موسوعه الامام علي بن ابي طالب في الكتاب و السنه و التاريخ المجلد 2

اشارة

سرشناسه : محمدي ري شهري، محمد، 1325 -

عنوان و نام پديدآور : موسوعه الامام علي بن ابي طالب في الكتاب و السنه و التاريخ/ محمد الري شهري، بمساعده محمدكاظم طباطبائي، محمود طباطبائي نژاد؛ مراجعه النهايه حيدر المسجدي، مجتبي الغيوري.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر، 1421ق.= 1379.

مشخصات ظاهري : 8 ج.

فروست : مركز بحوث دا رالحديث؛ 16.

شابك : 300000 ريال: دوره 964-493-216-1 : ؛ ج.1 964-493-217-X : ؛ ج.2 964-493-218-8 : ؛ ج. 3، چاپ دوم 964-493-219-6 : ؛ ج.4 964-493-220-X : ؛ ج. 6، چاپ دوم 964-493-222-6 : ؛ ج.7، چاپ دوم 964-493-223-4 : ؛ 22000ريال: ج.12 964-5985-89-7 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : فهرستنويسي بر اساس جلد دوم: 1427ق. = 1385.

يادداشت : چاپ دوم.

يادداشت : ج.1، 3، 4، 6 و 7 (چاپ دوم: 1427ق. = 1385).

يادداشت : ج.4 (چاپ؟: 1427ق.= 1385).

يادداشت : ج.12(چاپ اول: 1421ق.=1379).

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اصحاب

موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- فضايل

شناسه افزوده : طباطبائي، سيدمحمدكاظم، 1344 -

شناسه افزوده : طباطبايي، محمود، 1239 - 1319ق.

شناسه افزوده : مسجدي، حيدر

شناسه افزوده : غيوري،سيد مجتبي، 1350 -

رده بندي كنگره : BP37/م36م8 1379

رده بندي ديويي : 297/951

شماره كتابشناسي ملي : 1670645

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

القسم الرابع : الإمام عليّ بعد النبيّ إلى بيعة الناس

اشاره

القسم الرابع : الإمام عليّ بعد النبيّ إلى بيعة الناسوفيه فصول :الفصل الأول : قصّة السقيفةالفصل الثاني : عهد عمر بن الخطّابالفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمانالفصل الرابع : مبادئ الثورة على عثمانالفصل الخامس : الثورة على عثمان

.

ص: 8

. .

ص: 9

الفصل الأول : قصّة السقيفة

1 / 1 إنكار موت النّبيّ

الفصل الأول : قصّة السقيفة1 / 1إنكارُ مَوتِ النَّبِيِّسنن الدارمي عن عِكرِمَة :تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الاِثنَينِ ، فَحُبِسَ بَقِيَّةَ يَومِهِ ولَيلَتَهُ وَالغَدَ حَتّى دُفِنَ لَيلَةَ الأَربَعاءِ ، وقالوا : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَمُت ، ولكِنَ عُرِجَ بِروحِهِ كَما عُرِجَ بِروحِ موسى ، فَقامَ عُمَرُ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَمُت ، ولكِن عُرِجَ بِروحِهِ كَما عُرِجَ بِروحِ موسى ، وَاللّهِ لا يَموتُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى يَقطَعَ أيدِيَ أقوامٍ وألسِنَتَهُمُ ، فَلَم يَزَل عُمَرُ يَتَكَلَّمُ حَتّى أزبَدَ شِدقاهُ مِمّا يوعِدُ ويَقولُ . فَقامَ العَبّاسُ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد ماتَ ، وإنَّهُ لَبَشَرٌ ، وإنَّهُ يَأسُنُ (1) كما يَأسُنُ البَشَرُ . أي قَومِ فَادفِنوا صاحِبَكُم ؛ فَإِنَّهُ أكرَمُ عَلَى اللّهِ مِن أن يُميتَهُ إماتَتَينِ ، أيُميتُ أحَدَكُم إماتَةً ويُميتُهُ إماتَتَينِ وهُوَ أكرَمُ عَلَى اللّهِ مِن ذلِكَ ؟ ! أي قَومِ فَادفِنوا صاحِبَكُم ؛ فَإِن يَكُ كَما تَقولونَ فَلَيسَ بِعَزيزٍ عَلَى اللّهِ أن يَبحَثَ عَنهُ التُّرابَ . إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَاللّهِ ما ماتَ حَتّى تَرَكَ السَّبيلَ نَهجا واضِحا ، فأَحَل

.


1- .أي يتغيّر (النهاية: ج1 ص50) .

ص: 10

الحَلالَ وحَرَّمَ الحَرامَ ، ونَكَحَ وطَلَّقَ ، وحارَبَ وسالَمَ . ما كانَ راعي غَنَمٍ يَتبَعُ بِها صاحِبَها رُؤوسَ الجِبالِ يَخبِطُ عَلَيهَا العِضاهَ بِمِخبَطِهِ ، ويَمدُرُ (1) حَوضَها بِيَدِهِ بِأَنصَبَ ولا أدأَبَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ فيكُم أي قَومِ ، فَادفِنوا صاحِبَكُم (2) .

الطبقات الكبرى عن عائشة :لَمَّا تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، استَأذَنَ عُمَرُ وَالمُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ ، فَدَخَلا عَلَيهِ فَكَشَفَا الثَّوبَ عَن وَجهِهِ فَقالَ عُمَرُ : واغَشيا ! ما أشَدَّ غَشيَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . ثُمَّ قاما ، فَلَمَّا انتَهَيا إلَى البابِ قالَ المُغيرَةُ : يا عُمَرُ ماتَ وَاللّهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! فَقالَ عُمَرُ : كَذَبتَ ! ما ماتَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولكِنَّكَ رَجُلٌ تَحوشُكَ فِتنَةٌ ، ولَن يَموتَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى يُفنِيَ المُنافِقينَ . ثُمَّ جاءَ أبو بَكرٍ وعُمَرُ يَخطُبُ النّاسَ فَقالَ لَهُ أبو بَكرٍ : اُسكُت ! فَسَكَتَ ، فَصَعِدَ أبو بَكرٍ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قَرَأَ : «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ» (3) ، ثُمَّ قَرَأَ : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَ_بِكُمْ» (4) ، حَتّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ ، ثُمَّ قالَ : مَن كانَ يَعبُدُ مُحَمَّدا فَإِنَّ مُحَمَّدا قَد ماتَ ، ومَن كانَ يَعبُدُ اللّهَ فَإِنَّ اللّهَ حَيٌّ لا يَموتُ ! قالَ : فَقالَ عُمَرُ : هذا في كِتابِ اللّهِ ؟ قالَ : نَعَم ! فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! هذا أبو بَكر

.


1- .مدَرَهُ : أي طيّنه وأصلحه بالمَدَر ؛ وهو الطين المتماسك ؛ لئلّا يخرج منه الماء (النهاية : ج4 ص309) .
2- .سنن الدارمي : ج1 ص42 ح83 ، الطبقات الكبرى : ج2 ص266 ، أنساب الأشراف : ج2 ص243 عن ابن عبّاس وكلاهما نحوه ، كنز العمّال : ج7 ص244 ح18773 .
3- .الزمر : 30 .
4- .آل عمران : 144 .

ص: 11

وذو شَيبَةِ المُسلِمينَ فَبايِعوهُ ! فَبايَعَهُ النّاسُ (1) .

تاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: خَرَجَ عُمَرُ فَقالَ : وَاللّهِ ما ماتَ رَسولُ اللّهِ ولا يَموتُ ، وإنَّما تَغَيَّبَ كَما غابَ موسَى بنُ عِمرانَ أربَعينَ لَيلَةً ثُمَّ يَعودُ ، وَاللّهِ لَيَقطَعَنَّ أيدِيَ قَومٍ وأرجُلَهُم . وقالَ أبو بَكرٍ : بَل قَد نَعاهُ اللّهُ إلَينا فَقالَ : «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ» . فَقالَ عُمَرُ : وَاللّهِ لَكَأَنّي ما قَرَأتُها قَطُّ ! ثُمَّ قالَ : لَعَمري لَقَد أيقَنتُ أنَّكَ مَيِّتٌ ولكِنَّما أبدَى الَّذي قُلتُهُ الجَزَعُ (2)

صحيح البخاري عن عائشة :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ماتَ وأبو بَكرٍ بِالسُّنحِ (3) _ يَعني بِالعالِيَةِ _ فَقامَ عُمَرُ يَقولُ : وَاللّهِ ما ماتَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! قالَت : وقالَ عُمَرُ : وَاللّهِ ما كانَ يَقَعُ في نَفسي إلّا ذاكَ ، ولَيَبعَثَنَّهُ اللّهُ ، فَليَقطَعَنَّ أيدِيَ رِجالٍ وأرجُلَهُم . فَجاءَ أبو بَكرٍ فَكَشَفَ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقَبَّلَهُ ، قالَ : بِأَبي أنتَ واُمّي ، طِبتَ حَيّا ومَيّتا ، وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لا يُذيقُكَ اللّهُ المَوتَتَينِ أبَدا . ثُمَّ خَرَجَ فَقالَ : أيُّهَا الحالِفُ عَلى رِسلِكَ ، فَلَمّا تَكَلَّمَ أبو بَكرٍ جَلَسَ عُمَرُ ، فَحَمِدَ اللّهَ أبو بَكرٍ وأثنى عَلَيهِ ، وقالَ : ألا مَن كانَ يَعبُدُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله فَإِنَّ مُحَمَّدَا قَد ماتَ ، ومَن كانَ يَعبُدُ اللّهَ فَإِنَّ اللّهَ حَى

.


1- .الطبقات الكبرى : ج2 ص267 ، مسند ابن حنبل : ج10 ص44 ح25899 ، البداية والنهاية : ج5 ص241 كلاهما نحوه ، كنز العمّال : ج7 ص232 ح18755 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص114 ؛ السيرة النبويّة لابن هشام : ج4 ص305 عن أبي هريرة ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص178 و ج 2 ص43 كلّها نحوه وليس فيها «بيت الشعر» .
3- .السُّنْح : موضع قرب المدينة المنوّرة _ على ساكنها أفضلُ الصلاة والسلام _ كان به مسكن أبي بكر (تاج العروس : ج4 ص96) .

ص: 12

لا يَموتُ . وقالَ : «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ» . وقالَ : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَ_بِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْ_ئا وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّ_كِرِينَ» . فَنَشَجَ النّاسُ يَبكونَ (1) .

دلائل النبوّة عن عُروَة_ في ذِكرِ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: قامَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ يَخطُبُ النّاسَ ويوعِدُ مَن قالَ : «قَد ماتَ» بِالقَتلِ وَالقَطعِ ويَقولُ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في غَشيَتِهِ لَو قَد قامَ قَطَعَ وقَتَلَ ، وعَمرُو بن قَيسِ بنِ زائِدَةَ بنِ الأَصَمِّ بنِ اُمِّ مَكتومٍ قائِمٌ في مُؤَخَّرِ المَسجِدِ يَقرَأُ «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ» إلى قَولِهِ «وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّ_كِرِينَ» وَالنّاسُ فِي المَسجِدِ قَد مَلَؤوهُ ويَبكونَ ويَموجونَ لا يَسمَعونَ ، فَخَرَجَ عَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ عَلَى النّاسِ فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ، هَل عِندَ أحَدٍ مِنكُم مِن عَهدٍ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في وَفاتِهِ فَليُحَدِّثنا ؟ قالوا : لا . قالَ : هَل عِندَكَ يا عُمَرُ مِن عِلمٍ ؟ قالَ : لا . قالَ العَبّاسُ : أشهَدُ أيُّهَا النّاسُ أنَّ أحَدا لا يَشهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لِعَهدٍ عَهِدَهُ إلَيهِ في وَفاتِهِ ، وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، لَقَد ذاقَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المَوتَ . وأقبَلَ أبو بَكرٍ مِنَ السُّنحِ عَلى دابَّتِهِ حَتّى نَزَلَ بِبابِ المَسجِدِ ، ثُمَّ أقبَلَ مَكروبا حَزينا ، فَاستَأذَنَ في بَيتِ ابنَتِهِ عائِشَةَ ، فَأَذِنَت لَهُ ، فَدَخَلَ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد تُوُفِّيَ عَلَى الفِرَاشِ وَالنِّسوَةُ حَولَهُ ، فَخَمَّرنَ وُجوهَهُنَّ وَاستَتَرنَ مِن أبي بَكرٍ إلّا ما كانَ مِن عائِشَةَ ، فَكَشَفَ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَحَنا عَلَيهِ يُقَبِّلُهُ ويَبكي ويَقولُ : لَيسَ ما يَقول

.


1- .صحيح البخاري : ج3 ص1341 ح3467 ، سنن ابن ماجة : ج1 ص520 ح1627 ، مسند ابن حنبل : ج10 ص45 ح25899 ، الطبقات الكبرى : ج2 ص268 ، تاريخ الطبري : ج3 ص200 كلاهما عن أبي هريرة ، الكامل في التاريخ : ج2 ص9 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص40 ، البداية والنهاية : ج5 ص242 كلّها نحوه .

ص: 13

ابنُ الخَطّابِ شَيءٌ ، تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، رَحمَةُ اللّهِ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ ! ما أطيَبَكَ حَيّا وما أطيَبَكَ مَيِّتا ! ثُمَّ غَشّاهُ بِالثَّوبِ ، ثُمَّ خَرَجَ سَريعا إلَى المَسجِدِ يَتَوَطَّأُ رِقابَ النّاسِ ، حَتّى أتَى المِنبَرَ ، وجَلَسَ عُمَرُ حينَ رَأى أبا بَكرٍ مُقبِلاً إلَيهِ ، فَقامَ أبو بَكرٍ إلى جانِبِ المِنبَرِ ثُمَّ نادَى النّاسَ فَجَلَسوا وأنصَتوا ، فَتَشَهَّدَ أبو بَكرٍ بِما عَلِمَهُ مِنَ التَّشَهُّدِ وقالَ : إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى نَعى نَبِيَّكُم إلى نَفسِهِ وهُوَ حَيٌّ بَينَ أظهُرِكُم ، ونَعاكُم إلى أنفُسِكُم ؛ فَهُوَ المَوتُ حَتّى لا يَبقى أحَدٌ إلّا اللّهُ عَزَّ وجَلَّ ، قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ» إلى قَولِهِ «وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّ_كِرِينَ» فَقالَ عُمَرُ : هذِهِ الآيَةُ فِي القُرآنِ ؟ ! وَاللّهِ ما عَلِمتُ أنَّ هذِهِ الآيَةَ اُنزِلَت قَبلَ اليَومِ ! ! (1)

صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنَّهُ سَمِعَ خُطبَةَ عُمَرَ الآخِرَةَ حينَ جَلَسَ عَلَى المِنبَرِ ، وذلِكَ الغَدُ مِن يَومِ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَتَشَهَّدَ وأبو بَكرٍ صامِتٌ لا يَتَكَلَّمُ ، قالَ :كُنتُ أرجو أن يَعيشَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى يدبُرنا _ يُريدُ بِذلِكَ أن يَكونَ آخِرَهُم _ فَإِن يَكُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله قَد ماتَ فَإِنَّ اللّهَ تَعالى قَد جَعَلَ بَينَ أظهُرِكُم نورا تَهتَدونَ بِهِ بِما هَدَى اللّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، وإنَّ أبا بَكرٍ صاحِبَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثانِيَ اثنَينِ ؛ فَإِنَّهُ أولَى المُسلِمينَ بِاُمورِكُم ، فَقوموا فَبايِعوهُ ، وكانَت طائِفَةٌ مِنهُم قد بايَعوهُ قَبلَ ذلِكَ في سَقيفَةِ بَني ساعِدَةَ ، وكانَت بَيعَةُ العامَّةِ عَلَى المِنبَرِ (2) .

.


1- .دلائل النبوّة للبيهقي : ج7 ص217 ، البداية والنهاية : ج5 ص242 و 243 ، كنز العمّال: ج7 ص245 ح18775 .
2- .صحيح البخاري : ج6 ص2639 ح6793 ، صحيح ابن حبّان : ج15 ص297 ح6875 ؛ الطرائف : ص453 نحوه .

ص: 14

صحيح ابن حبّان عن أنس بن مالك أنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ مِنَ الغَدِ حينَ بويِعَ أبو بَكرٍ في مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَاستَوى أبو بَكرٍ عَلى مِنبَرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قامَ عُمَرُ فَتَشَهَّدَ قَبلَ أبي بَكرٍ ثُمَّ قالَ :أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قُلتُ لَكُم أمسِ مَقالةً لَم تَكُن كَما قُلتُ ، وإنّي وَاللّهِ ما وَجَدتُها في كِتابٍ أنزَلَهُ اللّهُ ، ولا في عَهدٍ عَهِدَهُ إلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولكِنّي كُنتُ أرجو أن يَعيشَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى يَدبُرَنا _ يَقولُ : حَتّى يَكونَ آخِرَنا _ فَاختارَ اللّهُ جَلَّ وعَلا لِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، الَّذي عِندَهُ عَلَى الَّذي عِندَكُم ، وهذا كِتابُ اللّهِ هَدَى اللّهُ بِهِ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله ، فَخُذوا بِهِ تَهتَدوا بِما هَدَى اللّهُ بِهِ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله (1) .

.


1- .صحيح ابن حبّان : ج14 ص589 ح6620 ، الطبقات الكبرى : ج2 ص271 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص437 ح9756 نحوه .

ص: 15

نظرة تحليليّة في سبب إنكار موت النّبيّ

نَظرَةٌ تَحلِيليَّةٌ في سبب إنكارِ مَوتِ النَّبِيِّودّع النبيّ صلى الله عليه و آله الحياة إلى الرفيق الأعلى . واهتزّت المدينة ، وعلاها هياج وضجيج ، وانتشر خبر وفاته بسرعة ، فأقضّ المضاجع ، وملأ القلوب غمّا وهمّا وحزنا . والجميع كانوا يبكون وينحبون ، ويُعوِلون على فقد نبيّهم وسيّدهم وكان الشخص الوحيد الَّذي كذّب خبر الوفاة بشدّة كما أسلفنا ، وهدّد على نشره ، وحاول أن يحول دون ذلك هو عمر بن الخطّاب . وتكلّم معه العبّاس عمّ النبيّ فلم يقتنع . وحين نظر المغيرة بن شعبة إلى وجه النبيّ صلى الله عليه و آله أقسم أنّه ميّت ، لكنّ عمر قذفه بالكذب واتّهمه بإثارة الفتنة . وكان أبو بكر في «السُّنْح» خارج المدينة ، فأخبروه بوفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ، فجاء إلى المدينة ورأى عمر يتحدّث إلى النّاس ويهدّدهم بألّا يصدّقوا ذلك ولا ينشروه . وعندما رأى عمر أبا بكر جلس (1) . وذهب أبو بكر إلى الجنازة ، وكشف عن الوجه الشريف ، وخطب خطبةً قصيرةً ضمّنها قوله تعالى : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَ_بِكُمْ» (2) فهدأ عمر وسكن ،

.


1- .كنز العمّال : ج7 ص246 ح18775 .
2- .آل عمران : 144 .

ص: 16

وصدّق بالوفاة وقال بعد سماعه الآية : «أيقَنتُ بِوَفاتِهِ ؛ وكَأَنّي لَم أسمَع هذِهِ الآيَةَ» 1 . ويتبيّن من هذَا أنّ القائلين به غير واعين لِلُّعَب السياسيّة وتهيئة الأجواء ! وذهب البعض الآخر إلى أنّه كان يعلم جيّدا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله فارق الحياة ، ولن يكون بعدها بين ظهرانَيِ المسلمين ، لكنّ التفكير بالمصلحة ، والتخطيط للمستقبل جعلاه يتّخذ هذَا الموقف ليمهّد الأرضيّة من أجل التحرّك لإزالة منافسيه السياسيّين من الساحة . وتبنّى ابنُ أبي الحديد هذَا الرأي ، وذهب إلى أنّه فعل ذلك منعا لفتنةٍ قد يثيرها الأنصار أو غيرهم حول الإمامة . كتب ابن أبي الحديد قائلاً : «ونَحنُ نَقولُ : إنَّ عُمَرَ أجَلُّ قَدرا مِن أن يَعتَقِدَ ما ظَهَرَ عَنهُ في هذِهِ الواقِعَةِ ، ولكِنَّهُ لَمّا عَلِمَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد ماتَ ، خافَ مِن وُقوعِ فِتنَةٍ فِي الإِمامَةِ وتَقَلُّبِ أقوامٍ عَلَيها ، إمّا مِنَ الأَنصارِ أو غَيرِهِم . . . فَاقتَضَتِ المَصلَحَةُ عِندَهُ تَسكينَ النّاسِ بِأَن أظهَرَ ما أظهَرَهُ مِن كَونِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَمُت ... إلى أن جاءَ أبو بَكرٍ _ وكانَ غائِبا بِالسُّنحِ ، وهُوَ مَنزِلٌ بَعيدٌ عَنِ المَدينَةِ _ فَلَمَّا اجتَمَعَ بِأَبي بَكرٍ قَوِيَ بِهِ جَأشُهُ ، وَاشتَدَّ بِهِ أزرُهُ ، وعَظُمَ طاعَةُ النّاسِ لَهُ ومَيلُهُم إلَيهِ ، فَسَكَتَ حينَئِذٍ عَن تِلكَ الدَّعوَى الَّتي كانَ ادَّعاها» (1) . نظرا إلى القرائن التاريخيّة ، ومواقف هذين الرجلين ، وسكوت عمر المطلق بعد وصول أبي بكر وكان قد أثار ما أثار من الضجيج واللغط ، كلّ اولئك لا يَدَع مجالا

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص42 .

ص: 17

1 / 2 ما جرى في السّقيفة

للشّك في أنّ موقف عمر كان تحرّكا سياسيّا للتمهيد من أجل الشيء الَّذي امتنع بسببه من الذهاب مع جيش اُسامة ، مخالفا لنصّ نبوي صريح وأمر رسالي أكيد . وكان النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه يتحدّث عن نهاية حياته ، وأبلغ الجميع بذلك . وكان عمر قبل هذَا الوقت وحين منع من كتابة الوصيّة يردّد شعار «حَسبُنا كِتابُ اللّهِ» ، أي: إنّ كلمة «حسبنا . . .» تتحقّق بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ويمكن القول مبدئيّا إنّ نصّ القرآن الكريم على وفاته وعدم خلوده صلى الله عليه و آله يدلّ على أنّ نفي وفاته لم يكن عقيدةً راسخةً يتبنّاها المؤمنون قطّ ، وأوضح من ذلك كلّه كلام عمر نفسه عندما نصب أبا بكر في الخلافة وأجلسه على عرشها ، فقد صرّح بخطأ مقاله ووهنه قائلاً: «أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قُلتُ لَكُم أمسِ مَقالةً لَم تَكُن كَما قُلتُ . وإنّي وَاللّهِ ما وَجَدتُها في كِتابٍ أنزَلَهُ اللّهُ ولا في عَهدٍ عَهِدَهُ إلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولكِنّي كُنتُ أرجو أن يَعيشَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ فَقالَ كَلِمَةً يُريدُ _ حَتّى يَكونَ آخِرَنا ، فَاختارَ اللّهُ لِرَسولِهِ الَّذي عِندَهُ عَلَى الَّذي عِندَكُم ، وهذَا الكِتابُ الَّذي هَدَى اللّهُ بِهِ رَسولَكُم ، فَخُذوا بِهِ تَهتَدوا لِما هَدى لَهُ رَسولَ اللّهِ» (1) . إنّ هذا كلّه يدلّ على أنّه كان يمهّد الأرضيّة للقبض على السّلطة ، ويهيّئ الاُمور لخلافةِ أبي بكر حتّى يتسنّى له أن يحكم بعده . وما أبلغ كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين قال له : «اُحلُب حَلبا لَكَ شَطرُهُ» (2) .

1 / 2ما جَرى فِي السَّقيفَةِتاريخ الطبري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي عَمرَة الأنصاري :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَمّا قُبِض

.


1- .الطبقات الكبرى : ج2 ص271 .
2- .راجع : ص 40 (الهجوم على بيت فاطمة بنت رسول اللّه ) .

ص: 18

اجتَمَعَتِ الأَنصارُ في سَقيفَةِ بَني ساعِدَةَ (1) ، فَقالوا : نُوَلّي هذَا الأَمرَ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله سَعدَ بنَ عُبادَةَ ، وأخرَجوا سَعدا إلَيهِم وهُوَ مَريضٌ . فَلَمَّا اجتَمَعوا قالَ لِابنِهِ أو بَعضِ بَني عَمِّهِ : إنّي لا أقدِرُ لِشَكوايَ أن اُسمِعَ القَومَ كُلَّهُم كَلامي ، ولكِن تَلَقَّ مِني قَولي فَأَسمِعهُموهُ . فَكانَ يَتَكَلَّمُ ويَحفَظُ الرَّجُلُ قَولَهُ ، فَيَرفَعُ صَوتَهَ فَيُسمِعُ أصحابَهُ ، فَقالَ _ بَعدَ أن حَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ _ : يا مَعشَرَ الأَنصارِ ! لَكُم سابِقَةٌ فِي الدّينِ ، وفَضيلَةٌ فِي الإِسلامِ لَيسَت لِقَبيلَةٍ مِنَ العَرَبِ ؛ إنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله لَبِثَ بِضعَ عَشَرَةَ سَنَةً في قَومِهِ يَدعوهُم إلى عِبادَةِ الرَّحمنِ وخَلعِ الأَندادِ وَالأَوثانِ ، فَما آمَنَ بِهِ مِن قَومِهِ إلّا رِجالٌ قَليلٌ ، وكانَ ما كانوا يَقدِرونَ عَلى أن يَمنَعوا رَسولَ اللّهِ ولا أن يُعِزّوا دينَهُ ، ولا أن يَدفَعوا عَن أنفُسِهِم ضَيما عُمّوا بِهِ ، حَتّى إذا أرادَ بِكُمُ الفَضيلَةَ ساقَ إلَيكُمُ الكَرامَةَ وخَصَّكُم بِالنِّعمَةِ ، فَرَزَقَكُمُ اللّهُ الإِيمانَ بِهِ وبِرَسولِهِ ، وَالمَنعَ لَهُ ولِأَصحابِهِ ، وَالإِعزازَ لَهُ وَلِدينِهِ ، وَالجِهادَ لِأَعدائِهِ ، فَكُنتُم أشَدَّ النّاسِ عَلى عَدُوِّهِ مِنكُم ، وأثقَلَهُ عَلى عَدُوِّهِ مِن غَيرِكُم ، حَتَّى استَقامَتِ العَرَبُ لِأَمرِ اللّهِ طَوعا وكَرها ، وأعطَى البَعيدُ المَقادَةَ صاغِرا داخِرا حَتّى أثخَنَ اللّهُ عَزَّوجَلَّ لِرَسولِهِ بِكُمُ الأرضَ ، ودانَت بِأَسيافِكُم لَهُ العَرَبَ ، وتَوَفّاهُ اللّهُ وهُوَ عَنكُم راضٍ وبِكُم قَريرُ عَينٍ ، اِستَبِدّوا بِهذَا الأَمرِ ؛ فَإِنَّهُ لَكُم دونَ النّاسِ . فَأَجابوهُ بِأَجمَعِهِم : أن قَد وُفِّقتَ فِي الرَّأيِ ، وأصَبتَ فِي القَولِ ، ولَن نَعدُوَ ما رَأَيتَ ، ونُوَلّيكَ هذَا الأَمرَ ؛ فَإِنَّكَ فينا مَقنَعٌ ولِصالِحِ المُؤمِنينَ رِضىً . ثُمَّ إنَّهُم تَرادُّوا الكَلامَ بَينَهُم ، فَقالوا : فَإِن أبَت مُهاجِرَةُ قُرَيشٍ ، فَقالوا : نَحنُ المُهاجِرونَ وصَحابَةُ رَسولِ اللّهِ الأَوَّلونَ ، ونَحنُ عَشيرَتُهُ وأوِلِياؤُهُ ، فَعَلامَ تُنازِعونَنا هذَا الأَمرَ بَعدَهُ ؟ فَقالَت طائِفَةٌ مِنهُم : فَإنّا نَقولُ إذا : مِنّا أميرٌ ومِنكُم أميرٌ ، ولَن نَرضى

.


1- .سقِيفة بني ساعدة : بالمدينة ، وهي ظلّة كانوا يجلسون تحتها ، فيها بويع أبو بكر (معجم البلدان : ج3 ص228) .

ص: 19

بِدونِ هذَا الأَمرِ أبَدا . فَقالَ سَعدُ بن عُبادَةَ حينَ سَمِعَها : هذا أوَّلُ الوَهنِ ! وأتى عُمَرَ الخَبَرُ ، فَأَقبَلَ إلى مَنزِلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَأَرسَلَ إلى أبي بَكرٍ ، وأبو بَكرٍ فِي الدّارِ وعَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام دائِبٌ في جَهازِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَرسَلَ إلى أبي بَكرٍ أنِ اخرُج إلَيَّ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ : إنّي مُشتَغِلٌ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ أنَّهُ قَد حَدَثَ أمرٌ لابُدَّ لَكَ مِن حُضورِهِ ، فَخَرَجَ إلَيهِ فَقالَ : أما عَلِمتَ أنَّ الأَنصارَ قَدِ اجتَمَعَت في سَقيفَةِ بَني ساعِدَةَ يُريدونَ أن يُوَلّوا هذَا الأَمرَ سَعدَ بن عُبادَةَ ، وأحسَنُهُم مَقالَةً مَن يَقولُ : مِنّا أميرٌ ومِن قُرَيشٍ أميرٌ ؟ فَمَضَيا مُسرِعَينِ نَحوَهُم ، فَلَقِيا أبا عُبَيدَةَ بنَ الجَرّاحِ ، فَتَماشَوا إلَيهِم ثَلاثَتُهُم ، فَلَقِيَهُم عاصِمُ بنُ عَدِيٍّ وعُوَيمُ بنُ ساعِدَةَ ، فَقالا لَهُم : اِرجِعوا ؛ فَإِنَّهُ لا يَكونُ ما تُريدونَ ، فَقالوا : لا نَفعَلُ . فَجاؤوا وهُم مُجتَمِعونَ . فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : أتَيناهُم _ وقَد كُنتُ زَوَّرتُ كَلاما أرَدتُ أن أقومَ بِهِ فيهم _ فَلَمّا أن دَفَعتُ إلَيهِم ذَهَبتُ لاِبتَدِئَ المَنطِقَ ، فَقالَ لي أبو بَكرٍ : رُوَيدا حَتّى أتَكَلَّمَ ، ثُمَّ انطِق بَعدُ بِما أحبَبتَ . فَنَطَقَ ، فَقالَ عُمَرُ : فَما شَيءٌ كُنتُ أرَدتُ أن أقولَهُ إلّا وقَد أتى بِهِ أو زادَ عَلَيهِ . فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ الرَّحمنِ : فَبَدَأَ أبو بَكرٍ فَحَمِدَ اللّهَ وأَثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّدَا رَسولاً إلى خَلقِهِ ، وشَهيدا عَلى اُمَّتِهِ ؛ لِيَعبُدُوا اللّهَ ويُوَحِّدوهُ ، وَهُم يَعبُدونَ مِن دونِهِ آلِهَةً شَتّى ، ويَزعُمونَ أنَّها لَهُم عِندَهُ شافِعَةٌ ، ولَهُم نافِعَةٌ ، وإنَّما هِيَ مِن حَجَرٍ مَنحوتٍ ، وخَشَبٍ مَنجورٍ ، ثُمَّ قَرَأَ : «وَ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَ لَا يَنفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هَ_ؤُلَاءِ شُفَعَ_ؤُنَا عِندَ اللَّهِ» (1) وقالوا : «مَا نَعْبُدُهُم

.


1- .يونس : 18 .

ص: 20

إِلَا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى» (1) فَعَظُمَ عَلَى العَرَبِ أن يَترُكوا دينَ آبائِهِم ، فَخَصَّ اللّهُ المُهاجِرينَ الأَوَّلينَ مِن قَومِهِ بِتَصديقِهِ وَالإِيمانِ بِهِ وَالمُؤاساةِ لَهُ ، والصَّبرِ مَعَهُ عَلى شِدَّةِ أذى قَومِهِم لَهُم وتَكذيبِهِم إيّاهُم ، وكُلُّ النّاسِ لَهُم مُخالِفٌ زارٍ عَلَيهم ، فَلَم يَستَوحِشوا لِقِلَّةِ عَدَدِهِم وشَنَفِ (2) النّاسِ لَهُم ، وإجماعِ قَومِهِم عَلَيهِم ، فَهُم أوَّلُ مَن عَبَدَ اللّهَ فِي الأَرضِ ، وآمَنَ بِاللّهِ وبِالرَّسولِ ، وهُم أولِياؤُهُ وعَشيرَتُهُ وأحَقُّ النّاسِ بِهذَا الأَمرِ مِن بَعدِهِ ، ولا يُنازِعُهُم ذلِكَ إلّا ظالمٌ . وأنتُم يا مَعشَرَ الأَنصارِ ! مَن لا يُنكَرُ فَضلُهُم فِي الدِّينِ ، ولا سابِقَتُهُم العَظيمَةُ فِي الإِسلامِ ، رَضِيَكُمُ اللّهُ أنصارا لِدينِهِ ورَسولِهِ ، وجَعَلَ إليكُم هِجرَتَهُ ، وفيكُم جُلَّةُ أزواجِهِ وأصحابِهِ ، فَلَيسَ بَعدَ المُهاجِرينَ الأَوَّلينَ عِندَنا أحَدٌ بِمَنزِلَتِكُم ، فَنَحنُ الاُمَراءُ وأنتُمُ الوُزَراءُ ، لا تَفتاتونَ بِمَشورَةٍ ولا نَقضي دونَكُمُ الاُمورَ . فَقامَ الحُبابُ بنُ المُنذِرِ بنِ الجَموحِ فَقالَ : يا مَعشَرَ الأَنصارِ ! املِكوا عَلَيكُم أمرَكُم ؛ فَإِنَّ النّاسَ في فَيئِكُم وفي ظِلِّكُم ، ولَن يَجتَرِئَ مُجتَرِئٌ عَلى خِلافِكُم ، ولَن يَصدُرَ النّاسُ إلّا عَن رَأيِكُم ، أنتُم أهلُ العِزِّ وَالثَّروَةِ ، واُولُو العَدَدِ وَالمَنَعَةِ والتَّجرِبَةِ [ و ] (3) ذَوُو البَأسِ وَالنَّجدَةِ ، وإنَّما يَنظُرُ النّاسُ إلى ما تَصنَعونَ ، ولا تَختَلِفوا فَيَفسُدَ عَلَيكُم رَأيُكُم ، ويَنتَقِضَ عَلَيكُم أمرُكُم ، فَإِن أبى هؤُلاءِ إلّا ما سَمِعتُم ، فَمِنّا أميرٌ ومِنهُم أميرٌ . فَقالَ عُمَرُ : هَيهاتَ لا يَجتَمِعُ اثنانِ في قَرنٍ ! وَاللّهِ لا تَرضَى العَرَبُ أن يُؤَمِّروكُم ونَبِيُّها مِن غَيرِكُم ، ولكِنَّ العَرَبَ لا تَمتَنِعُ أن تُوَلِّيَ أمرَها مَن كانَتِ النُّبُوَّةُ فيهِم ووَلِى

.


1- .الزمر : 3 .
2- .يقال : شَنِفَ له شَنَفا ؛ إذا أبغضه (النهاية : ج2 ص505) .
3- .هذه الزيادة من الكامل في التاريخ .

ص: 21

اُمورِهِم مِنهُم ، ولَنا بِذلِكَ عَلى مَن أبى مِنَ العَرَبِ الحُجَّةُ الظّاهِرَةُ وَالسُّلطانُ المُبينُ . مَن ذا يُنازِعُنا سُلطانَ مُحَمَّدٍ وإمارَتَهُ _ ونَحنُ أولِياؤُهُ وعَشيرَتُهُ _ إلّا مُدلٍ بِباطِلٍ ، أو مُتَجانِفٌ لِاءِثمٍ ، ومُتَوَرِّطٌ في هَلَكَةٍ . . . . فَقالَ أبو بَكرٍ : هذا عُمَرُ وهذا أبو عُبَيدَةَ ، فَأَيُّهُما شِئتُم فَبايِعوا . فَقالا : لا وَاللّهِ لا نَتَوَلّى هذَا الأَمرَ عَلَيكَ ؛ فَإِنَّكَ أفضَلُ المُهاجِرينَ ، وثانِي اثنَينِ إذ هُما فِي الغارِ ، وخَليفَةُ رَسولِ اللّهِ عَلَى الصَّلاةِ ، وَالصَّلاةُ أفضَلُ دينِ المُسلِمينَ ، فَمَن ذا يَنبَغي لَهُ أن يَتَقَدَّمَكَ أو يَتَوَلّى هذَا الأَمرَ عَلَيكَ ، ابسُط يَدَكَ نُبايِعكَ . فَلَمّا ذَهَبا لِيُبايِعاهُ سَبَقَهُما إلَيهِ بَشيرُ بنُ سَعدٍ فَبايَعَهُ ، فَناداهُ الحُبابُ بنُ المُنذِرِ : يا بَشيرَ بنَ سَعدٍ ! عَقَّتك عِقاقٌ ، ما أحوَجَكَ إلى ما صَنَعتَ ، أ نَفِستَ عَلَى ابنِ عَمِّكَ الإِمارَةَ ؟ ! فَقالَ : لا وَاللّهِ ، ولكِنّي كَرِهتُ أن اُنازِعَ قَوما حَقّا جَعَلَهُ اللّهُ لَهُم . ولَمّا رَأَتِ الأَوسُ ماصَنَعَ بَشيرُ بنُ سَعدٍ ، وما تَدعو إلَيهِ قُرَيشٌ ، وما تَطلُبُ الخَزرَجُ مِن تَأميرِ سَعدِ بنِ عُبادَةَ قالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ _ وفيهِم اُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ وكانَ أحَدَ النُّقَباءِ (1) _ : وَاللّهِ لَئِن وَلِيَتهَا الخَزرَجُ عَلَيكُم مَرَّةً لا زالَت لَهُم عَلَيكُم بِذلِكَ الفَضيلَةُ ، ولا جَعَلوا لَكُم مَعَهُم فيها نَصيبا أبَدا ، فَقوموا فَبايِعوا أبا بَكرٍ . فَقاموا إلَيهِ فَبايَعوهُ ، فَانكَسَرَ علَى سَعدِ بن عُبادَةَ وعَلَى الخَزرَجِ ما كانوا أجمَعوا لَهُ مِن أمرِهِم (2) .

صحيح البخاري عن عائشة :اِجتَمَعَتِ الأَنصارُ إلى سَعدِ بن عُبادَةَ في سَقيفَةِ بَني ساعِدَةَ ، فَقالوا : مِنّا أميرٌ ومِنكُم أميرٌ ، فَذَهَبَ إلَيهِم أبو بَكرٍ وعُمَرُ بنُ الخَطّاب

.


1- .النقباء : جمع نقيب ؛ وهو كالعريف على القوم المقدّم عليهم ، الَّذي يتعرّف أخبارهم ، وينقّب عن أحوالهم ؛ أي يفتَّش . وكان النبيّ صلى الله عليه و آله قد جعل ليلةَ العقبة كلَّ واحد من الجماعة الَّذين بايعوه بها نقيبا على قومه وجماعته ، ليأخذوا عليهم الإسلام ، ويعرّفوهم شرائطه . وكانوا اثنى عشر نقيبا ، كلّهم من الأنصار (النهاية : ج5 ص101) .
2- .تاريخ الطبري : ج3 ص218 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص12 و 13 عن أبي عمرة الأنصاري ، الإمامة والسياسة : ج 1 ص21 نحوه .

ص: 22

وأبو عُبَيدَةَ بَنُ الجَرّاحِ ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسكَتَهُ أبو بَكرٍ ، وكانَ عُمَرُ يَقولُ : وَاللّهِ ما أرَدتُ بِذلِكَ إلّا أنّي قَد هَيَّأتُ كَلاما قَد أعجَبَني ، خَشيتُ أن لا يَبلُغَهُ أبو بَكرٍ . ثُمَّ تَكَلَّمَ أبو بَكرٍ فَتَكَلَّمَ أبلَغَ النّاسِ ، فَقالَ في كَلامِهِ : نَحنُ الاُمَراءُ وأنتُمُ الوُزَراءُ ، فَقالَ حُبابُ بنُ المُنذِرِ : لا وَاللّهِ لا نَفعَلُ ، مِنّا أميرٌ ، ومِنكُم أميرٌ ، فَقالَ أبو بَكرٍ : لا ، ولكِنَّا الاُمَراءُ وأنتُم الوُزَراءُ ، هُم أوسَطُ العَرَبِ دارا ، وأعرَبُهُم أحسابا ، فَبايِعوا عُمَرَ أو أبا عُبَيدَةَ بنَ الجَرّاحِ ، فَقالَ عُمَرُ : بَل نُبايِعُكُ أنتَ ؛ فَأَنتَ سَيِّدُنا وخَيرُنا وأحَبُّنا إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبايَعَهُ وبايَعَهُ النّاسُ ، فَقالَ قائِلٌ : قَتَلتُم سَعدا ، فَقالَ عُمَرُ : قَتَلَهُ اللّهُ ! (1)

تاريخ الطبري عن الضحّاك بن خليفة :لَمّا قامَ الحُبابُ بنُ المُنذِرِ انتَضى سَيفَهُ ؛ وقالَ أنَا جُذَيلُهَا المُحَكَّكُ (2) ، وعُذَيقُهَا المُرَجَّبُ (3) ، أنَا أبو شِبلٍ في عِرّيسَةِ (4) الأَسَدِ ، يُعزى إليَّ الأُسدُ . فَحامَلَهُ عُمَرُ فَضَرَبَ يَدَهُ ، فَنَدَرَ (5) السَّيفُ فَأَخَذَهُ ، ثُمَّ وَثَبَ عَلى سَعدٍ ووَثَبوا عَلى سَعدٍ ، وتَتابَعَ القَومُ عَلَى البَيعةِ ، وبايَعَ سَعدٌ ، وكانَت فَلتَةً كَفَلَتاتِ الجاهِلِيَّةِ ، قامَ أبو بَكرٍ دونَها (6) .

صحيح البخاري عن ابن عبّاس عن عمر_ مِن خُطبَتِهِ فِي أواخِرِ عُمُرِهِ _: بَلَغَني أنَّ قائِلاً مِنكُم يَقولُ : وَاللّهِ لَو قَد ماتَ عُمَرُ بايَعتُ فُلاناً فَلا يَغتَرَّنَّ امرُؤٌ أن يَقولَ : إنَّما كانَت

.


1- .صحيح البخاري : ج3 ص1341 ح3467 ، الطبقات الكبرى : ج2 ص269 .
2- .جُذَيلها : تصغير جِذل ، وهو العود الَّذي يُنصَب للإبل الجربى لتحتكّ به ، وهو تصغير تعظيم ؛ أي أنا ممّن يستشفى برأيه كما تستشفي الإبل الجربى بالاحتكاك بهذا العود (النهاية : ج1 ص251) .
3- .عُذيقها : تصغير العَذق : النخلة ، والرُّجْبَة : هو أن تُعمَد النخلة الكريمة ببناءٍ من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حَملها أن تقع (النهاية : ج3 ص199 و ج 2 ص197) .
4- .العِرِّيسة : الشجر الملتفّ ، وهو مأوى الأسد في خيسه (لسان العرب : ج6 ص136) .
5- .أي سقط ووقع (النهاية: ج5 ص35) .
6- .تاريخ الطبري : ج3 ص223 .

ص: 23

بَيعَةُ أبي بَكرٍ فَلتَةً وتَمَّت . ألا وإنَّها قَد كانَت كَذلِكَ ، ولكِنَّ اللّهَ وقى شَرَّها ، ولَيسَ فيكُم مَن تُقطَعُ الأعناقُ إلَيهِ مِثلُ أبي بَكرٍ . مَن بايَعَ رَجُلاً عَن غَيرِ مَشورَةٍ مِنَ المُسلِمينَ فَلا يُتابَعُ هُوَ ولَا الَّذي تابَعَهُ تَغِرَّةٌ (1) أن يُقتَلا وإِنَّه قَد كانَ مِن خَبَرِنا حينَ تَوفّى اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله أنَّ الأَنصارَ خالَفونا ، واجتَمَعوا بِأَسْرِهِم في سَقيفَةِ بَني ساعِدَةَ ، وخالَفَ عَنّا عَليٌّ والزُّبَيرُ ومَن مَعَهُما ، واجتَمَعَ المُهاجِرونَ إلى أبي بَكرٍ ، فَقُلتُ لأَبي بَكرٍ : يا أبا بَكرِ اِنطَلِق بِنا إلى إخوانِنا هؤلاءِ مِنَ الأنصارِ ، فَانطَلَقنا نُريدُهُم ، فَلمّا دَنَونا مِنهُم لَقيَنا مِنهُم رَجُلانِ صالِحانِ ، فَذَكَرا ما تَمالأَ عَلَيهِ القَومُ ، فَقالا : أينَ تُريدونَ يامَعشَرَ المُهاجِرينَ ؟ فَقُلنا : نُريدُ إخوانَنا هؤلاءِ مِنَ الأنصارِ . فَقالا : لا عَلَيكُم أن لا تَقرَبوهُم ، اقضوا أمرَكُم . فَقُلتُ : وَاللّهِ لَنَأتينَّهُم . فَانطَلَقنا حَتّى أتَيناهُم في سَقيفَةِ بَني ساعِدَةَ ، فإِذا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَينَ ظَهرانيهم ، فَقُلتُ : مَن هذَا ؟ فَقالوا : هذَا سَعدُ بن عِبادَةَ . فَقُلتُ : ما لَهُ ؟ قالوا : يُوعَكُ ، فَلَمّا جَلَسنا قَليلاً تَشَهَّدَ خَطيبَهُم ، فَأَثنى عَلَى اللّهِ بِما هو أهلُهُ ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَنَحنُ أنصارُ اللّهِ وكَتيبَةُ الإِسلامِ ، وأنتُم مَعشَرَ المُهاجِرينَ رَهطٌ ، وقَد دَفَّت دافّةٌ (2) مِن قَومِكُم ، فإِذا هُم يُريدونَ أن يَختَزِلونا مِن أصلِنا ، وأن يَحضِنونا مِنَ الأمرِ . فَلَمّا سَكَتَ أردتُ أن أتَكَلَّمُ ، وكُنتُ قَد زَوّرتُ مَقالَةً أعجَبَتني أرَدتُ أن اُقَدِّمَها بَينَ يَدَي أبي بَكرٍ ، وكُنتُ اُداري مِنهُ بَعضَ الحَدِّ ، فَلَمّا أرَدتُ أن أتَكَلَّمُ قالَ أبو بَكرٍ : عَلى رَسلِكَ ، فَكَرَهتُ أن اُغضِبَهُ ، فَتَكَلَّمَ أبو بَكر ، فَكانَ هو أحلَمُ مِنِّي وأوقَرُ ، وَاللّهِ ما تَرَكَ مِن كَلِمَةٍ أعجَبَتني في تَزويري إلّا قالَ في بَديهَتِهِ مِثلها أو أفضَلَ ، حَتّى

.


1- .التَّغِرّة : مصدر غرّرته: إذا ألقيته في الغَرَر (النهاية : ج 3 ص356) .
2- .الدافّة : القوم يسيرون جماعة (النهاية : ج2 ص124) .

ص: 24

سَكَتَ فَقالَ : ما ذَكَرتُم فيكُم مِن خَيرٍ فأَنتُم لَهُ أهلٌ ، ولَن يُعرَفُ هذَا الأمرُ إلّا لِهذا الحَيِّ مِن قُرَيشِ ، هُم أوسَطُ العَرَبِ نَسَباً وداراً ، وقَد رَضيتُ لَكُم أحَدَ هذَينِ الرَّجُلينِ ، فَبايِعوا أيُّهُما شِئتُم ، فأَخَذَ بِيَدي وبِيَدِ أبي عُبيدةَ بن الجرّاح وهو جالِسٌ بَينَنا ، فَلَم أكرَه مِمّا قالَ غَيرَها ، كانَ وَاللّهِ أن اُقَدَّمَ فَتُضرَبُ عُنُقي ، لا يَقرِبُني ذلِكَ مِن إثمٍ أحَبَّ إليَّ مِن أن أتَأَمَّرُ عَلى قَومٍ فيهِم أبو بَكر ، اللّهُمّ إلّا أن تُسَوِّلَ لي نَفسي عِندَ المَوتِ شَيئا لا أجِدَهُ الآنَ ، فَقالَ قائِلٌ مِنَ الأنصارِ : أنا جُذَيلُها المُحَكّكُ ، وعُذَيقُها المُرَجّبُ ، مِنّا أميرٌ ومِنكُم أميرٌ . يامَعشَرَ قُرَيشَ ! فَكَثَرَ اللّغَطُ وارتَفَعَتِ الأصواتُ ، حَتّى فَرقَت مِنَ الاختِلافُ ، فَقُلتُ : ابسُط يَدَكَ يا أبا بَكرٍ ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبايَعتُهُ وبايَعَهُ المُهاجِرونَ ثُمَّ بايَعَتهُ الأنصارُ ، ونَزَونا عَلى سعدِ بن عِبادَةَ فَقالَ قائِلٌ مِنهُم : قَتَلتُم سَعدُ بن عِبادَةَ ! فَقُلتُ : قَتَلَ اللّهُ سَعدَ بنَ عِبادَةَ . قالَ عُمَرُ : وإِنّا وَاللّهِ ما وَجَدنا فيما حَضَرنا مِن أمرٍ أقوى مِن مُبايَعَةِ أبي بَكرٍ خَشَينا إن فارَقنا القَومَ ولَم تَكُن بَيعَةٌ أن يُبايِعوا رَجُلاً مِنهُم بَعدَنا ، فَإِمّا بايَعناهُم عَلَى ما لا نَرضى ، وإِمّا نُخالِفَهُم فَيَكونُ فَسادٌ . فَمَن بايَعَ رَجُلاً عَلى غَيرِ مَشوَرَةٍ مِنَ المُسلِمينَ فَلا يُتابَعُ هو ولَا الَّذي بايَعَهُ تَغِرَّةَ أن يُقتَلا (1) .

تاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ السَّقيفَةِ _: قامَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ فَتَكَلَّمَ ، فَقالَ : يا مَعشَرَ الأَنصارِ ! ، إنَّكُم وإن كُنتُم عَلى فَضلٍ ، فَلَيسَ فيكُم مِثلُ أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعَلِيٍّ .

.


1- .صحيح البخاري : ج6 ص2505 ح6442 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص123 ح391 ، صحيح ابن حبّان : ج2 ص148 ح413 و ص155 ح414 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص441 ح9758 ، تاريخ الطبري : ج3 ص205 ، السيرة النبويّة لابن هشام: ج4 ص308 ، تاريخ دمشق : ج30 ص281 و ص 284 وليس فيه صدره إلى «أن يقتلا» ، الكامل في التاريخ : ج2 ص11 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص23 ، أنساب الأشراف : ج2 ص265 نحوه ، السيرة النبويّة لابن كثير : ج4 ص487 .

ص: 25

1 / 3 كلام أبي بكر بعد البيعة

وقامَ المُنذِرُ بنُ أرقَمَ ، فَقالَ : ما نَدفَعُ فَضلَ مَن ذَكَرتَ ، وإنَّ فيهِم لَرَجُلاً لَو طَلَبَ هذَا الأَمرَ لَم يُنازِعهُ فيهِ أحَدٌ ، يَعني عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ (1) .

الردّة عن زيد بن الأَرقَم :يَابنَ عَوفٍ ! لَولا أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رضى الله عنه وغَيرَهُ مِن بَني هاشِمٍ اِشتَغَلوا بِدَفنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وبِحُزنِهِم عَلَيهِ ، فَجَلَسوا في مَنازِلِهِم ، ما طَمِعَ فيها مَن طَمِعَ (2) .

تاريخ الطبري عن أبي بكر بن محمّد الخُزاعيّ :إنَّ أسلَمَ 3 أقبَلَت بِجَماعَتِها حَتّى تَضايَقَ بِهِمُ السِّكَكُ ، فَبايَعوا أبا بَكرٍ ، فَكانَ عُمَرُ يَقولُ : ما هُوَ إلّا أن رَأَيتُ أسلَمَ ، فَأَيقَنتُ بِالنَّصرِ (3) .

1 / 3كَلامُ أبي بَكرٍ بَعدَ البَيعةِتاريخ الطبري عن أنس بن مالك :لَمّا بويِعَ أبو بَكرٍ فِي السَّقيفَةِ ؛ وكانَ الغَدُ ، جَلَسَ أبو بَكرٍ عَلَى المِنبَرِ . . . فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ بِالَّذي هُوَ أهلُهُ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ أيُّهَا النّاسُ ؛ فَإِنّي قَد وُلِّيتُ عَلَيكُم ولَستُ بِخَيرِكُم ؛ فَإِن أحسَنتُ فَأَعينوني ؛ وإن أسَأتُ فَقَوِّموني . . . أطيعوني ما أطَعتُ اللّهَ ورَسولَهُ ؛ فَإِذا عَصَيتُ اللّهَ ورَسولَهُ فَلا طاعَةَ لي عَلَيكُم . قوموا إلى صَلاتِكُم رَحِمَكُمُ اللّهُ ! (4)

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص123 ؛ الأخبار الموفّقيّات : ص578 ح378 نحوه .
2- .الردّة : ص45 .
3- .تاريخ الطبري : ج3 ص222 .
4- .تاريخ الطبري : ج3 ص210 ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج4 ص311 ، البداية والنهاية : ج5 ص248 و ج 6 ص301 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج11 ص336 ح20702 عن معمّر عن بعض أهل المدينة نحوه وراجع أنساب الأشراف : ج2 ص273 و 274 .

ص: 26

1 / 4 دور عمر في بيعة أبي بكر

تاريخ اليعقوبي :صَعِدَ أبو بَكرٍ المِنبَرَ عِندَ وِلايَتِهِ الأَمرَ ، فَجَلَسَ دونَ مَجلِسِ رَسولِ اللّهِ بِمِرقاةٍ ، ثُمَّ حَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وقالَ : إنّي وُلّيتُ عَلَيكُم ولَستُ بِخَيرِكُم ، فَإِنِ استَقَمتُ فَاتَّبِعوني ، وإن زُغتُ فَقَوِّموني ! لا أقولُ إنّي أفضَلُكُم فَضلاً ، ولكِنّي أفضَلُكُم حَملاً ، وأثنى عَلَى الأَنصارِ خَيرا وقالَ : أنَا وإيّاكُم مَعشَرَ الأَنصارِ كَما قالَ القائِلُ : جَزَى اللّهُ عَنّا جَعفَرا حينَ اُزلِقَت بِنا نَعلُنا في الواطِئينَ فَزَلّتِ أبَوا أن يَمِلّونا ولَو أنَّ اُمَّنا تُلاقِي الَّذي يَلقَونَ مِنّا لَمَلَّتِ فَاعتَزَلَتِ الأَنصارُ عَن أبي بَكرٍ ، فَغَضِبَت قُرَيشٌ (1) .

الأخبار الموفّقيّات :فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ ، قامَ أبو بَكرٍ فَخَطَبَ النّاسَ ، وقالَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنّي وُلّيتُ أمرَكُم ولَستُ بِخَيرِكُم ؛ فَإِذا أحسَنتُ فَأَعينوني ، وإن أسَأتُ فَقَوِّموني . إنَّ لي شَيطانا يَعتَريني ، فَإِيّاكُم وإيّايَ إذا غَضِبتُ ! ! (2)

1 / 4دَورُ عُمَرَ في بَيعَةِ أبي بَكرٍشرح نهج البلاغة :عُمَرُ هُوَ الَّذي شَدَّ بَيعَةَ أبي بَكرٍ ، ووَقَمَ (3) المُخالِفينَ فيها ؛ فَكَسَرَ سَيفَ الزُّبَيرِ لَمّا جَرَّدَهُ ، ودَفَعَ في صَدرِ المِقدادِ ، ووَطِئَ فِي السَّقيفَةِ سَعدَ بنَ عُبادَةَ ، وقالَ : اُقتُلوا سَعدا ، قَتَلَ اللّهُ سَعدا ! وحَطَّمَ أنفَ الحُبابِ بنِ المُنذِرِ الَّذي قالَ يَومَ السَّقيفَةِ :

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص127 .
2- .الأخبار الموفّقيّات : ص579 ح379 .
3- .وقم الرجل : أذلّه وقهره ، وقيل : ردّه أقبح الردّ (لسان العرب : ج12 ص642) .

ص: 27

1 / 5 من تخلّف عن بيعة أبي بكر

أنَا جُذَيلُهَا المُحَكَّكُ ، وعُذَيقُهَا المُرَجَّبُ . وتَوَعَّدَ مَن لَجَأَ إلى دارِ فاطِمَةَ عليهاالسلاممِنَ الهاشِمِيّينَ ، وأخرَجَهُم مِنها . ولَولاهُ لَم يَثبُت لِأَبي بَكرٍ أمرٌ ، ولا قامَت لَهُ قائِمَةٌ (1) .

1 / 5مَن تَخَلَّفَ عَن بَيعةِ أبَي بَكرٍتاريخ اليعقوبي :تَخَلَّفَ عَن بَيعَةِ أبي بَكرٍ قَومٌ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، ومالوا مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، مِنهُمُ : العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ ، وَالفَضلُ بنُ العَبّاسِ ، وَالزُّبَيرُ بنُ العَوّامِ بنِ العاصِ ، وخالِدُ بنُ سَعيدٍ ، وَالمِقدادُ بنُ عَمرٍو ، وسَلمانُ الفارِسِيُّ ، وأبو ذَرٍّ الغِفارِيُّ ، وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، وَالبَراءُ بنُ عازِبٍ ، واُبَيُّ بنُ كَعبٍ . فَأَرسَلَ أبو بَكرٍ إلى عُمَرَ بنِ الخَطّابِ ، وأبي عُبَيدَةَ بنِ الجَرّاحِ ، وَالمُغيرَةَ بنِ شُعبَةَ ، فَقالَ : مَا الرَّأيُ ؟ قالوا : الرَّأيُ أن تَلقَى العَبّاسَ بنَ عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَتَجعَلَ لَهُ في هذَا الأَمرِ نَصيبا يَكونُ لَهُ ولِعَقِبِهِ مِن بَعدِهِ ، فَتَقطَعونَ بِهِ ناحِيَةَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ حُجَّةً لَكُم عَلى عَلِيٍّ إذا مالَ مَعَكُم . فَانطَلَقَ أبو بَكرٍ وعُمَرُ وأبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ والمُغيرَةُ حَتّى دَخَلوا عَلَى العَبّاسِ لَيلاً ، فَحَمِدَ أبو بَكرٍ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّدا نَبِيّا ، ولِلمُؤمِنينَ وَلِيّا ، فَمَنَّ عَلَيهِم بِكَونِهِ بَينَ أظهُرِهِم ، حَتّى اختارَ لَهُ ما عِندَهُ ، فَخَلّى عَلَى النّاسِ اُمورا لِيَختاروا لِأَنفُسِهِم (2) في مَصلَحَتِهِم مُشفِقينَ ، فَاختاروني عَلَيهِم وَالِيا ، ولِاُمورِهِم راعِيا ، فَوُلّيتُ ذلِكَ ، وما أخافُ بِعَونِ اللّهِ وتَسديدِهِ وَهنا ولا حَيرَةً ولا جُبنا ، وما تَوفيقي إلّا بِاللّهِ ، عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وإلَيهِ اُنيبُ .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص174 .
2- .هذا القول هو على خلاف ما ثبت من الأدلّة العقليّة والنقليّة الَّتي ذكرت في مدخل القسم الثالث .

ص: 28

ومَا انفَكَّ يَبلُغُني عَن طاعِنٍ يَقولُ الخِلافَ عَلى عامَّةِ المُسلِمينَ ، يَتَّخِذُكُم لَجَأً ، فَتَكونونُ حِصنَهُ المَنيعَ وخَطبَهُ البَديعَ ، فَإِمّا دَخَلتُم مَعَ النّاسِ فيمَا اجتَمَعوا عَلَيهِ ، وإمّا صَرَفتُموهُم عَمّا مالوا إلَيهِ ، ولَقَد جِئناكَ ونَحنُ نُريدُ أنَّ لَكَ في هذَا الأَمرِ نَصيبا يَكونُ لَكَ ، ويَكونُ لِمَن بَعدَكَ مِن عَقِبِكَ إذ كُنتَ عَمَّ رَسولِ اللّهِ ، وإن كانَ النّاسُ قَد رَأَوا مَكانَكَ ومَكانَ صاحِبِكَ . . . (1) عَنكُم ، وعَلى رِسلِكُم بَني هاشِمٍ ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ مِنّا ومِنكُم . فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : إي وَاللّهِ ، واُخرى ؛ أنّا لَم نَأتِكُم لِحاجَةٍ إلَيكُم ، ولكِن كَرها أن يَكونَ الطَّعنُ فيمَا اجتَمَعَ عَلَيهِ المُسلِمونُ مِنكُم ، فَيَتَفاقَمَ الخَطبُ بِكُم وبِهِم ، فَانظُروا لِأَنفُسِكُم . فَحَمِدَ العَبّاسُ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وقالَ : إنَّ اللّهَ بَعَثَ محُمَّدا _ كَما وَصَفتَ _ نَبِيّا ، ولِلمُؤمِنينَ وَلِيّا ، فَمَنَّ عَلى اُمَّتِهِ بِهِ ، حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ إلَيهِ ، وَاختارَ لَهُ ما عِندَهُ ، فَخَلّى عَلَى المُسلِمينَ اُمورَهُم لِيَختاروا لاِنفُسِهِم (2) مُصيبينَ الحَقَّ ، لا مائِلينَ بِزَيغِ الهَوى ، فَإِن كُنتَ بِرَسولِ اللّهِ فَحَقّا أخَذتَ ، وإن كُنتَ بِالمُؤمِنينَ فَنَحنُ مِنهُم ، فَما تَقَدَّمنا في أمرِكَ فَرَضا ، ولا حَلَلنا وَسَطا ، ولا بَرِحنا سَخَطا ، وإن كانَ هذَا الأَمرُ إنَّما وَجَبَ لَكَ بِالمُؤمِنينَ ، فَما وَجَبَ إذ كُنّا كارِهينَ . ما أبعَدَ قَوَلَكَ مِن أنَّهُم طَعَنوا عَلَيكَ مِن قَولِكَ إنَّهُمُ اختاروكَ ومالوا إلَيكَ ، وما أبعَدَ تَسمِيَتَكَ بِخَليفَةِ رَسولِ اللّهِ مِن قَولِكَ خَلّى عَلَى النّاسِ اُمورَهُم لِيَختاروا فَاختاروكَ ، فَأَمّا ما قُلتَ إنَّكَ تَجعَلُهُ لي ، فَإِن كانَ حَقّا لِلمُؤمِنينَ فَلَيسَ لَكَ أن تَحكُمَ فيهِ ، وإن كانَ لَنا فَلَم نَرضَ بِبَعضِهِ دُونَ بَعضٍ ، وعَلى رِسلِكَ ؛ فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ مِن شَجَرَةٍ نَحن

.


1- .بياض في الأصل ، وفي نسخة : «فعدلوا الأمر» .
2- .راجع : الهامش الثاني من الصفحة السابقة .

ص: 29

أغصانُها وأنتُم جيرانُها . فَخَرَجوا مِن عِندِهِ (1) .

تاريخ اليعقوبي :كانَ فيمَن تَخَلَّفَ عَن بَيعَةِ أبي بَكرٍ أبو سُفيانَ بنُ حَربٍ ، وقالَ : أ رَضيتُم يا بَني عَبدِ مَنافٍ أن يَلِيَ هذَا الأَمرَ عَلَيكُم غَيرُكُم ؟ وقالَ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ : اُمدُد يَدَكَ اُبايِعكَ ، وعَلِيٌّ مَعَهُ قُصَيٌّ ، وقالَ : بَني هاشِمٍ لا تُطمِعُوا النّاسَ فيكُم ولا سِيَّما تَيمُ بنُ مُرَّةَ أو عَدِيٌّ فَمَا الأَمرُ إلّا فيكُمُ وإلَيكُم ولَيسَ لَها إلّا أبو حَسَنٍ عَلِيٌّ أبا حَسَنٍ فَاشدُد بِها كَفَّ حازِمٍ فَإِنَّكَ بِالأَمرِ الَّذي يُرتَجى مَلِيٌّ وإنَّ امرَأً يَرمي قُصَيٌّ ورَاءَهُ عَزيزُ الحِمى ، وَالنّاس مِن غالِبٍ قَصِيٌّ وكانَ خالِدُ بن سَعيدٍ غائِبا ، فَقَدِمَ فَأَتى عَلِيّا فَقالَ : هَلُمَّ اُبايِعكَ ، فَواللّهِ ما فِي النّاسِ أحَدٌ أولى بِمَقامِ مُحَمَّدٍ مِنكَ (2) .

أنساب الأشراف عن صالح بن كيسان :قَدِمَ خالِدُ بنُ سَعيدِ بنِ العاصِ مِن ناحِيَةِ اليَمَنِ بَعدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَأَتى عَلِيّا وعُثمانَ فَقالَ : أنتُمَا الشِّعارُ دونَ الدِّثارِ ؛ أ رَضيتُم يا بَني عَبدَ مَنافٍ أن يَلِيَ أمرَكُم عَلَيكُم غَيرُكُم ؟ . . . وعَن عَوانَةَ وَابنِ جُعدُبَةَ : لَم يُبايِع خالِدُ بنُ سَعيدٍ أبا بَكرٍ إلّا بَعدَ سِتَّةِ أشهُرٍ (3) .

شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ قِصَّةِ السَّقيفَةِ _: لَمّا رَأَتِ الأَوسُ أنَّ رَئيسا مِن رُؤسَاءِ الخَزرَجِ قَد بايَعَ ، قامَ اُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ _ وهُوَ رَئيسُ الأَوسِ _ فَبايَعَ حَسَدا لِسَعد

.


1- .تاريخ اليعقوبي: ج2 ص124 ؛ الإمامة والسياسة : ج1 ص32 نحوه وفيه من «الرأي أن تلقى العبّاس . . .» وراجع شرح نهج البلاغة : ج2 ص21 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص126 ، الإرشاد : ج1 ص190 ، الجمل : ص117 ، إعلام الورى : ج1 ص271 ؛ الأخبار الموفّقيّات : ص577 ح376 ، العقد الفريد : ج3 ص271 كلّها نحوه .
3- .أنساب الأشراف : ج2 ص270 .

ص: 30

أيضا ، ومُنافَسَةً لَهُ أن يَلِيَ الأَمرَ ، فَبايَعَتِ الأَوسُ كُلُّها لَمّا بايَعَ اُسَيدٌ ، وحُمِلَ سَعدُ بنُ عُبادَة وهُوَ مَريضٌ ، فَاُدخِلَ إلى مَنزِلِهِ ، فَامتَنَعَ مِنَ البَيعَةِ في ذلِكَ اليَومِ وفيما بَعدَهُ ، وأرادَ عُمَرُ أن يُكرِهَهُ عَلَيها ، فَاُشيرَ عَلَيهِ ألّا يَفعَلَ ، وأنَّهُ لا يُبايِعَ حَتّى يُقتَلَ ، وأنَّهُ لا يُقتَلُ حَتّى يُقتَلَ أهلُهُ ، ولا يُقتَلُ أهلُهُ حَتّى يُقتَلَ الخَزرَجُ ، وإن حورِبَتِ الخَزرَجُ كانَتِ الأَوسُ مَعَها ، وفَسَدَ الأَمرُ . فَتَرَكوهُ ، فَكانَ لا يُصَلّي بِصَلاتِهِم ولا يُجَمِّعُ بِجَماعَتِهِم ولا يَقضي بِقَضائِهِم ، ولَو وَجَدَ أعوانا لَضارَبَهُم . فَلَم يَزَل كَذلِكَ حَتّى ماتَ أبو بَكرٍ ، ثُمَّ لَقِيَ عُمَرَ في خِلافَتِهِ وهُوَ عَلى فَرَسٍ وعُمَرُ عَلى بَعيرٍ ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ : هَيهاتَ يا سَعدُ ! فَقالَ سَعدٌ : هَيهاتَ يا عُمَرُ ! فَقالَ : أنتَ صاحِبُ مَن أنتَ صاحِبُهُ ؟ قالَ : نَعَم ، أنَا ذاكَ . ثُمَّ قالَ لِعُمَرَ : وَاللّهِ ما جاوَرَني أحَدٌ هُوَ أبغَضُ إلَيَّ جِوارا مِنكَ ! قالَ عُمَرُ : فَإِنَّهُ مَن كَرِهَ جِوارَ رَجُلٍ اِنتَقَلَ عَنهُ ، فَقالَ سَعدٌ : إنّي لَأَرجو أن اُخَلِّيَها لَكَ عاجِلاً إلى جِوارِ مَن هُوَ أحَبُّ إلَيَّ جِوارا مِنكَ ومِن أصحابِكَ . فَلَم يَلبَث سَعدٌ بَعدَ ذلِكَ إلّا قَليلاً حَتّى خَرَجَ إلَى الشّامِ ، فَماتَ بِحَورانَ (1) ولَم يُبايِع لِأَحَدٍ ؛ لا لِأَبي بَكرٍ ، ولا لِعُمَرَ ، ولا لِغَيرِهِما (2) .

شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ قِصَّةِ السَّقيفَةِ _: ووَطِئَ النّاسُ فِراشَ سَعدٍ ، فَقيلَ : قَتَلتُم سَعدا ، فَقالَ عُمَرُ : قَتَلَ اللّهُ سَعدا ! فَوثَبَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ فَقالَ : أنَا جُذَيلُهَا المُحَكَّكُ وعُذَيقُهَا المُرَجَّبُ . فَاُخِذَ ووُطِئَ في بَطنِهِ ودَسّوا في فيهِ التُّرابَ (3) .

.


1- .حَوْران: كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة، ذات قرى كثيرة ومزارع (معجم البلدان : ج2 ص317).
2- .شرح نهج البلاغة : ج6 ص10 .
3- .شرح نهج البلاغة: ج6 ص40 .

ص: 31

1 / 6 اغتيال سعد بن عبادة

1 / 6اِغتِيالُ سَعدِ بنِ عُبادَةَأنساب الأشراف عن ابن جُعدُبة عن صالح بن كَيسان وعن أبي مِخنَف عن الكَلبي وغيرهما :إنَّ سَعدَ بنَ عُبادَةَ لَم يُبايِع أبا بَكرٍ ، وخَرَجَ إلَى الشّامِ . فَبَعَثَ عُمَرُ رَجُلاً وقالَ : اُدعُهُ إلَى البَيعَةِ وَاختِل لَهُ ، وإن أبى فَاستَعِن بِاللّهِ عَلَيهِ . فَقَدِمَ الرَّجُلُ الشّامَ ، فَوَجَدَ سَعدا في حائِطٍ (1) بِحَوارين ، فَدَعاهُ إلَى البَيعَةِ ، فَقالَ : لا اُبايِعُ قُرَشِيّا أبَدا . قالَ : فَإِنّي اُقاتِلُكَ . قالَ : وإن قاتَلتَني . قالَ : أفَخارِجٌ أنتَ مِمّا دَخَلَت فيهِ الاُمَّةُ ؟ قالَ : أمّا مِنَ البَيعَةِ فَإِنّي خارِجٌ ، فَرَماهُ بِسَهمٍ فَقَتَلَهُ . ورُوِيَ أنَّ سَعدا رُمِيَ في حَمّامٍ . وقيلَ : كانَ جالِسا يَبولُ ، فَرَمَتهُ الجِنُّ فَقَتَلَتهُ . وقالَ قائِلُهُم : قَتَلنا (2) سَيِّدَ الخَز رَجِ سَعدَ بنَ عُبادَه رَمَيناهُ بِسَهمَي _نِ فَلَم تُخطِ فُؤادَه (3)

أنساب الأشراف_ في أحوالِ سَعدِ بنِ عُبادَةَ _: كانَ نَقيبا ، سَيِّدا ، جَوادا . وماتَ بِحَورانَ فُجأَةً لِسَنَةٍ مَضَت مِن خِلافَةِ عُمَرَ . ويُقالُ : إنَّهُ امتَنَعَ مِنَ البَيعَةِ لِأَبي بَكرٍ ، فَوَجَّهَ إلَيهِ رَجُلاً لِيَأخُذَ عَلَيهِ البَيعَةَ وهُوَ بِحَورانَ مِن أرضِ الشّامِ . فَأَباها ، فَرَماهُ فَقَتَلَهُ . وفيهِ يُروى هذَا الشِّعرُ الَّذي يَنتَحِلُهُ الجِنُّ : قَتَلنا سَيِّدَ الخَز رَجِ سَعدَ بنَ عُبادَهَ رَمَيناهُ بِسَهمَي _نِ فَلَم نُخطِ فُؤادَه (4)

.


1- .الحائط : البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجِدَار (النهاية : ج1 ص462) .
2- .كذا في المصدر ، وفي الطبقات الكبرى : ج3 ص617 والمصنّف لعبد الرزّاق : ج3 ص597 ح6780 : «قد قتلنا» ، وفي الشطر الثاني : «ورميناه» ، ونحوه في الصراط المستقيم : ج3 ص109 .
3- .أنساب الأشراف : ج2 ص272 وراجع سير أعلام النبلاء : ج1 ص276 وبحار الأنوار : ج28 ص367 .
4- .أنساب الأشراف: ج1 ص291 وراجع المصنّف لعبد الرزّاق : ج11 ص434 ح20931 والمعجم الكبير : ج6 ص16 ح5360 والطبقات الكبرى : ج7 ص391 .

ص: 32

مروج الذهب :خَرَجَ سَعدُ بنُ عُبادَةَ ولَم يُبايِع ، فَصارَ إلَى الشّامِ ، فَقُتِلَ هُناكَ في سَنَةِ خَمسَ عَشَرَةَ ، ولَيسَ كِتابُنا هذا مَوضِعا لِخَبرِ مَقتَلِهِ (1) .

العِقد الفريد عن أبي المُنذِر هشام بن محمّد الكلبي :بَثَّ عُمَرُ رَجُلاً إلَى الشّامِ ، فَقالَ : اُدعُهُ إلَى البَيعَةِ وَاحمِل لَهُ بِكُلِّ ما قَدَرتَ عَلَيهِ ، فَإِن أبى فَاستَعِنِ اللّهَ عَلَيهِ . فَقَدِمَ الرَّجُلُ الشّامَ ، فَلَقِيَهَ بِحَورانَ في حائِطٍ ، فَدَعاهُ إلَى البَيعَةِ ، فَقالَ : لا اُبايِعُ قُرَشِيّا أبَدا . قالَ : فَإِنِّي اُقاتِلُكَ . قالَ : وإن قاتَلتَني ! قالَ : أفَخارِجٌ أنتَ مِمّا دَخَلَت فيهِ الاُمَّةُ ؟ قالَ : أمّا مِنَ البَيعَةِ فَأَنَا خارِجٌ . فَرَماهُ بِسَهمٍ ، فَقَتَلَهُ . مَيمونُ بنُ مِهران عَن أبيهِ قالَ : رُمِيَ سَعدُ بنُ عُبادَةَ في حَمّامٍ بِالشّامِ ، فَقُتِلَ (2) .

الاحتجاج عن محمّد بن عبد اللّه الشيباني :كانَ سَبَبُ مَوتِهِ أن رُمِيَ بِسَهمٍ فِي اللَّيلِ فَقَتَلَهُ ، وزَعَموا أنَّ الجِنَّ رَمَوهُ ، وقيلَ أيضاً : إنَّ مُحَمَّدَ بنَ سَلَمَةَ الأَنصارِيَّ تَوَلّى ذلِكَ بِجُعلٍ جُعِلَ لَهُ عَلَيهِ ، وَرُوِي أنَّهُ تَوَلّى ذلِكَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ ، وقيلَ : خالِدُ بنُ الوَليدِ (3) .

شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ سَعدِ بنِ عُبادَةَ _: لَم يُبايِع أبا بَكرٍ حينَ بويِعَ ، وخَرَجَ إلى حَورانَ ، فَماتَ بِها . قيلَ : قَتَلَتهُ الجِنُّ ؛ لِأَنَّهُ بالَ قائِما فِي الصَّحراءِ لَيلاً ، ورَوَوا بَيتَينِ مِن شِعرٍ ؛ قيلَ : إنَّهُما سُمِعا لَيلَةَ قَتلِهِ ، ولَم يُرَ قائِلُهُما : نَحنُ قَتَلنا سَيِّد الخَز رَجِ سَعدَ بنَ عُبادَه ورَمَيناهُ بِسَهمَي _نِ فَلَم نُخطِئ فُؤادَه ويَقولُ قَومٌ : إنَّ أميرَ الشّامِ يَومَئذٍ كَمَنَ لَهُ مَن رَماهُ لَيلاً ، وهُوَ خارِجٌ إلَى الصَّحراءِ بِسَهمَينِ ، فَقَتَلَهُ لِخُروجِهِ عَن طاعَةِ الإِمامِ ، وقَد قالَ بَعضُ المُتأَخِّرينَ في ذلِكَ : يَقولونَ سَعدٌ شَكّتِ الجِنُّ قَلبَهُ ألا رُبَّما صَحَّحتَ دِينَكَ بِالغَدرِ وما ذَنبُ سَعدٍ أنَّهُ بالَ قائِما ولكِنَّ سَعدا لَم يُبايِع أبا بَكرِ وقَد صَبَرَت مِن لَذَّةِ العَيشِ أنفُسٌ وما صَبَرَت عَن لَذَّةِ النَّهيِ وَالأَمرِ (4)

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص307 .
2- .العقد الفريد : ج3 ص273 ؛ نهج السعادة : ج5 ص272 .
3- .الاحتجاج : ج1 ص180 ح36 .
4- .شرح نهج البلاغة : ج10 ص111 ؛ الصراط المستقيم : ج3 ص109 نحوه ، الدرجات الرفيعة : ص334 .

ص: 33

تعليق

شرح نهج البلاغة :قالَ شَيطانُ الطّاقِ [يَعني مُؤمِنَ الطّاقِ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ النُّعمانِ الأَحوَلَ ]لِسائلٍ سَأَلَهُ : ما مَنَعَ عَلِيّا أن يُخاصِمَ أبا بَكرٍ في الخِلافَةِ ؟ فَقالَ : يَابنَ أخي ، خافَ أن تَقتُلَهُ الجِنُّ ! ! [قالَ ابنُ أبِي الحَديدِ] وَالجَوابُ ، أمّا أنَا فَلا أعتَقِدُ أنَّ الجِنَّ قَتَلَت سَعدا ، ولا أنَّ هذا شِعرُ الجِنِّ ، ولا أرتابُ أنَّ البَشَرَ قَتَلوهُ ، وأنَّ هذَا الشِّعرَ شِعرُ البَشَرِ ، ولكِن لَم يَثبُت عِندي أنَّ أبا بَكرٍ أمَرَ خالِدا ، ولا أستَبعِدُ أن يَكونَ فِعلُهُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ لِيُرضِيَ بِذلِكَ أبا بَكرٍ _ وحاشاهُ _ فَيَكونَ الإِثمُ عَلى خالِدٍ ، وأبو بَكر بَريءٌ مِن إثمِهِ ؛ وما ذلِكَ مِن أفعالِ خالِدٍ بِبَعيدٍ (1) .

تعليقعمدت بعض النصوص التاريخيّة إلى إظهار أنّ موت سعد بن عبادة كان موتاً طبيعيّاً ، بل إنّها ذكرت أنّ سعداً كان ممّن عارضوا أبا بكر في البداية ثمّ بايعوه لاحقاً . ولكن يتّضح من التأمّل في واقعة السقيفة واستجلاء النصوص المختلفة الواردة في هذَا المجال ، بشكل لايقبل الشكّ ، بأنّه لم يبايع ، واغتيل على يد خصومه السياسيّين . إنّ المكانة السياسيّة والاجتماعيّة الَّتي كان يتبوّؤها سعد بن عبادة ومعارضته الجادّة لخلافة الحاكم آنذاك دعت إلى إزاحته عن الساحة السياسيّة بهدوء ، وبدون إثارة أيّ توتّر في الأجواء ، ثمّ اُلقيت تهمة قتله على عاتق الجنّ كيلا تنجم عنه

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج17 ص223 .

ص: 34

1 / 7 من أنكر على بيعة أبي بكر

مشكلة سياسيّة واجتماعيّة . ويمكن للباحث من ظلال هذَا التحليل البسيط معرفة المتّهم الأصلي في اغتيال سعد بن عبادة ، وحتّى إذا لم يتوفّر نصّ تاريخي دالّ على صحّة هذَا التحليل إلّا أنّ هناك مؤشّرات تؤيّد صحّة هذَا التحليل ، بل ويُفهم من كلام مؤمن الطاق بأنّ مقتله على يد خصومه السياسيّين كان أمراً بديهيّاً في ذلك العصر .

1 / 7مَن أنكَرَ عَلى بَيعَةِ أبي بَكرٍأنساب الأشراف عن أبي عمرو الجوني :قالَ سَلمانُ الفارِسيُّ حينَ بويِعَ أبو بَكرٍ : كرداذ وناكرداذ ؛ أي عَمِلتُم وما عَمِلتُم ، لَو بايَعوا عَليّا لَأَكَلوا مِن فَوقِهِم ومِن تَحتِ أرجُلِهِم 1 .

شرح نهج البلاغة :إنَّ سَلمانَ وَالزُّبَيرَ وَالأَنصارَ كانَ هَواهُم أن يُبايِعوا عَليّا عليه السلام بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا بويِعَ أبو بَكرٍ قالَ سَلمانُ : أصَبتُمُ الخُبرَةَ وأخطَأتُمُ المَعدِنَ . . . وقالَ يَومَئذٍ : أصَبتُم ذَا السِّنِّ مِنكُم ، وأخطَأتُم أهلَ بَيتِ نَبِيِّكُم ، لَو جَعَلتُموها فيهِم ما اختَلَفَ عَلَيكُمُ اثنانِ ، ولَأَكَلتُموها رَغَدا (1) .

الاحتجاج عن أبان بن تَغلِب :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّه جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليهماالسلام : جُعِلتُ فِداكَ ، هَل كانَ أحَدٌ في أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنكَرَ عَلى أبي بَكرٍ فِعلَهُ وجُلوسَهُ في مَجلِسِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ : نَعَم ، كانَ الَّذي أنكَرَ عَلى أبي بَكرٍ اِثنا عَشَرَ رَجُلاً ، مِنَ المُهاجِرينَ :

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص49 و ج 6 ص43 وراجع الاحتجاج : ج1 ص217 ح38 .

ص: 35

1 / 8 كلام الإمام لمّا وصل إليه خبر السّقيفة

خالِدُ بنُ سَعيدِ بنِ العاصِ وكانَ مِن بَني اُمَيَّةَ ، وسَلمانُ الفَارِسِيُّ ، وأبو ذَرٍّ الغِفارِيُّ ، وَالمِقدادُ بنُ الأَسوَدِ الكِندِيُّ ، وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، وبُرَيدَةُ الأَسلَمِيُّ . ومِنَ الأنصارِ : أبُو الهَيثَمِ بنُ التَّيِّهانِ ، وسَهلٌ وعُثمانُ ابنا حُنَيفٍ ، وخُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ ذُو الشَّهادَتَينِ ، واُبَيُّ بنُ كَعبٍ ، وأبو أيّوبَ الأَنصارِيُّ 1 .

1 / 8كلامُ الإِمامِ لَمّا وَصَلَ إلَيهِ خَبَرُ السَّقيفَةِالإرشاد :لَمّا تَمَّ ، لِأَبي بَكرٍ ما تَمَّ ، وبايَعَهُ مَن بايَعَ ، جاءَ رَجُلٌ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وهُوَ يُسَوّي قَبرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِمِسحاةٍ في يَدِهِ فَقالَ لَهُ : إنَّ القَومَ قَد بايَعوا أبا بَكرٍ ، ووَقَعَتِ الخَذلَةُ فِي الأَنصارِ لِاختِلافِهِم ، وبَدَرَ الطُّلَقاءُ بِالعَقدِ لِلرَّجُلِ خَوفا مِن إدراكِكُمُ الأَمرَ . فَوَضَعَ طَرَفَ المِسحاةِ فِي الأَرضِ ويَدُهُ عَلَيها ثُمَّ قالَ : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ* الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَ_ذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّ_ئاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ» (1) . (2)

نهج البلاغة :قالوا : لَمَّا انتَهَت إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أنباءُ السَّقيفَةِ بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ عليه السلام : ما قالَتِ الأَنصارُ ؟ قالوا : قالَت : مِنّا أميرٌ ومِنكُم أميرٌ . قالَ عليه السلام : فَهَلا

.


1- .العنكبوت : 1 _ 4 .
2- .الإرشاد : ج1 ص189 ، بحار الأنوار : ج22 ص519 ح27 .

ص: 36

احتَجَجتُم عَلَيهِم بِأَنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَصّى بِأَن يُحسَنَ إلَى مُحسِنِهِم ، ويُتَجاوَزَ عَن مُسيئِهِم ؟ قالوا : وما في هذا مِنَ الحُجَّةِ عَلَيهِم ؟ فَقالَ عليه السلام : لَو كانَتِ الإِمامَةُ فيهِم لَم تَكُنِ الوَصِيَّةُ بِهِم . ثُمَّ قالَ عليه السلام : فَماذا قالَت قُرَيشٌ ؟ قالوا : اِحتَجَّت بِأَنَّها شَجَرَةُ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ عليه السلام : اِحتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وأضاعُوا الثَّمَرَةَ (1) .

نثر الدرّ :واُخبِرَ [عَلِيٌّ] عليه السلام بِقَولِ الأَنصارِ يَومَ السَّقيفَةِ لِقُرَيشٍ : مِنّا أميرٌ ومِنكُم أميرٌ ، فَقالَ : أ ذَكَّرتُموهُم قَولَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِستَوصوا بِالأَنصارِ خَيرا ؛ اِقبَلوا مِن مُحسِنِهِم ، وتَجاوَزوا عَن مُسيئِهِم ؟ قالوا : وما في ذلِكَ ؟ قالَ : كَيفَ تَكونُ الإِمامَةَ لَهُم مَعَ الوَصِيَّةِ بِهِم ؟ لَو كانَتِ الإِمامَةُ لَهُم لَكانَتِ الوَصِيَّةُ إلَيهِم . فَبَلَغَ ذلِكَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ فَقالَ : ذَهَبَت وَاللّهِ عَنّا ، ولَو ذَكَرناها مَا احتَجنا إلى غَيرِها (2) .

خصائص الأئمّة عليهم السلام: قالَ [عَلِيٌّ] عليه السلام في شَأنِ الخِلافَةِ : وا عَجَبا ! أ تَكونُ الخِلافَةُ بِالصَّحابَةِ ، ولا تَكونُ بِالصَّحابَةِ وَالقَرابَةِ ؟ ! ويُروى : وَالقَرابَةِ وَالنَّصِّ 3 .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 67 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص 86 وفي صدره «لمّا رفع أمير المؤمنين عليه السلام يده من غسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتته أنباء . . .» .
2- .نثر الدرّ : ج1 ص279 .

ص: 37

تحقيق حول كلام الإمام

تحقيق حول كلام الإمامنُقل كلام الإمام عليّ عليه السلام حول السقيفة بثلاث صور : 1 _ أ تكون الخلافة بالصحابة والقرابة ؟ (1) 2 _ أ تكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة ؟ (2) 3 _ أ تكون الخلافة بالصحابة [والقرابة] ولا تكون بالقرابة والنصّ ؟ (3) ولا شكّ في أنّ أحد هذه الأقوال الثلاثة صادر عن الإمام ، ولا يمكن القول بأنّ هذه الأقوال الثلاثة صادرة عنه بأجمعها . بَيدَ أنّ الجملة الاُولى يمكن اعتبارها جزءا من الجملة الثالثة ، أمّا الجملتان الاُولى والثالثة فمتعارضتان قطعا . وعلى هذا إمّا يجب اختيار الجملة الثانية ، وإمّا واحدة من الجملتين الاُخرَيتين. يذهب البعض إلى القول بأنّ الإمام عليّا عليه السلام ذكر الجملة الثانية . وهذا يعني أنّه انتهج سبيل الجدال بالَّتي هي أحسن ؛ بمعنى أنّ الإمام عليه السلام يؤمن بالنصّ على

.


1- .نهج البلاغة (تصحيح صبحي الصالح وتصحيح محمّد عبده) : الحكمة 190 .
2- .نهج البلاغة (تصحيح فيض الإسلام) : الحكمة 181 ، نهج البلاغة (تحقيق وطبع مؤسّسة نهج البلاغة) : الحكمة 181 ، نهج الإيمان : ص384 ، الصراط المستقيم : ج1 ص67 ، غرر الحكم : ح10123 ، مصادر نهج البلاغة وأسانيده : ج4 ص152 الرقم 190 ؛ شرح نهج البلاغة : ج18 ص416 الرقم 185 .
3- .استنتاج من قول السيّد الرضيّ في كتاب خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص111 وفيه «ويروى : والقرابة والنصّ» .

ص: 38

الإمامة ، ويؤكّد عليه . إلّا أنّ لحن الكلام يوحي بأنّه يريد القول بأنّ الحقائق قد انقلبت ولم يعدُ أحد يقبل هذه الحقيقة . ولذا لجأ إلى اُسلوب الجدال بالَّتي هي أحسن مع أصحاب السقيفة ، قائلاً : إذا كانت الصحبة شرطا في الخلافة ، فلماذا لا تُضاف إليها القرابة مع رسول اللّه ؟ بمعنى أنّ صحبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا اجتمع معها عنصر القرابة منه ، يكون من تجتمعان فيه أولى بالخلافة من غيره (1) . وهذا الاستدلال لا يصمد أمام النقد لأسباب متعدّدة ، هي : 1 _ عند ما احتجّ الأنصار يوم السقيفة بصحبتهم لرسول اللّه صلى الله عليه و آله لنيل الخلافة ، احتجّ عليهم المهاجرون _ وعلى رأسهم أبو بكر وعمر _ بأنّ صحبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحدها لا تكفي ، ولابدّ من شرط القرابة أيضا. فَقالَ عُمَرُ : ... وَاللّهِ لا تَرضَى العَرَبُ أن يُؤَمِّروكُم ونَبِيُّها مِن غَيرِكُم ، ولكِنَّ العَرَبَ لا تَمتَنِعُ أن تُوَلِّيَ أمرَها مَن كانَتِ النُّبُوَّةُ فيهِم ووَلِيَّ اُمورِهِم مِنهُم ، ولَنا بِذلِكَ عَلى مَن أبى مِنَ العَرَبِ الحُجَّةُ الظّاهِرَةُ وَالسُّلطانُ المُبينُ . مَن ذا مُنازِعُنا سُلطانَهُ وإمارَتَهُ _ ونَحنُ أولِياؤُهُ وعَشيرَتُهُ _ إلَا مُدلٍ بِباطِلٍ ، أو مُتَجانِفٌ لِاءِثمٍ . واستند أبو بكر أيضا في ذلك المقام إلى قرابته من رسول اللّه لإثبات أهليّته للخلافة فقال : فهم أوّل من عبَد اللّه في هذه الأرض وآمن باللّه وبالرسول ، وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحقّ النّاس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلّا ظالم (2) . 2 _ بعد أحداث السقيفة سأل الإمام عليّ عليه السلام مَن حضروها عن ماهيّة استدلال الجانبين ، ودعاهم إلى النظر في قول من احتجّ بأنّ قريش شجرة الرسول صلى الله عليه و آله قائلاً :

.


1- .مصادر نهج البلاغة وأسانيده : ج4 ص152 ، تصنيف نهج البلاغة : ص413 .
2- .تاريخ الطبري : ج3 ص220 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص13 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص24 .

ص: 39

فَماذا قالَت قُرَيشٌ؟ قالوا : اِحتَجَّت بِأَنَّها شَجَرَةُ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ عليه السلام : اِحتَجّوا بِالشَّجَرَةِ ، وأضاعُوا الثَّمَرَةَ (1) ! 3 _ الشعر الَّذي نقله الشريف الرضيّ في نهج البلاغة وفي خصائص الأئمّة ، ويشتمل على مضمون كلام الإمام عليّ عليه السلام يدلّ على أنّ المهاجرين استدلّوا بالقرابة ، وإنّ الإمام قد استدلّ في مقابلهم بالأقربيّة : وإن كُنتَ بِالقُربى حَجَجتَ خَصيمَهُم فَغَيرُكَ أولى بِالنَّبِيِّ وأقرَبُ (2) 4 _ قال عليّ عليه السلام عند تسليطه الأضواء على واقعة السقيفة: قالَت قُرَيشٌ : مِنّا أميرٌ . وقالَتِ الأَنصارُ : مِنّا أميرٌ . فَقالَت قُرَيشٌ : مِنّا مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَنَحنُ أحَقُّ بِذلِكَ الأَمرِ . فَعَرَفَت ذلِكَ الأَنصارُ ، فَسَلَّمَت لَهُمُ الوِلايَةَ وَالسُّلطانَ . فَإِذَا استَحَقّوها بِمُحَمَّدٍّ صلى الله عليه و آله دونَ الأَنصارِ ، فَإِنَّ أولَى النّاسِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أحَقُّ بِها مِنهُم (3) . وفي هذا الصدد أيضا جاء في الكتاب 28 من نهج البلاغة : لَمَّا احتَجَّ المُهاجِرونَ عَلىَ الأنصارِ يَومَ السَّقيفَةِ بِرَسُولِ اللّهِ عليه السلام فَلَجوا (4) عَلَيهِم ، فَاِن يَكُنِ الفَلَجُ بِهِ فَالحَقُّ لَنا دونَكُم . وخلاصة القول في ضوء المبنى الصحيح للإمامة ؛ وهو أنّ الإمامة منصب إلهي يتحقّق بالنصّ ولا يستقي مشروعيّته من الشعب ، وعدم صحّة حمل القول الأول على الجدال بالَّتي هي أحسن ، فيكون القول الثالث : «أ تَكونُ الخِلافَةُ بِالصَّحابَةِ وَالقَرابَةِ وَلا تَكونُ بِالقَرابَةِ وَالنَّصِّ؟» هو الصحيح . علما بأنّ القول الأوّل يمكن

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 67 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص86 .
2- .راجع : نهج البلاغة : ذيل الحكمة 190 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص 111 .
3- .وقعة صفّين : ص91 ؛ شرح نهج البلاغة : ج15 ص78 .
4- .فَلَجَ أصحابه : إذا غلبهم (النهاية : ج3 ص486) .

ص: 40

1 / 9 الهجوم على بيت فاطمة بنت رسول اللّه

قبوله على صيغة الاستفهام الإنكاري ، فيكون على النّحو التّالي : «أ تَكونُ الخِلافَةُ بِالصَّحابَةِ وَالقَرابَةِ» (1) ؟!

1 / 9الهُجومُ عَلى بَيتِ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِأنساب الاشراف عن ابن عبّاس :بَعَثَ أبو بَكرٍ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ إلى عَلِيٍّ حينَ قَعَدَ عَن بَيعَتِهِ وقالَ : ائتِني بِهِ بِأَعنَفِ العُنفِ ، فَلَمّا أتاهُ جَرى بَينَهُما كَلامٌ فَقالَ عَلِيٌّ : اِحلِب حَلبا لَكَ شَطرُهُ ، وَاللّهِ ما حِرصُكَ عَلى إمارَتِهِ اليَومَ إلّا لِيُؤَمِّرَكَ غَدا (2) .

أنساب الأشراف عن سليمان التيمي وعن ابن عَون :إنَّ أبا بَكرٍ أرسَلَ إلى عَلِيٍّ يُريدُ البَيعَةَ ، فَلَم يُبايِع . فَجاءَ عُمَرُ ، وَمَعَهُ قَبَسٌ ، فَتَلَقَّتهُ فاطِمَةُ عَلَى البابِ ، فَقالَت فاطِمَةُ : يَابنَ الخَطّابِ ! ! أ تُراكَ مُحَرِّقا عَلَيَّ بابي ؟ ! قالَ : نَعَم ! ! ، وذلِكَ أقوى فيما جاءَ بِهِ أبوكِ (3) .

تاريخ الطبري عن زياد بن كُلَيب :أتى عُمَرُ بنُ الخَطّابِ مَنزِلَ عَلِيٍّ وَفيهِ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ورِجالٌ مِنَ المُهاجِرينَ ، فَقالَ : وَاللّهِ لَاُحرِقَنَّ عَلَيكُم أَو لَتَخرُجُنَّ إلَى البَيعَةِ . فَخَرَجَ عَلَيهِ الزُّبَيرُ مُصلِتا بِالسَّيفِ ، فَعَثَرَ فَسَقَطَ السَّيفُ مِن يَدِهِ ، فَوَثَبوا عَلَيهِ فَأَخَذوهُ (4) .

تاريخ اليعقوبي :بَلَغَ أبا بَكرٍ وعُمَرَ أنَّ جَماعَةً مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ قَدِ اجتَمَعوا مَع

.


1- .فيما يتعلّق بنقض وإبرام هذه النصوص راجع نهج السعادة : ج4 ص195 وشرح الأخبار : ج1 ص250 وحياة الإمام الرضا عليه السلام : ص56 .
2- .أنساب الأشراف : ج2 ص269 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص29 نحوه وفيه «واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا» بدل «واللّه ما . . .» ؛ الشافي : ج3 ص240 عن ابن عبّاس ، الاحتجاج : ج1 ص183 ح36 نحوه وفيه «اشدد له اليوم ليردّ عليك غدا» بدل «واللّه ما . . .» .
3- .أنساب الأشراف : ج2 ص268 ؛ بحار الأنوار : ج28 ص389 .
4- .تاريخ الطبري : ج3 ص202 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص56 عن سلمة بن عبد الرحمن و ج 6 ص48 عن أبي زيد عمر بن شبّه عن رجاله وكلاهما نحوه .

ص: 41

عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ في مَنزِلِ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ ، فَأَتَوا في جَماعَةٍ حَتّى هَجَمُوا الدّارَ . . . ودَخَلُوا الدّارَ فَخَرَجَت فاطِمَةُ فَقالَت : وَاللّهِ لَتَخرُجُنَّ أو لَأَكشِفَنَّ شَعري وَلَأَعِجَّنَّ إلَى اللّهِ . فَخَرَجوا وخَرَجَ مَن كانَ فِي الدّارِ ، وأقامَ القَومُ أيّاما ، ثُمَّ جَعَلَ الواحِدُ بَعدَ الواحِدِ يُبايِعُ ، وَلَم يُبايِع عَلِيٌّ إلّا بَعدَ سِتَّةِ أشهُرٍ (1) .

الإمامة والسياسة :إنَّ أبا بَكرٍ تَفَقَّدَ قَوما تَخَلَّفوا عَن بَيعَتِهِ عِندَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ ، فَبَعَثَ إلَيهِم عُمَرَ ، فَجاءَ فَناداهُم وهُم في دارِ عَلِيٍّ ، فَأَبَوا أن يَخرُجوا ، فَدَعا بِالحَطَبِ وقالَ : وَالَّذي نَفسُ عُمَرَ بِيَدِهِ ، لَتَخرُجُنَّ أو لَاُحرِقَنَّها عَلى مَن فيها ، فَقيلَ لَهُ : يا أبا حَفصٍ ، إنَّ فيها فاطِمَةَ . فَقالَ : وَإن ! ! فَخَرَجوا فَبايَعوا إلّا عَلِيّا ؛ فَإِنَّهُ زَعَمَ أنَّهُ قالَ : حَلَفتُ أن لا أخرُجَ وَلا أضَعَ ثَوبي عَلى عاتِقي حَتّى أجمَعَ القُرآنَ ، فَوَقَفَت فاطِمَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنها عَلى بابِها فَقالَت : لا عَهدَ لي بِقَومٍ حَضَروا أسوَأَ مَحضَرٍ مِنكُم ، تَرَكتُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله جَنازَةً بَينَ أيدينا ، وَقَطَعتُم أمرَكُم بَينَكُم ، لَم تَستَأمِرونا ، ولَم تَرُدّوا لَنا حَقّا . فَأَتى عُمَرُ أبا بَكرٍ فَقالَ لَهُ : أ لا تَأخُذُ هذَا المُتَخَلِّفَ عَنكَ بِالبَيعَةِ ؟ فَقالَ أبو بَكرٍ لِقُنفُذٍ _ وهُوَ مَولىً لَهُ _ : اِذهَب فَادعُ لي عَلِيّا ، فَذَهَبَ إلى عَلِيٍّ فَقالَ لَهُ : ما حاجَتُكَ ؟ فَقالَ : يَدعوكَ خَليفَةُ رَسولِ اللّهِ ، فَقالَ عَلِيٌّ : لَسَريعٌ ما كَذَبتُم عَلى رَسولِ اللّهِ . فَرَجَعَ فَأَبلَغَ الرِّسالَةَ ، فَبَكى أبو بَكرٍ طَويلاً . فَقالَ عُمَرُ الثّانِيَةَ : لا تُمهِل هذَا المُتَخَلِّفَ عَنكَ بِالبَيعَةِ ، فَقالَ أبو بَكرٍ لِقُنفُذٍ : عُد إلَيهِ فَقُل لَهُ : خَليفَةُ رَسولِ اللّهِ يَدعوكَ لِتُبايِعَ ، فَجاءَهُ قُنفُذٌ ، فَأَدّى ما اُمِرَ بِهِ ، فَرَفَعَ عَلِيٌّ صَوتَهُ فَقالَ : سُبحانَ اللّهِ ! لَقَدِ ادَّعى ما لَيسَ لَهُ . فَرَجَعَ قُنفُذٌ فَأَبلَغَ الرِّسالَةَ ، فَبَكى أبو بَكرٍ طَويلاً .

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص126 .

ص: 42

ثُمَّ قامَ عُمَرُ فَمَشى مَعَهُ جَماعَةٌ ، حَتّى أتَوا بابَ فاطِمَةَ ، فَدَقُّوا البابَ ، فَلَمّا سَمِعَت أصواتَهُم نادَت بِأَعلى صَوتِها : يا أبَتِ يا رَسولَ اللّهِ ! ماذا لَقينا بَعدَكَ مِنِ ابنِ الخَطّابِ وَابنِ أبي قُحافَةَ ؟ ! ! فَلَمّا سَمِعَ القَومُ صَوتَها وبُكاءَهَا انصَرَفوا باكينَ ، وكادَت قُلوبُهُم تَنصَدِعُ ، وأكبادُهُم تَنفَطِرُ ، وبَقِيَ عُمَرُ ومَعَهُ قَومٌ ، فَأَخرَجوا عَلِيّا ، فَمَضَوا بِهِ إلى أبي بَكرٍ ، فَقالوا لَهُ : بايِع ، فَقالَ : إن أنَا لَم أفعَل فَمَه ؟ قالوا : إذا وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ نَضرِبُ عُنُقَكَ ، فَقالَ : إذا تَقتُلونَ عَبدَ اللّهِ وأخا رَسولِهِ ، قالَ عُمَرُ : أمّا عَبدُ اللّهِ فَنَعَم ، وَأمّا أخو رَسولِهِ فَلا ، وأبو بَكرٍ ساكِتٌ لا يَتَكَلَّمُ ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ : أ لا تَأمُرُ فيهِ بِأَمرِكَ ؟ فَقالَ : لا اُكرِهُهُ عَلى شَيءٍ ما كانَت فاطِمَةُ إلى جَنبِهِ . فَلَحِقَ عَلِيٌّ بِقَبرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَصيحُ ويَبكي ، وَيُنادي : يَابنَ اُمِّ ! إنَّ القَومَ استَضعَفوني وكادوا يَقتُلونَني (1)(2) .

تاريخ اليعقوبي عن أبي بكر_ قُبَيلَ مَوتِهِ _: ما آسى إلّا عَلى ثَلاثِ خِصالٍ صَنَعتُها لَيتَني لَم أكُن صَنَعتُها ، وَثَلاثٍ لَم أصنَعها لَيتَني كُنتُ صَنَعتُها ، وَثَلاثٍ لَيتَني كُنتُ سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ عَنها . فَأَمَّا الثَّلاثُ الَّتي صَنَعتُها فَلَيتَ أنّي لَم أكُن تَقَلَّدتُ هذَا الأَمرَ ، وقَدَّمتُ عُمَرَ بَينَ يَدَيَّ ؛ فَكُنتُ وَزيرا خَيرا مِنّي أميرا ، ولَيتَني لم اُفَتِّش بَيتَ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ واُدخِلهُ الرِّجالَ ولَو كانَ اُغلِقَ عَلى حَربٍ ، ولَيتَني لَم اُحرِقِ الفُجاءَةَ السُّلَمِيَّ ؛ إمّا أن أكونَ قَتَلتُهُ سَريحا (3) أو أطلَقتُهُ نَجيحا (4) .

.


1- .إشارة إلى الآية 150 من سورة الأعراف .
2- .الإمامة والسياسة : ج1 ص30 وراجع الاحتجاج : ج1 ص207 ح38 .
3- .أمر سَريح : أي معجّل (لسان العرب : ج2 ص479) .
4- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص137 ، الخصال : ص171 ح228 ؛ تاريخ الطبري : ج3 ص430 ، تاريخ الإسلام للذهبي: ج3 ص117 ، الأموال : ص144 ح353 وفيه «وددت أن_ّي لم أكن فعلت كذا وكذا _ لخلّة ذكرها» بدل «لم اُفتّش بيت فاطمة . . . الحرب» ، العقد الفريد : ج3 ص279 ، تاريخ دمشق : ج30 ص418 و 419 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص46 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص36 كلّها نحوه .

ص: 43

1 / 10 امتناع الإمام من البيعة

1 / 10اِمتِناعُ الإِمامِ مِنَ البَيعَةِالردّة :أرسَلَ أبو بَكرٍ إلى عَلِيٍّ فَدَعاهُ ، فَأَقبَلَ وَالنّاسُ حُضورٌ ، فَسَلَّمَ وجَلَسَ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَى النّاسِ ، فَقالَ : لِمَ دَعَوتَني ؟ فَقالَ لَهُ عُمَرُ : دَعَوناكَ لِلبَيعَةِ الَّتي قَدِ اجتَمَعَ عَلَيهَا المُسلِمونَ ، فَقالَ عَلِيٌّ : يا هؤُلاءِ ، إنَّما أخَذتُم هذَا الأَمرَ مِنَ الأَنصارِ بِالحُجَّةِ عَلَيهِم وَالقَرابَةِ لِأَبي بَكرٍ ؛ لِأَنَّكُم زَعَمتُم أنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله مِنكُم ، فَأَعطَوكُمُ المَقادَةَ ، وَسَلَّموا إلَيكُمُ الأَمرَ ، وأنَا أحتَجُّ عَلَيكُم بِالَّذِي احتَجَجتُم بِهِ عَلَى الأَنصارِ ، نَحنُ أولى بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله حَيّا ومَيِّتا ؛ لِأَنّا أهلُ بَيتِهِ ، وأقرَبُ الخَلقِ إلَيهِ ، فَإِن كُنتُم تَخافونَ اللّهَ فَأَنصِفونا ، وَاعرِفوا لَنا في هذَا الأَمرِ ما عَرَفَتهُ لَكُمُ الأَنصارُ . فَقالَ لَهُ عُمَرُ : إنَّكَ أيُّهَا الرَّجُلُ لَستَ بِمَتروكٍ أو تُبايِعُ كَما بايَعَ غَيرُكَ . فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : إذا لا أقبَلُ مِنكَ وَلا اُبايِعُ مَن أنَا أحَقُّ بِالبَيعَةِ مِنهُ . فَقالَ لَهُ أبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ : وَاللّهِ يا أبَا الحَسَنِ ، إنَّكَ لَحَقيقٌ لِهذَا الأَمرِ لِفَضلِكَ وسابِقَتِكَ وقَرابَتِكَ ، غَيرَ أنَّ النّاسَ قَد بايَعوا ورَضوا بِهذَا الشَّيخِ ، فَارضَ بِما رَضِيَ بِهِ المُسلِمونَ . فَقالَ لَهُ عليّ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ : يا أبا عُبَيدَةَ ، أنتَ أمينُ هذِهِ الاُمَّةِ ! ! فَاتَّقِ اللّهَ في نَفسِكَ ؛ فَإِنَّ هذَا اليَومَ لَهُ ما بَعدَهُ مِنَ الأَيّامِ ، ولَيسَ يَنبَغي لَكُم أن تُخرِجوا سُلطانَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِن دارِهِ وقَعرِ بَيتِهِ إلى دورِكُم وقُعورِ بُيوتِكُم ؛ فَفي بُيوتِنا نَزَلَ القُرآنُ ، ونَحنُ مَعدِنُ العِلمِ وَالفِقهِ وَالدّينِ وَالسُّنَّةِ وَالفَرائِضِ ، ونَحنُ أعلَمُ بِاُمورِ الخَلقِ مِنكُم ؛ فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى فَيَكونَ نَصيبُكُمُ الأَخَسَّ .

.

ص: 44

فَتَكَلَّمَ بَشيرُ بنُ سَعدٍ الأَنصارِيُّ فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، أما وَاللّهِ لَو أنَّ هذَا الكَلامَ سَمِعَهُ النّاسُ مِنكَ قَبلَ البَيعَةِ لَمَا اختَلَفَ عَلَيكَ رَجُلانِ ، وَلَبايَعَكَ النّاسُ كُلُّهُم ، غَيرَ أنَّكَ جَلَستَ في مَنزِلِكَ وَلَم تَشهَد هذَا الأَمرَ ، فَظَنَّ النّاسُ أن لا حاجَةَ لَكَ فيهِ ، وَالآنَ فَقَد سَبَقَتِ البَيعَةُ لِهذَا الشَّيخِ ، وَأنتَ عَلى رَأسِ أمرِكَ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : وَيحَكَ يا بَشيرُ ! أ فَكانَ يَجِبُ أن أترُكَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في بَيتِهِ فَلَم أجِبهُ إلى حُفرَتِهِ ، وأخرُجَ اُنازِعُ النّاسَ بِالخِلافَةِ ؟ ! (1)

شرح نهج البلاغة عن سعيد بن كثير بن عُفير الأنصاري_ في ذِكرِ يَومِ السَّقيفَةِ _: كَثُرَ النّاسُ عَلى أبي بَكرٍ ، فَبايَعَهُ مُعظَمُ المُسلِمينَ في ذلِكَ اليَومِ ، وَاجتَمَعَت بَنو هاشِمٍ إلى بَيتِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وَمَعَهُمُ الزُّبَيرُ ؛ وكانَ يَعُدُّ نَفسَهُ رَجُلاً مِن بَني هاشِمٍ ، كانَ عَلِيٌّ يَقولُ : ما زالَ الزُّبَيرُ مِنّا أهلَ البَيتِ حَتّى نَشَأَ بَنوهُ فَصَرَفوهُ عَنّا . وَاجتَمَعَت بَنو اُمَيَّةَ إلى عُثمانَ بنِ عَفّانَ ، وَاجتَمَعَت بَنو زُهرَةَ إلى سَعدٍ وَعَبدِ الرَّحمنِ ، فَأَقبَلَ عُمَرُ إلَيهِم وَأبو عُبَيدَةَ فَقالَ : مالي أراكُم مُلتاثينَ (2) ؟ قوموا فَبايِعوا أبا بَكرٍ ؛ فَقَد بايَعَ لَهُ النّاسُ ، وَبايَعَهُ الأَنصارُ . فَقامَ عُثمانُ وَمَن مَعَهُ ، وَقامَ سَعدٌ وعَبدُ الرَّحمنِ وَمَن مَعَهُما فَبايَعوا أبا بَكرٍ . وَذَهَبَ عُمَرُ وَمَعَهُ عِصابَةٌ إلى بَيتِ فاطِمَةَ ، مِنهُم اُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ ، وَسلَمَةُ بنُ أسلَمَ ، فَقالَ لَهم : اِنطَلِقوا فَبايِعوا ، فَأَبَوا عَلَيهِ ، وَخَرَجَ إلَيهِمُ الزُّبَيرُ بِسَيفِهِ ، فَقالَ عُمَرُ : عَلَيكُم الكَلبَ ، فَوَثَبَ عَلَيهِ سَلَمَةُ بنُ أسلَمَ ، فَأَخَذَ السَّيفَ مِن يَدِهِ ، فَضَرَبَ بِهِ الجِدارَ ، ثُمَّ انطَلَقوا بِهِ وَبِعَلِيٍّ وَمَعَهُما بَنو هاشِمٍ ، وَعَلِيٌّ يَقولُ : أنَا عَبدُ اللّهِ وَأخو

.


1- .الردّة : ص 46 وراجع الاحتجاج : ج1 ص182 ح36 والمسترشد : ص374 ح123 وشرح نهج البلاغة : ج6 ص6 _ 12 والإمامة والسياسة : ج1 ص28 .
2- .اللوثة : الاسترخاء والبط ء (لسان العرب : ج2 ص185) .

ص: 45

رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . حَتَّى انتَهَوا بِهِ إلى أبي بَكرٍ ، فَقيلَ لَهُ : بايِع ، فَقالَ : أنَا أحَقُّ بِهذا الأَمرِ مِنكُم ، لا اُبايِعُكُم وأنتُم أولى بِالبَيعَةِ لي ، أخَذتُم هذَا الأَمرَ مِنَ الأَنصارِ ، وَاحتَجَجتُم عَلَيهِم بِالقَرابَةِ مِن رَسولِ اللّهِ ، فَأَعطَوكُمُ المَقادَةَ وَسَلَّموا إلَيكُمُ الإِمارَةَ ، وَأنَا أحتَجُّ عَلَيكُم بِمِثلِ مَا احتَجَجتُم بِهِ عَلَى الأَنصارِ ، فَأَنصِفونا إن كُنتُم تَخافونَ اللّهَ مِن أنفُسِكُم ، وَاعرِفوا لَنا مِنَ الأَمرِ مِثلَ ما عَرَفَتِ الأَنصارُ لَكُم ، وَإلّا فَبوؤوا بِالظُّلمِ وَأنتُم تَعلَمونَ . فَقالَ عُمَرُ : إنَّكَ لَستَ مَتروكا حَتّى تُبايِعَ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : اِحلَب ياعُمَرُ حَلَبا لَكَ شَطرُهُ ، اشدُد لَهُ اليَومَ أمرَهُ لِيَرُدَّ عَلَيكَ غَدا ، ألا وَاللّهِ لا أقبَلُ قَولَكَ ولا اُبايِعُهُ . فَقالَ لَهُ أبو بَكرٍ : فَإِن لم تُبايِعني لَم اُكرِهكَ . فَقالَ لَهُ أبو عُبَيدَةَ : يا أبَا الحَسَنِ ! إنَّكَ حَديثُ السِّنِّ وَهؤُلاءِ مَشيخَةُ قُرَيشٍ قَومِكَ ، لَيسَ لَكَ مِثلُ تَجرَبَتِهِم وَمَعرِفَتِهِم بِالاُمورِ ، وَلا أرى أبا بَكرٍ إلّا أقوى عَلى هذَا الأَمرِ مِنكَ ، وَأشَدَّ احتِمالاً لَهُ وَاضطِلاعا بِهِ ، فَسَلِّم لَهُ هذَا الأَمرَ وَارضَ بِهِ ؛ فَإِنَّكَ إن تَعِش وَيَطُل عُمُرُكَ فَأَنتَ لِهذَا الأَمرِ خَليقٌ ، وَبِهِ حَقيقٌ في فَضلِكَ وَقَرابَتِكَ وَسابِقَتِكَ وَجِهادِكَ . فَقالَ عَلِيٌّ : يامَعشَرَ المُهاجِرينَ ، اللّهَ اللّهَ لا تُخرِجُوا سُلطانَ مُحَمَّدٍ عَن دارِهِ وبَيتِهِ إلى بُيوتِكُم وَدورِكُم ، وَلا تَدفَعوا أهلَهُ عَن مَقامِهِ فِي النّاسِ وَحَقِّهِ ، فَوَاللّهِ يا مَعشَرَ المُهاجِرينَ ، لَنَحنُ أهلَ البَيتِ أحَقُّ بِهذَا الأَمرِ مِنكُم ، أما كانَ مِنَّا القارِئُ لِكِتابِ اللّهِ ، الفَقيهُ في دينِ اللّهِ ، العالِمُ بالسُّنَّةِ ، المُضطَلِعُ بِأَمرِ الرَّعِيَّةِ ؟ وَاللّهِ إنَّهُ لَفينا ؛ فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى ؛ فَتَزدادوا مِنَ الحَقِّ بُعدا . فَقالَ بَشيرُ بنُ سَعدٍ : لَو كانَ هذَا الكَلامُ سَمِعَتهُ مِنكَ الأَنصارُ ياعَلِيُّ قَبلَ بَيعَتِهِم لاِبي بَكرٍ مَا اختَلَفَ عَلَيكَ اثنانِ ، ولكِنَّهُم قَد بايَعوا ! .

.

ص: 46

1 / 11 اعتراض الإمام على قرار السّقيفة

وَانصَرَفَ عَلِيٌّ إلى مَنزِلِهِ وَلَم يُبايِع ، ولَزِمَ بَيتَهُ حَتّى ماتَت فاطِمَةُ فَبايَعَ (1) .

1 / 11اِعتِراضُ الإِمامِ عَلى قَرارِ السَّقيفَةِالإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَةٍ تَشتَمِلُ عَلَى الشَّكوى مِن أمرِ الخِلافَةِ _: أما وَاللّهِ لَقَد تَقَمَّصَها فُلانٌ وإنَّهُ لَيَعلَمُ أنَّ مَحَلّي مِنها مَحَلُّ القُطبِ مِنَ الرَّحا ، يَنحَدِرُ عَنِّي السَّيلُ ولا يَرقى إلَيَّ الطَّيرُ ، فَسَدَلتُ دونَها ثَوبا ، وطَوَيتُ عَنها كَشحا (2) ، وطَفِقتُ أرتَئي بَينَ أن أصولَ بِيَدٍ جَذّاءَ (3) ، أو أصبِرَ عَلى طَخيَةٍ (4) عَمياءَ ، يَهرَمُ فيهَا الكَبيرُ ، وَيَشيبُ فيهَا الصَّغِيرُ ، ويَكدَحُ فيها مُؤمِنٌ حتّى يَلقى رَبَّهُ ! فَرَأَيتُ أنَّ الصَّبرَ عَلى هاتا أحجى ، فَصَبَرتُ وفِي العَينِ قَذىً ، وفِي الحَلقِ شَجا (5) ، أرى تُراثي نَهبا (6) .

عنه عليه السلام :وقَد قالَ قَائِلٌ : إنَّكَ عَلى هذَا الأَمرِ يَابنَ أبي طالِبٍ لَحَريصٌ ! فَقُلتُ : بَل أنتُم وَاللّهِ لَأَحرَصُ وأبعَدُ ، وأنَا أخَصُّ وأقرَبُ ، وإِنَّما طَلَبتُ حَقّا لي ، وأنتمُ تَحولونَ بَيني وبَينَهُ ، وتَضرِبونَ وَجهي دونَهُ . فَلَمّا قَرَّعتُهُ بِالحُجَّةِ فِي المَلَأِ الحاضِرينَ هَبَّ كَأَنَّه

.


1- .شرح نهج البلاغة: ج6 ص11 ؛ بحار الأنوار : ج28 ص347 ح60 .
2- .الكَشْح : ما بين الخاصرة إلى الضلع الخَلْف ، كناية عن امتناعه وإعراضه عنها (مجمع البحرين : ج3 ص1572) .
3- .جَذّاء : مقطوعة ، كنّى به عن قصور أصحابه وتقاعدهم عن الغزو ؛ فإنّ الجند للأمير كاليد (النهاية : ج1 ص250) .
4- .طخية عمياء : أي ظلمة لا يهتدى فيها للحقّ ، وكنّى بها عن التباس الاُمور في أمر الخلافة (مجمع البحرين : ج1 ص279) .
5- .القذى : ما يقع في العين فيؤذيها كالغبار ونحوه . والشجا : ما ينشب في الحلق من عظمٍ ونحوه فيُغصُّ به ، وهما كنايتان عن النقمة ومرارة الصبر والتألّم من الغبن (مجمع البحرين : ج2 ص932) .
6- .نهج البلاغة : الخطبة 3 ، معاني الأخبار : ص361 ح1 ، علل الشرائع : ص150 ح12 ، الإرشاد : ج1 ص287 ، الأمالي للطوسي : ص372 ح803 كلّها عن ابن عبّاس ، الجمل : ص171 وليس فيه من «فسدلت» إلى «أحجى» .

ص: 47

بُهِتَ لا يَدري ما يُجِيبُني بِهِ ! اللّهُمَّ إنِّي أستَعديكَ عَلى قُرَيشٍ ومَن أعانَهُم ! فَإِنَّهُم قَطَعوا رَحِمي ، وصَغَّروا عَظيمَ مَنزِلَتي ، وأجمَعوا عَلى مُنازَعَتي أمرا هُوَ لي . ثُمَّ قالوا : ألا إنَّ فِي الحَقِّ أن تأخُذَهُ ، وفِي الحَقِّ أن تَترُكَهُ (1) .

عنه عليه السلام_ يَصِفُ حالَهُ قَبلَ البَيعَةِ لَهُ _: فَنَظَرتُ فَإِذا لَيسَ لي مُعينٌ إلّا أهلُ بَيتي ، فَضَنِنتُ بِهِم عَنِ المَوتِ ، وأغضَيتُ عَلَى القَذى ، وشَرِبتُ عَلَى الشَّجا ، وصَبَرتُ عَلى أخذِ الكَظَمِ وعَلى أمَرَّ مِن طَعمِ العَلقَمِ (2) .

عنه عليه السلام_ فِي التَّظَلُّمِ وَالتَّشَكّي مِن قُرَيشٍ _: اللّهُمَّ إنّي أستَعديكَ عَلى قُرَيشٍ ومَن أعانَهُم ؛ فَإِنَّهُم قَد قَطَعوا رَحِمي ، وأكفَؤوا إنائي ، وأجمَعوا عَلى مُنازَعَتي حَقّا كُنتُ أولى بِهِ مِن غَيري ، وقالوا : «ألا إنَّ فِي الحَقِّ أن تَأخُذَهُ ، وفِي الحَقِّ أن تُمنَعَهُ ، فَاصبِر مَغموما ، أو مُت مُتَأَسِّفا» ، فَنَظَرتُ فَإِذا لَيسَ لي رافِدٌ ، ولا ذابٌّ ، ولا مُساعِدٌ ، إلّا أهلَ بَيتي ، فَضَنِنتُ بِهِم عَنِ المَنِيَّةِ ، فَأَغضَيتُ عَلَى القَذى ، وجَرِعتُ رِيقي عَلَى الشَّجا ، وصَبَرتُ مِن كَظمِ الغَيظِ عَلى أمَرَّ مِنَ العَلقَمِ ، وآلَمَ لِلقَلبِ مِن وَخزِ الشِّفارِ (3) .

الإمام زين العابدين عليه السلام :بَينَما أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ في أصعَبِ مَوقِفٍ بِصِفّينَ ، إذ قامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن بَني دودانَ ، فَقالَ : ما بالُ قَومِكُم دَفَعوكُم عَن هذَا الأَمرِ وأنتُمُ الأَعلونَ نَسَبا ، وأَشَدَّ نَوطا (4) بِالرَّسولِ ، وفَهما بِالكِتابِ وَالسُّنَّةِ ؟ !

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 172 وراجع كشف المحجّة : ص247 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 26 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج1 ص271 .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 217 ، الغارات : ج1 ص308 ، كشف المحجّة : ص248 ، الصراط المستقيم : ج3 ص43 ؛ الإمامة والسياسة : ج1 ص176 كلّها نحوه .
4- .ناطه : علّقه (المصباح المنير : ص630) . أي أشدّ تعلّقا بالرسول صلى الله عليه و آله .

ص: 48

فَقالَ : سَأَلتَ _ يا أخا بَني دودانَ _ ولَكَ حَقُّ المَسأَلَةِ ، وذِمام الصَّهرِ ، وإنَّكَ لَقَلِقُ الوَضينِ (1) ، تُرسِلُ عَن ذي مَسَدٍ (2) ، إنَّها إمرَةٌ شَحَّت عَلَيها نُفوسُ قَومٍ ، وسَخَت عَنها نُفوسُ آخَرينَ ، ونِعمَ الحَكَمُ اللّهُ . فَدَع عَنكَ نَهبا صيحَ في حَجَراتِهِ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام_ لِبَعضِ أصحابِهِ وقَد سَأَلَهُ : كَيفَ دَفَعَكُم قَومُكُم عَن هذَا المَقامِ وأنتمُ أحَقُّ بِهِ ؟ _: يا أخا بَني أسَدٍ ، إنَّكَ لَقَلِقُ الوَضينِ ، تُرسِلُ في غَيرِ سَدَدٍ ، ولَكَ بَعدُ ذِمامَةُ الصِّهرِ ، وحَقُّ المَسأَلَةِ ، وقَدِ استَعلَمتَ فَاعلَم : أمَّا الِاستِبدادُ عَلَينا بِهذَا المَقامِ _ ونَحنُ الأَعلَونَ نَسَبا وَالأَشَدّونَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَوطا _ فَإِنَّها كانَت أثَرَةً ، شَحَّت عَلَيها نُفوسُ قَومٍ ، وسَخَت عَنها نُفوسُ آخَرينَ ، وَالحَكَمُ اللّهُ ، وَالمَعوَدُ إلَيهِ القيامَةُ . وَدَع عَنكَ نَهبا صيحَ في حَجَراتِهِ ولكِن حَديثا ما حَديثَ الرَّواحِلِ (4) . (5) راجع : ج 3 ص 335 (حرب الدعاية) .

.


1- .الوَضِين : بِطانٌ منسوج بعضه على بعض ؛ يُشدّ به الرّحل على البعير كالحزام للسرج . أراد أنّه سريع الحركة ، يصفه بالخفّة وقلّة الثبات كالحزام إذا كان رخواً (النهاية : ج5 ص199) .
2- .كذا في المصدر ، وفي نهج البلاغة : الخطبة 162 «تُرسل في غير سَدَد» وهو المناسب للسياق .
3- .الأمالي للصدوق: ص716 ح986 عن أبي الأحوص المصري عن جماعة من أهل العلم عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام ، علل الشرائع: ص146 ح2 عن أبي الأحوص عمّن حدّثه عن آبائه عن الإمام الحسن عليه السلام ، الإرشاد : ج1 ص294 ، الفصول المختارة : ص77 ، نثر الدرّ : ج1 ص287 ، المسترشد : ص371 ح122 والأربعة الأخيرة من دون إسنادٍ إليه عليه السلام وكلّها نحوه .
4- .البيت لامرئ القيس بن حجر الكندي ، وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يستشهد إلّا بصدره فقط وأتمّه الرواة (شرح نهج البلاغة : ج9 ص243) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 162 .

ص: 49

1 / 12 استنصار الإمام المهاجرين والأنصار

1 / 12اِستِنصارُ الإِمامِ المُهاجِرينَ وَالأَنصارَالإمامة والسياسة :خَرَجَ عَلِيٌّ كَرّمَ اللّهُ وَجهَهُ يَحمِلُ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى دابَّةٍ لَيلاً في مَجالِسِ الأَنصارِ ؛ تَسأَلُهُمُ النُّصرَةَ ، فَكانوا يَقولونَ : يا بِنتَ رَسولَ اللّهِ ، قَد مَضَت بَيعَتُنا لِهذَا الرَّجُلِ ، ولَو أنَّ زَوجَكِ وَابنَ عَمِّكِ سَبَقَ إلَينا قَبلَ أبي بَكرٍ ما عَدَلنا بِهِ ! فَيَقولُ عَلِيّ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ : أفَكُنتُ أدَعُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في بَيتِهِ لَم أدفِنهُ ، وأخرُجُ اُنازِعُ النّاسَ سُلطانَهُ ؟ ! فَقالَت فاطِمَةُ : ما صَنَعَ أبُو الحَسَنِ إلّا ما كانَ يَنبَغي لَهُ ، ولَقَدَ صَنَعوا مَا اللّهُ حَسيبُهُم وطالِبُهُم (1) .

كتاب سليم بن قيس :قالَ سَلمانُ : فَلَمّا أن كانَ اللَّيلُ حَمَلَ عَلِيٌّ عليه السلام فاطِمَةَ عليهاالسلامعَلى حِمارٍ ، وأخَذَ بِيَدَيِ ابنَيهِ الحَسَنِ والحُسَينِ عليهماالسلام ، فَلَم يَدَع أحَدا مِن أهلِ بَدرٍ مِنَ المُهاجِرينَ ولا مِنَ الأَنصارِ إلّا أتاهُ في مَنزِلِهِ ، فَذَكَّرَهُم حَقَّهُ ، ودَعاهُم إلى نُصرَتِهِ ، فَمَا استَجابَ لَهُ مِنهُم إلّا أربَعَةٌ وأربَعون رَجُلاً . فَأَمَرَهُم أن يُصبِحوا بُكرَةً مُحَلِّقينَ رُؤوسَهُم مَعَهُم سِلاحُهُم لِيُبايِعوا عَلَى المَوتِ ، فَأَصبَحوا ، فَلَم يُوافِ مِنهُم أحَدٌ إلّا أربَعَةٌ . فَقُلتُ لِسَلمانَ : مَنِ الأَربَعَةُ ؟ فَقالَ : أنَا وأبو ذَرٍّ وَالمِقدادُ وَالزُّبَيرُ بنُ العَوّامِ . ثُمَّ أتاهُم عَلِيٌّ عليه السلام مِنَ اللَّيلَةِ المُقبِلَةِ ، فَناشَدَهُم ، فَقالوا : نُصبِحُكَ بُكرَةً ، فَما مِنهُم أحَدٌ أتاهُ غَيرُنا .

.


1- .الإمامة والسياسة : ج1 ص29 ، شرح نهج البلاغة : ج6 ص13 عن الجوهري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن عن الإمام الباقر عليه السلام نحوه .

ص: 50

ثُمَّ أتاهُمُ اللَّيلَةَ الثّالِثَةَ فَما أتاهُ غَيُرنا . فَلَمّا رَأى غَدرَهُم وقِلَّةَ وَفائِهم لَهُ لَزِمَ بَيتَهُ ، وأقبَلَ عَلَى القُرآنِ يُؤَلِّفُهُ ويَجمَعُهُ ، فَلَم يَخرُج مِن بَيتِهِ حَتّى جَمَعَهُ (1) .

شرح نهج البلاغة :مِن كِتابِ مُعاوِيَةَ المَشهورِ إلى عَلِيٍّ عليه السلام : وأعهَدُكَ أمسِ تَحمِلُ قَعيدَةَ بَيتِكَ لَيلاً عَلى حِمارٍ ، ويَداكَ في يَدَيِ ابنَيكَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ يَومَ بويِعَ أبو بَكرٍ الصِّدّيقُ ، فَلَم تَدَع أحَدا مِن أهلِ بَدرٍ والسَّوابِقِ إلّا دَعَوتَهُم إلى نفَسِكَ ، ومَشَيتَ إلَيهِم بِامرَأَتِكَ ، وأدلَيتَ إلَيهِم بِابنَيكَ ، وَاستَنصَرتَهُم عَلى صاحِبِ رَسولِ اللّهِ ! فَلَم يُجِبكَ مِنهُم إلّا أربَعَةٌ أو خَمسَةٌ ، ولَعَمري لَو كُنتَ مُحِقّا لَأَجابوكَ ! ولكَنِّكَ ادَّعَيتَ باطِلاً ، وقُلتَ ما لا يُعرَفُ ، ورُمتَ ما لا يُدرَكُ . ومَهما نَسيتُ فَلا أنسى قَولَكَ لِأَبي سُفيانَ لَمّا حَرّكَكَ وهَيَّجَكَ : لَو وَجَدتُ أربَعينَ ذَوي عَزمٍ مِنهُم لَناهَضتُ القَومَ . فَما يَومُ المُسلِمينَ مِنكَ بِواحِدٍ ، ولا بَغيُكَ عَلَى الخُلَفاءِ بِطَريفٍ ولا مُستَبدَعٍ (2) .

تاريخ اليعقوبي :اِجتَمَعَ جَماعَةٌ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ يَدعونَهُ إلَى البَيعَةِ لَهُ ، فَقالَ لَهُم : اُغدوا عَلى هذا مُحَلِّقينَ الرُّؤوسَ . فَلَم يَغدُ عَلَيهِ إلّا ثَلاثَةُ نَفَرٍ (3) .

الكافي عن أبي الهَيثَم بن التَّيِّهان :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام خَطَبَ النّاسَ بِالمَدينَةِ فَقالَ : أما وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرأَ النَّسَمَةَ ، لَوِ اقتَبَستُمُ العِلمَ مِن مَعدِنِهِ ، وشَرِبتُمُ الماءَ بِعُذوبَتِهِ ، وَادَّخَرتُمُ الخَيرَ مِن مَوضِعِهِ ، وأخَذتُمُ الطَّريقَ مِن واضِحِهِ ، وسَلَكتُم مِنَ الحَقِّ نَهجَهُ ،

.


1- .كتاب سليم بن قيس : ج2 ص580 ح4 ، الاحتجاج : ج1 ص206 ح38 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص47 ، وللاطّلاع على جواب الإمام عليه السلام راجع : ج 3 ص 335 (حرب الدعاية) .
3- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص126 .

ص: 51

لَنَهَجَت بِكُمُ السُّبُلُ ، وبَدَت لَكُمُ الأَعلامُ ، وأضاءَ لَكُمُ الإِسلامُ ، فَأَكَلتُم رَغدا (1) ، وما عالَ فيكُم عائِلٌ ، ولا ظُلِمَ مِنكُم مُسلِمٌ ولا مُعاهَدٌ . . . . رُوَيدا ، عَمّا قَليلٍ تَحصُدونَ جَميعَ ما زَرَعتُم ، وتَجِدونَ وَخيمَ (2) مَا اجتَرَمتُم ومَا اجتَلَبتُم . والَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَقَد عَلِمتُم أنّي صاحِبُكُم وَالَّذي بِهِ اُمِرتُم ، وأنّي عالِمُكُم وَالَّذي بِعِلمِهِ نَجاتُكُم ، ووَصِيُّ نَبِيِّكُم ، وخِيَرَةُ رَبِّكُم ، ولِسانُ نورِكُم ، وَالعالِمُ بِما يُصلِحُكُم ، فَعَن قَليلٍ رُوَيدا يَنزِلُ بِكُم ما وُعِدتُم ، وما نَزَلَ بِالاُمَمِ قَبلَكُم ، وسَيَسأَلَكُمُ اللّهَ عَزَّوجَلَّ عَن أئِمَّتِكُم ، مَعَهُم تُحشَرونَ ، وإلَى اللّهِ عَزَّوجَلَّ غَدا تَصيرونَ . أما وَاللّهِ لَو كانَ لي عِدَّةُ أصحابِ طالوتَ ، أو عِدَّةُ أهلِ بَدرٍ وهُم أعداؤُكُم ، لَضَرَبتُكُم بِالسَّيفِ حَتّى تَؤولوا إلَى الحَقِّ ، وتُنيبوا لِلصِّدقِ ، فَكانَ أرتَقَ لِلفَتقِ (3) ، وآخَذَ بِالرِّفقِ ، اللّهُمَّ فَاحكُم بَينَنا بِالحَقِّ وأنتَ خَيرُ الحاكِمينَ . قالَ : ثُمَّ خَرَجَ مِنَ المَسجِدِ فَمَرَّ بِصيرَةٍ (4) فيها نَحوٌ مِن ثَلاثينَ شَاةً ، فَقالَ : وَاللّهِ لَو أنَّ لي رِجالاً يَنصَحونَ للّهِِ عَزَّوجَلَّ ولِرَسولِهِ بِعَدَدِ هذِهِ الشِّياهِ لَأَزَلتُ ابنَ آكِلَةِ الذِّبّانِ عَن مُلكِهِ . فَلَمّا أمسى بايَعَهُ ثَلاثُمِئَةٍ وسِتّون رَجُلاً عَلَى المَوتِ ، فَقالَ لَهُم أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام :

.


1- .رغدا : أي كثيرا واسعا بلا عناء (مجمع البحرين : ج2 ص714) .
2- .هذا الأمر وخيم العاقبة ، أي ثقيل رديء (النهاية : ج5 ص164) .
3- .فتقتُ الشيء فتقا : شققتهُ ، والفتق (أيضا) : شقّ عصا الجماعة ووقوع الحرب بينهم والرتق ضدّ الفتق (الصحاح : ج4 ص1539 و 1480) .
4- .الصِّيرَة : حظيرة من خشب وحجارة تبنى للغنم والبقر ، والجمع : صِيرٌ وصِيَرٌ (لسان العرب : ج4 ص478) .

ص: 52

1 / 13 وعي الإمام في مواجهة الفتنة

اُغدوا بِنا إلى أحجارِ الزَّيتِ (1) مُحَلِّقينَ . وحَلَقَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَما وافى مِنَ القَومِ مُحَلِّقا إلّا أبو ذَرٍّ وَالمِقدادُ وحُذَيفَةُ بنُ اليَمانِ وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، وجاءَ سَلمانُ في آخِرِ القَومِ . فَرَفَعَ يَدَهُ إلَى السَّماءِ فَقالَ : اللَّهُمَّ إنَّ القَومَ استَضعَفوني كَمَا استَضعَفَت بَنو إسرائيلَ هارونَ ، اللّهُمَّ فَإِنَّكَ تَعلَمُ ما نُخفي وما نُعلِنُ ، وما يَخفى عَلَيكَ شَيءٌ فِي الأَرضِ ولا فِي السَّماءِ ، تَوَفَّني مُسلِما وألحِقني بِالصّالِحينَ (2) .

1 / 13وَعيُ الإِمامِ في مُواجَهَةِ الفِتنَةِالإرشاد :قَد كانَ أبو سُفيانَ جاءَ إلى بابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وعَلِيٌّ وَالعَبّاسُ مُتَوَفِّرانِ عَلَى النَّظَرِ في أمرِهِ ، فَنادى : بَني هاشِمٍ لا تُطمِعُوا النّاسَ فيكُم ولا سيَّما تَيمُ بنَ مُرَّةَ أو عَدِيٌّ فَمَا الأَمرُ إلّا فيكُمُ وإلَيكُم ولَيسَ لَها إلّا أبو حَسَنٍ عَلِيٌّ أبا حَسَنٍ فَاشدُد بِها كَفَّ حازِمٍ فَإِنَّكَ بِالأَمرِ الَّذي يُرتَجى مَليٌّ ثُمَّ نادى بِأَعلى صَوتهٍ : يا بَني هاشِمٍ ! يا بَني عَبدِ مَنافٍ ! أرَضيتُم أن يَلِيَ عَلَيكُم أبو فَصيلٍ . . . أما وَاللّهِ لَئِن شِئتُم لَأَملَأَنَّها خَيلاً ورَجِلاً ! فَناداهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : اِرجِع يا أبا سُفيانَ ، فَوَاللّهِ ما تُريدُ اللّهَ بِما تَقولُ ، وما زِلتَ تَكيدُ الإِسلامَ وأهلَهُ ، ونَحنُ مَشاغيلُ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وعَلى كُلِّ امرِئً مَا اكتَسَبَ ، وهُوَ وَلِيُّ مَا احتَقَبَ (3) .

.


1- .أحجار الزيت : موضع بالمدينة وهو موضع صلاة الاستسقاء (معجم البلدان : ج1 ص109) .
2- .الكافي : ج8 ص32 ح5 .
3- .الإرشاد : ج1 ص190 ، إعلام الورى : ج1 ص271 .

ص: 53

أنساب الأشراف عن الحسين عن أبيه :إنَّ أبا سُفيانَ جاءَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : يا عَلِيُّ ، بايَعتُم رَجُلاً مِن أذَلِّ قَبيلَةٍ مِن قُرَيشٍ ! أما وَاللّهِ لَئِن شِئتَ لَاُضرِمَنَّها عَلَيهِ مِن أقطارِها ، ولَأَملَأَنَّها عَلَيهِ خَيلاً ورِجالاً ! ! فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : إنَّكَ طالَما ما غَشَشتَ اللّهَ ورَسولَهُ وَالإِسلامَ ، فَلَم يَنقُصهُ ذلِكَ شَيئا (1) .

تاريخ الطبري عن عَوانَة :لَمَّا اجتَمَعَ النّاسُ عَلى بَيعَةِ أبي بَكرٍ ، أقبَلَ أبو سُفيانَ وهُوَ يَقولُ : وَاللّهِ إنّي لَأَرى عَجاجَةً لا يُطِفئُها إلّا دَمٌ ! يا آلَ عَبدِ مَنافٍ ، فيمَ أبو بَكرٍ مِن اُمورِكُم ؟ ! أينَ المُستَضعَفانِ ؟ ! أينَ الأَذَلّانِ ؛ عَلِيٌّ وَالعَبّاسُ ؟ ! وقالَ : أبا حَسَنٍ ، اُبسُط يَدَكَ حَتّى اُبايِعَكَ . فَأَبى عَلِيٌّ عَلَيهِ ، فَجَعَلَ يَتَمَثَّلُ بِشِعرِ المُتَلَمِّسِ : ولَن يُقيمَ عَلى خَسفٍ يُرادُ بِهِ إلَا الأَذَلّانِ عَيْرُ الحَيِّ وَالوَتَدُ هذا عَلَى الخَسفِ مَعكوسٌ بِرُمَّتِهِ وذا يُشَجُّ فَلا يَبكي لَهُ أحَدُ فَزَجَرَهُ عَلِيٌّ ، وقالَ : إنَّكَ وَاللّهِ ما أرَدتَ بِهذا إلَا الفِتنَةَ ، وإنَّكَ وَاللّهِ طالَما بَغَيتَ الإِسلامَ شَرّا ، لا حاجَةَ لَنا في نَصيحَتِكَ (2) .

تاريخ اليعقوبي_ بَعدَ بَيعَةِ أبي بَكرٍ فِي السَّقيفَةِ _: جاءَ البَراءُ بنُ عازِبٍ فَضَرَبَ البابَ عَلى بَني هاشِمٍ ، وقالَ : يا مَعَشَرَ بَني هاشِمٍ ، بويِعَ أبو بَكرٍ ! فَقالَ بَعضُهُم : ما كانَ المُسلِمونَ يُحدِثونَ حَدَثا نَغيبُ عَنهُ ونَحنُ أولى بِمُحَمَّدٍ ! ! فَقالَ العَبّاسُ : فَعَلوها ورَبِّ الكَعبَةِ . وكانَ المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ لا يَشُكّونَ في عَلِيٍّ ، فَلَمّا خَرَجوا مِنَ الدّارِ قامَ الفَضلُ بنُ العَبّاسِ _ وكانَ لِسانَ قُرَيشٍ _ فَقالَ : يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ، إنَّهُ ما حَقَّت لَكُم

.


1- .أنساب الأشراف : ج2 ص271 ، تاريخ الطبري : ج3 ص209 عن ابن الحرّ نحوه .
2- .تاريخ الطبري : ج3 ص209 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص11 .

ص: 54

الخِلافَةُ بِالتَّمويهِ ، ونَحنُ أهلُها دونَكُم ، وصاحِبُنا أولى بِها مِنكُم ! ! وقامَ عُتبَةُ بنُ أبي لَهَبٍ فَقالَ : ما كُنتُ أحسَبُ أنَّ الأَمرَ مُنصَرِفٌ عَن هاشِمٍ ثُمَّ مِنها عَن أبِي الحَسَنِ عَن أوَّلِ النّاسِ إيمانا وسابِقَةً وأعلَمِ النّاسِ بِالقُرآنِ والسُّنَنِ وآخِرِ النّاسِ عَهدا بِالنَّبِيِّ ومَن جِبريلُ عَونٌ لَهُ فِي الغُسلِ وَالكَفَنِ مَن فيهِ ما فيهِمُ لا يَمتَرونَ بِهِ ولَيسَ فِي القَومِ ما فيهِ مِنَ الحَسَنِ فَبَعَثَ إلَيهِ عَلِيُّ ، فَنَهاهُ (1) .

نُزهَة الناظر :لَمّا قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، اجتَمَعَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وعَمُّهُ العَبّاسُ ومَواليهِما في دورِ الأَنصارِ ؛ لإِجالَةِ الرَّأيِ ، فَبَدَرَهُما أبو سُفيانَ وَالزُّبَيرُ ، وعَرَضا نُفوسَهُما عَلَيهِما ، وبَذَلا مِن نُفوسِهمَا المُساعَدَةَ وَالمُعاضَدَةَ لَهُما . فَقالَ العَبّاسُ : قَد سَمِعنا مَقالَتَكُما ، فَلا لِقِلَّةٍ نَستَعينُ بِكُما ، ولا لِظِنَّةٍ (2) نَترُكُ رَأيَكُما ، لكِن لِالتِماسِ الحَقِّ ، فَأَمهِلا ؛ نُراجِعِ الفِكَرَ ، فَإِن يَكُن لَنا مِنَ الإِثمِ مَخرَجٌ يَصِرَّ بِنا وبِهِمُ الأَمرُ صَريرَ الجُندَبِ (3) ، ونَمُدَّ أكُفّا إلَى المَجدِ لا نَقبِضُها أو نَبلُغ المَدى ، وإن تَكُنِ الاُخرى فَلا لِقِلَّةٍ فِي العَدَدِ ، ولا لِوَهنٍ فِي الأَيدي ، وَاللّهِ لَولا أنَّ الإِسلامَ قَيَّدَ الفَتكَ لَتَدَكدَكَت جَنادِلُ صخرٍ ، يُسمَعُ اصطِكاكُها مِن مَحَلِّ الأَبيلِ (4) . قالَ : فَحَلَّ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام حِبوَتَهُ (5) ، وجَثا عَلى رُكبَتَيهِ _ وكَذا كانَ يَفعَلُ إذا

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص124 .
2- .الظِّنّة : التُّهمَة (لسان العرب : ج13 ص273) .
3- .الجُندَب : ضرب من الجراد ، وقيل: هو الَّذي يَصِرّ في الحرّ (النهاية : ج1 ص306) .
4- .الأبيل بوزن الأمير : الراهب . وسمّي به لتأبله عن النساء وترك غِشيانهنّ والفعل منه أبَلَ يأبُلُ أبالة ؛ إذا تنسّك وترهّب (لسان العرب : ج11 ص7) . ولعلّ المراد به أنّه يُسمع من المكان القاصي كمحلّ عبادة الراهب .
5- .الحِبْوَة والحُبْوَة : الثوب الَّذي يحتبى به ، يقال : حل حِبوَته وحُبوَته (لسان العرب : ج14 ص161) .

ص: 55

تَكَلَّمَ _ فَقالَ عليه السلام : الحِلمُ زَينٌ ، وَالتَّقوى دينٌ ، وَالحُجَّةُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، وَالطَّريقُ الصِّراطُ . أيُّهَا النّاسُ ، رَحِمَكُمُ اللّهُ ، شُقّوا مُتَلاطِماتِ أمواجِ الفِتَنِ بِحَيازيمِ (1) سُفُنِ النَّجاةِ ، وعَرِّجوا عَن سَبيلِ المُنافَرَةِ ، وحُطّوا تيجانَ المُفاخَرَةِ . أفلَحَ مَن نَهَضَ بِجَناحٍ ، أوِ استَسلَمَ فَأَراحَ . ماءٌ آجِنٌ (2) ، ولُقمَةٌ يَغَصُّ بِها آكِلُها ، ومُجتَنِي الثَّمَرَةِ في غَيرِ وَقتِها كَالزّارِعِ في غَيرِ أرضِهِ ، وَاللّهِ لَو أقولُ لَتَداخَلَت أضلاعٌ كَتَداخُلِ أسنانِ دَوّارَةِ الرّاحي ، وإن أسكُت يَقولوا : جَزَعَ ابنُ أبي طالِبٍ مِنَ المَوتِ . هَيهاتَ ! بَعدَ اللَّتَيّا وَالَّتي ، وَاللّهِ لَعَلِيٌّ آنَسُ بِالمَوتِ مِنَ الطِّفلِ بِثَديِ اُمِّهِ ، لكِنِّي اندَمَجتُ عَلى مَكنونِ عِلمٍ لَو بُحتُ بِهِ لَاضطَرَبتُمُ اضطِرابَ الأَرشِيَةِ (3) فِي الطَّوِيِّ (4) البَعيدَةِ . ثُمَّ نَهَضَ عليه السلام . فَقالَ أبو سُفيانَ : لِشَيءٍ ما فارَقَنَا ابنُ أبي طالِبٍ ! (5)

العقد الفريد عن مالك بن دينار :تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأبو سُفيانَ غائِبٌ في مَسعاةٍ أخرَجَهُ فيها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا انصَرَفَ لَقِيَ رَجُلاً في بَعضِ طَريقِهِ مُقبِلاً مِنَ المَدينَةِ ، فَقالَ لَهُ : ماتَ مُحَمَّدٌ ؟ قالَ :نَعَم . قالَ : فَمَن قامَ مَقامَهُ ؟ قالَ : أبو بَكرٍ . قالَ أبو سُفيانَ : فَما فَعَلَ المُستَضعَفانِ ؛ عَلِيٌّ وَالعَبّاسُ ؟ ! قالَ : جالِسَينِ . قالَ : أما وَاللّهِ ، لَئِن بَقيتُ لَهُما لَأَرفَعَنَّ مِن أعقابِهِما . ثُمَّ قالَ : إنّي أرى غيرَةً لا يُطفِئُها إلّا دَمٌ . فَلَمّا قَدِمَ المَدينَةَ جَعَلَ يَطوفُ في أزِقَّتِها ويَقولُ : بَني هاشِمٍ لا تَطمَعِ النّاسُ فيكُمُ ولا سيِّما تَيمُ بنُ مُرَّةَ أو عَدِيٌّ فَمَا الأَمرُ إلّا فيكُمُ وإلَيكُمُ ولَيسَ لَها إلّا أبو حَسَنٍ عَلِيٌّ فَقالَ عُمَرُ لِأَبي بَكرٍ : إنَّ هذا قَد قَدِمَ ، وهُوَ فاعِلٌ شَرّا ، وقَد كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَستَألِفُهُ عَلَى الإِسلامِ ، فَدَع لَهُ ما بِيَدِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ . فَفَعَلَ ، فَرَضِيَ أبو سُفيانَ ، وبايَعَهُ (6) .

.


1- .الحيازيم : جمع الحيزوم ، وهو الصدر وقيل وسطه (النهاية : ج1 ص467) .
2- .الآجن : الماء المتغيّر الطعم واللون (النهاية : ج1 ص26) .
3- .الرشاء : الحبل الَّذي يتوصّل به إلى الماء ، وجمعه أرشية (مجمع البحرين : ج2 ص703) .
4- .الطَّوِيّ : البئر المطويّة بالحجارة (لسان العرب : ج15 ص19) .
5- .نزهة الناظر : ص55 ح39 ، نهج البلاغة : الخطبة 5 وفي صدرها «ومن خطبة له عليه السلام لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخاطبه العبّاس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة» ؛ مطالب السؤول : ص58 وفيهما من «أيّها النّاس» إلى «البعيدة» ، تذكرة الخواصّ : ص128 عن ابن عبّاس وكلّها نحوه ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص213 وفيه من «أيّها النّاس . . .» .
6- .العقد الفريد : ج3 ص271 .

ص: 56

1 / 14 بيعة الإمام بعد وفاة فاطمة

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى مُعاوِيَةَ _: كانَ أبوكَ أتاني حينَ وَلَّى النّاسُ أبا بَكرٍ ، فَقالَ : أنتَ أحَقُّ النّاسِ بِهذا الأَمرِ مِنُهم كُلِّهِم بَعدَ مُحَمَّدٍ ، وأنَا يَدُكَ عَلى مَن شِئتَ ، فَابسُط يَدَكَ اُبايِعكَ ؛ فَأَنتَ أعَزُّ العَرَبِ دَعوَةً . فَكَرِهتُ ذلِكَ ؛ كَراهَةً لِلفُرقَةِ ، وشَقِّ عَصَا الاُمَّةِ ؛ لِقُربِ عَهدِهِم بِالكُفرِ وَالاِرتِدادِ ، فَإِن كُنتَ تَعرِفُ مِن حَقّي ما كانَ أبوكَ يَعرِفُهُ أصَبتَ رُشدَكَ ، وإن لَم تَفعَلِ استَعَنتُ بِاللّهِ عَلَيكَ ، ونِعمَ المُستَعانُ ، وعَلَيهِ تَوَكَّلتُ ، وإلَيهِ اُنيبُ (1) .

1 / 14بَيعَةُ الإِمامِ بَعدَ وَفاةِ فاطِمَةَمروج الذهب :لَمّا بويِعَ أبو بَكرٍ في يَومِ السَّقيفَةِ ، وجُدِّدَتِ البَيعَةُ لَهُ يَومَ الثُّلاثاءِ عَلَى العامَّةِ ، خَرَجَ عَلِيٌّ فَقالَ : أفسَدتَ عَلَينا اُمورَنا ، ولَم تَستَشِر ولَم تَرعَ لَنا حَقّا . فَقالَ أبو بَكرٍ : بَلى ، ولكِنّي خَشيتُ الفِتنَةَ . . . . ولَم يُبايِعهُ أحَدٌ مِن بَني هاشِمٍ حَتّى ماتَت فاطِمَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنها (2) .

الكامل في التاريخ عن الزُّهري :بَقِيَ عَلِيٌّ وبَنو هاشِمٍ وَالزُّبَيرُ سِتَّةَ أشهُرٍ لَم يُبايِعوا

.


1- .المناقب للخوارزمي : ص254 ، العقد الفريد : ج3 ص332 ؛ وقعة صفّين : ص91 كلاهما نحوه وراجع أنساب الأشراف : ج2 ص271 .
2- .مروج الذهب : ج2 ص307 وراجع الإمامة والسياسة : ج1 ص30 _ 31 ومشاهير علماء الأمصار : ص22 .

ص: 57

أبا بَكرٍ ، حَتّى ماتَت فاطِمَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنها ، فَبايَعوهُ (1) .

صحيح البخاري عن عائشة :إنَّ فاطِمَةَ عليهاالسلامبِنتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أرسَلَت إلى أبي بَكرٍ تَسأَلُهُ ميراثَها مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ مِمّا أفاءَ اللّهُ عَلَيهِ بِالمَدينَةِ ، وفَدَكَ ، وما بَقِيَ مِن خُمُسِ خَيبَرَ . . . فَأَبى أبو بَكرٍ أن يَدفَعَ إلى فاطِمَةَ مِنها شَيئا ، فَوَجَدَت فاطِمَةُ عَلى أبي بَكرٍ في ذلِكَ ، فَهَجَرَتهُ ؛ فَلَم تُكَلِّمهُ حَتّى تُوُفِّيَت ، وعاشَت بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله سِتَّةَ أشهُرٍ . فَلَمّا تُوُفِّيَت دَفَنَها زَوجُها عَلِيٌّ لَيلاً ، ولَم يُؤذِن بِها أبا بَكرٍ ، وصَلّى عَلَيها . وكانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النّاسِ وجهٌ حَياةَ فاطِمَةَ ، فَلَمّا تُوُفِّيَتِ استَنكَرَ عَلِيٌّ وُجوهَ النّاسِ ، فَالتَمَسَ مُصالَحَةَ أبي بَكرٍ ومُبايَعَتَهُ ، ولَم يَكُن يُبايِع تِلكَ الأَشهُرَ (2) .

الإمامة والسياسة :لَم يُبايِع عَليٌّ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ حَتّى ماتَت فاطِمَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنهُما ، ولَم تَمكُث بَعدَ أبيها إلّا خَمسا وسَبعينَ لَيلَةً (3) .

مُروج الذَّهَب :قَد تُنوزِعَ في بَيعَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ إيّاهُ [أبا بَكرٍ] ؛ فَمِنهُم مَن قالَ : بايَعَهُ بَعدَ مَوتِ فاطِمَةَ بِعَشرَةِ أيّامٍ ، وذلِكَ بَعدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِنَيِّفٍ وسَبعينَ يَوما ، وقيلَ بِثَلاثَةِ أشهُرٍ ، وقيلَ : سِتَّةٍ ، وقيلَ غَيرَ ذلِكَ (4) .

شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ حَديثِ السَّقيفَةِ _: أمَّا الَّذي يَقولُهُ جُمهورُ المُحَدِّثينَ وأعيانُهُم فَإِنَّهُ عليه السلام امتَنَعَ مِنَ البَيعَةِ سِتَّةَ أشهُرٍ (5) .

.


1- .الكامل في التاريخ : ج2 ص14 وفيص 10 «والصحيح أنّ أمير المؤمنين ما بايع إلّا بعد ستّة أشهر» وليس فيه من «ستّة أشهر . . .» ، السنن الكبرى : ج6 ص489 ح12732 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص472 ح9774 ، تاريخ الطبري: ج3 ص208 وليس في الأربعة الأخيرة «الزبير» ، أنساب الأشراف : ج2 ص268 عن عائشة وليس فيه «بنو هاشم والزبير» وكلّها نحوه .
2- .صحيح البخاري : ج4 ص1549 ح3998 ، صحيح مسلم : ج3 ص1380 ح52 .
3- .الإمامة والسياسة : ج1 ص31 ، الردّة : ص47 نحوه وزاد في آخره : «وقيل : بعد ستّة أشهر» .
4- .مروج الذهب : ج2 ص309 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص22 .

ص: 58

1 / 15 دوافع بيعة الإمام بعد امتناعه

أ : مخافة الفرقة

شرح نهج البلاغة :يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يُفَكِّرَ في تَأَخُّرِ عَلِيٍّ عليه السلام عَن بَيعَةِ أبي بَكرٍ سِتَّةَ أشهُرٍ إلى أن ماتَت فاطِمَةُ ، فَإِن كانَ مُصيبا فَأَبو بَكرٍ عَلَى الخَطَأ فِي انتِصابِهِ فِي الخِلافَةِ ، وإن كانَ أبو بَكرٍ مُصيبا فَعَلِيٌّ عَلَى الخَطَاَ في تَأَخُّرِهِ عَنِ البَيعَةِ وحُضورِ المَسجِدِ (1) . (2)

1 / 15دَوافِعُ بَيعَةِ الإِمامِ بَعدَ امتِناعِهِأ : مَخافَةُ الفُرقَةِالشافي عن موسى بن عبد اللّه بن الحسن :إنَّ عَلِيّا عليه السلام قالَ لَهُم [لِلمُتَخَلِّفينَ عَن بَيعَةِ أبي بَكرٍ] : بايِعوا ؛ فَإِنَّ هؤُلاءِ خَيَّروني أن يَأخُذوا ما لَيسَ لَهُم ، أو اُقاتِلَهُم واُفَرِّقَ أمرَ المُسلِمينَ (3) .

الشافي عن سفيان بن فَروَة عن أبيه :جاءَ بُرَيدَةُ حَتّى رَكَزَ رايَتَهُ في وَسَطِ أسلَمَ ، ثُمَّ قالَ : لا اُبايِعُ حَتّى يُبايِعَ عَلِيٌّ ! فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يا بُرَيدَةُ ، ادخُل فيما دَخَلَ فيهِ النّاسُ ، فَإِنَّ اجتِماعَهُم أحَبُّ إلَيَّ مِنِ اختِلافِهِمُ اليَومَ (4) .

شرح نهج البلاغة عن عبد اللّه بن جُنادَة :قَدِمتُ مِنَ الحِجازِ اُريدُ العِراقَ ، في أوَّلِ إمارَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَمَرَرتُ بِمَكَّةَ ، فَاعتَمَرتُ ، ثُمَّ قَدِمتُ المَدينَةَ ، فَدَخَلتُ مَسجِدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، إذ نودِيَ : الصَّلاةُ جامِعَةً ، فَاجتَمَعَ النّاسُ ، وخَرَجَ عَلِيٌّ عليه السلام مُتَقَلِّدا سَيفَهُ ، فَشَخَصَتِ الأَبصارُ نَحوَهُ ، فَحَمِدَ اللّهُ وصَلّى عَلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ :

.


1- .لكنّ عليّا معصوم عن الخطأ بدليل آية التطهير وغيرها ، فالخطأ من غيره .
2- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص24 .
3- .الشافي : ج3 ص243 ، الصراط المستقيم : ج3 ص111 وفي صدره «وروى إبراهيم بطريقين إنّ عليّا قال لبريدة ولجماعة اُخر أبوا البيعة» ، بحار الأنوار : ج28 ص392 .
4- .الشافي : ج3 ص243 ، الدرجات الرفيعة : ص403 ، بحار الأنوار : ج28 ص392 .

ص: 59

أمّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ لَمّا قَبَضَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله قُلنا : نَحنُ أهلُهُ ، ووَرَثَتُهُ ، وعِترَتُهُ ، وأولِياؤُهُ ، دونَ النّاسِ ، لا يُنازِعُنا سُلطانَهَ أحَدٌ ، ولا يَطمَعُ في حَقِّنا طامِعٌ ! إذِ انبَرى لَنا قَومُنا فَغَصَبونا سُلطانَ نَبِيِّنا ، فَصارَتِ الإِمرَةُ لِغَيرِنا ، وصِرنا سوقَةً ، يَطمَعُ فينَا الضَّعيفُ ، ويَتَعَزَّزُ عَلَينَا الذَّليلُ ؛ فَبَكَتِ الأَعيُنُ مِنّا لِذلِكَ ، وخَشُنَتِ الصُّدورُ ، وَجزَعَتِ النُّفوسُ . وَايمُ اللّهِ ، لَولا مَخافَةُ الفُرقَةِ بَينَ المُسلِمينَ ، وأن يَعودَ الكُفرُ ، ويَبورَ الدِّينُ ، لَكُنّا عَلى غَيرِما كُنّا لَهُم عَلَيهِ ، فَوَلِيَ الأَمرَ وُلاةٌ لَم يَألُوا النّاسَ خَيرا (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ بِذي قارٍ (2) _: قَد جَرَت اُمورٌ صَبَرنا فيها وفي أعيُنِنَا القَذى ؛ تَسليما لاِمرِ اللّهِ تَعالى فيمَا امتَحَنَنا بِهِ ؛ رَجاءَ الثَّوابِ عَلى ذِلكَ ، وكانَ الصَّبرُ عَلَيها أمثَلَ مِن أن يَتَفَرَّقَ المُسلِمونَ ، وتُسفَكَ دِماؤُهُم . نَحنُ أهلُ بَيتِ النُّبُوَّةِ ، وأحَقُّ الخَلقِ بِسُلطانِ الرِّسالَةِ ، ومَعدِنُ الكَرامَةِ الَّتِي ابتَدَأَ اللّهُ بِها هذِهِ الاُمَّةَ . وهذا طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ _ لَيسا مِن أهلِ النُّبُوَّةِ ، ولا مِن ذُرِّيَّةِ الرَّسولِ _ حينَ رَأَيا أنَّ اللّهَ قَد رَدَّ عَلَينا حَقَّنا بَعدَ أعصُرٍ ، فَلَم يَصبِرا حَولاً واحِدا ، ولا شَهرا كامِلاً ، حَتّى وَثَبا عَلى دَأبِ الماضينَ قَبلَهُما ؛ لِيَذهَبا بِحَقّي ، ويُفَرِّقا جَماعَةَ المُسلِمينَ عَنّي (3) .

عنه عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ قَبلَ حَربِ الجَمَلِ _: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله حينَ قُبِضَ كُنّا نَحنُ أهلَ بَيتِهِ ، وعُصبَتَهُ ، ووَرَثَتَهُ ، وأولِياءَهُ ، وأحَقَّ خَلقِ اللّهِ بِهِ ، لا نُنازَعُ في ذلِكَ . . . فَانتَزَعوا سُلطانَ نَبِيِّنا مِنّا ، ووَلَّوهُ غَيرَنا ، وَايمُ اللّهِ فَلَولا مَخافَةُ الفُرقَة بَينَ المُسلِمينَ أن يَعودوا

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص307 ؛ الإرشاد : ج1 ص245 ، الجمل : ص437 وفيهما من «أمّا بعد . . .» .
2- .ذُوقار : موضع بين الكوفة وواسط ، وهو إلى الكوفة أقرب ، فيه كان يوم ذي قار المشهور بين الفرس والعرب (تقويم البلدان : ص292) .
3- .الإرشاد : ج1 ص249 .

ص: 60

ب : مخافة ارتداد النّاس

إلَى الكُفرِ لَكُنّا غَيَّرنا ذلِكَ مَا استَطَعنا ! (1)

راجع : ج2 ص52 (وعي الإمام في مواجهة الفتنة) .

ب : مَخافَةُ ارتِدادِ النّاسِالشافي عن موسى بن عبد اللّه بن الحسن :أبَت أسلَمُ أن تُبايِعَ ، وقالوا : ما كُنّا نُبايِعُ حَتّى يُبايِعَ بُرَيدَةُ ؛ لِقَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لِبُرَيدَةَ : عَلِيٌّ وَلِيُّكُم مِن بَعدي . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يا هؤُلاءِ ، إنَّ هؤُلاءِ خَيَّروني أن يَظلِموني حَقّي واُبايِعَهُم ، أوِ ارتَدَّتِ النّاسُ حَتّى بَلَغَتِ الرِّدَّةَ اُحُدا ! فَاختَرتُ أن اُظلَمَ حَقّي وإن فَعَلوا ما فَعَلوا (2) .

الطرائف عن أبي الطُّفيل عامِر بنِ واثِلَة :كُنتُ عَلَى البابِ يَومَ الشّورى ، فَارتَفَعَتِ الأَصواتُ بَينَهُم ، فَسَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام يَقولُ : بايَعَ النّاسُ أبا بَكرٍ وأنَا وَاللّهِ أولى بِالأَمرِ مِنهُ ، وأَحَقُّ بِهِ مِنهُ ! فَسَمِعتُ وأَطَعتُ مَخافَةَ أن يَرجِعَ القَومُ كُفّارا ، ويَضرِبَ بَعضُهُم رِقابَ بَعضٍ بِالسَّيفِ . ثُمَّ بايَعَ النّاسُ أبا بَكرٍ لِعُمَرَ ، وأنَا أولى بِالأَمرِ مِنهُ ! فَسَمِعتُ وأطَعتُ مَخافَةَ أن يَرجِعَ النّاسُ كُفّارا . ثُمَّ أنتُم تُريدونَ أن تُبايِعوا عُثمانَ ! ! (3)

الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى أهلِ مِصرَ مَعَ مَالِكٍ الأَشتَرِ لَمّا ولَاهُ إمارَتَها (4) _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله نَذيرا لِلعالَمينَ ، ومُهَيمِنا عَلَى المُرسَلينَ ، فَلَمّا مَضى عليه السلام تَنازَعَ المُسلِمونَ الأَمرَ مِن بَعدِهِ ، فَوَاللّهِ ما كانَ يُلقى في رَوعي ولا يَخطُرُ بِبالي أنَّ العَرَبَ تُزعِجُ هذَا الأَمرَ مِن بَعدِهِ صلى الله عليه و آله عَن أهلِ بَيتِهِ ، ولا أنَّهُم مُنَحّوهُ عَنّي مِن بَعدِهِ ! فَما راعَني إلَا انثِيالُ النّاسِ عَلى فُلانٍ يُبايِعونَهُ ، فَأَمسَكتُ يَدي حَتّى رَأَيت

.


1- .الجمل : ص437 عن اُمّ راشد مولاة اُمّ هانئ ، الأمالي للمفيد : ص155 ح6 عن الحسن بن سلمة .
2- .الشافي : ج3 ص243 ، بحار الأنوار : ج28 ص392 .
3- .الطرائف : ص411 ؛ المناقب للخوارزمي : ص313 ح314 ، فرائد السمطين : ج1 ص320 ح251 .
4- .وفي الغارات : «رسالة عليّ عليه السلام إلى أصحابه بعد مقتل محمّد بن أبي بكر» ، وهذا هو الصحيح ظاهرا .

ص: 61

ج : عدم النّاصر

راجِعَةَ النّاسِ قَد رَجَعَت عَن الإِسلامِ ؛ يَدعونَ إلى مَحقِ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَخَشيتُ إن لَم أنصُرِ الإِسلامَ وأهلَهُ أن أرى فيهِ ثَلما أو هَدما ، تَكونُ المُصيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أعظَمَ مِن فَوتِ وِلايَتِكُمُ الَّتي إنَّما هِيَ مَتاعُ أيّامٍ قَلائِلَ ، يَزولُ مِنها ما كانَ كَما يَزولُ السَّرابُ ، أو كَما يتَقَشَّعُ السَّحابُ ، فَنَهَضتُ في تِلكَ الأَحداثِ ، حَتّى زاحَ الباطِلُ وزَهَقَ ، وَاطمَأَنَّ الدينُ وتَنَهنَهَ (1)(2) .

شرح نهج البلاغة :رُوِيَ عَنهُ [عَلِيٍّ] عليه السلام أنَّ فاطِمَةَ عليهاالسلامحَرَّضَتهُ يَوما عَلَى النُّهوضِ وَالوُثوبِ ، فَسَمِعَ صَوتَ المُؤَذِّنِ : أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ ، فَقالَ لَها : أيَسُرُّكِ زَوالُ هذَا النِّداءِ مِنَ الأَرضِ ؟ قالَت : لا . قالَ : فَإِنَّهُ ما أقولُ لَكِ (3) .

الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ النّاسَ لَمّا صَنَعوا ما صَنَعوا إذ بايَعوا أبا بَكرٍ ، لم يَمنَع أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام مِن أن يَدعُوَ إلى نَفسِهِ إلّا نَظَرا لِلنّاسِ ، وتَخَوُّفا عَلَيهِم أن يَرتَدّوا عَنِ الإِسلامِ ؛ فَيَعبُدُوا الأَوثانَ ، ولا يَشهَدوا أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . . . وبايَعَ مُكرَها ؛ حَيثُ لَم يَجِد أعوانا (4) .

ج : عَدَمُ النّاصِرِالإمام الحسن عليه السلام_ في خُطبَتِهِ حينَ أجمَعَ عَلى صُلحِ مُعاوِيَةَ _: قَد كَفَّ أبي يَدَهُ ، وناشَدَهُم ، وَاستَغاثَ أصحابَهُ ، فَلَم يُغَث ، ولَم يُنصَر ، ولَو وَجَدَ عَلَيهِم [أيِ المُتَقَدِّمين

.


1- .تَنَهْنَهَ : سكن ، وأصلُه الكفّ ؛ تقول : نَهنَهتُ السبع فتنَهنَهَ ؛ أي كفّ عن حركته وإقدامه ، فكأنّ الدين كان متحرّكا مضطربا فسكن وكفّ عن ذلك الاضطراب (شرح نهج البلاغة : ج17 ص152) .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 62 ، الغارات : ج1 ص302 _ 306 ؛ شرح نهج البلاغة : ج6 ص94 كلاهما عن جندب نحوه .
3- .شرح نهج البلاغة : ج11 ص113 و ج 20 ص326 ح735 نحوه .
4- .الكافي : ج8 ص295 ح454 عن زرارة ، علل الشرائع : ص 149 ح8 ، الأمالي للطوسي : ص230 ح406 كلاهما عن زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام نحوه .

ص: 62

عَلَيهِ في الخِلافَةِ] أعوانا ما أجابَهُم (1) .

الأمالي للمفيد عن أبي عليّ الهَمداني :إنّ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ أبي لَيلى قامَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي سائِلُكَ لِاخُذَ عَنكَ ، وقَدِ انتَظَرنا أن تَقولَ مِن أمرِكَ شَيئا فَلَم تَقُلهُ ، أ لا تُحَدِّثُنا عَن أمرِكَ هذا ؛ أ كانَ بِعَهدٍ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، أو شَيءٍ رَأَيتَهُ ؛ فَإِنّا قَد أكثَرنا فيكَ الأَقاويلَ ، وأوثَقُهُ عِندَنا ما قَبِلناهُ عَنكَ وسَمِعناهُ مِن فيكَ إنّا كُنّا نقَولُ : لو رَجَعَت إلَيكُم بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يُنازِعكُم فيها أحدٌ ، واللّهِ ما أدري إذا سُئِلتُ ما أقولُ ! ! أزعُمُ أنَّ القَومَ كانوا أولى بِما كانوا فيهِ مِنكَ ! فَإِن قُلتَ ذلِكَ ، فَعَلامَ نَصَبَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعدَ حَجَّةِ الوَداعِ فَقالَ : «أيُّهَا النّاسُ ، مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» ؟ ! وإن تَكُ أولى مِنهُم بِما كانوا فيهِ فَعَلامَ نَتَوَلّاهُم ؟ ! فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : يا عَبدَ الرَّحمنِ ، إنَّ اللّهَ تَعالَى قَبَضَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله وأنَا يَومَ قَبَضُهُ أولى بِالنّاسِ مِنّي بِقَميصي هذا ، وقَد كانَ مِن نَبِيِّ اللّهِ إلَيِّ عَهدٌ لَو خَزَمتُموني (2) بِأَنفي لَأَقرَرتُ ؛ سَمعا للّهِِ وطاعَةً ، وإنَّ أوَّلَ مَا انتَقَصناهُ بَعدَهُ إبطالُ حَقِّنا فِي الخُمُسِ . فَلَمّا رَقَّ أمرُنا طَمِعَت رُعيانُ البُهمِ مِن قُرَيشٍ فينا . وقَد كانَ لي عَلَى النّاسِ حَقٌّ ، لَو رَدّوهُ إلَيَّ عَفوا قَبِلتُهُ ، وقُمتُ بِهِ ، وكانَ إلى أجَلٍ مَعلومٍ ، وكُنتُ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَى النّاسِ حَقٌّ إلى أجَلٍ ؛ فَإِن عَجَّلوا لَهُ مالَهُ أخَذَهُ وحَمِدَهُم عَلَيهِ ، وإن أخَّروهُ أخَذَهُ غَيرَ مَحمودينَ ، وكُنتُ كَرَجُلٍ يَأخُذُ السُّهولَةَ وهوَ عِندَ النّاسِ مَحزونٌ . وإنَّما يُعرَفُ الهُدى بِقِلَّةِ مَن يَأخُذُهُ مِنَ النّاسِ ، فَإِذا سَكَتُّ فَاعفوني ؛ فَإِنَّهُ لَو جاء

.


1- .الأمالي للطوسي : ص566 ح1174 عن عبد الرحمن بن كثير عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه عليهم السلام .
2- .يقال : خَزَمتُ البعير بالخِزامَة ؛ وهي حَلْقة من شَعر تُجعل في وَترَة أنفه يُشدّ فيها الزمام (الصحاح : ج5 ص1911) .

ص: 63

د : الإكراه

أمرٌ تَحتاجونَ فيهِ إلَى الجَوابِ أجَبتُكُم ، فَكُفّوا عَنّي ما كَفَفتُ عَنكُم . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَأَنتَ لَعَمرُكَ كَما قالَ الأَوَّلُ : لَعَمرُكَ لَقَد أيقَظتَ مَن كانَ نائِما وأسمَعتَ مَن كانَت لَهُ اُذُنانِ (1)

الكافي عن سدير :كُنّا عِندَ أبي جَعفرٍ عليه السلام ، فَذَكَرنا ما أحدَثَ النّاسُ بَعدَ نَبِيِّهِم صلى الله عليه و آله ، وَاستِذلالَهُم أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ : أصلَحَكَ اللّهُ ، فَأَينَ كانَ عِزُّ بَني هاشِمٍ وما كانوا فيهِ مِنَ العَدَدِ ؟ ! فَقالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : ومَن كانَ بَقِيَ مِن بَني هاشِمٍ إنَّما كانَ جَعفَرٌ وحَمزَةُ ، فَمَضَيا ، وبَقِيَ مَعَهُ رَجُلانِ ضَعيفانِ ذَليلانِ ، حَديثا عَهدٍ بِالإِسلامِ ؛ عَبّاسٌ وعَقيلٌ ، وكانا مِنَ الطُّلَقاءِ ، أما وَاللّهِ لَو أنَّ حَمزَةَ وجَعفرا كانا بِحَضرَتِهِما ما وصَلا إلى ما وَصَلا إلَيهِ ، ولَو كانا شاهِدَيهِما لَأَتلَفا نَفسَيهِما (2) .

راجع : ص 49 (استنصار الإمام المهاجرين والأنصار) .

د : الإِكراهالمناقب لابن شهر آشوب :رُوِيَ أنَّهُ لَمّا طالَبوهُ بِالبَيعَةِ قالَ لَهُ الأَوَّلُ : بايِع . قالَ : فإِن لَم أفعَل ؟ قالَ : وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ نَضرِبُ عُنُقَكَ . فالتَفَت عَلِيٌّ إلَى القَبرِ ، فَقالَ : يَابنَ اُمِّ! إنَّ القَومَ استَضعَفوني وكادوا يَقتُلونَني (3) . (4)

.


1- .الأمالي للمفيد : ص223 ح2 ، الأمالي للطوسي : ص8 ح9 ، شرح الأخبار : ج2 ص260 ح563 نحوه .
2- .الكافي : ج8 ص189 ح216 .
3- .إشارة إلى الآية : 150 من سورة الأعراف .
4- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص115 ، كتاب سليم بن قيس : ج2 ص593 ح4 عن سلمان ، المسترشد : ص378 ح125 عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين عليه السلام ؛ الإمامة والسياسة : ج1 ص30 كلّها نحوه وراجع الاحتجاج : ج1 ص213 و215 .

ص: 64

1 / 16 الذّرائع في قرار السّقيفة

1 / 16 _ 1 كراهة اجتماع النّبوّة والخلافة في بيت

الإمام الصادق عليه السلام :وَاللّهِ ما بايَعَ عَلِيٌّ عليه السلام حَتّى رَأَى الدُّخانَ قَد دَخَلَ عَلَيهِ بَيتَهُ (1) .

راجع : ص 40 (الهجوم على بيت فاطمة بنت رسول اللّه ) .

1 / 16الذَّرائِعُ في قَرارِ السَّقيفَةِ1 / 16 _ 1كَراهَةُ اجتِماعِ النُّبُوَّةِ والخِلافَةِ في بَيتٍتاريخ الطبري عن ابن عبّاس :قالَ [عُمَرُ بنُ الخَطّابِ] : يَابنَ عَبّاسٍ ، أ تَدري ما مَنَعَ قَومَكُم مِنهُم [بَني هاشِمٍ] بَعدَ مُحَمَّدٍ ؟ فَكَرِهتُ أن اُجيبَهُ ، فَقُلتُ : إن لَم أكُن أدري فَأَميرُ المُؤمِنينَ يُدريني . فَقالَ عُمَرُ : كَرِهوا أن يَجمَعوا لَكُمُ النُّبُوَّةَ والخِلافَةَ ، فَتَبَجَّحوا عَلى قَومِكُم بَجَحا بَجَحا ، فَاختارَت قُرَيشٌ لِأَنفُسِها ، فَأَصابَت ووُفِّقَت . فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إن تَأذَن لي فِي الكَلامِ وتُمِط عَنِّي الغَضَبَ ، تَكَلَّمتُ . فَقالَ : تَكَلَّم يَابنَ عَبّاسٍ . فَقُلتُ : أمّا قَولُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ : «اِختارَت قُرَيشٌ لِأَنفُسِها ، فَأَصابَت ووُفِّقَت» ، فَلَو أنَّ قُرَيشا اِختارَت لاِنفُسِها حَيثُ اختارَ اللّهُ عَزَّوجَلَّ لَها لَكانَ الصَّوابُ بِيَدِها غَيرَ مَردُودٍ ولا مَحسودٍ . وأمّا قَولُكَ : إنَّهُم كَرِهوا أن تَكونَ لَنَا النُّبُوَّةَ والخِلافَةُ ، فَإِنَّ اللّهَ عَزَّوجَلَّ وَصَفَ قَوما بِالكَراهِيَّةِ فَقالَ : «ذَ لِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَ__لَهُمْ» (2) .

.


1- .الشافي : ج3 ص241 عن حمران بن أعين ، بحار الأنوار : ج28 ص390 .
2- .محمّد : 9 .

ص: 65

فَقالَ عُمَرُ : هيهاتَ وَاللّهِ يَابنَ عَبّاسٍ ، قَد كانَت تَبلُغُني عَنكَ أشياءُ كُنتُ أكرَهُ أن أفُرُّكَ عَنها (1) ، فَتُزيلَ مَنزِلَتَكَ مِنِّي . فَقُلتُ : وما هِيَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؛ فإِن كانَت حَقّا فَما يَنبَغي أن تُزيلَ مَنزِلَتي مِنكَ ، وإن كانَت باطِلاً فَمِثلي أماطَ الباطِلَ عَن نَفسِهِ ! فَقالَ عُمَرُ : بَلَغَني أنَّكَ تَقولُ : إنَّما صَرَفوها عَنّا حَسَدا وظُلما ! فَقُلتُ : أمّا قَولُكَ _ يا أميرَ المُؤمِنينَ _ : ظُلما ، فَقَد تَبَيَّنَ لِلجاهِلِ والحَليمِ . وأمّا قَولُكَ : حَسَدا ، فَإِنَّ إبليسَ حَسَدَ آدَمَ ، فَنَحنُ وُلدُهُ المَحسودونَ . فَقالَ عُمَرُ : هَيهاتَ ، أبَت واللّهِ قُلوبُكُم يا بَني هاشِمٍ إلّا حَسَدا ما يَحولُ ، وضَغَنا وغِشّا ما يَزولُ . فَقُلتُ : مَهلاً يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لا تَصِف قُلوبَ قَومٍ أذهَبَ اللّهُ عَنهُمُ الرِّجسَ وطَهَّرَهُم تَطهيرا بِالحَسَدِ وَالغِشِّ ؛ فَإِنَّ قَلبَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن قُلوبِ بَني هاشِمٍ . فَقالَ عُمَرُ : إلَيكَ عَنّي يَابنَ عَبّاسٍ . فَقُلتُ : أفعَلُ ، فَلَمّا ذَهَبتُ لِأَقومَ استَحيا مِنّي ، فَقالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، مَكانَكَ ، فَوَاللّهِ إنّي لَراعٍ لِحَقِّكَ ، مُحِبٌّ لِما سَرَّكَ . فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ لي عَلَيكَ حَقّا وعَلى كُلِّ مُسلِمٍ ، فَمَن حَفِظَهُ فَحَظَّهُ أصابَ ، ومَن أضاعَهُ فَحَظَّهُ أَخطَأَ . ثُمَّ قامَ فَمَضى (2) .

شرح نهج البلاغة :قالَ [عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ]لِابنِ عَبّاسٍ : يا عَبدَ اللّهِ ، أنتمُ أهلُ رَسولِ اللّهِ ، وآلُهُ ، وبَنو عَمِّهِ ، فَما تَقولُ مَنعَ قَومِكُم مِنكُم ؟ قالَ : لا أدري عِلَّتَها ، وَاللّهِ ما أضمَرنا لَهُم إلّا خَيرا .

.


1- .كذا ، وفي الكامل في التاريخ : «اُقرّك عليها» .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص223 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص218 .

ص: 66

1 / 16 _ 2 حداثة السّنِّ

قالَ : اللّهُمَّ غَفرا ، إنَّ قَومَكُم كَرِهوا أن يَجتَمِعَ لَكُمُ النُّبُوَّةُ والخِلافَةُ ، فَتَذهَبوا فِي السَّماءِ شَمَخا (1) وبَذَخا (2) ، ولَعَلَّكُم تَقولونَ : إنَّ أبا بَكرٍ أوَّلُ مَن أَخَّرَكُم ، أما إنَّهُ لَم يَقصُد ذلِكَ ، ولكِنَ حَضَرَ أمرٌ لَم يَكُن بِحَضرَتِهِ أحزَمُ مِمّا فَعَلَ ، ولَولا رَأيُ أبي بَكرٍ فِيَّ لَجَعَلَ لَكُم مِنَ الأَمرِ نَصيبا ، ولَو فَعَلَ ما هَنَّأَكُم مَع قَومِكُم ؛ إنَّهُم يَنظُرونَ إلَيكُم نَظَرَ الثَّورِ إلى جازِرِهِ (3) .

1 / 16 _ 2حَداثَةُ السِّنِّشرح نهج البلاغة :رَوى أبو بَكرٍ الأَنبارِيُّ في أماليهِ أنَّ عَليّا عليه السلام جَلَسَ إلى عُمَرَ في المَسجِدِ وعِندَهُ ناسٌ ، فَلَمّا قامَ عَرَضَ واحِدٌ بِذِكرِهِ ، ونَسَبَهُ إلَى التَّيهِ وَالعُجبِ . فَقالَ عُمَرُ : حَقٌّ لِمِثِلهِ أن يَتيهَ ! وَاللّهِ ، لَولا سَيفُهُ لَما قامَ عَمودُ الإِسلامِ ، وهُوَ بَعدُ أقضَى الاُمَّةِ ، وذو سابِقَتِها ، وذو شَرَفِها . فَقالَ لَهُ ذلِكَ القائِلُ : فَما مَنَعَكُم يا أميرَ المُؤمِنينَ عَنهُ ؟ ! قالَ : كَرِهناهُ عَلى حَداثَةِ السِّنِّ ، وحُبِّهِ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ (4) .

الإمامة والسياسة :قالَ أبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ _ بَعدَ بَيعَةِ أبي بَكرٍ _ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ : يَابنَ عَمِّ ، إنَّكَ حَديثُ السِّنِّ ، وهؤُلاءِ مَشيخَةُ قَومِكَ ، لَيسَ لَكَ مِثلُ تَجرِبَتِهِم ومَعرِفَتِهِم بِالاُمورِ ، ولا أرى أبا بَكرٍ إلّا أقوى عَلى هذَا الأَمرِ مِنكَ ، وأشَدَّ احتِمالاً وَاضطِلاعا بِهِ ، فَسَلِّم لِأَبي بَكرٍ هذَا الأَمرَ ؛ فَإنَّكَ إن تَعِش ويَطُل بِكَ بَقاءٌ فَأَنتَ لِهذَا

.


1- .شمخَ الجبلُ : علا وارتفع وطال (تاج العروس : ج4 ص283) .
2- .البَذَخ : الكبر ، والبَذَخ : تطاول الرجل بكلامه وافتخاره (لسان العرب : ج3 ص7) .
3- .شرح نهج البلاغة : ج12 ص9 ؛ نثر الدرّ : ج2 ص28 نحوه .
4- .شرح نهج البلاغة : ج12 ص82 ؛ نهج الحقّ : ص251 .

ص: 67

الأَمرِ خَليقٌ ، وبِهِ حَقيقٌ ، في فَضلِكَ ، ودينِكَ ، وعِلمِكَ ، وفَهمِكَ ، وسابِقَتِكَ ، ونَسَبِكَ ، وصِهرِكَ (1) .

تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :بَينا أنَا مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ في بَعضِ طُرُقِ المَدينَةِ _ يَدُهُ في يَدي _ إذ قالَ لي : يَابنَ عَبّاسٍ ، ما أحسَبُ صاحِبَكَ إلّا مَظلوما ! ! فَقُلتُ : فَرُدَّ إلَيهِ ظُلامَتَهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! ! فَانتَزَعَ يَدَهُ مِن يَدي ، ونَفَرَ مِنّي يُهَمهِمُ ، ثُمَّ وَقَفَ حَتّى لَحِقتُهُ ، فَقالَ لي : يَابنَ عَبّاسٍ ، ما أحسَبُ القَومَ إلَا استَصغَروا صاحِبَكَ ! ! قُلتُ : وَاللّهِ ، مَا استَصغَرَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ أرسَلَهُ وأمَرَهُ أن يَأخُذَ بَراءَةً مِن أبي بَكرٍ فَيَقرَأَها عَلَى النّاسِ ! ! فَسَكَتَ (2) .

محاضرات الاُدباء عن ابن عبّاس :كُنتُ أسيرُ مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ في لَيلَةٍ ، _ وعُمَرُ عَلى بَغلٍ ، وأنَا عَلى فَرَسٍ _ فَقَرَأَ آيَةً فيها ذِكرُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقالَ : أما وَاللّهِ يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ! لَقَد كانَ عَلِيٌّ فيكُم أولى بِهذَا الأَمرِ مِنّي ومِن أبي بَكرٍ . فَقُلتُ في نَفسي : لا أقالَنِي اللّهُ إن أقَلتُهُ ، فَقُلتُ : أنتَ تَقولُ ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وأنتَ وصاحِبُكَ وَثَبتُما وَافتَرَعتُمَا (3) الأَمرَ مِنّا دونَ النّاسِ ! ! فَقالَ : إلَيكُم يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ! أما إنَّكُم أصحابُ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ . فَتَأَخَّرتُ ، وتَقَدَّمَ هُنَيهَةً ، فَقالَ : سِر ، لا سِرتُ ، وقالَ : أعِد عَلَيَّ كَلامَكَ ! فَقُلتُ :

.


1- .الإمامة والسياسة : ج1 ص29 ، شرح نهج البلاغة : ج6 ص12 عن سعيد بن كثير الأنصاري .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص349 ، شرح نهج البلاغة : ج12 ص46 و ج 6 ص45 ، أخبار الدولة العبّاسيّة : ص128 نحوه .
3- .فَرَع بينهم يفرِع فَرْعاً: حجَزَ وكفَّ (تاج العروس : ج11 ص338) . وافترعوا الحديث : ابتدؤوه (تاج العروس : ج11 ص342) . وفي كتاب اليقين : «انتزعتما» بدل «افترعتما» .

ص: 68

إنَّما ذَكَرتَ شَيئا فَرَدَدتُ عَلَيكَ جَوابَهُ ، ولَو سَكَتَّ سَكَتنا . فَقالَ : إنّا وَاللّهِ ما فَعَلنَا الَّذي فَعَلنا عَن عَداوَةٍ ، ولكِنِ استَصغَرناهُ ، وخَشينا أن لا تَجتَمِعَ عَلَيهِ العَرَبُ وقُرَيشٌ ؛ لِما قَد وَتَرَها . قالَ : فَأَرَدتُ أن أقولَ : كانَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَبعَثُهُ فَينطِحُ كَبشَها فَلَم يَستَصغِرهُ ، أفَتَستَصغِرُهُ أنتَ وصاحِبُكَ ؟ ! فَقالَ : لا جَرَمَ ، فَكَيفَ تَرى ، وَاللّهِ ما نقَطَعُ أمرا دونَهُ ، ولا نَعمَلُ شَيئا حَتّى نَستَأذِنَهُ (1) .

أخبار الدولة العبّاسيّة :قالَ عُمَرُ لِعَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ : أ تَدري ما مَنَعَ النّاسَ مِنِ ابنِ عَمِّكَ أن يُوَلّوهُ هذَا الأَمرَ ؟ قالَ : ما أدري ! قالَ عُمَرُ : لِحَداثَةِ سِنِّهِ . قالَ : فَقَد كانَ يَومُ بَدرٍ أحدَثَهُم سِنّا ! يُقَدِّمونَهُ فِي المَأزَرَةِ ، ويُؤَخِّرونَهُ فِي الإِمامةِ ! ! حَدَّثَنا أبو عُمَرَ ، وأحمَدُ بنُ عَبدِ اللّهِ يَرفَعُهُ ، قال : مَرَّ عُمَرُ بِعَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ يُحَدِّثُ النّاسَ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : إلى أينَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ فَقالَ : اُريدُ الحَديقَةَ _ يعني بُستانا لَهُ _ . فَقالَ : أاُونِسُكَ بِابنِ عَبّاسٍ ؟ فَقالَ عُمَرُ : إذَن اُوحِشُكَ مِنهُ ! فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : إنّي أُوثِرُكَ بِهِ عَلى نَفسي ، قُم يَابنَ عَبّاسٍ فَحَدِّثهُ . فَقامَ إلَيهِ وسايَرَهُ . فَقالَ عُمَرُ : ما أكمَلَ صاحِبَكُم هذا لَولا ! فَقالَ عَبدُ اللّهِ : لَولا ماذا ؟ فَقال عُمَرُ : لولا حَداثَةُ سِنِّهِ ، وكَلَفُهُ بِأَهلِ بَيتِهِ ، وبُغضُ قُرَيشٍ لَهُ . فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ : أ تَأذَنُ لي فِي الجَوابِ ؟ فَقالَ عُمَرُ : هاتِ . فَقالَ : أمّا حَداثَةُ سِنِّهِ ، فَمَا استُحدِثَ مَن جَعَلَهُ اللّهُ لِنَبِيِّهِ أخا ، ولِلمُسلِمينَ وَلِيّاً . وأمّا كَلَفُهُ بِأَهلِ بَيتِهِ فَما وُلِّيَ فَآثَرَ أهلَ بَيتِهِ عَلى رِضاءِ اللّهِ . وأمّا بُغضُ قُرَيشٍ لَهُ فَعَلى مَن تَنقِمُ ؛ أعَلَى اللّهِ حينَ بَعَثَ فيهُم نَبِيّاً ، أم عَلى نَبِيِّهِ حينَ أدّى فيهِمُ الرِّسالَةَ ، أم عَلى عَلِى

.


1- .محاضرات الاُدباء : ج4 ص464 ؛ اليقين : ص523 .

ص: 69

1 / 17 مجالات نجاح قرار السّقيفة

أ : بغض قريش

حينَ قَاتَلَهُم في سَبيلِ اللّهِ ؟ ! فَقالَ عُمَرُ : يَابنَ عَبّاسٍ ! أنتَ تَغرِفُ مِن بَحرٍ ، وتَنحِتُ مِن صَخرٍ (1) .

1 / 17مَجالاتُ نَجاحِ قَرارِ السَّقيفَةِأ : بُغضُ قُرَيشٍنثر الدرّ عن ابن عبّاس :وقَعَ بَينَ عَلِيٍّ وعُثمانَ كَلامٌ ، فَقالَ عُثمانُ : ما أصنَعُ بِكُم إن كانَت قُرَيشٌ لا تُحِبُّكُم ! وقَد قَتَلتُم مِنهُم يَومَ بَدرٍ سَبعينَ ، كَأَنَّ وُجوهَهُم شُنوفُ (2) الذَّهَبِ ، تَشرَبُ آنُفُهُم (3) قَبلَ شِفاهِهِم ! (4)

شرح نهج البلاغة_ في عِلَّةِ شِدَّةِ بُغضِ الوَليدِ عَلِيّا عليه السلام _: إنَّ عَلِيّا عليه السلام قَتَلَ أباهُ عُقبَةَ بنَ أبي مُعَيطٍ صَبرا يَومَ بَدرٍ ، وسُمِّيَ الفاسِقَ بَعدَ ذلِكَ فِي القُرآنِ لِنِزاعٍ وَقَعَ بَينَهُ وبَينَهُ (5) .

فرائد السّمطَين عن نبيط بن شريط :خَرَجتُ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ومَعَنا عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ ، فَلَمّا صِرنا إلى بَعضِ حيطانِ الأَنصارِ وَجَدنا عُمَرَ جالِسا يَنكُتُ فِي الأَرضِ . فَقالَ لَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، مَا الَّذي أجلَسَكَ وَحدَكَ ها هُنا ؟ قالَ : لِأَمرٍ هَمَّني . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أفَتُريدُ أحَدَنا ؟ قالَ عُمَرُ : إن كانَ عَبدُ اللّهِ .

.


1- .أخبار الدولة العبّاسيّة : ص129 .
2- .الشَنْف : الذي يُلبس في أعلى الاُذن ، والذي في أسفلها القُرط ، وقيل : الشَّنْفُ والقرط سواء (لسان العرب : ج9 ص183) .
3- .الآ نُف _ كالآناف والاُنوف _ : جميع الأنف (اُنظر لسان العرب : ج9 ص12) .
4- .نثر الدرّ : ج2 ص68 ؛ شرح نهج البلاغة : ج9 ص22 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص8 .

ص: 70

فَتَخَلَّفَ مَعَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ ، ومَضَيتُ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام ، وأبطَأَ عَلَينَا ابنُ عَبّاسٍ ، ثُمَّ لَحِقَ بِنا . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : ما وَراؤَكَ ؟ قالَ : يا أبَا الحَسَنِ ! اُعجوبَةٌ مِن عَجائِبِ أميرِ المُؤمِنينَ اُخبِرُكَ بِها وَاكتُم عَلَيَّ ! ! قالَ : فَهَلُمَّ . قالَ : لَمّا أن وَلَّيتَ قالَ عُمَرُ _ وهوَ يَنظُرُ إلى أثَرِكَ _ : آه ، آه ، آه . فَقُلتُ : مِمَّ تَأَوَّهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ ! قالَ : مِن أجلِ صاحِبِكَ يَابنَ عَبّاسٍ وقَد اُعطِيَ ما لَم يُعطَهُ أحَدٌ مِن آلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ولَولا ثَلاثٌ هُنَّ فيهِ ما كانَ لِهذَا الأَمرِ مِن أحَدٍ سِواهُ ! ! قُلتُ : ما هُنَّ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : كِثرَةُ دُعابَتِهِ ، وبُغضُ قُرَيشٍ لَهُ ، وصِغَرُ سِنِّهِ ! ! قالَ : فَما رَدَدتَ عَلَيهِ ؟ قالَ : داخَلَني ما يَدخُلُ ابنَ العَمِّ لِابنِ عَمِّهِ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! أمّا كَثرَةُ دُعابَتِهِ : فَقَد كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يُداعِبُ فَلا يَقولُ إلّا حَقّا ، وأينَ أنتَ حَيثُ كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ _ ونَحنُ حَولَهُ صِبيانٌ وكُهولٌ وشُيوخٌ وشُبّانٌ ويَقولُ _ لِلصَّبِيِّ : «سناقا ، سناقا» ، ولِكُلِّ ما يَعلَمهُ اللّهُ يَشتَمِلُ عَلى قَلبِهِ ! وأمّا بُغضُ قُرَيشٍ لَهُ ، فَوَاللّهِ ما يُبالي بِبُغضِهِم لَهُ بَعدَ أن جاهَدَهُم في اللّهِ حينَ أظهَرَ اللّهُ دِينَهُ ، فَقَصَمَ أقرانَها ، وكَسَرَ آلِهَتَها ، وأثكَلَ نِساءَها ؛ لامَهُ مَن لامَهُ . وأمّا صِغَرُ سِنِّهِ ، فَقَد عَلِمتَ أنَّ اللّهَ تَعالى حَيثُ أنزَلَ عَلَيهِ : «بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» (1) فَوَجَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله صاحِبَهُ لِيُبَلِّغَ عَنهُ ، فَأَمَرَهُ اللّهُ أن لا يُبَلِّغَ عَنهُ إلّا رَجُل

.


1- .التوبة : 1 .

ص: 71

ب : الحسد

مِن أهلِهِ ، فَوَجَّهَهُ بِهِ ، فَهَلِ استَصغَرَ اللّهُ سِنَّهُ ! ! فَقالَ عُمَرُ لِابنِ عَبّاسٍ : أمسِك عَلَيَّ ، وَاكتُم ، فَإِن سَمِعتُها مِن غَيرِكَ لَم أنَم بَينَ لابَتَيها (1) .

ب : الحَسَدالأخبار الموفّقيّات عن ابن عبّاس_ في جَوابِ عُثمانَ _: أمّا صَرفُ قَومِنا عَنَّا الأَمرَ فَعَن حَسَدٍ قَد وَاللّهِ عَرَفتَهُ ، وبَغيٍ قَد وَاللّهِ عَلِمتَهُ ، فَاللّهُ بَينَنا وبَينَ قَومِنا ! وأمّا قَولُكَ : إنّك لا تَدري أدَفَعوهُ عَنّا أم دَفَعونا عَنهُ ! فَلَعَمري إنَّك لَتَعرِفُ أنَّهُ لَو صارَ إلَينا هذَا الأمرُ ما زِدنا بِهِ فَضلاً إلى فَضلِنا ، ولا قَدرا إلى قَدرِنا ، وإنّا لَأَهلُ الفَضلِ ، وأهلُ القَدرِ ، وما فَضَلَ فاضِلٌ إلّا بِفَضلِنا ، ولا سَبَقَ سابِقٌ إلّا بِسَبقِنا ، ولَولا هَدَينا مَا اهتَدى أحَدٌ ، ولا أبصَروا مِن عَمىً ، ولا قَصَدوا مِن جَورٍ (2) .

الأمالي للمفيد عن أبي الهَيثَم بن التَّيِّهان_ قَبلَ حَربِ الجَمَلِ _: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ حَسَدَ قُرَيشٍ إيّاكَ عَلى وَجهَينِ : أمّا خِيارُهُم فَحَسَدوكَ مُنافَسَةً فِي الفَضلِ ، وَارتِفاعا فِي الدَّرَجَةِ . وأمّا أشرارُهُم فَحَسَدوكَ حَسَدا ، أحبَطَ اللّهُ بِهِ أعمالَهُم ، وأثقَلَ بِهِ أوزارَهُم . وما رَضوا أن يُساووكَ حَتّى أرادوا أن يَتَقَدَّموكَ ، فَبَعُدَت عَلَيهِمُ الغايَةُ ، وأسقَطَهُمُ المِضمارُ ، وكُنتَ أحَقَّ قُرَيشٍ بِقُرَيشٍ ، نَصَرتَ نَبِيَّهُم حَيّا ، وقَضَيتَ عَنهُ الحُقوقَ مَيِّتا ، وَاللّهِ ما بَغيُهُم إلّا عَلى أنفُسِهِم ، ونَحنُ أنصارُكَ وأعوانُكَ ، فَمُرنا بِأَمرِكَ (3) .

راجع : ص 93 (رأي عمر فيمن رشّحهم للخلافة) . و ج 7 ص 153 (قريش) .

.


1- .فرائد السمطين : ج1 ص334 ح258 .
2- .الأخبار الموفّقيّات : ص606 ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص9 .
3- .الأمالي للمفيد : ص155 ح6 .

ص: 72

1 / 18 بيعة أبي بكر من وجهة نظر عمر

1 / 18بَيعَةُ أبي بَكرٍ مِن وِجهَةِ نَظَرِ عُمَرتاريخ اليعقوبي عن عمر بن الخطّاب :كانَت بَيعَةُ أبي بَكرٍ فَلتَةً ، وَقَى اللّهُ شَرَّها ، فَمَن عادَ لِمِثلِها فَاقتُلوهُ (1) .

صحيح البخاري عن ابن عبّاس:كُنتُ اُقرِئُ رِجالاً مِنَ المُهاجِرينَ ، مِنهُم عَبدُ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ ، فَبَينَما أنَا في مَنزِلِهِ بِمِنى وهوَ عِندَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ في آخرِ حَجَّةٍ حَجَّها إذ رَجَعَ إِلَيَّ عَبدُ الرَّحمنِ فَقالَ : لَو رَأيتَ رَجُلاً أتى أميرَ المُؤمنينَ اليَومَ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمنينَ هَل لَكَ في فُلانٍ يَقولُ : لَو قَد ماتَ عُمَرُ لَقَد بايَعتُ فُلانا فَوَاللّهِ ما كانَت بَيعَةُ أبي بَكرٍ إلّا فَلتَةً فَتَمَّت ! فَغَضِب عُمَرُ ، ثُمَّ قالَ : إنّي إن شاءَ اللّه لَقائِمٌ العشيّةَ في النّاسِ ؛ فَمُحَذِّرَهُم هؤلاءِ الَّذي يُريدونَ أن يَغصبوهُم اُمورَهُم . قالَ عَبدُ الرَّحمنِ : فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لا تَفعَل ؛ فإِنَّ المَوسِمَ يَجمَعُ رُعاعَ النّاسِ وغَوغاءِهِم ، فَإِنَّهُم هُم الَّذينَ يَغلبونَ عَلى قُربِكَ حينَ تَقومُ في النّاسِ ، وأنَا أخشَى أن تَقومَ فَتَقولَ مَقالَةً يُطَيِّرُها ، عَنكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ ، وأن لا يَعوها ، وأن لا يَضَعوها عَلى مَواضِعِها ، فامهل حَتّى تَقدِمَ المَدينَةَ ؛ فإِنَّها دارُ الهِجرَةِ والسنَّةِ ، فَتَخَلص بِأَهلِ الفِقهِ وأشرافِ النّاسِ ، فَتَقولُ ما قُلتَ مُتَمَكِّنا ؛ فَيَعي أهلُ العِلمِ مَقالَتَكَ ، ويَضَعونَها عَلى مَواضِعِها . فَقالَ عُمَرُ : أما وَاللّهِ _ إن شاءَ اللّهُ _ لَأَقومَنَّ بِذلِكَ أوَّلَ مَقامٍ أقومُهُ بِالمَدينَةِ . قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَقَدِمنا المَدينَةَ في عَقبِ ذي الحَجّةِ ، فَلَمّا كانَ يَومُ الجُمعَةِ عَجَّلتُ الرَّواحَ حينَ زاغَتِ الشَّمسُ ، حَتّى أجِدَ سَعيدَ بنَ زَيد بن عمرو بن نفيل

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص158 ، المسترشد : ص213 وفيه «ثمّ أمر بقتل من عاد لمثل فعله» بدل «فمن عاد لمثلها فاقتلوه» ؛ الملل والنحل : ج1 ص32 وراجع شرح نهج البلاغة : ج2 ص30 .

ص: 73

جالِسا إلى رُكنِ المَنبَرِ ، فَجَلَستُ حَولَهُ (1) تَمِسُّ رُكبَتي رُكبَتَهُ ، فَلَم أنشَب (2) أن خَرَجَ عُمَرُ بنَ الخَطّابِ ، فَلَمّا رَأَيتُهُ مُقبِلاً قُلتُ لِسَعيدِ بن زيد بن عمرو بن نفيل : لَيَقولَنَّ العَشيَّةَ مَقالَةً لَم يَقُلها مُنذَ استُخلف ! فَأَنكَرَ عَلَيَّ ، وقالَ : ما عَسَيتَ أن يَقولَ ما لَم يَقُل قَبلَهُ ! ! فَجَلَسَ عُمَرُ عَلى المِنبَرِ ، فَلَمّا سَكَتَ المُؤَذِّنونَ قامَ ، فَأَثنى عَلَى اللّهِ بِمِا هوَ أهلُهُ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنِّي قائِلٌ لَكُم مَقالَةً قَد قُدِّر لي أن أقولَها ، لا أدري لَعَلَّها بَينَ يَدَي أجَلي ، فَمَن عَقَلَها ووَعاها فَليُحدِّثُ بِها حَيثُ انتَهَت بِهِ راحِلَتُهُ ، ومَن خَشِيَ أن لا يَعقِلَها فَلا اُحِلُّ لِأَحَدٍ أن يَكذِبَ عَلَيَّ : إنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِالحَقِّ ، وأنزَلَ عَلَيهِ الكِتابَ ، فَكانَ مِمّا أنزَلَ اللّهُ آيَةَ الرَّجمِ 3 ؛ فَإِنَّهُ كُفرٌ بِكُم أن تَرغَبوا عَن آبائِكُم ، أو إنَّ كُفرا بِكُم أن تَرغَبوا عَن آبائِكُم ، ألا ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : لا تُطروني كَما اُطري عيسى بنُ مَريَمَ ، وقولوا عَبدَ اللّهِ ورسولِهِ . ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَني أنَّ قائِلاً مِنكُم يَقولُ : وَاللّهِ لَو قَد ماتَ عُمَر بايَعتُ فُلانا ، فَلا يَغتَرّنَّ امرؤٌ أن يَقولَ : إِنَّما كانَت بَيعَةُ أبي بَكرٍ فَلتة وتمّت ! ألا وإنَّها قَد كانَت كَذلِكَ ، ولكِن

.


1- .كذا ، وفي مسند ابن حنبل : «حَذاءه» .
2- .لم ينشَبْ أن فعل كذا : أي لم يلبث وحقيقته : لم يتعلّق بشيء غيره ، ولا اشتغل بسواه (النهاية : ج5 ص52) .

