سرشناسه : محمدي ري شهري، محمد، 1325 -
عنوان و نام پديدآور : موسوعه الامام علي بن ابي طالب في الكتاب و السنه و التاريخ/ محمد الري شهري، بمساعده محمدكاظم طباطبائي، محمود طباطبائي نژاد؛ مراجعه النهايه حيدر المسجدي، مجتبي الغيوري.
مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر، 1421ق.= 1379.
مشخصات ظاهري : 8 ج.
فروست : مركز بحوث دا رالحديث؛ 16.
شابك : 300000 ريال: دوره 964-493-216-1 : ؛ ج.1 964-493-217-X : ؛ ج.2 964-493-218-8 : ؛ ج. 3، چاپ دوم 964-493-219-6 : ؛ ج.4 964-493-220-X : ؛ ج. 6، چاپ دوم 964-493-222-6 : ؛ ج.7، چاپ دوم 964-493-223-4 : ؛ 22000ريال: ج.12 964-5985-89-7 :
يادداشت : عربي.
يادداشت : فهرستنويسي بر اساس جلد دوم: 1427ق. = 1385.
يادداشت : چاپ دوم.
يادداشت : ج.1، 3، 4، 6 و 7 (چاپ دوم: 1427ق. = 1385).
يادداشت : ج.4 (چاپ؟: 1427ق.= 1385).
يادداشت : ج.12(چاپ اول: 1421ق.=1379).
يادداشت : كتابنامه.
موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت
موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اصحاب
موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- فضايل
شناسه افزوده : طباطبائي، سيدمحمدكاظم، 1344 -
شناسه افزوده : طباطبايي، محمود، 1239 - 1319ق.
شناسه افزوده : مسجدي، حيدر
شناسه افزوده : غيوري،سيد مجتبي، 1350 -
رده بندي كنگره : BP37/م36م8 1379
رده بندي ديويي : 297/951
شماره كتابشناسي ملي : 1670645
ص: 1
ص: 2
ص: 3
تمهيدمثلت موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ جهدا محمودا ، صدر عام 2000 م كي ينتفع منها المفكّرون والباحثون العرب في الحوزات والجامعات . وقد استرعت خلال فترة قصيرة اهتمام علماء الدِّين ، ويمكن أن نذكر من بين اُولى بركاتها ، الاستناد إلى هذا الكتاب في تأليف موسوعة الإمام علي عليه السلام . (1) كما نالت هذه الموسوعة جائزة الدورة الثانية لانتخاب «كتاب عام الولاية» . (2) وبعض الجوائز والأوسمة العلميّة الثقافيّة الاُخرى . وقد دفعتنا تشجيعات حملة الثقافة والعلم والقلم وتذكيراتهم ونقودهم إلى أن نعيد النظر في هذا الأثر من بدايته وحتّى نهايته من أجل الرقي بمستواه ، وحلّ بعض الإشكالات وإكمال بعض النواقص ، وقد قمنا في هذه المراجعة بالاُمور التالية : 1 . تمّ تشكيل جميع النصوص الروائية في الكتاب ، كي نسهّل قراءة النصّ العربي على القرّاء .
.
ص: 4
2 . تمّ حذف بعض المواضيع والروايات لتحلّ محلها روايات اُخرى . 3 . أكملنا شرح الكلمات الصعبة ، كي تكون على وتيرة واحدة . 4 . تمّ تنقيح الكتاب كلّه مرّة اُخرى بدقّة . 5 . قمنا بتعديل هوامش الكتاب وإكمالها ، وأعدنا النظر في مصادر الكتاب أيضا . 6 . خطّت عناوين الكتاب كي تظهر صفحاته بشكل أنيق وجميل . 7 . تمّ تنظيم الكتاب في سبعة مجلدات ، كي نقلص من حجمه ونسهّل عملية الاستناد إليه والمحافظة عليه . 8 . نظرا لاشتمال الكتاب على مواضيع متنوعة ، الحقناه بفهارس موضوعيّة متنوعة لأجل التسهيل على القراء والباحثين في المجالات المختلفة ، وجعلناها في الجزء الثامن . نسأل اللّه تعالى ، أن يوفقنا في الدعوة إلى دينه الخالص ونشره والّذي وصلنا على لسان أهل بيت نبيه صلى الله عليه و آله ، وأن يجعل العمل بتعاليمه من نصيبنا ، بمنه وكرمه . خريف 1385 رمضان المبارك 1427
.
ص: 5
كلمة السيّد القائد حول موسوعة الإمام علي عليه السلامفي السنة الّتي وُسمت وزُينت باسم الإمام عليّ عليه السلام (1) ، وفي أعتاب ذكرى ولادته عليه السلام (في 12 رجب 1421 قمرية، المصادف ل 19 / 7 / 1379 هجرية شمسية) تمّ إهداء أوّل دورة من موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لسماحة القائد آية اللّه السيّد علي الخامنئي بحضور جمع من المحققّين والباحثين والعاملين في مؤسّسة دار الحديث . في هذا اللقاء ألقى مؤلّف هذه الموسوعة سماحة الشيخ محمّد الريشهري كلمة عرض خلالها تقريرا مختصرا حول الجهود المبذولة لتهيئة هذه الموسوعة ، ثمّ ألقى السيّد القائد كلمة قال فيها : «أُبارك للجمع الحاضر وخصوصا سماحة الشيخ الريشهري حلول عيد ميلاد هذا السيّد العظيم ، كما أشكركم من صميم قلبي باعتباري أحد المحبّين الصغار لأمير المؤمنين عليه السلام ، وأحد المسؤولين في دولته وبلاده على إنجاز هذا العمل العظيم ، أعني تهيئة موسوعة الإمام علي عليه السلام ، والّذي تمّ باهتمام الشيخ الريشهري وبقية الأُخوة الأعزاء ، كما أشكر كم أيضا على إهدائكم لي النسخة الاُولى من هذه الموسوعة .
.
ص: 6
جميع الاُمور دالّة على أنّ هذا العمل تمّ بعناية وبركة روح سيّد الأوصياء ، أرجو من اللّه أن يعوضكم إزاء إنجاز هذا العمل الميمون بالأجر الجزيل ، وإن شاء اللّه سيكون هذا العمل خطوة في سِبر هذا المحيط ، والغور في أعماق هذا البحر العميق ، وسببا لرفع المستوى المعرفي للناس حول هذه الشخصية العظيمة . حيث إنّنا متخلّفون جدّا في هذا المضمار ، ونريد السير والصعود من هذا الوادي العميق إلى هذه القمّة العالية . نحن بحاجة إلى اجتهاد وبذل جهود متواصلة في ذلك ، وما لم يتحرّك النظام الإسلامي نحو هذه القمّة ويصل إليها ، فإنّه لا يحقق أهدافه . والخطوة الأُولى في هذا المضمار هو هذه الأُمور . وهذا العمل عمل جيّد وجميل واقعا ، وأنا أرى ظاهره فقط ، وإن شاء اللّه سأَطلع أكثر على باطنه ومحتواه . لقد كُتبت الكتب الكثيرة حول أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد كتبها الشيعة وغيرهم ، بل وغير المسلمين أيضا ، وقد تناول كلّ منهم بعدا من أبعاد هذه الشخصية وهذا البحر العظيم ، ولم يتقدّم كلّ منهم في هذا البحر سوى خطوات قليلة ، هذا ما نحسّه . والّذي أراه أنّه يجب استخلاص لباب هذا الكتاب والاستفادة منه بنحو يكون هذا الكتاب مرجعا وعينا زلالاً تغذي الأحداث الجارية ، وأن يمهّد للآخرين تأليف الكتب العديدة . نعم ترجمته إلى الفارسية لينهل منه أبناء هذه اللغة أمر مطلوب وحسن للغاية ، لكن لعلّ الاستعانة بهذا المصدر في تأليف كتب موضوعية وتخصصية ناظرة لموضوع معين أو مسألة خاصّة ، وبأدلّة قوية ، كلّها تدور حول أمير المؤمنين عليه السلام _ إن شاء اللّه _ لا يقلّ أهمّية عن ترجمته للفارسية» .
.
ص: 7
الإهداءيا بقيّة اللّه .. يا سليل رسول اللّه .. ويا حبيب فاطمة الزهراء وعليّ المرتضى . سيّدي .. يا من ذكرك يجعل القلب يفيض بحبّ الجمال ، ويشدو صوب المكرمات ، ويتطلّع إلى العدل والخير . إيهٍ «يا شمس المغرب» ، ويا من التفكير بغاياتك الشاهقة النبيلة ، مطالعَ نور تتفجّر براكينَ حماسةٍ وإيمان . إيهٍ «يا من يملأ الأرض عدلاً» ، ويا من ظهورك تتويجٌ لغايات النبيّين ، وحضورك تأسيس ل_ «يوم الخلاص» الموعود . يا آخرَ أمل أنتَ ، ويا أغلى هبات السماء ، يا من اسمك يملأ النفوس أملاً ، وَذكرك ينثر على العاشقين عطراً روحيّاً فوّاحاً ، يجذبهم صوب الشمس . بعد سنوات طويلة من الجهد المثابر الخاضع الدؤوب ، وحيث تمّت صفحات هذا الكتاب وهي تتضوّع في كلّ جزءٍ جزءٍ باسم عليّ بن أبي طالب رمز العدالة الشاهق ، ومثال الحقّ والإيمان النابض ، ها أنا أرفع بضاعتي المزجاة ، وأتطلّع إليك _ يا أيّها العزيز _ بكفٍّ ممدودة ملؤها الرجاء . أهتفُ وأقول ، بخشوع آسر ودمع هطول :
.
ص: 8
سيّدي .. أيّها اللواء المنشور والعلم المركوز يا مَظهر الرحمة الفيّاضة ، والحنان الكبير يا ملاذ أهل الضرّ والبلوى ، وصريخ المكروبين يا سَطْعة نور متفجّر في وهدة الدَّيجور ويا شمساً طالعة في اُفق الوجود . تقبّل _ سيّدي _ هذه الهديّة المتواضعة ، وحفّها منك بنظرة رعاية كريمة ، واجعلنا من المشمولين بضراعاتك ، وحقّق لنا أمل الوصال ، وأذقنا طعم اللقاء .
.
ص: 9
المدخل الحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه ، وصلّى اللّه على سيّد المرسلين ، وخاتم الأنبياء محمّد ، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين ، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عَلِيٌّ آيَةُ الحَقِّ ، ورايَةُ الهُدى . ماذا أقول في عليّ عليه السلام والحديث عنه صعب شاقّ ؟ ! ثمّ هو أصعب إذا ما رامت الكلمات أن تتسلّق صوب ذراه الشاهقة ، وتطمع أن تكون خليقة بتلك الشخصيّة المتألّقة . النظر إلى شخصيّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام محنة للفكر . وتملّي أبعاد هذا الرجل الشاهق يتطلّب طاقة لا تحتملها إلّا الجبال الرواسي . أمّا الحديث عن بعض عظمته الباهرة ، وما تحظى به هذه الشخصيّة المتوهِّجة في التاريخ الإنساني من جلال وجمال ، فهو خليق بكلام آخر ، ويحتاج إلى لغة اُخرى ؛ لغة تتناهى في امتدادها حتى تبلغ «الوجود» سعة ، عساها _ عندئذٍ _ أن تُدرك شيئاً ضئيلاً من كلّ هذه الفضيلة التي تُحيط تلك الشخصيّة «العملاقة» ، وما يحظى به من سموّ ومناقب
.
ص: 10
لا نظير لها ، ثمّ عساها أن تؤلّف كلاماً يرتقي إلى مدى هذا الإنسان الإلهي ، ويكون جديراً به . أمّا اُولئك الذين سلّحتهم بصيرتهم بفكر نافذ عن الإمام ، وأدركوا _ إلى حدّ ما _ أبعاده الوجوديّة ؛ فما لبثوا أن اضطرموا بمحنة العجز وقد لاذوا بالصمت ، ثمّ ما برحوا يجهرون أنّ هذا الصمت لم يكن إباءً عن إظهار فضائل الإمام بقدر ما كان ينمّ عمّا اعتورهم من عجز ، وهو إلى ذلك ينبئ عن حيرة استحوذت عليهم وهم لا يدرون كيف يصبّون كلّ هذه الفضائل العَليّة في حدود الكلمات ، وكيف يعبّرون عن معانيها البليغة من خلال الألفاظ ! أجل ، لم يكن قلّة اُولئك الذين اُشربوا في أعماق نفوسهم هذا المعنى الرفيع وتَرَكتُ مَدحي لِلوَصِيِّ تَعَمُّداً إذ كانَ نورا مُستَطيلاً شامِلاً وإذَا استَطالَ الشَّيءُ قامَ بِنَفسِهِ وصِفاتُ ضَوءِ الشَّمسِ تَذهَبُ باطِلاً مَنْ يريد أن يتحدّث عن جلال عليّ وفضائله يستبدّ به العجز ، وتطوّقه الحيرة ؛ فلا يدري ما يقول ! هي محنة كبيرة لا تستثني أحداً ؛ أن ينطق الإنسان بكلام يرتفع إلى مستوى هذه «الظاهرة الوجوديّة المذهلة» ؛ وهو عجز كبير مدهش يعتري الجميع مهما كانت القابليّة وبلغ الاستعداد . ولا ريب أنّ أبا إسحاق النظّام كان قد لبث يفكِّر طويلاً ، وطوى نفسه على تأمّلٍ عميق مترامي الأطراف في أبعاد هذه الشخصيّة ومكوّناتها ، قبل أن يقول : «عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام مِحنَةٌ عَلَى المُتَكَلِّمِ ؛ إن وَفّاهُ حَقَّهُ غَلا ، وإن بَخَسَهُ حَقَّهُ أساءَ !» . عليٌّ عليه السلام في سوح القتال اللاحبة هو الأكثر جهاداً ، والأمضى عزماً ، والأشدّ توثّباً . وهو في مضمار الحياة الوجهُ المفعم بالاُلفة ؛ حيث لا يرتقي إليه إنسان
.
ص: 11
بالخلق الرفيع . وفي جوف الليل الأوّاب المتبتِّل ، أعبد المتبتِّلين ، وأكثر القلوب ولَهاً بربّه . وبإزاء خلق اللّه هو أرفق إنسان على هذه البسيطة بالإنسان ، يفيض بالعطوفة واللين . وهو الأصلب في ميدان إحقاق الحقّ في غير مداجاة ، المنافح عنه في غير هروب . أمّا في البلاغة والتوفّر على بدائع الخطابة وضروب الحكمة وفنون الكلام ، فليس له نظير ؛ وهو فارس هذا الميدان ، والأمكن فيه من كلّ أحد . وللّه درّ الشاعر العلوي ، وهو يقول في ذلك : كَم لَهُ شَمسٌ حِكمَةٌ تَتَمَنّى غُرَّةُ الشَّمسِ أن تَكونَ سَماها تُرى ، هل يمكن لإنسان أن يُشرِف على منعرجات التاريخ ، ولا تشدّه تلك القمّة الشاهقة في مضمار الكرامة والحريّة والإنسانيّة ، وهي تسمو على كلّ ما سواها ! وهل يسوغ لإنسان أن يمدّ بصره إلى صحراء الحياة ، ثمّ لا يرفرف قلبه صوب هذا المظهر المتألِّق بالحبّ والعبادة ، المملوء بالجهاد والمروءة ، أو لا يُبصر هذا المثال المترع بالصدق والإيثار ، وبالإيمان والجلال ! ثمّ هل يمكن لكاتب أن يخطّ صفحات بقلمه ، ولا يهوى فؤاده أن يعطّر بضاعته بعبير يتضوّع بذكر عليّ ، ويخلط كلماته بشذىً يفوح بنسائم حياته التي يغمرها التوثّب ، ويحيط بها الإقدام من كلّ حدب ، ويجلّلها الجهاد والإيثار من كلّ صوب ! في ظنّي أنّ جميع اُولئك الذين فكّروا وتأمّلوا ، ثمّ استذاقوا طعم هذه الظاهرة الوجوديّة المذهلة ، إنّما يخامرهم اعتقاد يفيد : وأنّى للقطرة الوحيدة التائهة أن تُثني على البحر ! وأنّى للذرّة العالقة أن تنشد المديح بالشمس ! وأمّا كاتب هذه السطور ! فلم يكن يدُر بخلده قطّ أن يخطّ يوماً كلاماً جديراً في وصف تلك الشمس الساطعة ، كما لم يخطر بباله أبداً أن يكون له حظّ في حمل قبضة من قبس كتلة
.
ص: 12
الحقّ المتوهِّجة تلك ، أو أن يكون له نصيب في بثّ شيءٍ من أريج بحر فضائلها الزخّار ، وأن يُسهِم في نشر أثارة من مناقبها المتضوّعة بعبيرٍ فوّاح . هكذا دالت الحال ومرّت الأيّام بانتظار موعد في ضمير الغيب مرتقب ! فقد قُدِّر لي وأنا أشتغل بتدوين «ميزان الحكمة» أن اُلقي نظرة من بعيد على هذا البحر الزخّار ، بحكم ضرورة أملتها هيكليّة الكتاب ، وساقت منهجيّاً إلى مدخلٍ بعنوان : «الإمامة» . أجل ، لم يسمح «المدخل» بأكثر من نظرةٍ من بعيد إلى البحر اللجّي ، أطلّت على شخصيّة الإمام الأخّاذة عبر الكلام الإلهي والنبوي ، قد سمحت بتثبيت ومضات من سيرة ذلك العظيم على أساس ما تحكيه روايات أهل البيت عليهم السلام . مرّة اُخرى شاء التقدير الإلهي أن تتّسع موسوعة «ميزان الحكمة» (التي تجدّد طبعها _ بفضل اللّه _ مرّات ، وراحت تتخطّى الحدود وتصل إلى أقصى النقاط ، وهي تستجيب بقدرها لتطلّعات الباحثين عن المعرفة الدينيّة) وتمتدّ فصولها وتزداد . بعد تأمّلٍ طويل انطلقت بكاتب هذه السطور همّتُه ، وتبدّل العزم إلى قرار بالعمل يقضي بإضافة هذا الجزء . كانت الرحلة بعيدة المدى ، وبدا الطريق طويلاً وأنا حديث العهد به ، لولا أن تداركتني رعاية خاصّة من الإمام ، ولا غَروَ وهو كهف السائرين على الحقّ وملاذهم ، ثمّ اكتنفتني همم كبيرة برزت من فضلاء كرام . وبين هذا وذاك أينع ذلك الجهد وأثمر بعد سنوات حصيلةً تحمل عنوان : «موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب في الكتاب والسنّة والتاريخ» هي ذي التي بين أيديكم . ثمّ شاءت المقادير مرّة اُخرى أن يقترن طبع الموسوعة في السنة التي توشّحت
.
ص: 13
باسم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، حيث راحت هذه المناسبة تستقطب إليها اُلوف الجهود والهمم (1) . وها أنا ذا أتوجّه إلى اللّه سبحانه شاكراً أنعُمَه من أعماق وجودي وقد حالفني توفيقه في المضيّ قُدماً لإنجاز هذا المشروع المهمّ ؛ حيث هوّن العقبات ، وذلّل الصِّعاب ، ويسّر العسير . إنّ «موسوعة الإمام» لهي إلى هذا العاشق الوله بذكر عليّ عليه السلام أعذب شيء في حياته وأحلاه ، وأدعى حصيلة تبعث على الفخر في سنيّ عمره ، حيث بلغت نهايتها بفضل اللّه سبحانه ، ومعونة خالصة أسداها عدد من الفضلاء . أجل ؛ إنّ «موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب» تجسِّد من الاُمنيات في حياتي ما هو أرفعها وأسماها ، وتستجيب من تطلّعاتي إلى ما هو أبعدها مدىً . وما كان ذلك يتحقّق لولا فضل اللّه وتوفيقه ، فله حمدي ، وعليه ثنائي اُزجيه خاشعاً بكلّ وجودي . وما كان ليتمّ لولا رعاية خاصّة كنفني بها المولى أمير المؤمنين ، فله شكري ، وعليه سلامي ، فلولا ما فاء به من رعاية وتسديد ، ولولا مدده الذي أسداه في تذليل العقبات الكؤود وتيسيرها لما رسَت «الموسوعة» على هذا الشكل . وحسبُ هذه الكلمات أنّها رسالة اعتذار تومئ إلى تقصير صاحبها ، ثمّ حسبها ما تُبديه من ثناء عاطر مقرون بالخشوع والجلال لكلّ هذه الرعاية الحافلة من أجل
.
ص: 14
بلوغ المقصد . إنّ «موسوعة الإمام» هي إطلالة على حياة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما هي نافذة تشرف على السيرة العلويّة ، وتتطلّع إلى تاريخ حياة أكمل إنسان ، وأعظم المؤمنين وأبرز شخصيّة في تاريخ الإسلام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وتهدف «موسوعة الإمام» أن تترسّم السبيل إلى أعظم تعاليم عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأبلغها عِظة وتذكيراً . كما توفّرت على بيان أجزاء من حياة أمير المؤمنين عليه السلام وسيرته البيضاء الوضّاءة . وتسعى «موسوعة الإمام» من خلال استجلاء المعالم الملكوتيّة لإمام الإنسانيّة ؛ وتتطلّع عبر تدوين الخصائص العلميّة والأخلاقيّة والعمليّة لحياته التي تفيض بالتوثّب والإيمان ؛ وتصبو عبر تبيين ما بذله «صوت العدالة الإنسانيّة» من جهود مذهلة لبسط العدل وإرساء حاكميّة الحقّ ، إلى الجواب عمليّاً على السؤال التالي : لماذا جعل الكتابُ الإلهي عليَّ بن أبي طالب شاهداً إلى جوار اللّه على الرسالة ؟ لقد انطلقت «الموسوعة» من خلال الاستناد إلى عرضٍ جديد ، وهيكليّة مبتكرة ، ومنهج مستحدَث فاعل ، لتقسيم السيرة العلويّة إلى ستّة عشر قسماً ، تضعها بين يدي الباحثين والمتطلِّعين إلى المعارف العلويّة ، وتُقدّمها إلى الولهين بحبّ عليّ عليه السلام ، وإلى طلّاب الحقّ والحقيقة . وفيما يلي نقدِّم استعراضاً عامّاً لمحتويات هذه الأقسام :
القسم الأوّل : اُسرة الإمام عليّتوفّر هذا القسم على بيان منحدر الإمام عليّ عليه السلام واُسرته ، كما تناول المحيط الذي ترعرع به وحياته الخاصّة ، ودار الحديث فيه أيضاً عن شخصيّة والديه ، وعن أسماء الإمام وكُناه وألقابه وشمائله وأوصافه وزواجه وزوجاته وأولاده . لقد اتّضح من هذا القسم أنّ الإمام نشأ في اُسرة كريمة ، وترعرع في محيط
.
ص: 15
طاهر زكيّ ؛ فأسلافه الكرام من الآباء والأجداد موحِّدون بأجمعهم ، طاهرون لم تخالطهم أدناس الجاهليّة ، مضَوا وكلّهم ثبات في سبيل اللّه . كما كشف هذا القسم عن اُصول كريمة تكتنف هذا الموحِّد العظيم في تاريخ الإسلام ، فلم يلوّث الشرك أحداً من أسلافه قط ، ولم يكن لمواضعات البيئة وتلوّثاتها الفكريّة والعقيديّة نصيب في حياتهم . فهذا هو الإمام وقد انبثق من حضن والد مؤمن جَلِد قويّ الشكيمة منافح عن الحقّ ، ووالدة كريمة المحتد صافية الفطرة مؤمنة بالمعاد . ثمّ مضت حياته مع زوجة هي أتقى وأطهر امرأة في نساء عصره ؛ وهي سيّدة نساء العالمين . وقد كان زواجاً بدأ بأمر اللّه سبحانه وحفّته هالة من القداسة والخشوع ، فانشقّ عن ذرّيّة كريمة كان لها اليد الطولى في صنع التاريخ ، وهي إلى ذلك المصداق الأسمى ل_ «الكوثر» . أمّا كُناه وألقابه فقد اختارها رسول اللّه صلى الله عليه و آله غالباً ، وهي جميعاً تومئ إلى فضائله الرفيعة التي تتألّق عظمة ، وإلى موضعه المنيف الشاهق في الإسلام والتاريخ . حياة لم تهبط عن مستوى العظمة لحظة ، ولم تتعثّر بصاحبها قط .
القسم الثاني : الإمام عليّ مع النبيّيوم قرع صوت السماء فؤاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهبط إليه أمر الرسالة ، ثمّ أعلن دعوته التاريخيّة ، كانت الجزيرة العربيّة تغطّ في ظلام دامس ، ويحيطها الجهل من كلّ حدب وصوب . لقد واجه القوم بعثة نبيّ الحرّيّة والكرامة بالرفض والتكذيب ، ثمّ اشتدّت عليه سفاهات القوم وتكالب الطغاة . وها هو ذا عليّ اختار موقفه إلى جوار النبيّ منذ الأيّام الاُولى لهذه النهضة
.
ص: 16
الربّانيّة . وقد صحب أمير المؤمنين عليه السلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم ينفصل عنه لحظة ، بل راح ينافح ويتفانى في الدفاع عنه دون تعب أو كلل . وما توفّر عليه هذا القسم هو بيان الموقع الرفيع الذي تبوّأه الإمام في إرساء النهضة الإسلاميّة ، والدور البنّاء الذي اضطلع به في دوام هذه الحركة الربّانيّة على عصر رسول اللّه صلى الله عليه و آله . يكشف هذا القسم أنّ عليّاً عليه السلام كان إلى جوار النبيّ لم يفارقه منذ البعثة حتى الوفاة ، باذلاً نفسه وأقصى ما يستطيع في سبيل تحقيق حاكميّة الإسلام في المجتمع . فهو مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المشاهد جميعاً وعند المنعطفات الخطرة ، وهو السبّاق الذي يثب مبادراً في المواطن الصعبة كلّها وعند العقبات الكؤود التي تعتري حركة الإسلام . يُسفر هذا القسم عن أنّ عليّاً عليه السلام لم يوفِّر من جهده الدؤوب لحظة ، ولم يدّخر من تفانيه المخلص شيئاً إلّا وقد بذله دفاعاً عن هذا الدين ، وذوداً عن نبيّه الكريم صلى الله عليه و آله ، وصوناً لهذه الدعوة الربّانيّة الفتيّة ، من أجل أن يمتدّ الإسلام وتبلغ هذه الحركة الإلهيّة مداها .
القسم الثالث : جهود النبيّ لقيادة الإمام عليّالإسلام خاتم الأديان ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله خاتم النبيّين ، والقرآن الحلقة الأخيرة في الكتب السماويّة . والنبيّ صلى الله عليه و آله مبلِّغ لدينٍ اكتسى لون الأبديّة ، ولن يقوى الزمان على طيّ سجلِّ حياته ؛ فماذا فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله لتأمين مستقبل هذا الدين ، وضمان مستقبل اُمّته ؟وما هو التدبير الإلهي في هذا المضمار ؟ أوضح هذا القسم الرؤية المستقبليّة التي انطوى عليها الدين الإلهي ،
.
ص: 17
وموقع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في المخطّط الربّاني الذي حملته السماء في هذا المجال . بكلام آخر ، ما عني به هذا الفصل هو الولاية العلويّة ، وإمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام التي جاءت في إطار جهود رسول اللّه صلى الله عليه و آله في رسم مستقبل الاُمّة . وفي هذا الاتّجاه استفاض هذا القسم في حشد مجموعة الأدلّة العقليّة والنقليّة لإثبات أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يدَع الاُمّة بعده هملاً دون راعٍ ، ولم يعلّق مستقبلها على فراغ من دون برنامج محدّد للقيادة من بعده ، بل حدّد مسار المستقبل بدقّة وجلاء من خلال جهد مثابر بذله طوال ثلاث وعشرين سنة ، وعبر تهيئة الأجواء المناسبة لتعاليم مكثّفة أدلى بها على نحو الإشارة مَرّة ، وعلى نحو صريح أغلب المرّات . كما بيَّن هذا القسم صراحة أنّ «الغدير» لم يكن إلّا نقطة الذروة على خطّ هذا الجهد المتواصل الطويل . ثمّ عاد يؤكِّد بوضوح أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يتوانَ بعد ذلك عن هذا الأمر الخطير ، بل دأب على العناية به والتركيز عليه حتى آخر لحظات عمره المبارك . ومع أنّ الحلقات الأخيرة في التدبير النبوي ؛ كَميلِه صلى الله عليه و آله إلى تدوين ما كان قد ركّز على ذكره مرّات خلال السنوات الطويلة الماضية في إطار وصيّة مكتوبة ، لم يأت بالنتيجة المطلوبة إثر الفضاء المخرّب الذي اُثير من حوله . وكذلك انتهت إلى المآل نفسه حلقة اُخرى على هذا الخطّ تمثّلت بإنفاذ بعث اُسامة . إلّا أنّ ما يُلحظ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يُهمل هاتين الواقعتين ، بل راح يُدلي بكلمات وإشارات ومواضع تُزيل الستار عن سرّ هذه الحقيقة ورمزها . وهذا أيضاً ممّا اضطلع به هذا القسم مشيراً إلى نتائج مهمّة استندت إلى وثائق ثابتة عند الفريقين .
.
ص: 18
القسم الرابع : الإمام عليّ بعد النبيّأسفاً أن لا يكون قد تحقّق ما ارتجاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وما اختطّه لمستقبل الاُمّة ، وقد ارتدى سرابيل الخلافة آخرٌ هو غير من اختُصّ به الأمر الإلهي . أما وقد أسفر المشهد عن هذا ، فها هو ذا عليّ يواجه واقعاً كاذباً مريراً مدمِّراً قَلبَ الحقيقة ، وها هو مباشرة أمام لوازم الدين الجديد ومصالحه ، وبإزاء اُناس حديثي عهد بالإسلام ؛ فماذا ينبغي له أن يفعل ؟ وما هو تكليفه الإلهي ؟ ما الذي يقتضيه واقع ذلك العصر بما يكتنفه من أوضاع خاصّة على المستويين الداخلي والخارجي ؟ لقد نهض هذا القسم بالجواب على هذه الأسئلة وغيرها ممّا حفَّ السيرة العلويّة في الفترة التي امتدّت بين وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى تسنّم الإمام لأزمّة الحكم . كما سلّط أضواءً كاشفة على عوامل إهمال تعاليم النبيّ حيال مستقبل الاُمّة ، وأسباب الإغضاء عن توجيهاته صلى الله عليه و آله حول قيادة عليّ عليه السلام . وفي إطار متابعة الحوادث التي عصفت بالحياة الإسلاميّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله حتى خلافة عثمان وقيام الناس ضدّه ، تكفّل هذا القسم أيضاً ببيان الأجواء التي أحاطت بالمواقف الحكيمة لإمام الحكماء ، وتفصيل ملابسات ذلك .
القسم الخامس : سياسة الإمام عليّخمسة وعشرون عاماً مضت على خلافة الخلفاء ، وقد اتّسعت الانحرافات ، وتفشّى الاعوجاج الذي كان قد بدأ بعد رحيل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حتى بلغت الأوضاع في مداها حدّاً أملى على الإمام عليّ عليه السلام أن يصف ما جرى بأنّه «بليّة» (1) كتلك التي كانت قبل الإسلام ، وذلك في خطاب حماسي خطير ألقاه بدء الخلافة .
.
ص: 19
في هذه البرهة العصيبة ثار الناس ضدَّ الخليفة وضدّ سلوكه ونهجه في الحكم ، حتى إذا ما قُتل انثالوا على الإمام بشكل مذهل ، وهم يطالبونه باستلام الحكم . لقد كان الإمام يُدرك تماماً أنّ ما ذهب لن يعود ؛ إذ قلّما عاد شيء أدبر . وعلى ضوء تقديره للأوضاع التي تناهت في صعوبتها امتنع في بادئ الأمر عن الاستجابة لهم ، بيدَ أنّه لم يجد محيصاً عن إجابتهم بعد أن تعاظم إصرار المسلمين ، وكثر التفافهم حوله . كان أوّل ما طالعهم به في أوّل خطبة له حديثه عن التغييرات الواسعة التي يزمع القيام بها في المجتمع ، كما أوضح في الحديث ذاته اُصول منهجه ومرتكزاته . هذا القسم يبدأ رحلته مع الإمام ، فيسجِّل في البدء الأجواء التي لابست وصوله إلى السلطة وتسنّمه للحكم ، ثمّ يتابع تفصيليّاً انطلاق حركته الإصلاحيّة ، متوفّراً على رصد اُصول نهج الإمام ومرتكزات سياسته في التغييرات الواسعة التي قادها ، والحركة الإصلاحيّة التي تزعّمها ، وما أثارت من أصداء في المجتمع ، وما خلّفته من تبعات عليه . من بين البحوث الأساسيّة الاُخرى في هذا القسم رصد أبرز الاُصول التي اعتمدها الإمام في الإصلاح على مختلف الصُّعد الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقضائيّة والأمنيّة . كما سعى هذا القسم من الكتاب إلى متابعة رؤى الإمام عليه السلام في مجال السياسة ، وعوامل استقرار الدول ، وعوامل انحطاطها وزوالها ، وطبيعة تعاون الدول بعضها مع بعض وغير ذلك ممّا له صلة بهذه الدائرة .
القسم السادس : حروب الإمام عليّيوم أن مسك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام زمام الحكم بيده ، وراح يطبّق ما كان قد تحدّث عنه ووعد الناس به ، برز أمامه تدريجيّاً ما كان قد توقّعه ؛ فالوضع لم يحتمل
.
ص: 20
بسط العدل ، ولم يُطِق حركة الإصلاح والمساواة وإلغاء الامتيازات الوهميّة ، فأخذت الفتن تطلّ برأسها ، وبدأت أزمات الحكم . ما يبعث على الدهشة أنّ أوّل من استجاش الفتنة وأرباها هُم اُولئك النفر الذين كان لهم الدور الأكبر في إسقاط الحكم السابق ، وإرساء قواعد الحكم الجديد ! ميزة هذا القسم من الموسوعة أنّه تناول بالبحث والتحليل مناشئ هذه الفتن وجذورها ، وتابع مساراتها وما ترتّب عليها من تبعات . كما رصد بالتفصيل فتن «الناكثين» و«القاسطين» و«المارقين» التي تعدّ في حقيقتها انعكاساً لحركة الإمام الإصلاحيّة ، وردّ فعل على مواضعه المبدئيّة الصُّلبة بإزاء الحقوق الإلهيّة ، ودفاعه عن قيم الناس وحقوقها . من النقاط المبدعة اللامعة في هذا القسم تسليط الضوء على بعض الزوايا الفكريّة والنفسيّة والمواقف السياسيّة لمثيري الفتنة ، ومتابعة تجلّيات ذلك بعمق ودقّة في حركة خوارج النهروان . إنّ هذا البحث _ في الصيغة التي اكتسبتها هذه الدراسة من خلال معرفة الوثائق التاريخيّة ، وتحرّي التوجيهات الروائيّة التي احتوت هذه الخصائص _ لهو حديث مبتكر وتحليل بكر بديع . على أنّ هذا القسم برمّته هو أكثر أقسام الكتاب عِظة ، وأعظمها درساً .
القسم السابع : أيّام التّخاذلاتّسمت السنوات الاُولى لحكم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأنّها سنوات مواجهة وصِدام مع مثيري الفتنة . هكذا مضت بتمامها ، وقد تعب الناس من دوام هذه الفتن وأصابتهم الملالة من المواجهة والاضطراب وعدم الاستقرار . على صعيد آخر دأب أرباب الفتنة _ خاصّة مركزها الأساس في الشام _ على إيجاد الأزمات على الدوام ،
.
ص: 21
وإثارة الفتن باستمرار ، وزرع العقبات أمام الحكومة المركزيّة . ويجيء القسم السابع هذا حديثاً عن ذلك العهد . فهذه كلمات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام تفيض من ألم الوحدة وحرقتها ، وتبثّ شكواها من مصائب الزمان ودواهيه . في تلك البرهة الحالكة من الزمان سقطت مصر ؛ فغاب عن الإمام مالك الأشتر ؛ أطهر الرجال ، وأكفأ القادة ، وأشجع الخلّان ، وأوفاهم بعد أن ارتوى بشُهد الشهادة . فانكمش قلب الإمام ، واُصيبت روحه الطهور ، والألم يعتصره من كلّ جانب . هذا القسم رحلة تسجِّل وحدة الإمام ، وهو منظومة رثاء تعزف لظلامة عليّ ، كما هو انعكاس لأصوات غربته المتوجِّعة التي راحت تندّ عن نفسه الطهور . وهذا القسم يُسفر عن مشهدٍ آخر ليس له شبهٌ بالمشهد الأوّل الذي رافق بداية عهد الإمام . فالناس لم تعد على استعدادها الأوّل لحضور الجبهات ، كما لم تعُد تستجيب لنداءات الإمام وهتافاته للجهاد والنفير . والذي يتفحّص ما كان يبثّه الإمام مراراً من شكوى ، يرى فيه خصائص لأهل ذلك العصر وقد آثروا حبَّ الحياة ، وراحت أنفسهم ترنو إلى الدنيا ، وتصبو إليها . في أوضاع كالحة كهذه استعرت بالإمام أمير المؤمنين عليه السلام عواطفه النبيلة ، وثارت بين جوانحه أحاسيسه الطهور ؛ فملأت نفسه ألما وغضاضة وهو ينظر إلى جند معاوية تغير على المدن المَرّة تلو الاُخرى ؛ تُزهِق أرواح الأبرياء ، وتُمارِس النهب والسلب ، وتبثّ بين الآمنين الرعب والدمار . راحت أخبار الظلم المرير تصل الإمام ، وتنهال عليه وقائع غارات معاوية وتهوّر جنده واستهتارهم وضحكاتهم المجنونة ، فاهتاجته هذه الحال ، والتاعت نفسه وفاضت لها غصصا وهو يتأوّه من الأعماق ، ولكن لا من مجيب !
.
ص: 22
وهكذا مضى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو يتمنّى الموت مرّات ومرّات ! بيد أنّه لم يهُن ولم تضعف عزيمته لهذه الرزيئة ، ولم يذعن إلى الواقع المرير ، بل مضى قَويّا شامخا مقداما لم يتخلّ عن المقاومة حتى آخر لحظة من عمره . أجل ، هذا أمير المؤمنين يثبُ كالمنار المضيء آخر أيّام حياته وهو يهيب بالناس العودة إلى صفّين مجدّدا ، وقد استنفر بكلماته المفعمة بالحماس جيشا عظيما إلى هذه المهمّة . فما أن انتهى من خطبته _ وكانت الأخيرة _ إلّا وعقد للحسين بن عليّ عليه السلام ولقيس بن سعد وأبي أيّوب الأنصاري لكلّ واحدٍ في عشرة آلاف مقاتل . لكن وا أسفا ! فقد أودت واقعة استشهاد الإمام عليه السلام واغتياله من قِبل شقيّ «متنسّك» بقواعد هذا البرنامج ، فانهار ما دبّره الإمام لاستئصال فتنة الشام واجتثاثها من الجذور ؛ إذ ما لبثت أن تداعت الجيوش بعد مقتل الإمام وتفرّقت . لقد توفّر هذا القسم على تفصيل هذه اللمحات التي جاءت هنا مختصرة ، وغاص بالبحث والتحليل مع جذور هذه الوقائع وأجوائها ومساراتها وما كان قد اكتنفها من أسباب وعوامل .
القسم الثامن : استشهاد الإمام عليّكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو الذي أخبر باستشهاد الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام . أمّا الإمام نفسه فقد كان وجوده ينمّ عن صبغة وتكوين خاص يشدّه إلى السماء أكثر ممّا يجرّه إلى الأرض ويربطه بها . كان دائما يتطلّع صوب الملكوت ، تهفو روحه إلى هناك بانتظار اللحظة التي يعرج بها إلى السماء . كم كانت عظيمة هذه الرحلة صوب الملكوت وهي تحمل عليّا مضرَّجا بدم الجراح ، ومضمَّخا بالنقيع الأحمر .
.
ص: 23
ما كان أعظم شوقه للمنيّة ! فها هو ذا عليّ والسيف الغادر المسموم يرقد على مفرقه ويشقّ رأسه ، يتطلّع إلى الملأ الأعلى ، ويهتف في وصف رحلته ويقول : «كَطالِبٍ وَجَدَ ، وغارِبٍ وَرَدَ» . القسم الثامن هذا اختصّ بمتابعة ما كان ذكره رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن استشهاد عليٍّ عليه السلام ، وما كان يحكيه عليّ عن شهادته . كما تابع بقيّة مكوّنات المشهد ؛ إذ وقف في البدء مع واقعة الاغتيال يصفها عن قرب ، ثم انتقل مع الإمام المسجّى مع جراحه راصدا جميع ما نطق به من تعاليم ووصايا وحِكَم مذ هوى على رأسه سيف الغدر حتى لحظة استشهاده ، ثمّ انتقل إلى الجانب الآخر متقصّيا ردّ فعل ألدّ أعداء عليّ عليه السلام وما نطق به عندما بلغه خبر شهادة الإمام . كما لم يهمل واقعة تجهيز أمير المؤمنين عليه السلام ودفنه وإخفاء قبره . واختُتم هذا القسم بذكر زيارة مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وبركات ذلك وما يتّصل بروضته الشريفة .
القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمامتؤلّف تجلّيات شخصيّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على لسان الرجال وفي كلمات الرموز الكبيرة ، بل وحتى على لسان أعدائه ، أحد أهمّ فصول معرفة أبعاد شخصيّته . ربّما لا نبالغ إذا قلنا إنّ ما حفَّ شخصيّة عليّ بن أبي طالب ، وما قيل فيه وعنه من كلام وأحكام وتجليل وتكريم وخطب وقصائد ومدائح ، وما أحاط به من ذهول وحيرة وهتاف وصمت ، فاق الجميع بحيث لا يمكن مقارنته بأيّ شخصيّة اُخرى في تاريخ الإسلام . في هذا القسم يطلّ القارئ على شخصيّة عليّ بن أبي طالب عليه السلام من خلال ما نطق
.
ص: 24
به القرآن ، وما جاء على لسان النبيّ صلى الله عليه و آله والإمام عليّ نفسه ، وسيّدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وصحابة النبيّ ، وأهل البيت عليهم السلام ، وزوجات النبيّ ، كما يتطلّع إلى اُفقها العريض عبر ما خطّه عدد كبير من الرموز العلميّة والثقافيّة والسياسيّة البارزة ، وما جادت به قرائح الشعراء والاُدباء والخطباء ؛ حتى أعداؤه . ويمضي القارئ في هذا القسم مع رجال قالوا في عليّ عليه السلام كلمات مسفرة كضوء الفجر ، انطلقت من قلوب مفعمة بالشوق والحبّ . وقد ترك بعضهم شهادة صريحة للتاريخ في أنّ فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومناقبه تعظم على الإحصاء ، ولا تقوى الصحف المكتوبة بأجمعها على استيفائها . وقالوا : إنّ الصمت أقوى من كلّ حديث عن عليٍّ عليه السلام ، وأمضى من كلّ الكلمات . فهذه كلماتهم تخطّ لعليّ أنّه الأعلم ، وهو الأعرف من الجميع بكتاب اللّه ، وعليّ الأشجع في سوح الوغى ، وهو أكثر الناس إخلاصا وتبتّلاً وطاعة . علىٌّ الهيّن الليّن أكرم الناس خلقا ، وقلبه الشاخص إلى ربّه أبدا . عليٌّ في مضمار البلاغة بحر لا يُنزَف ، وهو سيّد البلَغاء ، وأفصح الخطباء . عليٌّ المجاهد الذي تَثِبُ به بصيرته ، وهو الصلب الذي لا تلين له عريكة ، ولا تُوهنه الصعاب ، ملؤه إقدام ومضاء . وعليٌّ أعرف الاُمّة بالحقّ ، وأنفذ الرجال بصيرة . هذه بعض كلماتهم في عليّ . ولعليّ بعد ذلك كلّ فضيلة وكمال ، فله وحده ما كان للصالحين جميعا . كان علي وِترا التقت فيه جميع خصال الجمال ، وتألّقت في ذراه الفضائل بأكملها ، وحطّت عنده المكارم . وهو في الفتوّة وِتر لا ندّ له ولا نظير . هذه الحقيقة نلحظها تتوهّج بين ثنايا هذا القسم عبر شهادة وأقوال عشرات
.
ص: 25
المفكّرين ، تتوزّعهم مختلف الاتّجاهات والرؤى ، بل نرى بعضها متضادّا أحيانا ! ولاريبَ أنّ قراءة كلّ هذه الشهادات والأقوال ، والاطّلاع على هذه القطوف الدانية من كلمات المدح والإطراء ، لهو أمر خليق أن يشدّ إليه القارئ ويجذبه إلى دائرة نفوذه .
القسم العاشر : خصائص الإمام عليّعليّ بعد النبيّ صلى الله عليه و آله هو اللوحة الفريدة الوحيدة التي تتجلّى بها خصائص الإنسان الكامل . وهذه الحقيقة الناصعة الكريمة كانت قد أفصحت عن نفسها خلال القسم السابق عبر ما جاء عن أهل البيت عليهم السلام ، وما نطق به الصحابة والعلماء والفلاسفة والمتكلّمون والباحثون . ماينهض به القسم العاشر هو إبانة خصائص الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وتسليط أضواء مكثّفة على ماتحظى به شخصيّته الفذّة من أبعاد ومكوّنات . انطلاقا من هذا طاف القسم مع الإمام في خصائصه العقيديّة والأخلاقيّة والعلميّة والسياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة ، التي تتلاقى فيما بينها لتؤلّف صرح هذا الرجل التاريخي الشامخ والمنار المضيء الذي لا نظير له . يا لروعته وتفرّده ! فلم يكفر باللّه طرفة عين ، وهو في ثبات إيمانه ، ورسوخ يقينه أمضى من الجبال الرواسي ، لا يرقى إلى قمّته أحد قطّ . يعمر الخلق الكريم جنبات وجوده ، وتفوح حياته بالإخلاص والإيثار ، وتمتلئ أرجاؤها بالمكرمات . في محراب العبادة هو الأوّاه المتبتّل أعبد العابدين ، وقلبه المجذوب إلى ربّه أبدا ، وهو في الصلاة أخشع المصلّين . ومن يمعن في ميدان السياسة يجده الأصلب ، شاهقا يفوق الجميع ، ذكيّا لا تضارعه الرجال ، أدرى الناس بملابسات الزمان .
.
ص: 26
للمظلومين نصيرا لا يكلّ عن الانتصاف لهم ولا يملّ ، وهو على الظالمين كنارٍ اشتدّت في يوم عاصف . علمه الأكمل ، وبصيرته الأنفذ ، ورؤيته إلى اللّه وإلى عالم الوجود والخليقة شفيفة رائقة ، سليمة نقيّة ، لا تضارعها نظرة ولا يضاهيها نقاء . أجل ؛ حسبُ عليّ أنّه كان عليّا وحسب ، خالصا للّه من دون شَوب ، شاهدا على الرسالة ، مجسّدا لقيمها الرفيعة ومُثلها العليا . وهذا القسم يقدّم هذا جميعا إلى طلّاب الحقّ والنفوس الظمأى للحقيقة ، ويحمله إلى العقول المتلهّفة لمعرفة عليّ ، عبر مرآة متألّقة بنور الآيات الكريمة ، ومن خلال النصوص والوقائع التاريخيّة .
القسم الحادي عشر : علوم الإمام عليّعليّ عليه السلام أعظم تلميذ بزغ في مدرسة محمّد صلى الله عليه و آله . أبصر فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الجدارة والاستعداد ما يفوق به كلّ إنسان ، ومن القدرة على التعلّم ما لا مدى له ، ففاض على روحه علماً غزيراً لا ينضب ، وأراه الحقائق الكبرى الناصعة ؛ وبتعبير النصوص الروائيّة والتاريخيّة لقّنه «ألف باب» ، و«ألف حرف» ، و«ألف كلمة» ، و«ألف حديث» (1) في مضمار معرفة الحقائق وتحرّي العلوم . عليّ عليه السلام باب حكمة النبيّ ، ومدخل علم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو خزانة علمه ، ووارث علوم جميع النبيّين . عليّ المؤتمن على حكمة النبيّ الحافظ لعلمه ، ومن ثَمَّ هو أعلم الاُمّة . أمير المؤمنين عليه السلام اُذن واعية ، لذا فهو لا ينسى ما يقرع فؤاده من العلم ، وبذلك
.
ص: 27
راحت الحكمة تتفجّر من بين جوانحه ، وتفيض نفسه الطهور بحقائق المعرفة . لكن أسفاً وما أعظمها لوعة أن تكون مقادير الحياة قد غيّبت اُولئك الرجال الذين يهيب بهم استعدادهم الوجودي لتلقّي المعرفة العلويّة الناصعة . ولو كانوا هناك لفاض عليهم الإمام بقبضة من شعاع علمه الباهر ، ولأشرق الوجود بقبسٍ من نور معرفته . كان عليّ عليه السلام يحظى من «علم الكتاب» بعلمه الكامل كلّه ، في حين لم يكن لآصف بن برخيا من «علم الكتاب» إلّا بعضه ، فأهّله أن يأتي إلى سليمان عليه السلام بعرش بلقيس في طرفة عين أو أقلّ (1) . لم يعرف علم عليّ عليه السلام مدىً ، ولم يوقفه حدّ ، بل امتدّ سعةً حتى تخطّى كلّ العلوم . فهو في الذروة القصوى في علوم القرآن ، وفي معارف الشريعة ، وعلوم الدين ، وعلم البلايا والمنايا ، وهو السنام الأعلى في كلّ معرفة . هل تجد لعليّ نظيراً في معرفة اللّه ، وهو ذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «ما عَرَفَ اللّهَ إلّا أنَا وأنتَ» (2) ؟ أجل ؛ هو ذا كما يقول النبيّ الأقدس ؛ فهذا كلامه في التوحيد ومراتبه ، وفي إثبات الصانع وطرق الاستدلال عليه ، وفي معرفة اللّه وصفاته يقف في الذروة العليا ، وله في نظر الفلاسفة والمتكلِّمين مرتبة سامقة لا تُضاهى . إنّ ما نطق به الإمام عليّ عليه السلام حول الوجود ، وما ذكره عن المخلوقات ، وما توفّر على إظهاره من نقاط بديعة حيال الخليقة لهو ينمّ عن إحاطة علميّة بضروب المعرفة البشريّة .
.
ص: 28
فكلمات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن بدء الخليقة ، وخلق الملائكة والسماوات والأرضين والحيوان ، وما فاض به عن المجتمع والنفس وحركة التاريخ ، وما أدلى به من إشارات عن الرياضيّات والفيزياء وعلم الأرض (الجيولوجيا) وغير ذلك ممّا يعدّ في حقيقته تنبّؤات علميّة ، ويدخل في المعجزات العلميّة للإمام ، لهو قمين بالإعجاب ، وخليق أن يملأ النفس خضوعاً ودهشة . لم يعرف التاريخ على امتداده رجلاً ، عالماً كان أم فيلسوفاً أم مفكِّراً ، ينهض بعلوّ قامته ، ويقول بثبات : سلوني ما تشاؤون . ثمّ لم يعجزه الجواب أبداً ، ولم يلبث حتى لحظة واحدة كي يتأمّل بما يجيب . وهذا القسم ليس أكثر من إيماءة إلى علوم عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وهو إشارة على استحياء إلى بحره الزخّار ، ونظرة عابرة تومض من بعيد إلى اُفق المعرفة العلويّة .
القسم الثاني عشر : قضايا الإمام عليّالقضاء صعب ، وأصعب منه القضاء الراسخ الذي يستند إلى الصواب والحقّ . يستند القضاء من جهة إلى علم راسخ ، ويتطلّب من جهة اُخرى روحاً كبيرة وشخصيّة ثابتة لا تخشى التهديد ولا تميل إلى التطميع ، ولا تطوح بها العلائق والأهواء عن جادّة الحقّ والصواب . وأقضية عليّ بن أبي طالب عليه السلام هي منارات مضيئة في الحياة ، وأكاليل رفيعة في رحاب الحياة السياسيّة ، وأحرى بها أن تكون من أعاجيب التاريخ القضائي . لقد تناول هذا القسم أقضية الإمام في أربعة فصول توفّر كلّ واحد منها على بُعد . فقد مرَّ في البدء على الموقع القضائي الذي يحظى به الإمام ، وأنّه «أقضى الاُمّة» بمقتضى صريح كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
.
ص: 29
ثمّ انعطف إلى بيان أمثلة لأقضية عليّ عليه السلام على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله ، متابعاً لها وهي تتوالى في عهد خلافته الراشدة ، لتكشف بأجمعها عن علم واسع عميق ، وصلابة ماضية في السلوك ، وثبات راسخ ، وإيثار الحقّ على ما سواه ، والدفاع عن الحقيقة في خضمّ الحياة .
القسم الثالث عشر : آيات الإمام عليّالإنسان خليفة اللّه في الأرض . والأبعاد المعنويّة هي أسمى مظهر باهر يتألّق في شخصيّة الإنسان ، وإذا ما ارتقى الإنسان على هذا الخطّ وصار قريباً إلى اللّه عبر السلوك المعنوي ، فسيكون كلّ ما يصدر عنه مذهلاً عجيباً ، وتصير حياته وتعاطيه مع الوجود «تجلّيات» للقدرة الإلهيّة . حين تُبصر عليّاً عليه السلام في هذا المجال تجده «ممسوساً في ذات اللّه » على حدّ ما نصّ عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في وصفه ، وهو أدرى الناس به ، وعليّ ثمرة لتربية الرسول . ومن ثَمَّ كان حريّاً بحياته أن تكون _ ولا تزال _ مشرقة بأكثر تجلّيات هذا «الخليفة الربّاني» نوراً ووضاءة . لقد توفّرت فصول هذا القسم على الإيماء إلى أمثلة للقدرة المعنويّة الباهرة ، والولاية التكوينيّة التي يحظى بها الإمام ، ومرّت على بعض تجلّيات هذا «الخليفة الربّاني» ، وما يشعّ به وجوده من مظاهر القدرة والعظمة الإلهيّة . كان من بين المحطّات التي لبثت عندها فصول هذا القسم أمثلة لإجابة الدعوات ، وإخبار الإمام بالمغيّبات ، وبعض ما له من كرامات مثل «ردّ الشمس» التي تعدّ منقبة تختصّ به وحده ، وفضيلة تبعث على الدهشة ، وتدعو إلى العجب . هذا القسم في حقيقة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام رحلة تطوف معه لتبرز بُعده المعنوي في التعامل مع اُفق الوجود ، وتؤشّر إلى موقعه المنيف في معارج الصعود ،
.
ص: 30
وما يحظى به هذا الإنسان الربّاني من مكانةٍ عظيمة على مهاد الأرض ، كما تكشف عن دوره ك_ «خليفة إلهي» .
القسم الرابع عشر : حبّ الإمام عليّالجمال حبيب إلى الإنسان ، والإنسان يهفو إلى الجمال ، ولن تجد إنساناً يصدّ عن الجمال أو تنكفئ نفسه عن المكرمات والفضائل السامقة أو يُشيح عن المُثل العليا . هو ذا عليّ عليه السلام مصدر جميع ضروب الجمال ، يتفجّر وجوده بالكمال ، وتحتشد فيه جميع الفضائل والمكارم والقيم ؛ فأيّ إنسان يبصر كلّ هذا التألّق ولا يشدو قلبه إلى عليّ حبّاً وإيماناً ؟ وأيّ إنسان له عين بصيرة ويعمى عن ضوء الشمس ؟ دعْ عنك اُولئك النفر الذين ادلهمّت نفوسهم بظلمة حالكة ، فعميت أبصارهم عن رؤية هذا الجمال الباهر الممتد ، ولم يُبصروا مظاهره الخلّابة . وإلّا لو خُلّي الإنسان وإنسانيّته لاُلفي باحثا عن الجمال أبداً متطلّعا إليه على الدوام . كذلك هو عليّ أحبُّ الخلق إلى اللّه خالق الجمال وواهب العظمة . كما هو الأحبّ عند الملائكة وعند رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وهل يكون هذا إلاّ لجوهر الذات العلويّة ، وللمكانة المكينة التي يحظى بها هذا الإنسان الملكوتي الذي تتقرّب الملائكة _ أيضاً _ إلى اللّه بمحبّته ؟ إنّ لحبّ عليّ في ثقافتنا الدينيّة شأناً عظيماً يُبهِر العقول ، ويبعث على التأمّل . وما نهض به هذا القسم أنّه وثَّقَ لهذه الحقيقة نصوصَها . وقد جاءت النصوص تفصح دون مواربة ولُبْس أنّ حبّ عليّ حبٌّ للّه ولرسوله ، وتسجِّل بنصاعة وضّاءة أنّ حبّ عليّ «نعمة» و«فريضة» و«عبادة» ، وهو «العروة الوثقى» و«أفضل العمل»
.
ص: 31
و«عنوان صحيفة المؤمن» . فحبّه إذاً من دين اللّه بالصميم . ومع أنّ هذا القسم لا يدّعي أنّه قد استقصى كلّ النصوص الروائيّة التي لها مساس بعليّ عليه السلام في هذا المجال ، إلّا أنّ ما توفّر على ذكره أسفر بوضوح : أنّ حبّ عليّ هو السبيل إلى بلوغ حقائق المعرفة الدينيّة ، وهو الذي يشيع السكينة في أرجاء الحياة ، وبحبّ عليّ يكتمل الإيمان والعمل ، وبه تُرفع أعمالنا مقبولة إلى اللّه سبحانه ، وبحبّ عليّ يستجاب الدعاء وتُغفر الذنوب . وبحبّ عليّ عليه السلام تنتشر نسائم السرور على الإنسان عند الموت ، وحبّ عليّ لُقيا يُبصِر بها المحتضر وجه المولى عند الممات ، وحبّ عليّ جواز لعبور الصراط وللثبات عليه ، وهو الجُنّة التي تقي نار جهنّم . ومسك الختام : أنّ حبّ عليّ هو الحياة الطيّبة في جنّة الخُلد . إنّ كلّ ذلك لا يكون إلّا بحبّ عليّ ، وفي ظلال حبّ عليّ عليه السلام . لم تتردّد النصوص الروائيّة لحظة وهي تسجّل بثبات راسخ أنّ حبّ عليّ عليه السلام هو دليل طهارة المولد ، وعلامة على الإيمان والتقوى ، وهو عنوان شهرة الإنسان ومعروفيّته في السماوات وعند الملأ الأعلى ، وهو رمز السعادة . وبعدُ ؛ فإنّ كلّ هذا الحشد من التأكيد على الحبّ العلوي ، ووصله برباط وثيق مع الحبّ الإلهي ، وبحبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لهو دليل شاخص على أنّ الحبّ المحمّدي الصحيح لن يكون ممكناً من دون الحبّ العلوي . وما ادّعاء حبّه صلى الله عليه و آله من دون حبّ عليّ عليه السلام إلّا عبث جزاف ودعوة باطلة . على أنّ هذا القسم يعود ليكشف في جوانب اُخرى على أنّ حبّ عليّ عليه السلام ما كان شعاراً يُرفع وحديثاً يُفترى ، بل هو اُسوة يقتدي فيها المحبّ بحياة عليّ ، يلتمس
.
ص: 32
هديه في خطاه ، يعيش كما يعيش ، ويفكّر كما يفكّر ، ويمارس معايير عليّ في الحبّ والولاء ، وفي البغض والبراءة ، ويحثّ خطاه صوب قيَمه دائماً وأبداً ، وإلّا كيف يجتمع حبّ عليّ مع حياة سفيانيّة ونهج اُموي ؟ آخر ما يشدّ إليه الانتباه في مادّة هذا القسم هو التحذير من الغلوّ ؛ فمع كلّ هذا التركيز المكثّف العريض على حبّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وإلى جوار هذه الإشادة بالآثار العظيمة التي يُغدقها هذا الحبّ على الحياة الماديّة والمعنويّة ، جاءت التعاليم النبويّة والعلويّة والدينيّة تشدّد النكير ، وتُعلن التحذير الكبير من الغلو بهذا الحبّ . فها هي ذي النصوص الحديثيّة تنهى عن الإفراط وتذمّه ، وتعدّه انحرافاً يهيّئ الأجواء إلى انحرافات أكبر .
القسم الخامس عشر : بغض الإمام عليّعلى قدر ما تكون شخصيّة عليّ الطالعة المهيبة بالغة الروعة والجمال لذوي النفوس الزكيّة ، موحية أخّاذة لذوي الأفكار الرفيعة ، محبوبة خلاّبة لذوي الفِطَر النقيّة والطباع الكريمة ، فهي تثير الغيظ في النفوس المدلهمّة المظلمة ، وتستجيش عداوة الوصوليّين النفعيّين ، وبغضاء ذوي الأغراض الدنيئة الهابطة ، والنوازع المنحطّة . إنّ التاريخ يجهر أنّ أعداء عليّ بن أبي طالب كانوا من حيث التكوين الروحي سقماء غير أسوياء نفسيّاً ، ومن حيث التكوين الفكري كانوا منحرفين بعيدين عن الصواب . أمّا من حيث مكوّنات الشخصيّة فقد كانوا اُناساً تستحوذ عليهم الأنانيّة والأثَرة ، يُنبئ باطنهم عن الفساد والأغراض الهابطة . هذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يستشرف مستقبل الإسلام عبر مرآة الزمان ، يعلم بالفتن ويعرف مثيريها وأصحابها . وهو ذا يؤكّد في كلّ موقعٍ موقعٍ من أشواط حياته
.
ص: 33
المملوءة عزماً وتوثّباً والتزاماً على حبّ عليّ بن أبي طالب ، ويحذّر الناس من بغضه ، وينهاهم عن عداوته وشنآنه . يسجّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بصراحةٍ لا يشوبها لبسٌ أنّ بغض عليّ بن أبي طالب كفر ، وأنّ مَن آذى عليّاً فقد آذاه . ليس هذا وحده ، بل مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يرسم ثغور الجبهة الاجتماعيّة ويحدّد اصطفافاتها العامّة بما يُظهر أنّ مَن هو مع عليّ وعلى حبّ عليّ فهو مع النبيّ نفسه ، ومَن يناهض عليّاً ويعاديه فموقعه في الجبهة التي تعادي النبيّ وتُناهض رسالته . لقد أفصحت النصوص المعتبرة عند الفريقين ممّا تقصّاها هذا القسم ، على أنّ أعداء عليّ بن أبي طالب بعيدون عن رحمة اللّه سبحانه ، وأنّ خسرانهم وسوء منقلبهم أمر قطعي لا ريب فيه . فمن يمُت على بغض عليّ عليه السلام يمُت ميتة جاهليّة ، وبغض عليّ علامة تُجهر بنفاق صاحبها وفسقه وشقائه . وإذا كان بغض عليّ عليه السلام يستتبع ميتة جاهليّة ؛ فإنّ إنساناً كهذا لن ينتفع شيئاً من تظاهره بالإسلام ، وهو يُحشر في القيامة أعمى ، ليس من مصير يؤول إليه سوى نار جهنّم . يضع هذا القسم بين يدي القارئ نصوصاً حديثيّة وروائيّة كثيرة ، فيها دلالة على ما سلفت الإشارة إليه . وهو _ علاوة على ذلك _ يعرّف بعدد من ألدّ أعداء الإمام وأعنف المبغضين له ، كما يمرّ على جماعة من المنحرفين عنه ، وعلى القبائل التي كانت تكنُّ له البغضاء ، ولا غرابة فقد قيل : «تُعرَفُ الأَشياءُ بِأَضدادِها» . هذا عليٌّ ، ولا يلحق به لاحق ، واسمه الآن يصدح عبر اُفق المكان والزمان ، ويعلو شاهقاً على ذرى التاريخ ، وهذه تعاليمه وكلماته مسفرة كضوء الفجر متألّقة على مدار الزمان .
.
ص: 34
أما والأمر كذلك ؛ فقد كان حريّاً بهذا القسم أن يلبث عند تلك الجهود المحمومة كاللهب ، وعند تلك الصدور الموبوءة بالحقد ، وقد نفثت أحقادها علّها تُطفئ الشعلة المتوقّدة ، أو عساها تنال من وهجها شيئاً ، حتى تستيقن النفوس بوعد اللّه الذي وعَده ، وكي لا يستريب أحد بقوله سبحانه : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِ_ئواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَ هِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَ_فِرُونَ» (1) . وهكذا كان .
القسم السادس عشر : أصحاب الإمام عليّ وعمّالهمع هذا القسم يُختَتم الكتاب ويبلُغ نهايته . بعد أن لبث القارئ مع خمسة عشر قسماً من الموسوعة ، وصار على معرفة واسعة ممتدّة بمختلف أبعاد حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام المملوءة بالتعاليم الواعية البنّاءة التي تُنير الحياة وتفتح المغاليق ؛ بعد هذا كلّه آن له أن يرحل في هذا القسم مع جولة تطوف به على عدّة من أصحاب عليّ عليه السلام وعمّاله ، يتعرّف عليهم وينظر إليهم عن كثب . في هذا القسم يخرج القارئ بحصيلة معرفيّة معطاءة عن اُولئك الرادة الذين تربّوا في كنف عليّ ، وتخرّجوا من مدرسته ، وفي الوقت ذاته تتكشّف له معالم الحكم العلوي وما كان يعانيه من قلّة الطاقات الرياديّة الملتزمة الرشيدة ، وما يكابده الحكم من نقص في القوى الفاعلة المطيعة المسؤولة . وهذا الواقع يُسهم إلى حدّ في الإفصاح عن السرّ الكامن وراء بعض النواقص التي بدت في الحكم العلوي ، ويُعين القارئ على إدراك ذلك ، كما تمنحه معطيات هذا القسم موقعاً أفضل للتوفّر على تحليل واقعي لحكومة الإمام . من الجليّ أنّ أصحاب الإمام لم يكونوا على مستوى واحد ، كما لم يكن عمّاله كذلك . لقد كانت ضرورات الحكم ومتطلّبات الإدارة العامّة تُملي على الإمام أن
.
ص: 35
يلجأ أحياناً إلى استعمال اُناس ثابتين في العقيدة بيدَ أنّهم غير منضبطين في العمل . لكن الإمام لم يكن يغفل لحظة عن تنبيه هؤلاء وتحذيرهم المرّة تلو الاُخرى ، كما لم يُطق مطلقاً انحرافاتهم وما يصدر عنهم واضطراب سلوكهم مع الناس . إنّ عليّاً الذي أمضى عمراً مديداً يضرب بسيفه دفاعاً عن الحقّ ؛ وعليّاً الذي اختار الصمت سنوات طويلة من أجل الحقّ «وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا »؛ عليٌّ هذا لا يُطيق المداهنة _ وحاشاه _ في تنفيذ الحقّ ، ولا يعرف المجاملة في إحقاقه ، ولا يتحمّل المساومة أبداً . تتضاعف أهميّة هذا القسم من الموسوعة ، وهو حريّ بالقراءة أكثر ، ونحن نبصر _ فيه _ مواقف الإمام من الأصحاب والعمّال مملوءة دروساً وعبراً . ومع القسم السادس عشر يشرف الكتاب على نهايته ، ليكون القارئ قد خرج من الموسوعة بسيل متدفّق من المعرفة ، وبفيض من التحاليل والرؤى والأفكار والأخبار ، تستحوذ عليها جميعاً شخصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
خصائص الموسوعة :انتهى للتوّ استعراض وجيز قدّمناه لأقسام «الموسوعة» الستّة عشر دون خوض لما احتوته فصولها من تفاصيل ، وما ضمّته من مداخل صغيرة كانت أم كبيرة ، وقد آن الأوان للحديث عمّا تحظى به من خصائص . بيد أنّا نعتقد أنّ السبيل إلى معرفة خصائص الموسوعة _ وربّما ما تحمله من مزايا ونقاط بارزة _ يُملي علينا أن نُلقي نظرة إلى ما كُتب عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حتى الآن ، كي تتّضح من جهةٍ ضرورات التعاطي مع هذه المجموعة ، وتستبين من جهة اُخرى نقاط قوّتها وما قد تكون حقّقته من مكاسب ومعطيات على هذا الصعيد .
.
ص: 36
غزارة المدوّنات وكثرتها عن الإماميحظى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بشخصيّة هي في المدى الأقصى من الجاذبيّة ؛ ومن ثَمّ فتَملّي سيرة هذا العظيم ، والتطلّع إلى حياته العبقة الفوّاحة هو ممّا لا يختصّ باتّجاه دون آخر . فهاهم الجميع من كافّة الاتّجاهات والأفكار يكتبون عن الإمام ، وها هي ذي شخصيّته المتوهّجة تجذب كلّ المسالك والميول ، وتستقطب لدائرتها كافّة القرائح والأقلام . هكذا تمثّلت واحدة من خصائص عليّ بن أبي طالب بغزارة ما كُتب عنه ، وكثافة التآليف التي أطلّت على حياته وسيرته ، وتناولت بالبحث إمامته وخلافته ، واندفعت تُعنى بحِكمه وتعاليمه ، وبآثاره ومآثره . فتاريخ الإسلام بدون اسم محمد صلى الله عليه و آله ، ومن دون اسم عليّ بن أبي طالب ومن دون مآثره وبطولاته التي بلغت أعلى ذروة ، هو تاريخ أجوف مشوّه ، وكتلة هامدة بلا حراك ولا روح ، وهو بعد ذلك لا يمتّ إلى حقيقة التاريخ الإسلامي بصلة . فها هي ذي قمم تاريخ صدر الإسلام تتضوّع باسم عليّ ، وتفوح بذكراه ، وها هو ذا ظلّه يمتدّ ويطول فلا يغيب عن واقعة قط . وما خطّته الأقلام عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يفوق الحصر عدّاً ، فهذا رصد واحد قدّم خمسة آلاف عنوان كتاب بعضها في عدّة مجلدات ، دون أن يستوفي الجميع .
تصنيف الكتاباتما جادت به القرائح والأقلام عن عليّ بن أبي طالب يقع في جهات متعدّدة ، ويمتدّ محتواه على مواضيع مختلفة . مع ذلك يمكن تصنيف الحصيلة في رؤوس العناوين التالية :
.
ص: 37
أ _ تاريخ حياة الإمام . ب _ خلافة الإمام . ج _ خصائص الإمام وفضائله . د _ مواضيع لها صلة بالإمام أو تدور حوله مثل الغدير ، وآية التطهير ، والولاية ، وما إلى ذلك . ه _ تفسير الآيات النازلة بشأن الإمام . و _ أقضية الإمام . ز _ أدعية الإمام . ح _ الأحاديث والنصوص النبويّة عن الإمام . ط _ كلام الإمام ، ولهذا صيغ مختلفة كالأحاديث ذات الصيغة البلاغيّة ، والاُخرى رُتّبت على أساس الحروف الهجائيّة . ي _ الشروح ؛ وتشمل شرح خطبة واحدة ، أو كتاب واحد أو رسالة واحدة ، وإلى غير ذلك من الصيغ . ك _ ما جادت به القرائح والأقلام نظماً ونثراً عن فضائل الإمام ومناقبه ومراثيه . ل _ كرامات الإمام ومعاجزه في حياته وبعد استشهاده . يفصح هذا التصنيف بموضوعاته المختلفة أنّ الأقلام قد تبارت متحدّثة عن الإمام عليّ عليه السلام من زوايا مختلفة ، كلّ واحد يعزف على حياته وآثار عظمته من بُعده الخاص . أما وقد اتّضح ذلك على وجه الإجمال ، تعالوا ننعطف إلى خصائص هذه «الموسوعة» وما قد تحظى به من مزايا ، نجملها من خلال العناوين التالية :
.
ص: 38
1 _ الشمول ومبدأ الانتخابفي الوقت الذي حرصت «الموسوعة» على تجنّب التكرار (1) ، والإحالة إلى النصوص المتشابهة ، فقد سعت إلى الجمع بين الشمول والاختصار معاً ، متحاشية الزوائد والفضول ، من خلال التأكيد على مبدأ الانتخاب . لقد انطلقت «الموسوعة» تجمع النصوص والأحاديث والنقول من مصادر الفريقين ، مع التركيز على ما له مساس بالإمام أمير المؤمنين عليه السلام . هكذا تطمئنّ نفس الباحث الذي يراجع هذه المجموعة إلى أنّه قد اطّلع على حصيلة ما جادت به الأقلام حيال الإمام عليّ عليه السلام ، كما ينفتح أمامه الطريق ممهّداً لاختيار الموضوع أو المواضيع التي يصبو إلى دراستها ، عبر الكثافة المعلوماتيّة التي يوفّرها له حشد كبير من المصادر والهوامش والإيضاحات التي جاء ذكرها في الهوامش .
2 _ الاستناد الواسع إلى مصادر الفريقينحقّقت «الموسوعة» أوسع عمليّة استعراض لمصادر الفريقين التاريخيّة والحديثيّة ، حيث استنطقت ما حوَته صحفاتها من ذكرٍ لمختلف جوانب شخصيّة الإمام عليّ عليه السلام . بِلغة الأرقام ؛ لم تبلغ هذه «الموسوعة» نهايتها ، ولم تكتسب هذه الصيغة إلّا بعد مراجعة ما ينوف على الأربعمائة وخمسين كتاباً أربت مجلّداتها على الألفين ، منها مئتا كتاب من مصادر الشيعة ، ومئتان وخمسون كتاباً من مصادر أهل السنّة .
.
ص: 39
ثمّ لكي ترتاد بالباحثين صوب آفاق معرفيّة ممتدّة ، وحتى تفتح لهم السبيل واسعاً للدراسة والتحليل ، فقد أحالت في هوامشها إلى ما يناهز الثلاثين ألف موضع من مصادر الفريقين ، ويكفي هذا وحده للكشف عن المدى الأقصى الذي بلغه البحث .
3 _ وثاقة المصادرفي تدوين هذه الموسوعة عمدنا في البدء إلى جمع المعطيات على جذاذات (بطاقات) مستقلّة من المصادر مباشرة ، مع الاستعانة بأنظمة الحاسوب الآلي وأقراص الخزن باللغتين الفارسيّة والعربيّة على قدر ما تسمح به الإمكانات ، ثمّ جمعنا النصوص المتشابهة حيال الموضوع الواحد ، وسعينا بعدئذٍ إلى انتخاب أكثر هذه النصوص وثاقة ، وفرز ما هو أقدمها وأكثرها شمولاً . لقد حرصنا على أن تأتي النصوص المنتخبة من أوثق الكتب الحديثيّة والتاريخيّة وأهمّها . لكن ينبغي أن نسجّل أنّ وثاقة النصوص والنقول في البحث التاريخي تختلف اختلافاً بيّناً عمّا هي عليه في النصوص والنقول الفقهيّة ؛ فمن الواضح أنّ ذلك التمحيص الذي ينصبّ على سند الرواية الفقهيّة ، لا يجري بنفسه على البحوث التاريخيّة . فما يستدعيه البحث التاريخي أكثر ؛ هو طبيعة النصّ (الوثيقة) ومدى ثباته وسلامته ، وهذه غاية يبلغها الباحث باستخدام قرائن متعدّدة . في رؤيتنا أنّ النصّ أو النقل الموثّق _ فقهيّاً كان أم تاريخيّاً _ هو الذي يكون موثوقاً يبعث على الاطمئنان ، حتى لو لم يحظَ بسند ثابت وصحيح . نسجّل ذلك رغم انتباهنا لأهميّة السند الصحيح والموثّق في إيجاد الاطمئنان . وينبغي أن نُضيف أيضاً إلى أنّ الوثوق السندي في النصوص التي تستند إلى
.
ص: 40
المصادر الحديثيّة والتاريخيّة للفريقين (الشيعة والسنّة) لا يمكن أن يكون ملاكاً كاملاً وتامّاً ؛ إذ من الواضح أنّ لكلّ فريق رؤيته الخاصّة في تعيين «الثقة» و«غير الثقة» ، كما له مساره الخاصّ ونهجه الذي يميّزه في الاُصول الرجاليّة . الكلمة الأخيرة على هذا الصعيد تتّجه إلى طبيعة الملاك الذي انتخبناه ؛ ففي عمليّة جمع النصوص وفرزها عمدنا بالإضافة إلى ما بذلناه من جهد في توثيق المصدر والاهتمام بالسند ، إلى مسألة نقد النصّ كي يكون هو الملاك الأهمّ في عملنا . وفي هذا الاتّجاه سعينا إلى بلوغ ضرب من الاطمئنان من خلال تأييد مضمون النصّ بالقرائن النقليّة والعقليّة ، كي يتحوّل ذلك إلى أساس نطمئنّ إليه في ثبات النصّ . على هذا لم نلجأ إلى الأحاديث المنكرة حتى لو كان لها أسانيد صحيحة . وإذا ما اضطرّتنا مواضع خاصّة لذكر نصّ غير معتبر ؛ فإنّنا نعطف ذلك بإيضاح ملابسات الموضوع .
4 _ التحليل والتصنيفيلتقي الباحثون على صفحات هذه الموسوعة ، والمتشوّفون إلى سيرة عليّ عليه السلام ومعارفه مع سبعة آلاف نصّ تاريخي وحديثي تدور كلّها حول الإمام . لقد سعى هذا المشروع إلى أن يقدّم عبر الأقسام والفصول مجموعة من التحليلات والنظريّات التي تتناسب مع المادّة ، وأن يخرج من خلال تقويم النصوص بإلماعات مهمّة في مضمار التاريخ والحديث . إنّ القارئ سيواجه على هذا الصعيد نقولاً مكثّفة تصحب فقه الحديث نأمل أن تأتي نافعة مفيدة .
.
ص: 41
5 _ رعاية متطلّبات العصر وفاعليّة المحتوىليست «موسوعة الإمام عليّ» كتابا تاريخيّا محضا يُعني بالنصوص والوثائق التاريخيّة التي ترتبط بحياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، كما لم نكن نهدف أن نقدّم ترجمة صرفة نزيد بها رقما جديدا على التراجم الكثيرة الموجودة . بل أمعنّا النظر إلى الواقع المُعاش ، وركّزنا على المتطلّبات المعاصرة ونحن ننتخب العناوين ونملأ النصوص التي جاءت تحتها . وحرصنا على أن تأتي هذه «الموسوعة» مجموعة متكاملة موحية ، تهَب الدروس ، وتبثّ العبر من حولها ، وتلامس حاجات العالم الإسلامي ، وتؤثّر في عقول الباحثين ، وتُعين الشباب ، وتمنح اُولئك الذين يرغبون أن تكون لهم في سيرة عليّ عليه السلام اُسوة في واقع الحياة ؛ تمنحهم المثال المنشود . كما أردنا ل_ «الموسوعة» من خلال سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن تفتح أمام البصر الإنساني مغالق الطريق ، وأن تُعين في تذليل العُقَد الفكريّة والعقيديّة والسياسيّة . على أنّ أكثر أقسام هذا المشروع نفعا وتأثيرا هي تلك التي أضاءت النهج العلوي ، وأسفرت عن مرتكزاته في مختلف مجالات إدارة الاجتماع السياسي ، وتسيير الحكم والتعامل مع المجتمع . فهذه الأقسام هي في صميم حاجة قادة البلدان الإسلاميّة ، بالأخصّ العاملين في نطاق نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران . فهذه الأقسام جسّدت على منصّة الواقع الحياةَ السياسيّة والاجتماعيّة للإمام ، وأومأت ببنانٍ لا تخطئه عين إلى الواقع الحقيقي لكفاءة ذلك السياسي الواقعي ، الذي ليس له مأرب من تنفيذ السياسة غير الحقّ . ف_ «الموسوعة» إذا ليست صفحات في بطون الكتب ، بل هي من الحاضر فى ¨
.
ص: 42
الجوهر ، ومن الواقع اليومي في الصميم . من هذه الزاوية هي خليقة بالقراءة والتفكير والتأمّل ، وجديرة بالعمل .
6 _ الإبداع في التدوين والتنظيملقد صُمّمت مطالب «الموسوعة» وموضوعاتها في إطار هيكليّة هندسيّة خاصّة ، بحيث يكون بمقدور الباحث أن يكون في صميم السياق العام للكتاب بمجرّد إلقاء نظرة عابرة ، وبشيء من التأمّل يعثر على ما يريد . فقد اختيرت العناوين بحيث تُسفر عن محتوى الأقسام والفصول ، وتستوعب جميع النصوص الموجودة . بيد أنّ الأهمّ من ذلك أنّها حرصت على أن تجيء تلك العناوين حول السيرة العلويّة البنّاءة ، وهي تعبّر عن مثال يُحتذى وتعكس اُسوة يمكن الاقتداء بها . بهذا جاءت العناوين واقعيّة وليست انتزاعيّة محضة ، كما لم تأتِ مغلقة مبهمة .
7 _ إيضاحات الهوامش ومزايا اُخرىلكي يستغني الباحث الذي يراود هذه «الموسوعة» عن العودة إلى المصادر الاُخرى في المسائل الفرعيّة ، وحتّى يشقّ طريقه إلى مبتغاه بيسر ، جاءت إيضاحات الهوامش تضمّ ترجمة للأشخاص وتعريفا بالأماكن وبيانا للنقاط الغامضة التي تكتنف النصوص ، مع شرح موجز للمفردات الصعبة . وقد تمّ تعزيز ذلك كلّه بخرائط مؤدّية تعكس الأمكنة والمواقع التاريخيّة بدقّة ، عكف على تصميمها متخصّصون .
.
ص: 43
8 _ أدب التكريمعند نقل النصوص ؛ إذا ماكانت تلك النصوص مسندة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلاميُذكر الاسم مع النقل ، وعند ذكر النبيّ يُشفع بصيغة (صلى اللّه عليه وآله) ، في حين يشفع ذكر كلّ واحد من أئمة أهل البيت عليهم السلامبصيغة (عليه السلام) تكريما لهذه الأسماء المقدّسة والذوات المعصومة ، حتى لو لم تحوِ النصوص في مصادرها الأصليّة هذا التكريم . أمّا إذا كانت النصوص عن غير النبيّ صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلامفعندئذٍ نذكر المصدر والراوي للنصّ في بدء النصّ .
9 _ أخلاقيّة الكتابةحرصت «الموسوعة» على أن تلتزم في كتاباتها الأدب العلمي بدقّة ، وتراعى اُصول البحث في مداها الأقصى . إنّ من يتأمّل تاريخ الإسلام بعمق ، ويرمي ببصره تلقاء مصنّفات مختلف علماء النِّحَل في دائرة الثقافة الإسلاميّة ، يلمس كم احتوى ميراث اُولئك _ قدماء ومحدثين _ من ظلم للتشيّع ، وأيّ حيف أصاب قمّته العلياء الشاهقة ! كما يدرك الصدود الذي أحاط إمام المجاهدين ، وما نزل بصحبه الأبرار الذين أخلصوا له الولاء ، سواء عن طريق كتمان الحقائق أو من خلال قلب وقائع التاريخ . هذه اُمور جليّة لم تخف على أحدٍ ، يعرفها جميع باحثي التاريخ الإسلامي ، كما نعرفها نحن أيضا ، وقد تبدّت أمامنا بأبعاد مهولة عند كتابة «الموسوعة» . بيد أن ذلك كلّه لم يجرّنا إلى موقف مماثل عند تدوين «الموسوعة» لا بدءا ، وتأسيسا ، ولا بصيغة الردّ بالمثل . فها هي ذي التحليلات والإيضاحات ووجهات النظر والمداخل نقيّة لم يشبْها لوث ، وها هو ذا القلم عفّ ولم يهبط قط إلى الشتيمة
.
ص: 44
ولغة التجريح والكلام النابي وكَيل التُّهم والمطاعن . وفي الحقيقة جعلنا المشروع يفيء بجميع أجزائه في ظلال «الأدب العلوي» ؛ هذا الأدب الذي يأخذ مثاله الرفيع مما علّمه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام صاحبيه حجر بن عدي وعمرو بن الحمق . فهذان الحواريّان يتوقّدان عزما ، ويفيضان رسوخا ، وهما مملوءان حماسا وغيرة ؛ فأنّى لهما أن يصبرا على أباطيل العدوّ وزخرفه ، وما صار يستجيشه من ضوضاء هائجة ؟ لقد راحا يدمدمان بألسنتهما ضدَّ العدو ، فما كان من أمير المؤمنين عليه السلام إلّا أن علّمهما أدب المواجهة ، فقال لهما بعد أن ذكّرهما بأنّهم على الحقّ وأن عدوّهم على الباطل : «كَرِهتُ لَكُم أن تَكونوا لَعّانينَ شَتّامينَ ؛ تَشتُمونَ وتَتَبَرَّؤونَ ، ولكِن لَو وَصَفتُم مَساوِئَ أعمالِهِم فَقُلتُم : مِن سيرَتِهِم كَذا وكَذا ، ومِن عَمَلِهِم كَذا وكَذا ، كانَ أصوَبَ فِي القَولِ ، وأبلَغَ فِي العُذرِ» (1) . واضح إذن أنّ ذِكر شخص وفعاله وتحليل سلوكه ، أو تسليط أضواء كاشفة على ما يلفّ فعال بعضِ مَن تنكّب عن الحقّ والصواب وما صدر عنه من سلوك شائن _ لا يمكن أن يُعدّ إساءة نابية ، بل هو من الوعي التاريخي والدفاع عن الحقّ بالصميم . ومن ثَمّ إذا ما احتوت «الموسوعة» شيئا من هذا فهو تعبير عن واقعٍ لا أنّه ينمّ عن إساءة جارحة . ومع ذاك سعينا أن ننظر إلى المسائل برؤية الاُسلوب التحليلي والبحث العلمي وليس من خلال العناد والتعصّب الأعمى المقيت . ومِن ثَمّ لم يتمّ التوهين بمقدّسات أيّ نحلة ، ولم نطعن بشخص قط .
.
ص: 45
على هذا نأمل أن تجيء «الموسوعة» خطوة على طريق التقريب بين المذاهب ، وأن يكون شخوص «الأدب العلوي» وتبلوره فيها سببا لانتفاع الجميع ، ويهيّئ الأجواء لوحدة كلمة المؤمنين .
شكر وتقديرحيث شارف هذا المدخل على نهايته ، ولمّا يُمسِك القلم بعدُ نبتهل _ مرّة اُخرى _ إلى اللّه سبحانه ضارعين بقلوب مفعمة ، بالشكر والثناء على ما أنعم به من تيسير كريم وفضل جسيم ، وما امتنّ به من توفيق عظيم لهذه الخدمة العلويّة الجليلة . كما نوجّه شكرنا وثناءنا إلى كلّ جهد كريم شارك في هذا المشروع في إطار مختلف المجاميع ، وكان له سهم في التأليف والتحقيق والتخريج ، وفي الطباعة والتصحيح والتدقيق ، ونخصّ بالذكر الباحثَين الكريمَين الجليلين السيّد محمّد كاظم الطباطبائي والسيّد محمود الطباطبائي نژاد ، اللذين بذلا جهودا مخلصة مشكورة في تدوين هذه المجموعة ، وكانا معنا رفيقَي درب في هذه الرحلة الممتدّة من عام 1413 ه . كما نشكر الاُستاذ الفاضل الشيخ محمّد علي مهدوي راد الذي أعاننا على تهيئة البيانات والتحليلات . وأتقدّم بشكري الخالص وثنائي الجزيل أيضا إلى مسؤول قسم تدوين الموسوعة في مركز دراسات دار الحديث المحقّق العزيز الشيخ عبد الهادي المسعودي ، الذي بذل جهدا محمودا في تنظيم الصيغة الأخيرة وإعداد العمل وإنجازه في الموعد المقرّر . إلهي . اجعلنا في حزب عليّ عليه السلام الذي هو حزب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واكتبنا في المفلحين الفائزين .
.
ص: 46
واجعلنا في صفّ جنودك المحبّين لك الوالهين بك ، وفي عداد حماة دينك ، المنافحين عن نقاء الفكر الإسلامي ، و صُن ألسنتنا وأقلامنا من الزلل ، وأقِلْها من العثرات والباطل ، واجعل ما نكتب ونقول خدمة لغايات الحكم العلوي ، وأرضاً صلبة توطئ إلى الحكومة العالميّة لوليّ اللّه الأعظم الإمام المهدي عليه السلام . وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على سيّدنا ونبيّنا محمدٍ وآله الطاهرين . محمد الرَّيشَهرى ¨ ربيع الثاني 1421 ه
.
ص: 47
القسم الأوّل : اُسرة الإمام عليّوفيهِ فُصولٌ :الفصل الأوّل : الولادةالفصل الثّاني : النشأةالفصل الثالث : الزواجالفصل الرابع : الأَولاد
.
ص: 48
. .
ص: 49
الفصل الأوّل : الولادة1 / 1النَّسَبُإنّ اُرومة الناس دليل على شخصيّتهم وفكرهم وثقافتهم . فاُولو النزاهة والصلاح والعقل والحكمة ينحدرون _ في الغالب _ من اُسَر كريمة طيّبة مهذّبة ، وذوو السوء والقبح والشرّ غالبا هم ممّن نشأ في أحضان غير سليمة ، وانحدر من اُصول لئيمة . ويتجلّى القسم الأوّل في الأنبياء _ الذين هم عِلْية وجوه التاريخ ، وقمم الشرف والكرامة والعزّة _ ومَنْ تفرّع من دوحاتهم ، ورسخت جذوره في بيوتاتهم الرفيعة . وكانت لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام جذور ضاربة في سلالة طاهرة كريمة هي سلالة إبراهيم عليه السلام ، فهو كرسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذلك . وإبراهيم عليه السلام هو بطل التوحيد ، الراغب إلى اللّه ، المغرم بحبّه ، وهو الواضع سنّة الحجّ ؛ رمز العبودية ومقارعة الشرك . وهكذا فالحديث عن جُدود النبيّ صلى الله عليه و آله حديث عن جدود عليّ عليه السلام ، والكلام عن سلالته صلى الله عليه و آله هو بعينه الكلام عن سلالة أخيه ووصيّه عليه السلام ، قال صلى الله عليه و آله في أسلافه : «إنَّ اللّهَ اصطَفى مِن وُلدِ إبراهيمَ إسماعيلَ ، وَاصطَفى مِن وُلدِ إسماعيلَ بَني كِنانَةَ ،
.
ص: 50
وَاصطَفى مِن بَني كِنانَةَ قُرَيشا ، وَاصطَفى مِن قُرَيشٍ بَني هاشِمٍ ، وَاصطَفاني مِن بَني هاشِمٍ» (1) . وهكذا فبنو هاشم هم صفوة اختيرت من بين صفوة الاُسر ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام هما صفوة هذه الصفوة ، قال الإمام عليه السلام واصفا سلالة النبيّ صلى الله عليه و آله : «اُسرَتُهُ خَيرُ الاُسَرِ ، وشَجَرَتُهُ خَيرُ الشَّجَرِ ؛ نَبَتَت في حَرَمٍ ، وبَسَقَت في كَرَمٍ ، لَها فُروعٌ طِوالٌ ، وثَمَرٌ لا يُنالُ» (2) . وهذا الثناء _ بحقّ _ هو ثناء على سلالته عليه السلام أيضا ، حيث قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أنَا وعَلِيٌّ مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍ» 3 . وعلى هذا يكون بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبيت عليّ هو بيت النبوّة ، واُرومتهما اُرومة النور والكرامة ، وهما المصطفيان من نسل إبراهيم وبني هاشم ، مع خصائص ومزايا سامقة؛ كالطهارة، والفصاحة ، والسماحة ، والشجاعة ، والذكاء ، والحياء ، والعفّة ، والحلم ، والصبر وأمثالها (3) . ناهيك عن منزلتهما المرموقة العليّة بين قبائل العرب بأجمعها .
المناقب لابن المغازلي عن مُصعب بن عبد اللّه :هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ بنِ هاشِمِ بنِ عَبدِ مَنافِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعبِ بنِ لُؤَيِّ ابنِ غالِبِ بنِ فِهرِبن
.
ص: 51
مالِكِ بنِ النَّضرِ بنِ كِنانَةَ بنِ خُزَيمَةَ بنِ مُدرِكَةَ بنِ إلياسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدنانَ . وَاسمُ أبي طالِبٍ عَبدُ مَنافٍ (1) .
شرح نهج البلاغة :هُوَ أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبِ _ وَاسمُهُ عَبدُ مَنافٍ _ ابنِ عَبدِ المُطَّلِبِ _ وَاسمُهُ شَيبَةُ _ بنِ هاشِمِ _ وَاسمُهُ عَمرٌو _ بنِ عَبدِ مَنافِ بنِ قُصَيٍّ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ عَلى مِنبَرِ البَصرَةِ _: اِسمُ أبي : عَبدُ مَنافٍ ، فَغَلَبَتِ الكُنيَةُ عَلَى الاِسمِ ، وإنَّ اسمَ عَبدِ المُطَّلِبِ : عامِرٌ ، فَغَلَبَ اللَّقَبُ عَلَى الاِسمِ ، وَاسمُ هاشِمٍ : عَمرٌو ، فَغَلَبَ اللَّقَبُ عَلَى الاِسمِ ، وَاسمُ عَبدِ مَنافٍ : المُغيرَةُ ، فَغَلَبَ اللَّقَبُ عَلَى الاِسمِ ، وإنَّ اسمَ قُصَيٍّ : زَيدٌ ، فَسَمَّتهُ العَرَبُ مُجَمِّعا ؛ لِجَمعِهِ إيّاها مِنَ البَلَدِ الأَقصى إلى مَكَّةَ ، فَغَلَبَ اللَّقَبُ عَلَى الاِسمِ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خُلِقتُ أنَا وعَليٌّ مِن نورٍ واحِدٍ . . . فَلَم يَزَل يَنقُلُنَا اللّهُ عزّ وجلّ مِن أصلابٍ طاهِرَةٍ إلى أرحامٍ طاهِرَةٍ حَتَّى انتَهى بِنا إلى عَبدِ المُطَّلِبِ (4) .
راجع : ج4 ص407 (الخلقة) .
1 / 2الأَبُعبد مناف بن عبد المطّلب ، المشهور بأبي طالب ، أحد العشرة من أولاد
.
ص: 52
عبد المطّلب (1) . وكان عبد المطّلب الوجه المتألِّق في قريش ، وله منزلته السامقة في أوساطها . ثمّ جاء بعده ولده أبو طالب فورث تلك المكانة الاجتماعيّة العليّة (2) . وكانت اُسرة أبي طالب أوّل الاُسر التي اجتمع فيها زوجان هاشميّان (3) . تولّى أبو طالب رعاية النبيّ صلى الله عليه و آله الذي فقد أبو يه في طفولته ، ثمّ فقد جدّه (4) . ولمّا بُعث أمين قريش صلى الله عليه و آله لم يدّخر أبو طالب وسعا في دعمه ومؤازرته على ما هو بسبيله في مسيرته الجهادية الشاقّة . وآمن به أرسخ الإيمان (5) ، وأصحر بذلك في شِعره (6) . وكانت منزلته الاجتماعيّة السامية بين قريش وأهل مكّة ، ودعمه السخيّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حائلَين أصليّين دون وصول الأذى إليه صلى الله عليه و آله من قريش (7) . رافقه في حصار الشِّعب ، وتحمّل مصائب المقاطعة الاقتصاديّة على كبر سنّه ، ولم يتنازل عن معاضدته ومواساته (8) .
.
ص: 53
وكان له حقّ عظيم على الإسلام والمسلمين في غربة الدين يومئذٍ . وبعد خروجه من الشعب فارق الحياة حميدا . ففقد النبيّ صلى الله عليه و آله بوفاته ووفاة خديجة عليهماالسلامعضدَين وفيّين مضحّيين . واشتدّ أذى قريش وتعذيبها للمؤمنين عقب ذلك (1) .
كمال الدين عن الأصبغ بن نباتة : سَمِعتُ أميرَ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ :وَاللّهِ ما عَبَدَ أبي ولا جَدّي عَبدُ المُطَّلِبِ ولا هاشِمٌ ولا عَبدُ مَنافٍ صَنَماً قَطُّ ! قيلَ لَهُ : فَما كانوا يَعبُدونَ ؟ قالَ : كانوا يُصَلّونَ إلَى البَيتِ عَلى دينِ إبراهيمَ عليه السلام ، مُتَمَسِّكينَ بِهِ (2) .
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أبا طالِبٍ أظهَرَ الكُفرَ وأسَرَّ الإِيمانَ . فَلَمّا حَضَرَتهُ الوَفاةُ أوحَى اللّهُ _ عزّ وجلّ _ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اُخرُج مِنها ؛ فَلَيسَ لَكَ بِها ناصِرٌ . فَهاجَرَ إلَى المَدينَةِ (3) .
عنه عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يُعجِبُهُ أن يُروى شِعرُ أبي طالِبٍ وأن يُدَوَّنَ ، وقالَ : تَعَلَّموهُ وعَلِّموهُ أولادَكُم ؛ فَإِنَّهُ كانَ عَلى دينِ اللّهِ ، وفيهِ عِلمٌ كَثيرٌ (4) .
شرح نهج البلاغة :مَن قَرَأَ عُلومَ السِّيَرِ عَرَفَ أنَّ الإِسلامَ لَولا أبو طالِبٍ لَم يَكُن شَيئا مَذكورا (5) .
إيمان أبي ط_الب عن عليّ بن محمّد الص_وفي العل_وي العمري :أنشَدَني أبو عَبدِ اللّهِ ابنُ منعية الهاشِمِيُّ (6) _ مُعَلِّمي بِالبَصرَةِ _ لِأَبي طالِبٍ : لَقَد أكرَمَ اللّهُ النَّبِيَّ مُحَمَّدا فَأَكرَمُ خَلقِ اللّهِ فِي النّاسِ أحمَدُ وشَقَّ لَهُ مِنِ اسمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو العَرشِ مَحمودٌ وهذا مُحَمَّدٌ (7)
.
ص: 54
إيمان أبي طالب عن ضوء بن صلصال :كُنتُ أنصُرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله مَعَ أبي طالِبٍ قَبلَ إسلامي ، فَإِنّي يَوما لَجالِسٌ بِالقُربِ مِن مَنزِلِ أبي طالِبٍ في شِدَّةِ القَيظِ ، إذ خَرَجَ أبو طالِبٍ إلَيَّ شَبيها بِالمَلهوفِ ، فَقالَ لي : يا أبَا الغَضَنفَرِ ، هَل رَأَيتَ هذَينِ الغُلامَينِ ؟ _ يَعنِي النَّبِيَّ وعَلِيّا صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما _ فَقُلتُ : ما رَأَيتُهُما مُذ جَلَستُ ، فَقالَ : قُم بِنا فِي الطَّلَبِ لَهُما ؛ فَلَستُ آمَنُ قُرَيشا أن تَكونَ اغتالَتهُما . قالَ : فَمَضَينا حَتّى خَرَجنا مِن أبياتِ مَكَّةَ ، ثُمَّ صِرنا إلى جَبَلٍ مِن جِبالِها فَاستَرقَيناهُ إلى قُلَّتِهِ ، فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وعَلِيٌّ عليه السلام عَن يَمينِهِ وهُما قائِمانِ بِإِزاءِ عَينِ الشَّمسِ يَركَعانِ ويَسجُدانِ . قالَ : فَقالَ أبو طالِبٍ لِجَعفَرٍ ابنِهِ : صَلِّ جَناحَ ابنِ عَمِّكَ ، فَقامَ إلى جَنبِ عَلِيٍّ ، فَأَحَسَّ بِهِمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَتَقَدَّمَهُما ، وأقبَلوا عَلى أمرِهِم حَتّى فَرَغوا مِمّا كانوا فيهِ ، ثُمَّ أقبَلوا نَحوَنا ، فَرَأَيتُ السُّرورَ يَتَرَدَّدُ في وَجهِ أبي طالِبٍ ، ثُمَّ انبَعَثَ يَقولُ : إنَّ عَلِيّا وجَعفَراً ثِقَتي عِندَ مُلِمِّ الزَّمانِ وَالنُّوَبِ لا تَخذُلا وَانصُرَا ابنَ عَمِّكُما أخي لِاُمّي مِن بَينِهِم وأبي وَاللّهِ لا أخذُلُ النَّبِيَّ ولا يَخذُلُهُ مِن بَنِيَّ ذو حَسَبٍ (1)
الفصول المختارة_ في ذِكرِ ما جَرى في شِعبِ أبي طالِبٍ _: لَمّا نامَتِ العُيونُ ، جاء
.
ص: 55
أبو طالِبٍ ومَعَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَأَقامَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأضجَعَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام مَكانَهُ ، فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : يا أبَتاهُ ، إنّي مَقتولٌ ، فَقالَ أبو طالِبٍ : اِصبِرَن يا بُنَيَّ فَالصَّبرُ أحجى كُلُّ حَيٍّ مَصيرُهُ لِشَعوبَ قَد بَذَلناكَ وَالبَلاءُ شَديدٌ لِفِداءِ النَّجيبِ وَابنِ النَّجيبِ لِفِداءِ الأَغَرِّ ذِي الحَسَبِ الثّا قِبِ وَالباعِ وَالفَناءِ الرَّحيبِ إن تُصِبكَ المَنونُ فَالنَّبلُ يُبرى فَمُصيبٌ مِنها وغَيرُ مُصيبٍ كُلُّ حَيٍّ وإن تَمَلّى بِعَيشٍ آخِذٌ مِن سِهامِها بِنَصيبٍ قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أ تَأمُرُني بِالصَّبرِ في نَصرِ أحمَدَ ووَاللّهِ ما قُلتُ الَّذي قُلتُ جازِعاً ولكِنَّني أحبَبتُ إظهارَ نُصرَتي وتَعلَمُ أنّي لَم أزَل لَكَ طائِعاً وسَعيي لِوَجهِ اللّهِ في نَصرِ أحمَدَ نَبِيِّ الهُدَى المَحمودِ طِفلاً ويافِعاً (1)
الكافي عن إسحاق بن جعفر عن الإمام الصادق عليه السلام :قيلَ لَهُ : إِنَّهُم يَزعُمونَ أنَّ أبا طالِبٍ كانَ كافِرا ؟ فَقالَ : كَذَبوا ، كَيفَ يَكونُ كافِراً وهُوَ يَقولُ : أ لَم تَعلَموا أنّا وَجَدنا مُحَمَّدا نَبِيّا كَموسى خُطَّ في أوَّلِ الكُتبِ وفي حَديثٍ آخَرَ : كَيفَ يَكونُ أبو طالِبٍ كافِرا وهُوَ يَقولُ : لَقَد عَلِموا أنَّ ابنَنا لا مُكَذَّبٌ لَدَينا ولا يَعبَأُ بِقِيلِ الأَباطِلِ وأبيَضُ يُستَسقَى الغَمامُ بِوَجهِهِ ثِمالُ اليَتامى عِصمَةٌ لِلأَرامِلِ (2)
.
ص: 56
إيمان أبي طالب عن الحسن بن جمهور العمي يرفعه :قيلَ لِتَأَبَّطَ شَرّا الشّاعِرِ _ وَاسمُهُ ثابِتُ بنُ جابِرٍ _ : مَن سَيِّدُ العَرَبِ ؟ فَقالَ : اُخبِرُكُم : سَيِّدُ العَرَبِ أبو طالِبِ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ . وقيلَ لِلأَحنَفِ بنِ قَيسٍ التَّميمِيِّ (1) : مِن أينَ اقتَبَستَ هذِهِ الحِكَمَ ، وتَعَلَّمتَ هذَا الحِلمَ ؟ قالَ : مِن حَكيمِ عَصرِهِ وحَليمِ دَهرِهِ ؛ قَيسِ بنِ عاصِمٍ المِنقَرِيِّ 2 . ولَقَد قيلَ لِقَيسٍ : حِلمَ مَن رَأَيتَ فَتَحَلَّمتَ ؟ وعِلمَ مَن رَوَيتَ فَتَعَلَّمتَ ؟فَقالَ : مِنَ الحَليمِ الَّذي لَم تُحَلَّ قَطُّ حَبوَتُهُ ، وَالحَكيمِ الَّذي لَم تَنفَد قَطُّ حِكمَتُهُ ؛ أكثَمَ بنِ صَيفِيٍّ التَّميمِيِّ (2) . ولَقَد قيلَ لِأَكثَمَ : مِمَّن تَعَلَّمتَ الحِكَمَ وَالرِّئاسَةَ وَالحِلمَ وَالسِّياسَةَ ؟ فَقالَ : مِن حَليفِ الحِلمِ وَالأَدَبِ ، سَيِّدِ العَجَم
.
ص: 57
وَالعَرَبِ ؛ أبي طالِبِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ (1) .
راجع : كتاب «بحار الأنوار» : ج 35 ص 68 ، نسبه وأحوال والديه . كتاب «إيمان أبي طالب» لفخّار بن معد . كتاب «الغدير» : ج 7 ص 445 _ 550 .
1 / 3الاُمُّفاطمة بنت أسد ، وكانت امرأة لبيبة ، صلبة العقيدة ، فتيّة القلب ، بَرّة ، مبجَّلة . احتضنت النبيّ صلى الله عليه و آله في طفولته (2) ، فكان يحبّها حبّا شديدا ، حتى قال فيها : «كانَت اُمّي بَعدَ اُمِّي الَّتي وَلَدَتني» (3) . وكان يُثني على حنانها وشفقتها عليه قائلاً : «إنَّهُ لَم يَكُن أحَدٌ بَعدَ أبي طالِبٍ أبَرَّ بي مِنها» (4) . وكانت أوّل امرأة بايعت النبيّ صلى الله عليه و آله (5) . وهاجرت إلى المدينة مع عليّ وفاطمة عليهماالسلاممشيا على الأقدام . ولمّا توفّيت هذه المرأة العظيمة كفّنها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقميصه (6) ، وشارك في تشييعها ، وصلّى عليها ، ثمّ وضعها في قبرها بعدما اضطجع فيه (7) .
.
ص: 58
وكان عليّ عليه السلام رابع ولدٍ لهذين الوجهين المتألِّقين في التاريخ الإسلامي ، إذ زيّن حياتهما بهاءً وسناءً بعد طالب وعقيل وجعفر (1) .
فضائل الصحابة عن مصعب الزبيري :إنَّ اُمَّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فاطِمَةُ بِنتُ أسَدِ بنِ هاشِمِ بنِ عَبدِ مَنافِ بنِ قُصَيٍّ . وهِيَ أوَّلُ هاشِمِيَّةٍ وَلَدَت هاشِمِيّا . وهاجَرَت إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وماتَت ، وشَهِدَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله (2) .
المناقب لابن شهر آشوب :خَطَبَ أبو طالِبٍ في نِكاحِ فاطِمَةَ بِنتِ أسَدٍ : الحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ رَبِّ العَرشِ العَظيمِ ، وَالمَقامِ الكَريمِ ، وَالمَشعَرِ وَالحَطيمِ ، الَّذِي اصطَفانا أعلاما وسَدَنَةً ، وعُرَفاءَ وخُلَصاءَ ، وحَجَبَةً بَهاليلَ (3) ، أطهار[ا ]مِنَ الخَنا (4) وَالرَّيبِ ، وَالأَذى وَالعَيبِ ، وأقامَ لَنَا المَشاعِرَ ، وفَضَّلَنا عَلَى العَشائِرِ ، نُخَبَ آلِ إبراهيمَ وصَفوَتَهُ ، وزَرعَ إسماعيلَ _ في كَلامٍ لَهُ _ . ثُمَّ قالَ : وقَد تَزَوَّجتُ بِنتَ أسَدٍ ، وسُقتُ المَهرَ ، ونَفَّذتُ الأَمرَ ، فَاسأَلوهُ وَاشهَدوا . فَقالَ أسَدٌ : زَوَّجناكَ ورَضينا بِكَ (5) .
الكافي عن عبد اللّه بن مسكان عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ فاطِمَةَ بِنتَ أسَدٍ جاءَت إلى
.
ص: 59
أبي طالِبٍ لِتُبَشِّرَهُ بِمَولِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ أبو طالِبٍ : اِصبِري سَبتا اُبَشِّركِ بِمِثلِهِ إلَا النُّبُوَّةَ . وقالَ : السَّبتُ ثَلاثونَ سَنَةً ، وكانَ بَينَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ثَلاثونَ سَنَةً (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا ماتَت فاطِمَةُ بِنتُ أسَدِ بنِ هاشِمٍ ، كَفَّنَهَا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في قَميصِهِ ، وصَلّى عَلَيها ، وكَبَّرَ عَلَيها سَبعينَ تَكبيرَةً ، ونَزَلَ في قَبرِها ؛ فَجَعَلَ يومي في نَواحِي القَبرِ كَأَنَّهُ يُوَسِّعُهُ ويُسَوّي عَلَيها ، وخَرَجَ مِن قَبرِها وعَيناهُ تَذرِفانِ ، وحَثا (2) في قَبرِها . فَلَمّا ذَهَبَ قالَ لَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : يا رَسولَ اللّهِ ، رَأَيتُكَ فَعَلتَ عَلى هذِهِ المَرأَةِ شَيئا لَم تَفعَلهُ عَلى أحَدٍ ! فَقالَ : يا عُمَرُ ، إنَّ هذِهِ المَرأَةَ كانَت اُمّي [بَعدَ اُمِّي] (3) الَّتي وَلَدَتني ، إنَّ أبا طالِبٍ كانَ يَصنَعُ الصَّنيعَ ، وتَكونُ لَهُ المَأدُبَةُ ، وكانَ يَجمَعُنا عَلى طَعامِهِ ، فَكانَت هذِهِ المَرأَةُ تُفضِلُ مِنهُ كُلِّهُ نَصيبا ، فَأَعودُ فيهِ ، وإنَّ جِبريلَ عليه السلام أخبَرَني عَن رَبّي عزّ وجلّ أ نَّها مِن أهلِ الجَنَّةِ ، وأخبَرَني جِبريلُ عليه السلام أنَّ اللّهَ تَعالى أمَرَ سَبعينَ ألفا مِنَ المَلائِكَةِ يُصَلّونَ عَلَيها (4) .
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ فاطِمَةَ بِنتَ أسَدٍ اُمَّ أميرِ المُؤمِنينَ كانَت أوَّلَ امرَأَةٍ هاجَرَت إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن مَكَّةَ إلَى المَدينَةِ عَلى قَدَمَيها . وكانَت مِن أبَرِّ النّاسِ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَسَمِعَت رَسولَ اللّهِ وهُوَ يَقولُ : إنَّ النّاسَ يُحشَرونَ يَومَ القِيامَةِ عُراة
.
ص: 60
كَما وُلِدوا ، فَقالَت : وا سَوأَتاه ! فَقالَ لَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَإِنّي أسأَلُ اللّهَ أن يَبعَثَكِ كاسِيَةً . وسَمِعَتهُ يَذكُرُ ضَغطَةَ القَبرِ ، فَقالَت : وَا ضَعفاه ! فَقالَ لَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَإِنّي أسأَلُ اللّهَ أن يَكفِيَكِ ذلِكَ . وقالَت لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوما : إنّي اُريدُ أن اُعتِقَ جارِيَتي هذِهِ ، فَقالَ لَها : إن فَعَلتِ أعتَقَ اللّهُ بِكُلِّ عُضوٍ مِنها عُضوا مِنكِ مِنَ النّارِ . فَلَمّا مَرِضَت أوصَت إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأمَرَت أن يُعتِقَ خادِمَها ، وَاعتَقَلَ لِسانُها ، فَجَعَلَت تومي إلى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إيماءً ، فَقَبِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَصِيَّتَها . فَبَينَما هُوَ ذاتَ يَومٍ قاعِدٌ إذ أتاهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وهُوَ يَبكي ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما يُبكيكَ ؟ فَقالَ : ماتَت اُمّي فاطِمَةُ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ : واُمّي وَاللّهِ ! وقامَ مُسرِعا حَتّى دَخَلَ ، فَنَظَرَ إلَيها وبَكى . ثُمَّ أمَرَ النِّساءَ أن يُغَسِّلنَها ، وقالَ صلى الله عليه و آله : إذا فَرَغتُنَّ فَلا تُحْدِثنَ شَيئا حَتّى تُعلِمنَني ، فَلَمّا فَرَغنَ أعلَمنَهُ بِذلِكَ ، فَأَعطاهُنَّ أحَدَ قَميصَيهِ الَّذي يَلي جَسَدَهُ وأمَرَهُنَّ أن يُكَفِّنَّها فيهِ ، وقالَ لِلمُسلِمينَ : إذا رَأَيتُموني قَد فَعَلتُ شَيئا لَم أفعَلهُ قَبلَ ذلِكَ فَسَلوني : لِمَ فَعَلتُهُ ؟ فَلَمّا فَرَغنَ مِن غُسلِها وكَفنِها ، دَخَلَ صلى الله عليه و آله فَحَمَلَ جِنازَتَها عَلى عاتِقِهِ ، فَلَم يَزَل تَحتَ جِنازَتِها حَتّى أورَدَها قَبرَها ، ثُمَّ وَضَعَها ودَخَلَ القَبرَ فَاضطَجَعَ فيهِ ، ثُمَّ قامَ فَأَخَذَها عَلى يَدَيهِ حَتّى وَضَعَها فِي القَبرِ ، ثُمَّ انكَبَّ عَلَيها طَويلاً يُناجيها . . . (1) .
.
ص: 61
ص: 62
قال العلّامة الأميني في مولد الإمام عليه السلام وفي فضيلته التي لا بديل لها : «وهذِهِ حَقيقَةٌ ناصِعَةٌ أصفَقَ عَلى إثباتِهَا الفَريقانِ ، وتَضافَرَت بِهَا الأَحاديثُ ، وطَفَحَت بِها الكُتُبُ ، فَلا نَعبَأُ بِجَلَبَةِ رُماةِ القَولِ عَلى عَواهِنِهِ بَعدَ نَصِّ جَمعٍ مِن أعلامِ الفَريقَينِ عَلى تَواتُرِ حَديثِ هذِهِ الأَثارَةِ» (1) .
المستدرك على الصحيحين :قَد تَواتَرَتِ الأَخبارُ أنَّ فاطِمَةَ بِنتَ أسَدٍ وَلَدَت أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام في جَوفِ الكَعبَةِ (2) .
روضة الواعظين عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَن ميلادِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالَ : آهِ ، آهِ ! لَقَد سَأَلتَني عَن خَيرِ مَولودٍ وُلِدَ بَعدي عَلى سُنَّةِ المَسيحِ عليه السلام ؛ إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَني وعَلِيّا مِن نورٍ واحِدٍ . . . ثُمَّ نَقَلَنا مِن صُلبِهِ [ آدَمَ عليه السلام ] فِي الأَصلابِ الطّاهِراتِ إلَى الأَرحامِ الطَّيِّبَةِ ، فَلَم نَزَل كَذلِكَ حَتّى أطلَعَنِي اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى مِن ظَهرٍ طاهِرٍ وهُوَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَاستَودَعَني خَيرَ رَحِمٍ وهِيَ آمَنَةُ ، ثُمَّ أطلَعَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى عَلِيّا مِن ظَهرٍ طاهِرٍ وهُوَ أبو طالِبٍ، وَاستَودَعَهُ خَيرَ رَحِمٍ وهِيَ فاطِمَةُ بِنتُ أسَدٍ (3) .
الإرشاد :وُلِدَ بِمَكَّةَ فِي البَيتِ الحَرامِ ، يَومَ الجُمُعَةِ الثّالِثَ عَشَرَ مِن رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاثين
.
ص: 63
مِن عامِ الفيلِ . ولَم يُولَد قَبلَهُ ولا بَعدَهُ مَولودٌ في بَيتِ اللّهِ تَعالى سِواهُ ؛ إكراما مِنَ اللّهِ تَعالى لَهُ بِذلِكَ ، وإجلالاً لِمَحَلِّهِ فِي التَّعظيمِ (1) .
علل الشرائع عن سعيد بن جبير :قالَ يَزيدُ بنُ قَعنَبٍ : كُنتُ جالِسا مَعَ العَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ وفَريقٍ مِن عَبدِ العُزّى بِإِزاءِ البَيتِ الحَرامِ ، إذ أقبَلَت فاطِمَةُ بِنتُ أسَدٍ اُمُّ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وكانَت حامِلَةً بِهِ تِسعَةَ أشهُرٍ وقَد أخَذَهَا الطَّلقُ ، فَقالَت : رَبِّ ، إنّي مُؤمِنَةٌ بِكَ وبِما جاءَ مِن عِندِكَ مِن رُسُلٍ وكُتُبٍ ، وإنّي مُصَدِّقَةٌ بِكَلامِ جَدّي إبراهيمَ الخَليلِ عليه السلام وإنَّهُ بَنَى البَيتَ العَتيقَ ، فَبِحَقِّ الَّذي بَنى هذَا البَيتَ ، وبِحَقِّ المَولودِ الَّذي في بَطني ، لَمّا يَسَّرتَ عَلَيَّ وِلادَتي . قالَ يَزيدُ بنُ قَعنَبٍ : فَرَأَينَا البَيتَ وقَدِ انفَتَحَ عَن ظَهرِهِ ، ودَخَلَت فاطِمَةُ وغابَت عَن أبصارِنا ، وَالتَزَقَ الحائِطُ ، فَرُمنا أن يَنفَتِحَ لَنا قُفلُ البابِ فَلَم يَنفَتِح ، فَعَلِمنا أنَّ ذلِكَ أمرٌ مِن أمرِ اللّهِ تَعالى . ثُمَّ خَرَجَت بَعدَ الرّابِعِ وبِيَدِها أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، ثُمَّ قالَت : إنّي فُضِّلتُ عَلى مَن تَقَدَّمَني مِنَ النِّساءِ ؛ لِأَنَّ آسِيَةَ بِنتَ مُزاحِمٍ عَبَدَتِ اللّهَ سِرّا في مَوضِعٍ لا يُحِبُّ أن يُعبَدَ اللّهُ فيهِ إلَا اضطِرارا ، وأنَّ مَريَمَ بِنتَ عِمرانَ هَزَّتِ النَّخلَةَ اليابِسَةَ بِيَدِها حَتّى أكَلَت مِنها رُطَبا جَنِيّا ، وإنّي دَخَلتُ بَيتَ اللّهِ الحَرامَ وأكَلتُ مِن ثِمارِ الجَنَّةِ وأرزاقِها (2) .
.
ص: 64
الإمام الباقر عن الإمام زين العابدين عليهماالسلام :كُنتُ جالِسا مَعَ أبي ونَحنُ زائِرونَ قَبرَ جَدِّنا صلى الله عليه و آله وهُناكَ نِسوانٌ كَثيرَةٌ ، إذ أقبَلَتِ امرَأَةٌ مَنهُنَّ ، فَقُلتُ لَها : مَن أنتِ يَرحَمُكِ اللّهُ ؟ قالَت : أنَا زَيدَةُ بِنتُ قَريبَةَ بنِ العَجلانِ مِن بَني ساعِدَةَ ، فَقُلتُ لَها : فَهَل عِندَكِ شَيءٌ تُحَدِّثينا ؟ فَقالَت : إي وَاللّهِ ؛ حَدَّثَتني اُمّي اُمُّ عُمارَةَ بِنتُ عُبادَةَ بنِ نَضلَةَ بنِ مالِكِ بنِ العَجلانِ السّاعِدِيِّ أ نَّها كانَت ذاتَ يَومٍ في نِساءٍ مِنَ العَرَبِ ، إذ أقبَلَ أبو طالِبٍ كَئيبا حَزينا ، فَقُلتُ لَهُ : ما شَأنُكَ يا أبا طالِبٍ ؟ قالَ : إنَّ فاطِمَةَ بِنتَ أسَدٍ في شِدَّةِ المَخاضِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَيهِ عَلى وَجهِهِ . فَبَينا هُوَ كَذلِكَ ، إذ أقبَلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ لَهُ : ما شَأنُكَ يا عَمِّ ؟ فَقالَ : إنَّ فاطِمَةَ بِنتَ أسَدٍ تَشتَكِي المَخاضَ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ وجاءَ وهِيَ مَعَهُ ، فَجاءَ بِها إلَى الكَعبَةِ فَأَجلَسَها فِي الكَعبَةِ ، ثُمَّ قالَ : اِجلِسي عَلَى اسمِ اللّهِ ، قالَ : فَطَلِقَت طَلقَةً فَوَلَدَت غُلاما مَسرورا نَظيفا مُنَظَّفا لَم أرَ كَحُسنِ وَجهِهِ ، فَسَمّاهُ أبو طالِبٍ عَلِيّا ، وحَمَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله حَتّى أدّاهُ إلى مَنزِلِها . قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام : فَوَاللّهِ ما سَمِعتُ بِشَيءٍ قَطُّ إلّا وهذا أحسَنُ مِنهُ ! (1)
شرح نهج البلاغة :رُوِيَ أنَّ السَّنَةَ الَّتي وُلِدَ فيها عَلِيٌّ عليه السلام هِيَ السَّنَةُ الَّتي بُدِئَ فيها بِرِسالَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَاُسمِعَ الهُتافَ مِنَ الأَحجارِ وَالأَشجارِ ، وكُشِفَ عَن بَصَرِهِ ، فَشاهَدَ أنوارا وأشخاصا ، ولَم يُخاطَب فيها بِشَيءٍ . وهذِهِ السَّنَةُ هِيَ السَّنَةُ الَّتِي ابتَدَأَ فيها بِالتَّبَتُّلِ وَالاِنقِطاعِ وَالعُزلَةِ في جَبَلِ حِراءَ ، فَلَم يَزَل بِهِ حَتّى كُوشِفَ بِالرِّسالَةِ ، واُنزِلَ عَلَيهِ الوَحيُ .
.
ص: 65
وكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَتَيَمَّنُ بِتِلكَ السَّنَةِ وبِوِلادَةِ عَلِيٍّ عليه السلام فيها ، ويُسَمّيها سَنَةَ الخَيرِ وسَنَةَ البَرَكَةِ . وقالَ لِأَهلِهِ لَيلَةَ وِلادَتِهِ _ وفيها شاهَدَ ما شاهَدَ مِنَ الكَراماتِ وَالقُدرَةِ الإِلهِيَّةِ ، ولَم يَكُن مِن قَبلِها شاهَدَ مِن ذلِكَ شَيئا _ : «لَقَد وُلِدَ لَنَا اللَّيلَةَ مَولودٌ يَفتَحُ اللّهُ عَلَينا بِهِ أبوابا كَثيرَةً مِنَ النِّعمَةِ والرَّحمَةِ» . وكانَ كَما قالَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ؛ فَإِنَّهُ عليه السلام كانَ ناصِرَهُ ، وَالمُحامِيَ عَنهُ ، وكاشِفَ الغَمّاءِ عَن وَجهِهِ ، وبِسَيفِهِ ثَبَتَ دينُ الإِسلامِ ، ورَسَت دَعائِمُهُ ، وتَمَهَّدَت قَواعِدُهُ (1) .
ديوان السيّد الحميري_ مِن قَصيدَةٍ لَهُ في وِلادَةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: وَلَدَتهُ في حَرَمِ الإِلهِ وأمنِهِ وَالبيتُ حَيثُ فَناؤُهُ وَالمَسجِدُ بَيضاءُ طاهِرَةُ الثِّيابِ كَريمَةٌ طابَت وطابَ وَليدُها وَالمَولِدُ في لَيلَةٍ غابَت نُحوسُ نُجومِها وبَدَت مَعَ القَمَرِ المُنيرِ الأَسعَدُ ما لُفَّ في خِرَقِ القَوابِلِ مِثلُهُ إلَا ابنُ آمِنَةَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ (2)
راجع : كتاب «الغدير» : ج 6 ص 22 _ 38 .
1 / 5الأَسماءُلمّا ولد الإمام عليه السلام ، اختارت له اُمّه فاطمة بنت أسد اسم «حيدرة» (3) تيمّنا باسم أبيها «أسد» ، ثمّ اتّفقت هي وأبو ه _ وبإلهام ربّاني _ على تسميته «عليّا» (4) .
.
ص: 66
وكانت له أسماء اُخرى أيضا ستأتي في سياق النصوص التاريخيّة والروائيّة لهذا الفصل .
علل الشرائع عن فاطمة بنت أسد :إنّي دَخَلتُ بَيتَ اللّهِ الحَرامَ ، وأكَلتُ مِن ثِمارِ الجَنَّةِ وأرزاقِها ، فَلَمّا أرَدتُ أن أخرُجَ هَتَفَ بي هاتِفٌ : يا فاطِمَةُ ! سَمّيهِ عَلِيّا ، فَهُوَ عَلِيٌّ ، وَاللّهُ العَلِيُّ الأَعلى يَقولُ : إنّي شَقَقتُ اسمَهُ مِنِ اسمي ، وأدَّبتُهُ بِأَدَبي ، ووَقَفتُهُ عَلى غامِضِ عِلمي ، وهُوَ الَّذي يُكَسِّرُ الأَصنامَ في بَيتي ، وهُوَ الَّذي يُؤَذِّنُ فَوقَ ظَهرِ بَيتي ، ويُقَدِّسُني ويُمَجِّدُني ، فَطوبى لِمَن أحَبَّهُ وأطاعَهُ ، ووَيلٌ لِمَن عَصاهُ وأبغَضَهُ (1) .
ينابيع المودّة عن العبّاس بن عبد المطّلب :لَمّا وَلَدَت فاطِمَةُ بِنتُ أسَدٍ عَلِيّا سَمَّتهُ بِاسمِ أبيها (2) أسَدٍ ، ولَم يَرضَ أبو طالِبٍ بِهذا ، فَقالَ : هَلُمَّ حَتّى نَعلُوَ أبا قُبَيسٍ لَيلاً ، ونَدعُوَ خالِقَ الخَضراءِ ، فَلَعَلَّهُ أن يُنبِئَنا فِي اسمِهِ . فَلَمّا أمسَيا ، خَرَجا وصَعِدا أبا قُبَيسٍ ودَعَيَا اللّهَ تَعالى ، فَأَنشَأَ أبو طالِبٍ شِعرا : يا رَبَّ الغَسَقِ الدَّجِيِّ وَالفَلَقِ المُبتَلِجِ المُضِيِّ بَيِّن لَنا عَن أمرِكَ المَقضِيِّ بِما نُسَمّي ذلِكَ الصَّبِيَّ فَإِذا خَشخَشَةٌ مِنَ السَّماءِ ، فَرَفَعَ أبو طالِبٍ طَرفَهُ ، فَإِذا لَوحٌ مِثلُ زَبَرجَدٍ أخضَرُ فيهِ أربَعَةُ أسطُرٍ ، فَأَخَذَهُ بِكِلتا يَدَيهِ وضَمَّهُ إلى صَدرِهِ ضَمّا شَديدا ، فَإِذا مَكتوبٌ : خُصِّصتُما بِالوَلَدِ الزَّكِيِّ وَالطّاهِرِ المُنتَجَبِ الرَّضِيِّ وَاسمُهُ مِن قاهِرٍ العَلِيِّ (3) عَلِيٌّ اشتُقَّ مِنَ العَلِيِّ
.
ص: 67
فَسُرَّ أبو طالِبٍ سُرورا عَظيما ، وخَرَّ ساجِدا للّهِِ تَبارَكَ وتَعالى ، وعَقَّ بِعَشَرَةٍ مِنَ الإِبِلِ . وكانَ اللَّوحُ مُعَلَّقا في بَيتِ [اللّهِ] (1) الحَرامِ يَفتَخِرُ بِهِ بَنو هاشِمٍ عَلى قُرَيشٍ ، حَتّى غابَ زَمانَ قِتالِ الحَجّاجِ ابنَ الزُّبَيرِ (2) .
الإمام زين العابدين عليه السلام :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ جالِسا وعِندَهُ عَلِيٌّ وفاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهم السلام ، فَقالَ : وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ بَشيرا ، ما عَلى وَجهِ الأَرضِ خَلقٌ أحَبَّ إلَى اللّهِ عزَّ وجَلَّ ولا أكرَمَ عَلَيهِ مِنّا . إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى شَقَّ لِيَ اسماً مِن أسمائِهِ ؛ فَهُوَ مَحمودٌ وأنَا مُحَمَّدٌ ، وشَقَّ لَكَ يا عَلِيُّ اسماً مِن أسمائِهِ ؛ فَهُوَ العَلِيُّ الأَعلى وأنتَ عَلِيٌّ . . . (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا اسمي فِي الإِنجيلِ إليا، وفِي التَّوراةِ بريء، وفِي الزَّبورِ أريّ، وعِندَ الهِندِ كبكر، وعِندَ الرّومِ بطريسا، وعِندَ الفُرسِ جبتر، وعِندَ التُّركِ بثير، وعِندَ الزَّنجِ حيتر ، وعِندَ الكَهَنَةِ بويء ، وعِندَ الحَبَشَةِ بثريك ، وعِندَ اُمّي حَيدَرَةُ ، وعِندَ ظِئري مَيمونٌ ، وعِندَ العَرَبِ عَلِيٌّ ، وعِندَ الأَرمَنِ فَريقٌ ، وعِندَ أبي ظَهيرٌ (4) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ ، يُنادونَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ بِسَبعَةِ أسماءَ : يا صِدّيقُ ، يا دالُّ ، يا عابِدُ ، يا هادي ، يا مَهدِيُّ ، يا فتى ، يا عَلِيُّ ؛ اُدخُل أنتَ وشيعَتُكَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ (5) .
.
ص: 68
شرح نهج البلاغة :كانَ اسمُهُ الأَوَّلُ الَّذي سَمَّتهُ بِهِ اُمُّهُ : حَيدَرَةَ ، بِاسمِ أبيها أسَدِ بنِ هاشِمٍ _ وَالحَيدَرَةُ : الأَسَدُ _ فَغَيَّرَ أبوهُ اسمَهُ ، وسَمّاهُ عَلِيّا . وقيلَ : إنَّ حَيدَرَةَ اسمٌ كانَت قُرَيشٌ تُسَمّيهِ بِهِ . وَالقَولُ الأَوَّلُ أصَحُّ ؛ يَدُلَّ عَلَيهِ خَبَرُهُ يَومَ بَرَزَ إلَيهِ مَرحَبٌ ، وَارتَجَزَ عَلَيهِ فَقالَ : أنَا الَّذي سَمَّتني اُمّي مَرحَبا فَأَجابَهُ عليه السلام رَجَزا : أنا الَّذي سَمَّتني اُمّي حَيدَرَةَ 1
1 / 6الكُنىكانت لأمير المؤمنين عليه السلام كنى عديدة ، أشهرها : أبو الحسن (1) ، وثمّة كنى اُخرى
.
ص: 69
ذُكرت له عليه السلام ، منها : أبو الحسين ، وأبو السبطين (1) ، وأبو الريحانتين (2) ، وأبو تراب ، وإن كان التعريف الاصطلاحي للكنية لا ينطبق على بعضها . ويتراءى من الروايات أنّ كنية «أبو تراب» كانت أحبّ الكنى إليه عليه السلام ، وأ نّه كان يُسرّ إذا نودي بها ؛ لاُمور منها : أ نّه كان يجد فيها نوعا من التواضع والتذلّل للّه سبحانه . ومنها : أ نّها كانت تذكّره بملاطفة النبيّ صلى الله عليه و آله معه في غزوة ذات العشيرة حيث كان متوسّداً التراب بصحبة عمّار بن ياسر وقد أصابه شيء منه ، ولذا كان له عليه السلام انشداد وتعلّق خاصّ بتلك الكنية .
الإمام عليّ عليه السلام :كانَ الحَسَنُ في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَدعوني أبَا الحُسَينِ ، وكانَ الحُسَينُ يَدعوني أبَا الحَسَنِ ، ويَدعُوانِ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أباهُما . فَلَمّا تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله دَعَواني بِأَبيهِما (3) .
عنه عليه السلام :ما سَمّانِي الحَسَنُ وَالحُسَينُ يا أبَةِ حَتّى تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، كانا يَقولانِ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أبَةِ ، وكانَ الحَسَنُ يَقولُ لي : يا أبَا الحُسَينِ ، وكانَ الحُسَينُ يَقولُ لي : يا أبَا الحَسَنِ (4) .
الطبقات الكبرى_ في ذِكرِ غَزوَةِ ذِي العُشَيرَةِ _: بِذِي العُشَيرَةِ كَنى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله
.
ص: 70
عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أبا تُرابٍ ؛ وذلِكَ أ نَّهُ رَآهُ نائِما مُتَمَرِّغا فِي البَوغاءِ (1) فَقالَ : اِجلِس ، أبا تُرابٍ ، فَجَلَسَ (2) .
