدٌ : وَاللّهِ إنَّهُ لَرَأيٌ رَأَيتُهُ ، وأخطَأَ رَأيي ، إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام اُعطِيَ ثَلاثا ، لَأَن أكونَ اُعطيتُ إحداهُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنيا وما فيها : لَقَد قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ بَعدَ حَمدِ اللّهِ وَالثَّناءِ عَلَيهِ : هَل تَعلَمونَ أنّي أولى بِالمُؤمِنينَ ؟ قُلنا : نَعَم . قالَ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؛ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ . وجيءَ بِهِ يَومَ خَيبَرَ وهُوَ أرمَدُ ما يُبصِرُ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنّي أرمَدُ ، فَتَفَلَ في عَينَيهِ ودَعا لَهُ ، فَلَم يَرمَد حَتّى قُتِلَ ، وفُتِحَ عَلَيهِ خَيبَرُ . وأخرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَمَّهُ العَبّاسَ وغَيرَهُ مِنَ المَسجِدِ ، فَقالَ لَهُ العَبّاسُ : تُخرِجُنا ونَحنُ عَصَبَتُكَ وعُمومَتُكَ ، وتُسكِنُ عَلِيّا ؟ ! فَقالَ صلى الله عليه و آله : ما أنَا أخرَجتُكُم وأسكَنتُهُ ، ولكِنَّ اللّهَ أخرَجَكُم وأسكَنَهُ (2) .
المستدرك على الصحيحين عن قيس بن أبي حازم :كُنتُ بِالمَدينَةِ ، فَبَينا أنَا أطوفُ فِي السّوقِ إذ بَلَغتُ أحجارَ الزَّيتِ ، فَرَأَيتُ قَوما مُجتَمِعينَ عَلى فارِسٍ قَد رَكِبَ دابَّةً وهُوَ يَشتُمُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام وَالنّاسُ وُقوفٌ حَوالَيهِ ، إذ أقبَلَ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ فَوَقَفَ عَليهِم ، فَقالَ : ما هذا ؟ فَقالوا : رَجُلٌ يَشتُمُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام . فَتَقَدَّمَ سَعدٌ ، فَأَفرَجوا لَهُ حَتّى وَقَفَ عَلَيهِ ، فَقالَ : يا هذا ! عَلامَ تَشتُمُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ؟ أ لَم يَكُن أوَّلَ مَن أسلَمَ ؟ ! أ لَم يَكُن أوَّلَ مَن صَلّى مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ !
.
ص: 639
أ لَم يَكُن أزهَدَ النّاسِ ؟ ! أ لَم يَكُن أعلَمَ النّاسِ ؟ ! وذَكَرَ حَتّى قالَ : أ لَم يَكُن خَتَنَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى ابنَتِهِ ؟ ! أ لَم يَكُن صاحِبَ رايَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في غَزَواتِهِ ؟ ! ثُمَّ استَقبَلَ القِبلَةَ ورَفَعَ يَدَيِهِ وقالَ : اللّهُمَّ إنَّ هذا يَشتُمُ وَلِيّا مِن أولِيائِكَ ، فَلا تُفَرِّق هذَا الجَمعَ حَتّى تُرِيَهُم قُدرَتَكَ ! قالَ قَيسٌ : فَوَاللّهِ ما تَفَرَّقنا حَتّى ساخَت بِهِ دابَّتُهُ ، فَرَمَتهُ عَلى هامَتِهِ في تِلكَ الأَحجارِ ، فَانفَلَقَ دِماغُهُ وماتَ ! (1)
تاريخ اليعقوبي عن سعد بن أبي وقّاص :إنَّ عُمَرَ لَم يُدخِل فِي الشّورى إلّا مَن تَحِلُّ لَهُ الخِلافَةُ ، فَلَم يَكُن أحَدٌ مِنّا أحَقَّ بِها مِن صاحِبِهِ إلّا بِاجتِماعِنا عَلَيهِ ، غَيرَ أنَّ عَلِيّا قَد كانَ فيهِ ما فينا ، ولَم يَكُن فينا ما فيهِ (2) .
راجع : ج 1 ص 209 (الدور المصيري في فتح خيبر) . و ج 2 ص 363 (سعد بن أبيوقّاص) . و ج 7 ص 190 (سعد بن أبي وقّاص) .
6 / 12سَلمانُالمصنّف عن سلمان :إنَّ أوَّلَ هذِهِ الاُمَّةِ وُرودا عَلى نَبِيِّها صلى الله عليه و آله أوَّلُها إسلاما عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (3) .
الأمالي للطوسي عن سلمان :لا أزالُ اُحِبُّ عَلِيّا عليه السلام ؛ فَإِنّي رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَضرِب
.
ص: 640
فَخِذَهُ ، ويَقولُ : مُحِبُّكَ لي مُحِبٌّ ، ومُحِبّي للّهِِ مُحِبٌّ ، ومُبغِضُكَ لي مُبغِضٌ ، ومُبغِضي للّهِِ تَعالى مُبغِضٌ (1) .
رجال الكشّي عن سلمان :ألا إنَّ لَكُم مَنايا تَتبَعُها بَلايا ، فَإِنَّ عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام عِلمَ المَنايا ، وعِلمَ الوَصايا ، وفَصلَ الخِطابِ عَلى مِنهاجِ هارونَ بنِ عِمرانَ ، قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «أنتَ وَصِيّي وخَليفَتي في أهلي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى» ولكِنَّكُم أصَبتُم سُنَّةَ الاُولى ، وأخطَأتُم سَبيلَكُم . وَالَّذي نَفسُ سَلمانَ بِيَدِهِ ، لَتَركَبُنَّ طَبَقا عَن طَبَقٍ سُنَّةَ بَني إسرائيلَ القُذَّةَ بِالقُذَّةِ (2) ، أما وَاللّهِ لَو وَلَّيتُموها عَلِيّا عليه السلام لَأَكَلتُم مِن فَوقِكُم ، ومِن تَحتِ أرجُلِكُم ، فَأَبشِروا بِالبَلاءِ ، وَاقنَطوا مِنَ الرَّجاءِ ، ونابَذتُكُم (3) عَلى سَواءٍ ، وَانقَطَعَتِ العِصمَةُ فيما بَيني وبَينَكُم مِنَ الوَلاءِ (4) .
التدوين عن أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة عن أشياخه :لَمّا كانَ يَومُ السَّقيفَةِ اجتَمَعَتِ الصَّحابَةُ عَلى سَلمانَ الفارِسِيِّ ، فَقالوا : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، إنَّ لَكَ سِنَّكَ ودينَكَ وعَمَلَكَ وصُحبَتَكَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقُل في هذَا الأَمرِ قَولاً يُخلَدُ عَنكَ ، فَقالَ : «گويَم ، اَگَر شِنَويد» (5) .
.
ص: 641
ثُمَّ غَدا عَلَيهِم فَقالوا : ما صَنَعتَ يا أبا عَبدِ اللّهِ ؟ فَقالَ : «گُفتَم ، اَگَر بِكار بَريد» (1) . ثُمَّ أنشَأَ يَقولُ : ما كُنتُ أحسَبُ أنَّ الأَمرَمُنصَرِفٌ عَن هاشِمٍ ثُمَّ مِنهُم عَن أبِي الحَسَنِ أ لَيسَ أوَّلَ مَن صَلّى لِقِبلَتِهِ وأعلَمَ القَومِ بِالأَحكامِ وَالسُّنَنِ ما فيهِمُ مِن صُنوفِ الفَضلِ يَجمَعُها ولَيسَ فِي القَومِ ما فيهِ مِنَ الحَسَنِ ويُقالُ : لَيسَ لِسَلمانَ غَيرُ هذِهِ الأَبياتِ (2) .
الأمالي للمفيد عن عياض :مَرَّ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ بِمَلَأ فيهِم سَلمانُ ، فَقالَ لَهُم سَلمانُ : قوموا فَخُذوا بِحُجزَةِ (3) هذا ، فَوَاللّهِ لا يُخبِرُكُم بِسِرِّ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله غَيرُهُ (4) .
6 / 13عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍتاريخ بغداد عن عبد اللّه بن عبّاس_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ» (5) _: «بِفَضْلِ اللَّهِ» : النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، «وَ بِرَحْمَتِهِ» : عَلِيٌّ عليه السلام (6) .
.