ص: 74

اللّهَ وَقى شَرَّها ، ولَيسَ فيكُم مَن تُقطَعُ الأَعناقُ إلَيهِ مِثلَ أبي بَكرٍ . مَن بايَعَ رَجُلاً عَن غَيرِ مَشوِرَةٍ مِنَ المُسلِمينَ فَلا يُبايِعُ هوَ ولا الَّذي تابَعَهُ تَغِرَّةَ أن يُقتَلا (1) . قال ابن أبي الحديد بَعدَ نَقلِ خُطبَةِ عُمَرَ عَنِ الطَّبَرِيِّ : هذا حَديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِن أهلِ السّيرَةِ ، وقَد وَرَدَتِ الرِّواياتُ فيهِ بِزِياداتٍ ؛ رَوَى المَدائِنِيُّ قالَ : لَمّا أخَذَ أبو بَكرٍ بِيَدِ عُمَرَ وأبي عُبَيدَةَ وقالَ لِلنّاسِ : قَد رَضيتُ لَكُم أحَدَ هذَينِ الرَّجُلَينِ ، قالَ أبو عُبَيدَةَ لِعُمَرَ : اُمدُد يَدَكَ نُبايِعكَ . فَقالَ عُمَرُ : ما لَكَ فِي الإِسلامِ فَهَّةٌ (2) غَيرَها ! أ تَقولُ هذا وأبو بَكرٍ حاضِرٌ ! ! ثُمَّ قالَ لِلنّاسِ : أيُّكُم يَطيبُ نَفسا أن يَتَقَدَّمَ قَدَمَينِ قَدَّمَهُما رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِلصَّلاةِ ! ! رَضِيَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِدينِنا ، أفَلا نَرضاكَ لِدُنيانا ! ! ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إلى أبي بَكرٍ فَبايَعَهُ . وهذِهِ الرِّوايَةُ هِيَ الَّتي ذَكَرَها قاضِي القُضاةِ في كِتابِ المُغني . وقالَ الواقِدِيُّ في رِوايَتِهِ في حِكايَةِ كَلامِ عُمَرَ : وَاللّهِ لَأَن اُقَدَّمَ فَاُنحَرَ كَما يُنحَرُ البَعيرُ ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أتَقَدَّمَ عَلى أبي بَكرٍ . وقالَ شَيخُنا أبُو القاسِمِ البَلخِيُّ : قالَ شَيخُنا أبو عُثمانَ الجاحِظُ : إنَّ الرَّجُلَ الَّذي قالَ : «لَو قَد ماتَ عُمَرُ لَبايَعتُ فُلانا» عَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، قالَ : لَو قَد ماتَ عُمَرُ لَبايَعتُ عَليّا عليه السلام ، فَهذَا القَولُ هوَ الَّذي هاجَ عُمَرَ أن خَطَبَ بِما خَطَبَ بِهِ .

.


1- .صحيح البخاري : ج6 ص2503 ح6442 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص121 ح391 ، صحيح ابن حبّان : ج2 ص146 ح413 و ص 155 ح414 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص615 ح5 ، المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص439 ح9758 ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج4 ص307 ، أنساب الأشراف : ج2 ص265 وفيه «إنّ عمر بن الخطّاب خطب خطبة ، قال فيها . . .» ، تاريخ الطبري : ج3 ص203 _ 205 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص11 ، تاريخ دمشق : ج30 ص280 _ 284 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص22 ، السيرة النبويّة لابن كثير : ج4 ص486 كلّها نحوه .
2- .الفَهَّة : السَّقْطَة والجهلة (النهاية : ج3 ص482) .

ص: 75

1 / 19 مكان الإمام في الحكومة

وقالَ غَيرُهُ مِن أهلِ الحَديثِ : إنَّما كانَ المَعزومُ عَلى بَيعَتِهِ لَو ماتَ عُمَرُ طَلحَةَ ابنَ عُبَيدِ اللّهِ . فَأَمّا حَديثُ الفَلتَةِ ، فَقَد كانَ سَبَقَ مِن عُمَرَ أن قالَ : إنَّ بَيعَةَ أبي بَكرٍ كانَت فَلتَةً وَقَى اللّهُ شَرَّها ؛ فَمَن عادَ إلى مِثلِها فَاقتُلوهُ . وهذَا الخَبَرُ الَّذي ذَكَرناهُ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ فيهِ حَديثُ الفَلتَةِ ؛ ولكِنَّهُ مَنسوقٌ عَلى ما قالَهُ أوَّلاً ، أ لا تَراهُ يَقولُ : فَلا يَغُرَّنَّ امرَأً أن يَقولَ : «إنَّ بَيعَةَ أبي بَكرٍ كانَت فَلتَةً ، فَلَقَد كانَت كَذلِكَ» ، فَهذا يُشعِرُ بِأَنَّهُ قَد كانَ قالَ مِن قَبلُ : إنَّ بَيعَةَ أبي بَكرٍ كانَت فَلتَةً . . . (1) .

راجع : كتاب «شرح نهج البلاغة» : ج2 ص26 _ 37 ، في نقل كلام السيّد المرتضى ونقده .

1 / 19مَكانُ الإِمامِ فِي الحُكومَةِتاريخ اليعقوبي :أرادَ أبو بَكرٍ أن يَغزُوَ الرّومَ ، فَشاوَرَ جَماعَةً مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ ، فَقَدَّموا وأخَّروا ، فَاستَشارَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، فَأَشارَ أن يَفعَلَ ، فَقالَ : إن فَعَلتَ ظَفِرتَ . فَقالَ : بَشَّرتَ بِخَيرٍ . فَقامَ أبو بَكرٍ فِي النّاسِ خَطيبا ، وأمَرَهُم أن يَتَجَهَّزوا إلَى الرّومِ ، فَسَكَتَ النّاسُ . فَقامَ عُمَرُ فَقالَ : «لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا» (2) لَانتَدَبتُموهُ ! فَقامَ عَمرُو بنُ سَعيدٍ فَقالَ : لَنا تَضرِبُ أمثالَ المُنافِقينَ يَابنَ الخَطّابِ ، فَما يَمنَعُكَ أنتَ ما عِبتَ عَلَينا فيهِ ؟ ! (3)

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص25 .
2- .التوبة : 42 .
3- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص132 وراجع الفتوح : ج1 ص80 .

ص: 76

الفتوح_ بَعدَ ذِكرِ قَضِيَّةِ ارتِدادِ الأَشعَثِ وعَزمِ أبي بَكرٍ عَلى تَوجيهِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام لِقِتالِهِ _: قالَ عُمَرُ : أخافُ أن يَأبى لِقِتالِ القَومِ ، فَلا يُقاتِلَهُم ، فَإِن أبى ذلِكَ فَلَم تَجِد أحَدا يَسيرُ إلَيهِم إلّا عَلَى المَكروهِ مِنهُ . ولكِن ذَر عَلِيّا يَكونُ عِندَكَ بِالمَدينَةِ ؛ فَإِنَّكَ لا تَستَغني عَنهُ وعَن مَشورَتِهِ (1) .

.


1- .الفتوح : ج1 ص57 ، الردّة : ص197 .

ص: 77

الفصل الثاني : عهد عمر بن الخطّاب

2 / 1 مكانة عمر عند أبي بكر

الفصل الثاني : عهد عمر بن الخطّاب2 / 1مَكانَةُ عُمَرَ عِندَ أبي بَكرٍتاريخ الإسلام عن أبي بكر :وَاللّهِ ، ما عَلى ظَهرِ الأَرضِ رَجُلٌ أحَبُّ إلَيَّ مِن عُمَرَ (1) .

غريب الحديث :قالَ أبو عُبَيدٍ في حَديثِ أبي بَكرٍ : وَاللّهِ ، إنَّ عُمَرَ لَأَحَبُّ النّاسِ إلَيَّ (2) .

تاريخ دمشق عن نافع :إنَّ أبا بَكرٍ أقطَعَ الأَقرَعَ بنَ حابِسٍ وَالزِّبرِقانِ قَطيعَةً وكَتَبَ لَهُما كِتابا . فَقالَ لَهُما عُثمانُ : أشهِدا عُمَرَ ؛ فَإِنَّهُ حِرزُكُما وهُوَ الخَليفَةُ بَعدَهُ . قالَ : فَأَتَيا عُمَرَ ، فَقالَ لَهُما : مَن كَتَبَ لَكُما هذَا الكِتابَ ؟ قالا : أبو بَكرٍ . قالَ : لا وَاللّهِ ولا كَرامَةَ ! وَاللّهِ ، لَيُفلَقَنَّ وُجوهُ المُسلِمينَ بِالسُّيوفِ وَالحِجارَةِ ثُمَّ تَكونُ لَكُما هذا ! قالَ : فَتَفَلَ فيهِ فَمَحاهُ . فَأَتَيا أبا بَكرٍ فَقالا : ما نَدري أنتَ الخَليفَةُ أم عُمَرُ ! قالَ : ثُمَّ أخبَراهُ ، فَقالَ : فَإِنَّا لا نُجيزُ إلّا ما أجازَهُ عُمَرُ (3) .

.


1- .تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص265 ، تاريخ دمشق : ج44 ص247 ، الرياض النضرة : ج2 ص399 .
2- .غريب الحديث للهروي : ج2 ص10 ، النهاية في غريب الحديث : ج4 ص277 ، كنز العمّال: ج12 ص545 ح35736 .
3- .تاريخ دمشق : ج9 ص196 و ص 194 نحوه وفيه «فقال : أنت الأمير أم عمر ؟ فقال : عمر ، غير أنّ الطاعة لي فسكت» بدل «ما ندري أنت الخليفة . . .» و ص 196 نحوه وفيه «فقال أبو بكر : قد كنت قلت لك إنّك أقوى على هذا الأمر منّي ولكنّك غلبتني» ، كنز العمّال : ج12 ص583 ح35813 .

ص: 78

2 / 2 استعمال عمر بن الخطّاب

الإمام عليّ عليه السلام_ يَصِفُ استِعمالَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ _: ولَولا خاصَّةٌ ما كان بَينَهُ [أبي بَكرٍ ]وبَينَ عُمَرَ ، لَظَنَنتُ أنَّهُ لا يَدفَعُها عَنّي (1) .

2 / 2اِستعِمالُ عُمَرَ بنِ الخَطّابِتاريخ اليعقوبي :اِعتَلَّ أبو بَكرٍ في جُمادَى الآخِرَةِ سَنَةَ (13) . فَلَمَّا اشتَدَّت بِهِ العِلَّةُ عَهِدَ إلى عُمَرَ بنِ الخَطّابِ ، فَأَمَرَ عُثمانَ أن يَكتُبَ عَهدَهُ ، وكَتَبَ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . هذا ما عَهِدَ أبو بَكرٍ خَليفَةُ رَسولِ اللّهِ إلَى المُؤمِنينَ وَالمُسلِمينَ : سَلامٌ عَلَيكُم ، فَإِنّي أحمَدُ إلَيكُمُ اللّهَ ؛ أمّا بَعدُ فَإِنّي قَدِ استَعمَلتُ عَلَيكُم عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ، فَاسمَعوا وأطيعوا ، وإنّي ما ألَوتُكُم (2) نُصحا . وَالسَّلامُ (3) .

تاريخ الطبري عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث :دَعا أبو بَكرٍ عُثمانَ خالِيا (4) ، فَقالَ : اُكتُب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . هذا ما عَهِدَ أبو بَكرٍ بنُ أبي قُحافَةَ إلَى المُسلِمينَ ؛ أمّا بَعدُ . قالَ : ثُمَّ اُغمِيَ عَلَيهِ ، فَذَهَبَ عَنهُ ، فَكَتَبَ عُثمانُ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنّي قَدِ استَخلَفتُ عَلَيكُم عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ، ولَم آلُكُم خَيرا مِنهُ . ثُمَّ أفاقَ أبو بَكرٍ فَقالَ : اِقرَأ عَلَيَّ ، فَقَرأَ عَلَيهِ ، فَكَبَّرَ أبو بَكرٍ وقالَ : أراكَ خِفت

.


1- .الغارات : ج1 ص307 عن جندب ، المسترشد : ص413 عن شريح بن هاني وزاد فيه «وأمر قد عقداه بينهما» بعد «بين عمر» ؛ شرح نهج البلاغة : ج6 ص95 عن جندب .
2- .يقال : إنّي لا آلُوكَ نُصْحاً ، أي لا أفْتُرُ ولا اُقَصِّر (لسان العرب : ج14 ص40) .
3- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص136 .
4- .الخِلْو : المُنْفَرِد (النهاية : ج2 ص74) .

ص: 79

أن يَختَلِفَ النّاسُ إنِ افتُلِتَت (1) نَفسي في غَشيَتي ! قالَ : نَعَم . قالَ : جَزاكَ اللّهُ خَيرا عَنِ الإِسلامِ وأهلِهِ ! وأقَرَّها أبو بَكرٍ مِن هذَا المَوضِعِ (2) .

تاريخ المدينة عن أسلَم :كَتَبَ عُثمانُ عَهدَ الخَليفَةِ بَعدَ أبي بَكرٍ ، وأمَرَهُ ألّا يُسَمِّيَ أحَدا ، وتَرَكَ اسمَ الرَّجُلِ ، فَاُغمِيَ عَلى أبي بَكرٍ إغماءَةً ، فَأَخَذَ عُثمانُ العَهدَ فَكَتَبَ فيهِ اسمَ عُمَرَ . قالَ : فَأَفاقَ أبو بَكرٍ فَقالَ : أرِنِي العَهدَ ، فَإِذا فيهِ اسمُ عُمَرَ . قالَ : مَن كَتَبَ هذا ؟ فَقالَ عُثمانُ : أنَا . فَقالَ : رَحِمَكَ اللّهُ وجَزاكَ خَيرا ! فَوَاللّهِ لَو كَتَبتَ نَفسَكَ لَكُنتَ لِذلِكَ أهلاً (3) .

تاريخ الطبري عن قيس :رَأَيتُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ وهُوَ يَجلِسُ وَالنّاسُ مَعَهُ ، وبِيَدِهِ جَريدَةٌ ، وهُوَ يَقولُ : أيُّهَا النّاسُ ! اسمَعوا وأطيعوا قَولَ خَليفَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ إنَّهُ يَقولُ : إنّي لَم آلُكُم نُصحا . قالَ : ومَعَهُ مَولىً لِأَبي بَكرٍ يُقالُ لَهُ شَديدٌ ، مَعَهُ الصَّحيفَةُ الَّتي فيهَا استِخلافُ عُمَرَ (4) .

الإمامة والسياسة_ في ذِكرِ كِتابَةِ استِخلافِ عُمَرَ _: خَرَجَ عُمَرُ بِالكِتابِ وأعلَمَهُم ، فَقالوا : سَمعا وطاعَةً ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : ما فِي الكِتابِ يا أبا حَفصٍ ؟ قالَ : لا أدري ، ولكِنّي أوَّلُ مَن سَمِعَ وأطاعَ . قالَ : لكِنّي وَاللّهِ أدري ما فيهِ ؛ أمَّرتَهُ عامَ أوَّلٍ ، وأمَّرَكَ العامَ ! (5)

شرح نهج البلاغة :إنَّ أبا بَكرٍ لَمّا نَزَلَ بِهِ المَوتُ دَعا عَبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ ، فَقالَ :

.


1- .افْتُلِتَ فلانٌ : أي ماتَ فجْأَةً (لسان العرب : ج2 ص68) .
2- .تاريخ الطبري : ج3 ص429 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص79 ، نهاية الأرب : ج19 ص152 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص200 ، تاريخ دمشق : ج30 ص411 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص117 والثلاثة الأخيرة نحوه وراجع تاريخ المدينة : ج2 ص668 .
3- .تاريخ المدينة : ج2 ص667 ، تاريخ دمشق : ج44 ص252 عن عبد اللّه بن عمر ، الأوائل لأبي هلال : ص102 عن المدائني وكلاهما نحوه .
4- .تاريخ الطبري : ج3 ص429 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص88 ح259 نحوه . وفي معالم الفتن : ج1 ص326 «ياليت الفاروق قال ذلك يوم أن أمر النبيّ صلى الله عليه و آله أن يأتوه بصحيفة ليكتب لهم كتابا لا يضلّوا بعده أبدا» .
5- .الإمامة والسياسة : ج1 ص38 .

ص: 80

أخبِرني عَن عُمَرَ . فَقالَ : إنَّهُ أفضَلُ مَن رَأيُكَ فيهِ ، إلّا أنَّ فيهِ غِلظَةً . فَقالَ أبو بَكرٍ : ذاكَ لِأَنَّهُ يَراني رَقيقا ، ولَو قَد أفضَى الأَمرُ إلَيهِ لَترَكَ كَثيرا مِمّا هوَ عَلَيهِ ، وقَد رَمَقتُهُ ؛ إذا أنَا غَضِبتُ عَلى رَجُلٍ أرانِي الرِّضى عَنهُ ، وإذا لِنتُ لَهُ أرانِي الشِّدَّةَ عَلَيهِ . ثُمَّ دَعا عُثمانَ بنَ عَفّانَ فَقالَ : أخبِرني عَن عُمَرَ ، فَقالَ : سَريرَتُهُ خَيرٌ مِن عَلانِيَتِهِ ، ولَيسَ فينا مِثلُهُ . فَقالَ لَهُما : لا تَذكُرا مِمّا قُلتُ لَكُما شَيئا ، ولَو تَرَكتُ عُمَرَ لَما عَدَوتُكَ يا عُثمانُ ، وَالخِيَرَةُ لَكَ ألّا تَلِيَ مِن اُمورِهِم شَيئا ، ولَوَدَدتُ أنّي كُنتُ مِن اُمورِكُم خِلوا ، وكُنتُ فيمَن مَضى مِن سَلَفِكُم . ودَخَلَ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ عَلى أبي بَكرٍ فَقالَ : إنَّهُ بَلَغَني أنَّكَ يا خَليفَةَ رَسولِ اللّهِ استَخلَفتَ عَلَى النّاسِ عُمَرَ ، وقَد رَأَيتَ ما يَلقى النّاسُ مِنهُ وأنتَ مَعَهُ ، فَكَيفَ بِهِ إذا خَلا بِهِم ! وأنتَ غَدَا لاقٍ رَبَّكَ ؛ فَيَسأَلُكَ عَن رَعِيَّتِكَ . فَقالَ أبو بَكر : أجلِسوني ، ثُمَّ قالَ : أ بِاللّهِ تُخَوِّفُني؟ ! إذا لَقيتُ رَبّي فَسَأَلَني قُلتُ : استَخلَفتُ عَلَيهِم خَيرَ أهلِكَ . فَقالَ طَلحَةُ : أ عُمَرُ خَيرُ النّاسِ يا خَليفَةَ رَسولِ اللّهِ ؟ ! فَاشتَدَّ غَضَبُهُ وقالَ : إي وَاللّهِ ، هوَ خَيرُهُم وأنتَ شَرُّهُم ! أما وَاللّهِ لَو وَلَّيتُكَ لَجَعَلتَ أنفَكَ في قَفاكَ ، ولَرَفَعتَ نَفسَكَ فَوقَ قَدرِها ، حَتّى يَكونَ اللّهُ هوَ الَّذي يَضَعُها ! أتَيتَني وقَد دَلَكتَ عَينَكَ ؛ تُريدُ أن تَفتِنَني عَن ديني ، وتُزيلَني عَن رَأيي ! قُم ، لا أقامَ اللّهُ رِجلَيكَ ! أما وَاللّهِ لَئِن عِشتُ فُواقَ ناقَةٍ (1) وبَلَغَني أنَّكَ غَمَصتَهُ (2) فيها أو ذَكَرتَهُ بِسوءٍ لَاُلحِقَنَّكَ بِمَحمَضاتِ قُنَّةَ (3) ،

.


1- .أي قَدْرَ فُواق ناقةٍ ، وهو ما بين الحَلْبَتَين من الراحَة (النهاية : ج3 ص479) .
2- .غَمَصَه : حَقَّرَه واستَصْغَره ولم يَرَهُ شيئا (لسان العرب : ج7 ص61) .
3- .قال ابن منظور : المَحْمَض : الموضع الَّذي ترعى فيه الإبل الحَمْض . والحَمْض من النبات : كلّ نَبتٍ مالِحٍ أو حامضٍ يقوم على سُوقٍ ولا أصل له (لسان العرب : ج7 ص139 و 138) . وقال ياقوت : قُنَّةُ : منزل قريب من حومانة الدرّاج في طريق المدينة من البصرة . وقُنَّةُ : جبل في ديار بني أسد متّصل بالقنان (معجم البلدان : ج4 ص409) . ولعلّه قَصَد موضعا بعينه .

ص: 81

2 / 3 موقف الإمام من خلافته

حَيثُ كُنتُم تُسقَونَ ولا تَروَونَ ، وتَرعَونَ ولا تَشبَعونَ ، وأنتُم بِذلِكَ بَجِحونَ (1) راضونَ فَقامَ طَلحَةُ فَخَرَجَ (2) .

2 / 3مَوقِفُ الإِمامِ مِن خِلافَتِهِالإمام عليّ عليه السلام_ في ذِكرِ السَّقيفَةِ ومابَعدَها _: فَرَأَيتُ أنَّ الصَّبرَ عَلى هاتا أحجى (3) ، فَصَبَرتُ وفِي العَينِ قَذىً ، وفِي الحَلقِ شَجا ، أرى تُراثي (4) نَهبا ، حَتّى مَضَى الأَوَّلُ لِسَبيلِهِ ، فَأَدلى بِها إلى فُلانٍ بَعدَهُ . شَتّانَ ما يَومِي عَلى كورِها ويَومُ حَيّانَ أخي جابِرِ (5) فَيا عَجَبا ! ! بَينا هُوَ يَستَقيلُها في حَياتِهِ إذ عَقَدَها لِاخَرَ بَعدَ وَفاتِهِ _ لَشَدَّ ما تَشَطَّرا ضَرعَيها ! _ فَصَيَّرَها في حَوزَةٍ خَشناءَ يَغلُظُ كَلمُها (6) ، ويَخشُنُ مَسُّها ، ويَكثُرُ العِثارُ فيها ، وَالاِعتِذارُ مِنها ، فَصاحِبُها كَراكِبِ الصَّعبَةِ إن أشنَقَ لَها خَرَمَ ، وَإن أسلَسَ لَها تَقَحَّم (7)

.


1- .البَجَح : الفَرَح (تاج العروس : ج4 ص5).
2- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص164 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص199 ، تاريخ المدينة: ج2 ص667 ، تاريخ الطبري : ج3 ص428 و ص 433 وفيه إلى «خير أهلك» وكُلّها نحوه .
3- .أي أجدَر وأولى وأحقَّ (النهاية : ج1 ص348) .
4- .التراث : ما يُخَلِّفه الرجل لورثته (النهاية : ج1 ص186) .
5- .هذا البيت هو للأعشى ، وقد تمثّل به عليه السلام .
6- .الكَلْم : الجَرْح (النهاية : ج4 ص199) .
7- .قال الشريف الرضي _ في ذيل الخطبه _ : قوله عليه السلام : «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم» يريد : أنّه إذا شدّد عليها في جذْب الزمام وهي تُنازعه رأسَها خرم أنفها ، وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحّمت به فلم يملكها ، يقال : أشنَقَ الناقةَ : إذا جذَب رأسَها بالزمام فرفعه ، وشنَقَها أيضا . ذكر ذلك ابن السكّيت في «إصلاح المنطق» ، وإنّما قال : «أشنق لها» ولم يقل: «أشنقها» لأنّه جعله في مقابلة قوله: «أسلس لها» ، فكأنّه عليه السلام قال : إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام .

ص: 82

2 / 4 استشارة عمر الإمام في المعضلات

فَمُنِيَ النّاسُ _ لَعَمرُ اللّهِ _ بِخَبطٍ وشِماسٍ (1) ، وتَلَوُّنٍ وَاعتِراضٍ (2) .

2 / 4اِستِشارَةُ عُمَرَ الإِمامَ فِي المُعضِلاتِتاريخ الإسلام عن عمر :أعوذُ بِاللّهِ مِن مُعضِلَةٍ لَيسَ لَها أبو حَسَنٍ ! (3)

المستدرك على الصحيحين عن عمر :أعوذُ بِاللّهِ أن أعيشَ في قَومٍ لَستَ فيهِم يا أبا حَسَنٍ (4) .

فضائل الصحابة عن سعيد بن المُسَيّب :كانَ عُمَرُ يَتَعَوَّذُ بِاللّهِ مِن مُعضِلَةٍ لَيسَ لَها أبو حَسَنٍ (5) .

الكافي عن عمر :لَولا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ ! (6)

.


1- .شَمَسَت الدابَّةُ والفَرس : شَرَدتْ وجَمَحَتْ ومَنَعتْ ظَهْرَها (لسان العرب : ج6 ص113) .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 3 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص204 ، معاني الأخبار : ص361 ح1 ، علل الشرائع : ص150 ح12 ، الإرشاد : ج1 ص287 ، الاحتجاج : ج1 ص452 ح105 والأربعة الأخيرة عن ابن عبّاس ، الأمالي للطوسي : ص373 ح803 عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام عن ابن عبّاس وعن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه عليهم السلام ، نثر الدرّ : ج1 ص275 ؛ تذكرة الخواصّ : ص124 والسبعة الأخيرة نحوه .
3- .تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص638 ، تاريخ دمشق : ج42 ص406 ، البداية والنهاية : ج7 ص360 .
4- .المستدرك على الصحيحين : ج1 ص628 ح1682 ، شعب الإيمان : ج3 ص451 ح4040 ، تاريخ دمشق : ج42 ص405 ، الرياض النضرة : ج3 ص166 ؛ شرح الأخبار : ج2 ص317 ح652 .
5- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص647 ح1100 ، الطبقات الكبرى : ج2 ص339 ، تاريخ دمشق : ج42 ص406 ، الإصابة : ج4 ص467 الرقم 5704 ، اُسد الغابة : ج4 ص96 الرقم 3789 ، الاستيعاب : ج3 ص206 الرقم 1875 ، الصواعق المحرقة : ص 127 ، تاريخ الخلفاء : ص 203 .
6- .الكافي : ج7 ص424 ح6 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص306 ح849 و ج 10 ص50 ح186 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص36 ح5025 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص85 ، الإيضاح : ص191 و 192 ، تفسير العيّاشي : ج1 ص75 ح155 ، الفضائل لابن شاذان : ص95 ، شرح الأخبار : ج2 ص319 ح655 ، المسترشد : ص583 ح253 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص31 ؛ الاستيعاب : ج3 ص206 ح1875 وفيه «فكان عمر يقول . . .» ، ذخائر العقبى : ص149 .

ص: 83

2 / 5 استنجاد عمر برأي الإمام

أ : مبدأ التّأريخ

بيان : كان الإمام عليّ عليه السلام يقدّم آراءه الاستشاريّة في الميادين العلميّة أو في المشاكل السياسيّة بعدما يحرز أنّها تعود بالفائدة على المُجتَمع الإسلامي ، ولا يبدي رأيه إذا عاد بالنفع الشخصي على الخليفة ولم يَعُد على المُجتَمع بشيء . يَقولُ ابنُ عَبّاسٍ : خَرَجتُ مَعَ عُمَرَ إلَى الشّامِ في إحدى خرجاتِهِ ، فَانفَرَدَ يَوما يَسيرُ عَلى بَعيرِهِ فَاتَّبَعتُهُ ، فَقالَ لي : يَابنَ عَبّاسٍ ، أشكو إلَيكَ ابنَ عَمَّكَ ! سَأَلتُهُ أن يَخرُجَ مَعي فَلَم يَفعَل (1) .

راجع : ج 4 ص 658 (عمر بن الخطّاب) .

2 / 5اِستِنجادُ عُمَرَ بِرَأيِ الإِمامِأ : مَبدَأُ التَّاريخِالمستدرك على الصحيحين عن سعيد بن المُسَيِّب :جَمَعَ عُمَرُ النّاسَ فَسَأَلَهُم : مِن أيِّ يَومٍ يُكتَبُ التَّأرِيخُ ؟ فَقالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : مِن يَومَ هاجَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وتَرَكَ أرضَ الشِّركِ . فَفَعَلَهُ عُمَرُ (2) .

تاريخ اليعقوبي :أَرَّخَ عُمَرُ الكُتُبَ ، وأرادَ أن يَكتُبَ التَّأريخَ مُنذُ مَولِدِ رَسولِ اللّهِ ، ثُمَّ قالَ : مِنَ المَبعَثِ . فَأَشارَ عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أن يَكتُبَهُ مِنَ الهِجرَةِ ، فَكَتَبَهُ مِنَ الهِجرَةِ (3) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج12 ص78 .
2- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص15 ح4287 ، التاريخ الكبير : ج1 ص9 ، تاريخ الطبري : ج4 ص39 ، تاريخ المدينة : ج2 ص758 ؛ الإقبال : ج3 ص22 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص144 كلّها نحوه وراجع التنبيه والإشراف : ص252 .
3- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص145 ؛ البداية والنهاية : ج7 ص74 نحوه .

ص: 84

ب : الخروج بنفسه إلى غزو الرّوم
ج : الخروج بنفسه إلى غزو الفرس

ب : الخُروجُ بِنَفسِهِ إلى غَزوِ الرّومِالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ وقَد شاوَرَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فِي الخُروجِ إلى غَزوِ الرُّومِ _: وقَد تَوَكَّلَ اللّهُ لِأَهلِ هذَا الدّينِ بِإعزازِ الحَوزَةِ ، وسَترِ العَورَةِ ، وَالَّذي نَصَرَهُم وَهُم قَليلٌ لا يَنتَصِرونَ ، ومَنَعَهُم وَهُم قَليلٌ لا يَمتَنِعونَ ، حَيٌّ لا يَموتُ . إنَّكَ مَتى تَسِر إلى هذَا العَدُوِّ بِنَفسِكَ فَتَلقَهُم بِشَخصِكَ فَتُنكَب ؛ لا تَكُن لِلمُسلِمينَ كانِفَةٌ (1) دونَ أقصى بِلادِهِم . لَيسَ بَعدَكَ مَرجِعٌ يَرجِعونَ إلَيهِ ، فَابعَث إلَيهِم رَجُلاً مِحرَبا ، وَاحفِز مَعَهُ أهلَ البَلاءِ وَالنَّصيحَةِ ؛ فَإِن أظهَرَ اللّهُ فَذاكَ ما تُحِبُّ ، وإن تَكُنِ الاُخرى كُنتَ رِدءا (2) لِلنّاسِ ومَثابَةً لِلمُسلِمينَ (3) .

ج : الخُروجُ بِنَفسِهِ إلَى غَزوِ الفُرسِالإمام عليّ عليه السلام_ في كَلامٍ لَهُ وقَد استَشارَهُ عُمَرُ في الشُّخوصِ لِقِتالِ الفُرسِ بِنَفسِهِ _: إنَّ هذَا الأَمرَ لَم يَكُن نَصرُهُ ولا خِذلانُهُ بِكَثَرةٍ ولا بِقِلَّةٍ ، وهُوَ دينُ اللّهِ الَّذي أظهَرَهُ ، وجُندُهُ الَّذي أعَدَّهُ وأمَدَّهُ ، حَتّى بَلَغَ ما بَلَغَ ، وطَلَعَ حَيثُ طَلَعَ ، ونَحنُ عَلى مَوعودٍ مِنَ اللّهِ ، وَاللّهُ مُنجِزٌ وَعدَهُ ، وناصِرٌ جُندَهُ . ومَكانُ القَيِّمِ بِالأَمرِ مَكانُ النِّظامِ (4) مِنَ الخَرَزِ ؛ يَجمَعُهُ ويَضُمُّهُ ، فَإِنِ انقَطَعَ النِّظامُ تَفَرَقَ الخَرَزُ وذَهَبَ ، ثُمَّ لَم يَجتَمِع بِحَذافيرِهِ أبَدا . وَالعَرَبُ اليَومَ وإن كانوا قَليلاً فَهُم كَثيرونَ بِالإِسلامِ ، عَزيزونَ بِالِاجتماعِ . فَكُن قُطبا ، وَاستَدِرِ الرَّحى بِالعَرَبِ ، وأصلِهِم دونَكَ نارَ الحَربِ ؛ فَإِنَّكَ إن شَخَصتَ مِن هذِهِ الأَرضِ انتَقَضَت عَلَيكَ العَرَبُ مِن أطرافِها وأقطارِها ، حَتّى يَكونَ ما تَدَعُ وَراءَكَ مِنَ العَوراتِ أهَمَّ إلَيكَ مِمّا بَينَ يَدَيكَ .

.


1- .أي ساترة . والهاء للمبالغة (النهاية : ج4 ص205) .
2- .الرِّدْء : العَوْن والناصِر (النهاية : ج2 ص213) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 134 ، شرح المئة كلمة : ص231 .
4- .النظام: ما نَظَمْتَ فيه الشيء من خيط وغيره (لسان العرب : ج12 ص578) .

ص: 85

إنَّ الأَعاجِمَ إن يَنظُروا إلَيكَ غَدا يَقولوا : هذا أصلُ العَرَبِ ، فَإِذا اقتَطَعتُموهُ استَرَحتُم ؛ فَيَكونُ ذلِكَ أشَدَّ لِكَلَبِهِم (1) عَلَيكَ وطَمَعِهِم فيكَ . فَأَمّا ما ذَكَرتَ مِن مَسيرِ القَومِ إلى قِتالِ المُسلِمينَ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ هُوَ أكرَهُ لِمَسيرِهِم مِنكَ ، وهُوَ أقدَرُ عَلى تَغييِرِ ما يَكرَهُ ! وأمّا ما ذَكَرتَ مِن عَدَدِهِم ، فَإِنَّا لَم نَكُن نُقاتِلُ فيما مَضى بِالكَثرَةِ ، وإنَّما كُنّا نُقاتِلُ بِالنَّصرِ وَالمَعونَةِ ! (2)

الإمام عليّ عليه السلام_ لِعُمَرَ لَمَّا استَشارَ النّاسَ في أن يَسيرَ فيمَن مَعَهُ لِقِتالَ الفُرسِ _: إنَّ هذَا الأَمرَ لَم يَكُن نَصرُهُ ولا خِذلانُهُ لِكَثَرةٍ ولا قِلَّةٍ ؛ هُوَ دينُهُ الَّذي أظهَرَ ، وجُندُهُ الَّذي أعَزَّ وأيّدَهُ بِالمَلائِكَةِ ، حتّى بَلَغَ ما بَلَغَ ، فَنَحنُ عَلى مَوعودٍ مِنَ اللّهِ ، وَاللّهُ مُنجِزٌ وَعدَهُ ، وناصِرٌ جُندَهُ . ومَكانُكَ مِنهُم مَكانُ النِّظامِ مِنَ الخَرَزِ ؛ يَجمَعُهُ ويُمسِكُهُ ، فإِنِ انحَلَّ تَفَرَّقَ ما فيهِ وذَهَبَ ، ثُمَّ لَم يَجتَمِع بِحَذافيرِهِ أبَدا . وَالعَرَبُ اليَومَ وإن كانوا قَليلاً فَهِيَ كَثيرٌ عَزيزٌ بِالإِسلامِ ؛ فَأَقِم ، وَاكتُب إلى أهلِ الكوفَةِ _ فَهُم أعلامُ العَرَبِ ورُؤَساؤُهُم _ ومَن لَم يَحفِل (3) بِمَن هوَ أجمَعُ وأحَدُّ وأجَدُّ مِن هؤُلاءِ : فَليَأتِهِمُ الثُّلُثانِ وَليُقِمِ الثُّلُثُ ، وَاكتُب إلى أهلِ البَصرَةِ أن يُمِدُّوهُم بِبَعضِ مَن عِندَهُم (4) .

الإرشاد عن أبي بكر الهُذَلِيّ :سَمِعتُ رِجالاً مِن عُلَمائِنا يَقولونَ : تَكاتَبَتِ الأَعاجِمُ مِن أهلِ هَمَذانَ وأهلِ الرَّيِّ وأهلِ أصفَهانَ وقومِسَ (5) ونُهاوَندَ (6) ، وأرسَلَ بَعضُهُم إلى بَعضٍ أن

.


1- .كَلِبَ على الشيء : إذا اشتدّ حِرْصُه على طلب شيء (تاج العروس : ج2 ص381) .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 146 ، بحار الأنوار : ج40 ص193 ح79 .
3- .الحَفْل : المُبالاة . يقال : ما أحْفِلُ بفلان ؛ أي ما اُبالي به (لسان العرب : ج11 ص159) .
4- .تاريخ الطبري : ج4 ص123 عن أبي طعمة ، البداية والنهاية : ج7 ص107 .
5- .قُومِس : تعريب كومس ، واسمها هذا اليوم «سمنان» ، وتقع وسط إيران في الجنوب الشرقي من طهران ، وهي مركز محافظة سمنان .
6- .نُهَاوَنْد: تقع في جنوبي همذان وشرق كرمانشاه على بعد 130 كيلو مترا، وجنوب غربي ملاير على بعد 64 كيلو مترا، طولها : 48 درجة و 22 دقيقة ، وعرضها : 34 درجة و 12 دقيقة. وهي مدينة على جبل، وفيها أنهار وبساتين . قيل : إنّ نوحا عليه السلام بناها . وكانت وقعة عظيمة للمسلمين زمن عمر بن الخطّاب (راجع تقويم البلدان : ص 416) .

ص: 86

مَلِكَ العَرَبِ الَّذي جاءَ بِدينِهِم وأخرَجَ كِتابَهُم قَد هَلَكَ _ يَعنونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله _ وأنَّهُ مَلَكَهُم مِن بَعدِهِ رَجُلٌ مُلكا يَسيرا ثُمَّ هَلَكَ _ يَعنونَ أبا بَكرٍ _ وقامَ بَعدَهُ آخَرُ قَد طالَ عُمُرُهُ حَتّى تَناوَلَكُم في بِلادِكُم وأغزاكُم جُنودَهُ _ يَعنونَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ _ وأنَّهُ غَيرُ مُنتَهٍ عَنكُم حَتّى تُخرِجوا مَن في بِلادِكُم مِن جُنودِهِ ، وتَخرُجوا إلَيهِ فَتَغزُوَهُ في بِلادِهِ . فَتَعاقَدوا عَلى هذا وتَعاهَدوا عَلَيهِ . فَلَمَّا انتَهَى الخَبَرُ إلى مَن بِالكوفَةِ مِنَ المُسلِمينَ أنهَوهُ إلى عُمَرَ بنِ الخَطّابِ ، فَلَمَّا انتَهى إلَيهِ الخَبَرُ فَزِعَ عُمَرُ لِذلِكَ فَزَعا شَديدا ، ثُمَّ أتى مَسجِدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَصَعِدَ المِنبَرَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : مَعاشِرَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ! إنَّ الشَّيطانَ قَد جَمَعَ لَكُم جُموعا ، وأقبَلَ بِها لِيُطفِئَ نورَ اللّهِ ، ألا إنَّ أهلَ هَمَذانَ وأهلَ أصفَهانَ وَالرَّيِّ وقومِسَ ونُهاوَندَ مُختَلِفَةٌ ألسِنَتُها وألوانُها وأديانُها ، قَد تَعاهَدوا وتَعاقَدوا أن يُخرِجوا مِن بِلادِهِم إخوانَكُم مِنَ المُسلِمينَ ، ويَخرُجوا إلَيكُم فَيَغزُوَكُم في بِلادِكُم ، فَأَشيروا عَلَيَّ وأوجِزوا ولا تُطنِبوا فِي القَولِ ، فَإِنَّ هذا يَومٌ لَهُ ما بَعدَهُ مِنَ الأَيّامِ . فَتَكَلَّموا ، فَقامَ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ _ وكانَ مِن خُطَباءِ قُرَيشٍ _ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد حَنَكَتكَ الاُمورُ ، وجَرَّسَتكَ (1) الدُّهورُ ، وعَجَمَتكَ (2) البَلايا ، وأحكَمَتكَ التَّجارِبُ ، وأنتَ مُبارَكُ الأَمرِ ، مَيمونُ النَّقيبَةِ (3) ، قَد وَليتَ فخَبَرتَ ،

.


1- .أي حَنَكَتْك وأحْكَمتْك ، وجَعلتْك خبيرا بالاُمور مُجرّبا (النهاية : ج1 ص261) .
2- .أي خَبَرتْك؛ من العَجْم: العَضِّ. يقال: عَجَمْتُ العُودَ؛ إذا عَضَضْتَه لتنظُر أصُلْبٌ هو أم رِخْوٌ (النهاية : ج3 ص188) .
3- .أي مُنَجَّحُ الفِعال ، مُظَفَّر المَطالِب . والنَّقيبة : النَّفْس . وقيل : الطَّبيعة والخَليقة (النهاية : ج5 ص102) .

ص: 87

وَاختَبَرتَ وخُبِرتَ ، فَلَم تَنكَشِف مِن عَواقِبِ قَضاءِ اللّهِ إلّا عَن خِيارٍ ، فَاحضَر هذَا الأَمرَ بِرَأيِكَ ولا تَغِب عَنهُ ! ثُمَّ جَلَسَ . فَقالَ عُمَرُ : تَكَلَّموا . فَقامَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَإِنّي أرى أن تُشخِصَ أهلَ الشّامِ مِن شامِهِم ، وأهلَ اليَمَنِ مِن يَمَنِهِم ، وتَسيرَ أنتَ في أهلِ هذَينِ الحَرَمَينِ وأهلِ المِصرَينِ الكوفَةَ والبَصرَةَ ، فَتَلقى جَمعَ المُشرِكينَ بِجَمعِ المُؤمِنينَ ، فَإِنَّكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ لا تَستَبقي مِن نَفسِكَ بَعدَ العَرَبِ بِاقِيَةً ، ولا تَمَتَّعُ مِنَ الدُّنيا بِعَزِيزٍ ، ولا تَلوذُ مِنها بِحَريزٍ ، فَاحضَرهُ بِرَأيِكَ ولا تَغِب عَنهُ ! ثُمَّ جَلَسَ . فَقالَ عُمَرُ : تَكَلَّموا . فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام : الحَمدُ للّهِِ _ حَتّى تَمَّ التَّحميدُ وَالثَّناءُ عَلَى اللّهِ والصَّلاةُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكَ إن أشخَصتَ أهلَ الشّامِ مِن شامِهِم سارَتِ الرَّومُ إلى ذَراريهِم ، وإن أشخَصتَ أهلَ اليَمَنِ مِن يَمَنِهِم سارَتِ الحَبَشَةُ إلَى ذَراريهِم ، وإن أشخَصتَ مَن بِهذَينِ الحَرَمَينِ انتَقَضَتِ العَرَبُ عَلَيكَ مِن أطرافِها وأكنافِها ، حَتّى يَكونَ ما تَدَعُ وَراءَ ظَهرِكَ مِن عِيالاتِ العَرَبِ أهَمَّ إلَيكَ مِمّا بَينَ يَدَيكَ . وأمّا ذِكرُكَ كَثرَةَ العَجَمِ ورَهبَتُكَ مِن جُموعِهِم ، فَإِنَّا لَم نَكُن نُقاتِل عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالكَثرَةِ ، وإنَّما كُنّا نُقاتِلُ بِالنَّصرِ ! وأمّا ما بَلَغَكَ مِنِ اجتِماعِهِم عَلَى المَسيرِ إلَى المُسلِمينَ ، فَإِنَّ اللّهَ لِمَسيرِهِم أكرَهُ مِنكَ لِذلِكَ ، وهوَ أولى بِتَغييرِ ما يَكرَهُ ! وإنَّ الأَعاجِمَ إذا نَظَروا إلَيكَ قالوا : هذا رَجُلُ العَرَبِ ، فَإِن قَطَعتُموهُ فَقَد قَطَعتُمُ العَرَبَ ، فَكانَ أشَدَّ لِكَلَبِهِم ، وكُنتُ قَد ألَّبتَهُم (1) عَلى نَفسِكَ ، وأمَدَّهُم مَن لَم يَكُن يُمِدُّهُم . ولكِنّي أرى أن تُقِرَّ هؤُلاءِ في أمصارِهِم ، وتَكتُبَ إلى أهلِ البَصرَةِ فَليَتَفَرَّقوا

.


1- .التأليب : التحريض (لسان العرب : ج1 ص216) .

ص: 88

د : تقسيم سواد الكوفة
ه: حلي الكعبة

عَلى ثَلاثِ فِرَقٍ : فَلتَقُم فِرقَةٌ مِنهُم عَلى ذَراريهِم حَرَسا لَهُم ، وَلتَقُم فِرقَةٌ في أهلِ عَهدِهِم لِئَلّا يَنتَقِضوا ، وَلتَسِر فِرقَةٌ مِنهُم إلى إخوانِهِم مَدَدا لَهُم ! فَقالَ عُمَرُ : أجَل ، هذَا الرَّأيُ ! وقَد كُنتُ اُحِبُّ أن اُتابِعَ عَلَيهِ . وجَعَلَ يُكَرِّرُ قَولَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ويُنسِقُهُ (1) ؛ إعجابا بِهِ وَاختِيارا لَهُ (2) .

الفتوح :لَمّا سَمِعَ عُمَرُ مَقالَةَ عَلِيٍّ _ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ _ ومَشورَتَهُ [في حَربِ الفُرسِ ]أقبَلَ عَلَى النّاسِ وقالَ : وَيحَكُم ! عَجَزتُم كُلُّكُم عَن آخِرِكُم أن تَقولوا كَما قالَ أبُو الحَسَنِ ! (3)

د : تَقسيمُ سَوادِ الكوفَةِتاريخ اليعقوبي:شاوَرَ عُمَرُ أصحابَ رَسولِ اللّهِ في سَوادِ الكوفَةِ ، فَقالَ لَهُ بَعضُهُم : تُقَسِّمُها بَينَنا ، فَشاوَرَ عَلِيّا ، فَقالَ : إن قَسَّمتَهَا اليَومَ لَم يَكُن لِمَن يَجيءُ بَعدَنا شَيءٌ ، ولكِن تُقِرُّها في أيديهِم يَعمَلونَها ، فَتَكونُ لَنا ولِمَن بَعدَنا . فَقالَ : وَفَّقَكَ اللّهُ ، هذَا الرَّأيُ ! (4)

ه: حَليُ الكَعبَةِنهج البلاغة :رُوِي أنَّهُ ذُكِرَ عِندَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ في أيّامِهِ حَليُ الكَعبَةِ وكَثرَتُهُ ، فَقالَ قَومٌ : لَو أخَذتَهُ فَجَهَّزتَ بِهِ جُيوشَ المُسلِمينَ كانَ أعظَمَ لِلأَجرِ ، وما تَصنَعُ الكَعبَةُ بِالحَليِ ! فَهَمَّ عُمَرُ بِذلِكَ ، وسَأَلَ عَنهُ أميرَ المَؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ عليه السلام :

.


1- .النَّسَق : ماجاء من الكلام على نظامٍ واحد . وأنْسَقَ الرجلُ : إذا تكلَّم سَجْعا (تاج العروس : ج13 ص457) .
2- .الإرشاد : ج1 ص207 وراجع الكامل في التاريخ : ج2 ص180 وتاريخ الطبري : ج4 ص122 _ 125 والفتوح : ج2 ص289 _ 295 والأخبار الطوال : ص134 .
3- .الفتوح : ج2 ص295 .
4- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص151 وراجع فتوح البلدان : ص371 والأموال : ص64 ح151 و ص 65 ح153 .

ص: 89

و : ما يجوز له صرفه من بيت المال

إنَّ هذَا القُرآنَ اُنزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَالأَموالُ أربَعَةٌ : أموالُ المُسلِمينَ فَقَسَّمَها بَينَ الوَرَثَةِ فِي الفَرائِضِ ، وَالفَيءُ فَقَسَّمَهُ عَلى مُستَحِقِّيهِ ، وَالخُمُسُ فَوَضَعَهُ اللّهُ حَيثُ وَضَعَهُ ، وَالصَّدَقاتُ فَجَعَلَهَا اللّهُ حَيثُ جَعَلَها . وكانَ حَليُ الكَعبَةِ فيها يَومَئِذٍ ، فَتَرَكَهُ اللّهُ عَلى حالِهِ ؛ ولَم يَترُكهُ نِسيانا ، ولَم يَخفَ عَلَيهِ مَكانا ، فَأَقِرَّهُ حَيثُ أقَرَّهُ اللّهُ ورَسولُهُ . فَقالَ لَهُ عُمَرُ : لَولاكَ لَافتَضَحنا ! وتَرَكَ الحَليَ بِحالِهِ (1) .

و : ما يَجوزُ لَهُ صَرفُهُ مِن بَيتِ المَالِتاريخ الطبري عن ابن عمر :جَمَعَ النّاسَ عُمَرُ بِالمَدينَةِ حينَ انتَهى إلَيهِ فَتحُ القادِسِيَّةِ ودِمَشقَ ، فَقالَ : إنّي كُنتُ امرَأً تاجِرا ، يُغنِي اللّهُ عِيالي بِتجِارَتي ، وقَد شَغَلتُموني بِأَمرِكُم ، فَماذا تَرونَ أنَّهُ يَحِلُّ لي مِن هذَا المالِ ؟ فَأَكثَرَ القَومُ وعَلِيٌّ عليه السلام ساكِتٌ ، فَقالَ : ما تَقولُ يا عَلِيُّ ؟ فَقالَ : ما أصلَحَكَ وأصلَحَ عِيالَكَ بِالمَعروفِ ؛ لَيسَ لَكَ مِن هذَا المالِ غَيرُهُ . فَقالَ القوَمُ : القَولُ قَولُ ابنِ أبي طالِبٍ (2) .

راجع : ج 4 ص 658 (عمر بن الخطّاب) . و ج 6 ص 329 (نماذج من قضاياه بعد النبيّ) .

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 270 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص368 ؛ ربيع الأبرار : ج4 ص26 .
2- .تاريخ الطبري : ج3 ص616 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص135 ، شرح نهج البلاغة : ج12 ص220 .

ص: 90

. .

ص: 91

الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان

3 / 1 وصيّة عمر بخصوص الخلافة

الفصل الثالث : مبادئ خلافة عثمان3 / 1وَصِيَّةُ عُمَرَ بِخُصوصِ الخِلافَةِالطبقات الكبرى عن المِسوَرِ بن مَخرَمَةِ :كانَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وهُوَ صَحيحٌ يُسأَلُ أن يَستَخلِفَ فَيَأبى ، فَصَعِدَ يَوما المِنبَرَ فَتَكَلَّمَ بِكَلِماتٍ وقالَ : إن مُتُّ فَأَمرُكُم إلى هؤُلاءِ السِّتَّةِ الَّذينَ فارَقوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ عَنهُم راضٍ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، ونَظيرُهُ الزُّبَيرُ بنُ العَوّامِ ، وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ ، ونَظيرُهُ عُثمانُ بنُ عَفّانَ ، وطَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ، ونَظيرُهُ سَعدُ بنُ مالِكٍ . ألا وإنّي اُوصيكُم بِتَقوَى اللّهِ فِي الحُكمِ ، وَالعَدلِ فِي القَسمِ (1) .

الكامل في التاريخ عن عمر بن الخطّاب_ قَبلَ الوَفاةِ _: قَد كُنتُ أجمَعتُ بَعدَ مَقالَتي لَكُم أن أنظُرَ فَاُوَلِّيَ رَجُلاً أمرَكُم ؛ هو أحراكُم أن يَحمِلَكُم عَلَى الحَقِّ _ وأشارَ إلى عَلِيٍّ _ فَرَهَقَتني غَشيَةٌ ، فَرَأَيتُ رَجُلاً دَخَلَ جَنَّةً ، فَجَعَلَ يَقطِفُ كُلَّ غَضَّةٍ ويانِعَةٍ ، فَيَضُمُّهُ إلَيهِ ويُصَيِّرُهُ تَحتَهُ ، فَعَلِمتُ أنَّ اللّهَ غالِبٌ عَلى أمرِهِ ومُتَوَفٍّ عُمَرَ ، فَما أرَدتُ أن أتَحَمَّلَها حَيّا ومَيِّتا .

.


1- .الطبقات الكبرى : ج3 ص61 ، كنز العمّال : ج5 ص732 ح14249 .

ص: 92

عَلَيكُم هؤُلاءِ الرَّهطَ الَّذينَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّهُم مِن أهلِ الجَنَّةِ . وهُم : عَلِيٌّ ، وعُثمانُ ، وعَبدُ الرَّحمنِ ، وسَعدٌ ، وَالزُّبَيرُ بنُ العَوّامِ ، وطَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ؛ فَليَختاروا مِنهُم رَجُلاً ، فَإِذا وَلَّوا والِيا فَأَحسِنوا مُؤازَرَتَهُ وأعينوهُ . . . . وما أظُنُّ يَلي إلّا أحَدُ هذَينِ الرَّجُلَينِ : عَلِيٌّ أو عُثمانُ . فَإِن وَلِيَ عُثمانُ فَرَجُلٌ فيهِ لينٌ ، وإن وَلِيَ عَلِيٌّ فَفيهِ دُعابَةٌ ، وأحرَى بِهِ أن يَحمِلَهُم عَلى طَريقِ الحَقِّ . . . . وقالَ لِصُهَيبٍ : صَلِّ بِالنِّاسِ ثَلاثَةَ أيّامٍ ، وأدخِل هؤلاءِ الرَّهطَ بَيتا ، وقُم عَلى رُؤوسِهِم ؛ فَإِنِ اجتَمَعَ خَمسَةٌ وأبى واحِدٌ فَاشدَخ رَأسَهُ بِالسَّيفِ ، وإنِ اتَّفَقَ أربَعَةٌ وأبَى اثنانِ فَاضرِب رَأسَيهِما ، وإن رَضِيَ ثَلاثَةٌ رَجُلاً وثَلاثَةٌ رَجُلاً فَحَكِّموا عَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ ، فَإِن لَم يَرضَوا بِحُكمِ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ فَكونوا مَعَ الَّذينَ فيهِم عَبدُ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ ، وَاقتُلُوا الباقينَ إن رَغِبوا عَمَّا اجتَمَعَ فيهِ النّاسُ (1) .

تاريخ اليعقوبي :صَيَّرَ [عُمَرُ ]الأَمرَ شورى بَينَ سِتَّةِ نَفَرٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وعُثمانُ بنُ عَفّانٍ ، وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ ، وَالزُّبَيرُ بنُ العَوّامِ ، وطَلحَةُ بنُ عَبدِ اللّهِ (2) ، وسَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ . وقالَ : أخرَجتُ سَعيدَ بنَ زَيدٍ لِقَرابَتِهِ مِنّي . فَقيلَ لَهُ في ابنِهِ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ ، قالَ : حَسبُ آلِ الخَطّابِ ما تَحَمَّلوا مِنها ! إنَّ عَبدَ اللّهِ لَم يُحسِن يُطَلِّقُ امرَأتَهُ ! وأمَرَ صُهَيبا أن يُصَلِّيَ بِالنّاسِ حَتّى يَتَراضَوا مِنَ السِّتَّةِ بِواحِدٍ ، واستَعمَلَ أبا طَلحَةَ زَيدَ بنَ سَهلٍ الأَنصارِيَّ ، وقالَ : إن رَضِيَ أربَعَةٌ وخالَفَ اثنانِ ، فَاضرِب عُنُق

.


1- .الكامل في التاريخ : ج2 ص220 ، تاريخ الطبري : ج4 ص228 ، تاريخ المدينة : ج3 ص924 وفيه من «وما أظنّ يلي . . .» ، العقد الفريد : ج3 ص284 كلّها نحوه .
2- .كذا في المصدر ، والصحيح : «عبيد اللّه » .

ص: 93

3 / 2 رأي عمر فيمن رشّحهم للخلافة

الِاثنَينِ ، وإن رَضِيَ ثَلاثَةٌ وخَالَفَ ثَلاثَةٌ ، فَاضرِب أعناقَ الثَّلاثَةِ الَّذينَ لَيسَ فيهِم عَبدُ الرَّحمنِ ، وإن جازَتِ الثَّلاثَةُ الأَيّامِ ولَم يَتَراضَوا بِأَحَدٍ ، فَاضرِب أعناقَهُم جَميعا (1) .

صحيح البخاري عن عمرو بن ميمون :قالوا [لِعُمَرَ بَعدَ إصابَتِهِ] : أوصِ يا أميرَ المُؤمِنينَ استَخلِف . قالَ : ما أجِدُ أحَدا أحَقَّ بِهذَا الأَمرِ مِن هؤُلاءِ النَّفَرِ _ أو الرَّهطِ _ الَّذينَ تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ عَنهُم راضٍ ، فَسَمّى عَلِيّا وعُثمانَ وَالزُّبَيرَ وطَلحَةَ وسَعدا وعَبدَ الرَّحمنِ ، وقالَ : يَشهَدُكُم عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ ، ولَيسَ لَهُ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ _ كَهَيئَةِ التَّعزِيَةِ لَهُ _ فَإِن أصابَتِ الإِمرَةُ سَعدا فَهوَ ذاكَ ، وإلّا فَليَستَعِن بِهِ أيُّكُم ما اُمِّرَ ، فَإِنّي لَم أعزِلهُ عَن عَجزٍ ولا خِيانَةٍ (2) .

3 / 2رَأيُ عُمَرَ فيمَن رَشَّحَهُم لِلخِلافَةِتاريخ اليعقوبي :رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ : طَرَقَني عُمَرُ بنُ الخَطّابِ بَعدَ هَدأَةٍ مِنَ اللَّيلِ ، فَقالَ : اُخرُج بِنا نَحرُس نَواحِيَ المَدينَةِ . فَخَرَجَ ، وعَلى عُنُقِهِ دِرَّتُهُ (3) حافِيا حَتّى أتى بَقيعَ الغَرقَدِ (4) ، فَاستَلقى عَلى ظَهرِهِ ، وجَعَلَ يَضرِبُ أخمَصَ (5) قَدَمَيهِ بِيَدِهِ ، وتَأَوَّهَ صَعَدا (6) .

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص160 وراجع شرح نهج البلاغة : ج1 ص187 .
2- .صحيح البخاري : ج3 ص1355 ح3497 ، السنن الكبرى : ج8 ص259 ح16579 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص338 ، كنز العمّال : ج5 ص730 ح14245 .
3- .الدِّرَّة : دِرَّة السلطان الَّتي يُضرب بها ، عربيّة معروفة (تاج العروس : ج6 ص397) .
4- .بَقِيع الغَرْقد : موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها ، كان به شجَر الغَرْقَد ، فذهب وبقي اسمُه (النهاية : ج1 ص146 وج3 ص362) .
5- .الأخْمَص من القَدَم : الموضع الَّذي لا يَلْصَق بالأرض منها عند الوطْ ء (النهاية : ج2 ص80) .
6- .تَأَوَّه : تَوَجَّعَ (المصباح المنير : ص31) . وصَعَدٌ : أي شديدٌ (لسان العرب : ج3 ص252) .

ص: 94

فَقُلتُ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما أخرَجَكَ إلى هذَا الأَمرِ ؟ ! قالَ : أمرُ اللّهِ يَابنَ عَبّاسٍ ! قالَ : [قُلتُ :] (1) إن شِئتَ أخبَرتُكَ بِما في نَفسِكَ . قالَ : غُص غَوّاصُ (2) ، إن كُنتَ لَتَقول فَتُحسِنُ ! قالَ : [قُلتُ :]ذَكَرتَ هذَا الأَمرَ بِعَينِهِ وإلى مَن تُصَيِّرُهُ . قالَ : صَدَقتَ ! قالَ : فَقُلتُ لَهُ : أينَ أنتَ عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ ؟ فَقالَ :ذاكَ رَجُلٌ مُمسِكٌ ، وهذَا الأَمرُ لا يَصلَحُ إلّا لِمُعطٍ في غَيرِ سَرَفٍ ، ومانِعٍ في غَيرِ إقتارٍ . قالَ : فَقُلتُ : سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ؟ قالَ : مُؤمِنٌ ضَعيفٌ . قالَ : فَقُلتُ : طَلحَةُ بنُ عَبدِ اللّهِ (3) ؟ قالَ : ذاكَ رَجُلٌ يُناوِلُ لِلشَّرَفِ وَالمَديحِ ، يُعطي مالَهُ حَتّى يَصِلَ إلى مالِ غَيرِهِ ، وفيهِ بَأوٌ (4) وكِبرٌ . قالَ : فَقُلتُ : فَالزُّبَيرُ بنُ العَوّامِ ؛ فَهُوَ فارِسُ الإِسلامِ ؟ قالَ : ذاكَ يَومٌ إنسانٌ ويَومٌ شَيطانٌ ، وعِفَّةُ نَفسٍ ، إن كانَ لَيُكادِحُ عَلى المِكيَلةِ مِن بُكرَةٍ إلَى الظُّهرِ حَتّى يَفوتَهُ الصَّلاةُ !

.


1- .ما بين المعقوفين في هذا المورد والَّذي يليه إضافة يقتضيها السياق .
2- .أي يا غَوّاصُ ، وهو مجاز (اُنظر تاج العروس : ج9 ص319) .
3- .كذا في المصدر ، والصحيح : «عبيد اللّه » .
4- .البَأْو : الكِبْر والتعظيم (النهاية : ج1 ص91) .

ص: 95

قالَ : فَقُلتُ : عُثمانُ بنُ عَفّانَ ؟ قالَ : إن وَلِيَ حَمَلَ ابنَ أبي مُعَيطٍ وبَني اُمَيَّةَ عَلى رِقابِ النّاسِ ، وأعطاهُم مالَ اللّهِ ، ولَئِن وَلِيَ لَيَفعَلَنَّ وَاللّهِ ، وَلَئِن فَعَلَ لَتَسيرَنَّ العَرَبُ إلَيهِ حَتّى تَقتُلَهُ في بَيتِهِ ! ثُمَّ سَكَت . قالَ : فَقالَ : اِمضِها ، يَابنَ عَبّاسٍ ، أ تَرى صاحِبَكُم لَها مَوضِعا ؟ قالَ : فَقُلتُ : وأينَ يَتَبَعَّدُ مِن ذلِكَ مَعَ فَضلِهِ وسابِقَتِهِ وقَرابَتِهِ وعِلمِهِ ! قالَ : هُوَ وَاللّهِ كَما ذَكَرتَ ، ولَو وَلِيَهُم تَحَمَّلَهُم عَلى مَنهَجِ الطَّريقِ ؛ فَأَخَذَ المَحَجَّةَ الواضِحَةَ ! إلّا أنَّ فيهِ خِصالاً : الدُّعابَةُ فِي المَجلِسِ ، وَاستِبدادُ الرَّأي ، والتَّبكيتُ (1) لِلنّاسِ مَعَ حَداثَةِ السِّنِّ . قالَ : قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هَلَا استَحدَثتُم سِنَّهُ يَومَ الخَندَقِ إذ خَرَجَ عَمرُو بنُ عَبدِ وُدٍّ ، وقَد كُعِمَ (2) عَنهُ الأَبطالُ وتَأَخَّرَت عَنهُ الأَشياخُ ! ويَومَ بَدرٍ إذ كانَ يَقُطُّ (3) الأَقرانَ قَطّا ، ولا سَبَقتُموهُ بِالإِسلامِ إذ كانَ جَعَلَتهُ السّعبُ (4) وقُرَيشٌ يَستَوفيكُم ! فَقالَ : إلَيكَ يَابنَ عَبّاسٍ ! أ تُريدُ أن تَفعَلَ بي كَما فَعَلَ أبوكَ وعَلِيٌّ بِأَبي بَكرٍ يَومَ دَخَلا عَلَيهِ ؟ ! قالَ : فَكَرِهتُ أن اُغضِبَهُ فَسَكَتُّ . فَقالَ : وَاللّهِ ، يَابنَ عَبّاسٍ ، إنَّ عَلِيّا اِبنَ عَمِّكَ لَأَحَقُّ النّاسِ بِها ! ولكِنَّ قُرَيشا لا تَحتَمِلُهُ . وَلَئِن وَلِيَهُم لَيَأخُذَنَّهُم بِمُرِّ الحَقِّ لا يَجِدونَ عِندَهُ رُخصَةً ؛ وَلَئِن فَعَلَ لَيَنكُثُن

.


1- .التَّبْكِيت : التَّقْرِيع والتَّوبيخ (النهاية : ج1 ص148) .
2- .كَعَمَهُ الخوفُ فلا يَرجع : أي أمسَكَ فاهُ وسَدَّه عن الكلام ، وهو مجاز . وفي الأساس : كَعَمَهُ الخَوفُ فلا يَنْبسُ بكلمة (تاج العروس : ج17 ص623) .
3- .قَطَّهُ : قَطَعَهُ عَرْضا نصفَين (النهاية : ج4 ص81) .
4- .كذا في المصدر ، ويحتمل وجود سقط أو تصحيف .

ص: 96

بَيعَتَهُ ثُمَّ ليَتَحارَبُنَّ ! (1)

شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس :كُنتُ عِندَ عُمَرَ ، فَتَنَفَّسَ نَفَسا ظَنَنتُ أنَّ أضلاعَهُ قَدِ انفَرَجَت ، فَقُلتُ : ما أخرَجَ هذَا النَّفَسَ مِنكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ إلّا هَمٌّ شَديدٌ ! قالَ : إي وَاللّهِ يَابنَ عَبّاسٍ ! إنّي فَكَّرتُ فَلَم أدرِ فيمَن أجعَلُ هذَا الأَمرَ بَعدي . ثُمَّ قالَ : لَعَلَّكَ تَرى صاحِبَكَ لَها أهلاً ! قُلتُ : وما يَمنَعُهُ مِن ذلِكَ مَعَ جِهادِهِ وسابِقَتِهِ وقَرابَتِهِ وعِلمِهِ ! قالَ : صَدَقتَ ! ولكِنَّهُ امرُؤُ فيهِ دُعابَةٌ . قُلتُ : فَأَينَ أنتَ عَن طَلحَةَ ؟ قالَ : ذُو البَأوِ ، وبِإِصبَعِهِ المَقطوعَةِ ! قُلتُ : فَعَبدُ الرَّحمنِ ؟ قالَ : رَجُلٌ ضَعيفٌ ؛ لَو صارَ الأَمرُ إلَيهِ لَوَضَعَ خاتَمَهُ في يَدِ امرَأَتِهِ ! قُلتُ : فَالزُّبَيرُ ؟ قالَ : شَكِسٌ لَقِسٌ (2) يُلاطِمُ فِي النَّقيع في صاع مِن بُرٍّ ! قُلتُ : فَسَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ؟ قالَ : صاحِبُ سِلاحٍ ومِقنَبٍ (3) .

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص158 وراجع تاريخ المدينة : ج3 ص882 والفتوح : ج2 ص325 والاستيعاب : ج3 ص215 .
2- .الشَّكِس: السيّئ الخُلق . وقيل: هو السيّئُ الخُلق في المبايعة وغيرها . واللَّقِس: الشَّرِهُ النفْس الحريصُ على كلّ شيء ، والسيّئُ الخُلق (لسان العرب : ج6 ص112 و ص 208) .
3- .المِقْنَب : جماعة الخيل والفُرسان . يريد أنّه صاحب حربٍ وجيوش ، وليس بصاحب هذا الأمر (النهاية : ج4 ص111) .

ص: 97

قُلتُ : فَعُثمانُ ؟ قالَ : أوِّه ! _ ثَلاثا _ وَاللّهِ ، لَئِن وَلِيَها لَيَحمِلَنَّ بَني أبي مُعَيطٍ عَلى رِقابِ النّاسِ ، ثُمَّ لَتَنهَضُ العَرَبُ إلَيهِ ! . . . . ثُمَّ أقبَلَ عَلَيَّ بَعدَ أن سَكَتَ هُنَيهَةً ، وقالَ : أجرَؤُهُم وَاللّهِ ، إن وَلِيَها ، أن يَحمِلَهُم عَلى كِتابِ رَبِّهِم وسُنَّةِ نَبِيِّهِم صلى الله عليه و آله لَصاحِبُكَ ! أما إن وَلِيَ أمرَهُم حَمَلَهُم عَلَى المَحَجَّةِ البَيضاءِ وَالصِّراطِ المُستَقيمِ ! (1)

المصنّف عن عبد الرحمن القاري :إنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ورَجُلاً مِنَ الأَنصارِ كانا جالِسَينِ . . . ثُمَّ قالَ عُمَرُ لِلأَنصارِيِّ : مَن تَرَى النّاسَ يَقولونَ يَكونُ الخَليفَةَ بَعدي ؟ فَعَدَّدَ رِجالاً مِنَ المُهاجِرينَ ، ولَم يُسَمِّ عَلِيّا . فَقالَ عُمَرُ : فَما لَهُم مِن أبِي الحَسَنِ ! فَوَاللّهِ إنَّهُ لَأحراهُم ، إن كان عَلَيهِم ، أن يُقيمَهُم عَلى طَريقَةٍ مِنَ الحَقِّ ! (2)

الإمامة والسياسة عن عمر بن الخطّاب_ في قَضِيَّةِ الشّورى _: وَاللّهِ ، ما يَمنَعُني أن أستَخلِفَكَ يا سَعدُ إلّا شِدَّتُكَ وغِلظَتُكَ ، مَعَ أنَّكَ رَجُلُ حَربٍ ! وما يَمنَعُني مِنكَ يا عَبدَ الرَّحمنِ إلّا أنَّكَ فِرعَونُ هذِهِ الاُمَّةِ ! وما يَمنَعُني مِنكَ يا زُبَيرُ إلّا أنَّكَ مُؤمِنُ الرِّضى ، كافِرُ الغَضَبِ ! وما يَمنَعُني مِن طَلحَةَ إلّا نَخوَتُهُ (3) وكِبرُهُ ، ولَو وَلِيَها وَضَعَ خاتَمَهُ في إصبَعِ امرَأَتِهِ ! وما يَمنَعُني مِنكَ يا عُثمانُ إلّا عَصَبِيَّتُكَ وحُبُّكَ قَومَك وأهلَكَ ! وما يَمنَعُني مِنكَ يا عَلِيُّ إلّا حِرصُكَ عَلَيها ! وإنَّكَ أحرَى القَومِ ، إن وُلّيتَها ، أن

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج12 ص51 و ج 6 ص326 .
2- .المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص446 ح9761 ، الأدب المفرد : ص176 ح582 وراجع أنساب الأشراف : ج3 ص14 والعقد الفريد : ج3 ص284 وتاريخ الطبري : ج4 ص228 والكامل في التاريخ : ج2 ص220 .
3- .النَّخْوة : الكِبْر والعُجْب ، والأنَفَة والحَمِيَّة (النهاية : ج5 ص34) .

ص: 98

3 / 3 ما جرى في الشّورى

تُقيمَ عَلَى الحَقِّ المُبينِ ، وَالصِّراطِ المُستَقيمِ (1) .

الطبقات الكبرى عن عمرو بن ميمون :شَهِدتُ عُمَرَ يَومَ طُعِنَ . . . ثُمَّ قالَ : اُدعوا لي عَلِيّا ، وعُثمانَ ، وطَلحَةَ ، وَالزُّبَيرَ ، وعَبدَ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ ، وسَعدا ؛ فَلَم يُكَلِّم أحَدا مِنهُم غَير عَلِيٍّ وعُثمانَ . فَقالَ : يا عَلِيُّ ، لَعَلَّ هؤُلاءِ القَومَ يَعرِفونَ لَكَ قَرابَتَكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وصِهرَكَ ، وما آتاكَ اللّهُ مِنَ الفِقهِ وَالعِلمِ ، فَإِن وَليتَ هذَا الأَمرَ فَاتَّقِ اللّهَ فيهِ ! ثُمَّ دَعا عُثمانَ فَقالَ : يا عُثمانُ ، لَعَلَّ هؤُلاءِ القَومَ يَعرِفونَ لَكَ صِهرَكَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسِنَّكَ وشَرَفَكَ ، فَإِن وَليتَ هذَا الأَمرَ فَاتَّقِ اللّهَ ، ولا تَحمِلَنَّ بَني أبي مُعَيطٍ عَلى رِقابِ النّاسِ ! ثُمَّ قالَ : اُدعوا لي صُهَيبا ، فَدُعِيَ ، فَقالَ : صَلِّ بِالنّاسِ ثَلاثا ، وَليَخلُ هؤُلاءِ القَومُ في بَيتٍ ، فَإِذَا اجتَمَعوا عَلى رَجُلٍ ، فَمَن خالَفَهُم فَاضرِبوا رَأسَهُ . فَلَمّا خَرَجوا مِن عِندِ عُمَرَ ، قالَ عُمَرُ : لو وَلَّوها الأَجلَحَ (2) سَلَكَ بِهِمُ الطَّريقَ ! فَقالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ : فَما يَمنَعُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : أكرَهُ أن أتَحَمَّلَها حَيّا ومَيِّتا (3) .

3 / 3ما جَرى فِي الشّورىصحيح البخاري عن عمرو بن ميمون :لَمّا فُرِغَ مِن دَفنِهِ [أي عُمَرَ ]اجتَمَعَ هؤُلاءِ الرَّهطُ ، فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : اِجعَلوا أمرَكُم إلى ثَلاثَةٍ مِنكُم .

.


1- .الإمامة والسياسة : ج1 ص43 وراجع الإيضاح : ص500 .
2- .هو الَّذي انحَسَر الشَّعَر عن جانبَيْ رأسه (النهاية : ج1 ص284) .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص340 ، تاريخ دمشق : ج42 ص427 ، أنساب الأشراف : ج6 ص120 وراجع الإمامة والسياسة : ج1 ص43 والكامل في التاريخ : ج2 ص442 .

ص: 99

فَقالَ الزُّبَيرُ : قَد جَعَلتُ أمري إلى عَلِيٍّ ، فَقالَ طَلحَةُ : قَد جَعَلتُ أمري إلى عُثمانَ ، وقالَ سَعدٌ : قَد جَعَلتُ أمري إلى عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : أيُّكُما تَبَرَّأَ مِن هذَا الأَمرِ فَنَجعَلُهُ إلَيهِ وَاللّهُ عَلَيهِ وَالإِسلامُ لِيَنظُرَنَّ أفضَلَهُم في نَفسِهِ ؟ فَاُسكِتَ الشَّيخانُ . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : أفَتَجعَلونَهُ إلَيَّ وَاللّهُ عَلَيَّ ألّا آلُوَ عَن أفضَلِكُم ؟ قالا : نَعَم . فَأَخَذَ بِيَدِ أحَدِهِما فَقالَ : لَكَ قَرابَةٌ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالقِدَمُ فِي الإِسلامِ ما قَد عَلِمتَ ، فَاللّهُ عَلَيكَ لَئِن أمَّرتُكَ لَتَعدِلَنَّ ، ولَئِن أمَّرتُ عُثمانَ لَتَسمَعَنَّ وَلَتُطيعَنَّ . ثُمَّ خَلا بِالآخَرِ فَقالَ لَهُ مِثلَ ذلِكَ . فَلَمّا أخَذَ الميثاقَ قالَ : اِرفَع يَدَكَ يا عُثمانُ ، فَبايَعَهُ ، فَبايَعَ لَهُ عَلِيٌّ ، ووَلِجَ أهلُ الدّارِ فَبايَعوهُ (1) .

تاريخ الطبري :خَرَجَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ وعَلَيهِ عِمامَتُهُ الَّتي عَمَّمَهُ بِها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، مُتَقَلِّدا سَيفَهُ ، حَتّى رَكِبَ المِنبَرَ ، فَوَقَفَ وُقوفا طَويلاً ، ثُمَّ دَعا بِما لَم يَسمَعهُ النّاسُ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي قَد سَأَلتُكُم سِرّا وجَهرا عَن إمامِكُم فَلَم أجِدكُم تَعدِلونَ بِأَحَدِ هذَينِ الرَّجُلَينِ : إمّا عَلِيٌّ وإمّا عُثمانُ ، فَقُم إلَيَّ يا عَلِيُّ ! فَقامَ إلَيهِ عَلِيٌّ فَوَقَفَ تَحتَ المِنبَرِ ، فَأَخَذَ عَبدُ الرَّحمنِ بِيَدِهِ فَقالَ : هَل أنتَ مُبايِعي عَلى كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ وفِعلِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ؟ قالَ : اللّهُمَّ لا ، ولكِن عَلى جَهدي مِن ذلِكَ وطاقَتي . فَأَرسَلَ يَدَهُ . ثُمَّ نادى فَقالَ : قُم إلَيَّ يا عُثمانُ ! فَأَخَذَ بِيَدِهِ _ وهُوَ في مَوقِفِ عَلِيٍّ الَّذي كانَ فيهِ _ فَقالَ : هَل أنتَ مُبايِعي عَلى كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ وفِعلِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ؟ قالَ : اللّهُمَّ نَعَم .

.


1- .صحيح البخاري : ج3 ص1356 ح3497 ، تاريخ الخلفاء : ص158 .

ص: 100

فَرَفَعَ رَأسَهُ إلى سَقفِ المَسجِدِ ويَدُهُ في يَدِ عُثمانَ ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ اسمَع وَاشهَد ! اللّهُمَّ إنّي قد جَعَلتُ ما في رَقَبَتي مِن ذاكَ في رَقَبَةِ عُثمانَ . وَازدَحَم النّاسُ يُبايِعونَ عُثمانَ حَتّى غَشوهُ عِندَ المِنبَرِ ، فَقَعَدَ عَبدُ الرَّحمنِ مَقعَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِنَ المِنبَرِ ، وأقعَدَ عُثمانَ عَلَى الدَّرَجَةِ الثّانِيَةِ ، فَجَعَلَ النّاسُ يُبايِعونَهُ ، وتَلَكَّأَ عَلِيٌّ ، فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : «فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفَى بِمَا عَ_هَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (1) . فَرَجَعَ عَلِيٌّ يَشُقُّ النّاسَ حَتّى بايَعَ وهُوَ يَقولُ : خُدعَةٌ وأيُّما خُدعَةٍ ! ! (2)

الكامل في التاريخ :لَمّا دُفِنَ عُمَرُ ، جَمَعَ المِقدادُ أهلَ الشّورى . . . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : أيّكُمُ يُخرِجُ مِنها نَفسَهُ ويَتَقَلَّدُها عَلى أن يُوَلِّيَها أفضَلَكُم ؟ فَلَم يُجِبهُ أحَدٌ . فَقالَ : فَأَنا أنخَلِعُ مِنها ، فَقالَ عُثمانُ : أنَا أوَّلُ مَن رَضِيَ ، فَقالَ القَومُ : قَد رَضينا ، وعَلِيٌّ ساكِتٌ . فَقالَ : ما تَقولُ يا أبَا الحَسَنِ ؟ قالَ : أعطِني مَوثِقا لَتُؤثِرَنَّ الحَقَّ ، ولا تَتَّبِعُ الهَوى ، ولا تَخُصُّ ذا رَحِمٍ ، ولا تَألُو الاُمَّةَ نُصحا . فَقالَ : أعطوني مَواثيقَكُم عَلى أن تَكونوا مَعي عَلى مَن بَدَّلَ وغَيَّرَ ، وأن تَرضَوا مَنِ اختَرتُ لَكُم ؛ وعَلَيَّ ميثاقُ اللّهِ ألّا أخُصَّ ذا رَحِمٍ لِرَحِمِهِ ، ولا آلُوَ المُسلِمينَ . فَأَخَذَ مِنهُم ميثاقا ، وأعطاهُم مِثلَهُ . . . . ودارَ عَبدُ الرَّحمنِ لَيالِيَهُ يَلقى أصحابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ومَن وافَى المَدينَةَ مِن اُمَراءِ الأَجنادِ وأشرافِ النّاسِ يُشاوِرُهُم ، حَتّى إذا كانَ اللَّيلَةُ الَّتي صَبيحَتُها تَستَكمِل

.


1- .الفتح : 10 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص238 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص305 ، البداية والنهاية : ج7 ص146 .

ص: 101

الأَجَلَ أتى مَنزِلَ المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ فَأَيقَظَهُ ، وقالَ لَهُ : لَم أذُق في هذِهِ اللَّيلَةِ كَبيرَ غُمضٍ (1) ! اِنطَلِق فَادعُ الزُّبَيرَ وسَعدا . فَدَعاهُما ، فَبَدَأَ بِالزُّبَيرِ فَقالَ لَهُ : خَلِّ بَني عَبدِ مَنافٍ وهذَا الأَمرَ . قالَ : نَصيبي لِعَلِيٍّ . وقالَ لِسَعدٍ : اِجعَل نَصيبَكَ لي . فَقالَ : إنِ اختَرتَ نَفسَكَ فَنَعَم ، وإنِ اختَرتَ عُثمانَ فَعَلِيٌّ أحَبُّ إلَيَّ . . . . فَلَمّا صَلّوُا الصُّبحَ جَمَعَ الرَّهطَ ، وبَعَثَ إلى مَن حَضَرَهُ مِن المُهاجِرينَ وأهلِ السّابِقَةِ وَالفَضلِ مِنَ الأَنصارِ وإلى اُمَراءِ الأَجنادِ ، فَاجتَمَعوا حَتَّى التَجَّ (2) المَسجِدُ بِأَهلِهِ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ النّاسَ قَد أجمَعوا أن يَرجِعَ أهلُ الأَمصارِ إلى أمصارِهِم ، فَأَشيروا عَلَيَّ . فَقالَ عَمّارٌ : إن أرَدتَ ألّا يَختَلِفَ المُسلِمونَ فَبايِع عَلِيّا . فَقالَ المِقدادُ بنُ الأَسوَدِ : صَدَقَ عمّارٌ ! إن بايَعتَ عَلِيّا قُلنا : سَمِعنا وأطَعنا . قالَ ابنُ أبي سَرحٍ : إن أرَدتَ ألّا تَختَلِفَ قُرَيشٌ فَبايعِ عُثمانَ . فَقالَ عَبدُ اللّهِ بِنُ أبي رَبيعَةَ : صَدَقَ ! (3) إن بايَعتَ عُثمانَ قُلنا : سَمِعنا وأطَعنا . فَشَتَمَ (4) عَمّارٌ ابنَ أبي سَرحٍ وقالَ : مَتى كُنتَ تَنصَحُ المُسلِمينَ ! ! فَتَكَلَّمَ بَنو هاشِمٍ وبنو اُمَيَّةَ ، فَقالَ عَمّارٌ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ أكرَمَنا بِنَبِيِّهِ وأعَزَّنا بِدينِهِ ، فَأَنّى تَصرِفونَ هذَا الأَمرَ عَن أهلِ بَيتِ نَبِيِّكُم ؟ ! فَقالَ رَجُلٌ مِن بَني مَخزومٍ : لَقَد عَدَوتَ طَورَكَ يَابنَ سُمَيَّةَ ! وما أنتَ وتَأميرُ قُرَيشٍ لأَنفُسِها ! ! فَقالَ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ : يا عَبدَ الرَّحمنِ ، افرُغ قَبلَ أن يَفتَتِنَ النّاسُ .

.


1- .ما ذُقْتُ غُمْضا : أي ما ذُقْتُ نَوما (لسان العرب : ج7 ص199) .
2- .التجّ الظلام : اختلط (المحيط في اللغة : ج6 ص408) .
3- .في المصدر : «صدقت» ، وما أثبتناه من تاريخ الطبري ؛ وهو المناسب للسياق .
4- .في المصدر: «فتبسَّم» ، وما أثبتناه من تاريخ الطبري .

ص: 102

فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : إنّي قَد نَظَرتُ وشاوَرتُ ، فَلا تَجعَلُنَّ _ أيُّهَا الرَّهطُ _ عَلى أنفُسِكُم سَبيلاً . ودَعا عَلِيّا وقالَ : عَلَيكَ عَهدُ اللّهِ وميثاقُهُ لَتَعمَلَنَّ بِكِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ وسيرَةِ الخَليفَتَينِ مِن بَعدِهِ . قالَ : أرجو أن أفعَلَ ؛ فَأَعمَلَ بِمَبلَغِ عِلمي وطاقَتي . ودَعا عُثمانَ فَقالَ لَهُ مِثل ما قالَ لَعلِيٍّ ، فَقالَ : نَعَم نَعمَلُ . فَرَفَعَ رَأسَهُ إلى سَقفِ المَسجِدِ ويَدُهُ في يَدِ عُثمانَ فَقالَ : اللّهُمَّ اسمَع واشهَد ! اللّهُمَّ إنّي قَد جَعَلتُ ما في رَقَبَتي مِن ذلِكَ في رَقَبَةِ عُثمانَ . فَبايَعَهُ . فَقالَ عَلِيٌّ : لَيسَ هذَا أوَّلَ يَومٍ تَظاهَرتُم فيهِ عَلَينا ! «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ» (1) ، وَاللّهِ ما وَلَّيتَ عُثمانَ إلّا لِيَرُدَّ الأَمرَ إلَيكَ ! ! وَاللّهُ كُلَّ يَومٍ في شَأنٍ . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : يا عَلِيُّ ، لا تَجعَل عَلى نَفسِكَ حُجَّةً وسَبيلاً . فَخَرَجَ عَلِيٌّ وهُوَ يَقولُ : سَيَبلُغُ الكِتابُ أجَلَهُ ! فَقالَ المِقدادُ : يا عَبدَ الرَّحمنِ ، أما وَاللّهِ لَقَد تَرَكتَهُ وإنَّهُ مِنَ الَّذينَ يَقضونَ بِالحَقِّ وبِهِ يَعدِلونَ ! فَقالَ : يا مِقدادُ ، وَاللّهِ لَقَدِ اجتَهَدتُ لِلمُسلِمينَ . قالَ : إن كُنتَ أرَدتَ اللّهَ فَأَثابَكَ اللّهُ ثَوابَ المُحسِنينَ . فَقالَ المِقدادُ : ما رَأيتُ مِثلَ ما أتى إلى أهلِ هذَا البَيتِ بَعدَ نَبِيِّهِم ! إنّي لَأَعجَبُ مِن قُرَيشٍ أنَّهُم تَرَكوا رَجُلاً ما أقولُ ولا أعلَمُ أنَّ رَجُلاً أقضى بِالعَدلِ ولا أعلَمُ مِنهُ ! ! أما وَاللّهِ لَو أجِدُ أعوانا عَلَيهِ ! فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : يا مِقدادُ ، اتَّقِ اللّهَ ! فَإِنّي خائِفٌ عَلَيكَ الفِتنَةَ .

.


1- .يوسف : 18 .

ص: 103

فَقالَ رَجُلٌ لِلمِقدادِ : رَحِمَكَ اللّهُ ! مَن أهلُ هذَا البَيتِ ؟ ومَن هذَا الرَّجُلُ ؟ قالَ : أهلُ البَيتِ بَنو عَبدِ المُطَّلِبِ ، وَالرَّجُلُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَقالَ عَلِيٌّ : إنَّ النّاسَ يَنظُرونَ إلى قُرَيشٍ ، وقُرَيشٌ تَنظُرُ بَينَها فَتَقولُ : إن وَلِيَ عَلَيكُم بَنو هاشِمٍ لم تَخرُج مِنهُم أبَدا ، وما كانَت في غَيرِهِم تَداوَلتُموها بَينَكُم (1) .

تاريخ اليعقوبي :كانَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ الزُّهريُ _ لَمّا تُوُفِّيَ عُمَرُ وَاجتَمَعوا لِلشّورى _ سَأَلَهُم أن يُخرِجَ نَفسَهُ مِنها عَلى أن يَختارَ مِنهُم رَجُلاً ، فَفَعَلوا ذلِكَ ، فَأَقامَ ثَلاثَةَ أيّامٍ ، وخَلا بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقالَ : لَنا اللّهُ عَلَيكَ ، إن وُلّيتَ هذَا الأَمرَ ، أن تَسيرَ فينا بِكتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ وسيرَةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ . فَقالَ : أسيرُ فيكُم بِكِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ مَا استَطَعتُ . فَخَلا بِعُثمانَ فَقالَ لَهُ : لَنا اللّهُ عَلَيكَ ، إن وُلّيتَ هذَا الأَمرَ ، أن تَسيرَ فينا بِكِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ وسيرَةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ . فَقالَ : لَكُم أن أسيرَ فيكُم بِكِتابِ اللّه وسُنَّةِ نَبِيِّهِ وسيرَةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ . ثُمَّ خَلا بِعَلِيٍّ فَقالَ لَهُ مِثلَ مَقالَتِهِ الاُولى ، فَأَجابَهُ مِثلَ الجَوابِ الأَوَّلِ ؛ ثُمَّ خَلا بِعُثمانَ فَقالَ لَهُ مِثلَ المَقالَةِ الاُولى ، فَأَجابَهُ مِثلَ ما كانَ أجابَهُ ، ثُمَّ خَلا بِعَلِيٍّ فَقالَ لَهُ مِثلَ المَقالَةِ الاُولى ، فَقالَ : إنَّ كِتابَ اللّهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ لا يُحتاجُ مَعَهُما إلى إجِّيرى (2) أحَدٍ ! أنتَ مُجتَهِدٌ أن تَزوِيَ هذَا الأَمرَ عَنّي ! !

.


1- .الكامل في التاريخ : ج2 ص221 _ 224 ، تاريخ الطبري : ج4 ص230 _ 233 ، تاريخ المدينة : ج3 ص926 _ 931 ، العقد الفريد : ج3 ص286 _ 288 كلّها نحوه .
2- .الإجِّيرَى : العادَة (تاج العروس : ج6 ص13) والمراد هنا : الطريقة .

ص: 104

فَخَلا بِعُثمانَ فَأَعادَ عَلَيهِ القَولَ ، فَأَجابَهُ بِذلِكَ الجَوابِ ، وصَفِقَ عَلى يَدِهِ (1) .

الأمالي للطوسي عن محمّد بن عمرو بن حزم :إنَّ القَومَ حينَ اجتَمَعوا لِلشّورى فَقالوا فيها ، وناجى عَبدُ الرَّحمنِ رَجُل (2) مِنهُم عَلى حِدَةٍ ، ثُمَّ قالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : عَلَيكَ عَهدُ اللّهِ وميثاقُهُ ، لَئِن وُلّيتَ لَتَعمَلَنَّ بِكتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ وسيرَةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : عَلَيَّ عَهدُ اللّهِ وميثاقُهُ ، لَئِن وُلّيتُ أمرَكُم لَأَعمَلَنَّ بِكِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ لِعُثمانَ كَقَولِهِ لِعَلِيٍّ عليه السلام فَأَجابَهُ : أن نَعَم . فَردَّ عَلَيهِمَا القَولَ ثَلاثا ، كُلُّ ذلِكَ يَقولُ عَلِيٌّ عليه السلام كَقَولِهِ ، ويُجيبُهُ عُثمانُ : أن نَعَم ، فَبايَعَ عُثمانَ عَبدُ الرَّحمنِ عِندَ ذلِكَ (3) .

مسند ابن حنبل عن أبي وائل :قُلتُ لِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ : كَيفَ بايَعتم عُثمانَ وتَرَكتُم عَلِيّا رضى الله عنه ؟ قالَ : ما ذَنبي ؟ قَد بَدَأتُ بِعَلِيٍّ فَقُلتُ : اُبايِعُكَ عَلى كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ ، وسيرَةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ . فَقالَ : فيمَا استَطَعتُ . ثُمَّ عَرَضتُها عَلى عُثمانَ فَقَبِلَها 4 .

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص162 وراجع الأمالي للطوسي : ص557 ح1171 وشرح نهج البلاغة : ج9 ص53 .
2- .كذا في المصدر ، والظاهر أنّ الصحيح : «كلّ رجل منهم» .
3- .الأمالي للطوسي : ص709 ح1512 .

ص: 105

الأمالي للطوسي عن أبي ذرّ :إنَّ عَلِيّا عليه السلام وعُثمانَ وطَلحَةَ وَالزُّبَيرَ وعَبدَ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ وسَعدَ بنَ أبي وَقّاصٍ ، أمَرَهُم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ أن يَدخُلوا بَيتا ويُغلِقوا عَلَيهِم بابَهُ ويَتَشاوَروا في أمرِهِم ، وأجَّلَهُم ثَلاثَةَ أيّامٍ ، فَإِن تَوافَقَ خَمسَةٌ عَلى قَولٍ واحِدٍ وأبى رَجُلٌ مِنهُم ، قُتِلَ ذلِكَ الرَّجُلُ ، وإن تَوافَقَ أربَعَةٌ وأبَى اثنانِ ، قُتِلَ الاِثنانِ ، فَلَمّا تَوافَقوا جَميعا عَلى رَأيٍ واحِدٍ ، قالَ لَهُم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام : إنّي اُحِبُّ أن تَسمَعوا مِنّي ما أقولُ ، فَإِن يَكُن حَقّا فَاقبَلوهُ ، وإن يَكُن باطِلاً فَأَنكِروهُ . قالوا : قُل . . . . فَما زالَ يُناشِدُهُم ، ويُذَكِّرُهُم ما أكرَمَهُ اللّهُ تَعالى ، وأنعَمَ عَلَيهِ بِهِ ، حَتّى قامَ قائِمُ الظَّهيرَةِ ودَنَتِ الصَّلاةُ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَيهِم فَقالَ : أمّا إذا أقرَرتُم عَلى أنفُسِكُم ، وبانَ لَكُم مِن سَبَبِيَ الَّذي ذَكَرتُ ، فَعَلَيكُم بِتَقوَى اللّهِ وَحدَهُ ، وأنهاكُم عَن سَخَطِ اللّهِ ، فَلا تُعرِضوا ولا تُضَيِّعوا أمري ، ورُدُّوا الحَقَّ إلى أهلِهِ ، وَاتَّبِعوا سُنَّةَ نبِيِّكُم صلى الله عليه و آله وسُنَّتي مِن بَعدِهِ ، فَإِنَّكُم إن خالَفتُموني خالَفتُم نَبِيَّكُم صلى الله عليه و آله ، فَقَد سَمِعَ ذلِكَ مِنهُ جَميعُكُم ، وسَلِّموها إلى مَن هُوَ لَها أهلٌ وهِيَ لَهُ أهلٌ ، أما وَاللّهِ ما أنَا بِالرّاغِبِ في دُنياكُم ، ولا قُلتُ ما قُلتُ لَكُمُ افتِخارا ولا تزكِيَةً لِنَفسي ، ولكِن حَدَّثتُ بِنعمَةِ رَبّي ، وأخَذتُ عَلَيكُم بِالحُجَّةِ . ثُمَّ نَهضَ إلَى الصَّلاةِ . فَتَآمَرَ القَومُ فَيما بَينَهُم وتَشاوَروا ، فَقالوا : قَد فَضَّلَ اللّهُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ بِما ذَكَرَ لَكُم ، ولكِنَّهُ رَجُلٌ لا يُفَضِّلُ أحَدا عَلى أحَدٍ ، ويَجعَلُكُم ومَوالِيَكُم سَواءً ، وإن وَلَّيتُموهُ إيّاها ساوى بَينَ أسوَدِكُم وأبيَضِكُم ، ولَو وَضَعَ السَّيفَ عَلى أعناقِكُم ، لكِنَ وَلّوها عُثمانَ ، فَهُوَ أقدَمُكُم مَيلاً ، وأليَنُكُم عَريكَةً (1) ، وأجدَرُ أن يَتبَع

.


1- .فلانٌ ليّن العَريكة : أي ليس ذا إباء ، فهو سَلِسٌ (العين : ص 535) .

ص: 106

مَسَرَّتَكُم ، وَاللّهُ غَفورٌ رَحيمٌ (1) .

تاريخ دمشق عن المنهال بن عمرو وعباد بن عبد اللّه الأسدي وعمرو بن واثِلَة :قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ يَومَ الشّورى : وَاللّهِ لَأَحتَجَّنَّ عَلَيهِم بِما لا يَستَطيعُ قُرَشِيُّهُم ولا عَرَبِيُّهُم ولا عَجَمِيُّهُم رَدَّهُ ، ولا يَقولُ خِلافَهُ . ثُمَّ قالَ لِعُثمانَ بنِ عَفّانَ ولِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ وَالزُّبَيرِ ولِطَلحَةَ وسَعدٍ ، وهُم أصحابُ الشّورى وكُلُّهُم مِن قُرَيشٍ ، وقَد كانَ قَدِمَ طَلحَةُ : أنشُدُكُم بِاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، أفيكُم أحَدٌ وَحَّدَ اللّهَ قَبلي ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قال : أنشُدُكُم بِاللّهِ ، هَل فيكُم أحَدٌ صَلّى للّهِِ قَبلي وصَلَّى القِبلَتَينِ ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قال : أنشُدُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُم أحَدٌ أخو رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله غَيري ؛ إذ آخى بَينَ المُؤمِنينَ ، فَآخى بَيني وبَينَ نَفسِهِ ، وجَعَلَني مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنّي لَستُ بِنَبِيٍّ ؟ قالوا : لا . قالَ : أنشُدُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُم مُطَهَّرٌ غَيري إذ سَدَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبوابَكُم وفَتَحَ بابي ، وكُنتُ مَعَهُ في مَساكِنِهِ ومَسجِدِهِ ، فَقامَ إلَيهِ عَمُّهُ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ غَلَّقت أبوابَنا وفَتَحتَ بابَ عَلِيٍّ ؟ قالَ : «نَعَم ، اللّهُ أمَرَ بِفَتحِ بابِهِ وسَدَّ أبوابِكُم»؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قالَ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أفيكُم أحَدٌ أحَبُّ إلَى اللّهِ وإلى رَسولِهِ مِنّي ؛ إذ دَفَعَ الرّايَةَ إلَى

.


1- .الأمالي للطوسي : ص545 و553 ح1168 ، إرشاد القلوب : ص259 و263 .

ص: 107

يَومَ خَيبَرَ ، فَقالَ : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ إلى مَن يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، ويَومَ الطّائِرِ إذ يَقولُ : اللّهُمَّ ائتِني بِأَحَبِّ خَلقِكَ إلَيكَ يَأكل مَعي ، فَجِئتُ ، فَقالَ : اللّهُمَّ وإلى رَسولِكَ ، اللّهمّ وإلى رَسولِكَ ، غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قالَ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أفيكُم أحَدٌ قَدَّمَ بَينَ يَدَي نَجواهُ صَدَقَةً غَيري حَتّى رَفَعَ اللّهُ ذلِكَ الحُكمَ ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قال : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أفيكُم مَن قَتَلَ مُشرِكي قُرَيشٍ وَالعَرَبِ فِي اللّهِ وفي رَسولِهِ غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قالَ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ أفيكُم أحَدٌ دَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَهُ فِي العِلمِ ، وأن يَكونَ اُذُنَهُ الواعِيَةَ مِثل ما دَعا لي ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قال : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، هَل فيكُم أحَدٌ أقرَبُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الرَّحِمِ ، ومَن جَعَلَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَفسَهُ ، وأبناءَهُ أبناءَهُ ، ونِساءَهُ نِساءَهُ غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قال : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُم أحَدٌ كانَ يَأخُذُ الخُمُسَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله قَبلَ أن يُؤمِنَ أحَدٌ مِن قَرابَتِهِ غَيري وغَيرُ فاطِمَةَ ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قال : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُمُ اليَومَ أحَدٌ لَهُ زَوجَةٌ مَثلُ زَوجتي فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله سَيِّدَةِ نِساءِ عالِمِها ؟

.

ص: 108

قالوا : اللّهُمَّ لا . قالَ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، هَل فيكُم أحَدٌ لَهُ ابنانِ مِثلُ ابنَيَّ الحَسَنِ والحُسَينِ سَيِّدي شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ما خَلا النَّبِيِّينَ غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قال : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُم أحَدٌ لَهُ أخٌ كَأَخي جَعفَرٍ الطَّيّارِ فِي الجَنَّةِ ، المُزَيَّنِ بِالجَناحَينِ مَعَ المَلائِكَةِ ، غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قال : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُم أحَدٌ لَهُ عَمٌّ مِثلُ عَمّي أسدِ اللّهِ وأسَدِ رَسولِهِ سَيِّدِ الشُّهَداءِ حَمزَةَ غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قالَ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُم أحَدٌ وَلِيَ غَمضَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَعَ المَلائِكَةِ غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قال : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُم أحَدٌ وَلِيَ غُسلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مَعَ المَلائِكَةِ يُقَلِّبونَهُ لي كَيفَ أشاءُ غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قالَ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُم أحَدٌ كانَ آخِرُ عَهدِهِ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى وَضَعَهُ في حُفرَتِهِ غَيري ؟ قالوا : اللّهُمَّ لا . قالَ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، أ فيكُم أحَدٌ قَضى عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعدَهُ دُيونَهُ ومَواعيدَهُ غَيري ؟

.

ص: 109

قالوا : اللّهُمَّ لا . قالَ : وقَد قالَ اللّهُ عَزَّوجَلَّ : «وَ إِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَ مَتَ_عٌ إِلَى حِينٍ» (1)(2) .

شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ أحداثِ البَيعَةِ يَومَ الدّارِ _: صَفَقَ [عَبدُ الرَّحمنِ ]عَلى يَدِ عُثمانَ وقالَ : وَاللّهِ ، ما فَعَلتَها إلّا لِأَنَّكَ رَجَوتَ مِنهُ مارَجا صاحِبُكُما مِن صاحِبِهِ ، دَقَّ اللّهُ بَينَكُما عِطرَ مَنشِمٍ (3) . قيلَ : فَفَسَدَ بَعدَ ذلِكَ بَينَ عُثمانَ وعَبدِ الرَّحمن ، فَلَم يُكَلِّم أحَدُهُما صاحِبَهُ حَتّى ماتَ عَبدُ الرَّحمنِ (4) .

الإمام عليّ عليه السلام :يَابنَ عَوفٍ ! كَيفَ رَأَيتَ صَنيعَكَ مَعَ عُثمانَ ؟ رُبَّ واثِقٍ خَجِلَ ، ومَن لَم يَتَوَخَّ بِعَمَلِهِ وَجهَ اللّهِ عادَ مادِحُهُ مِنَ النّاسِ لَهُ ذامّا (5) .

شرح نهج البلاغة :لَمّا بَنى عُثمانُ قَصرَهُ طَمارَ بِالزَّوراءِ (6) ، وصَنَعَ طَعاما كَثيرا ، ودَعَا النّاسَ إلَيهِ ، كانَ فيهِم عَبدُ الرَّحمنِ ، فَلَمّا نَظَرَ لِلبِناءِ وَالطَّعامِ قالَ : يَابنَ عَفّانَ ، لَقَد صَدَّقنا عَلَيكَ ما كُنّا نُكَذِّبُ فيكَ ، وإنّي أستَعيذُ بِاللّهِ مِن بَيعَتِكَ . فَغَضِبَ عُثمانُ ، وقالَ : أخرِجهُ عَنّي يا غُلامُ ، فَأَخرَجوهُ ، وأمَرَ النّاسَ ألّا يُجالِسوهُ ، فَلَم يَكُن يَأتيهِ أحَدٌ إلَا ابنُ عَبّاسٍ ، كانَ يَأتيهِ فَيَتَعَلَّمُ مِنهُ القُرآنَ وَالفَرائِضَ . ومَرِضَ عَبدُ الرَّحمنِ فَعادَه

.


1- .الأنبياء : 111 .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص431 و ص 433 _ 435 ؛ الأمالي للطوسي : ص333 ح667 ، بشارة المصطفى : ص243 كلاهما نحوه .
3- .قال الأصمعي : مَنشِم _ بكسر الشين _ : اسم امرأة كانت بمكّة عطّارة ، وكانت خزاعة وجُرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها ، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم . فكان يقال : «أشأم من عطر منشم» ، فصار مثلاً (الصحاح : ج5 ص2041) .
4- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص188 ؛ الإرشاد : ج1 ص286 عن حنش الكناني ، الجمل : ص122 كلاهما نحوه .
5- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص316 ح627 .
6- .الزوراء : دار عثمان بن عفّان بالمدينة (معجم البلدان : ج3 ص156) .

ص: 110

3 / 4 معلوميّة نتيجة الشّورى قبل المشورة

عُثمانُ وكَلَّمَهُ فَلَم يُكَلِّمهُ حَتّى ماتَ (1) .

تاريخ اليعقوبي :إنَّ عُثمانَ اعتَلَّ عِلَّةً اِشتَدَّتَ بِهِ ، فَدَعا حُمرانَ بنَ أبانٍ ، وكَتَبَ عَهدا لِمَن بَعدَهُ ، وتَرَكَ مَوضِعَ الِاسمِ ، ثُمَّ كَتَبَ بِيَدِهِ : عَبد الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ ، ورَبَطَهُ وبَعثَ بِهِ إلى اُمِّ حَبيبَةَ بِنتِ أبي سُفيانَ ، فَقَرأَهُ حُمرانُ فِي الطَّريقِ ، فَأَتى عَبدَ الرَّحمنِ فَأَخبَرَهُ . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ ، وغَضِبَ غَضَبا شَديدا : أستَعمِلُهُ عَلانِيَةً ، ويَستَعمِلُني سِرّا . ونَمَى الخَبَرُ وَانتَشَرَ بِذلِكَ فِي المَدينَةِ ، وغَضِبَ بَنو اُمَيَّةَ ، فَدَعا عُثمانُ بِحُمرانَ مَولاهُ ، فَضَرَبَهُ مِئَةَ سَوطٍ ، وسَيَّرَهُ إلَى البَصرَةِ ، فَكانَ سَبَبَ العَداوَةِ بَينَهُ وبَينَ عَبدِ الرَّحمنِ بن عَوفٍ (2) .

3 / 4مَعلومِيَّةُ نَتيجَةِ الشّورى قَبلَ المَشورَةِتاريخ الطبري :قالَ عَلِيٌّ لِقَومٍ كانوا مَعَهُ مِن بَني هاشِمٍ : إن اُطيَع فيكُم قَومُكُم لَم تُؤَمَّروا أبَدا . وتَلَقّاهُ العَبّاسُ فَقالَ : عُدِلَت عَنّا ! فَقالَ : وما عِلمُكَ ؟ قالَ : قُرِنَ بي عُثمانُ ، وقالَ : كونوا مَعَ الأَكثَرِ ، فَإِن رَضِيَ رَجُلان رَجُلاً ، ورَجُلانِ رَجُلاً ، فكونوا مَعَ الَّذينَ فيهِم عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ ، فَسَعدٌ لا يُخالِفُ ابنَ عَمِّهِ عَبدَ الرَّحمنِ ، وعَبدُ الرَّحمنِ صِهرُ عُثمانَ ؛ لا يَختَلِفونَ ، فَيُوَلّيها عَبدُ الرَّحمنِ عُثمانَ أو يُوَلّيها عُثمانُ عَبدَ الرَّحمنِ ، فَلَو كانَ الآخَرانِ مَعي لَم يَنفَعاني (3) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص196 ، الأوائل لأبي هلال : ص129 عن أبي يعقوب السروي .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص169 .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص229 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص221 ، تاريخ المدينة : ج3 ص925 ، العقد الفريد : ج3 ص285 نحوه .

ص: 111

الإرشاد عن أبي صادِق :لَمّا جَعَلَها عُمَرُ شورى في سِتَّةٍ ، وقالَ : إن بايَعَ اثنانِ لِواحِدٍ ، وَاثنانِ لِواحِدٍ ، فَكونوا مَعَ الثَّلاثَةِ الَّذينَ فيهِم عَبدُ الرَّحمنِ ، وَاقتُلُوا الثَّلاثَةَ الَّذينَ لَيسَ فيهِم عَبدُ الرَّحمنِ ؛ خَرَجَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مِنَ الدّارِ وهُو مُعتَمِدٌ عَلى يَدِ عَبدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ فَقالَ لَهُ : يَابنَ عَبّاسٍ ! إنَّ القَومَ قَد عادَوكُم بَعدَ نَبِيِّكُم كَمُعاداتِهِم لِنَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله في حَياتِهِ ، أمَ وَاللّهِ ، لا يُنيبُ بِهِم إلَى الحَقِّ إلّا السَّيفُ . فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ : وكَيفَ ذاكَ ؟ قالَ : أما سَمِعتَ قولَ عُمَرَ : إن بايَعَ اثنانِ لِواحِدٍ ، وَاثنانِ لِواحدٍ ، فَكونوا مَعَ الثَّلاثَةِ الَّذينَ فيهِم عَبدُ الرَّحمنِ ، وَاقتُلُوا الثَّلاثَةَ الَّذينَ لَيسَ فيهِم عَبدُ الرَّحمنِ ؟ قالَ ابنُ عَبّاسٍ : بَلى . قالَ : أ فَلا تَعلَمُ أنَّ عَبدَ الرَّحمنِ ابنُ عَمِّ سَعدٍ ، وأنَّ عُثمانَ صِهرُ عَبدِ الرَّحمنِ ؟ قالَ : بَلى . قالَ : فَإِنَّ عُمَرَ قَد عَلِمَ أنَّ سَعدا وعَبدَ الرَّحمنِ وعُثمانَ لا يَختَلِفونَ فِي الرَّأيِ ، وأنَّهُ مَن بويِعَ مِنهُم كانَ الاِثنانِ مَعَهُ ، فَأَمَرَ بِقَتلِ مَن خالَفَهُم ، ولَم يُبالِ أن يَقتُلَ طَلحَةَ إذا قَتَلَني وقَتَلَ الزُّبَيرَ . أمَ وَاللّهِ ، لَئِن عاشَ عُمَرُ لَاُعَرِّفَنّهُ سوءَ رَأيِهِ فينا قَديما وحَديثا ، ولَئِن ماتَ لَيَجمَعَنّي وإيّاهُ يَومٌ يَكونُ فيهِ فَصلُ الخِطابِ (1) .

شرح نهج البلاغة عن القطب الراوندي :إنَّ عُمَرَ لَمّا قالَ : كونوا مَعَ الثَّلاثَةِ الَّتي عَبدُ الرَّحمنِ فيها ، قالَ ابنُ عَبّاسٍ لِعَلِيٍّ عليه السلام : ذَهَبَ الأَمرُ مِنّا ، الرَّجُلُ يُريدُ أن يَكونَ الأَمرُ في عُثمانَ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : وأنَا أعلَمُ ذلِكَ ، ولكِنّي أدخُلُ مَعَهُم فِي الشّورى ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَد

.


1- .الإرشاد : ج1 ص285 و286 .

ص: 112

3 / 5 موقف الإمام من قرار الشّورى

أهَّلَنِي الآنَ لِلخِلافَةِ ، وكانَ قَبلَ ذلِكَ يَقولُ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إنَّ النُّبُوَّةَ وَالإِمامَةَ لا يَجتَمِعانِ في بَيتٍ ، فَأَنَا أدخُلُ في ذلِكَ لِاُظهِرَ لِلنّاسِ مُناقَضَةَ فِعلِهِ لِرِوايَتِهِ (1) .

تاريخ الطبري :قالَ العَبّاسُ لِعَلِيٍّ عليه السلام : لا تَدخُل مَعَهم ، قالَ : أكرَهُ الخِلافَ ، قالَ : إذا تَرى ما تَكرَهُ (2) .

3 / 5مَوقِفُ الإِمامِ مِن قَرارِ الشّورىالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ لَمّا عَزَموا عَلى بَيعَةِ عُثمانَ _: لَقَد عَلِمتُم أنّي أحَقُّ النّاسِ بِها مِن غَيري ، ووَاللّهِ لَاُسلِمَنَّ ما سَلِمَت اُمورُ المُسلِمينَ ، ولَم يَكُن فيها جَورٌ إلّا عَلَيَّ خاصَّةً ؛ اِلتِماسا لِأَجرِ ذلِكَ وفَضلِهِ ، وزُهدا فيما تَنافَستُموهُ مِن زُخرُفِهِ وزِبرِجِهِ (3) .

عنه عليه السلام_ في عُمَرَ وجَعلِهِ الخِلافَةَ في سِتَّةِ أشخاصٍ _: حَتّى إذا مَضى لِسَبيلِهِ جَعَلَها في جَماعَةٍ زَعَمَ أنّي أحَدُهُم ، فَيا للّهِِ وَلِلشّورى ! مَتَى اعتَرَضَ الرَّيبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنهُم ، حَتّى صِرتُ اُقرَنُ إلى هذِهِ النَّظائِرِ !! (4)

تاريخ الطبري عن المِسوَر بن مَخرَمَة عن الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ في قَضِيَّةِ الشّورى _: الحَمدُ للّهِِ الَّذي بَعَثَ مُحَمَّدا مِنّا نَبِيّا ، وبَعَثَهُ إلَينا رَسولاً ، فَنَحنُ بَيتُ النُّبُوَّةِ ، ومَعدِنُ الحِكمَةِ ، وأمانُ أهلِ الأَرضِ ، ونَجاةٌ لِمَن طَلَبَ ، لَنا حَقٌّ إن نُعطَهُ نَأخُذهُ ، وإن نُمنَعه

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص189 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص228 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص220 ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص191 وزاد فيه «وارفع نفسك عنهم» بعد «لا تدخل معهم» .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 74 .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 3 ، الإرشاد : ج1 ص288 ، معاني الأخبار : ص361 ح1 ، علل الشرائع : ص151 ح12 ، الجمل : ص 126 وفيه «احتلج» بدل «اعترض» ، الاحتجاج : ج1 ص454 ح105 كلّها عن ابن عبّاس ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص205 ، نثر الدرّ : ج1 ص275 ؛ تذكرة الخواصّ : ص124 كلاهما نحوه .

ص: 113

نَركَب أعجازَ الإِبِلِ ولَو طالَ السُّرى 1 ؛ لَو عَهِدَ إلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَهدا لَأَنفَذنا عَهدَهُ ، ولَو قالَ لَنا قَولاً لَجادَلنا عَلَيهِ حَتّى نَموتَ . لَن يُسرِعَ أحَدٌ قَبلي إلى دَعوَةِ حَقٍّ وصِلَةِ رَحِمٍ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ ، اسمَعوا كَلامي ، وعوا مَنطِقي ، عَسى أن تَرَوا هذَا الأَمرَ مِن بَعدِ هذَا المَجمَعِ تُنتَضى فيهِ السُّيوفُ ، وتُخانُ فيهِ العُهودُ ؛ حَتّى تَكونوا جَماعَةً ، ويَكونُ بَعضُكُم أئِمَّةً لِأَهلِ الضَّلالَةِ ، وشيعةً لِأَهلِ الجَهالَةِ ، ثُمَّ أنشَأَ يَقولُ : فَإِن تكُ جاسِمٌ هَلَكَت فَإِنِّي بِما فَعَلَت بَنو عَبدِ بنِ ضخمِ مُطيعٌ فِي الهوَاجِرِ كُلَّ عَيٍّ بَصيرٌ بِالنّوى مِن كُلِّ نَجمِ (1)

الإمام عليّ عليه السلام :لَنا حَقٌّ ، فَإِن اُعطيناهُ ، وإلّا رَكِبنا أعجازَ الإِبِلِ ، وإن طالَ السُّرى (2) .

الإرشاد عن جُندب بن عبد اللّه :دَخَلتُ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ بِالمَدينَةِ بَعدَ بَيعَةِ النّاسِ لِعُثمانَ فَوَجَدتُهُ مُطرِقا كَئيبا ، فَقُلتُ لَهُ : ما أصابَ قَومَكَ ؟ ! قالَ : صَبرٌ جَميلٌ . فَقُلتُ لَهُ : سُبحانَ اللّهِ ! وَاللّهِ إنَّكَ لَصَبورٌ . قالَ : فَأَصنَعُ ماذا ؟ !

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص236 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص225 كلاهما عن المسور بن مخرمة .
2- .نهج البلاغة : الحكمة 22 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج1 ص274 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص236 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص225 كلّها نحوه .

ص: 114

فَقُلتُ : تَقومُ فِي النّاسِ ، وتَدعوهُم إلى نَفسِكَ ، وتُخبِرُهُم أنَّكَ أولى بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِالفَضلِ والسّابِقَةِ ، وتَسأَلُهُمُ النَصرَ عَلى هؤُلاءِ المُتَمالِئينَ عَلَيكَ (1) ، فَإِن أجابَكَ عَشرَةٌ مِن مِئَةٍ شَدَدتَ بِالعَشرَةِ عَلَى المِئَةِ ، فَإِن دانوا لَكَ كانَ ذلِكَ عَلى ما أحبَبتَ ، وإن أبَوا قاتَلتَهُم ، فَإِن ظَهَرتَ عَلَيهِم فَهُوَ سُلطانُ اللّهِ الَّذي آتاهُ نَبِيَّهُ عليه السلام وكُنتَ أولى بِهِ مِنهُم ، وإن قُتِلتَ في طَلَبِهِ قُتِلتَ شَهيدا ، وكُنتَ أولى بِالعُذرِ عِندَ اللّهِ ، وأحَقَّ بِميراثِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فقال : أ تَراهُ _ يا جُندَبُ _ يُبايِعُني عَشرَةٌ مِن مِئَةٍ ؟ ! قُلتُ : أرجو ذلِكَ . قالَ : لكِنَّني لا أرجو ولا مِن كُلِّ مِئَةٍ اثنَينِ ، وسَاُخبِرُكَ مِن أينَ ذلِكَ ، إنَّما يَنظُرُ النّاسُ إلى قُرَيشٍ ، وإنَّ قُرَيشا تَقولُ : إنَّ آل مُحَمَّدٍ يَرَونَ لَهُم فَضلاً عَلى سائِرِ النّاسِ ، وإنَّهُم أولِياءُ الأَمرِ دونَ قُرَيشٍ ، وإنَّهُم إن وَلوهُ لَم يَخرُج مِنهُم هذَا السُّلطانُ إلى أحَدٍ أبَدا ، ومَتى كانَ في غَيرِهِم تَداوَلتُموهُ بَينَكُم ، ولا _ وَاللّهِ _ لا تَدفَعُ قُرَيشٌ إلَينا هذَا السُّلطانَ طائِعينَ أبَدا . فَقُلتُ لَهُ : أفَلا أرجِعُ فَاُخبِرَ النّاسَ بِمَقالَتِكَ هذِهِ ، وأدعُوَهُم إلَيكَ ؟ فَقالَ لي : يا جُندَبُ ، لَيسَ هذا زَمانَ ذاكَ . فَرَجَعتُ بَعدَ ذلِكَ إلَى العِراقِ ، فَكُنتُ كُلَّما ذَكَرتُ لِلنّاسِ شَيئا مِن فَضائِلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ومَناقِبِهِ وحُقوقِهِ زَبَروني ونَهَروني ، حَتّى رُفِعَ ذلِكَ مِن قَولي إلَى الوَليدِ بنِ عُقبَةَ لَيالِيَ وَلِيَنا ، فَبَعَثَ إلَيَّ فَحَبَسَني حَتّى كُلِّمَ فِيَّ فَخَلّى سَبيلي (2) .

.


1- .المتمالئين عليك : أي الَّذين تساعدوا واجتمعوا وتعاونوا (النهاية : ج4 ص353) .
2- .الإرشاد : ج1 ص241 ، الأمالي للطوسي : ص234 ح415 ؛ شرح نهج البلاغة : ج9 ص57 نحوه .

ص: 115

3 / 6 شقشقة هدرت !

3 / 6شِقشِقَةٌ هَدَرَت !الإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَه عليه السلام _: أما وَاللّهِ لَقَد تَقَمَّصَها فُلانٌ (1) ، وإنَّهُ لَيَعلَمُ أنَّ مَحلّي مِنها مَحَلُّ القُطبِ مِنَ الرَّحا ، يَنحَدِرُ عَنِّي السَّيلُ ، ولا يَرقى إلَيَّ الطَّيرُ ؛ فَسَدَلتُ دونَها ثَوبا ، وطَوَيتُ عَنها كَشحا ، وطَفِقتُ أرتَئي بَينَ أن أصولَ بِيَدٍ جَذّاءَ (2) ، أو أصبِرَ عَلى طَخيَةٍ (3) عَمياءَ ، يَهرَمُ فيهَا الكَبيرُ ، ويَشيبُ فيهَا الصَّغيرُ ، ويَكدَحُ فيها مُؤمِنٌ حَتّى يَلقى رَبَّهُ ! فَرَأَيتُ أنَّ الصَّبرَ عَلى هاتا أحجى ، فَصَبَرتُ وفِي العَينِ قَذىً (4) ، وفِي الحَلقِ شَجا (5) ، أرى تُراثي نَهبا ، حَتّى مَضَى الأَوَّلُ لِسَبيلِهِ ، فَأَدلى بِها إلى فُلانٍ بَعدَهُ . ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَولِ الأَعشى : شَتّانَ ما يَومي عَلى كورِها (6) ويومُ حَيَّان أخي جابِرِ فَياعَجَبا ! ! بَينا هُوَ يَستَقيلُها في حَياتِهِ إذ عَقَدَها لِاخر بَعدَ وَفاتِهِ _ لَشَدَّ ما تَشَطَّرا ضَرعَيهَا ! _ فَصَيَّرَها في حَوزَةٍ خَشناءَ يَغلُظُ كَلمُها ، ويَخشُنُ مَسُّها ، ويَكثُرُ العِثارُ فيها ، وَالاِعتِذارُ مِنها ، فَصاحِبُها كَراكِبِ الصَّعبَةِ إن أشنَقَ لَها خَرَمَ ، وإن أسلَسَ لَها

.


1- .قمصتُه قميصا : إذا ألبسته ، وأراد بالقميص الخلافة ، وهو من أحسن الاستعارات (النهاية : ج4 ص108) .
2- .جَذَّاء : مقطُوعة ، كنّى به عن قُصور أصحابه وتقاعُدِهم عن الغَزوِ ؛ فإنّ الجندَ للأمير كاليد (النهاية : ج1 ص250) .
3- .طخية عمياء : أي ظلمة لا يُهتدى فيها للحقّ ، وكنّى بها عن التباس الاُمور في أمر الخلافة (مجمع البحرين : ج1 ص279) .
4- .القَذى : ما يقع في العين والماء والشراب من تُراب أو تِبْن أو وسخ أو غير ذلك (النهاية : ج4 ص30) .
5- .ما يَنْشَبُ في الحَلْق من عظمٍ ونحوه فَيُغَصُّ به (مجمع البحرين : ج2 ص932) .
6- .الكُور _ بالضمّ _ : الرَّحل ، وقيل : الرَّحل بأداته (لسان العرب : ج5 ص154) .

ص: 116

تَقَحَّمَ ، فَمُنِيَ النّاسُ _ لَعَمرُ اللّهِ _ بِخَبطٍ وشِماسٍ ، وتَلَوُّنٍ وَاعتِراضٍ ؛ فَصَبَرتُ عَلى طولِ المُدَّةِ ، وشِدَّةِ المِحنَةِ ؛ حَتّى إذا مَضى لِسَبيلِهِ جَعَلَها في جَماعَةٍ زَعَمَ أنّي أحَدُهُم ، فَيا للّهِِ وَلِلشّورى ! مَتَى اعتَرَضَ الرَّيبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنهُم ، حَتّى صِرتُ اُقرَنُ إلى هذِهِ النَّظائِرِ ! لكِنّي أسفَفتُ إذ أسفّوا ، وطرِتُ إذ طاروا ؛ فَصَغا رَجُلٌ مِنهُم لِضِغنِهِ ، ومالَ الآخَرُ لِصِهرِهِ ، مَعَ هَنٍ وهَنٍ ، إلى أن قامَ ثالِثُ القَومِ نافِجا حِضنَيهِ ، بَينَ نَثيلِهِ ومُعتَلَفِهِ ، وقامَ مَعَهُ بَنو أبيهِ يَخضَمونَ مالَ اللّهِ خِضمَةَ الإِبِلِ نِبتَةَ الرَّبيعِ ، إلى أنِ انتكَثَ عَلَيهِ فَتلُهُ ، وأجهَزَ عَلَيهِ عَمَلُهُ ، وكَبَتَ بِهِ بَطنَتُهُ ! فَما راعَني إلّا وَالنّاسُ كَعُرفِ الضَّبُعِ إلَيَّ ، يَنثالونَ عَلَيَّ مِن كُلِّ جانِبٍ ، حَتّى لَقَد وُطِئَ الحَسَنانِ ، وشُقَّ عِطفايَ ، مُجتَمِعينَ حَولي كَرَبيضَةِ الغَنَمِ ، فَلَمّا نَهَضتُ بِالأَمرِ نَكَثَت طائِفَةٌ ، ومَرَقَت اُخرى ، وقَسَطَ آخَرونَ : كَأَنَّهُم لَم يَسمَعُوا اللّهَ سُبحانَهُ يَقولُ : «تِلْكَ الدَّارُ الْأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَ الْعَ_قِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (1) بَلى ! وَاللّهِ لَقَد سَمِعوها ووَعَوهَا ، ولكِنَّهُم حَلِيَتِ الدُّنيا في أعيُنِهِم وراقَهُم زِبرِجُها ! أما وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ ، وَبَرأَ النّسَمَةَ ، لَولا حُضورُ الحاضِرِ ، وقِيامُ الحُجَّةِ بِوُجودِ النّاصِرِ ، وما أخَذَ اللّهُ عَلَى العُلَماءِ ألّا يُقارّوا عَلى كِظَّةِ ظالِمٍ ، ولا سَغَبِ مَظلومٍ ، لَأَلقَيتُ حَبلَها عَلى غارِبِها ، ولَسَقيتُ آخِرَها بِكَأسِ أوَّلِها ، ولَأَلفَيتُم دُنياكُم هذِهِ أزهَدَ عِندي مِن عَفطَةِ عَنْزٍ ! قالوا : وقامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن أهلِ السَّوادِ عِندَ بُلوغِهِ إلى هذَا المَوضِعِ مِن خُطبَتِهِ ، فَناوَلَهُ كِتابا _ قيلَ : إنَّ فيهِ مَسائِلَ كانَ يُريدُ الإِجابَةَ عَنها _ فَأَقبَلَ يَنظُرُ فيهِ ، فَلَمّا

.


1- .القصص : 83 .

ص: 117

فَرَغَ مِن قِراءَتِهِ ، قالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَوِ اطَّرَدَت خُطبَتُكَ مِن حَيثُ أفضَيتَ ! فَقالَ : هَيهاتَ يَابنَ عَبّاسٍ ! تِلكَ شِقشِقَةٌ هَدَرَت ثُمَّ قَرَّت ! قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَوَاللّهِ ، ما أسَفتُ عَلى كَلامٍ قَطُّ كَأَسَفي عَلى هذَا الكَلامِ ألّا يَكونَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بَلَغَ مِنهُ حَيثُ أرادَ (1) .

راجع : ج 4 ص 137 (خطبة الإمام بعد قتل محمّد بن أبي بكر) . و ص 138 (رسالة الإمام المفتوحة إلى اُمّة الإسلام) .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 3 ، الإرشاد : ج1 ص287 ، معاني الأخبار : ص361 ح1 ، علل الشرائع : ص150 ح12 ، الأمالي للطوسي : ص372 ح803 ، الاحتجاج : ج1 ص452 ح105 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص204 ، نثر الدرّ : ج1 ص274 ؛ تذكرة الخواصّ : ص124 كلّها نحوه .

ص: 118

نظرة تحليليّة لوقائع الشّورى

نَظرَةٌ تَحليلِيَّةٌ لِوَقائِعِ الشّورىتبلورت وقائع الخلافة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على نحو مدهش وملفت للنظر ، وانتهت بحادثة السقيفة واستخلاف أبي بكر ، وادُّعي أنّ خلافته كانت موضع إجماع . ثمّ إنّه نصب عمر خليفةً من بعده ، وهكذا فقد سنَّ سُنّة «الاستخلاف». وفي الأيّام الأخيرة من حياة عمر ، أخذ يفكّر _ وهو على فراش الموت _ بمستقبل الاُمّة الإسلاميّة ، وتدلّ النصوص التاريخيّة بكلّ جلاء على أنّه كان يفكّر أيضا بنوع من الاستخلاف أيضا ، وأنّه ذكر أسماء جماعة وقال لو أنّهم كانوا أحياءً لعهِدَ إليهم أمر الخلافة ؛ منهم : معاذ بن جبل (1) ، وأبو عبيدة الجرّاح (2) ، وسالم مولى أبي حذيفة ... (3) . وعلى كلّ حال ؛ فإنّ عمر كان يفكّر بالشورى؛ ولكن الشورى الَّتي تضمن له تحقيق أهدافه بشكل أو آخر ، على أن لا يُتجاهل فيها أمر عليّ عليه السلام ، على اعتبار أنّ عليّا لا يمكن تجاهله في مثل هذا الأمر ، وهذه الحقيقة لم تكن خافية عن نظر

.


1- .الطبقات الكبرى : ج3 ص590 ، تاريخ المدينة : ج3 ص881 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص42 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص227، الطبقات الكبرى : ج3 ص412 ، تاريخ المدينة : ج3 ص881 ، الفتوح : ج2 ص325 .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص227 ، الطبقات الكبرى: ج3 ص343، تاريخ المدينة : ج3 ص881 ، الفتوح: ج2 ص86 .

ص: 119

عمر ، ولهذا السبب ؛ فإنّه حينما استدعى أحد الأنصار للتشاور معه في أمر الخلافة ، فعدّد الأنصاري جماعة من المهاجرين ولم يُسَمِّ عليّا ، فقال عمر : فَما لَهُم مِن أبِي الحَسَنِ! فَوَاللّهِ إنَّهُ لَأَحراهُم إن كانَ عَلَيهِم أن يُقيمَهُم عَلى طَريقَةٍ مِنَ الحَقِّ (1) . وهكذا عيّن عمر جماعة للشورى قوامهم ستّة أشخاص ، وقد انتقد كلَّ واحد منهم بصفة سيّئة فيه ، إلّا عليّا ؛ فقد نسبه إلى المزاح ! ولكنّه أكّد أيضا أنّه أحراهم أن يُقيمهم على سنّة نبيّهم (2) . وسمّى عمر أعضاء الشورى الَّذين يجب أن يختاروا الخليفة من بينهم ، وهم : عليّ عليه السلام ، وعثمان بن عفان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعبد الرحمن بن عوف . لم يكن عمر يحمل مشاعر طيّبة تجاه بني هاشم ، ولا تجاه عليّ عليه السلام . وكان أكثر حنكة وذكاءً من أن يسمّي للشورى أشخاصا يختارون عليّا ولو على سبيل الاحتمال (3) . وقد رسم عمر طريقة عمل الشورى وموازناته؛ فهم يجب أن يجتمعوا في دار تحت مراقبة خمسين رجلاً من الأنصار حتّى يختاروا رجلاً من بينهم ؛ فإن اتّفق خمسة على رجل وأبى واحد يُضرب عنقه ، وإن اتّفق أربعة وأبى اثنان يُضرب عُنقاهما ، فإن رضي ثلاثة منهم رجلاً ، وثلاثة رجلاً ، يجب عندئذ تحكيم عبد اللّه بن عمر ؛ فإن لم يرضوا بحكمه ، يجب قبول خيار الجهة الَّتي فيها عبد الرحمن بن عوف (4) .

.


1- .المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص446 ح9761 ، الأدب المفرد : ص176 ح582 .
2- .المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص447 ح9762 ، تاريخ المدينة : ج2 ص880 ؛ نثر الدرّ : ج2 ص49 .
3- .كلام عمر مع ابن عبّاس في هذا الصدد له مغزاه . انظر تاريخ الطبري : ج4 ص223.
4- .تاريخ الطبري : ج4 ص229 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص43 .

ص: 120

كانت المعادلة الَّتي أرادها الخليفة واضحة تماما . وكانت نتيجتها معروفة منذ البداية لكلّ لبيب . ولهذا السبب فقد حثّ ابن عبّاس عليّا على عدم الدخول في الشورى ، لكنّ عليّا قال : لا ، بَل أدخُلُ مَعَهُم فِي الشّورى ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَد أهَّلَنِي الآنَ لِلخِلافَةِ ، وكانَ قَبلَ ذلِكَ يَقولُ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إنَّ النُّبُوَّةَ وَالإِمامَةَ لا يَجتَمِعانِ في بَيتٍ ! ! فَأَنَا أدخُلُ في ذلِكَ لِاُظهِرَ لِلنّاسِ مُناقَضَةَ فِعلِهِ لِرِوايَتِهِ (1) . ولكنّه أكّد بصريح القول أنّ عمر قد عدل _ بهذا التركيب _ الخلافة عن بني هاشم ، قائلاً : قد قرِنَ بي عُثمانُ ، ويَجِبُ اتِّباعُ الأَكثَرِيَّةِ ؛ فَسَعدٌ لا يُخالِفُ ابنَ عَمِّهِ عَبدَ الرَّحمنِ ، وعَبدُ الرَّحمنِ صِهرُ عُثمانَ ، وهُما لا يَختَلِفانِ ؛ فَلَو كانَ الآخَرانِ مَعي لم يَنفَعاني (2) . تنحّى طلحة جانبا لصالح عثمان (على أساس الرواية الَّتي تقول إنّ طلحة قد حضر الشورى) ، وتنحّى الزبير جانبا لصالح عليّ عليه السلام ، وتنازل سعد عن حقّه لصالح عبد الرحمن . وأعلن عبد الرحمن أنّه أخرج نفسه من الخلافة ، واقترح على الآخرَين (عليّ عليه السلام وعثمان) أن يفوّض أحدهما حقّه للآخر ، فسكتا. وذكر الطبري أنّ عبد الرحمن بقي ليالي متوالية يشاور رؤساء الجيش والأشراف ، وكان لا يخلو بواحد منهم حتّى يأمره بعثمان (3) . حتّى إذا انتهت الأيّام الثلاثة اجتمع النّاس صباحا في المسجد ، فخرج إليهم عبد الرحمن وقال : إنّي نظرت في النّاس فلم أرهم

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص189.
2- .الإرشاد : ج1 ص285 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص229 ، شرح نهج البلاغة: ج1 ص191 .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص231 ، تاريخ المدينة : ج3 ص928 ، يقول عبد العزيز الدوري : «وتخبرنا المصادر أيضا أنّ عبد الرحمن استشار أشراف النّاس واُمراء الأجناد ، وحاول معرفة رأي عامّة النّاس . . . فوجدهم يشيرون عليه بعثمان ، وهذا يوحي بدعاية واسعة نظّمها بنو اُميّة لمرشّحهم ، وقد كان بنو اُميّة يسعون لاستعادة نفوذهم بالتدريج منذ فتح مكّة ، ونجحوا في ذلك نجاحا كبيرا خلال فترة الخليفتين الأوّلين» . مقدّمة في تاريخ صدر الإسلام : ص50 .

ص: 121

يعدلون بعثمان أحدا (1) . بينما صاح عمّار والمقداد مؤكّدَين على انتخاب عليّ عليه السلام . وارتفعت الأصوات في المسجد ، وصاح عمّار : لماذا تُبعدون هذا الأمر عن أهل بيت الرسول؟! (2) ثمّ إنّ عبد الرحمن بن عوف قال لعليّ عليه السلام : هل تعاهِد اللّه على العمل بكتاب اللّه وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر؟ فقال : لا ، ولكن أسير على كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه قدر وسعي . ولمّا عرض هذا السؤال على عثمان ، قال : أعمل بالقرآن وسنّة رسول اللّه وسيرة الشيخين. ثمّ كرّر عبد الرحمن سؤاله لعليّ عليه السلام ، فأجابه عليه السلام كما أجابه من قبل ، وأضاف لا حاجة مع كتاب اللّه وسيرة نبيّه إلى سيرة أحد ، ولكنّك تريد أن تزوي هذا الأمر عنّي (3) . وهكذا اختار عبد الرحمن بن عوف عثمان للخلافة ، وأجلسه على مسند السلطة . وذُبح الحقّ مرّة اُخرى على مذبح الزيف والفتنة ، ووجد الّذين سلّوا سيف العداوة ضدّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سنوات طويلة ، أنّ الفرصة قد سنحت الآن في ظلّ الدعم الَّذي يوفّره لهم خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لكي يستأنفوا مواقفهم العدائيّة ضدّه . ولمّا رأى عليّ عليه السلام الأمر على هذه الشاكلة قال لعبد الرحمن : «حَبَوتَهُ حَبوَ الدَّهرِ ، لَيسَ هذا أوَّلَ يَومٍ تَظاهَرتُم فيهِ عَلَينا ، «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّه

.


1- .المصنّف لعبد الرزّاق : ج5 ص477 ح9775 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص 233 ، شرح نهج البلاغة : ج12 ص194 وانظر أيضا الأمالي للمفيد : ص114 ح7 وتاريخ المدينة : ج3 ص929 .
3- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص162 ؛ شرح نهج البلاغة : ج1 ص188 و ج 12 ص262 ، البدء والتاريخ : ج5 ص192 .

ص: 122

الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ» (1) . ثُمَّ قالَ لَهُ : «وَاللّهِ ما وَلَّيتَ عُثمانَ إلّا لِيَرُدَّ الأَمرَ إلَيكَ» (2) . وصاحَ المِقدادُ : «ما رَأَيتُ مِثلَ ما اُوتِيَ إلى أهلِ هذَا البَيتِ بَعدَ نَبِيِّهِم ! إنّي لَأَعجَبُ من قُرَيشٍ أنَّهُم تَرَكوا رَجُلاً ما أقولُ إنَّ أحَدا أعلَمُ ولا أقضى مِنهُ بِالعَدلِ . أما وَاللّهِ لَو أجِدُ عَلَيهِ أعوانا» (3) . ثمّ إنّ عمارا قال من شدّة حرصه على الإسلام : يا ناعِيَ الإسلامِ قُم فَانعَهُ قد ماتَ عرفٌ وأتى مُنكَرُ (4) أوَلم يكن الأمر كذلك ؟ أوَلم يُنعَ الاسلام من خلال تسلّط بني اُميّة؟! أوَلم تنبعث الجاهليّة من جديد؟ فقد خرج عثمان في الليلة الَّتي بويع له في يومها إلى صلاة العشاء وبين يديه شمعة ، فلقيه المقداد ، فقال : ما هذه البدعة؟! (5) ولغرض تعميم وإكمال البحث نورد الملاحظات التالية : 1 _ ذكرنا أنّ عليّا عليه السلام قال لعبد الرحمن بن عوف : «وَاللّهِ ما وَلَّيتَ عُثمانَ إلّا لِيَرُدَّ الأَمرُ إلَيكَ» . ولم يُصرّح عليه السلام بمثل هذا الكلام إلّا انطلاقا من معرفته بأحوال المتلاعبين

.


1- .يوسف : 18 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص233 ، تاريخ المدينة : ج3 ص930 .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص233 ، تاريخ المدينة : ج2 ص931 .
4- .البدء والتاريخ : ج5 ص192 ، شرح نهج البلاغة : ج12 ص266.
5- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص163 .

ص: 123

بالسياسة ودعاة الفتن ، لو كانت يومذاك ثمّةَ آذان واعية . وجاء الشاهد على صدق كلام أمير المؤمنين عليه السلام فيما نقله المؤرّخون ؛ من أنّ عثمان بعدما اشتدّ عليه المرض دعا كاتبا ، وأمره أن يكتب عهده بالخلافة من بعده لعبد الرحمن : فكتب بما أمره (1) . 2 _ لماذا لم يوافق الإمام عليه السلام على شرط عبد الرحمن؟ لأنّه كانت قد مرّت حينذاك سنوات على وفاة الرسول صلى الله عليه و آله ، ووقعت فيها تغيّرات كثيرة ، وصدرت أحكام كثيرة مناقضة لحكم الرسول صلى الله عليه و آله ، وبُدّلت سنّته صلى الله عليه و آله في موارد كثيرة (2) . فكيف كان يتسنّى للإمام عليه السلام قبول هذا الشرط ؟ ولو أنّه قبله وتسلّم زمام الاُمور _ على فرض المحال _ كيف كان يتسنّى له التوفيق بين تلك المتناقضات؟ وما كان عساه يفعل مع تلك التغييرات؟ هل كان النّاس على استعداد لقبول إعادة الحقائق إلى مسارها الأوّل؟ فقد أثبت عهد خلافة الإمام عليّ عليه السلام عدم استعداد النّاس لقبول عودة الحقائق إلى مسارها الأوّل ، مع أنّ الكثير من المسائل قد تجلّت بكلّ وضوح يومذاك ، ومع أنّ النّاس قد أقبلوا بأنفسهم عليه ، غير أنّه كان يواجه صعوبة في كثير من القرارات ، والمثال الواضح على ذلك «صلاة التراويح» . ولو عرضنا هذا السؤال من زاوية اُخرى وقلنا : لماذا لم يقبل الإمام شرط عبد الرحمن؟ نلاحظ هنا أنّه عليه السلام كان أمام معادلتين : الاُولى : قبول الشرط وإقامة حكومة العدل الإسلامي . الثانية : عدم قبول الشرط ؛ لأنّه لم يكُن حقّا ، مع التضحية بهذا المنصب الخطير .

.


1- .تاريخ المدينة : ج3 ص1029 ، تاريخ دمشق : ج15 ص178 ؛ تاريخ اليعقوبي: ج2 ص169 .
2- .راجع كتاب «النصّ والاجتهاد» للعلّامة السيّد شرف الدين .

ص: 124

والوجه الآخر للسؤال هو : هل كان عبد الرحمن يعقد له البيعة لو أنّه قبل ذلك الشرط؟ يمكن القول بجزم _ من خلال الأخبار الَّتي نقلناها عن الشورى ، وما كان فيها من تدبير ، وكذلك من خلال كلام الإمام عليه السلام مع عبد الرحمن _ بأنّ الجواب هو السلب طبعا . وقد أدرك عليّ عليه السلام بعمق نظره الخاصّ بأنّ كلّ هذه التمهيدات الَّتي اتُّخذت جاءت لتبرير قرار متّخذ مسبقا. ولو أنّ الإمام وافق على الشرط ؛ فإنَّ عثمان كان يوافق عليه أيضا ، وفي مثل هذه الحالة كان عبد الرحمن سيلجأ إلى ذريعة اُخرى ، كأن يقول مثلاً _ كما مرّ علينا _ بأنَّ رؤساء الجيش ، وزعماء القبائل يميلون إلى عثمان ، وتكون النتيجة هي انتخاب عثمان أيضا ، وستكون نتيجة القبول بهذا الشرط هي إضفاء الشرعيّة من قِبَل عليّ عليه السلام على قرارات الشيخين ، وحاشا أن ينخدع عليّ _ الَّذي يخترق بصره الحجب السطحيّة ويرى الحقائق _ بمثل هذه المشاهد . 3 _ كانت معادلة الشورى واضحة مسبقا ولهذا السبب أمر عمر بضرب عنق كلّ مَن يعارض ، وبعد البيعة لعثمان من قِبَل ابن عوف وسائر أعضاء الشورى ، ظلّ عليٌّ واقفا ولم يبايِع ، فقال له ابن عوف : بايِع وإلّا ضربتُ عنقك ! فخرج من الدار وتبعه أصحاب الشورى وقالوا : بايِع وإلّا جاهدناك ! (1) وهذا ما جعل الشريف المرتضى يقول بألم : «فَأَيُّ رِضىً هاهُنا ؟ ! . . . وكَيفَ يَكونُ مُختارا مَن تُهَدَّدُ بِالقَتلِ وبِالجِهادِ» (2) .

.


1- .أنساب الأشراف : ج6 ص128 ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص55 و ج 12 ص265 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص176 ؛ الصراط المستقيم : ج3 ص117.
2- .شرح نهج البلاغة : ج12 ص265 .

ص: 125

4 _ التطميع بالخلافة الملاحظة الأخيرة في هذا المضمار هي أنّ عمر أجَّج بعمله هذا نار الطمع بالخلافة في قلوب أعضاء الشورى . وقد أشار الشيخ المفيد إلى هذا المعنى بقوله : إنّ سعد بن أبي وقّاص ما كان يرى نفسه شيئا أمام عليّ عليه السلام ، إلّا أنّ وجوده في الشورى بعث في نفسه شعورا بالأهليّة للخلافة . ونقل ابن أبي الحديد أيضا هذا التحليل عن اُستاذه. وكان طلحة أيضا يستدلّ بوجوده في الشورى على مجابهته لعليّ (1) . وأشار معاوية أيضا إلى هذا المعنى في إحدى محاوراته (2) . وعلى كلّ حال ؛ فإنّ عمر قد دأب مرّة اُخرى من خلال الشورى الَّتي أوجدها على طمس «حقّ الخلافة» وسحق حرمتها. وسلّط بني اُميّة على رقاب الاُمّة فاقترفوا كلّ تلك المفاسد . وعمل من خلال غرسه لروح التطلّع إلى الخلافة في نفوس أشخاص مثل طلحة والزبير ، على تمهيد الأجواء لنشوب الصراعات اللاحقة . ونحن نؤكّد من خلال استقراء تلك الحادثة وكيفيّة تبلور وقائعها بأنَّ الحقّ هو ما جاء في تحليل مجرياتها إجمالاً ، ليس إلّا.. . واللّه من وراء القصد .

.


1- .الإمامة والسياسة : ج1 ص95 . راجع : ج 3 ص 208 (مناقشات الإمام وطلحة) .
2- .العقد الفريد : ج3 ص289 ، تاريخ دمشق : ج19 ص197 .

ص: 126

. .

ص: 127

الفصل الرابع : مبادئ الثورة على عثمان

4 / 1 التّرف

الفصل الرابع : مبادئ الثورة على عثمان4 / 1التَّرفمروج الذهب :بَنى [عُثمانُ] دارَهُ فِي المَدينَةِ ، وشَيَّدَها بِالحَجَرِ وَالكِلسِ ، وجَعَلَ أبوابَها مِنَ السّاجِ وَالعَرعَرِ ، وَاقتَنى أموالاً وجِنانا وعُيونا بِالمَدينَةِ . وذَكَرَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُتبَةَ أنَّ عُثمانَ يَومَ قُتِلَ كانَ لَهُ _ عِندَ خازِنِهِ _ مِنَ المالِ خَمسونَ ومِئَةُ ألفِ دينارٍ ، وألفُ ألفِ دِرهَمٍ ، وقيمَةُ ضِياعِهِ بِوادِي القُرى وحُنَينٍ وغَيرِهِما مِئَةُ ألفِ دينارٍ ، وخَلَّفَ خَيلاً كَثيرا وإبِلاً (1) .

الطبقات الكبرى عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عُتبة :كانَ لِعُثمانَ بنِ عَفّانَ عِندَ خازِنِهِ يَومَ قُتِلَ ثَلاثونَ ألفَ ألفِ دِرهَمٍ وخَمسُمئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، وخَمسونَ ومِئَةُ ألفِ دينارٍ ، فَانتُهِبَت ، وذَهَبَت . وتَرَكَ ألفَ بَعيرٍ بِالرَّبَذَةِ (2) ، وتَرَكَ صَدَقاتٍ _ كانَ تَصَدَّقَ بِها بِبَراديس

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص341 .
2- .الرَّبَذة : من قرى المدينة ؛ على ثلاثة أيّام ، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكّة ، وبهذا الموضع قبر أبي ذرّ رحمه الله (معجم البلدان : ج3 ص24) .

ص: 128

وخَيبَرَ (1) ووادِي القُرى (2) _ قيمَةَ مِئَتَي ألفِ دينارٍ (3) .

تاريخ الطبري عن عبد اللّه بن عامر :كُنتُ اُفطِرُ مَعَ عُثمانَ في شَهرِ رَمَضانَ ، فَكانَ يَأتينا بِطَعامٍ هُوَ أليَنُ مِن طَعامِ عُمَرَ ؛ قَد رَأَيتُ عَلى مائِدَةِ عُثمانَ الدَّرمَكَ الجَيِّدَ ، وصِغارَ الضَّأنِ كُلَّ لَيلَةٍ ، وما رَأَيتُ عُمَرَ قَطُّ أكَلَ مِنَ الدَّقيقِ مَنخولاً ، ولا أكَلَ مِنَ الغَنَمِ إلّا مَسانَّها ، فَقُلتُ لِعُثمانَ في ذلِكَ ، فَقالَ : يَرحَمُ اللّهُ عُمَرَ ! ومَن يُطيقُ ما كانَ عُمَرُ يُطيقُ ! (4)

أنساب الأشراف عن سُلَيم أبي عامر :رَأَيتُ عَلى عُثمانَ بُردا ثَمَنُهُ مِئَةُ دينارٍ (5) .

الطبقات الكبرى عن محمّد بن ربيعة بن الحارث :كانَ أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُوَسِّعونَ عَلى نِسائِهِم فِي اللِّباسِ الَّذي يُصانُ ويُتَجَمَّلُ بِهِ . ثُمَّ يَقولُ : رَأَيتُ عَلى عُثمانَ مِطرَفَ خَزٍّ ثَمَنَ مِئَتَي دِرهَمٍ ، فَقالَ : هذا لِنائِلَةَ كَسَوتُها إيّاهُ ، فَأَنَا ألبِسُهُ أسُرُّها بِهِ (6) .

الصواعق المحرقة :جاءَهُ [عُثمانَ ]أبو موسى بِحِليَةِ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ، فَقَسَمَها بَينَ نِسائِهِ وبَناتِهِ ، وأنفَقَ أكثَرَ بَيتِ المالِ في ضِياعِهِ (7) ودورِهِ (8) .

الأخبار الموفّقيّات عن الزُّهري :لَمّا اُتِيَ عُمَرُ بِجَوهَرِ كَسرى ، وَضَعَ فِي المَسجِدِ ، فَطَلَعت

.


1- .خَيْبَر: ناحية على ثمانية برد [حوالي 200 كم] من المدينة لمن يريد الشام (معجم البلدان: ج2 ص409).
2- .وَادي القُرى: وادٍ بين المدينة والشام ، من أعمال المدينة، كثير القرى (معجم البلدان: ج5 ص345).
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص76 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص461 نحوه وليس فيه من «كان تصدّق» إلى «القرى» ، البداية والنهاية : ج7 ص192 وفيه «بئر أريس» بدل «ببراديس» .
4- .تاريخ الطبري : ج4 ص401 .
5- .أنساب الأشراف : ج6 ص102 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص58 وفيه «بردا يمانيّا ثمن مئة درهم» .
6- .الطبقات الكبرى : ج3 ص58 ، أنساب الأشراف : ج6 ص102 وفيه «مئة دينار» بدل «مئتي درهم» .
7- .الضَّيعة : الأرض المُغلّة ، والجمع ضِيَع وضِياع (لسان العرب : ج8 ص230) .
8- .الصواعق المحرقة : ص113 ، السيرة الحلبيّة : ج2 ص78 وفيه «بكيلة» بدل «بحلية» .

ص: 129

عَلَيهِ الشَّمسُ فَصارَ كَالجَمرِ ، فَقالَ لِخازِنِ بَيتِ المالِ : وَيحَكَ ! أرِحني مِن هذا ، وَاقسِمهُ بَينَ المُسلِمينَ ؛ فَإِنَّ نَفسي تُحَدِّثُني أنَّهُ سَيَكونُ في هذا بَلاءٌ وفِتنَةٌ بَينَ النّاسِ . فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إن قَسَمتُهُ بَينَ المُسلِمينَ لَم يَسَعهُم ، ولَيسَ أحَدٌ يَشتَريهِ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ عَظيمٌ ، ولكِن نَدَعُهُ إلى قابِلٍ ، فَعَسَى اللّهُ أن يَفتَحَ عَلَى المُسلِمينَ فَيَشتَرِيَهُ مِنهُم مَن يَشتَريهِ . قالَ : اِرفَعهُ ، فَأَدخِلهُ بَيتَ المالِ .وقُتِلَ عُمَرُ وهُوَ بِحالِهِ ، فَأَخَذَهُ عُثمانُ _ لَمّا وُلِّيَ الخِلافَةَ _ فَحَلّى بِهِ بَناتِهِ . فَقالَ الزُّهِريُّ : كُلٌّ قَد أحسَنَ ؛ عُمَرُ حينَ حَرَمَ نَفَسَهُ وأقارِبَهُ ، وعُثمانُ حينَ وَصَلَ أقارِبَهُ !! (1)

تاريخ اليعقوبي :كانَ عُثمانُ جَوادا وَصُولاً بِالأَموالِ ، وقَدَّمَ أقارِبَهُ وذَوي أرحامِهِ ، فَسَوّى بَينَ النّاسِ فِي الأَعطِيَةِ . وكانَ الغالِبَ عَلَيهِ مَروانُ بنُ الحَكَمِ بنِ أبِي العاصِ ، وأبو سُفيانَ بنُ حَربٍ (2) .

دول الإسلام_ فِي الثَّورَةِ عَلى عُثمانَ _: أخَذوا يَنقِمونَ عَلى خَليفَتِهِم عُثمانَ ؛ لِكَونِهِ يُعطِي المالَ لِأَقارِبِهِ ، ويُوَلّيهِمُ الوِلاياتِ الجَليلَةَ ، فَتَكَلَّموا فيهِ ، وكانَ قَد صارَ لَهُ أموالٌ عَظيمَةٌ ، ولَهُ ألفُ مَملوكٍ (3) .

.


1- .الأخبار الموفّقيّات : ص612 ح396 ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص16 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص173 .
3- .دول الإسلام : ص 16 .

ص: 130

4 / 2 جعل المال دولة بين الأغنياء
4 / 2 _ 1 استئثار عمّه الحكم بن أبي العاص
4 / 2 _ 2 استئثار ابن عمّه مروان بن الحكم

4 / 2جَعلُ المالِ دولَةً بَينَ الأَغنِياءِ4 / 2 _ 1اِستِئثارُ عَمِّهِ الحَكَمِ بنِ أبِي العاصِالعِقد الفريد :مَمّا نَقَمَ النّاسُ عَلى عُثمانَ أنَّهُ آوى طَريدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الحَكَمَ ابنَ أبِي العاصِ ، ولَم يُؤوِهِ أبو بَكرٍ ولا عُمَرُ ، وأعطاهُ مِئَةَ ألفٍ (1) .

أنساب الأشراف عن ابن عبّاس :كانَ مِمّا أنكَروا عَلى عُثمانَ أنَّهُ وَلَّى الحَكَمَ ابنَ أبِي العاصِ صَدَقاتِ قُضاعَةَ (2) ، فَبَلَغَت ثَلاثَمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، فَوَهَبَها لَهُ حينَ أتاهُ بِها (3) .

راجع : ص 145 (تولية أعداء الإسلام من أقربائه على البلاد) .

4 / 2 _ 2اِستِئثارُ ابنِ عَمِّهِ مَروانَ بنِ الحَكَمِتاريخ اليعقوبي :أغزى عُثمانُ النّاسَ إفرِيقِيَّةً (4) سَنَةَ سَبعٍ وعِشرينَ . . . وكَثُرَتِ الغَنائِمُ ، وَبَلَغَت ألفَي ألفِ دينارٍ وخَمسَمِئَةِ ألفِ دينارٍ وعِشرينَ ألفَ دينارٍ . ورَوى بَعضُهُم : أنَّ عُثمانَ زَوَّجَ ابنَتَهُ مِن مَروانَ بنِ الحَكَمِ ، وأمَرَ لَهُ بِخُمُس

.


1- .العقد الفريد : ج3 ص291 ، المعارف لابن قتيبة : ص194 نحوه ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص198 .
2- .قُضاعَة : حيّ باليمن (تاج العروس : ج11 ص377) .
3- .أنساب الأشراف : ج6 ص137 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص35 ؛ الشافي : ج4 ص273 كلاهما نحوه من دون إسنادٍ إلى الراوي .
4- .إفريقيّة : بلاد واسعة ومملكة كبيرة قبالة جزيرة صقلية ، وينتهي آخرها إلى قبالة جزيرة الأندلس . وحدود هذه البقعة من العالم هي : من الشمال البحر الأبيض المتوسّط ، ومن الشمال الشرقي البحر الأحمر ، ومن الشرق المحيط الهندي ، ومن الغرب المحيط الأطلسي (راجع معجم البلدان : ج1 ص228) .

ص: 131

هذَا المالِ (1) .

أنساب الأشراف عن عبد اللّه بن الزُّبير :أغزانا عُثمانُ سَنَةَ سَبعٍ وعِشرينَ إفرِيقِيَّةً ، فَأَصابَ عَبدُ اللّهِ بنُ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ غَنائِمَ جَليلَةً ، فَأَعطى عُثمانُ مَروانَ بنَ الحَكَمِ خُمُسَ الغَنائِمِ (2) .

تاريخ أبي الفداء :أقطَعَ [عُثمانُ] مَروانَ بنَ الحَكَمِ فَدَكَ (3) ، وهِيَ صَدَقَةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الَّتي طَلَبَتها فاطِمَةُ ميراثا ! فَرَوى أبو بَكرٍ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : نَحنُ مَعاشِرَ الأَنبِياءِ لا نُوَرِّثُ ، ما تَرَكناهُ صَدَقَةٌ . ولَم تَزَل فَدَكُ في يَد مَروانَ وبَنيهِ إلى أن تَوَلّى عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ ، فَانتَزَعَها مِن أهلِهِ ورَدَّها صَدَقَةً (4) .

شرح نهج البلاغة :أمَرَ [عُثمانُ] . . . لِمَروانَ بنِ الحَكَمِ بِمِئَةِ ألفٍ مِن بَيتِ المالِ ، وقَد كانَ زَوَّجَهُ ابنَتَهُ اُمَّ أبانٍ ، فَجاءَ زَيدُ بنُ أرقَمَ _ صاحِبُ بَيتِ المالِ بِالمَفاتيحِ ، فَوَضَعَها بَين يَدَي عُثمانَ وبَكى ، فَقالَ عُثمانُ : أ تَبكي أن وَصَلتُ رَحِمي ! ! قالَ : لا . . . وَاللّهِ لَو أعطَيتَ مَروانَ مِئَةَ دِرهَمٍ لَكان كَثيرا ! ! فَقالَ : ألقِ المَفاتيحَ يَابنَ أرقَمَ ؛ فَإِنّا سَنَجِدُ غَيرَكَ (5) .

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص165 وراجع الجمل : ص183 .
2- .أنساب الأشراف : ج6 ص136 ، تاريخ الطبري : ج4 ص256 نحوه ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص37 وفيه «تلك الغنائم» بدل «خُمس الغنائم» ، البداية والنهاية : ج7 ص152 وفيه «وصالحه بطريقها على ألفي ألف دينار وعشرين ألف دينار فأطلقها كلّها عثمان في يوم واحد لآل الحكم ويقال : لآل مروان» بدل «غنائم جليلة . . . » ؛ الشافي : ج4 ص275 .
3- .فدك : قرية من قرى اليهود بينها وبين المدينة يومان ، وكانت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله لأنّه فتحها هو وأمير المؤمنين عليه السلام ، وأعطاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لفاطمة وكانت في يدها إلى أن توفّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأُخذت من فاطمة بالقهر والغلبة (مجمع البحرين : ج3 ص1370) .
4- .تاريخ أبي الفداء : ج1 ص169 وراجع شرح نهج البلاغة : ج1 ص198 والمعارف لابن قتيبة : ص195 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص199 .

ص: 132

4 / 2 _ 3 استئثار ابن عمّه الحارث بن الحكم

أنساب الأشراف عن اُمّ بكر بنت المِسوَر :لَمّا بَنى مَروانُ دارَهُ بِالمَدينَةِ دَعَا النّاسَ إلى طَعامِهِ ، وكانَ المِسوَرُ فيمَن دَعا ، فَقالَ مَروانُ وهُوَ يُحَدِّثُهُم : وَاللّهِ ، ما أنفَقتُ في داري هذِهِ مِن مالِ المُسلِمينَ دِرهما فَما فَوقَهُ ! فَقالَ المِسوَرُ : لَو أكَلتَ طَعامَكَ وسَكَتَّ لَكانَ خَيرا لَكَ ! لَقَد غَزَوتَ مَعَنا إفريقِيَّةً وأنَّكَ لَأَقَلُّنا مالاً ورَقيقا وأعوانا ، وأخَفُّنا ثَقَلاً ، فَأَعطاكَ ابنُ عَفّان خُمُسَ إفريقِيَّةٍ ، وعَمِلتَ عَلَى الصَّدَقاتِ فَأَخَذت أموالَ المُسلِمينَ ! ! (1)

4 / 2 _ 3اِستِئثارُ ابنِ عَمِّهِ الحارِثِ بنِ الحَكَمِالمعارف لابن قتيبة :تَصَدَّقَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِمَهزورٍ _ مَوضِعِ سوقِ المَدينَةِ _ عَلَى المُسلِمينَ ، فَأَقطَعَها عُثمانُ الحارِثَ بنَ الحَكَمِ ؛ أخا مَروانَ بنِ الحَكَمِ ، وأقطَعَ مَروانَ فَدَكَ وهِيَ صَدَقَةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (2) .

أنساب الأشراف عن اُمّ بكر عن أبيها :قَدِمَت إبِلُ الصَّدَقَةِ عَلى عُثمانَ ، فَوَهَبَها لِلحارِثِ بنِ الحَكَمِ بنِ أبِي العاصِ (3) .

شرح نهج البلاغة :أنكَحَ [عُثمانُ ]الحارِثَ بنَ الحَكَمِ ابنَتَهُ عائِشَةَ ، فَأَعطاهُ مِئَةَ ألفٍ مِن بَيتِ المالِ أيضا ، بَعدَ صَرفهِ زَيدَ بنَ أرقَمَ عَن خَزنِهِ (4) .

.


1- .أنساب الأشراف : ج6 ص136 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص37 ، الأوائل لأبي هلال : ص127 عن جعفر بن عبد الرحمن ابن المسور نحوه ؛ الشافي : ج4 ص275 .
2- .المعارف لابن قتيبة : ص195 ، العقد الفريد : ج3 ص291 ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص198 كلاهما نحوه .
3- .أنساب الأشراف : ج6 ص137 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص35 ، تاريخ الطبري : ج4 ص365 وفيه «اُمّ بكر بنت المسْوَر ابن مخرَمة» ، الكامل في التاريخ : ج2 ص286 وفيهما «فوهبها لبعض بني الحكم» ؛ الشافي : ج4 ص273 كلاهما من دون إسنادٍ إلى الراوي .
4- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص199 .

ص: 133

4 / 2 _ 4 استئثار صهره عبد اللّه بن خالد

4 / 2 _ 4اِستِئثارُ صِهرِهِ عَبدِ اللّهِ بنِ خالِدٍتاريخ المدينة عن محمّد بن سلام عن أبيه :قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ خالِدٍ لِعَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ : كَلِّم أميرَ المُؤمِنينَ عُثمانَ ؛ فَإِنَّ لي عِيالاً وعَلَيَّ دَينا . فَقالَ : كَلِّمهُ ، فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَرّا وَصولاً . فَكَلَّمَهُ ، فَزَوَّجَهُ بِنتَهُ ، وأعطاهُ مِئَةَ ألفٍ (1) .

تاريخ اليعقوبي :زَوَّجَ عُثمانُ بِنتَهُ مِن عَبدِ اللّهِ بنِ خالِدِ بنِ اُسَيدٍ ، وأمَرَ لَهُ بِستِّمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، وكَتَبَ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عامِرِ أن يَدفَعَها إلَيهِ مِن بَيتِ مالِ البَصرَةِ (2) .

المَعارِف لاِبنِ قُتَيبَة :وطَلَبَ إلَيهِ [ إلى عُثمانَ ] عَبدُ اللّهِ بنُ خالِدِ بنِ اُسَيدٍ صِلةً ، فَأَعطاهُ أربَعَمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ (3) .

أنساب الأشراف عن أبي مِخنَف :كانَ عَلى بَيتِ مالِ عُثمانَ عَبدُ اللّهِ بنُ الأَرقَمِ . . . ، فَاستَسلَفَ عُثمانُ مِن بَيتِ المالِ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ ، وكَتَبَ عَلَيهِ بِها عَبدُ اللّهِ بنُ الأَرقَمِ ذِكرَ حَقٍّ لِلمُسلِمينَ ، وأشهَدَ عَلَيهِ عَلِيّا ، وطَلحَةَ ، وَالزُّبَيرَ ، وسَعدَ بنَ أبي وَقّاصٍ ، وعَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ ، فَلَمّا حَلَّ الأَجَلُ رَدَّهُ عُثمانُ . ثُمَّ قَدِمَ عَلَيهِ عَبدُ اللّهِ بنُ خالِدِ بنِ اُسَيدِ بنِ أبِي العيصِ _ مِن مَكَّةَ _ وناسٌ مَعَهُ غُزاةً ، فَأَمَرَ لِعَبدِ اللّهِ بِثَلاثِمِئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، ولِكُلِّ رَجُلٍ مِنَ القَومِ بِمئَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، وصَكَّ بِذلِكَ إلَى ابنِ أرقَمَ ، فَاستَكثَرَهُ ، وَردَّ الصَّكَّ لَهُ .

.


1- .تاريخ المدينة : ج3 ص1022 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص168 وراجع الأوائل لأبي هلال : ص130 .
3- .المعارف لابن قتيبة : ص195 ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص198 ، تاريخ الطبري : ج4 ص345 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص279 وفيهما «خمسين ألفا» ، العقد الفريد : ج3 ص291 وفيه «عبيد اللّه . . .» ، الفتوح : ج2 ص370 ، تاريخ البصرة : ج3 ص91 وفيهما «ثلاثمئة ألف درهم» ؛ الشافي : ج4 ص273 وفيه «ثلاثمئة ألف» .

ص: 134

4 / 2 _ 5 ما أعطى سعيد بن العاص

ويُقالُ : إنَّهُ سَأَلَ عُثمانَ أن يَكتُبَ عَلَيهِ بِهِ ذِكرَ حَقٍّ ، فَأَبى ذلِكَ ، فَامتَنَعَ ابنُ الأَرقَمِ مِن أن يَدفَعَ المالَ إلَى القَومِ . فَقالَ لَهُ عُثمانُ : إنَّما أنتَ خازِنٌ لَنَا ، فَما حَمَلَكَ عَلى ما فَعَلتَ ؟ ! ! فَقالَ ابنُ الأَرقَمِ : كُنتُ أراني خازِنا لِلمُسلِمينَ ، وإنَّما خازِنُكَ غُلامُكَ ! ! وَاللّهِ لا ألي لَكَ بَيتَ المالِ أبَدا . وجاءَ بِالمَفاتيحِ فَعَلَّقَها عَلَى المِنبَرِ ، ويُقالُ : بَل ألقاها إلى عُثمانَ . فَدَفَعها عُثمانُ إلى ناتِلٍ مَولاهُ ، ثُمَّ وَلّى زَيدَ بنَ ثابِتٍ الأَنصارِيَّ بَيتَ المالِ ، وأعطاهُ المَفاتيحَ (1) .

4 / 2 _ 5ما أعطى سَعيدَ بنَ العاصِأنساب الأشراف عن أبي مِخنَف والواقِدي :أنكَرَ النّاسُ عَلى عُثمانَ إعطاءَهُ سَعيدَ بنَ العاصِ 2 مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ ، فَكَلَّمَهُ عَلِيٌّ وَالزُّبَيرُ وطَلحَةُ وسَعدٌ وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوف

.


1- .أنساب الأشراف : ج6 ص173 وراجع شرح نهج البلاغة : ج3 ص35 والشافي : ج4 ص274 .

ص: 135

4 / 2 _ 6 ما أعطى أبا سفيان بن حرب
4 / 2 _ 7 ما أعطى عبد اللّه بن أبي سرح

في ذلِكَ فَقالَ : إنَّ لَهُ قَرابةً ورَحِما ! قالوا : أفَما كانَ لِأَبي بَكرٍ وعُمَرَ قَرابَةٌ وذَوو رَحِمٍ ؟ ! فَقالَ : إنَّ أبا بَكرٍ وعُمَرَ كانا يَحتَسِبانِ في مَنعِ قَرابَتِهِما ، وأنَا أحتَسِبُ في إعطاءِ قَرابتي (1) .

4 / 2 _ 6ما أعطى أبا سُفيانَ بنَ حَربٍشرح نهج البلاغة :أعطى [ عثمانُ ]أبا سُفيانَ بنَ حَربٍ مِئَتَي ألفٍ مِن بَيتِ المالِ ، فِي اليَومِ الَّذي أمَرَ فيهِ لِمَروانَ بنِ الحَكَمِ بِمِئَةِ ألفٍ مِن بَيتِ المالِ (2) .

4 / 2 _ 7ما أعطى عَبدَ اللّهِ بنَ أبي سَرحٍالكامل في التاريخ :إنَّهُ [ عُثمانَ ] أعطى عَبدَ اللّهِ خُمُسَ الغَزوَةِ الاُولى ، وأعطى مَروانَ خُمُسَ الغَزوَةِ الثّانِيَةِ ؛ الَّتِي افتُتِحَت فيها جَميعُ إفريقِيَّةٍ (3) .

.


1- .أنساب الأشراف : ج6 ص137 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص35 ؛ الشافي : ج4 ص273 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص199 .
3- .الكامل في التاريخ : ج2 ص237 .

ص: 136

4 / 2 _ 8 ما أعطى زيد بن ثابت

شرح نهج البلاغة :أعطى [ عثمانُ ]عَبدَ اللّهِ بنَ أبي سَرحٍ جميعَ ما أفاءَ اللّهُ عَلَيهِ مِن فَتحِ إفريقِيَّةٍ بِالمَغرِبِ ؛ وهِيَ مِن طَرابلُسَ (1) الغَربِ إلى طَنجَةَ (2) ، مِن غَيرِ أن يَشرَكَهُ فيهِ أحَدٌ مِنَ المُسلِمينَ (3) .

راجع : ص 145 (تولية أعداء الإسلام من أقربائه على البلاد) .

4 / 2 _ 8ما أعطى زَيدَ بنَ ثابِتٍالشافي عن الواقدي :إنَّ زَيدَ بنَ ثابِتٍ اِجتَمَعَ عَلَيهِ عِصابَةٌ مِنَ الأَنصارِ وهُوَ يَدعوهُم إلى نَصرِ عُثمانَ ، فَوَقَفَ عَلَيهِ جَبَلَةُ بنُ عَمرِو بنِ حَيَّةٍ المازِنِيُّ ، فَقالَ لَهُ جَبَلَةُ : ما يَمنَعُكَ يا زَيدُ أن تَذُبَّ عَنهُ ! أعطاكَ عَشرَةَ آلافِ دينارٍ ، وأعطاكَ حَدائِقَ مِن نَخلٍ لَم تَرِث مِن أبيكَ مِثلَ حَديقَةٍ مِنها ! ! (4)

أنساب الأشراف :لَمّا أعطى عُثمانُ . . . زَيدَ بنَ ثابِتٍ الأَنصارِيَّ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ ، جَعَلَ أبو ذَرٍّ يَقولُ : بَشِّرِ الكانِزينَ بِعَذابٍ أليمٍ ، ويَتلو قَولَ اللّهِ عَزَّوجَلَّ : «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ» الآية (5)(6) .

أنساب الأشراف عن أبي مِخنَف :إنَّ زَيدَ بنَ ثابِتٍ الأَنصارِيَّ قالَ : يا مَعشَرَ الأَنصارِ ، إنَّكُم

.


1- .طَرابُلس الغرب: مدينة تقع شمال إفريقيّة، وهي من آخر المدن الَّتي في شرقي القيروان ، وتقع على البحر بين تونس ومصر، وتعرف بكرسيّ إفريقيّة، وهي مبنيّة بالصخر (راجع تقويم البلدان : ص147).
2- .طَنْجَة: مدينة تقع شمال إفريقيّة، على ساحل بحر المغرب مقابل الجزيرة الخضراء ، وهي من البرّ الأعظم وبلاد البربر (معجم البلدان : ج4 ص43).
3- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص199 وراجع تنقيح المقال : ج2 ص184 الرقم 6876 .
4- .الشافي : ج4 ص241 ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص8 .
5- .التوبة : 34 .
6- .أنساب الأشراف : ج6 ص166 وراجع الجمل : ص183 .

ص: 137

4 / 2 _ 9 ما أعطى ابن شريكه في الجاهليّة
4 / 2 _ 10 ما أعطى طلحة بن عبيد اللّه

نَصَرتُمُ اللّهَ ونَبِيَّهُ ، فَانصُروا خَليفَتَهُ . فَأَجابَهُ قَومٌ مِنهُم ؛ فَقالَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ : يا زَيدُ ، أشبَعَكَ عُثمانُ مِن عِضدانِ المَدينَةِ (1) .

مروج الذهب عن سعيد بن المُسَيِّب :إنَّ زَيدَ بنَ ثابِتٍ حينَ ماتَ خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ما كانَ يُكسَرُ بِالفُؤوسِ ، غَيرَ ما خَلَّفَ مِنَ الأَموالِ وَالضِّياعِ بِقيمَةِ مِئَةِ ألفِ دينارٍ (2) .

4 / 2 _ 9ما أعطَى ابنَ شَريكِهِ فِي الجاهِلِيَّةِتاريخ الطبري عن سحيم بن حَفصٍ :كانَ رَبيعَةُ بنُ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ شَريكَ عُثمانَ فِي الجاهِلِيَّةِ ، فَقالَ العَبّاسُ بنُ رَبيعَةَ لِعُثمانَ : اُكتُب لي إلَى ابنِ عامِرٍ يُسلِفُني مِئَةَ ألفٍ . فَكَتَبَ ، فَأَعطاهُ مِئَةَ ألفٍ ؛ وَصَلَهُ بِها ، وأقطَعَهُ دارَهُ ؛ دارَ العَبّاسِ بنِ رَبيعَةَ اليَومَ (3) .

4 / 2 _ 10ما أعطى طَلحَةَ بنَ عُبَيدِ اللّهِأنساب الأشراف عن موسى بن طلحة :أعطى عُثمانُ طَلحَةَ في خِلافَتِهِ مِئَتَي ألفِ دينارٍ (4) .

تاريخ المدينة عن موسى بن طَلحَة :أوَّلُ مَن أقطَعَ بِالعِراقِ عُثمانُ بن عَفّانَ قَطائِعَ مِمّا كانَ مِن صَوافي آلِ كَسرى ، ومِمّا جَلا عَنهُ أهلُهُ ، فَقَطَعَ (5) لِطَلحَة

.


1- .أنساب الأشراف : ج6 ص197 .
2- .مروج الذهب : ج2 ص342 .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص404 ، أنساب الأشراف : ج6 ص151 ، المعارف لابن قتيبة : ص128 نحوه .
4- .أنساب الأشراف : ج6 ص108 ؛ الغدير : ج8 ص283 .
5- .كذا ، والظاهر أنّ الصحيح : «فأقطَع» .

ص: 138

4 / 2 _ 11 ما أعطى الزّبير

ابنِ عُبَيدِ اللّهِ النَّشاستَجَ (1)(2) .

تاريخ الطبري :قالَ خُنَيسُ بنُ فُلانٍ : ما أجوَدَ طَلحَةَ بنَ عُبَيدِ اللّهِ ! فَقالَ سَعيدُ بنُ العاصِ : إنَّ مَن لَهُ مثلُ النَّشاستَجِ لَحَقيقٌ أن يَكونَ جَوادا ، وَاللّهِ لَو أنَّ لي مِثلَهُ لاَعاشَكُمُ اللّهُ عَيشا رَغَدا (3) .

شرح نهج البلاغة عن عثمان :وَيلي عَلَى ابنِ الحَضرَمِيَّةِ ؛ يَعني طَلحَةَ ، أعطَيتُهُ كَذا وكَذا بُهارا (4) ذَهَبا ، وهُوَ يَرومُ (5) دمي ؛ يُحَرِّضُ عَلى نَفسي ، اللّهُمَّ لا تُمَتِّعهُ بِهِ ، ولَقِّهِ عَواقِبَ بَغيِهِ (6) .

4 / 2 _ 11ما أعطَى الزُّبَيرَالطبقات الكبرى عن أبي حصين :إنَّ عُثمانَ أجازَ الزُّبَيرَ بنَ العَوّامِ بِسِتِّمِئَةِ ألفٍ ، فَنَزَلَ عَلى أخوالِهِ ؛ بَني كاهِلٍ ، فَقالَ : أيُّ المالِ أجوَدُ ؟ قالوا : مالُ أصبَهانَ . قالَ : أعطوني مِن مالِ أصبَهانَ (7) .

الطبقات الكبرى عن عُروَة :كانَ لِلزُّبَيرِ بِمِصرَ خِطَطٌ (8) ، وبِالإِسكَندَرِيَّةِ خِطَطٌ ، وبِالكوفَة

.


1- .نَشاسْتَج : ضيعة أو نهر بالكوفة ، وكانت عظيمة كثيرة الدخل (معجم البلدان : ج5 ص285) .
2- .تاريخ المدينة : ج3 ص1020 ، معجم البلدان : ج5 ص286 .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص318 ، معجم البلدان : ج5 ص285 ، الفتنة ووقعة الجمل : ص35 .
4- .البُهار : الحِمل ، وقيل : هو ثلاثمئة رطل (لسان العرب : ج4 ص84) .
5- .رامَ الشيء يَرومُه : طلبه (لسان العرب : ج12 ص258) .
6- .شرح نهج البلاغة : ج9 ص35 .
7- .الطبقات الكبرى : ج3 ص107 ، تاريخ أصبهان : ج1 ص66 ، مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا : ص269 ح420 ، تاريخ المدينة : ج3 ص1021 .
8- .الخطِّة : الأرض والدار يختطّها الرجل في أرض غير مملوكة ليتحجّرها ويبني فيها ، وذلك إذا أذن السلطان لجماعة من المسلمين أن يختطّوا الدور في موضع بعينه ويتّخذوا فيه مساكن لهم . وجمع الخِطّة : خِطَط (لسان العرب : ج7 ص288) .

ص: 139

4 / 2 _ 12 ثروة عبد الرّحمن بن عوف

خِطَطٌ ، وبِالبَصرَةِ دورٌ ، وكانَت لَهُ غَلّاتٌ تَقدَمُ عَلَيهِ مِن أعراضِ المَدينَةِ (1) .

راجع : ج 3 ص 83 (الزبير بن العوّام) .

4 / 2 _ 12ثَروَةُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍتاريخ المدينة عن عثمان_ لِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ _: يا أبا مُحَمَّدٍ ، فَهَل وَلَّيتَني هذَا الأَمرَ يَومَ وَلَّيتَهُ وأنتَ تَقدِرُ عَلى أن تَصرِفَ ذلِكَ إلى نَفسِكَ ، أو تُوَلِّيَهُ مَن بَدا لَكَ ، وفِي القَومِ مَن هُوَ أمَسُّ بِكَ يَومَئِذٍ رَحِما مِنّي إلّا رَجاءَ الصِّلَةِ والاِحسانِ فيما بَيني وبَينَكَ ! ! (2)

مروج الذهب_ في ذِكرِ ثَروَةِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ الزُّهرِيِّ _: اِبتَنى دارَهُ ، ووَسَّعَها ، وكانَ عَلى مَربَطِهِ مِئَةُ فَرَسٍ ، ولَهُ ألفُ بَعيرٍ ، وعَشرَةُ آلافِ شاةٍ مِنَ الغَنَمِ ، وبَلَغَ بَعدَ وَفاتِهِ رُبُعُ ثَمَنِ مالِهِ أربَعَةً وثَمانينَ ألفا (3) .

تاريخ المدينة عن عبد اللّه بن الصامت_ في خَبرِ دُخولِ أبي ذَرٍّ عَلى عُثمانَ _: دَخَلَ عَلَيهِ وهُوَ يَقسِمُ مالَ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ بَينَ وَرَثَتِهِ ، وعِندَهُ كَعبٌ ، فَأَقبَلَ عُثمانُ . فَقالَ : يا أبا إسحاقَ ، ما تَقولُ في رَجُلٍ جَمَعَ هذَا المالَ فَكانَ يَتَصَدَّقُ مِنهُ ، ويَحمِلُ فِي السَّبيلِ ، ويَصِلُ الرَّحِمَ ؟ فَقالَ : إنّي لَأَرجو لَهُ خَيرا . فَغَضِبَ أبو ذَرٍّ ، ورَفَعَ عَلَيهِ العَصى ، وقالَ : ما يُدريكَ يَابنَ اليَهودِيَّةِ ! ! لَيَوَدَّن

.


1- .الطبقات الكبرى : ج3 ص110 .
2- .تاريخ المدينة : ج3 ص1028 .
3- .مروج الذهب : ج2 ص342 .

ص: 140

4 / 2 _ 13 الخليفة وخازن بيت المال

صاحِبُ هذَا المالِ يَومَ القِيامَةِ أن لَو كانَ عَقارِبُ تَلسَعُ السُّوَيداءَ مِن قَلبِهِ (1) .

الطبقات الكبرى عن عثمان بن الشريد :تَرَكَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ ألفَ بَعيرٍ ، وثَلاثَةَ آلافِ شاةٍ بِالبَقيعِ ، ومِئَةَ فَرَسٍ تَرعى بِالبَقيعِ . وكانَ يَزرَعُ بِالجُرفِ (2) عَلى عِشرينَ ناضِحا ، وكانَ يَدخُلُ قوتَ أهلِهِ مِن ذلِكَ سَنَةً (3) .

الطبقات الكبرى عن محمّد :إنَّ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ تُوُفِّيَ ، وكانَ فيما تَرَكَ ذَهَبٌ ؛ قُطِّعَ بِالفُؤوسِ حَتّى مَجِلَت (4) أيدِي الرِّجالِ مِنهُ . وتَرَكَ أربَعَ نِسوَةٍ ، فَاُخرِجَتِ امرَأةٌ مِن ثُمُنِها بِثَمانينَ ألفا (5) .

تاريخ اليعقوبي :كانَ عَبدُ الرَّحمنَ قَد أطلَقَ امرَأَتَهُ تُماضِرَ بِنتَ الأَصبَغِ الكَلبِيَّةَ لَمَّا اشتَدَّت عِلَّتُهُ ، فَوَرَّثَها عُثمانُ . فَصولِحَت عَن رُبُعِ الثُّمُنِ عَلى مِئَةِ ألفِ دينارٍ ، وقيلَ : ثَمانينَ ألفَ دينارٍ (6) .

4 / 2 _ 13الخَليفَةُ وخازِنُ بَيتِ المالِتاريخ اليعقوبي عن عبد الرحمن بن يَسار :رَأَيتُ عامِلَ صَدَقاتِ المُسلِمينَ عَلى سوقِ المَدينَةِ إذا أمسى أتاها عُثمانُ ، فَقالَ لَهُ : اِدفَعها إلَى الحَكَمِ ابنِ أبِي العاصِ .

.


1- .تاريخ المدينة : ج3 ص1036 ، سير أعلام النبلاء : ج2 ص67 الرقم 10 ، حلية الأولياء : ج1 ص160 .
2- .الجُرْف : موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام (معجم البلدان : ج2 ص128) .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص136 .
4- .مَجِلَت يدُه ومَجَلَت : ثخُن جلدُها وتعجّر ، وظهر فيها ما يشبه البَثر ؛ من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة (النهاية : ج4 ص300) .
5- .الطبقات الكبرى : ج3 ص136 ، اُسد الغابة : ج3 ص480 الرقم 3370 ، البداية والنهاية : ج7 ص164 كلاهما نحوه ، الرياض النضرة : ج4 ص315 .
6- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص169 .

ص: 141

وكانَ عُثمانُ إذا أجازَ أحَدا مِن أهلِ بَيتِهِ بِجائِزَةٍ جَعَلَها فَرضا مِن بَيتِ المالِ . فَجَعَلَ يُدافِعُهُ ويَقولُ لَهُ : يَكونُ ، فَنُعطيكَ إن شاءَ اللّهُ . فَأَلَحَّ عَلَيهِ . فَقالَ : إنَّما أنتَ خازِنٌ لَنا ! فَإِذا أعطَيناكَ فَخُذ ، وإذا سَكَتنا عَنكَ فَاسكُت ! ! فَقالَ: كَذَبتَ وَاللّهِ ! ما أنَا لَكَ بِخازنٍ ، ولا لِأَهلِ بَيتِكَ ، إنَّما أنَا خازِنُ المُسلِمينَ. وجاءَ بِالمِفتاحِ يَومَ الجُمُعَةِ _ وعُثمانُ يَخطُبُ _ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! زَعَمَ عُثمانُ أنّي خازِنٌ لَهُ ولِأَهلِ بَيتِهِ ! وإنَّما كُنتُ خازِنا لِلمُسلِمينَ ، وهذِهِ مَفاتيحُ بَيتِ مالِكُم _ ورَمى بِها _ . فَأَخَذَها عُثمانُ ، ودَفَعَها إلى زَيدِ بنِ ثابِتٍ (1) .

أنساب الأشراف عن أبي مِخنَف :لَمّا قَدِمَ الوَليدُ الكوفَةَ ألفَى ابنَ مَسعودٍ عَلى بَيتِ المالِ ، فَاستَقرَضَهُ مالاً _ وقَد كانَتِ الوُلاةُ تَفعَلُ ذلِكَ ثُمَّ تَرُدُّ ما تَأخُذُ _ ، فَأَقرَضَهُ عَبدُ اللّهِ ما سَأَلَهُ . ثُمَّ إنَّهُ اقتَضاهُ إيّاهُ ، فَكَتَبَ الوَليدُ في ذلِكَ إلى عُثمانَ . فَكَتَبَ عُثمانُ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ : إنّما أنتَ خازِنٌ لَنا ، فَلا تَعَرَّض لِلوَليدِ فيما أخَذَ مِنَ المالِ . فَطَرَحَ ابنُ مَسعودٍ المَفاتيحَ وقالَ : كُنتُ أظُنُّ أنّي خازِنٌ لِلمُسلِمينَ ! فَأَمّا إذ كُنتُ خازِنا لَكُم فَلا حاجَةَ لي في ذلِكَ . وأقامَ بِالكوفَةِ بَعدَ إلقائِهِ مَفاتيحَ بَيتِ المالِ (2) .

العِقد الفريد عن عبد اللّه بن سِنان :خَرَجَ عَلَينَا ابنُ مَسعودٍ ونَحنُ فِي المَسجِدِ وكانَ عَلى بَيتِ مالِ الكوفَةِ ، وأميرُ الكوفَةِ الوَليدُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ فَقالَ : يا أهلَ الكوفَةِ ، فُقِدَت مِن بَيتِ مالِكُمُ اللَّيلَةَ مِئَةُ ألفٍ ، لَم يَأتِني بِها كِتابٌ مِن أميرِ المُؤمِنينَ ، ولَم

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص168 ، الأمالي للمفيد : ص70 ح5 عن أبي يحيى مولى معاذ بن عفراء الأنصاري ؛ أنساب الأشراف : ج6 ص173 عن أبي مخنف ، الأوائل لأبي هلال : ص130 عن قتادة وكلّها نحوه .
2- .أنساب الأشراف : ج6 ص140 .

ص: 142

4 / 2 _ 14 الإصرار على استئثار الأقرباء

يَكتبُ لي بِها بَراءَةً ! ! قالَ : فَكَتَبَ الوَليدُ بنُ عُقبَةَ إلى عُثمانَ في ذلِكَ ، فَنَزَعَهُ عَن بَيتِ المالِ (1) .

4 / 2 _ 14الإِصرارُ عَلَى استِئثارِ الأَقرِباءِمسند ابن حنبل عن سالم بن أبي الجعد :دَعا عُثمانُ ناسا مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فيهِم عَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، فَقالَ : إنّي سائِلُكُم ، وإنّي اُحِبُّ أن تُصَدِّقوني : نَشَدتُكُم اللّهَ ! أ تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يُؤثِرُ قُرَيشا عَلى سائِرِ النّاسِ ، ويُؤثِرُ بَني هاشِمٍ عَلى سائِرِ قُرَيشٍ ؟ ! فَسَكَتَ القَومُ . فَقالَ عُثمانُ : لَو أنَّ بِيَدي مَفاتيحَ الجَنَّةِ لَأَعطَيتُها بَني اُمَيَّةَ ، حَتّى يَدخُلوا مِن عِندِ آخِرِهِم ! ! (2)

أنساب الأشراف عن أبي مِخنَف_ في إسنادِهِ _: كانَ في بَيتِ المالِ بِالمَدينَةِ سَفَطٌ (3) ، فيهِ حَليٌ وجَوهَرٌ ، فَأَخَذَ مِنهُ عُثمانُ ما حَلّى بِهِ بَعضَ أهلِهِ . فَأَظهَرَ النّاسُ الطَّعنَ عَلَيهِ في ذلِكَ ، وكَلَّموهُ فيهِ بِكَلامٍ شَديدٍ ، حَتّى أغضَبوهُ . فَخَطَبَ فَقالَ : لَنَأخُذَنَّ حاجَتَنا مِن هذَا الفَيءِ ، وإن رَغِمَت اُنوفُ أقوامٍ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : إذا تُمنَعُ مِن ذلِكَ ، ويُحالُ بَينكَ وبَينَهُ . وقالَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ : اُشهِدُ اللّهَ أنَّ أنفي أوَّلُ راغِمٍ مِن ذلِكَ (4) .

.


1- .العقد الفريد : ج3 ص308 .
2- .مسند ابن حنبل : ج1 ص136 ح439 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص432 ، تاريخ المدينة : ج3 ص1098 ، تاريخ دمشق : ج39 ص252 ، البداية والنهاية : ج7 ص178 .
3- .السَّفَط : الَّذي يعبّى فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء (تاج العروس : ج10 ص281) .
4- .أنساب الأشراف : ج6 ص161 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص49 ؛ الشافي : ج4 ص289 ، الدرجات الرفيعة : ص262 .

ص: 143

4 / 3 ردّ طرداء رسول اللّه

تاريخ الطبري عن عثمان :إنَّ عُمَرَ كانَ يَمنَعُ أهلَهُ وأقرِباءَهُ ابِتغاءَ وَجهِ اللّهِ ، وإنّي اُعطي أهلي وأقرِبائِيَ ابتِغاءَ وَجهِ اللّهِ (1) .

أنساب الأشراف عن الزُّهري :لَمّا وُلِّيَ عُثمانُ عاشَ اثنَتَي عَشَرَةَ سَنَةً أميرا ؛ فَمَكَثَ سِتَّ سِنينَ لا ينقم النّاس عَلَيهِ شَيئا ، وإنَّهُ لَأَحبُّ إلى قُرَيشٍ مِن عُمَرَ ؛ لِشِدَّةِ عُمَرَ ، ولينِ عُثمانَ لَهُم ، ورِفقِهِ بِهِم . ثُمَّ تَوانى في أمرِهِم ، وَاستَعمَلَ أقارِبَهُ وأهلَ بَيتِهِ فِي السِّتِّ الأَواخِرِ ، وأهمَلَهُم . وكَتَبَ لِمَروانَ بنِ الحَكَمِ بِخُمُسِ إفريقِيَّةٍ ، وأعطى أقارِبَهُ المالَ ، وتَأَوَّلَ في ذلِكَ الصِّلَةَ الَّتي أمَرَ اللّهُ بِها ، وَاتَّخَذَ الأَموالَ ، وَاستَسلَفَ مِن بَيتِ المالِ مالاً . وقالَ : إنَّ أبا بَكرٍ وعُمَرَ تَرَكا مِن هذَا المالِ ما كانَ لَهُما ، وإنّي آخُذُهُ فَأَصِلُ بِهِ ذَوي رَحِمي . فَأَنكَرَ النّاسُ ذلِكَ عَلَيهِ (2) .

4 / 3رَدُّ طُرَداءِ رَسولِ اللّهِمروج الذهب :قَدِمَ عَلى عُثمانَ عَمُّهُ الحَكَمُ بنُ أبِي العاصِ وَابنُهُ مَروانُ وغَيرُهُما مِن بَني اُمَيَّةَ ، وَالحَكَمُ هُوَ طَريدُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ الَّذي غَرَّبَهُ عَنِ المَدينَةِ ، ونَفاهُ عَن جِوارِهِ (3) .

تاريخ اليعقوبي :كَتَبَ عُثمانُ إلَى الحَكَمِ بنِ أبِي العاصِ أن يَقدَمَ عَلَيهِ _ وكانَ طَريدَ رَسولِ اللّهِ _ وقَد كانَ عُثمانُ لَمّا وُلِّيَ أبو بَكرٍ اِجتَمَعَ هُوَ وقَومٌ مِن بَني اُمَيَّةَ إلى أبي بَكرٍ ، فَسَأَلوهُ فِي الحَكَمِ ، فَلَم يَأذَن لَهُ ، فَلَمّا وُلِّيَ عُمَرُ فَعلوا ذلِكَ ، فَلَم يَأذَن لَه

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص226 .
2- .أنساب الأشراف : ج6 ص133 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص64 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص431 .
3- .مروج الذهب : ج2 ص343 وراجع تاريخ أبي الفداء : ج1 ص169 .

ص: 144

فَأَنكَرَ النّاسُ إذنَهُ لَهُ . وقالَ بَعضُهُم : رَأَيتُ الحَكَمَ بنَ أبِي العاصِ يَومَ قَدِمَ المَدينَةَ عَلَيهِ فزر خلقٍ (1) ، وهُوَ يَسوق تَيسا ، حَتّى دَخَلَ دارَ عُثمانَ ، وَالنّاسُ يَنظُرونَ إلى سوءِ حالِهِ وحالِ مَن مَعَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ وعَلَيهِ جُبَّةُ خَزٍّ وطَيلَسانٌ (2) .

العقد الفريد :لَمّا رَدَّ عُثمانُ الحَكَمَ بنَ أبِي العاصِ ؛ طَريدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وطَريدَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ إلَى المَدينَةِ ، تَكَلَّمَ النّاسُ في ذلِكَ . فَقالَ عُثمانُ : ما يَنقِمُ النّاسُ مِنّي ! إنّي وَصَلتُ رَحِما ، وقَرَّبتُ قَرابَةً (3) .

أنساب الأشراف عن هشام الكلبي عن أبيه :إنَّ الحَكَمَ بنَ أبِي العاصِ بنِ اُمَيَّةَ عَمَّ عُثمانَ بنِ عَفّانَ بنِ أبِي العاصِ بنِ اُمَيَّةَ _ كانَ جارا لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الجاهِلِيَّةِ ، وكانَ أشَدَّ جيرانِهِ أذىً لَهُ فِي الإِسلامِ ، وكانَ قُدومُهُ المَدينَةَ بَعدَ فَتحِ مَكَّةَ ، وكانَ مَغموصا (4) عَلَيهِ في دينِهِ . فَكانَ يَمُرُّ خَلفَ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله فَيَغمِزُ بِهِ ، ويَحكيهِ ، ويَخلجُ بِأَنفِهِ وفَمِهِ ، وإذا صَلّى قامَ خَلفَهُ فَأَشارَ بِأَصابِعِهِ . فَبَقِيَ عَلى تَخليجِهِ ، وأصابَتهُ خبلةٌ . وَاطَّلَعَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ وهُوَ في بَعضِ حُجَرِ نِسائِهِ ، فَعَرَفَهُ ، وخَرَجَ إلَيهِ بِعَنَزَةٍ ، وقالَ : مَن عَذيري مِن هذَا الوَزَغَةِ اللَّعينِ . ثُمَّ قالَ : لا يُساكِنُني ولا وَلَدُهُ . فَغَرَّبَهُم جَميعا إلَى الطّائِفِ . فَلَمّا قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، كَلَّمَ عُثمانُ أبا بَكرٍ فيهِم ، وسَأَلَهُ رَدَّهُمُ ، فَأَبى ذلِكَ ، وقالَ : ما كُنتُ لآوي طُرَداءَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . ثُمَّ لَمَّا استُخلِفَ عُمَرُ كَلَّمَهُ فيهِم ، فَقال

.


1- .الفَزْر : الفسخ في الثوب ، والفِزَر : الشقوق . وخَلَق الشيءُ وخَلُق : بلِيَ (لسان العرب : ج5 ص53 و ج10 ص88) .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص164 .
3- .العقد الفريد : ج3 ص308 .
4- .رجل مَغموصٌ عليه في حَسَبه أو في دينه : أي مطعون عليه (لسان العرب : ج7 ص612) .

ص: 145

4 / 4 تولية أعداء الإسلام من أقربائه على البلاد

مِثلَ قَولِ أبي بَكرٍ . فَلَمَّا استُخلِفَ عُثمانُ أدخَلَهُمُ المَدينَةَ ، وقالَ : قُد كُنتُ كَلَّمتُ رَسولَ اللّهِ فيهِم وسَأَلتُهُ رَدَّهُم ، فَوَعَدَني أن يَأذِنَ لَهُم ، فَقُبِضَ قَبلَ ذلِكَ . فَأَنكَرَ المُسلِمونَ عَلَيهِ إدخالَهُ إيّاهُمُ المَدينَةَ (1) .

4 / 4تَولِيَةُ أعداءِ الإِسلامِ مِن أقرِبائِهِ عَلَى البِلادِالآثار عن أبي حنيفة :بَلَغَني أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ قالَ : لَو وَلَّيتُها عُثمانَ لَحَمَلَ آلَ أبي مُعَيطٍ عَلى رِقابِ النّاسِ ، وَاللّهِ لَو فَعَلتُ لَفَعَلَ ! ولَو فَعَلَ لَأَوشَكوا أن يَسيروا إلَيهِ حَتّى يَجزّوا رَأسَهُ ! ! (2)

تاريخ المدينة عن المدائني :قالَ مُعاوِيَةُ [لِعُثمانَ] : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّكَ قَد بَلَغتَ مِن صِلَتِنا مايَبلُغُهُ كَريمُ قَومٍ مِن صِلَةِ قَومٍ (3) ؛ حَمَلتَنا عَلى رِقابِ النّاسِ ، وجَعَلتَنا أوتادَ الأَرضِ ، فَخُذ كُلَّ رَجُلٍ مِنّا بِعَمَلِهِ وما يَليهِ يَكفِكَ . قالَ : فَأَخَذَ بِقَولِ مُعاوِيَةَ ، ورَدَّ عُمّالَهُ إلى أمصارِهِم (4) .

إرشاد القلوب عن حُذَيفَة بن اليَمانِ :لَمَّا استُخلِصَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ آوى إلَيهِ عَمَّهُ الحَكَمَ بنَ العاصِ ، ووَلَدَهُ مَروانَ ، وَالحارِثَ بنَ الحَكَمِ ، ووَجَّهَ عُمّالَهُ فِي الأَمصارِ . وكانَ فيمَن عَمَّلَهُ (5) عُمَرُ بنُ سُفيانَ بنِ المُغيرَةَ بنِ أبِي العاصِ بنِ اُمَيَّةَ إلى

.


1- .أنساب الأشراف : ج6 ص135 وراجع الأوائل لأبي هلال : ص127 .
2- .الآثار : ص217 ح960 وراجع أنساب الأشراف : ج6 ص121 وتاريخ المدينة : ج3 ص881 والصراط المستقيم : ج3 ص23 .
3- .كذا والظاهر أنّ الصحيح : «قومه» .
4- .تاريخ المدينة : ج3 ص1096 .
5- .عمَّلْته : ولّيته ، وجعلته عاملاً (لسان العرب : ج11 ص475) .

ص: 146

مُشكانَ (1) ، وَالحارِثُ بنُ الحَكَمِ إلَى المَدائِنِ (2) ، فَأَقامَ بِها مُدَّةً يَتَعَسَّفُ أهلَها ، ويُسيءُ مُعامَلَتَهُم . فَوَفَدَ مِنهُم إلى عُثمانَ وَفدٌ يَشكوهُ ، وأعلَموهُ بِسوءِ ما يُعامِلُهُم بِهِ ، وأغلَظوا عَلَيهِ فِي القَولِ ، فَوَلّى حُذَيفَةَ بنَ اليَمانِ عَلَيهِم ، وذلِكَ في آخِرِ أيّامِهِ (3) .

مروج الذهب :كانَ عُمّالُهُ [عُثمانَ ]جَماعَةً ، مِنهُمُ : الوَليدُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ عَلَى الكوفَةِ ، وهُوَ مِمَّن أخبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ مِن أهلِ النّارِ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ أبي سَرحٍ عَلى مِصرَ ، ومُعاوِيَةُ بن أبي سُفيانَ عَلَى الشّامِ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ عامِرٍ عَلَى البَصرَةِ . وصَرَفَ عَنِ الكوفَةِ الوَليدَ بنَ عُقبَةَ ، ووَلّاها سَعيدَ بنَ العاصِ (4) .

أنساب الأشراف :أمّا عَبدُ اللّهِ بنُ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ فَإِنَّهُ أسلَمَ ، وكانَ يَكتُبُ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَيُملي عَلَيهِ : «الكافِرينَ» فَيَجعَلُها «الظّالِمينَ» ، ويُملي عَلَيهِ : «عَزيزٌ حَكيمٌ» فَيَجعَلُها «عَليمٌ حَكيمٌ» ، وأشباهَ هذا . فَقالَ : أنَا أقولُ كَما يَقولُ مُحَمَّدٌ ، وآتي بِمِثلِ ما يَأتي بِهِ مُحَمَّدٌ ، فَأَنزَلَ اللّهُ فيهِ : «وَمَنْ أَظْ _لَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ اُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ» (5) . وهَرَبَ إلى مَكَّةَ مُرتَدّا ، فَأَمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِقَتلِهِ . وكانَ أخا عُثمانَ بنِ عَفّانَ مِن

.


1- .مُشكان : قرية باصطخر ، ومُشكان : قرية بفيروز آباد فارس ، وأيضاً : قرية من عمل همذان بالقرب من قرية يقال لها : روادور ، ومشكان أيضاً : مدينة بقهستان (تاج العروس : ج13 ص644) .
2- .المَدائِن: أصل تسميتها هي : المدائن السبعة ، وكانت مقرّ ملوك الفرس . وهي تقع على نهر دجلة من شرقيّها تحت بغداد على مرحلة منها . وفيها إيوان كسرى . فُتحت هذه المدينة في (14 ه . ق) على يد المسلمين (راجع تقويم البلدان : ص302).
3- .إرشاد القلوب : ص321 ، بحار الأنوار : ج28 ص86 ح3 .
4- .مروج الذهب : ج2 ص343 و ص 346 ، الفتوح : ج2 ص370 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص299 كلّها نحوه .
5- .الأنعام : 93 .

ص: 147

الرَّضاعِ ؛ فَطَلَبَ فيهِ أشَدَّ طَلَبٍ حَتّى كَفَّ عَنهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وقالَ : أما كانَ فيكُم مَن يَقومُ إلى هذَا الكَلبِ قَبلَ أن اُؤَمِّنَهُ فَيَقتُلُهُ ! ! فَقالَ عُمَرُ _ ويُقالُ أبُو اليُسرِ _ : لَو أومَأتَ إلَينا ، قَتَلناهُ .فَقالَ : إنّي ما أقتُلُ بِإِشارَةٍ ؛ لِأَنَّ الأَنبِياءَ لا يَكونُ لَهُم خائِنَةُ الأَعيُنِ .وكانَ يَأتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ . ووَلّاهُ عُثمانُ مِصرَ (1) .

أنساب الأشراف :كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَجَّهَ الوَليدَ عَلى صَدَقاتِ بَنِي المُصطَلِقِ ، فَجاءَ فَقالَ : إنَّهُم مَنَعُوا الصَّدَقَةَ ، فَنَزَلَ فيهِ : «إِن جَآءَكُمْ فَاسِق» (2) . (3)

البداية والنهاية :الوَليدُ بنُ عُقبَةَ . . . قَد وَلّاهُ عُمَرُ صَدَقاتِ بَني تَغلِبَ ، ووَلّاهُ عُثمانُ نِيابَةَ الكوفَةِ بَعدَ سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ سَنَةَ خَمسٍ وعِشرينَ (4) .

الإمام عليّ عليه السلام :ما يُريدُ عُثمانُ أن يَنصَحَهُ أحَدٌ ! ! اِتَّخَذَ بِطانَةً (5) أهلَ غِشٍّ ، لَيسَ مِنهُم أحَدٌ إلّا قَد تَسَبَّبَ بِطائِفَةٍ مِنَ الأَرضِ ؛ يَأكُلُ خَراجَها ، ويَستَذِلُّ أهلَها (6) .

.


1- .أنساب الأشراف : ج1 ص454 ، سنن أبي داوود : ج3 ص59 ح2683 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص47 ح4360 و ح4361 و ص 48 ح4362 قال الحاكم : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر قبل دخوله مكّة بقتل عبد اللّه بن سعد وعبد اللّه بن خطل ، فمن نظر في مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفّان وجنايات عبد اللّه بن سعد عليه بمصر إلى أن كان أمره ما كان ، علم أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان أعرف به» ، المغازي : ج2 ص855 ، تاريخ دمشق : ج29 ص34 _ 36 ، الاستيعاب : ج3 ص50 الرقم 1571 ، المعارف لابن قتيبة : ص300 كلّها نحوه .
2- .الحجرات : 6 .
3- .أنساب الأشراف : ج6 ص145 ، المعجم الكبير : ج23 ص401 ح960 عن اُمّ سلمة ، الاستيعاب : ج4 ص114 الرقم 2750 وزاد في صدره «ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أنّ قوله عزّ وجلّ : «إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ . . .» نزلت في الوليد بن عقبة» وراجع مسند ابن حنبل : ج6 ص396 ح18486 والمعجم الكبير : ج3 ص274 ح3395 .
4- .البداية والنهاية : ج8 ص214 ، تهذيب الكمال : ج31 ص54 الرقم6723 وليس فيه «سنة خمس وعشرين» وراجع الاستيعاب : ج4 ص115 الرقم 2750 .
5- .بِطانَة الرجل : خاصّته ، وصاحب سرّه وداخلة أمره الَّذي يشاوره في أحواله (لسان العرب : ج13 ص55) .
6- .تاريخ الطبري : ج4 ص406 .

ص: 148

تاريخ الطبري_ فِي الكِتابِ الَّذي كُتِبَ بِأَمرِ المُعتَضِد لِيُقرَأَ بَعدَ صَلاةِ الجُمُعَةِ _: وأشَدُّهم في ذلِكَ عَداوَةً . . . أبو سُفيانَ بنُ حَربٍ ، وأشياعُهُ مِن بَني اُمَيَّةَ المَلعونينَ في كِتابِ اللّهِ ، ثُمَّ المَلعونينَ عَلى لِسانِ رَسولِ اللّهِ في عِدَّةِ مَواطِنَ ، وعِدَّةِ مَواضِعَ ؛ لِماضي عِلمِ اللّهِ فيهِم ، وفي أمرِهِم ، ونِفاقِهِم . . . فَمِمّا لَعنَهُمُ اللّهُ بِهِ عَلى لسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وأنزَلَ بِهِ كِتابا قَولُهُ : «وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَا طُغْيَ_نًا كَبِيرًا» (1) ، ولَا اختِلافَ بَينَ أحَدٍ أنَّهُ أرادَ بِها بَني اُمَيَّةَ . . . . ومِنهُ ما يَرويهِ الرُّواةُ مِن قَولِهِ [ أبي سُفيانَ ] : « يا بَني عَبدِ مِنافٍ ، تَلَقَّفوها تَلَقُّفَ الكرةِ ، فَما هُناكَ جَنَّةٌ ولا نارٌ» وهذا كَفرُ صراح ، يَلحَقُهُ بِهِ اللَّعنَة مِنَ اللّهِ ، كَما لَحِقت (2) .

شرح نهج البلاغة :قالَ أبو سُفيانَ في أيّامِ عُثمانَ _ وقَد مَرَّ بِقَبرِ حَمزَةَ وضَرَبَهُ بِرِجلِهِ وقالَ _ : يا أبا عمارَةَ ، إنَّ الأَمرَ الَّذِي اجتَلَدنا عَلَيهِ بِالسَّيفِ أمسى في يَدِ غِلمانِنَا اليَومَ ، يَتَلَعَّبونَ بِهِ ! (3)

الأغاني عن الحسن :دَخَلَ أبو سُفيانَ عَلى عُثمانَ بَعدَ أن كُفَّ بَصَرُهُ ، فَقالَ : هَل عَلَينا مِن عَينٍ (4) ؟ فَقالَ لَهُ عُثمانُ : لا . فَقالَ : يا عُثمانُ ، إنَّ الأَمرَ أمرٌ عالِمِيَّةٌ ، وَالمُلكُ مُلكٌ جاهِلِيَّةٌ ، فَاجعَل أوتادَ الأَرضِ بَني اُمَيَّةَ (5) .

.


1- .الإسراء : 60 .
2- .تاريخ الطبري : ج10 ص57 ، الأغاني : ج6 ص371 ، الاستيعاب : ج4 ص241 الرقم 3035 وفيهما ذيله ، شرح نهج البلاغة: ج 15 ص175 ح27 نحوه . راجع : ج 3 ص 292 (بلاغ تعميمي للمعتضد العبّاسي) .
3- .شرح نهج البلاغة : ج16 ص136 .
4- .العين : الَّذي يُبعث ليتجسّس الخبر (لسان العرب : ج13 ص301) .
5- .الأغاني : ج6 ص370 ، تاريخ دمشق : ج23 ص471 عن أنس وفيه «اللّهُمّ اجعل الأمر أمر جاهليّة ، والملك ملك غاصبيّة ، واجعل أوتاد الأرض لبني اُميّة» بدل «إنّ الأمر . . .» .

ص: 149

مروج الذهب :قَد كانَ عَمّارٌ _ حينَ بويعَ عُثمانُ _ بَلَغَهُ قَولُ أبي سُفيانَ صَخرِ بنِ حَربٍ في دارِ عُثمانَ عَقيبَ الوَقتِ الَّذي بويِعَ فيهِ عُثمانُ ، ودَخَلَ دارَهُ ومَعَهُ بَنو اُمَيَّةَ ، فَقالَ أبو سُفيانَ : أفيكُم أحَدٌ مِن غَيرِكُم _ وقَد كانَ عَمِيَ _ ؟ قالوا : لا . قالَ : يا بَني اُمَيَّةَ ، تَلَقَّفوها تَلَقُّفَ الكُرَةِ ، فَوَالَّذي يَحلِفُ بِهِ أبو سُفيانَ ما زِلتُ أرجوها لَكُم ، وَلتَصيرَنَّ إلى صِبيانِكُم وَراثَةً . فَانتَهَرَهُ عُثمانُ ، وساءَهُ ما قالَ . ونُمِيَ (1) هذَا القَولُ إلَى المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، وغَيرُ ذلِكَ الكَلامُ . فَقامَ عَمّارٌ فِي المَسجِدِ فَقالَ : يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ، أما إذ صَرَفتُم هذَا الأَمرَ عَن أهلِ بَيتِ نَبِيِّكُم ؛ هاهُنا مَرَّةً ، وهاهُنا مَرَّةً ، فَما أنَا بِآمَنَ مِن أن يَنزَعَهُ اللّهُ مِنكُم فَيَضَعَهُ في غَيرِكُم ، كَما نَزَعتُموهُ مِن أهلِهِ ووَضَعتُموهُ في غَيرِ أهلِهِ ! (2)

أنساب الأشراف :كانَ عُثمانُ وَلَّى الحارِثَ [ بنَ الحَكَمِ ]السّوقَ ، فَكانَ يَشتَرِي الجَلَبَ (3) بِحَكَمِهِ (4) ، ويَبيعُهُ بِسَومِهِ (5) ، ويجبي مَقاعِدَ المُتَسَوِّقينَ ، ويَصنَعُ صَنيعا مُنكَرا . فَكُلِّمَ في إخراجِ السّوقِ مِن يَدِهِ ، فَلَم يَفعَل (6) .