مسند ابن حنبل عن عمّار بن ياسر :كُنتُ أنَا وعَلِيٌّ رَفيقَينِ في غَزوَةِ ذاتِ العُشَيرَةِ ، فَلَمّا نَزَلَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأقامَ بِها رَأَينا ناسا مِن بَني مُدلِجٍ يَعمَلونَ في عَينٍ لَهُم في نَخلٍ ، فَقالَ لي عَلِيٌّ : يا أبَا اليَقظانِ ، هَل لَكَ أن نَأتِيَ هؤُلاءِ فَنَنظُرَ كَيفَ يَعمَلونَ ؟ فَجِئناهُم فَنَظَرنا إلى عَمَلِهِم ساعَةً ، ثُمَّ غَشِيَنَا النَّومُ ، فَانطَلَقتُ أنَا وعَلِيٌّ فَاضطَجَعنا في صَورٍ (3) مِنَ النَّخلِ في دَقعاءَ (4) مِنَ التُّرابِ فَنِمنا ، فَوَاللّهِ ما أهَبَّنا (5) إلّا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُحَرِّكُنا بِرِجلِهِ وقَد تَتَرَّبنا مِن تِلكَ الدَّقعاءِ ، فَيَومَئِذٍ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : يا أبا تُرابٍ ؛ لِما يَرى عَلَيهِ مِنَ التُّرابِ . قالَ : أ لا اُحَدِّثُكُما بِأَشقَى النّاسِ رَجُلَينِ ؟ قُلنا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ : اُحَيمِرِ ثَمودَ الَّذي عَقَرَ النّاقَةَ ، وَالَّذي يَضرِبُكَ يا عَلِيُّ عَلى هذِهِ _ يَعني قَرنَهُ _ حَتّى تُبَلَّ مِنهُ هذِهِ _ يَعني لِحيَتَهُ _ (6) .
المعجم الأوسط عن أبي الطفيل :جاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وعَلِيٌّ عليه السلام نائِمٌ فِي التُّرابِ ، فَقالَ : إنَّ أحَق
.
ص: 71
أسمائِكَ أبو تُرابٍ ، أنتَ أبو تُرابٍ ! (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ أ نَّهُ كانَ يَقولُ _: إنّا كُنّا نَمدَحُ عَلِيّا إذا قُلنا لَهُ أبا تُرابٍ (2) .
صحيح مسلم عن أبي حازم عن سهل بن سعد :اُستُعمِلَ عَلَى المَدينَةِ رَجُلٌ مِن آلِ مَروانَ ، قالَ : فَدَعا سَهلَ بنَ سَعدٍ ، فَأَمَرَهُ أن يَشتُمَ عَلِيّا ، قالَ : فَأَبى سَهلٌ ، فَقالَ لَهُ : أمّا إذ أبَيتَ فَقُل : لَعَنَ اللّهُ أبَا التُّرابِ ، فَقالَ سَهلٌ : ما كانَ لِعَلِيٍّ اسمٌ أحَبَّ إلَيهِ مِن أبِي التُّرابِ ! وإن كانَ لَيَفرَحُ إذا دُعِيَ بِها (3) . (4)
صحيح البخاري عن أبي حازم :إنَّ رَجُلاً جاءَ إلى سَهلِ بنِ سَعدٍ فَقالَ : هذا فُلانٌ _ لِأَميرِ المَدينَةِ _ يَدعو عَلِيّا عِندَ المِنبَرِ . قالَ : فَيَقولُ ماذا ؟ قالَ : يَقولُ لَهُ : أبو تُرابٍ . فَضَحِكَ ؛ قالَ : وَاللّهِ ما سَمّاهُ إلَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ! وما كانَ _ وَاللّهِ _ لَهُ اسمٌ أحَبَّ إلَيهِ مِنهُ ! فَاستَطعَمتُ الحَديثَ سَهلاً ، وقُلتُ : يا أبا عَبّاسٍ ، كَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : دَخَلَ عَلِيٌّ عَلى فاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ ، فَاضطَجَعَ فِي المَسجِدِ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أينَ ابنُ عَمِّكِ ؟ قالَت : فِي المَسجِدِ ، فَخَرَجَ إلَيهِ ، فَوَجَدَ رِداءَهُ قَد سَقَطَ عَن ظَهرِهِ ، وخَلَصَ التُّرابُ إلى ظَهرِهِ ، فَجَعَلَ يَمسَحُ التُّرابَ عَن ظَهرِهِ فَيَقولُ : اِجلِس يا أبا تُرابٍ _ مَرَّتَينِ _ 5 .
.
ص: 72
علل الشرائع عن ابن عمر :بَينا أنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في نَخيلِ المَدينَةِ وهُوَ يَطلُبُ عَلِيّا عليه السلام ، إذَا انتَهى إلى حائِطٍ ، فَاطَّلَعَ فيهِ ، فَنَظَرَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ يَعمَلُ فِي الأَرضِ وقَدِ اغبارَّ ، فَقالَ : ما ألومُ النّاسَ إن يَكنوكَ أبا تُرابٍ ! (1)
تذكرة الخواصّ :أمّا كُنيَتُهُ : فَأَبُو الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، وأبُو القاسِمِ ، وأبو تُرابٍ ، وأبو مُحَمَّدٍ (2) .
1 / 7الأَلقابُإنّ شخصيّة عليّ عليه السلام بحر لا يُدرك غوره ، فهو ذو شخصيّة فذّة ذات أبعاد عظيمة فريدة في التاريخ لا نظير لها . وكان للإمام عليه السلام ألقاب (3) وأوصاف كثيرة يشير كلٌّ منها إلى بعد من تلك الأبعاد العلميّة والعمليّة والثقافيّة والاجتماعيّة والمعنويّة والسياسيّة الرفيعة لشخصيّته عليه السلام . ويعود جُلّها إلى عصر النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ إذ كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يناديه بها. ومن هذه الألقاب : «أعلم الاُمّة» ، «أقضى الاُمّة» ، «أوّل من أسلم» ، «أوّل من صلّى» ، «خير البشر» ، «أمير المؤمنين» ، «إمام المتّقين» ، «قائد الغرّ المحجّلين»، «سيّد المسلمين» ، «سيّد المؤمنين»، «يعسوب المؤمنين» ، «الأنزع البطين»، «عمود
.
ص: 73
الدين» ، «سيّد الشهداء» ، «سيّد العرب» ، «راية الهدى» ، «باب الهدى» ، «حيدر»، «المرتضى» ، «الوليّ» ، «الوصيّ» (1) . وما برح رسول اللّه صلى الله عليه و آله يذكر الإمام عليه السلام بهذه الألقاب . وكان في الحقيقة يمهّد بها لقيادته وزعامته ، والتعريف بمنزلته العظيمة وموقعه المتميّز في القيادة مع تبيين أبعاد شخصيّته عليه السلام ، وذلك من منطلق اهتمامه بمستقبل الاُمّة الإسلاميّة ومهمّة الإمام العظمى في المستقبل المنظور . وإذا لاحظنا ألقاب الإمام عليه السلام نجد أنّ أشهرها لقبان هما :
1 _ أمير المؤمنينوهو خاصّ به عليه السلام ، لا يشاركه به أحد ، كما ليس لامرئٍ أن يخاطَب به البتّةَ . وتدلّ النصوص الروائيّة المتنوّعة _ التي سيأتي قسم منها لاحقا _ على أ نّنا لايحقّ لنا أن نطلقه حتى على الأئمّة عليهم السلام (2) .
2 _ الوصيّوكان مشهورا به في عصر النبوّة نفسه ، وعرفه به القاصي والداني والصديق والعدوّ ، وسنذكر النصوص التاريخيّة والروائيّة الدالّة على هذه الحقيقة . ونكتفي الآن بالإشارة إلى أحدها ، وهي أنّه خرج في معركة الجمل شابٌّ من «بني ضَبَّة» من أصحاب الجمل ، وارتجز يقول : نَحنُ بَني ضَبَّةَ أعداءُ عَلِيٍّ ذاكَ الَّذي يُعرَفُ قِدما بِالوَصِيِّ (3)
.
ص: 74
تاريخ دمشق عن أنس بن مالك :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اُسكُب إلَيَّ ماءً _ أو وَضوءا _ فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى رَكعَتَينِ ، ثُمَّ قالَ : يا أنَسُ ، أوَّلُ مَن يَدخُلُ مِن هذَا البابِ أميرُ المُؤمِنينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ (1) ، سَيِّدُ المُؤمِنينَ ؛ عَلِيٌّ (2) .
الكافي عن عليّ بن أبي حمزة :سَأَلَ أبو بَصيرٍ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام وأنَا حاضِرٌ ، فَقالَ : جُعِلتُ فِداكَ ! كَم عُرِجَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ : مَرَّتَينِ ، فَأَوقَفَهُ جَبرَئيلُ مَوقِفا ، فَقالَ لَهُ : مَكانَكَ يا مُحَمَّدُ ! فَلَقَد وَقَفتَ مَوقِفا ما وَقَفَهُ مَلَكٌ قَطُّ ولا نَبِيٌّ . . . . فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : يا مُحَمَّدُ ! قالَ : لَبَّيكَ رَبّي . قالَ : مَن لِاُمَّتِكَ مِن بَعدِكَ ؟ قالَ : اللّهُ أعلَمُ ! قالَ : عَلِيُّ بن أبي طالِبٍ ، أميرُ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدُ المُسلِمينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، إنَّ اللّهَ عزَّ وجَلَّ قَد غَفَرَ لَكَ ولِأَهلِكَ ولِشيعَتِكَ ولِمُحِبّي شيعَتِكَ ، فَأَبشِر ! فَإِنَّكَ الأَنزَعُ البَطينُ : المَنزوعُ مِنَ الشِّركِ ، البَطينُ مِنَ العِلمِ (4) .
معاني الأخبار عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام :قُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ! لِمَ سُمِّى
.
ص: 75
أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : لِأَ نَّهُ يَمِيرُهُمُ (1) العِلمَ ؛ أ ما سَمِعتَ كِتابَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «وَ نَمِيرُ أَهْلَنَا» (2) ؟ ! (3)
الفصول المهمّة :أمّا لَقَبُهُ : فَالمُرتَضى ، وحَيدَرٌ ، وأميرُ المُؤمِنينَ ، والأَنزَعُ البَطينُ (4) .
تاج العروس :وَالوَصِيُّ كَغَنِيٍّ : لَقَبُ عَلِيٍّ رضى الله عنه (5) . (6)
1 / 8الشَّمائِلُلم تحمل إلينا النصوص التاريخيّة والحديثيّة شيئا عن ملامح الإمام عليه السلام إبّان ولادته وفي صغره ، ومن هنا فإنّ ما يأتي في هذا المجال يرتبط بملامحه وهندامه أيّام خلافته عليه السلام . وفي ضوء ذلك يتسنّى لنا أن نصفه عليه السلام فنقول : كان عليه السلام رَبْعة من الرجال ؛ إلى القِصَر أقرب وإلى السمن ، من أحسن الناس وجها ، وكأنّ وجهه القمر ليلة البدر حسنا ، كثير التبسُّم ، آدَم اللون يميل إلى السُّمرة ، أدْعَج (7) العينين عظيمهما ، في عينيه لين ، أصلع ، كأنّ عنقه إبريق فضّة ، كَثّ اللحية ، لا يغيّر شيبَه ، عريض ما بين المنكبين ، شَثْن الكفّين (8) ، شديد الساعد واليد ،
.
ص: 76
عريض الصدر ، ذا بطن ، ضخم الكَرادِيس (1) ، ضخم عضلة الذراع والساق دقيقَ مُستدَقّها ، إذا مشى تكفّأ (2) .
الطبقات الكبرى عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ عليهماالسلام ، قُلتُ : ما كانَت صِفَةُ عَلِيٍّ عليه السلام ؟ قالَ : رَجُلٌ آدَمُ شَديدُ الاُدمَةِ ، ثَقيلُ العَينَينِ عَظيمُهُما ، ذو بَطنٍ ، أصلَعُ ، إلَى القِصَرِ أقرَبُ (3) .
الغارات عن قدامة بن عتّاب :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام ضَخمَ البَطنِ ، ضَخمَ مُشاشَةِ (4) المَنكِبِ ، ضَخمَ عَضَلَةِ الذِّراعِ دَقيقَ مُستَدَقِّها ، ضَخمَ عَضَلَةِ السّاقِ دَقيقَ مُستَدَقِّها (5) .
المناقب لابن شهر آشوب عن المغيرة :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى هَيئَةِ الأَسَدِ ؛ غَليظا مِنهُ مَا استَغلَظَ ، دَقيقا مِنهُ مَا استَدَقَّ (6) .
الكامل في التاريخ :كانَ عَلِيٌّ عليه السلام فَوقَ الرَّبعَةِ ، وكانَ ضَخمَ عَضَلَةِ الذِّراعِ دَقيقَ مُستَدَقِّها ، ضَخمَ عَضَلَةِ السّاقِ دَقيقَ مُستَدَقِّها ، وكانَ مِن أحسَنِ النّاسِ وَجها ، ولا
.
ص: 77
يُغَيِّرُ شَيبَهُ ، كَثيرَ التَّبَسُّمِ (1) .
مقاتل الطالبيّين :كانَ عليه السلام أسمَرَ ، مَربوعا ، وهُوَ إلَى القِصَرِ أقرَبُ ، عَظيمَ البَطنِ ، دَقيقَ الأَصابِعِ، غَليظَ الذِّراعَينِ، حَمشَ السّاقَينِ (2) ، في عَينَيهِ لينٌ، عَظيمَ اللِّحيَةِ، أصلَعَ ، ناتِئَ الجَبهَةِ (3) .
فضائل الصحابة عن أبي إسحاق :قالَ أبي : يا بُنَيَّ تُريدُ أن اُرِيَكَ أميرَ المُؤمِنينَ _ يَعني عَلِيّا ؟ قُلتُ : نَعَم ، فَرَفَعَني عَلى يَدَيهِ فَإِذا أنَا بِرَجُلٍ أبيَضِ الرَّأسِ وَاللِّحيَةِ ، أصلَعَ ، عَظيمِ البَطنِ ، عَريضِ ما بَينَ المَنكِبيَنِ (4) .
مقاتل الطالبيّين عن داوود بن عبد الجبّار عن أبي إسحاق :أدخَلَني أبِي المَسجِدَ يَومَ الجُمُعَةِ ، فَرَفَعَني فَرَأَيتُ عَلِيّا يَخطُبُ عَلَى المِنبَرِ ؛ شَيخا ، أصلَعَ ، ناتِئَ الجَبهَةِ ، عَريضَ ما بَينَ المَنكِبَينِ ، لَهُ لِحيَةٌ قَد مَلَأَت صَدرَهُ ، في عَينِه اطرِغشاشٌ _ قالَ داوُدُ : يَعني لينا فِي العَينِ _ فَقُلتُ لِأَبي : مَن هذا يا أبَةِ ؟ فَقالَ : هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأخو رَسولِ اللّهِ ، ووَصِيُّ رَسولِ اللّهِ ، وأميرُ المُؤمِنينَ (5) .
الطبقات الكبرى عن رزام بن سعد الضبّي :سَمِعتُ أبي يَنعَتُ عَلِيّا ، قالَ : كانَ رَجُلاً فَوقَ الرَّبعَةِ ، ضَخمَ المَنكِبَينِ ، طَويلَ اللِّحيَةِ وإن شِئتَ قُلتَ _ إذا نَظَرتَ إلَيهِ _ : هُوَ آدَمُ ،
.
ص: 78
وإن تَبَيَّنتَهُ مِن قَريبٍ قُلتَ : أن يَكونَ أسمَرَ أدنى مِن أن يَكونَ آدَمَ (1) .
وقعة صفّين :كانَ عَلِيٌّ رَجُلاً دَحداحا (2) ، أدعَجَ العَينَينِ ، كَأَنَّ وَجهَهُ القَمَرُ لَيلَةَ البَدرِ حُسنا ، ضَخمَ البَطنِ ، عَريضَ المَسرُبَةِ (3) ، شَثنَ الكَفَّينِ ، ضَخمَ الكُسورِ ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إبريقُ فِضَّةٍ ، أصلَعَ لَيسَ في رَأسِهِ شَعرٌ إلّا خِفافَ مِن خَلفِهِ ، لِمَنكِبَيهِ مُشاشٌ كَمُشاشِ السَّبُعِ الضّاري ، إذا مَشى تَكَفَّأَ بِهِ ومارَ (4) بِهِ جَسَدُهُ ، لَهُ سَنامٌ كَسَنامِ الثَّورِ ، لا تَبينُ عَضُدُهُ مِن ساعِدِهِ ، قَد اُدمِجَت إدماجا ، لَم يُمسِك بِذِراعِ رَجُلٍ قَطُّ إلّا أمسَكَ بِنَفَسِهِ فَلَم يَستَطِع أن يَتَنَفَّسَ. وهُوَ إلَى السُّمرَةِ ، أذلَفُ (5) الأنف ، إذا مَشى إلَى الحَربِ هَروَلَ ، وقَد أيَّدَهُ اللّهُ بِالعِزِّ وَالنَّصرِ (6) .
المناقب للخوارزمي عن محمّد بن حبيب البغدادي صاحب المحبّر_ في بَيانِ صِفاتِهِ عليه السلام _: آدَمُ اللَّونِ ، حَسَنُ الوَجهِ ، ضَخمُ الكَراديسِ (7) .
تاريخ دمشق عن مُدرك :رَأَيتُ عَليّا لَهُ وَفرَةٌ (8) ، وكانَ مِن أحسَنِ النّاسِ وَجها (9) .
.
ص: 79
نثر الدرّ :اِنصَرَفَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] مِن صِفَّينَ وكَأَنَّهُ رَأسَهُ ولِحيَتَهُ قُطنَةٌ ، فَقيلَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لو غَيَّرتَ ، فَقالَ : إنَّ الخِضابَ زينَةٌ ، ونَحنُ قَومٌ مَحزونونَ (1)(2) .
المناقب لابن شهر آشوب عن ابن إسحاق وابن شهاب :أ نَّهُ كَتَبَ حِليَةَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام عَن ثَبيتٍ الخادِمِ عَلى عُمُرِهِ (3) ، فَأَخَذَها عَمرُو بنُ العاصِ ، فَزَمَّ بِأَنفِهِ (4) فَقَطَّعَها ، وكَتَبَ : إنَّ أبا تُرابٍ كانَ شَديدَ الاُدمَةِ ، عظيمَ البَطنِ ، حَمشَ السّاقَينِ ، ونَحوَ ذلِكَ ، فَلِذلِكَ وَقَعَ الخِلافُ في حِليَتِهِ (5) .
.
ص: 80
. .
ص: 81
الفصل الثّاني : النشأةرافق عليّ عليه السلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله منذ السنين الاُولى من عمره ؛ فقد عسرت الحياة على أبي طالب برهة ، وضاقت به الاُمور ، فاقترح رسول اللّه صلى الله عليه و آله على إخوة أبي طالب أن يأخذوا منه بعض أولاده إلى بيوتهم ؛ لتخفيف عب ء العيش عن كاهله . وشاءت إرادة اللّه تعالى أن يكون عليّ عليه السلام في بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتولّى تربيته منذ نعومة أظفاره . وكان النبيّ صلى الله عليه و آله يحبّ هذا الطفل الصغير ؛ يضمّه إلى صدره ، ويُمِسّه عَرْفَه ، ويُلقمه الطعام ، ويرعى حياته لحظة لحظة ، وينفحه بالأنوار الإلهيّة المشعّة . وهكذا تربّى الإمام عليه السلام في حجر النبوّة ، وارتوى من منهل فضائلها الرائق ، وأمضى أيّامه ملازما لها ملازمة الظلّ لصاحبه . وحين سطعت القبسات الاُولى للوحي صدّق بالرسالة المحمّديّة موقنا ؛ إذ كانت روحه قد تواشجت هي وروح صاحبها . من هنا كان أوّل من صدّقه صلى الله عليه و آله . ونجد في الخطبة البليغة الرفيعة «القاصعة» أجمل تصوير لهذه الملازمة ، ولدور رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تربيته وإعداده عليه السلام ، وحبِّه إيّاه ، واستنارةِ الإمام عليه السلام بهذه الملازمة . وهو ما تقرؤونه في سياق النصوص التي يشتمل عليها هذا الفصل .
.
ص: 82
كشف اليقين عن يزيد بن قعنب :وَلَدَت [فاطِمَةُ بِنتُ أسَدٍ ]عَلِيّا ولِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثَلاثونَ سَنَةً ، فَأَحَبَّهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حُبّا شَديدا ، وقالَ لَها : اِجعَلي مَهدَهُ بِقُربِ فِراشي . وكانَ صلى الله عليه و آله يَلي أكثَرَ تَربِيَتِهِ ، وكانَ يُطَهِّرُ عَلِيّا في وَقتِ غَسلِهِ ، ويوجِرُهُ (1) اللَّبَنَ عِندَ شُربِهِ ، ويُحَرِّكُ مَهدَهُ عِندَ نَومِهِ ، ويُناغيهِ في يَقظَتِهِ ، ويَجعَلُهُ عَلى صَدرِهِ (2) .
شرح نهج البلاغة عن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام :سَمِعتُ زَيدا _ أبي _ يَقولُ : كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَمضَغُ اللَّحمَةَ وَالتَّمرَةَ حَتّى تَلينَ ، ويَجعَلُهُما في فَمِ عَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ صَغيرٌ في حِجْرِهِ (3) .
أنساب الأشراف :قالوا : كانَ أبو طالِبٍ قَد أقَلَّ وأقتَرَ ، فَأَخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا لِيُخَفِّفَ عَنهُ مُؤنَتَهُ ، فَنَشَأَ عِندَهُ (4) .
تاريخ دمشق عن ابن سلّام :لَمّا أمعَرَ (5) أبو طالِبٍ قالَت بَنو هاشِمٍ : دَعنا فَليَأخُذ كُلُّ رَجُلٍ مِنّا رَجُلاً مِن وُلدِكَ ، قالَ : اِصنَعوا ما أحبَبتُم إذا خَلَّيتُم لي عَقيلاً . فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلِيّا ، فَكانَ أوَّلَ مَن أسلَمَ مِمَّن يَلتَفُّ عَلَيهِ حيطانُهُ مِنَ الرِّجالِ (6) .
مقاتل الطالبيّين عن زيد بن عليّ :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخَذَ عَلِيّا مِن أبيهِ وهُوَ صَغيرٌ في سَنَةٍ (7) أصابَت قُرَيشا وقَحطٍ نالَهُم ، وأخَذَ حَمزَةُ جَعفرا ، وأخَذَ العَبّاسُ طالِبا ؛ لِيَكفوا أباهُم مُؤنَتَهُم ، ويُخَفِّفوا عَنهُ ثِقلَهُم ، وأخَذَ هُوَ عَقيلاً لِمَيلِهِ كانَ إلَيهِ . فَقال
.
ص: 83
رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِختَرتُ مَنِ اختارَ اللّهُ لي عَلَيكُم ؛ عَلِيّا (1) .
المستدرك على الصحيحين عن مجاهد بن جبر أبي الحجّاج :كانَ مِن نِعَمِ اللّهِ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ما صَنَعَ اللّهُ لَهُ وأرادَهُ بِهِ مِنَ الخَيرِ ؛ أنَّ قُرَيشا أصابَتهُم أزمَةٌ شَديدَةٌ ، وكانَ أبو طالِبٍ في عِيالٍ كَثيرٍ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَمِّهِ العَبّاسِ _ وكانَ مِن أيسَرِ بَني هاشِمٍ : يا أبَا الفَضلِ ، إنَّ أخاكَ أبا طالِبٍ كَثيرُ العِيالِ ، وقَد أصابَ النّاسَ ما تَرى مِن هذِهِ الأَزمَةِ ، فَانطَلِق بِنا إلَيهِ نُخَفِّف عَنهُ مِن عِيالِهِ ؛ آخُذُ مِن بَنيهِ رَجُلاً ، وتَأخُذُ أنتَ رَجُلاً ، فَنَكفُلُهُما عَنهُ . فَقالَ العَبّاسُ : نَعَم . فَانطَلَقا حَتّى أتَيا أبا طالِبٍ ، فَقالا : إنّا نُريدُ أن نُخَفِّفَ عَنكَ مِن عِيالِكَ حَتّى تَنكَشِفَ عَنِ النّاسِ ما هُم فيهِ ، فَقالَ لَهُما أبو طالِبٍ : إذا تَرَكتُما لي عَقيلاً فَاصنَعا ما شِئتُما . فَأَخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا فَضَمَّهُ إلَيهِ ، وأخَذَ العَبّاسُ جَعفرا فَضَمَّهُ إلَيهِ . فَلَم يَزَل عَلِيٌّ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى بَعَثَهُ اللّهُ نَبِيّا ، فَاتَّبَعَهُ وصَدَّقَهُ ، وأخَذَ العَبّاسُ جَعفرا ، ولَم يَزَل جَعفَرٌ مَعَ العَبّاسِ حَتّى أسلَمَ وَاستَغنى عَنهُ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ المُسَمّاةِ بِالقاصِعَةِ _: أنَا وَضَعتُ فِي الصِّغَرِ بِكَلاكِلِ (3)
.
ص: 84
العَرَبِ ، وكَسَرتُ نَواجِمَ (1) قُرونِ رَبيعَةَ ومُضَرَ ، وقَد عَلِمتُم مَوضِعي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالقَرابَةِ القَريبَةِ ، وَالمَنزِلَةِ الخَصيصَةِ ؛ وَضَعَني في حِجرِهِ وأنَا وَلَدٌ يَضُمُّني إلى صَدرِهِ ، ويَكنُفُني في فِراشِهِ ، ويُمِسُّني جَسَدَهُ ، ويُشِمُّني عَرفَهُ (2) ، وكان يَمضَغُ الشَّيءَ ثُمَّ يُلقِمُنيهِ ، وما وَجَدَ لي كَذبَةً في قَولٍ ، ولا خَطلَةً (3) في فِعلٍ . ولَقَد قَرَنَ اللّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله مِن لَدُن أن كانَ فَطيما أعظَمَ مَلَكٍ مِن مَلائِكَتِهِ ؛ يَسلُكُ بِهِ طَريقَ المَكارِمِ ، ومَحاسِنَ أخلاقِ العالَمِ ، لَيلَهُ ونَهارَهُ . ولَقَد كُنتُ أتَّبِعُهُ اتِّباعَ الفَصيلِ (4) أثَرَ اُمِّهِ ، يَرفَعُ لي في كُل يَومٍ من أخلاقِهِ عَلَما ، ويأمُرُني بِالاِقتِداءِ بِهِ . ولَقَد كانَ يُجاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِراءَ ، فَأَراهُ ولا يَراهُ غَيري . ولَم يَجمَع بَيتٌ واحِدٌ يَومَئِذٍ فِي الإِسلامِ غَيرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وخَديجَةَ وأنَا ثالِثُهُما ، أرى نورَ الوَحيِ وَالرِّسالَةِ ، وأشُمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ (5) .
السيرة النبويّة عن ابن إسحاق :كانَ مِمّا أنعَمَ اللّهُ بِهِ عَلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ أ نَّهُ كانَ في حَجرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبلَ الإِسلامِ (6) .
شرح نهج البلاغة عن الفضل بن عبّاس :سَأَلتُ أبي عَن وُلدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله الذُّكورِ ، أيُّهُم كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَهُ أشَدَّ حُبّا ؟ فَقالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقُلتُ لَهُ : سَأَلتُكَ عَن
.
ص: 85
بَنيهِ ! فَقالَ : إنَّهُ كانَ أحَبَّ إلَيهِ مِن بَنيهِ جَميعا وأرأَفَ ، ما رَأَيناهُ زايَلَهُ يَوما مِنَ الدَّهرِ مُنذُ كانَ طِفلاً ، إلّا أن يَكونَ في سَفَرٍ لِخَديجَةَ ، وما رَأَينا أبا أبَرَّ بِابنٍ مِنهُ لِعَلِيٍّ ، ولَا ابنا أطوَعَ لِأَبٍ مِن عَلِيٍّ لَهُ . . . . ورَوى جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ قالَ : قالَ أبي مُطعِمُ بنُ عَدِيٍّ لَنا ونَحنُ صِبيانٌ بِمَكَّةَ : أ لا تَرَونَ حُبَّ هذَا الغُلامِ _ يَعني عَلِيّا _ لِمُحَمَّدٍ وَاتِّباعَهُ لَهُ دونَ أبيهِ ؟ ! وَاللّاتِ وَالعُزّى !لَوَدِدتُ أنَّهُ (1) ابني بِفِتيانِ بَني نَوفَلٍ جَميعا ! (2)
راجع : ج4 ص438 (خيرة اللّه ) .
.
ص: 86
. .
ص: 87
الفصل الثالث : الزواج3 / 1تَزويجُهُ فاطِمَةَ بِنتَ رَسولِ اللّهِهاجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة بعد ثلاث عشرة سنة مليئة بالعناء والمشقّة والمصائب المريرة من أجل تبليغ الرسالة ، وأرسى دعائم الحكومة الإسلاميّة هناك . وكان عليّ عليه السلام معه صلى الله عليه و آله منذ الأيّام الاُولى للرسالة . وكان في السنة الاُولى من الهجرة ابن أربع وعشرين سنة؛ فلابدّ له من الزواج وبدء الحياة المشتركة. وكانت الزهراء عليهاالسلام قد بلغت يومئذٍ التاسعة من عمرها (1) . وهي بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولها منزلتها الرفيعة الزاخرة بالفضائل الإنسانيّة ، والخصائص الملكوتيّة السامية . وقد أثنى عليها أبو ها مرارا ، وسمّاها بضعته . وكان موقع النبيّ صلى الله عليه و آله في زعامة الاُمّة من جهة ، وشخصيّة الزهراء عليهاالسلام من جهة
.
ص: 88
اُخرى ، عاملَين مشجّعين لكثير من الصحابة _ بخاصّة من كان يفكّر منهم بمستقبله عبر هذه الأواصر _ على التقدّم لخطوبة الزهراء عليهاالسلام . بيد أنّ أباها كان يرفض رفضا قاطعا ، ويصرّح أحيانا بأنّه ينتظر فيها قضاء اللّه (1) . واقترح على الإمام عليّ عليه السلام عدد من الصحابة الموالين له أن يتقدّم لخطوبتها عليهاالسلام . وكان قلب الإمام طافحا بالإيمان ، وصدره مفعما بحبّ اللّه ، لكنّه خالي الوفاض من الدراهم والدنانير . فتوجّه تلقاء البيت النبويّ ، ومنعته الهيبة النبويّة من الكلام ، وكان ينظر مرّةً إلى النبيّ صلى الله عليه و آله نظرة مليئة بالحياء ، واُخرى إلى الأرض . فأنطقه النبيّ صلى الله عليه و آله من خلال بعض التمهيدات ، ولمّا تكلّم قال له : أ معك شيء ؟ والجواب واضح ! أمّا فاطمة ، فهل لها كُف ء غير عليّ ؟ ! وتحقّق الأمر الإلهيّ ، كما أشار إليه النبيّ الأعظم (2) وبدأ هذان العظيمان حياتهما المشتركة في السنة الاُولى من الهجرة 3 بمهرٍ قليل (3) ، ومراسم
.
ص: 89
بسيطة (1) ، وجهاز أكثر بساطة (2) . وهكذا ولد أعظم بيت في التاريخ ، وبدأت أبهى حياة مشتركة . وتكوّن في جوار بيت النبيّ صلى الله عليه و آله بيت صغير هو أكبر من التاريخ كلّه ، وكان مغبط أهل السماوات والأرض حقّا ! وكان منهل الفضائل والمكارم ، والعشق ، والإيمان ، والإيثار ، والجهاد ، وبساطة العيش ، بل كان يناطح السماء علوّا ورفعة . أمّا سيّده _ راهب الليل المتهجِّد في جوفه _ فقد كان ليث الوغى ، لا تكاد تبرأ جراحه بعدُ حتى يخوض حربا اُخرى . وكان عليه السلام أشجع المقاتلين ، وأعظمهم منازلة للأقران . وأمّا صاحبته فقد كانت السيّدة الرزينة الصبور ، حملت عب ء الحياة ، ورضيت بأقلّ الإمكانات . وكانت تضمّد جراح بعلها وأبيها (3) ، حتى عبّر عنها رسول اللّه صلى الله عليه و آله تعبيرا لطيفا ، فقال : «فاطِمَةُ اُمُّ أبيها» (4) . وكانت الثمرة الاُولى لهذا الزواج الإلهي هو الإمام الحسن عليه السلام الذي ولد فى ¨
.
ص: 90
السنة الثالثة من الهجرة (1) ، والثانية هو الإمام الحسين عليه السلام الذي ولد فيالسنة الرابعة منها (2) ، ثمّ ولدت بعدهما زينب واُمّ كلثوم ، وآخرهم هو المحسن الذي اُجهض شهيدا (3) .
سنن النسائي عن بريدة :خَطَبَ أبو بَكرٍ وعُمَرُ فاطِمَةَ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّها صَغيرَةٌ . فَخَطَبَها عَلِيٌّ، فَزَوَّجَها مِنهُ (4) .
الطبقات الكبرى عن علباء بن أحمر اليشكري :إنَّ أبا بَكرٍ خَطَبَ فاطِمَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا أبا بَكرٍ ، أنتَظِرُ بِهَا القَضاءَ . فَذَكَرَ ذلِكَ أبو بَكرٍ لِعُمَرَ ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ : رَدَّكَ يا أبا بَكرٍ . ثُمَّ إنَّ أبا بَكرٍ قالَ لِعُمَرَ : اُخطُب فاطِمَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَخَطَبَها ، فَقالَ لَهُ مِثلَ ما قالَ لِأَبي بَكرٍ : أنتَظِرُ بِها القَضاءَ (5) .
الطبقات الكبرى عن عطاء :خَطَبَ عَلِيٌّ فاطِمَةَ ، فَقالَ لَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ عَلِيّا يَذكُرُكِ ! فَسَكَتَت ، فَزَوَّجَها (6) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ أمَرَني أن اُزَوِّجَ فاطِمَةَ مِن عَلِيٍّ (7) .
.
ص: 91
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثلُكُم أتَزَوَّجُ فيكُم واُزَوِّجُكُم ، إلّا فاطِمَةَ فَإِنَّ تَزويجَها نَزَلَ مِنَ السَّماءِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام _: وَاللّهِ ما ألَوتُ (2) أن اُزَوِّجَكِ خَيرَ أهلي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا فاطِمَةُ ، أما إنّي ما ألَّيتُ أن أنكَحتُكِ خَيرَ أهلي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام _: فَما ألَوتُكِ في نَفسي وقَد أصَبتُ لَكِ خَيرَ أهلي (5) .
الإمام الصادق عليه السلام :لَولا أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام لِفاطِمَةَ ، ما كانَ لَها كُفوٌ عَلى ظَهرِ الأَرضِ مِن آدَمَ ومَن دونَهُ (6) .
الإمام عليّ عليه السلام :قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، لَقَد عاتَبَتني رِجالٌ مِن قُرَيشٍ في أمرِ فاطِمَةَ عليهاالسلام وقالوا : خَطَبناها إلَيكَ فَمَنَعتَنا ، وزَوَّجتَ عَلِيّا ، فَقُلتُ لَهُم : وَاللّهِ ما أنَا مَنَعتُكُم وزَوَّجتُهُ ، بَلِ اللّهِ تَعالى مَنَعَكُم وزَوَّجَهُ ، فَهَبَطَ عَلَيَّ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا
.
ص: 92
مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ يَقولُ : لَو لَم أخلُق عَلِيّا لَما كانَ لِفاطِمَةَ ابنَتِكَ كُفوٌ عَلى وَجهِ الأَرضِ ؛ آدَمُ فَمَن دونَهُ (1) .
عنه عليه السلام :لَمّا أدرَكَت فاطِمَةُ بِنتُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُدرَكَ النِّساءِ ، خَطَبَها أكابِرُ قُرَيشٍ مِن أهلِ الفَضلِ وَالسّابِقَةِ فِي الإِسلامِ وَالشَّرَفِ وَالمالِ ، وكانَ كُلَّما ذَكَرَها رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أعرَضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنهُ بِوَجهِهِ ، حَتّى كانَ الرَّجُلُ مِنهُم يَظُنُّ في نَفسِهِ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ساخِطٌ عَلَيهِ ، أو قَد نَزَلَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيه وَحيٌ مِنَ السَّماءِ (2) .
السنن الكبرى عن مجاهد عن الإمام عليّ عليه السلام :لَقَد خُطِبَت فاطِمَةُ بِنتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَت لي مَولاةٌ : هَل عَلِمتَ أنَّ فاطِمَةَ تُخطَبُ ؟ قُلتُ : لا _ أو نَعَم _ قالَت : فَاخطُبها إلَيهِ ، قالَ : قُلتُ : وهَل عِندي شَيءٌ أخطُبُها عَلَيهِ ! قالَ : فَوَاللّهِ ما زالَت تُرَجّيني حَتّى دَخَلتُ عَلَيهِ _ وكُنّا نُجِلُّهُ ونُعَظِّمُهُ _ فَلَمّا جَلَستُ بَينَ يَدَيهِ اُلجِمتُ حَتّى مَا استَطَعتُ الكَلامَ ، قالَ : هَل لَكَ مِن حاجَةٍ ؟ فَسَكَتُّ ، فَقالَها ثَلاثَ مَرّاتٍ ، قالَ : لَعَلَّكَ جِئتَ تَخطُبُ فاطِمَةَ ! قُلتَ : نَعَم يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ : هَل عِندَكَ مِن شَيءٍ تَستَحِلُّها بِهِ ؟ قالَ : قُلتُ : لا وَاللّهِ يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ : فَما فَعَلتَ بِالدِّرعِ الَّتي كُنتُ سَلَّحتُكَها ؟ قالَ عَلِيٌّ : وَاللّهِ إنَّها لَدِرعٌ حُطَمِيَّةٌ (3) ما ثَمَنُها إلّا أربَعُمِائَةِ دِرهَمٍ ! قالَ : اِذهَب فَقَد زَوَّجتُكَها ، وَابعَث بها إلَيها فَاستَحِلَّها بِهِ (4) .
.
ص: 93
الأمالي للطوسي عن الضحّاك بن مزاحم :سَمِعتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام يَقولُ : أتاني أبو بَكرٍ وعُمَرُ فَقالا : لَو أتَيتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَذَكَرتَ لَهُ فاطِمَةَ . قالَ : فَأَتَيتُهُ ، فَلَمّا رَآني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ضَحِكَ ، ثُمَّ قالَ : ما جاءَ بِكَ يا أبَا الحَسَنِ ؟ وما حاجَتُكَ ؟قالَ : فَذَكَرتُ لَهُ قَرابَتي وقِدَمي فِي الإِسلامِ ونُصرَتي لَهُ وجِهادي ، فَقالَ : يا عَلِيُّ صَدَقتَ ، فَأَنتَ أفضَلُ مِمّا تَذكُرُ . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، فاطِمَةُ تُزَوِّجُنيها ؟ فَقالَ : يا عَلِيُّ ، إنَّهُ قَد ذَكَرَها قَبلَكَ رِجالٌ ، فَذَكَرتُ ذلِكَ لَها ، فَرَأَيتُ الكَراهَةَ في وَجهِها ، ولكِن عَلى رِسلِكَ حَتّى أخرُجَ إلَيكَ . فَدَخَلَ عَلَيها فَقامَت إلَيهِ ، فَأَخَذَت رِداءَهُ ونَزَعَت نَعلَيهِ ، وأتَتهُ بِالوَضوءِ ، فَوَضَّأَتهُ بِيَدِها وغَسَلَت رِجلَيهِ ، ثُمَّ قَعَدَت ، فَقالَ لَها : يا فاطِمَةُ ، فَقالَت : لَبَّيكَ !حاجَتُكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ مَن قَد عَرَفتِ قَرابَتَهُ وفَضلَهُ وإسلامَهُ ، وإنّي قَد سَأَلتُ ربّي أن يُزَوِّجَكِ خَيرَ خَلقِهِ وأحَبَّهُم إلَيهِ ، وقَد ذَكَرَ مِن أمرِكِ شَيئا ، فَما تَرَينَ ؟ فَسَكَتَت ولَم تُوَلِّ وَجهَها ، ولَم يرَ فيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَراهَةً ، فَقامَ وهُوَ يَقولُ : اللّهُ أكبَرُ ! سُكوتُها إقرارُها . فَأَتاهُ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، زَوِّجها عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّ اللّهَ قَد رَضِيَها لَهُ ورَضِيَهُ لَها (1) .
الكافي عن سعيد بن المسيّب :قُلتُ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام : فَمَتى زَوَّجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فاطِمَةَ مِن عَلِيٍّ عليهماالسلام ؟ فَقالَ : بِالمَدينَةِ بَعدَ الهِجرَةِ بِسَنَةٍ ، وكانَ لَها يَومَئِذٍ تِسعُ سِنينَ (2) .
تاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ زَواجِ فاطِمَةَ عليهاالسلام _: زَوَّجَها رَسولُ اللّهِ مِن عَلِيٍّ بَعدَ قُدومِهِ بِشَهرَينِ ، وقَد كانَ جَماعَةٌ مِنَ المُهاجِرينَ خَطَبوها إلى رَسولِ اللّهِ ، فَلَمّا زَوَّجَها عَلِيّا
.
ص: 94
قالوا في ذلِكَ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ : ما أنَا زَوَّجتُهُ ولكِنَّ اللّهَ زَوَّجَهُ (1) .
الأمالي للطوسي :رُوِيَ أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام دَخَلَ بِفاطِمَةَ عليهاالسلام بَعدَ وفاةِ اُختِها رُقَيَّةَ زَوجَةِ عُثمانَ بِسِتَّةَ عَشَرَ يَوما ، وذلِكَ بَعدَ رُجوعِهِ مِن بَدرٍ ، وذلِكَ لِأَيّامٍ خَلَت مِن شَوّالٍ . ورُوِيَ أنَّهُ دَخَلَ بِها يَومَ الثُّلاثاءِ لِسِتٍّ خَلَونَ مِن ذِي الحِجَّةِ . وَاللّهُ تَعالى أعلَمُ (2) .
المعجم الأوسط عن جابر بن عبد اللّه :حَضَرنا عُرسَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وفاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَما رَأَينا عُرسا كانَ أحسَنَ مِنهُ حَيسا (3) ، وهَيَّأَ لَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله زَيتا وتَمرا فَأَكَلنا . وكانَ فِراشُهُما لَيلَةَ عُرسِهِما إهابَ (4) كَبشٍ (5) .
الطبقات الكبرى عن أسماء بنت عميس_ لِاُمِّ جَعفَرٍ _: جُهِّزَت جَدَّتُكِ فاطِمَةُ إلى جَدِّكِ عَلِيٍّ ، وما كانَ حَشوُ فِراشِهِما ووَسائِدِهِما إلَا اللّيفَ . ولَقَد أولَمَ عَلِيٌّ عَلى فاطِمَةَ ، فَما كانَت وَليمَةٌ في ذلِكَ الزَّمانِ أفضَلَ مِن وَليمَتِهِ ، رَهَنَ دِرعَهُ عِندَ يَهودِيٍّ بِشَطرِ (6) شَعيرٍ (7) .
سنن ابن ماجة عن عائشة واُمّ سلمة :أمَرَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن نُجَهِّزَ فاطِمَةَ حَتّى نُدخِلَها
.
ص: 95
عَلى عَلِيٍّ . فَعَمَدنا إلَى البَيتِ فَفَرَشناهُ تُرابا لَيِّنا مِن أعراضِ (1) البَطحاءِ ، ثُمَّ حَشَونا مِرفَقَتَينِ ليفا فَنَفَشناهُ بِأَيدينا ، ثُمَّ أطعَمَنا تَمرا وزَبيبا ، وسَقَينا ماءً عَذبا ، وعَمَدنا إلى عودٍ فَعَرَضناهُ في جانِبِ البَيتِ لِيُلقى عَلَيهِ الثَّوبُ ويُعَلَّقَ عَلَيهِ السِّقاءُ . فَما رَأَينا عُرسا أحسَنَ مِن عُرسِ فاطِمَةَ (2) . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا أرَدتُ أن أجمَعَ فاطِمَةَ أعطاني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِصْرا (4) مِن ذَهَبٍ ، فَقالَ : اِبتَع بِهذا طَعاما لِوَليمَتِكَ . قالَ : فَخَرَجتُ إلى مَحافِلِ الأَنصارِ ، فَجِئتُ إلى مُحَمَّدِ بنِ مَسلَمَةَ في جَرينٍ (5) لَهُ قَد فُرِّغَ مِن طَعامِهِ ، فَقُلتُ لَهُ : بِعني بِهذَا المِصرِ طَعاما ، فَأَعطاني ، حَتّى إذا جَعَلتُ طَعامي قالَ : مَن أنتَ ؟ قُلتُ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَقالَ : اِبنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟فَقُلتُ : نَعَم . قالَ : وما تَصنَعُ بِهذَا الطَّعامِ ؟ قُلتُ : أُعرِسُ . فَقالَ : وبِمَن ؟فَقُلتُ : بِابنَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالَ : فَهذَا الطَّعامُ وهذَا المِصرُ الذَّهَبُ فَخُذهُ فَهُما لَكَ . فَأَخَذتُهُ ورَجَعتُ ، فَجَمَعتُ أهلي إلَيَّ . وكانَ بَيتُ فاطِمَةَ لِحارِثَةَ بنِ النُّعمانِ ، فَسَأَلَت فاطِمَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله أن يُحَوَّلَهُ ، فَقالَ لَها : لَقَدِ استَحيَيتُ مِن حارِثَةَ مِمّا يَتَحَوَّلُ لَنا عَن بُيوتِهِ . فَلَمّا سَمِعَ بِذلِكَ حارِثَةُ انتَقَل
.
ص: 96
مِنهُ ، وأسكَنَهُ فاطِمَةَ (1) .
المصنّف عن ابن عبّاس :دَعَا [النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ] بِلالاً فَقالَ : يا بِلالُ ، إنّي زَوَّجتُ ابنَتِي ابنَ عَمّي ، وأنَا اُحِبُّ أن يَكونَ مِن سُنَّةِ اُمَّتي إطعامُ الطَّعامِ عِندَ النِّكاحِ ، فَائتِ الغَنَمَ ، فَخُذ شاةً وأربَعَةَ أمدادٍ أو خَمسَةً ، فَاجعَل لي قَصعَةً لَعَلّي أجمَعُ عَلَيهَا المُهاجِرينَ وَالأَنصارَ ، فَإِذا فَرَغتَ مِنها فَآذِنّي بِها . فَانطَلَقَ ، فَفَعَلَ ما أمَرَهُ ، ثُمَّ أتاهُ بِقَصعَةٍ ، فَوَضَعَها بَينَ يَدَيهِ ، فَطَعَنَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في رَأسِها ، ثُمَّ قالَ : أدخِل عَلَيَّ النّاسَ زُفّةً زُفَّةً (2) ، ولا تُغادِرَنَّ زُفَّةً إلى غَيرِها _ يَعني إذا فَرَغَت زُفَّةٌ لَم تَعُد ثانِيَةً _ فَجَعَلَ النّاسُ يَرِدونَ ؛ كُلَّما فَرَغَت زُفَّةٌ وَرَدَت اُخرى حَتّى فَرَغَ النّاسُ . ثمّ عَمَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى ما فَضَلَ مِنها ، فَتَفَلَ فيها وبارَكَ ، وقالَ : يا بِلالُ ، اِحمِلها إلى اُمَّهاتِكَ وقُل لَهُنَّ : كُلنَ وأطعِمنَ مَن غَشِيَكُنَّ (3) .
كتاب من لا يحضره الفقيه عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري_ في ذِكرِ زَواجِ فاطِمَةَ عليهاالسلام _: لَمّا كانَت لَيلَةُ الزِّفافِ أتَي النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِبَغلَتِهِ الشَّهباءِ وثَني عَلَيها قَطيفَةً ، وقالَ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام : اِركبَي ، وأمَرَ سَلمانَ أن يَقودَها ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَسوقُها . فَبَينا هُوَ في بَعضِ الطَّريقِ إذ سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَجبَةً (4) ، فَإِذا هُوَ بِجَبرَئيلَ عليه السلام في سَبعينَ ألفا وميكائيلَ في سَبعينَ ألفا ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ما أهبَطَكُم إلَى الأَرضِ ؟ !قالوا : جِئنا نَزُفُّ فاطِمَةَ عليهاالسلامإلى زَوجِها . وكَبَّرَ جَبرَئيلُ عليه السلام ، وكَبَّر
.
ص: 97
ميكائيلُ عليه السلام ، وكَبَّرَتِ المَلائِكَةُ ، وكَبَّرَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله . فَوُضِعَ التَّكبيرُ عَلَى العَرائِسِ مِن تِلكَ اللَّيلَةِ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في ذِكرِ زَواجِهِ مِن فاطِمَةَ عليهاالسلام _: . . . ثُمَّ صاحَ بي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، فَقُلتُ : لَبَّيكَ يا رَسولَ اللّهِ ! قالَ : اُدخُل بَيتَكَ وَالطُف بِزَوجَتِكَ وَارفَق بِها ؛ فَإِنَّ فاطِمَةَ بَضعَةٌ مِنّي ، يُؤلِمُني ما يُؤلِمُها ويَسُرُّني ما يَسُرُّها ، أستَودِعُكُمَا اللّهَ وأستَخلِفُهُ عَلَيكُما (2) .
راجع : ج4 ص438 (خيرة اللّه ) . وص415 (أعزّ عليَّ من فاطمة) .
3 / 2زَوجاتُهُ بَعدَ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِعاش الإمام عليه السلام تسع سنين مع فاطمة عليهاالسلام ، ولم يتزوّج في حياتها غيرها . وبعد وفاتها عليهاالسلام تزوّج عددا من النساء ، وفيما يأتي أسماؤهنّ (3) : 1 _ اُمامَةُ بِنتُ أبِي العاصِ .
.
ص: 98
2 _ أسماءُ بِنتُ عُمَيسٍ . 3 _ فاطِمَةُ اُمُّ البَنينَ . 4 _ اُمُّ سَعيدٍ بِنتُ عُروَةَ بنِ مَسعودٍ الثَّقَفِيِّ . 5 _ خَوَلَةُ بِنتُ جَعفَرِ بنِ قَيسٍ . 6 _ الصَّهباءُ بِنتُ رَبيعَةَ . 7 _ لَيلى بِنتُ مَسعودٍ . 8 _ مُحَيّاةُ بِنتُ امرِئِ القَيسِ 1 . وكان له غيرهنّ سبع عشرة سُرِّيّة (1) بعضهنّ اُمّهات ولد . وكانت أزواجه عند استشهاده اُمامة ، واُمّ البنين ، وأسماء بنت عميس ، وليلى بنت مسعود (2) .
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ لِعَلِيٍّ سَبَعَ عَشرَةَ سُرِّيَّةً (3) .
.
ص: 99
المناقب لابن شهر آشوب :تُوُفِّيَ عَن أربَعَةٍ : اُمامَةَ _ واُمُّها زَينَبُ بِنتُ النَّبِيِّ _ وأسماءَ بِنتِ عُمَيسٍ ، ولَيلَى التَّميمِيَّةِ ، واُمِّ البَنينَ الكِلابِيَّةِ (1) .
ونتحدّث فيما يأتي بإيجاز عن ثلاث من أشهرهنّ :
أ : اُمامَةُ بِنتُ أبِي العاصِ :هي بنت زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وكانت زينب قد تزوّجت أبا العاص قبل الإسلام . وأبو العاص هو ابن اُخت خديجة عليهاالسلام . أنجبت زينب ولدين هما : عليّ الذي مات صغيرا ، واُمامة التي كان يحبّها النبيّ صلى الله عليه و آله ويلاطفها . وتزوّجها الإمام عليه السلام بوصيّة الزهراء عليهاالسلام إذ أوصته أن يتزوّجها ، وقالت : إنّها تكون لولدي مثلي (2) . ونقلت بعض الروايات أنّ الإمام عليه السلام أولدها محمّدا الذي كان يسمّى محمّد بن عليّ الأوسط (3) .
اُسد الغابة_ في تَرجَمَةِ اُمامَةِ بِنتِ أبِي العاصِ _: تَزَوَّجَها عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام بَعدَ مَوتِ فاطِمَةَ عليهاالسلام ، وكانَت فاطِمَةُ وَصَّت عَلِيّا أن يَتَزَوَّجَها . فَلَمّا تُوُفِّيَت فاطِمَةُ تَزَوَّجَها ، زَوَّجَها مِنهُ الزُّبَيرُ ابنُ العَوّامِ ؛ لِأَنَّ أباها قَد أوصاهُ بِها . فَلَمّا جُرِحَ عَلِيٌّ خافَ أن يَتَزَوَّجَها مُعاوِيَةُ ، فَأَمَرَ المُغيرَةَ بنَ نَوفَلِ بنِ الحارِثِ ابن
.
ص: 100
عَبدِ المُطَّلِبِ أن يَتَزَوَّجَها بَعدَهُ . فَلَمّا تُوُفِّيَ عَلِيٌّ وقَضَت العِدَّةُ تَزَوَّجَهَا المُغيرَةُ ، فَوَلَدَت لَهُ يَحيى ، وبِهِ كانَ يُكَنّى ، فَهَلَكَت عِندَ المُغيرَةِ (1) .
ب : أسماءُ بِنتُ عُمَيسٍ الخَثعَمِيَّةُ :وهي من النساء العظيمات في التاريخ الإسلامي ، وكانت من اُولَيات النساء اللائي آمنَّ بالنبيّ صلى الله عليه و آله . تزوّجت أسماء جعفر بن أبي طالب ، وهاجرت معه إلى الحبشة ، وأنجبت منه ثلاثة أولاد ؛ هم : عبد اللّه ، وعَون ، ومحمّد (2) . ولمّا استُشهِد جعفر تزوّجها أبو بكر ، فأولدها محمّدا البطل الثابت على ولاء عليّ عليه السلام (3) . وكانت رفيقة الزهراء عليهاالسلام وصاحبتها (4) . وهي التي اقترحت عليها أن يضع جثمانها الطاهر في التابوت وأعانت الإمام عليه السلام على غسلها عليهاالسلام (5) .
.
ص: 101
وبعد وفاة أبي بكر تزوّجها الإمام عليه السلام (1) ، فأولدها يحيى (2) . وظلّت مع الإمام عليه السلام حتى استشهاده (3) . وهي من رواة الحديث ، وممّن روت حديث ردّ الشمس (4) .
تهذيب الكمال_ في تَرجَمَةِ أسماءَ بِنتِ عُمَيسٍ _: كانَت أوَّلاً تَحتَ جَعفَرِ ابنِ أبي طالِبٍ ، وهاجَرَت مَعَهُ إلى أرضِ الحَبَشَةِ ، ثُمَّ قُتِلَ عَنها يَومَ مُؤتَةَ ، فَتَزَوَّجَها أبو بَكرٍ الصِّدّيقُ ، فَماتَ عَنها ، ثُمَّ تَزَوَّجَها عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . ووَلَدَت لِجَعفَرٍ : عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ ، وعَونَ بنَ جَعفَرٍ ، ومُحَمَّدَ بنَ جَعفَرٍ . ووَلَدَت لِأَبي بَكرٍ : مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ في حَجَّةِ الوَداعِ . ووَلَدَت لِعَلِيٍّ يَحيَى بنَ عَلِيٍّ . فَهُم إخوَةٌ لِاُمٍّ (5) .
صحيح البخاري عن أبي موسى :دَخَلَت أسماءُ بِنتُ عُمَيسٍ _ وهِيَ مِمَّن قَدِمَ مَعنا _ عَلى حَفصَةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله زائِرَةً ، وقَد كانَت هاجَرَت إلَى النَّجاشِيِّ فيمَن هاجَرَ ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلى حَفصَةَ وأسماءُ عِندَها ، فَقالَ عُمَرُ حينَ رَأى أسماءَ : مَن
.
ص: 102
هذِهِ ؟قالَت : أسماءُ بِنتُ عُمَيسٍ . قالَ عُمَرُ : الحَبَشِيَّةُ هذِهِ ؟ البَحرِيَّةُ هذِهِ ؟ قالَت أسماءُ : نَعَم . قالَ : سَبَقناكُم بِالهِجرَةِ ؛ فَنَحنُ أحَقُّ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنكُم ! فَغَضِبَت وقالَت : كَلّا وَاللّهِ ! كُنتُم مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُطعِمُ جائِعَكُم ويَعِظُ جاهِلَكُم ، وكُنّا في دارِ _ أو في أرضِ _ البُعَداءِ البُغَضاءِ بِالحَبَشَةِ ، وذلِكَ في اللّهِ وفي رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَايمُ اللّهِ لا أطعَمُ طَعاما ولا أشرَبُ شَرابا حَتّى أذكُرَ ما قُلتَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ونَحنُ كُنّا نُؤذى ونَخافُ ، وسَأَذكُرُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وأسأَلُهُ ، وِاللّهِ لا أكذِبُ ولا أزيغُ ولا أزيدُ عَلَيهِ ! فَلَمّا جاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله قالَت : يا نَبِيَّ اللّهِ ، إنَّ عُمَرَ قالَ كَذا وكَذا . قالَ : فَما قُلتِ لَهُ ؟ قالَت : قُلتُ لَهُ كَذا وكَذا . قالَ : لَيسَ بِأَحَقَّ بي مِنكُم ، ولَهُ ولِأَصحابِهِ هِجرَةٌ واحِدَةٌ ، ولَكُم أنتُم _ أهلَ السَّفينَةِ _ هِجرَتانِ (1) .
ج : اُمُّ البَنينَ بِنتُ حِزامٍ :وكانت من الشخصيّات المتألّقة في التاريخ الإسلامي . وتنتسب إلى اُسرة لا نظير لها في الشجاعة والشهامة والقتال . ولمّا عزم الإمام عليه السلام على الزواج بعد رحيل الزهراء عليهاالسلام دعا عقيلاً ، وطلب منه أن يختار له امرأة من قبيلة معروفة بالشجاعة لِتلد له فرسانا صناديد . ولمّا كان عقيل عالما بارعا في الأنساب فقد اختار اُمّ البنين ، وذكر أنّ آباءها من أشجع العرب وأثبتهم وأشدّهم قتالاً (2) .
.
ص: 103
وكانت اُمّ البنين شاعرة مُفوّهة ، جليلة . أرسلت أولادها الأربعة إلى كربلاء في ركب الإمام الحسين عليه السلام . وكانت تمضي وقتها في البقيع ؛ تنشد الشعر في رثاء أولادها باكية عليهم (1) ، والناس يجتمعون ويتألّمون ويبكون ، ويطّلعون على قبائح بني اُميّة وممارساتهم الدنيئة . وهكذا استطاعت أن تبلّغهم نداء أولادها وهدفهم .
.
ص: 104
. .
ص: 105
الفصل الرابع : الأَولادلم تتّفق كلمة المؤرّخين على عدد موحّد فيما يخصّ عدد أولاده عليه السلام ؛ فقد ذكر الشيخ المفيد أنّ عددهم سبعة وعشرون ولدا ذكرا واُنثى (1) ، فيما ذكر ابن سعد أنّهم يبلغون أربعةً وثلاثين ولدا (2) ، وذكر المزّي أنّ عددهم تسعة وثلاثون ولدا (3) . ويمكن عزْو الاختلاف الموجود في الكتب التاريخيّة حول عدد أولاد الإمام إلى تداخل الأسماء مع الكنى وتكرار البعض منها . وقد تبيّن لنا بعد الفحص والتمحيص أنّ عددهم كان يبلغ أربعةً وثلاثين ولدا ، وهم كلّ من : 1 _ الإمام الحسن عليه السلام . 2 _ الإمام الحسين عليه السلام . 3 _ زينب . 4 _ اُمّ كلثوم .
.
ص: 106
5 _ المحسّن (1) . (2) اُمّهم فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ومحسّن ولدها الآخر الذي سقط وقُتل في هجوم الغوغاء على بيت الوحي (3) . 6 _ العبّاس . 7 _ عبد اللّه . 8 _ عثمان . 9 _ جعفر . اُمّهم اُمّ البنين بنت حِزام . وكلّهم قُتلوا مع الحسين عليه السلام بكربلاء . 10 _ محمّد ابن الحنفيّة : اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس . 11 _ أبو بكر : اُمّه ليلى ، ولعلّها ابنة مسعود الدارميّة . قُتل مع الحسين عليه السلام بكربلاء (4) . 12 _ عبيد اللّه : اُمّه ليلى . قُتل مع الحسين عليه السلام بكربلاء 5 .
.
ص: 107
13 _ محمّد الأصغر : اُمّه اُمّ ولد . قُتل مع الحسين عليه السلام بكربلاء (1) . 14 _ يحيى : اُمّه أسماء بنت عميس . مات في حياة الإمام عليه السلام (2) . 15 _ عون : اُمّه أسماء بنت عميس (3) . 16 _ محمّد الأوسط : اُمّه اُمامة (4) . 17 _ عمر : اُمّه الصهباء التغلبيّة ؛ اُمّ حبيب (5) . 18 _ رقيّة : اُمّها الصهباء التغلبيّة ؛ اُمّ حبيب . وهي زوجة مسلم بن عقيل (6) ، وله منها ثلاثة أولاد (7) ، استُشهد منهم عبد اللّه في كربلاء (8) .
.
ص: 108
19 _ اُمّ الحسن : اُمّه_ا اُمّ سعي_د (1) . ك_انت زوج_ة جَعدة بن هُبي_رة _ ابن اُخت الإمام عليه السلام _ ثمّ تزوّجها جعفر بن عقيل . واستُشهد جعفر في واقعة الطفّ (2) . وكانت اُمّ الحسن في سبايا كربلاء (3) . 20 _ اُمّ هانئ : تزوّجها عبد اللّه الأكبر ابن عقيل (4) الذي قُتل مع الحسين عليه السلام بكربلاء (5) مع ابنه محمّد (6) . 21 _ فاطمة : تزوّجها محمّد بن أبي سعيد بن عقيل (7) الذي قُتل مع الحسين عليه السلام بكربلاء (8) . 22 _ زينب الصغرى (9) : تزوّجها محمّد بن عقيل (10) . 23 _ ميمونة : تزوّجها عبد اللّه بن عقيل (11) .
.
ص: 109
24 _ نفيسة : تزوّجها عبد اللّه بن عقيل (1) . 25 _ خديجة : تزوّجها عبد الرحمن بن عقيل (2) . 26 _ اُمامة : تزوّجها الصلت بن عبد اللّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب (3) . ماتت في حياة الإمام عليه السلام (4) . 27 _ رَملَة الكبرى : اُمّها اُمّ سعيد (5) . تزوّجها عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث ابن عبد المطّلب (6) . 28 _ جُمانة (7) : ماتت في حياة الإمام عليه السلام (8) . 29 _ اُمّ سلمة 9 .
.
ص: 110
30 _ رقيّة الصغرى (1) . 31 _ اُمّ كلثوم الصغرى (2) . 32 _ رَملَة الصغرى (3) . 33 _ اُمّ الكِرام (4) . 34 _ اُمّ جعفر (5) .
تهذيب الكمال :كانَ لَهُ مِنَ الوُلدِ الذُّكورِ واحِدٌ وعِشرونَ : الحَسَنُ ، وَالحُسَينُ ، ومُحَمَّدٌ الأَكبَرُ وهُوَ ابنُ الحَنَفِيَّةِ ، وعُمَرُ الأَطرَفُ وهُوَ الأَكبَرُ ، وَالعَبّاسُ الأَكبَرُ أبُو الفَضلِ قُتِلَ بِالطَّفِّ ، ويُقالُ لَهُ : السَّقّاءُ أبو قِربَةَ . أعقَبوا . وَالَّذينَ لَم يُعقِبوا : مُحَسَّنٌ دَرَجَ (6) سِقطا ، ومُحَمَّدٌ الأَصغَرُ قُتِلَ بِالطَّفِّ ، وَالعَبّاسُ الأَصغَرُ يُقالُ : إنَّهُ قُتِلَ بِالطَّفِّ ، وعُمَرُ الأَصغَرُ دَرَجَ ، وعُثمانُ الأَكبَرُ قُتِلَ بِالطَّفِّ ، وعُثمانُ الأَصغَرُ دَرَجَ ، وجَعفَرٌ الأَكبَرُ قُتِلَ بِالطَّفِّ ، وجَعفَرٌ الأَصغَرُ دَرَجَ ، وعَبدُ اللّهِ الأَكبَرُ يُكنى أبا مُحَمَّدٍ قُتِلَ بِالطَّفِّ ، وعَبدُ اللّهِ الأَصغَرُ دَرَجَ ، وعُبَيدُ اللّهِ يُكنى أبا عَلِى
.
ص: 111
يُقالُ : إنَّهُ قُتِلَ بِكَربَلاءَ ، وعَبدُ الرَّحمنِ دَرَجَ ، وحَمزَةُ دَرَجَ ، وأبو بَكرٍ عَتيقٌ يُقالُ : إنَّهُ قُتِلَ بِالطَّفِّ ، وعَونٌ دَرَجَ ، ويَحيى يُكنى أبَا الحَسَنِ تُوُفِّيَ صَغيرا في حَياةِ أبيهِ . وكانَ لَهُ مِنَ الوُلدِ الاِءناثِ ثَمانِيَ عَشرَةَ : زَينَبُ الكُبرى ، وزَينَبُ الصُّغرى ، واُمُّ كُلثومٍ الكُبرى ، واُمُّ كُلثومٍ الصُّغرى ، ورُقَيَّةُ الكُبرى ، ورُقَيَّةُ الصُّغرى ، وفاطِمَةُ الكُبرى ، وفاطِمَةُ الصُّغرى ، وفاخِتَةُ ، وأمَةُ اللّهِ ، وجُمانَةُ تُكنى اُمَّ جَعفَرٍ ، ورَملَةُ ، واُمُّ سَلَمَةَ ، واُمُّ الحَسَنِ ، واُمُّ الكِرامِ وهِيَ نَفيسَةٌ ، ومَيمونَةُ ، وخَديجَةُ ، واُمامَةُ . عَلى خِلافٍ في بَعضِ ذلِكَ (1) . ونظرا إلى أنّ مؤسّسة دار الحديث قد أزمعت إصدار كتابين مستقلّين يتناولان ترجمة وافية لكلّ من الإمام الحسن والإمام الحسين عليهماالسلام ، فلذا نكتفي هنا بترجمة سائر البارزين من أولاد الإمام عليه السلام _ غيرهما _ على نحو الإيجاز .
4 / 1زَينَبُحاملة رسالة دماء الشهداء ، وحاكية الملحمة الحسينيّة ، وفاضحة الأشقياء المدلّسين الناشرين للظلم ، ومظهر الوقار ، ورمز الحياء ، ومثال العزّ والرفعة ، واُسوة الثبات والصلاة والصبر . وبلغت منزلتها الرفيعة ومكانتها السامية في البيت النبوي مبلغا يعجز القلم عن بيانه ، ويحسر عن تبيان مكارمها ومناقبها وفضائلها عليهاالسلام . وقد رسم الفقيه المؤرّخ المصلح الكبير العلّامة السيّد محسن الأمين العاملي معالم شخصيّتها بقوله :
.
ص: 112
كانت زينب عليهاالسلام من فضليات النساء ، وفضلها أشهر من أن يُذكر ، وأبين من أن يسطَّر . وتعلم جلالة شأنها وعلوّ مكانها ، وقوّة حجّتها ، ورجاحة عقلها ، وثبات جنانها ، وفصاحة لسانها ، وبلاغة مقالها _ حتى كأنّها تُفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام _ من خطبها بالكوفة والشام ، واحتجاجها على يزيد وابن زياد بما فحمهما ، حتى لجآ إلى سوء القول والشتم وإظهار الشماتة والسباب الذي هو سلاح العاجز عن إقامة الحجّة . وليس عجيبا من زينب الكبرى أن تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيّبة . . . . وكانت متزوّجة بابن عمّها عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، وولد له منها : عليّ الزينبي ، وعون ، ومحمّد ، وعبّاس ، واُمّ كلثوم . وعون ومحمّد قُتلا مع خالهما الحسين عليه السلام بطفّ كربلاء . سُمّيت اُمّ المصائب ، وحقّ لها أن تسمّى بذلك ! فقد شاهدت مصيبة وفاة جدّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومصيبة وفاة اُمّها الزهراء عليهاالسلام ومحنتها ، ومصيبة قتل أبيها أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ومحنته . . . وحُملت أسيرة من كربلاء (1) . كانت عليهاالسلام مع أخيها الحسين عليه السلام منذ بدء الثورة ، وكانت رفيقة دربه وأمينة سرّه . فليلة عاشوراء وحوارها مع أخيها ، ويوم عاشوراء وحفاوتها بالشهداء ، وليلة الحادي عشر ورثاؤها المؤلم لأخيها ، وجلوسها عند جثمانه المدمّى ، وخطابها لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كلّ اُولئك من الصفحات الذهبيّة الخالدة في حياتها المليئة بالجلالة والرفعة ، المصطبغة بالصبر والجلد . تولّت شؤون السبايا بعد عاشوراء بجلال وثبات ، وعندما رأت الكوفيّين يبكون على أبناء الرسول صلى الله عليه و آله خاطبتهم قائلة :
.
ص: 113
يا أهلَ الكوفَةِ ، يا أهلَ الخَتلِ وَالغَدرِ وَالخَذلِ ! ألا فَلا رَقَأَتِ العَبرَةُ ولا هَدَأَتِ الزَّفرَةُ ! إنّما مَثَلُكُم كَمَثَلِ الَّتي نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أنكاثا ! . . . أ تَدرونَ _ وَيلَكُم ! _ أيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَرَيتمُ (1) ؟ ! وأيَّ عَهدٍ نَكَثتُم ؟ ! وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أبرَزتُم ؟ ! وأيَّ حُرمَةٍ لَهُ هَتَكتُم ؟ ! وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ ! (2) كان لها لسان عليّ حقّا ! وحين نطقت بكلماتها الحماسيّة ، فإنّ اُولئك الذين طالما سمعوا خطب الإمام ، هاهم يرونه باُمّ أعينهم يخطب فيهم ! وقال قائل : واللّه لم أرَ خَفِرةً (3) قطّ أنطق منها ، كأنّها تنطق وتُفرغ عن لسان عليّ عليه السلام . وكان ابن زياد قد أثمله التكبّر ، ومَرَد على الضراوة والتوحّش ، فنال من آل اللّه ؛ فانبرت إليه الحوراء وألقمته حجرا بكلماتها الخالدة التي أخزته . وممّا قالت : لَعَمري لَقدَ قَتَلتَ كَهلي ، وأبَرتَ أهلي ، وقَطَعتَ فَرعي ، وَاجتَثَثتَ أصلي ؛ فَإِن يَشفِكَ هذا فَقَدِ اشتَفَيتَ (4) . وعندما نظرت إلى يزيد متربّعا على عرش السلطة ومعه الأكابر ومندوبون عن بعض البلدان _ وكان يتباهى بتسلّطه ، ويتحدّث بسفاهة مهوِّلاً على الآخرين ، ناسبا قتل الأبرار إلى اللّه _ قامت إليه عقيلة بني هاشم ، فصكّت مسامعه بخطبتها البليغة العصماء . وممّا قالته فيها :
.
ص: 114
أمِنَ العَدلِ _ يَابنَ الطُّلَقاءِ _ تَخديرُكَ حَرائِرَكَ وإماءَكَ ، وسَوقُكَ بَناتِ رَسولِ اللّهِ سَبايا ! قَد هَتَكتَ سُتورَهُنَّ ، وأبدَيتَ وُجوهَهُنَّ ، يَحدو بِهِنَّ الأَعداءُ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ ؟ ! (1) وبتلك الكلمات القصيرة الدامغة ذكّرته بماضي أهله حين قُبض عليهم أذلّاء في مكّة ثمّ اُطلقوا بعد أن أسلموا خائفين من بارقة الحقّ ، فدلّت على عدم جدارته للحكم من جهة ، وعلى جوره ونشره للظلم من جهة اُخرى . واستَشهدت أخيرا بآيات قرآنيّة لتعلن بصراحة أنّ موقعه ليس كرامة إلهيّة _ كما زعم أو حاول أن يلقّن الناس به _ بل هو انغماس ملوّث بالكفر في أعماق الجحود ، وزيادة في الكفر ، وأمّا الشهادة فهي كرامة لآل اللّه . . . . كانت خطب زينب الكبرى في ذروة الفصاحة والبلاغة والتأثير ، كما كانت حكيمة في تشخيص الموقف المناسب . ولم نعثر على تاريخ وفاتها بالتحديد في المصادر المعتمدة ، (2) وأمّا قبرها فمثار جدال ونقاش .
اُسد الغابة_ في تَرجَمَةِ زَينَبَ عليهاالسلام _: أدرَكَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، ووُلِدَت في حَياتِهِ ، ولَم تَلِد فاطِمَةُ بِنتُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعدَ وَفاتِهِ شَيئا . وكانَت زينَبُ امرَأَةً عاقِلَةً لَبيبةً جَزلَةً (3) ،
.
ص: 115
زَوَّجَها أبوها عَلِيٌّ عليه السلام مِن عَبدِ اللّهِ ابنِ أخيهِ جَعفَرٍ ، فَوَلَدَت لَهُ عَلِيّا ، وعَونا الأَكبَرَ ، وعَبّاسا ، ومُحَمَّدا ، واُمَّ كُلثومٍ . وكانَت مَعَ أخيهَا الحُسَينِ عليه السلام لَمّا قُتِلَ ، وحُمِلَت إلى دِمَشقَ ، وحَضَرَت عِندَ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ ، وكَلامُها لِيَزيدَ _ حينَ طَلَبَ الشّامِيُّ اُختَها فاطِمَةَ بِنتَ عَلِيٍّ مِن يَزيدَ _ مَشهورٌ مَذكورٌ فِي التَّواريخِ ، وهُوَ يَدُلُّ عَلى عَقلٍ وقُوَّةِ جَنانٍ (1) .
4 / 2اُمُّ كُلثومٍالبنت الثانية لعليّ وفاطمة عليهماالسلام . ولدت في السنة السادسة من الهجرة (2) . وتربّت في حجر اُمّها الزهراء عليهاالسلام في دار فسيحةٍ فساحةَ الإيمان والعشق . ونقرأ في التاريخ آراء متباينة حول زواجها ؛ فهناك من يشير إلى زواجها من عمر بن الخطّاب . ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنّ الخليفة الثاني كان راغبا في الزواج من إحدى بنات الزهراء عليهاالسلام تمسّكا بالحديث القائل : «كُلُّ حَسَبٍ ونَسَبٍ مُنقَطِعٌ يَومَ القِيامَةِ إلّا حَسَبي ونَسَبي» ولذلك خطبها من أبيها أمير المؤمنين عليه السلام . ورفض الإمام عليه السلام هذا الأمر في البداية ، وقال : إنّ بناته يتزوّجن بني أعمامهنّ . بَيْد أنّه وافق بعد ذلك بإصرار عمر (3) أو تهديده (4) ، أو أنّه وكل زواجها إلى عمّه العبّاس حين تدخّل في الموضوع (5) .
.
ص: 116
وهناك من ينكر هذا الزواج استنادا إلى تضارب المعلومات التاريخيّة الواردة فيه واضطرابها بشدّة ، ومع كثرة التناقضات الموجودة حوله لاسيما عند مقايسته بزواجها اللاحق ، فإنّ هذا الزواج نفسه تحيط به هالة من الغموض . ولذا أنكره علماء كبار مثل الشيخ المفيد (1) . هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى : أيّدته بعض الروايات الشيعيّة والسنّيّة (2) ، كما أيّده الشريف المرتضى (3) وآخرون غيره أيضا . وثمّة آراء اُخرى تحوم حول هذا الزواج أيضا ، ليس هنا موضع ذكرها (4) . تزوّجت اُمّ كلثوم بعد قتل عمر من عون بن جعفر ، ثمّ محمّد بن جعفر ، وبعده تزوّجها عبد اللّه بن جعفر (5) . وقد أشارت مصادر الفريقين إلى حضور اُمّ كلثوم في الميادين الاجتماعيّة والسياسيّة . ومن مفردات هذا الحضور : مواجهتها حفصة عند ضربها بالدفّ وهي تنال من أمير المؤمنين عليه السلام (6) ، ومنها : كفالتها عبد اللّه بن عمر حين امتنع عن بيعة أبيها عليه السلام ، وفرّ إلى مكّة (7) . وشهدت اُمّ كلثوم كربلاء مع أخيها الحسين عليه السلام . وكانت منشدةً لملحمة الطفّ إلى جنب اُختها زينب الكبرى عليهاالسلام (8) .
.
ص: 117
وسُبيت هذه المرأة المخدّرة مع مَنْ سُبي ؛ لتوقظ أصحاب الضمائر الميّتة ، وتقرع أسماعهم بنداء أخيها الشهيد . وليس لدينا معلومات دقيقة حول تاريخ وفاتها . وذهب البعض إلى أنّها توفّيت في حياة الإمام الحسن عليه السلام (1) ، وهو لا ينسجم مع الرأي القائل بحضورها في كربلاء . وقيل : كان لها من عمر ولدان هما رقيّة وزيد (2) الذي مات مع اُمّه في وقت واحد (3) .
4 / 3حَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِولد محمّد ابن الحنفيّة أيّام حكومة أبي بكر (4) ، وكانت اُمّه في عداد من أسرهم المسلمون في الفتوحات ، فصارت من نصيب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (5) . وكان محمّد من العلماء المحدّثين اُولي الشأْن في آل عليّ عليه السلام . وكان شجاعا رابط الجأْش . حمل اللواء يوم الجمل وهو ابن تسع عشرة سنة (6) ، كما حمله فى ¨
.
ص: 118
صفّين (1) ، ولم يشهد كربلاء (2) . لم يبايع ابن الحنفيّة عبد اللّه بن الزبير بعد تسلّطه ، فعزم ابن الزبير على حرقه هو وعبد اللّه بن عبّاس ، لكنّ جيش المختار أنقذهما من مخالبه (3) . وكانت للمختار صلة وثيقة به ، وقد نسّق معه في الثأْر من قتلة الحسين عليه السلام (4) . وجاء في بعض النصوص التاريخيّة والحديثيّة أنّه ادّعى الإمامة في البداية ، ثمّ أقرّ بإمامة السجّاد عليه السلام بعد مناظرة جرت بينهما (5) . توفّي ابن الحنفيّة في المدينة سنة (81 ه ) (6) .
تاريخ دمشق عن الزهري :قالَ رَجُلٌ لِمُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ : ما بالُ أبيكَ كانَ يَرمي بِكَ في مَرامٍ لا يَرمي فيهَا الحَسَنَ والحُسَينَ ؟ قالَ : لِأَنَّهُما كانا خَدَّيهِ وكُنتُ يَدَهُ ، فَكانَ يَتَوَقّى بِيَدِهِ عَن خَدَّيهِ (7) .
نثر الدرّ :قالَ المُنافِقونَ لَهُ [لِمُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ] : لِمَ يُغَرِّرُ بِكَ أميرُ المُؤمِنينَ فِي الحَربِ ولا يُغَرِّرُ بِالحَسَنِ وَالحُسَينِ ؟ ! قالَ : لِأَ نَّهُما عَيناهُ وأنَا يَمينُهُ ؛ فَهُوَ يَدفَعُ بِيَمينِهِ عَن عَينَيهِ (8) .
.
ص: 119
ربيع الأبرار :اِستَطالَ عَلِيٌّ عليه السلام دِرعا فَقالَ : لِيُنقَص مِنها كَذا حَلقَةً . فَقَبَضَ مُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِ بِإِحدى يَدَيهِ عَلى ذَيلِها ، وبِالاُخرى عَلى فَضلِها ، ثُمَّ جَذَبَها ، فَقَطَعَها مِنَ المَوضِعِ الَّذي حَدَّهُ لَهُ أبوهُ (1) .
شرح نهج البلاغة :لَمّا تَقاعَسَ مُحَمَّدٌ يَومَ الجَمَلِ عَنِ الحَملَةِ وحَمَلَ عَلِيٌّ عليه السلام بِالرّايَةِ فَضَعضَعَ أركانَ عَسكَرِ الجَمَلِ ، دَفَعَ إلَيهِ الرّايَةَ وقالَ : اُمحُ الاُولى بِالاُخرى ، وهذِهِ الأَنصارُ مَعَكَ . وضَمَّ إلَيهِ خُزَيمَةَ بنَ ثابِتٍ ذَا الشَّهادَتَينِ في جَمعٍ منَ الأَنصارِ ، كَثيرٌ مِنهُم مِن أهلِ بَدرٍ ، فَحَمَلَ حَمَلاتٍ كَثيرَةً أزالَ بِهَا القَومَ عَن مَواقِفِهِم ، وأبلى بَلاءً حَسَنا . فَقالَ خُزَيمَةُ لِعَلِيٍّ عليه السلام : أما إنَّهُ لَو كانَ غَيرَ مُحَمَّدٍ اليَومَ لَافتَضَحَ ، ولَئِن كُنتَ خِفتَ عَلَيهِ الحَينَ (2) وهُوَ بَينَكَ وبَينَ حَمزَةَ وجَعفَرٍ لَما خِفناهُ عَلَيهِ ، وإن كُنتَ أرَدتَ أن تُعَلِّمَهُ الطِّعانَ فَطالَما عَلَّمَتهُ الرِّجالُ ! وقالَتِ الأَنصارُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لَولا ما جَعَلَ اللّهُ تَعالى لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلاملَما قَدَّمنا عَلى مُحَمَّدٍ أحَدا مِنَ العَرَبِ ! فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أينَ النَّجمُ مِنَ الشَّمسِ وَالقَمَرِ ! أما إنَّهُ قَد أغنى وأبلى ، ولَهُ فَضلُهُ ، ولا يَنقُصُ فَضلَ صاحِبَيهِ عَلَيهِ ، وحَسبُ صاحِبِكُم مَا انتَهَت بِهِ نِعمَةُ اللّهِ تَعالى إلَيهِ . فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّا _ وَاللّهِ _ لا نَجعَلُهُ كَالحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام ولا نَظلِمُهُما لَهُ ، ولا نَظلِمُهُ _ لِفَضلِهِما عَلَيهِ _ حَقَّهُ . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أينَ يَقَعُ ابني مِنِ ابنَي بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! (3)
.
ص: 120
4 / 4العَبّاسُمظهر العشق والإيثار ، ومثال الرجولة والصفاء والوقار ، ورمز الشجاعة والشهامة والكرامة . وكانت له بين أبطال كربلاء وشهداء التاريخ منزلة رفيعة ، ومكانة سامقة ، حتى قال سيّد الساجدين زين العابدين عليه السلام في حقّه : «إنَّ لِلعَبّاسِ عِندَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى لَمَنزِلَةً يَغبِطُهُ بِها جَميعُ الشُّهَداءِ يَومَ القِيامَةِ» (1) . وُلد في سنة (26 ه ) (2) من اُمّ عظيمة تنتسب إلى قبيلة بني كلاب التي أنجبت أشجع الصناديد الأفذاذ في زمانها ، وتربّى في حجرها ، ونشأ مع إخوته الذين لا مثيل لهم ؛ كالحسنين عليهماالسلام . كانت كنيته : أبا الفضل (3) ، وأبا قِربة (4) . ولقبه : السقّاء (5) ، وقمر بني هاشم . وأمّا صفته : فقد كان ممشوق (6) القامة ، عريض الصدر ، عَبْل (7) الذراعين ، جميل المحيّا ، حتى سُمّي : قمر بني هاشم (8) . وكان مع أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام منذ بداية الثورة . وهو صاحب لوائه فى ¨
.
ص: 121
كربلاء (1) . وتولّى سقاية الجيش والأطفال في ساعة العسرة التي كان فيها الإمام وأصحابه محاصرين (2) . وعندما طلب الإمام عليه السلام من أصحابه وأهل بيته أن يذهبوا ويتركوه وحده في ليلة العاشر من المحرّم ، كان أبو الفضل أوّل من هبّ ليخبره بملازمته إيّاه وتفانيه من أجله عبر كلمات طافحة بالعشق والإيمان والإيثار (3) . أتاه وإخوته الثلاثة شمرُ بن ذي الجوشن ومعه كتاب الأمان ، فامتعضوا منه وكرهوا لقاءه ، وقالوا في ردّ ما عرضه عليهم : لَعَنَكَ اللّهُ ولَعَنَ أمانَكَ ! . . . أ تُؤمِنُنا وَابنُ رَسولِ اللّهِ لا أمانَ لَهُ ؟ ! (4) أثنى عليه المعصومون عليهم السلام ووصفوه بالإيثار ، والبصيرة النافذة ، والثبات على الإيمان ، والجهاد العظيم ، والبلاء الحسن ، والمنزلة التي يُغبَط عليها يوم القيامة (5) . استُشهد هذا البطل المهيب والعضد الصامد لأبي عبد اللّه عليه السلام عندما عزم على إيصال الماء إلى الأفواه اليابسة الظامئة للنساء والأطفال حين ظلّ الإمام عليه السلام وحيدا فريدا . فعزّ مصرعه على الحسين عليه السلام ، وجلس عند جثمانه المضرّج بالدماء ، ورثاه بحرقة وألم : «الآنَ انكَسَرَ ظَهري ، وقَلَّت حيلَتي» (6) .
.
ص: 122
الإمام زين العابدين عليه السلام :رَحِمَ اللّهُ العَبّاسَ _ يَعنِي ابنَ عَلِيٍّ _ فَلَقَد آثَرَ وأبلى وفَدى أخاهُ بِنَفسِهِ حَتّى قُطِعَت يَداهُ ، فَأَبدَلَهُ اللّهُ بِهِما جَناحَينِ يَطيرُ بِهِما مَعَ المَلائِكَةِ فِي الجَنَّةِ كَما جَعَلَ لِجَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ . وإنَّ لِلعَبّاسِ عِندَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى مَنزِلَةً يَغبِطُهُ بِها جَميعُ الشُّهَداءِ يَومَ القِيامَةِ (1) .
عنه عليه السلام_ في ذِكرِ لَيلَةِ عاشوراءَ _: لَمّا كانَ اللَّيلُ ، قالَ [الحُسَينُ عليه السلام ] : هذَا اللَّيلُ قَد غَشِيَكُم ، فَاتَّخِذوهُ جَمَلاً (2) ، ثُمَّ لِيَأخُذ كُلُّ رَجُلٍ مِنكُم بِيَدِ رَجُلٍ مِن أهلِ بَيتي ؛ تَفَرَّقوا في سَوادِكُم ومَدائِنِكُم حَتّى يُفَرِّجَ اللّهُ ؛ فَإِنَّ القَومَ إنَّما يَطلُبوني ، ولَو قَد أصابوني لَهَوا عَن طَلَبِ غَيري . فَقالَ لَهُ إخوَتُهُ وأبناؤُهُ وبَنو أخيهِ وَابنا عَبدِ اللّهِ ابنِ جَعفَرٍ : لِمَ نَفعَلُ ؟ ! لِنَبقى بَعدَكَ ؟ ! لا أرانَا اللّهُ ذلِكَ أبَدا ! بَدَأَهُم بِهذَا القَولِ العَبّاسُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام (3) .
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَمُّنَا العَبّاسُ نافِذَ البَصيرَةِ ، صُلبَ الإِيمانِ ، جاهَدَ مَعَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، وأبلى بَلاءً حَسَنا ، ومَضى شَهيدا (4) .
تاريخ الطبري عن عبد اللّه بن شريك العامري_ في ذِكرِ أحداثِ واقِعَةِ كَربَلاءَ _: قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ أبِي المُحِلِّ _ لِابنِ زِيادٍ _ : . . . أصلَحَ اللّهُ الأَميرَ ! إنَّ بَني اُختِنا مَعَ الحُسَينِ ، فَإِن رَأَيتَ أن تَكتُبَ لَهُم أمانا فَعَلتَ ، قالَ : نَعَم ونَعمَةَ عَينٍ . فَأَمَرَ كاتِبَهُ ، فَكَتَبَ لَهُم أمانا . فَبَعَثَ بِهِ عَبدُ اللّهِ بنُ أبِي المُحِلِّ مَعَ مَولىً لَهُ يُقالُ لَهُ : كُزمانُ ، فَلَمّا قَدِمَ عَلَيهِم دَعاهُم ، فَقالَ : هذا أمانٌ بَعَثَ بِهِ خالُكُم . فَقالَ لَهُ الفِتيَةُ : أقرِئ خالَنَا السَّلامَ ، وقُل لَهُ :
.
ص: 123
أن لا حاجَةَ لَنا في أمانِكُم ، أمانُ اللّهِ خَيرٌ مِن أمانِ ابنِ سُمَيَّةَ ! . . . وجاءَ شِمرٌ حَتّى وَقَفَ عَلى أصحابِ الحُسَينِ ، فَقالَ : أينَ بَنو اُختِنا ؟ فَخَرَجَ إلَيهِ العَبّاسُ وجَعفَرٌ وعُثمانُ بَنو عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالوا لَهُ : ما لَكَ وما تُريدُ ؟ قالَ : أنتُم يا بَني اُختي آمِنونَ . قالَ لَهُ الفِتيَةُ : لَعَنَكَ اللّهُ ولَعَنَ أمانَكَ ! لَئِن كُنتَ خالَنا أ تُؤمِنُنا وَابنُ رَسولِ اللّهِ لا أمانَ لَهُ ؟ ! (1)
4 / 5إخوَةُ العَبّاسِوهم عبد اللّه وعثمان وجعفر أبناء اُمّ البنين ، وكانوا أصغر من العبّاس عليه السلام . واستشهدوا مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء (2) . ولم يخذلوا إمامهم ، ولم يتركوه وحده حين آمنهم العدوّ (3) . وكان لعبد اللّه من العمر خمس وعشرون سنة (4) . وكان يرتجز عند شهادته ويقول : أنَا ابنُ ذِي النَّجدَةِ وَالإِفضالِ ذاكَ علِيُّ الخَيرِ ذُو الفَعالِ سَيفُ رَسولِ اللّهِ ذُو النَّكالِ في كُلِّ يَومٍ ظاهِرُ الأَهوالِ (5)
.
ص: 124
وكان عثمان ابن إحدى وعشرين سنة . سمّاه الإمام عليه السلام به إحياءً وتخليدا لاسم عثمان بن مظعون (1) .
الأخبار الطوال :قالَ العَبّاسُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام لِاءِخوَتِهِ عَبدِ اللّهِ وجَعفَرٍ وعُثمانَ بَني عَِليٍّ عَلَيهِ وعَلَيهِمُ السَّلامُ ، واُمُّهُم جَميعا اُمُّ البَنينَ العامِرِيَّةُ مِن آلِ الوَحيدِ : تَقَدَّموا ، بِنَفسي أنتُم ! فَحاموا عَن سَيِّدِكُم حَتّى تَموتوا دونَهُ (2) .
مقاتل الطالبيّين عن الضحّاك المشرقي :قالَ العَبّاسُ لِأَخيهِ مِن أبيهِ واُمِّهِ عَبدِ اللّهِ بنِ عَلِيٍّ : تَقَدَّم بَينَ يَدَيَّ حَتّى أراكَ وأحتَسِبَكَ (3) .
.
ص: 125
تَحقيقٌ في نِسبَةِ «سُكَينَةَ» إلَى الإِمامِ عَلِيٍّاشتهر مزار في سوريا في مدينة دمشق باسم سكينة بنت عليّ عليه السلام . ولكن بعد التتبّع والاستقصاء في المصادر التاريخيّة لكلا الفريقين حول أولاد الإمام عليه السلام لم نجد دليلاً معتبرا على وجود بنت بهذا الاسم له عليه السلام . بيد أنّا حينما نتصفّح المصادر الحديثيّة يتراءى لنا وجود امرأة باسم سكينة بنت عليّ عليه السلام ، وذلك في ثلاثة مواضع على وجه التحديد : 1 _ ورد في روايةٍ في دفن سيّدتنا الزهراء عليهاالسلام عن الإمام عليّ عليه السلام قال : ناديت يا اُمّ كلثوم ، يا زينب ، يا سكينة ، يا فضّة ، يا حسن ، يا حسين ، هلمّوا تزوّدوا من اُمّكم (1) ! حيث ذهب البعض إلى أنّ ذكر اسم سكينة إلى جانب زينب واُمّ كلثوم قرينة على صحّة انتساب المزار الموجود في سورية إلى سكينة بنت الإمام عليّ عليه السلام . لكن يردّ هذا الاستدلال اُمور : أ _ نصُّ المرحوم المجلسي على أنّه لم يأخذه من مصدر معوّل عليه (2) .
.
ص: 126
ب _ ذِكر اسمِ فضّة مع سكينة وأولاد الإمام عليه السلام ؛ فإنّه يدلّ على حضور أشخاص آخرين غير أولاد الإمام عليه السلام وقتئذٍ أيضا . ج _ لم تدعم المصادر التاريخيّة وجود بنت للزهراء عليهاالسلامباسم سكينة . 2 _ جاء في سند رواية حول مدح سيّدتنا الزهراء عليهاالسلام ما لفظه : عن الحسين بن إبراهيم القمّي عن عليّ بن محمّد العسكري عن صعصعة بن ناجية عن زيد بن موسى عن أبيه عن جدّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن عمّه زيد بن عليّ عن أبيه عن سكينة وزينب ابنتي عليّ عن عليّ عليه السلام . . . (1) . والضعف الشديد في أوّل السند يقوّي احتمال الخطأ في الرواية بشكل كبير . مضافا إلى أنّه لم يُعهد نقل رواية عن الإمام الباقر عليه السلام عن زيد عن الإمام السجّاد عليه السلام . 3 _ ورد في رواية اُخرى عن الإمام الحسين عليه السلام : اُدخِلَ على اُختي سكينة بنت عليّ عليه السلام خادمٌ ، فغطّت رأسها منه . . . (2) وسند هذه الرواية أيضا ضعيف جدّا ، فبعض رجاله موصوف بأنّه مجهول مختلط .
.
ص: 127
القسم الثاني : الإمام عليّ مع النبيّوفيهِ فُصولٌ :الفصل الأول : المؤازرة على الدعوةالفصل الثاني : الصعود على منكبي النبيّ لكسر الأصنامالفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيتالفصل الرابع : غاية الفُتوّة في غزوتينالفصل الخامس : ارغام العدوّ على التسليم في غزوتينالفصل السادس : الضربة المصيريّة في غزوة الخندقالفصل السابع : الشجاعة والأدب في الحديبِيّةِالفصل الثامن : الدور المصيري في فتح خيبرالفصل التاسع : النشاطات في فتح مكّةالفصل العاشر : المقاومة الرائعة في غزوة حنينالفصل الحادي عشر : الاستخلاف عن النبيّ في غزوة تبوكالفصل الثاني عشر : عدّةُ بَعثات هامّةالفصل الثالث عشر : من أدعية النبيّ للإمامالفصل الرابع عشر : عروج النبيّ من صدر الوصيّ
.
ص: 128
. .
ص: 129
الفصل الأول : المؤازرة على الدعوةبدأت الدعوة سرّية ، وامتدّت شيئاً فشيئاً فهوت إليها أفئدة ثلّة من الناس ، إقبالاً منها على تلك الرسالة الحقّة . وكان عليّ عليه السلام أوّل من آمن بها من الرجال ، وشهد بنبوّة محمّد صلى الله عليه و آله (1) ، ثمّ تبعه آخرون . . . . وبعد ثلاث سنين نزلت الآية الكريمة : «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (2) إيذانا ببدء الدعوة العلنيّة ابتداء بعشيرة النبيّ الأقربين . فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام بإعداد الطعام وإقامة مأدبة خاصّة ؛ ليجتمع آل عبدالمطّلب ، فيبلّغهم النبيّ صلى الله عليه و آله برسالته ، وفي اليوم الأوّل تعذّر عليه ذلك بسبب ضجيج أبي لهب ولغطه ، ثمّ أعاده عليهم في غد ذلك اليوم ، وبعد فراغهم من الطعام بدأ كلامه بحمداللّه تعالى وقال : «إنَّ الرّائِدَ لا يَكذِبُ أهلَهُ و ...» (3) . و انتهى كلامه ، ولم ينهض معلناً عن متابعته ومرافقته صلى الله عليه و آله والإيمان برسالته الإلهيّة
.
ص: 130
إلّا عليّ عليه السلام ؛ حيث قام وصدح بذلك ، فأجلسه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتكرّر هذا الموقف في للمرّة الثانية والثالثة ، فقال صلى الله عليه و آله : «اِجلِس ؛ فَأَنتَ أخي ووَزيري ووَصِيّي وخَليفَتي مِن بَعدي» (1) . وخاطب الحاضرين بقوله : «إنَّ هذا أخي ، ووَصيّي ، وخَليفَتي عَلَيكُم ؛ فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوهُ» (2) . إلّا أنّ ذوي الضمائر السود ، والقلوب العليلة ، والأبصار العمي ، والأسماع الصمّ لم يذعنوا لصوت الحقّ ، ولجّوا وكابروا وعتَوا عن الكلام النبويّ ، بل إنّهم اتّخذوا أبا طالب سخريّاً . لكنّ الحقّ علا ، وطار كلامه صلى الله عليه و آله في الآفاق طلقاً من ذلك النطاق الضيّق ، ورسخت هذه الحقيقة فضيلةً عظمى إلى جانب فضائله عليه السلام ، وتبلور سند متين لإثبات ولايته إلى جانب عشرات الأسانيد الوثائقيّة ، وأعلن النبيّ صلى الله عليه و آله عمليّاً وحدة النبوّة والولاية في الاتّجاه والمسير وتلازمها ، ودلّ الجميع في اليوم الأوّل من الجهر بدعوته استمرار القيادة وامتدادها بعده ، وأودع ذلك ذمّة التاريخ ، والمهمّ هو تبيان موقع الكلام النبويّ . و قال صلى الله عليه و آله كلمته : «فَاسمَعوا لَهُ وأَطيعوهُ» في وقت كانت قريش قد تصامّت عن سماع كلامه ولم تعره آذانا صاغية ، فمن البيّن أنّ هذا الكلام كان للمستقبل وأجياله القادمة ممّن يقرّ بنبوّته صلى الله عليه و آله ، ويعتقد بحجّيّة كلامه .
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» دَعاني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقال لي : يا عَلِيُّ، إنَّ اللّهَ أمَرَني أن اُنذِرَ عَشيرَتِي الأَقرَبينَ ، فَضِقتُ بِذلِكَ ذَرعا ، وعَرَفتُ أنّي مَتى اُباديهِم بِهذَا الأَمرِ أرى مِنهُم ما أكرَهُ ، فَصَمَتُّ عَلَيهِ حَتّى جاءَني جَبرَئيلُ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّكَ إن لا تَفعَل ما تُؤمَرُ بِهِ يُعَذِّبكَ رَبُّكَ.
.
ص: 131
فَاصنَع لَنا صاعا مِن طَعامٍ ، وَاجعَل عَلَيهِ رِجلَ شاةٍ ، وَاملَأ لَنا عُسّا (1) مِن لَبَنٍ ، ثُمَّ اجمَع لي بَني عَبدِ المُطَّلِبِ حَتّى اُكَلِّمَهُم واُبَلِّغَهُم ما اُمِرتُ بِهِ . فَفَعَلتُ ما أمَرَني بِهِ ، ثُمَّ دَعَوتُهُم لَهُ ، وهُم يَومَئِذٍ أربَعونَ رَجُلاً ، يَزيدونَ رَجُلاً أو يَنقُصونَهُ ، فيهِم أعمامُهُ : أبو طالِبٍ وحَمزَةُ وَالعَبَّاسُ وأبو لَهَبٍ ، فَلَمّا اجتَمَعوا إلَيهِ دَعاني بِالطَّعامِ الَّذي صَنَعتُ لَهُم ، فَجِئتُ بِهِ ، فَلَمّا وَضَعتُهُ تَناوَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حِذيَةً (2) مِنَ اللَّحمِ ، فَشَقَّها بِأَسنانِهِ ، ثُمَّ ألقاها في نَواحِي الصَّحفَةِ (3) . ثُمَّ قالَ : خُذوا بِسمِ اللّهِ ، فَأَكَلَ القَومُ حَتّى ما لَهُم بِشَيءٍ حاجَةٌ وما أرى إلّا مَوضِعَ أيديهِم ، وَايمُ اللّهِ الَّذي نَفسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ ، وإن كانَ الرَّجُلُ الواحِدُ مِنهُم لَيَأكُلُ ما قَدَّمتُ لِجَميعِهِم . ثُمَّ قالَ : اِسقِ القَومَ ، فَجِئتُهُم بِذلِكَ العُسِّ ، فَشَرِبوا مِنهُ حَتّى رَووا مِنهُ جَميعا ، وَايمُ اللّهِ إن كانَ الرَّجُلُ الواحِدُ مِنهُم لَيَشرَبُ مِثلَهُ ، فَلَمّا أرادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يُكَلِّمَهُم بَدَرَهُ أبو لَهَبٍ إلَى الكَلامِ ، فَقالَ : لَهَدَّ (4) ما سَحَرَكُم صاحِبُكُم ! فَتَفَرَّقَ القَومُ ولَم يُكَلِّمهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : الغَدَ يا عَلِيُّ ، إنَّ هذَا الرَّجُلَ سَبَقَني إلى ما قَد سَمِعتَ مِنَ القَولِ ، فَتَفَرَّقَ القَومُ قَبلَ أن اُكَلِّمَهُم ، فَعُد لَنا مِنَ الطَّعامِ بِمِثلِ ما صَنَعتَ ، ثُمَّ اجمَعهُم إلَيَّ . قالَ : فَفَعَلتُ ، ثُمَّ جَمَعتُهُم ثُمَّ دَعاني بِالطَّعامِ فَقَرَّبتُهُ لَهُم ، فَفَعَلَ كَما فَعَلَ بِالأَمسِ ، فَأَكَلوا حَتّى ما لَهُم بِشَيءٍ حاجَةٌ . ثُمَّ قالَ : اِسقِهِم ، فَجِئتُهُم بِذلِكَ العُسِّ ، فَشَرِبوا حَتّى رَووا مِنهُ جَميعا ، ثُمَّ تَكَلَّمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ! إنّي وَاللّهِ ما أعلَمُ شابّا فِي العَرَبِ جاءَ قَومَه
.
ص: 132
بِأَفضَلَ مِمّا قَد جِئتُكُم بِهِ ؛ إنّي قَد جِئتُكُم بِخَيرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وقَد أمَرَنِي اللّهُ تَعالى أن أدعُوَكُم إلَيهِ ، فَأَيُّكُم يُؤازِرُني عَلى هذَا الأَمرِ عَلى أن يَكونَ أخي ووَصِيّي وخَليفَتي فيكُم ؟ قالَ : فَأَحجَمَ القَومُ عَنها جَميعا ، وقُلتُ : . . . أنَا يا نَبِيَّ اللّهِ ، أكونُ وزَيرَكَ عَلَيهِ ، فَأَخَذَ بِرَقَبَتي ، ثُمَّ قالَ : إنَّ هذا أخي ووَصِيّي وخَليفَتي فيكُم ، فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوا ، قالَ : فَقامَ القَومُ يَضحَكونَ ويَقولونَ لِأبي طالِبٍ : قد أمَرَكَ أن تَسمَعَ لِابنِكَ وتُطيعَ (1) .
عنه عليه السلام :لَمّا نَزَلَت : «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» . . . دَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَني عَبدِ المُطَّلِبِ وهُم إذ ذاكَ أربَعونَ رَجُلاً ، يَزيدونَ رَجُلاً أو يَنقُصونَ رَجُلاً ، فَقالَ : أيُّكُم يَكونُ أخي ووَصِيّي ووَارِثي ووَزيري وخَليفَتي فيكُم بَعدي ؟ فَعَرَضَ عَلَيهِم ذلِكَ رَجُلاً رَجُلاً ، كُلُّهُم يَأبى ذلِكَ ، حَتّى أتى عَلَيَّ ، فَقُلتُ : أنَا يا رَسولَ اللّهِ ، فَقالَ : يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ! هذا أخي ووارِثي ووَصِيّي ووَزيري وخَليفَتي فيكُم بَعدي (2) .
شرح نهج البلاغة عن أبي جعفر الإسكافي :قَد رُوِيَ فِي الخَبَرِ الصَّحيحِ أنَّهُ صلى الله عليه و آله كَلَّفَهُ عليه السلام في مَبدَإِ الدَّعوَةِ قَبلَ ظُهورِ كَلِمَةِ الإِسلامِ وَانتِشارِها بِمَكَّةَ أن يَصنَعَ لَهُ طَعاما ، وأن يَدعُوَ لَهُ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَصَنَعَ لَهُ الطَّعامَ ، ودَعاهُم لَهُ ، فَخَرَجوا ذلِكَ اليَومَ ، ولَم يُنذِرهُم صلى الله عليه و آله ؛ لِكَلِمَةٍ قالَها عَمُّهُ أبو لَهَبٍ ، فَكَلَّفَهُ فِي اليَومِ الثّاني أن يَصنَعَ مِثلَ ذلِك
.
ص: 133
الطَّعامِ ، وأن يَدعُوَهُم ثانِيَةً ، فَصَنَعَهُ ، ودَعاهُم فَأَكَلوا . ثُمَّ كَلَّمَهُم صلى الله عليه و آله فَدَعاهُم إلَى الدّينِ ، ودَعاهُ مَعَهُم ؛ لِأَ نَّهُ مِن بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، ثُمَّ ضَمِنَ لِمَن يُؤازِرُهُ مِنهُم ويَنصُرُهُ عَلى قَولِهِ أن يَجعَلَهُ أخاهُ فِي الدّينِ ، ووَصِيَّهُ بَعدَ مَوتِهِ ، وخَليفَتَهُ مِن بَعدِهِ ، فَأَمسَكوا كُلُّهُم وأجابَهُ هُوَ وَحدَهُ ، وقالَ : أنَا أنصُرُكَ عَلى ما جِئتَ بِهِ ، واُوازِرُكَ واُبايِعُكَ ، فَقالَ لَهُم _ لَمّا رَأى مِنهُمُ الخِذلانَ ، ومِنهُ النَّصرَ ، وشاهَدَ مِنهُمُ المَعصِيَةَ ومِنهُ الطّاعَةَ ، وعايَنَ مِنهُمُ الإِباءَ ومِنهُ الإِجابَةَ - : هذا أخي ووَصِيّي وخَليفَتي مِن بَعدي ، فَقاموا يَسخَرونَ ويَضحَكونَ ، ويَقولونَ لِأَبي طالِبٍ : أطِعِ ابنَكَ ؛ فَقَد أمَّرَهُ عَلَيكَ (1) .
الإرشاد :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله جَمَعَ خاصَّةَ أهلِهِ وعَشيرَتَهُ فِي ابتِداءِ الدَّعوَةِ إلَى الإِسلامِ ، فَعَرَضَ عَلَيهِمُ الإِيمانَ ، وَاستَنصَرَهُم عَلى أهلِ الكُفرِ وَالعُدوانِ ، وضَمِنَ لَهُم عَلى ذلِكَ الحُظوَةَ فِي الدُّنيا ، وَالشَّرَفَ وثَوابَ الجِنانِ ، فَلَم يُجِبهُ أحَدٌ مِنهُم إلّا أميرُ المُؤمِنينَ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَنَحَلَهُ بِذلِكَ تَحقيقَ الاُخُوَّةِ وَالوِزارَةِ وَالوَصِيَّةِ وَالوِراثَةِ وَالخِلافَةِ ، وأوجَبَ لَهُ بِهِ الجَنَّةَ . وذلِكَ في حَديثِ الدّارِ ، الَّذي أجمَعَ عَلى صِحَّتِهِ نُقّادُ الآثارِ ، حيَن جَمَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَني عَبدِ المُطَّلِبِ في دارِ أبي طالِبٍ ، وهُم أربَعونَ رَجُلاً ، يَومَئِذٍ يَزيدونَ رَجُلاً أو يَنقُصونَ رَجُلاً فيما ذَكَرَهُ الرُّواةُ ، وأمَرَ أن يُصنَعَ لَهُم فَخِذُ شاةٍ مَعَ مُدٍّ مِنَ البُرِّ ، ويُعَدَّ لَهُم صاعٌ مِنَ اللَّبَنِ ، وقَد كانَ الرَّجُلُ مِنهُم مَعروفا بِأَكلِ الجَذَعَةِ (2) في مَقامٍ واحِدٍ ، ويَشرَبُ الفَرَقَ (3) مِنَ الشَّرابِ في ذلِكَ المَقامِ ، وأرادَ عليه السلام بِإِعدادِ قَليلِ الطَّعامِ وَالشَّرابِ لِجَماعَتِهِم إظهارَ الآيَةِ لَهُم في شِبَعِهِم ورِيِّهِم مِمّا كانَ لا يُشبِعُ الواحِدَ مَنهُم
.
ص: 134
ولا يُرويهِ . ثُمَّ أمَرَ بِتَقديمِهِ لَهُم ، فَأَكَلَتِ الجَماعَةُ كُلُّها مِن ذلِكَ اليَسيرِ حَتّى تَمَلَّؤوا مِنهُ ، فَلَم يَبِن ما أكَلوهُ مِنهُ وشَرِبوهُ فيهِ ، فَبَهَرَهُم بِذلِكَ ، وبَيَّنَ لَهُم آيَةَ نُبُوَّتِهِ ، وعَلامَةَ صِدقِهِ بِبُرهانِ اللّهِ تَعالى فيهِ . ثُمَّ قالَ لَهُم بَعدَ أن شَبِعوا مِنَ الطَّعامِ ورَووا مِنَ الشَّرابِ : يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ! إنَّ اللّهَ بَعَثَني إلَى الخَلقِ كافَّةً ، وَبَعَثَني إلَيكُم خاصَّةً ، فَقالَ عزَّوجَلَّ : «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» وأنَا أدعوكُم إلى كَلِمَتَينِ خَفيفَتَينِ عَلَى اللِّسانِ ثَقيلَتَينِ فِي الميزانِ ، تَملِكونَ بِهِمَا العَرَبَ وَالعَجَمَ ، وتَنقادُ لَكُم بِهِمَا الاُمَمُ ، وتَدخُلونَ بِهِمَا الجَنَّةَ ، وتَنجونَ بِهِما مِنَ النّارِ : شَهادَةِ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنّي رَسولُ اللّهِ ، فَمَن يُجِبني إلى هذَا الأَمرِ ويُؤازِرني عَلَيهِ وعَلَى القِيامِ بِهِ ، يَكُن أخي ووَصِيّي ووَزيري ووارِثي وخَليفَتي مِن بَعدي . فَلَم يُجِب أحَدٌ مِنهُم . فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : فَقُمتُ بَينَ يَدَيهِ مِن بَينِهِم . . . فَقُلتُ : أنَا _ يا رَسولَ اللّهِ _ اُؤازِرُكَ عَلى هذَا الأَمرِ ، فَقالَ : اِجلِس ، ثُمَّ أعادَ القَولَ عَلَى القَومِ ثانِيَةً فَاُصمِتوا ، وقُمتُ فَقُلتُ مِثلَ مَقالَتِي الاُولى ، فَقالَ : اِجلِس . ثُمَّ أعادَ عَلَى القَومِ مَقالَتَهُ ثالِثَةً فَلَم يَنطِق أحَدٌ مِنهُم بِحَرفٍ ، فَقُلتُ : أنَا اُؤازِرُكَ _ يا رَسولَ اللّهِ _ عَلى هذَا الأَمرِ ، فَقالَ : اِجلِس ؛ فَأَنتَ أخي ووَصِيّي ووَزيري ووارِثي وخَليفَتي مِن بَعدي . فَنَهَضَ القَومُ وهُم يَقولونَ لِأَبي طالِبٍ : يا أبا طالِبٍ ! لِيَهنِكَ اليَومَ إن دَخَلتَ في دينِ ابنِ أخيكَ ؛ فَقَد جَعَلَ ابنَكَ أميرا عَلَيكَ (1) .
.
ص: 135
نكتة :جاء في بعض النصوص التاريخيّة والحديثيّة : أنّ نزاعا وقع بين الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام والعبّاس بن عبدالمطّلب بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله على إرثه ؛ فزعم العبّاس أنّ أموال النبيّ صلى الله عليه و آله له ؛ فتحاكما إلى أبي بكر ، فخاطب أبو بكر العبّاس مشيرا إلى يوم الدار ، وقال : «أنشدك اللّه ، هل تعلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جمع بني عبدالمطّلب وأولادهم وأنت فيهم ، وجمعكم دون قريش فقال : يا بني عبد المطّلب ! إنّه لم يبعث اللّه نبيّا إلّا جعل له من أهله أخا ووزيرا ووصيّا وخليفةً في أهله ، فمن يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي في أهلي ؟ . . . فقام عليّ من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعاه إليه . أ تعلم هذا له من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم» (1) . حيث يُستشفّ من هذا الخبر أنّ أبا بكر كان يعرف قضيّة «إنذار العشيرة» ويعلم ويعترف بها ويراها حجّةً . وأصل هذه الحادثة وطرح الدعوى بالشكل المذكور يثير التساؤل ؛ فالنقطة التي لم يُلْتَفَتْ إليها هي : لماذا رجع الإمام عليه السلام وعمّه العبّاس إلى الخليفة ؟ وهل هذا الخلاف صحيح من أساسه ؟ فقد كان للنبيّ صلى الله عليه و آله عند وفاته بنت ، وزوجات أيضا ، فلا نصيب للعمّ وابن العمّ حتى يدّعيا الإرث . . . ومن الواضح أنّ أمواله صلى الله عليه و آله تؤول إلى بنته الطاهرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وبعد استشهادها تنتقل إلى أولادها ، فأصل ادّعاء العبّاس بن عبدالمطّلب لا يصحّ ، فلِمَ ادّعى ذلك إذن وتحاكم إلى الخليفة ؟
.
ص: 136
نُقل عن أبي رافع أنّ العبّاس قال لأبي بكر بعد كلامه المذكور : «فما أقعدك مجلسك هذا ؟ تقدّمته وتأمّرت عليه ! فقال أبو بكر : أغدرا يا بني عبدالمطّلب!» (1) . نفهم من هذا النصّ أنّ العبّاس قد افتعل بذكاء هذا الموضوع ، ليذكّر أبا بكر بمن هو أهل للخلافة ، وينبزه بابتزازها . ومثل هذه التصرّفات كانت تنتشر وتشتهر بسرعة لمكانة العبّاس ومنزلته . وهكذا أيضا كان حوار عبد اللّه بن عبّاس وعمر بن الخطّاب ؛ فقد ذكّر ابن عبّاس عمر بأهليّة الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام للخلافة ، فغضب عمر ، وقال : «إليك يا بن عبّاس ! أ تريد أن تفعل بي كما فعل أبوك وعليّ مع أبي بكر يوم دخلا عليه ؟» (2) .
.
ص: 137
تحريف التاريخ في قضيّة المؤازرةإنّ ما أوردناه هو عين ما نقله المؤرّخون ، والمحدّثون ، والمفسّرون بطرق مختلفة وأسانيد متنوّعة ، وسيأتي في الصفحات القادمة (1) ، وهو ما ذكره الطبري أيضاً في تاريخه مفصّلاً ؛ بيد أنّه في تفسيره بعد أن نقل الرواية بنفس السند الوارد في تاريخه ، غيّر فيها فقال : «على أن يكون أخي وكذا وكذا» بدل «على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم» ، وأباح لنفسه تحريف الكلام النبوي وهو يواصل كلامه ، فقال : «إنّ هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوه» مكان «إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؛ فاسمعوا له وأطيعوه» ! (2) ومن الطبيعي أن يكون نقل الطبري مثارا للتساؤل ومدعاه للتأسّف ! والتأمّل فيه يدلّ على أنّه كان مُكرَهاً متحكّماً فيه ، وإلّا فماذا يعني قوله : «إن هذا أخي وكذا وكذا ، فاسمعوا له . . .» ؟ ! علماً أنّ قوله : «فاسمعوا له وأطيعوه» ينطوي على مكنون سرّ يُشعر بحذفٍ لروح الكلام ولبابه !
.
ص: 138
وقد حذا ابن كثير حذو الطبري أيضاً ، فنقل ذلك في تفسيره ، وتاريخه ، وسيرته النبويّة بالنحو الذي أورده الطبري في تفسيره ؛ أي بشكله المقطّع ، وهذا ما يُثير الدهشة والعجب ، إذ إنّ «تاريخ الطبري» أهمّ مصدر ومرجع اعتمد عليه ابن كثير في «البداية والنهاية» (1) . و ذكر الكاتب المصري محمّد حسين هيكل تلك الحادثة في الطبعة الاُولى من كتابه «حياة محمّد» ، مع حذف لمواضع منها ، لكنّه حذف الخبر كلّه في الطبعة الثانية وما تلاها من طبعات ! (2) و حاول ابن تيميّة أيضا أن يطعن في السند ، وأحياناً في المتن ، وامترى في أصل الحادثة ، وقد رُدَّ عليه بأجوبة مفصّلة (3) .
.
ص: 139
الفصل الثاني : الصعود على منكبي النبيّ لكسر الأصنامكانت الكعبة رمز التوحيد على طول التاريخ . وعند ما بُعث النبيّ صلى الله عليه و آله لهداية الاُمّة ، كان الجاهليّون قد ملؤوا بيت التوحيد هذا بأصنام وأوثان شتّى من وحي جهلهم وزيغهم الفكري ، فلوّثوه بالشرك عبر هذا العمل السفيه ، ولذا اهتمّ النبيّ صلى الله عليه و آله بإزالة كلّ هذا القبح والشذوذ ، وأخذ عليّاً عليه السلام معه لتطهير مركز التوحيد من مظاهر الشرك . فصعد عليه السلام على منكبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وألقى صنم قريش الكبير _ وقيل : هو صنم خزاعة _ من على سطح الكعبة إلى الأرض . وهذه الفضيلة العظيمة المتمثّلة بتحطيم الأصنام صعوداً على منكبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله تفرّد بها عليّ عليه السلام دون غيره على امتداد التاريخ . و هي فضيلة لا نظير لها ، وموهبة لا يشاركه فيها أحد .
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا كانَ اللَّيلَةُ الَّتي أمَرَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن أبيتَ عَلى فِراشِهِ وخَرَجَ مِن مَكَّةَ مُهاجِرا ، اِنطَلَقَ بي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى الأَصنامِ فَقالَ : اِجلِس ، فَجَلَستُ إلى جَنبِ الكَعبَةِ ، ثُمَّ صَعِدَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى مَنكِبي ، ثُمَّ قالَ : اِنهَض ، فَنَهَضتُ بِهِ فَلَمّا رَأى
.
ص: 140
ضَعفي تَحتَهُ قالَ : اِجلِس ، فَجَلَستُ فَأَنزَلتُهُ عَنّي وجَلَسَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ لي : يا عَلِيُّ ، اِصعَد عَلى مَنكِبي فَصَعِدتُ عَلى مَنكِبَيهِ ، ثُمَّ نَهَضَ بي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وخُيِّلَ إلَيَّ أ نّي لَو شِئتُ نِلتُ السَّماءَ ، وصَعِدتُ إلَى الكَعبَةِ وتَنَحّى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَلقَيتُ صَنَمَهُمُ الأَكبَرَ ، وكانَ مِن نُحاسٍ مُوَتَّدا بِأَوتادٍ مِن حَديدٍ إلَى الأَرضِ ، فَقالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عالِجهُ فَعالَجتُ فَما زِلتُ اُعالِجُهُ ويَقولُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إيهِ إيهِ ، فَلَم أزَل اُعالِجُهُ حَتَّى استَمكَنتُ مِنهُ فَقالَ : دُقَّهُ ، فَدَقَقتُهُ فَكَسَّرتُهُ ونَزَلتُ (1) .
المستدرك على الصحيحين عن أبي مريم عن الإمام عليّ عليه السلام :اِنطَلَقَ بي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى أتى بِيَ الكَعبَةَ ، فَقال لي : اِجلِس ، فَجَلَستُ إلى جَنبِ الكَعبَةِ فَصَعِدَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِمَنكِبي ، ثُمَّ قالَ لي : اِنهَض ، فَنَهَضتُ ، فَلَمّا رَأى ضَعفي تَحتَهُ قالَ لي : اِجلِس ، فَنَزَلتُ وجَلَستُ ، ثُمَّ قال لي : يا عَلِيُّ اصعَد عَلى مَنكِبي ، فَصَعِدتُ عَلى مَنكِبَيهِ ثِمَّ نَهَضَ بي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا نَهَضَ بي خُيِّلَ إلَيَّ لَو شِئتُ نِلتُ اُفُقَ السَّماءِ ، فَصَعِدتُ فَوقَ الكَعبَةِ وتَنَحّى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ لي : ألقِ صَنَمَهُمُ الأَكبَرَ _ صَنَمَ قُرَيشٍ _ وكانَ مِن نُحاسٍ مُوَتَّدا بِأَوتادٍ مِن حَديدٍ إلَى الأَرضِ ، فَقالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عالِجهُ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لي : إيهِ إيهِ «جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَ_طِ_لُ إِنَّ الْبَ_طِ_لَ كَانَ زَهُوقًا» (2) فَلَم أزَل اُعالِجُهُ حَتَّى استَمكَنتُ مِنهُ ، فَقالَ : اِقذِفهُ ، فَقَذَفتُهُ فَتَكَسَّرَ ، وتَرَدَّيتُ مِن فَوقِ الكَعبَةِ ، فَانطَلَقتُ أنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله نَسعى وخَشينا أن يَرانا أحَدٌ مِن قُرَيشٍ وغَيرِهِم . قالَ عَلِيٌّ : فَما صَعِدَ بِهِ حَتّى السّاعَةِ (3) .
.
ص: 141
الإمام عليّ عليه السلام_ لِأَبي بَكرٍ _: أنشُدُكَ بِاللّهِ ، أنتَ الَّذي حَمَلَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى كَتِفَيهِ في طَرحِ صَنَمِ الكَعبَةِ وكَسرِهِ حَتّى لَو شاءَ أن يَنالَ اُفُقَ السَّماءِ لَنالَها أم أنَا ؟قالَ : بَل أنتَ (1) .
.
ص: 142
تحقيق و تمحيصٌإنّ الأخبار المنقولة حول هذه الحادثة بالغة الكثرة ؛ فقد نقلها أئمّة الحديث ، والتاريخ ، والحفّاظ _ على حدّ تعبير العلّامة الجليل الشيخ الأميني (1) _ بدون أن يطعنوا في أسانيدها ويشكّوا في نقلها . وما يتطلّب قليلاً من البحث ، ويحتاج إلى التحقيق والتمحيص والتوضيح هو زمن الحادثة ؛ فإنّ تبويب الأخبار الكثيرة المنقولة في هذا المجال يدلّ على أنّها تنقسم إلى أربعة أقسام : 1 _ بعض الأخبار _ وهي كثيرة جدّاً _ لم تصرّح بزمن وقوع الحادثة ، وجاء في آخرها أنّ الإمام قال : « . . .فقذفت به [أحد الأصنام] فتكسّر كما تتكسّر القوارير ، ثمّ نزلتُ ، فانطلقت أنا ورسول اللّه صلى الله عليه و آله نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس» (2) . 2 _ أخبار اُخرى تُشير إلى أنّها كانت في ليلة خروج النبيّ صلى الله عليه و آله من مكّة (3) . 3 _ أخبار اُخرى تنصّ على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج مع الإمام عليه السلام من بيت
.
ص: 143
خديجة ، ثمّ عادا إلى البيت بعد كسر الأصنام (1) . 4 _ خبر آخر نصّ على أنّها تزامنت مع فتح مكّة (2) . وتدلّ الطوائف الثلاثة الاُولى من هذه الأخبار على أنّ الحادثة كانت قبل الهجرة وفي ذروة الإرهاب الذي مارسه المشركون ضدّ المسلمين ، والظنّ القويّ يدعم هذا الرأي ، مع أنّه لا يستبعد وقوعها مرّتين ؛ أي قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله بهذه الحركة العظيمة المضادّة للشرك ومعه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك الجوّ الإرهابي الخانق المظلم قبل الهجرة . ومن الجليّ أنّ المشركين الذين كانت مكّة ، والمسجد الحرام ، والكعبة تحت تصرّفهم قد أعادوا الأصنام إلى مكانها ، ودنّسوا بها الكعبة ، ثمّ وبعد فتح مكّة تكرّرت تلك الحركة التطهيرية العظيمة للمرّة الأخيرة . واحتمل بعض المحدّثين والعلماء هذا التعدّد ؛ فالعلّامة المجلسي الذي تحدّث في موضع من كتابه «بحار الأنوار» عن فتح مكّة ، أشار في موضع آخر إلى أخبار اُخرى ، وقال : «أمّا كون كسر الأصنام في فتح مكّة فلا يظهر من هذا الخبر ، ولا من أكثر الأخبار الواردة فيه ، بل صريح بعض الأخبار وظاهر بعضها كون ذلك قبل الهجرة ، فيمكن الجمع بينهما بالقول بتعدّد وقوع ذلك» (3) . ونقل أحمد بن محمّد بن عليّ بن أحمد العاصمي (م 378ه ) أحد اُدباء القرن الرابع وعلمائه بخراسان أيضا هذا الاحتمال (4) .
.
ص: 144
. .
ص: 145
الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيتقال اللّه تعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوف بِالْعِبَادِ» (1) . انتشر دين اللّه في شبه الجزيرة العربيّة شيئا فشيئا ، وعلا الأذان المحمّدي ، وانعكس صداه في أرجاء منها ، وكانت «يثرب» من المدن التي سمعت نداء الحقّ ، وقد التقى عدد من أهلها برسول اللّه صلى الله عليه و آله في موسم الحجّ ، وعاهدوه سرّاً (2) . ومن جهة اُخرى زاد المشركون ظلمهم وجورهم ، وبلغوا ما بلغوا في تعذيبهم واضطهادهم وإرهابهم للناس ، واشتدّ أذاهم للمسلمين ، فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله بالهجرة إلى يثرب . من هنا ، هاجر المسلمون إلى يثرب تخلّصاً من جور المشركين واضطهادهم ، وقد بذل المشركون قصارى جهدهم للحؤول دون الهجرة ، بيد أنّ رجالاً كثيرا تركوا ما عندهم في مكّة وغادروها على عجل ، ففزع المشركون لذلك ؛ لأ نّهم كانوا
.
ص: 146
يعتقدون أنّه إذا اجتمع خلق غفير من أهل يثرب ، وحصل المسلمون على دعم من بعضهم ، وخرج النبيّ صلى الله عليه و آله من مكّة والتحق بهم ، فسيشكّلون قوّة عظيمة تهدّد أمنهم وخاصّه قوافلهم التجاريّة . ولذا عزموا على تدبير مكيدة لإنهاء أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي كان لا يزال بمكّة . فاجتمعوا وتشاوروا ، فتصافقوا على قتله صلى الله عليه و آله ؛ إذ لم يكن إخراجه أو حبسه مجدياً . واطّلع صلى الله عليه و آله على مؤامرتهم المشؤومة عن طريق الوحي ، فكُلِّف بالخروج من مكّة (1) «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَ_كِرِينَ» (2) . وقد قام المشركون بتطويق داره صلى الله عليه و آله ، بعد تداولهم في خطّة قتله وكيفيّة التنفيذ ، فإذا قَصَد الخروج فستتلقّاه سيوفهم وينتهي أمره إلى الأبد . فاقترح صلى الله عليه و آله على عليّ عليه السلام أن يبيت في فراشه تلك الليلة ، فسأله : أ وَتسلم يا رسول اللّه ؟ قال : نعم . فرحّب الإمام عليه السلام بهذا الاقتراح موطّنا نفسه للقتل عند مواجهة المشركين صباحاً (3) ، وسجد سجدة الشكر على هذه الموهبة العظيمة (4) . والتحف بالبرد اليمانيّ الأخضر الذي كان يلتحف به النبيّ صلى الله عليه و آله عند نومه ، ونام مطمئنّاً في فراشه صلى الله عليه و آله (5) .
.
ص: 147
لقد عبّر الإمام عليه السلام بهذا الموقف عن غاية شجاعته ، وجسّدها وصدع بها عمليّاً ؛ إذ عرّض بدنه الأعزل للسيوف المسلولة ، وهذا اللون من الشجاعة امتاز به دون غيره . وقد دفع هذا الإيثار الرائع الملائكة الكروبيّين إلى الاستحسان والإعجاب به . وباهى اللّه سبحانه ملائكته بهذا المشهد العجيب لنكران الذات (1) ، فأنزل الآية الكريمة : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ . . .» لتخليد هذه المنقبة ، وتكريم هذا الإيثار وهذه الفضيلة الرفيعة في أروقة التاريخ . و بعد تلك الليلة كان عليه السلام يذهب إلى غار «ثور» ليُوصل ما يحتاج إليه النبيّ صلى الله عليه و آله و رفيقه (2) . فأوصاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بردّ الأمانات ، واللحاق به في المدينة (3) . وبعد مدّة ترك عليه السلام مكّة قاصداً يثرب ومعه الفواطم ؛ اُمّه فاطمة بنت أسد ، والسيّدة فاطمة الزهراء ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب . فعلمت قريش بذلك ، وعزمت على منعه فبعثت ببعض فرسانها خلفه ، بيد أنّهم اصطدموا بموقفه الشجاع الجريء ورجعوا خائبين (4) . وكان النبيّ صلى الله عليه و آله ينتظره في «قبا» ، حتى إذا لحق به ، توجّهوا نحو يثرب (5) .
.
ص: 148
الأمالي للطوسي عن أنس :لَمّا تَوَجَّهَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى الغارِ ومَعَهُ أبو بَكرٍ أمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام أن يَنامَ عَلى فِراشِهِ ويَتَوَشَّحَ بِبُردَتِهِ ، فَباتَ عَلِيٌّ عليه السلام مُوَطِّنا نَفسَهُ عَلَى القَتلِ ، وجاءَت رِجالُ قُرَيشٍ مِن بُطونِها يُريدونَ قَتلَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا أرادوا أن يَضَعوا عَلَيهِ أسيافَهُم لا يَشُكّونَ أنَّهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، فَقالوا : أيقِظوهُ لِيَجِدَ ألَمَ القَتلِ ويَرَى السُّيوفَ تَأخُذُهُ ، فَلَمّا أيقَظوهُ ورَأَوهُ عَلِيّا عليه السلام تَرَكوهُ وتَفَرَّقوا في طَلَبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَنزَلَ اللّهُ عزَّوجَلَّ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُم بِالْعِبَادِ» (1) .
تاريخ اليعقوبي :أجمَعَت قُرَيشٌ عَلى قَتلِ رَسولِ اللّهِ ، وقالوا : لَيسَ لَهُ اليَومَ أحَدٌ يَنصُرُهُ وقَد ماتَ أبو طالِبٍ ، فَأَجمَعوا جَميعا عَلى أن يَأتوا مِن كُلِّ قَبيلَةٍ بِغُلامٍ نَهدٍ (2) ، فَيَجتَمِعوا عَلَيهِ ، فَيَضرِبوهُ بِأَسيافِهِم ضَربَةَ رَجُلٍ واحِدٍ ، فَلا يَكونُ لِبَني هاشِمٍ قُوَّةٌ بِمُعاداةِ جَميعِ قُرَيشٍ . فَلَمّا بَلَغَ رَسولَ اللّهِ أَنَّهُم أجمَعوا عَلى أن يَأتوهُ فِي اللَّيلَةِ الَّتِي اتَّعَدوا فيها خَرَجَ رَسولُ اللّهِ لَمَّا اختَلَطَ الظَّلامُ ومَعَهُ أبو بَكرٍ ، وإنَّ اللّهَ عزَّوجَلَّ أوحى فِي تِلكَ اللَّيلَةِ إلى جِبريلَ وميكائيلَ أ نّي قَضَيتُ عَلى أحَدِكُما بِالمَوتِ فَأَيُّكُما يُواسي صاحِبَهُ ؟ فَاختارَ الحياةَ كِلاهُما ، فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِما : هَلّا كُنتُما كَعَلِيِّ بنِ طالِبٍ ، آخَيتُ بَينَهُ وبَينَ مُحَمَّدٍ ، وجَعَلتُ عُمُرَ أحَدِهِما أكثَرَ مِنَ الآخَرِ ، فَاختارَ عَلِيٌّ المَوتَ ، وآثَرَ مُحَمَّدا بِالبَقاءِ ، وقامَ في مَضجَعِهِ ؟! اِهبِطا فَاحفَظاهُ مِن عَدُوِّهِ . فَهَبَطَ جِبريلُ وميكائيلُ ، فَقَعَدَ أحَدُهُما عِندَ رَأسِهِ ، وَالآخَرُ عِندَ رِجلَيهِ يَحرُسانِه
.