ص: 642
شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس :فَرَضَ اللّهُ تَعالَى الِاستِغفارَ لِعَلِيٍّ عليه السلام فِي القُرآنِ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ بِقَولِهِ تَعالى : «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لِاءِخْوَ نِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْاءِيمَ_نِ» (1) فَكُلُّ مَن أسلَمَ بَعدَ عَلِيٍّ فَهُوَ يَستَغفِرُ لِعَلِيٍّ عليه السلام (2) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :لِعَلِيٍّ أربَعُ خِصالٍ : هُوَ أوَّلُ عَرَبِيٍّ وعَجَمِيٍّ صَلّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وهُوَ الَّذي كانَ لِواؤُهُ مَعَهُ في كُلِّ زَحفٍ ، وهُوَ الَّذي صَبَرَ مَعَهُ يَومَ المِهراسِ (3) ، انهَزَمَ النّاسُ كُلُّهُم غَيرَهُ ، وهُوَ الَّذي غَسَّلَهُ ، وهُوَ الَّذي أدخَلَهُ قَبرَهُ (4) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :كُنّا نَتَحَدَّثُ : أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله عَهِدَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام سَبعينَ عَهداً لَم يَعهَدها إلى غَيرِهِ (5) .
المعجم الأوسط عن ابن عبّاس :كانَت لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ثَمانِيَ عَشرَةَ (6) مَنقَبَةً ، لَو لَم يَكُن لَهُ إلّا واحِدَةٌ مِنها لَنَجى بِها ، ولَقَد كانَت لَهُ ثَلاثَ عَشرَةَ (7) مَنقَبَةً ، ما كانَت لِأَحَدٍ مِن هذِهِ الاُمَّةِ (8) .
.
ص: 643
المحاسن والمساوئ عن ابن عبّاس :لَقَد سَبَقَ لِعَلِيٍّ رضى الله عنه سَوابِقُ لَو أنَّ سابِقَةً مِنها قُسِّمَت عَلَى النّاسِ لَوَسِعَتهُم خَيرا (1) .
الفصول المختارة عن ابن عبّاس :وَاللّهِ ، ما مَلَأتُ طَرفي قَطُّ مِنهُ؛ هَيبَةً لَهُ عليه السلام (2) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :عَقِمَ النِّساءُ أن يَأتينَ بِمِثلِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (3) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :وَاللّهِ ، ما رَأَيتُ ولا سَمِعتُ رَئيسا يوزَنُ بِهِ (4) .
تفسير فرات عن ابن عبّاس :لَكانَ _ وَاللّهِ _ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ يُشبِهُ القَمَرَ الزّاهِرَ ، وَالأَسَدَ الخادِرَ (5) ، وَالفُراتَ الزّاخِرَ ، وَالرَّبيعَ الباكِرَ ، فَأَشبَهَ مِنَ القَمَرِ ضَوءَهُ وبَهاءَهُ ، ومِنَ الأَسَدِ شَجاعَتَهُ ومَضاءَهُ ، ومِنَ الفُراتِ جودَهُ وسَخاءَهُ ، ومِنَ الرَّبيعِ خِصبَهُ وحِباءَهُ ، عَقِمَ النِّساءُ أن يَأتينَ بِمِثلِ عَلِيٍّ عليه السلام بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، تَاللّهِ ما سَمِعتُ ولا رَأَيتُ إنسانا مُحارِبا مِثلَهُ (6) .
وقعة صفّين عن ابن عبّاس :أميرُ المُؤمِنينَ ، وَابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، الآمِرُ بِالمَعروفِ ، وَالنّاهي عَنِ المُنكَرِ ، وَالصّادِعُ بِالحَقِّ ، وَالقَيِّمُ بِالهُدى ، وَالحاكِمُ بِحُكمِ الكِتابِ ، الَّذى ¨
.
ص: 644
لا يَرتَشي فِي الحُكمِ ، ولا يُداهِنُ الفُجّارَ ، ولا تَأخُذُهُ فِي اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ (1) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: كانَ وَاللّهِ _ في عِلمي _ عَليما حَكيما ، إن سَمِعتُهُ يَقولُ شَيئا إلّا أحسَنَهُ (2) .
خصائص أمير المؤمنين عن عمرو بن ميمون :إنّي لَجالِسٌ إلَى ابنِ عَبّاسٍ إذ أتاهُ تِسعَةُ رَهطٍ ، فَقالوا : يَابنَ عَبّاسٍ ! إمّا أن تَقومَ مَعَنا ، وإمّا أن تَخلُوَنا هؤُلاءِ ، قالَ: فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : بَل أقومُ مَعَكُم ، قالَ : وهُوَ يَومَئِذٍ صَحيحٌ قَبلَ أن يَعمى . قالَ : فَابتَدَؤوا فَتَحَدَّثوا فَلا نَدري ما قالوا ، قالَ : فَجاءَ ابنُ عَبّاسٍ وهُوَ يَنفُضُ ثَوبَهُ ، وهُوَ يَقولُ : اُفٍّ وتُفٍّ ! وَقَعوا في رَجُلٍ لَهُ عَشرُ خِصالٍ ، وَقَعوا في رَجُلٍ قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَأَبعَثَنَّ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، لا يُخزيهِ اللّهُ أبدا . قالَ : فَاستَشرَفَ لَها مَنِ استَشرَفَ ، فَقالَ : أينَ ابنُ أبي طالِبٍ ؟ قيلَ : هُوَ فِي الرَّحى يَطحَنُ . قالَ : وما كانَ أحَدُكُم لِيَطحَنَ ؟ ! قالَ : فَدَعاهُ وهُوَ أرمَدُ ، لا يَكادُ يُبصِرُ ، فَنَفَثَ (3) في عَينَيهِ ، ثُمَّ هَزَّ الرّايَةَ ثَلاثا ، فَدَفَعَها إلَيهِ ، فَجاءَ بِصَفِيَّةَ بِنتِ حُيَيٍّ . وبَعَثَ أبا بَكرٍ بِسورَةِ التَّوبَةِ ، وَبَعثَ عَلِيّا خَلفَهُ فَأَخَذَها مِنهُ ، فَقالَ : قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لا يَذهَبُ بِها إلّا رَجُلٌ مِنّي وأنَا مِنهُ . قالَ: وقالَ صلى الله عليه و آله لِبَني عَمِّهِ : أيُّكُم يُواليني فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؟
.
ص: 645
قالَ : وعَلِيٌّ عليه السلام مَعَهُ جالِسٌ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أنَا اُواليكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . قالَ : وكانَ أوَّلَ مَن أسلَمَ مِنَ النّاسِ بَعدَ خَديجَةَ . قالَ : وأخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثَوبَهُ فَوَضَعَهُ عَلى عَلِيٍّ وفاطِمَةَ وحَسَنٍ وحُسَينٍ ، فَقالَ : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (1) . قالَ : وشَرى عَلِيٌّ نَفسَهُ ؛ لَبِسَ ثَوبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ نامَ مَكانَهُ . قالَ : وكانَ المُشرِكونَ يَرمونَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَجاءَ أبو بَكرٍ ، وعَلِيٌّ نائِمٌ ، قالَ : وأبو بَكرٍ يَحسَبُهُ أنَّهُ نَبِيُّ اللّهِ . قالَ: فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : إنَّ نَبِيَّ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَدِ انطَلَقَ نَحوَ بِئرِ مَيمونٍ فَأَدرِكهُ . قالَ : فَانطَلَقَ أبو بَكرٍ فَدَخَلَ مَعَهُ الغارَ . قالَ : وجَعَلَ عَلِيٌّ يُرمى بِالحِجارَةِ ، كَما كانَ يُرمى نَبِيُّ اللّهِ وهُوَ يَتَضَوَّرُ (2) قَد لَفَّ رَأسَهُ فِي الثَّوبِ لا يُخرِجُهُ حَتّى أصبَحَ ، ثُمَّ كَشَفَ عَن رَأسِهِ ، فَقالوا : إنَّكَ لَلَئيمٌ ، كانَ صاحِبُكَ نَرميهِ فَلا يَتَضَوَّرُ ، وأنتَ تَتَضَوَّرُ ، وقَدِ استَنكَرنا ذلِكَ مِنكَ . قالَ : وخَرَجَ بِالنّاسِ في غَزوَةِ تَبوكَ ، قالَ : فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : أخرُجُ مَعَكَ ؟ فَقالَ لَهُ نَبِيُّ اللّهِ : لا ، فَبَكى عَلِيٌّ ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ : أما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ؟ ! إنَّهُ لا يَنبَغي أن أذهَبَ إلّا وأنتَ خَليفَتي . قالَ: وقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنتَ وَلِيّي في كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي . قالَ : وسَدَّ أبوابَ المَسجِدِ غَيرَ بابِ عَلِيٍّ عليه السلام ، قالَ : فَكانَ يَدخُلُ المَسجِدَ جُنُبا ، وهُوَ طَريقُهُ ، لَيسَ لَهُ طَريقٌ غَيرُهُ .