الاستيعاب :إنَّهُ [شبلَ بنَ خالِدٍ] دَخَلَ عَلى عُثمانَ حينَ لَم يَكُن عِندَهُ غَيرُ اُمَوِيٍّ ، فَقالَ : ما لَكُم مَعشَرَ قُرَيشٍ ، أما فيكُم صَغيرٌ تُريدونَ أن يَنبُلَ ، أو فَقيرٌ تُريدونَ غِناهُ ، أو خامِلٌ تُريدونَ التَّنويهَ بِاسمِهِ ! ! عَلامَ أقطَعتُم هذَا الأَشعَرِيَّ العِراقَ ، يَأكُلُها خَضما ؟ !

.


1- .نميتُ الحديث : رفعتُه وأبلغتُه (النهاية : ج5 ص121) .
2- .مروج الذهب : ج2 ص351 .
3- .الجَلَب : ما جُلب من خيل وإبل ومتاع (لسان العرب : ج1 ص268) .
4- .حَكَم : جمع حَكَمة : وهي اللجام (لسان العرب : ج12 ص144) .
5- .السَّوْم : أن تُجشّم إنسانا مشقّة أو سوءا أو ظلما (لسان العرب : ج12 ص312) .
6- .أنساب الأشراف : ج6 ص160 .

ص: 150

4 / 5 الصّدّ عن إقامة الحدّ على الوليد

فَقالَ عُثمانُ : ومَن لَها ؟ فَأَشاروا بِعَبدِ اللّهِ بنِ عامِرٍ ، وهُوَ ابنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً ، فَوَلّاهُ حينَئِذٍ (1) .

راجع : ج3 ص93 (عبد اللّه بن عامر) .

4 / 5الصَّدُّ عَن إقامَةِ الحَدِّ عَلَى الوَليدِمروج الذهب :إنَّ الوَليدَ بنَ عُقبَةَ كانَ يَشرَبُ مَعَ نُدَمائِهِ وَمُغَنّيهِ مِن أوَّلِ اللَّيلِ إلَى الصَّباحِ ، فَلَمّا آذَنَهُ المُؤَذِّنونَ بِالصَّلاةِ خَرَجَ مُتَفَضِّلاً في غَلائِلِهِ (2) ، فَتَقَدَّمَ إلَى المِحرابِ في صَلاةِ الصُّبحِ ، فَصَلّى بِهِم أربَعا ، وقالَ : أ تُريدُونَ أن أزيدَكُم؟ وقيلَ : إنَّهُ قالَ في سُجودِهِ _ وقَد أطالَ _ : اِشرَب وَاسقِني . فَقالَ لَهُ بَعضُ مَن كانَ خَلفَهُ فِي الصَّفِ الأوَّلِ : ما تَزيدُ ! لا زادَكَ اللّهُ مِنَ الخَيرِ ، وَاللّهِ لا أعجَبُ إلّا مِمَّن بَعَثَكَ إلَينا والِيا ، وعَلَينا أميرا . وكانَ هذَا القائِلُ عتابَ بن غيلانَ الثَّقَفِيَّ . . . وأشاعوا بِالكوفَةِ فِعلَهُ ، وظَهَرَ فِسقُهُ ومُداوَمَتُهُ عَلى شُربِ الخَمرِ ، فَهَجَمَ عَلَيهِ جَماعَةٌ مِنَ المَسجِدِ ، مِنهُم : أبو زَينَبَ بنُ عَوفٍ الأَزدِيُّ ، وجُندَبُ بنُ زُهَيرٍ الأَزدِيُّ ، وغَيرُهُما ، فَوَجَدوهُ سَكرانَ مُضطَجِعا عَلى سَريرِهِ ، لا يَعقِلُ ، فَأَيقَظوهُ مِن رَقَدَتِهِ ، فَلَم يَستَيقِظ . ثُمَّ تَقايَأَ عَلَيهِم ما شَرِبَ مِنَ الخَمرِ ، فَانتَزَعوا خاتَمَهُ مِن يَدِهِ ، وخَرَجوا مِن فَورِهِم إلَى المَدينَةِ ؛ فَأَتَوا عُثمانَ بنَ عَفّانَ ، فَشَهِدوا عِندَهُ عَلَى الوَليدِ أنَّهُ شَرِبَ الخَمرَ .

.


1- .الاستيعاب : ج2 ص250 الرقم 1160 .
2- .رجل متفضّل : أي في ثوب واحد . والغلائل : الدروع ، وقيل : بطائن تُلبس تحت الدروع (لسان العرب : ج11 ص502 و ص526) .

ص: 151

فَقالَ عُثمانُ : وَما يُدريكُما أنَّهُ شَرِبَ خَمرا ؟ ! فَقالا : هِيَ الخَمرُ الَّتي كُنّا نَشرَبُها فِي الجاهِلِيَّةِ ؛ وأخرَجا خاتَمَهُ ، فَدَفَعاهُ إلَيهِ ، فَزَجَرَهُما ، ودَفَعَ في صُدورِهِما ، وقالَ : تَنَحَّيا عَنّي . فَخَرَجا مِن عِندِهِ وأتَيا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، وأخبَراهُ بِالقِصَّةِ . فَأَتى عُثمانَ وهُوَ يَقولُ : دَفَعتَ الشُّهودَ ، وأبطَلتَ الحُدودَ ! ! فَقالَ لَهُ عُثمانُ : فَما تَرى ؟ قالَ : أرى أن تَبعَثَ إلى صاحِبِكَ فَتُحضِرَهُ ، فَإِن أقامَا الشَّهادَةَ عَلَيهِ في وَجهِهِ ولَم يَدرَأ عَن نَفسِهِ بِحُجَّةٍ أقَمتَ عَلَيهِ الحَدَّ ! فَلَمّا حَضَرَ الوَليدُ ، دَعاهُما عُثمانُ : فَأَقامَا الشَّهادَةَ عَلَيهِ ، وَلَم يُدلِ بِحُجَّةٍ ، فَأَلقى عُثمانُ السَّوطَ إلى عَلِيٍّ . . . فَلَمّا نَظَرَ إلَى امتِناعِ الجَماعَةِ عَن إقامَةِ الحَدِّ عَلَيهِ ؛ تَوَقِّيا لِغَضَبِ عُثمانَ ؛ لِقَرابَتِهِ مِنهُ ، أخَذَ عَلِيٌّ السَّوطَ ودَنا مِنهُ . فَلَمّا أقبَلَ نَحوَهُ سَبَّهُ الوَليدُ ، وَقالَ : يا صاحِبَ مَكسٍ (1) . فَقالَ عَقيلُ بنُ أبي طالِبٍ _ وَكانَ مِمَّن حَضَرَ _ : إنَّكَ لَتَتَكَلَّمُ يَابنَ أبي مُعَيطٍ كَأَنَّكَ لا تَدري مَن أنتَ ! وأنتَ عِلجٌ مِن أهلِ صَفّورِيَةَ (2) _ وهِيَ قَريَةٌ بَينَ عكاءَ واللّجون ، مِن أعمالِ الاُردُنِّ مِن بِلادِ طَبَرِيَّةَ ، وكانَ ذُكِرَ أنَّ أباهُ كانَ يَهودِيّا مِنها _ . فَأَقبَلَ الوَليدُ يَروغُ مِن عَلِيٍّ ، فَاجتَذَبَهُ عَلِيٌّ فَضَرَبَ بِهِ الأَرضَ ، وعَلاهُ بالسّوطِ . فَقالَ عُثمانُ : لَيسَ لَكَ أن تَفعَلَ بِهِ هذا !

.


1- .المَكس : النقص والظلم (القاموس المحيط : ج 2 ص 252) .
2- .صَفُّورِيَة: بلدة من نواحي الاُردن بالشام وهي قرب طَبَرية (معجم البلدان : ج3 ص414) .

ص: 152

قالَ : بَل وشَرّا مِن هذا ، إذا فَسَقَ ومَنَعَ حَقَّ اللّهِ تَعالى أن يُؤخَذَ مِنهُ ! ! (1)

أنساب الأشراف عن مسروق_ في الوَليدِ بنِ عُقبَةَ _: إنَّهُ حينَ صَلّى لَم يَرِم (2) حَتّى قاءَ . فَخَرَجَ في أمرِهِ إلى عُثمانَ أربَعَةُ نَفَرٍ : أبو زَينَبَ ، وجُندَبُ بنُ زُهَيرٍ ، وأبو حَبيبَةَ الغِفارِيُّ ، وَالصَّعبُ بنُ جَثّامَةَ ؛ فَأَخبَروا عُثمانَ خَبَرَهُ . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ : ما لَهُ ، أجُنَّ ؟ ! قالوا : لا ، ولكنَِّهُ سكرٌ . قالَ : فَأَوعَدَهُم عُثمانُ ، وَتَهَدَّدَهُم ؛ وقالَ لِجُندَبٍ : أنتَ رَأيتَ أخي يَشرَبُ الخَمرَ ؟ ! قالَ : مَعاذَ اللّهِ ، ولكِنّي أشهَدُ أنّي رَأَيتُهُ سَكرانَ يَقلِسُها (3) مِن جَوفِهِ ، وأنّي أخَذتُ خاتَمَهُ مِن يَدِهِ وهُوَ سَكرانُ لا يَعقِلُ . قالَ أبو إسحاقَ : فَأَتَى الشُّهودُ عائِشَةَ ، فَأَخبَروها بِما جَرى بَينَهُم وبَينَ عُثمانَ ، وأنَّ عُثمانَ زَبَرَهُم . فَنادَت عائِشَةُ : إنَّ عُثمانَ أبطَلَ الحُدودَ ، وتَوَعَّدَ الشُّهودَ . قالَ الواقِديُّ : وقَد يُقالُ : إنَّ عُثمانَ ضَرَبَ بَعضَ الشُّهودِ أسواطا ، فَأَتَوا عَلِيّا فَشَكَوا ذلِكَ إلَيهِ . فَأَتى عُثمانَ فَقالَ : عَطَّلتَ الحُدودَ ، وضَرَبتَ قَوما شَهِدوا عَلى أخيكَ ؛ فَقَلَبتَ الحُكمَ ، وقَد قالَ عُمَرُ : لا تُحَمِّل بَني اُمَيَّةَ وآلَ أبي مُعَيطٍ خاصَّةً عَلى رِقابِ النّاسِ . قالَ : فَما تَرى ؟ ! قالَ : أرى أن تَعزِلَهُ ، ولا تُوَلِّيَهُ شَيئا مِن اُمورِ المُسلِمينَ ، وَأن تَسأَلَ عَنِ الشُّهودِ ؛ فَإِن لَم يَكونوا أهلَ ظِنَّةٍ ولا عَداوَةٍ أقَمتَ عَلى صاحِبِكَ الحَدَّ . قالَ : ويُقالُ إنَّ عائِشَةَ أغلَظَت لِعُثمانَ ، وأغلَظَ لَها ، وقالَ : وما أنتِ وهذا ! ؟ إنَّما

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص344 وراجع الأغاني : ج5 ص139 .
2- .الرَّيْم : البَراح ؛ يقال : ما يَريمُ يفعل ذلك ؛ أي ما يبرح (لسان العرب : ج12 ص259) .
3- .القَلَس : ما خرج من الجوف ؛ مل ء الفم ، أو دونه ، وليس بقيء ، فإن عاد فهو القيء (النهاية : ج4 ص100) .

ص: 153

تحريف التّاريخ في قضيّة شرب الوليد

اُمِرتِ أن تَقَرَّيَ في بَيتِكِ ! ! فَقالَ قَومٌ مِثلَ قَولِهِ ، وقالَ آخَرونَ : ومَن أولى بِذلِكَ مِنها ! ! فَاضطَرَبوا بِالنِّعالِ ، وكانَ ذلِكَ أوَّلَ قِتالٍ بَينَ المُسلِمينَ بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله (1) .

أنساب الأشراف_ فِي الوَليدِ بنِ عُقبَةَ _: لَمّا شُهِدَ عَلَيهِ في وَجهِهِ ، وأرادَ عُثمانُ أن يَحُدَّهُ ، ألبَسَهُ جُبَّةَ حِبرٍ ، وأدخَلَهُ بَيتا ، فَجَعَلَ إذا بَعَثَ إلَيهِ رَجُلاً مِن قُرَيشٍ لِيَضرِبَهُ ، قالَ لَهُ الوَليدُ : أنشَدَكَ اللّهُ أن تَقطَعَ رَحِمي ، وتُغضِبَ أميرَ المُؤمِنينَ عَلَيكَ ، فَيَكُفُّ . فَلَمّا رَأى ذلِكَ عَلِيُّ بن أبي طالِبٍ ، أخَذَ السَّوطَ ودَخَلَ عَلَيهِ . . . وجَلَدَهُ (2) .

تَحريفُ التّاريخِ في قَضِيَّةِ شُربِ الوَليدِمن المواطن الملحوظة في تحريف التاريخ مسألة شرب الوليد الخمر ، وإقامة الحدّ عليه . فقد حاول الطبري في تاريخه _ عن طريق سلسلة سنده المشهورة : «السرّي ، عن شعيب ، عن سيف بن عمر» _ وابن الأثير في الكامل ، تنزيه الوليد ، خلافا لما ذَكَرته جميع النصوص التاريخيّة ، ولما رواه المؤرّخون من شربه الخمر ؛ فقد نزّهاه ، واتّهما الشهود بالتآمر عليه ، بدخولهم عليه وهو نائم ، ونزعهم خاتمه ، وشهادتهم عليه عند عثمان . ودانهُ عثمان بإقامة الحدّ عليه مع علمه ببراءته ، وفوّض إلى اللّه تعالى جزاء شهود الزور ! ! ! وذكرا أنّ الَّذي تولّى إقامة الحدّ هو سعيد بن العاص (3) .

.


1- .أنساب الأشراف : ج6 ص144 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص19 .
2- .أنساب الأشراف : ج6 ص145 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص20 ؛ الشافي : ج4 ص254 .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص271 _ 278 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص245 و246 .

ص: 154

4 / 6 العفو عن قاتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة

قارن هذا القول مع قول أبي عمر في الاستيعاب ، في ذكر أحوال الوليد بن عقبة : وخبر صلاته بهم وهو سكران ، وقوله : أزيدكم _ بعد أن صلّى الصبح أربعا _ مشهورٌ ، من رواية الثقات ، من نقل أهل الحديث وأهل الأخبار . . . وقد روي فيما ذكر الطبري أنّه تعصّب عليه قوم من أهل الكوفة ؛ بغيا وحسدا ، وشهدوا عليه زورا أنّه تقيّأ الخمر ، وذكر القصّة ، وفيها : إنّ عثمان قال له : يا أخي اصبر ؛ فإنّ اللّه يأجُرك ، ويبوء القوم بإثمك . وهذا الخبر من نقل أهل الأخبار لا يصحّ عند أهل الحديث ولا له عند أهل العلم أصل (1) .

4 / 6العَفوُ عَن قاتِلِ الهُرمُزانِ وَابنَةِ أبي لُؤلُؤةِالسنن الكبرى عن عبد اللّه بن عُبَيد بن عُمَير :لَمّا طُعِنَ عُمَرُ ، وَثَبَ عُبَيدُ اللّهِ ابنُ عُمَرَ عَلى الهُرمُزانِ فَقَتَلَهُ ، فَقيلَ لِعُمَرَ : إنَّ عُبَيدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ قَتَلَ الهُرمُزانَ ! قالَ : ولِمَ قَتَلَهُ ؟ قالَ : إنَّهُ قَتَلَ أبي . قيلَ : وكَيفَ ذاكَ ؟ قالَ رَأَيتُهُ قَبلَ ذلِكَ مُستَخلِياً (2) بِأَبي لُؤلُؤة ، وَهُوَ أمَرَهُ بِقَتلِ أبي . قالَ عُمَرُ : ما أدري ما هذا ! اُنظُروا إذا أنَا مِتُّ فَاسأَلوا عُبَيدَ اللّهِ البَيِّنَةَ عَنِ الهُرمُزانِ هُوَ قَتَلَني ؛ فَإِن أقامَ البَيِّنَةَ فَدَمُهُ بِدَمي ، وإن لَم يُقِمِ البَيِّنَةَ فَأَقيدوا (3) عُبَيدَ اللّهِ مِنَ الهُرمُزانَ . فَلَمّا وُلِّيَ عُثمانُ ، قيلَ لَهُ : أ لا تُمضي وَصِيَّةَ عُمَرَ في عُبَيدِ اللّهِ ؟ قالَ : ومَن وَلِى

.


1- .الاستيعاب : ج4 ص116 الرقم 2750 .
2- .في المصدر: «مستخلي» وهو تصحيف.
3- .القَوَد : القصاص وقتلُ القاتِل بدل القتيل (النهاية : ج4 ص119) .

ص: 155

الهرمزانَ؟ قالوا: أنتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ! فَقالَ: فَقَد عَفَوتُ مِن (1) عُبَيدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ (2) .

تاريخ اليعقوبي :وَثَبَ ابنُهُ عُبَيدُ اللّهِ [بنُ عُمَرَ] فَقَتَلَ أبا لُؤلُؤة وَابنَتَهُ وَامرَأَتَهُ ، وَاغتَرَّ الهُرمُزانَ فَقَتَلَهُ . وكانَ عُبَيدُ اللّهِ يُحَدِّثُ أنَّهُ تَبِعَهُ ، فَلَمّا أحَسَّ الهُرمُزانُ بِالسَّيفِ قالَ : أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ . ورَوى بَعضُهُم أنَّ عُمَرَ أوصى أنَّ يُقادَ عُبَيدُ اللّهِ بِالهُرمُزانِ ، وأنَّ عُثمانَ أرادَ ذلِكَ ، وقَد كانَ _ قَبلَ أن يَلِيَ الأَمرَ _ أشَدَّ مَن خَلَقَ اللّهُ عَلى عُبَيدِ اللّهِ ، حَتّى جَرَّ بِشَعرِهِ ، وقالَ : يا عَدَوَّ اللّهِ ، قَتَلتَ رَجُلاً مُسلِما ، وصَبِيَّةَ طِفلَة ، وَامرَأَةً لا ذَنبَ لَها ! قَتَلَنِي اللّهُ إن لَم أقتُلكَ ! ! فَلَمّا وُلِّيَ رَدَّهُ إلى عَمرِو بنِ العاصِ . ورَوى بَعضُهُم عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ أنَّهُ قالَ : يَغفِرُ اللّهَ لِحَفصَةَ ! فَإِنَّها شَجَّعَت عُبَيدَ اللّهِ عَلى قَتلِهِم (3) .

أنساب الأشراف عن غياث بن إبراهيم_ في ذِكرِ خُطبَةِ عُثمانَ في أوَّلِ خِلافَتِهِ _: إنَّ عُثمانَ صَعِدَ المِنبَرَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنّا لَم نَكُن خُطَباءَ ، وإن نَعِش تَأتِكُمُ الخُطبَةُ عَلى وَجهِها إن شاءَ اللّهُ ، وقَد كانَ مِن قَضاءِ اللّهِ أنَّ عُبَيدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ أصابَ الهُرمُزانَ ، وكانَ الهُرمُزانُ مِنَ المُسلِمينَ ، ولا وارِثَ لَهُ إلَا المُسلِمونَ عامَّةً ، وأنَا إمامُكُم ، وقَد عَفَوتُ ، أ فَتَعفونَ ؟ قالوا : نَعَم . فَقالَ عَلِيٌّ : أقِدِ الفاسِقَ ؛ فَإِنَّهُ أتى عَظيما ؛ قَتَلَ مُسلِما بِلا ذَنبٍ . وَقالَ لِعُبَيدِ اللّهِ : يا فاسِقُ ! لَئِن ظَفِرتُ بِكَ يَوما لَأَقتُلَنَّكَ بِالهُرمُزانِ (4) .

.


1- .كذا في المصدر ، والظاهر أنّها تصحيف : «عن» .
2- .السنن الكبرى : ج8 ص108 ح16083 .
3- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص160 .
4- .أنساب الأشراف : ج6 ص130 وراجع تاريخ الطبري : ج4 ص239 والكامل في التاريخ : ج2 ص226 وشرح نهج البلاغة : ج9 ص54 .

ص: 156

الطبقات الكبرى عن المُطَّلب بن عبد اللّه بن حنطب :قالَ عَلِيٌّ لِعبُيَدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ : ما ذَنبُ ابنَةِ أبي لُؤلُؤةِ حينَ قَتَلتَها ؟ ! قالَ : فَكانَ رَأيُ عَلِيٍّ _ حينَ استَشارَهُ عُثمانُ _ وَرَأيُ الأَكابِرِ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ عَلى قَتلِهِ ، لكِنَّ عَمرَو بنَ العاصِ كَلَّمَ عُثمانَ حَتّى تَرَكَهُ . فَكانَ عَلِيٌّ يَقولُ : لَو قَدَرتُ عَلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ ولِيَ سُلطانٌ لَاقتَصَصتُ مِنهُ (1) .

تاريخ اليعقوبي :أكثَرَ النّاسُ في دَمِ الهُرمُزانِ ، وإمساكِ عُثمانَ عُبَيدَ اللّهِ ابنَ عُمَرَ . فَصَعِدَ عُثمانُ المِنبَرَ ، فَخَطَبَ النّاسَ ، ثُمَّ قالَ : ألا إنّي وَلِيُّ دَمِ الهُرمُزانِ ، وَقَد وَهَبتُهُ للّهِِ ولِعُمَرَ ، وتَرَكتُهُ لِدَمِ عُمَرَ . فَقامَ المِقدادُ بنُ عَمرٍو فَقالَ : إنَّ الهُرمُزانَ مَولى للّهِِ ولِرَسولِهِ ، ولَيسَ لَكَ أن تَهِبَ ما كانَ للّهِِ ولِرَسولِهِ ! قالَ : فَنَنظُرُ ، وتَنظُرونَ . ثُمَّ أخرَجَ عُثمانُ ، عُبَيدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ مِنَ المَدينَةِ إلَى الكوفَةِ ، وأنزَلَهُ دارا (2) .

تاريخ الطبري :جَلَسَ عُثمانُ في جانِبِ المَسجِدِ ، ودَعا بِعُبَيدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ وكانَ مَحبوسا في دارِ سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ ، وهُوَ الَّذي نَزَعَ السَّيفَ مِن يَدِهِ بَعدَ قَتلِهِ جُفينَةَ وَالهُرمُزانَ وَابنَةَ أبي لُؤلُؤةِ ؛ وكانَ يَقولُ : وَاللّهِ لَأَقتُلَنَّ رِجالاً مِمَّن شَرِكَ في دَمِ أبي _ يُعَرِّضُ بِالمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ _ فَقامَ إلَيهِ سَعدٌ ، فَنَزَعَ السَّيفَ مِن يَدِهِ ، وجَذَبَ شَعرَهُ حَتّى أضجَعَهُ إلَى الأَرضِ ، وحَبَسَهُ في دارِهِ ، حَتّى أخرَجَهُ عُثمانُ إلَيهِ . فَقالَ عُثمانُ لِجَماعَةٍ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ : أشيروا عَلَيَّ في هذَا الَّذي فَتَقَ فِي الإِسلامِ ما فَتَقَ !

.


1- .الطبقات الكبرى : ج5 ص16 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص163 .

ص: 157

فَقالَ عَلِيٌّ : أرى أن تَقتُلَهُ . فَقالَ بَعضُ المُهاجِرينَ : قُتِلَ عُمَرُ أمسِ ، ويُقتَلُ ابنُهُ اليَومَ ! فَقالَ عَمرُو بنُ العاصِ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ اللّهَ قَد أعفاكَ أن يَكونَ هذَا الحَدَثُ كانَ ولَكَ عَلَى المُسلِمينَ سُلطانٌ ؛ إنَّما كانَ هذَا الحَدَثُ ولا سُلطانَ لَكَ ! قالَ عُثمانُ : أنَا وَلِيُّهُم ، وقَد جَعَلتُها دِيَةً ، وَاحتَمَلتُها في مالي . قالَ : وكانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ يُقالُ لَهُ : زِيادُ بنُ لُبَيدٍ البَيّاضي إذا رَأى عُبَيدَ اللّهِ ابنَ عُمَرَ ، قالَ : ألا يا عُبَيدَ اللّهِ مالَكَ مَهرَبٌ ولا مَلجَأٌ مِنِ ابنِ أروى ولا خَفَر أصَبتَ دَما وَاللّهِ في غَيرِ حِلِّهِ حَراما وقَتلُ الهُرمُزانِ لَهُ خَطَر عَلى غَيرِ شَيءٍ غَيرَ أن قالَ قائِلٌ أتَتَّهِمونَ الهُرمُزانَ عَلى عُمَر فَقالَ سَفيهٌ وَالحَوادِثُ جَمَّةٌ نَعَم أتَّهِمهُ قَد أشارَ وقَد أمَر وكانَ سِلاحُ العَبدِ في جَوفِ بَيتِهِ يُقَلِّبُها وَالأَمرُ بِالأَمرِ يُعتَبَر قالَ : فَشَكا عُبَيدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ إلى عُثمانَ زِيادَ بنَ لَبيدٍ وشِعرَهُ ، فَدَعا عُثمانُ زِيادَ ابنَ لَبيدٍ ، فَنَهاهُ . قالَ : فَأَنشَأَ زيادُ يَقولُ في عُثمانَ : أبا عَمرٍو عُبَيدُ اللّهِ رَهنٌ فَلا تَشكُك بقَتلِ الهُرمُزانِ فَإِنَّكَ إن غَفَرتَ الجُرمَ عَنهُ وأسبابُ الخَطا فَرَسا رِهانِ أتَعفو إذ عَفَوتَ بِغَيرِ حَقٍّ فَمالَكَ بِالَّذي تَحكي يَدانِ ! فَدَعا عُثمانُ زِيادَ بنَ لَبيد ، فَنَهاهُ ، وَشَذَّبَهُ (1) . (2)

.


1- .شَذّبَه عن الشيء : طرده (لسان العرب : ج1 ص486) .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص239 .

ص: 158

4 / 7 معاقبة من أنكر عليه أحداثه
4 / 7 _ 1 نفي أبي ذرّ

4 / 7مُعاقَبَةُ مَن أنكَرَ عَلَيهِ أحداثَهُ4 / 7 _ 1نَفيُ أبي ذَرٍّشرح نهج البلاغة :إنَّ أبا ذَرٍّ لَمّا دَخَلَ عَلى عُثمانَ ، قالَ لَهُ : لا أنعَمَ اللّهُ بِكَ عَينا يا جُنَيدِبُ ! فَقالَ أبو ذَرٍّ : أنَا جُنَيدِبٌ ، وسَمّاني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَبدَ اللّهِ ، فَاختَرتُ اسمَ رَسولِ اللّهِ الَّذي سَمّاني بِهِ عَلَى اسمي . فَقالَ عُثمانُ : أنتَ الَّذي تَزعُمُ أنّا نَقولُ : إنَّ يدَ اللّهِ مَغلولَةٌ ؛ وإنَّ اللّهَ فَقيرٌ ونَحنُ أغنِياءُ ! فَقالَ أبو ذَرٍّ : لَو كُنتُم لا تَزعُمونَ لَأَنفَقتُم مالَ اللّهِ عَلى عِبادِهِ ! ولكِنّي أشهَدُ لَسَمِعتُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إذا بَلَغَ بَنو أبِي العاصِ ثَلاثينَ رَجُلاً جَعَلوا مالَ اللّهِ دَولاً ، وعِبادَ اللّهِ خَوَلاً ، ودينَ اللّهِ دَخلاً (1) . فَقالَ عُثمانُ لِمَن حَضَرَهُ : أسَمِعتُموها مِن نَبِيِّ اللّهِ ؟ ! فَقالوا : ما سَمِعناهُ . فَقالَ عُثمانُ : وَيلَكَ يا أبا ذَرٍّ ! أ تَكذِبُ عَلى رَسولِ اللّهِ ! فَقالَ أبو ذَرٍّ لِمَن حَضَرَ : أما تَظُنّونَ أنّي صَدَقتُ ! قالوا : لا وَاللّهِ ما نَدري . فَقالَ عُثمانُ : اُدعُوا لي عَلِيّا . فَدُعِيَ ، فَلَمّا جاءَ قالَ عُثمانُ لاِبي ذَرٍّ : اُقصُص عَلَيهِ حَديثَكَ في بَني أبِي العاصِ ! فَحَدَّثَهُ ، فَقالَ عُثمانُ لِعَلِيٍّ : هَل سَمِعتَ هذَا مِن

.


1- .اُنظر في خصوص هذا الحديث : مسند ابن حنبل : ج4 ص160 ح11758 ، المستدرك على الصحيحين : ج4 ص527 ح8478 _ 8480 ، مسند أبي يعلى : ج2 ص52 ح1147 ، المعجم الصغير : ج2 ص135 ، المعجم الأوسط : ج8 ص6 ح7785 ؛ روضة الواعظين : ص311 .

ص: 159

رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : لا ، وَقَد صَدَقَ أبو ذَرٍّ . قالَ عُثمانُ : بِمَ عَرَفتَ صِدقَهُ ؟ قالَ : لَأَنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : ما أظَلَّتِ الخَضراءُ ، ولا أقَلَّتِ الغَبراءُ مِن ذي لَهجَةٍ أصدَقَ مِن أبي ذَرٍّ (1) . فَقالَ جَميعُ مَن حَضَرَ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : لَقَد صَدَقَ أبو ذَرٍّ . فَقالَ أبو ذَرٍّ : اُحَدِّثُكُم أنّي سَمِعتُ هذا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ تَتَّهِمونَني ! ! ما كُنتُ أظُنُّ أنّي أعيشُ حَتّى أسمَعَ هذا مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ (2) .

تاريخ اليعقوبي :بَلَغَ عُثمانَ أنَّ أبا ذَرٍّ يَقَعُ فيهِ ، ويَذكُرُ ما غُيِّرَ وبُدِّلَ مِن سُنَنِ رَسولِ اللّهِ ، وسُنَنِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، فَسَيَّرَهُ إلَى الشّامِ إلى مُعاوِيَةَ . وكانَ يَجلِسُ فِي المَسجِدِ ، فَيَقولُ كَما كانَ يَقولُ ، ويَجتَمِعُ إلَيهِ النّاسُ ، حَتّى كَثُرَ مَن يَجتَمِعُ إلَيهِ ، ويَسمَعُ مِنهُ . وكانَ يَقِفُ عَلى بابِ دَمِشقَ _ إذا صَلّى صَلاةَ الصُّبحِ فَيَقولُ : جاءَتِ القَطارُ تَحمِلُ النّارَ ، لَعَنَ اللّهُ الآمِرينَ بِالمَعروفِ وَالتّارِكينَ لَهُ ، وَلَعَنَ اللّهُ النّاهينَ عَنِ المُنكَرِ وَالآتينَ لَهُ . وكَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى عُثمانَ : إنَّكَ قَد أفسَدتَ الشّامَ عَلى نَفسِكَ بِأَبي ذَرٍّ . فَكَتَبَ إلَيهِ : أنِ احمِلهُ عَلى قَتَبٍ (3) بِغَيرِ وَطاءٍ . فَقَدِمَ بِهِ إلَى المَدينَةِ ، وقَد ذَهَبَ لحَمُ فَخِذَيهِ . . . .

.


1- .انظر في خصوص هذا الحديث : مسند ابن حنبل : ج8 ص169 ح21783 ، سنن الترمذي : ج5 ص669 ح3801 و ح3802 ، سنن ابن ماجة : ج1 ص55 ح156 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص385 ح5461 و ح5462 ؛ معاني الأخبار : ص179 ح1 ، علل الشرائع : ص177 ح1 و ح2 ، الاحتجاج : ج1 ص616 ح139 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج3 ص55 ، الرياض النضرة : ج3 ص83 نحوه ؛ الشافي : ج4 ص295 وراجع تفسير القمّي : ج1 ص52 .
3- .القَتَبُ : رَحلُ البعير، صغير على قدر السنام (مجمع البحرين : ج3 ص1437) .

ص: 160

فَلَم يُقِم بِالمَدينَةِ إلّا أيّاما ، حَتّى أرسَلَ إلَيهِ عُثمانُ : وَاللّهِ لَتَخرُجَنَّ عَنها ! قالَ : أتُخرِجُني مِن حَرَمِ رسولِ اللّهِ ؟ ! قالَ : نَعَم ، وأنفُكَ راغِمٌ . قالَ : فإلى مَكَّةَ ؟ قالَ : لا . قالَ : فَإِلى البَصرَةِ ؟ قالَ : لا . قالَ : فَإِلَى الكوفَةِ ؟ قالَ : لا ولكِن إلَى الرَّبَذَةِ الَّتي خَرَجتَ مِنها ، حَتّى تَموتَ بِها . يا مَروانُ ، أخرِجهُ ، ولا تدَع أحدا يُكَلِّمُهُ حَتّى يَخرُجَ (1) .

مُروج الذّهب_ في ذِكرِ ما طُعِنَ بِهِ عَلى عُثمانَ _: ومِن ذلِكَ ما فَعَلَ بِأَبي ذَرٍّ ؛ وَهُوَ أنَّهُ حَضَرَ مَجلِسَهُ ذاتَ يَومٍ ، فَقالَ عُثمانُ : أ رَأَيتُم مَن زَكّى مالَهُ ، هَل فيهِ حَقٌّ لِغَيرِهِ ؟ فَقالَ كَعبٌ : لا ، يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَدَفَعَ أبو ذَرٍّ في صَدرِ كَعبٍ ، وَقالَ لَهُ : كَذِبتَ يَابنَ اليَهودِيِّ ، ثُمَّ تَلا : «لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ» (2) اَلآيَةَ . فَقالَ عُثمانُ : أ تَرَونَ بَأسا أن نَأخُذَ مالاً مِن بَيتِ مالِ المُسلِمينَ فَنُنفِقَهُ فيما يَنوبُنا مِن اُمورِنا ، ونُعطيكُموهُ ؟ فَقالَ كَعبٌ : لا بَأسَ بِذلِكَ . فَرَفَعَ أبو ذَرٍّ العَصا ، فَدَفَعَ بِها في صَدرِ كَعبٍ ، وَقالَ : يَابنَ اليَهودِيِّ ما أجرَأَكَ عَلَى القَولِ في دينِنا ! فَقالَ لَهُ عُثمانُ : ما أكثَرَ أذاكَ لي ! غَيِّب وَجهَكَ عَنّي ؛ فَقَد آذَيتَنا . فَخَرَجَ أبو ذَرٍّ إلَى الشّامِ . فَكَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى عُثمانَ : إنَّ أبا ذَرٍّ تَجتَمِعُ إلَيهِ الجُموعُ ، ولا آمَنُ أن يُفسِدَهُم

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص171 .
2- .البقرة : 177 .

ص: 161

عَلَيكَ ، فَإِن كانَ لَكَ فِي القَومِ حاجَةٌ فَاحمِلَهُ إلَيكَ . فَكَتَبَ إلَيهِ عُثمانُ بِحَملِهِ . فَحَمَلَهُ عَلى بَعيرٍ ، عَلَيهِ قَتَبٌ يابِسٌ ، مَعَهُ خَمسَةٌ مِنَ الصَّقالِبَةِ (1) يَطيرونَ (2) بِهِ ، حَتّى أتَوا بِهِ المَدينَةَ ، وقَد تَسَلَّخَت بَواطِنُ أفخاذِهِ ، وكادَ أن يَتلِفَ ، فَقيلَ لَهُ : إنَّكَ تَموتُ مِن ذلِكَ . فَقالَ : هَيهاتَ ، لَن أموتَ حَتّى اُنفى . وذَكَرَ جَوامِعَ ما يَنزِلُ بِهِ بَعدُ ، ومَن يَتَوَلّى دَفنَهُ . فَأَحسَنَ إلَيهِ في دارِهِ أيّاما ، ثُمَّ دَخَلَ إلَيهِ فَجَلَسَ عَلى رُكبَتَيهِ ، وتَكَلَّمَ بِأَشياءَ ، وذَكَرَ الخَبَرَ في وُلدِ أبِي العاصِ : «إذا بَلَغوا ثَلاثينَ رَجُلاً اِتَّخَذوا عِبادَ اللّهِ خَوَلاً» . . . وكانَ في ذلِكَ اليَومِ قَد اُتِيَ عُثمانُ بِتَرَكَةِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ الزُّهرِيِّ مِنَ المالِ ، فَنُثِرَتِ البِدَرُ حَتّى حالَت بَينَ عُثمانَ وبَينَ الرَّجُلِ القائِمِ ، فَقالَ عُثمانُ : إنّي لَأَرجو لِعَبدِ الرَّحمنِ خَيرا ؛ لِأَنَّهُ كانَ يَتَصَدَّقُ ، ويُقرِي الضَّيفَ ، وتَرَكَ ما تَرَونَ . فَقالَ كَعبُ الأَحبارِ : صَدَقتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَشالَ أبو ذَرٍّ العَصا ، فَضَرَبَ بِها رَأسَ كَعبٍ ، ولَم يَشغَلهُ ما كانَ فيهِ مِنَ الأَلَمِ ، وقالَ : يَابنَ اليَهودِيِّ تَقولُ لِرَجُلٍ ماتَ وتَرَكَ هذَا المالَ : إنَّ اللّهَ أعطاهُ خَيرَ الدُّنيا وخَيرَ الآخِرَةِ ، وتَقطَعُ عَلَى اللّهِ بِذلِكَ ! وأنَا سَمِعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «ما يَسُرُّني أن أموتَ وأدَعَ ما يَزِنُ قيراطا» ! ! فَقالَ لَهُ عُثمانُ : وارِ عَنّي وَجهَكَ . فَقالَ : أسيرُ إلى مَكَّةَ ؟ قالَ : لا وَاللّهِ . قالَ : فَتَمنَعُني مِن بَيتِ رَبّي أعبُدُهُ فيهِ حَتّى أموتَ ؟ قالَ : إي وَاللّهِ . قالَ : فَإِلَى الشّامِ ؟ قالَ : لا وَاللّهِ . قالَ : البَصرَةِ ؟ قالَ : لا وَاللّهِ ، فَاختَر غَيرَ هذِهِ البُلدانِ .

.


1- .الصِّقلاب:الشديد من الرؤوس . والصَّقالِبَة : جيلٌ حُمْر الألوان،صُهْب الشعور،تُتاخِم بلادهم بلادَ الخزر وبعض بلاد الروم بين بُلْغَر وقُسطنطينيّة ، وقيل للرجل الأحمر : صقلاب ، تشبيها بهم (تاج العروس : ج2 ص147) .
2- .في الطبعة المعتمدة : «بطيرون» ، والتصحيح من طبعة قم / منشورات دار الهجرة .

ص: 162

قالَ : لا واللّهِ ، ما أختارُ غيرَ ما ذَكَرتُ لَكَ ، ولَو تَرَكتَني في دارِ هِجرَتي ما أرَدتُ شَيئا مِنَ البُلدانِ ، فَسَيِّرني حَيثُ شِئتَ مِنَ البِلادِ . قالَ : فَإِنّي مُسَيِّرُكَ إلَى الرَّبَذَةِ . قالَ : اللّهُ أكبَرُ ! صَدَقَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ قَد أخبَرَني بِكُلِّ ما أنَا لاقٍ . قالَ عُثمانُ : وما قالَ لَكَ ؟ ! قالَ : أخبَرَني بِأَنّي اُمنَعُ عَن مَكَّةَ وَالمَدينَةِ ، وأموتُ بِالرَّبَذَةِ ، ويَتَوَلّى مُواراتي نَفَرٌ مِمَّن يَرِدونَ مِنَ العِراقِ نَحوَ الحِجازِ . وبَعَثَ أبو ذَرٍّ إلى جَمَلٍ لَهُ ، فَحَمَلَ عَلَيهِ امرَأَتَهُ ، وقيلَ : ابنَتَهُ . وأمَرَ عُثمانُ أن يَتَجافاهُ النّاسُ حَتّى يَسيرَ إلَى الرَّبَذَةِ . فَلَمّا طَلَعَ عَنِ المَدينَةِ _ ومَروانُ يُسَيِّرُ[هُ ]عَنها _ طَلَعَ عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، ومَعَهُ ابناهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ ، وعَقيلٌ أخوهُ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ ، وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ . فَاعتَرَضَ مَروانُ ، فَقالَ : يا عَلِيُّ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ قَد نَهَى النّاسَ أن يَصحَبوا أبا ذَرٍّ في مَسيرِهِ ويُشَيِّعوهُ ، فَإِن كُنتَ لَم تَدرِ بِذلِكَ فَقَد أعلَمتُكَ ! فَحَمَلَ عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ بِالسَّوطِ ، وضَرَبَ بَينَ اُذُنَي راحِلَتِهِ ، وقالَ : تَنَحَّ ، نَحّاكَ اللّهُ إلَى النّارِ . ومَضى مَعَ أبي ذَرٍّ فَشَيَّعَهُ ، ثُمَّ وَدَّعَهُ وَانصَرَفَ . فَلَمّا أرادَ عَلِيٌّ الاِنصِرافَ بَكى أبو ذَرٍّ ، وقالَ : رَحِمَكُمُ اللّهُ أهلَ البَيتِ ، إذا رَأيتُكَ يا أبَا الحَسَنِ ووُلدَكَ ذَكَرتُ بِكُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَشَكا مَروانُ إلى عُثمانَ ما فَعَلَ بِهِ عَلِيّ بنُ أبي طالِبٍ ، فقالَ عُثمانُ : يا مَعشَرَ المُسلِمينَ ! مَن يَعذِرُني مِن عَلِيٍّ ؟ رَدَّ رَسولي عَمّا وَجَّهتُهُ لَهُ ، وفَعَلَ كَذا ، وَاللّهِ لَنُعطِيَنَّهُ حَقَّهُ ! فَلَمّا رَجَعَ عَلِيٌّ اِستَقبَلَهُ النّاسُ ، فَقالوا لَهُ : إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عَليكَ غَضبانُ ؛ لِتَشييعِكَ أبا ذَرٍّ . فَقالَ عَلِيٌّ : «غَضَبُ الخَيلِ عَلَى اللُّجُمِ» .

.

ص: 163

فَلَمّا كانَ بِالعَشِيِّ جاءَ إلى عُثمانَ ، فَقالَ لَهُ : ما حَمَلَكَ عَلى ما صَنَعتَ بِمَروانَ ! ولِمَ اجتَرَأتَ عَلَيَّ ، ورَدَدتَ رَسولي وأمري ؟ ! قالَ : أمّا مَروانُ ؛ فَإِنَّهُ استَقبَلَني يَرُدُّني ، فَرَدَدتُهُ عَن رَدّي . وأمّا أمرُكَ فَلَم أرُدَّهُ . قال عُثمانُ : أ لَم يُبلِغكَ أنّي قَد نَهَيتُ النّاسَ عَن أبي ذَرٍّ وعَن تَشييعِهِ ؟ فَقالَ عَلِيٌّ : أوَكُلُّ ما أمَرتَنا بِهِ مِن شَيءٍ نَرى طاعَةَ اللّهِ وَالحَقَّ في خِلافِهِ اتَّبَعنا فيهِ أمرَكَ ! ! بِاللّهِ لا نَفعَلُ . قالَ عُثمانُ : أقِد مَروانَ . قالَ : ومِمَّ أُقيدُهُ ؟ قالَ : ضَرَبتَ بَينَ اُذُنَي راحِلَتِهِ ، وشَتَمتَهُ ، فَهُوَ شاتِمُكَ وضارِبٌ بَينَ اُذُنَي راحِلَتِكَ . قالَ عَلِيٌّ : أمّا راحِلَتي فَهِيَ تِلكَ ، فَإِن أرادَ أن يَضرِبَها كَما ضَرَبتُ راحِلَتَهُ فَليَفعَل ، وأمّا أنَا فَوَاللّهِ لَئِن شَتَمَني لَأَشتَمَنَّكَ أنتَ مِثلَها بِما لا أكذِبُ فيهِ ، ولا أقولُ إلّا حَقّا . قالَ عُثمانُ : ولِمَ لا يَشتِمُكَ إذا شَتَمتَهُ ؟ ! ، فَوَاللّهِ ما أنتَ عِندي بِأَفضَلَ مِنهُ ! فَغَضِبَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وقالَ : ألِيَ تَقولُ هذَا القَولَ ؟ ! وبِمَروانَ تَعدِلُني ! ! فَأَنَا وَاللّهِ أفضَلُ مِنكَ ! وأبي أفضَلُ مِن أبيكَ ! واُمّي أفضَلُ مِن اُمِّكَ ! وهذِهِ نَبلي قد نَثلَتُها (1) ، وهَلُمَّ فَانثُلْ بِنَبلِكَ (2) . فَغَضِبَ عُثمانُ ، وَاحمَرَّ وَجهُهُ ، فَقامَ ودَخَلَ دارَهُ . وَانصَرَفَ عَلِيٌّ ، فَاجتَمَعَ إلَيهِ أهلُ بَيتِهِ ، ورِجالٌ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ .

.


1- .نَثَل كِنانته نثلاً : استخرج ما فيها من النبل (لسان العرب : ج11 ص645) .
2- .كذا ، والظاهر أنّ الصحيح : «نبلَك» .

ص: 164

فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ وَاجتَمَعَ النّاسُ إلى عُثمانَ شَكا إلَيهِم عَلِيّا ، وقالَ : إنَّهُ يَعيبُني ويُظاهِرُ مَن يَعيبُني _ يُريدُ بِذلِكَ أبا ذَرٍّ وعَمّارَ بنَ ياسِرٍ وغَيرَهُما _ . فَدَخَلَ النّاسُ بَينَهُما ، حَتّى اصطَلَحا ، وقالَ لَهُ عَلِيٌّ : وَاللّهِ ، ما أرَدتُ بِتَشييعِ أبي ذَرٍّ إلّا اللّهَ تَعالى (1)

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص348 .

ص: 165

تحريف التّاريخ في قضيّة نفي أبي ذرّ

إنّ تحريف الحقائق في النصوص التأريخيّة القديمة أمر يدعو إلى تشويه الواقع وإضلال النّاس من جهة ، وإلى الأسف العميق من جهة اُخرى . حيث إنّ الناظر في طيّات التاريخ ينظر بعين الأسى إلى ما نال النصوص القديمة من التحريف ؛ وهو في الحقيقة له أسباب كثيرة ، يطول الكلام ببيانها . ومن أوضح مصاديقه هو تحريف المعلومات المتعلّقة بقضيّة نفي أبي ذرّ . فنرى الطبري وابن الأثير قد تناولا ممهِّدات النفي وطبيعته وكيفيّته وملابسات إخراج أبي ذرّ من الشام على نحو الإشارة . بَيْد أنّهما أحجما عن كشف الحقائق وتصوير الواقع الصادق . أمّا الطبري فقد ذكر في تأريخه : وفي هذه السنة _ أعني سنة ثلاثين _ كان ما ذُكر من أمر أبي ذرّ ومعاوية ، وإشخاص معاوية إيّاه من الشام إلى المدينة ، وقد ذُكر في سبب إشخاصه إيّاه منها إليها اُمور كثيرة ، كرهت ذكر أكثرها . فأمّا العاذرون معاوية في ذلك ، فإنّهم ذكروا في ذلك قصّة . . (1) . وأمّا ابن الأثير فقال : وفي هذه السنة [30 ه ]كان ما ذكر في أمر أبي ذرّ ،

.


1- .تاريخ الطبري : ج 4 ص 283 .

ص: 166

وإشخاص معاوية إيّاه من الشام إلى المدينة ، وقد ذُكر في سبب ذلك اُمور كثيرة _ من سبّ معاوية إيّاه ، وتهديده بالقتل ، وحمله إلى المدينة من الشام بغير وطاء ، ونفيه من المدينة على الوجه الشنيع ، لا يصحّ النقل به ، ولو صحّ لكان ينبغي أن يعتذر عن عثمان ؛ فإنَّ للإمام أن يؤدّب رعيّته ، وغير ذلك من الأعذار ، لا أن يجعل ذلك سببا للطعن عليه ! ! _ كرهتُ ذكرها . وأمّا العاذرون فإنّهم قالوا : . . . . (1) وهكذا يسدلان الستار على الحقائق . ومن جانب آخر ، ينقلان معلومات كاذبة عن أبي ذرّ ، فيحاولان المَسَّ بقُدسيّة «أصدَق مَن أقَلَّتهُ الغَبراءُ» . ومن العجب أنّهما يوردان ذلك كلّه عن سيف بن عمر بطل الوضع والاختلاق ، ومثال الافتراء ، والنموذج الماثل لإشاعة الكذب . إنّ أحدا لم يُثْنِ على سيف ؛ فقد ضعّفه ابن معين وقال : «فليس خيرٌ منه» . وذهب أبو حاتم إلى أنّه «مَتروكُ الحَديثِ» . ونصّ النسائي والدارقطني على ضعفه . وقال أبو داوود : «ليس بشيء» . وقال ابن حبّان :«يروي الموضوعات عن الأثباتِ» . اتُّهم بالزندقة ، وقالوا : إنّه كان يضع الحديث ، وذهب الحاكم أيضا إلى أنّه متّهم بالزندقة (2) . وأمّا أخبار سيف بن عمر فجميعها تبيّض صحيفة عثمان وتدافع عنه ، فيقول مثلاً في نفي أبي ذرّ من قبل عثمان : قالَ [أبو ذَرٍّ لِعُثمانَ] : فَتَأذَنُ لي فِي الخُروجِ ؟ فَإِنَّ المَدينَةَ لَيسَت لي بِدارٍ . فَقالَ : أ وَتَستَبدِلُ بِها إلّا شَرّا مِنها ؟ ! قالَ : أمَرَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن أخرُجَ مِنها إذا بَلَغَ البِناء

.


1- .الكامل في التاريخ : ج 2 ص 251 .
2- .تهذيب التهذيب : ج 2 ص 467 الرقم 3184 ، ميزان الاعتدال : ج 2 ص 255 الرقم 3637 .

ص: 167

سَلعا (1) . قالَ : فَانفُذ لِما أمَرَكَ بِهِ . قالَ : فَخَرَجَ حَتّى نَزَلَ الرَّبَذَةَ فَخَطَّ بِها مَسجِدا ، وأقطَعَهُ عُثمانُ صِرمَةً (2) مِنَ الإِبِلِ ، وأعطاهُ مَملوكَينِ ، وأرسَلَ إلَيهِ : أن تَعاهَدِ المَدينَةَ حَتّى لا تَرتَدَّ أعرابِيّا ، فَفَعَلَ . وقال أيضا : خَرَجَ أبو ذَرٍّ إلَى الرَّبَذَةِ مِن قِبَلِ نَفسِهِ ، لَمّا رَأى عُثمانُ لا يَنزَعُ (3) لَهُ (4) . ونحن نعلم أنّ بعض الأباطيل حول «عبد اللّه بن سبأ» من مختلقاته أيضا ؛ إذ منح لهذه الشخصيّة قابليّة عجيبة حتّى جعلها عَلَما لجميع ضروب الاحتجاج والاعتراض على عثمان ومعاوية (5) .

.


1- .سَلْع : موضع بقرب المدينة (معجم البلدان : ج 3 ص 236) .
2- .الصِّرمَة : القطعة من الإبل ، قيل : هي ما بين العشرين إلى الثلاثين ، وقيل : ما بين الثلاثين إلى الخمسين والأربعين (لسان العرب : ج 12 ص 337) .
3- .أي ينجذب ويميل (النهاية : ج 5 ص 41) .
4- .تاريخ الطبري : ج 4 ص 284 .
5- .راجع : ص 267 (عبد اللّه بن سبأ وجه مشبوه) .

ص: 168

4 / 7 _ 2 ضرب عمّار بن ياسر

4 / 7 _ 2ضَربُ عَمّارِ بنِ ياسِرٍأنساب الأشراف عن أبي مِخنَف_ في إسنادِهِ _: كانَ في بَيتِ المالِ بِالمَدينَةِ سَفَطٌ فيهِ حُلِيٌّ وجَوهَرٌ ، فَأَخَذَ مِنهُ عُثمانُ ما حَلّى بِهِ بعضَ أهلِهِ ، فَأَظهَرَ النّاسُ الطَّعنَ عَلَيهِ في ذلِكَ وكَلَّمُوهُ فيهِ بِكَلامٍ شَديدٍ حَتّى أغضَبوهُ ، فَخَطَبَ فَقالَ : لَنأخُذَنَّ حاجَتَنا مِن هذَا الفَيءِ وإن رَغِمَت اُنوفُ أقوامٍ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : إذا تُمنَعُ مِن ذلِكَ ويُحالُ بَينَكَ وبَينَهُ . وقالَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ : اُشهِدُ اللّهَ أنَّ أنفي أوَّلُ راغِمٍ مِن ذلِكَ . فَقالَ عُثمانُ : أعَلَيَّ يَابنَ المَتكاءِ (1) ! تَجتَرِئُ ؟ خُذوهُ ، فَاُخِذَ ودَخَلَ عُثمانُ فَدَعا بِهِ فَضَرَبَهُ حَتّى غُشِيَ عَلَيهِ ، ثُمَّ اُخرِجَ فَحُمِلَ حَتّى اُتِيَ بِهِ مَنزِلَ اُمِّ سَلَمَةَ زَوجِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَلَم يُصَلِّ الظُّهرَ وَالعَصرَ وَالمَغرِبَ ، فَلَمّا أفاقَ تَوَضَّأَ وصَلّى وقالَ : الحَمدُ للّهِِ ، لَيسَ هذَا أوَّلَ يَومٍ اُوذينا فيهِ فِي اللّهِ . . . . وبَلَغَ عائِشَةَ ما صُنِعَ بِعَمّارٍ ، فَغَضِبَت وأخرَجَت شَعرا مِن شَعرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وثَوبا مِن ثِيابِهِ ، ونَعلاً مِن نِعالِهِ ، ثُمَّ قالَت : ما أسرَع ما تَرَكتُم سُنَّةَ نَبِيِّكُم وهذا شَعرُهُ وثَوبُهُ ونَعلُهُ ولَم يَبلَ بَعدُ ، فَغَضِبَ عُثمانُ غَضَبا شَديدا حَتّى ما دَرى ما يَقولُ (2) .

تاريخ المدينة عن المُغيرة :اِجتَمَعَ ناسٌ فَكَتَبوا عُيوبَ عُثمانَ وفيهِمُ : ابنُ مَسعودٍ ، فَاجتَمَعوا بِبابِ عُثمانَ لِيَدخُلوا عَلَيهِ فَيُكَلِّموهُ ، فَلَمّا بَلَغوا البابَ نَكَلوا إلّا عَمّارَ بنَ ياسِرٍ ؛ فَإِنَّهُ دَخَلَ عَلَيهِ فَوَعَظَهُ ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ حَتّى فُتِقَ ؛ فَكانَ لا يَستَمسِكُ بَولَهُ .

.


1- .امرأة مَتْكاء : بَظْراء . وقيل : المَتكاء من النساء : الَّتي لم تُخفَض ؛ ولذلك قيل في السبّ : يا بن المتكاء (لسان العرب : ج 10 ص 485) .
2- .أنساب الأشراف : ج 6 ص 161 ، شرح نهج البلاغة : ج 3 ص 49 ؛ الشافي : ج 4 ص 289 .

ص: 169

فَقيلَ لِعَمّارٍ : ما هذا ؟ قالَ : إنّي مُلَقّىً مِن قُرَيشٍ ؛ لَقيتُ مِنهُم فِي الإِسلامِ كَذا ، وفَعَلوا بي كَذا ، ثُمَّ دَخَلتُ عَلى هذا _ يَعني عُثمانَ _ فَأَمَرتُهُ ونَهَيتُهُ ، فَصَنَعَ ما تَرَونَ ؛ فَلا يُستَمسَكُ بَولي (1) .

أنساب الأشراف :يُقالُ : إنَّ المِقدادَ بنَ عَمروٍ ، وعَمّارَ بنَ ياسِرٍ ، وطَلحَةَ وَالزُّبَيرَ ، في عِدَّةٍ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَتَبوا كِتابا عَدَّدوا فيهِ أحداثَ عُثمانَ ، وخَوَّفوهُ رَبَّهُ ، وأعلَموهُ أنَّهُم مُواثِبوهُ إن لَم يَقلَع . فَأَخَذَ عَمّارُ الكِتابَ وأتاهُ بِهِ ، فَقَرَأَ صَدرا مِنهُ ، فَقالَ لَهُ عُثمانُ : أعَلَيَّ تَقدَمُ مِن بَينِهِم ؟ فَقالَ عَمّارٌ : لِأَنّي أنصَحُهُم لَكَ . فَقالَ : كَذَبتَ يَابنَ سُمَيَّةَ . فَقالَ : أنَا وَاللّهِ ابنُ سُمَيَّةَ وَابنُ ياسِرٍ . فَأَمَرَ غِلمانا لَهُ فَمَدّوا بِيَدَيهِ ورِجلَيهِ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ عُثمانُ بِرِجلَيهِ وهِيَ فِي الخُفَّينِ عَلى مَذاكيرِهِ ، فَأَصابَهُ الفَتقُ ، وكانَ ضَعيفا كَبيرا فَغُشِيَ عَلَيهِ (2) .

الاستيعاب :كانَ اجتِماعُ بَني مَخزومٍ إلى عُثمانَ حينَ نالَ مِن عَمّارٍ غِلمانُ عُثمانَ ما نالوا مِنَ الضَّربِ ، حَتَّى انفَتَقَ لَهُ فَتقٌ في بَطنِهِ ، ورَغَموا وكَسَروا ضِلعا مِن أضلاعِهِ ، فَاجتَمَعَت بَنو مَخزومٍ وقالوا : وَاللّهِ لَئِن ماتَ لا قَتَلنا بِهِ أحَدا غَيرَ عُثمانَ (3) .

الإمامة والسياسة :اِجتَمَعَ ناسٌ مِن أصحابِ النَّبِيِّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فَكَتَبوا كِتابا ذَكَروا فيهِ ما خالَفَ فيهِ عُثمانُ مِن سُنَّةِ رَسولِ اللّهِ وسُنَّةِ صاحِبَيهِ ، وما كانَ مِن هِبَتِه

.


1- .تاريخ المدينة : ج 3 ص 1099 .
2- .أنساب الأشراف : ج 6 ص 162 ، شرح نهج البلاغة : ج 3 ص 50 ، الفتوح : ج 2 ص 372 ، الرياض النضرة : ج 3 ص 85 كلاهما نحوه ؛ الشافي : ج 4 ص 290 .
3- .الاستيعاب : ج 3 ص 227 الرقم 1883 ، شرح نهج البلاغة : ج 10 ص 102 و ج 20 ص 36 .

ص: 170

خُمُسَ إفريقِيَّةٍ لِمَروانَ وفيهِ حَقُّ اللّهِ ورَسولِهِ ، ومِنهُم ذَوُو القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينُ . وما كانَ مِن تَطاوُلِهِ فِي البُنيانِ ، حَتّى عَدّوا سَبعَ دورٍ بَناها بِالمَدينَةِ : دارا لِنائِلَةَ ، ودارا لِعائِشَةَ وغَيرِهِما مِن أهلِهِ وبَناتِهِ . وبُنيانَ مَروانَ القصورَ بِذي خَشَبٍ ، وعِمارَةَ الأَموالِ بِها مِنَ الخُمُسِ الواجِبِ للّهِِ ولِرَسولِهِ . وما كانَ مِنَ إفشائِهِ العَمَلَ والوِلاياتِ في أهلِهِ وبَني عَمِّهِ مِن بَني اُمَيَّةَ _ أحداثٍ وغِلمَةٍ _ لا صَحِبَةَ لَهُم مِنَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ولا تَجرَبَةَ لَهم بِالاُمورِ . و ما كانَ مِنَ الوَليدِ بنِ عُقبةَ بِالكوفَةِ إذ صَلّى بِهِمُ الصُّبحَ وهُوَ أميرٌ عَلَيها سَكرانَ أربَعَ رَكَعاتٍ ، ثُمَّ قالَ لَهُم : إن شِئتُم أزيدُكُم صَلاةً زِدتُكُم ، وتَعطيلِهِ إقامَةَ الحَدِّ عَلَيهِ ، وتَأخيرِهِ ذلِكَ عَنهُ . وتَركِهِ المُهاجِرينَ وَالأَنصارَ لا يَستَعمِلُهُم عَلى شَيءٍ وَلا يَستَشيرُهُم ، وَاستَغنى بِرَأيِهِ عَن رَأيِهِم . وما كانَ مِنَ الحِمَى الَّذي حَمى حَولَ المَدينَةِ ، وما كانَ مِن إدرارِهِ القَطائِعَ وَالأرزاقَ وَالأَعطِياتِ عَلى أقوامٍ بِالمَدينَةِ لَيسَت لَهُم صُحبَةٌ مِنَ النَّبِيِّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، ثُمَّ لا يَغزونَ ولا يَذُبّونَ . وما كانَ مِن مُجاوَزَتِهِ الخَيزرانَ إلَى السَّوطِ ، وأنَّهُ أوَّلُ مَن ضَرَبَ بِالسِّياطِ ظُهورَ النّاسِ ، وإنَّما كانَ ضَربُ الخَليفَتَينِ قَبلَهُ بِالدِّرَةِ وَالخَيزُرانِ . ثُمَّ تَعاهَدَ القومُ لِيَدفَعَنَّ الكِتابَ في يَدِ عُثمانَ ، وكانَ مِمَّن حَضَرَ الكِتابَ : عَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، وَالمِقدادُ بنُ الأَسوَدِ ، وكانوا عَشَرَةً ؛ فَلَمّا خَرَجوا بِالكِتابِ لِيَدفَعوهُ إلى عُثمانَ وَالكِتابُ في يَدِ عَمّارٍ ، جَعَلوا يَتَسَلَّلونَ عَن عَمّارٍ حَتّى بَقِيَ وَحدَهُ ، فَمَضى حَتّى جاءَ دارَ عُثمانَ ، فَاستَأذَنَ عَلَيهِ ، فَأَذِنَ لَهُ في يومٍ شاتٍ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ وعِندَهُ مَروانُ بنُ الحَكَمِ وأهلُه

.

ص: 171

مِن بَني اُمَيَّةَ ، فَدَفَعَ إلَيهِ الكِتابَ فَقَرَأَهُ ، فَقالَ لَهُ : أنتَ كَتَبتَ هذَا الكِتابَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : ومَن كانَ مَعَكَ ؟ قالَ : كانَ مَعي نَفَرٌ تَفَرَّقوا فَرَقا (1) مِنكَ . قالَ : مَن هُم ؟ قالَ : لا اُخبِرُكَ بِهِم . قالَ : فَلِمَ اجتَرَأتَ عَلَيَّ مِن بَينِهِم ؟ فَقالَ مَروانُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّ هذَا العَبدَ الأسوَدَ _ يَعني عَمّارا _ قَد جَرَّأَ عَلَيكَ النّاسَ ، وإنَّكَ إن قَتَلتَهُ نَكَّلتَ بِهِ مَن وَراءَهُ . قالَ عُثمانُ : اِضرِبوهُ ، فَضَرَبوهُ وضَرَبَهُ عُثمانُ مَعَهُم حَتّى فَتَقوا بَطنَهُ ، فَغُشِيَ عَلَيهِ ، فَجَرّوهُ حَتّى طَرَحوهُ عَلى بابِ الدّارِ ، فَأَمَرَت بِهِ اُمُّ سَلَمَةَ زَوجُ النَّبِيِّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، فَاُدخِلَ مَنزِلَها . وغَضِبَ فيهِ بَنو المُغيرَةِ وكانَ حَليفَهُم ، فَلَمّا خَرَجَ عُثمانُ لِصَلاةِ الظُّهرِ ، عَرَضَ لَهُ هِشامُ بنُ الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ ، فَقالَ : أما وَاللّهِ لَئِن ماتَ عَمّارٌ مِن ضَربِهِ هذا لَأَقتُلَنَّ بِهِ رَجُلاً عَظيما مِن بَني اُمَيَّةَ ، فَقالَ عُثمانُ : لَستَ هُناكَ (2) .

الفتوح_ في خَبَرِ وَفاةِ أبي ذَرٍّ _: بَلَغَ ذلِكَ عُثمانَ ، فَقالَ : رَحِمَ اللّهُ أبا ذَرٍّ ! فَقالَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ : فَرِحَمَ اللّهُ أبا ذَرٍّ مِن كُلِّ قُلوبِنا ! فَغَضِبَ عُثمانُ ثُمَّ قالَ : يا كَذا وكَذا أ تَظُنُّ أنّي نَدِمتُ عَلى تَسييرِهِ إلى رَبَذَةَ ؟ قالَ عَمّارٌ : لا وَاللّهِ ما أرى ذلِكَ ! قالَ عُثمانُ : اِدفَعوا في قَفاهُ ، وأنتَ فَالحَقْ بِالمَكانِ الَّذي كانَ فيهِ أبو ذَرٍّ ، ولا تَبرَحهُ أبَدا ما بَقيتَ وأنَا حَيٌّ . فَقالَ عَمّارٌ : وَاللّهِ إنَّ جِوارَ السِّباعِ لَأَحَبُّ إلَيَّ مِن جَوارِكَ ؛ ثُمَّ قامَ عَمّارٌ فَخَرَجَ مِن عِندِهِ .

.


1- .الفَرَق : الخوف والفزع (النهاية : ج 3 ص 438) .
2- .الإمامة والسياسة : ج 1 ص 50 .

ص: 172

قالَ : وعَزَمَ عُثمانُ عَلى نَفيِ عَمّارٍ ، وأقبَلَت بَنو مَخزومٍ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنهفَقالوا : إنَّهُ يا أبَا الحَسَنِ قَد عَلِمتَ بِأَنّا أخوالُ أبيكَ أبي طالِبٍ ، وهذا عُثمانُ بنُ عَفّانَ قَد أمَرَ بِتَسييرِ عَمّارِ بنِ ياسِرٍ ، وقَد أحبَبنا أن نَلقاهُ فَنُكَلِّمَهُ في ذلِكَ ونَسأَلَهُ أن يَكُفَّ عَنهُ ولا يُؤذِيَنا فيهِ ، فَقَد وَثَبَ عَلَيهِ مَرَّةً فَفَعَلَ بِهِ ما فَعَلَ ، وهذِهِ ثانِيَةٌ ، ونَخافُ أن يَخرُجَ مَعَهُ إلى أمرٍ يَندَمُ ونَندَمُ نَحنُ عَلَيهِ . فَقالَ : أفعَلُ ذلِكَ فَلا تَعجَلوا ، فَوَاللّهِ لَو لَم تَأتوني في هذَا لَكانَ ذلِكَ مِنَ الحَقِّ الَّذي لا يَسَعُني تَركُهُ ولا عُذرَ لي فيهِ . قالَ : ثُمَّ أقبَلَ عَلِيٌّ رضى الله عنه حَتّى دَخَلَ عَلى عُثمانَ فَسَلَّمَ وجَلَسَ فَقالَ : اتَّقِ اللّهَ أيُّهَا الرَّجُلُ ، وكُفَّ عَن عَمّارٍ وغَيرِ عَمّارٍ مِنَ الصَّحابَةِ ؛ فَإِنَّكَ قَد سَيَّرتَ رَجُلاً مِن صُلَحاءِ المُسلِمينَ وخِيارِ المُهاجِرينَ الأَوَّلينَ ، حَتّى هَلَكَ في تَسييرِكَ إيّاهُ غَريبا ، ثُمَّ إنَّكَ الآنَ تُريدُ أن تَنفى نَظيرَهُ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! فَقالَ عُثمانُ : لَأَنتَ أحَقُّ بِالمَسيرِ مِنهُ ، فَوَاللّهِ ما أفسَدَ عَلَيَّ عَمّارا وغَيرَهُ سِواكَ ! فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : وَاللّهِ يا عُثمانُ ! ما أنتَ بِقادِرٍ عَلى ذلِكَ ولا إلَيهِ بِواصِلٍ ، فَرَوِّم (1) ذلِكَ إن شِئتَ . وأمّا قَولُكَ : إنّي اُفسِدُهُم عَلَيكَ ، فَوَاللّهِ ما يُفسِدُهُم عَلَيكَ إلّا نَفسُكَ ؛ لِأَنَّهُم يَرَونَ ما يُنكِرونَ ؛ فَلا يَسَعُهُم إلّا تَغييرُ ما يَرَونَ . . . . ثُمَّ أقبَلَ عَلِيٌّ رضى الله عنه عَلى عَمّارِ بنِ ياسِرٍ فَقالَ لَهُ : اِجلِس في بَيتِكَ ولا تَبرَح مِنهُ ، فَإِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى مانِعُكَ مِن عُثمانَ وغيرِ عُثمانَ ، وهؤُلاءِ المُسلِمونَ مَعَكَ . فَقالَت بَنو مَخزومٍ : وَاللّهِ يا أبَا الحَسَنِ ! لَئِن نَصَرتَنا وكُنتَ مَعَنا لا وَصَلَ إلَينا عُثمانُ بِشَيءٍ نَكرَهُهُ أبَدا .

.


1- .من روّمتُ فلانا : إذا جعلته يطلب الشيء (لسان العرب : ج 12 ص 258).

ص: 173

4 / 7 _ 3 ضرب عبد اللّه بن مسعود وتسييره

وبَلَغَ ذلِكَ عُثمانَ فَكَفَّ عَن عَمّارٍ ونَدِمَ عَلى ما كانَ مِنهُ (1) .

4 / 7 _ 3ضَربُ عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ وتَسييرُهُتاريخ المدينة عن إسماعيل بن أبي خالد :إنَّ الوَليدَ بنَ عُقبَةَ كَتَبَ إلى عُثمانَ يُبغِضُهُ عَلَى ابنِ مَسعودٍ ، وأنَّ عُثمانَ سَيَّرَهُ مِنَ الكوفَةِ إلَى المَدينَةِ ، وحَرَمَهُ عَطاءَهُ ثَلاثَ سِنينَ (2) .

تاريخ المدينة عن إسماعيل بن أبي خالد :لَمّا بَلَغَ عُثمانَ أنَّ عَبدَ اللّهِ مَريضٌ حَمَلَ إلَيهِ عَطاءَهُ خَمسَةَ عَشَرَ ألفا ، وكانَ عَطاءُ البَدرِيّينَ خَمسَةَ آلافٍ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ عُثمانُ فَقالَ : كَيفَ تَجِدُكَ ؟ قالَ : مَردودٌ إلى مَولايَ الحَقِّ . قالَ : يَرحَمُكَ اللّهُ ، كَأَنَّهَا ظِنَّةٌ ، هذا عَطاؤُكَ خَمسَةَ عَشَرَ ألفا فَاَقبَضَهُ . قالَ : مَنَعتَنيهِ إذ كانَ يَنفَعُني ! فَأَنَا آخُذُهُ مِنكَ يَومَ القِيامَةِ . فَانصَرَفَ ولَم يَقبَل عَطاءَهُ (3) .

أنساب الأشراف عن أبي مخنف وعوانة :إنَّ عَبدَ اللّهِ بنَ مَسعودٍ حينَ ألقى مَفاتيحَ بَيتِ المالِ إلَى الوَليدِ بنِ عُقبَةَ قالَ : مَن غَيَّرَ غَيَّرَ اللّهُ ما بِهِ ، ومَن بَدَّلَ أسخَطَ اللّهُ عَلَيهِ ، وما أرى صاحِبَكُم إلّا وقَد غَيَّرَ وبَدَّلَ ، أ يُعزَلُ مِثلُ سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ ويُولَّى الوَليدُ ؟ وكانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ لا يَدَعُهُ وهُوَ : إنَّ أصدَقَ القَولِ كتابُ اللّهِ ، وأحسَنَ الهُدى هُدى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وشَرَّ الاُمورِ مُحدَثاتُها ، وكُلَّ مُحدَثٍ بِدعَةٌ ، وكُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ ، وكُلَّ ضَلالَةٍ فِي النّارِ . فَكَتَبَ الوَليدُ إلى عُثمانَ بِذلِكَ وقالَ : إنَّهُ يَعيبُكَ ويَطعَنُ عَلَيكَ ، فَكَتَبَ إلَيهِ عُثمانُ يَأمُرُهُ بِإِشخاصِهِ ، وشَيَّعَهُ أهلُ الكوفَةِ ، فَأَوصاهُم بِتَقوَى اللّهِ ولُزومِ القُرآنِ ، فَقالوا لَهُ :

.


1- .الفتوح : ج 2 ص 378 وراجع أنساب الأشراف : ج 6 ص 169 وتاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 173 .
2- .تاريخ المدينة : ج 3 ص 1049 .
3- .تاريخ المدينة : ج 3 ص 1051 .

ص: 174

جُزِيتَ خَيرا ؛ فَلَقَد عَلَّمتَ جاهِلَنا ، وثَبَّتَّ عالِمَنا ، وأقرَأتَنَا القُرآنَ ، وفَقَّهتَنا فِي الدّينِ ، فَنِعَم أخُو الإِسلامِ أنتَ ونِعمَ الخَليلُ ، ثُمَّ وَدَّعوهُ وَانصَرَفوا . وقَدِمَ ابنُ مَسعودٍ المَدينَةَ وعُثمانُ يَخطُبُ عَلى مِنبَرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا رَآهُ قالَ : ألا إنَّهُ قَدِمَت عَلَيكُم دُوَيبَةُ سوءٍ ، مَن تَمشِ عَلى طَعامِهِ يَقِئ ويَسلَح (1) . فَقالَ ابنُ مَسعودٍ : لَستُ كَذلِكَ ، ولكِنّي صاحِبُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ ، ويَومَ بَيعَةِ الرِّضوانِ . ونادَت عائِشَةُ : أي عُثمانُ ! أ تَقولُ هذا لِصاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ ثُمَّ أمَرَ عُثمانُ بِهِ فَاُخرِجَ مِنَ المَسجِدِ إخراجا عَنيفا ، وضَرَبَ بِهِ عَبدُ اللّهِ بنُ زمعَةَ بنِ الاَوَدِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ أسَدِ بنِ عَبدِ العُزَّى بنِ قُصَي الأَرضَ ، ويُقالُ : بَلِ احتَمَلَهُ يَحمومُ غُلامُ عُثمانَ ورِجلاهُ تَختَلِفانِ عَلى عُنُقِهِ ، حَتّى ضَرَبَ بِهِ الأَرضَ ، فَدَقَّ ضِلعُهُ . فَقالَ عَلِيٌّ : يا عُثمانُ ! أ تَفعَلُ هذا بِصاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِقَولِ الوَليدِ بنِ عُقبَةَ ؟ فَقالَ : ما بِقَولِ الوَليدِ فَعَلتُ هذا ، ولكِن وَجَّهتُ زُبَيدَ بنَ الصَّلتِ الكَندِيَّ إلَى الكوفَةِ ، فَقالَ لَهُ ابنُ مَسعودٍ : إنَّ دَمَ عُثمانَ حَلالٌ . فَقالَ عَلِيٌّ : أحَلتَ مِن زُبَيدٍ عَلى غَيرِ ثِقَةٍ . . . وقامَ عَلِيٌّ بِأَمرِ ابنِ مَسعودٍ حَتّى أتى بِه مَنزِلَهُ ، فَأَقامَ ابنُ مَسعودٍ بِالمَدينَةِ لا يَأذَنُ لَهُ عُثمانُ فِي الخُروجِ مِنها إلى ناحِيَةٍ مِنَ النَّواحي ، وأرادَ حينَ بَرِئَ الغَزوَ ، فَمَنَعَهُ مِن ذلِكَ . وقالَ لَهُ مَروانُ : إنَّ ابنَ مَسعودٍ أفسَدَ عَلَيكَ العِراقَ ، أ فَتُريدُ أن يُفسِدَ عَلَيكَ الشّامَ ؟

.


1- .السُّلاح : النَّجْو [أي الغائط] ، وقد سَلَحَ الرجُل يَسْلَح سَلْحا (تاج العروس : ج 4 ص 92) .

ص: 175

4 / 7 _ 4 تسيير عبد الرّحمن بن حنبل

فَلَم يَبرَحِ المَدينَةَ حَتّى تُوُفِّيَ قَبلَ مَقتَلِ عُثمانَ بِسَنَتَينِ ، وكانَ مُقيما بِالمَدينَةِ ثَلاثَ سِنينَ . وقالَ قومٌ : إنَّهُ كانَ نازِلاً عَلى سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ . ولَمّا مَرِضَ ابنُ مَسعودٍ مَرَضَهُ الَّذي ماتَ فيهِ أتاهُ عُثمانُ عائِدا فَقالَ : ما تَشتَكي ؟ قالَ : ذُنوبي . قالَ : فَما تَشتَهي ؟ قالَ : رَحمَةَ رَبّي . قالَ : أ لا أدعو لَكَ طَبيبا ؟ قالَ : الطَّبيبُ أمرَضَني . قالَ : أ فَلا آمُرُ لَكَ بِعَطائِكَ ؟ قالَ : مَنَعتَنيهِ وأنَا مُحتاجٌ إلَيهِ ، وتُعطينيهِ وأنَا مُستَغنٍ عَنهُ ؟ قالَ : يَكونُ لِوُلدِكَ ، قالَ : رِزقُهُم عَلَى اللّهِ . قالَ : اِستَغِفر لي يا أبا عَبدِ الرَّحمنِ . قالَ : أسأَلُ اللّهَ أن يَأخُذَ لي مِنكَ بِحَقّي . وأوصى أن لا يُصَلِّيَ عَلَيهِ عُثمانُ ، فَدُفِنَ بِالبَقيعِ وعُثمانُ لا يَعلَمُ ، فَلَمّا عَلِمَ غَضِبَ وقالَ : سَبَقتُموني بِهِ ؟ ! فَقالَ لَهُ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ : إنَّهُ أوصى أن لا تُصَلِّيَ عَلَيهِ ؛ وقالَ الزُّبَيرُ : لَأَعرَفِنَّكَ بَعدَ المَوتِ تَندُبُني وفي حَياتيَ ما زَوَّدتَني زادي (1)

4 / 7 _ 4تَسييرُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ حَنبَلٍتاريخ اليعقوبي :سَيَّرَ [عُثمانُ ]عَبدَ الرَّحمنِ بنِ حَنبَلٍ 2 صاحِبَ رَسولِ اللّهِ إلَى

.


1- .أنساب الأشراف : ج 6 ص 146 وراجع شرح نهج البلاغة : ج 3 ص 42 والشافي : ج 4 ص 279 .

ص: 176

4 / 7 _ 5 تسيير عامر بن قيس

القَموسِ (1) مِن خَيبَرٍ ، وكانَ سَبَبُ تَسييرِهِ إيّاهُ أنَّهُ بَلَغَهُ كُرهُهُ مَساوِئَ ابنِهِ وخالِهِ ، وأنَّهُ هَجاهُ (2) .

4 / 7 _ 5تَسييرُ عامِرِ بنِ قَيسٍالمعارف :سَيَّرَ [عُثمانُ] عامِرَ بنَ عَبدِ القَيسِ 3 مِنَ البَصرَةِ إلَى الشّامِ (3) .

أنساب الأشراف عن أبي مِخنَف لوط بن يحيى وغيره :كانَ عامِرُ بنُ عَبدِ قَيسٍ التَّميميُّ يُنكِرُ عَلى عُثمانَ أمرَهُ وسيرَتَهُ ، فَكَتَبَ حَمرانُ بنُ أبانٍ _ مَولى عُثمانَ _ إلى عُثمانَ بِخَبَرِهِ ، فَكَتَبَ عُثمانُ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عامِرِ بنِ كُرَيزٍ في حَملِهِ فَحَمَلَهُ (4) .

تاريخ الطبري عن العلاء بن عبد اللّه بن زيد العنبري :اِجتَمَعَ ناسٌ مِنَ المُسلِمينَ ، فَتَذاكَروا أعمالَ عُثمانَ وما صَنَعَ ، فَاجتَمَعَ رَأيُهُم عَلى أن يَبعَثَوا إلَيهِ رَجُلاً يُكَلِّمُهُ ، ويُخبِرُه

.


1- .كذا في المصدر . وفي معجم البلدان (ج 4 ص 398) : القَمُوص : جبل بخيبر ، عليه حصن أبي الحُقيق اليهودي .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 173 .
3- .المعارف لابن قتيبة : ص 195 ، العقد الفريد : ج 3 ص 291 وراجع البداية والنهاية : ج 7 ص 166 .
4- .أنساب الأشراف : ج 6 ص 172 .

ص: 177

4 / 7 _ 6 ضرب كعب بن عبدة وتسييره

بِأَحداثِهِ . فَأَرسَلوا إلَيهِ عامِرَ بنَ عَبدِ اللّهِ التَّميميَّ ثُمَّ العَنبَريَّ _ وهُوَ الَّذي يُدعى عامِرَ بنَ عَبدَ قَيسٍ _ فَأَتاهُ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ ، فَقالَ لَهُ : إنَّ ناسا مِنَ المُسلِمينَ اجتَمَعوا فَنَظَروا في أعمالِكَ ، فَوَجَدوكَ قَد رَكِبتَ اُمورا عِظاما ، فَاتَّقِ اللّهَ عَزَّوجَلَّ ، وتُب إلَيهِ ، وَانزِع عَنها . قالَ لَهُ عُثمانُ : اُنظُر إلى هذا ؛ فَإِنَّ النّاسَ يَزعُمونَ أنَّهُ قارِئٌ ، ثُمَّ هُوَ يَجيءُ فَيُكَلِّمُني فِي المُحَقَّراتِ ، فَوَاللّهِ ما يَدري أينَ اللّهُ ! قالَ عامِرٌ : أنَا لا أدري أينَ اللّهُ ؟ قالَ : نَعَم ، وَاللّهِ ما تَدري أينَ اللّهُ . قالَ عامِرٌ : بَلى وَاللّهِ ، إنّي لَأَدري أنَّ اللّهَ بِالمِرصادِ لَكَ (1) .

4 / 7 _ 6ضَربُ كَعبِ بنِ عَبدَةَ وتَسييرُهُأنساب الأشراف :كَتَبَ جَماعَةٌ مِنَ القُرّاءِ [أي مِن قُرّاءِ الكوفَةِ] إلى عُثمانَ ، مِنهُم : مَعقِلُ بنُ قَيسٍ الرِّياحِيُّ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ الطُّفَيلِ العامِرِيُّ ، ومالِكُ بنُ حَبيبٍ التَّميمِيُّ ، ويَزيدُ بنُ قَيسٍ الأَرحَبِيُّ ، وحُجرُ بنُ عَدِيٍّ الكِندِيُّ ، وعَمرُو بنُ الحَمِقِ الخُزاعِيُّ ، وسُلَيمانُ بنُ صُرَدٍ الخُزاعِيُّ ويُكنّى أبا مُطَرِّفٍ ، والمُسَيِّبُ بنُ نجبة الفزاري ، وزَيدُ بنُ حِصنٍ الطّائي ، وكَعبُ بنُ عَبدَةَ النَّهدي ، وزِيادُ بنُ النَّضرِ بنِ بُشرِ بنِ مالِكِ بنِ الدَّيّانِ الحارِثِيُّ ، ومَسلَمَةُ بنُ عَبدِ القارِي مِنَ القارَةِ مِن بَنِي الهونِ بنِ خُزَيمَةَ بنِ مدرَكَةٍ : أنَّ سَعيدا كَثُرَ عَلى قَومٍ مِن أهلِ الوَرَعِ وَالفَضلِ وَالعَفافِ ، فَحَمَلَكَ في أمرِهِم عَلى ما لا

.


1- .تاريخ الطبري : ج 4 ص 333 ، الكامل في التاريخ : ج 2 ص 274 نحوه .

ص: 178

يَحِلُّ في دينٍ ، ولا يَحسُنُ في سَماعٍ ، وإنّا نُذَكِّرُكَ اللّهَ في اُمَّةِ مُحَمَّدٍ ؛ فَقَد خِفنا أن يَكونَ فَسادُ أمرِهِم عَلى يَدَيكَ ؛ لِأَنَّكَ قَد حَمَلتَ بَني أبيكَ عَلى رِقابِهِم ، وَاعلَم أنَّ لَكَ ناصِرا ظالِما وناقِما عَلَيكَ مَظلوما ، فَمتى نَصَرَكَ الظّالِمُ ونَقَمَ عَلَيك النّاقِمُ تَبايَنَ الفَريقانِ وَاختَلَفَتِ الكَلِمَةُ ، ونَحنُ نُشهِدُ عَلَيكَ اللّهَ وكَفى بِهِ شَهيدا ؛ فَإِنَّكَ أميرُنا ما أطَعتَ اللّهَ وَاستَقَمتَ ، ولَن تَجِدَ دونَ اللّهِ مُلتَحَدا (1) ولا عَنهُ مُنتَقِذا . ولَم يُسَمِّ أحَدٌ مِنهُم نَفسَهُ فِي الكِتابِ ، وبَعَثوا بِهِ مَعَ رَجُلٍ مِن عنزَةَ يُكَنّى أبا رَبيعَةَ ، وكَتَبَ كَعبُ بنُ عَبدَةَ كِتابا مِن نَفسِهِ تَسمّى فيهِ ودَفَعَهُ إلى أبي رَبيعَةَ . . . ويُقالُ : إنَّ عُثمانَ لَمّا قَرَأَ كِتابَ كَعبٍ ، كَتَبَ إلى سَعيدٍ في إشخاصِهِ إلَيهِ ، فَأَشخَصَهُ إلَيهِ مَعَ رَجُلٍ أعرابِيٍّ مِن أعرابِ بَني أسَدٍ ، فَلَمّا رَأَى الأَعرابِيُّ صَلاتَهُ وعَرَفَ نُسُكَهُ وفَضلَهُ قالَ : لَيتَ حَظّي مِن مَسيري بِكَعبِ عَفوُهُ عَنّي وغُفرانُ ذَنبي فَلَمّا قَدِمَ بِهِ عَلى عُثمانَ قالَ عُثمانُ : لَأَن تَسمَعَ بِالمُعَيدي خَيرٌ مِن أن تَراهُ (2) ، وكانَ شابّا حديثَ السِّنِّ نَحيفا ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَيهِ فَقالَ : أ أنتَ تُعَلِّمُنِي الحَقَّ وَقَد قَرَأتُ كِتابَ اللّهِ وأنتَ في صُلبِ رَجُلٍ مُشرِكٍ ؟ فَقالَ لَهُ كَعبٌ : إنَّ إمارَةَ المُؤمِنينَ إنَّما كانَت لَكَ بِما أوجَبَتهُ الشُّورى حينَ عاهَدتَ اللّهَ عَلى نَفسِكَ لِتَسيرَنَّ بِسيرَةِ نَبِيِّهِ لا تُقَصِّرُ عَنها ، وإن يُشاوِرونا فيكَ ثانِيةً نَقَلناها عَنكَ . يا عُثمانُ ! إنَّ كِتابَ اللّهِ لِمَن بَلَغَهُ وقَرَأَهُ ، وقَد شَرَكناكَ في قِراءَتِهِ ، ومَتى لَم يَعمَلِ القارِئُ بِما فيهِ كانَ حُجَّةً عَلَيهِ .

.


1- .المُلْتَحَد : الملجأ (لسان العرب : ج 3 ص 389) .
2- .مثل يُضرب لمن خَبَرُه خير من مَرْآه . وأوّل من قاله المنذر ابن ماء السماء (مجمع الأمثال : ج 1 ص 227) .

ص: 179

4 / 7 _ 7 تسيير جماعة من صلحاء الامّة

فَقالَ عُثمانُ : وَاللّهِ ، ما أظُنُّكَ تَدري أينَ رَبُّكَ ؟ فَقالَ : هُوَ بِالمِرصادِ . فَقالَ مَروانُ : حِلمُكَ أغرى مِثلَ هذا بِكَ وجَرَّأَهُ عَلَيكَ . فَأَمَرَ عُثمانُ بِكَعبٍ فَجُرِّد وضَرَبَ عِشرينَ سَوطا وسَيَّرَهُ إلى «دَباوَندَ (1) » ، ويُقالُ : إلى «جَبَلِ الدُّخانِ» . فَلَمّا وَرَدَ عَلى سَعيدٍ حَمَلَهُ مَعَ بُكَيرِ بنِ حُمرانَ الأَحمَرِيِّ ، فَقالَ الدِّهقانُ الَّذي وَرَدَ عَلَيهِ : لِمَ فُعِلَ بِهذَا الرَّجُلِ ما أرى ؟ قالَ بُكَيرٌ : لِأَنَّهُ شِرِّ يرٌ ! فَقالَ : إنَّ قَوما هذا مِن شِرارِهِم لَخِيارٌ . ثُمَّ إنَّ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ وَبَّخا عُثمانَ في أمرِ كَعبٍ وغَيرِهِ ، وقالَ طَلحَةُ : عِندَ غِبِّ الصَّدَرِ تُحمَدُ عاقِبَةُ الوِردِ ، فَكَتَبَ في رَدِّ كَعبٍ وحَمَلَهُ إلَيهِ ، فَلَمّا قَدِمَ عَلَيهِ نَزَعَ ثَوبَهُ وقالَ : يا كَعبُ اقتَصِّ ، فَعَفا (2) .

4 / 7 _ 7تَسييرُ جَماعَةٍ من صُلَحاءِ الاُمَّةِتاريخ الطبري عن الشعبي :قَدِمَ سَعيدُ بنُ العاصِ الكوفَةَ ، فَجَعَلَ يَختارُ وُجوهَ النّاسِ يَدخُلونَ عَلَيهِ ويَسمُرونَ عِندَهُ ؛ وإنَّهُ سَمَرَ عِندَهُ لَيلَةً وُجوهُ أهلِ الكوفَةِ ، مُنهُم : مالِكُ بنُ كَعبٍ الأَرحَبِيُّ ، وَالأَسوَدُ بنُ يَزيدَ ، وعَلقَمَةُ بنُ قَيسِ النَّخَعِيّانِ ، وفيهِم : مالِكٌ الأَشتَرُ في رِجالٍ .

.


1- .مدينة دَبَاوَنْد وهو المشهور الآن ب_ دماوند . قرب طهران عاصمة إيران وهي تقطع على صفح جبل دماوند أعظم جبل في إيران .
2- .أنساب الأشراف : ج 6 ص 153 وراجع الفتوح : ج 2 ص 390 _ 394 .

ص: 180

فَقالَ سَعيدٌ : إنَّما هذَا السَّوادُ بُستانٌ لِقُرَيشٍ ! فَقالَ الأَشتَرُ : أ تَزعُمُ أنَّ السَّوادَ الَّذي أفاءَهُ اللّهُ عَلَينا بِأَسيافِنا بُستانٌ لَكَ ولِقَومِكَ ؟ ! وَاللّهِ ما يَزيدُ أوفاكُم فيهِ نَصيبا إلّا أن يَكونَ كَأَحَدِنا ، وتَكَلَّمَ مَعَهُ القَومُ . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ الأَسَدِيُّ _ وكانَ عَلى شُرطَةِ سَعيدٍ _ : أ تَرُدّونَ عَلَى الأَميرِ مَقالَتَهُ ؟ وأغلَظَ لَهُم . فَقالَ الأَشتَرُ : مَن هاهُنا ؟ لا يَفوتَنَّكُمُ الرَّجُلُ ، فَوَثَبوا عَلَيهِ فَوَطَؤوهُ وَطأً شَديدا ، حَتّى غُشِيَ عَلَيهِ ، ثُمَّ جُرَّ بِرِجلِهِ فَاُلقِيَ . . . فَكَتَبَ سَعيدٌ إلى عُثمانَ يُخبِرُهُ بِذلِكَ ويَقولُ : إنَّ رَهطا مِن أهلِ الكوفَةِ _ سَمّاهُم لَهُ عَشَرَةً _ يُؤَلِّبونَ ويَجتَمِعونَ عَلى عَيبِكَ وعَيبي وَالطَّعنِ في دينِنا ، وقَد خَشِيتُ إن ثَبَتَ أمرُهُم أن يَكثُروا . فَكَتَبَ عُثمانُ إلى سَعيدٍ : أن سَيَّرَهُم إلى مُعاوِيَةَ _ ومُعاوِيَةُ يَومَئِذٍ عَلَى الشّامِ فَسَيَّرَهُم _ وهُم تِسعَةُ نَفَرٍ _ إلى مُعاوِيَةَ ، فيهِم : مالِكٌ الأَشتَرُ ، وثابِتُ بنُ قَيسِ بنِ منقع ، وكُمَيلُ بنُ زِيادٍ النَّخَعِيُّ ، وصَعصَعَةُ بنُ صوحانَ (1) .

أنساب الأشراف :لَمّا خَرَجَ المُسَيَّرونَ مِن قُرّاءِ أهلِ الكوفَةِ فَاجتَمَعوا بِدِمَشق نَزَلوا مَعَ عَمرِو بنِ زُرارَةَ ، فَبَرَّهُم مُعاوِيَةُ وأكرَمَهُم ، ثُمَّ إنَّهُ جَرى بَينَهُ وبَينَ الأَشتَرِ قَولٌ حَتّى تَغالَظا ، فَحَبَسَهُ مُعاوِيَةُ . . . وبَلَغَ مُعاوِيَةَ أنَّ قَوما مِن أهلِ دِمَشقٍ يُجالِسونَ الأَشتَرَ وأصحابَهُ ، فَكَتَبَ إلى عُثمانَ : إنَّكَ بَعَثتَ إلَيَّ قَوما أفسَدوا مِصرَهُم وأنغَلوهُ (2) ، ولا آمَنُ أن يُفسِدوا طاعَةَ مَن قِبَلي ويُعَلِّموهُم ما لا يُحسِنونَهُ حَتّى تَعودَ سَلامَتَهُم غائِلَةً ، وَاستِقامَتَهُمُ اعوِجاجا .

.


1- .تاريخ الطبري : ج 4 ص 322 ، الكامل في التاريخ : ج 2 ص 267 ، الفتوح : ج 2 ص 384 كلاهما نحوه .
2- .من النَّغل ؛ الفساد ، وقد نَغِل الأديم ، إذا عَفِن وتهرّى في الدِّباغ ، فينفسد ويهلِك (النهاية : ج 5 ص 88) .

ص: 181

فَكَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ يَأمُرُهُ أن يُسَيِّرَهُم إلى حِمصٍ (1) فَفَعَلَ ، وكانَ واليها عَبدَ الرَّحمنِ بنَ خالِدِ بنِ الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ . ويُقالُ : إنَّ عُثمانَ كَتَبَ في رَدِّهِم إلَى الكوفَةِ ، فَضَجَّ مِنهُم سَعيدٌ ثانِيَةً ، فَكَتَبَ في تَسييرِهِم إلى حِمصٍ ، فَنَزَلُوا السّاحِلَ (2) .

تاريخ الطبري عن الشَّعبي_ في خَبَرِ مُسَيَّرَةِ الكوفَةِ _: كَتَبَ [مُعاوِيَةُ] إلى عُثمانَ : لَستُ آمَنُ إن أقاموا وَسَطَ أهلِ الشّامِ أن يغرّوهُم بِسِحرِهِم وفُجورِهِم ! فَاردُدهُم إلى مِصرِهِم ؛ فَلتَكُن دارُهُم في مِصرِهِمُ الَّذي نَجَمَ فيهِ نِفاقُهُم ، وَالسَّلامُ . فَكَتَبَ إلَيهِ عُثمانُ يَأمُرُهُ أن يَرُدَّهُم إلى سَعيدِ بنِ العاصِ بِالكوفَةِ ، فَرَدَّهُم إلَيهِ ، فَلَم يَكونوا إلّا أطلَقَ ألسِنَةً مِنهُم حينَ رَجَعوا . وكَتَبَ سَعيدٌ إلى عُثمانَ يَضِجُّ مِنهُم ؛ فَكَتَبَ عُثمانُ إلى سَعيدٍ أن سَيِّرْهُم إلى عَبدِ الرَّحمنِ بنِ خالِدِ بنِ الوَليدِ ؛ وكانَ أميرا عَلى حِمصٍ . وكَتَبَ إلَى الأَشتَرِ وأصحابِهِ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنّي قَد سَيَّرتُكُم إلى حِمصٍ ، فَإِذا أتاكُم كِتابي هذا فَاخرُجوا إلَيها ؛ فَإِنَّكُم لَستُم تَألونَ (3) الإسلامَ وأهلَهُ شَرّا ، وَالسَّلامُ . فَلَمّا قَرَأَ الأَشتَرُ الكِتابَ ، قالَ : اللّهُمَّ ! أسوَأنا نَظَرا لِلرَّعِيَّةِ ، وأعمَلنا فيهِم بالمعصيَةِ ، فَعَجِّل لَهُ النَّقِمَةَ . فَكَتَبَ بِذلِكَ سَعيدٌ إلى عُثمانَ ، وسارَ الأَشتَرُ وأصحابُهُ إلى حِمصٍ ؛ فَأَنزَلَهُم عَبدُ الرَّحمنِ بنِ خالِدٍ السّاحِلَ ، وأجرى عَلَيهِم رِزقا (4) .

.


1- .حِمْص : أحد قواعد الشام ، وتقع إلى الشمال من مدينة دمشق تبعد عنها150 كيلو متراً ، وهي ذات بساتين ، وشربها من نهر العاصي . دخلت هذه المدينة تحت سيطرة المسلمين في سنة 15 للهجرة (راجع تقويم البلدان : ص 261).
2- .أنساب الأشراف : ج 6 ص 155 .
3- .يقال : فُلانٌ لا يألوا خيرا ؛ أي لا يدعه ولا يزال يفعله (لسان العرب : ج 14 ص 40) .
4- .تاريخ الطبري : ج 4 ص 325 وراجع الكامل في التاريخ : ج 2 ص 271 .

ص: 182

. .

ص: 183

الفصل الخامس : الثورة على عثمان
اشاره

الفصل الخامس : الثورة على عثمانقام عثمان بن عفّان من بين أعضاء الشورى الَّتي كان عمر بن الخطّاب قد شكّلها ، فتربّع على أريكة الحكم . وأرسى دعائم حكومته منذ البداية على قواعد مخالفة للسيرة النبويّة (1) . وكانت ممارساته ، سواءً في تعامله مع النّاس والصحابة ، أم كانت في موقفه من أحكام الدين مَدْعاةً لاحتجاج الأمّة عليه ، فوُصِم بمعارضة السنّة النبويّة وانتهاك حُرمة الدين . وكان منقادا لبِطانةٍ سقيمة الفكر زائغة النهج قد حاقت به ، فلم تدعه يأخذ الخطر المُحْدِق به مأخذ الجدّ ، ولا يكترث بالاحتجاجات والانتقادات الموجّهة إليه . تدلّ النصوص المذكورة في الصفحات المتقدّمة على اتّساع نطاق الشذوذ في حكومة عثمان ، كما تدلّ على زيغه عن الحقّ وإلغائه للمعايير السليمة . ويرى بعض المؤرّخين أنّ السنين الستّ الاُولى من حكومته كانت هادئة لم تطرأ فيها حادثة تُذكَر ولم يعترض عليها أحدٌ يومئذٍ ، ثمّ حدثت تبدّلات متنوّعة (2) ، ولكن هذا الرأي لم يكن صحيحا ، إذ بدأ عثمان انحرافه منذ الأيّام الاُولى لتبلور حكومته ، بإرجاعه

.


1- .راجع : ص 154 (العفو عن قاتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة) .
2- .تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص431 .

ص: 184

الحكم بن العاص ومروان ، وتسليطهما على الاُمّة ، وزاد في ذلك أيضا بتأمير أقاربه على الأمصار ، وإسرافه الفاضح من بيت المال . فأثار عمله هذا صحابة النبيّ صلى الله عليه و آله منذ البداية ، بَيْد أنّ المعارضة العامّة والنهوض والتحرّك الجماعي ضدّه حدثت في السنين الستّ الأخيرة من حكومته (1) . في سنة (33 ه ) أقدم عثمان على نفي ثلّة من كبار أهل الكوفة وصالحيهم ، وكان فيهم بعض الصحابة أيضا (2) . وبعد مدّة ثار الكوفيّون في سنة (34 ه ) مطالبين بعزل سعيد بن العاص والي الكوفة ، فلم يُصغِ عثمان إلى طلبهم ، فحالوا دون دخوله مدينتهم مقاوِمين . فاضطرّ عثمان بعدئذ إلى عزله راضخا لمطالبهم _ وكان سعيد من أقربائه _ وعيّن مكانه أبا موسى الأشعري الَّذي كان يرتضيه أهل الكوفة . وفي تلك السنة تراسل الصحابة وخطّطوا للثورة على عثمان طاعنين بتصرّفاته الشاذّة . وممّا جاء في مراسلاتهم قولهم : «إن كُنتُم تُريدونَ الجِهادَ فَعِندَنا الجِهادُ» . وبلّغ أمير المؤمنين عليه السلام عثمان احتجاجات الصحابة ، ووعظه باُسلوب ليّن لعلّه يثوب إلى رشده ، ويغيّر منهجه في الحكم ، ويستقيم على الطريقة ، لكنّه لم يستجب وخطب خطبة شديدة اللهجة عنّف فيها المعترضين ولجأ فيها إلى التهديد . وكتب طلحة وبعض الصحابة الآخرين كتابا إلى أهل مصر وغيرها من الأمصار الإسلاميّة يَدْعونهم فيها إلى الثورة على عثمان . وفي أعقاب هذه الدعوة وسواها ، ونتيجةً لجميع ضروب الشذوذ ، وعدم اعتناء عثمان باحتجاجات النّاس وانتقاداتهم تقاطر على المدينة جماعات مختلفة من مصر ، والكوفة ، والبصرة ، وحاصروا عثمان يؤازرهم عدد من الصحابة ، وطالبوه بكلّ حزم أن يعتزل الحكم . وكان

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص163 .
2- .راجع : ص 179 (تسيير جماعة من صلحاء الاُمّة) .

ص: 185

لعائشة ، وطلحة بن عبيد اللّه ، وعمرو بن العاص دور مهمّ في إلهاب الثورة عليه . وقالت عائشة قولها المشهور فيه إبّان تلك الأحداث : «اُقتُلوا نَعثَلاً ، قَتَلَ اللّهُ نَعثَلاً» . وتناقلت الألسن قولها هذا ، واشتهر في الآفاق بعد ذلك التاريخ . ويبدو أنّ عثمان قد أفاق بعدئذٍ من نومه الثقيل الَّذي كانت بطانته قد فرضته عليه من قبل ، وشعر بالخطر . من هنا ، طلب من الإمام عليه السلام أن يصرف الثوّار عن أهدافهم ، وعاهده على تغيير سياسته ، والعمل كما يريدون ، فتكلّم الامام عليه السلام معهم وأقنعهم بفكّ الحصار عنه ، ووعدهم عثمان بتلبية طلباتهم وألّا يكرّر النهج الَّذي كان قد سلكه من قبل وأن يعمل بكتاب اللّه تعالى ، وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله . . . وخطب عثمان خطبة أعلن فيها صراحةً توبته من فعلاته السابقة ، وقال أمام الحشد الغفير من المسلمين : «أستَغفِرُ اللّهَ مِمّا فَعَلتُ وأتوبُ إلَيهِ» . وقال نادما ، وهو غارق في حيرته : «فَوَاللّهِ ، لَئِن رَدَّني الحَقَّ عَبدا لَأستَنُّ بِسُنَّةِ العَبدِ ، ولَأذلنّ ذلّ العَبدِ ، ولَأكونَنَّ كالمرقوق . . .» . وانتهى الحصار ، وعاد المصريّون إلى بلادهم مع واليهم الجديد محمّد بن أبي بكر ، وعزم سائر المسلمين على الرجوع إلى مدائنهم ، وآبَ أهل المدينة إلى دورهم وحياتهم اليوميّة . . . لكن المؤسف أنّ هذه التوبة لم تدم طويلاً ، فقد تدخّلت البطانة الأمويّة المريضة الفكر والعمل _ لا سيّما مروان _ وجعلته يعدل عن قراره ، وافتعلت ضجّة ضيّقت عليه الأرض بما رحبت ، فتراجع ونقض جميع وعوده ، والثوّار لمّا يصلوا إلى أمصارهم بعد . وكان هذا التغيّر في الموقف على درجة من القبح حتّى صاحت نائلة زوجته قائلةً :

.

ص: 186

5 / 1 التّمرّد في الكوفة

«إنَّهُم وَاللّهِ قاتِلوهُ ومُؤَثِّموهُ ، إنَّهُ قالَ مَقالَةً لا يَنبَغي أن يَنزِعَ عَنها» . وحين كان المصريّون في طريق عودتهم إلى مصر _ بعد وعود عثمان _ تفطّنوا في أحد المواضع إلى أنّ غلاما لعثمان متوجّه إلى مصر أيضا ، فشكّوا فيه واستوقفوه ، فاستبان أنّه رسوله إلى مصر ، وفتّشوه فوجدوا عنده حكم عثمان إلى واليه على مصر عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح يأمره فيه بقتل عدد من الثوّار . وكان الكتاب بخطّ كاتب عثمان وعليه ختمه ، وعندئذٍ عاد الثوّار إلى المدينة وحاصروا عثمان مرّة أخرى . . . فلم يُجْدِ نفعا حينئذٍ كلام وسيط ، ولم تُقبل توبة . . . واستغاث عثمان هذه المرّة بمعاوية يستنجده لإنقاذه بشكل من الأشكال . بَيْد أنّ معاوية الَّذي كان متعطّشا للسلطة والتسلّط وجد الفرصة مؤاتية لركوب الموجة والقفز على أريكة الحكم . من هنا لم يُسارع إلى إغاثة عثمان والذبّ عنه وإنقاذه حتّى يقتل ، ومن ثمّ يتربّع على العرش بذريعة المطالبة بدمه . ودام الحصار أربعين يوما . وفيها طلب عثمان من الإمام عليه السلام مرّتين أن يخرج من المدينة ، فاستجاب عليه السلام لذلك . كما طلب منه في كلّ منهما أن يرجع ، وفعل عليه السلام أيضا . وأعان كبار الصحابة الثوّار في هذا الحصار . والقلّة الباقية منهم كانوا إمّا مؤيّدين لعثمان ، أو لم يبدوا معارضة علنيّة له . وهكذا قُتل عثمان في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة (35 ه ) بفعل اقتحام الثوّار داره _ بعد أن قُتل أحدهم بسيف مروان _ وسنتحدّث في الفصول القادمة عن تفصيل ذلك ، والشواهد التاريخيّة الدالّة عليه .

5 / 1التَّمَرُّدُ فِي الكوفَةِأنساب الأشراف :كَتَبَ عُثمانُ إلى اُمَرائِهِ فِي القُدومِ عَلَيهِ لِلَّذي رَأى مِن ضَجيجِ النّاس

.

ص: 187

وشَكِيَّتِهِم ، فَقَدِمَ عَلَيهِ مُعاوِيَةُ مِن الشّامِ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ مِنَ المَغرِبِ ، وعبَدُ اللّهِ بنُ عامِرِ بنِ كُرَيزٍ مِنَ البَصرَةِ ، وسَعيدُ بنُ العاصِ مِنَ الكوفَةِ . . . . وَاغتَنَمَ أهلُ الكوفَةِ غَيبَةَ مُعاوِيَةَ عَنِ الشّامِ فَكَتَبوا إلى إخوانِهِمُ الَّذينَ بِحِمص مَعَ هانِئِ بن خَطّابٍ الأَرحَبِيِّ يَدعونَهُم إلَى القُدومِ ، ويُشَجِّعونَهُم عَلَيهِ ، ويُعلِمونَهُم أنَّهُ لا طاعَةَ لِعُثمانَ مَعَ إقامَتِهِ عَلى ما يُنكَرُ مِنهُ . فَسارَ إلَيهِم هانِئُ بنُ خَطّابٍ مُغِذّا (1) لِلسَّيرِ راكِبا لِلفَلاةِ ، فَلَمّا قَرَؤوا كِتابَ أصحابِهِم أقبَلَ الأَشتَرُ وَالقَومُ المُسَيَّرونَ حَتّى قَدِموا الكوفَةَ ، فَأعطاهُ القُرّاءُ وَالوُجوهُ جَميعا مَواثيقَهُم وعُهودَهُم أن لا يَدَعوا سَعيدَ بنَ العاصِ يَدخُلُ الكوفَةَ والِيا أبَدا . . . وقامَ مالِكُ بنُ الحارِثِ الأَشتَرُ يَوما فَقالَ : إنَّ عُثمانَ قَد غَيَّرَ وبَدَّلَ ، وحَضَّ النّاسَ عَلى مَنعِ سَعيدٍ مِن دُخولِ الكوفَةِ . فَقالَ لَهُ قبيصةُ بنُ جابِرِ بنِ وَهَبٍ الأَسَدِيُّ _ مِن وُلدِ عُمَيرَةَ بنِ جَدارٍ _ : يا أشتَرُ ! دامَ شَترُكَ ، وعَفا أثَرُكَ ، أطَلتَ الغَيبَةَ ، وجِئتَ بِالخَيبَةِ ، أ تَأمُرُنا بِالفُرقَةِ وَالفِتنَةِ ونَكثِ البَيعَةِ وخَلعِ الخَليفَةِ ؟ فَقالَ الأَشتَرُ : يا قبيصةَ بنَ جابِرٍ ! وما أنتَ وهذا ، فَوَاللّهِ ما أسلَمَ قَومُكَ إلّا كُرها ، ولا هاجَروا إلّا فَقرا ، ثُمَّ وَثَبَ النّاسُ عَلى قَبيصَةٍ فَضَرَبوهُ وجَرَحوهُ فَوقَ حاجِبِهِ . وجَعَلَ الأَشتَرُ يَقولُ : لا حُرَّ بِوادي عَوفٍ (2) ، مَن لا يَذُد عَن حَوضِهِ يُهَدَّم 3 . ثُمَّ صَلّى بِالنّاسِ الجُمُعَةَ وقالَ لِزِيادِ بنِ النَّضرِ : صَلِّ بِالنّاسِ سائِرَ صَلَواتِهِم ، وَالزَم

.


1- .أغذّ : أسرع في السَّير (النهاية : ج3 ص347) .
2- .أي أنّه يقهر من حلّ بواديه ، فكلّ من فيه كالعبد له لطاعتهم إيّاه (مجمع الأمثال : ج3 ص194) .

ص: 188

القَصرَ ، وأمَرَ كُمَيلَ بنَ زِيادٍ فَأَخرَجَ ثابِتَ بنَ قَيسِ بنِ الخطيمِ الأَنصارِيَّ مِنَ القَصرِ ، وكانَ سَعيدُ بنُ العاصِ خَلَّفَهُ عَلَى الكوفَةِ حينَ شَخَصَ إلى عُثمانَ . وعَسكَرَ الأَشتَرُ بَينَ الكوفَةِ وَالحيرَةِ وبَعَثَ عائِذَ بنَ حملة في خَمسِمِئَةٍ إلى أسفَلِ كَسْكَرٍ (1) مَسلَحَةً (2) بَينَهُ وبَينَ البَصرَةِ ، وبَعَثَ جمرَةَ بنَ سنانِ الأَسَدِيَّ في خَمسِمِئَةٍ إلى عَينِ التَّمرِ (3) لِيَكونَ مَسلَحةً بَينَهُ وبَينَ الشّامِ ، وبَعَثَ هانِئَ بنَ أبي حَيَّةَ بنِ عَلقَمَةَ الهَمدانِيَّ ثُمَّ الوادِعِيَّ إلى حُلوانَ 4 في ألفِ فارِسٍ لِيَحفَظَ الطَّريقَ بِالجَبَلِ ، فَلَقِيَ الأَكراد بِناحِيَةِ الدَّينَوَرِ (4) وقَد أفسَدوا ، فَأَوقَعَ بِهِم ، وقَتَلَ مِنهُم مَقتَلَةً عَظيمَةً . وبَعَثَ الأَشتَرُ أيضا يَزيدَ بنَ حجيّةَ التَيمِيَّ إلَى المَدائِنِ وأرضِ جُوخا (5) ووَلّى عُروَةَ بنَ زَيدِ الخَيلِ الطائِيَّ ما دونَ المَدائِنِ ، وتَقَدَّمَ إلى عُمّالِهِ أن لا يَجبوا دِرهَما ، وأن يُسَكِّنُوا النّاسَ ، وأن يَضبِطُوا النَّواحِيَ . وبَعَثَ مالِكَ بنَ كَعبٍ الأَرحَبِيَّ في خَمسِمِئَةِ فارِسٍ ومَعَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ كَباثَةَ _ أحَدُ بَني عائِذِ اللّهِ بنِ سَعدِ العَشيرَةِ بنِ مالِكِ بنِ اُدَدِ بنِ زَيدٍ _ إلَى العُذَيبِ لِيَلقى سَعيدَ بنَ العاصِ ويَرُدَّهُ ، فَلَقِيَ مالِكُ بنُ كَعبٍ الأَرحَبِيُّ سَعيدا فَرَدَّهُ وقالَ : لا وَاللّهِ ، لا تَشرَب

.


1- .كَسْكَر : كورة واسعة قصبتها اليوم واسط الَّتي بين الكوفة والبصرة (معجم البلدان : ج4 ص461) .
2- .المَسْلَحة : القوم الَّذين يحفظون الثغور من العدوّ ، سمّوا مسلحة لأنّهم يكونون ذوي سلاح ، أو لأنّهم يسكنون المسلَحة ؛ وهي كالثغر . والمرقب : يكون فيه أقوام يرقبون العدوّ لئلّا يطرقهم على غفلة ، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهّبوا له ، وجمع المسلَح مسالِح (النهاية : ج2 ص388).
3- .هي بلدة قريبة من الأنبار غربيّ الكوفة (معجم البلدان : ج4 ص176) .
4- .الدَّيْنَوَر: بلدة من بلاد الجبل عند قرميسين، وبينها وبين الموصل أربعون فرسخا (تقويم البلدان : ص415).
5- .هو اسم نهر عليه كورة واسعة في سواد بغداد ، وهو بين خانقين وخوزستان (معجم البلدان : ج2 ص179).

ص: 189

مِن ماءِ الفُراتِ قَطرَةً ، فَرَجَعَ إلَى المَدينَةِ . فَقالَ لَهُ عُثمانُ : ما وَراءَكَ ؟ قالَ : الشَّرُّ . فَقالَ عُثمانُ : هذَا كُلُّهُ عَمَلُ هؤَلاءِ ؛ يَعني عَلِيّا وَالزُبَيرَ وطَلحَةَ . وأنهَبَ الأَشتَرُ دارَ الوَليدِ بنِ عُقبَةَ وكانَ فيها مالُ سَعيدٍ ومَتاعُهُ حَتّى قُلِعَت أبوابُها . ودَخَلَ الأَشتَرُ الكوفَةَ فَقالَ لِأَبي موسى : تَوَلَّ الصَّلاةَ بِأَهلِ الكوفَةِ وَليَتَوَلَّ حُذَيفَةُ السَّوادَ وَالخَراجَ . وكَتَبَ عُثمانُ إلَى الأَشتَرِ وأصحابِهِ مَعَ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكرٍ ، وَالمسوَرِ بنِ مخرمةَ يَدعوهُم إلَى الطّاعَةِ ، ويُعلِمُهُم أنَّهُم أوَّلُ مَن سَنَّ الفُرقَةَ ، ويَأمُرُهُم بِتَقوَى اللّهِ ومُراجَعَةِ الحَقِّ وَالكِتابِ إلَيهِ بِالَّذي يُحِبّونَ . فَكَتَبَ إلَيهِ الأَشتَرُ : مِن مالِكِ بنِ الحارِثِ إلَى الخَليفَةِ المُبتَلَى الخاطِىَ الحائِدِ عَن سُنَّةِ نَبِيِّهِ ، النّابِذِ لِحُكمِ القُرآنِ ورَاءَ ظَهرِهِ . أمّا بَعدُ ، فَقَد قَرَأنا كِتابَكَ فَانهَ نَفسَكَ وعُمّالَكَ عَنِ الظُّلمِ وَالعُدوانِ وتَسييرِ الصّالِحينَ نَسمَح لَكَ بِطاعَتِنا ، وزَعَمتَ أنّا قَد ظَلَمنا أنفُسَنا وذلِكَ ظَنُّكَ الَّذي أرداكَ ، فَأَراكَ الجَورَ عَدلاً ، وَالباطِلَ حَقّا ، وأمّا مَحَبَّتُنا فَأَن تَنزَعَ وتَتوبَ وتَستَغفِرَ اللّهَ مِن تَجَنّيكَ عَلى خِيارِنا ، وتَسييرِكَ صُلَحاءَنا ، وإخراجِكَ إيّانا مِن دِيارِنا ، وتَولِيَتِكَ الأَحداثَ عَلَينا ، وأن تُوَلِّيَ مِصرَنا عَبدَ اللّهِ بنَ قَيسٍ أبا موسَى الأَشعَرِيَّ وحُذَيفَةَ فَقَد رَضيناهُما ، وَاحبَس عَنّا وَليدَكَ وسَعيدَكَ ومَن يَدعوكَ إلَيهِ الهَوى مِن أهلِ بَيتِكَ إن شاءَ اللّهُ ، وَالسَّلامُ . وخَرَجَ بِكِتابِهِم يَزيدُ بنُ قَيسٍ الأَرحَبِيُّ ، ومَسروقُ بنُ الأَجدَعِ الهَمدانِيُّ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ أبي سبرة الجُعفِيُّ _ وَاسمُ أبي سبرَةَ يَزيدُ _ وعَلقَمَةُ بنُ قَيسٍ أبو شبل

.

ص: 190

النَّخَعِيُّ ، وخارِجَةُ بنُ الصَّلتِ البرجَمِيُّ _ مِن بَني تَميمٍ _ في آخَرينَ . فَلَمّا قَرَأَ عُثمانُ الكِتابَ قالَ : اللّهُمَّ إنّي تائِبٌ ، وكَتَبَ إلى أبي موسى وحُذَيفَةَ : أنتُما لِأَهلِ الكوفَةِ رِضىً ، ولَنا ثِقَةٌ ، فَتَوَلَّيا أمرَهُم ، وقوما بِهِ بِالحَقِّ ، غَفَرَ اللّهُ لَنا ولَكُما . فَتَوَلّى أبو موسى وحُذَيفَةُ الأَمرَ وسَكَّنَ أبو موسَى النّاسَ (1) .

مروج الذهب :لَمَّا اتَّصَلَت أيّامُ سَعيدِ [بنِ العاصِ] بِالكوفَةِ ظَهَرَت مِنهُ اُمورٌ مُنكَرَةٌ ، فَاستَبَدَّ بِالأَموالِ ، وقالَ في بَعضِ الأَيّامِ أو كَتَبَ بِهِ عُثمان : إنَّما هذَا السَّوادُ قَطينٌ (2) لِقُرَيشٍ . فَقالَ لَهُ الأَشتَرُ _ وهُوَ مالِكُ بنُ الحارِثِ النَّخَعِيُّ _ : أ تَجعَلُ ما أفاءَ اللّهُ عَلَينا بِظَلالِ سُيوفِنا ومَراكِزِ رِماحِنا بُستانا لَكَ ولِقَومِكَ ؟ ثُمَّ خَرَجَ إلى عُثمانَ في سَبعينَ راكِبا مِن أهلِ الكوفَةِ فَذَكَروا سوءَ سيرَةِ سَعيدِ بنِ العاصِ ، وسَأَلوا عَزلَهُ عَنهُم . فَمَكَثَ الأَشتَرُ وأصحابُهُ أيّاما لا يَخرُجُ لَهم مِن عُثمانَ في سَعيدٍ شيءٌ ، وَامتَدَّت أيّامُهُم بِالمَدينَةِ ، وقَدِمَ عَلى عُثمانَ اُمَراؤُهُ مِنَ الأَمصارِ ، مِنهُم : عَبدُ اللّهِ ابنُ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ مِن مِصرَ ، ومُعاوِيَةُ مِنَ الشّامِ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ عامِرٍ مِنَ البَصرَةِ ، وسَعيدُ بنُ العاصِ مِنَ الكوفَةِ ، فَأَقاموا بِالمَدينَةِ أيّاما لا يَرُدُّهُم إلى أمصارِهِم ، وكَراهَةَ أن يَرُدَّ سَعيدا إلَى الكوفَةِ ، وكَرِهَ أن يَعزِلَهُ ، حَتّى كَتَبَ إلَيهِ مَن بِأَمصارِهِم يَشكونَ كَثرَةَ الخَراجِ وتَعطيلَ الثُّغورِ .

.


1- .أنساب الأشراف: ج6 ص156 ، ولمزيد الاطّلاع على مسيّري الكوفة وقصّتهم راجع الفتوح : ج2 ص384 _ 402 .
2- .القَطِين : الخدم والأتباع والحشَم والمماليك (لسان العرب : ج13 ص343) .

ص: 191

فَجَمَعَهُم عُثمانُ وقالَ : ما تَرَونَ ؟ فَقالَ مُعاوِيَةُ : أمّا أنَا فَراضٍ بي جُندي . وقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عامِرِ بنِ كُرَيزٍ : لِيَكفِكَ امرُؤٌ ما قِبَلَهُ أكفِكَ ما قِبَلي . وقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ : لَيسَ بِكَثيرٍ عَزلُ عامِلٍ لِلعامَّةِ وتَولِيَةُ غَيرِهِ . وقالَ سَعيدُ بنُ العاصِ : إنَّكَ إن فَعَلتَ هذا كانَ أهلُ الكوفَةِ هُمُ الَّذين يُوَلّونَ ويَعزِلونَ ، وقَد صاروا حَلَقا فِي المَسجِدِ لَيسَ لَهُم غَيرُ الأحاديثِ وَالخَوضِ ، فَجَهِّزهُم في البُعوثِ حَتّى يَكونَ هَمُّ أحدِهِم أن يَموتَ عَلى ظَهرِ دابَّتِهِ . قالَ : فَسَمِعَ مَقالَتَهُ عَمرُو بنُ العاصِ فَخَرجَ إلَى المَسجِدِ ، فَإِذا طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ جالِسانِ في ناحِيَةٍ مِنهُ ، فَقالا لَهُ : تَعالَ إلَينا ، فَصارَ إلَيهِما ، فَقالا : ما وَراءَكَ ؟ قالَ : الشَّرُّ ، ما تَرَكَ شَيئا مِنَ المُنكَرِ إلّا أتى بِهِ وأمَرَهُ بِهِ . وجاءَ الأَشتَرُ فَقالا لَهُ : إنَّ عامِلَكُمُ الَّذي قُمتُم فيهِ خُطَباءَ قَد رُدَّ عَلَيكُم واُمِرَ بِتَجهيزِكُم فِي البُعوثِ وبِكَذا وبِكَذا . فَقالَ الأَشتَرُ : وَاللّهِ ، لَقَد كُنّا نَشكو سوءَ سيرَتِهِ وما قُمنا فيهِ خُطَباءَ ، فَكَيفَ وقَد قُمنا ؟ ! وَايمُ اللّهِ عَلى ذلِكَ ، لَولا أنّي أنفَدتُ النَّفَقَةَ وأنضَيتُ الظَّهرَ لَسَبَقتُهُ إلَى الكوفَةِ حَتّى أمنَعَهُ دُخولَها . فَقالا لَهُ : فَعِندَنا حاجَتُكَ الَّتي تَقومُ بِكَ في سَفَرِكَ . قالَ : فَأَسلِفاني إذا مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ . قالَ : فَأَسلَفَهُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما خَمسينَ ألفَ دِرهَمٍ ، فَقَسَمَها بَينَ أصحابِهِ ، وخَرَجَ إلَى الكوفَةِ فَسَبَقَ سَعيدا ، وصَعِدَ المِنبَرَ وسَيفُهُ في عُنُقِهِ ما وَضَعَهُ بَعدُ . ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ عامِلَكُمُ الَّذي أنكَرتُم تَعَدِّيَهُ وسوءَ سيرَتِهِ قَد رُدَّ عَلَيكُم ،

.

ص: 192

5 / 2 إشخاص عثمان عمّاله من جميع البلاد

وأُمِرَ بِتَجهيزِكُم فِي البُعوثِ ، فَبايِعوني عَلى أن لا يَدخُلَها ، فَبايَعَهُ عَشَرَةُ آلافٍ مِن أهلِ الكوفَةِ ، وخَرَجَ راكِبا مُتَخَفِّيا يُريدُ المَدينَةَ أو مَكَّةَ ، فَلَقِيَ سَعيدا بِواقصَةَ فَأَخبَرَهُ بِالخَبَرِ ، فَانصَرَفَ إلَى المَدينَةِ . وكَتَبَ الأَشتَرُ إلى عُثمانَ : إنّا وَاللّهِ ما مَنَعنا عامِلَكَ الدُّخولَ لِنُفسِدَ عَلَيكَ عَمَلَكَ ، ولكِنَ لِسوءِ سيرَتِهِ فينا وشِدَّةِ عَذابِهِ ، فَابعَث إلى عَمَلِكَ مَن أحبَبتَ . فَكَتَبَ إلَيهِم : اُنظُروا مَن كانَ عامِلَكُم أيّامَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ فَوَلّوهُ ، فَنَظَروا فَإِذا هُوَ أبو موسَى الأَشعَرِيُّ ، فَوَلَّوهُ (1) .

5 / 2إشخاصُ عُثمانَ عُمّالَهُ مِن جَميعِ البِلادِالفتوح :أرسَلَ عُثمانُ إلى جَميعِ عُمّالِهِ ، فَأَشخَصَهُم إلَيهِ مِن جَميعِ البِلادِ ، ثُمَّ أحضَرَهُم وأقبَلَ عَلى أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! هؤُلاءِ عُمّالِي الَّذينَ أعتَمِدُهُم ؛ فَإِن أحبَبتُم عَزَلتُهُم ووَلَّيتُ مَن تُحِبّونَ . قالَ : فَتَكَلَّمَ عَلِيُّ بن أبي طالِبٍ رضى الله عنه وقالَ : يا عُثمانُ ! إنَّ الحَقَّ ثَقيلٌ مُرٌّ ، وإنَّ الباطِلَ خَفيفٌ ، وأنتَ رَجُلٌ إذا صُدِقتَ سَخَطتَ وإذا كُذِبتَ رَضيتَ ، وقَد بَلَغَ النّاسَ عَنكَ اُمورٌ تَركُها خَيرٌ لَكَ مِنَ الإِقامَةِ عَلَيها ، فَاتَّقِ اللّهَ يا عُثمانُ ، وتُب إلَيهِ مِمّا يَكرَهُهُ النّاسُ مِنكَ . قالَ : ثُمَّ تَكَلَّمَ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ فَقالَ : يا عُثمانُ ! إنَّ النّاسَ قَد سَفَّهوكَ وكَرِهوكَ لِهذِهِ البِدَعِ وَالأَحداثِ الَّتي أحدَثتَها ولَم يَكونوا يَعهَدونَها ، فَإِن تَستَقِم فَهُوَ خَيرٌ لَكَ ، وإن أبَيتَ لَم يَكُن أحَدٌ أضَرَّ بِذلِكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ مِنكَ .

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص346 .

ص: 193

5 / 3 الدّعوة إلى الخروج
اشاره
5 / 3 _ 1 دعوة أصحاب النّبيّ من الآفاق

قالَ : فَغَضِبَ عُثمانُ ثُمَّ قَالَ : ما تَدَعونّي ولا تَدَعونَ عَتبي ، ما أحدَثتُ حَدَثا ، ولكِنَّكُم تُفسِدونَ عَلَيَّ النّاسَ ، هَلُمَّ يَابنَ الحَضرَمِيَّةِ ! ما هذِهِ الأَحداثُ الَّتي أحدَثتُ ؟ فَقالَ طَلحَةُ : إنَّهُ قَد كَلَّمَكَ عَلِيٌّ مِن قَبلي ، فَهَلّا سَأَلتَهُ عَن هذِهِ الأَحوالِ الَّتي أحدَثتَ فَيُخبِرَكَ بِها . ثُمَّ قامَ طَلحَةُ فَخَرَجَ مِن عِندِ عُثمانَ ، وجَعَلَ يُدَبِّرُ رَأيَهُ بَينَهُ وبَينَ نَفسِهِ أ يَرُدُّ عُمّالَهُ إلى أعمالِهِم أم يَعزِلُهُم ويُوَلّي غَيرَهُم ؟ (1) .

5 / 3الدَّعوَةُ إلَى الخُروجِ5 / 3 _ 1دَعوَةُ أصحابِ النَّبِيِّ مِنَ الآفاقِتاريخ الطبري عن عبد الرحمن بن يسار :لَمّا رَأَى النّاسُ ما صَنَعَ عُثمانُ كَتَبَ مَن بِالمَدينَةِ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلى مَن بِالآفاقِ مِنهُم _ وكانوا قَد تَفَرَّقوا فِي الثُّغورِ _ : إنُّكُم إنَّما خَرَجتُم أن تُجاهِدوا في سَبيلِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ تَطلُبونَ دينَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّ دينَ مُحَمَّدٍ قَد اُفسِدَ مِن خَلفِكُم وتُرِكَ ، فَهَلُمّوا فَأَقيموا دينَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَأَقبَلوا مِن كُلِّ اُفُقٍ حَتّى قَتَلوهُ (2) .

.


1- .الفتوح : ج2 ص395 وراجع أنساب الأشراف: ج6 ص156 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص367 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص287 ، شرح نهج البلاغة: ج 2 ص149 كلاهما نحوه .

ص: 194

5 / 3 _ 2 كتاب طلحة إلى أهل مصر
5 / 3 _ 3 تحريض عائشة

5 / 3 _ 2كِتابُ طَلحَةَ إلى أهلِ مِصرَالإمامة والسياسة _ في ذِكرِ كِتابِ طَلحَةَ إلى أهلِ مِصرَ لِاجتِماعِهِم لِقَتلِ عُثمانَ _ :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مِنَ المُهاجِرينَ الأَوَّلينَ وبَقِيَّةِ الشُورى ، إلى مَن بِمِصرَ مِنَ الصَّحابَةِ وَالتّابِعينَ . أمّا بَعدُ : أن تَعالَوا إلَينا وتَدارَكوا خِلافَةَ رَسولِ اللّهِ قَبلَ أن يُسَلبَها أهلُها ؛ فَإِنَّ كِتابَ اللّهِ قَد بُدِّلَ ، وسُنَّةَ رَسولِهِ قَد غُيِّرَت ، وأحكامُ الخَليفَتَينِ قَد بُدِّلَت . فَنُنِشدُ اللّهَ مَن قَرَأَ كِتابَنا مِن بَقِيَّةِ أصحابِ رَسولِ اللّهِ والتّابِعينَ بِإحسانٍ إلّا أقبَلَ إلَينا ، وأخَذَ الحَقَّ لَنا ، وأعطاناهُ . فَأَقبِلوا إلَينا إن كُنتُم تُؤمِنونُ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، وأقيمُوا الحَقَّ عَلَى المِنهاجِ الواضِحِ الَّذي فارَقتُم عَلَيهِ نَبِيَّكُم ، وفارَقَكُم عَلَيهِ الخُلَفاءُ . غُلِبنا عَلى حَقِّنا وَاستولِيَ عَلى فَيئِنا ، وحيلَ بَينَنا وبَينَ أمرِنا ، وكانَتِ الخِلافَةُ بَعدُ نَبِيِّنا خِلافَةَ نُبُوَّةٍ ورَحمَةٍ ، وهِيَ اليَومَ مُلكُ عَضوضٍ ، مَن غَلَبَ عَلى شَيءٍ أكَلَهُ (1) .

5 / 3 _ 3تَحريضُ عائِشَةَتاريخ اليعقوبي :كانَ بَينَ عُثمانَ وعائِشَةَ مُنافَرَةٌ ؛ وذلِكَ أنَّهُ نَقَصَها مِمّا كانَ يُعطيها عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، وصَيَّرَها اُسوَةَ غَيرِها مِن نِساءِ رَسولِ اللّهِ ، فَإِنَّ عُثمانَ يَوما لَيَخطُبُ ، إذ دَلَّت عائِشَةُ قَميصَ رَسولِ اللّهِ ، ونادَت : يا مَعشَرَ المُسلِمينَ ! هذَا جِلبابُ رَسولِ اللّهِ لَم يَبلَ ، وقَد أبلى عُثمانُ سُنَّتَهُ ! فَقالَ عُثمانُ : رَبِّ اصرِف

.


1- .الإمامة والسياسة : ج1 ص53 .

ص: 195

عَنّي كَيدَهُنَّ إنَّ كَيدَهُنَّ عَظيمٌ (1) .

الفتوح :كانَت عائِشَةُ تُحَرِّضُ عَلى قَتلِ عُثمانَ جَهدَها وطاقَتَها ، وتَقولُ : أيُّهَا النّاسُ ! هذا قَميصُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لم يَبلَ وبُلِيَت سُنَّتُهُ ، اُقتُلوا نَعثَلاً (2) ، قَتَلَ اللّهُ نَعثَلاً (3) .

الجمل عن الحسن بن سعد :رَفَعَت عائِشَةُ وَرَقَةً مِنَ المُصحَفِ بَينَ عودَتَينِ مِن وَراءِ حَجَلَتِها ، وعُثمانُ قائِمٌ ، ثُمَّ قالَت : يا عُثمانُ ! أقِم ما في هذَا الكِتابِ . فَقالَ : لَتَنتَهِنَّ عَمّا أنتِ عَلَيهِ أو لَاُدخِلَنَّ عَلَيكَ جَمرَ النّارِ . فَقالَت لَهُ عائِشَةُ : أما وَاللّهِ ، لَئِن فَعَلتَ ذلِكَ بِنِساءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لَيَلعَنُكَ اللّهُ ورَسولُهُ ، وهذا قَميصُ رَسولِ اللّهِ لَم يَتَغَيَّر ، وقَد غَيَّرتَ سُنَّتَهُ يا نَعثَلُ (4) .

الجمل عن حكيم بن عبد اللّه :دَخَلتُ يَوما بِالمَدينَةِ المَسجِدَ ، فَإِذا كَفٌّ مُرتَفِعَةٌ وصاحِبُ الكَفِّ يَقولُ : أيُّها النّاسُ ! العَهدُ قَريبٌ ، هاتانِ نَعلا رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقَميصُهُ ، كَأَنّي أرى ذلِكَ القَميصَ يَلوحُ وإنَّ فيكمُ فِرعَونَ هذِه الاُمَّةِ ؛ فَإِذا هِيَ عائِشَةُ ، وعُثمانُ يَقولُ لَها : اُسكُتي ، ثُمَّ يَقولُ لِلنّاسِ : إنَّهَا امرَأَةٌ ، وعَقلُها عَقلُ النِّساءِ ؛ فَلا تُصغوا إلى قَولِها (5) .

المصنّف عن أبي كعب الحارثي :اُقيمَتِ الصَّلاةُ ، فَتَقَدَّمَ عُثمانُ فَصَلّى ، فَلَمّا كَبَّرَ قامَتِ امرَأَةٌ مِن حُجرَتِها ، فَقالَت : أيُّهَا النّاسُ ! اسمَعوا . قالَ : ثُمَّ تَكَلَّمَت ، فَذَكَرَت رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وما بَعَثَهُ اللّهُ بِهِ ، ثُمَّ قالَت : تَرَكتُم أمرَ اللّهِ ، وخالَفتُم رَسولَهُ _ أو نَحوَ هذا _ ثُمَّ صَمَتَت

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص175 .
2- .النَّعْثَل : الشيخ الأحمق . وكان أعداء عثمان يسمّونه نعثلاً . وفي حديث عائشة : اقتلوا نعثلاً قتل اللّه نعثلاً . تعني عثمان ، وكان هذا منها لمّا غاضبته وذهبت إلى مكّة (لسان العرب : ج11 ص669 و670) .
3- .الفتوح : ج2 ص421 ، شرح نهج البلاغة : ج20 ص22 وراجع الأمالي للطوسي : ص714 ح1517 والمسترشد : ص222 ح64 .
4- .الجمل : ص147 .
5- .الجمل : ص147 .

ص: 196

5 / 3 _ 4 تحريض طلحة

فَتَكَلَّمَت اُخرى مِثلَ ذلِكَ ، فَإِذا هِيَ عائِشَةُ وحَفصَةُ . قالَ : فَلَمّا سَلَّمَ عُثمانُ أقبَلَ عَلَى النّاسِ ، فَقالَ : إن هاتانِ الفَتّانَتانِ فَتَنَتَا النّاسَ في صَلاتِهِم ، وإلّا تَنتَهِيانِ أو لَأَسُبَّنَّكُما ما حَلَّ لِيَ السَّبابُ ، وإنّي لِأَصلِكُما لَعالِمٌ . قالَ : فَقَالَ لَهُ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ : أ تَقولُ هذا لِحَبائِبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ ! قالَ : وفيما أنتَ ! وما هاهُنا ؟ ثُمَّ أقبَلَ عَلى سَعدٍ عامِدا إلَيهِ . قالَ : وَانسَلَّ سَعدٌ (1) .

شرح نهج البلاغة :أقوالُ عائِشَةَ فيهِ [ أي في عُثمانَ ]مَعروفَةٌ ومَعلومَةٌ ، وإخراجُها قَميصَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهِيَ تَقولُ : هذا قَميصُهُ لَم يَبلَ وقَد أبلى عُثمانُ سُنَّتَهُ ، إلى غَيرِ ذلِكَ مِمّا لا يُحصى كَثرَةً (2) .

العقد الفريد :دَخَلَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ عَلى عائِشَةَ ، فَقالَت : يا أبا عَبدِ اللّهِ ! لَو رَأَيتَني يَومَ الجَمَلِ وقَد نَفَذَتِ النِّصالُ هَودَجي حَتّى وَصَلَ بَعضُها إلى جِلدي . قالَ لَهَا المُغيرَةُ : وَدَدتُ وَاللّهِ أنَّ بَعضَها كانَ قَتَلَكِ . قالَت : يَرحَمُكَ اللّهُ ، ولِمَ تَقولُ هذا ؟ قالَ : لَعَلَّها تَكونُ كَفّارَةً في سَعيِكَ عَلى عُثمانَ (3) .

راجع : ص 238 (حجّ عائشة في حصر عثمان) .

5 / 3 _ 4تَحريضُ طَلحَةَتاريخ المدينة عن عوف :كانَ أشَدُّ الصَّحابَةِ عَلى عُثمانَ ، طَلحَةَ بنَ عُبَيدِ اللّهِ (4) .

.


1- .المصنّف لعبد الرزّاق : ج11 ص355 ح20732 ، شرح نهج البلاغة : ج9 ص5 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج3 ص9 .
3- .العقد الفريد : ج3 ص300 وراجع الجمل : ص381 .
4- .تاريخ المدينة : ج4 ص1169 وراجع الجمل : ص306 .

ص: 197

العقد الفريد عن ابن سيرين :لَم يَكُن أحَدٌ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أشَدَّ عَلى عُثمانَ مِن طَلحَةَ (1) .

شرح نهج البلاغة عن عبيد بن حارثة :سَمِعتُ عُثمانَ وهُوَ يَخطُبُ ، فَأَكَبَّ النّاسُ حَولَهُ ، فَقالَ : اِجلِسوا يا أعداءَ اللّهِ ! فَصاحَ بِهِ طَلحَةُ : إنَّهُم لَيسوا بِأَعداءِ اللّهِ ، لكِنَّهُم عِبادُهُ ، وقَد قَرَؤوا كِتابَهُ (2) .

شرح نهج البلاغة عن محمّد بن سليمان :كانَ [طلحَةُ] لا يَشُكُّ أنَّ الأمرَ لَهُ مِن بَعدِهِ لِوُجوهٍ ، مِنها : سابِقَتُهُ . ومِنها : أنَّهُ ابنُ عَمٍّ لِأَبي بَكرٍ ، وكانَ لِأَبي بَكرٍ في نُفوسِ أهلِ ذلِكَ العَصرِ مَنزِلَةٌ عَظيمَةٌ أعظَمُ مِنها الآنَ . ومِنها : أنَّهُ كانَ سَمِحا جَوادا ، وقَد كانَ نازَعَ عُمَرَ في حَياةِ أبي بَكرٍ ، وأحَبَّ أن يُفَوِّضَ أبو بَكرٍ الأَمرَ إلَيهِ مِن بَعدِهِ ، فَما زالَ يَفتِلُ فِي الذِّروَةِ وَالغارِبِ (3) في أمرِ عُثمانَ ، ويُنكِّرُ لَهُ القُلوبَ ، ويُكَدِّرُ عَلَيهِ النُّفوسَ ، ويُغري أهلَ المَدينَةِ وَالأَعرابَ وأهلَ الأَمصارِ بِهِ . وساعَدَهُ الزُّبَيرُ ، وكانَ أيضا يَرجُو الأَمرَ لِنَفسِهِ ، ولَم يَكُن رَجاؤُهُما الأَمرَ بِدونِ رَجاءِ عَلِيٍّ ، بَل رَجاؤُهُما كانَ أقوى ؛ لِأَنَّ عَلِيّا دَحَضَهُ (4) الأَوَّلانِ وأسقَطاهُ ، وكَسَرا ناموسَهُ بَينَ النّاسِ ، فَصارَ نَسيا مَنسِيّا ، وماتَ الأَكثَرُ مِمَّن يَعرِفُ خَصائِصَهُ الَّتي كانَت في أيّامِ النُّبُوَّةِ وفَضلَهُ . ونَشَأَ قَومٌ لا يَعرِفونَهُ ولا يَرَونَهُ إلّا رَجُلاً مِن عُرضِ المُسلِمينَ ، ولَم يَبقَ لَهُ مِمّا

.


1- .العقد الفريد : ج3 ص303 ، أنساب الأشراف : ج6 ص201 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص9 وزاد في صدره : «الظاهر المعروف أنّه . . .» .
2- .شرح نهج البلاغة : ج9 ص17 .
3- .ما زال فلان يَفْتل من فلان في الذِروة والغارب : أي يدور من وراء خديعته ؛ وهو مثل في المخادعة (لسان العرب : ج11 ص514) .
4- .الدحض : الزلَق (النهاية : ج2 ص104) .

ص: 198

5 / 3 _ 5 تأليب عمرو بن العاص

يَمُتُّ بِهِ إلّا أنَّهُ ابنُ عَمِّ الرَّسولِ ، وزَوجُ ابنَتِهِ ، وأبو سِبطَيهِ ، ونُسِيَ ما وَراءَ ذلِكَ كُلُّهُ ، وَاتَّفَقَ لَهُ مِن بُغضِ قُرَيشٍ وَانحِرافِها ما لَم يَتَّفِق لِأَحَدٍ . وكانَت قُرَيشٌ بِمِقدارِ ذلِكَ البُغضِ تُحِبُّ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ ؛ لِأَنَّ الأَسبابَ الموجِبَةَ لِبُغضِهِم (1) لَم تَكُن مَوجودَةً فيِهما ، وكانا يَتأَلَّفانِ قُرَيشا في أواخِرِ أيّامِ عُثمانَ ، ويَعِدانِهِم بِالعَطاءِ وَالإِفضالِ ، وهُما عِندَ أنفُسِهِما وعِندَ النّاسِ خَليفَتانِ بِالقُوَّةِ لا بِالفِعلِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ نَصَّ عَلَيهِما ، وَارتَضاهُما لِلخِلافَةِ (2) .

5 / 3 _ 5تَأليبُ عَمرِو بنِ العاصِاُسد الغابة :لَمَّا استَعمَلَهُ [أي عبدَ اللّهِ بنَ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ] عُثمانُ عَلى مِصرَ وعَزَلَ عَنها عَمروا جَعَلَ عَمرٌو يَطعَنُ عَلى عُثمانَ ، ويُؤَلِّبُ عَلَيهِ ، ويَسعى في إفسادِ أمرِهِ (3) .

تاريخ الطبري عن أبي عون مولى المِسْور :كانَ عمرُو بنُ العاصِ عَلى مِصرَ عامِلاً لِعُثمانَ ، فَعَزَلَهُ عَنِ الخَراجِ وَاستَعمَلَهُ عَلَى الصَّلاةِ ، وَاستَعمَلَ عَبدَ اللّهِ بنَ سَعدٍ عَلَى الخَراجِ ، ثُمَّ جَمَعَهُما لِعَبدِ اللّهِ بنِ سَعدٍ ، فَلَمّا قَدِمَ عمرُو بنِ العاصِ المَدينَةَ جَعَلَ يَطعَنُ عَلى عُثمانَ ، فَأَرسَلَ إلَيهِ يَوما عُثمانُ خالِيا بِهِ ، فَقالَ : يَابنَ النّابِغَةِ ما أسرَعَ ما قَمِلَ جُرُبّانُ (4) جُبَّتِكَ ! إنَّما عَهدُكَ بِالعَمَلِ عاما أوَّلَ ، أ تَطعَنُ عَلَيَّ وتَأتيني بِوَجهٍ ، وتَذهَبُ عَنّي بِآخَرَ ؟ وَاللّهِ لَولا اُكلَةٌ ما فَعَلتَ ذلِكَ . قالَ : فَقالَ عَمرٌو : إنَّ كَثيرا مِمّا يَقولُ النّاسُ ويَنقُلونَ إلى وُلاتِهِم باطِلٌ ، فَاتَّقِ اللّهَ يا أميرَ المُؤمِنينَ في رَعِيَّتِكَ . فَقال

.


1- .كذا في المصدر ، والظاهر أنّ الصحيح : «لبُغضه» ؛ أي لبُغض عليّ عليه السلام .
2- .شرح نهج البلاغة : ج9 ص28 .
3- .اُسد الغابة : ج3 ص261 الرقم 2976 .
4- .القَمِلُ : القذر ، والجُرُبّان : جيب القميص (النهاية : ج4 ص110 و ج 1 ص253) .

ص: 199

عُثمانُ : وَاللّهِ لَقَدِ استَعمَلتُكَ عَلى ظَلَعِكَ (1) وكَثرَةِ القالَةِ فيكَ . . . . فَخَرَجَ عَمرٌو مِن عِندِ عُثمانَ وهُوَ مُحتَقَدٌ عَلَيهِ ، يَأتي عَلِيّا مَرَّةً فَيُؤَلِّبُهُ عَلى عُثمانَ ، ويَأتِي الزُّبَيرَ مَرَّةً فَيُؤَلِّبُهُ عَلى عُثمانَ ، ويَأتي طَلحَةَ مَرَّةً فَيُؤَلِّبُهُ عَلى عُثمانَ ، ويَعتَرِضُ الحاجَّ فَيُخبِرُهُم بِما أحدَثَ عُثمانُ ، فَلَمّا كانَ حَصرُ عُثمانَ الأَوَّلُ خَرَجَ مِنَ المَدينَةِ حَتّى انتَهى إلى أرضٍ لَهُ بِفِلَسطينَ يُقالُ لَها : السّبعُ ، فَنَزَلَ في قَصرٍ لَهُ يُقالُ لَهُ العَجلانُ . . . حَتّى مَرَّ بِهِ راكبٌ آخَرُ فَناداهُ عَمرٌو : ما فَعَلَ الرَّجُلُ _ يَعني عُثمانَ _ ؟ قالَ : قُتِلَ . قالَ : أنَا أبو عَبدِ اللّهِ إذا حَكَكتُ قَرحَةً نَكَأتُها (2) ، إن كُنتُ لَاُحَرِّضُ عَلَيهِ ، حَتّى إنّي لَاُحَرِّضُ عَلَيهِ الرّاعِيَ في غَنَمِهِ في رَأسِ الجَبَلِ (3) .

تاريخ المدينة عن غسّان بن عبد الحميد :كانَ عمرُو بنُ العاصِ مِن أشدِّ النّاسِ طَعنا عَلى عُثمانَ ، وقالَ : وَاللّهِ لَقَد أبغَضتُ عُثمانَ وحَرَّضتُ عَلَيهِ حَتَّى الرّاعِيَ في غَنَمِهِ ، وَالسَّقّايَةَ تَحتَ قِربَتِها (4) .

الفتوح :دَخَلَ عَمرُو بنُ العاصِ عَلى عُثمانَ مُسَلِّما ، فَقالَ لَهُ عُثمانُ : يَابنَ العاصِ ! وأنتَ أيضا مِمَّن تَوَلَّيتَ عَلَى النّاسِ فيما بَلَغَني ، وتَسعى فِي السّاعينَ عَلَيَّ ، حَتّى قد أضرَمتَها وأسعَرتَها ، ثُمَّ تَدخُلُ مُسَلِّما عَلَيَّ ؟ ! (5)

أنساب الأشراف :كان عَمرُو بنُ العاصِ قالَ لِعُثمانَ حينَ حَضَرَ الحِصارَ الأَوَّلَ : إنَّكَ يا عُثمانُ رَكِبتَ بِالنّاسِ النَّهابيرَ (6) فَاتَّقِ اللّهَ وتُب إلَيهِ .

.


1- .الظَّلَع : الميل عن الحقّ وضعف الإيمان (النهاية : ج3 ص159) .
2- .نكأْتُ القَرحةَ : إذا قشرتها (النهاية : ج5 ص117) .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص356 وراجع الإصابة : ج6 ص24 الرقم 7812 والغدير : ج9 ص138 .
4- .تاريخ المدينة : ج3 ص1089 .
5- .الفتوح : ج2 ص417 .
6- .النهابير : الاُمور الشديدة الصعبة (النهاية : ج5 ص134) .

ص: 200

5 / 3 _ 6 وصيّة عبد الرّحمن بن عوف
5 / 4 جهود الإمام للحيلولة دون الفتنة

فَقالَ لَهُ : يَابنَ النّابِغَةِ ! وإنَّكَ لَمِمَّن تُؤَلِّبُ عَلَيَّ الطَّغامِ (1) ؛ لِأَن عَزَلتُكَ عَن مِصرَ . فَخَرَجَ إلى فِلَسطينَ فَأَقامَ بِها في ما لَهُ هُناكَ ، وجَعَلَ يُحَرِّضُ النّاسَ عَلى عُثمانَ حَتّى رُعاةَ الغَنَمِ ، فَلَمّا بَلَغَهُ مَقتَلُهُ قالَ : أنَا أبو عَبدِ اللّهِ ، إنّي إذا حَكَكتُ قَرحَةً نَكَأتُها (2) .

تاريخ الطبري :لَمّا بَلَغَ عَمروا قَتلُ عُثمانَ قالَ : أنَا عَبدُ اللّهِ قَتَلتُهُ وأنَا بِوادِي السِّباعِ ، مَن يَلي هذَا الأَمرَ مِن بَعدِهِ ؟ إن يَلِهِ طَلحَةُ فَهُو فَتَى العَرَبِ سَيبا (3) ، وإن يَلِهِ ابنُ أبي طالِبٍ فَلا أراهُ إلّا سَيَستَنظِفُ الحَقَّ ، وهُوَ أكرَهُ مَن يَليهِ إلَيَّ (4) .

5 / 3 _ 6وَصِيَّةُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍأنساب الأشراف عن عثمان بن الشريد :ذُكِرَ عُثمانُ عِندَ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ في مَرَضِهِ الَّذي ماتَ فيهِ فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ : عاجِلوهُ قَبلَ أن يَتَمادى في مُلكِهِ ، فَبَلَغَ ذلِكَ عُثمانَ ، فَبَعَثَ إلى بِئرٍ كانَ يُسقى مِنها نَعَمُ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ فَمَنَعَهُ إيّاها (5) .

5 / 4جُهودُ الإِمامِ لِلحَيلولَةِ دونَ الفِتنَةِتاريخ الطبري عن عبد اللّه بن محمّد عن أبيه :لَمّا كانَت سَنَةُ أربَعٍ وثَلاثينَ كَتَبَ أصحاب

.


1- .الطَّغام : من لا عقل له ولامعرفة . وقيل : هم أوغاد النّاس وأراذلهم (النهاية : ج3 ص128) .
2- .أنساب الأشراف : ج6 ص192 و ج 3 ص70 عن عبد الوارث بن محرّر ، الكامل في التاريخ : ج2 ص284 كلاهما نحوه وراجع تاريخ الطبري : ج4 ص357 و ص 360 وتاريخ اليعقوبي : ج2 ص175 .
3- .السَّيْب : العطاء (لسان العرب : ج1 ص477) .
4- .تاريخ الطبري : ج4 ص560 .
5- .أنساب الأشراف : ج6 ص171 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص28 .

ص: 201

رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعضُهُم إلى بَعضٍ : أن أقدِموا ؛ فَإِن كُنتُم تُريدونَ الجِهادَ فَعِندَنَا الجِهادُ . وكَثُرَ النّاسُ عَلى عُثمانَ ونالوا مِنهُ أقبَحَ ما نيلَ مِن أحَدٍ ، وأصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَرَونَ ويَسمَعونَ ؛ لَيسَ فيهِم أحدٌ يَنهى ولا يَذُبُّ إلّا نُفَيرٌ ، مِنهُم : زيدُ بنُ ثابِتٍ ، وأبو اُسَيدٍ السّاعِدِيُّ ، وكَعبُ بنُ مالِكٍ ، وحَسّانُ بنُ ثابِتٍ . فَاجتَمَعَ النّاسُ ، وكَلَّموا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، فَدَخَلَ عَلى عُثمانَ ، فَقالَ : النّاسُ وَرائي ، وقَد كَلَّموني فيكَ ، وَاللّهِ ما أدري ما أقولُ لَكَ ، وما أعرِفُ شَيئا تَجهَلُهُ ، ولا أدُلُّكَ عَلى أمرٍ لا تَعرِفُهُ ؛ إنَّكَ لَتَعلَمُ ما نَعلَمُ ، ما سَبَقناكَ إلى شيءٍ فنُخبِرَكَ عَنهُ ، ولا خَلَونا بِشَيءٍ فَنُبلِغَكَهُ ، وما خُصِصنا بِأَمرٍ دونكَ ، وقَد رَأَيتَ وسَمِعتَ ، وصَحَبتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ونِلتَ صِهرَهُ ، ومَا ابنُ أبي قُحافَةَ بِأَولى بِعَمَلِ الحَقِّ مِنكَ ، ولَا ابنُ الخَطّابِ بِأَولى بِشَيءٍ مِنَ الخَيرِ مِنكَ ، وإنَّكَ أقرَبُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَحِما ، ولَقَد نِلتَ مِن صِهرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما لَم يَنالا ، ولا سَبَقاكَ إلى شَيءٍ . فَاللّهَ اللّهَ في نَفسِكَ ؛ فَإِنَّكَ وَاللّهِ ما تُبَصَّرُ مِن عَمىً ، ولا تُعَلَّمُ مِن جَهلٍ ، وإنَّ الطَّريقَ لَواضِحٌ بَيِّنٌ ، وإنَّ أعلامَ الدّينِ لَقائِمَةٌ . تَعلَمُ يا عُثمانُ أنَّ أفضَلَ عِبادِ اللّهِ عِندَ اللّهِ إمامٌ عادلٌ ، هُدِيَ وهَدى ، فَأَقامَ سُنَّةً مَعلومَةً ، وأماتَ بِدعَةً مَتروكَةً ، فَوَاللّهِ إنَّ كُلّاً لَبَيِّنٌ ، وإنَّ السُّنَنَ لَقائِمَةٌ لَها أعلامٌ ، وإنَّ البِدَعَ لَقائِمَةٌ لَها أعلامٌ ، وإنَّ شَرَّ النّاسِ عِندَ اللّهِ إمامٌ جائِرٌ ، ضَلَّ وضُلَّ بِهِ ، فَأَماتَ سُنَّةً مَعلومَةً ، وأحيا بِدعَةً مَتروكَةً ، وإنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «يُؤتى يَومَ القِيامَةِ بِالإمامِ الجائِرِ ولَيسَ مَعَهُ نَصيرٌ ولا عاذِرٌ ، فَيُلقى في جَهَنَّمَ ، فَيَدورُ في جَهَنَّمَ كما تَدورُ الرَّحا ، ثُمَّ يَرتَطِمُ في غَمرَةِ جَهَنَّمَ» . وإنّي اُحَذِّرُكَ اللّهَ ، واُحَذِّرُكَ سَطوَتَهُ ونَقِماتِهِ ؛ فَإِنَّ عَذابَهُ شَديدٌ أليمٌ ، واُحَذِّرُكَ أن تَكونَ إمامَ هذِهِ الاُمَّةِ المَقتولَ ؛ فَإِنَّهُ يُقالُ : يُقتَلُ في هذِهِ الاُمَّةِ إمامٌ ، فَيُفتَحُ عَلَيهَا القَتل

.

ص: 202

وَالقِتالُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، وتُلَبَّسُ اُمورُها عَلَيها ، ويَترُكُهُم شِيَعا ، فَلا يُبصِرونَ الحَقَّ ؛ لِعُلُوِّ الباطِلِ ، يَموجونَ فيها مَوجا ، ويَمرُجونَ (1) فيها مَرَجا . فَقالَ عُثمانُ : قَد واللّهِ عَلِمتُ ، لَيَقولُنَّ الَّذي قُلتَ ، أما وَاللّهِ لَو كُنتَ مكاني ما عَنَّفتُكَ ، ولا أسلَمتُكَ ، ولا عِبتُ عَلَيكَ ، ولا جِئتُ مُنكَرا أن وَصَلتُ رَحِما ، وسَدَدتُ خَلَّةً ، وآوَيتُ ضائِعا ، ووَلَّيتُ شَبيها بِمَن كانَ عُمَرُ يُولِّي . اُنشِدُكَ اللّهُ يا عَلِيُّ ، هَل تَعلَمُ أنَّ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ لَيسَ هُناكَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَتَعلَمُ أنَّ عُمَرَ وَلّاهُ . قالَ : نَعَم ، قالَ : فَلِمَ تَلومُني أن وَلَّيتُ ابنَ عامِرٍ في رَحِمِهِ وقَرابَتِهِ ؟ قالَ عَلِيٌّ : سَاُخبِرُكَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ كانَ كُلَّ مَن وَلّى فَإِنَّما يَطَأُ عَلى صِماخِهِ إن بَلَغَهُ عَنهُ حَرفٌ جَلَبَهُ ، ثُمَّ بَلَغَ بِهِ أقصَى الغايَةِ ، وأنتَ لا تَفعَلُ ، ضَعَفتَ ورَفَقتَ عَلى أقرِبائِكَ . قالَ عُثمانُ : هُم أقرِباؤُكَ أيضا . فَقالَ عَلِيٌّ : لَعَمري إنَّ رَحِمَهُم مِنّي لَقَريبَةٌ ولكِنَّ الفَضلَ في غَيرِهِم . قالَ عُثمانُ : هَل تَعلَمُ أنَّ عُمَرَ وَلّى مُعاوِيَةَ خِلافَتَهُ كُلَّها ؟ فَقَد وَلَّيتُهُ . فَقالَ عَلِيٌّ : اُنشِدُكَ اللّهُ هَل تَعلَمُ أنَّ مُعاوِيَةَ كانَ أخوَفَ مِن عُمَرَ مِن يَرفَاً غُلامِ عُمَرَ مِنهُ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ عَلِيٌّ : فَإِنَّ مُعاوِيَةَ يَقتَطِعُ الاُمورَ دونَكَ وأنتَ تَعلَمُها ، فَيَقولُ لِلنّاسِ : هذا أمرُ عُثمانَ فَيَبلُغُكَ ولا تُغَيِّرُ عَلى مُعاوِيَةَ . ثُمَّ خَرَجَ عَليٌّ مِن عِندِهِ وخَرَجَ عُثمانُ عَلى أثَرِهِ فَجَلَسَ عَلَى المِنبَرِ ، فَقالَ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ آفَةً ، ولِكُلِّ أمرٍ عاهَةً ، وإنَّ آفَةَ هذِهِ الاُمَّةِ وعاهَة هذِهِ النِّعمَةِ عَيّابونَ طَعّانونَ يُرونَكُم ما تُحِبّونُ ويُسِرّونَ ما تَكرَهونَ ، يَقولونَ لَكُم وتَقولونَ ، أمثالُ النَّعامِ يَتَّبِعونَ أوَّلَ ناعِقٍ ، أحبُّ مَوارِدِها إلَيهَا البَعيدُ ، لا يَشرَبونَ إلّا نَغَصا ، ولا يَرِدونَ إلّا عَكَرا ، لا يَقومُ لَهُم رائِدٌ وقَد أعيَتهُم

.


1- .المَرَج : الاختلاط والاضطراب ، ومرج الدِّين : اضطرب والتبس المخرج فيه (تاج العروس : ج3 ص484) .

ص: 203

الاُمورُ وتَعَذَّرَت عَلَيهِمُ المَكاسِبُ . ألا فَقَد وَاللّهِ عِبتُم عَلَيَّ بِما أقرَرتُمُ لِابنِ الخَطّابِ بِمِثلِهِ ، ولكِنَّهُ وَطَئَكُم بِرِجلِهِ ، وضَرَبَكُم بِيَدِهِ ، وقَمَعَكُمُ بِلِسانِهِ ، فَدِنتُم لَهُ عَلى ما أحبَبتُم أو كَرِهتُم ، ولِنتُ لَكُم ، وأوطَأتُ لَكُم كَتِفي ، وكَفَفتُ يَدي ولِساني عَنكُم ، فَاجتَرَأتُم عَلَيَّ ، أما وَاللّهِ لَأنَا أعَزُّ نَفَرا ، وأقرَبُ ناصِرا ، وأكثَرُ عَدَدا وأقمَنُ (1) ، إن قُلتُ : هَلُمَّ ، اُتِيَ إلَيَّ ، ولَقَد أعدَدتُ لَكُم أقرانَكُم وأفضَلتُ عَلَيكُم فُضولاً ، وكَشَرتُ لَكُم عَن نابي ، وأخرَجتُم مِنّي خُلقا لَم أكُن اُحسِنُهُ ، ومَنطِقا لَم أنِطق بِهِ ، فَكُفّوا عَلَيكُم ألسِنَتَكُم وطَعنَكُم وعَيبَكُم عَلى وُلاتِكُم ؛ فَإِنّي قَد كَفَفتُ عَنكُم مَن لَو كانَ هُوَ الَّذي يُكَلِّمُكُم لَرَضيتُم مِنهُ بِدونِ مَنطِقي هذا . ألا فَما تَفقِدونَ مِن حَقِّكُم ؟ وَاللّهِ ما قَصَّرتُ في بُلوغِ ما كانَ يَبلُغُ مَن كانَ قَبلي ، ومَن لَم تَكونوا تَختَلِفونَ عَلَيهِ ، فَضَلَ فَضلٌ مِن مالٍ ؛ فَما لي لا أصنَعُ في الفَضلِ ما اُريدُ ، فَلِمَ كُنتُ إماما ؟ فَقامَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ فَقالَ : إن شِئتُم حَكَّمنا وَاللّهِ بَينَنا وبَينَكُمُ السَّيفَ ، نَحنُ وَاللّهِ وأنتُم كَما قالَ الشّاعِرُ : فَرَشنا لَكُم أعراضَنا فنبَت بِكُم مَعارِسُكُم تَبنون في دِمَنِ الثَّرى فَقالَ عُثمانُ : اُسكُت لا سَكَتَّ ، دَعني وأصحابي ، ما مَنطِقُكَ في هذا ! أ لَم أتَقَدَّم إلَيكَ أ لّا تَنطِقَ . فَسَكَتَ مَروانُ ونَزَلَ عُثمانُ (2) .

نهج البلاغة :مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام لَمَّا اجتَمَعَ النّاسُ إلَيهِ وشَكَوا ما نَقَموهُ عَلى عُثمانَ وسَأَلوه

.


1- .يقال : قَمَنٌ وقَمِنٌ وقمين : أي خليق وجدير (النهاية : ج4 ص111) .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص336 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص275 ، أنساب الأشراف : ج6 ص174 نحوه ، البداية والنهاية : ج7 ص168 ؛ الجمل : ص 187 _ 190 عن ابن دأب .

ص: 204

مُخاطَبَتَهُ لَهُم وَاستِعتابَهُ لَهُم ، فَدَخَلَ عَلَيهِ فَقالَ : إنَّ النّاسَ وَرائي ، وقَدِ استَسفَروني بَينَكَ وبَينَهُم ، ووَاللّهِ ما أدري ما أقولُ لَكَ ! ما أعرِفُ شَيئا تَجهَلُهُ ، ولا أدُلُّكَ عَلى أمرٍ لا تَعرِفُهُ ، إنَّكَ لَتَعلَمُ ما نَعلَم . ما سَبَقناكَ إلى شَيءٍ فَنُخبِرَكَ عَنهُ ، ولا خَلَونا بَشَيء فَنُبِلَغَكَهُ . وقَد رَأَيتَ كَما رَأينا ، وسَمِعتَ كَما سَمِعنا ، وصَحِبتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَما صَحِبنا . ومَا ابنُ أبي قُحافَةَ ولا ابنُ الخَطّابِ بِأَولى بِعَمَلِ الحَقِّ مِنكَ ، وأنتَ أقرَبُ إلى أبي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَشيجَةَ رَحِمٍ مِنهُما ، وقَد نِلتَ مِن صِهرِه ما لَم يَنالا . فاللّهَ اللّهَ في نَفسِكَ ! فَإِنَّكَ _ وَاللّهِ _ ما تُبَصَّرُ مِن عَمىً ، ولا تُعَلَّمُ مِن جَهلٍ ، وإنَّ الطُّرُقَ لَواضِحَةٌ ، وإنَّ أعلامَ الدّينِ لَقائِمَةٌ . فَاعلَم أنَّ أفضَلَ عِبادِ اللّهِ عِندَ اللّهِ إمامٌ عادِلٌ ، هُدِيَ وهَدى ، فَأَقامَ سُنَّةً مَعلومَةً ، وأماتَ بِدعَةً مَجهولَةً . وإنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ ، لَها أعلامٌ ، وإنَّ البِدَعَ لَظاهِرَةٌ ، لَها أعلامٌ . وإنَّ شَرَّ النّاسِ عِندَ اللّهِ إمامٌ جائِرٌ ضَلَّ وضُلَّ بِهِ ، فَأَماتَ سُنَّةً مَأخوذَةً ، وأحيا بِدعَةً مَتروكَةً . وإنّي سَمِعتُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «يُؤتى يومَ القيامَةِ بِالإمامِ الجائِرِ ولَيسَ مَعَهُ نَصيرٌ ولا عاذِرٌ ، فيُلقى في نارِ جَهَنَّمَ ، فَيَدورُ فيها كَما تَدورُ الرَّحا ، ثُمَّ يَرتَبِطُ في قَعرِها» . وإنّي أنشِدُكَ اللّهَ ألّا تَكونَ إمامَ هذِهِ الاُمَّةِ المَقتولَ ؛ فَإِنَّهُ كانَ يُقالُ : يُقتَلُ في هذِهِ الاُمَّةِ إمامٌ يُفتَحُ عَلَيهَا القَتلُ وَالقِتالُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، ويُلبَسُ اُمورَها عَلَيها ، ويُبَثُّ الفِتَنُ فيها ، فَلا يُبصِرونَ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ ، يَموجونَ فيها مَوجا ، ويَمرُجونَ فيها مَرجا . فَلا تَكونَنَّ لِمَروانَ سَيِّقَةً (1) يَسوقُكَ حَيثُ شاءَ بَعدَ جَلالِ السِّنِّ وتَقَضِّي العُمُرِ . فَقالَ لَهُ عُثمانُ : كَلِّمِ النّاسَ في أن يُؤَجِّلوني ، حَتّى أخرُجَ إلَيهِم مِن مَظالِمِهِم .

.


1- .السَّيِّقَةُ : ما استاقهُ العدوُّ من الدوابّ (لسان العرب : ج10 ص167) .

ص: 205

فَقالَ عليه السلام : ما كانَ بالمَدينَةِ فَلا أجَلَ فيهِ ، وما غابَ فَأَجَلُهُ وُصولُ أمرِكَ إلَيهِ (1) .

شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس :شَهِدتُ عِتابَ عُثمانَ لِعَلِيٍّ عليه السلام يَوما ، فَقالَ لَهُ في بَعضِ ما قَالَهُ : نَشَدتُكَ اللّهَ أن تَفتَحَ لِلفُرقَةِ بابا ! فَلِعَهدي بِكَ وأنتَ تُطيعُ عَتيقا وَابنَ الخَطّابِ طاعَتَكَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولَستَ بِدونِ واحدٍ مِنهُما ، وأنا أمَسُّ بِكَ رَحِما ، وأقرَبُ إلَيكَ صِهرا ، فَإِن كُنتَ تَزعُمُ أنَّ هذَا الأَمرَ جَعَلَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَكَ فَقَد رَأَيناكَ حينَ تُوُفِّيَ نازَعتَ ثُمَّ أقرَرتَ ، فَإِن كانا لَم يَركَبا مِنَ الأَمرِ جدَدا (2) فَكَيفَ أذعَنتَ لَهُما بِالبَيعَةِ ، وبَخعتَ بِالطّاعَةِ ؟ ! وإن كانا أحسَنا فيما وَلِيا ، ولَم اُقَصِّر عَنهُما في ديني وحَسَبي وقَرابَتي ، فَكُن لي كَما كُنتَ لَهُما . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أمَّا الفُرقَةُ ، فَمَعاذَ اللّهِ أن أفتَحَ لَها بابا ، واُسَهِّلَ إلَيها سَبيلاً ، ولكِنّي أنهاكَ عَمّا يَنهاكَ اللّهُ ورَسولُهُ عَنهُ ، وأهديكَ إلى رُشدِكَ . وأمّا عَتيقٌ وَابنُ الخَطّابِ ، فَإِن كانا أخَذا ما جَعَلَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لي ، فَأَنتَ أعلَمُ بِذلِكَ وَالمُسلِمونَ ، وما لي ولِهذَا الأَمرِ وقَد تَرَكتُهُ مُنذُ حينٍ ! فَأَمّا أن لا يَكونَ حَقّي بَلِ المُسلِمونَ فيهِ شرعٌ فَقَد أصابَ السَّهمُ الثُّغرَةَ (3) ، وأمّا أن يَكونَ حَقّي دونَهُم فَقَد تَرَكتُهُ لَهُم ، طِبتُ بِهِ نَفسا ، ونَفَضتُ يَدي عَنهُ استِصلاحا . وأمَّا التَّسوِيَةُ بَينَكَ وبَينَهُما ، فَلَستَ كَأَحَدِهِما ؛ إنَّهُما وَلِيا هذَا الأَمرَ ، فَظَلَفا (4) أنفُسَهُما وأهلَهُما عَنهُ ، وعُمْتَ فيهِ وقَومَكَ عوم السّابِحِ في اللُّجَّةِ (5) ، فَارجِع إلَى اللّه

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 164 ؛ العقد الفريد : ج3 ص309 نحوه .
2- .ركب فلان جُدّةً من الأمر : إذا رأى فيه رأيا (لسان العرب : ج3 ص108) .
3- .الثُّغْرة : هي نُقرة النحر فوق الصدر (النهاية : ج1 ص213) .
4- .ظَلَف : أي كفّ ومنع (النهاية : ج3 ص159) .
5- .لُجَّة البحر : معظمهُ (النهاية : ج4 ص233) .

ص: 206

5 / 5 المشاجرة بين الزّبير وعثمان

أبا عَمرٍو ، وَانظُر هَل بَقِيَ مِن عُمُرِكَ إلّا كَظِم ءِ الحِمارِ (1) ؟ ! فَحَتّى مَتى وإلى مَتى ؟ ! أ لا تَنهى سُفَهاءَ بَني اُمَيَّةَ عَن أعراضِ المُسلِمينَ وأبشارِهِم وأموالِهِم ؟ ! وَاللّهِ لَو ظَلَمَ عامِلٌ مِن عُمّالِكَ حَيثُ تَغرُبُ الشَّمسُ لَكانَ إثمُهُ مُشتَرَكا بَينَهُ وبَينَكَ . فَقالَ عُثمانُ : لَكَ العُتبى ، وأفعَلُ وأعزِلُ مِن عُمّالي كُلَّ مَن تَكرَهُهُ ويَكرَهُهُ المُسلِمونَ . ثُمَّ افتَرَقا ، فَصَدَّهُ مَروانُ بنُ الحَكَمِ عَن ذلِكَ ، وقالَ : يَجتَرِئُ عَلَيكَ النّاسُ ؛ فَلا تَعزِلُ أحَدا مِنهُم ! (2) .

5 / 5المُشاجَرَةُ بَينَ الزُّبَيرِ وعُثمانَالفتوح :أقبَلَ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ حَتّى دَخَلا عَلى عُثمانَ ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَيهِ الزُّبَيرُ وقالَ : يا عُثمانُ ! أ لَم يَكُن في وَصِيَّةِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ : أن لا تَحمِلَ آلَ بَني مُعَيطٍ عَلى رِقابِ النّاسِ إن وُليتَ هذَا الأَمرَ ؟ قالَ عُثمانُ : بَلى . قالَ الزُّبَيرُ : فَلِمَ استَعمَلتَ الوَليدَ بنَ عُقبَةَ عَلَى الكوفَةِ ؟ قالَ عُثمانُ : اِستَعمَلتُهُ كَمَا استَعمَلَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ عَمرَو بنَ العاصِ وَالمُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ ، فَلَمّا عَصَى اللّهَ وفَعَلَ ما فَعَلَ عَزَلتُهُ وَاستَعمَلتُ غَيرَهُ عَلى عَمَلِهِ . قالَ : فَلِمَ استَعمَلتَ مُعاوِيَةَ عَلَى الشّامِ ؟ فَقالَ عُثمانُ : لِرَأيِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ فيهِ .

.


1- .ظِم ء الحمار : أي لم يبق من عمره إلّا اليسير ، يقال : إنّه ليس شيء من الدوابّ أقصر ظِمأً من الحمار (لسان العرب : ج1 ص116) .
2- .شرح نهج البلاغة : ج9 ص15 .

ص: 207

قالَ : فَلِمَ تَشتُمُ أصحابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ولَستَ بِخَيرٍ مِنهُم ؟ قالَ عُثمانُ : أمّا أنتَ فَلَستُ أشتمُكَ ، ومَن شَتَمتُهُ فَما كانَ بِهِ عَجَزَ عَن شَتمي . فَقالَ : ما لَكَ ولِعَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ هَجَرتَ قِراءَتَهُ وأمَرتَ بِدَوسِ بَطنِهِ ، فَهُوَ في بَيتِهِ لِما بِهِ وقَد أقرَأَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ عُثمانُ : إنَّ الَّذي بَلَغَني مِنِ ابنِ مَسعودٍ أكثَرُ مِمّا بَلَغتَ مِنهُ ، وذاكَ أنَّهُ قالَ : وَدَدتُ أنّي وعُثمانَ بِرَمل عالِجٍ (1) يَحُثُّ عَلَيَّ وأحَثُّ عَلَيهِ ، حَتّى يَموتَ الأَعجَزَ مِنّا . قالَ : فَما لَكَ ولِعَمّارِ بنِ ياسِرٍ أمَرتَ بِدَوسِ بَطنِهِ حَتّى أصابَهُ الفَتقُ ؟ فَقالَ : لِأَنَّهُ أرادَ أن يُغرِيَ النّاسَ بِقَتلي . قالَ : فَما لَكَ ولِأَبي ذَرٍّ حَبيبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ سَيَّرتَهُ حَتّى ماتَ غَريبا طَريدا . قالَ : لِما قَد عَلِمتَ أنَّهُ قَد أفسَدَ عَلَيَّ النّاسَ ، ورَماني بِكُلِّ عَيبٍ . قالَ : فَما لَكَ ولِلأَشتَرِ وأصحابِهِ نَفَيتَهُم إلَى الشّامِ وفَرَّقتَ بَينَهُم وبَينَ أهاليهِم وأولادِهِم ؟ فَقالَ : لِأنَّ الأَشتَرَ أغرَى النّاسَ بِعامِلي سَعيدِ بنِ العاصِ ، وأضرَمَ الكوفَةَ عَلَيَّ نارا . فَقالَ الزُّبَيرُ : يا عُثمانُ ! إنَّ هذِهِ الأَحداثَ الَّتي عَدَدتُها عَلَيكَ هِيَ أقَلُّ أحداثِكَ ، ولَو شِئتُ أن أرُدَّ عَلَيكَ جَميعَ ما تَحتَجُّ بِهِ لَفَعَلتُ ، وأراكَ تَقرَأُ صَحيفَتَكَ مِن حَيثُ تُريدُ ، وأخافُ عَلَيكَ يَوما لَهُ ما بَعدَهُ مِنَ الأَيّامِ (2) .

.


1- .عالِجٌ : هو ما تراكم من الرَّمل ، ودخلَ بعضه في بعض (النهاية : ج3 ص287) .
2- .الفتوح : ج2 ص393 .

ص: 208

5 / 6 أوّل من اجترأ على عثمان

5 / 6أوَّلُ مَنِ اجتَرَأَ عَلى عُثمانَتاريخ الطبري عن عامر بن سعد :كانَ أوَّلُ مَنِ اجتَرَأَ عَلى عُثمانَ بِالمَنطِقِ السَّيِّىَ جبلةَ بنَ عَمرٍو السّاعِدِيَّ ، مَرَّ بِهِ عُثمانُ وهُوَ جالِسٌ في نَدِيِّ قَومِهِ ، وفي يَدِ جبلةَ بنِ عمرٍو جامِعَةٌ ، فَلَمّا مَرَّ عُثمانُ سَلَّمَ ، فَرَدَّ القَومُ . فَقالَ جبلةُ : لِمَ تَرُدّونَ عَلى رَجُلٍ فَعَلَ كَذَا وكَذا ! قالَ : ثُمَّ أقبَلَ عَلى عُثمانَ ، فَقالَ : وَاللّهِ ، لَأَطرَحَنَّ هذِهِ الجامِعَةَ في عُنُقِكَ أو لَتَترُكَنَّ بِطانَتَكَ هذِهِ . قالَ عُثمانُ : أيُّ بِطانَةٍ ! فَوَاللّهِ إنّي لَأَتَخَيَّرُ النّاسَ . فَقالَ : مَروانٌ تَخَيَّرتَهُ ! ومُعاوِيَةُ تَخَيَّرتَهُ ! وعَبدُ اللّهِ بنُ عامِرِ بنِ كُرَيزٍ تَخَيَّرتَهُ ! وعَبدُ اللّهِ بنُ سَعدٍ تَخَيَّرتَهُ ! مِنهُم مَن نَزَلَ القُرآنُ بِدَمِهِ ، وأباحَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله دَمَهُ (1) .

أنساب الأشراف عن الواقدي :كانَ [جبلةُ بنُ عمرٍو السّاعِدِيُّ] أوَّلَ مَنِ اجتَرَأَ عَلى عُثمانَ وتَجَهَّمَهُ بِالمَنطِقِ الغَليظِ ، وأتاهُ يَوما بِجامِعَةٍ فَقالَ : وَاللّهِ ، لَأَطرَحَنَّها في عُنُقِكَ أو لَتَترُكَنَّ بِطانَتَكَ هذِهِ ، أطعَمتَ الحارِثَ بنَ الحَكَمِ السّوقَ ، وفَعَلتَ وفَعَلتَ . وكانَ عُثمانُ وَلَّى الحارِثَ السّوقَ فَكانَ يَشتَرِي الجلب بِحُكمِهِ ، ويَبيعُهُ بِسَومِهِ ، ويَجبي مَقاعِدَ المُتَسَوِّقينَ ، ويَصنَعُ صَنيعا مُنكَرا ، فَكُلِّمَ في إخراجِ السّوقِ مِن يَدِهِ فَلَم يَفعَل . وقيلَ لِجبلةَ في أمرِ عُثمانَ وسُئِلَ الكَفَّ عَنهُ فَقالَ : وَاللّهِ ، لا ألقَى اللّهَ غَدا فَأَقولُ :

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص365 ، البداية والنهاية : ج7 ص176 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص287 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص149 كلاهما نحوه .

ص: 209

5 / 7 الحصر الأوّل

إنَّا أطَعنا سادَتَنا فَأَضَلّونَا السَّبيلَ (1)(2) .

تاريخ الطبري عن عثمان بن الشريد :مَرَّ عُثمانُ عَلى جَبلةَ بنَ عمرٍو السّاعِدِيِّ وهُوَ بِفِناء دارِهِ ومَعَهُ جامِعَةٌ ، فَقالَ : يا نَعثَلُ ! وَاللّهِ لَأَقتُلَنَّكَ ، ولَأَحمِلَنَّكَ عَلى قَلوصٍ (3) جَرباءَ ، ولَاُخرِجَنَّكَ إلى حَرَّةِ النّارِ . ثُمَّ جاءَهُ مَرَّةً اُخرى وعُثمانُ عَلَى المِنبَرِ فَأَنزَلَهُ عَنهُ (4) .

5 / 7الحَصرُ الأوَّلُتاريخ الطبري عن عِكرِمة عن ابن عبّاس_ قالَ _: لَمّا حُصِرَ عُثمانُ الحَصرَ الآخرَ ، قالَ عِكرِمَةُ : فَقُلتُ لِابنِ عَبّاسٍ : أوَكانا حَصرَينِ ؟ فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : نَعَم ، الحَصرُ الأوَّلُ ، حُصِرَ اثنَتَي عَشَرَةَ ، وقَدِمَ المِصرِيّونَ فَلَقِيَهُم عَلِيٌّ بِذي خُشُبٍ (5) ، فَرَدَّهم عَنهُ (6) .

مروج الذهب :لَمّا كانَ سَنَةُ خَمسٍ وثَلاثينَ سارَ مالِكُ بنُ الحارِثِ النَّخَعِيُّ مِنَ الكوفَةِ في مِئَتَي رَجُلٍ ، وحَكيمُ بنُ جبلةَ العَبدِيُّ في مِئَةِ رَجُلٍ مِن أهلِ البَصرَةِ ، ومِن أهلِ مِصرَ سِتُّمِئَةِ رَجُلٍ عَلَيهِم عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عُدَيسٍ البلوي _ وقَد ذَكَرَ الواقِدِيُّ وغَيرُهُ مِن أصحابِ السِّيَرِ : أنَّهُ مِمَّن بايَعَ تَحتَ الشَّجَرَةِ _ إلى آخَرينَ مَمَّن كانَ بِمِصرَ ، مِثلُ : عَمرِو بنِ الحَمِقِ الخُزاعِيِّ ، وسَعدِ بنِ حَمرانَ التَّجيبي ، ومَعَهُم مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ، وقَد كانَ تَكَلَّمَ بِمِصرَ ، وحَرَّضَ النّاسَ عَلى عُثمانَ لِأَمرٍ يَطولُ ذِكرُهُ كان

.


1- .إشارة إلى الآية 67 من سورة الأحزاب .
2- .أنساب الأشراف : ج6 ص160 .
3- .القَلُوص : الفتيّة من الإبل (لسان العرب : ج7 ص81) .
4- .تاريخ الطبري : ج4 ص365 ، أنساب الأشراف: ج6 ص160 .
5- .خُشُب: وادٍ على مسيرة ليلة من المدينة (معجم البلدان : ج2 ص372).
6- .تاريخ الطبري : ج4 ص405 .

ص: 210

5 / 8 فكّ الحصار بوساطة الإمام

السَّبَبُ فيهِ مَروانَ بنَ الحَكَمِ . فَنَزَلوا في المَوضِعِ المَعروفِ بِذِي الخُشُبِ فَلَمّا عَلِمَ عُثمانُ بِنُزولِهِم بَعَثَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَأَحضَرَهُ ، وسَأَلَهُ أن يَخرُجَ إلَيهِم ويَضمُنَ لَهُ عَنهُ كُلَّ ما يُريدونَ مِنَ العَدلِ وحُسنِ السّيرَةِ . فَسارَ عَلِيٌّ إلَيهِم ، فَكانَ بَينَهُم خَطبَ طَويل ، فَأَجابوهُ إلى ما أرادَ وَانصَرَفوا (1) .

5 / 8فَكُّ الحِصارِ بِوَساطَةِ الإِمامِتاريخ الطبري عن عبد اللّه بن محمّد عن أبيه :فَلَمّا رَأى عُثمانُ ما رَأى [ أنَّ القَومَ يَرَونَ قَتلَهُ إن لَم يَنزِع ]جاءَ عَلِيّا فَدَخَلَ عَلَيهِ بَيتَهُ ، فَقالَ : يَا بنَ عَمِّ ، إنَّهُ لَيسَ لي متّرك ، وإنَّ قَرابَتي قَريبَةٌ ، ولي حَقٌّ عَظيمٌ عَلَيكَ ، وقَد جاءَ ما تَرى مِن هؤُلاءِ القَومِ وهُم مصبحيّ ، وأنَا أعلَمُ أنَّ لَكَ عِندَ النّاسِ قَدرا ، وأنَّهُم يَسمَعونَ مِنكَ ، فَأَنَا اُحِبُّ أن تَركَبَ إلَيهِم فَتَرُدَّهُم عَنّي ؛ فَإِنّي لا اُحِبُّ أن يَدخُلوا عَلَيَّ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ جُرأَةٌ مِنهُم عَلَيَّ ، وَليَسمَع بِذلِكَ غَيرُهُم . فَقالَ عَلِيٌّ : عَلامَ أرُدُّهُم ؟ قالَ : عَلى أن أصيرَ إلى ما أشَرتَ بِهِ عَلَيَّ ورَأيتَهُ لي ، ولَستُ أخرُجُ مِن يَدَيكَ . فَقالَ عَلِيٌّ : إنّي قَد كُنتُ كَلَّمتُكَ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ ، فَكُلُّ ذلِكَ نَخرُجُ فَتُكَلِّمُ ، ونَقولُ وتَقولُ ، وذلِكَ كُلُّهُ فِعلُ مَروانَ بنِ الحَكَمِ وسَعيدِ بنِ العاصِ وَابنِ عامِرٍ ومُعاوِيَةَ ، أطَعتَهُم وعَصَيتَني . قالَ عُثمانُ : فَإِنّي أعصيهِم واُطيعُكَ .

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص352 وراجع تاريخ المدينة : ج4 ص1155 _ 1160 .

ص: 211

قالَ : فَأَمَرَ النّاسَ فَرَكِبوا مَعَهُ ؛ المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ قالَ : وأرسَلَ عُثمانُ إلى عَمّارِ بنِ ياسِرٍ يُكَلِّمُهُ أن يَركَبَ مَعَ عَلِيٍّ فَأَبى ، فَأَرسَلَ عُثمانُ إلى سَعدِ ابنِ أبي وَقّاصٍ ، فَكَلَّمَهُ أن يَأتِيَ عَمّارا فَيُكَلِّمَهُ أن يَركَبَ مَعَ عَلِيٍّ ، قالَ : فَخَرَجَ سَعدٌ حَتّى دَخَلَ عَلى عَمّارٍ فَقالَ : يا أبَا اليَقظانِ ، أ لا تَخرُجُ فيمَن يَخرُجُ وهذا عَلِيٌّ يَخرُجُ فَاخرُج مَعَهُ ، وَاردُد هؤُلاءِ القَومَ عَن إمامِكَ ؛ فَإِنّي لَأَحسَبُ أنَّكَ لَم تَركَب مَركَبا هُوَ خَيرٌ لَكَ مِنهُ . قالَ : وأرسَلَ عُثمانُ إلى كَثيرٍ بنِ الصَّلتِ الكِندِيِّ _ وكانَ مِن أعوانِ عُثمانَ _ فَقالَ : اِنطَلِق في إثرِ سَعدٍ فَاسمَع ما يَقولُ سَعدٌ لِعَمّارٍ ، وما يَرُدُّ عَمّارٌ عَلى سَعدٍ ، ثُمَّ ائتِني سَريعا . قالَ : فَخَرَجَ كَثيرٌ حَتّى يَجِدَ سَعدا عِندَ عَمّارٍ مُخَلِيّا بِهِ ، فَأَلقَمَ عَينَهُ جُحرَ البابِ ، فَقامَ إلَيهِ عَمّارٌ ولا يَعرِفُهُ وفي يَدِهِ قَضيبٌ ، فَأَدخَلَ القَضيبَ الجُحرَ الَّذي ألقَمَهُ كَثيرٌ عَينَهُ ، فَأَخرَجَ كَثيرٌ عَينَهُ مِنَ الجُحرِ ووَلّى مُدبِرا مُتَقَنِّعا ، فَخَرَجَ عَمّارٌ فَعَرَفَ أثَرَهُ ونادى : ياقَليلَ بنِ اُمِّ قَليلٍ ؛ أعَلَيَّ تَطَّلِعُ وتَستَمِعُ حَديثي ! وَاللّهِ لَو دَرَيتُ أنَّكَ هُوَ لَفَقَأتُ عَينَكَ بِالقَضيبِ ؛ فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد أحَلَّ ذلِكَ ، ثُمَّ رَجَعَ عَمّارٌ إلى سَعدٍ فَكَلَّمَهُ سَعدٌ وجَعَلَ يَفتِلُهُ بِكُلِّ وَجهٍ ، فَكانَ آخِرُ ذلِكَ أن قالَ عَمّارٌ : وَاللّهِ لا أرُدُّهُم عَنهُ أبَدا . فَرَجَعَ سَعدٌ إلى عُثمانَ فَأَخبَرَهُ بِقَولِ عَمّارٍ ، فَاتَّهَمَ عُثمانُ سَعدا أن يَكونَ لَم يُناصِحهُ ، فَأَقسَمَ لَهُ سَعدٌ بِاللّهِ لَقَد حَرَّضَ ، فَقَبِلَ مِنهُ عُثمانُ ، قالَ : ورَكِبَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى أهلِ مِصرَ فَرَدَّهُم عَنهُ ، فَانصَرَفوا راجِعينَ (1) .

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص358 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص283 نحوه وراجع أنساب الأشراف : ج6 ص176 .

ص: 212

5 / 9 توبة عثمان في خطاب عامّ

5 / 9تَوبَةُ عُثمانَ في خِطابٍ عامٍّتاريخ الطبري عن عليّ بن عمر عن أبيه :إنَّ عَلِيّا جاءَ عُثمانَ بَعدَ انصِرافِ المِصرِيّينَ فَقالَ لَهُ : تَكَلَّم كَلاما يَسمَعُهُ النّاسُ مِنكَ ويَشهَدونَ عَلَيهِ ، ويَشهَدُ اللّهُ عَلى ما في قَلبِكَ مِنَ النُّزوعِ وَالإِنابَةِ ؛ فَإِنَّ البِلادَ قَد تَمخَّضَت عَلَيكَ ، فَلا آمَنُ رَكبا آخَرينَ يَقدَمونَ مِنَ الكوفَةِ ، فَتَقولُ : يا عَلِيُّ اركَب إلَيهِم ، ولا أقدِرُ أن أركَبَ إلَيهِم ولا أسمَعَ عُذرا ، ويَقدَمُ رَكبٌ آخَرونَ مِنَ البَصرَةِ ، فَتَقولُ : يا عَلِيُّ اركَب إلَيهِم ، فَإِن لَم أفعَل رَأَيتَني قَد قَطَعتُ رَحِمَكَ ، وَاستَخفَفتُ بِحَقِّكَ . قالَ : فَخَرَجَ عُثمانُ فَخَطَبَ الخُطبَةَ الَّتي نَزَعَ فيها ، وأعطَى النّاسَ مِن نَفسِهِ التَّوبَةَ ، فَقامَ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ بِما هُوَ أهلُهُ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ أيُّهَا النّاسُ ! فَوَاللّهِ ما عابَ مَن عابَ مِنكُم شَيئا أجهَلُهُ ، وما جِئتُ شَيئا إلّا وأنَا أعرِفُهُ ، ولكِنّي مَنَّتني نَفسي وكَذَّبَتني وضَلَّ عَنّي رُشدي ، ولَقَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : « مَن زَلَّ فَليَتُب ، ومَن أخطَأَ فَليَتُب ولا يَتَمادَ فِي الهَلَكَةِ ؛ إنَّ مَن تَمادى فِي الجَورِ كانَ أبعَدَ مِنَ الطَّريقِ» فَأَنَا أوَّلُ مَنِ اتَّعَظَ ، أستَغفِرُ اللّهَ مِمّا فَعَلتُ وأتوبُ إلَيهِ ، فَمِثلي نَزَعَ وتابَ ، فَإِذا نَزَلتُ فَليَأتِني أشرافُكُم فَليُرُوُنّي رَأيَهُم ، فَوَاللّهِ لَئِن رَدَّني الحَقُّ عَبدا لَأَستَنَّ بِسُنَّةِ العَبدِ ، ولَأَذِلَّنَ ذُلَّ العَبدِ ، ولَأَكونَنَّ كَالمَرقوقِ ، إن مُلِكَ صَبَرَ وإن عُتِقَ شَكَرَ ، وما عَنِ اللّهِ مَذهَبٌ إلّا إلَيهِ ، فَلا يَعجَزَنَّ عَنكُم خيارُكُم أن يَدنوا إلَيَّ ، لَئِن أبَت يَميني لَتُتابِعُني شِمالي . قالَ : فَرَقَّ النّاسُ لَهُ يَومَئِذٍ وبَكى مَن بَكى مِنهُم ، وقامَ إلَيهِ سَعيدُ بنُ زَيدٍ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَيسَ بِواصِلٍ لَكَ مَن لَيسَ مَعَكَ ، اللّهَ اللّهَ في نَفسِكَ ،

.

ص: 213

فَأَتمِم عَلى ما قُلتَ (1) .

تاريخ الطبري عن عبّاد بن عبد اللّه بن الزبير :كَتَبَ أهلُ المَدينَةِ إلى عُثمانَ يَدعونَهُ إلَى التَّوبَةِ ، ويَحتَجّونَ ويُقسِمونَ لَهُ بِاللّهِ لا يُمسِكونَ عَنهُ أبَدا حَتّى يَقتُلوهُ أو يُعطِيَهُم ما يَلزَمُهُ مِن حَقِّ اللّهِ . فَلَمّا خافَ القَتلَ شاوَرَ نُصَحاءَهُ وأهلَ بَيتِهِ ، فَقالَ لَهُم : قَد صَنَعَ القَومُ ما قَد رَأَيتُم ، فَمَا المَخرَجُ ؟ فَأَشاروا عَلَيهِ أن يُرسِلَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَيَطلُبَ إلَيهِ أن يَرُدَّهُم عَنهُ ، ويُعطِيَهُم ما يَرضيهُم لِيُطاوِلَهُم (2) حَتّى يَأتِيَهُ أمدادٌ . فَقالَ : إنَّ القَومَ لَن يَقبَلوا التَّعليلَ ، وهُم مُحَمِّليّ عَهدا ، وقَد كانَ مِنّي في قدمِتِهمُ الاُولى ما كانَ ، فَمَتى اُعطِهِم ذلِكَ يَسأَلونِي الوَفاءَ بِهِ ! فَقالَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! مُقارَبَتُهُم حَتّى تَقوى أمثَلُ مِن مُكاثَرَتِهِم عَلَى القُربِ ، فَأَعطِهِم ما سَأَلوكَ ، وطاوِلُهم ما طاوَلوكَ ؛ فَإِنَّما هُم بَغَوا عَلَيكَ ؛ فَلا عَهدَ لَهُم . فَأَرسَلَ إلى عَلِيٍّ فَدَعاهُ ، فَلَمّا جاءَهُ قالَ : يا أبا حَسَنٍ ! إنَّهُ قَد كانَ مِن النّاسِ ما قَد رَأَيتَ ، وكانَ مِنّي ما قَد عَلِمتَ ، ولَستُ آمَنُهُم عَلى قَتلي ، فَاردُدهُم عَنّي ؛ فَإِنَّ لَهُمُ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ أن أعتَبَهُم مِن كُلِّ ما يَكرَهونَ ، وأن اُعطِيَهُمُ الحَقَّ مِن نَفسي ومِن غَيري ، وإن كانَ في ذلِكَ سَفكُ دَمي . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : النّاسُ إلى عَدلِكَ أحوَجُ مِنهُم إلى قَتلِكَ ، وإنّي لَأَرى قَوما لا يَرضَونَ إلّا بِالرِّضى ، وقَد كُنتَ أعطَيتَهُم في قِدمَتِهِمُ الاُولى عَهدا مِنَ اللّهِ لَتَرجَعَنَّ عَن

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص360 ، البداية والنهاية : ج7 ص172 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص284 ؛ الجمل : ص 191 كلاهما نحوه .
2- .طاولته في الأمر : أي ماطلتُه (لسان العرب : ج11 ص412) .

ص: 214

جَميعِ ما نَقِموا ، فَرَدَدتُهُم عَنكَ ، ثُمَّ لَم تَفِ لَهُم بِشَيءٍ مِن ذلِكَ ، فَلا تَغَرَّني هذِهِ المَرَّةَ مِن شَيءٍ ؛ فَإِنّي مُعطيهِم عَلَيكَ الحَقَّ . قالَ : نَعَم ، فَأَعطِهِم ، فَوَاللّهِ لَأَفِيَنَّ لَهُم . فَخَرَجَ عَلِيٌّ إلَى النّاسِ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّكُم إنَّما طَلَبتُمُ الحَقَّ فَقَد اُعطيتُموهُ ، إنَّ عُثمانَ قَد زَعَمَ أنَّهُ مُنصِفُكُم مِن نَفسِهِ ومِن غَيرِهِ ، وراجِعٌ عَن جَميعِ ما تَكرَهونَ ، فَاقبَلوا مِنهُ ووَكِّدوا عَلَيهِ . قالَ النّاسُ : قَد قَبِلنا فَاستَوثِق مِنهُ لَنا ؛ فَإِنّا وَاللّهِ لا نَرضى بِقَولٍ دونَ فِعلٍ . فَقالَ لَهُم عَلِيٌّ : ذلِكَ لَكُم . ثُمَّ دَخَلَ عَلَيهِ فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ . فَقالَ عُثمانُ : اِضرِبَ بَيني وبَينَهُم أجَلاً يَكونُ لي فيهِ مُهلَةٌ ؛ فَإِنّي لا أقدِرُ عَلى رَدِّ ما كَرِهوا في يَومٍ واحِدٍ . قالَ لَهُ عَلِيٌّ : ما حَضَرَ بِالمَدينَةِ فَلا أجَلَ فيهِ ، وما غابَ فَأَجَلُهُ وُصولُ أمرِكَ . قالَ : نَعَم . ولكِن أجِّلني فيما بِالمَدينَةِ ثَلاثَةَ أيّامٍ . قالَ عَلِيٌّ : نَعَم . فَخَرَجَ إلَى النّاسِ فَأَخبَرَهُم بِذلِكَ ، وكَتَبَ بَينَهُم وبَينَ عُثمانَ كِتابا أجَّلَهُ فيهِ ثَلاثا ، عَلى أن يَرُدَّ كُلَّ مَظلَمَةٍ ، ويَعزِلُ كُلَّ عامِلٍ كَرِهوهُ ، ثُمَّ أخَذَ عَلَيهِ فِي الكِتابِ أعظَمَ ما أخَذَ اللّهُ عَلى أحَدٍ مِن خَلقِهِ مِن عَهدٍ وميثاقٍ ، وأشهَدَ عَلَيهِ ناسا مِن وُجوهِ المُهاجرِينَ وَالأَنصارِ ، فَكَفَّ المُسلِمونَ عَنهُ ورَجَعوا إلى أن يَفِيَ لَهُم بِما أعطاهُم مِن نَفسِهِ ، فَجَعَلَ يَتَأَهَّبُ لِلقِتالِ ، ويَستَعِدُّ بِالسِّلاحِ _ وقَد كانَ اتَّخَذَ جُندا عَظيما مِن رَقيقِ الخُمُسِ _ فَلَمّا مَضَتِ الأَيَّامُ الثَّلاثَةُ وهُوَ عَلى حالِهِ لَم يُغَيِّر شَيئا مِمّا كَرِهوهُ ولَم يَعزِل عامِلاً ، ثارَ بِهِ النّاسُ (1) .

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص369 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص288 نحوه .

ص: 215

5 / 10 نقض التّوبة والمعاهدة

الإمامة والسياسة :خَرَجَ عُثمانُ فَصَعِدَ المِنبَرَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ أيُّهَا النّاسُ ، إنَّ نَصيحَتي كَذَّبَتني ، ونَفسي مَنَّتني ، وقَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ يَقولُ : لا تَتَمادَوا فِي الباطِلِ ؛ فَإِنَّ الباطِلَ يَزدادُ مِنَ اللّهِ بُعدا ، مَن أساءَ فَليَتُب ، ومَن أخطَأَ فَليَتُب ، وأنَا أوَّلُ مَنِ اتَّعَظَ ، وَاللّهِ لَئِن رَدَّنِي الحَقُّ عَبدا لَأَنتَسَبَنَّ نَسَبَ العَبيدِ ، ولَأَكونَنَّ كَالمَرقوقِ الَّذي إن مُلِكَ صَبَرَ ، وإن اُعتِقَ شَكَرَ ، ثُمَّ نَزَلَ ، فَدَخَلَ عَلى زَوجَتِهِ نائِلَةَ بِنتِ الفَرافِصَةِ ، ودَخَلَ مَعَهُ مَروانُ بنُ الحَكَمِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أتَكَلَّمُ أو أسكُتُ ؟ فَقالَت لَهُ نائِلَةُ : بَلِ اسكُت ! فَوَاللّهِ لَئِن تَكَلَّمتَ لَتغرّنَّهُ ولَتوبقَنَّهُ . فَالتَفَتَ إلَيها عُثمانُ مُغضَبا ، فَقالَ : اُسكُتي ، تَكَلَّم يا مَروانُ . فَقالَ مَروانُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! وَاللّهِ لَو قُلتَ الَّذي قُلتَ وأنتَ في عِزٍّ ومنعة لَتابَعتُكَ ، ولكِنَّكَ قُلتَ الَّذي قُلتَ وقَد بَلَغَ السُّيلُ الزُّبى ، وجاوَزَ الحزامُ الطُّبيَينِ ، فَانقُضِ التَّوبَةَ ولا تُقِرَّ بِالخَطيئَةِ (1) .

5 / 10نَقضُ التَّوبَةِ وَالمُعاهَدَةِتاريخ الطبري عن عليّ بن عمر عن أبيه_ في ذِكرِ عُثمانَ بَعدَ أن خَطَبَ الخُطبَةَ الَّتي أعلَنَ فيها تَوبَتَهُ _: فَلَمّا نَزَلَ عُثمانُ وَجَدَ في مَنزِلِهِ مَروانَ وسَعيدا ونَفَرا مِن بَني اُمَيَّةَ ، ولَم يَكونوا شَهِدُوا الخُطبَةَ ، فَلَمّا جَلَسَ قالَ مَروانُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أتَكَلَّمُ أم أصمُتُ ؟ فَقالَت نائِلَةُ بِنتُ الفَرافِصَةِ _ اِمرَأَةُ عُثمانَ الكَلبِيَّةُ _ : لا بَلِ اصمُت ؛ فَإِنَّهُم وَاللّهِ قاتِلوهُ ومُؤَثِّموهُ ، إنَّهُ قَد قالَ مَقالَةً لا يَنبَغي لَهُ أن يَنزعَ عَنها . . . . فَأَعرَضَ عَنها مَروانُ ثُمَّ قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أ تَكَلَّمُ أم أصمُتُ ؟ قالَ : بَل تَكَلَّم .

.


1- .الإمامة والسياسة : ج1 ص49 .

ص: 216

فَقالَ مَروانُ : بِأَبي أنتَ واُمّي ، وَاللّهِ لَوَدِدتُ أنَّ مَقالَتَكَ هذِهِ كانَت وأنتَ مُمتَنِعٌ مَنيعٌ فَكُنتُ أوَّلَ مَن رَضِيَ بِها وأعانَ عَلَيها ، ولكِنَّكَ قُلتَ ما قُلتَ حينَ بَلَغَ الحزام الطُّبْيَين ، وخَلَّفَ السَّيلُ الزُّبى (1) ، وحينَ أعطَى الخطَّةَ الذَّليلَةَ الذَليلُ ، وَاللّهِ لَاءقامَةٌ عَلى خَطيئَةٍ تَستَغِفرُ اللّهَ مِنها أجمَل مِن تَوبَةٍ تُخُوِّفَ عَلَيها ، وإنَّكَ إن شِئتَ تَقَرَّبتَ بِالتَّوبَةِ ولَم تُقرِرْ بِالخَطيئَةِ ، وقَدِ اجتَمَعَ إلَيكَ عَلَى البابِ مِثلُ الجِبالِ مِن النّاسِ ، فَقالَ عُثمانُ : فَاخرُج اِلَيهِم فَكَلِّمهُم ؛ فَإنّي أستَحيي أن أُكَلِّمُهُم . قالَ : فَخَرَجَ مَروانُ إلَى البابِ وَالنّاسُ يَركَبُ بَعضُهُم بَعضا ، فَقالَ : ما شَأنُكُم قَدِ اجتَمَعتُم كَأَنَّكُم قَد جِئتُم لِنَهبٍ ؟ شاهَتِ الوُجوهُ ، كُلُّ إنسانٍ آخِذٌ بِاُذُنِ صاحِبِهِ ، ألا مَن اُريدَ ، جِئتُم تُريدونَ أن تَنزعوا مُلكَنا مِن أيدينا ، اُخرُجوا عَنّا ، أما وَاللّهِ لَئِن رُمتُمونا لَيَمُرَّنَّ عَلَيكُم مِنّا أمرٌ لا يَسُرُّكُم ، ولا تَحمَدوا غبَّ رَأيِكُمُ ، ارجَعوا إلى مَنازِلِكُم ؛ فَإِنّا وَاللّهِ ما نَحنُ مَغلوبينَ عَلى ما في أيدينا . قالَ : فَرَجَعَ النّاسُ ، وخَرَجَ بَعضُهُم حَتّى أتى عَلِيّا فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ ، فَجاءَ عَلِيٌّ عليه السلام مُغضَبا حَتّى دَخَلَ عَلى عُثمانَ ، فَقالَ : أما رَضيتَ مِن مَروانَ ولا رَضِيَ مِنكَ إلّا بِتَحَرُّفِكَ عَن دينِكَ وعَن عَقلِكَ ، مِثلِ جَمَلِ الظّعينَةِ يُقادُ حَيثُ يُسارُ بِهِ ؟ وَاللّهِ ما مَروانُ بِذي رَأيٍ في دينِهِ ولا نَفسِهِ ، وَايمُ اللّهِ إنّي لَأَراهُ سَيورِدُكَ ثُمَّ لا يَصدُرُكَ ، وما أنَا بِعائِدٍ بَعدَ مَقامي هذا لِمُعاتَبَتِكَ ، أذهَبتَ شَرَفَكَ ، وغُلِبتَ عَلى أمرِكَ . فَلَمّا خَرَجَ عَلِيٌّ ، دَخَلَت عَلَيهِ نائِلَةُ بِنتُ الفَرافِصَةِ امرَأَتُهُ ، فَقالَت : أتَكَلَّمُ أو

.


1- .كذا في المصدر ، وفي البداية والنهاية : «جاوزَ الحزامُ الطُّبْيَين وبلغ السيلُ الزُّبى» وهو الموجود في كتب الأمثال . قال الميداني : بلغ السَّيلُ الزُّبى : هي جمع زُبْية ؛ وهي حفرة تُحفر للأسد إذا أرادوا صيده ، وأصلها الرابية لا يعلوها الماء ، فإذا بلغها السيل كان جارفاً مجحفاً . وهو مثل يضرب لما جاوز الحدّ . وجاوز الحزام الطُّبيين : الطُّبيُ للحافر والسباع كالضرع لغيرها ، وهو مثل يُضرب عند بلوغ الشدَّة منتهاها (مجمع الأمثال : ج1 ص158 الرقم 436 و ص 295 الرقم 871) .

ص: 217

أسكُتُ ؟ فَقالَ : تَكَلَّمي . فَقالَت : قَد سَمِعتُ قَولَ عَلِيٍّ لَكَ وإنَّهُ لَيسَ يُعاوِدُكَ ، وقَد أطَعتَ مَروانَ يَقودُكَ حَيثُ شاءَ ، قالَ : فَما أصنَعُ ؟ قالَت : تَتَّقِي اللّهَ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وتَتَّبِعُ سُنَّةَ صاحِبَيكَ مِن قَبلِكَ ؛ فَإِنَّكَ مَتى أطَعتَ مَروانَ قَتَلَكَ ، ومَروانُ لَيسَ لَهُ عِندَ النّاسِ قَدرٌ ولا هَيبَةٌ ولا مَحَبَّةٌ ، وإنَّما تَركُكَ النّاسَ لِمَكانِ مَروانَ ، فَأَرسِل إلى عَلِيٍّ فَاستَصلِحهُ ؛ فَإِنَّ لَهُ قَرابَةً مِنكَ وهُوَ لا يُعصى . قالَ : فَأَرسَلَ عُثمانُ إلى عَلِيٍّ فَأَبى أن يَأتِيَهُ ، وقالَ : قَد أعلَمتُهُ أنّي لَستُ بِعائِدٍ (1) .