ص: 149
مِن عَدُوِّهِ ويَصرِفانِ عَنهُ الحِجارَةَ ، وجِبريلُ يَقولُ : بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا بنَ أبي طالِبٍ ، مَن مِثلُكَ يُباهِي اللّهُ بِكَ مَلائِكَةَ سَبعِ سَماواتٍ ؟ ! وخَلَّفَ عَلِيّا عَلى فِراشِهِ لِرَدِّ الوَدائِعِ الَّتي كانَت عِندَهُ ، وصارَ إلَى الغارِ فَكَمَنَ فيهِ ، وأتَت قُرَيشٌ فِراشَهُ فَوَجَدوا عَلِيّا ، فَقالوا : أينَ ابنُ عَمِّكَ ؟ قالَ : قُلتُم لَهُ : اُخرُج عَنّا ، فَخَرَجَ عَنكُم . فَطَلَبُوا الأَثَرَ فَلَم يَقَعوا عَلَيهِ (1) .
مجمع البيان_ في ذِكرِ مَبيتِ عَلِيٍّ عليه السلام عَلى فِراشِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: رُوِيَ أنَّهُ لَمّا نامَ عَلى فِراشِهِ قامَ جَبرائيلُ عِندَ رَأسِهِ وميكائيلُ عِندَ رِجلَيهِ ، وجَبرائيلُ يُنادي : بَخٍ بَخٍ مَن مِثلُكَ يَا بنَ أبي طالِبٍ يُباهِي اللّهُ بِكَ المَلائِكَةَ! (2)
الأمالي للطوسي عن ابن عبّاس :اِجتَمَعَ المُشرِكونَ في دارِ النَّدوَةِ ؛ لِيَتَشاوَروا في أمرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَتى جَبرَئيلُ عليه السلام رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأخبَرَهُ الخَبَرَ ، وأمَرَهُ أن لا يَنامَ في مَضجَعِهِ تِلكَ اللَّيلَةَ ، فَلَمّا أرادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المَبيتَ أمَرَ عَلِيّا عليه السلام أن يَبيتَ في مَضجَعِهِ تِلكَ اللَّيلَةَ ، فَباتَ عَلِيٌّ عليه السلام وتَغَشّى بِبُردٍ أخضَرَ حَضرَمِيٍّ كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَنامُ فيهِ ، وجَعَلَ السَّيفَ إلى جَنبِهِ فَلَمَّا اجتَمَعَ اُولئِكَ النَّفَرُ مِن قُرَيشٍ يَطوفونَ ويَرصُدونَهُ ويُريدونَ قَتلَهُ ، فَخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُم جُلوسٌ عَلَى البابِ ، عَدَدُهُم خَمسَةٌ وعِشرونَ رَجُلاً ، فَأَخَذَ حَفنَةً من البَطحاءِ (3) ، ثُمَّ جَعَلَ يَذُرُّها عَلى رُؤوسِهِم [و] (4) هُو
.
ص: 150
يَقرَأُ «يس * وَ الْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ» حَتّى بَلَغَ «فَأَغْشَيْنَ_هُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ» (1) . فَقالَ لَهُم قائِلٌ : ما تَنظُرونَ قَد وَاللّهِ خِبتُم وخَسِرتُم ، وَاللّهِ لَقَد مَرَّ بِكُم وما مِنكُم رَجُلٌ إلّا وقَد جَعَلَ عَلى رَأسِهِ تُرابا . فَقالوا : وَاللّهِ ما أبصَرناهُ ! قالَ : فَأَنزَلَ اللّهُ عزَّ وجَلَّ «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَ_كِرِينَ» (2)(3) .
مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس_ فيقَولِهِ تَعالى: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ» _: تَشاوَرَت قُرَيشٌ لَيلَةً بِمَكَّةَ فَقالَ بَعضُهُم : إذا أصبَحَ فَأَثبِتوهُ بِالوِثاقِ _ يُريدونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله _ وقالَ بَعضُهُم : بَلِ اقتُلوهُ ، وقالَ بَعضُهُم : بَل أخرِجوهُ . فَأَطلَعَ اللّهُ عزّ وجلّ نَبِيَّهُ عَلى ذلِكَ ، فَباتَ عَلِيٌّ عَلى فِراشِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله تِلكَ اللَّيلَةَ ، وخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله حَتّى لَحِقَ بِالغارِ ، وباتَ المُشرِكونَ يَحرُسونَ عَلِيّا يَحسَبونَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا أصبَحوا ثابوا إلَيهِ ، فَلَمّا رَأَوهُ عَلِيّا رَدَّ اللّهُ مَكرَهُم ، فَقالوا : أينَ صاحِبُكَ هذا ؟ قالَ : لا أدري ! فَاقتَصّوا أثَرَهُ ، فَلَمّا بَلَغُوا الجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيهِم (4) فَصَعِدوا فِي الجَبَلِ ، فَمَرّوا بِالغارِ ، فَرأَوا عَلى بابِهِ نَسجَ العَنكَبوتِ فَقالوا : لَو دَخَلَ هاهُنا لَم يَكُن نَسجُ العَنكَبوتِ عَلى بابِهِ ، فَمَكَثَ فيهِ ثَلاثَ لَيالٍ (5) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ قُرَيشا لَم تَزَل تَخَيَّلُ الآراءَ وتَعمَلُ الحِيَلَ في قَتلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حَتّى كانَ آخِرُ مَا اجتَمَعَت في ذلِكَ يَومَ الدّارِ _ دارِالنَّدوَةِ _ وإبليسُ المَلعونُ حاضِرٌ فى ¨
.
ص: 151
صورَةِ أعوَرِ ثَقيفٍ ، فَلَم تَزَل تَضرِبُ أمرَها ظَهرا لِبَطنٍ حَتَّى اجتَمَعَت آراؤُها علَى أن يَنتَدِبَ مِن كُلِّ فَخِذٍ مِن قُرَيشٍ رَجُلٌ ، ثُمَّ يأخُذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم سَيفَهُ ثُمَّ يَأتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وهُوَ نائِمٌ عَلى فِراشِهِ فَيَضرِبونَهُ جَميعا بِأَسيافِهِم ضَربَةَ رَجُلٍ واحِدٍ فَيَقتُلوهُ ، وإذا قَتَلوهُ مَنَعَت قُرَيشٌ رِجالَها ولَم تُسَلِّمها ، فَيَمضي دَمُهُ هَدَرا . فَهَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَأَنبَأَهُ بِذلِكَ وأخبَرَهُ بِاللَّيلَةِ الَّتي يَجتَمِعونَ فيها وَالسَّاعَةِ الَّتي يَأتونَ فِراشَهُ فيها ، وأمَرَهُ بِالخُروجِ فِي الوَقتِ الَّذي خَرَجَ فيه إلَى الغارِ ، فَأَخبَرَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالخَبَرِ ، وأمَرَني أن أضطَجِعَ في مَضجَعِهِ وأقِيَهُ بِنَفسي ، فَأَسرَعتُ إلى ذلِكَ مُطيعا لَهُ مَسرورا لِنَفسي بِأَن اُقتَلَ دونَهُ ، فَمَضى عليه السلام لِوَجهِهِ ، وَاضطَجَعتُ في مَضجَعِهِ ، وأقبَلَت رَجّالاتُ قُرَيشٍ موقِنَةً في أنفُسِها أن تَقتُلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا استَوى بي وبِهِمُ البَيتُ الَّذي أنَا فيهِ ناهَضتُهُم بِسَيفي ، فَدَفَعتُهُم عَن نَفسي بِما قَد عَلِمَهُ اللّهُ وَالنّاسُ (1) .
الطبقات الكبرى عن عائشة وابن عبّاس وعائشة بنت قدامة وعليّ عليه السلام وسراقة بن جعشم_ دَخَلَ حَديثُ بَعضِهِم في حَديثِ بَعضٍ _: أتى جِبريلُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ [أيِ اجتِماعَ قُرَيشٍ عَلى قَتلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ]وأمَرَهُ أن لا يَنامَ في مَضجَعِهِ تِلكَ اللَّيلَةَ . . . وأمَرَ عَلِيّا أن يَبيتَ في مَضجَعِهِ تِلكَ اللَّيلَةَ ، فَباتَ فيهِ عَلِيٌّ وتَغَشّى بُردا أحمَرَ حَضرَمِيّا كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَنامُ فيهِ ، وَاجتَمَعَ اُولئِكَ النَّفَرُ مِن قُرَيشٍ يَتَطَلَّعونَ مِن صيرِ (2) البابِ ويَرصُدونَهُ يُريدونَ ثِيابَهُ ويَأتَمِرونَ أيُّهُم يَحمِلُ عَلَى المُضطَجِعِ صاحِبِ الفِراشِ ، فَخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُم جُلوسٌ عَلَى البابِ ، فَأَخَذَ حَفنَةً مِن البَطحاءِ فَجَعَلَ يَذُرُّها عَلى رُؤوسِهِم ويَتلو : «يس * وَ الْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ» (3) حَتّى بَلَغَ :
.
ص: 152
«وَ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» (1) ومَضى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقالَ قائِلٌ لَهُم : ما تَنتَظِرونَ ؟ قالوا : مُحَمَّدا ، قالَ : خِبتُم وخَسِرتُم ، قَد وَاللّهِ مَرَّ بِكُم وذَرَّ عَلى رُؤوسِكُمُ التُّرابَ ، قالوا : وَاللّهِ ما أبصَرناهُ ! وقاموا يَنفُضونَ التُّرابَ عَن رُؤوسِهِم ، وهُم : أبو جَهلٍ وَالحَكَمُ بنُ أبِي العاصِ وعُقبَةُ بنُ أبي مُعَيطٍ وَالنَّضرُ بنُ الحارِثِ واُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ وَابنُ الغَيطَلَةَ وزَمعَةُ بنُ الأَسوَدِ ، وطُعَيمَةُ بنُ عَدِيٍّ ، وأبو لَهَبٍ واُبَيُّ بنُ خَلَفٍ ونَبيهٌ ومُنَبِّهٌ ابنَا الحَجّاجِ ، فَلَمّا أصبَحوا قامَ عَلِيٌّ عَنِ الفِراشِ ، فَسَأَلوهُ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : لا عِلمَ لي بِهِ (2) .
المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس :شَرى عَلِيٌّ نَفسَهُ ولَبِسَ ثَوبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ نامَ مَكانَهُ . قالَ : وكانَ المُشرِكونَ يَرمونَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقَد كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ألبَسَهُ بُردَةً ، وكانَت قُرَيشٌ تُريدُ أن تَقتُلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَجَعَلوا يَرمونَ عَلِيّا ويَرَونَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وقَد لَبِسَ بُردَةً ، وجَعَلَ عَلِيٌّ رضى الله عنه يَتَضَوَّرُ (3) ، فَإِذا هُوَ عَلِيٌّ فَقالوا : إنَّكَ لَلَئيمٌ ؛ إنَّكَ لَتَتَضَوَّرُ وكانَ صاحِبُكَ لا يَتَضَوَّرُ ، ولَقَدِ استَنكرناهُ مِنكَ (4) .
مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس :شَرى عَلِيٌّ نَفسَهُ ؛ لَبِسَ ثَوبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ نامَ مَكانَهُ ، قالَ : وكانَ المُشرِكونَ يَرمونَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَجاءَ أبو بَكرٍ وعَلِيٌّ نائِمٌ ، قالَ : وأبو بَكرٍ يَحسَبُ أنَّهُ نَبِيُّ اللّهِ ، فَقالَ : يا نَبِيَّ اللّهِ ، قالَ : فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : إنَّ نَبِيَّ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد انطَلَقَ نَحوَ بِئرِ مَيمونٍ فَأَدرِكهُ ، قالَ : فَانطَلَقَ أبو بَكرٍ فَدَخَلَ مَعَهُ الغارَ ، قالَ : وجَعَلَ عَلِيٌّ يُرمى بِالحِجارَةِ _ كَما كانَ يُرمى نَبِيُّ اللّهِ _ وهُوَ يَتَضَوَّرُ ، قَد لَفَّ رَأسَهُ فِي الثَّوبِ لا يُخرِجُهُ ،
.
ص: 153
حَتّى أصبَحَ ، ثُمَّ كَشَفَ عَن رَأسِهِ ، فَقالوا : إنَّكَ لَلَئيمٌ ؛ كانَ صاحِبُكَ نَرميهِ فَلا يَتَضَوَّرُ وأنتَ تَتَضَوَّرُ ، وقَدِ استَنكَرنا ذلِكَ (1) .
تاريخ الطبري:أصبَحَ الرَّهطُ الَّذين كانوا يَرصُدونَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَدَخَلُوا الدّارَ ، وقامَ عَلِيٌّ عليه السلام عَن فِراشِهِ ، فَلَمّا دَنَوا مِنهُ عَرَفوهُ ، فَقالوا لَهُ : أينَ صاحِبُكَ ؟ قالَ : لا أدري ، أَوَرَقيبا كُنتُ عَلَيهِ ؟ ! أمَرتُموهُ بِالخُروجِ فَخَرَجَ . فَانتَهَروهُ وضَرَبوهُ وأخرَجوهُ إلَى المَسجِدِ ، فَحَبَسوهُ ساعَةً ثُمَّ تَرَكوهُ (2) .
الأمالي للطوسي عن هند بن [أبي] هالة وأبي رافع وعمّار بن ياسر_ في ذِكرِ اجتِماعِ قُرَيشٍ عَلى قَتلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَزمِهِ عَلَى الهِجرَةِ إلَى المَدينَةِ _: دَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام وقالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ، إنَّ الرّوحَ هَبَطَ عَلَيَّ بِهذِهِ الآيَةِ آنِفا ، يُخبِرُني أنَّ قُرَيشا اجتَمَعوا عَلَى المَكرِ بي وقَتلي ، وأنَّهُ أوحى إلَيَّ رَبّيعزّوجلّ أن أهجُرَ دارَ قَومي ، وأن أنطَلِقَ إلى غارِ ثوَرٍ تَحتَ لَيلَتي ، وأنَّهُ أمَرَني أن آمُرَكَ بِالمَبيتِ عَلى ضِجاعي _ أو قال : مَضجَعي _ لِيَخفى بِمَبيتِكَ عَلَيهِ أثَرَي ، فَما أنتَ قائِلٌ وما صانِعٌ ؟ فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أَوَتَسلَمُ بِمَبيتي هُناكَ يا نَبِيَّ اللّهِ ؟ قالَ : نَعَم ، فَتَبَسَّمَ عَلِيٌّ عليه السلام ضاحِكا ، وأهوى إلى الأَرضِ ساجِدا شُكرا بِما أنبَأَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن سَلامَتِهِ ، وكانَ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ أوَّلَ مَن سَجَدَ للّهِِ شُكرا ، وأوَّلَ مَن وَضَعَ وَجهَهُ عَلَى الأَرضِ بَعدَ سَجدَتِهِ مِن هذِهِ الاُمَّةِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا رَفَعَ رأسَهُ قالَ لَهُ : اِمضِ لِما اُمِرتَ فِداكَ سَمعي وبَصَري وسُوَيداءُ قَلبي ، ومُرني بِما شِئتَ أكُن فيهِ كَمَسَرَّتِكَ ،
.
ص: 154
وأقَع (1) مِنهُ بِحَيثُ مُرادُكَ ، وإن تَوفيقي إلّا بِاللّهِ . . . . فَلَمّا غَلَقَ اللَّيلُ أبوابَهُ وأسدَلَ أستارَهُ وَانقَطَعَ الأَثَرُ ، أقبَلَ القَومُ عَلى عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقذِفونَهُ بِالحِجارَةِ وَالحَلَمِ (2) ، ولا يَشُكّونَ أنَّهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى إذا بَرَقَ الفَجرُ وأشفَقوا أن يَفضَحَهُمُ الصُّبحُ ، هَجَمَوا عَلى عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، وكانَت دورُ مَكَّةَ يَومَئِذٍ سَوائِبَ لا أبوابَ لَها ، فَلَمّا بَصُرَ بِهِم عَلِيٌّ عليه السلام قَدِ انتَضَوُا السُّيوفَ وأقبَلوا عَلَيهِ بِها ، وكانَ يَقدَمُهُم خالِدُ بنُ الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ ، وَثَبَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام فَخَتَلَهُ وهَمَزَ يَدَهُ (3) ، فَجَعَلَ خالِدٌ يَقمِصُ (4) قِماصَ البَكْرِ (5) ، ويَرغو رُغاءَ الجَمَلِ ، ويَذعَرُ ويَصيحُ ، وهُم في عَرجِ الدّارِ مِن خَلفِهِ ، وشَدَّ عَلَيهِم عَلِيٌّ عليه السلام بِسَيفِهِ _ يَعني سَيفَ خالِدٍ _ فَأَجفَلوا (6) أمامَهُ إجفالَ النَّعَمِ إلى ظاهِرِ الدّارِ ، فَتَبَصَّروهُ فَإِذا هُوَ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَقالوا : إنَّكَ لَعَلِيٌّ ؟ قالَ : أنَا عَلِيٌّ ، قالوا : فَإِنّا لَم نُرِدكَ ، فَما فَعَلَ صاحِبُكَ ؟ قالَ : لا عِلمَ لي بِهِ وقَد كانَ عَلِمَ _ يَعني عَلِيّا عليه السلام _ أنَّ اللّهَ تَعالى قَد أنجى نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِما كانَ أخبَرَهُ مِن مُضِيِّهِ إلَى الغارِ وَاختِبائِهِ فيهِ ، فَأَذكَت قُرَيشٌ عَلَيهِ العُيونَ ، ورَكِبَت في طَلَبِهِ الصَّعبَ وَالذَّلولَ ، واُمهِلَ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ حَتّى إذا أعتَمَ (7) مِنَ اللَّيلَةِ القابِلَةِ انطَلَقَ هُوَ وهِندُ بنُ أبي هالَةَ حَتّى دَخَلا عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الغارِ ، فَأَمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله هِندا أن يَبتاعَ لَهُ وَلِصاحِبِهِ بَعيرَينِ ، فَقالَ أبو بَكرٍ : قَد كُنتُ أعدَدتُ لي ولَكَ يا نَبِيَّ اللّهِ راحِلَتَين
.
ص: 155
نَرتَحِلُهُما إلى يَثرِبَ . فَقالَ : إنّي لا آخُذُهُما ولا أحَدَهُما إلّا بِالثَّمَنِ . قالَ : فَهِيَ لَكَ بِذلِكَ ، فَأَمَرَ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام فَأَقبَضَهُ الثَّمَنَ ، ثُمَّ أوصاهُ بِحِفظِ ذِمَّتِهِ وأداءِ أمانَتِهِ . وكانَت قُرَيشٌ تَدعو مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله فِي الجاهِلِيَّةِ الأَمينَ ، وكانَت تَستَودِعُهُ وتَستَحفِظُهُ أموالَها وأمتِعَتَها ، وكَذلِكَ مَن يَقدَمُ مَكَّةَ مِنَ العَرَبِ فِي المَوسِمِ ، وجاءَتهُ النُّبُوَّةُ وَالرِّسالَةُ وَالأَمرُ كَذلِكَ ، فَأَمَرَ عَلِيّا عليه السلام أن يُقيمَ صارِخا يَهتِفُ بِالأَبطَحِ غُدوَةً وعَشِيّا : ألا مَن كانَ لَهُ قِبَلَ مُحَمَّدٍ أمانَةٌ أو وِديعَةٌ فَليَأتِ فَلتُؤَدَّ إلَيهِ أمانَتُهُ . قالَ : وقالَ النَّبِيُّ : إنَّهُم لَن يَصِلوا مِن الآنِ إلَيكَ يا عَلِيُّ بِأَمرٍ تَكرَهُهُ حَتّى تَقدَمَ عَلَيَّ ، فَأَدِّ أمانَتي عَلى أعيُنِ النّاسِ ظاهِرا ، ثُمَّ إنّي مُستَخلِفُكَ عَلى فاطِمَةَ ابنَتي ومُستخَلِفٌ رَبّي عَلَيكُما ومُستَحفِظُهُ فيكُما ، وأمَرَهُ أن يَبتاعَ رَواحِلَ لَهُ ولِلفَواطِمِ ، ومَن أزمَعَ (1) لِلهِجرَةِ مَعَهُ مِن بَني هاشِمٍ . . . . وقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ وهُو يوصيهِ : وإذا أبرَمتَ ما أمَرتُكَ فَكُن عَلى اُهبَةِ الهِجرَةِ إلَى اللّهِ ورَسولِهِ ، وسِر إلَيَّ لِقُدومِ كِتابي إلَيكَ ، ولا تَلبَث بَعدَهُ . . . . ولَمّا وَرَدَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المَدينَةَ نَزَلَ في بَني عَمرِو بنِ عَوفٍ بِقُباءَ ، فَأَرادَهُ أبو بَكرٍ عَلى دُخولِهِ المَدينَةَ وألاصَهُ (2) في ذلِكَ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : ما أنَا بِداخِلِها حَتّى يَقدَمَ ابنُ عَمّي وَابنَتي ؛ يَعني عَلِيّا وفاطِمَةَ عليهماالسلام . . . ثُمَّ كَتَبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام كِتابا يَأمُرُهُ فيهِ بِالمَسيرِ إلَيهِ وقِلَّةِ التَّلَوُّمِ (3) ، وكان الرَّسولُ إلَيهِ أبا واقِدٍ اللَّيثِيَّ ، فَلَمّا أتاهُ كِتابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَهَيَّأَ لِلخُروجِ وَالهِجرَةِ ، فَآذَنَ مَن كانَ مَعَهُ مِن ضُعَفاءِ المُؤمِنينَ ، فَأَمَرَهُم أن يَتَسَلَّلوا ويَتَخَفَّفوا إذا مَلَأَ اللَّيلُ بَطنَ كُلِّ وادٍ إلى ذي طُوىً ، وخَرَج
.
ص: 156
عَلِيٌّ عليه السلام بِفاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله واُمِّهِ فاطِمَةَ بِنتِ أسَدِ بنِ هاشِمٍ ، وفاطِمَةَ بِنتِ الزُّبَيرِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ _ وقَد قيلَ هِيَ ضُباعَةُ _ وتَبِعَهُم أيمَنُ ابنُ اُمِّ أيمَنَ مَولى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأبو واقِدٍ رَسولُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَجَعَلَ يَسوقُ بُالرَّواحِلِ فَأَعنَفَ بِهِم . فَقالَ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ : اُرفُق بِالنِّسوَةِ يا أبا واقِدٍ ؛ إنَّهُنَّ مِنَ الضَّعائِفِ . قالَ : إنّي أخافُ أن يُدرِكَنَا الطّالِبُ _ أو قالَ : الطُّلَّبُ _ فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اِربَع (1) عَلَيكَ ؛ فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لي : يا عَلِيُّ ، إنَّهُم لَن يَصِلوا مِن الآنِ إلَيكَ بِما تَكرَهُهُ ، ثُمَّ جَعَلَ _ يَعني عَلِيّا عليه السلام _ يَسوقُ بِهِنَّ سَوقا رَفيقا وهُوَ يَرتَجِزُ ويَقولُ : لَيسَ إلّا اللّهَ فَارفَع ظَنَّكا يَكفيكَ رَبُّ النّاسِ ما أهَمَّكا وسارَ فَلَمّا شارَفَ ضَجَنانَ (2) أدرَكَهُ الطُّلَّبُ ، وعَدَدُهُم سَبعَةُ فَوارِسَ مِن قُرَيشٍ مُستَلئِمينَ (3) ، وثامِنُهُم مَولًى لِحَربِ بنِ اُمَيَّةَ يُدعى جَناحا ، فَأَقبَلَ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى أيمَنَ وأبي واقِدٍ ، وقَد تَراءَى القَومُ ، فَقالَ لَهُما : أنيخَا الإِبِلَ وَاعقِلاها ، وتَقَدَّمَ حَتّى أنزَلَ النِّسوَةَ ، ودَنَا القَومُ فَاستَقبَلَهُم عليه السلام مُنتَضِيا سَيفَهُ ، فَأَقبَلوا عَلَيهِ فَقالوا : أظَنَنتَ أنَّكَ يا غُدَرُ (4) ناجٍ بِالنِّسوَةِ ؟ ! اِرجِع لا أبَا لَكَ . قالَ : فَإِن لَم أفعَل ؟ قالوا : لَتَرجِعَنَّ راغِما ، أو لَنَرجِعَنَّ بِأَكثَرِكَ شَعرا وأهوَنُ بِكَ مِن هالِكٍ ، ودَنَا الفَوارِسُ مِنَ النِّسوَةِ وَالمَطايا لِيُثَوِّروها ، فَحالَ عَلِيٌّ عليه السلام بَينَهُم وبَينَها ، فَأَهوى لَه جَناحٌ بِسَيفِهِ ، فَراغَ (5) عَلِيٌّ عليه السلام عَن ضَرَبَتِهِ وتَخَتَّلَهُ عَلِيٌّ عليه السلام فَضَرَبَهُ عَلى عاتِقِهِ ، فَأَسرَعَ السَّيفُ مُضِيّا فيهِ حَتّى مَس
.
ص: 157
كاثِبَةَ (1) فَرَسِهِ ، فَكانَ عليه السلام يَشُدُّ عَلى قَدَمِهِ شَدَّ الفَرَسِ ، أو الفارِسِ عَلى فَرَسِهِ ، فَشَدَّ عَلَيهِم بِسَيفِهِ وهُوَ يَقولُ : خَلّوا سَبيلَ الجاهِدِ المُجاهِدِ آلَيتُ لا أعبُدُ غَيرَ الواحِدِ فَتَصَدَّعَ عَنهُ القَومُ وقالوا لَهُ : اَغنِ عَنّا نَفسَكَ يَابنَ أبي طالِبٍ . قالَ : فَإِنّي مُنطَلِقٌ إلَى ابنِ عَمّي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَثرِبَ ، فَمَن سَرَّهُ أن اُفرِيَ لَحمَهُ واُريقَ دَمَهُ فَليَتَعَقَّبني أو فَليَدنُ مِنّي . ثُمَّ أقبَلَ عَلى صاحِبَيهِ أيمَنَ وأبي واقِدٍ فَقالَ لَهُما : أطلِقا مَطاياكُما . ثُمَّ سارَ ظاهِرا قاهِرا حَتّى نَزَلَ ضَجَنانَ ، فَتَلَوَّمَ بِها قَدرَ يَومِهِ ولَيلَتِهِ ، ولَحِقَ بِهِ نَفَرٌ مِنَ المُستَضعَفينَ مِنَ المُؤمِنينَ وفيهِم اُمُّ أيمَنَ مَولاةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَظَلَّ لَيلَتَهُ تِلكَ هُوَ وَالفَواطِمُ _ اُمُّهُ فاطِمَةُ بِنتُ أسَدٍ ، وفاطِمَةُ بِنتُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وفاطِمَةُ بِنتُ الزُّبَيرِ _ طَورا يُصَلّونَ وطَورا يَذكُرونَ اللّهَ قِياما وقُعودا وعَلى جُنوبِهِم ، فَلَم يَزالوا كَذلِكَ حَتّى طَلَعَ الفَجرُ فَصَلّى عليه السلام بِهِم صَلاةَ الفَجرِ ، ثُمَّ سارَ لِوَجهِهِ يَجوبُ مَنزِلاً بَعدَ مَنزِلٍ لا يَفتُرُ عَن ذِكرِ اللّهِ ، وَالفَواطِمُ كَذلِكَ وغَيرُهُم مِمَّن صَحِبَهُ حَتّى قَدِمُوا المَدينَةَ (2) .
تاريخ دمشق عن أبي رافع :إنَّ عَلِيّا كانَ يُجَهِّزُ النّبِيَّ صلى الله عليه و آله حينَ كانَ بِالغارِ ويَأتيهِ بالطَّعامِ ، وَاستَأجَرَ لَهُ ثَلاثَ رَواحِلَ ؛ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ولِأَبي بَكرٍ و[لِ]دَليلِهِمُ ابنِ اُرَيقِطٍ ، وخَلَّفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، لِيُخرِجَ إلَيهِ أهلَهُ ، فَأَخرَجَهُم (3) ، وأمَرَهُ أن يُؤَدِّيَ عَنهُ أمانَتَهُ ووَصايا مَن كانَ يوصي إلَيهِ ، وما كانَ يُؤتَمَنُ عَلَيهِ مِن مالٍ ، فَأَدّى أمانَتَهُ كُلَّها .
.
ص: 158
وأمَرَهُ أن يَضطَجِعَ عَلى فِراشِهِ لَيلَةَ خَرَجَ ، وقالَ : إنَّ قُرَيشا لَن يَفقِدوني ما رَأَوكَ ، فَاضطَجَعَ عَلِيٌّ عَلى فِراشِهِ ، فَكانَت قُرَيشٌ تَنظُرُ إلى فِراشِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَيَرَونَ عَلَيهِ رَجُلاً يَظُنّونَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، حَتّى إذا أصبَحوا رَأَوا عَلَيهِ عَلِيّا ، فَقالوا : لَو خَرَجَ مُحَمَّدٌ خَرَجَ بِعَلِيٍّ مَعَهُ ، فَحَبَسَهُمُ اللّهُ عزَّوجَلَّ بِذلِكَ عَن طَلَبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حينَ رَأَوا عَلِيّا ولَم يَفقِدُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله . وأمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلِيّا أن يَلحَقَهُ بِالمَدينَةِ ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ في طَلَبِهِ بَعدَما أخرَجَ إلَيهِ أهلَهُ ، يَمشي مِنَ اللَّيلِ ويَكمُنُ مِنَ النَّهارِ حَتّى قَدِمَ المَدينَةَ ، فَلَمّا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قُدومُهُ قالَ : اُدعوا لي عَلِيّا . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، لا يَقدِرُ أن يَمشِيَ ، فَأَتاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله اعتَنَقَهُ وبَكى رَحمَةً لِما بِقَدَمَيهِ مِنَ الوَرَمِ ، وكانَتا تَقطُرانِ دَما ، فَتَفَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله في يَدَيهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِما رِجلَيهِ ، ودَعا لَهُ بِالعافِيَةِ ، فَلَم يَشتَكِهِما عَلِيٌّ حَتَّى استُشهِدَ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى المَدينَةِ فِي الهِجرَةِ أمَرَني أن اُقيمَ بَعدَهُ حَتّى اُؤَدِّيَ وَدائِعَ كانَت عِندَهُ لِلنّاسِ ، ولِذا كانَ يُسَمَّى الأَمينَ ، فَأَقَمتُ ثَلاثا فَكُنتُ أظهَرُ ، ما تَغَيَّبتُ يَوما واحِدا ، ثُمَّ خَرَجتُ فَجَعَلتُ أتَّبِعُ طَريقَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى قَدِمتُ بَني عَمرِو بنِ عَوفٍ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُقيمٌ ، فَنَزَلتُ عَلى كُلثومِ بنِ الهِدمِ وهُنالِكَ مَنزِلُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (2) .
الأمالي للطوسي عن مجاهد :فَخَرَت عائِشَةُ بِأَبيها ومَكانِهِ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الغارِ ، فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ شَدّادِ بنِ الهادِ : وأينَ أنتِ مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ حَيثُ نامَ في مَكانِه
.
ص: 159
وهُوَ يَرى أنَّهُ يُقتَلُ ؟ ! فَسَكَتَت ولَم تُحِر جَوابا (1) .
الطبقات الكبرى عن محمّد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت :قَدِمَ عَلِيٌّ لِلنِّصفِ مِن شَهرِ رَبيعِ الأَوَّلِ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِقُباءَ لَم يَرِم (2) بَعدُ (3) .
الأمالي للطوسي عن اُمّ هانئ بنت أبي طالب :لَمّا أمَرَ اللّهُ تَعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِالهِجرَةِ وأنامَ عَلِيّا عليه السلام في فِراشِهِ ووَشَّحَهُ بِبُردٍ لَهُ حَضرَمِيٍّ ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذا وُجوهُ قُرَيشٍ عَلى بابِهِ ، فَأَخَذَ حَفنَةً مِن تُرابٍ فَذَرَّها عَلى رُؤوسِهِم ، فَلَم يُشعِر بِهِ أحَدٌ مِنهُم ، ودَخَلَ عَلى بَيتي ، فَلَمّا أصبَحَ أقبَلَ عَلَيَّ وقالَ : أبشِري يا اُمَّ هانِئٍ ؛ فَهذا جَبرَئيلُ عليه السلام يُخبِرُني أنَّ اللّهَ عزَّوجَلَّ قَد أنجى عَلِيّا مِن عَدُوِّهِ . قالَت : وخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَعَ جَناحِ الصُّبحِ إلى غارِ ثَورٍ ، وكانَ فيهِ ثَلاثا ، حَتّى سَكَنَ عَنهُ الطَّلَبُ ، ثُمَّ أرسَلَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام وأمَرَهُ بِأَمرِهِ وأداءِ أمانَتِهِ (4) .
راجع : ج5 ص248 (كمال الإيثار) .
.
ص: 160
ذكرنا مراراً عند نقلنا للأحاديث المرتبطة بالفضائل العلويّة أنّ إنكار فضائل الإمام عليه السلام والسعي لمحوها من صفحات التاريخ وأذهان الناس _ لبواعث مختلفة وأسباب متنوّعة _ دأب أعداء الحقّ على مرّ التاريخ . وقد كان عمرو بن بحر الجاحظ (م 255 ه ) ممّن عزف على وتر هذه النغمة اللاموزونة _ بشأن هذه الفضيلة العظيمة _ وحاول أن يُنكر فضيلة المبيت على فراش النبيّ صلى الله عليه و آله ، ويسعى إلى تقليل وهجها الباهر المتألّق بزعمه وظنّه الباطل ؛ فقد قال في رسالته الصغيرة المسمّاة بالعثمانيّة : لم يكن له في ذلك كبير طاعةٍ ؛ لأنّ الناقلين نقلوا أنّه صلى الله عليه و آله قال له : «نَم ؛ فلن يخلص إليك شيء تكرهه» (1) . و منهم ابن تيميّة الذي لم يألُ جهداً ، ولم يدّخر وسعاً في تقليل شأن فضائل الإمام عليه السلام وآل اللّه ، فعطف على ما سبق قوله : وأيضا فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد قال : «اِتّشِحْ بِبُردي هذا الأخضَرِ ، فَنَم فيهِ ؛ فإنَّهُ لَن يَخلُص إلَيكَ مِنهُم رَجُلٌ بِشَيءٍ تَكرَهَهُ» فوعده _ وهو الصادق _ أنّه لا يخلص إليه
.
ص: 161
مكروه ؛ وكان طمأنينته بوعد الرسول صلى الله عليه و آله (1) . ولنا عليهما : 1 _ إنّ الآية الكريمة : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى . . .» كما ذكرنا مصادرها الكثيرة في تضاعيف كتابنا نزلت في عليّ عليه السلام (2) ، لتدلّ على عظمة هذه الحادثة ، وهذا ما لا يدع مجالاً للشكّ والترديد . وهكذا أطلق اللّه تعالى على عمل الإمام عليه السلام تعبير «شراء النفس» ، ودعا الملائكة لملاحظة هذا الإيثار الرائع ، بَيْد أنّ الجاحظ ، وابن تيميّة اجتهدا في مقابل النصّ ، ولم يعدّا ذلك «شراء نفسٍ» ، وأنكرا كونه فضيلةً ، بذريعةٍ واهية تتلخّص في أنّه عليه السلام كان يعلم أنّه لا يصل إليه مكروه . 2 _ إنّ الكلام الذي تشبّث به هذان الشخصان وهو قوله : «إنّهم لن يصلوا إليك بشيء تكرهه» لم يرد في معظم المصادر التاريخيّة المهمّة التي يشار إليها بالبنان ، كما لم يرد في المصادر الشيعيّة . وسنذكر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال له هذا القول بعد المبيت ، وبعدما أوصاه بأداء الأمانات في الغار . وهكذا يستقيم كلام الإسكافي المعتزلي ويصمد شامخاً ، إذ قال في نقد كلام الجاحظ : «هذا هو الكذب الصراح ، والتحريف والإدخال في الرواية ما ليس منها . . .» (3) . 3 _ ذكرنا سابقاً أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال هذا الكلام وأمر عليّاً عليه السلام بأداء الأمانات في إحدى ليالي إقامته في الغار ، بعد حادثة المبيت ، ونقل الشيخ الطوسي رضوان اللّه عليه هذا القسم من الحادثة بالشكل الآتي : فأمر صلى الله عليه و آله عليّا عليه السلام ، فأقبضه الثمن ، ثمّ أوصاه بحفظ ذمّته وأداء أمانته . . . وقال :
.
ص: 162
« . . . إنّهم لن يصلوا من الآن إليك يا عليّ بأمر تكرهه . . .» (1) . 4 _ في ضوء بعض المعلومات التاريخيّة : لمّا هجم المشركون على الدار صباحا ، ورأوا عليّا عليه السلام في الفراش ، وأيِسوا من مؤامرتهم المشؤومة ، اصطدموا بالإمام عليه السلام ، وقبل ذلك رموه بالحجارة غير مرّة . قال الإسكافي : ولو كان هذا صحيحا لم يصل إليه منهم مكروه ، وقد وقع الاتّفاق على أنّه ضُرب ورُميَ بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتى تضوّر ، وأنّهم قالوا له : رأينا تضوّرك ؛ فإنّا كنّا نرمي محمّدا ولا يتضوّر (2) . وقال الطبري : فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعةً ثمّ تركوه (3) . فإذا كان عدم وصول المكروه إليه بوعد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل مبيته في فراش النبيّ صلى الله عليه و آله لكان ينبغي عدم وصول شيء من الضرر والأذى إليه أصلاً! وأشار الإمام عليه السلام في كلامٍ له إلى هذا الاصطدام وقال : «وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي ، فأسرعتُ إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن اُقتل دونه» (4) . وأوضح من ذلك كلّه شعر لطيف للإمام عليه السلام نفسه في وصف هذه الفضيلة الرفيعة : وقيتُ بنفسي خيرَ من وطئ الحصا ومن طافَ بالبيتِ العتيق وبالحِجْرِ رسول إله خاف أن يمكروا بهِ فنجّاهُ ذو الطول الإله من المكْرِ وبات رسولُ اللّهِ في الغارِ آمنا موقّىً وفي حفظ الإله وفي ستْرِ وبتُّ اُراعيهم ولم يتّهمونني وقد وطنتْ نفسي على القتل والأسْرِ (5) نلحظ الإمام عليه السلام في هذه الأبيات يصرّح بمبيته في فراش النبيّ صلى الله عليه و آله ، واستعداده للقتل ، والأسر ، وتفانيه في سبيل المحافظة على حياته صلى الله عليه و آله .
.
ص: 163
. .
ص: 164
. .
ص: 165
الفصل الرابع : غاية الفُتوّة في غزوتين4 / 1غَزوَةُ بَدرٍتُعدّ غزوة بدر من أشدّ الغزوات التي خاضها النبيّ صلى الله عليه و آله وأعظمها من حيث الظروف الزمنيّة ، وميزان القوى ، ومستوى المعدّات الحربيّة التي كانت عند المسلمين . ذلك أنّ الهدف الأوّل من التحرّك _ وهو التحرّش بقافلة قريش والسيطرة عليها _ وما تلاه من حرب غير متكافئة يدلّان على أهميّة المعركة ودورها المصيريّ الحاسم . من هنا كانت للبدريّين في التاريخ منزلة رفيعة خاصّة ، وكان حضورهم في حوادث التاريخ الإسلامي _ لا سيّما بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله _ حيثما وُجِدوا يُشعر بشأنٍ خاصّ . ووقعت هذه المعركة ببدر _ منطقة قريبة من المدينة _ في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة (1) . وشهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هذه المعركة التي كانت اُولى معارك النبيّ صلى الله عليه و آله ،
.
ص: 166
واُولى المشاهد البطوليّة للإمام عليه السلام الذي ظهر فيها بمظهرٍ حقيقٍ بالمشاهدة ، والثناء ، والإعجاب ، إذ : 1 _ كان يحمل الراية المظفّرة للجيش الإسلامي (1) . 2 _ اُنيطت به مهمّة التعرّف على قوّة العدوّ ومعه عدد من الصحابة ، وذلك قبل حدوث المواجهة وفي مرحلة حسّاسة من الاستطلاع والاستكشاف والتقصّي الخفيّ ، فحقّق نجاحا باهرا (2) . 3 _ وحين طلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله الماء في منتصف ليلة القتال الحالكة المروّعة ، قام عليه السلام ، وسار نحو بدر بخطىً ثابتة راسخة ، ونزح الماء من بئرها العميقة المظلمة ، فروّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله (3) . 4 _ إنّه وفي أوّل مواجهة فرديّة سقى الوليد بن عُتبة كأس المنون (4) ، وأعان رفيقه على قتل أبيه عتبة (5) . وذكر سلام اللّه عليه هذه الملحمة العظيمة في أحد كتبه إلى معاوية ، فقال : «فَأَنَا أبو حَسَنٍ قاتِلُ جَدِّكَ وأخيكَ وخالِكَ شَدخا (6) يَومَ بَدرٍ ، وذلِكَ السَّيفُ مَعِي ،
.
ص: 167
وبِذلِكَ القَلبِ ألقى عَدُوّي» (1) . 5 _ وصرع عليه السلام العاص بن سعيد فارس قريش المقتدر (2) ، ونوفل بن خويلد العدوّ الشرور الحاقد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله (3) . 6 _ ولمّا صدر الأمر بالهجوم الشامل ، وتشابكت القوى المتحاربة ، وحمي وطيس القتال ، هجم عليه السلام على العدوّ كالليث الغاضب ، وخلخل استعداداته العسكريّة ، وصنع من قتلاه تلّاً ؛ فقد نقل المؤرّخون أنّ (35) من قتلى المشركين البالغ عددهم (70) قُتلوا بسيفه عليه السلام (4) . 7 _ وهو الذي كان في عنفوان شبابه يومئذٍ ، ونال الوسام الخالد : «لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ» بفضل تلك الشهامة ، والشجاعة ، والاستبسال الذي أبداه آنذاك (5) .
المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله دَفَعَ الرايَةَ إلى عَلِيٍّ رضى الله عنهيَومَ بَدرٍ وهُوَ ابنُ عِشرينَ سَنَةً (6) .
الطبقات الكبرى عن قتادة :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ كانَ صاحِبَ لِواءِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ وفي كُلِّ مَشهَدٍ (7) .
.
ص: 168
تاريخ الطبري عن ابن عبّاس_ في ذِكرِ يَومِ بَدرٍ _: كانَ صاحِبُ رايَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وصاحِبُ رايَةِ الأَنصارِ سَعدَ بنَ عُبادَةَ (1) .
المستدرك على الصحيحين عن عبد اللّه :كُنّا يَومَ بَدرٍ كُلَّ ثَلاثَةٍ عَلى بَعيرٍ ، قالَ : وكانَ عَلِيٌّ وأبو لُبابَةَ زَميلَي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَ : وكانَ إذا كانَت عُقبَتُهُ (2) قُلنَا اركَب حَتّى نَمشِيَ ، فَيَقولُ : ما أنتُما بِأَقوى مِنّي وما أنَا بِأَغنى عَنِ الأَجرِ مِنكُم (3) .
السيرة النبويّة عن ابن إسحاق_ في ذِكرِ يَومِ بَدرٍ _: كانَت إِبِلُ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَئِذٍ سَبعينَ بَعيرا ، فَاعتَقَبوها ، فَكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ومَرثَدُ بنُ أبي مَرثَدٍ الغَنَوِيُّ يَعتَقِبونَ بَعيرا (4) .
فضائل الصحابة عن الحارث عن الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا كانَت لَيلَةُ بَدرٍ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن يَستَقي لَنا مِنَ الماءِ ؟ فَأَحجَمَ النّاسُ ، فَقامَ عَلِيٌّ فَاحتَضَنَ قِربَةً ، ثُمَّ أتى بِئرا بَعيدَةَ القَعرِ مُظلِمَةً ، فَانحَدَرَ فيها فَأَوحَى اللّهُ عَزَّوجَلَّ إلى جِبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ تَأَهَّبوا لِنَصرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وحِزبِهِ ، فَهَبَطوا مِنَ السَّماءِ لَهُم لَغَطٌ (5) يُذعِرُ مَن سَمِعَهُ ، فَلَمّا
.
ص: 169
حاذُوا البِئرَ سَلَّموا عَلَيهِ مِن عِندِ آخِرِهِم إكراما وتَجليلاً (1) .
المناقب لابن شهر آشوب عن محمّد ابن الحنفيّة :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا في غَزوَةِ بَدرٍ أن يَأتِيَهُ بِالماءِ حينَ سَكَتَ أصحابُهُ عَن إيرادِهِ ، فَلَمّا أتَى القَليبَ (2) ومَلَأَ القِربَةَ الماءَ فَأَخرَجَها جاءَت ريحٌ فَهَرَقَتهُ ، ثُمَّ عادَ إلَى القَليبِ ومَلَأَ القِربَةَ فَأَخرَجَها فَجاءَت ريحٌ فَأَهرَقَتُه وهكَذا فِي الثّالِثَةِ ، فَلَمّا كانَتِ الرّابِعَةُ مَلَأَها فَأَتى بِهَا النَّبِيَّ فَأَخبَرَ بِخَبَرِهِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أمَّا الرّيحُ الاُولى فَجَبرَئيلُ في ألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ سَلَّموا عَلَيكَ ، وَالرّيحُ الثّانِيَةُ ميكائيلُ في ألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ سَلَّموا عَلَيكَ ، وَالرّيحُ الثّالِثَةُ إسرافيلُ في ألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ سَلَّموا عَلَيكَ . وفي رِوايَةٍ : وما أتَوكَ إلّا لِيَحفَظوكَ . . . وكانَ يَقولُ : كانَ لِعَلِيٍّ عليه السلام في لَيلَةٍ واحِدَةٍ ثَلاثَةُ آلافِ مَنقَبَةٍ ، وثَلاثُ مَناقِبَ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :كُنتُ عَلى قَليبٍ يَومَ بَدرٍ أميحُ _ أو أمتَحُ _ مِنهُ ، فَجاءَت ريحٌ شَديدَةٌ ، ثُمَّ جاءَت ريحٌ شديدَةٌ ، لَم أرَ ريحا أشَدَّ مِنها إلَا الَّتي كانَت قَبلَها ، ثُمَّ جاءَت ريحٌ شَديدَةٌ ، فَكانَتِ الاُولى ميكائيلَ في ألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ عَن يَمينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَالثّانِيَةُ إسرافيلَ في ألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ عَن يَسارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَالثّالِثَةُ جَبرَئيلَ في ألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ (4) .
.
ص: 170
الإمام زين العابدين عليه السلام :لَمّا عَطِشَ القَومُ يَومَ بَدرٍ انطَلَقَ عَلِيٌّ بِالقِربَةِ يَستَقي وهُوَ عَلَى القَليبِ إذ جاءَت ريحٌ شَديدَةٌ ثُمَّ مَضَت ، فَلَبِثَ ما بَدا لَهُ ، ثُمَّ جاءَت ريحٌ اُخرى ثُمَّ مَضَت ثُمَّ جاءَتهُ اُخرى كادَ أن تَشغَلَهُ وهُوَ عَلَى القَليبِ ، ثُمَّ جَلَسَ حَتّى مَضى ، فَلَمّا رَجَعَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخبَرَهُ بِذلِكَ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أمَّا الريحُ الاُولى فيها جَبرَئيلُ مَعَ ألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ ، وَالثّانِيَةُ فيها ميكائيلُ مَعَ ألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ ، وَالثّالِثَةُ فيها إسرافيلُ مَعَ ألفٍ مِنَ المَلائِكَةِ ، وقَد سَلَّموا عَلَيكَ وهُم مَدَدٌ لَنا ، وهُمُ الَّذينَ رَآهُم إبليسُ فَنَكَصَ عَلى عَقِبَيهِ يَمشِي القَهقَرى حَتّى يَقولَ : «إِنِّى أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (1)(2) .
السيرة النبويّة عن ابن إسحاق_ في ذِكرِ أحداثِ مَعرَكَةِ بَدرٍ _: ثُمَّ خَرَجَ بَعدَهُ (3) عُتبَةُ بنُ رَبيعَةَ بَينَ أخيهِ شَيبَةَ بنِ رَبيعَةَ وَابنِهِ الوَليدِ بنِ عُتبَةَ ، حَتّى إذا فَصَلَ مِنَ الصَّفِّ دَعا إلَى المُبارَزَةِ ، فَخَرَجَ إلَيهِ فِتيَةٌ مِنَ الأَنصارِ ثَلاثَةٌ ، وهُم : عَوفٌ ومُعَوِّذٌ ابنَا الحارِثِ _ واُمُّهُما عَفراءُ _ ورَجُلٌ آخَرُ ، يُقالُ : هُوَ عَبدُ اللّهِ بنُ رَواحَةَ ، فَقالوا : مَن أنتُم ؟ فَقالوا : رَهطٌ مِنَ الأَنصارِ ، قالوا : ما لَنا بِكُم مِن حاجَةٍ ، ثُمَّ نادى مُناديهِم : يا مُحَمَّدُ ، أخرِج إلَينا أكفاءَنا مِن قَومِنا . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قُم يا عُبَيدَةَ بنَ الحارِثِ ، وقُم يا حَمزَةُ ، وقُم يا عَلِيُّ ، فَلَمّا قاموا ودَنَوا مِنهُم ، قالوا : مَن أنتُم ؟ قالَ عُبَيدَةُ : عُبَيدَةُ ، وقالَ حَمزَةُ : حَمزَةُ ، وقالَ عَلِيٌّ : عَلِيٌّ ، قالوا : نَعَم ، أكفاءٌ كِرامٌ ، فَبارَزَ عُبَيدَةُ _ وكانَ أسَنَّ القَومِ _ عُتبَةَ بنَ رَبيعَةَ ،
.
ص: 171
وبارَزَ حَمزَةُ شَيبَةَ بنَ رَبيعَةَ ، وبارَزَ عَلِيٌّ الوَليدَ بنَ عُتبَةَ ، فَأَمّا حَمزَةُ فَلَم يُمهِل شَيبَةَ أن قَتَلَهُ ، وأمّا عَلِيٌّ فَلَم يُمهِلِ الوَليدَ أن قَتَلَهُ ، وَاختَلَفَ عُبَيدَةُ وعُتبَةُ بَينَهما ضَربَتَينِ ، كِلاهُما أثبَتَ صاحِبَهُ ، وكَرَّ حَمزَةُ وعَلِيٌّ بِأَسيافِهِما عَلى عُتبَةَ فَذَفَّفا (1) عَلَيهِ ، وَاحتَمَلا صاحِبَهُما ، فَحازاهُ إلى أصحابِهِ (2) .
المناقب لابن شهر آشوب :ولا خِلافَ أنَّ أوَّلَ مُبارِزٍ فِي الإِسلامِ : عَلِيٌّ وحَمزَةُ وأبو عُبَيدَةَ بنُ الحارِثِ في يَومٍ بَدرٍ ، قالَ الشَّعبِيُّ : ثُمَّ حَمَلَ عَلِيٌّ عَلَى الكَتيبَةِ مُصَمِّما وَحدَهُ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَقَد تَعَجَّبتُ يَومَ بَدرٍ مِن جُرأَةِ القَومِ ، وقَد قَتَلتُ الوَليدَ بنَ عُتبَةَ ، وقَتَلَ حَمزَةُ عُتبَةَ وشَرِكتُهُ في قَتلِ شَيبَةَ ، إذ أقبَلَ إلَيَّ حَنظَلَةُ بنُ أبي سُفيانَ ، فَلَمّا دَنا مِنّي ضَرَبتُهُ ضَربَةً بِالَّسيفِ فَسالَت عَيناهُ ، فَلَزِمَ الأَرضَ قَتيلاً (4) .
الإرشاد :بارَزَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام العاصَ بنَ سَعيدِ بنِ العاصِ بَعدَ أن أحجَمَ عَنهُ مَن سِواه فَلَم يُلَبِّثهُ أن قَتَلَهُ ، وبَرَزَ إلَيهِ حَنظَلَةُ بنُ أبي سُفيانَ فَقَتَلَهُ ، وبَرَزَ بَعدَهُ طُعَيمَةُ بنُ عَدِيٍّ فَقَتَلَهُ ، وقَتَلَ بَعدَهُ نَوفَلَ بنَ خُوَيلِدٍ _ وكانَ مِن شَياطينِ قُرَيشٍ _ ولَم يَزَل عليه السلام يَقتُلُ واحِدا مِنهُم بَعدَ واحِدٍ حَتّى أتى عَلى شَطرِ المَقتولينَ مِنهُم وكانوا سَبعينَ قَتيلاً ؛ تَوَلّى كافَّةُ مَن حَضَرَ بَدرا مِنَ المُؤمِنينَ مَعَ ثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ المُسَوِّمينَ قَتلَ الشَّطرَ مِنهُم ، وتَوَلّى أميرُ المُؤمِنينَ قَتلَ الشَّطرِ الآخَرِ وَحدَهُ (5) .
.
ص: 172
الإرشاد عن صالح بن كيسان :مَرَّ عُثمانُ بنُ عَفّانَ بِسَعيدِ بنِ العاصِ فَقالَ : اِنطَلِق بِنا إلى أميرِ المُؤمِنينَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ نَتَحَدَّثُ عِندَهُ ، فَانطَلَقا ، قالَ [سَعيدُ بنُ العاصِ] : فَأَمّا عُثمانُ فَصارَ إلى مَجلِسِهِ الَّذي يَشتَهيهِ ، وأمّا أَنا فَمِلتُ إلى ناحِيَةِ القَومِ ، فَنَظَرَ إلَيَّ عُمَرُ وقالَ : ما لي أراكَ كَأَنَّ في نَفسِكَ عَلَيَّ شَيئا ؟ أ تَظُنُّ أنّي قَتَلتُ أباكَ ؟ وَاللّهِ لَوَدِدتُ أنّي كُنتُ قاتِلَهُ ، ولَو قَتَلتُهُ لَم أعتَذِر مِن قَتلِ كافِرٍ ، لكِنَّني مَرَرتُ بِهِ يَومَ بَدرٍ فَرَأَيتُهُ يَبحَثُ لِلقِتالِ كَما يَبحَثُ الثَّورُ بِقَرنِهِ ، وإذا شِدقاهُ قَد أزبَدا (1) كَالوَزَغِ ، فَلَمّا رَأَيتُ ذلِكَ هِبتُهُ ورُغتُ عَنهُ ، فَقالَ : إلى أينَ يَابنَ الخَطّابِ ؟ وصَمَدَ لَهُ عَلِيٌّ فَتَناوَلَهُ ، فَوَاللّهِ ما رِمتُ مَكاني حَتّى قَتَلَهُ . قالَ : وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام حاضِرا فِي المَجلِسِ ، فَقالَ : اللّهُمَّ غَفرا ؟ ! ذَهَبَ الشِّركُ بِما فيهِ ، ومَحَا الإِسلامُ ما تَقَدَّمَ ، فَمالَكَ تُهَيِّجُ النّاسَ ! فَكَفَّ عُمَرُ . قالَ سَعيدٌ : أما إنَّهُ ما كانَ يَسُرُّني أن يَكونَ قاتِلُ أبي غَيرَ ابنِ عَمِّهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (2) .
الإرشاد عن الزهري :لَمّا عَرَفَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حُضورَ نَوفَلِ بنِ خُوَيلِدٍ بَدرا قالَ : اللّهُمَّ اكفِني نَوفلاً ، فَلَمَّا انكَشَفَت قُرَيشٌ رَآهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام وقَد تَحَيَّرَ لا يَدري ما يَصنَعُ ، فَصَمَدَ لَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالسَّيفِ فَنَشَبَ في حَجَفَتِهِ (3) فَانتَزَعَهُ مِنها ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ ساقَهُ _ وكانَت دِرعُهُ مُشَمَّرَةً (4) _ فَقَطَعَها ، ثُمَّ أجهَزَ عَلَيهِ فَقَتَلَهُ .
.
ص: 173
فَلَمّا عادَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله سَمِعَهُ يَقولُ : مَن لَهُ عِلمٌ بِنَوفَلٍ ؟ فَقالَ لَهُ : أنَا قَتَلتُهُ يا رَسولَ اللّهِ ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وقالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أجابَ دَعوَتي فيهِ (1) .
حلية الأولياء عن محمّد بن إدريس الشافعي :دَخَلَ رَجُلٌ مِن بَني كِنانَةَ عَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ فَقالَ لَهُ : هَل شَهِدتَ بَدرا ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : مِثلَ مَن كُنتَ ؟ قالَ : غُلامَ قُمدودٍ (2) مِثلَ عَطباءِ الجُلمودِ (3) ، قالَ : فَحَدِّثني ما رَأَيتَ وحَضَرتَ . قالَ : ما كُنّا إلّا شُهودا كَأَغيابٍ ، وما رَأَينا ظَفَرا كانَ أوشَكَ مِنهُ . قال : فَصِف لي ما رَأَيتَ ؟ قالَ : رَأَيتُ في سَرَعانِ النّاسِ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؛ غُلاما شابّا لَيثا عَبقَرِيّا يَفرِي الفَرِيَّ (4) ، لا يُثبِتُ لَهُ أحَدٌ إلّا قَتَلَهُ ، ولا يَضرِبُ شَيئا إلّا هَتَكَهُ ، لَم أرَ مِنَ النّاسِ أحَدا قَطُّ أنفَقَ مِنهُ ، يَحمِلُ حَملَةً ، ويَلتَفِتُ التِفاتَةً كَأَنَّهُ ثَعلَبٌ رَوّاغٌ (5) ، وكَأَنَّ لَهُ عَينَينِ في قَفاهُ ، وكَأَنَّ وُثوبَهُ وُثوبُ وَحشٍ (6) .
الفائق عن سعد بن أبي وقّاص :رَأَيتُهُ [عَلِيّا عليه السلام ] يَومَ بَدرٍ وهُوَ يَقولُ : بازِلُ (7) عامَينِ حَديث سِنِّي سَنَحنَحُ (8) اللَّيلِ كَأَنّي جِنِّيٌ لِمِثلِ هذا وَلَدَتني اُمّي ما تَنقِمُ الحَربُ العَوانُ مِنّي (9)
.
ص: 174
المناقب لابن شهر آشوب_ في عَليٍّ عليه السلام _: إنَّ الكُفّارَ كانوا يُسَمّونَهُ المَوتَ الأَحمَرَ ؛ سَمَّوهُ يَومَ بَدرٍ لِعِظَمِ بَلائِهِ ونِكايَتِهِ (1)(2) .
تفسير القمّي :كانَ القَتلى بِبَدرٍ سَبعينَ ، وَالأَسرى سَبعين ، قَتَلَ مِنهُم أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام سَبعَةً وعِشرينَ ، ولَم يُؤسِر أحَدا (3) .
الإرشاد :قَد أثبَتَ رُواةُ العامَّةِ وَالخاصَّةِ مَعا أسماءَ الَّذينِ تَوَلّى أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قَتلَهُم بِبَدرٍ مِنَ المُشرِكينَ ، عَلَى اتِّفاقٍ فيما نَقَلوهُ مِن ذلِكَ وَاصطِلاحٍ ، فَكانَ مِمَّن سَمَّوهُ : الوَليدُ بنُ عُتبَةَ _ كَما قَدَّمناهُ _ وكانَ شُجاعا جَريئا فاتِكا وَقّاحا ، تَهابُهُ الرِّجالُ . وَالعاصُ بنُ سَعيدٍ ؛ وكانَ هَولاً عَظيما ، تَهابُهُ الأَبطالُ . وهُوَ الَّذي حادَ عَنهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ . . . . وطُعَيمَةُ بنُ عَدِيِّ بنِ نَوفَلٍ ؛ وكانَ مِن رُؤوسِ أهلِ الضَّلالِ . ونَوفَلُ بنُ خُوَيلِدٍ؛ وكانَ مِن أشَدِّ المُشرِكينَ عَداوَةً لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكانَت قُرَيشٌ تُقَدِّمُهُ وتُعَظِّمُهُ وتُطيعُهُ ، وهُوَ الَّذي قَرَنَ أبا بَكرٍ بِطَلحَةَ _ قَبلَ الهِجرَةِ بِمَكَّةَ _ وأوثَقَهُما بِحَبلٍ وعَذَّبَهُما يَوما إلَى اللَّيلِ حَتّى سُئِلَ في أمرِهِما . ولَمّا عَرَفَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حُضورَهُ بَدرا سَأَلَ اللّهَ عزَّوجَلَّ أن يَكفِيَهُ أمرَهُ ، فَقالَ : « اللّهُمَّ اكفِني نَوفَلَ بنَ خُوَيلِدٍ» ، فَقَتَلَهُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام .
.
ص: 175
وزمعَةُ بنُ الأَسوَدِ ، وَالحارِثُ بنُ زَمعَةَ ، وَالنَّضرُ بنُ الحارِثِ بنِ عَبدِ الدَّارِ ، وعُمَيرُ بنُ عُثمانَ بنِ كَعبِ بنِ تَيمٍ عَمُّ طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللّهِ ، وعُثمانُ ومالِكُ ابنا عُبَيدِ اللّهِ أخَوا طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللّهِ ، ومَسعودُ بنُ أبي اُمَيَّةَ بنِ المُغيرَةِ ، وقَيسُ بنُ الفاكِهِ بنِ المُغيرَةِ ، وحُذَيفَةُ بنُ أبي حُذَيفَةَ بنِ المُغَيرَةِ ، وأبو قَيسِ بنُ الوَليدِ بنِ المُغَيرَةِ ، وحَنظَلَةُ بنُ أبي سُفيانَ ، وعَمرُو بنُ مَخزومٍ ، وأبو المُنذِرِ بنُ أبي رِفاعَةَ ، ومُنَبِّهُ بنُ الحَجّاجِ السَّهمِيُّ ، وَالعاصُ بنُ مُنَبِّهٍ ، وعَلقَمَةُ بنُ كَلَدَةَ ، وأبُو العاصِ بنُ قَيسِ بنِ عَدِيٍّ ، ومُعاوِيَةُ بنُ المُغيرَةِ بنِ أبِي العاصِ ، ولَوذانُ بنُ رَبيعَةَ ، وعَبدُ اللّهِ ابنُ المُنذِرِ بنِ أبي رِفاعَةَ ، ومَسعودُ بنُ اُمَيَّةَ بنِ المُغيرَةِ ، وحاجِبُ بنُ السّائِبِ بنِ عُوَيمِرٍ ، وأوسُ بنُ المُغَيرَةِ بنِ لَوذانَ ، وزَيدُ بنُ مُلَيصٍ ، وعاصِمُ بنُ أبي عَوفٍ ، وسَعيدُ بنُ وَهبٍ حَليفُ بَني عامِرٍ ، ومُعاوِيَةُ بنُ عامِرِ بنِ عَبدِ القَيسِ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ جَميلِ بنِ زُهَيرِ بنِ الحارِثِ بنِ أسَدٍ ، وَالسّائِبُ بنُ مالِكٍ ، وأبُو الحَكَمِ بنُ الأَخنَسِ ، وهِشامُ بنُ أبي اُميَّةَ بنِ المغيرَةِ . فَذلِكَ خَمسَةٌ وثَلاثونَ رَجُلاً ، سِوى مَنِ اختُلِفَ فيهِ ، أو شَرِكَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فيهِ غَيرَهُ ، وهُم أكثَرُ مِن شَطرِ المَقتولينَ بِبَدرٍ عَلى ما قَدَّمناهُ (1) .
المناقب للخوارزمي عن الإمام الباقر عليه السلام عن جابر بن عبد اللّه :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ : هذا رِضوانُ ؛ مَلَكٌ مِن مَلائِكَةِ اللّهِ يُنادي : لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ، ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ (2) .
.
ص: 176
الإمام الباقر عليه السلام :نادى مُنادٍ فِي السَّماءِ يَومَ بَدرٍ يُقالُ لَهُ رِضوانُ : لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ، ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ (1) .
4 / 2غَزوَةُ اُحُدٍإنّ هزيمة المشركين في بدر ، وقتل صناديدهم ورؤسائهم يومذاك أوقدا غضب قريش وحفيظتها ؛ فكانت كالأفعى المطعونة لا يقرّ لها قرار . من جهة اُخرى كانت قريش قد رأت استبسال المسلمين في بدر وعشقهم للشهادة ؛ فلابدّ لها _ إذا _ من التخطيط للثأر . لذا أقبلت على شتّى القبائل لتصطحب مقاتليها وشجعانها لحرب محمّد صلى الله عليه و آله ، وتولّت مصاريف القتال ، وإعداد عدّته وسائر ما يتطلبّه ، وتوجّهت صوب المدينة بجيش جرّار بلغ ثلاثة آلاف مقاتل ، وفيه مئتا فرس (2) ، وثلاثة آلاف بعير (3) . وعرف النبيّ صلى الله عليه و آله ذلك ، فشاور أصحابه ، ثمّ عزم على القتال ، وبعد صلاة الجمعة غادر المدينة ومعه قرابة ألف مقاتل صَوب «اُحد» التي كان العدوّ قد عسكر فيها (4) . بدأ القتال صبيحة السابع من شوّال سنة 3 ه (5) ، وكاد النصر يكون حليف
.
ص: 177
المسلمين في البداية لولا ترك الرصَد مواضعهم من الجبل طمعا في الغنائم ، فباغتهم العدوّ ، وإذا هم بوضعهم العسكريّ المتخلخل ، أمام عدوٍّ حاقدٍ موتورٍ متفانٍ في سبيل هدفه _ ممّا ذكر التاريخ تفاصيله _ فتلقّوا ضرباب شديدة موجعة ، وانكسروا (1) ، وآثر كثير منهم الفرار على البقاء ، وتركوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحده في الميدان ، ولم يثبت معه إلّا الإمام عليّ عليه السلام ونفر قليل ، فكان عليه السلام يُحيط برسول اللّه صلى الله عليه و آله ويدفع عنه الهجمات كالليث الهصور . لقد كانت اُحد من أشدّ معارك النبيّ صلى الله عليه و آله وقعا ، وأكثرها دروسا وعِبَرا ، وأبلغها تنبيها وتذكيرا ، وكان الإمام عليه السلام فيها البطل الذي لا صنو له في دوره البارز المتفرّد ؛ إذ : 1 _ كان رافع لوائها الأصلي (2) ؛ وهو لواء المهاجرين (3) . 2 _ وبسيفه هلك صاحب لواء الشرك المغرور طلحة بن أبي طلحة (4) . 3 _ وبضرباته المتوالية قتل بعد طلحة ثمانية غيره حملوا اللواء بعده ، فأفناهم الواحد تلو الآخر ، ولم يُرفع للشرك بعدهم لواء (5) . 4 _ من المؤسف أنّ كثيرا من المسلمين لاذوا بالفرار بعد تضعضع الجيش ، وهجوم العدوّ المباغت ، وكان عليّ عليه السلام هو الذي يحمي رسول اللّه صلى الله عليه و آله من مخاطر
.
ص: 178
هجمات العدوّ في تلك اللحظات الصعبة الحاسمة (1) . 5 _ نقل ابن إسحاق أنّ اثنين وعشرين من المشركين قُتلوا في هذه المعركة (2) ، منهم اثنا عشر قتلهم الإمام عليه السلام (3) . 6 _ أثنى جبرئيل عليه السلام على شهامة الإمام عليه السلام وقتاله في هذه الحرب ، ودوّى النداء الملكوتي : «لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ» في الآفاق (4) . 7 _ أنافتْ جراح الإمام عليه السلام _ رمز البطولة والشجاعة _ على تسعين جرحا (5) . وانكسرت يده المنقذة للمظلوم القامعة للظالم في هذه الحرب (6) . 8 _ لمّا ترك جيش الكفر ميدان الحرب ، بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله من محلّ استخفائه عليّا عليه السلام _ مع ما به من جراحات مزّقت بدنه ، ومن ضعف بسبب كثرة النزف _ ليستطلع خبر العدوّ ويتأكّد من تركه الميدان (7) .
تاريخ الطبري عن السدّي_ في ذِكرِ غَزوَةِ اُحُدٍ _: إنَّ طَلحَةَ بنَ عُثمانَ صاحِبَ لِواءِ المُشرِكينَ قامَ فَقالَ : يا مَعشَرَ أصحابِ مُحَمَّدٍ ! إنَّكُم تَزعُمونَ أنَّ اللّهَ يُعَجِّلُنا بِسُيوفِكُم إلَى النّارِ ، ويُعَجِّلُكُم بِسُيوفِنا إلَى الجَنَّةِ ؛ فَهَل مِنكُم أحَدٌ يُعَجِّلُهُ اللّهُ بِسَيفي إلَى الجَنَّةِ ، أو يُعَجِّلُني بِسَيفِهِ إلَى النّارِ ؟ ! فَقامَ إلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنهفَقالَ :
.
ص: 179
وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لا اُفارِقُكَ حَتّى اُعَجِّلَكَ بِسَيفي إلَى النّارِ ، أو تُعَجِّلُني بِسَيفِكَ إلَى الجَنَّةِ ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَقَطَعَ رِجلَهُ فَسَقَطَ فَانكَشَفَت عَورَتُهُ ، فَقالَ : أنشُدُكَ اللّهَ وَالرَّحِمَ يَابنَ عَمِّ ! فَتَرَكَهُ ، فَكَبَّرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقالَ لِعَلِيٍّ : ما مَنَعَكَ أن تُجهِزَ عَلَيهِ ؟ قالَ : إنَّ ابنَ عَمّي ناشَدَني حينَ انكَشَفَت عَورَتُهُ ، فَاستَحيَيتُ مِنهُ (1) .
الإرشاد عن ابن إسحاق :كانَ صاحِبُ لِواءِ قُرَيشٍ يَومَ اُحُدٍ طَلحَةَ بنَ طَلحَةَ بنِ عَبدِ العُزَّى بنِ عُثمانَ بنِ عَبدِ الدّارِ قَتَلَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وقَتَلَ ابنَهُ أبا سَعيدِ بنَ طَلحَةَ ، وقَتَلَ أخاهُ كَلَدَةَ بنَ أبي طَلحَةَ ، وقَتَلَ عَبدَ اللّهِ بنَ حُمَيدِ بنِ زُهَرَةَ بنِ الحارِثِ بنِ أسَدِ بنِ عَبدِ العُزّى ، وقَتَلَ أبَا الحَكَمِ بنَ الأَخنَسِ بنِ شَريقِ الثَّقَفِيَّ ، وقَتَلَ الوَليدَ بنَ أبي حُذَيفَةَ بنِ المُغيرَةِ ، وقَتَلَ أخاهُ اُمَيَّةَ بنَ أبي حُذَيفَةَ بنِ المُغيرَةِ ، وقَتَلَ أرطاةَ بنَ شُرَحبيلَ ، وقَتَلَ هِشامَ بنَ اُمَيَّةَ وعَمرَو بنَ عَبدِ اللّهِ الجُمَحِيَّ وبِشرَ بنَ مالِكٍ ، وقَتَلَ صُوابا مَولى بَني عَبدِ الدّارِ ؛ فَكانَ الفَتحُ لَهُ ، ورُجوعُ النّاسِ مِن هَزيمَتِهِم إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِمُقامِهِ يَذُبُّ عَنهُ دونَهُم . وتَوَجَّهَ العِتابُ مِنَ اللّهِ تَعالى إلى كافَّتِهِم لِهَزيمَتِهِم _ يَومَئِذٍ _ سَواهُ ومَن ثَبَتَ مَعَهُ مِن رِجالِ الأَنصارِ وكانوا ثَمانِيَةَ نَفَرٍ ، وقيلَ : أربَعَةً أو خَمسَةً . وفي قَتلِهِ عليه السلام مَن قَتَلَ يَومَ اُحُدٍ وغَنائِهِ في الحَربِ وحُسنِ بَلائِهِ يَقولُ الحَجّاجُ ابنُ عِلاطٍ السُّلَمِيُّ : للّهِِ أيُّ مُذَبِّبٍ عَن حِزبِهِ (2) أعنِي ابنَ فاطِمَةَ المُعَمَّ المُخوَلا (3) جادَت يَداكَ لَهُ بِعاجِلِ طَعنَةٍ تَرَكَت طُلَيحَةَ لِلجَبينِ مُجَدَّلا (4) وشَدَدتَ شِدَّةَ باسلٍ فَكَشَفتَهُم بِالسَّفحِ إذ يَهوون أسفَلَ أسفَلا وعَلَلتَ سَيفَكَ بِالدِّماءِ ولَم تَكُن لِتَرُدَّهُ حَرّانَ (5) حَتّى يَنهَلا (6)
.
ص: 180
السيرة النبويّة عن مسلمة بن علقمة المازني :لَمَّا اشتَدَّ القِتالُ يَومَ اُحُدٍ جَلَسَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَحتَ رايَةِ الأَنصارِ ، وأرسَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ : أن قَدِّمِ الرّايَةَ . فَتَقَدَّمَ عَلِيٌّ فَقالَ : أنَا أبُو الفُصَمِ _ ويُقالُ أبُو القُصَمِ _ ، فَناداهُ أبو سَعدِ بنُ أبي طَلحَةَ _ وهُوَ صاحِبُ لِواءِ المُشرِكينَ _ : أن هَل لَكَ يا أبَا القُصَمِ فِي البِرازِ مِن حاجَةٍ ؟قالَ : نَعَم . فَبَرَزا بَينَ الصَّفَّينِ فَاختَلَفا ضَربَتَينِ ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَصَرَعَهُ ، ثُمَّ انصَرَفَ عَنهُ ولَم يُجهِز عَلَيهِ ، فَقالَ لَهُ أصحابُهُ : أفَلا أجهَزتَ عَلَيهِ ؟ فَقالَ : إنَّهُ استَقبَلَني بِعَورَتِهِ ، فَعَطَفَتني عَنهُ الرَّحِمُ ، وعَرَفتُ أنَّ اللّهَ عزَّ وجَلَّ قَد قَتَلَهُ (1) .
المناقب لابن شهر آشوب عن زيد بن عليّ عن آبائه عليهم السلام: كُسِرَت زَندُ عَلِيٍّ يَومَ اُحُدٍ وفي يَدِهِ لِواءُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَسَقَطَ اللِّواءُ مِن يَدِهِ فَتَحاماهُ المُسلِمونَ أن يَأخُذوهُ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ : فَضَعوهُ في يَدِهِ الشِّمالِ ، فَإِنَّهُ صاحِبُ لِوائي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . وفي رِوايَةِ غَيرِهِ : فَرَفَعَهُ المِقدادُ وأعطاهُ عَلِيّا ، وقالَ صلى الله عليه و آله : أنتَ صاحِبُ رايَتي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (2) .
.
ص: 181
المعجم الكبير عن أبي رافع :لَمّا قَتَلَ عَلِىٌّّ رضى الله عنه يَومَ اُحُدٍ أصحابَ الأَلوِيَةِ قالَ جِبريلُ عليه السلام : يا رَسولَ اللّهِ ! إنَّ هذِهِ لَهِيَ المُواساةُ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إنَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ . قالَ جِبريلُ : وأنَا مِنكُما يا رَسولَ اللّهِ (1) .
تاريخ الطبري عن أبي رافع :لَمّا قَتَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أصحابَ الأَلوِيَةِ أبصَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله جَماعَةً مِن مُشرِكي قُرَيشٍ ، فَقالَ لِعَلِيٍّ : اِحمِل عَلَيهِم ، فَحَمَلَ عَلَيهِم ، فَفَرَّقَ جَمعَهُم ، وقَتَلَ عَمرَو بنَ عَبدِ اللّهِ الجُمَحِيَّ . قالَ : ثُمَّ أبصَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله جَماعَةً مِن مُشرِكي قُرَيشٍ ، فَقالَ لِعَلِيٍّ : اِحمِل عَلَيهِم ، فَحَمَلَ عَلَيهِم فَفَرَّقَ جَماعَتَهُم ، وقَتَلَ شَيبَةَ بنَ مالِكٍ أحدَ بَني عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ ، فَقالَ جِبريلُ : يا رَسولَ اللّهِ ! إنَّ هذِهِ لَلمُواساةُ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ ، فَقالَ جِبريلُ : وأنا مِنكُما ، قالَ : فَسَمِعوا صَوتا : لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقا رِ ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ (2)
الإرشاد عن عبد اللّه بن مسعود_ في ذِكرِ غَزوَةِ اُحُدٍ _: كانَ لِواءُ المُشرِكينَ مَعَ طَلحَةَ بنِ أبي طَلحَةَ وكانَ يُدعى كَبشَ الكَتيبَةِ ، قالَ : ودَفَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِواءَ المُهاجِرينَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وجاءَ حَتّى قامَ تَحتَ لِواءِ الأَنصارِ ، قالَ : فَجاءَ أبو سُفيانَ إلى أصحابِ اللِّواءِ فَقالَ : يا أصحابَ الأَلوِيَةِ ! إنَّكُم قَد تَعلَمونَ أنَّما يُؤتَى القَومُ مِن قِبَلِ ألوِيَتِهِم ، وإنَّما اُتيتُم يَومَ بَدرٍ مِن قِبَلِ ألوِيَتِكُم ؛ فَإِن كُنتُم تَرَونَ أنَّكُم قَد ضَعُفتُم عَنها فَادفَعوها إلَينا نَكفِكُموها .
.
ص: 182
قالَ : فَغَضِبَ طَلحَةُ بنُ أبي طَلحَةَ وقالَ : أ لَنا تَقولُ هذا ؟ ! وَاللّهِ لَاُورِدَنَّكُم بِهَا اليَومَ حِياضَ المَوتِ قالَ : وكانَ طَلحَةُ يُسمّى كَبشَ الكَتيبَةِ ، قالَ : فَتَقَدَّمَ وتَقَدَّمَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ عَلِيٌّ : مَن أنتَ قالَ : أنَا طَلحَةُ بنُ أبي طَلحَةَ ، أنَا كَبشُ الكَتيبَةِ ، قالَ : فَمَن أنتَ ؟ قالَ : أنَا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، ثُمَّ تَقارَبا فَاختَلَفَت بَينَهُما ضَربَتانِ ، فَضَرَبَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ضَربَةً عَلى مُقَدَّمِ رَأسِهِ ، فَبَدَرَت عَيناهُ وصاحَ صَيحَةً لَم يُسمَع مِثلُها قَطُّ ، وسَقَطَ اللِّواءُ مِن يَدِهِ ، فَأَخَذَهُ أخٌ لَهُ يُقالُ [لَهُ] (1) : مُصعَبٌ ، فَرَماهُ عاصِمُ بنُ ثابِتٍ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ أخَذَ اللِّواءَ أخٌ لَهُ يُقالُ لَهُ : عُثمانُ ، فَرَماهُ عاصِمٌ _ أيضا _ فَقَتَلَهُ ، فَأَخَذَهُ عَبدٌ لَهُم يُقالُ لَهُ : صُوابٌ _ وكانَ مِن أشَدِّ النّاسِ _ فَضَرَبَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام يَدَهُ فَقَطَعَها ، فَأَخَذَ اللِّواءَ بِيَدِهِ اليُسرى ، فَضَرَبَهُ عَلى يَدِهِ فَقَطَعَها ، فَأَخَذَ اللِّواءَ عَلى صَدرِهِ وجَمَعَ يَدَيهِ وهُما مَقطوعَتانِ عَلَيهِ ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى اُمِّ رَأسِهِ فَسَقَطَ صَريعا . وَانهَزَمَ القَومُ وأكَبَّ المُسلِمونَ عَلَى الغَنائِمِ . ولَمّا رَأى أصحابُ الشِّعبِ (2) النّاسَ يَغنَمونَ قالوا : يَذهَبُ هؤُلاءِ بِالغَنائِمِ ونَبقى نَحنُ ، فَقالوا لِعَبدِ اللّهِ بنِ عَمرِو ابنِ حَزمٍ _ الَّذي كانَ رَئيسا عَلَيهِم _ : نُريدُ أن نَغنَمَ كَما غَنِمَ النّاسُ ، فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَني أن لا أبرَحَ مِن مَوضِعي هذا ، فَقالوا لَهُ : إنَّهُ أمَرَكَ بِهذا وهُوَ لا يَدري أنَّ الأَمرَ يَبلُغُ إلى ما تَرى ! ومالوا إلَى الغَنائِمِ وتَرَكوهُ ، ولَم يَبرَح هُو مِن مَوضِعِهِ ، فَحَمَلَ عَلَيهِ خالِدُ بنُالوَليدِ فَقَتَلَهُ ، وجاءَ مِن ظَهرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُريدُهُ فَنَظَرَ إلَى النَّبِيِّ في حَفٍّ من أصحابِهِ فَقالَ لِمَن مَعَهُ : دونَكُم هذَا الَّذي تَطلُبونَ فَشَأنَكُم بِهِ ، فَحَمَلوا عَلَيهِ حَملَةَ رَجُلٍ واحِدٍ ضَربا بِالسُّيوفِ وطَعنا بِالرِّماحِ ورَميا بِالنَّبلِ ورَضخا بِالحِجارَةِ ، وجَعَل
.
ص: 183
أصحابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يُقاتِلونَ عَنهُ حَتّى قُتِلَ مِنهُم سَبعونَ رَجُلاً . وثَبَتَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وأبو دُجانَةَ الأَنصارِيُّ وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ لِلقَومِ يَدفَعونَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وكَثُرَ عَلَيهِمُ المُشرِكونَ ، فَفَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَينَيهِ ونَظَرَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام . . . فَقالَ : يا عَلِيُّ ! ما فَعَلَ النّاسُ ؟ فَقالَ : نَقَضُوا العَهدَ ووَلَّوُا الدُّبُرَ ، فَقالَ لَهُ : فَاكفِني هؤِلاءِ الَّذينَ قَد قَصَدوا قَصدي ، فَحَمَلَ عَلَيهِم أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَكَشَفَهُم ، ثُمَّ عادَ إلَيهِ _ وقَد حَمَلوا عَلَيهِ مِن ناحِيَةٍ اُخرى _ فَكَرَّ عَلَيهِم فَكَشَفَهُم ، وأبو دُجانَةَ وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ قائِمانِ عَلى رَأسِهِ بِيَدِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما سَيفُهُ لِيَذُبَّ عَنهُ (1) .
الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام: كانَ أصحابُ اللِّواءِ يَومَ اُحُدٍ تِسعَةً ، قَتَلَهُم عَلِيٌّ عَن آخِرِهِم ، وَانهَزَمَ القَومُ ، وطارَت مَخزومٌ مُنذُ فَضَحَها عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ يَومَئِذٍ . قالَ : وبارَزَ عَلِيٌّ الحَكَمَ بنَ الأَخنَسِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجلَهُ مِن نِصفِ الفَخِذِ فَهَلَكَ مِنها (2) .
المغازي :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ يَومَ اُحُدٍ : مَن لَهُ عِلمٌ بِذَكوانَ بنِ عَبدِ قَيسٍ ؟ قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : أنَا رَأَيتُ _ يا رَسولَ اللّهِ _ فارِسا يَركُضُ في أثَرِهِ حَتّى لَحِقَهُ وهُوَ يَقولُ : لا نَجَوتُ إن نَجَوتَ ! فَحَمَلَ عَلَيهِ بِفَرَسِهِ وذَكوانُ راجِلٌ ، فَضَرَبَهُ وهُوَ يَقولُ : خُذها وأنَا ابنُ عِلاجٍ ! فَأَهوَيتُ إلَيهِ وهُوَ فارِسٌ ، فَضَرَبتُ رِجلَهُ بِالسَّيفِ حَتّى قَطَعتُها عَن نِصفِ الفَخِذِ ، ثُمَّ طَرَحتُهُ مِن فَرَسِهِ ، فَذَفَفتُ عَلَيهِ وإذا هُوَ أبُو الحَكَمِ بنُ الأَخنَسِ بنِ شَريقِ ابنِ عِلاجِ بنِ عَمرِو بنِ وَهبٍ الثَّقَفِيُّ (3) .
.
ص: 184
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا انهَزَمَ النّاسُ يَومَ اُحُدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله انصَرَفَ إلَيهِم بِوَجهِهِ وهُوَ يَقولُ : أنَا مُحَمَّدٌ ، أنَا رَسولُ اللّهِ ، لَم اُقتَل ولَم أمُت . . . وكانَ النّاسُ يَحمِلونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله المَيمَنَةَ فَيَكشِفُهُم عَلِيٌّ عليه السلام ، فَإِذا كَشَفَهُم أقبَلَتِ المَيسَرَةُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَلَم يَزَل كَذلِكَ حَتّى تَقَطَّعَ سَيفُهُ بِثَلاثِ قِطَعٍ ، فَجاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَطَرَحَهُ بَينَ يَدَيهِ وقالَ : هذا سَيفي قَد تَقَطَّعَ ، فَيَومَئِذٍ أعطاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ذَا الفَقارِ ، ولَمّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله اختِلاجَ (1) ساقَيهِ مِن كَثرَةِ القِتالِ رَفَعَ رَأسَهُ إلَى السَّماءِ وهُوَ يَبكي وقالَ : يا رَبِّ وَعَدتَني أن تُظهِرَ دينَكَ وإن شِئتَ لَم يُعيِكَ ، فَأَقبَلَ عَلِيٌّ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أسمَعُ دَوِيّا شَديدا ، وأسمَعُ «أقدِم حَيزومُ» (2) وما أهُمُّ أضرِبُ أحَدا إلّا سَقَطَ مَيِّتا قَبلَ أن أضرِبَهُ . فَقالَ : هذا جَبرَئيلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ فِي المَلائِكَةِ ، ثُمَّ جاءَ جَبرَئيلُ عليه السلام فَوَقَفَ إلى جَنبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ! إنَّ هذِهِ لَهِيَ المُواساةُ ، فَقالَ : إنَّ عَلِيّا مِنّي وأنَا مِنهُ ، فَقالَ جَبرَئيلُ : وأنَا مِنكُما . ثُمَّ انهَزَمَ النّاسُ (3) .
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ جَبرَئيلَ قالَ يَومَ اُحُدٍ : يا مُحَمَّدُ ! إنَّ هذِهِ لَهِيَ المُؤاساةُ مِن عَلِيٍّ . قالَ : لِأَ نَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ ، فَقالَ جَبرَئيلُ : وأنَا مِنكُما يا رَسولَ اللّهِ . ثُمَّ قالَ : لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ، ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ ، فَكانَ كَما مَدَحَ اللّهُ تَعالى بِهِ خَليلَهُ عليه السلام إذ يَقولُ : «فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَ هِيمُ» (4) . (5)
الكافي عن نعمان الرازي عن الإمام الصادق عليه السلام :اِنهَزَمَ النّاسُ يَومَ اُحُدٍ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَغَضِبَ غَضَبا شَديدا ، قالَ : وكانَ إذا غَضِبَ انحَدَرَ عَن جَبينِهِ مِثلُ اللُّؤلُؤِ مِنَ العَرَقِ ،
.
ص: 185
قالَ : فَنَظَرَ فَإِذا عَلِيٌّ عليه السلام إلى جَنبِهِ ، فَقالَ لَهُ : اِلحَق بِبَني أبيكَ مَعَ مَنِ انهَزَمَ عَن رَسولِ اللّهِ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، لي بِكَ اُسوَةٌ ، قالَ : فَاكفِني هؤُلاءِ ، فَحَمَلَ فَضَرَبَ أوَّلَ مَن لَقِيَ مَنهُم ، فَقالَ جَبرَئيلُ عليه السلام : إنَّ هذِهِ لَهِيَ المُؤاساةُ يا مُحَمَّدُ ، فَقالَ : إنَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ ، فَقالَ جَبرَئيلُ عليه السلام : وأنَا مِنكُما يا مُحَمَّدُ . فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَنَظَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى جَبرَئيلَ عليه السلام عَلى كُرسِيٍّ مِن ذَهَبٍ بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ وهُوَ يَقولُ : لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ، ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ (1) .
السيرة النبويّة عن ابن أبي نجيح :نادى مُنادٍ يَومَ اُحُدٍ : لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقا رِ ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ (2)
المناقب للخوارزمي عن أبي ذرّ عن الإمام عليّ عليه السلام_ لِلمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ بَعدَ حُصولِ البَيعَةِ لِعُثمانَ _: ناشَدتُكُمُ اللّهَ تَعالى ، هَل تَعلَمونَ _ مَعاشِرَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ _ أنَّ جَبرَئيلَ عليه السلام أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ، ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ ؟ هَل تَعلَمونَ كانَ هذا ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم (3) .
تاريخ الطبري :قاتَلَ مُصعَبُ بنُ عُمَيرٍ دونَ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ومَعَهُ لِواؤُهُ حَتّى قُتِلَ ، وكانَ الَّذي أصابَهُ ابنُ قَميئَةَ اللَّيثِيُّ ، وهُوَ يَظُنُّ أنَّهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَرَجَعَ إلى قُرَيشٍ فَقالَ :
.
ص: 186
قَتَلتُ مُحَمَّدا ، فَلَمّا قُتِلَ مُصعَبُ بنُ عُمَيرٍ أعطى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله اللِّواءَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رضى الله عنه (1) .
الإرشاد :لَمَّا انهَزَمَ النّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في يَومِ اُحُدٍ ، وثَبَتَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ (2) لَهُ : ما لَكَ لا تَذهَبُ مَعَ القَومِ ، فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أذهَبُ وأدَعُكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ ! وَاللّهِ لابَرِحتُ حَتّى اُقتَلَ أو يُنجِزَ اللّهُ لَكَ ما وَعَدَكَ مِنَ النَّصرِ ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أبشِر يا عَلِيُّ ؛ فَإِنَّ اللّهَ مُنجِزٌ وَعدَهُ ، ولَن يَنالوا مِنّا مِثلَها أبَدا . ثُمَّ نَظَرَ إلى كَتيبَةٍ قد أقبَلَت إلَيهِ ، فَقالَ لَهُ : لَو حَمَلتَ عَلى هذِهِ يا عَلِيُّ ، فَحَمَلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقَتَلَ مِنها هِشامَ بنَ اُمَيَّةَ المَخزومِيَّ وَانهَزَمَ القَومُ . ثُمَّ أقبَلَت كَتيبَةٌ اُخرى ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : اِحمِل عَلى هذِهِ ، فَحَمَلَ عَلَيها فَقَتَلَ مِنها عَمرَو بنَ عَبدِ اللّهِ الجُمَحِيَّ ، وَانهَزَمَت أيضا . ثُمَّ أقبَلَت كَتيبَةٌ اُخرى ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : اِحمِل عَلى هذِهِ ، فَحَمَلَ عَلَيها فَقَتَلَ مِنها بِشرَ بنَ مالِكٍ العامِرِيَّ وَانهَزَمَتِ الكَتيبَةُ ، فَلَم يَعُد بَعدَها أحَدٌ مِنهُم . وتَرَاجَعَ المُنهَزِمونَ مِنَ المُسلِمينَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَانصَرَفَ المُشرِكونَ إلى مَكَّةَ وَانصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلَى المَدينَةِ ، فَاستَقبَلَتهُ فاطِمَةُ عليهاالسلام ومَعَها إناءٌ فيهِ ماءٌ ، فَغَسَلَ بِهِ وَجهَهُ ، ولَحِقَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وقَد خَضَبَ الدَّمُ يَدَهُ إلى كَتِفِهِ ومَعَهُ ذُو الفَقارِ ، فَناوَلَهُ فاطِمَةَ عليهاالسلام وقالَ لَها : خُذي هذَا السَّيفَ فَقَد صَدَقَنِي اليَومَ . وأنشَأَ يَقولُ : أ فاطِمُ هاكِ السَّيفَ غَيرَذَميمٍ فَلَستُ بِرِعديدٍ ولا بِمليمٍ (3) لَعَمري لَقَد أعذَرتُ في نَصرِأحمَدَ وطاعَةِ رَبٍّ بِالعِبادِ عَليمٍ أميطي دِماءَ القَومِ عَنهُ فَإِنَّهُ سَقى آلَ عَبدِ الدّارِ كَأسَ حَميمٍ وقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : خُذيهِ يا فاطِمَةُ ، فَقَد أدّى بَعلُكِ ما عَلَيهِ وقَد قَتَلَ اللّهُ بِسَيفِهِ صَناديدَ قُرَيشٍ (4) .
.
ص: 187
الإمام عليّ عليه السلام_ حينَما رَجَعَ مِن غَزوَةِ اُحُدٍ وأعطى فاطِمَةَ عليهاالسلام سَيفَهُ _: أ فاطِمُ هاكِ السَّيفَ غَيرَ ذَميمٍ فَلَستُ بِرِعديدٍ ولا بِمليمٍ لَعَمري لَقَد قاتَلتُ في حُبِّ أحمَدَ وطاعَةِ ربٍّ بِالعِبادِ رَحيمٍ وسَيفي بِكَفّي كَالشِّهابِ أهُزُّهُ أجُذُّ بِهِ مِن عاتِقٍ وصَميمٍ فَما زِلتُ حَتّى فَضَّ رَبّي جُموعَهُم وحَتّى شَفَينا نَفسَ كُلِّ حَليمٍ (1)
المغازي عن الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا كانَ يَومُ اُحُدٍ وجالَ النّاسُ تِلكَ الجَولَةَ أقبَلَ اُمَيَّةُ بنُ أبي حُذَيفَةَ بنِ المُغيرَةِ ، وهُو دارِعٌ مُقَنَّعٌ فِي الحَديدِ ، ما يُرى مِنهُ إلّا عَيناهُ ، وهُوَ يَقولُ : يَومٌ بِيَومِ بَدرٍ ، فَيَعتَرِضُ لَهُ رَجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ فَيَقتُلُهُ اُمَيَّةُ . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : وأصمُدُ لَهُ فَأَضرِبُهُ بِالسَّيفِ عَلى هامَتِهِ وعَلَيهِ بَيضَةٌ وتَحتَ البَيضَةِ مِغفَرٌ ، فَنَبا سَيفي ، وكُنتُ رَجُلاً قَصيرا ، ويَضرِبُني بِسَيفِهِ فَأَتَّقي بِالدَّرَقَةِ ، فَلَحِجَ (2) سَيفُهُ فَأَضرِبُهُ _ وكانَت دِرعُهُ مُشَمَّرَةً _ فَأَقطَعُ رِجلَيهِ ، ووَقَعَ فَجَعَلَ يُعالِجُ سَيفَهُ حَتّى خَلَّصَهُ مِنَ الدَّرَقَةِ (3) ، وجَعَلَ يُناوِشُني وهُوَ بارِكٌ عَلى رُكبَتَيهِ ، حَتّى نَظَرتُ إلى فَتق
.
ص: 188
تَحتَ إبطِهِ فَأَخُشُّ بِالسَّيفِ فيهِ ، فَمالَ وماتَ وَانصَرَفتُ عَنهُ (1) .
الإرشاد عن سعيد بن المسيّب :لَو رَأَيتَ مَقامَ عَلِيٍّ يَومَ اُحُدٍ لَوَجَدتَهُ قائِما عَلى مَيمَنَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَذُبُّ عَنهُ بِالسَّيفِ وقَد وَلّى غَيرُهُ الأَدبارَ (2) .
الإمام الباقر عليه السلام :أصابَ عَلِيّا عليه السلام يَومَ اُحُدٍ سِتّونَ جِراحَةً (3) .
تفسيرالقمّي عن أبي واثلة شقيق بن سلمة_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: أصابَهُ في وَجهِهِ ورَأسِهِ وصَدرِهِ وبَطنِهِ ويَدَيهِ ورِجلَيهِ تِسعونَ جِراحَةً (4) .
اُسد الغابة عن سعيد بن المسيّب :لَقَد أصابَت عَلِيّا يَومَ اُحُدٍ سِتَّ عَشَرَةَ ضَربَةً ، كُلُّ ضَربَةٍ تُلزِمُهُ الأَرضَ ، فَما كانَ يَرفَعُهُ إلّا جِبريلُ عليه السلام (5) .
السيرة النبويّة عن ابن إسحاق :لَمَّا انصَرَفَ أبو سُفيانَ ومَن مَعَهُ نادى : إنَّ مَوعِدَكُم بَدرٌ لِلعامِ القابِلِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِرَجُلٍ مِن أصحابِهِ : قُل : نَعَم ، هُوَ بَينَنا وبَينَكُم مَوعِدٌ . ثُمَّ بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ فَقالَ : اُخرُج في آثارِ القَومِ ، فَانظُر ماذا يَصنَعونَ وما يُريدون ، فَإِن كانوا قَد جَنَّبُوا الخَيلَ وَامتَطَوُا الإِبِلَ فَإِنَّهُم يُريدونَ مَكَّةَ ، وإن رَكِبُوا الخَيلَ وساقُوا الإِبِلَ فَإِنَّهُم يُريدونَ المَدينَةَ ، وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لَئِن أرادوها لَأَسيرَنَّ إلَيهِم فيها ، ثُمَّ لَاُناجِزَنَّهُم ! قالَ عَلِيٌّ : فَخَرَجتُ في آثارِهِم أنظُرُ ماذا يَصنَعونَ ، فَجَنَّبُوا الخَيلَ وَامتَطَوُا الإِبِل
.
ص: 189
ووَجَّهوا إلى مَكَّةَ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا أنزَلَ اللّهُ سُبحانَهُ قَولَهُ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ» (2) عَلِمتُ أنَّ الفِتنَةَ لا تَنزِلُ بِنا ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أظهُرِنا ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما هذِهِ الفِتنَةُ الَّتي أخبَرَكَ اللّهُ تَعالى بِها ؟ فَقالَ : يا عَلِيُّ ، إنَّ اُمَّتي سَيُفتَنونَ مِن بَعدي . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ وَلَيسَ قَد قُلتَ لي يَومَ اُحُدٍ حَيثُ استُشهِدَ مَنِ استُشهِدَ مِنَ المُسلِمينَ ، وحيزَت عَنِّي الشَّهادَةُ ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيّ ، فَقُلتَ لي : أبشِر ؛ فَإِنَّ الشَّهادَةَ مِن وَرائِكَ . فَقال لي : إنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ ، فَكَيفَ صَبرُكَ إذَن ؟ فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، لَيسَ هذا مِن مَواطِنِ الصَّبرِ ، ولكِن مِن مَواطِنِ البُشرى وَالشُّكرِ (3) .
.
ص: 190
. .
ص: 191
الفصل الخامس : ارغام العدوّ على التسليم في غزوتين5 / 1غَزوَةُ بَنِي النَّضيرِكان بنو النضير قد عقدوا حلفا مع المسلمين ، ثمّ همّوا بقتل النبيّ صلى الله عليه و آله . وكان صلى الله عليه و آله قد عرف تحرّكاتهم السرّيّة بعد اُحد ، فقصد حصنهم لتقصّي الحقيقة ، وكان مطلبه الظاهري دفع دية رجلين من قبيلة بني عامر . تظاهر بنو النضير باستقباله صلى الله عليه و آله في مشارف الحصن ، ولمّا نام صلى الله عليه و آله مع أصحابه في ظلّ الحصن ، خطّطوا لقتله ، لكنّه علم بمكيدتهم حين مهّدوا لتنفيذها فيمّم المدينة على غفلة منهم (1) بعد أن نقضوا حلفهم ونكثوا عهدهم ، فأمر بإجلائهم عن بيوتهم ، وترحيلهم عن ديارهم ، فكابروا ولجّوا ، فحاصرهم في ربيع الأوّل سنة (4) من الهجرة (2) . وفي ضوء بعض المعلومات التاريخيّة نزحوا عن ديارهم أذلّةً صاغرين بعد أن قتل عشرة منهم (3) .
.
ص: 192
الإرشاد :لَمّا تَوَجَّهَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى بَنِي النَّضيرِ ، عَمِلَ عَلى حصِارِهِم ، فَضَرَبَ قُبَّتَهُ في أقصى بَني حُطَمَةَ مِنَ البَطحاءِ ، فَلَمّا أقبَلَ اللَّيلُ رَماهُ رَجُلٌ مِن بَنِي النَّضيرِ بِسَهمٍ فَأَصابَ القُبَّةَ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أن تُحَوَّلَ قُبَّتُهُ إلَى السَّفحِ ، وأحاطَ بِهِ المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ . فَلَمَّا اختَلَطَ الظَّلامُ فَقَدوا أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالَ النّاسُ : يا رَسولَ اللّهِ ، لا نَرى عَلِيّا ؟ فَقالَ صلى الله عليه و آله : أراهُ في بَعضِ ما يُصلِحُ شَأنَكُم . فَلَم يَلبَث أن جاءَ بِرَأسِ اليَهودِيِّ الَّذي رَمَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله _ وكانَ يُقالُ لَهُ : عَزورا _ فَطَرَحَهُ بَينَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله . فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : كَيفَ صَنَعتَ ؟ فَقالَ : إنّي رَأَيتُ هذَا الخَبيثَ جَريئا شُجاعا ، فَكَمَنتُ لَهُ وقُلتُ : ما أجرَأَهُ أن يَخرُجَ إذَا اختَلَطَ الظَّلامُ يَطلُبُ مِنّا غِرَّةً (1) ، فَأَقبَلَ مُصلِتا سَيفَهُ في تِسعَةِ نَفَرٍ مِن أصحابِهِ اليَهودِ ، فَشَدَدتُ عَلَيهِ فَقَتَلتُهُ وأفلَتَ أصحابُهُ ولَم يَبرَحوا قَريبا ، فَابعَث مَعي نَفَرا ؛ فَإِنّي أرجو أن أظفَرَ بِهِم ! فَبَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَعَهُ عَشَرَةً ، فيهِم : أبو دُجانَةَ سِماكُ بنُ خَرَشَةَ ، وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ ، فَأَدرَكوهُم قَبلَ أن يَلِجُوا الحِصنَ ، فَقَتَلوهُم وجاؤوا بِرُؤوسِهِم إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَأَمَرَ أن تُطرَحَ في بَعضِ آبارِ بَني حُطَمَةَ . وكانَ ذلِكَ سَبَبُ فَتحِ حُصونِ بَنِي النَّضيرِ (2) .
5 / 2غَزوَةُ بَني قُرَيظَةَأخفقت المؤامرة الكبرى التي تآزر عليها المشركون واليهود في غزوة الخندق ، ونكث بنو قريظة حلفهم الذي كان قد عقدوه مع المسلمين على عدم التعرّض لهم ،
.
ص: 193
ومالؤوا المشركين ضدّ النبيّ صلى الله عليه و آله (1) ، فعزم صلى الله عليه و آله في غد ذلك اليوم الذي فرّ فيه المشركون على اقتحام حصن بني قريظة ، وهو آخر وكر فسادٍ لليهود قرب المدينة (2) . وبعد أن صلّى صلى الله عليه و آله صلاة الظهر ، أصدر أمره بالتعبئة العسكريّة ، وأخبر المسلمين بإقامة صلاة العصر في حيّ «بني قريظة» (3) . وتجلّت شخصيّة الإمام عليه السلام في هذا التحرّك أيضا ، وكان دوره فيه لافتا للنظر لاُمور : 1 _ كانت راية الإسلام الخفّاقة بيده المقتدرة (4) . 2 _ كان آمرا على مقدّمة الجيش (5) . 3 _ كان بنو قريظة قد تسامعوا به ، ولمّا رأوه ، قالوا : جاء قاتل عمرو بن عبد ودّ . يقول ابن هشام : نزل بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ ؛ لأنّ عليّ بن أبي طالب قال : «وَاللّهِ لَأَذوقَنَّ ما ذاقَ حَمزَةُ أو لَأَفتَحَنَّ حِصنَهُم» (6) . 4 _ رضي اليهود بحكم سعد بن معاذ فيهم ؛ إذ كانوا يظنّون أنّه سيحكم لهم بسبب الأواصر القديمة التي كانت تربطهم به ، لكنّه حكم بقتل رجالهم ، ومصادرة أموالهم ،
.
ص: 194
وسبي ذراريهم (1) .
الإرشاد :لَمّا انهَزَمَ الأَحزابُ ووَلَّوا عَنِ المُسلِمينَ الدُّبُرَ ، عَمِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى قَصدِ بَني قُرَيظَةَ ، وأنفَذَ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام إلَيهِم في ثَلاثينَ مِنَ الخَزرَجِ ، فَقالَ لَهُ : اُنظُر بَني قُرَيظَةَ هَل تَرَكوا حُصونَهُم ! فَلَمّا شارَفَ سورَهُم سَمِعَ مِنهُمُ الهجرَ (2) ، فَرَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَأَخبَرَهُ ، فَقالَ : دَعهُم ، فَإِنَّ اللّهَ سَيُمَكِّنُ مِنهُم ، إنَّ الَّذي أمكَنَكَ مِن عَمرِو بنِ عَبدِ وَدٍّ لا يَخذُلُكَ ، فَقِف حَتّى يَجتَمِعَ النّاسُ إلَيكَ ، وأبشِر بِنَصرِ اللّهِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ قَد نَصَرَني بِالرُّعبِ بَينَ يَدَيَّ مَسيرَةَ شَهرٍ . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : فَاجتَمَعَ النّاسُ إلَيَّ ، وسِرتُ حَتّى دَنَوتُ مِن سورِهِم ، فَأَشرَفوا عَلَيَّ ، فَحينَ رَأَوني صاحَ صائِحٌ مِنهُم : قَد جاءَكُم قاتِلُ عَمرٍو ، وقالَ آخَرُ : قَد أقبَلَ إلَيكُم قاتِلُ عَمرٍو ، وجَعَلَ بَعضُهُم يَصيحُ بِبَعضٍ ويَقولونَ ذلِكَ ، وألقَى اللّهُ في قُلوبِهِمُ الرُّعبَ ، وسَمِعتُ راجِزا يَرجُزُ : قَتَلَ عَلِيٌّ عَمرا صادَ عَلِيٌّ صَقْرا قَصَمَ عَلِيٌّ ظَهرا أبرَمَ عَلِيٌّ أمرا هَتَكَ عَلِيٌّ سَترا فَقُلتُ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أظهَرَ الإِسلامَ وقَمَعَ الشِّركَ . وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله قالَ لي حينَ تَوَجَّهتُ إلى بَني قُرَيظَةَ : سِر عَلى بَرَكَةِ اللّهِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ قَد وَعَدَكَ أرضَهُم ودِيارَهُم . فَسِرتُ مُستَيقِنا لِنَصرِ اللّهِ عزَّوجَلَّ حَتّى رَكَزتُ الرّايَةَ في أصلِ الحِصنِ (3) .
.
ص: 195
السيرة النبويّة_ في ذِكرِ نُزولِ بَني قُرَيظَةَ عَلى حُكمِ سَعدِ بنِ مُعاذٍ _: إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ صاحَ وهُم مُحاصِرو بَني قُرَيظَةَ : يا كَتيبَةَ الإِيمانِ . وتَقَدَّمَ هُوَ وَالزُّبَيرُ بنُ العَوّامِ وقالَ : وَاللّهِ لَأَذوقَنَّ ما ذاقَ حَمزَةُ أو لَأَفتَحَنَّ حِصنَهُم ؛ فَقالوا : يا مُحَمَّدُ ، نَنزِلُ عَلى حُكمِ سَعدِ بنِ مُعاذٍ (1) .
.
ص: 196
. .
ص: 197
الفصل السادس : الضربة المصيريّة في غزوة الخندقعند ما نزح بنو النضير عن أطراف المدينة ، توجّه قسم منهم إلى خيبر ، وقسم إلى الشام ، وطفق رؤساؤهم يحرّضون المشركين ويشجّعونهم على التحالف مع اليهود ، وتهيئة جيش من جميع القبائل لمهاجمة المدينة بمؤازرة اليهود (1) . وهكذا كان ؛ فقد تهيّأ جيش ضخم قوامه عشرة آلاف ، ضمّ كافّة المعارضين للحكومة الإسلاميّة الجديدة التي أسّسها النبيّ صلى الله عليه و آله في المدينة وبدأ زحفه نحو المدينة (2) ، ومن هنا عُرفت هذه الغزوة بغزوة الأحزاب . وقد شاور النبيّ صلى الله عليه و آله أصحابه حول كيفيّة مواجهة العدوّ ، فاقترح سلمان حفر خندق في مدخل المدينة ؛ لتعويق العدوّ . وتحقّق ما أراد ، وأمر صلى الله عليه و آله أصحابه بحفر الخندق ، واشترك هو معهم في الحفر (3) ، فتعوّق جيش العدوّ ، الذي كان يهمّ بمهاجمة
.
ص: 198
المدينة بكلّ غرور وخُيَلاء ، خلف الخندق ، وظلّ على هذه الحال شهرا تقريبا (1) ، حتى وقع في مأزِق بسبب صعوبة الإمداد . وفي ذات يوم عبر عمرو بن عبد ودّ الخندق ومعه عدد من فرسان العدوّ وشجعانه المشهورين (2) ، وصاروا أمام المسلمين ، وطلبوا أن يبرز إليهم أقرانهم ، فلم يجِبهم أحد ، وكرّروا نداءهم غير مرّةٍ ، وكان لعمرو صيته المخيف ، ففزع منه الجميع ، وحُبست الأنفاس في الصدور ، ولم تلقَ نداءاته المغرورة جوابا ، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يقوم إليه أحد ويقتلع شرّه ، فلم يقُم إلّا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام (3) . ولمّا تقابلا قال صلى الله عليه و آله عبارته الخالدة : «بَرَزَ الإِيمانُ كُلُّهُ إلَى الشِّركِ كُلِّهِ» (4) . وبعد قتال شديد عاجله الإمام بهجمة سريعة ، فقضى عليه ، وبلغت صيحة «اللّه أكبر» عنان السماء ، فلاذ أصحابه بالفرار (5) . وتبدّد جيش الأحزاب على ما كان عليه من شوكة واُبّهة خياليّة . ويمكننا أن نفهرس دور الإمام العظيم في هذه الحرب على النحو الآتي : 1 _ لمّا عبر عمرو بن عبد ودّ وأصحابه من موضع ضيّق من الخندق ، استقر
.
ص: 199
الإمام عليه السلام هناك مع جماعة ، فلم يتيسّر للمشركين العبور بعدئذٍ (1) . 2 _ كان قتل عمرو بن عبد ودّ مهمّاً وحاسما ومصيريّا إلى درجة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «لَمُبارَزَةُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ لِعَمرِو بنِ عَبدِ وَدٍّ يَومَ الخَندَقِ أفضَلُ مِن أعمالِ اُمَّتي إلى يَومِ القِيامَةِ» (2) . وفي رواية : «لَضَربَةُ عَلِيٍّ لِعَمرٍو يَومَ الخَندَقِ تَعدِلُ عِبادَةَ الثَّقَلَينِ» (3) . وحينما تجدّل صنديد العرب صريعا بصق في وجه الإمام آيِسا بائسا ، فوقف صلوات اللّه عليه ، وتمهّل ولم يبادر إلى حزّ رأسه لئلّا يكون في عمله ذرّة من غضب . 3 _ وبعد أن جدّله وصرعه ، وولّى أصحابه مدبرين تبعهم (4) ، وقتل منهم نوفل ابن عبد اللّه (5) . 4 _ لمّا ضرب الإمام عليه السلام رجل عمرو وقضى عليه ، ألقى تراب الذلّ والخوف والرعب على وجوه المشركين ، وأقعدهم حيارى مهزومين منهارين (6) . 5 _ قتل الإمام عليه السلام عمرا ، بيد أنّه ترفّع عن سلب درعه الثمين إذ «كان يضرب
.
ص: 200
بسيفه من أجل الحقّ» لا غيره . . . ولم يخفَ كلّ هذا الترفّع والجلال والشمم عن الأنظار ، حتى إنّ اُخت عمرو نفسها أثنت عليه (1) .
تاريخ اليعقوبي :كانَت وَقعَةُ الخَندَقِ . . . فِي السَّنَةِ السّادِسَةِ بَعدَ مَقدمِ رَسولِ اللّهِ بِالمَدينَةِ بخَِمسَةٍ وخَمسينَ شَهرا ، وكانَت قُرَيشٌ تَبعَثُ إلَى اليَهودِ وسائِرِ القَبائِلِ فَحَرَّضوهُم عَلى قِتالِ رَسولِ اللّهِ ، فَاجتَمَعَ خَلقٌ مِن قُرَيشٍ إلى مَوضِعٍ يُقالُ لَهُ : سَلعٌ (2) ، وأشارَ عَلَيهِ سَلمانُ الفارِسِيُّ أن يَحفِرَ خَندَقا ، فَحَفَرَ الخَندَقَ ، وجَعَلَ لِكُلِّ قَبيلَةٍ حَدّا يَحفِرونَ إلَيهِ ، وحَفَرَ رَسولُ اللّهِ مَعَهُم حَتّى فَرَغَ مِن حَفرِ الخَندَقِ ، وجَعَلَ لَهُ أبوابا ، وجَعَلَ عَلَى الأَبوابِ حَرَسا ؛ مِن كُلِّ قَبيلَةٍ رَجُلاً ، وجَعَلَ عَلَيهِمُ الزُّبَيرَ بنَ العَوّامِ ، وأمَرَهُ إن رَأى قِتالاً أن يُقاتِلَ . وكانَت عِدَّةُ المُسلِمينَ سَبعَمِائَةِ رَجُلٍ . ووافَى المُشرِكونَ فَأَنكَروا أمرَ الخَندَقِ ، وقالوا : ما كانَتِ العَرَبُ تَعرِفُ هذا ! وأقاموا خَمسَةَ أيّامٍ ، فَلَمّا كانَ اليَومُ الخامِسُ خَرَجَ عَمرُو بنُ عَبدِ وَدٍّ وأربَعَةُ نَفَرٍ مِنَ المُشرِكينَ : نَوفَلُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ المُغيرَةِ المَخزومِيُّ ، وعِكرِمَةُ بنُ أبي جَهلٍ ، وضِرارُ بنُ الخَطّابِ الفِهرِيُّ ، وهُبَيرَةُ بنُ أبي وَهبٍ المَخزومِيُّ . فَخَرَجَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ إلى عَمرِو بنِ عَبدِ وَدٍّ فَبارَزَهُ وقَتَلَهُ ، وَانهَزَمَ الباقونَ ، وكَبا (3) بِنَوفَلِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ المُغيرَةِ فَرَسُهُ ، فَلَحِقَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ (4) .
السنن الكبرى عن ابن إسحاق :خَرَجَ _ يعنِي يَومَ الخَندَقِ _ عَمرُو بنُ عَبدِ وَدٍّ فَنادى : مَن يُبارِزُ ؟ فَقامَ عَلِيٌّ رضى الله عنه وهُوَ مُقَنَّعٌ فِي الحَديدِ فَقالَ : أنَا لَها يا نَبِيَّ اللّهِ ، فَقالَ : إنَّهُ عمَرٌو ، اِجلِس .
.
ص: 201
ونادى عَمرٌو : ألا رَجلٌ ! وهُوَ يُؤَنِّبُهُم ويَقولُ : أينَ جَنَّتُكُمُ الَّتي تَزعُمونَ أنَّهُ مَن قُتِلَ مِنكُم دَخَلَها ؟ أفَلا يَبرُزُ إلَيَّ رَجُلٌ ؟ ! فَقامَ عَلِيٌّ رضى الله عنه فَقالَ : أنَا يا رَسولَ اللّهِ ، فَقالَ : اِجلِس . ثُمَّ نادَى الثّالِثَةَ وذَكَرَ شِعرا ، فَقامَ عَلِيٌّ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أَنا ، فَقالَ : إنَّهُ عَمرٌو !قالَ : وإن كانَ عَمرٌو ! فَأَذِنَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَمَشى إلَيهِ حَتّى أتاهُ وذَكَرَ شِعرا . فَقالَ لَهُ عَمرٌو : مَن أنتَ ؟ قالَ : أنَا عَلِيٌّ . قالَ : اِبنُ عبدِ مَنافٍ ؟ فَقالَ : أنَا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَقالَ : غَيرُكَ يَابنَ أخي مِن أعمامِكَ مَن هُوَ أسَنُّ مِنكَ ؛ فَإِنّي أكرَهُ أن اُهريقَ دَمَكَ . فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : لكِنّي وَاللّهِ ما أكرَهُ أن اُهريقَ دَمَكَ ! فَغَضِبَ فَنَزَلَ وسَلَّ سَيفَهُ كَأَنَّهُ شُعلَةُ نارٍ ، ثُمَّ أقبَلَ نَحوَ عَلِيٍّ رضى الله عنه مُغضِبا ، وَاستَقبَلَهُ عَلِيٌّ رضى الله عنه بِدَرَقَتِهِ ، فَضَرَبَهُ عَمرٌو فِي الدَّرَقَةِ فَقَدَّها وأثبَتَ فيهَا السَّيفَ ، وأصابَ رَأسَهُ فَشَجَّهُ ، وضَرَبَهُ عَلِيٌّ رضى الله عنه عَلى حَبلِ العاتِقِ فَسَقَطَ وثارَ العَجاجُ ، وسَمِعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله التَّكبيرَ ، فَعَرَفَ أنَّ عَلِيّا رضى الله عنه قَد قَتَلَهُ (1) .
الإرشاد عن الزهري :جاءَ عَمرُو بنُ عَبدِ وَدٍّ وعِكرِمَةُ بنُ أبي جَهلٍ وهُبَيرَةُ ابنُ أبي وَهبٍ ونَوفَلُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ المُغيرَةِ وضِرارُ بنُ الخَطّابِ _ في يَومِ الأَحزابِ _ إلَى الخَندَقِ ،
.
ص: 202
فَجَعَلوا يَطوفونَ بِهِ ؛ يَطلُبونَ مَضيقا مِنهُ فَيَعبُرونَ ، حَتَّى انتَهَوا إلى مَكانٍ أكرَهوا خُيولَهُم فيهِ فَعَبَرَت ، وجَعَلوا يَجولونَ بِخَيلِهِم فيما بَينَ الخَندَقِ وسَلعٍ ، وَالمُسلِمونَ وُقوفٌ لا يُقدِمُ واحِدٌ مِنهُم عَلَيهِم . وجَعَلَ عَمرُو بنُ عَبدِ وَدٍّ يَدعو إلَى البِرازِ ويُعَرِّضُ بِالمُسلِمينَ ويَقولُ : ولَقَد بَحِحتُ مِنَ النِّدا ءِ بِجَمِعِهم هَل مِن مُبارِزٍ في كُلِّ ذلِكَ يَقومُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مِن بَينِهِم لِيُبارِزَهُ ، فَيَأمُرُهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالجُلوسِ ؛ اِنتِظارا مِنهُ لِيَتَحَرَّكَ غَيرُهُ ، وَالمُسلِمونَ كَأَنَّ عَلى رُؤسِهِمُ الطَّيرَ ؛ لِمَكانِ عَمرِو بنِ عَبدِ وَدٍّ ، وَالخَوفِ مِنهُ ، ومِمَّن مَعَهُ ووَراءَهُ . فَلَمّا طالَ نِداءُ عَمرٍو بِالبِرازِ وتَتابَعَ قِيامُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اُدنُ مِنّي يا عَلِيُّ ، فَدَنا مِنهُ ، فَنَزَعَ عِمامَتَهُ مِن رَأسِهِ وعَمَّمَهُ بِها ، وأعطاهُ سَيفَهُ ، وقالَ لَهُ : اِمضِ لِشَأنِكَ ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ أعِنهُ . فَسَعى نَحوَ عَمرٍو ومَعَهُ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ ؛ لِيَنظُرَ ما يَكونُ مِنهُ ومِن عَمرٍو ، فَلَمَّا انتَهى أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلَيهِ قالَ لَهُ : ياعَمرُو ، إنَّكَ كُنتَ فِي الجاهِلِيَّةِ تَقولُ : لا يَدعوني أحَدٌ إلى ثَلاثٍ إلّا قَبِلتُها أو واحِدَةٍ مِنها ! قالَ : أجَل . قالَ : فَإِنّي أدعوكَ إلى شَهادَةِ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ ، وأن تُسلِمَ لِرَبِّ العالَمينَ . قالَ : يَابنَ أخٍ أخِّر هذِهِ عَنّي . فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أما إنَّها خَيرٌ لَكَ لَو أخَذتَها ، ثُمَّ قالَ : فَهاهُنا اُخرى . قالَ : ما هِيَ ؟ قالَ : تَرجِعَ مِن حَيثُ جِئتَ . قالَ : لا تُحَدِّثُ نِساءُ قُرَيشٍ بِهذا أبَدا . قالَ : فَهاهُنا اُخرى . قالَ : ما هِيَ ؟ قالَ : تَنزِلُ فَتُقاتِلُني . فَضَحِكَ عَمرٌو وقالَ : إنَّ هذِهِ الخَصلَةَ ، ما كُنتُ أظُنُّ أنَّ أحَدا مِنَ العَرَبِ يَرومُني عَلَيها ! وإنّي لَأَكرَهُ أن أقتُلَ الرَّجُلَ الكَريمَ مِثلَكَ ، وقَد كانَ أبوكَ لي نَديما . قال عَلِيٌّ عليه السلام : لكِنّي اُحِبُّ أن أقتُلَكَ ، فَانزِل إن شِئتَ ! فَأَسِفَ عَمرٌو ونَزَلَ ، فَضَرَب
.
ص: 203
وَجهَ فَرَسِهِ حَتّى رَجَعَ . فَقالَ جابِرٌ رحمه الله : وثارَت بَينَهُما قَتَرَةٌ ؛ فما رَأَيتُهُما ، وسَمِعتُ التَّكبيرَ تَحتَها ، فَعَلِمتُ أنَّ عَلِيّا عليه السلام قَد قَتَلَهُ ، وَانكَشَفَ أصحابُهُ حَتّى طَفَرَت خُيولُهُمُ الخَندَقَ ، وتَبادَرَ المُسلِمونَ حينَ سَمِعُوا التَّكبيرَ يَنظُرونَ ما صَنَعَ القَومُ ، فَوَجَدوا نَوفَلَ بنَ عَبدِ اللّهِ في جَوفِ الخَندَقِ لَم يَنهَض بِهِ فَرَسُهُ ، فَجَعَلوا يَرمونَهُ بِالحِجارَةِ ، فَقالَ لَهُم : قَتَلةٌ أجمَلُ مِن هذِهِ ! يَنزِلُ بَعضُكُم اُقاتِلُهُ ! ! فَنَزَلَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ . ولَحِقَ هُبَيرَةَ فَأَعجَزَهُ ، فَضَرَبَ قَرَبوسَ (1) سَرجِهِ ، وسَقَطَت دِرعٌ كانَت عَلَيهِ ، وفَرَّ عِكرِمَةُ ، وهَرَبَ ضِرارُ بنُ الخَطّابِ . فَقالَ جابِرٌ : فَما شَبَّهتُ قَتلَ عَلِيٍّ عَمرا إلّا بِما قَصَّ اللّهُ تَعالى مِن قِصَّةِ داوُدَ وجالوتَ حَيثُ يَقولُ : «فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ» (2)(3) .
المستدرك على الصحيحين عن ابن إسحاق :ثُمَّ أقبَلَ عَلِيٌّ رضى الله عنه[أي بَعدَ قَتلِهِ عَمرا ]نَحوَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ووَجهُهُ يَتَهَلَّلُ ، فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : هَلّا أسلَبتَهُ دِرعَهُ ؛ فَلَيسَ لِلعَرَبِ دِرعٌ خَيرٌ (4) مِنها ! فَقالَ : ضَرَبتُهُ فَاتَّقاني بِسَوءَتِهِ ، وَاستَحيَيتُ ابنَ عَمّي أن أستَلِبَهُ (5) .
المناقب لابن شهر آشوب :لَمّا أدرَكَ [عَلِيٌّ عليه السلام ] عَمرَو بنَ عَبدِ وَدٍّ لَم يَضرِبهُ ، فَوَقَعوا
.
ص: 204
في عَلِيٍّ عليه السلام ، فَرَدَّ عَنهُ حُذَيفَةُ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : مَه يا حُذَيفَةُ ؛ فَإِنَّ عَلِيّا سَيَذكُرُ سَبَبَ وَقفَتِهِ . ثُمَّ إنَّهُ ضَرَبَهُ ، فَلَمّا جاءَ سَأَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَن ذلِكَ ، فَقالَ : قَد كانَ شَتَمَ اُمّي ، وتَفَلَ في وَجهي ، فَخَشيتُ أن أضرِبَهُ لِحَظِّ نَفسي ، فَتَرَكتُهُ حَتّى سَكَنَ ما بي ، ثُمَّ قَتَلتُهُ في اللّهِ (1) .
الإرشاد عن أبي الحسن المدائني :لَمّا قَتَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَمرَو بنَ عَبدِ وَدٍّ نُعِيَ إلى اُختِهِ ، فَقالَت : مَن ذَا الَّذِي اجتَرَأَ عَلَيهِ ؟ ! فَقالوا : اِبنُ أبي طالِبٍ . فَقالَت : لَم يَعدُ يَومَهُ [إلّا] (2) عَلى يَدِ كُف ءٍ كَريمٍ ، لا رَقَأَت دَمعَتي إن هَرَقتُها عَلَيهِ ؛ قَتَلَ الأَبطالَ ، وبارَزَ الأَقرانَ ، وكانَت مَنِيَّتُهُ عَلى يَدِ كُف ءٍ كَريمِ قَومِهِ ، ما سَمِعتُ أفخَرَ مِن هذا يا بَني عامِرٍ ! ثُمَّ أنشَأَت تَقولُ : لَو كانَ قاتِلُ عَمرٍو غَيرَ قاتِلِهِ لَكُنتُ أبكي عَلَيهِ آخِرَ الأَبَدِ لكِنَّ قاتِلَ عمرٍو لا يُعابُ بِهِ مَن كانَ يُدعى قَديما بَيضَةَ البَلَدِ (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إنّي قَتَلتُ عَمرَو بنَ عَبدِ وَدٍّ ، وكانَ يُعَدُّ بِأَلفِ رَجُلٍ (4) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ عِندَ مُبارَزَةِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام عَمرا _: بَرَزَ الإِيمانُ كُلُّهُ إلَى الشِّركِ كُلِّهِ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :لَمُبارَزَةُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ لِعَمرِو بنِ عَبدِ وَدٍّ يَومَ الخَندَقِ أفضَلُ مِن أعمالِ اُمَّتي إلى يَومِ القِيامَةِ (6) .
.
ص: 205
عنه صلى الله عليه و آله :لَضَربَةُ عَلِيٍّ لِعَمرٍو يَومَ الخَندَقِ تَعدِلُ عِبادَةَ الثَّقَلَينِ (1) .
المستدرك على الصحيحين :قَد ذَكَرتُ في مَقتَلِ عَمرِو بنِ عَبدِ وَدٍّ مِنَ الأَحاديثِ المُسنَدَةِ وَمعا (2) _ عَن عُروَةَ بنِ الزُّبَيرِ وموسَى بنِ عُقبَةَ ومُحَمَّدِ بنِ إسحاقَ بنِ يَسارٍ ما بَلَغَني _ ؛ لِيَتَقَرَّرَ عِندَ المُنصِفِ مِن أهلِ العِلمِ أنَّ عَمرَو بنَ عَبدِ وَدٍّ لَم يَقتُلهُ ولَم يَشتَرِك (3) في قَتلِهِ غَيرُ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، وإنَّما حَمَلَني عَلى هذا الاِستِقصاءِ فيهِ قَولُ مَن قالَ مِنَ الخَوارِجِ : «إنَّ مُحَمَّدَ بنَ مَسلَمَةَ _ أيضا _ ضَرَبَهُ ضَربَةً وأخَذَ بَعضَ السَّلَبِ» ، ووَاللّهِ ما بَلَغَنا هذا عَن أحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ وَالتّابِعينَ ، وكَيفَ يَجوزُ هذا وعَلِيٌّ رضى الله عنه يَقولُ ما بَلَغَنا: إنّي تَرَفَّعتُ عَن سَلَبِ ابنِ عَمّي فَتَرَكتُهُ ! !وهذا جَوابُهُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ بِحَضرَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (4) .
شرح نهج البلاغة عن أبي بكر بن عيّاش :لَقَد ضَرَبَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ضَربَةً ما كانَ فِي الإسلام أيمَنَ مِنها ؛ ضَربَتَهُ عَمرا يَومَ الخَندَقِ (5) .
.
ص: 206
. .
ص: 207
الفصل السابع : الشجاعة والأدب في الحديبِيّةِعزم رسول اللّه صلى الله عليه و آله على التوجّه إلى مكّة في السنّة السادسة من الهجرة قاصدا العمرة ، فسار حتى الحديبيّة ، فعلمت قريش بمسيره ، فخرجت من مكّة . واُخبر النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ قريش عازمة على صدّه ومنعه من دخول مكّة . وبعثت قريش ممثّلاً عنها للتفاوض مع النبيّ صلى الله عليه و آله ، كما بعث النبيّ صلى الله عليه و آله ممثلاً عنه أيضا ، فقرّروا أن يرجع النبيّ صلى الله عليه و آله تلك السنة ولا يدخل مكّة (1) . وعقدوا على ذلك صلحا بينهم ، فكتب الإمام عليّ عليه السلام نصّ الصلح بيده (2) .
الإرشاد عن فايد مولى عبد اللّه بن سالم :لَمّا خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في عُمرَةِ الحُدَيبِيَّةِ نَزَلَ الجُحفَةَ فَلَم يَجِد بِها ماءً ، فَبَعَثَ سَعدَ بنَ مالِكٍ بِالرَّوايا ، حَتّى إذا كانَ غَيرَ بَعيدٍ رَجَعَ سَعدٌ بِالرَّوايا فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما أستَطيعُ أن أمضِيَ ! لَقَد وَقَفَت قَدَماي رُعبا مِنَ القَومِ ! ! فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : اِجلِس . ثُمَّ بَعَثَ رَجُلاً آخَرَ ، فَخَرَجَ بِالرَّوايا حَتّى إذا كانَ بِالمَكانِ الَّذي انتَهى إلَيهِ الأَوَّل
.
ص: 208
رَجَعَ ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لِمَ رَجَعتَ ؟ ! فَقالَ : وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا استَطَعتُ أن أمضِيَ رُعبا ! ! فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما ، فَأَرسَلَهُ بِالرَّوايا ، وخَرَجَ السُّقاةُ وهُم لا يَشُكّونَ في رُجوعِهِ لِما رَأَوا مِن رُجوعِ مَن تَقَدَّمَهُ ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ عليه السلام بِالرَّوايا ، حَتّى وَرَدَ الحِرارَ (1) فَاستَقى ، ثُمَّ أقبَلَ بِها إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ولَها زَجَلٌ (2) ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، ودَعا لَهُ بِخَيرٍ (3) .
صحيح البخاري عن البراء بن عازب :لَمّا صالَحَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أهلَ الحُدَيبِيَّةِ ، كَتَبَ عَلِيٌّ بَينَهُم كِتابا ، فَكَتَبَ : مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ ، فَقالَ المُشرِكونَ : لا تَكتُب «مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ» ؛ لَو كُنتَ رَسولاً لَم نُقاتِلكَ ! ! فَقالَ لِعَليٍّ : اُمحُهُ . فَقالَ عَلِيٌّ : ما أنَا بِالَّذي أمحاهُ ، فَمَحاهُ رَسولُاللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ (4) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنّي كُنتُ كاتِبَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الحُدَيبِيَّةِ ، فَكَتَبتُ : هذا ما صالَحَ عَلَيهِ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ وسُهَيلُ بنُ عَمرٍو . فَقالَ سُهَيلٌ : لَو عَلِمنا أنَّهُ رَسولُ اللّهِ ما قاتَلناهُ ! اُمحُها . قُلتُ : هُوَ وَاللّهِ رَسولُ اللّهِ وإن رَغِمَ أنفُكَ ، لا وَاللّهِ لا أمحوها ! فَقالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أرِنيهِ ، فَأَرَيتُهُ ، فَمحاها (5) .
راجع : ج5 ص222 (امتحن اللّه قلبه للإيمان) . و ج3 ص522 (وثيقة التحكيم) .
.
ص: 209
الفصل الثامن : الدور المصيري في فتح خيبرتحظى وقعة خيبر بشأن خاصّ بين وقائع النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ ففيها هزم صلى الله عليه و آله يهود خيبر ، وقوّض مركز التآمر على دينه وحكومته الجديدة . فكانت حصون اليهود في منطقة خصبة شمال غربيّ المدينة تبعد عنها حوالي (200) كيلومتر ، تدعى خيبر (1) . وكان اليهود القاطنون في هذه الحصون يضمرون حقدا للنبيّ صلى الله عليه و آله والمؤمنين والدولة الإسلاميّة منذ الأيّام الاُولى لاتّساع الرسالة ، ولم يدّخروا وسعا للكيد بهم ، بل إنّ حرب الأحزاب شُنَّت على الإسلام بدعمهم العسكري والمالي . وبهذا يتّضح أنّهم كانوا أعداءً لُدّا ومتآمرين يتحرّقون حنقا على الرسالة ونبيّها الكريم صلى الله عليه و آله (2) . وحين اطمأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من قريش بعد صلح الحديبيّة ، توجّه نحو خيبر ؛ لفتح حصونها ، والقضاء على وكر التآمر (3) . ووجود عشرة آلاف مقاتل ، وحصون حصينة منيعة لا تُقهر ، وقدرات ومعدّات كثيرة داخلها ، وأضغان راسخة فى قلوب اليهود المتواجدين داخل الحصن شدّت من عزائمهم لمحاربة النبيّ صلى الله عليه و آله شكّل دلالة
.