.
ص: 646
قالَ: وقالَ : مَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ (1) .
مروج الذهب عن ابن عبّاس_ في جَوابِ مُعاوِيَةَ لَمّا قالَ لَهُ : فَما تَقولُ في عَلِيٍّ ؟ _: رَضِيَ اللّهُ عَن أبِي الحَسَنِ ! كانَ _ وَاللّهِ _ عَلِيٌّ عليه السلام عَلَمَ الهُدى ، وكَهفَ التُّقى ، ومَحَلَّ الحِجا (2) ، وبَحرَ النَّدى ، وطَودَ النُّهى ، وكَهفَ العُلا لِلوَرى، داعِيا إلَى المَحَجَّةِ العُظمى ، مُتَمَسِّكا بِالعُروَةِ الوُثقى ، خَيرَ مَن آمَنَ وَاتَّقى ، وأفضَلَ مَن تَقَمَّصَ وَارتَدى ، وأبَرَّ مَنِ انتَعَلَ وسَعى ، وأفصَحَ مَن تَنَفَّسَ وقَرا ، وأكثَرَ مَن شَهِدَ النَّجوى ، سِوَى الأَنبِياءِ وَالنَّبِيِّ المُصطَفى صلى الله عليه و آله ، صاحِبَ القِبلَتَينِ فَهَل يُوازِيهِ أحَدٌ ؟ وهُوَ أبُو السِّبطَينِ عليهماالسلام فَهَل يُقارِنُهُ بَشَرٌ ؟ وزَوجُ خَيرِ النِّساءِ عليهاالسلامفَهَل يَفوقُهُ قاطِنُ (3) بَلَدٍ ؟ لِلاُسودِ قَتّالٌ ، وفِي الحُروبِ خَتّالٌ ، لَم تَرَ عَيني مِثلَهُ ولَن تَرى ، فَعَلى مَنِ انتَقَصَهُ لَعنَةُ اللّهِ وَالعِبادِ إلى يَومِ التَّنادِ . قالَ : إيها يَابنَ عَبّاسٍ ! لَقَد أكثَرتَ فِي ابنِ عَمِّكَ (4) .
المناقب للخوارزمي عن مجاهد :قيلَ لِابنِ عَبّاسٍ : ما تَقولُ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؟ فَقالَ : ذَكَرتَ وَاللّهِ أحَدَ الثَّقَلَينِ ، سَبَقَ بِالشَّهادَتَينِ ، وصَلَّى القِبلَتَينِ ، وبايَعَ البَيعَتَينِ ، واُعطِيَ السِّبطَينِ ، وهُوَ أبُو السِّبطَينِ _ الحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام _ ورُدَّت عَلَيهِ الشَّمس
.
ص: 647
مَرَّتَينِ بَعدَما غابَت عَنِ الثَّقَلَينِ ، وجَرَّدَ السَّيفَ تارَتَينِ ، وهُوَ صاحِبُ الكَرَّتَينِ ، فَمَثَلُهُ فِي الاُمَّةِ مَثَلُ ذِي القَرنَينِ ، ذاكَ مَولايَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (1) .
المناقب للخوارزمي عن عيسى بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه :قالَ رَجُلٌ لِابنِ عَبّاسٍ : سُبحانَ اللّهِ ! ما أكثَرَ مَناقِبَ عَلِيٍّ عليه السلام وفَضائِلَهُ ؟ إنّي لَأَحسَبُها ثَلاثَةَ آلافٍ . فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : أوَلا تَقولُ : إنَّها إلى ثَلاثينَ ألفا أقرَبُ (2) .
تفسير فرات :أبصَرَ [ابنُ عَبّاسٍ] رَجُلاً يَطوفُ حَولَ الكَعبَةِ وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ إنّي أبرَأُ إلَيكَ مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ! فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ وعَدِمَتكَ فَلِمَ تَفعَل ذلِكَ ! فَوَاللّهِ لَقَد سَبَقَت لِعَلِيٍّ عليه السلام سَوابِقُ لَو قَسِّمَ واحِدَةٌ مِنهُنَّ عَلى أهلِ الأَرضِ لَوَسِعَتهُم . قالَ : أخبِرني بِواحِدَةٍ مِنهُنَّ ؟ قالَ : أمّا اُولاهُنَّ : فَإِنَّهُ عليه السلام صَلّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله القِبلَتَينِ ، وهاجَرَ مَعَهُ ، وَالثّاني لَم يَعبُد صَنَما قَطُّ . قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، زِدني فَإِنّي تائِبٌ ، قالَ : لَمّا فَتَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مَكَّةَ دَخَلَها فَإِذا هُوَ بِصَنَمٍ عَلَى الكَعبَةِ يَعبُدونَهُ مِن دونِ اللّهِ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : أطمَئِنُّ لَكَ فَتَرقى عَلَيَّ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لَو أنَّ اُمَّتِي اطمَأَنّوا لي لَم يُعَلّوني لِمَوضِعِ الوَحيِ ، ولكِن أطمَئِنُّ لَكَ فَتَرقى عَلَيَّ ، فَاطمَأَنَّ لَهُ فَرَقِيَ ، فَأَخَذَ الصَّنَمَ فَضَرَبَ بِهِ الصَّفا ، فَصارَت إربا إربا ، ثُمَّ طَفَرَ عَلِيٌّ عليه السلام إلَى الأَرضِ وهُوَ ضاحِكٌ ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ما أضحَكَكَ ؟ قالَ عليه السلام : عَجِبتُ لِسَقطَتي ولَم أجِد لَها ألَما . فَقالَ صلى الله عليه و آله : وكَيفَ تَألَمُ مِنها وإنَّما حَمَلَكَ مُحَمَّدٌ ، وأنزَلَكَ جَبرَئيلُ عليه السلام !
.
ص: 648
. . . فَقالَ الرَّجُلُ لِابنِ عَبّاسٍ : زِدني فَإِنّي تائِبٌ . قالَ : أخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدي ويَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَانتَهى بِنا إلى سَفحِ الجَبَلِ ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَدَيهِ ، فَقالَ : اللّهُمَّ اجعَل لي وَزيرا مِن أهلي ، عَلِيّا اشدُد بِهِ أزري . فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : لَقَد سَمِعتُ مُنادِيا يُنادي مِنَ السَّماءِ : لَقَد اُعطيتَ سُؤلَكَ يا مُحَمَّدُ ! فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام : اُدعُ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اللّهُمَّ اجعَل لي عِندَك عَهدا ، اللّهُمَّ وَاجعَل لي عِندَكَ وُدّا . فَأَنزَلَ اللّهُ : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَ_نُ وُدًّا» الآيَةَ (1)(2) .
علل الشرائع عن عباية بن ربعي :جاءَ رَجُلٌ إلَى ابنِ عَبّاسٍ ، فقَالَ لَهُ : أخبِرني عَنِ الأَنزَعِ البَطينِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ فَقَدِ اختَلَفَ النّاسُ فيهِ ؟ فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ : أيُّهَا الرَّجُلُ ! وَاللّهِ لَقَد سَأَلتَ عَن رَجُلٍ ما وَطِئَ الحَصى بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أفضَلُ مِنهُ ، وإنَّهُ لَأَخو رَسولِ اللّهِ ، وَابنُ عَمِّهِ ووَصِيُّهُ وخَليفَتُهُ عَلى اُمَّتِهِ ، وإنَّهُ الأَنزَعُ مِنَ الشِّركِ ، بَطينٌ مِنَ العِلمِ ، ولَقَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «مَن أرادَ النَّجاةَ غَدا فَليَأخُذ بِحُجزَةِ هذَا الأَنزَعِ» يَعني عَلِيّا عليه السلام (3) .
الأمالي للصدوق عن الضحّاك بن مزاحم :ذُكِرَ عَلِيٌّ عليه السلام عِندَ ابنِ عَبّاسٍ بَعدَ وَفاتِهِ ، فَقالَ : وا أسَفاه عَلى أبِي الحَسَنِ ! مَضى وَاللّهِ ، ما غَيَّرَ ولا بَدَّلَ ، ولا قَصَرَ ولا جَمَعَ ، ولا مَنَع
.
ص: 649
ولا آثَرَ إلّا لِلّهِ . وَاللّهِ ، لَقَد كانَتِ الدُّنيا أهوَنَ عَلَيهِ مِن شِسعِ نَعلِهِ ، لَيثٌ فِي الوَغى ، بَحرٌ فِي المَجالِسٍ ، حَكيمٌ فِي الحُكَماءِ ، هَيهاتَ ! قَد مَضى إلَى الدَّرجاتِ العُلى (1) .