تاريخ الطبري_ في ذِكرِ ما حَدَثَ بَعدَ رُجوعِ المِصرِيّينَ _: لَمّا رَجَعَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى عُثمانَ أخبَرَهُ أنَّهُم قَد رَجَعوا ، وكَلَّمَهُ عَلِيٌّ كَلاما في نَفسِهِ ، قالَ لَهُ : اِعلَم أنّي قائِلٌ فيكَ أكثَرَ مِمّا قُلتُ . قالَ : ثُمَّ خَرَجَ إلى بَيتِهِ . قالَ : فَمَكَثَ عُثمانُ ذلِكَ اليَومَ حَتّى إذا كانَ الغَدُ جاءَهُ مَروانُ ، فَقالَ لَهُ : تَكَلَّم وأعِلمِ النّاسَ أنّ أهلَ مِصرَ قَد رَجَعوا ، وأنَّ ما بَلَغَهُم عَن إمامِهِم كانَ باطِلاً ؛ فَإِنَّ خُطبَتَكَ تَسيرُ فِي البِلادِ قَبلَ أن يَتَحَلَّبَ النّاسُ عَلَيكَ مِن أمصارِهِم ، فَيَأتِيَكَ مَن لا تَستَطيعُ دَفعَهُ . قالَ : فَأَبى عُثمانُ أن يَخرُجَ ، قالَ : فَلَم يَزَل بِهِ مَروانُ حَتّى خَرَجَ ، فَجَلَسَ عَلَى المِنبَرِ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ : فَإِنَّ هؤُلاءِ القَومَ مِن أهلِ مِصرَ كانَ بَلَغَهُم عَن إمامِهِم أمرٌ ، فَلَمّا تَيَقَّنوا أنَّهُ باطِلٌ ما بَلَغَهُم عَنهُ رَجَعوا إلى بِلادِهِم . قالَ : فَناداهُ عَمرُو بنُ العاصِ مِن ناحِيَةِ المَسجِدِ : اِتَّقِ اللّهَ يا عُثمانُ ؛ فَإِنَّكَ قَد رَكِبتَ نَهابيرَ وَرِكبناها مَعَكَ ، فَتُب إلَى اللّهِ نَتُب . قالَ : فَناداهُ عُثمانُ ، وإنَّكَ هُناكَ يَابن

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص361 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص284 ، البداية والنهاية : ج7 ص172 ؛ الجمل : ص192 .

ص: 218

النابِغَةِ ! قَملت وَاللّهِ جُبَّتُكَ مُنذُ تَرَكتُكَ مِنَ العَمَلِ . قالَ : فَنودِيَ مِن ناحِيَةٍ اُخرى : تُب إلَى اللّهِ ، وأظهِرِ التَّوبَةَ يَكُفَّ النّاسُ عَنكَ . قالَ : فَرَفَعَ عُثمانُ يَدَيهِ مَدّا ، وَاستَقبَلَ القِبلَةَ فَقالَ : اللّهُمَّ إنّي أوَّلُ تائِبٍ تابَ إلَيكَ . ورَجَعَ إلى مَنزِلِهِ ، وخَرَجَ عَمرُو بنُ العاصِ حَتّى نَزَلَ مَنزِلَهُ بِفِلَسطينَ ، فَكانَ يَقولُ : وَاللّهِ إن كُنتُ لَأَلقَى الرّاعِيَ فَاُحَرِّضَهُ عَلَيهِ (1) .

تاريخ الطبري عن أبي عَون :سَمِعتُ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ الأَسوَدِ بنِ عَبد يَغوثَ يَذكُرُ مَروانَ بنَ الحَكَمِ ، قالَ : قَبَّحَ اللّهُ مَروانَ ؛ خَرَجَ عُثمانُ إلَى النّاسِ فَأَعطاهُمُ الرِّضى ، وبَكى عَلَى المِنَبرِ وبَكَى النّاسُ حَتّى نَظَرتُ إلى لِحيَةِ عُثمانَ مخضلَّةً مِنَ الدُّموعِ ، وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ إنّي أتوبُ إلَيكَ ، اللّهُمَّ إنّي أتوبُ إلَيكَ ، اللّهُمَّ إنّي أتوبُ إلَيكَ ! وَاللّهِ لَئِن رَدَّنِي الحَقُّ إلى أن أكونَ عَبدا قنّا لَأَرضَيَنَّ بِهِ ، إذا دَخَلتُ مَنزِلي فَادخُلوا عَلَيَّ ، فَوَاللّهِ لا أحتَجِبُ مِنكُم ، ولَاُعطِيَنَّكُم الرِّضى ، ولَأَزيدَنَّكُم عَلَى الرِّضى ، ولَاُنَحِّيَنَّ مَروانَ وذَويهِ . قالَ : فَلَمّا دَخَلَ أمَرَ بِالبابِ فَفُتِحَ ، ودَخَلَ بَيتَهُ ، ودَخَلَ عَلَيهِ مَروانُ ، فَلَم يَزَل يفتلُهُ فِي الذِّروَةِ وَالغارِبِ حَتّى فَتَلَهُ عَن رَأيِهِ ، وأزالَهُ عَمّا كانَ يُريدُ ، فَلَقَد مَكَثَ عُثمانُ ثَلاثَةَ أيّامٍ ما خَرَجَ استِحياءً مِنَ النّاسِ . وخَرَجَ مَروانُ إلَى النّاسِ ، فَقالَ : شاهَتِ الوُجوهُ ! ألا مَن اُريدَ ! ارجَعُوا إلى مَنازِلِكُم ؛ فَإِن يَكُن لِأَميرِ المُؤمِنينَ حاجَةٌ بِأَحَدٍ مِنكُم يُرسِل إلَيهِ ، وإلّا قَرَّ في بَيتِهِ . قالَ عَبدُ الرَّحمنِ : فَجِئتُ إلى عَلِيٍّ فَأَجِدُهُ بَينَ القَبرِ وَالمِنبَرِ ، وأجِدُ عِندَهُ عَمّارَ بنَ ياسِرٍ ، ومُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ ، وهُما يَقولانِ : صَنَعَ مَروانُ بِالنّاسِ وصُنَعَ .

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص360 .

ص: 219

قالَ : فَأَقبَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ ، فَقالَ : أ حَضَرتَ خُطبَةَ عُثمانَ ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : أفَحَضَرتَ مَقالَةَ مَروانَ لِلنّاسِ ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ عَلِيٌّ : عِياذ اللّهِ ، يا لَلمُسلِمينَ ! إنّي إن قَعدتُ في بَيتي قالَ لي : تَرَكتَني وقَرابَتي وحَقّي ، وإنّي إن تُكَلَّمتُ فَجاءَ ما يُريدُ يَلعَبُ بِهِ مَروانُ ، فَصارَ سَيِّقَةً لَهُ يَسوقُهُ حَيثُ شاءَ بَعدَ كِبَرِ السِّنِّ وصُحبَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ الأَسوَدِ : فَلَم يَزَل حَتّى جاءَ رَسولُ عُثمانَ : ائتِني . فَقالَ عَلِيٌّ بِصَوتٍ مُرتَفِعٍ عالٍ مُغضَبٍ : قُل لَهُ : ما أنَا بِداخِلٍ عَلَيكَ ولا عائِدٍ . قالَ : فَانصَرَفَ الرَّسولُ . قالَ : فَلَقيتُ عُثمانَ بَعدَ ذلِكَ بِلَيلَتَينِ خائِبا ، فَسَأَلتُ ناتِلاً غُلامَهُ : مِن أينَ جاءَ أميرُ المُؤمِنينَ ؟ فَقالَ : كانَ عِندَ عَلِيٍّ . فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ الأَسوَدِ : فَغَدَوتُ فَجَلَستُ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ لي : جاءَني عُثمانُ البارِحَةَ ، فَجَعَلَ يَقولُ : إنّي غَيرُ عائدٍ ، وإنّي فاعِلٌ . قالَ : فَقُلتُ لَهُ : بَعدَما تَكَلَّمتَ بِهِ عَلى مِنبَرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأعطَيتَ مِن نَفسِكَ ، ثُمَّ دَخَلتَ بَيتَكَ ، وخَرَجَ مَروانُ إلَى النّاسِ فَشَتَمَهُم عَلى بابِكَ ويُؤذيهِم ! قالَ : فَرَجَعَ وَهُوَ يَقولُ : قَطَعتَ رَحِمي وخَذَلتَني ، وجَرَّأتَ النّاسَ عَلَيَّ . فَقُلتُ : وَاللّهِ ، إنّي لَأَذُبُّ النّاسَ عَنكَ ، ولكِنّي كُلَّما جِئتُكَ بَهنَة أظُنُّها لَكَ رِضىً جاءَ بِاُخرى ، فَسَمِعتَ قَولَ مَروانَ عَلَيَّ ، وَاستَدخَلتَ مَروانَ . قالَ : ثُمَّ انصَرَفَ إلى بَيتِهِ . قالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ الأَسوَدِ : فَلَم أزَل أرى عَلِيّا مُنَكِّبا عَنهُ لا يَفعَلُ ما كانَ يَفعَلُ ،

.

ص: 220

5 / 11 خيانة بطانة السّوء

إلّا أنّي أعلَمُ أنَّهُ قَد كَلَّمَ طَلحَةَ حينَ حُصِرَ في أن يَدخُلَ عَلَيهِ الرَّوايا (1) ، وغَضِبَ في ذلِكَ غَضَبا شَديدا ، حَتّى دَخَلَتِ الرَّوايا عَلى عُثمانَ (2) .

5 / 11خِيانَةُ بِطانَةِ السَّوءِتاريخ الطبري عن العَلاء بن عبد اللّه بن زَيد العنبري :أرسَلَ عُثمانُ إلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ ، وإلى عَبدِ اللّهِ بنِ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ ، وإلى سَعيدِ بنِ العاصِ ، وإلى عَمرِو بنِ العاصِ بنِ وائِلٍ السَّهمِيِّ ، وإلى عَبدِ اللّهِ بنِ عامِرٍ ، فَجَمَعَهُم لِيُشاوِرَهُم في أمرِهِ وما طُلِبَ إلَيهِ وما بَلَغَهُ عَنهُم ، فَلَمَّا اجتَمَعوا عِندَهُ قالَ لَهُم : إنَّ لِكُلِّ امرِئٍ وُزَراءَ ونُصَحاءَ ، وإنَّكُم وُزَرائي ونُصَحائي وأهلُ ثِقَتي ، وقَد صَنَعَ النّاسُ ما قَد رَأَيتُم ، وطَلَبوا إلَيَّ أن أعزِلَ عُمّالي وأن أرجِعَ عَن جَميعٍ ما يَكرَهونَ إلى ما يُحِبّونَ ، فَاجتَهِدوا رَأيَكُم وأشيروا عَلَيَّ . فَقالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عامِرٍ : رَأيي لَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ أن تَأمُرَهُم بِجِهادٍ يَشغَلُهُم عَنكَ ، وأن تُجَمِّرهُم (3) فِي المَغازي حَتّى يَذِلّوا لَكَ ، فَلا يَكون هِمَّةُ أحَدِهِم إلّا نَفسَهُ وما هُوَِ فيهِ مِن دَبَرَةِ دابَّتِهِ وقَملِ فَروِهِ . ثُمَّ أقبَلَ عُثمانُ عَلى سَعيدِ بنِ العاصِ فَقالَ لَهُ : ما رَأيُكَ ؟ قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ إن كُنتَ تَرى رَأيَنا فَاحسِم عَنكَ الدّاءَ ، وَاقطَع عَنكَ الَّذي تَخافُ ، وَاعمَل بِرَأيي تُصِب . قالَ : وما هُوَ ؟ قالَ : إنَّ لِكُلِّ قَومٍ قادَةً مَتى تَهلك يَتَفَرَّقوا ولا يَجتَمِع لَهم أمرٌ ،

.


1- .الرَّوايا من الإبل : الحوامل للماء ، واحدتها راوية (النهاية : ج2 ص279) .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص363 وراجع الكامل في التاريخ : ج2 ص284 _ 286 والأغاني : ج19 ص481 والبداية والنهاية : ج7 ص172 و173 .
3- .تجمير الجيش : جمعهم في الثغور ، وحبسهم عن العود إلى أهلهم (النهاية : ج1 ص292) .

ص: 221

5 / 12 آخر ما أدّى إلى قتل عثمان

فَقالَ عُثمانُ : إنَّ هذَا الرَّأيَ لَولا ما فيهِ . ثُمَّ أقبَلَ [عَلى] مُعاوِيَةَ فَقالَ : ما رَأيُكَ ؟ قالَ : أرى لَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ أن تَرُدَّ عُمّالَكَ عَلَى الكِفايَةِ لِما قِبَلَهُم ، وأنَا ضامِنٌ لَكَ قِبَلي . ثُمَّ أقبَلَ عَلى عَبدِ اللّهِ بنِ سَعدٍ فَقالَ : ما رَأيُكَ ؟ قالَ : أرى يا أميرُ المُؤمِنينَ أنَّ النّاسَ أهلُ طَمَعٍ فَأَعطِهِم مِن هذَا المالِ تَعطِف عَلَيكَ قُلوبَهُم . ثُمَّ أقبَلَ عَلى عَمرِو بنِ العاصِ فَقالَ لَهُ : ما رَأيُكَ ؟ قالَ : أرى أنَّكَ قَد رَكِبتَ النّاسَ بِما يَكرَهونَ ، فَاعتَزِم أن تَعتَدِلَ ؛ فَإِن أبَيتَ فَاعتَزِم أن تَعتَزِلَ ؛ فَإِن أَبيتَ فَاعتَزِم عَزما وَامضِ قُدُما . فَقالَ عُثمانُ : مالَكَ قَمِلَ فَرَوُكَ ؟ ! أ هذَا الجِدُّ مِنكَ ؟ فَأَسكَتَ عَنهُ دَهرا ، حَتّى إذا تَفَرَّقَ القَومُ قالَ عَمرٌو : لا وَاللّهِ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَأَنتَ أعَزُّ عَلَيَّ مِن ذلِكَ ، ولكِنَ قَد عَلِمتُ أن سَيَبلُغَ النّاسَ قَولُ كُلِّ رَجُلٍ مِنّا ، فَأَرَدتُ أن يَبلُغَهُم قَولي فَيَثقوا بي ، فَأَقودَ إليكَ خَيرا أو أدفَعَ عَنكَ شَرّا . . . فَرَدَّ عُثمانُ عُمّالَهُ عَلى أعمالِهِم ، وأمَرَهُم بِالتَّضييقِ عَلى مَن قِبَلَهُم ، وأمَرَهُم بِتَجميرِ النّاسِ فِي البُعوثِ ، وعَزَمَ عَلى تَحريمِ أعطِياتِهِم لِيُطيعوهُ ويَحتاجوا إلَيهِ (1) .

راجع : ص 215 (نقض التوبة والمعاهدة) .

5 / 12آخِرُ ما أدّى إلى قَتلِ عُثمانَالفتوح :أرسَلَ عُثمانُ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، فَدَعاهُ فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ! أنتَ لِهؤُلاءِ القَومِ ، فَادعوهُم إلى كِتابِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَاكفِني مِمّا يَكرَهونَ .

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص333 وراجع مروج الذهب : ج2 ص346 .

ص: 222

فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : إن أعطَيتَني عَهدَ اللّهِ وميثاقَهُ أنَّكَ توفي لَهُم بِكُلِّ ما اُعطيهِم فَعَلتُ ذلِكَ . فَقالَ عُثمانُ : نَعَم يا أبا الحَسَنِ ، أضمَنُ لَهُم عَنّي جَميعَ ما يُريدونَ . قالَ : فَأَخَذَ عَلِيٌّ عَلَيهِ عَهدا غَليظا وميثاقا مُؤَكَّدا ، ثُمَّ خَرَجَ مِن عِندِهِ فَأَقبَلَ نَحوَ القَومِ ، فَلَمّا دَنا مِنهُم قالوا : ما وَراءَكَ يا أبَا الحَسَنِ فَإِنَّنا نُجِلُّكَ ؟ فَقالَ : إنَّكُم تُعطَونَ ما تُريدونَ ، وتُعافَونَ مِن كُلِّ ما أسخَطَكُم ، ويُولّى عَلَيكُم مَن تُحِبّونَ ، ويُعزَلُ عَنكُم مَن تَكرَهونَ . فَقالوا : ومَن يَضمَنُ لنا ذلِكَ ؟ قالَ عَلِيٌّ : أنَا أضمَنُ لَكُم ذلِكَ . فَقالوا : رَضينا . قالَ : فَأَقبَلَ عَلِيٌّ إلى عُثمانَ ومَعَهُ وُجوهُ القَومِ وأشرافُهُم ، فَلَمّا دَخَلوا عاتَبوهُ فَأَعتَبَهُم مِن كُلِّ ما كَرِهوا . فَقالوا : اُكتُب لَنا بِذلِكَ كِتابا ، وأدخِل لَنا في هذَا الضَّمانِ عَلِيّا بِالوَفاءِ لَنا بِما في كِتابِنا . فَقالَ عُثمانُ : اُكتُبوا ما أحبَبتُم وأدخِلوا في هذَا الضَّمانِ مَن أرَدتُم . قالَ : فَكَتَبوا : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، هذا كِتابٌ مِن عَبدِ اللّهِ عُثمانَ بنِ عَفّانَ أميرِ المُؤمِنينَ لِجَميعِ مَن نَقَمَ عَلَيهِ مِن أهلِ البَصرَةِ وَالكوفَةِ وأهلِ مِصرَ : أنَّ لَكُم عَلَيَّ أن أعمَلَ فيكُم بِكِتابِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وأنَّ المَحرومَ يُعطى ، وَالخائِفَ يُؤمَنُ ، وَالمَنفِيَّ يُرَدُّ ، وأنَّ المالَ يُرَدُّ عَلى أهلِ الحُقوقِ ، وأن يُعزَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ عَن أهلِ مِصرَ ، ويُولّى عَلَيهِم مَن يَرضَونَ .

.

ص: 223

قالَ : فَقالَ أهلُ مِصرَ : نُريدُ أن تُوَلِّيَ عَلَينا مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ . فَقالَ عُثمانُ : لَكُم ذلِكَ . ثُمَّ أثبَتوا فِي الكِتابِ : وأنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ضَمينٌ لِلمُؤمِنينَ بِالوَفاءِ لَهُم بِما في هذَا الكِتابِ ، شَهِدَ عَلى ذلِكَ : الزُّبَيرُ بنُ العَوّامِ ، وطَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ، وسَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ ، وزَيدُ بنُ ثابتٍ ، وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ ، وأبو أيّوبَ خالِدُ بنُ زَيدٍ . وكُتِبَ في ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمسٍ وثَلاثينَ . قالَ : فَأَخَذَ أهلُ مِصرَ كِتابَهُم وَانصَرَفوا ، ومَعَهُم مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ أميرا عَلَيهِم ، حَتّى إذا كانوا عَلى مَسيرَةِ ثَلاثَةِ أيّامٍ مِنَ المَدينَةِ وإذا هُم بِغُلامٍ أسوَدَ عَلى بَعيرٍ لَهُ يخبطُ خَبطا عَنيفا . فَقالوا : يا هذا ! اربع قَليلاً ما شَأنُكَ ؟ كَأنَّكَ هارِبٌ أو طالِبٌ ، مَن أنتَ ؟ فَقالَ : أنا غُلامُ أميرِ المُؤمِنينَ عُثمانَ وَجَّهَني إلى عامِلِ مِصرَ . فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِنهُم : يا هذا ! فَإِنَّ عامِلَ مِصرَ مَعَنا . فَقالَ : لَيسَ هذَا الَّذي اُريدُ . فَقالَ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ : أنزِلوهُ عَنِ البَعيرِ ، فَحَطّوهُ ، فَقالَ لَهُ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرِ : أصدِقني غُلامُ مَن أنتَ ؟ قالَ : أنَا غُلامُ أميرِ المُؤمِنينَ . قالَ : فَإِلى مَن اُرسِلتَ ؟ قالَ : إلى عَبدِ اللّهِ بنِ سَعدٍ عاملِ مِصرَ . قالَ : وبِماذا اُرسِلتَ ؟ قالَ : بِرِسالَةٍ .

.

ص: 224

قالَ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ : أ فَمَعَكَ كِتابٌ ؟ قالَ : لا . فَقالَ أهلُ مِصرَ : لَو فَتَّشناهُ أيُّهَا الأَميرُ ؛ فَإِنَّنا نَخافُ أن يَكونَ صاحِبُهُ قد كَتَبَ فينا بِشَيءٍ ، فَفَتَّشوا رَحلَهُ ومَتاعَهُ ونَزَعوا ثِيابَهُ حَتّى عَرَّوهُ فَلَم يَجِدوا مَعَهُ شَيئا ، وكانَت عَلى راحِلَتِهِ إداوَةٌ (1) فيها ماءٌ ، فَحَرَّكوها فَإِذا فيها شَيءٌ يَتَقَلقَلُ ، فَحَرَّكوهُ لِيَخرُجَ فَلَم يَخرُج . فَقالَ كنانةُ بنُ بَشرٍ التَّجيبي : وَاللّهِ ! إنَّ نَفسي لَتُحَدِّثُني أنَّ في هذِهِ الإِداوَةِ كِتابا . فَقالَ أصحابُهُ : وَيحَكَ ! ويَكونُ كِتابٌ في ماءٍ ؟ قالَ : إنَّ النّاسَ لَهُم حِيَلٌ ، فَشَقَّوُا الإِداوَةَ فَإِذا فيها قارورَةٌ مَختومَةٌ بِشَمعٍ ، وفي جَوفِ القارورَةِ كِتابٌ ، فَكَسَرُوا القارورَةَ وأخرَجوا الكِتابَ ، فَقَرأَهُ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ فَإِذا فيهِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مِن عَبدِ اللّهِ عُثمانَ أميرِ المُؤمِنينَ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ سَعدٍ ، أمّا بَعدُ ، فَإِذا قَدِمَ عَليكَ عَمرُو بنُ يَزيدَ بنِ وَرقاءَ فَاضرِب عُنُقَهُ صبرا ، وأمّا عَلقَمَةُ بنُ عُدَيس البلوي ، وكنانَةُ بنُ بشرٍ التَّجيبي ، وعُروَةُ بنُ سَهمٍ اللَّيثيُّ ، فَاقطَع أيدِيَهُم وأرجُلَهُم مِن خِلافٍ ودَعهُم يَتَشَحَّطونَ في دِمائِهِم حَتّى يَموتوا ، فَإِذا ماتوا فَاصلبهم عَلى جُذوعِ النَّخلِ ، وأمّا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ فَلا يُقبَلُ مِنهُ كِتابُهُ وشُدَّ يَدَكَ بِهِ ، وَاحتَل في قَتلِهِ ، وقَرَّ عَلى عَمَلِكَ حَتّى يَأتِيَكَ أمري إن شاءَ اللّهُ تَعالى . فَلَمّا قَرأَ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ الكِتابَ رَجَعَ إلَى المَدينَةِ هُوَ ومَن مَعَهُ ، ثُمَّ جَمَعَ أصحابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وقَرَأَ عَلَيهِمُ الكِتابَ وأخبَرَهُم بِقِصَّةِ الكِتابِ .

.


1- .الإداوة : إناء صغير من جلد يُتّخذ للماء كالسطيحة ونحوها (النهاية : ج1 ص33) .

ص: 225

فَلَم يَبقَ بِالمَدينَةِ أحَدٌ إلّا حنق عَلى عُثمانَ ، وَاشتَدَّ حنق بَني هُذَيلٍ خاصَّةً عَلَيهِ لاِجلِ صاحِبِهِم عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ ، وهاجَت بَنو مَخزومٍ لِأَجلِ صاحِبِهِم عَمّارِ بنِ ياسِرٍ ، وكَذلِكَ غِفارٌ لِأَجلِ صاحِبِهِم أبي ذَرٍّ . ثُمَّ إنَّ عَلِيّا أخَذَ الكِتابَ وأقبَلَ حَتّى دَخَلَ عَلى عُثمانَ ، فَقالَ لَهُ : ويَحَكَ ! لا أدري عَلى ماذا أنزِلُ ! استَعتَبَكَ القَومُ فَأَعتَبتَهُم بِزَعمِكَ وضَمِنتَني ثُمَّ أحقَرتَني ، وكَتَبتَ فيهِم هذَا الكِتابَ ! فَنَظَرَ عُثمانُ فِي الكِتابِ ثُمَّ قالَ : ما أعرِفُ شَيئا مِن هذا ! ! فَقالَ عَلِيٌّ : الغُلامُ غُلامُكَ أم لا ؟ قالَ عُثمانُ : بَل هُوَ وَاللّهِ غُلامي ، وَالبَعيرُ بَعيري ، وهذَا الخاتَمُ خاتَمي ، وَالخَطُّ خَطُّ كاتِبي . قال عَلِيٌّ رضى الله عنه : فَيَخرُجُ غُلامُكَ عَلى بَعيرِكَ بِكِتابٍ وأنتَ لا تَعلَمُ بِهِ ؟ فَقالَ عُثمانُ : حَيَّرتُكَ يا أبَا الحَسَنِ ! وقَد يُشبِهُ الخَطُّ الخَطَّ وقَد تَختمُ عَلَى الخاتَمِ ، ولا وَاللّهِ ما كَتَبتُ هذَا الكِتابَ ، ولا أمَرتُ بِهِ ، ولا وَجَّهتُ هذَا الغُلامَ إلى مِصرَ . فَقالَ عَلِيٌّ : لا عَلَيكَ ، فَمَن نَتَّهِمُ ؟ قالَ : أتَّهِمُكَ وأتَّهِمُ كاتِبي ! قالَ عَلِيٌّ : بَل هُوَ فِعلُكَ وأمرُكَ . ثُمَّ خَرَجَ مِن عِندَهُ مُغضَبا (1) .

تاريخ المدينة عن هارون بن عنترة عن أبيه :لَمّا كانَ مِن أمرِ عُثمانَ ما كانَ ، قَدِمَ قَومٌ مِن مِصرَ مَعَهُم صَحيفَةٌ صَغيرَةُ الطَيِّ ، فَأَتَوا عَلِيّا رضى الله عنه فَقالوا : إنَّ هذَا الرَّجُلَ قَد غَيَّرَ وبَدَّلَ ،

.


1- .الفتوح : ج2 ص410 ؛ الأمالي للطوسي : ص712 ح1517 عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري نحوه وراجع تاريخ المدينة : ج4 ص1158 _ 1160 والإمامة والسياسة : ج1 ص55 والجمل : ص139 _ 141 .

ص: 226

ولَم يَسِر مَسيرَةَ صاحِبَيهِ ، وكَتَبَ هذَا الكِتابَ إلى عامِلِهِ بِمِصرَ : أن خُذ مالَ فُلانٍ ، وَاقتُل فُلانا ، وسَيِّر فُلانا . فَأَخَذَ عَلِيٌّ الصَّحيفَةَ فَأَدخَلَها عَلى عُثمانَ ، فَقالَ : أ تَعرِفُ هذَا الكِتابَ ؟ فَقالَ : إنّي لَأَعرِفُ الخاتَمَ . فَقالَ : اِكسِرها فَكَسَرَها . فَلَمّا قَرَأَها قَالَ : لَعَنَ اللّهُ مَن كَتَبَهُ ومَن أملاهُ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ رضى الله عنه : أ تَتَّهِمُ أحَدا مِن أهلِ بَيتِكَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : مَن تَتَّهِمُ ؟ قالَ : أنتَ أوَّلُ مَن أتَّهِمُ ! قالَ : فَغَضِبَ عَلِيٌّ رضى الله عنه فَقامَ وقالَ : وَاللّهِ لا اُعينُكَ ولا اُعينُ عَلَيكَ حَتّى ألتَقي أنَا وأنتَ عِندَ رَبِّ العالَمينَ (1) .

مروج الذهب_ بَعدَ ذِكرِ حَلِّ اختِلافِ المِصرِيِّينَ مَعَ عُثمانَ وَانصِرافِهِم _: فَلَمّا صاروا إلَى المَوضِعِ المَعروفِ بِحِسمى (2) ، إذا هُم بِغُلامٍ عَلى بَعيرٍ وهُوَ مُقبِلٌ مِنَ المَدينَةِ ، فَتَأَمَّلوهُ فَإِذا هُوَ وَرشٌ غُلامُ عُثمانَ ، فَقَرَّروهُ فَأَقَرَّ وأظهَرَ كِتابا إلَى ابنِ أبي سَرحٍ صاحِبِ مِصرَ وفيهِ : إذا قَدِمَ عَلَيكَ الجَيشُ فَاقطَع يَدَ فُلانٍ ، وَاقتُل فُلانا ، وَافعَل بِفُلانٍ كَذا ، وأحصى أكثَرَ مَن فِي الجَيشِ ، واُمِرَ فيهِم بِما اُمِرَ . وعَلِمَ القَومُ أنَّ الكِتابَ بِخَطِّ مَروانَ ، فَرَجَعوا إلَى المَدينَةِ ، وَاتَّفَقَ رَأيُهُم ورَأيُ مَن قَدِمَ مِنَ العِراقِ ، ونَزَلُوا المَسجِدَ وتَكَلَّموا ، وذَكَروا ما نَزَلَ بِهِم مِن عُمّالِهِم ، ورَجَعوا إلى عُثمانَ فَحاصَروهُ في دارِهِ (3) .

.


1- .تاريخ المدينة : ج4 ص1154 و1155 عن محمّد بن سعد و ص 1168 عن نوفل بن مساحق ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص22 كلّها نحوه .
2- .هو أرض ببادية الشام (معجم البلدان : ج2 ص258) .
3- .مروج الذهب : ج2 ص353 وراجع تاريخ اليعقوبي : ج2 ص175 .

ص: 227

5 / 13 الحصر الثّاني

الطبقات الكبرى عن جابر بن عبد اللّه :إنَّ المِصرِيّينَ . . . رَجَعوا فَلَمّا كانوا بِالبُوَيبِ (1) رَأَوا جَمَلاً عَلَيهِ ميسمُ الصَّدَقَةِ فَأَخَذوهُ ، فَإِذا غُلامٌ لِعُثمانَ فَأَخَذوا مَتاعَهُ فَفَتَّشوهُ ، فَوَجَدوا فيهِ قَصبَةً مِن رَصاصٍ فيها كِتابٌ في جَوفِ الإِداوَةِ (2) فِي الماءِ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ سَعدٍ : أنِ افعَل بِفُلانٍ كَذا وبِفُلانٍ كَذا مِنَ القَومِ الَّذين شَرَعوا في عُثمانَ . فَرَجَعَ القَومُ ثانِيَةً حَتّى نَزَلوا بِذي خَشُبٍ ، فَأَرسَلَ عُثمانُ إلى مُحَمَّدِ بنِ مَسلَمَةَ فَقالَ : اُخرُج فَاردُدهُم عَنّي . فَقالَ : لا أفعَلُ . فَقَدِموا فَحَصروا عُثمانَ (3) .

سير أعلام النبلاء :كانَ [ مَروانُ بنُ الحَكَمِ ]كاتِبَ ابنِ عَمِّهِ عُثمانَ ، وإلَيهِ الخاتَمُ ، فَخانَهُ ، وأجلبوا بِسَبَبِهِ عَلى عُثمانَ (4) .

5 / 13الحَصرُ الثّانيالشافي عن ابن أبي جعفر القاري مولى بني مخزوم :كانَ المِصرِيّونَ الَّذينَ حَصَروا عُثمانَ سِتَّمِئَةٍ ، عَلَيهِم : عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عُدَيس البلوي ، وكِنانَةُ بنُ بِشرٍ الكِندِيُّ ، وعَمرُو بنُ الحَمِقِ الخُزاعِيُّ . وَالَّذينَ قَدِموا مِنَ الكوفَةِ مِئَتَينِ ، عَلَيهِم : مالِكُ بنُ الحارِثِ الأَشتَرُ النَّخَعِيُّ .

.


1- .البُوَيْب : هو مدخل أهل الحجاز إلى مصر (معجم البلدان : ج1 ص512) .
2- .في المصدر : «الإدارة» ، وما أثبتناه عن تاريخ الإسلام للذهبي وأنساب الأشراف وهو الصحيح .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص65 ، تاريخ دمشق : ج39 ص323 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص441 و442 ، أنساب الأشراف: ج 6 ص182 و183 و ص 177 والثلاثة الأخيرة نحوه .
4- .سير أعلام النبلاء : ج3 ص477 الرقم 102 .

ص: 228

وَالَّذينَ قَدِموا مِن البَصرَةِ مِئَةُ رَجُلٍ ، رَئيسُهُم : حَكيمُ بنُ جبلة العَبدي . وكانَ أصحابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله الَّذينَ خَذَلوهُ لا يَرونَ أنَّ الأَمرَ يَبلُغُ بِهِم إلَى القَتلِ ، ولَعَمري لَو قامَ بَعضُهُم فَحَثَا التُّرابَ في وجُوهِ اُولئِكَ لَانصَرَفوا (1) .

تاريخ الطبري عن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه :كَتَبَ أهلُ مِصر بِالسُّقيا (2) _ أو بِذي خُشُبٍ _ إلى عُثمانَ بِكِتابٍ ، فَجاءَ بِهِ رَجُلٌ مِنهُم حَتّى دَخَلَ بِهِ عَلَيهِ ، فَلَم يَرُدَّ عَلَيهِ شَيئا ، فَأَمَرَ بِهِ فَاُخرِجَ مِنَ الدّارِ . وكانَ أهلُ مِصرَ الَّذينَ ساروا إلى عُثمانَ سِتَّمِئَةِ رَجُلٍ عَلى أربَعَةٍ ألوِيَةٍ لَها رُؤوسٌ أربَعَةٌ ، مَعَ كُلِّ رَجلٍ مِنهُم لِواءٌ . وكانَ جِماعُ أمرِهِم جَميعا إلى عَمرِو بنِ بُدَيلِ بنِ وَرقاءَ الخُزاعِيِّ _ وكانَ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _ وإلى عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عُدَيسٍ التَّجيبيّ . فكانَ فيما كَتَبوا إلَيهِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ : أمّا بَعدُ ، فَاعلَم أنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم ، فَاللّهَ اللّهَ ! ثُمَّ اللّهَ اللّهَ ! فَإِنَّكَ عَلى دُنيا فَاستَتِمَّ إلَيها مَعَها آخِرَةً ، ولا تُلبِسُ نَصيبَكَ مِنَ الآخِرَةِ ، فَلا تَسوغَ لَكَ الدُّنيا . وَاعلَم أنّا وَاللّهِ للّهِِ نَغضَبُ ، وفِي اللّهِ نَرضى ، وإنّا لَن نَضَعَ سُيوفَنا عَن عَواتِقِنا حَتّى تَأتِيَنا مِنكَ تَوبَةٌ مُصَرَّحَةٌ ، أو ضَلالَةٌ مُجَلَّحَةٌ مُبلَجَةٌ ، فَهذِهِ مَقالَتُنا لَكَ ، وقَضِيَّتُنا إلَيكَ ، وَاللّهُ عَذيرُنا مِنكَ . وَالسَّلامُ (3) .

.


1- .الشافي : ج4 ص262 ؛ الطبقات الكبرى : ج3 ص71 ، أنساب الأشراف : ج6 ص219 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص447 ، تاريخ دمشق : ج39 ص360 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص27 كلّها عن أبي جعفر القاري .
2- .قرية جامعة من عمل الفُرْع ، بينهما ممّا يلي الجحفة تسعة عشر ميلاً (معجم البلدان : ج3 ص228) .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص369 .

ص: 229

تاريخ اليعقوبي :حَصَرَ ابنُ عُدَيسٍ البلوي عُثمانَ في دارِهِ ، فَناشَدَهُمُ اللّهَ ، ثُمَّ نَشَدَ مَفاتيحَ الخَزائِنِ ، فَأَتَوا بِها إلى طَلحَةَ بنَ عُبَيدِ اللّهِ ، وعُثمانُ مَحصورٌ في دارِهِ ، وكانَ أكثَرُ مَن يُؤَلِّبُ عَلَيهِ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ وعائِشَةَ (1) .

الإمامة والسياسة :أقبَلَ الأَشتَرُ النَّخَعِيُّ مِنَ الكوفَةِ في ألفِ رَجُلٍ ، وأقبَلَ ابنُ أبي حُذَيفَةَ مِن مِصرَ في أربَعِمِئَةِ رَجُلٍ ، فَأَقامَ أهلُ الكوفَةِ وأهلُ مِصرَ بِبابِ عُثمانَ لَيلاً ونَهارا ، وطَلحَةُ يُحَرِّضُ الفَريقَينِ جَميعا عَلى عُثمانَ . ثُمَّ إنَّ طَلحَةَ قالَ لَهُم : إنَّ عُثمانَ لا يُبالي ما حَصَرتُموهُ وهُوَ يَدخُلُ إلَيهِ الطَّعامُ والشَّرابُ ، فَامنَعوهُ الماءَ أن يَدخُلَ عَلَيهِ (2) .

تاريخ الطبري عن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة :دَخَلتُ عَلى عُثمانَ ، فَتَحَدَّثتُ عِندَهُ ساعَةً ، فَقالَ : يَابنَ عَيّاشٍ ! تَعالَ ، فَأَخَذَ بِيَدي ، فَأَسمَعَني كَلامَ مَن عَلى بابِ عُثمانَ ، فَسَمِعنا كَلاما ، مِنهُم مَن يَقولُ : ما تَنتَظِرونَ بِهِ ؟ ومِنهُم مَن يَقولُ : اُنظُروا عَسى أن يُراجِعَ . فَبَينا أنَا وهُوَ واقِفانِ ، إذ مَرَّ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ، فَوَقَفَ فَقالَ : أينَ ابنُ عُدَيسٍ ؟ فَقيلَ : ها هُوَ ذا . فَجاءَهُ ابنُ عُدَيسٍ ، فَناجاهُ بِشَيءٍ ، ثُمَّ رَجَعَ ابنُ عُدَيسٍ ، فَقالَ لِأَصحابِهِ : لا تَترُكوا أحَدا يَدخُلُ عَلى هذَا الرَّجُلِ ، ولا يَخرُجُ مِن عِندِهِ . قالَ : فَقالَ لي عُثمانُ : هذا ما أمَرَ بِهِ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ! ثُمَّ قالَ عُثمانُ : اللّهُمَّ اكفِني طَلحَةَ بنَ عُبَيدِ اللّهِ ؛ فَإِنَّهُ حَمَلَ عَلَيَّ هؤُلاءِ ، وألَّبَهُم (3) ، وَاللّهِ إنّي لَأَرجو أن يَكون

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص175 .
2- .الإمامة والسياسة : ج1 ص56 .
3- .ألّبَهم _ من التأليب _ : التحريض (لسان العرب : ج1 ص216) .

ص: 230

مِنها صِفرا (1) ، وأن يُسفَكَ دَمُهُ ؛ إنَّهُ انتَهَكَ مِنّي ما لا يَحِلُّ لَهُ (2) .

الفتوح :كانَ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ قَدِ استَولى عَلى حِصارِ عُثمانَ مَعَ نَفَرٍ مِن بَني تَيمٍ ، وبَلَغَ ذلِكَ عُثمانَ ، فَأَرسَلَ إلى عَلِيٍّ بِهذَا البَيتِ : فَإِن كُنتُ مَأكولاً فَكُن أنتَ آكِلي وإلّا فَأَدرِكني ولَمّا اُمَزَّقُ أ تَرضى أن يُقتَلَ ابنُ عَمِّكَ وابنُّ عَمَّتِكَ ، ويُسلَبَ نِعمَتُكَ وأمرُكَ ؟ ! فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : صَدَقَ واللّهِ عُثمانُ ! لا وَاللّهِ ، لا نَترُكُ ابنَ الحَضرَمِيَّةِ يَأكُلُها . ثُمَ خَرَجَ عَلِيٌّ إلَى النّاسِ ، فَصَلّى بِهِمُ الظُّهرَ وَالعَصرَ ، وتَفَرَّقَ النّاسُ عَن طَلحَةَ ، ومالوا إلى عَلِيٍّ . فَلَمّا رَأى طَلحَةُ ذلِكَ ، أقبَلَ حَتّى دَخَلَ عَلى عُثمانَ ، فَاعتَذَرَ إلَيهِ مِمّا كانَ مِنهُ . فَقالَ لَهُ عُثمانُ : يَابنَ الحَضرَمِيَّةِ ! وَلَّيتَ عَلَى النّاسِ ، ودَعَوتَهم إلى قَتلي ، حَتّى إذا فاتَكَ ما كُنتَ تَرجو ، وعَلاكَ عَلِيٌّ رضى الله عنه عَلَى الأَمرِ ، جِئَتني مُعتَذِرا ! ! لا قَبِلَ اللّهُ مِمَّن قَبِلَ مِنكَ (3) .

تاريخ الطبري عن محمّد بن مَسلَمة_ في ذِكرِ اجتِماعِ المِصرِيّينَ عِندَ عُثمانَ _: تَكَلَّمَ القَومُ ، وقَد قَدَّموا في كَلامِهِمُ ابنَ عُدَيسٍ ، فَذَكَرَ ما صَنَعَ ابنُ سَعدٍ بِمِصَر ، وذَكَرَ تَحامُلاً مِنهُ عَلَى المُسلِمينَ وأهلِ الذِّمَّةِ ، وذَكَرَ استِئثارا مِنهُ في غَنائِمِ المُسلِمينَ ، فَإِذا قيلَ لَهُ في ذلِكَ ، قالَ : هذا كِتابُ أميرِ المُؤمِنينَ إلَيَّ . ثُمَّ ذَكَروا أشياءَ مِمّا أحدَثَ بِالمَدينَةِ ، وما خالَفَ بِهِ صاحِبَيهِ . قالَ : فَرَحِلنا مِن مِصرَ ونَحنُ لا نُريدُ إلّا دَمَكَ ، أو تَنزعُ ، فَرَدَّنا عَلِيٌّ ومُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ ، وضَمِن لَنا مُحَمَّدٌ النُّزوعَ عَن كُلِّ ما تَكَلَّمنا فيهِ . . .

.


1- .الصِّفْر والصَّفْر والصُّفْر : الشيء الخالي (لسان العرب : ج4 ص461) .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص378 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص291 وفيه «عبّاس» بدل «عيّاش» .
3- .الفتوح : ج2 ص423 .

ص: 231

ثُمَّ رَجَعنا إلى بِلادِنا نَستَظهِرُ بِاللّهِ عَزَّوجَلَّ عَلَيكَ ، ويَكونُ حُجَّةً لَنا بَعدَ حُجَّةٍ ، حَتّى إذا كُنّا بِالبُوَيبِ أخَذنا غُلامَكَ ، فَأَخَذنا كِتابَكَ وخاتَمَكَ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ سَعدٍ ، تَأمُرُهُ فيهِ بِجَلدِ ظُهورِنا ، وَالمَثلِ بِنا في أشعارِنا ، وطولِ الحَبسِ لَنا ! ! وهذا كِتابُكَ . قالَ : فَحَمِدَ اللّهَ _ عُثمانُ _ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : وَاللّهِ ، ما كَتَبتُ ، ولا أمَرتُ ، ولا شَوَّرتُ (1) ، ولا عَلِمتُ . فَقُلتُ وعَلِيٌّ جَميعا : قَد صَدَقَ . فَاستَراحَ إلَيها عُثمانُ . فَقالَ المِصرِيّونَ : فَمَن كَتَبَهُ ؟ ! قالَ : لا أدري . قالَ : أفَيُجتَرَأُ عَلَيكَ ؛ فَيُبعَثُ غُلامُكَ ، وجَمَلٌ مِن صَدَقاتِ المُسلِمينَ ، ويُنقَشُ على خاتَمِكَ ، ويُكتَبُ إلى عامِلِكَ بِهذِهِ الاُمورِ العِظامِ ، وأنتَ لا تَعلَمُ ! ! قالَ : نَعم . قالوا : فَلَيسَ مِثلُكَ يَلِي ؛ اخلَع نَفسَكَ مِن هذَا الأَمرِ كَما خَلَعَكَ اللّهُ مِنهُ . قالَ : لا أنزِعُ قَميصا ألبَسَنيهِ اللّهُ عَزَّوجَلَّ . قالَ : وكَثُرَتِ الأَصواتُ وَاللَّغطُ ، فَما كُنتُ أظُنُّ أنَّهُم يَخرُجونَ حَتّى يُواثِبوهُ . وقامَ عَلِيٌّ فَخَرَجَ . قالَ : فَلَمّا قامَ عَلِيٌّ قُمتُ ، قالَ : وقالَ لِلمِصرِيّينَ : اُخرُجوا . فَخَرَجوا . قالَ : ورَجَعتُ إلى مَنزِلي ، ورَجَعَ عَلِيٌّ إلى مَنزِلِهِ ، فَما بَرحوا مُحاصِريهِ حَتّى قَتَلوهُ (2) .

تاريخ الطبري عن سفيان بن أبي العوجاء :قالَ عُثمانُ [ لِلمِصرِيّينَ ] : . . . أمّا قَولُكُم : تَخلَع

.


1- .أشار إليه وشَوَّر : أومَأ . وفي الحديث : كان يشير في الصلاة ؛ أي يومئ باليد والرأس ؛ أي يأمر وينهى بالإشارة (لسان العرب : ج4 ص436 و437) .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص374 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص288 نحوه .

ص: 232

5 / 14 استنصار عثمان معاوية وخذلانه

نَفسَكَ ؛ فلا أنزِعُ قَميصا قَمَّصَنيهِ اللّهُ عَزَّوجَلَّ ، وأكرَمَني بِهِ ، وخَصَّني بِهِ عَلى غَيري ، ولكِنّي أتوبُ ، وأنزِعُ ، ولا أعودُ لِشَيءٍ عابَهُ المُسلِمونَ ، فَإِنّي وَاللّهِ الفَقيرُ إلَى اللّهِ ، الخائِفُ مِنهُ ! قالوا : إنَّ هذا لَو كانَ أوَّلَ حَدَثٍ أحدَثتَهُ ثُمَّ تُبتَ مِنهُ ولَم تَقُم عَلَيهِ لَكان عَلَينا أن نَقبَلَ مِنكَ ، وأن نَنصَرِفَ عَنكَ ، ولكِنَّهُ قَد كانَ مِنكَ مِنَ الأَحداثِ قَبلَ هذا ما قَد عَلِمتَ ، ولَقَدِ انصَرَفنا عَنكَ فِي المَرَّةِ الاُولى وما نَخشى أن تَكتُبَ فينا ، ولا مَنِ اعتَلَلتَ بِهِ بِما وَجَدنا في كِتابِكَ مَعَ غُلامِكَ . وكَيفَ نَقبَلُ تَوبَتَكَ وقَد بَلَونا مِنكَ أنَّكَ لا تُعطي مِن نَفسِكَ التَّوبَةَ مِن ذَنبٍ إلّا عُدتَ إلَيهِ ! ! فَلَسنا مُنصَرِفينَ حَتّى نَعزِلَكَ ، ونَستَبدِلَ بِكَ ، فَإِن حالَ مَن مَعَكَ مِن قَومِكَ وذَوي رَحِمِكَ وأهلِ الِانقِطاعِ إلَيكَ دونَكَ بِقِتالٍ قاتَلناهُم ، حَتّى نَخلُصَ إلَيكَ فَنَقتُلَكَ ، أو تَلحَقَ أرواحُنا بِاللّهِ (1) .

5 / 14اِستنصارُ عُثمانَ مُعاوِيَةَ وخِذلانُهُتاريخ الطبري عن محمّد بن السائب الكلبي :لَمّا رَأى عُثمانُ ما قَد نَزَلَ بِهِ . وما قَدِ انبَعَثَ عَلَيهِ مِنَ النّاسِ ، كَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ وهُوَ بِالشّامِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ أهلَ المَدينَةِ قَد كَفَروا ، وأخلَفُوا الطّاعَةَ ، ونَكَثُوا البَيعَةَ ، فَابعَث إلَيَّ مَن قِبَلَكَ مِن مُقاتَلَةِ أهلِ الشّامِ عَلى كُلِّ صَعبٍ وذَلولٍ . فَلَمّا جاءَ مُعاوِيَةَ الكِتابُ تَرَبَّصَ بِهِ ، وكَرِهَ إظهارَ مُخالَفَةِ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وقَد عَلِمَ اجتِماعَهُم (2) .

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص376 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص368 وراجع الكامل في التاريخ : ج2 ص288 .

ص: 233

تاريخ الإسلام عن ابن الزبير وابن عبّاس :بَعَثَ عُثمانُ المُسوّرَ بنَ مُخرَمَةَ إلى مُعاوِيَةَ ؛ يُعلِمُهُ أنَّهُ مَحصورٌ ، ويَأمُرُهُ أن يُجَهِّزَ إلَيهِ جَيشا سَريعا . فَلَمّا قَدِمَ عَلى مُعاوِيَةَ ، رَكِبَ مُعاوِيَةُ لِوَقتِهِ هُوَ ومُسلِمُ بنُ عُقبَةَ وابنُ حُدَيجٍ ، فَساروا مِن دِمَشقَ إلى عُثمانَ عَشرا . فَدَخَلَ مُعاوِيَةُ نِصفَ اللَّيلِ ، وقَبَّلَ رَأسَ عُثمانَ ، فَقالَ : أينَ الجَيشُ ؟ ! قالَ : ما جِئتُ إلّا في ثَلاثَةِ رَهطٍ . فَقالَ (1) عُثمانُ : لا وَصَلَ اللّهُ رَحِمَكَ ، ولا أعَزَّ نَصرَكَ ، ولا جَزاكَ خَيرا ، فَوَاللّهِ لا اُقتَلُ إلّا فيكَ ، ولا يُنقَمُ عَلَيَّ إلّا مِن أجلِكَ . فَقالَ : بِأَبي أنتَ واُمّي ، لَو بَعَثتُ إلَيكَ جَيشا فَسَمِعوا بِهِ عاجَلوكَ ، فَقَتَلوكَ ، ولكِنَّ مَعي نَجائِبَ ، فَاخرُج مَعي ، فَما يَشعُرُ بي أحَدٌ ، فَوَاللّهِ ما هِيَ إلّا ثَلاثٌ حَتّى نَرى مَعالِمَ الشّامِ . فَقالَ : بِئسَ ما أشَرتَ بِهِ ، وأبى أن يُجيبَهُ . فَأَسرَعَ مُعاوِيَةُ راجِعا . ووَرَدَ المُسوّرُ _ يُريدُ المَدينَةَ _ بِذي المَروَةِ (2) راجِعا ، وقَدِمَ عَلى عُثمانَ وهُوَ ذامٌّ لِمُعاوِيَةَ غَيرُ عاذِرٍ لَهُ ، فَلَمّا كانَ في حَصرِهِ الآخِرِ ، بَعَثَ المُسوّرُ ثانِيا إلى مُعاوِيَةَ لِيَنجدَهُ ، فَقالَ : إنَّ عُثمانَ أحسَنَ فَأَحسَنَ اللّهُ بِهِ ، ثُمَّ غَيَّرَ فَغَيَّرَ اللّهُ بِهِ ، فَشددتُ عَلَيهِ . فَقالَ : تَرَكتُم عُثمانَ ، حَتّى إذا كانَت نَفسُهُ في حَنجَرَتِهِ قُلتُم : اِذهَب ؛ فَادفَع عَنهُ المَوتَ ، ولَيسَ ذلِكَ بِيَدي ! ! ثُمَّ أنزِلني في مَشرَبَةٍ عَلى رَأسِهِ ، فما دَخَلَ عَلَيَّ داخِلٌ حَتّى قُتِلَ عُثمانُ (3) .

.


1- .في المصدر : «فقط» بدل «فقال» ، وهو تصحيف ؛ انظر : تاريخ دمشق : ج39 ص377 .
2- .ذو المروة : قرية بوادي القُرى ، وقيل : بين خشب ووادي القرى (معجم البلدان : ج5 ص116) .
3- .تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص450 ، تاريخ دمشق : ج39 ص377 نحوه .

ص: 234

الفتوح_ في ذِكرِ استِنصارِ عُثمانَ عُمَّالَهُ لَمّا أيِسَ مِن رَعِيَّتِهِ _: خَشِيَ [عُثمانُ ]أن يُعاجِلَهُ القَومُ فَيُقتَلَ ، فَكَتَبَ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عامِرِ بنِ كُرَيزٍ _ وهُوَ الأَميرُ بِالبَصرَةِ _ وإلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ _ وهُوَ أميرُ الشّامِ بِأَجمَعِها _ فَكَتَبَ إلَيهِم عُثمانُ نُسخَةً واحِدَةً : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ أهلَ البَغيِ وَالسَّفَهِ وَالجَهلِ وَالعُدوانِ _ مِن أهلِ الكوفَةِ وأهلِ مِصرَ وأهلِ المَدينَةِ _ قَد أحاطوا بِداري ، ولَم يُرضِهِم شَيءٌ دونَ قَتلي ، أو خَلعي سَربالاً سَربَلَنيهِ رَبّي ! ألا وإنّي مُلاقٍ رَبّي ، فَأَعِنّي بِرِجالٍ ذَوي نَجدَةٍ ورَأيٍ ، فَلَعَلَّ رَبّي يَدفَعُ بِهِم عَنّي بَغيَ هؤُلاءِ الظّالِمينَ الباغينَ عَلَيَّ ، وَالسَّلامُ . قالَ : وأمّا مُعاوِيَةُ فَإِنَّهُ أتاهُ بِالكِتابِ المُسوّرُ بنُ مُخرَمَةَ ، فَقَرَأَهُ لَمّا أتاهُ ، ثُمَّ قالَ : يا مُعاوِيَةُ ، إنَّ عُثمانَ مَقتولٌ ، فَانظُر فيما كَتَبتَ بِهِ إلَيهِ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : يامَسوّرُ ، إنّي مُصَرِّحٌ أنَّ عُثمانَ بَدَأَ فَعَمِلَ بِما يُحِبُّ اللّهَ ويَرضاهُ ، ثُمَّ غَيَّرَ فَغَيَّرَ اللّهُ عَلَيهِ ، أفَيَتَهَيَّأُ لي أن أرُدَّ ما غَيَّرَ اللّهُ عَزَّوجَلَّ ؟ ! (1)

تاريخ اليعقوبي :كَتَبَ [ عُثمانُ ] إلى مُعاوِيَةَ يَسأَلُ تَعجيلَ القُدومِ عَلَيهِ ، فَتَوَجَّهَ إلَيهِ فِي اثنَي عَشَرَ ألفا ، ثُمَّ قالَ : كونوا بِمَكانِكُم في أوائِلِ الشّامِ حَتّى آتِيَ أميرَ المُؤمِنينَ ؛ لِأَعرِفَ صِحَّةَ أمرِهِ . فَأَتى عُثمانَ ، فَسَأَلَهُ عَنِ المُدَّةِ ، فَقالَ : قَد قَدِمتُ لِأَعرِفَ رَأيَكَ ، وأعودَ إلَيهِم فَأَجيؤَكَ بِهِم . قالَ : لا وَاللّهِ ، ولكِنَّكَ أرَدتَ أن اُقتَلَ فَتَقولَ : أَنا وَلِيُّ الثَّأرِ ؛ ارجِع ، فَجِئني بِالنّاسِ ! فَرَجَعَ ، فَلَم يَعُد إلَيهِ حَتّى قُتِلَ (2) .

.


1- .الفتوح : ج2 ص416 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص175 .

ص: 235

تاريخ المدينة عن جعفر بن سليمان الضّبعي :حَدَّثَنا جُوَيرِيَّةُ قالَ : أرسَلَ عُثمانُ إلى مُعاوِيَةَ يَستَمِدُّهُ ، فَبَعَثَ مُعاوِيَةُ يَزيدَ بنَ أسَدٍ _ جَدَّ خالِدٍ القسريِّ _ وقالَ لَهُ : إذا أتَيتَ ذا خُشُبٍ (1) فَأَقِم بها ، ولا تَتَجاوَزها ، ولا تَقُل : الشّاهِدُ يَرى ما لا يَرَى الغائِبُ . قالَ : أنَا الشّاهِدُ ، وأنتَ الغائِبُ . فَأَقامَ بِذي خُشُبٍ ، حَتّى قُتِلَ عُثمانُ ، فَقُلتُ لِجُوَيرِيَّةَ : لِمَ صَنَعَ هذَا ؟ قالَ : صَنَعَهُ عَمدا ؛ لِيُقتَلَ عُثمانُ ، فَيَدعُوَ إلى نَفسِهِ (2) .

تاريخ المدينة عن غسّان بن عبد الحميد :قَدِمَ المُسوّرُ بنُ مُخرَمَةَ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ وعِندَهُ أهلُ الشّامِ ، فَقالَ مُعاوِيَةُ : يا أهلَ الشّامِ هذا مِن قَتَلَةِ عُثمانَ ، فَقالَ المُسوّرُ : إنّي وَاللّهِ ما قَتَلتُ عُثمانَ ، ولكِن قَتَلَهُ سيرَةُ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، وكَتَبَ يَستَمِدُّكَ بِالجُندِ فَحَبَستَهُم عَنهُ حَتّى قُتِلَ ، وهُم بِالزَّرقاءَ (3) . (4)

الإمامة والسياسة_ في كِتابِ أبي أيّوبَ إلى مُعاوِيَةَ _: فَما نَحنُ وقَتَلَةُ عُثمانَ ! إنَّ الَّذي تَرَبَّصَ بِعُثمانَ وثَبَّطَ أهلَ الشّامِ عَن نُصرَتِهِ لَأَنتَ ، وإنَّ الَّذينَ قَتَلوهُ غَيرُ الأَنصارِ (5) .

سير أعلام النبلاء عن جويرية بن أسماء :إنَّ عَمرَو بنَ العاصِ قالَ لِابنِ عَبّاسٍ : يا بَني هاشِمٍ ! لَقَد تَقَلَّدتُم بِقَتلِ عُثمانَ فرم (6) الإماء العَوارِك (7) ، أطَعتُم فُسّاقَ العِراقِ في عَيبِهِ ، وأجزَرتُموهُ مَرّاق أهلِ مِصر ، وآوَيتُم قَتَلَتَهُ .

.


1- .خُشُب : وادٍ على مسيرة ليلة من المدينة (معجم البلدان : ج2 ص372) .
2- .تاريخ المدينة : ج4 ص1288 ، شرح نهج البلاغة : ج16 ص154 ؛ بحار الأنوار : ج33 ص98 .
3- .الزَّرقاء : موضع بالشام بناحية معان (معجم البلدان : ج3 ص137) .
4- .تاريخ المدينة : ج4 ص1289 .
5- .الإمامة والسياسة : ج1 ص130 ، شرح نهج البلاغة : ج8 ص44 ؛ وقعة صفّين : ص368 .
6- .الفَرْم والفِرام : ما تتضيّق به المرأة من دواء ، ومَرَةٌ فرماء ومستفرِمة : وهي الَّتي تجعل الدواء في فرجها ليضيق (لسان العرب : ج12 ص451) .
7- .العرَكيَّة : المرأة الفاجرة (لسان العرب : ج10 ص466) .

ص: 236

فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : إنَّما تُكَلِّمُ لِمُعاوِيَةَ ، إنَّما تُكَلِّمُ عَن رَأيِكَ ، وإنَّ أحَقَّ النّاسِ أ لّا يَتَكَلَّمَ في أمرِ عُثمانَ لَأَنتُما ! أمّا أنتَ يا مُعاوِيَةُ ، فَزَيَّنتَ لَهُ ما كانَ يَصنَعُ ، حَتّى إذا حُصِرَ طَلَبَ نَصرَكَ ، فَأَبطَأتَ عَنهُ ، وأحبَبتَ قَتلَهُ ، وتَرَبَّصتَ بِهِ . وأمّا أنتَ يا عَمرُو ، فَأَضرَمتَ عَلَيهِ المَدينَةَ ، وهَرَبتَ إلى فِلَسطينَ تَسأَلُ عَن أنبائِهِ ، فَلَمّا أتاكَ قَتلَهُ ، أضافَتكَ عَداوَةُ عَلِيٍّ أن لَحِقتَ بِمُعاوِيَةَ ، فَبِعتَ دينَكَ بِمِصرَ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : حَسبُكَ ، عَرَّضَني لَكَ عَمرٌو ، وعَرَّضَ نَفسَهُ (1) .

تاريخ الخلفاء عن أبي الطُّفيل عامِر بن واثِلة الصَّحابي :إنَّهُ دَخَلَ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : أ لَستَ مِن قَتَلَةِ عُثمانَ ؟ قالَ : لا ، ولكِن مِمَّن حَضَرَهُ فَلَم يَنصُرهُ . قالَ : وما مَنَعَكَ مِن نَصرِهِ ؟ قالَ : لَم تَنصُرهُ المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : أما لَقَد كانَ حَقُّهُ واجِبا عَلَيهِم أن يَنصُروهُ ! قالَ : فَما مَنَعَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِن نَصرِهِ ومَعَكَ أهلُ الشّامِ ؟ ! فَقالَ مُعاوِيَةُ : أما طَلبي بِدَمِهِ نُصرَةٌ لَهُ ؟ ! ! فَضَحِكَ أبُو الطُّفَيلِ ، ثُمَّ قالَ : أنتَ وعُثمانُ كَما قالَ الشّاعِرُ : لا ألفِيَنَّكَ بَعدَ المَوتِ تَندُبُني وفي حَياتِيَ ما زَوَّدتَني زادا (2)

أنساب الأشراف :قالَ عَمرُو [ بنُ العاصِ لِمُعاوِيَةَ ] : إنَّ أحَقَّ النّاسِ أن لا يَذكُرَ عُثمانَ لَأَنا وأنتَ ؛ أمّا أنَا فَتَرَكتُهُ عَيانا وهَرَبتُ إلى فِلِسطينَ ، وأمّا أنتَ فَخَذَلتَهُ ومَعَكَ أهلُ الشّامِ ، حَتّى استَغاثَ بِيَزيدَ بنِ أسَدٍ البَجَليِّ ، فَسارَ إلَيهِ (3) .

الفتوح عن معاوية :لَقَد ندمتُ عَن قُعودي عَن عُثمانَ ، وقَدِ استَغاثَ بي فَلَم اُجِبهُ (4) .

.


1- .سير أعلام النبلاء : ج3 ص73 الرقم 15 ، أنساب الأشراف : ج5 ص103 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج4 ص94 .
2- .تاريخ الخلفاء : ص239 ، الاستيعاب : ج4 ص260 الرقم 3084 ، اُسد الغابة : ج6 ص177 الرقم 6035 كلاهما نحوه .
3- .أنساب الأشراف : ج3 ص74 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص118 ؛ تاريخ اليعقوبي : ج2 ص186 .
4- .الفتوح : ج2 ص446 .

ص: 237

شرح نهج البلاغة_ في كِتابِ ابنِ عَبّاسٍ إلى مُعاوِيَةَ _: اُقسِمُ بِاللّهِ لَأَنتَ المُتَرَبِّصُ بِقَتلِهِ ، وَالمُحِبُّ لِهَلاكِهِ ، وَالحابِسُ النّاسَ قِبَلَكَ عَنهُ ، عَلى بَصيرَةٍ مِن أمرِهِ ؛ ولَقَد أتاكَ كِتابُهُ وصَريخُهُ يَستَغيثُ بِكَ ويَستَصرِخُ فَما حَفَلتَ (1) بِهِ ، حَتّى بَعَثتَ إلَيهِ مُعذِرا بِأَجرةٍ (2) ، أنتَ تَعلَمُ أنَّهُم لَن يَترُكوهُ حَتّى يُقتَلَ ، فَقُتِلَ كَما كُنتَ أرَدتَ ، ثُمَّ عَلِمتَ عِندَ ذلِكَ أنَّ النّاسَ لَن يَعدِلوا بَينَنا وبَينَكَ ، فَطَفِقتَ تَنعى عُثمانَ وتُلزِمُنا دَمَهُ ، وتَقولُ : «قُتِلَ مَظلوما» ، فَإِن يَكُ قُتِلَ مَظلوما فَأَنتَ أظلَمُ الظّالِمينَ . ثُمَّ لَم تَزَل مُصَوِّبا ومُصَعِّدا (3) ، وجاثِما ورابِضا (4) ، تَستَغوِي الجُهّالَ ، وتُنازِعُنا حَقَّنا بِالسُّفَهاءِ ، حَتّى أدرَكتَ ما طَلَبتَ ، «وَ إِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَ مَتَ_عٌ إِلَى حِينٍ» (5)(6) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ في جَوابِ مُعاوِيَةَ _: ثُمَّ ذَكرَتَ ما كانَ مِن أمري وأمرِ عُثمانَ ، فَلَكَ أن تُجابَ عَن هذِهِ ؛ لِرَحِمِكَ مِنهُ ، فَأَيُّنا كانَ أعدى لَهُ ، وأهدى إلى مَقاتِلِهِ ! أمَن بَذَلَ لَهُ نُصرَتَهُ فَاستَقعَدَهُ وَاستَكَفَّهُ ، أم مَنِ استَنصَرَهُ فَتَراخى عَنهُ ، وبَثَّ المَنونَ إلَيهِ حَتّى أتى قَدرَهُ عَلَيهِ ؟ ! كَلّا وَاللّهِ ، لَقَد يَعلَمُ اللّهُ المُعَوِّقينَ مِنكُم وَالقائِلينَ لِاءِخوانِهِم هَلُمَّ إلَينا ولا يَأتونَ البَأسَ إلّا قَليلاً (7) . وما كُنتُ لِأَعتَذِرَ مِن أنّي كُنتُ أنقِمُ عَلَيهِ أحداثا ، فَإِن كانَ الذَّنبُ إلَيهِ إرشادى ¨

.


1- .ما حَفَله ، وما حَفَلَ به ، وما احتَفَلَ به : أي ما بالَى ، والحَفْل : المبالاة (لسان العرب : ج11 ص159) .
2- .في بحار الأنوار : «بأخرة». وقال الجوهري : جاء فلان بأخَرَةٍ : أي أخيرا (الصحاح : ج2 ص577) .
3- .التصويب : خلاف التصعيد ، وصَوَّب رأسه : خفضه (لسان العرب : ج1 ص534) . وفي الحديث : «فصعَّد فيَّ النظر وصَوَّبه» : أي نظر إلى أعلاي وأسفلي يتأمّلني (النهاية : ج3 ص30) .
4- .جثم الإنسان والطائر يَجثِم جَثَما وجُثوما فهو جاثِم : لزمَ مكانَه فلم يبرح . وربضَ بالمكان يَربِض : إذا لصِق به وأقام ملازما له (لسان العرب : ج12 ص82 و ج 7 ص151) .
5- .الأنبياء : 111 .
6- .شرح نهج البلاغة : ج16 ص155 ؛ بحار الأنوار : ج33 ص99 .
7- .إشارة إلى الآية 18 من سورة الأحزاب .

ص: 238

5 / 15 حجّ عائشة في حصر عثمان

وهِدايَتي لَهُ ، فَرُبَّ مَلومٍ لا ذَنبَ لَهُ ، وقَد يَستَفيدُ الظَّنَّةَ المُتَنَصِّحُ . وما أرَدتُ إلَا الإِصلاحَ مَا استَطَعتُ ، وما تَوفيقي إلّا بِاللّهِ ، عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وإلَيهِ اُنيبُ (1)(2) .

عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مُعاوِيَةَ _: فَوَاللّهِ ما قَتَلَ ابنَ عَمِّكَ غَيرُكَ ، وإنّي أرجو أن اُلحِقَكَ بِهِ عَلى مِثلِ ذَنبِهِ ، وأعظَمَ مِن خَطيئَتِهِ (3) .

عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مُعاوِيَةَ _: أمّا إكثارُكَ الحِجاجَ عَلى عُثمانَ وقَتَلَتِهِ ؛ فَإِنَّكَ إنَّما نَصَرتَ عُثمانَ حَيثُ كانَ النَّصرُ لَكَ ، وخَذَلتَهُ حَيثُ كانَ النَّصرُ لَهُ ، وَالسَّلامُ (4) .

5 / 15حَجُّ عائِشَةَ في حَصرِ عُثمانَتاريخ المدينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري :حَدَّثَني عَمّي _ أو عَمٌّ لي _ قالَ : بَينَما أنَا عِندَ عائِشَةَ _ وعُثمانُ مَحصورٌ ، وَالنّاسُ مُجَهِّزونَ لِلحَجِّ _ إذ جاءَ مَروانُ ، فَقالَ : يا اُمَّ المُؤمِنينَ ، إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ يَقرَأُ عَلَيكِ السَّلامَ ورَحمَةَ اللّهِ ، ويَقولُ : رُدّي عَنِّي النّاسَ ؛ فَإِنّي فاعِلٌ وفاعِلٌ ، فَلَم تُجِبهُ . فَانصَرَفَ وهُوَ يَتَمَثَّلُ بِبَيتِ الرَّبيعِ بنِ زِيادٍ العَبَسي : وحَرَّقَ قَيسٌ عَلَيَّ البِلا دَ حَتّى إذَا اشتَعَلت أجذَما فَقالَت : رُدّوا عَلَيَّ هذَا المُتَمَثِّلَ ، فَرَدَدناهُ . فَقالَت _ وفي يَدِها غِرارَةٌ (5) لَها تُعالِجُها _ : وَاللّهِ ، لَوَدِدتُ أنَّ صاحِبَكَ الَّذي جِئت

.


1- .إشارة إلى الآية 88 من سورة هود .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 28، الاحتجاج : ج1 ص424 ح90؛ نهاية الأرب : ج7 ص236، صبح الأعشى : ج1 ص230 .
3- .العقد الفريد : ج3 ص330 ، شرح نهج البلاغة : ج15 ص84 نحوه ؛ بحار الأنوار : ج33 ص125 ح414 .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 37 ، الاحتجاج : ج1 ص428 ح92 .
5- .الغِرارة : الجُوالق ، [وهو وعاءٌ من الأوعية معروف] واحدة الغرائِر (لسان العرب : ج5 ص18) .

ص: 239

مِن عِندِهِ في غِرارَتي هذِهِ ، فَأَوكَيتُ عَلَيها ، فَأَلقَيتُها فِي البَحرِ (1) .

تاريخ اليعقوبي :صارَ مَروانُ إلى عائِشَةَ ، فَقالَ : يا اُمَّ المُؤمِنينَ ! لَو قُمتِ فَأصلَحتِ بَينَ هذَا الرَّجُلِ وبَينَ النّاسِ ! قالَت : قَد فَرَغتُ مِن جِهازي ، وأنَا اُريدُ الحَجَّ . قالَ : فَيَدفَعُ إلَيكِ بِكُلِّ دِرهَمٍ أنفَقتِهِ دِرهَمَين ! قالَت : لَعَلَّكَ تَرى أنّي في شَكٍّ مِن صاحِبِكَ ! ! أما وَاللّهِ لَوَدِدتُ أنَّهُ مُقَطَّعٌ في غِرارَةٍ مِن غِرائِري ، وأنّي اُطيقُ حَملَهُ ، فَأَطرَحُهُ فِي البَحرِ (2) .

الفتوح :عَزَمَت عائِشَةُ عَلَى الحَجِّ ، وكانَ بَينَها وبَينَ عُثمانَ قَبلَ ذلِكَ كَلامٌ ؛ وذلِكَ أنَّهُ أخَّرَ عَنها بَعضَ أرزاقِها إلى وَقتٍ مِنَ الأَوقاتِ فَغَضِبتَ ، ثُمَّ قالَت : يا عُثمانُ ! أكَلتَ أمانَتَكَ ، وضَيَّقتَ رَعِيَّتَكَ ، وسَلَّطتَ عَلَيهِمُ الأَشرارَ مِن أهلِ بَيتِكَ ، لا سَقاكَ اللّهُ الماءَ مِن فَوقِكَ ، وحَرَمَكَ البَركَةَ مِن تَحتِكَ ! أما وَاللّهِ لَولَا الصَّلَواتُ الخَمسُ لَمَشى إلَيكَ قَومٌ ذو ثِيابٍ وبَصائِر ، يَذبَحوكَ كَما يُذبَحُ الجَمَلُ . فَقالَ لَها عُثمانُ : «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَ__لِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْ_ئا وَ قِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّ خِلِينَ» (3)(4) .

الفتوح_ في ذِكرِ خُروجِ عائِشَةَ إلَى الحَجِّ لَمّا حوصِرَ عُثمانُ واُشرِفَ عَلَى القَتلِ ومَقالِها فيهِ _: . . . ثُمَّ إنَّها خَرَجَت تُريدُ مَكَّةَ ، فَلَقِيَهَا ابنُ عَبّاسٍ ، فَقالَت لَهُ : يَابن

.


1- .تاريخ المدينة : ج4 ص1172 وراجع أنساب الأشراف : ج6 ص192 والطبقات الكبرى : ج5 ص36 وشرح نهج البلاغة : ج3 ص7 والشافي : ج4 ص241 وقرب الإسناد : ص26 ح89 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص175 وراجع الإيضاح : ص264 .
3- .التحريم : 10 .
4- .الفتوح : ج2 ص421 .

ص: 240

عَبّاسٍ ، إنَّكَ قَد اُوتيتَ عَقلاً وبَيانا ، فَإِيّاكَ أن تَرُدَّ النّاسَ عن قَتلِ هذَا الطّاغي ؛ عُثمانَ ؛ فَإِنّي أعلَم أنَّهُ سَيَشأَمُ (1) قَومَهُ كما شَأَمَ أبو سُفيانَ قَومَهُ يَومَ بَدرٍ (2) .

تاريخ الطبري عن ابن عبّاس :قالَ لي عُثمانُ : إنّي قَدِ استَعمَلتُ خالِدَ بنَ العاصِ بنِ هِشامٍ عَلى مَكَّةَ ، وقَد بَلَغَ أهلَ مَكَّةَ ما صَنَعَ النّاسَ ، فَأَنَا خائِفٌ أن يَمنَعوهُ المَوقِفَ ، فَيَأبى ، فَيُقاتِلَهُم في حَرَمِ اللّهِ _ جَلَّ وعَزَّ _ وأمنِهِ ! وإنَّ قَوما جاؤوا مِن كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم ، فَرَأَيتُ أن اُوَلِّيَكَ أمرَ المَوسِمِ ... . فَخَرَجَ ابنُ عَبّاسٍ ، فَمَرَّ بِعائِشَةَ في الصُّلصُلِ (3) ، فَقالَت : يَابنَ عَبّاسٍ ! أنشَدَكَ اللّهُ فَإِنَّكَ قَد اُعطيتَ لِسانا إزعيلاً (4) _ أن تُخَذِّلَ عَن هذَا الرَّجُلِ ، وأن تَشُكَّكَ فيهِ النّاسُ ؛ فَقَد بانَت لَهُم بَصائِرُهُم وأنهَجَت ، ورَفَعَت لَهُمُ المِنارُ ، وتَحَلَّبوا (5) مِنَ البُلدانِ لِأَمرٍ قَد حُمَّ . وقَد رَأَيتُ طَلحَةَ بنَ عُبَيدِ اللّهِ قَدِ اتَّخَذَ عَلى بُيوتِ الأموالِ وَالخَزائِنِ مَفاتيحَ ، فَإن يَلِ يَسرِ بِسيرَةِ ابنِ عَمِّهِ أبي بَكرٍ . قالَ : قُلتُ : يا اُمَّه ! لَو حَدَثَ بِالرَّجُلِ حَدَثٌ ما فَزَعَ النّاسُ إلّا إلى صاحِبِنا ! ! فَقالَت : إيها عَنكَ ! إنّي لَستُ اُريدُ مُكابَرَتَكَ ، ولا مُجادَلَتَكَ (6) .

تاريخ الطبري عن عبيد بن عمرو القرشي :خَرَجَت عائِشَةُ وعُثمانُ مَحصورٌ ، فَقَدِمَ عَلَيها مَكَّةَ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ : أخضَرُ ، فَقالَت : ما صَنَعَ النّاسُ ؟

.


1- .شأمَ فلان أصحابَه : إذا أصابهم شُؤمٌ من قِبَلِه (لسان العرب : ج12 ص315) .
2- .الفتوح : ج2 ص422 ، أنساب الأشراف : ج6 ص193 ؛ الجمل : ص149 عن محمّد بن إسحاق والمدائني وأبي حذيفة وفيهما إلى «الطاغي عثمان» .
3- .الصُلْصُل: موضع على سبعة أميال من المدينة . منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم خرج من المدينة إلى مكّة عام الفتح (تاج العروس : ج15 ص410) .
4- .إزعيل : نشيط (لسان العرب : ج11 ص303) .
5- .حَلَبَ القَومُ : اجتمعوا وتألّبوا من كلّ وجه (تاج العروس : ج1 ص438) .
6- .تاريخ الطبري : ج4 ص407 ، شرح نهج البلاغة : ج10 ص6 نحوه .

ص: 241

فَقالَ : قَتَلَ عُثمانُ المِصرِيّينَ . قالَت : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ! أ يَقتُلُ قَوما جاؤوا يَطلُبونَ الحَقَّ ، ويُنكِرونَ الظُّلمَ ! وَاللّهِ لا نَرضى بِهذا . ثُمَّ قَدِمَ آخَرُ ، فَقالَت : ما صَنَعَ النّاسُ ؟ قالَ : قَتَلَ المِصرِيّونَ عثمانَ . قَالَت : العَجَبُ لِأَخضَرَ ؛ زَعَمَ أنَّ المَقتولَ هُوَ القاتِلُ ! فَكانَ يُضرَبُ بِهِ المَثلُ : «أكذَبُ مِن أخضَرَ» (1) .

تاريخ اليعقوبي :كانَت عائِشَةٌ بِمَكَّةَ ، _ خَرَجَت قَبلَ أن يُقتَلَ عُثمانُ _ فَلَمّا قَضَت حَجَّهَا انصَرَفَت راجِعَةً ، فَلَمّا صارَت في بَعضِ الطَّريقِ لَقِيَها ابنُ اُمِّ كِلابٍ ، فَقالَت لَهُ : ما فَعَلَ عُثمانُ ؟ قال : قُتِلَ . قالَت : بُعدا وسُحقا ! قالَت : فَمَن بايَعَ النّاسُ ؟ قال : طَلحَةَ . قالَت : إيها ذُو الإِصبَعِ . ثُمَّ لَقِيَها آخَرُ ، فَقالَت : ما فَعَلَ النّاسُ ؟ قال : بايَعوا عَلِيّا . قالَت : وَاللّهِ ، ما كُنتُ اُبالي أن تَقَعَ هذِهِ عَلى هذِهِ (2) .

تاريخ الطبري عن أسد بن عبد اللّه عمّن أدرك من أهل العلم :إنَّ عائِشَةَ لَمَّا انتَهَت إلى سَرِفٍ (3) _ راجِعَةً في طَريقِها إلى مَكَّةَ _ لَقِيَها عَبدُ بنِ اُمِّ كلابٍ _ وهُوَ عَبدُ بن

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص449 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص180 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص18 عن أبي يوسف الأنصاري ، شرح نهج البلاغة : ج6 ص215 كلاهما نحوه .
3- .سَرِف: موضع على ستّة أميال من مكّة، وقيل: سبعة، وتسعة، واثني عشر، تزوّج به رسول اللّه صلى الله عليه و آله ميمونة بنت الحارث وهناك توفّيت (معجم البلدان : ج3 ص212).

ص: 242

أبي سَلَمَةَ ؛ يُنسَبُ إلى اُمِّهِ _ فَقالَت لَهُ : مَهيَم (1) ؟ قالَ : قَتَلوا عُثمانَ ، فَمَكَثوا ثَمانِيا . قالَت : ثُمَّ صَنَعوا ماذا ؟ قالَ : أخَذَها أهلُ المَدينَةِ بِالاِجتِماعِ ، فَجازَت بِهِمُ الاُمورُ إلى خَيرِ مَجازٍ ، اِجتَمَعوا عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ . فَقالَت : وَاللّهِ ، لَيتَ أنَّ هذِهِ انطَبَقَت عَلى هذِهِ إن تَمَّ الأَمرُ لِصاحِبِكَ ! رُدّوني رُدّوني . فَانصَرَفَت إلى مَكَّةَ وهِيَ تَقولُ : قُتِلَ وَاللّهِ عُثمانُ مَظلوما ، وَاللّهِ لَأَطلُبَنَّ بِدَمِهِ . فَقالَ لَهَا ابنُ اُمِّ كِلابٍ : ولِمَ ؟ فَوَاللّهِ إنَّ أوَّلَ مَن أمالَ حَرفَهُ لَأَنتِ ! ولَقَد كُنتِ تَقولينَ : اُقتُلوا نَعثَلاً فَقَد كَفَر ! قالَت : إنَّهُمُ استَتابوهُ ثُمَّ قَتَلوهُ ، وقَد قُلتُ وقالوا ، وقَولِيَ الأَخيرُ خَيرٌ مِن قَولِيَ الأَوَّلِ . فَقالَ لَهَا ابنُ اُمِّ كِلابٍ : فَمِنكِ البَداءُ ومِنكِ الغَيرُ ومِنكِ الرِّياحُ ومِنكِ المَطَر وأنتِ أمَرتِ بِقَتلِ الإِمامِ وقُلتِ لَنا إنَّهُ قَد كَفَر فَهَبنا أطَعناكِ في قَتلِهِ وقاتِلُهُ عِندَنا مَن أمَر (2)

.


1- .مَهْيَم : كلمة يمانيّة معناها : ما أمرك ، وما هذا الَّذي أرى بك ، ونحو من هذا الكلام (لسان العرب : ج12 ص565) .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص458 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص312 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص71 وفيه «فقال عبيد : عذرٌ واللّه ضعيف يا اُمّ المؤمنين . . .» بعد «قولي الأوّل» ، الفتوح : ج2 ص437 وفيه «فقال لها عبيد بن اُمّ كلاب : هذا واللّه التخليط يا اُمّ المؤمنين . . .» بعد «واللّه لأطلبنّ بدمه» وكلاهما نحوه وراجع تذكرة الخواصّ : ص69 .

ص: 243

5 / 16 دفاع الإمام عن عثمان

5 / 16دِفاعُ الإمامِ عَن عُثمانَالإمام عليّ عليه السلام_ في دِفاعِهِ عَن عُثمانَ _: وَاللّهِ ، لَقَد دَفَعتُ عَنهُ حَتّى خَشيتُ أن أكونَ آثِما (1) .

الإمام زين العابدين عليه السلام :قالَ مَروانُ : ما كانَ في القَومِ أدفَعُ عَن صاحِبِنا مِن صاحِبِكُم _ يَعني عَلِيّا عَن عُثمانَ _ . فَقُلتُ : ما بالُكُم تَسُبّونَهُ عَلَى المَنابِرِ ؟ ! قالَ : لا يَستَقيمُ الأَمرُ إلّا بِذلِكَ (2) .

تاريخ الطبري عن حكيم بن جابر :قالَ عَلِيٌّ لِطَلحَةَ : أنشَدَكَ اللّهُ إلّا رَدَدتَ النّاسَ عَن عُثمانَ ! قالَ : لا وَاللّهِ حَتّى تُعطي بَنو اُمَيَّةَ الحَقَّ مِن أنفُسِها (3) .

تاريخ المدينة عن الكلبي :أرسَلَ عُثمانُ إلى عَلِيِّ رضى الله عنه يُقرِئُهُ السَّلامَ ويَقولُ : إنَّ فُلانا _ يَعني طَلحَةَ _ قَد قَتَلَني بِالعَطَشِ ! والقَتلُ بِالسِّلاحِ أجمَلُ مِنَ القَتلِ بِالعَطَشِ . فَخَرَجَ عَلِيٌّ رضى الله عنه يَتَوَكَّأُ عَلى يَدِ المُسوّرِ بنِ مُخرَمَةَ ، حَتّى دَخَلَ عَلى ذلِكَ الرَّجُلِ وهُوَ يَتَرامى بِالنَّبلِ ، عَلَيهِ قَميصٌ هِرَويٌّ . فَلَمّا رَآهُ تَنَحّى عَن صَدرِ الفِراشِ ، ورَحَّبَ بِهِ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ رضى الله عنه : إنَّ عُثمانَ أرسَلَ إلَيَّ أنَّكُم قَد قَتَلتُموهُ بِالعَطَشِ ، وإنَّ ذلِكَ لَيس

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 240 .
2- .تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص460 ، تاريخ دمشق : ج42 ص438 كلاهما عن عمر بن عليّ بن الحسين ، أنساب الأشراف: ج2 ص407 عن عمر بن عليّ وفيه «أكفّ» بدل «أدفع» ، شرح نهج البلاغة : ج13 ص220 عن عمرو بن عليّ بن الحسين .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص405 ، شرح نهج البلاغة : ج10 ص5 ؛ الأمالي للطوسي : ص715 ح1517 عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري .

ص: 244

5 / 17 خروج الإمام من المدينة

يَحسُنُ ، وأنَا اُحِبُّ أن تُدخِلَ عَلَيهِ الماءَ . فَقالَ : لا وَاللّهِ ، ولا نعمة عين ! لا نَترُكُهُ يَأكُلُ ويَشرَبُ . فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : ما كُنتُ أرى أنّي اُكَلِّمُ أحَدا مِن قُرَيشٍ في شَيءٍ فَلا يَفعَلُ ! ! فَقالَ : وَاللّهِ ، لا أفعَلُ ! وما أنتَ مِن ذلِكَ في شَيءٍ يا عَلِيُّ . فَقامَ عَلِيٌّ رضى الله عنه غَضبانَ ، وقالَ : لَتَعلَمَنَّ بَعدَ قَليلٍ أكونُ مِن ذلِكَ في شَيءٍ أم لا ! ! . . . [وفي روايةِ ابنِ السّائِبِ : ]سَتَعلَمُ يَابنَ الحَضرَمِيَّةِ أكونُ في ذلِكَ مِن شَيءٍ أم لا ! ! وخَرَجَ عَلِيٌّ رضى الله عنه مُتَوَكِّئا عَلَى المُسوّرِ ، فَلَمَّا انتَهى إلى مَنزِلِهِ التَفَت إلَى المُسوّرِ فَقالَ : أما وَاللّهِ لَيصلَيَنَّ حَرَّها ، ولَيَكونَنَّ بَردُها وحَرُّها لِغَيرِهِ ، ولَتَترُكَنَّ يَداهُ مِنها صفرا . وبَعَثَ . . . ابنَهُ إلى عُثمانَ بِراوِيَةٍ مِن ماءٍ (1) .

راجع : ص 215 (نقض التوبة والمعاهدة) .

5 / 17خُروجُ الإِمامِ مِنَ المَدينَةِتاريخ المدينة عن الشَّعبي :لَمّا قَدِمَ أهلُ مِصرَ المَرَّةَ الثانِيَةَ ، صَعِدَ عُثمانُ المِنبَرَ ، فَحَصَبوهُ (2) ، وجاءَ عَلِيٌّ رضى الله عنه فَدَخَلَ المَسجِدَ . فَقالَ عُثمانُ : يا عَلِيُّ ! قَد نَصَبتَ القِدرَ عَلى أثافٍ (3) ؟ قالَ : ما جِئتُ إلّا وأنَا اُريدُ أن اُصلِحَ أمرَ النّاسِ ، فَأَمّا إذَا اتَّهَمتَني فَسَأَرجِع

.


1- .تاريخ المدينة : ج4 ص1202 ؛ الجمل : ص145 نحوه وراجع تاريخ الطبري : ج4 ص385 و386 وشرح نهج البلاغة : ج2 ص148 و ص 153 و154 .
2- .حَصَبه : رماه بالحَصباء ، والحَصباء : هو الحَصَى الصغار (لسان العرب : ج1 ص319) .
3- .الاُثفِيَّة والإثفِيَّة : الحجر الَّذي توضع عليه القِدر ، وجمعها أثافيُّ وأثافٍ (لسان العرب : ج9 ص3) .

ص: 245

إلى بَيتي (1) .

الإمامة والسياسة : لَمَّا اشتَدَّ الطَّعنُ عَلى عُثمانَ ، استَأذَنَهُ عَلِيٌّ في بعضِ بَواديهِ يَنتَحي إلَيها ، فَأَذِن لَهُ . وَاشتَدَّ الطَّعنُ عَلى عُثمانَ بَعدَ خُروجِ عَلِيٍّ ، ورَجَا الزُّبَيرُ وطَلحَةُ أن يُميلا إلَيهِما قُلوبَ النّاسِ ، ويَغلِبا عَلَيهِم ، وَاغتَنَما غَيبَةَ عَلِيٍّ . فَكَتَبَ عُثمانُ إلى عَلِيٍّ _ إذِ اشتَدَّ الطَّعنُ عَلَيهِ _ : أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَ السَّيلُ الزُّبى ، وجاوَزَ الحزام الطَّبيين (2) ، وَارتَفَعَ أمرُ النّاسِ في شَأني فَوقَ قَدرِهِ ! وزَعَموا أنَّهُم لا يَرضَونَ دونَ دَمي ، وطَمعَ فِيَّ مَن لا يَدفَعُ عَن نَفسِهِ . وإنَّكَ لَم يَفخَر عَلَيكَ كَفاخِرٍ ضَعيفٍ ولَم يَغلِبكَ مِثلُ مُغَلَّبِ وقَد كانَ يُقالُ : أكلُ السَّبُعِ خَيرٌ مِنِ افتِراسِ الثَّعلَبِ ، فَأَقبِل عَلَيَّ أو لى ¨ فَإِن كُنتُ مَأكولاً فَكُن خَيرَ آكِلٍ وإلّا فَأَدرِكني ولَمّا اُمَزَّقُ (3) 1258 . الإمام عليّ عليه السلام_ لِعَبدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ وقَد جاءَهُ بِرِسالَةٍ مِن عُثمانَ وهُوَ مَحصورٌ يَسأَلُهُ فيهَا الخُروجَ إلى مالِهِ بِيَنبُعَ ، لِيَقِلَّ هَتفُ النّاسِ بِاسمِهِ لِلخِلافَةِ ، بَعدَ أن كانَ سَأَلَهُ مِثلَ ذلِكَ مِن قَبلُ _الإمامة والسياسة : لَمَّا اشتَدَّ الطَّعنُ عَلى عُثمانَ ، استَأذَنَهُ عَلِيٌّ في بعضِ بَواديهِ يَنتَحي إلَيها ، فَأَذِن لَهُ . وَاشتَدَّ الطَّعنُ عَلى عُثمانَ بَعدَ خُروجِ عَلِيٍّ ، ورَجَا الزُّبَيرُ وطَلحَةُ أن يُميلا إلَيهِما قُلوبَ النّاسِ ، ويَغلِبا عَلَيهِم ، وَاغتَنَما غَيبَةَ عَلِيٍّ . فَكَتَبَ عُثمانُ إلى عَلِيٍّ _ إذِ اشتَدَّ الطَّعنُ عَلَيهِ _ : أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَ السَّيلُ الزُّبى ، وجاوَزَ الحزام الطَّبيين (4) ، وَارتَفَعَ أمرُ النّاسِ في شَأني فَوقَ قَدرِهِ ! وزَعَموا أنَّهُم لا يَرضَونَ دونَ دَمي ، وطَمعَ فِيَّ مَن لا يَدفَعُ عَن نَفسِهِ . وإنَّكَ لَم يَفخَر عَلَيكَ كَفاخِرٍ ضَعيفٍ ولَم يَغلِبكَ مِثلُ مُغَلَّبِ وقَد كانَ يُقالُ : أكلُ السَّبُعِ خَيرٌ مِنِ افتِراسِ الثَّعلَبِ ، فَأَقبِل عَلَيَّ أو لى ¨ فَإِن كُنتُ مَأكولاً فَكُن خَيرَ آكِلٍ وإلّا فَأَدرِكني ولَمّا اُمَزَّقُ 5 1258 . الإمام عليّ عليه السلام : يَابنَ عَبّاسٍ ! ما يُريدُ عُثمانُ إلّا أن يَجعَلَني جَمَلاً ناضِحا بِالغَربِ ؛ اُقبِلُ واُدبِرُ ؛ بَعَثَ إلَيَّ أن اَخرُجَ ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيَّ أن أقدَمَ ، ثُمَّ هُوَ الآنَ يَبعَثُ إلَيَّ أن اَخرُجَ ! وَاللّهِ لَقَد دَفَعتُ عَنهُ حَتّى خَشيتُ أن أكونَ آثِما 6 .

.


1- .تاريخ المدينة : ج4 ص1167 .
2- .الطُّبْيُ للحافر والسباع ؛ كالضرع لغيرها . وهو مثل يضرب عند بلوغ الشدّة منتهاها (مجمع الأمثال : ج1 ص295 الرقم 871) .
3- .الإمامة والسياسة : ج1 ص52 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص448 عن محمّد بن الحسن ، العقد الفريد : ج3 ص310 عن عبد اللّه بن العبّاس وكلاهما نحوه .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 240 .

ص: 246

5 / 18 مقتل عثمان

5 / 18مَقتَلُ عُثمانَتاريخ الطبري عن حسين بن عيسى عن أبيه :لَمّا مَضَت أيّامُ التَّشريقِ ، أطافوا بِدارِ عُثمانَ ، وأبى إلَا الإِقامةَ عَلى أمرِهِ . وأرسَلَ إلى حَشَمِهِ وخاصَّتِهِ فَجَمَعَهُم . فَقامَ رَجُلٌ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يُقالُ لَهُ : نيارُ بنُ عَياضٍ _ وكانَ شَيخا كَبيرا فنَادى : يا عُثمانُ فَأَشرَفَ عَلَيهِ مِن أعلى دارِهِ ، فَناشَدَهُ اللّهُ ، وذَكَّرَهُ اللّهُ لَمَّا اعتَزَلَهُم . فَبَينا هُوَ يُراجِعُهُ الكَلامُ إذ رَماهُ رَجُلٌ مِن أصحابِ عُثمانَ فَقَتَلَهُ بِسَهمٍ ، وزَعَموا أنَّ الَّذي رَماهُ كَثيرُ بنُ الصَّلتِ الكِندي . فَقالوا لِعُثمانَ عِندَ ذلِكَ : اِدفَع إلَينا قاتِلَ نيارِ بنِ عَياضٍ ؛ فَلنَقتُلهُ بِهِ . فَقالَ : لَم أكُن لَأَقتُلُ رَجُلاً نَصَرَني ، وأنتُم تُريدونَ قَتلي . فَلَمّا رَأَوا ذلِكَ ثاروا إلى بابِهِ فَأَحرَقوهُ ، وخَرَجَ عَلَيهِم مَروانُ بنُ الحَكَمِ مِن دارِ عُثمانَ في عِصابةٍ ، وخَرَجَ سَعيدُ بنُ العاصِ في عِصابَةٍ ، وخَرَجَ المُغيرَةُ بنُ الأَخنَسِ ابنِ شُرَيقٍ الثَّقَفِيُّ _ حَليفُ بَني زُهرَةَ _ في عِصابَةٍ ، فَاقتَتَلوا قِتالاً شَديدا . وكانَ الَّذي حداهُم عَلَى القِتالِ أنَّهُ بَلَغَهُم أنَّ مَدَدا مِن أهلِ البَصرَةِ قَد نَزَلوا صرارا _ وهِيَ مِنَ المَدينَةِ عَلى لَيلَةٍ ، وأنَّ أهلَ الشّامِ قَد تَوَجَّهوا مُقبِلينَ ، فَقاتَلوهُم قِتالاً شَديدا عَلى بابِ الدّارِ (1) .

تاريخ المدينة عن مولى سهل بن يسار عن أبيه_ بَعدَ كَلامِ عُثمانَ وإمساكِ النّاسِ عَن قَتلِهِ _: رَمى يَزيدُ أو أبو حَفصَةَ _ غُلامُ مُروانَ _ رَجُلاً مِن أسلَمَ بِسَهمٍ فَقَتَلَهُ . فَاستَأذَنوا عَلى عُثمانَ ، فَأَذِنَ لَهُم ، فَأَدخَلُوا الأَسلَمِيَّ مَقتولاً ، فَقالوا : زَعَمتَ أنَّكَ لا

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص382 وراجع الكامل في التاريخ : ج2 ص291 .

ص: 247

تُقاتِلُ ، وهذا صاحِبُنا مَقتولاً ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِن أصحابِكَ ! فَأَقِدنا (1) . قالَ : ما لَكُم قَوَد قِبَلَهُ ؛ رَجُلٌ دَفَعَ عَن نَفسِهِ أن تَقتُلوهُ ، ولَم آمُرهُ بِقِتالٍ . وقالَ : زَعَمتُم أنَّهُ لَيسَ عَلَيكُم طاعَةٌ ، ولا أنَا لَكُم بِإِمامٍ فيما تَقولونَ ، وإنَّما القوَدُ إلَى الإِمامِ ! ! (2)

تاريخ الطبري عن أبي حفصة اليماني :كُنتُ مَعهُ [مَروانَ ]فِي الدّارِ ، فَأَنَا وَاللّهِ أنشَبتُ القِتالَ بَينَ النّاسِ ؛ رَمَيتُ مِن فَوقِ الدّارِ رَجُلاً من أسلَمَ ، فَقَتَلتُهُ ، وهُوَ نيارُ الأَسلَمِيُّ ، فَنَشَبَ القِتالُ ، ثُمَّ نَزَلتُ ، فَاقتَتَلَ النّاسُ عَلَى البابِ ، وقاتَلَ مَروانُ حَتّى سَقَطَ ، فَاحتَمَلتُهُ ، فَأَدخَلتُهُ بَيتَ عَجوزٍ ، وأغلَقتُ عَلَيهِ . وألقَى النّاسُ النّيرانَ في أبوابِ دارِ عُثمانَ ، فَاحتَرَقَ بَعضُها . فَقالَ عُثمانُ : مَا احتَرَقَ البابُ إلّا لِما هُوَ أعظَمُ مِنهُ ، لا يُحَرِّكَنَّ رَجُلٌ مِنكُم يَدَهُ . . . ثُمَّ قالَ لِمَروانَ : اِجلِس فَلا تَخرُج . فَعَصاهُ مَروانُ ، فَقالَ : وَاللّهِ لا تُقتَلُ ، ولا يُخلَصُ إلَيكَ ، وأنَا أسمَعُ الصَّوتَ . ثُمَّ خَرَجَ إلَى النّاسِ . فَقُلتُ : ما لِمَولايَ مُتَّرَكٌ ! فَخَرَجتُ مَعَهُ أذُبُّ عَنهُ ، ونَحنُ قَليلٌ ، فَأَسمَعُ مَروانَ يَتَمَثَّلُ : قَد عَلِمَت ذاتُ القُرونِ الميلِ وَالكَفِّ وَالأَنامِلِ الطُّفولِ ثُمَّ صاحَ : مَن يُبارِزُ _ وقَد رَفَعَ أسفَلَ دَرعِهِ ، فَجَعَلَهُ في مَنطِقَتِهِ ؟ قالَ : فَيثب (3) إلَيهِ ابنُ النّباعِ ، فَضَرَبَهُ ضَربَةً عَلى رَقَبَتِهِ مِن خَلَفِهِ ، فَأَثبَتَهُ حَتّى

.


1- .القَوَد : القصاص وقتلُ القاتِل بدل القتيل (النهاية : ج4 ص119) .
2- .تاريخ المدينة : ج4 ص1193 .
3- .كذا ، والظاهر أنّها تصحيف : «فوثب» .

ص: 248

5 / 19 موقف الإمام من قتل عثمان
اشاره

سَقَطَ ، فَما يَنبضُ مِنهُ عِرقٌ (1) .

مروج الذهب :كانَت مُدَّةُ ما حوصِرَ عُثمانُ في دارِهِ تِسعةً (2) وأربَعينَ يَوما ، وقيلَ : أكثَرَ مِن ذلِكَ . وقُتِلَ في لَيلَةِ الجُمُعَةِ لِثَلاثٍ بَقينَ مِن ذِي الحِجَّةِ . وذُكِرَ : أنَّ أحَدَ الرَّجُلَينِ _ كَنانَةَ بنَ بِشرٍ التّجيبيَّ _ ضَرَبَهُ بِعَمودٍ عَلى جَبهَتِهِ ، وَالآخَرَ مِنهُما _ سَعدَ بنَ حَمرانَ المُرادِيَّ ضَرَبَهُ بِالسَّيفِ عَلى حَبلِ عاتِقِهِ ، فَحَلَّهُ . وقَد قيلَ : إنَّ عَمرَو بنَ الحَمِقِ طَعَنَهُ بِسِهامٍ تِسعَ طَعَناتٍ . وكانَ فيمَن مالَ عَلَيهِ عُمَيرُ بنُ ضابِىً البَرجَمِيُّ التَّميمِيُّ ، وخَضخَضَ سَيفَهُ في بَطنِهِ (3) .

تاريخ الطبري عن عبد الرحمن بن أبزي :رَأَيتُ اليَومَ الَّذي دُخِلَ فيهِ عَلى عُثمانَ ، فَدَخَلوا مِن دارِ عَمرِو بنِ حَزمٍ خَوخَةً (4) هُناكَ ، حَتّى دَخَلُوا الدّارَ ، فَناوَشوهُم شَيئا مِن مُناوَشَةٍ ، ودَخَلوا ، فَوَاللّهِ ما نَسينا أن خَرَجَ سودانُ بنُ حَمرانَ ، فَأَسمَعُهُ يَقولُ : أينَ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ؟ قَد قَتَلنَا ابنَ عَفّانَ ! (5)

5 / 19موقفُ الإمامِ مِن قَتلِ عُثمانَالإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ ما قَتَلتُ عُثمانَ ، ولا مالَأتُ (6) عَلى قَتلِهِ (7) .

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص379 .
2- .في المصدر : «تسعا» ، وهو تصحيف .
3- .مروج الذهب : ج2 ص355 وراجع تاريخ دمشق : ج39 ص409 وتاريخ الطبري : ج4 ص393 و394 وشرح نهج البلاغة : ج2 ص157 و158 .
4- .الخَوخَة : باب صغير كالنافذة الكبيرة ، وتكون بين بيتين ينصب عليها باب (النهاية : ج2 ص86) .
5- .تاريخ الطبري : ج4 ص379 .
6- .مالأتُه على الأمر مُمالَأةً : ساعدتُه عليه ، وشايعتُه (لسان العرب : ج1 ص159) .
7- .تاريخ المدينة : ج4 ص1265 عن نميرة وعميرة بن سعد و ص 1263 ، أنساب الأشراف : ج6 ص221 كلاهما عن أبي خلدة نحوه ، تاريخ دمشق : ج39 ص453 عن عمر بن سعيد ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص65 ؛ الشافي : ج4 ص307 ، الجمل : ص201 وراجع الطبقات الكبرى : ج3 ص82 .

ص: 249

عنه عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ في قَتلِ عُثمانَ _: لَو أمَرتُ بِهِ لَكُنتُ قاتِلاً ! أو نَهَيتُ عَنهُ لَكُنتُ ناصِرا ! غَيرَ أنَّ مَن نَصَرَهُ لا يَستَطيعُ أن يَقولُ : خَذَلَهُ مَن أنا خَيرٌ مِنهُ ، ومَن خَذَلَهُ لا يَستَطيعُ أن يَقولَ : نَصَرَهُ مَن هُوَ خَيرٌ مِنّي . وأنَا جامِعٌ لَكُم أمرَهُ ، استَأثَرَ ، فَأَساءَ الأَثَرَةَ ، وجَزَعتُم فَأَسأتُمُ الجَزَعَ ، وللّهِِ حُكمٌ واقعٌ فِي المُستَأثِرِ وَالجازِعِ (1) .

نثر الدرّ :دَخَلَ عَلَيهِ [ عَلِيٍّ عليه السلام ] كَعبُ بنُ مالِكٍ الأَنصارِيُّ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! بَلَغَكَ عَنّا أمرٌ لَو كانَ غَيرُكَ لَم يَحتَمِلهُ ، ولَو كانَ غَيرُنا لَم يَقُم مَعَكَ عَلَيهِ ! ما فِي النّاسِ مَن هُوَ أعلَمُ مِنكَ ، وفِي النّاسِ مَن نَحنُ أعلَمُ مِنهُ ! ! وأوضَعُ العِلمِ ما وَقَفَ عَلَيهِ اللِّسانُ ، وأرفَعُهُ ما ظَهَرَ فِي الجَوارِحِ وَالأَركانِ . ونَحنُ أعرَفُ بِقَدرِ عُثمانَ مِن قاتِليهِ ، وأنتَ أعلَمُ بِهِم وبِخاذِليهِ ، فَإِن قُلتَ : إنَّهُ قُتِلَ ظالِما ، قُلنا بِقَولِكَ ، وإن قُلتَ : إنَّهُ قُتِلَ مَظلوما ، قُلتَ بِقَولِنا ، وإن وَكَلتَنا إلَى الشُّبهَةِ أيأَستَنا بَعدَكَ مِن إصابَةِ البَيِّنَةِ . فَقالَ عليه السلام : عِندي في عُثمانَ أربَعٌ : اِستَأثَرَ فَأَساءَ الأَثَرَةَ ، وجَزَعتُم فَأَسَأتُمُ الجَزَعَ ، وللّهِِ عَزَّوَجَلَّ حُكمٌ عادِلٌ فِي المُستَأثِرِ وَالجازِعِ (2) .

نثر الدرّ :سُئِلَ [ عَلِيٌّ عليه السلام ] عَن عُثمانَ ، فَقالَ : خَذَلَهُ أهلُ بَدرٍ ، وقَتَلَهُ أهلُ مِصرَ ، غَيرَ أنَّ مَن نَصَرَهُ لا يَستَطيعُ أن يَقولُ : خَذَلَهُ مَن أنَا خَيرٌ مِنهُ . ووَاللّهِ ، ما أمَرتُ بِهِ ، ولا نَهَيتُ عَنهُ ، ولَو أمَرتُ بِهِ لَكُنتُ قاتِلاً ! ولَو نَهَيتُ عَنهُ لَكُنتُ ناصِرا ! اِستَأثَرَ عُثمانُ فَأَساءَ الأَثَرَةَ ، وجَزَعتُم فَأَفحَشتُمُ الجَزَعَ (3) .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 30 .
2- .نثر الدرّ : ج1 ص281 وراجع الأغاني : ج16 ص248 وتاريخ المدينة : ج4 ص1168 .
3- .نثر الدرّ : ج1 ص274 ، المسترشد : ص418 ح141 عن شريح بن هاني نحوه .

ص: 250

تاريخ الطبري عن عبد الرحمن بن عبيد_ في حَربِ صِفّينِ _: إنَّ مُعاوِيَةَ بَعَثَ إلى عَلِيٍّ حَبيبَ بنَ مَسلَمَةَ الفِهرِيَّ وشَرحبيلَ بنَ السَّمط ومَعنَ بنَ يَزيدَ بنِ الأَخنَسِ فَدَخَلوا عَلَيهِ وأنَا عِندَهُ . . . فَقالَا اشهَد أنَّ عُثمانَ قُتِلَ مَظلوما ! فَقالَ لَهُما : لا أقولُ : إنَّهُ قُتِلَ مَظلوما ، ولا إنَّهُ قُتِلَ ظالِما . قالا : فَمَن لَم يَزعُم أنَّ عُثمانَ قُتِلَ مَظلوما فَنَحنُ مِنهُ بُرَآءٌ . ثُمَّ قاما فَانصَرَفا . فَقالَ عَلِيٌّ : «إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ * وَ مَآ أَنتَ بِهَ_دِى الْعُمْىِ عَن ضَلَ__لَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَا مَن يُؤْمِنُ بِ_ايَ_تِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ» (1) . ثُمَّ أقبَلَ عَلِيٌّ عَلى أصحابِهِ فَقالَ : لا يَكُن هؤُلاءِ أولى بِالجِدِّ في ضَلالِهِم مِنكُم بِالجِدِّ في حَقِّكُم وطاعَةِ رَبِّكُم ! ! (2)

المستدرك على الصحيحين عن حصين الحارثي :جاءَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ إلى زَيدِ بنِ أرقَمَ يَعودُهُ وعِندَهُ قَومٌ ، فَقالَ عَلِيٌّ : اُسكُنوا _ أوِ اسكُتوا _ فَوَاللّهِ لا تَسأَلونّي عَن شَيءٍ إلّا أخبَرتُكُم ! ! فَقالَ زَيدٌ : أنشَدَكَ اللّهُ ، أنتَ قَتَلتَ عُثمانَ ؟ فَأَطرَقَ عَلِيٌّ ساعَةً ، ثُمَّ قالَ : وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ما قَتَلتُهُ ، ولا أمَرتُ بِقَتلِهِ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كتابٍ لَهُ إلى مُعاوِيَةَ _: لَعَمري ، يا مُعاوِيَةُ ! لَئِن نَظَرتَ بِعَقلِكَ دونَ هَواكَ لَتَجِدَنّي أبرَأَ النّاسِ مِن دَمِ عُثمانَ ، ولَتَعلَمَنَّ أنّي كُنتُ في عُزلَةٍ عَنهُ ، إلّا أن تَتَجَنّى (4) ،

.


1- .النمل : 80 و81 .
2- .تاريخ الطبري : ج5 ص7 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص369 ؛ وقعة صفّين : ص 201 .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص114 ح4567، تاريخ دمشق : ج39 ص454 ، تاريخ المدينة : ج4 ص1262 كلاهما عن سرية بنت زيد بن أرقم .
4- .تَجنّى عليه وجانى : ادّعى عليه جناية (لسان العرب : ج14 ص154) .

ص: 251

فَتَجَنَّ ما بَدا لَكَ ، وَالسَّلامُ (1) .

الطبقات الكبرى عن عمرو بن الأصمّ :كُنتُ فيمَن اُرسِلوا مِن جَيشِ ذي خُشُبٍ ، _ قالَ : _ فَقالوا لَنا : سَلوا أصحابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ وَاجعَلوا آخِرَ مَن تَسأَلونَ عَلِيّا _ أنَقدَمُ ؟ قالَ : فَسَأَلناهُم ، فَقالوا : اِقدَموا ، إلّا عَلِيّا ؛ قالَ : لا آمُرُكُم ، فَإِن أبَيتُم فَبيضٌ فَليُفرَخ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا جاءَهُ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ وسَأَلَهُ أن يَتَدَخَّلَ في قَضِيَّةِ عُثمانَ ويَحقُنَ دَمَهُ _: وَاللّهِ ، ما زِلتُ أذُبُّ عَنهُ حَتّى إنّي لَأَستَحي ، ولكِنَّ مَروانَ ومُعاوِيَةَ وعَبدَ اللّهِ بنَ عامِرٍ وسَعيدَ بنَ العاصِ هُم صَنَعوا بِهِ ما تَرى ، فَإِذا نَصَحتُهُ وأمَرتُهُ أن يُنَحِّيَهُمُ ، استَغَشَّني ، حَتّى جاءَ ما تَرى (3) .

وقعة صفّين عن خفاف بن عبد اللّه_ لَمّا قالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : حَدِّثنا عَن قَتلِ عُثمانَ _: حَصَرَهُ المَكشوحُ ، وحَكَمَ فيهِ حُكَيمٌ ، ووَلِيَهُ مُحَمَّدٌ وعَمّارٌ ، وتَجَرَّدَ في أمرِهِ ثَلاثَةُ نَفَرٍ : عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ ، والأَشتَرُ النَّخَعِيُّ ، وعَمرُو بنُ الحَمِقِ ، وجَدَّ في أمرِهِ رَجُلانِ : طَلحَةُ ، وَالزُّبَيرُ ، وأبرَأُ النّاسِ مِنهُ عَلِيٌّ (4) .

العقد الفريد عن محمّد بن سيرين :ما عَلِمتُ أنَّ عَلِيّا اُتُّهِمَ في دَمِ عُثمانَ حَتّى بويِعَ ، فَلَمّا بويِعَ اتَّهَمَهُ النّاسُ ! (5)

راجع : كتاب «الجمل» : ص 200 (موقف أمير المؤمنين من أحداث عثمان) .

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 6 ، وقعة صفّين : ص29 عن عامر الشعبي ؛ العقد الفريد : ج3 ص329 ، الفتوح : ج2 ص506 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص114 وفيها إلى «دم عثمان» .
2- .الطبقات الكبرى : ج3 ص65 .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص378 .
4- .وقعة صفّين : ص65 ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص111 .
5- .العقد الفريد : ج3 ص307 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص452 ، أنساب الأشراف : ج6 ص223 ، تاريخ دمشق : ج39 ص390 وفيها «لقد قتل عثمان وما أعلم أحدا يتّهم عليّا في قتله» .

ص: 252

تحليل لأسباب الثورة على عثمان

تحليل لأسباب الثورة على عثمانتمخّضت الشورى الَّتي عيّنها الخليفة الثاني عن اختيار عثمان خليفة للمسلمين الَّذي امتاز عهد خلافته وخاصّة السنوات الأخيرة منه بأهمّية استثنائيّة . فقبل ذلك عاش المجتمع الإسلامي حالة من الاستقرار في عهد خلافة الخليفة الثاني . وأكثر ما يُعزى هذا الاستقرار إلى غلظته الممزوجة بالاستبداد . فتحوّل ذلك المجتمع الهادئ بين ليلة وضحاها إلى مجتمع يموج بالاضطراب ويعجّ بالاعتراضات ضدّ الخليفة . فكيف تبلورت هذه القضيّة ؟ ومن أين نشأت تلك الاضطرابات والاحتجاجات الموجّهة ضدّ الخليفة ؟ وممّا لا ريب فيه إنّ النّاس الَّذين اجتمعوا في المدينة من مختلف الأمصار للتظلّم لدى الخليفة لم يكونوا يمثّلون فئة خاصّة ولا ولاية أو مدينة بعينها ، بل كانوا من مختلف بقاع العالم الإسلامي. فيا ترى ما هي أسباب هذه الثورة ؟ وكيف يُحاصَر خليفة المسلمين _ الَّذي كانت له صلة قربى مع الرسول صلى الله عليه و آله _ ولا يهبّ أحد لنجدته ؟ ! لقد طال الحصار ولم يأتِ أحد لمناصرته من خارج المدينة . وحتّى استنجاده بمعاوية _ الَّذي اتّخذ من قضيّة المطالبة بدمه ذريعة لتحقيق مآربه _ بقي بلا طائل . فمعاوية الَّذي جنّد في حرب صفّين جيشاً قوامه مئة ألف ، لم يرسل ولا حتّى

.

ص: 253

1 _ إدناؤه الطّلقاء

الف رجل لنصرته . ولكن ياتُرى لماذا لم يفعل ذلك ؟ ومن السذاجة أن ينسب المرء حادثة بمثل هذه السعة إلى مجهول أو إلى تيّار عابر . فالتأمّل في التساؤلات المذكورة والغور في أعماق النصوص والمصادر من أجل العثور على إجابات عنها ينتهي بالباحث في تاريخ الإسلام إلى الاهتداء إلى مسائل ونكات أعمق ممّا طرحه أصحاب الرؤى الساذجة وسعوا إلى إظهاره وكأنّه حقائق ثابتة . ويمكن القول باختصار بأنّ ثورة المسلمين على عثمان تعود في جذورها إلى أعمال عثمان والمحيطين به . ويمكن التنقيب في هذه المسألة بشكل أعمق . فقد كان عثمان من أشراف مكّة ، وكان أقرباؤه بنو اُميّة من ألدّ أعداء الإسلام . فقد كانوا من قادة رؤوس الكفر الَّذين حاربوا الإسلام ، ولم يدخلوا فيه حتّى رأوا سيفه مصلَتاً على رؤوسهم ، فاُرغموا على الاستسلام أثناء فتح مكّة ، واُطلقوا على أساس الرأفة الإلهيّة ؛ إذ عفا عنهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وصاروا يعرفون من بعد ذلك باسم «الطُّلَقاء» . وهكذا فإنّهم لم تكن لهم وجاهة دينيّة ، ولا مركز اجتماعي . وإذا ألقينا نظرة أكثر عمقاً على سلوك عثمان نلاحظ ما يأتي :

1 _ إدناؤه الطُّلَقاءلما تسلّم عثمان الخلافة أدنى أقاربه _ الطُّلَقاء _ واتّخذ منهم بطانة وأعواناً مع أنّ بعضهم كان طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما هو الحال بالنسبة للحَكَم وابنيه مروان والحارث ؛ وأصبح مروان _ طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ في عهد خليفة المسلمين عثمان ، كاتباً خاصّاً للخليفة ! وأصبحت رئاسة السوق بيد الحارث ! وبذلك هيمنوا على شؤون السياسة والاقتصاد دفعة واحدة .

.

ص: 254

2 _ البذخ في العطاء

فمعاوية كان في الشام ، وعبد اللّه بن عامر _ شاب عمره 25 سنة من بني اُميّة _ في البصرة ، وعبد اللّه بن أبي سرح _ مع ما كان من ارتداده _ في مصر ، وسعيد بن العاص في الكوفة ، والأشعث بن قيس في أذربيجان وكان أكثرهم من أقارب عثمان ، وهؤلاء هم الَّذين كانوا يحكمون الاُمّة الإسلاميّة بدلاً من صحابة الرسول صلى الله عليه و آله والوجوه البارزة في المجتمع الإسلامي . وكانوا يضيّقون الخناق على النّاس بدعم من الخليفة . ولم يكن تظلّم النّاس وصيحاتهم تعود عليهم بطائل . وعندما كان كبار صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحتجّون على تلك الأوضاع ، كان عثمان يغلظ عليهم ويعاملهم باُسلوب بعيد عن الإنصاف ؛ فقد نفى أبا ذرّ إلى الربذة ، وبقي فيها إلى أن مات غريباً مظلوماً . وداسَ بقدمه عمّار بن ياسر _ مع ماله من ماضٍ وضّاءٍ _ حتّى اُصيب بفتق . ونفى عبد اللّه بن مسعود ومنعه عطاءه من بيت المال ، وما إلى ذلك من الأحداث والمواقف الَّتي يمكن للقارئ الاطّلاع عليها بين دفّتي هذا الكتاب .

2 _ البذخ في العطاءاتّبع عثمان سياسة اقتصاديّة تدعو إلى العجب ! فقد كان يتصرّف ببيت المال وكأنّه ملْكٌ مطلق له ، وقد وردت أخبار كثيرة عن كثرة بذله وجزيل عطائه لأقاربه حتّى إنّ قبح هذا السخاء لم يبقَ خافياً عن أنظار الباحثين السُّنّة ؛ فقد وهب للحكم وأبي سفيان ومروان وغيرهم الكثير من الأموال ، ولم يستجب لاحتجاجات المسلمين . والغريب أنّه كان يُسمّي كلّ هذا الهبات من بيت المال صلة للرحم . وقد أدّى عثمان بأعماله هذه إلى إيجاد فوارق طبقيّة فاحشة في المجتمع الإسلامي . كما أدّت هذه الأعمال والهبات المنافية للأحكام الإسلاميّة إلى توسيع رقعة السخط والاحتجاج بين النّاس ، حتّى تحوّلت إلى حركة عامّة وثورة عارمة ضدّ عثمان .

.

ص: 255

3 _ موقفه من مبادئ الدين

3 _ موقفه من مبادئ الدينالنقطة المهمّة والَّتي بقيت خافية عن أنظار الباحثين وهي جديرة بالاهتمام ، هي التلاعب بالدين ، وتحريف الأحكام الإلهيّة ، وكانت هذه المسألة ظاهرة بكلّ جلاء في كلمات وشعارات معارضي الخليفة . فسخاء الخليفة وكثرة هباته من بيت المال وتعيينه لأقاربه في المناصب والولايات بعيداً عن الموازين الشرعيّة وبدون أن تتوفّر فيهم الكفاءة المناسبة لشغل هذه المناصب من جهة ، وسعي المؤرّخين من جهة اُخرى إلى حماية الشخصيّات التاريخيّة بدلاً من حماية التراث التاريخي كلّ ذلك أدّى إلى عدم ظهور ممارسات الخليفة الَّتي ربّما كان لها أكبر الأثر في انتفاض المسلمين ضدّه . نورد فيما يلي بعض الأمثلة عن هذا الموضوع : روي عن زيد بن أرقم أنّه قيل له : بِأَيِّ شَيءٍ أكْفرتُم عُثمانَ ؟ قالَ : بِثَلاثَةٍ : جَعَلَ المالَ دُولَةً بَينَ الأَغنياءِ ، وجَعَلَ المُهاجِرينَ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِمَنزِلَةِ مَن حارَبَ اللّهَ ورَسولَهُ ، وعَمَلَ بِغَيرِ كِتابِ اللّهِ (1) . ومن المعارضين لسياسة عثمان : عمّار بن ياسر الَّذي عرف بوقوفه مع الحقّ ، وكان له دور مشهود في التحريض على عثمان ، وخطب في صفّين خطبة حثّ فيها النّاس على مقاتلة معاوية ، وقال فيما قال : اِنهَضوا مَعي عِبادَ اللّهِ إلى قَومٍ يَطلُبونَ _ فيما يَزعُمونَ _ بِدَمِ الظّالِمِ لِنَفسِهِ ، الحاكِمِ على عِبادِ اللّهِ بِغَيرِ ما في كِتابِ اللّهِ ، إنَّما قَتَلَهُ الصّالِحونَ المُنكِرونَ لِلعُدوانِ ، الآمِرونَ بِالإِحسانِ ، فَقالَ هؤُلاءِ الَّذينَ لا يُبالونَ إذا سَلُمَت دُنياهُم ولو دَرَسَ هذَا الدّينُ : لِمَ قَتَلتُموهُ ؟ فَقُلنا : لِأَحداثِهِ . . . (2) .

.


1- .الشافي : ج4 ص291 .
2- .وقعة صفّين : ص319 .

ص: 256

4 _ المستشارون الفاسدون

وجاءت بين كلمات الصحابة فيما يخصّ مقتل عثمان تعابير حول أعماله من قبيل : «بَدَّلَ دينَكُم» ، و«أحدَثَ أحداثا» ؛ فقد خوطب بالقول : «إنَّكَ أحدَثتَ أحداثا لَمَ يَكُنِ النّاسُ يَعهدونَها» ، «أرادَ أن يُغَيِّرَ دينَنا» ، «أحدَثَ الأَحداثَ وخالَفَ حُكمَ الكِتابِ» ، «النّابِذُ لِحُكمِ القُرآنِ وَراءَ ظَهرِهِ» ، «غَيَّرتَ كِتابَ اللّهِ» ، وما شابه ذلك من التعابير الكثيرة (1) . ومن الواضح أنّ هذه التعابير تنمّ عن تحريف الدين وتغيير الأحكام ، وتبديل السُنّة المحمّديّة ، وهذا ما حصل في عهد حكومة عثمان ؛ فقد ورد في بعض كتب الصحابة إلى الولايات : «دينُ مُحَمَّدٍ قَد اُفسِدَ» . وعلى كلّ حال لم يمرّ زمن طويل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا يستطيع المسلمون أن يَروا دين اللّه يتعرّض للتحريف والتلاعب ، وتُسخّر أحكام اللّه لمآرب شخصيّة ، ويسكتوا عن ذلك .

4 _ المستشارون الفاسدونيؤدّي المستشارون دورا حاسما في إدارة الاُمور وبلورة الوقائع . والحقيقة هي أنّ المستشار يأخذ على عاتقه دورا تكميليّا بل وأساسيّا في إدارة دفّة الاُمور بالنسبة لمدير ذلك المجتمع . وهكذا يتّضح أنّ اختيار المستشار يتّصف بحسّاسيّة فائقة . هذا من جانب ، ومن جانب آخر هناك مسألة مهمّة ؛ وهي كيفيّة استفادة القائد منهم ، وكيفيّة إشارتهم عليه ، ودرجة فهمهم ، ومدى إخلاصهم للقائد .

.


1- .راجع أنساب الأشراف : ج6 ص133 _ 138 و تاريخ الطبري : ج4 ص376 و ج 5 ص43 و شرح نهج البلاغة : ج9 ص36 و ج8 ص22 و وقعة صفّين : ص339 .

ص: 257

ومن المؤسف أنّ عثمان كانت كلّ مواقفه في هذا المجال غير سويّة ، وقد سبقت الاشارة إلى كيفيّة اختياره للأفراد ، فالمقرّبون منه ؛ أي بطانته ، ما كانوا يحظون بمكانة اجتماعيّة ولا بوجاهةٍ دينيّة . أضف إلى كلّ ذلك أنّ الخليفة كان شخصا عديم الإرادة وضعيفا أمام آراء بطانته ، كما أنّ مستشاريه لم يكونوا على فكر صائب ؛ ولا هم من أهل الدين والتقوى . ومن البديهي _ والحال هذه _ أنّ جميع آرائهم الَّتي كانوا يفرضونها على عثمان كانت تصبّ في صالح أهوائهم وفي اتّجاه الصدام مع الثائرين ، وليس في صالح الاُمّة والخلافة والخليفة . فالبطانة الَّتي كانت مقرّبة من عثمان لم تكن على علاقات طيّبة مع الأنصار ، وليس لها مواقف حسنة مع المهاجرين . وهكذا فقد ساقت عثمان في اتّجاه انتهى بمقتله . يقول شيخ سياستهم أبو سفيان الَّذي اشتهر صيت عدائه للإسلام في الآفاق : «إنَّ الأَمرَ أمر عالَمِيَّة ، وَالمُلكَ مُلك جاهِلِيَّة ، فَاجعَل أوتادَ الأَرضِ بَني اُمَيَّةَ» . حسنا ، لقد فعل عثمان ذلك . ولكن إلى أين وصلوا به ؟ لقد كانت جميع الأعمال الَّتي تُفعل باسم عثمان ، بيد مروان ، وهو ذلك الشابّ الَّذي لم يكن يعرف شيئا من تعاليم الإسلام ، وكان طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وبعدما عاد من منفاه ووطأت قدمه أرض المدينة أفرغ ما في قلبه من حقد متراكم خلال تلك السنين ، في ظلّ السلطة الَّتي منحها إيّاه خليفة المسلمين ، فأخذ يوجّه الإهانات لجميع المهاجرين والأنصار ، وكان لعمله ذاك تأثير واضح في إثارتهم ضدّ عثمان . أصبح الخليفة أداة طيّعة بيد مروان بن الحكم ، سواء عندما أعلن توبته أمام

.

ص: 258

الملأ ، وأرغمه مروان على نقض توبته ، أم عندما وافق على عزل والي مصر ، لكنّه رضخ في أعقاب ذلك لإرادة مروان ، وأصدر أمره بقتل ونفي وتعذيب الثوّار الوافدين من هناك . لقد كان مروان هو الَّذي يُملي على عثمان ما يريد ، وكان يسعى في جرّه إلى اتّخاذ مواقف متزمّتة ، حتّى إنّ زوجته نائلة بنت الفرافصة قالت له : «فَإِنَّهُم وَاللّهِ قاتِلوهُ ومُؤَثِّموهُ . . . وقَد أطَعتَ مَروانَ يَقودُكَ حَيثُ شاءَ» . وكان سائر مستشاري عثمان من هذا القبيل ؛ فعندما جمعهم للتشاور معهم في أمر سخطِ النّاس عليه ، أشار عليه معاوية باستخدام القوّة ضدّهم لإسكاتهم ، فيما أشار عليه عبد اللّه بن عامر قائلاً : «أن تَأمُرَهُم بِجِهادٍ يَشغَلُهُم عَنكَ ، وأن تُجَمِّرَهُم فِي المَغازي حَتّى يَذلّوا لَكَ ، فَلا يَكون هِمَّةُ أحَدِهِم إلّا نَفسهُ» . أمّا سعيد بن العاص فقد أشار عليه قائلاً : «إنَّ لِكُلِّ قَومٍ قادَةً مَتى تَهلُكُ يَتَفَرَّقوا ، ولا يَجتَمِعُ لَهُم أمرٌ» . وعرض عليه معاوية في هذا المجال أن يقتل عليّا وطلحة والزبير . فإذا وُجدت كلّ هذه القلوب الفاسدة والنفوس المريضة والتوجّهات الجائرة المثيرة للسخط ، فما الداعي بعدئذٍ للتساؤل عن أسباب تبلور تلك الثورة ؟ إنّ الشخص الوحيد الَّذي كان يُشير حينذاك على عثمان باخلاص رغبة في صيانة هويّة الاُمّة الإسلاميّة ، ويحذّره من عواقب الاُمور ، ويسعى _ رغم كلّ ما نزل به من ظلم _ إلى أن لا تصل الاُمور إلى هذا الحدّ ، هو الإمام عليّ عليه السلام . وياليت عثمان كان يُصغي لنصائحه ويَفي بالعهود الَّتي قطعها على نفسه للنّاس . وللإمام عليّ عليه السلام كلام جميل عن موقفه أزاء تلك الأحداث ، وعن موقف بطانة عثمان ، جاء في بعض منه : «وَاللّهِ ما زِلتُ أذُبُّ عَنهُ حَتّى إنّي لَأَستَحي ، ولكِنَّ مَروانَ ومُعاوِيَةَ وعَبدَ اللّهِ بن

.

ص: 259

عامِرٍ وسَعيدَ بنَ العاصِ هُم صَنَعوا بِهِ ما تَرى . فَإِذا نَصَحتُهُ وأمَرتُهُ أن يُنَحِّيَهُمُ استَغَشَّني حَتّى جاءَ ما تَرى» . كانت هذه العوامل وعوامل اُخرى غيرها هي الَّتي دفعت إلى الثورة على عثمان ، ومهّدت للانتقاض ضدّ الحكومة المركزيّة . ذكر المسعودي في مروج الذهب أسباب السخط على عثمان قائلاً : «في سَنَةِ خَمسٍ وثَلاثينَ كَثُرَ الطَّعنُ عَلى عُثمانَ وظَهَرَ عَلَيهِ النَّكيرُ لِأَشياءَ ذَكَروها مِن فِعلِهِ ، مِنها : ما كانَ بَينَهُ وبَينَ عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ ، وَانحِرافُ هُذَيلٍ عن عُثمانَ مِن أجلِهِ . ومِن ذلِكَ ما نالَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ مِنَ الفَتقِ والضَّربِ ، وَانحِرافُ بِني مَخزومٍ عَن عُثمانَ مِن أجلِهِ . ومِن ذلِكَ فِعلُ الوَليدِ بنِ عُقبَةَ في مَسجِدِ الكوفَةِ . . . ومِن ذلِكَ ما فَعَلَ بِأَبي ذَرٍّ (1) . بينما ذكر اليعقوبي أسباب الثورة على النحو الآتي : «نَقِمَ النّاسُ عَلى عُثمانَ بَعدَ وِلايَتِهِ بِسِتِّ سِنينَ ، وتَكَلَّمَ فيهِ مَن تَكَلَّمَ ، وقالوا : آثَرَ القُرَباءَ ، وحَمَى الحِمى ، وبَنَى الدّارَ ، وَاتَّخَذَ الضِّياعَ والأَموالَ بِمالِ اللّهِ وَالمُسلِمينَ ، ونَفى أبا ذَرٍّ صاحِبَ رَسولِ اللّهِ وعَبدَ الرَّحمنِ بنَ حَنبَلٍ ، وآوَى الحَكَمَ بنَ أبِي العاصِ وعَبدَ اللّهِ بنَ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ طَريدَي رَسُولِ اللّهِ ، وأهدَرَ دَمَ الهُرمُزانِ ؛ ولَم يَقتُل عُبَيدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ بِهِ ، ووَلَّى الوَليدَ بنَ عُقبَةَ الكوفَةَ ، فَأَحدَثَ فِي الصَّلاةِ ما أحدَثَ ، فَلَم يَمنَعهُ ذلِكَ مِن إعاذَتِهِ إيّاهُ . وأجازَ الرَّجمَ ؛ وذلِكَ أنَّهُ كانَ رَجَمَ امرَأَةً مِن جُهَينَةَ دَخَلَت عَلى زَوجِها فَوَلَدَت لِسِتَّةِ أشهُرٍ ، فَأَمَرَ عُثمانُ بِرَجمِها . فَلَمّا اُخرِجَت دَخَلَ إلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فَقالَ : إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ : «وَ حَمْلُهُ وَ فِصَ__لُهُ ثَلَ_ثُونَ شَهْرًا» (2) وقالَ في رضاعِهِ : «حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ» (3) ، فَأَرسَلَ عُثمانُ فى ¨

.


1- .مروج الذهب : ج2 ص350 .
2- .الكرام البررة 2 : 673 ؛ مستدرك أعيان الشيعة 3 : 105 _ 106 : (وذكر أنّه توفي نحو سنة 1289 ه ) .
3- .قصص العلماء ، الميرزا محمّد التنكابني : 92 .

ص: 260

أ . الناقمون والثائرون العارفون بالسّنّة
1 _ عمّار بن ياسر

أثَرِ المَرأَةِ ، فَوُجِدَت قَد رُجِمَت وماتَت . وَاعتَرَفَ الرَّجُلُ بِالوَلَدِ» (1) . وأشار الطبري في تاريخه إلى بعض من تلك العوامل ، متجاهلاً العوامل الاُخرى ، قائلاً : «قد ذَكَرنا كَثيرا مِنَ الأَسبابِ الَّتي ذَكَرَ قاتِلوهُ أنَّهُم جَعَلوها ذَريعَةً إلى قَتلِهِ ، فَأَعرَضنا عَن ذِكرِ كَثيرٍ مِنها لِعِلَلٍ دَعَت إلَى الإِعراضِ عَنها» (2) . كان الكلام إلى الآن يدور حول أسباب الثورة على عثمان . بَيد أنّ النكتة الأكثر أهمّية هي دراسة ماهيّة الأفراد والفصائل المشاركة في الثورة . من الواضح أنّ الَّذين شاركوا في تلك الواقعة لم يكونوا كلّهم على هدف واحد ، وكان لبعضهم غايات اُخرى تختلف عن غايات الآخرين . ولكن يمكن على العموم تلخيص العوامل المشتركة بينهم بما يلي :

أ . الناقمون والثائرون العارفون بالسُّنّةشاركت في هذه الحركة شخصيّات بارزة من الصحابة والمؤمنين المخلصين . والحقيقة هي أنّ حشود هائلة من الجماهير الثوريّة كانت تتحرّك بزعامتهم ، وهذه الشخصيّات ليست من النوع الَّذي يمكن التشكيك بإخلاصها وصدقها ورسوخ عقيدتها . ونشير فيما يلي إلى بعض هذه الشخصيّات كالآتي :

1 _ عمّار بن ياسر :كان عمّار من المسلمين الأوائل ومن المجاهدين الأشدّاء . وقد اعتبره رسول اللّه صلى الله عليه و آله معيارا للحقّ بقوله : «إذَا اختَلَفَ النّاسُ كانَ ابنُ سُمَيَّةَ مَعَ الحَقِّ» (3)

.


1- .الأحقاف : 15 .
2- .البقرة : 233 .
3- .المعجم الكبير : ج10 ص96 الرقم 10071 ، سير أعلام النبلاء : ج1 ص416 الرقم 84 ، البداية والنهاية : ج6 ص214 ، كنز العمّال: ج11 ص721 ح33525.

ص: 261

2 _ زيد بن صَوحان

و«ما خُيِّرَ عَمّارُ بَينَ أمَرينِ إلَا اختارَ أرشَدَهُما» (1) و«مَلِئَ عَمّارٌ إيمانا إلى مُشاشِهِ (2) » (3) ، «يَزولُ مَعَ الحَقِّ حَيثُ يَزولُ» (4) . كان عمّار الحائز لهذه المكانة عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله من جملة الناقمين الأساسيّين والأوائل على عثمان ، وكان يسعى بجدّ على هذا السبيل . ذكر ابن كثير في هذا المجال : «كانَ عَمّارٌ يُحَرِّضُ النّاسَ عَلى عُثمانَ ولَم يَقلَع ولَم يَرجَع ولَم يَنزَع» (5) . وبسبب هذه الاعتراضات والانتقادات تعرّض عمّار للضرب من قبل الخليفة وبطانته حتّى اُغمي عليه واُصيب بعاهة (6) .

2 _ زيد بن صَوحان :وكان من كبار الزهّاد ، ومن الوجوه البارزة في تاريخ الإسلام ، وقد اعتُبر من «الأبدال (7) » . وكان من خُلّص أصحاب عليّ عليه السلام ، بل إنّ البعض يعتبره من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ وذلك لوجود رواية عن الرسول صلى الله عليه و آله بشأنه ؛ قال فيها : «مَن سَرَّهُ أن يَنظُرَ إلى رَجُلٍ يَسبِقُهُ بَعضُ أعضائِهِ إلَى الجَنَّةِ ؛ فَليَنظُر إلى زَيدِ بن

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص438 ح5665 و ح 5664 نحوه .
2- .المُشاش : رؤوس العظام ، كالمرفقين والكتفين والركبتين (النهاية : ج4 ص333) .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص443 ح5680 ، تاريخ دمشق : ج43 ص391 ح9262 و ح 9263 .
4- .تاريخ دمشق : ج43 ص406 ح9291 .
5- .البداية والنهاية : ج7 ص171 .
6- .راجع : ص 168 (ضرب عمّار بن ياسر) .
7- .الأبدال : هم الأولياء والعُبّاد ، الواحد بِدْل ، سُمّوا بذلك لأنّهم كلّما مات واحد منهم اُبدل بآخر (النهاية : ج1 ص107) .

ص: 262

3 _ جبلة بن عمرو الأنصاري
4 _ جهجاه الغفاري
5 _ عمرو بن الحمق

صوحانَ» (1) . وقد عُدّ هذا الرجل في عداد أكابر الزهّاد والأبدال (2) . وكان عمر بن الخطّاب يُكرمه ويُثني عليه كثيرا . أمّا عثمان فقد نفاه إلى الشام ، ثمّ استشهد لاحقا في معركة الجمل ، وقد خاطبه أمير المؤمنين عليه السلام بالقول : «قد كنت خفيف المؤونة ، عظيم المعونة» .

3 _ جبلة بن عمرو الأنصاري :وهو من الفقهاء ومن أجلّاء الصحابة (3) . شهد معركة اُحد (4) . كان يؤاخذ عثمان بشدّة على اتّخاذه مستشارين سيّئي الطِّباع وخبيثي النوايا بطانةَ سوءٍ . وكان يخاطبه خطابا مرّا لاذعا ويقول له : «يا نَعثَلُ ! وَاللّهِ لَأَقتُلَنَّكَ ، ولَأَحمِلَنَّكَ عَلى قُلوصٍ جَرباءَ ، ولَاُخرِجَنَّكَ إلى حَرَّةِ النّارِ» (5) .

4 _ جهجاه الغفاري :من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وممّن شهدوا بيعة الرضوان ، روى عنه البخاري ومسلم (6) .

5 _ عمرو بن الحمق :من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أسلم بعد الحديبيّة (7) .

.


1- .مسند أبي يعلي : ج1 ص267 ح507 .
2- .تاريخ بغداد : ج8 ص439 ح4549 .
3- .اُسد الغابة : ج1 ص511 الرقم 686 ؛ رجال الطوسي : ص 59 ح501 ذكره ضمن من روى عن أمير المؤمنين عليه السلام .
4- .الإصابة : ج1 ص566 الرقم 1083 .
5- .البداية والنهاية : ج7 ص176 .
6- .الإصابة : ج1 ص621 الرقم 1248 .
7- .الاستيعاب : ج3 ص257 الرقم 1931 .

ص: 263

6 _ عبد الرحمن بن عُدَيس
ب . الاستغلاليون

6 _ عبد الرحمن بن عُدَيس :من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومن المبايعين تحت الشجرة (1) . وشارك في هذه الوقائع أيضا رجال صالحون من ذوي الشخصيّات البارزة كمالك الأشتر ، ومحمّد بن أبي بكر ، ومحمّد بن أبي حذيفة ، وحكيم بن جبلّة و . . . وكان لهم فيها دور فاعل . يتبيّن من خلال التأمّل في هذه الشخصيّات وفي كلماتهم وشعاراتهم أنّ هذه الحركة كانت ذات أبعاد واسعة . وانطلاقا من الحضور الجادّ للصحابة في هذه الحادثة ؛ حيث يمكن النظر إلى مشاركتهم هذه على أنّها بمثابة توجيه للجماهير المؤمنة ؛ يمكن تسمية الثورة على عثمان باسم «ثورة الصحابة» . جاء في تاريخ الطبري : «لَمّا رَأَى النّاسُ ما صَنَعَ عُثمانُ ، كَتَبَ مَن بِالمَدينَةِ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلى مَن بِالآفاقِ مِنهُم . . . أنَّ دينَ مُحَمَّدٍ قَد اُفسِدَ» (2) .

ب . الاستغلاليونولم يغب عن تلك الحشود الغفيرة بعض محترفي السياسة ، فركبوا أمواج الاعتراض أو ساعدوا على توسيع مداها طمعا في نيل مكانة أفضل . ومن الطبيعي أنّ أمثال هؤلاء الأشخاص لم يكونوا يُدركون أوضاع النّاس وما كانوا يأبهون لها ، ولكنّهم : 1 _ كانوا يشعرون وكأنّهم نُحُّوا إلى الوراء في ظلّ الامتيازات والمناصب الَّتي منحها عثمان لأقاربه .

.


1- .الإصابة : ج4 ص281 الرقم 5179 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص367.

ص: 264

2 _ أخذوا يشعرون بعد اتّساع رقعة الثورة أنّ الفرصة قد أصبحت مؤاتية لنيل مآربهم الدنيويّة ، والحقيقة هي أنّهم لم يُدركوا ما ستؤول إليه الأوضاع بعد مقتل عثمان . إذا فمعارضتهم لعثمان لم تكن نابعة من حرصهم على المصلحة العامّة ، ولا من باب الغيرة الدينيّة واستشعار الوظيفة الشرعيّة . ومعنى هذا أنّهم كانوا يتطلّعون إلى الجاه والرئاسة . نشير على سبيل المثال إلى أنّ طلحة كان واحدا منهم ، وقد كتب إلى أهل الكوفة بالقدوم إلى المدينة من أجل وضع حدٍّ لتصرّفات عثمان ، ويبدو أنّه لم يكن يتوقّع بعد مقتل عثمان سوى تسلّم منصب الخلافة . وكان بعض أنصاره على مثل ظنّه . فبعدما انتهى سودان بن حمران من قتل عثمان ، خرج من الدار ونادى : «أينَ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ؟ لَقَد قَتَلنَا ابنَ عَفّانَ» (1) . وفي معركة الجمل رماه مروان بسهم من خلفه وقتله ؛ لأنّه كان يعتبره هو قاتل عثمان . وهكذا الحال بالنسبة لعائشة أيضا ؛ فقد كانت تأمل أن تكون الغلبة لأقاربها ؛ فكانت تقول : «اُقتُلوا نَعثَلاً ؛ فَقَد كَفَرَ !» (2) ، ولكن بعدما انقلبت الاُمور ، وآلت إلى مآل آخر ، غيّرت موقفها . وهذا ينمّ عن أنّها كانت ترمي إلى شيء آخر غير الحقّ ؛ فعندما أخذوا يسائلونها في وقعة الجمل عن السبب الَّذي جعلها تحرّضهم قبل ذاك على قتل عثمان ، ثمّ أصبحت تطلب بثأره ، قالت : «قَد قُلتُ وقالوا ، وقَولِيَ الأَخير

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص379 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص459 ، الكامل فيالتاريخ : ج2 ص313 ، العقد الفريد : ج 3 ص 300 ، الفتوح : ج2 ص437 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص72 وفيه «فقد فجر» بدل «فقد كفر» .

ص: 265

ج . الأعوان الانتهازيّون

خَيرٌ مِن قَولِيَ الأَوَّلِ» (1) . ومن هؤلاء الانتهازيّين أيضا عمرو بن العاص الَّذي فقد منصبه في عهد عثمان ، وكان يعزّ عليه أن يرى بلاد مصر الَّتي فتحها هو قد أصبحت الآن بيد عبد اللّه بن أبي سرح . ومن هنا فهو كان يسعى لتعجيل الثورة ضدّ عثمان ، وقد أشرنا إلى بعض مساعيه في هذا الاتّجاه ، وكان يقول : «أنَا أبو عَبدِ اللّهِ ، إذا حَكَكتُ قرحةً نَكأَتُها ! إن كُنتُ لَاُحَرِّضُ عَلَيهِ ، حَتّى إنّي لَاُحَرِّضُ عَلَيهِ الرّاعِيَ في غَنَمِهِ في رَأسِ الجَبَلِ» (2) . وهكذا الحال بالنسبة إلى إلزبير أيضا ؛ فهو كان مسايرا لطلحة ، ويطمع في انتهاز فرصة الثورة لتحقيق ما تصبو إليه نفسه ، وكان يعتبر نفسه قائدا لهذه الجماعة .

ج . الأعوان الانتهازيّونهناك أشخاص كانوا مسايرين لعثمان ويرون رأيه ، ولكنّهم في هذه الحادثة لم ينصروه بل خذلوه ، وصاروا عليه عونا _ ولو بشكل غير مباشر _ وهذا من عجائب عِبَر الدنيا . وأبرز نموذج لهذه الطائفة معاوية ؛ فقد كان هو وزمرته تجسيدا حقيقيّا لهذا التوجّه . والواقع أنّه كان له يد طولى في قتل عثمان . فقد كان بإمكانه أن يرسل من الشام سريّة لحماية الخليفة أو مواجهة المعارضين . بَيد أنّه لم يفعل ! وحتّى بعدما استنصره عثمان ، جاء إلى المدينة بمفرده . وقد أدرك عثمان الغاية من قدومه ، فقال له :

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص459 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص357 .

ص: 266

«أرَدتَ أن اُقتَلَ فَتَقولَ : أنا وَلِيُّ الثَأرِ» (1) . عندما كتب عثمان كتابا يستحثّه فيه على نصرته ، أخذ يسوّف ويتعلّل إلى أن ذهبت الفرصة أدراج الرياح . لننظر إلى هذا النصّ التاريخي : «فَلَمّا جاءَ مُعاوِيَةَ الكِتابُ تَرَبَّصَ بِهِ وكَرِهَ اظهارَ مُخالَفَةِ أصحابِ رَسولِ اللّهِ وقَد عَلِمَ اجتِماعَهُم» . وهكذا يمكن القول بأنّ معاوية كانت له يد في قتل عثمان بشكلٍ غير مباشر . وكان لتلك اليد تأثيرها كما أشار الإمام عليّ عليه السلام إلى هذا المعنى في إحدى كلماته . وعلى كلّ حال فقد تظافرت التيّارات المنبثقة من أربعة نقاط مهمّة في الخلافة الإسلاميّة آنذاك ، وصنعت ثورة شاملة ضدّ عثمان . ومن الطبيعي أنّ حضور جموع غفيرة من المسلمين في المدينة ، واعتراضهم الصريح على أعمال عثمان ، لم يدفعه هو وبطانته لإعادة النظر في الماضي ، بل عمدوا بدلاً من ذلك إلى تجاهل الاُمور ، ومعاملة الثائرين بأساليب غير مُرضية ، ممّا أدّى إلى تأزيم الأوضاع ومهّد الظروف لقتل عثمان . يتّضح ممّا مرّ ذكره أنّ ما نقله سيف بن عمر وحاول فيه تجاهل الأسباب والعوامل المذكورة أعلاه تجاهلاً تامّا ، ونسبة الأحداث الَّتي وقعت ضدّ عثمان إلى شخص كعبد اللّه بن سبأ ، بعيد عن الحقيقة وعن الواقع التاريخي . وقد وصفت المصادر الرجاليّة سيف بن عمر بالكذب ، وطعنت فيه . وهذا ما يوجب عدم التعويل على أخباره . وفضلاً عن كلّ ذلك فحتّى لو كان صادقا ، فإنّ ما نقله من الأخبار جاء على نحو لا يمكن التصديق به على الإطلاق ، ومن الواضح أنّ دور عبد اللّه بن سبأ فيها موضوع ولا صحّة له . وسوف نبحث هذه المسألة في البيان الآتي .

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص175 .

ص: 267

عبد اللّه بن سبأ وجه مشبوه

عبد اللّه بن سبأ وجه مشبوهتحدّثت مصادر التاريخ الإسلامي عن شخص يدعى عبد اللّه بن سبأ . بَيد أنّ الأخبار المتناقضة عن شخصيّته وتأثيره في الأحداث ومقدرته الفكريّة ومكانته الاجتماعيّة والسياسيّة ألقت هالة من الغموض على صورته الحقيقيّة . فقد ذهب بعض الباحثين (1) إلى تضخيم دوره _ بناءً على ما ورد بشأنه من أخبار _ في وقائع صدر الإسلام بشكلٍ مذهل ، بل وحتّى إنّهم نسبوا إليه _ من غير تروٍّ _ رؤية خاصّة في الثقافة الإسلاميّة ، وعزوا إليه بعض الحوادث من قبيل الثورة على عثمان . هذا من جهة ، ومن جهةٍ اُخرى صرّح مفكّرون آخرون بعدم وجود مثل هذه الشخصيّة أساسا ، معلنين بأنّه ليس إلّا اُسطورة (2) ، أو أنّهم شكّكوا بوجوده على الأقل (3) . ونحن في هذا المدخل لسنا بصدد تقصّي جميع الأخبار الواردة بشأن هذه الشخصيّة ، ونكتفي بإلقاء نظرة سطحيّة عليه ؛ وننفي تبعا لذلك دوره في الثورة على عثمان ، ونعلن بأنّ الخبر المتعلّق بتلك الواقعة لا يمكن التعويل عليه من حيث

.


1- .مثل محمود محمّد شاكر في «الخلفاء الراشدون» ، وفي مجلّة الرسالة : العدد 761 _ 763 ، وسعيد الأفغاني في «عائشة والسياسة» ، وعبد الرحمن بدوي في «مذاهب الإسلاميّين» ، وإحسان إلهي ظهير في «الشيعة والسُنّة» .
2- .مثل العلّامة مرتضى العسكري في «عبد اللّه بن سبأ وأساطير اُخرى» ، وعلي الوردي في «وعّاظ السلاطين» ، وعبد اللّه الفيّاض في «تاريخ الإماميّة» .
3- .مثل طه حسين في كتاب «عليّ وبنوه» ، وجواد علي في مجلّة الرسالة : العدد 774 _ 778 .

ص: 268

السند والمضمون . نقل الطبري عن السري عن شعيب عن سيف بن عمر قال : «كانَ عَبدُ اللّهِ بنُ سَبَاَ يَهودِيّا مِن أهلِ صَنعاءَ ، اُمُّهُ سَوداءُ ، فَأَسلَمَ زَمانَ عُثمانَ ، ثُمَّ تَنَقَّلَ في بُلدانِ المُسلِمينَ يُحاوِلُ ضَلالَتَهُم ؛ فَبَدَأَ بِالحِجازِ ، ثُمَّ البَصرَةِ ، ثُمَّ الكوفَةِ ، ثُمَّ الشّامِ . . . حَتّى أتى مِصرَ » (1) . يُستشفّ من هذا الخبر أنّ ابن سبأ كان يهوديّا وأسلم بقصد نشر الضلال بين صفوف المسلمين . ثمّ أخذ يطوف في البلاد والسواد بهدف تحقيق غايته . ويبدو أنّ نقل الطبري هذا أقرب إلى القصّة المختلقة منه إلى الخبر التاريخي . فكيف يمكن لرجل أسلم حديثا ودخل دائرة الثقافة الإسلاميّة من دائرة اُخرى أن يتنقّل بين كلّ هذه البلاد بهذه السرعة في ظلّ ظروف السفر الصعبة آنذاك ؟ وماذا كان عساه أن يقول حتّى ينشر الضلال في الآفاق ؟ ! وردت في المصادر التاريخيّة أخبار كثيرة عن عبد اللّه بن سبأ ، ونُسبت إليه أعمالٌ نشير إلى جملة منها : 1 _ هو الَّذي طرح فكرة وصاية عليّ عليه السلام ، ومسألة غصب الخلافة من قبل عثمان . 2 _ التأثير في مواقف كبار أصحاب الرسول صلى الله عليه و آله كأبي ذرّ وعمّار ، وشخصيّات بارزة اُخرى كمالك الأشتر ومحمّد بن أبي بكر ، وما إلى ذلك . 3 _ دعوة النّاس للثورة على عثمان في الكوفة والبصرة ومصر . 4 _ النهوض ضدّ عثمان وتزعّم الثورة الَّتي انتهت بمقتله . 5 _ تأجيج نار معركة الجمل بعدما كادت الاُمور أن تُفضي إلى الصلح .

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص340 .

ص: 269

سندها :

ولا بأس أن نمحّص هاهنا الرواية الآنف ذكرها من حيث السند والدلالة :

سندها :يعتبر سند الرواية ضعيفا من وجهة نظر المصادر الرجاليّة المهمّة . فقد قال ابن حجر : «سَيفُ بنُ عُمَرَ التَّميمِيُّ البُرجُميّ ، ويُقالُ : السَّعدِيُّ ، ويُقالُ : الضَّبُعِيُّ ، ويُقالُ : الأَسَدِيُّ الكوفِيُّ ، صاحِبُ كِتابِ الرَّدَّةِ والفُتوحِ . قالَ ابنُ مُعينٍ : ضَعيفُ الحَديثِ . وقالَ مَرَّةً : فَلَيسَ خَيرٌ مِنهُ . وقالَ أبو حاتِمٍ : مَتروكُ الحَديثِ ، يُشبِهُ حَديثُهُ حَديثَ الواقِديّ . وقالَ أبو داودُ : لَيسَ بِشَيءٍ . وقالَ النِّسائيُّ وَالدّارقطني : ضَعيفُ . وقالَ ابنُ عديٍّ : بَعضُ أحاديثِهِ مَشهورَةٌ وعامَّتُها مُنكَرَةٌ ؛ لَم يُتابَع عَلَيها . وقالَ ابنُ حَبّانُ : يَروِي المَوضوعاتِ عَن الأَثباتِ ، قالَ : وقالوا : إنَّهُ كانَ يَضَعُ الحَديثَ . قُلتُ : بَقِيَّة كلامِ ابنِ حَبّانِ : اُتُّهِمَ بِالزَّندَقَةِ . وقالَ البَرَقانيّ عَنِ الدّارقطني : مَتروكٌ . وقالَ الحاكِمُ : اُتُّهِمَ بِالزَّندَقَةِ ، وهُوَ فِي الرِّوايَةِ ساقِطٌ . قَرَأتُ بِخَطِّ الذَّهَبي : ماتَ سَيفٌ زَمَنَ الرَّشيدِ» (1) . وقال العلّامة الأميني في ذكر السري : «ابنُ حَجَرٍ يَراهُ : السّري بن إسماعيل الهمداني الكوفي ، الَّذي كَذَّبَهُ يَحيَى بنُ سَعيدٍ ، وضَعَّفَهُ غَيرُ واحدٍ مِنَ الحُفّاظِ . ونَحنُ نَراهُ : السّري بنُ عاصِمٍ الهَمدانيّ ، نَزيلُ بَغدادٍ ، المُتوفّى 258 ه ، وقَد أدرَكَ ابنُ جريرٍ الطَّبَري شَطرا مِن حَياتِهِ يَربو عَلى ثَلاثينَ سَنَةً ، كَذَّبَهُ ابنُ خراشٍ ، ووَهّاهُ ابنُ عديٍّ ، وقالَ : يَسرُقُ الحَديثَ . وزادَ ابنُ حَبّان : ويَرفَعُ المَوقوفاتِ لا يَحِلُّ الاِحتِجاجَ بِهِ . وقالَ النَّقّاش

.


1- .تهذيب التهذيب : ج2 ص466 و 467 الرقم 3184 ، تهذيب الكمال : ج12 ص326 الرقم 2676 .

ص: 270

مضمون الرواية

في حَديثٍ : وَضَعَهُ السّري . فَهُوَ مُشتَرَكٌ بَينَ كَذّابَينِ لا يَهُمُّنا تَعيينُ أحَدِهِما . . . ولا يَحسَبُ القارِئُ أنَّهُ السّري ابنُ يَحيَى الثِّقَةِ لِقِدَمِ زَمانِهِ ، وقَد تُوفّي سَنَة 167 قَبلَ وِلادَةِ الطَّبَري _ الرّاوي عَنهُ المَولود سنة 224 _ بِسَبعٍ وخَمسينَ سَنَة . وفي الإسناد شعيب بن إبراهيم الكوفي المجهول ، قال ابن عديّ : لَيسَ بِالمَعروفِ . وقالَ الذَّهَبي (1) : راوِيَةٌ كَتَبَ سَيفٌ عَنهُ ، فيهِ جَهالَةٌ» (2) .

مضمون الروايةيمكن الطعن بصحّة هذه الرواية من خلال أدنى تأمّل في مضمونها وصياغتها . والنقاط الَّتي تتبادر إلى الذهن لأوّل وهلة عند النظر إليها : 1 _ كيف يمكن التصديق بأنّ رجلاً يمنيّا أسلم حديثا أن يستجمع لنفسه كلّ هذه القوّة في مدّة لا تزيد عن العشر سنوات ، ويدبّر هذه الثورة الكبرى ضدّ خليفة المسلمين ؟ ! 2 _ المذكور هو أنّ الفترة الممتدّة من اعتناق هذا الرجل للإسلام إلى أيّام الثورة على عثمان لا تربو على عشر سنوات قضاها _ وفقا لروايات الطبري _ يجوب البلاد الإسلاميّة بمدنها وقراها . فما هي المقدرة الكلاميّة الَّتي كان يجيدها هذا الرجل بحيث استطاع خلال هذه المدّة القصيرة _ إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنّه جاب كلّ هذه البلدان في مدّة عشر سنوات _ إثارة أهالي بلادٍ كمصر والحجاز والبصرة والكوفة مع ما يوجد بين هذه البلاد من اختلافات في الثقافات

.


1- .ميزان الاعتدال : ج2 ص275 الرقم 3704 ، لسان الميزان : ج3 ص145 الرقم 517 .
2- .الغدير : ج8 ص140 .

ص: 271

والاتّجاهات الفكريّة ؟ ! وكيف تسنّى له الكلام ضدّ الخليفة بدون أن يقف بوجهه أحد ؟ ! ولماذا لم تذكر المصادر التاريخيّة شيئا عن مواقفه مع أهالي أيّ من تلك البلدان ، ولا عن مواقف أهالي تلك البلدان معه ؟ ! 3 _ هل يمكن التصديق بأنّ بعض الصحابة الكبار من أمثال أبي ذرّ الَّذي وصفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأنّه أصدق النّاس لهجة ، وعمّار الَّذي وصفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأنّه مع الحقّ ؛ يقعون تحت تأثير كلامه ؟ وكيف يمكن لمثل هؤلاء الرجال الَّذين لم يزعزعهم كلام الخليفة الأوّل ولا الخليفة الثاني ولا الخليفة الثالث عن مواقفهم ، أن يزعزعهم كلام رجل أسلم حديثا إضافةً إلى كونه مجهول النسب ؟ ! كان أبو ذرّ يحتجّ على عثمان لأخذه برأي كعب الأحبار اليهودي ، فكيف يأخذ هو برأي عبد اللّه بن سبأ ولا تعيب عليه الحكومة وغيرها ذلك ؟ ! ونضيف إلى ذلك بأنّ العلماء والمفكّرين من الإخوة السُنّة الَّذين يبجّلون صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كيف يبيحون لأنفسهم أن يُظهروهم _ عند تحليلهم لواقع الأحداث _ بهذه الدرجة من السذاجة الفكريّة بحيث يشهرون سيوفهم على خليفتهم ، ويثيرون تلك الفتنة الكبرى تحت تأثير كلام رجل يهودي ؟ ! 4 _ ذكروا أنّه كان له في معركة الجمل دور بارز ، فلماذا لا يوجد عنه أيّ خبر بعد انتهاء المعركة ؟ ! والشخص الَّذي يستطيع أن يفعل ما فعل بالخليفة ، لماذا لا يفعل شيئا في ذروة عزّه واقتداره ؟ ! ولماذا لم يذكر التاريخ حتّى اسمه ؟ ! 5 _ لماذا لم يتحقّق معاوية الَّذي كان يعتبر نفسه وليّا لدم عثمان ، ويرى حتّى الصحابة الَّذين كانوا في المدينة ولم ينهضوا لنجدة عثمان مستحقّين للقتل (1) ، لماذا لم يتحقّق في المسبّب الأصلي لتلك الواقعة ؟ ! ولماذا لم تذكر المصادر التاريخيّة ولا

.


1- .وقعة صفّين : ص197 .

ص: 272

خبرا واحدا عن ملاحقة معاوية لعبد اللّه بن سبأ ؟ ! 6 _ وأخيرا ؛ من هو عبد اللّه بن سبأ ؟ وما هو نسبه ؟ وأين كان قومه ؟ ومن أبوه واُمّه ، وأين كانا يعيشان ؟ وماهي القبيلة الَّتي ينتمي إليها ؟ هذه التساؤلات لا يوجد جواب عنها . وكيف لم يدوّن العرب الَّذين كانوا يعيرون أهمّية فائقة لعلم الأنساب شيئا عن رجل كان له مثل هذا الصيت الذائع ؟ ! ولماذا لم يشيروا إلى ذكر أحد من قومه ؟ ! إنّ أمثال هذه التساؤلات تجعل شخصيّة هذا الرجل تبدو وكأنّها مغمورة في هالة من الغموض ، حتّى اعتبر بين الباحثين المتأخّرين _ كما سبقت الإشارة _ شخصيّة مشبوهة . فقد شكّك بعض المستشرقين مثل فرد لندر ، وبرنارد لويس ، وكيتاني ، وباحثون سُنّة من أمثال طه حسين من خلال نقد وتحليل الأخبار المتعلّقة بعبد اللّه بن سبأ بوجود مثل هذا الشخص ، ونفوا جملة وتفصيلاً دوره الاُسطوري في الوقائع المتعلّقة بمقتل عثمان . صرّح طه حسين بأنّ عبد اللّه بن سبأ شخصيّة اختلقها خصوم الشيعة ، واعتبر التأكيد على أصله اليهودي تعريضا بالمذهب الشيعي . والنقطة المهمّة الَّتي يؤكّدها طه حسين هي أنّ البلاذري _ وعلى الرغم من دقّة نقله للأحداث الَّتي وقعت في عهد عثمان _ لم يذكر شيئا عن عبد اللّه بن سبأ ودوره في تلك الوقائع . وقد التفت العلاّمة الأميني إلى هذه المسألة وأشار اليها في كتابه «الغدير» (1) . ومن أوسع البحوث الَّتي جرت فيما يخصّ نقد وتمحيص الأخبار الواردة بشأن عبد اللّه بن سبأ ، هي البحوث الَّتي أجراها العلّامة مرتضى العسكري . وعند تقصّيه لمصادر تلك الأخبار ؛ توصّل إلى أنّ مصدرها هو تاريخ الطبري . ثمّ يثبت أنّ الدور

.


1- .راجع : كتاب «عليّ وبنوه» : ص90 _ 92 .

ص: 273

تمحيص هذين الرأيين :

الاُسطوري لعبد اللّه بن سبأ لم ينقله أحد من المؤرّخين سوى سيف بن عمر ! ! يتّضح من خلال التمعّن في الأخبار الَّتي نقلها سيف بن عمر بشأن الأحداث الَّتي وقعت بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، بأنّه كان قصّاصا ماهرا ، وأنّه كان يسعى بلا توانٍ وبشكل مقصود إلى تنزيه الحكّام الاُمويّين (أو العدنانيّين حسب تعبير العلّامة العسكري) من جميع القبائح والمفاسد . وقد عمد في هذا السياق إلى تزييف التاريخ كي لا يبقى ثمّة غبار يشوّه صورة عثمان ومعاوية وطلحة والزبير . وقد ذكر العلّامة العسكري بأنّ هذا الشخص تحدّث عن مئة وخمسين صحابيّا مختلقا ليس لهم وجود إلّا في ذهنه ، ولم يردّ ذكر أحد منهم في أيّ مصدر تاريخي آخر . وصف علماء رجال السُنّة سيف بن عمر بكلمات من قبيل : ليس بشيء ، كذّاب ، ضعيف ، فَلس خير منه ، متروك الحديث ، عامّة أحاديثه منكرة ، يروي الموضوعات عن الأثبات ، كان يضع الحديث ، وما شابه ذلك . وكلّها تعكس صورته الكاذبة القبيحة . يعتقد السيّد العسكري بأنّ عبد اللّه بن سبأ ليس له وجود خارجي ، وإنّما هو شخصيّة خياليّة اختلقها سيف بن عمر ودسّها في المصادر التاريخيّة . وعلى كلّ الأحوال فإنّ ما يمكن التوصّل إليه بشأن عبد اللّه بن سبأ يتلخّص في رأيين متناقضين تماما ، هما : 1 _ إنّه شخصيّة بارعة وقادرة على اصطناع المواقف والوقائع وما شابه ذلك . 2 _ إنّه شخصيّة وهميّة ومختلقة ابتدعها الخيال المريض لسيف بن عمر .

تمحيص هذين الرأيين :الرأي الأوّل يتبنّاه السُنّة وهو أمر مشهور لدى مؤرّخيهم . ولا شكّ في أنّ هذا الرأي لا يتّسم بالرصانة ؛ فالتساؤلات الَّتي اُثيرت هاهنا حول هذا الرأي لا يوجد

.

ص: 274

عنها جواب ، وهي كافية لإبطاله . كما أنّ المؤاخذات الَّتي عرضها العلّامة العسكري وتأكيده على تفرّد سيف بن عمر بذكر شخصيّة عبد اللّه بن سبأ ودوره في الأحداث المتعلّقة بمقتل عثمان ، تعتبر مؤاخذات دامغة وكفيلة بتفنيد هذا الرأي . ومن هنا لا يبقى مجال للشكّ في بطلان الرأي الَّذي يذهب إلى القول بأنّه شخصيّة بارعة قادرة على اختلاق الأحداث والوقائع . ذكرنا فيما سبق بأنّ أكثر من أكّد على وهميّة وجود هذه الشخصيّة هو العلّامة العسكري . والرأي الَّذي أدلى به في هذا المجال يتطلّب مزيدا من التأمل . فالدور القيادي لعبد اللّه بن سبأ وتأثيره الاُسطوري في الوقائع لا أساس له من الصحّة . وهذا الكلام لا يعني طبعا أنّ هذا الرجل لم يكن له أيّ وجود خارجي . ولو أنّ الأخبار الَّتي نقلها سيف بن عمر تختصّ بهذا الرجل وحده لكان من الجائز تأكيد صحّة هذا الرأي . ولكن النكتة الجديرة بالتأمّل هي أنّ الكثير من النصوص التاريخيّة والحديثيّة _ الواردة عن غير طريق سيف بن عمر _ تحدّثت عن وجود شخص باسم «عبد اللّه بن سبأ» . أظهرت الكثير من النصوص عبد اللّه بن سبأ كشخصيّة مغالية . فقد ذكرت بعض المصادر بأنّ الإمام عليّ عليه السلام أحرقه لغلوّه فيه وتأليهه إيّاه : 1 _ توجد في كتاب رجال الكشّي خمس روايات عن عبد اللّه بن سبأ ومعتقداته ، ثلاث منها ذات سند صحيح (1) . 2 _ جاءت في كتاب من لا يحضره الفقيه وتهذيب الأحكام رواية يسأل فيها عبد اللّه بن سبأ عن حكمة رفع اليدين أثناء الدعاء (2) .

.


1- .رجال الكشّي : ج1 ص323 ح170 و ح 171 و ص 324 ح172 و 173 و 174 .
2- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج1 ص325 ح955 ، تهذيب الأحكام : ج2 ص322 ح1315 .

ص: 275

3 _ ورد في كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق أنّ زرارة سأل الإمام الصادق عليه السلام : إنّ رجلاً من ولد عبد اللّه بن سبأ يقول بالتفويض (1) . 4 _ في رجال الطوسي اُشير إلى اسم عبد اللّه بن سبأ في عداد أصحاب الإمام عليّ عليه السلام وجاء فيه : عبد اللّه بن سبأ ، الَّذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلوّ (2) . 5 _ وفي كتاب الغيبة للطوسي اُشير إلى السبئيّة عند ذكر الاعتقاد بالإمام المهدي عليه السلام والتيّارات الَّتي تنكر هذا المعتقد فقال : أ لَيسَ قَد خالَفَ جَماعَةٌ . . . وفيهِم مَن قالَ مِنَ السَّبَائِيَّةِ : هُوَ عَلِيٌّ عليه السلام لَم يَمُت . . . (3) . 6 _ جاء في كتاب المحبّر لمحمّد بن حبيب النسّابة (م 245 ه ) في باب أبناء الحبشيّات : عبد اللّه بن سبأ صاحب السبائيّة (4) . 7 _ قال ابن قتيبة (م 276 ه ) في كتاب المعارف : السبئيّة من الرافضة ، يُنسبون إلى عبد اللّه بن سبأ ، وكان أوّل من كفر من الرافضة وقال : عليّ ربّ العالمين ؛ فأحرقه عليّ وأصحابه بالنار (5) . 8 _ قتل أعشى همدان عام 83 ه على يد الحجّاج . وقد قال أعشى همدان عن المختار وكرسيّه الَّذي كان يقدّسه ويدّعي أنّ عليّا جالس عليه : شهدتُ عليكم أنّكم سبأيّة وأنّى بكم يا شرطة الشرك عارف (6) وهناك أخبار اُخرى وردت في كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الأشعرى ¨

.


1- .الاعتقادات : ص100 ح37 .
2- .رجال الطوسي : ص75 ح718 .
3- .الغيبة للطوسي : ص192 ح154 .
4- .المحبّر : ص308 .
5- .المعارف لابن قتيبة : ص622 .
6- .البداية والنهاية : ج8 ص279 .

ص: 276

(م 301 ه ) ، وفي كتاب فرق الشيعة للنوبختي (م 310 ه ) ، وفي كتاب مقالات الإسلاميّين لعليّ بن إسماعيل (م 330 ه ) ، وفي كتاب التنبيه والرد لأبي الحسين الملطي (م 377 ه ) وفي كتاب الفرق بين الفِرَق لعبد القادر البغدادي (م 429 ه ) عن عبد اللّه بن سبأ أو فرقة السبئيّة (1) . وبغضّ النظر عن طبيعة هذه الأخبار ودرجة اعتبارها فهي تنمّ من غير شكّ عن أنّ الأخبار المتعلّقة بعبد اللّه بن سبأ والسبئيّة لم يتفرّد بنقلها سيف بن عمر وحده أو الطبري وحده . وخلاصة القول هي : 1 _ يُستفاد من المصادر الموجودة بأنّ شخصا اسمه «عبد اللّه بن سبأ» كان موجودا بين أصحاب الإمام عليّ عليه السلام . 2 _ هناك احتمال قوي بأنّه كان رجلاً مغاليا . 3 _ كان له أتباع استمرّوا على الاعتقاد برأيه من بعده . 4 _ لا توجد أخبار مقبولة عن دوره ضدّ عثمان وتحريض النّاس عليه سوى ما نقله سيف بن عمر الكذّاب . 5 _ سيف بن عمر رجل مختلق للأكاذيب والأساطير وغير موثوق ، وقد وصفته المصادر الرجاليّة صراحة بالكذّاب . 6 _ لم يُشر أيّ من المؤرّخين إلى وجود طائفة باسم طائفة السبئيّة خلال أحداث عام 30 _ 36 ه . 7 _ من المؤكّد أنّ الدور الاُسطوري الَّذي نسبه سيف بن عمر إلى عبد اللّه بن سبأ كذب محض .

.


1- .عبد اللّه بن سبأ وأساطير اُخرى : ج2 ص221 _ 231 .

ص: 277

8 _ الدور القيادي لعبد اللّه بن سبأ في مقتل عثمان ، وتأثّر الصحابة وعامّة المسلمين بآرائه كذب صريح . وحتّى لو أنّ مؤرّخين معتبرين نقلوا تلك الأخبار ، لكان واقع المسلمين والصورة الناصعة للصحابة كفيلة بدحضها . 9 _ سبقت الإشارة إلى أنّ سيف بن عمر _ كما جاء في أقوال علماء الرجال _ كذّاب ومطعون فيه . ونضيف هنا أنّ سيف بن عمر حتّى لو كان وجها مقبولاً ، فإنّ هذه المنقولات غير قابلة للتصديق من حيث المضمون . فإنّ طرح الأحداث على هذا النحو الساذج لا يمكن أن يُقنع مؤرّخا بل ولا حتّى إنسانا عاديّا . النكتة الاُخرى هي أنّ هذه الأخبار قد صنعت من عبد اللّه بن سبأ وجها بارزا ومؤثّرا إلّا أنّها بالغت في تصوير سلوك بعض الشخصيّات على نحوٍ لا يمكن معه حتّى للإنسان العادي ان يقوم بمثل ذلك السلوك ، فما بالك بالشخصيّات البارزة ذات الوعي السياسي العالي ؟ ! 10 _ ومهما يكن الحال فإنّ وجود مثل هذين الرأيين المتناقضين في الإفراط والتفريط أمر غير مستساغ ؛ أي لا دوره الخارق مقبول ، ولا القول بأنّه شخصيّة وهميّة . فقد كان شخصا عاديّا مع احتمال أن تكون له آراء مغالية . نشير إلى أنّ العلّامة العسكري على بيّنة من وجود هذه الأخبار . وقد طرحها على بساط البحث وناقشها ، ولابدّ أنّه اقتنع بعدم صحّتها . إلّا أنّ المجال لا يتّسع هنا لمناقشة هذه المباحث . بَيد أنّنا نظنّ بأنّ هذه الأخبار تنمّ عن وجود هذا الشخص ، ولكنّه كان شخصا عاديّا عاش في المجتمع الإسلامي كأيّ مواطن آخر .

.

ص: 278

. .

ص: 279

القسم الخامس : سياسة الإمام عليّ عليه السلام

اشاره

القسم الخامس : سياسة الإمام عليوفيه فصول :الفصل الأوّل بيعة النورالفصل الثاني : الإصلاحات العلويّةالفصل الثالث : السياسة الإداريّةالفصل الرابع : السياسة الثقافيّةالفصل الخامس : السياسة الاقتصاديّةالفصل السادس : السياسة الاجتماعيّةالفصل السابع : السياسة القضائيةالفصل الثامن : السياسة الأمنيّةالفصل التاسع : السياسة الحربيةالفصل العاشر : السياسة الدوليّة

.

ص: 280

. .

ص: 281

المدخل

(1) السياسة في المدرستين

اشارة

المدخل(1 )السياسة في المدرستينتسنّم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الحكم في 18 ذي الحجّة عام 35 ه ، وخرَّ شهيداً في محراب العبادة في 21 رمضان عام 40 للهجرة . وبذلك تكون مدّة حكمه قد بلغت أربع سنوات وتسعة أشهر وثلاثة أيّام (1) . أمّا البحوث الَّتي تتّصل بهذا العهد فهي : 1 _ كيفيّة وصول الإمام إلى الحكم ، وانطلاق الإصلاحات ، والمرتكزات الَّتي نهضت عليها سياسة الإصلاح العلوي . 2 _ ضروب المواجهة الَّتي برزت إزاء سياسة الإصلاح العلوي ، والفتن الَّتي اشتعلت نتيجة لمناهضة الإصلاحات ، والحروب الَّتي اندلعت في عهد حكومة الإمام على قصره . 3 _ الضعف والتراخي الَّذي برز في جيش الإمام ، وتفشّي العصيان وعدم الطاعة ، وانطلاق الحملات العسكريّة والغارات لمعاوية ، حَتّى صارت هذه المرحلة من أمضّ أيّام حكم الإمام ، وأكثرها إيلاماً . 4 _ تيّار مؤامرة اغتيال الإمام الَّذي انتهى فعلاً بواقعة استشهاده . 5 _ حال أصحاب الإمام والقادة والاُمراء في نطاق عهده السياسي . إنّ كلّ واحد من هذه العناوين الخمسة قد استحوذ على شطرٍ من هذه

.


1- .سيوافيك تفصيل النصوص الَّتي أفاد منها هذا التحليل خلال البحوث القادمة ، ما عدا بعض الموارد الخاصّة حيث لم يرد لها ذكر هناك ؛ فعمدنا إلى تخريجها من مصادرها وذكرها هنا في الهامش .

ص: 282

الموسوعة ، بيدَ أن إدارة السلطة ، وطبيعة السياسات الَّتي انتهجها الإمام في الحكم تحظى بأهمّية خاصّة في العصر الحاضر ، ولا سيما بالنسبة لقادة الجمهوريّة الإسلاميّة ، نظراً لما تتمتّع به من فاعليّة وبُعد تعليميّ . لكن قبل أن نعرض للنصوص التاريخيّة والحديثيّة ذات الصلة بنهج الإمام السياسي نمرّ في البدء على تعريف السياسة والمراد منها في كلٍّ من المدرستين : العلويّة والاُمويّة ، ثمّ نعرض من خلال إشارات سريعة إلى العناوين الرئيسيّة للمرتكزات السياسيّة للإمام ، والاُصول الَّتي يعتمدها في الإدارة . وعلى ضوء هاتين النقطتين ننتقل بعدئذٍ إلى معالجة الأسئلة الَّتي تُثار حيال الرؤية السياسيّة للإمام والإجابة عنها ، والدفاع عن سياسته عليه السلام ومعنى كونه سياسيّاً . تعدّ الرؤية السياسيّة من وجهة نظر الإمام علي عليه السلام واحدة من أهمّ الشروط الأساسيّة للقيادة ؛ فالإمام لا ينظر إلى السياسة بوصفها رمز دوام الرئاسة والقيادة ، واستمرار إطاعة الاُمّة للقائد وحسب ، بل ما برح يؤكّد أنّ «المُلك سياسة» . إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يتحدّث صراحة بأنّ العجز السياسي هو آفة تهدّد القادة ، وأنّ اُولئك القادة الَّذين لا يتمتّعون ببصيرة سياسيّة نافذة تتآكل سلطتهم ، ويهبط عهد رئاستهم إلى أقلّ مدىً زمني ، وفي نهج الإمام فإنّ السياسات الخاطئة هي علامة سقوط الدول وزوال الحكومات . وعلى هذا الأساس تذهب المدرسة العلويّة إلى أنّ إدارة المجتمع على ضوء الاُصول الإسلاميّة ، هي عمليّة لا يمكن أن تتحقّق إلّا من خلال التأهّل السياسي لقادة ذلك المجتمع فقط . بتعبير آخر : يعدّ التأهّل السياسي أحد الاُصول العامّة للإدارة ، من دون وجود اختلاف يُذكر على هذا الصعيد بين الإسلام وسائر المدارس والمنهجيّات الاُخَر .

.

ص: 283

السياسة في المدرسة الامويّة

ومن هذا المنظار سيتمّ عرض تعاليم الإمام علي عليه السلام في هذا المجال . أمّا ما يميّز الإسلام على هذا الصعيد عن بقيّة المدارس والمنهجيّات فيكمن في «مفهوم» السياسة العلويّة في مقابل «مفهوم» السياسة الاُمويّة ، وما ينطوي عليه هذا المصطلح من مضامين معنويّة .

السياسة في المدرسة الاُمويّةتنظر المدرسة الاُمويّة إلى السياسة على أنّها : «تشخيص الهدف وبلوغه بأيّ طريق ممكن» . والحقيقة أنّ سياسيّي العالم في الماضي والحاضر الَّذين يتعاطون هذه الممارسة رسميّاً ، لا يفهمون من «السياسة» أكثر من هذا . وحقيقة الحال أنّ السياسة في المدرسة الاُمويّة بمعناها الشائع في التقليد السياسي للحكومات والأنظمة ، لا تنهض على اُصولٍ ومرتكزات قيميّة . فهذا (شينفلر) أحد منظّري السياسة وفق هذا المبنى يقول : لا شأن للسياسي المحترف في أن تكون الاُمور حقّاً أم باطلاً . على المستوى ذاته حلّل (برتراند راسل) أيضاً الدوافع والألاعيب السياسيّة ، وتعاطى وإيّاها من خلال المنظار نفسه ، وهو يقول : «يتمثّل الحافز السياسي عند أكثر النّاس بالنفعيّّة والأنانيّة والتنافس وحبّ السلطة . على سبيل المثال : يكمن مصدر جميع الأعمال الإنسانيّة في الممارسة السياسيّة بالعوامل المذكورة آنفاً . فالقائد السياسي الَّذي يستطيع إقناع النّاس بقدرته على تلبية هذه الاحتياجات وإشباعها ، تصل قدرته في احتواء جماهير النّاس وضمّها إلى سلطته حدّاً تؤمن فيه أنّ اثنين زائد اثنين يساوي خمسة ، أو أنّ جميع هذه الصلاحيّات قد فُوّضت إليه من قِبل اللّه ! أمّا القائد السياسي الَّذي يُغضي عن مثل هذه الدوافع ويهملها ، فهو لا يحظى

.

ص: 284

السياسة في المدرسة العلويّة

عادة بتأييد الجماهير المستضعفة وحمايتها . وبذلك يدخل علم نفس القوى المحرّكة للجمهور كجزءٍ من أهمّ أجزاء إعداد القادة السياسييّن الناجحين ، وكشرط في طليعة شروط تأهيلهم وتربيتهم» (1) . يُضيف : «إنّ أكثر القادة السياسييّن إنّما يغنمون مناصبهم من خلال إقناع قطّاع واسع من الجمهور بأنّهم يتحلّون بتطلّعات إنسانيّة ، حيث صار واضحاً أنّ مثل هذا الاعتقاد يلقى قبولاً سريعاً ، إثر وجود حالة الغليان والحماس . إنّ غَلّ الأفراد ورسفهم بالقيود ، ثمّ ممارسة إلقاء الكلام والخطابة العامّة ، والتوسّل بالعقوبات غير القانونيّة ، واللجوء إلى الحرب هي مراحل لتكوين حالة الحِراك الجماعي ومدّ الهياج العام وتوسعته . أعتقد أنّ أنصار الفكر غير المنطقي يجدون فرصة أفضل في الحفاظ على حالة الهياج العام عند الأفراد ، بُغية استغلالهم وخداعهم» (2) . إنّ ما جاء في هذا التحليل السياسي حيال القيادة السياسيّة للمجتمع يتطابق بالكامل مع تفسير السياسة ومعناها في المدرسة الاُمويّة ؛ فمعاوية ؛ مؤسِّس هذه المدرسة في تأريخ الإسلام ، تحرّك على هذا الأساس ، ومن خلال شعار «المُلك عقيم» (3) بحيث كان على اُهبة الاستعداد لممارسة أيّ شيء من أجل بلوغ السلطة والدفاع عنها .

السياسة في المدرسة العلويّةلكن مع الانتقال إلى الإمام عليّ عليه السلام ، وهو يسجِّل : «المُلك سياسة» لم يكن يقصد

.


1- .منتخبات أفكار راسل (بالفارسيّة) : ص2 _ 3 .
2- .منتخبات أفكار راسل (بالفارسيّة) : ص222 .
3- .الأمالي للصدوق : ص132 ح125 وراجع : ج 3 ص 480 (ذكرى دعوة الإمام إلى المبارزة) .

ص: 285

حركة الإصلاح العلوي

أنّ التوسّل بأيّ وسيلة هو أمر مباح لبلوغ السلطة أو الحفاظ عليها ، بل على العكس تماماً ؛ إذ لا يجوز استعمال الأداة السياسيّة غير الشرعيّة في المدرسة العلويّة ، حَتّى لو كلّف ذلك فقدان السلطة نفسها . السياسة في المدرسة العلويّة : هي معرفة الأدوات السياسيّة المشروعة ، وتوظيفها لإدارة المجتمع ، وتأمين الرفاه المادّي والمعنوي للناس . بل أساساً لا تستحق السياسات غير الشرعيّة لقب «السياسة» في النهج العلوي ولا يطلق عليها هذا الوصف ؛ إنّما هي المكر والخدعة والنكراء والشيطنة (1) . في النهج العلوي لا تحتاج عمليّة إدارة النظام والحفاظ على السلطة إلى أدوات سياسيّة غير مشروعة ، بل يمكن حُكم القلوب من خلال توظيف السياسات الصحيحة والشرعيّة فقط ، وسوق المجتمع صوب التكامل المادّي والمعنوي . ربّما تكون السياسات غير الشرعيّة مفيدة مؤقّتاً لتحكيم هيمنة السياسييّن الرسمييّن ، بيدَ أنّها لا يمكن أن تدوم ، وهي تحمل إلى النّاس أضراراً ماحقة .

حركة الإصلاح العَلَويعلى هذا الأساس انطلق الإمام مباشرة بعد أن بايعه النّاس وتسلّم زمام السلطة السياسيّة بحركة إصلاح حكوميّة بدأَها من خلال شعار العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة . لقد أعلن صراحة أنّ الفلسفة الكائنة وراء قبوله الحكم تكمن في إيجاد الإصلاحات ، وكان عليه السلام يعتقد أنّ المجتمع الإسلامي قد تغيّر في المدّة الَّتي كان فيها الإمام بعيداً عن المشهد السياسي ، وأنَّ ما يُمارس باسم الحكومة الإسلاميّة ينأى بفاصلة كبيرة عن الإسلام وسيرة النبيّ صلى الله عليه و آله وسنّته .

.


1- .يقول الإمام الصادق عليه السلام في وصف دهاء معاوية السياسي : «تلك النكراء ! تلك الشيطنة ! وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل» (الكافي : ج1 ص11 ح3) .

ص: 286

سياسة الإمام في مواجهة الانحراف
سياسة الإصلاح الإداري والاقتصادي

من جهة اُخرى كان الإمام يعلم جيّداً بأنّ الطريق الجديد والإعلان عن نهج الإصلاح العلوي الَّذي هو نفسه الإصلاح المحمّدي ، لا يتّسق مع مزاج المجتمع في ظلّ الأوضاع السياسيّة الَّتي كانت سائدة ، وبحسب قوله عليه السلام : «لا تَقُومُ لَهُ القُلُوبُ ، ولا تَثبُتُ عَلَيهِ العُقُولُ» ، حيث تستتبع عمليّة مواجهة الانحرافات ، ومكافحة الاعوجاج كثيراً من الاضطرابات السياسيّة . من هذه الزاوية كانت عمليّة الإصلاح السياسي والاجتماعي الشامل بحاجة إلى إعداد وتخطيط عميق جدّاً ومحسوب .

سياسة الإمام في مواجهة الانحرافلم يتعامل الإمام عليه السلام مع الانحرافات الموجودة بعجلة ؛ لأنّ التعاطي مرّة واحدة وبشكل مباشر مع جميع الانحرافات الَّتي كان المجتمع قد اعتاد عليها خلال سنوات ، يجرّ إلى عدم الرضا العامّ ، ويُفضي إلى الفرقة وضعف بنيان الحكم ، بل ولجَ الإمام هذه الدائرة على أساس برنامج تمّ الإعداد له جيّداً ، فقسَّم الإصلاحات الَّتي ينبغي أن تضطلع بها حكومته إلى قسمين ، هما : 1 _ مواجهة الفساد الإداري والاقتصادي . 2 _ مواجهة الانحرافات الثقافيّة .

سياسة الإصلاح الإداري والاقتصاديلقد انطلقت سياسة الإصلاح العلوي في مواجهة الفساد الإداري والاقتصادي منذ الأيّام الاُولى لعهد الإمام السياسي ، فعزَل الولاة غير الأكفّاء ، وأعاد الأموال العامّة إلى بيت المال . لقد أشار الإمام منذ يوم البيعة الأوّل إلى نهجه الاُصولي في الإصلاح ، ونبَّه إلى

.

ص: 287

سياساته على هذا الصعيد بشكل مقتضب وعامّ ، وهو يقول : «إعلَمُوا أنّي إن أَجَبتُكُم رَكِبتُ بِكُم ما أعلَم ، وَلَم اُصغِ إلى قَولِ القائِلِ ، وَعَتبِ العاتِبِ» (1) . وفي ثاني أيّام خلافته اعتلى المنبر ، ثمّ راح يُصرّح بما كان قد أشار إليه في اليوم السابق ، وهو يقول : «ألا إنَّ كُلَّ قَطِيعَةٍ أقطَعَها عُثمان ، وَكُلَّ مالٍ أعطَاهُ مِن مالِ اللّهِ فَهوَ مَردُودٌ في بَيتِ المالِ ؛ فإنَّ الحَقَّ القَديمَ لا يُبطِلُهُ شَيءٌ ، ولَو وَجَدتُه وَقَد تُزُوِّجَ بِهِ النِساء وَفُرِّقَ فِي البُلدانِ ، لَرَدَدتُهُ إلى حالِهِ ؛ فإنَّ في العَدلِ سِعَةً ، وَمَن ضاقَ عَلَيهِ العَدلُ فَالجُور عَلَيهِ أضيَقُ» . لقد تحدَّث الإمام بإسهاب في خطاب تفصيليّ ألقاه في ذلك اليوم عن مسؤوليّة قادة المجتمع في بسط العدالة الاجتماعيّة ، وأعلن بوضوح أنّه لن يسمح لأحدٍ _ دون استثناء _ من استغلال المال العامّ ، وأنّ اُولئك الَّذين راكموا ثرواتهم عبر غصب المال العامّ وحصلوا _ عن هذا الطريق _ على الأراضي الخصبة (القطائع) والخيول المسوّمة والجواري الحسان ، سيعمد علي إلى مصادرة هذه الثروات المغصوبة بأجمعها وردّها إلى بيت المال . كان هذا الحديث لأمير المؤمنين عليه السلام بمنزلة الصاعقة الَّتي نزلت على رؤوس من يعنيهم الأمر ، حيث راحت أصداء مواجهة نداء العدالة العلويّة تتجسّد في معارضة شخصيّات معروفة لحكم الإمام . وفي اليوم الثالث من أيّام عهد الإمام دعا النّاس إلى استلام أعطياتهم من بيت المال ، حيث أمر عليه السلام كاتبه عبيد اللّه بن أبي رافع أن يسير على النهج التالي : «اِبدَأ بِالمُهاجِرينَ فَنادِهِم وَأعطِ كُلَّ رَجُلٍ مِمَّن حَضَرَ ثَلاثَةَ دَنانِير ، ثُمَّ ثَنِّ بِالأنصارِ فَافعَل مَعَهُم مِثلَ ذلِكَ ، ومَن حَضَرَ مِنَ النّاسِ كُلّهِم الأحمَرَ والأسوَدَ فَاصنَع بِهِ مِثلَ ذلِكَ» .

.


1- .العناوين الَّتي أشرنا ونشير إليها هنا سيرد ذكرها بالتفصيل لاحقاً .

ص: 288

سياسة الإصلاح الثقافي

أدرك سُراةُ القوم وكبراؤهم أنّ العدالة الاقتصاديّة في ظلال حكم عليّ عليه السلام ليست شعاراً وحسب ، بل هي نهج جادّ لا محيد عنه ، فراحوا يتحجّجون ويتبرّمون أمام كاتب الإمام ، وأبدَوا تذمّرهم من ذلك ، فما كان من ابن أبي رافع إلّا أن رفع الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم يُفاجأ الإمام بانطلاق شرارة المعارضة والرفض من قبل الشخصيّات المرموقة ، ليس هذا وحسب ، بل أعلن بجزم عن إدامة النهج الإصلاحي ، وهو يقول : «وَاللّهِ إن بَقيتُ وسَلِمتُ لَهُم لَاُقيمَنَّهُم عَلَى المَحَجَّةِ البَيضاءِ» . من هذه البؤرة بالذات بدأت مسألة الطلب بثأر عثمان من الإمام ! والَّذي يبعث على التأمّل أنّ بعض أصحاب الثروات كانوا قد قيّدوا بيعتهم للإمام بشرطين ؛ الأوّل : أن لا يقترب الإمام من ثرواتهم الَّتي كانوا جنوها على عهد عثمان ، والثاني : أن يقتصّ من قتلة عثمان . لقد كان الإمام يعلم أنّ مسألة إنزال القصاص بقَتَلة عثمان لم تكن أكثر من ذريعة لعدم استرداد الثروات غير المشروعة لهؤلاء ، بيدَ أنه لم يُذعن إلى أيٍّ من هذين الشرطين ، وواجه _ بحزم وصلابة _ الاقتراحات التساوميّة .

سياسة الإصلاح الثقافيلقد كانت الأوضاع موائمة لبدء الإصلاح الإداري والاقتصادي نتيجةً لقيام عامّة النّاس ضدّ الفساد الإداري والاقتصادي المستشري على عهد عثمان . على هذا الأساس انطلق الإمام بهذه الإصلاحات منذ الأيّام الأولى لتسنّمه أزمّة السلطة برغم تقديره لجميع التبعات الَّتي تترتّب عليها ، والمشكلات الَّتي تؤدّي إليها . على عكس حركة الإصلاح الثقافي الَّتي لم يكن الشروع الفوري بها ممكناً ، بل كانت تحتاج إلى زمان حَتّى يستقرّ حكم الإمام . ولذلك كان عليه السلام يقول في هذا المضمار : «لَوِ استَوَت

.

ص: 289

قَدَمايَ مِن هذِهِ المَداحِضِ لَغَيَّرتُ أشياءَ» . لم يكن سهلاً على الإمام أمير المؤمنين أن يواجه بشكل مباشر وفوري الإرث الثقافي الَّذي تطبّع عليه النّاس واعتادوه خلال ربع قرن من الزمان ؛ لأنّ هذه العمليّة _ لو تمّت _ كانت تجرّ إليها نفور الجمهور وسخطه ، وتستتبع اختلاف الاُمّة . لذلك كلّه ترك الإمام موضوع مواجهة الانحرافات الثقافيّة إلى فرصةٍ مؤاتية . أجل ، لقد انطلق الإمام عليّ عليه السلام ببرنامجه الإصلاحي الدقيق والمدروس ، لإعادة المجتمع الإسلامي إلى سيرة النبيّ وسنّته ، من نقطة العدالة الاجتماعيّة ومفصل الإصلاح الإداري والاقتصادي . ثمّ ظلَّ وفياً لهذا النهج حَتّى آخر لحظات حياته ، حيث لم يتراجع في أحلك الأوضاع السياسيّة الَّتي مرَّت ، ولم يتوانَ في بذل أقصى جهوده من أجل استكمال هذا المشروع ، وإيجاد المجتمع القائم على أساس القيم والأهداف الإسلاميّة الأصيلة . إنّ ما سنتوفّر عليه في هذا الجزء من الموسوعة هو بيان أهمّ اُصول حركة الإصلاح العلوي ، وأبرز مرتكزاتها في مضمار الإصلاح الإداري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والاجتماعي ، والقضائي ، والأمني ، والعسكري ، وذلك من خلال الاستناد إلى النصوص الحديثيّة والتاريخيّة . ثمّ نصير بعدئذٍ إلى استخلاص رؤى الإمام في مجال السياسات الَّتي تُفضي على المستوى الدولي إلى ثبات الدول أو سقوطها ، وبيان ما يكون منها مؤثّراً على صعيد العلاقة الإيجابيّة بين الدول بعضها ببعض . وأخيراً ننتقل إلى عرض نصوص سياسات الإمام ومصادرها . أما التوفّر على شرح وافٍ لمرتكزات سياسة الإمام فهي عمليّة تحتاج إلى فرصة اُخرى .

.

ص: 290

(2) منهج حكومة القلوب

اشارة

(2 )منهج حكومة القلوبتنتهي عمليّة تفحّص النصوص الإسلاميّة في مضمار القواعد الَّتي تنهض عليها مرتكزات النظام الإسلامي ، إلى أنّ الإسلام هو دين الحكومة على القلوب ؛ وإلى أنّ المنطلقات السياسيّة للحكم الإسلامي هي اُصول هذا النوع من الحكم والإدارة ، ومن ثَمَّ فإنّ المباني السياسيّة للنظام العلوي هي ليست شيئاً غير مرتكزات الإدارة الإسلاميّة نفسها . فالإسلام منهج لتكامل الإنسان ماديّاً ومعنويّاً ، وإنّ الحبّ هو أهم العناصر الَّتي تدخل في قوام هذا المنهج . لقد بلغ موقع الحبّ في قيام الحكومة الإسلاميّة ، ودوره في برامج هذا الدين من أجل تقدّم المجتمع الإنساني ، حدّاً جعل الإمام الباقر عليه السلام لا يرى الإسلام إلّا أنّه دين الحبّ وحسب ، وهو يقول : «هَلِ الدِّينُ إلّا الحُبُّ !» (1) . ومن وجهة نظر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام تقوم الدعائم الأساسيّة للإسلام واُصول منهاجه التكاملي ، على أساس محبّة اللّه ، حيث يقول : «إنَّ هذَا الإِسلامَ دينُ اللّهِ الَّذِي اصطَفاهُ لِنَفسِهِ ، وَاصطَنَعَهُ عَلى عَينِهِ ، وأصفاهُ خِيَرَةَ خَلقِهِ ، وأقامَ دَعائِمَهُ عَلى مَحَبَّتِهِ» (2) . كما أنّ أئمّة الدين والقادة السياسييّن الصادقين للاُمّة الإسلاميّة ، ما هُم إلّا مظاهر محبّة النّاس للخالق جلّ جلاله ؛ وما محبّة النّاس لهم إلّا محبّة للّه سبحانه (3) .

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص71 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 198 .
3- .«من أحبّكم فقد أحبّ اللّه » (تهذيب الأحكام : ج6 ص97 وص101 ح1 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص613 ح3213 .

ص: 291

وعلى هذا الأساس تتخطّى القاعدة الصلبة الَّتي تقوم عليها الحكومة الإسلاميّة دائرة البيعة ورأي النّاس ؛ إذ للحكم الإسلامي جذر راسخ في حبّ النّاس وقلوبهم . وهنا يكمن سرّ كلّ هذا التركيز القرآني والأحاديث الإسلاميّة ، على محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم (1) . من جهةٍ اُخرى نعرف أنّ المحبّة لا ترتكن إلى الأمر ؛ إذ يمكن إجبار الإنسان على أن يقوم بعمل خلاف رغبته وضدَّ ميله الباطني ، ولكن لا يمكن إجباره على حبّ شخصٍ من دون أن ينجذب إليه ويميل له ذاتياً . إنّ الإنسان عاشق للجمال بطبيعته ، فهو يحبّ جميع مظاهر الجمال المادّي والمعنوي . فإذا أحبّ منهج إنسان وسيرته وارتاح إلى فعله وعمله مالَ إليه وتوثّقت علاقته به ، وإذا نفر منه واستوحش فعله وسيرته لم يحبّه . من هنا نفهم أنّ فلسفة وجوب محبّة أهل البيت ، تكمن في السعي من أجل معرفتهم معرفة حقيقيّة ؛ لأنّ سيرتهم وسلوكهم هما من الجمال والجاذبيّة بحيث لا يطّلع عليها إنسان وهو سليم الوجدان لم يفقد ضميره الإنساني ، إلّا أحبّهم وشعر بالمودّة إزاءهم . وهنا بالضبط يكمن سرّ حبّ كلّ الَّذين عرفوا عليّ بن أبي طالب سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين . لقد استطاع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن يعكس في حياته وبالأخصّ خلال عهده السياسي القصير أبهى صورة للإنسانيّة ، وأعظم صيغة للحكم المبتني على أساس القيم الإنسانيّة ؛ فليس بمقدور إنسان ينظر إلى جمال فِعال عليّ وحكمه ثمّ لا يهيم به حبّاً .

.


1- .راجع : كتاب «المحبّة في الكتاب والسنّة» : ص 135 (من تجب محبّته) .

ص: 292

اصول السياسة الإداريّة
1 _ الصدق في السياسة

وفيما يلي نمرّ سريعاً على الاُصول السياسيّة للإمام ومرتكزاته في إدارة البلاد ؛ هذه المرتكزات الَّتي تعدّ في حقيقتها سرّ إيجاد ضروب الجمال ، ودائرة النفوذ العلويّة ، كما تؤلّف الاُصول السياسيّة للحكومة على القلوب ، وذلك على أمل أن يقترب مسؤولوا نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وقادته من الإمام أكثر فأكثر ، ويعكسوا للعالم ملامح من الصورة الوضّاءة للحكم العلوي .

اُصول السياسة الإداريّةيمكن استخلاص السياسة الإداريّة للإمام علي عليه السلام وإرجاعها إلى عدّة اُصول ، هي :

1 _ الصدق في السياسةالصدق فيالسياسة هو أهمّ أصل فيالسياسة الإداريّه للإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو رمز النفوذ الخلّاق والجاذبيّة الخالدة للحكم العلوي ، والحدّ الفاصل بين تخوم السياستين العلويّة والاُمويّة ، فإنّه لا معنى للصدق ولا مكان له في قاموس السياسة الاُمويّة ، والكذب هو الأداة الأساسيّة في ضروب الفعّاليّة السياسيّة عند السياسييّن المحترفين . يذكر الإمام الخميني أنّ أحد مسؤولي النظام الملكي السابق زاره عندما كان في السجن ، وقال له : «إنَّ السياسة خبث وكذب وخداع . . . وهي بلاء سيّئ ، اتركوا ذلك لنا» ! يضيف الإمام الخميني في تتمّة الواقعة : «صحيحٌ ما يقوله ؛ فلئن كانت السياسة لا تعني إلّا هذه الاُمور ، فهي من شؤونهم» (1) . أجل ، إذا ما حذف الكذب عن

.


1- .ولاية الفقيه : ص192 و 193 .

ص: 293

2 _ محوريّة الحقّ
3 _ سيادة القانون

السياسة في عالَم السياسييّن المحترفين فلن يبقى منها شيء . أمّا في قاموس السياسة العلويّة فإنّ الصدق أوّل شروط الحكم والتأهّل السياسي ، فإذا لم يكن ثَمَّ وجود للصدق السياسي فلن يكون هناك معنى لسيادة الحقّ ، وحاكميّة القانون ، وحقوق الإنسان ، والعدالة الاجتماعيّة ، وجميع البرامج والسياسات البنّاءة الَّتي سنشير لها بعدئذٍ ، حيث تتحوّل بأجمعها إلى كلمات فارغة لا معنى لها ، وتنقلب إلى أداة للابتزاز والتعدّي على حقوق النّاس أكثر . في نهج السياسة العلويّة لا يجوز توظيف الحيل السياسيّة إلّا في مورد واحد هو الحرب ، والحرب هي الاستثناء الوحيد للّجوء إلى الخديعة ، كما سيأتي توضيح ذلك أثناء الحديث عن السياسة الحربيّة للإمام عليه السلام .

2 _ محوريّة الحقّتعدّ محوريّة الحقّ مظهراً للصدق السياسي في الحكم العلوي ، فإذا ما جلت النظر في سلوك الإمام عليه السلام وسيرته السياسيّة في جميع مجالات الحكم ، لرأيت أن الالتزام بهذا الأصل واضح في ثنايا هذه السيرة ، وفي كلّ مرفق من مرافقها . لقد كان الإمام يرى أنّ إقامة الحقّ وإحقاقه هو عماد فلسفة حكمه ، ولم يكن يفكِّر في إدارة الاجتماع السياسي بشيء آخر غير إحياء الحقّ ومحو الباطل . على هذا الضوء واجه الإمام عليه السلام بشدّة اُسلوب المداهنة والتلوّن في إدارة شؤون المجتمع ، فيما كانت تمثِّله السياسة الاُمويّة .

3 _ سيادة القانونلقد بلغ من احترام الإمام عليه السلام للقانون أنّه لم يكن يرى لنفسه خاصّية أمام القانون . كان يؤمن أنّه ليس هناك شخص فوق القانون ، ولن يستطيع أحد _ ولا ينبغي له _ أن يكون مانعاً عن تنفيذ القانون الإلهي .

.

ص: 294

4 _ الانضباط الإداري
5 _ انتخاب الأكفّاء
6 _ تأمين الاحتياجات الاقتصاديّة للعاملين

4 _ الانضباط الإداريكان الإمام عليه السلام ميّالاً بحزم إلى خاصّية النظم والانضباط في الشؤون الفرديّة والاجتماعيّة ، بالأخص الاُمور ذات الصلة بالحكم ؛ ففي فلسفة الإمام كانت واحدة من حِكَم القرآن إيجاد النَّظم في المجتمع ، حيث يقول في وصفه : «ألا إنّ فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم» . كان الإمام يحثّ العاملين معه على الدوام أن لا يغفلوا عن خاصّية الانضباط الإداري في ممارسة العمل ، وأن يبذلوا جهدهم لإنجاز كلّ واجب في وقته المحدّد . لقد بلغ من اهتمام الإمام وفائق عنايته بالنظم ، أنه راح يوصي بذلك أولاده حَتّى وهو على فراش الشهادة .

5 _ انتخاب الأكفّاءفي رؤية الإمام ينبغي انتخاب العاملين في النظام الإسلامي على أساس الجدارة لا على أساس المحسوبيّة والمنسوبيّة . وفي هذا السياق ينبغي أن تُراعى في عمليّة الاختيار ما يحظى به هؤلاء من تأهيل أخلاقي ، وأصالة عائليّة ، وما يتحلّون به من كفاءة وتخصّص . كما لا يجوز للمدراء في النظام الإسلامي أن يوزّعوا المناصب على أساس الصلات العائليّة والعلاقات السياسيّة . ولا يحقّ أن يلي أمور النّاس المحروم من الأصالة العائليّة ، ولا أن تناط المسؤوليّة بسيّئ الأخلاق ، أو أن يُعهد بشؤون المجتمع لمن يفتقر إلى الكفاءة والتخصّص ويفتقد للحيويّة اللازمة .

6 _ تأمين الاحتياجات الاقتصاديّة للعاملينيعتقد الإمام أنّ من لوازم الحؤول دون الفساد الإداري ، أن يتمتّع العاملون في النطاق الحكومي والوظائف العامة بحدٍّ كافٍ من الحقوق الماليّة تؤمن لهم الحياة الكريمة ، لكي تتوافر الأرضيّة المناسبة لإصلاح هؤلاء ، ولا يطمعوا بالمال العامّ ،

.

ص: 295

7 _ الاهتمام الخاصّ بالقوّات المسلّحة
8 _ تأسيس جهاز الرقابة على العاملين

ومن ثَمّ تنتفي في حياتهم دوافع الاتّجاه صوب الفساد والخيانة .

7 _ الاهتمام الخاصّ بالقوّات المسلّحةمن بين العاملين في نطاق أجهزة النظام الإسلامي يركِّز الإمام على القوّات المسلّحة ؛ إذ ينبغي أن يحظى هؤلاء باهتمام خاصّ ، كما أنّ على الوالي أن يتعامل معهم معاملة الوالدين مع أبنائهما .

8 _ تأسيس جهاز الرقابة على العامليننهى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بشدّة عن ممارسة التجسّس والتدخّل بالاُمور الشخصيّة للمجتمع أثناء عهده السياسي (1) ، بيدَ أنّه مع ذلك كان يرى من الضروري فرض رقابة على العاملين في النظام الإسلامي ، وممارسة ذلك عبر جهاز رقابي خاص ، ومن خلال موظّفين سريّين (عيون) ، لئلّا يتوانى هؤلاء في أداء وظائفهم ، أو يتعدّوا على حقوق النّاس بالاتّكاء إلى ما لديهم من سلطة . إنّ عهود الإمام واللوائح الَّتي أصدرها بهذا الشأن ، وما بعث به من رسائل للولاة المتخلّفين مثل الأشعث بن قيس ، وزياد بن أبيه ، وقدامة بن عجلان ، ومصقلة بن هبيرة ، والمنذر بن الجارود ، كلّها تحكي تأسيس الإمام لجهاز رقابي مقتدر كان ينهض بمهمّة مراقبة العاملين معه خلال عهده السياسي . لقد بلغ المخبرون السرّيّون والعاملون في جهاز الرقابة الخاصّ في حكومة الإمام ، حدّاً من العدالة والوثاقة ، بحيث تحوّلت تقاريرهم وما يُدلون به من معلومات إلى قاعدة تستند إليها سياسة التحفيز الإداري للعاملين ، حيث يشجَّع المحسنون ، ويعزَل الخونة والفاسدون بعد إثبات جرمهم مباشرة ، وينزل بهم من العقوبة ما يكون عبرة للآخرين ، وعِظة لمن اتّعظ .

.


1- .راجع نهج البلاغة : الكتاب 53 .

ص: 296

9 _ منع الهديّة
10 _ الحزم المصحوب باللين
اصول السياسة الثقافيّة
1 _ تنمية التربية والتعليم

9 _ منع الهديّةشرَّع النظام العلوي مبدأ منع أخذ العاملين في الدولة الهدايا من النّاس ، بالإضافة إلى حرمة تعاطي الرشوة ، إمعاناً في مبارزة الفساد الإداري . وكان الإمام أمير المؤمنين يعدّ أخذ الهديّة «غلولاً» ، وأخذ الرشوة «شركاً» .

10 _ الحزم المصحوب باللينيسير النظام العلوي في التعاطي مع العاملين في النطاق الحكومي ، على منهجٍ يجمع بين الحزم واللين . فمن وجهة نظر الإمام تعدّ القسوة المطلقة آفة تهدِّد النسق الإداري ، وفي الوقت ذاته يلحق اللين اللامحدود أضراراً بإدارة المجتمع . ومن ثَمَّ فإنّ الإدارة الناجحة هي الَّتي تجمع _ بحسب تعبير الإمام _ بين القسوة والرأفة ، وتقرن الشدّة إلى اللين . ففي المواضع الَّتي تحتاج إلى الشدّة ينبغي التعامل بحزم ، وفي المواقع الَّتي يكون فيها اللين هو الأجدى ، ينبغي التزام سياسة الرفق والمداراة .

اُصول السياسة الثقافيّةتكمن أبرز مرتكزات السياسة الثقافيّة للإمام ، في المنطلقات التالية :

1 _ تنمية التربية والتعليمتتقدّم التنمية الثقافيّة في النظام العلوي على التنمية الاقتصاديّة ؛ فعلاوة على أنَّ التنمية الاقتصاديّة غير ممكنة من دون التنمية الثقافيّة ؛ فإنّ حاجة الروح إلى التربية والتعليم أكثر من حاجة الجسد إلى الطعام والشراب . وأساساً لا تزيد فلسفة الوحي والنبوّة وفلسفة الحكم في منهج الأنبياء الإلهيّين ، على تربية الإنسان وتعليمه ، وإنَّ جميع الجهود ما هي إلّا مقدّمة لبناء الإنسان الكامل . على هذا الأساس كان الأنبياء والأوصياء يتولّون شخصياً تعليم النّاس وتربيتهم ، وعلى هذا مضت أيضاً سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وسياسته .