ص: 210
على الأهمّيّة الخاصّة لوقعة خيبر . وكان للإمام أمير المؤمنين عليه السلام فيها مظهر عجيب ، وله في فتحها العظيم دور لا يضاهى ولا يبارى يتمثّل فيما يلي : 1 _ كانت راية الإسلام في هذه المعركة بيد الإمام علي عليه السلام المقتدرة كما في غيرها من الحروب والغزوات (1) . 2 _ لمّا فتحت كلّ الحصون ، واستعصى حصن «الوطيح» و«السلالم» _ إذ كانا من أحكم الحصون ، وزحف المسلمون نحوهما مرّتين : الاُولى بقيادة أبي بكر ، والاُخرى بقيادة عمر ، لكنّهما أخفقا في فتحهما _ انتدب النبيّ صلى الله عليه و آله عليّا عليه السلام ، وكان مريضا لا يقدر على القتال فدعا النبيّ صلى الله عليه و آله ، فشفي ، وفتح اللّه على يديه ، وتمكّن الجيش الإسلامي العظيم من فتح ذينك الحصنين اللذين كان فتحهما لا يصدّق ولا يخطر ببال أحد (2) . 3 _ جندل الإمامُ عليه السلام الحارثَ _ المقاتل اليهوديّ المغرور ، الذي كانت الأبدان ترتجف من صيحاته عند القتال _ بضربة قاصمة ، كما قدّ مرحب _ الذي لم يجرأ أحد على مواجهته _ نصفين (3) .
.
ص: 211
4 _ لمّا أخفق المسلمون في فتح الحصنين المذكورين وأوشك الرعب أن يسيطر على القلوب ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله عبارته العظيمة الرائعة المشهورة : «لاُعطينّ الراية غدا رجلاً يحبّ اللّهَ ورسولَه ويحبّه اللّهُ ورسولُه» (1) ، والاُخرى : «كرّارا غير فرّار» (2) ، يريد بذلك عليّا صلوات اللّه عليه ، فأحيا الأمل في النفوس بالنصر . 5 _ قلع الإمام عليه السلام باب قلعة قموص وحده ، وكان لا يحرّكه إلّا أربعون رجلاً ! (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في يَومِ فَتحِ خَيبَرَ _: لاُعطِيَنَّ الرّايَةَ غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، كَرّارا غَيرَ فَرّارٍ ، لا يَرجِعُ حَتّى يَفتَحَ اللّهُ عَلى يَدَيهِ (4) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في فَتحِ خَيبَرَ _: إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ أبا بَكرٍ ، فَسارَ بِالنّاسِ ، فَانهَزَمَ حَتّى رَجَعَ إلَيهِ . وبَعَثَ عُمَرَ ، فَانهَزَمَ بِالنّاسِ حَتَّى انتَهى إلَيهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، يَفتَحُ اللّهُ لَهُ ، لَيسَ بِفَرّارٍ .
.
ص: 212
فَأرسَلَ إلَيَّ فَدَعاني ، فَأَتَيتُهُ وأنَا أرمَدُ لا اُبصِرُ شَيئا ، فَتَفَلَ في عَيني وقالَ : اللّهُمَّ اكفِهِ الحَرَّ وَالبَردَ . قالَ : فَما آذاني بَعدُ حَرٌّ ولا بَردٌ (1) .
مجمع الزوائد عن ابن عبّاس :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى خَيبَرَ _ أحسِبُهُ قالَ : أبا بَكرٍ _ فَرَجَعَ مُنهَزِما ومَن مَعَهُ ، فَلَمّا كانَ مِن الغَدِ بَعَثَ عُمَرَ ، فَرَجَعَ مُنهَزِما يُجَبِّنُ أصحابَهُ ويُجَبِّنُهُ أصحابُهُ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، لا يَرجِعُ حَتّى يَفتَحَ اللّهُ عَلَيهِ . فَثارَ النّاسُ ، فَقالَ : أينَ عَلِيٌّ ؟ فَإِذا هُوَ يَشتَكي عَينَيهِ ، فَتَفَلَ في عَينَيهِ ، ثُمَّ دَفَعَ إلَيهِ الرّايَةَ ، فَهَزَّها ، فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ (2) .
مسند ابن حنبل عن أبي سعيد الخدريّ :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخَذَ الرّايَةَ فَهَزَّها ، ثُمَّ قالَ : مَن يَأخُذُها بِحَقِّها ؟ فَجاءَ فُلانٌ فَقالَ : أنَا ، قالَ : أمِط . ثُمَّ جاءَ رَجُلٌ فَقالَ : أمِط ، ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : وَالَّذي كَرَّمَ وَجهَ مُحَمَّدٍ لَاُعطِيَنَّها رَجُلاً لا يَفِرُّ ، هاكَ يا عَلِيُّ . فَانطَلَقَ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ خَيبَرَ وفَدَكَ ، وجاءَ بِعَجوَتِهِما (3) وقَديدِهِما (4) . (5)
.
ص: 213
الطبقات الكبرى :سَرِيَّةُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ إلى بَني سَعدِ بنِ بَكرٍ بِفَدَكَ (1) في شَعبانَ سَنَةَ سِتٍّ مِن مُهاجَرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قالوا : بَلَغَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّ لَهُم جَمعا يُريدونَ أن يُمِدّوا يَهودَ خَيبَرَ ، فَبَعَثَ إلَيهِم عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ في مِائَةِ رَجُلٍ ، فَسارَ اللَّيلُ وكَمَنَ النَّهارَ حَتَّى انتَهى إلَى الهَمَجِ ؛ وهُوَ ماءٌ بَينَ خَيبَرَ وفَدَكَ ، وبَينَ فَدَكَ وَالمَدينَةِ سِتُّ لَيالٍ ، فَوَجَدوا بِهِ رَجُلاً ، فَسَأَلوهُ عَنِ القَومِ فَقالَ : اُخبِرُكُم عَلى أنَّكُم تُؤمِنوني ، فَآمَنوهُ فَدَلَّهُم ، فَأَغاروا عَلَيهِم ، فَأَخَذوا خَمسَمِائَةِ بَعيرٍ وألفَي شاةٍ ، وهَرَبَت بَنو سَعدٍ بِالظُّعُنِ (2) ورَأسُهُم وَبرُ بنُ عُلَيمٍ . فَعَزَلَ عَلِيٌّ صَفِيَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، لَقوحا (3) تُدعَى الحَفِدَةُ (4) ، ثُمَّ عَزَلَ الخُمُسَ ، وقَسَّمَ سائِرَ الغَنائِمِ عَلى أصحابِهِ ، وقَدِمَ المَدينَةَ ولَم يَلقَ كَيدا (5) .
المغازي عن يعقوب بن عتبة :بَعَثَ رسَولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام في مِائَةِ رَجُلٍ إلى حَيِّ سَعدٍ بِفَدَكَ ، وبَلَغَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّ لَهُم جَمعا يُريدونَ أن يُمِدّوا يَهودَ خَيبَرَ ، فَسارَ اللَّيلَ وكَمَنَ النَّهارَ حَتَّى انتَهى إلَى الهَمَجِ ، فَأَصابَ عَينا فَقالَ : ما أنتَ ؟ هَل لَكَ عِلمٌ بِما
.
ص: 214
وَراءَكَ مِن جَمعِ بَني سَعدٍ ؟ قالَ : لا عِلمَ لي بِهِ . فَشَدّوا عَلَيهِ فَأَقَرَّ أنَّهُ عَينٌ لَهُم بَعَثوهُ إلى خَيبَرَ يَعرِضُ عَلى يَهودِ خَيبَرَ نَصرَهُم عَلى أن يَجعَلوا لَهُم مِن تَمرِهِم كَما جَعَلوا لِغَيرِهِم ويَقدَمونَ عَلَيهِم ، فَقالوا لَهُ : فَأَينَ القَومُ ؟ قالَ : تَركتُهُم وقَد تَجَمَّعَ مِنهُم مِائَتا رَجُلٍ ، ورَأسُهُم وَبرُ بنُ عُلَيمٍ . قالوا : فَسِر بِنا حَتّى تَدُلَّنا . قالَ : عَلى أن تُؤَمِّنوني . قالوا : إن دَلَلتَنا عَلَيهِم وعَلى سَرحِهِم (1) أمَّنّاكَ ، وإلّا فَلا أمانَ لَكَ . قالَ : فَذاكَ . فَخَرَجَ بِهِم دَليلاً لَهُم حَتّى ساءَ ظَنُّهُم بِهِ ، وأوفى بِهِم عَلى فَدافِدَ (2) وآكامٍ (3) ، ثُمَّ أفضى بِهِم إلى سُهولَةٍ فَإِذا نَعَمٌ كَثيرٌ وشاءٌ ، فَقال : هذا نَعَمُهُم وشاؤُهُم . فَأَغاروا عَلَيهِ فَضَمُّوا النَّعَمَ وَالشّاءَ . قالَ : أرسِلوني . قالوا : لا ، حَتّى نَأمَنَ الطَّلَبَ . ونَذِرَ بِهِمُ الرّاعي رِعاءَ (4) الغَنَمِ وَالشّاءِ ، فَهَرَبوا إلى جَمعِهِم فَحَذَّروهُم ، فَتَفَرَّقوا وهَرَبوا ، فَقالَ الدَّليلُ : عَلامَ تَحبِسُني ؟ قَد تَفَرَّقَتِ الأَعرابُ وأنذَرَهُمُ الرِّعاءُ . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : لَم نَبلُغ مُعَسكَرَهُم . فَانتَهى بِهِم إلَيهِ فَلَم يَرَ أحَدا ، فَأَرسَلوه وساقُوا النَّعَمَ وَالشّاءَ ؛ النَّعَمُ خَمسُمِائَةِ بَعيرٍ ، وألفا شاةٍ (5) .
المستدرك على الصحيحين عن جابر بن عبد اللّه :لَمّا كانَ يَومُ خَيبَرَ بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَجُلاً فَجَبُنَ ، فَجاءَ مُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، لَم أرَ كَاليَومِ قَطُّ ! . . . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَأَبعَثَنَّ غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحبّانِهِ لا يُوَلِّي الدُّبُرَ ، يَفتَحُ اللّهُ عَلى يَدَيهِ ، فَتَشَرَّفَ لَهَا النّاسُ وعَلِيٌّ رضى الله عنه يَومَئِذٍ أرمَدُ ، فَقالَ لَه
.
ص: 215
رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : سِر . فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما اُبصِرُ مَوضِعا . فَتَفَلَ في عَينَيهِ ، وعَقَدَ لَهُ ، ودَفَعَ إلَيهِ الرّايَةَ (1) .
السيرة النبويّة لابن هشام عَن سُفيانَ بنِ فَروَةَ الأَسلَمِيِّ عَن سَلَمَةَ بنِ عَمرِو بنِ الأَكوَعِ :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبا بَكرٍ الصِّدّيقَ بِرايَتِهِ _ وكانَت بَيضاءَ ، فيما قالَ ابنُ هِشامٍ _ إلى بَعضِ حُصونِ خَيبَرَ ، فَقاتَلَ ، فَرَجَعَ ولَم يَكُ فَتحٌ ، وقَد جَهَدَ ؛ ثُمَّ بَعَثَ الغَدَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ، فَقاتَلَ ، ثُمَّ رَجَعَ ولَم يَكُ فَتحٌ ، وقَد جَهَدَ ؛ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، يَفتَحُ اللّهُ عَلى يَدَيهِ ، لَيسَ بِفَرّارٍ . قالَ : يَقولُ سَلَمَةُ : فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ ، وهُوَ أرمَدُ ، فَتَفَلَ في عَينِهِ ، ثُمَّ قالَ : خُذ هذِهِ الرّايَةَ ، فَامضِ بِها حَتّى يَفتَحَ اللّهُ عَلَيكَ . قالَ : يَقولُ سَلَمَةُ : فَخَرَجَ وَاللّهِ بِها يَأنِحُ (2) ، يُهَروِلُ هَروَلَةً ، وإنّا لَخَلفَهُ نَتبَعُ أثَرَهُ ، حَتّى رَكَزَ رايَتَهُ في رَضمٍ (3) مِن حِجارَةٍ تَحتَ الحِصنِ ، فَاطَّلَعَ إلَيهِ يَهودِيٌّ مِن رَأسِ الحِصْنِ ، فَقالَ : مَن أنتَ ؟ قالَ : أنَا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . قالَ : يَقولُ اليَهودِيُّ : عَلَوتُم ، وما اُنزِلَ عَلى موسى ، أو كَما قالَ . قالَ : فَما رَجَعَ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلى يَدَيهِ (4) .
الكامل في التاريخ عن بريدة الأسلمي :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله رُبَّما أخَذَتهُ الشَّقيقَةُ (5) فَيَلبَثُ اليَومَ وَاليَومَينِ لا يَخرُجُ ، فَلَمّا نَزَلَ خَيبَرَ أخَذَتهُ فَلَم يَخرُج إلَى النّاسِ ، فَأَخَذ
.
ص: 216
أبو بَكرٍ الرّايَةَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ نَهَضَ فَقاتَلَ قِتالاً شَديدا ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَخَذَها عُمَرُ فَقاتَلَ قِتالاً شَديدا هُوَ أشَدُّ مِنَ القِتالِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ رَجَعَ فَاُخبِرَ بِذلِكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقالَ : أما وَاللّهِ لَاُعطِيَنَّها غَدا رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ويِحُبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، يَأخُذُها عَنوَةً (1) . ولَيسَ ثَمَّ عَلِيٌّ ؛ كانَ قَد تَخَلَّفَ بِالمَدينَةِ لِرَمَدٍ لَحِقَهُ ، فَلَمّا قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَقالَتَهُ هذِهِ تَطاوَلَت لَها قُرَيشٌ ، فَأَصبَحَ فَجاءَ عَلِيٌّ عَلى بَعيرٍ لَهُ حَتّى أناخَ قَريبا مِن خِباءِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وهُوَ أرمَدُ قَد عَصَبَ عَينَيهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما لَكَ ؟ قالَ : رَمِدتُ بَعدَكَ ، فَقالَ لَهُ : اُدنُ مِنّي . فَدَنا مِنهُ ، فَتَفَلَ في عَينَيهِ ، فَما شَكا وَجَعا حَتّى مَضى لِسَبيلِهِ . ثُمَّ أعطاهُ الرّايَةَ ، فَنَهَضَ بِها وعَلَيَهِ حُلَّةُ حَمراءُ ، فَأَتى خَيبَرَ ، فَأشرَفَ عَلَيهِ رَجُلٌ مِن يَهودٍ فَقالَ : مَن أنتَ ؟ قالَ : أنَا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، فَقالَ اليَهودِيُّ : غُلِبتُم يا مَعشَرَ يَهودٍ ! ! وخَرَجَ مَرحَبٌ صاحِبُ الحِصنِ وعَلَيهِ مِغفَرٌ (2) يَمانِيٌّ قَد نَقَبَهُ مِثلَ البَيضَةِ عَلى رَأسِهِ وهُوَ يَقولُ : قَد عَلِمَت خَيبَرُ أنّي مَرحَبٌ شاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبٌ فَقالَ عَلِيٌّ : أنَا الَّذي سَمَّتني اُمّي حَيدَرَةَ أكيلُكُم بِالسَّيفِ كَيلَ السَّندَرَهِ (3) لَيثٌ بِغاباتٍ شَديدٌ قَسوَرَه
.
ص: 217
فَاختَلَفا ضَربَتَينِ ، فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ فَضَرَبَهُ فَقَدَّ الحَجَفَةَ (1) وَالمِغفَرَ ورَأسَهُ حَتّى وَقَعَ فِي الأَرضِ . وأخَذَ المَدينَةَ (2) .
صحيح البخاري عن سهل بن سعد :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ يَومَ خَيبَرَ : لَاُعطِيَنَّ هذِهِ الرّايَةَ غَدا رَجُلاً يَفتَحُ اللّهُ عَلى يَدَيهِ ، يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ . قالَ : فَباتَ النّاسُ يَدوكونَ (3) لَيلَتَهُم أيُّهُم يُعطاها ، فَلَمّا أصبَحَ النّاسُ غَدَوا على رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كُلُّهُم يَرجو أن يُعطاها ، فَقالَ : أينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ؟ فَقيلَ : هُوَ يا رَسولَ اللّهِ يَشتَكي عَينَيهِ ، قالَ : فَأَرسِلوا إلَيهِ ، فَاُتِيَ بِهِ ، فَبَصَقَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في عَينَيهِ ودَعا لَهُ ، فَبَرَأَ حَتّى كَأَن لَم يَكُن بِهِ وَجَعٌ ، فَأَعطاهُ الرّايَةَ ، فَقالَ عَلِيٌّ : يا رَسولَ اللّهِ ، اُقاتِلُهُم حَتّى يَكونوا مِثلَنا ؟ فَقالَ : اُنفُذ عَلى رِسلِكَ حَتّى تَنزِلَ بِساحَتِهِم ، ثُمَّ ادعُهُم إلَى الإِسلامِ ، وأخبِرهُم بِما يَجِبُ عَلَيهِم مِن حَقِّ اللّهِ فيهِ ، فَوَاللّهِ لِأَن يَهِديَ اللّهُ بِكَ رَجُلاً واحِدا خَيرٌ لَكَ مِن أن يَكونَ لَكَ حُمرُ النَّعَمِ (4) .
صحيح مسلم عن أبي هريرة :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ يَومَ خَيبَرَ : لَاُعطِيَنَّ هذِهِ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، يَفتَحُ اللّهُ عَلى يَدَيهِ . قالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : ما أحبَبتُ الإِمارَة
.
ص: 218
إلّا يَومَئِذٍ . قالَ : فَتَساوَرتُ لَها (1) رَجاءَ أن اُدعى لَها . قالَ : فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ فَأَعطاهُ إيّاها ، وقالَ : اِمشِ ولا تَلتَفِت حَتّى يَفتَحَ اللّهُ عَلَيكَ . قالَ : فَسارَ عَلِيٌّ شَيئا ثُمَّ وَقَفَ ولَم يَلتَفِت ، فَصَرَخَ : يا رَسولَ اللّهِ ! عَلى ماذا اُقاتِلُ النّاسِ ؟قالَ : قاتِلهُم حَتّى يَشهَدوا أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ ، فَإِذا فَعَلوا ذلِكَ فَقَد مَنَعوا مِنكَ دِماءَهُم وأموالَهُم إلّا بِحَقِّها ، وحِسابُهُم عَلَى اللّهِ (2) .
صحيح البخاري عن سلمة :كانَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنهتَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في خَيبَرَ! وكانَ رَمِدا ، فَقالَ : أنَا أتَخَلَّفُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؟ ! فَلَحِقَ بِهِ ، فَلَمّا بِتنَا اللَّيلَةَ الَّتي فُتِحَت قالَ : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ غَدا _ أو : لَيَأخُذَنَّ الرّايَةَ غَدا _ رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، يَفتَحُ اللّهُ عَلَيهِ . فَنَحنُ نَرجوها ، فَقيلَ : هذا عَلِيٌّ ، فَأَعطاهُ ، فَفُتِحَ عَلَيهِ (3) .
صحيح مسلم عن سلمة :أرسَلَنِي [النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ] إلى عَلِيٍّ وهُوَ أرمَدُ فَقالَ : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، أو يُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ (4) . قالَ : فَأَتَيتُ عَلِيّا فَجِئتُ بِهِ أقودُهُ وهُوَ أرمَدُ . حَتّى أتَيتُ بِهِ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَبَسَقَ (5) في عَينَيهِ فَبَرَأَ ، وأعطاهُ الرّايَةَ . وخَرَجَ مَرحَبٌ فَقالَ : قَد عَلِمَت خَيبَرُ أنّي مَرحَبٌ شاكِي الِّسلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبٌ إذَا الحُروبُ أقبَلَت تَلَهَّبُ فَقالَ عَلِيٌّ : أنَا الَّذي سَمَّتني اُمّي حَيدَرَةَ كَلَيثِ غاباتٍ كَريهِ المَنظَرَةِ اُوفيهِم بِالصّاعِ كَيلَ السَّندَرَةِ قالَ : فَضَرَبَ رَأسَ مَرحَبٍ فَقَتَلَهُ . ثُمَّ كانَ الفَتحُ عَلى يَدَيهِ (6) .
.
ص: 219
الاستيعاب :رَوى سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ وسَهلُ بنُ سَعدٍ وأبو هُرَيرَةَ وبُريدَةُ الأَسلَمِيُّ وأبو سَعيدٍ الخُدرِيُّ وعَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ وعِمرانُ بنُ الحُصَينِ وسَلَمَةُ بنُ الأَكوَعِ ، كُلُّهُم بِمَعنىً واحِدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ يَومَ خَيبَرَ : لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ غَدا رَجُلاً يِحُبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، لَيسَ بِفَرّارٍ ، يَفتَحُ اللّهُ عَلى يَدَيهِ ، ثُمَّ دَعا بِعَلِيٍّ وهُوَ أرمَدُ ، فَتَفَلَ في عَينَيهِ وأعطاهُ الرّايَةَ ، فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ . وهذِهِ كُلُّها آثارٌ ثابِتَةٌ (1) .
الإرشاد عن عبد الملك بن هشام ومحمّد بن إسحاق وغيرهم من أصحاب الآثار :حاصَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خَيبَرَ بِضعا وعِشرينَ لَيلَةً ، وكانَتِ الرّايَةُ يَومَئِذٍ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَلَحِقَهُ رَمَدٌ أعجَزَهُ عَنِ الحرَبِ ، وكانَ المُسلِمونَ يُناوِشونَ اليَهودَ مِن بَينِ أيدي حُصونِهِم وجَنَباتِها . فَلَمّا كانَ ذاتَ يَومٍ فَتَحُوا البابَ وقَد كانوا خَندَقوا عَلى أنفُسِهِم ،
.
ص: 220
وخَرَجَ مَرحَبٌ بِرِجلِهِ يَتَعَرَّضُ لِلحَربِ . فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبا بَكرٍ فَقالَ لَهُ : خُذِ الرّايَةَ ، فَأَخَذَها _ في جَمعٍ مِنَ المُهاجِرينَ _ فَاجتَهَدَ ولَم يُغنِ شَيئا ، فَعادَ يُؤَنِّبُ القَومَ الَّذينَ اتَّبَعوهُ ويُؤَنِّبونَهُ ! فَلَمّا كانَ مِن الغَدِ تَعَرَّضَ لَها عُمَرُ ، فَسارَ بِها غَيرَ بَعيدٍ ، ثُمَّ رَجَعَ يُجَبِّنُ أصحابَهُ ويُجَبِّنونَهُ ! فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لَيسَت هذِهِ الرّايَةُ لِمَن حَمَلَها ، جيؤوني بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ . فَقيلَ لَهُ : إنَّهُ أرمَدُ . قالَ : أرونيهِ تُروني رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، يَأخُذُها بِحَقِّها لَيسَ بِفَرّارٍ . فَجاؤوا بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام يَقودونَهُ إلَيهِ ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ما تَشتَكي يا عَلِيُّ ؟قالَ : رَمَدٌ ما اُبصِرُ مَعَهُ ، وصُداعٌ بِرَأسي . فَقالَ لَهُ : اِجلِس وضَع رَأسَكَ عَلى فَخِذي . فَفَعَلَ عَلِيٌّ عليه السلام ذلِكَ ، فَدَعا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وتَفَلَ في يَدِهِ فَمَسَحَها عَلى عَينَيهِ ورَأسِهِ ، فَانفَتَحَت عَيناهُ وسَكَنَ ما كانَ يَجِدُهُ مِنَ الصُّداعِ . وقالَ في دُعائِهِ لَهُ : اللّهُمَّ قِهِ الحَرَّ وَالبَردَ . وأعطاهُ الرّايَةَ _ وكانَت رايَةً بَيضاءَ _ وقالَ لَهُ : خُذِ الرّايَةَ وَامضِ بِها ، فَجَبرَئيلُ مَعَكَ ، وَالنَّصرُ أمامَكَ ، وَالرُّعبُ مَبثوثٌ في صُدورِ القَومِ ، وَاعلَم _ يا عَلِيُّ _ أَنَّهُم يَجِدونَ في كِتابِهِم : إنَّ الَّذي يُدَمِّرُ عَلَيهِمِ اسمُهُ آلِيا ، فَإِذا لَقيتَهُم فَقُل : أنَا عَلِيٌّ ، فَإِنَّهُم يُخذَلونَ إن شاءَ اللّهُ . . . . وجاءَ فَي الحَديثِ : أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام لَمّا قالَ : أنَا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، قالَ حِبرٌ مِن أحبارِ القَومِ : غُلِبتُم وما اُنزِلَ عَلى موسى . فَدَخَلَ قُلوبَهُم مِنَ الرُّعبِ ما لَم يُمكِنهُم مَعَهُ الاِستيطانُ بِهِ (1) .
.
ص: 221
المغازي :كانَ أوَّلَ مَن خَرَجَ إلَيهِمُ الحارِثُ أخو مَرحَبٍ في عادِيَتِهِ (1) ، فَانكَشَفَ المُسلِمونَ وثَبَتَ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَاضطَرَبا ضَرَباتٍ ، فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ عليه السلام ، ورَجَعَ أصحابُ الحارِثِ إلَى الحِصنِ ، فَدَخَلوهُ وأغلَقوا عَلَيهِم ، فَرَجَعَ المُسلِمونَ إلى مَوضِعِهِم (2) .
المغازي :بَرَزَ عامِرٌ وكانَ رَجُلاً طَويلاً جَسيما ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ طَلَعَ عامِرٌ : أَ تَرونَهُ خَمسَةَ أذرُعٍ ؟ وهُو يَدعو إلَى البِرازِ ، يَخطِرُ بِسَيفِهِ وعَليَهِ دِرعانِ ، يُقَنَّعُ فِي الحَديدِ يَصيحُ : مَن يُبارِزُ ؟ فَأَحجَمَ النّاسُ عَنهُ ، فَبَرَزَ إلَيهِ عَليٌِّ عليه السلام فَضَرَبَهُ ضَرَباتٍ ، كُلُّ ذلِكَ لا يَصنَعُ شَيئا ، حَتّى ضَرَبَ ساقَيهِ فَبَرَكَ ، ثُمَّ ذَفَّفَ عَلَيهِ فَأَخَذَ سِلاحَهُ (3) .
الإرشاد :لَمّا قَتَلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مَرحَبا رَجَعَ مَن كانَ مَعَهُ وأغلَقوا بابَ الحِصنِ عَلَيهِم دونَهُ ، فَصارَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلَيهِ فَعالَجَهُ حَتّى فَتَحَهُ ، وأكَثرُ النّاسِ مِن جانِبِ الخَندَقِ لَم يَعبُروا مَعَهُ ، فَأَخَذَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بابَ الحِصنِ فَجَعَلَهُ عَلَى الخَندَقِ جِسرا لَهُم حَتّى عَبَروا وظَفِروا بِالحِصنِ ونالُوا الغَنائِمَ . فَلَمَّا انصَرَفوا مِنَ الحُصونِ أخَذَهُ أميرُ المُؤمِنينَ بِيُمناهُ فَدَحا بِهِ أذرُعا مِنَ الأَرضِ ، وكانَ البابُ يُغلِقُهُ عِشرونَ رَجُلاً مِنهُم (4) .
المصنّف عن جابر بن عبد اللّه :إنَّ عَلِيّا حَمَلَ البابَ يَومَ خَيبَرَ حَتّى صَعِدَ المُسلِمونَ فَفَتَحوها ، وأنَّهُ جُرِّبَ فَلَم يَحمِلهُ إلّا أربَعونَ رَجُلاً (5) .
.
ص: 222
مسند ابن حنبل عن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في مَعرَكَةِ خَيبَرَ _: خَرَجنا مَعَ عَلِيٍّ حينَ بَعَثَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِرايَتِهِ ، فَلَمّا دَنا مِنَ الحِصنِ خَرَجَ إلَيهِ أهلُهُ فَقاتَلَهُم ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِن يَهودٍ فَطَرَحَ تُرسَهُ مِن يَدِهِ ، فَتَناوَلَ عَلِيٌّ بابا كانَ عِندَ الحِصنِ فَتَرَّسَ بِهِ نَفسَهُ ، فَلَم يَزَل في يَدِهِ وهُوَ يُقاتِلُ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ ، ثُمَّ ألقاهُ مِن يَدِهِ حينَ فَرَغَ ، فَلَقَد رَأَيتُني في نَفَرٍ مَعي سَبعَةٍ أنَا ثامِنُهُم نَجهَدُ عَلى أن نَقلِبَ ذلِكَ البابَ فَما نَقلِبُهُ (1) !
الأمالي للصدوق عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص :إنَّهُ لَمّا دَنا مِنَ القَموصِ (2) أقبَلَ أعداءُ اللّهِ مِنَ اليَهودِ يَرمونَهُ بِالنَّبلِ وَالحِجارَةِ ، فَحَمَلَ عَلَيهِم عَلِيٌّ عليه السلام حَتّى دَنا مِنَ البابِ ، فَثَنى رِجلَهُ ثُمَّ نَزَلَ مُغضِبا إلى أصلِ عَتَبَةِ البابِ فَاقتَلَعَهُ ، ثُمَّ رَمى بِهِ خَلفَ ظَهرِهِ أربَعينَ ذِراعا ! قالَ ابنُ عَمرٍو : وما عَجِبنا مِن فَتحِ اللّهِ خَيبَرَ عَلى يَدَي عَلِيٍّ عليه السلام ، ولكِنّا عَجِبنا مِن قَلعِهِ البابَ ورَميِهِ خَلفَهُ أربَعينَ ذِراعا ، ولَقَد تَكَلَّفَ حَملَهُ أربَعونَ رَجُلاً فَما أطاقوهُ !فَاُخبِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِذلِكَ فَقالَ : وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لَقَد أعانَهُ عَلَيهِ أربَعونَ مَلَكا (3) .
الإرشاد عن أبي عبد اللّه الجدلي :سَمِعتُ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : لَمّا عالَجتُ بابَ خَيبَر
.
ص: 223
جَعَلتُهُ مِجَنّا (1) لي وقاتَلتُ القَومَ ، فَلَمّا أخزاهُمُ اللّهُ وَضَعتُ البابَ عَلى حِصنِهِم طَريقا ، ثُمَّ رَمَيتُ بِهِ في خَندَقِهِم ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : لَقدَ حَمَلتَ مِنهُ ثِقلاً ! فَقالَ : ما كانَ إلّا مِثلَ جُنَّتِي الَّتي في يَدي في غَيرِ ذلِكَ المُقامِ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ ما قَلَعتُ بابَ خَيبَرَ ، ودَكدَكتُ حِصنَ يَهودٍ بِقُوَّةٍ جِسمانِيَّةٍ ، بَل بِقُوَّةٍ إلهِيَّةٍ (3) .
عنه عليه السلام_ في رِسالَتِهِ إلى سَهلِ بنِ حُنَيفٍ _: وَاللّهِ ما قَلَعتُ بابَ خَيبَرَ ورَمَيتُ بِها خَلفَ ظَهري أربَعينَ ذِراعا بِقُوَّةٍ جَسَدِيَّةٍ ولا حَرَكَةٍ غِذائِيَّةٍ ، لكِنّي اُيِّدتُ بِقُوَّةٍ مَلَكوتِيَّةٍ ، ونَفسٍ بِنورِ رَبِّها مُضيئَةٍ (4) .
مشارق أنوار اليقين :في ذلِكَ اليَومِ لَمّا سَأَلَهُ عُمَرُ فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، لَقَدِ اقتَلَعتَ مَنيعا ولَكَ ثَلاثَةُ أيّامٍ خَميصا (5) ، فَهَل قَلَعتَها بِقُوَّةٍ بَشَرِيَّةٍ ؟ فَقالَ : ما قَلَعتُها بِقُوَّةٍ بَشَرِيَّةٍ ، ولكِن قَلَعتُها بِقُوَّةٍ إلهِيَّةٍ ، ونَفسٍ بِلِقاءِ رَبِّها مُطمَئِنَّةٍ رَضِيَّةٍ (6) .
تفسير الفخر الرازي :إنَّ كُلَّ مَن كانَأكثَرَ عِلما بِأَحوالِ عالَمِ الغَيبِ كانَ أقوى قَلبا وأقَلَّ ضَعفا ، ولِهذا قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ :
.
ص: 224
وَاللّهِ ، ما قَلَعتُ بابَ خَيبَرَ بِقُوَّةٍ جَسَدانِيَّةٍ ، ولكِنَّ بِقُوَّةٍ رَبّانِيَّةٍ ؛ ذلِكَ لِأَنَّ عَلِيّا كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ في ذلِكَ الوَقتِ انقَطَعَ نَظَرُهُ عَن عالَمِ الأَجسادِ ، وأشرَقَتِ المَلائِكَةُ بِأَنوارِ عالَمِ الكِبرِياءِ ، فَتَقَوّى روحُهُ ، وتَشَبَّهَ بِجَواهِرِ الأَرواحِ المَلَكِيَّةِ ، وتَلَألَأَت فيهِ أضواءُ عالَمِ القُدُسِ وَالعَظَمَةِ ، فَلا جَرَمَ (1) حَصَلَ لَهُ مِنَ القُدرَةِ ما قَدَرَ بِها عَلى ما لَم يَقدِر عَلَيهِ غَيرُهُ . وكَذلِكَ العَبدُ إذا واظَبَ عَلَى الطّاعاتِ بَلَغَ إلَى المَقامِ الَّذي يَقولُ اللّهُ : كُنتُ لَهُ سَمعا وبَصَرا . فَإِذا صارَ نورُ جَلالِ اللّهِ سَمعا لَهُ سَمِعَ القَريبَ وَالبَعيدَ ، وإذا صارَ ذلِكَ النّورُ بَصرا لَهُ رَأَى القَريبَ وَالبَعيدَ ، وإذا صارَ ذلِكَ النّورُ يَدا لَهُ قَدَرَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الصَّعبِ وَالسَّهلِ وَالبَعيدِ وَالقَريبِ (2) .
الإرشاد :لَمّا فَتَحَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام الحِصنَ وقَتَلَ مَرحَبا ، وأغنَمَ اللّهُ المُسلِمينَ أموالَهُم ، اِستَأذَنَ حَسّانُ بنُ ثابِتٍ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يَقولَ شِعرا : فَقالَ لَهُ : قُل . فَأَنشَأَ يَقولُ : وكانَ عَلِيٌّ أرمَدَ العَينِ يَبتَغي دَواءً فَلَمّا لَم يُحِسَّ مُداوِيا شَفاهُ رَسولُ اللّهِ مِنهُ بِتَفلَةٍ فَبورِكَ مَرقِيّا وبورِكَ راقِيا وقالَ سَاُعطِي الرّايَةَ اليَومَ صارِما كَمِيّا (3) مُحِبّا لِلرَّسولِ مُوالِيا يُحِبُّ إلهي وَالإِل_هُ يُحِبُّهُ بِهِ يَفتَحُ اللّهُ الحُصونَ الأَوابِيا (4) فَأَصفى بِها دونَ البَرِيَّةِ كُلِّها عَلِيّا وسَمّاهُ الوَزيرَ المُؤاخِيا (5)
.
ص: 225
تذكرة الخواصّ :ذَكَرَ أحمَدُ فِي الفَضائِلِ أنَّهُم سَمِعوا تَكبيرا مِنَ السَّماءِ في ذلِكَ اليَومِ وقائِلاً يَقولُ : لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقا رِ ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ فَاستَأذَنَ حَسّانُ بنُ ثابِتٍ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يُنشِدَ شِعرا فَأَذِنَ لَهُ ، فَقالَ : جِبريلُ نادى مُعلِنا وَالنَّقعُ لَيسَ بِمُنجَلي وَالمُسلِمونَ قَدِ احدَقوا حَولَ النَّبِيِّ المُرسَلِ لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقا رِ ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ فَإِن قيلَ : قَد ضَعَّفوا لَفظَةَ لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ، قُلنا : الَّذي ذَكَروهُ أنَّ الواقِعَةَ كانَت في يَومِ اُحُدٍ ، ونَحنُ نَقولُ : إنَّها كانَت في يَومِ خَيبَرَ ، وكَذا ذَكَرَ أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ فِي الفَضائِلِ ولا كلامَ في يَومِ اُحُدٍ ؛ فَإِنَّ ابنَ عَبّاسٍ قالَ : لَمّا قَتَلَ عَلِيٌّ عليه السلام طَلحَةَ بنَ أبي طَلحَةَ حامِلَ لِواءِ المُشرِكينَ صاحَ صائِحٌ مِنَ السَّماءِ : لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ . قالوا : في إسنادِ هذِهِ الرِّوايَةِ عيسَى بنُ مِهرانَ ، تُكُلِّمَ فيهِ ، وقالوا : كانَ شيعِيّا . أمّا يَومُ خَيبَرَ فَلَم يَطعَن فيهِ أحَدٌ مِنَ العُلماءِ . وقيلَ : إنَّ ذلِكَ كانَ يَومَ بَدرٍ . وَالأَوَّلُ أصَحُّ (1) .
راجع : ج4 ص475 (اللّه ورسوله وجبرئيل عنه راضون) و ص513 (لولا مخافة الغلوّ) و ص633 (سعد بن أبي وقّاص) و ج5 ص441 (الجمع بين العبادة والعمل ح 4636) و ج7 ص51 (محبوبيّته عند اللّه ورسوله وملائكته) .
.
ص: 226
. .
ص: 227
الفصل التاسع : النشاطات في فتح مكّةتمّ الاتّفاق في صلح الحديبيّة على أن يكفّ كلّ من الطرفين عن شنّ الحرب ، وألّا يحرّضا حلفاءهما على ذلك ، وألّا يدعماهم في حرب من الحروب . لكنّ قريش نكثت مقرّرات ذلك الصلح بتجهيز بني بكر _ حلفائهم _ على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين ، أو بالاشتراك ليلاً في قتالٍ ضدّها (1) . وتناهى إلى أسماع النبيّ صلى الله عليه و آله استشهاد عدد من المسلمين مظلومين ، واستنجاد عمرو بن سالم _ رئيس قبيلة خزاعة _ بأبيات مؤثّرة ، فأنجده . وهكذا عزم على فتح مكّة ، ومحو معالم الشرك من مركز التوحيد ، إذ لا مانع يحول دون ذلك حينئذٍ . فسيطر رسول اللّه صلى الله عليه و آله على مكّة عبر خطّة عسكريّة عجيبة ، وفتحها بلا إراقة دمٍ ، ومعه أكثر من عشرة آلاف مقاتل (2) . وشهد الإمام عليّ عليه السلام هذا النصر ، وكان حضوره فيه لافتا للنظر من وجوه :
.
ص: 228
1 _ كان حاطب بن أبي بلتعة قد كتب إلى قريش كتابا يخبرهم فيه بعزم النبيّ صلى الله عليه و آله على فتح مكّة ، وأرسله مع إحدى النساء . فاستدعى النبيّ صلى الله عليه و آله عليّا عليه السلام ، وبعثه مع اثنين للقبض على تلك المرأة . ولمّا لقوها وطلبوا منها دفع الكتاب إليهم أنكرت ذلك أشدّ إنكار ، ففتّشوها عدّة مرّات فلم يجدوا عندها شيئا ، ودلّ تفتيشهم على صحّة ما تدّعيه . فقال لها الإمام عليه السلام : واللّه ما كَذَبنا رسولُ اللّه صلوات اللّه عليه . . . واللّه لتُظهرنّ الكتاب أو لأردنّ رأسك إلى رسول اللّه ! فاستسلمت المرأة وأخرجته من ضفيرتها ، ودفعته إليه (1) . 2 _ كان سعد بن عبادة يحمل راية الإسلام ، وينادي : اليوم يوم الملحمة . . . . فنادى رسول اللّه صلى الله عليه و آله نداء الرحمة والرأفة ، وقال : اليوم يوم المرحمة . . . (2) ، ثمّ دعا عليّا عليه السلام وأمره أن يرفع الراية مكان سعد (3) . 3 _ أعطى النبيّ صلى الله عليه و آله الأمان للجميع بعد فتح مكّة إلّا شرذمة من سود الضمائر المعاندين فقد أهدر دمهم ، منهم الحويرث _ الذي كان يؤذيه كثيرا يوم كان في مكّة _ وامرأة مغنّية كانت تهجوه صلى الله عليه و آله ، فقتلهما الإمام عليه السلام (4) .
تاريخ الطبري عن عروة بن الزبير وغيره :لَمّا أجمَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المَسيرَ إلى مَكَّةَ كَتَب
.
ص: 229
حاطِبُ بنُ أبي بَلتَعَةَ كِتابا إلى قُرَيشٍ يُخبِرُهُم بِالَّذي أجمَعَ عَلَيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ الأَمرِ فِي السَّيرِ إلَيهِم ، ثُمَّ أعطاهُ امرَأَةً . . . وجَعَلَ لَها جُعلاً عَلى أن تُبَلِّغَهُ قُرَيشا ، فَجَعَلَتهُ في رَأسِها ، ثُمَّ فَتَلَت عَلَيهِ قُرونَها ، ثُمَّ خَرَجَت بِهِ . وأتى رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله الخَبَرُ مِنَ السَّماءِ بِما صَنَعَ حاطِبٌ ، فَبَعَثَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ وَالزُّبَيرَ ابنَ العَوّامِ ، فَقالَ : أدرِكَا امرَأَةً قَد كَتَبَ مَعَها حاطِبٌ بِكتابٍ إلى قُرَيشٍ ، يُحَذِّرُهُم ما قَد أجمَعنا لَهُ في أمرِهِم . فَخَرَجا حَتّى أدرَكاها بِالحُلَيفَةِ _ حُلَيفَةَ ابنِ أبي أحمَدَ _ فَاستَنزَلاها ، فَالتَمَسا في رَحلِها ، فَلَم يَجِدا شَيئا ، فَقالَ لَها عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ : إنّي أحلِفُ ما كَذَبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ولا كُذِبنا ، ولَتُخرِجِنَّ إلَيَّ هذَا الكِتابَ أو لَنَكشِفَنَّكِ . فَلَمّا رَأَتِ الجِدَّ مِنهُ قالَت : أعرِض عَنّي . فَأَعرَضَ عَنها ، فَحَلَّت قُرونَ رأسِها ، فَاستَخرَجَتِ الكِتابَ مِنهُ ، فَدَفَعَتهُ إلَيهِ ، فَجاءَ بِهِ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (1) .
صحيح البخاري عن عبيد اللّه بن أبي رافع :سَمَعتُ عَلِيّا رضى الله عنهيَقولُ : بَعَثَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَا وَالزُّبَيرَ وَالمِقدادَ ، فَقالَ : اِنطَلِقوا حَتّى تَأتوا رَوضَةَ خاخٍ (2) ، فَإِنَّ بِها ظَعينَةً (3) مَعَها كِتابٌ ، فَخُذوهُ مِنها . فَانطَلَقنا تَعادى بِنا خَيلُنا حَتّى أتَينَا الرَّوضَةَ ، فَإِذا نَحنُ بِالظَّعينَةِ ، قُلنا لَها : أخرِجِي الكِتابَ . قالَت : ما مَعِي كِتابٌ ! فَقُلنا : لَتُخرِجِنَّ الِكتابَ أو لَنُلقِيَنَّ الثِّيابَ . فَأَخرَجَتهُ مِن عِقاصِها (4) . فَأَتَينا بِهِ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله (5) .
.
ص: 230
تاريخ الطبري عن عبد اللّه بن أبي نجيح :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله حينَ فَرَّقَ جَيشَهُ مِن ذي طُوىً ، أمَرَ الزُّبَيرَ أن يَدخُلَ في بَعضِ النّاسِ مِن كُدىً (1) ، وكانَ الزُّبَيرُ عَلَى المُجَنِّبَةِ (2) اليُسرى ، فَأَمَرَ سَعدَ بنَ عُبادَةَ أن يَدخُلَ في بَعضِ النّاسِ مِن كَداءِ (3) . فَزَعَمَ بَعضُ أهلِ العِلمِ أنَّ سَعدا قالَ حينَ وُجِّهَ داخِلاً : «اليَومُ يَومُ المَلحَمَةِ ، اليَومُ تُستَحَلُّ الحُرمَةُ» فَسَمِعَها رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرينَ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، اِسمَع ما قالَ سَعدُ بنُ عُبادَةَ ! وما نَأمَنُ أن تَكونَ لَهُ في قُرَيشٍ صَولَةٌ ! ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : أدرِكهُ فَخُذِ الرّايَةَ ، فَكُن أنتَ الَّذي تَدخُلُ بِها (4) .
أنساب الأشراف :أمَّا الحُوَيرِثُ بنُ نُقَيذٍ ، فَكانَ يُعظِمُ القَولَ في رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ويُنشِدُ الهِجاءَ فيهِ ، ويُكثِرُ أذاهُ ، وهُوَ بِمَكَّةَ . فَلَمّا كانَ يَومُ الفَتحِ هَرَبَ مِن بَيتِهِ ، فَلَقِيَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فَقَتَلَهُ (5) .
راجع : ج5 ص222 (امتحن اللّه قلبه للإيمان) .
.
ص: 231
الفصل العاشر : المقاومة الرائعة في غزوة حنينألقى فتح مكّة الرعب في قلوب المشركين ، والذعر والفزع في نفوسهم ؛ فتشاورت قبيلتا الطائف المهمّتان هوازن وثقيف مع بعض القبائل الاُخرى ، فعزمتا على المسارعة إلى مواجهة جيش الإسلام قبل أن يقبل عليهم ، وجمعتا جيشا ضخما بقيادة شابّ باسل شجاع يدعى : مالك بن عوف النصري ، وسار الجيش نحو المسلمين (1) . وبادر النبيّ صلى الله عليه و آله إلى مواجهتهم على رأس جيش عظيم يتألّف من اثني عشر ألفا ؛ عشرة آلاف من يثرب ، وألفين من المسلمين الجدد ، وبلغت عظمة الجيش درجةً جعلت البعض يصاب بغرور زائف حتى قال : لا نُغلب اليوم من قلّة (2) . وأمر مالك جيشه بالاختباء خلف الأحجار والصخور وشعاب الجبال والنقاط المرتفعة في آخر الوادي الذي كان ممرّا إلى منطقة حنين . ولمّا وصل الجيش
.
ص: 232
الإسلامي هناك رُشق بالسهام والحجارة ، فمُني بالهزيمة والانكسار ، وحدث ما حدث ، وفرّ كثير من جيش رسول اللّه صلى الله عليه و آله (1) ، حتى قال أبو سفيان مستهزئا : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر (2) . وفي ساعة العسرة هذه لم يبقَ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا قليل ؛ قرابة عشرة ، فاستماتوا في الدفاع عنه ، وفيهم أمير المؤمنين عليه السلام فكان لا يفتأ يحوم حوله مدافعا ، وهزم من كان يريد قتل النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأجبرهم على الفرار (3) . وصاح النبيّ صلى الله عليه و آله بصوتٍ عالٍ في خضمّ تلك الشدائد والنوازل قائلاً : يا أنصار اللّه وأنصار رسوله ، أنا عبد اللّه ورسوله ! ثمّ ساق بغلته نحو العدوّ ومعه عدد من الصحابة ، وأمر عمّه العبّاس أن ينادي المسلمين بصوته الجهوريّ ويدعوهم إلى نصرته . وهكذا انتظم أمر الجيش مرّة اُخرى (4) . إنّ ثبات عليّ عليه السلام وقتاله بلا هوادة في هذه المعركة لافتان للنظر أيضا ، فقد قتل أربعين من هوازن (5) ، وفيهم أبو جرول ؛ وهو أحد شجعانهم ، وكان هلاكه بداية لانهيار جيشهم 6 . ولاحق النبيّ صلى الله عليه و آله الفارّين ، وحاصر قلعتهم بالطائف . وفي هذا الحصار اشتبك
.
ص: 233
الإمام عليه السلام مع نافع بن غيلان فقتله ، فولّى جمع من المشركين مدبرين ، وأسلم آخرون (1) . يضاف إلى هذا أنّ الإمام عليه السلام كلّف عند الحصار بكسر الأصنام التي كانت حول الطائف ، وقد أنجز هذه المهمّة بأحسن ما يكون (2) . قال الشيخ المفيد رضوان اللّه عليه في حضور الإمام عليه السلام هذه الغزوة : «فَانظُرِ الآنَ إلى مَناقِبِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في هذِهِ الغَزاةِ وتَأَمَّلها وفَكِّر في مَعانيها تَجِدهُ قَد تَوَلّى كُلَّ فَضلٍ كانَ فيها ، وَاختَصَّ مِن ذلِكَ بِما لَم يَشرَكهُ فيهِ أحَدٌ مِنَ الاُمَّةِ» (3) . ويتسنّى لنا الآن _ بناءً على ما ذكرنا وما جاء في الوقائع التاريخيّة _ أن نسجّل دور الإمام عليه السلام في النقاط الآتية : 1 _ حمله راية المهاجرين . 2 _ حضوره المهيب في احتدام القتال وهجوم العدوّ بلا هوادة ، ودفعه الخطر عن النبيّ صلى الله عليه و آله في أحرج اللحظات التي فرّ فيها الكثيرون . 3 _ قتلُه أبا جرول والذي استتبع انهيار جيش هوازن . 4 _ قتله أربعين من مقاتلي هوازن . 5 _ قيادته لكتيبة كانت قد تعبّأت من أجل إزالة الأصنام . 6 _ مبارزة شهاب _ من قبيلة خثعم _ الذي لم يجرأ أحد من المسلمين على
.
ص: 234
مبارزته ، فهبّ الإمام عليه السلام إليه وقضى عليه . 7 _ قتله نافعا ، الذي أدّى إلى إسلام الكثيرين .
تاريخ اليعقوبي :بَلَغَ رَسولَ اللّهِ وهُوَ بِمَكَّةَ أنَّ هَوازِنَ قَد جَمَعَت بِحُنَينٍ جَمعا كَثيرا ، ورَئيسُهُم مالِكُ بنُ عَوفٍ النَّصرِيُّ ، ومَعَهُم دُرَيدُ بنُ الصِّمَّةِ مِن بَني جُشَمَ ؛ شَيخٌ كَبيرٌ يَتَبَرَّكونَ بِرَأيِهِ ، وساقَ مالِكٌ مَعَ هَوازِنَ أموالَهُم وحَرَمَهُم . فَخَرَجَ إَليهِم رَسولُ اللّهِ في جَيشٍ عَظيمٍ عِدَّتُهُم اثنا عَشَرَ ألفا ؛ عَشَرَةُ آلافٍ أصحابُهُ الَّذين فَتَحَ بِهِم مَكَّةَ ، وألفانِ مِن أهلِ مَكَّةَ مِمَّن أسلَمَ طَوعا وكَرها ، وأخَذَ مِن صَفوانَ بنِ اُمَيَّةَ مِائَةِ دِرعٍ وقالَ : «عارِيَةٌ مَضمونَةٌ» . فَأَعجَبَتِ المُسلِمينَ كَثرَتُهُم ، وقالَ بَعضُهُم : ما نُؤتى مِن قِلَّةٍ . فَكَرِهَ رَسولُ اللّهِ ذلِكَ مِن قَولِهِم . وكانَت هَوازِنُ قَد كَمَنَت فِي الوادي ، فَخَرَجوا عَلَى المُسلِمينَ ؛ وكانَ يَوما عَظيمَ الخَطبِ ، وَانهَزَمَ المُسلِمونَ عَن رَسولِ اللّهِ ، حَتّى بَقِيَ في عَشَرَةٍ مِن بَني هاشِمٍ ، وقيلَ تِسعَةٍ ، وهُم : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وَالعَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ ، وأبو سفيانَ بنُ الحارِثِ ، ونَوفَلُ بنُ الحارِثِ ، ورَبيعَةُ بنُ الحارِثِ ، وعُتبَةُ ومُعَتِّبٌ ابنا أبي لَهَبٍ ، وَالفَضلُ بنُ العَبّاسِ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، وقيلَ : أيمَنُ بنُ اُمِّ أيمَنَ . قالَ اللّهُ عزَّوجَلَّ : «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْ_ئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُو عَلَى رَسُولِهِى وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا» (1)(2) .
تاريخ الإسلام عن الواقديّ :سارَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن مَكَّةَ لِسِتٍّ خَلَونَ مِن شَوّالٍ فِي اثنَى ¨
.
ص: 235
عَشَرَ ألفا ، فَقالَ أبو بَكرٍ : لا نُغلَبُ اليَومَ مِن قِلَّةٍ . فَانتَهَوا إلى حُنَينٍ لِعَشرٍ خَلَونَ مِن شَوّالٍ . وأمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أصحابَهُ بِالتَّعبِئَةِ ، ووَضَعَ الأَلوِيَةَ وَالرّاياتِ في أهلِها ، ورَكِبَ بَغلَتَهُ ، ولَبِسَ دِرعَينِ وَالمِغفَرَ واَلبَيضَةَ . فَاستَقبَلَهُم مِن هَوازِنَ شَيءٌ لَم يَرَوا مِثلَهُ مِنَ السَّوادِ وَالكَثرَةِ ، وذلِكَ في غَبَشِ الصُّبحِ . وخَرَجَتِ الكَتائِبُ مِن مَضيقِ الوادي وشِعبِهِ ، فَحَمَلوا حَملَةً واحِدَةً ، فَانكَشَفَت خَيلُ بَني سُلَيمٍ مُوَلِّيَةً ، وتَبِعَهُم أهلُ مَكَّةَ ، وتَبِعُهُم النّاسُ (1) .
السيرة النبويّة عن جابر بن عبد اللّه :لَمَّا استَقبَلنا وادِيَ حُنَينٍ انحَدَرنا في وادٍ مِن أودِيَةِ تِهامَةَ أجوَفَ حَطوطٍ (2) ، إنَّما نَنحَدِرُ فيهِ انحِدارا ، _ قالَ : _ وفي عَمايَةِ الصُّبحِ (3) . وكانَ القَومُ قَد سَبَقونا إلَى الوادي ، فَكَمَنوا لَنا في شِعابِهِ وأحنائِهِ ومَضايِقِهِ ، وقَد اجمَعوا وتَهَيَّؤوا وأعَدّوا . فَوَاللّهِ ما رَاعَنا ونَحنُ مُنحَطّونَ إلَا الكَتائِبُ قَد شَدُّوا عَلَينا شِدَّةَ رَجُلٍ واحِدٍ ، وَانشَمَرَ النّاسُ راجِعينَ لا يَلوي أحَدٌ عَلى أحَدٍ ، وَانحازَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ اليَمينِ ، ثُمَّ قالَ : أينَ ! ! أيُّهَا النّاسُ هَلُمّوا إلَيَّ ! أنَا رَسولُ اللّهِ ، أنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ . قالَ : فَلا شَيءَ ؛ حَمَلَتِ الاِءبِلُ بَعضُها عَلى بَعضٍ ، فَانطَلَقَ النّاسُ ، إلَا أنَّهُ قَد بَقِيَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَفَرٌ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وأهلِ بَيتِهِ . وفيمَن ثَبَتَ مَعهُ . . . مِن أهلِ بَيتِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (4) .
مسند أبي يعلى عن جابر :كانَ أيّامَ هَوازِنَ رَجُلٌ جَسيمٌ ، عَلى جَمَلٍ أحمَرَ ، في يَدِهِ رايَةٌ سَوداءُ ، إذا أدرَكَ طَعَنَ بِها ، وإذا فاتَهُ شَيءٌ مِن بَينِ يَدَيهِ دَفَعَها مِن خَلفِهِ فَأَبعَدَهُ . فَعَمَد
.
ص: 236
لَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ورَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ كِلاهُما يُريدُهُ _ قالَ : _ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ عَلى عُرقوبَيِ الجَمَلِ ، فَوَقَعَ عَلى عَجُزِهِ ، _ قالَ : _ وضَرَبَ الأَنصارِيُّ ساقَهُ _ قالَ : _ فَطَرَحَ قَدَمَهُ بِنِصفِ ساقِهِ ، فَوَقَعَ ، وَاقتَتَلَ النّاسُ (1) .
الإرشاد :أقبَلَ رَجُلٌ مِن هَوازِنَ عَلى جَمَلٍ لَهُ أحمَرَ ، بِيَدِهِ رايَةٌ سَوداءُ في رَأسِ رُمحٍ طَويلٍ أمامَ القَومِ ، إذا أدرَكَ ظَفَرا مِنَ المُسلِمينَ أكَبَّ عَلَيهِم ، وإذا فاتَهُ النّاسُ رَفَعَهُ لِمَن وَراءَهُ مِنَ المُشرِكينَ فَاتَّبَعوهُ ، وهُوَ يَرتَجِزُ ويَقولُ : أنَا أبو جَروَلٍ لا بَراحَ (2) حَتّى نُبيحَ القَومَ أو نُباحَ فَصَمَدَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَضَرَبَ عَجُزَ بَعيرِهِ فَصَرَعَهُ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَطَرَهُ ، ثُمَّ قالَ : قَد عَلِمَ القَومُ لَدَى الصَّباحِ أنّي فِي الهَيجاءِ ذو نَصاحٍ فَكانَت هَزيمَةُ المُشرِكينَ بِقَتلِ أبي جَروَلٍ لَعَنَهُ اللّهُ (3) .
الإرشاد :لَمّا قَتَلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام أبا جَروَلٍ وخُذِلَ القَومُ لِقَتلِهِ ، وَضَعَ المُسلِمونَ سُيوفَهُم فيهِم ، وأميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقدُمُهُم حَتّى قَتَلَ أربَعينَ رَجُلاً مِنَ القَومِ ، ثُمَّ كانَتِ الهَزيمَةُ وَالأَسرُ حينَئِذٍ (4) .
مسند أبي يعلى عن أنس :كانَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضى الله عنه يَومَئِذٍ [أي يَومَ حُنَينٍ ]أشَدَّ النّاس
.
ص: 237
قِتالاً بَينَ يَدَيهِ [ صلى الله عليه و آله ] (1) .
الإمام الصادق عليه السلام :قَتَلَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام بِيَدِهِ يَومَ حُنَينٍ أربَعينَ (2) .
الإرشاد_ في ذِكرِ وقايِعِ ما بَعدَ غَزوَةِ حُنَينٍ _: ثُمَّ سارَ بِنَفسِهِ إلَى الطّائِفِ فَحاصَرَهُم أيّاما.... ثُمَّ خَرَجَ مِن حِصنِ الطّائِفِ نافِعُ بنُ غَيلانَ بنِ مُعَتِّبٍ في خَيلٍ مِن ثَقيفٍ ، فَلَقِيَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بِبَطنِ وَجٍّ (3) فَقَتَلَهُ ، وَانهَزَمَ المُشرِكونَ ، ولَحِقَ القَومَ الرُّعبُ ، فَنَزَلَ مِنهُم جَماعَةٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَأَسلَموا . وكانَ حِصارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله الطّائِفَ بِضعَةَ عَشَرَ يَوما (4) .
.
ص: 238
. .
ص: 239
الفصل الحادي عشر : الاستخلاف عن النبيّ في غزوة تبوكتبوك هي أقصى منطقة توجّه إليها النبيّ صلى الله عليه و آله في حروبه . وبدأت تحرّكات المنافقين في المدينة في وقت راح رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعدّ جيشه للانطلاق إلى تبوك . والحوادث التي وقعت تدلّ بوضوح على أنّ المنافقين في المدينة كانوا يتحيّنون الفرصة لتوجيه ضربتهم للحكومة النبويّة الجديدة . وكانت هذه الغيبة الطويلة للنبيّ فرصة مناسبة لهم . من هنا ، نلحظ أنّه صلى الله عليه و آله استخلف في البداية محمّد بن مسلمة على المدينة ، ثمّ جعل عليّا عليه السلام عليها ، وقال : «أنَا لابُدَّ مِن أن اُقيمَ أو تُقيمَ» (1) . وقال : «إنَّ المَدينَةَ لا تَصلُحُ إلّا بي أو بِكَ» (2) . وهكذا أخفقت المؤامرة ، فإنّ وجود عليّ عليه السلام ألقى الرعب في قلوب المنافقين والمتآمرين ، وآيسهم من القيام بأيّ تحرّك في المدينة ، فراحوا يعزفون على وتر
.
ص: 240
آخر ؛ فإنّ غزوة تبوك كانت الغزوة الوحيدة التي لم يشهدها أمير المؤمنين عليه السلام بقرار النبيّ صلى الله عليه و آله ، ولما طرأ من أحداث في المدينة (1) . فأرجفوا أنّ عليّا تخلّى عن الحرب وخذل النبيّ ولم يرافقه مع رغبة النبيّ في حضوره معه . فما كان من الإمام عليه السلام إلّا أن هرع إليه صلى الله عليه و آله قبل مغادرته ، وأخبره بأراجيفهم ، فنطق النبيّ صلى الله عليه و آله عندئذٍ كلمته الخالدة العظيمة في حقّه : «أما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي» (2) . وهكذا اُحبطت هذه المؤامرة في مهدها ، وسجّل التاريخ لعليٍّ عليه السلام أسطع المناقب أمام أنظار الناس .
الطبقات الكبرى عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم :لَمّا كانَ عِندَ غَزوَةِ جَيشِ العُسرَةِ وهِيَ تَبوكُ ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : إنَّهُ لابُدَّ مِن أن اُقيمَ أو تُقيمَ ، فَخَلَّفَهُ ، فَلَمّا فَصَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله غازِيا قالَ ناسٌ : ما خَلَّفَ عَلِيّا إلّا لِشَيءٍ كَرِهَهُ مَنهُ . فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا ، فَاتَّبَعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتَّى انتَهى إلَيهِ ، فَقالَ لَهُ : ما جاءَ بِكَ يا عَلِيُّ ؟ ! قالَ : لا يا رَسولَ اللّهِ إلّا أنّي سَمِعتُ ناسا يَزعُمونَ أنَّكَ إنَّما خَلَّفتَني لِشَيٍء كَرِهتَهُ مِنّي ! ! فَتَضاحَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقالَ : يا عَلِيُّ ، أما تَرضى أن تَكونَ مِنّي كَهارونَ مِن موسى غَيرَ أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ؟ ! قالَ : بَلى يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ : فَإِنَّهُ كَذلِكَ (3) .
تاريخ الطبري عن ابن إسحاق_ في خُروجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلى غَزوَةِ تَبوكَ _: خَلَّف
.
ص: 241
رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عَلى أهلِهِ ، وأمَرَهُ بِالإِقامَةِ فيهِم ، وَاستَخلَفَ عَلَى المَدينَةِ سِباعَ بنَ عُرفُطَةَ أخا بَني غِفارٍ ، فَأَرجَفَ المُنافِقونَ بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وقالوا : ما خَلَّفَهُ إلَا استِثقالاً لَهُ ، وتَخَفُّفا مِنهُ . فَلَمّا قالَ ذلِكَ المُنافِقونَ أخَذَ عَلِيٌّ سِلاحَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ حَتّى أتى رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ بِالجُرفِ ، فَقالَ : يا نَبِيَّ اللّهِ ، زَعَمَ المُنافِقونَ أنَّكَ إنَّما خَلَّفتَني أنَّكَ استَثقَلتَني وتَخَفَّفتَ مِنّي ! فقالَ : كَذَبوا ، ولكِنّي إنَّما خَلَّفتُكَ لِما وَرائي ، فَارجَع فَاخلُفني في أهلي وأهلِكَ ، أفَلا تَرضى يا عَلِيُّ أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ؟ ! فَرَجَعَ عَلِيٌّ إلَى المَدينَةِ ، ومَضى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى سَفَرِهِ (1) .
الإرشاد_ في غَزوَةِ تَبوكَ _: أوحَى اللّهُ تَبارَكَ وتَعالَى اسمُهُ إلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله أن يَسيرَ إلَيها بِنَفسِهِ ، ويَستَنفِرَ النّاسَ لِلخُروجِ مَعَهُ ، وأعلَمَهُ أنَّهُ لا يَحتاجُ فيها إلى حَربٍ ، ولا يُمنى بِقِتالِ عَدُوٍّ ، وأنَّ الاُمورَ تَنقادُ لَهُ بِغَيرِ سَيفٍ ، وتَعَبَّدَهُ بِامتِحانِ أصحابِهِ بِالخُروجِ مَعَهُ وَاختِبارِهِم ، لِيَتَمَيَّزوا بِذلِكَ وتَظهَرَ سَرائِرُهُم . فَاستَنفَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى بِلادِ الرّومِ ، وقَد أينَعَت ثِمارُهُم ، وَاشتَدَّ القَيظُ عَلَيهِم ، فَأَبطَأَ أكثَرُهُم عَن طاعَتِهِ ؛ رَغبَةً فِي العاجِلِ ، وحِرصا عَلَى المَعيشَةِ وإصلاحِها ، وخَوفا مِن شِدَّةِ القَيظِ ، وبُعدِ المَسافَةِ ، ولِقاءِ العَدُوِّ . ثُمَّ نَهَضَ بَعضُهُم عَلَى استِثقالٍ لِلنُّهوضِ ، وتَخَلَّفَ آخَرونَ . ولَمّا أرادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الخُروجَ استَخلَفَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام في أهلِهِ ووُلدِهِ وأزواجِهِ ومُهاجَرِهِ ، وقالَ لَهُ : «يا عَلِيُّ ، إنَّ المَدينَةَ لا تَصلُحُ إلّا بي أو بِكَ» ؛ وذلِك
.
ص: 242
أنَّهُ عليه السلام عَلِمَ مِن خُبثِ نِيّاتِ الأَعرابِ ، وكَثيرٍ مِن أهلِ مَكَّةَ ومَن حَولَها مِمَّن غَزاهُم وسَفَكَ دِماءَهُم ، فَأَشفَقَ أن يَطلُبُوا المَدينَةَ عِندَ نَأيِه عَنها وحُصولِهِ بِبِلادِ الرُّومِ أو نَحوِها ، فَمَتى لَم يَكُن فيها مَن يَقومُ مَقامَهُ ، لَم يُؤمَن مِن مَعَرَّتِهِم (1) ، وإيقاعِ الفَسادِ في دارِ هِجرَتِهِ ، وَالتَّخَطّي إلى ما يَشينُ أهلَهُ ومُخَلَّفيهِ . وعَلِمَ عليه السلام أنَّهُ لا يَقومُ مَقامَهُ في إرهابِ العَدُوِّ وحِراسَةِ دارِ الهِجرَةِ وحِياطَةِ مَن فيها إلّا أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَاستَخلَفَهُ استِخلافا ظاهِرا ، ونَصَّ عَلَيهِ بِالإِمامَةِ مِن بَعدِهِ نَصّا جَلِيّا . وذلِكَ فيما تَظاهَرَت بِهِ الرِّوايَةُ أنَّ أهلَ النِّفاقِ لَمّا عَلِموا بِاستِخلافِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام عَلَى المَدينَةِ حَسَدوهُ لِذلِكَ ، وعَظُمَ عَلَيهِم مُقامُهُ فيها بَعدَ خُروجِهِ ، وعَلِموا أنَّها تَنحَرِسُ بِهِ ، ولا يَكونُ لِلعَدُوِّ فيها مَطمَعٌ ، فَساءَهُم ذلِكَ ، وكانوا يُؤثِرونَ خُروجَهُ مَعَهُ ؛ لِما يَرجونَهُ مِن وُقوعِ الفَسادِ وَالاِختِلاطِ عِندَ نَأيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عَنِ المَدينَةِ ، وخُلُوِّها مِن مَرهوبٍ مَخوفٍ يَحرُسُها . وغَبَطوهُ عليه السلام عَلَى الرَّفاهِيَةِ وَالدَّعَةِ بِمُقامِهِ في أهلِهِ ، وتَكَلُّفِ مَن خَرَجَ مِنهُمُ المَشاقَّ بِالسَّفَرِ وَالخَطَرِ . فَأَرجَفوا بِهِ عليه السلام ، وقالوا : لَم يَستَخلِفهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إكراما لَهُ وإجلالاً ومَوَدَّةً ، وإنَّما خَلَّفَهُ استِثقالاً لَهُ . فَبَهَتوهُ بِهذَا الإِرجافِ كَبَهتِ قُرَيشٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِالجِنَّةِ تارَةً ، وبِالشِّعرِ اُخرى ، وبِالسِّحرِ مَرَّةً ، وبِالكِهانَةِ اُخرى ، وهُم يَعلَمونَ ضِدَّ ذلِكَ ونَقيضَهُ ، كَما عَلِمَ المُنافِقونَ ضِدَّ ما أرجَفوا بِهِ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وخِلافَهُ ، وأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كانَ أخَصَّ النّاسِ بِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وكانَ هُوَ أحَبَّ النّاسِ إلَيهِ ، وأسعَدَهُم عِندَهُ ، وأفضَلَهُم لَدَيهِ .
.
ص: 243
فَلَمّا بَلَغَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام إرجافُ المُنافِقينَ بِهِ ، أرادَ تَكذيبَهُم وإظهارَ فَضيحَتِهِم ، فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ المُنافِقينَ يَزعُمونَ أنَّكَ إنَّما خَلَّفتَنِي استِثقالاً ومَقتا ! فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِرجِع يا أخي إلى مَكانِكَ ، فَإِنَّ المَدينَةَ لا تَصلُحُ إلّا بي أو بِكَ ، فَأَنتَ خَليفَتي في أهلي ودارِ هِجرَتي وقَومي ، أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بَمَنزِلَةِهارونَ مَن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ؟ (1)
.
ص: 244
. .
ص: 245
الفصل الثاني عشر : عدّةُ بَعثات هامّة12 / 1البَعثُ لِكَسرِ الأَصنامِالإرشاد_ في ذِكرِ وقايع ما بَعدَ غَزوَةِ حُنَينٍ _: ثُمَّ سارَ _ [النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ]بِنَفسِهِ إلَى الطّائِفِ فَحاصَرَهُم أيّاما ، وأنفَذَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام في خَيلٍ ، وأمَرَهُ أن يَطَأَ ما وَجَدَ ، ويَكسِرَ كُلَّ صَنَمٍ وَجَدَهُ . فَخَرَجَ حَتّى لَقِيَتهُ خَيلُ خَثعَمٍ في جَمعٍ كَثيرٍ ، فَبَرَزَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ القَومِ يُقالُ لَهُ : شِهابٌ ، في غَبَشِ الصُّبحِ ، فَقالَ : هَل مِن مُبارِزٍ ؟ فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : مَن لَهُ ؟ فَلَم يَقُم أحَدٌ ، فَقامَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَوَثَبَ أبُو العاصِ بنُ الرَّبيعِ زَوجُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : تُكفاهُ أيُّهَا الأَميرُ . فَقالَ : لا ، ولكِن إن قُتِلتُ فَأَنتَ عَلَى النّاسِ ، فَبَرَزَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وهُوَ يَقولُ : إنَّ عَلى كُلِّ رَئيسٍ حَقّا أن يُروِيَ الصَّعدَةَ (1) أو تُدَقَّا ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ . ومَضى في تِلكَ الخَيلِ حَتّى كَسَرَ الأَصنامَ ، وعادَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ مُحاصِرٌ لِأهلِ الطّائِفِ ، فَلَمّا رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله كَبَّرَ لِلفَتحِ ، وأخَذَ بِيَدِه
.
ص: 246
فَخَلا بِهِ ، وناجاهُ طَويلاً (1) .
12 / 2البَعثُ لِتَأدِيَةِ خِساراتِ بَني جُذَيمَةَوجّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد فتح مكّة خالد بن الوليد على رأس كتيبة لدعوة قبيلة جذيمة بن عامر . وكان خالد يُكنّ حقدا قديما لهذه القبيلة ، فقتل نفرا منهم ظلما وعدوانا ، ومنوا بخسائر . فتبرّأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من هذه الجريمة الشنعاء ، وأمر عليّا عليه السلام أن يذهب إليهم ، ويعوّضهم عمّا تكبّدوه من خسائر ، ويديهم بنحو دقيق . فأدّى عليه السلام المهمّة مراعيا غاية الدقّة في تنفيذها ، وحين رجع أثنى النبيّ صلى الله عليه و آله على عمله ، وأكّد ، بكلمات ثمينة رفيعة ، منزلته العليّة ودوره الكبير في هداية الاُمّة وتوجيه المسلمين في المستقبل (2) .
الإمام الباقر عليه السلام :بَعَثَ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله خالِدَ بنَ الوَليدِ _ حينَ افتَتَحَ مَكَّةَ _ داعِيا ، ولَم يَبعَثهُ مُقاتِلاً ، ومَعَهُ قَبائِلُ مِنَ العَرَبِ ؛ سُلَيمُ بنُ حَصورٍ ، ومُدلِجُ بنُ مُرَّةَ ، فَوَطِئوا بَني جُذَيمَةَ بنَ عامِرِ بنِ عَبدِ مَناةَ بنِ كِنانَةَ . فَلَمّا رَآهُ القَومُ أخَذُوا السِّلاحَ ، فَقالَ خالِدٌ : ضَعُوا السِّلاحَ، فَإِنَّ النّاسَ قَد أسلَموا... فَلَمّا وَضَعُوا السِّلاحَ أمَرَ بِهِم خالِدٌ عِندَ ذلِكَ ، فَكُتِفوا ، ثُمَّ عَرَضَهُم عَلَى السَّيفِ ، فَقَتَلَ منَ قَتَلَ مِنهُم . فَلَمَّا انتَهَى الخَبَرُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَفَعَ يَدَيهِ إلَى السَّماءِ ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ إنّي أبرَأُ إلَيكَ مِمّا صَنَعَ خالِدُ بنُ الوَليدِ . . . . ثُمَّ دَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ _ رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ _ فَقالَ : يا عَلِيُّ ،
.
ص: 247
اُخرُج إلى هؤُلاءِ القَومِ فَانظُر في أمرِهِم ، وَاجعَلَ أمرَ الجاهِلِيَّةِ تَحتَ قَدَمَيكَ . فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتّى جاءَهُم ومَعَهُ مالٌ قَد بَعَثَ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَوَدى (1) لَهُم الدِّماءَ وما اُصيبَ لَهُم مِنَ الأَموالِ ، حَتّى إنَّهُ لَيَدي لَهُم ميلَغَةَ (2) الكَلبِ ، حَتّى إذا لَم يَبقَ شَيءٌ مِن دَمٍ ولا مالٍ إلّا وَداهُ بَقِيَت مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنَ المالِ . فَقالَ لَهُم عَلِيٌّ _ رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ _ حينَ فَرَغَ مِنهُم : هَل بَقِيَ لَكُم بَقِيَّةٌ مِن دَمٍ أو مالٍ لَم يُودَ لَكُم ؟ قالوا : لا . قالَ : فَإِنّي اُعطيكُم هذِهِ البَقِيَّةَ مِن هذَا المالِ ، احتِياطا لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِمّا لا يُعلَمُ ولا تَعلَمونَ ، فَفَعَلَ ، ثُمَّ رَجَعَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ ، فَقالَ : أصَبتَ وأحسَنتَ . ثُمَّ قامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَاستَقبَلَ القِبلَةَ قائِما شاهِرا يَدَيهِ حَتّى إنَّهُ لَيُرى ما تَحتَ مَنكِبَيهِ ، يَقولُ : «اللّهُمَّ إنّي أبرَأُ إلَيكَ مِمّا صَنَعَ خالِدُ بنُ الوَليدِ» ثَلاثَ مَرّاتٍ (3) .
12 / 3البَعثُ إلى فَلسٍ (4)الطبقات الكبرى :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ في خَمسينَ ومِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنصارِ ، عَلى مِائَةِ بَعيرٍ وخَمسينَ فَرَسا ، ومَعَهُ رايَةٌ سَوداءُ ولِواءٌ أبيَضُ إلَى الفَلسِ لِيَهدِمَهُ ، فَشَنُّوا الغارَةَ عَلى مَحَلَّةِ آلِ حاتِمٍ مَعَ الفَجرِ ، فَهَدَمُوا الفَلسَ وخَرَّبوهُ ، ومَلَؤوا
.
ص: 248
أيدِيَهُم مِنَ السَّبيِ وَالنَّعَمِ وَالشّاةِ . وفِي السَّبيِ اُختُ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ ، وهَرَبَ عَدِيٌّ إلَى الشّامِ (1) .
12 / 4البَعثُ لِاءِعلانِ البَراءَةِ مِنَ المُشرِكينَإنّ آيات البراءة ، وإعلان الاستياء من الشرك والصنميّة ، ولزوم تطهير أرض الوحي من معالم الشرك ، كلّ ذلك يعدّ من أعظم الفصول في التاريخ الإسلامي . فقد نزلت سورة «براءة» في موسم الحجّ سنة (9 ه ) وكُلّف أبوبكر بقراءتها على الحجّاج ، مع بيان يتألّف من أربع موادّ ، وتوجّه أبوبكر إلى مكّة ، لكن لم يمضِ على تحرّكه إلّا وقت قصير حتى هبط الوحي مبلّغا النبيّ صلى الله عليه و آله أن : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» . فدعا عليّاً عليه السلام وأخبره بالأمر ، وأعطاه راحلته ، وأمره أن يعجّل في ترك المدينة ، ويأخذ السورة من أبي بكر ، ويقرأها على الناس في حشدهم الغفير يوم العاشر من ذي الحجّة . وهكذا كان . فاُضيفت بذلك منقبة اُخرى إلى مناقبه العظيمة ، وثبت للأجيال والأعصار المختلفة سلفاً أنّه من النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأنّه نفسه (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَمّا نَزَلَت عَشرُ آياتٍ مِن بَراءَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أبا بَكرٍ فَبَعَثَهُ بِها لِيَقرَأَها عَلى أهلِ مَكَّةَ ، ثُمَّ دَعانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لي : أدرِك أبا بَكرٍ فَحَيثُما لَحِقتَهُ فَخُذِ الكِتابَ مِنهُ ، فَاذهَب بِهِ إلى أهلِ مَكَّةَ فَاقرَأهُ عَلَيهِم . فَلَحِقتُهُ بِالجُحفَةِ ، فَأَخَذتُ الكِتابَ مِنهُ ، ورَجَعَ أبو بَكرٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، نَزَلَ فِيَّ شَيءٌ ؟ ! قالَ :
.
ص: 249
لا ، ولكِنَّ جِبريلَ جاءَني فَقالَ : لَن يُؤَدِّيَ عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ (1) .
مسند ابن حنبل عن أنس بن مالك :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ بِبَراءَةَ مَعَ أبي بَكرٍ إلى أهلِ مَكَّةَ _ قالَ : _ ثُمَّ دَعاهُ فَبَعَثَ بِها عَلِيّا ، قالَ : لايُبَلِّغُها إلّا رَجُلٌ مِن أهلي (2) .
فضائل الصحابة عن أنس بن مالك :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ بِبَرَاءَةَ مَعَ أبي بَكرٍ إلى أهلِ مَكَّةَ ، فَلَمّا بَلَغَ ذَا الحُلَيفَةِ بَعَثَ إلَيهِ فَرَدَّهُ ، وقالَ : لايَذهَبُ بِها إلّا رَجُلٌ مِن أهلِ بَيتي ؛ فَبَعَثَ عَلِيّا (3) .
خصائص أمير المؤمنين عن زيد بن يثيع عن الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ بِبَراءَةَ إلى أهلِ مَكَّةَ مَعَ أبي بَكرٍ ، ثُمَّ أتبَعَهُ بِعَلِيٍّ ، فَقالَ لَهُ : خُذِ الكِتابَ فَامضِ بِهِ إلى أهلِ مَكَّةَ . قالَ : فَلَحِقتُهُ وأخَذتُ الكِتابَ مَنهُ، فَانصَرَفَ أبو بَكرٍ وهُوَ كَئيبٌ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ : أنَزَلَ فِيَّ شَيءٌ ؟ ! قالَ : لا ، إلّا أنّي اُمِرتُ أن اُبَلِّغَهُ أنا أو رَجُلٌ مِن أهلِ بَيتي (4) .
مسند ابن حنبل عن زيد بن يثيع عن أبي بكر :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله بَعَثَهُ بِبَراءَةَ لِأَهلِ مَكَّةَ : لا يَحُج
.
ص: 250
بَعدَ العامِ مُشرِكٌ ، ولا يَطوفُ بِالبَيتِ عُريانٌ ، ولا يدخُلُ الجَنَّةَ إلّا نَفسٌ مُسلِمَةٌ ، مَن كانَ بَينَهُ وبَينَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُدَّةٌ فَأَجَلُهُ إلى مُدَّتِهِ ، وَاللّهُ بَريءٌ مِنَ المُشرِكينَ ورَسولُهُ . قالَ : فَسارَ بِها ثَلاثا ، ثُمَّ قالَ لِعَلِيٍّ رضى الله عنه : اِلحَقهُ فَرُدَّ عَلَيَّ أبا بَكرٍ وبَلِّغها أنتَ . قالَ : فَفَعَلَ ، قالَ : فَلَمّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أبو بَكرٍ بَكى ، قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، حَدَثَ فِيَّ شَيءٌ ؟ ! قال : ما حَدَثَ فيكَ إلّا خَيرٌ ، ولكِن اُمِرتُ أن لا يُبَلِّغَهُ إلّا أنَا أو رَجُلٌ مِنّي (1) .
المستدرك على الصحيحين عن جميع بن عمير الليثي :أتَيتُ عَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ فَسَأَلَتُهُ عَن عَلِيٍّ رضى الله عنه فَانتَهَرَني ، ثُمَّ قالَ : ألا اُحَدِّثُكَ عَن عَلِيٍّ ؟ هذا بَيتُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي المَسجِدِ ، وهذا بَيتُ عَلِيٍّ رضى الله عنه . إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ أبا بَكرٍ وعُمَرَ بِبَراءَةَ إلى أهلِ مَكَّةَ ، فَانطَلَقا ، فَإِذا هُما بِراكِبٍ ، فَقالا : مَن هذا ؟ قالَ : أنَا عَلِيٌّ ، يا أبا بَكرٍ هاتِ الكِتابَ الَّذي مَعَكَ . قالَ : وما لي ! ! قالَ : وَاللّهِ ما عَلِمتُ إلّا خَيرا ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ الكِتابَ فَذَهَبَ بِهِ ، ورَجَعَ أبو بَكرٍ وعُمَرُ إلَى المَدينَةِ ، فَقالا : ما لَنا يا رَسولَ اللّهِ ؟ !قالَ : ما لَكُما إلّا خَيرٌ ، ولكِن قيلَ لي : إنَّهُ لا يُبَلِّغُ عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ (2) .
الإرشاد :جاءَ في قِصَّةِ البَراءَةِ : وقَد دَفَعَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى أبي بَكرٍ لِيَنبِذَ بِها عَهدَ المُشرِكينَ ، فَلَمّا سارَ غَيرَ بَعيدٍ نَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : إنَّ اللّهَ يُقرِئُكَ السّلامَ ويَقولُ لَكَ : لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتُ أو رَجُلٌ مِنكَ . فَاستَدعى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام وقالَ لَهُ : اِركَب ناقَتِي العَضباءَ وَالحَق أبا بَكرٍ ، فَخُذ بَراءَةَ مِن يَدِهِ وَامضِ بِها إلى مَكَّةَ ، فَانبِذ عَهدَ المُشرِكينَ إلَيهِم ، وخَيِّر أبا بَكرٍ بَينَ أن يَسيَر مَعَ رِكابِكَ أو يَرجِعَ إلَيَّ . فَرَكِبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ناقَةَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله العَضباءَ ، وسارَ حَتّى لَحِقَ أبا بَكرٍ ،
.
ص: 251
فَلَمّا رَآهُ فَزِعَ مِن لُحوقِهِ بِهِ ، واستَقبَلَهُ وقالَ : فيمَ جِئتَ يا أبَا الحَسَنِ ، أسائِرٌ مَعِي أنتَ أم لِغَيرِ ذلِكَ ؟ ! فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَني أن ألحَقَكَ فَأَقبِضَ مَنكَ الآياتِ مِن بَراءَةَ وأنبِذَ بِها عَهدَ المُشرِكينَ إلَيهِم ، وأمَرَني أن اُخَيِّرَكَ بَينَ أن تَسيرَ مَعِي أو تَرجِعَ إلَيهِ . فَقالَ : بَل أرجِعُ إلَيهِ . وعادَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيهِ قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ أهَّلتَني لِأَمرٍ طالَتِ الأَعناقُ فيهِ إلَيَّ ، فَلَمّا تَوَجَّهتُ لَهُ رَدَدتَني عَنهُ ، ما لي ، أنَزَلَ فِيَّ قُرآنٌ ؟ ! فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لا ، ولكِنَّ الأَمينَ هَبَطَ إلَيَّ عَنِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ بِأَنَّهُ لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ ، وعَلِيٌّ مِنّي ، ولا يُؤَدّي عَنّي إلّا عَلِيٌّ (1) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :بَينا أنَا مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ في بَعضِ طُرُقِ المَدينَةِ _ يَدُهُ في يَدي _ إذ قالَ لي : يَابنَ عَبّاسٍ ، ما أحسِبُ صاحِبَكَ إلّا مَظلوما ! فَقُلتُ : فَرُدَّ إلَيهِ ظُلامَتَهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! ! قالَ : فَانتَزَعَ يَدَهُ مِن يَدي ، ونَفَرَ مِنّي يُهَمهِمُ ، ثُمَّ وَقَفَ حَتّى لَحِقتُهُ ، فَقالَ لي : يَابنَ عَبّاسٍ ، ما أحسِبُ القَومَ إلَا استَصغَروا صاحِبَكَ . قُلتُ : وَاللّهِ مَا استَصغَرَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ أرسَلَهُ وأمَرَهُ أن يَأخُذَ بَراءَةَ مِن أبي بَكرٍ فَيَقرَأَها عَلَى النّاسِ ! ! فَسَكَتَ (2) .
راجع : ج4 ص658 (عمر بن الخطّاب) . وكتاب «تاريخ دمشق» : ج 42 ص 344 _ 349 .
.
ص: 252
قال العلّامة الطباطبائي : قد عرفت أنّ الذي وقع في الروايات على كثرتها في قصّة بعث عليّ وعزل أبي بكر _ من كلمة الوحي الذي نزل به جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه و آله _ هو قوله : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» . وكذا ما ذكره النبيّ صلى الله عليه و آله حين أجاب أبا بكر _ لمّا سأله عن سبب عزله _ إنّما هو متن ما أوحى إليه اللّه سبحانه ، أو قوله _ وهو في معناه : «لا يُؤَدّي عَنّي إلّا أنا أو رَجُلٌ مِنّي» . وكيفما كان فهو كلام مطلق ؛ يشمل تأدية براءة وكلّ حكم إلهي احتاج النبيّ صلى الله عليه و آله إلى أن يؤدّيه عنه مؤدٍّ غيره ، ولا دليل _ لا من متون الروايات ولا غيرها _ يدلّ على اختصاص ذلك ببراءة . وقد اتّضح أنّ المنع عن طواف البيت عريانا ، والمنع عن حجّ المشركين بعد ذلك العام [الفتح] ، وكذا تأجيل مَن له عهد إلى مدّة أو من غير مدّة ، كلّ ذلك أحكام إلهيّة نزل بها القرآن ، فما معنى إرجاع أمرها إلى أبي بكر ، أو نداء أبي هريرة بها وحده ، أو نداؤه ببراءة وسائر الأحكام المذكورة في الجمع إذا بحّ عليّ عليه السلام حتى يصحل صوته من كثرة النداء ؟ ! ولو جاز لأبي هريرة أن يقوم بها والحال هذه فلِم لم يجُز لأبي بكر ذلك ؟ ! نعم أبدع بعض المفسّرين _ كابن كثير وأترابه _ هنا وجها ؛ وجّهوا به ما تتضمّنه
.
ص: 253
هذه الروايات انتصارا لها ، وهو أنّ قوله : «لا يُؤَدّي عَنّي إلّا أنا أو رَجُلٌ مِنّي» مخصوص بتأدية براءة فقط ، من غير أن يشمل سائر الأحكام التي كان ينادي بها عليّ عليه السلام ، وأنّ تعيينه صلى الله عليه و آله عليّا بتبليغ آيات براءة أهلَ الجمع إنّما هو لما كان من عادة العرب أن لا ينقض العهد إلّا عاقده أو رجل من أهل بيته ، ومراعاة هذه العادة الجارية هي التي دعت النبيّ صلى الله عليه و آله أن يأخذ براءة _ وفيها نقض ما للمشركين من عهد _ من أبي بكر ويسلّمها إلى عليّ ؛ ليستحفظ بذلك السنّة العربيّة فيؤدّيها عنه بعض أهل بيته . قالوا : وهذا معنى قوله صلى الله عليه و آله لمّا سأله أبو بكر قائلاً : يا رسول اللّه هل نزل فيَّ شيء ؟ ! قال : «لا وَلكِن لا يُؤَدّي عَنّي إلّا أنا أو رَجُلٌ مِنّي» ، ومعناه أنّي إنّما عزلتك ونصبت عليّا لذلك لئلّا أنقض هذه السنّة العربيّة الجارية . . . . فليت شعري من أين تسلّموا أنّ هذه الجملة التي نزل بها جبرئيل ؛ «إنَّهُ لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» _ مقيّدة بنقض العهد لا يدلّ على أزيد من ذلك ، ولا دليل عليه من نقل أو عقل ! ! فالجملة ظاهرة أتمّ ظهور في أنّ ما كان على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يؤدّيه لا يجوز أن يؤدّيه إلّا هو أو رجل منه ، سواء (1) كان نقض عهد من جانب اللّه _ كما في مورد براءة _ أو حكما آخر إلهيّا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يؤدّيه ويبلّغه . وهذا غير ما كان من أقسام الرسالة منه صلى الله عليه و آله ممّا ليس عليه أن يؤدّيه بنفسه الشريفة كالكتب التي أرسل بها إلى الملوك والاُمم والأقوام في الدعوة إلى الإسلام ، وكذا سائر الرسالات التي كان يبعث بها رجالاً من المؤمنين إلى الناس في اُمور ترجع إلى دينهم والإمارات والولايات ونحو ذلك . ففرقٌ جليّ بين هذه الاُمور وبين براءة ونظائرها ؛ فإنّ ما تتضمّنه آيات براءة
.
ص: 254
وأمثال النهي عن الطواف عريانا والنهي عن حجّ المشركين بعد العام أحكامٌ إلهيّة ابتدائيّة لم تبلّغ بعدُ ولم تؤدَّ إلى مَن يجب أن تبلغه ؛ وهم المشركون بمكّة والحجّاج منهم ، ولا رسالة من اللّه في ذلك إلّا لرسوله . وأمّا سائر الموارد التي كان يكتفي النبيّ صلى الله عليه و آله ببعث الرسل للتبليغ فقد كانت ممّا فرغ صلى الله عليه و آله فيها من أصل التبليغ ، والتأدية بتبليغه من وسعه تبليغُه ممّن حضر ؛ كالدعوة إلى الإسلام وسائر شرائع الدين ، وكان يقول : «لِيُبَلِّغ الشّاهِدُ مِنكُم الغائِبَ» . ثمّ إذا مسّت الحاجة إلى تبليغه بعضَ من لا وثوق عادة ببلوغ الحكم إليه أو لا أثر لمجرّد البلوغ إلّا أن يعتني لشأنه بكتاب أو رسول (1) توسّل عند ذلك إلى رسالة أو كتاب ؛ كما في دعوة الملوك . وليتأمّل الباحث المنصف قوله : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» ، فقد قيل : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ» ولم يُقَل : «لا يُؤَدّي إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» حتى يفيد اشتراك الرسالة ، ولم يُقَل : «لا يُؤَدّي مِنكَ إلّا رَجُلٌ مِنكَ» حتى يشمل سائر الرسالات التي كان صلى الله عليه و آله يقلّدها كلّ من كان من صالحي المؤمنين . فإنّما مفاد قوله : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» أنّ الاُمور الرساليّة التي يجب عليك نفسك أن تقوم بها لا يقوم بها غيرك عوضا منك ، إلّا رجل منك ؛ أي لا يخلفك فيما عليك كالتأدية الابتدائيّة إلّا رجل منك . ثمّ ليت شعري ما الذي دعاهم إلى أن أهملوا كلمة الوحي التي هي قول اللّه نزل به جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه و آله : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» ، وذكروا مكانها أنّه «كانت السنّة الجارية عند العرب أن لا ينقض العهد إلّا عاقده أو رجل من أهل بيته» ! ! تلك السنّة العربيّة التي لا خبر عنها _ في أيّامهم ومغازيهم _ ولا أثر ، إلّا ما
.
ص: 255
ذكره ابن كثير ونسبه إلى العلماء عند البحث عن آيات براءة . ثمّ لو كانت سنّة عربيّة جاهليّة على هذا النعت فما وزنها في الإسلام ! ! وما هي قيمتها عند النبيّ صلى الله عليه و آله وقد كان ينسخ كلّ يوم سنّة جاهليّة ، وينقض كلّ حين عادة قوميّة ، ولم تكن من جملة الأخلاق الكريمة أو السنن والعادات النافعة ، بل سليقة قبائليّة تشبه سلائق الأشراف ! ! وقد قال صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة عند الكعبة _ على ما رواه أصحاب السير : «ألَا كُلُّ مَأثَرَةٍ أو دَمٍ أو مَالٍ يُدَّعى فَهُوَ تَحتَ قَدَمَيّ هاتَينِ ، إلّا سِدانَةَ البَيتِ ، وسِقايَةَ الحاجِّ» . ثمّ لو كانت سنّة عربيّة غير مذمومة ، فهل كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذهل عنها ونسيها حين أسلم الآيات إلى أبي بكر وأرسله ، وخرج هو إلى مكّة حتى إذا كان في بعض الطريق ذكر صلى الله عليه و آله ما نسيه أو ذكّره بعض من عنده بما أهمله وذهل عنه من أمرٍ كان من الواجب مراعاته ، وهو صلى الله عليه و آله المثل الأعلى في مكارم الأخلاق واعتبار ما يجب أن يعتبر من الحزم وحسن التدبير ؟ ! وكيف جاز لهؤلاء المذكّرين أن يغفلوا عن ذلك وليس من الاُمور التي يُغفل عنها وتخفى عادة ، فإنّما الذهول عنه كغفلة المقاتل عن سلاحه . وهل كان ذلك بوحي من اللّه إليه ؛ أنّه يجب له أن لا يلغي هذه السنّة العربيّة الكريمة ، وأنّ ذلك أحد الأحكام الشرعيّة في الباب ، وأنّه يحرم على وليّ أمر المسلمين أن ينقض عهدا إلّا بنفسه أو بيد أحد من أهل بيته ؟ وما معنى هذا الحكم ؟أو أنّه حكم أخلاقي أضطرّ إلى اعتباره ؛ لما أنّ المشركين ما كانوا يقبلون هذا النقض إلّا بأن يسمعوه من النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه ، أو من أحد من أهل بيته ؟ ! وقد كانت السيطرة يومئذٍ له صلى الله عليه و آله عليهم ، والزمام بيده دونه ، والإبلاغ إبلاغ .
.
ص: 256
أو أنّ المؤمنين المخاطبين بقوله : «عَ_هَدتُّم» (1) ، وقوله : «وَأَذَ نٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ» (2) ، وقوله : «فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ» (3) ما كانوا يعتبرون هذا النقض نقضا دون أن يسمعوه منه صلى الله عليه و آله ، أو من واحد من أهل بيته ، وإن علموا بالنقض إذا سمعوا الآيات من أبي بكر ؟ . . . . ليس التوغّل في مسألة الإمارة ممّا يهمّنا في تفهّم معنى قوله : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» ؛ فإمارة الحاجّ سواء صحّت لأبي بكر أو لعليّ ، دلّت على فضلٍ أو لم تدلّ ، إنّما هي من شعب الولاية الإسلاميّة العامّة التي شأنها التصرّف في اُمور المجتمع الإسلامي الحيويّة ، وإجراء الأحكام والشرائع الدينيّة ، ولا حكومة لها على المعارف الإلهيّة ، ومواد الوحي النازلة من السماء في أمر الدين . إنّما هي ولاية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ ينصب يوما أبا بكر أو عليّا لإمارة الحاجّ ، ويؤمّر يوما اُسامة على أبي بكر وعامّة الصحابة في جيشه ، ويولّي يوما ابن اُمّ مكتوم على المدينة وفيها من هو أفضل منه ، ويولّي هذا مكّة بعد فتحها ، وذاك اليمن ، وذلك أمر الصدقات . وقد استعمل صلى الله عليه و آله أبا دجانة الساعدي أو سباع بن عرفطة الغفاري _ على ما في سيرة ابن هشام _ على المدينة عام حجّة الوداع ، وفيها أبو بكر لم يخرج إلى الحجّ على ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم وإنّما تدلّ على إذعانه صلى الله عليه و آله بصلاحيّة من نصبه لأمرٍ لتصدّيه وإدارة رحاه . وأمّا الوحي السماوي بما يشتمل عليه من المعارف والشرائع فليس للنبي صلى الله عليه و آله
.
ص: 257
ولا لمن دونه صنعٌ فيه ، ولا تأثير فيه ممّا له من الولاية العامّة على اُمور المجتمع الإسلامي بإطلاق أو تقييد أو إمضاء أو نسخ أو غير ذلك ، ولا تحكم عليه سنّة قوميّة أو عادة جارية حتى توجب تطبيقه على ما يوافقها ، أو قيام العصبة مقام الإنسان فيما يهمّه من أمر . والخلط بين البابين يوجب نزول المعارف الإلهيّة من أوج علوّها وكرامتها إلى حضيض الأفكار الاجتماعيّة التي لا حكومة فيها إلّا للرسوم والعادات والاصطلاحات ، فيعود الإنسان يفسّر حقائق المعارف بما يسعه الأفكار العامّيّة ، ويستعظم ما استعظمه المجتمع دون ما عظّمه اللّه ، ويستصغر ما استصغره الناس ، حتى يقول القائل في معنى كلمة الوحي : إنّه عادة عربيّة محترمة ! (1)
12 / 5البَعثُ إلَى اليَمَنِلمّا فتح رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكّة ، وانتصر على القبائل المستقرّة حولها في غزوة حنين ، أراد توسيع نطاق دعوته ؛ فأرسل إلى اليمن معاذ بن جبل ، وهناك استعصت مسائل على معاذ فرجع ، وبعث بعده خالد بن الوليد ، فلم يحقّق نجاحاً ، وأخفق في مهمّته بعد ستّة أشهر من المكوث في اليمن . فانتدب عليّاً عليه السلام ، فوجّهه إليها مع كتاب . ولمّا وصل قرأه على أهلها ببيان بليغ وكلام مؤثِّر ، ودعاهم إلى التوحيد ، فأسلمت قبيلة «همدان» . وأخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك ، فسرَّ ودعا لهم (2) . ونقلت أخبار اُخرى أنّ الإمام عليه السلام اصطدم بقبيلة «مذحج» وهزمهم ، ثمّ دعاهم
.
ص: 258
إلى الإسلام بعد هزيمتهم الثانية ، وجمع غنائم الحرب ، وسار بها وبصدقات نجران فالتحق بالنّبيّ صلى الله عليه و آله في موسم الحجّ (1) . ثمّ فوِّض إليه عليه السلام القضاء في اليمن ، ودعا له النبيّ صلى الله عليه و آله بالثّبات في قضائه (2) . و نقلت كتب التاريخ نماذج من قضائه في اليمن . والآن يمكن أن يثار السؤال الآتي : هل حدثت كلّ هذه الوقائع لعليّ عليه السلام في سفرةٍ واحدةٍ أو في عدّة أسفار ؟ ! ينصّ ابن سعد على سفرتين له عليه السلام 3 . يضاف إلى هذا أنّ الأخبار المرتبطة باشتباكه مع قبيلة «مذحج» تدلّ على استقلال تلك «السريّة» . وفي النصوص المتعلّقة بذهاب الإمام عليه السلام إلى اليمن ، وكيفيّة تنفيذ هذه المهمّة الكبرى مناقب وفضائل مسجَّلة له عليه السلام تجدها هنا .
تاريخ الطبري عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خالِدَ بنَ الوَليدِ إلى أهلِ اليَمَنِ ؛ يَدعوهُم إلىَ الإِسلامِ . فَكُنتُ فيمَن سارَ مَعَهُ ، فَأَقامَ عَلَيهِ سِتَّةَ أشهُرٍ لا يُجيبونَهُ إلى شَيءٍ ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، وأمَرَهُ أن يُقفِلَ خالِدا ومَن مَعَهُ ، فَإِن أرادَ أحَدٌ مِمَّن كانَ مَعَ خالِدِ بنِ الوَليدِ أن يُعَقِّبَ مَعَهُ تَرَكَهُ . قالَ البَراءُ : فَكُنتُ فيمَن عَقَّبَ مَعَهُ ، فَلَمَّا انتَهَينا إلى أوائِلِ اليَمَنِ بَلَغَ القَومَ الخَبَرُ ، فَجَمَعوا لَهُ ، فَصَلّى بِنا عَلِيٌّ الفَجرَ ، فَلَمّا فَرَغَ صَفَّنا صَفّا واحِدا ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بَينَ أيدينا فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيهِم كِتابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَسلَمَت هَمدانُ كُلُّها في يومٍ واحِدٍ . وكَتَبَ بِذلِكَ إلى رسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا قَرَأَ كِتابَهُ خَرَّ ساجِدا ، ثُمَّ جَلَس
.
ص: 259
فَقالَ : السَّلامُ عَلى هَمدانَ ، السَّلامُ عَلى هَمدانَ ! ثُمَّ تَتَابَعَ أهلُ اليَمَنِ عَلَى الإِسلامِ (1) .
الطبقات الكبرى :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا إلِى اليَمَنِ ، وعَقَدَ لَهُ لِواءً ، وعَمَّمَهُ بِيَدِهِ ، وقالَ : اِمضِ ولا تَلتَفِت ، فَإِذا نَزَلتَ بِساحَتِهِم فَلا تُقاتِلهُم حَتّى يُقاتِلوكَ . فَخَرَجَ في ثَلاثِمِائَةِ فارِسٍ ، وكانَت أوَّلَ خَيلٍ دَخَلَت إلى تِلكَ البِلادِ ؛ وهِيَ بِلادُ مَذحِجَ . فَفَرَّقَ أصحابَهُ ، فَأَتَوا بِنَهبٍ وغَنائِمَ ونِساءٍ وأطفالٍ ونَعَمٍ وشَاءٍ وغَيرِ ذلِكَ . وجَعَلَ عَلِيٌّ عَلَى الغَنائِمِ بُرَيدَةَ بنَ الحَصيبِ الأَسلَمِيَّ ، فَجَمَعَ إلَيهِ ما أصابوا . ثُمَّ لَقِيَ جَمَعَهُم فَدَعاهُم إلَى الإِسلامِ ، فَأَبَوا ورَمَوا بِالنَّبلِ وَالحِجارَةِ ، فَصَفَّ أصحابَهُ ودَفَعَ لِواءَهُ إلى مَسعودِ بنِ سِنانٍ السُّلَمِيِّ ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيهِم عَلِيٌّ بِأَصحابِهِ فَقَتَلَ مِنهُم عِشرينَ رَجُلاً ، فَتَفَرَّقوا وَانهَزَموا ، فَكَفَّ عَن طَلَبِهِم . ثُمَّ دَعاهُم إلَى الإِسلامِ ، فَأَسرَعوا وأجابوا ، وبايَعَهُ نَفَرٌ مِن رُؤَسائِهِم عَلَى الإِسلامِ وقالوا : نَحنُ عَلى مَن وَراءَنا مِن قَومِنا ، وهذِهِ صَدَقاتُنا فَخُذ مِنها حَقَّ اللّهِ . وجَمَعَ عَلِيٌّ الغَنائِمَ فَجَزَّأَها عَلى خَمسَةِ أجزاءٍ ، فَكَتَبَ في سَهمٍ مِنها للّهِِ ، وأقرَعَ عَلَيها ، فَخَرَجَ أوَّلَ السِّهامِ سَهمُ الخُمُسِ . وقَسَّمَ عَلِيٌّ عَلى أصحابِهِ بَقِيَّةَ المَغنَمِ ، ثُمَّ قَفَلَ ، فَوافَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله بِمَكَّةَ قَد قَدِمَها لِلحَجِّ سَنَةَ عَشرٍ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :بَعَثَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى اليَمَنِ وقالَ لي : يا عَلِيُّ ، لا تُقاتِلَنَّ أحَدا حَتّى تَدعوَهُ ، وَايمُ اللّهِ لَأَن يَهدِيَ اللّهُ عَلى يَدَيكَ رَجُلاً خَيرٌ لَكَ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ وغَرَبَت ! ولَكَ وَلاؤُهُ يا عَلِيُّ (3) .
.
ص: 260
عنه عليه السلام :بَعَثَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى اليَمَنِ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ تَبعَثُني إلى قَومٍ هُم أسَنُّ مِنّي لِأَقضِيَ بَينَهُم ! ! قالَ : اِذهَب فَإِنَّ اللّهَ تَعالى سَيُثَبِّتُ لِسانَكَ ، ويَهدي قَلبَكَ (1) .
السيرة النبويّة عن أبي عمرو المدني :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ إلَى اليَمَنِ ، وبَعَثَ خالِدَ بنَ الوَليدِ في جُندٍ آخَرَ ، وقالَ : إنِ التَقَيتُما فَالأَميرُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
الإرشاد :اِنصَرَفَ عَمرُو [ بنُ مَعديكَرَبَ ] مُرتَدّا ، فَأَغارَ عَلى قَومٍ مِن بَنِي الحارِثِ بنِ كَعبٍ ومَضى إلى قَومِهِ . فَاستَدعى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبيطالِبٍ عليه السلام فَأَمَّرَهُ عَلَى المُهاجِرينَ ، وأنفَذَهُ إلى بَني زُبَيدٍ ، وأرسَلَ خالِدَ بنَ الوَليدِ في طائِفَةٍ مِنَ الأَعرابِ وأمَرَهُ أن يَقصِدَ الجُعفِيَّ ، فَإِذَا التَقَيا فَأَميرُ النّاسِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَسارَ أميرُ المُؤمِنينَ وَاستَعمَلَ عَلى مُقَدَّمَتِهِ خالِدَ بنَ سَعيدِ بنِ العاصِ ، وَاستَعمَلَ خالِدٌ عَلى مُقَدَّمَتِهِ أبا موسَى الأَشعَرِيَّ . فَأَمّا جُعفِيٌّ فَإِنَّها لَمّا سَمِعَت بِالجَيشِ افتَرَقَت فِرقَتَينِ ؛ فَذَهَبَت فِرقَةٌ إلَى اليَمَنِ ، وَانضَمَّتِ الفِرقَةُ الاُخرى إلى بَني زُبَيدٍ . فَبَلَغَ ذلِكَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَكَتَبَ إلى خالِدِ بنِ الوَليدِ أن قِف حَيثُ أدرَكَكَ رَسولي ، فَلَم يَقِف . فَكَتَبَ إلى خالِدِ بنِ سَعيدٍ : تَعَرَّض لَهُ حَتّى تَحبِسَهُ ، فَاعتَرَضَ لَهُ خالِدٌ حَتّى حَبَسَهُ ، وأدرَكَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَعَنَّفَهُ عَلى خِلافِهِ . ثُمَّ سارَ حَتّى لَقِيَ بَني زُبَيدٍ بِوادٍ يُقالُ لَهُ : كُشَرُ (3) ، فَلَمّا رَآهُ بَنو زُبَيدٍ قالوا لِعَمرٍو :
.
ص: 261
كَيفَ أنتَ _ يا أبا ثَورٍ _ إذا لَقِيَكَ هذَا الغُلامُ القُرَشِيُّ فَأَخَذَ مِنكَ الإِتاوَةَ (1) ؟ قالَ : سَيَعلَمُ إن لَقِيَني . قالَ : وخَرَجَ عَمرٌو فَقالَ : هَل مِن مُبارِزٍ ؟ فَنَهَضَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقامَ خالِدُ بنُ سَعيدٍ فَقالَ لَهُ : دَعني يا أبَا الحَسَنِ _ بِأَبي أنتَ واُمّي _ اُبارِزُهُ ! فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : إن كُنتَ تَرى أنَّ لي عَلَيكَ طاعَةً فَقِف مَكانَكَ ، فَوَقَفَ ، ثُمَّ بَرَزَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَصاحَ بِهِ صَيحَةً فَانهَزَمَ عَمرٌو ، وقُتِلَ أخوهُ وَابنُ أخيهِ ، واُخِذَتِ امرَأَتُهُ رُكانَةُ بِنتُ سَلامَةَ ، وسُبِيَ مِنهُم نِسوانٌ ، وَانصَرَفَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وخَلَّفَ عَلى بَني زُبَيدٍ خالِدَ بنَ سَعيدٍ ؛ لِيَقبِضَ صَدَقاتِهِم ، ويُؤمِنَ مَن عادَ إلَيهِ مِن هُرّابِهِم مُسلِما (2) .
.
ص: 262
. .
ص: 263
الفصل الثالث عشر : من أدعية النبيّ للإمام13 / 1اللّهُمَّ اجعَل لي وَزيرا مِن أهلي عَلِيّا أخيرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أقولُ كَما قالَ أخي موسى : اللّهُمَّ اجعَل لي وَزيرا مِن أهلي ، عَلِيّا (1) أخي ، اُشدُد بِهِ أزري ، وأشرِكهُ في أمري ، كَي نُسَبِّحَكَ كَثيرا ، ونَذكُرَكَ كَثيرا ، إنَّكَ كُنتَ بِنا بَصيرا (2) .
الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا نَزَلَت : «وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى * هَ_رُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى» (3) كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى جَبَلٍ ، ثُمَّ دَعا رَبَّهُ وقالَ : اللّهُمَّ اشدُد أزري بِأَخي عَلِيٍّ ، فَأَجابَهُ إلى ذلِكَ (4) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنّي أسأَلُكَ يا سَيِّدي وإلهي أن تَجعَلَ لي مِن أهلي وَزيرا ، تَشُدُّ بِه
.
ص: 264
عَضُدي ، فَاجعَل لي عَلِيّا وَزيرا وأخا ، وَاجعَلِ الشَّجاعَةَ في قَلبِهِ ، وألبِسهُ الهَيبَةَ عَلى عَدُوِّهِ (1) .
راجع : ج 4 ص 443 (وزيري) .
13 / 2اللّهُمَّ املَأ قَلبَهُ عِلما وفَهما وحُكما ونوراالإمام عليّ عليه السلام :كُنتُ أدخُلُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَيلاً ونَهارا ، وكُنتُ إذا سَأَلتُهُ أجابَني ، وإن سَكَتُّ ابتَدَأَني . وما نَزَلَت عَلَيهِ آيَةٌ إلّا قَرَأتُها وعَلِمتُ تَفسيرَها وتَأويلَها . ودَعَا اللّهَ لي أن لا أنسى شَيئا عَلَّمَني إيّاهُ ، فَما نَسيتُهُ ؛ مِن حَرامٍ ولا حَلالٍ ، وأمرٍ ونَهيٍ ، وطاعَةٍ ومَعصِيَةٍ . ولَقَد وَضَعَ يَدَهُ عَلى صَدري وقالَ : اللّهُمَّ املَأ قَلبَهُ عِلما وفَهما وحُكما ونورا . ثُمَّ قالَ لي : أخبَرَني رَبّيعزَّوجَلَّ أنَّهُ قَدِ استَجابَ لي فيكَ (2) .
عنه عليه السلام :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . . . يَضَعُ يَدَهُ عَلى صَدري ، ثَمُّ يَقولُ : اللّهُمَّ املَأ قَلبَهُ عِلما وفَهما ونورا وحِلما وحُكما وإيمانا ، وعَلِّمهُ ولا تُجَهِّلهُ ، وَاحفَظهُ ولا تُنسِهِ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى عَهِدَ إليَّ عَهدا في عَلِيٍّ ، فَقُلتُ : يا رَبِّ بَيِّنهُ لي . فَقالَ : اِسمَع . فَقُلتُ : سَمِعتُ . فَقالَ : إنَّ عَلِيّا رايَةُ الهُدى . . . قُلتُ : اللّهُمَّ اجلُ قَلبَهُ ، وَاجعَل رَبيعَهُ الإِيمانَ . فَقالَ اللّهُ : قَد فَعَلتُ بِهِ ذلِكَ (4) .
.
ص: 265
13 / 3اللّهُمَّ اهدِ قَلبَهُ وثَبِّت لِسانَهُالإمام عليّ عليه السلام :دَعا لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : اللّهُمَّ اهدِ قَلبَهُ ، وَاشرَح صَدرَهُ ، وثَبِّت لِسانَهُ ، وقِهِ الحَرَّ وَالبَردَ (1) .
الإرشاد :لَمّا أرادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَقليدَهُ قَضاءَ اليَمَنِ ، وإنفاذَهُ إلَيهِم لِيُعَلِّمَهُمُ الأَحكامَ ويُعَرِّفَهُمُ الحَلالَ مِنَ الحَرامِ ، ويَحكُمَ فيهِم بِأَحكامِ القُرآنِ ، قالَ لَهُ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام : «تُنفِذُني يا رَسولَ اللّهِ لِلقَضاءِ وأنَا شابٌّ ولا عِلمَ لي بِكُلِ القَضاءِ» فَقالَ لَهُ : «اُدنُ مِنّي» فَدَنا مِنهُ فَضَرَبَ عَلى صَدرِهِ بِيَدِهِ ، وقالَ :«اللّهُمَّ اهدِ قَلبَهُ وثَبِّت لِسانَهُ» قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : «فَما شَكَكتُ فيقَضاءٍ بَينَ اثنَينِ بَعدَ ذلِكَ المَقامِ» (2) .
راجع : ج 6 ص 319 (أقضى الاُمّة) .
13 / 4اللّهُمَّ أدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيثُ دارَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :رَحِمَ اللّهُ عَلِيّا ، اللّهُمَّ أدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيثُ دارَ (3) .
.
ص: 266
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ أدِرِ الحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ حَيثُما دارَ (1) .
راجع : ج 1 ص 499 (عليّ مع الحقّ) . و ج 5 ص 69 (الفخر الرازي) .
13 / 5اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاه ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :هذا وَلِيُّ مَن أنَا مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، اللّهُمَّ عادِ مَن عاداهُ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ يَومَ غَديرِ خُمٍّ _: اللّهُمَّ مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وأعِن مَن أعانَهُ (4) .
.
ص: 267
عنه صلى الله عليه و آله_ في حَجَّةِ الوَداعِ _: مَن يَكُنِ اللّهُ ورَسولُهُ مَولَياهُ فَإِنَّ هذا مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، اللّهُمَّ مَن أحَبَّهُ مِنَ النّاسِ فَكُن لَهُ حَبيبا ، ومَن أبغضَهُ فَكُن لَهُ مُبغِضا (1) .
تاريخ دمشق عن عمرو ذو مرّ وسعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع :سَمِعنا عَلِيّا يَقولُ فِي الرَّحبَةِ (2) : أنشُدُ اللّهَ مَن سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ ما قالَ إلّا قامَ ، فَقامَ ثَلاثَةَ عَشَرَ ، فَشَهِدوا أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟قالوا : بَلى يارَسولَ اللّهِ ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وأحِبَّ مَن أحَبَّهُ، وأبغِض مَن أبغضَهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عادَى اللّهُ مَن عادى عَلِيّا (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وأعِن مَن أعانَهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ، وَاخذُل عَدُوَّهُ وكُن لَهُ ولِوُلدِهِ ، وَاخلُفهُ فيهِم بِخَيرٍ ، وبارِك لَهُم فيما تُعطيهِم ، وأيِّدهُم بِروحِ القُدُسِ ، وَاحفَظهُم حَيثُ تَوَجَّهوا مِنَ الأَرضِ ، وَاجعَلِ الإِمامَةَ فيهِم ، وَاشكُر مَن أطاعَهُم ، وأهلِك مَن عَصاهُم ، إنَّكَ قَريبٌ مُجيبٌ (5) .
راجع : ج 1 ص 511 (واقعة الغدير) .
.
ص: 268
13 / 6اللّهُمَّ انصُر مَن نَصَرَهُ وَاخذُل مَن خَذَلَهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ انصُر مَن نَصَرَ عَلِيّا ، اللّهُمَّ أكرِم مَن أكرَمَ عَلِيّا ، اللّهُمَّ اخذُل مَن خَذَلَ عَلِيّا (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ انصُر عَلِيّا ، اللّهُمَّ أكرِم مَن أكرَمَ عَلِيّا ، اللّهُمَّ اخذُل مَن خَذَلَ عَلِيّا (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ، وأعِن مَن أعانَهُ (4) .
راجع : ج 1 ص 511 (واقعة الغدير) .
13 / 7اللّهُمَّ انصُرهُ وَانصُر بِهِالمعجم الكبير عن ابن عبّاس :لَمّا عَقَدَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله اللِّواءَ لِعَلِيٍّ يَومَ خَيبَرَ دَعا لَهُ هُنَيهَةً ،
.
ص: 269
فَقالَ : اللّهُمَّ أعِنهُ وأعِزَّ بِهِ ، وَارحَمهُ وَارحَم بِهِ ، وَانصُرهُ وَانصُر بِهِ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام يَومَ غَديرِ خُمٍّ _: اللّهُمَّ أعِنهُ وأعِن بِهِ ، وَارحَمهُ وَارحَم بِهِ ، وَانصُرهُ وَانصُر بِهِ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ (2) .
تاريخ دمشق عن أبي ذرّ :سَمِعتُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَق_ولُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ كَلِماتٍ لَ_و تَكونُ ل_ي إحداهُ_نَّ أحَ_بُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنيا وما فيها ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ أعِنهُ وَاستَعِن بِهِ ، اللّهُمَّ انصُرهُ وَانتَصِر لَهُ ؛ فَإِنَّهُ عَبدُكَ ، وأخو رَسولِكَ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: اللّهُمَّ ارحَمهُ وتَرَحَّم عَلَيهِ ، وَانصُرهُ وَانتَصِر بِهِ ، وأعِنهُ وَاستَعِن بِهِ ؛ فَإِنَّهُ عَبدُكَ ، وكَتيبَةُ رَسولِكَ (4) .
13 / 8اللّهُمَّ أذهِب عَنهُ الحَرَّ وَالبَردَالإمام عليّ عليه السلام :دَعا لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أن يَقِيَنِي اللّهُ عزَّوجَلَّ الحَرَّ وَالبَردَ (5) .
سنن ابن ماجة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى :كانَ أبو لَيلى يَسمُرُ مَعَ عَلِيٍّ ، فَكان يَلبَس
.
ص: 270
ثِيابَ الصَّيفِ فِي الشِّتاءِ ، وثِيابَ الشِّتاءِ فِي الصَّيفِ . فَقُلنا : لَو سَأَلتَهُ ! فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعَثَ إلَيَّ وأنَا أرمَدُ العَينِ يَومَ خَيبَرَ ، قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنّي أرمَدُ العَينِ ! فَتَفَلَ في عَيني ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ أذهِب عَنهُ الحَرَّ وَالبَردَ . قالَ : فَما وَجَدتُ حَرّا ولا بَردا بَعدَ يَومَئِذٍ . وقالَ : لَأَبعَثَنَّ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، لَيسَ بِفَرّارٍ . فَتَشَرَّفَ لَهُ النّاسُ ، فَبَعَثَ إلى عَلِيٍّ فَأَعطاها إيّاهُ (1) .
مسند البزّار عن أبي ليلى :قُلتُ لِعَلِيٍّ _ وكانَ يَسمُرُ مَعَهُ _ : إنَّ النّاسَ قَد أنكَروا مِنكَ أن تَخرُجَ فِي الحَرِّ فِي الثَّوبِ الثَّقيلِ المَحشُوِّ ، وفِي الشِّتاءِ فِي المَلاءَتَينِ الخَفيفَتَينِ ! فَقالَ عَلِيٌّ : أوَلَم تَكُن مَعَنا ؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله دَعى أبا بَكرٍ فَعَقَدَ لَهُ اللِّواءَ ، ثُمَّ بَعَثَهُ فَسارَ بِالنّاسِ فَانهَزَمَ ، حَتّى إذا بَلَغَ ورَجَعَ دَعى عُمَرَ فَعَقَدَ لَهُ لِواءً ، فَسارَ ثُمَّ رَجَعَ مُنهَزِما بِالنّاسِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «لَاُعطِيَنَّ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ ورَسولَهُ ويُحِبُّهُ اللّهُ ورَسولُهُ ، يَفتَحُ اللّهُ لَهُ ، لَيسَ بِفَرّارٍ» ، فَأَرسَلَ إلَيَّ فَدَعاني ، فَأَتَيتُهُ وأنَا أرمَدُ لا اُبصِرُ شَيئا ، فَتَفَلَ في عَيني وقالَ : «اللّهُمَّ اكفِهِ ألَمَ الحَرِّ وَالبَردِ» ، فَما آذاني حَرٌّ ولا بَردٌ بَعدُ (2) .
الغارات عن أبي إسحاق السبيعي :كُنتُ عَلى عُنُقِ أبي يَومَ الجُمُعَةِ وأميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام يَخطُبُ وهُوَ يَتَرَوَّحُ بِكُمِّهِ ، فَقُلتُ : يا أبَه ، أميرُ المُؤمِنينَ يَجِدُ الحَرَّ ؟
.
ص: 271
فَقالَ لي : لا يَجِدُ حَرّا ولا بَردا ، ولكِنَّهُ غَسَلَ قَميصَهُ وهُوَ رَطبٌ ولا لَهُ غَيرُهُ فَهُوَ يَتَرَوَّحُ بِهِ (1) .
13 / 9اللّهُمَّ اشفِهِالإمام عليّ عليه السلام :مَرِضتُ ، فَأَتى عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وأنَا أقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ أجَلي قَد حَضَرَ فَأَرِحني ، وإن كانَ مُتَأَخِّرا فَارفَعني ، وإن كانَ البَلاء فَصَبِّرني . فَقالَ : ما قُلتَ ؟ فَأَعَدتُ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ اشفِهِ اللّهُمَّ عافِهِ . ثُمَّ قالَ : قُم . فَقُمتُ ، فَما عادَ لي ذلِكَ الوَجَعُ بَعدَهُ (2) .
عنه عليه السلام :اِشتَكَيتُ ، فَأَتانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وأنَا أقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ أجَلي قَد حَضَرَ فَأَرِحني ، وإن كانَ مُتَأَخِّرا فَاشفِني أو عافِني ، وإن كانَ بَلاءً فَصَبِّرني . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : كَيفَ قُلتَ ؟ فَأَعَدتُ عَلَيهِ ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ اشفِهِ أو عافِهِ . فَمَا اشتَكَيتُ وَجَعي ذاكَ بَعدُ (3) .
سنن الترمذي عن شعبة عن عمرو بن مرّة عن عبد اللّه بن سلمة عن الإمام عليّ عليه السلام قال :كُنتُ شاكِيا ، فَمَرَّ بي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأنَا أقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ أجَلي قَد حَضَرَ فَأَرِحني ، وإن كانَ مُتَأَخِّرا فَارفَعني ، وإن كانَ بَلاءً فَصَبِّرني . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كَيفَ قُلتَ ؟ قالَ : فَأَعادَ عَلَيهِ ما قالَ . قالَ : فَضَرَبَهُ بِرِجلِهِ ، فَقالَ : اللّهُمَّ عافِهِ أوِ اشفِهِ _ شُعبَةُ الشّاكُ _ فَمَا اشتَكَيتُ وَجَعي بَعدُ (4) .
.
ص: 272
الإمام عليّ عليه السلام :أخَذَتنِي الحُمّى لَيلَةً ، فَأَسهَرَتني ، فَسَهرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِسَهَري ، فَباتَ لَيلَتَهُ بَيني وبَينَ مُصَلّاهُ ؛ يُصَلّي ما قُدِّرَ لَهُ ، ثُمَّ يَأتيني يَسأَلُني ويَنظُرُ إلَيَّ ، فَلَم يَزَل ذلِكَ دَأبُهُ حَتّى أصبَحَ . فَلَمّا صَلّى بِأَصحابِهِ الغَداةَ قالَ : اللّهُمَّ اشفِ عَلِيّا وعافِهِ ؛ فَإِنَّهُ أسهَرَنِي اللَّيلَةَ مِمّا بِهِ (1) .
اُسد الغابة عن أبي رافع_ في هِجرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: أمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلِيّا أن يَلحَقَهُ بِالمَدينَةِ ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ في طَلَبِهِ بَعدَما أخرَجَ إلَيهِ أهلَهُ ، يَمشِي اللَّيلَ ويَكمُنُ (2) النَّهارَ ، حَتّى قَدِمَ المَدينَةَ . فَلَمّا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قُدومُهُ قالَ : اُدعوا لي عَلِيّا . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، لا يَقدِرُ أن يَمشِيَ . فَأَتاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَلَمّا رَآهُ اعتَنَقَهُ وبَكى ؛ رَحمَةً لِما بِقَدَمَيهِ مِنَ الوَرَمِ ، وكانَتا تَقطُرانِ دَما ، فَتَفَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله في يَدَيهِ ، ومَسَحَ بِهِما رِجلَيهِ ، ودَعا لَهُ بِالعافِيَةِ ، فَلَم يَشتَكِهِما حَتَّى استُشهِدَ رضى الله عنه (3) .
13 / 10رَبِّ لا تَذَرني فَردا !رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ يَومَ الأَحزابِ _: اللّهُمَّ إنَّكَ أخَذتَ مِنّي عُبَيدَةَ بنَ الحارِثِ يَومَ بَدرٍ ، وحَمزَةَ بنَ عَبدِ المُطَّلِبِ يَومَ اُحُدٍ ، وهذا أخي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ؛ «رَبِّ لَا تَذَرْنِى
.
ص: 273
فَرْدًا وَ أَنتَ خَيْرُ الْوَ رِثِينَ» ! (1)
شرح نهج البلاغة :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ لَمّا بارَزَ عَلِيٌّ عَمرا _ ما زالَ رافِعا يَدَيهِ ، مُقمِحا (2) رَأسَهُ نَحوَ السَّماءِ ، داعِيا رَبَّهُ قائِ_لاً : اللّهُمَّ إنَّكَ أخَذتَ مِنّي عُبَيدَةَ يَومَ بَدرٍ ، وحَمزَةَ يَومَ اُحُ_دٍ ، فَاحفَظ عَلَيَّ اليَومَ عَلِيّا ؛ «رَبِّ لَا تَذَرْنِى فَرْدًا وَ أَنتَ خَيْرُ الْوَ رِثِينَ» (3) ! (4)
مروج الذهب :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ بَعدَ أن قُتِلَ جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ الطَّيّارُ بِمُؤتَةَ (5) مِن أرضِ الشّامِ _ لا يَبعَثُ بِعَلِيٍّ في وَجهٍ مِنَ الوُجوهِ إلّا يَقولُ : «رَبِّ لَا تَذَرْنِى فَرْدًا وَ أَنتَ خَيْرُ الْوَ رِثِينَ» ! (6)
13 / 11اللّهُمَّ بِحَقِّ عَلِيٍّ اغفِر لِعَلِيٍّ !الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لَأَقولَنَّ ما لَم أقُلهُ لِأَحَدٍ قَبلَ هذَا اليَومِ : سَأَلتُهُ [النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ]مَرَّةً أن يَدعُوَ لي بِالمَغفِرَةِ ، فَقالَ : أفعَلُ . ثُمَّ قامَ فَصَلّى ، فَلَمّا رَفَعَ يَدَهُ لِلدُّعاءِ استَمَعتُ عَلَيهِ ، فَإِذا هُوَ قائِلٌ : اللّهُمَّ بِحَقِّ عَلِيٍّ عِندَكَ اغفِر لِعَلِيٍّ ! فَقُلتُ :
.
ص: 274
يا رَسولَ اللّهِ ، ما هذا ؟ فَقالَ : أواحِدٌ أكرَمُ مِنكَ عَلَيهِ فَأَستَشفِعَ بِهِ إلَيهِ ؟! (1)
13 / 12جَوامِعُ أدعِيَةِ النَّبِيِّالإمام عليّ عليه السلام :مَرِضتُ مَرَّةً مَرَضا فَعادَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَدَخَلَ عَلَيَّ وأنَا مُضطَجِعٌ ، فَأَتى إلى جَنبي ، ثُمَّ سَجّاني بِثَوبِهِ ، فَلَمّا رَآني قَد ضَعُفتُ قامَ إلَى المَسجِدِ يُصَلّي ، فَلَمّا قَضى صَلاتَهُ جاءَ فَرَفَعَ الثَّوبَ عَنّي ، ثُمَّ قالَ : «قُم يا عَلِيُّ فَقَد بَرَأتَ» ، فَقُمتُ ، فَكَأَنّي مَا اشتَكَيتُ قَبلَ ذلِكَ ، فَقالَ ما سَأَلتُ رَبّي شَيئا إلّا أعطاني ، وما سَأَلتُ شَيئا لي إلّا سَأَلتُ لَكَ مِثلَهُ (2) .
عنه عليه السلام :وَجَعتُ وَجَعا ، فَأَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَأَقامَني في مَكانِهِ وقامَ يُصَلّي ، وألقى عَلَيَّ طَرَفَ ثَوبِهِ ، ثُمَّ قالَ : قَد بَرَأتَ يَابنَ أبي طالِبٍ ، لا بَأسَ عَلَيكَ ؛ ما سَأَلتُ اللّهَ شَيئا إلّا سَأَلتُ لَكَ مِثلَهُ ، ولا سَأَلتُ اللّهَ شَيئا إلّا أعطانيهِ ، غَيرَ أنَّهُ قيلَ لي : إنّهُ لا نَبِيَّ بَعدَكَ (3) .
عنه عليه السلام :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي المَسجِدِ وهُوَ في مُصَلّىً لَهُ في بَعضِ حُجَرِهِ ، فَقالَ : يا عَلِيُّ ، بِتُّ لَيلَتي هذِهِ حَيثُ تَرى اُصَلّي وأسأَلُ رَبّي تَعالى ، فَما سَأَلتُ رَبّى ¨
.
ص: 275
شَيئا إلّا سَأَلتُ لَكَ مِثلَهُ ، وما سَأَلتُ مِن شَيءٍ إلّا أعطاني ، إلّا أنَّهُ قيلَ لي : لا نَبِيَّ بَعدي (1) .
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن الحارث :قُلتُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه : أخبِرني بِأَفضَلِ مَنزِلَتِكَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَ : نَعَم ؛ بَينا أنَا نائِمٌ عِندَهُ وهُوَ يُصَلّي ، فَلَمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ قالَ : يا عَلِيُّ ، ما سَأَلتُ مِنَ اللّهِ عزَّ وجَلَّ مِنَ الخَيرِ شَيئا إلّا سَأَلتُ لَكَ مِثلَهُ ، ومَا استَعَذتُ اللّهَ مِنَ الشَّرِّ إلَا استَعَذتُ لَكَ مِثلَهُ (2) .
كتاب سليم بن قيس عن المقداد :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله [لِعَلِيٍّ عليه السلام ] : أبشِر يا أخي ! _ قالَ ذلِكَ وأصحابُهُ حَولَهُ يَسمَعونَ _ فَقال عَلِيٌّ عليه السلام : بَشَّرَكَ اللّهُ بِخَيرٍ يا رَسولَ اللّهِ ، وجَعَلَني فِداكَ ! قالَ : إنّي لَم أسأَلِ اللّهَ شَيئا إلّا أعطانيهِ ، ولَم أسأَل لِنَفسي شَيئا إلّا سَأَلتُ لَكَ مِثلَهُ ؛ إنّي دَعَوتُ اللّهِ أن يُؤاخِيَ بَيني وبَينَكَ فَفَعَلَ ، وسَأَلتُهُ أن يَجعَلَكَ وَلِيَّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي فَفَعَلَ ، وسَأَلتُهُ إذا ألبَسَني ثَوبَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسالَةِ أن يُلبِسَكَ ثَوبَ الوَّصِيَّةِ وَالشَّجاعَةِ فَفَعَلَ ، وسَأَلتُهُ أن يَجعَلَكَ وَصِيّي ووارِثي وخازِنَ عِلمي فَفَعَلَ (3) .