الأمالي للصدوق عن سعيد بن جبير :أتَيتُ عَبدَ اللّهِ بنَ عَبّاسٍ ، فَقُلتُ لَهُ : يابنَ عَمِّ رَسولِ اللّهِ ! إنّي جِئتُكَ أسأَلُكَ عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وَاختِلافِ النّاسِ فيهِ ؟ فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : يَابنَ جُبَيرٍ ! جِئتَني تَسأَلُني عَن خَيرِ خَلقِ اللّهِ مِنَ الاُمَّةِ بَعدَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، جِئتَني تَسأَلُني عَن رَجُلٍ كانَت لَهُ ثَلاثَةُ آلافِ مَنقَبَةٍ في لَيلَةٍ واحِدَةٍ وهِيَ لَيلَةُ القِربَةِ (2) ؟ يَابنَ جُبَيرٍ ! جِئتَني تَسأَلُني عَن وَصِيِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ووَزيرِهِ ، وخَليفَتِهِ ، وصاحِبِ حَوضِهِ ولِوائِهِ وشَفاعَتِهِ ، وَالَّذي نَفسُ ابنِ عَبّاسٍ بِيَدِهِ ، لَو كانَت بِحارُ الدُّنيا مِدادا ، وأشجارُها أقلاما ، وأهلُها كُتّابا ، فَكَتَبوا مَناقِبَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وفَضائِلَهُ مِن يَومَ خَلَقَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ الدُّنيا إلى أن يُفنِيَها ، ما بَلَغوا مِعشارَ ما آتاهُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى (3) .
الأمالي للطوسي عن عبد الوارث :بَينَا ابنُ عَبّاسٍ يَخطُبُ عِندَنا عَلى مِنبَرِ البَصرَةِ ، إذ أقبَلَ عَلَى النّاسِ بِوَجهِهِ ، ثُمَّ قالَ : أيَّتُهَا الاُمَّةُ المُتَحَيِّرَةُ في دينِها ! أما وَاللّهِ لَو قَدَّمُتم مَن قَدَّمَ اللّهُ ، وأخَّرتُم مَن أخَّرَ اللّهُ ، وجَعَلتُمُ الوِراثَةَ وَالوِلايَةَ حَيثُ جَعَلَهَا اللّهُ ، ما عالَ سَهمٌ مِن فَرائِضِ اللّهِ ، ولا عال
.
ص: 650
وَلِيُّ اللّهِ ، ولَا اختَلَفَ اثنانِ في حُكمِ اللّهِ ، فَذوقوا وَبالَ ما فَرَّطتُم فيهِ بِما قَدَّمَت أيديكُم «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » (1) . (2)
فضائل الصحابة عن أبي صالح :لَمّا حَضَرَت عَبدَ اللّهِ بنَ عَبّاسٍ الوَفاةُ قالَ : اللّهُمَّ إنّي أتَقَرَّبُ إلَيكَ بِوِلايَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام (3) .
راجع : ج 5 ص 205 (لم يكفر باللّه طرفة عين) . و ج 6 ص 34 (أعلم الاُمّة) . و ص 49 (علم القرآن) ، و ص 56 (علم الدين) . و ج 7 ص 185 (ابن عبّاس) .
6 / 14عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَمسند ابن حنبل عن ابن عمر :لَقَد اُوتِيَ ابنُ أبي طالِبٍ ثَلاثَ خِصالٍ لَأَن تَكونَ لي واحِدَةٌ مِنهُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِن حُمرِ النَّعَمِ : زَوَّجَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ابنَتَهُ ، ووَلَدَت لَهُ ، وسَدَّ الأَبوابَ إلّا بابَهُ فِي المَسجِدِ ، وأعطاهُ الرّايَةَ يَومَ خَيبَرَ (4) .
تاريخ دمشق عن كثير النواء عن جميع بن عمير عن ابن عمر :يَسُرُّكَ أن اُحَدِّثَكَ عَن عَلِيٍّ ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : إنّا جُلوسٌ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ قالَ : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ اليَومَ رَجُلا
.
ص: 651
يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، اُدعوا لي عَلِيّا . فَقالَ بَعضُ القَومِ : يا رَسولَ اللّهِ إنَّهُ أرمَدُ ما يُبصِرُ شَيئا ، فَجاءَ بِهِ غُلامٌ يَقودُهُ حَتّى أقامَهُ بَينَ يَدَيهِ ، فَتَفَلَ في عَينَيهِ ، وأعطاهُ الرّايَةَ ، فَسِرنا مَعَ عَلِيٍّ وبَيعَةِ (1) رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ : فَوَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، ما صَعِدَ آخِرُنا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلى أوَّلِنا . ثُمَّ قالَ : اُحَدِّثُكَ عَن عَلِيٍّ ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : آخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ ، وآخى بَينَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، وبَينَ فُلانٍ وفُلانٍ ، حَتّى بَقِيَ عَلِيٌّ ، وكانَ رَجُلاً شُجاعا ماضِيا عَلى أمرِهِ إذا أرادَ شَيئا . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ! بَقيتُ أنَا ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : أ ما تَرضى أن أكونَ أخاكَ ؟ قالَ : بَلى ، قالَ : فَأَنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . قالَ : قُلتُ : فَأَنتَ تَشهَدُ بِهذا عَلَى ابنِ عُمَرَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَشَهِدَ ثَلاثَ مَرّاتٍ بِاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ لَسَمِعَهُ مِنِ ابنِ عُمَرَ (2) .
المناقب لابن المغازلي عن نافع مولى ابن عمر :قُلتُ لِابنِ عُمَرَ : مَن خَيرُ النّاسِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : ما أنتَ وذاكَ لا اُمَّ لَكَ ؟ ! ثُمَّ قالَ : أستَغفِرُ اللّهَ ! خَيرُهُم بَعدَهُ مَن كانَ يَحِلُّ لَهُ ما كانَ يَحِلُّ لَهُ ، ويَحرُمُ عَلَيهِ ما كانَ يَحرُمُ عَلَيهِ . قُلتُ : مَن هُوَ ؟ قالَ : عَلِيٌّ ، سَدَّ أبوابَ المَسجِدِ وتَرَكَ بابَ عَلِيٍّ ، وقالَ لَهُ : لَكَ في هذَا المَسجِدِ ما لي ، وعَلَيكَ فيهِ ما عَلَيَّ ، وأنتَ وارِثي ، ووَصِيّي ،تَقضي دَيني ، وتُنجِزُ عِداتي ، وتَقتُلُ عَلى سُنَّتي ، كَذَبَ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُبغِضُكَ ويُحِبُّني (3) .
الأمالي للطوسي عن ابن عمر :سَأَلَني عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، فَقالَ لي : يا بُنَيَّ ! مَن أخيَرُ النّاس
.
ص: 652
بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قُلتُ : مَن اُحِلَّ لَهُ ما حَرَّمَ اللّهُ عَلَى النّاسِ ، وحَرَّمَ عَلَيهِ ما اُحِلَّ لِلنّاسِ . فَقالَ : وَاللّهِ لَقَد قُلتَ فَصَدَقتَ ، حَرَّمَ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ الصَّدَقَةَ ، واُحِلَّت لِلنّاسِ ، وحَرَّمَ عَلَيهِم أن يَدخُلُوا المَسجِدَ وهُم جُنُبٌ ، وأحَلَّهُ لَهُ ، وغُلِّقَتِ الأَبوابُ وسُدَّت ، ولَم يُغلَق لِعَلِيٍّ بابٌ ولَم يُسَدَّ (1) .
شواهد التنزيل عن ابن عمر :عَلِيٌّ أعلَمُ النّاسِ بِما أنزَلَ اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله (2) .
تاريخ دمشق عن سعد بن عبيدة :قالَ رَجُلٌ لِابنِ عُمَرَ : ما تَقولُ في عَلِيٍّ ؟ فَإِنّي اُبغِضُهُ ! ! قال : أبغَضَكَ اللّهُ فَإِنّي اُبغِضُكَ (3) .
خصائص أمير المؤمنين عن سعد بن عبيدة :جاءَ رَجُلٌ إلَى ابنِ عُمَرَ ، فَسَأَلَهُ عَن عَلِيٍّ عليه السلام . فَقالَ : لا تَسأَلني عَن عَلِيٍّ ، ولكِنِ انظُر إلى بَيتِهِ مِن بُيوتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ الرَّجُلُ : فَإِنّي اُبغِضُهُ . قالَ ابنُ عُمَرَ : أبغَضَكَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ (4) .