.

ص: 297

2 _ تصحيح الثقافة العامّة
3 _ النقد البنّاء بدلاً من الإطراء والتملّق
4 _ معياريّة الحقّ في اتّباع الرجال

2 _ تصحيح الثقافة العامّةتكمن واحدة من أبرز العناصر الأساسيّة لمنهج الحكم العلوي في الإقدام على تصحيح الثقافة العامّة للمجتمع . فعلى قدر ما كان الإمام يدافع عن السنن والتقاليد الاجتماعيّة البنّاءة ، كان يهاجم بعنف الأعراف والتقاليد الخاطئة ، ولم يكن يسمح أن تواصل التقاليد الخاطئة والأعراف الضارّة ، حضورها في المجتمع الإسلامي .

3 _ النقد البنّاء بدلاً من الإطراء والتملّقتكمن واحدة من أهمّ مبادرات الإمام عليّ عليه السلام وأكثرها ألقاً لجهة تصحيح الثقافة الاجتماعيّة العامّة ، بمواجهته لحالة تملّق الاُمراء ومديح القادة السياسيّين . لقد حثَّ الإمام أمير المؤمنين الولاة والعاملين معه على أن يقرّبوا الأجرأ في قول الحقّ ، والأكثر صراحة في الجهر به ، وأن يربّوا مَن حولهم على عدم تملّقهم والإطراء عليهم أكثر من الاستحقاق . أمّا فيما يرتبط بالإمام شخصيّاً فقد كان يرفض أيّ ضرب من الثناء حوله ، وكان يواجه المثنين والمتملّقين بمواقف علنيّة صريحة وحازمة . كما كان يحثّ النّاس أن لا يُطروه بسبب نهوضه بأداء التكاليف الإلهيّة ، وأن يتّجهوا بدل الثناء إلى النصيحة بخير ، والنقد البنّاء الصريح لبرامجه وأعماله ، إذا كان ثمّة نقد في هذا المجال .

4 _ معياريّة الحقّ في اتّباع الرجالتتمثّل واحدة من أهمّ توجيهات الإمام لتصحيح الثقافة العامّة في نصب الحقّ ميزاناً في اتّباع الشخصيّات السياسيّة والاجتماعيّة وموالاتها . وتنشأ أغلب الانحرافات السياسيّة والاجتماعيّة من التمحور حول مفهوم الشخصيّة . وفي هذا الاتّجاه حذَّر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام المجتمع من أنّ الشخصيّات مهما عظمت ، ولحظتها العيون بالحبّ والتقدير والإجلال ، فلا يمكن أن

.

ص: 298

اصول السياسة الاقتصاديّة
1 _ إشاعة ثقافة العمل
2 _ التنمية الزراعيّة
3 _ التنمية الصناعيّة

تتحوّل إلى معيار للحقّ والباطل ، وإلى ميزانٍ لهما ، ثمّ سعى أن يرفع المجتمع من زاوية الوعي الثقافي ، ويرتقي به إلى المستوى الَّذي يزن به الشخصيّات الكبيرة ويعرفها بمعيار الحقّ ، لا أن يزن الحقّ بمعيار الرجال .

اُصول السياسة الاقتصاديّةتتمثّل اُصول السياسة الاقتصاديّة في حكومة الإمام علي عليه السلام بالدعائم التالية :

1 _ إشاعة ثقافة العمليعدّ الفقر الاقتصادي في رؤية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام معلولاً للتلازم بين ثقافة الكسل والعجز . وإلّا فإنّ المجتمع الَّذي تهيمن عليه ثقافة العمل لا يمكن أن يُصاب أبداً بآفة الفقر ، الَّذي يعدّ بدوره بؤرة لتفشّي كثير من الأمراض المادّية والمعنويّة في المضمارين الفردي والاجتماعي . على هذا الأساس راح الإمام يُشيع ثقافة العمل في ربوع المجتمع بوصف العمل عبادة ، وكان هو نفسه عليه السلام عاملاً نموذجياً .

2 _ التنمية الزراعيّةلقد أولى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عناية فائقة بالتنمية الزراعيّة من أجل القضاء على الفقر في المجتمع ، وراح يُقرّع الاُمّة الَّتي تملك الماء والتراب ثمّ تُصاب مع ذلك بالفقر ، وهو يقول : «مَن وَجَدَ ماءً وَتُراباً ثُمَّ افتَقَرَ فَأبعَدَهُ اللّه » . وفي نهج الإمام تتمثّل واحدة من ملاكات تقييم كفاءة الأنظمة بمدى التزامها بمبدأ التنمية الزراعيّة . لهذا كان يعدّ التنمية الزراعيّة في طليعة الوظائف الأساسيّة للعاملين في حكومته ، وقد ألزم اُمراء الجيوش بالدفاع عن حقوق الفلّاحين .

3 _ التنمية الصناعيّةمع أنّ الصناعة لم تكن تلعب دوراً مهمّاً في الاقتصاد السائد على عهد حكم

.

ص: 299

4 _ التنمية التجاريّة
5 _ الإشراف المباشر على السوق
6 _ سياسة أخذ الخراج

الإمام ، إلّا أنّه أولاها أهمّية كبيرة كما يتبيَّن من الأحاديث الَّتي تُنقَل عنه عليه السلام في هذا المجال ؛ فالإمام يذكر الحِرَف والصناعات على أنّها كنز ، ويوصي العاملين في حكومته بحماية الحرفيّين ، كما يحثّ أهل الصناعات على مراعاة الدقّة في العمل ، وأن لا يضحّوا بالجودة والكفاءة في سبيل السرعة .

4 _ التنمية التجاريّةكانت التجارة في صدر الإسلام وخلال العهد العلوي تلعب الدور الأكبر في تأمين الاحتياجات الاقتصاديّة للمجتمع . لذلك عمدت حكومة الإمام إلى حماية التجّار بجوار حمايتها لأصحاب الصناعات والحرف .

5 _ الإشراف المباشر على السوقلجهةِ ما للسوق من أهمّية في الاقتصاد ، حرص الإمام على ممارسة إشراف مباشر عليه ، حيث كان يراقب السوق شخصياً ، في إطار برنامج يسوقه صبيحة كلّ يوم إلى أسواق الكوفة ، وكأنّه في مهمّة «معلِّم الصبيان» كما يقول الراوي ، وهو يحثّ الباعة على التزام التقوى ، والاحتراز عن التطفيف والكذب والظلم والاحتكار ، وينهاهم عن ضروب المعاصي الَّتي قد ينزلقون إليها في هذا المجال . كما يطلب منهم رعاية الإنصاف ، وتحرّي الأخلاق الإسلاميّة في التعاطي مع المشترين .

6 _ سياسة أخذ الخراجلم تكن سياسة الإمام في أخذ الخراج وجباية الأموال الإسلاميّة على منوالٍ واحد ، بل كان يرعى حقوق مؤدّي هذه الأموال أيضاً ؛ ففي إطار الحكم العلوي كان جهاز الضريبة والعاملون في جباية الخراج ملزمين بالإضافة إلى التزام الحذر ورعاية الدقّة المطلوبة ، بتحرّي جانب الإنصاف ، والعناية بالأخلاق

.

ص: 300

7 _ عدم التأخّر في توزيع المال العامّ
8 _ تقسيم المال العام بالتساوي
9 _ تأمين الاحتياجات الأساسيّة للجميع

الإسلاميّة في التعاطي مع النّاس .

7 _ عدم التأخّر في توزيع المال العامّلم يُجز الإمام حبس المال العام في خزانة الدولة ، ولم يكن يرضى بتأخير توزيع أموال بيت المال وتقسيمها حَتّى لليلةٍ واحدة ، بل كان يعتقد أنّ ما يعود إلى النّاس ينبغي دفعه إليهم في أوّل فرصة مواتية .

8 _ تقسيم المال العام بالتساويكان الإمام يسلك سياسة توزيع المال العام بين جميع المسلمين بالتساوي ؛ ففي نهج الإمام كان يتساوى في العطاء : العربي والأعجمي ، والمهاجري والأنصاري ، والأسود والأبيض ، بل لم يكن يختلف العبد المعتق عن سيّده ومولاه في نصيبه من الدخل العامّ .

9 _ تأمين الاحتياجات الأساسيّة للجميعترتكز سياسة الإمام الاقتصاديّة على استئصال الفقر من المجتمع ، حيث كان عليه السلام يقول : «ما جاعَ فَقيرٌ إلّا بِما مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ» . على هذا الضوء كان يرى أنّ الدولة الإسلاميّة مسؤولة عن تأمين متطلّبات الحدّ الأدنى ، وتوفير المستلزمات الضروريّة لجميع الَّذين يعيشون في نطاق جغرافيّة الأمصار الإسلاميّة . فكما أنّ الَّذي يعيش في الكوفة ينبغي أن يحظى بالرفاه النسبي ، وأن لا يواجه مشكلة على صعيد المستلزمات الأوّليّة مثل الطعام والشراب والمسكن ، فكذلك الحال في سائر الأمصار ؛ إذ كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يركّز على حماية الطبقة الضعيفة من المجتمع ، ويولي عناية خاصة بالأيتام واُسر الشهداء ، بحيث كان يهتمّ بذلك شخصيّاً كلّما واتته الفرصة .

.

ص: 301

10 _ حرمة بذل المال العامّ
11 _ تحريم الامتيازات للأولاد والمقرّبين
12 _ التقشّف في المال العامّ والاحتياط في صرفه

10 _ حرمة بذل المال العامّكان الإمام يعدّ المال العام أمانة لدى العاملين في اُطُر الدولة ، وكان لا يسمح لهؤلاء في بذل هذا المال وتوزيعه هدايا وهبات ، ويقول : «جودُ الوُلاةِ بِفَيءِ المُسلِمينَ جَورٌ وخَترٌ (1) » .

11 _ تحريم الامتيازات للأولاد والمقرّبينلم يكن الإمام يعترف بأي امتياز خاص لأحدٍ في توزيع المال العامّ ، ولم يُستثنَ من هذا القانون أحدٌ لا من الشخصيّات السياسيّة والاجتماعيّة البارزة ، ولا من أولاده المقرّبين إليه ، بل كان الإمام يُبدي حذراً أكبر في هذا الجانب إزاء المقرّبين إليه ؛ لكي يكون ذلك عظة للآخرين .

12 _ التقشّف في المال العامّ والاحتياط في صرفهكان نهج الإمام في صرف المال العام يشدّ إليه الأنظار ويوحي بالدروس والعبر . فلكي يدفع ولاته والعاملين معه إلى أقصى نهايات التقشّف وصيانة الأموال العامة ، عمّم الإمام أمراً إدارياً حثَّ فيه هؤلاء أن لا ينسوا هذا المبدأ في الكتابة إليه ، وراح يقول : «أدِقّوا أقلامَكُم ، وَقارِبوا بَينَ سُطورِكُم ، وَاحذَفُوا عَنّي فُضُولَكُم ، وأقصُدُوا قَصدَ المَعاني ، وَإيّاكُم وَالإكثارَ ؛ فَإِنَّ أموالَ المُسلِمينَ لا تَحتَمِلُ أضراراً» . أمّا حرص الإمام نفسه وسلوكه الشخصي في التصرّف ببيت المال ، فهو أمر يبعث على الدهشة ! فالإمام لم يكن على استعداد لأن يستفيد من نور سراج تابع لبيت المال في جواب من راجعه ليلاً في أمر شخصي ! فعندما كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مشغولاً بكتابة ما يتعلّق بكيفيّة تقسيم بيت المال ، ودخل عليه طلحة والزبير في أمرٍ شخصي ، عمد إلى السراج الَّذي كان يستهلك وقوده من

.


1- .الخَتْر : الغدر (النهاية : ج2 ص9) .

ص: 302

اصول السياسة الاجتماعيّة
1 _ العدالة الاجتماعيّة
2 _ احترام الحقوق المتبادلة بين الدولة والاُمّة

الثروات العامّة فأطفأه ، وأمر من يأتي إليه بسراجٍ آخر من بيته !

اُصول السياسة الاجتماعيّةترجع اُصول السياسة الاجتماعيّة في الحكم العلوي إلى المنطلقات التالية :

1 _ العدالة الاجتماعيّةتعدّ العدالة المحور الأكثر بروزاً في منهج الحكم العلوي ، وقد بلغ من اقتران اسم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالعدالة وامتزاجه بها ، قدراً بحيث صار اسم عليّ عنواناً للعدالة ، وعنوان العدالة باعثاً للإيحاء باسم عليّ . ومعنى هذا التصاحب بين الاثنين ، أنّ الحكم الَّذي يمكنه الادّعاء باقتفاء الحكم العلوي مثالاً له ، هو ذلك الَّذي يحرص قادته على العدالة أكثر من أيّ شيء آخر . وبديهيّ لا يكمن هذا الاقتداء بالتعاطي مع العدالة من خلال الشعار والأقوال وحسب كما دأب على ذلك الجميع في العالم المعاصر عبر رفع هذا الشعار وتكراره ، وإنّما يحصل بترسيخ العدالة من خلال السلوك والعمل . وهذه حالة نادرة كما كانت بالأمس تماماً . إنّ الحكم الَّذي يسعه أن يزعم أنه يقتدي بالحكم العلوي ، هو ذلك الَّذي لا يضحّي بالعدالة ويئدها على مذبح المصلحة ، فليس في النظام العلوي مصلحة أعلى من مصلحة إقامة العدل . وأخيراً ، فإنّ بمقدور الحكم أن يعلن أنّ مثاله الأعلى الَّذي يحتذي به هو عليّ ، إذا ما استطاع أن يحكم القلوب عبر منهج تقديم العدالة على المصلحة ، لا أن يحكم الأجساد ويقبض سيطرته عليها ، عبر منهج ترجيح المصالح العابرة !

2 _ احترام الحقوق المتبادلة بين الدولة والاُمّةفي منطق الإمام لا يمكن أن يدوم بقاء الدول في المجتمعات إلّا إذا احترم النظام

.

ص: 303

3 _ تنمية الحرّيات المشروعة والبنّاءة

الحاكم حقوق الشعب ، وفي الطرف الآخر أبدى الشعب احترامه لحقوق النظام الحاكم عليه . وإلّا فمن دون رعاية الحقوق المتبادلة بين الدولة والشعب لا يمكن تحقّق العدالة الاجتماعيّة . وطبيعي أنّ رعاية هذا الأمر هي عمليّة شاقّة ، ففي دائرة الكلام يحترم الجميع الحقّ ، لكن في دائرة العمل يتضاءل أهل الحقّ وينحسر عددهم «أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَ_رِهُونَ» وبتعبير جميل للإمام أمير المؤمنين نفسه : «الحَقُّ أوسَعُ الأشياءِ فِي التَواصُفِ ، وَأضيَقُها فِي التَناصُفِ» . لهذا كلّه لم تتخطّ العدالة الاجتماعيّة واحترام حقوق الإنسان على مرّ التأريخ كلّه تخوم الشعار ، بل تحوّل هذا الشعار _ أيضاً _ إلى أداة لابتزاز حقوق النّاس والاعتداء عليها أكثر . وعلى مدى عصور التاريخ الإسلامي بعد عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله سنحت فرصة استثنائيّة واحدة لجهة استقرار العدالة الاجتماعيّة تمثّلت في العهد القصير الَّذي أمضاه الإمام عليّ في الحكم ، بيد أن الاُمة لم تغتنم هذه الفرصة ، بل وقع الظلم على حكم الإمام من قِبل الرعيّة ذاتها ، حَتّى قال عليه السلام : «إن كانَتِ الرُّعايا قَبلي لَتَشكو حَيفَ رُعاتِها ، فَإِنَّنِي اليَومَ لَأَشكو حَيفَ رَعِيَّتي» . وهكذا مضى عليّ وقد اصطحب العدالة معه ، وهذه هي مسؤوليتنا حاضراً في أن نتعلّم من اُولئك ونأخذ العبرة منهم ، ونوطّئ الأرضيّة المطلوبة لاستقرار العدالة الاجتماعيّة .

3 _ تنمية الحرّيات المشروعة والبنّاءةتأتي الحرّية خطوة اُولى في سبيل تحقيق العدالة واحترام حقوق الاُمّة ، بيدَ أنّ المراد منها هو الحريّة البنّاءة لا الهدّامة ، حريّة الانعتاق من أسار القيود الداخليّة (الذاتيّة) والأغلال الخارجيّة . هذه الحرّية هي نفسها الَّتي دعا القرآن إليها النّاس ،

.

ص: 304

4 _ سياسة الرفق

في قوله سبحانه : «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَْغْلَ_لَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ» . وهي ذاتها الَّتي عناها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وعدّها بمنزلة فلسفة بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو يقول : «إنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً لِيُخرِجَ عِبادَهُ مِن عِبادَةِ عِبادِهِ إلى عِبادَتِهِ ... وَمِن وِلايَةِ عِبادِهِ إلى وِلايَتِهِ» . في المنهج العلوي النّاس أحرار بأجمعهم ولا يسوغ أن يكونوا عبيد غيرهم ، وأنّ ما يجرّ الإنسان إلى نير العبوديّة ، ويدفع الأنظمة إلى التجبّر والتسلّط والطغيان ، هي الأغلال الداخليّة والعبوديّة الباطنيّة . فإذا ما أراد المجتمع الإنساني أن يرتقي ذرى الحرّية ، ويبلغ الاستقلال الحقيقي ، فيتحتّم عليه في البدء أن يُحكم الارتباط باللّه ، ويقوم بشروط العبوديّة للّه بحسب تعبير الإمام أمير المؤمنين . إنّ شروط العبوديّة للّه هي في الحقيقة قوانين الحرّية الواقعيّة للناس ، وإذا لم تذعن الإنسانيّة إلى هذه الشروط ، فستغدو حرّيتها واستقلالها الخارجي حالة مؤقّتة ؛ وهي عائدة إلى العبوديّة حتماً .

4 _ سياسة الرفقتكمن واحدة من النقاط الأساسيّة في المنهج الاجتماعي للحكم العلوي بمبدأ مداراة النّاس ، وكيفيّة تعاطي المسؤولين الحكوميين مع الشعب . فعلى عكس الساسة المحترفين الَّذين يسعَون إلى أن يكون رضا الخاصَة ثمناً لهضم حقوق الجماهير العريضة وسخطها ، تقوم سياسة الإمام أمير المؤمنين على مبدأ إرضاء القاعدة الشعبيّة العريضة ، ولو كان في ذلك سخط الخاصّة وعدم رضاها ، حيث يقول عليه السلام : «إنَّ سُخطَ العامَّةِ يُجحِفُ بِرِضَى الخاصَّةِ ، وإنَّ سُخطَ الخاصَّةِ يُغتَفَرُ مَعَ رِضَى العامَّةِ» . في الاتّجاه إلى تحقيق سياسة الرفق وكسب رضا الجمهور ، أوصى الإمام ولاته

.

ص: 305

5 _ حماية المظلومين

أن يتعاملوا مع النّاس بمودّة وعطف ، وأن تكون لهم صلة مباشرة بالشعب ، بحيث يلتقون مع أفراده وجهاً لوجه ، ويُصغون إلى مشكلاتهم مباشرة من دون واسطة ، وأن يتحمّلوا منهم سوء الخلق ، ويصبروا على ما يبدر منهم من سوء وتصرّفات غير لائقة . كما حثَّ عليه السلام ولاته أن لا يُقطبوا بوجه النّاس ولا يلقوهم بوجوه مكفهرّة ، ولا يسيئوا الظنّ بهم . كما نهاهم عن التجسس فيما يتصل بدائرة الأحوال الشخصيّة ، وأن لا يدقّقوا في الذنوب الَّتي اقترفها الأفراد بعيداً عن عيون الآخرين . من النقاط المهمّة الاُخرى الَّتي حرص الإمام على إيصاء الولاة بها لجهة سياسة الرفق بالناس ، ضرورة إدلاء الولاة بالتوضيحات اللازمة في كلّ ما يمكن أن يكون باعثاً لسوء ظنّ الشعب ، وسبباً في اتّهام الولاة بغمط حقوق الجمهور والتجاوز عليها ؛ ففي منهج الإمام لا يجوز الاستخفاف بحالة سوء الظنّ الَّتي تبرز لدى الجمهور ، بل ينبغي للولاة والمسؤولين أن يدلوا إلى الشعب بصدق وتواضع بدلائل أعمالهم ، ويوضّحوا لهم أسباب ما أقدموا عليه .

5 _ حماية المظلومينمن أجل استئصال العوامل الَّتي تُساعد التعدّي على حقوق النّاس ، وبغية تعميم حالة مواجهة الظالمين والمعتدين ، بادر النظام العلوي إلى تقوية ثقافة حماية المظلومين . لقد كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ينتهز كلّ الفرص من أجل توسعة ثقافة مكافحة الظلم ويستفيد منها لحماية المظلومين ، كما كان يحثّ النّاس على مساعدته لإصلاح مجتمعهم ، وهو يهتف : «أيُّهَا النّاسُ أعينوني عَلى أنفُسِكُم ، وَايمُ اللّهِ لَاُنصِفَنَّ المَظلومَ مِن ظالِمِهِ ، ولَأَقودَنَّ الظالِمَ بِخِزامَتِهِ» .

.

ص: 306

6 _ تأسيس بيت القصص
7 _ حفظ وحدة المجتمع واُلفته

ثَمَّ قَصصٌ في دفاع «اُسوة العدالة» عن المظلومين وحمايته العمليّة لهم خليقة بالقراءة ، وهي إلى ذلك مليئة بالدروس والعبر لمن يرفع شعار الاقتفاء بالإمام العظيم .

6 _ تأسيس بيت القصصلم يعرف الإسلام قبل عليّ عليه السلام هذه البادرة ، فلأوّل مرّة في التاريخ الإسلامي بادر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أثناء تولّيه السلطة ، إلى تأسيس «بيت القصص» لكي يكون موضعاً لمعالجة مشكلات النّاس وتظلّماتهم ؛ فمن لا يستطيع من أبناء الشعب أن يوصل مشكلته شفوياً أو لا يرغب أن يُعبِّر عنها بهذه الصيغة ، بمقدوره أن يكتب قصّته ، ويوصل قضيّته عن هذا الطريق .

7 _ حفظ وحدة المجتمع واُلفتهيعتقد الإمام عليّ عليه السلام أنّ الاتّحاد يضمن بقاء الدول وديمومتها ، وأنّ الفرقة عامل في سقوط الدول وزوالها . لذلك كان يقول : «لَيسَ رَجُلٌ أحرَصَ عَلى جَماعَةِ اُمّةِ مُحَمَّدٍ واُلفَتِها مِنّي» . وحيثما كان الأمر ذا صلةٍ بشخصه كان يُغضي ويُضحّي من أجل أن لا تبتلي الاُمّة الإسلاميّة بالفرقة ؛ لأنّه عليه السلام كان يؤمن أنّ اختلاف الاُمّة يستتبع انتصار أهل الباطل . لقد بلغ من حرص الإمام على وحدة كلمة الاُمّة الإسلاميّة وعنايته بهذا الموضوع حدّاً أمر فيه الجهاز القضائي التابع لحكومته أن يمتنع عن العمل بالقوانين الإسلاميّة الأصيلة إذا كان في ذلك ما يُثير الاختلاف ، كما سيأتي توضيح ذلك أثناء الحديث عن مرتكزات السياسة القضائيّة .

.

ص: 307

اصول السياسة القضائيّة
1 _ اختيار الأكفأ للقضاء
2 _ تأمين الاحتياجات الاقتصاديّة للقضاة
3 _ الأمن الوظيفي للقضاة
4 _ رعاية آداب القضاء

اُصول السياسة القضائيّةتتمثّل اُصول السياسة القضائيّة للإمام بالمرتكزات التالية :

1 _ اختيار الأكفأ للقضاءيعدّ القاضي العنصر الأساسي في التنظيم القضائي من أجل إحقاق حقوق النّاس . ومن ثَمَّ كلّما كان القاضي أقوى علميّاً وعمليّاً وأخلاقيّاً كانت له فاعليّة أكبر في الجهاز القضائي . من هذه الوجهة ينبغي في منطق النظام العلوي اختيار الأكفأ لمنصب القضاء .

2 _ تأمين الاحتياجات الاقتصاديّة للقضاةيحظى القضاة المؤهّلون في النظام العلوي بالأمن المعاشي والاقتصادي عامّة ، لكي لا تدفعهم حاجتهم إلى النّاس للانحراف عن الحقّ ، ولئلا يزيغ الجهاز القضائي عن مساره في إصلاح المجتمع ، وينجرّ إلى الفساد .

3 _ الأمن الوظيفي للقضاةيتمتّع القضاة المؤهّلون في النظام العلوي بالأمن الوظيفي ، وهم على اطمئنان بأنّ أقرب النّاس إلى الجهاز القيادي للنظام ، ليس بمقدوره أن يُعيق عملهم ويُعرقل أداء مسؤوليتهم ، ويمنع من الوفاء بحقوق النّاس وإحقاقها .

4 _ رعاية آداب القضاءللقضاء آداب عامّة ، وينبغي للقاضي في النظام العلوي أن يلتزم بجميع آداب القضاء سواء الواجب منها والمندوب . وقد بلغ من حرص الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على رعاية هذا الجانب أنّه أوضح لقاضٍ في أسباب عزله عن الجهاز القضائي : «أنّي رَأيتُ كَلامَكَ يَعلُو عَلى كَلامِ خَصمِكَ» .

.

ص: 308

5 _ الرقابة الدقيقة على القضاة
6 _ وحدة الرؤية القضائيّة
7 _ تساوي الجميع أمام القانون

5 _ الرقابة الدقيقة على القضاةكان الإمام أمير المؤمنين يعدّ نفسه مسؤولاً عن صحّة عمل الجهاز القضائي وسلامته ، وحينئذٍ لم يكن يكتفي بلغة الموعظة وتحذير القضاة من تضييع حقوق المجتمع ، بل كان يمارس الإشراف المباشر على عمل القضاة ، بل يراقب أحكامهم أيضاً . ونظراً لما يحظى به الجهاز القضائي من موقع ممتاز في إصلاح شؤون المجتمع ، كان الإمام يحرص على ممارسة القضاء والفصل في القضايا من خلال موقع «دكّة القضاء» برغم ما عليه من مهامّ ومسؤوليّات .

6 _ وحدة الرؤية القضائيّةفي رؤية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لا يجوز لقضاة النظام الإسلامي اختلافهم في إصدار الأحكام ، بل لابدَّ من وحدة الرؤية . أمّا المسؤوليّة في إيجاد هذه الوحدة الَّتي تنتظم أحكام الجهاز القضائي فهي تقع على عاتق القيادة .

7 _ تساوي الجميع أمام القانونفي النظام العلوي يتساوى النّاس جميعاً أمام القانون . ثمَّ إنّ الجهاز القضائي بدرجة من الاستقلال ، ويحظى بمنزلة خاصّة تمكِّنه من إجراء القانون على أفراد المجتمع بصيغة متساوية . فالمجتمع بجميع طبقاته سواسية أمام القاضي والجهاز القضائي ، يستوي في ذلك حَتّى الإمام والقائد الَّذي نصب القاضي في موقعه وخوّله ممارسة القضاء . لقد كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خاضعاً للجهاز القضائي في حكومته برغم كلّ ما يحظى به من مكانة مرموقة على الصعيد العلمي والعملي والسياسي ، وقد حضر إلى المحكمة للإجابة عن أسئلة القاضي الَّذي نصبه بنفسه .

.

ص: 309

8 _ موقع مصالح النظام في إصدار الأحكام
اصول السياسة الأمنيّة
1 _ تأسيس نظام أمني فاعل

وبهذا السلوك كان الإمام يدلّل عملياً على الموقع الَّذي يحظى به القضاء ، ويدافع عن حقوق النّاس ، بالإضافة إلى أنّه يُعلّم قادة المستقبل درساً بليغاً في الخضوع أمام الجهاز القضائي .

8 _ موقع مصالح النظام في إصدار الأحكامليس هناك شيء يمكن أن يحول دون إجراء القوانين الإسلاميّة الأصيلة في النظام القضائي التابع للحكم العلوي ، إلّا في مواضع يؤدّي فيها القضاء بالأحكام الإسلاميّة الأصيلة إلى فرقة الاُمّة الإسلاميّة ، ويُفضي إلى تزلزل قواعد الحكم الإسلامي نفسه . وهذه حالة خاصّة _ برزت في عهد الإمام _ نتيجة أوضاع سياسيّة واجتماعيّة معيّنة ، وانبثقت على أثر رؤية خاصّة حملها النّاس إزاء القانون الإلهي . في مواجهة أوضاع كهذه خاطب الإمام علي عليه السلام شُريحاً القاضي ، بقوله : «اقضِ كَما كُنتَ تَقضِي حَتّى يَجتَمِعَ أمرُ النّاسِ» .

اُصول السياسة الأمنيّةأولى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الجانب الأمني أهمّية فائقة ، وكان يعدّ البقعة الَّتي تفتقد إلى الأمن أسوأ الأماكن . كما ذكرأنّ من الأدلة الَّتي دفعته إلى قبول الحكم هي إيجاد الإصلاحات الأمنيّة . أمّا اُصول السياسة الأمنيّة للإمام ، فهي تتمثّل بما يلي :

1 _ تأسيس نظام أمني فاعلبرغم أنّ التاريخ لا يسجّل وجود مؤسسة مستقلّة في حكومة الإمام بعنوان أنّها مؤسّسة أمنيّة ، إلّا أنّ ملاحظة النصوص المتفرّقة ذات الصلة بالمهام الأمنيّة ، وتأمّل الأعمال الَّتي كان يقدم عليها الإمام بالاستناد إلى ما يجتمع لديه من أخبار سرّية ، كلّ ذلك يحكي وجود تنظيمات في حكومته وظيفتها جمع الأخبار الَّتي تتّصل

.

ص: 310

2 _ إزالة التوتّر
3 _ الحذر وانتهاز الفُرص
4 _ الامتناع عن سياسة الرعب
5 _ مبدأ تطبيق القانون في مواجهة المجرمين

بالأمن الداخلي ، والاستخبارات العسكريّة ، وما له صلة بعمل الولاة والاُمراء . لكن ليس في أيدينا معلومات تفصيليّة عن تلك التنظيمات ، الَّتي من الممكن أنها كانت تؤلّف مؤسّسة واحدة أو عدّة مؤسّسات أمنيّة .

2 _ إزالة التوتّرإنّ تأمّل توجيهات الإمام في مجال استصلاح الأعداء وتبديلهم إلى أصدقاء ، واعتماده مبدأ السلام الحَذر مع الأعداء ، كلّ ذلك يدلّل التزام الإمام سياسة إزالة التوتّر من أجل ترسيخ الأمن الداخلي للمجتمع الإسلامي .

3 _ الحذر وانتهاز الفُرصإلى جوار سياسة إزالة التوتّر كان الإمام يُوصي المسلمين أن لا يرتقبوا من العدوّ الخير ، ولا يتوقّعوا منه النصيحة ، وكان يدعوهم إلى عدم الاستهانة بالأعداء واستصغار شأنهم ، ويحثّهم على التزام جانب الحذر خاصّة في مقابل الأعداء الَّذين لا يجهرون بعدائهم ، وأن يتحيّنوا الفرصة المواتية لمواجهتهم .

4 _ الامتناع عن سياسة الرعبامتنع الإمام تماماً عن التوسّل بسياسة إثارة الرعب والخوف ، والركون إلى وسائل القسوة غير القانونيّة ، في مواجهة العناصر المناوئة للأمن . كما لم يلجأ أبداً إلى مبدأ إنزال العقوبة بالمتّهمين والَّذين تحوم حولهم الشبهات في تعكير الجوّ العامّ ، قبل وقوع الجرم .

5 _ مبدأ تطبيق القانون في مواجهة المجرمينلم يمنع النظام العلوي اللجوء إلى ممارسة التعذيب في مواجهة المتّهمين والمظنونين وحسب ، بل منع من تعذيب المجرمين أيضاً ؛ إذ لم يكن من حقّ إنسان أن يُهين مجرماً . فإذا ما ثبت الجرم في المحكمة ينفّذ بالمجرم القانون الإلهي ، وإذا

.

ص: 311

6 _ مداراة المعارضين ما لم يصلوا إلى تخوم التآمر
اصول السياسة الحربيّة
1 _ العناية بالتدريب الحربي وتنظيم الجيش

حصل أحياناً وأن تخطّى منفّذ الحكم دائرة العقوبة المنصوصة عمداً أو سهواً يُنزل به القصاص ، كما وقع لقنبر عندما زاد في جلد مجرم ثلاثة سياط ، فما كان من المجرم إلّا أن اقتصّه بها .

6 _ مداراة المعارضين ما لم يصلوا إلى تخوم التآمركان الإمام يلجأ إلى مبدأ العمل بالمداراة مع المعارضين السياسيين ما لم يصلوا إلى تخوم الفساد والتآمر الأمني ، وهو يؤمن أنّ سياسة الرفق بالمعارضين ومداراتهم تُخفّف من غلوائهم وتُقلّل مخالفتهم . فالإمام لم يعمد إلى مواجهة الخوارج ما داموا لم يرتكبوا قتلاً ، ولم يُخلّوا بأمن المجتمع الإسلامي ولم يجرّوه إلى الخطر ، بل تحمّل سُبابهم وتجريحهم ، ولم يقطع عنهم حَتّى عطاءهم من بيت المال ! أمّا في التعامل مع المتآمرين ضدّ الأمن العام فقد كان الإمام يختار الحكم بما يناسب سعة المؤامرة وعمقها . فقد كان ينفي المتآمرين حيناً ، ويحبسهم حيناً آخر ، وقد يلجأ إلى المواجهة العسكريّة والقوّة كحلٍّ .

اُصول السياسة الحربيّةتنطوي السياسة الحربيّة للإمام على دروس كبيرة وعِبَر ، وهي جديرة بالاهتمام . وترجع هذه السياسة إلى الاُصول التالية :

1 _ العناية بالتدريب الحربي وتنظيم الجيشكان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام واحداً من أبرز القادة العسكريين تجربة . فقد أمضى عمراً في سوح القتال ، وعلاوة على ما كان يتمتّع به من قوّة وشجاعة لا نظير لهما ، فقد كان على دراية تامّة بضروب الفنون العسكريّة . لقد راح الإمام يتولّى بنفسه تدريب جيشه ، وكان قبل انطلاق المعركة يرتّب

.

ص: 312

2 _ تأسيس القوّات الخاصّة

القوّات وينظّمها على نسق خاص ، وهو يكرّر على مسامعها أبرز النقاط التدريبيّة على هذا الصعيد . لقد حصل في أثناء الغارات الَّتي شنّها معاوية أن ندَّت بعض الأصوات تتّهم الإمام أن لا علم له بالحرب ! فكان ممّا أجاب به وهو يشكو أصحابه ، قوله عليه السلام : «وَأفسَدتُم عَلَيَّ رَأيي بِالعِصيانِ وَالخِذلانِ ؛ حَتّى لَقَد قَالَت قُرَيشٌ : إنَّ ابنَ أبي طالِبٍ رَجُلٌ شُجاعٌ ، وَلكِن لا عِلمَ لَهُ بِالحَربِ . للّهِِ أبوهُم ! وَهَل أحَدٌ مِنهُم أشَدُّ لَها مِرَاسَاً ، وأقدَمُ فيها مَقاماً مِنّي ! لَقَد نَهَضتُ فيها وَما بَلَغتُ العِشرِينَ ، وها أنذا قَد ذَرَّفتُ عَلَى السِّتّينَ ، وَلكِن لا رَأيَ لِمَن لا يُطاع !» (1) . لم يكن الإمام يغفل في تدريب المقاتلين على ضروب الفنون العسكريّة أدقّ النقاط وأصغرها ، من قبيل عدم الانفصال عن السلاح في المعركة ، استثمار الفرص المناسبة لإنزال الضربة بالعدوّ ، طبيعة النظرة إلى قوّات العدوّ وكيفيّة ممارسة الانسحاب التكتيكي .

2 _ تأسيس القوّات الخاصّةواحدة من المعالم البارزة في سياسة الإمام الحربيّة تأسيسه قوّات خاصّة عرفت باسم «شُرْطة الخميس 2 » أو ما يعبّر عنه اليوم ب_ «الفدائييّن» . لقد انضمّت إلى «شُرْطة الخميس» أوفى القوات للإمام وأكثرها إخلاصا

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 27 .

ص: 313

3 _ تقوية البنية المعنويّة

واستعداداً للتضحية والفداء ؛ فقد كانت هذه القوّات تتحلّى بكفاءة ممتازة ، ويستفيد منها الإمام في المهمّات الخاصّة . لقد خاطب الإمام هذه القوّات في واحدة من خطبه ، بقوله عليه السلام : «أنتُمُ الأَنصارُ عَلَى الحَقِّ ، وَالإِخوانُ فِي الدّينِ ، وَالجُنَنُ (1) يَومَ البَأسِ ، وَالبِطانَةُ دونَ النّاسِ ، بِكُم أضرِبُ المُدبِرَ ، وأرجو طاعَةَ المُقبِلِ ، فَأَعينوني بِمُناصَحَةٍ خَلِيَّةٍ مِنَ الغِشِّ ، سَليمَةٍ مِنَ الرَّيبِ ؛ فَوَاللّهِ إنّي لَأَولَى النّاسِ بِالنّاسِ» (2) . ويمكن مقاربة «شُرْطة الخميس» في إطار الثقافة المعاصرة بمصطلح «الاُصوليين» وحالة «حزب اللّه » الَّتي تتمتّع بالعقلانيّة والخبرة والكفاءة ، وهي تقف إلى جوار الإمام . فلقد كان لهذه «القوّات» القدرة على النقد البنّاء في اللحظة المطلوبة ، كما كانت وفيّة للإمام ، ثابتة على ولائه في أحلك الأوضاع الَّتي مرَّ بها الحكم العلوي . أمّا سبب تسمية هذه القوّة ب_ «شُرْطة الخميس» فلعلامات خاصّة كانوا يُعرفون بها ، أو لعهدٍ خاص أبرموه مع الإمام ، حيث سئل الأصبغ بن نباتة : كيف تسمّيتم شُرْطة الخميس يا أصبغ ؟ قال : «لأنّا ضمنّا له الذبح ، وضمن لنا الفتح» يعني أمير المؤمنين عليه السلام (3) .

3 _ تقوية البنية المعنويّةحرص الإمام على أن يولي القدرة النفسيّة وما تحظى به القوات المسلّحة من قوّة في البنية المعنويّة وروح تضحويّة عالية ؛ أهمّيةً استثنائية فائقة . وعلى هذا

.


1- .الجُنَن : جمع جُنّة ؛ ما استترت به من سلاح (الصحاح : ج5 ص2094) .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 118 .
3- .مجمع البحرين : ج2 ص942 .

ص: 314

الأساس سعى الإمام للإفادة من أيّ طريق ممكن في تعزيز الروح المعنويّة للقوّات المسلّحة في مواجهة العدوّ . لقد راح الإمام يبثّ روح الإيثار والتضحية في القوّات المقاتلة ويلهب فيها روح الحماس والاستعداد لاستقبال الشهادة ، من خلال الخطب الناريّة ، والشعارات المؤثِّرة ، وعبر الترغيب بالحياة ما بعد الموت ، والاستمداد من اللّه والاستعانة بالذكر والدعاء . بيدَ أنّ ما يثير الانتباه على هذا الصعيد ، ويدخل في عداد العناصر المهمّة ، توظيف الإمام عنصر «الإيحاء والتلقين» في تقوية الجانب النفسي للمجاهدين ؛ فمن خلال تربية ابنه محمّد عبر هذا البعد ، يصف الإمام تجربته الشخصيّة لولده ، بقوله : «إنَّني لَم ألقَ أحَداً إلّا حَدَّثَتني نَفسي بِقَتلِهِ ، فَحَدِّث نَفسَكَ _ بِعَون اللّهِ _ بِظُهورِكَ عَلَيهِم» . وبالعكس ، تُعدّ عمليّة تلقين النفس بالضعف والإيحاء لها بالخوف واحدة من موجبات الهزيمة أمام العدوّ ، وفي هذا المضمار يقول الإمام في جواب مَن سأله : بِأَيِّ شَيءٍ غَلَبتَ الأَقرانَ ؟ : «ما لَقيتُ رَجُلاً إلّا أعانَني عَلى نَفسِهِ» (1) . لقد تمثّلت واحدة أخرى من وسائل تعزيز الحالة النفسيّة للمجاهدين في نطاق النهج الحربي للنظام العلوي ، بتحذير هؤلاء من العواقب الدنيويّة والاُخرويّة الخطيرة الَّتي قد تترتّب على إدبارهم عن العدوّ ، وفرارهم من الجبهات . من النقاط الاُخر الَّتي تبرز في هذا المضمار تأكيد الإمام على كتمان الاُمور الَّتي يُفضي فشوها إلى تضعيف روح المقاومة .

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 318 .

ص: 315

4 _ الحيلة في الحرب
5 _ أخلاق الحرب
أ : تجنّب الحرب وعدم البدء بالقتال

4 _ الحيلة في الحربذكرنا فيما سلف أنّه لا مكان للحيلة والخداع في سياسة الإمام الإداريّة . وفي هذا المعنى يكمن الفارق الأساسي والأكثر أهمّية بين المنهجين العلوي والاُموي . لكن ينبغي أنّ ننتبه إلى أن هذا النهج العامّ يسجِّل استثناءً واحداً يتمثّل بموقع الحيلة في الحرب . ففي الوقت الَّذي يعارض الإمام بقوّة استخدام الحيلة والتوسّل بالخداع في غير الحرب ، يجيز ذلك في الحرب ، بل ويوصي به ، ويعدّ نفسه في طليعة المختصّين بهذا المبدأ في مضمار الحرب ، ويقول : «كُن فِي الحَربِ بِحيلَتِكَ أوثَقَ مِنكَ بِشدَّتِكَ» .

5 _ أخلاق الحربتتمثّل واحدة من النقاط الغنيّة بالدروس في السياسة الحربيّة للنظام العلوي ، بموضوع أخلاق الحرب ، حيث يمكن إجمال اُصول الأخلاق الحربيّة من المنظار العلوي ، بالنقاط التالية :

أ : تجنّب الحرب وعدم البدء بالقتالتأتي هذه السياسة تأكيداً على جنوح الإسلام العلوي إلى السلم ومناهضة النزعة الحربيّة . ففي جميع الحروب الَّتي اندلعت على عهد الإمام أمير المؤمنين ، كان عليه السلام ينهى جيشه عن مبادأة القوم بالقتال ، ويوصيه بعدم مباشرة القتال حَتّى يبدأ العدوّ بذلك . عن جندب الأزدي أنّه قال : إنّ علياً كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا فيه معه عدوّاً ، فيقول : «لا تُقاتِلُوا القَومَ حَتّى يَبدَؤوكُم ؛ فَأَنتُم بِحَمدِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ عَلى حُجَّةٍ ، وتَركُكُم إيّاهُم حَتّى يَبدَؤوكُم حُجَّةٌ اُخرى لَكُم» .

.

ص: 316

ب : عدم الدعوة إلى المبارزة
ج : الحصانة السياسيّة لرُسل العدوّ
د : إقامة الحجّة قبل بدء القتال
ه : الدعاء أثناء القتال
و : الشروع في القتال عند الزوال

ب : عدم الدعوة إلى المبارزةفي اتّجاه ترسيخ سياسة مناهضة النزعة الحربيّة ، كان الإمام ينهى المقاتلين معه عن الدعوة إلى المبارزة ، أمّا إذا دعا إليها العدوّ فتلزم إجابته .

ج : الحصانة السياسيّة لرُسل العدوّتتمثّل واحدة من مبادئ السياسة الدوليّة للإسلام بمبدأ الحصانة السياسيّة لممثّلي البلدان الأجنبيّة ، ولرُسُل العدوّ أيضاً . لقد كان الإمام عليّ عليه السلام يحثّ جيشه على التزام هذا النهج بشكل جدّي ، ويدعوهم إلى التلبّث في الموارد المشكوكة ، فإذا ما ادّعى إنسان أنّه من رسل العدوّ ، لا تسوغ مواجهته قبل إنجاز التحريات الكافية .

د : إقامة الحجّة قبل بدء القتاللقد بلغ من عناية الإمام بالتوعية وإنارة البصائر ، والحرص على عدم سفك الدماء ، أنّه لم يكن يُضيع أيّة فرصة تسنح لهداية العدوّ ، بل كان يمارس الهداية حَتّى في ساحة القتال وبين الجيشين وهما على وشك الالتحام ، ويُقيم الحجّة مكرّراً على العدوّ .

ه : الدعاء أثناء القتالعندما يكون الجيش العلوي مستعدّاً للالتحام مع العدوّ ، وبعد إقامة الحجّة وقبل الشروع بالقتال ، يلجأ الإمام إلى الدعاء وذكر اللّه لكي يستمدّ العون منه ، وحَتّى يكون الجهاد مقدّمة لحبّ اللّه والاقتراب إليه أكثر ، ووسيلة لتحقّق الأهداف والقيم الإنسانيّة .

و : الشروع في القتال عند الزوالكان الإمام أمير المؤمنين يسعى أن لا يقاتل حَتّى تزول الشمس ؛ فإنّه أقرب

.

ص: 317

ز : الإحسان إلى فلول العدوّ
اصول السياسة العالميّة
اشاره

إلى الليل ، ومن ثم فهو أدعى إلى انتهاء القتال سريعاً ، وأجدر أن يقلّ القتل ، ويرجع الطالب ، ويفلت المنهزم .

ز : الإحسان إلى فلول العدوّكان الإمام يأمر جيشه بحسن السيرة مع الجيش المهزوم ويحثّهم على الرفق بالأسرى ومن بقي منه بالأخصّ النساء . فقد كان من وصاياه لمقاتليه أن لا يتبعوا مدبراً ، ولا يجهزوا على جريح ، ولا يدخلوا داراً ، ولا يأخذوا من أموال النّاس شيئاً إلّا ما وجدوه في عسكر القوم ، ولا يعرضوا إلى النساء ولا يهيجوهن بأذىً وإن شتمن الأعراض وسببن الاُمراء والصلحاء .

اُصول السياسة العالميّةمرَّت _ في الفقرات السابقة _ إشارات إلى اُصول سياسة الإمام عليّ عليه السلام في مختلف المضامير الإداريّة ومرافق البلاد . وما نقصده من السياسة العالميّة للإمام _ في هذه الفقرة _ هو توظيف تعاليمه والإفادة ممّا رسمه من توجيهات ، ممّا يعدّ ضرورياً لإدارة البلاد واستقرار الاجتماع السياسي بغضّ النظر عن أيّ عقيدة واتجاه . ومعنى ذلك تحديداً ، أنّ التوجيهات السياسيّة والاجتماعيّة هذه هي ممّا تقتضيه الفطرة ويُمليه العقل السليم ؛ فبمقدور كلّ إنسان أن يشهد بصحّة هذه المنطلقات السياسيّة والاجتماعيّة العلويّة في مضمار إدارة البلد وتوجيه الاجتماع السياسي ، ويتأكّد من سلامتها بمحض احتكامه إلى وجدانه ، ورجوعه إلى التاريخ ، وبغضّ النظر عن معتقده الديني مهما كان . لقد توفّر الفصل العاشر على تصنيف سياسة الإمام وما وضعه من قواعد عامّة ومنطلقات عالميّة على صعيد إدارة البلد والاجتماع السياسي ، إلى ثلاثة أقسام ، هي :

.

ص: 318

المجموعة الأولى : القواعد الَّتي تضمن بقاء الدول
المجموعة الثانية : القواعد الَّتي تجرّ إلى زوال الدول
المجموعة الثالثة : المنطلقات الفاعلة في العلاقات الدوليّة

المجموعة الأولى : القواعد الَّتي تضمن بقاء الدولتتضمّن هذه المجموعة جملة القواعد الَّتي يعدّ الالتزام بها ضرورياً لبقاء الدول ودوامها ، مثل السعي الحثيث لترسيخ العدالة الاجتماعيّة ، والاستناد إلى حسن التدبير في إدارة شؤون الاجتماع السياسي ، وإلى الرفق في التعامل مع النّاس ، بالإضافة إلى توخّي الحذر في الدفاع عن الحرّية ، وتأمين الاستقلال والعزّة ، وكلّ ما له صلة بالحقوق الفرديّة والاجتماعيّة للشعب .

المجموعة الثانية : القواعد الَّتي تجرّ إلى زوال الدولوهي تتضمّن جملة من القواعد والسياسات الَّتي وإن كان اللجوء إليها يمكن أن يكون فاعلاً على المدى القصير ، إلّا أنّها تجرّ في نهاية المطاف إلى زوال الحكم ، مثل التعدّي على حقوق النّاس ، وسفك الدماء ، والركون إلى سوء التدبير في إدارة الاُمور ، والاستئثار وتقديم المسؤولين عن النظام لمصالحهم الذاتيّة ومصالح من يحيط بهم على الآخرين ، والتفريط بقواعد الحاكميّة واُصولها ، وانجرار مسؤولي النظام إلى الاُمور التافهة ، وإناطة المسؤوليّة لغير المؤهّلين في مقابل إقصاء الأكفّاء .

المجموعة الثالثة : المنطلقات الفاعلة في العلاقات الدوليّةوهذه تشمل التوجيهات الَّتي صدرت عن الإمام عليه السلام في مجال العلاقات الدوليّة ، مثل الإقرار للآخرين بحقوق إنسانيّة نظير ما يتمتّع به الإنسان المسلم من حقوق على هذا الصعيد ؛ ضرورة التمسّك بمبدأ العزّة في إقامة العلاقات مع الآخرين ، والاهتمام بسياسة إزالة التوتّر مع سائر البلدان ، والوفاء بالمعاهدات والمواثيق ، والتزام جانب الأمانة في حفظ حقوق الآخرين ، واستثمار ما تحظى به البلدان الأجنبيّة من علوم وفنون مع الحفاظ في الوقت ذاته على الاستقلال الثقافي وعدم الذوبان في ثقافة الآخر .

.

ص: 319

استخلاص

وبالإضافة إلى هذه المجموعات الثلاث ، فقد عُرف عن الإمام في مضمار العلاقات الدوليّة ، عناصر اُخرى بالغة الأهميّة ، وتنطوي على قيمة تعليميّة فائقة ، مبثوثة في الثنايا ، ستأتي تحت عنوان «النوادر» .

استخلاصما تمّ استعراضه حَتّى اللحظة من خلاصات مكثّفة حيال الاُصول السياسيّة للإمام عليّ عليه السلام في مجال الإدارة العامة والاجتماع السياسي _ ممّا سيأتي تفصيله في هذا الجزء من الموسوعة _ يكشف بجلاء أنّ السياسة في منظار الإمام أمير المؤمنين هي أداة للحكم على أساس الحقوق والاحتياجات الواقعيّة للناس ، وليست أداة لترسيخ سلطة الأقوياء والمعتدين على حقوق الشعب . على ضوء تلك الاُصول وهذا الاستخلاص يمكن الإجابة بسهولة على ما يُثار من انتقادات حول كفاءة الإمام وأهليّته السياسيّة .

.

ص: 320

(3) دفاع عامّ عن كفاءة الإمام السياسيّة

(3 )دفاع عامّ عن كفاءة الإمام السياسيّةإنّ من ينظر إلى السياسة بوصفها أداة للتسلّط على الاُمّة ، وليست مجرّد وسيلة للحكم على أساس الحقوق العامة للاُمّة واحتياجاتها الواقعيّة ، يظنّ أن بعض المواقف السياسيّة للإمام هي دليل عدم تأهّله السياسي وعدم كفاءته في هذا المجال ، ويزعم أنّ علياً رجل حرب وشجاعة ، وليس رجل سياسة ! من المواضع الَّتي تُغري هؤلاء بهذا الوهم بعض مواقف الإمام قبل بلوغه السلطة ، مثل موقفه في عمل الشورى السداسيّة الَّتي انتخبها عمر لتعيين الخليفة من بعده ، وعدد آخر من مواقفه السياسيّة بعد تسنّمه الحكم ، كعزله معاوية بداية خلافته . فلو كان الإمام رجل سياسة _ في منطق هؤلاء _ لاستجاب إلى شرط عبد الرحمن بن عوف عندما اشترط لبيعته أن يعمل الإمام بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر ، ولا يضيّع الفرصة الَّتي واتته لتسنّم الخلافة ، حَتّى إذا ما استقرّت قواعد حكمه عمل بما يريد . وإلّا هل ترى أنّ عثمان الَّذي قبل شرط عبد الرحمن هذا قد وفّى به ! يُضيف هؤلاء : ولو أنّ عليّاً كان رجل سياسة لداهن خصومه بداية عهده بالحكم ، بالأخصّ طلحة والزبير ومعاوية ، واستجاب لرغائبهم مؤقّتاً ، حَتّى إذا ما استقرّ حكمه بادر لمواجهتهم والقضاء عليهم . ليست قليلة مثل هذه المواقف في حياة الإمام السياسيّة ، حيث حال إصراره على التمسّك بالقيم الأخلاقيّة والإسلاميّة دون وصوله إلى السلطة ، أو أدّى إلى تضعيف قواعد حكمه .

.

ص: 321

يكتب ابن أبي الحديد في هذا المضمار : «واعلم أنّ قوماً ممّن لم يعرِف حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام ، زعموا أنّ عمر كان أسوس منه ، وإن كان هو أعلم من عمر ، ثم زعم أعداؤه ومباغضوه أنّ معاوية كان أسوس منه وأصحّ تدبيراً» . (1) لكي لا يطول هذا الجزء من موسوعة الإمام أكثر ، نكل الجواب التفصيلي عمّا اُثير من نقدٍ حيال مواضع خاصّة من سياسة الإمام إلى موضعه المناسب من الموسوعة ، لنكتفي في هذا المجال بجواب عامّ يعالج جميع الانتقادات الَّتي اُثيرت حول منهجه أو الَّتي يمكن أن تُثار . وجوهر هذا الجواب : أنّنا إذا أخذنا السياسة بمعنى أنّها أداة لحكم القلوب ، أو أنّها وسيلة لممارسة الحكم على أساس حقوق النّاس والاحتياجات الواقعيّة للمجتمع ؛ فإنّ عليّاً هو أعظم رجل سياسة في التأريخ بعد النبي صلى الله عليه و آله . أمّا إذا كانت السياسة بمعنى الوصول إلى الحكم وفرض السلطة على المجتمع بأيّ طريق ممكن ، فإنّ عليّاً عليه السلام ليس رجل سياسة أصلاً . بديهي ، لا يعني ذلك أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن يعرف السياسة بهذا المعنى ، إنّما معناه أنّ التزامه بالأحكام الإلهيّة ؛ وتمسّكه بالقيم الأخلاقيّة أثنياه أن يكون سياسيّاً بهذا المعنى ، وإلّا فإنّ الإمام كان أعرف النّاس بألاعيب السياسة وحيلها اللامشروعة من أجل فرض السلطة ، كيف لا ، وهو الَّذي يقول : «لَولا أنَّ المَكر وَالخَديعَةَ فِي النّارِ لَكُنتُ أمكَرَ النّاسِ» . كما يقول : «هَيهاتَ ، لَولَا التُّقى لَكُنتُ أدهَى العَرَبِ» . وقوله عليه السلام : «وَاللّهِ ما مُعاوِيَةُ بِأَدهى مِنّي ، ولكِنَّهُ يَغدِرُ ويَفجُرُ ، ولَولا كَراهِيَّةُ الغَدرِ لَكُنتُ مِن أدهَى النّاسِ ، ولكِن كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ ، وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ ، ولِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يُعرَفُ بِهِ يَومَ القِيامَةِ» .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج10 ص212 .

ص: 322

إنّه عليه السلام لعلى دراية بأيّ مكر سياسي يستطيع أن يحبس الأنفاس في الصدور ، كما بمقدوره أن يلجأ إلى سياسة الترغيب والتهديد والتجاوز على حقوق عامّة النّاس ليقضي على ضروب المعارضة والعصيان الداخلي ، بيد أنّ التزامه يُثنيه عن ذلك ، وتربأ به قيمه الإسلاميّة والإنسانيّة من الجنوح إلى هذا المنحدر ، وتعصمه عن التوسّل بالوسائل غير المشروعة . ولطالما كرّر صلوات اللّه وسلامه عليه قوله : «إنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم ، وَلكِنّي لا أرَى إصلاحَكُم بإِفسادِ نَفسِي» (1) . يُشير الإمام في هذا الكلام إلى تلك السياسات والوسائل الفاعلة على صعيد فرض الحكم التسلّطي على المجتمع ، بيد أنّه لا يستطيع أن يلجأ إليها ، لأنّها تنتهي إلى ثمن باهض هو فساد السياسي نفسه ! أجل ، إنّه الإصلاح الَّذي يكون ثمنه فساد المصلح !وهذا الكلام لأمير المؤمنين يعلن أنّ حركة الإصلاح قد تنتهي أحياناً إلى فساد المصلح . ومن ثَمّ فإنّ اُصول المنهج السياسي العلوي لا تسمح لحكم الإمام أن يلجأ الى ممارسة ذلك النمط من الإصلاحات القائم على مرتكزات غير مشروعة ، مثل الإصلاح الاقتصادي الَّذي يكون ثمنه التضحية بالعدالة الاجتماعيّة ، ممّا هو سائد في العالم المعاصر . إنّ الإمام عليّاً عليه السلام يعرف جيّداً كيف يخدع المعارضين الأقوياء ذوي النفوذ السياسي الهائل ، ويُغريهم بأنّ مصالحهم سوف تتأمّن في إطار حكمه ، ثمّ يعمد إلى استيصالهم والقضاء عليهم تدريجيّاً ، كما يعرف أيضاً كيف يخدع الشعب ، ويُغريه بأنّ حقوقه الواقعيّة سوف تتأمّن ، وأنّه سوف يحترم القيم الإسلاميّة ، على حين ينهج في العمل سبيلاً آخر ، ليرسّخ بذلك قواعد حكمه ويحافظ على استقراره . ولو أنّ ذلك قد حصل ، لما كان عليُّ بن أبي طالب عندئذٍ ، هو عليَّ بن أبي طالب ، بل لكان رجل سياسة محترف مثله كمثل بقيّة السياسيّين المحترفين فى ¨

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 69 .

ص: 323

التاريخ ، له اُسوة بهم وهم يتّخذون السياسة أداة لفرض السلطة على النّاس ، لا أن تكون وسيلة لإقامة الحقّ وتأمين حقوق المجتمع . لم يكن لحركة الإصلاح العلوي من هدف سوى إحياء منهج الحكم النبوي ، ومن ثَمّ لم يكن بمقدورها أن تتحرّك على اُسس غير مبدئيّة ، مناهضة للقيم والدين وكلّ ما هو غير إنساني . من هذا المنطلق راحت هذه الحركة الإصلاحيّة تواجه ذات العقبات والمشكلات الَّتي اصطدم بها الحكم النبوي (1) . لكن الإمام استطاع من خلال تحمله كافّة المشكلات ، أن يُعيد في التاريخ الإسلامي _ ولمرّة أخرى _ المعالم الوضّاءة لمنهج الحكم النبوي ، وأن يُعلّم الآخرين ممّن يأتي في المستقبل منهج حكومة القلوب . لكن ينبثق هنا سؤال أساسي ، فحواه : إذا كان النهج الَّذي اختاره الإمام لإدارة الاجتماع السياسي ممكناً وعمليّاً من خلال الاُصول الَّتي مرّت الإشارة إليها ، فلماذا راحت أكثريّة النّاس تبتعد عن رجل سياسة كعليّ نهض بتنفيذ هذا المنهج ، مع أنّه عليه السلام كان قد وصل إلى السلطة بحماية عامّة من الجمهور نفسه عبر عمليّة انتخابيّة حرّة ؟ ولماذا انفضّت عنه بعد مرور مدّة قصيرة على حكمه ، بحيث أمضى الأشهر الأخيرة من حياته وحيداً فريداً ؟ يمكن القول إجمالاً في جواب هذا السؤال بأنّ ابتعاد النّاس عن الإمام وبقاءه وحيداً ، ليس دليلاً على خطأ هذا النهج وعدم صحّته . بل ثَمَّ لذلك دلائل اُخرى ستأتي تفصيلاً نهاية القسم السابع من هذه الموسوعة ، المخصّص لمصير الإمام وما آل إليه من غربة موجعة .

.


1- .راجع شرح نهج البلاغة : ج10 ص214 و ص222 .

ص: 324

M2738_T1_File_2595015

.

ص: 325

الفصل الأوّل بيعة النور
1 / 1 تاريخ بيعة الإمام

الفصل الأوّل بيعة النور1 / 1تاريخُ بَيعَةِ الإِمامِاختلف المؤرّخون وكُتّاب السِّيرة في تعيين التاريخ الدقيق لبيعة النّاس للإمام عليه السلام ، فقال البعض : إنّها حصلت في اليوم الَّذي قُتل فيه عثمان (1) . وقال آخرون : إنّها وقعت بعد قتل عثمان بفترة ؛ واختلفوا في تحديدها بين اليوم الواحد والخمسة أيّام 2 . فورد في بعض المصادر التاريخيّة : «بويِعَ عَلِيٌّ يَومَ الجُمُعَةِ لِخَمسٍ بَقينَ مِن ذِي الحِجَّةِ وَالنّاسُ يَحسَبونَ مِن يَومِ قَتلِ عُثمانَ» (2) .

.


1- .الاستيعاب : ج3 ص217 الرقم 1875 ، مروج الذهب : ج2 ص358 ، تاريخ الطبري : ج4 ص436 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص305 وفيهما «والنّاس يحسبون بيعته من يوم قتل عثمان» ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص123 ح4594 وفيه «وقيل : بويع عقيب قتل عثمان» .
2- .تاريخ الطبري: ج4 ص436، الكامل في التاريخ: ج2 ص305، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص123 ح4594.

ص: 326

1 / 2 حرّيّة النّاس في انتخاب الإمام

لكن نقل الطبري عن أبي المليح (1) ونقل ابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي (2) ، كما جاء في تاريخ دمشق وتذكرة الخواصّ (3) ، أنّ بيعة النّاس كانت يوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة (35 ه ) . والَّذي نراه هو أنّ القول الثاني أقرب إلى الواقع ؛ حيث أنّه يلائم القول باتّحاد تاريخ قتل عثمان _ الَّذي هو 18 ذي الحجّة على أصحّ الأقوال (4) _ مع تاريخ بيعة الإمام ، مضافا إلى تصريح المصادر السابقة بذلك . ومن جهةٍ اُخرى إذا لاحظنا الشرائط السياسيّة الحاكمة على المجتمع الإسلامي آنذاك ، ولاحظنا شخصيّة الإمام العديمة النظير ، فإنّه يبعد _ غاية البُعد _ وقوع فاصل زماني بين قتل عثمان وتعيين القائد الجديد للاُمّة .

1 / 2حُرِّيَّةُ النّاسِ فِي انتِخابِ الإِمامِالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى أهلِ الكوفَةِ عِندَ مَسيرِهِ مِنَ المَدينَةِ إلَى البَصرَةِ _: بايَعَنِي النّاسُ غَيرَ مُستَكرَهينَ ، ولا مُجبَرينَ ، بَل طائِعينَ مُخَيَّرينَ (5) .

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص428 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج7 ص36 .
3- .تاريخ دمشق : ج42 ص437 ، تذكرة الخواصّ : ص56 .
4- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص480 ح778 ، أنساب الأشراف : ج3 ص7 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص77 ، تاريخ الطبري : ج4 ص415 ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ص132 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص294 ، الاستيعاب : ج3 ص159 الرقم 1797 .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 1 ، الجمل : ص244 ، الأمالي للطوسي : ص718 ح1518 عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري وفيه إلى «غير مُستكرَهين» .

ص: 327

1 / 3 كراهة الإمام للحكومة

عنه عليه السلام :قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأنَا أرى أنّي أحَقُّ النّاسِ بِهذَا الأَمرِ ! فَاجتَمَعَ النّاسُ عَلى أبي بَكرٍ ! فَسَمِعتُ وأطَعتُ . ثُمَّ إنَّ أبا بَكرٍ حَضَرَ فَكُنتُ أرى أن لا يَعدِلَها عَنّي ، فَوَلّى (1) عُمَرَ ، فَسَمِعتُ وأطَعتُ ! ثُمَّ إنَّ عُمَرَ اُصيبَ ، فَظَنَنتُ أنَّهُ لا يَعدِلُها عَنّي ، فَجَعَلَها في سِتَّةٍ أنَا أحَدُهُم ! فَوَلّاها عُثمانَ ، فَسَمِعتُ وأطَعتُ . ثُمَّ إنَّ عُثمانَ قُتِلَ، فَجاؤوني ، فَبايَعوني طائِعينَ غَيرَ مُكرَهينَ (2) .

عنه عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى طَلحَةَ والزُّبَيرِ _: أمّا بَعدُ ، فَقَد عَلِمتُما _ وإن كَتَمتُما _ أنّي لَم اُرِدِ النّاسَ حَتّى أرادوني ، ولَم اُبايِعهُم حَتّى بايَعوني ، وإنَّكُما مِمَّن أرادَني وبايَعَني ، وإنَّ العامَّةَ لَم تُبايِعني لِسُلطانٍ غالِبٍ ، ولا لِعَرَضٍ حاضِرٍ (3) .

الفتوح :أقبَلَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمنينَ ، إنَّ النّاسَ قَد بايَعوكَ طائِعينَ غَير كارِهينَ ، فَلَو بَعَثتَ إلى اُسامَةَ بنِ زَيِدٍ وعَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ ومُحَمَّدِ بنِ مَسلَمَةَ وحَسّانِ بنِ ثابِتٍ وكَعبِ بنِ مالِكٍ فَدَعَوتَهُم ؛ لِيَدخُلوا فيما دَخَلَ فيهِ النّاسُ مِنَ المُهاجِرينَ والأَنصارِ ! فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : إنَّهُ لا حاجَةَ لَنا فيمَن لا يَرغَبُ فينا (4) .

1 / 3كَراهَةُ الإِمامِ لِلحُكومَةِالإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ بَعدَ البَيعَةِ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قَد كُنتُ كارِها لِهذهِ الوِلايَةِ _

.


1- .في الطبعة المعتمدة : «فولي» ، والصحيح ما أثبتناه كما في تاريخ دمشق «ترجمة الإمام عليّ عليه السلام » تحقيق محمّد باقر المحمودي (ج3 ص101 ح1142) .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص439 ، اُسد الغابة : ج4 ص106 ح3789 كلاهما عن يحيى بن عروة المرادي .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 54 ، كشف الغمّة : ج1 ص239 ؛ الفتوح : ج2 ص465 كلاهما نحوه ، الإمامة والسياسة : ج1 ص90 وفيه «خاصّ» بدل «غالب» وليس فيه «ولا لعرض حاضر» .
4- .الفتوح : ج2 ص441 .

ص: 328

يَعلَمُ اللّهُ في سَماواتِهِ وفَوقَ عَرشِهِ _ عَلى اُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، حَتَّى اجتَمَعتُم عَلى ذلِكَ ، فَدَخَلتُ فيهِ (1) .

تاريخ الطبري عن أبي بَشيرٍ العابِديّ :كُنتُ بِالمَدينَةِ حينَ قُتِلَ عُثمانُ ، وَاجتَمَعَ المُهاجِرونَ والأَنصارُ _ فيهِم طَلحَةُ والزُّبَيرُ _ فَأَتَوا عَلِيّا ، فَقالوا : يا أبا حَسَنٍ ، هَلُمَّ نُبايِعكَ ! فَقالَ : لا حاجَةَ لي في أمرِكُم ، أنَا مَعَكُم ؛ فَمَنِ اختَرتُم فَقَد رَضيتُ بِهِ ، فَاختاروا وَاللّهِ ! فَقالوا : ما نَختارُ غَيرَكَ . قالَ : فَاختَلَفوا إلَيهِ بَعدَما قُتِلَ عُثمانُ مِرارا ، ثُمَّ أتَوهُ في آخِرِ ذلِكَ ، فَقالوا لَهُ : إنّه لا يَصلُحُ النّاسُ إلّا بِإِمرَةٍ ، وقَد طالَ الأَمرُ ! فَقالَ لَهُم : إنَّكُم قَدِ اختَلَفتُم إلَيَّ وأتَيتُم ، وإنّي قائِلٌ لَكُم قَولاً إن قَبِلتُموهُ قَبِلتُ أمرَكُم ، وإلّا فَلا حاجَةَ لي فيهِ . قالوا : ما قُلتَ مِن شَيءٍ قَبِلناهُ إن شاءَ اللّهُ . فَجاءَ فَصَعِدَ المِنبَرَ ، فَاجتَمَعَ النّاسُ إلَيهِ ، فَقالَ : إنّي قَد كُنتُ كارِها لِأَمرِكُم ، فَأَبَيتُم إلّا أن أكونَ عَلَيكُم ، ألا وإنَّهُ لَيسَ لي أمرٌ دونَكُم ، إلّا أنَّ مَفاتيحَ مالِكُم مَعي ، ألا وإنَّهُ لَيسَ لي أن آخُذَ مِنهُ دِرهَما دونَكُم ، رَضيتُم ؟ قالوا : نَعَم . قالَ : اللّهُمَّ اشهَد عَلَيهِم . ثُمَّ بايَعَهُم عَلى ذلِكَ (2) .

تاريخ الطبري عن محمّد وطَلحَة :غَشِيَ النّاسُ عَليّا ، فَقالوا : نُبايِعُكَ ؛ فَقَد تَرى ما نزَلَ بِالإِسلامِ ، ومَا ابتُلينا بِهِ مِن ذَوِي القُربى ! فَقالَ عَليٌّ : دَعوني ، وَالتَمِسوا غَيري ؛ فَإِنّا مُستَقبِلونَ أمرا لَهُ وجوهٌ ولَهُ ألوانٌ ، لا تَقومُ لَهُ القُلوبُ ، ولا تَثبُتُ عَلَيهِ العُقولُ .

.


1- .الأمالي للطوسي : ص728 ح1530 عن مالك بن أوس ، بحار الأنوار : ج32 ص26 ح9 .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص427 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص302 و ص304 نحوه ؛ الكافئة : ص12 ح7 عن أبي بشر العائذي وفيه إلى «مرارا» ، شرح الأخبار : ج1 ص376 ح318 عن أبي بشير العائدي نحوه وراجع الفتوح : ج2 ص434_436 والمناقب للخوارزمي : ص49 ح11 .

ص: 329

فَقالوا : نَنشُدُكَ اللّهَ ، أ لا تَرى ما نَرى ! أ لا تَرَى الإِسلامَ ! أ لا تَرَى الفِتنَةَ ! أ لا تَخافُ اللّهَ ! فَقالَ : قَد أجَبتُكُم لِما أرى ، وَاعلَموا إن أجَبتُكُم رَكِبتُ بِكُم ما أعلَمُ ، وإن تَرَكتُموني فَإِنَّما أنَا كَأَحَدِكُم ، إلّا أنّي أسمَعُكُم وأطوَعُكُم لِمَن وَلَّيتُموهُ أمرَكُم (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ لَمّا أرادَهُ النّاسُ عَلَى البَيعَةِ بَعدَ قَتلِ عُثمانَ _: دَعوني وَالتَمِسوا غَيري ؛ فَإِنّا مُستَقبِلونَ أمرا لَهُ وجوهٌ وأَلوانٌ ، لا تَقومُ لَهُ القُلوبُ ، ولا تَثبُتُ عَلَيهِ العُقولُ . وإنَّ الآفاقَ قَد أغامَت ، وَالمَحَجَّةَ قَد تَنَكَّرَت ، وَاعلَموا أنّي إن أجَبتُكُم رَكِبتُ بِكُم ما أعلَمُ ، ولَم اُصغِ إلى قَولِ القائِلِ ، وعَتبِ العاتِبِ ، وإن تَرَكتُموني فَأَنَا كَأَحَدِكُم ، ولَعَلّيٌ أسمَعُكُم وأطوَعُكُمِ لِمَن وَلَّيتُموهُ أمرَكُم ، وأنَا لَكُم وَزيرا خَيرٌ لَكُم مِنّي أميرا (2) .

تاريخ الطبري عن محمّد ابن الحنفيّة :كُنتُ مَعَ أبي حينَ قُتِلَ عُثمانُ ، فَقامَ فَدَخَلَ مَنزِلَهُ ، فَأَتاهُ أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالوا : إنَّ هذَا الرَّجُلَ قَد قُتِلَ ، ولابُدَّ لِلنّاسِ مِن إمامٍ ، ولا نَجِدُ اليومَ أحَدا أحَقَّ بِهذَا الأَمرِ مِنكَ ؛ لا أقدَمَ سابِقَةٍ ، ولا أقرَبَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! ! فَقالَ : لا تَفعَلوا ، فَإِنّي أكونُ وَزيرا خَيرٌ مِن أن أكونَ أميرا . فَقالوا : لا ، وَاللّهِ ما نَحنُ بِفاعِلينَ حَتّى نُبايِعَكَ . قالَ : فَفِي المَسجِدِ ؛ فَإِنَّ بَيعَتي لا تَكونُ خَفِيّا ، ولا تَكونُ إلّا عَن رِضا المُسلِمينَ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ في جَوابِ طَلحَةَ والزُّبَيرِ _: وَاللّهِ ما كانَت لي في الخِلافَة

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص434 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص304 ، نهاية الأرب : ج 20 ص 13 وفيهما «بين القرى» بدل «ذوي القربى» ؛ الجمل : ص129 عن سيف عن رجاله نحوه .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 92 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص110 وفيه إلى «وعتب العاتب» .
3- .تاريخ الطبري : ج4 ص427 ، أنساب الأشراف : ج3 ص11 نحوه .

ص: 330

رَغبَةٌ ، ولا فِي الوِلايَةِ إربَةٌ ، ولكِنَّكُم دَعَوتُموني إلَيها ، وحَمَلتُموني عَلَيها ، فَلَمّا أفضَت إلَيَّ نَظَرتُ إلى كِتابِ اللّهِ وما وَضَعَ لَنا وأمَرَنا بِالحُكمِ بِهِ فَاتَّبَعتُهُ ، وما استَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَاقتَدَيتُهُ (1) .

عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ لَمّا أرادَ المَسيرَ إلى ذي قارٍ _: بايَعتُموني وأنَا غَيرُ مَسرورٍ بِذلِكَ ، ولا جَذِلٍ (2) ، وقَد عَلِمَ اللّهُ سُبحانَهُ أنّي كُنتُ كارِها لِلحُكومَةِ بَينَ اُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ ولَقَد سَمِعتُهُ يَقولُ : ما مِن والٍ يَلي شَيئا مِن أمرِ اُمَّتي إلّا اُتِيَ بِهِ يَومَ القيامَةِ مَغلولَةً يَداهُ إلى عُنُقِهِ ، عَلى رُؤوسِ الخَلائِقِ ، ثُمَّ يُنشَرُ كِتابُهُ ، فَإِن كانَ عادِلاً نَجا ، وإن كانَ جائِرا هَوى (3) .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 205 .
2- .جَذِل بالشيء يَجذَل جَذَلاً ، فهو جَذِلٌ وجذلانُ : فَرِحَ (لسان العرب : ج11 ص107) .
3- .الجمل : ص267 ، بحار الأنوار : ج32 ص63 ؛ شرح نهج البلاغة : ج1 ص309 عن زيد بن صوحان .

ص: 331

نظر تحليلي حول أسباب كراهة الإمام لقبول الحكومة

نظر تحليلي حول أسباب كراهة الإمام لقبول الحكومةكانت الثورة على عثمان _ بسبب ممارساته في الحكم _ عامّة شاملة ، وقد أفضى شمول الثورة وتطلّع النّاس إلى شخصيّة بارزة للخلافة إلى أن تكون مقدّرات الخلافة خارجة من قبضة التيّارات المتباينة ؛ أي أنّ النّاس أنفسهم كانوا أصحاب القرار في اختيار القائد السياسي. وكانت القلوب بأسرها يومئذٍ تتشوّف إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وحده بلا أدنى تردّد، فقد كان أكفَأ إنسان لخلافة النبيّ صلى الله عليه و آله ، وها هو اسمه تردّده الألسن وإن زُوي مدّةً دامت خمسا وعشرين سنةً. وكان الإقبال الشعبي العامّ إليه بنحوٍ لم يتَسَنَّ لأحدٍ أن يخالفه فيه قطّ . من هنا شعر مدّعو الخلافة _ الَّذين كانوا يزعمون أنّهم نظائره عليه السلام ، وكانوا معه في الشورى السداسيّة _ أنّ الحنكة السياسيّة تتطلّب المبادرة إلى بيعته والسبق إليها. وكانت الأمواج البشريّة العارمة تنثال عليه من كلّ جانبٍ لبيعته، بَيْد أنّه عليه السلام وقف بحزمٍ وصرامة ورفضَ البيعة، وطلب من النّاس أن يَدَعوه ويلتمسوا غيره، وقال لهم: «أنَا لَكُم وَزيرا خَيرٌ لَكُم مِنّي أميرا». ومن العجيب أنّ الرجل الَّذي كان يرى نفسه الخليفة المباشر للنبيّ صلى الله عليه و آله ، وما برح يعرض ظلامته ويتحدّث عن أهليّته وجدارته للخلافة خلال المدّة الطويلة لإزوائه

.

ص: 332

كلّما اقتضى المقام منه ذلك، وكان يصرخ من وحي الحرقة والألم ومن أعماق قلبه متأوّها لاستلاب حقّه، وزحزحة الحقّ عن مكانه... ها هو الآن يرفض البيعة ، وقد انثال عليه النّاس انثيالاً عجيبا مدهشا ، مقبلين عليه بقلوبهم وأرواحهم وبكلّ وجودهم، راضين به خليفةً لهم، مؤكّدين تصدّيه لحكومتهم في انتخابٍ حرٍّ مباشرٍ !فما له يكره ذلك ، ويرغب عن قبول هذه المهمّة؛ معلنا ذلك بصراحة؟!ولماذا وقف الإمام عليه السلام هذا الموقف؟ هل رغب عنها حقّا لنفسه ورجّح لها شخصا آخر أم أنّه أراد بموقفه هذا أن يعبّر مثلاً عن شيءٍ من المجاملة السياسيّة _ ومثله لا يجامل _ من أجل أن يسترعي انتباه النّاس أكثر فأكثر ، أو كان لموقفه الثُّنائي هذا مسوِّغ أو مسوِّغات اُخرى لا نعرفها؟! والواقع أنّ معرفة _ ولو يسيرة _ بسيرته واُسلوبه وبصيرته ونهجه عليه السلام لا تدَع مجالاً للشكّ في أنّه كان بعيدا عن المجاملات السياسيّة، نافرا من نفس الحكومة بما هي حكومة. فهو لم يكن طالبَ حكم وتسلّط على النّاس ؛ إذ الخلافة عنده أداة لإحقاق الحقّ، وبسط العدل، وإقامة القسط، فهل كانت الظروف السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة آنذاك مهيّأة لتحقيق الأهداف المذكورة؟ كلّا، إنّ مثل هذه الظروف لم تكن مهيّأة؛ فالتقلّبات السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، والتغيّرات الروحيّة والفكريّة الَّتي حدثت بعد خمس وعشرين سنةً قد استتبعت تغيّر الصحابة ورفاق الدرب أيضا بأفكارٍ مغايرة، ومعايير مباينة، ومقاييس اُخرى للحياة... إنّ الجيل الجديد _ والَّذين يقفون على رأس المواقع السياسيّة في هذه الفترة المتأخّرة _ إنّما يعيشون في ظروف يجهلون فيها معايير الدين وموازينه الراسخة،

.

ص: 333

ولا يَعُون طبيعة عصر الرسالة والسيرة النبويّة، ولا يعرفون عليّا عليه السلام ومنزلته الرفيعة في الدين ودوره وشأنه العظيمين معرفةً صحيحةً. فما مرّ على الدين خلال ربع قرن، وما ابتُدع من تفسيرات وتأويلات للنصوص الدينيّة، وما ظهر من تغييرات في الأحكام، خاصّة في عهد الخليفة الثالث، كلّ ذلك جعل مبادئ الدين ومقاييسه الصحيحة وأحكامه السديدةَ غريبةً على النّاس ، وهو الَّذي سوّغ للاُمّة ثورتها على عثمان ؛ فقد كان الثوّار يقولون في عثمان: «أحدَثَ الأَحداثَ ، وخالَفَ حُكمَ الكِتابِ» (1) . وحيث كان يُشتكى من مقتله وسرّ الثورة عليه، يقولون: لأحداثه (2) . هذه كلّها رسمت صورةً في الأذهان وأجرت على الألسن صعوبة العمل على أساس الكتاب والسنّة بعيدا عن المجاملات والمداهنات. وكان الإمام عليه السلام يعلم علم اليقين أنّ إرجاع المياه إلى مجاريها يُثير عليه الفتن، وأنّ تطبيق الحقّ يُنهض أصحاب الباطل المعاندين للحقّ. من هنا كان عليه السلام يرفض البيعة ، ويؤكّد رفضه ؛ كي تتمّ الحجّة على المخالفين في المستقبل. وفي إحدى المناسبات قال عليه السلام : «دَعوني وَالتَمِسوا غَيري ؛ فَإِنّا مُستَقِبلونَ أمرا لَهُ وجوهٌ وأَلوانٌ ، لا تَقومُ لَهُ القُلوبُ ، ولا تَثبُتُ عَلَيهِ العُقولُ . وإنَّ الآفاقَ قَد أغامَت ، وَالمَحَجَّةَ قَد تَنَكَّرَت . وَاعلَموا أنّي إن أجَبتُكُم رَكِبتُ بِكُم ما أعلَمُ ، ولَم اُصغِ إلى قَولِ القائِلِ ، وعَتبِ العاتِبِ ، وإن تَرَكتُموني فَأَنَا كَأَحَدِكُم ، ولَعَلّيٌ أسمَعُكُم وأطوَعُكُمِ لِمَن وَلَّيتُموهُ أمرَكُم ، وأنَا لَكُم وَزيرا خَيرٌ لَكُم مِنّي أميرا» (3) .

.


1- .تاريخ الطبري : ج5 ص43 .
2- .وقعة صفّين : ص319 .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 92 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص110 .

ص: 334

إنّه لكلامٌ بليغ، كلام معبّر ، وذو مغزى . إنّ ما نستقبله أمر ذو ألوان شتّى، وله وجوه وأشكال متباينة . . . نستقبل أمواجا تبدأ بعدها العواصف والأعاصير ، والعدل الَّذي اُصِرّ عليه يستتبع صيحات تعلو ، وصرخات تتصاعد هنا وهناك ... . وكان عليه السلام يريد أن تتمهّد الأرضيّة، ويضع للناس معايير التعامل ومقاييسه، ويعيد الكلام حول الخطوط الأصليّة للحكومة، ويستبين المستقبل ليختار الناسُ سبيلهم بوعي ، ويتّخذوا موقفهم عن بصيرة. في كلامه عليه السلام ، بعد امتناعه ورفضه في الخطبة المذكورة وفي مواضع اُخرى : 1 _ تأكيد على أنّه غير عاشق للرئاسة وليس من طلّابها ؛ فإذا تحدّث عن نفسه، وتأوّه ممّا حدث بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأكّد زعامته وإمامته، فذلك كلّه لتوضيح الحقائق ، وتأكيد المصالح. وإذا تسلّم زمام الاُمور، ورضي بالخلافة ، فلإقامة الحقّ، وبناء حكومة على النهج الَّذي يعرفه هو ويرتضيه ؛ كي لا يرى أحد أو جماعة أو قبيلة أنّ الإمام عليه السلام مَدين لهم بسبب تعالي صيحاتهم لبيعته ، فيفرضوا عليه أهواءهم وطلباتهم. 2 _ تأكيد على أنّ تغييرات قد لحقت بتعاليم الدين، وأنّ الرسالة الإلهيّة بعد نبيّها اُصيبت بداء التبدّلات والتقلّبات. فإذا أخذ بزمام الاُمور فإنّه يكافح التحريفات ويقارعها، ويزيح الستار عن الوجه الحقيقي للدين ، وينفض عنه غبار التحريف. وهذا كلّه يستتبع توتّرات سياسيّة واجتماعيّة. 3 _ آيةٌ على معرفة الإمام عليه السلام الدقيقة بالمجتمع وبالنفس الإنسانيّة وخبرته بزمانه. ويدلّ هذا الكلام على أنّه عليه السلام لم ينخدع بانثيال النّاس عليه لبيعته في ذلك الجوّ السياسيّ السائد يومئذٍ . وكان يرى مستقبل حكومته بوضوح ، وكان يعلم جيّدا أنّ الأرضيّة غير ممهَّدة للإصلاحات العلويّة، ولإعادة الاُمّة إلى نهج نبيّها صلى الله عليه و آله وسيرته

.

ص: 335

1 / 4 دوافع الإمام لقبول الحكومة

وسُنّته ، وكان أدرى من غيره بأنّ سبب الثورة العامّة على عثمان لم يكن من أجل العودة إلى القيم الإسلاميّة الأصيلة، وأنّ بعض الثائرين لا سيما مَن ركب الموجة منهم _ كعائشة، وطلحة، والزبير _ قاموا بما قاموا به لأسباب سياسيّة واقتصاديّة معيّنة ، فالباعث لهم على بيعة الإمام عليه السلام لا ينسجم مع هدفه من قبول الحكومة. وإذا ما بلغوا النتيجة الحتميّة وأدركوا أنّ عليّا لا يسايرهم ولا يماشيهم ولا يمنح أحدا امتيازا خلاف الحقّ والعدل، فسيناهضون إصلاحاته، ويجرّون المجتمع الإسلاميّ إلى التفرقة والتشتّت (1) . 4 _ مبايعته مبايعة للأهداف العلويّة؛ فمن صافحه وعاهده فعليه أن يكون متأهّبا لمرافقته ، وملازمته من أجل إزالة التحريفات، وإعادة بناء المجتمع معنويّا، وتحكيم الدين تحكيما حقيقيّا، وإحياء ما نَسيَته الأذهان، وكشف الحقائق الَّتي مُنيت بالتغيير والتبديل... وأراد عليه السلام أن يلقي الحجّة على الأمواج البشريّة العارمة الَّتي كانت تنادي باسمه للخلافة ، وأراد أن يُعلمها أنّه لايستهدف من قبول الخلافة إلّا بسط العدل، وإقامة الحقّ، وإحياء دين اللّه ، وهذا هو السبيل لا غيره.

1 / 4دَوافِعُ الإِمامِ لِقَبولِ الحُكومَةِالإمام عليّ عليه السلام :أما وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَولا حُضورُ الحاضِرِ ، وقِيامُ الحُجَّةِ بِوُجودِ النّاصِرِ ، وما أخَذَ اللّهُ عَلَى العُلَماءِ ألّا يُقارّوا (2) عَلى كِظَّةِ 3 ظالِمٍ ، ولا سَغَبِ (3)

.


1- .سنذكر تفصيل الموضوع في ج 4 ص 51 (أيّام المحنة) .
2- .قارَّه مُقارَّة : أي قرَّ معه وسكن ، وهو تفاعل من القرار (لسان العرب : ج5 ص85) .
3- .سَغِب الرجل يَسغَب وسَغَبَ يَسغُبُ : جاع (لسان العرب : ج1 ص468) .

ص: 336

مَظلومٍ ، لَأَلقَيتُ حَبلَها عَلى غارِبِها ، وَلَسَقَيتُ آخِرَها بِكَأسِ أوَّلِها ، ولَأَلفَيتُم دُنياكُم هذِهِ أزهَدَ عِندي مِن عَفطَةِ عَنزٍ (1) .

عنه عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ يُبَيِّنُ سَبَبَ طَلَبِهِ الحُكمَ _: أيَّتُهَا النُّفوسُ المُختَلِفَةُ ، وَالقُلوبُ المُتَشَتِّتَةُ ، الشّاهِدَةُ أبدانُهُم ، وَالغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُم ، أظأَرُكُم (2) عَلَى الحَقِّ وأنتُم تَنفِرونَ عَنهُ نُفورَ المِعزى مِن وَعوَعَةِ الأَسَدِ ! هَيهاتَ أن أطلَعَ بِكُم سَرارَ العَدلِ ، أو اُقيمَ اعوِجاجَ الحَقِّ . اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ لَم يَكُنِ الَّذي كانَ مِنّا مُنافَسَةً في سُلطانٍ ، ولَا التِماسَ شَيءٍ مِن فُضولِ الحُطامِ ، ولكِن لِنَرِدَ المَعالِمَ مِن دينِكَ ، ونُظهِرَ الإِصلاحَ في بِلادِكَ ؛ فَيَأمَنَ المَظلومونَ مِن عِبادِكَ ، وتُقامَ المُعَطَّلَةُ مِن حُدودِكَ (3) .

عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنّي لَم اُرِدِ الإِمرَةَ ، ولا عُلُوَّ المُلكِ وَالرِّياسَةِ ، وإنَّما أرَدتُ القِيامَ بِحُدودِكَ ، وَالأَداءَ لِشَرعِكَ ، ووَضعَ الاُمورِ في مَواضِعِها ، وتَوفيرَ الحُقوقِ عَلى أهلِها ، والمُضِيَّ عَلى مِنهاجِ نَبِيِّكَ ، وإرشادَ الضّالِّ إلى أنوارِ هِدايَتِكَ (4) .

عنه عليه السلام :لَم تَكُن بَيعَتُكُم إيّايَ فَلتَةً ، ولَيسَ أمري وأمرُكُم واحِدا ، إنّي اُريدُكُم للّهِِ ، وأنتُم تُريدونَني لِأَنفُسِكمُ . أيُّها النّاسُ أعينوني عَلى أنفُسِكُم، وَايمُ اللّهِ لَاُنصِفَنَّ المَظلومَ مِن ظالِمِهِ ، ولَأَقودَن

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 3 ، علل الشرائع : ص151 ح12 ، معاني الأخبار : ص362 ح1 ، الإرشاد : ج1 ص289 وفيه «أولياء الأمر» بدل «العلماء» والثلاثة الأخيرة عن ابن عبّاس ، نثر الدرّ : ج1 ص275 نحوه ، غرر الحكم : ح10149 ؛ تذكرة الخواصّ : ص125 وفيه إلى «حبلها» .
2- .ظَأرني فلان على أمر كذا وأظأرَني وظاءَرَني : أي عَطَفني (لسان العرب : ج4 ص515) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 131 ، تحف العقول : ص239 ؛ المعيار والموازنة : ص277 كلاهما نحوه من «اللهمّ» .
4- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص299 ح414 ؛ الدرجات الرفيعة : ص38 .

ص: 337

1 / 5 أوّل من بايع

الظالِمَ بِخِزامَتِهِ حَتّى اُورِدَهُ مَنهَلَ الحَقِّ وإن كانَ كارِها (1) .

عنه عليه السلام :عَدَا النّاسُ عَلى هذَا الرَّجُلِ _ وأنَا مُعتَزِلٌ _ فَقَتَلوهُ ، ثُمَّ وَلَّوني وأنَا كارِهٌ ، ولَولا خَشيَةٌ عَلَى الدِّينِ لَم اُجِبهُم (2) .

عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى أهلِ الكوفَةِ _: وَاللّهُ يَعلَمُ أنّي لَم أجِد بُدّا مِنَ الدُّخولِ في هذَا الأَمرِ ، ولَو عَلِمتُ أنَّ أحَدا أولى بِهِ مِنّي ما قَدِمتُ عَلَيهِ (3) .

عنه عليه السلام :وَاللّهِ ما تَقَدَّمتُ عَلَيهَا [ الخِلافَةِ ]إلّا خَوفا مِن أن يَنزُوَ عَلَى الأَمرِ تَيسٌ (4) مِن بَني اُمَيَّةَ ، فَيَلعَبَ بِكِتابِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ (5) .

راجع : ص 481 (إقامة العدل) .

1 / 5أوَّلُ مَن بايَعَالكامل في التاريخ :لَمّا قُتِلَ عُثمانُ ، اجتَمَعَ أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وفيهِم طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ، فَأَتَوا عَلِيّا ، فَقالوا لَهُ : إنَّهُ لابُدَّ لِلنّاسِ مِن إِمامٍ ! قالَ : لا حاجَةَ لي [في] (6) أمرِكُم ؛ فَمَنِ اخترَتُم رَضيتُ بِهِ . فَقالوا : ما نَختارُ غَيرَكَ . وتَرَدَّدوا إلَيهِ مِرارا ، وقالوا لَهُ في آخِرِ ذلِكَ : إنّا لا نَعلَمُ أحَدا أحَقَّ بِهِ مِنكَ ؛ لا أقدَمَ سابِقَةً ، ولا أقرَبَ قَرابَةً مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقالَ : لا تَفعَلوا ، فَإِنّي أكونُ وَزيرا

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 136 ، الإرشاد : ج1 ص243 عن الشعبي وفيه إلى «لأنفسكم» .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص491 ، فتح الباري : ج13 ص57 كلاهما عن كليب الجرمي .
3- .الجمل : ص259 .
4- .التَيْس : الذَكر من المعز (لسان العرب : ج6 ص33) .
5- .أنساب الأشراف : ج2 ص353 عن حبيب بن أبي ثابت .
6- .ما بين المعقوفين إضافة يقتضيها السياق .

ص: 338

خَيرا مِن أن أكونَ أميرا . فَقالوا : وَاللّهِ ما نَحنُ بِفاعِلينَ حَتّى نُبايِعَكَ . قالَ : فَفِي المَسجِدِ ؛ فَإِنَّ بَيعَتي لا تَكونُ خَفِيَّةً ، ولا تَكونُ إلّا فِي المَسجِدِ _ وكانَ في بَيتِهِ ، وقيلَ : في حائِطٍ لِبَني عَمرِو بنِ مَبذولٍ _ . فَخَرَجَ إلَى المَسجِدِ وعَلَيه إزارٌ وطاقٌ وعِمامَةُ خَزٍّ ، ونَعلاهُ في يَدِهِ ، مُتَوَكِّئا عَلى قَوسٍ ، فَبَايَعَهُ النّاسُ . وكانَ أوَّلُ مَن بايَعَهُ مِنَ النّاسِ طَلحَةَ بنَ عُبَيدِ اللّهِ . فَنَظَرَ إلَيهِ حَبيبُ بنُ ذُؤَيبٍ فَقالَ : إنّا للّهِِ ! أوَّلُ مَن بَدَأَ بِالبَيعَةِ يَدٌ شَلّاءُ ، لا يَتِمُّ هذَا الأَمرُ ! وبايَعَهُ الزُّبَيرُ . وقالَ لَهُما عَلِيٌّ : إن أحببَتُما أن تُبايِعاني ، وإن أحبَبتُما بايَعتُكُما ! فَقالا : بَل نُبايِعُكَ (1) .

الجمل عن زيد بن أسلم :جاءَ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ إلى عَلِيٍّ عليه السلام وهوَ مُتَعَوِّذٌ بِحيطانِ المَدينَةِ ، فَدَخلا عَلَيهِ وقالا لَهُ : اُبسُط يَدَكَ نُبايِعكَ ، فَإِنَّ النّاسَ لا يَرضَونَ إلّا بِكَ . فَقالَ لَهُما : لا حاجَةَ لي في ذلِكَ ، لَأَن أكونَ لَكُما وَزيرا خَيرٌ مِن أن أكونَ لَكُما أميرا ، فَلَيبسُط مَن شاءَ مِنكُما يَدَهُ اُبايِعهُ . فَقالا : إنَّ النّاسَ لا يُؤثِرونَ غيَرَكَ ، ولا يَعدِلونَ عَنكَ إلى سِواكَ ، فَابسُط يَدَكَ نُبايِعكَ أوَّلَ النّاسِ . فَقالَ : إنَّ بَيعَتي لا تَكونُ سِرّا ، فَأَمهِلا حَتّى أخرُجَ إلَى المَسجِدِ . فَقالا : بَل نُبايِعُكُ هاهنا ، ثُمَّ نُبايِعُكَ فِي المَسجِدِ . فَبايَعاهُ أوَّلَ النّاسِ ، ثُمَّ بايَعَهُ النّاسُ عَلَى المِنبَرِ ، أوَّلُهُم طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ، وكانَت يَدُهُ شَلّاءَ ، فَصَعِدَ المِنبَرَ إلَيهِ فَصَفَقَ عَلى يَدِهِ ، ورَجُلٌ مِن بَني أسَدٍ يَزجُرُ الطَّيرَ قائِمٌ يَنظُرُ إلَيهِ ، فَلَمّا رَأى أوَّلَ يَدٍ صَفَقَت عَلى يَدِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام يَدَ طَلحَةَ وهِيَ شَلّاءُ ، قالَ : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيه

.


1- .الكامل في التاريخ : ج2 ص302 ، تاريخ الطبري : ج4 ص428 عن أبي المليح نحوه ، نهاية الأرب : ج20 ص10 ؛ بحار الأنوار : ج32 ص7 ح2 وراجع البداية والنهاية : ج7 ص227 .

ص: 339

راجِعونَ ؛ أوُّلُ يَدٍ صَفَقَت عَلى يَدِهِ شَلّاءُ ، يُوشِكُ ألّا يَتِمَّ هذَا الأَمرُ . ثُمَّ نَزَلَ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ وبايَعَهُ النّاسُ بَعدَهُما (1) .

الإمامة والسياسة_ في ذِكرِ بَيعَةِ الإِمامِ عَليٍّ عليه السلام _: كانَ أوَّلُ مَن صَعِدَ المِنبَرَ طَلحَةَ ، فَبايَعَهُ بِيَدِهِ ، وكانَت أصابِعُهُ شَلّاءَ ، فَتَطَيَّرَ (2) مِنها عَلِيٌّ ، فَقالَ : ما أخلَقَها (3) أن تُنكَثَ . ثُمَّ بايَعَهُ الزُّبَيرُ ، وسَعدٌ ، وأصحابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله جَميعا (4) .

العِقد الفريد :لَمّا قُتِلَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ ، أقبَلَ النّاسُ يُهرَعونَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَتَراكَمَت عَلَيهِ الجَماعَةُ فِي البَيعَةِ ، فَقالَ : لَيسَ ذلِكَ إلَيكُم ، إنَّما ذلِكَ لِأَهلِ بَدرٍ ، لِيُبايِعوا . فَقالَ : أينَ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ وسَعدٌ ؟ فَأَقبَلوا فَبايَعوا ، ثُمَّ بايَعَهُ المُهاجِرونَ والأَنصارُ ، ثُمَّ بايَعَهُ النّاسُ . وذلِكَ يَومَ الجُمُعَةِ لِثَلاثَ عَشَرَةَ خَلَت مِن ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمسٍ وثَلاثينَ . وكانَ أوَّلُ مَن بايَعَ طَلحَةَ ، فَكانَت إصبَعُهُ شَلّاءَ ، فَتَطَيَّرَ مِنها عَلِيٌّ ، وقالَ : ما أخلَقَهُ أن يُنكَثَ (5) .

المناقب للخوارزمي عن سعيد بن المُسَيَّب :خَرَجَ عَلِيٌّ عليه السلام فَأَتى مَنزِلَهُ ، وجاءَ النّاسُ كُلُّهُم يُهرَعونَ (6) إلى عَليٍّ ، وأصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولونَ : أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ ، حَتّى دَخَلوا عَلَيهِ دارَهُ ، فَقالوا لَهُ : نُبايِعُكَ ، فَمُدَّ يَدَكَ ؛ فَلابُدَّ مِن أميرٍ . فَقالَ عَلِيٌّ : لَيسَ ذلِكَ إلَيكُم ، إنَّما ذلِكَ لِأَهلِ بَدرٍ ، فَمَن رَضِيَ بِهِ أهلُ بَدرٍ فَهُو

.


1- .الجمل : ص130 .
2- .تطيّرت من الشيء ، وبالشيء ، والاسم منه الطِّيَرَة _ وقد تسكّن الياء _ : وهو ما يُتشاءم به من الفأل الرديء (لسان العرب : ج4 ص512) .
3- .ما أخلَقَه : أي ما أشبهه ، ويقال : إنّه لخَليق ؛ أي حَرِيّ (لسان العرب : ج10 ص91) .
4- .الإمامة والسياسة : ج1 ص66 .
5- .العقد الفريد : ج3 ص311 .
6- .أي يسعَون عِجالاً (لسان العرب : ج8 ص369) .

ص: 340

القول في نسبة التطيّر إلى الإمام!

خلَيفَةٌ . فَلَم يَبقَ مِن أهلِ بَدرٍ إلّا أتى عَلِيّا ، فَقالوا : ما نَرَى أحَدا أحَقَّ بِها مِنكَ ؛ مُدَّ يَدَكَ نُبايِعكَ . فَقالَ : أينَ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ؟ فَكانَ أوَّلُ مَن بايَعَهُ طَلحَةَ ، فَبايَعَهُ بِيَدِهِ ، وكانَت إصبَعُ طَلحَةَ شَلّاءَ ، فَتَطَيَّرَ مِنها عَلِيٌّ وقالَ : ما أخلَقَهُ أن يُنكَثَ . ثُمَّ بايَعَهُ الزُّبَيرُ ، وسَعدٌ ، وأصحابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله جَميعا (1) .

القول في نسبة التطيّر إلى الإمام!في ضوء ما تقدّم كان طلحة أوّل من بايع الإمام عليه السلام . وكانت يده شلّاء ، لذلك تطيّروا بعدم دوام بيعته. وقد تضاربت المصادر فيمن أنطق الألسن بهذا التطيّر؛ فبعضها عزاه إلى شخص يُدعى حبيب بن ذؤيب، وبعضها الآخر ذكر أنّ المتطيّر رجل من بني أسد ، وقال: «أوَّلُ مَن بَدَأَ بِالبَيعَةِ يَدٌ شَلّاءُ! لا يَتِمُّ هذَا الأَمرُ». بَيْد أنّ روايات نسبت هذا التطيّر إلى الإمام عليه السلام ، وذكرت أنّه عليه السلام قال عند بيعته: «ما أخلَقَها أن تُنكَثَ!» لكنّ هذه النسبة لا تستقيم ولا تثبت على أيّ حال، ويمكن الاستناد إلى العقل والنقل في إثبات وهنها وهشاشتها. إذ لا ريب في أنّ العقل لا يُجيز التطيّر والتشاؤم حين يُجمع النّاس قاطبةً على حلف وعهد معيّنين. من هنا يأبى كلّ عاقل ذلك ولا يقول به ولا يفعله، فكيف يعلن الإمام عليه السلام _ وهو اللبيب الَّذي لا ندّ له _ في اليوم الأوّل للبيعة أمام النّاس عن نكث بيعة رجل كان من أبرز الوجوه السياسيّة آنذاك، ويفعل ذلك توكّؤا على «التطيّر» و«التفأُّل»؟! إنّ هذا الضرب من الكلام يثير الإشاعة لإضعاف أركان الدولة ودعائمها من جهة، ويشجّع على نكث العهود ونقضها من جهة اُخرى ، فلا شكّ أنّه مفترىً على الإمام . يضاف إلى ذلك أنّ روايات كثيرة ذمّت التطيّر، ونهت النّاس عنه، وأكّدت أن

.


1- .المناقب للخوارزمي : ص49 ح11 ، اُسد الغابة : ج4 ص107 ح3789 ؛ كشف الغمّة : ج1 ص78 كلاهما نحوه .

ص: 341

1 / 6 إقبال النّاس على البيعة

أهل البيت عليهم السلام لا يتطيّرون (1) ... فمن الممتنع جدّا أن يتفوّه الإمام عليه السلام بكلام غير مقبول أو يقوم بعمل واهٍ غير محكم.

1 / 6إقبالُ النّاسِ عَلَى البَيعَةِالإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ بَيعَتِهِ _: أقبَلتُم إلَيَّ إقبالَ العوذِ المَطافيلِ (2) عَلى أولادِها ، تَقولونَ : البَيعَةَ البَيعَةَ ! قَبَضتُ كَفّي فَبَسَطتُموها ، ونازَعتُكُم يَدي فَجاذَبتُموها ! ! (3)

عنه عليه السلام_ في صِفَةِ النّاسِ عِندَ بَيعَتِهِ _: فَما راعَني إلّا وَالناسُ كَعُرفِ الضَّبُعِ 4 إلَيَّ ، يَنثالونَ عَلَيَّ مِن كُلّ جانِبٍ ، حَتّى لَقَد وُطِئَ الحَسَنانِ ، وشُقَّ عِطفايَ ، مُجتَمِعينَ حَولي كَرَبيضَةِ الغَنَم (4) .

عنه عليه السلام_ في ذِكرِ البَيعَةِ (5) _: فَتَداكّوا عَلَيَّ تَداكَّ الإِبِلِ الهيمِ (6) يَومَ وِردِها ، وقَد أرسَلَها

.


1- .آينه پژوهش (مرآة التحقيق) العدد المزدوج 55 و56 : ص195 _ 196 .
2- .العُوذ : الإبل الَّتي وضعت أولادها حديثا ، ويقال : أطفلت فهي مطفل . ويريد أنّهم جاؤوا بأجمعهم صغارهم وكبارهم (لسان العرب : ج11 ص402) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 137 ، بحار الأنوار : ج32 ص78 ح51 .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 3 ، معاني الأخبار : ص361 ح1 ، علل الشرائع : ص151 ح12 ، الإرشاد : ج1 ص289 والثلاثة الأخيرة عن ابن عبّاس ، نثر الدرّ : ج1 ص275 كلاهما نحوه وليس فيها من «مجتمعين . . .» وراجع تذكرة الخواصّ : ص125 .
5- .كما في نسخة فيض الإسلام : الخطبة 53 وشرح نهج البلاغة : ج4 ص6 وهو الصحيح ، وأمّا ما ورد في نسخة صبحي الصالح وشرح ابن ميثم : الخطبة 53 «من خطبة له عليه السلام وفيها يصف أصحابه بصفّين حين طال منعهم له من قتال أهل الشام» فهو غير صحيح ، وإن كان آخر الخطبة يشعر بذلك . والظاهر أنّ السيّد الرضي قدس سرهجمع بين خطبتين . ولمزيد التحقيق قارن بين ذيل هذه الخطبة والخطبة 43 ، وأيضا صدر هذه الخطبة والخطبة 229 . وراجع بحار الأنوار : ج32 ص555 ح463 .
6- .الهِيم : الإبل العطاش (الصحاح : ج5 ص2063) .

ص: 342

1 / 7 بيعة عامّة النّاس

راعيها ، وخُلِعَت مَثانيها ، حَتّى ظَنَنتُ أنَّهُم قاتِلِيَّ ، أو بَعضُهُم قاتِلُ بَعضٍ لَدَيَّ (1) .

عنه عليه السلام_ في ذِكرِ نَكثِ طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ بَيعَتَهُ _: أتَيتُموني فَقُلتُم : بايِعنا ، فَقُلتُ : لا أفعَلُ ، فَقُلتُم : بَلى ، فَقُلتُ : لا . وقَبَضتُ يَدي فَبَسَطتُموها ، ونازَعتُكُم فَجَذَبتُموها ، وتَداكَكتُم عَلَيَّ تَداكَّ الإِبلِ الهيمِ عَلى حِياضِها يَومَ وُرودِها ، حَتّى ظَنَنتُ أنَّكُم قاتِلِيَّ ، وأنّ بَعضَكُم قاتِلُ بَعضٍ ، فَبَسَطتُ يَدي ، فَبايَعتُموني مُختارِينَ ، وبايَعَني في أوَّلِكُم طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ طائِعين غَيرَ مُكرَهينَ (2) .

عنه عليه السلام_ في وَصفِ بَيعَتِهِ _: بَسَطتُم يَدي فَكَفَفتُها ، ومَدَدتُموها فَقَبَضتُها ، ثُمَّ تَداكَكتُم عَلَيَّ تَداكَّ الإِبِلِ الهيمِ عَلى حِياضِها يَومَ وِردِها ، حَتَّى انقَطَعَتِ النَّعلُ ، وسَقَطَ الرِّداءُ ، ووُطِئَ الضَّعيفُ ، وبَلَغَ مِن سُرورِ النّاسِ بِبَيعَتِهِم إيّايَ أنِ ابتَهَجَ بِهَا الصَّغيرُ ، وهَدَجَ إلَيهَا الكَبيرُ ، وتَحامَلَ نَحوَها العَليلُ ، وحَسَرَت إلَيهَا الكِعابُ (3) .

وقعة صفّين عن خفاف بن عبد اللّه :تَهافَتَ النّاسُ عَلى عَلِيٍّ بِالبَيعَةِ تَهافُتَ الفَراشِ ، حَتّى ضَلَّتِ النَّعلُ وسَقَطَ الرِّداءُ ، ووُطِئَ الشَّيخُ (4) .

1 / 7بَيعَةُ عامَّةِ النّاسِشرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس :لَمّا دَخَلَ عَلِيٌّ عليه السلام المَسجِدَ وجاءَ النّاسُ لِيُبايِعوهُ ، خِفتُ أن يَتَكَلَّمَ بَعضُ أهلِ الشَّنآنِ لِعَلِيٍّ عليه السلام ؛ مِمَّن قَتَلَ أباهُ أو أخاهُ أو ذا قَرابَتِه

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 54 .
2- .الإرشاد : ج1 ص244 ، الاحتجاج : ج1 ص375 ح68 ، الجمل : ص267 نحوه ؛ العقد الفريد : ج3 ص123 ، شرح نهج البلاغة : ج1 ص309 عن زيد بن صوحان والثلاثة الأخيرة نحوه .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 229 ، بحار الأنوار : ج32 ص51 ح35 .
4- .وقعة صفّين : ص65 ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص111 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص105 .

ص: 343

في حَياةِ رسَولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَيَزهَدَ عَلِيٌّ فِي الأَمرِ ويَترُكَهُ ، فَكُنتُ أرصُدُ ذلِكَ وأتَخَوَّفُهُ ، فَلَم يَتَكلَّم أحَدٌ حَتّى بايَعَهُ النّاسُ كُلُّهُم، راضينَ مُسَلِّمينَ غَيرَ مُكرَهينَ (1) .

الفتوح :قالَتِ الأَنصارُ [لِلنّاسِ] : إنَّكُم قَد عَرَفتُم فَضلَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وسابِقَتَهُ وقَرابَتَهُ وَمَنزِلَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، مَعَ عِلمِهِ بِحَلالِكُم وحَرامِكُم ، وحاجَتُكُم إلَيهِ مِن بَينِ الصَّحابَةِ ، ولَن يَألُوَكُم نُصحا ، ولَو عَلِمنا مَكانَ أحَدٍ هُوَ أفضَلُ مِنهُ وأجمَلُ لِهذَا الأَمرِ وأولَى بِهِ مِنهُ لَدَعَوناكُم إلَيهِ . فَقالَ النّاسُ كُلُّهُم بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ : رَضينا بِهِ طائِعينَ غَيرَ كارِهينَ . فَقالَ لَهُم عَلِيٌّ : أخبِروني عَن قَولِكُم هذا : «رَضينا بِهِ طائِعينَ غَيرَ كارِهينَ» ، أحَقٌّ واجِبٌ هذا مِنَ اللّهِ عَلَيكُم ، أم رَأيٌ رَأَيتُموهُ مِن عِندِ أنفُسِكُم ؟ قالوا : بَل هُوَ واجِبٌ أوجَبَهُ اللّه عَزَّ وَجَلَّ لَكَ عَلَينا (2) .

الجمل عن عبد الحَميد بن عبد الرحمن عن ابنِ أبزى :أ لا اُحَدِّثُكَ ما رَأَت عَيناي وسَمِعَت اُذُناي ! ! لَمَّا التَقَى النّاسُ عِندَ بَيتِ المالِ قالَ عَلِيٌّ لِطَلحَةَ : اُبسُط يَدَكَ اُبايِعكَ . فَقالَ طَلحَةُ : أنتَ أحَقُّ بِهذَا الأَمرِ مِنّي ، وقَدِ اجتَمَعَ لَكَ مِن أهواءِ النّاسِ ما لَم يَجتَمِع لي . فَقالَ عليه السلام لَهُ : ما خَشينا غَيرَكَ ! فَقالَ طَلحَةُ : لا تَخشَ ، فَوَاللّهِ لا تُؤتى مِن قِبَلي . وقامَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، وأبو الهَيثَمِ بنُ التَّيِّهانِ ، ورَفاعَةُ بنُ رافِعِ بنِ مالِكِ بنِ العَجلانِ ، وأبو أيّوبَ خالِدُ بنُ زَيدٍ ، فَقَالوا لِعَلِيٍّ : إنَّ هذَا الأَمرَ قَد فَسَدَ ، وقَد رَأَيت ما صَنَعَ عُثمانُ ، وما أتاهُ مِن خِلافِ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ ، فَابسُط يَدَكَ نُبايِعك ؛ لِتُصلِحَ مِن

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص10 . وفي هذا القول تأمّل ؛ لأنّ عبد اللّه بن عبّاس كان عاملاً من جانب عثمان على الحجّ وقدم المدينة وقد بويع لعليّ عليه السلام . راجع تاريخ الطبري : ج4 ص439 . ويمكن أن يكون الراوي عبيد اللّه أو قثم ابنا عبّاس .
2- .الفتوح : ج2 ص435 .

ص: 344

أمرِ الاُمَّةِ ما قَد فَسَدَ . فَاستَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام وقالَ : قَد رَأَيتُم ما صُنِعَ بي ، وعَرَفتُم رَأيَ القَومِ ، فَلا حاجَةَ لي فيهِم . فَأَقبَلوا عَلَى الأَنصارِ فَقالوا : يا مَعاشِرَ الأَنصارِ ، أنتُم أنصارُ اللّهِ وأنصارُ رَسولِهِ ، وبِرَسَولِهِ أكرَمَكُمُ اللّهُ تَعالى ، وقَد عَلِمتمُ فَضلَ عَلِيٍّ وسابِقَتَهُ فِي الإِسلامِ ، وقَرابَتَهُ ومَكانَتَهُ الَّتي كانَت لَهُ مِنَ النَّبِيّ صلى الله عليه و آله ، وإن وَلِيَ أنالَكُم خَيرا . فقَالَ القَومُ : نَحنُ أرضَى النّاسِ بِهِ ، ما نُريدُ بِهِ بَدَلاً . ثُمَّ اجتَمَعوا عَلَيهِ ، فَلَم يَزالوا بِهِ حَتّى بايَعوهُ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى مُعاوِيَةَ _: إنَّهُ بايَعَنِي القَومُ الَّذينَ بايَعوا أبا بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ عَلى ما بايَعوهُم عَلَيهِ ، فَلَم يَكُن لِلشّاهِدِ أن يَختارَ ، ولا لِلغائِبِ أن يَرُدَّ ، وإنَّمَا الشّورَى لِلمُهاجِرينَ والأَنصارِ ؛ فَإِنِ اجتَمَعوا عَلى رَجُلٍ وسَمَّوهُ إِماما كانَ ذلِكَ للّهِِ رِضاً ، فَإِن خَرَجَ عَن أمرِهِم خارِجٌ _ بِطَعنٍ أو بِدعَةٍ _ رَدّوهُ إلى ما خَرَجَ مِنهُ ، فَإنِ أبى قاتَلوهُ عَلَى اتِّباعِهِ غَيرَ سَبيلِ المُؤمِنينَ ووَلّاهُ اللّهُ ما تَوَلّى (2) .

عنه عليه السلام_ في جَوابِ كِتابِ مُعاوِيَةَ _: أمّا تَمييزُكَ بَينَكَ وبَينَ طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ ، وبَينَ أهلِ الشّامِ وأهلِ البَصرَةِ ، فَلَعَمري مَا الأَمرُ فيما هُناكَ إلّا سَواءٌ ، لِأَنَّها بَيعَةٌ شامِلَةٌ ؛ لا يُستَثنى فيهَا الخِيارُ ، ولا يُستَأنَفُ فيهَا النَّظَرُ (3) .

.


1- .الجمل : ص128 وراجع الكافئة : ص 12 ح 8 والفتوح : ج2 ص434 و 435 .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 6 ، وقعة صفّين : ص29 ؛ الإمامة والسياسة : ج1 ص113 ، العقد الفريد : ج3 ص329 وفي صدرها «أمّا بعد ، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام . . .» ، الفتوح : ج2 ص506 وفيه من «وإنّما الشورى للمهاجرين . . .» وليس فيه «وولّاه اللّه ما تولّى» ، الأخبار الطوال : ص157 نحوه وراجع الإرشاد : ج1 ص243 .
3- .الكامل للمبرّد : ج1 ص428 ؛ وقعة صفّين : ص58 نحوه ، نهج البلاغة : الكتاب 7 وفيه «لأنّها بيعة واحدة لا يُثنّى فيها النظر ولا يُستأنف فيها الخيار ، الخارج منها طاعن والمُروِّي فيها مُداهِن» .

ص: 345

1 / 8 خطاب طائفة من أصحابه بعد البيعة

الفتوح :بايَعَت أهلُ الكوفَةِ عَلِيّا رضى الله عنهبِأَجمَعِهِم . . . فَبايَعَت أهلُ الحِجازِ وأهلُ العِراقَينِ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه (1) .

الطبقات الكبرى :لَمّا قُتِلَ عُثمانُ يَومَ الجُمُعَةِ لِثمانِيَ عَشَرَةَ لَيلَةً مَضَت مِن ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمسٍ وثَلاثينَ ، وبويِعَ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ بِالمَدينَةِ الغَدَ مِن يَومَ قُتِلَ عُثمانُ ، بِالخِلافَةِ ، بايَعَهُ طَلحَةُ ، وَالزُّبَيرُ ، وسَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ، وسَعيدُ بنُ زَيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ ، وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، واُسامَةُ بنُ زَيدٍ ، وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ ، وأبو أيّوبَ الأَنصاريُّ ، ومُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ ، وزَيدُ بنُ ثابِتٍ ، وخُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ ، وجَميعُ مَن كانَ بِالمَدينَةِ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وغَيرُهُم (2) .

1 / 8خطاب طائفة من أصحابه بعد البيعةتاريخ اليعقوبي_ بَعدَ ذِكرِ بَيعَةِ النّاسِ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: وقامَ قَومٌ مِنَ الأَنصارِ فَتَكَلَّموا ، وكانَ أوَّلُ مَن تَكَلَّمَ ثابِتَ بنَ قَيسِ بنِ شَمّاسٍ الأَنصاريَّ _ وكانَ خَطيبَ الأَنصارِ _ فَقالَ : وَاللّهِ ، يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَئِن كانوا تَقَدَّموكَ في الوِلايَةِ فَما تَقَدَّموكُ في الدِّينِ ، ولَئِن كانوا سَبَقوكَ أمسِ فَقَد لَحِقتَهُمُ الَيومَ ، ولَقَد كانوا وكُنتَ لا يَخفى مَوضِعُكَ ، ولا يُجهَلُ مَكانُك ، يَحتاجونَ إلَيكَ فيما لا يعَلَمونَ ، ومَا احتَجتَ إلى أحَدٍ مَعَ عِلمِك . ثُمَّ قامَ خُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ الأَنصاريُّ _ وهُوَ ذُو الشَّهادَتَينِ _ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما أصَبنا لِأَمرِنا هذا غَيرَكَ ، ولا كانَ المُنقَلَبُ إلّا إلَيكَ ، ولَئِن صَدَقنا أنفُسَنا فيكَ ، فَلَأَنتَ أقدَمُ النّاسِ إيمانا ، وأعلَمُ النّاسِ بِاللّهِ ، وأولَى المُؤمِنينَ بِرَسولِ اللّهِ ، لَكَ ما لَهُم ، ولَيسَ لَهُم ما لَكَ .

.


1- .الفتوح : ج2 ص439 .
2- .الطبقات الكبرى : ج3 ص31 .

ص: 346

1 / 9 من تخلّف عن بيعته

وقامَ صَعصَعَةُ بنُ صوحان فَقالَ : وَاللّهِ ، يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَقَد زَيَّنتَ الخِلافَةَ وما زانَتكَ ، ورَفَعتَها وما رَفَعَتكَ ، ولَهِيَ إلَيكَ أحوَجُ مِنكَ إلَيها . ثُمَّ قامَ مالِكُ بنُ الحارِثِ الأَشتَرُ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ، هذا وَصِيُّ الأَوصِياءِ ، ووَارِثُ علِمِ الأَنبِياءِ ، العَظيمُ البَلاءِ ، الحَسَنُ العَناءِ (1) ، الَّذي شَهِدَ لَهُ كِتابُ اللّهِ بِالإِيمانِ ، ورَسولُهُ بِجَنَّةِ الرِّضوانِ ، مَن كَمُلَت فيهِ الفَضائِلُ ، ولَم يَشُكَّ في سابِقَتِهِ وعِلمِهِ وفَضلِهِ الأَواخِرُ ولَا الأَوائِلُ . ثُمَّ قامَ عُقبَةُ بنُ عَمرٍو فَقالَ : مَن لَهُ يَومٌ كَيَومِ العَقَبَةِ ، وبَيعَةٌ كَبَيعَةِ الرِّضوانِ ، وَالإِمامُ الأَهدَى الَّذيلا يُخافُ جَورُهُ ، وَالعالِمُ الَّذي لا يُخافُ جَهلُهُ (2) .

راجع : ج 4 ص 629 (حذيفة بن اليمان) و ص 632 (خزيمة بن ثابت الأنصاري) . و ج 5 ص 57 (أحمد بن حنبل) .

1 / 9مَن تَخَلَّفَ عَن بَيعَتِهِكانت بيعة الإمام عليه السلام عامّة شاملة ، وقد اشترك فيها جميع المهاجرين والأنصار (3) ، وتمام من كان في المدينة . وقد بايع الجميع عن اختيار كامل ، وحرّية تامّة . ثمّ بايعه أهالي مكّة والحجاز والكوفة (4) . وقد صرّح الإمام عليه السلام بأنّ بيعته عامّة شاملة (5) ، كما صرّحت المصادر التاريخيّة

.


1- .في الطبعة المعتمدة : «الغناء» وما أثبتناه من طبعة النجف (ج2 ص155) . والعناء هنا : المداراة أو حسن السياسة (لسان العرب : ج15 ص106) .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 .
3- .تاريخ دمشق : ج42 ص437 .
4- .الفتوح : ج2 ص439 .
5- .الكامل للمبرّد : ج1 ص428 ؛ وقعة صفّين : ص58 ، الإرشاد : ج1 ص243 .

ص: 347

الكثيرة باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعة الإمام عليه السلام (1) . لكن ذكرت بعض المصادر أخبارا تدلّ على تخلّف أمثال : عبد اللّه بن عمر ، وسعد بن أبي وقّاص ، ومحمّد بن مسلمة ، واُسامة بن زيد ، وحسّان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد اللّه بن سلام ، ومروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة ، عن البيعة (2) . وفي تخلّف هؤلاء عن البيعة نظريّتان : الاُولى : إنّ هؤلاء تخلّفوا عن بيعة الإمام ، بل كانوا مخالفين لبيعته واقعا . الثانية : إنّهم لم يخالفوا أصل البيعة ، وأنّ ما ورد في النصوص مشعرا بذلك فهو بمعنى عدم مُسايرتهم للإمام في حروبه الداخليّة . قال الحاكم النيسابوري _ بعد ذكر الأخبار الواردة في بيعة النّاس للإمام _ : «أمّا قول من زعم أنّ عبد اللّه بن عمر وأبا مسعود الأنصاري وسعد بن أبي وقّاص وأبا موسى الأشعري ومحمّد بن مسلمة الأنصاري واُسامة بن زيد قعدوا عن بيعته ، فإنّ هذا قول مَن يجحد حقيقة تلك الأحوال» ، ثمّ ذكر أنّ هؤلاء بايعوا الإمام لكن لم يسايروه في حروبه الداخليّة ؛ لأسباب دَعَتهم إلى ذلك ، ممّا أوقع البعض في اعتقاد أنّهم مخالفين لبيعة الإمام عليه السلام (3) . وقد ارتضى هذا الرأي ابن أبي الحديد ، ونسبه إلى المعتزلة في كتابه شرح نهج البلاغة (4) .

.


1- .العقد الفريد : ج3 ص311 ، تاريخ الطبري : ج4 ص427 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص302 .
2- .الإرشاد : ج1 ص243 ؛ تاريخ دمشق : ج42 ص437 ، شرح نهج البلاغة : ج4 ص9 .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص124 ح127 .
4- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص9 و10 .

ص: 348

وإذا تأمّلنا نصوص الباب نجد أنّ أكثر من عُرف بالتخلّف عن البيعة قد بايع الإمام عليه السلام ، لكنّ بيعة بعضهم _ نظير : عبد اللّه بن عمر ، وسعد بن أبي وقّاص _ لم تكن بمعنى الوفاء لقيادة الإمام ؛ حيث أعلنوا صراحة عدم مرافقتهم للإمام في حروبه . كما أنّ بيعة بعض آخر منهم _ نظير : مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة _ كانت بدوافع سياسيّة (1) . ومن هنا يمكن عدّ هؤلاء في المتخلّفين عن البيعة ؛ لأنّ بيعتهم لم تكن حقيقيّة وكاملة ، كما يكن عدّهم في المبايعين ؛ لاشتراكهم من المراسم الرسميّة للبيعة . وبهذا يمكن الجمع بين النظريّتين . وهنا احتمال ثالث ، وهو : أنّهم تخلّفوا عن البيعة العامّة الشاملة والَّتي كانت في المسجد ، وقد اختلقوا أعذارا لتبرير ذلك ، لكن لمّا تمّت البيعة واستحكمت خلافة الإمام عليه السلام رغبوا في البيعة . ويؤيّد ذلك أنّ مروان بن الحكم والوليد بن عقبة وسعيد بن العاص جاؤوا إلى الإمام _ بعد انتهاء البيعة العامّة _ فبايعوه بعد نقاش . كما يشهد له اعتراف عبد اللّه بن عمر واُسامة بن زيد وسعد بن أبي وقّاص ببيعة الإمام عليّ عليه السلام ، كما ورد في بعض النصوص .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامِهِ حينَ تَخَلَّفَ عَن بَيعَتِهِ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ ، وسَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ، ومُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ ، وحَسّانُ بنُ ثابِتٍ ، واُسامَةُ بنُ زَيدٍ _: أيُّهَا النّاسُ !إنَّكُم بايَعتُموني عَلى ما بُويِعَ عَلَيهِ مَن كان قَبلي ، وإنَّمَا الخِيارُ إلَى النّاس

.


1- .أراد مروان أن يبايع الإمام بعد الانكسار في حرب الجمل ، لكنّ الإمام ردّ ذلك ، وقال في ردّه : «أوَلم يبايعني بعد قتل عثمان ؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنّها كفّ يهوديّة» (نهج البلاغة : الخطبة 73 ، الخرائج والجرائح : ج1 ص197 ح35) .

ص: 349

قَبلَ أن يُبايِعوا ، فَإِذا بايَعوا فَلا خِيارَ لَهُم . وإنَّ عَلَى الإِمامِ الاِستِقامَةَ ، وعَلَى الرَّعِيَّةِ التَّسليمَ . وهذِهِ بَيعَةٌ عامَّةٌ ، مَن رَغِبَ عَنها رَغِبَ عَن دينِ الإِسلامِ ، وَاتَّبَعَ غَيرَ سَبيلِ أهلِهِ ، ولَم تَكُن بَيعَتُكُم إيّايَ فَلتَةً ، ولَيسَ أمري وأمرُكُم واحِدا . وإنّي اُريدُكُم للّهِِ ، وأنتُم تُريدونَني لِأَنفُسِكُم ، وَايمُ اللّهِ لَأَنصَحَنَّ لِلخَصمِ ، ولَاُنصِفَنَّ المَظلومَ . وقَد بَلَغَني عَن سَعدٍ وَابنِ مَسلَمَةَ واُسامَةَ وعَبدِ اللّهِ وحَسّانِ بنِ ثابِتٍ اُمورٌ كَرِهتُها ، وَالحَقُّ بَيني وبَينَهُم (1) .

مروج الذهب :كانَ سَعدٌ واُسامَةُ بنُ زَيدٍ وعَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ ومُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ (2) مِمَّن قَعَدَ عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وأبَوا أن يُبايِعوهُ ، هُم وغَيرُهُم (3) مِمَّن ذَكَرنا مِنَ القُعّادِ ، وذلِكَ أنَّهُم قالوا : إنَّها فِتنَةٌ . ومِنهُم مَن قالَ لِعَلِيٍّ : أعطِنا سُيوفا نُقاتِل بِها مَعَكَ ، فَإِذا ضَرَبنا بِهَا المُؤمِنينَ لَم تَعمَل فيهِم ونَبَت (4) عَن أجسامِهِم ، وإذا ضَرَبنا بِهَا الكافِرينَ سَرَت في أبدانِهِم . فَأَعرَضَ عَنهُم عَلِيٌّ ، وقالَ : «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأََّسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ» (5)(6) .

تاريخ اليعقوبي :بايَعَ النّاسُ إلّا ثَلاثَةَ نَفَرٍ مِن قُرَيشٍ : مَروانَ بنَ الحَكَمِ ، وسَعيدَ بنَ العاصِ ، وَالوَليدَ بن عُقبَةَ _ وكانَ لِسانَ القَومِ _ فَقالَ : يا هذا ، إنَّكَ قَد وَتَرتَنا جَميعا ،

.


1- .الإرشاد : ج1 ص243 ؛ المعيار والموازنة : ص105 ، الأخبار الطوال : ص140 وفيه إلى «فلتة» وكلاهما نحوه وراجع نهج البلاغة : الخطبة 136 .
2- .في الطبعة المعتمدة : «سلمة» وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه كما في طبعة دار الهجرة : ج3 ص15 .
3- .في الطبعة المعتمدة : «هم غيرهم» ، والتصحيح من طبعة دار الهجرة : ج3 ص15 .
4- .نَبَا السيفُ عن الضريبة : كَلَّ ولم يَحِكْ فيها (لسان العرب : ج15 ص301) .
5- .الأنفال : 23 .
6- .مروج الذهب : ج3 ص24 .

ص: 350

أمّا أنَا فَقَتَلتَ أبي صَبرا يَومَ بَدرٍ ، وأمّا سَعيدٌ فَقَتَلتَ أباهُ يَومَ بَدرٍ _ وكانَ أبوهُ مِن نورِ قُرَيشٍ _ وأمّا مَروانُ فَشَتَمتَ أباهُ وعِبتَ عَلى عُثمانَ حينَ ضَمَّهُ إلَيهِ . . . فَتَبايَعنا عَلَى أن تَضَعَ عَنّا ما أصَبنا ، وتُعفِيَ لَنا عَمّا في أيدينا ، وتَقتُلَ قَتَلَةَ صاحِبِنا . فَغَضِبَ عَلِيٌّ وقالَ : أمّا ما ذَكَرتَ مِن وَتري إيّاكُم ، فَالحَقُّ وَتَرَكُم . وأمّا وَضعي عَنكُم ما أصَبتُم ، فَلَيسَ لي أن أضَعَ حَقَّ اللّهِ تَعالى . وأمّا إعفائي عَمّا في أيديكُم ، فَما كانَ للّهِِ ولِلمُسلِمينَ فَالعَدلُ يَسَعُكُم . وأمّا قَتلي قَتلَةَ عُثمانَ ، فَلَو لَزِمَني قَتلُهُم اليَومَ لَزِمَني قِتالُهُم غَدا ، ولكِن لَكُم أن أحمِلَكُم عَلى كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ ، فَمَن ضاقَ عَلَيهِ الحَقُّ فَالباطِلُ عَلَيهِ أضيَقُ ، وإن شِئتُم فَالحَقوا بِمَلاحِقِكُم . فَقالَ مَروانُ : بَل نُبايِعُكَ ، ونُقيمُ مَعَكَ ، فَتَرى ونَرى (1) .

تاريخ الطبري عن عبد اللّه بن الحسن :لَمّا قُتِلَ عُثمانُ بايَعَتِ الأَنصارُ عَليّا إلّا نُفَيرا يَسيرا ؛ مِنهُم حَسّانُ بنُ ثابِتٍ ، وكَعبُ بنُ مالِكٍ ، ومَسلَمَةُ بنُ مَخلَدٍ ، وأبو سَعيدٍ الخُدرِيُّ ، ومُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ ، وَالنُّعمانُ بنُ بَشيرٍ ، وزَيدُ بنُ ثابِتٍ ، ورافِعُ بنُ خَديجٍ ، وفَضالَةُ بنُ عُبَيدٍ ، وكَعبُ بنُ عُجرَةَ ؛ كانوا عُثمانِيَّةً . فَقالَ رَجُلٌ لِعَبدِ اللّهِ بنِ حَسَنٍ : كَيفَ أبى هؤُلاءِ بَيعَةَ عَلِيٍّ ! وكانوا عُثمانِيَّةً ؟ ! قالَ : أمّا حَسّانٌ فَكانَ شاعِرا لا يُبالي ما يَصنَعُ . وأمّا زَيدُ بنُ ثابِتٍ فَوَلّاهُ عُثمانُ الدّيوانَ وبَيتَ المالِ ، فَلَمّا حُصِرَ عُثمانُ قالَ : يا مَعشَرَ الأَنصارِ كونوا أنصارا للّهِِ . . . مَرَّتَين . فَقالَ أبو أيّوبَ : ما تَنصُرُهُ إلّا أنَّهُ أكثَرَ لَكَ مِنَ العِضدانِ . فَأَمّا كَعبُ بن مالِكٍ فَاستَعمَلَهُ عَلى صَدَقَةِ مُزَينَةَ ، وتَرَكَ ما أخَذَ مِنهُم لَهُ (2) .

وقعة صفّين عن عمر بن سعد :دَخَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ وسَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ وَالمُغيرَةُ بن

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص178 ؛ الفتوح : ج2 ص442 و 443 نحوه .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص429 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص303 وفيه «العبدان» بدل «العضدان» .

ص: 351

شُعبَةَ مَعَ اُناسٍ مَعَهُم ، وكانوا قَد تَخَلَّفوا عَن عَلِيٍّ ، فَدَخَلوا عَلَيهِ ، فَسَأَلوهُ أن يُعطِيَهُم عَطاءَهُم _ وقَد كانوا تَخَلَّفوا عَن عَلِيٍّ حينَ خَرَجَ إلى صِفّينَ وَالجَمَلِ _ . فَقالَ لَهُم عَلِيٌّ : ما خَلَّفَكُم عَنّي ؟ قالوا : قُتِلَ عُثمانُ ، ولا نَدري أحَلَّ دَمُهُ أم لا ، وقَد كانَ أحدَثَ أحداثا ثُمَّ استَتَبتُموهُ فَتابَ ، ثُمَّ دَخَلتُم في قَتلِهِ حينَ قُتِلَ ، فَلَسنا نَدري أصَبتُم أم أخطَأتُم ! مَعَ أنّا عارِفونَ بِفَضلِكَ _ يا أميرَ المُؤمِنينَ _ وسابِقَتِكَ وهِجرَتِكَ . فَقالَ عَلِيٌّ : أ لَستُم تَعلَمونَ أنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ قَد أمَرَكُم أن تَأمُروا بِالمَعروفِ وتَنهَوا عَنِ المُنكَرِ ، فَقالَ : «إِن طَ_آئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَ_تِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ» (1) ؟ قالَ سَعدٌ : يا عَلِيُّ ، أعطِني سَيفا يَعرِفُ الكافِرَ مِنَ المُؤمِنِ ؛ أخافُ أن أقتُلَ مُؤمِنا فَأَدخُلَ النّارَ . فَقالَ لَهُم عَلِيٌّ : أ لَستُم تَعلَمونَ أنَّ عُثمانَ كانَ إماما ، بايَعتُموهُ عَلَى السَّمعِ وَالطّاعَةِ ، فَعَلامَ خَذَلتُموهُ إن كانَ مُحسِنا ! ! وكَيفَ لَم تُقاتِلوهُ إذ كانَ مُسيئا ؟ ! فَإِن كانَ عُثمانُ أصابَ بِما صَنَعَ فَقَد ظَلَمتُم ؛ إذ لَم تَنصُروا إمامَكُم ، وإن كانَ مُسيئا فَقَد ظَلَمتُم ؛ إذ لَم تُعينوا مَن أمَرَ بِالمَعروفِ ونَهى عَنِ المُنكَرِ ، وقَد ظَلَمتُم إذ لَم تَقوموا بَينَنا وبَينَ عَدُوِّنا بِما أمَرَكُم اللّهُ بِهِ ، فَإِنَّهُ قالَ : «قَ_تِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ» . فَرَدَّهُم ولَم يُعطِهِم شَيئا (2) .

.


1- .الحجرات : 9 .
2- .وقعة صفّين : ص551 .

ص: 352

أمّا قَولُ مَن زَعَمَ أنَّ عَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ وأبا مَسعودٍ الأَنصارِيَّ وسَعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ وأبا موسَى الأَشعَرِيَّ ومُحَمَّدَ بنَ مَسلَمَةَ الأَنصارِيَّ واُسامَةَ بنَ زَيدٍ قَعَدوا عَن بَيعَتِهِ ، فَإِنَّ هذا قَولُ مَن يَجحَدُ حَقيقَةَ تِلكَ الأَحوالِ . . . . [ثُمَّ قالَ _ بَعدَ أن ذَكَرَ أسبابَ اعتِزالِهِم] : فَبِهذِهِ الأَسبابِ وما جانَسَها كانَ اعتِزالُ مَنِ اعتَزَلَ عَنِ القِتالِ مَعَ عَلِيٍّ رضى الله عنه ، وقِتالِ مَن قاتَلَهُ (1) .

الجمل عن أبي مِخنَف :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام لَمّا هَمَّ بِالمَسيرِ إلَى البَصرَةِ ، بَلَغَهُ عَن سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ وَابنِ مَسلَمَةَ واُسامَةَ بنِ زَيدٍ وَابنِ عُمَرَ تَثاقُلٌ عَنهُ ، فَبَعَثَ إلَيهِم . فَلَمّا حَضَروا قالَ لَهُم : قَد بَلَغَني عَنكُم هَناتٌ كَرِهتُها ، وأنَا لا اُكرِهُكُم عَلَى المَسيرِ مَعي ، أ لَستُم عَلى بَيعَتي ؟ قالوا : بَلى . قال : فَمَا الَّذي يُقعِدُكُم عَن صُحبَتي ؟ فَقالَ لَهُ سَعدٌ : إنّي أكرَهُ الخُروجَ في هذَا الحَربِ ؛ لِئَلّا اُصيبَ مُؤمِنا ، فَإِن أعطَيتَني سَيفا يَعرِفُ المُؤمِنَ مِنَ الكافِرِ ، قاتَلتُ مَعَكَ ! وقالَ لَهُ اُسامَةُ : أنتَ أعَزُّ الخَلقِ عَلَيَّ ، ولكِنّي عاهَدتُ اللّهَ أن لا اُقاتِلَ أهلَ لا إلهَ إلَا اللّهُ . . . وقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ : لَستُ أعرِفُ في هذَا الحَربِ شَيئا ، أسأَلُكَ ألّا تَحمِلَني عَلى ما لا أعرِفُ . فَقالَ لَهُم أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : لَيسَ كُلُّ مَفتونٍ مُعاتَبا ، أ لَستُم عَلى بَيعَتي ؟ قالوا : بَلى . قالَ : اِنصَرِفوا فَسَيُغنِي اللّهُ تَعالى عَنكُم (2) .

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص124 ح4596 و ص 127 ح4605 .
2- .الجمل : ص95 .

ص: 353

تاريخ الطبري عن أبي المليح_ في ذِكرِ بَعضِ ما جَرى عِندَ بَيعَةِ الإِمامِ عليه السلام _: خَرَجَ عَلِيٌّ إلَى المَسجِدِ ، فَصَعِدَ المِنبَرَ وعَلَيهِ إزارٌ وطاقٌ وعِمامَةُ خَزٍّ ونَعلاهُ في يَدِهِ ، مُتَوَكِّئا عَلى قَوسٍ ، فَبايَعَهُ النّاسُ . وجاؤوا بِسَعدٍ ، فَقالَ عَلِيٌّ : بايِع . قالَ : لا اُبايِعُ حَتّى يُبايِعَ النّاسُ ، وَاللّهِ ما عَلَيكَ مِنّي بَأسٌ . قالَ : خَلّوا سَبيلَهُ . وجاؤوا بِابنِ عُمَرَ ، فَقالَ : بايِع . قالَ : لا اُبايِعُ حَتّى يُبايِعَ النّاسُ . قالَ : اِئتِني بِحَميلٍ (1) . قالَ : لا أرى حَميلاً . قالَ الأَشتَرُ : خَلِّ عَنّي أضرِب عُنُقَهُ ! قالَ عَلِيٌّ : دَعوهُ ؛ أنَا حَميلُهُ ، إنَّكَ _ ما عَلِمتُ _ لَسَيِّئُ الخُلُقِ صَغيرا وكَبيرا (2) .

شرح نهج البلاغة :ذَكَرَ أبو مِخنَفٍ في كِتابِ الجَمَل أنَّ الأَنصارَ وَالمُهاجِرينَ اجتَمَعوا في مَسجِدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ لِيَنظُروا مَن يُوَلّونَهُ أمرَهُم ، حَتّى غَصَّ المَسجِدُ بِأَهلِهِ ، فَاتَّفَقَ رَأيُ عَمّارٍ وأبِي الهَيثَمِ بنِ التَّيِّهانِ ورَفاعَةَ بنِ رافِعٍ ومالِكِ بنِ عَجلانَ وأبي أيُّوبَ خالِدِ بنِ زَيدٍ (3) عَلى إقعادِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فِي الخِلافَةِ . وكانَ أشَدَّهُم تَهالُكا عَلَيهِ عَمّارٌ ، فَقالَ لَهُم : أيُّهَا الأَنصارُ ، قَد سارَ فيكُم عُثمانُ بِالأَمسِ بِما رَأَيتُموهُ ، وأنتُم عَلى شَرَفٍ مِنَ الوُقوعِ في مِثلِهِ إن لَم تَنظُروا لِأَنفُسِكُم ، وإنَّ عَلِيّا أولَى النّاسِ بِهذَا الأَمرِ ؛ لِفَضلِهِ ، وسابِقَتِهِ ! فَقالوا : رَضينا بِهِ حينَئِذٍ . وقالوا بِأَجمَعِهِم لِبَقِيَّةِ النّاسِ مِنَ الأَنصارِ وَالمُهاجِرينَ : أيُّهَا النّاسُ ، إنّا لَن نَألُوَكُم خَيرا وأنفُسَنا إن شاءَ اللّهُ ، وإنَّ عَلِيّا مَن قَد عَلِمتُم ، وما نَعرِفُ مَكانَ أحَدٍ أحمَلَ لِهذَا

.


1- .الحميل : الكفيل (النهاية : ج1 ص442) .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص428 .
3- .في المصدر : «يزيد» ، والصحيح ما أثبتناه كما في كتب الرجال .

ص: 354

الأَمرِ مِنهُ ، ولا أولى بِهِ . فَقالَ النّاسُ بِأَجمَعِهِم : قَد رَضينا ، وهُوَ عِندَنا ما ذَكَرتُم وأفضَلُ . وقاموا كُلُّهُم ، فَأَتَوا عَلِيّا عليه السلام ، فَاستَخرَجوهُ مِن دارِهِ ، وسَأَلوهُ بَسطَ يَدِهِ ، فَقَبَضَها ، فَتَداكّوا عَلَيهِ تَداكَّ الإِبِلِ الهيمِ عَلى وِردِها ، حَتّى كادَ بَعضُهُم يَقتُلُ بَعضا ، فَلَمّا رَأَى مِنهُم ما رَأى سَأَلَهُم أن تَكونَ بَيعَتُهُ فِي المَسجِدِ ظاهِرَةً لِلنّاسِ ، وقالَ : إن كَرِهَني رَجُلٌ واحِدٌ مِنَ النّاسِ لَم أدخُل في هذَا الأَمرِ . فَنَهَضَ النّاسُ مَعَهُ حَتّى دَخَلَ المَسجِدَ ، فَكانَ أوَّلُ مَن بايَعَهُ طَلحَةَ . فَقالَ قَبيصَةُ ابنُ ذُؤَيبٍ الأَسَدِيُّ : تَخَوَّفتُ أن لا يَتِمَّ لَهُ أمرُهُ ؛ لِأَنَّ أوَّلَ يَدٍ بايَعَتهُ شَلّاءُ . ثُمَّ بايَعَهُ الزُّبَيرُ ، وبايَعَهُ المُسلمونَ بِالمَدينَةِ ، إلّا مُحَمَّدَ بنَ مَسلَمَةَ ، وعَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ ، واُسامَةَ بنَ زَيدٍ ، وسَعدَ بنَ أبي وَقّاصٍ ، وكَعبَ بنَ مالِكٍ ، وحَسّانَ بنَ ثابِتٍ ، وعَبدَ اللّهِ بنَ سَلامٍ . فَأَمَرَ بِإِحضارِ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ ، فَقالَ لَهُ : بايِع . قالَ : لا اُبايِعُ حَتّى يُبايِعَ جَميعُ النّاسِ . فَقَالَ لَهُ عليه السلام : فَأَعطِني حَميلاً أن لا تَبرَحَ . قالَ : ولا اُعطيكَ حَميلاً . فَقالَ الأَشتَرُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ هذا قَد أمِنَ سَوطَكَ وسَيفَكَ ، فَدَعني أضرِب عُنُقَهُ !فَقالَ : لَستُ اُريدُ ذلِكَ مِنهُ عَلى كُرهٍ ، خَلّوا سَبيلَهُ . فَلَمَّا انصَرَفَ قالَ أميرُ المُؤمِنينَ : لَقَد كانَ صَغيرا وهُوَ سَيِّئُ الخُلُقِ ، وهُوَ في كِبَرِهِ أسَوَأُ خُلُقا . ثُمَّ اُتِيَ بِسَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ ، فَقالَ لَهُ : بايِع . فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ خَلِّني ، فَإِذا لَم يَبقَ غَيري بايَعتُكَ ، فَوَاللّهِ لا يَأتيكَ مِن قِبَلي أمرٌ تَكرَهُهُ أبَدا . فَقالَ : صَدَقَ ، خَلّوا سَبيلَهُ . ثُمَّ بَعَثَ إلى مُحَمّدِ بنِ مَسلَمَةَ ، فَلَمّا أتاهُ قالَ لَهُ : بايِع . قالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَني إذَا اختَلَفَ النّاسُ وصاروا هكَذا _ وشَبَّكَ بَينَ أصابِعِهِ _ أن أخرُجَ بِسَيفي فَأَضرِبَ بِهِ عَرضَ اُحدٍ فإِذا تَقَطَّعَ أتَيتُ مَنزِلي ، فَكُنتُ فيهِ لا أبرَحُهُ حَتّى تَأتِيَني يَدٌ خاطِئَةٌ ، أو مَنِيَّةٌ قاضِيَةٌ . فَقال

.

ص: 355

1 / 10 هويّة عدّة ممّن تخلّف عن بيعته
1 / 10 _ 1 عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب

لَهُ عليه السلام : فَانطَلِق إذا ، فَكُن كَما اُمِرتَ بِهِ . ثُمَّ بَعَثَ إلى اُسامَةَ بنِ زَيدٍ ، فَلَمّا جاءَ قالَ لَهُ : بايِع . فَقالَ : إنّي مَولاكَ ، ولا خِلافَ مِنّي عَلَيكَ ، وسَتَأتيكَ بَيعَتي إذا سَكَنَ النّاسُ . فَأَمَرَهُ بِالاِنصِرافِ ، ولَم يَبعَث إلى أحَدٍ غَيرَهُ . وقيلَ لَهُ : أ لا تَبَعَثُ إلى حَسّانِ بنِ ثابِتٍ ، وكَعبِ بنِ مالِكٍ ، وعَبدِ اللّهِ بنِ سَلامٍ ؟فَقالَ : لا حاجَةَ لَنا فيمَن لا حاجَةَ لَهُ فينا . فَأَمّا أصحابُنا فَإِنَّهُم يَذكُرونَ في كُتُبِهِم أنَّ هؤُلاءِ الرَّهط إنَّمَا اعتَذَروا بِمَا اعتَذَروا بِهِ لَمّا نَدَبَهُم إلَى الشُّخوصِ مَعَهُ لِحَربِ أصحابِ الجَمَلِ ، وأنَّهُم لَم يَتَخَلّفوا عَنِ البَيعَةِ ، وإنَّما تَخَلَّفوا عَنِ الحَربِ . وَرَوى شَيخُنا أبُو الحُسَينِ في كِتابِ الغُرَرِ أنَّهُم لَمَّا اعتَذَروا إلَيهِ بِهذِهِ الأَعذارِ ، قالَ لَهُم : ما كُلُّ مَفتونٍ يُعاتَبُ ، أعِندَكُم شَكٌّ في بَيعَتي ؟ قالوا : لا . قالَ : فَإِذا بايَعتُم فَقَد قاتَلتُم ، وأعفاهُم مِن حُضورِ الحَربِ (1) .

1 / 10هُوِيَّةُ عِدَّةٍ مِمَّن تَخَلَّفَ عَن بَيعَتِهِ1 / 10 _ 1عبد اللّه بن عمر بن الخطّابولد في السنة الثانية بعد البعثة (2) وأسلم منذ نعومة أظفاره مع أبيه في مكّة (3) ،

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص8 .
2- .استنتاج من الطبقات الكبرى : ج4 ص143 ، تهذيب الكمال : ج15 ص340 الرقم 3441 ، تاريخ بغداد : ج1 ص172 ح13 ، الاستيعاب : ج3 ص81 الرقم 1630 .
3- .الطبقات الكبرى : ج4 ص142 ، تهذيب الكمال : ج15 ص333 الرقم 3441 ، تاريخ بغداد : ج1 ص171 ح13 ، تاريخ دمشق : ج31 ص84 ، الاستيعاب : ج3 ص81 الرقم 1630 ، اُسد الغابة : ج3 ص337 الرقم 3082 وزاد فيهما «قد قيل : إنّ إسلامه كان قبل إسلام أبيه» ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص647 ح6377 وفيه «أسلم عبد اللّه بن عمر قبل أبيه» وفيه تأمّل ، لأنّ إسلام عمر في السنة السادسة من البعثة وفي هذه السنة كان لعبد اللّه بن عمر أربع أو خمس سنين .

ص: 356

وهاجر إلى المدينة المنوّرة قبل أبيه (1) أو معه (2) . ولصغر سنّه (3) لم يشترك في حربي بدر (4) واُحد ، نعم التحقَ بعسكر المسلمين في حرب الخندق وما بعدها من الحروب (5) . كما روى أحاديث كثيرة في كتب أهل السنّة (6) . وقد استُشير عمر _ أواخر أيّام حياته _ في جعله أحد أعضاء الشورى ، لكنّه خالف ذلك وقال : ليس له أهليّة الخلافة ، بل ليس له القدرة على طلاق زوجته! (7) بَيدَ أنّه ذُكر في بعض الروايات أنّه صار أحد أعضاء الشورى بأمر أبيه على أن لا يكون له من الأمر شيء (8) .

.


1- .الاستيعاب : ج3 ص81 الرقم 1630 ، اُسد الغابة : ج3 ص337 الرقم 3082 .
2- .الطبقات الكبرى : ج4 ص142 ، تهذيب الكمال : ج15 ص333 الرقم 3441 ، تاريخ بغداد : ج1 ص171 ح13 ، تاريخ دمشق : ج31 ص85 ، سير أعلام النبلاء : ج3 ص204 الرقم 45 .
3- .الطبقات الكبرى : ج4 ص143 ، تهذيب الكمال : ج15 ص333 الرقم 3441 ، تاريخ بغداد : ج1 ص172 ح13 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص454 الرقم 199 ، تاريخ دمشق : ج31 ص83 .
4- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص644 ح6362 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص143 ، الاستيعاب : ج3 ص81 الرقم1630 ، اُسد الغابة : ج3 ص337 الرقم 3082 ، سير أعلام النبلاء : ج3 ص210 الرقم 45 .
5- .تهذيب الكمال : ج15 ص333 الرقم 3441 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص644 ح6362 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص143 ، تاريخ بغداد : ج1 ص172 ح13 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص454 الرقم199 ، تاريخ دمشق : ج31 ص79 ، الاستيعاب : ج3 ص81 الرقم 1630 ، اُسد الغابة : ج3 ص338 الرقم 3082 .
6- .سير أعلام النبلاء : ج3 ص204 الرقم 45 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص455 الرقم 199 ، تهذيب الكمال : ج15 ص333 الرقم 3441 ، تاريخ دمشق : ج31 ص79 و 80 ، البداية والنهاية : ج9 ص5 .
7- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص160 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص228 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص219 .
8- .تاريخ الطبري : ج4 ص229 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص220 ، تاريخ دمشق : ج31 ص179 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص158 .

ص: 357

ولمّا تسنّم عثمان الخلافة ابتعد عن الساحة السياسيّة ، فلم يشترك في التيّارات السياسيّة الحاكمة آنذاك ، كما اعتزل الساحة السياسيّة والاجتماعيّة أيّام خلافة الإمام علي عليه السلام ، بل جعل العزلة قوام سياسته الاجتماعية ، فلم يشترك مع الإمام عليه السلام في شيء من حروبه أيّام الخلافة . ومن الواضح أنّ هذه السيرة كانت قائمة على اُسس واهية لا على أساس متين ، ولهذا لم يتّخذها منهجا إلّا هذه البرهة من حياته ؛ فلم يعتزل الساحة أيّام الخلفاء الثلاث ، كما لم يعتمد هذه السياسة زمن الحكّام الَّذين تقلّدوا زمام الاُمور بعد أمير المؤمنين عليه السلام ؛ حيث بايع معاوية (1) ويزيد (2) مع تخلّف عدد كبير من الصحابة والوجوه البارزة من الاُمّة _ ومنهم الحسين بن علي عليهماالسلام _ عن بيعته . وكذا بايع عبد الملك (3) ، بل حثّ محمّد ابن الحنفيّة على البيعة له لمّا امتنع منها وشرط لها بيعة جميع النّاس (4) . والعجب أنّه ذهب ليلاً إلى الحجّاج بن يوسف ليمدّ له يد البيعة لعبد الملك ؛ لئلّا يبقى ليلةً بلا إمام ، لأنّه روى عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن ماتَ ولا إمام لَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» ، فاحتقره الحجّاج _ ذلك الحاكم المتكبّر الظالم _ ومدّ له رجله من تحت الفراش ليصفق عليها يد البيعة ؛ لعلمه بأنّ منشأ هذه البيعة هو الخوف والضعف والعجز (5) .

.


1- .الاستيعاب : ج3 ص472 الرقم2464 .
2- .الطبقات الكبرى : ج4 ص182 ، مروج الذهب : ج2 ص361 .
3- .صحيح البخاري : ج6 ص2634 ح6777 وح 6779 ، الموطّأ : ج2 ص983 ح3 ، السنن الكبرى : ج8 ص254 ح16564 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص183 ، مروج الذهب : ج2 ص361 .
4- .الطبقات الكبرى : ج5 ص111 ، سير أعلام النبلاء : ج4 ص128 الرقم 36 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج13 ص242 ؛ الفصول المختارة : ص245 ، الإيضاح : ص73 .

ص: 358

مع أنّه لم يصحب الإمام في شيء من حروبه أيّام خلافته (1) . نعم لم يكن من المعادين له أيضا ، بل كان من جملة الَّذين وصفهم الإمام عليه السلام بأنّهم «خَذَلُوا الحَقَّ ، ولَم يَنصُرُوا الباطِلَ» (2) . نعم أشارت بعض النصوص التاريخيّة إلى أنّه تأسّف نهاية عمره أسفاً عميقاً على تساهله وعدم نصرته للإمام عليه السلام ، وكان يقول : «ما آسى على شيء إلّا أنّي لم اُقاتل مع عليّ الفئةَ الباغية» (3) . نعم في بعض المصادر أنّ المراد ب_ «الفئة الباغية» في كلامه هو الخوارج (4) ، أو الحجّاج (5) ، أو ابن الزبير (6) . وإذا لاحظنا قوله : «مع عليّ» في النصّ الَّذي أشرنا إليه لا يبقى مجال لاحتمال آخر . وكان يقول : كلّ من يدعوني إلى الصلاة أقتدي به ؛ من أيّ فرقة كان ، ولا أتبع من يدعوني إلى القتال (7) .

.


1- .الاستيعاب : ج3 ص83 الرقم 1630 ، اُسد الغابة : ج3 ص339 الرقم 3082 .
2- .نهج البلاغة : الحكمة 18 ؛ الاستيعاب : ج2 ص173 الرقم 968 .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص643 ح6360 ، الاستيعاب : ج3 ص83 الرقم1630 ، سير أعلام النبلاء : ج3 ص232 الرقم 45 ، أنساب الأشراف : ج2 ص404 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص187 ، اُسد الغابة : ج3 ص339 الرقم3082 وليس فيهما «مع عليّ» .
4- .فتح الباري : ج12 ص286 .
5- .الطبقات الكبرى : ج4 ص185 و ص187 ، تاريخ دمشق : ج31 ص197 ، سير أعلام النبلاء : ج3 ص232 الرقم45 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص465 الرقم 199 .
6- .السنن الكبرى : ج8 ص298 ح16706 ، تاريخ دمشق : ج31 ص193 ، سير أعلام النبلاء : ج3 ص229 الرقم45 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص465 الرقم199 .
7- .الطبقات الكبرى : ج4 ص169 ، حلية الأولياء : ج1 ص309 ، تاريخ دمشق : ج31 ص191 ، سير أعلام النبلاء : ج3 ص228 الرقم45 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص465 الرقم 199 .

ص: 359

وكان يعتقد أنّ الحكومة وطاعة الحاكم قائمان على أساس «قانون القَهر» ، فكان يقول : الحقّ لمَن غلب وتسلّط على رقاب النّاس وقهرهم (1) . ولمّا كان الإمام عليّ عليه السلام يؤكّد حرّية النّاس واختيارهم في البيعة ويقول : «لا اُجبر أحدا على طاعتي» تخلّف عن بيعته ، ولم يتخلّف عن البيعة ليزيد بن معاوية ! وقد عرّف انتفاضة أهل المدينة _ حين اشتهر فسق يزيد وفجوره وعدم تورّعه عن فعل أيّ محرم ، وبعد قتله أبا عبد اللّه الحسين عليه السلام _ بأنّها غدر للبيعة ، ولذا منع أهله عن الاشتراك فيها (2) . وأخيراً ، فمع أنّ عبد اللّه كثير الرواية ، بل هو في عِداد كبار محدّثي أهل السنة لكنّه قليل المعرفة ، ضيّق الرؤية ، متحجّرا ، لا يملك تحليلاً متينا للتيارات السياسيّة والاجتماعيّة القائمة آنذاك . وقد أعانه ضعف شخصيّته وطلبه للحياة على ارتكاب ذلك الموقف القبيح . توفّي سنة (74 ه ) عن عُمرٍ يناهز (84) سنة (3) .

تاريخ الطبري :بَعَثَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ كُمَيلاً النَّخَعِيَّ ، فَجاءَ بِهِ ، فَقالَ : اِنهَض مَعي . فَقالَ : أنَا مَعَ أهلِ المَدينَةِ ؛ إنَّما أنَا رَجُلٌ مِنهُم ، وقَد دَخَلوا في هذَا الأَمرِ فَدَخَلتُ مَعَهُم لا اُفارِقُهُم ، فَإِن يَخرُجوا أخرُج ، وإن يَقعُدوا أقَعُد . قالَ : فَأَعطِنى ¨

.


1- .الطبقات الكبرى : ج4 ص149 ، الاستيعاب : ج3 ص472 الرقم 2464 .
2- .مسند ابن حنبل : ج2 ص412 ح5713 وص304 ح5088 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص183 .
3- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص642 ح6355 وح6358 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص187 ، تاريخ بغداد : ج1 ص173 ح13 . وفيه أقوال اُخرى ، منها : «مات سنة 73 وكان عُمرُه 87 سنة» ، التاريخ الكبير : ج5 ص2 الرقم4 ، تاريخ دمشق : ج31 ص83 الرقم 87 ، تاريخ بغداد : ج1 ص173 ح13، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص467 .

ص: 360

زَعيما بِأَن لا تَخرُجَ . قالَ : ولا اُعطيكَ زَعيما . قال : لَولا ما أعرِفُ مِن سوءِ خُلُقِكَ صَغيرا وكَبيرا لَأَنكَرتَني ، دَعوهُ ؛ فَأَنَا بِهِ زَعيمٌ (1) .

تاريخ الطبري عن محمّد وطلحة :خَرَجَ الزُّبَيرُ وطَلحَةُ حَتّى لَقِيا ابنَ عُمَرَ ، ودَعَواهُ إلَى الخُفوفِ ، فَقالَ : إنِّي امُرؤٌ مِن أهلِ المَدينَةِ ، فَإِن يَجتَمِعوا عَلَى النُّهوضِ أنهَض ، وإن يَجتَمِعوا عَلَى القُعودِ أقعُد . فَتَرَكاهُ ورَجَعا (2) .

الطبقات الكبرى عن أبي حصين :إنَّ مُعاوِيَةَ قالَ : ومَن أحَقُّ بِهذا الأَمرِ مِنّا ؟ فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ : فَأَرَدتُ أن أقولَ : أحَقُّ مِنكَ مَن ضَرَبَكَ وأباكَ عَلَيهِ ! ! ثُمَّ ذَكَرتُ ما فِي الجَنان ، فَخَشيتُ أن يَكونَ في ذاكَ فَسادٌ ! (3) .

الاستيعاب :قيلَ لِنافِعٍ : ما بالُ ابنِ عُمَرَ بايَعَ مُعاوِيَةَ ، ولَم يُبايِع عَلِيّا ؟ فقالَ : كانَ ابنُ عُمَرَ [لا] (4) يُعطي يَدا في فُرقَةٍ ، ولا يَمنَعُها مِن جَماعَةٍ ، ولَم يُبايِع مُعاوِيَةَ حَتّى اجتَمَعوا عَلَيهِ (5) .

مسند ابن حنبل عن نافع :إنَّ ابنَ عُمَرَ جَمَعَ بَنيهِ _ حينَ انتَزى (6) أهلُ المَدينَةِ مَعَ ابنِ الزُّبَيرِ، وخَلَعوا يَزيدَ بنَ مُعاوِيَةَ _ فَقالَ : إنّا قَد بايَعنا هذَا الرَّجُلَ بِبَيعِ اللّهِ ورَسولِهِ ، وإنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : الغادِرُ يُنصَبُ لَهُ لِواءٌ يَومَ القِيامَةِ ، فَيُقالُ : هذِهِ غُدَرَة

.


1- .تاريخ الطبري : ج4 ص446 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص312 نحوه .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص460 ، وراجع الكامل في التاريخ : ج2 ص314 .
3- .الطبقات الكبرى : ج4 ص182 وأيضا فينفس الصفحة عن الزهري نحوه ، تاريخ دمشق : ج31 ص183 وفيه «ما أعدّ اللّه في الخلاف» بدل «ما في الجنان» ، سير أعلام النبلاء : ج3 ص225 الرقم 45 وليس فيه «ثمّ ذكرت ما في الجنان» .
4- .ما بين المعقوفين إضافة يقتضيها السياق .
5- .الاستيعاب : ج3 ص472 الرقم 2464 .
6- .الانتزاء والتنزّي : تسرُّع الإنسان إلى الشرّ (لسان العرب : ج15 ص320) .

ص: 361

فُلانٍ ، وإنَّ مِن أعظَمِ الغَدرِ _ إلّا أن يَكونَ الإِشراكُ بِاللّهِ تَعالى _ أن (1) يُبايِعَ الرَّجُلُ رَجُلاً عَلى بَيعِ اللّهِ ورَسولِهِ ثُمَّ يَنكُثَ بَيعَتَهُ ، فَلا يَخلَعَنَّ أحَدٌ مِنكُم يَزيدَ ، ولا يُسرِفَنَّ أحَدٌ مِنكُم في هذَا الأَمرِ ، فَيَكونَ صَيلَما فيما بَيني وبَينَكُم ! ! (2)

فتح الباري :كانَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ في تِلكَ المُدَّةِ [مُدَّةِ حُكومَةِ عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَير ]امتَنَعَ أن يُبايِعَ لِابنِ الزُّبَيرِ أو لِعَبدِ المَلِكِ ، كَما كانَ امتَنَعَ أن يُبايِعَ لِعَليّ أو مُعاوِيَةَ ، ثُمَّ بايَعَ لِمُعاوِيَةَ لَمَّا اصطَلَحَ مَعَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ وَاجتَمَعَ عَلَيهِ النّاسُ ، وبايَعَ لِابنِهِ يَزيدَ بَعدَ مَوتِ مُعاوِيَةَ ؛ لِاجتِماعِ النّاسِ عَلَيهِ ، ثُمَّ امتَنَعَ مِنَ المُبايَعَةِ لِأَحدٍ حالَ الِاختِلافِ إلى أن قُتِلَ ابنُ الزُّبَيرِ وَانتَظَمَ المُلكُ كُلُّهُ لِعَبدِ المَلِكِ ، فَبايَعَ لَهُ حينَئِذٍ (3) .

صحيح البخاري عن عبد اللّه بن دينار :لَمّا بايَعَ النّاسُ عَبدَ المَلِكِ ، كَتَبَ إلَيهِ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ : إلى عَبدِ اللّهِ عَبدِ المَلِكِ أميرِ المُؤمِنينَ ، إنّي اُقِرُّ بِالسَّمعِ والطّاعَةِ لِعَبدِ اللّهِ عَبدِ المَلِكِ أميرِ المُؤمِنينَ ، عَلى سُنَّةِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ فيمَا استَطَعتُ ، وإنَّ بَنِيَّ قَد أقَرّوا بِذلِكَ (4) .

شرح نهج البلاغة :إنَّهُ [ابنَ عُمَرَ] امتَنَعَ عَن بَيَعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وطَرَقَ عَلَى الحَجّاجِ بابَهُ لَيلاً لِيُبايِعَ لِعَبدِ المَلِكِ ؛ كَي لا يَبيتَ تِلكَ اللَّيلَةَ بِلا إمامٍ ، زَعَمَ ، لِأَنَّهُ رَوى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : «مَن ماتَ ولا إمامَ لَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» ، وحَتّى بَلَغَ مِنِ احتِقارِ الحَجّاجِ لَهُ وَاستِرذالِهِ حالَهُ أن أخرَجَ رِجلَهُ مِنَ الفِراشِ ، فَقالَ :

.


1- .في الطبعة المعتمدة : «ينصب» بدل «أن» وهو تصحيف ، والتصحيح من طبعة دار صادر : ج2 ص96 .
2- .مسند ابن حنبل : ج2 ص412 ح5713 و ص304 ح5088 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص183 كلاهما نحوه .
3- .فتح الباري : ج13 ص195 .
4- .صحيح البخاري : ج6 ص2634 ح6779 و ح6777 و ص2654 ح6844 ، الموطّأ : ج2 ص983 ح3 ، الطبقات الكبرى : ج4 ص183 ، السنن الكبرى : ج8 ص254 ح16565 و 16564 كلّها نحوه وراجع العقد الفريد : ج3 ص381 .

ص: 362

اِصفِق بِيَدِكَ عَلَيها (1) .

الطبقات الكبرى عن نافع :قيلَ لِابنِ عُمَرَ _ زَمَنَ ابنِ الزُّبَيرِ وَالخَوارِجِ وَالخَشَبِيَّةِ _ : أ تُصَلّي مَعَ هؤُلاءِ ومَعَ هؤُلاءِ وبَعضُهُم يَقتُلُ بَعضا ؟ ! قالَ : فَقالَ : مَن قالَ : «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ» أجَبتُهُ ، ومَن قالَ : «حَيَّ عَلَى الفَلاحِ» أجَبتُهُ ، ومَن قالَ : «حَيَّ عَلى قَتلِ أخيكَ المُسلِمِ وأخذِ مالِهِ» ، قُلتُ : لا (2) .

الطبقات الكبرى عن سيف المازِنِيّ :كانَ ابنُ عُمَرَ يَقولُ : لا اُقاتِلُ فِي الفِتنَةِ ، واُصَلّي ورَاءَ مَن غَلَبَ (3) .

المستدرك على الصحيحين عن عبد اللّه بن عمر :ما آسى عَلى شَيءٍ ، إلّا أنّي لَم اُقاتِل مَعَ عَلِيٍّ رضى الله عنهالفِئَةَ الباغِيَةَ (4) .

الطبقات الكبرى عن حبيب بن أبي ثابت :بَلَغَني عَنِ ابنِ عُمَرَ في مَرَضِهِ الَّذي ماتَ فيهِ قالَ : ما أجِدُني آسى عَلى شَيءٍ مِن أمرِ الدُّنيا ، إلّا أنّي لَم اُقاتِلِ الفِئَةَ الباغِيَةَ (5) .

راجع : ج4 ص650 (عبد اللّه بن عمر) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج13 ص242 ؛ الفصول المختارة : ص245 وفيه «فقال له الحجّاج : بالأمس تتأخّر عن بيعة عليّ بن أبي طالب مع روايتك هذا الحديث ثمّ تأتيني الآن لاُبايعك لعبد الملك ، أمّا يدي فمشغولة عنك ، ولكن هذه رجلي فبايعها» .
2- .الطبقات الكبرى: ج4 ص169، حلية الأولياء: ج1 ص309، تاريخ دمشق: ج31 ص191، سير أعلام النبلاء: ج3 ص228 الرقم45 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج5 ص465 ح199 والثلاثة الأخيرة نحوه .
3- .الطبقات الكبرى : ج4 ص149 .
4- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص643 ح6360 ، أنساب الأشراف : ج2 ص404 ، الاستيعاب : ج3 ص83 ح1630 ، اُسد الغابة : ج4 ص109 ح3789 ؛ علل الشرائع : ص222 نحوه .
5- .الطبقات الكبرى : ج4 ص187 ، اُسد الغابة : ج3 ص339 ح3082 نحوه .

ص: 363

1 / 10 _ 2 سعد بن أبي وقّاص

1 / 10 _ 2سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍأسلم في التاسعة عشرة من عمره (1) ، وشهد حروب النبيّ صلى الله عليه و آله (2) ، عدّه أهل السُّنّة في «العشرة المبشَّرة» (3) . تولّى قيادة جيش القادسيّة في خلافة عمر (4) . من هنا ذاع صيته في التاريخ الإسلامي. ثمّ ولي الكوفة (5) . وبعد ذلك عزله عمر لأنّ أهلها شكوه إليه (6) . وكان سعد أحد أعضاء الشورى السداسيّة (7) ، ثمّ اعتزل لصالح عبد الرحمن

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص567 ح6103 ، تهذيب الكمال : ج10 ص311 الرقم 2229 ، تاريخ بغداد : ج1 ص144 ح4 ، المعارف لابن قتيبة : ص242 ، الاستيعاب : ج2 ص171 الرقم 968 .
2- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص569 ح6111 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص142 ، تاريخ بغداد : ج1 ص144 ح4 ، تهذيب الكمال : ج10 ص310 الرقم 2229 ، تهذيب التهذيب : ج3 ص422 الرقم 2352 ، تاريخ دمشق : ج20 ص280 ، الاستيعاب : ج 2 ص 171 الرقم 968 ، نسب قريش : ص263 .
3- .تاريخ بغداد : ج1 ص144 ح4 ، تهذيب الكمال : ج10 ص310 الرقم 2229 ، تاريخ دمشق : ج20 ص280 ، المعارف لابن قتيبة : ص241 ، سير أعلام النبلاء : ج1 ص93 الرقم 5 ، الاستيعاب : ج2 ص171 الرقم 968 ، نسب قريش : ص263 .
4- .الطبقات الكبرى : ج6 ص12 ، تاريخ بغداد : ج1 ص144 ح4 ، المعارف لابن قتيبة : ص241 ، سير أعلام النبلاء : ج1 ص115 الرقم 5 ، الاستيعاب : ج2 ص172 الرقم 968 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص288 الرقم 2654 ، نسب قريش : ص263 .
5- .الاستيعاب : ج2 ص172 الرقم 968 ، التاريخ الصغير : ج1 ص134 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص12 ، تاريخ بغداد : ج1 ص144 ح4 ، المعارف لابن قتيبة : ص241 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص288 الرقم 2654 .
6- .المعارف لابن قتيبة : ص242 ، سير أعلام النبلاء : ج1 ص117 الرقم 5 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص288 الرقم2654 ، الاستيعاب : ج2 ص172 الرقم 968 .
7- .تاريخ بغداد : ج1 ص144 ح4 ، حلية الأولياء : ج1 ص94 ، المعارف لابن قتيبة : ص241 ، سير أعلام النبلاء : ج1 ص93 الرقم 5 ، الاستيعاب : ج2 ص171 الرقم 968 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص288 الرقم 2654 ، نسب قريش : ص263 .

ص: 364

ابن عوف (1) . وولي الكوفة مرّة اُخرى في عهد عثمان (2) . وظلّ والياً عليها برهةً، ثمّ عزله عثمان وعيّن الوليد بن عقبة مكانه (3) . لم يبايع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة أوّل الأمر (4) ، واعتزل جانباً ، ولم يشهد حروبه ، ولم ينصره (5) . وحين ملك معاوية أثنى سعد على الإمام عليّ عليه السلام أمامه، وعدّ شيئا من مناقبه وفضائله (6) ، فكبر ذلك على معاوية، وشتمه، وقال له: إذا كنت تقرّ بهذا كلّه، فلِمَ لم تنصره؟ (7) فاعترف سعد بتقصيره في حقّ الإمام عليّ عليه السلام ، وببيعته ومرافقته له (8) . مات سعد سنة (55 ه ) (9) . وابنه عمر بن سعد هو الَّذي قاد الجيش الاُمويّ لحرب الحسين عليه السلام في كربلاء (10) .

المستدرك على الصحيحين عن خَيثَمَة بن عبد الرحمن :سَمِعتُ سَعدَ بنَ مالِكٍ وقالَ لَه

.


1- .صحيح البخاري : ج3 ص1356 ح3497 .
2- .التاريخ الصغير : ج1 ص134 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص12 ، المعارف لابن قتيبة : ص242 ، سير أعلام النبلاء : ج1 ص118 الرقم 5 ، الاستيعاب : ج2 ص172 الرقم 968 .
3- .التاريخ الصغير : ج1 ص134 ، الطبقات الكبرى : ج6 ص12 ، المعارف لابن قتيبة : ص242 ، الاستيعاب : ج2 ص172 الرقم 968 .
4- .أنساب الأشراف : ج3 ص9 ، تاريخ الطبري : ج4 ص431 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص303 ، تاريخ دمشق : ج42 ص437 ، شرح نهج البلاغة : ج4 ص9 .
5- .سير أعلام النبلاء : ج1 ص122 الرقم 5 .
6- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص117 ح4575 ، مروج الذهب : ج3 ص23 .
7- .مروج الذهب : ج3 ص24 .
8- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص126 ح4601 ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص401 ح878 .
9- .التاريخ الصغير : ج1 ص126 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص149 ، المعجم الكبير : ج1 ص139 ح301 ، تاريخ بغداد : ج1 ص146 ح4 ، المعارف لابن قتيبة : ص242 ، سير أعلام النبلاء : ج1 ص123 الرقم 5 .
10- .المعارف لابن قتيبة : ص243 .

ص: 365

1 / 10 _ 3 محمّد بن مسلمة

رَجُلٌ : إنَّ عَلِيّا يَقَعُ فيكَ ، إنَّكَ تَخَلَّفتَ عَنهُ ! فَقالَ سَعدٌ : وَاللّهِ إنَّهُ لَرَأيٌ رَأَيتُهُ ، وأخطَأَ رَأيي ، إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ اُعطِيَ ثَلاثا ، لَأَن أكونَ اُعطيتَ إحداهُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنيا وما فيها (1) .

مُروج الذَّهَب عن ابن عائشة وغيره_ بَعدَ أن مَدَحَ سَعدٌ عَلِيّا عليه السلام وذَكَرَ لَهُ خِصالاً ، وتَمَنّى أن تَكونَ واحِدَةً مِن هذِهِ الخِصالِ لَهُ _: قالَ [مُعاوِيَةُ] لَهُ : اُقعُد حَتّى تَسمَعَ جَوابَ ما قُلتَ ، ما كُنتَ عِندي قَطُّ ألأَمَ مِنكَ الآنَ ، فَهَلّا نَصَرتَهُ ، ولِمَ قَعَدتَ عَن بَيعَتِهِ ؟ ! فَإِنّي لَو سَمِعتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِثلَ الَّذي سَمِعتَ فيهِ لَكُنتُ خادِما لِعَلِيٍّ ما عِشتُ . فَقالَ سَعدٌ : وَاللّهِ إنّي لَأَحَقُّ بِمَوضِعِكَ مِنكَ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : يَأبى عَلَيكَ ذلِكَ بَنو عُذرَةَ ، وكانَ سَعدٌ _ فيما يُقالُ _ لِرَجُلٍ مِن بَني عُذرَةَ (2) .

راجع : ج 4 ص 633 (سعد بن أبي وقّاص) .

1 / 10 _ 3مُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةمن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد شهد حروبه كلّها (3) ، إلّا تبوك (4) . وبعد النبيّ صلى الله عليه و آله كان مع عمر لمّا دخلوا بيت فاطمة عليهاالسلام . وهو الَّذي كسر سيف الزبير (5) . ويقال : إنّه اشترك في قتل سعد بن عبادة (6) .

.


1- .المستدرك على الصحيحين : ج3 ص126 ح4601 ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص401 ح878 عن حبة بن جوين نحوه .
2- .مروج الذهب : ج3 ص24 .
3- .الطبقات الكبرى : ج3 ص443 ، سير أعلام النبلاء : ج2 ص369 الرقم 77 ، اُسد الغابة : ج5 ص107 الرقم 4768 ، الإصابة : ج6 ص28 الرقم 7822 ، الاستيعاب : ج3 ص433 الرقم 2372 .
4- .اُسد الغابة : ج5 ص107 الرقم 4768 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص443 ، الإصابة : ج6 ص28 الرقم 7822 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج6 ص48 ، السنن الكبرى : ج8 ص263 ح16587 ؛ قاموس الرجال : ج8 ص388 .
6- .الاحتجاج : ج1 ص180 ح36 .

ص: 366

1 / 10 _ 4 اسامة بن زيد

وكان صاحب العمّال أيّام عمر . كان عمر إذا شُكيَ إليه عاملٌ أرسل محمّدا يكشف الحال (1) . وبعد قتل عثمان أبى عن بيعة الإمام عليّ عليه السلام وسمّاه «فتنة» ، واعتزل ، واتخذ سيفا من خشب (2) . قُتل بيد رجل من أهل الاُردن ، لقعوده عن الإمام عليّ عليه السلام ومعاوية (3) .

1 / 10 _ 4اُسامة بن زيدمولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله (4) ، واُمّه اُم أيمن حاضنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله (5) . استعمله النبيّ صلى الله عليه و آله في آخر أيّام حياته وهو ابن ثماني عشرة سنة (6) ، وفي جيشه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة . وكان مكرّما معزّزا في زمن الخلفاء ، ففرض عمر بن الخطّاب له خمسة آلاف ، في الوقت الَّذي فرض لابنه عبد اللّه بن عمر ألفين (7) . لكنّه لم يبايع الإمام عليّا عليه السلام ، واعتذر عن ذلك بمعاذير (8) . وقد ورد في بعض النصوص أنّ الإمام عليه السلام قبل عذره (9) .

.


1- .اُسد الغابة : ج5 ص107 الرقم 4768 ، الإصابة : ج6 ص29 الرقم 7822 .
2- .الطبقات الكبرى : ج3 ص445 ، سير أعلام النبلاء : ج2 ص369 الرقم77 ، اُسد الغابة : ج5 ص107 الرقم 4768 ، الإصابة : ج6 ص29 الرقم 7822 ، الاستيعاب : ج3 ص434 الرقم 2372 .
3- .سير أعلام النبلاء : ج2 ص373 الرقم 77 ، الإصابة : ج6 ص29 الرقم 7822 .
4- .رجال الطوسي: ص21 الرقم 1؛ سير أعلام النبلاء: ج2 ص497 الرقم104، اُسد الغابة: ج1 ص195 الرقم 84.
5- .سير أعلام النبلاء : ج2 ص498 الرقم 104 ، اُسد الغابة : ج1 ص195 الرقم 84 .
6- .سير أعلام النبلاء: ج2 ص500 الرقم104، اُسد الغابة: ج1 ص195 الرقم 84 ، الطبقات الكبرى: ج2 ص190.
7- .اُسد الغابة : ج1 ص195 و 196 الرقم 84 .
8- .اُسد الغابة : ج1 ص196 الرقم 84 .
9- .رجال الكشّي : ج1 ص197 الرقم 82 .

ص: 367

1 / 10 _ 5 حسّان بن ثابت

وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : قَد رَجَعَ ؛ فَلا تَقولوا إلّا خَيرا (1) . مات اُسامة ، وكفّنه الإمام الحسن عليه السلام في بُرد أحمر حبرة 2 .

1 / 10 _ 5حَسّان بن ثابتصاحب الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله ، وشاعره (2) الَّذي قال له : «لا تَزالُ يا حَسّانُ مُؤَيَّدا بِرُوحِ القُدُسِ ما نَصَرتَنا بِلِسانِكَ» (3) . وكان من أجبن النّاس ، فلم يشهد حربا من حروب النبيّ صلى الله عليه و آله (4) . وكان عثمانيّا ، منحرفا عن الإمام عليّ عليه السلام (5) . لم يشهد بيعة الإمام عليه السلام ولا حربا من حروبه ، ولم يقُل شعرا في مدحه بعد خلافته . عاش ستّين في الجاهلية ، وستّين في الإسلام (6) .

المستدرك على الصحيحين عن عُروَة عن صفيّة بنت عبد المطّلب :أنَا أوَّلُ امرَأَةٍ قَتَلَت رَجُلاً ؛

.


1- .رجال الكشّي : ج1 ص195 ح81 .
2- .سير أعلام النبلاء : ج2 ص512 الرقم 106 .
3- .. ومن شعراء الأنصار الَّذين هجوا مشركي قريش . وهو الَّذي نظم حديث الغدير . الإرشاد : ج1 ص177 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص42 ، إعلام الورى : ج1 ص262 و263 .
4- .سير أعلام النبلاء : ج2 ص513 _ 521 الرقم 106 ، اُسد الغابة : ج2 ص6 _ 9 الرقم 1153 .
5- .مروج الذهب : ج2 ص356 ، أنساب الأشراف : ج3 ص164 ؛ الغارات : ج1 ص221 .
6- .سير أعلام النبلاء : ج2 ص512 الرقم 106 ، اُسد الغابة : ج2 ص9 الرقم 1153 .

ص: 368

كُنتُ في فارِعٍ (1) حِصنِ حَسّانِ بنِ ثابِتٍ وكانَ حَسّانٌ مَعَنا فِي النِّساءِ وَالصِّبيانِ حينَ خَندَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، قالَت صَفِيَّةُ : فَمَرَّ بِنا رَجُلٌ مِن يَهودَ ، فَجَعَلَ يَطيفُ بِالحِصنِ ، فَقُلتُ لِحَسّانٍ : إنَّ هذَا اليَهودِيَّ بِالحِصنِ كَما تَرى ولا آمِنُهُ أن يَدُلَّ عَلى عَوراتِنا ، وقَد شُغِلَ عَنّا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأصحابُهُ فَقُم إلَيهِ فَاقتُلهُ . فَقالَ : يَغفِرُ اللّهُ لَكِ يا بِنتَ عَبدِ المُطَّلِبِ ، وَاللّهِ لَقَد عَرَفتِ ما أنَا بِصاحِبِ هذا ! قالَت صَفِيَّةُ : فَلَمّا قالَ ذلِكَ ولَم أرَ عِندَهُ شَيئا اِحتَجَزتُ ، وأخَذتُ عَمودا مِنَ الحِصنِ ، ثُمَّ نَزَلتُ مِنَ الحِصنِ إلَيهِ فَضَرَبتُهُ بِالعَمودِ حَتّى قَتَلتُهُ ، ثُمَّ رَجَعتُ إلَى الحِصنِ ، فَقُلتُ : يا حَسّانُ انزِل فَاستَلِبهُ ، فَإِنَّهُ لَم يَمنَعني أن أسلُبَهُ إلّا أنَّهُ رَجُلٌ ! فَقالَ : ما لي بِسَلَبِهِ مِن حاجَةٍ (2) .

.


1- .فارِع : هو حصن بالمدينة (معجم البلدان : ج4 ص228) .
2- .المستدرك على الصحيحين : ج4 ص56 ح6867 ، السنن الكبرى : ج6 ص502 ح12772 ، المعجم الكبير : ج24 ص322 ح809 ، المعجم الأوسط : ج4 ص116 ح3754 ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج3 ص239 ، كنز العمّال : ج13 ص632 ح37600 نقلاً عن ابن عساكر وكلّها نحوه .

ص: 369

الفصل الثاني : الإصلاحات العلويّة
2 / 1 صوت العدالة وصداها

الفصل الثاني : الإصلاحات العلويّة2 / 1صَوتُ العَدالَةِ وصَداهاشرح نهج البلاغة عن أبي جعفر الإِسكافيّ :صَعِدَ [عَلِيٌّ عليه السلام ]المِنبَرَ فِي اليَومِ الثّاني مِن يَومِ البَيعَةِ وهُوَ يَومُ السَّبتِ لِاءِحدى عَشَرَةَ لَيلَةً بَقينَ مِن ذِي الحِجَّةِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وذَكَرَ مُحَمَّدا فَصَلّى عَلَيهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ نِعمَةَ اللّهِ عَلى أهلِ الإِسلامِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الدُّنيا فَزَهَّدَهُم فيها ، وذَكَرَ الآخِرَةَ فَرَغَّبَهُم إلَيها ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ لَمّا قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله استَخلَفَ النّاسُ أبا بَكرٍ ، ثُمَّ استَخلَفَ أبو بَكرٍ عُمَرَ فَعَمِلَ بِطَريقِهِ ، ثُمَّ جَعَلَها شورى بَينَ سِتَّةٍ ، فَأَفضَى الأَمرُ مِنهُم إلى عُثمانَ ، فَعَمِلَ ما أنكَرتُم وعَرَفتُم ، ثُمَّ حُصِرَ وقُتِلَ ، ثُمَّ جِئتُموني طائِعينَ فَطَلَبتُم إلَيَّ ، وإنَّما أنَا رَجُلٌ مِنكُم ، لي ما لَكُم وعَلَيَّ ما عَلَيكُم ، وقَد فَتَحَ اللّهُ البابَ بَينَكُم وبَينَ أهلِ القِبلَةِ ، وأقبَلَتِ الفِتَنُ كَقِطَع اللَّيلِ المُظلِمِ ، ولا يَحمِلُ هذَا الأَمرَ إلّا أهلُ الصَّبرِ وَالبَصَرِ وَالعِلمِ بِمَواقِعِ الأَمرِ ، وإنّي حامِلُكُم عَلى مَنهَجِ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ومُنَفِّذٌ فيكُم ما اُمِرتُ بِهِ ، إنِ استَقَمتُم لي وبِاللّهِ المُستَعانُ . ألا إنَّ مَوضِعي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعدَ وَفاتِهِ كَمَوضِعي مِنهُ أيّامَ حَياتِهِ ، فَامضوا لِما تُؤمَرونَ بِهِ وقِفوا عندَ ما تُنهَونَ عَنهُ ، ولا

.

ص: 370

تَعجَلوا في أمرٍ حَتّى نُبَيِّنَهُ لَكُم ، فَإِنَّ لَنا عَن كُلِّ أمرٍ تُنكِرونَهُ عُذرا . ألا وإنَّ اللّهَ عالِمٌ مِن فَوقِ سَمائِهِ وعَرشِهِ أنّي كُنتُ كارِها لِلوِلايَةِ عَلى اُمَّةِ مُحَمَّدٍ حَتَّى اجتَمَعَ رَأيُكُم عَلى ذلِكَ ؛ لِأَنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «أيُّما والٍ وَلِيَ الأَمرَ مِن بَعدي اُقيمَ عَلى حَدِّ الصِّراطِ ، ونَشَرَتِ المَلائِكَةُ صَحيفَتَهُ ؛ فَإِن كانَ عادِلاً أنجاهُ اللّهُ بِعَدلِهِ ، وإن كانَ جائِرا اِنتَفَضَ بِهِ الصِّراطُ حَتّى تَتَزايَلَ مَفاصِلُهُ ، ثُمَّ يَهوي إلَى النّارِ ؛ فَيَكونُ أوَّلُ ما يَتَّقيها بِهِ أنفَهُ وحَرَّ وَجهِهِ» ولكِنّي لَمَّا اجتَمَعَ رَأيُكُم لَم يَسَعني تَركُكُم . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام يَمينا وشِمالاً فَقالَ : ألا لا يَقولَنَّ رِجالٌ مِنكُم غَدا قَد غَمَرَتهُمُ الدُّنيا فَاتَّخَذُوا العِقارَ ، وفَجَّرُوا الأَنهارَ ، ورَكَبُوا الخُيولَ الفارِهَةَ ، وَاتَّخَذُوا الوَصائِفَ الرّوقَةَ (1) فَصارَ ذلِكَ عَلَيهِم عارا وشَنارا ، إذا ما مَنَعتُهُم ما كانوا يَخوضونَ فيهِ وأصَرتُهُم إلى حُقوقِهِمُ الَّتي يَعلَمونَ ، فَيَنقِمونَ ذلِكَ ويَستَنكِرونَ ويَقولونَ : حَرَمَنَا ابنُ أبي طالِبٍ حُقوقَنا . ألا وأيُّما رَجُلٍ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَرى أنَّ الفَضلَ لَهُ عَلى مَن سِواهُ لِصُحبَتِهِ ، فَإِنَّ الفَضلَ النَّيِّرَ غَدا عِندَ اللّهِ ، وثَوابَهُ وأجرَهُ عَلَى اللّهِ ، وأيُّما رَجُلٍ اِستَجابَ للّهِِ وَلِلرَّسولِ فَصَدَّقَ مِلَّتَنا ودَخَلَ في دينِنا وَاستَقبَلَ قِبلَتَنا ، فَقَدِ استَوجَبَ حُقوقَ الإِسلامِ وحُدودَهُ ، فَأَنتُم عِبادُ اللّهِ ، وَالمالُ مالُ اللّهِ يُقسَمُ بَينَكُم بِالسَّوِيَّةِ ، لا فَضلَ فيهِ لِأَحَدٍ عَلى أحَدٍ ، ولِلمُتَّقينَ عِندَ اللّهِ غَدا أحسَنُ الجَزاءِ وأفضَلُ الثَّوابِ ، لَم يَجعَلِ اللّهُ الدُّنيا لِلمُتَّقينَ أجرا ولا ثَوابا وما عِندَ اللّهِ خَيرٌ لِلأَبرارِ . وإذا كانَ غَدا إن شاءَ اللّهُ فَاغدوا عَلَينا فَإِنَّ عِندَنا مالاً نَقسِمُهُ فيكُم ، ولا يَتَخَلَّفَنَّ أحَدٌ مِنكُم عَربِيٌّ ولا عَجَمِيٌّ ، كانَ مِن أهلِ العَطاءِ أو لَم يَكُن إلّا حَضَرَ إذا كان

.


1- .الرّوقة : الجميل جدّا من النّاس (لسان العرب : ج10 ص134) .

ص: 371

مُسلِما حُرّا . أقولُ قَولي هذا وأستَغفِرُ اللّهَ لي ولَكُم . ثُمَّ نَزَلَ . قالَ شَيخُنا أبو جَعفَرٍ : وكانَ هذا أوَّلَ ما أنكَروهُ مِن كلامِهِ عليه السلام ، وأورَثَهُمُ الضِّغنَ عَلَيهِ ، وكَرِهوا إعطاءَهُ وقَسمَهُ بِالسَّوِيَّةِ . فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ غَدا وغَدا النّاسُ لِقَبضِ المالِ ، فَقالَ لِعُبَيدِاللّهِ بنِ أبي رافِعٍ كاتِبِهِ : اِبدَأ بِالمُهاجِرينَ فَنادِهِم وأعطِ كُلَّ رَجُلٍ مِمَّن حَضَرَ ثَلاثَةَ دَنانيرَ ، ثُمَّ ثَنِّ بِالأَنصارِ فَافعَل مَعَهُم مِثلَ ذلِكَ ، ومَن يَحضُرُ مِنَ النّاسِ كُلِّهِمُ الأَحمَرِ وَالأَسوَدِ فَاصنَع بِهِ مِثلَ ذلِكَ . فَقالَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هذا غُلامي بِالأَمسِ وقَد أعتَقتُهُ اليَومَ ، فَقالَ : نُعطيهِ كَما نُعطيكَ ، فَأَعطى كُلَّ واحِدٍ مِنهُما ثَلاثَةَ دَنانيرَ ، ولَم يُفَضِّل أحَداً عَلى أحَدٍ ، وتَخَلَّفَ عَن هذَا القَسمِ يَومَئِذٍ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ وعَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ وسَعيدُ بنُ العاصِ ومَروانُ بنُ الحَكَمِ ورِجالٌ مِن قُرَيشٍ وغَيرِها . قالَ : وسَمِعَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ أبي رافِعٍ عَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَيرِ يَقولُ لِأَبيهِ وطَلحَةَ ومَروانَ وسَعيدٍ : ما خَفِيَ عَلَينا أمسِ مِن كَلامِ عَلِيٍّ ما يُريدُ ، فَقالَ سَعيدُ بنُ العاصِ وَالتَفَتَ إلى زَيدِ بنِ ثابِتٍ : إيّاكَ أعني واسمَعي يا جارَة ، فَقالَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ أبي رافِعٍ لِسَعيدٍ وعَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَيرِ : إنَّ اللّهَ يَقولُ في كِتابِهِ : «وَ لَ_كِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَ_رِهُونَ» (1) . ثُمَّ إنَّ عُبَيدَ اللّهِ بنَ أبي رافِعٍ أخبَرَ عَلِيّاً عليه السلام بِذلِكَ فَقالَ : وَاللّهِ ، إن بَقيتُ وسَلِمتُ لَهُم لَاُقيمَنَّهُم عَلَى المَحَجَّةِ البَيضاءِ وَالطَّريقِ الواضِحِ . قاتَلَ اللّهُ ابنَ العاصِ ، لَقَد عَرَفَ مِن كَلامي ونَظَري إلَيهِ أمسِ أنّي اُريدُهُ وأصحابَهُ مِمَّن هَلَكَ فيمنَ هَلَكَ . قالَ : فَبَينَا النّاسُ فِي المَسجِدِ بَعدَ الصُّبحِ إذ طَلَعَ الزُّبَيرُ وطَلحَةُ فَجَلَسا ناحِيَةً عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، ثُمَّ طَلَعَ مَروانُ وسَعيدٌ وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ فَجَلَسوا إلَيهِما ، ثُمَّ جاءَ قَومٌ مِن قُرَيشٍ فَانضَمّوا إلَيهِم ، فَتَحَدَّثوا نَجِيّاً ساعَةً ، ثُمَّ قامَ الوَليدُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيط

.


1- .الزخرف : 78 .

ص: 372

فَجاءَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، إنَّكَ قَد وَتَرتَنا (1) جَميعاً ، أمّا أنَا فَقَتَلتَ أبي يَومَ بَدرٍ صَبراً ، وخَذَلتَ أخي يَومَ الدّارِ بِالأَمسِ ، وأمّا سَعيدٌ فَقَتَلتَ أباهُ يَومَ بَدرٍ فِي الحَربِ وكانَ ثَورَ قُرَيشٍ ، وأمّا مَروانُ فَسَخَّفتَ أباهُ عِندَ عُثمانَ إذ ضَمَّهُ إلَيهِ ، ونَحنُ إخوَتُكَ ونُظَراؤُكَ مِن بَني عَبدِ مَنافٍ ، ونَحنُ نُبايِعُكَ اليَومَ عَلى أن تَضَعَ عَنّا ما أصَبناهُ مِنَ المالِ في أيّامِ عُثمانَ ، وأن تَقتُلَ قَتَلَتَهُ ، وإنّا إن خِفناكَ تَرَكناكَ فَالتَحَقنا بِالشّامِ . فَقالَ : أمّا ما ذَكَرتُم مِن وَتري إيّاكُم فَالحَقُّ وَتَرَكُم ، وأمّا وَضعي عَنكُم ما أصَبتُم فَلَيسَ لي أن أضَعَ حَقَّ اللّهِ عَنكُم ولا عَن غَيرِكُم ، وأمّا قَتلي قَتَلَةَ عُثمانَ فَلَو لَزِمَني قَتلُهُمُ اليَومَ لَقَتَلتُهُم أمسِ ، ولكِن لَكُم عَلَيَّ إن خِفتُموني أن اُؤَمِّنَكُم وإن خِفتُكُم أن اُسَيِّرَكُم . فَقامَ الوَليدُ إلى أصحابِهِ فَحَدَّثَهُم ، وَافتَرَقوا عَلى إظهارِ العَداوَةِ وإشاعَةِ الخِلافِ . فَلَمّا ظَهَرَ ذلِكَ مِن أمرِهِم ، قالَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ لِأَصحابِهِ : قوموا بِنا إلى هؤُلاءِ النَّفَرِ مِن إخوانِكُم فَإنَّهُ قَد بَلَغَنا عَنهُم ورَأَينا مِنهُم ما نَكرَهُ مِنَ الخِلافِ وَالطَّعنِ عَلى إمامِهِم ، وقَد دَخَلَ أهلُ الجَفاءِ بَينَهُم وبَينَ الزُّبَيرِ وَالأَعسَرِ العاقِّ _ يَعني طَلحَةَ _ . فَقامَ أبُو الهَيثَمِ وعَمّارٌ وأبو أيّوبَ وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ وجَماعَةٌ مَعَهُم ، فَدَخَلوا عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ انظُر في أمرِكَ وعاتِب قَومَكَ هذَا الحَيَّ مِن قُرَيشٍ ، فَإِنَّهُم قَد نَقَضوا عَهدَكَ وأخلَفوا وَعدَكَ ، وقَد دَعَونا فِي السِّرِّ إلى رَفضِكَ ، هَداكَ اللّهُ لِرُشدِكَ ، وذاكَ لِأَنَّهُم كَرِهُوا الاُسوَةَ وفَقَدُوا الأَثَرَةَ ، ولَمّا آسَيتَ بَينَهُم وبَينَ الأَعاجِمِ أنكَروا وَاستَشاروا عَدُوَّكَ وعَظَّموهُ ، وأظهَرُوا الطَّلَبَ بِدَمِ عُثمانَ فُرقَةً لِلجَماعَةِ وتَأَ لُّفاً لِأَهلِ الضَّلالَةِ ، فَرَأيَكَ !

.


1- .وتَرتَ الرجل : إذا قتلتَ له قتيلاً وأخذت له مالاً (لسان العرب : ج5 ص274) .

ص: 373

فَخَرَجَ عَلِيٌّ عليه السلام فَدَخَلَ المَسجِدَ وصَعِدَ المِنبَرَ مُرتَدِياً بِطاقٍ مُؤتَزِراً بِبُردٍ قَطَرِيٍّ ، مُتَقَلِّداً سَيفاً مُتَوَكِّئاً عَلى قَوسٍ ، فَقالَ : أمّا بَعدُ ، فَإنّا نَحمَدُ اللّهَ رَبَّنا وإلهَنا ووَلِيَّنا ووَلِيَّ النِّعَمِ عَلَينَا ، الَّذي أصبَحَت نِعَمُهُ عَلَينا ظاهِرَةً وباطِنَةً ، اِمتِناناً مِنهُ بِغَيرِ حَولٍ مِنّا ولا قُوَّةٍ ، لِيَبلُوَنا أنَشكُرُ أم نَكفُرُ فَمَن شَكَرَ زادَهُ ومَن كَفَرَ عَذَّبَهُ ، فَأَفضَلُ النّاسِ عِندَ اللّهِ مَنزِلَةً وأقرَبُهُم مِنَ اللّهِ وَسيلَةً أطوَعُهُم لِأَمرِهِ ، وأعمَلُهُم بِطاعَتِهِ ، وأتبَعُهُم لِسُنَّةِ رَسولِهِ ، وأحياهُم لِكِتابِهِ ، لَيسَ لِأَحَدٍ عِندَنا فَضلٌ إلّا بِطاعَةِ اللّهِ وطاعَةِ الرَّسولِ . هذا كِتابُ اللّهِ بَينَ أظهُرِنا ، وعَهدُ رَسولِ اللّهِ وسيرَتُهُ فينا ، لا يَجهَلُ ذلِكَ إلّا جاهِلٌ عانِدٌ عَنِ الحَقِّ مُنكِرٌ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «يَ_أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَ_كُم مِّن ذَكَرٍ وَ أُنثَى وَ جَعَلْنَ_كُمْ شُعُوبًا وَ قَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَ_اكُمْ» (1) . ثُمَّ صاحَ بِأَعلى صَوتِهِ : أطيعُوا اللّهَ وأطيعُوا الرَّسولَ فَإِن تَوَلَّيتُم فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الكافِرينَ . ثُمَّ قالَ : يا مَعشَرَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، أتَمُنّونَ عَلَى اللّهِ ورَسولِهِ بِإِسلامِكُم بَلِ اللّهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أن هَداكُم لِلإِيمانِ إن كُنتُم صادِقينَ (2) . ثُمَّ قالَ : أنَا أبُو الحَسَنِ _ وكانَ يَقولُها إذا غَضِبَ _ ثُمَّ قالَ : ألا إنَّ هذِهِ الدُّنيَا الَّتي أصبَحتُم تَمَنَّونَها وتَرغَبونَ فيها ، وأصبَحَت تُغضِبُكُم وتُرضيكُم ، لَيسَت بِدارِكُم ولا مَنزِلِكُمُ الَّذي خُلِقتُم لَهُ ، فَلا تَغُرَّنَّكُم فَقَد حَذَّرتُكُموها ، وَاستَتِمّوا نِعَمَ اللّهِ عَلَيكُم بِالصَّبرِ لِأَنفُسِكُم عَلى طاعَةِ اللّهِ وَالذُّلِّ لِحُكمِهِ جَلَّ ثَناؤُهُ ، فَأَمّا هذَا الفَيءُ فَلَيسَ لِأَحَدٍ عَلى أحَدٍ فيهِ أثَرَةٌ ، وقَد فَرَغَ اللّهُ مِن قَسمَتِهِ فَهُوَ مالُ اللّهِ ، وأنتُم عِبادُ اللّه

.


1- .الحجرات : 13 .
2- .إشارة إلى الآية 32 من سورة آل عمران .

ص: 374

المُسلِمونَ ، وهذا كِتابُ اللّهِ بِهِ أقرَرنا ولَهُ أسلَمنا ، وعَهدُ نَبِيِّنا بَينَ أظهُرِنا ، فَمَن لَم يَرضَ بِهِ فَليَتَوَلَّ كَيفَ شاءَ ، فَإِنَّ العامِلَ بِطاعَةِ اللّهِ وَالحاكِمَ بِحُكمِ اللّهِ لا وَحشَةَ عَلَيهِ . ثُمَّ نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ فَصَلّى رَكعَتَينِ ، ثُمَّ بَعَثَ بِعَمّارِ بنِ ياسِرٍ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ حِسلٍ القُرَشِيِّ إلى طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ وهُما في ناحِيَةِ المَسجِدِ ، فَأَتَياهُما فَدَعَواهُما فَقاما حَتّى جَلَسا إلَيهِ عليه السلام . فَقالَ لَهُما : نَشَدتُكُمَا اللّهَ هَل جِئتُماني طائِعَينِ للبَيعَةِ ، ودَعَوتُماني إلَيها وأنَا كارِهٌ لَها ؟ قالا : نَعَم . فَقالَ : غَير مُجبَرَينِ ولا مَقسورَينِ ، فَأَسلَمتُما لي بَيعَتَكُما وأعطَيتُماني عَهدَكُما . قالا : نَعَم . قالَ : فَما دَعاكُما بَعدُ إلى ما أرى ؟ قالا : أعطَيناكَ بَيعَتَنا عَلى ألّا تَقضِيَ الاُمورَ ولا تَقطَعَها دونَنا ، وأن تَستَشيرَنا في كُلِّ أمرٍ ، ولا تَستَبِدَّ بِذلِكَ عَلَينا ، ولَنا مِنَ الفَضلِ عَلى غَيرنا ما قَد عَلِمتَ ، فَأَنتَ تَقسِمُ القَسمَ وتَقطَعُ الأَمرَ ، وتَمضِي الحُكمَ بِغَيرِ مُشاوَرَتِنا ولا عِلمِنا . فَقالَ : لَقَد نَقَمتُما يَسيرا ، وأرجَأتُما كَثيرا ، فَاستَغفِرَا اللّهَ يَغفِر لَكُما . أ لا تُخبِرانِني ، أ دَفَعتُكُما عَن حَقٍّ وَجَبَ لَكُما فَظَلَمتُكُما إيّاهُ ؟ قالا : مَعاذَ اللّهِ ! قالَ : فَهَلِ استَأثَرتُ مِن هذَا المالِ لِنَفسي بِشَيءٍ ؟ قالا : مَعاذَ اللّهِ ! قالَ : أ فَوَقَعَ حُكمٌ أو حَقٌّ لِأَحَدٍ مِنَ المُسلِمينَ فَجَهِلتُهُ أو ضَعُفتُ عَنهُ ؟ قالا : معاذَ اللّهِ !

.

ص: 375

قالَ : فَمَا الَّذي كَرِهتُما مِن أمري حَتّى رَأَيتُما خِلافي ؟ قالا : خِلافُكَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ فِي القَسمِ ، إنَّكَ جَعَلتَ حَقَّنا فِي القَسمِ كَحَقِّ غَيرِنا ، وسَوَّيتَ بَينَنا وبَينَ مَن لا يُماثِلُنا فيما أفاءَ اللّهُ تَعالى عَلَينا بِأَسيافِنا ورِماحِنا ، وأوجَفنا عَلَيهِ بِخَيلِنا ورَجِلِنا ، وظَهَرَت عَلَيهِ دَعوَتُنا ، وأخَذناهُ قَسراً قَهراً مِمَّن لا يَرَى الإِسلامَ إلّا كَرهاً . فَقالَ : فَأَمّا ما ذَكَرتُماهُ مِنَ الاِستِشارَةِ بِكُما ، فَوَاللّهِ ما كانَت لي فِي الوِلايَةِ رَغبَةٌ ، ولكِنَّكُم دَعَوتُموني إلَيها وجَعَلتُموني عَلَيها ، فَخِفتُ أن أرُدَّكُم فَتَختَلِفَ الاُمَّةُ ، فَلَمّا أفضَت إلَيَّ نَظَرتُ في كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ فَأَمضَيتُ ما دَلّاني عَلَيهِ وَاتَّبَعتُهُ ، ولَم أحتَج إلى آرائِكُما فيهِ ولا رَأيِ غَيرِكُما ، ولَو وَقَعَ حُكمٌ لَيسَ في كِتابِ اللّهِ بَيانُهُ ولا فِي السُّنَّةِ بُرهانُهُ ، وَاحتيجَ إلَى المُشاوَرَةِ فيهِ لَشاوَرتُكُما فيهِ . وأمَّا القَسمُ وَالاُسوَةُ ، فَإِنَّ ذلِكَ أمرٌ لَم أحكُم فيهِ بادِئَ بَدءٍ ، قَد وَجَدتُ أنَا وأنتُما رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَحكُمُ بِذلِكَ ، وكِتابُ اللّهِ ناطِقٌ بِهِ ، وهُوَ الكِتابُ الَّذي لا يَأتيهِ الباطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ ولا مِن خَلفِهِ تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ حَميدٍ . وأمّا قَولُكُما : جَعَلتَ فَيئَنا وما أفاءَتهُ سُيوفُنا ورِماحُنا سَواءً بَينَنا وبَينَ غَيرِنا ، فَقَديماً سَبَقَ إلَى الإِسلامِ قَومٌ ونَصَروهُ بِسُيوفِهِم ورِماحِهِم فَلَم يُفَضِّلهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي القَسمِ ولا آثَرَهُم بِالسَّبقِ ، وَاللّهُ سُبحانَهُ موفٍ السّابِقَ وَالمُجاهِدَ يَومَ القِيامَةِ أعمالَهُم ، ولَيسَ لَكُما وَاللّهِ عِندي ولا لِغَيرِكُما إلّا هذا ، أخَذَ اللّهُ بِقُلوبِنا وقُلوبِكُم إلَى الحَقِّ وألهَمَنا وإيّاكُمُ الصَّبرَ . ثُمَّ قالَ : رَحِمَ اللّهُ امرَأً رَأى حَقّاً فَأَعانَ عَلَيهِ ، ورَأى جَوراً فَرَدَّهُ ، وكانَ عَوناً لِلحَقِّ عَلى مَن خالَفَهُ . قالَ شَيخُنا أبو جَعفَرٍ : وقَد رُوِيَ أنَّهُما قالا لَهُ وَقتَ البَيعَةِ : نُبايِعُكَ عَلى

.