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمّا نَزَلَ قُدَيدَ (4) قالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : يا عَلِيُّ ، إنّي سَأَلتُ رَبّي أن يُوالِيَ بَيني وبَينَكَ فَفَعَلَ ، وسَأَلتُ رَبّي أن يُؤاخِيَ بَيني وبَينَكَ فَفَعَلَ ، وسَأَلتُ رَبّي أن يَجعَلَكَ وَصِيّي فَفَعَلَ . فَقالَ رَجُلانِ مِن قُرَيشٍ : وَاللّهِ لَصاعٌ مِن تَمرٍ في شَنٍّ (5) بالٍ أحَبُّ إلَينا مِمّا سَأَل
.
ص: 276
مُحَمَّدٌ رَبَّهُ ! فَهَلّا سَأَلَ رَبَّهُ مَلَكا يَعضُدُهُ عَلى عَدُوِّهِ ، أو كَنزا يَستَغني بِهِ عَن فاقَتِهِ ! وَاللّهِ ما دَعاهُ إلى حَقٍّ ولا باطِلٍ إلّا أجابَهُ إلَيهِ . فَأَنزَلَ اللّهُ سُبحانَهُ وتَعالى : «فَلَعَلَّكَ تَارِكُم بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَ ضَآئِق بِهِ صَدْرُكَ» (1) . (2)
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :أخبَرَتني أسماءُ بِنتُ عُمَيسٍ أنَّها رَمَقَت رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَم يَزَل يَدعو لَهُما خاصَّةً _ يَعني عَلِيّا وفاطِمَةَ _ لا يُشرِكُهُما بِدُعائِهِ أحَدا (3) .
راجع : ج 4 ص 501 (سألت ربّي فيك خمس خصال) .
.
ص: 277
الفصل الرابع عشر : عروج النبيّ من صدر الوصيّكانت الأيّام الأخيرة من عمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أيّاما عجيبةً ، فقد كانت لعليّ عليه السلام أيّاما حافلةً بالغموم ، زاخرةً بالآلام ، مليئة بالمتاعب والمحن ، وكانت للسّاسة آنذاك أيّام عمل ، ومثابرة وتخطيط للاستحواذ على الخلافة وسعي لرسم السياسة القادمة ، وتفكير بالغد وبما يليه . . . أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بتجهيز الجيش لحرب الروم ، فتعبّأ الجيش وفيه وجوه بارزة ، وعقد صلى الله عليه و آله اللواء بنفسه ودفعه إلى اُسامة بن زيد . وكان صغر سنّه قد شكّل ذريعة بأيدي الساسة للاعتراض عليه إخفاءً للبواعث الحقيقيّة التي كانت تدفعهم إلى التلكّؤ والتباطؤ في الحركة في وقت كان النبيّ صلى الله عليه و آله على فراش المرض يعاني من الحمّى . ولمّا علم بتثاقلهم قام من فراشه ، وتوجّه نحو المسجد بجسمٍ محمومٍ ورأس معصوب ، وأنبأ المسلمين بالتّبعات الذميمة الشاذّة لفتورهم وتقاعسهم ، ثمّ قال : «أنفِذُوا جَيشَ اُسَامَة» (1) . بَيْد أنّ ساسة الدنيا حالوا دون الإنفاذ من خلال توقّف
.
ص: 278
دام أكثر من خمسة عشر يوما (1) . وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يطوي اللحظات الأخيرة من حياته . ووهب الإمام عليّا عليه السلام درعه ، ولواءه ، وجعله وصيّه (2) ، ونقل إليه علوما لاتُحصى عبر نجوى طويلة (3) . وبينا كان يلفظ كلمته الأخيرة : «لا ، مَعَ الرَّفيقِ الأَعلى» فاضت روحه المقدّسة الطاهرة وهو في حجر الإمام عليه السلام . وعرجت تلك الروح الزكيّة المطهّرة نحو الرفيق الأعلى من صدر حبيبه ونجيّه ورفيق دربه وحاميه وحافظ سرّه والذابّ عنه بلا منازع : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (4) . إنّه الإمام عليه السلام _ والغمّ متراكم جاثم على صدره ، والعيون عَبرى ، والقلب حزين ، مليء غصّةً لفقد رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ مَن يلي غسله والملائكة أعوانه ، والفضل بن عبّاس معه (5) . . . ثمّ كفّنه ، وكشف عن وجهه ، وبينا كانت دموعه تنهمر على خدّيه ، ناداه بصوت حزين وهو يغصّ في عبرته ، والحزن يعصر قلبه : «بِأَبي أنتَ واُمّي ، طِبتَ حَيّا ومَيِّتا . . .» . وصلّى على جثمانه الطاهر ، ثمّ صلّى عليه الصحابة جماعةً ، جماعةً . ودفنه حيث فاضت روحه المقدّسة الشريفة (6) ، وعاونه على الدفن جماعة منهم أوس ابن خولّى ، والفضل بن عبّاس (7) .
.
ص: 279
الإرشاد :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ لا يُفارِقُهُ [ صلى الله عليه و آله ] إلّا لِضَرورَةٍ ، فَقامَ في بَعضِ شُؤونِهِ ، فَأَفاقَ صلى الله عليه و آله إفاقَةً فَافتَقَدَ عَلِيّا عليه السلام ، فَقالَ _ وأزواجُهُ حَولَهُ _ : اُدعوا لي أخي وصاحِبي . وعاوَدَهُ الضَّعفُ فَأَصمَتَ . فَقالَت عائِشَةُ : اُدعوا لَهُ أبا بَكرٍ ، فَدُعِيَ ، فَدَخَلَ عَلَيهِ فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ ، فَلَمّا فَتَحَ عَينَهُ نَظَرَ إلَيهِ وأعرَضَ عَنهُ بِوَجهِهِ ، فَقامَ أبو بَكرٍ وقالَ : لَو كانَ لَهُ إلَيَّ حاجَةٌ لَأَفضى بِها إلَيَّ . فَلَمّا خَرَجَ أعادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله القَولَ ثانِيَةً وقالَ : اُدعوا لي أخي وصاحِبي . فَقالَت حَفصَةُ : اُدعوا لَهُ عُمَرَ ، فَدُعِيَ ، فَلَمّا حَضَرَ رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَأَعرَضَ عَنهُ ، فَانصَرَفَ . ثُمَّ قالَ صلى الله عليه و آله : اُدعوا لي أخي وصاحِبي . فَقالَت اُمُّ سَلَمَةَ : اُدعوا لَهُ عَلِيّا ؛ فَإِنَّهُ لا يُريدُ غَيرَهُ . فَدُعِيَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَلَمّا دَنا مِنهُ أومَأَ إلَيهِ ، فَأَكَبَّ عَلَيهِ ، فَناجاهُ رسَولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله طَويلاً ، ثُمَّ قامَ فَجَلَسَ ناحِيَةً حَتّى أغفى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ لَهُ النّاسُ : مَا الَّذي أوعَزَ إلَيكَ يا أبَا الحَسَنِ ؟ فَقالَ : عَلَّمَني ألفَ بابٍ ؛ فَتَحَ لي كُلُّ بابٍ ألفَ بابٍ ، ووَصّاني بِما أنَا قائِمٌ بِهِ إن شاءَ اللّهُ . ثُمَّ ثَقُلَ صلى الله عليه و آله وحَضَرَهُ المَوتُ وأميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام حاضِرٌ عِندَهُ ، فَلَمّا قَرُبَ خُروجُ نَفسِهِ قالَ لَهُ : ضَع رَأسي يا عَلِيُّ في حِجرِكَ ؛ فَقَد جاءَ أمرُ اللّهِ عزَّ وجَلَّ ، فَإِذا فاضَت نَفسي فَتَناوَلها بِيَدِكَ وَامسَح بِها وَجهَكَ ، ثُمَّ وَجِّهني إلَى القِبلَةِ ، وتَوَلَّ أمري ، وصَلِّ عَلَيَّ أوَّلَ النّاسِ ، ولا تُفارِقني حَتّى تُوارِيَني في رَمسي ، وَاستَعِن بِاللّهِ تَعالى . فَأَخَذَ عَلِيٌّ عليه السلام رَأسَهُ فَوَضَعَهُ في حِجرِهِ ، فَاُغمِيَ عَلَيهِ ، فَأَكَبَّت فاطِمَةُ عليهاالسلامتَنظُرُ في وَجهِهِ وتَندُبُهُ وتَبكي وتَقولُ : وأبيَضُ يُستَسقَى الغَمامُ بِوَجهِهِ ثِمالُ (1) اليَتامى عِصمَةٌ لِلأَرامِلِ فَفَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَينَيهِ ، وقالَ بِصَوتٍ ضَئيلٍ : يا بُنَيَّةُ ، هذا قَولُ عَمِّك
.
ص: 280
أبي طالِبٍ ، لا تَقوليهِ ، ولكِن قُولي : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَ_بِكُمْ» (1) . فَبَكَت طَويلاً ، فَأَومَأَ إلَيها بِالدُّنُوِّ مِنهُ ، فَدَنَت ، فَأَسَرَّ إلَيها شَيئا تَهَلَّلَ لَهُ وَجهُها . ثُمَّ قَضى صلى الله عليه و آله وَيدُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام اليُمنى تَحتَ حَنَكِهِ (2) ، فَفاضَت نَفسُهُ صلى الله عليه و آله فيها ، فَرَفَعَها إلى وَجهِهِ فَمَسَحَهُ بِها ، ثُمَّ وَجَّهَهُ ، وغَمَّضَهُ ، ومَدَّ عَلَيهِ إزارَهُ ، وَاشتَغَلَ بِالنَّظَرِ في أمرِهِ (3) .
كنز العمّال عن حذيفة بن اليمان :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَرَضِهِ الَّذي قُبِضَ فيهِ ، فَرَأَيتُهُ يَتَسانَدُ إلى عَلِيٍّ ، فَأَرَدتُ أن اُنَحِّيَهُ وأجلِسَ مَكانَهُ ، فَقُلتُ : يا أبَا الحَسَنِ ، ما أراكَ إلّا تَعِبتَ في لَيلَتِكَ هذِهِ ، فَلَو تَنَحَّيتَ فَأَعنَتُكَ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : دَعهُ ؛ فَهُوَ أحَقُّ بِمَكانِهِ مِنكَ (4) .
الطبقات الكبرى عن عبد اللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عن أبيه عن جدّه :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَرَضِهِ : اُدعوا لي أخي . قالَ : فَدُعِيَ لَهُ عَلِيٌّ . فَقالَ : اُدنُ مِنّي . فَدَنَوتُ مِنهُ ، فَاستَنَدَ إلَيَّ فَلَم يَزَل مُستَنِدا إلَيَّ وإنَّهُ لَيُكَلِّمُني حَتّى إنَّ بَعضَ ريقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لَيُصيبُني ، ثُمَّ نُزِلَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وثَقُلَ في حِجري ، فَصِحتُ : يا عَبّاسُ ، أدرِكني فَإِنّي هالِكٌ ! فَجاءَ العَبّاسُ ، فَكانَ جَهدُهُما جَميعا أن أضجَعاهُ (5) .
مسند ابن حنبل عن اُمّ موسى عن اُمّ سلمة :وَالَّذي أحلِفُ بِهِ ، إن كانَ عَلِيٌّ لَأَقرَبَ النّاس
.
ص: 281
عَهدا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَت : عُدنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله غَداةً بَعدَ غَداةٍ يَقولُ : «جاءَ عَلِيٌّ ؟» مِرارا . قالَت : وأظُنُّهُ كانَ بَعَثَهُ في حاجَةٍ ، قالَت : فَجاءَ بَعدُ فَظَنَنتُ أنَّ لَهُ إلَيهِ حاجَةٌ ، فَخَرَجنا مِنَ البَيتِ فَقَعَدنا عِندَ البابِ ، فَكُنتُ مِن أدناهُم إلَى البابِ ، فَأَكَبَّ عَلَيهِ عَلِيٌّ فَجَعَلَ يُسارُّهُ ويُناجيهِ ، ثُمَّ قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن يَومِهِ ذلِكَ ، فَكانَ أقرَبَ النّاسِ بِهِ عَهدا (1) .
الإرشاد :أقبَلَ [ صلى الله عليه و آله ] عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا أخي ، تَقبَلُ وَصِيَّتي وتُنجِزُ عِدَتي وتَقضي عَنّي دَيني وتَقومُ بِأَمرِ أهلي مِن بَعدي ؟ قالَ : نَعَم يا رَسولَ اللّهِ . فَقالَ لَهُ : اُدنُ مِنّي . فَدَنا مِنهُ ، فَضَمَّهُ إلَيهِ ، ثُمَّ نَزَعَ خاتَمَهُ مِن يَدِهِ فَقالَ لَهُ : خُذ هذا فَضَعهُ في يَدِكَ . ودَعا بِسَيفِهِ ودِرعِهِ وجَميعِ لَأْمَتِهِ (2) فَدَفَعَ ذلِكَ إلَيهِ ، وَالتَمَسَ عِصابَةً كانَ يَشُدُّها عَلى بَطنِهِ إذا لَبِسَ سِلاحَهُ وخَرَجَ إلَى الحَربِ ، فَجيءَ بِها إلَيهِ ، فَدَفَعَها إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وقالَ لَهُ : اِمضِ عَلَى اسمِ اللّهِ إلى مَنزِلِكَ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :لَقَد قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وإنَّ رَأسَهُ لَعَلى صَدري ، ولَقَد سالَت نَفسُهُ في كَفّي فَأَمرَرتُها عَلى وَجهي . ولَقَد وُلِّيتُ غُسلَهُ صلى الله عليه و آله وَالمَلائِكَةُ أعواني ، فَضَجَّتِ الدّارُ وَالأَفنِيَةُ ؛ مَلَأٌ يَهبِطُ ، ومَلَأٌ يَعرُجُ ، وما فارَقَت سَمعي هَينَمَةٌ (4) مِنهُم ، يُصَلّونَ عَلَيهِ حَتّى
.
ص: 282
وارَيناهُ في ضَريحِهِ (1) .
الإمام زين العابدين عليه السلام :قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ورَأسُهُ في حِجرِ عَلِيٍّ (2) .
الطبقات الكبرى عن الشعبي :تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ورَأسُهُ في حِجرِ عَلِيٍّ . وغَسَّلَهُ عَلِيٌّ ، والفَضلُ مُحتَضِنُهُ ، واُسامَةُ يُناوِلُ الفَضلَ الماءَ (3) .
الطبقات الكبرى عن أبي غَطَفان :سَأَلتُ ابنَ عَبّاسٍ : أ رَأَيتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله تُوُفِّيَ ورَأسُهُ في حِجرِ أحَدٍ ؟ قالَ : تُوُفِّيَ وهُوَ لَمُستَنِدٌ إلى صَدرِ عَلِيٍّ . قُلتُ : فَإِنَّ عُروَةَ حَدَّثَني عَن عائِشَةَ أنَّها قالَت : تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ سَحري (4) ونَحري ! فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : أتَعقِلُ ؟ ! وَاللّهِ لَتُوُفِّي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وإنَّهُ لَمُستَنِدٌ إلى صَدرِ عَلِيٍّ ، وهُوَ الَّذي غَسَّلَهُ وأخي الفَضلُ بنُ عَبّاسٍ (5) .
الطبقات الكبرى عن عبد اللّه بن الحارث :إنَّ عَلِيّا لَمّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله قامَ فَأَرتَجَ (6) البابَ . قالَ : فَجاءَ العَبّاسُ مَعَهُ بَنو عَبدِ المُطَّلِبِ فَقاموا عَلَى البابِ ، وجَعَلَ عَلِيٌّ يَقولُ : بِأَبي أنتَ واُمّي طِبتَ حَيّا ومَيِّتا ! قالَ : وسَطَعَت ريحٌ طَيِّبَةٌ لَم يَجِدوا مِثلَها قَطُّ . قالَ : فَقالَ العَبّاسُ لِعَليٍّ : دَع خَنينا (7) كَخَنينِ المَرأَةِ وأقبِلوا عَلى صاحِبِكُم ! فَقالَ عَلِيٌّ : اُدخُلوا
.
ص: 283
عَلَى الفَضلِ . قالَ : وقالَتِ الأَنصارُ : نُناشِدُكُمُ اللّهَ في نَصيبِنا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! فَأَدخَلوا رَجُلاً مِنهُم يُقالُ لَهُ أوسُ بنُ خَوْلِيٍّ يَحمِلُ جَرَّةً بِإِحدى يَدَيهِ . قالَ : فَغَسَّلَهُ عَلِيٌّ يُدخِلُ يَدَهُ تَحتَ القَميصِ ، وَالفَضلُ يُمسِكُ الثَّوبَ عَلَيهِ ، وَالأَنصارِيُّ يَنقُلُ الماءَ ، وعَلى يَدِ عَلِيٍّ خِرقَةٌ تَدخُلُ يَدَهُ وعَلَيهِ القَميصُ (1) .
الطبقات الكبرى عن عمر بن عليّ بن أبي طالب :لَمّا وُضِعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى السَّريرِ قالَ عَلِيٌّ : ألا يَقومُ عَلَيهِ أحَدٌ لَعَلَّهُ يَؤُمُّ ؟ هُوَ إمامُكُم حَيّا ومَيِّتا ! فَكانَ يَدخُلُ النّاسُ رَسَلاً رَسَلاً (2) فَيُصَلّونَ عَلَيهِ صَفّا صَفّا ، لَيسَ لَهُم إمامٌ ، ويُكَبِّرونَ وعَلِيٌّ قائِمٌ بِحِيالِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : سَلامٌ عَلَيكَ أيُّهَا النَّبِيُّ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ! اللّهُمَّ إنّا نَشهَدُ أن قَد بَلَّغَ ما اُنزِلَ إلَيهِ ، ونَصَحَ لِاُمَّتِهِ ، وجاهَدَ في سَبيلِ اللّهِ ، حَتّى أعَزَّ اللّهُ دِينَهُ وتَمَّت كَلِمَتُهُ ! اللّهُمَّ فَاجعَلنا مِمَّن يَتَّبِعُ ما أنزَلَ اللّهُ إلَيهِ ، وثَبِّتنا بَعدَهُ ، وَاجمَع بَينَنا وبَينَهُ !فَيَقولُ النّاسُ : آمينَ آمينَ ! حَتّى صَلّى عَلَيهِ الرِّجالُ ثُمَّ النِّساءُ ثُمَّ الصِّبيانُ (3) .
تاريخ الطبري عن ابن إسحاق :كانَ الَّذي نَزَلَ قَبرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وَالفَضلُ بنُ العَبّاسِ وقُثَمُ بنُ العَبّاسِ وشُقرانُ مَولى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وقَد قالَ أوسُ بنُ خَوَلِيٍّ : أنشُدُكَ اللّهَ يا عَلِيُّ وحَظَّنا مِن رَسولِ اللّهِ ! فَقالَ لَهُ : اِنزِل . فَنَزَلَ مَعَ القَومِ (4) .
الطبقات الكبرى عن ابن جُريج عن أبي جعفر محمّد بن عليّ :غُسِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ثَلاثَ غَسَلاتٍ : بِماءٍ وسِدرٍ ، وغُسِلَ في قَميصٍ ، وغُسِلَ مِن بِئرٍ يُقالُ لَها الغَرسُ لِسَعدِ بنِ خَيثَمَة
.
ص: 284
بِقُباءَ (1) ، وكانَ يَشرَبُ مِنها . ووَلِيَ عَلِيٌّ غَسلَتَهُ ، وَالعَبّاسُ يَصُبُّ الماءَ ، وَالفَضلُ مُحتَضِنُهُ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامٍ لَهُ قالَهُ وهُوَ يَلي غُسلَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وتَجهيزِهِ _: بِأَبي أنتَ واُمّي يا رَسولَ اللّهِ ! لَقَدِ انقَطَعَ بِمَوتِكَ ما لَم يَنقَطِع بِمَوتِ غَيرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالإِنباءِ وأخبارِ السَّماءِ . خَصَّصتَ حَتّى صِرتَ مُسَلِّيا عَمَّن سِواكَ ، وعَمَّمتَ حَتّى صارَ النّاسُ فيكَ سَواءً ، ولَولا أنَّكَ أمَرتَ بِالصَّبرِ ونَهَيتَ عَنِ الجَزَعِ ، لَأَنفَدنا عَلَيكَ ماءَ الشُّؤونِ (3) ، ولَكانَ الدّاءُ مُماطِلاً (4) ، والكَمَدُ مُحالِفا (5) ، وقَلّا (6) لَكَ ! ولكِنَّهُ ما لا يُملَكُ رَدُّهُ ، ولا يُستَطاعُ دَفعُهُ ! بِأَبي أنتَ واُمّي ! اَذكُرنا عِندَ رَبِّكَ ، وَاجعَلنا مِن بالِكَ ! (7)
راجع : ج 4 ص 427 (قاضي ديني) . و ص 526 (كنت آخر الناس عهدا به) .
.
ص: 285
القسم الثالث : جهود النبي لقيادة الإمام عليوفيه فصول :الفصل الأول : أحاديث الوصايةالفصل الثاني : أحاديث الوراثةالفصل الثالث : أحاديث الخلافةالفصل الرابع : أحاديث المنزلةالفصل الخامس : أحاديث الإمارةالفصل السادس : أحاديث الإمامةالفصل السابع : أحاديث الولايةالفصل الثامن : أحاديث الهدايةالفصل التاسع : أحاديث العصمةالفصل العاشر : حديث الغديرالفصل الحادي عشر : غاية جهد النبيّ في تعيين الوليّ
.
ص: 286
. .
ص: 287
المدخلموقف النبي من مستقبل الرسالةالدين الإسلامي خاتم الأديان ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله خاتم النبيّين ، والقرآن هو الحلقة الأخيرة في كتب السماء ، وبهذا فالإسلام شامل لكلّ زمان ومكان . لقد نهض النبيّ صلى الله عليه و آله بحمل راية دين اكتسى لون الأبديّة ، لا يتخطّاه الزمان ، ولن يقوى على طيّ سجلّ حياته وتَجاوُزه . هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى يُعلمنا قانون الوجود وناموس الخليقة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنسان كبقيّة الناس ، له حياة ظاهريّة محدودة ، وهذا القرآن يُعلن صراحة أنّ الموت يُدركه كما يُدرك الآخرين : «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ» (1) . وهو صلى الله عليه و آله يضطلع برسالة إبلاغ تعاليم الدين وهدي السماء ، كما يتبوّأ أيضاً مسؤوليّة قيادة المجتمع وزعامته . ومن ثمّ فهو يجمع بين المرجعيّة الفكريّة للاُمّة وبين القيادة السياسيّة . وعلى هذا سنكون أمام سؤال جادّ وخطير لا يمكن تخطّيه بسهولة ، بالأخصّ بعد أن تحوّل إلى هاجس يُثير اهتمام أعلام المسلمين ومفكّريهم على مرّ التاريخ ؛ والسؤال هو : مادامت الحياة ستنتهي بهذا القائد الربّاني الفذّ بعد سنوات الدعوة والجهاد إلى الموت ، ومادام النبيّ سيرحل صوب الرفيق الأعلى ملبّياً نداء ربّه ، فما
.
ص: 288
الذي دبّره لمستقبل هذا الدين الباقي على مدى الزمان ؟ وماذا فعل لتأمين مستقبل دعوته وضمان ديمومة رسالته ؟ هل حدّد خياراً خاصّاً للمستقبل أم إنّه لم يفكّر بذلك قط ، وترك الأمر برمّته إلى الاُمّة ؟ كثرت كتابات المسلمين علماء ومحدّثين ومتكلّمين عن هذا الموضوع ، وانتهوا إلى نظريّات متعدّدة 1 . وما يُلحظ أنّ هذا الاتّجاه التنظيري سعى إلى تثبيت وقائع التاريخ الإسلامي وتحويلها إلى معيار أشادوا على أساسه اُصولاً ومرتكزات . لكن أين تكمن الحقيقة ؟ ! يقضي التدبّر العميق في الموضوع ، ودراسة حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بشمول ، إلى أنّ الموقف النبوي من مستقبل الرسالة لا يخرج عن أحد احتمالات ثلاث ، هي : 1 _ إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أغضى عن مستقبل الدعوة ، وأهمل الأمر تماماً من دون أن ينطق بشيء للاُمّة . 2 _ إنّه صلى الله عليه و آله عهد بمستقبل الرسالة إلى الاُمّة ، وأمر جيل الصحابة أن ينهض بمهمّة تدبير أمر الدعوة من بعده . 3 _ إنّه صلى الله عليه و آله ارتكز إلى مبدأ النصّ الصريح في تدبير المستقبل ، والتخطيط لشؤون الرسالة ، ومن ثمّ أعلن صراحة عن الشخص الذي يتبوّأ مسؤوليّة هداية الاُمّة من بعده ، ويضطلع بدور قيادة المجتمع الإسلامي . لندرس الآن هذه الفرضيّات الثلاث ونتناولها من خلال البحث والتحليل :
.
ص: 289
الفرضيّة الاُولى : السكوت إزاء المستقبلتواجه هذه الفرضيّة فيضاً من الأسئلة ، منها : ما الذي دعا النبيّ صلى الله عليه و آله إلى عدم التفكير بمشروع محدّد لمستقبل الدعوة ؟ وما الذي أملى عليه السكوت عن مستقبل الاُمّة ؟ ثمّ ما هي طبيعة الفكر الذي يمكن أن ينبثق منه موقف مثل هذا ، ويُفرِز لدى القائد مثل هذه السلبيّة ؟ يمكن تأسيس هذه السلبيّة وتفسيرها كموقف نبوي مفترض ، على ضوء فرضيّتين مسبقتين يستوطنان ذهن القائد ويستحوذان عليه . والآن لنستعرض المسبقتين الذهنيّتين المفترضتين ، كي نتبيّن قدر منطقيّتهما ، ومدى انسجامهما مع المعايير العقلانيّة :
1 _ الإحساس بالأمن وانتفاء الخطربمعنى أنّ القائد لا يشعر بوجود أيّ خطر يدهم الاُمّة ، وانتفاء أيّ تيّار يكون بمقدوره أن يُزلزل إيمان الناس ويؤثّر على قناعاتها ، ومن ثَمّ فإنّ هذه الاُمّة التي توشك أن ترث الرسالة الإسلاميّة ، ستنجح في إيجاد مشروع لإدارة المجتمع ، وضمان ديمومة الرسالة . والسؤال : هل يصحّ مثل هذا التصوّر ؟ إنّ الوقائع الحقيقيّة لمجتمع الصدر الأوّل تُسفر بوضوح عن عدم صواب هذا التصوّر ، وأنّ هناك أخطاراً جذريّة جادّة كانت تتهدّد المجتمع الإسلامي آنئذٍ ،
.
ص: 290
وتوشك أن تعصف بكيانه ، وهي :
أ : الفراغ القياديلم يكن قد مرّ وقت طويل على تأسيس الأبعاد الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة للمجتمع الذي أسّسه النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومن ثَمّ كان النبيّ القائد يمسك بنفسه أزمّة الثقافة والسياسة والقضاء في هذا المجتمع . على صعيد آخر حالت الحروب المتوالية وأجواء المواجهة الدائمة ، دون أن يتمكّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله من تعميم ثقافة الرسالة ، ونفوذ معاييرها في واقع ذلك المجتمع ، وعلى مستوى جميع الأبعاد ؛ فما أكثر من حمل عنوان الصحبة وهو لم يتوفّر بعدُ على تصوّر عميق ودقيق لمبادئ الدين ، ولم ينطوِ على معرفة وافية بشخصيّة النبيّ وأبعاد الرسالة . إنّ مجتمعاً كهذا حريّ به أن يواجه الزلزال ، ويُصبح على شفا أزمة عاصفة في اللحظة التي يختفي بها القائد ، وتحيطه أجواء محمومة يكتنفها الاضطراب من كلّ جانب ، مجتمع كهذا حريّ به أن يفقد قدرته على اتّخاذ القرار الصائب ، ولا يلبث أن يقع في الشباك المترصّدة ، ومن ثَمّ يصير طعمة سائغة لألاعيب الساسة وأحابيلهم . فيا ترى ، هل يمكن مع هذا الواقع المتردّي _ الذي سجّل له التاريخ أمثلة عمليّة كثيرة _ أن نتصوّر الرسول القائد صلى الله عليه و آله يختار السلبيّة ، ويترك مثل هذا المجتمع للمجهول ، ويدع تحديد مصيره إليه ، دون أن يحمل همّ المستقبل !
ب : عدم نضج المجتمعركّزنا في نهاية النقطة السابقة على أنّ ورثة هذه الرسالة التغييريّة الشاملة لا
.
ص: 291
يتمتّعون بقاعدة فكريّة وسياسيّة صلبة تسمح لهم أن يفكّروا بالمستقبل ، ويتدبّروا أمره بشكل هادئ رصين ؛ فبقايا الجاهليّة لا تزال تملك أقداماً راسخة ، ولا تزال العصبيّات القبليّة تستأثر بنفوذ كبير في وجودهم . كما أشرنا إلى أ نّهم لا يمتلكون الإدراك الكافي لمعرفة موقع رسول اللّه صلى الله عليه و آله والمكانة العليّة السامقة التي يحظى بها النبيّ ، فهم تارة ينظرون إليه بشراً عاديّاً يتكلّم في الرضى والغضب (1) ، واُخرى يحثّونه على التزام العدالة ! وثالثة تثقل عليهم قراراته وما يأتي به _ عن السماء _ من أحكام حتى يستريبوا في أصل الرسالة ! (2) فبعد هذا كلّه ، هل من المنطقي أن يكل النبيّ القائد أزمّة الاُمور ومستقبل الرسالة بيد مجتمع كهذا ، ثمّ يمضي قرير العين إلى ربّه !
ج : المنافقون والتيّارات الهدّامة من الداخلاصطفّ كثيرون لمواجهة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومناهضة رسالته ، وهو في ذروة قوّته ، وفي أثناء ممارسته لحاكميّته . ومع أنّ هؤلاء كانوا يتظاهرون بالإيمان إلّا أ نّهم في باطنهم كانوا يعارضون دين الحقّ ، ويسعون لإطفاء أنواره بكلّ ما اُوتوا من جهد وقوّة . إنّ هذه المواجهة يمكن أن تعدّ أوسع مدىً وأشدّ وطأة من دائرة عمل المنافقين ؛ فهي تتخطّاها إلى تخوم أوسع كما تشهد على ذلك وقائع التاريخ ، وكما سنُشير إليه في حينه ، ومن ثمّ هل يمكن أن يكون رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد أغضى عن ذلك ؟ (3) وهل يجوز أن نتصوّر أنّ هذا القائد العظيم أهمل هذا _ وغيره _ وترك الاُمّة
.
ص: 292
هملاً من دون تدبير ؟ ! ينبغي أن يضاف إلى هؤلاء تلك العناصر التي كانت حديثة عهد بالإسلام ، حيث لم تدخل هذا الدين إلّا بعد فتح مكّة ، فهؤلاء لم تترسّخ حقائق الدين في نفوسهم بعدُ ، ولم تتمكّن من وجودهم كما ينبغي . ومن ثمّ فهم عرضة للتغيير مع أوّل طارئ ، ويمكن أن تقذفهم الأوضاع إلى طريق آخر ، كما أثبتت ذلك التيّارات التي عصفت بالحياة الإسلاميّة بعد النبيّ .
د : اليهود والقوى الاُخرى والأخطار الخارجيّةالإسلام دعوة انقلابيّة تتضمّن الهدم والبناء ، فقد قوّضت حركة هذا الدين الأحابيل والخطط الشيطانيّة ، شيّدت على أنقاضها بناءً جديداً . لقد جاء النبيّ صلى الله عليه و آله برسالة تطمح أن تقود العالم ، وتكون لها الكلمة الأخيرة في الحياة الإنسانيّة ، ولمّا أدرك الأعداء هذا المعنى ، دخلوا في مواجهة حامية مع الدين الجديد سخّروا لها جميع قدراتهم ، ولم يكفّوا عن مقارعته حتى الرمق الأخير . ولمّا تبيّن لهم أنّ لغة الصراع المباشر لم تعُد تُغني شيئاً ، لجؤوا إلى المكيدة ، وراحوا ينسجون المؤامرة تلو الاُخرى مكراً بهذا الدين . وهذا واقع معروف لا يستريب به من له أدنى معرفة بالتاريخ الإسلامي . أ فيجوز بعد هذه المواجهات الحادّة والصراع المرير مع اليهود والقبائل المشركة وبقيّة القوى المعادية (1) ، أن يجنح بنا الخيال فنتصوّر بأنّ هؤلاء ركنوا إلى الهدوء ، وجنحوا إلى السلم ، ولم يعُد لهم شأن بالإسلام ودعوته ؟ ! وهل يصحّ لسياسيّ فطن ، ولقائد كيّس وبصير أن يُغضي عن كلّ هذا الواقع العدائي المتشابك من حول
.
ص: 293
دعوته ، ثمّ يمضي من دون أن يدبّر لحركته الفتيّة برنامجاً يصونها ويؤمّن لها المستقبل ؟ ثمّ هل يكون رسول اللّه صلى الله عليه و آله قائداً خاض جميع هذه المواجهات ، ثمّ يتصوّر أنّ اُمّته امتلكت من الصلابة ما يُحصّنها من جميع هذه المكائد والأخطار ، بحيث لم يعُد يخشى عليها من أحابيل هؤلاء ، وإنّ مكر هؤلاء وقوّتهم قد تلاشت ولم تعُد تؤلّف خطراً ذا بال ؟ !
2 _ السلبيّة إزاء المستقبلالعنصر الثاني الذي يمكن أن يوجّه الفرضيّة الاُولى ويقدّم لها تفسيراً منطقياً ، هي أن نفترض أنّ النبيّ القائد يدرك الأخطار التي تحفّ دعوته ، ويتطلّع إلى أهميّة المستقبل بنحو جيّد ، لكنّه مع ذلك لا يحاول تحصين الدعوة ضدّ تلك الأخطار ، لأ نّه يرى أنّ رسالته تنتهي بحياته ، وهو يتحمّل مسؤوليّتها مادام حيّاً ، فإذا لم يعُد بين الناس ، ولم يكن ثمّ خطر يتهدّد حياته ، وإنّ ما يمكن أن تتعرّض له الدعوة من بعده لا يتعارض مع مصالحه الشخصيّة _ وحاشاه _ فلماذا يُبادر لحمايتها وتأمين مستقبلها ؟ بل لِيدعها والاُمّة التي ترتبط بها بانتظار المصير المجهول ! أ يليق هذا التصوّر بقائد واقعي ، وسياسي فطن ورسالي مثابر ؟ ! فكيف يصدق هذا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونفسُه الطهور لا تعرف الراحة في سبيل إعلاء كلمة اللّه ، حتى تسلّيه السماء ، ويأتيه النداء الربّاني يدعوه إلى الهدوء : «ط_ه * مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى » (1) . وكيف يصدق ذلك على نبيّ اللّه ، وهذه السماء تجسّم معاناته وما يبذله في سبيل هداية الناس : «عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» (2) .
.
ص: 294
أ وَيجوز أن يخامرنا مثل هذا التصوّر الذي يفترض السلبيّة واللامبالاة ، وقد بلغ من تفاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتضحيته من أجل الرسالة أ نّه لم يترك تدبير أمرها إلى آخر لحظة من حياته ، حيث كان ينادي بتجهيز جيش اُسامة ويحثّ عليه وهو على فراش الموت وقد ثقل عليه المرض ؟ ! أ وَلا تكفينا رزيّة «يوم الخميس» وقد طلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في آخر لحظات حياته أن يأتوه بدواة وقلم كي يكتب للاُمّة كتاباً لن تضلّ بعده أبداً ، لنكفّ عن هذا التصوّر الواهي ، ونعدّ ما يُزعم من سكوته عن مستقبل الاُمّة جرأة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ودعوى واهية لا تليق بمقام هذا العظيم ، وحريّ بنا أن ننزّه ساحته عنها وعن أمثالها ؟ ! على ضوء ذلك كلّه ، ليس من الممكن افتراض الموقف السلبي بحال من الأحوال . وهكذا تسقط الفرضيّة الاُولى .
.
ص: 295
الفرضيّة الثانية : إيكال المستقبل إلى الاُمّةوهي أن نؤمن بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يعيّن للاُمّة قائد المستقبل ، بل عهد قيادة الرسالة والقيمومة عليها إلى الاُمّة ، لكي يحدّد الجيل الطليعي من المهاجرين والأنصار طبيعة هذا المستقبل على أساس نظام الشورى . والسؤال : هل يمكن الإقرار بهذا التصوّر ؟ وإلى أيّ مدى يتطابق مع الحقيقة ؟ هناك عدد من النقاط التي تحفّ هذه الفرضية الغريبة ، يمكن الإشارة لها كما يلي : أ : لو كان النبيّ صلى الله عليه و آله قد اتّخذ من مستقبل الاُمّة والرسالة مثل هذا الموقف ، لكان حريّاً به أن يقوم بعمليّة توعية للاُمّة بطبيعة نظام الشورى وحدوده ومكوّناته وضوابطه ، والسبيل إلى تطبيقه وكلّ ما يمتّ إلى الموضوع بصلة ، بالأخصّ وإنّ ما يزيد في أهمّية هذه العمليّة أنّ المجتمع لم يكن قد عرف _ حتى ذلك الوقت _ نظام الشورى ، ولم تكن قد تمّت تجربته في بنية الحكم وهيكليّته ، فهل من المنطقي أن نزعم أنّ النبيّ القائد صلى الله عليه و آله أحال الاُمّة في خيارها المستقبلي ، وطبيعة القيادة التي تنتظرها ، إلى اُسلوب غائم غير واضح ، وغير محدّد المعالم والتفاصيل ! على أنّ الذي يدحض هذا التصوّر ويستبعده تماماً هو موقف التيّار الذي طالب بالخلافة ، ثمّ تبوّأ مقعدها ؛ فكلّ الأرقام والشواهد في حياة هؤلاء تدلّ بصورة لا تقبل الشكّ أنّ أيّ واحد من هؤلاء لم يستند إلى الشورى كميراث نبوي ، ولم
.
ص: 296
يستدلّ على صحّة موقفة بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله هو الذي اختار نظام الشورى للاُمّة من بعده ، وليس في حياتهم ما يُنبئ عن إيمانهم بالشورى وممارستهم لهما عمليّاً ، فأبو بكر اتجّه إلى «النصب» في تعيين البديل الذي يخلفه ، أمّا عمر بن الخطّاب فلم يلجأ إلى خيار الشورى السداسيّة إلّا بعد أن دفعته الضرورة لذلك ، حيث لم يرَ البديل المناسب ؛ وفي ذلك يقول وهو على فراش الموت : «لَو أدرَكَني أحَدُ رَجُلَينِ ثُمَّ جَعَلتُ هذَا الأَمرَ إلَيهِ ، لَوَثِقتُ بِهِ ؛ سالِمٌ مَولى أبي حُذَيفَةَ ، وأبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ» (1) ، وقال «لَو كانَ سالِمٌ حَيّاً ما جَعَلتُها شورى» (2) ، وقال: «لَو أدرَكتُ أبا عُبَيدَةَ بنَ الجَرّاحِ لَاستَخلَفتُهُ وما شاوَرتُ» (3) . بهذا يتّضح أنّ هذه النظريّة لا تمتّ إلى واقع النبيّ صلى الله عليه و آله بصلة ، بل هي ممّا اُنتج بعد ذلك بزمن ، وتمّ صياغتها بمرور الوقت لتبرير ما وقع في صدر التاريخ الإسلامي وتصويبه ، ومن ثمَّ فهي أقرب إلى تنظير ما بعد الوقوع 4 ! ب : لو أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد فكّر بطرح الشورى كخيار للمستقبل ، ولو أ نّه أراد إسناد المرجعيّة الفكريّة للرسالة والقيادة السياسيّة للاُمّة إلى جيل الصحابة ، لتحتّم أن يعبّئ هذا الجيل تعبئة فكريّة ورساليّة مكثّفة لكي يعدّه للمهمّة التي تنتظره ،
.
ص: 297
بالأخصّ إذا لاحظنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان قد بشّر بسقوط تيجان كسرى وقيصر ، وانهيار الإمبراطوريّتين : الفارسيّة والروميّة ، وأنّ رسالته ستمتدّ في الزمان والمكان من دون أن تعرف الحواجز والحدود . فهل كان الصحابة على مستوى من الدراية والعلم يؤهّلهم للنهوض بهذه المسؤوليّة الكبيرة ؟ ما هي الحقيقة ؟ وهل يمكن أن نتصوّر الصحابة على مستوى النهوض بهذه المسؤوليّة ؟ هذا سؤال خطير لاحَ لكثيرين ، ولا يمكن تجاوزه ببساطة ؛ لأنّ الإغضاء عنه ينمّ عن ضرب من السذاجة واللامبالاة في الاُصول العقيديّة . لقد كان الباحث مروان خليفات وواحداً من الذين لاح لهم هذا السؤال ، فدفعه إلى البحث والتأمّل . ثمّ أثمرت جولته التي دفعته إلى النصوص الحديثيّة والتاريخيّة ، وأسفرت عن نتيجة مهمّة جدّاً جديرة بالقراءة ، حيث خصّص لها الفصل الثالث من الباب الثاني من كتابه . وهذه خلاصة مكثّفة لما انتهى إليه : الصحابة يُقلّون السؤال ، ولا يروون إلّا قليلاً ممّا سمعوه . وقد بذلوا جهدهم في منع تدوين الحديث ، والحؤول دون انتشاره . بالإضافة إلى أ نّهم لم يتلقّوا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا حقائق قليلة ، لانشغالاتهم الكثيرة ؛ حيث صرحوا بأنفسهم أ نّه كان يلهيهم الصفق بالأسواق وغيره من الأشغال ، ويحول بينهم وبين حقائق السنّة (1) . من النتائج التي خرج بها البحث أنّ الصحابة كانوا كثيراً ما يُخطئون في النقل ؛ فهم تارة ينقلون شطراً من الحديث ، وتارة يأخذون الحديث عن مخبر وينسبونه إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، وثالثة ينسَون ما سمعوه وقد صرّحوا بذلك ، ورابعة يخطئون في الجواب
.
ص: 298
ثمّ يرجعون إلى الحقّ بتذكير الآخرين وهكذا . كما انتهى حال الصحابة إلى أنّ مِن بينهم منافقين كما هو عليه صريح القرآن ، ومنهم من ارتدّ على عقبيه ، ومنهم من يساق إلى النار كما جاء في صريح الصحيحين ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . أ وَبعد هذا يقال إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد أسند المرجعيّة الفكريّة والقيادة السياسيّة إلى هذا الجيل ، وجعله القيّم على رسالته ، والمؤتمن على الكتاب (1) ؟ ! على ضوء هذا كلّه لا ينبغي أن نتردّد لحظة في أنّ اُطروحة إيكال أمر المستقبل إلى الاُمّة أو نُخبها ، وقصّة إسناد المرجعيّة الفكريّة والسياسيّة إلى الصحابة ، لهي اُطروحة نشأت بمرور الزمن ؛ لتصويب الوقائع المُرّة التي عصفت بالحياة الإسلاميّة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وليس لها منشأ قط أو أساس يدلّ عليها في نصوص رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحياته . وبهذا تسقط الفرضيّة الثانية .
.
ص: 299
الفرضيّة الثالثة : تحديد المستقبل والنصّ على الخلافةهي أن نؤمن بأن رسول اللّه اتّخذ موقفاً إيجابيّاً من مستقبل الرسالة ، وعاش قضيّة هذا المستقبل بمسؤوليّة كبيرة ، بحيث اختار من يخلفه في القيمومة على الرسالة وخلافة الاُمّة . وما واقعة الغدير وما جرى فيها ، ونصوص تلك الخطبة العصماء التي ألقاها بها النبيّ على جموع المسلمين ، إلّا تصريحاً وتأكيداً لما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد أعلنه قبل ذلك مرّات من ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام وإمامة هذا المجاهد العظيم (1) . لقد اختاره النبيّ منذ أيّام حياته الاُولى ، فنشأ في كنف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتربّى في حجره وتحت رعايته دون أن يدنّس الشركُ لحظةً من حياته الطاهرة . على أ نّه ليس أدلّ على هذه النشأة النظيفة من كلام عليّ عليه السلام نفسه ، وهو يقول : «وقَد عَلِمتُم مَوضِعي مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالقَرابَةِ القَريبَةِ ، وَالمَنزِلَةِ الخَصِيصَةِ . وَضَعَني في حِجرِهِ وأنَا وَلَدٌ ، يَضُمُّني إلى صَدرِهِ ، ويَكنُفُني في فِراشِهِ ، ويُمِسُّني جَسَدَهُ ، ويُشِمُّني عَرفَهُ . وكانَ يَمضَغُ الشَّيءَ ثُمَّ يُلقِمُنيهِ ، وما وَجَدَ لي كَذبَةً في قَولٍ ، ولا خَطلَةً في فَعلٍ ، ولَقَد قَرَنَ اللّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله مِن لَدُن أن كَان فَطيماً أعظَمَ مَلَكٍ مِن
.
ص: 300
مَلائِكَتِهِ يَسلُكُ بِهِ طَريقَ المَكارمِ ، ومَحاسِنَ أخلاقِ العالَمِ ، لَيلَهُ ونَهارَهُ . ولَقَد كُنتُ أتَّبِعُهُ اتِّباعَ الفَصيلِ أثَرَ اُمِّهِ ، يَرفَعُ لي في كُلِّ يَومٍ مِن أخلاقِهِ عَلَماً ، ويَأمُرُني بِالاِقتِداءِ بِهِ . ولَقَد كانَ يُجاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِراءَ ، فَأَراهُ ولا يَراهُ غَيري ، ولَم يَجمَع بَيتٌ واحِدٌ يَومَئِذٍ فِي الإِسلامِ غَيرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وخَديجَةَ وأنَا ثالِثُهُما ؛ أرى نورَ الوَحيِ وَالرِّسالَةِ ، وأشُمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ . ولَقَد سَمِعتُ رَنَّةَ الشَّيطانِ حينَ نَزَلَ الوَحيُ عَلَيهِ صلى الله عليه و آله ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ! ما هذِهِ الرَّنَّةُ ؟ فَقالَ : هذَا الشَّيطانُ قَد أيِسَ مِن عِبادَتِهِ . إنَّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ ، وتَرى ما أرى ، إلّا أ نَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ، ولكِنَّكَ لَوَزيرٌ ، وإنَّكَ لَعَلى خَيرٍ» (1) . إنّ الأحاديث النبويّة التي تصرّح بإمامة عليّ بن أبي طالب وولايته ، هي من الشمول والكثرة بحيث لا تدع مجالاً للاسترابة والشكّ . فنبيّ اللّه لم يصدع ب_ «حقّ الخلافة» للإمام ول_ «خلافة الحقّ» هذه مرّة واحدة أو مرّتين ، بل فعل ذلك عشرات المرّات بالإشارة وبالصراحة ، وحدّد مشروعاً واضحاً لمستقبل الاُمّة وغد الرسالة ، على مرأى من المسلمين جميعاً . لقد امتدّت عمليّة إعلان هذا الحقّ العلويّ والإجهار به ونشره إلى أبعد مدى ، لتستوعب من حياة النبيّ جميع سنّي عمره في تبليغ الرسالة ، حتى بلغت في واقعة الغدير ذروتها القصوى ، واستقرّت على قمّتها الشاهقة . إنّ من يتأمّل هذه المواضع بأجمعها (ممّا سيأتي توثيقه في هذا الفصل كاملاً) لا يستريب لحظة في أنّ إمامة الاُمّة وقيادة المستقبل ، لهي في طليعة شواغل النبيّ الأقدس صلى الله عليه و آله ، وهي بنظره المهمّة الاُولى التي لا تتقدّمها مهمّة . لهذا ما وجد فرصة مواتية إلّا وأعلن فيها هذه الحقيقة ، وما وجد موضعاً مناسباً إلّا وأفاد منه في إبلاغ
.
ص: 301
هذا الأمر الإلهي . لقد استندنا في هذا الفصل على وثائق ومدوّنات ونصوص كثيرة تعود إلى كتب الفريقين في الحديث والتاريخ والتفسير . ثمّ سنبدأ البحث التحليلي في هذا المدخل منذ بدايات الرسالة ، وأوائل أيّام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حتى نبلغ به يوم الغدير كما سلفت الإشارة إلى ذلك . وعند الغدير سنعيد عرض مكوّنات المشهد مجدّداً ، ونمارس العرض والتحليل على ضوء معطيات الرواية والدراية معاً . هذه لمحة موجزة عن خطّة العمل ، ودونكم التفاصيل في بيان أهمّ المساعي النبيّ لقيادة الإمام عليّ عليه السلام :
.
ص: 302
اهم جهود النبي(1 )حديث يوم الإنذارنزل أمر السماء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمره أن يدعو عشيرته إلى الإسلام «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (1) ، فدعا النبيّ عشيرته ، ولمّا اجتمعوا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، راح يعدّهم لتلقّي ما دعاهم إليه ، وبعد مقدّمات أبلغهم دعوته ، ثمّ انعطف يقول : «فَأَيُّكُم يُوازِرُني عَلى هذَا الأَمرِ عَلى أن يَكونَ أخي ووَصِيّي وخَليفَتي فيكُم» ، وفي بعض النصوص التاريخيّة : «خَليفَتي مِن بعَدي» . لم يلبِّ للنبيّ صلى الله عليه و آله دعوته من الحاضرين غير عليّ بن أبي طالب الذي وثب من بين الجمع مجيباً النبيّ ؛ فما كان من رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد أن سمع جواب عليّ ، إلّا أن قال على مسمع من الملأ : «إنَّ هذا أخي ووَصِيّي وخَليفَتي فيكُم ؛ فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوا» . وهكذا أعلن النبيّ ولاية عليّ بن أبي طالب وإمامته والدعوة لم تزل في أوّل يوم من أيّام مرحلتها العلنيّة . لقد فهم الحاضرون في ذلك اليوم مغزى هذه الرسالة بوضوح ، وأدركوا تماماً من كلام النبيّ صلى الله عليه و آله إمامة عليّ ولزوم طاعته ، لذلك انبرى
.
ص: 303
بعضهم مخاطباً أبا طالب : «قَد أمَرَكَ أن تَسمَعَ لِابنِكَ وتُطيعَ !» (1) ، بيد أ نّهم عتَوا واستكبروا وأخذتهم العزّة بالإثم ، فأنِفوا أن يستجيبوا للحقّ ، وأن يذعنوا إليه . لقد دأبنا في صفحات هذه «الموسوعة» على ذكر الحديث بطرق مختلفة ونقول متعدّدة ، بحيث لا تُبقي مجالاً للشكّ . ونعطف على ذلك شهادة أبي جعفر الإسكافي المعتزلي الذي عدَّ الحديث صحيحاً (2) ، كما ذهب إلى الشيء ذاته علماء آخرون منهم شهاب الدين الخفاجي في «شرح الشفا للقاضي عياض» (3) ، والمتّقي الهندي ، الذي ذكر تصحيح ابن جرير الطبري للحديث (4) ، وإضافة إلى ذلك ثَمّ آخرون أكّدوا على صحّة حديث الإنذار يوم الدار (5) .
.
ص: 304
(2 )أحاديث الوصايةتهدف الوصاية إلى الحفاظ على الدين وديمومة النهج والطريق ، وهي بهذا اللحاظ سيرة مضى عليها جميع رسل السماء . وفي إطار إشارته إلى هذه الحقيقة في مواضع متعدّدة ومناسبات مختلفة ، سجّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله للإمام أمير المؤمنين عليه السلام موقعه في الوصاية ، فكان ممّا قال : «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيّاً ووارِثاً ، وإنَّ عَلِيّاً وَصِيّي ووارِثي» (1) . لقد بلغت أحاديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيال عليّ عليه السلام في هذا المعنى حدّاً من الكثرة بحيث أمسى لفظ «الوصيّ» نعتاً للإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وصفة يُعرف بها دون لبس أو غموض . حتّى ورد في تاج العروس : «الوَصِيُّ _ كَغَنِيٍّ _ : لَقَبُ عَلِيٍّ رضى الله عنه» . (2) وعندما كان يُطلق مصطلح «الوصيّ» في الأحاديث والكلام والأشعار كانت الغالبيّة من مسلمي صدر الإسلام تفهم منه دلالته على الإمام عليّ عليه السلام من دون تردّد ، ومن ثَمّ دلالته بالضرورة على الخلافة والإمامة (3) . ثمّ جاء الدور لبني اُميّة ، الذي يبدو أ نّهم بذلوا جهوداً كبيرة علّهم يطمسون هذا العنوان الوضيء ويُزيلونه عن الإمام ، ويُباعدون بينه وبينه ، فكم بذلوا في سبيل هذا الغرض المنحطّ ، وكم وضعوا من الأحاديث (4) ، لكن أ نّى للحقّ أن يُقهر بحراب أهل الباطل !
.
ص: 305
(3 )أحاديث الوراثةألِفَ الذهن الإنساني على الدوام عناوين «الإرث» و «الميراث» و «الوراثة» ، بحيث استوعبت هذه الحقيقة الاُمور الماديّة والمعنويّة ، والناس تُظهر دهشتها _ في العادة _ لإنسان يسكت عن كيفيّة التصرّف بتركته من بعده ، وما يتركه الناس يتمثّل تارة بالاُمور المادّية واُخرى بالاُمور والمواريث المعنويّة . لقد جرت سنّة الإرث ، وتواضع الطبع الإنساني في هذا المجال على وجود الوارث والمؤتمن ، من دون أن يُنكر ذلك أحد ، بل التقى الناس على امتداح هذه السنّة مهما كانت انتماءاتهم الحضاريّة والثقافيّة والفكريّة . فتعالوا الآن لننظر ماذا فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بميراثه العظيم ، وهو خاتم النبيّين ، وحامل آخر رسالات السماء ، ومبلّغ دين أبديّ يترامى امتداداً فوق حدود المكان والزمان . إلامَ عَهِد بأمر هذا الدين من بعده ؟ هل أوصى اللّه سبحانه رسوله الكريم أن يعهد بالأمر إلى شخص محدّد ؟ إنّ أخبار «الوراثة» ونصوصها هي جواب جليّ على هذا السؤال المهمّ ؛ فقد راح رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُخبر تارة بأنّ اختيار الوارث هي سنّة جرى عليها جميع النبيّين قبله ، ومن ثَمّ يتحتّم عليه بوصفه خاتم المرسلين والحلقة الأخيرة في نبوّات السماء ، أن يختار وارثه ، كما تحدّث اُخرى وبصراحة على أنّ وراثته تكمن بالإمامة والعلم . وهذا الموقع هو ما أكّد عليه الصحابة أيضاً منذ ذلك العصر ؛ حيث صاروا يُظهرون كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتصريحه بهذه الحقيقة في مناسبات ومواضع ومناسبات مختلفة ، كما كانوا أحياناً يُشيرون في كلامهم إلى عليّ بن أبي طالب بموقع الوراثة
.
ص: 306
ومقام الوارث ، من ذلك : سأل عبد الرحمن بن خالد قثم بن العبّاس : من أين ورث عليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : إنّه كان أوّلنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً . لقد ضمّ فصل «أحاديث الوراثة» النصوص الروائيّة والتاريخيّة التي تفصح عن هذه الحقيقة من كتب الفريقين ، وهي تُشير إلى الكلمات النبويّة التي ذكر فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله صراحة أنَّ عليّاً وارثه ؛ وارث علمه وخزانته ومكنون معرفته ، ومن ثَمّ فهو بالضرورة إمام الاُمّة ورمز مرجعيّتها الفكريّة والسياسيّة (1) .
.
ص: 307
(4 )أحاديث الخلافة«الخلافة» هي أيضاً تعبير قرآني ، ومصطلح ديني يُشير بوضوح إلى الاستخلاف في الأبعاد المختلفة إلّا إذا استثني بُعد . وهذا ما يفسّر لنا الجهود الحثيثة التي بذلها الذين أمسكوا بأزمّة اُمور المسلمين بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وما بذلوه من مساعٍ جبّارة كي يلبسوا هذا الرداء ، ويُحكموه على قاماتهم . كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد صرّح بخلافة عليّ بن أبي طالب منذ الأيّام الاُولى لإعلان دعوته وإجهاره برسالة السماء ؛ هذا التصريح الذي يمكن تلمّسه في أحاديث كثيرة قالها النبيّ في مواضع متعدّدة ، ومواقع مختلفة ، وهي تُشير إلى حدود هذه الخلافة . وهذا الجهد النبوي يكشف عن مدى عناية رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمستقبل الاُمّة ، واهتمامه الكبير بمصير الرسالة من بعده (1) .
.
ص: 308
(5 )أحاديث المنزلةمن بين أعظم الصفات التي نَحَل بها النبيّ صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ومن أكثر العناوين النبويّة ألَقاً _ ممّا أطلقه النبيّ على الإمام أمير المؤمنين _ هو عنوان «المنزلة» ، حيث ساوى النبيّ عليّاً بنفسه ، ووصفه أ نّه مثله في القيادة . هذه المجموعة من الأحاديث النبويّة تشتهر بين العلماء والمحدّثين بأحاديث المنزلة ، وذلك انسجاماً مع صريح ما يقضي به الكلام النبوي في هذا المضمار . لقد عبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن هذا الموقع الرفيع الذييحظى به الإمام أميرالمؤمنين بصيغ متعدّدة، مثل قوله: «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أ نَّهُ لا نَبِيَّبَعدي». كما صدع بهذه الحقيقة وأعلنها على المسلمين مرّات ومرّات ؛ ليكون بذلك قد أوضح للجميع _ وللتاريخ أيضاً _ مساواة عليّ ومماثلته له في القيادة . وكان من بين المواضع التي أعلن فيها النبيّ هذا الكلام المعجز حول عليّ ، غزوة تبوك . ففي ظلّ أوضاع صعبة ومُضنية جهّز النبيّ جيشاً كبيراً ، ثمّ خرج من المدينة قاصداً أن يقاتل به الروم . لقد كانت تبوك هي أقصى نقطة قصدها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حروبه ، وأبعدها عن المدينة جغرافيّاً . وفي المدينة حيث كان يعيش النبيّ استطاع النفاق أن يتبلور آنئذٍ في إطار حركة منظّمة ، راحت تترصّد الوضع بصدور موبوءة بالحقد والضغينة ، وتخطّط بخفاء كي تنقضّ على المجتمع الإسلامي الفتيّ بضربة قاصمة . لقد غادر النبيّ المدينة في سفر طويل ، وهو يتوجّس خيفة من فتن المنافقين وكيد الحاقدين ، فماذا يفعل ؟ وكيف يؤمّن وضع المدينة ويطمئنّ عليها ؟ اختار صلى الله عليه و آله أن يُبقي عليّاً في المدينة ، يخلفه في أهله ، ويصون له دار هجرته ومن بقي من قومه .
.
ص: 309
هكذا مضى الأمر . وعندما رآى المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، أنّ خطّتهم تلاشت بوجود عليّ كما تتلاشى خيوط العنكبوت، وأحلامهم ضاعت ببقاء الإمام أمير المؤمنين في المدينة ، راحوا يُرجفون بأنّ النبيّ ما ترك عليّاً في المدينة إلّا لموجدة عليه ، وأ نّه لو كان له به غرض لما خلفّه على النساء والصبيان ! راحت شائعات حركة النفاق تزحم أجواء المدينة ، وصارت أراجيفهم تحاصر عليّ بن أبي طالب _ ليث الوغى وفارس ساحات الجهاد _ وتنهال عليه من كلّ حدب وصوب ، فماذا هو فاعل أمير المؤمنين ؟ سرعان ما لحق برسول اللّه صلى الله عليه و آله وقصّ عليه أراجيف المنافقين، فما كان من النبيّ الأقدس إلّا أن تحدّث إلى عليّ بما يكشف عن حظوة كبيرة عند النبيّ ، ومكانة لا تُدانيها مكانة أحد من العالمين، فقال له بفيض حنان : «اِرجِع يا أخي إلى مَكانِكَ؛ فَإِنَّ المَدينَةَ لا تَصلُحُ إلّا بي أو بِكَ ؛ فَأَنتَ خَليفَتي في أهلي ودارِ هِجرَتي وقَومي ، أما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أ نَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ؟» . بصراحة لا يشوبها لبس سجّل النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام جميع ما له من مناصب ومواقع ومسؤوليّات ما خلا النبوّة ، وأوضح دون أدنى شائبة أنّ الإمام أمير المؤمنين هو الذي يجسّد عمليّاً ديمومة الخطّ النبوي ، وينهض بمسؤوليّات النبيّ عند غيابه ، في زعامة الاُمّة وقيادتها ، وممارسة المرجعيّة الفكريّة والعلميّة للرسالة الإسلاميّة . تسجّل بعض النصوص التاريخيّة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خاطب عليّاً بهذه الجملة صراحة : «إنَّهُ لابُدَّ مِن إمامٍ وأميرٍ ؛ فَأَنَا الإِمامُ ، وأنتَ الأَميرُ» (1) .
.
ص: 310
(6 )أحاديث الإمارةحثّ القرآن جميع المؤمنين ودعاهم بصراحة تامّة إلى إطاعة «اُولي الأمر» (1) ؛ حيث جعل إطاعة هؤلاء واتّباعهم رديفاً لإطاعة اللّه وإطاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . والسؤال : من هم مصداق «اُولي الأمر» ؟ أ فيجوز أنّ نعدّ الطغاة والجبّارين المحترفين _ الذين يتسنّمون السلطة متّخذين جماجم الأبرياء سلّماً يرقون به إلى مسند العرش _ مصداقاً لاُولي الأمر ؟ أبداً لا يجوز هذا . فلا ريب أنّ مصداق «اُولي الأمر» ينطبق على اُولئك الذين يعيشون حياتهم على نهج نبوي وضّاء ، ويبذلون وجودهم للّه ، وفي سبيل اللّه ، ويُفنون أعمارهم من أجل إعلاء كلمة الحقّ ، وبسط العدالة في ربوع الحياة . وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب يتبوّأ من هذا العنوان ذروته العليا ، ويقف على أقصى نقطة من قمّته الشاهقة ، كما تفصح عن ذلك الكثير من الأحاديث النبويّة ؛ تلك النصوص الوضّاءة الموحية التي تبعث على الدهشة والجلال . دعونا نتخطّى ذلك إلى ما هو أبعد منه مدىً وأعمق أثراً ؛ فهذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله اختصّ عليّ بن أبي طالب وحده بلقب «أمير المؤمنين» ؛ فلا يحقّ هذا اللقب لأحدٍ غيره قط كما نصّ على ذلك صراحة النهي النبوي . ولدينا فيض من النصوص التي تتحدّث عن هذا المعنى ، وهي من الكثرة بحيث صنّف من بعضها السيّد الأجلّ ، قدوة السالكين ، واُسوة العابدين وجمال العارفين رضي الدين عليّ بن طاووس الحلّي كتاباً أطلق عليه عنوان : «اليقين باختصاص
.
ص: 311
مولانا علي عليه السلام بإمرة المؤمنين» ، والملاحظ أنّ هذه الأحاديث النبويّة تذكر الإمام عليّ بلقب «أمير المؤمنين» مرّة ، ولقب «أمير البررة» ثانية ، و«أمير كلّ مؤمن بعد وفاتي» ثالثة (1) . وهذا الإمام الحسن عليه السلام يشرط على معاوية في معاهدة الصلح أن لايتسمّى ب_ «أمير المؤمنين» ولا يُطلق على نفسه هذا اللقب (2) .
.
ص: 312
(7 )أحاديث الإمامة«الإمام» في المعنى اللغوي هو المتقدّم ، والمقتدى به ، وقائد القوم ، ورئيس القبيلة (1) ، وهو في الثقافة القرآنيّة والدينيّة _ دون شكّ _ قائد الاُمّة في مختلف الأبعاد ، وزعيم الاُمّة في إدارة اُمور المجتمع . هذه الحقيقة يمكن تلمّسها في الرسالتين المتبادلتين بين الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية . لقد تحدّث الإمام في إطار رسالة مطوّلة عن موقعه وموقع أهل البيت عليهم السلام ، وذكّر بوصايته عن النبيّ ، وخلافته لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ فما كان من معاوية إلّا أن قال في الجواب نصّاً : «ألا وإنّما كان محمّد رسول اللّه من الرسل إلى الناس كافّة ، فبلّغ رسالات ربّه ، لا يملك شيئاً غيره !» وهذا النصّ يحصر وظيفة النبيّ بالتبليغ فقط ؛ فهو مبلّغ رسالة لا أكثر ، وليس بإمام ، ولا زعيم ، ولا قائد ، ولا رجل سياسة ، ولا أيّ شيء آخر . فردّ الإمام عليّ عليه السلام على كلام معاوية الذي أنكر فيه بقية شؤون النبيّ ، وفي الطليعة شأنه كإمام ؛ ردَّ عليه بصراحة مسفرة ، وهو يكتب : «وَالَّذي أنكَرتَ مِن إمامَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، زَعَمتَ أ نَّهُ كانَ رَسولاً ولَم يَكُن إماماً ؛ فَإِنَّ إنكارَكَ عَلى جَميعِ النَّبِيّينَ الأَئِمَّةِ ، ولكِنّا نَشهَدُ أ نَّهُ كانَ رَسولاً نَبِيّاً إماماً» (2) . يُسفر هذا الحوار المتبادل في الرسالتين عن موقع الإمامة في الفكر الإسلامي ، وهو إلى ذلك يكشف عن الأسباب الكامنة من وراء عداء بني اُميّة لهذا العنوان .
.
ص: 313
على ضوء هذا التوضيح يمكن أن نُدرك الآن عمق الأخبار والأحاديث الكثيرة التي أكّد فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله على إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، من بينها قوله : «يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي وخَليفَتي وإمامُ اُمَّتي بَعدي» أو قوله : «أنتَ إمامُ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ، ووَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ بَعدي» (1) وغير ذلك من النصوص التي جاءت تأكيداً وإلفاتاً لديمومة الإمامة في وجود عليّ بن أبي طالب .
.
ص: 314
(8 )أحاديث الولايةمن العناوين البارزة التي جاءت بها الروايات ، وأكّدتها أيضاً آيات تفسّرها أحاديث حيال عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، هو عنوان «الوليّ» . لا جدال في أنّ استعمال مادة «و ل ي» بمعنى القيّم ، والقائد ، والزعيم ، والأولى بالتصرّف ، والأحقّ بالقيمومة والأمر ؛ هو أمر شائع الاستعمال في الأدب العربي ، كما سنُشير إلى ذلك أثناء دراسة حديث الغدير وتحليله . إنّ النصوص التي تضمّنت إطلاق رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنوان «الوليّ» و «الولاية» على عليّ بن أبي طالب ، لهي كثيرة في الحديث والأخبار النبويّة ، فلطالما أشار النبيّ إلى عليّ بهذا الوصف الجليل في مواضع كثيرة ، وما أكثر المواقع التي عرض بها هذا العنوان المثير للانتباه . فخطاب النبيّ بهذه الصيغة : «يا عَلِيُّ ، أنتَ وَلِيُّ النّاسِ بَعدي ؛ فَمَن أطاعَكَ فَقَد أطاعَني ، ومَن عَصاكَ فَقَد عَصاني» (1) تردّد كثيراً بحيث امتلأت منه مصادر أهل السنّة ومدوّناتهم الحديثيّة ، وقد أوردنا شطراً مهمّاً منها في ظلّ عنوان «أحاديث الولاية» (2) . إنّ هذه الأحاديث _ بالأخصّ حين تأتي بقيد «من بعدي» _ لا تدع مجالاً للشكّ في أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد حدّد من خلال ذلك طبيعة المسار السياسي الذي يخلفه ، وأومأ بوضوح إلى القيادة السياسيّة التي تتسنّم الاُمور من بعده .
.
ص: 315
(9 )تجلّي الولاية في القرآنلم يقتصر وصف «الوليّ» و «الولاية» لعليّ في الحديث النبوي وحده ، بل امتدّ إلى آي القرآن الكريم ، كما دلّلت على ذلك روايات كثيرة ، ومن بين هذه الآيات قوله سبحانه : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» (1) إذ ليس ثمّ شكّ في شأن نزول هذه الآية وانطباقها على الإمام عليّ عليه السلام فيإطار الواقعة المعروفة؛ حيث دخل سائلٌ المسجد ، فأومأ إليه الإمام بإصبعه ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وانصرف . لقد وثّق هذه الواقعة عدد كبير من المحدّثين والمفسّرين ، وذكروا صراحة أنّ الآية نزلت بشأن عليّ عليه السلام (2) . لكن يبدو أنّ بعض المفسّرين لم يرُق لهم أن يُسفر الحقّ ويرمي بضيائه على الاُفق ، فلاذوا بشُبَهٍ راحوا يُثيرونها ، وجنحوا إلى تسويفات واهية علّهم يقلبوا الحقيقة ، ويكفئوا الحقّ على وجهه ؛ فقالوا _ مثلاً _ : إنّ «الَّذِينَ» جمع ، فكيف ينطبق على عليّ عليه السلام وهو واحد ! لقد نسوا _ وربّما تناسوا _ أنّ هذا مألوف ، واستعماله شائع في الأدب العربي ، كما كثُر في القرآن ؛ إذ يجيء الخطاب للجماعة مع أنّ المراد واحد بهدف التكريم أو أيّ باعث آخر ، كمثل قوله سبحانه : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّى وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَ_دًا فِى سَبِيلِى وَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِى
.
ص: 316
تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَ مَآ أَعْلَنتُمْ وَ مَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ» (1) ؛ فلا جدال أنَّ الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة بعدما بعث كتاباً إلى قريش ، كما ذكر ذلك المفسّرون (2) . كذلك قوله سبحانه : «فَتَرَى الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَ_رِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ» (3) ، حيث قصدت الآية عبد اللّه بن اُبَيّ كما أجمع المفسّرون على ذلك في شأن النزول (4) . على هذا يتّضح أنّ إيرادات هذا البعض من المفسّرين لم تأتِ بباعث البحث الناشئ عن الشكّ في فضيلة عظيمة كهذه . على أنّ أمثال هذه المواقف كثير وليس بعزيز . ثمّ إنّ الآية تحصر «الولاية» من دون لبس ب_ «اللّه » ، و «الرسول» و «عليّ» . ومن الجليّ أ نّه لو كان معنى الولاية في الآية هو «النصرة» أو «المحبّة» فلا معنى للتخصيص ، ولن يكون هناك ما يسوّغ الحصر (5) . لقد قصدنا في هذا المدخل أن نتابع تلك الجهود الحثيثة التي بذلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لتعيين الإمامة من بعده ، وتحديد الهادي الذي يأخذ بيد الاُمّة في المستقبل . كما جاءت الإشارة إلى هذه الآيات _ كمثال _ لتسلّط الضوء على دور الوحي في هذه المهمّة التي بلغ فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذروة لأجل تثبيت الولاية ، من خلال ما نهض به عمليّاً من تفسير هذه الآيات وتبيينها .
.
ص: 317
(10 )أحاديث الهدايةإمامة الاُمّة هي هداية الناس إلى المنزل المقصود ، وتوجيهها صوب المقصد الأعلى ، وسوقها تلقاء الكمال الإنساني الميسور . وعلى هذا ، أ فيمكن لمن لم يتوفّر على الهداية الكاملة ، ولم يعِش الدين إدراكاً عميقاً في وجوده أن يأخذ بيد المجتمع صوب تلك الهداية ؟ أو يكون لمن لا يهتدي إلّا أن يُهدى أن يتبوّأ هذا الموقع ؟ لقد أوضح النبيّ أنّ هادي الاُمّة والإمام الذي يأخذ بيد المؤمنين إلى برّ الأمان في المستقبل هو عليّ بن أبي طالب . فأمير المؤمنين عليه السلام هو الذي يسوق الاُمّة صوب الحقيقة ، ويأخذ بيدها إلى الينابيع الصافيّة النقيّة ، وهو الذي يتبوّأ في الاُمّة موقع الهداية بعد النبيّ . هذا ما أفصح عنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين عدّ عليّاً «هادي» الاُمّة ، والمصداق الرفيع لهذا الموقع وهو يفسّر قوله سبحانه : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (1) بقوله صلى الله عليه و آله : «المُنذِرُ أنَا ، وَالهادي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ» (2) .
.
ص: 318
(11 )أحاديث العصمةإنّ «العصمة» بمعنى الوقاية من الذنب والخطأ والجهل ، والاحتراز من الاعوجاجات التي تشوب السلوك ، هي من الخصائص الحتميّة لرسل السماء ؛ ويبدو أن ليس هناك نحلة أو فرقة من المسلمين تشكّ في ضرورة عصمة الأنبياء ، فالأنبياء عليهم السلام معصومون بنصّ القرآن ، وهذه حقيقة أجمع عليها المتكلّمون والعلماء ؛ إذ ليس هناك من يناقش في أصل العصمة وضرورتها ، إنّما يمكن أن يكون لبعضهم كلام في حدّها وحدودها . أمّا عقيدة الشيعة التي تستند إلى «النصّ» على الإمامة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتركّز على أنّ الإمامة قائمة على أساس النصوص الثابتة ، فهي تؤمن بأنّ جميع خصائص رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ ما خلا النبوّة _ تتجسّد في الإمام ، وتواصِل حضورها في خليفته من بعده ، وهي تعدّ ذلك أمراً قطعيّاً على أساس نصوص كثيرة ودلائل عقليّة وافرة نُقّحت في مظانّها . لقد ركّز علماء الشيعة ومتكلّموهم على هذا الأصل إزاء بقيّة الفرق الإسلاميّة ، وعدّوا هذا الموقع ضرورياً لخليفة النبيّ ، وذلك في مقابل التيّارات الاُخرى في الساحة الإسلاميّة من تلك التي لم تتبنّ ضرورة النصّ ، على أنّ طبيعة هذه المواقف ، وتحليل خلفيّاتها التاريخيّة وبناها الفكريّة ، هو أمر خارج عن نطاق هذا البحث . لكن يحسن بنا الآن أن نتوقّف مع ملاحظة سريعة ، قبل أن نواصل متابعة الجهود النبويّة لتشييد قواعد الإمامة العلويّة ، وتثبيت إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وطبيعة النهج الذي اعتمده رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعرض هذه الحقيقة ؛ فقد استند متكلّمو الشيعة
.
ص: 319
ومفسّروهم منذ القدم إلى «آية التطهير» من بين ما استندوا إليه في إثبات عصمة «الأئمّة» وطهارة «أهل البيت» ، وهو استدلال متين كشف عن قوّته وإحكامه في الدراسات المختصّة بذلك . بيد أنّ ما يعنينا أمره في هذا المجال ، وله صلة وثيقة ، بل ضروريّة ببحثنا ، هو معرفة طبيعة عرض هذه المسألة ، والكيفيّة التي استند إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بيانها ، وهنا بالذات تكمن الملاحظة التي أحببنا المكوث عندها قليلاً . لقد مضت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ بعد أن تلا آية التطهير على المسلمين _ أيّام وأشهر طويلة وهو يقف إلى جوار بيت عليّ ، وينادي إذا حضر وقت الصلاة : «الصَّلاةَ يا أهلَ البَيتِ» (1) . على هذا ليس هناك شكّ في أنّ «أصحاب الكساء» هم مصداق «أهل البيت» ، وأنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو سيّد أهل البيت وذروة السنام فيه . إنّما الذي يحظى بأهمّية أكبر بنظرنا هو ما كان يفعله الرسول في ثنايا تركيزه على الإعداد لقيادة المستقبل ، وكجزء من برنامجه لإعلان الإمامة التي تخلفه ، إلى جوار تأكيده على التصريح بطهارة أهل البيت وعصمتهم ، وحتى بعد إعلان هذه الفضيلة راح يكرّر على الدوام قوله صلى الله عليه و آله : «أنَا حَربٌ لِمَن حارَبَكُم ، وسِلمٌ لِمَن سالَمَكُم» (2) ، فماذا يعني هذا التكرار ، وما هو مغزاه ؟ يبدو أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كشف للاُمّة _ من خلال تفسيره النافذ البصير لقوله سبحانه : «وَ مَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَ_كَ إِلَا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْءَانِ» (3) _ عن وجود اُسرة ستنقضّ على المجتمع الإسلامي ، وتسومه الأذى والعذاب والظلم ، وبتشبيهه حركة هذه الاُسرة بنزو القردة كشف عن هويّتها القرديّة ،
.
ص: 320
وحذّر الاُمّة من أن تترك اُمور دينها تقع في يوم من الأيّام بيد رجال هذه العشيرة ، أو أن تكون قيم هذا الدين ومثله العليا لعبة بأيديهم يعبثون بها كيفما شاؤوا (1) . على الجانب الآخر من المشهد ، حرص رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ من خلال التركيز على طرح «أهل البيت» كاُناس مطهّرين ، وثلّة معصومة نقيّة من المثالب والعيوب _ أن يسجّل للاُمّة خطّ الإمامة المعصومة ، والقيادة النزيهة للمستقبل (2) . وكان لآية التطهير الدور العظيم في بيان فضائل «آل اللّه » والكشف عن مناقبهم ومنزلتهم الرفيعة ، وعلى هذا الضوء يتبيّن أنّ السرّ من وراء كلّ هذه الجهود النبويّة في الكشف عن مقصود الآية وتحديد مرادها ، وكذلك ما بذله الأئمّة عليهم السلامعلى هذا الصعيد ، وأيضاً ما قام به الاُمويّون في المقابل ومفسّروا البلاط من سعي هائل لصرف الآية عن «آل اللّه » أو إشراك الآخرين معهم في هذه الفضيلة على أقلّ تقدير ، إنّما يكمن في مفهومها الرفيع ، وما تنطوي عليه من دلالة قاطعة على طهارة الإمام أمير المؤمنين وعصمته ، ومن ثَمّ عصمة أهل البيت بالضرورة . ولم تكن هذه الآية وحدها في الميدان ، فبالإضافة إلى آية التطهير والجهود النبويّة الحثيثة التي بذلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في إبلاغها وتطبيقها على أهل البيت عليهم السلام ، توالت إلى جوارها روايات كثيرة نعت فيها النبيّ عليّ بن أبي طالب بالصدق والطهارة والنقاء والتزام
.
ص: 321
الحقّ واستقامة السلوك وطُهر الفطرة ، ثمّ توّج ذلك كلّه بالإعلان أنّ عليّاً هو عدل القرآن ، ومعيار الحقّ ، والميزان الذي يفرّق بين الحقّ والباطل ، وبين الضلالة والصواب ، وهو فصل الخطاب . وفي ذلك دلالة قاطعة على أنّ من ينبغي أن يكون الاُسوة والإمام ، والقائد والمنار ، والزعيم والمولى هو عليّ بن أبي طالب لا غير . ثمّ انظروا وتأمّلوا في قوله صلى الله عليه و آله : «عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ ، وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيٍّ» ، «عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ ، وَالحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ» ، «عَلِيٌّ عَلَى الحَقِّ ؛ مَنِ اتَّبَعَهُ اتَّبَعَ الحَقَّ ، ومَن تَرَكَهُ تَرَكَ الحَقَّ» ، «عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالقُرآنِ ، وَالحَقُّ وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيٍّ» . ماذا يعني هذا ؟ يعني أنّ عليّاً ثابت لا يزيغ ، صلبٌ لا تتعثّر به خطاه ، يقف في أعلى ذرى الاستقامة والصلاح ، لا يعرف غير الحقّ والصواب . إنّ عليّاً ليحمل على جبهته الوضيئة عنواناً رفيعاً اسمه «العصمة» ، ومن ثمّ ستكون الاُمّة في أمان من نفسها ، وسلامة من دينها وهي تهتدي بهدي عليّ ، وتقتدي به اُسوة ومناراً . لقد توفّر هذا الفصل على بيان هذه الإشارات تفصيلاً من خلال النصوص الكثيره التي رصدها (1) .
.
ص: 322
(12 )أحاديث العلميتبوّأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله المرجعيّة الفكريّة للاُمّة بالإضافة إلى الزعامة السياسيّة كما سلفت الإشارة لذلك ، فالاُمّة تواجه في معترك حياتها عشرات المعضلات الفكريّة على الصعيدين الفردي والاجتماعي ؛ فمن الذي يتولّى تذليل هذه العقبات ؟ ومن الذي يُميط اللثام عمّا يواجهه المجتمع من مشكلات معرفيّة ، ويفسّر للناس آيات القرآن ، ويعلّم الاُمّة أحكام دينها وكلّ ما يمتّ بصلة إلى المرجعيّة العلميّة والفكريّة ؟ ومَن الذي أراد له رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يتبوّأ هذا الموقع في المستقبل بحيث تلوذ به الاُمّة ، وتلجأ إليه بعد رحيل النبيّ ؟ لقد ضمّت المصادر القديمة نصوصاً نبويّة مكثّفة تدلّ بأجمعها على أنّ النبيّ اختار عليّ بن أبي طالب للمرجعيّة العلميّة والفكريّة من بعده ، منها الحديث النبوي الكريم : «أنَا مَدينَةُ العِلمِ ، وعَلِيٌّ بابُها» فعلاوة على شوق عليّ عليه السلام إلى العلم ، وتطلّعاته الذاتيّة إلى المعرفة ، وتوقه الشديد للتعلّم ، واستعداده الخاصّ على هذا الصعيد ، كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يُخفي حرصه على إعداد عليّ إعداداً علميّاً خاصّاً ، وزقّهِ العلم زقّاً ، وإشباع روحه بالمعرفة ، والفيض عليه من الحقائق الربّانيّة العُليا . لقد جاء الكلام النبوي الكريم : «أنَا مَدينَةُ العِلمِ وعَلِيٌّ بابُها ؛ فَمَن أرادَ المَدينَةَ فَليَأتِ البابَ» ليدلّ دلالة قاطعة لا يشوبها أدنى لبس ، على أنّ العلم الصحيح عند عليّ وحسب لا عند سواه (1) . لقد طلب النبيّ عليّ بن أبي طالب في اللحظات
.
ص: 323
الأخيرة من حياته ، وراح يسرّ له بينابيع المعرفة ، فقال عليّ بعد ذلك واصفاً الحصيلة التي طلع بها من إسرار النبيّ له : «حَدَّثَني ألفَ بابٍ ، يَفتَحُ كلُّ بابٍ ألفَ بابٍ» . وهذه هي الحقيقة ، يدلّ عليها قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أنَا دارُ الحِكمَةِ ، وعَلِيٌّ بابُها» . ثمّ هل انشقّت الحياة الإنسانيّة عن إنسان غير عليّ يقول : «سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني» ؟ وهل عرفت صفحات التاريخ من ينطق بهذا سوى أمير المؤمنين ؟ لقد أجمع الصحابة على أعلميّة عليّ بن أبي طالب ، وتركوا للتاريخ شهادة قاطعة تقول : أفضلنا عليّ . ولِمَ لا يكون كذلك والإمام أمير المؤمنين نفسه يقول : «وَاللّهِ ما نَزَلَت آيَةٌ إلّا وقَد عَلِمتُ فيمَ نَزَلَت ، وأينَ نَزَلَت ، وعَلى مَن نَزَلَت ؛ إنَّ رَبّي وَهَبَ لي قَلباً عَقولاً ، ولِساناً ناطِقاً» . وما أسمى كلمات الإمام الحسن عليه السلام وما أجلّ كلامه وهو يقول بعد شهادة أمير المؤمنين : «لَقَد فارَقَكُم رَجُلٌ بِالأَمسِ لَم يَسبِقهُ الأَوَّلونَ بِعِلمٍ ولا يُدرِكُهُ الآخِرونَ» . إنّ هذا وغيره _ وهو كثير قد جاء في مواضع متعددة _ ليشهد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قصد من وراء التركيز على هذه النقطة _ التي أقرّ بها الصحابة تبعاً للنبيّ _ أن يعلن عمليّاً عن المرجع الفكري للاُمّة مستقبلاً ، ويحدّد للاُمّة بوضوح الينبوع الثرّ الذي ينبغي أن تستمدّ منه علوم الدين (1) .
.
ص: 324
(13 )أحاديث إثنا عشر خليفةمن بين الأحاديث المهمّة الجديرة بالتأمّل بشأن مستقبل الاُمّة ، هي تلك التي تتحدّث عن عدد خلفاء الرسول صلى الله عليه و آله . إنّ هذه الأحاديث الوفيرة التي جاءت في نقول متعدّدة ، وطرق مختلفة وصحيحة (1) ، لتُشير إلى أنّ خلفاء النبيّ اثنا عشر خليفة . تُطالعنا إحدى صيغ الحديث بالنصّ التالي : «لا يَزالُ الدّينُ قائِماً حَتّى تَقومَ السّاعَةُ أو يَكونَ عَلَيكُمُ اثنا عَشَرَ خَليفَةً كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» (2) . وقد جاء في نصّ آخر بالصيغة التالية : عَن جابِرِ بنِ سَمُرَةَ قالَ : كُنتُ مَعَ أبي عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَسَمِعتُهُ يَقولُ : «بَعدِي اثنا عَشَرَ خَليفَةً» ، ثُمَّ أخفى صَوتَهُ ، فَقُلتُ لِأَبي : مَا الَّذي أخفى صَوتَهُ ؟ قالَ : قالَ : «كُلُّهُم مِن بَني هاشِمٍ» (3) . وفي نصّ آخر : «يَكونُ مِن بَعدِي اثنا عَشَرَ أميراً» (4) . ما الذي قصده رسول اللّه صلى الله عليه و آله من هذه الأحاديث ؟ هل تحدّث عن واقع سوف يحصل أم رام الحديث عن حقيقة ينبغي أن تكون ؟ هل رام أن يستشرف المستقبل ليشير إلى الذين سيخلفونه في الواقع التاريخي ، ويتسنّمون هذا الموقع من بعده
.
ص: 325
أم أ نّه استند إلى حقيقة تنصّ صراحة أنّ خلفاءه اثنا عشر خليفة ، وأنّ هؤلاء هم الذين ينبغي أن يكونوا خلفاء ، ليس من ورائهم أحد حتى آخر الدهر ؟ لايبدو أنّ هناك شكّ في أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان بصدد إعلان الخليفة ، وتحديد من يتبوّأ مكانه ويمارس الحاكميّة على الاُمّة كما يمارسها هو ، ويواصل نهج النبيّ في الخلافة . بيد أنّ البعض سعى إلى اصطناع مصاديق لهذا الكلام الإلهي الذي نطق به الرسول صلى الله عليه و آله تتطابق ورغباته (1) ، فذهب إلى أنّ المراد من الاثنيعشر هم الخلفاء الأربعة ، ومعاوية وولده يزيد وهكذا ! (2) وعلى طبق هذا التفسير يكون النبيّ صلى الله عليه و آله قد نصب هؤلاء خلفاء له ، وأهاب بالاُمّة اتّباعهم وإطاعتهم والتسليم إليهم ! أي طاعة يزيد وعبد الملك بن مروان وأضرابهم ، «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَ هِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَا كَذِبًا» ! (3) كيف يمكن تصوّر رسول الكرامة والإنسانيّة ، ومبعوث الحريّة والقيم العليا ، وهو يختار لخلافته الظلمة والفسّاق ، ويحثّ الاُمّة على طاعة المجرمين والفاسدين ؟ ! (4) لا جدال أنّ من يُذعن لأصل الرواية _ ولا مفرّ من ذلك _ يتحتّم عليه التسليم لتفسير الشيعة الذي يذهب إلى أنّ هؤلاء الخلفاء هم عليّ وآل عليّ عليهم السلام ، كما ذكرت ذلك بعض الروايات عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأتت على أسمائهم صراحة ، حيث يمكن
.
ص: 326
أن يُلحظ ما يلي : 1 _ إنّهم اثنا عشر معروفون ينطبقون _ في عددهم وأسمائهم _ مع الحديث . 2 _ إنّ الأئمّة من قريش ؛ وهم من قريش . 3 _ رأينا بعض الروايات تحمل في ذيلها عبارة : «كُلُّهُم مِن بَني هاشِمٍ» . والأمر كذلك في عليّ وآل عليّ عليهم السلام ؛ فهم جميعاً من بني هاشم ، يؤيّد ذلك الكلام العلوي المنيف الذي يقول فيه أمير المؤمنين عليه السلام : «إنَّ الأَئِمَّةَ مِن قُرَيشٍ غُرِسوا في هذَا البَطنِ مِن هاشِمٍ ، لا تَصلُحُ عَلى سِواهُم ، ولا تَصلُحُ الوُلاةُ مِن غَيرِهِم» (1) . 4 _ إنّهم من أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذا يتطابق مع ما سبق وقد ذكرناه في الصفحات السابقة ، كما يتوافق مع نصوص كثيرة ستأتي الإشارة إليها لاحقاً . 5 _ كما أ نّه يتطابق بدقّة مع ما جاء عن أئمّة أهل البيت عليهم السلامفي تفسير هذه الجملة _ كما سلفت الإشارة لذلك _ حيث ذُكرت أسماء هؤلاء الخلفاء الكرام بشكل كامل وتامّ . 6 _ على أساس روايات كثيرة تحدّث رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن دوام إمامة المهدي عليه السلام واستمرارها إلى ما قبل القيامة ، والمهدي المنتظر هو الحلقة الأخيرة في سلسلة الأئمّة الاثني عشر في المعتقد الشيعي . من هذه الروايات : المَهدِيُّ مِنّا أهلَ البَيتِ يُصلِحُهُ اللّهُ في لَيلَةٍ (2) . المَهدِيُّ مِن عِترَتي مِن وُلدِ فاطِمَةَ (3) .
.
ص: 327
لَو لَم يَبقَ مِنَ الدُّنيا إلّا يَومٌ لَبَعَثَ اللّهُ عزَّوجَلَّ رَجُلاً مِنّا يَملَؤُها عَدلاً كَما مُلِئَت جَوراً (1) . لا تَقومُ السّاعَةُ حَتّى يَلِيَ رَجُلٌ مِن أهلِ بَيتي يُواطِئُ اسمُهُ اسمي (2) . الأَئِمَّةُ بَعدِي اثنا عَشَرَ ؛ تِسعَةٌ مِن صُلبِ الحُسَينِ ، وَالتّاسِعُ مَهدِيُّهُم (3) . واستكمالاً للحديث في هذا المضمار نعرض فيما يلي عدداً من النقاط الاُخرى : 1 _ يُعدّ حديث «اثنا عشر خليفة» أو «اثنا عشر أميراً» المروي عن جابر بن سمرة ، من الأحاديث المشهورة التي اُخرجت بطرق متعدّدة كما أسلفنا الإشارة إلى ذلك . والذي عليه عقيدة أغلب الذين وثّقوا الحديث ورووه أنّ الرسول صلى الله عليه و آله أدلى به في «حَجَّة البلاغ» ، بيد أنّ عمليّة دراسة طرق الحديث وتحليل صيغه الروائيّة تدلّ بوضوح أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أدلى بهذا الحديث في مكانين ، هما :
أ : مسجد النبيوفاقاً لرواية مسلم وأحمد بن حنبل ، جاء نصّ جابر بالصيغة التالية : «سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسلَمِيُّ ، يَقولُ : لا يَزالُ الدّينُ» (4) إلى آخر النصّ . المعلوم أنّ ماغر بن مالك الأسلمي المذكور في النصّ قد تمّ رجمه بالمدينة جزماً (5) . علاوة على ذلك ثمّة نصوص اُخرى تتحدّث صراحة أنّ الراوي سمع الحديث في مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله ، كما في قوله : «جِئتُ مَعَ أبي إلَى المَسجِدِ وَالنَّبِى ¨ُّ
.
ص: 328
يَخطُبُ» إلى آخر الحديث (1) ، حيث يدلّ لفظ «المسجد» في الرواية على المسجد النبوي ظاهراً .
ب : حجّة البلاغهذه المجموعة من الأخبار مرويّة عن جابر بن سمرة بن جندب أيضاً ، وقد ذكر فيها أ نّه سمع مقالة النبيّ هذه في ذلك الموسم العظيم (2) (حَجَّة البلاغ أو حَجَّة الوداع) ، وفي الموقف بعرفات (3) . 2 _ إنّ استثمار رسول اللّه صلى الله عليه و آله للموسم ، وتوظيفه لاجتماع الاُمّة العظيم في عرفات ؛ لكي يعلن هذه الحقيقة ويصدع بها ، لهو أمر خليق بالاعتبار ، وينطوي على الدروس والعِبَر . فقد حرص النبيّ صلى الله عليه و آله على أن يستفيد من هذا الحشد الكبير في الإعلان عن «حديث الثقلين» ، وذلك في واحدة من المرّات المتكرّرة التي كان النبيّ قد أعلن فيها هذا الحديث المصيري على الاُمّة . بشكل عامّ عندما نطلّ على هذه المراسم نجدها شهدت عرض «الثقلين» بوصفهما معاً السبيل إلى هداية الاُمّة ، وفي المشهد ذاته تمّ تحديد مصاديق العترة والإعلان عنها بوضوح ، وفي الذروة الأخيرة من هذا الموسم سجّل المشهد نزول آية «إكمال الدين» وإعلان الولاية ، هذا الإعلان الذي ترافق مع إنذار للنبيّ صلى الله عليه و آله يفيد أنّ عدم إبلاغه ما اُنزل إليه من ربّه يتساوق مع ضياع الرسالة وعدم إبلاغها بالمرّة . بعبارة اُخرى : كأنّ المشهد يُخبرنا بوقائعه وما حصل فيه ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان
.
ص: 329
في الموسم هذا بشأن أن يُلقي على الاُمّة نظرة مستأنفة في جميع محتويات الرسالة ، ويستعيد اُمور هذا الدين ، وقد راح في الأيّام الأخيرة من سفره يركّز على الحجّ والولاية أكثر . لننظر إلى الإمام الباقر عليه السلام وهو يقول : «حَجَّ رَسولُ اللّهِ . . .» (1) . 3 _ تنطوي بعض صيغ الحديث ونقوله على نقطة تستثير السؤال وتستحق التأمّل ؛ فقد انطوت بعض نقول الحديث على جملة : «كُلُّهم مِن قُرَيشٍ» ، وهي تدلّ على أنّ جابراً لم يسمع هذه الجملة ، فسأل عنها أباه ، فذكر له أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال في تتمّة الحديث : «كُلُّهم مِن قُرَيشٍ» أو «كُلُّهُم مِن بَني هاشِمٍ» . هذه الصيغ على ثلاثة أضرب ، هي : أ : إنّ جابراً قال فقط : «ثُمَّ قالَ كَلِمَةً لَم أفهَمها» (2) . أو : «ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيَت عَلَيَّ» (3) من دون إيضاح علّة خفاء الصوت ، وسبب عدم السماع . ب : وفي بعضها عزى جابر عدم سماعه تتمّة الحديث إلى النبيّ صلى الله عليه و آله قائلاً : «ثُمَّ خَفَضَ صَوتَهُ ، فَلَم أدرِ ما يَقولُ» (4) . أو : «ثُمَّ هَمَسَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِكَلِمَةٍ لَم أسمَعها ، فَقُلتُ لِأَبي : مَا الكَلِمَةُ الَّتي هَمَسَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ؟» (5) . أو : «ثُمَّ أخفى صَوتَهُ ، فَقُلتُ لِأَبي : قَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يَكونُ بَعدِي اثنا عَشَرَ أميراً ، فَمَا الَّذي أخفى صَوتَهُ ؟ قالَ : كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» (6) .
.
ص: 330
ج : ذكر في بعضها أنّ سبب عدم سماع كلام النبيّ كان لغط الناس واهتياجهم ، حيث ضاع كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يعد يُسمع وسط ضجيج الحاضرين وصراخهم . والذي يبعث على الدهشة والأسى أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله في الوقت الذي كان يتحدّث فيه إلى الناس ، نجد الذين يستمعون إليه يرفعون أصواتهم خلافاً لصريح الأمر الإلهي : « لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَ تَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ » (1) ، وقد علت أصواتهم وزاد اهتياجهم حتى لم يعد يتميّز كلام النبيّ وما يقوله في هذا الضجيج ، بحيث لم يكن بمقدور الراوي _ جابر _ أن يتابع بقيّة الكلام ، فلاذ بالآخرين ، فذكروا له أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» . لقد جاءت صيغ متعدّدة تدلّ على هذا المعنى ، منها : «ثُمَّ لَغَطَ القَومُ وتَكَلَّموا ، فَلَم أفهَم قَولَهُ بَعدَ كُلُّهُم» (2) . «فَقالَ كَلِمَةً صَمَّنيهَا النّاسُ» (3) . «ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أصَمَّنيهَا (4) النّاسُ ، فَقُلتُ لِأَبي _ أو لِابني _ : مَا الكَلِمَةُ الَّتي أصَمَّنيهَا النّاسُ ؟ قالَ : كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» (5) . كما جاء أيضاً : «فَصَرَخَ النّاسُ ، فَلَم أسمَع ما قالَ» (6) . وبتأمّل ما أوردناه يهتدي الباحث إلى نقاط ، لا يخلو ذكرها من فائدة : 1 _ تحظى قضيّة الخلافة ومستقبل الاُمّة ومصيرها بعد النبيّ صلى الله عليه و آله بحسّاسيّة فائقة ، بحيث كان النبيّ عندما يصل إلى النقطة الجوهريّة ويبلغ لبّ المسألة يخفض صوته حتى لكأ نّه يهمس ، وفي موقع آخر كان الناس يبادرون إلى اللغط وإثارة الضوضاء
.
ص: 331
حال سماعهم الكلام النبوي ، يُظهرون بذلك إباءهم له . 2 _ تذكر بعض الروايات في تصوير الحالة «خفض الصوت» ، وبعضها الآخر ذكرت «اللغط والضجيج» ، حيث يرتبط كلّ وصف من هذه الأوصاف بمورد من موارد النقل . فجابر يذكر أ نّه لم يسمع الكلام النبوي في المسجد لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خفض صوته ، أمّا في الحديث الذي جاء في مسند أحمد بن حنبل ، فقد ذكر جابر أ نّه لم يسمع الكلام للغط القوم وهياجهم . والظاهر أنّ خفض النبيّ صوته كان في المسجد النبوي في المدينة ، ولغط الناس وهياجهم كان في حَجَّة الوداع ، كما أشارت لذلك الروايات المتقدّمة . 3 _ إنّه لأمر حريّ بالانتباه ما جاء في أحد النقول ، من أنَّ النبيّ قال عندما أخفى صوته : «كُلُّهُم مِن بَني هاشِمٍ» . والحقّ ، لا يستبعد أن تكون تتمّة الكلام _ على وجه الحقيقة _ هي جملة : «كُلُّهُم مِن بَني هاشِمٍ» ، التي أثارت الهياج ، وعلا كلام كثيرين عند سماعها ، فلم يذعنوا لها ، وأبوا قبولها ، والنقطة التي تزيد من قوّة هذا الاستنتاج هي مشهد السقيفة وما جرى في ذلك اليوم من حوادث ، ففي صراع يوم السقيفة لم يستند أيّ من أطراف اللعبة على مثل هذا الكلام ، ولم يذكر أحد أ نّه سمع النبيّ ، يقول : «كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ» برغم أنّ هذا الكلام كان يمكن أن يكون مؤثّراً في حسم الموقف . لهذا كلّه ، يمكن القول أنّ تتمّة الحديث النبوي كانت : «كُلُّهُم مِن بَني هاشِمِ» لا غير ، ثمّ بمرور الوقت وعندما حانت لحظة تدوين الحديث قدّروا أنّ من «المصلحة» استبدال «كلّهم من بني هاشم» بتعبير «كلّهم من قريش» ! مهما يكن الأمر ، ينطوي هذا الحديث بنقوله الكثيرة وطرقه المتعدّدة التي أيّدها محدّثو أهل السنّة أيضاً ؛ ينطوي على رسالة واحدة لا غير هي الإعلان عن ولاية عليّ بن أبي طالب وأولاده ، والتصريح بخلافة عليّ عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله بلا فصل . ومن ثمّ فهو دليل آخر على السياسة النبويّة الراسخة في تحديد مستقبل الحكم وقيادة الاُمّة من بعده .
.
ص: 332
(14 )حديث السفينةوالنبيّ صلى الله عليه و آله يعيش بين الاُمّة كان يُمسك بجميع الاُمور ، ويُشرف على الشؤون كافّة ، ولم يكن المجتمع الإسلامي على عهد النبيّ قد اتّسع بعدُ ، بيد أنّ هذا المجتمع الفتيّ كان يواجه مصاعب كثيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، ويعاني عدداً من الانحرافات ؛ فتيّار النفاق _ مثلاً _ كانت بذوره الاُولى قد نشأت في تضاعيف ذلك المجتمع ، وهكذا لاحت أيضاً إرهاصات ارتداد البعض انطلاقاً من المجتمع ذاته . لقد كان الرسول القائد ينظر ليوم تغيب فيه هذه الشعلة المتوهّجة ، ويفقد المجتمع وجود النبيّ ، فيما ينبغي للاُمّة أن تشقّ طريقها من بعده ، وتواصل الدرب . إنّ كلّ ما توفّرنا على ذكره يُشير إلى التخطيط لمستقبل الاُمّة وتدبير غدها الآتي ؛ هذا الغد الذي سينشقّ عن أجواء تتفجّر جوانبها بالفتنة ، وتضطرم بالعواصف العاتية وأمواج الضلال . على ضوء هذه الخلفيّة انطلقت كلمات رسول اللّه صلى الله عليه و آله تُدلّ الاُمّة على الملاذ الآمِن الذي تعتصم به من الفتن والضلال فيما اشتهر ب_ «حديث السفينة» ، الذي جاء في أحد نصوصه : «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ؛ من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك» . ما أروعه من تشبيه دالّ وموقظ ، يبعث على التيقّظ والحذر ! فرسول اللّه صلى الله عليه و آله يتطلّع صوب المستقبل من وراء حُجب الغيب ، فيبصره مليئاً بالفتن والضلالات التي يشبّهها بالأمواج المتلاطمة العاتية ، أمواج مهولة تُغرق مَن يعرض لها ، وتدفعه نحو قاعٍ سحيق ، وما أكثر من يتسلّق الأوهام حذر هذه
.
ص: 333
الأمواج ، بيد أ نّها سرعان ما تفترسه وتأتي عليه في ملاذه الواهن ، فيُدركه الغرق ويصير هباءً ضائعاً . فإذاً ينبغي أن تكون الاُمّة على حذر ، وأن تُدرك أنّ طريق النجاة الوحيد يكمن في ركوب «السفينة» ، واللوذ بأهل البيت عليهم السلام ، والاعتصام بحجزتهم ، والتمسّك بتعاليمهم وسنّتهم . ليس هناك شكّ في دلالة الحديث على وجوب إطاعة أهل البيت عليهم السلام وإلّا هل لعاقل تأخذه أمواج عاتية ، فيُشرف حتماً على الغرق والضياع ، ثمّ يتردّد في النجاة ، ولا يركب سفينة الإنقاذ ! من جهة اُخرى إنّ التطلّع صوب هذه السفينة يستتبع الهداية بالضرورة والنجاة من أمواج الفتن والضلالات ، فالسفينة منجية ، وإذاً فهؤلاء الكرام معصومون منزّهون عن الزلل والخطأ (1) .
.
ص: 334
(15 )حديث الثقلينمن بين الخطوات التي تدبّرها الرسول القائد لمستقبل الاُمّة ، للحؤول دون تفشّي الضلالة ، وشيوع الجهل في وسطها ، وانحدارها إلى هوّة الحيرة والضياع ، هي جهوده التي بذلها لتعيين المرجعيّة الفكريّة ، وتحديد مسار ثابت للحركة الفكريّة ، وبيان كيفيّة تفسير القرآن والرسالة والمصدر الذي يستمدّ منه ذلك . هذه الحقيقة ربّما عبّرت عن نفسها بأنصع وجه في «حديث الثقلين» . لقد تضوّعت مواطن كثيرة بشذى الحديث ؛ حيث صدع به النبيّ صلى الله عليه و آله مراراً بمحتوىً واحد وصيغ بيانيّة متعدّدة ، وفي مواضع مختلفة ؛ في عرفة ، ومسجد الخيف ، وفي غدير خمّ ، كما أتى على ذكره في آخر كلام له وهو على مشارف الرحيل وقد ثقل عليه المرض ، في الحجرة الشريفة ، وغير ذلك . وبالإضافة إلى أهل البيت عليهم السلام فقد روى الحديث عدد كبير من الصحابة ، كما ذهب إلى صحّته كثير من التابعين والعلماء (1) . إنّ للحديث صيغاً متعدّدة ، جاء في إحداها : «إنّي تارِكٌ فيكُم ما إن تَمسَّكتُم بِهِ لَن تَضِلّوا بَعدي ، أحَدُهُما أعظَمُ مِنَ الآخَرِ ؛ كِتابُ اللّهِ حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّماءِ إلَى الأَرضِ ، وعِترَتي أهلُ بَيتي ، ولَن يَتَفَرَّقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ، فَانظُروا كَيفَ تَخلُفوني فيهِما» (2) . كلام عظيم ، ومنقبة شاهقة ، وفضيلة سامية لا نظير لها ، وهداية تبعث على
.
ص: 335
السعادة ، وتوجيه يعصم من الضلالة والردى . النقطة الأهمّ التي يحويها هذا الكلام النبوي العظيم ، والحقيقة العظمى التي يجهر بها دون لبس ، هي مرجعيّة أهل البيت عليهم السلام ، والحثّ على وجوب اتّباعهم والائتمام بهم في الأقوال والأفعال ، وقد صرّح بهذه الحقيقة الرفيعة عدد كبير من العلماء ، منهم سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ؛ أحد كبار متكلّمي أهل السنّة ، حين قال : «إنَّهُ صلى الله عليه و آله قَرَنَهُم بِكِتابِ اللّهِ في كَونِ التَّمَسُّكِ بِهِما مُنقِذاً مِنَ الضَّلالَةِ ، ولا مَعنى لِلتَّمَسُّكِ بِالكِتابِ إلَا الأَخذُ بِما فيهِ مِنَ العِلمِ وَالهِدايَةِ ، فَكَذا فِي العِترَةِ» (1) . على صعيد آخر تتمثّل أهمّ مهامّ النبيّ صلى الله عليه و آله ومسؤوليّاته بالهداية وإزالة الضلالة . هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى ؛ فإنّ ما يأتي في طليعة واجبات الاُمّة وأكثرها بداهة ، هو ضرورة تمسّكها بكلّ ما يبعث على الهداية ، ويعصم من الضلال . وهذا ما فعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله تماماً ، وهو يضع المسلمين أمام هذا الواجب ، في قوله : «ما إن تَمَسَّكتُم بِهِما لَن تَضِلّوا» ؛ وعندئذٍ هل يسع إنسان أن يتردّد في وجوب اتّباع «العترة» الهادية ، والتسليم إليها وهي العاصمة عن الضلال ؟ ! ممّا يدلّ عليه الحديث أيضاً أنّ التمسّك بهذين الثقلين الكريمين يكفي لبلاغ المقصد الأسنى وتحصيل الهداية ، وأن ليس وراءهما إلّا الضلال «فمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَا الضَّلَ_لُ» (2) . من جهة اُخرى يسجّل حديث الثقلين «عصمة» العترة من دون لبس وغموض ؛ فمن زاوية عدّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله التمسّك بها واجباً ضروريّاً من دون أيّ قيد أو شرط ،
.
ص: 336
فهل من المنطقيّ أو المعقول أن نتصوّر النبيّ يدفع الاُمّة إلى التمسَّك بمرجعيّة أشخاص ، ويحثّها على التمسّك بتعاليمها دون قيد أو شرط ، وأشخاص هذه المرجعيّة يعيشون الضلال ؟ ثمّ إنّ هذه العترة هي عدل قرآنٍ «لَا يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ» (1) ، فهكذا العترة أيضاً . وأخيراً دلّ الحديث على أنّ التمسّك بالعترة هو سدّ يحول دون الضلالة ، فإذا ما كان الضلال سائغاً بحقّ هذه المرجعيّة فهل يمكنها أن تكون عاصمة عن الضلال ؟ ! فالعترة إذاً معصومة جزماً بدلالات الحديث . (2)
.
ص: 337
(16 )حديث الغديرذكرنا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أكّد منذ الأيّام الاُولى التي صدع فيها بالرسالة ، على الإمامة ومستقبل الاُمّة من بعده ، وشهدت له المواطن جميعاً ، وهو يعلن «الحقّ» ، ويحدّد أمام الجميع الإمامة من بعده بأعلى خصائصها ، وبمزاياها المتفوّقة ، ولم يتوانَ عن ذلك لحظة ، ولم يُضِع فرصة إلّا وأفاد منها في إعلان هذا «الحقّ» والإجهار به . وفي الحَجَّة الاخيرة التي اشتهرت ب_ «حَجَّة الوداع» ، بلغت الجهود النبويّة ذروتها ، وقد جاءه أمر السماء بإبلاغ الولاية ، لتكتسب هذه الحجّة عنوانها الدالّ ، وهي تسمّى «حَجَّة البلاغ» (1) . لنشاهد المشهد عن كثب ونتأمّل كيف تكوّنت وقائعه الاُولى . فهذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد قصد التوجّه للحجّ في السنة العاشرة من الهجرة ، وقد نادى منادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُعلم الناس بذلك ، فاجتمع من المسلمين جمع غفير قاصداً مكّة ليلتحق بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، ويتعلّم منه مناسك حجّه . حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمسلمين ، ثمّ قفل عائداً صوب المدينة . عندما حلَّ اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة كانت قوافل الحجيج تأخذ طريقها إلى مضاربها ومواضع سكناها ؛ فمنها ما كان يتقدّم على النبيّ ، ومنها ما كان يتأخّر عنه ، بيد أ نّها لم تفترق بعدُ ، إذ ما يزال يجمعها طريق واحد . حلّت قافلة النبيّ صلى الله عليه و آله بموضع يقال له «غدير خمّ» في وادي الجحفة ، وهو مفترق تتشعّب فيه طرق أهل المدينة والمصريّين والعراقيّين .
.
ص: 338
الشمس في كبد السماء ترسل بأشعّتها اللاهبة ، وتدفع بحممها صوب الأرض ، وإذا بالوحي يغشى النبيّ ويأتيه أمر السماء ، فيأمر أن يجتمع الناس في المكان المذكور . ينادي منادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بردّ من تقدّم من القوم ، وبحبس من تأخّر ؛ ليجتمع المسلمون على سواء في موقف واحد ، ولا أحد يدري ما الخبر . منتصف النهار في يوم صائف شديد القيظ ، حتى أنّ الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدّة الحرّ ، فيما يلوذ آخرون بظلال المراكب والمتاع . راحت الجموع المحتشدة تتحلّق أنظارها بنبيّها الكريم وهو يرتقي موضعاً صنعوه له من الرحال وأقتاب الإبل . بدأ النبيّ خطبته ، فراحت الكلمات تخرج من فؤاده وفمه صادعة رائعة ، حمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ ذكر للجمع المحتشد أنّ ساعة الرحيل قد أزفت ، وقد أوشك أن يُدعى فيُجيب ، على هذا مضت سنّة البشر قبله من نبيّين وغير نبيّين . أما وقد أوشك على الرحيل ، فقد طلب من الحاضرين أن يشهدوا له بأداء الرسالة ، فهبّت الأصوات تُجيب النبيّ على نسقٍ واحد : «نَشهَدُ أ نَّكَ قَد بَلَّغتَ ونَصَحتَ وجَهَدتَ ؛ فَجَزاكَ اللّهُ خَيراً» . ما لهذا جمَعَهم في هذه الظهيرة القائضة ، بل هو يعدّهم لنبا مُرتقب ، ويُهيّئ النفوس لبلاغ خطير هذا أوانه ، تحدّث إليهم مرّات عن صدقه في «البلاغ» ، كما تكلّم عن «الثقلين» وأوصى بهما ، ثمّ انعطف يحدّثهم عن موقعه الشاهق العليّ في الاُمّة ، وطلب منهم أن يشهدوا بأولويّته على أنفسهم ، حتى إذا ما شهدوا له بصوت واحد ، أخذ بعضد عليّ بن أبي طالب ورفعه ، فزاد من جلال المشهد وهيبته ، ثمّ راح ينادي بصوتٍ عالي الصدح قويّ الرنين : «فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» . قال هذه الجملة ، ثمّ كرّرها ثلاثاً ، وطفق يدعو لمن يوالي عليّاً ، ولمن ينصر
.
ص: 339
عليّاً ، ولمن يكون إلى جوار عليّ . تبلّج المشهد عن نداء نبوي أعلى فيه رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله ولاية عليّ وخلافته ، على مرآى من عشرات الاُلوف ، وقد اجتمعوا للحجّ من جميع أقاليم القبلة ، وصدع ب_ «حقّ الخلافة» و «خلافة الحقّ» . فهل ثَمّ أحد تردّد في مدلول السلوك النبوي ، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نصب بهذه الكلمات عليّ بن أبي طالب وليّاً وإماماً ؟ أبداً ، لم يسجّل المشهد التاريخي يومئذٍ من استراب بهذه الحقيقة أو شكّ فيها ، حتى اُولئك النفر الذين أخطؤوا حظّهم ، وعتت بهم أنفسهم ، فأنفوا عن الانقياد ؛ حتى هؤلاء لم يستريبوا في محتوى الرسالة النبويّة ، ولم يشكّوا بدلالتها ، إنّما انكفأت بهم البصيرة ، فراحوا يتساءلون عن منشأ هذه المبادرة النبويّة ، وفيما إذا كانت من عند نفس النبيّ أم وحياً نازلاً من السماء . انجلى المشهد عن عليّ بن أبي طالب وهو متوّج بالولاية والإمارة ، فانثال عليه كثيرون يهنّئونه من دون أن تلوح في اُفق ذلك العصر أدنى شائبة تؤثّر في نصاعة هذه الحقيقة أو تشكّك فيها ، فهذا هو عمر بن الخطّاب نهض من بين الصفوف المهنّئة ، وقد خاطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : «هنيئاً لك يا بن أبي طالب !أصبحت اليوم وليّ كلّ مؤمن» (1) . بيد أنّ الأمر لم يمضِ إلى مداه وغايته على هذه الشاكلة ؛ إذ سرعان ما حصل الانقلاب بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتغيّر الواقع ، وراح البعض يقلب الاُمور وهو يسعى أن يُلبس رداء الخلافة غير أهله . لكن هيهات ! حيث لم يشقّ الشكّ طريقه إلى هذه الفضائل أبداً ، ولم ينفذ الظلام إلى هذا النور المتبلّج ، فراح القوم يبحثون عن ذرائع اُخرى فما الذي فعلوه ؟ لقد سَعوا بعد مدّة أن يشكّكوا من جهة في دلالة هذا
.
ص: 340
الحديث الشريف على «الإمامة والولاية» ، ويثيروا الشبهات من جهة ثانية حول سنده . لقد توفّرنا على إيراد نصوص كثيرة في المتن ، ونودّ الآن أن نسلّط الضوء على بعض الحقائق الكامنة في الحديث من خلال دراسة وتحليل محتواه وسنده ودلالته ، وذلك في إطار النصوص التي مرّت ومعلومات اُخرى . سنمضي مع هذه الجولة التحليليّة من خلال العناوين التالية :
1 _ سند الحديثحديث الغدير من أبرز الأحاديث النبويّة وأكثرها شهرة ، صرّح بصحّته بل بتواتره عدد كبير من المحدّثين والعلماء (1) . على سبيل المثال : نقل ابن كثير عن الذهبي : «وصَدرُ الحَديثِ (مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ) مُتَواتِرٌ ، أتَيَقَّنُ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَهُ» (2) . وقال الذهبي في رسالته : حَديثُ «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» مِمّا تَواتَرَ ، وأفادَ القَطعَ بِأَنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه و آله قالَهُ ، رَواهُ الجَمُّ الغَفيرُ وَالعَدَدُ الكَثيرُ مِن طُرُقٍ صَحيحةٍ ، وحَسَنَةٍ ، وضَعيفَةٍ ، ومُطَّرَحَةٍ ، وأنَا أسوقُها : . . . (3) . وقد أحصى العلّامة الأميني مائة وعشرة من أعاظم الصحابة رووا الحديث ، ثمّ ذكر في نهاية الجولة أنّ من فاته منهم أكثر من ذلك بكثير (4) . أمّا المحقّق الراحل السيّد عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله فقد ذكر في هامش على كلام
.
ص: 341
صاحب الغدير ، أنّ هناك عدداً آخر من الصحابة رووا الحديث ، قد استوفاهم في كتابه «على ضفاف الغدير» (1) . ثمَّ في موسوعة «الغدير» فهرس كبير تقصّى رواة حديث الغدير من التابعين . أمّا العالم الغيور السيّد حامد حسين الهندي الذي أمضى عمره دفاعاً عن الولاية وحريم التشيّع بمثابرة عجيبة ومن دون تعب أو كلل ، فقد خصّص جزءاً كبيراً من موسوعته الخالدة «عبقات الأنوار» لحديث الغدير ، حيث كشف فيه عن أسانيد الحديث تفصيلاً ، وضبط طرقه ورواته (2) ، ثمّ استوفى الكلام في نقد من ذهب إلى عدم تواتر الحديث ، كاشفاً خطل هذه الدعوى وعدم صوابها بأدلّة دامغة وافية (3) . على ضوء هذه المعطيات يبدو أنّ الكلام عن سند الحديث وصحّته هو من فضول الكلام ، وممّا لا جدوى من ورائه . لذلك كلّه سنكتفي بشهادات عدد من المحدّثين ، قبل أن نترك هذه النقطة إلى بُعد آخر من أبعاد البحث : ذكر الحاكم النيسابوري الحديث في موضع من «المستدرك على الصحيحين» ، ثمّ كتب بعد ذلك : «هذا حَديثٌ صَحيحٌ عَلى شَرطِ الشَّيخَينِ ولَم يُخرِجاهُ» (4) . كما قال في موضع آخر بعد نقل الحديث : «هذا حَديثٌ صَحيحُ الإِسنادِ ولَم يُخرِجاهُ» (5) . أمّا الترمذي فقد ذكر بعد أن نقل الحديث في «السنن» : «هذا حَديثٌ حَسَن
.
ص: 342
صَحيحٌ» (1) . وعند ترجمة الذهبي لابن جرير الطبري ، كتب : «لَمّا بَلَغَهُ _ ابن جرير _ أنَّ ابنَ أبي داوُدَ تَكَلَّمَ في حَديثِ غَديرِ خُمٍّ ، عَمِلَ كِتابَ الفَضائِلِ ، وتَكَلَّمَ عَلى تَصحيحِ الحَديثِ . قُلتُ : رَأَيتُ مُجَلَّداً مِن طُرُقِ الحَديثِ لِابنِ جَريرٍ ، فَاندَهَشتُ لَهُ ولِكَثرَةِ تِلكَ الطُّرُقِ» (2) . وكتب ابن حجر : «وأمّا حَديثُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، فَقَد أخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَالنِّسائِيُّ ، وهُوَ كَثيرُ الطُّرُقِ جِدّاً ، وَقِد استَوعَبَهَا ابنُ عُقدَةَ في كِتابٍ مُفرَدٍ ، وكَثيرٌ مِن أسانيدِها صِحاحٌ حِسانٌ» (3) . أمّا كتاب ابن عقدة الموسوم ب_ «حديث الولاية» فقد كان متداولاً بين العلماء حتى القرن الهجري العاشر تقريباً ، وعنه كتب السيّد ابن طاووس يقول : «وقَد رُوِيَ فيهِ نَصُّ النَّبِيِّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ عَلى مَولانا عَلِيٍّ عليه السلام بِالوِلايَةِ مِن مِائَةٍ وخَمسِ طُرُقٍ» (4)(5) . ممّن أتى على نقل الحديث أيضاً ابن عساكر ؛ حيث ذكره في مواضع عدّة من مصنّفه العظيم ، ويكفيك أ نّه ذكر له عشرات الطرق في موضع واحد فقط (6) . وعلى النهج ذاته مضى عدد كبير من المحدّثين والمفسّرين والعلماء .
.
ص: 343
أ فبعد هذا كلّه ، يجوز الشكّ في صدور الحديث أو في طرقه ؟ ! إنّ من يفعل هذا إنّما ينزلق إليه عن استكبار وعتوّ ورغبة في مناهضة الحقّ الصراح ، لا لشيء آخر .
2 _ دلالة الحديثيظهر ممّا ذكرناه في بداية البحث وما سنعمل تفصيله أكثر عبر نصوص جمّة ، أنّ أحداً لم يكن يشكّ أو يناقش في أنّ مدلول جملة : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» إنّما كان يُشير إلى الرئاسة وتولّي الأمر ، وإلى الإمامة والزعامة ، على هذا مضت سُنّة السلف ومن عاصر الحديث ، دون أن يفهم أحد ما سوى ذلك . ولا جدال أنّ للفظ «المولى» في اللغة معاني أوسع من ذلك (1) ، لكن ليس ثمَّ شيء من تلك المعاني يمكن أن يكون هو المراد ، إنّما المقصود بمدلول الحديث هو الذي ذكرناه ، وفهمه الجيل الأوّل .
«المولى» في الأدب العربيإنّ تفحّص النصوص الأدبيّة القديمة ، ودراسة متون اللغة والتفسير ، ليدلّ دون ريب أنّ إحدى المعاني الواضحة ل_ «المولى» هي الرئاسة والأولى بالتصرّف في اُمور «المولّى عليه» ، وهي بمعنى الزعامة والولاية . وفيما يلي نستعرض بعض النصوص والشواهد اللغويّة والتفسيريّة الدالّة على ذلك : كتب أبو عبيدة معمر بن المثنّى البصري في تفسير الآية(15) من سورة الحديد ، عند قوله : «هِىَ مَوْلَ_كُمْ» : «أي : أولى بِكُم» (2) .
.
ص: 344
ثمّ شيّد تفسيره وصوّبه على أساس بيت من الشعر الجاهلي استشهد به ، وهو : فَغَدَت كِلَا الفَرجَينِ تَحسَبُ أ نَّهُ مَولَى المَخافَةِ خَلفُها وأمامُها لقد قصد شرّاح «المعلّقات السبع» على أخذ المولى في بيت لبيد المذكور بمعنى «الأولى» ، وعلى هذا مضوا في شرح الشعر (1) . كتب المفسّر والنسّابة المعروف محمّد بن السائب الكلبي ، في تفسير الآية (51) من سورة التوبة : «قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَ_نَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ما نصّه : «أولى بِنا مِن أنفُسِنا فِي المَوتِ والحَياةِ» (2) . وكتب الأديب والمفسّر الكوفي المشهور أبو زكريّا يحيى بن زياد بن عبد اللّه المعروف بالفرّاء ، في تفسير الآية(15) من سورة الحديد ، ما نصّه : « «هِىَ مَوْلَ_كُمْ» : أي أولى بِكُم» (3) . وإلى هذا ذهب أيضاً أبو الحسن الأخفش ، وأبو إسحاق الزجّاج ، ومحمّد بن القاسم الأنباري وآخرون (4) . ذكرنا أيضاً أنّ مجيء مولى بمعنى المتولّي والقيّم على الاُمور هو كذلك من بين أجلى استعمالات هذا اللفظ ، وقد صرّح به كثير منهم : أبو العبّاس محمّد بن يزيد المعروف بالمبرّد ، في تفسير الآية (11) من سورة محمّد : «ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ» ، حيث كتب : «وَالوَلِيُّ وَالمَولى مَعناهُما
.
ص: 345
سَواءٌ ، وهُوَ الحَقيقُ بِخَلقِهِ المُتَوَلّي لِاُمورِهِم» (1) . كما جاء عن الفرّاء ، قوله : «الوَلِيُّ وَالمَولى في كَلامِ العَرَبِ واحِدٌ» (2) . كتب المفسّر والأديب والباحث القرآني المعروف في القرن الهجري الرابع الراغب الإصفهاني ، ما نصّه : «وَالوِلايَةُ تَوَلِّي الأَمرِ ، وَالوَلِيُّ وَالمَولى يُستَعمَلانِ في ذلِكَ ، كُلُّ واحِدٍ مِنهُما يُقالُ في مَعنَى الفاعِلِ أيِ المُوالي ، وفي مَعنَى المَفعولِ أيِ المُوالى» (3) . كتب المفسّر والأديب المعروف في القرن الهجري الخامس أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي النيسابوري ، في تفسير الآية(62) من سورة الأنعام : «ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلَ_هُمُ الْحَقِّ» ما نصّه : «الَّذي يَتَوَلّى اُمورَهُم» (4) . في الواقع صرّح بهذه الحقيقة علماء كثيرون نذكر من بينهم أيضاً المفسّر المعتزلي الكبير جار اللّه الزمخشري ، الذي كتب في تفسير الآية(286) من سورة البقرة : «أَنتَ مَوْلَنَا فَانصُرْنَا» ما نصّه : «سَيِّدُنا ونَحنُ عَبيدُكَ ، أو ناصِرُنا أو مُتَوَلّي اُمورِنا» (5) . أمّا ابن الأثير فقد كتب في مصنّفه القيّم «النهاية» الذي تناول فيه غريب الحديث النبوي وألفاظه الصعبة ، ما نصّه في معنى «المولى» : «قَد تَكَرَّرَ ذِكرُ المَولى فِي الحَديثِ ، وهُوَ اسمٌ يَقَعُ عَلى جَماعَةٍ كَثيرَةٍ . . . وكُلُّ مَن وَلِيَ أمراً أو قامَ بِهِ فَهُوَ مَولاهُ ووَلِيُّهُ . . . ومِنهُ الحَديثُ «أيُّمَا امرَأَةٍ نُكِحَت بِغَيرِ إذنِ مَولاها فَنِكاحُها باطِلٌ» ،
.
ص: 346
وفي رِوايَةٍ «وَلِيِّها» أي مُتَوَلّي أمرِها (1) . على هذا الضوء يتّضح أنّ «الأولويّة في الاُمور» ، و «تولّي الاُمور» و «السيادة والرئاسة والزعامة» هي حقائق ثابتة ومعروفة في معنى المولى ، كما أنّ تساوي معنى «المولى» مع «الوليّ» هي أيضاً حقيقة أكّد عليها العلماء والمفسّرون كما مرّت الإشارة لذلك (2) . وبذلك نحن نعتقد _ كما يتّفق معنا في ذلك أيضاً المنصفون وأتباع الحقّ من جميع الفرق والمذاهب (3) _ انّ ما قصده رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذلك المشهد العظيم الخالد ، من خلال هذه الجملة المصيريّة الخطيرة ، هو الإعلان عن «ولاية» عليّ بن أبي طالب و «إمامته» و «زعامته» وليس أيّ شيء آخر . لقد اُعدّ المشهد وتمّت تهيئة ذلك الحشد العظيم لغرض واحد فقط ، هو إعلان الولاية العلويّة للمرّة الأخيرة على مرآى الجميع ، هو إعلان أخير لكن احتشدت فيه كلّ عناصر التأثير والجاذبية لكي يستعصي على النسيان ويستوطن وعي الجميع وذاكرتهم ، حتى إذا ما أوشكت ساعة الرحيل ومضى النبيّ إلى ربّه ؛ لا يقول قائل : لم أدرِ ما الخبر ؟ أو لم أكن أعلم بالأمر ولم أسمع به ! لهذا كلّه حرص النبيّ صلى الله عليه و آله على أن يأخذ من القوم العهد والميثاق ، وأقرّهم مرّات على ما أبلغهم به ، حتى إذا أقرّوا له ، عاد يخاطب الجمع : «ألا فَليُبَلِّغِ الشّاهِد
.
ص: 347
الغائِبَ» . أمّا الآن فقد آن لنا أن ندرس ملازمات قلب هذا المعنى ؛ فلو قلنا إنّ مدلول هذا الحديث النبوي لم يكن يعني الولاية وقيادة الاُمّة في المستقبل ، فما هي اللوازم التي تترتّب على هذا النمط من التفسير ؟ هل ترى العقل يذعن للمشهد بمثل هذ التفسير ؟ ثمّ ننعطف إلى تحليل الواقعة ودراسة مكوّناتها وتأمّل الكيفيّة التي انبثق على أساسها المشهد ؛ لنخرج من حصيلة ذلك كلّه إلى أنّ الحقيقة تكمن فيما ذكرناه أثناء التحليل الاصطلاحي واللغوي لذلك الجزء من الحديث النبوي وحسب ، وليس ثَمَّ شيء أو أشياء وراء ذلك . واللّه من وراء القصد .
قرائن دلالة حديث الغدير على الخلافةأ : القرائن العقليّة1 _ الحصيلة التي تجمّعت بين أيدينا حتى الآن لا تدع _ باعتقادنا _ مجالاً للشكّ في أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد عيّن في ذلك المشهد المهيب قائد المستقبل ، وحدّد للاُمّة الإسلاميّة الإمام المرتقب . وما يمكن أن نضيفه الآن ، أنّ من يعتقد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكن قد صدع بالولاية في ذلك الجمع العظيم ، ولم يكن قد أعلن الخلافة عبر ذلك الخطاب الذي تفجّر حماساً وتركيزاً على هذه النقطة ، ومن ثَمّ فإنّ من يذهب إلى أنّ النبيّ قد اختار موقف الصمت إزاء مستقبل الاُمّة وغد الرسالة ، لا يسعه أن يدرك مِن الذي ذكرناه دلالته على المستقبل ، وسيكون عاجزاً عن أن يفهم منه تعييناً للإمامة التي تتبوّأ القيادة بعد النبيّ . تماشياً مع قناعة هذا النظر ينبغي أنّ نفترض أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكن قد فكّر في مستقبل الرسالة ، ولم يرسم لغد الاُمّة بعده مشروعاً محدّداً واضح المعالم
.
ص: 348
والأركان ، ولم يحدّد موقع الإمامة بعد غيابه ، بل ترك الاُمّة كقطيع دون راعٍ ، وكهباء ضائع في خلاء ، ومن ثمَّ فهو لم يجهر بالحقيقة الناصعة على هذا الصعيد ولم يعلنها بلاغاً صادعاً تتناقله العصور والأجيال ! هذا مع أ نّنا رأينا في مطلع البحث أنّ الفرضيّات الاُخرى حيال مستقبل الاُمّة ، غير نظريّة النصّ على القيادة ، تتّسم بأجمعها بالسقم والاضطراب وعدم الصواب . والسؤال مجدّداً : أ يقبل العقل _ أيّ عقل كان _ هذه السلبيّة واللامبالاة على هذا «الطبيب الدوّار» (1) ؟ وهل يصدق هذا على نبيّ لبث شامخاً ناهضاً متفانياً لم يتلعثم عزمه قط ، ولم يكفّ عن التفكير في مستقبل الاُمّة والرسالة لحظة واحدة ؟ حاشا رسول اللّه أن يفعل ذلك ، وجلّت عن ذلك حكمته وصوابه ، وحزمه وثباته . 2 _ كيفيّة انبثاق المشهد وانطلاق البلاغ : حجّ المسلمون مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهمّوا بمغادرة مكّة عائدين إلى ديارهم ومواضع سكناهم بعد أن انتهت المراسم . أفواج تتلوها أفواج ، وقوافل يتبع بعضها أثر بعض ، تترك البيت العتيق قاصدة العودة بأهلها من حيث أتوا . كذلك مضت قافلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترسل خطاها الثابتة صوب المدينة . اقتربت القافلة النبويّة من «وادي خمّ» وهو وادٍ موصوف بكثرة الوخامة وشدّة الحر (2) ، فجاء وحي السماء من فوره ، يأمر النبيّ أن يقف حيث هو . وراح منادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمر من تقدّم أن يعود ، ويحبس من تأخر ؛ ليجتمع الناس سواءً في مكان واحد ، حيث لم تتشعّب بهم الطريق بعد . أرض جرداء غير مسكونة مفتوحة على صحراء ممتدّة الشمس فوق الرؤوس
.