كنز الفوائد عن خلف بن أبي هارون العبدي :كُنتُ جالِسا عِندَ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ ، فَأَتى نافِعُ بنُ الأَزرَقِ ، فَقالَ : وَاللّهِ ، إنّي لِاُبغِضُ عَلِيّا ! فَرَفَعَ ابنُ عُمَرَ رَأسَهُ فَقالَ : أبغَضَكَ اللّهُ ! أتُبغِضُ _ وَيحَكَ _ رَجُلاً سابِقَةٌ مِن سَوابِقِهِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيا بِما فيها ؟ (5)
المعجم الأوسط عن العلاء بن عَرار :سُئِلَ ابنُ عُمَرَ عَن عَلِيٍّ وعُثمانَ . فَقالَ :
.
ص: 653
أمّا عَلِيٌّ عليه السلام فَلا تَسأَلوا عَنهُ ، انظُروا إلى مَنزِلَتِهِ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّهُ سَدَّ أبوابَنا فِي المَسجِدِ ، وأقَرَّ بابَهُ ، وأمّا عُثمانُ فَإِنَّهُ أذنَبَ يَومَ التَقَى الجَمعانِ ذَنبا عَظيما ، فَعَفَا اللّهُ عَنهُ ، وأذنَبَ فيكُم ذَنبا دونَ ذلِكَ فَقَتَلتُموهُ (1) .
راجع : ج 2 ص 355 (عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب) .
6 / 15عَبدُ اللّهِ بنُ عَيّاشٍاُسد الغابة :قالَ سَعيدُ بنُ عَمرِو بنِ سَعيدِ بنِ العاصِ لِعَبدِ اللّهِ بنِ عَيّاشِ بنِ أبي رَبيعَةَ : يا عَمِّ ! لِمَ كانَ صَغوُ (2) النّاسِ إلى عَلِيٍّ ؟ قالَ : يَابنَ أخي ! إنَّ عَلِيّا كانَ لَهُ ما شِئتَ مِن ضِرسٍ قاطِعٍ فِي العِلمِ ، وكانَ لَهُ البَسطَةُ فِي العَشيرَةِ ، وَالقِدَمُ فِي الإِسلامِ ، وَالصِّهرُ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالفِقهُ فِي السُّنَّةِ ، وَالنَّجدَةُ فِي الحَربِ ، وَالجودُ بِالماعونِ (3) .
فضائل الصحابة عن سعيد بن عمرو القرشي عن عبد اللّه بن عيّاش الزرقي :قُلتُ لَهُ : أخبِرنا عَن هذَا الرَّجُلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؟ قالَ : إنَّ لَنا أخطارا وأحسابا ، ونَحنُ نَكرَهُ أن نَقولَ فيهِ ما يَقولُ بَنو عَمِّنا .
.
ص: 654
قالَ : كانَ عَلِيٌّ رَجُلاً تِلعابَةً _ يَعني مَزّاحا _ وكانَ إذا قَرَعَ قَرَعَ إلى ضِرسِ حَديدٍ . قُلتُ : ما ضِرسُ حَديدٍ ؟ قالَ : قِراءَةُ القُرآنِ ، وفِقهٌ فِي الدّينِ ، وشَجاعَةٌ ، وسَماحَةٌ (1) .
6 / 16عَبدُ اللّهِ بنُ مَسعودٍفضائل الصحابة عن عبد اللّه بن مسعود :كُنّا نَتَحَدَّثُ أنَّ أفضَلَ أهلِ المَدينَةِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن مسعود :إنَّ القُرآنَ اُنزِلَ عَلى سَبعَةِ أحرُفٍ ، ما مِنها حَرفٌ إلّا لَهُ ظَهرٌ وبَطنٌ ، وإنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عِندَهُ مِنهُ عِلمُ الظّاهِرِ وَالباطِنِ (3) .
6 / 17عَدِيُّ بنُ حاتِمٍالإمامة والسياسة_ في ذِكرِ اختِلافِ أصحابِ الإِمامِ فِي استمِرارِ القِتالِ يَومَ صِفّينَ _: قامَ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّهُ وَاللّهِ لَو غَيرُ عَلِيٍّ دَعانا إلى قِتالِ أهلِ الصَّلاةِ ما أجَبناهُ ولا وَقَع
.
ص: 655
بِأَمرٍ قَطُّ إلّا ومَعَهُ مِنَ اللّهِ بُرهانٌ ، وفي يَدَيهِ مِنَ اللّهِ سَبَبٌ ، وإنَّهُ وَقَفَ عَن عُثمانَ بِشُبهَةٍ ، وقاتَلَ أهلَ الجَمَلِ عَلَى النَّكثِ ، وأهلَ الشّامِ عَلَى البَغيِ ، فَانظُروا في اُمورِكُم وأمرِهِ ؛ فَإِن كانَ لَهُ عَلَيكُم فَضلٌ فَلَيسَ لَكُم مِثلُهُ ، فَسَلِّموا لَهُ ، وإلّا فَنازِعوا عَلَيهِ . وَاللّهِ لَئِن كانَ إلَى العِلمِ بِالكِتابِ وَالسُّنَّةِ إنَّهُ لَأَعلَمُ النّاسِ بِهِما ، ولَئِن كانَ إلَى الإِسلامِ إنَّهُ لَأَخو نَبِيِّ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالرَّأسُ فِي الإِسلامِ ، ولَئِن كانَ إلَى الزُّهدِ وَالعِبادَةِ إنَّهُ لَأَظهَرُ النّاسِ زُهدا ، وأنهَكُهُم عِبادَةً ، ولَئِن كانَ إلَى العُقولِ وَالنَّحائِزِ (1) إنَّهُ لَأَشَدُّ النّاسِ عَقلاً ، وأكرَمُهُم نَحيزَةً ، ولَئِن كانَ إلَى الشَّرَفِ وَالنَّجدَةِ ، إنَّهُ لَأَعظَمُ النّاسِ شَرَفا ونَجدَةً (2) .
مروج الذهب :ذُكِرَ أنَّ عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ الطّائِيَّ دَخَلَ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : ما فَعَلتِ الطُّرُفاتُ _ يَعني أولادَهُ _ ؟ قالَ : قُتِلوا مَعَ عَلِيٍّ . قالَ : ما أنصَفَكَ عَلِيٌّ ؛ قَتَلَ أولادَكَ وبَقّى أولادَهُ ! فَقالَ عَدِيٌّ : ما أنصَفتُ عَلِيّا؛ إذ قُتِلَ وبَقيتُ بَعدَهُ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : أما إنَّهُ قَد بَقِيَت قَطرَةٌ مِن دَمِ عُثمانَ ما يَمحوها إلّا دَمٌ شَريفٌ مِن أشرافِ اليَمَنِ ، فَقالَ عَدِيٌّ : وَاللّهِ، إنَّ قُلوبَنَا الَّتي أبغَضناكَ بِها لَفي صُدورِنا، وإنَّ أسيافَنَا الَّتي قاتَلناكَ بِها لَعَلى عَواتِقِنا ، ولَئِن أدنَيتَ إلَينا مِن الغَدرِ فِترا (3) لَنُدنِيَنَّ إلَيكَ مِنَ الشَّرِّ شِبرا ، وإنَّ حَزَّ الحُلقومِ ، وحَشرَجَةَ (4) الحَيزومِ (5) ، لَأَهوَنُ عَلَينا مِن أن نَسمَعَ المَساءَةَ في عَلِيٍّ (6) .
.
ص: 656
6 / 18عُقبَةُ بنُ عَمرٍوتاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ مَجلِسِ بَيعَةِ النّاسِ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: ثُمَّ قامَ عُقبَةُ بنُ عَمرٍو فَقالَ : مَن لَهُ يَومٌ كَيَومِ العَقَبَةِ وبَيعَةٌ كَبَيعَةِ الرِّضوانِ ؟ وَالإِمامُ الأَهدَى الَّذي لا يُخافُ جَورُهُ ، وَالعالِمُ الَّذي لا يُخافُ جَهلُهُ (1) .