ص: 376

أنّا شُرَكاؤُكَ في هذَا الأَمرِ . فَقالَ لَهُما : لا ، ولكِنَّكُما شَريكايَ فِي الفَيءِ، لا أستَأثِرُ عَلَيكُما ولا عَلى عَبدٍ حَبَشِيٍّ مُجَدَّعٍ (1) بِدِرهَمٍ فَما دونَهُ ، لا أنَا ولا وَلَدايَ هذانِ ، فَإِن أبَيتُما إلّا لَفظَ الشِّركَةِ ، فَأَنتُما عَونانِ لي عِندَ العَجزِ وَالفاقَةِ ، لا عِندَ القُوَّةِ وَالاِستِقامَةِ . قالَ أبو جَعفَرٍ : فَاشتَرَطا ما لا يَجوزُ في عَقدِ الأَمانَةِ (2) ، وشَرَطَ عليه السلام لَهُما ما يَجِبُ فِي الدّينِ وَالشَّريعَةِ . قالَ : وقَد رُوِيَ أيضا أنَّ الزُّبَيرَ قالَ في مَلَاً مِنَ النّاسِ : هذا جَزاؤُنا مِن عَلِيٍّ ! قُمنا لَهُ في أمرِ عُثمانَ حَتّى قُتِلَ ، فَلَمّا بَلَغَ بِنا ما أرادَ جَعَلَ فَوقَنا مَن كُنّا فَوقَهُ . وقالَ طَلحَةُ : مَا اللَّومُ إلّا عَلَينا ، كُنّا مَعَهُ أهلَ الشّورى ثَلاثَةً فَكَرِهَهُ أحَدُنا _ يَعني سَعداً _ وبايَعناهُ فَأَعطَيناهُ ما في أيدينا ومَنَعَنا ما في يَدِهِ ، فَأَصبَحنا قَد أخطَأنَا اليَومَ ما رَجَوناهُ أمسِ ، ولا نَرجو غَداً ما أخطَأ نَا اليَومَ . فَإِن قُلتَ : فَإِنَّ أبا بَكرٍ قَسَمَ بِالسَّواءِ كَما قَسَمَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، ولَم يُنكِروا ذلِكَ كَما أنكَروهُ أيّامَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَمَا الفَرقُ بَينَ الحالَتَينِ ؟ قُلتُ : إنَّ أبا بَكرٍ قَسَمَ مُحتَذِيا لِقَسمِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا وَلِيَ عُمَرُ الخِلافَةَ وفَضَّلَ قَوما عَلى قَومٍ ألِفوا ذلِكَ ونَسوا تِلكَ القِسمَةَ الاُولى ، وطالَت أيّامُ عُمَرَ ، وَأُشرِبَت قُلوبُهُم حُبَّ المالِ وكَثرَةَ العَطاءِ ، وأمَّا الَّذينَ اهتَضَموا فَقَنِعوا ومَرَنوا عَلَى القَناعَةِ ، ولَم يَخطُر لِأَحَدٍ مِنَ الفَريقَينِ لَهُ أنَّ هذِهِ الحالَ تَنتَقِضُ أو تَتَغَيَّرُ بِوَجهٍ ما ، فَلَمّا وَلِيَ عُثمانُ أجرَى الأَمرَ عَلى ما كانَ عُمَرُ يَجريهِ ، فَازدادَ وُثوقُ القَومِ بِذلِكَ ، ومَن ألِفَ أمراً شَقَّ عَلَيهِ فِراقُهُ ، وتَغييرُ العادَةِ فيهِ ، فَلَمّا وَلِيَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أرادَ أن يَرُدَّ الأَمر

.


1- .الجَدْع : قطع الأنف والاُذن والشفة ، وهو بالأنف أخصّ فإذا اُطلق غلب عليه (النهاية : ج1 ص246) .
2- .كذا في المصدر ، والصحيح : «الإمامة».

ص: 377

إلى ما كانَ في أيّامِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأبي بَكرٍ ، وقَد نُسِيَ ذلِكَ ورُفِضَ وتَخَلَّلَ بَينَ الزَّمانَينِ اثنَتانِ وعِشرونَ سَنَةً ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيهِم ، وأنكَروهُ وأكبَروهُ حَتّى حَدَثَ ما حَدَثَ مِن نَقضِ البَيعَةِ ومُفارَقَةِ الطّاعَةِ ، وللّهِِ أمرٌ هُوَ بالِغُهُ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ في أوَّلِ خُطبَةٍ خَطَبَها بَعدَ بَيعَةِ النّاسِ لَهُ عَلَى الأَمرِ ، وذلِكَ بَعدَ قَتلِ عُثمانَ _: أمّا بَعدُ ، فَلا يُرعِيَنَّ مُرعٍ إلّا عَلى نَفسِهِ ، شُغِلَ عَنِ الجَنَّةِ مَنِ النّارُ أمامَهُ ، ساعٍ مُجتَهِدٌ ، وطالِبٌ يَرجو ، ومُقَصَّرٌ فِي النّارِ ، ثلاثَةٌ ، وَاثنانِ : مَلَكٌ طارَ بِجَناحَيهِ ، ونَبِيٌّ أخَذَ اللّهُ بِضَبعَيهِ (2) ، لا سادِسٌ . هَلَكَ مَنِ ادَّعى ، ورَدِيَ مَنِ اقتَحَمَ . اليَمينُ وَالشِّمالُ مَضَلَّةٌ ، وَالوُسطَى الجادَّةُ ، مَنهَجٌ عَلَيهِ باقِي (3) الكِتابِ وَالسُّنَّةِ وآثارِ النُّبُوَّةِ . إنَّ اللّهَ تَعالى داوى هذِهِ الاُمَّةَ بِدَواءَينِ : السَّوطِ وَالسَّيفِ ، لا هَوادَةَ عِندَ الإِمامِ ، فَاستَتِروا بِبُيوتِكُم ، وأصلِحوا فيما بَينَكُم ، وَالتَّوبَةُ مِن وَرائِكُم ، مَن أبدى صَفحَتَهُ لِلحَقِّ هَلَكَ . قَد كانَت اُمورٌ لَم تَكونوا عِندي فيها مَعذورينَ ، أما إنّي لَو أشاءُ أن أقولَ لَقُلتُ ، عَفَا اللّهُ عَمّا سَلَفَ ، سَبَقَ الرَّجُلانِ ، وقامَ الثّالِثُ كَالغُرابِ هِمَّتُهُ بَطنُهُ ، وَيلَهُ لَو قُصَّ جَناحاهُ وقُطِعَ رأسُهُ لَكانَ خَيرا لَهُ . اُنظُروا فَإِن أنكَرتُم فَأَنكِروا ، وإن عَرَفتُم فَبادِروا ، حَقٌّ وباطِلٌ ولِكُلٍّ أهلٌ ، ولَئِن أمِرَ (4) الباطِلُ لَقَديما فَعَلَ ، ولَئِن قَلَّ الحَقُّ فَلَرُبَّما ولَعَلَّ ، ولَقَلَّ ما أدبَرَ شَيءٌ فَأَقبَلَ ،

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج7 ص36 ؛ بحار الأنوار : ج32 ص16 ح7 وراجع نهج البلاغة : الخطبة 205 والمعيار والموازنة : ص109 والأمالي للطوسي : ص727 ح1530 .
2- .الضَّبْع : وسط العَضُد . وقيل : هو ما تحت الإبط (النهاية : ج3 ص73) .
3- .في هامش المصدر : في «م» و هامش «ش» : «ما في» وهو الصحيح.
4- .أمِرَ الشيء : كَثُر وتمّ (لسان العرب : ج4 ص31) .

ص: 378

ولَئِن رَجَعَت إلَيكُم نُفوسُكُم إنَّكُم لَسُعَداءُ ، وإنّي لَأَخشى أن تَكونوا في فَترَةٍ ، وما عَلَيَّ إلّا الِاجتِهادُ . ألا إنَّ أبرارَ عِترَتي وأطايِبَ اُرومَتي ، أحلَمُ النّاسِ صِغارا ، وأعلَمُ النّاسِ كِبارا ، ألا وإنّا أهلُ بَيتٍ مِن عِلمِ اللّهِ عَلِمنا ، وبِحُكمِ اللّهِ حَكَمنا ، وبِقَولٍ صادِقٍ أخَذنا ، فَإِن تَتَبَّعوا آثارَنا تَهتَدوا بِبَصائِرِنا ، وإن لَم تَفعَلوا يُهلِككُم اللّهُ بِأَيدينا ، مَعَنا رايَةُ الحَقِّ ، مَن تَبِعَها لَحِقَ ، ومَن تَأَخَّرَ عَنها غَرِقَ ، ألا وبِنا تُدرَكُ تِرَةُ (1) كُلِّ مُؤمِنٍ ، وبِنا تُخلَعُ رِبقَةُ الذُّلِّ مِن أعناقِكُم ، وبِنا فُتِحَ لا بِكُم ، وبِنا يُختَمُ لا بِكُم (2) .

عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ لَمّا بويِعَ فِي المَدينَةِ _: ذِمَّتي بِما أقولُ رَهينَةٌ ، وأنَا بِهِ زَعيمٌ ، إنَّ مَن صَرَّحَت لَهُ العِبَرُ عَمّا بَينَ يَدَيهِ مِنَ المَثُلاتِ ، حَجَزَتهُ التَّقوى عَن تَقَحُّمِ الشُّبُهاتِ ، ألا وإنَّ بَلِيَّتَكُم قَد عادَت كَهَيئَتِها يَومَ بَعَثَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، وَالَّذي بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَتُبَلبَلُنَّ بَلبَلَةً ، ولَتُغَربَلُنَّ غَربَلَةً ، ولَتُساطُنَّ (3) سَوطَ القِدرِ ، حَتّى يَعودَ أسفَلُكُم أعلاكُم ، وأعلاكُم أسفَلَكُم ، ولَيَسبِقَنَّ سابِقونَ كانوا قَصَّروا ، ولَيُقَصِّرَنَّ سَبّاقونَ كانوا سَبَقوا . وَاللّهِ ما كَتَمتُ وَشمَةً (4) ، ولا كَذَبتُ كِذبَةً ، ولَقَد نُبِّئتُ بِهذَا المَقامِ وهذَا اليَومِ . ألا وإنَّ الخَطايا خَيلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيها أهلُها ، وخُلِعَت لُجُمُها ، فَتَقَحَّمَت بِهِم فِي النّارِ .

.


1- .التِّرَةُ : الثأر (مجمع البحرين : ج3 ص1903) .
2- .الإرشاد : ج1 ص239 ، نثر الدرّ : ج1 ص270 ؛ البيان والتبيين : ج2 ص50 كلّها عن أبي عبيدة ، العقد الفريد : ج3 ص119 والثلاثة الأخيرة عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلاموفيها من قوله «ألا إنّ أبرار عترتي ...» ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج2 ص236 وفيه إلى «ما أدبر شيء فأقبل» وكلّها نحوه .
3- .ساطَ الشيء سوطا : خاضَه وخلَطه وأكثرَ ذلك . وخصّ بعضهم به القِدر إذا خُلِط ما فيها (لسان العرب : ج7 ص325) .
4- .أي كلمة (النهاية : ج5 ص189) .

ص: 379

ألا وإنَّ التَّقوى مَطايا ذُلُلٌ ، حُمِلَ عَلَيها أهلُها ، واُعطوا أزِمَّتَها ، فَأَورَدَتهُمُ الجَنَّةَ . حَقٌّ وباطِلٌ ، ولِكُلٍّ أهلٌ ، فَلَئِن أمِرَ الباطِلُ لَقَديما فَعَلَ ، ولَئِنَ قَلَّ الحَقُّ فَلَرُبَّما ولَعَلَّ ، ولَقَلَّما أدبَرَ شَيءٌ فَأَقبَلَ ! 1

عنه عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ بَعدَما بويِعَ بِالخِلافَةِ ، وقَد قالَ لَهُ قَومٌ مِنَ الصَّحابَةِ _: لَو عاقَبتَ قَوما مِمَّن أجلَبَ عَلى عُثمانَ ؟ : يا إخوَتاه ! إنّي لَستُ أجهَلُ ما تَعلَمونَ ، ولكِن كَيفَ لي بِقُوَّةٍ وَالقَومُ المُجلَبونَ (1) عَلى حَدِّ شَوكَتِهِم ، يَملِكونَنا ولا نَملِكُهُم ؟ !وهاهُم هؤُلاءِ قَد ثارَت مَعَهُم عِبدانُكُم ، وَالتَفَّت إلَيهِم أعرابُكُم ، وهُم خِلالَكُم يَسومونَكُم ما شاؤوا . وهل تَرَونَ مَوضِعا لِقُدرَةٍ عَلى شَيءٍ تُريدونَهُ ؟ ! إنَّ هذَا الأَمرَ أمرُ جاهِلِيَّةٍ . وإنَّ لِهؤُلاءِ القَومِ مادَّةً . إنَّ النّاسَ مِن هذَا الأَمرِ _ إذا حُرِّكَ _ عَلى أمورٍ : فِرقَةٌ تَرى ما تَرَونَ ، وفِرقَةٌ تَرى ما لا تَرَونَ ، وفِرقَةٌ لا تَرى هذا ولا ذاكَ ، فَاصبِروا حَتّى يَهدَأَ النّاسُ ، وتَقَعَ القُلوبُ مَواقِعَها ، وتُؤخَذَ الحُقوقُ مُسمَحَةً ، فَاهدَؤوا عَنّي ، وَانظُروا ماذا يَأتيكُم بِهِ أمري ، ولا تَفعَلوا فَعلَةً تُضَعضِعُ قُوَّةً ، وتُسقِطُ مُنَّةً ، وتورِثُ وَهنا وذِلَّةً . وسَاُمسِكُ الأَمرَ مَا استَمسَكَ . وإذا لَم أجِد بُدًّا فَآخِرُ الدَّواءِ الكَيُّ (2) .

.


1- .يقال : أجلَبوا عليه ؛ إذا تجمّعوا وتألّبوا (النهاية : ج1 ص282) .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 168 ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص437 ، معالم الفتن : ج1 ص499 .

ص: 380

2 / 2 عزل عمّال عثمان

2 / 2عَزلُ عُمّالِ عُثمانَتاريخ اليعقوبي :عَزَلَ عَلِيٌّ عُمّالَ عُثمانَ عَنِ البُلدانِ خَلا أبي موسَى الأَشعَرِيِّ ، كَلَّمَهُ فيهِ الأَشتَرُ فَأَقَرَّهُ (1) .

الاختصاص :اِجتَمَعَ النّاسُ عَلَيهِ جَميعا ، فَقالوا لَهُ : اُكتُب يا أميرَ المُؤمِنينَ إلى مَن خالَفَكَ بِوِلايَتِهِ ثُمَّ اعزِلهُ ، فَقالَ : المَكرُ وَالخَديعَةُ وَالغَدرُ فِي النّارِ (2) .

الأمالي للطوسي عن سُحَيم :لَمّا بويِعَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، بَلَغَهُ أنَّ مُعاوِيَةَ قَد تَوَقَّفَ عَن إظهارِ البَيعَةِ لَهُ ، وقالَ : إن أقَرَّني عَلَى الشامِ وأعمالِيَ الَّتي وَلّانيها عُثمانُ بايَعتُهُ ، فَجاءَ المُغيرَةُ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ مُعاوِيَةَ مَن قَد عَرَفتَ ، وقَد وَلّاهُ الشَّامَ منَ قَد كانَ قَبلَكَ ، فَوَلِّهِ أنتَ كَيما تَتَّسِقَ عُرَى الاُمورِ ، ثُمَّ اعزِلهُ إن بَدا لَكَ . فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أ تَضمَنُ لي عُمُري يا مُغيرَةُ فيما بَينَ تَولِيَتِهِ إلى خَلعِهِ ؟ قالَ : لا . قالَ : لا يَسأَ لُنِي اللّهُ عَزّ وجَلَّ عَن تَولِيَتِهِ عَلى رَجُلَينِ مِنَ المُسلِمينَ لَيلَةً سَوداءَ أبَدا «وَ مَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا» (3) لكِن أبعَثُ إلَيهِ وأدعوهُ إلى ما في يَدي مِنَ الحَقِّ ، فَإِن أجابَ فَرَجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ لَهُ ما لَهُم وعَلَيهِ ما عَلَيهِم ، وإن أبى حاكَمتُهُ إلَى اللّهِ . فَوَلَّى المُغيرَةُ وهُوَ يَقولُ : فَحاكِمهُ إذَن ، وأنشَأَ يَقولُ : نَصَحتُ عَلِيّا فِي ابنِ حَربٍ نَصيحَةً فَرَدَّ فمَا مِنّي لَهُ (4) الدَّهرُ ثانِيَه ولَم يَقبَلِ النُّصحَ الَّذي جِئتُهُ بِهِ وكانَت لَهُ تِلكَ النَّصيحَةُ كافِيَه وقالوا لَهُ ما أخلَصَ النُّصحَ كُلَّهُ فَقُلتُ لَهُ إنَّ النَّصيحَةَ غالِيَه (5)

.


1- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص179 .
2- .الاختصاص : ص150 ، بحار الأنوار : ج40 ص105 .
3- .الكهف : 51 .
4- .المَنى : القَدَر ، مناه اللّه يمنيه : قدّره (لسان العرب : ج15 ص292) .
5- .الأمالي للطوسي : ص87 ح133 ، بشارة المصطفى : ص263 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص195 نحوه وليس فيه الشعر وراجع مروج الذهب : ج2 ص382 والاستيعاب : ج4 ص9 ح2512 والفتوح : ج2 ص446 .

ص: 381

تاريخ الطبري عن ابن عبّاس :دَعاني عُثمانُ فَاستَعمَلَني عَلَى الحَجِّ ، فَخَرَجتُ إلى مَكَّةَ فَأَقَمتُ لِلنّاسِ الحَجَّ ، وقَرأَتُ عَلَيهِم كِتابَ عُثمانَ إلَيهِم ، ثُمَّ قَدِمتُ المَدينَةَ وقَد بويِعَ لِعَلِيٍّ ، فَأَتَيتُهُ في دارِهِ فَوَجَدتُ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ مُستَخلِيا بِهِ ، فَحَبَسَني حَتّى خَرَجَ مِن عِندِهِ ، فَقُلتُ : ماذا قالَ لَكَ هذا ؟ فَقالَ : قالَ لي قَبلَ مَرَّتِهِ هذِهِ : أرسِل إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عامِرٍ وإلى مُعاوِيَةَ وإلى عُمّالِ عُثمانَ بِعُهودِهِم تُقِرَّهُم عَلى أعمالِهِم ويُبايِعونَ لَكَ النّاسَ ، فَإِنَّهُم يُهَدِّئونَ البِلادَ ويُسَكِّنونَ النّاسَ ، فَأَبَيتُ ذلِكَ عَلَيهِ يَومَئِذٍ وقُلتُ : وَاللّهِ لَو كانَ ساعَةٌ مِن نَهارٍ لَاجتَهَدتُ فيها رَأيي ، ولا وَلَّيتُ هؤُلاءِ ولا مِثلُهُم يُوَلَّى (1) . قالَ : ثُمَّ انصَرَفَ مِن عِندي وأنَا أعرِفُ فيهِ أنَّهُ يَرى أنّي مُخطِئٌ ، ثُمَّ عادَ إلَي الآنَ فَقالَ : إنّي أشَرتُ عَلَيكَ أوَّلَ مَرَّةٍ بِالَّذي أشَرتُ عَلَيكَ وخالَفتَني فيهِ ، ثُمَّ رَأَيتُ بَعدَ ذلِكَ رَأيا ، وأنَا أرى أن تَصنَعَ الَّذي رَأَيتَ فَتَنزِعَهُم وتَستَعينَ بِمَن تَثِقُ بِهِ ، فَقَد كَفَى اللّهُ ، وهُم أهوَنُ شَوكَةً مِمّا كانَ . قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَقُلتُ لِعَلِيٍّ : أمَّا المَرَّةُ الاُولى فَقَد نَصَحَكَ ، وأمَّا المَرَّةُ الآخِرَةُ فَقَد غَشَّكَ .

.


1- .وفي الكامل في التاريخ : «فأبيت عليه ذلك وقلت : لا اُداهن في ديني ، ولا اُعطي الدنيّة في أمري» .

ص: 382

قالَ لَهُ عَلِيٌّ : ولِمَ نَصَحَني ؟ قالَ ابنُ عَبّاسٍ : لِأَنَّكَ تَعلَمُ أنَّ مُعاوِيَةَ وأصحابَهُ أهلُ دُنيا فَمَتى تُثبِتُهُم لا يُبالوا بِمَن وَلِيَ هذَا الأَمرَ ، ومَتى تَعزِلُهُم يَقولوا : أخَذَ هذَا الأَمرَ بِغَيرِ شورى وهُوَ قَتَلَ صاحِبَنا ، ويُؤَلِّبونَ عَلَيكَ فَيَنتَقِضُ عَلَيكَ أهلُ الشّامِ وأهلُ العِراقِ ، مَعَ أنّي لا آمَنُ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ أن يَكُرّا عَلَيكَ . فَقالَ عَلِيٌّ : أمّا ما ذَكَرتَ مِن إقرارِهِم ، فَوَاللّهِ ما أشُكُّ أنَّ ذلِكَ خَيرٌ في عاجِلِ الدُّنيا لِاءِصلاحِها ، وأمَّا الَّذي يَلزَمُني مِنَ الحَقِّ وَالمَعرِفَةِ بِعُمّالِ عُثمانَ فَوَاللّهِ لا اُوَلّي مِنهُم أحَدا أبَدا ، فَإِن أقبَلوا فَذلِكَ خَيرٌ لَهُم ، وإن أدبَروا بَذَلتُ لَهُمُ السَّيفَ . قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَأَطِعني وَادخُل دارَكَ وَالحَق بِمالِكَ بِيَنبُعَ (1) وأغلِق بابَكَ عَلَيكَ ، فَإِنَّ العَرَبَ تَجولُ جَولَةً وتَضطَرِبُ ولا تَجِدُ غَيرَكَ ، فَإِنَّكَ وَاللّهِ لَئِن نَهَضتَ مَعَ هؤُلاءِ اليَومَ لَيُحَمِّلَنَّكَ النّاسُ دَمَ عُثمانَ غَدا . فَأَبى عَلِيٌّ ، فَقالَ لِابنِ عَبّاسٍ : سِر إلَى الشّامِ فَقَد وَلَّيتُكَها . فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : ما هذا بِرَأيٍ ، مُعاوِيَةُ رَجُلٌ مِن بَني اُمَيَّةَ وهُوَ ابنُ عَمِّ عُثمانَ وعامِلُهُ عَلَى الشّامِ ، ولَستُ آمَنُ أن يَضرِبَ عُنُقي لِعُثمانَ أو أدنى ما هُوَ صانِعٌ أن يَحبِسَني فَيَتَحَكَّمَ عَلَيَّ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : ولِمَ ؟ قالَ : لِقَرابَةٍ ما بَيني وبَينَكَ ، وإنَّ كُلَّ ما حُمِلَ عَلَيكَ حُمِل عَلَيَّ ، ولكِنِ اكتُب إلى مُعاوِيَةَ فَمُنَّهُ وعِدهُ . فَأَبى عَلِيٌّ وقالَ : وَاللّهِ لا كانَ هذا أبَدا (2) .

.


1- .يَنْبُع : بليدة بالقرب من المدينة ، بها عيون وحضر وحصن (تقويم البلدان : ص89) .
2- .تاريخ الطبري : ج4 ص439 وراجع مروج الذهب : ج2 ص364 والكامل في التاريخ : ج2 ص306 والبداية والنهاية : ج7 ص229 .

ص: 383

2 / 3 استرداد أموال بيت المال

شرح نهج البلاغة عن المدائني_ في ذِكرِ مَجلِسٍ حَضَرَ فيهِ ابنُ عَبّاسٍ ومُعاوِيَةُ _: فَقالَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ : أما وَاللّهِ لَقَد أشَرتُ عَلى عَلِيٍّ بِالنَّصيحَةِ فَآثَرَ رَأيَهُ ، وَمضى عَلى غُلَوائِهِ ، فَكانَتِ العاقِبَةُ عَلَيهِ لا لَهُ ، وإنّي لَأَحسَبُ أنَّ خَلقَهُ يَقتَدونَ بِمَنهَجِهِ . فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : كانَ وَاللّهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أعلَمَ بِوُجوهِ الرَّأيِ ، ومَعاقِدِ الحَزِم ، وتَصريفِ الاُمورِ ، مِن أن يَقبَلَ مَشورَتَكَ فيما نَهَى اللّهُ عَنهُ ، وعَنَّفَ عَلَيهِ ، قالَ سُبحانَهُ : «لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْأَخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ . . .» (1) ، ولَقَد وَقَّفَكَ عَلى ذِكرٍ مُبينٍ ، وآيَةٍ مَتلُوَّةٍ ؛ قَولُهُ تَعالى : «وَ مَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا» (2) . وهَل كانَ يَسوغُ لَهُ أن يُحَكِّمِ في دِماءِ المُسلِمينَ وفَيءِ المُؤمِنينَ ، مَن لَيسَ بِمَأمونٍ عِندَهُ ، ولا مَوثوقٍ بِهِ في نفَسِهِ ؟ هَيهاتَ هَيهاتَ ! هُوَ أعلَمُ بِفَرضِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ أن يُبطِنَ خِلافَ ما يُظهِرَ إلّا لِلتَّقِيَّةِ ، ولاتَ حينَ تَقِيَّةٍ ! مَعَ وُضوحِ الحَقِّ ، وثُبوتِ الجَنانِ ، وكَثرَةِ الأَنصارِ ، يَمضي كَالسَّيفِ المُصلِتِ في أمرِ اللّهِ ، مُؤثِرا لِطاعَةِ ربِّهِ ، وَالتَّقوى عَلى آراءِ أهلِ الدُّنيا (3) .

2 / 3اِستِردادُ أموالِ بَيتِ المالِالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ فيما رَدَّهُ عَلَى المُسلِمينَ مِن قَطائِعِ عُثمانَ _: وَاللّهِ لَو وَجَدتُهُ قَد تُزُوِّجَ بِهِ النِّساءُ ، ومُلِكَ بِهِ الإِماءُ ؛ لَرَدَدتُهُ ، فَإِنَّ فِي العَدلِ سَعَةً ، ومَن ضاقَ عَلَيه

.


1- .المجادلة : 22 .
2- .الكهف : 51 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج6 ص301 ؛ بحار الأنوار : ج42 ص170 .

ص: 384

العَدلُ فَالجَورُ عَلَيهِ أضيَقُ (1) .

شرح نهج البلاغة :هذِهِ الخُطبَةُ ذَكَرَهَا الكَلبِيُّ مَروِيَّةً مَرفوعَةً إلى أبي صالحٍ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ أنَّ عَلِيّا عليه السلام خَطَبَ فِي اليَومِ الثّاني مِن بَيعَتِهِ بِالمَدينَةِ ، فَقالَ : ألا إنَّ كُلَّ قَطيعَةٍ أقطَعَها عُثمانُ ، وكُلَّ مالٍ أعطاهُ مِن مالِ اللّهِ ، فَهُوَ مَردودٌ في بَيتِ المالِ ، فَإِنَّ الحَقَّ القَديم لا يُبطِلُهُ شَيءٌ ، ولَو وَجَدتُهُ وقَد تُزُوِّجَ بِهِ النِّساءُ ، وفُرِّقَ فِي البُلدانِ ، لَرَدَدتُهُ إلى حالِهِ ؛ فَإِنَّ فِي العَدلِ سَعَةً ، ومَن ضاقَ عَنهُ الحَقُّ فَالجَورُ عَلَيهِ أضيَقُ . وتَفسيرُ هذَا الكَلامِ أنَّ الوالِيَ إذا ضاقَت عَلَيهِ تَدبيراتُ اُمورِهِ فِي العَدلِ ، فَهِيَ فِي الجَورِ أضيَقُ عَلَيهِ ؛ لِأَنَّ الجائِرَ في مَظَنَّةِ أن يُمنَعَ ويُصَدَّ عَن جَورِهِ . قالَ الكَلبِيُّ : ثُمَّ أمَرَ عليه السلام بِكُلِّ سِلاحٍ وُجِدَ لِعُثمانَ في دارِهِ مِمّا تَقَوّى بِهِ عَلَى المُسلِمينَ فَقُبِضَ ، وأمَرَ بِقَبضِ نَجائِبَ كانَت في دارِهِ مِن إ بِلِ الصَّدَقَةِ فَقُبِضَت ، وأمَرَ بِقَبضِ سَيفِهِ ودِرعِهِ ، وأمَرَ ألّا يُعرَضَ لِسِلاحٍ وُجِدَ لَهُ لم يُقاتِل بِهِ المُسلِمونَ ، وبِالكَفِّ عَن جَميعِ أموالِهِ الَّتي وُجِدَت في دارِهِ وفي غَيرِ دارِهِ ، وأمَرَ أن تُرتَجَعَ الأَموالُ الَّتي أجازَ بِها عُثمانُ حَيثُ اُصيبَت أو اُصيبَ أصحابُها . فَبَلَغَ ذلِكَ عَمرَو بنَ العاصِ ، وكانَ بِأَيلَةَ مِن أرضِ الشّامِ ، أتاها حَيثُ وَثَبَ النّاسُ عَلى عُثمانَ فَنَزَلَها ، فَكَتَبَ إلى مُعاوِيَةَ : ما كُنتَ صانِعا فَاصنَع ، إذ قَشَرَكَ ابنُ أبي طالِبٍ مِن كُلِّ مالٍ تَملِكُهُ كَما تُقشَرُ عَنِ العَصا لِحاها (2) .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 15 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص110 ، دعائم الإسلام : ج1 ص396 ، شرح الأخبار : ج1 ص373 ح316 كلاهما نحوه .
2- .شرح نهج البلاغة : ج1 ص269 .

ص: 385

2 / 4 تعذّر بعض الإصلاحات

2 / 4تَعَذُّرَ بَعضِ الإِصلاحاتِالإمام عليّ عليه السلام :لَو قَدِ استَوَت قَدَمايَ مِن هذِهِ المَداحِضِ لَغَيَّرتُ أشياءَ (1) .

الكافي عن سُلَيم بن قيس :خَطَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ صَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ : ألا إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عَلَيكُم خَلَّتانِ : اِتِّباعُ الهَوى ، وطولُ الأَمَلِ . أمَّا اتِّباعُ الهَوى : فَيَصُدُّ عَنِ الحَقِّ ، وأمّا طولُ الأَمَلِ : فَيُنسِي الآخِرَةَ ، ألا إنَّ الدُّنيا قَد تَرَحَّلَت مُدبِرَةً ، وإنَّ الآخِرَةَ قَد تَرَحَّلَت مُقبِلَةً ، ولِكُلِّ واحِدَةٍ بَنونَ ، فَكونوا مِن أبناءِ الآخِرَةِ ، ولا تَكونوا مِن أبناءِ الدُّنيا . فَإِنَّ اليَومَ عَمَلٌ ولا حِسابٌ ، وإنَّ غَدا حِسابٌ ولا عَمَلٌ . وإنَّما بَدءُ وُقوعِ الفِتَنِ مِن أهواءٍ تُتَّبَعُ وأحكامٌ تُبتَدَعُ ، يُخالَفُ فيها حُكمُ اللّهِ ، يَتَوَلّى فيها رِجالٌ رِجالاً ، ألا إنَّ الحَقَّ لَو خَلَص لَم يَكُنِ اختِلافٌ ، ولَو أنَّ الباطِلَ خَلَصَ لَم يُخفَ عَلى ذي حِجىً . لكِنَّهُ يُؤخَذُ مِن هذا ضِغثٌ (2) ومِن هذا ضِغثٌ فَيَمزَجانِ فَيُجَلَّلانِ مَعا ، فَهُنالِكَ يَستَولِي الشَّيطانُ عَلى أوِليائِهِ ، ونَجَا الذَّينَ سَبَقَت لَهُم مِنَ اللّهِ الحُسنى . إنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : كَيفَ أنتُم إذا لَبَسَتكُم فِتنَةٌ يَربو فيهَا الصَّغيرُ ، ويَهرَمُ فيهَا الكَبيرُ ، يَجرِي النّاسُ عَلَيها ويَتَّخِذونَها سُنَّةً ، فَإِذا غُيِّرَ مِنها شَيءٌ قيلَ : قَد غُيِّرَتِ السُّنَّةُ ، وقَد أتَى النّاسَ مُنكَرا ! ثُمَّ تَشتَدُّ البَلِيَّةُ وتُسبَى الذُّرِّيَّةُ ، وتَدُقُّهُمُ الفِتنَةُ كَما تَدُقُّ النّارُ الحَطَبَ ، وكَما تَدُقُّ الرَّحا بِثِفالِها (3) ، ويَتَفَقَّهونَ لِغَيرِ اللّهِ ، ويَتَعَلَّمونَ لِغَير

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 272 ، غرر الحكم : ح7570 ، عيون الحكم والمواعظ : ص415 ح7060 .
2- .الضِّغث : قبضة من قضبان مختلفة ، وقيل : هي الحُزمة من الحشيش (لسان العرب : ج2 ص164) .
3- .الثِّفال : جلدة تُبسط تحت رَحا اليد ليقع عليها الدقيق ، ويسمّى الحجر الأسفل ثفالاً بها . والمعنى : أنّها [الفتنة ]تدقّهم دقّ الرحا للحبّ إذا كانت مُثفَّلة ، ولا تُثفّل إلّا عند الطحن (النهاية : ج1 ص215) .

ص: 386

العَمَلِ ، ويَطلُبونَ الدُّنيا بِأَعمالِ الآخِرَةِ . ثُمَّ أقبَلَ بِوَجهِهِ وحَولَهُ ناسٌ مِن أهلِ بَيتِهِ وخاصَّتِهِ وشيعَتِهِ ، فَقالَ : قَد عَمِلَتِ الوُلاةُ قَبلي أعمالاً خالَفوا فيها رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُتَعَمِّدينَ لِخِلافِهِ ، ناقِضينَ لِعَهدِهِ ، مُغَيِّرينَ لِسُنَّتِهِ ، ولَو حَمَلتُ النّاسَ عَلى تَركِها وحَوَّلتُها إلى مَواضِعِها ، وإلى ما كانَت في عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، لَتَفَرَّقَ عَنّي جُندي حَتّى أبقى وَحدي ، أو قَليلٌ مِن شيعَتِيَ الَّذينَ عَرَفوا فَضلي وفَرضَ إمامَتي مِن كِتابِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وسُنَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . أ رَأَيتُم لَو أمَرتُ بِمَقامِ إبراهيمَ عليه السلام فَرَدَدتُهُ إلى المَوضِعِ الَّذي وَضَعَهُ فيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ورَدَدتُ فَدَكَ إلى وَرَثَةِ فاطِمَةَ عليهاالسلام ، ورَدَدتُ صاعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَما كانَ ، وأمضَيتُ قَطائِعَ أقطَعَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِأقَوامٍ لَم تُمضَ لَهُم ولَم تُنفَذ ، ورَدَدتُ دارَ جَعفَرٍ إلى وَرَثَتِهِ وهَدَمتُها مِنَ المَسجِدِ ، ورَدَدتُ قَضايا مِنَ الجَورِ قُضِيَ بِها ، ونَزَعتُ نِساءً تَحتَ رِجالٍ بِغَيرِ حَقٍّ فَرَدَدتُهُنَّ إلى أزواجِهِنِّ ، وَاستَقبَلتُ بِهِنَّ الحُكمَ فِي الفُروجِ وَالأَحكامِ ، وسَبَيتُ ذَرارِيَّ بَني تَغلِبَ ، ورَدَدتُ ما قُسِمَ مِن أرضِ خَيبَرَ ، ومَحَوتُ دَواوينَ العَطايا ، وأعطَيتُ كَما كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُعطي بِالسَّوِيَّةِ ، ولَم أجعَلها دَولَةً بَينَ الأَغنِياءِ وألقَيتُ المَساحَةَ ، وسَوَّيتُ بَينَ المَناكِحِ ، وأنفَذتُ خُمُسَ الرَّسولِ كَما أنزَلَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ وفَرَضَهُ ، ورَدَدتُ مَسجِدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى ما كانَ عَلَيهِ ، وسَدَدتُ ما فُتِحَ فيهِ مِنَ الأَبوابِ ، وفَتَحتُ ما سُدَّ مِنهُ ، وحَرَّمتُ المَسحَ عَلَى الخُفَّينِ ، وحَدَدتُ عَلَى النَّبيذِ ، وأمَرتُ بِإِحلالِ المُتعَتَينِ ، وأمَرتُ بِالتَّكبيرِ عَلَى الجَنائِزِ خَمسَ تَكبيراتٍ ، وألزَمتُ النّاسَ الجَهرَ بِبِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، وأخرَجتُ مَن اُدخِلَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَسجِدِهِ مِمّنَ كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخرَجَهُ ، وأدخَلتُ مَن اُخرِجَ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِمَّن كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أدخَلَهُ ، وحَمَلتُ النّاسَ عَلى حُكمِ القُرآنِ وعَلَى الطَّلاقِ عَلَى السُّنَّةِ ، وأخَذتُ الصَّدَقاتِ عَلى أصنافِها وحُدودِها ، ورَدَدتُ الوُضوءَ وَالغُسلَ وَالصَّلاةَ إلى مَواقيتِها وشَرائِعِها ومَواضِعِها ، ورَدَدتُ أهلَ نَجرانَ إلى مَواضِعِهِم ، ورَدَدتُ سَبايا فارِسَ وسائِرِ الاُمَمِ إلى كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، إذا

.

ص: 387

لَتَفَرَّقوا عَنّي . وَاللّهِ لَقَد أمَرتُ النّاسَ أن لا يَجتَمِعوا في شَهرِ رَمَضانَ إلّا في فَريضَةٍ ، وأعلَمتُهُم أنَّ اجتِماعَهُم فِي النَّوافِلِ بِدعَةٌ ، فَتَنادى بَعضُ أهلِ عَسكري مِمَّن يُقاتِلُ مَعي : يا أهلَ الإِسلامِ ، غُيِّرَت سُنَّةُ عُمَرَ ، يَنهانا عَنِ الصَّلاةِ في شَهرِ رَمَضانَ تَطَوُّعا . ولَقَد خِفتُ أن يَثوروا في ناحِيَةِ جانِبِ عَسكَري ما لَقيتُ مِن هذِهِ الاُمَّةِ مِنَ الفُرقَةِ ، وطاعَةِ أئِمَّةِ الضَّلالَةِ ، وَالدُّعاةِ إلَى النّارِ . وأعطَيت (1) مِن ذلِكَ سَهمِ ذِي القُربَى الَّذي قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» (2) فَنَحنُ وَاللّهِ عَنى بِذِي القُربَى ، الَّذي قَرَنَنَا اللّهُ بِنَفسِهِ وبِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ تَعالى : «فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبَى وَ الْيَتَ_مَى وَالْمَسَ_كِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ» (3) في ظُلمِ آلِ مُحَمَّدٍ «إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (4) لِمَن ظَلَمَهُم ، رَحمَةً مِنهُ لَنا وغِنىً أغنانا اللّهُ بِهِ ووَصّى بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله . ولَم يَجعَل لَنا في سَهمِ الصَّدَقَةِ نَصيبا ، أكرَمَ اللّهُ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله وأكرَمَنا أهلَ البَيتِ أن يُطعِمَنا مِن أوساخِ النّاسِ ، فَكَذَّبُوا اللّهَ وكَذَّبوا رَسولَهُ وجَحَدوا كِتابَ اللّهِ النّاطِقَ بِحَقِّنا ، ومَنَعونا فَرضا فَرَضَهُ اللّهُ لَنا ، ما لَقِيَ أهلُ بَيتِ نَبِيٍّ مِن اُمَّتِهِ ما لَقينا بَعدَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله وَاللّهُ المُستَعانُ عَلى مَن ظَلَمَنا ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ (5) .

.


1- .كذا في المصدر ، وفي الاحتجاج : «وأعظم» وهو الصحيح ظاهرا .
2- .الأنفال : 41 .
3- .فينا خاصَّةً «كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةَ بَيْنَ الْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَ مَآ ءَاتَ_اكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَ_اكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَ اتَّقُواْ اللَّهَ»
4- .. الحشر : 7 .
5- .الكافي : ج8 ص58 ح21 ، الاحتجاج : ج1 ص626 ح146 عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلاموفيه من «إنّي سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، كتاب سليم بن قيس : ج2 ص718 ح18 كلاهما نحوه .

ص: 388

. .

ص: 389

الفصل الثالث : السياسة الإداريّة
3 / 1 الصّدق في السّياسة

الفصل الثالث : السياسة الإداريّة3 / 1الصِّدقُ فِي السِّياسَةِالإمام عليّ عليه السلام :هَيهاتَ ! لَولَا التُّقى لَكُنتُ أدهَى العَرَبِ (1) .

عنه عليه السلام :يا أيُّهَا النّاسُ ! لَولا كَراهِيَةُ الغَدرِ كُنتُ مِن أدهَى النّاسِ ، ألا إنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً ، ولِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً . ألا وإنَّ الغَدرَ وَالفُجورَ وَالخِيانَةَ فِي النّارِ (2) .

عنه عليه السلام :وَاللّهِ ما مُعاوِيَةُ بِأَدهى مِنّي ، ولكِنَّهُ يَغدِرُ ويَفجُرُ ، ولَولا كَراهِيَةُ الغَدرِ لَكُنتُ مِن أدهَى النّاسِ ، ولكِن كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ ، وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ ، ولِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يُعرَفُ بِهِ يَومَ القِيامَةِ . وَاللّهِ ما اُستَغفَلُ بِالمَكيدَةِ ، ولا اُستَغمَزُ بِالشَّديدَةِ (3) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: وإن عَقَدتَ بَينَكَ وَبينَ عَدُوِّكَ عُقدَةً ، أو ألبَستَهُ مِنكَ ذِمَّةً ، فَحُط عَهدَكَ بِالوَفاءِ ، وَارعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمانَةِ ، وَاجعَل نَفسَكَ جُنَّةً دونَ ما أعطَيتَ ، فَإِنَّهُ لَيسَ مِن فَرائِضِ اللّهِ شَيءٌ النّاسُ أشَدُّ عَلَيهِ اجتِماعا ، مَعَ تَفَرُّق

.


1- .الكافي : ج8 ص24 ح4 عن جابر بن يزيد عن الإمام الباقر عليه السلام ، غرر الحكم : ح10041 ، عيون الحكم والمواعظ : ص512 ح9322 .
2- .الكافي : ج2 ص338 ح6 عن الأصبغ بن نباتة ، بحار الأنوار : ج33 ص454 ح671 .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 200 ؛ ينابيع المودّة : ج1 ص454 ، المعيار والموازنة : ص166 وفيه إلى «يوم القيامة» .

ص: 390

3 / 2 الالتزام بالحقّ

أهوائِهِم ، وتَشَتُّتِ آرائِهِم ، مِن تَعظيمِ الوَفاءِ بِالعُهودِ ، وقَد لَزِمَ ذلِكَ المُشرِكونَ فيما بَينَهُم دونَ المُسلِمينَ لِمَا استَوبَلوا (1) مِن عَواقِبِ الغَدرِ ، فَلا تَغدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ ، ولا تَخيسَنَّ (2) بِعَهدِكَ ، ولا تَختِلَنَّ (3) عَدُوَّكَ (4) .

راجع : ص 551 (الخدعة) .

3 / 2الالتزام بالحقّالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ أفضَلَ النّاسِ عِندَ اللّهِ مَن كانَ العَمَلُ بِالحَقِّ أحَبَّ إلَيهِ _ وإن نَقَصَهُ وكَرَثَهُ (5) _ مِنَ الباطِلِ وإن جَرَّ إلَيهِ فائِدَةً وزادَهُ (6) .

عنه عليه السلام :لا تَمنَعَنَّكُم رِعايَةُ الحَقِّ لِأَحَدٍ عَن إِقامَةِ الحَقِّ عَلَيهِ (7) .

الإرشاد :لَمّا تَوَجَّهَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلَى البَصرَةِ ، نَزَلَ الرَّبَذَةَ (8) فَلَقِيَهُ بِها آخِرُ الحاجِّ ، فَاجتَمَعوا لِيَسمَعوا مِن كَلامِهِ وهُوَ في خِبائِهِ . قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَأَتَيتُهُ فَوَجَدتُهُ يَخصِفُ نَعلاً ، فَقُلتُ لَهُ : نَحنُ إلى أن تُصلِحَ أمرَنا أحوَجُ مِنّا إلى ما تَصنَعُ ، فَلَم يُكَلِّمني حَتّى فَرَغَ مِن نَعلِهِ ، ثُمَّ ضَمَّها إلى صاحِبَتِها ، ثُم

.


1- .الوبال : الوخامة وسوء العاقبة (مجمع البحرين : ج3 ص1901) .
2- .خاسَ عهده وبعهده : نقضه وخانه (لسان العرب : ج6 ص75) .
3- .خَتَلَه : خدعه وراوغه (النهاية : ج2 ص9) .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص123 ، تحف العقول : ص145 نحوه .
5- .كَرَثَه : أي اشتدّ عليه وبلغ منه المشقّة (النهاية : ج4 ص161) .
6- .نهج البلاغة : الخطبة 125 ، وقعة صفّين : ص542 نحوه ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص69 كلاهما عن شريح بن هاني وفيه «حنّ» بدل «جرّ» .
7- .غرر الحكم : ح10328 ، عيون الحكم والمواعظ : ص529 ح9620 .
8- .الربذة : من قرى المدينة على ثلاثة أيّام ، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكّة ، وبهذا الموضع قبر أبي ذرّ الغفاري (معجم البلدان : ج3 ص24) .

ص: 391

قالَ لي : قَوِّمها ، فَقُلتُ : لَيسَ لَها قيمَةٌ ، قالَ : عَلى ذاكَ ، قُلتُ : كَسرُ دِرهَمٍ . قالَ : وَاللّهِ لَهُما أحَبُّ إلَيَّ مِن أمرِكُم هذا ، إلّا أن اُقيمَ حَقّا أو أدفَعَ باطِلاً (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ في حَربِ صِفّينَ _: فَوَاللّهِ ما دَفَعتُ الحَربَ يَوما إلّا وأنَا أطمَعُ أن تَلحَقَ بي طائِفَةٌ ، فَتَهتَدِيَ بي وتَعشُوَ إلى ضَوئي ، وذلِكَ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أقتُلَها عَلى ضَلالِها ، وإن كانَت تَبوءُ بِآثامِها (2) .

عنه عليه السلام_ فِي الشَّكوى مِمَّن يَميلُ إلى مُعاوِيَةَ مِن أصحابِهِ _: يا وَيحَهُم ، مَعَ مَن يَميلونَ ويَدَعونَني ! فَوَاللّهِ ما أرَدتُهُم إلّا عَلى إقامَةِ حَقٍّ ، ولا يَريدُهُم غَيري إلّا عَلى باطِلٍ (3) .

عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى أهلِ مِصرَ لَمّا وَلّى عَلَيهِمُ الأَشتَرَ _: أمّا بَعدُ فَقَد بَعَثتُ إلَيكُم عَبدا مِن عِبادِ اللّهِ ، لا ينَامُ أيّامَ الخَوفِ ولا يَنكُلُ عَنِ الأَعداءِ ساعاتِ الرَّوعِ ، أشَدَّ عَلَى الفُجّارِ مِن حَريقِ النّارِ وهُوَ مالِكُ بنُ الحارِثِ أخو مَذحِجٍ ، فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوا أمرَهُ فيما طابَقَ الحَقَّ (4) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ألزِمِ الحَقَّ مَن لَزِمَهُ مِنَ القَريبِ وَالبَعيدِ ، وكُن في ذلِكَ صابِرا مُحتَسِبا ، واقِعا ذلِكَ مِن قَرابَتِكَ وخاصَّتِكَ حَيثُ وَقَعَ ، وَابتَغِ عاقِبَتَهُ بِما يَثقُلُ عَلَيكَ مِنهُ ، فإِنَّ مَغَبَّةَ ذلِكَ مَحمودَةٌ (5) .

عنه عليه السلام :بِلُزومِ الحَقِّ يَحصُلُ الاستِظهارُ (6) .

.


1- .الإرشاد : ج1 ص247 ، نهج البلاغة : الخطبة 33 نحوه ، بحار الأنوار : ج32 ص113 ح90 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 55 ، بحار الأنوار : ج32 ص556 ح464 .
3- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص184 .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 38 ، بحار الأنوار : ج33 ص595 ح741 .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص123 ، تحف العقول : ص145 .
6- .غرر الحكم : ح4352 ، عيون الحكم والمواعظ : ص189 ح3897 .

ص: 392

3 / 3 الالتزام بالقانون

عنه عليه السلام :مَن عَمِلَ بِالحَقِّ مالَ إلَيهِ الخَلقُ (1) .

عنه عليه السلام :مَن جاهَدَ عَلى إقامَةِ الحَقِّ وُفِّقَ (2) .

3 / 3الاِلتِزامُ بِالقانونِالإمام الباقر عليه السلام :أخَذَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] رَجُلاً مِن بَني أسَدٍ في حَدٍّ ، فَاجتَمَعَ قَومُهُ لِيُكَلِّموا فيهِ ، وطَلَبوا إلَى الحَسَنِ أن يَصحَبَهُم ، فَقالَ : ائتوهُ فَهُوَ أعلى بِكُم عَينا ، فَدَخَلوا عَلَيهِ وسَأَلوهُ ، فَقالَ : لا تَسأَلونّي شَيئا أملِكُ إلّا أعطَيتُكُم ، فَخَرَجوا يَرَون أنَّهُم قَد أنجَحوا ، فَسَأَلَهُمُ الحَسَنُ ، فَقالوا : أتَينا خَيرَ مَأتِيٍّ . وحَكَوا لَهُ قَولَهُ ، فَقالَ : ما كُنتُم فاعِلينَ إذا جُلِدَ صاحِبُكُم فَاصنَعوهُ ، فَأَخرَجَهُ عَلِيٌّ فَحَدَّهُ ، ثُمَّ قالَ : هذا وَاللّهِ لَستُ أملِكُه (3) .

الغارات_ في ذِكرِ النَّجاشِي الشّاعِرِ _: كانَ شاعِرَ عَلِيٍّ عليه السلام بِصفّينَ ، فَشَرِبَ الخَمرَ بِالكوفَةِ ، فَحَدَّهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَغَضِبَ ولَحِقَ بِمُعاوِيَةَ وهَجا عَلِيّا عليه السلام . . . لَمّا حَدَّ عَلِيٌّ عليه السلام النَّجاشِيَّ غَضِبَ لِذلِكَ مَن كانَ مَعَ عَلِيٍّ مِنَ اليَمانِيَّةِ ، وكانَ أخَصُّهُم بِهِ طارِقَ بنَ عَبدِ اللّهِ بنِ كَعبِ بنِ اُسامَةَ النَّهدِيَّ ، فَدَخَلَ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما كُنّا نَرى أنَّ أهلَ المَعصِيَةِ وَالطّاعَةِ وأهلَ الفُرقَةِ والجَماعَةِ عِندَ وُلاةِ العَدلِ ومَعادِنِ الفَضلِ سِيّانِ فِي الجَزاءِ ، حَتّى رَأَيتُ ما كانَ مِن صَنيعِكَ بِأَخِي الحارِثِ ، فَأَوغَرتَ صُدورَنا ، وشَتَّتَّ اُمورَنا ، وحَمَلتَنا عَلَى

.


1- .غرر الحكم : ح8646 ، عيون الحكم والمواعظ : ص460 ح8362 .
2- .غرر الحكم : ح8651 ، عيون الحكم والمواعظ : ص440 ح7653 .
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص147 ، دعائم الإسلام: ج2 ص443 ح1547 نحوه، بحار الأنوار: ج41 ص9 ح1.

ص: 393

3 / 4 عدم المداهنة

الجادَّةِ التَّي كُنّا نَرى أنَّ سَبيلَ مَن رَكِبَها النّارُ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «وَ إِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَا عَلَى الْخَ_شِعِينَ» (1) ، يا أخا بَني نَهدٍ ، وهَل هُوَ إلّا رَجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ انتَهَكَ حُرمَةَ مَن حَرَّمَ اللّهُ فَأَقَمنا عَلَيهِ حَدّا كانَ كَفّارَتَهُ ، إنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ : «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَ_ئانُ قَوْمٍ عَلَى أَلَا تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» (2)(3) .

راجع : ص 514 (إقامة الحدود على القريب والبعيد) .

3 / 4عَدَمُ المُداهَنَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِرفَعوا ألسِنَتَكُم عَن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَإِنَّهُ خَشِنٌ في ذاتِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، غَيرُ مُداهِنٍ في دينِهِ (4) .

الإمام عليّ عليه السلام :لا يُقيمُ أمرَ اللّهِ سُبحانَهُ إلّا مَن لا يُصانِعُ ، ولا يُضارِعُ ، ولا يَتَّبِعُ المَطامِعَ (5) .

عنه عليه السلام_ لَمّا أرادَهُ النّاسُ عَلَى البَيعَةِ _: اِعلَموا أنّي إن أجَبتُكُم رَكِبتُ بِكُم ما أعلَمُ ، ولَم اُصغِ إلى قَولِ القائِلِ وعَتبِ العاتِبِ (6) .

.


1- .البقرة : 45 .
2- .المائدة : 8 .
3- .الغارات : ج2 ص533 و ص539 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص147 نحوه ، بحار الأنوار : ج41 ص9 ح2 ؛ شرح نهج البلاغة : ج4 ص89 نحوه .
4- .الإرشاد : ج1 ص173 ، كشف الغمّة : ج1 ص236 ، بحار الأنوار : ج21 ص385 ح10 وراجع مسند ابن حنبل : ج4 ص172 ح11817 والبداية والنهاية : ج5 ص209 و ج7 ص346 ومجمع الزوائد : ج9 ص174 ح14735 .
5- .نهج البلاغة : الحكمة 110 ، عيون الحكم والمواعظ : ص541 ح10032 وفيه «يخادع» بدل «يضارع» و«يغيّره» بدل «يتّبع» وراجع نثر الدرّ : ج1 ص292 .
6- .نهج البلاغة : الخطبة 92 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص110 ، بحار الأنوار : ج32 ص35 ح23 .

ص: 394

3 / 5 تنظيم الامور

عنه عليه السلام :ولَعَمري ما عَلَيَّ مِن قِتالِ مَن خالَفَ الحَقَّ وخابَطَ الغَيَّ من إدهانٍ ولا إيهانٍ ، فَاتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ وفِرُّوا إلَى اللّهِ مِنَ اللّهِ (1) .

عنه عليه السلام :لا اُداهِنُ في ديني ، ولا اُعطِي الدَّنِيَّةَ في أمري (2) .

حلية الأولياء عن عبد الواحد الدمشقي :نادى حَوشَبٌ الخَيرِيُّ عَلِيّا يَومَ صِفّينَ ، فَقالَ : اِنصَرِف عَنّا يَابنَ أبي طالِبٍ ، فَإِنّا نَنشُدُكَ اللّهَ في دِمائِنا ودَمِكَ ، نُخَلّي بَينَكَ وبَينَ عِراقِك ، وتُخَلّي بَينَنا وبَينَ شامِنا ، وتَحقِنُ دِماءَ المُسلِمينَ . فَقالَ عَلِيٌّ : هَيهاتَ يابنَ اُمِّ ظَليمٍ ! وَاللّهِ لَو عَلِمتُ أنَّ المُداهَنَةَ تَسَعُني في دينِ اللّهِ لَفَعَلتُ ، ولَكانَ أهوَنَ عَلَيَّ في المَؤونَةِ ، ولكِنَّ اللّهَ لَم يَرضَ مِن أهلِ القُرآنِ بِالإِدهانِ وَالسُّكوتِ ، واللّهُ يُعصى (3) .

راجع : ص 380 (عزل عمّال عثمان) . و ص 401 (الموقف الحازم مع العمّال) .

3 / 5تَنظيمُ الاُمورِالإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكِ الأَشتَرِ _: وأمضِ لِكُلِّ يَومٍ عَمَلَهُ ؛ فإِنَّ لِكُلِّ يَومٍ ما فيهِ . . . إيّاكَ وَالعَجَلَةَ بِالاُمورِ قَبلَ أوانِها ، أوِ التَّسَقُّطَ فيها عِندَ إمكانِها ، أو اللَّجاجَةَ فيها إذا تَنَكَّرَت ، أوِ الوَهنَ عَنها إذا استَوضَحَت . فَضَع كُلَّ أمرٍ مَوضِعَهُ ،

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 24 .
2- .الكامل في التاريخ : ج2 ص306 ، مروج الذهب : ج2 ص364 وفيه «الرياء» بدل «الدنيّة» ، تاريخ الطبري : ج4 ص439 نحوه وكلّها عن ابن عبّاس وراجع البداية والنهاية : ج7 ص229 .
3- .حلية الأولياء : ج1 ص85 ، اُسد الغابة : ج2 ص92 الرقم 1298 ، الاستيعاب : ج1 ص457 الرقم 599 وفيهما «الحميري» بدل «الخيري» وراجع تاريخ دمشق : ج39 ص264 .

ص: 395

3 / 6 انتخاب العمّال الصّالحين

وأوقِع كُلَّ أمرٍ مَوقِعَهُ (1) .

عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى اُمَراءِ الخَراجِ _: إيّاكُم وتَأخيرَ العَمَلِ ودَفعَ الخَيرِ ؛ فَإِنَّ في ذلِكَ النَّدَمَ (2) .

عنه عليه السلام :مُجتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيرِ وَقتِ إيناعِها كَالزّارِعِ بِغَيرِ أرضِهِ (3) .

عنه عليه السلام :مِنَ الخُرقِ المُعاجَلَةُ قَبلَ الإِمكانِ ، وَالأَناةُ بَعدَ الفُرصَةِ (4) .

عنه عليه السلام_ في صِفَةِ القُرآنِ _: ألا إنَّ فيهِ عِلمَ ما يَأتي ، وَالحَديثَ عَنِ الماضي ، ودَواءَ دائِكُم ، ونَظمَ ما بَينَكُم (5) .

عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلاملَمّا ضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ _: اُوصيكُما وجَميعَ وُلدي وأهلي ومَن بَلَغَهُ كِتابي ، بِتَقوَى اللّهِ ونَظمِ أمرِكُم (6) .

3 / 6اِنتِخابُ العُمّالِ الصّالِحينَالإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: لِكُلٍّ عَلَى الوالي حَقٌّ بِقَدرِ ما يُصلِحُهُ ، ولَيسَ يَخرُجُ الوالي مِن حَقيقَةِ ما ألزَمَهُ اللّهُ مِن ذلِكَ إلّا بِالِاهتِمامِ وَالِاستِعانَةِ بِاللّهِ ، وتَوطينِ نَفسِهِ عَلى لُزومِ الحَقِّ ، وَالصَّبرِ عَلَيهِ فيما خَفَّ عَلَيهِ أو ثَقُلَ .

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص143 و ص147 ، دعائم الإسلام : ج1 ص367 كلاهما نحوه .
2- .وقعة صفّين : ص108 ، بحار الأنوار : ج75 ص355 ح70 ؛ المعيار والموازنة : ص123 نحوه .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 5 ، كشف اليقين : ص216 ح218 ، نزهة الناظر : ص56 ح39 نحوه ، بحار الأنوار : ج28 ص235 .
4- .نهج البلاغة : الحكمة 363 ، نزهة الناظر : ص48 ح17 ، بحار الأنوار : ج71 ص341 ح14 .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 158 ، الرواشح السماويّة : ص22 ، بحار الأنوار : ج92 ص23 ح24 .
6- .نهج البلاغة : الكتاب 47 ، روضة الواعظين : ص152 ؛ ينابيع المودّة : ج2 ص30 ح2 .

ص: 396

فَوَلِّ مِن جُنودِكَ أنصَحَهُم في نَفسِكَ للّهِِ ولِرَسولِهِ ولِاءِمامِكَ ، وأنقاهُم جَيبا ، وأفضَلَهُم حِلما ، مِمَّن يُبطِئُ عَنِ الغَضَبِ ، ويَستَريحُ إلَى العُذرِ ، ويَرأَفُ بِالضُّعَفاءِ ، ويَنبو (1) عَلَى الأَقوِياءِ ، ومِمَّن لا يُثيرُهُ العُنفُ ، ولا يَقعُدُ بِهِ الضَّعفُ . ثُمَّ الصَق بِذَوِي المُروءاتِ وَالأَحسابِ ، وأهلِ البُيوتاتِ الصّالِحَةِ ، وَالسَّوابِقِ الحَسَنَةِ ؛ ثُمَّ أهلِ النَّجدَةِ وَالشَّجاعَةِ ، وَالسَّخاءِ وَالسَّماحَةِ ؛ فَإِنَّهُم جِماعٌ مِنَ الكَرَمِ ، وشُعَبٌ مِنَ العُرفِ . ثُمَّ تَفَقَّد مِن اُمورِهِم ما يَتَفَقَّدُ الوالِدانِ مِن وَلَدِهِما . . . ثُمَّ انظُر في اُمورِ عُمّالِكَ فَاستَعمِلهُمُ اختِبارا ، ولا تُوَلِّهِم مُحاباةً وأثَرَةً ، فَإِنَّهُما جِماعٌ مِن شُعَبِ الجَورِ وَالخيانَةِ ، وتَوَخَّ مِنهُم أهلَ التَّجرِبَةِ والحَياءِ مِن أهلِ البُيوتاتِ الصّالِحَةِ ، وَالقَدَمِ فِي الإِسلامِ المُتَقَدِّمَةِ ؛ فَإِنَّهُم أكرَمُ أخلَاقا ، وأصَحُّ أعراضا ، وأقَلُّ في المَطامِعِ إشراقا ، وأبلَغُ في عَواقِبِ الاُمورِ نَظَرا . . . ثُمَّ لا يَكُنِ اختِيارُكَ إيّاهُم عَلى فِراسَتِكَ ، وَاستِنامَتِكَ (2) ، وحُسنِ الظَّنِّ مِنكَ ؛ فَإِنَّ الرِّجالَ يَتَعَرَّضونَ لِفِراساتِ الوُلاةِ بِتَصَنُّعِهِم وحُسنِ خِدمَتِهِم ، ولَيسَ وَراءَ ذلِكَ مِنَ النَّصيحَةِ وَالأَمانَةِ شَيءٌ ، ولكِنِ اختَبِرهُم بِما وُلّوا لِلصّالِحينَ قَبلَكَ ، فَاعمِد لِأَحسَنِهِم كانَ في العامَّةِ أثَرا ، وأعرَفِهِم بِالأَمانَةِ وَجها ؛ فَإِنَّ ذلِكَ دَليلٌ عَلى نَصيحَتِكَ للّهِِ ولِمَن وُلّيتَ أمرَهُ . وَاجعَل لِرَأسِ كُلِّ أمرٍ مِن اُمورِكَ رَأسا مِنهُم لا يَقهَرُهُ كَبيرُها ، ولا يَتَشَتَّتُ عَلَيهِ كَثيرُها ، ومَهما كانَ في كُتّابِكَ مِن عَيبٍ فَتَغابَيتَ (3) عَنهُ اُلزِمتَهُ (4) .

.


1- .نَبا فُلان عن فلان : لم ينقَد له ، ونَبا بي فلان نَبْوا : إذا جَفاني (لسان العرب : ج15 ص302) .
2- .استنام إلى الشيء : استأنس به ، واستنام فلان إلى فلان : إذا أنس به واطمأنّ إليه وسكن (لسان العرب : ج12 ص598) .
3- .تغابى : أي تغافلَ وتبالَهَ (النهاية : ج3 ص342) .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص132 و 137 و139 ، دعائم الإسلام : ج1 ص357 و 361 و 365 كلاهما نحوه .

ص: 397

3 / 7 عدم استعمال الخائن والعاجز

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: فَاصطَفِ لِوِلايَةِ أعمالِكَ أهلَ الوَرَعِ وَالعِلمِ وَالسِّياسَةِ (1) .

راجع : ص 380 (عزل عمّال عثمان) .

3 / 7عَدَمُ استِعمالِ الخائِنِ وَالعاجِزِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ قَد كانَ أشارَ عَلَيَّ أن أستَعمِلَ مُعاوِيَةَ عَلَى الشّامِ وأنَا بِالمَدينَةِ ، فَأَبَيتُ ذلِكَ عَلَيهِ ، ولَم يَكُنِ اللّهُ لِيَراني أتَّخِذُ المُضِلّينَ عَضُدا (2)(3) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: إنَّ شَرَّ وُزَرائِكَ مَن كانَ لِلأَشرارِ قَبلَكَ وَزيرا ، ومَن شَرِكَهُم فِي الآثامِ ؛ فَلا يَكونَنَّ لَكَ بِطانَةً ؛ فَإِنَّهُم أعوانُ الأَثَمَةِ وإخوانُ الظَّلَمَةِ ، وأنتَ واجِدٌ مِنهُم خَيرَ الخَلَفِ مِمَّن لَهُ مِثلُ آرائِهِم ونَفاذِهِم ، ولَيسَ عَلَيهِ مِثلُ آصارِهِم وأوزارِهِم وآثامِهِم مِمَّن لَم يُعاوِن ظالِما عَلى ظُلمِهِ ، ولا آثِما عَلى إثمِهِ . اُولئِكَ أخَفُّ عَلَيكَ مَؤونَةً ، وأحسَنُ لَكَ مَعونَةً ، وأحنى عَلَيكَ عَطفا ، وأقَلُّ لِغَيرِكَ إلفا ، فَاتَّخِذ اُولئِكَ خاصَّةً لِخَلَواتِكَ وحَفَلاتِكَ (4)(5) .

عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى رِفاعَةَ قاضِيهِ عَلَى الأَهوازِ _: اِعلَم يا رِفاعَةُ أنَّ هذِهِ الإِمارَةَ أمانَةٌ ؛ فَمَن جَعَلَها خِيانَةً فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ إلى يَومِ القيامَةِ ، ومَنِ استَعمَلَ خائِنا فَإِن

.


1- .تحف العقول : ص137 ، دعائم الإسلام : ج1 ص361 .
2- .إشارة إلى الآية 51 من سورة الكهف .
3- .وقعة صفّين : ص52 عن الجرجاني ؛ الإمامة والسياسة : ج1 ص116 ، تاريخ دمشق : ج59 ص131 وراجع الخصال : ص379 ح58 و الاختصاص : ص177 .
4- .حَفَل القومُ : اجتمعوا واحتشدوا (لسان العرب : ج11 ص157) .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص129 ، دعائم الإسلام : ج1 ص355 كلاهما نحوه .

ص: 398

مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بَريءٌ مِنهُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (1) .

عنه عليه السلام_ يَصِفُ الإِمامَ الحَقَّ _: وقَد عَلِمتُم أنَّهُ لا يَنبَغي أن يَكونَ الوالي عَلَى الفُروجِ وَالدِّماءِ وَالمَغانِمِ وَالأَحكامِ وإمامَةِ المُسلِمينَ البَخيلَ ؛ فَتَكونَ في أموالِهِم نَهمَتُهُ ، ولَا الجاهِلَ ؛ فَيُضِلَّهُم بِجَهلِهِ ، ولَا الجافِيَ ؛ فَيَقطَعَهُم بِجَفائِهِ ، ولَا الحائِفَ لِلدُّوَلِ ؛ فَيَتَّخِذَ قَوما دونَ قَومٍ ، ولَا المُرتَشِيَ فِي الحُكمِ ؛ فَيَذهَبَ بِالحُقوقِ ، ويَقِفَ بِها دُونَ المَقاطِعِ (2) ، ولَا المُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ ؛ فَيُهلِكَ الاُمَّةَ (3) .

عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مَن فَسَدَت بِطانَتُهُ كانَ كَمَن غَصَّ بِالماءِ ؛ فَإِنَّهُ لَو غَصَّ بِغَيرِهِ لَأَساغَ الماءُ غُصَّتَهُ (4) .

عنه عليه السلام :آفَةُ الأَعمالِ عَجزُ العُمّالِ (5) .

عنه عليه السلام :لا تَتَّكِلَ في اُمورِكِ عَلى كَسلانَ (6) .

عنه عليه السلام :مَن خانَهُ وَزيرُهُ فَسَدَ تَدبيرُهُ (7) .

عنه عليه السلام :كِذبُ السَّفيرِ يُوَلِّدُ الفَسادَ ، ويُفَوِّتُ المُرادَ ، ويُبطِلُ الحَزمَ، ويَنقُضُ العَزمَ 8 .

.


1- .دعائم الإسلام : ج2 ص531 ح1890 ، نهج السعادة : ج5 ص33 .
2- .المَقاطِع : جمع مقطع وهو ما ينتهي الحقّ إليه ، أي لا تصل الحقوق إلى أربابها لأجل ما أخذ من الرشوة عليها (شرح نهج البلاغة : ج8 ص266) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 131 وراجع دعائم الإسلام : ج2 ص531 ح1886 .
4- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص308 ح526 .
5- .غرر الحكم : ح3958 ، عيون الحكم والمواعظ : ص181 ح3711 .
6- .غرر الحكم : ح10205 ، عيون الحكم والمواعظ : ص518 ح9384 .
7- .غرر الحكم : ح8054 ، عيون الحكم والمواعظ : ص432 ح7430 .

ص: 399

3 / 8 إسباغ الأرزاق على العمّال
3 / 9 اختيار العيون لمراقبة العمّال

3 / 8إسباغُ الأَرزاقِ عَلَى العُمّالِالإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ أسبِغ عَلَيهِمُ الأَرزاقَ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ قُوَّةٌ لَهُم عَلَى استِصلاحِ أنفُسِهِم ، وغِنىً لَهُم عَن تَناوُلِ ما تَحتَ أيديهِم ، وحُجَّةٌ عَلَيهِم إن خالَفوا أمرَك أو ثَلَموا أمانَتَكَ (1) .

راجع : ص505 (التأمين الاقتصادي للقضاة) .

3 / 9اِختِيارُ العُيونِ لِمُراقَبَةِ العُمّالِالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى كَعبِ بنِ مالِكٍ (2) _: أمّا بَعدُ ؛ فَاستَخلِف عَلى عَمَلِك ، وَاخرُج في طائِفَةٍ مِن أصحابِكَ حَتّى تَمُرَّ بِأَرضِ كورَةِ السَّوادِ (3) ، فَتَسأَلَ عَن عُمّالي ، وتَنظُرَ في سيرَتِهِم فيما بَينَ دَجلَةَ وَالعُذَيبِ (4) ، ثُمَّ ارجِع إلَى

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص137 ، دعائم الإسلام : ج1 ص361 .
2- .الظاهر أنّ الصحيح هو «مالك بن كعب» لعدم وجود عامل للإمام عليه السلام باسم كعب بن مالك، بل إنّ كعب بن مالك ممّن لم يبايع الإمام، وأمّا مالك بن كعب فهو من عمّاله وممّن يعتمد عليه وهو عامله على عين التمر وبِهْقُباذات.
3- .السَّواد : أراضي وقرى العراق وضياعها الَّتي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطّاب ، سُمّي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار (راجع معجم البلدان : ج3 ص272).
4- .العُذَيْب : تصغير العذب ؛ وهو الماء الطيّب ، وهو ماء بين القادسيّة والمغيثة ، بينه وبين القادسيّة أربعة أميال وإلى المغيثة اثنان وثلاثون ميلاً (معجم البلدان : ج4 ص92).

ص: 400

3 / 10 إكرام المحسن وعقوبة المسيء

البِهقُباذاتِ (1) فَتَوَلَّ مَعونَتَها ، وَاعمَلِ بِطاعَةِ اللّهِ فيما وَلّاك مِنها . وَاعلَم أنَّ كُلَّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ مَحفوظٌ عَلَيهِ مَجزِيٌّ بِهِ ، فَاصنَع خَيرا صَنَعَ اللّهُ بِنا وبِكَ خَيرا ، وأعلِمني الصِّدقَ فيما صَنَعتَ . وَالسَّلامُ (2) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ انظُر في اُمورِ عُمّالِكَ فَاستَعمِلهُمُ اختِبارا . . . ثُمَّ تَفَقَّد أعمالَهُم ، وَابعَثِ العُيونَ مِن أهلِ الصِّدقِ وَالوَفاءِ عَلَيهِم ؛ فَإِنَّ تَعاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِاُمورِهِم حَدوَةٌ (3) لَهُم عَلَى استِعمالِ الأَمانَةِ ، وَالرِّفقِ بِالرَّعِيَّةِ ، وتَحَفَّظ مِنَ الأَعوانِ ؛ فَإِن أحَدٌ مِنهُم بَسَطَ يَدَهُ إلى خِيانَةٍ اِجتَمَعَت بِها عَلَيهِ عِندَكَ أخبارُ عُيونِكَ ، اكتَفَيتَ بِذلِكَ شاهِدا ، فَبَسَطتَ عَلَيهِ العُقوبَةَ في بَدَنِهِ ، وأخَذتَهُ بِما أصابَ مِن عَمَلِهِ ، ثُمَّ نَصَبتَهُ بِمَقامِ المَذَلَّةِ ، ووَسَمتَهُ بِالخِيانَةِ ، وقَلَّدتَهُ عارَ التُّهَمَةِ (4) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ (في مُراقَبَةِ الجُنودِ) _: ثُمَّ لا تَدَع أن يَكونَ لَكَ عَلَيهِم عُيونٌ (5) مِن أهلِ الأَمانَةِ وَالقَولِ بِالحَقِّ عِندَ النّاسِ ، فَيُثبِتونَ بَلاءَ كُلِّ ذي بَلاءٍ مِنهُم لِيَثِقَ اُولئِكَ بِعِلمِكَ بِبَلائِهِم (6) .

3 / 10إكرامُ المُحسِنِ وعُقوبَةُ المُسِيءِالإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ولا يَكونُ المُحسِنُ وَالمُسيءُ عِندَك

.


1- .بِهْقُباذ : اسم لثلاث كُور ببغداد من أعمال سقي الفرات منسوبة إلى قباذ بن فيروز والد أنوشروان (معجم البلدان : ج1 ص516) .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص204 .
3- .حدوة لهم: أي باعث ومحرّض لهم ، والحدو في الأصل: سَوق الإبل والغناء لها (بحارالأنوار: ج33 ص625).
4- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص137 ، دعائم الإسلام : ج1 ص361 كلاهما نحوه .
5- .العَين : الَّذي يُبعث ليتَجسّس الخبرَ (لسان العرب : ج13 ص301) .
6- .تحف العقول : ص133 .

ص: 401

3 / 11 الموقف الحازم مع العمّال
3 / 11 _ 1 الأشعث بن قيس

بِمَنزِلَةٍ سَواءٍ ؛ فَإِنَّ في ذلِكَ تَزهيدا لاِهلِ الإِحسانِ فِي الإِحسانِ ، وتَدريبا لِأَهلِ الإِساءَةِ عَلَى الإِساءَةِ . وألزِم كُلّاً مِنهُم ما ألزَمَ نَفسَهُ (1) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: وَليَكُن آثَرُ رُؤوسِ جُنودِكَ مَن واساهُم في مَعونَتِهِ ، وأفضَلَ عَلَيهِم في بَذلِهِ مِمَّن يَسَعُهُم ويَسَعُ مَن وَراءَهُم مِنَ الخُلوفِ (2) مِن أهلِهِم ، حَتّى يَكونَ هَمُّهُم هَمّاً واحِداً في جِهادِ العَدُوِّ . ثُمَّ واتِر أعلامَهُم ذاتَ نَفسِكَ في إيثارِهِم وَالتَّكرِمَةِ لَهُم ، وَالإِرصادِ بِالتَّوسِعَةِ . وحَقِّق ذلِكَ بِحُسنِ الفِعالِ وَالأَثَرِ وَالعطَفِ؛ فَإِنَّ عَطفَكَ عَلَيهِم يَعطِفُ قُلوبَهُم عَلَيكَ (3) .

3 / 11المَوقِفُ الحازِمُ مَعَ العُمّالِ3 / 11 _ 1الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ (4)الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلَى الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ عامِلِ أذربيجان (5) _: إنَّ عَمَلَكَ لَيسَ لَكَ بِطُعمَةٍ ، ولكِنَّهُ في عُنُقِكَ أمانَةٌ ، وأنتَ مُستَرعىً لِمَن فَوقَكَ ، لَيسَ لَكَ أن تَفتاتَ (6) في رَعِيَّةٍ ، ولا تُخاطِرَ إلّا بِوَثيقَةٍ ، وفي يَدَيكَ مالٌ مِن مالِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، وأنتَ مِن خُزّانِه

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص130 ، دعائم الإسلام : ج1 ص356 نحوه .
2- .الخوالف : الَّذين لا يغزون (لسان العرب : ج9 ص86) .
3- .تحف العقول : ص133 .
4- .الأشعث هو عامل عثمان ، عزله الإمام عليه السلام عقيب خلافته .
5- .أذربيجان : اسم لمنطقة كبيرة ؛ وهي اليوم قسمان : القسم الجنوبي ؛ وهو يشكّل ثلاث محافظات من محافظات شمال غربي إيران ، وهي : أذربيجان الشرقيّة ، وأذربيجان الغربيّة ، وأردبيل . والقسم الشمالي الَّذي كان ضمن دول الاتّحاد السوفيتي السابق وقد استقلّ وصار يعرف اليوم بأذربيجان .
6- .يقال : افتات عليه : إذا انفرد برأيه دونه في التصرّف فيه (النهاية : ج3 ص477) .

ص: 402

3 / 11 _ 2 زياد بن أبيه

حَتّى تُسَلِّمَهُ إليَّ ، ولَعَلَّيَ ألّا أكونَ شَرَّ وُلاتِكَ لَكَ . وَالسَّلامُ (1) .

نثر الدرّ :قالَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] لِلأَشعَثِ بنِ قَيسٍ : أدِّ وإلّا ضَرَبتُكَ بِالسَّيفِ . فَأَدّى ما كانَ عَلَيهِ ، فَقالَ لَهُ : مَن كانَ عَلَيكَ لَو كُنّا ضَرَبناكَ بِعَرضِ السَّيفِ ؟ فَقالَ : إنَّكَ مِمَّن إذا قالَ فَعَلَ (2) .

راجع : ج 7 ص 257 (الأشعث بن قيس) .

3 / 11 _ 2زِيادُ بنُ أبيهِالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى زِيادِ بنِ أبيهِ _: إنّي اُقسِمُ بِاللّهِ قَسَما صادِقا ، لَئِن بَلَغَني أنَّكَ خُنتَ مِن فَيءِ المُسلِمينَ شَيئا صَغيرا أو كَبيرا ، لَأَشُدَّنَّ عَلَيكَ شِدَّةً تَدَعُكَ قَليلَ الوَفر ، ثَقيلَ الظَّهرِ ، ضَئيلَ الأَمرِ . وَالسَّلامُ (3) .

أنساب الأشراف :وَجَّهَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] إلى زِيادٍ رَسولاً لِيَأخُذَهُ لِحَملِ مَا اجتَمَعَ عِندَهُ مِنَ المالِ ، فَحَمَلَ زِيادٌ ما كانَ عِندَهُ وقالَ لِلرَّسولِ : إنَّ الأَكرادَ قَد كَسَروا مِنَ الخَراجِ وأنَا اُداريهِم ، فَلا تُعلِم أميرَ المُؤمِنينَ ذلِكَ ، فَيَرى أنَّهُ اعتِلالٌ مِنّي . فَقَدِمَ الرَّسولُ فَأَخبَرَ عَلِيّا بِما قالَ زِيادٌ ، فَكَتَبَ إلَيهِ : قَد بَلَّغَني رَسولي عَنكَ ما أخبَرتَهُ بِهِ عَنِ الأَكرادِ ، وَاستِكتامَكَ إيّاهُ ذلِكَ ، وقَد عَلِمتَ أنَّكَ لَم تُلقِ ذلِكَ إلَيهِ إلّا لِتُبَلِّغَني إيّاهُ ، وإنّي اُقسِمُ بِاللّهِ عَزَّ وجَلَّ قَسَما صادِقا لَئِن بَلَغَني أنَّكَ خُنتَ مِن فَيءِ المُسلِمينَ شَيئا صَغيرا أو كَبيرا ، لَأَشُدَّنَّ عَلَيكَ شِدَّةً تَدَعُكَ قَليلَ الوَفرِ (4) ،

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 5 ، وقعة صفّين : ص20 عن الجرجاني ؛ العقد الفريد : ج3 ص327 ، الإمامة والسياسة : ج1 ص111 كلّها نحوه .
2- .نثر الدرّ : ج1 ص292 .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 20 ، بحار الأنوار : ج33 ص489 ح695 .
4- .الوَفْر : المال الكثير (النهاية : ج5 ص210) .

ص: 403

3 / 11 _ 3 شريح القاضي

ثَقيلَ الظَّهرِ . وَالسَّلامُ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى زِيادٍ ، وكانَ عامِلَهُ عَلى فارِسَ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ رَسولي أخبَرَني بِعَجَبٍ ، زَعَمَ أنَّكَ قُلتَ لَهُ فيما بَينَكَ وبَينَهُ : إنَّ الأَكرادَ هاجَت بِكَ ، فَكَسَرَت عَلَيكَ كَثيرا مِنَ الخَراجِ ، وقُلتَ لَهُ : لا تُعلِم بِذلِكَ أميرَ المُؤمِنينَ . يا زِيادُ ! وأُقسِمُ بِاللّهِ إنَّكَ لَكاذِبٌ ، ولَئِن لَم تَبعَث بِخَراجِكَ لَأَشُدَّنَّ عَلَيكَ شِدَّةً تَدَعُكَ قَليلَ الوَفرِ ، ثَقيلَ الظَّهرِ ، إلّا أن تَكونَ لِما كَسَرتَ مِنَ الخَراجِ مُحتَمِلاً (2) .

راجع : ج 7 ص 312 (زياد بن أبيه) .

3 / 11 _ 3شُرَيحٌ القاضينهج البلاغة :رُوِيَ أنَّ شُرَيحَ بنَ الحارِثِ قاضِيَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام اشتَرى عَلى عَهدِهِ دارا بِثَمانين دينارا ، فَبَلَغَهُ ذلِكَ فَاستَدعى شُرَيحا وقالَ لَهُ : بَلَغَني أنَّكَ ابتَعتَ دارا بِثَمانين دينارا ، وكَتَبتَ لَها كِتابا ، وأشهَدتَ فيهِ شُهودا ! فَقالَ لَهُ شُرَيحٌ : قَد كانَ ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : فَنَظَرَ إلَيهِ نَظَرَ المُغضَبِ ثُمَّ قالَ لَهُ : يا شُرَيحُ ! أما إنَّهُ سَيَأتيكَ مَن لا يَنظُرُ في كِتابِكَ ، ولا يَسأَ لُكَ عَن بَيِّنَتِكَ حَتّى يُخرِجَكَ مِنها شاخِصا ، ويُسلِمَكَ إلى قَبرِكَ خالِصا . فَانظُر يا شُرَيحُ ! لا تَكونُ ابتَعتَ هذِهِ الدّارَ مِن غَيرِ مالِكَ ، أو نَقَدتَ الثَّمَنَ مِن غَيرِ حَلالِكَ ؛ فَإِذا أنتَ قَد خَسِرتَ دارَ الدُّنيا ودارَ الآخِرَةِ . أما إنَّكَ لَو كُنتَ أتَيتَني عِندَ شَرائِكَ مَا اشتَرَيتَ ، لَكَتَبتُ لَكَ كِتابا عَلى هذِهِ النُّسخَةِ ، فَلَم تَرغَب في شِراءِ هذِهِ الدّارِ بِدِرهَمٍ فَما فَوقُ . وَالنُّسخَةُ هذِهِ :

.


1- .أنساب الأشراف : ج2 ص390 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص204 .

ص: 404

3 / 11 _ 4 عبد اللّه بن عبّاس

هذا مَا اشتَرى عَبدٌ ذَليلٌ مِن مَيِّتٍ قد أُزعِجَ لِلرَّحيلِ ، اشتَرى مِنهُ دارا مِن دارِ الغُرورِ من جانِبِ الفانينَ ، وخِطَّةِ الهالِكينَ ، وتَجمَعُ هذِهِ الدّارَ حُدودٌ أربَعَةٌ : الحَدُّ الأَوَّلُ يَنتَهي إلَى دَواعِي الآفاتِ ، وَالحَدُّ الثّاني يَنتَهي إلى دَواعِي المُصيباتِ ، وَالحَدُّ الثّالِثُ يَنتَهي إلَى الهَوَى المُردي ، وَالحَدُّ الرّابِعُ يَنتَهي إلَى الشَّيطانِ المُغوي ، وفيهِ يُشرَعُ بابُ هذِهِ الدّارِ . اِشتَرى هذَا المُغتَرُّ بِالأَمَلِ ، مِن هذَا المُزعَجِ بِالأَجَلِ هذِهِ الدّارَ بِالخُروجِ مِن عِزِّ القَناعَةِ ، وَالدُّخولِ في ذُلِّ الطَّلَبِ وَالضَّراعَةِ ؛ فَما أدرَكَ هذَا المُشتَري فيما اشتَرى مِنهُ مِن دَرَكٍ . فَعلى مُبَلبِلِ أجسامِ المُلوكِ ، وسالِبِ نُفوسِ الجَبابِرَةِ ، ومُزيلِ مُلكِ الفَراعِنَةِ ، مِثلِ كَسرى وقَيصَرَ ، وتُبَّعٍ وحِميَرَ ، ومَن جَمَعَ المالَ عَلَى المالِ فَأَكثَرَ ، ومَن بَنى وشَيَّدَ وزَخرَفَ ، ونَجَّدَ (1) وادَّخَرَ ، وَاعتَقَدَ ونَظَرَ بِزَعمِهِ لِلوَلَدِ _ إشخاصُهُم (2) جَميعاً إلى مَوقِفِ العَرضِ وَالحِسابِ ، ومَوضِعِ الثَّوابِ وَالعِقابِ إذا وَقَعَ الأَمرُ بِفَصلِ القَضاءِ «وَ خَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِ_لُونَ» (3) شَهِدَ عَلى ذلِكَ العَقلُ إذا خَرَجَ مِن أسرِ الهَوى وسَلِمَ مِن عَلائِقِ الدُّنيا (4) .

3 / 11 _ 4عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍالإمام عليّ عليه السلام_ مِمّا كَتَبَهُ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ ، وهُوَ عامِلُهُ عَلَى البَصرَةِ _: فَاربَع (5)

.


1- .من التنجيد : التزيين (النهاية : ج5 ص19) .
2- .إشخاصُهم ، مبتدأ مرفوع ، وخبره الجار والمجرور المقدّم ؛ وهو قوله : «فعلى مُبلبل أجسام الملوك» .
3- .غافر : 78 .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 3 ، روضة الواعظين : ص489 نحوه .
5- .ربع الرجل يربع : إذا وقف وتحبَّس . ومنه قولهم : اربَع على نفسك ، واربَعْ على ظلعِك ، أي ارفق بنفسك وكُفَّ (الصحاح : ج3 ص1212) .

ص: 405

3 / 11 _ 5 عثمان بن حنيف

أبَا العَبّاسِ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ فيما جَرى عَلى لِسانِكَ ويَدِكَ مِن خَيرٍ وشَرٍّ ؛ فَإِنّا شَريكانِ في ذلِكَ ، وكُن عِندَ صالِحِ ظَنّي بِكَ ، ولا يَفيلَنَّ (1) رَأيي فيكَ . وَالسَّلامُ (2) .

عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلَى ابنِ عَبّاسٍ _: أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَني عَنكَ أمرٌ إن كُنتَ فَعَلتَهُ فَقَد أسخَطتَ رَبَّكَ ، وأخرَبتَ أمانَتَكَ ، وعَصَيتَ إمامَكَ ، وخُنتَ المُسلِمينَ . بَلَغَني أنَّكَ جَرَّدتَ الأَرضَ ، وأكَلتَ ما تَحتَ يَدَيكَ ، فَارفَع إلَيَّ حِسابَكَ ، وَاعلَم أنَّ حِسابَ اللّهِ أشَدُّ مِن حِسابِ النّاسِ . وَالسَّلامُ (3) .

راجع : ج 7 ص 384 (عبد اللّه بن عبّاس) .

3 / 11 _ 5عُثمانُ بنُ حُنَيفٍالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ إلى عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ الأَنصارِيِّ ، وكانَ عامِلَهُ عَلَى البَصرَةِ ، وقَد بَلَغَهُ أنَّهُ دُعِيَ إلى وَليمَةِ قَومٍ مِن أهلِها ، فَمَضى إلَيها _: أمّا بَعدُ ، يَابنَ حُنَيفٍ : فَقَد بَلَغَني أنَّ رَجُلاً مِن فِتيَةِ أهلِ البَصرَةِ دَعاكَ إلى مَأدُبَةٍ ، فَأَسرَعتَ إلَيها ، تُستَطابُ لَكَ الأَلوانُ ، وتُنقَلُ إلَيكَ الجِفانُ ، وما ظَنَنتَ أنَّكَ تُجيبُ إلى طَعامِ قَومٍ ، عائِلُهُم مَجفُوٌّ وغَنِيُّهُم مَدعُوٌّ . فَانظُر إلى ما تَقضَمُهُ (4) مِن هذا المَقْضَمِ ، فَمَا اشتَبَهَ عَلَيكَ عِلمُهُ فَالفِظهُ ، وما أيقَنتَ بِطيبِ وُجوهِهِ فَنَل مِنهُ . ألا وإنَّ لِكُلِّ مَأمومٍ إماما ، يَقتَدي بِهِ ويَستَضيءُ بِنورِ عِلمِهِ ، ألا وإنَّ إمامَكُم قَد

.


1- .من فال يفيل : أخطأ وضعُف (لسان العرب : ج11 ص534) .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 18 ، بحار الأنوار : ج33 ص493 ح699 .
3- .أنساب الأشراف : ج2 ص397 ؛ نهج البلاغة : الكتاب 40 نحوه وفيه «إلى بعض عمّاله» بدل «إلى عبد اللّه بن عبّاس» .
4- .القَضْم : الأكل بأطراف الأسنان (لسان العرب : ج12 ص487) .

ص: 406

اكتَفى مِن دُنياهُ بِطِمرَيهِ (1) ، ومِن طُعمِهِ بِقُرصَيهِ ، ألا وإنَّكُم لا تَقدِرونَ عَلى ذلِكَ ، ولكِن أعينوني بِوَرَعٍ وَاجتِهادٍ ، وعِفَّةٍ وسَدادٍ . فَوَاللّهِ ما كَنَزتُ مِن دُنياكُم تِبرا ، ولَا ادَّخَرتُ مِن غَنائِمِها وَفرا ، ولا أعدَدتُ لِبالي ثَوبي طِمرا ، ولا حُزتُ مِن أرضِها شِبرا ، ولا أخَذتُ مِنهُ إلّا كَقوتِ أتانٍ دَبِرَةٍ (2) ، ولَهِيَ في عَيني أوهى وأهوَنُ مِن عَفصَةٍ مَقِرَةٍ (3) . بَلى ! كانَت في أيدينا فَدَكٌ مِن كُلِّ ما أظَلَّتهُ السَّماءُ ، فَشَحَّت عَلَيها نُفوسُ قَومٍ ، وسَخَت عَنها نُفوسُ قَومٍ آخَرين ، ونِعمَ الحَكَمُ اللّهُ . وما أصنَعُ بِفَدَكٍ وغَيرِ فَدَكٍ ؟ وَالنَّفسُ مَظانُّها في غَدٍ جَدَثٌ ، تَنقَطِعُ في ظُلمَتِهِ آثارُها ، وتَغيبُ أخبارُها . وحُفرَةٌ لَو زيدَ في فُسحَتِها ، وأوسَعت يَدا حافِرِها ، لَأَضغَطَها الحَجَرُ وَالمَدَرُ ، وسَدَّ فُرَجَهَا التُّرابُ المُتَراكِمُ . وإنَّما هِيَ نَفسي أروضُها بِالتَّقوى لِتَأتِيَ آمِنَةً يَومَ الخَوفِ الأَكبَرِ ، وتَثبُتَ عَلى جوانِبِ المَزلَقِ . ولَو شِئتُ لَاهتَدَيتُ الطَّريقَ إلى مُصَفّى هذَا العَسَلِ ، ولُبابِ هذَا القَمحِ ، ونَسائِجِ هذَا القَزِّ ، ولكِن هَيهاتَ أن يَغلِبَني هَوايَ ، ويَقودَني جَشَعي إلى تَخَيُّرِ الأَطعِمَةِ ولَعَلَّ بِالحِجازِ أوِ اليَمامَةِ مَن لا طَمَعَ لَهُ فِي القُرصِ ، ولا عَهدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ، أوَ أبيتَ مِبطانا وحَولي بُطونٌ غَرثى وأكبادٌ حَرّى ، أو أكونَ كَما قالَ القائِلُ : وحَسبُكَ داءً أن تَبيتَ بِبِطنَةٍ وحَولَكَ أكبادٌ تَحِنُّ إلَى القِدِّ ! أ أقنَعُ مِن نَفسي بِأَن يُقالَ :هذا أميرُ المُؤمِنينَ ، ولا اُشارِكُهُم في مَكارِهِ الدَّهرِ ، أو

.


1- .الطِّمْر : الثوب الخَلَق (النهاية : ج3 ص138) .
2- .وهي الَّتي عُقر ظهرها ، فقلّ أكلُها (شرح نهج البلاغة : ج16 ص207) .
3- .العَصف والعَصفة : ما كان على ساق الزرع من الورق الَّذي ييبس فيتفتّت (لسان العرب : ج9 ص247) ، والمَقِر : الصبر ؛ وهو هذا الدواء المرّ المعروف (النهاية : ج4 ص347) .

ص: 407

أكونَ اُسوَةً لَهُم في جُشوبَةِ العَيشِ ! فَما خُلِقتُ لِيَشغَلَني أكلُ الطَّيِّباتِ ، كَالبَهيمَةِ المَربوطَةِ ، هَمُّها عَلَفُها ، أوِ المُرسَلَةِ شُغُلُها تَقَمُّمُها (1) ، تَكتَرِشُ مِن أعلافِها ، وتَلهو عَمّا يُرادُ بِها ، أو اُترَكَ سُدىً ، أو اُهمَلَ عابِثا ، أو أجُرَّ حَبلَ الضَّلالَةِ ، أو أعتَسِفَ طَريقَ المَتاهَةِ ! . . . إلَيكِ عَنّي يا دُنيا ، فَحَبلُكِ عَلى غارِبِكِ ، قَدِ انسَلَلتُ مِن مَخالِبِكِ ، وأفلَتُّ مِن حَبائِلِكِ ، وَاجتَنَبتُ الذَّهابَ في مَداحِضِكِ . أينَ القُرونُ الَّذينَ غَرَرتِهِم بِمَداعِبِكِ ! أينَ الاُمَمُ الَّذينَ فَتَنتِهِم بِزَخارِفِكِ ! فَهاهُم رَهائِنُ القُبورِ ، ومَضامينُ اللُّحودِ . وَاللّهِ لَو كُنتِ شَخصا مَرئِيّا ، وقالَبا حِسِّيا ، لَأَقمتُ عَلَيكِ حُدودَ اللّهِ في عِبادٍ غَرَرتِهِم بِالأَماني ، واُمَمٍ ألقَيتِهِم فِي المَهاوي ، ومُلوكٍ أسلَمتِهِم إلَى التَّلَفِ ، وأورَدتِهِم مَوارِدَ البَلاءِ ؛ إذ لا وِردَ ولا صَدَرَ ! هَيهاتَ ! مَن وَطِئَ دَحضَكِ زَلِقَ ، ومَن رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ ، ومَنِ ازوَرَّ عَن حَبائِلِكِ وُفِّقَ ، وَالسّالِمُ مِنكِ لا يُبالي إن ضاقَ بِهِ مُناخُهُ ، وَالدُّنيا عِندَهُ كَيَومٍ حانَ انسِلاخُهُ . اُعزُبي عَنّي ! فَوَاللّهِ لا أذِلُّ لَكِ فَتَستَذِلّيني ، ولا أسلَسُ لَكِ فَتَقوديني . وَايمُ اللّهِ _ يَمينا أستَثني فيها بِمَشيئَةِ اللّهِ _ لَأَروضَنَّ نَفسي رِياضةً تَهِشُّ (2) مَعَها إلَى القُرصِ إذا قَدَرتُ عَلَيهِ مَطعوما ، وتَقنَعُ بِالمِلحِ مَأدوما ، ولَأَدَعَنَّ مُقلَتي كَعَينِ ماءٍ ، نَضَبَ مَعينُها ، مُستَفرِغَةً دُموعَها . أ تَمتَلِئُ السّائِمَةُ مِن رَعيِها فَتَبرُكَ ؟ وتَشبَعُ الرَّبيضَةُ مِن عُشبِها فَتَربِضَ (3) ؟ ويَأكُلُ عَلِيٌّ مِن زادِهِ فَيَهجَعَ ! قَرَّت إذا عَينُهُ إذَا اقتَدى بَعدَ السِّنينَ المُتَطاوِلَةِ بِالبَهيمَةِ الهامِلَةِ ، وَالسّائِمَةِ المَرعِيَّةِ !

.


1- .تَقَمَّم : تتبّع القُمام في الكُناسات (لسان العرب : ج12 ص493) .
2- .هشّ لهذا الأمر يَهِشّ : إذا فرح واستبشر وارتاح له وخفَّ (النهاية : ج5 ص264) .
3- .ربض في المكان يربِض : إذا لصق به وأقام ملازما له (النهاية : ج2 ص184) .

ص: 408

3 / 11 _ 6 قدامة بن عجلان

طوبى لِنَفسٍ أدَّت إلى رَبِّها فَرضَها ، وعَرَكَت بِجَنبِها بُؤسَها ، وهَجَرَت فِي اللَّيلِ غُمضَها ، حَتّى إذا غَلَبَ الكَرى (1) عَلَيهَا افتَرَشَت أرضَها ، وتَوَسَّدَت كَفَّها ، في مَعشَرٍ أسهَرَ عُيونَهُم خَوفُ مَعادِهِم ، وتَجافَت عَن مَضاجِعِهِم جُنوبُهُم ، وهَمهَمَت بِذِكرِ رَبِّهِم شِفاهُهُم ، وتَقَشَّعَت بِطولِ استِغفارِهِم ذُنوبُهُم «أُوْلَ_ئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (2) . فَاتَّقِ اللّهَ يَابنَ حُنَيفٍ ، وَلتَكفُف أقراصُكَ ، لِيَكونَ مِنَ النّارِ خَلاصُكَ (3) .

3 / 11 _ 6قُدامَةُ بنُ عَجلانَالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى قُدامَةَ بنِ عَجلانَ عامِلِهِ عَلى كَسكَر (4) _: أمّا بَعدُ ، فَاحمِل ما قِبَلَكَ مِن مالِ اللّهِ ؛ فَإِنَّهُ فَيءٌ لِلمُسلِمينَ ، لَستَ بِأَوفَرَ حَظّا فيهِ مِن رَجُلٍ مِنهُم ، ولا تَحسَبَنَّ يَابنَ اُمَّ قُدامَةَ أنَّ مالَ كَسكَرَ مُباحٌ لَكَ كَمالٍ وَرِثتَهُ عَن أبيكَ واُمِّكَ ، فَعَجِّل حَملَهُ وَاعجَل فِي الإِقبالِ إلَينا ، إن شاءَ اللّهُ (5) .

راجع : ج 7 ص 440 (قدامة بن عجلان الأزديّ) .

.


1- .أي النوم (النهاية : ج4 ص170) .
2- .المجادلة : 22 .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 45 ؛ ربيع الأبرار : ج2 ص719 نحوه وفيه إلى «وتلهو عمّا يراد بها» وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص101 .
4- .كَسْكَر: كورة واسعة قصبتها اليوم واسط الَّتي بين الكوفة والبصرة (معجم البلدان : ج4 ص461).
5- .أنساب الأشراف : ج2 ص388 .

ص: 409

3 / 11 _ 7 مصقلة بن هبيرة

3 / 11 _ 7مَصقَلَةُ بنُ هُبَيرَةَالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مَصقَلَةَ بنِ هُبَيرَةَ _: بَلَغَني عَنكَ أمرٌ إن كُنتَ فَعَلتَهُ فَقَد أتَيتَ شَيئا إدّا (1) ، بَلَغَني أنَّكَ تَقسِمُ فَيءَ المُسلِمينَ فيمَنِ اعتَفاكَ وتَغَشّاكَ مِن أعرابِ بَكرِ بنِ وائِلٍ ! فَوَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، وأحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلما ، لَئِن كانَ ذلِكَ حَقّا لَتَجِدَنَّ بِكَ عَلَيَّ هَوانا ، فَلا تَستَهينَنَّ بِحَقِّ رَبِّكَ ، ولا تُصلِحَنَّ دُنياكَ بِفَسادِ دينِكِ ومَحقِهِ ؛ فَتَكونَ مِن «الْأَخْسَرِينَ أَعْمَ_لاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» (2)(3) .

عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مَصقَلَة _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ مِن أعظَمِ الخِيانَةِ خِيانَةَ الاُمَّةِ ، وأعظَمُ الغِشِّ عَلى أهلِ المِصرِ غِشُّ الإِمامِ ، وعِندَكَ مِن حَقِّ المُسلِمينَ خَمسُمِائَةِ ألفٍ ، فَابعَث بِها إلَيَّ ساعَةً يَأتيكَ رَسولي ، وإلّا فَأَقبِل حينَ تَنظُرُ في كِتابي ؛ فَإِنّي قَد تَقَدَّمتُ إلى رَسولي إلَيكَ ألّا يَدَعَكَ أن تُقيمَ ساعَةً واحدةً بَعدَ قُدومِهِ عَلَيكَ إلّا أن تَبعَثَ بِالمالِ ، وَالسَّلامُ عَلَيكَ (4) .

الغارات عن ذُهَل بن الحارِث :دَعاني مَصقَلَةُ إلى رَحلِهِ ، فَقَدَّمَ عَشاءً فَطَعِمنا مِنهُ ، ثُمَّ قالَ : وَاللّهِ إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ يَسأَلُني هذَا المالَ ، ووَاللّهِ لا أقدِرُ عَلَيهِ ، فَقُلتُ لَهُ : لَو شِئتَ لا يَمضي عَلَيكَ جُمعَةٌ حَتّى تَجمَعَ هذَا المالَ . فَقالَ : وَاللّهِ ما كُنتُ لِاُحَمِّلَها قَومي ، ولا

.


1- .الإدُّ : الأمر الفظيع العظيم (لسان العرب : ج3 ص71) .
2- .الكهف : 103 و 104 .
3- .أنساب الأشراف : ج2 ص389 ؛ نهج البلاغة : الكتاب 43 نحوه .
4- .تاريخ الطبري : ج5 ص129 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص145 ؛ الغارات : ج1 ص364 وراجع نهج البلاغة : الكتاب 26 .

ص: 410

3 / 11 _ 8 المنذر بن الجارود

أطلُبَ فيها إلى أحَدٍ . ثُمَّ قالَ : أما وَاللّهِ لَو أنَّ ابنَ هِندٍ يُطالِبُني بِها ، أو ابنَ عَفّانَ لَتَرَكَها لي ، أ لَم تَرَ إلَى ابنِ عَفّانَ حَيثُ أطعَمَ الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ مِن خَراجِ أذرَبيجانَ في كُلِّ سَنَةٍ ، فَقُلتُ : إنَّ هذا لا يَرى ذلِكَ الرَّأيَ ، وما هُوَ بِتارِكٍ لَكَ شَيئا ، فَسَكَتَ ساعَةً وسَكَتُّ عَنهُ ، فَما مَكَثَ لَيلَةً واحِدةً بَعدَ هذا الكَلامِ حَتّى لَحِقَ بِمُعاوِيَةَ ، فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا عليه السلام فَقالَ : مالَهُ ؟ ! تَرَّحَهُ (1) اللّهُ ! فَعَلَ فِعلَ السَّيِّدِ ، وفَرَّ فِرارَ العَبدِ ، وخانَ خِيانَةَ الفاجِرِ ! أما إنَّهُ لَو أقامَ فَعَجَزَ ما زِدنا عَلى حَبسِهِ ؛ فَإِن وَجَدنا لَهُ شَيئا أخَذناهُ ، وإن لَم نَقدِر لَهُ عَلى مالٍ تَرَكناهُ ، ثمَّ سارَ إلى دارِهِ فَهَدَمَها (2) .

راجع : ج 7 ص 493 (مصقلة بن هبيرة) .

3 / 11 _ 8المُنذِرُ بنُ الجارودِأنساب الأشراف :وكَتَبَ عليه السلام إلَى المُنذِرِ بنِ الجارودِ ، وبَلَغَهُ أنَّهُ يَبسُطُ يَدَهُ في المالِ ، ويَصِلُ مَن أتاهُ ، وكانَ عَلى اِصطَخرَ (3) : إنَّ صَلاحَ أبيكَ غَرَّني مِنكَ ، وظَنَنتُ أنَّكَ تَتَّبِعُ هَديَهُ وفِعلَهُ ، فَإِذا أنتَ فيما رُقِّيَ إلَيَّ عَنكَ لا تَدَعُ الاِنقِيادَ لِهَواكَ وإن أزرى ذلِكَ بِدينِكَ ، ولا تُصغي إلَى النّاصِحِ وإن أَخلَصَ النُّصحَ لَكَ ، بَلَغَني أنَّكَ تَدَعُ عَمَلَكَ كَثيرا وتَخرُجُ لاهِيا مُتَنَزِّها مُتَصَيِّدا ، وأنَّكَ قَد بَسَطتَ يَدَكَ في مالِ اللّهِ لِمَن أتاكَ مِن

.


1- .التَّرَح : ضدّ الفرح ؛ وهو الهلاك والانقطاع أيضا (النهاية : ج1 ص186) .
2- .الغارات : ج1 ص365 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص129 ، تاريخ دمشق : ج58 ص272 ح7450 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص421 وراجع أنساب الأشراف : ج3 ص181 والبداية والنهاية : ج7 ص310 والفتوح : ج4 ص244 .
3- .اِصْطَخر : معرّب استخر ، وهي من أقدم مدن فارس ، وبها كان سرير الملك دارا بن داراب ، وبها آثار عظيمة. وبينها وبين شيراز اثنا عشر فرسخا (راجع تقويم البلدان : ص329).

ص: 411

3 / 12 عزل من ثبتت خيانته من العمّال

أعرابِ قَومِكَ ، كَأَنَّهُ تُراثُكَ عَن أبيكَ واُمِّكَ . وإنّي اُقسِمُ بِاللّهِ لَئِن كانَ ذلِكَ حَقّا لَجَمَلُ أهلِكَ وشِسعُ نَعلِكَ خَيرٌ مِنكَ ، وأنَّ اللَّعِبَ وَاللَّهوَ لا يَرضاهُمَا اللّهُ ، وخِيانَةَ المُسلِمينَ وتَضييعَ أعمالِهِم مِمّا يُسخِطُ رَبَّكَ ، ومَن كانَ كَذلِكَ فَلَيسَ بِأَهلٍ لِأَن يُسَدَّ بِهِ الثَّغرُ ، ويُجبى بِهِ الفَيءُ ، ويُؤتَمَنَ عَلى مالِ المُسلِمينَ ، فَأَقبِل حينَ يَصِلُ كِتابي هذا إلَيكَ . فَقَدِمَ فَشَكاهُ قَومٌ ورَفَعوا عَلَيهِ أنَّهُ أخَذَ ثَلاثينَ ألفَا ، فَسَأَلَهُ فَجَحَدَ ، فَاستَحلَفَهُ فَلَم يَحلِف ، فَحَبَسَهُ (1) .

راجع : ج 7 ص 504 (المنذر بن الجارود العبديّ) .

3 / 12عَزلُ مَن ثَبَتَتِ خِيانَتُهُ مِنَ العُمّالِالاستيعاب :كانَ عَليٌّ عليه السلام . . . لا يَخُصُّ بِالوِلاياتِ إلّا أهلَ الدِّياناتِ وَالأَماناتِ ، وإذا بَلَغَهُ عَن أحَدِهِم خِيانَةٌ كَتَبَ إلَيهِ : قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم فَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ بِالقَسطِ ولا تَبخَسُوا النَّاسَ أشياءَهُم ولا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ . بَقِيَّةُ اللّهِ خَيرٌ لَكُم إن كُنتُم مُؤمِنينَ وما أنَا عَلَيكُم بِحَفيظٍ (2) . إذا أتاكَ كِتابي هذا فاحتَفِظ بِما في يَدَيكَ مِن أعمالِنا حَتّى نَبعَثَ إلَيكَ مَن يَتَسَلَّمُهُ مِنكَ ، ثُمَّ يَرفَعُ طَرفَهُ إلَى السَّماءِ فَيَقولُ : اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنّي لَم آمُرهُم بِظُلمِ خَلقِكَ ، ولا بِتَركِ حَقِّكَ . وخُطَبُهُ ومَواعِظُهُ ووَصاياهُ لِعُمّالِهِ إذ كانَ يُخرِجُهُم إلى أعمالِهِ كَثيرَةٌ مَشهورَةٌ لَم أرَ التَّعَرُّضَ لِذِكرِها ، لِئَلّا يَطولَ الكِتابُ ، وهِيَ حِسانٌ كُلُّها (3) .

.


1- .أنساب الأشراف : ج2 ص391 ؛ نهج البلاغة : الكتاب 71 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 كلاهما نحوه .
2- .اقتباس من سورة الأعراف : 85 وهود : 85 و 86 .
3- .الاستيعاب : ج3 ص210 و 211 الرقم 1875 عن أبي إسحاق السبيعي .

ص: 412

دعائم الإسلام :إنَّهُ [عَلِيّا عليه السلام ] حَضَرَ الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ ، وكانَ عُثمانُ استَعمَلَهُ عَلى أذرَبيجانَ ، فَأَصابَ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ ، فَبَعضٌ يَقولُ : أقطَعَهُ عُثمانُ إيّاها ، وبَعضٌ يَقولُ : أصابَهَا الأَشعَثُ في عَمَلِهِ . فَأَمَرَهُ عَلِيٌّ عليه السلام بِإِحضارِها فَدافَعَهُ ، وقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَم اُصِبها في عَمَلِكَ . قالَ : وَاللّهِ لَئِن أنتَ لَم تُحضِرها بَيتَ مالِ المُسلِمينَ ، لَأَضرِبَنَّكَ بِسَيفي هذا أصابَ مِنكَ ما أصابَ . فَأَحضَرَها وأخَذَها مِنهُ وصَيَّرَها في بَيتِ مالِ المُسلِمينَ ، وتَتَبَّعَ عُمّالَ عُثمانَ ، فَأَخَذَ مِنهُم كُلَّ ما أصابَهُ قائِما في أيديهِم ، وضَمَّنَهُم ما أتلَفوا (1) .

الفصول المُهِمّة :نُقِلَ عَن سَودَةَ بِنتِ عُمارَةَ الهَمدانِيَّةِ أنَّها قَدِمَت عَلى مُعاوِيَةَ بَعدَ مَوتِ عَليٍّ عليه السلام ، فَجَعَلَ مُعاوِيَةُ يُؤَنِّبُها عَلى تَعريضِها عَلَيهِ في أيّامِ قِتالِ صِفّين ، ثُمَّ إنَّهُ قالَ لَها : ما حاجَتُكِ ؟ فَقالَت : إنَّ اللّهَ تَعالى مُسائِلُكَ عَن أمرِنا وما فَوَّضَ إلَيكَ مِن أمرِنا ، ولا يَزال يَقدَمُ عَلَينا مِن قَبلِكَ مَن يَسمو بِمَقامِكَ ويَبطِشُ بِسُلطانِكَ فَيَحصُدُنا حَصدَ السُّنبُلِ ، ويَدوسُنا دَوسَ الحَرمَلِ ، يَسومُنَا الخَسفَ ، ويُذيقُنَا الحَتفَ ، هذا بُسرُ بنُ أرطاةَ قَد قَدِمَ عَلَينا ، فَقَتَلَ رِجالَنا ، وأخَذَ أموالَنا ، ولَولَا الطّاعَةُ لكَانَ فينا عِزٌّ ومَنَعَةٌ ، فَإِن عَزَلتَهُ عَنّا شَكَرناكَ وإلّا فإِلَى اللّهِ شَكَوناكَ . فَقالَ مُعاوِيَةُ : إيّايَ تَعنينَ ولي تُهَدِّدينَ ! لَقَد هَمَمتُ يا سَودَة أن أحمِلَكِ عَلى قَتَبٍ أشوَسَ ، فَأَرُدَّكِ إلَيهِ ، فَيُنفِذَ حُكمَهُ فيكِ . فَأَطرَقَت ثُمَّ أنشَأَت تَقولُ : صَلَّى الإِلهُ عَلى جِسمٍ تَضَمَّنَهُ قَبرٌ فَأَصبَحَ فيهِ العَدلُ مَدفونا قَد حالَفَ الحَقَّ لا يَبغي بِهِ بَدلاً فَصارَ بِالحَقِّ وَالإِيمانِ مَقرونا

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص396 .

ص: 413

3 / 13 عقوبة الخونة من العمّال

فَقالَ مُعاوِيَةُ : مَن هذا يا سَودَةُ ؟ فَقالَت : هذا وَاللّهِ أميرُ المُؤمِنينَ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، لَقَد جِئتُهُ في رَجُلٍ كانَ قَد وَلّاهُ صَدَقاتِنا فَجارَ عَلَينا فَصادَفتُهُ قائِما يُريدُ الصَّلاةَ ، فَلَمّا رَآنِي انفَتَلَ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَيَّ بِوَجهٍ طَلِقٍ ، ورَحمَةٍ ورِفقٍ ، وقالَ : لَكِ حاجَةٌ ؟ فَقُلتُ : نَعَم ، وأخبَرتُهُ بِالأَمرِ فَبَكى ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ أنتَ شاهِدٌ أنّي لَم آمُرهُم بِظُلمِ خَلقِكَ ولا بِتَركِ حَقِّكَ . ثُمَّ أخرَجَ مِن جَيبِهِ قَطعَةَ جِلدٍ وكَتَبَ فيها : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ * قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَ لَا تُفْسِدُواْ فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَ_حِهَا ذَ لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» (1) وإذا قَرَأتَ كِتابي هذا فَاحتَفِظ بِما في يَدِكَ مِن عَمَلِكَ حَتّى نُقَدِّمَ عَلَيكَ مَن يَقبِضهُ . وَالسَّلامُ . ثُمَّ دَفَعَ إلَيَّ الرُّقعَةَ ، فَجِئتُ بِالرُّقعَةِ إلى صاحِبِهِ فَانصَرَفَ عَنّا مَعزولاً . فَقالَ : اُكتُبوا لَها بِما تُريدُ ، وَاصرِفوها إلى بَلَدِها غَيرَ شاكِيَةٍ (2) .

3 / 13عُقوبَةُ الخَوَنَةِ مِنَ العُمّالِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمَّا استَدرَكَ عَلَى ابنِ هَرمَةَ خِيانَةً ، وكانَ عَلى سوقِ الأَهوازِ ، فَكَتَبَ إلى رِفاعَةَ _: إذا قَرَأتَ كِتابي فَنَحِّ ابنَ هَرمَةَ عَنِ السّوقِ ، وأوقِفهُ لِلنّاسِ ، وَاسجُنهُ ونادِ عَلَيهِ ، وَاكتُب إلى أهلِ عَمَلِكَ تُعلِمهُم رَأيي فيهِ ، ولا تَأخُذكَ فيهِ غَفلَةٌ ولا تَفريطٌ ، فَتَهلَكَ عِندَ اللّهِ ، وأعزِلُكَ أخبَثَ عُزلَةٍ ، واُعيذُكَ بِاللّهِ مِن ذلِكَ . فَإِذا كانَ يَومُ الجُمُعَةِ فَأَخرِجهُ مِنَ السِّجنِ ، وَاضرِبهُ خَمسَةً وثَلاثينَ سَوطا ،

.


1- .الأعراف : 85 .
2- .الفصول المهمّة : ص127 ، العقد الفريد : ج1 ص335 عن عامر الشعبي ، بلاغات النساء : ص47 عن محمّد بن عبيد اللّه وكلاهما نحوه ؛ كشف الغمّة : ج1 ص173 ، بحار الأنوار : ج41 ص119 ح27 .

ص: 414

3 / 14 نهي العمّال عن أخذ الهديّة

وطُف بِهِ إلَى الأَسواقِ ، فَمَن أتى عَلَيهِ بِشاهِدٍ فَحَلِّفهُ مَعَ شاهِدِهِ ، وَادفَع إلَيهِ مِن مَكسَبِهِ ما شُهِدَ بِهِ عَلَيهِ ، وَمُر بِهِ إلَى السِّجنِ مُهانا مَقبوحا مَنبوحا (1) ، وَاحزِم رِجلَيهِ بِحِزامٍ ، وأخرِجهُ وَقتَ الصَّلاةِ ، ولا تَحُل بَينَهُ وبَينَ مَن يَأتيهِ بِمَطعَمٍ أو مَشرَبٍ أو مَلبَسٍ أو مَفرَشٍ ، ولا تَدَع أحَدا يَدخُلُ إلَيهِ مِمَّن يُلَقِّنُهُ اللَّدَدَ (2) ويُرَجّيهِ الخُلوصَ . فَإِن صَحَّ عِندَكَ أنَّ أحَدا لَقَّنَهُ ما يَضُرُّ بِهِ مُسلِما ، فَاضرِبهُ بِالدِّرَّةِ ، فَاحبِسهُ حَتّى يَتوبَ ، وَمُر بِإِخراجِ أهلِ السِّجنِ فِي اللَّيلِ إلى صَحنِ السِّجنِ لِيَتَفَرَّجوا غَيرَ ابنِ هَرمَةَ إلّا أن تَخافَ مَوتَهُ فَتُخرِجَهُ مَعَ أهلِ السِّجنِ إلَى الصَّحنِ ، فَإنِ رَأَيتَ بِهِ طاقَةً أوِ استِطاعَةً فَاضرِبهُ بَعدَ ثَلاثينَ يَوما خَمسَةً وثَلاثينَ سَوطا بَعدَ الخَمسَةِ وَالثَّلاثينَ الاُولى ، وَاكتُب إلَيَّ بِما فَعَلتَ فِي السّوقِ ، ومَنِ اختَرتَ بَعدَ الخائِنِ ، وَاقطَع عَنِ الخائِنِ رِزقَهُ (3) .

عنه عليه السلام_ مِن عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ في مُراقَبَةِ العُمّالِ _: فَإِن أحَدٌ مِنهُم بَسَطَ يَدَهُ إلى خِيانَةٍ اجتَمَعَت بِها أخبارُ عُيونِكَ ، اكتَفَيتَ بِذلِكَ شاهِدا ، فَبَسَطتَ عَلَيهِ العُقوبَةَ في بَدَنِهِ ، وأخَذتَهُ بِما أصابَ مِن عَمَلِهِ ، ثُمَّ نَصَبتَهُ بِمَقامِ المَذَلَّةِ ، ووَسَمتَهُ بِالخِيانَةِ ، وقَلَّدتَهُ عارَ التُّهَمَةِ (4) .

3 / 14نَهيُ العُمّالِ عَن أخذِ الهَدِيَّةِالإمام عليّ عليه السلام :أيُّما والٍ اِحتَجَبَ عَن حَوائِجِ النّاسِ ، احتَجَبَ اللّهُ عَنهُ يَومَ القِيامَةِ وعَن

.


1- .المنبوح : المشتوم . يقال : نبحتني كلابُك : أي لحقتني شتائمك (النهاية : ج5 ص5) .
2- .اللَّدَد : الخصومة الشديدة (لسان العرب : ج3 ص391) .
3- .دعائم الإسلام : ج2 ص532 ح1892 .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص137 ، دعائم الإسلام : ج1 ص361 نحوه .

ص: 415

حَوائِجِهِ ، وإن أخَذَ هَدِيَّةً كانَ غُلولاً (1) ، وإن أخَذَ رَشوَةً فَهُوَ مُشرِكٌ (2) .

أخبار القُضاة عن عليّ بن ربيعة :إنَّ عَلِيّا اِستَعمَلَ رَجُلاً مِن بَني أسَدٍ يُقالُ لَهُ : ضُبَيعَةُ بنُ زُهَيرٍ ، فَلَمّا قَضى عَمَلَهُ أتى عَلِيّا بِجِرابٍ فيهِ مالٌ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ قَوما كانوا يُهدونَ لي حَتَّى اجتَمَعَ مِنهُ مالٌ فَهاهُوَ ذا ، فَإِن كانَ لي حَلالاً أكَلتُهُ ، وإن كانَ غَيرَ ذاكَ فَقَد أتَيتُكَ بِهِ . فَقالَ عَلِيٌّ : لَو أمسَكتَهُ لَكانَ غُلولاً . فَقَبَضَهُ مِنهُ وجَعَلَهُ في بَيتِ المالِ (3) .

الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَةٍ ذَكَرَ فيها تَعامُلَهُ مَعَ عَقيلٍ عِندَما طَلَبَ مِن بَيتِ المالِ ، ثُمَّ قالَ _: وأعجَبُ مِن ذلِكَ طارِقٌ طَرَقَنا بِمَلفوفَةٍ في وِعائِها ، ومَعجونَةٍ شَنِئتُها ، كَأَن_َّما عُجِنَت بِريقِ حَيَّةٍ أو قَيئِها ، فَقُلتُ : أ صِلَةٌ ، أم زَكاةٌ ، أم صَدَقَةٌ ؟ فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَينا أهلَ البَيتِ ! فَقالَ : لا ذا ولا ذاكَ ، ولكِنَّها هَدِيَّةٌ ، فَقلُتُ : هَبِلَتكَ الهَبولُ ! (4) أ عَن دينِ اللّهِ أتَيتَني لِتَخدَعَني ؟ أ مُختَبِطٌ أنتَ أم ذو جِنَّةٍ ، أم تَهجُرُ ؟ وَاللّهِ لَو اُعطيتُ الأَقاليمَ السَّبعَةَ بِما تَحتَ أفلاكِها ، عَلى أن أعصِيَ اللّهَ في نَملَةٍ أسلُبُها جُلبَ شَعيرَةٍ ما فَعَلتُهُ ، وإنَّ دُنياكُم عِندي لَأَهوَنُ مِن وَرَقَةٍ في فَمِ جَرادَةٍ تَقضَمُها . ما لِعَلِيٍّ ولِنَعيمٍ يَفنى ، وَلَذَّةٍ لا تَبقى ! نَعوذُ بِاللّهِ مِن سُباتِ العَقل ، وقُبحِ الزَّلَلِ ، وبِهِ نَستَعينُ (5) .

.


1- .الغُلول : الخيانة في المغنم ، والسرقة من الغنيمة قبل القسمة ، وكلّ من خان في شيء خفية فقد غلّ (النهاية : ج3 ص380) .
2- .ثواب الأعمال : ص310 ح1 عن الأصبغ ، بحار الأنوار : ج72 ص345 ح42 .
3- .أخبار القضاة : ج1 ص59 .
4- .أي ثكلتْك الثكول؛ وهي من النساء الَّتي لا يبقى لها ولد (النهاية : ج5 ص240) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 224 ، بحار الأنوار : ج41 ص162 ح57 .

ص: 416

3 / 15 الجمع بين الشّدّة واللّين

3 / 15الجَمعُ بَينَ الشِّدَّةِ وَاللِّينِالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى بَعضِ عُمّالِهِ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ دَهاقينَ (1) أهلِ بَلَدِكَ شَكَوا مِنكَ غِلظَةً وقَسوَةً ، وَاحتِقارا وجَفوَةً ، ونَظَرتُ فَلَم أرَهُم أهلاً لِأَن يُدنَوا لِشِركِهِم ، ولا أن يُقصَوا ويُجفَوا لِعَهدِهِم ، فَالبَس لَهُم جِلبابا مِنَ اللّينِ تَشوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ ، وداوِل لَهُم بَينَ القَسوَةِ وَالرَّأفَةِ ، وَامزُج لَهُم بَينَ التَّقريبِ وَالإِدناءِ ، وَالإِبعادِ وَالإِقصاءِ ، إن شاءَ اللّهُ (2) .

تاريخ اليعقوبي :كَتَبَ عَلِيٌّ إلى عُمَرَ بنِ مَسلَمَةَ الأَرحَبِيِّ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ دَهاقينَ عَمَلِكَ شَكَوا غِلظَتَكَ ، ونَظَرتُ في أمرِهِم فَما رَأَيتُ خَيرا ، فَلتَكُن مَنزِلَتُكَ بَينَ مَنزِلَتَينِ : جِلبابِ لِينٍ ، بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ ، في غَيرِ ظُلمٍ ولا نَقصٍ ؛ فَإِنَّهُم أحيَونا صاغِرينَ ، فَخُذ ما لَكَ عِندَهُم وهُم صاغِرونَ ، ولا تَتَّخِذ مِن دونَ اللّهِ وَليّا ، فَقَد قالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا» (3) وقالَ جَلَّ وَعَزَّ في أهلِ الكِتابِ : «لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَ_رَى أَوْلِيَآءَ» وقالَ تَبارَكَ وتَعالى : «وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» (4) وقَرِّعهُم بِخَراجِهِم ، وقابِل في وَرائِهِم ، وإِيّاكَ ودِماءَهُم . وَالسَّلامُ (5) .

الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى بَعضِ عُمّالِهِ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكَ مِمَّن أستَظهِرُ بِهِ عَلى إقامَة

.


1- .الدِّهقان : رئيس القرية ومُقدَّم التُّنّاء وأصحاب الزراعة ، وهو معرَّب (النهاية : ج2 ص145) .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 19 ، بحار الأنوار : ج33 ص489 ح694 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص390 نحوه ، وذكر أنّه عليه السلام كتبه إلى عمرو بن سلمة الأرحبي ، وفيه «في غير ما أن يظلموا ، ولا ينقض لهم عهد ، ولكن تفرّغوا لخراجهم ، ويقاتل من ورائهم ، ولا يؤخذ منهم فوق طاقتهم ، فبذلك أمرتك ، واللّه المستعان . والسلام» بدل «وداول لهم . . . » .
3- .آل عمران : 118 .
4- .المائدة : 51 .
5- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .

ص: 417

الدّينِ ، وأقمَعُ بِهِ نَخوَةَ الأَثيمِ ، وأسُدُّ بِهِ لَهاةَ الثَّغرِ المَخوفِ . فَاستَعِن بِاللّهِ عَلى ما أهَمَّكَ ، وَاخلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغثٍ مِنَ اللّينِ ، وَارفُق ما كانَ الرِّفقُ أرفَقَ ، وَاعتَزِم بِالشِّدَّةِ حينَ لا تُغني عَنكَ إلّا الشِّدَّةُ . وَاخفِض لِلرَّعِيَّةِ جَناحَكَ ، وَابسُط لَهُم وَجهَكَ ، وألِن لَهُم جانِبَكَ . وآسِ بَينَهُم فِي اللَّحظَةِ والنَّظرَةِ ، وَالإِشارَةِ وَالتَّحِيَّةِ ؛ حَتّى لا يَطمَعَ العُظَماءُ في حَيفِكَ ، ولا يَيأَسَ الضُّعَفاءُ مِن عَدلِكَ . وَالسَّلامُ (1) .

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 46 ، الأمالي للمفيد : ص80 ح4 نحوه ، وفيه أنّه عليه السلام كتبه إلى الأشتر بعد قتل محمّد بن أبي بكر وهو غير صحيح ظاهرا لأنّ شهادة محمّد بن أبي بكر وقعت بعد شهادة مالك الأشتر ، نهج البلاغة : الكتاب 27 ، تحف العقول : ص177 وليس فيهما صدره إلى « لا تغني عنك إلّا الشدّة » وفيهما «أنّه عليه السلام كتبه إلى محمّد بن أبي بكر» .

ص: 418

. .

ص: 419

الفصل الرابع : السياسة الثقافيّة
4 / 1 تنمية التّعليم والتّربية

الفصل الرابع : السياسة الثقافيّة4 / 1تَنمِيَةُ التَّعليمِ وَالتَّرِبيَةِالإمام عليّ عليه السلام :عَلَى الإِمامِ أن يُعَلِّمَ أهلَ وِلايَتِهِ حُدودَ الإِسلامِ والإِيمانِ (1) .

عنه عليه السلام :إنَّ النّاسَ إلى صالِحِ الأَدَبِ أحوَجُ مِنهُم إلَى الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ (2) .

عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ لي عَلَيكُم حَقّا ، ولَكُم عَلَيَّ حَقٌّ ؛ فَأَمّا حَقُّكُم عَلَيَّ فَالنَّصيحَةُ لَكُم ، وتَوفيرُ فَيئِكُم عَلَيكُم ، وتَعليمُكُم كَي لا تَجهَلوا ، وتَأديبُكُم كَيما تَعلَموا (3) .

الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام إذا صَلَّى الفَجرَ لَم يَزَل مُعَقِّبا إلى أن تَطلُعَ الشَّمسُ ، فَإِذا طَلَعَتِ اجتَمَعَ إلَيهِ الفُقَراءُ وَالمَساكينُ وغَيرُهُم مِنَ النّاسِ ، فَيُعَلِّمُهُمُ الفِقهَ وَالقُرآنَ ، وكانَ لَهُ وَقتٌ يَقومُ فيهِ مِن مَجلِسِهِ ذلِكَ (4) .

إرشاد القلوب :رُوِيَ أنَّهُ عليه السلام كانَ إذا يَفرُغُ مِنَ الجِهادِ يَتَفَرَّغُ لِتَعليمِ النّاسِ ،

.


1- .غرر الحكم : ح6199 ، عيون الحكم والمواعظ : ص328 ح5637 .
2- .غرر الحكم : ح3590 ، عيون الحكم والمواعظ : ص143 ح3210 .
3- .نهج البلاغة : الخطبة34 ؛ أنساب الأشراف : ج3 ص154 ، تاريخ الطبري : ج5 ص91 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص408 كلّها نحوه ، الإمامة والسياسة : ج1 ص171 وفيه «فالنصيحة في ذات اللّه » بدل «فالنصيحة لكم».
4- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص109 عن أعين ؛ بحار الأنوار : ج41 ص132 .

ص: 420

وَالقَضاءِ بَينَهُم (1) .

الطبقات الكبرى عن عِلباء بن أحمَرَ :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ خَطَبَ النّاسَ فَقالَ : مَن يَشتَري عِلما بِدِرهَمٍ ؟ فَاشتَرَى الحارِثُ الأَعوَرُ صُحُفا بِدِرهَمٍ ، ثُمَّ جاءَ بِها عَلِيّا ، فَكَتَبَ لَهُ عِلما كَثيرا ، ثُمَّ إنَّ عَلِيّا خَطَبَ النّاسَ بَعدُ ، فَقالَ : يا أهلَ الكوفَةِ ! غَلَبَكُم نِصفُ رَجُلٍ (2) .

الغارات عن سالِم بن أبِي الجَعد :فَرَضَ عَليٌّ عليه السلام لِمَن قَرَأَ القُرآنَ ألفَينِ ألفَينِ . قالَ : وكانَ أبي مِمَّن قَرَأَ القُرآنَ (3) .

شرح نهج البلاغة :وَفَدَ غالِبُ بنُ صَعصَعَةَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ومَعَهُ ابنُهُ الفَرَزدَقُ 4 ، فَقالَ لَهُ : مَن أنتَ ؟ فَقالَ : غالِبُ بنُ صَعصَعَةَ المُجاشِعِيُّ . . . قالَ : يا أبَا الأَخطَلِ ، مَن هذَا الغُلامُ مَعَكَ ؟ قالَ : اِبني ، وهُوَ شاعِرٌ . قالَ : عَلِّمهُ القُرآنَ ؛ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ مِنَ الشِّعرِ (4) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ عليه السلام إلى قُثَمِ بنِ العَبّاسِ ، وهوَ عامِلُهُ عَلى مَكَّةَ _: أمّا بَعدُ ، فَأَقِم لِلنّاسِ الحَجَّ ، وذَكِّرهُم بِأَيّامِ اللّهِ ، وَاجلِس لَهُمُ العَصرَينِ ، فَأَفتِ المُستَفِتيَ ، وعَلِّمِ الجاهِلَ ، وذاكِرِ العالِمَ (5) .

.


1- .إرشاد القلوب : ص218 ، عدّة الداعي : ص101 ، بحار الأنوار : ج103 ص16 ح70 .
2- .الطبقات الكبرى : ج6 ص168 وراجع تاريخ بغداد : ج8 ص357 .
3- .الغارات : ج1 ص131 ؛ كنز العمّال : ج2 ص339 ح4186 نقلاً عن شعب الإيمان وليس فيه «وكان أبي . . .» .
4- .شرح نهج البلاغة : ج10 ص21 ، كنز العمّال : ج2 ص288 ح4026 نقلاً عن ابن الأنباري في المصاحف والدينوري عن الفرزدق نحوه .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 67 ، بحار الأنوار : ج33 ص497 ح702 .

ص: 421

4 / 2 النّهي عن نقض السّنن الصّالحة

عنه عليه السلام_ لِسائِلٍ سَأَلَهُ عَن مُعضِلَةٍ _: سَل تَفَقُّها ولا تَسأَل تَعَنُّتا ؛ فَإِنَّ الجاهِلَ المُتَعَلِّمَ شَبيهٌ بِالعالِمِ ، وإنَّ العالِمَ المُتَّعَسِّفَ شَبيهٌ بِالجاهِلِ المُتَعَنِّتِ (1) .

عنه عليه السلام_ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ رَجُلٌ أن يُعَرِّفَهُ الإِيمانَ _: إذا كانَ الغَدُ فَأتِني حَتّى اُخبِرَكَ عَلى أسماعِ النّاسِ ، فَإِن نَسيتَ مَقالَتي حَفِظَها عَلَيكَ غَيرُكَ ؛ فَإِنَّ الكَلامَ كَالشّارِدَةِ يَنقُفُها هذا ويُخطِئُها هذا (2) .

4 / 2النَّهيُ عَن نَقضِ السُّنَنِ الصّالِحَةِالإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: لا تَنقُض سُنَّةً صالِحَةً عَمِلَ بِها صُدورُ هذِهِ الاُمَّةِ ، وَاجتَمَعَت بِهَا الاُلفَةُ ، وصَلَحَت عَلَيهَا الرَّعِيَّةُ ، ولا تُحدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيءٍ مِن ماضي تِلكَ السُّنَنِ ؛ فَيَكونَ الأَجرُ لِمَن سَنَّها ، وَالوِزرُ عَلَيكَ بِما نَقَضتَ مِنها . . . وَالواجِبُ عَلَيكَ أن تَتَذَكَّرَ مامَضى لِمَن تَقَدَّمَكَ مِن حُكومَةٍ عادِلَةٍ ، أو سُنَّةٍ فاضِلَةٍ ، أو أثَرٍ عَن نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله ، أو فَريضَةٍ في كِتابِ اللّهِ (3) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكِ الأَشتَرِ (في روايَةِ تُحَفِ العُقولِ) _: وأكثِر مُدارَسَةَ العُلَماءِ ، ومُثافَنَةَ (4) الحُكَماءِ ، في تَثبيتِ ما صَلَحَ عَلَيهِ أهلُ بِلادِكَ ، وإقامَةِ مَا استَقامَ بِهِ النّاسُ مِن قَبلِكَ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يَحِقُّ الحَقَّ ، ويَدفَعُ الباطِلَ ، ويُكتَفى بِهِ دَليلاً ومِثالاً لِأَنَّ السُّنَنَ الصّالِحَةَ هِيَ السَّبيلُ إلى طاعَةِ اللّهِ (5) .

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 320 ، عيون الحكم والمواعظ : ص132 ح2980 نحوه ، بحار الأنوار : ج1 ص222 ح7 .
2- .نهج البلاغة : الحكمة 266 ، بحار الأنوار : ج2 ص160 ح8 .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص130 و ص148 نحوه وراجع دعائم الإسلام : ج1 ص356 و 357 .
4- .المُثافِن : المواظِب ، ويقال : ثافَنتُ فلاناً إذا حابَبته تحادِثُه وتلازِمه وتكَلّمه (لسان العرب : ج13 ص79) .
5- .تحف العقول : ص131 .

ص: 422

4 / 3 الأمر بمكافحة السّنن الطّالحة
4 / 4 التّجنّب من مراسم الاستقبال

4 / 3الأَمرُ بِمُكافَحَةِ السُّنَنِ الطّالِحَةِالإمام عليّ عليه السلام :اِعلَم أنَّ أفضَلَ عِبادِ اللّهِ عِندَ اللّهِ إمامٌ عادِلٌ ، هُدِيَ وهَدى ، فَأَقامَ سُنَّةً مَعلومَةً ، وأماتَ بِدعَةً مَجهولَةً ، وإنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَها أعلَامٌ ، وإنَّ البِدَعَ لَظاهِرَةٌ لَها أعلامٌ (1) .

الإمام الصادق عليه السلام :أتَتِ المَوالي أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالوا : نَشكو إلَيكَ هؤُلاءِ العَرَبَ ؛ إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يُعطينا مَعَهُمُ العَطايا بِالسَّوِيَّةِ ، وزَوَّجَ سَلمانَ وبِلالاً وصُهَيبا ، وأبَوا عَلَينا هؤُلاءِ وقالوا : لا نَفعَلُ ! فَذَهَبَ إلَيهِم أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَكَلَّمَهُم فيهِم ، فَصاحَ الأَعاريبُ : أبَينا ذلِكَ يا أبَا الحَسَنِ ، أبَينا ذلِكَ ! فَخَرَجَ وهُوَ مُغضَبٌ يُجَرُّ رِداءُهُ وهُوَ يَقولُ : يا مَعشَرَ المَوالي ! إنَّ هؤُلاءِ قَد صَيَّروكُم بِمَنزِلَةِ اليَهودِ وَالنَّصارى ؛ يَتَزَوَّجونَ إلَيكُم ولا يُزَوِّجونَكُم ، ولا يُعطونَكُم مِثلَ ما يَأخُذونَ ؛ فَاتَّجِروا بارَكَ اللّهُ لَكُم ، فَإِنّي قَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : الرِّزقُ عَشَرَةُ أجزاءٍ ؛ تِسعَةُ أجزاءٍ فِي التِّجارَةِ ، وَواحِدَةٌ في غَيرِها (2) .

4 / 4التَّجَنُّبُ مِن مَراسِمِ الاِستِقبالِنهج البلاغة :قالَ [عَلِيٌّ] عليه السلام وقَد لَقِيَهُ عِندَ مَسيرِهِ إلَى الشّامِ دَهاقينُ الأَنبارِ ، فَتَرَجَّلوا لَهُ واشتَدّوا بَينَ يَدَيهِ فَقالَ : ما هذَا الَّذي صَنَعتُموهُ ؟ فَقالوا : خُلُقٌ مِنّا نُعَظِّمُ بِهِ اُمَراءَنا .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 164 ، الجمل : ص187 عن ابن دأب ؛ تاريخ الطبري : ج4 ص337 ، البداية والنهاية : ج7 ص168 كلاهما عن عبد اللّه بن محمّد عن أبيه ، العقد الفريد : ج3 ص310 عن ابن دأب وليس فيه «وإنّ السنن لنيّرة . . .» ، الكامل في التاريخ : ج2 ص276 كلّها نحوه .
2- .الكافي : ج5 ص318 ح59 عن الفضل بن أبي قرّة .

ص: 423

فَقالَ : وَاللّهِ ما يَنتَفِعُ بِهذا اُمَراؤُكُم ، وإنَّكُم لَتَشُقّونَ عَلى أنفُسِكُم في دُنياكُم ، وتَشقَونَ بِهِ في آخِرَتِكُم . وما أخسَرَ المَشَقَّةَ وَراءَهَا العِقابُ ، وأربَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الأَمانُ مِنَ النّارِ ! (1)

نهج البلاغة :رُوِيَ أنَّهُ [عَليّاً] عليه السلام لَمّا وَرَدَ الكوفَةَ قادِما مِن صِفّينَ مَرَّ بِالشَّبامِيّينَ (2) فَسَمَعَ بُكاءَ النِّساءِ عَلَى قَتلَى صِفّين ، وخَرَجَ إلَيهِ حَربُ بنُ شَرَحبيلِ الشَّباميّ . . . يَمشي مَعَهُ وهوَ عليه السلام راكِبٌ ، فَقالَ عليه السلام : ارجَع ؛ فإِنَّ مَشيَ مِثلِكَ مَعَ مِثلي فِتنَةٌ لِلوالي ، ومَذَلَّةٌ لِلمُؤمِنِ (3) .

الإمام الصادق عليه السلام :خَرَجَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عَلى أصحابِهِ وهُوَ راكِبٌ ، فَمَشَوا خَلفَهُ ، فَالتَفَتَ إلَيهِم ، فَقالَ : لَكُم حاجَةٌ ؟ فَقالوا : لا ، يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ولكِنّا نُحِبُّ أن نَمشِيَ مَعَكَ ، فَقالَ لَهُم : اِنصَرِفوا ؛ فَإِنَّ مَشيَ الماشي مَعَ الرّاكِبِ مَفسَدَةٌ لِلرّاكِبِ ، ومَذَلَّةٌ لِلماشي . قالَ : ورَكِبَ مَرَّةً اُخرى فَمَشَوا خَلفَهُ ، فَقالَ : اِنصَرِفوا ؛ فَإِنَّ خَفقَ النِّعالِ خَلفَ أعقابِ الرِّجالِ مَفسَدَةٌ لِقُلوبِ النَّوكى (4)(5) .

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 37 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص104 عن النوكي ، بحار الأنوار : ج41 ص55 ح3 وراجع وقعة صفّين : ص144 .
2- .الشبام : حيّ من اليمن من همدان (لسان العرب : ج12 ص317) .
3- .نهج البلاغة : الحكمة 322 ، وقعة صفّين : ص531 عن عبد اللّه بن عاصم الفائشي ؛ المعيار والموازنة : ص193 كلاهما نحوه .
4- .النَّوكى : الحمقى (النهاية : ج5 ص129) .
5- .المحاسن : ج2 ص470 ح2632 ، الكافي : ج6 ص540 ح16 وليس فيه ذيله وكلاهما عن هشام بن سالم ، تحف العقول : ص209 نحوه ، مشكاة الأنوار : ص364 ح1189 عن هشام بن سالم رفعه إلى الإمام عليّ عليه السلام ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص104 وفيه «ارجعوا ، النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة القلوب» بدل «فإنّ خفق . . .» .

ص: 424

4 / 5 النّقد بدل الإطراء

4 / 5النَّقدُ بَدَلُ الإِطراءِالإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ بَعدَ ذِكرِ خَصائِصِ البِطانَةِ الصّالِحَةِ _: فَاتَّخِذ اُولئِكَ خاصَّةً لِخَلَواتِكَ وحَفَلاتِكَ ، ثُمَّ ليَكُن آثَرُهُم عِندَكَ أقوَلَهُم بِمُرِّ الحَقِّ لَكَ ، وأقَلَّهُم مُساعَدَةً فيما يَكونُ مِنكَ مِمّا كَرِهَ اللّهُ لِأَولِيائِهِ ، واقِعا ذلِكَ مِن هَواكَ حَيثُ وَقَعَ . وَالصَق بِأَهلِ الوَرَعِ وَالصِّدقِ ، ثُمَّ رُضهُم عَلى ألّا يُطروكَ ولا يَبجَحوكَ (1) بِباطِلٍ لَم تَفعَلهُ ؛ فَإِنَّ كَثرَةَ الإِطراءِ تُحدِثُ الزَّهوَ ، وتُدني مِنَ العِزَّةِ (2) .

عنه عليه السلام_ في جَوابِ مَن قالَ : أنتَ أميرُنا ونَحنُ رَعِيَّتُكَ ، بِكَ أخرَجَنَا اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الذُّلِّ ، وبِإِعزازِكَ أطلَقَ عِبادَهُ مِنَ الغُلِّ ، فَاختَر عَلَينا وأمضِ اختِيارَكَ ، وَائتَمِر فَأَمضِ ائتِمارَكَ ؛ فَإِنَّكَ القائِلُ المُصَدَّقُ ، وَالحاكِمُ المُوَفَّقُ والمَلِكُ المُخَوَّلُ ، لا نَستَحِلُّ في شَيءٍ مَعصِيَتَكَ ، ولا نَقيسُ عِلما بِعِلمِكَ ، يَعظُمُ عِندَنا في ذلِكَ خَطَرُكَ ويَجِلُّ عَنهُ في أنفُسِنا فَضلُكَ _: إنَّ مِن حَقِّ مَن عَظُمَ جَلالُ اللّهِ في نَفسِهِ ، وَجَلَّ مَوضِعُهُ مِن قَلبِهِ أن يَصغُرَ عِندَهُ _ لِعِظَمِ ذلِكَ _ كُلُّ ما سِواهُ ، وإنَّ أحَقَّ مَن كانَ كَذلِكَ لَمَن عَظُمَت نِعمَةُ اللّهِ عَلَيهِ ، ولَطُفَ إحسانُهُ إلَيهِ ، فَإِنَّهُ لَم تَعظُم نِعمَةُ اللّهِ عَلى أحَدٍ إلّا زادَ حَقُّ اللّهِ عَلَيهِ عِظَما . وإنَّ مِن أسخَفِ حالاتِ الوُلاةِ عِندَ صالِحِ النّاسِ أن يُظَنَّ بِهِم حُبُّ الفَخرِ ، ويوضَعَ أمرُهُم عَلَى الكِبرِ ، وقَد كَرِهتُ أن يَكونَ جالَ في ظَنَّكُم أنّي اُحِبُّ الإِطراءَ ، وَاستِماعَ الثَّناءِ ، ولَستُ _ بِحَمدِ اللّهِ _ كَذلِكَ ، ولَو كُنتُ اُحِبُّ أن يُقالَ ذلِكَ لَتَرَكتُه

.


1- .يَبْجَحوك أو كما في شرح النهج : «يُبَجِّحوك» أي لا يجعلوك ممّن يبجَح ، أي يفخر بباطل لم يفعله كما يبجِّح أصحابُ الاُمراء الاُمراء (شرح نهج البلاغة : ج17 ص45) .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص129 نحوه ، بحار الأنوار : ج33 ص602 ح744 .

ص: 425

4 / 6 الالتزام بالحقّ في معرفة الرّجال

انحِطاطا للّهِِ سُبحانَهُ عَن تَناوُلِ ما هُوَ أحَقُّ بِهِ مِنَ العَظَمَةِ وَالكِبرِياءِ . ورُبَّمَا استَحلَى النّاسُ الثَّناءَ بَعدَ البَلاءِ . فَلا تُثنوا عَلَيَّ بِجَميلِ ثَناءٍ ، لِاءِخراجي نَفسي إلَى اللّهِ وإلَيكُم مِنَ البَقِيَّةِ في حُقوقٍ لَم أفرُغ مِن أدائِها ، وفَرائِضَ لابُدَّ مِن إمضائِها ؛ فَلا تُكَلِّموني بِما تُكَلَّمُ بِهِ الجَبابِرَةُ ، ولا تَتَحَفَّظوا مِنّي بِما يُتَحَفَّظُ بِهِ عِندَ أهلِ البادِرَةِ (1) ، ولا تُخالِطوني بِالمُصانَعَةِ ، ولا تَظُنّوا بِي استِثقالاً في حَقٍّ قيلَ لي ، ولَا التِماسَ إعظامٍ لِنَفسي لِما لا يَصلُحُ لي ؛ فَإِنَّهُ مَنِ استَثقَلَ الحَقَّ أن يُقالَ لَهُ ، أو العَدلَ أن يُعرَضَ عَلَيهِ ، كانَ العَمَلُ بِهِما أثقَلَ عَلَيهِ . فَلا تَكُفّوا عَنّي مَقالَةٍ بِحَقٍّ ، أو مَشورَةٍ بِعَدلٍ ؛ فَإِنّي لَستُ في نَفسي بِفَوقِ ما أن اُخطِئَ ، ولا آمَنُ ذلِكَ مِن فِعلي ، إلّا أن يَكفِيَ اللّهُ مِن نَفسي ما هُوَ أملَكُ بِهِ مِنّي ، فَإِنَّما أنَا وأنتُم عَبيدٌ مَملوكونَ لِرَبٍّ لا رَبَّ غَيرُهُ ، يَملِكُ مِنّا ما لا نَملِكُ مِن أنفُسِنا ، وأخرَجَنا مِمّا كُنّا فيهِ إلى ما صَلَحنا عَلَيهِ ، فَأَبدَلَنا بَعدَ الضَّلالَةِ بِالهُدى ، وأعطانَا البَصيرَةَ بَعدَ العَمى (2) .

4 / 6الاِلتِزامُ بِالحَقِّ في مَعرِفَةِ الرِّجالِالأمالي للمفيد عن الأَصبغَ بن نُباتة :دَخَلَ الحارِثُ الهَمدانِيُّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام في نَفَرٍ مِنَ الشّيعَةِ وكُنتُ فيهِم ، فَجَعَلَ الحارِثُ يَتَأَوَّدُ في مِشيَتِهِ ، ويَخبِطُ (3) الأَرضَ بِمِحجَنِهِ (4) ، وكانَ مَريضا ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام _ وكانَت لَه

.


1- .البادِرة : الحِدّة ؛ وهو ما يَبدر من حِدّة الرجل عند غضبه من قول أو فعل (لسان العرب : ج4 ص48) .
2- .الكافي : ج8 ص355 ح550 عن جابر عن الإمام الباقر عليه السلام ، نهج البلاغة : الخطبة 216 وفيه «التقيّة» بدل «البقيّة» .
3- .الخبط : الضرب (المصباح المنير : ص163) .
4- .المِحْجَن : عصا مُعقّفة الرأس كالصولجان ، والميم زائدة (النهاية : ج1 ص347) .

ص: 426

مِنهُ مَنزِلَةٌ _ فَقالَ : كَيفَ تَجِدُكَ يا حارِثُ ؟ فَقالَ : نالَ الدَّهرُ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِنّي ، وزادَني اُوارا (1) وغَليلاً اِختِصامُ أصحابِكَ بِبابِكَ ، قالَ : وفيمَ خُصومَتُهُم ؟ قالَ : فيكَ وفِي الثَّلاثَةِ مِن قَبلِكَ ، فَمِن مُفرِطٍ مِنهُم غالٍ ، ومُقتَصِدٍ تالٍ ومِن مُتَرَدِّدٍ مُرتابٍ ، لا يَدري أ يُقدِمُ أم يُحجِمُ ؟ فَقالَ : حَسبُكَ يا أخا هَمدانَ ، ألا إنَّ خَيرَ شيعَتِي النَّمَطُ الأَوسَطُ ، إلَيهِم يَرجِعُ الغالي ، وبِهِم يَلحَقُ التّالي . فَقالَ لَهُ الحارِثُ : لَو كَشَفتَ _ فِداكَ أبي واُمّي _ الرَّينَ عَن قُلوبِنا ، وجَعَلتَنا في ذلِكَ عَلى بَصيرَةٍ مِن أمرِنا . قالَ عليه السلام : قَدكَ (2) فَإِنَّكَ امرُؤٌ مُلبوسٌ عَلَيكَ . إنَّ دينَ اللّهِ لا يُعرَفُ بِالرِّجالِ ، بَل بِآيَةِ الحَقِّ ؛ فَاعرِفِ الحَقَّ تَعرِف أهلَهُ . يا حارِثُ ، إنَّ الحَقَّ أحسَنُ الحَديث ، وَالصّادِعُ بِهِ مُجاهِدٌ (3) .

البيان والتبيين :نَهَضَ الحارِثُ بنُ حَوطٍ اللَّيثِيُّ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وهُوَ عَلَى المِنبَرِ ، فَقالَ : أ تَظُنُّ أنّا نَظُنُّ أنَّ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ كانا عَلى ضَلالٍ ؟ قالَ : يا حارِ ، إنَّهُ مَلبوسٌ عَلَيكَ ؛ إنَّ الحَقَّ لا يُعرَفُ بِالرِّجالِ ؛ فَاعرِفِ الحَقَّ تَعرِف أهلَهُ ! (4) .

راجع : ج 3 ص 132 (التباس الأمر على من لا بصيرة له) .

.


1- .الاُوار _ بالضمّ _ : حرارة النار والشمس والعطش (النهاية : ج1 ص80) وهو هنا كناية عن الإيلام .
2- .قَدْ : بمعنى حَسْب ، ويقال للمخاطب : قَدْك : أي حَسْبك (النهاية : ج4 ص19) .
3- .الأمالي للمفيد : ص3 ح3 ، الأمالي للطوسي : ص625 ح1292 وفيه «في شأنك والبليّة من قبلك» بدل «فيك وفي الثلاثة من قبلك» و«قالٍ» بدل «تالٍ» ، بشارة المصطفى : ص4 وفيه «والٍ» بدل «تالٍ» ، تأويل الآيات الظاهرة : ج2 ص649 ح11 ، كشف الغمّة : ج2 ص37 كلاهما نحوه . وراجع : ج 5 ص 112 (السيّد الحميري) .
4- .البيان والتبيين : ج3 ص211 ؛ نثر الدرّ : ج1 ص273 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص210 نحوه وراجع نهج البلاغة : الحكمة 262 وروضة الواعظين : ص39 .

ص: 427

الفصل الخامس : السياسة الاقتصاديّة
5 / 1 الحثّ على العمل

الفصل الخامس : السياسة الاقتصاديّة5 / 1الحَثُّ عَلَى العَمَلِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ الأَشياءَ لَمَّا ازدَوَجَتِ ازدَوَجَ الكَسَلُ وَالعَجزُ ، فَنُتِجا (1) بَينَهُما الفَقرَ (2) .

عنه عليه السلام :إنّي لَأُبغِضُ الرَّجُلَ يَكونُ كَسلانَ مِن أمرِ دُنياهُ ؛ لِأَنَّهُ إذا كانَ كَسلانَ مِن أمرِ دُنياهُ فَهوَ عَن أمرِ آخِرَتِهِ أكسَلُ (3) .

عنه عليه السلام :ما غُدوَةُ أحَدِكُم في سَبيلِ اللّهِ بِأَعظَمَ مِن غُدوَتِهِ يَطلُبُ لِوُلدِهِ وعِيالِهِ ما يُصلِحُهُم (4) .

عنه عليه السلام :مَن طَلَبَ الدُّنيا حَلالاً ؛ تَعَطُّفا عَلى والِدٍ أو وَلَدٍ أو زَوجَةٍ ، بَعَثَهُ اللّهُ تَعالى ووَجهُهُ عَلى صورَةِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ (5) .

عنه عليه السلام :اُوصيكُم بِالخَشيَةِ مِنَ اللّهِ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، وَالعَدلِ فِي الرِّضا وَالغَضَبِ ،

.


1- .كذا في المصدر ، وفي تحف العقول : «فنُتِج منهما» ، ولعلّه أصوب .
2- .الكافي : ج5 ص86 ح8 عن عليّ بن محمّد رفعه ، تحف العقول : ص220 .
3- .دعائم الإسلام : ج2 ص14 ح2 .
4- .السرائر : ج2 ص228 ، دعائم الإسلام : ج2 ص15 ح9 ، عوالي اللآلي : ج3 ص194 ح6 .
5- .مسند زيد : ص255 .

ص: 428

5 / 2 عمارة البلاد

وَالِاكتِسابِ فِي الفَقرِ وَالغِنى (1) .

عنه عليه السلام :إنَّ طَلَبَ المَعاشِ مِن حِلِّهِ لا يَشغَلُ عَن عَمَلِ الآخِرَةِ (2) .

عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ لابنِهِ الحَسَن عليه السلام _: لا تَدَعِ الطَّلَبَ فيما يَحِلُّ ويَطيبُ ؛ فَلابُدَّ مِن بُلغَةٍ ، وسَيَأتيكَ ما قُدِّرَ لَكَ (3) .

عنه عليه السلام :لِلمُؤمِنِ ثَلاثُ ساعاتٍ : فَساعَةٌ يُناجي فيها رَبَّهُ ، وساعَةٌ يَرُمُّ (4) مَعاشَهُ ، وساعَةٌ يُخَلّي بَينَ نَفِسهِ وبَينَ لَذَّتِها فيما يَحِلُّ ويَجمُلُ . ولَيسَ لِلعاقِلِ أن يَكونَ شاخِصا إلّا في ثَلاثٍ : مَرَمَّةٍ لِمَعاشٍ ، أو خُطوَةٍ في مَعادٍ ، أو لَذَّةٍ في غَيرِ مُحَرَّمٍ (5) .

شرح نهج البلاغة_ في ذِكرِ صَدَقاتِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: كانَ يَعمَلُ بِيَدِهِ ، ويَحرُثُ الأَرضَ، ويَستَقِيالماءَ، ويَغرِسُ النَّخلَ، كُلُّ ذلِكَ يُباشِرُهُ بِنَفسِهِ الشَّريفَةِ (6) .

راجع : ج 5 ص 440 (الجمع بين العبادة والعمل) . و ص 466 (صدقاته) .

5 / 2عمارة البلادالإمام عليّ عليه السلام 7_ في عَهدِهِ إلى مالِكِ الأَشتَرِ _الإمام عليّ عليه السلام 8 : هذا ما أمَرَ بِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنين

.


1- .تحف العقول : ص390 عن هشام بن الحكم عن الإمام الكاظم عليه السلام ، بحار الأنوار : ج78 ص304 ح1 .
2- .الأمالي للمفيد : ص119 ح3 عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، بحار الأنوار : ج77 ص422 ح41 .
3- .كنز العمّال : ج16 ص177 ح44215 نقلاً عن وكيع والعسكري في المواعظ .
4- .رَمَّ الشيء يَرُمّه : أصلحه (لسان العرب : ج12 ص252) .
5- .نهج البلاغة : الحكمة 390 ، تحف العقول : ص203 ، الأمالي للطوسي : ص147 ح240 عن أبي وجزة السعدي عن أبيه وفيهما «ساعة يحاسب فيها نفسه» بدل «ساعة يرمّ معاشه» ، بحار الأنوار : ج103 ص12 ح56 .
6- .شرح نهج البلاغة : ج15 ص147 .

ص: 429

5 / 3 التّنمية الزّراعيّة

مالِكَ بنَ الحارِثِ الأَشتَرَ في عَهدِهِ إلَيهِ ، حينَ وَلاّهُ مِصرَ : جِبايَةَ خَراجِها ، وجِهادَ عَدُوِّها ، واستِصلاحَ أهلِها ، وعِمارَةَ بِلادِها (1) .

عنه عليه السلام_ مِمّا كَتَبَهُ إلى قَرَظَةَ بنِ كَعبٍ الأَنصارِيِّ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ رِجالاً مِن أهلِ الذِّمَّةِ مِن عَمَلِكَ ذَكَروا نَهرا في أرضِهِم قَد عَفا وَادُّفِنَ ، وفيهِ لَهُم عِمارَةٌ عَلَى المُسلِمينَ ، فَانظُر أنتَ وهُم ، ثُمَّ اعمُر وأصلِحِ النَّهرَ ؛ فَلَعَمري لَأَن يَعمُروا أحَبُّ إلَينا مِن أن يَخرُجوا وأن يَعجِزوا أو يُقَصِّروا في واجِبٍ مِن صَلاحِ البِلادِ . وَالسَّلامُ (2) .

عنه عليه السلام :فَضيلَةُ السُّلطانِ عِمارَةُ البُلدانِ (3) .

راجع : ص 439 (سياسة أخذ الخراج) .

5 / 3التَّنمِيةُ الزِّراعِيَّةُالإمام عليّ عليه السلام :مَن وَجَدَ ماءً وتُرابا ثُمَّ افتَقَرَ فَأَبعَدَهُ اللّهُ (4) .

عنه عليه السلام :إنَّ مَعايِشَ الخَلقِ خَمسَةٌ : الإِمارَةُ ، وَالعِمارَةُ ، وَالتِّجارَةُ ، وَالإِجارَةُ ، وَالصَّدَقاتُ . . . وأمّا وَجهُ العِمارَةِ فَقَولُهُ تَعالى : «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُم

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص126 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص203 .
3- .غرر الحكم : ح6562 ، عيون الحكم والمواعظ : ص357 ح6044 .
4- .قرب الإسناد : ص115 ح404 عن الحسين بن علوان عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام ، بحار الأنوار : ج103 ص 65 ح10 .

ص: 430

5 / 4 التّنمية الصّناعيّة

فِيهَا» (1) ، فَأَعلَمَنا سُبحانَهُ أنَّهُ قَد أمَرَهُم بِالعِمارَةِ ؛ لَيَكونَ ذلِكَ سَبَبا لِمَعايِشِهِم بِما يَخرُجُ مِنَ الأَرضِ ؛ مِنَ الحَبِّ ، وَالثَّمَراتِ ، وما شاكَلَ ذلِكَ ، مِمّا جَعَلَهُ اللّهُ مَعايِشَ لِلخَلقِ (2) .

الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَكتُبُ إلى اُمَراءِ الأَجنادِ : أنشُدُكُمُ اللّهَ في فَلّاحِي الأَرضِ أن يُظلَموا قِبَلَكُم (3) .

راجع : ص 439 (سياسة أخذ الخراج) . و كتاب «التنمية الاقتصادية في الكتاب والسنّة» : ص 152 (الزرع والغَرس) .

5 / 4التَّنمِيَةُ الصِّناعِيَّةُالإمام عليّ عليه السلام :حِرفَةُ (4) المَرءِ كَنزٌ (5) .

عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يُحِبُّ المُحتَرِفَ الأَمينَ (6) .

عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لا تَطلُب سُرعَةَ العَمَلِ ، وَاطلُب تَجويدَهُ ؛ فَإِنَّ النّاسَ لا يَسأَلونَ في كَم فَرَغَ مِنَ العَمَلِ ، إنَّما يَسأَلونَ عَن جَودَةِ صَنعَتِهِ (7) .

.


1- .هود : 61 .
2- .وسائل الشيعة : ج13 ص195 ح10 نقلاً عن تفسير النعماني عن غياث بن إبراهيم عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار : ج93 ص46 و 47 .
3- .قرب الإسناد : ص138 ح489 عن أبي البختري عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار : ج100 ص33 ح10 .
4- .الحرفة : الاسم من الاحتراف ؛ وهو الاكتساب بالصناعة والتجارة (مجمع البحرين : ج1 ص389) .
5- .المواعظ العدديّة : ص55 .
6- .الكافي : ج5 ص113 ح1 عن محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص158 ح3580 ، الخصال : ص621 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عنه عليهم السلام ، تحف العقول : ص111 .
7- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص267 ح103 .

ص: 431

5 / 5 التّنمية التّجاريّة

الكافي عن اُمّ الحسن النَّخَعِيَّة :مَرَّ بي أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : أيَّ شَيءٍ تَصنَعينَ يا اُمَّ الحَسَنِ ؟ قُلتُ : أغزِلُ . فَقالَ : أما إنَّهُ أحَلُّ الكَسبِ _ أو مِن أحَلِّ الكَسبِ _ (1) .

تفسير العيّاشي عن محمّد بن خالد الضَّبِّيّ :مَرَّ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ عَلَى امرَأَةٍ وهِيَ جالِسَةٌ عَلى بابِ دارِها بُكرَةً ، وكانَ يُقالُ لَها : اُمُّ بَكرٍ ، وفي يَدِها مِغزَلٌ تَغزِلُ بِهِ ، فَقالَ : يا اُمَّ بَكرٍ ، أ ما كَبِرتِ ! أ لَم يَأنِ لَكِ أن تَضَعي هذَا المِغزَلَ ؟ ! فَقالَت : وكَيفَ أضَعُهُ وسَمِعتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : هوَ مِن طَيِّباتِ الكَسبِ ! (2)

5 / 5التَّنمِيَةُ التِّجارِيَّةُالإمام عليّ عليه السلام :تَعَرَّضوا لِلتِّجارَةِ ؛ فَإِنَّ فيها غِنىً لَكُم عَمّا في أيدِي النّاسِ (3) .

عنه عليه السلام_ لِلمَوالي _: اِتَّجِروا ، بارَكَ اللّهُ لَكُم ؛ فَإِنّي قَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : الرِّزقُ عَشَرَةُ أجزاءٍ ؛ تِسعَةُ أجزاءٍ فِي التِّجارَةِ ، وَواحِدَةٌ في غَيرِها (4) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ استَوصِ بِالتُّجّارِ وذَوِي الصِّناعاتِ ، وأوصِ بِهِم خَيرا ، المُقيمِ مِنهُم وَالمُضطَرِبِ بِمالِهِ ، وَالمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ ؛ فَإِنَّهُم مَواد

.


1- .الكافي : ج5 ص311 ح32 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص382 ح1127 .
2- .تفسير العيّاشي : ج1 ص150 ح494 ، بحار الأنوار : ج103 ص53 ح15 .
3- .الكافي : ج5 ص149 ح9 عن محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص193 ح3723 ، الخصال : ص621 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام وزاد في آخره «وإنّ اللّه عزّوجلّ يحبّ العبد المحترف الأمين» .
4- .الكافي : ج5 ص319 ح59 عن الفضل بن أبي قرّة عن الإمام الصادق عليه السلام ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص192 ح3722 ، عدّة الداعي : ص72 ، عوالي اللآلي : ج1 ص267 ح68 وفيه قوله صلى الله عليه و آله .

ص: 432

5 / 6 مراقبة السّوق مباشرة

المَنافِعِ ، وأسبابُ المَرافِقِ ، وجُلّابُها مِنَ المَباعِدِ وَالمَطارِحِ (1) ، في بَرِّكَ وبَحرِكَ ، وسَهلِكَ وجَبَلِكَ ، وحَيثُ لا يَلتَئِمُ النّاسُ لِمَواضِعِها ، ولا يَجتَرِؤونَ عَلَيها ؛ فَإِنَّهُم سِلمٌ لا تُخافُ بائِقَتُهُ ، وصُلحٌ لا تُخشَى غائِلَتُهُ . وتَفَقَّد اُمورَهُم بِحَضرَتِكَ ، وفي حَواشي بِلادِكَ (2) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ (في روايَةِ تُحَفِ العُقولِ) _: ثُمَّ التُّجّارَ وذَوِي الصِّناعاتِ فَاستَوصِ وأوصِ بِهِم خَيراً ؛ المُقيمِ مِنهُم ، وَالمُضطَرِبِ (3) بِمالِهِ ، وَالمُتَرَفِّقِ بِيَدِهِ ؛ فَإِنَّهُم مَوادٌّ لِلمَنافِعِ ، وجُلّابُها فِي البِلادِ في بَرِّكَ وبَحرِكَ وسَهلِكَ وجَبَلِكَ ، وحَيثُ لا يَلتَئِمُ النّاسُ لِمَواضِعِها ولا يَجتَرِئونَ عَلَيها مِن بِلادِ أعدائِكَ مِن أهلِ الصِّناعاتِ الَّتي أجرَى اللّهُ الرِّفقَ مِنها عَلى أيديهِم فَاحفَظ حُرمَتَهُم ، وآمِن سُبُلَهُم ، وَخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم ؛ فَإِنَّهُم سِلمٌ لا تُخافُ بائِقَتُهُ ، وصُلحٌ لا تُحذَرُ غائِلَتُهُ ، أحَبُّ الاُمورِ إلَيهِم أجمَعُها لِلأَمنِ وأجمَعُها لِلسُّلطانِ ، فَتَفَقَّد اُمورَهُم بِحَضرَتِكَ ، وفي حَواشي بِلادِكَ (4) .

5 / 6مُراقَبَةُ السّوقِ مُباشَرَةًالإمام الباقر عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِالكوفَةِ عِندَكُم يَغتَدي كُلَّ يَومٍ بُكرَةً مِنَ القَصرِ ، فَيَطوفُ في أسواق الكوفَةِ سوقا سوقا ومَعَهُ الدِّرَّةُ عَلى عاتِقِهِ ، وكانَ لَها طَرَفانِ ، وكانَت تُسَمّى : السَّبيبَةَ ، فَيَقِفُ عَلى أهلِ كُلِّ سوقٍ ، فَيُنادي : يا مَعشَر

.


1- .الطَّرَح : البُعد والمكان البعيد (لسان العرب : ج2 ص528) .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 53 .
3- .المضطرب بماله : المتردّد به بين البلدان .
4- .تحف العقول : ص140 .

ص: 433

التُّجّارِ ، اتَّقُوا اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ . فَإِذا سَمِعوا صَوتَهُ عليه السلام ألقَوا ما بِأَيديهِم ، وأرعَوا (1) إلَيهِ بِقُلوبِهِم ، وسَمِعوا بِآذانِهِم . فَيَقولُ عليه السلام : قَدِّمُوا الِاستِخارَةَ ، وتَبَرَّكوا بِالسُّهولَةِ ، وَاقتَرِبوا مِنَ المُبتاعينَ ، وتَزَيَّنوا بِالحِلمِ ، وتَناهَوا عَنِ اليَمينِ ، وجانِبُوا الكَذِبَ ، وتَجافَوا عَنِ الظُّلمِ ، وأنصِفُوا المَظلومينَ ، ولا تَقرَبُوا الرِّبا ، وأوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ ، ولا تَبخَسُوا النّاسَ أشياءَهُم ، ولا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ . فَيَطوفُ عليه السلام في جَميعِ أسواقِ الكوفَةِ ، ثُمَّ يَرجِعُ فَيَقعُدُ لِلنّاسِ (2) .

الإمام الحسين عليه السلام :إنَّهُ [ عَلِيّاً عليه السلام ] رَكِبَ بَغلَةَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الشَّهباءَ بِالكوفَةِ ، فَأَتى سوقا سوقا ، فَأَتى طاقَ اللَّحّامينَ ، فَقالَ بِأَعلى صَوتِهِ : يا مَعشَرَ القَصّابينَ ، لا تَنخَعوا ، ولا تَعجَلُوا الأَنفُسَ حَتّى تَزهَقَ ، وإيّاكُم وَالنَّفخَ فِي اللَّحمِ لِلبَيعِ ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَنهى عَن ذلِكَ . ثُمَّ أتَى التَّمّارينَ فَقالَ : أظهِروا مِن رَديِّ بَيعِكُم ما تُظهِرونَ مِن جَيِّدِهِ . ثُمَّ أتَى السَّمّاكينَ فَقالَ : لا تَبيعوا (3) إلّا طَيِّبا ، وإيّاكُم وما طَفا (4) . ثُمَّ أتَى الكُناسَةَ (5) فَإِذا فيها أنواعُ التِّجارَةِ ؛ مِن نَحّاسٍ ، ومِن مائِعٍ ، ومِن قَمّاطٍ ،

.


1- .أرعى إليه: استمع، وأرعَيتُ فلانا سمعي: إذا استمعتَ إلى ما يقول وأصغيت إليه (لسان العرب: ج14 ص327).
2- .الكافي : ج5 ص151 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج7 ص6 ح17 ، الأمالي للمفيد : ص197 ح31 كلّها عن جابر ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص193 ح3726 ، الأمالي للصدوق : ص587 ح809 وليس في الثلاثة الأخيرة من «اتّقوا اللّه عزّوجلّ» إلى «بآذانهم» ، السرائر : ج2 ص230 ، تحف العقول : ص216 نحوه .
3- .في المصدر : «تبيعون» وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه كما في دعائم الإسلام .
4- .في المصدر : «وما حلفا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في دعائم الإسلام .
5- .الكُنَاسَة : محلّة بالكوفة ، عندها واقع يوسف بن عمر الثقفي زيد بن عليّ بن الحسين (معجم البلدان : ج4 ص481) .

ص: 434

ومِن بائِعِ إبَرٍ (1) ، ومِن صَيرَفِيٍّ ، ومِن حَنّاطٍ ، ومِن بَزّازٍ ، فَنادى بِأَعلى صَوتِهِ : إنَّ أسواقَكُم هذِهِ يَحضُرُهَا الأَيمانُ ، فَشوبوا أيمانَكُم بِالصَّدَقَةِ ، وكُفّوا عَنِ الحَلفِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يُقَدِّسُ مَن حَلَفَ بِاسمِهِ كاذِبا (2) .

فضائل الصحابة عن أبي الصَّهباء :رَأَيتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ بِشَطِّ الكَلَأَ يَسأَلُ عَنِ الأَسعارِ (3) .

دعائم الإسلام :إنَّهُ [عَليّا عليه السلام ] كانَ يَمشي فِي الأَسواقِ ، وبِيَدِهِ دِرَّةٌ يَضرِبُ بِها مَن وَجَدَ مِن مُطَفِّفٍ أو غاشٍّ في تِجارَةِ المُسلِمينَ . قالَ الأَصبَغُ : قُلتُ لَهُ يَوما أنَا أكفيكَ هذا يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وَاجلِس في بَيتِكَ !قالَ : ما نَصَحتَني يا أصبَغُ (4) .

تاريخ دمشق عن أبي سعيد :كانَ عَلِيٌّ يَأتِي السّوقَ فَيَقولُ : يا أهلَ السّوقِ ، اتَّقُوا اللّهَ ، وإيّاكُم وَالحَلفَ ؛ فَإِنَّ الحَلفَ يُنفِقُ السِّلعَةَ ، ويَمحَقُ البَرَكَةَ . وإنَّ التّاجِرَ فاجِرٌ ، إلّا مَن أخَذَ الحَقَّ ، وأعطَى الحَقَّ ، وَالسَّلامُ عَلَيكُم (5) .

ربيع الأبرار :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَمُرُّ فِي السّوقِ عَلَى الباعَةِ ، فَيَقولُ لَهُم : أحسِنوا ، أرخِصوا بَيعَكُم عَلَى المُسلِمينَ ؛ فإِنَّهُ أعظَمُ لِلبَرَكَةِ (6) .

تاريخ دمشق عن زاذان :إنّهُ [عَليّا عليه السلام ] كانَ يَمشي فِي الأَسواقِ وَحدَهُ وهُوَ والٍ ، يُرشِد

.


1- .في دعائم الإسلام : «من نخّاس وقمّاط وبائع إبل» .
2- .الجعفريّات : ص238 ، دعائم الإسلام : ج2 ص538 ح1913 عن الأصبغ نحوه .
3- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص547 ح919 ، ذخائر العقبى : ص192 .
4- .دعائم الإسلام : ج2 ص538 ح1913 .
5- .تاريخ دمشق : ج42 ص409 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج5 ص260 ح4 عن زاذان نحوه إلى «البركة» ؛ الغارات : ج1 ص110 .
6- .ربيع الأبرار : ج4 ص154 .

ص: 435

الضّالَّ ، ويُعينُ الضَّعيفَ ، ويَمُرُّ بِالبَيّاعِ وَالبَقّالِ فَيَفتَحُ عَلَيهِ القُرآنَ . وقَرَأَ : «تِلْكَ الدَّارُ الْأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا» (1) ، فَقالَ : نَزَلَت هذِهِ في أهلِ العَدلِ وَالتَّواضُعِ مِنَ الوُلاةِ ، وأهلِ القُدرَةِ مِن سائِرِ النّاسِ (2) .

مكارم الأخلاق عن وشيكة :رَأَيتُ عَلِيّا عليه السلام يَتَّزِرُ فَوقَ سُرَّتِهِ ، ويَرفَعُ إزارَهُ إلى أنصافِ ساقَيهِ ، وبِيَدِهِ دِرَّةٌ يَدورُ فِي السّوقِ ، يَقولُ : اِتَّقُوا اللّهَ ، وأوفُوا الكَيلَ ، كَأَنَّهُ مُعَلِّمُ صِبيانٍ (3) .

الطبقات الكبرى عن جُرموز :رَأَيتُ عَلِيّا وهُوَ يَخرُجُ مِنَ القَصرِ وعَلَيهِ قِطرِيَّتانِ : إزارٌ إلى نِصفِ السّاقِ ، ورِداءٌ مُشَمَّرٌ قَريبٌ مِنهُ ، ومَعَهُ دِرَّةٌ لَهُ يَمشي بِها فِي الأَسواقِ ، ويَأمُرُهُم بِتَقوَى اللّهِ ، وحُسنِ البَيعِ ، ويَقولُ : أوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ ، وَيقولُ : لا تَنفَخُوا اللَّحمُ (4) .

مكارم الأخلاق عن عبد اللّه بن عبّاس :لَمَّا رَجَعَ مِنَ البَصرَةِ وحَمَلَ المالَ ودَخَلَ الكوفَةَ وَجَدَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام قائِما فِي السّوقِ ، وهُوَ يُنادي بِنَفسِهِ : مَعاشِرَ النّاسِ ، مَن أصَبناهُ بَعدَ يَومِنا هذا يَبيعُ الجِرِّيَّ وَالطّافِيَ وَالمارماهي عَلَوناهُ بِدِرَّتِنا هذِهِ _ وكانَ يُقالُ لِدِرَّتِهِ : السِّبِتيَّةُ _ . قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ ، ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، ما فَعَل

.


1- .القصص : 83 .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص489 ، البداية والنهاية : ج8 ص5 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص104 نحوه وليس فيه من «فقال : نزلت . . .» ، مجمع البيان : ج7 ص420 وراجع فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص621 ح1064 .
3- .مكارم الأخلاق : ج1 ص247 ح732 .
4- .الطبقات الكبرى : ج3 ص28 ، تاريخ دمشق : ج42 ص484 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص645 ؛ شرح الأخبار : ج2 ص364 ح725 نحوه .

ص: 436

المالُ ؟ فَقُلتُ : ها هُوَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وحَمَلتُهُ إلَيهِ ، فَقَرَّبَني ، ورَحَّبَ بي . ثُمَّ أتاهُ مُنادٍ ومَعَهُ سَيفُهُ يُنادي عَلَيهِ بِسَبعَةِ دَراهِمَ ، فَقالَ : لَو كانَ لي في بَيتِ مالِ المُسلِمينَ ثَمَنُ سِواكِ أراكٍ ما بِعتُهُ ، فَباعَهُ ، وَاشتَرى قَميصا بِأَربَعَةِ دَراهِمَ لَهُ ، وتَصَدَّقَ بِدِرهَمَينِ ، وأضافَني بِدِرهَمٍ ثَلاثَةَ أيّامٍ (1) .

فضائل الصحابة عن أبي مَطَرٍ البصري أنَّهُ شَهِدَ عَلِيّا أتى أصحابَ التَّمرِ وجارِيَةٌ تَبكي عِندَ التَّمّارِ ، فَقالَ :ما شَأنُكِ ؟ قالَت : باعَني تَمرا بِدِرهَمٍ ، فَرَدَّهُ مَولايَ ، فَأَبى أن يَقبَلَهُ . قالَ : يا صاحِبَ التَّمرِ ، خُذ تَمرَكَ ، وأعطِها دِرهَمَها ؛ فَإنّها خادِمٌ ، ولَيسَ لَها أمرٌ . فَدَفَعَ عَلِيّا ، فَقالَ لَهُ المُسلِمونَ : تَدري مَن دَفَعتَ ؟ ! ! قالَ : لا . قالوا : أميرَ المُؤمِنينَ ! !فَصَبَّ تَمرَها ، وأعطاها دِرهَمَها . قالَ : اُحِبُّ أن تَرضى عَنّي ! قالَ : ما أرضاني عَنكَ إذا أوفَيتَ النّاسَ حُقوقَهُم (2) .

مكارم الأخلاق عن مُختار التمّار :كُنتُ أبيتُ في مَسجِدِ الكوفَةِ ، وأنزِلُ في الرَّحبَةِ ، وآكُلُ الخُبزَ مِنَ البَقّالِ _ وكانَ مِن أهلِ البَصرَةِ _ . فَخَرَجتُ ذاتَ يَومٍ ، فَإِذا رَجُلٌ يُصَوِّتُ بي : اِرفَع إزارَكَ ؛ فَإِنَّهُ أنقى لِثَوبِكَ ، وأتقى لِرَبِّكَ . فَقُلتُ : مَن هذا ؟فَقيلَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَخَرَجتُ أتبَعُهُ وهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلى سوقِ الإِبِلِ ، فَلَمّا أتاها وَقَفَ ، وقالَ : يا مَعشَرَ التُّجّارِ ، إيّاكُم وَاليَمينَ الفاجِرَةَ ؛ فَإِنَّها تُنفِقُ السِّلعَةَ ، وتَمحَقُ البَرَكَةَ . ثُمَّ مَضى حَتّى أتى إلَى التَّمّارينَ ، فَإِذا جارِيَةٌ تَبكي عَلى تَمّارٍ ، فَقالَ : ما

.


1- .مكارم الأخلاق : ج1 ص249 ح740 .
2- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج2 ص621 ح1062 ، ربيع الأبرار : ج4 ص153 نحوه وراجع المناقب للكوفي : ج2 ص60 ح547 .

ص: 437

لَكِ ؟قالَت : إنّي أمَةٌ ، أرسَلَني أهلي أبتاعُ لَهُم بِدِرهَمٍ تَمرا ، فَلَمّا أتَيتُهُم بِهِ لَم يَرضَوهُ ، فَرَدَدتُهُ ، فَأَبى أن يَقبَلَهُ ! فَقالَ : يا هذا ، خُذ مِنهَا التَّمرَ ، ورُدَّ عَلَيها دِرهَمَها . فَأَبى ، فَقيلَ لِلتَّمّارِ : هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، فَقَبِلَ التَّمرَ ، ورَدَّ الدِّرهِمَ عَلَى الجارِيَةِ ، وقالَ : ما عَرَفتُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَاغفِر لي . فَقالَ :يا مَعشَرَ التُّجّارِ ، اتَّقُوا اللّهَ ، وأحسِنوا مُبايَعَتَكُم ، يَغفِرُ اللّهُ لَنا ولَكُم . ثُمَّ مَضى ، وأقبَلَتِ السَّماءُ بِالمَطَرِ ، فَدَنا إلى حانوتٍ ، فَاستَأذَنَ ، فَلَم يَأذَن لَهُ صاحِبُ الحانوتِ ودَفَعَهُ ، فَقالَ : يا قَنبَرُ ، أخرِجهُ إلَيَّ ، فَعَلاهُ بِالدِّرَّةِ ، ثُمَّ قالَ : ما ضَرَبتُكَ لِدَفعِكَ إيّايَ ، ولكِنّي ضَرَبتُكَ لِئَلّا تَدفَعَ مُسلِما ضَعيفا فَتَكسِرَ بَعضُ أعضائِهِ فَيَلزَمَكَ . ثُمَّ مَضى حَتّى أتى سوقَ الكَرابيسِ ، فَإِذا هُوَ بِرَجُلٍ وَسيمٍ ، فَقالَ : يا هذا ، عِندَكَ ثَوبانِ بِخَمسَةِ دَراهِمَ ؟ فَوَثَبَ الرَّجُلُ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، عِندي حاجَتُكَ . فَلَمّا عَرَفَهُ مَضى عَنهُ . فَوَقَفَ عَلى غُلامٍ ، فَقالَ : يا غُلامُ ، عِندكَ ثَوبانِ بِخَمسَةِ دَراهِمَ ؟قالَ : نَعَم عِندي ، فَأَخَذَ ثَوبَينِ ؛ أحَدَهُما بِثَلاثَةِ دَراهِمَ ، وَالآخَرُ بِدِرهَمَينِ ، فَقالَ : يا قَنبَرُ ، خُذِ الَّذي بِثَلاثَةٍ . فَقالَ : أنتَ أولى بِهِ ؛ تَصعَدُ المِنبَرَ ، وتَخطُبُ النّاسَ . قالَ : وأنتَ شابٌّ ولَكَ شِرَّةُ الشَّبابِ ، وأنَا أستَحيي مِن رَبّي أن أتَفَضَّلَ عَلَيكَ ؛ سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : ألبِسوهُم مِمّا تَلبَسونَ ، وأطعِموهُم مِمّا تَطعَمونَ . فَلَمّا لَبِسَ القَميصَ مَدَّ يَدَهُ في ذلِكَ ، فَإِذا هُوَ يَفضُلُ عَن أصابِعِهِ ، فَقالَ : اِقطَع هذَا الفَضلَ ، فَقَطَعَهُ ، فَقالَ الغُلامُ : هَلُمَّ أكُفَّهُ ، قالَ : دَعهُ كَما هُوَ ؛ فَإِنَّ الأَمرَ أسرَعُ مِن ذلِكَ (1) .

.


1- .مكارم الأخلاق : ج1 ص224 ح659 وراجع الغارات : ج1 ص105 والمناقب للكوفي : ج2 ص602 ح1103 وفضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص528 ح878 والمنتخب من مسند عبد بن حميد : ص62 ح96 وتاريخ دمشق : ج42 ص485 وصفة الصفوة : ج1 ص134 والمناقب للخوارزمي: ص121 ح136 والبداية والنهاية: ج8 ص4 .

ص: 438

5 / 7 منع الاحتكار

تاريخ الطبري عن يزيد بن عدي بن عثمان :رَأَيتُ عَلِيّا عليه السلام خارِجا مِن هَمدانَ ، فَرَأى فِئَتَينِ يَقتَتِلانِ ، فَفَرَّقَ بَينَهُما ، ثُمَّ مَضى ، فَسَمِعَ صَوتا : ياغَوثاه بِاللّهِ ! فَخَرَجَ يَحضُرُ نَحوَهُ حَتّى سَمِعتُ خَفقَ نَعلِهِ وهوَ يَقولُ : أتاكَ الغَوثُ ، فَإِذا رَجُلٌ يُلازِمُ رَجُلاً ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، بِعتُ هذا ثَوبا بِتِسعَةِ دَراهِمَ ، وشَرَطتُ عَلَيهِ ألّا يُعطِيَني مَغموزا (1) ولا مَقطوعا _ وكانَ شَرطَهُم يَومَئِذٍ _ فَأَتَيتُهُ بِهذِهِ الدَّراهِمِ لِيُبدِلَها لي ، فَأَبى ، فَلَزِمتُهُ ، فَلَطَمَني ! فَقالَ : أبدِلهُ . فَقالَ : بَيِّنَتُكَ عَلَى اللَّطمَةِ ؟ فَأَتاهُ بِالبَيِّنَةِ . فَأَقعَدَهُ ، ثُمَّ قالَ : دونَكَ فَاقتَصِّ ! فَقالَ : إنّي قَد عَفَوتُ يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : إنّما أرَدتُ أن أحتاطَ في حَقِّكَ ، ثُمَّ ضَرَبَ الرَّجُلَ تِسعَ دَرّاتٍ ، وقالَ : هذا حَقُّ السُّلطانِ (2) .

5 / 7مَنعُ الاحتِكارِالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى رِفاعَةَ _: اِنهَ عَنِ الحُكرَةِ ، فَمَن رَكِبَ النَّهيَ فَأَوجِعهُ ، ثُمَّ عاقِبهُ بِإِظهارِ مَا احتَكَرَ (3) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ استَوصِ بِالتُّجّارِ وذَوِي الصِّناعاتِ . . .وَاعلَم _ مَعَ ذلِكَ _ أنَّ في كَثيرٍ مِنهُم ضيقا فاحِشا ، وشُحّا قَبيحا ، وَاحتِكارا لِلمَنافِعِ ، وتَحَكُّما في البِياعاتِ ، وذلِكَ بابُ مَضَرَّةٍ لِلعامَّةِ ، وعَيبٌ عَلَى الوُلاةِ ، فَامنَع مِن

.


1- .ليس فيه مغْمَزَة : أي عيب (مجمع البحرين : ج2 ص1335) .
2- .تاريخ الطبري : ج5 ص156 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص442 نحوه وفيه «رجلين» بدل «فئتين» .
3- .دعائم الإسلام : ج2 ص36 ح80 .

ص: 439

5 / 8 سياسة أخذ الخراج

الاِحتِكارِ ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَنَعَ مِنهُ . وَليَكُن البَيعُ بَيعا سَمحا ، بِمَوازينِ عَدلٍ ، وأسعارٍ لا تُجحِفُ بِالفَريقَينِ مِنَ البائِعِ وَالمُبتاعِ . فَمَن قارَفَ حُكرَةً بَعدَ نَهيِكَ إيّاهُ فَنَكِّل بِهِ ، وعاقِبهُ في غَيرِ إسرافٍ (1) .

5 / 8سِياسَةُ أخذِ الخَراجِالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى اُمَراءِ الخَراجِ _: بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى اُمَراءِ الخَراجِ ، أمّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ مَن لَم يَحذَر ما هُوَ صائِرٌ إلَيهِ لَم يُقَدِّم لِنَفسِهِ ولَم يُحرِزها ، ومَنِ اتَّبَعَ هَواهُ وَانقادَ لَهُ عَلى ما يَعرِفُ نَفعَ عاقِبَتِهِ عَمّا قَليلٍ لَيُصبِحَنَّ مِنَ النّادِمينَ . ألا وإنَّ أسعَدَ النّاسِ فِي الدُّنيا مَن عَدَلَ عَمّا يَعرِفُ ضَرَّهُ ، وإنَّ أشقاهُم مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ . فَاعتَبِروا . وَاعلَموا أنَّ لَكُم ما قَدَّمتُم مِن خَيرٍ ، وما سِوى ذلِكَ وَدِدتُم لَو أنَّ بَينَكُم وبَينَهُ أمَدا بَعيدا ، ويُحَذِّرُكُم اللّهُ نَفسَهُ ، وَاللّهُ رَؤوفٌ ورَحيمٌ بِالعِبادِ . وأنَّ عَلَيكُم ما فَرَّطتُم فيهِ . وإنَّ الَّذي طَلَبتُم لَيَسيرٌ ، وإنَّ ثَوابَهُ لَكَبيرٌ . ولَو لَم يَكُن فيما نُهِيَ عَنهُ مِنَ الظُّلمِ وَالعُدوانِ عِقابٌ يُخافُ ، كانَ في ثَوابِهِ ما لا عُذرَ لِأَحَدٍ بِتَركِ طَلِبَتِهِ ، فَارحَموا تُرحَموا ، ولا تُعَذِّبوا خَلقَ اللّهِ ، ولا تُكَلِّفوهُم فَوقَ طاقَتِهِم ، وأنصِفُوا النّاسَ مِن أنفُسِكُم ، وَاصبِروا لِحَوائِجِهِم ؛ فَإِنَّكُم خُزّانُ الرَّعِيَّةِ . لا تَتَّخِذُنّ حُجّابا ، ولا تَحجُبُنَّ أحَدا عَن حاجَتِهِ حَتّى يُنهِيَها إلَيكُم ، ولا تَأخُذوا أحَدا

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص140 .

ص: 440

بِأَحَدٍ ، إلّا كَفيلاً عَمَّن كَفَلَ عَنهُ ، وَاصبِروا أنفُسَكُم عَلى ما فيهِ الاِغتِباطُ ، وإيّاكُم وتَأخيرَ العَمَلِ ، ودَفعَ الخَيرِ ؛ فَإِنَّ في ذلِكَ النَّدمَ . وَالسَّلامُ (1) .

الكافي عن مهاجر عَن رَجُلٍ مِن ثَقيفٍ :اِستَعمَلَني عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلى بانِقيا (2) وسَوادٍ مِن سَوادِ الكوفَةِ ، فَقالَ لي _ وَالنّاسُ حُضورٌ _ : اُنظُر خَراجَكَ فَجُدَّ فيهِ ، ولا تَترُك مِنهُ دِرهَما ، فَإِذا أرَدتَ أن تَتَوَجَّهَ إلى عَمَلِكَ فَمُرَّ بي . قالَ : فَأَتَيتُهُ ، فَقالَ لي : إنَّ الَّذي سَمِعتَ مِنّي خُدعَةٌ ، إيّاكَ أن تَضرِبَ مُسلِما أو يَهودِيّا أو نَصرانِيّا في دِرهَمِ خَراجٍ ، أو تَبيعَ دَابَّةَ عَمَلٍ في دِرهَمٍ ، فَإِنَّما اُمِرنا أن نَأخُذَ مِنهُمْ العَفوَ (3) .

السنن الكبرى عن عبد الملك بن عمير :أخبَرَني رَجُلٌ مِن ثَقيفٍ قالَ : اِستَعمَلَني عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه عَلى بُزُرجَسابورَ (4) ، فَقالَ : لا تَضرِبَنَّ رَجُلاً سَوطا في جِبايَةِ دِرهَمٍ ، ولا تَبيعَنَّ لَهُم رِزقا ، ولا كِسوَةَ شِتاءٍ ولا صَيفٍ ، ولا دَابَّةً يَعتَمِلونَ عَلَيها ، ولا تُقِم رَجُلاً قائِما في طَلَبِ دِرهَمٍ . قالَ : قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إذا أرجِعُ إلَيكَ كَما ذَهَبتُ مِن عِندِكَ ! قالَ : وإن رَجَعتَ كَما ذَهَبتَ ، وَيحَكَ إنَّما اُمِرنا أن نَأخُذَ مِنهُم العَفوَ _ يَعني الفَضلَ _ (5) .

تاريخ دمشق عن عبدالمَلِك بن عُمَير:حَدَّثَني رَجُلٌ مِن ثَقيفٍ أنَّ عَلِيّا اِستَعمَلَهُ عَلى عُكبَرا (6)

.


1- .وقعة صفّين : ص108 ؛ المعيار والموازنة : ص122 نحوه وراجع نهج البلاغة : الكتاب 51 .
2- .بانقيا : ناحية من نواحي الكوفة (معجم البلدان : ج1 ص331) .
3- .الكافي : ج3 ص540 ح8 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص98 ح275 عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن رجل من ثقيف ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص24 ح1605 .
4- .بُزُرْجَسابور : من طساسيج بغداد (معجم البلدان : ج1 ص410) .
5- .السنن الكبرى : ج9 ص345 ح18736 ، اُسد الغابة : ج4 ص98 ح3789 وفيه «مدرج سابور» بدل «بُزُرْجسابور» ، كنز العمّال : ج4 ص501 ح11488 نقلاً عن سنن سعيد بن منصور وفيه «برج سابور» .
6- .عُكبَرَا : بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ بينها وبين بعقوبة ، وقد بناها شابور ذو الأكتاف ويطلقون عليها أيضا «بزرج شابور» (راجع تقويم البلدان : ص301) .

ص: 441

_ قالَ : ولَم يَكُنِ السَّوادُ يَسكُنُهُ المُصَلّونَ _ فَقالَ لي بَينَ أيديهِم : لَتَستَوفي خَراجَهُم ، ولا يَجِدونَ فيكَ رُخصَةً ، ولا يَجِدونَ فيكَ ضَعفا . ثُمَّ قالَ لي : إذا كانَ عِندَ الظُّهرِ فَرُح إلَيَّ . فَرُحتُ إلَيهِ ، فَلَم أجِد عَلَيهِ حاجِبا يَحجُبُني دونَهُ ، وَجَدتُهُ جالِسا وعِندَهُ قَدَحٌ وكوزٌ فيهِ ماءٌ ، فَدَعا مطيّبه (1) ، فَقُلتُ في نَفسي : لَقَد أمَنَني حَتّى يُخرِجَ إلَيَّ جَوهَرا (2) _ إذ لا أدري ما فيها ، فَإِذا عَلَيها خاتَمٌ ، فَكَسَرَ الخاتَمَ فَإِذا فيها سَويقٌ ، فَأَخرَجَ مِنهُ وصَبَّ في القَدَحِ ، فَصَبَّ عَلَيهِ ماءً ، فَشَرِبَ وسَقاني . فَلَم أصبِر أن قُلتُ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ تَصنَعُ هذَا بِالعِراقِ ؟ ! ! طَعامُ العِراقِ أكثَرُ مِن ذلِكَ ! ! قالَ : أما وَاللّهِ ما أختِم عَلَيهِ بُخلاً عَلَيهِ ، ولكِنّي أبتاعُ قَدرَ ما يَكفيني ، فَأَخافُ إن نمى (3) فَيَصنَعُ فيهِ مِن غَيرِهِ ، فَإِنَّما حِفظي لِذلِكَ ، وأكرَهُ أن اُدخِلَ بَطني إلّا طَيِّبا . وإنّي لَم أستَطِع أن أقولَ لَكَ إلَا الَّذي قُلتُ لَكَ بَينَ أيديهِم ، إنَّهُم قَومٌ خُدَّعٌ ، ولكِنّي آمُرُكَ الآنَ بِما تَأخُذُهُم بِهِ ، فَإِن أنتَ فَعَلتَ وإلّا أخَذَكَ اللّهُ بِهِ دوني ، فَإن يَبلُغني عَنكَ خِلافَ ما أمَرتُكَ عَزَلتُكَ ! فَلا تَبيعَنَّ (4) لَهُم رِزقا يَأكُلونَهُ ، ولا كِسوَةَ شِتاءٍ ولا صَيفٍ ، ولا تَضرِبَنَّ رَجُلاً مِنهُم سَوطا في طَلَبِ دِرهَمٍ ، ولا تُقَبِّحُهُ في طَلَبِ دِرهَمٍ ؛ فَإِنّا لَم نُؤمَر بِذلِكَ ، ولا تَبيعَنَّ لَهُم دابَّةً يَعمَلونَ عَلَيها ، إنَّما اُمِرنا أن نَأخُذَ مِنهُمُ العَفوَ . قالَ : قُلتُ : إذا أجيؤُكَ كَما ذَهَبتُ ! قالَ : وإن فَعَلتَ .

.


1- .كذا ، وفي حلية الأولياء : «بطينة» وفي هامشه : «كذا في «ز» وفي «ج» بظبية ، ولعلّه الصحيح ، والظبية : جراب صغير أو هي شبه الخريطة والكيس» .
2- .في المصدر : «جوهر» ، والصحيح ما أثبتناه كما في حلية الأولياء .
3- .كذا في المصدر ، وفي حلية الأولياء : «فأخاف أن يغنى فيُصنع من غيره» وهي أظهر .
4- .في الطبعة المعتمدة : «يتبعنّ» وهو تصحيف ، والتصحيح من تاريخ دمشق «ترجمة الإمام عليّ عليه السلام » تحقيق محمّد باقر المحمودي (ج3 ص199 ح1249) .

ص: 442

قالَ : فَذَهَبتُ فَتَتَبَّعتُ ما أمَرَني بِهِ ، فَرَجَعتُ وَاللّهِ ما بَقِيَ عَلَيَّ دِرهَمٌ واحدٌ إلّا وَفَيتُهُ (1) .

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن عَهدِهِ إلى بَعضِ عُمّالِهِ وقَد بَعَثَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ _: أمَرَهُ بِتَقوَى اللّهِ في سَرائِرِ أمرِهِ ، وخَفِيّاتِ عَمَلِهِ ، حَيثُ لا شَهيدَ غَيرُهُ ، ولا وَكيلَ دونَهُ . وأمَرَهُ ألّا يَعمَلَ بِشَيءٍ مِن طاعَةِ اللّهِ فيما ظَهَرَ ، فَيُخالِفَ إلى غَيرِهِ فِيما أسَرَّ ، ومَن لَم يَختَلِف سِرُّهُ وعَلانِيَتُهُ وفِعلُهُ ومَقالَتُهُ ، فَقَد أدَّى الأَمانَةَ ، وأخلَصَ العِبادَةَ . وأمَرَهُ أن لا يَجبَهَهُم ، ولا يَعضَهَهُم (2) ، ولا يَرغَبَ عَنهُم ، تَفَضُّلاً بِالإِمارَةِ عَلَيهِم ؛ فَإِنَّهُمُ الإِخوانُ فِي الدّينِ ، وَالأَعوانُ عَلَى استِخراجِ الحُقوقِ . وإنَّ لَكَ في هذِهِ الصَّدَقَةِ نَصيبا مَفروضا ، وحَقّا مَعلوما ، وشُرَكاءَ أهلَ مَسكنَةٍ ، وضُعَفاءَ ذَوي فاقَةٍ ، وإنّا مُوَفّوكَ حَقَّكَ ، فَوَفِّهِم حُقوقَهُم ، وإلّا تَفعَل فَإِنَّكَ مِن أكثَرِ النّاسِ خُصوما يَومَ القِيامَةِ ، وبُؤسى لِمَن خَصمُهُ عِندَ اللّهِ الفُقَراءُ والمَساكِينُ وَالسّائِلونَ وَالمَدفوعونَ وَالغارِمونَ وَابنُ السَّبيلِ . ومَنِ استَهانَ بِالأَمانَةِ ، ورَتَعَ فِي الخِيانَةِ ، ولَم يُنَزِّه نَفسَهُ ودينَهُ عَنها ، فَقَد أحَلَّ بِنَفسِهِ الذُّلَّ وَالخِزيَ في الدُّنيا ، وهُوَ فِي الآخِرَةِ أذَلُّ وأخزى . وإنَّ أعظَمَ الخِيانَةِ خِيانَةُ الاُمَّةِ ، وأفظَعَ الغِشِّ غِشُّ الأَئِمَّةِ . وَالسَّلامُ (3) .

عنه عليه السلام_ مِن وَصِيَّةٍ لَهُ كانَ يَكتُبُها لِمَن يَستَعمِلُهُ عَلَى الصَّدَقاتِ (4) _: اِنطَلِق عَلى تَقوَى

.


1- .تاريخ دمشق : ج42 ص487 ، حلية الأولياء : ج1 ص82 وفيه إلى «طيّبا» وراجع المعيار والموازنة : ص248 وكنز العمّال : ج5 ص773 ح14346 وشرح الأخبار : ج2 ص364 ح726 .
2- .العَضَهُ والعِضَهُ والعَضيهةُ : القالة القبيحة ، وهي الإفك والبهتان والنميمة (لسان العرب : ج13 ص515) .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 26 ، بحار الأنوار : ج33 ص528 ح719 وراجع دعائم الإسلام : ج1 ص252 .
4- .قال الشريف الرضي : وإنّما ذكرنا هنا جملاً ليعلم بها أنّه عليه السلام كان يقيم عماد الحقّ ويشرع أمثلة العدل في صغير الاُمور وكبيرها ودقيقها وجليلها .

ص: 443

اللّهِ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، ولا تُرَوِّعَنَّ مُسلِما ، ولا تَجتازَنَّ عَلَيهِ كارِها ، ولا تَأخُذَنَّ مِنهُ أكثَرَ مِن حَقِّ اللّهِ في مالِهِ ، فَإِذا قَدِمتَ عَلَى الحَيِّ فَانزِل بِمائِهِم مِن غَيرِ أن تُخالِطَ أبياتَهُم ، ثُمَّ امضِ إلَيهِم بِالسَّكينَةِ وَالوقَارِ حَتّى تَقومَ بَينَهُم فَتُسَلِّمَ عَلَيهِم ، ولا تُخدِج (1) بِالتَّحِيَّةِ لَهُم ، ثُمَّ تَقولَ : عِبادَ اللّهِ ، أرسَلَني إلَيكُم وَلِيُّ اللّهِ وخَليفَتُهُ لِاخُذَ مِنكُم حَقَّ اللّهِ في أموالِكُم ، فَهَل للّهِِ في أموالِكُم مِن حَقٍّ فَتُؤَدّوهُ إلى وَلِيِّهِ ؟ فَإِن قالَ قائِلٌ : لا ، فَلا تُراجِعهُ . وإن أنعَمَ لَكَ مُنعِمٌ فَانطَلِق مَعَهُ مِن غَيرِ أن تُخيفَهُ أو توعِدَهُ أو تَعسِفَهُ أو تُرهِقَهُ ، فَخُذ ما أعطاك مِن ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ . فَإِنَ كانَ لَهُ ماشِيَةٌ أو إبِلٌ فَلا تَدخُلها إلّا بِإِذنِهِ ، فَإِنَّ أكثَرَها لَهُ ، فَإِذا أتَيتَها فَلا تَدخُل عَلَيها دُخولَ مُتَسَلِّط عَلَيهِ ولا عَنيفٍ بِهِ . ولا تُنَفِّرَنَّ بَهيمَةً ولا تُفزِعَنَّها ، ولا تَسوءَنَّ صاحِبَها فيها . وَاصدَعِ المالَ صَدعَينِ ، ثُمَّ خَيِّرهُ ، فَإِذَا اختارَ فَلا تَعرِضَنَّ لِما اختارَهُ . ثُمَّ اصدَعِ الباقِيَ صَدعَينِ ، ثُمَّ خَيِّرهُ ، فَإِذَا اختارَ فَلا تَعرِضَنَّ لِمَا اختارَهُ . فَلا تَزالُ كَذلِكَ حَتّى يَبقَى ما فيهِ وَفاءٌ لِحَقِّ اللّهِ في مالِهِ ، فَاقبِض حَقَّ اللّهِ مِنهُ . فَإنِ استَقالَكَ فَأَقِلهُ ، ثُمَّ اخلِطهُما ، ثُمَّ اصنَع مِثلَ الَّذي صَنَعتَ أوَّلاً حَتّى تَأخُذَ حَقَّ اللّهِ في مالِهِ . ولا تَأخُذَنَّ عَودا (2) ، ولا هَرِمَةً ، ولا مَكسورَةً ، ولا مَهلوسَةً ، ولا ذاتَ عَوارٍ ، ولا تَأمَنَنَّ عَلَيها إلّا مَن تَثِقُ بِدينِهِ ، رافِقا بِمالِ المُسلِمينَ حَتّى يُوَصِّلَهُ إلى وَلِيِّهِم فَيَقسِمَهُ بَينَهُم ، ولا تُوكِّل بِها إلّا ناصِحا شَفيقا ، وأمينا حَفيظا ، غَيرَ مُعنِفٍ ولا مُجحِفٍ (3) ، ولا مُلغِبٍ (4) ولا مُتعِبٍ . ثُمَّ احدُر إلَينا مَا اجتَمَعَ عِندَكَ نُصَيِّرهُ حَيثُ أمَرَ اللّهُ بِهِ .

.


1- .الخداج : النقصان (لسان العرب : ج2 ص248) .
2- .العَوْد : الجمل المُسِنّ وفيه بقيّة (لسان العرب : ج3 ص321) .
3- .العُنف : ضدّ الرفق ، والعنيف : مَن لا رِفق له بركوب الخيل ، وقيل : هو الَّذي لايُحسن الركوب ، والعنيف أيضا : الشديد من السَّير . وأجحف بهم فلان : كلّفهم ما لايطيقون (تاج العروس : ج12 ص399 و ص400 و ص107) .
4- .اللغوب : التعب والإعياء (لسان العرب : ج1 ص742) .

ص: 444

فَإِذا أخَذَها أمينُكَ فَأَوعِز إلَيهِ ألّا يَحولَ بَينَ ناقَةٍ وبَينَ فَصيلِها ، ولا يَمصُرَ (1) لَبَنَها فَيَضُرَّ ذلِكَ بِوَلَدِها ، ولا يَجهَدَنَّها رُكوبا ، وَليَعدِل بَينَ صَواحِباتِها في ذلِكَ وبَينَها ، وَليُرَفِّه عَلَى اللّاغِبِ . وَليَستَأنِ بِالنَّقِبِ (2) وَالظّالِعِ (3) ، وَليُورِدها ما تَمُرُّ بِهِ مِنَ الغُدُرِ ، ولا يَعدِل بِها عَن نَبتِ الأَرضِ إلى جَوادِّ الطُّرُقِ ، وَليُرَوِّحها فِي السّاعاتِ ، وَليُمهِلها عِندَ النِّطافِ (4) وَالأَعشابِ ؛ حَتّى تَأتِيَنا بِإِذنِ اللّهِ بُدَّناً مُنقِياتٍ غَيرَ مُتعَباتٍ ولا مَجهوداتٍ ، لِنَقسِمَها عَلى كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّ ذلِكَ أعظَمُ لِأَجرِكَ ، وأقرَبُ لِرُشدِكَ ، إن شاءَ اللّهُ (5) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرٍ _: وتَفَقَّد أمرَ الخَراجِ بِما يُصلِحُ أهلَهُ ؛ فَإِنَّ في صَلاحِهِ وصَلاحِهِم صَلاحا لِمَن سِواهُم ، ولا صَلاحَ لِمَن سِواهُم إلّا بِهِم ؛ لِأَنَّ النّاسَ كُلَّهُم عِيالٌ عَلَى الخَراجِ وأهلِهِ . وَليَكُن نَظَرُكَ في عِمارَةِ الأَرضِ أبلَغَ مِن نَظَرِكَ فِي استِجلابِ الخَراجِ ، لِأَنَّ ذلِكَ لا يُدرَكُ إلّا بِالعِمارَةِ ؛ ومَن طَلَبَ الخَراجَ بِغَيرِ عِمارَةٍ أخرَبَ البِلادَ ، وأهلَكَ العِبادَ ، ولَم يَستَقِم أمرُهُ إلّا قَليلاً . فَإِن شَكَوا ثِقَلاً أو عِلّةً ، أوِ انقِطاعَ شِربٍ أو بالَّةٍ ، أو إحالَةَ أرضٍ اِغتَمَرَها غَرَقٌ ، أو أجحَفَ بِها عَطَشٌ ، خَفَّفتَ عَنهُم بِما تَرجُو أن يَصلُحَ بِهِ أمرُهُم ؛ ولا يَثقُلَنَّ عَلَيكَ شَيءٌ خَفَّفتَ بِهِ المَؤونَةَ عَنهُم ،

.