ص: 349
حارّة لاهبة ، وقد أمر النبيّ صلى الله عليه و آله أن يصنعوا له موضعاً يرتقيه من أقتاب الإبل ، حتى إذا خطب بالحاضرين يراه الجميع ويسمعونه . احتشد المكان بعشرات الاُلوف (1) ، أدّى النبيّ صلى الله عليه و آله صلاة الظهر ، ثمّ راح يستعدّ لالقاء خطابه بعد أن أمرهم بالتجمّع ، ازداد تجمهر الحشود واقترابها إلى حيث يقف النبيّ مستعدّاً لأمرٍ مهم . الشمس تستقرّ في كبد السماء فترسل بأشعّتها الحارقة ، فتتحوّل الصحراء في تلك الظهيرة إلى كتلة ملتهبة . الحاضرون يضعون الأردية والملابس فوق الرؤوس وتحت الأقدام علّها تقيهم شيئاً من الرمضاء الحارقة وأشعّة الشمس المتوهّجة ، وبعضهم يفى ء إلى المتاع والرحال يلوذ بظلاله . مشهد يقتحم الذاكرة ويستعصي على النسيان . رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصعد الموضع الذي صنعوه مِن الرحال وأقتاب الإبل ، وبصوته النديّ الشجيّ مضى يملأ بكلماته الأفئدة والأسماع ، ويُلقي خطبته على عشرات الاُلوف من المسلمين الذين أنهوا الحجّ لتوّهم . بدأ الخطبة ، حمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ راح يُشهدهم مرّات ومرّات على جهده الحثيث في إبلاغ الرسالة ، وما بذله لهم من النصيحة في دين اللّه ، وبجهاده العظيم في سبيل الدعوة . فشهدوا له وشهدوا ، وردّدوا ذلك بصوت واحد . كان هذا كلّه كالتمهيد ، حتى إذا ما تطلّعت النفوس والعقول مستفهمة ما وراء هذا الكلام النبوي من مغزى ، أزِفت اللحظة الموعودة ، فما كان من النبيّ إلّا أن أخذ
.
ص: 350
بعضد عليّ ورفعه حتى بان بياض آباطهما ، وصدع يقول : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» . والآن هلمّوا نُبصر المشهد ، ونتأمّل فيه عن كثب . ما الذي كان يبتغيه النبيّ بكلّ هذا التمهيد ، وفي فضاء مثل هذا تحتشد فيه الاُلوف المؤلّفة ؟ وما الذي كان يُريده من إعلان هذا الكلام وسط جوّ حارّ ملتهب يتجمهر فيه هذا الجمع العظيم ؟هل كان ما يقصده من قوله : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» هو الإعلان عن حبّ عليّ عليه السلام وحسب ؟ أ لم يتحدّث النبيّ صلى الله عليه و آله إلى الناس في أكثر من موضع من حجّته الأخيرة ؛ حَجَّة الوداع العظيمة ، عن أهل بيته ، ويركّز على مودّتهم من بين ما تحدّث به إلى المسلمين . أفتراه الآن جمع الاُلوف في هذه الرمضاء التي تشتعل النار في ترابها ، طالباً منها الإصغاء إلى كلامه ، وإلى أن يُبلّغ الشاهد الغائب ؛ لمحض أن يوصيها بحبّ عليّ ! أ يحتاج حبّ عليّ إلى وصيّة وهو سيّد المؤمنين وأميرهم والشخصيّة الخارقة في مدرسة محمّد صلى الله عليه و آله حيث لا تُضاهي مكانتها شخصيّة في هذا الدين ؟ ثمّ أ ليس المؤمنون مأمورون في كتاب اللّه بحبّ بعضهم بعضاً ، ومن ثمّ هم مأمورون بحبّ عليّ بالضرورة ؟ فهل يحتاج كلام كهذا إلى كلّ هذا التمهيد والإعداد ؟ سبق أن عرضنا أحاديث «حبّ عليّ» وقد ركّزنا هناك أيضاً إلى أ نّها تنطوي على مدلول أعظم ، وغاية أسمى تتخطّى حدود الحبّ الصوري العادي . ولطالما تساءلنا عن هذا العناء الذي تجشّمه الناس في تلك الظهيرة الحارقة ؛ فهل كانت هذه المشقّة والأذى البليغ من أجل أن يسمع الناس كلاماً يوصيهم بحبّ عليّ ؟ ! تكشف هذه المؤشّرات بأجمعها أنّ ما كان يبتغيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بجملته تلك يتخطّى هذه التصوّرات العاديّة ، ويتجاوزها إلى مدلول أهمّ وأخطر ، هذا المدلول هو الذي أملى على النبيّ صلى الله عليه و آله أن يعدّ _ بأمر اللّه _ هذا المشهد العظيم بوقائعه الأخّاذة ، ومعانيه
.
ص: 351
التي لا تُنسى ، كي يصدع مرّة اُخرى بذلك البلاغ الخطير ، باُسلوب أوضح ، حتى يعود المسلمون إلى ديارهم ومواطن سكناهم وفي أفئدتهم صدى الكلمات التي سمعوها في خطاب الرسول ، وفي ضمائرهم والعقول يستقرّ ذلك البلاغ الخطير . هل لعقل أن يفهم من المشهد غير هذا ؟ وهل ثمّ عقل يسيغ تلك التوجيهات والدعاوى الواهية التي ساقوها من حول الواقعة ! «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُو قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ» (1) .
ب : القرائن في الواقعة نفسها1 _ نزول الآيتينلا جدال في أنّ الآيتين (3) و (67) من سورة المائدة نزلتا بشأن واقعة الغدير ، فقد نزل الأمر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالبلاغ (الآية : 67) فأعدّ له ذلك المشهد المهيب الذي تجمّعت فيه آلاف الاُلوف ، حتى إذا ما انتهى النبيّ من البلاغ ، ومن قوله : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» نزلت الآية الاُخرى وهي تتحدّث عن إكمال الدين وتمام النعمة . هذه حقيقة وثّقت لها كثرة كبيرة من الروايات والأخبار بحيث لم يعد فيها أدنى شكّ . والسؤال : لقد نزلت الآية (67) وهي تحتّم على النبيّ صلى الله عليه و آله إبلاغ أمر إذا ما تخلّف عنه فكأ نّه لم يبلّغ الرسالة بالمرّة ، كما تُشير إلى أنّ ما ينبغي إبلاغه لهو من الخطورة بحيث يبعث الخيفة والتوجّس ، ويُثير خصومة المعاندين وعداوتهم ؛ فهل يتّسق هذا كلّه والزعم أنّ الآية نزلت بشأن شيء من الشرائع وبعض الحلال والحرام ! لقد كان واضحاً أنّ إبلاغ الشرائع وأحكام الحلال والحرام لا يستحقّ من
.
ص: 352
النبيّ الخشية والتوجّس ، كما لا يستتبع من الآخرين المعارضة والعناد . إنّه لأمر غريب ما ذهب إليه عدد من المفسّرين ! فعندما عجز هؤلاء عن رؤية الحقيقة _ أو لم تكن لهم رغبة برؤيتها _ تراهم جنحوا لمزاعم واهية وأقوال لا نصيب لها من الصواب . إنّ أهمّية الآيتين وتحديد زمن نزولهما ، يدفعنا إلى تخصيص بحث مستقلّ لكلّ واحدة منهما (1) .
2 _ محتوى الخطبةإنّ الطريقة التي بدأ بها النبيّ صلى الله عليه و آله خطبته ، وكيفيّة إدامتها ، والطريقة التي اختار بها عرض الموضوع ، والنسق الحماسي المؤثّر الذي شاب كلمات الرسول وذلك الإيقاع المتحرّق الأخّاذ في كلماته ، كلّ ذلك لا يدع مجالاً للشكّ في أنّ الموضوع أهمّ وأخطر بكثير ممّا تصوّره البعض . لنبقَ مع إحدى الصيغ التاريخيّة التي توفّرت على بيان النصّ ، ثمّ نتأمّل ما فيه من إيحاءات . عن حذيفة بن أسيد ، قال : «لَمّا قَفَلَ رَسولُ اللّهِ مِن حَجَّة الوَداع نَهى أصحابَهُ عَن شَجَراتٍ بِالبَطحاءِ مُتَقارِباتٍ أن يَنزِلوا حَولَهُنَّ ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيهِم فَصَلّى تَحتَهُنَّ ، ثُمَّ قامَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! قَد نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ أ نَّهُ لَم يُعَمَّر نَبِيٌّ إلّا مَثلَ نِصفِ عُمُرِ الَّذي قَبلَهُ ، وإنّي لَأَظُنُّ أن يوشِكَ أن اُدعى فَاُجيبَ ، وإنّي مَسؤولٌ وأنتُم مَسؤولونَ ، فَمَاذا أنتُم قائِلونَ ؟قالوا : نَشهَدُ أ نَّكَ قَد بَلَّغتَ ونَصَحتَ وجَهَدتَ ، فَجَزاكَ اللّهُ خَيراً . قالَ : أ لَستُم تَشهَدونَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، وأنَّ جَنَّتَهُ حَقٌّ ، وأنَّ نارَهُ حَقٌّ ، وأنَّ المَوتَ حَقٌّ ، وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وأنَّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ ؟ قالوا :
.
ص: 353
بَلى نَشهَدُ بِذلِكَ . قالَ : اللّهُمَّ اشهَد ، ثُمَّ قال : يا أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ مَولايَ ، وأنَا مَولَى المُؤمِنينَ ، وأنَا أولى بِهِم من أنفُسِهِم ؛ مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي فَرَطُكُم وإنَّكُم وارِدونَ عَلَىَّ الحَوضَ ، حَوضٌ أعرَضُ مِمّا بَينَ بُصرى وصَنعاءَ ، فيه آنِيَةٌ عَدَدَ النُّجومِ قِدحانٌ مِن فِضَّةٍ ، وإنّي سائِلُكُم حينَ تَرِدونَ عَلَيَّ عَنِ الثَّقَلَينِ ، فَانظُروا كَيفَ تَخلُفوني فيهِما ؛ الثَّقَلُ الأَكبَرُ كِتابُ اللّهِ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللّهِ وطَرَفٌ بِأَيديكُم ، فَاستَمسِكوا بِهِ لا تَضِلّوا ولا تُبَدِّلوا ، وعِترَتي أهلُ بَيتي ؛ فَإِنَّهُ قَد نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ أ نَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ» (1) . إنّ نسق بيان الخطبة ليدلّ على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله راح بادئ الأمر يهيّئ القلوب ويعدّها ، ويدفع بالأفكار إلى التأمّل ، ويحثّ الآذان على الانتباه والإصغاء ، حتى تنفتح بصائر القلوب ، فيملأ الأفئدة إيماناً ، وتستوطن كلماته النديّة الشجيّة الأعماق ، ذلك كلّه لكي لا ينقلب أحد من الناس في الغد وما بعد الغد إلى إنكار ما سمع من خطاب الرسول إلّا أن يكون ذلك عن ضلالة وعمى ، وعن عناد أمام الحقّ الصراح . تحدّث النبيّ صراحة بأنّ ساعة الرحيل قد أوشكت ، وما أقرب أن يُودّع الاُمّة إلى الرفيق الأعلى ؛ كي يحفّز بذلك الأذهان ويستحثّها للتفكير بأمر الخلافة ، ويدفعها للتأمّل في الصيغة التي تستمرّ فيها القيادة من بعده . لقد جاءت كلمات النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّي مسؤول ، وأنتم مسؤولون» لتلقي شحنة مركّزة وقويّة على المسؤوليّة العامّة الملقاة على عاتق الجميع ، وكأنّه صلى الله عليه و آله يقول : أنا مسؤول أن أصدع بالحقّ وأهتف بالحقيقة كما هي ، وأنتم مسؤولون أن تُصغوا
.
ص: 354
وتتأمّلوا ثمّ تعملوا . ثمّ انعطف يتساءل : لقد مكثت فيكم سنوات مديدة اُبلّغ رسالات ربّي فماذا أنتم قائلون ؟ أجاب الحشد بصوت واحد عالي الرنين ، رفيع الصدى : نشهد أ نّك قد بلّغت وجاهدت ، فجزاك اللّه خيراً . واستمرّ النبيّ يسترسل بتساؤلاته إلى الجمع المحتشد أمامه ، عن اُصول ما جاء به إليهم ، فشهدوا بالتوحيد والرسالة ، وأ نّه الأولى عليهم من أنفسهم في جميع شؤون الحياة ، فأشهد اللّه عليهم قائلاً : اللّهُمَّ اشهد . هي ذي اللحظة الموعودة أزفت ، إنّ هذا كلّه كان كالتمهيد ، ترقّب عارم يحفّ بالمشهد ، الأبصار تطمح تلقاء المُحيّا النبوي ، الآذان مشدودة إليه ، وتساؤلات تسكن الأعماق : ما الذي يريد أن يقوله النبيّ من وراء ذلك ؟ تدفّقت الكلمات من فم النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ» . وطفق النبيّ بعدها يدعو لمن والاه ، وأنّ من يعتو عن هذا الأمر ، ويعلو عليه ، ولا يسلّم لصاحب الولاية بولايته ، فهو في الحقيقة يُعلن المعركة ضدّ الرسول ، ويشهرها حرباً على النبيّ نفسه . أ بعد هذا يسفّ بعاقل رأيه ، ويتداعى به حزمه ، فيزعم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فعل ذلك كلّه كي يوصي بحبّ علي ؟ ! رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعلم أنّ في قومه من لا يطيق هذه الحقيقة ، وأنّ فيهم من سيحرّض على «المولى» ويحشّد الصفوف لمواجهته ، جامحاً عن الحقّ ، فشدّد وحذّر ، ثمّ ما لبث أن تحوّل إلى جانب آخر ، ليعيد تأكيد الأمر من بُعدٍ جديد . ذكر القيامة ، وعاد ينبّه إلى لحظة الفراق ، مشيراً : إنّني اُوشك أن اُدعى فاُجيب ، لكنّي أتوجّس المستقبل ، فماذا أنتم فاعلون ! موعدنا هناك ، على الحوض ،
.
ص: 355
ستجدوني أقف بانتظاركم ، أترقّبكم كيف ترِدون . صلّى اللّه عليك يا ضياء العالم ، ويا سراج الوجود المنير ، لقد صدعت بكلمات اللّه ، وبلّغت رسالة السماء بما هي أهله ، وأدّيت حقّ «الحقّ» اُداءً شرُفت به الحياة ، وأضاءت به مقادير الإنسان . صلّى الله عليك ، وقد صدعت بولاية عليّ بصدر مشحون بالغصص والآلام ، لعلمك بالمدى الذي ستبلغه مكائد القوم واحَنهم ، وهي توشك أن تنطلق قويّة ضارية ، تحيك المؤامرات والمتاعب من كلّ حدب وصوب . بيد أ نّك حفظت للحقّ حرمته ، وأدّيت الأمانة . فسلام عليك _ نُزجيه خاشعين _ عمّا أعطيت وهديت ، وعلى الذين نهجو نهجك الوضّاء ، وسلكوا سبيلك ، وبذلوا مهجتهم فيك .
3 _ تتويج عليّ يوم الغديرهو ذا نبيّ اللّه يضع عمامته على رأس عليّ ليزداد المشهد اُبّهةً وجلالاً ، فهو بحقّ : نور على نور . رسول اللّه صلى الله عليه و آله يهبط من المكان الذي وُضع له لحظة أن صدع بأخطر بلاغات السماء ، تتهادى إلى نفسه المقدّسة عذوبة شفيفة ، تسكن روحه طمأنينة باذخة ، ورضى أحسّ به بعد أن انتهى من إبلاغ الاُمّة أمر ربّه . الناس يتجمهرون حول النبيّ حلقاً حلقاً . لا ريب أنّ القلوب تموج بمشاعر مختلفة لما حصل . ما الخبر ؟ عليّ أصبح خليفة النبيّ ؟ لم يكن قلّة اُولئك الذين تجاهلوا كلّ جهود النبيّ صلى الله عليه و آله وما بذله في سبيل هذا الأمر منذ أوّل أيّام البعثة حتى هذه اللحظة ، وما كان اصرارهم على العناد قليلاً ، لذلك شعر النبيّ أنّ مهمّته لم تكتمل بعد ، فلابدّ من المزيد إمكاناً في ترسيخ الأمر ، وإبلاغاً في الحجّة .
.
ص: 356
نادى على عليّ عليه السلام ، وتوّج رأسه بعمامته «السحاب» . لقد ألفت أعراف ذلك العصر تتويج من يتسنّم زمام الحكم ، وعلى هذا جرى الملوك والاُمراء ، والآن هو ذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد نصب عليّاً للحكم ، يضع على رأسه العمامة ؛ لأنّ «العَمائِمُ تِيجانُ العَرَبِ» (1) . كما حدّثوا عن ثقافة ذلك العصر أنّ العرب عندما كانوا يَنتخِبون شخصاً للإمارة ويسوّدونه عليهم ، كانوا يضعون على رأسه «عمامة» في سلوك كان يدلّ على تثبيت الحاكميّة والولاية (2) . لقد تحدّث عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن هذه المكرمة النبويّة العظيمة ، بقوله : «عَمَّمَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ بِعِمامَةٍ» . (3) كما وثّق المحدّثون والمؤرّخون مراسم هذا التتويج المهيب الذي ينبئ عن العظمة والجلال ، فكان ممّا كتبوه : «أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله دَعا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ يَومَ غَديرِ خُمٍّ ، فَعَمَّمَهُ وأرخى عَذَبَةَ العِمامَةِ مِن خَلفِهِ» . وكتبوا أيضاً : «إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَمَّمَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام عِمامَتَهُ السَّحابَةَ» (4) . لقد دلّل النبيّ صلى الله عليه و آله بتتويج عليّ عليه السلام بعمامته «السحاب» على هذه الهيئة الخاصّة ، وفي ذلك المشهد وبعد البلاغ ، على أ نّه لم يكن يقصد من وراء خطبته وكلماته السامية ، غير نصب عليّ للولاية ، ولم يكن له غرض يصبو إليه من جميع ذلك ، إلّا أن يعلن إمامة أمير المؤمنين وزعامته للاُمّة (5) .
.
ص: 357
4 _ التسليم بالإمارةنزل النبيّ صلى الله عليه و آله من المنبر الذي صنعوه له من أحداج الإبل ، ثمّ أمر المؤمنين أن يُسلّموا على عليّ عليه السلام بإمرة المؤمنين . يقول بُريدة الأسلمي : «أمَرَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن نُسَلِّمَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ» . (1)
5 _ التهنئة بالولاية والإمارةلقد أسفرت تصريحات ذلك اليوم عن وجه الحقيقة ، حتى لم يفهم الحاضرون من الواقعة ومن البلاغ غير نصب عليّ عليه السلام للولاية ، لذلك اندفعوا صوب الإمام أمير المؤمنين يهنّئونه بالولاية . والطريف أنّ الذين تقمّصوا الأمر بعد ذلك كانوا في طليعة المبادرين لتهنئة الإمام ، ومن بينهم الخليفة الثاني الذي بادر الإمام بقوله : «هَنيئاً لَكَ يَا بنَ أبي طالِبٍ ! أصبَحتَ اليَومَ وَلِيَّ كُلِّ مُؤمِنٍ» . لقد توفّرت مصادر حديثيّة وتاريخيّة كثيرة على توثيق تهنئة عمر وضبطها بألفاظ عديدة ، كما توفّرت أيضاً على ضبط تهاني الآخرين (2) .
6 _ شعر الشعراءيحظى فهم الاُدباء والشعراء لمفردات اللغة وألفاظها بعناية خاصّة في جميع الثقافات ، فإذا ما تعددت احتمالات المعنى ترى العلماء يُهرَعون إلى فهم الاُدباء والشعراء ليستندوا إليه في الترجيح . وفي يوم الغدير ، حيث كان النبيّ قد نزل المنبر للتوّ ، نهض حسّان بن ثابت من
.
ص: 358
فوره ، واستأذن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يقول في الواقعة أبياتاً من الشعر ، فأذن له النبيّ ، فراح ينشد قصيدته العصماء ، ومطلعها : يُناديهُمُ يَومَ الغَديرِ نَبِيُّهُم بِخُمٍّ وأسمِع بِالرَّسولِ مُنادِياً إلى أن قال : فَقالَ لَهُ قُم يا عِلِيُّ فَإِنَّني رَضيتُكَ مِن بَعدي إماماً وهادِياً فلمّا فرغ قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «لا تَزالُ يا حَسّانُ مُؤَيَّداً بِروحِ القُدُسِ ما نَصَرتَنا بِلِسانِكَ» . يتّضح من غديريّة حسّان أ نّه فهم من الواقعة ومن قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، النصَّ على إمامة عليّ بن أبي طالب ، وقد أيّده النبيّ ولم يُنكر عليه 1 . وعلى هذا مضى شعراء كثيرون بعد حسّان بن ثابت ؛ حيث استلهموا في شعرهم وقصائدهم إمامة عليّ وولايته من هذه الواقعة وما صدر فيها . من جهته استند العلّامة الشيخ عبد الحسين الأميني في موسوعته الضخمة «الغدير» على مثل هذا الشعر من بين ما استند إليه ، قاصداً تحليل محتواه ودراسة مراميه الدالّة على الولاية والإمامة . (1)
7 _ إنكار الولاية ونزول العذابصدور موبوءة بالحسد ، موغرة بالحقد والضغينة ، لا لشيء إلّا لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أعلن اسم عليّ ونصبه للولاية وإمامة الاُمّة من بعده . راح هؤلاء يُرجِفون ، ويبثّون
.
ص: 359
السفاهات ، لكن ندّ مِن بينهم رجل كان أكثرهم وقاحة ، وأجرأهم على الحقّ ، نظر بعين الشكّ إلى ما قام به النبيّ من نصب عليّ للإمامة ، فأسرع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله تسبقه أحقاده ، فسأله بجلفٍ وفجاجة ، عن الذي جاء به ، وفيما إذاكان منه أم من اللّه ، فردّ عليه نبيّ اللّه ثلاث مرّات مشفوعة بقسم أنّ ما جاء به هو من عند اللّه ، وهو أمر السماء لابدّ له فيه . لكنّ الرجل مضى بنفس متبلّدة داجية ، وروح منهوكة مهزومة تُحيط بها ظلمة حالكة من كلّ صوب ، وهو يسأل اللّه بتبرّم وسخط أن يُسقِط عليه حجارة من السماء أو يأتيه بعذاب أليم إن كان ما يقوله حقّاً . لم يكد يبتعد عن النبيّ خطوات ، حتى نزل به العذاب ، إذ رماه اللّه بحجر قتله من فوره ، بعد أن وقع على هامته ، وأنزل اللّه سبحانه : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ » (1) . المهمّ في هذه الواقعة ما فهمه سائل العذاب ، فهذا الرجل فهم من قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» دلالته على الإمامة والرئاسة والقيادة ، بدليل قوله في سياق ردّه على النبيّ صلى الله عليه و آله : «ثُمَّ لَم تَرضَ حَتّى نَصَبتَ هذَا الغُلامَ ، فَقُلتَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» (2) ! إذ من الجليّ أنّ حبّ عليّ وإظهار مودّته لو كانا هما المقصودين في كلام النبيّ ، لما استدعى الأمر كلّ هذا الحنق والغضب من الرجل ، ولما استتبع عصيانه وطغيانه (3) .
8 _ اعتراف الصحابةلم يكن ثمّةَ من الصحابة في ذلك العصر مَن فهم من الكلام النبوي غير دلالته على مفهوم الإمامة والقيادة . حتى مرضى القلوب أظهروا الذي أظهروه لضعف اعتقادهم ، وإلّا لم يشكّ منهم أحد قط في مدلول الكلام النبوي ومعناه .
.
ص: 360
منذ ذلك المشهد وبعده _ حيث استمرّ الأمر بعد ذلك سنوات أيضاً _ كان هناك على الدوام من يُطلق على الإمام عليّ عنوان المولى ، ويخاطبه ويسلّم عليه به . وعندما كان الإمام عليّ عليه السلام يستوضح هؤلاء ويسألهم عن هذا الاستعمال ، كانوا يُجيبوه : «سَمِعنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَاِءنَّ هذا مَولاهُ» (1) . وقد أكّد عمر بن الخطّاب نفسه على هذه النقطة مرّات ، كما فعل ذلك عدد آخر من الصحابة أيضاً . والسؤال : هل أراد هؤلاء بمناداتهم عليّاً بالمولى ، استناداً إلى الواقعة وإلى مدلول حديث الغدير ؛ هل أرادوا بذلك «الحبيب» و «النصير» ؟ إنّ الجنوح إلى مثل هذا الفهم لا تبرّره إلّا اللااُباليّة كما ينمّ عن عدم الانصياع إلى أبسط الحقائق اللغويّة والبيانيّة وأوضحها .
9 _ مناشدة الإمامعندما رأى الإمام عليّ عليه السلام أنّ الجهاز السياسي الحاكم راح ينتهز الفرصة في تجاهل الواقعة وكتمانها ، بادر إلى اُسلوب فاعل لمواجهة ذلك . لم يلجأ الإمام إلى مواجهة الوضع الجديد على أساس صدامي مباشر ، ولم يَر من المناسب أن يلتحم في معركة حامية تثير الفتنة والاضطراب ، لأسباب كان يقدّرها ، ومرّت إليها الإشارة في موضعها . بيد أ نّه لم يكفّ يده قط عن إظهار الحقّ ، والإجهار بالحقيقة وبما كان قد حصل يوم الغدير مستفيداً من أيّة فرصة تؤاتيه لإعلان ذلك . فإذا ما واجه أحدهم الإمام بسؤال كان يُجيبه بصراحة ، وإذا ما كان بين الناس ورأى الأجواء مؤاتية بادر هو للحديث عن واقعة الغدير طالباً ممّن كان حضر الواقعة من الحاضرين أن يشهدوا بما أبصروا ورأوا .
.
ص: 361
كما كان يحصل أحياناً أن يقسم الإمام على أشخاص لاذوا بالصمت خوفاً أو طمعاً ، ويحثّهم على إظهار الحقّ والصدع به ، حتى لا تضيع الحقيقة وتندثر في مطاوي النسيان . إنّ الوقائع من هذا القبيل كثيرة ، وقد اشتهرت في تصانيف المحدّثين والمؤرّخين ب_ «المناشدة» ، وقد حصلت بوفرة سواء في عهد عزلة الإمام أو في عصر خلافته ، لكي لا يضيع الحقّ على الجيل الجديد ، ولا تلتبس عليه الحقيقة ، ويصير ضحيّة التجهيل والتضليل . من ذلك ما ذكروه ، من أنّ الإمام حضر في مجتمع الناس بالرحبة في الكوفة واستنشدهم بحديث الغدير ، حيث قالوا : نشد عليّ عليه السلام الناس في الرحبة من سمع النبيّ صلى الله عليه و آله يقول يوم غدير خُمّ ما قال ، إلّا قام . فقام بضعة عشر رجلاً من الصحابة (1) . لقد دأب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على تأكيد هذه الحقيقة دائماً وفي كلّ مكان ، حيث راح يحثّ من حضر الواقعة على الإدلاء بشهادته ، كي لايضيع حقّ «الحقّ» ولا يلفّه النسيان . على هذا كانت شهادة هؤلاء القوم مهمّة بالنسبة إلى الإمام ، وعندما اختار بعضهم _ ممّن لم يُرتقب منه ذلك أبداً _ الكتمان والامتناع عن إبداء الشهادة ، دعا عليهم الإمام بألمٍ وتوجّع (2) . أ فيكون كلّ هذا الحثّ والإصرار ، والحرص والتحرّق على إضاءة المشهد وإبقاء الواقعة حيّة لا تُنسى ، لمحض أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال في جملةٍ : أحبّوا عليّاً وانصروه ! ثمّ هل لنا أن نتصوّر أنّ الجهاز الحاكم فرض السكوت على تلك الجموع الكثيرة التي حضرت الواقعة ، بحيث كان الإمام عندما ينشدهم لم تنهض منهم إلّا قلّة ضئيلة
.
ص: 362
فيما تلوذ الأكثريّة بالصمت خوفاً أو طمعاً ، إنّما كان من أجل أن يحولوا بين القلوب والنفوس وبين جملة أوصى بها النبيّ بحبّ عليّ ؟
كلام أهل البيت عليهم السلام في تفسير الحديثذكرنا مراراً أنّ الذين حضروا مشهد الغدير فهموا من قول النبيّ : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» دلالته على الولاية والإمامة والرئاسة ، على هذا الأساس انطلقوا لتحيّة الإمام بالإمارة وتهنئته بالولاية ، على المسار ذاته تحرّك الاُدباء والشعراء ، فضمّنوا شعرهم وقصائدهم هذه الحقيقة التي فهموها وتركوها وثيقة للتاريخ ، كما يشذّ عن ذلك الفهم حتى اُولئك الضُّلّال الذي تعثّرت بهم بصيرتهم فاختاروا الضلالة على الهدى . ما نودّ التأكيد عليه في خاتمة هذه القرائن ، أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام أعلنوا هذه الحقيقة في تفسير الحديث مرّات ومرّات . أجل ، لم يصدر عن اُولئك الكرام ، وهُم هُم في البلاغة والعلم ، وهم «أهل البيت» ، و «أدرى بما في البيت» ؛ لم يصدر عنهم في مواضع متعدّدة قط سوى هذا التفسير . ونختم بنصّ من هذه النصوص الوضيئة التي تتضوّع مسكاً _ وختامه مسك _ حيث سأل أبو إسحاق الإمام عليّ بن الحسين ، بقوله : ما مَعنى قَولِ النَّبِيِّ : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟» . قال : «أخبَرَهُم أ نَّهُ الإمامُ بَعدَهُ» (1) . إنّ أمثال هذه النصوص التفسيريّة كثير في ميراث أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، ولا جدال أنّ تفسيرهم مقدّم على كلّ تفسير (2) .
.
ص: 363
بعد الغديرقفل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عائداً إلى المدينة بعد أن انتهى من الحجّ وأبلغ ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام . لم يعترض على البلاغ النبوي علناً وبشكل صريح إلّا شخص واحد ، أمّا البقيّة فقد انطوت على الصمت ولم تجهر بخبيئة نفسها . تفرّق الناس في البوادي والصحاري قاصدين ديارهم ، ودخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله المدينة مع أصحابه .
محاولة لتثبيت محتوى «الغدير»راح رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُمضي أيّامه الأخيرة في المدينة ، وموجات السرور تطفح بالبشر على وجهه الأقدس ، وهو يشعر بالرضى وقد انتهى من أداء آخر المسؤوليّات وبلّغ آخر كلمات السماء وأخطرها . بيد أ نّه كان يعرف بعلمه الذي يستمدّه من وراء الملكوت ، ما يجري في داخل المجتمع ، وله دراية بجميع المؤامرات والمكائد والعداوات التي توشك أن تنطلق في المستقبل القريب قويّة ضارية . لذلك كلّه راح يستفيد من الفرصة المتبقّية لكي يُحكم ما كان قد بلّغه ويرسّخه أكثر فأكثر . لقد سجّل الجهد النبوي على هذا الصعيد مبادرتين عظيمتين على الأقلّ ، نشير إليهما في الفصل الآتي .
.
ص: 364
(17 )الجهود الأخيرة1 _ كتابة الوصيّةرسول اللّه صلى الله عليه و آله ممدّد على فراش المرض وقد ثقل عليه المرض ، الحمّى تلهب جسده المطهّر ، وكلّ شيء يومئ إلى أنّ ساعة الرحيل قد أزفت ، وأنّ النبيّ يوشك أن يفارق هذه الدنيا بعد سنوات من الجهد الحثيث المثابر . ما يشغل النبيّ في هذه اللحظات الحرجة ويقضّ عليه مضجعه هو مستقبل الاُمّة ، والغد الذي ستؤول إليه رسالته الفتيّة ، وهذه الشجرة الطيّبة التي لا تزال بحاجة إلى الرعاية والحماية ، وإلى عناية من نوع خاصّ . في هذه اللحظات الثقيلة بوطأة الفراق الذي أوشك ، وإذا بصوت يصدع من الحجرة النبويّة ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «اِيتوني بِكِتابٍ أكتُب لَكُم كِتاباً لَن تَضِلّوا بَعدَهُ أبَداً» (1) . انفجر المشهد عن لغط تحوّل بالتدريج إلى صياح وخصام في محضر النبيّ الأقدس ، ثمّ ندت عن أحد الحاضرين كلمة قارصة موجعة بعيدة كلّ البعد عن مقام النبيّ وشأوه العظيم . لقد بلغ من احتدام الموقف أنّ النساء صحن من وراء الستر إشفاقاً على النبيّ ، وهنّ يحثّنّ الرجال أن يُقرّبوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما طلبه ، فما كان من صاحب ذلك الصوت إلّا أن عاد يطعن بهنّ (2) .
.
ص: 365
عندها أحجم النبيّ عن الحاضرين ، ونادى بهم : «قوموا عَنّي» ! (1) لم تُكتب هذه الوصية النبويّة ، لكن محتواها كان واضحاً لكثيرين _ ولا يزال _ وهم يعرفون تماماً لماذا أحجم النبيّ عن إملائها . لا ريب أنّ محتوى الوصيّة هو تأكيد آخر على ما تمّ إبلاغه في الغدير من الولاية وتحديد مستقبل الاُمّة ومصيرها ، تشهد على ذلك النقاط التالية : 1 _ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله تحدّث عن «التمسّك» بالثقلين مرّات ومرّات ، وعدَّ ذلك عصمة للاُمّة من مهاوي الردى والضلال . وفي حديثه عن هذه الوصيّة صرّح بالخصلة ذاتها ، وهو يقول : «كِتاباً لَن تَضِلّوا» . 2 _ ينبغي أن ندرس ونتأمّل طبيعة الشيء الذي إذا كتبه الرسول يُثير كلّ هذا الصخب والتوجّس وردود الأفعال ، حتى ليستمرئ بعض الحاضرين توجيه تلك المقالة المهينة إلى رسول اللّه ، هل كان ثمَّ شيء خليق بإثارة هذا الجوّ العنيف المنفعل غير قضيّة «القيادة» ، حتى بلغ من ضوضاء القوم أن أمر النبيّ بإخراجهم وإبعادهم عنه ، بكلمات ملؤها الألم ! 3 _ كان ابن عبّاس يتحدّث عن تلك الرزيّة [رزيّة الخميس ]على الدوام ، ويُعيد ذكراها بتوجّع وألم ، حتى كانت دموعه تسيل على خدّيه في بعض المرّات ، وقد قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوصى بثلاث بعد الذي قالوا ، قال : «أخرِجُوا المُشرِكينَ مِن جَزيرَةِ العَرَبِ ، وأجيزُوا الوَفدَ بِنَحوِ ما كُنتُ اُجيزُهُم . . .» . ثمّ ذكر ابن أبي نجيح الذي روى الخبر عن سعيد بن جبير ، ما نصّه : وسَكَتَ سَعيدٌ عَنِ الثّالِثَةِ ، فَلا أدري أسَكَتَ عَنها عَمداً ؟ ! وقالَ مَرَّةً : أو نَسِيَها ؟ وقالَ سُفيان
.
ص: 366
مَرَّةً : وإمّا أن يَكونَ تَرَكَها أو نَسِيَها ! (1) أنسي سعيد ! أم اعتصم بالصمت وهو يبصر سيف الحجّاج بن يوسف يبرق فوق الرؤوس ؟ وهل اختارت ذاكرة التاريخ إلّا أن تدفع الأمر إلى مطاوي العدم والنسيان لتفتك ب_ «الحقيقة» وتاُدّها لمصلحة الجهاز الحاكم ، وتذبحها على دكّة «المصلحة» ! يكتب العلّامة السيد عبد الحسين شرف الدين : «ليست الثالثة إلّا الأمر الذي أراد النبيّ أن يكتبه حفظاً لهم من الضلال ، لكن السياسة اضطرّت المحدّثين إلى نسيانه ، كما نبّه إليه مفتي الحنفيّة في «صور» الحاج داود الددا (2) . هكذا يتّضح أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عندما منع من الكتابة ، عاد ليؤكّد الأمر شفويّاً في إطار وصايا اُخرى ، ولكن ! 4 _ اعتراف عمر بن الخطّاب : لقد صرّح عمر بهذه الحقيقة ، وعدّ ما قام به _ من منع النبيّ والحؤول بينه وبين أن يكتب _ تداركاً لمصلحة الاُمّة ! يقول : «ولَقَد أرادَ [ صلى الله عليه و آله ] في مَرَضِهِ أن يُصَرِّحَ بِاسمِهِ ، فَمَنَعتُ مِن ذلِكَ إشفاقاً وحيطَةً عَلَى الإِسلامِ . لا ورَبِّ هذِهِ البَنِيَّةِ لا تَجتَمِعُ عَلَيهِ قُرَيشٌ أبَداً ، ولَو وَلِيَها لَانتَقَضَت عَلَيهِ العَرَبُ مِن أقطارِها ، فَعَلِمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أ نّي عَلِمتُ ما في نَفسِهِ فَأَمسَكَ» ! (3)
2 _ إنفاذ جيش اُسامة :اختار رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ وهو في أيّامه الأخيرة وقد استولى عليه المرض _ اختار اُسامة بن زيد ؛ ذلك الفتى البالغ عمره 17 سنة ، لقيادة جيش كبير يضمّ في صفوفه أعيان الصحابة . يقول ابن سعد في هذا السياق :
.
ص: 367
«فَلَمّا كانَ يَومُ الأَربَعاءِ بُدِئَ بَرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَحُمَّ وصُدِعَ ، فَلَمّا أصبَحَ يَومَ الخَميسِ عَقَدَ لِاُسامَةَ لِواءً بِيَدِهِ . . . فَلَم يَبقَ أحَدٌ مِن وُجوهِ المُهاجِرينَ الأَوَّلينَ والأَنصارِ إلَا انتُدِبَ في تِلكَ الغَزوَةِ ؛ فيهِم : أبوبَكرٍ الصِّدّيقُ ، وعُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، وأبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ ، وسَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ، وسَعيدُ بنُ زَيدٍ ، وقَتادَةُ بنُ النُّعمانِ ، وسَلَمَةُ بنُ أسلَمَ بنِ حَريشٍ» (1) . النبيّ صلى الله عليه و آله يأمر بإنفاذ هذا الجيش ويقول مؤكّداً «جَهِّزوا جيشَ اُسامَةَ ، لَعَنَ اللّهُ مَن تَخَلَّفَ عَنهُ» (2) ويأمر جيش المسلمين بترك المدينة فوراً مع عدم وجود خطر عسكري فِعليّ يهدّد المدينة ! لا ريب أنّ النبيّ كان يقصد من وراء ذلك أن ينقّي أجواء المدينة من المتربّصين الذين يتحيّنون الفرصة بعد رحيل النبيّ للانقضاض على الخلافة ، ومن جهة اُخرى يريد صلى الله عليه و آله تمهيد الطريق لوصول الحقّ إلى صاحبه الشرعي ، وهو ما ورد صريحاً في كلام الإمام عليّ عليه السلام (3) .
.
ص: 368
. .
ص: 369
الفصل الأول : أحاديث الوصاية1 / 1لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيٌّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيّا ووارِثا ، وإنَّ عَلِيّا وَصِيّي ووارِثي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عزَّوجَلَّ اختارَ مِن كُلِّ اُمَّةٍ نَبِيّا ، وَاختارَ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيّا ، فَأَنَا نَبِيُّ هذِهِ الاُمَّةِ ، وعَلِيٌّ وَصِيّي في عِترَتي وأهلِ بَيتي واُمَّتي مِن بَعدي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أوَّلَ وَصِيٍّ كانَ عَلى وَجهِ الأَرضِ هِبَةُ اللّهِ بنُ آدَمَ ، وما مِن نَبِيٍّ مَضى إلّا ولَهُ وَصِيٌّ ، وكانَ جَميعُ الأَنبياءِ مِائَةَ ألفِ نَبِيٍّ وعِشرينَ ألفَ نَبِيٍّ ، مِنهُم خَمسَةٌ اُولُو العَزمِ : نوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعيسى ومُحَمَّدٌ عليهم السلام ، وإنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ كانَ هِبَةَ اللّهِ لمُحَمَّدٍ ، ووَرِثَ عِلمَ الأَوصياءِ ، وعِلمَ مَن كانَ قَبلَهُ ، أما إنَّ مُحَمَّدا وَرِثَ عِلمَ مَن
.
ص: 370
كانَ قَبلَهُ مِنَ الأَنبياءِ وَالمُرسَلينَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ للّهِ تَعالى مِائَةَ ألفِ نَبِيٍّ وأربَعَةً وعِشرينَ (2) ألفَ نَبِيٍّ ، أنَا سَيِّدُهُم وأفضَلُهُم وأكرَمُهُم عَلَى اللّهِ عزَّوجَلَّ ، ولِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيٌّ أوصى إلَيهِ بَأَمرِ اللّهِ تَعالى ذِكرُهُ ، وإنَّ وَصِيّي عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ لَسَيِّدُهُم وأفضَلُهُم وأكرَمُهُم عَلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ (3) .
إثبات الوصيّة_ في خَبرِ دَعوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بَني هاشِمٍ _: رُوِيَ أنَّهُ دَعاهُم ثانِيَةً فَأَطعَمَهُم وسَقاهُم جَميعا لَبَنا مِن عُسٍّ (4) واحِدٍ ، حَتّى تَصَدَّروا ، ثُمَّ قالَ لَهُم : يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، أطيعوني تَكونوا مُلوكَ الأَرضِ وحُكّامَها ، إنَّ اللّهَ عزَّوجَلَّ لَم يَبعَث نَبِيّا قَطُّ إلّا جَعَلَ لَهُ وَصِيّا وأخا ووَزيرا ، فَأَيُّكُم يَكونُ أخي ووَصِيّي ومُؤازِري وقاضي دَيني ؟ فَأَبَوا قَبولَ ذلِكَ ، وقالوا : ومَن يُطيقُ ما تُطيقُهُ أنتَ ؟ فَقامَ إلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وهُوَ أصغَرُهُم سِنّا ، فَقالَ لَهُ : أنَا يا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقالَ لَهُ : أنتَ لَعَمري تَقبَلُ ما قُلتُ وتُجيبُ دَعوَتي . ولِذلِكَ كانَ وَصِيَّهُ وأخاهُ ووارِثَهُ دونَهُم (5) .
.
ص: 371
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ خَليفَتي عَلى اُمَّتي في حَياتي وبَعدَ مَوتي ، وأنتَ مِنّي كَشَيثٍ مِن آدَمَ ، وكَسامٍ مِن نوحٍ ، وكَإِسماعيلَ مِن إبراهيمَ ، وكَيوشَعَ مِن موسى ، وكَشَمعونَ مِن عيسى ، يا عَلِيُّ أنتَ وَصِيّي ووارِثي (1) .
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ وَصِيُّ آدَمَ عليه السلام شَيثَ بنَ آدَمَ هِبَةَ اللّهِ ، وكانَ وَصِيُّ نوحٍ سام [ا] ، وكانَ وَصِيُّ إبراهيمَ إسماعيلَ ، وكانَ وَصِيُّ موسى يوشَعَ بن نونٍ ، وكانَ وَصِيُّ داوُدَ سُليمانَ ، وكانَ وَصِيُّ عيسى شَمعونَ ، وكانَ وَصِيُّ مَحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام وَهُوَ خَيرُ الأَوصياءِ (2) .
ولمزيد الاطّلاع على أسماء الأوصياء من لدن آدم عليه السلام حتى خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله راجع : الكافي : ج 8 ص 113 ح 92 ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 174 ح 5402 ، الأمالي للصدوق : ص 486 ح 661 ، كمال الدين : ص 211 ح 1 ، الإمامة والتبصرة : ص 153 ح 1 ، الأمالي للطوسي : ص 442 ح 991 ، قصص الأنبياء : ص 371 ح 448 ، مشارق أنوار اليقين : ص 58 ، بشارة المصطفى : ص 82 ، كفاية الأثر : ص 147 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج 1 ص 251 ، المسترشد : ص 574 ح 245 وكتاب «إثبات الوصيّة» .
1 / 2وَصِيُّ آدَمَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ آدَمَ عليه السلام سَأَلَ اللّهَ عَزَّوجَلَّ أن يَجعَلَ لَهُ وَصِيّا صالِحا ، فَأَوحَى اللّهُ عزَّوجَلَّ إلَيهِ : إنّي أكرَمتُ الأَنبِياءَ بَالنُّبُوَّةِ ، ثُمُّ اختَرتُ مِن خَلقي خَلقا وجَعَلتُ خِيارَهُمُ الأَوصِياءَ . فَأَوحَى اللّهُ تَعالى ذِكرُهُ إلَيهِ : يا آدَمُ أوصِ إلى شَيثٍ . فَأَوصى آدَمُ عليه السلام إلى شَيثٍ وهُوَ هِبَةُ اللّهِ بنُ آدَمَ (3) .
.
ص: 372
الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا دَنا أجَلُ آدَمَ أوحَى اللّهُ إلَيهِ : أن يا آدَمُ ، إنّي مُتَوَفّيكَ ورافِعُ روحِكَ إلَيَّ يَومَ كَذا وكَذا ، فَأَوصِ إلى خَيرِ وُلدِكَ وهُوَ هِبَتِي الَّذي وَهَبتُهُ لَكَ ، فَأَوصِ إلَيهِ ، وسَلِّم إلَيهِ ما عَلَّمناكَ مِنَ الأَسماءِ وَالاِسمِ الأَعظَمِ ، فَاجعَل ذلِكَ في تابوتٍ ، فإنّي اُحِبُّ أن لا يَخلُوَ أرضي مِن عالِمٍ يَعلَمُ عِلمي ويَقضي بِحُكمي ، أجعَلُهُ حَجَّتي عَلى خَلقي . قالَ : فَجَمَعَ آدَمُ إلَيهِ جَميعَ وُلدِهِ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ فَقالَ لَهُم : يا وُلدي ، إنَّ اللّهَ أوحى إلَيَّ أنَّهُ رافِعٌ إلَيهِ روحي ، وأمَرَني أن اُوصِيَ إلى خَيرِ وُلدي وأنَّهُ هِبَةُ اللّهِ ، فإِنَّ اللّهَ اختارَهُ لي ولَكُم مِن بَعدي ، اِسمَعوا لَهُ وأطيعوا أمرَهُ ، فَإِنَّهُ وَصِيّي وخَليفَتي عَلَيكُم . فَقالوا جَميعا : نَسمَعُ لَهُ ونُطيعُ أمرَهُ ولا نُخالِفُهُ . قالَ : فَأَمَرَ بِالتّابوتِ فَعُمِلَ ، ثُمَّ جَعَلَ فيهِ عِلمَهُ وَالأَسماءَ وَالوَصِيَّةَ ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلى هِبَةِ اللّهِ ، وَتَقَدَّمَ إلَيهِ في ذلِكَ وقالَ لَهُ : . . . إذا حَضَرَت وَفاتُكَ وأحسَستَ بِذلِكَ مِن نَفسِكَ فَالتَمِس خَيرَ وُلدِكَ وألزَمَهُم لَكَ صُحبَةً وأفضَلَهُم عِندَكَ قَبلَ ذلِكَ ، فَأَوصِ إلَيهِ بِمِثلِ ما أوصَيتُ بِهِ إلَيكَ ، ولا تَدَعَنَّ الأَرضَ بِغَيرِ عالِمٍ مِنّا أهلَ البَيتِ . يا بُنَيَّ ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أهبَطَني إلَى الأَرضِ وجَعَلَني خَليفَتَهُ فيها ، حُجَّةً لَهُ عَلى خَلقِهِ ، فَقَد أوصَيتُ إلَيكَ بِأَمرِ اللّهِ ، وجَعَلتُكَ حُجَّةً للّهِِ عَلى خَلقِهِ في أرضِهِ بَعدي ، فَلا تَخرُج مِنَ الدُّنيا حَتّى تَدَعَ للّهِِ حُجَّةً ووَصِيّا ، وتُسَلِّمَ إلَيهِ التّابوتَ وما فيهِ كَما سَلَّمتُهُ إلَيكَ ، وأعلِمهُ أنَّهُ سَيكونُ مِن ذُرِّيَّتي رَجُلٌ اسمُهُ نوحٌ ، يَكونُ في نُبُوَّتِهِ الطّوفانُ وَالغَرَقُ ، فَمَن رَكِبَ في فُلكِهِ نَجا ومَن تَخَلَّفَ عَن فُلكِهِ غَرِقَ . وأوص
.
ص: 373
وَصِيَّكَ أن يَحفَظَ بِالتّابوتِ وبِما فيهِ ، فَإِذا حَضَرَت وَفاتُهُ أن يوصِيَ إلى خَيرِ وُلدِهِ وألزَمِهِم لَهُ وأفضَلِهِم عِندَهُ ، وسَلَّمَ إلَيهِ التّابوتَ وما فيهِ ، وَليَضَع كُلُّ وَصِيٍّ وَصِيَّتَهُ فِي التّابوتِ وَليوصِ بِذلِكَ بَعضُهُم إلى بَعضٍ ، فَمَن أدرَكَ نُبُوَّةَ نوحٍ فَليَركَب مَعَهُ وَليَحمِلِ التّابوتَ وجَميعَ ما فيهِ في فُلكِهِ ولا يَتَخَلَّف عَنهُ أحَدٌ (1) .
عنه عليه السلام :كانَ آدَمُ عليه السلام وَصّى هِبَةَ اللّهِ أن يَتَعاهَدَ هذِهِ الوَصِيَّةَ عِندَ رَأسِ كُلِّ سَنَةٍ فَيَكونَ يَومَ عيدِهِم ، فَيَتَعاهَدونَ نوحا وزَمانَهُ الَّذي يَخرُجُ فيهِ ، وكَذلِكَ جاءَ في وَصِيَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ حَتّى بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، وإنَّما عَرَفوا نوحا بِالعِلمِ الَّذي عِندَهُم وهُوَ قَولُ اللّهِ عزَّوجَلَّ : «لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ . . .» (2)(3) .
الإمام الصادق عليه السلام :أوحَى اللّهُ إلى آدَمَ أنِ ادفَعِ الوَصِيَّةَ ، وَاسمَ اللّهِ الأَعظَمَ ، وما أظهَرتُكَ عَلَيهِ مِن عِلمِ النُّبُوَّةِ ، وما عَلَّمتُكَ مِنَ الأَسماءِ إلى شَيثِ بنِ آدَمَ (4) .
الكامل في التاريخ :لَمّا حَضَرَت آدَمَ الوَفاةُ عَهِدَ إلى شَيثٍ ، وعَلَّمَهُ ساعاتِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، وعِبادَةَ الخَلوَةِ في كُلِّ ساعَةٍ مِنها ، وأعلَمَهُ بِالطّوفانِ ، وصارَتِ الرِّياسَةُ بَعدَ آدَمَ إلَيهِ (5) .
تاريخ الطبري :ذُكِرَ أنَّ آدَمَ عليه السلام مَرِضَ قَبلَ مَوتِهِ أحَدَ عَشَرَ يَوما ، وأوصى إلَى ابنِهِ شَيثٍ عليه السلام وكَتَبَ وَصِيَّتَهُ ، ثُمَّ دَفَعَ كِتابَ وَصِيَّتِهِ إلى شَيثٍ ، وأمَرَهُ أن يُخفِيَهُ مِن قابيلَ ووُلدِهِ ؛ لِأَنَّ قابيلَ قَد كانَ قَتَلَ هابيلَ حَسَدا مِنهُ حينَ خَصَّهُ آدَمُ بِالعِلمِ ، فَاستَخفى
.
ص: 374
شَيثٌ ووُلدُهُ بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ ، ولَم يَكُن عِندَ قابيلَ ووُلدِهِ عِلمٌ يَنتَفِعونَ بِهِ (1) .
1 / 3وَصِيُّ نوحٍرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَقَد خَرَجَ نوحٌ مِنَ الدُّنيا وعاهَدَ قَومَهُ عَلَى الوَفاءِ لِوَصِيَّهِ سامٍ (2) .
الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا حَضَرَت نوحا الوَفاةُ أوصى إلَى ابنِهِ سامٍ ، وسَلَّمَ التّابوتَ وجَميعَ ما فيهِ والوَصِيَّةَ (3) .
الإمام الصادق عليه السلام :عاشَ نوحٌ عليه السلام بَعدَ الطّوفانِ خَمسَمِائَةِ سَنَةٍ ، ثُمَّ أتاهُ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا نوحُ ، إنَّهُ قَدِ انقَضَت نُبُوَّتُكَ ، وَاستَكمَلتَ أيّامَكَ ، فَانظُر إلى الاِسمِ الأَكبَرِ وميراثِ العِلمِ وآثارِ عِلمِ النُّبُوَّةِ الَّتي مَعَكَ ، فَادفَعها إلَى ابنِكَ سامٍ ، فَإِنّي لا أترُكُ الأَرضَ إلّا وفيها عالِمٌ تُعرَفُ بِهِ طاعَتي ، ويُعرَفُ بِهِ هُدايَ ، ويَكونُ نجاةً فيما بَينَ مَقبَضِ النَّبِيِّ ومَبعَثِ النَّبِيِّ الآخَرِ ، ولَم أكُن أترُكُ النّاسَ بِغَيرِ حُجَّةٍ لي ، وداعٍ إلَيَّ ، وهادٍ إلى سَبيلي ، وعارِفٍ بِأَمري ، فَإِنّي قَد قَضَيتُ أن أجعَلَ لِكُلٍّ قَومٍ هادِيا أهدي بِهِ السُّعَداءَ ، ويَكونَ حُجَّةً لي عَلَى الأَشقِياءِ . قالَ : فَدَفَعَ نوحٌ عليه السلام الاِسمَ الأَكبَرَ وميراثَ العِلمِ وآثارَ عِلمِ النُّبُوَّةِ إلى سامٍ ، وأمّا حامٌ ويافِثُ فَلَم يَكُن عِندَهُما عِلمٌ يَنتَفِعانِ بِهِ . قالَ : وبَشَّرَهُم نوحٌ عليه السلام بِهودٍ عليه السلام ، وأمَرَهُم بِاتِّباعِهِ ، وأمَرَهُم أن يَفتَحُوا الوَصِيَّةَ في كُلِّ عامٍ ، ويَنظُروا فيها ويَكونَ عيدا لَهُم (4) .
.
ص: 375
1 / 4وَصِيُّ موسىالإمام الباقر عليه السلام :كانَ وَصِيُّ موسى يوشَعَ بنَ نونٍ عليه السلام ، وهُوَ فَتاهُ الَّذي ذَكَرَهُ اللّهُ عزَّوجَلَّ في كِتابِهِ (1)(2) .
الإمام الصادق عليه السلام :أوصى موسى عليه السلام إلى يوشَعَ بنِ نونٍ ، وأوصى يوشَعُ بنُ نونٍ إلى وَلَدِ هارونَ ولَم يوصِ إلى وَلَدِهِ ولا إلى وَلَدِ موسى ، إنَّ اللّهَ تَعالى لَهُ الخِيَرَةُ ، يَختارُ مَن يَشاءُ مِمَّن يَشاءُ (3) .
عنه عليه السلام_ في خَبَرِ وَفاةِ موسى عليه السلام _: دَعا يوشَعَ بنَ نونٍ فَأَوصى إلَيهِ وأمَرَهُ بِكِتمانِ أمرِهِ ، وبِأَن يوصِيَ بَعدَهُ إلى مَن يَقومُ بِالأَمرِ (4) .
تاريخ اليعقوبي :إنَّ موسى عليه السلام قالَ لَهُم [لِبَني إسرائيلَ] : قَد بَلَّغتُكُم وَصايَا اللّهِ وعَرَّفتُكُم أمرَهُ فَاتَّبِعوا ذلِكَ ، وَاعمَلوا بِهِ ، فَقَد أتَت لي مِائَةٌ وعِشرونَ سَنَةً وقَد حانَت وَفاتي ، وهذا يوشَعُ بنُ نونٍ القَيِّمُ فيكُم بَعدي ، فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوا أمرَهُ ، فَإِنَّهُ يَقضي بَينَكُم بِالحَقِّ ، ومَلعونٌ مَن خالَفَهُ وعَصاهُ (5) .
تاريخ اليعقوبي :وكانَ موسى لَمّا حَضَرَتهُ وَفاتُهُ أمَرَهُ اللّهُ عزَّوجَلَّ أن يُدخِلَ يوشَعَ بن
.
ص: 376
نونٍ _ وكانَ يوشَعُ بنُ نونٍ مِن شَعبِ يوسُفَ بنِ يَعقوبَ _ إلى قُبَّةِ الزَّمانِ ، فَيُقَدَّسَ عَلَيهِ ، ويَضَعَ يَدَهُ عَلى جَسَدِهِ لِتَتَحَوَّلَ فيهِ بَرَكَتُهُ ، ويوصِيَهُ أن يَقومَ بَعدَهُ في بَني إسرائيلَ ، فَفَعَلَ موسى ذلِكَ ، فَلَمّا ماتَ موسى قامَ يوشَعُ بَعدَهُ في بَني إسرائيلَ . . . 1 .
1 / 5وصِيُّ عيسىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوصى عيسىَ بنُ مَريَمَ إلى شَمعونَ بنِ حَمّونَ الصَّفا (1) .
.
ص: 377
عنه صلى الله عليه و آله :لَقَد رُفِعَ عيسىَ بنُ مَريَمَ إلَى السَّماءِ ، وقَد عاهَدَ قَومَهُ عَلَى الوَفاءِ لِوَصِيِّهِ شَمعونَ بنِ حَمّونَ الصَّفا (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :اِفتَرَقَتِ اليَهودُ عَلى إحدى وسَبعينَ فِرقَةً : سَبعونَ مِنها فِي النّارِ ، وواحِدَةٌ ناجِيَةٌ فِي الجَنَّةِ وهِيَ الَّتِي اتَّبَعَت يوشَعَ بنَ نونٍ وَصِيَّ موسى عليه السلام . وَافتَرَقَتِ النَّصارى عَلَى اثنَتَينِ وسَبعينَ فِرقَةً : إحدى وسَبعونَ فِرقَةً فِي النّارِ ، وواحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ وهِيَ الّتِي اتَّبَعَت شَمعونَ وَصِيَّ عيسى عليه السلام (2) .
إثبات الوصيّة :وَاشتَدَّ طَلَبُ اليَهودِ لَهُ [عيسى عليه السلام ] حَتّى هَرَبَ مِنهُم ، ثُمَّ جَمَعَ أصحابَهُ وأوصى إلى شَمعونَ وأمَرَهُم بِطاعَتِهِ ، وسَلَّمَ إلَيهِ الاِسمَ الأَعظَمَ وَالتّابوتَ (3) .
1 / 6وَصِيُّ خاتَمِ الأَنبياءِ1 / 6 _ 1الوَصِيُّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :وَصِيّي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (4) .
.
ص: 378
المعجم الكبير عن سلمان :قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيٌّ فَمَن وَصِيُّكَ ؟فَسَكَتَ عَنّي ، فَلَمّا كانَ بَعدُ رَآني فَقالَ : يا سَلمانُ . فَأَسرَعتُ إلَيهِ قُلتُ : لَبَّيكَ . قالَ : تَعلَمُ مَن وَصِيُّ موسى ؟ قُلتُ : نَعَم ، يوشَعُ بنُ نونٍ . قالَ : لِمَ ؟ قُلتُ : لِأَنَّهُ كانَ أعلَمَهُم . قالَ : فَإِنَّ وَصِيّي ومَوضِعَ سِرّي ، وخَيرَ مَن أترُكُ بَعدي ، ويُنجِزُ عِدَتي ، ويَقضي دَيني عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (1) .
فضائل الصحابة عن أنس بن مالك :قُلنا لِسَلمانَ : سَلِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله مِن وَصِيِّهِ ؟ فَقالَ لَهُ سَلمانُ : يا رَسولَ اللّهِ مَن وَصِيُّكَ ؟ قالَ : يا سَلمانُ ، مَن كانَ وَصِيَّ موسى ؟ قال : يوشَعُ بنُ نونٍ . قالَ : فَإِنَّ وَصِيّي ووارِثي ، يَقضي دَيني ، ويُنجِزُ مَوعودي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
.
ص: 379
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . أنتَ الوَصِيُّ ، وأنتَ الوَلِيُّ ، وأنتَ الوَزيرُ (1) .
كفاية الأثر عن حذيفة بن اليمان :قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، عَلى مَن تُخَلِّفُنا ؟ قالَ : عَلى مَن خَلَّفَ موسَى بنُ عِمرانَ قَومَهُ ؟ قُلتُ : عَلى وَصِيِّهِ يوشَعَ بنِ نونٍ . قالَ : فِإِنَّ وَصِيّي وخَليفَتي مِن بَعدي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، قائِدُ البَرَرَةِ وقاتِلُ الكَفَرَةِ ، مَنصورٌ مَن نَصَرَهُ ، مَخذولٌ مَن خَذَلَهُ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَةٍ خَطَبَها لِأَهلِ المَدينَةِ بَعدَ بَيعَتِهِ أبا بَكرٍ _: وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَقَد عَلِمتُم أنّي صاحِبُكُم وَالَّذي بِهِ اُمِرتُم ، وأنّي عالِمُكُم وَالَّذي بِعِلمِهِ نَجاتُكُم ، ووَصِيُّ نَبِيُّكُم ، وخِيَرَةُ رَبِّكُم ، ولِسانُ نُورِكُم ، وَالعالِمُ بِما يُصلِحُكُم (3) .
عنه عليه السلام :أيُّهَا النّاسُ ! إنّي قَد بَثَثتُ لَكُمُ المَواعِظَ الَّتي وَعَظَ الأَنبِياءُ بِها اُمَمَهُم ، وأدَّيتُ إلَيكُم ما أدَّتِ الأَوصِياءُ إلى مَن بَعدَهُم (4) .
عنه عليه السلام :فَيا عَجَبا ، وما لي لا أعجَبُ مِن خَطَإِ هذِهِ الفِرَقِ عَلَى اختِلافِ حُجَجِها في دينِها ! لا يَقتَصّونَ أثَرَ نَبِيٍّ ، ولا يَقتَدونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ (5) .
.
ص: 380
عنه عليه السلام :مَعاشِرَ النّاسِ ، أنَا أخو رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ووَصِيُّهُ ووارِثُ عِلمِهِ ، خَصَّني وحَباني بَوَصِيَّتِهِ ، وَاختارَني مِن بَينِهِم (1) .
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَصَّ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِالنُّبُوَّةِ وخَصَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِالوَصِيَّةِ (2) .
عنه عليه السلام :أنَا صِنوُهُ ، ووَصِيُّهُ ووَلِيُّهُ ، وصاحِبُ نَجواهُ وسِرِّهِ (3) .
عنه عليه السلام :أنا وَصِيُّ خَيرِ الأَنبِياءِ ، أنَا وَصِيُّ سَيِّدِ الأَنبِياءِ ، أنَا وَصِيُّ خاتَمِ النَّبِيّينَ (4) .
الإمام الحسن عليه السلام :لَمّا حَضَرَت أبِي الوَفاةُ أقبَلَ يوصي ، فَقالَ : هذا ما أوصى بِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أخو مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ وَابنُ عَمِّهِ ووَصِيُّهُ وصاحِبُهُ . . . (5) .
عنه عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ بَعدَ استِشهادِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام _: أيُّهَا النّاسُ ! مَن عَرَفَني فَقَد عَرَفَني ، ومَن لَم يَعرِفني فَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ ، وأنَا ابنُ النَّبِيِّ ، وأنَا ابنُ الوَصِيِّ (6) .
الإمام الحسين عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ في يَومِ عاشوراءَ _: أ لَستُ ابنَ بِنتِ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ، وَابنَ وَصِيِّهِ وَابنِ عَمِّهِ ، وأوَّلِ المُؤمِنينَ بِاللّهِ ، وَالمُصَدِّقِ لِرَسولِهِ بِما جاءَ بِهِ مِن عِندِ رَبِّهِ ؟ (7)
مروج الذهب عن محمّد بن أبي بكر_ في كِتابِهِ إلى مُعاوِيَةَ _: فَكَيفَ _ يا لَكَ الوَيلُ _
.
ص: 381
تَعدِلُ نَفسَكَ بَعَلِيٍّ ، وهُوَ وارِثُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ووَصِيُّهُ وأبو وُلدِهِ ، أوَّلُ النّاسِ لَهُ اتِّباعا ، وأقرَبُهُم بِهِ عَهدا ، يُخبِرُهُ بسِرِّهِ ويُطلِعُهُ عَلى أمرِهِ (1) ؟
الأمالي للصدوق عن كديرة بن صالح الهجري عن أبي ذرّ جندب بن جنادة :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيٍّ كَلِماتٍ ثَلاثا ، لَأَن تَكونَ لي وَاحِدَةٌ مِنهُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنيا وما فيها ، سَمِعتُهُ يَقولُ : اللّهُمَّ أعِنهُ وَاستَعِن بِهِ ، اللّهُمَّ انصُرهُ وَانتَصِر بِهِ ، فَإِنَّهُ عَبدُكَ وأخو رَسولِكَ . ثُمَّ قالَ أبو ذَرٍّ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ : أشهَدُ لِعَلِيٍّ بِالوِلاءِ وَالإِخاءِ وَالوَصِيَّةِ . قالَ كُدَيرَةُ بنُ صالِحٍ : وكانَ يَشهَدُ لَهُ بِمِثلِ ذلِكَ : سَلمانُ الفارِسِيُّ ، وَالمِقدادُ وعَمّارٌ ، وجابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ ، وأبُو الهَيثَمِ بنُ التَّيِّهانِ ، وخُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ ذُو الشَّهادَتَينِ ، وأبو أيَّوبَ صاحِبُ مَنزِلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وهاشِمُ بنُ عُتبَةَ المِرقالُ ، كُلُّهُم مِن أفاضِلِ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (2) .
الفتوح عن مالك الأشتر :اِحمَدُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ وَاشكُروهُ ، إذ جَعَلَ فيكُمُ ابنَ عَمِّ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ووَصِيَّهُ ، وأحَبَّ الخَلقِ إلَيهِ ، أقدَمَهُم هِجرَةً وأوَّلَهُم إيمانا ، سَيفٌ مِن سُيوفِ اللّهِ صَبَّهُ عَلى أعدائِهِ (3) .
بلاغات النساء عن اُمّ الخير بنت الحريش البارقيّة_ مِن كَلامِها في حَربِ صِفّينَ _: هَلُمّوا رَحِمَكُمُ اللّهُ إلَى الإِمامِ العادِلِ ، وَالوَصِيِّ الوَفِيِّ ، والصِّدّيقِ الأَكبَرِ (4) .
.
ص: 382
تاريخ بغداد عن أبي سعيد عقيصا :أقبَلتُ مِنَ الأَنبارِ 1 مَعَ عَلِيٍّ نُريدُ الكوفَةَ ، قالَ : وعَلِيٌّ فِي النّاسِ ، فَبَينا نَحنُ نَسيرُ عَلى شاطِئِ الفُراتِ إذ لَجَّجَ (1) فِي الصَّحراءِ فَتَبِعَهُ ناسٌ مِن أصحابِهِ ، وأخَذَ ناسٌ عَلى شاطِئِ الماءِ . قالَ : فَكُنتُ مِمَّن أخَذَ مَعَ عَلِيٍّ حَتّى تَوَسَّطَ الصَّحراءَ ، فَقالَ النّاسُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّا نَخافُ العَطَشَ . فَقالَ : إنَّ اللّهَ سَيُسقيكُم . قالَ : وراهِبٌ قَريبٌ مِنّا . قالَ : فَجاءَ عَلِيٌّ إلى مَكانٍ فَقالَ : اِحفِروا هاهُنا ، قالَ : فَحَفَرنا ، قالَ : وكُنتُ فيمَن حَفَرَ ، حَتّى نَزَلنا _ يَعني عَرَضَ لَنا حَجَرٌ _ قالَ : فَقالَ عَلِيٌّ : اِرفَعوا هذَا الحَجَرَ ، قالَ : فَأَعانونا عَلَيهِ حَتّى رَفَعناهُ ، فَإِذا عَينٌ بارِدَةٌ طَيِّبَةٌ ، قالَ : فَشَرِبنا ثُمَّ سِرنا ميلاً أو نَحوَ ذلِكَ ، قالَ : فَعَطِشنا ، قالَ : فَقالَ بَعضُ القَومِ : لَو رَجَعنا فَشَرِبنا ، قالَ : فَرَجَعَ ناسٌ وكُنتُ فيمَن رَجَعَ ، قالَ : فَالتَمَسناها فَلَم نَقدِر عَلَيها ، قالَ : فَأَتَينَا الرّاهِبَ فَقُلنا : أينَ العَينُ الَّتي هاهُنا ؟ قالَ : أيَّةُ عَينٍ ؟ قالَ : الَّتي شَرِبنا مِنها وَاستَقَينا ، وَالتَمَسناها فَلَم نَقدِر عَلَيها ، فَقالَ الرّاهِبُ : لا يَستَخرِجُها إلّا نَبِيٌّ أو وَصِيٌّ (2) .
كتاب من لا يحضره الفقيه عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :صَلّى بِنا عَلِيٌّ عليه السلام بِبَراثا (3) بَعد
.
ص: 383
رُجوعِهِ مِن قِتالِ الشُّراةِ (1) ونُحنُ زُهاءُ مِائَةِ ألفِ رَجُلٍ ، فَنَزَلَ نَصرانِيٌّ مِن صَومَعَتِهِ فقَالَ : مَن عَميدُ هذَا الجَيشِ ؟ فَقُلنا : هذا ، فَأَقبَلَ إلَيهِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ فَقالَ : يا سَيِّدي أنتَ نَبِيٌّ ؟ فَقالَ : لا ، النَّبِيُّ سَيِّدي قَد ماتَ ، قالَ : فَأَنتَ وَصِيُّ نَبِيٍّ ؟قالَ : نَعَم ، ثُمَّ قالَ لَهُ : اِجلِس كَيفَ سَأَلتَ عَن هذا ؟ قالَ : أنَا بَنَيتُ هذِهِ الصَّومَعَةَ مِن أجلِ هذَا المَوضِعِ وهُوَ بَراثا ، وقَرَأتُ فِي الكُتُبِ المُنزَلَةِ أنَّهُ لا يُصَلّي في هذَا المَوضِعِ بِهذَا الجَمعِ إلّا نَبِيٌّ أو وَصِيُّ نَبِيٍّ وقَد جِئتُ اُسلِمُ . فَأَسلَمَ وخَرَجَ مَعنا إلَى الكوفَةِ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : فَمَن صَلّى هاهُنا؟ قالَ: صَلّى عيسىَ بنُ مَريَمَ عليه السلام واُمُّهُ ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : أَفَاُخبِرُكَ مَن صَلّى هاهُنا ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : الخَليلُ عليه السلام (2) .
1 / 6 _ 2وِصايَتُهُ مِنَ اللّهِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمّا نَزَلَ قُدَيدَ (3) قالَ لَعَلَيٍّ عليه السلام : يا عَلِيُّ ، إنّي سَأَلتُ رَبّي أن يُوالِيَ بَيني وبَينَكَ فَفَعَلَ ، وسَأَلتُ رَبّي أن يُؤآخِيَ بَيني وبَينَكَ فَفَعَلَ ، وسَأَلتُ رَبّي أن يَجعَلَكَ وَصِيّي فَفَعَلَ . فَقالَ رَجُلانِ مِن قُرَيشٍ : وَاللّهِ لَصاعٌ مِن تَمرٍ في شَنٍّ (4) بالٍ أحَبُّ إلَينا مِمّا سَأَلَ مُحَمَّدٌ رَبَّهُ ، فَهَلّا سَأَلَ رَبَّهُ مَلَكا يَعضُدُهُ عَلى عَدُوِّهِ ، أو كَنزا يَستَغني بِهِ عَن فاقَتِهِ ، وَاللّهِ ما دَعاهُ إلى حَقٍّ ولا باطِلٍ إلّا أجابَهُ إلَيهِ ، فَأَنزَلَ اللّهُ سُبحانَهُ وتَعالى : «فَلَعَلَّك
.
ص: 384
تَارِكُم بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَ ضَآئِق بِهِ صَدْرُكَ» _ إلى آخِرِ الآيَةِ _ (1)(2) .
المناقب لابن المغازلي عن عبد اللّه بن مسعود :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنَا دَعوَةُ أبي إبراهيم قُلنا : يا رَسولَ اللّهِ ، وكَيفَ صِرتَ دَعوَةَ أبيكَ إبراهيمَ ؟ قالَ : أوحَى اللّهُ عزَّوجَلَّ إلى إبراهيمَ : «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» (3) فَاستَخَفَّ إبراهيمَ الفَرَحُ قالَ : يا رَبِّ ، ومِن ذُرِّيَّتي أئِمَّةٌ مِثلي ؟ فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِ أن يا إبراهيمُ ؛ إنّي لا اُعطيكَ عَهدا لا أفي لَكَ بِهِ . قالَ : يا رَبِّ ، مَا العَهدُ الَّذي لا تَفي لي بِهِ ؟ قال : لا اُعطيكَ لِظالِمٍ مِن ذُرِّيَّتِكَ . قالَ إبراهيمُ عِندَها : «وَ اجْنُبْنِى وَ بَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ» (4) . قال النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : فَانتَهَتِ الدَّعوَةُ إلَيَّ وإلى عِلِيٍّ ، لَم يَسجُد (5) أحَدٌ مِنّا لِصَنَمٍ قَطُّ ، فَاتَّخَذَنِي اللّهُ نَبِيّا ، وَاتَّخَذَ عَلِيّا وَصِيّا (6) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لَمّا أنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى «وَ أَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» (7) _: وَاللّهِ لَقَد
.
ص: 385
خَرَجَ آدَمُ مِنَ الدُّنيا وقَد عاهَدَ قَومَهُ عَلَى الوَفاءِ لِوَلَدِهِ شَيثٍ فَما وُفِيَلَهُ ، ولَقَد خَرَجَ نوحٌ مِنَ الدُّنيا وعاهَدَ قَومَهُ عَلَى الوَفاءِ لِوَصِيِّهِ سامٍ فَما وَفَت اُمَّتُهُ ، ولَقَد خَرَجَ إبراهيمُ مِنَ الدُّنيا وعاهَدَ قَومَهُ عَلَى الوَفاءِ لِوَصِيِّهِ إسماعيلَ فَما وَفَت اُمَّتُهُ ، ولَقَد خَرَجَ موسى مِنَ الدُّنيا وعاهَدَ قَومَهُ عَلَى الوَفاءِ لِوَصِيِّهِ يوشَعَ بنِ نونٍ فَما وَفَت اُمَّتُهُ ، ولَقَد رُفِعَ عيسَى بنُ مَريَمَ إلَى السَّماءِ وقَد عاهَدَ قَومَهُ عَلَى الوَفاءِ لَوَصِيِّهِ شَمعونَ بنِ حَمّونَ الصَّفا فَما وَفَت اُمَّتُهُ . وإنّي مُفارِقُكُم عَن قَريبٍ وخارِجٌ مِن بَينِ أظهُرِكُم ، وقَد عَهِدتُ إلى اُمَّتي في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وإنَّهَا الرّاكِبَةُ (1) سُنَنَ مَن قَبلَها مِنَ الاُمَمِ في مُخالَفَةِ وَصِيّي وعِصيانِهِ ، ألا وإنّي مُجَدِّدٌ عَلَيكُم عَهدي في عَلِيٍّ ، فَمَن نَكَثَ فَإِنَّما يَنكُثُ عَلى نَفسِهِ «وَ مَنْ أَوْفَى بِمَا عَ_هَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (2) . أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ عَلِيّا إمامُكُم مِن بعدي ، وخَليفَتي عَلَيكُم ، وهُوَ وَصِيّي ، ووَزيري ، وأخي ، وناصِري ، وزَوجُ ابنَتي ، وأبو وُلدي ، وصاحِبُ شَفاعَتي وحَوضي ولِوائي ، مَن أنكَرَهُ فَقَد أنكَرَني ، ومَن أنكَرَني فَقَد أنكَرَ اللّهَ عزَّوجَلَّ ، ومَن أقَرَّ بِإِمامَتِهِ فَقَد أقَرَّ بِنُبُوَّتي ، ومَن أقَرَّ بِنُبُوَّتي فَقَد أقَرَّ بِوَحدانِيَّةِ اللّهِ عزَّوجَلَّ . أيُّهَا النّاسُ ! مَن عَصى عَلِيّا فَقَد عَصاني ، ومَن عَصاني فَقَد عَصَى اللّهَ عزَّوجَلَّ ، ومَن أطاعَ عَلِيّا فَقَد أطاعَني ، ومَن أطاعَني فَقَد أطاعَ اللّهَ . أيُّهَا النّاسُ ! مَن رَدَّ عَلى عَلِيٍّ في قَولٍ أو فِعلٍ فَقَد رَدَّ عَلَيَّ ، ومَن رَدَّ عَلَيَّ فَقَد رَدَّ عَلَى اللّهِ فَوقَ عَرشِهِ . أيُّهَا النّاسُ ! مَنِ اختارَ مِنكُم عَلى عَلِيٍّ إماما فَقَدِ اختارَ عَلَيَّ نَبِيّا ، ومَنِ اختارَ عَلَيَّ نَبِيّا فَقَدِ اختارَ عَلَى اللّهِ عزَّوجَلَّ رَبّا .
.
ص: 386
أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ عَلِيّا سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، ومَولَى المُؤمِنينَ ، وَلِيُّهُ وَلِيّي ، ووَلِيّي وَلِيُّ اللّهِ ، وعَدُوُّهُ عَدُوّي ، وعَدُوّي عَدُوُّ اللّهِ . أيُّهَا النّاسُ ! أوفوا بِعَهدِ اللّهِ في عَلِيٍّ يوفَ لَكُم فِي الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام _: أ ما عَلِمتِ أنَّ اللّهَ عزَّوجَلَّ اطَّلَعَ إلى أهلِ الأَرضِ فَاختارَ مِنهُم أباكِ فَبَعَثَهُ نَبِيّا ، ثُمَّ اطَّلَعَ الثّانِيَةَ فَاختارَ بَعلَكِ ، فَأَوحى إلَيَّ ، فَأَنكَحتُهُ وَاتَّخَذتُهُ وَصِيّا (2) ؟
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عزَّوجَلَّ أنزَلَ قِطعَةً مِن نورٍ فَأَسكَنَها في صُلبِ آدَمَ ، فَساقَها حَتّى قَسَمَها جُزأَينِ : جُزءا في صُلبِ عَبدِ اللّهِ ، وجُزءا في صُلبِ أبي طالِبٍ ، فَأَخرَجَني نَبِيّا وأخرَجَ عَلِيّا وَصِيّا (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :لَمّا عُرِجَ بي إلَى الَّسماءِ ، وبَلَغتُ سِدرَةَ المُنتَهى (4) ناداني رَبّي جَلَّ جَلالُهُ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ . فَقُلتُ : لَبَّيكَ سَيِّدي . قالَ : إنّي ما أرسَلتُ نَبِيّا ، فَانقَضَت أيّامُه
.
ص: 387
إلّا أقامَ بِالأَمرِ بَعدَهُ وَصِيَّهُ ؛ فَاجعَل عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ الإِمامَ وَالوَصِيَّ مِن بَعدِكَ ؛ فَإِنّي خَلَقتُكُما مِن نورٍ واحِدٍ ، وخَلَقتُ الأَئِمَّةَ الرّاشِدينَ مِن أنوارِكُما ، أ تُحِبُّ أن تَراهُم يا مُحَمَّدُ ؟ قُلتُ : نَعَم يا رَبِّ . قالَ : اِرفَع رَأسَكَ ، فَرَفَعتُ رَأسي ، فَإِذا أنَا بِأَنوارِ الأَئِمَّةِ بَعدي ؛ اِثنا عَشَرَ نورا ! قُلتُ : يا رَبِّ ، أنوارُ مَن هِيَ ؟ قالَ : أنوارُ الأَئِمَّةِ بَعدَكَ ؛ اُمَناءُ مَعصومونَ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي احتِجاجِهِ مَعَ الخَوارِجِ _: أمّا قَولُكُم : إنّي كُنتُ وَصِيّا فَضَيَّعتُ الوَصِيَّةَ ؛ فَإِنَّ اللّهَ عزوجل يَقولُ : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَ__لَمِينَ» (2) أفرَأَيتُم هذَا البَيتَ ، لَو لَم يَحجُج إلَيهِ أحَدٌ كانَ البَيتُ يَكفُرُ ؟ إنَّ هذَا البَيتَ لَو تَرَكَهُ مَنِ استَطاعَ إلَيهِ سَبيلاً كَفَرَ ، وأنتُم كَفَرتُم بِتَركِكُم إيّايَ ، لا أنَا كَفَرتُ بِتَركي لَكُم (3) .
عنه عليه السلام_ فِي احتِجاجِهِ مَعَ الخَوارِجِ _: أمّا قَولُكُم : كُنتُ وَصِيّا فَضَيَّعتُ الوِصايَةَ ؛ فَأَنتُم كَفَرتُم وقَدَّمتُم عَلَيَّ غَيري ، وأزَلتُمُ الأَمرَ عَنّي ، ولَم أكُ كَفَرتُ بِكُم ، ولَيسَ عَلَى الأَوصياءِ الدُّعاءُ إلى أنفُسِهِم ؛ فَإِنّما تَدعُو الأَنبِياءُ إلى أنفُسِهِم ، وَالوَصِيُّ مَدلولٌ عَلَيهِ مَستَغنٍ عَنِ الدُّعاءِ إلى نَفسِهِ ، ذلِكَ لِمَن آمَنَ بِاللّهِ ورَسولِهِ ، وقَد قالَ اللّهُ تَعالى : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» فَلَو تَرَكَ النّاسُ الحَجَّ لَم يَكُنِ البَيتُ لِيَكفُرَ بِتَركِهِم (4) إيّاهُ ، ولكِن كانوا يَكفُرونَ بِتَركِهِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى قَد نَصَبَهُ لَهُم عَلَما ، وكَذلِكَ نَصَبَني عَلَما ، حَيثُ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «يا عَلِيُّ ، أنتَ بِمَنزِلَةِ الكَعبَةِ ؛
.
ص: 388
يُؤتى إلَيها ولا تَأتي» (1) .
1 / 6 _ 3خَيرُ الأَوصياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام في مَرَضِ وَفاتِهِ _: أنَا خاتَمُ النَّبِيّينَ ، وأكرَمُ النَّبِيّينَ عَلَى اللّهِ ، وأحَبُّ المَخلوقينَ إلَى اللّهِ عزّوجلّ ، وأنَا أبوكِ ، ووَصِيّي خَيرُ الأَوصِياءِ ، وأحَبُّهُم إلَى اللّهِ ، وهُوَ بَعلُكِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام _: نَبِيُّنا أفضَلُ الأَنبِياءِ ؛ وهُوَ أبوكِ ، ووَصِيُّنا خَيرُ الأَوصِياءِ ؛ وهُوَ بَعلُكِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ نَبِيّا ما بَعَثَ اللّهُ نَبِيّا أكرَمَ عَلَيه مِنّي ، ولا وَصِيّا أكرَمَ عَلَيهِ مِن وَصِيّي عَلِيٍّ (4) .
.
ص: 389
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إذا حَشَرَ اللّهُ عزّوجلّ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ نَصَبَ لي مِنبَرا فَوقَ مَنابِرِ النَّبِيّينَ ، ونَصَبَ لَكَ مِنبَرا فَوقَ مَنابِرِ الوَصِيينَ ، فَتَرتَقي عَلَيهِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَمشِيَ في رَحمَةِ اللّهِ ، وأن يُصبِحَ في رَحمَةِ اللّهِ عَلَيهِ ؛ فَلا يَدخُلَنَّ قَلبَهُ شَكٌّ بِأَنَّ ذُرِّيَّتي أفضَلُ الذُّرِّيّاتِ ، ووَصِيّي أفضَلُ الأَوصِياءِ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا وَصِيُّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأنَا خَيرُ الأَوصِياءِ (3) .
عنه عليه السلام :إنَّ خَيرَ الخَلقِ _ يَومَ يَجمَعُهُمُ اللّهُ _ الرُّسُلُ ، وإنَّ أفضَلَ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، وإنَّ أفضَلَ كُلِّ اُمَّةٍ بَعَد نَبِيِّها وَصِيُّ نَبِيِّها حَتّى يُدرِكَهُ نَبِيٌّ ، ألا وإنَّ أفضَلَ الأَوصِياءِ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ وآلِهِ السَّلامُ (4) .
الإمام الصادق عليه السلام :ما بَعَثَ اللّهُ نَبِيّا خَيرا مِن مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ولا وَصِيّا خَيرا مِن وَصِيِّهِ (5) .
عنه عليه السلام :يا أبانُ ! كَيفَ يُنكِرُ النّاسُ قَولَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام لَمّا قالَ : «لَو شِئتُ لَرَفَعتُ رِجلي هذِهِ ، فَضَرَبتُ بِها صَدرَ ابنِ أبي سُفيانَ بِالشّامِ ، فَنَكَستُهُ عَن سَريرِهِ» . ولا يُنكِرونَ تَناوُلَ آصَفَ وصَِيِّ سُلَيمانَ عَرشَ بِلقيسَ ، وإتيانَهُ سُلَيمانَ بِهِ قَبلَ أن يَرتَدَّ إلَيهِ طَرفُهُ ! أ لَيسَ نَبِيُّنا صلى الله عليه و آله أفضَلَ الأَنبِياءِ ، ووَصِيُّهُ عليه السلام أفضَلَ الأَوصِياءِ ؟ أَفَلا جَعَلوهُ كَوَصِيِّ سَلَيمانَ ؟ حَكَمَ اللّهُ بَينَنا وبَينَ مَن جَحَدَ حَقَّنا ، وأنكَرَ فَضلَنا ! (6)
.
ص: 390
الإمام الرضا عليه السلام :إنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، وأمينُهُ وصَفِيُّهُ ، وصَفوَتُهُ مِن خَلقِهِ ، وسَيِّدُ المُرسَلينَ ، وخاتِمُ النَّبِيّينَ ، وأفضَلُ العالَمينَ ، لا نَبِيَّ بَعدَهُ ، ولا تِبديلَ لِمِلَّتِهِ ، ولا تَغييرَ لِشَريعَتِهِ . . . وإنَّ الدَّليلَ بَعدَهُ والحُجَّةَ عَلَى المُؤمِنينَ ، وَالقائِمَ بِأَمرِ المُسلِمينَ ، وَالنّاطِقَ عَنِ القُرآنِ ، وَالعالِمَ بِأَحكامِهِ أخوهُ وخَليفَتُهُ ، ووَصِيُّهُ ووَليُّهُ ، وَالَّذي كانَ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ أميرُ المُؤمِنينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وأفضَلُ الوَصِيّينَ ، ووارِثُ عِلمِ النَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ (1) .
1 / 6 _ 4سَيِّدُ الأَوصياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :وَصِيّي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . . . هُوَ أفضَلُ اُمَّتي ، وأعلَمُهُم بِرَبّي ، وهُوَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، وأنَّهُ لَسَيِّدُ الأَوصِياءِ ، كَما أنّي سَيِّدُ الأَنبِياءِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: لَولا أنّي خاتِمُ الأَنبِياءِ لَكُنتَ شَريكا فِي النُّبُوَّةِ ؛ فَإِن لا تَكُن نِبِيّا فَإِنَّكَ وَصِيُّ نَبِيٍّ ووارِثُهُ ، بَل أنتَ سَيِّدُ الأَوصِياءِ ، وإمامُ الأَتقِياءِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ مِن بُطنانِ العَرشِ (4) : أينَ سَيِّدُ الأَنبِياءِ ؟ فَأَقومُ ، ثُمَّ يُنادي : أينَ سَيِّدُ الأَوصِياءِ ؟ فَتَقومُ ، ويَأتيني رِضوانُ بِمَفاتيحِ الجَنَّةِ ، ويَأتيني مالِكٌ بِمَقاليدِ النّارُ فَيَقولانِ : إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ أمَرَنا أن نَدفَعَها إلَيكَ ، ونَأمُرَك
.
ص: 391
أن تَدفَعها إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَتَكونُ يا عَلِيُّ قَسيمَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ . . . سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، ووَصِيُّ سَيِّدِ النَّبِيّينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :أنَا سَيِّدُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ سَيِّدُ الوَصِيّينَ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا إمامُ البَرِيَّةِ ، ووَصِيُّ خَيرِ الخَليقَةِ ، وزَوجُ سَيِّدَةِ نِساءِ الاُمَّةِ ، وأبُو الِعترَةِ الطّاهِرَةِ ، وَالأَئِمَّةِ الهادِيَةِ . أنَا أخو رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ووَصِيُّهُ ، ووَلِيُّهُ ووَزيرُهُ ، وصاحِبُهُ وصَفِيُّهُ ، وحَبيبُهُ وخَليلُهُ . أنَا أميرُ المُؤمِنينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وسَيِّدُ الوَصِيّينَ (4) .
عنه عليه السلام :أنَا سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، ووَصِيُّ سَيِّدِ النَّبِيّينَ (5) .
الخصال عن محمّد ابن الحنفيّة :مِنّا مُحَمَّدٌ سَيِّدُ المُرسَلينَ ، وعَلِيٌّ سَيِّدُ الوَصِيّينَ (6) .
1 / 6 _ 5خاتِمُ أوصياءِ الأَنبِياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ وَصِيّي ، ووارِثُ الأَوصِياءِ (7) .
.
ص: 392
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وغايَةُ السّابِقينَ ، ولِسانُ المُتَّقينَ ، وخاتِمُ الوَصِيّينَ ، ووارِثُ النَّبِيّينَ ، وخَليفَةُ رَبِّ العالَمينَ (1) .
عنه عليه السلام :أنَا وَصِيُّ الأَوصِياءِ (2) .
المعجم الأوسط عن أبي الطفيل :خَطَبَ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وذَكَرَ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيّا رضى الله عنهخاتِمَ الأَوصياءِ ، ووَصِيَّ خاتِمِ الأَنبِياءِ ، وأمينَ الصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ ، ثُمَّ قالَ : . . . ولَقَد قَبَضَهُ اللّهُ فِي اللَّيلَةِ الَّتي قَبَضَ فيها وَصِيَّ موسى ، وعَرَجَ بِروحِهِ فِي اللَّيلَةِ الَّتي عَرَجَ فيها بِروحِ عيسَى بنِ مَريَمَ ، وفِي اللَّيلَةِ الَّتي أنزَلَ اللّهُ عزّوجلّ فيهَا الفُرقانَ 3 .
تاريخ اليعقوبي_ في ذِكرِ خِلافَةِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام _: ثُمَّ قامَ مالِكُ بنُ الحارِثِ الأَشتَرُ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! هذا وَصِيُّ الأَوصِياءِ ، ووارِثُ عِلِم الأَنبِياءِ ، العَظيمُ البَلاءِ ، الحَسَنُ العِناءِ (3) . (4)
.
ص: 393
1 / 6 _ 6أوَّلُ أوصياءِ خاتَمِ الأَنبِياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنَا سَيِّدُ المُرسَلينَ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، وإنَّ أوصِيائي بَعدِي اثنا عَشَرَ ؛ أوَّلُهُم عِلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وآخِرُهُم القائِمُ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :الأَئِمَّةُ بَعدِي اثنا عَشَرَ ؛ أوَّلُهُم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وآخِرُهُمُ القائِمُ ؛ فَهُم خُلَفائي وأوصِيائي وأولِيائي وحُجَجُ اللّهِ عَلى اُمَّتي بَعدي (2) .
الإمام الباقر عليه السلام ، عن جابر بن عبداللّه الأنصاري :دَخَلتُ عَلى مَولاتي فاطِمَةَ عليهاالسلاموقُدّامَها لَوحٌ يَكادُ ضَوؤُهُ يُغشِي الأَبصارَ ، فيهِ إثنا عَشَرَ اسما .. . فَقُلتُ : أسماءُ مَن هؤُلاءِ ؟ قالَت : هذِهِ أسماءُ الأَوصِياءِ ، أوَّلُهُم ابنُ عَمّي وأحَدَ عَشَرَ مِن وُلدي (3) .
1 / 6 _ 7وِصايَةُ الإِمامِ في أدَبِ صَدرِ الإِسلامِتاريخ اليعقوبي عن حسّان بن ثابت_ فِي وَصفِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام في أوائِلِ خِلافَةِ أبي بَكرٍ _: حَفِظتَ رَسولَ اللّهِ فينا وعَهدَهُ إلَيكَ ومَن أولى بِهِ مِنكَ مَن ومَن ؟ أ لَستَ أخاهُ فِي الإِخا ووَصِيَّهُ وأعلَمَ فِهرٍ (4) بِالكِتابِ وبِالسُّنَنِ ؟ (5)
.
ص: 394
تاريخ الطبري عن الفضل بن عبّاس : ألا إنَّ خَيرَ النّاسِ بَعدَ مُحَمَّدٍ وَصِيُّ النَّبِيِّ المُصطَفى عِندَ ذِي الذِّكرِ وأوَّلُ مَن صَلّى وصِنُو نَبِيِّهِ وأوَّلُ مَن أردَى الغُواةَ لَدى بَدرٍ (1)
شرح نهج البلاغة :ومِمّا رَوَيناهُ مِنَ الشِّعرِ المَقولِ في صَدرِ الإِسلامِ المُتَضَمِّنِ كَونَهُ عليه السلام وَصِيَّ رَسولِ اللّهِ قَولُ عَبدِ اللّهِ بنِ أبي سُفيانَ بنِ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ : ومِنّا عَلِيٌّ ذاكَ صاحِبُ خَيبَرَ وصاحِبُ بَدرٍ يَومَ سالَت كَتائِبُهُ وَصِيُّ النَّبِيِّ المُصطَفى وَابنُ عَمِّهِ فَمَن ذا يُدانيهِ ومَن ذا يُقارِبُهُ ! وقالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ جُعَيلٍ : لَعَمري لَقَد بايَعتُم ذا حَفيظَةٍ عَلَى الدّينِ مَعروفَ العَفافِ مُوَفَّقا عَلِيّا وَصِيَّ المُصطَفى وَابنَ عَمِّهِ وأوَّلَ مَن صَلّى أخَا الدّينِ وَالتُّقى وقالَ أبُو الهَيثَمِ بنُ التَّيِّهانِ _ وكانَ بَدرِيّا _ : قُل لِلزُّبَيرِ وقُل لِطَلحَةَ إنَّنا نَحنُ الَّذين شِعارُنَا الأَنصارُ نَحنُ الَّذين رَأَت قُرَيشٌ فِعلَنا يَومَ القَليبِ (2) اُولئِكَ الكُفّارُ كُنّا شِعارَ نَبِيِّنا ودِثارَهُ يَفديهِ مِنَّا الروحُ والأَبصارُ إنَّ الوَصِيَّ إمامُنا ووَلِيُّنا بَرِحَ الخَفاءُ وباحَتِ الأَسرارُ وقال عُمَرُ بنُ حارِثَةَ الأَنصارِيُّ ، وكانَ مَعَ مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ يَومَ الجَمَلِ ، وقَد لامَهُ أبوهُ عليه السلام لَمّا أمَرَهُ بِالحَملَةِ فَتَقاعَسَ (3) : أبا حَسَنٍ أنتَ فَصلُ الاُمورِ يَبينُ بِكَ الحِلُّ وَالمَحرَمُ جَمَعتَ الرِّجالَ عَلى رايَةٍ بِهَا ابنُكَ يَومَ الوَغى مُقحَمٌ ولَم يَنكُصِ المَرءُ مِن خيفَةٍ ولكِن تَوالَت لَهُ أسهُمٌ فَقالَ رُوَيدا ولا تَعجَلوا فَإِنّي إذا رَشَقوا مُقدِمٌ فَأَعجَلتَهُ وَالفَتى مُجمِعٌ بِما يكرَهُ الوَجِلُ المُحجِمُ (4) سَمِيُّ النَّبِيِّ وشَبهُ الوَصِيِّ ورايَتُهُ لَونُها العَندَمُ (5) وقالَ رَجُلٌ مِنَ الأَزدِ يَومَ الجَمَلِ : هذا عَلِيٌّ وهُوَ الوَصِيُّ آخاهُ يَومَ النَّجَوةِ النَّبِيُّ وقالَ هذَا بَعدِيَ الوَلِيُّ وعاهُ واعٍ ونَسِيَ الشَّقِيُّ وخَرَجَ يَومَ الجَمَلِ غُلامٌ مِن بَني ضَبَّةَ شابٌّ مُعلِمٌ (6) مِن عَسكَرِ عائِشَةَ ، وهُوَ يَقولُ : نَحنُ بَني ضَبَّةَ أعداءُ عَلِيٍّ ذاكَ الَّذي يُعرَفُ قِدما بِالوَصِيِّ وفارِسِ الخَيلِ عَلى عَهدِ النَّبِيِّ ما أنَا عَن فَضلِ عَلِيٍّ بِالعَمِيِّ لكِنَّني أنعَى ابنَ عَفّانَ التَّقِيَّ إنَّ الوَلِيَّ طالِبٌ ثَأرَ الوَلِيِّ وقالَ سَعيدُ بنُ قَيسٍ الهَمدانِيُّ يَومَ الجَمَلِ _ وكانَ في عَسكَرِ عَلِيٍّ عليه السلام _ : أيَّةُ حَربٍ اُضرِمَت نيرانُها وكُسِرَت يَومَ الوَغى مُرّانُها (7) قُل لِلوَصيِّ أقبَلَت قَحطانُها فَادعُ بِها تَكفيكَها همدانُها هُمُ بَنوها وهُمُ إخوانُها وقالَ زِيادُ بنُ لَبيدٍ الأَنصارِيُّ يَومَ الجَمَلِ _ وكانَ مِن أصحابِ عَلِيٍّ عليه السلام _ : كَيفَ تَرَى الأَنصارَ في يَومِ الكَلَبِ إنّا اُناسٌ لا نُبالي مَن عَطِبَ ولا نُبالي فِي الوَصِيِّ مَن غَضِبَ وإنَّمَا الأَنصارُ جِدٌّ لا لَعِبٌ هذا عَلِيٌّ وابنُ عَبدِ المِطَّلِبِ نَنصُرُهُ اليَومَ عَلى مَن قَد كَذَبَ مَن يَكسِبُ البَغيَ فَبِئسَمَا اكتَسَبَ وقالَ حُجرُ بنُ عَدِيٍّ الكِندِيُّ في ذلِكَ اليَومِ أيضا : يا رَبَّنا سَلِّم لَنا عَلِيّا سَلِّم لَنَا المُبارَكَ المُضِيّا المُؤمِنَ المُوَحِّدَ التَّقِيّا لا خَطِلَ الرَّأيِ ولا غَوِيّا بَل هادِيا مُوَفَّقا مَهدِيّا وَاحفَظهُ رَبّي وَاحفَظِ النَّبِيّا فيهِ فَقَد كانَ لَهُ وَلِيّا ثُمَّ ارتَضاهُ بَعدَهُ وَصِيّا وقالَ خُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ الأَنصارِيُّ ذُو الشَّهادَتَينِ _ وكانَ بَدرِيّا _ في يَومِ الجَمَلِ أيضا : لَيسَ بَينَ الأَنصارِ في جَحمَةِ (8) الحَر بِ وبَينَ العُداةِ إلَا الطِّعانُ وقِراعُ الكُماةِ بِالقُضُبِ البَي ضِ إذا ما تَحَطَّمَ المُرّانُ فَادعُها تُستَجَب فَلَيسَ مِنَ الخَز رَجِ والأَوسِ _ يا عَلِيٌّ _ جَبانٌ يا وَصِيَّ النَّبِيِّ قَد أجلَتِ الحَر بُ الأَعادِيَ وسارَتِ الأَظعانُ (9) وَاستَقامَت لَكَ الاُمورُ سِوَى الشّ امِ وفِي الشّامِ يظهَرُ الإِذعانُ حَسبُهُم ما رَأَوا وحَسبُكَ مِنّا هكذا نَحنُ حَيثُ كُنّا وكانوا وقالَ خُزَيمَةُ أيضا في يَومِ الجَمَلِ : أ عائِشَ خَلّي عَن عَلِيٍّ وعَيبِهِ بِما لَيسَ فيهِ ؛ إنَّما أنتِ والِدَةٌ وَصِيُّ رَسولِ اللّهِ مِن دونِ أهلِهِ وأنتِ عَلى ما كانَ مِن ذاكِ شاهِدَةٌ وحَسبُكِ مِنهُ بَعضُ ما تَعلَمينَهُ ويَكفيكِ لَو لَم تَعلَمي غَيرَ واحِدَةٍ إذا قيلَ ماذا عِبتِ مِنهُ رَمَيتِهِ بِخذلِ ابنِ عَفّانَ وما تِلكِ آبِدَةٌ (10) ولَيسَ سَماءُ اللّهِ قاطِرَةً دَما لِذاكَ ومَا الأَرضُ الفَضاءُ بِمائدةٍ (11) وقالَ ابنُ بَديلِ بنِ وَرقاءَ الخُزاعِيُّ يَومَ الجَمَلِ أيضا : يا قَومُ لَلخُطَّةُ العُظمَى الَّتي حَدَثَت حَربُ الوَصِيِّ وما لِلحَربِ مِن آسي الفاصِلُ الحُكمَ بِالتَّقوى إذا ضَرِبَت تِلكَ القَبائِلُ أخماسا لِأَسداسٍ وقال عَمرُو بنُ اُحَيحَةَ يَومَ الجَمَلِ في خُطبَةِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام بَعدَ خُطبَةِ عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَيرِ : حَسَنَ الخيرِ يا شَبيهَ أبيهِ قُمتَ فينا مَقام خَيرَ خَطيبٍ قُمتَ بِالخُطبَةِ الَّتي صَدَعَ الل_ _هُ بِها عَن أبيكَ أهلَ العُيوبِ وكَشَفتَ القِناعَ فَاتَّضَحَ الأَم_ _رُ وأصلَحتَ فاسِداتِ القُلوبِ لَستَ كَابنِ الزُّبَيرِ لَجلَجَ فِيالقَو لِ وطَأطَأ عِنانَ فَسلٍ (12) مُريبٍ وأبَى اللّهُ أن يَقومَ بِما قا مَ بِهِ ابنُ الوَصِيِّ وَابنُ النَّجيبِ إنَّ شَخصا بيَنَ النَّبِيِّ _ لَكَ الخَي_ _رُ _ وبَينَ الوَصِيِّ غَيرُ مَشوبٍ وقال زَحرُ بنُ قَيسٍ الجُعفِيُّ يَومَ الجَمَلِ أيضا : أضرِبُكُم حَتّى تُقِرّوا لِعَلِيٍّ خَيرِ قُرَيشٍ كُلِّها بَعدَ النَّبِيِّ مَن زانَهُ اللّهُ وسَمّاهُ الوَصِيَّ إنَّ الوَلِيَّ حافِظٌ ظهَرَ الوَلِيِّ كَمَا الغَوِيُّ تابِعٌ أمرَ الغَوِيِّ ذَكَرَ هذِهِ الأَشعارَ والأَراجيزَ بِأَجمَعِها أبو مِخنَفٍ لوطُ بنُ يَحيى في كتابِ وَقعَةِ الجَمَلِ . وأبو مِخنَفٍ مِنَ المُحَدِّثينَ ، ومِمَّن يَرى صِحَّةَ الإِمامَةِ بِالاِختِيارِ ، ولَيسَ مِن الشَّيعَةِ ، ولا مَعدودا مِن رِجالِها . ومِمّا رَوَيناهُ مِن أشعارِ صِفّينَ الَّتي تَتَضَمَّنُ تَسمِيَتَهُ عليه السلام بِالوَصِيِّ ما ذَكَرَهُ نَصرُ بنُ مُزاحِمِ بنِ يَسارٍ المِنقَرِيُّ في كِتابِ صِفّينَ ، وهُوَ مِن رِجالِ الحَديثِ . قال نَصرُ بنُ مُزاحِمٍ : قالَ زَحرُ بنُ قَيسٍ الجُعفِيُّ : فَصَلَّى الإِلهُ عَلى أحمَدَ رَسولِ المَليكِ تَمامِ النِّعَمِ رَسولِ المَليكِ ومِن بَعدِهِ خَليفَتُنَا القائِمُ المُدعمُ عَلِيّا عَنَيتُ وَصِيَّ النَّبِيِّ نُجالِدُ (13) عَنهُ غُواةَ الاُمَمِ (14) قالَ نَصرٌ : ومِنَ الشِّعرِ المَنسوبِ إلَى الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ : أتانَا الرَّسولُ رَسولُ الإِمامِ فَسُرَّ بِمَقدَمِهِ المُسلِمونا رَسولُ الوَصِيِّ وَصِيِّ النَّبِيِّ لَهُ السَّبقُ وَالفَضلُ فِي المُؤمِنينا (15) ومِنَ الشِّعرِ المَنسوبِ إلَى الأَشعَثِ أيضا : أتانا الرَّسولُ رَسولُ الوَصِيِّ عَلِيٌّ المُهَذَّبُ مِن هاشِمٍ وَزيرُ النَّبِيِّ وذو صِهرِهِ وخَيرُ البَرِيَّةِ وَالعالَمِ 16 قالَ نَصرُ بنُ مُزاحِمٍ : مِن شِعرِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام في صِفّينَ : يا عَجَبا لَقَد سَمِعتُ مُنكَرا كِذبا عَلَى اللّهِ يُشيبُ الشَّعَرَا ما كانَ يَرضى أحمَدُ لَو اُخبِرا أن يُقرِنوا وَصِيَّهُ وَالأَبتَرَا شانِيَ الرَّسولِ وَاللَّعينَ الأَخزَرا (16) إنّي إذَا المَوتُ دَنا وحَضَرَا شَمَّرتُ ثَوبي ودَعَوتُ قَنبَرا قَدِّم لِوائي لا تُؤَخِّر حَذَرا لا يَدفَعُ الحِذارُ ما قَد قُدِّرا لَو أنَّ عِندي _ يَا بنَ حَربٍ _ جَعفَرا أو حَمزَةَ القَرمَ (17) الهُمامَ الأَزهَرا رَأَت قُرَيشٌ نَجمَ لَيلٍ ظُهُرا (18)
.
ص: 395
وقالَ: جَريرُ بنُ عَبدِ اللّهِ البَجَليُِّ كَتَبَ بِهذَا الشِّعرِ إلى شُرَحبيلِ بنِ السِّمطِ الكِندِيِّ رَئيسِ اليَمانِيَةِ مِن أصحابِ مُعاوِيَةَ : نَصَحتُكَ يَا بنَ السِّمطِ لا تَتبَعِ الهَوى فَما لَكَ فِي الدُّنيا مِنَ الدّينِ مِن بَدَلٍ ولا تَكُ كَالمُجري إلى شَرِّ غايَةٍ فَقَد خُرِقَ السِّربالُ (1) وَاستَنوَقَ الجَمَلُ (2) مَقالُ ابنِ هِندٍ في عَلِيٍّ عَضيهَةٌ (3) و لَلّهُ في صَدرِ ابنِ أبي طالِبٍ أجَلُّ وما كانَ إلّا لازِما قَعرَ بَيتِهِ إلى أن أتى عُثمانَ في بَيتِهِ الأَجَلُ وَصِيُّ رَسولِ اللّهِ مِن دونِ أهلِهِ وفارِسُهُ الحامي بِهِ يُضرَبُ المَثَلُ (4) وقالَ النُّعمانُ بنُ عَجلانَ الأَنصارِيُّ : كَيفَ التَّفَرُّقُ وَالوَصِيُّ إمامُنا لا كَيفَ إلّا حَيرَةً وتَخاذُلاً لا تَغبَنُنَّ عُقولَكُم لا خَيرَ في مَن لَم يَكُن عِندَ البَلابِلِ عاقِلاً وذَروا مُعاوِيَةَ الغَوِيَّ وتابِعوا دينَ الوَصِيِّ لِتَحمَدوهُ آجِلاً (5) وقالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ ذُؤَيبٍ الأَسلَمِيُّ : ألا أبلِغ مُعاوِيَةَ بنَ حَربٍ فَما لَكَ لا تَهَشُّ (6) إلَى الضِّرابِ ! فَإِن تَسلَم وتَبقَ الدَّهرَ يَوما نَزُركَ بِجَحفَلٍ (7) عَدَدَ التُّرابِ يَقودُهُمُ الوَصِيُّ إلَيكَ حَتّى يَرُدَّكَ عَن ضَلالٍ وَارتِيابٍ (8) وقالَ المُغيرَةُ بنُ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ : يا عُصبَةَ المَوتِ صَبرا لا يَهولُكُمْ جَيشُ ابنِ حَربٍ فَإنَّ الحَقَّ قَد ظَهَرَا وأيقِنوا أنَّ مَن أضحى يُخالِفُكُم أضحى شَقِيّا وأمسى نَفسَهُ خَسِرَا فيكُم وَصِيُّ رَسولِ اللّهِ قائِدُكُم وصِهرُهُ وكِتابُ اللّهِ قَد نُشِرَا (9) وقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ : وَصِيُّ رَسولِ اللّهِ مِن دُونِ أهلِهِ وفارِسُهُ إن قيلَ هَل مِن مُنازِلٍ ! فَدونَكَهُ إن كُنتَ تَبغي مُهاجِرا أشَمُّ كَنَصلِ السَّيفِ عَيرَحَلاحِلَ (10)(11) وَالأَشعارُ التَّي تَتَضَمَّنُ هذِهِ اللَّفظَةَ [الوَصِيَّ] كَثيرَةٌ جِدّا ، ولكِنّا ذَكَرَنا مِنها هاهُنا بَعضَ ما قيلَ في هذَينِ الحِزبَينِ ، فَأَمّا ما عَداهُما فَإِنَّهُ يَجِلُّ عَنِ الحَصرِ ، ويَعظُمُ عَنِ الإِحصاءِ وَالعَدِّ ، ولَولا خَوفُ المَلالَةِ وَالإِضجارِ لَذَكَرنا مِن ذلِكَ ما يَملَأُ أوراقا كَثيرَةً (12) .
.
ص: 396
. .
ص: 397
. .
ص: 398
. .
ص: 399
. .
ص: 400
. .
ص: 401
1 / 7وُجوبُ طاعَةِ الأَوصِياءِالإمام عليّ عليه السلام_ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: قَد أخبَرَنِي اللّهُ تَعالى أنَّهُ قَدِ استَجابَ لي فيك
.
ص: 402
ولِشُرَكائِكَ الَّذين يَكونونَ بَعَدَكَ . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ومَن شُرَكائي ؟ قالَ : الَّذينَ قَرَنَ اللّهُ طاعَتَهُم بِطاعَتِهِ وبِطاعَتي . قُلتُ : مَن هُم يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : الَّذينَ قالَ اللّهُ تَعالى فيهِم : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» (1) . قُلتُ : يا نَبِيَّ اللّهِ ، مَن هُم ؟ قالَ : هُمُ الأَوصِياءُ بَعدي (2) .
تفسير العيّاشي عن جابر الجعفي :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام عَن هذِهِ الآيَةِ : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» قالَ : الأَوصِياءُ (3) .
الإمام الصادق عليه السلام :اُشرِكُ بَينَ الأَوصِياءِ وَالرُّسُلِ فِي الطّاعَةِ (4) .
الكافي عن الحسين بن أبي العلاء :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : الأَوصِياءُ طاعَتُهُم مُفتَرَضَةٌ ؟ قالَ : نَعَم ، هُمُ الَّذينَ قالَ اللّهُ عزّوجلّ : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» وهُمُ الَّذينَ قالَ اللّهُ عزّوجلّ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» (5)(6) .
راجع : ج 1 ص 73 (الوصيّ) . وص 409 (أحاديث الخلافة) . وج 4 ص 448 (وصيّي) .
.
ص: 403
الفصل الثاني : أحاديث الوراثة2 / 1الوارِثُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ وارِثي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيٌّ ووارِثٌ ، وإنَّ وَصِيّي ووارِثي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي ، وخَليفَتي ، ووَزيري ، ووارِثي ، وأبو وُلدي . . . ، أمرُكَ أمري . . . ، ونَهيُك نَهيي (3) .
.
ص: 404
عنه صلى الله عليه و آله :هذا عَلِيٌّ أخي ، ووَصِيّي ، ووَزيري ، ووارِثي ، وخَليفَتي (1) .
الأمالي للطوسي عن أنس :اِتَّكَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلَى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : يا عَلِيُّ ، أ ما تَرضى أن تَكونَ أخي ، وأكونَ أخاكَ ، وتَكونَ وَليِّي ، ووَصِيّي ، ووارِثي ! (2)
إرشاد القلوب عن حذيفة :أمَرَ [ صلى الله عليه و آله ] خادِمَةً لِاُمِّ سَلَمَةَ ؛ فَقالَ : اِجمَعي لي هؤُلاءِ _ يعني نِساءَهُ _ . فَجَمَعتُهُنَّ لَهُ في مَنزِلِ اُمِّ سَلَمَةَ ، فَقالَ لَهُنَّ : اِسمَعنَ ما أقولُ لَكُنَّ _ وأشارَ بِيَدِهِ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام _ فَقالَ لَهُنَّ : هذا أخي ، ووَصِيّي ، ووارِثي ، وَالقائِمُ فيكُنَّ وفِي الاُمَّةِ مِن بَعدي ، فَأَطِعنَهُ فيما يَأمُرُكُنَّ بِهِ ، ولا تَعصينَهُ ؛ فَتَهلِكنَ لِمَعصِيَتِهِ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام_ في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: وَاللّهِ إنّي لَأَخوهُ ، ووَلِيُّهُ ، وَابنُ عَمِّهِ ، ووارِثُهُ ، ومَن أحَقُّ بِهِ مِنّي ! (4)
عنه عليه السلام :أنَا عَبدُ اللّهِ ، وأخو رَسولِهِ ، لا يَقولُها أحَدٌ قَبلي ولا بَعدي إلّا كَذَبَ ، وَرِثتُ نَبِيَّ الرَّحمَةِ ، ونَكَحتُ سَيِّدَةَ نِساءِ هذِهِ الاُمَّةِ ، وأنَا خاتِمُ الوَصِيّينَ (5) .
.
ص: 405
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَصَّني بِما خَصَّ بِهِ أولِياءَهُ وأهلَ طاعَتِهِ ، وجَعَلَني وارِثَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَمَن ساءَهُ ساءَهُ ، ومَن سَرَّهُ سَرَّهُ (1) .
خصائص أمير المؤمنين عن أبي إسحاق :سَأَلَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ خالِدٍ قُثَمَ بن العَبّاسِ : مِن أينَ وَرِثَ عَلِيٌّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : إنَّهُ كانَ أوَّلَنا بِهِ لُحوقا ، وأشَدَّنا بِه لُزوقا 2 .
2 / 2وارِثُ عِلمِ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :القُرآنُ إمامٌ هادٍ ، ولَهُ قائِدٌ يَهدي بِهِ ويَدعو إلَيهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، وهُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وهُوَ وَلِيُّ الأَمرِ بَعدي ، ووارِثُ عِلمي وحِكمَتي ، وسِرّي وعَلانِيَتي ، وما وَرِثَهُ النَّبِيّونَ قَبلي ، وأنَا وارِثٌ ومَوَرِّثٌ ، فَلا تُكذِبُنَّكُم أنفُسُكُم (2) .
.
ص: 406
كفاية الأثر عن عمّار :لَمّا حَضَرَت رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله الوَفاةُ دَعا بِعَلِيٍّ عليه السلام ، فَسارَّهُ طَويلاً ، ثُمَّ قالَ : يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي ، ووارِثي ، قَد أعطاكَ اللّهُ عِلمي وفَهمي (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ إنّي لَأَخوهُ [ صلى الله عليه و آله ] ووَلِيُّهُ ، وابنُ عَمِّهِ ، ووارِثُ عِلمِهِ ، فَمَن أحَقُّ بِهِ مِنّي ! (2)
عنه عليه السلام :سَلوني عَن أسرارِ الغُيوبِ ؛ فَإِنّي وارِثُ عُلومِ الأَنبِياءِ وَالمُرسَلينَ (3) .
فضائل الصحابة عن زيد بن أبي أوفى :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَسجِدَهُ فَذَكَرَ قِصَّةَ مُؤاخاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ ، فَقالَ عَلِيٌّ _ يَعني لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _ : لَقَد ذَهَبَت روحي وَانقَطَعَت ظَهري حينَ رَأَيتُكَ فَعَلتَ بِأَصحابِكَ ما فَعَلتَ غَيري ، فَإِن كانَ هذا مِن سَخَطٍ عَلَيَّ فَلَكَ العُتبى وَالكَرامَةُ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ ، ما أخَّرتُكَ إلّا لِنَفسي ؛ فَأَنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، وأنتَ أخي ، ووارِثي . قالَ : وما أرِثُ مِنكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : ما وَرَّثَ الأنبياءُ قَبلي . قالَ : وما وَرَّثَ الأَنبِياءُ قَبلَكَ ؟ قالَ : كِتابَ اللّهِ ، وسُنَّةَ نَبِيِّهِم ، وأنتَ مَعي في قَصرٍ فِي الجَنَّةِ مَعَ فاطِمَةَ ابنَتي ، وأنتَ أخي ، ورَفيقي ، ثُمَّ تَلا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِخْوَ نًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَ_بِلِينَ» (4) ؛ المُتَحابّونَ فِي اللّهِ يَنظُرُ بَعضُهُم إلى بَعضٍ (5) .
.
ص: 407
الإمام الباقر عليه السلام :وَرِثَ عَلِيٌّ عليه السلام عِلمَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ووَرِثَت فاطِمَةُ تَرَكَتَهُ (1) .
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ عَلِيّا وَرِثَ عِلمَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وفاطِمَةَ أحرَزَتِ الميراثَ (2) .
راجع : ج 1 ص 129 (المؤزارة على الدعوة) . و ج6 ص13 (التعلّم في مدرسة النبيّ) ، و ص25 (المنزلة العلميّة).
.
ص: 408
. .
ص: 409
الفصل الثالث : أحاديث الخلافة3 / 1أ لا تَستَخلِفُ ؟المعجم الكبير عن عبد اللّه بن مسعود :اِستَتبَعَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَيلَةَ الجِنِّ ، فَانطَلَقتُ مَعَهُ حَتّى بَلَغنا أعلى مَكَّةَ ، فَخَطَّ عَلَيَّ خِطَّةً وقالَ : لا تَبرَح . ثُمَّ انصاعَ (1) في أجبالٍ ، فَرَأَيتُ الرِّجالَ يَتَحَدَّرونَ عَلَيهِ مِن رُؤوسِ الجِبالِ ، حَتّى حالوا بَيني وبَينَهُ ، فَاختَرَطتُ السَّيفَ وقُلتُ : لَأَضرِبَنَّ حَتَّى أستَنقِذَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ ذَكَرتُ قَولَهُ : «لا تَبرَح حَتّى آتِيَكَ» _ قالَ : _ فَلَم أزَل كَذلِكَ حَتّى أمَّنَا الفَجرُ ، فَجاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وأنَا قائِمٌ ، فقَالَ : ما زِلتَ عَلى حالِكَ ؟ قُلتُ : لَو لَبِثتَ شَهرا ما بَرِحتُ حَتّى تَأتِيَني . ثُمَّ أخبَرتُهُ بِما أرَدتُ أن أصنَعَ ، فَقالَ : لَو خَرَجتَ مَا التَقَيتُ أنَا ولا أنتَ إلى يَومِ القِيامَةِ ! ثُمَّ شَبَّكَ أصابِعَهُ في أصابِعي ، فَقالَ : إنّي وُعِدتُ أن يُؤمِنَ بِيَ الجِنُّ وَالإِنسُ ؛ فَأَمَّا الإِنسُ فَقَد آمَنَت بي ، وأمَّا الجِنُّ فَقَد رَأَيتَ _ قالَ : _ وما أظُنُّ أجلي إلّا قَدِ اقتَرَبَ . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ لا تَستَخلِفُ أبا بَكرٍ ! فَأَعرَضَ عَنّي ، فَرَأيَتُ أنَّهُ لَم يُوافِقهُ . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ لا تَستَخلِفُ عُمَرَ ! فَأَعرَضَ عَنّي ، فَرَأَيتُ أنَّهُ لَم يُوافِقُه .
.
ص: 410
قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ لا تَستَخلِفُ عَلِيّا ! ! قالَ : ذاكَ ، وَالَّذي لا إلهَ غَيرُهُ لَو بايَعتُموهُ وأطَعتُموهُ أدخَلتُكُمُ الجَنَّةَ أكتَعينَ (1)(2) .
المعجم الكبير عن عبد اللّه بن مسعود :كُنتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لَيلَةَ وفدِ الجِنِّ ، فَتَنَفَّسَ ، فَقُلتُ : ما لَكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ ! قالَ : نُعِيَت إلَيَّ نَفسي يَا بنَ مَسعودٍ . قُلتُ : اِستَخلِف . قالَ : مَن ؟ قُلتُ : أبا بَكرٍ (3) _ قالَ : _ فَسَكَتَ . ثُمَّ مَضى ساعَةً، ثُمَّ تَنَفَّسَ ، فَقُلتُ : ما شَأنُكَ _ بِأَبي أنتَ واُمّي _ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : نُعِيَت إلَيَّ نَفسي يَا بنَ مَسعودٍ . قُلتُ : فَاستَخلِف . قالَ : مَن ؟ قُلتُ : عُمَرَ ! فَسَكَتَ . ثُمَّ مَضى ساعَةً ، ثُمَّ تَنَفَّسَ ، فَقُلتُ : ما شَأنُكَ ؟ قالَ : نُعِيَت إلَيَّ نَفسي يَا بنَ مَسعودٍ . قُلتُ : فَاستَخلِف . قالَ : مَن ؟ قُلتُ : عِلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ! ! قالَ : أما وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لَئِن أطاعوهُ لَيَدخُلُنَّ الجَنَّةَ أجمَعينَ أكتَعينَ (4) .
السنّة عن عبد اللّه بن مسعود :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ لَيلَةَ الجِنِّ : نُعِيَت إلَيَّ _ وَاللّهِ _ نَفسي . فَقُلتُ : يَقومُ بِالنّاسِ أبو بَكرٍ الصِّدّيقُ ! فَسَكَتَ . فَقُلتُ : يَقومُ بِالنّاسَ عُمَرُ ! فَسَكَتَ . فَقُلتُ :يَقومُ بِالنّاسِ عَلِيٌّ ! ! فَقالَ : لا يَفعَلونَ ، ولَو فَعَلوا دَخَلُوا الجَنَّةَ أجمَعينَ (5) .
.
ص: 411
3 / 2اِستِخلافُ الإِمامِ بِأَمرِ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي ، أوصَيتُ إلَيكَ بِأَمرِ رَبّي . وأنتَ خَليفَتي ، اِستَخلَفتُكَ بِأَمرِ رَبّي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا فاطِمَةُ . . . إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالَى اطَّلَعَ إلَى الأَرضِ اطِّلاعَةً ، فَاختارَني مِن خَلقِهِ ، فَجَعَلَني نَبِيّا . ثُمَّ اطَّلَعَ إلَى الأَرضِ اطِّلاعَةً ثانِيَةً ، فَاختارَ مِنها زَوجِكِ ، وأوحى إلَيَّ أن اُزَوِّجَكِ إيّاهُ ، وأتَّخِذَهُ وَلِيّا ووَزيرا ، وأن أجعَلَهُ خَليفَتي في اُمَّتي ؛ فَأَبوكِ خَيرُ أنبياءِ اللّهِ ورُسُلِهِ ، وبعَلُكِ خَيرُ الأَوصِياءِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :لَمّا اُسرِيَ بي إلَى السَّماءِ ، ثُمَّ مِنَ السَّماءِ إلَى السَّماءِ إلى سِدرَةِ المُنتَهى ، وَقَفتُ بَينَ يَدَي رَبّي عزّوجلّ ، فَقالَ لي : يا مُحَمَّدُ ! قُلتُ : لَبَّيكَ وسَعدَيكَ . قالَ : قَد بَلَوتَ حَلقي ، فَأَيَّهُم رَأَيتَ أطوَعَ لَكَ ؟ قالَ : قُلتُ : رَبّي عَلِيّا . قالَ : صَدَقتَ يا مُحَمَّدُ . فَهَلِ اتَّخَذتَ لِنَفسِكَ خَليفَةً يُؤَدّي عَنكَ ، يُعَلِّمُ عِبادي مِن كِتابي ما لا يَعلَمونَ ؟ قالَ : قُلتُ : يا رَبِّ اختَر لي ، فَإِنَّ خِيَرَتَكَ خِيَرَتي . قالَ : اِختَرتُ لَكَ عَلِيّا ، فَاتَّخِذُه خَليفَةً ووَصِيّا (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ اسمُهُ . . . شَدَّ بي أزرَ (4) رَسولِهِ ، وأكرَمَني بِنَصرِهِ ، وشَرَّفَنى ¨
.
ص: 412
بِعِلمِهِ ، وحَباني بِأَحكامِهِ ، وَاختَصَّني بِوَصِيَّتِهِ ، وَاصطَفاني بِخِلافَتِهِ في اُمَّتِهِ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله _ وقد حَشَدَهُ المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ وَانغَصَّت بِهِمُ المَحافِلُ _ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ عَلِيّا مِنّي كَهارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي . فَعَقَلَ المُؤمِنونَ عَنِ اللّهِ نُطقَ الرَّسولِ ، إذ عَرَفوني أنّي لَستُ بِأَخيهِ لِأَبيهِ واُمِّهِ كَما كانَ هارونُ أخا موسى لِأَبيهِ واُمِّهِ ، ولا كُنتُ نَبِيّا فَاقتَضى (1) نُبُوَّةً ، ولكِن كانَ ذلِكَ مِنهُ استِخلافا لي ، كَمَا استَخلَفَ موسى هارونَ عليهماالسلام حَيثُ يَقولُ : «اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (2)(3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُنتُ أنَا وعَلِيٌّ نورا بَينَ يَدَيِ اللّهِ عزّوجلّ ، يُسَبِّحُ اللّهَ ذلِكَ النّورُ ويُقَدِّسُهُ قَبلَ أن يُخلَقَ آدَمُ بَأَلفِ عامٍ ، فَلَمّا خَلَقَ اللّهُ آدَمَ رَكَّبَ ذلِكَ النّورَ في صُلبِهِ ، فَلَم يَزَل في شَيءٍ واحِدٍ حَتَّى افتَرَقنا في صُلبِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَفِيَّ النُّبُوَّةُ ، وفي عَلِيٍّ الخِلافَةُ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :خُلِقتُ أنَا وعَلِيٌّ مِن نورٍ واحِدٍ قَبلَ أن يَخلُقَ اللّهُ آدَمَ بِأَربَعَةِ آلافِ عامٍ ، فَلَمّا خَلَقَ اللّهُ آدَمَ رَكَّبَ ذلِكَ النّورَ في صُلبِهِ ، فَلَم يَزَل في شَيءٍ واحِدٍ حَتَّى افتَرَقا في صُلبِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، فَفِيَّ النُّبُوَّةُ ، وفي عَلِيٍّ الخِلافَةُ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ خَليفَةُ اللّهِ وخَليفَتي ، وحُجَّةُ اللّهِ وحُجَّتي (6) .
.
ص: 413
الإمام الجواد عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَقَدَ عَلَيهِم لِعَلِيٍّ بِالخِلافَةِ في عَشَرَةِ مَواطِنَ . ثُمَّ أنزَلَ اللّهُ : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ» (1) الَّتي عُقِدَت عَلَيكُم لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام (2) .
3 / 3خَليفَةُ النَّبِيِّ بَعدَهُتاريخ دمشق عن ابن عبّاس :سَتَكونُ فِتنَةٌ ، فَمَن أدرَكَها مِنكُم فَعَلَيهِ بِخَصلَتَينِ : كِتابِ اللّهِ ، وعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ _ وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيٍّ _ : هذا أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وأوَّلُ مَن يُصافِحُني ، وهُوَ فاروقُ هذِهِ الاُمَّةِ ، يُفَرِّقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ ، وهُوَ يَعسوبُ المُؤمِنينَ وَالمالُ يَعسوبُ الظَّلَمَةِ ، وهُوَ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وهُوَ بابِي الَّذي اُوتى مِنهُ ، وهُوَ خَليفَتي مِن بَعدي (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ الإِمامُ وَالخَليفَةُ مِن بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: هذا وَصِيّي ، وخَليفَتي مِن بَعدي (5) .
فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَليٍّ عليه السلام : يا عَلِيُّ ، أنتَ الإِمام
.
ص: 414
وَالخَليفَةُ بَعدي ، وأنتَ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم (1) .
عنها عليهاالسلام :اُشهِدُ اللّهَ تَعالى لَقَد سَمِعتُهُ [ صلى الله عليه و آله ] يَقولُ : عَلِيٌّ خَيرُ مَن أخلُفُهُ فيكُم ، وهُوَ الإِمامُ وَالخَليفَةُ بَعدي (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ عَلِيّا إمامُكُم مِن بَعدي ، وخَليفَتي عَلَيكُم (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . . . وأنَا وَصِيُّهُ ، وخَليفَتُهُ مِن بَعدِهِ (4) .
السنّة عن ابن عبّاس :خَرَجَ النّاسُ في غَزوَةِ تَبوكَ ، فَقالَ عَلِيٌّ : أخرُجُ مَعَكَ ؟ قالَ : لا . قالَ : فَبَكى . قالَ : أفَلا تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ! ! وأنتَ خَليفَتي في كُلِّ مُؤمِنٍ مِن بَعدي (5) .
تاريخ دمشق عن ابن عبّاس :خَرَجَ [ صلى الله عليه و آله ]بِالنّاسِ في غَزوَةِ تَبوكَ ، فَقالَ عَلِيٌّ : أخرُجُ مَعَكَ ؟ فَقالَ : لا . قالَ : فَبَكى . فَقالَ : أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ! ! (6) قالَ : نَعَم . قالَ : وإنَّكَ خَليفَتي في كُلِّ مُؤمِنٍ (7) .
.
ص: 415
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ خَليفَتي عَلى اُمَّتي مِن بَعدي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ أمَرَني أن أنصِبَ لَكُم إماما ؛ يَكونُ وَصِيّي فيكُم ، وخَليفَتي في أهلِ بَيتي ، وفي اُمَّتي مِن بَعدي . . . . يا أيُّهَا النّاسُ ! إنّي قَد أعلَمتُكُم مَفزَعَكُم بَعدي وإمامَكُم ووَلِيَّكُم وهادِيَكُم بَعدي ؛ وهُوَ عَلِيُ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ عَلِيّا خَليفَةُ اللّهِ ، وخَليفَتي عَلَيكُم بَعدي ، وإنَّهُ لَأَميرُ المُؤمِنينَ ، وخَيرُ الوَصِيّينَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في حِجَّةِ الوَداعِ _: عَلِيٌّ يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَالمالُ يَعسوبُ الظّالِمينَ . عَلِيٌّ أخي ، ومَولَى المُؤمِنينَ مِن بَعدي ، وهُوَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّ اللّهَ تَعالى خَتَمَ النُّبُوَّةَ بي ؛ فَلا نَبِيَّ بَعدي ، وهُوَ الخَليفَةُ فِي الأَهلِ وَالمُؤمِنينَ بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ يَومَ الغَديرِ _: مَعاشِرَ النُاسِ ! هذا عَلِيٌّ أخي ، ووَصِيّي ، وواعي عِلمي ، وخَليفَتي عَلى اُمَّتي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ وَصِيّي ، ووارِثي ، وخَليفَتي فِي الأَهلِ وَالمالِ وَالمُسلِمين
.
ص: 416
في كُلِّ غَيبَةٍ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ لَقَد خَلَّفَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في اُمَّتِهِ ، فَأَنَا حُجَّةُ اللّهِ عَلَيهِم بَعدَ نَبِيِّهِ (2) .
3 / 4خَليفَةُ النَّبِيِّ في حَياتِهِ وبَعدَ مَوتِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي ، وخَليفَتي عَلى أهلي واُمَّتي ، في حَياتي وبَعدَ مَوتي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ خَليفَتي عَلى اُمَّتي في حَياتي وبَعدَ مَوتي ، وأنتَ مِنّي كَشَيثٍ مِن آدَمَ ، وكَسامٍ مِن نوحٍ ، وكَإِسماعيلَ مِن إبراهيمَ ، وكَيوشَعَ مِن موسى ، وكَشَمعونَ مِن عيسى (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي ، وأبو وُلدي ، وزَوجُ ابنَتي ، وخَليفَتي عَلى اُمَّتي في حَياتي وبَعدَ مَوتي ؛ أمرُكَ أمري ، ونَهيُكَ نَهيي . اُقسِمُ بِالَّذي بَعَثَني بِالنُّبُوَّةِ وجَعَلَني خَيرَ البَرِيَّةِ أنَّكَ لَحُجَّةُ اللّهِ عَلى خَلقِهِ ، وأمينُهُ عَلى سِرِّهِ ، وخَليفَتُهُ عَلى عِبادِهِ (5) .
الأمالي للصدوق عن ابن عبّاس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنَا أكثَرُ النَّبِيّينَ تَبَعا يَومَ القِيامَةِ ،
.