6 / 19عَمّارُ بنُ ياسِرٍالفتوح عن عمّار بن ياسر_ مِن كَلامِهِ في حَربِ صِفّينَ لِعَمرِو بنِ العاصِ _: أيُّهَا الأَبتَرُ ! أ لَستَ تَعلَمُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ؟ (2)
الأمالي للطوسي عن مالك بن أوس :كانَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام أكثَرَ ما يَسكُنُ القَناةَ (3) ، فَبَينا نَحنُ فِي المَسجِدِ بَعدَ الصُّبحِ إذ طَلَعَ الزُّبَيرُ وطَلحَةُ ، فَجَلَسا في ناحِيَةٍ عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، ثُمَّ طَلَعَ مَروانُ وسَعيدٌ وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبُيرِ وَالمِسوَرُ بنُ مَخرَمَةَ فَجَلَسوا ، وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام جَعَلَ عَمّارَ بنَ ياسِرٍ عَلَى الخَيلِ ، فَقالَ لِأَبِي الهَيثَمِ بنِ التَّيِّهانِ ولِخالِدِ بنِ زَيدٍ أبي أيّوبَ ولِأَبي حَيَّةَ ولِرِفاعَةَ بنِ رافِعٍ في رِجالٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قوموا إلى هؤُلاءِ القَومِ ؛ فَإِنَّهُ بَلَغَنا عَنهُم ما نَكرَهُ مِن خِلافِ أميرِ المُؤمِنينَ إمامِهِم ، وَالطَّعنِ عَلَيهِ ، وقَد دَخَلَ مَعَهُم قَومٌ مِن أهلِ الجَفاءِ وَالعَداوَةِ ، وإنَّهُم سَيَحمِلونَهُم
.
ص: 657
عَلى ما لَيسَ مِن رَأيِهِم . قالَ : فَقاموا ، وقُمنا مَعَهُم حَتّى جَلَسوا إلَيهِم ، فَتَكَلَّمَ أبُو الهَيثَمِ بنُ التَّ_يِّهانِ ، فَقالَ : إنَّ لَكُما لَقِدَما فِي الإِسلامِ ، وسابِقَةً وقَرابَةً مِن أميرِ المُؤمِنينَ ، وقَد بَلَغَنا عَنكُما طَعنٌ وسَخَطٌ لِأَميرِ المُؤمِنينَ ، فَإِن يَكُن أمرٌ لَكُما خاصَّةً فَعاتِبَا ابنَ عَمَّتِكُما وإمامَكُما ، وإن كانَ نَصيحَةً لِلمُسلِمينَ فلا تُؤَخِّراهُ عَنهُ ، ونَحنُ عَونٌ لَكُما ، فَقَد عَلِمتُما أنَّ بَني أُميَّةَ لَن تَنصَحَكُما أبَدا ، وقَد عَرَفتُما عَداوَتَهُم لَكُما ، وقَد شَرِكتُما في دَمِ عُثمانَ ومالَأتُما ، فَسَكَتَ الزُّبَيرُ وتَكَلَّمَ طَلحَةُ ، فَقالَ : اِفرَغوا جَميعا مِمّا تَقولونَ ؛ فَإِنّي قَد عَرَفتُ أنَّ في كُلِّ واحِدٍ مِنكُم خِبطَةً (1) . فَتَكَلَّمَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ رحمه الله فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وصَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وقالَ : أنتُما صاحِبا رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وقَد أعطَيتُما إمامَكُمَا الطّاعَةَ وَالمُناصَحَةَ ، وَالعَهدَ وَالميثاقَ عَلَى العَمَلِ بِطاعَةِ اللّهِ وطاعَةِ رَسولِهِ ، وأنَ يَجعَلَ كِتابَ اللّهِ إمامَنا ، وهُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، طَلَّقَ النَّفسَ عَنِ الدُّنيا ، وقَدَّمَ كِتابَ اللّهِ ، فَفيمَ السَّخَطُ وَالغَضَبُ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؟ ! فَغَضَبُ الرِّجالِ فِي الحَقِّ ، اُنصُرا نَصَرَكُمَا اللّهُ . فَتَكَلَّمَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ ، فَقالَ : لَقَد تَهَذَّرتَ يا أبَا اليَقظانِ ، فَقالَ لَهُ عَمّارٌ : ما لَكَ تَتَعَلَّقُ في مِثلِ هذا يا أعبَسُ ، ثُمَّ أمَرَ فَاُخرِجَ ، فَقامَ الزُّبَيرُ فَالتَفَتَ إلى عَمّارٍ رحمه اللهفَقالَ : عَجَّلتَ يا أبَا اليَقظانِ عَلَى ابنِ أخيكَ رَحِمَكَ اللّهُ . فَقالَ : عَمّارُ بنُ ياسِرٍ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، أنشُدُكَ اللّهَ أن تَسمَعَ قَولَ مَن رَأَيتَ ، فَإِنَّكُم مَعشَرَ المُهاجِرينَ لَم يَهلِك مَن هَلَكَ مِنكُم حَتَّى استَدخَلَ في أمرِهِ المُؤَلَّفَةَ قُلوبُهُم . فَقالَ الزُّبَيرُ : مَعاذَ اللّهِ أن نَسمَعَ مِنهُم . فَقالَ عَمّارٌ : وَاللّهِ يا أبا عَبدِ اللّهِ ، لَو لَم يَبقَ أحَدٌ إلّا خالَفَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ لَما خالَفتُهُ ، ولا زالَت يَدي مَعَ يَدِهِ ؛ وذلِكَ لاِن
.
ص: 658
عَلِيّا لَم يَزَل مَعَ الحَقِّ مُنذُ بَعَثَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، فَإِنّي أشهَدُ أنَّهُ لا يَنبَغي لِأَحَدٍ أن يُفَضِّلَ عَلَيهِ أحَدا (1) .
الأمالي للطوسي عن موسى بن عبد اللّه الأسدي :لَمَّا انهَزَمَ أهلُ البَصرَةِ أمَرَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام أن تَنزِلَ عائِشَةُ قَصرَ أبي خَلَفٍ ، فَلَمّا نَزَلَت جاءَها عَمّارُ بنُ ياسِرٍ فَقالَ لَها : يا اُمَّتَ ، كَيفَ رَأَيتِ ضَربَ بَنيكِ دون دينِهِم بِالسَّيفِ ؟ فَقالَت : اِستَبصَرتُ يا عَمّارُ مِن أجلِ أنَّكَ غَلَبتَ . قالَ : أنَا أشَدُّ استِبصارا مِن ذلِكَ ، أما وَاللّهِ لَو ضَرَبتُمونا حَتّى تَبلُغونا سَعَفاتِ هَجَرَ لَعَلِمنا أنّا عَلَى الحَقِّ ، وأنَّكُم عَلَى الباطِلِ . فَقالَت لَهُ عائِشَةُ : هكَذا يُخَيَّلُ إلَيكَ ، اتَّقِ اللّهَ يا عَمّارُ ، فَإِنَّ سِنَّكَ قَد كَبِرَ ، ودَقَّ عَظمُكَ ، وفَنِيَ أجَلُكَ ، وأذهَبتَ دينَكَ لِابنِ أبي طالِبٍ . فَقالَ عَمّارٌ : إنّي وَاللّهِ اختَرتُ لِنَفسي في أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَرَأَيتُ عَلِيّا أقرَأَهُم لِكِتابِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، وأعلَمَهُم بِتَأويلِهِ ، وأشَدَّهُم تَعظيما لِحُرمَتِهِ ، وأعرَفَهُم بِالسُّنَّةِ مَعَ قَرابَتِهِ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وعِظَمِ عَنائِهِ وبَلائِهِ فِي الإِسلامِ ، فَسَكَتَت (2) .
6 / 20عُمَرُ بنُ الخَطّابِتاريخ دمشق عن عمر بن الخطّاب :اللّهُمَّ لا تُنزِلَنَّ شَديدَةً إلّا وأبُو الحَسَنِ إلى جَنبي (3) .
.
ص: 659
المناقب للخوارزمي عن عمر بن الخطّاب :اللّهُمَّ لا تُبقِني لِمُعضِلَةٍ لَيسَ لَهَا ابنُ أبي طالِبٍ حَيّا (1) .
أنساب الأشراف عن عمر بن الخطّاب :لا أبقانِيَ اللّهُ لِمُعضِلَةٍ لَيسَ لَها أبو حَسَنٍ (2) .
الكافي عن عمر بن الخطّاب :لَولا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ (3) .
كنز العمّال عن عمر بن الخطّاب :يَابنَ أبي طالِبٍ ! فَما زِلتَ كاشِفَ كُلِّ شُبهَةٍ ، ومُوَضِّحَ كُلِّ حُكمٍ (4) .
فضائل الصحابة عن سعيد بن المسيّب :كانَ عُمَرُ يَتَعَوَّذُ بِاللّهِ مِن مُعضِلَةٍ ليَسَ لَها أبو حَسَنٍ (5) .
الإمام الصادق عليه السلام :مَرَّ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ عَلَى الحَجَرِ الأَسوَدِ ، فَقالَ : وَاللّهِ يا حَجَرُ ! إنّا لَنَعلَمُ انَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنفَعُ ! إلّا أنّا رَأَينا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُحِبُّكَ ، فَنَحنُ نُحِبُّكَ . فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : كَيفَ يَابنَ الخَطّابِ ؟ فَوَاللّهِ ، لَيَبعَثَنَّهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ ، ولَه
.