1- .المَصْر : حلبُ كلّ ما في الضرع ، وفي حديث عليّ عليه السلام : «ولا يمصر لبنها» يريد : لايكثر من أخذ لبنها (لسان العرب : ج5 ص175) .
2- .النَّقَب : رقّة الأخفاف ، نَقِبَ البعيرُ ينقَبُ فهو نَقِبٌ ، وفي حديث علي عليه السلام : «وليستأنِ بالنَّقِب والظالِع» أي يَرفُق بهما ، ويجوز أن يكون من الجَرَب (لسان العرب : ج1 ص766) .
3- .الظالِع : المائل ، والظَّالَع : الاعوجاج خِلقة يكون في المشي مع المَيل (لسان العرب : ج8 ص227) .
4- .النُّطفة والنُّطافة : القليل من الماء (لسان العرب : ج9 ص335) .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 25 ، الكافي : ج3 ص536 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج4 ص96 ح274 كلاهما عن بريد بن معاوية ، المقنعة : ص255 عن بريد العجلي ، الغارات : ج1 ص126 عن عبد الرحمن بن سليمان وكلّها عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلامنحوه .

ص: 445

فَإِنَّهُ ذُخرٌ يَعودونَ بِهِ عَلَيكَ في عِمارَةِ بِلادِكَ ، وتَزيينِ وِلايَتِكَ ، مَعَ استِجلابِكَ حُسنَ ثَنائِهِم وتَبَجُّحِكَ بِاستِفاضَةِ العَدلِ فيهِم ، مُعتَمِدا فَضلَ قُوَّتِهِم بِما ذَخَرتَ عِندَهُم مِن إجمامِكَ لَهُم ، وَالثِّقَةَ مِنهُم بِماعَوَّدتَهُم مِن عَدلِكَ عَلَيهِم وَرِفقِكَ بِهِم ، فَرُبَّما حَدَثَ مِنَ الاُمورِ ما إذا عَوَّلتَ فيهِ عَلَيهِم مِن بَعدُ احتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أنفُسُهُم بِهِ ؛ فَإِنَّ العُمرانَ مُحتَمِلٌ ما حَمَّلتَهُ ، وإنَّما يُؤتى خَرابُ الأَرضِ مِن إعوازِ أهلِها ، وإنَّما يُعوِزُ أهلُها لِاءِشرافِ أنفُسِ الوُلاةِ عَلَى الجَمعِ وسوءِ ظَنِّهِم بِالبَقاءِ ، وقِلَّةِ انتِفاعِهِم بِالعِبَرِ (1) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكِ الأَشتَرِ (في رِوايَةِ تُحَفِ العُقولِ) _: فَاجمَع إلَيكَ أهلَ الخَراجِ مِن كُلِّ بُلدانِكَ ، ومُرهُم فَليُعلِموكَ حالَ بِلادِهِم وما فيهِ صَلاحُهُم ورَخاءُ جِبايَتِهِم ، ثُمَّ سَل عَمّا يَرفَعُ إلَيكَ أهلُ العِلمِ بِهِ مِن غَيرِهِم ؛ فَإِن كانوا شَكَوا ثِقَلاً أو عِلَّةً مِن انقِطاعِ شِربٍ أو إحالَةِ أرضٍ اغتَمَرَها غَرَقٌ أو أجحَفَ بِهِمُ العَطَشُ أو آفَةٌ خَفَّفتَ عَنهُم ما تَرجو أن يُصلِحَ اللّهُ بِهِ أمرَهُم ، وإن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بِأَموالِهِم فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ ؛ فإِنَّ في عاقِبَةِ كِفايَتِكَ إيّاهُم صَلاحاً ، فَلا يَثقُلَنَّ عَلَيكَ شَيءٌ خَفَّفتَ بِهِ عَنهُمُ المَؤوناتِ ؛ فَإِنَّهُ ذُخرٌ يَعودونَ بِهِ عَلَيكَ لِعِمارَةِ بِلادِكَ ، وتَزيِينِ ولايَتِكَ ، مَعَ اقتِنائِكَ مَوَدَّتَهُم وحُسنَ نِيّاتِهِم ، وَاستِفاضَةَ الخَيرِ ، وما يُسَهِّلُ اللّهَ بِهِ مِن جَلبِهِم ، فَإِنَّ الخَراجَ لا يُستَخرَجُ بِالكَدِّ وَالأَتعابِ ، مَعَ أنَّها عَقدٌ (2) تَعتَمِدُ عَلَيها إن حَدَثَ حَدَثٌ كُنتَ عَلَيهِم مُعتَمِداً ؛ لِفَضلِ قُوَّتِهِم بِما ذَخَرتَ عَنهُم مِنَ الجَمامِ (3) ، وَالثِّقَةِ مِنهُم بِما عَوَّدتَهُم مِن عَدلِكَ ورِفقِكَ ، ومَعرِفَتِهِم بِعُذرِكَ فيما حَدَثَ مِنَ الأَمرِ الَّذِي اتَّكَلتَ بِهِ عَلَيهِم ، فَاحتَمَلوهُ بِطيبِ أنفُسِهِم ، فَإِنَّ العِمرانَ مُحتَمِلٌ ما

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 وراجع دعائم الإسلام : ج1 ص362 .
2- .العُقدة : كلّ شيء يستوثق الرجل به لنفسه ويعتمد عليه (لسان العرب : ج3 ص299) .
3- .الجَمام : الراحة (لسان العرب : ج12 ص105) .

ص: 446

5 / 9 عدم التّأخير في توزيع أموال العامّة

حَمَّلتَهُ ، وإنَّما يُؤتى خَرابُ الأَرضِ لِاءِعوازِ أهلِها ، وإنَّما يُعوِزُ أهلُها لِاءِسرافِ الوُلاةِ وسوءِ ظَنِّهِم بِالبَقاءِ وقِلَّةِ انتِفاعِهِم بِالعِبَرِ (1) .

5 / 9عَدَمُ التَّأخيرِ في تَوزيعِ أموالِ العامَّةِأنساب الأشراف عن أبي صالح السَّمّان :رَأَيتُ عَلِيّا دَخَلَ بَيتَ المالِ ، فَرَأى فيهِ مالاً ، فَقالَ : هذا هاهُنا وَالنّاسُ يَحتاجونَ ! ! فَأَمَرَ بِهِ فَقُسِمَ بَينَ النّاسِ ، فَأَمَرَ بِالبَيتِ فَكُنِسَ ، فَنُضِحَ ، وصَلّى فيهِ (2) .

الغارات عن بكر بن عيسى_ في ذِكرِ سِيرَةِ الإِمامِ عَليِّ عليه السلام _: إنَّهُ كانَ يَقسِمُ ما في بَيتِ المالِ ، فَلا تَأتِي الجُمُعَةُ وفي بَيتِ المالِ شَيءٌ . ويَأمُرُ بِبَيتِ المالِ في كُلِّ عَشِيَّةِ خَميسٍ فَيُنضَحُ بِالماءِ ، ثُمَّ يُصَلّي فيهِ رَكعَتَينِ (3) .

الغارات عن مُجَمِّعٍ التَّيميّ :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَنضَحُ بَيتَ المالِ ، ثُمَّ يَتَنَفَّلُ فيهِ ويَقولُ : اِشهَد لي يَومَ القِيامَةِ أنّي لَم أحبِس فيكَ المالَ عَلَى المُسلِمينَ (4) .

فضائل الصحابة عن مُجَمِّعٍ التَّيميّ :إنَّ عَلِيّا كانَ يَأمُرُ بِبَيتِ المالِ فَيُكنَسُ ، ثُمَّ يُنضَحُ ، ثُمَّ يُصَلّي ؛ رَجاءَ أن يَشهَدَ لَهُ يَومَ القِيامَةِ أنَّهُ لَم يَحبِس فيهِ المالَ عَنِ المُسلِمينَ (5) .

.


1- .تحف العقول : ص137 .
2- .أنساب الأشراف : ج2 ص371 ، تاريخ دمشق : ج42 ص476 .
3- .الغارات : ج1 ص69 وراجع حلية الأولياء : ج7 ص300 .
4- .الغارات : ج1 ص49 ؛ تاريخ الخلفاء : ص213 نحوه وراجع المناقب للكوفي : ج2 ص32 ح517 .
5- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص533 ح886 ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج3 ص643 ، تاريخ دمشق : ج42 ص 478 ، حلية الأولياء : ج1 ص81 ، الاستيعاب : ج3 ص211 الرقم 1875 كلّها نحوه وراجع الغارات : ج1 ص46 .

ص: 447

تاريخ دمشق عن أبي حكيم صاحب الحفاء عن أبيه :إنَّ عَلِيّا أعطَى العَطاءَ في سَنَةٍ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، ثُمَّ أتاهُ مالٌ مِن أصبَهانَ ، فَقالَ : اُغدوا إلَى العَطاءِ الرّابِعِ ؛ إنّي لَستُ لَكُم بِخازِنٍ . قالَ : وقَسَم الحِبالَ ، فَأَخَذَها قَومٌ ، ورَدَّها قَومٌ (1) .

مروج الذهب_ في حَوادِثِ سَنَةِ 38 ه _: قَبَضَ أصحابُهُ [عَلِيٍّ] عَن عَلِيٍّ في هذهِ السَّنَةِ ثَلاثَةَ أرزاقٍ _ عَلى حَسَبِ ما كانَ يُحمَلُ إلَيهِ مِنَ المالِ مِن أعمالِهِ _ ، ثُمَّ وَرَدَ عَلَيهِ مالٌ مِن أصبَهانَ ، فَخَطَبَ النّاسَ ، وقالَ : اُغدوا إلى عَطاءٍ رابِعٍ ؛ فَواللّهِ ما أنَا لَكُم بِخازِنٍ . وكانَ في عَطائِهِ اُسوَةٌ لِلنّاسِ ؛ يَأخُذُ كَما يَأخُذُ الواحِدُ مِنهُم (2) .

الأمالي للطوسي عن هلال بن مسلم الجَحدَريّ :سَمِعتُ جَدّي جَرَّةَ _ أو جَوَّةَ _ قالَ : شَهِدتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام اُتِيَ بِمالٍ عِندَ المَساءِ ، فَقالَ : اِقسِموا هذَا المالَ . فَقالوا : قَد أمسَينا يا أميرَ المُؤمِنينَ ! فَأَخِّرهُ إلى غَدٍ . فَقالَ لَهُم : تَقبَلونَ (3) لي أن أعيشَ إلى غَدٍ ؟ قالوا : ماذا بِأَيدينا ! قالَ : فَلا تُؤَخِّروهُ حَتّى تَقسِموهُ ، فَاُتِيَ بِشَمعٍ ، فَقَسَموا ذلِكَ المالَ مِن تَحتِ لَيلَتِهِم (4) .

الغارات عن الضحّاك بن مزاحم عن الإمام عليّ عليه السلام :كانَ خَليلي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لا يَحبِسُ شَيئا لِغَدٍ ، وكانَ أبو بَكرٍ يَفعَلُ ، وقَد رَأى عُمَرُ بن الخَطّابِ في ذلِكَ أن دَوَّنَ الدَّواوينَ وأخَّرَ المالَ مِن سَنَةٍ إلى سَنَةٍ ، وأمّا أنَا فَأَصنَعُ كَما صَنَعَ خَليلي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ : وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام يُعطيهِم مِنَ الجُمُعَةِ إلَى الجُمُعَةِ وكانَ يَقولُ : هذا جَنايَ وخِيارُهُ فِيه إذ كُلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فيه (5)(6)

.


1- .تاريخ دمشق : ج42 ص477 ، الأموال : ص284 ح673 ، كنز العمّال : ج4 ص584 ح11703 .
2- .مروج الذهب : ج2 ص421 .
3- .القَبالة : الكفالة ، وقَبُل _ بالضم _ : إذا صار قَبيلاً ؛ أي كفيلاً (لسان العرب : ج11 ص544) .
4- .الأمالي للطوسي : ص404 ح904 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص173 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص95 عن سالم الجحدري وفيه إلى «حَتّى تقسموه» .
5- .قال ابن الأثير : هذا مَثلٌ ، أوّل من قاله عَمْرو ابن اُخت جَذِيمة الأبْرش ؛ كان يجني الكَمْأة مع أصحابٍ له ، فكانوا إذا وَجَدوا خِيارَ الكَمْأة أكلوها ، وإذا وجدها عمروٌ جعلها في كُمِّه حَتّى يأتي بها خالَه . وقال هذه الكلمة فسارت مثلاً . وأراد عليٌّ رضى الله عنهبقَوْلها أنّه لم يَتَلطّخ بشيء من فَيء المسلمين بل وَضَعه مَواضِعَه (النهاية : ج1 ص309) .
6- .الغارات : ج1 ص47 ، بحار الأنوار : ج100 ص60 ح9 .

ص: 448

شرح نهج البلاغة عن عبد الرحمن بن عَجلان :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقسِمُ بَينَ النّاسِ الأَبزارَ (1) وَالحُرفَ (2) وَالكَمُّونَ ، وكَذا وكَذا (3) .

شرح نهج البلاغة عن الشَّعبي :دَخَلتُ الرَّحبَةَ بِالكوفَةِ _ وأنَا غُلامٌ _ في غِلمانٍ ، فَإِذا أنَا بِعَلِيٍّ عليه السلام قائِما عَلى صُبرَتَينِ (4) مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ، ومَعَهُ مِخفَقَةٌ ، وهوَ يطرُدُ النّاسَ بِمِخفَقَتِهِ ، ثُمَّ يَرجِعُ إلَى المالِ فَيَقسِمُهُ بَينَ النّاسِ ، حَتّى لَم يَبقَ مِنهُ شَيءٌ . ثُمَّ انصَرَفَ ولَم يَحمِل إلى بَيتِهِ قَليلاً ولا كَثيرا ، فَرَجَعتُ إلى أبي ، فَقُلتُ لَهُ : لَقَد رَأَيتُ اليَومَ خَيرَ النّاسِ أو أحمَقَ النّاسِ ! قالَ : مَن هوَ يا بُنَيَّ ؟ قُلتُ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أميرُ المُؤمِنينَ ، رَأَيتُهُ يَصنَعُ كَذا ، فَقَصَصتُ عَلَيهِ ، فَبَكى ، وقالَ : يابُنَيَّ ، بَل رَأَيتَ خَيرَ النّاسِ (5) .

الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عَلِيّا اُتِيَ بِالمالِ فَأَقعَدَ بَينَ يَديهِ الوُزّانَ وَالنُقّادَ ، فَكَوَّمَ كومَةً مِن ذَهَبٍ ، وكومَةً مِن فِضَّةٍ ، فَقالَ : يا حَمراءُ ويا بَيضاءُ ، احمَرّي وابيَضّي وغُرّي غَيري . هذا جَنايَ وخِيارُهُ فيه وكُلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فيه (6)

.


1- .البِزْر : التابَل ، وجمعه : أبزار ، وأبازير جمع الجمع (لسان العرب : ج4 ص56) .
2- .الحُرف : حَبُّ الرَّشاد ، واحدته حُرفة . وقال الأزهري : حَبّ كالخردل (لسان العرب : ج9 ص45) .
3- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص199 ؛ الغارات : ج1 ص60 عن عبد الرحمن بن عجلان عن جدّته وزاد فيه «يصرّه صررا» بعد «الأبزار» ، بحار الأنوار : ج41 ص136 .
4- .الصُّبرة : الكُدْس (لسان العرب : ج4 ص441) .
5- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص198 ؛ الغارات : ج1 ص54 ، بحار الأنوار : ج41 ص135 .
6- .الأموال : ص285 ح675 عن عبد العزيز بن محمّد عن الإمام الصادق عليه السلام ، حلية الأولياء : ج1 ص81 عن علي بن ربيعة الوالبي ، شرح نهج البلاغة : ج19 ص126 من دون إسنادٍ إلى المعصوم وكلاهما نحوه ، كنز العمّال : ج13 ص182 ح36545 ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص53 ح541 عن سليمان بن بلال عن الإمام الصادق عنه عليهماالسلاموفيه «واُخرى من ورق» بدل «وكومة من فضّة» .

ص: 449

5 / 10 توزيع أموال العامّة بالسّويّة

تاريخ دمشق عن أبي صالح السمّان :رَأيتُ عَلِيّا دَخَلَ بَيتَ المالِ ، فَرَأى فيهِ شَيئا ، فَقالَ : لا (1) أرى هذا هاهُنا وبِالنّاسِ إلَيهِ حاجَةٌ ! ! فَأَمَرَ بِهِ فَقُسِمَ ، وأمَرَ بِالبَيتِ فَكُنِسَ ونُضِحَ ، فَصَلّى فيهِ ، أو قالَ (2) فيهِ ؛ يَعني نامَ (3) . (4)

الدعوات :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إذا أعطى ما في بَيتِ المالِ أمرَ بِهِ فَكُنِس ، ثُمَّ صَلّى فيهِ ، ثُمَّ يَدعو ، فَيَقولُ في دُعائِهِ : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَحبِطُ العَمَلَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يُعَجِّلُ النِّقَمَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يُغَيِّرُ النِّعَمَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَمنَعُ الرِّزقَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَمنَعُ الدُّعاءَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَمنَعُ التَّوبَةَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَهتِكُ العِصمَةَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يُورِثُ النَّدَمَ ، وأعوذُ بِكَ مِن ذَنبٍ يَحبِسُ القِسَمَ (5) .

5 / 10تَوزيعُ أموالِ العامَّةِ بِالسَّوِيَّةِالاختصاص_ في بَيانِ خِصالِ وفَضائِلِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: القَسمُ بِالسَّوِيَّةِ ، وَالعَدلُ فِى ¨

.


1- .في المصدر : «ألا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في تاريخ دمشق «ترجمة الإمام عليّ عليه السلام » تحقيق محمّد باقر المحمودي (ج3 ص180 ح1219) .
2- .من القيلولة : الاستراحة نصف النهار ، وإن لم يكن معها نوم (النهاية : ج4 ص133) .
3- .في الطبعة المعتمدة : «قام» ، والصحيح ما أثبتناه كما في تاريخ دمشق «ترجمة الإمام عليّ عليه السلام ، تحقيق محمّد باقر المحمودي» .
4- .تاريخ دمشق : ج42 ص476 ، مسند ابن الجعد : ص 315 ح 2145 .
5- .الدعوات : ص60 ح150 ، بحار الأنوار : ج94 ص93 ح9 .

ص: 450

الرَّعِيَّةِ ؛ وَلّى بَيتَ مالِ المَدينَةِ عَمّارَ بنَ ياسِرٍ وأبَا الهَيثَمِ بنَ التَّيِّهانِ فَكَتَبَ : العَرَبِيُّ وَالقُرَشِيُّ وَالأَنصارِيُّ وَالعَجَمِيُّ وكُلُّ مَن كانَ فِي الإِسلامِ مِن قَبائِلِ العَرَبِ وأجناسِ العَجَمِ سَواءٌ . فَأَتاهُ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ بِمَولىً لَهُ أسوَدَ ، فَقالَ : كَم تُعطي هذا ؟ فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : كَم أخَذتَ أنتَ ؟ قالَ : ثَلاثَةَ دَنانيرَ ، وكَذلِكَ أخَذَ النّاسُ . قالَ : فأَعطوا مَولاهُ مِثلَ ما أخَذَ ؛ ثَلاثَةَ دَنانيرَ (1) .

الأمالي للطوسي عن إبراهيم بن صالح الأنماطي رفعه :لَمّا أصبَحَ عَلِيٌّ عليه السلام بَعدَ البَيعَةِ ، دَخَلَ بَيتَ المالِ ، فَدَعا بِمالٍ كانَ قَدِ اجتَمَعَ ، فَقَسَّمَهُ ثَلاثَةَ دَنانيرَ ثَلاثَةَ دَنانيرَ بَينَ مَن حَضَرَ مِنَ النّاسِ كُلِّهِم . فَقامَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد أعتَقتُ هذَا الغُلامَ ! فَأَعطاهُ ثَلاثَةَ دَنانيرَ ؛ مِثلَ ما أعطى سَهلَ بنَ حُنَيفٍ (2) .

الكافي عن أبي مِخنَف :أتى أميرَ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ رَهطٌ مِنَ الشَّيعَةِ ، فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَو أخرَجتَ هذِهِ الأَموالَ فَفَرَّقتَها في هؤُلاءِ الرُّؤَساءِ وَالأَشرافِ ، وفَضَّلتَهُم عَلَينا ، حَتّى إذَا استَوسَقَتِ الاُمورُ عُدتَ إلى أفضَلِ ما عَوَّدَكَ اللّهُ مِنَ القَسمِ بِالسَّوِيَّةِ ، وَالعَدلِ فِي الرَّعِيَّةِ ! ! فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أ تَأمُرونّي _ وَيحَكُم _ أن أطلُبَ النَّصرَ بِالظُّلمِ وَالجَورِ فيمَن وُلّيتُ عَلَيهِ مِن أهل الإِسلامِ ! ! لا وَاللّهِ ، لا يَكونُ ذلِكَ ما سَمَرَ السَّميرُ ، وما رَأَيتُ فِي السَّماءِ نَجما ، وَاللّهِ لَو كانَت أموالُهُم مالي لَساوَيتُ بَينَهُم ، فَكَيفَ وإنَّما هِيَ أموالُهُم ! ! (3)

.


1- .الاختصاص : ص152 ، بحار الأنوار : ج40 ص107 ح117 .
2- .الأمالي للطوسي : ص686 ح1457 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص111 عن مالك بن أوس بن الحدثان وفيه من «قام سهل . . .» ، بحار الأنوار : ج32 ص38 ح24 .
3- .الكافي : ج4 ص31 ح3 ، تحف العقول : ص185 ، نثر الدرّ : ج1 ص318 كلاهما نحوه وراجع الأمالي للمفيد : ص175 ح6 والمناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص95 .

ص: 451

الإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ عِندما عوتِبَ عَلَى التَّسوِيَةِ فِي الفَيءِ _: فَأَمّا هذَا الفَيءُ فَلَيسَ لِأَحَدٍ فيهِ عَلى أحَدٍ اُثرَةٌ (1) ، قَد فَرَغَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِن قَسمِهِ ، فَهُوَ مالُ اللّهِ ، وأنتُم عِبادُ اللّهِ المُسلِمونَ ، وهذا كِتابُ اللّهِ ، بِهِ أقرَرنا ، وعَلَيهِ شَهِدنا ، ولَهُ أسلَمنا ، وعَهدُ نَبِيِّنا بَينَ أظهُرِنا ، فَسَلِّموا رَحِمَكُم اللّهُ ، فَمَن لَم يَرضَ بِهذا فَليَتَوَلَّ كَيفَ شاءَ (2) .

عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى مُصقَلَةَ بنَ هُبَيرةَ الشَّيبانِيِّ عامِلِهِ عَلى أردَشير خُرَّة (3) _: ألا وإنَّ حَقَّ مَن قِبَلَكَ وقِبَلَنا مِن المُسلِمينَ في قِسمَةِ هذَا الفَيءِ سَواءٌ ، يَرِدونَ عِندي عَلَيهِ ويَصدُرونَ عَنهُ (4) .

عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى حُذَيفَةَ بنِ اليَمانِ والِي المَدائِنِ _: آمُرُكَ أن تُجبِيَ خَراجَ الأَرَضينَ عَلَى الحَقِّ وَالنَّصَفَةِ ، ولا تَتَجاوَز ما قَدَّمتُ بِهِ إلَيكَ ، ولا تَدَع مِنهُ شَيئا ، ولا تَبتَدِع فيهِ أمرا ، ثُمَّ اقسِمهُ بَينَ أهلِهِ بِالسَّوِيَّةِ وَالعَدلِ (5) .

الغارات عن أبي إسحاق الهمداني :إنَّ امرَأَتَينِ أتَتا عَلِيّا عليه السلام عِندَ القِسمَةِ ؛ إحداهُما مِنَ العَرَبِ ، وَالاُخرى مِنَ المَوالي ، فَأَعطى كُلَّ واحِدَةٍ خَمسَةً وعِشرينَ دِرهَما وكُرّا مِنَ الطَّعامِ . فَقالَتِ العَرَبِيَّةُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنِّي امرَأَةٌ مِنَ العَرَبِ ، وهذِهِ امرَأَةٌ مِنَ العَجَمِ ! !فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : إنّي وَاللّهِ لا أجِدُ لِبَني إسماعيلَ في هذَا الفَيء

.


1- .الاُثرَة والمأثَرَة والمأثُرَة : المكرمة (لسان العرب : ج4 ص7) .
2- .تحف العقول: ص184؛ المعيار والموازنة: ص112 وفيه «فليتبوّأ» بدل «فليتولّ»، شرح نهج البلاغة: ج7 ص40.
3- .أَرْدَشِير خُرَّه: من أجَلّ بقاع فارس ، وقد بناها أردشير بابكان ، ومنها مدينة شيراز ومِيمَنْد وكازرون، وهي بلدة قديمة (راجع معجم البلدان : ج1 ص146).
4- .نهج البلاغة : الكتاب 43 ، بحار الأنوار : ج33 ص516 ح712 .
5- .إرشاد القلوب : ص321 ، الدرجات الرفيعة : ص289 ، بحار الأنوار : ج28 ص88 ح3 .

ص: 452

فَضلاً عَلى بَني إسحاقَ ! ! (1)

أنساب الأشراف عن الحارث :كُنتُ عِندَ عَلِيٍّ ، فَأَتَتهُ امرَأَتانِ ، فَقالَتا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّنا فَقيرَتانِ مِسكينَتانِ . فَقالَ : قَد وَجَبَ حَقُّكُما عَلَينا وعَلى كُلِّ ذي سَعَةٍ مِنَ المُسلِمينَ إن كُنتُما صادِقَتَينِ ، ثُمَّ أمَرَ رَجُلاً فَقالَ : اِنطَلِق بِهِما إلى سوقِنا ، فَاشتَرِ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنهُما كُرّا مِن طَعامٍ وثَلاثَةَ أثوابٍ _ فَذَكَرَ رِداءً أو خِمارا وإزارا _ وأعطِ كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُما مِن عَطائِي مِئَةَ دِرهَمٍ . فَلَمّا وَلَّتا ، سَفَرَت إحداهُما وقالَت : يا أميرَ المُؤمِنينَ فَضِّلني بِما فَضَّلَكَ اللّهُ بِهِ وشَرَّفَكَ ! قالَ : وبِماذا فَضَّلَنِي اللّهُ وشَرَّفَني ؟ قالَت : بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ : صَدَقتِ ، وما أنتِ ؟ قالَت : أنَا امرَأَةٌ مِنَ العَرَبِ وهذِهِ مِنَ المَوالي . قالَ : فَتَناوَلَ شَيئا مِنَ الأَرضِ ، ثُمَّ قالَ : قَد قَرَأتُ ما بَينَ اللَّوحَينِ فَما رَأَيتُ لِوُلدِ إسماعيلَ عَلى وُلدِ إسحاقَ عليهماالسلامفَضلاً ولَو جَناحَ بَعوضَةٍ (2) .

أنساب الأشراف عن مُصعَب :كانَ عَلِيٌّ يَقسِمُ بَينَنا كُلَّ شَيءٍ ، حَتّى يَقسِمَ العُطورَ بَينَ نِسائِنا (3) .

أنساب الأشراف عن الحارث :سَمِعتُ عَلِيّا يَقولُ وهُوَ يَخطُبُ : قَد أمَرنا لِنِساءِ المُهاجِرينَ بِوَرسٍ وإبرٍ . قالَ : فأَمّا الإِبرُ فَأَخَذَها مِن ناسٍ مِنَ اليَهودِ مِمّا عَلَيهِم مِنَ الجِزيَةِ (4) .

فضائل الصحابة عن فَضالَة بن عبد المَلِك عن كريمة بنت همام الطابية :كانَ عَلِيٌّ يَقسِمُ فينا

.


1- .الغارات : ج1 ص70 وراجع الاختصاص : ص151 والسنن الكبرى : ج6 ص567 ح12990 وكنز العمّال : ج6 ص610 ح17095 .
2- .أنساب الأشراف : ج2 ص376 .
3- .أنساب الأشراف : ج2 ص374 .
4- .أنساب الأشراف : ج2 ص374 .

ص: 453

الوَرس بِالكوفَةِ . قالَ فَضالَةُ : حَمَلناهُ عَلَى العَدلِ مِنهُ (1) .

المناقب لابن شهر آشوب عن حكيم بن أوس :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَبعَثُ إلَينا بِزِقاقِ (2) العَسَلِ فَيَقسِمُ فينا ، ثُمَّ يَأمُرُ أن يَلعَقوهُ . واُتِيَ إلَيهِ بِأَحمالِ فاكِهَةٍ ، فَأَمَرَ بِبَيعِها ، وأن يُطرَحَ ثَمَنُها في بَيتِ المالِ (3) .

تاريخ دمشق عن كليب :قَدِمَ عَلى عَلِيٍّ مالٌ مِن أصبَهانَ ، فَقَسَمَهُ عَلى سَبعَةِ أسهُمٍ ، فَوَجَدَ فيهِ رَغيفا ، فَكَسَرَهُ عَلى سَبعَةٍ ، وجَعَلَ عَلى كُلِّ قِسمٍ مِنها كِسرَةً ، ثُمَّ دَعا اُمَراءَ الأَشياعِ فَأَقرَعَ بَينَهُم لِيَنظُرَ أيَّهُم يُعطي أوَّلاً (4) .

الغارات عن كُلَيب الجَرمِيّ :كُنتُ عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام فَجاءَهُ مالٌ مِنَ الجَبَلِ ، فَقامَ وقُمنا مَعَهُ ، حَتّى انتَهَينا إلى خَربَندجن (5) وجَمّالينَ ، فَاجتَمَعَ النّاسُ إلَيهِ ، حَتّى ازدَحَموا عَلَيهِ ، فَأَخَذَ حِبالاً فَوَصَلَها بِيَدِهِ وعَقَدَ بَعضَها إلى بَعضٍ ، ثُمَّ أدارَها حَولَ المَتاعِ ، ثُمَّ قالَ : لا اُحِلُّ لِأَحَدٍ أن يُجاوِزَ هذَا الحَبلَ . فَقَعَدنا مِن وَراءِ الحَبلِ . ودَخَلَ عَلِيٌّ عليه السلام فَقالَ : أينَ رُؤوسُ الأَسباعِ ؟ فَدَخَلوا عَلَيهِ ، فَجَعَلوا يَحمِلونَ هذَا الجوالِقَ إلى هذَا الجوالِقِ ، وهذا إلى هذا ، حَتّى قَسَموهُ سَبعَةَ أجزاءٍ .

.


1- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص547 ح920 ، ذخائر العقبى : ص191 ، الرياض النضرة : ج3 ص221 وفيهما «الطائيّة» بدل «الطابية»؛ المناقب للكوفي: ج2 ص77 ح559 عن كريمة بنت عقبة وليس فيه ذيله.
2- .الزِّقّ : كلّ وعاء اتُّخذ للشراب وغيره ، وجمعه أزقاق ، وزِقاق ، وزُقّان (تاج العروس : ج13 ص196) .
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص111 ، بحار الأنوار : ج41 ص117 ح24 .
4- .تاريخ دمشق : ج42 ص476 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص545 ح913 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص442 ؛ الغارات : ج1 ص51 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص112 كلّها نحوه وراجع حلية الأولياء : ج7 ص300 .
5- .كذا في المصدر ، وفي هامشه : والظاهر _ واللّه العالم _ أنّ العبارة كانت هكذا «خر بنده جن وجمّالين» ، و«خر بنده جن» كلمة فارسيّة مركّبة من كلمتي «خر» و«بنده» ومعناهما : صاحب الحمار ومؤجره ومكريه ، وكلمة «جن» في آخرها علامة الجمع الفارسي ؛ معرّب «گان» بالكاف الفارسيّة ، و«خر بنده جن» معرّبة من «خر بندگان» .

ص: 454

قالَ : فَوَجَدَ مَعَ المَتاعِ رَغيفا ، فَكَسَرَهُ سَبعَ كِسَرٍ ، ثُمَّ وَضَعَ عَلى كُلِّ جُزءٍ كِسرَةً ، ثُمَّ قالَ : هذا جَنايَ وخِيارُهُ فيه إذ كُلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فيه قالَ : ثُمَّ أقرَعَ عَلَيها ، فَجَعَلَ كُلَّ رَجُلٍ يَدعو قَومَهُ ، فَيَحمِلونَ الجَوالِقَ (1) .

مُروج الذَّهَب :اِنتَزَعَ عَلِيٌّ أملاكا كانَ عُثمانُ أقطَعَها جَماعَةً مِنَ المُسلِمينَ ، وقَسَمَ ما في بَيتِ المالِ عَلَى النّاسِ ، ولَم يُفَضِّلُ أحَدا عَلى أحَدٍ (2) .

مروج الذهب_ في ذِكرِ حَربِ الجَمَلِ _: قَبَضَ [عَلِيٌّ عليه السلام ]ما كانَ في مُعَسكَرِهِم مِن سِلاحٍ ودابَّةٍ ومَتاعٍ وآلَةٍ وغَيرِ ذلِكَ فَباعَهُ ، وقَسَمَهُ بَينَ أصحابِهِ ، وأخَذَ لِنَفسِهِ كَما أخَذَ لِكُلِّ واحِدٍ مِمَّن مَعَهُ مِن أصحابِهِ وأهلِهِ ووُلدِهِ ؛ خَمسَمِئَةِ دِرهَمٍ . فَأَتاهُ رَجُلٌ مِن أصحابِهِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي لَم آخُذ شَيئا ، وخَلَّفَني عَنِ الحُضورِ كَذا _ وأدلى بِعُذرٍ _ فَأَعطاهُ الخَمسَمِئَةِ الَّتي كانَت لَهُ (3) .

الجمل :ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام [بَعدَ وَقعَةِ الجَمَلِ] ، وَاستَدعى جَماعَةً مِن أصحابِهِ ، فَمَشَوا مَعَهُ حَتّى دَخَلَ بَيتَ المالِ ، وأرسَلَ إلَى القُرّاءِ فَدَعاهُم ، ودَعَا الخُزّانَ ، وأمَرَهُم بِفَتحِ الأَبوابِ الَّتي داخِلُهَا المالُ ، فَلَمّا رَأى كَثرَةَ المالِ قالَ : هذا جَنايَ وخِيارُهُ فيه ثُمَّ قَسَمَ المالَ بَينَ أصحابِهِ ، فَأَصابَ كُلَّ رَجُلٍ مِنهُم سِتَّةَ آلافِ دِرهَمٍ ، وكانَ أصحابُهُ اثنَي عَشَرَ ألفا ، وأخَذَ هُوَ عليه السلام كَأَحَدِهِم . فَبَينا هُم عَلى تِلكَ الحالَةِ إذ أتاهُ آتٍ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ اسمي سَقَطَ مِن كِتابِكَ ، وقَد رَأَيتُ مِنَ البَلاءِ ما

.


1- .الغارات : ج1 ص52 ، بحار الأنوار : ج100 ص60 ح10 .
2- .مروج الذهب : ج2 ص362 .
3- .مروج الذهب : ج2 ص380 وراجع شرح نهج البلاغة : ج1 ص250 .

ص: 455

رَأَيتُ ! فَدَفَعَ سَهمَهُ إلى ذلِكَ الرَّجُلِ (1) .

الغارات عن المغيرة الضَّبّيّ :كانَ أشرافُ أهلِ الكوفَةِ غاشّينَ لِعَلِيٍّ عليه السلام ، وكانَ هَواهُم مَعَ مُعاوِيَةَ ؛ وذلِكَ أنَّ عَليّا كانَ لا يُعطي أحَدا مِنَ الفَيءِ أكثَرَ مِن حَقِّهِ ، وكانَ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانٍ جَعَلَ الشَّرَفَ في العَطاءِ ألفَي دِرهَمٍ (2) .

الإمام عليّ عليه السلام_ في ذَمِّ العاصينَ مِن أصحابِهِ _: أوَلَيسَ عَجَبا أنَّ مُعاوِيَةَ يَدعُو الجُفاةَ الطَّغامَ فَيَتَّبِعونَهُ عَلَى غَيرِ مَعونَةٍ ولا عَطاءٍ ، وأنَا أدعوكُم _ وأنتُم تَريكَةُ (3) الإِسلامِ ، وبَقِيَّةُ النّاسِ _ إلَى المَعونَةِ أو طائِفَةٍ مِنَ العَطاءِ ، فَتَفَرَّقونَ عَنّي وتَختَلِفونَ عَلَيَّ ؟ ! (4)

عنه عليه السلام_ في قَومٍ مِن أهلِ المَدينَةِ لَحِقوا بِمُعاوِيَةَ _: قَد عَرَفُوا العَدلَ ورَأَوهُ وسَمِعوهُ ووَعَوهُ ، وعَلِموا أنَّ النّاسَ عِندَنا في الحَقِّ اُسوَةٌ ، فَهَرَبوا إلَى الأَثَرَةِ ، فَبُعدا لَهُم وسُحقا (5) .

راجع : ص 481 (إقامة العدل) .

.


1- .الجمل : ص400 وراجع شرح نهج البلاغة : ج1 ص250 .
2- .الغارات : ج1 ص44 .
3- .التريكة : بيضة النعامة بعد أن يخرج منها الفرخ تتركها في مجثمها . والمراد : أنتم خَلَف الإسلام وعِوَض السَّلف .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 180 ، الغارات : ج1 ص291 ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص107 عن عبد اللّه بن فقيم ، البداية والنهاية : ج7 ص316 كلّها نحوه .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 70 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص113 وفيه من «وعلموا . . .» ، بحار الأنوار : ج33 ص521 ح714 ؛ أنساب الأشراف : ج2 ص386 وفيه من «وعلموا . . .» .

ص: 456

وقفة مع اُسلوب توزيع الأموال العامّة في صدر الإسلام

وقفة مع اُسلوب توزيع الأموال العامّة في صدر الإسلامإنّ عنوان «بيت المال» في النصوص الروائيّة هو مصطلح عامّ للعائدات العامّة للمسلمين، ويكون تحت اختيار الحكومة الإسلاميّة ويتبيّن من خلال نظرة جامعة للروايات أنّ بيت المال ينفق في وجهين : 1 _ النفقات العامّة ذات العنوان الخاصّ، مثل ضمان الفقراء ، والمساكين ، والعاجزين ، واُسر الشهداء، ورواتب العاملين في بيت المال، والقضاة، والجنود، ومصارف التعليم، والصحّة، وقروض الغرماء، ودِيات المقتولين الَّذين ليس لهم ضامن، والعمران، وغيرها... 2 _ تقسيم الفائض : بعد أن يتمّ إعطاء المذكورين حصصهم من بيت المال ، ففي صدر الإسلام كان يتمّ تقسيم الفائض عن ذلك بين عامّة المسلمين وقد عرّفت الروايات هذا القسم بالحقّ العام للأفراد من بيت المال . إنّ التوزيع المطلوب لبيت المال من وجهة نظر الإسلام يستند على ركيزتين أساسيّتين هما: 1 _ رعاية العدالة في التقسيم: للعدالة الاقتصاديّة في توزيع الثروات العامّة معياران أصليّان في الإسلام : أحدهما: أولويّة الضمان الاجتماعي ، والاهتمام بالطبقات الاجتماعيّة الضعيفة والمحرومة ، والسعي في التوسعة عليهم .

.

ص: 457

والآخر: رعاية المساواة في الحقوق المتكافئة. وإذا لاحظنا سياسة الإمام عليّ عليه السلام في توزيع الأموال نلمس فيها أوضح مصاديق هذين المعيارين ، إذ نقرأ في كتبه إلى عمّاله تأكيده الدائم على تخصيص قسمٍ من مصادر بيت المال للطبقات المحرومة وذات الدخل المحدود ، وتأكيداته الجمّة ، ووصاياه الكثيرة بإلغاء الامتيازات الوهميّة المجحفة، ومنح الحقوق المتساوية للقريب والبعيد، والعربي والأعجمي، والمرأة والرجل، وذي السابقة في الإسلام وحديثي العهد به . فترتسم لطلّاب العدالة صورة مشرقة للعدالة الإنسانيّة. 2 _ عدم حبس الحقوق العامّة : الإسراع في الإنفاق، واجتناب حبس الحقوق العامّة ، فمع تأكيد الإسلام على لزوم الاعتدال في الإنفاق والتخطيط له، والإنفاق بمقدار، نجده ذمّ بشدّة حبس الحقوق العامّة بلا مسوّغ، وأوصى بالإسراع في إنفاقها. وإذا لاحظنا هاتين الخصوصيّتين يمكن بيان المنهج القويم في صرف أموال بيت المال بهذا النحو : إذا تمّ حبس جزء من الدخل لمصارف خاصّة بحيث كان كلّ من الدخل والمصرف حاليّين فهذا الحبس هو الإمساك والادّخار المنهيّ عنه في الروايات . بل بلغ اهتمام النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله برعاية هذا المبدأ مرتبة قصوى تظهر معها آثار الغمّ على صفحات وجهه الكريم بسبب بقاء مقدار قليل من الأموال الَّتي ينبغي أن تصل إلى مستحقّيها. وحين زادت عائدات بيت المال في عهد عمر بشكل لم يسبق له مثيل قامت الحكومة بتأسيس بيت المال وتشكيل الديوان ، وكانت العائدات تُجمع فيه وتُدَّخر على طول السنة، ثمّ تُوزّع على عامّة المسلمين في نهاية السنة بشكلٍ فردي.

.

ص: 458

وعندما تقلّد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الخلافة رفض هذه السياسة، وسار بسيرة النبيّ صلى الله عليه و آله . وامتناعه عن التأخير في تقسيم بيت المال حتّى بمقدار ليلة واحدة، وتأكيده على توزيع جميع ما في بيت المال ، يدلّ بوضوح على شدّة اهتمامه باجتناب الادّخار.

.

ص: 459

5 / 11 توفير الحاجات الضّروريّة للجميع
5 / 12 حماية الطّبقة السّفلى

5 / 11تَوفيرُ الحاجاتِ الضَّرورِيَّةِ لِلجَميعِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ فَرَضَ في أموالِ الأَغنِياءِ أقواتَ الفُقَراءِ ، فَما جاعَ فَقيرٌ إلّا بِما مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ ؛ وَاللّهُ تَعالى سائِلُهُم عَن ذلِكَ (1) .

عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ فَرَضَ عَلَى الأَغنِياءِ في أموالِهِم بِقَدرِ ما يَكفي فُقَراءَهُم؛ فَإِن جاعوا وعَرَوا جَهَدوا في مَنعِ الأَغنِياءِ ؛ فَحَقٌّ عَلَى اللّهِ أن يُحاسِبَهُم يَومَ القيامَةِ ويُعَذِّبَهُم عَلَيهِ (2) .

عنه عليه السلام :ما أصبَحَ بِالكوفَةِ أحَدٌ إلّا ناعِما ؛ إنَّ أدناهُم مَنزِلَةً لَيَأكُلُ مِنَ البُرِّ ويَجلِسُ فِي الظِّلِّ ويَشرَبُ مِن ماءِ الفُراتِ (3) .

تهذيب الأحكام عن محمّد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين عليه السلام :مَرَّ شَيخٌ مَكفوفٌ كَبيرٌ يَسأَلُ ، فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : ما هذا ؟ فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، نَصرانِيٌّ ! قالَ : فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أستَعمَلتُموهُ ، حَتّى إذا كَبِرَ وعَجَزَ مَنَعتُموهُ ؟ !أنفِقوا عَلَيهِ مِن بَيتِ المالِ (4) .

5 / 12حِمايَةُ الطَّبَقَةِ السُّفلىالإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى قُثَمِ بنِ العَبّاسِ _: وانظُر إلى ما اجتَمَعَ عِندَكَ مِن مالِ اللّه

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 328 ، روضة الواعظين : ص497 نحوه ، عيون الحكم والمواعظ : ص152 ح3343 ؛ ينابيع المودّة : ج2 ص249 ح699 وفيها «منع» بدل «مُتِّع به» .
2- .السنن الكبرى : ج7 ص37 ح13206 عن محمّد بن عليّ ، كنز العمّال : ج6 ص528 ح16840 .
3- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص531 ح883 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج8 ص157 ح15 كلاهما عن عبد اللّه بن سخبرة ، كنز العمّال : ج14 ص172 ح38276 نقلاً عن هنّاد ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص99 ، بحار الأنوار : ج40 ص327 .
4- .تهذيب الأحكام : ج6 ص293 ح811 .

ص: 460

فَاصرِفهُ إلى مَن قِبَلَكَ مِن ذَوِي العِيالِ وَالمَجاعَةِ ، مُصيبا بِهِ مَواضِعِ الفاقَةِ وَالخَلّاتِ (1) ، وما فَضَلَ عَن ذلِكَ فاحمِلهُ إلَينا لِنَقسِمَهُ فيمَن قِبَلَنا (2) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ اللّهَ اللّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفلى مِنَ الَّذينَ لا حيلَةَ لَهُم ، مِنَ المَساكينِ وَالمُحتاجينَ وأهلِ البُؤسى وَالزَّمنى (3) ؛ فَإِنَّ في هذِهِ الطَّبَقَةِ قانِعا ومُعتَرّا (4) ، وَاحفَظ للّهِِ ما استَحفَظَكَ مِن حَقِّهِ فيهِم ، وَاجعَل لَهُم قِسما مِن بَيتِ مالِكَ ، وقِسما مِن غَلّاتِ صَوافِي (5) الإِسلامِ في كُلِّ بَلَد ، فَإِنَّ لِلأَقصى مِنهُم مِثلَ الَّذي لِلأَدنى ، وكُلٌّ قَدِ استُرعيتَ حَقَّهُ ، فَلا يَشغَلَنَّكَ عَنهُم بَطَرٌ ، فَإِنَّكَ لا تُعذَرُ بِتَضييعِكَ التّافِهَ لِاءحكامِكَ الكَثيرَ المُهِمَّ ، فَلا تُشخِص هَمَّكَ عَنهُم ، ولا تُصَعِّر خَدَّكَ لَهُم . وتَفَقَّد اُمورَ مَن لا يَصِلُ إلَيكَ مِنهُم مِمَّن تَقتَحِمُهُ العُيونُ ، وتَحْقِرُهُ الرِّجالُ ، فَفَرِّغ لِاُولئِكَ ثِقَتَكَ مِن أهلِ الخَشيَةِ وَالتَّواضُعِ . فَليَرفَع إلَيكَ اُمورَهُم ، ثُمَّ اعمَل فيهِم بِالإِعذارِ إلَى اللّهِ يَومَ تَلقاهُ ، فَإِنَّ هؤُلاءِ مِن بَينِ الرَّعِيَّةِ أحوَجُ إلَى الإِنصافِ مِن غَيرِهِم ، وكُلٌّ فَأَعذِر إلَى اللّهِ في تَأدِيَةِ حَقِّهِ إلَيهِ . وتَعَهَّد أهلَ اليُتمِ وذَوي الرِّقَّةِ (6) فِي السِّنِّ مِمَّن لا حيلَةَ لَهُ ، ولا يَنصِبُ لِلمَسأَلَةِ نَفسَهُ . وذلِكَ عَلَى الوُلاةِ ثَقيلٌ ، وَالحَقُّ كُلُّهُ ثَقيلٌ (7) .

.


1- .جَمْع خَلَّة : الحاجة والفَقْر (اُنظر النهاية : ج2 ص72) .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 67 ، بحار الأنوار : ج33 ص497 ح702 .
3- .جَمْع زَمِين . ورجلٌ زَمِنٌ وزَمِينٌ : أي مُبْتَلىً بَيِّنُ الزَّمانَة . والزَّمانة : العاهَة (اُنظر لسان العرب : ج13 ص199) .
4- .المُعْتَرّ : هو الَّذي يتعرّض للسؤال من غير طلب (النهاية : ج3 ص205) .
5- .الصَّوافي : الأملاك والأرض الَّتي جَلا عنها أهلُها أو ماتوا ولا وارث لها ، واحدتها صافِية (لسان العرب : ج14 ص463) .
6- .يقال : رقّت عظام فلان إذا كبر وأسنَّ (لسان العرب : ج10 ص122) .
7- .نهج البلاغة : الكتاب 53 وراجع دعائم الإسلام : ج1 ص366 .

ص: 461

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ (في روايَةِ تُحَفِ العُقولِ) _: وتَعَهَّد أهلَ اليُتمِ وَالزَّمانَةِ وَالرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّن لا حيلَةَ لَهُ ، ولا يَنصِبُ لِلمَسأَلَةِ نَفسَهُ ؛ فَأَجرِ لَهُم أرزاقاً ، فَإِنَّهُم عِبادُ اللّهِ ، فَتَقَرَّب إلَى اللّهِ بِتَخَلُّصِهِم ووَضعِهِم مَواضِعَهُم في أقواتِهِم وحُقوقِهِم ، فَإِنَّ الأَعمالَ تَخلُصُ بِصِدقِ النِّيّاتِ . ثُمَّ إنَّهُ لا تَسكُنُ نُفوسُ النّاسِ أو بَعضِهِم إلى أنَّكَ قَد قَضَيتَ حُقوقَهُم بِظَهرِ الغَيبِ دونَ مُشافَهَتِكَ بِالحاجاتِ ، وذلِكَ عَلَى الوُلاةِ ثَقيلٌ ، وَالحَقُّ كُلُّهُ ثَقيلٌ ، وقَد يُخَفِّفُهُ اللّهُ عَلى أقوامٍ طَلَبُوا العاقِبَةَ فَصَبَّروا نُفوسَهُم ، ووَثِقوا بِصِدقِ مَوعودِ اللّهِ لِمَن صَبَرَ وَاحتَسَبَ ، فَكُن مِنهُم وَاستَعِن بِاللّهِ (1) .

عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ ، وهُوَ في بَيانِ طَبَقاتِ النّاسِ _: اِعلَمْ أنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقاتٌ . . . ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفلى مِن أهلِ الحاجَةِ وَالمَسكَنَةِ الَّذينَ يَحِقُّ رِفدُهُم ومَعونَتُهُم . وفِي اللّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ ، ولِكُلٍّ عَلَى الوالي حَقٌّ بِقَدرِ ما يُصلِحُهُ (2) .

عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى بَعضِ عُمّالِهِ ، وقَد بَعَثَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ _: إنَّ لَكَ في هذِهِ الصَّدَقَةِ نَصيبا مَفروضا ، وحَقّا مَعلوما ، وشُرَكاءَ أهلَ مَسكَنَةٍ ، وضُعَفاءَ ذَوي فاقَةٍ ، وإنّا مُوَفّوكَ حَقَّكَ ، فَوَفِّهِم حُقوقَهُم ، وإلّا تَفعَل فَإِنَّكَ مِن أكثَرِ النّاسِ خُصوما يَومَ القِيامَةِ ، وبُؤسى لِمَن خَصمُهُ عِندَ اللّهِ الفُقَراءُ وَالمُساكينُ ، وَالسّائِلونَ ، وَالمَدفوعونَ ، وَالغارِمونَ ، وَابنُ السَّبيلِ ! (3)

دعائم الإسلام :إنَّهُ [عَلِيّاً عليه السلام ] أوصى مِخنَفَ بنَ سُلَيمٍ الأَزدِيَّ _ وقَد بَعَثَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ _ بِوَصِيَّةٍ طَويلَةٍ أمَرَهُ فيها بِتَقوَى اللّهِ رَبِّهِ ، في سَرائِرِ اُمورِهِ وخَفِيّاتِ أعمالِهِ ، وأن

.


1- .تحف العقول : ص141 .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص132 وفيه «في فيء اللّه » بدل «في اللّه » وراجع دعائم الإسلام : ج1 ص357 .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 26 .

ص: 462

5 / 13 العناية الخاصّة بالأيتام

يَلقاهُم بِبَسطِ الوَجهِ ، ولينِ الجانِبِ ، وأمَرَهُ أن يَلزِمَ التَّواضُعَ ، ويَجتَنِبَ التَّكَبُّرَ ؛ فَإِنَّ اللّهَ يَرفَعُ المُتَواضِعينَ ويَضَعُ المُتَكَبِّرينَ . ثُمَّ قالَ لَهُ : يا مِخنَفَ بنَ سُلَيمٍ ، إنَّ لَكَ في هذِهِ الصَّدَقَةِ نَصيبا وحَقّا مَفروضا ، ولَكَ فيهِ شُرَكاءَ : فُقَراءَ ، ومَساكينَ ، وغارِمينَ ، ومُجاهِدينَ ، وأبناءَ سَبيلٍ ، ومَملوكينَ ، ومُتَأَ لَّفينَ ، وإنّا مُوَفّوكَ حَقَّكَ ، فَوَفِّهِم حُقوقَهُم ، وإلّا فَإِنَّكَ مِن أكثَرِ النّاسِ يَومَ القِيامَةِ خُصَماءَ ، وبُؤسا لِامرِئٍ أن يَكونَ خَصمُهُ مِثلَ هؤُلاءِ ! (1)

5 / 13العِنايَةُ الخاصَّةُ بِالأَيتامِالكافي عن حبيب بن أبي ثابت :جاءَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام عَسَلٌ وتينٌ مِن هَمَدانَ (2) وحُلوانَ (3) ، فَأَمَرَ العُرَفاءَ (4) أن يَأتوا بِاليَتامى ، فأَمكَنَهُم مِن رُؤوسِ الأَزقاقِ (5) يَلعَقونَها وهُوَ يَقسِمُها لِلنّاسِ قَدَحا قَدَحا ، فَقيلَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما لَهُم يَلعَقونَها ؟ فَقالَ : إنَّ الإِمامَ أبُو اليَتامى ، وإنَّما ألعَقتُهُم هذا بِرِعايَةِ الآباءِ (6) .

ربيع الأبرار عن أبي الطُّفيل :رَأَيتُ عَلِيّا _ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ _ يَدعُو اليَتامَى فَيُطعِمُهُمُ العَسَلَ ،

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص252 ، بحار الأنوار : ج96 ص85 ح7 .
2- .هَمَدان : مدينة تقع في غرب إيران ، وهي مركز محافظة همدان ، قريبة من مدينة كرمانشاه .
3- .حُلْوان : مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسرّ من رأى أكبر منها ، وهي بقرب الجبل ، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها (معجم البلدان : ج 2 ص 291) .
4- .جَمْع عَرِيف : وهو القيِّم باُمور القبيلة أو الجماعة من النّاس يَلي اُمورَهم ويتعرّف الأميرُ منه أحوالهم (النهاية : ج3 ص218) .
5- .الزِّقّ : السِّقاء يُنْقَل فيه الماءُ ، أو جِلدٌ يُجَزّ شَعْرُه ولا يُنْتَف نَتْفَ الأدِيم . وقيل : الزِّقّ من الاُهُب : كلّ وعاءٍ اتُّخِذ للشراب وغيره . والجمع أزْقاق وزِقاق وزُقّان (تاج العروس : ج13 ص196) .
6- .الكافي : ج1 ص406 ح5 ، بحار الأنوار : ج41 ص123 ح30 .

ص: 463

حَتّى قالَ بَعضُ أصحابِهِ : لَوَدِدتُ أنّي كُنتُ يَتيما (1) .

أنساب الأشراف عن الحَكَم :شَهِدتُ عَلِيّا واُتِيَ بِزِقاقٍ مِن عَسَلٍ ، فَدَعَا اليَتامى وقالَ : دِبّوا (2) وَالعَقوا ، حَتّى تَمَنَّيتُ أنّي يَتيمٌ ، فَقَسَمَهُ بَينَ النّاسِ وبَقِيَ مِنهُ زِقٌّ (3) ، فَأَمَرَ أن يُسقاهُ أهلَ المَسجِدِ (4) .

المناقب لابن شهر آشوب :نَظَرَ عَلِيٌّ إلَى امرَأَةٍ عَلى كَتِفِها قِربَةُ ماءٍ ، فَأَخَذَ مِنهَا القِربَةَ فَحَمَلَها إلى مَوضِعِها ، وسَأَلَها عَن حالِها فَقالَت : بَعَثَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صاحِبي إلى بَعضِ الثُّغورِ فَقُتِلَ ، وتَرَكَ عَلَيَّ صِبيانا يَتامى ولَيسَ عِندي شَيءٌ ، فَقَد ألجَأَتنِي الضَّرورَةُ إلى خِدمَةِ النّاسِ . فَانصَرَفَ وباتَ لَيلَتَهُ قَلِقا . فَلَمّا أصبَحَ حَمَلَ زِنبِيلاً فيهِ طَعامٌ ، فَقالَ بَعضُهُم : أعطِني أحمِلهُ عَنكَ . فَقالَ : مَن يَحمِلُ وِزري عَنّي يَومَ القِيامَةِ ! فَأَتى وقَرَعَ البابَ ، فَقالَت : مَن هذا ؟ قالَ : أنَا ذلِكَ العَبدُ الَّذي حَمَلَ مَعَكِ القِربَةَ ، فَافتَحي فَإِنَّ مَعي شَيئا لِلصِّبيانِ . فَقالَت : رَضِيَ اللّهُ عَنكَ وحَكَمَ بَيني وبَينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ! فَدَخَلَ وقالَ : إنّي أحببَتُ اكتِسابَ الثَّوابِ فَاختاري بَينَ أن تَعجِنينَ (5) وتَخبِزينَ ، وبَينَ أن

.


1- .ربيع الأبرار : ج2 ص148 ، المعيار والموازنة : ص251 نحوه ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص75 .
2- .الدبيب : حركة على الأرض أخفّ من المشي (معجم مقاييس اللغة : ج2 ص263) .
3- .في المصدر : «زقّاً» ، وهو تصحيف .
4- .أنساب الأشراف : ج2 ص373 .
5- .كذا في المصدر وبحار الأنوار ، ومقتضى القواعد النحوية المعمول بها اليوم أن يقال : «أن تعجني وتخبزي ... وتعلّلي» ؛ لمكان «أنْ» الناصبة للفعل المضارع . لكن ذكر صاحب النحو الوافي أنّ بعض القبائل العربيّة يهملها ، فلا ينصب بها المضارع برغم استيفائها شروط نصْبه ؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى : «وَالْوَ لِدَ تُ يُرْضِعْنَ أَوْلَ_دَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ» برفع المضارع «يتمُّ» على اعتبار «أنْ» مصدريّة مهملة . والأنسب اليوم ترك هذه اللغة لأهلها ، والاقتصار على الإعمال ؛ حرصاً على الإبانة ، وبُعداً عن الإلباس (النحو الوافي : ج4 ص267) .

ص: 464

تُعَلِّلينَ (1) الصِّبيانَ لِأَخبِزَ أنَا . فَقالَت : أنَا بِالخُبزِ أبصَرُ وعَلَيهِ أقدَرُ ، ولكِن شَأنَكَ وَالصِّبيانَ ؛ فَعَلِّلهُم حَتّى أفرُغَ مِنَ الخُبزِ . فَعَمَدَت إلَى الدَّقيقِ فَعَجَنَتهُ ، وعَمَدَ عَلِيٌّ عليه السلام إلَى اللَّحمِ فَطَبَخَهُ ، وجَعَلَ يُلقِمُ الصِّبيانَ مِنَ اللَّحمِ وَالتَّمرِ وغَيرِهِ ، فَكُلَّما ناوَلَ الصِّبيانَ مِن ذلِكَ شَيئا قالَ لَهُ : يا بُنَيَّ ، اجعَل عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ في حِلٍّ مِمّا مَرَّ في أمرِكَ . فَلَمَّا اختَمَرَ العَجينُ قالَت : يا عَبدَ اللّهِ ، سَجِّرِ التَّنّورَ . فَبادَرَ لِسَجرِهِ ، فَلَمّا أشعَلَهُ ولَفحَ في وَجهِهِ جَعَلَ يَقولُ : ذُق يا عَلِيُّ ! هذا جَزاءُ مَن ضَيَّعَ الأَرامِلَ وَاليَتامى . فَرَأَتهُ امرَأَةٌ تَعرِفهُ فَقالَت : وَيحَكِ ! هذا أميرُ المُؤمِنينَ . قالَ : فَبادَرَتِ المَرأَةُ وهِيَ تَقولُ : وا حَيايَ مِنكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ !فَقالَ : بَل وا حَيايَ مِنكِ يا أمَةَ اللّهِ فيما قَصَّرتُ في أمرِكِ ! (2)

كشف اليقين :رُوِيَ أنَّهُ [عَلِيّاً عليه السلام ] اجتازَ لَيلَةً عَلَى امرَأَةٍ مِسكينَةٍ لَها أطفالٌ صِغارٌ يَبكونَ مِنَ الجوعِ ، وهِيَ تُشاغِلُهُم وتُلهيهِم حَتّى يَناموا ، وكانَت قَد أشعَلَت نارا تَحتَ قِدرٍ فيها ماءٌ لا غَيرَ ، وأوهَمَتهُم أنَّ فيها طَعاما تَطبَخُهُ لَهُم ، فَعَرَفَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام حالَها ، فَمَشى عليه السلام ومَعَهُ قَنبَرٌ إلى مَنزِلِهِ ، فَأَخرَجَ قَوصَرَةَ (3) تَمرٍ وجِرابَ (4) دَقيقٍ وشَيئا مِنَ الشَّحمِ وَالأَرُزِّ وَالخُبزِ ، وحَمَلَهُ عَلى كَتِفِهِ الشَّريفِ ، فَطَلَبَ قَنبَرٌ حَملَهُ فَلَم يَفعَل . فَلَمّا وَصَلَ إلى بابِ المَرأَةِ استَأذَنَ عَلَيها ، فَأَذِنَت لَهُ فِي الدُّخولِ ، فَأَرمى شَيئا مِنَ الأَرُزِّ فِي القِدرِ ومَعَهُ شَيءٌ مِنَ الشَّحمِ ، فَلَمّا فَرَغَ مِن نَضجِهِ عَرَّفَهُ لِلصِّغارِ (5) وأمَرَهُم بِأَكلِهِ ، فَلَمّا شَبِعوا أخَذَ يَطوفُ بِالبَيتِ ويُبَعبِع لَهُم ، فَأَخَذوا فِي الضِّحكِ .

.


1- .عَلَّلَهُ بطعامٍ وحديثٍ ونحوهما : شَغَلَهُ بهما (لسان العرب : ج11 ص469) .
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص115 ، بحار الأنوار : ج41 ص52 . وراجع : ج 5 ص 416 (إمام المستضعفين) .
3- .هي وعاءٌ من قَصَب يُعمَل للتمر ، ويُشَدَّد ويُخفَّف (لسان العرب : ج4 ص121) .
4- .هو وِعاءٌ من إهاب [ : جلد] الشاء لا يُوعَى فيه إلّا يابس (لسان العرب : ج1 ص261) .
5- .هكذا في المصدر وفي هامشه ما يلي: في نسخة : « فلمّا فرغ من طبخه قرّبه للصغار » .

ص: 465

5 / 14 النّهي عن الجود بأموال العامّة

فَلَمّا خَرَجَ عليه السلام قالَ لَهُ قَنبَرٌ : يا مَولايَ ، رَأَيتُ اللَّيلَةَ شَيئا عَجيبا قَد عَلِمتُ سَبَبَ بَعضِهِ وهُوَ حَملُكَ لِلزّادِ طَلَبا لِلثَّوابِ ، أمّا طَوافُكَ بِالبَيتِ عَلى يَدَيكَ ورِجلَيكَ وَالبَعبَعَةُ فَما أدري سَبَبَ ذلِكَ ! فَقالَ عليه السلام : يا قَنبَرُ ، إنّي دَخَلتُ عَلى هؤلُاءِ الأَطفالِ وهُم يَبكونَ مِن شِدَّةِ الجوعِ ، فَأَحبَبتُ أن أخرُجَ عَنهُم وهُم يَضحَكونَ مَعَ الشِّبَعِ ، فَلَم أجِد سَبَبا سِوى ما فَعَلتُ (1) .

5 / 14النَّهيُ عَنِ الجودِ بِأَموالِ العامَّةِالإمام عليّ عليه السلام :جودُ الوُلاةِ بِفَيءِ المُسلِمينَ جَورٌ وخَترٌ (2)(3) .

عبأ : في الخبر :عنه عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ كَلَّمَ بِهِ عَبدَ اللّهِ بن زَمعَةَ ، وهُوَ مِن شيعَتِهِ ، وذلِكَ أنَّهُ قَدِمَ عَلَيهِ في خِلافَتِهِ يَطلُبُ مِنهُ مالاً _: إنَّ هذَا المالَ لَيسَ لي ولا لَكَ ، وإنَّما هُوَ فَيءٌ لِلمُسلِمينَ وجَلبُ أسيافِهِم ؛ فَإِن شَرِكتَهُم في حَربِهِم كانَ لَكَ مِثلُ حَظِّهِم ، وإلّا فَجَناةُ (4) أيديهِم لا تَكونُ لِغَيرِ أفواهِهِم (5) .* ومنه الخبر :دعائم الإسلام :إنَّهُ [عَلِيّاً عليه السلام ] جَلَسَ يَقسِمُ مالاً بَينَ المُسلِمينَ ، فَوَقَفَ بِهِ شَيخٌ كَبيرٌ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي شَيخٌ كَبيرٌ كَما تَرى ، وأنَا مُكاتَبٌ (6) ، فَأَعِنّي مِن هذَا المالِ . فَقالَ : وَاللّهِ ، ما هُوَ بِكَدِّ يَدي ولا تُراثي مِنَ الوالِدِ ، ولكِنَّها أمانَةٌ اُرعيتُها فَأَنَا

.


1- .كشف اليقين : ص136 ح129 .
2- .الخَتْر : الغَدْر (النهاية : ج2 ص9) .
3- .غرر الحكم : ح4725 .
4- .جَنَى الثَمَرةَ ونحوها وتَجَنّاها : تناولها من شجرتها . والجَنَى : ما يُجْنَى من الشجر ، واحدته جَناة ، وقيل : الجَناةُ كالجَنَى (لسان العرب : ج14 ص155) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 232 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص110 ، غرر الحكم : ح3702 نحوه .
6- .الكِتابة : أن يُكاتِب الرجلُ عبدَه على مال يؤدِّيه إليه مُنَجَّماً ، فإذا أدّاه صار حُرّاً (النهاية : ج4 ص148) .

ص: 466

5 / 15 عدم استئثار الأولاد والأقرباء
اشارة

* ومنه الخبر :اُؤَدّيها إلى أهلِها ، ولكِنِ اجلِس . فَجَلَسَ وَالنّاسُ حَولَ أميرِ المُؤمِنينَ ، فَنَظَرَ إلَيهِم فَقالَ : رَحِمَ اللّهُ مَن أعانَ شَيخا كَبيرا مُثقَلاً ! فَجَعَلَ النّاسُ يُعطونَهُ (1) .5 / 15عَدَمُ استِئثارِ الأَولادِ والأَقرِباءِعبب : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الاستيعاب :كانَ عَلِيٌّ رضى الله عنه . . . لا يَترُكُ في بَيتِ المالِ مِنُه إلّا ما يَعجِزُ عَن قِسمَتِهِ في يَومِهِ ذلِكَ ، ويَقولُ : يا دُنيا غُرّي غَيري ! ولَم يَكُن يَستَأثِرُ مِنَ الفَيءِ بِشَيءٍ ، ولا يَخُصُّ بِهِ حَميما ولا قَريبا (2) .* وعنه صلى الله عليه و آله :الاختصاص_ في ذِكرِ مَناقِبِ الإِمامِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: دَخَلَ النّاسُ عَلَيهِ قَبلَ أن يُستَشهَدَ بِيَومٍ ، فَشَهِدوا جَميعا أنَّهُ قَد وَفَّرَ فَيئَهُم ، وظَلَفَ (3) عن دُنياهُم ، ولَم يَرتَشِ (4) في إجراءِ أحكامِهِم ، ولَم يَتَناوَل مِن بَيتِ مالِ المُسلِمينَ ما يُساوي عِقالاً ، ولَم يَأكُل مِن مالِ نَفسِهِ إلّا قَدرَ البُلغَةِ ؛ وشَهِدوا جَميعا أنَّ أبعَدَ النّاسِ مِنهُم بِمَنزِلَةِ أقرَبِهِم مِنهُ ! (5)

.


1- .دعائم الإسلام : ج2 ص310 ح1171 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص110 نحوه وفيه «عاصم بن ميثم» بدل «شيخ كبير» .
2- .الاستيعاب : ج3 ص210 ح1875 .
3- .رجلٌ ظليفُ النَّفس : أي نَزِهُها ، وهو من قولهم : ظَلَفهُ عن كذا : إذا مَنَعهُ (تاج العروس : ج12 ص367) .
4- .في المصدر : «يرتشي» ، وهو تصحيف .
5- .الاختصاص : ص160 .

ص: 467

5 / 15 _ 1 الحسن والحسين

5 / 15 _ 1الحَسَنُ وَالحُسَينُ* وعن اُسيد بن مالك في الطفّ :أنساب الأشراف عن داودَ بنِ أبي عَوفٍ عَن رَجُلٍ مِن خَثعَمٍ :رَأَيتُ الحَسَنَ وَالحُسَينَ عليهماالسلاميَأكُلانِ خُبزا وخَلّاً وبَقلاً ، فَقُلتُ : أ تَأكُلانِ هذا وفِي الرُّحبَةِ 1 ما فيها !فَقالا : ما أغفَلَكَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ ! (1)عبث : عن أبي جعفر عليه السلام :شرح نهج البلاغة عن خالد بن مُعَمَّر السَّدوسيّ_ لِعِلباء بنِ الهَيثَمِ _: ماذا تُؤَمِّلُ عِندَ رَجُلٍ أرَدتُهُ عَلى أن يَزيدَ في عَطاءِ الحَسَنِ والحُسينِ دُرَيهِماتٍ يَسيرَةً رَيثَما يَرأَبانِ (2) بِها ظَلَفَ (3) عَيشِهِما ، فَأَبى وغَضِبَ فَلَم يَفعَل ! (4)* ومنه الخبر :فضائل الصحابة عن أبي صالح :دَخَلتُ عَلى اُمِّ كُلثومٍ بِنتِ عَلِيٍّ فَإِذا هِيَ تَمَشَّطُ في سِترٍ بَيني وبَينَها ، فَجاءَ حَسَنٌ وحُسَينٌ فَدَخَلا عَلَيها وهِيَ جالِسَةٌ تَمتَشِطُ فَقالا : أ لا تُطعِمونَ أبا صالِحٍ شَيئا ؟ قالَ : فَأَخرَجوا لي قَصعَةً فيها مُرَقٌ بِحُبوبٍ ، قالَ : فَقُلتُ : تُطعِموني (5) هذا وأنتُم اُمَراءُ ! فَقالَت اُمُّ كُلثومٍ : يا أبا صالِحٍ ، كَيفَ لَو رَأَيتَ أميرَ المُؤمِنينَ _ يَعني عَلِيّا _ (6) .

.


1- .أنساب الأشراف : ج2 ص375 ، الورع لابن أبي الدنيا : ص90 ح129 نحوه ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج 2 ص108.
2- .رَأَبَ : أصْلَحَ وجَبَرَ (النهاية : ج2 ص176) .
3- .ظَلَفُ العَيْش : بُؤْسُه وشدَّتُه وخُشُونَتُه (النهاية : ج3 ص159) .
4- .شرح نهج البلاغة : ج10 ص250 .
5- .كذا في المصدر ، وفي ذخائر العقبى والرياض النضرة : «تطعمون» ، ولعلّه أنسب .
6- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص540 ح901 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج8 ص156 ح7 نحوه ، ذخائر العقبى : ص191 ، الرياض النضرة : ج3 ص221 .

ص: 468

عبد : في الحديبية :تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن أبي سفيان :أهدى إلَيَّ دِهقانٌ (1) مِن دَهاقينِ السَّوادِ بُردا ، وإلَى الحَسَنِ أو الحُسَينِ بُردا مِثلَهُ ، فَقامَ عَلِيٌّ يَخطُبُ بِالمَدائِنِ (2) يَومَ الجُمُعَةِ ، فَرَآهُ عَلَيهِما ، فَبَعَثَ إلَيَّ وإلَى الحُسَينِ فَقالَ : ما هذانِ البُردانِ ؟ قالَ : بَعَثَ إلَيَّ وإلَى الحُسَينِ دِهقانٌ مِن دَهاقينِ السَّوادِ . قالَ : فَأَخَذَهُما فَجَعَلَهُما في بَيتِ المالِ (3) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :الإمام الباقر عليه السلام :كَسا عَلِيٌّ عليه السلام النّاسَ بِالكوفَةِ ، وكانَ فِي الكِسوَةِ بُرنُسُ (4) خَزٍّ ، فَسَأَلَهُ إيّاهُ الحَسَنُ ، فَأَبى أن يُعطِيَهُ إيّاهُ ، وأسهَمَ عَلَيهِ بَينَ المُسلِمينَ ، فَصارَ لِفَتىً مِن هَمدانَ ، فَانقَلَبَ بِهِ الهَمدانِيُّ ، فَقيلَ لَهُ : إنَّ حَسَنا كانَ سَأَلَهُ أباهُ فَمَنَعَهُ إيّاهُ ، فَأَرسَلَ بِهِ الهَمدانِيُّ إلَى الحَسَنِ عليه السلام فَقَبِلَهُ (5)6 . .


1- .الدهْقان : رئيس القرية ومُقَدَّم التُّنّاء وأصحاب الزراعة . وهو معرَّب (النهاية : ج2 ص145) .
2- .المَدائِن : أصل تسميتها هي : المدائن السبعة ، وكانت مقرّ ملوك الفرس . وهي تقع على نهر دجلة من شرقيّها تحت بغداد على مرحلة منها . وفيها إيوان كسرى . فُتحت هذه المدينة في (14 ه . ق) على يد المسلمين (راجع تقويم البلدان: ص302).
3- .تاريخ دمشق : ج42 ص478 ، «ترجمة الإمام عليّ عليه السلام » تحقيق محمّد باقر المحمودي (ج3 ص 182 ح 1223) .
4- .هو كلّ ثوب رأسُه منه مُلتَزِق به ؛ من دُرّاعة أو جُبّة أو مِمْطَر أو غيره (النهاية : ج1 ص122) .
5- .قرب الإسناد : ص148 ح537 عن أبي البختري عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار : ج41 ص104 ح4 .

ص: 469

5 / 15 _ 2 امّ كلثوم

5 / 15 _ 2اُمُّ كُلثومٍ* وفي الزيارة الجامعة :الاختصاص :بُعِثَ إلَيهِ [عَلِيٍّ عليه السلام ] مِنَ البَصرَةِ مِن غَوصِ البَحرِ بِتُحفَةٍ لا يُدرى ما قِيمَتُها ، فَقالَت لَهُ ابنَتُهُ اُمُّ كُلثومٍ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أتَجَمَّلُ بِهِ ويَكونَ في عُنُقي ؟فَقالَ : يا أبا رافِعٍ ، أدخِلهُ إلى بَيتِ المالِ ؛ لَيسَ إلى ذلِكَ سَبيلٌ حَتّى لا تَبقَى امرَأَةٌ مِنَ المُسلِمينَ إلّا ولَها مِثلُ ذلِكَ ! (1)عبر : عن أبي الحسن عليه السلام :المصنَّف عن أبي رافع :كُنتُ خازِنا لِعَليٍّ ، قالَ : زَيَّنتُ ابنَتَهُ بِلُؤلُؤَةٍ مِنَ المالِ قَد عَرَفَها ، فَرَآها عَلَيها ، فَقالَ : مِن أينَ لَها هذِهِ ؟ إنَّ للّهِِ عَلَيَّ أن أقطَعَ يَدَها . قالَ : فَلَمّا رَأَيتُ ذلِكَ قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، زَيَّنتُ بِها بِنتَ أخي ، ومِن أينَ كانَت تَقدِرُ عَلَيها !فَلَمّا رَأى ذلِكَ سَكَتَ (2) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :تهذيب الأحكام عن عليّ بن أبي رافع :كُنتُ عَلى بَيتِ مالِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وكاتِبَهُ ، وكانَ في بَيتِ مالِهِ عِقدُ لُؤلُؤٍ كانَ أصابَهُ يَومَ البَصرَةِ ، قالَ : فَأَرسَلَت إلَيَّ بِنتُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام .

فَقالَت لي : بَلَغَني أنَّ في بَيتِ مالِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام عِقدُ لُؤلُؤٍ وهُوَ في يَدِكَ ، وأنَا اُحِبُّ أن تَعيرَنيهِ أتَجَمَّلُ بِهِ في أيّامِ عيدِ الأَضحى ، فَأَرسَلتُ إلَيها : عارِيَّةً مَضمونَةً مَردودَةً يا بِنتَ أميرِ المُؤمِنينَ ؟

فَقالَت : نَعَم ، عارِيَّةً مَضمونَةً مَردودَةً بَعدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ ، فَدَفَعتُهُ إلَيها . وإنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام رَآه عَلَيها فَعَرَفَهُ .

فَقالَ لَها : مِن أينَ صارَ إلَيكِ هذَا العِقدُ ؟

.


1- .الاختصاص : ص151 ، بحار الأنوار : ج40 ص106 نقلاً عن كتاب ابن دأب .
2- .المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص622 ح6 ، تاريخ الطبري : ج5 ص156 نحوه .

ص: 470

* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :فَقالَت : اِستَعَرتُهُ مِن عَلِيِّ بنِ أبي رافِعٍ خازِنِ بَيتِ مالِ أميرِ المُؤمِنينَ لِأَتَزَيَّنَ بِهِ فِي العيدِ ثُمَّ أرُدَّهُ .

قالَ : فَبَعَثَ إلَيَّ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَجِئتُهُ .

فَقالَ لي : أ تَخونُ المُسلِمينَ يَابنَ أبي رافِعٍ ؟ !

فَقلُتُ لَهُ : مَعاذَ اللّهِ أن أخونَ المُسلِمينَ !

فَقالَ : كَيفَ أعَرتَ بِنتَ أميرِ المُؤمِنينَ العِقدَ الَّذي في بَيتِ مالِ المُسلِمينَ بِغَيرِ إذني ورِضاهُم ؟ !

فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهَا ابنَتُكَ وسَأَلَتني أن اُعيرَها إيّاهُ تَتَزَيَّنُ بِهِ ؛ فَأَعَرتَها إيّاهُ عارِيَّةً مَضمونَةً مَردودَةً ، فَضَمِنتُهُ في مالي ، وعَلَيَّ أن أرُدَّهُ سَليما إلى مَوضِعِهِ .

قالَ : فَرُدَّهُ مِن يَومِكَ ، وإيّاكَ أن تَعودَ لِمِثلِ هذا فَتَنالَكَ عُقوبَتي ! ثُمَّ قالَ : اُولي (1) لِابنَتي لَو كانَت أخَذَتِ العِقدَ عَلى غَيرِ عارِيَّةٍ مَضمونَةٍ مَردودَةٍ لَكانَت إذاً أوَّلَ هاشِمِيَّةٍ قُطِعَت يَدُها في سَرِقَةٍ .

قالَ : فَبَلَغَ مَقالَتَهُ ابنَتَهُ ، فَقالَت لَهُ :

يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أنَا ابنَتُكَ وبَضعَةٌ مِنكَ ، فَمَن أحَقُّ بِلُبسِهِ مِنّي !

فَقالَ لَها أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : يا بَنتَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ! لا تَذهَبِنَّ بِنَفسِكِ عَنِ الحَقِّ ، أكُلُّ نِساءِ المُهاجِرينَ تَتَزَيَّنُ في هذَا العيدِ بِمِثلِ هذا ؟ !

قالَ : فَقَبَضتُهُ مِنها ورَدَدتُهُ إلى مَوضِعِهِ (2) . .


1- .مضارعُ متكلِّمٍ من آلَى : أي حَلَف (اُنظر لسان العرب : ج14 ص40) .
2- .تهذيب الأحكام : ج10 ص151 ح606 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص3 وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص108 .

ص: 471

5 / 15 _ 3 عقيل

5 / 15 _ 3عَقيل* وعن الحُرّ :الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا وُلِّيَ عَلِيٌّ عليه السلام صَعِدَ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : إنّي وَاللّهِ لا أرزَؤُكُم (1) مِن فَيئِكُم دِرهَما ما قامَ لي عَذقٌ (2) بِيَثرِبَ ، فَليَصدُقكُم أنفُسُكُم (3) ، أ فَتَرَوُنّي مانِعا نَفسي ومُعطِيَكُم ؟

قالَ: فَقامَ إلَيهِ عَقيلٌ فَقالَ لَهُ: وَاللّهِ لَتَجعَلُنيوأسوَدَ بِالمَدينَةِ سَواءً! فَقالَ: اِجلِس، أ ما كانَ هاهُنا أحَدٌ يَتَكَلَّمُ غَيرُكَ ! وما فَضلُكَ عَلَيهِ إلّا بِسابِقَةٍ أو بِتَقوىً ! (4)* وفي خبر الغدير :الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ لَأَن أبيتَ عَلى حَسَكِ السَّعدانِ مُسَهَّدا (5) ، أو اُجَرَّ فِي الأَغلالِ مُصَفَّدا ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أن ألقَى اللّهَ ورَسولَهُ يَومَ القِيامَةِ ظالِما لِبَعضِ العِبادِ ، وغاصِبا لِشَيءٍ مِنَ الحُطامِ ! وكَيفَ أظلِمُ أحَدا لِنَفسٍ يُسرِعُ إلَى البِلَى قُفولُها (6) ، ويَطولُ فِي الثَّرى حُلَولُها ؟ !

وَاللّهِ ، لَقَد رَأَيتُ عَقيلاً وقَد أملَقَ حَتَّى استَماحَني مِن بُرِّكُم صاعا ، ورَأَيتُ صِبيانَهُ شُعثَ الشُّعورِ ، غُبرَ الأَلوانِ مِن فَقرِهِم ، كَأَنَّما سُوِّدَت وُجوهُهُم بِالعِظلِمِ (7) ، وعاوَدَنى

¨

.


1- .ما رَزَأَ فلاناً شيئاً : أي ما أصاب من ماله شيئاً ولا نَقَص منه (لسان العرب : ج1 ص85) .
2- .العَذْق : النخلة (النهاية : ج3 ص199) .
3- .أي ارجعوا إلى أنفسكم وأنصِفوا ، وليَقُلْ أنفسُكم لكم صِدْقاً في ذلك (مرآة العقول : ج26 ص72) .
4- .الكافي : ج8 ص182 ح204 عن محمّد بن مسلم ، تنبيه الخواطر : ج2 ص151 ، الاختصاص : ص151 نحوه .
5- .السَّعْدان : نبتٌ ذو شوك ، ومَنْبَتُه سُهول الأرض ، وهو من أطيب مَراعي الإبل مادام رَطْباً . ولهذا النبْت شوكٌ يقال له حَسَكَةُ السَّعْدان . والسُّهاد : نقيض الرُّقاد ، وفُلان يُسَهَّد : لا يُترَك أن ينام (لسان العرب : ج3 ص215 و ص224) .
6- .أي رجوعها . يقال : قَفَلَ من سَفره : أي رجع (اُنظر : المصباح المنير : ص511) .
7- .العِظْلِم : عصارة بعض الشجر وقيل : هو الوسمة (لسان العرب : ج12 ص412) .

ص: 472

* وفي خبر الغدير :مُؤَكِّدا ، وكَرَّرَ عَلَيَّ القَولَ مُرَدِّدا ، فَأَصغَيتُ إلَيهِ سَمعي ، فَظَنَّ أنّي أبيعُهُ ديني ، وأتَّبِعُ قِيادَهُ مُفارِقا طَريقَتي .

فَأَحمَيتُ لَهُ حَديدَةً ، ثُمَّ أدنَيتُها مِن جِسمِهِ لِيَعتَبِرَ بِها ، فَضَجَّ ضَجيجَ ذي دَنَفٍ (1) مِن ألَمِها ، وكادَ أن يَحتَرِقَ مِن ميسَمِها (2) ، فَقُلتُ لَهُ : ثَكَلَتكَ الثَّواكِلُ يا عَقيلُ ! أتَئِنُّ مِن حَديدَةٍ أحماها إنسانُها لِلَعِبِهِ ، وتَجُرُّني إلى نارٍ سَجَرَها جَبّارُها لِغَضَبِهِ ؟ ! أتَئِنُّ مِنَ الأَذى ولا أئِنُّ مِن لَظىً ؟ ! (3)عبس : في صفته صلى الله عليه و آله :المناقب لابن شهر آشوب :قَدِمَ عَلَيهِ [عَلِيٍّ عليه السلام ] عَقيلٌ فَقالَ لِلحَسَنِ : اُكسُ عَمَّكَ ، فَكَساهُ قَميصا مِن قُمُصِهِ (4) ورِداءً مِن أردِيَتِهِ . فَلَمّا حَضَرَ العِشاءَ فَإِذا هُوَ خُبزٌ وملِحٌ ، فَقالَ عَقيلٌ : لَيسَ [إلّا] (5) ما أرى ؟

فَقالَ : أ وَلَيسَ هذا مِن نِعمَةِ اللّهِ ؟ ! فَلَهُ الحَمدُ كَثيرا .

فَقالَ : أعطِني ما أقضي بِهِ دَيني وعَجِّل سِراحي حَتّى أرحَلَ عَنكَ .

قالَ : فَكَم دَينُكَ يا أبا يَزيدَ ؟

قالَ : مِئَةُ ألفِ دِرهَمٍ .

قالَ : وَاللّهِ ما هِيَ عِندي ولا أملِكُها ، ولكِنِ اصبرِ حَتّى يَخرُجَ عَطائي فَاُواسِيَكَهُ ، ولَولا أنَّهُ لابُدَّ لِلعِيالِ مِن شَيءٍ لَأَعطَيتُكَ كُلَّهُ .

فَقالَ عَقيلٌ : بَيتٌ المالِ في يَدِكَ وأنتَ تُسَوِّفُني إلى عَطائِكَ ؟ وكَم عَطاؤُكَ وما .


1- .الدَّنَف : المرض اللازِم المُخامِر (لسان العرب : ج9 ص107) .
2- .المِيْسَم : المِكواة (لسان العرب : ج12 ص636) .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 224 وراجع الأمالي للصدوق : ص719 ح988 .
4- .في المصدر : «قميصه» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار نقلاً عن المصدر .
5- .ما بين المعقوفين سقط من المصدر ، وأثبتناه من بحار الأنوار .

ص: 473

عبس : في صفته صلى الله عليه و آله :عَسى يَكونُ ولَو أعطَيتَنيهِ كُلَّهُ !

فَقالَ : ما أنَا وأنتَ فيهِ إلّا بِمَنزِلَةِ رَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ _ وكانا يَتَكَلَّمانِ فَوقَ قَصرِ الإِمارَةِ مُشرِفَينِ عَلى صَناديقِ أهلِ السّوقِ _ فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : إن أبَيتَ يا أبا يَزيدَ ما أقولُ فَانزِل إلى بَعضِ هذِهِ الصَّناديقِ فَاكسِر أقفالَهُ وخُذ ما فيهِ .

فَقالَ : وما في هذِهِ الصَّناديقِ ؟

قالَ : فيها أموالُ التُّجّارِ .

قالَ : أ تَأمُرُني أن أكسِرَ صَناديقَ قَومٍ قَد تَوَكَّلوا عَلَى اللّهِ وجَعَلوا فيها أموالَهُم ؟ !

فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ : أ تَأمُرُني أن أفتَحَ بَيتَ مالِ المُسلِمينَ فَاُعطِيَكَ أموالَهُم وقَد تَوَكَّلوا عَلَى اللّهِ وأقفَلوا عَلَيها ؟ ! وإن شِئتَ أخَذتَ سَيفَكَ وأخَذتُ سَيفي وخَرَجنا جَميعا إلى الحيرَةِ (1) ؛ فَإِنَّ بِها تُجّارا مَياسِيرَ (2) ، فَدَخَلنا عَلى بَعضِهِم فَأَخَذنا مالَهُ !

فَقالَ : أ وَسارِقا جِئتُ ؟ !

قالَ : تَسرِقُ مِن واحدٍ خَيرٌ من أن تَسرِقَ مِنَ المُسلِمينَ جَميعا !

قالَ لَهُ : أ فَتَأذَنُ لي أن أخرُجَ إلى مُعاوِيَةَ ؟

فَقالَ لَهُ : قَد أذِنتُ لَكَ .

قالَ : فَأَعِنّي على سَفَري هذا .

قالَ : يا حَسَنُ ، أعطِ عَمَّكَ أربَعَمِئَةِ دِرهَمٍ .

فَخَرَجَ عَقيلٌ وهُوَ يَقولُ :

سَيُغْنينِي الَّذي أغناكَ عَنّي

ويَقضي دَينَنا رَبٌّ قَريبُ (3) .


1- .الحِيْرَة : مدينة جاهلية ، كثيرة الأنهار ، وهي عن الكوفة على نحو فرسخ، وكانت منازل آل النعمان بن المنذر (تقويم البلدان : ص299).
2- .جمع مُوسِر . وأيْسَرَ الرجلُ : صار ذا غِنىً (تاج العروس : ج7 ص634) .
3- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص108 ، بحار الأنوار : ج41 ص113 ح23 . والظاهر أنّ عقيل بن أبي طالب لم يأتِ معاوية قبل استشهاد الإمام عليّ عليه السلام .

ص: 474

5 / 15 _ 4 عبد اللّه بن جعفر
5 / 15 _ 5 حفيدة الإمام

5 / 15 _ 4عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍعبط : عن موسى بن جعفر عليهماالسلام في طاعة اللّهالغارات عن حبيب بن أبي ثابت :قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ لِعَلِيٍّ عليه السلام : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَو أمَرتَ لي بِمَعونَةٍ أو نَفَقَةٍ ، فَوَاللّهِ ما عِندي إلّا أن أبيعَ بَعضَ عُلوفَتي .

قالَ لَهُ : لا وَاللّهِ ، ما أجِدُ لَكَ شَيئا إلّا أن تَأمُرَ عَمَّكَ أن يَسرِقَ فَيُعطِيَكَ ! (1)5 / 15 _ 5حَفيدَةُ الإِمامِ* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :أنساب الأشراف عن مسلم صاحب الحناء :لَمّا فَرَغَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مِن أهلِ الجَمَلِ أتَى الكوفَةَ فَدَخَلَ بَيتَ مالِها . . . ثُمَّ جاءَتِ ابنَةٌ لِلحَسَنِ _ أو لِلحُسَينِ _ فَتَناوَلَت مِنهُ شَيئا ، فَسَعى وَراءَها فَفَكَّ يَدَها ونَزَعَهُ مِنها . قالَ : فَقُلنا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ لَها فيهِ حَقّا ! قالَ : إذا أخَذَ أبوها حَقَّهُ فَليُعطِها ما شاءَ (2) .

.


1- .الغارات : ج1 ص66 ؛ شرح نهج البلاغة : ج2 ص200 عن هارون بن سعيد وفيه «دابّتي» بدل «بعض علوفتي» .
2- .أنساب الأشراف : ج2 ص370 .

ص: 475

5 / 15 _ 6 اخت الإمام
5 / 15 _ 7 امّ ولد الإمام
5 / 16 التّقشّف والِاحتِياط فِي النّفقةِ مِن بيتِ المالِ

5 / 15 _ 6اُختُ الإِمامِعبقر : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الجنّالاختصاص :دَخَلَت عَلَيهِ اُختُهُ اُمُّ هاني بِنتُ أبي طالِبٍ ، فَدَفَعَ إلَيها عِشرينَ دِرهَما ، فَسَأَلَت اُمُّ هاني مَولاتَهَا العَجَمِيَّةَ فَقالَت : كَم دَفَعَ إلَيكِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ؟فَقالَت : عِشرينَ دِرهَما ، فَانصَرَفَت مُسخَطَةً ، فَقالَ لَها : اِنصَرِفي رَحِمَكِ اللّهُ ! ما وَجَدنا في كِتابِ اللّهِ فَضلاً لِاءِسماعيلَ عَلى إسحاقَ ! ! (1)5 / 15 _ 7اُمُّ وَلَدِ الإِمامِ* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام في النبيّ صلىالمصنّف عن اُمّ عثمان اُمّ ولد لعلِيٍّ عليه السلام :جئتُ عَلِيّا وبَينَ يَدَيهِ قَرَنفُلٌ (2) مَكبوبٌ فِي الرَّحَبَةِ (3) ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هَب لِابنَتي مِن هذَا القَرَنفُلِ قِلادَةً ، فَقالَ هكَذا ونَقَرَ بِيَدَيهِ : أرِنّي (4) دِرهَما جَيِّدا ؛ فَإِنَّما هذا مالُ المُسلِمينَ ، وإلّا فَاصبِري حَتّى يَأتِيَنا حَظُّنا مِنهُ فَنَهَبَ لِابنَتِكِ مِنهُ قِلادَةً (5) .5 / 16التَّقَشُّفُ وَالِاحتِياطُ فِي النَّفَقَةِ مِن بَيتِ المالِعبهر : عن الديصانيّ للصادق عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى عُمّالِهِ _: أدِقّوا أقلامَكُم ، وقارِبوا بَينَ سُطورِكُم ، وَاحذِفوا

.


1- .الاختصاص : ص151 .
2- .القَرَنْفُل: ثَمَرة شجرة بِسُفالة الهِند. وهو أفضل الأفاوِيه الحارّة وأذكاها(تاج العروس: ج15 ص614و615).
3- .رَحَبَه المكان _ كالمسجد والدار _ : ساحته ومتّسعه(تاج العروس:ج2ص18).والمراد به ظاهراً رحبه بيت المال.
4- .أرَنَّ : صَوَّت (تاج العروس : ج18 ص246) .
5- .المصنّف لابن أبي شيبة : ج8 ص157 ح18 و ج7 ص622 ح2 وفيه «اُمّ عفّان» بدل «اُمّ عثمان» و«ارمي درهم» بدل «أرني درهماً جيّداً» ؛المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص109 وفيه «هاكِ ذا _ ونفذ بيده إليّ درهماً _ » بدل « هكذا ونقَر بيديه أرني درهما جيّدا» ، بحار الأنوار : ج41 ص115 .

ص: 476

عبهر : عن الديصانيّ للصادق عليه السلام :عَنّي فُضولَكُم ، وَاقصِدوا قَصدَ المَعاني ، وإيّاكُم وَالإِكثارَ ؛ فإِنَّ أموالَ المُسلِمينَ لا تَحتَمِلُ الإِضرارُ (1) .عبهل : في كتابه صلى الله عليه و آله لوائل بن حُجرإحقاق الحقّ :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ دَخَلَ لَيلَةً في بَيتِ المالِ يَكتُبُ قِسمَةَ الأَموالِ ، فَوَرَدَ عَلَيهِ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ، فَأَطفَأ عليه السلام السِّراجَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ ، وأمَرَ بِإحضارِ سِراجٍ آخَرَ مِن بَيتِهِ ، فَسَأَلاهُ عَن ذلِكَ ، فَقالَ : كانَ زَيتُهُ مِن بَيتِ المالِ ، لا يَنبَغي أن نُصاحِبَكُم في ضَوئِهِ (2) .عبا : في الخبر :مكارم الأخلاق عن عقيل بن عبد الرحمن الخَولانيّ :كانَت عَمَّتي تَحتَ عَقيلِ بنِ أبي طالِبٍ ، فَدَخَلَت عَلى عَلِيٍّ عليه السلام بِالكوفَةِ وهُوَ جالِسٌ عَلى بَرذَعَةِ (3) حِمارٍ مُبَتَّلَةً (4) ، قالَت : فَدَخَلَت عَلى عَلِيٍّ عليه السلام اِمرَأَةٌ لَهُ مِن بَني تَميمٍ فَقُلتُ لَها : وَيحَكِ ! إنَّ بَيتَكِ مُمتَلِئٌ مَتاعا وأميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام جالِسٌ عَلى بَرذَعَةِ حِمارٍ مُبَتَّلَةً !

فَقالَت : لا تَلوميني ، فَوَاللّهِ ما يَرى شَيئا يَنكُرُهُ إلّا أخَذَهُ فَطَرَحَهُ في بَيتِ المالِ (5) .عتب : في حلفٍ كتبه أمير المؤمنين عليه السلام بينفضائل الصحابة عن الأعمش :كانَ عَلِيٌّ يُغَدّي ويُعَشّي ، ويَأكُلُ هُوَ مِن شَيءٍ يَجيؤُهُ مِنَ المَدينَةِ (6) .* وعنه عليه السلام :الغارات عن بكر بن عيسى :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقولُ : يا أهلَ الكوفَةِ ! إذا أنَا خَرَجتُ مِن عِندِكُم بِغَيرِ رَحلي وراحِلَتي وغُلامي فَأَنَا خائِنٌ . وكانَت نَفَقَتُهُ تَأتيهِ مِن غَلَّتِه .


1- .الخصال : ص310 ح85 عن محمّد بن إبراهيم النوفلي رفعه إلى الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج41 ص105 ح6 .
2- .إحقاق الحقّ : ج8 ص539 ، المناقب المرتضويّة : ص289 .
3- .البَرْذَعة والبردعة: ما يوضع على الحمار أو البغل ليركب عليه، كالسرج للفرس (المعجم الوسيط: ج1 ص48) .
4- .أي مُقَطَّعة . يقال : بَتَلَهُ : قَطَعَهُ ، كبَتَّلَهُ (انظر تاج العروس : ج14 ص40) .
5- .مكارم الأخلاق : ج1 ص286 ح894 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص97 نحوه .
6- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص536 ح892 ، حلية الأولياء : ج1 ص82 ، الرياض النضرة : ج3 ص221 .

ص: 477

* وعنه عليه السلام :بِالمَدينَةِ مِن يَنبُعَ (1) .* ومنه كتابه عليه السلام إلى أهل الكوفة :الجمل عن أبي مِخنَف لوط بن يَحيى عن رِجاله :لَمَّا أرادَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام التَّوَجُّهَ إلَى الكوفَةِ قامَ في أهلِ البَصرَةِ فَقالَ : ما تَنقِمونَ عَلَيَّ يا أهلَ البَصرَةِ ؟ وأشارَ إلى قَميصِهِ وَرِدائِهِ فَقالَ : وَاللّهِ إنَّهُما لَمِن غَزلِ أهلي .

ما تَنقِمونَ مِنّي يا أهلَ البَصرَةِ ؟ وأشارَ إلى صُرَّةٍ في يَدِهِ فيها نَفَقَتُهُ فَقالَ : وَاللّهِ ما هِيَ إلّا مِن غَلَّتي بِالمَدينَةِ ؛ فَإِن أنَا خَرَجتُ مِن عِندِكُم بِأَكثَرَ مِمّا تَرَونَ فَأَنَا عِندَ اللّهِ مِنَ الخائِنينَ (2) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :تاريخ دمشق عن عَنتَرَة :دَخَلتُ عَلى عَلِيٍّ بِالخَوَرنَقِ (3) وعَلَيهِ سَمَلُ (4) قَطيفَةٍ وهُوَ يُرعَدُ فيها ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ اللّهَ قَد جَعَلَ لَكَ ولِأَهلِ بَيتِكَ في هذَا المالِ نَصيبا وأنتَ تَفعَلُ هذا بِنَفسِكَ ! قالَ : فَقالَ : إنّي وَاللّهِ ما أرزُؤُكُم شَيئا ، وما هِيَ إلّا قَطيفَتِي الَّتي أخرَجتُها (5) مِن بَيتي _ أو قالَ : مِنَ المَدينَةِ _ (6) .* ومنه عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام لرجلٍ شاميّالغارات عن زاذان :اِنطَلَقتُ مَعَ قَنبَرٍ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : قُم يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَقَد خَبَّأتُ لَكَ خَبيئَةً . قالَ : فَما هُوَ (7) ؟ قالَ : قُم مَعي . فَقامَ وَانطَلَقَ إلى بَيتِهِ ، فَإِذا باسِنَةٌ (8) مَملوءَة .


1- .الغارات : ج1 ص68 ؛ شرح نهج البلاغة : ج2 ص200 وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص98 .
2- .الجمل : ص422 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص98 وفيه «يا أهل البصرة ما تنقمون منّي إنّ هذا لمن غزل أهلي . وأشار إلى قميصه» .
3- .الخَوَرْنَق : موضع بالكوفة . وقيل : الخورنق : قصر كان بظهر الحيرة (معجم البلدان : ج2 ص401) .
4- .سَمَل الثوب : أخلق ، فهو سَمَلٌ (لسان العرب : ج11 ص345) .
5- .في الطبعة المعتمدة : «اللتين أخرجتهما» ، والتصحيح من تاريخ دمشق «ترجمة الإمام عليّ عليه السلام » تحقيق محمّد باقر المحمودي (ج 3 ص181) .
6- .تاريخ دمشق : ج42 ص477 و ص481 ، الأموال : ص284 ح671 ، حلية الأولياء : ج1 ص82 ، البداية والنهاية : ج8 ص3 .
7- .كذا في المصدر ، وفي تاريخ دمشق والأموال : «فما هي» ، وهو أنسب .
8- .البَاسِنَة : كالجُوالِق [ وهو وعاء معروف ]غليظٌ يُتّخذ من مُشاقَة الكَتّان أغْلَظُ ما يكون ، ومنهم من يهمزها . وقال الفرّاء : البَأْسِنة : كِساء مخيطٌ يُجعَل فيه طعام (لسان العرب : ج13 ص52) .

ص: 478

* ومنه عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام لرجلٍ شاميّجاماتٍ (1) مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّكَ لا تَترُكُ شَيئا إلّا قَسَمتَهُ ، فَادَّخَرتُ هذا لَكَ .

قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : لَقَد أحبَبتَ أن تُدخِلَ بَيتي نارا كَثيرَةً ! فَسَلَّ سَيفَهُ فَضَرَبَها ، فانتَثَرَت مِن بَينِ إناءٍ مَقطوعٍ نِصفُهُ أو ثُلُثُهُ . ثُمَّ قالَ : اِقسِموهُ بِالحِصَصِ . فَفَعَلوا ، فَجَعَلَ يَقولُ :

هذا جَنايَ وخِيارُهُ فيه

إذ كُلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فيه (2)

يا بَيضاءُ غُرّي غَيري ، ويا صَفراءُ غُرّي غَيري ! (3)عتد : عن أمير المؤمنين عليه السلام للمنذر بن جاروالاختصاص_ في ذِكرِ طعامِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: سَمِعَ مِقلىً في بَيتِهِ ، فَنَهَضَ وهُوَ يَقولُ : في ذِمَّةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ مِقلَى الكَراكِرِ (4) ؟ ! قالَ : فَفَزِعَ عِيالُهُ وقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهَا امرَأَتُكَ فُلانَةُ نَحَرَت جَزورا في حَيِّها ، فَاُخِذَ لَها نَصيبٌ مِنها ، فَأَهدى أهلُها إلَيها . قالَ : فَكُلوا هَنيئا مَريئا (5) .* وعنه عليه السلام :تاريخ دمشق عن عبد الرحمن بن أبي بَكرَة :لَم يَرزَأ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مِن بَيتِ مالِنا _ يَعنى

¨ .


1- .جَمْع جام _ والواحدة جامة _ : من الآنية (المحيط في اللغة : ج7 ص206) .
2- .هذا مَثلٌ ، أوّل من قاله عَمْرو ابن اُخت جَذِيمة الأبْرش ؛ كان يجني الكَمْأة مع أصحابٍ له ، فكانوا إذا وَجَدوا خِيارَ الكَمْأة أكلوها ، وإذا وجدها عمروٌ جعلها في كُمِّه حَتّى يأتي بها خالَه . وقال هذه الكلمة فسارت مثلاً . وأراد عليٌّ رضى الله عنهبقَوْلها أنّه لم يَتَلطّخ بشيء من فَيء المسلمين بل وَضَعه مَواضِعَه (النهاية : ج1 ص309) .
3- .الغارات : ج1 ص55 ، المناقب للكوفي : ج2 ص33 ح519 نحوه وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص108 وتاريخ دمشق : ج42 ص477 و478 والأموال : ص284 ح674 .
4- .قوله عليه السلام : «في ذمّة عليّ بنِ أبي طالب مَقْلى الكَراكِر» استفهام استنكاري حُذفت منه أداة الاستفهام ؛ وكأنّ مفاده : أنّ ما يُقلى في بيته عليه السلام من لحم في ذمّته ومحاسَب عليه إن كان دخوله بيتَه من غير ما أحلّه اللّه له . وكأنّه عليه السلام عبّر بالكراكر كناية عن اللحم الطيّب ؛ فإنّ الكَراكِر _ كما عن ابن الأثير _ : جمع كِرْكِرة : زَوْر [ :صدر ]البعير الَّذي إذا بَرَك أصاب الأرض ، وهي ناتئة عن جسمه كالقُرْصَة . ومنه حديث عمر : «ما أجهَلُ عن كَراكِر وأسْنِمة» ؛ فإنّها من أطايب ما يؤكَل من الإبل (النهاية : ج4 ص166) .
5- .الاختصاص : ص152 .

ص: 479

* وعنه عليه السلام :بِالبَصرَةِ _ حَتّى فارَقَنا غَيرَ جُبَّةٍ مَحشُّوّةٍ أو خَميصَةٍ دَرابجِردِيَّةٍ (1)(2) .* ومنه عن فاطمة عليهاالسلام :الغارات عن أبي رجاء :إنَّ عَلِيّا عليه السلام أخرَجَ سَيفا لَهُ إلَى السّوقِ فَقالَ : مَن يَشتَري مِنّي هذا ؟ فَلَو كانَ مَعي ثَمَنُ إزارٍ ما بِعتُهُ . فَقُلتُ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أنَا أبيعُكَ إزارا واُنسِئُكَ ثَمَنَهُ إلى عَطائِكَ ، فَبِعتُهُ إزارا إلى عَطائِهِ ، فَلَمّا قَبَضَ عَطاءَهُ أعطاني حَقّي (3) . .


1- .الخَمِيصَة : ثوبُ خَزٍّ أو صُوف مُعْلَم . وقيل : لا تُسمّى خَمِيصةً إلّا أن تكون سوداء مُعْلَمة (النهاية : ج 2 ص 81) . والدِّرابْجِرْدِيّة : نسبة إلى دِرابْجِرْد : كورة بفارس (معجم البلدان : ج2 ص446) .
2- .تاريخ دمشق : ج42 ص476 ، الأموال : ص283 ح670 .
3- .الغارات : ج1 ص63 ؛ حلية الأولياء : ج1 ص83 ، شرح نهج البلاغة : ج2 ص200 كلاهما نحوه .

ص: 480

. .

ص: 481

الفصل السادس : السياسة الاجتماعيّة
6 / 1 إقامة العدل

الفصل السادس : السياسة الاجتماعيّة6 / 1إقامَةُ العَدلِ* وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام ليحيى بن عبد اللّالإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ لِابنِ عَبّاسٍ _: فَقَد قَدِمَ عَلَيَّ رَسولُكَ ، وذَكَرتَ ما رَأَيتَ وبَلَغَكَ عَن أهلِ البَصرَةِ بَعدَ انصِرافي ، وسَاُخبِرُكَ عَنِ القَومِ : هُم بَينَ مُقيمٍ لِرَغبَةٍ يَرجوها ، أو عُقوبَةٍ يَخشاها ، فَأَرغِب راغِبَهُم بِالعَدلِ عَلَيهِ ، وَالإِنصافِ لَهُ ، والإِحسانِ إلَيهِ (1) .عتق : في الخبر في دحية بن خليفة الكلبي :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: وَليَكُن أحَبُّ الاُمورِ إلَيكَ أوسَطَها فِي الحَقِّ ، وأعَمَّها فِي العَدلِ ، وأجمَعَها لِرِضَى الرَّعِيَّةِ . . . إنَّ أفضَلَ قُرَّةِ عَينِ الوُلاةِ استِقامَةُ العَدلِ فِي البِلادِ ، وظُهورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ (2) .* ومنه عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام :عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلَى الأَسوَدِ بنِ قُطبَةَ صاحِبِ جُندِ حُلوان _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ الوالي إذا اختَلَفَ هَواهُ مَنَعَهُ ذلِكَ كَثيرا مِنَ العَدلِ ، فَليَكُن أمرُ النّاسِ عِندَكَ فِي الحَقِّ سَواءً ؛

.


1- .وقعة صفّين : ص105 ، نثر الدرّ : ج1 ص322 نحوه .
2- .. نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص128 و 133 نحوه وراجع دعائم الإسلام: ج1 ص355 و358 .

ص: 482

* ومنه عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام :فَإِنَّهُ لَيسَ في الجَورِ عِوَضٌ مِنَ العَدلِ ، فَاجتَنِب ما تُنكِرُ أمثالَهُ (1) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام في الجنّة :عنه عليه السلام :هذا ما عَهِدَ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ حينَ وَلّاهُ مِصرَ ؛ أمَرَهُ بِتَقوَى اللّهِ وَالطّاعَةِ لَهُ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، وخَوفِ اللّهِ في الغَيبِ والمَشهَدِ ، وبِاللّينِ لِلمُسلِمِ ، وبِالغِلظَةِ عَلَى الفاجِرِ ، وبِالعَدلِ عَلى أهلِ الذِّمَّةِ ، وبِإِنصافِ المَظلومِ ، وبِالشِّدَّةِ عَلَى الظّالِمِ ، وبِالعَفوِ عَنِ النّاسِ ، وبِالإِحسانِ ما استَطاعَ ؛ وَاللّهُ يَجزِي المُحسِنينَ ويُعَذِّبُ المُجرِمينَ (2) .* وعن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ حينَ قَلَّدَهُ مِصرَ _: فَاخفِض لَهُم جَناحَكَ ، وألِن لَهُم جانِبَكَ ، وَابسُط لَهُم وَجهَكَ ، وآسِ بَينَهُم فِي اللَّحظَةِ وَالنَّظرَةِ ، حَتّى لا يَطمَعَ العُظَماءُ في حَيفِكَ لَهُم ، ولا يَيأَسَ الضُّعَفاءُ مِن عَدلِكَ عَلَيهِم ؛ فَإِنَّ اللّهَ تَعالى يُسائِلُكُم _ مَعشَرَ عِبادِهِ _ عَنِ الصَّغيرَةِ مِن أعمالِكُم وَالكَبيرَةِ ، وَالظّاهِرَةِ وَالمَستورَةِ ، فَإنِ يُعذِّب فَأَنتُم أظلَمُ ، وإن يَعفُ فَهُوَ أكرَمُ (3) .* وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ لَمّا عوتِبَ عَلَى التَّسوِيَةِ فِي العَطاءِ _: أَ تَأمُرونّي أن أطلُبَ النَّصرَ بِالجَورِ فيمَن وُلّيتُ عَلَيهِ ! وَاللّهِ لا أطورُ بِهِ ما سَمَرَ سَميرٌ (4) ، وما أَمَّ نَجمٌ فِي السَّماءِ نَجما ! لَو كانَ المالُ لي لَسَوَّيتُ بَينَهُم ، فَكَيفَ وإنَّمَا المالُ مالُ اللّهِ ؟ ! (5)* وعن أبي الحسن موسى عليه السلام :عنه عليه السلام :وَاللّهِ لَأَن أبيتَ عَلى حَسَكِ السَّعدانِ مُسَهَّدا ، أو اُجَرَّ فِي الأَغلالِ مُصَفَّدا ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أن ألقَى اللّهَ ورَسولَهُ يَومَ القِيامَةِ ظالِما لِبَعضِ العِبادِ ، وغاصِبا لِشَيءٍ مِنَ الحُطامِ . وكَيفَ أظلِمُ أحَدا لِنَفسٍ يُسرِعُ إلَى البِلى قُفولُها ، ويَطول .


1- .نهج البلاغة : الكتاب 59 ، بحار الأنوار : ج33 ص511 ح708 .
2- .تحف العقول : ص176 ، الغارات : ج1 ص224 نحوه .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 27 و 46 ، تحف العقول : ص177 وفيهما إلى «عدلك عليهم» .
4- .السَّمير : الدهر ، أي لا أفعله ما بقي الدهر (النهاية : ج2 ص400) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 126 ، تحف العقول : ص185 وفيه «أموالهم» بدل «مال اللّه » .

ص: 483

* وعن أبي الحسن موسى عليه السلام :فِي الثَّرى حُلولُها ؟ ! (1)* ومنه عن الرضا عليه السلام :عنه عليه السلام :وَاللّهِ لَو اُعطيتُ الأَقاليمَ السَّبعَةَ بِما تَحتَ أفلاكِها ، عَلى أن أعصِيَ اللّهَ في نَملَةٍ أسلُبُها جُلبَ شَعيرَةٍ ما فَعَلتُهُ ، وإنَّ دُنياكُم عِندي لِأَهوَنُ مِن وَرَقَةٍ في فَمِ جَرادَةٍ تَقضَمُها ، ما لِعَلِيٍّ ولِنَعيمٍ يَفنى ، ولَذَّةٍ لا تَبقى ! (2)* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الصلاة :عنه عليه السلام :اُحاجُّ النّاسَ يَومَ القِيامَةِ بِتِسعٍ : بِإِقامِ الصَّلاةِ ، وإيتاءِ الزَّكاةِ ، وَالأَمرِ بِالمَعروفِ ، وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ ، وَالعَدلِ فِي الرَّعِيَّةِ ، وَالقَسمِ بِالسَّوِيَّةِ ، وَالجِهادِ في سَبيلِ اللّهِ ، وإقامَةِ الحُدودِ ، وأشباهِهِ (3) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :تاريخ دمشق عن عليّ بن رَبيعَة :جاءَ جَعدَةُ بنُ هُبَيرَةَ إلى عَلِيٍّ فَقالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، يَأتيكَ الرَّجُلانِ إن أنتَ أحَبُّ إلى أحَدِهِما مِن نَفسِهِ _ أو مِن أهلِهِ ومالِهِ _ وَالآخَرُ لَو يَستَطيعُ أن يَذبَحَكَ لَذَبَحَكَ ، فَتَقضي لِهذا عَلى هذا ؟ قالَ: فَلَهَزَهُ (4) عَلِيٌّ وقالَ: إنَّ هذا شَيءٌ لَو كانَ لي فَعَلتُ ، ولكِن إنَّما ذا شَيءٌ للّهِِ (5) .عتك : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الكامل في التاريخ_ في ذِكرِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ الحُرِّ الجُعفِيِّ 6 _: لَمّا قُتِلَ عُثمانُ ووَقَعَت .


1- .نهج البلاغة : الخطبة 224 ، عيون الحكم والمواعظ : ص506 ح9285 ، الصراط المستقيم : ج1 ص163 ؛ ينابيع المودّة : ج1 ص442 ح6 وفيه إلى «الحطام» وراجع الأمالي للصدوق : ص719 ح988 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 224 ، الصراط المستقيم : ج1 ص163 ؛ ينابيع المودّة : ج1 ص442 ح6 وراجع الأمالي للصدوق : ص722 ح988 .
3- .فضائل الصحابة لابن حنبل : ج1 ص538 ح898 ؛ الخصال : ص363 ح53 عن عباية بن ربعي وفيه «بسبع» بدل «بتسع» وليس فيه «والجهاد في سبيل اللّه » و«أشباهه» .
4- .اللَّهْز : الضرب بجُمْع الكفّ في الصدر (النهاية : ج4 ص281) .
5- .تاريخ دمشق : ج42 ص488 ، البداية والنهاية : ج8 ص5 ؛ المناقب للكوفي : ج2 ص57 ح545 نحوه .

ص: 484

عتك : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الحَربُ بَينَ عَلِيٍّ ومُعاوِيَةَ قَصَدَ مُعاوِيَةَ ، فَكانَ مَعَهُ لِمَحَبَّتِهِ عُثمانَ ، وشَهِدَ مَعَهُ صِفّينَ هُوَ ومالِكُ بنُ مِسمَعٍ ، وأقامَ عُبيدُ اللّهِ عِندَ مُعاوِيَةَ ، وكانَ لَهُ زَوجَةٌ بِالكوفَةِ ، فَلَمّا طالَت غَيبَتُهُ زَوَّجَها أخوها رَجُلاً يُقالُ لَهُ: عِكرِمَةُ بنُ الخَبيصِ ، وبَلَغَ ذلِكَ عُبَيدَ اللّهِ فَأَقبَلَ مِنَ الشّامِ فَخاصَمَ عِكرِمَةَ إلى عَلِيٍّ ، فَقالَ لَهُ: ظاهَرتَ عَلَينا عَدُوَّنا فَغُلتَ ؟ .

ص: 485

6 / 2 الالتزام بالحقوق

عتك : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :فَقالَ لَهُ: أ يَمنَعُني ذلِكَ مِن عَدلِكَ ؟ قالَ: لا . فَقَصَّ عَلَيهِ قِصَّتَهُ ، فَرَدَّ عَلَيهِ امرَأَتَهُ ، وكانَت حُبلى ، فَوَضَعَها عِندَ مَن يَثِقُ إلَيهِ حَتّى وَضَعَت ، فَأَلحَقَ الوَلَدَ بِعِكرِمَةَ ، ودَفَعَ المَرأَةَ إلى عُبَيدِ اللّهِ ، وعادَ إلَى الشّامِ فَأَقامَ بِهِ حَتّى قُتِلَ عَلِيٌّ (1) .عتل : عن أمير المؤمنين عليه السلام في مجنونة فجرتاريخ اليعقوبي عن الزُّهري :دَخَلتُ إلى عُمَرَ [بنِ عَبدِ العَزيزِ] يَوما ، فَبَينا أنَا عِندَهُ ، إذ أتاهُ كِتابٌ مِن عامِلٍ لَهُ يُخبِرهُ أنَّ مَدينَتَهُم قَدِ احتاجَت إلى مَرَمَّةٍ ، فَقُلتُ لَهُ : إنَّ بَعضَ عُمّالِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ كَتَبَ بِمِثلِ هذا ، وكَتَبَ إلَيهِ : أمّا بَعدُ ، فَحَصِّنها بِالعَدلِ ، ونَقِّ طُرَقَها مِنَ الجَورِ . فَكَتَبَ بِذلِكَ عُمَرُ إلى عامِلِهِ (2) .راجع : ص 335 (دوافع الإمام لقبول الحكومة) .

6 / 2الاِلتزِامُ بِالحقُوقِ* وفي الغار :الإمام عليّ عليه السلام_ في صِفّينَ _: أمّا بَعدُ ، فَقَد جَعَلَ اللّهُ سُبحانَهُ لي عَلَيكُم حَقّا بِوِلايَةِ أمرِكُم ، ولَكُم عَلَيَّ مِنَ الحَقِّ مِثلُ الَّذي لي عَلَيكُم ، فَالحَقُّ أوسَعُ الأَشياءِ فِي التَّواصُفِ ، وأضيَقُها في التَّناصُفِ ، لا يَجري لِأَحَدٍ إلّا جَرَى عَلَيهِ ، ولا يَجري عَلَيهِ إلّا جَرى لَهُ ، ولَو كانَ لِأَحَدٍ أن يَجرِيَ لَهُ ولا يَجرِيَ عَلَيهِ لَكانَ ذلِكَ خالِصا للّهِِ سُبحانَهُ دونَ خَلقِهِ ؛ لِقُدرَتِهِ عَلى عِبادِهِ ، ولِعَدلِهِ في كُلِّ ما جَرَت عَلَيهِ صُروفُ قَضائِهِ ، ولكِنَّهُ سُبحانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى العِبادِ أن يُطيعُوهُ ، وجَعَلَ جَزاءَهُم عَلَيهِ مُضاعَفَةَ الثَّوابِ تَفَضُّلاً مِنهُ ، وتَوَسُّعا بِما هُوَ مِنَ المَزيدِ أهلُهُ .

ثُمَّ جَعَلَ سُبحانَهُ مِن حُقوقِهِ حُقوقا اِفتَرَضَها لِبَعضِ النّاسِ عَلى بَعضٍ ، فَجَعَلَها

.


1- .الكامل في التاريخ : ج3 ص25 .
2- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص306 .

ص: 486

* وفي الغار :تَتَكافَأُ في وُجوهِها ، ويوجِبُ بَعضُها بَعضا ، ولا يُستَوجَبُ بَعضُها إلّا بِبَعضٍ ، وأعظَمُ مَا افتَرَضَ سُبحانَهُ مِن تِلكَ الحُقوقِ حَقُّ الوالي عَلَى الرَّعِيَّةِ ، وحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الوالي ، فَريضَةٌ فَرَضَهَا اللّهُ سُبحانَهُ لِكُلٍّ عَلى كُلٍّ ، فَجَعَلَها نِظاما لِاُلفَتِهِم ، وعِزّا لِدينِهِم ، فَلَيسَت تَصلُحُ الرَّعِيَّةُ إلّا بِصَلاحِ الوُلاةِ ، ولا تَصلُحُ الوُلاةُ إلّا بِاستِقامَةِ الرَّعِيَّةِ .

فَإذا أدَّتِ الرَّعِيَّةُ إلَى الوالي حَقَّهُ ، وأدَّى الوالي إلَيها حَقَّها عَزَّ الحَقُّ بَينَهُم ، وقامَت مَناهِجُ الدّينِ ، وَاعتَدَلَت مَعالِمُ العَدلِ ، وجَرَت عَلى أذلالِهَا (1) السُّنَنُ ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمانُ ، وطُمِعَ في بَقاءِ الدَّولَةِ ، ويَئِسَت مَطامِعُ الأَعداءِ .

وإذا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ والِيَها ، أو أجحَفَ الوالي بِرَعِيَّتِهِ ، اختَلَفَت هُنالِكَ الكَلِمَةُ ، وظَهَرَت مَعالِمُ الجَورِ ، وكَثُرَ الإِدغالُ فِي الدّينِ ، وتُرِكَت مَحاجُّ السُّنَنِ ، فَعُمِلَ بِالهَوى ، وعُطِّلَتِ الأَحكامُ ، وكَثُرَت عِلَلُ النُّفوسِ ، فَلا يُستَوحَشُ لِعَظيمِ حَقٍّ عُطِّلَ ، ولا لِعَظيمِ باطِلٍ فُعِلَ !

فَهُنالِكَ تَذِلُّ الأَبرارُ ، وتَعِزُّ الأَشرارُ ، وتَعظُمُ تَبِعاتُ اللّهِ سُبحانَهُ عِندَ العِبادِ ، فَعَلَيكُم بِالتَّناصُحِ في ذلِكَ ، وحُسنِ التَّعاوُنِ عَلَيه ، فَلَيسَ أحَدٌ _ وإنِ اشتَدَّ عَلى رِضَى اللّهِ حِرصُهُ ، وطالَ في العَمَلِ اجتِهادُهُ _ بِبالِغٍ حَقيقَةَ مَا اللّهُ سُبحانَهُ أهلُهُ مِنَ الطّاعَةِ لَهُ .

ولكِن مِن واجِبِ حُقوقِ اللّهِ عَلى عِبادِهِ : النَّصيحَةُ بِمَبلَغِ جُهدِهِم ، وَالتَّعاوُنُ عَلى إقامَةِ الحَقِّ بَينَهُم ، ولَيسَ امرُؤٌ _ وإن عَظُمَت فِي الحَقِّ مَنزِلَتُهُ ، وتَقَدَّمَت فِي الدّينِ فضيلَتُهُ _ بِفَوقِ أن يُعانَ عَلى ما حَمَّلَهُ اللّهُ مِن حَقِّهِ . ولَا امرُؤٌ _ وإن صَغَّرَتهُ النُّفوسُ ، وَاقتَحَمَتهُ العُيونُ _ بِدونِ أن يُعينَ عَلى ذلِكَ أو يُعانَ عَلَيهِ (2) . .


1- .أي وجوهها وطرقها ، وهو جمع ذِلّ (النهاية : ج2 ص166) .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 216 وراجع الكافي : ج8 ص352 ح550 .

ص: 487

6 / 3 تنمية الحرّيّة البنّاءة

* وفي الخبر :عنه عليه السلام :جَعَلَ اللّهُ سُبحانَهُ حُقوقَ عِبادِهِ مُقَدَّمَةً لِحُقوقِهِ ؛ فَمَن قامَ بِحُقوقِ عِبادِ اللّهِ كانَ ذلِكَ مُؤَدِّيا إلَى القِيامِ بِحُقوقِ اللّهِ (1) .6 / 3تَنمِيَةُ الحُرِّيَّةِ البَنّاءَةِعتا : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ آدَمَ لَم يَلِد عَبدا ولا أمَةً ، وإنَّ النّاسَ كُلَّهُم أحرارٌ (2) .* ووجد في ذؤابة سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آلعنه عليه السلام :أمّا بَعدُ ! فَإِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِالحَقِّ لِيُخرِجَ عِبادَهُ مِن عِبادَةِ عِبادِهِ إلى عِبادَتِهِ ، ومِن عُهودِ عِبادِهِ إلى عُهودِهِ ، ومِن طاعَةِ عِبادِهِ إلى طاعَتِهِ ، ومِن وِلايَةِ عِبادِهِ إلى وِلايَتِهِ (3) .عثث : عن الرضا عليه السلام لأبي الصلت :عنه عليه السلام :لا تَكُن عَبدَ غَيرِكَ وقَد جَعَلَكَ اللّهُ حُرّا (4) .عثر : عن النبيّ صلى الله عليه و آله في الدابّة :عنه عليه السلام :مَن قامَ بِشَرائِطِ العُبودِيَّةِ اُهِّلَ لِلعِتقِ . مَن قَصَّرَ عَن أحكامِ الحُرِّيَةِ اُعيدَ إلَى الرِّقِّ (5) .* وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام :عنه عليه السلام :إيّاكَ وما يُسخِطُ رَبَّكَ وما يُوحِشُ النّاسَ مِنكَ ، فَمَن أسخَطَ رَبَّهُ تَعَرَّضَ لِلمَنِيَّةِ ، ومَن أوحَشَ النّاسَ تَبَرَّأَ مِنَ الحُرِّيَّةِ (6) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :جَمالُ الحُرِّ تَجَنُّبِ العارِ (7) .

.


1- .غرر الحكم : ح4780 ، عيون الحكم والمواعظ : ص223 ح4347 .
2- .الكافي : ج8 ص69 ح26 عن محمّد بن جعفر العقبي رفعه ، بحار الأنوار : ج32 ص134 ح107 .
3- .الكافي : ج8 ص386 ح586 عن محمّد بن الحسين عن أبيه عن جدّه عن أبيه ، فلاح السائل : ص372 ح248 ، بحار الأنوار : ج77 ص365 ح34 .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 31 ، تحف العقول : ص77 ، عيون الحكم والموعظ : ص526 ح9579 ؛ ينابيع المودّة : ج2 ص253 ح710 و ج3 ص441 ح10 .
5- .غرر الحكم : ح8529 و8530 ، عيون الحكم والمواعظ : ص450 ح8004 و8005 .
6- .غرر الحكم : ح2728 ، عيون الحكم والمواعظ : ص100 ح2292 نحوه .
7- .غرر الحكم : ح4745 ، عيون الحكم والمواعظ : ص222 ح4333 .

ص: 488

6 / 4 الاهتمام برضى العامّة

* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :الحُرُّ حُرٌّ وإن مَسَّهُ الضُّرُّ ، العَبدُ عَبدٌ وإن ساعَدَهُ القَدَرُ (1) .عثعث : في المجنون :عنه عليه السلام :يا أهلَ الكوفَةِ ! مُنيتُ مِنكُم بِثَلاثٍ وَاثنَتَينِ ، صُمٌّ ذَوو أسماعٍ ، وبُكمٌ ذَوو كَلامٍ ، وعُميٌ ذَوو أبصارٍ ، لا أحرارُ صِدقٍ عِندَ اللِّقاءِ ، ولا إخوانُ ثِقَةٍ عِندَ البَلاءِ (2) .عثم : في الدية :عنه عليه السلام_ بَعدَ سَماعِهِ لِأَمرِ الحَكَمَينِ _: اُفٍّ لَكُم ! لَقَد لَقيتُ مِنكُم بَرحا (3) يَوما اُناديكُم ، ويَوما اُناجيكُم ؛ فَلا أحرارُ صِدقٍ عِندَ النِّداءِ ، ولا إخوانُ ثِقَةٍ عِندَ النَّجاءِ (4) .عثن : عن الجواد عليه السلام لمخارق :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: كُلُّ ما حَمَلتَ عَلَيهِ الحُرَّ احتَمَلَهُ ورَآهُ زِيادَةً في شَرَفِهِ ، إلّا ما حَطَّهُ جُزءاً مِن حُرِّيَّتِهِ ؛ فَإِنَّهُ يَأباهُ ولا يُجيبُ إلَيهِ (5) .6 / 4الاِهتِمامُ بِرِضَى العامَّةِ* وفي الحديث القدسيّ :الإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: لِيَكُن أحَبُّ الاُمورِ إلَيكَ أوسَطَها فِي الحَقِّ ، وأعَمَّها فِي العَدلِ ، وأجمَعَها لِرِضَى الرَّعِيَّةِ ؛ فَإِنَّ سُخطَ العامَّةِ يُجحِفُ بِرِضَى الخاصَّةِ ، وإنَّ سُخطَ الخاصَّةِ يُغتَفَرُ مَعَ رِضَى العامَّةِ . . . إنَّما عِمادُ الدّينِ ، وجِماعُ المُسلِمينَ ، وَالعُدَّةُ لِلأَعداءِ ، العامَّةُ مِنَ الاُمَّةِ ، فَليَكُن صِغوُكَ (6) لَهُم ، ومَيلُكَ مَعَهُم ... . إنَّ أفضَلَ قُرَّةِ عَينِ الوُلاةِ استِقامَةُ العَدلِ فِي البِلادِ ، وظُهورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ ،

.


1- .غرر الحكم : ح1322 ، عيون الحكم والمواعظ : ص48 ح1202 و1203 ، بحار الأنوار : ج78 ص12 ح70 ؛ مطالب السؤول : ص56 وفيه صدره .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 97 .
3- .البَرْح : الشِّدّة (النهاية : ج1 ص113) .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 125 ، بحار الأنوار : ج33 ص371 ح602 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص279 ح210 .
6- .صِغْوه معك : أي ميله معك (لسان العرب : ج14 ص461) .

ص: 489

6 / 5 الرّحمة للرّعيّة والمحبّة لهم

* وفي الحديث القدسيّ :وإنَّهُ لا تَظهَرُ مَوَدَّتُهُم إلّا بِسَلامَةِ صُدورِهِم (1) .* وعن أبي طالب :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: فَاعمَل فيما وُلّيتَ عَمَلَ مَن يُحِبُّ أن يَدَّخِرَ حُسنَ الثَّناءِ مِنَ الرَّعِيَّةِ ، وَالمَثوبَةِ مِنَ اللّهِ ، وَالرِّضا مِنَ الإِمامِ . ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ (2) .6 / 5الرَّحمَةُ لِلرَّعِيَّةِ وَالمَحَبَّةُ لَهُم* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في آدم عليه االإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: وأشعِر قَلبَكَ الرَّحمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، وَالمَحَبَّةَ لَهُم ، وَاللُّطفَ بِهِم ، ولا تَكونَنَّ عَلَيهِم سَبُعا ضارِيا تَغتَنِمُ أكلَهُم ؛ فَإِنَّهُم صِنفانِ : إمّا أخٌ لَكَ فِي الدّينِ ، وإمّا نَظيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ ، يَفرُطُ مِنهُمُ الزَّلَلُ ، وتَعرِضُ لَهُمُ العِلَلُ ، ويُؤتى عَلى أيديهِم فِي العَمدِ وَالخَطَأَ ، فَأَعطِهِم مِن عَفوِكَ وصَفحِكَ مِثلَ الَّذي تُحِبُّ وتَرضى أن يُعطِيَكَ اللّهُ مِن عَفوِهِ وصَفحِهِ ؛ فَإنَّكَ فَوقَهُم ، ووالِي الأَمرِ عَلَيكَ فَوقَكَ ، واللّهُ فَوقَ مَن وَلّاكَ . وقَدِ استَكفَاكَ أمرَهُم وَابتَلاكَ بِهِم . ولا تَنصِبَنَّ نَفسَكَ لِحَربِ اللّهِ ؛ فَإِنهُ لا يَدَ لَكَ بِنِقمَتِهِ ، ولا غِنىً بِكَ عَن عَفوِهِ ورَحمَتِهِ ...

وَاعلَم أنَّهُ لَيسَ شَيءٌ بِأَدعى إلى حُسنِ ظَنِّ راعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِن إحسانِهِ إلَيهِم ، وتَخفيفِهِ المَؤوناتِ عَلَيهِم ، وتَركِ استِكراهِهِ إيّاهُم عَلى ما لَيسَ لَهُ قِبَلَهُم ، فَليَكُن مِنكَ في ذلِكَ أمرٌ يَجتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ ؛ فَإِنَّ حُسنَ الظَّنِّ يَقطَعُ عَنكَ نَصَباً طَويلاً ، وإنَّ أحَقَّ مَن حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَن حَسُنَ بَلاؤُكَ عِندَهُ . وإنَّ أحَقَّ مَن ساءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَن ساءَ بَلاؤُكَ عِندَهُ (3) .

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص128 و ص133 ، دعائم الإسلام : ج1 ص355 و 358 نحوه وليس فيهما من «إنّما عماد الدين» إلى «معهم» .
2- .تحف العقول : ص138 .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، دعائم الإسلام : ج1 ص354 _ 356 نحوه .

ص: 490

6 / 6 الِاتّصال المباشِر بِالنّاسِ

* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في آدم عليه اوزاد في تحف العقول : فَاعرِف هذِهِ المَنزِلَةَ لَكَ وعَلَيكَ لِتَزِدكَ بَصيرَةً في حُسنِ الصُّنعِ ، وَاستِكثارِ حُسنِ البَلاءِ عِندَ العامَّةِ ، مَعَ ما يوجِبُ اللّهُ بِها لَكَ فِي المَعادِ (1) .* وفي عمرو بن عبد ودّ :عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ لِابنِ عَبّاسٍ ، وهُوَ عامِلُهُ عَلَى البَصرَةِ _: وَاعلَم أنَّ البَصرَةَ مَهبِطُ إبليسَ ، ومَغرِسُ الفِتَنِ ، فَحادِث أهلَها بِالإِحسانِ إلَيهِم ، وَاحلُل عُقدَةَ الخَوفِ عَن قُلوبِهِم (2) .6 / 6الِاتِّصالُ المُباشِرُ بِالنّاسِ* ومنه الخبر :الإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: اِجعَل لِذَوِي الحاجاتِ مِنكَ قِسما تُفَرِّغُ لَهُم فيهِ شَخصَكَ ، وتَجلِسُ لَهُم مَجلِسا عامّا ، فَتَتَواضَعُ فيهِ للّهِِ الَّذي خَلَقَكَ ، وتُقعِدَ عَنهُم جُندَكَ وأعوانَكَ مِن أحراسِكَ وشُرَطِكَ ، حَتّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُم غَيرَ مُتَتَعتِعٍ ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ في غَيرِ مَوطِنٍ : «لَن تُقَدَّسَ اُمّةٌ لا يُؤخَذُ لِلضَّعيفِ فيها حَقُّهُ مِنَ القَوِيِّ غَيرَ مُتَتَعتِعٍ» . . .

ثُمَّ اُمورٌ مِن اُمورِكَ لابُدَّ لَكَ مِن مُباشَرَتِها ، مِنها : إجابَةُ عُمّالِكَ بِما يَعيا عَنهُ كُتّابُكَ . ومِنها : إصدارُ حاجاتِ النّاسِ يَومَ وُرودِها عَليكَ بِما تَحرَجُ بِهِ صُدورُ أعوانِكَ . . . فَلا تُطَوِّلَنَّ احتجِابَكَ عَن رَعِيَّتِكَ ؛ فَإِنَّ احتِجابَ الوُلاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعبَةٌ مِنَ الضِّيقِ ، وقِلَّةُ عِلمٍ بِالاُمورِ ، وَالِاحتِجابُ مِنهُم يَقطَعُ عَنهُم عِلمَ مَا احتَجَبوا دونَهُ ، فَيَصغُرُ عِندَهُمُ الكَبيرُ ، ويَعظُمُ الصَّغيرُ ، ويَقبُحُ الحَسَنُ ، ويَحسُنُ القَبيحُ (3) .* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى قُثَمِ بنِ العَبّاسِ وهُوَ عامِلُهُ على مَكَّةَ _: لا يَكُن لَكَ إلَى النّاس

.


1- .تحف العقول : ص126 _ 130 .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 18 ، بحار الأنوار : ج33 ص492 ح699 .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص142 نحوه .

ص: 491

6 / 7 تحمّل مؤونة النّاس

* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام :سَفيرٌ إلّا لِسانُكَ ، ولا حاجِبٌ إلّا وَجهُكَ ، ولا تَحجُبَنَّ ذا حاجَةٍ عَن لِقائِكَ بِها ؛ فَإِنَّها إن ذيدَت عَن أبوابِكَ في أوَّلِ وِردِها لَم تُحمَد فيما بَعدُ عَلى قَضائِها (1) .عجرف : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ لِاُمَراءِ الخَراجِ _: لا تَتَّخِذُنَّ حُجّابا ، ولا تَحجُبُنَّ أحَدا عَن حاجَتِهِ حَتّى يُنهِيَها إلَيكُم (2) .* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ عليه السلام إلى اُمَرائِهِ عَلَى الجَيشِ _: مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ أميرِ المُؤمِنينَ إلى أصحابِ المَسالِحِ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ حَقّا عَلَى الوالي أَلّا يُغَيِّرَهُ عَلى رَعِيَّتِهِ فَضَلٌ نالَهُ ، ولا طَولٌ خُصَّ بِهِ ، وأن يَزيدَهُ ما قَسَمَ اللّهُ لَهُ مِن نِعَمِهِ دُنُوّا مِن عِبادِهِ ، وعَطفا عَلى إخوانِهِ (3) .عجز : عن موسى عليه السلام :عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى قَيسِ بنِ سَعدٍ _: فَأَلِن حِجابَكَ ، وَافتَح بابَكَ ، وَاعمَد إلَى الحَقِّ (4) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :ثَلاثَةٌ مَن كُنَّ فيهِ مِنَ الأَئِمَّةِ صَلُحَ أن يَكونَ إماما : اِضطَلَعَ (5) بِأَمانَتِهِ إذا عَدَلَ في حُكمِهِ ، ولَم يَحتَجِب دونَ رَعِيَّتِهِ ، وأقامَ كِتابَ اللّهِ تَعالى فِي القَريبِ وَالبَعيدِ (6) .6 / 7تَحَمُّلُ مَؤونَةَ النّاسِ* وعنه صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام :مَن لَم يَحتَمِلُ مَؤونَةَ النّاسِ فَقَد أهَّلَ قُدرَتَهُ لِانتِقالِها (7) .

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 67 ، بحار الأنوار : ج33 ص497 ح702 .
2- .وقعة صفّين : ص108 ، بحار الأنوار : ج75 ص355 ح70 .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 50 ، وقعة صفّين : ص107 عن عمر بن سعد ، الأمالي للطوسي : ص217 ح381 عن ثعلبة بن يزيد الحمّاني ؛ المعيار والموازنة : ص103 كلّها نحوه .
4- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص202 .
5- .اضْطَلَع : افْتَعَل ؛ من الضَّلاعة ، وهي القوّة . يقال : اضْطَلَع بحِمْله ؛ أي قوِي عليه ونَهَض به (النهاية : ج3 ص97) .
6- .كنز العمّال : ج5 ص764 ح14315 .
7- .غرر الحكم : ح8982 .

ص: 492

عجف : في حديث اُمّ معبد :عنه عليه السلام :الاحتِمالُ زَينُ السِّياسَةِ (1) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مَن ساسَ نَفسَهُ بِالصَّبرِ عَلى جَهلِ النّاسِ صَلُحَ أن يَكونَ سائِسا (2) .* ومنه في أبي ذرّ :عنه عليه السلام :إذا مَلَكتَ فَارفَق (3) .عجل : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :رأسُ السِّياسَةِ استِعمالُ الرِّفقِ (4) .* وفي الزكاة :عنه عليه السلام :نِعمَ السِّياسَةِ الرِّفقُ (5) .عجم : عن فاطمة عليهاالسلام :عنه عليه السلام :مَن عامَل بِالرِّفقِ وُفِّقَ (6) .* ومنه عن الأحنف بن قيس :عنه عليه السلام :مَن لَم يَلِن لِمَن دونَهُ لَم يَنَل حاجَتَهُ (7) .* ومنه عن طلحة لعمر :عنه عليه السلام_ فيما كَتَبَهُ لِحُذَيفَةَ بنَ اليمانِ _: آمُرَكَ بِالرِّفقِ في اُمورِكَ، واللِّينُ والعَدلُ عَلى رَعيَّتِكِ (8) .* وعن الرضا عليه السلام :عنه عليه السلام_ فيما كَتَبَهُ إلى أهلِ المَدائِنِ _: قَد تَوَلَّيتُ اُمورَكُم حُذَيفَةَ بنَ اليَمانِ ؛ وهوَ مِمَّن أرتَضي بِهُداهُ ، وأرجو صَلاحَهُ ، وقَد أمَرتُهُ بِالإِحسانِ إلى مُحسِنِكُم ، والشِّدَّةِ عَلى مُريبِكُم ، والرّفقِ بِجَميلِكُم ، أسأَلُ اللّهَ لَنا ولَكُم حُسنَ الخِيَرَةِ والإِحسانَ ، ورَحمَتَهُ الواسِعَةَ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ (9) . .


1- .غرر الحكم : ح772 ، عيون الحكم والمواعظ : ص24 ح219 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص318 ح656 .
3- .غرر الحكم : ح3974 ، عيون الحكم والمواعظ : ص133 ح2998 .
4- .غرر الحكم : ح5266 ، عيون الحكم والمواعظ : ص263 ح4781 .
5- .غرر الحكم : ح9947 .
6- .غرر الحكم : ح7842 ، عيون الحكم والمواعظ : ص453 ح8112 .
7- .غرر الحكم : ح9006 .
8- .إرشاد القلوب : ص321 ، الدرجات الرفيعة : ص288 وفيه «الدين» بدل «اللين» ، بحار الأنوار : ج28 ص88 ح3 .
9- .إرشاد القلوب : ص322 ، الدرجات الرفيعة : ص289 وفيه «الإسلام» بدل «الإحسان» في الموضع الثاني وراجع الغارات : ج1 ص211 وشرح نهج البلاغة : ج6 ص59 .

ص: 493

6 / 8 الاجتناب عن الغضب
6 / 9 النّهي عن تتبّع العيوب

* وعن ابن الحنفيّة :عنه عليه السلام :عَلَيكَ بِالرِّفقِ ؛ فَإِنَّهُ مِفتاحُ الصَّوابِ وسَجِيَّةُ اُولِي الأَلبابِ (1) .* وعن الصادق عليه السلام :عنه عليه السلام :الرِّفقُ يُيَسِّرُ الصِّعابَ ، ويُسَهِّلُ شَديدَ الأَسبابِ (2) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مَنِ استَعمَلَ الرِّفقَ لانَ لَهُ الشَّديدُ (3) .6 / 8الاِجِتنابُ عَنِ الغَضَبِعجن : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن وَصِيَّتِهِ لِابنِ عَبّاسٍ عِندَ استِخلافِهِ إيّاهُ عَلَى البَصرَةِ _: سَعِ النّاسَ بِوَجهِكَ ومَجلِسِكَ وحُكمِكَ ، وإيّاكَ وَالغَضَبَ ؛ فَإِنَّهُ طَيرَةٌ مِنَ الشَّيطانِ (4) .6 / 9النَّهيُ عَن تَتَبُّعِ العُيوبِ* وعن الصادق عليه السلام لعبّاد بن كثير :الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ للنّاسِ عُيوبا ؛ فَلا تَكشِف ما غابَ عَنكَ ؛ فَإنِّ اللّهَ سُبحانَهُ يَحكُمُ عَلَيها ، وَاستُرِ العَورَةَ مَا استَطَعتَ يَستُرِ اللّهُ سُبحانَهُ ما تُحِبُّ سَترَهُ (5) .عد : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: لِيَكُن أبعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنكَ وأشنَأَهُم عِندَكَ أطلَبُهُم لِمَعائِبِ النّاسِ ؛ فَإِنَّ فِي النّاسِ عُيوبا ؛ الوالي أحَقُّ مَن سَتَرَها ؛ فَلا تَكشِفَنَّ عَمّا غابَ عَنكَ مِنها ؛ فَإِنَّما عَلَيكَ تَطهيرُ ما ظَهَرَ لَكَ ، وَاللّهُ يَحكُمُ عَلى ما غابَ عَنكَ ، فَاستُرِ العَورَةَ ما استَطَعتَ يَستُرِ اللّهُ مِنكَ ما تُحِبُّ سَترَهُ مِن رَعِيَّتِكَ (6) .

.


1- .غرر الحكم : ح6114 ، عيون الحكم والمواعظ : ص334 ح5705 و ص52 ح1363 وفيه «الرفق مفتاح الصواب وشيمة ذوي الألباب» .
2- .غرر الحكم : ح1778 .
3- .غرر الحكم : ح8400 ، عيون الحكم والمواعظ : ص455 ح8215 وفيه «الشدائد» بدل «الشديد» .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 76 ، بحار الأنوار : ج33 ص498 ح704 .
5- .غرر الحكم : ح3505 وراجع دعائم الإسلام : ج1 ص355 .
6- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص128 وليس فيه من «فإنّما» إلى «غاب عنك» .

ص: 494

6 / 10 الإصحار بالعذر لدفع سوء الظّنّ
6 / 11 إعانة المظلوم

عدد : في الخبر :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: الأَشرارُ يَتَّبِعونَ مَساوِئَ النّاسِ ، ويَترُكونَ مَحاسِنَهُم ، كَما يَتَتَبَّعُ الذُّبابُ المواضِعَ الفاسِدَةَ (1) .* وفي الدعاء :عنه عليه السلام :إذا سُئِلَتِ الفاجِرَةُ مَن فَجَرَ بِكِ ؟ فَقالَت : فُلانٌ ، فَإِنَّ عَلَيها حَدَّينِ : حَدّا لِفُجورِها ، وحَدّا لِفِريَتِها عَلَى الرَّجُلِ المُسلِمِ (2) .* وعن الصادق عليه السلام :عنه عليه السلام :تَتَبُّعُ العَوراتِ مِن أعظَمِ السَّوءاتِ (3) .6 / 10الإِصحارُ بِالعُذرِ لِدَفعِ سوءِ الظَّنِّعدس : في الحديث :الإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: إن ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيفا فَأَصحِر لَهُم بِعُذرِكَ (4) ، وَاعدِل عَنكَ ظُنونَهُمِ بِإِصحارِكَ ؛ فَإِنَّ في ذلِكَ رِياضَةً مِنكَ لِنَفسِكَ ، وَرِفقا بِرَعِيَّتِكَ ، وإعذارا تَبلُغُ بِهِ حاجَتَكَ مِن تَقويمِهِم عَلَى الحَقِّ (5) .6 / 11إعانَةُ المَظلومِ* وعن الكاظم عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام :مَن لَم يُنصِفِ المَظلومَ مِنَ الظّالِمِ سَلَبَهُ اللّهُ قُدرَتَهُ (6) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في النبيّ صلى اللعنه عليه السلام :أما والَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَولا حُضورُ الحاضِرِ ، وقِيامُ الحُجَّة

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص269 ح113 .
2- .الكافي : ج7 ص209 ح20 ، تهذيب الأحكام : ج10 ص48 ح178 كلاهما عن السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام ، عيون أخبار الرضا : ج2 ص39 ح118 عن داود بن سليمان عن الإمام الرضا عن آبائه عنه عليهم السلام ، الجعفريّات : ص138 وفيهما «لما أقرّت على نفسها» بدل «لفجورها» .
3- .غرر الحكم : ح4580 .
4- .أي كن من أمرهم على أمرٍ واضح منكشف، من أصحر الرجل: إذا خرج إلى الصحراء (النهاية: ج3 ص12) .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص145 وزاد في آخره «في خَفْضٍ وإجمالٍ» .
6- .غرر الحكم : ح8966 ، عيون الحكم والمواعظ : ص428 ح7261 .

ص: 495

* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في النبيّ صلى اللبِوُجودِ النّاصِرِ ، وما أخَذَ اللّهُ عَلَى العُلَماءِ ألّا يُقارّوا عَلى كِظَّةِ (1) ظالِمٍ ، ولا سَغَبِ مَظلومٍ ، لَأَلَقيتُ حَبلَها عَلى غارِبِها ، وَلَسَقَيتُ آخِرَها بِكَأسِ أوَّلِها ، ولَأَلفَيتُم دُنياكُم هذِهِ أزهَدَ عِندي مِن عَفطَةِ عَنزٍ ! (2)* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! أعينوني عَلى أنفُسِكُم ، وايمُ اللّهِ لَاُنصِفَنَّ المَظلومَ مِن ظالِمِهِ ، ولَأَقودَنَّ الظّالِمَ بِخِزامَتِهِ ، حَتّى اُورِدَهُ مَنهَلَ الحَقِّ وإن كانَ كارِها (3) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :الذَّليلُ عِندي عَزيزٌ حَتّى آخُذَ الحَقَّ لَهُ ، وَالقَوِيُّ عِندي ضَعيفٌ حَتّى آخُذَ الحَقَّ مِنهُ (4) .عدم : عن أبي الحسن العسكريّ عليه السلام :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ انظُر في أمرِ الأَحكامِ بَينَ النّاسِ بِنِيَّةٍ صالِحَةٍ ؛ فَإِنَّ الحُكمَ في إنصافِ المَظلومِ مِنَ الظّالِمِ والأَخذِ لِلضَّعيفِ مِنَ القَوِيِّ وإقامَةِ حُدودِ اللّهِ عَلى سُنَّتِها ومِنهاجِها مِمّا يُصلِحُ عِبادَ اللّهِ وبِلادَهُ (5) .* ومنه الدعاء :الإمام الباقر عليه السلام :رَجَعَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى دارِهِ في وَقتِ القَيظِ فَإِذَا امرَأَةٌ قائِمَةٌ تَقولُ : إنَّ زَوجي ظَلَمَني وأخافَني وتَعَدّى عَلَيَّ وحَلَفَ لَيَضرِبُني ، فَقالَ عليه السلام : يا أمَةَ اللّهِ !اصبِري حَتّى يَبرُدَ النَّهارُ ، ثُمَّ أذهَبُ مَعَكِ إن شاءَ اللّهُ ، فَقالَت : يَشتَدُّ غَضَبُهُ وحَردُهُ عَلَيَّ ، فَطَأطَأَ رَأسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ وهوَ يَقولُ : لا وَاللّهِ أو يُؤخَذُ لِلمَظلومِ حَقُّهُ غَيرَ مُتَعتَعٍ ، أينَ مَنزِلُكِ ؟ فَمَضى إلى بابِهِ فَوَقَفَ ، فَقالَ : السَّلامُ عَلَيكُم . فَخَرَجَ شابٌّ ، فَقالَ عَلِيٌّ : يا عَبدَ اللّهِ ! .


1- .الكِظّة : ما يعتري الممتلئ من الطعام (النهاية : ج4 ص177) .
2- .نهج البلاغة: الخطبة 3، معاني الأخبار: ص362 ح1، الإرشاد: ج1 ص289 نحوه وفيهما «حضور الناصر» بدل «حضور الحاضر» ، علل الشرائع : ص151 ح12 ، الاحتجاج : ج1 ص458 ح105 وفيه «أولياء الأمر» بدل «العلماء» وفيها «يقرّوا» بدل «يقارّوا» وكلّها عن ابن عبّاس ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص205 .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 136 ، بحار الأنوار : ج32 ص49 ح33 .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 37 ، بحار الأنوار : ج39 ص351 ح25 .
5- .تحف العقول : ص135 .

ص: 496

* ومنه الدعاء :اتَّقِ اللّهَ فَإنَّكَ قَد أخَفتَها وأخرَجتَها . فَقالَ الفَتى : وما أنتَ وذاكَ ؟ وَاللّهِ لَاُحرِقَنَّها لِكَلامِكَ !

فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ : آمُرُكَ بِالمَعروفِ وأنهاكَ عَنِ المُنكَرِ تَستَقبِلُني بِالمُنكَرِ ، وتُنِكرُ المَعروفَ ؟ قالَ : فَأَقبَلَ النّاسُ مِنَ الطُّرُقِ ويَقولونَ : سَلامٌ عَلَيكُم يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَسَقَطَ الرَّجُلُ في يَدَيهِ (1) فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أقلِني عَثرَتي ، فَوَاللّهِ لَأَكونَنَّ لَها أرضا تَطَأُني ، فأَغمَدَ عَلِيٌّ سَيفَهُ وقالَ : يا أمَةَ اللّهِ ادخُلي مَنزِلَكِ ، ولا تُلجِئي زَوجَكِ إلى مِثلِ هذا وشِبهِهِ (2) .* ومنه عن الصادق عليه السلام في محبّي آل محمد عليالاختصاص :إنَّ سَعيدَ بنَ القَيسِ الهَمدانِيَّ رَآهُ [عَليّا عليه السلام ]يَوما في شِدَّةِ الحَرِّ في فِناءِ حائِطٍ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! بِهذِهِ السّاعَةِ ؟ قالَ : ما خَرَجتُ إلّا لِاُعينَ مَظلوما أو اُغيثَ مَلهوفا . فَبَينا هوَ كَذلِكَ إذ أتَتهُ امرَأَةٌ قَد خَلَعَ قَلبَها ، لا تَدري أينَ تَأخُذُ مِنَ الدُّنيا حَتّى وَقَفَت عَلَيهِ ، فَقالَت : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! ظَلَمَني زَوجي وتَعَدّى عَلَيَّ وحَلَفَ لَيَضرِبُني فَاذهَب مَعي إلَيهِ ، فَطَأطَأَ رَأسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ وهُوَ يَقولُ : لا وَاللّهِ ، حَتّى يُؤخَذَ لِلمَظلومِ حَقُّهُ غَيرَ مُتَعتَعٍ ، وأينَ مَنزِلُكِ ؟ قالَت : في مَوضِعِ كَذا وكَذا .

فَانطَلَقَ مَعَها حَتَّى انتَهَت إلى مَنزِلِها ، فَقالَت : هذا مَنزِلي ، قالَ : فَسَلَّمَ، فَخَرَجَ شابٌّ عَلَيهِ إزارٌ مُلَوَّنَةٌ ، فَقالَ: اِتَّقِ اللّهَ فَقَد أخَفتَ زَوجَتَكَ ، فَقالَ : وما أنتَ وذاكَ ؟وَاللّهِ لَاُحرِقَنَّها بِالنّارِ لِكَلامِكَ .

قالَ : وكانَ إذا ذَهَبَ إلى مَكانٍ أخَذَ الدِّرَّةَ بِيَدِهِ ، والسَّيفُ مُعَلَّقٌ تَحتَ يَدِهِ ، فَمَن حَلَّ عَلَيهِ حُكمٌ بِالدِّرَّةِ ضَرَبَهُ ، ومَن حَلَّ عَلَيهِ حُكمٌ بِالسَّيفِ عاجَلَهُ ، فَلَم يَعلَمِ الشّابُّ إلّا وقَد أصلَتَ السَّيفَ وقالَ لَهُ : آمُرُكَ بِالمَعروفِ وأنهاكَ عَنِ المُنكَرِ ، وتَرُد .


1- .يقال لكلّ من ندم وعجز عن الشيء: قد سُقِط في يده، واُسقِط في يده، لغتان (مجمع البحرين: ج2 ص854).
2- .المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص106 ، بحار الأنوار : ج41 ص57 ح7 .

ص: 497

* ومنه عن الصادق عليه السلام في محبّي آل محمد عليالمُعروفَ ! تُب وإلّا قَتَلتُكَ .

قالَ : وأقبَلَ النّاسُ مِنَ السِّكَكِ يَسأَلونَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام حَتّى وَقَفوا عَلَيهِ ، قالَ : فَاُسقِطَ في يَدِهِ (1) الشّابُّ ، وقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اعفُ عَنّي عَفا اللّهُ عَنكَ ، وَاللّهِ لَأَكونَنَّ أرضا تَطَأُني ، فَأَمَرَها بِالدُّخولِ إلى مَنزِلِها وَانكَفَأَ وهوَ يَقولُ : «لا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَ_ح بَيْنَ النَّاسِ» .

الحَمدُ للّهِِ الَّذي أصلَحَ بي بَينَ مَرأَةٍ وزَوجِها ، يَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «لا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَ_ح بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَ لِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (2)(3) .عدن : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الكافي عن أسيد بن صَفوانَ صاحبِ رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله :لَمّا كانَ اليَومُ الَّذي قُبِضَ فيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ارتَجَّ المَوضِعُ بِالبُكاءِ ، ودَهِشَ النّاسُ كَيَومَ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وجاءَ رَجُلٌ باكِيا وهوَ مُسرِعٌ مُستَرجِعٌ وهوَ يَقولُ : اليَومَ انقَطَعَت خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ، حَتّى وقَفَ عَلى بابِ البَيتِ الَّذي فيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : رَحِمَكَ اللّهُ يا أبَا الحَسَنِ ، كُنتَ أوَّلَ القَومِ إسلاما وأخلَصَهُم إيمانا . . . الضَّعيفُ الذَّليلُ عِندَكَ قَوِيٌّ عَزيزٌ حَتّى تَأخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ ، وَالقَوِيُّ العَزيزُ عِندَكَ ضَعيفٌ ذَليلٌ حَتّى تَأخُذَ مِنهُ الحَقَّ ، والقَريبُ والبَعيدُ عِندَكَ في ذلِكَ سَواءٌ (4) .راجع : ص 490 (الإتّصال المباشر بالنّاس) .

.


1- .ما أثبتناه هو الصحيح كما في بحار الأنوار ، وما في المصدر: «في يد الشابّ» .
2- .النساء : 114 .
3- .الاختصاص : ص157 ، بحار الأنوار : ج40 ص 113 .
4- .الكافي : ج1 ص454 ح4 ، كمال الدين : ص388 _ 390 ح3 ، الأمالي للصدوق : ص312 ح363 .

ص: 498

6 / 12 تأسيس بيت القصص
6 / 13 المراقبة لدفع مظالم الجنود

6 / 12تَأسيسُ بَيتِ القِصَصِ* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأبي ذرّ :صبح الأعشى :أوَّلُ مَن اِتَّخَذَ بَيتا تُرمى فيهِ قِصَصُ أهلِ الظُّلاماتِ أميرُ المُؤمِنينَ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه (1) .* وعنه صلى الله عليه و آله :الأوائل عن محمّد بنِ سيرينَ :اتَّخَذَ عَلِيٌّ بَيتا يُلقِي النّاسُ فيهِ القِصَصَ ، حَتّى كَتَبوا شَتمَهُ فَأَلقَوهُ فيهِ ، فَتَرَكَهُ (2) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام للزبير :شرح نهج البلاغة :كانَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام بَيتٌ سَمّاهُ : بَيتَ القِصَصِ ، يُلقِي النّاسُ فيهِ رِقاعَهُم (3) .* وفي داود عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ لِأَصحابِهِ _: مَن كانَت لَهُ إلَيَّ مِنكُم حاجَةٌ ، فَليَرفَعها في كِتابٍ ؛ لِأَصونَ وُجوهَكُم عَنِ المَسأَلَةِ (4) .6 / 13المُراقَبَةُ لِدَفعِ مَظالِمِ الجُنودِ* وعن أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية :الإمام عليّ عليه السلام :مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مَن مَرَّ بِهِ الجَيشُ مِن جُباةِ الخَراجِ وعُمّالِ البِلادِ :

أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قَد سَيَّرتُ جُنودا هي مَارَّةٌ بِكُم إن شاءَ اللّهُ ، وقَد أوصَيتُهُم بِما يَجِبُ للّهِِ عَلَيهِم مِن كَفِّ الأَذى ، وصَرفِ الشَّذى (5) ، وأنَا أبرَأُ إلَيكُم وإلى ذِمَّتِكُم مِن

.


1- .صبح الأعشى : ج1 ص414 .
2- .الأوائل لأبي هلال : ص142 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج17 ص87 .
4- .العقد الفريد : ج1 ص203 .
5- .الشَّذى : الشرّ والأذى (النهاية : ج2 ص454) .

ص: 499

6 / 14 الحرص على جماعة الامّة

* وعن أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية :مَعَرَّةِ (1) الجَيشِ ، إلّا مِن جَوعَةِ المُضطَرِّ ، لا يَجِدُ عَنها مَذهَبا إلى شِبَعِهِ ، فَنَكِّلوا مَن تَناوَلَ مِنهُم شَيئا ظُلما عَن ظُلمِهِم ، وكُفّوا أيدِيَ سُفَهائِكُم عَن مُضارَّتِهِم ، والتَّعَرُّضِ لَهُم فيما استَثنَيناهُ مِنهُم ، وأنَا بَينَ أظهُرِ الجَيشِ ، فَارفَعوا إلَيَّ مَظالِمَكُم ، وما عَراكُم مِمّا يَغلِبُكُم مِن أمرِهِم ، وما لا تُطيقونَ دَفعَهُ إلّا بِاللّهِ وبي ، فَأَنَا اُغَيِّرُهُ بِمَعونَةِ اللّهِ إن شاءَ اللّهُ (2) .6 / 14الحِرصُ عَلى جَماعَةِ الاُمَّةِ* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كتابٍ لَهُ إلى أبي موسَى الأَشعَرِيِّ جَوابا في أمرِ الحَكَمَينِ _: فَإِنَّ النّاسَ قَد تَغَيَّرَ كَثيرٌ مِنهُم عَن كَثيرٍ مِن حَظِّهِم ، فَمالوا مَعَ الدُّنيا ، ونَطَقوا بِالهَوى ، وإنّي نَزَلتُ مِن هذا الأَمرِ مَنزِلاً مُعجِبا ، اِجتَمَعَ بِهِ أقوامٌ أعجَبَتهُم أنفُسُهُم ، وأنَا اُداوي مِنهُم قَرحا أخافُ أن يَكونَ عَلَقا ، ولَيسَ رَجُلٌ _ فَاعلَم _ أحرَصَ عَلى جَماعَةِ اُمَّةِ مَحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله واُلفَتِها مِنّي ، أبتَغي بِذلِكَ حُسنَ الثَّوابِ ، وكَرَمَ المَآبِ ، وسَأَفي بِالَّذي وَأَيتُ (3) عَلى نَفسي (4) .* وفي خروج الحسين عليه السلام :عنه عليه السلام_ في التَّحذيرِ مِنَ الفِتَنِ _: لا تَكونوا أنصابَ الفِتَنِ ، وأعلامَ البِدَعِ ، وَالزَموا ما عُقِدَ عَلَيهِ حَبلُ الجَماعَةِ ، وبُنِيَت عَلَيهِ أركانُ الطّاعَةِ (5) .* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في أبي دجانةعنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ مَعَ الخَوارِجِ _: اِلزَموا السَّوادَ الأَعظَمَ ؛ فَإِنَّ يَدَ اللّهُ مَعَ الجَماعَةِ ،

.


1- .المَعَرّة : الأمر القبيح المكروه والأذى (النهاية : ج3 ص205) .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 60 ، بحار الأنوار : ج33 ص486 ح691 .
3- .الوَأْي : الوعد الَّذي يوثّقه الرجل على نفسه ، ويعزم على الوفاء به (النهاية : ج5 ص144) .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 78 ، بحار الأنوار : ج33 ص304 ح554 .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 151 ؛ ينابيع المودّة : ج3 ص372 ح4 .

ص: 500

* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في أبي دجانةوإيّاكُم والفُرقَةَ ! فَإِنَّ الشّاذَّ مِنَ النّاسِ لِلشَّيطانِ ، كَما أنَّ الشّاذَّ مِنَ الغَنَمِ لِلذِّئبِ (1) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام حين شيّع جيشا بغزعنه عليه السلام :لِيَردَعكُمُ الإِسلامُ ووَقارُهُ عَنِ التَّباغي والتَّهاذي ، وَلتَجتَمِع كَلِمَتُكُم ، وَالزَموا دِينَ اللّهِ الَّذي لا يُقبَلُ مِن أحَدٍ غَيرُهُ ، وكَلِمَةَ الإِخلاصِ الَّتي هي قِوامُ الدّينِ (2) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :إيّاكُم وَالتَّلَوُّنَ في دينِ اللّهِ ؛ فَإِنَّ جَماعَةً فيما تَكرَهونَ مِنَ الحَقِّ خَيرٌ مِن فُرقَةٍ فيما تُحِبّونَ مِنَ الباطِلِ ، و إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ لَم يُعطِ أحَدا بِفُرقَةٍ خَيرا ، مِمَّن مَضَى ولا مِمَّن بَقِيَ (3) .عذر : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :إنَّ الشَّيطانَ يُسَنّي (4) لَكُم طُرُقَهُ ، ويُريدُ أن يَحُلَّ دينَكُم عُقدَةً عُقدَةً ، ويُعطِيَكُم بِالجَماعَةِ الفُرقَةَ ، وبِالفُرقَةِ الفِتنَةَ ، فَاصدِفوا عَن نَزَغاتِهِ ونَفَثاتِهِ (5) .* وعنه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :وايمُ اللّهِ ، ما اختَلَفَت اُمَّةٌ بَعدَ نَبِيِّها إلّا ظَهَرَ باطِلُها عَلى حَقِّها ، إلّا ما شاءَ اللّهُ (6) .* ومنه عن الرضا عليه السلام :عنه عليه السلام :وإنّي ، وَاللّهِ ، لَأَظُنُّ أنَّ هؤلاءِ القَومَ سَيُدالونَ (7) مِنكُم بِاجتِماعِهِم عَلى باطِلِهِم ، وتَفَرُّقِكُم عَن حَقِّكُم (8) . .


1- .نهج البلاغة : الخطبة 127 ، عيون الحكم والمواعظ : ص101 ح2312 وفيه من «إيّاكم والفُرقة . . .» ، بحار الأنوار : ج33 ص373 ح604 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص45 .
3- .نهج البلاغة : الخطبة 176 ، بحار الأنوار : ج2 ص313 ح76 ؛ ينابيع المودّة : ج3 ص437 ح9 وليس فيه من «فإنّ جماعة» إلى «الباطل» .
4- .يقال : سنَّيتُ الشيء : إذا فتحته وسهّلته . وتسنّى لي كذا : أي تيسّر وتأتّى (النهاية : ج2 ص415) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 121 .
6- .الأمالي للمفيد : ص235 ح5 ، الأمالي للطوسي : ص11 ح13 كلاهما عن الأصبغ بن نباتة ، وقعة صفّين : ص224 عن أبي سنان الأسلمي ؛ شرح نهج البلاغة : ج5 ص181 وفيهما «أهل باطلها على أهل حقّها» .
7- .الإدالة : الغلبة (النهاية : ج2 ص141) .
8- .نهج البلاغة : الخطبة 25 .

ص: 501

* وعن أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية :عنه عليه السلام_ في تَحذيرِ الاُمَّةِ مِنَ الفُرقَةِ _: اِحذَروا ما نَزَلَ بِالاُمَمِ قَبلَكُم مِنَ المَثُلاتِ بِسوءِ الأَفعالِ وذَميمِ الأَعمالِ ! فَتَذَكَّروا فِي الخَيرِ وَالشَّرِّ أحوالَهُم ، وَاحذَروا أن تَكونوا أمثالَهُم .

فَإِذا تَفَكُّرتُم في تَفاوُتِ حالَيهِم فَالزَموا كُلَّ أمرٍ لَزِمَتِ العِزَّةُ بِهِ شَأنَهُم ، وزاحَتِ الأَعداءُ لَهُ عَنهُم ، ومُدَّتِ العافِيَةُ بِهِ عَلَيهِم ، وَانقادَتِ النِّعمَةُ لَهُ مَعَهُم ، ووَصَلَتِ الكَرامَةُ عَلَيهِ حَبلَهُم مِنَ الِاجتِنابِ لِلفُرقَةِ ، وَاللُّزومِ لِلاُلفَةِ ، وَالتَّحاضِّ عَلَيها وَالتَّواصي بِها ، وَاجتَنِبوا كُلَّ أمرٍ كَسَرَ فِقرَتَهُم ، وأوهَنَ مُنَّتَهُم . مِن تَضاغُنِ القُلوبِ ، وتَشاحُنِ الصُّدورِ ، وتَدابُرِ النُّفوسِ ، وتَخاذُلِ الأَيدي ، وتَدَبَّروا أحوالَ الماضينَ مِنَ المُؤمِنينَ قَبلَكُم ، كَيفَ كانوا في حالِ التَّمحيصِ وَالبَلاءِ ، أ لَم يَكونوا أثقَلَ الخَلائِقِ أعباءً ، وأجهَدَ العِبادِ بَلاءً ، وأضيَقَ أهلِ الدُّنيا حالاً ؟ اِتَّخَذَتهُمُ الفَراعِنَةُ عَبيدا ؛ فَساموهُم سوءَ العَذابِ ، وجَرَّعوهُمُ المُرارَ ؛ فَلَم تَبرَحِ الحالُ بِهِم في ذُلِّ الهَلَكَةِ وقَهرِ الغَلَبَةِ . لا يَجِدونَ حيلَةً في امتِناعٍ ، ولا سَبيلاً إلى دِفاعٍ .

حَتّى إِذا رَأَى اللّهُ سُبحانَهُ جِدَّ الصَّبرِ مِنهُم عَلَى الأَذى في مَحَبَّتِهِ ، وَالِاحتِمالَ لِلمَكروهِ مِن خَوفِهِ جَعَلَ لَهُم مِن مَضايِقِ البَلاءِ فَرَجا ، فَأَبدَلَهُمُ العِزَّ مَكانَ الذُّلِّ ، وَالأَمنَ مَكانَ الخَوفِ ، فَصاروا مُلوكاً حُكّاماً ، وأئِمَّةً أعلاماً ، وقَد بَلَغَتِ الكَرامَةُ مِنَ اللّهِ لَهُم ما لَم تَذهَبِ الآمالُ إلَيهِ بِهِم .

فَانظُروا كَيفَ كانوا حَيثُ كانَتِ الأَملاءُ (1) مُجتَمِعَةً ، وَالأَهواءُ مُؤتَلِفَةً ، وَالقُلوبُ مُعتَدِلَةً ، وَالأَيدي مُتَرادِفَةً ، والسُّيوفُ مُتَناصِرَةً ، وَالبَصائِرُ نافِذَةً ، وَالعَزائِمُ واحِدَةً . أَ لَم يَكونوا أرباباً في أقطارِ الأَرَضينَ ، ومُلوكاً عَلى رِقابِ العالَمينَ ؟ فَانظُروا إلى ما صاروا إلَيهِ في آخِرِ اُمورِهِم حينَ وَقَعَتِ الفُرقَةُ ، وتَشَ الاُلفَةُ ، وَاختَلَفَتِ الكَلِمَة .


1- .جمع ملأ ؛ أشراف النّاس ورؤساؤهم ومقدّموهم الَّذي يُرجَع إلى قولهم (النهاية : ج4 ص351) .

ص: 502

* وعن أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية :وَالأَفئِدَةُ ، وتَشَعَّبوا مُختَلِفينَ ، وتَفَرَّقوا مُتَحارِبينَ ، قَد خَلَعَ اللّهُ عَنهُم لِباسَ كَرامَتِهِ ، وسَلَبَهُم غَضارَةَ نِعمَتِهِ . وَبقِيَ قَصَصُ أخبارِهِم فيكُم عِبَرا لِلمُعتَبِرينَ .

فَاعتَبِروا بِحالِ وَلَدِ إسماعيلَ وبَني إسحاقَ وبَني إسرائيلَ عليهم السلام ؛ فَما أشَدَّ اعتِدالَ الأَحوالِ ، وأقرَبَ اشتِباهَ الأَمثالِ . تَأَمَّلوا أمرَهُم في حالِ تَشَتُّتِهِم وتَفَرُّقِهِم لَيالِيَ كانَتِ الأَكاسِرَةُ وَالقَياصِرَةُ أرباباً لَهُم ، يَحتازونَهُم عَن ريفِ الآفاقِ ، وبَحرِ العِراقِ وخُضرَةِ الدُّنيا إلى مَنابِتِ الشّيحِ ، ومَهافِي الرّيحِ ، ونَكَدِ المَعاشِ . فَتَرَكوهُم عالَةً مَساكينَ ، إخوانَ دَبَرٍ ووَبَرٍ ، أذَلَّ الاُمَمِ داراً ، وأجدَبَهُم قَراراً . لا يَأوونَ إلى جَناحِ دَعوَةٍ يَعتَصِمونَ بِها ، ولا إلى ظِلِّ اُلفَةٍ يَعتَمِدونَ علَى عِزِّها . فَالأَحوالُ مُضطَرِبَةٌ ، وَالأَيدي مُختَلِفَةٌ ، وَالكَثرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ . في بَلاءِ أزلٍ ، وأَطباقِ جَهلٍ ! مِن بَناتٍ مَوؤُودَةٍ ، وأصنامٍ مَعبودَةٍ ، وأرحامٍ مَقطوعَةٍ ، وغاراتٍ مَشنونَةٍ .

فَانظُروا إلى مَواقِعِ نِعَمِ اللّهِ عَلَيهِم حينَ بَعَثَ إلَيهمِ رَسولاً ، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طاعَتَهُم ، وجَمَعَ عَلى دَعوَتِهِ اُلفَتَهُم . كَيفَ نَشَرَتِ النِّعمَةُ عَلَيهِم جَناحَ كَرامَتِها ، وأسالَت لَهُم جَداوِلَ نَعيمِها ، وَالتَفَّتِ المِلَّةُ بِهِم في عَوائِدِ بَرَكَتِها . فَأَصبَحوا في نِعمَتِها غَرِقينَ ، وفي خُضرَةِ عَيشِها فَكِهينَ . قَد تَرَبَّعَتِ الاُمورُ بِهِم ، في ظِلِّ سُلطانٍ قاهِرٍ ، وآوَتهُمُ الحالُ إلى كَنَفِ عِزٍّ غالِبٍ . وتَعَطَّفَتِ الاُمورُ عَلَيهِم في ذُرى مُلكٍ ثابِتٍ . فَهُم حُكّامٌ عَلَى العالَمينَ ، ومُلوكٌ في أطرافِ الأَرَضينَ . يَملِكونَ الاُمورَ عَلى مَن كانَ يَملِكُها عَلَيهِم . ويُمضونَ الأَحكامَ فيمَن كانَ يُمضيها فيهِم . لا تُغمَزُ لَهُم قَناةٌ ، ولا تُقرَعُ لَهُم صَفاةٌ (1) .

ألَا وإنَّكُم قَد نَفَضتُم أيدِيَكُم مِن حَبلِ الطّاعَةِ . وثَلَمتُم حِصن اللّهِ المَضروبَ عَلَيكُم بِأَحكامِ الجاهِلِيَّةِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ قَدِ امتَنَّ عَلى جَماعَة .


1- .الصَّفاة : الصخرة والحجر الأملَس ، والمراد أنّه لا ينالُهم أحد بسوء (النهاية : ج3 ص41) .

ص: 503

* وعن أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية :هذِهِ الاُمَّةِ فيما عَقَدَ بَينَهُم مِن حَبلِ هذِهِ الاُلفَةِ التَّي يَنتَقِلونَ في ظِلِّها ، ويَأوونَ إلى كَنَفِها ، بِنِعمَةٍ لايَعرِفُ أحَدٌ مِنَ المَخلوقينَ لَها قيمَةً ؛ لِأَنَّها أرجَحُ مِن كُلِّ ثَمَنٍ ، وأجَلُّ مِن كُلِّ خَطَرٍ (1) .راجع : ص 58 (مخافة الفرقة) . و ص 517 (موقع مصالح النظام الإسلامي في صدور الأحكام) .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 192 ، بحار الأنوار : ج14 ص472 ح37 .

ص: 504

. .

ص: 505

الفصل السابع : السياسة القضائية
7 / 1 اختيار الأفاضل للقضاء
7 / 2 التّأمين الاقتصاديّ للقضاة

الفصل السابع : السياسة القضائية7 / 1اِختِيارُ الأَفاضِلِ لِلقَضاءِ* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو يَنْظر إلالإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ اختَر لِلحُكمِ بَينَ النّاسِ أفضَلَ رَعِيَّتِكَ في نَفسِكَ ، مِمَّن لا تَضيقُ بِهِ الاُمورُ ، ولا تُمَحِّكُهُ (1) الخُصومُ ، ولا يَتَمادى فِي الزَّلَّةِ ، ولا يَحصَرُ مِنَ الفَيءِ إلَى الحَقِّ إذا عَرَفَهُ ، ولا تُشرِفُ نَفسُهُ عَلى طَمَعٍ ، ولا يَكتَفي بِأَدنى فَهمٍ دونَ أقصاهُ ، وأوقَفَهُم فِي الشُّبهاتِ ، وآخَذَهُم بِالحُجَجِ ، وأقَلَّهُم تَبَرُّما بِمُراجَعَةِ الخَصمِ ، وأصبَرَهُم عَلى تَكَشُّفِ الاُمورِ ، وأصرَمَهُم عِندَ اتِّضاحِ الحُكمِ ، مِمَّن لا يَزدَهيهِ إطراءٌ ولا يَستَميلُهُ إغراءٌ ، واُولئِكَ قَليلٌ (2) .7 / 2التَّأمينُ الاِقتِصاديُّ لِلقُضاةِعذفر : عن الحِمْيري :الإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ اختَر لِلحُكمِ بَينَ النّاسِ أفضَلَ رَعِيَّتِك

.


1- .المَحْك: اللجاج (النهاية: ج4 ص303).
2- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ،تحف العقول : ص135 .

ص: 506

7 / 3 الأمن الوظيفيّ للقضاة
7 / 4 التّأكيد على آداب القضاء

عذفر : عن الحِمْيري :في نَفَسِكَ . . . وَافسَح لَهُ فِي البَذلِ ما يُزيلُ عِلَّتَهُ وتَقِلُّ مَعَهُ حاجَتُهُ إلَى النّاسِ (1) .7 / 3الأَمنُ الوَظيِفيُّ لِلقُضاةِ* ومنه عن ابن المنذر في السقيفة :الإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ اختَر لِلحُكمِ بَينَ النّاسِ أفضَلَ رَعِيَّتِكَ في نَفسِكَ . . . وأعطِهِ مِنَ المَنزِلَةِ لَدَيكَ ما لا يَطمَعُ فيهِ غَيرُهُ مِن خاصَّتِكَ ؛ لِيَأمَنَ بِذلِكَ اغتِيالَ الرِّجالِ لَهُ عِندَكَ فَانظُر في ذلِكَ نَظَرا بَليغاً ؛ فَإِنَّ هذَا الدّينَ قَد كانَ أسيراً في أيدِي الأَشرارِ ، يُعمَلُ فيهِ بِالهَوى ، وتُطلَبُ بِهِ الدُّنيا (2) .

وفي روايَةِ تُحَفِ العُقولِ : ثُمَّ أكثِر تَعَهُّدَ قَضائِهِ ، وافتَح لَهُ في البَذلِ ما يُزيحُ عِلَّتَهُ ، ويَستَعينُ بِهِ ، وتَقِلُّ مَعَهُ حاجَتُهُ إلَى النّاسِ ، وأعطِهِ مِنَ المَنزِلَةِ لَدَيكَ ما لا يَطمَعُ فيهِ غَيرُهُ مِن خاصَّتِكَ ؛ لِيَأمَنَ بِذلِكَ اغتِيالَ الرِّجالِ إيّاهُ عِندَكَ . وأحسِن تَوقيرَهُ في صُحبَتِكَ ، وقُربَهُ في مَجلِسِكِ ، وأمضِ قَضاءَهُ ، وأنفِذ حُكمَهُ ، وَاشدُد عَضُدَهُ ، وَاجعَل أعوانَهُ خِيارَ مَن تَرضى مِن نُظَرائِهِ مِنَ الفُقَهاءِ وأهلِ الوَرَعِ والنَّصيحَةِ للّهِِ ولِعِبادِ اللّهِ ؛ لِيُناظِرَهُم فيما شُبِّهَ عَلَيهِ ، ويَلطُفَ عَلَيهِم لِعِلمِ ما غابَ عَنهُ ، ويَكونونَ شُهَداءَ عَلى قَضائِهِ بَينَ النّاسِ إن شاءَ اللّهُ (3) .7 / 4التَّأكيدُ عَلى آدابِ القَضاءِ* ومنه في دعاء النبيّ صلى الله عليه و آله على سراالإمام عليّ عليه السلام_ لِشُرَيحٍ _: اُنظُر إلى أهلِ المَعكِ (4) وَالمَطلِ ، ودَفعِ حُقوقِ النّاسِ مِن

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص135 و136 نحوه ، بحار الأنوار : ج33 ص605 ح744 .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 53 .
3- .تحف العقول : ص136 .
4- .المَعْك : المِطال واللَّيُّ بالدَّين ، ورجل مَعِك : شديد الخصومة (لسان العرب : ج10 ص490) .

ص: 507

* ومنه في دعاء النبيّ صلى الله عليه و آله على سراأهلِ المَقدُرَةِ وَاليَسارِ مِمَّن يُدلي بِأَموالِ المُسلِمينَ إلَى الحُكّامِ ، فَخُذ لِلنّاسِ بِحُقوقِهِم مِنهُم ، وَبِع فيهَا العَقارَ والدِّيارَ ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «مَطلُ المُسلِمِ الموسِرِ ظُلمٌ لِلمُسلِمِ ، ومَن لَم يَكُن لَهُ عَقارٌ ولا دارٌ ولا مالٌ فلا سَبيلَ عَلَيهِ» .

وَاعلَم أنَّهُ لا يَحمِلُ النّاسَ عَلَى الحَقِّ إلّا مَن وَرَّعَهُم عَنِ الباطِلِ ، ثُمَّ واسِ بَينَ المُسلِمينَ بِوَجهِكِ ومَنطِقِكَ ومَجلِسِكَ حَتّى لا يَطمَعَ قَريبُكَ في حَيفِكَ ، ولا يَيأَسَ عَدُوُّكَ مِن عَدلِكَ ، وَرُدَّ اليَمينَ عَلَى المُدَّعي مَعَ بَيِّنَةٍ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ أجلى لِلعَمى وأثبَتُ فِي القَضاءِ .

وَاعلَم أنَّ المُسلِمينَ عُدولٌ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ إلّا مَجلودا في حَدٍّ لَم يَتُب مِنهُ ، أو مَعروفاً بِشَهادَةِ زورٍ ، أو ظَنيناً (1) . وإيّاكَ والتَّضَجُّرَ والتَّأَذِّيَ في مَجلِسِ القَضاءِ الَّذي أوجَبَ اللّهُ فيهِ الأَجرَ ، ويُحسِنُ فيهِ الذُّخرَ لِمَن قَضى بِالحَقِّ .

وَاعلَم أنَّ الصُّلحَ جائِزٌ بَينَ المُسلِمينَ إلّا صُلحا حَرَّمَ حَلالاً أو أحَلَّ حَراما ، وَاجعَل لِمَنِ ادَّعى شُهودا غُيَّبا أمَدا بَينَهُما ؛ فَإِن أحضَرَهُم أخَذتَ لَهُ بِحَقِّهِ وإن لَم يُحضِرهُم أوجَبتَ عَلَيهِ القَضِيَّةَ ، فَإِيّاكَ أن تُنَفِّذَ فيهِ قَضِيَّةً في قِصاصٍ أو حَدٍّ مِن حُدودِ اللّهِ أو حَقٍّ مِن حُقوقِ المُسلِمينَ حَتّى تَعرِضَ ذلِكَ عَلَيَّ إن شاءَ اللّهُ ، ولا تَقعُدَنَّ فِي مَجلِسِ القَضاءِ حَتّى تَطعَمَ (2) .* ومنه عن فاطمة الصغرى في أمير المؤمنين عليه السلالكافي عن أحمد بن أبي عبد اللّه رفعه :قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام لِشُرَيحٍ : لا تُسارَّ أحَدا في مَجلِسِكَ ، وإن غَضِبتَ فَقُم ؛ فَلا تَقضِيَنَّ وأنتَ (3) غَضبانُ (4) .عذم : عن أمير المؤمنين عليه السلام في بني اُميّةالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا بَلَغَهُ أنَّ شُرَيحا يَقضي في بَيتِهِ _: يا شُرَيحُ ، اجلِس فِي المَسجِدِ ؛ .


1- .ظنين : أي مُتَّهم في دينه ؛ فعيل بمعنى مفعول ، من الظِّنّة : التُّهَمة (النهاية : ج3 ص163) .
2- .الكافي : ج7 ص412 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص225 ح541 كلاهما عن سلمة بن كهيل ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص15 ح3243 نحوه .
3- .في المصدر : «فأنت» ، والصحيح ما أثبتناه كما في كتاب مَن لا يحضره الفقيه .
4- .الكافي : ج7 ص413 ح5 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص14 ح3239 .

ص: 508

عذم : عن أمير المؤمنين عليه السلام في بني اُميّةفَإِنَّهُ أعدلُ بَينَ النّاسِ ، وإنَّهُ وَهنٌ بِالقاضي أن يَجلِسَ في بَيتِهِ (1) .عذا : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى رِفاعَةَ لَمَّا استَقضاهُ عَلَى الأَهوازِ (2) _: ذَرِ المَطامِعَ ، وخالِفِ الهَوى ، وزَيِّنِ العِلمَ بِسَمتٍ صالِحٍ ، نِعمَ عَونُ الدِّينِ الصَّبرُ ، لَو كانَ الصَّبرُ رَجُلاً لَكانَ رَجُلاً صالِحا .

وإيّاكَ وَالمَلالَةَ ؛ فَإِنَّها مِنَ السُّخفِ وَالنَّذالَةِ ، لا تُحضِر مَجلِسَكَ مَن لا يُشبِهُكَ ، وتَخَيَّر لِوِردكَ ، اِقضِ بِالظّاهِرِ ، وفَوَّض إلَى العالِمِ الباطِنَ ، دَع عَنكَ : «أظُنُّ وأحسَبُ وأرى» لَيسَ في الدّينِ إشكالٌ ، لا تُمارِ سَفيها ولا فَقيها ، أمَّا الفَقيهُ فَيَحرِمُكَ خَيرَهُ ، وأمَّا السَّفيهُ فَيُحزِنُكَ شَرُّهُ . لا تُجادِل أهلَ الكِتابِ إلّا بِالَّتي هِيَ أحسَنُ بِالكِتابِ وَالسُّنَّةِ . لا تُعَوِّد نَفسَكَ الضِّحكَ ؛ فَإِنَّهُ يَذهَبُ بِالبَهاءِ ، ويُجَرِّئُ الخُصومَ عَلَى الِاعتِداءِ ، إيّاكَ وقَبولَ التُّحَفِ مِنَ الخُصومِ . وحاذِرِ الدُّخلَةَ (3) . مَنِ ائتَمَنَ امرَأَةً حَمقاءَ ، ومَن شاوَرَها فَقَبِلَ مِنها نَدِمَ ، احذَر مِن دَمعَةِ المُؤمِنِ ؛ فَإِنَّها تَقصِفُ مَن دَمَّعَها ، وتُطفِئُ بُحورَ النّيرانِ عَن صاحِبِها ، لا تَنبُزِ الخُصومَ ، ولا تَنهَرِ السّائِلَ ، ولا تُجالِس في مَجلِسِ القَضاءِ غَيرَ فَقيهٍ ، ولا تُشاوِر فِي الفُتيا ؛ فَإِنَّمَا المَشورَةَ فِي الحَربِ ومَصالِحِ العاجِلِ ، وَالدّينُ لَيسَ هوَ بِالرَّأيِ ، إنَّما هُوَ الِاتِّباعُ ، لا تُضَيِّعِ الفَرائِضَ وتَتَّكِلَ عَلَى النَّوافِلِ ، أحسِن إلى مَن أساءَ إلَيكَ ، وَاعفُ عَمَّن ظَلَمَكَ ، وَادعُ لِمَن نَصَرَكَ ، وأعطِ من حَرَمَكَ ، وتَواضَع لِمَن أعطاكَ ، وَاشكُرِ اللّهَ عَلى ما أولاكَ وَاحمَدهُ عَلى ما أبلاكَ ، العِلمُ ثَلاثَةٌ : آيَةٌ مُحكَمَةٌ ، وسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ ، وفَريضَةٌ عادِلَةٌ ، ومِلاكُهُنَّ أمرُنا (4) . .


1- .دعائم الإسلام : ج2 ص534 ح1897 .
2- .الأَهْواز: مدينة كبيرة من مدن إيران ، وهي مركز محافظة خوزستان . تقع في جنوب غرب إيران قرب الخليج الفارسي . قيل : إنّ الَّذي بناها هو أردشير بابكان .
3- .الدُّخلة : بطانة الأمر (لسان العرب : ج11 ص241) .
4- .دعائم الإسلام : ج2 ص534 ح1899 .

ص: 509

7 / 5 عزل من تخلّف عن الآداب

عرب : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام_ لِرِفاعَةَ _: لا تَقضِ وأنتَ غَضبانُ ، ولا مِنَ النَّومِ سَكرانُ (1) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: وإذا أنتَ قَضَيتَ بَينَ النّاسِ فَاخفِض لَهُم جَناحَكَ ، ولَيِّن لَهُم جانِبَكَ ، وَابسُط لَهُم وَجهَكَ ، وآسِ بَينَهُم في اللَّحظِ والنَّظَرِ ، حَتّى لا يَطمَعَ العُظَماءُ في حَيفِكَ لَهُم ، ولا يَأيَسَ الضُّعَفاءُ مِن عَدلِكَ عَلَيهِم (2) .* وعن الصادق عليه السلام :عنه عليه السلام :مَنِ ابتُلِيَ بِالقَضاءِ فَليُواسِ بَينَهُم فِي الإِشارَةِ وفِي النَّظَرِ ، وفِي المَجلِسِ (3) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :يَنبَغي لِلحاكِمِ أن يَدَعَ التَّلَفُّتَ إلى خَصمٍ دونَ خَصمٍ ، وأن يُقَسِّمَ النَّظَرَ فيما بَينَهُما بِالعَدلِ ، ولا يَدَعَ خَصما يُظهِرُ بَغيا عَلى صاحِبِهِ (4) .* وعن الصادق عليه السلام :الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ رَجُلاً نَزَلَ بِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَمَكَثَ عِندَهُ أيّاما ، ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَيهِ في خُصومَةٍ لَم يَذكُرها لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ : أ خَصمٌ أنتَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : تَحَوَّل عَنّا ! إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى أن يُضافَ الخَصمُ إلّا ومَعَهُ خَصمُهُ (5) .7 / 5عَزلُ مَن تَخَلَّفَ عَنِ الآدابِ* وفي الجمعة :عوالي اللآلي :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ وَلّى أبَا (6) الأَسوَدِ الدُّؤلِيَّ القَضاءَ ثُمَّ عَزَلَهُ ، فَقالَ لَه:

.


1- .دعائم الإسلام : ج2 ص537 ح1909 ؛ دستور معالم الحكم : ص63 .
2- .تحف العقول : ص177 ، بحار الأنوار : ج33 ص586 ح733 .
3- .الكافي : ج7 ص413 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص226 ح543 كلاهما عن السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام ؛ نصب الراية : ج4 ص73 وفيه «فليسوّ» بدل «فليواس» .
4- .دعائم الإسلام : ج2 ص533 ح1895 .
5- .الكافي : ج7 ص413 ح4 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص226 ح544 كلاهما عن السكوني ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص12 ح3236 وفيه «حكومة» بدل «خصومة» ؛ السنن الكبرى : ج10 ص232 ح20470 عن الحسن نحوه .
6- .في المصدر : «أبو» ، وهو تصحيف .

ص: 510

7 / 6 مراقبة قضاء القضاة
7 / 7 التّحذير من الجور والجهل في القضاء

* وفي الجمعة :لِمَ عَزَلتَني وما جَنَيتُ وما خُنتُ ؟ فَقالَ عليه السلام : إنّي رَأَيتُ كَلامَكَ يَعلو عَلى كَلامِ الخَصمِ (1) .7 / 6مُراقَبَةُ قَضاءِ القُضاةِعرج : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الحجّالإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ ، بَعدَ أن ذَكَرَ كَيفِيَّةَ اختِيارِ القُضاةِ _: ثُمَّ أكثِر تَعاهُدَ قَضائِهِ (2) .* وعن الرضا عليه السلام :عنه عليه السلام_ لِشُرَيحٍ _: إيّاكَ أن تُنَفِّذَ قَضِيَّةً في قِصاصٍ أو حَدٍّ مِن حُدودِ اللّهِ أو حَقٍّ مِن حُقوقِ المُسلِمينَ حَتّى تَعرِضَ ذلِكَ عَلَيَّ إن شاءَ اللّهُ (3) .* وفي الخبر :الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا وَلّى أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ شُرَيحا القَضاءَ اشتَرَطَ عَلَيهِ أن لا يُنَفِّذَ القَضاءَ حَتّى يَعرِضَهُ عَلَيهِ (4) .7 / 7التَّحذيرُ مِنَ الجَورِ والجَهلِ في القَضاءِ* وفي محمّد بن الفضيل :الإمام عليّ عليه السلام :أفظَعُ شَيءٍ ظُلمُ القُضاةِ (5) .* ومنه حديث سليمان عليه السلام :عنه عليه السلام :مَن جارَت أقضِيَتُهُ زالَت قُدرَتُهُ (6) .

.


1- .عوالي اللآلي : ج2 ص343 ح5 .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، بحار الأنوار : ج33 ص605 ح744 .
3- .تهذيب الأحكام : ج6 ص226 ح541 ، الكافي : ج7 ص412 ح1 كلاهما عن سلمة بن كهيل ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج3 ص16 ح3243 نحوه .
4- .الكافي : ج7 ص407 ح3 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص217 ح510 كلاهما عن هشام بن سالم ، دعائم الإسلام : ج2 ص534 ح1898 نحوه .
5- .غرر الحكم : ح3011 ، عيون الحكم والمواعظ : ص119 ح2671 .
6- .غرر الحكم : ح7943 ، عيون الحكم والمواعظ : ص454 ح8161 .

ص: 511

* وعن بلال :عنه عليه السلام :إنَّ مِن أبغَضِ الخَلقِ إلَى اللّهِ عَزَّوجَلَّ لَرَجُلينِ : . . . ورَجُلٌ قَمَشَ (1) جهلاً في جُهّالِ النّاسِ ، عانٍ بِأَغباشِ الفِتنَةِ (2) ، قَد سَمّاهُ أشباهُ النّاسِ عالِما ولَم يَغنَ فيهِ يَوما سالِما ، بَكَّرَ فَاستَكثَرَ ، ما قَلَّ مِنهُ خَيرٌ مِمّا كَثُرَ ، حَتّى إذَا ارتَوى مِن آجِنٍ (3) وَاكتَنَزَ مِن غَيرِ طائِلٍ جَلَسَ بَينَ النّاسِ قاضِياً ضامِنا لِتَخليصِ مَا التَبَسَ عَلى غَيرِهِ ، وإن خالَفَ قاضِيا سَبَقَهُ ، لَم يَأمَن أن يَنقُضَ حُكمَهُ مَن يَأتي بَعدَهُ ، كَفِعلِهِ بِمَن كانَ قَبلَهُ ، وإن نَزَلَت بِهِ إحدَى المُبهَماتِ المُعضِلاتِ هَيَّأَ لَها حَشواً مِن رَأيِهِ ، ثُمّ قَطَعَ بِهِ ، فَهُوَ مِن لَبسِ الشُّبُهاتُ في مِثلِ غَزلِ العَنكَبوتِ لا يَدري أصابَ أم أخطَأَ ، لا يَحسَبُ العِلمَ في شَيءٍ مِمّا أنكَرَ ، ولا يَرى أنَّ وراءَ ما بَلَغَ فيهِ مَذهَبا ، إن قاسَ شَيئا بِشَيءٍ لَم يُكَذِّب نَظَرَهُ ، وإن أظلَمَ عَلَيهِ أمرٌ اِكتَتَمَ بِهِ ، لِما يَعلَمُ مِن جَهلِ نَفسِهِ ، لِكَيلا يُقالَ لَهُ : لا يَعلَمُ ، ثُمَّ جَسَرَ فَقَضى ، فَهُوَ مِفتاحُ عَشَواتٍ ، رَكّابُ شُبُهاتٍ ، خَبّاطُ جَهالاتٍ ، لا يَعتَذِرُ مِمّا لا يَعلَمُ فَيَسلَمَ ، ولا يَعَضُّ فِي العِلمِ بِضرِسٍ قاطِعٍ فَيَغنَمَ ، يَذرِي الرِّواياتِ ذَرو الرّيحِ الهَشيمِ ، تَبكي مِنهُ المَواريثُ ، وتَصرُخُ مِنهُ الدِّماءُ ، يُستَحَلُّ بِقَضائِهِ الفَرجُ الحَرامُ ، ويُحَرَّمُ بِقَضائِهِ الفَرجُ الحَلالُ ، لا مَليءٌ (4) بِإِصدارِ ما عَلَيهِ وَرَد ، ولا هُوَ أهلٌ لِما مِنهُ فَرَطَ مِنِ ادِّعائِهِ عِلمَ الحَقِّ (5) .راجع : كتاب «الإرشاد» : ج 1 ص 194 _ 222 . كتاب «قضاء أمير المؤمنين عليه السلام للتستري» .

.


1- .القَمْش: جمع الشيء (لسان العرب: ج6 ص338).
2- .العاني : الأسير ، وأغباش الفتنة : ظُلمها (النهاية : ج3 ص314 و ص339) .
3- .الماء المتغيّر الطعم واللون (النهاية: ج1 ص26).
4- .المليء : الثقةُ الغنيُّ (النهاية : ج4 ص352) .
5- .الكافي : ج1 ص55 ح6 عن ابن محجوب رفعه ، نهج البلاغة : الخطبة 17 ، الإرشاد : ج1 ص231 ، الاحتجاج : ج1 ص621 ح143 كلّها نحوه ، بحار الأنوار : ج2 ص284 ح2 وراجع المعيار والموازنة : ص289 .

ص: 512

7 / 8 مباشرة الإمام القضاء بنفسه

7 / 8مُباشَرَةُ الإِمامِ القَضاءَ بِنَفسِهِ* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام :عوالي اللآلي :رُوِيَ عَن عَلِيٍّ عليه السلام أنَّهُ كانَ يَفعَلُ ذلِكَ [ أي القَضاءَ ] في مَسجِدِ الكوفَةِ ، ولَهُ بِهِ دَكَّةٌ مَعروفَةٌ بِدَكَّةِ القَضاءِ (1) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إرشاد القلوب :رُوِيَ أنَّهُ عليه السلام كانَ إذا يَفرُغُ مِنَ الجِهادِ يَتَفَرَّغُ لِتَعليمِ النّاسِ ، وَالقَضاءِ بَينَهُم (2) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام من عهده للأشتر :الإمام عليّ عليه السلام_ ومِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام وقَد جَمَعَ النّاسَ وحَضَّهُم عَلَى الجِهادِ فَسَكَتوا مَلِيّا ، فَقالَ عليه السلام : ما بالُكُم ؟ أ مُخرَسونَ أنتُم ؟ فَقالَ قَومٌ مِنهُم: يا أميرَ المُؤمِنينَ إن سِرتَ سِرنا مَعَكَ . فَقالَ عليه السلام _:

ما بالُكُم ؟ لا سُدِّدتُم لِرُشدٍ ، ولا هُديتُم لِقَصدٍ ! أ في مِثلِ هذا يَنبَغي لي أن أخرُجَ ؟وإنَّما يَخرُجُ في مِثلِ هذا رَجُلٌ مِمَّن أرضاهُ مِن شُجعانِكُم وذَوي بَأسِكُم ، ولا يَنبَغي لي أن أدَعَ الجُندَ وَالمِصرَ وبَيتَ المالِ وجِبايَةَ الأَرضِ وَالقَضاءَ بَينَ المُسلِمينَ وَالنَّظَرَ في حُقوقِ المُطالِبينَ ، ثُمَّ أخرُجَ في كَتيبَةٍ أتبَعُ أُخرَى أتَقَلقَلُ تَقَلقُلَ القِدحِ فِي الجَفيرِ (3) الفارِغِ ، وإنَّما أنَا قُطبُ الرَّحا تَدورُ عَلَيَّ وأنَا بِمَكاني ، فَإِذا فَارَقتُهُ استَحارَ مَدارُها وَاضطَرَبَ ثِفالُها (4) ، هذا لَعَمرُ اللّهِ الرَّأيُ السّوءُ (5) .

.


1- .عوالي اللآلي : ج2 ص344 ح8 .
2- .إرشاد القلوب : ص218 ، عدّة الداعي : ص101 ، بحار الأنوار : ج103 ص16 ح70 .
3- .القِدْح : السهم ، والجَفير : الكنانة والجَعْبة الَّتي تُجعل فيها السهام (النهاية : ج4 ص20 و ج1 ص278) .
4- .الثِّفال : جلدة تُبْسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق (النهاية : ج1 ص215) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 119 .

ص: 513

7 / 9 رفع اختلاف القضاة في الأحكام

7 / 9رَفعُ اختِلافِ القُضاةِ في الأَحكامِ* ومنه عوذة للدوابّ عن الصادقِين عليهم السلامالإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: . . . ثُمَّ حَمَلَةُ الأَخبارِ لِأَطرافِكَ قُضاةٌ تَجتَهِدُ فيهِم نَفسَهُ ، لا يَختَلِفونَ ولا يَتَدابَرونَ في حُكمِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّ الِاختِلافَ فِي الحُكمِ إضاعَةٌ لِلعَدلِ وغِرَّةٌ فِي الدّينِ وسَبَبٌ مِنَ الفُرقَةِ . وقَد بَيَّنَ اللّهُ ما يَأتونَ وما يُنفِقونَ ، وأمَرَ بِرَدِّ ما لا يَعلَمونَ إلى مَنِ استَودَعَهُ اللّهُ عِلمَ كِتابِهِ ، وَاستَحفَظَهُ الحُكمَ فيهِ ، فَإِنَّمَا اختِلافُ القُضاةِ في دُخولِ البَغيِ بَينَهُم واكتِفاءُ كُلِّ امرِئً مِنهُم بِرَأيِهِ دونَ مَن فَرَضَ اللّهُ وِلايَتَهُ ، لَيسَ يَصلُحُ الدّينُ ولا أهلُ الدّينِ عَلى ذلِكَ . ولكِن عَلَى الحاكِمِ أن يَحكُمَ بِما عِندَهُ مِنَ الأَثَرِ وَالسُّنَّةِ ، فَإِذا أعياهُ ذلِكَ رَدَّ الحُكمَ إلى أهلِهِ ، فَإِن غابَ أهلُهُ عَنهُ ناظَرَ غَيرَهُ مِن فُقَهاءِ المُسلِمينَ لَيسَ لَهُ تَركُ ذلِكَ إلى غَيرِهِ .

ولَيسَ لِقاضِيَينِ مِن أهلِ المِلَّةِ أن يُقيما عَلَى اختِلافٍ في الحُكمِ دونَ ما رُفِعَ ذلِكَ إلى وَلِيِّ الأَمرِ فيكُم فَيَكونُ هوَ الحاكِمَ بِما عَلَّمَهُ اللّهُ ، ثُمَّ يَجتَمِعانِ عَلى حُكمِهِ فيما وافَقَهُما أو خالَفَهُما ، فَانظُر في ذلِكَ نَظَرا بَليغا ؛ فَإِنَّ هذَا الدّينَ قَد كانَ أسيرا بِأَيدِي الأَشرارِ ، يُعمَلُ فيهِ بِالهَوى ، وتُطلَبُ بِهِ الدُّنيا .

وَاكتُب إلى قُضاةِ بُلدانِكَ فَليَرفَعوا إلَيكَ كُلَّ حُكمٍ اِختَلَفوا فيهِ عَلى حُقوقِهِ . ثُمَّ تَصَفَّح تِلكَ الأَحكامَ ؛ فَما وافَقَ كِتابَ اللّهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ وَالأَثَرَ مِن إمامِكَ فَأَمضِهِ وَاحمِلهُم عَلَيهِ . ومَا اشتَبَهَ عَلَيكَ فَاجمَع لَهُ الفُقَهاءَ بِحَضرَتِكَ فَناظِرهُم فيهِ ، ثُمَّ أمضِ ما يَجتَمِعُ عَلَيهِ أقاويلُ الفُقَهاءِ بِحَضرَتِكَ مِنَ المُسلِمينَ ؛ فَإِنَّ كُلَّ أمرٍ اختَلَفَ فيهِ الرَّعِيَّةُ مَردودٌ إلى حُكمِ الإِمامِ ، وعَلَى الإِمامِ الاِستِعانَةُ بِاللّهِ ، وَالاِجتِهادُ في إقامَة

.

ص: 514

7 / 10 إقامة الحدود على القريب والبعيد

* ومنه عوذة للدوابّ عن الصادقِين عليهم السلامالحُدودِ ، وجَبرُ الرَّعِيَّةِ عَلى أمرِهِ ، ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ (1) .عرس : عن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام_ في ذَمِّ اختِلافِ العُلَماءِ فِي الفُتيا _: تَرِدُ عَلى أحَدِهِمُ القَضِيَّةُ في حُكمٍ مِنَ الأَحكامِ فَيَحكُمُ فيها بِرَأيِهِ ، ثُمَّ تَرِدُ تِلكَ القَضِيَّةُ بِعَينِها عَلى غَيرِهِ فَيَحكُمُ فيها بِخِلافِ قَولِهِ ، ثُمَّ يَجتَمِعُ القُضاةُ بِذلِكَ عِندَ الإِمامِ الَّذِي استَقضاهُم ، فَيُصَوِّبُ آراءَهُم جَميعا وإلهُهُم واحِدٌ ! ونَبِيُّهُم واحِدٌ ! وكِتابُهُم واحِدٌ !

أفَأَمَرَهُمُ اللّهُ سُبحانَهُ بِالاِختِلافِ فَأَطاعوهُ ! أم نَهاهُم عَنهُ فَعَصَوُه ! أم أنزَلَ اللّهُ سُبحانَهُ دينا ناقِصا فَاستَعانَ بِهِم عَلى إتمامِهِ ! أم كانوا شُرَكاءَ لَهُ ، فَلَهُم أن يَقولوا ، وعَلَيهِ أن يَرضى ! أم أنزَلَ اللّهُ سُبحانَهُ دينا تامّا فَقَصَّرَ الرَّسولُ صلى الله عليه و آله عَن تَبليغِهِ وأدائِهِ ، وَاللّهُ سُبحانَهُ يَقولُ: «مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَ_بِ مِن شَىْ ءٍ» (2) وفيهِ تِبيانٌ لِكُلِّ شَيءٍ ، وذَكَرَ أنَّ الكِتابَ يُصَدِّقُ بَعضُهُ بَعضا ، وأنَّهُ لَا اختِلافَ فيهِ ، فَقالَ سُبحانَهُ: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَ_فًا كَثِيرًا» (3) وإنَّ القُرآنَ ظاهِرُهُ أنيقٌ وباطِنُهُ عَميقٌ، لا تَفنى عَجائِبُهُ، ولا تَنقَضي غَرائِبُهُ، ولاتُكشَفُ الظُّلُماتُ إلّا بِهِ (4) .7 / 10إِقامَةُ الحُدودِ عَلَى القَريبِ وَالبَعيدِ* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام في القبر :الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَةٍ لَهُ _: إنَّ أحَقَّ ما يُتَعاهَدُ الرّاعي مِن رَعِيَّتِهِ أن يَتَعاهَدَهُم بِالَّذي للّهِِ عَلَيهِم في وَظائِفِ دِينِهِم ، وإنَّما عَلَينا أن نَأمُرَكُم بِما أمَرَكُم اللّهُ بِهِ ، وأن نَنهاكُم عَمّا نَهاكُمُ اللّهُ عَنهُ ، وأن نُقيم أمرَ اللّهِ في قَريبِ النّاسِ وبَعيدِهِم لا نُبالي فيمَن

.


1- .تحف العقول : ص136 ، بحار الأنوار : ج77 ص251 ح1 .
2- .الأنعام : 38 .
3- .النساء : 82 .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 18 ، الاحتجاج : ج1 ص620 ح142 ، بحار الأنوار : ج2 ص284 ح1 .

ص: 515

7 / 11 الخضوع للقضاء

* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام في القبر :جاءَ الحقُّ عَلَيهِ (1) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام أمَرَ قَنبَرا أن يَضرِبَ رَجُلاً حَدّا ، فَغَلُظَ قَنبَرٌ فَزادَهُ ثَلاثَةَ أسواطٍ ، فَأَقادَهُ عَلِيٌّ عليه السلام مِن قَنبَرٍ ثَلاثَةَ أسواطٍ (2) .عرش : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجدهالإمام الصادق عليه السلام :قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ : ثَلاثٌ إن حَفِظتَهُنَّ وعَمِلتَ بِهنَّ كَفَتكَ ما سِواهُنَّ ، وإن تَرَكتَهُنَّ لَم يَنفَعكَ شَيءٌ سِواهُنَّ ، قالَ : وما هُنَّ يا أبَا الحَسَنِ ؟

قالَ : إقامَة الحُدودِ عَلَى القَريبِ وَالبَعيدِ ، وَالحُكمُ بِكِتابِ اللّهِ فِي الرِّضى والسُّخطِ ، وَالقَسمُ بِالعَدلِ بَينَ الأَحمَرِ والأَسوَدِ .