ص: 417
ولي حَوضٌ عَرضُهُ ما بَينَ بُصرى (1) وصَنعاءَ (2) ، فيهِ مِنَ الأَباريقِ عَدَدُ نُجومِ السَّماءِ ، وخَليفَتي عَلَى الحَوضِ يَومَئِذٍ خَليفَتي فِي الدُّنيا . فَقيلَ : ومَن ذاكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ !قالَ : إمامُ المُسلِمينَ ، وأميرُ المُؤمِنينَ ، ومَولاهُم بَعدي ؛ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هذا خَيرُ أهلي ، وأقرَبُ الخَلقِ مِنّي ، لَحمُهُ مِن لَحمي ، ودَمُهُ مِن دَمي ، وروحُهُ مِن روحي ، وهُوَ الوَزيرُ مِنّي في حَياتي ، وَالخَليفَةُ بَعدَ وَفاتي ؛ كَما كانَ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (4) .
الفتوح_ في خَبرِ دُخولِ عائِشَةَ عَلى اُمِّ سَلَمَةَ قَبلَ حَربِ الجَمَلِ ؛ تَدعوها لِلمَسيرِ إلَى البَصرَةِ _: ثُمَّ جَعَلَت اُمُّ سَلَمَةَ تُذَكِّرُ عائِشَةَ فَضائِلَ عَلِيٍّ رضى الله عنه ، وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ عَلَى البابِ يَسمَعُ ذلِكَ كُلَّهُ ، فَصاحَ بِاُمِّ سَلَمَةَ وقالَ : يا بِنتِ أبي اُمَيَّةَ ! إنَّنا قَد عَرَفنا عَداوَتِكِ لِالِ الزُّبَيرِ ! فَقالَت اُمُّ سَلَمَةَ : وَاللّهِ لَتورِدَنَّها ، ثُمَّ لا تُصدِرَنَّها أنتَ ولا أبوكَ ! أ تَطمَعُ أن يَرضَى المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ بِأَبيكَ الزُّبَيرِ وصاحِبِهِ طَلحَةَ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ حَيٌّ ، وهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ! ! فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ : ما سَمِعنا هذا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ساعَةً قَطُّ !
.
ص: 418
فَقالَت اُمُّ سَلَمَةَ : إن لَم تَكُن أنتَ سَمِعتَهُ فَقَد سَمِعَتهُ خالَتُكَ عائِشَةُ ، وها هِيَ فَاسأَلها !فَقَد سَمِعَتهُ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «عَلِيٌّ خَليفَتي عَلَيكُم في حَياتي ومَماتي ؛ فَمَن عَصاهُ فَقَد عَصاني » أ تَشهَدينَ يا عائِشَةُ بِهذا ، أم لا ؟ فَقالَت عائِشَةُ : اللّهُمَّ نَعَم . قالَت اُمُّ سَلَمَةَ : فَاتَّقِي اللّهَ يا عائِشَةُ في نَفسِكِ ، وَاحذَري ما حَذَّرَكِ اللّهُ ورَسولُهُ صلى الله عليه و آله ، ولا تَكوني صاحِبَةَ كِلابِ الحَوأَبِ ، ولا يَغُرَّنَّكِ الزُّبَيرُ وطَلحَةُ ؛ فَإِنَّهُما لا يُغنِيانِ عَنكِ من اللّه شيئا ! (1)
راجع : ج 1 ص 129 (المؤازرة على الدعوة) .
.
ص: 419
الفصل الرابع : أحاديث المنزلة4 / 1حَديثُ المَنزِلَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (1) .
صحيح مسلم عن سعيد بن المسيّب عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي . قالَ سَعيدٌ : فَأَحبَبتُ أن اُشافِهَ بِها سَعدا ، فَلَقيتُ سَعدا ، فَحَدَّثتُهُ بِما حَدَّثَني عامِرٌ ، فَقالَ : أنَا سَمِعتُهُ . فَقُلتُ : أ أَنتَ سَمِعتَهُ ؟ فَوَضَعَ إصبَعَيهِ عَلى اُذُنَيهِ ، فَقالَ : نَعَم ، وإلّا فَاستَكَّتا (2) .
.
ص: 420
تاريخ دمشق عن عامر بن سعد :إنّي لَمَعَ أبي إذ تَبِعَنا رَجُلٌ ، في نَفسِهِ عَلى عَلِيٍّ بَعضُ الشَّيِء ، فَقالَ : يا أبا إسحاقَ ، ما حَديثٌ يَذكُرُ النّاسُ عَن عَلِيٍّ ؟ قالَ : وما هُوَ ؟قالَ : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى» ! قالَ : نَعَم ؛ سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيٍّ : «أنتَ مِنّي كَهارونَ مِن موسى» ، ما تُنكِرُ أن يَقولَ لِعَلِيٍّ هذا ، وأفضَلَ مِن هذا ! ! (1)
تاريخ بغداد عن جابر :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ لِعَلِيٍّ عليه السلام _ : أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَهِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، ولَو كانَ لَكُنتَهُ ! ! (2)
تاريخ بغداد عن سويد بن غفلة عن عمر بن الخطّاب :إنَّهُ رَأى رَجُلاً يَسُبُّ عَلِيّا ، فَقالَ : إنّي أظُنُّكَ مُنافِقا ؛ سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّما عَلِيٌّ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (3) .
تاريخ بغداد عن المهديّ العبّاسي :دَخَلَ عَلَيَّ سُفيان الثَّورِيُ ، فَقُلتُ : حَدِّثني بِأَفضَلِ فَضيلَةٍ عِندَكَ لِعَلِيٍّ . فَقالَ : حَدَّثَني سَلَمَةُ بنُ كُهيلٍ ، عَن حُجَيَّةَ بنِ عَدِيٍّ ، عَن عَلِيٍّ قالَ : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (4) .
.
ص: 421
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ؛ طاعَتُكَ واجِبَةٌ عَلى مَن بَعدي كَطاعَتي في حَياتي ، غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ مُشيرا إلى عَلِيٍّ عليه السلام _: هذا خَيرُ أهلي ، وأقرَبُ الخَلقِ مِنّي ، لَحمُهُ مِن لَحمي ، ودَمُهُ مِن دَمي ، وروحُهُ مِن روحي ، وهُوَ الوَزيرُ مِنّي في حَياتي ، وَالخَليفَةُ بَعدَ وَفاتي ، كَما كانَ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هِبَةِ اللّهِ مِن آدَمَ ، وبِمَنزِلَةِ سامٍ من نوحٍ ، وبِمَنزِلَةِ إسحاقَ مِن إبراهيمَ ، وبِمَنزِلَهِ هارونَ مِن موسى ، وبِمَنزِلَةِ شَمعونَ مِن عيسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّكَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، ولَكَ بِهارونَ اُسوَةٌ حَسَنَةٌ ؛ إذِ استَضعَفَهُ قَومُهُ وكادوا يَقتُلونَهُ ، فَاصبِر لِظُلمِ قُرَيشٍ إيّاكَ ، وتَظاهُرِهِم عَلَيكَ ؛ فَإِنَّكَ بِمَنزِلَةِ هارونَ (4) .
الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام: لَقَد قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام في عَشَرَةِ مَواضِعَ : أنتَ مِنّي بِمَنزِلَهِ هارونَ مِن موسى (5) .
راجع : ج 1 ص 239 (الفصل الحادي عشر : الاستخلاف عن النبيّ في غزوة تبوك) .
.
ص: 422
4 / 2مَوارِدُ تَأكيدِ النَّبِيِّ عَلى حَديثِ المَنزِلَةِ4 / 2 _ 1يَومُ الإِنذارِكنز الفوائد عن أبي رافع :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله جَمَعَ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ فِي الشِّعبِ . . . فَقالَ : إنَّ اللّهَ عزّوجلّ أمَرَني أن اُنذِرَ عَشيرَتِي الأَقرَبينَ ورَهطِي المُخلِصينَ ، وإنَّ اللّهَ تَعالى لَم يَبعَث نَبِيّا إلّا جَعَلَ لَهُ مِن أهلِهِ أخا ، ووارِثا ، ووَزيرا ، ووَصِيّا ، وخَليفَةً في أهلِهِ ، فَأَيُّكُم يُبايِعُني عَلى أنَّهُ أخي ووَزيري ووارِثي دونَ أهلي ، ويَكونُ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ؟ فَسَكَتَ القَومُ . فَأَعادَ الكَلامَ عَلَيهِم ثَلاثَ مَرّاتٍ ، وقالَ : وَاللّهِ ، لَيَقومَنَّ قائِمُكُم أو يَكونُ في غَيرِكُم ، ثُمَّ لَتُذَمُّنَّ ! قالَ : فَقامَ عَلِيٌّ عليه السلام وهُم يَنظُرونَ كُلُّهُم إلَيهِ ، فَبايَعَهُ ، وأجابَهُ إلى ما دَعاهُ (1) .
راجع : ج 1 ص 129 (المؤازرة على الدعوة) .
4 / 2 _ 2يَومُ المُؤاخاةِفضائل الصحابة عن محدوج بن زيد :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله آخى بَينَ المُسلِمينَ ، ثُمَّ قالَ : يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي ، وأنتُ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (2) .
.
ص: 423
الإمام عليّ عليه السلام :آخى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ أصحابِهِ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، آخَيتَ بَينَ أصحابِكَ وتَرَكتَني فَردا لا أخَ لي ! ! فَقالَ : إنّما أخَّرتُكَ لِنَفسي ؛ أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى . فَقُمتُ وأنَا أبكي مِنَ الجَذَلِ (1) وَالسُّرورِ (2) .
راجع : ج 5 ص 457 (الإخاء مع النبيّ) .
4 / 2 _ 3عِندَ سَدِّ الأَبوابِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ رِجالاً يَجِدونَ في أنفُسِهِم في أنّي أسكَنتُ عَلِيّا فِي المَسجِدِ ، وَاللّهِ ما أخرَجتُهُم ، ولا أسكَنتُهُ ، إنَّ اللّهَ عزّوجلّ أوحى إلى موسى وأخيهِ : «أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَ اجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ» (3) ، وأمَرَ موسى ألّا يَسكُنَ مَسجِدَهُ ، ولا يَنكِحَ فيهِ ، ولا يَدخُلَهُ إلّا هارونُ وذُرِّيَّتُهُ ، وإنَّ عَلِيّا مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، وهُوَ أخي دونَ أهلي ، ولا يَحِلُّ مَسجِدي لِأَحَدٍ يَنكِحُ فيهِ النِّساءَ إلّا عَلِيٌّ وذُرِّيَّتُهُ ، فَمَن ساءَهُ فَهاهُنا _ وأومَأَ بِيَدِهِ نَحوَ الشّامِ _ (4) .
تاريخ دمشق عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :جاءَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ونَحنُ مُضطَجِعونَ فِى ¨
.
ص: 424
المَسجِدِ ، فَضَرَبَنا بِعَسيبٍ (1) في يَدِهِ ، فَقالَ : أ تَرقُدونَ فِي المَسجِدِ ! إنَّهُ لا يُرقَدُ فيهِ ، فَأَجفَلنا وأجفَلَ عَلِيٌّ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : تَعالَ يا عَلِيُّ ، إنَّهُ يَحِلُّ لَكَ فِي المَسجِدِ ما يَحِلُّ لي ، أ لا تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلَا النُّبُوَّةَ ! ! وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ إنَّكَ لَذَوّادٌ عَن حَوضي يَومَ القِيامَةِ ، تَذودُ _ كَما يُذادُ البعَيرُ الضّالُّ عَنِ الماءِ _ بِعَصا لَكَ مِن عَوسَجٍ (2) ، كَأَنّي أنظُرُ إلى مُقامِكَ مِن حَوضي (3) .
راجع : ج 5 ص 467 (مماثلة حقوقه حقوق النبيّ في مسجده) .
4 / 2 _ 4فَتحُ خَيبَرَالمناقب لابن المغازلي عن جابر بن عبد اللّه :لَمّا قَدِمَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ بِفَتحِ خَيبَرَ قالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا عَلِيُّ ، لَولا أن تَقولَ طائِفَةٌ مِن اُمَّتي فيكَ ما قالَتِ النَّصارى في عيسَى بنِ مَريَمَ لَقُلتُ فيكَ مَقالاً لا تَمُرُّ بِمَلَأٍ مِنَ المُسلِمينَ إلّا أخَذُوا التُّرابَ مِن تَحتِ رِجلَيكَ ، وفَضلِ طَهورِكَ ؛ يَستَشفونَ بِهِما ، ولكِن حَسبُكَ أن تَكونَ مِنّي . . . بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (4) .
.
ص: 425
4 / 2 _ 5عِندَ تَعيينِ الوَلِيِّ لِابنَةِ حَمزَةَتاريخ دمشق عن عبد اللّه بن جعفر :لَمّا قَدِمَتِ ابنَةُ حَمزَةَ المَدينَةَ اختَصَمَ فيها عَلِيٌّ وجَعفَرٌ وزَيدٌ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قولوا . فَقال زَيدٌ : هِيَ ابنَةُ أخي ، وأنَا أحَقُّ بِها . وقالَ عَلِيٌّ : اِبنَةُ عَمّي ، وأنَا جِئتُ بِها . وقالَ جَعفَرٌ : اِبنَةُ عَمّي ، وخالَتُها عِندي . قالَ : خُذها يا جَعفَرُ ، أنتَ أحَقُّهُم بِها . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أمّا أنتَ يا زَيدُ فَمَولايَ ، وأنَا مَولاكَ ، وأمّا أنتَ يا جَعفَرُ فَأَشبَهتَ خَلقي وخُلقي ، وأمّا أنتَ يا عَلِيُّ فَأَنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلَا النُّبُوَّةَ (1) .
4 / 2 _ 6غَزوَةُ تَبوكَصحيح البخاري عن سعد بن أبي وقّاص :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله خَرَجَ إلى تَبوكَ (2) وَاستَخلَفَ عَلِيّا ، فَقالَ : أ تُخَلِّفُني فِي الصِّبيانِ وَالنِّساءِ ؟ ! قالَ : أ لا تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لَيسَ نَبِيٌّ بَعدي ! ! (3)
.
ص: 426
تاريخ دمشق عن جابر :رَأَيتُ عَلِيّا يَلوذُ بِناقَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في غَزوَةِ تَبوكَ ، ويَقولُ : تُخَلِّفُني ؟ ! قالَ : أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ! ! (1)
مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس :خَرَجَ [ صلى الله عليه و آله ]بِالنّاسِ في غَزوَةِ تَبوكَ ، قالَ : فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : أخرُجُ مَعَكَ ؟ قالَ : فَقالَ لَهُ نَبِيُّ اللّهِ : لا . فَبَكى عَلِيٌّ ، فَقالَ لَهُ : أ ما تَرضى أن تَكونَ مَنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّك لَستَ بِنَبِيٍّ ! ! إنَّهُ لا يَنبَغي أن أذهَبَ إلّا وأنتَ خَليفَتي (2) .
الطبقات الكبرى عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم :لَمّا كانَ عِندَ غَزوَةِ جَيشِ العُسرَةِ وهَيَ تَبوكَ ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : إنَّهُ لابُدَّ مِن أن اُقيمَ أو تُقيمَ ، فَخَلَّفَهُ .
.
ص: 427
فَلَمّا فَصَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله غازِيا ، قالَ ناسٌ : ما خَلَّفَ عَلِيّا إلّا لِشَيءٍ كَرِهَهُ مِنهُ ! فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيّا ، فَاتَّبَعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتَّى انتَهى إلَيهِ ، فَقالَ لَهُ : ما جاءَ بِكَ يا عَلِيّ ؟ !قالَ : لا يا رَسولَ اللّهِ إلّا أنّي سَمِعتُ ناسا يَزعُمونَ أنَّكَ إنَّما خَلَّفتَني لِشَيءٍ كَرِهتَهُ مِنّي ! فَتَضاحَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقالَ : يا عَلِيُّ ، أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي كَهارونَ مِن موسى ، غَيرَ أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ! ! قالَ : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : فَإِنَّهُ كَذلِكَ (1) .
تاريخ دمشق عن أبي الفيل :لَمّا خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في غَزاةِ تَبوكَ استَخلَفَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عَلَى المَدينَةِ ، فَماجَ المُنافِقونَ بِالمَدينَةِ وفي عَسكَرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وقالوا : كَرِهَ قُربَهُ ، وساءَ فيهِ رَأيُهُ . فَاشتَدَّ ذلِكَ عَلى عَلِيٍّ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، تُخَلِّفُني مَعَ النِّساءِ وَالصِّبيانِ ؟ ! أنَا عائِذٌ بِاللّهِ مِن سَخَطِ اللّهِ وسَخَطِ رَسولِهِ . فَقالَ : رَضِيَ اللّهُ عَنكَ يا أبَا الحَسَنِ بِرِضايَ عَنكَ ، فَإِنَّ اللّهَ عَنكَ راضٍ ، إنَّما مَنزِلُكَ (2) مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي . فَقالَ عَلِيٌّ : رَضينا ، رَضينا (3) .
الإرشاد :لَمّا بَلَغَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام إرجافُ المُنافِقينَ بِهِ ، أرادَ تَكذيبَهُم ، وإظهارَ فَضيحَتِهِم ، فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ المُنافِقينَ يَزعُمونَ أنَّكَ إنَّما خَلَّفتَنِي استِثقالاً ومَقتا ! ! فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِرجِع يا أخي إلى مَكانِكَ ؛ فَإِنَّ المَدينَةَ لا تَصلُحُ إلّا بي أو بِكَ ، فَأَنتَ خَليفَتي في أهلي ، ودارِ هِجرَتي ، وقَومي ، أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بعَدي ! ! (4)
.
ص: 428
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام لَمّا خَرَجَ إلى تَبوكَ وَاستَخلَفَهُ عَلَى المَدينَةِ وعَلى أهلِهِ ، وقَد قالَ لَهُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ بَعضَ النّاسِ يَقولونَ : إنَّكَ إنَّما خَلَّفتَنِي استِثقالاً لي ! _: يا عَلِيُّ ، إنَّهُ لابُدَّ مِن إمامٍ وأميرٍ ، فَأَنَا الإِمامُ وأنتَ الأَميرُ ، أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى حَيثُ استَخلَفَهُ عَلى بَني إسرائيلَ ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي يوحى إلَيهِ ! ! وَاللّهِ ما خَلَّفتُكَ (1) عَن أمري ، ولا عاقَبتُكَ عَن أمري ، ولا أمَّرتُكَ عَن أمري ، إن أنَا إلّا مَأمورٌ (2) .
راجع : ج 1 ص 239 (الفصل الحادي عشر : الاستخلاف عن النبيّ في غزوة تَبوك) .
4 / 2 _ 7مَعَ اُمِّ سَلَمَةَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِاُمِّ سَلَمَةَ _: هذا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، لَحمُهُ لَحمي ، ودَمُهُ دَمي ، هُوَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا اُمَّ سَلَمَةَ ، إنَّ عَلِيّا لَحمُهُ مِن لَحمي ، ودَمُهُ مِن دَمي ، وهُوَ مِنّي بمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، غَيرَ أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِاُمِّ سَلَمَةَ _: هذا عَلِيٌّ سِيطَ لَحمُهُ بِلَحمي ، ودَمُهُ بِدَمي ، وهُوَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (5) .
.
ص: 429
4 / 2 _ 8مَعَ أنَسِ بنِ مالِكٍالإمام الباقر عليه السلام عن أنس بن مالك :بَينَما أنَا عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إذ قالَ : يَطلُعُ الآنَ . قُلتُ : فِداكَ أبي واُمّي ، مَن ذا ؟ قالَ : سَيِّدُ المُسلِمينَ ، وأميرُ المُؤمِنينَ ، وخَيرُ الوَصِيّينَ ، وأولَى النّاسِ بِالنّبِيّينَ . قالَ : فَطَلَعَ عَلِيٌّ عليه السلام . ثُمَّ قالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ! ! (1)
4 / 2 _ 9عِندَ جَماعَةٍ مِنَ الأَصحابِتاريخ دمشق عن عبد اللّه بن عبّاس :سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ وعِندَهُ جَماعَةٌ فَتَذاكَرُوا السّابِقينَ إلَى الإِسلامِ ، فَقالَ عُمَرُ : أمّا عَلِيٌّ ، فَسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ ، لَوَدِدتُ أنَّ لي واحِدَةً مِنهُنَّ فَكانَ أحَبَّ إلَيَّ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ !كُنتُ أنَا وأبو عُبَيدَةَ وأبو بَكرٍ وجَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ إذ ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ عَلى مَنكِبِ عَلِيٍّ فَقالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ، أنتَ أوَّلُ المُؤمِنينَ إيمانا ، وأوَّلُ المُسلِمينَ إسلاما ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى (2) .
الرياض النضرة عن عمر بن الخطّاب :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيٍّ ثَلاثَ خِصالٍ لَوَدِدتُ أنَّ لي واحِدَةً مِنهُنَّ . بَينا أنَا وأبو عُبَيدَةَ وأبو بَكرٍ وجَماعَةٌ مِن أصحاب
.
ص: 430
النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إذ ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مَنكِبَ عَلِيٍّ فَقالَ : يا عَلِيُّ ، أنتَ أوَّلُ المُؤمِنينَ إيماناً ، وأوَّلُ المُسلِمينَ إسلاماً ، وأنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى (1) .
راجع : ص 537 ح 781 .
4 / 2 _ 10حَجَّةُ الوَداعِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في حَجَّةِ الوَداعِ _: عَلِيٌّ يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَالمالُ يَعسوبُ الظّالِمينَ . عَلِيٌّ أخي ، ومَولَى المُؤمِنينَ مِن بَعدي ، وهُوَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ؛ ألا إنَّ اللّهَ تعَالى خَتَمَ النُّبُوَّةَ بي فَلا نَبِيَّ بَعدي ، وهُوَ الخَليفَةُ فِي الأَهلِ وَالمُؤمِنينَ بَعدي (2) .
.
ص: 431
بحث حول حديث المنزلةإنّ حديث المنزلة الذي نقلناه بصور متنوّعة يمثّل فضيلة من الفضائل العلويّه الرفيعة ، ومنقبة من مناقبها الكريمة . واستبان ممّا ورد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نطق بهذه الفضيلة في مواطن كثيرة ؛ فما جرى على لسانه المطهّر في غزوة تبوك وإن كان أشهرها ، ولكنّه لا يقتصر عليها . والأسانيد العديدة والمنقولات الجمّة لهذاالحديث لا تَدَع مجالاً للشكّ في صدوره القطعي ، وقد أدّى سعة نقله وكثره أسانيده إلى أن يصرّح علماء ومحدّثون سنّة كبار بتواتره وكثرة نقله من طرق ومصادر مختلفة ، ويؤكّدون على كونه الحديث الأكثر ثبتا بين الآثار المنقوله عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، مبيّنين بذلك اتّفاق رواة الحديث وحفظة الآثار على صحّته . وكتب الحسكاني يقول عن أسانيده : وهذا حَديثُ المَنزِلَةِ الَّذي كانَ شَيخُنا أبو حازِمٍ الحافِظُ يَقولُ : خَرَّجتُهُ بِخَمسَةِ آلافِ إسنادٍ!! (1) وفيه قال محمّد بن عبد البرّ :
.
ص: 432
رَوى قَولَهُ صلى الله عليه و آله : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى» جَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ ، وهُوَ مِن أثبَتِ الآثارِ وأصَحِّها . رَواهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ، وطُرُقُ حَديثِ سَعدٍ فيهِ كَثيرَةٌ جِدّا ، قَدذَكَرَهَاابنُ أبي خَيثَمَةَ وغَيرُهُ ، ورَواهُ ابنُ عَبّاسٍ ، وأبو سَعيدٍ الخُدرِيُّ ، واُمُّ سَلَمَةَ ،وأسماءُ بِنتُ عُمَيسٍ ، وجابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ ، وجَماعَةٌ يَطولُ ذِكرُهُم (1) . وكتب محمّد بن يوسف الگنجي : هذا حَديثٌ مُتَّفَقٌ علَى صِحَّتِهِ ، رَواهُ الأَئِمَّةُ الحُفّاظُ كَأَبي عَبدِ اللّهِ البُخارِيِّ فيصَحيحِهِ ، ومُسلِمِ بنِ الحَجّاج في صَحيحِهِ ، وأبي داوُدَ في سُنَنِهِ ، وأبي عيسَى التِّرمِذِيِّ في جامِعِهِ ، وأبي عَبدِ الرَّحمنِ النِّسائِيِّ في سُنَنِهِ ، وابنِ ماجَهَ القَزوِينِيِّ في سُنَنِهِ ، وَاتَّفَقَ الجَميعُ عَلى صِحَّتِهِ حَتّى صارَ ذلِكَ إجماعا مِنهُم .قالَ الحاكِمُ النّيسابورِيُّ : هذا حَديثٌ دَخَلَ في حَدِّ التَّواتُرِ (2) . وأورد السيوطي في كتابه الذي أفرده لنقل الأحاديث المتواترة وسمّاه ب_ «الأزهارالمتناثرة في الأخبار المتواترة» حديث المنزلة (3) ، مصرّحا عمليّا بتواتره . إنّ ما ورد أعلاه يعكس بعضا من الآراء الواردة بشأن أسانيده . ولاريب أنّ التتبّع فيالمصادر الحديثيّة ينفي أيّة أوهام تشكّك في قطعيّة صدوره . ومن حيث المضمون نرى أنّه جعل لعليّ عليه السلام جميع المناصب التي كانت لهارون عليه السلام في عصر موسى عليه السلام إلّا النبوّة ، وذكر القرآن الكريم مناصب هارون بهذا النحو : «وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى * هَ_رُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى *
.
ص: 433
وَ أَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى » (1) . وثبتت هذه المناصب لعليّ عليه السلام في الأحاديث النبويّة بصراحة (2) . وأورد القرآن الكريم قسما آخر من مناصب هارون بالنحو الآتي : «اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (3) . إنّ واقع حياة عليّ عليه السلام ، ودفاعه الفذّ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وشهوده الذي لا مثيل له فيحروبه جميعها ، كلّ اُولئك مَعْلَم على أنّ اللّه تعالى جعل لعليّ عليه السلام من رسول اللّه صلى الله عليه و آله منزلة هارون من موسى عليهماالسلام . لقد مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في إبلاغ رسالته حسب المجريات الطبيعيّة للاُمور ، وكان عليّ عليه السلام أفضل وأثبت نصير له في هذا السبيل . فمبيته في فراشه ، واستبساله العجيب في معركة بدر التي كانت أوّل اختبار للمسلمين ، وكانت مصيريّه رهيبة ، وحمايته العظيمة له صلى الله عليه و آله في اُحد وقد فرّ كثير من المدّعين ، ومبارزته لعمرو بن عبد ودّ في معركة الخندق بعد حصار المشركين المخيف ،وتجلّيقوّته في خيبر وقد ظلّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأصحابه خلف أسوارها ،وغير ذلك كلّه آية على أنّ دعمه لرسول اللّه صلى الله عليه و آله كان مصيريّا . ونُضيف إلى ما ذكرناه أنّ هذه الأحاديث تدلّ على أنّ عليّا عليه السلام كان متميّزا بين الصحابة ، ولم يُقرَن به أحد منهم كما كان هارون في بني إسرائيل . انظر إلى الروايات الآتية : _ الإمام عليّ عليه السلام : إنّ اللّهَ تَبارَكَ اسمُهُ . . . شَدَّ بي أزرَ رَسولِهِ ، وأكرَمَنى ¨
.
ص: 434
بِنَصرِهِ ،وشَرَّفَني بِعِلمِهِ ، وحَباني بِأَحكامِهِ ، وَاختَصَّني بِوَصِيَّتِهِ ، وَاصطَفاني بِخِلافَتِهِ فِي اُمَّتِهِ ، فَقال صلى الله عليه و آله _ وقَد حَشَدَهُ المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ ، وَانغَصَّت بِهِمُ المَحافِلُ _ : «أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ عَلِيّا مِنّي كَهارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي» . فَعَقَلَ المُؤمِنونَ عَنِ اللّهِ نُطقَ الرَّسولِ ؛ إذ عَرَفوني أنّي لَستُ بِأَخيهِ لِأَبيهِ واُمِّهِ كَما كانَ هارونُ أخا موسى لِأَبيهِ واُمِّهِ ، ولا كُنتُ نَبِيّا فَاقتَضى نُبُوَّةً ، ولكِن كانَ ذلِكَ مِنهُ استِخلافا لي كَمَا استَخلَفَ موسى هارونَ عليهماالسلام حَيثُ يَقولُ : «اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (1)(2) . _ أبو خالد الكابلي : قيلَ لِسَيِّدِ العابِدينَ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ : إنَّ النّاسَ يَقولونَ : إنَّ خَيرَالنّاسِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبو بَكرٍ ، ثُمَّ عُمَرُ ، ثُمَّ عُثمانُ ، ثُمَّ عَلِيٌّ عليه السلام . قالَ : فَمايَصنَعونَ بِخَبَرٍ رَواهُ سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ عَن سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي»؟ فَمَن كانَ في زَمَنِ موسى مِثلَ هارونَ؟ (3) _ أبو هارون العبدي : سَأَلتُ جابِرَ بنَ عبدِ اللّهِ الأَنصارِيَّ عَن مَعنى قَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي» ، قالَ : اِستَخلَفَهُ بِذلِكَ _ وَاللّهِ _ عَلى اُمَّتِهِ في حَياتِهِ وبَعدَ وَفاتِهِ ، وفَرَضَ عَلَيهِم طاعَتَهُ ؛ فَمَن لَم يَشهَد لَهُ بَعدَ هذَا القَولِ بِالخِلافَةِ فَهُوَ مِن الظّالِمينَ (4) .
.
ص: 435
_ سلم بن وضّاح : كُنّا عِندَ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ ، فَسَأَلَهُ مُعَلَّى بنُ سُلَيمانَ عَن قَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى» أيَّ شَيءٍ أرادَ بِهِ؟ قالَ : أرادَ بِهِ أن يُطاعَ مِن بَعدِهِ كَما يُطاعُ النَّبِيُّ في حَياتِهِ (1) .
راجع : ج 1 ص 409 (أحاديث الخلافة) . و ج 4 ص 418 (بمنزلة رأسي من بدني) و ص 419 (منزلته عندي كمنزلتي عند اللّه ) . وص 443 (وزيري) . وص 633 (سعد بن أبي وقّاص) و ص 641 (عبد اللّه بن عبّاس) و ص 650 (عبد اللّه بن عمر) . و كتاب «تاريخ دمشق» : ج 42 ص 142 _ 186 .
.
ص: 436
. .
ص: 437
الفصل الخامس : أحاديث الإمارة5 / 1مَعنى اُولِي الأَمرِ«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في مَعنى اُولِي الأَمرِ _: هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام (2) .
كمال الدين عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :لَمّا أنزَلَ اللّهُ عزّوجلّ عَلى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» ، قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، عَرَفنَا اللّهَ ورَسولَهُ ، فَمَن اُولُو الأَمرِ الَّذين قَرَن اللّهُ طاعَتَهُم بِطاعَتِكَ ؟ فَقالَ صلى الله عليه و آله : هُم خُلَفائي يا جابِرُ ، وأئِمَّةُ المُسلِمينَ مِن بَعدي ، أوَّلُهُم عَلِيُّ ابنُ أبي طالِبٍ (3) .
الإمام عليّ عليه السلام :قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ومَن شُرَكائي مِن بَعدي ؟ قالَ : الَّذينَقَرَنَهُمُ اللّهُ عزّوجلّ بِنَفسِهِ وبي، فَقالَ : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» الآيَةَ.
.
ص: 438
فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ومَن هُم ؟ قالَ : الأَوصِياءُ مِنّي إلى أن يَرِدوا عَلَيَّ الحَوضَ ، كُلُّهُم هادٍ مُهتَدٍ ، لا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم ، هُم مَعَ القُرآنِ ، وَالقُرآنُ مَعَهُم ، لا يُفارِقُهُم ولا يُفارِقونَهُ (1) .
الكافي عن سليم بن قيس :سَمِعتُ عَلِيّا صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ : . . . أدنى ما يَكونُ بِهِ العَبدُ ضالّاً أن لا يَعرِفَ حُجَّةَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى ، وشاهِدَهُ عَلى عِبادِهِ ، الَّذي أمَرَ اللّهُ عزَّوجَلَّ بِطاعَتِهِ ، وفَرَضَ وِلايَتَهُ . قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، صِفهُم لي !فَقالَ : الَّذينَ قَرَنَهُمُ اللّهُ عزّوجلّ بِنَفسِهِ ونَبِيِّهِ ، فَقالَ : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» . قُلتُ : يا أميرَ المُؤمنِينَ ، جَعَلَنِي اللّهُ فِداكَ أوضِح لي ! فَقالَ : الَّذينَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في آخِرِ خُطبَتِهِ يَومَ قَبَضَهُ اللّهُ عزّوجلّ إلَيهِ : إنّي قَد تَرَكتُ فيكُم أمرَينِ لَن تَضِلّوا بَعدي ما إن تَمَسَّكتُم بِهِما : كِتابَ اللّهِ ، وعِترَتي أهلَ بَيتي ؛ فَإِنّ اللَّطيفَ الخَبيرَ قَد عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ، كَهاتَينِ _ وجَمَعَ بَينَ مُسَبِّحَتَيهِ _ ولا أقولُ كَهاتَينِ _ وجَمَعَ بَينَ المُسَبِّحَةِ وَالوُسطى _ فَتَسبِقَ إحداهُمَا الاُخرى ، فَتَمَسَّكوا بِهِما لا تَزِلّوا ولا تَضِلّوا ، ولا تَقَدَّموهُم فَتَضِلّوا (2) .
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ اُولِي الأَمرِ الَّذينَ جَعَلَهُمُ اللّهُ عزّوجلّ أئِمَّةً لِلنّاسِ وأوجَبَ عَلَيهِم طاعَتَهُم : أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ثُمَّ الحَسَنُ ، ثُمَّ الحُسَينُ ابنا
.
ص: 439
عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، ثُمَّ انتَهَى الأَمرُ إلَينا (1) .
الإمام الباقر عليه السلام_ في قوله تعالى : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» _: هِيَ في عَلِيٍّ وفِي الأَئِمَّةِ ، جَعَلَهُمُ اللّهُ مَواضِعَ الأَنبِياءِ ، غَيرَ أنَّهُم لا يُحِلّونَ شَيئا ، ولا يُحَرِّمونَهُ (2) .
الكافي عن أبي بصير :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عزّوجلّ : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» ، فَقالَ : نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهم السلام (3) .
الإمام الصادق عليه السلام :نَزَلَت «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» في عَلِيٍّ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في عَلِيٍّ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . وقالَ صلى الله عليه و آله : اُوصيكُم بِكِتابِ اللّهِ وأهلِ بَيتي ؛ فِإِنّي سَأَلتُ اللّهَ عزّوجلّ ألّا يُفَرِّقَ بَينَهُما حَتّى يورِدَهُما عَلَيَّ الحَوضَ ، فَأَعطاني ذلِكَ . وقالَ : لا تُعَلِّموهُم فَهُم أعلَمُ مِنكُم . وقالَ : إنَّهُم لَن يُخرِجوكُم مِن بابِ هُدىً ، ولَن يُدخِلوكُم في بابِ ضَلالَةٍ (4) .
تفسير العيّاشي عن عمرو بن سعيد :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ عليه السلام عَن قَولِهِ : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» ، قالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وَالأَوصِياءُ مِن بَعدِهِ (5) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ وَلِيُّ الأَمرِ بَعدي ، ووارِثُ عِلمي وحِكمَتي ،
.
ص: 440
وسِرّي وعَلانِيَتي ، وما وَرِثَهُ النَّبِيّونَ قَبلي ، وأنَا وارِثٌ ومُوَرِّثٌ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ أخي ، ووَصِيّي ، ووَلِيُّ أمرِكُم مِن بَعدي (2) .
راجع : كتاب «أهل البيت عليهم السلام في الكتاب والسنّة» : ص 141 (اُولو الأمر) . كتاب «بحار الأنوار» : ج 23 ص 283 _ 304 . كتاب «الميزان في تفسير القرآن» : ج 4 ص 385 _ 414 .
5 / 2الأَميرُ بَعدَ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا مَعشَرَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، اُوصيكُم بِوَصيَّةٍ فَاحفَظوها ، وإنّي مُؤَدٍّ إلَيكُم أمرا فَاقبَلوهُ : ألا إنَّ عَلِيّا أميرُكُم مِن بَعدي ، وخَليفَتي فيكُم (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ إمامُ كُلِّ مُسلِمٍ ، وأميرُ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدَ وَفاتي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :أنَا سَيِّدُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . . . إمامُ المُسلِمينَ ، ومَولىَ المُؤمِنينَ ، وأميرُهُم بَعدي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ الإِمامُ بَعدي وَالأَميرُ ، وأنتَ الصّاحِبُ بَعدي وَالوَزيرُ ، وما لَكَ في اُمَّتي مِن نَظيرٍ (6) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَتَمَسَّكَ بِديني ويَركَبَ سَفينَةَ النَّجاةِ بَعدي فَليَقتَدِ بِعَلِيِّ بن
.
ص: 441
أبي طالِبٍ ، وَليُعادِ عَدُوَّهُ ، وَليُوالِ وَلِيَّهُ ؛ فَإِنَّهُ وَصِيّي ، وخَليفَتي عَلى اُمَّتي في حَياتي وبَعدَ وَفاتي ، وهُوَ إمامُ كُلِّ مُسلِمٍ ، وأميرُ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي ، قَولُهُ قَولي ، وأمرُهُ أمري ، ونَهيُهُ نَهيي ، وتابِعُهُ تابِعي ، وناصِرُهُ ناصِري ، وخاذِلُهُ خاذِلي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عزّوجلّ بَعَثَني إلَيكُم رَسولاً ، وأمَرَني أن أستَخلِفَ عَلَيكُم عَلِيّا أميرا (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ نَبِيَّهُ فَعَلِيٌّ أميرُهُ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ أميرُهُ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ أميرَهُ فَعَلِيٌّ أميرُهُ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ (6) .
.
ص: 442
عنه صلى الله عليه و آله :أنتَ _ يا عَلِيُّ _ أميرُ مَن فِي السَّماءِ ، وأميرُ مَن فِي الأَرضِ ، وأميرُ مَن مَضى ، وأميرُ مَن بَقِيَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إن تُؤَمِّروا عَلِيّا _ ولا أراكُم فاعِلينَ _ تَجِدوهُ هادِيا مَهدِيّا ، يَأخُذُ بِكُمُ الطَّريقَ المُستَقيمَ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا وَصِيُّ نَبِيِّكُم ، وخَليفَتُهُ ، وإمامُ المُؤمِنين ، وأميرُهُم ومَولاهُم (3) .
5 / 3أميرُ البَرَرَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ يَومَ الحُدَيبِيَّةِ وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هذا أميرُ البَرَرَةِ ، وقاتِلُ الفَجَرَةِ ، مَنصورٌ مَن نَصَرَهُ ، مَخذولٌ مَن خَذَلَهُ _ يَمُدُّ بِها صَوتَهُ _ (4) .
.
ص: 443
عنه صلى الله عليه و آله_ في يَومِ بَنِي النَّضيرِ _: عَلِيٌّ إمامُ البَرَرَةِ ، وقاتِلُ الفَجَرَةِ ، مَنصورٌ مَن نَصَرَهُ ، مَخذولٌ مَن خَذَلَهُ (1) .
المستدرك على الصحيحين عن جابر بن عبد اللّه :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ وهُوَ آخِذٌ بِضَبعِ (2) عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام _ وهُوَ يَقولُ : هذا أميرُ البَرَرَةِ ، قاتِلُ الفَجَرَةِ ، مَنصورٌ مَن نَصَرَهُ ، مَخذولٌ مَن خَذَلَهُ _ ثُمَّ مَدَّ بِها صَوتَهُ _ (3) .
الأمالي للطوسي عن حذيفة بن اليمان :اُنظُرُوا الفِئَةَ الَّتي فيها عَلِيٌّ عليه السلام فَأتوها ولَو زَحفا عَلى رُكَبِكُم ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عَلِيٌّ أميرُ البَرَرَةِ ، وقاتِلُ الفَجَرَةِ ، مَنصورٌ مَن نَصَرَهُ ، مَخذولٌ مَن خَذَلَهُ إلى يَومِ القِيامَةِ (4) .
الإمام الصادق عليه السلام_ في ذِكرِ مَن أنكَرَ عَلى أبي بَكرٍ فِعلَهُ وجُلوسَهُ في مَجلِسِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: قامَ أبو أيّوبَ الأَنصارِيُّ فَقالَ : اِتَّقُوا اللّهَ _ عِبادَ اللّهِ _ في أهلِ بَيتِ نَبِيِّكُم ، وَاردُدوا إلَيهِم حَقَّهُمُ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ لَهُم ؛ فَقَد سَمِعتُم مِثلَ ما سَمِعَ إخوانُنا في مَقامٍ بَعدَ مَقامٍ لِنَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ومَجلِسٍ بَعدَ مَجلِسٍ يَقولُ : أهلُ بَيتي أئِمَّتُكُم بَعدي ! ويُومِئُ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ويَقولُ : إنَّ هذا أميرُ البَرَرَةِ ، وقاتِلُ الكَفَرَةِ ، مَخذولٌ مَن خَذَلَهُ ، مَنصورٌ مَن نَصَرَهُ ! ! (5)
.
ص: 444
5 / 4مَبدَأُ تَسمِيَةِ عَلِيٍّ بِأَميرِ المُؤمِنينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَو عَلِمَ النّاسُ مَتى سُمِّيَ عَلِيٌّ أميرَ المُؤمِنينَ ، ما أنكَروا فَضلَهُ ؛ سُمِّيَ أميرَ المُؤمِنينَ وآدَمُ بَينَ الرّوحِ وَالجَسَدِ . قالَ اللّهُ عزّوجلّ : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِىءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» (1) قالَتِ المَلائِكَةُ : بَلى . قالَ تَبارَكَ وتَعالى : أنَا رَبُّكُم ، ومُحَمَّدٌ نَبِيُّكُم ، وعَلِيٌّ أميرُكُم (2) .
الكافي عن عليّ بن أبي حمزة :سَأَلَ أبو بَصيرٍ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام وأنَا حاضِرٌ ، فَقالَ : جُعِلتُ فِداكَ ! كَم عُرِجَ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ : مَرَّتَينِ ، فَأَوقَفَهُ جَبرَئيلُ مَوقِفا ، فَقالَ لَهُ : مَكانَكَ يا مُحَمَّدُ ؛ فلََقَد وَقَفتَ مَوقِفا ما وَقَفَهُ مَلَكٌ قَطُّ ولا نَبِيٌّ . . . . فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : يا مُحَمَّدُ . قالَ : لَبَّيكَ رَبّي ، قالَ : مَن لِاُمَّتِكَ مِن بَعدِكَ ؟ قالَ : اللّهُ أعلَمُ . قالَ : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ؛ أميرُ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدُ المُسلِمينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ (3) . قالَ : ثُمَّ قالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام لِأَبي بَصيرٍ : يا أبا مُحَمَّدٍ ، وَاللّهِ ما جاءَت وِلايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام مِنَ الأَرضِ ، ولكِن جاءَت مِنَ السَّماءِ مُشافَهَةً (4) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اُوحِيَ إلَيَّ في عَلِيٍّ أنَّهُ أميرُ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدُ المُسلِمينَ ، وقائِد
.
ص: 445
الغُرِّ المُحَجَّلينَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ جَبرَئيلَ أتاني مِن قِبَلِ رَبّي بِأَمرٍ قَرَّت بِهِ عَيني ، وفَرِحَ بِهِ صَدري وقَلبي ؛ يَقولُ : إنَّ عَلِيّا أميرُ المُؤمِنينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :. . . أنتَ يا عَلِيُّ أميرُ المُؤمِنينَ فِي السَّماءِ ، وأميرُ المُؤمِنينَ فِي الأَرضِ (3) .
الإمام الحسين عن الإمام عليّ عليهماالسلام :أنَّهُ جاءَ إلَيهِ رَجُلٌ فَقالَ لَهُ : يا أبَا الحَسَنِ ! إنَّكَ تُدعى أميرَ المُؤمِنينَ ؛ فَمَن أمَّرَكَ عَلَيهِم ؟ قالَ عليه السلام : اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ أمَّرَني عَلَيهِم . فَجاءَ الرَّجُلُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ يَصدُقُ عَلِيٌّ فيما يَقولُ إنَّ اللّهَ أمَّرَهُ عَلى خَلقِهِ ؟ فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ قالَ : إنَّ عَلِيّا أميرُ المُؤمِنينَ بِوِلايَةٍ مِنَ اللّهِ عزّوجلّ ؛ عَقَدَها لَهُ فَوقَ عَرشِهِ ، وأشهَدَ عَلى ذلِكَ ملائِكَتَهُ (4) . .
الكافي عن جابر :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : لِمَ سُمِّيَ أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : اللّهُ سَمّاهُ (5) .
حلية الأولياء عن القاسم بن جندب عن أنس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أنَسُ ، اُسكُب لي وَضوءا . ثُمَّ قامَ فَصَلّى رَكعَتَينِ ، ثُمَّ قالَ : يا أنَسُ ، أوَّلُ مَن يَدخُلُ عَلَيكَ مِن هذا البابِ أميرُ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدُ المُسلِمينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وخاتِمُ الوَصِيّينَ . قالَ أنَسٌ : قُلتُ اللّهُمَّ اجعَلهُ رَجُلاً مِنَ الأَنصارِ وكَتَمتُهُ ، إذ جاءَ عَلِيٌّ فَقالَ : مَن هذا يا أنَسُ ؟ فَقُلتُ : عَلِيٌّ ، فَقامَ مُستَبشِرا فَاعتَنَقَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ يَمسَحُ عَرَقَ وَجهِهِ بِوَجهِهِ ، ويَمسَحُ عَرَقَ عَلِيٍّ بِوَجهِهِ .
.
ص: 446
قَال عَلِيٌّ : يا رَسولَ اللّهِ ، لَقَد رَأَيتُكَ صَنَعتَ شَيئا ما صَنَعتَ بي مِن قَبلُ ؟ قالَ : وما يَمنَعُني وأنتَ تُؤَدّي عَنّي ، وتُسمِعُهُم صَوتي ، وتُبَيِّنُ لَهُم مَا اختَلَفوا فيهِ بَعدي ! (1)
تاريخ دمشق عن أنس بن مالك :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اُسكُب إلَيَّ ماءً _ أو وَضوءا _ فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى رَكعَتَينِ ، ثُمَّ قالَ : يا أنَسُ ، أوَّلُ مَن يَدخُلُ مِن هذَا البابِ أميرُ المُؤمِنينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، سَيِّدُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا اُمَّ سَلَمَةَ ، اِشهَدي وَاسمَعي : هذا عَلِيٌّ ؛ أميرُ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدُ المُسلِمينَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا اُمَّ سَلَمَةَ ، هذا عَلِيٌّ ؛ سَيِّدٌ مُبَجَّلٌ ، مُؤَمَّلُ المُسلِمينَ ، وأميرُ المُؤمِنينَ ، ومَوضِعُ سِرّي وعِلمي ، وبابِي الَّذي آوي إلَيهِ ، وهُوَ الوَصِيُّ عَلى أهلِ بَيتي ، وعَلَى الأَخيارِ مِن اُمَّتي ، هُوَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وهُوَ مَعي فِي السَّناءِ (4) الأَعلى (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :إمامُ المُسلِمينَ ، وأميرُ المُؤمِنينَ ، ومَولاهُم بَعدي ؛ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (6) .
.
ص: 447
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أميرُ المُؤمِنينَ ، وإمامُ المُسلِمينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ أميرُ المُؤمِنينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، ويَعسوبُ الدّينِ ، وخَيرُ الوَصِيّينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ أخي ووَزيري ، وخَيرُ مَن أخلُفُ في أهلي ، وسَيِّدُ المُسلِمينَ ، وأميرُ المُؤمِنينَ مِن بَعدي ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ يَومَ القِيامَةِ (3) .
الأمالي للصدوق عن أبي ذرّ الغفاري :كُنّا ذاتَ يَومٍ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَسجِدِ قُبا _ ونَحنُ نَفَرٌ مِن أصحابِهِ _ إذ قالَ : مَعاشِرَ أصحابى ! يَدخُلُ عَلَيكُم مِن هذَا البابِ رَجُلٌ ؛ هُوَ أميرُ المُؤمِنينَ ، وإمامُ المُسلِمينَ . قالَ : فَنَظَروا _ وكُنتُ فيمَن نَظَرَ _ فَإِذا نَحنُ بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام قَد طَلَعَ ، فَقامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَاستَقبَلَهُ وعانَقَهُ وقَبَّلَ ما بَينَ عَينَيهِ ، وجاءَ بِهِ حَتّى أجلَسَهُ إلى جانِبِهِ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَينا بِوَجهِهِ الكَريمِ فَقالَ : هذا إمامُكُم مِن بَعدي ، طاعَتُهُ طاعَتي ، ومَعصِيَتُهُ مَعصِيَتي ؛ وطاعَتي طاعَةُ اللّهِ ، ومَعصِيَتي مَعصِيَةُ اللّهِ عزّوجلّ (4) .
5 / 5اِختِصاصُ هذَا الاِسمِ بِعَلِيٍّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَمّا اُسرِيَ بي إلَى السَّماءِ كُنتُ مِن رَبّي كَقابِ قَوسَينِ أو أدنى ، فَأَوحى إلَيَّ رَبّي ما أوحى ، ثُمَّ قالَ : يا مُحَمَّدُ ، اِقرَأ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أميرَ المُؤمِنينَ السَّلامَ ؛
.
ص: 448
فَما سَمَّيتُ بِهذا أحَدا قَبلَهُ ، ولا اُسَمي بِهذا أحَدا بَعدَهُ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :لَمّا اُسرِيَ بي إلَى السَّماءِ ، ثُمَّ مِنَ السَّماءِ إلَى السَّماءِ إلى سِدرَةِ المُنتَهى ؛ وَقَفتُ بَينَ يَدَي رَبّي عزّوجلّ ، فَقالَ لي : يا مُحَمَّدُ . . . اِختَرتُ لَكَ عَلِيّا فَاتَّخِذهُ خَليفَةً ووَصِيّا ، ونَحَلتُهُ (2) عِلمي وحِلمي ، وهُوَ أميرُ المُؤمِنينَ حَقّا ، لَم يَنَلها أحَدٌ قَبلَهُ ، ولَيسَت لِأَحَدٍ بَعدَهُ (3) .
الإمام الصادق عليه السلام_ وسُئِلَ عَنِ القائِمِ عليه السلام يُسَلَّمُ عَلَيهِ بإِمرَةِ المُؤمِنينَ ؟ فَقالَ _: لا ، ذاكَ اسمٌ سَمَّى اللّهُ بِهِ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، لَم يُسَمَّ بِهِ أحَدٌ قَبلَهُ ولا يَتَسَمّى بِهِ بَعدَهُ (4) .
تفسير العيّاشي عن محمّد بن إسماعيل الرازي عن رجل سمّاه :دَخَلَ رَجُلٌ عَلى أبي عَبدِ اللّهِ فَقالَ : السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! فَقامَ عَلى قَدَمَيهِ فَقالَ : مَه !هذَا اسمٌ لا يَصلُحُ إلّا لِأَميرِالمُؤمِنينَ عليه السلام ، اللّهُ سَمّاهُ بِهِ ولَم يُسَمَّ بِهِ أحَدٌ غَيرُهُ . . . . قالَ : قُلتُ : فَماذا يُدعى بِهِ قائِمُكُم ؟ قالَ : يُقالُ لَهُ : السَّلامُ عَلَيكَ يا بَقِيَّةَ اللّهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ رَسولِ اللّهِ (5) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَ أن اُدعى بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ في حَياته وبَعدَ مَوتِهِ ، ولَم يُطلِق ذلِكَ لِأَحَدٍ غَيري (6) .
راجع : ج 1 ص 548 (التحيّة القياديّة) .
.
ص: 449
الفصل السادس : أحاديث الإمامة6 / 1إمامَتُهُ مِنَ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أخي ، وأنَا أخوكَ ؛ أنَا المُصطَفى لُلنُّبُوَّةِ ، وأنتَ المُجتَبى لِلإِمامَةِ ؛ وأنَا صاحِبُ التَّنزيلِ ، وأنتَ صاحِبُ التَّأويلِ ؛ وأنَا وأنتَ أبَوَا هذِهِ الاُمَّةِ . يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي وخَليفَتي ، ووَزيري ووارِثي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، مَن قَتَلَكَ فَقَد قَتَلَني ، ومَن أبغَضَكَ فَقَد أبغَضَني ، ومَن سَبَّكَ فَقَد سَبَّني ؛ لِأَنَّكَ مِنّي كَنَفسي ؛ روحُكُ مِن روحي ، وطينَتُكَ مِن طينَتي ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَني وإيّاكَ ، وَاصطَفاني وإيّاكَ ؛ فَاختارَني لِلنُّبُوَّةِ ، وَاختارَكَ لِلإِمامَةِ ؛ فَمَن أنكَرَ إمامَتَكَ فَقَد أنكَرَ نُبُوَّتي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى اطَّلَعَ إلى الأَرضِ اطِّلاعَةً فَاختارَني مِنها ، فَجَعَلَني نَبِيّا ، ثُمَّ اطَّلَعَ الثّانِيَةَ فَاختارَ مِنها عَلِيّا ، فَجَعَلَهُ إماما ، ثُمَّ أمَرَني أن أتَّخِذَهُ أخا و وَلِيّا
.
ص: 450
ووَصِيّا وخَليفَةً ووَزيرا ، فَعَلِيٌّ مِنّي وأنَا مِن عَلِيٍّ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: اِعلَموا مَعاشِرَ النّاسِ : أنَّ اللّهَ قَد نَصَبَهُ لَكُم وَلِيّا وإماما مُفتَرَضا طاعَتُهُ عَلَى المُهاجِرينَ واَلأَنصارِ وعَلَى التّابِعينَ لَهُم بِإِحسانٍ ، وعَلَى البادي وَالحاضِرِ ، وعَلَى الأَعجَمِيِّ وَالعَرَبِيِّ ، وَالحُرِّ وَالمَملوكِ ، وَالصَّغيرِ وَالكَبيرِ ، وعَلَى الأَبيَضِ وَالأَسوَدِ ، وعَلى كُلِّ مُوَحِّدٍ ؛ ماضٍ حُكمُهُ ، جائِزٌ قَولُهُ ، نافِذٌ أمرُهُ ، مَلعونٌ مَن خالَفَهُ ، مَرحومٌ مَن تَبِعَهُ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ! مَن أحسَنُ مِنَ اللّهِ قيلاً ، وأصدَقُ مِنَ اللّهِ حَديثا ؟ مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ رَبَّكُم جَلَّ جَلالُهُ أمَرَني أن اُقيمَ لَكُم عَلِيّا علما وإماما ، وخَليفَةً ووَصِيّا ، وأن أتَّخِذَهُ أخا ووَزيرا (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :نَزَلَ عَلَيَّ جَبرَئيلُ عليه السلام صَبيحَةَ يَومٍ فَرِحا مُستَبشِرا ، فَقُلتُ : حَبيبي ما لي أراكَ فَرِحا مُستَبشِرا ؟ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ! وكَيفَ لا أكونُ كَذلِكَ وقَد قَرَّت عَيني بِما أكرَمَ اللّهُ بِهِ أخاكَ ووَصِيَّكَ وإمامَ اُمَّتِكَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقُلتُ : وبِمَ أكرَمَ اللّهُ أخي وإمامَ اُمَّتي ؟ قالَ : باهى بِعِبادَتِهِ البارِحَةَ مَلائِكَتَهُ وحَمَلَةَ عَرشِهِ وقالَ : مَلائِكَتِي انظُروا إلى حُجَّتي في أرضي عَلى عِبادي بَعدَ نَبِيّي ، فَقَد عَفَّرَ خَدَّهُ فِي التُّرابِ تَواضُعا لِعَظَمَتي ، اُشهِدُكُم أنَّهُ إمامُ خَلقي ومَولى بَرِيَّتي (4) .
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ إبراهيمَ خَليلَ اللّهِ عليه السلام دَعا رَبَّهُ فَقالَ : «رَبِّ اجْعَلْ هَ_ذَا الْبَلَدَ ءَامِنًا
.
ص: 451
وَ اجْنُبْنِى وَ بَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ» (1) فَنالَت دَعوَتُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَأَكرَمَهُ اللّهُ بِالنُّبُوَّةِ ، ونالَت دَعوَتُهُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَاختَصَّهُ اللّهُ بِالإِمامَةِ وَالوِصايَةِ . وقالَ اللّهُ تَعالى : يا إبراهيمُ : «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ» إبراهيمُ : «وَ مِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّ__لِمِينَ» (2) قالَ : الظّالِمُ مَن أشرَكَ بِاللّهِ وذَبَحَ لِلأَصنامِ ، ولَم يبَقَ أحَدٌ مِن قُرَيشٍ وَالعَرَبِ مِن قبَلِ أن يُبعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلّا وقَد أشرَكَ بِاللّهِ ، وعَبَدَ الأَصنامَ وذَبَحَ لَها ، ما خَلا أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ فَإِنَّهُ مِن قبَلِ أن يَجرِيَ عَلَيهِ القَلَمُ أسلَمَ ، فَلا يَجوزُ أن يَكونَ إمامٌ أشرَكَ بِاللّهِ وذَبَحَ لِلأَصنامِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى قالَ : «لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّ__لِمِينَ» (3) .
الإمام الصادق عليه السلام_ لِمُحَمَّدِ بنِ حَربٍ الهِلالِيِّ _: قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «أنَا مِن أحمَدَ كَالضَّوءِ مِنَ الضَّوءِ» ، أ ما عَلِمتَ أنَّ مُحَمَّدا وعَلِيّا صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما كانا نورا بَينَ يَدَيِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ قَبلَ خَلقِ الخَلقِ بِأَلفَي عامٍ ، وأنَّ المَلائِكَةَ لَمّا رَأَت ذلِكَ النّورَ رَأَت لَهُ أصلاً قَدِ انشَعَبَ فيهِ شُعاعٌ لامِعٌ ، فَقالَت : إلهَنا وسَيِّدَنا ، ما هذَا النّورُ ؟فَأَوحَى اللّهُ عزّوجلّ إلَيهِم : هذا نورٌ مِن نوري ؛ أصلُهُ نُبُوَّةٌ ، وفَرعُهُ إمامَةٌ ؛ أمَّا النُّبُوَّةُ فَلِمُحَمَّدٍ عَبدي ورَسولي ، وأمَّا الإِمامَةُ فَلِعَلِيٍّ حُجَّتي ووَلِيّي ، ولَولاهُما ما خَلَقتُ خَلقي . أ ما عَلِمتَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَفَعَ يَدَي عَلِيٍّ عليه السلام بِغَديرِ خُمٍّ حَتّى نَظَرَ النّاسُ إلى بَياضِ إبطَيهِما ، فَجَعَلَهُ مَولَى المُسلِمينَ وإمامَهُم ؟ ! (4)
.
ص: 452
6 / 2إمامُ أولياءِ اللّهِحلية الأولياء عن أنس بن مالك :بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلى أبي بَرزَةَ الأَسلَمِيِّ فَقالَ لَهُ _ وأنَا أسمَعُ _ : يا أبا بَرزَةَ ! إنَّ ربَّ العالَمينَ عَهِدَ إلَيَّ عَهدا في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَقالَ : إنَّهُ رايَةُ الهُدى ، ومَنارُ الإِيمانِ ، وإمامُ أولِيائي ، ونورُ جَميعِ مَن أطاعَني . يا أبا بَرزَةَ !عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أميني غَدا فِي القِيامَةِ ، وصاحِبُ رايَتي فِي القِيامَةِ عَلى مَفاتيحِ خَزائِنِ رَحمَةِ رَبّي (1) .
حلية الأولياء عن أبي برزة :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ تَعالى عَهِدَ إلَيَّ عَهدا في عَلِيٍّ ، فَقُلتُ : يا رَبِّ بَيِّنهُ لي . فَقالَ : اِسمَع ، فَقُلتُ : سَمِعتُ . فَقالَ : إنَّ عَلِيّا رايَةُ الهُدى ، وإمامُ أولِيائي ، ونورُ مَن أطاعَني ، وهُوَ الكَلِمَةُ الَّتي ألزَمتُهَا المُتَّقينَ ، مَن أحَبَّهُ أحَبَّني ، ومَن أبغَضَهُ أبغَضَني ، فَبَشِّرهُ بِذلِكَ . فَجاءَ عَلِيٌّ فَبَشَّرتُهُ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أنَا عَبدُ اللّهِ وفي قَبضَتِهِ ؛ فَإِن يُعَذِّبني فَبِذَنبي ، وإن يُتِمَّ لِيَ الَّذي بَشَّرتَني بِهِ فَاللّهُ أولى بي . قالَ : قُلتُ : اللّهُمَّ أجلِ قَلبَهُ وَاجعَل رَبيعَهُ الإِيمانَ . فَقالَ اللّهُ : قَد فَعَلتُ بِهِ ذلِكَ . ثُمَّ إنَّهُ رَفَعَ إلَيَّ أنَّهُ سَيَخُصُّهُ مِنَ البَلاءِ بِشَيءٍ لَم يَخُصَّ بِهِ أحَدا مِن أصحابي ، فَقُلتُ : يا رَبِّ ! أخي وصاحِبي . فَقالَ : إنَّ هذا شَيءٌ قَد سَبَقَ ؛ إنَّهُ مُبتَلىً ومُبتَلىً بِهِ (2) .
.
ص: 453
6 / 3إمامُ المُتَّقينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: مَرحَبا بِسَيِّدِ المُسلِمينَ وإمامِ المُتَّقينَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، إنَّكَ سَيِّدُ المُسلِمينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، ويَعسوبُ المُؤمِنينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أميرُ المُؤمِنينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ؛ يا عَلِيُّ ، أنتَ سَيِّدُ الوَصِيّينَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :اُوحِيَ إلَيَّ في عَلِيٍّ ثَلاثٌ : أنَّهُ سَيِّدُ المُسلِمينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ (4) .
.
ص: 454
عنه صلى الله عليه و آله :لَمّا اُسرِيَ بي إلَى السَّماءِ انتُهِيَ بي إلى قَصرٍ مِن لُؤلُؤٍ ، فِراشُهُ مِن ذَهَبٍ يَتَلَألَأُ ، فَأَوحَى اللّهُ إلَيَّ _ أو أمَرَني _ في عَلِيٍّ بِثَلاثِ خِصالٍ : أنَّهُ سَيِّدُ المُسلِمينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الُغرِّ المُحَجَّلينَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عزّوجلّ أوحى إلَيَّ في عَلِيٍّ ثَلاثَةَ أشياءَ لَيلَةَ اُسرِيَ بي : أنَّهُ سَيِّدُ المُؤمِنينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ (2) .
تفسير القمّي_ في قَولِهِ تَعالى : «فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى» (3) _: سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَن ذلِكَ الوَحيِ ، فَقالَ : أوحى إلَيَّ أنَّ عَلِيّا سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وأوَّلُ خَليفَةٍ يَستَخلِفُهُ خاتِمُ النَّبِيّينَ (4) .
الإمام الرضا عليه السلام :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام أميرُ المُؤمِنينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وأفضَلُ الوَصِيّينَ (5) .
راجع : ج 4 ص 436 (سيّد المسلمين) .
.
ص: 455
6 / 4إمامُ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدَ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ إمامُ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . . . مَولى كُلِّ مُسلِمٍ ، وإمامُ كُلِّ مُؤمِنٍ ، وقائِدُ كُلِّ تَقِيٍّ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ إمامُ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ، ووَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ بَعدي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله_ بَعدَ انصِرافِهِ مِن حِجَّةِ الوَداعِ _: مَن أرادَ مِنكُمُ النَّجاةَ بَعدي وَالسَّلامَةَ مِنَ الفِتَنِ المُردِيَةِ فَليَتَمَسَّك بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ؛ فَإِنَّهُ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وَالفاروقُ الأَعظَمُ ، وهُوَ إمامُ كُلِّ مُسلِمٍ بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ عَلِيّا إمامُكُم مِن بَعدي . . . مَن أقَرَّ بِاِءمامَتِهِ فَقَد أقَرَّ بِنُبُوَّتي ، ومَن أقَرَّ بِنُبُوَّتي فَقَد أقَرَّ بِوَحدانِيَّةِ اللّهِ عزّوجلّ (5) .
الخصال عن سهل بن حنيف :أشهَدُ أنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ عَلَى المِنبَرِ : إمامُكُم مِن بَعدي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وهُوَ أنصَحُ النّاسِ لِاُمَّتي (6) .
.
ص: 456
الاحتجاج عن سهل بن حنيف :يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ، اِشهَدوا عَلَيَّ أنّي أشهَدُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقَد رَأَيتُهُ في هذَا المَكانِ _ يَعنِي الرَّوضَةَ _ وقَد أخَذَ بِيَدِ عَليِّ ابنِ أبي طالبٍ عليه السلام وهُوَ يَقولُ : أيُّهَا النّاسُ ! هذا عَلِيٌّ ؛ إمامُكُم مِن بَعدي ، ووَصِيّي في حَياتي وبَعدَ وَفاتي (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ والحَقُّ مَعَهُ ، وهُوَ الإِمامُ وَالخَليفَةُ بَعدي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ وارِثُ عِلمي ، وأنتَ الإِمامُ وَالخَليفَةُ بَعدي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أقدَمُ اُمَّتي سِلما ، وأكثَرُهُم عِلما ، وأصَحُّهُم دينا ، وأفضَلُهُم يَقينا ، وأحلَمُهُم حِلما ، وأسمَحُهُم كَفّا ، وأشجَعُهُم قَلبا ، وهُوَ الإِمامُ وَالخَليفَةُ بَعدي (4) .
راجع : ج 1 ص 413 (خليفة النبيّ بعده) .
6 / 5إمامُ المُسلِمينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى لَمّا عَرَجَ بي إلَى السَّماءِ واختَصَّني بِلَطيفِ نِدائِهِ قالَ : يا مُحَمَّدُ . . . إنّي قَد جَعَلتُ عَلِيّا إمامَ المُسلِمينَ (5) .
.
ص: 457
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ . . . إمامُ المُسلِمينَ ، لا يَقبَلُ اللّهُ الإِيمانَ إلّا بِوِلايَتِهِ وطاعَتِهِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ أميرُ المُؤمنِينَ ، وإمامُ المُسلِمينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، ويَعسوبُ المُتَّقينَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ إمامُ المُسلِمينَ ، وأميرُ المُؤمِنينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وحُجَّةُ اللّهِ بَعدي عَلَى الخَلقِ أجمَعينَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ حُجَّةُ اللّهِ ، وأنتَ بابُ اللّهِ . . . يا عَلِيُّ أنتَ إمامُ المُسلِمينَ ، وأميرُ المُؤمِنينَ ، وخَيرُ الوَصِيّينَ ، وسَيِّدُ الصِّدّيقينَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيّا خَليفَةُ اللّهِ وحُجَّةُ اللّهِ ، وإنَّهُ لَاءِمامُ المُسلِمينَ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :هُوَ إمامُ المُؤمِنينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ، وقاتِلُ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ (6) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . إنَّكَ لَسَبيلُ الجَنَّةِ ، ورايَةُ الهُدى ، وعَلَمُ الحَقِّ ، وإمامُ مَن آمَنَ بي ، ووَلِيُّ مَن تَوَلّاني (7) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ النّاسِ ! إنَّ عَلِيّا مِنّي وأنَا مِن عَلِيٍّ ، خُلِقَ مِن طينَتي ، وهُوَ إمامُ الخَلقِ بَعدي (8) .
.
ص: 458
الإمام عليّ عليه السلام :خَرَجَ عَلَينَا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ ويَدي في يَدِهِ _ هكَذا _ وهُوَ يَقولُ : خَيرُ الخَلقِ بَعدي وسَيِّدُهُم أخي هذا ، وهُوَ إمامُ كُلِّ مُسلِمٍ ، ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ (1) .
عنه عليه السلام :أنَا إمامُ المُسلِمينَ ، وقائِدُ المُتَّقينَ ، ومَولَى المُؤمِنينَ (2) .
6 / 6إمامُ الاُمَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي وخَليفَتي ، وإمامُ اُمَّتي بَعدي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَصِيّي وإمامُ اُمَّتي ؛ مَن أطاعَكَ أطاعَني ، ومَن عَصاكَ عَصاني (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ إمامُ اُمَّتي وخَليفَتي عَلَيها بعدي ، وأنتَ قائِدُ المُؤمِنين إلَى الجَنَّةِ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّهُ إمامُ اُمَّتي وأميرُها ، وهُوَ وَصِيّي وخَليفَتي عَلَيها ، مَنِ اقتَدى بِهِ بَعدِي اهتَدى ، ومَنِ اقتَدى بِغَيرِهِ ضَلَّ وغَوى (6) .
.
ص: 459
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ الإِمامُ عَلى اُمَّتي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ الوارِثُ مِنّي ، وأنتَ الوَصِيُّ مِن بَعدي في عِداتي وأمري ، وأنتَ الحافِظُ لي في أهلي عِندَ غَيبَتي ، وأنتَ الإمامُ لِاُمَّتي ، وَالقائِمُ بِالقِسطِ في رَعِيَّتي ، وأنتَ وَلِيّي ، ووَلِيّي وَلِيُّ اللّهِ ، وعَدُوُّكَ عَدُوّي ، وعَدُوّي عَدُوُّ اللّهِ (2) .
كمال الدين عن عبد الرحمن بن سمرة :قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أرشِدني إلَى النَّجاةِ ، فَقالَ : يَا ابنَ سَمُرَةَ ، إذَا اختَلَفَتِ الأَهواءُ وتَفَرَّقَتِ الآراءُ ؛ فَعَلَيكَ بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّهُ إمامُ اُمَّتي ، وخَليفَتي عَلَيهِم مِن بَعدي (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أ لا أدُلُّكُم عَلى ما إن تَساءَلتُم عَلَيهِ لَم تَهلِكوا ؟ إنَّ وَلِيَّكُمُ اللّهُ ، وإنَّ إمامَكُم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، فَناصِحوهُ وصَدِّقوهُ ؛ فَإِنَّ جِبريلَ أخبَرَني بِذلِكَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :هذا عَلِيٌّ ؛ إمامُكُم ووَلِيُّكُم (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :هذا عَلِيٌّ؛ أخي ووَصِيّي ووَزيري ووارِثي وخَليفَتي ، إمامُكُم ؛ فَأَحِبّوهُ لِحُبّي ، وأكرِموهُ لِكَرامَتي ؛ فَإِنَّ جَبرَئيلَ أمَرَني أن أقولَهُ لَكُم (6) .
.
ص: 460
عنه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ! قَد بَيَّنتُ لَكُم مَفزَعَكُم بَعدي ، وإمامَكُم ودَليلَكُم وهادِيَكُم ؛ وهُوَ أخي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وهُوَ فيكُم بِمَنزِلَتي فيكُم ، فَقَلِّدوهُ دينَكُم ، وأطيعوهُ في جَميعِ اُمورِكُم ؛ فَإِنَّ عِندَهُ جَميعَ ما عَلَّمَنِي اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى وحِكمَتَهُ ، فَسَلوهُ وتَعَلَّموا مِنهُ ومِن أوصِيائِهِ بَعدَهُ ، ولا تُعَلِّموهُم ولا تَتَقَدَّموهُم ولا تَخَلَّفوا عَنهُم ؛ فَإَنَّهُم مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَهُم ، لا يُزايِلونَهُ ولا يُزايِلُهُم (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ إمامَهُ فَعَلِيٌّ إمامُهُ (2) .
المحاسن عن بشير العطّار :قالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : «يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاس بِإِمَ_مِهِمْ» (3) ثُمَّ قالَ : قالَ رَسولُ اللّهُ صلى الله عليه و آله : وعَلِيٌّ إمامُكُم (4) .
تفسير العيّاشي عن بشير الدهّان عن الإمام الصادق عليه السلام :أنتُم وَاللّهِ عَلى دين اللّهِ ، ثُمَّ تَلا : «يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاس بِإِمَ_مِهِمْ» ثُمَّ قالَ : عَلِيٌّ إمامُنا ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إمامُنا ؛ كَم مِن إمامٍ يَجيءُ يَومَ القِيامَةِ يَلعَنُ أصحابَهُ ويَلعَنونَهُ ! ونَحنُ ذُرِّيَّةُ مَحَمَّدٍ ، واُمُّنا فاطِمَةُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم (5) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا إمامُ البَرِيَّةِ ، ووَصِيُّ خَيرِ الخَليقَةِ (6) .
.
ص: 461
الفصل السابع : أحاديث الولاية7 / 1وِلايَةُ عَلِيٍّ وِلايَةُ اللّهِ وَالرَّسولِ«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» (1) .
الدرّ المنثور عن أبي رافع :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ نائِمٌ يوحى إلَيهِ . . . فَمَكَثتُ ساعَةً ، فَاستَيقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وهُوَ يَقولُ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» ، الحَمدُ للّهِِ الَّذي أتَمَّ لِعَلِيٍّ نِعَمَهُ ، وهَنيئا (2) لِعَلِيٍّ بِفَضلِ اللّهِ إيّاهُ (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام أخي ، ووَصِيّي ، وخَليفَتي ، وَالإِمامُ مِن بَعدي ، الَّذي مَحَلُّهُ مِنّي مَحَلُّ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، وهُوَ وَلِيُّكُم بَعدَ اللّهِ ورَسولِهِ ؛ وقَد أنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى عَلَيَّ بِذلِكَ آيَةً مِن كِتابِهِ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّه
.
ص: 462
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» . وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام أقامَ الَّصلاةَ ، وآتَى الزَّكاةَ وهُوَ راكِعٌ ؛ يُريدُ اللّهَ عزّوجلّ في كُلِّ حالٍ (1) .
تاريخ دمشق عن عمر بن عليّ بن أبي طالب عن أبيه عليه السلام :نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» ، فَخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَدَخَلَ المَسجِدَ وَالنّاسُ يُصَلّونَ ؛ بَينَ راكِعٍ وقائِمٍ يُصَلّي ، فَإِذا سائِلٌ ، فَقالَ : يا سائِلُ ، هَل أعطاكَ أحَدٌ شَيئا ؟ فَقالَ : لا ، إلّا هذاكَ الرّاكِعُ _ لِعَلِيٍّ _ ؛ أعطاني خاتَمَهُ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنّي كُنتُ اُصَلّي فِي المَسجِدِ ، فَجاءَ سائِلٌ فَسَأَلَ وأنَا راكِعٌ ، فَناوَلتُهُ خاتَمي مِن إصبَعي ، فَأَنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى فِيَّ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» (3) .
تفسير الطبري عن مجاهد_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» الآيَةَ _: نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ تَصَدَّقَ وهُوَ راكِعٌ (4) .
.
ص: 463
أنساب الأشراف عن ابن عبّاس :نَزَلَت في عَلِيٍّ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ» (1) .
المتّفق والمفترق عن ابن عبّاس :تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخاتَمِهِ وهُوَ راكِعٌ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِلسّائِلِ : مَن أعطاكَ هذَا الخاتَمَ ؟ قالَ : ذاكَ الرّاكِعُ . فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالى فيهِ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» الآيَةَ (2) .
تفسير الفخر الرازي عن عبد اللّه بن سَلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ . . .» _: لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ ، قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أنَا رَأيتُ عَلِيّا تَصَدَّقَ بِخاتَمِهِ عَلى مُحتاجٍ وهُوَ راكِعٌ ؛ فَنَحنُ نَتَوَلّاهُ (3) .
النور المشتعل عن ابن عبّاس :إنَّ مِن مُسلِمي أهلِ الكِتابِ _ مِنهُم عَبدُ اللّهِ ابنُ سَلامٍ وأسَدٌ واُسَيدٌ وثَعلَبَةُ _ لَمّا أمَرَهُمُ النَّبِيُ صلى الله عليه و آله أن يَقطَعوا مَوَدَّةَ اليَهودِ وَالنَّصارى فَعَلوا ذلِكَ . فَقالَ بَنو قُرَيضَةَ وَالنَّضيرِ : فَما لَنا نَوادُّ أهلَ دينِ مُحَمَّدٍ وقَد تَبَرَّؤوا مِن دينِنا ومَوَدَّتِنا ! ! فَوَالَّذي يُحلَفُ بِهِ لا يُكَلِّمُ رَجُلٌ مِنّا رَجُلاً دَخَلَ في دينِ مُحَمَّدٍ ، ولا نُناكِحُهُم ، ولا نُبايِعُهُم ، ولا نُجالِسُهُم ، ولا نَدخُلُ عَلَيهِم ، ولا نَأذَنُ لَهُم في بُيوتِنا ، فَفَعَلوا .
.
ص: 464
فَبَلَغَ ذلِكَ عَبدَ اللّهِ بنَ سَلامٍ وأصحابَهُ ، فَأَتَوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِندَ الظُّهرِ ، فَدَخَلوا عَلَيهِ ، فَقالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ بُيوتَنا قاصِيَةٌ مِنَ المَسجِدِ فَلا نَجِدُ مُتَحَدِّثا دونَ هذَا المَسجِدِ ، وإنَّ قَومَنا لَمّا رَأَونا قَد صَدَّقنَا اللّهَ ورَسولَهُ وتَرَكناهُم ودينَهُم أظهَروا لَنَا العَداوَةَ ؛ فَأَقسَموا أن لا يُناكِحونا ، ولا يُواكِلونا ، ولا يُشارِبونا ، ولا يُجالِسونا ، ولا يَدخُلوا عَلَينا ، ولا نَدخُلَ عَلَيهِم ، ولا يُخالِطونا بِشَيءٍ ، ولا يُكَلِّمونا ؛ فَشَقَّ ذلِكَ عَلَينا ، ولا نَستَطيعُ أن نُجالِسَ أصحابَكَ ، لِبُعدِ المَنازلِ ! فَبَينَما هُم يَشكونَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمرَهُم إذ نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» فَقَرَأَها عَلَيهِم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالوا : قَد رَضِينا بِاللّهِ ورَسولِهِ وبِالمُؤمِنينَ وَلِيّا . وأذَّنَ بِلالٌ ، فَخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالنّاسُ فِي المَسجِدِ يُصَلّونَ ؛ مِن بَينِ قائِمٍٍ فِي الصَّلاةِ ، وراكِعٍ ، وساجِدٍ ، فَإِذاً هُوَ بِمِسكينٍ يَطوفُ ويَسأَلُ النّاسُ ، فَدَعاهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : هَل أعطاكَ أحَدٌ شَيئا ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : ماذا أعطاكَ ؟ قالَ : خاتَمَ فِضَّةٍ. قالَ : مَن أعطاكَهُ ؟ ! قالَ : ذاكَ الرُّجُلُ القائِمُ . فَنَظَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَإِذا هُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . فَقالَ : عَلى أيِ حالٍ أعطاكَهُ ؟ ! قالَ : أعطانيهِ وهُوَ راكِعٌ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» إلى آخِرِ الآيَةِ (1) .
تذكرة الخواصّ عن أبي ذرّ الغفاري :صَلَّيتُ يَوما _ صَلاةَ الظُّهرِ _ فِي المَسجِدِ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حاضِرٌ ، فَقامَ سائِلٌ فَسَأَلَ ، فَلَم يُعطِهِ أحَدٌ شَيئا . وكانَ عَلِيٌّ عليه السلام قد
.
ص: 465
رَكَعَ ، فَأَومَأَ إلَى السّائِلِ بِخِنصِرِهِ ، فَأَخَذَ الخاتَمَ مِن خِنصِرِهِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يُعايِنُ ذلِكَ ، فَرَفَعَ رَأسَهُ إلَى السَّماءِ ، وقالَ : اللّهُمَّ إنَّ أخي موسى سَأَلَكَ فَقالَ : «رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى * وَ يَسِّرْ لِى أَمْرِى» _ الآيَةَ إلى قَولِهِ _ «وَ أَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى» (1) ، فَأَنزَلتَ (2) عَلَيهِ قُرآنا ناطِقا ؛ «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَ_نًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا» (3) . اللّهُمَّ وأنَا مُحَمَّدٌ صَفِيُّكَ ونَبِيُّكَ ، فَاشرَح لي صَدري ، ويَسِّر لي أمري ، وَاجعَل لي وَزيرا مِن أهلي ؛ عَلِيّا ، اُشدُد بِهِ أزري _ أو قالَ : ظَهري _ . قالَ أبو ذَرٍّ : فَواَللّهِ مَا استَتَمَّ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الكَلِمَةَ حَتّى نَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام مِن عِندِ اللّهِ تَعالى ، فَقالَ : يا مُحَمَّدُ اقرَأ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ» إلى قَولِهِ «وَهُمْ رَ كِعُونَ» (4) .
تذكرة الخواصّ_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ . . .» _: خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وعَلِيٌّ قائِمٌ يُصَلّي _ وفِي المَسجِدِ سائِلٌ _ مَعَهُ خاتَمٌ . فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : هَل أعطاكَ أحَدٌ شَيئا ؟ فَقالَ : نَعَم ، ذلِكَ المُصَلّي هذَا الخاتَمَ ، وهُوَ راكِعٌ . فَكَبَّرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ونَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام يَتلو هذِهِ الآيَةَ ، فَقالَ حَسّانُ بنُ ثابِتٍ : أبا حَسَنٍ تَفديكَ روحي ومُهجَتي وكُلُّ بَطيءٍ فِي الهُدى ومُسارِعٍ فَأَنتَ الَّذي أعطَيتَ إذ كُنتَ راكِعا فَدَتكَ نُفوسُ الخَلقِ يا خَيرَ راكِعٍ بِخاتَمِكَ المَيمونِ يا خَيرَ سَيِّدٍ ويا خَيرَ شارٍ ثُمَّ يا خَيرَ بايِعٍ فَأَنزَلَ فيكَ اللّهُ خَيرَ وِلايَةٍ وبَيَّنَها في مُحكَماتِ الشَّرائِعِ وقالَ أيضا : مَنْ ذا بِخاتَمِهِ تَصَدَّقَ راكِعا وأسَرَّها في نَفسِهِ إسرارا مَن كانَ باتَ عَلى فِراشِ مُحَمَّدٍ ومُحَمَّدٌ أسرى يَؤُمُّ الغارا مَن كانَ فِي القُرآنِ سُمِّيَ مُؤمِنا في تِسعِ آياتٍ تُلينَ غِزارا (5)(6)
.
ص: 466
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ رهطا مِن اليَهودِ أسلَموا ، مِنهُم : عَبدُ اللّهِ بنُ سَلامٍ ، وأسَدٌ ، وثَعلَبَةُ ، وابنُ يامينَ ، وابنُ صورِيا . فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالوا : يا نَبِيَّ اللّهِ ، إنَّ موسى عليه السلام أوصى إلى يَوشَعَ بنِ نونٍ ، فَمَن وَصِيُّكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ ومَن وَلِيُّنا بَعدَكَ ؟ فَنَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قوموا ، فَقاموا ، فَأَتَوُا المَسجِدَ ، فَإِذا سائِلٌ خارِجٌ ، فَقالَ : يا سائِلُ ، أ ما أعطاكَ أحَدٌ شَيئا ؟ قالَ : نَعَم ، هذَا الخاتَمَ . قالَ : مَن أعطاكَ ؟ قالَ : أعطانيهِ ذلِكَ الرَّجُلُ الَّذي يُصَلّي . قالَ : عَلى أيِّ حالٍ أعطاكَ ؟ ! قالَ : كانَ راكِعا . فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وكَبَّرَ أهلُ المَسجِدِ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وَلِيُّكُم بَعدي . قالوا : رَضينا بِاللّه رَبّا ، وبِالإِسلامِ دينا ، وبِمُحَمَّدٍ نَبِيّا ، وبِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وَلِيّا . فَأَنزَلَ اللّهُ عزّوجلّ : «وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَ__لِبُونَ» (1) . (2)
عنه عليه السلام :أمَرَ اللّهُ عزّوجلّ رَسولَهُ بِوِلايَةِ عَلِيٍّ ، وأنزَلَ عَلَيهِ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
.
ص: 467
وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ» . وفَرَضَ وِلايَةَ اُولِي الأَمرِ ، فَلَم يَدروا ما هِيَ ، فَأَمَرَ اللّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله أن يُفَسِّرَ لَهُمُ الوِلايَةَ كَما فَسَّرَ لَهُمُ الصَّلاةَ والزَّكاةَ وَالصَّومَ وَالحَجَّ . فَلَمّا أتاهُ ذلِكَ مِنَ اللّهِ ، ضاقَ بِذلِكَ صَدرُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وتَخَوَّفَ أن يَرتَدّوا عَن دينِهِم ، وأن يُكَذِّبوهُ ؛ فَضاقَ صَدرُهُ ، وراجَعَ رَبَّهُ عزّوجلّ . فَأَوحَى اللّهُ عزّوجلّ إلَيهِ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (1) ، فَصَدَعَ بِأَمرِ اللّهِ تَعالى ذِكرُهُ ، فَقامَ بِوِلايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام يَومَ غَديرِ خُمٍّ ؛ فَنادى : الصَّلاةَ جامِعَةً ، وأمَرَ النّاسَ أن يُبَلِّغَ الشّاهِدُ الغائِبَ .وكانَتِ الفَريضَةُ تَنزِلُ بَعدَ الفَريضَةِ الاُخرى ، وكانَتِ الوِلايَةُ آخِرَ الفَرائِضِ، فَأَنزَلَ اللّهُ عزّوجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى» (2) . قالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : يَقولُ اللّهُ عزّوجلّ : لا اُنزِلُ عَلَيكُم بَعدَ هذِهِ فَريضَةً ، قَد أكمَلتُ لَكُمُ الفَرائِضَ (3) .
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ» _: إنَّما يَعني : أولى بِكُم ؛ أي أحَقُّ بِكُم ، وبِاُمورِكُم ، وأنفُسِكُم، وأموالِكُم، اللّهُ ورسولُهُ وَالَّذينَ آمَنوا ؛ يَعني عَلِيّا وأولادَهُ الأَئِمَّةَ عليهم السلام إلى يَومِ القِيامَةِ (4) .
الكشّاف_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى: «وَهُمْ رَ كِعُونَ» _: الواوُ فيهِ لِلحالِ؛ أي يَعمَلونَ ذلِكَ في حالِ الرُّكوعِ؛ وهُوَ الخُشوعُ وَالإِخباتُ وَالتَّواضُعُ للّهِِ إذا صَلّوا، وإذا زَكّوا . وقيلَ:
.
ص: 468
هُوَ حالِ مِن «يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ» ؛ بِمَعنى : يُؤتونَها في حالِ رُكوعِهِم فِي الصَّلاةِ . وإنَّها نَزَلَت في عَلِيٍّ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ ، حينَ سَأَلَهُ سائِلٌ وهُوَ راكِعٌ في صَلاتِهِ ، فَطَرَحَ لَهُ خاتَمَهُ كَأَنَّهُ كانَ مَرِجا (1) في خِنصِرِهِ ، فَلَم يَتَكَلَّف لِخَلعِهِ كَثيرَ عَمَلٍ تُفسَدُ بِمِثلِهِ صَلاتُهُ . فَإِن قُلتَ : كَيفَ صَحَّ أن يَكونَ لِعَلِيٍّ رضى الله عنه وَاللَّفظُ لَفظُ جَماعَةٍ ؟ ! قُلتُ : جيءَ بِهِ عَلى لَفظِ الجَمعِ _ وإن كانَ السَّبَبُ فيهِ رَجُلاً واحِدا ؛ لِيُرَغِّبَ النّاسِ في مِثلِ فِعلِهِ ، فَيَنالوا مِثلَ ثَوابِهِ ، ولِيُنَبِّهَ عَلى أنَّ سَجِيَّةَ المُؤمِنينَ يَجِبُ أن تَكونَ عَلى هذِهِ الغايَةِ مِنَ الحِرصِ عَلَى البِرِّ وَالإِحسانِ ، وتَفَقُّدِ الفُقَراءِ ، حَتّى إن لَزِمَهُم أمرٌ لا يَقبَلُ التَّأخيرَ وهُم فِي الصَّلاةِ لَم يُؤَخِّروهُ إلَى الفَراغِ مِنها (2)(3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن تَوَلّى عَلِيّا فَقَد تَوَلّاني ، ومَن تَوَلّاني فَقَد تَوَلَّى اللّهَ عزّوجلّ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :اُوصي مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني بِالوِلايَةِ لِعَلِيٍّ ؛ فَإِنَّهُ مَن تَوَلّاهُ تَوَلّاني ، ومَن تَوَلّاني تَوَلَّى اللّهَ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :اُوصي مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني بِوِلايَةِ عَلِيٍّ مِن بَعدي ؛ فَإِنَّ وَلاءَهُ وَلائي ،
.
ص: 469
ووَلائي وَلاءُ اللّهِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني فَليَتَوَلَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّ وِلايَتَهُ وِلايَتي ، ووِلايَتي وِلايَةُ اللّهِ (2) .
الأمالي للطوسي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ في خُطبَتِهِ : مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني فَليَتَوَلَّ عَلِيّا مِن بَعدي ؛ فَإِنَّ وِلايَتَهُ وِلايَتي ، ووِلايَتي وِلايَةُ اللّهِ ! أمرٌ عَهِدَهُ إلَيَّ رَبّي ، وأمَرَني أن اُبَلِّغَكُموهُ ، ألا هَل بَلَّغتُ ؟ فَقالوا : نَشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ . قالَ صلى الله عليه و آله : أما إنَّكُم تَقولونَ : نَشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ ! وإنَّ مِنكُم لَمَن يُنازِعُهُ حَقَّهُ ، ويَحمِلُ النّاسَ عَلى كَتِفِهِ ! ! (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن تَوَلّاني تَوَلّى عَلِيّا ، ومَن لَم يَقُل بِوَلاءِ عَلِيٍّ فَقَد جَحَدَ وِلايَتي . ومَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؛ والَى اللّهُ مَن والاهُ ، وعادَى اللّهُ مَن عاداهُ (4) .
الخصال عن عامر بن واثلة عن الإمام عليّ عليه السلام :نَشَدتُكُم بِاللّهِ ! هَل فيكُم أحَدٌ قالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَما قالَ لي : إنَّ اللّهَ أمَرَني بوِلايَةِ عَلِيٍّ ، فَوِلايَتُهُ وِلايَتي ، ووِلايَتي وِلايَةُ رَبّي ، عَهدٌ عَهِدَهُ إلَيَّ رَبّي ، وأمَرَني أن اُبَلِّغَكُموهُ ، فَهَل سَمِعتُم ، قالوا : نَعَم قَد سَمِعناهُ (5) .
.
ص: 470
الإمام عليّ عليه السلام :حَربي حَربُ اللّهِ ، وسِلمي سِلمُ اللّهِ ، وطاعَتي طاعَةُ اللّهِ ، ووِلايَتي وِلايَةُ اللّهِ (1) .
راجع : ج 4 ص 381 (الولي المتصدّق في الركوع) . و كتاب «شواهد التنزيل» : ج 1 ص 209 _ 245 .
7 / 2عَلِيٌّ مَولى مَن كانَ النَّبِيُّ مَولاهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (2) . 3
.
ص: 471
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَإِنَّ عَلِيّا مَولاهُ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَإِنَّ مَولاهُ عَلِيٌّ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؛ اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ (3) .
.
ص: 472
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ (2) .
المعجم الكبير عن زيد بن أرقم :خَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : أ لَستُ أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم ؟ ! قالوا : بَلى . قالَ : فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (3) .
.
ص: 473
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مَولى مَن كُنتُ مَولاهُ (1) .
مسند ابن حنبل عن بريدة :غَزَوتُ مَعَ عَلِيٍّ اليَمَنَ ، فَرَأَيتُ مِنهُ جَفوَةً ، فَلَمّا قَدِمتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذَكَرتُ عَلِيّا فَتَنَقَّصتُهُ . فَرَأَيتُ وَجهَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَتَغَيَّرُ ؛ فَقالَ : يا بُرَيدَةُ ، أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ ! قُلتُ : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (2) .
فضائل الصحابة عن ابن طاووس عن أبيه :لَمّا بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى اليَمَن عَلِيّا ، خَرَجَ بُرَيدَةُ الأَسلَمِيُّ مَعَهُ ، فَعَتَبَ عَلى عَلِيٍّ في بَعضِ الشَّيءِ . فَشَكاهُ بُرَيدَةُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن كُنتُ مَولاهُ فَإِنَّ عَلِيّا مَولاهُ (3) .
خصائص أمير المؤمنين عن بريدة :بَعَثَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في سَرِيَّةٍ ، وَاستَعمَلَ عَلَينا عَلِيّا ، فَلَمّا رَجَعنا سَأَلَنا : كَيفَ رَأَيتُم صُحبَةَ صاحِبِكُم ؟ فَإِمّا شَكَوتُهُ أنَا وإمّا شَكاهُ غَيري ؟ فَرَفَعتُ رَأسي _ وكُنتُ رَجُلاً مِكبابا (4) _ فَإِذا وَجهُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَدِ احمَرَّ ، فَقالَ : مَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ (5) .
.
ص: 474
مسند ابن حنبل عن بريدة :أنَّهُ مَرَّ عَلى مَجلِسٍ وهُم يَتَناوَلونَ (1) مِن عَلِيٍّ ، فَوَقَفَ عَلَيهِم فَقالَ : إنَّهُ قَد كانَ في نَفسي عَلى عَلِيٍّ شَيءٌ ، وكانَ خالِدُ بنُ الوَليدِ كَذلِكَ ، فَبَعَثَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في سَرِيَّةٍ عَلَيها عَلِيٌّ ، وأصَبنا سَبيا _ قالَ : _ فَأَخَذَ عَلِيٌّ جارِيَةً مِنَ الخُمُسِ لِنَفسِهِ . فَقالَ خالِدُ بنُ الوَليدِ : دونَكَ . قالَ : فَلَمّا قَدِمنا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله جَعَلتُ اُحَدِّثُهُ بِما كانَ ، ثُمَّ قُلتُ : إنَّ عَلِيّا أخَذَ جارِيَةً مِنَ الخُمُسِ ! _ قالَ : وكُنتُ رَجُلاً مكِبابا _ قالَ : فَرَفَعتُ رَأسي فَإِذا وَجهُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد تَغَيَّرَ ، فَقالَ : مَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ ! قالوا : نَعَم . قالَ : فَمَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَهذا وَلِيُّهُ (3) .
خصائص أمير المؤمنين عن سعد :أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ ، فَخَطَبَ ؛ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أ لَم تَعلَموا أنّي أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم ؟ ! قالوا : نَعَم ، صَدَقتَ يا رَسولَ اللّهِ ، ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَرَفَعَها ، فَقالَ : مَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَهذا وَلِيُّهُ ، وإنَّ اللّهَ لَيُوالي مَن والاهُ ، ويُعادي مَن عاداهُ (4) .
.
ص: 475
السنّة عن البَراء :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : هذا مَولى مَن أنَا مَولاهُ . أو : وَلِيُّ مَن أنَا موَلاهُ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ مَولى مَن أنَا مَولاهُ ، وأنَا مَولى كُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ (2) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا الَّذي قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِيَّ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (3) .
الإمام الباقر عليه السلام_ لِأَبي حَمزَةَ _: إنَّ عَلِيّا آيَةٌ لِمُحَمَّدٍ ، وإنَّ مُحَمَّدا يَدعو إلى وِلايَةِ عَلِيٍّ ؛ أ ما بَلَغَكَ قَولُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ! ! فَوالَى اللّهُ مَن والاهُ وعادَى (4) اللّهُ مَن عاداهُ (5) .
عنه عليه السلام :تَقَدَّمَ إلى عُمَرَ بنِ الخَطّابِ رَجُلانِ يَختَصِمانِ ، وعَلِيٌّ عليه السلام جالِسٌ إلى جانِبِهِ ، فَقالَ لَهُ : اِقضِ بَينَهُما يا أبَا الحَسَنِ ! فَقالَ أحَدُ الخَصمَينِ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، يَقضي هذا بَينَنا وأنتَ قاعِدٌ ! ! قالَ : وَيحَكَ أ تَدري مَن هذا ؟ !هذا مَولايَ ومَولى كُلِّ مُسلِمٍ ، فَمَن لَم يَكُن هذا مَولاهُ فَلَيسَ بِمُسلِمٍ ! ! (6)
المناقب للخوارزمي عن يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل :نازَعَ عُمَرَ ابنَ الخَطّابِ رَجُل
.
ص: 476
في مَسأَلَةٍ ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ : بَيني وبَينَكَ هذَا الجالِسُ _ وأومَأَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام _ . فَقالَ الرَّجُلُ : أ هذَا الهَنُّ (1) ! ! فَنَهَضَ عُمَرُ عَن مَجلِسِهِ ، فَأَخَذَ بِاُذُنَيهِ حَتّى أشالَهُ مِن الأَرضِ ، وقالَ : ويَلَكَ ، أ تَدري مَن صَغَّرتَ ! مَولايَ ومَولى كُلِّ مُسلِمٍ ! ! (2)
الرياض النضرة عن عمر :عَلِيٌّ مَولى مَن كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَولاهُ (3) .
تاريخ دمشق عن سالم بن أبي الجعد :قيلَ لِعُمَرَ : إنَّكَ تَصنَعُ بِعَلِيٍّ شَيئا لا تَصنَعُهُ بِأَحَدٍ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ! قالَ : إنَّهُ مَولايَ (4) .
تاريخ دمشق عن أبي فاختة :أقبَلَ عَلِيٌّ وعُمَرُ جالِسٌ في مَجلِسِهِ ، فَلَمّا رَآهُ عُمَرُ تَضَعضَعَ وتَواضَعَ ، وتَوَسَّعَ لَهُ فِي المَجلِسِ . فَلَمّا قامَ عَلِيٌّ قالَ بَعضُ القَومِ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّكَ تَصنَعُ بِعَلِيٍّ صَنيعا ما تَصنَعُهُ بِأَحَدٍ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ ! !قالَ عُمَرُ : وما رَأَيتَني أصنَعُ بِهِ ؟ ! قالَ : رَأَيتُكَ كُلَّما رَأَيتَهُ تَضَعضَعتَ وتَواضَعتَ وأوسَعتَ حَتّى يَجلِسَ ! ! قالَ : وما يَمنَعُني ! وَاللّهِ إنَّهُ لَمَولايَ ومَولى كُلِّ مَؤمِنٍ ! ! (5)
وقعة صفّين :قالَ عَمّارُ بن ياسرٍ لِعَمرِو بنِ العاصِ فيحَربِ صِفّينَ : أمَرَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن اُقاتِلَ النّاكِثينَ ، وقَد فَعَلتُ ! وأمَرَني أن اُقاتِلَ القاسِطينَ ، فَأَنتُم هُم ! وأمَّا المارِقونَ فَما أدري اُدرِكُهُم أم لا .
.
ص: 477
أيُّهَا الأَبتَرُ ، أ لَستَ تَعلَمُ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لِعَلِيٍّ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ! ! وأنَا مَولَى اللّهِ ورَسولِهِ وعَلِيٍّ بَعدَهُ ، ولَيسَ لَكَ مَولىً . قالَ لَهُ عَمرٌو : لِمَ تَشتُمُني يا أبَا اليَقظانِ ولَستُ أشتُمُكَ ؟ ! قالَ عَمّارٌ : وبِمَ تَشتُمُني ؟ !أ تَستَطيعُ أن تَقولَ : إنّي عَصَيتُ اللّهَ ورَسولَهُ يَوما قَطُّ ؟ ! قالَ لَهُ عَمرٌو : إنَّ فيكَ لَمَسَبّاتٍ سِوى ذلِكَ . فَقالَ عَمّارٌ : إنَّ الكَريمَ مَن أكرَمَهُ اللّهُ ؛ كُنتُ وَضيعا فَرَفَعَنِي اللّهُ ، ومَملوكا فَأَعتَقَنِي اللّهُ (1) .
مسند ابن حنبل عن رياح بن الحارث :جاءَ رَهطٌ إلى عَلِيٍّ بِالرَّحبَةِ ، فَقالوا : السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولانا . قالَ : كَيفَ أكونُ مَولاكُم وأنتُم قَومٌ عَرَبٌ ؟ ! قالوا : سَمِعنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غدَيرِ خُمٍّ يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَإِنَّ هذا مَولاهُ . قالَ رِياحٌ : فَلَمّا مَضَوا ، تَبِعتُهُم ، فَسَأَلتُ مَن هؤُلاءِ ؟ قالوا : نَفَرٌ مِنَ الأَنصارِ ، فيهِم أبو أيّوبَ الأَنصارِيُّ (2) .
المعجم الكبير عن رياح بن الحارث :كُنّا قُعودا مَعَ عَلِيٍّ رضى الله عنه ، فَجاءَ رَكبٌ مِنَ الأَنصارِ (3) عَلَيهِمُ العَمائِمُ ، فَقالوا : السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولانا . فَقالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه : أنَا مَولاكُم وأنتُم قَومٌ عَرَبٌ ! !
.
ص: 478
قالوا : نَعَم ؛ سَمِعنَا النَّبِيَّ يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ ، فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ . وهذا أبو أيّوبَ فينا ، فَحَسَرَ (1) أبو أيّوبَ العِمامَةَ عَن وَجهِهِ ، قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ (2) .
المصنّف عن رباح بن الحارث :بَينا عَلِيٌّ جالِسٌ (3) فِي الرَّحبَةِ ، إذ جاءَ رَجُلٌ عَلَيهِ أثَرُ السَّفَرِ ، فَقالَ : السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ . فَقالَ : مَن هذا ؟ فَقالوا : هذا أبو أيّوبَ الأَنصارِيُّ . فَقالَ : إنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَ_ولاهُ (4) .
اُسد الغابة عن زرّ بن حبيش :خَرَجَ عَلِيٌّ مِنَ القَصرِ ، فَاستَقبَلَهُ رُكبانٌ مُتَقَلِّدُو السُّيوفِ ، فَقالوا : السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولانا ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ . فَقالَ عَلِيٌّ : مَن هاهُنا مِن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ؟ فَقامَ اثنا عَشَرَ ، مِنهُم : قَيسُ بنُ ثابِتِ بنِ شَمّاسٍ ، وهاشِمُ بنُ عُتبَةَ ، وحَبيبُ بنُ بُدَيلِ بنِ وَرقاءَ ، فَشَهِدوا أنَّهُم سَمِعُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (5) .
.
ص: 479
7 / 3عَلِيٌّ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدَ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ وَلِيّي في كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مِنّي ، وأنَا مِنهُ ، وهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيّا وَلِيُّكُم بَعدي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ وَلِيُّكُم مِن بَعدي (6) .
.
ص: 480
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: هذا وَلِيُّكُم بَعدي إذا كانَت فِتنَةٌ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي ومُؤمِنَةٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ، وهُوَ وَلِيُّكُم بَعدي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ، لا تَسُبّوا عَلِيّا ولا تَحسُدوهُ ؛ فَإِنَّهُ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: سَأَلتُ اللّهَ فيكَ خَمسا ، فَأَعطاني أربَعا ، ومَنَعَني واحِدَةً ؛ سَأَلتُهُ فَأَعطاني فيكَ : أنَّكَ أوَّلُ مَن تَنشَقُّ الأَرضُ عَنهُ يَومَ القِيامَةِ ، وأنتَ مَعي ، مَعَكَ لِواءُ الحمَدِ وأنتَ تَحمِلُهُ ، وأعطاني أنَّكَ وَلِيُّ المُؤمِنينَ مِن بَعدي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ وَلِيُّ النّاسِ بَعدي ؛ فَمَن أطاعَكَ فَقَد أطاعَني ، ومَن عَصاكَ فَقَد عَصاني (6) .
مسند ابن حنبل عن بريدة :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعثَينِ (7) إلَى اليَمَنِ ؛ عَلى أحَدِهِما عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وعَلَى الآخَرِ خالِدُ بنُ الوَليدِ ، فَقالَ : إذَا التَقَيتُم فَعَلِيٌّ عَلَى النّاسِ ، وإنِ افتَرَقتُما فَكُلُّ واحِدٍ مِنكُما عَلى جُندِهِ .
.
ص: 481
قالَ : فَلَقينا بَني زَيدٍ مِن أهلِ اليَمَنِ ، فَاقتَتَلنا ، فَظَهَرَ المُسلِمونَ عَلَى المُشرِكينَ ؛ فَقَتَلنَا المُقاتِلَةَ ، وسَبَينَا الذُّرِّيَّةَ . فَاصطَفى عَلِيٌّ امرَأَةً مِنَ السَّبيِ لِنَفسِهِ . قالَ بُرَيدَةُ : فَكَتَبَ مَعي (1) خالِدُ بنُ الوَليدِ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُخبِرُهُ بِذلِكَ ، فَلَمّا أتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله دَفَعتُ الكِتابَ ، فَقُرِئَ عَلَيهِ ، فَرَأَيتُ الغَضَبَ في وَجهِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، هذا مَكانُ العائِذِ ، بَعَثتَني مَعَ رَجُلٍ وأمَرتَني أن اُطيعَهُ ، فَفَعَلتُ ما اُرسِلتُ بِهِ ! ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لا تَقَع في عَلِيٍّ ؛ فَإِنَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ ، وهُوَ وَلِيُّكُم بَعدي ، وإنَّهُ مِنّي ، وأنَا مِنهُ ، وهُوَ وَلِيُّكُم بَعدي (2) .
سنن الترمذي عن عمران بن حصين :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله جَيشا ، وَاستَعمَلَ عَلَيهِم عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، فَمَضى فِي السَّرِيَّةِ ، فَأَصابَ جارِيَةً ، فَأَنكَروا عَلَيهِ . وتَعاقَدَ أربَعَةٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَقالوا : إذا لَقينا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخبَرناهُ بِما صَنَعَ عَلِيٌّ . وكانَ المُسلِمونَ إذا رَجَعوا مِنَ السَّفَرِ بَدَؤوا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَسَلَّموا عَلَيهِ ، ثُمَّ انصَرَفوا إلى رِحالِهِم . فَلَمّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةِ سَلَّموا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقامَ أحَدُ الأَربَعَةِ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أ لَم تَرَ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ صَنَعَ كَذا وكَذا ! ! فَأَعرَضَ عَنهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . ثُمَّ قامَ الثّاني ، فَقالَ مِثلَ مَقالَتِهِ ، فَأَعرَضَ عَنهُ . ثُمَّ قامَ الثّالِثُ ، فَقالَ مِثلَ مَقالَتِهِ ، فَأَعرَضَ عَنهُ . ثُمَّ قامَ الرّابِعُ ، فَقالَ مِثلَ ما قالوا . فَأَقبَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالغَضَبُ يُعرَفُ في وَجهِهِ ، فَقالَ : ما تُريدونَ مِن عَلِيٍّ ؟ ! ما تُريدونَ مِن عَلِيٍّ ؟ ! ما تُريدونَ مِن
.
ص: 482
عَلِيٍّ ؟ ! ! ! إنَّ عَلِيّا مِنّي ، وأنَا مِنهُ ، وهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي (1) .
تاريخ دمشق عن وهب بن حمزة :سافَرتُ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ مِنَ المَدينَةِ إلى مَكَّةَ ، فَرَأَيتُ مِنهُ جَفوَةً ، فَقُلتُ : لَئِن رَجَعتُ فَلَقيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَأَنالَنَّ مِنهُ . قالَ : فَرَجَعتُ ، فَلَقيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَذَكَرتُ عَلِيّا فَنِلتُ مِنهُ . فَقالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لا تَقولَنَّ هذا لِعَلِيٍّ ؛ فَإِنَّ عَلِيّا وَلِيُّكُم بَعدي (2) .
شرح الأخبار عن البراء بن عازب :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أقامَ عَلِيّا عليه السلام لِلنّاسَ ، وقالَ : هذا وَلِيُّكُم مِن بَعدي (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ عَلِيٍّ عليه السلام _: هُوَ وَلِيُّكُم بَعدَ اللّهِ ورَسولِهِ (4) .
راجع : ج 7 ص 83 (سخط النبيّ على من أبغضه) .
7 / 4عَلِيٌّ أولى بُكُلِّ مُؤمِنٍ بَعدَ النَّبِيِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنَا أولى بُكُلِّ مُؤمِنٍ مِن نَفسِهِ ، وعَلِيٌّ أولى بِهِ مِن بَعدي (5) .
.
ص: 483
عنه صلى الله عليه و آله :أنَا أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ، ثُمَّ أخي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم (1) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنَا أولى بِالمُؤمِنينَ مِنهُم بِأَنفُسِهِم ، ثُمَّ أنتَ _ يا عَلِيُّ _ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم (2) .
الاحتجاج عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : أنَا أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ، فَمَن كُنتُ أولى بِهِ مِن نَفسِهِ فَأَنتَ _ يا أخي _ أولى بِهِ مِن نَفسِهِ _ وعَلِيٌّ بَينَ يَدَيهِ _ (3) .
شرح الأخبار عن عبد اللّه بن المسحر :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : عَلِيٌّ أولَى المُؤمِنينَ بِالمُؤمِنينَ بَعدي (4) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ، أنَا أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؛ لَيسَ لَهُم مَعي أمرٌ . وعَلِيٌّ مِن بَعدي أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؛ لَيسَ لَهُم مَعَهُ أمرٌ (5) .
المعجم الكبير عن وهب بن حمزة :صَحِبتُ عَلِيّا مِنَ المَدينَةِ إلى مَكَّةَ ، فَرَأَيتُ مِنهُ بَعضَ ما أكرَهُ ، فَقُلتُ : لَئِن رَجَعتُ إلى رَسولِ اللّهِ لَأَشكُوَنَّكَ إلَيهِ . فَلَمّا قَدِمتُ لَقيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقُلتُ : رَأَيتُ مِن عَلِيٍّ كَذا وكَذا ! ! فَقالَ : لا تَقُل هذا ؛ فَهُوَ أولَى النّاسِ بِكُم بَعدي (6) .
.
ص: 484
7 / 5وِلايَتُهُ فَريضَةٌالكافي عن أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السلام :كُنتُ عِندَهُ جالِسا ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : حَدِّثني عنَ وِلايَةِ عَلِيٍّ ، أمِنَ اللّهِ ، أو مِن رَسولِهِ ؟ ! فَغَضِبَ ، ثُمَّ قالَ : وَيحَكَ ، كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أخوَفَ للّهِِ مِن أنَ يَقولَ ما لَم يَأمُرهُ بِهِ اللّهُ ! ! بَلِ افتَرَضَهُ كَمَا افتَرَضَ اللّهُ الصَّلاةَ وَالزَّكاةَ وَالصَّومَ وَالحَجَّ (1) .
الإمام الصادق عليه السلام :وِلايَتي لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام أحَبُّ إلَيَّ مِن وِلادَتي مِنهُ ؛ لِأَنَّ وِلايَتي لَهُ فَرضٌ ، ووِلادَتي مِنهُ فَضلٌ (2) .
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْ_ئولُونَ» (3) قالَ _: عَن وِلايَةِ عَلِيٍّ (4) .
7 / 6وِلايَتُهُ خاتِمَةُ الفَرائِضِالإمام الباقر عليه السلام :كانَتِ الفَريضَةُ تَنزِلُ بَعدَ الفَريضَةِ الاُخرى ، وكانَتِ الوِلايَةُ آخِرَ الفَرائِضِ ، فَأَنزَلَ اللّهُ عزّوجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى» (5) . قالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : يَقولُ اللّهُ عزّوجلّ : لا اُنزِلُ عَلَيكُم بَعدَ هذِهِ فَريضَةً ؛ قَد أكمَلتُ لَكُمُ الفَرائِضَ (6) .
.
ص: 485
عنه عليه السلام :آخِرُ فَريضَةٍ أنزَلَهَا اللّهُ الوِلايَةُ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» ؛ فَلَم يَنزِل مِنَ الفَرائِضِ شَيءٌ بَعدَها حَتّى قَبَضَ اللّهُ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله (1) .
الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام :إنَّما نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ بَعدَ نَصبِ النَّبِيِّ عَلِيّا _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما _ بِغَديرِ خُمٍّ ؛ بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِن حِجَّةِ الوَداعِ ، وهِيَ آخِرُ فَريضَةٍ أنزَلَهَا اللّهُ تَعالى (2) .
7 / 7بَركاتُ وِلايَتِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن سَرَّهُ أن يَجمَعَ اللّهُ لَهُ الخَيرَ كُلَّهُ فَليُوالِ عَلِيّا بَعدي ، وَليُوالِ أولِياءَهُ ، وَليُعادِ أعداءَهُ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم :يَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : وِلايَةُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ حِصني ، فَمَن دَخَلَ حِصني أمِنَ ناري (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ لي جَبرَئيلُ : قالَ اللّهُ تَعالى : وِلايَةُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ حِصني ، فَمَن دَخَلَ حِصني أمِنَ مِن عَذابي (5) .
.
ص: 486
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَركَبَ سَفينَةَ النَّجاةِ ، ويَستَمسِكَ بِالعُروَةِ الوُثقى ، ويَعتَصِمَ بِحَبلِ اللّهِ المَتينِ ، فَليُوالِ عَلِيّا بَعدي ، وَليُعادِ عَدُوَّهُ ، وَليَأتَمَّ بِالأَئِمَّةِ الهُداةِ مِن وُلدِهِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن يُريدُ أن يَحيا حَياتي ، ويَموتَ مَوتي ، ويَسكُنَ جَنَّةَ الخُلدِ الَّتي وَعَدَني رَبّي ، فَليَتَوَلَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّهُ لَن يُخرِجَكُم مِن هُدىً ، ولَن يُدخِلَكُم في ضَلالَةٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَحيا حَياتي ، ويَموتَ مَوتَتي ، ويَسكُنَ جَنَّةَ الخُلدِ الَّتي وَعَدَني رَبّي _ فَإِنَّ رَبّي عزّوجلّ غَرَسَ قَصَباتِها بِيَدِهِ _ ، فَليَتَوَلَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّهُ لَن يُخرِجَكُم مِن هَديي (3) ، ولَن يُدخِلَكُم في ضَلالَةٍ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَرَّهُ أن يَحيا حَياتي ، ويَموتَ مَماتي ، ويَسكُنَ جَنَّةَ عَدنٍ الَّتي غَرَسَها اللّهُ رَبّي ، فَليَتَوَلَّ عَلِيّا بَعدي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَرَّهُ أن يَحيا حَياتي ، ويَموتَ ميتَتي ، وَيَتَمَسَّكَ بِالقَصَبَةِ الياقوتَةِ الَّتى ¨
.
ص: 487
خَلَقَهَا اللّهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قالَ لَها : كوني فَكانَت ، فَليَتَوَلَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ مِن بَعدي (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يَحيا حَياتي ، ويَموتَ ميتَتي ، ويَدخُلَ الجَنَّةَ ، فَليَتَوَلَّ عَلِيّا وذُرِّيَّتَهُ مِن بَعدِهِ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَرَّهُ أن يَحيا حَياتي ، ويَموتَ مَماتي ، ويَسكُنَ جَنَّةَ عَدنٍ غَرَسَها رَبّي ، فَليُوالِ عَلِيّا مِن بَعدي ، وَليُوالِ وَلِيَّهُ ، وَليَقتَدِ بِالأَئِمَّةِ مِن بَعدي ؛ فَإِنَّهُم عِترَتي ، خُلِقوا مِن طينَتي ، رُزِقوا فَهما وعِلما ، وَيلٌ لِلمُكَذِّبينَ بِفَضلِهِم مِن اُمَّتي ، لِلقاطِعينَ فيهِم صِلَتي ، لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتي (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أرادَ أن يَحيا حَياتي ، ويَموتَ ميتَتي ، ويَدخُلَ جَنَّةَ عَدنٍ الَّتي غَرَسَها اللّهُ رَبّي بِيَدِهِ ، فَليَتَوَلَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، وَليَتَوَلَّ وَلِيَّهُ ، وَليُعادِ عَدُوَّهُ ، وَليُسَلِّم لِلأَوصِياءِ مِن بَعدِهِ ؛ فَإِنَّهُم عِترَتي ؛ مِن لَحمي ودَمي ، أعطاهُمُ اللّهُ فَهمي وعِلمي ، إلَى اللّهِ أشكو أمرَ اُمَّتِي المُنكِرينَ لِفَضلِهِم ، القاطِعينَ فيهِم صِلَتي ! وَايمُ اللّهِ لَيَقتُلُنَّ ابنيّ ! !لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتي (4) .
.
ص: 488
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن سَرَّهُ أن يَحيا حَياتي ، ويَموتَ ميتَتي ، ويَدخُلَ الجَنَّةَ الَّتي وَعَدَنيها رَبّي ، وَيَتَمَسَّكَ بِقَضيبٍ غَرَسَهُ رَبّي بِيَدِهِ ، فَليَتَوَلَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام وأوصِياءَهُ مِن بَعدِهِ ؛ فَإِنَّهُم لا يُدخِلونَكُم في بابِ ضَلالٍ ، ولا يُخرِجونَكُم مِن بابِ هُدىً ، فَلا تُعَلِّموهُم ؛ فَإِنَّهُم أعلَمُ مِنكُم . وإنّي سَأَلتُ رَبّي أن لا يُفَرِّقَ بَينَهُم وبَينَ الكِتابِ حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ، هكَذا _ وضَمَّ بَينَ إصبَعَيهِ _ (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ ونُصِبَ الصِّراطُ عَلَى ظَهرانَي جَهَنَّمَ ، فَلا يَجوزُها ولا يَقطَعُها إلّا مَن كانَ مَعَهُ جَوازٌ بِوِلايَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أحَبَّ أن يُجاوِرَ الخَليلَ في دارِهِ ، ويَأمَنَ حَرَّ نارِهِ ، فَليَتَوَلَّ عَلِيَّ ابنَ أبي طالِبٍ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلَيكُم بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّهُ مَولاكُم فَأَحِبّوهُ ، وكَبيرُكُم فَاتَّبِعوهُ ، وعالِمُكُم فَأَكرِموهُ ، وقائِدُكُم إلَى الجَنَّةِ فَعَزِّزوهُ ، وإذا دَعاكُم فَأَجيبوهُ ، وإذا أمَرَكُم فَأَطيعوهُ . أحِبّوهُ بِحُبّي ، وأكرِموهُ بِكَرامَتي . ما قُلتُ لَكُم في عَلِيٍّ إلّا ما أمَرَني بِهِ رَبّي جَلَّت عَظَمَتُهُ (4) .
.
ص: 489
الإمام الباقر عليه السلام :إنّ الرَّوحَ (1) ، وَالرّاحَةَ ، وَالفَلْجَ (2) ، وَالعَونَ ، وَالنَّجاحَ ، وَالبَرَكَةَ ، وَالكَرامَةَ ، وَالمَغفِرَةَ ، وَالمُعافاةَ ، وَاليُسرَ ، وَالبُشرى ، وَالرِّضوانَ ، وَالقُربَ ، وَالنَّصرَ ، وَالتَّمَكُّنَ ، وَالرَّجاءَ ، وَالمَحَبَّةَ مِنَ اللّهِ عزّ وجلّ ، لِمَن تَوَلّى عَلِيّا ، وَائتَمَّ بِهِ ، وبَرِئَ مِن عَدُوِّهِ ، وسَلَّمَ لِفَضلِهِ ولِلأَوصِياءِ مِن بَعدِهِ (3) .
7 / 8مَضارُّ مُخالَفَتِهِ ومُفارَقَتِهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَعاشِرَ أصحابي ، إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ يَأمُرُكُم بِوِلايَةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، وَالاِقتِداءِ بِهِ ؛ فَهُو وَلِيُّكُم وإمامُكُم مِن بَعدي ؛ لا تُخالِفوهُ فَتَكفُروا ، ولا تُفارِقوهُ فَتَضِلّوا (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ ، اُوقِفُ أنَا وعَلِيٌّ عَلَى الصِّراطِ ، فَما يَمُرُّ بِنا أحَدٌ إلّا سَأَلناهُ عَن وِلايَةِ عَلِيٍّ ؛ فَمَن كانَت مَعَهُ ، وإلّا ألقَيناهُ فِي النّارِ ؛ وذلِكَ قَولُهُ : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْ_ئولُونَ» (5)(6) .
راجع : ج 1 ص 511 (حديث الغدير) . و ج 4 ص 489 (معه جواز الصراط) . و ج 7 ص 35 (جواز الصراط) .
.
ص: 490
. .
ص: 491
الفصل الثامن : أحاديث الهداية8 / 1عَلِيٌّ الهادي«إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنَا المُنذِرُ ، وعَلِيٌّ الهادي إلى أمري (2) .
تفسير الطبري عن ابن عبّاس :لَمّا نَزَلَت : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» وَضَعَ صلى الله عليه و آله يَدَهُ عَلى صَدرِهِ فَقالَ : أنَا المُنذِرُ ولِكُلِّ قَومٍ هادٍ ، وأومَأَ بِيَدِهِ إلى مَنكِبِ عَلِيٍّ فَقالَ : أنتَ الهادي يا عَلِيُّ ، بِكَ يَهتَدِي المُهتَدونَ بَعدي (3) .
الدرّ المنثور عن ابن عبّاس_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» _: قال
.
ص: 492
رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : المُنذِرُ أنَا ، وَالهادي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (1) .
الدرّ المنثور عن أبي برزة الأسلمي :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ» و وَضَعَ يَدَهُ عَلى صَدرِ نَفسِهِ ، ثُمَّ وَضَعَها عَلى صَدرِ عَلِيٍّ ويَقولُ : «لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (2) .
سعد السعود عن أبي بردة الأسلمي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» قالَ _: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى مَنكِبِ عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : هذَا الهادي مِن بَعدي (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصِيَّتِهِ بِعَلِيٍّ عليه السلام _: فَإِنَّهُ الهادِي المَهدِيُّ ، النّاصِحُ لِاُمَّتي ، المُحيي لِسُنَّتي ، وهُوَ إمامُكُم بَعدي (4) .
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ فَإِنّا نَشهَدُ أنَّهُ [عَلِيّا عليه السلام ]عَبدُكَ الهادي مِن بَعدِ نَبِيِّكَ النَّذيرِ المُنذِرِ ، وصِراطُكَ المُستَقيمُ ، وأميرُ المُؤمِنينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وحُجَّتُكَ البالِغَةُ (5) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَمّا اُسرِيَ بي إلَى السَّماءِ لَم يَكُن بَيني وبَينَ رَبّي مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ، ولا سَأَلتُ رَبّي حاجَةً إلّا أعطاني خَيرا مِنها ، فَوَقَعَ في مَسامِعي : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» ، فَقُلتُ : إلهي أنَا المُنذِرُ ، فَمَنِ الهادي ؟ فَقالَ اللّهُ : ذلِكَ عَلِيُّ بن
.
ص: 493
أبي طالِبٍ ، غايَةُ المُهتَدينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، ومَن يَهدي مِن اُمَّتِكَ بِرَحمَتي إلَى الجَنَّةِ (1) .
8 / 2أنَا الهاديالإمام عليّ عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (2) _: رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المُنذِرُ ، وأنَا الهادي (3) .
عنه عليه السلام :أنَا فاروقُ الاُمَّةِ ، وأنَا الهادي (4) .
عنه عليه السلام :فينا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنَا المُنذِرُ ، وأنتَ الهادي يا عَلِيُّ (5) .
8 / 3عَلِيٌّ لا يَزالُ عَلى هُدىًرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَمّارُ ، إنَّ عَلِيّا لا يَزالُ عَلى هُدىً (6) .
.
ص: 494
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَمّارُ ، تَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ ، وأنتَ إذ ذاكَ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَكَ . يا عَمّارَ بنَ ياسِرٍ ، إن رَأَيتَ عَلِيّا قد سَلَكَ وادِيا وسَلَكَ النّاسُ وادِيا غَيرَهُ فَاسلُك مَعَ عَلِيٍّ ؛ فَإِنَّهُ لَن يُدلِيَكَ في رَدىً ، ولَن يُخرِجَكَ مِن هُدىً (1) .
8 / 4الهُداةُ بَعدَ النَّبِيِّالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» _: رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المُنذِرُ ، وعَلِيٌّ الهادي ، أما وَاللّهِ ما ذَهَبَت مِنّا ، وما زالَت فينا إلَى السّاعَةِ (2) .
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عزّوجلّ : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» _: رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المُنذِرُ ، ولِكُلِّ زَمانٍ مِنّا هادٍ ، يَهديهِم إلى ما جاءَ بِهِ نَبِيُّ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ الهُداةُ مِن بَعدِهِ علَِيٌّ ، ثُمَّ الأَوصِياءُ واحِدٌ بَعدَ وَاحِدٍ (3) .
كمال الدين عن بريد بن معاوية العجلي :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : ما مَعنى «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» ؟ فَقالَ : المُنذِرُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وعَلِيٌّ الهادي ، وفي كُلِّ وَقتٍ وزَمانٍ إمامٌ مِنّا يَهديهِم إلى ما جاءَ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله (4) .
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» _: قال
.
ص: 495
رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنَا المُنذِرُ ، وعَلِيٌّ الهادي ، وكُلُّ إمامٍ هادٍ لِلقَرنِ الَّذي هُوَ فيهِ (1) .
الكافي عن أبي بصير :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» ؟فَقالَ : رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المُنذِرُ ، وعَلِيٌّ الهادي . يا أبا مُحَمَّدٍ ، هَل مِن هادٍ اليَومَ ؟ قُلتُ : بَلى جُعِلتُ فِداكَ ، ما زالَ مِنكُم هادٍ بَعدَ هادٍ حَتّى دُفِعَت إلَيكَ ، فَقالَ : رَحِمَكَ اللّهُ يا أبا مُحَمَّدٍ ، لَو كانَت إذا نَزَلَت آيَةٌ عَلى رَجُلٍ ثُمَّ ماتَ ذلِكَ الرَّجُلُ ، ماتَتِ الآيَةُ ، ماتَ الكِتابُ ! ولكِنَّهُ حَيٌّ يَجري فيمَن بَقِيَ ، كَما جَرى فيمَن مَضى (2) .
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» _: المُنذِرُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالهادي أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وبَعدَهُ الأَئِمَّةُ عليهم السلام (3) .
الكافي عن الفضيل :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عزّوجلّ : «وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فَقالَ : كُلُّ إمامٍ هادٍ لِلقَرنِ الَّذي هُوَ فيهِم (4) .
كمال الدين عن محمّد بن مسلم :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام في قَولِ اللّهِ عزّوجلّ : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» ، فَقالَ : كُلُّ إمامٍ هادٍ لِكُلِّ قَومٍ في زَمانِهِم (5) .
راجع : ج 1 ص 452 (إمام أولياء اللّه ) . و ج 4 ص 380 (الهادي) . و ص 460 (راية الهدى) .
.
ص: 496
. .
ص: 497
الفصل التاسع : أحاديث العصمة9 / 1عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ وَالقُرآنُ مَعَهُ ، لا يَفتَرِقانِ حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيٍّ ، لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :القُرآنُ مَعَ عَلِيٍّ ، وعَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ (3) .
المستدرك على الصحيحين عن أبي ثابت مولى أبي ذرّ :كُنتُ مَعَ عَلِيٍّ رضى الله عنه يَومَ الجَمَلِ ، فَلَمّا رَأَيتُ عائِشَةَ واقِفَةً دَخَلَني بَعضُ ما يَدخُلُ النّاسَ ، فَكَشَفَ اللّهُ عَنّي ذلِكَ عِندَ صَلاةِ الظُّهرِ ، فَقاتَلتُ مَعَ أميرِ المُؤمِنينَ ، فَلَمّا فَرَغَ ذَهَبتُ إلَى المَدينَةِ فَأَتَيتُ اُمَّ سَلَمَةَ ، فَقُلتُ : إنّي وَاللّهِ ما جِئتُ أسأَلُ طَعاما ولا شَرابا ولكِنّي مَولىً لِأَبي ذَرٍّ ، فَقالَت : مَرحَبا .
.
ص: 498
فَقَصَصتُ عَلَيها قِصَّتي ، فَقالَت : أينَ كُنتَ حينَ طارَتِ القُلوبُ مَطائِرَها ؟ قُلتُ : إلى حَيثُ كَشَفَ اللّهُ ذلِكَ عَنّي عِندَ زَوالِ الشَّمسِ ، قالَت (1) : أحسَنتَ ، سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيٌّ ، لَن يَتَفَرَّقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ (2) .
الصواعق المحرقة :إنَّهُ صلى الله عليه و آله قالَ في مَرَضِ مَوتِهِ : أيُّهَا النّاسُ ، يوشِكُ أن اُقبَضَ قَبضا سَريعا فَيُنطَلَقَ بي ، وقَد قَدَّمتُ إلَيكُمُ القَولَ مَعذِرَةً إلَيكُم ، ألا إنّي مُخَلِّفٌ فيكُم كِتابَ رَبّي عزّوجلّ وعِترَتي أهلَ بَيتي . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَرَفَعَها فَقالَ : هذا عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيٍّ ، لا يَفتَرِقانِ حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ، فَأَسأَلُهُما ما خُلِّفتُ فيهِما (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ عَلِيّا مَعَ القُرآنِ وَالحَقِّ ، حَيثُما دارَ دارَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالقُرآنِ ، وَالحَقُّ وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيٍّ ، ولَن يَتَفَرَّقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ (5) .
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَزالُ الدّينُ مَعَ عَلِيٍّ وعَلِيٌّ مَعَهُ ، حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ (6) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى طَهَّرَنا وعَصَمَنا ، وجَعَلَنا شُهَداءَ عَلى خَلقِهِ ،
.
ص: 499
وحُجَّتَهُ في أرضِهِ ، وجَعَلَنا مَعَ القُرآنِ وجَعَلَ القُرآنَ مَعَنا ، لا نُفارِقُهُ ولا يُفارِقُنا (1) .
عنه عليه السلام_ لِلخَوارِجِ لَمّا خَرَجَ إلى مُعَسكَرِهِم _: إنَّ الكِتابَ لَمَعي ، ما فارَقتُهُ مُذ صَحِبتُهُ (2) .
9 / 2عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ ، يَدورُ مَعَهُ حَيثُما دارَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :رَحِمَ اللّهُ عَلِيّا ، اللّهُمَّ أدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيثُ دارَ 5 .
.
ص: 500
عنه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مَعَ الحَقَّ وَالحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ، اللّهُمَّ أدِرِ الحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ حَيثُما دارَ (1) .
مسند أبي يعلى عن أبي سعيد :كُنّا عِندَ بَيتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في نَفَرٍ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، فَخَرَجَ عَلَينا فَقالَ : أ لا اُخبِرُكُم بِخيارِكُم ؟ قالوا : بَلى . قالَ : خِيارُكُمُ الموفونَ المُطَيَّبونَ ، إنَّ اللّهَ يُحِبُّ الخَفِيَّ التَّقِيَّ. قالَ : ومَرَّ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فَقالَ : الحَقُّ مَعَ ذا ، الحَقُّ مَعَ ذا (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَا بنَ عَبّاسٍ ، سوفَ يَأخُذُ النّاسُ يَمينا وشِمالاً ، فَإِذا كانَ كَذلِكَ فَاتَّبِع عَلِيّا وحِزبَهُ ؛ فَإِنَّهُ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَهُ ، ولا يَفتَرِقانِ حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ (3) .
تاريخ بغداد عن أبي ثابت مولى أبي ذرّ :دَخَلتُ عَلى اُمِّ سَلَمَةَ فَرَأَيتُها تَبكي وتَذكُرُ عَلِيّا ، وقالَت : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ ، ولَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ يَومَ القِيامَةِ (4) .
تاريخ دمشق عن عبيد اللّه بن عبد اللّه المديني :حَجَّ مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيانَ فَمَرَّ بِالمَدينَةِ ، فَجَلَسَ في مَجلِسٍ فيهِ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ ، وعَبدُ اللّهِ بن
.