ص: 660
لِسانٌ وشَفَتانِ ، فَيَشهَدُ لِمَن وافاهُ ، وهُوَ يَمينُ اللّهِ في أرضِهِ ، يُبايِعُ بِها خَلقُهُ . فَقالَ عُمَرُ : لا أبقانَا اللّهُ في بَلَدٍ لا يَكونُ فيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (1) .
المستدرك على الصحيحين عن أبي سعيد الخدري :حَجَجنا مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ ، فَلَمّا دَخَلَ الطَّوافَ استَقبَلَ الحَجَرَ ، فَقالَ : إنّي أعلَمُ أنَّكَ حَجَرَ لا تَضُرُّ ولا تَنفَعُ ! ولَولا أنّي رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبَّلَكَ ما قَبَّلتُكَ ، ثُمَّ قَبَّلَهُ . فَقالَ لَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّهُ يَضُرُّ ويَنفَعُ . قالَ: ثُمَّ قالَ : بِكِتابِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى . قالَ : وأينَ ذلِكَ مِن كِتابِ اللّهِ ؟ قالَ : قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِىءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى» (2) خَلَقَ اللّهُ آدَمَ ومَسَحَ عَلى ظَهرِهِ فَقَرَّرَهُم بِأَنَّهُ الرَّبُّ وأَنَّهُمُ العَبيدُ ، وأخَذَ عُهودَهُم ومَواثيقَهُم وكَتَبَ ذلِكَ في رَقٍّ ، وكانَ لِهذَا الحَجَرِ عَينانِ ولِسانٌ ، فَقالَ لَهُ : اِفتَح فاكَ ، قالَ : فَفَتَحَ فاهُ فَأَلقَمَهُ ذلِكَ الرَّقَّ ، وقالَ : اِشهَد لِمَن وافاكَ بِالمُوافاةِ يَومَ القِيامَةِ ، وإنّي أشهَدُ لَسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله [يَقولُ] : يُؤتى يَومَ القِيامَةِ بِالحَجَرِ الأَسوَدِ ، ولَهُ لِسانٌ ذَلقٌ (3) ، يشَهَدُ لِمَن يَستَلِمُهُ بِالتَّوحيدِ ، فَهُوَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! يَضُرُّ ويَنفَعُ . فَقالَ عُمَرُ : أعوذُ بِاللّهِ أن أعيشَ في قَومٍ لَستَ فيهِم يا أبَا الحَسَنِ (4) .
.
ص: 661
المناقب للخوارزمي عن يحيى بن عقيل :كانَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ يَقولُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فيما كانَ يَسأَلُهُ عَنهُ فَيُفَرِّجُ عَنهُ : لا أبقانِي اللّهُ بَعدَكَ يا عَلِيُّ (1) .
الاستيعاب :وقالَ [عُمَرُ] فِي المَجنونَةِ الَّتي أمَرَ بِرَجمِها ، وفِي الَّتي وَضَعَت لِسِتَّةِ أشهُرٍ ، فَأَرادَ عُمَرُ رَجمَها ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ : «وَ حَمْلُهُ وَ فِصَ__لُهُ ثَلَ_ثُونَ شَهْرًا» (2) الحَديثَ ، وقالَ عليه السلام لَهُ : إنَّ اللّهَ رَفَعَ القَلَمَ عَنِ المَجنونِ ، الحَديثَ ، فَكانَ عُمَرُ يَقولُ : لَولا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ (3) .
الإمام الباقر عليه السلام :جاءَ أعرابِيّانِ إلى عُمَرَ يَختَصِمانِ ، فَقالَ عُمَرُ : يا أبَا الحَسَنِ ! اقضِ بَينَهُما ، فَقَضى عَلِيٌّ عليه السلام عَلى أحَدِهِما ، فَقالَ المَقضِيُّ عَلَيهِ [لِعُمَرَ] : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! هذا يَقضي بَينَنا ؟ ! فَوَثَبَ إلَيهِ عُمَرُ ، فَأَخَذَ بِتَلبيبِهِ (4) ثُمَّ قالَ : وَيحَكَ ! ما تَدري مَن هذا ؟ هذا مَولايَ ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ، ومَن لَم يَكُن مَولاهُ فَلَيسَ بِمُؤمِنٍ (5) .
شرح نهج البلاغة :إنَّ عَلِيّا عليه السلام جَلَسَ إلى عُمَرَ فِي المَسجِدِ ، وعِندَهُ ناسٌ ، فَلَمّا قامَ عَرَض
.
ص: 662
واحِدٌ بِذِكرِهِ ، ونَسَبَهُ إلَى التِّيهِ (1) وَالعُجبِ . فَقالَ عُمَرُ : حَقٌّ لِمِثلِهِ أن يُتيهَ ! وَاللّهِ لَولا سَيفُهُ لَما قامَ عَمودُ الإِسلامِ ، وهُوَ بَعدُ أقضَى الاُمَّةِ ، وذو سابِقَتِها ، وذو شَرَفِها (2) .
الصراط المستقيم عن شهر بن حوشب :إنَّ عُمَرَ لَمّا بَدَأَ بِالحَسَنَينِ عليهماالسلام فِي العَطاءِ ، قالَ لَهُ ابنُهُ : قَدَّمتَهُما عَلَيَّ ، ولي صُحبَةٌ وهِجرَةٌ دونَهُما ؟ فَقالَ : اُسكُت لا اُمَّ لَكَ ، أبوهُما _ وَاللّهِ _ خَيرٌ مِن أبيكَ ، واُمُّهُما خَيرٌ مِن اُمِّكَ (3) .
بشارة المصطفى عن عمر بن الخطّاب :اِعلَموا أنَّهُ لا يَتِمُّ لِأَحَدٍ شَرَفٌ إلّا بِوِلايَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وحُبِّهِ (4) .
تاريخ بغداد عن عمر بن الخطّاب_ لَمّا رَأى رَجُلاً يَسُبُّ عَلِيّا عليه السلام _: إنّي أظُنُّكَ مُنافِقا ؛ سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّما عَلِيٌّ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (5) .
فضائل الصحابة عن عروة بن الزبير :إنَّ رَجُلاً وَقَعَ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام بِمَحضَرٍ مِن عُمَرَ ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ : تَعرِفُ صاحِبَ هذَا القَبرِ ؟ هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ صلى الله عليه و آله ، وعَلِيٌّ ابنُ أبي طالِبِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَلا تَذكُر عَلِيّا إلّا بِخَيرٍ ؛ فَإِنَّكَ إن أبغَضتَهُ آذَيتَ هذا في قَبرِهِ (6) .
.
ص: 663
المستدرك على الصحيحين عن أبي هريرة :قالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : لَقَد اُعطِيَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ثَلاثَ خِصالٍ لَأَن تَكونَ لي خَصلَةٌ مِنها أحَبُّ إلَيَّ مِن أن اُعطى حُمرَ النَّعَمِ . قيلَ : وما هُنَّ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : تَزَوُّجُهُ فاطِمَةَ بِنتَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وسُكناهُ المَسجِدَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَحِلُّ لَهُ فيهِ ما يَحِلُّ لَهُ ، واَلرّايَةُ يَومَ خَيبَرَ (1) .
تاريخ دمشق عن عمر بن الخطّاب :أمّا عَلِيٌّ فَسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ فيهِ ثَلاثَ خِصالٍ لَوَدِدتُ أنَّ لي واحِدَةً مِنهُنَّ ، فَكانَ أحَبَّ إلَيَّ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ؛ كُنتُ أنَا وأبو عُبَيدَةَ وأبو بَكرٍ وجَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ ، إذ ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ عَلى مَنكِبِ عَلِيٍّ فَقالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ! أنتَ أوَّلُ المُؤمِنينَ إيمانا ، وأوَّلُ المُسلِمينَ إسلاما ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى (2) .
تاريخ دمشق عن عمر بن الخطّاب :كُفّوا عَن عَلِيٍّ عليه السلام ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله [يَقولُ ]فيهِ خِصالاً ، لَو أنَّ خَصلَةً مِنها في جَميعِ آلِ الخَطّابِ كانَ أحَبَّ إلَيَّ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ ؛ إنّي كُنتُ ذاتَ يَومٍ ، وأبو بَكرٍ ، وعَبدُ الرَّحمنِ ، وعُثمانُ بنُ عَفّانَ ،
.