قالَ عُمَرُ : لَعَمْري لَقَد أوجَزتَ وأبلَغتَ (3) .راجع : ج 4 ص 81 (النجاشي) و ص 82 (طارق بن عبداللّه ) .

7 / 11الخُضوعُ لِلقَضاءِعرض : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الكامل في التاريخ عن الشعبي :وَجَدَ عَلِيٌّ دِرعا لَهُ عِندَ نَصرانِيٍّ ، فَأَقبَلَ بِهِ إلى شُرَيحٍ وجَلَسَ إلى جانِبِهِ ، وقالَ: لَو كانَ خَصمي مُسلِما لَساوَيتُهُ ، وقالَ: هذِهِ دِرعي . فَقالَ النَّصرانِيُّ: ماهِيَ إلّا دِرعي ، ولَم يَكذِب أميرُ المُؤمِنينَ . فَقالَ شُرَيحٌ لِعَلِيٍّ: أ لَكَ بَيِّنَةٌ ؟ قالَ: لا ، وهوَ يَضحَكُ . فَأَخَذَ النَّصرانِيُّ الدِّرعَ ومَشى يَسيرا ثُمَّ عادَ وقالَ:

.


1- .الغارات : ج2 ص501 عن الأصبغ بن نباتة ، بحار الأنوار : ج27 ص254 ح15 .
2- .الكافي : ج7 ص260 ح1 عن الحسن بن صالح الثوري ، تهذيب الأحكام : ج10 ص278 ح1085 عن الحسن بن صالح بن حيّ عن الإمام الصادق عليه السلام ، دعائم الإسلام : ج2 ص444 ح1552 نحوه .
3- .تهذيب الأحكام : ج6 ص227 ح547 عن الحلبي ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص208 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج2 ص147 وراجع دعائم الإسلام : ج2 ص443 ح1543 .

ص: 516

عرض : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أشهَدُ أنَّ هذِهِ أحكامُ الأَنبِياءِ ، أميرُ المُؤمِنينَ قَدَّمَني إلى قاضِيهِ ، وقاضيهِ يَقضي عَلَيهِ !

ثُمَّ أسلَمَ وَاعتَرَفَ أنَّ الدِّرعَ سَقَطَت مِن عَلِيٍّ عِندَ مَسيرِهِ إلى صِفّينَ ، فَفَرِحَ عَلِيٌّ بِإِسلامِهِ ووَهَبَ لَهُ الدِّرعَ وفَرَسا ، وشَهِدَ مَعَهُ قِتالَ الخَوارِجِ (1) .* وعنه صلى الله عليه و آله :الغارات عن الشعبيّ :وَجَدَ عَلِيٌّ عليه السلام دِرعا لَهُ عِندَ نَصرانِيٍّ ، فَجاءَ بِهِ إلى شُرَيحٍ يُخاصِمُهُ إلَيهِ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيهِ شُرَيحٌ ذَهَبَ يَتَنَحّى فَقالَ: مَكانَكَ ، وجَلَسَ إلى جَنبِهِ ، وقالَ: يا شُرَيحُ ، أما لَو كانَ خَصمي مُسلِما ما جَلَستُ إلّا مَعَهُ ! ولكِنَّهُ نَصرانِيٌّ ؛ وقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إذا كُنتُم وإيّاهُم في طَريقٍ فَأَلجِؤوهُم إلى مَضايِقِهِ ، وصَغِّروا بِهِم كَما صَغَّرَ اللّهُ بِهِم في غَيرِ أن تَظلِموا» .

ثُمَّ قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : إنَّ هذِهِ دِرعي لَم أبِع ولَم أهَب . فَقالَ لِلنَّصرانِيِّ: ما يَقولُ أميرُ المُؤمِنينَ ؟ فَقالَ النَّصرانِيُّ: ما الدِّرعُ إلّا دِرعي ، وما أميرُ المُؤمِنينَ عِندي بِكاذِبٍ . فَالتَفَت شُرَيحٌ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هَل مِن بَيِّنَةٍ ؟ قالَ: لا . فَقَضى بِها لِلنَّصرانِيِّ ، فَمَشى هُنَيَّةَ ثُمَّ أقبَلَ فَقالَ:

أمّا أنَا فَأَشهَدُ أنَّ هذِهِ أحكامُ النَّبِيِّينَ ، أميرُ المُؤمِنينَ يَمشي بِي إلى قاضيهِ ، وقاضيهِ يَقضي عَلَيهِ ! أشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللّهَ ، وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، الدِّرعُ وَاللّهِ دِرعُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؛ انبَعَثَ الجَيشُ وأنتَ مُنطَلِقٌ إلى صِفّينَ ، فَخَرَّت مِن بَعيرِكَ الأَورَقِ (2) ، فَقالَ: أمّا إذا أسلَمتَ فَهِيَ لَكَ ، وحَمَلَهُ عَلى فَرَسٍ (3) . .


1- .الكامل في التاريخ : ج2 ص443 ، جواهر المطالب : ج2 ص127 .
2- .الأورق : الأسمر (النهاية : ج5 ص175) .
3- .الغارات : ج1 ص124 ، بحار الأنوار : ج101 ص290 ح4 ؛ البداية والنهاية : ج8 ص4 نحوه .

ص: 517

7 / 12 موقع مصالح النّظام الإسلاميّ في صدور الأحكام

* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :ربيع الأبرار :اِستَعدى رَجُلٌ عُمَرَ عَلى عَلِيٍّ ، وعَلِيٌّ جالِسٌ ، فَالتَفَتَ عُمَرُ إلَيهِ فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، قُم فَاجلِس مَعَ خَصمِكَ ، فَقامَ فَجَلَسَ مَعَ خَصمِهِ فَتَناظَرا ، وَانصَرَفَ الرَّجُلُ ، فَرَجَعَ عَلِيٌّ إلى مَجلِسِهِ ، فَتَبَيَّنَ عُمَرُ التَّغَيُّرَ في وَجهِهِ ، فَقالَ :

يا أبَا الحَسَنِ ، ما لي أراكَ مُتَغَيِّرا ؟ أكَرِهتَ ما كانَ ؟

قالَ : نَعَم .

قالَ : وما ذاكَ ؟

قالَ : كَنَّيتَني بِحَضرَةِ خَصمي ، فَأَلّا قُلتَ لي : يا عَلِيُّ ، قُم فَاجلِس مَعَ خَصمِكَ ؟

فَأَخَذَ عُمَرُ بِرَأسِ عَلِيٍّ فَقَبَّلَ بَينَ عَينَيهِ ، ثُمَّ قالَ : بِأَبي أنتُم ، بِكُم هَدانَا اللّهُ ، وبِكُم أخرَجَنا مِنَ الظُّلُماتِ إلَى النّورِ (1) .7 / 12مَوقِعُ مَصالِحِ النِّظامِ الإِسلاميِّ في صُدورِ الأَحكامِ* وفي عبّاد بن قيس :الغارات عن شُرَيح :بَعَثَ إلَيَّ عَلِيٌّ عليه السلام أن اقضِ بِما كُنتَ تَقضي حَتّى يَجتَمِعَ أمرُ النّاسِ (2) .* وفي حديث إبراهيم عليه السلام وسارة :شرح نهج البلاغة_ في شَرحِ قَولِهِ عليه السلام : «لَو قَدِ استَوَت قَدَمايَ مِن هذِهِ المَداحِضِ لَغَيَّرتُ أشياءَ» قالَ _: لَسنا نَشُكُّ أنَّهُ كانَ يَذهَبُ في الأَحكامِ الشَّرعِيَّةِ وَالقَضايا إلى أشياءَ يُخالِفُ فيها أقوالَ الصَّحابَةِ ، نَحوَ قَطعِهِ يَدَ السّارِقِ مِن رُؤوسِ الأَصابِعِ ، وبَيعِهِ اُمَّهاتِ الأَولادِ ، وغَيرِ ذلِكَ ، وإنَّما كانَ يَمنَعُهُ مِن تَغَيُّرِ أحكامِ مَن تَقَدَّمَهُ اشتِغالُهُ بِحَربِ البُغاة

.


1- .ربيع الأبرار : ج3 ص595 ، المناقب للخوارزمي : ص 98 ح 99 عن عبد اللّه بن عبّاس ، شرح نهج البلاغة : ج 17 ص65 كلاهما نحوه .
2- .الغارات : ج1 ص123 .

ص: 518

* وفي حديث إبراهيم عليه السلام وسارة :وَالخَوارِجِ ، وإلى ذلِكَ يُشيرُ بِالمَداحِضِ الَّتي كان يُؤَمِّلُ استِواءَ قَدَمَيهِ مِنها ، ولِهذا قالَ لِقُضاتِهِ : «اِقضوا كَما كُنتُم تَقضونَ حَتّى يَكونَ لِلنّاسِ جَماعَةٌ» ، فَلَفظَةُ «حَتّى» _ هاهُنا _ مُؤَذِّنَةٌ بِأَنَّهُ فَسَحَ لَهُم في اتِّباعِ عادَتِهِم في القَضايا والأَحكامِ الَّتي يَعهَدونَها إلى أن يَصيرَ لِلنّاسِ جَماعَة ، وما بَعدَ «إلى» و«حَتّى» يَنبَغي أن يَكونَ مُخالِفا لِما قَبلَهُما (1) . .


1- .شرح نهج البلاغة : ج19 ص161 .

ص: 519

الفصل الثامن : السياسة الأمنيّة
8 / 1 أهمّيّة الأمن

الفصل الثامن : السياسة الأمنيّة8 / 1أهَمِّيَّةُ الأَمنِ* وفي صلاة جعفر :الإمام عليّ عليه السلام :شَرُّ البِلادِ بَلَدٌ لا أمنَ فيهِ ، ولا خِصبَ (1) .* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ لَم يَكُنِ الَّذي كانَ مِنّا مُنافَسَةً في سُلطانٍ ، ولا التِماسَ شَيءٍ مِن فُضولِ الحُطامِ ، ولكِن لِنَرِدَ المَعالِمَ مِن دِينِكَ ، ونُظهِرَ الإِصلاحَ في بِلادِكَ ، فَيَأمَنَ المَظلومونَ مِن عِبادِكَ ، وتُقامَ المُعَطَّلَةُ مِن حُدودِكَ (2) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: الجُنودُ بِإِذنِ اللّهِ حُصونُ الرَّعِيَّةِ ، وزَينُ الوُلاةِ ، وعِزُّ الدّينِ ، وسُبُلُ الأَمنِ ، ولَيسَ تَقومُ الرَّعِيَّةُ إلّا بِهِم ... لا تَدفَعَنَّ صُلحا دَعاكَ إلَيهِ عَدوُّكَ وللّهِِ فيهِ رِضَىً ، فَإِنَّ فِي الصُّلحِ دِعَةً لِجُنودِكَ ، وراحَةً مِن هُمومِكَ ، وأمنا لِبِلادِكَ (3) .* ومنه عن ابن عبّاس :عنه عليه السلام :لا بُدَّ لِلنّاسِ مِن أميرٍ بَرٍّ أو فاجِرٍ ؛ يَعمَلُ في إمرَتِهِ المُؤمِنُ ، ويَستَمتِعُ فيهَا

.


1- .غرر الحكم : ح5684 ، عيون الحكم والمواعظ : ص294 ح5253 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 131 ؛ تذكرة الخواصّ : ص120 عن عبد اللّه بن صالح العجلي .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص131 وفيه «وسبيل الأمن والخَفْض» بدل «وسُبُل الأمن» و ص145 وراجع دعائم الإسلام : ج1 ص357 .

ص: 520

8 / 2 الاستخبار

* ومنه عن ابن عبّاس :الكافِرُ ، ويُبَلِّغُ اللّهُ فيهَا الأَجَلَ ، ويُجمَعُ بِهِ الفَيءُ ، ويُقاتَلُ بِهِ العَدُوُّ ، وتَأمَنُ بِهِ السُّبُلُ ، ويُؤخَذُ بِهِ لِلضَّعيفِ مِنَ القَوِيِّ ؛ حَتّى يَستَريحَ بَرٌّ ، ويُستَراحَ مِن فاجِرٍ (1) .8 / 2الاِستِخبار* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى عُمّالِهِ _: بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مَن قَرَأَ كِتابي هذا مِنَ العُمّالِ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ رِجالاً لَنا عِندَهُم بَيعَةٌ خَرَجوا هُرّابا فَنَظُنُّهُم وَجَّهوا نَحوَ بِلادِ البَصرَةِ ، فَاسأَل عَنهُم أهلَ بِلادِكَ ، واجعَل عَلَيهِمُ العُيونَ في كُلِّ ناحِيَةٍ مِن أرضِكَ ، ثُمَّ اكتُب إلَيَّ بِما يَنتَهي إلَيكَ عَنهُم ، وَالسَّلامُ (2) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعثمان حينماوقعة صفّين :إنَّ عَلِيّا أظهَرَ أنَّهُ مُصَبِّحٌ غَدا مُعاوِيَةَ ومُناجِزُه ، فَبَلَغَ ذلِكَ مُعاوِيَةَ ، وفَزِعَ أهلُ الشّامِ لِذلِكَ وَانكَسَروا لِقَولِهِ . وكانَ مُعاوِيَةُ بنُ الضَّحّاكِ بنِ سُفيانَ صاحِبُ رايَةِ بَني سُلَيمٍ مَعَ مُعاوِيَةَ ، وكانَ مُبغِضا لِمُعاوِيَةَ وأهلِ الشّامِ ، ولَهُ هَوىً مَعَ أهلِ العِراقِ وعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وكانَ يَكتُبُ بِالأَخبارِ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ الطُّفَيلِ العامِرِيِّ ويَبعَثُ بِها إلى عَلِيٍّ عليه السلام (3) .* وفي أمير المؤمنين عليه السلام :وقعة صفّين :بَعَثَ عَلِيٌّ خَيلاً لِيَحبِسوا عَن مُعاوِيَةَ مادَّةً ، فَبَعَثَ مُعاوِيَةُ الضَّحاكَ بنَ قَيسٍ الفِهريَّ في خَيلٍ إلى تِلكَ الخَيلِ فَأَزالوها ، وجاءَت عُيونُ عَليٍّ فَأَخبَرَتهُ بِما قَد كانَ ، فَقالَ عَلِيٌّ لِأَصحابِهِ : فَما تَرونَ فيما هاهنا ؟ فَقالَ بَعضُهُم : نَرى كَذا . وقالَ بَعضُهُم : نَرى كذا . فَلَمّا رَأَى ذلِكَ الاِختِلافَ أمَرَهُم بِالغُدُوِّ إلَى القَومِ ، فَغاداهُم إلَى القِتالِ قِتال

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 40 .
2- .الغارات : ج1 ص337 ، بحار الأنوار : ج33 ص407 ح628 .
3- .وقعة صفّين : ص468 .

ص: 521

8 / 3 استصلاح الأعداء

* وفي أمير المؤمنين عليه السلام :صِفّينَ ، فَانهَزَمَ أهلُ الشّامِ (1) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام في المسجد :أنساب الأشراف :قَدِمَ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَينٌ لَهُ بِالشّامِ فَأَخبَرَهُ بِخَبَرِ بُسرٍ يُقالُ : إنَّهُ قَيسُ بنُ زُرارَةَ بنِ عَمرِو بنِ حطيانٍ الهَمدانِيُّ ، وكانَ قَيسٌ هذا عَينا لَهُ بِالشّامِ يَكتُبُ إلَيهِ بِالأَخبارِ (2) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ بُدَيلٍ _: وإيّاكَ ومُواقَعَةَ أحَدٍ مِن خَيلِ العَدُوِّ حَتّى أتَقَدَّمَ عَلَيكَ ، وأذكِ العُيونَ نَحوَهُم ، وَليَكُن مَعَ عُيونِكَ مِنَ السِّلاحِ ما يُباشِرونَ بِهِ القِتالَ ، وَلتَكُن عُيونُكَ الشُّجعانَ مِن جُندِكَ ، فَإِنَّ الجَبانَ لا يَأتيكَ بِصِحَّةِ الأَمرِ ، وَانتَهِ إلى أمري ومَن قِبَلَكَ بِإِذنِ اللّهِ وَالسَّلامُ (3) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :الفتوح_ في ذِكرِ حَربِ صِفّينَ _: قَد كانَ مَعَ مُعاوِيَةَ رَجُلٌ مِن حِميَرٍ يُقالُ لَهُ الحُصَينُ بنُ مالِكٍ وكانَ يُكاتِبُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ويَدُلُّهُ عَلى عَوراتِ مُعاوِيَةَ (4) .راجع : ص 535 (تعليم الجيش) .

8 / 3اِستِصلاحُ الأَعداءِعرف : عن أبي عبد اللّه عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام :مَنِ استَصلَحَ عَدُوَّهُ زادَ في عَدَدِهِ (5) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مَنِ استَصلَحَ الأَضدادَ بَلَغَ المُرادَ (6) .

.


1- .وقعة صفّين : ص360 ، بحار الأنوار : ج32 ص500 ح430 ؛ شرح نهج البلاغة : ج8 ص39 .
2- .أنساب الأشراف : ج3 ص212 .
3- .المعيار والموازنة : ص131 .
4- .الفتوح : ج3 ص78 .
5- .غرر الحكم : ح8230 ، عيون الحكم والمواعظ : ص445 ح7838 .
6- .غرر الحكم : ح8043 .

ص: 522

* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :كَمالُ الحَزمِ استِصلاحُ الأَضدادِ ، ومُداجاةُ الأَعداءِ (1) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في النبيّ صلى اللعنه عليه السلام :الاِستِصلاحُ لِلأَعداءِ بِحُسنِ المَقالِ وجَميلِ الأَفعالِ ، أهوَنُ مِن مُلاقاتِهِم ومُغالَبَتِهِم بِمَضيضِ (2) القِتالِ (3) .* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام :الإِحسانُ إلَى المُسيءِ يَستَصلِحُ العَدُوَّ (4) .* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله في التزويج :عنه عليه السلام :كانَتِ الحُكَماءُ فيما مَضى مِنَ الدَّهرِ تَقولُ : يَنبَغي أن يَكونَ الاِختِلافُ إلَى الأَبوابِ لِعَشرَةٍ أوجُهٍ :

أوَّلُها : بَيتُ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ لِقَضاءِ نُسُكِهِ وَالقِيامِ بِحَقِّهِ وأداءِ فَرضِهِ . . .

التّاسِعُ : أبوابُ الأَعداءِ الَّتي تَسكُنُ بِالمُداراةِ غَوائِلُهُم ، ويُدفَعُ بِالحِيَلِ وَالرِّفقِ وَاللُّطفِ وَالزِّيارَةِ عَداوَتُهُم (5) .* وعن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام :مَنعُ أذاكَ يُصلِحُ لَكَ قُلوبَ عِداكَ (6) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :صافِح عَدُوَّكَ وإن كَرِهَ ، فإِنّه مِمّا أمَرَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ عِبادَهُ يَقولُ : «ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدَ وَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ * وَ مَا يُلَقَّ_اهَآ إِلَا الَّذِينَ صَبَرُواْ وَ مَا يُلَقَّ_هَآ إِلَا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (7) . (8)* وعنه عليه السلام في الأموات :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إذا صافاكَ عَدُوُّكَ رِياءً مِنهُ فَتَلَقَّ ذلِكَ بِأَوكَدِ مَوَدَّةٍ ، .


1- .غرر الحكم : ح7232 .
2- .المَضَض : وجع المصيبة ، ومَضِضتُ منه : ألمت ، ومضّني الجُرح : آلَمَني وأوجعني (لسان العرب : ج7 ص233) .
3- .غرر الحكم : ح1926 .
4- .غرر الحكم : ح1517 .
5- .الخصال : ص426 ح3 عن الأصبغ بن نباتة ، بحار الأنوار : ج76 ص61 ح1 .
6- .غرر الحكم : ح9784 .
7- .فصّلت : 34 و 35 .
8- .الخصال : ص633 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج71 ص421 ح58 .

ص: 523

8 / 4 المسالمة مع الوعي
8 / 5 شدّة الحذر من العدوّ

* وعنه عليه السلام في الأموات :فَإِنَّهُ إن ألِفَ ذلِكَ وَاعتادَهُ خَلُصَت لَكَ مَوَدَّتُهُ (1) .8 / 4المُسالَمَةُ مَعَ الوَعي* وفي مناهي النبيّ صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام :وَجَدتُ المُسالَمَةَ ما لَم يَكُن وَهنٌ فِي الإِسلامِ أنجَعَ مِنَ القِتالِ (2) .* ومنه عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام لرجل :عنه عليه السلام :مِن أفضَلِ النُّصحِ الإِشارَةُ بِالصُّلحِ (3) .عرفط : في الجنّ :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ولا تَدفَعَنَّ صُلحا دَعاكَ إلَيهِ عَدُوُّكَ وللّهِِ فيهِ رِضَىً ، فَإِنَّ فِي الصُّلحِ دَعَةً لِجُنودِكَ ، وراحَةً مِن هُمومِكَ ، وأمنا لِبِلادِكَ . ولكِنِ الحَذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِن عَدُوِّكَ بَعدَ صُلحِهِ ، فَإِنَّ العَدُوَّ رُبَّما قارَبَ لِيَتَغَفَّلَ ، فَخُذ بِالحَزمِ ، واتَّهِم في ذلِكَ حُسنَ الظَّنِّ (4) .8 / 5شِدَّةُ الحَذَرِ مِنَ العَدُوِّ* وعن أبي جعفر عليه السلام في فاطمة عليهاالسلام :الإمام عليّ عليه السلام :مَن نامَ لَم يُنَم عَنهُ (5) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :كُن مِن عَدُوِّكَ عَلى أشَدِّ الحَذَرِ (6) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص321 ح680 .
2- .غرر الحكم : ح10138 ، عيون الحكم والمواعظ : ص506 ح9288 وزاد فيه «خيرا» بعد «المسالمة» .
3- .غرر الحكم : ح9379 ، عيون الحكم والمواعظ : ص470 ح8579 وفيه «أحسن» بدل «أفضل» .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص123 ، تحف العقول : ص145 ، دعائم الإسلام : ج1 ص367 كلاهما نحوه .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 62 ، الغارات : ج1 ص321 عن جندب .
6- .غرر الحكم : ح10301 .

ص: 524

* وفي الخبر :عنه عليه السلام :لا تَأمَن عَدُوّا وإن شَكَرَ (1) .* وعن الحسن بن عليّ عليهماالسلام :عنه عليه السلام :شَرُّ الأَعداءِ أبعَدُهُم غَورا وأخفاهُم مَكيدَةً (2) .* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: كُن لِلعَدُوِّ المُكاتِمِ أشَدُّ حَذَرا مِنكَ لِلعَدُوِّ المُبارِزُ (3) .* ومنه في الزيارة :عنه عليه السلام :أوهَنُ الأَعداءِ كَيدا مَن أظهَرَ عَداوَتَهُ (4) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :مَن أظهَرَ عَداوَتَهُ قَلَّ كَيدُهُ (5) .* وعن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام :لا تَغتَرَّنَّ بِمُجامَلَةِ العَدُوِّ ، فَإِنَّهُ كَالماءِ وإن اُطيلَ إسخانُهُ بِالنّارِ لا يَمتَنِعُ مِن إطفائِها 6 . .


1- .غرر الحكم : ح10197 .
2- .غرر الحكم : ح5781 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص311 ح575 .
4- .غرر الحكم : ح3258 ؛ شرح نهج البلاغة : ج20 ص343 ح947 وفيه «أهون» بدل «أوهن» وراجع أعلام الدين : ص313 وبحار الأنوار : ج78 ص377 ح3 .
5- .غرر الحكم : ح7956 .

ص: 525

8 / 6 التّحذير من استصغار الخصم
8 / 7 التّحذير من استنصاح الأعداء إلّا تجربة

8 / 6التَّحذيرُ مِنِ استِصغارِ الخَصمِ* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام :لا تَستَصغِرَنَّ عَدُوّا وإن ضَعُفَ (1) .عرك : عن أمير المؤمنين عليه السلام في الزبير :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اِحذَرِ استِصغارَ الخَصمِ فَإِنَّهُ يَمنَعُ مِن التَّحَفُّظِ ، ورُبَّ صَغيرٍ غَلَبَ كَبيرا (2) .* ومنه عن زينب عليهاالسلام في أمير المؤمنين عليهعنه عليه السلام_ أيضا_: لا تَستَصغِرَنَّ أمرَ عَدُوِّكَ إذا حارَبتَهُ ، فَإِنَّكَ إن ظَفِرتَ بِهِ لَم تُحمَد وإن ظَفِرَ بِكَ لَم تُعذَر ، والضَّعيفُ المُحتَرِسُ مِنَ العَدُوِّ القَوِيِّ أقرَبُ إلَى السَّلامَةِ مِنَ القَوِيِّ المُغتَرِّ بِالضَّعيفِ (3) .8 / 7التَّحذيرُ مِنِ استِنصاحِ الأَعداءِ إلّا تَجرِبَةً* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا :عنه عليه السلام :قَد جَهِلَ مَنِ استَنصَحَ أعداءَهُ (4) .* ومنه في الرشيد لمّا أراد قتل موسى بن جعفر عليهمعنه عليه السلام :لا تُشاوِر عَدُوَّكَ وَاستُرهُ خَبَرَكَ (5) .عرم : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أهل آخعنه عليه السلام :اِستَشِر أعداءَكَ تَعرِف مِن رَأيِهِم مِقدارَ عَداوَتِهِم ومَواضِعَ مَقاصِدِهِم (6) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اِستَشِر عَدُوَّكَ تَجرِبَةً لِتَعلَمَ مِقدارَ عَداوَتِهِ (7) .

.


1- .غرر الحكم : ح10216 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص282 ح231 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص309 ح543 .
4- .غرر الحكم : ح6663 .
5- .غرر الحكم : ح10198 .
6- .غرر الحكم : ح2462 .
7- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص317 ح634 .

ص: 526

8 / 8 انتهاز الفرصة في مواجهة الأعداء
8 / 9 عدم العقوبة على الظّنّة والتّهمة

* ومنه عن موسى بن جعفر عليهماالسلام في الطبائع العنه عليه السلام :مَنِ استَعانَ بِعَدُوِّهِ عَلى حاجَتِهِ ازدادَ بُعدا مِنها (1) .8 / 8اِنتِهازُ الفُرصَةِ في مُواجَهَةِ الأَعداءِعرن : في صفته صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام :اِستَعمِل مَعَ عَدُوِّكَ مُراقَبَةَ الإِمكانِ وانتِهازَ الفُرصَةِ ، تَظفَر (2) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :لا تُوقِع بِالعَدُوِّ قَبلَ القُدرَةِ (3) .* ومنه في حديث الميّت :عنه عليه السلام :لا تُظهِرِ العَداوَةَ لِمَن لا سُلطانَ لَكَ عَلَيهِ (4) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :لا تَعَرَّض لِعَدُوِّكَ وهُوَ مُقبِلٌ ؛ فَإِنَّ إقبالَهُ يُعينُهُ عَلَيكَ ، ولا تَعَرَّض لَهُ وهُوَ مُدبِرٌ ؛ فَإِنَّ إدبارَهُ يَكفيكَ أمرَه (5) .* وعن أبي جعفر عليه السلام في عليّ بن الحسين عليهعنه عليه السلام :أنكَأُ الأَشياءِ لِعَدُوِّكَ ألّا تُعلِمَهُ أنَّكَ اتَّخَذتَهُ عَدُوّا (6) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الاستسقاء :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: أقتَلُ الأَشياءِ لِعَدُوِّكَ ألّا تُعَرِّفَهُ أنَّكَ اتَّخَذتَهُ عَدُوّا (7) .8 / 9عَدَمُ العُقوبَةِ عَلَى الظِّنَّةِ والتُّهَمَةِ* وعن عبد اللّه بن سنان :الجمل :دَخَلَ [ابنُ عَبّاسٍ] عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَابتَدَأَهُ عليه السلام وقالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ،

.


1- .غرر الحكم : ح8984 .
2- .غرر الحكم : ح2347 .
3- .غرر الحكم : ح10258 .
4- .كنز الفوائد : ج2 ص183 ، بحار الأنوار : ج78 ص93 ح104 .
5- .غرر الحكم : ح10306 .
6- .نثر الدرّ : ج1 ص293 .
7- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص283 ح244 .

ص: 527

* وعن عبد اللّه بن سنان :أعِندَكَ خَبَرٌ ؟

فَقالَ : قَد رَأَيتُ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ .

فَقالَ لَهُ : إنَّهُمَا استَأذَناني فِي العُمرَةِ ، فَأَذِنتُ لَهُما بَعدَ أنِ استَوثَقتُ مِنهُما بِالأَيمانِ ألّا يَغدِرا ولا يَنكُثا ولا يُحدِثا فَسادا . وَاللّهِ يَابنَ عَبّاسٍ ما قَصَدا إلَا الفِتنَةَ ، فَكَأَنّي بِهِما وقَد صارا إلى مَكَّةَ لِيَستَعينا عَلى حَربي ، فَإِنَّ يَعلَى بنَ مُنيَةَ الخائِنَ الفاجِرَ قَد حَمَلَ أموالَ العِراقِ وفارِسَ لِيُنفِقَ ذلِكَ ، وسَيُفسِدُ هذانِ الرَّجُلانِ عَلَيَّ أمري ، ويَسفِكانِ دِماءَ شيعَتي وأنصاري .

فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ : إذا كانَ عِندَكَ الأَمرُ كَذلِكَ فَلِمَ أذِنتَ لَهُما ؟ وهَلّا حَبَستَهُما وأوثَقتَهُما بِالحَديدِ ، وكَفَيتَ المُسلِمينَ شَرَّهُما ؟

فَقالَ لَهُ عليه السلام : يَابنَ عَبّاسٍ ، أ تَأمُرُني أن أبدَأَ بِالظُّلمِ وبِالسَّيِّئَةِ قَبلَ الحَسَنَةِ ، واُعاقِبَ عَلَى الظِّنَّةِ والتُّهَمَةِ وآخُذَ بِالفِعلِ قَبلَ كَونِهِ ؟ كَلّا ! وَاللّهِ لا عَدَلتُ عَمّا أخَذَ اللّهُ عَلَيَّ مِنَ الحُكمِ بِالعَدلِ ، ولَا القَولِ بِالفَصلِ . يَابنَ عَبّاسٍ ، إنَّنيأذِنتُ لَهُما وأعرِفُ ما يَكونُ مِنهُما ، لكِنَّنِي استَظهَرتُ بِاللّهِ عَلَيهِما ، وَاللّهِ لَأَقتُلَنَّهُما ولَيَخيبَنَّ ظَنُّهُما ، ولا يَلقَيانِ مِنَ الأَمرِ مُناهُما ، فَإِنَّ اللّهَ يَأخُذُهُما بِظُلمِهِما لي ، ونَكثِهِما بَيعَتي ، وبَغيِهِما عَلَيَّ (1) .* ومنه الخبر :تاريخ الطبري عن جُندَب :لَمّا بَلَغَ عَلِيّا مُصابُ بَني ناجِيَةَ وقَتلُ صاحِبِهِم ، قالَ : هَوَت اُمُّهُ ! ما كانَ أنقَصَ عَقلَهُ ، وأَجرَأَهُ عَلى رَبِّهِ ! فإِنَّ جائِيا جاءَني مَرّةً فَقالَ لي : في أصحابِكَ رِجالٌ قَد خَشيتُ أن يُفارِقوكَ ، فَما تَرى فيهِم ؟

فَقُلتُ لَهُ : إنّي لا آخُذُ عَلَى التُّهَمَةِ ، ولا اُعاقِبُ عَلَى الظَّنِّ ، ولا اُقاتِلُ إلّا مَن خالَفَني وناصَبَني وأظهَرَ لِيَ العَداوَةَ ، ولَستُ مُقاتِلَهُ حَتّى أدعُوَهُ وأعذِرَ إلَيهِ ، فَإِن تابَ ورَجَعَ إلَينا قَبِلنا مِنهُ ، وهُوَ أخونا ، وإن أبى إلَا الاِعتِزامَ عَلى حَربِنَا استَعَنّا .


1- .الجمل : ص166 .

ص: 528

* ومنه الخبر :عَلَيهِ اللّهَ ، وناجَزناهُ ، فَكَفَّ عَنّي ما شاءَ اللّهُ .

ثُمَّ جاءَنيمَرَّةً اُخرى فَقالَ لي: قَد خَشيتُ أن يُفسِدَ عَلَيكَ عَبدُ اللّهِ بنُ وَهبٍ الراسِبِيُّ وزَيدُ بنُ حُصَينٍ ، إنّي سَمِعتُهُما يَذكُرانِكَ بِأَشياءَ لَو سَمِعتَها لَم تُفارِقهُما عَلَيها حَتّى تَقتُلَهُما أو تُوبِقَهُما ، فَلا تُفارِقهُما مِن حَبسِكَ أبَدا .

فَقُلتُ : إنّي مُستَشيرُكَ فيهِما ، فَماذا تَأمُرُني بِهِ ؟

قالَ : فَإِنّي آمُرُكَ أن تَدعُوَ بِهِما ، فَتَضرِبَ رِقابَهُما ، فَعَلِمتُ أنَّهُ لا وَرِعٌ ولا عاقِلٌ ، فَقُلتُ : وَاللّهِ ما أظُنُّكَ وَرِعا ، ولا عاقِلاً نافِعا ، وَاللّهِ لَقَد كانَ يَنبَغي لَكَ لَو أرَدتُ قَتلَهُم أن تَقولَ : اِتَّقِ اللّهَ ، لِمَ تَستَحِلُّ قَتلَهُم ولَم يَقتُلوا أحَدا ، ولَم يُنابِذوكَ ، ولَم يَخرُجوا مِن طاعَتِكَ ؟ ! (1)* وعن عليّ بن الحسين عليهماالسلام في شهداء الطفّالإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّه عَلَيهِ يَقولُ لِلنّاسِ بِالكوفَةِ : يا أهلَ الكوفَةِ ، أ تَرَوُنّي لا أعلَمُ ما يُصلِحُكُم ؟ ! بَلى ، ولَكِنّي أكرَهُ أن اُصلِحُكُم بِفَسادِ نَفسي (2) .* وفي صفته صلى الله عليه و آله :الغارات_ في خَبرِ مُفارَقَةِ الخِرّيتِ بنِ راشِدٍ (وهوَ مِنَ الخَوارِجِ) أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام _: قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ قَعينٍ : . . . أتَيتُ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام . . . فَأَخبَرتُهُ بِما سَمِعتُ مِنَ الخِرّيتِ وما قُلتُ لِابنِ عَمِّهِ وما رَدَّ عَلَيَّ .

فَقالَ عليه السلام : دَعهُ ، فإِن قَبِلَ الحَقَّ ورَجَعَ عَرَفنا ذلِكَ لَهُ وقَبِلناهُ مِنهُ ؛ وإن أبى طَلَبناهُ .

فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ فَلِمَ لا تَأخُذُهُ الآنَ فَتَستَوثِقَ مِنهُ ؟

فَقالَ: إنّا لَو فَعَلنا هذا لِكُلِّ مَن نَتَّهِمُهُ مِنَ النّاسِ مَلَأنَا السُّجونَ مِنهُم ، ولا أرانى

¨ .


1- .تاريخ الطبري : ج5 ص131 ، شرح نهج البلاغة : ج3 ص148 عن حبيب ؛ الغارات : ج1 ص371 وفيهما «توثقهما» بدل «توبقهما» وكلاهما نحوه .
2- .الأمالي للمفيد : ص207 ح40 عن هشام ، بحار الأنوار : ج41 ص110 ح18 .

ص: 529

8 / 10 التّحذير من التّعذيب

* وفي صفته صلى الله عليه و آله :يَسَعُنِي الوُثوبُ عَلَى النّاسِ وَالحَبسُ لَهُم وعُقوبَتُهُم حَتّى يُظهِروا لَنَا الخِلافَ (1) .راجع : ج 4 ص 43 (خروج الخرّيت بن راشد) .

8 / 10التَّحذيرُ مِنَ التَّعذيبِعزب : في حديث اُمّ مَعْبَد :الإمام عليّ عليه السلام :مَن ضَرَبَ رَجُلاً سَوطا ظُلما ، ضَرَبَهُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى بِسَوطٍ مِن نارٍ (2) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :أبغَضُ الخَلقِ إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ مَن جَرَّدَ ظَهرَ مُسلِمٍ بِغَيرِ حَقٍّ ، ومَن ضَرَبَ في غَيرِ حَقٍّ مَن لَم يَضرِبهُ أو قَتَلَ مَن لَم يَقتُلهُ (3) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى اُمَراءِ الخَراجِ _: لَو لَم يَكُن فيما نُهِيَ عَنُه مِنَ الظُّلمِ وَالعُدوانِ عِقابٌ يُخافُ ، كانَ في ثَوابِهِ ما لا عُذرَ لِأحَدٍ بِتَركِ طَلِبَتِهِ ، فَارحَموا تُرحَموا ، ولا تُعذِّبوا خَلقَ اللّهِ ولاتُكَلِّفوهُم فَوقَ طاقَتِهِم (4) .* وعنه عليه السلام في معاوية :عنه عليه السلام :أيُّهَا النَّاسُ ! إنّي دَعَوتُكُم إلَى الحَقِّ فَتَوَلَّيتُم عَنّي ، وضَرَبتُكُم بِالدِّرَّةِ فَأَعيَيتُموني . أما إنَّهُ سَيَليكُم بَعدي وُلاةٌ لا يَرضَونَ مِنكُم بِهذا حَتّى يُعَذِّبوكُم بِالسِّياطِ وبِالحَديدِ ، فَأَمّا أنا فلا اُعَذِّبُكُم بِهِما ؛ إنّهُ مَن عَذَّبَ النّاسَ في الدُّنيا عَذَّبَهُ اللّهُ فِي الآخِرَةِ (5) .* وعنه عليه السلام في عذاب القبر :مسند زيد عن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن الإمام عليّ عليهم السلام_ أنَّهُ قالَ لِعُمَرَ فِي امرَأَةٍ حامِلٍ اِعتَرَفَت بِالفُجورِ فَأَمَرَ بِها أن تُرجَمَ _: فَلَعَلَّكَ انتَهَرتَها أو أخَفتَها ؟ قالَ : قَد

.


1- .الغارات : ج1 ص333 و ص335 ، بحار الأنوار : ج33 ص407 ح628 ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص129 .
2- .دعائم الإسلام : ج2 ص541 ح1927 .
3- .دعائم الإسلام : ج2 ص444 ح1551 ، تهذيب الأحكام : ج10 ص148 ح588 عن السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وليس فيه «ومن ضرب في غير . . .» .
4- .وقعة صفّين : ص108 ، نهج البلاغة : الكتاب 51 نحوه ؛ المعيار والموازنة : ص122 .
5- .الغارات : ج2 ص458 عن زيد بن عليّ بن أبي طالب ، الإرشاد : ج1 ص322 وليس فيه «فأمّا أنا فلا اُعذّبكم بهما» ؛ شرح نهج البلاغة : ج2 ص306 عن زيد بن عليّ .

ص: 530

8 / 11 النّهي عن السّبّ

* وعنه عليه السلام في عذاب القبر :كانَ ذلِكَ ، فَقالَ : أ وَما سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : لا حَدَّ عَلى مُعتَرِفٍ بَعدَ بَلاءٍ ، إنَّهُ مَن قَيَّدتَ أو حَبَستَ أو تَهَدَّدتَ فلا إقرارَ لَهُ . قالَ : فَخَلّى عُمَرُ سَبيلَها ، ثُمَّ قالَ : عَجَزَتِ النِّساءُ أن تَلِدَ مِثلَ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ ، لَولا عَليٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ (1) .* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَةٍ لَهُ في أوائِلِ خِلافَتِهِ _: إنَّ اللّهَ حَرَّمَ حَراما غَيرَ مَجهولٍ ، وأحَلَّ حَلالاً غَيرَ مَدخولٍ ، وفَضَّلَ حُرمَةَ المُسلِمِ عَلَى الحُرَمِ كُلِّها ، وَشَدَّ بِالإِخلاصِ والتَّوحيدِ حُقوقَ المُسلِمينَ في مَعاقِدِها ، «فَالمُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ» إلّا بِالحَقِّ ، ولا يَحِلُّ أذَى المُسلِمِ إلّا بِما يَجِبُ (2) .8 / 11النَّهيُ عَنِ السَّبِّعزز : في أسمائه تعالى :وقعة صفّين عن عبد اللّه بن شريك :خَرَجَ حُجرُ بنُ عَدِيٍّ وعَمرُو بنُ الحَمِقِ يُظهِرانِ البَراءَةَ وَاللَّعنَ مِن أهلِ الشّامِ ، فَأَرسَلَ إلَيهِما عَلِيٌّ : أن كُفّا عَمّا يَبلُغُني عَنكُما .

فَأَتَياهُ فَقالا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أ لَسنا مُحِقّينَ ؟

قالَ : بَلى .

قالا : أ وَلَيسوا مُبطِلينَ ؟

قالَ : بَلى .

قالا : فَلِمَ مَنَعتَنا مِن شَتمِهِم ؟

قالَ : كَرِهتُ لَكُم أن تَكونوا لَعّانينَ شَتّامينَ ، تَشتِمونَ وتَتَبَرَّؤونَ ، ولكِن لَو

.


1- .مسند زيد : ص335 ، كشف اليقين : ص73 ح55 ، كشف الغمّة : ج1 ص113 ؛ ذخائر العقبى : ص146 وليس فيه «ثمّ قال . . .» ، المناقب للخوارزمي : ص81 ح65 .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 167 ، بحار الأنوار : ج32 ص40 ح26 .

ص: 531

8 / 12 الرّفق ما لم يكن تآمرا

عزز : في أسمائه تعالى :وَصِفتُم مَساوِئَ أعمالِهِم فَقُلتُم : مِن سيرَتِهِم كَذا وكَذا ، ومِن عَمَلِهِم كَذا وكَذا ، كانَ أصوَبَ فِي القَولِ ، وأبلَغَ في العُذرِ . ولَو قُلتُم مَكانَ لَعنِكُم إيّاهُم وبَراءَتِكُم مِنهُمُ : اللّهُمَّ احقِن دِماءَنا ودِماءَهُم ، وأصلِح ذاتَ بَينِنا وبَينِهِم ، وَاهدِهِم مِن ضَلالَتِهِم ، حَتّى يَعرِفَ الحَقَّ مِنهُم من جَهِلَهُ ، ويَرعَوِيَ عَنِ الغَيِّ وَالعُدوانِ مَن لَهِجَ بِهِ ، كانَ هذا أحَبَّ إلَيَّ وخَيرا لَكُم .

فَقالا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، نَقبَلُ عِظَتَكَ ، ونَتَأَدَّبُ بِأَدَبِكَ (1) .* ومنه الدعاء :الإمام عليّ عليه السلام :لا تَشِن (2) عَدُوَّكَ وإن شانَكَ (3) .8 / 12الرِّفقُ ما لَم يَكُن تَآمُرا* ومنه عن النبي صلى الله عليه و آله في ولادة الحسالإمام عليّ عليه السلام :الرِّفقُ يَفِلُّ حَدَّ المُخالَفَةِ (4) .* ومنه عن ابن زمعة :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: قارِب عَدُوَّكَ بَعضَ المُقارَبَةِ تَنَل حاجَتَكَ ، ولا تُفِرطُ في مُقارَبَتِهِ فَتُذِلَّ نَفسَكَ وناصِرَكَ ، وتَأمَّل حالَ الخَشَبَةِ المَنصوبَةِ في الشَّمسِ الَّتي إن أمَلتَها زادَ ظِلُّها ، وإن أفرَطتَ في الإِمالَةِ نَقَصَ الظِّلُّ (5) .* وفي الدعاء :تاريخ الطبري عن عبد المَلِك بن أبي حُرّةَ الحَنَفيّ :أنّ عَليّا خَرَجَ ذاتَ يَومٍ يَخطُبُ ، فَإِنَّهُ لَفي خُطبَتِهِ إذ حَكَّمَتِ المُحَكِّمَةُ في جَوانِبِ المَسجِدِ .

فَقالَ عَليٌّ : اللّهُ أكبَرُ ! كَلِمَةُ حَقٍّ يُرادُ بِها باطِلٌ ! إن سَكَتوا عَمَمناهُم (6) ، وإن

.


1- .وقعة صفّين : ص103 ، بحار الأنوار : ج32 ص399 ح369 _ 373 وراجع نهج البلاغة : الخطبة 206 والأخبار الطوال : ص165 .
2- .الشَّيْن : العَيْب (لسان العرب : ج13 ص244) .
3- .غرر الحكم : ح10418 .
4- .غرر الحكم : ح560 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص342 ح923 .
6- .لعلّه من قولهم : عمّمناه أمرنا ؛ أي ألزمناه (اُنظر لسان العرب : ج12 ص427) .

ص: 532

* وفي الدعاء :تَكَلَّموا حَجَجناهُم ، وإن خَرَجوا عَلَينا قاتَلناهُم (1) .* وفي قنوت موسى بن جعفر عليهماالسلام :السنن الكبرى عن كثير بن نَمِر :بَينا أنَا في الجُمُعَةِ وعَليٌّ رضى الله عنهعَلَى المِنبَرِ ، إذ قامَ رَجُلٌ فَقالَ : لا حُكمَ إلّا للّهِِ . ثُمَّ قامَ آخَرُ فَقالَ : لا حُكمَ إلّا للّهِِ ، ثُمَّ قاموا مِن نَواحِي المَسجِدِ ، فَأَشارَ إلَيهِم عَليٌّ رضى الله عنه بِيَدِهِ : اِجلِسوا ، نَعَم لا حُكم إلّا للّهِِ ، كَلِمَةٌ يُبتَغى بِها باطِلٌ ، حُكمَ اللّهِ نَنظُرُ فيكُم ، ألا إنَّ لَكُم عِندي ثَلاثَ خِصالٍ : ما كُنتُم مَعَنا لا نَمنَعُكُم مَساجِدَ اللّهِ أن تَذكُرُوا فيهَا اسمَ اللّهِ ، ولا نَمنَعُكُم فَيئا ما كانَت أيديكُم مَعَ أيدينا ، ولا نُقاتِلُكُم حَتّى تُقاتِلوا . ثُمَّ أخَذَ في خُطبَتِهِ (2) .* ومنه عن أبي جعفر :الأموال عن كثير بن نَمِر :جاءَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ (3) مِنَ الخَوارِجِ إلى عَليٍّ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي وَجَدتُ هذا يَسُبُّكَ ، قالَ : فَسُبَّهُ كَما سَبَّني . قالَ : ويَتَوَعَّدُكَ ؟فَقالَ : لا أقتُلُ مَن لَم يَقتُلني ، قالَ عَليٌّ : لَهُم عَلَينا ثَلاثٌ : أن لا نَمنَعَهُمُ المَساجِدَ أن يَذكُرُوا اللّهَ فيها ، وأن لا نَمنَعَهُمُ الفَيءَ ما دامَت أيديهِم مَعَ أيدينا ، وأن لا نُقاتِلَهُم حَتّى يُقاتِلونا (4) .عزف : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أشراطالمصنّف عن كثير بن نَمِر :جاءَ رَجُلٌ بِرِجالٍ إلى عَليٍّ فَقالَ : إنّي رَأَيتُ هؤلاءِ يَتَوَعَّدونَكَ ، فَفَرّوا وأخَذتُ هذا ، قالَ : أفَأَقتُلُ مَن لَم يَقتُلني ؟ قالَ : إنَّهُ سَبَّكَ ! قالَ : سُبَّهُ أو دَع (5) .راجع : ج3 ص645 (صبر الإمام على أذاهم ورفقه بهم) .

.


1- .تاريخ الطبري : ج5 ص72 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص398 ، أنساب الأشراف : ج3 ص135 وليس فيه «وإن خرجوا . . .» وفيهما «غممناهم» بدل «عممناهم» .
2- .السنن الكبرى : ج8 ص319 ح16763 ، تاريخ الطبري : ج5 ص73 عن كثير بن بهز الحضرمي ، الكامل في التاريخ : ج2 ص398 ، البداية والنهاية : ج7 ص285 كلّها نحوه .
3- .في المصدر : «لرجل» وهو تصحيف.
4- .الأموال : ص245 ح567 ، كنز العمّال : ج11 ص300 ح31569 .
5- .المصنّف لابن أبي شيبة : ج8 ص614 ح147 ، كنز العمّال : ج11 ص 319 ح31616 .

ص: 533

8 / 13 إجلاء المتآمرين أو حبسهم

8 / 13إجلاءُ المُتَآمِرينَ أو حَبسُهُمعزل : عن أبي الحسن عليه السلام :شرح نهج البلاغة :قَد رُوِيَ أنَّ عِمرانَ بنَ الحُصَينِ كانَ مِنَ المُنحَرِفينَ عَنهُ عليه السلام ، وأنَّ عَليّا سَيَّرَهُ إلَى المَدائِنِ ، وذلِكَ أنَّهُ كانَ يَقولُ : إن ماتَ عَليٌّ فَلا أدري ما مَوتُهُ ، وإن قُتِلَ فَعَسى أنّي _ إن قُتِلَ _ رَجَوتُ لَهُ (1) .* ومنه عن أبي سعيد الخدري :الغارات عن سعيدٍ الأَشعَريّ :اِستَخلَفَ عَليٌّ عليه السلام حينَ سارَ إلَى النَّهرَوانِ رَجُلاً مِنَ النَّخَعِ يُقالُ لَهُ : هانِي بنُ هَوذَةَ ، فَكَتَبَ إلى عَليٍّ عليه السلام : إنَّ غَنيّا وباهِلَةَ فَتَنوا ، فَدَعَوُا اللّهَ عَلَيكَ أن يَظفِرَ بِكَ عَدُوُّكَ ، قالَ : فَكَتَبَ إلَيهِ عَليٌّ عليه السلام : أجلِهِم مِنَ الكوفَةِ ولا تَدَع مِنهُم أحَدا (2) .* وعن المختار في أنصاره :تاريخ الطبري عن المُحِلّ بن خَليفَة :إنَّ رَجُلاً مِنهُم مِن بَني سَدوسٍ يُقالُ لَهُ العَيزارُ بنُ الأَخنَسِ كانَ يَرى رَأيَ الخَوارِجِ ، خَرَجَ إلَيهِم ، فَاستَقبَلَ ورَاءَ المَدائِنِ عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ ومَعَهُ الأَسوَدُ بنُ قَيسٍ والأَسوَدُ بنُ يَزيدَ المُرادِيّانِ ، فَقالَ لَهُ العَيزارُ حينَ استَقبَلَهُ: أسالِمٌ غانِم ، أم ظالِمٌ آثِمٌ ؟ فَقالَ عَدِيٌّ : لا ، بَل سالِمٌ غانِمٌ ، فَقالَ لَهُ المُرادِيّانِ: ما قُلتَ هذا إلّا لِشَرٍّ في نَفسِكَ ، وإنَّكَ لَنَعرِفُكَ يا عَيزارُ بِرَأيِ القَومِ ، فَلا تُفارِقنا حَتّى نَذهَبَ بِكَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ فَنُخبِرَهُ خَبَرَكَ . فَلَم يَكُن بِأَوشَكَ أن جاءَ عَليٌّ فَأَخبَراهُ خَبَرَهُ ، وقالا: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّهُ يَرى رَأيَ القَومِ ، قَد عَرَفناهُ بِذلِكَ .

فَقالَ : ما يَحِلُّ لَنا دَمُهُ ، ولكِنّا نَحبِسُهُ .

فَقالَ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ادفَعهُ إلَيَّ وأنَا أضمِنُ ألّا يَأتِيَكَ مِن قِبَلِهِ مَكروهٌ . فَدَفَعَهُ إلَيهِ (3) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج4 ص77 .
2- .الغارات : ج1 ص18 ، بحار الأنوار : ج33 ص356 ح588 .
3- .تاريخ الطبري : ج5 ص89 .

ص: 534

. .

ص: 535

الفصل التاسع : السياسة الحربية
9 / 1 الاهتمام بالتّدريب العسكريّ
أ : تعليم الجيش

الفصل التاسع : السياسة الحربية9 / 1الاِهتِمامُ بِالتَّدريبِ العَسكَرِيِّأ : تَعليمُ الجَيشِعزلج : في الدعاء :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن وَصِيَّتِهِ لِزيادِ بنِ النَّضرِ حينَ أنفَذَهُ عَلى مُقَدِّمَتِهِ إلى صِفّينَ _: اِعلَم أنَّ مُقَدِّمَةَ القَومِ عُيونُهُم ، وعُيونُ المُقَدِّمَةِ طَلائِعُهُم ، فَإِذا أنتَ خَرَجتَ مِن بِلادِكِ ودَنَوتَ مِن عَدُوِّكَ فَلا تَسأَم (1) مِن تَوجيهِ الطَّلائِعِ في كُلِّ ناحِيَةٍ ، وفي بَعضِ الشِّعابِ وَالشَّجَرِ وَالخَمَرِ (2) ، وفي كُلِّ جانِبٍ ، حَتّى لا يُغيرَكُم عَدُوُّكُم ، ويَكونَ لَكُم كَمينٌ .

ولا تُسَيِّرِ الكَتائِبَ وَالقَبائِلَ مِن لَدُنِ الصَّباحِ إلَى المَساءِ إلّا تَعبِيَةً ، فَإِن دَهَمَكُم أمرٌ أو غَشِيَكُم مَكروهٌ كُنتُم قَد تَقَدَّمتُم فِي التَّعبِيَةِ .

وإذا نَزَلتُم بِعَدُوٍّ أو نَزَلَ بِكُم فَليَكُن مُعَسكَرُكُم في أقبالِ الأَشرافِ ، أو في سِفاحِ الجِبالِ ، أو أثناءِ الأَنهارِ ؛ كَيما تَكونَ لَكُم رِدءا ودُونَكُم مَرَدّا . وَلتَكُن مُقاتَلَتُكُم مِن وَجهٍ واحِدٍ وَاثنَينِ .

.


1- .سَئِمَ منه : مَلّ (لسان العرب : ج12 ص280) .
2- .الخَمَر : ما واراك من الشجر والجبال ونحوها (لسان العرب : ج4 ص256) .

ص: 536

عزلج : في الدعاء :وَاجعَلوا رُقَباءَكُم في صَياصِي (1) الجِبالِ ، وبِأَعلى الأَشرافِ ، وبِمَناكِبِ الأَنهارِ ؛ يُريئونَ لَكُم ؛ لِئَلّا يَأتِيَكُم عَدُوٌّ مِن مَكانِ مَخافَةٍ أو أمنٍ .

وإذا نَزَلتُم فَانزِلوا جَميعا ، وإذا رَحَلتُم فَارحَلوا جَميعا ، وإذا غَشِيَكُمُ اللَّيلُ فَنَزَلتُم فَحُفّوا عَسكَرَكُم بِالرِّماحِ وَالتِّرَسَةِ ، وَاجعَلوا رُماتَكُم يَلوونَ تِرَسَتَكُم ؛ كَيلا تُصابَ لَكُم غِرَّةٌ ، ولا تُلقى لَكُم غَفلَةٌ .

وَاحرُس عَسكَرَكَ بِنَفسِكَ، وإيّاكَ أن تَرقُدَ أو تُصبِحَ إلّا غِرارا (2) أو مَضمَضَةً (3) . ثُمَّ ليَكُن ذلِكَ شَأنَكَ ودَأبَكَ حَتّى تَنتَهِيَ إلى عَدُوِّكَ .

وعَلَيكَ بِالتَّأَنّي في حَربِكَ ، وإيّاكَ والعَجَلَةَ إلّا أن تُمكِنَكَ فُرصَةٌ . وإيّاكَ أن تُقاتِلَ إلّا أن يَبدَؤوكَ ، أو يَأتِيَكَ أمري . وَالسَّلامُ عَلَيكَ ورَحمَةُ اللّهِ (4) .عزم : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام_ ومِن وَصِيَّةٍ لَهُ عليه السلام لِمَعقِلِ بنِ قَيسٍ الرِّياحِيِّ حينَ أنفَذَهُ إلَى الشّامِ في ثَلاثَةِ آلافٍ مُقَدِّمَةً لَهُ _: اِتَّقِ اللّهَ الَّذي لابُدَّ لَكَ مِن لِقائِهِ ولا مُنتَهى لَكَ دونَهُ . ولا تُقاتِلَنَّ إلّا مَن قاتَلَكَ . وسِرِ البَردَينِ . وغَوِّرِ بالنّاسِ . ورَفِّه فِي السَّيرِ . ولا تَسِر أوَّل اَللَّيلِ فَإِنَّ اللّهَ جَعَلَهُ سَكَناً وقَدَّرَهُ مُقاماً لا ظَعناً . فَأَرِح فيهِ بَدَنَكَ ورَوِّح ظَهرَكَ . فَإِذا وَقَفتَ حينَ يَنبَطِحُ السَّحَرُ أو حينَ يَنفَجِرُ الفَجرُ فَسِر عَلى بَرَكَةِ اللّهِ . فَإِذا لَقيتَ العَدُوَّ فَقِف مِن أصحابِكَ وَسَطا ، ولا تَدنُ مِنَ القَومِ دُنُوَّ مَن يُريدُ أن يُنشِبَ الحَربَ ، ولا تَباعَد عَنهُم تَباعُدَ مَن يَهابُ البَأسَ حَتّى يَأتِيَكَ أمري ، ولا يَحمِلَنَّكُم شَنَآنُهُم عَلى قِتالِهِم قَبل .


1- .صَياصي الجبال : أطرافُها العالية (مجمع البحرين : ج2 ص1063) .
2- .الغِرار : النوم القليل ، وقيل : هو القليل من النوم وغيره (لسان العرب : ج5 ص17) .
3- .أي ينام ثمّ يستيقظ ثمّ ينام ؛ تشبيها بمضمضة الماء في الفم يأخذه ثمّ يمجّه ، وهو أدقّ التشبيه وأجمله (صبحي الصالح) .
4- .تحف العقول : ص191 ، نهج البلاغة : الكتاب 11 ، وقعة صفّين : ص123 عن يزيد بن خالد بن قَطَن ؛ الأخبار الطوال : ص166 كلّها نحوه .

ص: 537

عزم : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :دُعائِهِم والإِعذارِ إلَيهِم (1) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ عليه السلام إلى بَعضِ اُمَراءِ جَيشِهِ _: فَإِن عادوا إلى ظِلِّ الطّاعَةِ فَذاكَ الَّذي نُحِبُّ ، وإن تَوافَتِ الاُمورُ بِالقَومِ إلَى الشِّقاقِ وَالعِصيانِ فَانهَد (2) بِمَن أطاعَكَ إلى مَن عَصاكَ ، وَاستَغنِ بِمَنِ انقادَ مَعَكَ عَمَّن تَقاعَسَ عَنكَ ؛ فَإنَّ المُتَكارِهَ مَغيبُهُ خَيرٌ مِن مَشهَدِهِ ، وقُعودُهُ أغنى مِن نُهوضِهِ (3) .* وعن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام :إن زَحَفَ العَدُوُّ إلَيكُم فَصُفّوا عَلى أبوابِ الخَنادِقِ ، فَلَيسَ هُناكَ إلّا السُّيوفُ ، ولُزومُ الأَرضِ بَعدَ إحكامِ الصُّفوفِ ، ولا تَنظُروا في وُجوهِهِم ، ولا يَهولَنَّكُم عَدَدُهُم ، وَانظُروا إلى أوطانِكُم مِنَ الأَرضِ . فَإِن حَمَلوا عَلَيكُم فَاجثُوا عَلَى الرُّكَبِ ، وَاستَتِروا بالأَترِسَةِ ، صَفّا مُحكَما لا خَلَلَ فيهِ ، وإن أدبَروا فَاحمِلوا عَلَيهِم بِالسُّيوفِ ، وإن ثَبَتوا فَاثبُتوا عَلَى التَّعابِيِّ ، وإنِ انهَزَموا فَاركَبُوا الخَيلَ وَاطلُبُوا القَومَ (4) .* وعن الرضا عليه السلام :عنه عليه السلام :إن كانَت _ وأعوذُ بِاللّهِ _ فيكُم هَزيمَةٌ فَتَداعَوا ، وَاذكُرُوا اللّهَ وما تَوعَّدَ بِهِ مَن فَرَّ مِنَ الزَّحفِ ، وبَكِّتوا (5) مَن رأَيتُموهُ وَلّى . وَاجمَعوا الأَلوِيَةَ ، وَاعتَقِدوا . وَليُسرِع المُخِفُونَ في رَدِّ مَنِ انهَزَمَ إلَى الجَماعَةِ وإلَى المُعَسكَرِ ، فَليَنفِر مَن فيهِ إلَيكُم ، فَإذَا اجتَمَعَ أطرافُكُم ، وأتَت أمدادُكُم ، وَانصَرَفَ فَلُّكُم ، فَأَلحِقُوا النّاسَ بِقُوّادِهِم ، وأحكِموا تَعابِيَّهُم ، وقاتِلوا ، وَاستَعينوا بِاللّهِ ، وَاصبِروا ؛ وفِي الثَّباتِ عِندَ الهَزيمَةِ ، وحَملِ الرَّجُلِ الواحِدِ الواثِقِ بِشَجاعَتِهِ عَلَى الكَتيبَةِ ، فَضلٌ عَظيمٌ (6) . .


1- .نهج البلاغة : الكتاب 12 .
2- .المناهَدَة في الحرب : المُناهَضة ، ونَهَدَ إلى العدوّ يَنْهَد : نهض (لسان العرب : ج3 ص429).
3- .نهج البلاغة : الكتاب 4 ، بحار الأنوار : ج32 ص67 ح46 ؛ تذكرة الخواصّ : ص166 .
4- .دعائم الإسلام : ج1 ص373 .
5- .التبكيت : التقريع والتوبيخ (النهاية : ج1 ص148) .
6- .دعائم الإسلام : ج1 ص373 .

ص: 538

* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :عَقِمَ النِّساءُ أن يَأتينَ بِمِثلِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وَاللّهِ ، ما رَأَيتُ ولا سَمِعتُ رَئيسا يُوزَنُ بِهِ ، لَرَأَيتُهُ يَومَ صِفّينَ وعَلى رَأسِهِ عِمامَةٌ قَد أرخى طَرَفَيها ، كأَنَّ عَينَيهِ سِراجا سَليطٍ ، وهوَ يَقِفُ عَلى شِرذِمَةٍ يَحُضُّهُم ، حَتّى انتَهى إلَيَّ وأنَا في كَنَفٍ مِنَ النّاسِ فَقالَ:

مَعاشِرَ المُسلِمينَ ! استَشعِرُوا الخَشيَةَ ، وغُضُّوا الأَصواتَ ، وتَجَلبَبُوا السَّكينَةَ ، وَاعملوا (1) الأَسِنَّةَ ، وأقلِقوا (2) السُّيوفَ قَبلَ السَّلَّةِ ، وَاطعُنوا الرّخرَ (3) ، ونافِحوا بِالظُّبا ، وصِلُوا السُّيوفَ بِالخُطا ، وَالنِّبالَ بِالرِّماحِ ، فَإِنَّكُم بِعَينِ اللّهِ ومَعَ ابنِ عَمِّ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله .

عاوِدُوا الكَرّ ، وَاستَحيوا مِنَ الفَرِّ ؛ فَإِنَّهُ عارٌ باقٍ فِي الأَعقابِ وَالأَعناقِ ، ونارٌ يَومَ الحِسابِ . وطيبوا عَن أنفُسِكُم أنفُسا ، وَامشوا إلَى المَوتِ أسححا (4) . وعَلَيكُم بِهذَا السَّوادِ الأَعظَمِ ، والرِّواقِ المطيّبِ (5) ، فَاضرِبوا ثَبَجَهُ (6) ؛ فَإِنَّ الشَّيطانَ راكِبٌ صَعبَةً ، ومُفرِشٌ ذِراعَيهِ ، قَد قَدَّمَ لِلوَثبَةِ يَدا ، وأخَّرَ لِلنُّكوصِ رِجلاً ، فَصَمدا صَمدا حَتّى يَتَجلّى لَكُم عَمودُ الدّينِ: «وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَن يَتِرَكُمْ أَعْمَ__لَكُمْ» (7)(8) . .


1- .في تاريخ دمشق «ترجمة الإمام عليّ عليه السلام » تحقيق محمّد باقر المحمودي : «وأعلِموا» (ج 3 ص145 ح1191) .
2- .أقلقَ الشيءَ من مكانه وقَلَقَه : حرّكه (لسان العرب : ج10 ص324) .
3- .كذا في المصدر ، وفي نهج البلاغة : «واطعنوا الشَّزْرَ» .
4- .كذا في المصدر ، وفي نهج البلاغة : «سُجُحا» . ومِشيَة سُجح : أي سهلة (لسان العرب : ج2 ص475) .
5- .كذا في المصدر ، وفي نهج البلاغة : «المطنّب» وهو أنسب .
6- .ثبَجُه : وسطه ومعظمه (النهاية : ج1 ص206) .
7- .محمّد : 35 .
8- .تاريخ دمشق : ج42 ص460 ، مروج الذهب : ج2 ص389 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص110 ؛ نهج البلاغة : الخطبة 66 وفيه من «معاشر المسلمين . . .» ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص75 ، بشارة المصطفى : ص141 كلّها نحوه .

ص: 539

ب : تنظيم الجيش

* وعن الرضا عليه السلام في البيعة :الإمام عليّ عليه السلام :لا تَميلوا بِراياتِكُم ، ولا تُزيلوها ، ولا تَجعَلوها إلّا مَعَ شُجعانِكُم ؛ فَإِنَّ المانِعَ لِلذِّمارِ وَالصّابِرَ عِندَ نُزولِ الحَقائِقِ هُم أهلُ الحِفاظِ . . . وَاعلَموا أنَّ أهلَ الحِفاظِ هُمُ الَّذَينَ يَحُفّونَ بِراياتِهِم ، ويَكتَنِفونَها ، ويَصيرونَ حِفافَيها ، ووَراءَها ، وأمامَها ، ولا يُضَيِّعونَها ، لا يَتَأَخَّرونَ عَنها فَيُسَلِّموها ، ولا يَتَقَدَّمونَ عَلَيها فَيُفرِدوها (1) .ب : تَنظيمُ الجَيشِ* ومنه عن موسى بن جعفر عليهماالسلام :دعائم الإسلام_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ كانَ إذا زَحَفَ لِلقِتالِ جَعَلَ مَيمَنَةً وَمَيسَرَةً وقَلبا يَكونُ هُوَ فيهِ ، ويَجعَلُ لَها رَوابِطُ ، ويُقَدِّمُ عَلَيها مُقَدّمينَ ، ويَأمُرُهُم بِخَفضِ الأَصواتِ ، وَالدُّعاءِ ، وَاجتِماعِ القُلوبِ ، وشَهرِ السُّيوفِ ، وإظهارِ العِدَّةِ ، ولُزومِ كُلِّ قَومٍ مَكانَهُم ، ورُجوعِ كُلِّ مَن حَمَلَ إلى مَصافِّهِ بَعدَ الحَملَةِ (2) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :دعائم الإسلام_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ كانَ إذا زَحَفَ لِلقِتالِ يُعَبِّئُ الكَتائِبَ ، ويُفَرِّقُ بَينَ القَبائِلِ ، ويُقَدِّمُ عَلى كُلِّ قَومٍ رَجُلاً ، ويُصَفِّفُ الصُّفوفَ ، ويُكَردِسُ الكَراديسَ (3) ، ثُمَّ يَزحَفُ إلَى القِتالِ (4) .* وفي إبراهيم عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في كَيفِيَّةِ القِتالِ _: قَدِّمُوا الرَّجّالَةَ وَالرُّماةَ ؛ فَليَرشُقوا بِالنَّبَلِ ، وَليَتَناوَشِ الجَنبانِ (5) ، وَاجعَلُوا الخَيلَ الرَّوابِطَ وَالمُنتَجَبَةَ (6) رِدءا لِلِّواءِ والمُقَدِّمَةِ ، ولا تَنشُزوا (7) عَن

.


1- .الكافي : ج5 ص39 ح4 عن مالك بن أعين ، بحار الأنوار : ج32 ص563 ح468 وراجع نهج البلاغة : الخطبة 124 .
2- .دعائم الإسلام : ج1 ص372 .
3- .الكردوس : الخيل العظيمة ، وقيل : القطعة من الخيل العظيمة . والكراديس : الفِرَق منهم ، ويقال : كَردسَ القائد خيلَه أي جعلَها كتيبة كتيبة (لسان العرب : ج6 ص195) .
4- .دعائم الإسلام : ج1 ص372 .
5- .الجَنْب : الناحية (لسان العرب : ج1 ص278) .
6- .المنتجَب : المختار من كلّ شيء (لسان العرب : ج1 ص748) .
7- .يقال : نَشَزَ من مكانه نُشوزا ؛ إذا ارتفع عنه . ونَشَزَ الرجلُ من امرأته : تَركَها (المصباح المنير : ص605) .

ص: 540

ج : عدم مفارقة السّلاح في الحرب

* وفي إبراهيم عليه السلام :مَراكِزِكُم لِفارِسٍ شَذَّ مِنَ العَدُوِّ (1) .* وعن أبي الحسن عليه السلام في الحَمامَة :عنه عليه السلام_ في وَصِيَّةٍ لَهُ عليه السلام وَصّى بِها جَيشا بَعَثَهُ إلَى العَدُوِّ _: فَإِذا نَزَلتُم بِعَدُوٍّ أو نَزَلَ بِكُم فَليَكُن مُعَسكَرُكُم في قُبُلِ (2) الأَشرافِ ، أو سِفاحِ الجِبالِ ، أو أثناءِ الأَنهارِ ؛ كَيما يَكونَ لَكُم رِدءا ، ودونَكُم مَرَدّا . وَلتَكُن مُقاتَلَتُكُم مِن وَجهٍ واحِدٍ أوِ اثنَينِ .

وَاجعَلوا لَكُم رُقَباءَ في صَياصِي الجِبالِ ، ومَناكِبِ الهِضابِ ؛ لِئَلّا يَأتِيَكُمُ العَدُوُّ مِن مكَانِ مَخافَةٍ أو أمنٍ . وَاعلَموا أنَّ مُقَدِّمَةَ القَومِ عُيونُهُم ، وعُيونُ المُقَدِّمَةِ طَلائِعُهُم .

وإيّاكُم وَالتَّفَرُّقَ ، فَإِذا نَزَلتُم فَانزِلوا جَميعا ، وإذَا ارتَحَلتُم فَارتَحِلوا جَميعا . وإذا غَشِيَكُمُ اللَّيلُ فَاجعَلُوا الرِّماحَ كِفَّةً ، ولا تَذوقُوا النَّومَ إلّا غِرارا أو مَضمَضَةً (3) .ج : عَدَمُ مُفارَقَةِ السِّلاحِ فِي الحَربِ* وعنه صلى الله عليه و آله :دعائم الإسلام :إنَّهُ [عَلِيّا عليه السلام ] كَرِهَ أن يُلقِي الرَّجُلُ سِلاحَهُ عِندَ القِتالِ ؛ وقَد قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ عِندَ ذِكرِ صَلاةِ الخَوفِ: «وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ» ، وقالَ: «وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَ حِدَةً» (4) ، فَأَفضَلُ الاُمورِ لِمَن كانَ فِي الجِهادِ أن لا يُفارِقَهُ السِّلاحُ عَلى كُلِّ الأَحوالِ (5) .راجع : ج 4 ص 128 (استشهاد محمّد بن أبي بكر) و ص 135 (حزن الإمام) .

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص372 .
2- .القُبُلُ _ بالضمّ _ من الجبل : سفحه ؛ يقال : انزل بقُبُل هذا الجبل أي بسفحه (تاج العروس : ج15 ص595) .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 11 ، تحف العقول : ص192 ، وقعة صفّين : ص124 عن يزيد بن خالد بن قَطَن ؛ الأخبار الطوال : ص166 كلّها نحوه .
4- .النساء : 102 .
5- .دعائم الإسلام : ج1 ص371 .

ص: 541

د : انتهاز الفرصة
ه : الانسحاب التّاكتيكيّ
9 / 2 تأسيس القوّات الخاصّة

د : اِنتِهازُ الفُرصَةِعسب : عن الحسين عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ القِتالِ _: مَن رَأى فُرصَةً مِنَ العَدُوِّ فَليَنشُز ، وَليَنتَهِزِ الفُرصَةَ بَعدَ إحكامِ مَركَزِهِ ، فَإِذا قَضى حاجَتَهُ عادَ إلَيهِ (1) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الملاحم :وقعة صفّين :أقبَلَ الأَحنَفُ بنُ قَيسٍ السَّعدِيُّ [في حَربِ صِفّينَ] فَقالَ: يا أهلَ العِراقِ ، وَاللّهِ لا تُصيبونَ هذَا الأَمرَ أذَلَّ عُنُقا مِنهُ اليَومَ ، قَد كَشَفَ القَومُ عَنكُم قِناعَ الحَياءِ ، وما يُقاتِلونَ عَلى دينٍ ، وما يَصبِرونَ إلّا حَياءً ؛ فَتَقَدَّموا .

فَقالوا: إنّا إن تَقَدَّمنَا اليَومَ فَقَد تَقَدَّمنا أمسِ ، فَما تَقولُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ: تَقَدَّموا في مَوضِعِ التَّقَدُّمِ ، وتَأَخَّروا في مَوضِعِ التَّأَخُّرِ ؛ تَقَدَّموا مِن قَبلِ أن يَتَقَدَّموا إلَيكُم (2) .ه : الاِنسِحابُ التّاكتيكيّ* ومنه في الطفّ :الإمام عليّ عليه السلام :الفِرارُ في أوانِهِ يَعدِلُ الظَّفَرَ في زَمانِهِ (3) .* وفي أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام_ كانَ يَقولُ لِأَصحابِهِ عِندَ الحَربِ _: لا تَشتَدَّنَّ عَلَيكُم فَرَّةٌ بَعدَها كَرَّةٌ ، ولا جَولَةٌ بَعدَها حَملَةٌ (4) .9 / 2تَأسيسُ القُوّاتِ الخاصَّةِ* وفي الخبر :الإمام الصادق عليه السلام :كانوا _ شُرطَةُ (5) الخَميسِ _ سِتَّةَ آلافِ رَجُلٍ أنصارهُ [أي عَلِيّ عليه السلام ] (6) .

.


1- .دعائم الإسلام : ج1 ص372 .
2- .وقعة صفّين : ص406 ، بحار الأنوار : ج32 ص511 ح437 .
3- .غرر الحكم : ح2003 .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 16 ، عيون الحكم والمواعظ : ص530 ح9644 وفيه «صولة» بدل «حملة» .
5- .شُرَط السلطان : نخبة أصحابه الَّذين يقدّمهم على غيرهم من جنده . وقال ابن الأعرابي : هم الشُّرَط ، والنسبة إليهم : شُرَطِيٌّ ؛ والشُرْطة ، والنسبة إليهم : شُرْطِيٌّ (النهاية : ج2 ص460) .
6- .الاختصاص : ص2 .

ص: 542

* وعن أبي الحسن عليه السلام :الاختصاص عن عليّ بن الحكم :أصحابُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام الَّذينَ قالَ لَهُم : تَشَرَّطوا ، فَأَنَا اُشارِطُكُم عَلَى الجَنَّةِ ، ولَستُ اُشارِطُكُم عَلى ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ _ ؛ إنَّ نَبِيَّنا صلى الله عليه و آله فيما مَضى قالَ لِأَصحابِهِ : تَشَرَّطوا ، فَإِنّي لَستُ اُشارِطُكُم إلّا عَلَى الجَنَّةِ _ وهُم : سَلمانُ الفارِسيُّ ، وَالمِقدادُ ، وأبو ذَرِّ الغِفارِيُّ ، وعَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، وأبو ساسانَ وأبو عَمرٍو الأَنصارِيّانِ ، وسَهلٌ _ بَدرِيٌّ _ وعُثمانُ ابنا حُنَيفٍ الأَنصارِيُّ ، وجابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ .

ومِن أصفياءِ أصحابِهِ ، عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخُزاعِيُّ عَرَبيٌّ ، ومَيثَمٌ التَّمّارُ _ وهُوَ مَيثَمُ ابنُ يَحيى ، مَولى _ ، ورُشَيدٌ الهَجَرِيُّ ، وحَبيبُ بنُ مُظَهَّرٍ الأَسَدِيُّ ، ومُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ .

ومِن أولِيائِهِ : العَلَمُ الأَزدِيُّ ، وسُوَيدُ بنُ غَفَلَةَ الجُعِفيُّ ، وَالحارِثُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَعوَرِ الهَمدانِيُّ ، وأبو عَبدِ اللّهِ الجَدَلِيُّ ، وأبو يَحيى حَكيمُ بنُ سَعدٍ الحَنَفِيُّ .

وكانَ مِن شُرطَةِ الخَميسِ: أبُو الرَّضِيِّ عَبدُ اللّهِ بنُ يَحيَى الحَضرَمِيُّ ، وسَليمُ بنُ قَيسٍ الهِلالِيُّ ، وعُبَيدَةُ السَّلمانِيُّ المُرادِيُّ ، عَرَبِيٌّ .

ومِن خَواصِّهِ : تَميمُ بنُ حِذيَمٍ النّاجي _ وقَد شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام _ ، [ و ] قَنبَرٌ مَولى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، [ و ] أبو فاخِتَةَ مَولى بَني هاشِمٍ ، وعُبَيدُ اللّهِ بنُ أبي رافِعٍ _ وكانَ كاتِبَهُ _ (1) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :رجال الكشّي عن أبي الجارود :قُلتُ لِلأَصبَغِ بنِ نُباتَةَ : ما كانَ مَنزِلَةُ هذَا الرَّجُلِ [عَلِيٍّ عليه السلام ]فيكُم ؟ قالَ : ما أدري ما تَقولُ ! إلّا أنَّ سُيوفَنا كانَت عَلى عَواتِقِنا ، فَمَن أومى إلَيهِ ضَرَبناهُ بِها . وكانَ يَقولُ لَنا : تَشَرَّطوا ، فَوَاللّهِ مَا اشتِراطُكُم لِذَهَبٍ ولا لِفِضَّةٍ ، ومَا .


1- .الاختصاص : ص2 ؛ الفهرست لابن النديم : ص223 وفيه إلى «إلّا على الجنّة» .

ص: 543

9 / 3 العناية الخاصّة بالقوات المسلّحة

* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :اشتِراطُكُم إلّا لِلمَوتِ ، إنَّ قَوما مِن قَبلِكُم مِن [ بَني إسرائيلَ ] (1) تَشارَطوا بَينَهُم ، فَما ماتَ أحَدٌ مِنهُم حَتّى كانَ نَبِيَّ قَومِهِ ، أو نَبِيَّ قَريَتِهِ ، أو نَبِيَّ نَفسِهِ ، وإنَّكُم لَبِمَنزِلَتِهِم ، غَيرَ أنَّكُم لَستُم بِأَنبِياءَ (2) .عسس : عن اُمّ أيمن :رجال الكشّي :رُوِيَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّهُ قالَ لِعَبدِ اللّهِ بنِ يَحيَى الحَضرَمِيِّ يَومَ الجَمَلِ : أبشِر يَابنَ يَحيى ؛ فَأَنتَ وأبوكَ مِن شُرطَةِ الخَميِس حَقّا ، لَقَد أخبَرَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِاسمِكَ وَاسمِ أبيكَ في شُرطَةِ الخَميسِ ، وَاللّهُ سَمّاكُم شُرطَةَ الخَميسِ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله . وذَكَرَ أنّ شُرطَةَ الخَميسِ كانوا سِتَّةَ آلافِ رَجُلٍ ، أو خَمسَةَ آلافٍ (3) .9 / 3العِنايَةُ الخاصَّةُ بِالقُوات المُسَلَّحَةِ* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ تَفَقَّد مِن اُمورِهِم ما يَتَفَقَّدُهُ الوالِدانِ مِن وَلَدِهِما ، ولا يَتَفاقَمَنَّ في نَفسِكَ شَيءٌ قَوَّيتَهُم بِهِ . ولا تَحقِرَنَّ لُطفا تَعاهَدتَهُم بِهِ وإن قَلَّ ؛ فَإِنَّهُ داعِيَةٌ لَهُم إلى بَذلِ النَّصيحَةِ لَكَ ، وحُسنِ الظَّنِّ بِكَ . ولا تَدَع تَفَقُّدَ لَطيفِ اُمورِهِمُ اتِّكالاً عَلى جَسيمِها ؛ فَإِنَّ لِليَسيرِ مِن لُطفِكَ مَوضِعا يَنتَفِعونَ بِهِ ، ولِلجَسيمِ مَوقِعا لا يَستَغنونَ عَنهُ .

وَليَكُن آثَرُ رُؤوسِ جُندِكَ عِندَكَ مَن واساهُم في مَعونَتِهِ ، وأفضَلَ عَلَيهِم مِن جِدَتِهِ بِما يَسَعُهُم ويَسَعُ مَن وَراءَهُم مِن خُلوفِ أهليهِم ، حَتّى يَكونَ هَمُّهُم هَمّا واحِدا في جِهادِ العَدُوِّ ؛ فَإِنَّ عَطفَكَ عَلَيهِم يَعطِفُ قُلوبَهُم عَلَيكَ . وإنَّ أفضَلَ قُرَّة

.


1- .سقط ما بين المعقوفين من المصدر وأثبتناه من بحار الأنوار .
2- .رجال الكشّي : ج1 ص19 ح8 ، بحار الأنوار : ج42 ص150 ح16 .
3- .رجال الكشّي : ج1 ص24 ح10 ، بحار الأنوار : ج42 ص151 ح18 .

ص: 544

9 / 4 الِاهتِمام بِمعنوِيّاتِ الجيشِ
أ : التّحريض

* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :عَينِ الوُلاةِ استِقامَةُ العَدلِ في البِلادِ ، وظُهورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ ، وإنَّهُ لا تَظهَرُ مَوَدَّتُهُم إلّا بِسَلامَةِ صُدورِهِم ، ولا تَصِحُّ نَصيحَتُهُم إلّا بِحيطَتِهِم عَلى وُلاةِ اُمورِهِم ، وقِلَّةِ استِثقالِ دُوَلِهِم ، وتَركِ استبِطاءِ انقِطاع مُدَّتِهِم .

فَافسَح في آمالِهِم ، وواصِل في حُسنِ الثَّناءِ عَلَيهِم ، وتَعديدِ ما أبلى ذَوُو البَلاءِ مِنهُم ؛ فَإِنَّ كَثرَةَ الذِّكرِ لِحُسنِ أفعالِهِم تَهُزُّ الشُّجاعَ ، وتُحَرِّضُ النّاكِلَ إن شاءَ اللّهُ . ثُمَّ اعرِف لِكُلِّ امرِئً مِنهُم ما أبلى ، ولا تَضُمَّنَّ بَلاءَ امرِئً إلى غَيرِهِ ، ولا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دونَ غايَةِ بَلائِهِ ، ولا يَدعُوَنَّكَ شَرَفُ امرِئً إلى أن تُعظِمَ مِن بَلائِهِ ما كانَ صَغيرا ، ولا ضَعَةُ امرِئً إلى أن تَستَصغِرَ مِن بَلائِهِ ما كانَ عَظيما (1) .9 / 4الِاهتِمامُ بِمَعنَوِيّاتِ الجَيشِأ : التَّحريض* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :الكافي عن أبي صادق :سَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام يُحَرِّضُ النّاسَ في ثَلاثَةِ مَواطِنَ : الجَمَلِ ، وصِفّينَ ، ويَومِ النَّهرِ ؛ يَقولُ : عِبادَ اللّهِ ، اتَّقُوا اللّهَ ، وغُضُّوا الأَبصارَ ، وَاخفِضُوا الأَصواتَ ، وأقِلُّوا الكَلامَ ، ووَطِّنوا أنفُسَكُم عَلَى المُنازَلَةِ ، وَالمُجادَلَةِ ، والمُبارَزَةِ ، وَالمُناضَلَةِ ، وَالمُنابَذَةِ ، وَالمُعانَقَةِ ، وَالمُكادَمَةِ (2) ، وَاثبُتوا «وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَ_زَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّ_بِرِينَ» (3) . (4)

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص137 ، دعائم الإسلام : ج1 ص361 كلاهما نحوه .
2- .الكَدْم : العضّ بأدنى الفم كما يكدُمُ الحمار ، وقيل : هو العضّ عامة ، أو كدَمَه : أثّر فيه بحديدة ، وكدَمَ الصيدَ كدما : طردَه وجدّ في طلبه حَتّى يغلبَه (تاج العروس : ج17 ص604) .
3- .الأنفال :45 _ 46 .
4- .الكافي : ج5 ص38 ح2 ، الإرشاد : ج1 ص265 ، وقعة صفّين : ص204 عن الحضرمي ؛ المعيار والموازنة : ص158 ، شرح نهج البلاغة : ج4 ص26 كلّها نحوه .

ص: 545

عسل : في الذئب :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام لِابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ لَمّا أعطاهُ الرّايَةَ يَومَ الجَمَلِ _: تَزولُ الجِبالُ ولا تَزُل ، عَضَّ عَلى ناجِذِكَ . أعِرِ اللّهَ جُمجُمَتَكَ . تِد فِي الأَرضِ قَدَمَك . ارمِ بِبَصَرِكَ أقصَى القَومِ ، وغُضَّ بَصَرَكَ ، وَاعلَم أنَّ النَّصرَ مِن عِندِ اللّهِ سُبحانَهُ (1) .* ومنه عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام :عنه عليه السلام_ مِمّا كانَ يَقولُهُ لِأَصحابِهِ عِندَ الحَربِ _: لا تَشتَدَّنَّ عَلَيكُم فَرَّةٌ بَعدَها كَرَّةٌ ، ولا جَولَةٌ بَعدَها حَملَةٌ ، وأعطُوا السُّيوفَ حُقوقَها . ووَطِّئوا لِلجُنوبِ مَصارِعَها ، وَاذمُروا (2) أنفُسَكُم عَلَى الطَّعن الدَّعسِيِّ (3) وَالضَّربِ الطِّلَحفِيِّ (4) . وأميتُوا الأَصواتَ ؛ فَإِنَّهُ أطرَدُ لِلفَشَلِ . فَوَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ما أسلَموا ، ولكِنِ استَسلَموا ، وأسَرُّوا الكُفرَ ، فَلَمّا وَجَدوا أعوانا عَلَيهِ أظهَروهُ (5) .* ومنه عن زينب عليهاالسلام :عنه عليه السلام_ في حَثِّ أصحابِهِ عَلَى القِتالِ _: فَقَدِّمُوا الدّارِعَ ، وأخِّرُوا الحاسِرَ ، وعَضُّوا عَلَى الأَضراسِ ؛ فَإِنَّهُ أنبى (6) لِلسُّيوفِ عَنِ الهامِ . وَالتَووا في أطرافِ الرِّماحِ ؛ فَإِنَّهُ أموَرُ (7) لِلأَسِنَّةِ . وغُضُّوا الأَبصارَ ؛ فَإِنَّهُ أربَطُ لِلجَأشِ ، وأسكَنُ لِلقُلوبِ . وأميتُوا الأَصواتَ ؛ فَإِنَّهُ أطرَدُ لِلفَشَلِ . ورايَتَكُم فَلا تُميلوها ، ولا تُخِلّوها ، ولا تَجعَلوها إلّا بِأَيدي شُجعانِكُم وَالمانِعينَ الذِّمارَ مِنكُم ؛ فَإِنَّ الصّابِرينَ عَلى نُزولِ الحَقائِقِ هُمُ الَّذينَ يَحُفّونَ بِراياتِهِم ، ويَكتَنِفونَها ؛ حَفافَيها و وراءَها وأمامَها ، لا يَتَأَخَّرونَ عَنها .


1- .نهج البلاغة : الخطبة 11 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص155 .
2- .أي نشّطوا (أساس البلاغة : ص145) .
3- .الدَّعْس : شدّة الوط ء (لسان العرب : ج6 ص84) والمراد هنا الطعن الشديد.
4- .ضَربَه ضَربا طَلَحْفا : أي شديدا (لسان العرب : ج9 ص223) .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 16 ، عيون الحكم والمواعظ : ص530 ح9644 نحوه وليس فيه من «فوالَّذي . . .» .
6- .نَبا السيفُ عن الضريبة : كَلَّ ولم يَحِك فيها (لسان العرب : ج15 ص301) .
7- .مارَ الشيءيَمورُ مَورا: تَرَهْيَأ؛ أي تحرّك وجاء وذهب كما تتكفّأ النخلة العيدانة (لسان العرب: ج5 ص186).

ص: 546

* ومنه عن زينب عليهاالسلام :فيُسلِموها ، ولا يَتَقَدَّمونَ عَلَيها فَيُفرِدوها .

أجزَأَ امرُؤٌ قِرنَه (1) ، وآسى أخاهُ بِنَفسِهِ ، ولَم يَكِل قِرنَهُ إلى أخيهِ ، فَيَجتَمِعَ عَلَيهِ قِرنُهُ وقِرنُ أخيهِ . وَايمُ اللّهِ لَئِن فَرَرتُم مِن سَيفِ العاجِلَةِ لا تَسلَموا مِن سَيفِ الآخِرَةِ ، وأنتُم لَهاميمُ (2) العَرَبِ ، وَالسِّنامُ الأَعظَمُ ؛ إنَّ فِي الفِرارِ مَوجِدَةَ اللّهِ ، وَالذُّلَّ اللّازِمَ ، وَالعارَ الباقِيَ . وإنَّ الفارَّ لَغَيرُ مَزيدٍ في عُمُرِهِ ، ولا مَحجوزٍ بَينَهُ وبَينَ يَومِهِ . مَنِ الرّائِحُ إلَى اللّهِ كَالظَّمآنِ يَرِدُ الماءَ ؟ الجَنَّةُ تَحتَ أطرافِ العَوالي ! اليَومَ تُبلَى الأَخبارُ ! وَاللّهِ لَأَنَا أشوَقُ إلى لِقائِهِم مِنهُم إلى دِيارِهِم ! !

اللّهُمّ فَإِن رَدُّوا الحَقَّ فَافضُض جَماعَتَهُم ، وشَتِّت كَلِمَتَهُم ، وأبسِلهُم بِخَطاياهُم ، إنَّهُم لَن يَزولوا عَن مَواقِفِهِم دونَ طَعنٍ دِراكٍ ؛ يَخرُجُ مِنهُمُ النَّسيمُ ، وضَربٍ يَفلِقُ الهامَ ، ويُطيحُ العِظامَ ، ويُندِرُ (3) السَّواعِدَ وَالأَقدامَ ، وحَتّى يُرمَوا بِالمَناسِرِ تَتبَعُهَا المَناسِرُ ، ويُرجَموا بِالكَتائِبِ تَقفوهَا الحَلائِبُ ، وحَتّى يُجَرَّ بِبِلادِهِمُ الخَميسُ يَتلوهُ الخَميسُ ، وحَتّى تَدعَقَ (4) الخُيولُ في نَواحِرِ أرضِهِم ، وبِأَعنانِ مَسارِبِهِم ومَسارِحِهِم (5) .* ومنه عوذة الدوابّ عن الصادقِين عليهم السلامالكافي عن مالك بن أعين :حَرَّضَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ النّاسَ بِصِفّينَ ، فَقالَ : إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ دَلَّكُم عَلى تِجارَةٍ تُنجيكُم مِن عَذابٍ أليمٍ ، وتُشفي (6) بِكُم عَلَى الخَيرِ ، وَالإِيمانِ بِاللّهِ ، وَالجِهادِ في سَبيلِ اللّهِ، وجَعَلَ ثَوابَهُ مَغفِرَةً لِلذَّنبِ ، ومَساكِنَ طَيِّبَةً فى

¨ .


1- .أجزأه الشيء : كفاه (لسان العرب : ج1 ص46) .
2- .لِهْميم ولُهْموم: جواد سابق يجري أمام الخيل؛ لالتهامه الأرض، الجمع لَهاميم (لسان العرب: ج12 ص554).
3- .نَدَر : أي سقط ووقع (النهاية : ج5 ص35) .
4- .قال الشريف الرضي : الدعق : الدقّ ؛ أي تدقّ الخيول بحوافرها أرضهم . ونَواحرُ أرضهم : متقابلاتها ، ويقال : منازل بني فلان تتناحر ، أي تتقابل (نهج البلاغة : ذيل الخطبة 124) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 124 وراجع الإرشاد : ج1 ص266 ووقعة صفّين : ص235 .
6- .أشفى على الشيء : أشرف عليه (لسان العرب : ج14 ص436).

ص: 547

ب : الشّعار

* ومنه عوذة الدوابّ عن الصادقِين عليهم السلامجَنّاتِ عَدنٍ ، وقالَ عَزَّ وجَلَّ : «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَ_تِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَ_نٌ مَّرْصُوصٌ» (1) . فَسَوّوا صُفوفَكُم كَالبُنيانِ المَرصوصِ .

فَقَدِّمُوا الدّارِعَ ، وأخِّرُوا الحاسِرَ ، وعَضّوا عَلَى النَّواجِذِ ؛ فَإِنَّهُ أنبى لِلسُّيوفِ عَلَى الهامِ ، وَالتَووا عَلى أطرافِ الرِّماحِ ؛ فَإِنَّهُ أموَرُ لِلأَسِنَّةِ ، وغُضُّوا الأَبصارَ ؛ فَإِنَّهُ أربَطُ لِلجَأشِ ، وأسكَنُ لِلقُلوبِ ، وأميتُوا الأَصواتَ ؛ فَإِنَّهُ أطرَدُ لِلفَشَلِ ، وأولى بِالوَقارِ (2) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله في نكاح المطلّقةالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لا يَصبِرُ عَلَى الحَربِ ويَصدُقُ فِي اللِّقاءِ إلّا ثَلاثَةٌ: مُستَبصِرٌ في دينٍ ، أو غَيرانُ عَلى حُرمَةٍ ، أو مُمتَعِضٌ (3) مِن ذُلٍّ (4) .ب : الشِّعارعسا : عن الإمام العسكري عليه السلام في قوله تعالىالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَ بِإِعلانِ الشِّعارِ قَبلَ الحَربِ ، وقالَ: لِيَكُن في شِعارِكُمُ اسمٌ مِن أسماءِ اللّهِ (5) .عشب : في عوذة الدوابّ :وقعة صفّين عن الأصبَغ بن نُباتَة :ما كانَ عَلِيٌّ في قِتالٍ قَطُّ إلّا نادى : «كهيعص» (6) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الصدقة :الإمام الصادق عليه السلام :شِعارُنا : «يا مُحَمَّدُ يا مُحَمَّدُ» ، وشِعارُنا يَومَ بَدرٍ: «يا نَصرَ اللّهِ اقتَرِبِ اقتَرِب» ، وشِعارُ المُسلِمينَ يَومَ اُحُدٍ: «يانَصرَ اللّهِ اقتَرِب» ، ويَومَ بِنَي النَّضيرِ: «يا روحَ القُدُسِ أرِح» ، ويَومَ بَني قَينُقاعَ: «يا رَبَّنا لا يَغلِبَنَّكَ» ، ويَومَ الطّائِفِ: «يا رِضوانُ» ،

.


1- .الصفّ : 4 .
2- .الكافي : ج5 ص39 ح4 .
3- .مَعِض من ذلك الأمر يَمعضُ مَعْضا ومَعَضا ، وامتَعَضَ منه : غضب وشقّ عليه واُوجعه (لسان العرب : ج7 ص234) .
4- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص288 ح292 .
5- .دعائم الإسلام : ج1 ص370 .
6- .وقعة صفّين : ص231 ، بحار الأنوار : ج32 ص461 ح398 و ج100 ص36 ح32 ؛ شرح نهج البلاغة : ج5 ص176 .

ص: 548

* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الصدقة :وشِعارُ يَومٍ حُنَينٍ: «يا بَني عَبدِ اللّهِ يا بَني عَبدِ اللّهِ» ، ويَومِ الأَحزابِ: «حم لا يُبصِرونَ» ، ويَومِ بَني قُرَيظَةَ: «يا سَلامُ أسلِمهُم» ، ويَومِ المُرَيسيعِ ؛ وهُوَ يَومُ بَنِي المُصطَلِقِ: «ألا إلَى اللّهِ الأَمرُ» ، ويَومِ الحُدَيبِيَّةِ: «ألا لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمينَ» ، ويَومِ خَيبَرٍ ؛ يَومِ القَموصِ: «يا عَلِيُّ آتِهِم مِن عَلِ (1) » ، ويَومِ الفَتحِ: «نَحنُ عِبادُ اللّهِ حَقّا حَقّا» ، ويَومِ تَبوكَ: «يا أحَدُ يا صَمَدُ» ، ويَومِ بَني المَلوحِ: «أمِت أمِت» ، ويَومِ صِفّينَ: «يا نَصرَ اللّهِ» ، وشِعارُ الحُسَينِ عليه السلام : «يا مُحَمَّدُ» ، وشِعارُنا: «يامُحَمَّدُ» (2) .عشر : عن أبي جعفر عليه السلام في ناقة صالح :شرح نهج البلاغة عن سلام بن سُوَيد عن الإمام عليّ عليه السلام_ في كَلِمَةِ «اللّهُ أكبَرُ» قالَ _: هِيَ آيَةُ النَّصرِ .

قالَ سَلامٌ : كانَت شِعارَهُ عليه السلام ، يَقولُها فِي الحَربِ ، ثُمَّ يَحمِلُ فَيورِدُ _ وَاللّهِ _ مَنِ اتَّبَعَهُ ومَن حادَّهُ حِياضَ المَوتِ (3) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :وقعة صفّين عن تميم :كانَ عَلِيٌّ إذا سارَ إلَى القِتالِ ذَكَرَ اسمَ اللّهِ حينَ يَركَبُ . . . ثُمَّ يَقولُ : اللّهُ أكبَرُ ، اللّهُ أكبَرُ ، لا إلهَ إلَا اللّهُ واللّهُ أكبَرُ ، يا اللّهُ ، يا أحَدُ ، يا صَمَدُ ، يا رَبَّ مُحَمَّدٍ ، بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ * الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ * مَ__لِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» اللّهُمَّ كُفَّ عَنّا بَأسَ الظّالِمينَ . فَكانَ هذا شِعارَهُ بِصِفّينَ (4) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :وقعة صفّين :كانَت علامَةُ أهلِ العِراقِ بِصِفّينَ الصّوفَ الأَبيَضَ ؛ قَد جَعَلوهُ في رُؤوسِهِم ، وعَلى أكتافِهِم . وشِعارُهُم: «يا اللّهُ ، يا أحَدُ ، يا صَمَدُ ، يارَبَّ مُحَمَّدٍ ، يارَحمنُ يا .


1- .أتيتُه من عَلِ الدار _ بكسر اللام وضمّها _ ، وأتيته من عَلَى ، ومن عالٍ ، كلّ ذلك أي من فوق (تاج العروس : ج19 ص696) .
2- .الكافي : ج5 ص47 ح1 عن معاوية بن عمّار ، بحار الأنوار : ج19 ص163 ح1 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج5 ص177 ؛ بحار الأنوار : ج32 ص461 ح400 و ج100 ص37 ح 35 .
4- .وقعة صفّين : ص230 ؛ شرح نهج البلاغة : ج5 ص176 عن جابر الجعفي .

ص: 549

ج : تحديث النّفس بالغلبة
د : التّحذير من الفرار

* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :رَحيمُ» .

وكانَ عَلامَةُ أهلِ الشّامِ خِرَقا صُفرا قَد جَعَلوها عَلى رُؤوسِهِم وأكتافِهِم ، وكانَ شِعارُهُم: «نَحنُ عِبادُ اللّهِ حَقّا حَقّا ، يا لَثاراتِ عُثمانَ» (1) .ج : تَحديثُ النَّفسِ بِالغَلَبَةِ* وعنه صلى الله عليه و آله في البصرة :الجمل عن عمرو بن دينار :قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام لِابنِهِ مُحَمَّدٍ: خُذِ الرّايَةَ وَامضِ . وعَلِيٌّ عليه السلام خَلفَهُ ، فَناداهُ: يا أبَا القاسِمِ ! فَقالَ: لَبَّيكَ يا أبَه . فَقالَ: يابُنَيَّ لا يَستَفِزَّكَ ما تَرى ، قَد حَمَلتُ الرّايَةَ وأنَا أصغَرُ مِنكَ فَمَا استَفَزَّني عَدُوّي وذلِكَ أنَّني لَم ألقَ أحَدا إلّا حَدَّثَتني نَفسي بِقَتلِهِ ، فَحَدِّث نَفسَكَ _ بِعَونِ اللّهِ _ بِظُهورِكَ عَلَيهِم ، ولا يَخذُلكَ ضَعفُ النَّفسِ بِاليَقينِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ أشَدُّ الخِذلانِ . قالَ: فَقُلتُ: يا أبَه ، أرجو أن أكونَ كَما تُحِبُّ ، إن شاءَ اللّهُ (2) .د : التَّحذيرُ مِنَ الفِرارِ* وعن الرضا عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام :الفِرارُ مِنَ الزَّحفِ مِنَ الكَبائِرِ (3) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في رجل استأذعنه عليه السلام :الفِرارُ أحَدُ الذُّلَّينِ (4) .* وفي الخبر :عنه عليه السلام :عاوِدُوا الكَرَّ ، وَاستَحيوا مِنَ الفَرِّ ؛ فَإِنَّهُ عارٌ فِي الأَعقابِ ، ونارٌ يَومَ الحِسابِ . وطيبوا عَن أنفُسِكُم نَفسا ، وَامْشوا إلَى المَوتِ مَشيا سُجُحا (5) .عشش : عن زينب عليهاالسلام :عنه عليه السلام :لِيَعلَمِ المُنهَزِمُ بِأَنَّهُ مُسخِطٌ رَبَّهُ ، وموبِقٌ نَفسَهُ ، إنَّ فِي الفِرارِ مَوجِدَةَ اللّهِ، وَالذُّل

.


1- .وقعة صفّين : ص332 ، بحار الأنوار : ج33 ص27 ح380 ؛ شرح نهج البلاغة : ج8 ص15 .
2- .الجمل : ص368 .
3- .دعائم الإسلام : ج1 ص370 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة : ج7 ص733 ح6 عن مالك بن جرير الحضرمي .
4- .غرر الحكم : ح1663 .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 66 ؛ تاريخ دمشق : ج42 ص460 وفيه «فإنّه عار باق في الأعقاب والأعناق» .

ص: 550

ه : كتمان ما يضرّ بمعنويّات الجيش

عشش : عن زينب عليهاالسلام :اللّازِمَ ، وَالعارَ الباقِيَ ، وفَسادَ العَيشِ عَلَيهِ . وإنَّ الفارَّ لَغَيرُ مَزيدٍ في عُمُرِهِ ، ولا مَحجوزٌ بَينَهُ وبَينَ يَومِهِ ، ولا يُرضي رَبَّهُ . ولَمَوتُ الرَّجُلِ مَحقا قَبلَ إتيانِ هذِهِ الخِصالِ خَيرٌ مِنَ الرِّضى بِالتَّلبيسِ بِها ، وَالإِقرارِ عَلَيها ! (1)* ومنه عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام :الكافي عن مالك بن أعيَن :حَرَّضَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ النّاسَ بِصِفّينَ فَقالَ : . . . رَحِمَ اللّهُ امرَأً واسى أخاهُ بِنَفسِهِ ، ولَم يَكِل قِرنَهُ إلى أخيهِ ؛ فَيَجتَمِعَ قِرنُهُ وقِرنُ أخيهِ ، فَيَكتَسِبَ بِذلِكَ اللّائِمَةَ ، ويَأتِيَ بِدَناءَةٍ ؛ وكَيفَ لا يَكونُ كَذلِكَ وهُوَ يُقاتِلُ الاِثنَينِ ، وهذا مُمسِكٌ يَدَهُ قَد خَلّى قِرنَهُ عَلى أخيهِ ، هارِبا مِنهُ ، يَنظُرُ إلَيهِ وهذا ! ! فَمَن يَفعَلهُ يَمقُتهُ اللّهُ ، فَلا تَعَرَّضوا لِمَقتِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ؛ فَإِنَّما مَمَرُّكُم إلَى اللّهِ ، وقَد قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ : «لَن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَا قَلِيلاً» (2) .

وَايمُ اللّهِ ، لَئِن فَرَرتُم مِن سُيوفِ العاجِلَةِ لا تَسلَمونَ مِن سُيوفِ الآجِلَةِ ، فَاستَعينوا بِالصَّبرِ وَالصِّدقِ ؛ فَإِنَّما يَنزِلُ النَّصرُ بَعدَ الصَّبرِ ، فَجاهِدوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ . ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ (3) .ه : كِتمانُ ما يَضُرُّ بِمَعنَوِيّاتِ الجَيشِعشا : عنه عليه السلام :وقعة صفّين عن أبي رَوقٍ :قالَ زِيادُ بنُ النَّضرِ الحارِثِيُّ لِعَبدِ اللّهِ بنِ بُديلِ بنِ وَرقاءَ: إنَّ يَومَنا ويَومَهُم لَيَومٌ عَصيبٌ ؛ ما يَصبِرُ عَلَيهِ إلّا كُلُّ مُشَيَّعِ القَلبِ ، صادِقُ النِّيَّةِ ، رابِط

.


1- .الكافي : ج5 ص41 ح4 عن مالك بن أعين ، بحار الأنوار : ج32 ص472 ح411 عن زيد بن وهب نحوه وفيه «الإصرار» بدل «الإقرار» وراجع المعيار والموازنة : ص150 .
2- .الأحزاب : 16 .
3- .الكافي : ج5 ص39 ح4 ، وقعة صفّين : ص235 عن عبد الرحمن بن محمّد بن زياد المحاربي ؛ تاريخ الطبري : ج5 ص16 عن أبي عمرة الأنصاري وكلاهما نحوه وراجع نهج البلاغة : الخطبة 124 .

ص: 551

9 / 5 الخدعة

عشا : عنه عليه السلام :الجَأشِ ، وَايمُ اللّهِ ، ما أظُنُّ ذلِكَ اليوَمَ يُبقي مِنّا ومِنهُم إلَا الرُّذّالَ ! قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ بُديلٍ: وَاللّهِ أظُنُّ ذلِكَ .

فَقالَ عَلِيٌّ: لِيَكن هذَا الكَلامُ مَخزونا في صُدورِكُما ، لا تُظهِراهُ ، ولا يَسمَعهُ مِنكُما سامِعٌ ؛ إنَّ اللّهَ كَتَبَ القَتلَ عَلى قَومٍ ، وَالمَوتَ عَلى آخَرينَ ، وكُلٌّ آتيهِ مَنِيَّتُهُ كَما كَتَبَ اللّهُ لَهُ ، فَطوبى لِلمُجاهِدينَ في سَبيلِ اللّهِ ، وَالمَقتولينَ في طاعَتِهِ (1) .9 / 5الخُدعَة* وعن أبي جعفر الدوانيقي :الإمام عليّ عليه السلام :إذا حَدَّثتُكُم عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَديثا ، فَوَاللّهِ لَأَن أخِرَّ مِنَ السَّماءِ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أكذِبَ عَلَيهِ . وإذا حَدَّثتُكُم فيما بَيني وبَينَكُم ، فَإِنَّ الحَربَ خُدعَةٌ (2) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :الإمام الباقر عليه السلام :إنّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَقولُ: لَأَن تَخَطَّفَنِي الطَّيرُ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن أقولَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما لَم يَقُل ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ في يَومِ الخَندَقِ: الحَربُ خُدعَةٌ . يَقولُ: تَكَلَّموا بِما أرَدتُم (3) .عصب : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المهديالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: كُن فِي الحَربِ بِحيلَتِكَ أوثَقَ مِنكَ بِشِدَّتِكَ ، وبِحَذَرِكَ أفرَحَ مِنكَ بِنَجدَتِكَ ؛ فَإِنَّ الحَربَ حَربُ المُتَهَوِّرِ ، وغَنيمَةُ المُتَحَذِّرِ (4) .

.


1- .وقعة صفّين : ص111 ، بحار الأنوار : ج32 ص403 ح369 _ 373 ؛ شرح نهج البلاغة : ج3 ص183 وفيه «عصبصب» بدل «عصيب» .
2- .صحيح البخاري : ج6 ص2539 ح6531 و ج3 ص1322 ح3415 ، صحيح مسلم : ج2 ص746 ح1066 ، سنن أبي داوود : ج4 ص244 ح4767 ، مسند ابن حنبل : ج1 ص177 ح616 وفيه «عن غيره فإنّما أنا رجل محارب» بدل «فيما بيني وبينكم» ، و ص276 ح1086 كلّها عن سويد بن غفلة .
3- .تهذيب الأحكام : ج6 ص162 ح298 عن إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام ، قرب الإسناد : ص133 ح466 عن أبي البختري عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلامنحوه .
4- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص312 ح588 .

ص: 552

* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :الكافي عن عَدِيّ بن حاتِم :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ يَومَ التقَى هُوَ ومُعاوِيَةُ بِصِفّينَ _ ورَفَع بِها صَوتَه لِيُسمِعَ أصحابَهُ _ : وَاللّهِ لَأَقتُلَنَّ مُعاوِيَةَ وأصحابَهُ ، ثُمَّ يَقولُ في آخِرِ قَولِهِ : إن شاءَ اللّهُ _ يَخفِضُ بِها صَوتَهُ _ .

وكُنتُ قَريبا مِنهُ ، فَقُلتُ: يا أميرَ المُؤمِنينَ إنَّكَ حَلَفتَ عَلى ما فَعَلتَ ، ثُمَّ استَثنَيتَ ، فَما أرَدتَ بِذلِكَ ؟ ! فَقالَ لي: إنَّ الحَربَ خُدعَةٌ ، وأنَا عِندَ المُؤمِنينَ غَيرُ كَذوبٍ ، فَأَرَدتُ أن اُحَرِّض أصحابي عَلَيهِم ؛ كَيلا يَفشَلوا ، وكَي يَطمَعوا فيهِم ، فَأَفقَهُهُم يَنتَفِعُ بِها بَعدَ اليَومِ إن شاءَ اللّهُ (1) .* ومنه في حديث الصخرة :تفسير القمّي_ في ذِكرِ غَزوَةِ الخَندَقِ _: مَرَّ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يُهَروِلُ في مَشيِهِ . . . فَقالَ لَهُ عَمرٌو: مَن أنتَ ؟ قالَ: أنَا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ؛ ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وخَتَنُهُ . فَقالَ: وَاللّهِ إنَّ أباكَ كانَ لي صَديقا قَديما وإنّي أكرَهُ أن أقتُلَكَ ، ما أمِنَ ابنُ عَمِّكَ _ حينَ بَعَثَكَ إلَيَّ _ أن أختَطِفَكَ بِرُمحي هذا فَأَترُكَكَ شائِلاً بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ ؛ لا حَيٌّ ولا مَيِّتٌ ! !

فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : قَد عَلِمَ ابنُ عَمّي أنَّكَ إن قَتَلتَني دَخَلتُ الجَنَّةَ وأنتَ فِي النّارِ ، وإن قَتَلتُكَ فَأَنتَ فِي النّارِ وأنَا فِي الجَنَّةِ .

فَقالَ عَمرٌو: وكِلتاهُما لَكَ يا عَلِيُّ ! تِلكَ إذا قِسمَةٌ ضيزى ! !

قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : دَع هذا يا عَمرُو ، إنّي سَمِعتُ مِنكَ وأنتَ مُتَعَلِّقٌ بِأَستارِ الكَعبَةِ تَقولُ : «لا يَعرِضَنَّ عَلَيَّ أحَدٌ فِي الحَربِ ثَلاثَ خِصالٍ إلّا أجَبتُهُ إلى واحِدَةٍ مِنها» ، وأنَا أعرِضُ عَلَيكَ ثلاثَ خِصالٍ ، فَأَجِبني إلى واحِدَةٍ ! قالَ: هاتِ يا عَلِيُّ ! .


1- .الكافي : ج7 ص460 ح1 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص163 ح299 ، تفسير القمّي : ج2 ص60 نحوه وفيهما «فافهم» بدل «فأفقههم» ، بحار الأنوار : ج100 ص27 ح33 نقلاً عن تفسير العيّاشي وفيه «فأفعلهم» بدل «فأفقههم» .

ص: 553

* ومنه في حديث الصخرة :قالَ: أحَدُها تَشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ . قال: نَحِّ عَنّي هذِهِ ، فَاسأَلِ الثّانِيَةَ .

فَقالَ : أن تَرجِعَ وتَرُدَّ هذَا الجَيشَ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِن يَكُ صادِقا فَأَنتُم أعلى بِهِ عَينا ، وإن يَكُ كاذِبا كَفَتكُم ذُؤبانُ العَرَبِ أمرَهُ ! فَقالَ : إذا لا تَتَحَدَّثُ نِساءُ قُرَيشٍ بِذلِكَ ، ولا تُنشِدُ (1) الشُّعَراءُ في أشعارِها أنّي جَبَنتُ ورَجَعتُ عَلى عَقِبي مِنَ الحَربِ ، وخَذَلتُ قَوما رَأَّسوني عَلَيهِم ! !

فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : فَالثّالِثَةُ أن تَنزِلَ إلَيَّ ؛ فَإِنَّكَ راكِبٌ وأنَا راجِلٌ ؛ حَتّى اُنابِذَكَ ! فَوَثَبَ عَن فَرَسِهِ وعَرقَبَهُ ، وقالَ : هذِهِ خَصلَةٌ ما ظَنَنتُ أنَّ أحَدا مِنَ العَرَبِ يَسومُني عَلَيها .

ثُمَّ بَدَأَ فَضَرَبَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام بِالسَّيفِ عَلى رَأسِهِ ، فَاتَّقاهُ أميرُ المُؤمِنينَ بِدَرَقَتِهِ ، فَقَطَعَها ، وَثَبَتَ السَّيفُ عَلى رَأسِهِ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : يا عَمرُو ، أما كَفَاكَ أنّي بارَزتُكَ وأنتَ فارِسُ العَرَبِ ، حَتَّى استَعَنتَ عَلَيَّ بِظَهيرٍ ؟ ! فَالتَفَتَ عَمرٌو إلى خَلفِهِ ، فَضَرَبَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مُسرِعا عَلى ساقَيهِ [فَ] (2) قَطَعَهُما جَميعا ، وَارتَفَعَت بَينَهُما عَجاجَةٌ ، فَقالَ المُنافِقونَ: قُتِلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . ثُمَّ انكَشَفَتِ (3) العَجاجَةُ فَنَظروا فَإِذا أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عَلى صَدرِهِ ، قَد أخَذَ بِلِحيَتِهِ يُريدُ أن يَذبَحَهُ ، فَذَبَحَهُ ، ثُمَّ أخَذَ رَأسَهُ وأقبَلَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالدِّماءُ تَسيلُ عَلى رَأسِهِ مِن ضَربَةِ عَمرٍو ، وسَيفُهُ يَقطُرُ مِنهُ الدَّمُ ، وهُوَ يَقولُ _ وَالرَّأسُ بِيَدِهِ _ :

أنَا عَلِيٌّ وَابنُ عَبدِ المُطَّلِبِ

المَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِنَ الهَرَبِ .


1- .في بحار الأنوار نقلاً عن المصدر : «إذا تتحدّث نساء قريش بذلك ، وينشد الشعراء . . .» ، وهو الأنسب .
2- .ما بين المعقوفين إضافة يقتضيها السياق .
3- .في المصدر : «انكشف» ، والتصحيح من بحار الأنوار .

ص: 554

9 / 6 أخلاق الحرب
أ : النّهي عن الابتداء بالقتال

* ومنه في حديث الصخرة :فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ياعَلِيُّ ما كَرتَهُ ؟ قالَ: نَعَم يا رَسولَ اللّهِ ؛ الحَربُ خَديعَةٌ (1) .9 / 6أخلاقُ الحَربِأ : النَّهيُ عَنِ الاِبتِداءِ بِالقِتالِ* وفي كرز الحارثي :تاريخ الطبري عن جُندَبٍ الأَزدِيّ :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَأمُرُنا في كُلِّ مَوطِنٍ لَقينا فيهِ مَعَهُ عَدُوّا فَيقَولُ: لا تُقاتِلُوا القَومَ حَتّى يَبدَؤوكُم ، فَأَنتُم بِحَمدِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى حُجَّةٍ ، وتَركُكُم إيّاهُم حَتّى يَبدَؤوكُم حُجَّةٌ اُخرى لَكُم ، فَإِذا قاتَلتُموهُم فَهَزَمتُموهُم فَلا تَقتُلوا مُدبِرا ، ولا تُجهِزوا عَلى جَريحٍ ، ولا تَكشِفوا عَورَةً ، ولا تُمَثِّلوا بِقَتيلٍ . فَإِذا وَصَلتُم إلى رِحالِ القَومِ فَلا تَهتِكوا سِترا ، ولا تَدخُلوا دارا إلّا بِإِذنٍ ، ولا تَأخُذوا شَيئا مِن أموالِهِم إلّا ما وَجَدتُم في عَسكَرِهِم ، ولا تُهَيِّجُوا امرَأَةً بِأَذىً ، وإن شَتَمنَ أعراضَكُم وسَبَبنَ اُمَراءَكُم وصُلَحاءَكُم ، فَإِنَّهُنَّ ضِعافُ القُوى وَالأَنفُسِ (2) .* وعن عليّ بن الحسين عليهماالسلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ قَبلَ وَقعَةِ صِفّينَ _: إيّاكَ أن تَبدَأ القَومَ بِقِتالٍ إلّا أن يَبدَؤوكَ ، حَتّى تَلقاهُم ، وتَسمَعَ مِنهُم ، ولا يَجرِمَنَّكَ شَنَآنُهُم عَلى قِتالِهِم قَبلَ دُعائِهِم وَالإِعذارِ إلَيهِم مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ ! (3)* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن وَصِيَّةٍ لَهُ لِعَسكَرِهِ قَبلَ لِقاءِ العَدُوِّ بِصِفّينَ _: لا تُقاتِلوهُم حَتّى يَبدَؤوكُم ؛ فَإِنَّكُم بِحَمدِ اللّهِ عَلى حُجَّةٍ ، وتَركُكُم إيّاهُم حَتّى يَبدَؤوكُم حُجَّةٌ اُخرى لَكُم عَلَيهِم . فَإِذا كانَتِ الهَزيمَةُ _ بِإِذنِ اللّهِ _ فَلا تَقتُلوا مُدبِرا ، ولا تُصيبوا مُعوِرا ، ولا تُجهِزوا عَلى جَريحٍ (4) .

.


1- .تفسير القمّي : ج2 ص183 ، بحار الأنوار : ج20 ص226 .
2- .تاريخ الطبري : ج5 ص10 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص370 ، الفتوح : ج3 ص32 نحوه .
3- .وقعة صفّين : ص153 ، بحار الأنوار : ج32 ص414 ح374 .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 14 ، وقعة صفّين : ص203 .

ص: 555

ب : النّهي عن الدّعوة إلى المبارزة
ج : الحصانة السّياسيّة للرّسل
د : إقامة الحجّة قبل الحرب

ب : النَّهيُ عَنِ الدَّعوَةِ إلَى المُبارَزَةِ* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الطاووس :الإمام عليّ عليه السلام_ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: لا تَدعُوَنَّ إلى مُبارَزَةٍ ، وإن دُعيتَ إلَيها فَأَجِب ؛ فَإِنَّ الدّاعِيَ إلَيها باغٍ ، وَالباغِيَ مَصروعٌ (1) .ج : الحَصانَةُ السِّياسِيَّةُ لِلرُّسُلِعصر : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام :إن ظَفِرتُم بِرَجُلٍ مِن أهلِ الحَربِ فَزَعَمَ أنَّهُ رَسولٌ إلَيكُم ؛ فَإِن عُرِفَ ذلِكَ مِنهُ وجاءَ بِما يَدُلُّ عَلَيهِ فَلا سَبيلَ لَكُم عَلَيهِ حَتّى يُبلِغَ رَسالاتِهِ ويَرجِعَ إلى أصحابِهِ ، وإن لَم تَجِدوا عَلى قَولِهِ دَليلاً فَلا تَقبَلوا مِنهُ (2) .د : إقامَةُ الحُجَّةِ قَبلَ الحَربِ* وفيه :السنن الكبرى عن البَراءِ بن عازِب :بَعَثَني عَلِيٌّ رضى الله عنه إلَى النَّهرِ إلَى الخَوارِجِ ، فَدَعَوتُهُم ثَلاثا قَبلَ أن نُقاتِلَهُم (3) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابِهِ إلى مَن شاقَّ وغَدَرَ مِن أهلِ الجَنَدِ (4) وصَنعاءَ (5) _: إذا أتاكُم رَسولي فَتَفَرَّقوا وَانصَرِفوا إلى رِحالِكُم أعفُ عَنكُم ، وأصفَح عَن جاهِلِكُم ، وأحفَظ قاصِيَكُم ، وأعمَل فيكُم بِحُكمِ الكِتابِ . فَإِن لَم تَفعَلوا فَاستَعِدّوا لِقُدومِ جَيشٍ جَمِّ الفُرسانِ ، عَظيمِ الأَركانِ ، يَقصُدُ لِمَن طَغَى وعَصى ، فَتُطحَنوا كَطحنِ الرَّحا ؛ فَمَن

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 233 ، عيون الحكم والمواعظ: ص527 ح9587 ، بحار الأنوار: ج33 ص454 ح668 .
2- .دعائم الإسلام : ج1 ص376 .
3- .السنن الكبرى : ج8 ص309 ح16739 .
4- .الجَنَد: مدينة شمالي تِعز، وهي عن صنعاء ثمانية وأربعون فرسخا، وهو بلد جليل به مسجد جامع لمعاذ بن جبل، وغالب أهلها شيعة (تقويم البلدان : ص91).
5- .صَنْعاء : عاصمة اليمن ، وتقع جنوب الحجاز ، وشمال مدينة عدن . كانت من أهمّ مدن اليمن والحجاز آنذاك .

ص: 556

ه : الدّعاء إذا أراد القتال

* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :أحسَنَ فَلِنَفسِهِ ، ومَن أساءَ فَعَلَيها ، وما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ (1)(2) .راجع : ج 3 ص 418 (إقامة الحجّة في ساحة القتال) . و ج 4 ص 21 (إقامة الحجّة في ساحة القتال) .

ه : الدُّعاءُ إذا أرادَ القِتالَعصف : عن أمير المؤمنين عليه السلام في أصحاب النبيالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ إذا أرادَ القِتالَ قالَ هذِهِ الدَّعَواتِ: اللّهُمَّ إنَّكَ أعلَمتَ سَبيلاً مِن سُبُلِكَ ، جَعَلتَ فيهِ رِضاكَ ، وَنَدبتَ إلَيهِ أولِياءَكَ ، وجَعَلتَهُ أشرَفَ سُبُلِكَ عِندَك ثَوابا ، وأكرَمَها لَدَيكَ مَآبا ، وأحَبَّها إلَيكَ مَسلَكا ، ثُمَّ اشتَرَيتَ فيهِ مِنَ المُؤمِنينَ أنفُسَهُم وأموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللّهِ فَيَقتُلونَ ويُقتَلونَ وَعدا عَلَيكَ حَقّا ، فَاجعَلني مِمَّنِ اشتَرى فيهِ مِنكَ نَفسَهُ ثُمَّ وَفى لَكَ بِبَيعِهِ الَّذي بايَعَكَ عَلَيهِ ، غَيرَ ناكِثٍ ولا ناقِضٍ عَهدا ، ولا مُبَدِّلاً تَبديلاً ، بَلِ استيجابا لِمَحَبَّتِكَ ، وتَقَرُّبا بِهِ إلَيكَ ، فَاجعَلهُ خاتِمَةَ عَمَلي ، وصَيِّر فيهِ فَناءَ عُمُري ، وَارزُقني فيهِ لَكَ وبِهِ (3) مَشهدا توجِبُ لي بِهِ مِنكَ الرِّضا ، وتَحُطُّ بِهِ عَنِّي الخَطايا ، وتَجعَلُني فِي الأَحياءِ المَرزوقينَ بِأَيدِي العُداةِ وَالعُصاةِ ، تَحتَ لِواءِ الحَقِّ ورايَةِ الهُدى ، ماضِيا عَلى نُصرَتِهِم قُدُما ، غَيرَ مُوَلٍّ دُبُرا ، ولا مُحدِثٍ شَكّا ، اللّهُمَّ وأعوذُ بِكَ عِندَ ذلِكَ مِنَ الجُبنِ عِندَ مَوارِدِ الأَهوالِ ، ومِنَ الضَّعفِ عِندَ مُساوَرَةِ (4) الأَبطالِ ، ومِنَ الذَّنبِ المُحبِطِ لِلأَعمالِ ، فَاُحجِمَ مَن شَكٍّ ، أو أمضِيَ (5) بِغَيرِ يَقينٍ ، فَيَكون سَعيي في تَبابٍ ، وعَمَلي غَيرَ مَقبولٍ (6) .

.


1- .إشارة إلى الآية 46 من سورة فصّلت .
2- .شرح نهج البلاغة : ج2 ص5 .
3- .قوله عليه السلام : «وبه مشهدا» عطف على «فيه» ، ولعلّه زيد من النسّاخ أو صُحّف (مرآة العقول : ج18 ص384) . وفي تهذيب الأحكام : «وارزقني فيه لك وبك مشهدا» ولعلّه أصوب .
4- .ساوَرَه مساوَرَة وسِوارا : واثَبَه ، والإنسان يُساوِر إنسانا : إذا تناول رأسه (لسان العرب : ج4 ص385) .
5- .في الطبعة المعتمدة : «مضى» ، والتصحيح من بحار الأنوار نقلاً عن المصدر .
6- .الكافي : ج5 ص46 ح1 عن ميمون ، تهذيب الأحكام : ج3 ص81 ح237 عن عبد اللّه بن ميمون عن الإمام الصادق عن أبيه عن الإمام زين العابدين عن الإمام عليّ عليهم السلام نحوه ، تفسير العيّاشي : ج2 ص113 ح143 عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح وفيه إلى «تبديلاً» ، بحار الأنوار : ج33 ص452 ح664 .

ص: 557

و : البدء بالقتال بعد الزّوال

* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله :وقعة صفّين عن تميم :كانَ عَلِيٌّ إذا سارَ إلَى القِتالِ ذَكَرَ اسمَ اللّهِ حينَ يَركَبُ ، ثُمَّ يَقولُ : الحَمدُ للّهِِ عَلى نِعَمِهِ عَلَينا ، وفَضلِهِ العَظيمِ ، «سُبْحَ_نَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَ_ذَا وَ مَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَ إِنَّ_آ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ» (1) ، ثُمَّ يَستَقِبلُ القِبلَةَ ، ويَرفَعُ يَدَيهِ إلَى اللّهِ ، ثُمَّ يَقولُ : اللّهُمَّ إلَيكَ نُقِلَتِ الأَقدامُ ، واُتِعَبتِ الأَبدانُ ، وأفضَتِ القُلوبُ ، ورُفِعَتِ الأَيدي ، وشَخَصَتِ الأَبصارُ ، «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَ_تِحِينَ» (2) ، سيروا عَلى بَرَكَةِ اللّهِ .

ثُمَّ يَقولُ : اللّهُ أكبَرُ ، اللّه أكبر ، لا إلهَ إلّا اللّهُ وَاللّهُ أكبَرُ ، يا اللّهُ ، يا أحَدُ ، يا صَمَدُ ، يا رَبَّ مُحَمَّدٍ ، بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ ، «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ * الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ * مَ__لِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» (3) ، اللّهُمَّ كُفَّ عَنّا بَأسَ الظّالِمينَ .

فَكانَ هذا شِعارَهُ بِصِفّينَ (4) .و : البَدءُ بِالقِتالِ بَعدَ الزَّوالِ* وعن ابن اُمّ الطويل في عليّ بن الحسين عليهماالسالإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ لا يُقاتِلُ حَتّى تَزولَ الشَّمسُ ويَقولُ : تُفتَحُ أبوابُ السَّماءِ ، وتُقبِلُ الرَّحمَةُ ، ويَنزِلُ النَّصرُ . ويَقولُ: هُوَ أقرَبُ إلَى اللَّيلِ ، وأجدَرُ أن يَقِلَّ القَتلُ ، ويَرِجعَ الطّالِبُ ، ويُفلِتَ المُنهَزِمُ (5) .

.


1- .الزخرف : 13 و 14 .
2- .الأعراف : 89 .
3- .الفاتحة : 2 _ 5 .
4- .وقعة صفّين : ص230 و231 نحوه ، بحار الأنوار : ج32 ص460 ح397 و ج100 ص36 ح31 .
5- .الكافي : ج5 ص28 ح5 ، علل الشرائع : ص603 وص70 وفيه «التوبة» بدل «الرحمة» وكلاهما عن يحيى بن أبي العلاء .

ص: 558

ز : إعانة الضّعيف
ح : حسن المعاملة مع بقايا العدوّ

ز : إعانَةُ الضَّعيفِعصم : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام_ لِأَصحابِهِ في ساحَةِ الحَربِ بِصِفّينَ _: أيُّ امرِىً مِنكُم أحَسَّ مِن نَفسِهِ رَباطَةَ جَأشٍ عِندَ اللِّقاءِ ، ورَأى مِن أحَدٍ مِن أخوانِهِ فَشَلاً ، فَليَذُبَّ عَن أخيهِ بِفَضلِ نَجدَتِهِ الَّتي فُضِّلَ بِها عَلَيهِ ، كَما يَذُبُّ عَن نَفسِهِ ، فَلَو شاءَ اللّهُ لَجَعَلَهُ مِثلَهُ (1) .* ومنه عن أبي طالب :عنه عليه السلام :إذا رَأَيتُم مِن إخوانِكُم فِي الحَربِ الرَّجُلَ المَجروحَ ، أو مَن قَد نُكِّلَ بِهِ ، أو مَن قَد طَمعَ عَدُوُّكُم فيهِ ، فَقَوُّوهُ بِأَنفُسِكُم (2) .ح : حُسنُ المُعامَلَةِ مَعَ بقَايَا العَدُوِّ* وعنه صلى الله عليه و آله :تاريخ اليعقوبي عن إسماعيل بن عليّ :إنَّ أوَّلَ مَن عَلَّمَ قِتالَ أهلِ القِبلَةِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، ولم يَكُن يَقتُلُ أسيرا ، ولا يَتبَعُ مُنهَزِما ، ولا يُجهِزُ عَلى جَريحٍ (3) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :العقد الفريد عن أبي الحسن_ في ذِكرِ حَوادِثِ وَقعَةِ صِفّينَ _: كانَ مُنادي عَلِيٍّ يَخرُجُ كُلَّ يَومٍ ويُنادي : أيُّهَا النّاسُ ، لا تُجهِزُنَّ عَلى جَريحٍ ، ولا تَتبَعُنَّ مُوَلِّيا ، ولا تَسلُبُنَّ قَتيلاً ، ومَن ألقى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ (4) .

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 123 ، الإرشاد : ج1 ص253 ، الجمل : ص334 وليس فيهما «بفضل نجدته» .
2- .الخصال : ص617 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، تحف العقول : ص107 ، بحار الأنوار : ج100 ص21 ح8 .
3- .تاريخ اليعقوبي : ج2 ص383 .
4- .العقد الفريد : ج3 ص333 ، هذا الموقف من العدوّ كان يمثّل السيرة العمليّة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه جميعها ، راجع وقعة صفّين : ص204 والغيبة للنعماني : ص231 ح15 وتفسير القمّي : ج2 ص321 . كما فعل مع عدوّه في حرب الجمل ، راجع الكافي : ج5 ص33 ح3 و ح5 و ص12 ح2 وتهذيب الأحكام : ج6 ص155 ح274 و ص156 ح276 و ص137 ح230 والخصال : ص276 ح18 والأمالي للمفيد : ص59 ح3 والجمل : ص341 و342 و403 ودعائم الإسلام : ج1 ص394 وتحف العقول : ص290 والمناقب لابن شهر آشوب : ج1 ص274 وشرح الأخبار : ج1 ص388 ح330 و ص395 ح334 والاختصاص : ص95 والمستدرك على الصحيحين : ج2 ص168 ح2661 وتذكرة الخواصّ: ص72 وكنز العمّال: ج4 ص478 ح11424 و ج11 ص335 ح31675 . وكذلك في حرب صفّين راجع : المستدرك على الصحيحين : ج2 ص167 ح2660 والسنن الكبرى : ج8 ص315 ح16753 وتحف العقول : ص480 . وقد استلهم الإمام عليه السلام هذا الموقف حيال العدوّ من سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله ، الكافي : ج5 ص12 ح2 و3 وتهذيب الأحكام : ج6 ص137 ح230 و ص155 ح274 وتحف العقول : ص290 .

ص: 559

* وفي عليّ بن الحسين عليهماالسلام عند موته :الكافي عن عبد اللّه بن شريك عن أبيه :لَما هُزم النّاسُ يَومَ الجَمَلِ ، قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : لا تَتبَعوا مُوَلِّيا ، ولا تُجيزوا (1) عَلى جَريحٍ ، ومنَ أغلَقَ بابَهُ فَهُوَ آمِنٌ .

فَلَمّا كانَ يَومُ صِفّينَ ، قَتَلَ المُقبِلَ وَالمُدِبرَ ، وأجازَ عَلى جَريحٍ . فَقالَ أبانُ بنُ تَغلِبَ لِعَبدِ اللّهِ بنِ شَريكٍ : هذِهِ سيرَتانِ مُختَلِفَتانِ ! فَقالَ: إنَّ أهلَ الجَمَلِ قُتِلَ (2) طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ، وإنَّ مُعاوِيَةَ كانَ قائِما بِعَينِهِ وكانَ قائِدَهُم (3) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بدر :السنن الكبرى عن أبي فاخِتَةَ :إنَّ عَلِيا رضى الله عنه اُتِيَ بِأَسيرٍ يَومَ صِفّينَ ، فَقالَ: لا تَقتُلني صَبرا . فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه: لا أقتُلُكَ صَبرا ؛ إنّي أخافُ اللّهَ رَبَّ العالَمينَ . فَخَلّى سَبيلَهُ ، ثُمَّ قالَ: أ فيكَ خَيرٌ تُبايِعُ ؟ (4)* وفي موضع زَمْزَم :المصنّف عن يزيد بن بِلال :شَهِدتُ مَعَ عَلِيٍّ يَومَ صِفّينَ ، فَكانَ إذا اُتِيَ بِالأَسيرِ قالَ: لَن أقتُلَكَ صَبرا ؛ إنّي أخافُ اللّهَ رَبَّ العالَمينَ . وكانَ يَأخُذُ سِلاحَهُ ، ويُحَلِّفُهُ لا يُقاتِلُهُ ، ويُعطيهِ أربَعَةَ دَراهِمَ (5) .عصا : عن هشام بن عبدالملك للإمام الباقر عليه السلالمصنّف عن أبي جعفر :كان عَلِيٌّ إذا اُتِيَ بِأَسيرِ صِفّينَ أخَذَ دابَّتَهُ وسِلاحَهُ ، وأخَذَ عَلَيهِ أن [ لا ] (6) يَعودَ ، وخَلّى سَبيلَهُ (7) . .


1- .أجزتُ على الجريح: لغة في أجهزت. وجهز على الجريح وأجهز: أثبتَ قتله (تاج العروس: ج8 ص40و41).
2- .كذا في جميع المصادر ، ولعلّ المراد : «قُتل قادتهم» أو نحو ذلك .
3- .الكافي : ج5 ص33 ح5 ، رجال الكشّي : ج2 ص482 ح392 ، بحار الأنوار : ج33 ص446 ح657 .
4- .السنن الكبرى : ج8 ص315 ح16754 ، كنز العمّال : ج11 ص348 ح31706 .
5- .المصنّف لابن أبي شيبة : ج8 ص725 ح25 ، كنز العمّال : ج11 ص345 ح31703 .
6- .إضافة يقتضيها السياق أثبتناها من كنز العمّال .
7- .المصنّف لابن أبي شيبة : ج8 ص724 ح23 ، كنز العمّال : ج11 ص345 ح31702 .

ص: 560

* وعن يزيد في مصارعة ابنه مع عليّ بن الحسين عليهمالإمام عليّ عليه السلام_ بَعدَ التَّحريضِ عَلَى القِتالِ في صِفّينَ _: ولا تُمَثِّلوا بِقَتيلٍ ، وإذا وَصَلتُم إلى رِحالِ (1) القَومِ فَلا تَهتِكوا سِترا ، ولا تَدخُلوا دارا ، ولا تَأخُذوا شَيئا مِن أموالِهِم إلّا ما وَجَدتُم في عَسكَرِهِم ، ولا تُهَيِّجُوا امرَأَةً بِأَذىً وإن شَتَمنَ أعراضَكُم وسَبَبنَ اُمَراءَكُم وصُلَحاءَكُم ؛ فَإِنَّهُنَّ ضِعافُ القُوى وَالأَنفُسِ وَالعُقولِ ، وقَد كُنّا نُؤمَرُ بِالكَفِّ عَنهُنَّ وهُنَّ مُشرِكاتٌ ! وإن كانَ الرَّجُلُ لَيَتَناوَلُ المَرأَةَ فَيُعَيَّرُ (2) بِها وعَقِبَهُ مِن بَعدِهِ (3) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :تاريخ الطبري_ في ذِكرِ وَقعَةِ الجَمَلِ _: خَرَجَ إلَيهِ الأَحنَفُ بنُ قَيسٍ وبَنو سَعدٍ مُشَمِّرينَ قَد مَنَعوا حُرقوصَ بنَ زُهَيرٍ _ ولا يَرَونَ القِتالَ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ _ فَقالَ : يا عَلِيُّ ، إنَّ قَومَنا بِالبَصرَةِ يَزعُمونَ أنَّكَ إن ظَهَرتَ عَلَيهِم غَدا أنَّكَ تَقتُلُ رِجالَهُم ، وتُسبي نِساءَهُم ! فَقالَ : ما مِثلي يُخافُ هذا مِنهُ ، وهَل يَحِلُّ هذا إلّا مِمَّن تَوَلّى وكَفَرَ ! ! أ لَم تَسمَع إلى قَولِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «لسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَا مَن تَوَلَّى وَ كَفَرَ» (4)(5) ! !* وعنه صلى الله عليه و آله في بنيوليعة :الكامل في التاريخ :كانَ فِي الخَوارِجِ أربَعونَ رَجُلاً جَرحى ، فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِإِدخالِهِمُ الكوفَةَ ومُداواتِهِم حَتّى بَرِؤوا (6) .


1- .في المصدر : «رجال» ، والصحيح ما أثبتناه كما في فروع الكافي ، الطبعة الحجريّة : ج1 ص338 .
2- .في المصدر : «فيعبّر» ، والصحيح ما أثبتناه كما في فروع الكافي ، الطبعة الحجريّة : ج1 ص338 .
3- .الكافي : ج5 ص39 ح4 عن مالك بن أعين ، وقعة صفّين : ص204 عن جندب وزاد فيه «إلّا بإذني» بعد «دارا» ، نهج البلاغة : الكتاب 14 وفيه من «ولا تُهيِّجوا ...» ، بحار الأنوار : ج32 ص563 ح468 ؛ شرح نهج البلاغة : ج4 ص25 وزاد فيه «إلّا بإذن» بعد «دارا» .
4- .الغاشية : 22 و 23 .
5- .تاريخ الطبري : ج4 ص496 ، الكامل في التاريخ : ج2 ص334 .
6- .الكامل في التاريخ : ج2 ص424 ، أنساب الأشراف : ج3 ص248 .

ص: 561

الفصل العاشر : السياسة الدوليّة
10 / 1 ما يوجب بقاء الدّول
10 / 1 _ 1 إقامة العدل

الفصل العاشر : السياسة الدوليّة10 / 1ما يُوجِبُ بَقاءُ الدُّوَلِ10 / 1 _ 1إقامَةُ العَدلِ* وعنه صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ العَدلِ وَالجودِ أيُّهُما أفضَلُ ؟ _: العَدلُ يَضَعُ الاُمورَ مَواضِعَها ، وَالجودُ يُخرِجُها مِن جِهَتِها ، وَالعَدلُ سائِسٌ عامٌّ ، وَالجودُ عارِضٌ خاصٌّ ، فَالعَدلُ أشرَفُهُما ، وأفضَلُهُما (1) .* وعن أبي ذرّ عنه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مَن عَمِلَ بِالعَدلِ حَصَّنَ اللّهُ مُلكَهُ (2) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام في حقّ المسلم :عنه عليه السلام :اعدِل تَمِلك (3) .* ومنه عن أبي طالب :عنه عليه السلام :اعدِل تَحكُم (4) .

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 437 ، روضة الواعظين : ص511 .
2- .غرر الحكم : ح8722 .
3- .غرر الحكم : ح2253 ، عيون الحكم والمواعظ : ص82 ح1981 .
4- .غرر الحكم : ح2223 ، عيون الحكم والمواعظ : ص78 ح1886 .

ص: 562

عضض : عن أمير المؤمنين عليه السلام في الاستسقاء :عنه عليه السلام :ما حُصِّنَ الدُّوَلُ بِمِثلِ العَدلِ (1) .* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام :لَن تُحَصَّنَ الدُّوَلُ بِمِثلِ استِعمالِ العَدلِ فيها (2) .* وعنه عليه السلام لمعاوية :عنه عليه السلام :دولَةُ العادِلِ مِنَ الواجِباتِ (3) .* وعن الأشتر في صفّين :عنه عليه السلام :اعدِل ، تَدُم لَكَ القُدرَةُ (4) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام لعبد اللّه بنعنه عليه السلام :ثَباتُ المُلكِ فِي العَدلِ (5) .* وفي حديث العاقب :عنه عليه السلام :الطّاعَةُ جُنَّةُ الرَّعِيَّةِ ، وَالعَدلُ جُنَّةُ الدُّوَلِ (6) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :ثَباتُ الدُّوَلِ بِإِقامَةِ سُنَنِ العَدلِ (7) .* وعن أبي جعفر عليه السلام في صفة النار :عنه عليه السلام :فِي العَدلِ الِاقتِداءُ بِسُنَّةِ اللّهِ ، وثَباتُ الدُّوَلِ (8) .عضل : عن عمر :عنه عليه السلام :مَن عَدَلَ في سُلطانِهِ استَغنى عَن أعوانِهِ (9) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :العَدلُ قِوامُ الرَّعِيَّةِ (10) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله في الحسنين عليهمعنه عليه السلام :العَدلُ قِوامُ البَرِيَّةِ (11) . .


1- .غرر الحكم : ح9574 ، عيون الحكم والمواعظ : ص476 ح8712 .
2- .غرر الحكم : ح7444 ، عيون الحكم والمواعظ : ص408 ح6904 .
3- .غرر الحكم : ح5110 ، عيون الحكم والمواعظ : ص249 ح4668 .
4- .غرر الحكم : ح2285 ، عيون الحكم والمواعظ : ص83 ح1998 .
5- .المواعظ العدديّة : ص54 .
6- .غرر الحكم : ح1873 .
7- .غرر الحكم : ح4715 ، عيون الحكم والمواعظ : ص217 ح4263 وليس فيه «سنن» .
8- .غرر الحكم : ح6496 ، عيون الحكم والمواعظ : ص355 ح6023 وفيه «في العدل طاعة اللّه ، وثبات الدول» .
9- .غرر الحكم : ح8669 ، عيون الحكم والمواعظ : ص441 ح7665 وفيه «إخوانه» بدل «أعوانه» ، الصراط المستقيم : ج 1 ص222 وفيه «عدوانه» بدل «أعوانه» .
10- .غرر الحكم : ح697 ، عيون الحكم والمواعظ : ص 30 ح 466 و ص42 ح994 .
11- .غرر الحكم : ح806 .

ص: 563

* وعن الصادق عليه السلام :عنه عليه السلام :حُسنُ العَدلِ نِظامُ البَرِيَّةِ (1) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة :عنه عليه السلام :العَدلُ نِظامُ الإِمرَةِ (2) .عضه : عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى معنه عليه السلام :جَعَلَ اللّهُ سُبحانَهُ العَدلَ قِواما لِلأَنامِ ، وتَنزيها مِنَ المَظالِمِ وَالآثامِ ، وتَسنِيَةً لِلإِسلامِ (3) .* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام :إذا أدَّتِ الرَّعِيَّةُ إلَى الوالي حَقَّهُ ، وأدَّى الوالي إلَيها حَقَّها عَزَّ الحَقُّ بَينَهُم ، وقامَت مَناهِجُ الدّينِ ، وَاعتَدَلَت مَعالِمُ العَدلِ ، وجَرَت عَلى أذلالِهَا (4) السُّنَنُ ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمانُ ، وطُمِعَ في بَقاءِ الدَّولَةِ ، ويَئِسَت مَطامِعُ الأَعداءِ (5) .* وعن عمر :عنه عليه السلام :العَدلُ أقوى أساسٍ (6) .عضا : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :العالَمُ حَديقَةٌ ؛ سَيّاحُهَا الشَّريعَةُ ، وَالشَّريعَةُ سُلطانٌ تَجِبُ لَهُ الطّاعَةُ ، وَالطّاعَةُ سِياسَةٌ يَقومُ بِهَا المَلِكُ ، وَالمَلِكُ راعٍ يَعضُدُهُ الجَيشُ ، وَالجَيشُ أعوانٌ يَكفُلُهُمُ المالُ ، وَالمالُ رِزقٌ يَجمَعُهُ الرَّعِيَّةُ ، وَالرَّعِيَّةُ سَوادٌ يستَعبِدُهُمُ العَدلُ ، وَالعَدلُ أساسٌ بِهِ قِوامُ العالَمِ (7) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :العَدلُ أفضَلُ السِّياسَتَينِ (8) .عطب : في الهدي :عنه عليه السلام :كَفى بِالعَدلِ سائِسا (9) . .


1- .غرر الحكم : ح4819 .
2- .غرر الحكم : ح774 ، عيون الحكم والمواعظ : ص42 ح982 .
3- .غرر الحكم : ح4789 ، عيون الحكم والمواعظ : ص223 ح4355 .
4- .أي وجوهها وطرقها ، وهو جمع ذِلّ (النهاية : ج2 ص166) .
5- .نهج البلاغة : الخطبة 216 وراجع الكافي : ج8 ص352 ح550 .
6- .غرر الحكم : ح863 .
7- .بحار الأنوار : ج78 ص83 ح87 .
8- .غرر الحكم : ح1656 .
9- .غرر الحكم : ح7031 ، عيون الحكم والمواعظ : ص386 ح6537 .

ص: 564

* ومنه عن موسى بن جعفر عليهماالسلام :عنه عليه السلام :مِلاكُ السِّياسَةِ العَدلُ (1) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الديوان المنسوعنه عليه السلام :خَيرُ السِّياساتِ العَدلُ (2) .عطر : عن مالك بن كعب الأرحبي لعليٍّ عليه السلام :عنه عليه السلام :لا رِياسَةَ كَالعَدلِ فِي السِّياسَةِ (3) .عطس : عن فاطمة عليهاالسلام :عنه عليه السلام :جَمالُ السِّياسَةِ العَدلُ فِي الإِمرَةِ ، وَالعَفوُ مَعَ القُدرَةِ (4) .* ومنه عن ابن عبّاس لعائشة :عنه عليه السلام :الرَّعِيَّةُ لا يُصلِحُها إلّا العَدلُ (5) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :اِجعَلِ الدّينَ كَهفَكَ ، وَالعَدلَ سَيفَكَ ؛ تَنجُ مِن كُلِّ سوءٍ ، وتَظفَر عَلى كُلِّ عَدُوٍّ (6) .عطش : عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى :عنه عليه السلام :إذا بُنِيَ المُلكُ عَلى قَواعِدِ العَدلِ ، ودُعِمَ بِدَعائِمِ العَقلِ نَصَرَ اللّهُ مَوالِيَهُ ، وخَذَلَ مُعادِيَهُ (7) .عطف : في الدعاء :عنه عليه السلام :قُلوبُ الرَّعِيَّةِ خَزائِنُ راعيها ، فَما أودَعَها مِن عَدلٍ أو جَورٍ وَجَدَهُ (8) .* وفي الحسن بن عليّ عليهماالسلام :عنه عليه السلام :ما عُمِرَتِ البُلدانُ بِمِثلِ العَدلِ (9) .* ومنه عن العسكريّ عليه السلام في المهديّ عليه العنه عليه السلام :عَدلُ السُّلطانِ خَيرٌ مِن خَصبِ الزَّمانِ (10) .* ومنه عن اُمّ سلمة لعائشة :عنه عليه السلام :بِالعَدلِ تَتَضاعَفُ البَرَكاتُ (11) . .


1- .غرر الحكم : ح9714 ، عيون الحكم والمواعظ : ص486 ح8960 .
2- .غرر الحكم : ح4948 ، عيون الحكم والمواعظ : ص237 ح4505 .
3- .غرر الحكم : ح10895 ، عيون الحكم والمواعظ : ص544 ح10115 .
4- .غرر الحكم : ح4792 ، عيون الحكم والمواعظ : ص223 ح4356 .
5- .غرر الحكم : ح1342 و ح4215 وفيه «بالعدل تصلح الرعيّة» ، عيون الحكم والمواعظ : ص303 ح5396 وفيه «صلاح الرعيّة العدل» .
6- .غرر الحكم : ح2433 ، عيون الحكم والمواعظ : ص77 ح1853 وفيه «تظهر» بدل «تظفر» .
7- .غرر الحكم : ح4118 ، عيون الحكم والمواعظ : ص132 ح2971 .
8- .غرر الحكم : ح6825 ، عيون الحكم والمواعظ : ص370 ح6243 وفيه «مَلِكها» بدل «راعيها» .
9- .غرر الحكم : ح9543 ، عيون الحكم والمواعظ : ص481 ح8864 .
10- .مطالب السؤول : ص56 .
11- .غرر الحكم : ح4211 ، عيون الحكم والمواعظ : ص188 ح3858 .

ص: 565

10 / 1 _ 2 حسن التّدبير

عطل : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مَن عَدَلَ تَمَكَّنَ (1) .* وعنه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مَن عَدَلَ فِي البِلادِ نَشَرَ اللّهُ عَلَيهِ الرَّحمَةَ (2) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مَن عَمِلَ بِالعَدلِ فيمَن دونَهُ ، رُزِقَ العَدلَ مِمَّن فَوقَهُ (3) .عطن : عن أمير المؤمنين عليه السلام لابن عبّاس :عنه عليه السلام :لَيسَ ثَوابٌ عِندَ اللّهِ سُبحانَهُ أعظَمَ مِن ثَوابِ السُّلطانِ العادِلِ ، وَالرَّجُلِ المُحسِنِ (4) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :شَيئان لا يوزَنُ ثَوابُهُما : العَفوُ وَالعَدلُ (5) .* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام :سِياسَةُ العَدلِ ثَلاثٌ : لينٌ في حَزمٍ ، واستِقصاءٌ في عَدلٍ ، وإفضالٌ في قَصدٍ (6) .* وفي الخبر :عنه عليه السلام :اِستَعِن عَلَى العَدلِ بِحُسنِ النِّيَّةِ فِي الرَّعِيَّةِ ، وقِلَّةِ الطَّمَعِ ، وكَثرَةِ الوَرَعِ (7) .راجع : ص 481 (إقامة العدل) .

10 / 1 _ 2 حُسنُ التَّدبيرِ عظلم : عن أمير المؤمنين عليه السلام في عقيل :الإمام عليّ عليه السلام :المُلكُ سِياسَةٌ (8) .

.


1- .غرر الحكم : ح7711 ، عيون الحكم والمواعظ : ص428 ح7283 .
2- .غرر الحكم : ح8638 ، عيون الحكم والمواعظ : ص460 ح8361 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص308 ح535 .
4- .غرر الحكم : ح7526 ، عيون الحكم والمواعظ : ص410 ح6976 .
5- .غرر الحكم : ح5769 ، عيون الحكم والمواعظ : ص297 ح5298 .
6- .غرر الحكم : ح5592 ، عيون الحكم والمواعظ : ص284 ح5141 وفيه «سياسة الدين ثلاث : رقّة في حزم . . .» .
7- .غرر الحكم : ح2408 ، عيون الحكم والمواعظ : ص77 ح1860 .
8- .غرر الحكم : ح17 ، عيون الحكم والمواعظ : ص18 ح45 .

ص: 566

10 / 1 _ 3 حسن السّيرة
10 / 1 _ 4 اليقظة لحراسة الامور

عظم : في أسمائه تعالى :عنه عليه السلام :مَن حَسُنَت سِياسَتُهُ دامَت رِياسَتُهُ (1) .* وعن المأمون :عنه عليه السلام :حُسنُ السِّياسَةِ يَستَديمُ الرِّياسَةَ (2) .* وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام :عنه عليه السلام :حُسنُ السِّياسَةِ قِوامُ الرَّعِيَّةِ (3) .* وفي الحديث القدسيّ :عنه عليه السلام :مَن حَسُنَت سِياسَتُهُ وَجَبَت طاعَتُهُ (4) .عظه : عن أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا :عنه عليه السلام :بِحُسنِ السِّياسَةِ يَكونُ الأَدَبُ الصّالِحُ (5) .10 / 1 _ 3 حُسنُ السّيرَةِ عفج : عن أمير المؤمنين عليه السلام في بني اُميّةالإمام عليّ عليه السلام :حُسنُ السّيرَةِ جَمالُ القُدرَةِ ، وحِصنُ الإِمرَةِ (6) .* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :مَن كَثُرَ جَميلُهُ أجمَعَ النّاسُ عَلى تَفضيلِهِ (7) .عفر : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :مَن عامَلَ النّاسَ بِالجَميلِ كافَؤوهُ بِهِ (8) .10 / 1 _ 4 اليَقَظَةُ لِحِراسَةِ الاُمورِ * ومنه في سجوده صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام :مِن أماراتِ الدَّولَةِ اليَقَظَةُ لِحِراسَةِ الاُمورِ (9) .

.


1- .غرر الحكم : ح8438 ؛ نظم درر السمطين : ص160 وفيه «دانت» بدل «دامت» .
2- .غرر الحكم : ح4820 ، عيون الحكم والمواعظ : ص229 ح4409 .
3- .غرر الحكم : ح4818 ، عيون الحكم والمواعظ : ص227 ح4369 .
4- .غرر الحكم : ح8025 ، عيون الحكم والمواعظ : ص431 ح7403 .
5- .الكافي : ج1 ص28 ح34 عن يحيى بن عمران عن الإمام الصادق عليه السلام .
6- .غرر الحكم : ح4847 .
7- .غرر الحكم : ح8407 ، عيون الحكم والمواعظ : ص455 ح8218 .
8- .غرر الحكم : ح8716 ، عيون الحكم والمواعظ : ص440 ح7633 .
9- .غرر الحكم : ح9360 ، عيون الحكم والمواعظ : ص469 ح8558 وفيه «التيقّظ» بدل «اليقظة» .

ص: 567

10 / 2 ما يوجب زوال الدّول
10 / 2 _ 1 احتقاب المظالم

* وفي وصفه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مِنَ النُّبلِ أن تَتَيقَّظَ لِاءِيجابِ حَقِّ الرَّعِيَّةِ إلَيكَ ، وتَتَغابى عَنِ الجِنايَةِ عَلَيكَ (1) .* وعن النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مِن دَلائِلِ الدَّولَةِ قِلَّةُ الغَفلَةِ (2) .10 / 2ما يوجبُ زَوالَ الدُّوَلِ10 / 2 _ 1 اِحتِقابُ المَظالِمِ * وعنه عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام :شَرُّ الاُمَراءِ مَن ظَلَمَ رَعِيَّتَهُ (3) .عفص : عن أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا :عنه عليه السلام :مَن ظَلَمَ رَعِيَّتَهُ نَصَرَ أضدادَهُ (4) .* وفي علاج الحصاة :عنه عليه السلام :الظُّلمُ بَوارُ الرَّعِيَّةِ (5) .* ومنه عن موسى بن جعفر عليهماالسلام وأعطى فقيرا أعنه عليه السلام :الظُّلمُ يُدَمِّرُ الدِّيارَ (6) .عفط : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :مَن عامَلَ رَعِيَّتَهُ بِالظُّلمِ أزالَ اللّهُ مُلكَهُ ، وعَجَّلَ بَوارَهُ وهُلكَهُ (7) .* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: أنصِفِ اللّهَ وأنصِفِ النّاسَ مِن نَفسِكَ ، ومِن خاصَّةِ أهلِكَ ، ومَن لَكَ فيهِ هَوىً مِن رَعِيَّتِكَ ؛ فَإِنَّكَ إلّا تَفعَل تَظلِم ، ومَن ظَلَمَ عِبادَ اللّهِ كانَ اللّهُ خَصمَهُ دونَ عِبادِهِ ، ومَن خاصَمَهُ اللّهُ أدحَضَ حُجَّتَهُ وكانَ للّهِِ حَربا حَتّى

.


1- .غرر الحكم : ح9407 ، عيون الحكم والمواعظ : ص470 ح8597 وفيه «عليك» بدل «إليك» .
2- .غرر الحكم : ح9410 ، عيون الحكم والمواعظ : ص473 ح8668 وفيه «من دلائل إقبال الدولة . . .» .
3- .غرر الحكم : ح5717 ، عيون الحكم والمواعظ : ص295 ح5283 .
4- .غرر الحكم : ح7815 ، عيون الحكم والمواعظ : ص429 ح7299 .
5- .غرر الحكم : ح807 ، عيون الحكم والمواعظ : ص42 ح995 .
6- .غرر الحكم : ح1068 ، عيون الحكم والمواعظ : ص43 ح1047 .
7- .غرر الحكم : ح8740 .

ص: 568

* وعنه عليه السلام :يَنزِعَ أو يَتوبَ ، ولَيسَ شَيءٌ أدعى إلى تَغييرِ نِعمَةِ اللّهِ وتَعجيلِ نِقمَتِهِ مِن إقامَةٍ عَلى ظُلمٍ ؛ فَإِنَّ اللّهَ سَميعٌ دَعوَةَ المُضطَهَدينَ ، وهُوَ لِلظّالِمينَ بِالمِرصادِ (1) .عفف : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام_ لِزِيادِ بنِ أبيهِ _: اِستَعمِلِ العَدلَ ، وَاحذَرِ العَسفَ وَالحَيفَ ؛ فَإِنَّ العَسفَ يَعودُ بِالجَلاءِ ، وَالحَيفَ يَدعو إلَى السَّيفِ (2) .* وعنه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :ما مِن سُلطانٍ آتاهُ اللّهُ قُوَّةً ونِعمَةً ، فَاستَعانِ بِها عَلى ظُلمِ عِبادِهِ ، إلّا كانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أن يَنزِعَها مِنهُ ، أ لَم تَر إلى قَولِ اللّهِ تَعالى : «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ» ؟ (3)(4)* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :فِي احتِقابِ (5) المَظالِمِ زَوالُ القُدرَةِ (6) .* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام :مَن جارَت وِلايَتُهُ زالَت دَولَتُهُ (7) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :بِئسَ السِّياسَةُ الجَورُ (8) .عفل : عن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :مَن جارَ مُلكَهُ تَمَنَّى النّاسُ هُلكَهُ (9) .عفن : عن الصادق عليه السلام في سبب تحريم الدم المعنه عليه السلام :ظُلمُ الظّالِمِ يَقودُهُ إلَى الهَلاكِ (10) . .


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص127 وراجع دعائم الإسلام : ج1 ص355 .
2- .نهج البلاغة : الحكمة 476 وراجع روضة الواعظين : ص511 .
3- .الرعد : 11 .
4- .إرشاد القلوب : ص68 .
5- .احتقب فلانٌ الإثم : كأنّه جمعه واحتقبه من خلفه ، واحتقبه بمعنى احتمله (لسان العرب : ج1 ص325 و 326) .
6- .غرر الحكم : ح6512 ، عيون الحكم والمواعظ : ص355 ح6024 .
7- .غرر الحكم : ح8365 .
8- .غرر الحكم : ح4404 ، عيون الحكم والمواعظ : ص193 ح3970 .
9- .غرر الحكم : ح8742 ، عيون الحكم والمواعظ : ص439 ح7606 وفيه «في ملكه» بدل «ملكه» .
10- .المواعظ العدديّة : ص59 .

ص: 569

10 / 2 _ 2 سفك الدّماء بغير حقّ

عفا : في أسمائه تعالى :عنه عليه السلام :مَن ظَلَمَ دُمِّرَ عَلَيهِ ظُلمُهُ (1) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :الجَورُ أحَدُ المُدَمِّرينَ (2) .* ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في دفن فاطمةعنه عليه السلام :الظُّلمُ يُزِلُّ القَدَمَ ، ويَسلِبُ النِّعَمَ ، ويُهلِكُ الاُمَمَ (3) .* ومنه عن الحسين عليه السلام في ولده عليّ الأكبرعنه عليه السلام :القُدرَةُ يُزيلُهَا العُدوانُ (4) .* وعن موسى بن جعفر عليهماالسلام :عنه عليه السلام :مَن لَم يُنصِفِ المَظلومَ مِن الظّالِمِ سَلَبَهُ اللّهُ قُدرَتَهُ (5) .10 / 2 _ 2 سَفكُ الدِّماءِ بِغَيرِ حَقٍّ * وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الخراج :الإمام عليّ عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: إيّاكَ وَالدِّماءَ وَسفكَها بِغَيرِ حِلِّها ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ أدنى لِنِقمَةٍ ، ولا أعظَمَ لِتَبِعَةٍ ، ولا أحرى بِزَوالِ نِعمَةٍ ، وَانِقطاعِ مُدَّةٍ مِن سَفكِ الدِّماءِ بِغَيرِ حَقِّها . وَاللّهُ سُبحانَهُ مُبتَدِئٌ بِالحُكمِ بَينَ العِبادِ فيما تَسافَكوا مِنَ الدِّماءِ يَومَ القِيامَةِ .

فَلا تُقَوِّيَنَّ سُلطانَكَ بِسَفكِ دَمٍ حَرامٍ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مِمّا يُضعِفُهُ ويوهِنُهُ ، بَل يُزيلُهُ ويَنقُلُهُ . ولا عُذرَ لَكَ عِندَ اللّهِ ولا عِندي في قَتلِ العَمدِ ؛ لِأَنَّ فيهِ قَوَدَ البَدَنِ . وإنِ ابتُليتَ بِخَطَاً، وأفرَطَ عَلَيكَ سَوطُكَ أو سَيفُكَ أو يَدُكَ بِالعُقوبَةِ ؛ فَإِنَّ فِي الوَكزَةِ (6) فما فَوقَها مَقتَلَةً ، فَلا تَطمَحَنَّ بِكَ نَخوَةُ سُلطانِكَ عَن أن تُؤَدِّيَ إلى أولِياءِ المَقتولِ حَقَّهُم (7) .

.


1- .غرر الحكم : ح7836 ، عيون الحكم والمواعظ : ص452 ح8107 .
2- .غرر الحكم : ح1657 .
3- .غرر الحكم : ح1734 .
4- .غرر الحكم : ح865 ، عيون الحكم والمواعظ : ص51 ح1319 .
5- .غرر الحكم : ح8966 ، عيون الحكم والمواعظ : ص428 ح7261 .
6- .الوَكْز : الضرب بجُمْع الكفّ (النهاية : ج5 ص219) .
7- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص146 نحوه .

ص: 570

10 / 2 _ 3 سوء التّدبير

* وفي الدعاء :عنه عليه السلام :بَقِيَّةُ السَّيفِ أبقى عددا ، وأكثَرُ وَلَدا (1) .10 / 2 _ 3 سوءُ التَّدبيرِ * ومنه عن أيّوب لأبي الحسن الرضا عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام :سوءُ التَّدبيرِ سَبَبُ التَّدميرِ (2) .* ومن الحنيفيّة :عنه عليه السلام :مَن ساءَ تَدبيرُهُ تَعَجَّلَ تَدميرُهُ (3) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :يُستَدَلُّ عَلَى الإِدبارِ بِأَربَعٍ : سوءِ التَّدبيرِ ، وقُبحِ التَّبذيرِ ، وقِلَّةِ الِاعتِبارِ ، وكَثرَةِ الِاعتِذارِ (4) .* وفي الحديث :عنه عليه السلام :مَن قَصُرَ عَنِ السِّياسَةِ صَغُرَ عَنِ الرِّياسَةِ (5) .* ومنه عن موسى بن جعفر عليهماالسلام في المائدة :عنه عليه السلام :آفَةُ الزُّعَماءِ ضَعفُ السِّياسَةِ (6) .* وفي الدعاء :عنه عليه السلام :مَن تَأَخَّرَ تَدبيرُهُ تَقَدَّمَ تَدميرُهُ (7) .* وفي الحديث :عنه عليه السلام :مَن ساءَ تَدبيرُهُ كانَ هَلاكُهُ في تَدبيرِهِ (8) .عقب : عن وليد بن صبيح عن أبي عبد اللّه عليه السلاعنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إذَا انقَضى مُلكُ قَومٍ خُيِّبوا في آرائِهِم (9) .

.


1- .نهج البلاغة : الحكمة 84 ، عيون الحكم والمواعظ : ص196 ح4004 وفيه «أنمى» بدل «أبقى» .
2- .غرر الحكم : ح5571 ، عيون الحكم والمواعظ : ص281 ح5068 .
3- .غرر الحكم : ح7906 .
4- .غرر الحكم : ح10958 ، عيون الحكم والمواعظ : ص552 ح10176 وفيه «الاغترار» بدل «الاعتذار» .
5- .غرر الحكم : ح8536 ، عيون الحكم والمواعظ : ص450 ح8011 .
6- .غرر الحكم : ح3931 ، عيون الحكم والمواعظ : ص181 ح3703 .
7- .غرر الحكم : ح8045 و ح8346 وفيه «من ساء تدبيره تعجّل تدميره» ، عيون الحكم والمواعظ : ص432 ح7421 .
8- .غرر الحكم : ح8768 ، عيون الحكم والمواعظ : ص438 ح7602 .
9- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص303 ح465 .

ص: 571

10 / 2 _ 4 الِاستِئثار

10 / 2 _ 4 الاِستِئثار * وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: الِاستِئثارُ يوجِبُ الحَسَدَ ، وَالحَسَدُ يوجِبُ البِغضَةَ ، وَالبِغضَةُ توجِبُ الِاختِلافَ ، وَالِاختِلافُ يوجِبُ الفُرقَةَ ، وَالفُرقَةُ توجِبُ الضَّعفَ ، وَالضَّعفُ يوجِبُ الذُّلَّ ، وَالذُّلُّ يوجِبُ زَوالَ الدَّولَةِ وذَهابَ النِّعمَةِ (1) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الأتْراك :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: ثُمَّ إنَّ لِلوالي خاصَّةً وبِطانَةً فيهِمُ استِئثارٌ وتَطاوُلٌ ، وقِلَّةُ إنصافٍ في مُعامَلَةٍ ؛ فَاحسِم مادَّةَ اُولئِكَ بِقَطعِ أسبابِ تِلكَ الأَحوالِ . ولا تُقطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِن حاشِيَتِكَ وحامَّتِكَ (2) قَطيعَةً . ولا يَطمَعَنَّ مِنكَ فِي اعتِقادِ عُقدَةٍ (3) تَضُرُّ بِمَن يَليها مِنَ النّاسِ في شِربٍ ، أو عَمَلٍ مُشتَرَكٍ يَحمِلونَ مَؤونَتَهُ عَلى غَيرِهِم ، فَيَكونَ مَهنَأُ ذلِكَ لَهُم دونَكَ ، وعَيبُهُ عَلَيكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وألزِمِ الحَقَّ مَن لَزِمَهُ مِنَ القَريبِ وَالبَعيدِ ، وكُن في ذلِكَ صابِرا مُحتَسِبا ، واقِعا ذلِكَ مِن قَرابَتِكَ وخاصَّتِكَ حَيثُ وَقَعَ . وَابتَغِ عاقِبتَهُ بِما يَثقُلُ عَلَيكَ مِنهُ ؛ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذلِكَ مَحمودَةٌ (4) .* ومنه عن أبي جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: إيّاكَ وَالِاستِئثارَ بِمَا النّاسُ فيهِ اُسوَةٌ ، وَالتَّغابي عَمّا تُعنى بِهِ مِمّا قَد وَضَحَ لِلعُيونِ ؛ فَإِنَّهُ مَأخوذٌ مِنكَ لِغَيرِكَ . وعَمّا قَليلٍ تَنكَشِفُ عَنكَ أغطِيَةُ الاُمورِ ، ويُنتَصَفُ مِنكَ لِلمَظلومِ (5) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص345 ح961 .
2- .حامّة الإنسان : خاصّته ومن يقرب منه (النهاية : ج1 ص446) .
3- .العقدة : الضيعة ، واعتقد ضيعةً ومالاً أي اقتناهما (لسان العرب : ج3 ص299) .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص144 نحوه .
5- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص147 نحوه ، عيون الحكم والمواعظ : ص100 ح2296 وفيه إلى «لغيرك» .

ص: 572

10 / 2 _ 5 تضييع الاصول
10 / 3 إرشادات في العلاقات الاجتماعيّة والسّياسيّة
10 / 3 _ 1 قياس النّاس بالنّفس

* وعن رجل في اُحد في أخيه :عنه عليه السلام_ في عُثمانَ _: أنا جامِعٌ لَكُم أمرَهُ : اِستَأثَرَ فَأَساءَ الأَثَرَةَ (1) ، وجَزَعتُم فَأَسَأتُمُ الجَزَعَ ، وللّهِِ حُكمٌ واقِعٌ فِي المُستَأثِرِ وَالجازِعِ (2) .10 / 2 _ 5 تَضييعُ الاُصولِ * وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام :يُستَدَلُّ عَلى إدبارِ الدُّوَلِ بِأَربَعٍ : تَضييعِ الاُصولِ ، وَالتَّمَسُّكِ بِالفُروعِ (3) ، وتَقديمِ الأَراذِلِ ، وتَأخيرِ الأَفاضِلِ (4) .* ومنه في المباهلة :عنه عليه السلام :تَوَلِّي الأَراذِلِ وَالأَحداثِ الدُّوَلَ دَليلُ انحِلالِها وإدبارِها (5) .* وفي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :زَوالُ الدُّوَلِ بِاصطِناعِ السِّفَلِ (6) .10 / 3إرشاداتٌ فِي العَلاقاتِ الاِجتِماعِيَّةِ وَالسِّياسِيَّةِ10 / 3 _ 1 قِياسُ النّاسِ بِالنَّفسِ * وعن أمير المؤمنين عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: وأيُّ (7) كَلِمَةِ حُكمٍ جامِعَةٍ ! : أن تُحِب

.


1- .الأثَرة : الاسم من آثر إذا أعطى ، والاستئثار : الانفراد بالشيء (النهاية : ج1 ص22) .
2- .نهج البلاغة : الخطبة 30 .
3- .في الطبعة المعتمدة : «بالغرور» ، وما أثبتناه من طبعة النجف وبيروت .
4- .غرر الحكم : ح10965 ، عيون الحكم والمواعظ : ص550 ح10157 وفيه «زوال» بدل «إدبار» .
5- .غرر الحكم : ح4523 ، عيون الحكم والمواعظ : ص202 ح4095 .
6- .غرر الحكم : ح5486 ، عيون الحكم والمواعظ : ص275 ح4998 .
7- .في هامش البحار : «كذا في التحف ، وفي المصدر : وأحسن كلمة حكم» .

ص: 573

* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :لِلنّاسِ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ وتَكرَهَ لَهُم ما تَكرَهُ لَها (1) .* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام :مِن حَقِّ الرّاعي أن يَختارَ لِرَعِيَّتِهِ ما يَختارُهُ لِنَفسِهِ (2) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ _: وأحِبَّ لِعامَّةِ رَعِيَّتِكَ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ وأهلِ بَيتِكَ ، وَاكرَه لَهُم ما تَكرَهُ لِنَفسِكَ وأهلِ بَيتِكَ (3) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: اِجعَل نَفسَكَ ميزانا فيما بَينَكَ وبَينَ غَيرِكَ ، فَأَحبِب لِغَيرِكَ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ ، وَاكرَه لَهُ ما تَكرَهُ لَها ، ولا تَظلَم كَما لا تُحِبُّ أن تُظلَمَ ، وأحسِن كما تُحِبُّ أن يُحسَنَ إلَيكَ ، واستَقبِح مِن نَفسِكَ ما تَستَقبِحُهُ مِن غَيرِكَ ، وَارضَ مِنَ النّاسِ بِما تَرضاهُ لَهُم مِن نَفسِكَ (4) .* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ _: يا بُنَيَّ ! . . . أحسِن إلى جَميعِ النّاسِ كَما تُحِبُّ أن يُحسَنَ إلَيكَ ، وَارضَ لَهُم ما تَرضاهُ لِنَفسِكَ ، وَاستَقبِح مِن نَفَسِكَ ما تَستَقبِحُهُ مِن غَيرِكَ ، وحَسِّن مَعَ جَميعِ النّاسِ خُلُقَكَ ، حَتّى إذا غِبتَ عَنهُم حَنّوا إلَيكَ ، وإذا مِتَّ بَكَوا عَلَيكَ . وقالوا: إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، ولا تَكُن مِنَ الَّذين يُقالُ عِندَ مَوتِهِ : الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ (5) .* وفي الدعاء :عنه عليه السلام :أعدَلُ السّيرَةِ أن تُعامِلَ النّاسَ بِما تُحِبُّ أن يُعامِلوكَ بِهِ (6) . .


1- .تحف العقول : ص81 ، بحار الأنوار : ج77 ص208 ح1 نقلاً عن السيّد ابن طاووس في كتاب الوصايا .
2- .غرر الحكم : ح9335 ، عيون الحكم والمواعظ : ص469 ح8562 .
3- .الأمالي للمفيد : ص269 ح3 عن أبي إسحاق الهمداني ، تحف العقول : ص180 ، الأمالي للطوسي : ص30 ح 31 ، الغارات : ج1 ص249 ؛ شرح نهج البلاغة : ج6 ص71 .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 31 ، كشف المحجّة : ص226 .
5- .كتاب من لا يحضره الفقيه : ج4 ص387 ح5834 ، عيون الحكم والمواعظ : ص79 ح1914 وفيه «استقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك» فقط .
6- .غرر الحكم : ح3170 ، عيون الحكم والمواعظ : ص116 ح2580 .

ص: 574

10 / 3 _ 2 ملازمة ما يوجب العزّ

عقر : عن النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: اِصحَبِ النّاسَ بِأَيِّ خُلقٍ شِئتَ يَصحَبوكَ بِمِثلِهِ (1) .10 / 3 _ 2 مُلازَمَةُ ما يوجِبُ العِزَّ * وعن أمير المؤمنين عليه السلام في ذمّ أهل البصرةالإمام عليّ عليه السلام :أكرِم نَفسَكَ عَن كُلِّ دَنِيَّةٍ وإن ساقَتكَ إلَى الرَّغائِبِ ؛ فَإِنَّكَ لَن تَعتاضَ بِما تَبذُلُ مِن نَفسِكَ عِوَضا (2) .* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام :مُبايَنَةُ الدَّنايا تَكبِتُ العَدُوَّ (3) .* ومنه في الطائف :عنه عليه السلام :لا تَفعَل ما يَضَعُ قَدرَكَ (4) .* وعن اُمّ سلمة لعائشة :عنه عليه السلام :المَوتُ ولاَ ابِتذالُ الخِزيَةِ (5) .* وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ المَنِيَّةَ قَبلَ الدَّنِيَّةِ ، وَالتَّجَلُّدَ قَبلَ التَّبَلُّدِ (6)(7) .* وفي بدر :عنه عليه السلام :المَنِيَّةُ ولَا الدَّنِيَّةُ ، التَّقَلُّلُ ولَا التَّذَلُّلُ (8) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :مُقاساةُ الإِقلالِ ولا مُلاقاةُ الإِذلالِ (9) .

.


1- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص309 ح539 .
2- .نهج البلاغة : الكتاب 31 ، غرر الحكم : ح2428 ، عيون الحكم والمواعظ : ص85 ح2056 ؛ جواهر المطالب : ج2 ص161 ح139 ، ينابيع المودّة : ج3 ص441 ح10 وفيه إلى «الرغائب» .
3- .غرر الحكم : ح9774 ، عيون الحكم والمواعظ : ص485 ح8954 .
4- .غرر الحكم : ح10231 ، عيون الحكم والمواعظ : ص518 ح9395 .
5- .غرر الحكم : ح361 ، عيون الحكم والمواعظ : ص33 ح621 وفيه «الحرمة» بدل «الخِزْية» .
6- .التبلّد : نقيض التجلّد ؛ بلُد بلادةً فهو بَليد ؛ وهو استكانة وخضوع (لسان العرب : ج3 ص96) .
7- .الكافي : ج8 ص21 ح4 عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام ، تحف العقول : ص207 نحوه .
8- .غرر الحكم : ح360 و ح362 ، نهج البلاغة : الحكمة 396 وفيه «التوسّل» بدل «التذلّل» ، عيون الحكم والمواعظ : ص33 ح620 و ص38 ح821 .
9- .غرر الحكم : ح9802 ، عيون الحكم والمواعظ : ص488 ح9044 وفيه «الأرذال» بدل «الإذلال» .

ص: 575

10 / 3 _ 3 التجنّب من المعاداة

10 / 3 _ 3 التَجَنُّبُ مِنَ المُعاداةِ * وعن قَسّ في أخوين له :الإمام عليّ عليه السلام :اِجتَنِبوا . . . مِن تَضاغُنِ القُلوبِ ، وتَشاحُنِ الصُّدورِ ، وتَدابُرِ النُّفوسِ ، وتَخاذُلِ الأَيدي (1) .* وعن الصادق عليه السلام :عنه عليه السلام :خالِطُوا النّاسَ مُخالَطَةً إن مِتُّم مَعَها بَكَوا عَلَيكُم ، وإن عِشتُم حَنّوا إلَيكُم (2) .* وفي حديث خيبر :عنه عليه السلام :رَأسُ الجَهلِ مُعاداةُ النّاسِ (3) .عقص : في صفته صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مِن سوءِ الِاختِيارِ مُغالَبَةُ الأَكفاءِ ، ومُعاداةُ الرِّجالِ (4) .* ومنه عن ابن نباتة في البصرة :عنه عليه السلام :مَن حارَبَ النّاسَ حُرِبَ (5) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :حُسنُ العِشرَةِ يَستَديمُ المَوَدَّةَ (6) .* وعنه عليه السلام في طلحة :عنه عليه السلام :بِحُسنِ العِشرَةِ تَدومُ المَوَدَّةُ (7) .عقعق : عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام :عنه عليه السلام :أماراتُ الدُّوَلِ إنشاءُ الحِيَلِ (8) .عقق : في الخبر :عنه عليه السلام :الواحِدُ مِنَ الأَعداءِ كَثيرٌ (9) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :يا بَنِيَّ إيّاكُم ومُعاداةَ الرِّجالِ ؛ فَإِنَّهُم لا يَخلونَ مِن ضَربَينِ : مِن عاقِلٍ يَمكُر

.


1- .نهج البلاغة : الخطبة 192 ، غرر الحكم : ح4544 ، عيون الحكم والمواعظ : ص200 ح4046 .
2- .نهج البلاغة: الحكمة 10 ، غرر الحكم : ح5070 وفيه «غبتم» بدل «عشتم» ، بحار الأنوار : ج74 ص167 ح35 .
3- .غرر الحكم : ح5247 ، عيون الحكم والمواعظ : ص264 ح4814 .
4- .غرر الحكم : ح9352 و ح9429 وليس فيه «ومعاداة الرجال» ، عيون الحكم والمواعظ : ص469 ح8555 .
5- .غرر الحكم : ح9013 ، عيون الحكم والمواعظ : ص427 ح7252 .
6- .غرر الحكم : ح4811 ، عيون الحكم والمواعظ : ص228 ح4380 .
7- .غرر الحكم : ح4200 ، عيون الحكم والمواعظ : ص187 ح3820 .
8- .غرر الحكم : ح1230 ، عيون الحكم والمواعظ : ص127 ح2902 .
9- .غرر الحكم : ح1149 ، عيون الحكم والمواعظ : ص45 ح1107 .

ص: 576

10 / 3 _ 4 الوفاء بالعهد

* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام :بِكُم ، أو جاهِلٍ يَعجَلُ عَلَيكُم ، وَالكَلامُ ذَكرٌ ، وَالجَوابُ اُنثى ؛ فَاذَا اجتَمَعَ الزَّوجانِ فَلابُدَّ مِنَ النِّتاجِ . ثُمَّ أنشَأَ يَقولُ :

سَليمُ العِرضِ مَن حَذَرَ الجَوابا

ومَن دارَى الرِّجالَ فَقَد أصابا ومَن هابَ الرِّجالَ تَهَيَّبوهُ

ومَن حَقَّرَ الرِّجالَ فَلَن يُهابا (1)10 / 3 _ 4الوَفاءُ بِالعَهدِ* ومنه حديث اُحدٍ :الإمام عليّ عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! وإنَّ الوَفاءَ تَوأَمُ الصِّدقِ ، ولا أعلَمُ جُنَّةً أوقى مِنهُ ، وما يَغدِرُ مَن عَلِمَ كَيفَ المَرجِعُ (2) ، ولَقَد أصبَحنا في زَمانٍ قَدِ اتَّخَذَ أكثَرُ أهلِهِ الغَدرَ كَيسا (3) ، ونَسَبَهم أهلُ الجَهلِ فيهِ إلى حُسنِ الحيلَةِ (4) .* وفي المواقيت :عنه عليه السلام :مِن أفضَلِ الإِسلامِ الوَفاءُ بِالذِّمامِ (5) .عقل : في دار الندوة :عنه عليه السلام_ في عَهدِهِ إلى مالِكٍ الأَشتَرِ _: وإن عَقَدتَ بَينَكَ وبَينَ عَدُوِّكَ عُقدَةً ، أو ألبَستَهُ مِنكَ ذِمَّةً فَحُط عَهدَكَ بِالوَفاءِ ، وَارعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمانَةِ ، وَاجعَل نَفسَكَ جُنَّةً دونَ ما أعطَيتَ ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ مِن فَرائِضِ اللّهِ شَيءٌ النّاسُ أشَدُّ عَلَيهِ اجتِماعا مَعَ تَفَرُّقِ أهوائِهِم وتَشَتُّتِ آرائِهِم مِن تَعظيمِ الوَفاءِ بِالعُهودِ . وقَد لَزِمَ ذلِكَ المُشرِكونَ فيما بَينَهُم دونَ المُسلِمينَ لِمَا استَوبَلوا (6) مِن عَواقِبِ الغَدرِ . فَلا تَغدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ ، ولا تَخيسَنَّ بِعَهدِكَ ،

.


1- .الخصال : ص72 ح111 عن محمّد بن أحمد الكاتب النيسابوري ، روضة الواعظين : ص412 نحوه وليس فيه الشعر ؛ شعب الإيمان : ج6 ص344 ح8448 عن أبان بن تغلب ، كنز العمّال : ج3 ص695 ح8489 .
2- .أي من علم الآخرة وطوى عليها عقيدته منعه ذلك أن يغدر (شرح نهج البلاغة : ج2 ص313) .
3- .الكَيْس : العقل (النهاية : ج4 ص217) .
4- .نهج البلاغة : الخطبة 41 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص98 نحوه ، عيون الحكم والمواعظ : ص152 ح3334 وفيه إلى «أوقى منه» ؛ المعيار والموازنة : ص96 نحوه .
5- .عيون الحكم والمواعظ : ص471 ح8614 .
6- .الوبال : الوخامة وسوء العاقبة (مجمع البحرين : ج3 ص1901) .

ص: 577

10 / 3 _ 5 أداء الأمانة

عقل : في دار الندوة :ولا تَختِلَنَّ عَدُوَّكَ ؛ فَإِنَّهُ لا يَجتَرِئُ عَلَى اللّهِ إلّا جاهِلٌ شَقِيٌّ . وقَد جَعَلَ اللّهُ عَهدَهُ وذِمَّتَهُ أمنا أفضاهُ بَينَ العِبادِ بِرَحمَتِهِ ، وحَريما يَسكُنونَ إلى مَنَعَتِهِ ويَستَفيضونَ إلى جِوارِهِ . فَلا إدغالَ ولا مُدالَسَةَ ولا خِداعَ فيهِ .

ولا تَعقِد عَقدا تُجَوِّزُ فيهِ العِلَلَ ، ولا تُعَوِّلَنَّ عَلى لَحنِ قَولٍ بَعدَ التَّأكيدِ وَالتَّوثِقَةِ ، ولا يَدعُوَنَّكَ ضيقُ أمرٍ لَزِمَكَ فيهِ عَهدُ اللّهِ إلى طَلَبِ انفِساخِهِ بِغَيرِ الحَقِّ ؛ فَإِنَّ صَبرَكَ عَلَى ضيقِ أمرٍ تَرجُو انفِراجَهُ وفَضلَ عاقِبَتِهِ خَيرٌ من غَدرٍ تَخافُ تَبِعَتَهُ ، وأن تُحيطَ بِكَ مِنَ اللّهِ فيهِ طِلبَةٌ ، فَلا تَستَقبِلُ فيها دُنياكَ ولا آخِرَتَكَ (1) .10 / 3 _ 5 أداءُ الأَمانَةِ * ومنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام :أدُّوا الأَمانَةَ إلى مَنِ ائتَمَنَكُم ولَو إلى قَتَلَةِ أولادِ الأَنبِياءِ عليهم السلام (2) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :لا تَخُن مَنِ ائتَمَنَكَ وإن خانَكَ ، ولا تُذِع سِرَّه وإن أذاعَهُ (3) .* ومنه عن الديصاني لأبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن كِتابٍ لَهُ عليه السلام إلَى الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ _: وإنَّ عَمَلَكَ لَيسَ لَكَ بِطُعمَةٍ ، ولكِنَّهُ في عُنُقِكَ أمانَةٌ ، وأنتَ مُستَرعىً لِمَن فَوقَكَ (4) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ مِن عَهدٍ لَهُ إلى بَعضِ عُمّالِ الصَّدَقاتِ _: مَن لَم يَختَلِف سِرُّهُ وعَلانِيَتُهُ وفِعلُه

.


1- .نهج البلاغة : الكتاب 53 ، تحف العقول : ص145 نحوه وراجع دعائم الإسلام : ج1 ص368 وعيون الحكم والمواعظ : ص162 ح3463 .
2- .الخصال : ص614 ح10 عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج75 ص115 ح8 .
3- .تحف العقول : ص81 ، عيون الحكم والمواعظ : ص519 ح9426 وفيه «ولا تشن عدوّك وإن شانك» بدل «ولا تذع . . .» ، بحار الأنوار : ج77 ص208 ح1 نقلاً عن السيّد ابن طاووس في كتاب الوصايا ؛ نظم درر السمطين : ص167 ، كنز العمّال : ج16 ص178 ح44215 نقلاً عن الوكيع والعسكري في المواعظ .
4- .نهج البلاغة : الكتاب 5 ؛ جواهر المطالب : ج2 ص26 وليس فيه ذيله .

ص: 578

10 / 3 _ 6 الاستثمار من علوم الأجانب

* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :ومَقالَتُهُ فَقَد أدَّى الأَمانَةَ ، وأخلَصَ العِبادَةَ . وأمَرَهُ ألّا يَجبَهَهُم (1) ولا يَعضَهَهُم (2) ، ولا يَرغَبَ عَنهُم تَفَضُّلاً بِالإِمارَةِ عَلَيهِم ؛ فَإِنّهُمُ الإِخوانُ فِي الدّينِ ، وَالأَعوانُ عَلَى استِخراجِ الحُقوقِ . وإنَّ لَكَ في هذِهِ الصَّدَقَةِ نَصيبا مَفروضا ، وحَقّا مَعلوما ، وشُرَكاءَ أهلَ مَسكَنَةٍ ، وضُعَفاءَ ذَوي فاقَةٍ ، وإنّا مُوَفّوكَ حَقَّكَ ، فَوَفِّهِم حُقوقَهُم ، وإلّا تَفعَل فَإِنَّكَ مِن أكثَرِ النّاسِ خُصوما يَومَ القِيامَةِ ، وبُؤسى لِمَن خَصمُهُ عِندَ اللّهِ الفُقَراءُ وَالمَساكينُ والسّائِلونَ وَالمَدفوعونَ وَالغارِمونَ وَابنُ السَّبيلِ . ومَنِ استَهانَ بِالأَمانَةِ ورَتَعَ فِي الخِيانَةِ ولَم يُنَزِّه نَفسَهُ ودينَهُ عَنها فَقَد أحَلَّ بِنَفسِهِ الذُّلَّ وَالخِزيَ فِي الدُّنيا ، وهُوَ فِي الآخِرَةِ أذَلُّ وأخزى . وإنَّ أعظَمَ الخِيانَةِ ، خِيانَةُ الاُمَّةِ ، وأفظَعَ الغِشِّ غِشُّ الأَئِمَّةِ . وَالسَّلامُ (3) .10 / 3 _ 6الاِستِثمارُ مِن عُلومِ الأَجانِبِ* وفي الخبر :الإمام عليّ عليه السلام :ضالَّةُ الحَكيمِ الحِكمَةُ ؛ فَهُوَ يَطلُبُها حَيثُ كانَت (4) .* ومنه عن ابن عبّاس :عنه عليه السلام :ضالَّةُ العاقِلِ الحِكمَةُ فَهُوَ أحَقُّ بِها حَيثُ كانَت (5) .* ومنه الخبر :عنه عليه السلام :خُذِ الحِكمَةَ أنّى كانَت ؛ فَإِنَّ الحِكمَةَ ضالَّةُ كُلِّ مُؤمِنٍ (6) .عقم : عن أبي الحسن عليه السلام في سجوده :عنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ ؛ فَليَطلُبها ولَو في أيدي أهلِ الشَّرِّ (7) .

.


1- .من الجَبْه : وهو الاستقبال بالمكروه (لسان العرب : ج13 ص484) .
2- .عَضَهه يعضَهه : قال فيه ما لم يكن (لسان العرب : ج13 ص515) .
3- .نهج البلاغة : الكتاب 26 ، بحار الأنوار : ج33 ص528 ح719 .
4- .غرر الحكم : ح5897 ، عيون الحكم والمواعظ : ص309 ح5432 وفيه «أحقّ بها» بدل «يطلبها» .
5- .غرر الحكم : ح5896 .
6- .غرر الحكم : ح5043 ، عيون الحكم والمواعظ : ص243 ح4628 .
7- .تحف العقول : ص201 .

ص: 579

10 / 3 _ 7 الاستقلال الثّقافيّ

* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :خُذُوا الحِكمَةَ ولَو مِنَ المُشرِكينَ (1) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ ؛ فَالتَقِفها ولَو مِن أفواهِ المُشرِكينَ (2) .* وعن المأمون في الرشيد وأهل البيت عليهم السلامعنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ ؛ فَاطلُبوها _ ولَو عِندَ المُشرِكِ _ تَكونوا أحَقَّ بِها وأهلِها (3) .عقا : عن اُمّ سلمة :عنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ كُلِّ مُؤمِنٍ ؛ فَخُذوها ولَو مِن أفواهِ المُنافِقينَ (4) .* ومنه في زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلامعنه عليه السلام :الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ ؛ فَخُذِ الحِكمَةَ ولَو مِن أهلِ النِّفاقِ (5) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :خُذِ الحِكمَةَ أنّى أتَتكَ ؛ فَإِنَّ الحِكمَةَ تَكونُ في صَدرِ المُنافِقِ ، فَتَلَجلَجُ في صَدرِهِ حَتّى تَخرُجَ ، فَتَسكُنَ إلى صَواحِبِها في صَدرِ المُؤمِنِ (6) .10 / 3 _ 7 الاِستِقلالُ الثَّقافِيُّ عكر : عن أمير المؤمنين عليه السلام في الاستسقاء :الإمام عليّ عليه السلام :قَلَّ مَن تَشَبَّهَ بِقَومٍ إلّا أوشَكَ أن يَكونَ مِنهُم (7) .* وعن الكلبيّ :الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : لا تَزالُ هذِهِ الاُمَّةُ بِخَيرٍ ما لَم يَلبَسوا لِباسَ العَجَمِ ، ويَطعَموا أطعِمَةَ العَجَمِ ، فَإذا فَعَلوا ذلِكَ ضَرَبَهُم اللّهُ بِالذُّلِّ (8) .

.


1- .المحاسن : ج1 ص360 ح771 عن عليّ بن سيف ، بحار الأنوار : ج2 ص97 ح41 .
2- .تنبيه الخواطر : ج1 ص81 .
3- .الأمالي للطوسي : ص625 ح1290 عن أبي أحمد عبيد اللّه بن الحسين عن الإمام الجواد عن آبائه عليهم السلام .
4- .غرر الحكم : ح1829 ، عيون الحكم والمواعظ : ص22 ح145 .
5- .نهج البلاغة : الحكمة 80 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص94 .
6- .خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص94 ، نهج البلاغة : الحكمة 79 وفيه «كانت» بدل «أتتك» ؛ ربيع الأبرار : ج3 ص197 وفيه «أين كانت» بدل «أنّى أتتك» .
7- .نهج البلاغة : الحكمة 207 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص115 ، نزهة الناظر : ص53 ح31 ، عيون الحكم والمواعظ : ص162 ح3464 وفيه «يصير» بدل «يكون» .
8- .المحاسن : ج2 ص178 ح1504 و ص222 ح1669 كلاهما عن طلحة بن زيد ، بحار الأنوار : ج66 ص323 ح6 .

ص: 580

10 / 3 _ 8 النّوادر

10 / 3 _ 8النَّوادِرعكس : عن أمير المؤمنين عليه السلام في التحكيم :الإمام عليّ عليه السلام :لا يَكونُ العِمرانُ حَيثُ يَجورُ (1) السُّلطانُ (2) .* وعنه عليه السلام في معاوية :عنه عليه السلام :آفَةُ العِمرانِ جَورُ السُّلطانِ (3) .عكظ : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :زُهدُكَ في راغِبٍ فيكَ نُقصانُ حَظِّ ، ورَغبَتُكَ في زاهِدٍ فيكَ ذُلُّ نَفسٍ (4) .عكف : عن أمير المؤمنين عليه السلام بعد دفن فاطمةعنه عليه السلام :وَالاك مَن لَم يُعادِكَ (5) .عكك : في حديث النبيّ صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مَن رَغِبَ فيكَ عِندَ إقبالِكَ زَهِدَ فيكَ عِندَ إدبارِكَ (6) .* وعن أبي عبد اللّه عليه السلام في جيش أبرهة :عنه عليه السلام :أحبِب حَبيبَكَ هَونا ما ؛ عَسى أن يَكون بغَيضَكَ يَوما ما ، وأبغِض بغَيضَكَ هَونا ما ؛ عَسى أن يَكونَ حَبيبَكَ يَوما ما (7) .عكل : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليالإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : لِيَجتَمِع في قَلبِكَ الاِفتِقارُ إلَى النّاسِ ، وَالاِستِغناءُ عَنهُم ؛ يَكونُ افتِقارُكَ إلَيهِم في لينِ كَلامِكَ وحُسنِ بِشرِكَ ، ويَكون

.


1- .في الطبعة المعتمدة : «يجوز» ، وما أثبتناه من طبعة بيروت وطهران .
2- .غرر الحكم : ح10791 ، عيون الحكم والمواعظ : ص540 ح10022 .
3- .غرر الحكم : ح3954 ، عيون الحكم والمواعظ : ص181 ح3717 .
4- .نهج البلاغة : الحكمة 451 ، بحار الأنوار : ج74 ص164 ؛ ينابيع المودّة : ج2 ص252 ح707 وفيه «نفسك» بدل «نفس» .
5- .المواعظ العدديّة : ص61 .
6- .غرر الحكم : ح8878 .
7- .نهج البلاغة : الحكمة 268 ، تحف العقول : ص201 وفيه «يعصيك» بدل «بغيضك» في الموضع الأوّل ، الأمالي للطوسي : ص364 ح767 عن عليّ بن عليّ بن رزين عن الإمام الرضا عن آبائه عنه عليهم السلامو ص703 ح1505 عن زيد بن عليّ عن أبيه عنه عليهماالسلام نحوه ؛ الأدب المفرد : ص382 ح1321 ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج8 ص341 ح144 كلاهما عن محمّد بن عبيد الكندي ، تاريخ المدينة : ج4 ص1266 عن عبيد اللّه الأنصاري .

ص: 581

عكل : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ علياستِغناؤُكَ عَنهُم في نَزاهَةِ عِرضِكَ وبَقاءِ عِزِّكَ (1) .عكم : عن أمير المؤمنين عليه السلام :الإمام عليّ عليه السلام :اُبذُل لِصَديقِكَ كُلَّ المَوَدَّةِ ، ولا تَبذُل لَهُ كُلَّ الطُّمَأنينَةِ . وأعطِهِ كُلَّ المُواساةِ ، ولا تَفُضَّ إلَيهِ بِكُلِّ الأَسرارِ ؛ توفِ (2) الحِكمَةَ حَقَّها ، وَالصَّديقَ واجِبَهُ (3) .* ومنه الخبر :عنه عليه السلام :لَيسَ الحَكيمُ مَن لَم يُدارِ مَن لا يَجِدُ بُدّا مِن مُداراتِهِ (4) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الملاحم :عنه عليه السلام :لا تُعامِل مَن لا تَقدِرُ عَلَى الاِنتِصافِ مِنهُ (5) .علب : عن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام :إيّاكَ أن توحِشَ مُوادَّكَ وَحشَةً تُفضي بِهِ إلَى اختِيارِهِ البُعدَ عَنكَ وإيثارِ الفُرقَةِ (6) .علج : عن أبي الحسن عليه السلام :عنه عليه السلام :مَن كانَ نَفعُهُ في مَضَرَّتِكَ لَم يَخلُ في كُلِّ حالٍ مِن عَداوَتِكَ (7) .* ومنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله لعَقَبَة :عنه عليه السلام :تَجاوَز مَعَ القُدرَةِ ، وأحسِن مَعَ الدَّولَةِ تَكمُل لَكَ السِّيادَةُ (8) .* وعنه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :اِحتَمِل زَلَّةَ وَلِيِّكَ لِوَقتِ وَثبَةِ عَدُوِّكَ (9) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :تَأميلُ النّاسِ نَوالَكَ خَيرٌ مِن خَوفِهِم نَكالَكَ (10) .* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام :أقِمِ الرَّغبَةَ إلَيكَ مَقامَ الحُرمَةِ بِكَ (11) . .


1- .الكافي : ج2 ص149 ح7 عن عمّار الساباطي ، معاني الأخبار : ص267 ح1 عن يحيى بن عمران ، تحف العقول : ص204 ، مشكاة الأنوار : ص312 ح977 ، تنبيه الخواطر : ج2 ص196 .
2- .في المصدر : «توفى» ، والأصحّ ما أثبتناه .
3- .كنز الفوائد : ج1 ص93 .
4- .تحف العقول : ص218 ، بحار الأنوار : ج78 ص57 ح121 .
5- .غرر الحكم : ح10184 ، عيون الحكم والمواعظ : ص518 ح9400 .
6- .غرر الحكم : ح2689 ، عيون الحكم والمواعظ : ص98 ح2253 .
7- .غرر الحكم : ح9150 .
8- .غرر الحكم : ح4528 ، عيون الحكم والمواعظ : ص200 ح4048 .
9- .بحار الأنوار : ج74 ص166 .
10- .غرر الحكم : ح4510 ، عيون الحكم والمواعظ : ص203 ح4119 وفيه «خيرك» بدل «نوالك» .
11- .غرر الحكم : ح2291 ؛ شرح نهج البلاغة : ج20 ص311 ح573 .

ص: 582

* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام :أقِمِ النّاسَ عَلى سُنَّتِهِم ودينِهِم ، وَليَأمَنكَ بَرِئُهُم (1) وَليَخَفكَ مُريبُهُم ، وتَعاهَد ثُغورَهُم وأطرافَهُم (2) .* وعنه عليه السلام في الكعبة :عنه عليه السلام :أصعَبُ السِّياساتِ نَقلُ العاداتِ (3) .* و عنه عليه السلام في فاطمة عليهاالسلام :عنه عليه السلام :لا يَزالُ النّاسُ بِخَيرٍ ما تَفاوَتوا ، فَإِذَا اسَتَوا هَلَكوا (4) .* وعنه عليه السلام :عنه عليه السلام :مَن عامَلَ النّاسَ بِالمُسامَحَةِ استَمتَعَ بِصُحبَتِهِم (5) .علز : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :مِنَ الحِكمَةِ طاعَتُكَ لِمَن فَوقَكَ ، وإجلالُكَ مَن في طَبَقَتِكَ ، وإنصافُكَ لِمَن دونَكَ (6) .علص : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :آلَةُ الرِّئاسَةِ سَعَةُ الصَّدرِ (7) .علف : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام :خَوضُ النّاسِ فِي الشَّيءِ مُقَدِّمَةُ الكائِنِ (8) .* وعنه عليه السلام في الخلافة :عنه عليه السلام :إيّاكَ وكُلَّ عَمَلٍ يُنَفِّرُ عَنكَ حُرّا ، أو يُذِلُّ لَكَ قَدرا ، أو يَجلِبُ عَلَيكَ شَرّا ، أو تَحمِلُ بِهِ إلَى القِيامَةِ وِزرا (9) .علق : في سلمان :عنه عليه السلام :مَن رُفِعَ بِلا كِفايَةٍ وُضِعَ بِلا جِنايَةٍ (10) . .


1- .كذا في المصدر ، والظاهر : «بَرِيؤهم» .
2- .غرر الحكم : ح2419 ، عيون الحكم والمواعظ : ص81 ح1961 وفي ذيله «وأطراف بلادهم» .
3- .غرر الحكم : ح2969 ، عيون الحكم والمواعظ : ص118 ح2649 وفيه «تغيير» بدل «نقل» .
4- .عيون أخبار الرضا : ج2 ص53 ح204 ، الأمالي للصدوق : ص531 ح718 كلاهما عن عبد العظيم الحسني عن الإمام الجواد عن آبائه عليهم السلام ، غرر الحكم : ح289 وفيه «النّاس بخير ما تفاوتوا» .
5- .غرر الحكم : ح8861 ، عيون الحكم والمواعظ : ص457 ح8286 .
6- .غرر الحكم : ح9422 ، عيون الحكم والمواعظ : ص473 ح8676 .
7- .نهج البلاغة : الحكمة 176 ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص110 ، غرر الحكم : ح1256 .
8- .غرر الحكم : ح5067 ، عيون الحكم والمواعظ : ص242 ح4612 .
9- .غرر الحكم : ح2727 ، عيون الحكم والمواعظ : ص100 ح2291 .
10- .غرر الحكم : ح8613 .

ص: 583

* و في الخبر :عنه عليه السلام :زِنِ الرِّجالَ بِموازينِهِم (1) .* ومنه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عنه عليه السلام :مِنَ الحِكمَةِ أن لا تُنازِعَ مَن فَوقَك ، ولا تَستَذِلَّ مَن دونَكَ ، ولا تَتَعاطى ما لَيسَ في قُدرَتِكَ ، ولا يُخالِفَ لِسانُك قَلبَكَ ، ولا قَولُك فِعلَكَ ، ولا تَتَكَلَّمَ فيما لا تَعلَمُ ، ولا تَترُكَ الأَمرَ عِندَ الإِقبالِ وتَطلُبَهُ عِندَ الإِدبارِ (2) .* وعن فاطمة عليهاالسلام في أمير المؤمنين عليه السعنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: عامِلُوا الأَحرارَ بِالكَرامَةِ المَحضَةِ ، وَالأَوساطَ بِالرَّغبَةِ وَالرَّهبَةِ ، وَالسَّفِلَةَ بِالهَوانِ (3) .* وفي الإفك :عنه عليه السلام_ أيضا _: إذا كانَ لَكَ صَديقٌ ولَم تَحمَد إخاءَهُ ومَوَدَّتَهُ فَلا تُظهِر ذلِكَ لِلنّاسِ ، فَإِنَّما هُوَ بِمَنزِلَةِ السَّيفِ الكَليلِ (4) في مَنزِلِ الرَّجُلِ ، يُرهِبُ بِهِ عَدُوَّهُ ولا يَعلَمُ العَدُوُّ أ صارِمٌ هُوَ أم كَليلٌ (5) .* وفي الخبر :عنه عليه السلام_ أيضا _: إذا أحسَنَ أحَدٌ مِن أصحابِكَ فَلا تَخرُج إلَيهِ بِغايَةِ بِرِّكَ ، ولكِنِ اترُك مِنهُ شَيئا تَزيدُهُ إيّاهُ عِندَ تَبَيُّنِكَ مِنهُ الزِّيادَةُ في نَصيحَتِهِ (6) .* وعن أمير المؤمنين عليه السلام في المنافقين :عنه عليه السلام_ أيضا _: مِنَ النّاسِ مَن يَنقُصُكَ إذا زِدتَهُ ، ويَهونُ عَلَيكَ إذا خاصَصتَهُ ، لَيسَ لِرِضاهُ مَوضِعٌ تَعرِفُهُ ، ولا لِسُخطِهِ مَكانٌ تَحذَرُهُ ، فَإِذا لَقيتَ اُولئِكَ فَابذُل لَهُم مَوضِعَ المَوَدَّةِ العامَّةِ ، وَاحرِمهُم مَوضِعَ الخاصَّةِ ؛ لِيَكونَ ما بَذَلتَ لَهُم مِن ذلِكَ حائِلاً دونَ شَرِّهِم ، وما حَرِمتَهُم مِن هذا قاطِعا لِحُرمَتِهِم (7) . .


1- .المواعظ العدديّة : ص57 .
2- .غرر الحكم : ح9450 ، عيون الحكم والمواعظ : ص473 ح8681 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص311 ح574 .
4- .كَلَّ السيف فهو كليل : إذا لم يَقطع (النهاية : ج4 ص198) .
5- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص309 ح550 .
6- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص331 ح798 .
7- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص320 ح673 .

ص: 584

* وفي الرضا عليه السلام :عنه عليه السلام_ أيضا _: مَن ساسَ رَعِيَّةً حَرُمَ عَلَيهِ السُّكرُ عَقلاً ؛ لِأَنَّهُ قَبيحٌ أن يَحتاجَ الحارِسُ إلى مَن يَحرُسُهُ (1) .* ومنه عن جعفر عليه السلام :عنه عليه السلام_ أيضا _: لا تَقبَلِ الرِّياسَةَ عَلى أهلِ مَدينَتِكَ ؛ فَإِنَّهُم لا يَستَقيمونَ لَكَ إلّا بِما تَخرُجُ بِهِ مِن شَرطِ الرَّئيسِ الفاضِلِ (2) .علقم : عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ أيضا _: لا تَخدِمَنَّ رَئيسا كُنتَ تَعرِفُهُ بِالخُمولِ ، وسَمَتْ بِهِ الحالُ ، ويَعرِفُ مِنكَ أنَّكَ تَعرِفُ قَديمَهُ ؛ فَإِنَّهُ وإن سُرَّ بِمَكانِكَ مِن خِدمَتِهِ ، إلّا أنَّهُ يَعلَمُ العَينَ الَّتي تَراهُ بِها ، فَيَنقَبِضُ عَنكَ بِحَسَبِ ذلِكَ (3) .علك : عنه عليه السلام :عنه عليه السلام :ولا تُرَخِّصوا لِأَنفُسِكُم فَتُدهِنوا وتَذهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذاهِبَ الظَّلَمَةِ فَتَهلِكوا ولا تُداهِنوا فِي الحَقِّ إذا وَرَدَ عَلَيكُم وعَرَفتُموهُ فَتَخسَروا خُسرانا مُبينا. (4)* وعن محمّد بن مسلم :عنه عليه السلام_ في الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: أضَرُّ الأَشياءِ عَلَيكَ أن تُعلِمَ رَئيسَكَ أنَّكَ أعرَفُ بِالرِّياسَةِ مِنهُ (5) .علل : عن أبي عبد اللّه عليه السلام :عنه عليه السلام_ أيضا _: قَليلٌ يُتَرَقّى مِنهُ إلى كَثيرٍ خَيرٌ مِن كَثيرٍ يُنحَطُّ عَنهُ إلى قَليلٍ (6) .* ومنه عن أمير المؤمنين عليه السلام :عنه عليه السلام_ أيضا _: لَيسَ يَضُرُّكَ أن تَرى صَديقَكَ عِندَ عَدُوِّكَ ؛ فَإِنَّهُ إن لَم يَنفَعكَ لَم يَضُرَّكَ (7) . .


1- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص338 ح871 .
2- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص282 ح232 .
3- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص337 ح865 .
4- .تحف العقول : ص 150 .
5- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص337 ح863 .
6- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص344 ح953 .
7- .شرح نهج البلاغة : ج20 ص336 ح852 .

ص: 585

الفهرس التفصيلي .

ص: 586

. .

ص: 587

. .

ص: 588

. .

ص: 589

. .

ص: 590

. .

ص: 591

. .

ص: 592

. .

ص: 593

. .

ص: 594

. .

ص: 595

. .

ص: 596

. .

ص: 597

. .

ص: 598

. .

ص: 599

. .

ص: 600

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.