ص: 664
وأبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ ، في نَفَرٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَانتَهَينا إلى بابِ اُمِّ سَلَمَةَ إذا نَحنُ بِعَلِيٍّ مُتَّكِئا (1) عَلى نَجَفِ البابِ (2) ، فَقُلنا : أرَدنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقالَ : هُوَ فِي البَيتِ يَخرُجُ عَلَيكُمُ الآنَ . فَخَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَثُرنا (3) حَولَهُ ، فَاتَّكَأَ عَلى عَلِيٍّ ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ عَلى مَنكِبِهِ ، وقالَ : اُكسُ (4) ابنَ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّكَ مُخاصَمٌ بِسَبعِ خِصالٍ لَيسَ لِأَحَدٍ بَعدَهُنَّ إلّا فَضلُكَ : إنَّكَ أوَّلُ المُؤمِنينَ مَعي إيمانا ، وأعلَمُهُم بأَيّامِ اللّهِ ، وأوفاهُم بِعَهدِهِ ، وأرأَفُهُم بِالرَّعِيَّةِ ، وأقسَمُهُم بِالسَّوِيَّةِ ، وأعظَمُهُم عِندَ اللّهِ مَزِيَّةً (5) .
المناقب للخوارزمي عن عمر بن الخطّاب :كانَت في أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ثَمانِيَ عَشرَةَ سابِقَةً ، خُصَّ مِنها عَلِيٌّ بنُ أبي طالِبٍ بِثَلاثَ عَشرَةَ ، وشارَكنا فِي الخَمسِ (6) .
ربيع الأبرار :اِستَعدى رَجُلٌ عُمَرَ عَلى عَلِيٍّ ، وعَلِيٌّ جالِسٌ ، فَالتَفَتَ عُمَرُ إلَيهِ فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، قُم فَاجلِس مَعَ خَصمِكَ ، فَقامَ فَجَلَسَ مَعَ خَصمِهِ فَتَناظَرا ،وَانصَرَفَ الرَّجُلُ ، فَرَجَعَ عَلِيٌّ إلى مَجلِسِهِ ، فَتَبَيَّنَ عُمَرُ التَّغَيُّرَ في وَجهِهِ ، فَقالَ :
.
ص: 665
يا أبَا الحَسَنِ ، ما لي أراكَ مُتَغَيِّرا ؟ أكَرِهتَ ما كانَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : وما ذاكَ ؟ قالَ : كَنَّيتَني بِحَضرَةِ خَصمي ، فَأَلّا قُلتَ لي : يا عَلِيُّ ، قُم فَاجلِس مَعَ خَصمِكَ ؟ فَأَخَذَ عُمَرُ بِرَأسِ عَلِيٍّ فَقَبَّلَ بَينَ عَينَيهِ ، ثُمَّ قالَ : بِأَبي أنتُم ، بِكُم هَدانَا اللّهُ ، وبِكُم أخرَجَنا مِنَ الظُّلُماتِ إلَى النّورِ (1) .
مسند زيد عن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن الإمام عليّ عليهم السلام_ أنَّهُ قالَ لِعُمَرَ فِي امرَأَةٍ حامِلٍ اعتَرَفَت بِالفُجورِ فَأَمَرَ بِها أن تُرجَمَ _: فَلَعَلَّكَ انتَهَرتَها أو أخَفتَها ؟ قالَ : قَد كانَ ذلِكَ ، فَقالَ : أ وَما سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : لا حَدَّ عَلى مُعتَرِفٍ بَعدَ بَلاءٍ ، إنَّهُ مَن قَيَّدتَ أو حَبَستَ أو تَهَدَّدتَ فَلا إقرارَ لَهُ . قالَ : فَخَلّى عُمَرُ سَبيلَها ، ثُمَّ قالَ : عَجَزَتِ النِّساءُ أن تَلِدَ مِثلَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، لَو لا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ (2) .
راجع : ج 2 ص 82 (استشارة عمر الإمامَ فيالمعضلات) ، و ص 83 (استنجاد عمر برأى الإمام) . و ص 93 (رأي عمر فيمن رشّحهم للخلافة) . و ص 515 (الخضوع للقضاء) . و ج 5 ص 221 (أرجح أهل الأرض إيماناً) . و ج 6 ص 56 (علم الدين) . و ص 329 (نماذج من أقضيته بعد النبيّ) .
.
ص: 666
6 / 21عَمرُو بنُ الحَمِقِوقعة صفّين عن عبد اللّه بن شريك :قالَ عَمرُو بنُ الحَمِقِ : إنّي _ وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! _ ما أجَبتُكَ ولا بايَعتُكَ عَلى قَرابَةٍ بَيني وبَينَكَ ، ولا إرادَةِ مالٍ تُؤتينيهِ ، ولَا التِماسِ سُلطانٍ يُرفَعُ ذِكري بِهِ ، ولكِن أحبَبتُكَ لِخِصالٍ خَمسٍ : أنَّكَ ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأوَّلُ مَن آمَنَ بِهِ ، وزَوجُ سَيِّدةِ نِساءِ الاُمَّةِ فاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وأبُو الذُّرِّيَّةِ الَّتي بَقِيَت فينا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأعظَمُ رَجُلٍ مِنَ المُهاجِرينَ سَهما فِي الجِهادِ . فَلَو أنّي كُلِّفتُ نَقلَ الجِبالِ الرَّواسي ، ونَزحَ البُحورِ الطَّوامي ، حَتّى يَأتِيَ عَلَيَّ يومي في أمرٍ اُقَوّي بِهِ وَلِيَّكَ ، واُوهِنُ بِهِ عَدُوَّكَ ، ما رَأَيتُ أنّي قَد أدَّيتُ فيهِ كُلَّ الَّذي يَحِقُّ عَلَيَّ مِن حَقِّكَ . فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ عليه السلام : اللّهُمَّ نُوِّر قَلبَهُ بِالتُّقى ، وَاهدِهِ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ ، لَيتَ أنَّ في جُندي مِئَةً مِثلَكَ (1) .
راجع : ج 7 ص 430 (عمرو بن الحمق الخزاعي).
6 / 22قُثَمُ بنُ العَبّاسِالمستدرك على الصحيحين عن أبي إسحاق :سَأَلتُ قُثَمَ بنَ العَبّاسِ : كَيفَ وَرِثَ عَلِيٌّ عليه السلام
.
ص: 667
رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله دونَكُم ؟ قالَ : لِأَنَّهُ كانَ أوَّلَنا بِهِ لُحوقا ، وأشَدَّنا بِهِ لُزوقا (1) .
تاريخ دمشق عن إسماعيل بن أبي خالد :قُلتُ لِقُثَمَ : ما شَأنُ عَلِيٍّ عليه السلام كانَ لَهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَنزِلَةٌ لَم تَكُن لِلعَبّاسِ ؟ قالَ : لِأَنَّهُ كانَ أسرَعَنا بِهِ لُحوقا ، وأشَدَّنا بِهِ لُصوقا (2) .
6 / 23قَيسُ بنُ سَعدِ بنِ عُبادَةَالفصول المختارة عن قيس بن سعد بن عبادة :قالَ وهُوَ مُتَوجِّهٌ إلى صِفّينَ : وعَلِيٌّ إمامُنا وإمامُ لِسِوانا أتى بِهِ التَّنزيلُ يَومَ قالَ النَّبِيُّ : مَن كُنتُ مَولا هُ فَهذا مَولاهُ خَطبٌ جَليلُ إنَّما قالَهُ النَّبِيُّ عَلَى الاُمَّ _ةِ حَتما ما فيهِ قالٌ وقيلُ (3)
شرح نهج البلاغة :قالَ مُعاوِيَةُ لِقَيسِ بنِ سَعدٍ : رَحِمَ اللّهُ أبا حَسَنٍ ! فَلَقَد كانَ هَشّا بَشّا ، ذا فُكاهَةٍ . قالَ قَيسٌ : نَعَم ، كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَمزَحُ ويَبتَسِمُ إلى أصحابِهِ ، وأراكَ تُسِر
.
ص: 668
حَسوا فِي ارتِغاءٍ (1) ، وتَعيبُهُ بِذلِكَ ! أما وَاللّهِ لَقَد كانَ مَعَ تِلكَ الفُكاهَةِ وَالطَّلاقَةِ أهيَبَ مِن ذي لَبدَتَينِ ، قَد مَسَّهُ الطُّوى ، تِلكَ هَيبَةُ التَّقوى ، ولَيسَ كَما يَهابُكَ طَغامُ (2) أهلِ الشّامِ (3) .
.
ص: 669
الفهرس التفصيلي .
ص: 670
. .
ص: 671
. .
ص: 672
. .
ص: 673
. .
ص: 674
. .
ص: 675
. .
ص: 676
. .
ص: 677
. .
ص: 678
. .
ص: 679
. .
ص: 680
. .
ص: 681
. .
ص: 682
. .
ص: 683
. .
ص: 684
. .