ص: 501
عَبّاسٍ . . . وأقبَلَ على سَعدٍ ، فَقالَ : يا أبا إسحاقَ ، أنتَ الَّذي لَم لَعرِف (1) حَقَّنا .وجَلَسَ فَلَم يَكُن مَعَنا ولا عَلَينا ؟ ! قالَ : فَقالَ سَعدٌ : إنّي رَأَيتُ الدُّنيا قَد أظلَمَت ، فَقُلتُ لِبَعيري : إخ ، فَأَنَختُها حَتَّى انكَشَفَت . قالَ : فَقالَ مُعاوِيَةُ : لَقَد قَرَأتُ ما بَينَ اللَّوحَينِ ، ما قَرَأتُ في كِتابِ اللّهِ عزَّوجَلَّ : إخ ! قالَ : فَقالَ سَعدٌ : أمّا إذا أبَيتَ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيٍّ : أنتَ مَعَ الحَقِّ واَلحَقُّ مَعَكَ حَيثُما دارَ . قالَ : فَقالَ مُعاوِيَةُ : لَتَأتِيَنّي عَلى هذا بِبَيِّنَةٍ ! قالَ : فَقالَ سَعدٌ : هذِهِ اُمُّ سَلَمَةَ تَشهَدُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقاموا جَميعا فَدَخَلوا عَلى اُمِّ سَلَمَةَ ، فَقالوا : يا اُمَّ المُؤمِنينَ ، إنَّ الأَكاذيبَ قَد كَثُرَت عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وهذا سَعدٌ يَذكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ما لَم نَسمَعُه : أنَّهُ قالَ _ يَعني لِعَلِيٍّ _ : أنتَ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَكَ حيَثُما دارَ . فَقالَت اُمُّ سَلَمَةَ : في بَيتي هذا قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ . قالَ : فَقالَ مُعاوِيَةُ لِسَعدٍ : يا أبا إسحاقَ ، ما كُنتَ ألوَمَ الآنَ إذ سَمِعتَ هذا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وجَلَستَ عَن علَِيٍّ ، لَو سَمِعتُ هذا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَكُنتُ خادِما لِعَلِيٍّ حَتّى أموتَ (2) .
المناقب للخوارزمي عن الأصبغ بن نباتة :لَمّا أن اُصيبَ زَيدُ بنُ صوحانَ يوَمَ الجَمَلِ ، أتاه
.
ص: 502
عَلِيٌّ وبِهِ رَمَقٌ ، فَوَقَفَ عَلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام فَهُوَ لِما بِهِ فَقالَ : رَحِمَكَ اللّهُ يا زَيدُ ، فَوَاللّهِ ما عَرَفناكَ إلّا خَفيفَ المُؤنَةِ ، كَثيرَ المَعونَةِ . قالَ : فَرَفَعَ إلَيهِ رأسَهُ فَقالَ : وأنتَ يَرحَمُكَ اللّهُ ، فَوَاللّهِ ما عَرَفتُكَ إلّا بِاللّهِ عالِما ، وبِآياتِهِ عارِفا ، وَاللّهِ ما قاتَلتُ مَعَكَ مِن جَهلٍ ، ولكِنّي سَمِعتُ حُذَيفَةَ بنَ اليَمانِ يَقولُ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : عَلِيٌّ أميرُ البَرَرَةِ ، وقاتِلُ الفَجَرَةِ ، مَنصورٌ مَن نَصَرَهُ ، مخَذولٌ مَن خَذَلَهُ ، ألا وإنَّ الحَقَّ مَعَهُ ، ألا وإنَّ الحَقَّ مَعَهُ يَتبَعُهُ ، ألا فَميلوا مَعَهُ 1 .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ حَيثُ كانَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :الحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ أينَما مالَ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :الحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ ، يَزولُ مَعَهُ حَيثُ زالَ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :ألا إنَّ الحَقَّ بَعدي مَعَ عَلِيٍّ ، يَميلُ مَعَهُ حَيثُما مالَ ، ولا يَفتَرِقانِ جَميعا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ (4) .
إعلام الورى عن ابن عبّاس :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله حينَ حَضَرَتهُ وَفاتُهُ ، فَقُلتُ : يا
.
ص: 503
رَسولَ اللّهِ ، إذا كانَ ما نَعوذُ بِاللّهِ مِنهُ فَإِلى مَن ؟ فَأَشارَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : إلى هذا ؛ فَإِنَّهُ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَهُ ، ثُمَّ يَكونُ مِن بَعدِهِ أحَدَ عَشَرَ إماما مُفتَرَضَةً طاعَتُهُم كَطاعَتِهِ (1)(2) .
كشف الغمّة :إنَّ عائِشَةَ لَمّا عُقِرَ جَمَلُها ودَخَلَت دارا بِالبَصرَةِ ، فَقالَ لَها أخوها مُحَمَّدٌ : أنشُدُكِ بِاللّهِ ، أ تَذكُرينَ يَومَ حَدَّثتِني عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : الحَقُّ لَن يَزالَ مَعَ عَلِيٍّ وعَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ ، لَن يَختَلِفا ولَن يَفتَرِقا ؟ فَقالَت : نَعَم (3) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَهُ وعَلى لِسانِهِ ، وَالحَقُّ يَدورُ حَيثُما دارَ عَلِيٌّ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ . . . إنَّ الحَقَّ عَلى لِسانِكَ ، وفي قَلبِكَ ، ومَعَكَ ، وبَينَ يَدَيكَ ، ونُصبَ عَينَيكَ (5) .
تاريخ دمشق عن اُمّ سلمة :وَاللّهِ إنَّ عَلِيّا عَلَى الحَقِّ قَبلَ اليَومِ ، وبَعَد اليَومِ ، عَهدا مَعهودا ، وقَضاءً مَقضِيّا (6) .
المستدرك على الصحيحين عن اُمّ سلمة_ لَمّا سارَ عَلِيٌّ عليه السلام إلَى البَصرَةِ ودَخَلَ عَلَيها
.
ص: 504
يُوَدِّعُها _: سِر في حِفظِ اللّهِ وفي كَنَفِهِ ، فَوَاللّهِ إنَّكَ لَعَلَى الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَكَ (1) .
راجع : كتاب «بحار الأنوار» : ج 38 ص 26 _ 40 .
9 / 3عَلِيٌّ فاروقُ الاُمَّةِالمعجم الكبير عن أبي ذرّ وسلمان :أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ رضى الله عنه فَقالَ : إنَّ هذا أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وهُوَ أوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ ، وهذَا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وهذا فاروقُ هذِهِ الاُمَّةِ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ ، وهذا يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَالمالُ يَعسوبُ الظّالِمِ (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :سَتَكونُ مِن بَعدي فِتنَةٌ ، فَإِذا كانَ ذلِكَ فَالزَموا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّهُ أوَّلُ مَن يَراني ، وأوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ ، وهُوَ مَعي فِي السَّماءِ الأَعلى ، وهُوَ الفاروقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ (3) .
عنه صلى الله عليه و آله :سَتَكونُ بَعدي فِتنَةٌ ، فَإِذا كانَ ذلِكَ فَالزَموا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّهُ أوَّلُ مَن يَراني ، وأوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ ، وهُوَ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وهُوَ فاروقُ هذِهِ الاُمَّةِ ؛ يَفرُقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ ، وهُوَ يَعسوبُ المُؤمِنينَ (4) .
عنه صلى الله عليه و آله_ في عَلِيٍّ عليه السلام _: هذا أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وأوَّلُ مَن صَدَّقَني ، وهُوَ الصِّدّيق
.
ص: 505
الأَكبَرُ ، وهُوَ الفاروقُ الأَكبَرُ الَّذي يَفرُقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ اُمَّةٍ صِدّيقٌ وفاروقٌ ، وصِدّيقُ هذِهِ الاُمَّةِ وفاروقُها عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ (2) .
الأمالي للصدوق عن أبي سخيلة :أتَيتُ أبا ذَرٍّ فَقُلتُ : يا أبا ذَرٍّ ، إنّي قَد رَأَيتُ اختِلافا ، فَبِماذا تَأمُرُني ؟ قالَ : عَلَيكَ بِهاتَينِ الخَصلَتَينِ : كِتابِ اللّهِ ، وَالشَّيخِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : هذا أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وأوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ ، وهُوَ الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وهُوَ الفاروقُ الَّذي يَفرُقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ (3) .
شرح نهج البلاغة عن أبي رافع :أتَيتُ أبا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ (4) اُوَدِّعُهُ ، فَلَمّا أرَدتُ الاِنصِرافَ قالَ لي ولِاُناسٍ مَعي : سَتَكونُ فِتنَةٌ فَاتَّقُوا اللّهَ ، وعَلَيكُم بِالشَّيخِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَاتَّبِعوهُ ؛ فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لَهُ : أنتَ أوَّلُ مَن آمَنَ بي ، وأوَّلُ مِن يُصافِحُني يَومَ القِيامَةِ ، وأنتَالصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وأنتَ الفاروقُ الَّذي يَفرُقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ ، وأنتَ يعَسوبُ المُؤمِنينَ وَالمالُ يَعسوبُ الكافِرينَ ، وأنتَ أخي ووَزيري وخَيرُ مَن أترُكُ بَعدي ، تَقضي دَيني ، وتُنجِزُ مَوعِدي (5) .
.
ص: 506
كمال الدين عن عبد الرحمن بن سمرة :قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أرشِدني إلَى النَّجاةِ ، فَقالَ : يَا بنَ سَمُرَةَ ، إذَا اختَلَفَتِ الأَهواءُ ، وتَفَرَّقَتِ الآراءُ ، فَعَلَيكَ بِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّهُ إمامُ اُمَّتي ، وخَليفَتي عَلَيهِم مِن بَعدي ، وهُوَ الفاروقُ الَّذي يُمَيَّزُ بِهِ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ ، مَن سَأَلَهُ أجابَهُ ، ومَنِ استَرشَدَهُ أرشَدَهُ ، ومَن طَلَبَ الحَقَّ عِندَهُ وَجَدَهُ ، ومَنِ التَمَسَ الهُدى لَدَيهِ صادَفَهُ (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا الفاروقُ الأَكبَرُ ، وأنَا الإِمامُ لِمَن بَعدي ، وَالمُؤَدّي عَمَّن كانَ قَبلي (2) .
عنه عليه السلام :أنَا فاروقُ الاُمَّةِ ، وأنَا الهادي (3) .
9 / 4عَلِيٌّ مُبَيِّنٌ مَا اختَلَفَت فيهِ الاُمَّةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ تُبَيِّنُ لِاُمَّتي مَا اختَلَفوا فيهِ مِن بَعدي (4) .
عنه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ مُبَيِّنٌ لِاُمَّتي مَا اختَلَفوا فيهِ مِن بَعدي (5) .
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: أنتَ تُغَسِّلُني ، وتُواريني في لَحدي ، وتُبَيِّنُ لَهُم بَعدي (6) .
تاريخ دمشق عن أنس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا أنَسُ ، اُسكُب لي وَضوءا ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى
.
ص: 507
رَكعَتَينِ ، ثُمَّ قالَ : يا أنَسُ ، أوَّلُ مَن يَدخُلُ عَلَيكَ مِن هذا البابِ أميرُ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدُ المُسلِمينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وخاتِمُ الوَصِيّينَ . قالَ أنَسٌ : قُلتُ : اللّهُمَّ اجعَلهُ رَجُلاً مِنَ الأَنصارِ ، وكَتَمتُهُ . إذ جاءَ عَلِيٌّ ، فَقالَ : مَن هذا يا أنَسُ ؟ فَقُلتُ : عَلِيٌّ ، فَقامَ مُستَبشِرا ، فَاعتَنَقَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ يَمسَحُ عَن وَجهِهِ بِوَجهِهِ ، ويَمسَحُ عَرَقَ عَلِيٍّ بِوَجهِهِ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، لَقَد رَأَيتُكَ صَنَعتَ شَيئا ما صَنَعتَ بي قَبلُ ! قالَ : وما يَمنَعُني ؛ وأنتَ تُؤَدّي عَنّي ، وتُسمِعُهُم صَوتي ، وتُبَيِّنُ لَهُم مَا اختَلَفوا فيهِ بَعدي ؟ (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، أنتَ الَّذي تُبَيِّنُ لاُِمَّتي ما يَختَلِفونَ فيهِ بَعدي ، وتَقومُ فيهِم مَقامي ، قَولُكَ قَولي ، وأمرُكَ أمري ، وطاعَتُكَ طاعَتي ؛ وطاعَتي طاعَةُ اللّهِ ، ومَعصِيَتُكَ مَعصِيَتي ؛ ومَعصِيَتي مَعصِيَةُ اللّهِ عزّوجلّ (2) .
الإمام الحسن عليه السلام :أرسَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَى الأَنصارِ فَأَتَوهُ ، فَقالَ لَهُم : يا مَعشَرَ الأَنصارِ ، أ لا أدُلُّكُم عَلى ما إن تَمَسَّكتُم بِهِ لَن تَضِلّوا بَعدَهُ ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ : هذا عَلِيٌّ فَأَحِبّوهُ بِحُبّي ، وكَرِّموهُ لِكَرامَتي ؛ فَإِنَّ جِبريلَ أمَرَني بِالَّذي قُلتُ لَكُم عنَِ اللّهِ عزّوجلّ (3) .
.
ص: 508
الإرشاد عن أنس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ لِعَلِيٍّ عليه السلام _ : أنتَ مِنّي وأنَا مِنكَ ، تُؤَدّي عَنّي ، وتَفي بِذِمَّتي ، وتُغَسِّلُني ، وتُواريني في لَحدي ، وتُسمِعُ النّاسَ عَنّي ، وتُبَيِّنُ لَهُم مِن بَعدي . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يا رَسولَ اللّهِ ، أوَما بَلَّغتَ ؟ قالَ : بَلى ، ولكِن تُبَيِّنُ لَهُم ما يَختَلِفونَ فيهِ مِن بَعدي (1) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :عَلِيٌّ بابُ عِلمي ، ومُبَيِّنٌ لِاُمَّتي ما اُرسِلتُ بِهِ مِن بَعدي ، حُبُّهُ إيمانٌ ، وبُغضُهُ نِفاقٌ ، وَالنُّظَرُ إلَيهِ رَأفَةٌ ، ومَوَدَّتُهُ عِبادَةٌ (2) .
عنه صلى الله عليه و آله :إذَا اختَلَفتُم في شَيءٍ فَكونوا مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (3) .
9 / 5النَّوادِرُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا أيُّهَا النّاسُ ! عَلَيكُم أنفُسَكُم ، لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم وعَلِيٌّ نَفسي وأخي ، أطيعوا عَلِيّا فَإِنَّهُ مُطَهَّرٌ مَعصومٌ ، لا يَضِلّ ولا يَشقى (4) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّمَا الطّاعَةُ للّهِِ ولِرَسولِهِ ولِوُلاةِ الأَمرِ . وإنَّما أمَرَ اللّهُ عزّ وجلّ بِطاعَةِ الرَّسولِ ؛ لِأَنَّهُ مَعصومٌ مُطَهَّرٌ ، لا يَأمُرُ بِمَعصِيَتِهِ . وإنَّما أمَرَ بِطاعَةِ اُولِي الأَمرِ ؛ لِأَنَّهُم مَعصومونَ مُطَهَّرونَ ، لا يَأمُرونَ بِمَعصِيَتِهِ (5) .
.
ص: 509
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أنَا وعَلِيٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ وتِسعَةٌ مِن وُلدِ الحُسَينِ مُطَهَّرونَ مَعصومونَ (1) .
عنه صلى الله عليه و آله :الأَئِمَّةُ بَعدي اثنا عَشَرَ ، أوَّلُهُم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . . . اُمَناءُ مَعصومونَ (2) .
تعليقإنّ ما ذكرناه في هذا البحث تحت عنوان «أحاديث العصمة» يمثّل قسما من الأدلّة على عصمة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . ووردت في ثنايا كتابنا أدلّة اُخرى ضمن عناوين متنوّعة ؛ كأحاديث الهداية وغيرها . كما استعرضنا في كتاب «أهل البيت في الكتاب والسنّة» أدلّة أهمّ منها ؛ من جملتها : آية التطهير ، التي تدلّ بوضوح على طهارة ونزاهة أهل البيت عليهم السلام_ ومنهم الإمام عليّ عليه السلام _ من كلّ رجس . كما تحدّثنا عن حديث الثقلين الوارد عن النبيّ صلى الله عليه و آله في غير موطن بألفاظ متنوّعة ومضمون واحد ، ومنها أنّه قال : إنّي تارِكٌ فيكُم ما إن تَمَسَّكتُم بِهِ لَن تَضِلّوا بَعدي ، أحَدُهُما أعظَمُ مِنَ الآخَرِ : كِتابُ اللّهِ حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّماءِ إلَى الأَرضِ ، وعِترَتي أهلُ بَيتي . ولَن يَتَفَرَّقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ، فَانظُروا كَيفَ تَخلُفوني فيهِما (3) . فحديث الثقلين آية على عصمة أهل البيت عليهم السلام علميّا وعمليّا ؛ إذ إنّه يجعل التمسّك بهم عصمة من الضلال ، ولن يتحقّق هذا إلّا بأن يكونوا مهديّين مَصُونين من الخطأ والضلال ، ومحال أن يهدي إلى الهدى من هو غير مصون من الخطأ في العلم والعمل .
.
ص: 510
وبعبارة اُخرى ، إنّ من يجعله اللّه هاديا للاُمّة ومطهّرا من الرجس ، ويتعاهده رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ظلّ تربيته وتعليمه منذ البداية ، وينقل إليه علومه ، ويجعله وارثا للعلوم الإلهيّة ، ويثني عليه بعناوين مختلفة منها : «إن أخَدتُم بِهِ لَن تَضِلّوا» ، و«عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ وَالقُرآنُ مَعَ عَلِيٍّ» ، و«عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَهُ» ، و«هذا الصِّدّيقُ الأَكبَرُ ، وهذا فاروقُ الاُمَّةِ ، يُفَرِّقُ بَينَ الحَقِّ وَالباطِلِ» ، و«أنتَ تُبَيِّنُ لِاُمَّتي ما اختَلَفوا فيهِ بَعدي» . . . لا يمكن قطعا أن يكون مجتهدا ربّما يصيب وربّما يُخطئ ! بل إن له روحا مطهّرة وقلبا مستنيرا بالهداية الربّانيّة ، ولن يخطو في طريق الضلال أبدا . إنّه شريك القرآن ، وحليف الحقّ ، وسيرته «فاروق» ، وتفسيره للدين حجّة قاطعة .
.
ص: 511
الفصل العاشر : حديث الغدير10 / 1واقِعَةُ الغَديرِ«يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَ_فِرِينَ» (1) .
الغدير :أجمَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الخُروجَ إلَى الحَجِّ في سَنَةِ عَشرٍ مِن مُهاجَرِهِ ، وأذَّنَ فِي النّاسِ بِذلِكَ ، فَقَدِمَ المَدينَةَ خَلقٌ كَثيرٌ ؛ يَأتَمّونَ بِهِ في حِجَّتِهِ تِلكَ الَّتي يُقالُ عَلَيها : حِجَّةُ الوَداعِ ، وحِجَّةُ الإِسلامِ ، وحِجَّةُ البَلاغِ ، وحِجَّةُ الكَمالِ ، وحِجَّةُ التَّمامِ ولَم يَحُجَّ غَيرَها مُنذُ هاجَرَ إلى أن تَوَفّاهُ اللّهُ . فَخَرَجَ صلى الله عليه و آله مِنَ المَدينَةِ مُغتَسِلاً مُتَدَهِّناً مُتَرَجِّلاً (2) مُتَجَرِّدا في ثَوبَينِ صُحارِيَّينِ (3) ؛ إزارٍ ورِداءٍ ، وذلِكَ يَومُ السَّبتِ لِخَمسِ لَيالٍ أو سِتٍّ بَقينَ مِن ذِي القَعدَةِ ، وأخرَجَ مَعَهُ نِساءَهُ كُلَّهُنَّ فِي الهَوادِجِ ، وسارَ مَعَهُ أهلُ بَيتِهِ ، وعامَّةُ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، ومَن
.
ص: 512
شاءَ اللّهُ مِن قَبائِلِ العَرَبِ وأفناءِ النّاسِ . وعِندَ خُروجِهِ صلى الله عليه و آله أصابَ النّاسَ بِالمَدينَةِ جُدَرِيٌّ _ بِضَمِّ الجيمِ وفَتحِ الدّالِ ، وبِفَتحِهِما _ أو حَصبَةٌ (1) مَنَعَت كَثيرا مِنَ النّاسِ مِنَ الحَجِّ مَعَهُ صلى الله عليه و آله ، ومَعَ ذلِكَ كانَ مَعَهُ جُموعٌ لا يَعلَمُها إلَا اللّهُ تَعالى ، وقَد يُقالُ : خَرَجَ مَعَهُ تِسعونَ ألفا ، ويُقالُ : مِائَةُ ألفٍ وأربَعَةَ عَشَرَ ألفا ، وقيلَ : مِائَةُ ألفٍ وعِشرونَ ألفا ، وقيلَ : مِائَةُ ألفٍ وأربَعَةٌ وعِشرونَ ألفا ، ويُقالُ : أكثَرُ مِن ذلِكَ ، وهذِهِ عِدَّةُ مَن خَرَجَ مَعَهُ . وأمَّا الَّذينَ حَجّوا مَعَهُ فَأَكثَرُ مِن ذلِكَ ؛ كَالمُقيمينَ بِمَكَّةَ ، وَالَّذينَ أتَوا مِنَ اليَمَنِ مَعَ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وأبي موسى . أصبَحَ صلى الله عليه و آله يَومَ الأَحَدِ بِمَلَلٍ (2) ، ثُمَّ راحَ فَتَعَشّى بِشَرَفِ السَّيّالَةِ (3) ، وصَلّى هُناكَ المَغرِبَ وَالعِشاءَ ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبحَ بِعِرقِ الظُّبيَةِ ، ثُمَّ نَزَلَ الرَّوحاءَ (4) ، ثُمَّ سارَ مِنَ الرَّوحاءِ فَصَلَّى العَصرَ بِالمُنْصَرَفِ (5) ، وصَلَّى المَغرِبَ وَالعِشاءَ بِالمُتَعَشّى ، وتَعَشّى بِهِ ، وصَلَّى الصُّبحَ بِالأَثايَةِ ، وأصبَحَ يَومَ الثُّلاثاءِ بِالعَرجِ (6) ، وَاحتَجَمَ بِلَحيِ جَمَلٍ ؛ وهُوَ عَقَبَةُ الجُحفَةِ ، ونَزَلَ السُّقيا (7) يَومَ الأَربَعاءِ ، وأصبَحَ بِالأَبواءِ (8) ، وصَلّى هُناكَ ،
.
ص: 513
ثُمَّ راحَ مِنَ الأَبواءِ ونَزَلَ يَومَ الجُمُعَةِ الجُحفَةَ (1) ، ومِنها إلى قُدَيدٍ (2) ، وسَبَتَ فيهِ ، وكانَ يَومَ الأَحَدِ بِعُسفانَ (3) ، ثُمَّ سارَ ، فَلَمّا كانَ بِالغَميمِ (4) اعتَرَضَ المُشاةُ فَصَفّوا صُفوفا فَشَكَوا إلَيهِ المَشيَ ، فَقالَ : اِستَعينوا بِالنَّسَلانِ ؛ مَشيٍ سَريعٍ دونَ العَدو ، فَفَعَلوا ، فَوَجَدوا لِذلِكَ راحَةً . وكانَ يَومَ الإِثنَينِ بِمَرِّ الظَّهرانِ (5) ، فَلَم يَبرَح حَتّى أمسى ، وغَرَبَت لَهُ الشَّمسُ بِسَرِفٍ (6) ، فَلَم يُصَلِّ المَغرِبَ حَتّى دَخَلَ مَكَّةَ . ولَمَّا انتَهى إلَى الثَّنِيَّتَينِ باتَ بَينَهُما ، فَدَخَلَ مَكَّةَ نَهارَ الثُّلاثاءِ . فَلَمّا قَضى مَناسِكَهُ ، وَانصَرَفَ راجِعا إلَى المَدينَةِ _ ومَعَهُ مَن كانَ مِنَ الجُموعِ المَذكوراتِ _ وَصَلَ إلى غَديرِ خُمٍّ (7) مِنَ الجُحفَةِ الَّتي تَتَشَعَّبُ فيها طُرُقُ المَدَنِيّينَ وَالمِصرِيّينَ وَالعراقِيّينَ ، وذلِكَ يَومُ الخَميسِ الثّامِنَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ ، نَزَلَ إلَيهِ جَبرَئيلُ الأَمينُ عَنِ اللّهِ بِقَولِهِ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» الآيَةَ ، وأمَرَهُ أن يُقيمَ عَلِيّا عَلَما لِلنّاسِ ، ويُبَلِّغَهُم ما نَزَلَ فيهِ مِنَ الوِلايَةِ وفَرضِ الطّاعَةِ عَلى كُلِّ أحَدٍ .
.
ص: 514
وكانَ أوائِلُ القَومِ قَريبا مِنَ الجُحفَةِ ، فَأَمَرَ رَسولُ اللّهِ أن يُرَدَّ مَن تَقَدَّمَ مِنهُم ، ويُحبَسَ مَن تَأَخَّرَ عَنهُم في ذلِكَ المَكانِ ، ونَهى عَن سَمُراتٍ (1) خَمسٍ مُتَقارِباتٍ دَوحاتٍ عِظامٍ أن لا يَنزِلَ تَحتَهُنّ أحَدٌ ، حَتّى إذا أخَذَ القَومُ مَنازِلَهُم فَقُمّ (2) ما تَحتَهُنَّ ، حَتّى إذا نودِيَ بِالصَّلاةِ _ صَلاةِ الظُّهرِ _ عَمَدَ إلَيهِنَّ ، فَصَلّى بِالنّاسِ تَحتَهُنَّ ، وكانَ يَوما هاجِرا (3) ؛ يَضَعُ الرَّجُلُ بَعضَ رِدائِهِ عَلى رَأسِهِ ، وبَعضَهُ تَحتَ قَدَمَيهِ مِن شِدَّةِ الرَّمضاءِ . وظُلِّلَ لِرَسولِ اللّهِ بِثَوبٍ عَلى شَجَرَةِ سَمُرَةٍ مِن الشَّمسِ . فَلَمَّا انصَرَفَ صلى الله عليه و آله مِن صَلاتِهِ قامَ خَطيبا وَسَطَ القَومِ ، عَلى أقتابِ الإِ بِلِ ، وأسمَعَ الجَميعَ ، رافِعا عَقيرَتَهُ ، فَقالَ : الحَمدُ للّهِِ ، ونَستَعينُهُ ونُؤمِنُ بِهِ ، ونَتَوَكَّلُ عَلَيهِ ، ونَعوذُ بِاللّهِ مِن شُرورِ أنفُسِنا ، ومِن سَيِّئاتِ أعمالِنا ، الَّذي لا هادِيَ لِمَن أضَلَّ (4) ، ولا مُضِلَّ لِمَن هَدى ، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ . أمّا بَعدُ : أيُّهَا النّاسُ قَد نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ أنَّهُ لَم يُعَمَّر نَبِيُّ إلّا مِثلَ نِصفِ عُمُرِ الَّذي قَبلَهُ ، وإنّي اُوشِكُ أن اُدعى فَأُجيبَ (5) ، وإنّي مَسؤولٌ وأنتُم مَسؤولونَ ، فَماذا أنتُم قائِلونَ ؟ قالوا : نَشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ ونَصَحتَ وجَهَدتَ ، فَجَزاكَ اللّهُ خَيرا . قالَ : أ لَستُم تَشهَدونَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، وأنَّ جَنَّتَهُ حَقٌّ ، ونارَه
.
ص: 515
حَقٌّ ، وأنَّ المَوتَ حَقٌّ ، وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وأنَّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ ! ! قالوا : بَلى نَشهَدُ بِذلِكَ. قالَ : اللّهُمَّ اشهَد . ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ أ لا تَسمَعونَ ! قالوا : نَعَم . قالَ : فَإِنّي فَرَطٌ (1) عَلَى الحَوضِ ، وأنتُم وارِدونَ عَلَيَّ الحَوضَ ، وإنَّ عَرضَهُ ما بَينَ صَنعاءَ (2) وبُصرى (3) ، فيهِ أقداحٌ عَدَدَ النُّجومِ مِن فِضَّةٍ ، فَانظُروا كَيفَ تَخلُفوني فِي الثَّقَلَينِ ! ! فَنادى مُنادٍ : ومَا الثَّقَلانِ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : الثَّقَلُ الأَكبَرُ : كِتابُ اللّهِ ، طَرَفٌ بِيَدِ اللّهِ عزّ وجلّ ، وطَرَفٌ بِأَيديكُم ؛ فَتَمَسَّكوا بِهِ لا تَضِلّوا . وَالآخَرُ الأَصغَرُ : عِترَتي . وإنَّ اللَّطيفَ الخَبيرَ نَبَّأَني أنَّهُما لَن يَتَفَرَّقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ، فَسَأَلتُ ذلِكَ لَهُما رَبّي ، فَلا تَقدَّموهُما ؛ فتَهلِكوا ، ولا تُقَصِّروا عَنهُما ؛ فَتَهلِكوا . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَرَفَعَها _ حَتّى رُؤِيَ بَياضُ آباطِهِما وعَرَفَهُ القَومُ أجمَعونَ _ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ، مَن أولَى النّاسِ بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ قالوا : اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ !قال : إنَّ اللّهَ مَولايَ ، وأنَا مَولَى المُؤمِنينَ ، وأنَا أولى بِهِم مِن أنفُسِهِم ؛ فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ _ يَقولُها ثَلاثَ مَرّاتٍ ، وفي لَفظِ أحمَدَ إمامَ الحَنابِلَةِ : أربَعَ مَرّاتٍ _ ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وأحِبَّ مَن أحَبَّهُ ، وأبغِض مَن أبغَضَهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ، وأدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيثُ دارَ . ألا فَليُبَلِّغِ الشّاهِدُ الغائِبَ. ثُمَّ لَم يَتَفَرَّقوا حَتّى نَزَلَ أمينُ وَحيِ اللّهِ بِقَولِهِ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت
.
ص: 516
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى» (1) الآيَةَ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُ أكبَرُ عَلى إكمالِ الدّينِ ، وإتمامِ النِّعمَةِ ، ورِضَا الرَّبِّ بِرِسالَتي وِالوِلايَةِ لِعَلِيٍّ مِن بَعدي . ثُمَّ طَفِقَ القَومُ يُهَنِّئونَ أميرَ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، ومِمَّن هَنَّأَهُ في مُقَدَّمِ الصِّحابَةِ : الشَّيخانِ أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، كُلٌّ يَقولُ : بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا بنَ أبي طالِبٍ ، أصبَحتَ وأمسَيتَ مَولايَ ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ . وقالَ ابنُ عَبّاسٍ : وَجَبَت وَاللّهِ في أعناقِ القَومِ . فَقالَ حَسّانٌ : اِيذَن لي يا رَسولَ اللّهِ أن أقولَ في عَلِيٍّ أبياتا تَسمَعُهُنَّ . فَقالَ : قُل عَلى بَرَكَةِ اللّهِ . فَقامَ حَسّانٌ فَقالَ : يا مَعشَرَ مَشيخَةِ قُرَيشٍ ! اُتبِعُها قَولي بِشَهادَةٍ مِن رَسولِ اللّهِ فِي الوِلايَةِ ماضِيَةٍ ، ثُمَّ قالَ : يُناديهُم يَومَ الغَديرِ نَبِيُّهُم بِخُمٍّ فَأَسمِع بِالرَّسولِ مُنادِيا هذا مُجمَلُ القَولِ في واقِعَةِ الغَديرِ ، وسَيُوافيكَ تَفصيلُ ألفاظِها ، وقَد أصفَقَتِ الاُمَّةُ عَلى هذا ، ولَيسَت فِي العالَمِ كُلِّهِ _ وعَلى مُستَوَى البَسيطِ _ واقِعَةٌ إسلامِيَّةٌ غَديرِيَّةٌ غَيرُها ، ولَو اُطلِقَ يَومُهُ فَلا يَنصَرِفُ إلّا إلَيهِ ، وإن قيل مَحَلُّهُ ، فَهُوَ هذَا المَحَلُّ المَعروفُ عَلى أمَمٍ (2) مِنَ الجُحفَةِ ، ولَم يَعرِف أحَدٌ مِنَ البَحّاثَةِ والمُنَقِّبينَ سِواهُ (3) .
تاريخ دمشق عن أبي سعيد الخدري :نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (4) .
.
ص: 517
الإمام الحسين عليه السلام :لَمَّا انصَرَفَ رسَولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن حِجَّةِ الوِداعِ ، نَزَلَ أرضا يُقالُ لَها : ضَوجانُ (1) ، فَنَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» . فَلَمّا نَزَلَت عِصمَتُهُ مِنَ النّاسِ نادى : الصَّلاةَ جامِعَةً ، فَاجتَمَعَ النّاسُ إلَيهِ ، وقالَ عليه السلام : مَن أولى مِنكُم بِأَنفُسِكُم ؟ فَضَجّوا بِأَجمَعِهِم وقالوا : اللّهُ ورَسولُهُ . فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ؛ فَإِنَّهُ مِنّي ، وأنَا مِنهُ ، وهُوَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي . وكانَت آخِرُ فَريضَةٍ فَرَضَهَا اللّهُ تَعالى عَلى اُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ أنزَلَ اللّهُ تَعالى عَلى نَبِيِّهِ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (2) .
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» _: هِيَ الوِلايَةُ (3) .
عنه عليه السلام :حَجَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ المَدينَةِ _ وقَد بَلَّغَ جمَيعَ الشَّرائِعِ قَومَهُ ، غَيرَ الحَجِّ وَالوِلايَةِ _ فَأَتاهُ جَبرَئيلُ عليه السلام ، فَقالَ لَهُ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ جَلَّ اسمُهُ يُقرِئُكَ السَّلامَ ، ويَقولُ لَكَ : إنّي لَم أقبِض نَبِيّا مِن أنبِيائي ولا رَسولاً مِن رُسُلي إلّا بَعدَ إكمال
.
ص: 518
ديني ، وتَأكيدِ حُجَّتي ، وقَد بَقِيَ عَلَيكَ مِن ذاكَ فرَيضَتانِ مِمّا تَحتاجُ أن تُبَلِّغَهُما قَومَكَ : فَريضَةُ الحَجِّ ، وفَريضَةُ الوِلايَةِ وَالخِلافَةِ مِن بَعدِكَ ؛ فَإِنّي لَم اُخلِ أرضي مِن حُجَّةٍ ، ولَن اُخلِيَها أبَدا . فَإِنَّ اللّهَ _ جَلَّ ثَناؤُهُ _ يَأمُرُكَ أن تُبَلِّغَ قَومَكَ الحَجَّ ، وتَحُجَّ ، ويَحُجَّ مَعَكَ مَنِ استَطاعَ إلَيهِ سَبيلاً مِن أهلِ الحَضَرِ وَالأَطرافِ وَالأَعرابِ ، وتُعَلِّمَهُم مِن مَعالِمِ حَجِّهِم مِثلَ ما عَلَّمتَهُم مِن صَلاتِهِم وزَكاتِهِم وصِيامِهِم ، وتوقِفَهُم مِن ذلِكَ عَلى مِثالِ الَّذي أوقَفتَهُم عَلَيهِ مِن جَميعِ ما بَلَّغتَهُم مِنَ الشَّرائِعِ . فَنادى مُنادي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي النّاسِ : ألا إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُريدُ الحَجَّ ، وأن يُعَلِّمَكُم مِن ذلِكَ مِثلَ الَّذي عَلَّمَكُم مِن شَرائِعِ دينِكُم ، ويوقِفَكُم مِن ذلِكَ عَلى ما أوقَفَكُم عَلَيهِ مِن غَيرِهِ . فَخَرَجَ صلى الله عليه و آله ، وخَرَجَ مَعَهُ النّاسُ ، وأصغَوا إلَيهِ ؛ لِيَنظُروا ما يَصنَعُ فَيَصنَعوا مِثلَهُ . فَحَجَّ بِهِم ، وبَلَغَ مَن حَجَّ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ مِن أهلِ المَدينَةِ وأهلِ الأَطرافِ وَالأَعرابِ _ سَبعينَ ألفَ إنسانٍ ، أو يَزيدونَ ، عَلى نَحوِ عَدَدِ أصحابِ موسَى السَّبعينَ ألفا . . . فَلَمّا وَقَفَ بِالمَوقِفِ أتاهُ جَبرَئيلُ عليه السلام عَنِ اللّهِ عزّوجلّ ، فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ عزّوجلّ يُقرِئُكَ السَّلامَ ويَقولُ لَكَ : إنَّهُ قَد دَنا أجَلُكَ ومُدَّتُكَ ، وأنَا مُستَقدِمُكَ عَلى ما لابُدَّ مِنهُ ولا عَنهُ مَحيصٌ ، فَاعهَد عَهدَكَ ، وقَدِّمَ وَصِيَّتَكَ ، وَاعمِد إلى ما عِندَكَ ؛ مِنَ العِلمِ ، وميراثِ عُلومِ الأَنبِياءِ مِن قَبلِكَ ، وَالسِّلاحِ ، وَالتّابوتِ ، وجَميعِ ما عِندَكَ مِن آياتِ الأَنبِياءِ ، فَسَلِّمهُ إلى وَصِيِّكَ وخَليفَتِكَ مِن بَعدِكَ ؛ حُجَّتِي البالِغةِ عَلى خَلقي ؛ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَأَقِمهُ لَلنّاسِ عَلَما ، وجَدِّد عَهدَهُ وميثاقَهُ وبَيعَتَهُ ، وذَكِّرهُم ما أخَذتَ عَلَيهِم مِن بَيعَتي وميثاقِي الَّذي واثَقتَهُم بِهِ ، وعَهدِي الَّذي عَهِدتَ إلَيهِم ؛ مِن وِلايَةِ وَلِيّي ومَولاهُم ومَولى كُلِّ مَؤمِنٍ ومَؤمِنَةٍ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنّي لَم أقبِض نَبِيّا مِنَ الأَنبِياءِ إلّا مِن بَعدِ إكمالِ ديني وحُجَّتي ، وإتمامِ نِعمَتي ؛ بِوِلايَةِ أولِيائي ،
.
ص: 519
ومُعاداةِ أعدائي ، وذلِكَ كَمالُ تَوحيدي وديني . وإتمامُ نِعمَتي عَلى خَلقي بِاتِّباعِ وَلِيّي وطاعَتِهِ ؛ وذلِكَ أنّي لا أترُكُ أرضي بِغَيرِ وَلِيٍّ ولا قَيِّمٍ ؛ لِيَكونَ حُجَّةً لي عَلى خَلقي فَ_ «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» بِوِلايَةِ وَلِيّي ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ؛ عَلِيٍّ عَبدي ، ووَصِيِّ نَبِيّي ، وَالخَليفَةِ مِن بَعدِهِ ، وحُجَّتِي البالِغَةِ عَلى خَلقي ، مَقرونَةٌ طاعَتُهُ بِطاعَةِ مُحَمَّدٍ نَبِيّي ، ومَقرونَةٌ طاعَتُهُ مَعَ طاعَةِ مُحَمَّدٍ بِطاعَتي ، مَن أطاعَهُ فَقَد أطاعَني ، ومَن عَصاهُ فَقَد عَصاني ، جَعَلتُهُ عَلَما بَيني وبَينَ خَلقي . . . . فَلَمّا بَلَغَ غَديرَ خُمِّ _ قَبلَ الجُحفَةٍ بِثَلاثَةِ أميالٍ _ أتاهُ جَبرَئيلُ عليه السلام _ عَلى خَمسِ ساعاتٍ مَضَت مِنَ النَّهارِ _ بِالزَّجرِ وَالاِنتِهارِ ، وَالعِصمَةِ مِنَ النّاسِ ! فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ عزّوجلّ يُقرِئُكَ السَّلامَ ، ويَقولُ لَكَ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» في عَلِيٍّ ، «وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» . وكانَ أوائِلُهُم قَريبا مِنَ الجُحفَةِ ، فَأَمَرَهُ بِأَن يَرُدَّ مَن تَقَدَّمَ مِنهُم ، ويَحبِسَ منَ تَأَخَّرَ عَنهُم ، في ذلِكَ المَكانِ ؛ لِيُقيمَ عَلِيّا لِلنّاسِ عَلَما ، ويُبَلِّغَهُم ما أنزَلَ اللّهُ تَعالى في عَلِيٍّ عليه السلام ، وأخبَرَهُ بِأَنَّ اللّهَ عزّوجلّ قَد عَصَمَهُ مِن النّاسِ (1) .
عنه عليه السلام :لَمّا أنزَلَ اللّهُ عَلى نَبِيِّهِ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَ_فِرِينَ» ، _ قالَ _ : فَأَخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ، إنَّهُ لَم يَكُن نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ مِمَّن كانَ قَبلي إلّا وقَد عُمِّرَ ثُمَّ دَعاهُ اللّهُ فَأَجابَهُ ، واُوشِكُ أن اُدعى فَاُجيبَ ، وأنَا مَسؤولٌ وأنتُم مَسؤولونَ ، فَما أنتُم قائِلونَ ؟
.
ص: 520
قالوا : نَشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ ، ونَصَحتَ ، وأدَّيتَ ما عَلَيكَ ؛ فَجَزاكَ اللّهُ أفضَلَ ما جَزَى المُرسَلينَ . فَقالَ : اللّهُمَّ اشهَد . ثُمَّ قالَ : يا مَعشَرَ المُسلِمينَ ، لِيُبَلِّغِ الشّاهِدُ الغائِبَ : اُوصي مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني بِوِلايَةِ عَلِيٍّ ، ألا إنَّ وِلايَةَ عَلِيٍّ وِلايَتي، ووِلايَتي وِلايَةُ رَبّي (1) عَهدا عهَِدَهُ إلَيَّ رَبّي وأمَرَني أن اُبَلِّغَكُموهُ . ثُمَّ قالَ : هَل سَمِعتُم _ ثَلاثَ مَرّاتٍ يَقولُها _ ؟ فَقالَ قائِلٌ : قَد سَمِعنا يا رَسولَ اللّهِ (2) .
شواهد التنزيل عن زياد بن المنذر :كُنتُ عِندَ أبي جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ وهُوَ يُحَدِّثُ النّاسَ ، إذ قامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن أهلِ البَصرَةِ يُقالُ لَهُ : عُثمانُ الأَعشى _ كانَ يَروي عَنِ الحَسَنِ البَصرِيِّ _ فَقالَ لَهُ : يَا بنَ رَسولِ اللّهِ ، جَعَلَنِي اللّهُ فِداكَ ، إنَّ الحَسَنَ يُخبِرُنا أنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَت بِسَبَبِ رَجُلٍ ، ولا يُخبِرُنا مَنِ الرَّجُلُ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» ! ! فَقالَ : لَو أرادَ أن يُخبِرَ بِهِ لَأَخبَرَ بِهِ ، ولكِنَّهُ يَخافُ . إنَّ جَبرَئيلَ هَبَطَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : إنَّ اللّهَ يَأمُرُكَ أن تَدُلَّ اُمَّتَكَ عَلى صَلاتِهِم ، فَدَلَّهُم عَلَيها . ثُمَّ هَبَطَ فَقالَ : إنَّ اللّهَ يَأمُرُكَ أن تَدُلَّ اُمَّتَكَ عَلى زَكاتِهِم ، فَدَلَّهُم عَلَيها . ثُمَّ هَبَطَ فَقالَ : إنَّ اللّهَ يَأمُرُكَ أن تَدُلَّ اُمَّتَكَ عَلى صِيامِهِم ، فَدَلَّهُم . ثُمَّ هَبَطَ فَقالَ : إنَّ اللّهَ يَأمُرُكَ أن تَدُلَّ اُمَّتَكَ عَلى حَجِّهِم ، فَفَعَلَ . ثُمَّ هَبَطَ فَقالَ : إنَّ اللّهَ يَأمُرُكَ أن تَدُلَّ اُمَّتَكَ عَلى وَلِيِّهِم _ عَلى مِثلِ ما دَلَلتَهُم عَلَيهِ ؛ مِن صَلاتِهِم ، وزَكاتِهِم ، وصِيامِهِم ، وحَجِّهِم _ لِيُلزِمَهُمُ الحُجَّةَ في جَميعِ ذلِكَ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ : يا رَبِّ ، إنَّ قَومي قَريبو عَهدٍ بِالجاهِلِيَّةِ ، وفيهِم تَنافُسٌ وفَخرٌ ، وما مِنهُم
.
ص: 521
رَجُلٌ إلّا وقَد وَتَرَهُ وَلِيُّهُم ، وإنّي أخافُ ! ! فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالى : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» ؛ يُريدُ فَما بَلَّغتَها تامَّةً ، «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» . فَلَمّا ضَمِنَ اللّهُ لَهُ بِالعِصمَةِ (1) وخَوَّفَهُ أخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، ثُمَّ قالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ، مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ، وأحِبَّ مَن أحَبَّهُ ، وأبغِض مَن أبغَضَهُ . قالَ زِيادٌ : فقالَ عُثمانُ : مَا انصَرَفتُ إلى بَلَدي بِشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ مِن هذَا الحَديثِ (2) .
الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا نَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في حِجَّةِ الوَداعِ بِإِعلانِ أمرِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» إلى آخِرِ الآيَةِ _ قالَ : _ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ثَلاثا حَتّى أتَى الجُحفَةَ ، فَلَم يَأخُذ بِيَدِهِ ؛ فَرَقا (3) مِنَ النّاسِ . فَلَمّا نَزَلَ الجُحفَةَ يَومَ الغَديرِ في مَكانٍ يُقالُ لَهُ : مَهيَعَةُ ، فنادى (4) : الصَّلاةَ جامِعَةً ، فَاجتَمَعَ النّاسُ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : مَن أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم ؟ قالَ : فَجَهَروا فَقالوا : اللّهُ ورَسولُهُ . ثُمَّ قالَ لَهُمُ الثّانِيَةَ ، فَقالوا : اللّهُ ورَسولُهُ . ثُمَّ قالَ لَهُمُ الثّالِثَةَ ، فَقالوا : اللّهُ ورَسولُهُ . فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٍّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ؛ فَإِنَّهُ مِنّي ، وأنَا مِنهُ ، وهُوَ مِنّي بِمَنزِلَة
.
ص: 522
هارونَ مِن موسى ، إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي (1) .
مشكل الآثار عن عمر بن عليّ عن الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حَضَرَ الشَّجَرَةَ بِخُمٍّ ، فَخَرَجَ آخِذا بِيَدِ عَلِيٍّ ، فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ، أ لَستُم تَشهَدونَ أنَّ اللّهَ رَبُّكُم ؟ !قالوا : بَلى . قالَ : أ لَستُم تَشهَدونَ أنَّ اللّهَ ورَسولَهُ أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم ، وأنَّ اللّهَ ورَسولَهُ مَولاكُم ؟ ! ! قالوا : بَلى . قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . إنّي قَد تَرَكتُ فيكُم ما إن أخَذتُم لَن تَضِلّوا بَعدي ؛ كِتابَ اللّهِ بِأَيديكُم ، وأهلَ بَيتي (2) .
إثبات الوصيّة :لَمّا صارَ [ صلى الله عليه و آله ] بِوادي خُمٍّ نَزَلَ عَلَيهِ الوَحيُ في أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام آيَةُ العِصمَةِ مِنَ النّاسِ ، وقَد كانَ الأَمرُ قَبلَ ذلِكَ يَأتيهِ فَيَتَوَقَّفُ ؛ اِنتِظارا لِقَولِ اللّهِ عزّوجلّ : «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» . فَلَمّا نَزَلَت قامَ خَطيبا ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ كَثيرا ، ثُمَّ نَصَبَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام عَلَما وقَيِّما مَقامَهُ بَعدَهُ . وكانَ مِن حَديثِ غَديرِ خُمٍّ ما رَواهُ النّاسُ ، ثُمَّ انصَرَفَ في آخِرِ ذِي الحِجَّةِ (3) .
بشارة المصطفى عن ابن عبّاس_ في قَولِهِ عزّوجلّ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَ_فِرِينَ» _: نَزَلَت في عَلِيٍّ عليه السلام ؛ اُمِرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يُبَلِّغَ فيهِ ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ (4) .
.
ص: 523
تفسير العيّاشي عن ابن عبّاس وجابر بن عبد اللّه :أمَرَ اللّهُ تَعالى نَبِيَّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله أن يَنصِبَ عَلِيّا عليه السلام عَلَما لِلنّاسِ ؛ لِيُخبِرَهُم بِوِلايَتِهِ . فَتَخَوَّفَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن يَقولوا : حامَى ابنَ عَمِّهِ ، وأن يَطغَوا في ذلِكَ عَلَيهِ . فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» ، فَقامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِوِلايَتِهِ يَومَ غَديرِ خُمٍّ (1) .
تفسير الفخر الرازي_ في ذَيلِ قَولِهِ تَعالى : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ . . .» _: ذَكَرَ المُفَسِّرونَ في سَبَبِ نُزولِ الآيَةِ وُجوها : . . . العاشِرُ : نَزَلَتِ الآيَةُ في فَضلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ولَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ أخَذَ [ صلى الله عليه و آله ] بِيَدِهِ وقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ . فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقالَ : هَنيئا لَكَ يَا بنَ أبي طالِبٍ ؛ أصبَحتَ مَولايَ ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ . وهُوَ قَولُ ابنِ عَبّاسٍ ، وَالبَراءِ بنِ عازبٍ ، ومَحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ (2) .
.
ص: 524
بحث حول آية التبليغ «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَ_فِرِينَ» (1) . قصد رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحجّ في العام العاشر من الهجرة . وقبل أن ينطلق تلقاء «الحرم الإلهي» أمر النبيّ صلى الله عليه و آله أن يُخبروا الجميعَ بعزمه على الحجّ ، فتطلّع المسلمون إلى البيت العتيق واجتمعوا للحجّ من كلّ فجّ عميق ، فاحتشد منهم جمع عظيم . خطب النبيّ الأقدس صلى الله عليه و آله الناس مرّات في ذلك الموسم المهيب ، ثمّ راح في خطبته الطويلة يوم «عرفة» يهاجم آخر بقايا الثقافة الجاهليّة ، وَيَلقي بما تبقّى من معاييرها في قاعٍ سحيق ، وهو يدعو الناس إلى الثبات على الحقّ ، وبناء حياتهم وفق المعايير الإلهيّة وقِيَم السماء . كما أهاب بهم التمسّك بكتاب اللّه وسنّة العترة النبويّة المطهّرة . في ذلك السفر عاد النبيّ صلى الله عليه و آله يؤكّد ما سبق أن أعلنه للاُمّة في ذلك العام بالكناية والتلميح تارة ، وبصراحة ووضوح تارة اُخرى ، من أنّ هذه السنة التي يُمضيها بينهم هي آخر سنيّ عمره الشريف . لهب متأجّج راح يسكن النفوس ، ولوعة متفجّعة راحت تتدافع في الصدور لهذا
.
ص: 525
النبأ المرتقب ، حملت المسلمين على موج من التطلّع والشوق لنبيّهم ، والى أن يستفيدوا ويتعلّموا ويزدادوا من معلّمهم العظيم ما واتتهم الفرصة المتبقّية لذلك . والنبيّ أيضاً هاجت به أشواقه ، وفاضَ به حماسه الطهور لهذا الحضور المتألّق بين أفواج المسلمين في هذا الموكب المهيب ، وبانتظار تبليغ كلمة هي آخر كلمات السماء وأهمّها على الإطلاق ، وإيصال رسالة هي الأكمل والأخطر . حماس عارم من الاُمّة ، وترقّب نبويّ يشوبه التوجّس لنبأ عظيم حانت لحظته أو كادت . هذا هو المشهد الذي انتهت إليه حَجَّة الوداع . المسلمون يعودون بعد انتهاء الموسم ، يسلك كلّ فريق السبيل الذي يؤدّي به إلى أهله وسكناه ، لكن في وادي غدير خمّ ، وقبل أن تفترق بهم الطريق إذا صوت السماء يقرع فؤاد النبيّ ، وإذا الوحي يأتيه من فوره ، ملقياً عليه الأمر بجزم : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» . التأمّل في سياق الآية وما فيها من شدّة وتصميم على الإبلاغ ، وما تنطوي عليه من تحذير جادّ ، كلّ ذلك لا يدع مجالاً للشكّ بأنّ الرسالة هي من الخطورة بمكان ، وإنّ عمليّة الإبلاغ تقترن بالتوجّس نظراً لمحتوى الرسالة وملابسات الموقف . فيا تُرى ، ما هو الأمر الذي يتحتّم على النبيّ صلى الله عليه و آله أن يبادر إلى إبلاغه ؟ وما هي الرسالة التي يبعث إبلاغها في نفس النبيّ صلى الله عليه و آله كلّ هذه الخشية والتوجّس ، وهو الصلب الذي تحمّل ما تحمّل في سبيل تبليغ كلمات اللّه ورسالاته ولم يبالِ ، وذو العزم الراسخ في سبيل إعلان الحقّ وتوسيع مداه ، وهو الطود الشامخ الذي واجه الشرك وحده ؟ أطبقت كلمة أعلام الشيعة محدّثين ومفسّرين ومؤرّخين ومتكلّمين _ ودون أدنى شائبة تردّد _ أنّ الآية مرتبطة بواقعة يوم «الغدير» ، وأنّ محتوى الرسالة وفحواها هو «الولاية» و«الإمامة العلويّة» .
.
ص: 526
ومن ثَمّ ذهبوا إلى أنّ الآية المباركة نزلت في الثامن عشر من ذي الحجّة عام 10 ه لتؤكّد _ والمسلمون محتشدون من كلّ حدب وصوب _ على «الولاية العلويّه» للمرّة الأخيرة ، في ظلّ أجواء أخّاذه مؤثّره تستعصي على النسيان . أمّا علماء أهل السنّة فقد تفرّقت بهم السبل ، فلم تتّفق كلمتهم بشأن زمن نزول الآية ، كما لم يتوحّدهم رأي بشأْن محتوى الأمر الذي يتحتّم على النبيّ إبلاغه . لقد رصد فخر الدين الرازي أغلب هذه الآراء ، وأنهاها إلى عشرة أقوال ، يتّفق القول الأخير منها مع رؤية الشيعة . لكن من اليسير أن نلحظ عدم استقامة ما ذكره ، وإن يبدو وجود مؤيّدات أحياناً في كلمات الصحابة أو التابعين ذكرها غير الفخر الرازي في كتبهم . وقبل أن نطلّ على بعض الرؤى التي اكتنفت الآية ، من الجدير أن نتناول مفهومها بشيء من البحث والتحليل ، عبر النقاط الآتية : 1 _ قوله سبحانه : «بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» . تنصّ الجملة إلى أنّ المعنيّ بالخطاب هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفيها دلالة على أنّ محتوى الرسالة يرتبط به أكثر ، وقد اُمر بالإبلاغ ، لكن ثَمّ حالة من التوجّس والخيفة تمنعه من الإجهار . ولقد ذكر هذه الحقيقة جميع رواة الشيعة ، وأيّدتها بعض روايات العامّة (1) . 2 _ قوله : «وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» . تحتشد في هذا الجزء من الآية دِلالات تفيد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان عند نزول الآية قد انتهى من تبليغ الرسالة ، ووفى بحقّ هذا الدين ، وأنّ هذا النبيّ حمل إلى الناس كلمات اللّه وهدي السماء وتعاليمها ، ثم هو الآن في مواجهة «أمر» بلغ من عظيم شأنه وجلال خطره ، أنّه إذا لم يُعلنه تصير «الرسالة» بأتمّها عرضة للضياع ،
.
ص: 527
حتى لكأنّه ما بلّغ من «الرسالة» شيئاً . هذا بدوره يُثبت صحّة الروايات التي ذهبت إلى أنّ نزول الآية جاءَ في سياق سورة «المائدة» ، ومن جملة آخر الآيات المدنيّة ، لا أنّها مستثناة منها ، وأنّها نزلت في مكّة ! 3 _ قوله : «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ» . ما الذي يخشاه النبيّ ؟ القتل ؟ ! الأذى والتعذيب ؟ ! أم اهتياج المشركين واليهود وتفجّر سخطهم ؟ ! هذه سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله تفصح بأنّ هذا العظيم لم يعرف الخوف إلى قلبه طريقاً قط عندما يتعلّق الأمر به . ثمّ اسمعوا وحي السماء ؛ لتروا كيف تصف صلابة رُسُل اللّه ، وشموخ حمله الرسالات وثباتهم : «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَ__لَ_تِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَ لَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَا اللَّهَ وَ كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا » (1) ! أوَ بعد هذا ، يجوز أن يُنعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالخوف من البطش والأذى ، أو الرهبة مِن القتل والتعذيب ، وهو أفضل الرسل الكرام ، وخاتم النبيّين ، والحلقة الأخيرة في موكب حملة الحقّ ورسالات السماء ! هي إذاً خشيةٌ ، بيد أنّها من «لون» آخر ، فما كان يخشاه النبيّ هو أن لا يؤتي «البلاغ» ثماره المرجوّه ، وما كان يبعث على توجّسه هو طبيعة الجوّ الذي يمنع من نفاذ كلمة الحقّ ، ويردع عن أن يؤتي «البلاغ» آثاره المطلوبة . هذا ما كان يخشاه النبيّ ويبعث في نفسه التوجّس لاغير . 4 _ قوله : «مِنَ النَّاسِ» . «الناس» هو لفظ مطلق بلا شكّ ، والنصّ يتضمّن حفظ اللّه سبحانه وحراسته
.
ص: 528
للنبيّ صلى الله عليه و آله ؛ حفظه من أحابيل اُولئك الذين ستنطلق جهودهم وهي تهدف الحؤول دون وصول «البلاغ» الى الناس ، ومِن ثمَّ إفشال مهمّته . فعلى هذا يتّضح أنّ المراد من «الكفر» في قوله : «الْقَوْمِ الْكَ_فِرِينَ» هو الكفر ببعض الآيات الربّانيّة ، والمقصود من «عدم الهداية» في قوله سبحانه : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى» هو عدم نجاح خديعة هؤلاء ، وفشل ما أبرموه للنَّيل من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في إبلاغ «ما اُنزل» . وإلّا لو كان المراد من «عدم الهداية» عدم الهداية إلى الإيمان ، لتعارض ذلك مع أصل التبليغ ومهمّة الإبلاغ ، ولم يتّسق مع فلسفة الدعوة والهداية بالأساس ، حتى لكأنّ اللّه سبحانه يقول : ادعو هؤلاء الى حكم اللّه ، بيد أنّني لن أهديهم ! وهكذا يتّضح _ بلا أدنى شائبة _ أنّ المراد في مدلول هذا الجزء من الآية أنّ جهود هؤلاء في إطفاء هذا النور ستصاب بالخيبة ، وستبوء جهودهم للطعن بالنبيّ بالضلالة والخسران ، وتذهب مساعيهم لإفشال هذا «البلاغ» أدراجَ الرياح ، ولن يحصدوا من رمي النبيّ صلى الله عليه و آله بتهمة الانحياز إلى بيته وقرابته القريبة إلاّ الذلّة والصغار . فالمقصود إذاً : ستسقط كلّ اُمنيات هؤلاء للحؤول دون الإجهار بهذا البلاغ ، وتصير كهشيم تذروه ريح عاتية . تحوي هذه الآية من النقاط والعظات المضيئة أكثر بكثير ممّا سطّرته هذه الكلمات . لكن مع ذلك فإنّ ما أوردناه في نقل الرؤى يهدف إلى تشييد معالم المشهد التاريخي للواقعة ، وتجسيد أجواء النزول ، أكثر ممّا يهدف إلى تبيين معنى الآية . أمّا الآن فنمرّ على بعض الأقوال في الآية من خلال المحورين التاليين : 1 _ نزول الآية أوّل البعثة ، والخشية من إبلاغ الدين !
.
ص: 529
يبدو أنّ أوّل من ذهب الى ذلك _ وان لم يقطع به _ هو محمّد بن إدريس الشافعي ، فعلى أساس ما ذكره ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بعد أن أتاه الوحي ونزلت عليه : «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ» ، كبر ذلك عليه ، وخاف التكذيب وأن يُتناول من قبل المشركين ، فنزل عليه «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» ، وقد كان ذلك عصمة له من قِبَل اللّه سبحانه كي يمضي على تبليغ ما اُمر به بثبات ودون خوف (1) . على أساس هذه الرؤية روي عن الحسن البصري قوله : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «لَمّا بَعَثَنِيَ اللّهُ تَعالى بِرِسالَتِهِ ضِقتُ بِها ذَرعَاً ، وَعَرَفتُ أنَّ مِنَ النّاسِ مَن يُكَذِّبُني» (2) فأمسك عن الدعوة حتى نزلت عليه الآية . ذكرنا فيما سلف أنّ سورة المائدة هي من بين آخر السور التي نزلت على النبيّ صلى الله عليه و آله إن لم تكن آخرها (3) . فما الذي كان يريده اللّه سبحانه من قوله : «بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ» ، ولم ينزل على النبيّ صلى الله عليه و آله شيء بعدُ ؟ وما الذي كان يخشاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويمنعه عن الإبلاغ ولمّا يواجهِ المشركون بعدُ آيةً أو آيات من تلك التي تقضّ مضاجعهم ، وتبعث فيهم النقمة والاهتياج ! إنّ هذا الذي يزعمونه لا يليق بمُبلِّغ عاديّ ، وهو ليس خليق بإنسان متوسّط الحال لايزال في أوّل الطريق ، أفيجوز على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وذلك القلب المجدول إلى السماء ، الموصول باللّه أبداً ؟ وهل يتّسق مع خطاه الراسخة وتلك الارادة الصلبة التي لا تعرف الوهن ! أمّا ما ذكروه من أنّ الباعث على نزول الآية هو ما كان من حراسة أبي طالب عمّ النبيّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ إذ بنزول الآية طلب النبيّ إليه أن يكفّ عن الحراسة بعد أن
.
ص: 530
وعد اللّه سبحانه بعصمته وحمايته (1) ؛ فإنّ فيه بالإضافة إلى ما تمّت الإشارة إليه في نقد الرؤية الاُولى ، أنّه يتعارض مع الواقع التاريخي الصادق . فهذا الواقع خير دليل على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ظلّ يحظى بالحراسة سنوات خاصّةً في المدينة ، وليس ثمة شاهد أقوى على ذلك من وجود «اُسطوانة الحرس» . 2 _ إخفاء بعض القرآن خوفاً من المشركين ! ذكروا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان أيّام اقامته بمكّة يجاهر ببعض القرآن ، ويُخفي بعضه إشفاقاً على نفسه من أذى المشركين أو اليهود ، وخوفاً ممّا يمكن أن يوقعوه به ! وممّا يبعث على الأسف أن يلتزم بعض الناس أحياناً بأقوال واهية وبآراء لا تليق كهذه . أفيجوز مثل هذا الظنّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ ثمّ هذه حياته التي تتفجّر بالحيويّة والحركة ، وهذه سيرته كلّها مضاء وحزم وصِدام مع مظاهر الشرك والجاهليّة ، فهل تجتمع هي وهذا الظنّ الواهي ؟ وهل تستحقّ حياة نبيّ اللّه هذه الكلمات ؟ ! إنّ ما تضمّه تفاسير أهل السنّة ومجاميعها الروائيّة من أقوال ورؤى حيال الآية ، لايتعدّى ذلك الرصد الذي قدّمه الفخر الرازي للأقوال في المسألة ، وَحين نتفحّص بقيّة الأقوال التي أحصاها الرازي فهي أضعف وأكثر وهناً من الرأي الذى عرضناه قبل قليل . أمّا آخر الأقوال فقد ذكره الفخر الرازي على النحو الآتي : «نَزَلَتِ الآيَةُ في فَضلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ولَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ أخَذَ بِيَدِهِ ، وقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقالَ : هَنيئاً يَا بنَ أبي طالِبٍ !أصبَحتَ مَولايَ ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ، وهُوَ قَولُ ابنِ عَبّاسٍ وَالبَراءِ بن
.
ص: 531
عازِبٍ ومُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ» (1) . ثم انعطف الفخر الرازي ليقول : «وَاعلَم أنَّ هذِهِ الرِّواياتِ وإن كَثُرَت إلّا أنَّ الأَولى حَملُهُ عَلى أنَّهُ تَعالى آمَنَهُ مِن مَكرِ اليَهودِ وَالنَّصارى ، وأمَرَهُ بإِظهارِ التَّبليغِ من غَيرِ مُبالاةٍ مِنهُ بِهِم» 2 . إنّ ما صرّح به الفخر الرازي من أنّ الروايات في هذا القول _ الأخير _ كثيرة ، لهو أمر ثابت وصحيح . بَيد أنّ الذي يبعث على الدهشة هو حال اُولئك المفسّرين والمحدّثين والمتكلّمين الذين لا ينصاعون إلى كلّ هذا الحشد من الروايات ، ولا يُذعنون إليه ، بل يجنحون إلى معاذير وتفسيرات لا تلتئم والواقع التاريخي ، ولا تنسجم مع شخصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو تتواءم مع سيرته الوضيئة ، وتتوافق مع خطاه الراسخة في إبلاغ الحقّ .
نزول الآية في واقعة الغدير لإبلاغ الولايةيتّضح ممّا سلف ؛ واستناداً إلى الروايات والأخبار الكثيرة التي أوردنا نصوصها ، أنّ آية الإبلاغ نزلت في غدير خمّ للثامن عشر من ذي الحجّة عام 10 ه ، عطفا على ما كان قد صرّح به النبيّ وذكره مرّات ، وتأكيداً لما كان نزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الوحي القرآني والبياني أكثر من مرّة . على أنّ من الحريّ أن نؤكّد أنّ قوله سبحانه : «مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ» يشمل كلّ ما هبط على النبيّ صلى الله عليه و آله في هذا المجال ، على امتداد سنيّ الرسالة ، سواء أكان وحياً قرآنيّاً أم وحياً بيانيّاً ، وذلك في مختلف المواضع والمناسبات ، وعلى صعيد كافّة التجمّعات ممّا قلّ منها أو كثُر .
.
ص: 532
والآن هذا هو النبيّ أمام صفوف متراصّة من المسلمين تبلغ عشرات الاُلوف قد قصدوا مكّة حجّاجاً من حواضر العالم الإسلامي وبواديه ، وأمّوا البيت العتيق من كلّ فجٍّ عميق . وإذا صوت الوحي يأتي النبيّ من فوره ، يأمره وهو في السنة الأخيرة من عمره الشريف وفي حَجَّة الوداع ، أن يصدع بالولاية العلويّة ، ويُعلن على الجميع إمامة عليّ بن أبي طالب ، بصراحة تامّة ، ودقّة متناهية لا تحتمل أدنى شائبة من تأويل ، ولا تُطيق أيّ عذر أو تسويغ مهما كان . يتوجّس النبيّ من الأمر ويخشاه ، بيد أنّ خشيته لا على نفسه وهو الذي حمل روحه على كفّه وبذلها في سبيل الحقّ منذ أيّام الدعوة الاُولى ، فقهر الصعاب وجعل المستحيل ذلولاً . يتوجّس ، لكن لا من المشركين وقد كسر شوكتهم ، وصاروا على يديه فلولاً يائسة منهوكة . يخاف ، لكن أيضاً لامن اليهود والنصارى وقد لاذوا أمام عظمة المسلمين وجلال إهابهم ، بصمت ذليل . إنّما الذي يخشاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويتوجّس منه لهو «داخل اُمّته» وما يريبه هو هذا «النفاق» الكامن الذي أخذ موقعه بين بعض المسلمين ، وما يخشاه هو هذه الشكوك التي يبثّها النفر الذين تظاهروا بالإسلام ، وهم في ريب من أصل الرسالة ، وما يخاف منه هو هذه التُّهَم التي تهجم على الكلام النبوي ، لترمي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالفئويّة الاُسريّة الضيّقة ، ومحاباة قرابته القريبة ، وتتّهمه بتحميل أهله على الناس ! ممّا تكشف عنه لغة الآية والروايات _ التي مرّت نصوصها فيما مضى _ أيضاً أنّ أمين الوحي جبرائيل عليه السلام كان قد حمل في الأيّام الأخيرة عن اللّه سبحانه ، إلى أمين الرسالة صلى الله عليه و آله أهميّة هذا الإبلاغ ، وأكّد على ضرورته مرّات ، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله تحدّث
.
ص: 533
عن توجّسه وخيفته ؛ وها هو الآن البلاغ الأخير يقرع فؤاده : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» 1 . «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» . مخاطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعنوان الرسالة هو الخطاب الخليق بصفة التبليغ . إيهٍ يا نبيّ اللّه ! هل تتوجّس ؟ تُساورك الخشية ، وتنتابك الخِيفة ؟ لكن أيّ شيء هو شأنك غير البلاغ والدعوة ؟ وهل لك مسؤوليّة اُخرى غير أن تصدع بكلمات اللّه وتجهر بها ؟ فادعُ _ إذا _ واصدع وبلّغ ، إنّما بدقّةٍ متناهية ، وبصيغة مؤثّرة وثابتة «وَ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَا الْبَلَ_غُ» . «مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» . تُرى ما الذي «أُنزِلَ إِلَيْكَ» ؟ ولماذا لم يُصرّح به ؟ إنّما كان ذلك كي يكشف عن الموقع الرفيع الذي يحظى به الأمر . وجاء بهذه الصيغة إجلالاً وتعظيماً لذلك الأمر ، ولكي يُشير إلى أنّه ليس لرسول اللّه صلى الله عليه و آله من الأمر شيء ، ولا له فيه إرادة واختيار ، بل مهمّته الإبلاغ وحسب . من جهة اُخرى تنمّ هذه الصيغة عن صحّة فراسة النبيّ لما كان يرتقبه من ردود فعل متوجّسة تصدر عن القوم ، ممّا جعل اللّه سبحانه يدع الأمر في هالة من الغموض والإبهام ، ما برحت تُلقي ظلالها على الموقف حتى تحين لحظة البلاغ ، وينطق النبيّ بكلمة السماء .
.
ص: 534
«وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» . يُحار الإنسان لاُولئك الذين جنحوا في تفسير الآية إلى كلام آخر ، وحين راموا الصدود عن «الحقيقة» سلكوا طريقاً واهياً لا يأوي إلى قرار ! تُرى كيف يفسّرون هذه الجزء من الآية ؟ وما هو المعنى الذي يسوقونه إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما تُصرّح به بعض التعاليم الإلهيّة من النهي عن الكتمان ؟ تُرى ما الذي يؤدّي كتمانه وعدم إظهاره والتأكيد عليه ، ممّا نزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إلى بلوغ حالة يصير فيها بنيان الرسالة في مهبّ الريح وكأنّها لم تُبلّغ ! وأيّ أمر هذا الذي إذا غاب عن الأذهان ، واستطاع أعداء الرسالة وأْده والقضاء عليه في واقع المجتمع ؛ يتقوّض أساس هذا الدين ، وكأنّه لم يكن ! إنّ هذه الكلمة العجيبة المدهشة لتومئ من جهة إلى ما يحظى به هذا البلاغ من شأْوٍ عظيم ، كما تؤشّر من جهة اُخرى إلى حقيقة تُفيد أنّه ليس ثمّة خيار أمام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا تبليغ هذه الرسالة ، حيث أنذره ربّه _ إن هو لم يبلّغ _ بتلاشي جميع الجهود ، وضياع كلّ تلك الآلام والمشاقّ التي طوتها الأعوام الثلاث والعشرون من عمر الرسالة ، واضمحلال ما أنفق فيها من جهد وجهاد . «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» . في عين اللّه حراستك ، وأنت في حفظه وحماه . كأنّك _ يا رسول اللّه _ تتوجّس خيفة من الأمر ، وتخشى ردود فعل تلك النفوس المظلمة ، وتتهيّب هياجها وما تُثيره من شحناء . لكن اعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير . سيزول مكرهم جميعاً ، ويغدو كهشيم تذروه الرياح ، ويتلاشى كيد الناس ، جميع «النَّاسِ» ! إنّ اللّه سبحانه ليؤكّد في هذا الجزء مجدّداً على عظمة البلاغ ، كما يُشير اُخرى
.
ص: 535
إلى ذوي الريبة والنفوس المدلهمّة . لكن مَن هم هؤلاء ؟ لم يُفصح النصّ عن شيء ، بل مضى يوعِد بزوال جميع ضروب المكر ، وسقوط كلّ أحابيل الشيطان ، وتلاشي المكائد جميعاً ، من أيّ إنسان كان ! إنّ كلّ كلمة في الآية لتُسفِر عن عظمة هذا البلاغ وسموّه ، وهي تُومئ أيضاً إلى مخاوف وهواجس ، وإلى نفوس اُناسٍ موبوءة بالإحن والشحناء ، مملوءة بالضغينة والغضب ! فيا ليت اُولئك المفسّرين والباحثين القرآنيّين الذين جنحوا إلى أقوال اُخَر يبصرون بتأمّل : أيّ شيء من «مَآ أُنزِلَ» يثير إبلاغه كلّ هذه الخشية والهواجس ؟حتى إذا ما ظهر إلى الناس أثار الحنق والغضب ، وجرّ اُناسا إلى مواجهات ومواقف ؟ ثمّ لهم أن يتأمّلوا في حقيقة التاريخ الإسلامي وواقعه الصادق ، ليُبصروا ما الذي أثار الإحَن والفتن ؟ وأيّ شيء أحدث كلّ هذا الهياج ؟ !
10 / 2إكمالُ الدّينِ«الْيَوْمَ يَ_ئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (1) .
تاريخ دمشق عن أبي سعيد الخدري :لَمّا نَصَبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا بِغَديرِ خُمٍّ فَنادى لَهُ بِالوِلايَةِ ، هَبَطَ جِبريلُ عليه السلام عَلَيهِ بِهذِهِ الآيَةِ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (2) .
.
ص: 536
الدرّ المنثور عن أبي هريرة :لَمّا كانَ يَومُ غَديرِ خُمٍّ _ وهُوَ يَومُ ثَمانِيَةَ (1) عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ _ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . فَأَنزَلَ اللّهُ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (2) .
تاريخ بغداد عن أبي هريرة :مَن صامَ يَومَ ثَمانِيَةَ (3) عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ كُتِبَ لَهُ صِيامُ سِتّينَ شَهرا ، وهُوَ يَومُ غَديرِ خُمٍّ ؛ لَمّا أخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَقالَ : أ لَستُ وَلِيَّ المُؤمِنينَ ؟ ! قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ ! قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا بنَ أبي طالِبٍ ؛ أصبَحتَ مَولايَ ومَولى كُلِّ مُسلِمٍ ، فَأَنزَلَ اللّهُ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (4) .
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ بِوِلايَتي أكمَلَ اللّهُ لِهذِهِ الاُمَّةِ دينَهُم ، وأتَمَّ عَلَيهِمُ النِّعَمَ ، ورَضِيَ إسلامَهُم ؛ إذ يَقولُ يَومَ الوِلايَةِ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : يا مُحَمَّدُ ، أخبِرهُم أنّي أكمَلتُ لَهُمُ اليَومَ دينَهُم ، ورَضيتُ لَهُمُ الإِسلامَ دينا ، وأتمَمتُ عَلَيهِم نِعمَتي ، كُلُّ ذلِكَ مَنٌّ مِنَ اللّهِ عَلَيَّ ؛ فَلَهُ الحَمدُ (5) .
.
ص: 537
عنه عليه السلام :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : بُنِيَ الإِسلامُ عَلى خَمسِ خِصالٍ : عَلَى الشَّهادَتَينِ ، وَالقَرينَتَينِ _ قيلَ لَهُ : أمَّا الشَّهادَتانِ فَقَد عَرَفناهُما ، فَمَا القَرينَتانِ ؟ ! قالَ : الصَّلاةُ وَالزَّكاةُ ؛ فَإِنَّهُ لا يُقبَلُ إحداهُما (1) إلّا بِالاُخرى _ وَالصِّيامُ ، وحَجُّ البَيتِ مَنِ استَطاعَ إلَيهِ سَبيلاً ، وخَتَمَ ذلِكَ بِالوِلايَةِ ، فَأَنزَلَ اللّهُ عزّوجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (2) .
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ اسمُهُ امتَحَنَ بي عِبادَهُ ، وقَتَلَ بِيَدي أضدادَهُ ، وأفنى بِسَيفي جُحّادَهُ ، وجَعَلَني زُلفَةً لِلمُؤمِنينَ ، وحِياضَ مَوتٍ عَلَى الجَبّارينَ ، وسَيفَهُ عَلَى المُجرِمينَ ، وشَدَّ بي أزرَ رَسولِهِ ، وأكرَمَني بِنَصرِهِ ، وشَرَّفَني بِعِلمِهِ ، وحَباني بِأحكامِهِ ، وَاختَصَّني بِوَصِيَّتِهِ ، وَاصطَفاني بِخِلافَتِهِ في اُمَّتِهِ . فَقالَ صلى الله عليه و آله وقَد حَشَدَهُ المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ وَانغَصَّت بِهِمُ المَحافِلُ: أيَّهَا النّاسُ! إنَّ عَلِيّاً مِنّي كَهارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيِّ بَعدي . فَعَقَلَ المُؤمِنونَ عَنِ اللّهِ نُطقَ الرَّسولِ إذ عَرَفوني أنّي لَستُ بِأَخيهِ لِأَبيهِ واُمِّهِ كَما كانَ هارونُ أخا موسى لِأَبيهِ واُمِّهِ ، ولا كُنتُ نَبِيّاً فَاقتَضى نُبُوَّةً ، ولكِن كانَ ذلِكَ مِنهُ استِخلافاً لي كَمَا استَخلَفَ موسى هارونَ عليهماالسلام حَيثُ يَقولُ : «اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (3) . وقَولُهُ صلى الله عليه و آله حينَ تَكَلَّمَت طائِفَةٌ فَقالَت: نَحنُ مَوالي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَخَرَج
.
ص: 538
رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى حِجَّةِ الوَداعِ ثُمَّ صارَ إلى غَديرِ خُمٍّ ، فَأَمَرَ فَاُصلِحَ لَه شِبهُ المِنبَرِ ، ثُمَّ عَلاهُ وأخَذَ بِعَضُدي حَتّى رُئِيَ بَياضُ إبطَيهِ ، رافِعاً صَوتَهُ قائِلاً في مَحفِلِهِ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . فَكانَت عَلى وِلايَتي وِلايَةُ اللّهِ وعَلى عَداوتي عَداوَةُ اللّهِ . وأنزَلَ اللّهُ عزَّ وجَلَّ في ذلِكَ اليَومِ «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (1) فَكانَت وِلايَتي كمالَ الدّينِ ورِضَا الرَّبِّ جَلَّ ذِكرُهُ ، وأنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالَى اختِصاصا لي وتَكَرُّماً (2) .
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» _: نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام خاصَةً ، دونَ النّاسِ (3) .
علل الشرائع عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري :أنَّ العالِمَ _ يَعنِي الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عليهماالسلام_ كَتَبَ إلَيهِ : إنَّ اللّهَ تَعالى _ بِمَنِّهِ ورَحمَتِهِ _ لَمّا فَرَضَ عَلَيكُمُ الفَرائِضَ لَم يَفرِض ذلِكَ عَلَيكُم لِحاجَةٍ مِنهُ إلَيهِ ، بَل رَحمَةً مِنهُ إلَيكُم ، لا إلهَ إلّا هُوَ ؛ لِيَميزَ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ، ولِيبَتَلِيَ ما في صُدورِكُم ، ولِيُمَحِّصَ ما في قُلوبِكُم ، ولِتَتَسابَقوا إلى رَحمَتِهِ ، ولَتَتَفاضَلَ مَنازِلُكُم في جَنَّتِهِ . فَفَرَضَ (4) عَلَيكُمُ الحَجَّ وَالعُمرَةَ ، وإقامَ الصَّلاةِ ، وإيتاءَ الزَّكاةِ ، وَالصَّومَ ، وَالوِلايَةَ . وجَعَلَ لَكُم بابا لِتَفتَحوا بِهِ أبوابَ الفَرائِضِ ، ومِفتاحا إلى سَبيلِهِ . ولَولا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وَالأَوصِياءُ مِن وُلدِهِ كُنتُم حَيارى كَالبَهائِمِ ؛ لا تَعرِفونَ فَرضا مِنَ الفَرائِضِ ، وهَل تُدخَلُ قَريَةٌ إلّا مِن بابِها ! !
.
ص: 539
فَلَمّا مَنَّ اللّهُ عَلَيكُم بِإِقامَةِ الأَولِياءِ بَعدَ نَبِيِّكُم صلى الله عليه و آله ، قالَ اللّهُ عزّوجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» وفَرَضَ عَلَيكُم لِأَولِيائِهِ حُقوقا ، فَأَمَرَكُم بِأَدائِها إلَيِهم (1) .
تاريخ اليعقوبي :قَد قيلَ إنَّ آخِرَ ما نَزَلَ عَلَيهِ [النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ] : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» ، وهِيَ الرِّوايَةُ الصَّحيحَةُ الثّابِتَةُ الصَّريحَةُ . وكانَ نُزولُها يَومَ النَّصِّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ بِغَديرِ خُمٍّ (2) .
.
ص: 540
بحث حول يوم إكمال الدين«الْيَوْمَ يَ_ئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا » (1) .
تتحدّث الآية عن يوم يتّسم بأربع خصائص مهمّة : 1 _ هو يوم يئس فيه الكفّار من إلحاق الأذى بأصل الإسلام ، أو النيل من قواعد هذا الدين ووجوده . 2 _ هو يوم كمُل فيه الدين الإسلامي . 3 _ هو يوم أتمّ اللّه سبحانه فيه نعمته على الاُمّة الإسلاميّة . 4 _ هو يوم رضي اللّه سبحانه فيه لهذا الدين أن يكون الدين النهائي الخاتم للإنسانيّة أجمع . عندما تحتشد هذه الخصائص البارزة في هذا اليوم ، ففي ذلك إشارة على أنّه أعظم يوم وأكثرها تحديداً للمصير في تاريخ الرسالة النبويّة ، بل في تاريخ الإسلام قاطبة . هنا بالذات يكمن مغزى كلمة ألقاها يهوديٌّ إلى عمر بن الخطّاب وهو يشيد بجلال هذا اليوم لو كان عند اليهود .
.
ص: 541
ففي الخبر عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطّاب ، قوله : إنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهودِ قالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، آيَةٌ في كِتابِكُم تَقرَؤونَها ، لَو عَلَينا مَعشَرَ اليَهودِ نَزَلَت لَاتَّخَذنا ذلِكَ اليَومَ عيداً ! قالَ : أيُّ آيَةٍ ؟ قالَ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . . .» (1) . ينبغي الآن أن نُطلّ على تاريخ الإسلام لننظر أيّ يوم هذا اليوم المصيري الذي يحمل تلك الخصائص الأربعة ؟ وهو الى ذلك جدير أن يحتفي به المجتمع الإسلامي وتتّخذه الاُمّة عيداً ! كثيرة هي الاحتمالات التي سيقت لتحديد ذلك اليوم ، بيد أنّها في الغالب لا تستند الى وثائق تاريخيّة أو الى نصوص حديثيّة ، وبذلك ننأى عن عرضها في هذا المجال (2) . تبقى هناك فرضيّ_تان تستند كلّ واحدة منهما إلى مجموعة من النصوص التاريخيّة والحديثيّة التي تعود إلى الشيعة والسنّة . والمطلوب دراسة هاتين المجموعتين من النصوص لننظر فيما إذا كانت متعارضة فيما بينها ، أم هناك وجه للجمع بينهما . والفرضيّتان هما :
1 _ يوم غدير خمّفي أحاديث الشيعة أخبار كثيرة تحدّد موضوع الآية بنصب النبيّ صلى الله عليه و آله للإمام عليّ عليه السلام قائداً للاُمّة من بعده ، من دون أن تُشير إلى ذكر يوم الغدير أو أيّ يوم
.
ص: 542
آخر غيره . بيد أنّ هناك ما يناهز العشرين حديثاً تتحدّث صراحة على أنّ الآية نزلت يوم الغدير (1) . كما توجد أحاديث في كتب أهل السنّة تنتهي أساساً إلى أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ، تُشير أيضاً إلى أنّ الآية نزلت في يوم الغدير ، الموافق للثامن عشر من ذي الحجّة سنة عشر للهجرة (2) ، وهذه الأحاديث تتوافق مع القرآن ، ولا مناص من التسليم بها ، وإلّا ليس ثمّة يوم يمكن العثور عليه في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله ينطوي على ما ذكره القرآن من خصائص غير يوم الغدير . فبتعيين القائد المستقبلي للاُمّة الإسلاميّة من قِبَل اللّه سبحانه في هذا اليوم ، اندحر الكافرون ، وانقطع دابرهم ، وتبدّلت آمالهم يأساً ، وقد كانوا من قبل يظنّون أنّ هذا الدين متقوّم بشخص النبيّ ووجوده الأقدس ، فإذا ما غاب عن الساحة انتهى أمر الإسلام ، وصار إلى زوال . في هذا اليوم تكامل منهاج الإسلام ، وتمّت اُطروحته لإدارة غد البشريّة ، وتدبير أمر العالم كلّ العالم . وبتبوّأ شخصيّة شاهقة متألّقة كالإمام أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو عِدل النبيّ صلى الله عليه و آله _ باستثناء النبوّة (3) _ وتعيينه للخلافة ، كملت نعمة اللّه سبحانه على الاُمّة الإسلاميّة . وباستكمال منهاج الإسلام ، وبلوغ برنامجه الذروة لتكامل المجتمع الإنساني مادّياً ومعنويّاً ؛ رضي اللّه سبحانه الإسلام ديناً لتكامل الإنسان . ثمّة قرائن وافرة تدلّ على أنّ يوم إكمال الدين هو يوم الغدير ؛ فها نحن نُبصر على المسرح التاريخي لوقائع يوم الغدير عام (10 ه) يدَي رسول اللّه صلى الله عليه و آله تضع
.
ص: 543
العمامة على رأس عليّ عليه السلام في مراسم مهيبة (1) ، ثم هو ذا النبيّ يضع بنفسه برنامجاً خاصّاً لتهنئة الإمام القائد في ذلك اليوم (2) ، فينثال على الإمام الصحابة الكرام مسلّمين ومهنّئين (3) ، وهذا حسّان بن ثابت يطلع من بين الصفوف بقصيدة توثّق الواقعة (4) ، وبعد ذلك كلّه يُصار لإعلان يوم الغدير عيداً من أعظم الأعياد الإسلاميّة 5 . فهل تدع هذه القرائن شكّاً في أنّ يوم إكمال الدين هو يوم الغدير ، بالأخصّ حين تنضمّ إليها وثائق وقرائن كثيرة اُخرى تاريخيّة وحديثيّة ؟
2 _ يوم عرفةبإزاء النصوص التي سلفت إليها الإشارة هناك نصوص اُخرى تُصرّح أنّ آية «إكمال الدين» نزلت في يوم عرفة بعرفات . هذا القول هو الشائع بين أهل السنّة ، وهو المعوّل عندهم ، وقد روي عن عدد من الصحابة ، بيد أنّ الأساس فيه هو كلام عمر آنف الذكر حين سأله الرجل اليهودي ، وقد توافرت الكتب على نقله من بينها صحيح البخاري ، كما مرّت الإشارة إليه. كما ذُكر القول نفسه في بعض كتب الشيعة وأحاديثها ، ونذكر فيما يلي حديثين منها مرويّين عن الإمامين محمّد الباقر وجعفر الصادق عليهماالسلام : _ الحديث الأوّل ذكره ثقة الإسلام الكليني في الكافي ، وقد جاء فيه : «عَن أبِي الجارودِ عَن أبي جَعفَرٍ عليه السلام قالَ : سَمِعتُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام يَقولُ : فَرَضَ اللّهُ عزّوجلّ عَلَى العِبادِ خَمساً ؛ أخَذوا أربَعاً ، وتَرَكوا واحِداً .
.
ص: 544
قُلتُ : أتُسَمّيِهنَّ لي جُعِلتُ فِداكَ ؟ فَقالَ : الصَّلاةُ ، وكانَ النّاسُ لايَدرونَ كَيفَ يُصَلّونَ ، فَنَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، أخبِرهُم بِمَواقيتِ الصَّلاةِ . ثُمَّ نَزَلَتِ الزَّكاةُ ، فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، أخبِرهُم مِن زَكاتِهِم ما أخبَرتَهُم مِن صَلاتِهِم . ثُمَّ نَزَلَ الصَّومُ ، فَكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذا كانَ يَومُ عاشوراءَ بَعَثَ إلى ما حَولَهُ مِنَ القُرى فَصاموا ذلِكَ اليَومَ ، فَنَزَلَ شَهرُ رَمَضانَ بَينَ شَعبانَ وشَوّالٍ . ثُمَّ نَزَلَ الحَجُّ ، فَنَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : أخبِرهُم مِن حَجِّهِم ما أخبَرتَهُم مِن صَلاتِهِم و زَكاتِهِم وصَومِهِم . ثُمَّ نَزَلَتِ الوِلايَةُ ؛ وإنّما أتاهُ ذلِكَ في يَومِ الجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ ، أنزَلَ اللّهُ عزّوجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى» وكانَ كَمالُ الدّينِ بِوِلايَةِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالَ عِندَ ذلِكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اُمَّتي حَديثو عَهدٍ بِالجاهِلِيَّةِ ، ومَتى أخبَرتُهُم بِهذا فِي ابنِ عَمّي يَقولُ قائِلٌ ، ويَقولُ قائِلٌ _ فَقُلتُ في نَفسي مِن غَيرِ أن يَنطِقَ بِهِ لَساني _ فَأَتَتني عَزيمَةٌ مِنَ اللّهِ عزّوجلّ بَتلَةً (1) أوعَدَني إن لَم اُبَلِّغ أن يُعَذِّبَني ، فَنَزَلَت : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَ_فِرِينَ» (2) . فَأَخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عِلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّهُ لَم يَكُن نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ مِمَّن كانَ قَبلي إلّا وقَد عَمَّرَهُ اللّهُ ، ثُمَ دَعاهُ فَأَجابَهُ ، فَاَوشِكُ أن اُدعى فَاُجيبَ ، وأنَا مَسؤولٌ وأنتُم مَسؤولونَ ، فَماذا أنتُم قائِلونَ ؟ فَقالوا : إنَّكَ قَد بَلَّغتَ ونَصَحتَ ، وأدَّيتَ ما عَلَيكَ ، فَجَزاكَ اللّهُ أفضَلَ جَزاءِ المُرسَلينَ .
.
ص: 545
فَقالَ : اللّهُمَّ اشهَد _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ ثُمَّ قالَ : يا معَشَرَ المُسلِمينَ ! هذا وَلِيُّكُم مِن بَعدي ، فَليُبَلِّغِ الشّاهِدُ مِنكُمُ الغائِبَ» (1) . _ أمّا الحديث الثاني فقد رواه العيّاشي عن محمّد الخزاعي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «لَمّا نَزَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَرفاتٍ يَومَ الجُمُعَةِ ، أتاهُ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ يُقرِئُكَ السَّلامَ ويَقولُ لَكَ : قُل لِاُمَّتِكَ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» بِوِلايَةِ عَلِيِّ ابنِ أبي طالِبٍ «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا » ولَستُ اُنزِلُ عَلَيكُم بَعدَ هذا ، قَد أنزَلتُ عَلَيكُمُ الصَّلاةَ والزَّكاةَ وَالصَّومَ وَالحَجَّ ، وهِيَ الخامِسَةُ ، ولَستُ أقبَلُ هذِهِ الأَربَعَةَ إلّا بِها» (2) . والسؤال الآن : هل تتعارض هاتان المجموعتان من النصوص بحيث لا يمكن علاجها ممّا يتحتّم طرح إحداهما ، أم أنّ الجمع بينهما ممكن ؟ مقتضى التأمّل في هاتين المجموعتين من النصوص ودراستهما بدقّة لاتُفضي إلى عدم وجود تعارض أساسي بين الاثنين وحسب ، بل العكس تُفيد أ نّهما يؤيّد بعضهما بعضاً من حيث الأصل ، وأنّ إحداهما مكمّلة للاُخرى . وبيان ذلك _ كما ذهب إليه العلّامة الطباطبائي _ هو : «أنَّ التَّدَبُّرَ فِي الآيَتَينِ الكَريمَتَينِ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ . . .» عَلى ما سَيَجيءُ مِن بَيانِ مَعناهُ ، وقَولِهِ «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . . .» وَالأَحاديثِ الوارِدَةِ مِن طُرُقِ الفَريقَينِ فيهِما ، ورِواياتِ الغَديرِ المُتَواتِرَةِ ، وكَذا دِراسَة
.
ص: 546
أوضاعِ المُجتَمَعِ الإِسلامِيِّ الدّاخِلِيَّةِ في أواخِرِ عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَالبَحثَ العَميقَ فيها ، يُفيدُ القَطعَ بِأَنَّ أمرَ الوِلايَةِ كانَ نازِلاً قَبلَ يَومِ الغَديرِ بِأَيّامٍ . وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَتَّقِي النّاسَ في إظهارِهِ ، ويَخافُ أن لا يَتَلَقَّوهُ بِالقَبولِ أو يُسيؤُوا القَصدَ إلَيهِ ؛ فَيَختَلُّ أمرُ الدَّعوَةِ ، فَكانَ لا يَزالُ يُؤَخِّرُ تَبليغَهُ النّاسَ مِن يَومٍ إلى غَدٍ حَتّى نَزَلَ قَولُهُ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ . . .» فَلَم يُمهِل في ذلِكَ» (1) . في الحقيقة أنّ هناك تسعة أيّام فصلت بين صدور الحكم الإلهي بنصب الإمام عليّ عليه السلام قائداً للاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله وبين إبلاغ الحكم ، فحكم ولاية الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام صدر في يوم عرفة بعرفات ، بيد أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أخّر إبلاغه إلى يوم غدير خمّ للبواعث التي أشرنا إليها آنفاً . بهذا يتّضح أنّ النصوص التي لها دلالة على نزول آية الإكمال في يوم عرفة ناظرة إلى تاريخ صدور الولاية ، أمّا النصوص التي لها دلالة على أنّ الآية قد نزلت في غدير خمّ ، فهي ناظرة الى تاريخ إبلاغ حكم الولاية ، و مِن ثَمّ فإنّ تعبير النزول يصحّ على الطائفتين كليهما ، بل هو أمر مألوف .
10 / 3التَّتويجُ يَومَ الغَديرِالإمام عليّ عليه السلام :عَمَّمَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ بِعِمامَةٍ سَوداءَ ، طَرَفُها عَلى مَنكِبي (2) .
اُسد الغابة عن عبد الأعلى بن عدي :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله دَعا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ يَومَ غَديرِ خُمٍّ ،
.
ص: 547
فَعَمَّمَهُ ، وأرخى عَذَبَةَ (1) العِمامَةِ مِن خَلفِهِ (2) .
الأمان عن عبد اللّه بن بسر :بَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ إلى عَلِيٍّ ، فَعَمَّمَهُ ، وأسدَلَ العِمامَةَ بَينَ كَتِفَيهِ ، وقالَ : هكَذا أيَّدَني رَبّي يَومَ حُنَينٍ بِالمَلائِكَةِ مُعَمَّمينَ ، قَد أسدَلُوا العَمائِمَ (3) .
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ عَمَّمَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عِمامَتَهُ السَّحابَةَ (4) وأرخاها مِن بَينِ يَدَيهِ ومِن خَلفِهِ ، ثُمَّ قالَ : أقبِل فَأَقبَلَ ، ثُمَّ قالَ : أدبِر فَأَدبَرَ . فَقالَ : هكَذا جائَتنِي المَلائِكَةُ ، ثُمَّ قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَليٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ (5) .
الأمان عن عبد اللّه بن بسر :عَمَّم رَسولُ اللّهِ عَلِيّا يَومَ غَديرِ خُمٍّ، عِمامَةً سَدَلَها بَينَ كَتِفَيهِ ، وقالَ : هكَذا أيَّدَني رَبّي بِالمَلائِكَةِ . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِهِ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ، مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ ، والَى اللّهُ مَن والاهُ وعادَى اللّهُ مَن عاداهُ (6) .
راجع : ج 1 ص 564 (ذكريات الإمام) . و كتاب «الغدير» : ج 1 ص 290 _ 293 .
.
ص: 548
10 / 4الَّتحِيَّةُ القِيادِيَّةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في خُطبَةِ الغَديرِ _: مَعاشِرَ النّاسِ ! قولُوا الَّذي قُلتُ لَكُم ، وسَلِّموا عَلى عَلِيٍّ بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ ، وقولوا : «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» (1) ، وقولوا : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَ_ذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلآَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» (2) . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا أقامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام يَومَ غَديرِ خُمٍّ . . . قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! مَن أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم ؟ قالوا : اللّهُ ورَسولُهُ . قالَ : اللّهُمَّ فَاشهَد ! ثُمَّ قالَ : ألا مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، وسَلِّموا عَلَيهِ بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ (4) .
عنه عليه السلام :لَمّا نَزَلَتِ الوِلايَةُ ، وكانَ مِن قَولِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِغَديرِ خُمٍّ : سَلِّموا عَلى عَلِيٍّ بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ ، فَقالوا : أمِنَ اللّهِ ورَسولِهِ ؟ فَقالَ لَهُم : نَعَم ؛ حَقّا مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ . فَقال : إنَّهُ أميرُ المُؤمِنينَ ، وإمامُ المُتَّقينَ ، وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ؛ يُقعِدُهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ عَلَى الصِّراطِ ، فيُدخِلُ أولِياءَهُ الجَنَّةَ ، ويُدخِلُ أعداءَهُ النّارَ (5) .
الإمام الحسين عليه السلام :قالَ لي بُرَيدَةُ : أمَرَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن اُسَلِّمَ (6) عَلى أبيك
.
ص: 549
بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ (1)(2) .
الأمالي للطوسي عن بريدة :أمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أن نُسَلِّمَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ (3) .
تاريخ دمشق عن بريدة الأسلمي :أمَرَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن نُسَلِّمَ عَلى عَلِيٍّ بِأَميرِ المُؤمِنينَ (4) ونَحنُ سَبعَةٌ ، وأنَا أصغَرُ القَومِ يَومَئِذٍ (5) .
الإرشاد عن بريدة بن الحصيب الأسلمي :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَرَني سابِعَ سَبعَةٍ ، فيهِم أبو بَكرٍ وعُمَرُ وطَلحَةُ وَالزُّبَيرُ ، فَقالَ : سَلِّموا عَلى عَلِيٍّ بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ . فَسَلَّمنا عَلَيهِ بِذلِكَ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَيٌّ بَينَ أظهُرِنا (6) .
الفضائل عن أبي ذرّ :أمَرَنا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أن نُسَلِّمَ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، وقالَ : سَلِّموا عَلى أخي ، ووارِثي ، وخَليفَتي في قَومي ، ووَلِيِّ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ مِن بَعدي ، سَلِّموا عَلَيهِ بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ ؛ فَإِنَّهُ وَلِيُّ كُلِّ مَن يَسكُنُ الأَرضَ إلى يَومِ القِيامَةِ ، ولَو قَدَّمتُموهُ لَأَخرَجَت لَكُمُ الأَرضُ بَرَكاتِها ؛
.
ص: 550
فَإِنَّهُ أكرَمُ مَن عَلَيها مِن أهلِها (1) .
الاحتجاج عن اُبيّ بن كعب_ فِي احتِجاجِهِ عَلَى القَومِ بِأَحَقِّيَّةِ عَلِيٍّ عليه السلام بِالإِمامَةِ بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: سَيِّدُ الوَصِيّينَ ، ووَصِيُّ خاتِمِ المُرسَلينَ ، وأفضَلُ المُتَّقينَ ، وأطوَعُ الاُمَّةِ لِرَبِّ العالَمينَ ؛ سَلَّمتُم عَلَيهِ بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ في حَياةِ سَيِّدِ النَّبِيّينَ وخاتِمِ المُرسَلينَ (2) .
الإرشاد_ في ذِكرِ ما جَرى بَعدَ خُطبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يَومَ الغَديرِ _: ثُمَّ نَزَلَ صلى الله عليه و آله ... وأمَرَ عَلِيّا أن يَجلِسَ في خَيمَةٍ لَهُ بِإِزائِهِ . ثُمَّ أمَرَ المُسلِمينَ أن يَدخُلوا عَلَيهِ فَوجا فَوجا فَيُهَنِّئوهُ بِالمَقامِ ، ويُسَلِّموا عَلَيهِ بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ ، فَفَعَلَ النّاسُ ذلِكَ كُلُّهُم . ثُمَّ أمَرَ أزواجَهُ وجَميعَ نِساءَ المُؤمِنينَ مَعَهُ أن يَدخُلنَ عَلَيهِ ويُسَلِّمنَ عَلَيهِ بِإِمرَةِ المُؤمِنينَ ، فَفَعَلنَ (3) .
10 / 5التَّهنِئَةُ القِيادِيَّةُمسند ابن حنبل عن البراء بن عازب :كُنّا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في سَفَرٍ ، فَنَزَلنا بِغَديرِ خُمٍّ ، فَنودِيَ فينا : الصَّلاةَ جامِعَةً ، وكُسِحَ (4) لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَحتَ شَجَرَتَينِ ، فَصَلَّى الظُّهرَ ، وأخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضى الله عنهفَقالَ : أ لَستُم تَعلَمونَ أنّي أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟قالوا : بَلى .
.
ص: 551
قالَ : أ لَستُم تَعلَمونَ أنّي أولى بِكُلِّ مُؤمِنٍ مِن نَفسِهِ ؟ قالوا : بَلى . قالَ : فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . قالَ : فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعدَ ذلِكَ ، فَقالَ لَهُ : هَنيئا يَا بنَ أبي طالِبٍ ! أصبَحتَ وأمسَيتَ مَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ (1) .
تاريخ دمشق عن البراء بن عازب :خَرَجنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى نَزَلنا غَديرَ خُمٍّ بَعَثَ مُنادِيا يُنادي ، فَلَمَّا اجتَمَعنا قالَ : أ لَستُ أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم ؟ قُلنا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : أ لَستُ أولى بِكُم مِن اُمَّهاتِكُم ؟ قُلنا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : أ لَستُ أولى بِكُم مِن آبائِكُم ؟ قُلنا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : أ لَستُ أولى بِكُم ، أ لَستُ أ لَستُ أ لَستُ ؟ قُلنا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَإِنَّ عَلِيّا بَعدي مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : هَنيئا لَكَ يَا بنَ أبي طالِبٍ ! أصبَحتَ اليَومَ وَلِيَّ كُلِّ مُؤمِنٍ (2) .
المناقب للكوفي عن البراء بن عازب :لَمّا نَزَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِغَديرِ خُمٍّ أمَرَهُم فَكَنَسوا لَهُ بَينَ نَخلَتَينِ ، ثُمَّ اجتَمَعَ النّاسُ إلَيهِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أ لَستُ أولى
.
ص: 552
بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ قالوا : بَلى . قالَ : فَأَخَذَ بِعِضادَةِ عَلِيٍّ وأقامَهُ إلى جَنبِهِ ، ثُمَّ قالَ : هذا وَلِيُّكُم مِن بَعدي ؛ والَى اللّهُ مَن والاهُ ، وعادى مَن عاداهُ . قالَ : فَقامَ إلَيهِ عُمَرُ فَقالَ : لِيَهنِئكَ (1) يَا بنَ أبي طالِبٍ ! أصبَحتَ _ أو قالَ : أمسَيتَ _ وَلِيَّ كُلِّ مُسلِمٍ (2) .
تاريخ دمشق عن أبي هريرة :مَن صامَ يَومَ ثَمانِيَةَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ كَتَبَ اللّهُ لَهُ صِيامَ سِتّينَ شَهرا ، وهُوَ يَومُ غَديرِ خُمٍّ ؛ لَمّا أخَذَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَقالَ : أ لَستُ مَولَى المُؤمِنينَ ؟ قالوا : نَعَم يا رَسولَ اللّهِ . فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . فَقالَ لَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ : بَخٍ (3) بخٍ يَا بنَ أبي طالِبٍ ! أصبَحتَ مَولايَ ومَولى كُلِّ مُسلِمٍ . فَأَنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (4) .
الإمام الصادق عليه السلام :وكانَ مِمَّن أطنَبَ في تَهنِئَتِهِ بِذلِكَ المَقامِ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، وقال
.
ص: 553
فيما قالَ : بَخٍ بَخٍ لَكَ يا عِلِيُّ ! أصبَحتَ مَولايَ ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ (1) .
راجع : كتاب «الغدير» : ج 1 ص 270 _ 283 . كتاب «فيض القدير» : ج 6 ص 218 .
10 / 6ذِكرَياتُ أصحابِ النَّبِيِّ مِن واقِعَةِ الغَديرِ10 / 6 _ 1أبو سَعيدٍ الخُدرِيُّتاريخ دمشق عن عبد اللّه بن شريك عن سهم بن حصين الأسدي :قَدِمتُ إلى مَكَّةَ أنَا وعَبدُ اللّهِ بنُ عَلقَمَةَ _ وكانَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَلقَمَةَ سَبّابَةً لِعَلِيٍّ دَهرا _ قالَ : فَقُلتُ لَهُ : هَل لَكَ في هذا _ يَعني أبا سَعيدٍ الخُدرِيَّ _ نُحدِثُ (2) بِهِ عَهدا ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : فَأَتَيناهُ ، فَقالَ : هَل سَمِعتَ لِعَلِيٍّ رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِ مَنقَبَةً ؟ قالَ : نَعَم ، إذا حَدَّثتُكَ فَسَل عَنهَا المُهاجِرينَ وَالأَنصارَ وقُرَيشا (3) : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قامَ يَومَ غَديرِ خُمٍّ فَأَبلَغَ ، ثُمَّ قالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ قالوا : بَلى _ قالَها ثَلاثَ مَرّاتٍ _ ثُمَّ قالَ : اُدنُ يا عَلِيُّ. فَرَفَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَدَيهِ حَتّى نَظَرتُ إلى بَياضِ آباطِهِما ؛ قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ . قالَ : فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَلقَمَةَ : أنتَ سَمِعتَ هذا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ أبو سَعيدٍ : نَعَم ، وأشارَ إلى اُذُنَيهِ وصَدرِهِ ؛ قالَ : سَمِعتهُ اُذُنايَ ووَعاهُ قَلبي .
.
ص: 554
قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ شَريكٍ : فَقَدِمَ عَلَينا عَبدُ اللّهِ بنُ عَلقَمَةَ وسَهمُ بنُ حُصَينٍ ، فَلَمّا صَلَّينَا الهَجيرَ (1) ، قامَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَلقَمَةَ فَقالَ : إنّي أتوبُ إلَى اللّهِ وأستَغفِرُهُ مِن سَبِّ عَلِيٍّ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ (2) .
10 / 6 _ 2أبو هُرَيرَةَأنساب الأشراف عن أبي هريرة :نَظَرتُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِغَديرِ خُمٍّ وهُوَ قائِمٌ يَخطُبُ ، وعَلِيٌّ إلى جَنبِهِ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَقامَهُ وقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ (3) .
المصنّف عن أبي يزيد الأودي عن أبيه :دَخَلَ أبو هُرَيرَةَ المَسجِدَ فَاجتَمَعنا إلَيهِ ، فَقامَ إلَيهِ شابٌّ فَقالَ : أنشُدُكَ بِاللّهِ ! أ سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ ؟ فَقالَ : نَعَم . فَقالَ الشّابُّ : أنَا مِنكَ بَريءٌ ! أشهَدُ أنَّكَ قَد عادَيتَ مَن والاهُ ووالَيتَ مَن عاداهُ ! قالَ : فَحَصَبَهُ النّاسُ بِالحَصى (4) .
10 / 6 _ 3البَراءُ بنُ عازِبٍسنن ابن ماجة عن البراء بن عازب :أقبَلنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في حَجَّتِهِ الَّتي حَجَّ، فَنَزَلَ فى ¨
.
ص: 555
بَعضِ الطَّريقِ ، فَأَمَرَ : الصَّلاةَ جامِعَةً ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقالَ : أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ قالوا : بَلى . قالَ : أ لَستُ أولى بِكُلِّ مُؤمِنٍ مِن نَفسِهِ ؟ قالوا : بَلى . قالَ : فَهذا وَلِيُّ مَن أنَا مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، اللّهُمَّ عادِ مَن عاداهُ (1) .
تاريخ دمشق عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم :كُنّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ ، ونَحنُ نَرفَعُ غُصنَ الشَّجَرَةِ عَن رَأسِهِ ، فَقالَ : . . . ألا وإنَّ اللّهَ وَلِيّي ، وأنَا وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ، فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (2) .
10 / 6 _ 4جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِالمصنّف عن جابر بن عبد اللّه :كُنّا بِالجُحفَةِ بِغَديرِ خُمٍّ ، إذا خَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٍّ مَولاهُ (3) .
سير أعلام النبلاء عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل :كُنتُ عِندَ جابِرٍ في بَيتِهِ ، وعَلِيُّ بنُ الحُسَينِ ، ومُحَمَّدُ ابنُ الحَنَفِيَّةِ ، وأبو جَعفَرٍ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِن أهلِ العِراقِ ، فَقالَ : أنشُدُكَ بِاللّهِ إلّا حَدَّثتَني ما رَأَيتَ وما سَمِعتَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! فَقالَ : كُنّا بِالجُحفَةِ بِغَديرِ خُمٍّ ، وثَمَّ ناسٌ كَثيرٌ مِن جُهَينَةَ ومُزَينَةَ وغِفارٍ ، فَخَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن خِباءٍ أو فُسطاطٍ ، فَأَشارَ بِيَدِهِ ثَلاثا ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضى الله عنه فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (4) .
.
ص: 556
تاريخ دمشق عن جابر بن عبد اللّه :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَزَلَ بِخُمٍّ ، فَتَنَحَّى النّاسُ عَنهُ ، ونَزَلَ مَعَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، فَشَقَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله تَأَخُّرُ النّاسِ عَنهُ ، فَأَمَرَ عَلِيّا لِيَجمَعَهُم ، فَلَمّا اجتَمَعوا قامَ فيهِم وهُوَ مُتَوَسِّدٌ عَلَى ابنِ أبي طالِبٍ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي قَد كَرِهتُ تَخَلُّفَكُم وتَنَحِّيَكُم عَنّي ، حَتّى خُيِّلَ إليَّ أنَّهُ لَيسَ مِن شَجَرَةٍ أبغَضَ إلَيكُم مَن شَجَرَةٍ تَليني . ثُمَّ قالَ : لكِنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ أنزَلَهُ [اللّهُ] مِنّي بِمَنزِلَتي عِندَهُ ، فَرَضِيَ اللّهُ عَنهُ كَما أنَا راضٍ عَنهُ ! فَإِنَّهُ لا يَختارُ عَلى قُربي ومَحَبَّتي شَيئا . ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ ، فَقالَ : اللّهُمَّ مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . فَابتَدَرَ النّاسُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَبكونَ ويَتَضَرَّعونَ ، ويَقولونَ : وَاللّهِ يا رَسولَ اللّهِ ، ما تَنَحَّينا عَنكَ إلّا كَراهِيَةَ أن نُثقِلَ عَلَيكَ ، فَنَعوذُ بِاللّهِ مِن سَخَطِ اللّهِ وسَخَطِ رَسولِهِ ، فَرَضِيَ عَنهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِندَ ذلِكَ (1) .
10 / 6 _ 5جَريرُ بنُ عَبدِ اللّهِالمعجم الكبير عن جرير :شَهِدنَا المَوسِمَ في حِجَّةٍ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهِيَ حِجَّةُ الوَداعِ ، فَبَلَغنا مَكانا يُقالُ لَهُ غَديرُ خُمٍّ ، فَنادى : الصَّلاةَ جامِعَةً ، فَاجتَمَعنَا _ المُهاجِرونَ وَالأَنصارُ _ فَقامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسَطَنا فَقالَ :
.
ص: 557
أيُّهَا النّاسُ ! بِمَ تَشهَدونَ ؟ قالوا : نَشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ . قالَ : ثُمَّ مَه ؟ قالوا : وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ . قالَ : فَمَن وَلِيُّكُم ؟ قالوا : اللّهُ ورَسولُهُ مَولانا . قالَ : مَن وَلِيُّكُم ؟ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى عَضُدِ عَلِيٍّ رضى الله عنهفَأَقامَهُ ، فَنَزَعَ (1) عَضُدَهَ فَأَخَذَ بِذِراعَيهِ ، فَقالَ : مَن يَكُنِ اللّهُ ورَسولُهُ مَولَياهُ فَإِنَّ هذا مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ ؛ اللّهُمَّ مَن أحَبَّهُ مِن النّاسِ فَكُن لَهُ حَبيبا ، ومَن أبغَضَهُ فَكُن لَهُ مُبغِضا ؛ اللّهُمَّ إنّي لا أجِدُ أحَدا أستَودِعُهُ فِي الأَرضِ بَعدَ العَبدَينِ الصّالِحَينِ غَيرَكَ ، فَاقضِ فيهِ بِالحُسنى (2) .
10 / 6 _ 6حُبشِيُّ بنُ جُنادَةَتاريخ دمشق عن حبشي بن جنادة :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَليٍّ يَومَ غَديرِ خُمٍّ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وأعِن مَن أعانَهُ (3) .
10 / 6 _ 7حُذَيفَةُ بنُ أسيدٍالمعجم الكبير عن حذيفة بن أسيد الغفاري :لَمّا صَدَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن حِجَّةِ الوَداعِ ، نَهى
.
ص: 558
أصحابَهُ عَن شَجَراتٍ بِالبَطحاءِ مُتَقارِباتٍ أن يَنزِلوا تَحتَهُنَّ ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيهِنَّ فَقُمَّ ما تَحتَهُنَّ مِنَ الشَّوكِ ، وعَمَدَ إلَيهِنَّ فَصَلّى تَحتَهُنَّ ، ثُمَّ قامَ فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! إنّي قَد نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ أنَّهُ لَم يُعَمَّر نَبِيٌّ إلّا نِصفَ عُمُرِ الَّذي يَليهِ مِن قَبلِهِ . وإنّي لَأَظُنُّ أنّي يوشِكُ أن اُدعى فَاُجيبَ ، وإنّي مَسؤولٌ ، وإنَّكُم مَسؤولونَ ، فَماذا أنتُم قائِلونَ ؟ قالوا : نَشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ وجَهَدتَ ونَصَحتَ ، فَجَزاكَ اللّهُ خَيرا ! فَقالَ : أ لَيسَ تَشهَدونَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، وأنَّ جَنَّتَهُ حَقٌّ ونارَهُ حَقٌّ ، وأنَّ المَوتَ حَقٌّ ، وأنَّ البَعثَ بَعدَ المَوتِ حَقٌّ ، وأنَّ السَاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وأنَّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ ؟ قالوا : بَلى نَشهَدُ بِذلِكَ . قالَ : اللّهُمَّ اشهَد ! ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ مَولايَ ، وأنَا مَولَى المُؤمِنينَ ، وأنَا أولى بِهِم مِن أنفُسِهِم ، فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ _ يَعني عَلِيّا _ اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . ثُمَّ قالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! إنّي فَرَطُكُم ، وإنَّكُم وارِدونَ عَلَيَّ الحَوضَ ؛ حَوضٌ أعرَضُ ما بَينَ بُصرى وصَنعاءَ ، فيهِ عَدَدَ النُّجومِ قِدحانٌ مِن فِضَّةٍ ، وإنّي سائِلُكُم حينَ تَرِدونَ عَلَيَّ عَنِ الثَّقَلَينِ (1) ، فَانظُروا كَيفَ تَخلُفوني فيهِما ! الثَّقَلُ الأَكبَرُ كِتابُ اللّهِ عزّوجلّ ، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللّهِ وطَرَفُهُ بِأَيديكُم ، فَاستَمسِكوا بِهِ لا تَضِلّوا ولا تُبَدِّلوا ؛ وعِترَتي أهلُ بَيتي ، فَإنَّهُ نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ أنَّهُما لَن يَنقَضِيا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ (2) .
.
ص: 559
الخصال عن حذيفة بن أسيد :لَمّا رَجَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن حِجَّةِ الوِداعِ ونَحنُ مَعَهُ ، أقبَلَ حَتَّى انتَهى إلَى الجُحْفَةِ ، فَأَمَرَ أصحابَهُ بِالنُّزولِ ، فَنَزَلَ القَومُ مَنازِلَهُم ، ثُمَّ نودِيَ بِالصَّلاةِ ، فَصَلّى بِأَصحابِهِ رَكعَتَينِ ، ثُمَّ أقبَلَ بِوَجهِهِ إلَيهِم فَقالَ لَهُم : إنَّهُ قَد نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ أنّي مَيِّتٌ وأنَّكُم مَيِّتونَ . وكَأَنّي قَد دُعيتُ فَأَجَبتُ ، وإنّي مَسؤولٌ عَمّا اُرسِلتُ بِهِ إلَيكُم ، وعَمّا خَلَّفتُ فيكُم مِن كِتابِ اللّهِ وحُجَّتِهِ ، وإنَّكُم مَسؤولونَ ، فَما أنتُم قائِلونَ لِرَبِّكُم ؟ ثُمَّ قالَ لَهُم : أ لَستُم تَشهَدونَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنّي رَسولُ اللّهِ إلَيكُم ، وأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ ، وأنَّ النّارَ حَقٌّ ، وأنَّ البَعثَ بَعدَ المَوتِ حَقٌّ ؟ فَقالوا : نَشهَدُ بِذلِكَ . قالَ : اللّهُمَّ اشهَد عَلى ما يَقولونَ ! ألا وإنّي اُشهِدُكُم أنّي أشهَدُ أنَّ اللّهَ مَولايَ ، وأنَا مَولى كُلِّ مُسلِمٍ ، وأنَا أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ، فَهَل تُقِرّونَ لي بِذلِكَ وتَشهَدونَ لي بِهِ ؟ فَقالوا : نَعَم نَشهَدُ لَكَ بِذلِكَ . فَقالَ : ألا مَن كُنتُ مَولاهُ فَإِنَّ عَلِيّا مَولاهُ ، وهُوَ هذا . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام فَرَفَعَها مَعَ يَدِهِ حَتّى بَدَت آباطُهُما ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نصََرَهُ وَاخذُل مَن خَذَلَهُ ، ألا وإنّي فَرَطُكُم وأنتُم وارِدونَ عَلَيَّ الحَوضَ ؛ حَوضي غَدا ، وهُوَ حَوضٌ عَرضُهُ ما بَينَ بُصرى وصَنعاءَ ، فيهِ أقداحٌ مِن فِضَّةٍ عَدَدَ نُجومِ السَّماءِ ، ألا وإنّي سائِلُكُم غَدا : ماذا صَنَعتُم فيما أشهَدتُ اللّهَ بِهِ عَلَيكُم في يَومِكُم هذا إذا وَرَدتُم عَلَيَّ حَوضي ؟ وماذا صَنَعتُم بِالثَّقَلَينِ مِن بَعدي ؟ فَانظُروا كَيفَ تَكونونَ خَلَفتُموني فيهِما حينَ تَلقَوني ! قالوا : وما هذانِ الثَّقَلانِ يا رَسولَ اللّهِ ؟
.
ص: 560
قالَ : أمَّا الثَّقَلُ الأَكبَرُ فَكِتابُ اللّهِ عزّ وجلّ ، سَبَبٌ مَمدودٌ مِنَ اللّهِ ومِنّي في أيديكُم ، طَرَفُهُ بِيَدِ اللّهِ ، وَالطَّرَفُ الآخَرُ بِأَيديكُم ، فيهِ عِلمُ ما مَضى وما بَقِيَ إلى أن تَقومَ السّاعَةُ ؛ وأمَّا الثَّقَلُ الأَصغَرُ فَهُوَ حَليفُ (1) القُرآنِ ، وهُوَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وعِترَتُهُ . وإنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ (2) .
10 / 6 _ 8زَيدُ بنُ أرقَمَمسند ابن حنبل عن ميمون أبي عبد اللّه :قال زَيدُ بنُ أرقَمَ وأنَا أسمَعُ : نَزَلنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِوادٍ يُقالُ لَهُ وادي خُمٍّ ، فَأَمَرَ بِالصَّلاةِ فَصَلّاها بِهَجِيرٍ ، قالَ : فَخَطَبَنا ، وظُلِّلَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِثَوبٍ عَلى شَجَرَةٍ سَمُرَةٍ مِنَ الشَّمسِ ، فَقالَ : أ لَستُم تَعلَمونَ ، أوَلَستُم تَشهَدونَ أنّي أولى بِكُلِّ مُؤمِنٍ مِن نَفسِهِ ؟ قالوا : بَلى . قالَ : فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَإِنَّ عَلِيّا مَولاهُ ، اللّهُمَّ عادِ مَن عاداهُ ووالِ مَن والاهُ (3) .
المستدرك على الصحيحين عن زيد بن أرقم :خَرَجنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتَّى انتَهَينا إلى غَديرِ خُمٍّ ، فَأمَرَ بِرَوحٍ (4) فَكُسِحَ ، في يَومٍ ما أتى عَلَينا يَومٌ كانَ أشَدَّ حَرّا مِنهُ !فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! إنَّهُ لَم يُبعَث نَبِيٌّ قَطُّ إلّا ما عاشَ نِصفَ ما عاشَ الَّذي كانَ قَبلَهُ ، وإنّي اُوشِكُ أن اُدعى فَاُجيبَ ، وإنّي تارِكٌ فيكُم ما لَن تَضِلّوا بَعدَهُ ؛ كِتابَ اللّهِ عزّ وجلّ .
.
ص: 561
ثُمَّ قامَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضى الله عنه فَقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! مَن أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم ؟ قالوا : اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ ! قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (1) .
خصائص أمير المؤمنين عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم :لَمّا دَفَعَ (2) النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مِن حِجَّةِ الوَداعِ ونَزَلَ غَديرَ خُمٍّ ، أمَرَ بِدَوحاتٍ فَقُمِمنَ ، ثُمَّ قالَ : كَأَنّي دُعيتُ فَأَجَبتُ ، وإنّي تارِكٌ فيكُمُ الثَّقَلَينِ ، أحَدُهُما أكبَرُ مِنَ الآخَرِ ؛ كِتابُ اللّهِ وعِترَتي أهلُ بَيتي ، فَانظُروا كَيفَ تَخلُفوني فيهِما ! فَإِنَّهما لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ . ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ مَولايَ ، وأنَا وَلِيُّ كُلِّ مَؤمِنٍ . ثُمَّ إنَّهُ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضى الله عنه فَقالَ : مَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَهذا وَلِيُّهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . قالَ أبو الطُّفَيلِ : فَقُلتُ لِزَيدٍ : أنتَ سَمِعتَهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : نَعَم ، وإنَّهُ ما كانَ فِي الدَّوحاتِ أحَدٌ إلّا رَآهُ بِعَينِهِ وسَمِعَهُ بِاُذُنِهِ (3) .
المعجم الكبير عن زيد بن أرقم :نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَومَ الجُحفَةِ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَى النّاسِ ، فَحَمِد
.
ص: 562
اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : إنّي لا أجِدُ لِنَبِيٍّ إلّا نِصفَ عُمُرِ الَّذي قَبلَهُ ، وإنّي اُوشِكُ أن اُدعى فَاُجيبَ ، فَما أنتُم قائِلونَ ؟ قالوا : نَصَحتَ . قالَ : أ لَيسَ تَشهَدونَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ، وأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ والنّارَ حَقٌّ ، وأنَّ البَعثَ بَعدَ المَوتِ حَقٌّ ؟ قالوا : نَشهَدُ . قالَ : فَرَفَعَ يَدَيهِ فَوَضَعَهُما عَلى صَدرِهِ ، ثُمَّ قالَ : وأنَا أشهَدُ مَعَكُم . ثُمَّ قالَ : أ لا تَسمَعونَ ؟ قالوا : نَعَم . قالَ : فَإِنّي فَرَطُكُم عَلَى الحَوضِ ، وأنتمُ وارِدونَ عَلَيَّ الحَوضَ ، وإنَّ عَرضَهُ أبعَدُ ما بَينَ صَنعاءَ وبُصرى ، فيهِ أقداحٌ عَدَدَ النُّجومِ مِن فِضَّةٍ ، فَانظُروا كَيفَ تَخلُفوني فِي الثَّقَلَينِ ! فَنادى مُنادٍ : ومَا الثَّقَلانِ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : كِتابُ اللّهِ ، طَرَفٌ بِيَدِ اللّهِ عزّ وجلّ وطَرَفٌ بِأَيديكُم ، فَاستَمسِكوا بِهِ لا تَضِلّوا ؛ وَالآخَرُ عِترَتي . وإنَّ اللَّطيفَ الخَبيرَ نَبَّأَني أنَّهُما لَن يَتَفَرَّقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ، وسَأَلتُ ذلِكَ لَهُما رَبّي . فَلا تَقَدَّموهُما فَتَهلِكوا ، ولا تُقَصِّروا عَنهُما فَتَهلِكوا ، ولا تُعَلِّموهُم فَإِنَّهُم أعلَمُ مِنكُم . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضى الله عنه فَقالَ : مَن كُنتُ أولى بِهِ مِن نَفسي فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ (1) .
فضائل الصحابة عن أبي ليلى الكندي :سَمِعتُ زَيدَ بنَ أرقَمَ يَقولُ ونَحنُ نَنتَظِرُ جِنازَةً ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ القَومِ فَقالَ : أبا عامرٍ ! أسَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ لِعَلِيٍّ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟ قالَ : نَعَم .
.
ص: 563
قالَ أبو لَيلى : فَقُلتُ لِزَيدِ بنِ أرقَمَ : قالَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : نَعَم ، قَد قالَها لَهُ أربَعَ مَرّاتٍ (1) .
10 / 6 _ 9سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍتاريخ دمشق عن سعد بن أبي وقّاص :شَهِدتُ لَهُ [لِعَلِيٍّ عليه السلام ]أربَعاً . . . الرّابِعَةُ : يَومُ غَديرِ خُمٍّ ؛ قامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَبلَغَ ، ثُمَّ قالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ قالوا : بَلى . قالَ : اُدنُ يا عَلِيُّ . فَرَفَعَ يَدَهُ ورَفَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَدَهُ حَتّى نَظَرتُ إلى بَياضِ إبطَيهِ ، فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ _ حَتّى قالَها ثَلاثَ مَرّاتٍ _ (2) .
خصائص أمير المؤمنين عن سعد :كُنّا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِطَريقِ مَكَّةَ وهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَيها ، فَلَمّا بَلَغَ غَديرَ خُمٍّ وَقَّفَ النّاسَ ، ثُمَّ رَدَّ مَن مَضى ، ولَحِقَهُ مَن تَخَلَّفَ عَنهُ ، فَلَمّا اجتَمَعَ النّاسُ إلَيهِ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! هَل بَلَّغتُ ؟ قالوا : نَعَم . قالَ : اللّهُمَّ اشهَد ! _ ثَلاثَ مَرّاتٍ يَقولُها _ . ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! مَن وَلِيُّكُم ؟ قالوا : اللّهُ ورَسولُهُ _ ثَلاثا _ . ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَأَقامَهُ ، ثُمَّ قالَ : مَن كانَ اللّهُ ورَسولُهُ وَلِيَّهُ فَهذا وَلِيُّهُ ، اللّهُم
.
ص: 564
والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ (1) .
10 / 6 _ 10عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَشرح الأخبار عن عبد اللّه بن عمر :شَهِدتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الغَديرِ ، فَأَمَرَ بِشَجَراتٍ هُنالِكَ فَكُسِحَ ما تَحتَهُنّ ، وسَمِعتُهُ يَقولُ : أيُّهَا النّاسُ ! أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ فَأَجَبناهُ كُلُّنا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . فَأَخَذَ يَدَهُ فَوَضَعَها عَلى يَدِ عَلِيّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ثُمَّ رَفَعَها حَتّى رَأَينا بَياضَ إبطَيهِما ، ثُمَّ قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ وَاخذُل مَن خَذَلَهُ (2) .
10 / 7ذِكرَياتُ الإِمامِالإمام عليّ عليه السلام :خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى حِجَّةِ الوَداعِ ، ثُمَّ صارَ إلى غَديرِ خُمٍّ ، فَأَمَرَ فَاُصلِحَ لَهُ شِبهُ المِنبَرِ ، ثُمَّ عَلاهُ وأخَذَ بِعَضُدي حَتّى رُئِيَ بَياضُ إبطَيهِ ، رافِعا صَوتَهُ قائِلاً في مَحفِلِهِ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . فَكانَت عَلى وِلايَتي وِلايَةُ اللّهِ ، وعَلى عَداوَتي عَداوَةُ اللّهِ . وأنزَلَ اللّهُ عزّ وجلّ في ذلِكَ اليَومِ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (3) .
.
ص: 565
فَكانَت وِلايَتي كَمالَ الدّينِ ، ورِضَى الرَّبِّ جَلَّ ذِكرُهُ (1) .
عنه عليه السلام :عَمَّمَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ بِعِمامَةٍ سَدَلَها خَلفي ، ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ أمَدَّني يَومَ بَدرٍ وحُنَينٍ بِمَلائِكَةٍ يَعتَمّونَ هذِهِ العِمَّةَ (2) .
راجع : ج1 ص535 _ 546 (إكمال الدين ، والتتويج يوم الغدير ، ومناشدات عليّ) .
10 / 8أبياتُ حَسّانِ بنِ ثابِتٍالمناقب للخوارزمي عن أبي سعيد الخدري :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، يَومَ دَعَا النّاسَ إلى غَديرِ خُمٍّ ، أمَرَ بِما كان تَحتَ الشَّجَرَةِ مِنَ الشَّوكِ فَقُمَّ ، وذلِكَ يَومُ الخَميسِ ، ثُمَّ دعَا النّاسَ إلى عَلِيٍّ ، فَأَخَذَ بِضَبعِهِ (3) فَرَفَعَها حَتّى نَظَرَ النّاسُ إلى بَياضِ إبطِهِ ، ثُمَّ لَم يَتَفَرَّقا حَتّى نَزَلَت : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (4) . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُ أكبَرُ عَلى إكمالِ الدّينِ ، وإتمامِ النِّعمَةِ ، ورِضَى الرَّبِّ بِرِسالاتي ، وَالوِلايَةِ لِعَلِيٍّ ! ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ . فَقالَ حَسّانُ بنُ ثابِتٍ : اِيذَن لي يا رَسولَ اللّهِ أن أقولَ أبياتا . قالَ : قُل بِبَرَكَةِ اللّه
.
ص: 566
تَعالى . فَقالَ حَسّانُ بنُ ثابِتٍ : يا مَعشَرَ مَشيخَةِ قُرَيشٍ ! اسمَعوا شَهادَةَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ : يُناديهِمُ يَومَ الغَديرِ نَبِيُّهُم بِخُمٍّ وأسمِع بِالرَّسولِ مُنادِيا بِأَنّي مَولاكُم نَعَم ونَبِيُّكُم فَقالوا ولَم يُبدوا هُناكَ التَّعامِيا إلهُكَ مَولانا وأنتَ وَلِيُّنا ولا تَجِدَن فِي الخَلقِ لِلأَمرِ عاصِيا فَقالَ لَهُ قُم يا عَلِيُّ فَإِنَّني رَضيتُكَ مِن بَعدي إماما وهادِيا (1)
الأمالي للصدوق عن أبي سعيد :لَمّا كانَ يَومُ غَديرِ خُمٍّ أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُنادِيا ، فَنادى : الصَّلاةَ جامِعَةً ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام وقالَ : اللّهُمَّ مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . فَقالَ حَسّانُ بنُ ثابِتٍ : يا رَسولَ اللّهِ ، أقولُ في عَلِيٍّ شِعرا ؟ فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِفعَل . فَقالَ : يُناديهِمُ يَومَ الغَديرِ نَبِيُّهُم بِخُمٍّ وأكرِم بِالنَّبِيِّ مُنادِيا يَقولُ فَمَن مَولاكُم ووَلِيُّكُم فَقالوا ولَم يُبدوا هُناكَ التَّعادِيا إلهُكَ مَولانا وأنتَ وَلِيُّنا ولَن تَجِدَن مِنّا لَكَ اليَومَ عاصِيا فَقالَ لَهُ قُم يا عَلِيُّ فَإِنَّني رَضيتُكَ مِن بَعدي إماماوهادِيا (2)
.
ص: 567
تذكرة الخواصّ :قَد أكثَرَتِ الشُّعَراءُ في يَومِ غَديرِ خُمٍّ ، فَقالَ حَسّانُ بنُ ثابِتٍ : يُناديهِمُ يَومَ الغَديرِ نَبِيُّهُم بِخُمٍّ فَأَسمِع بِالرَّسولِ مُنادِيا وقالَ فَمَن مَولاكُم ووَلِيُّكُم فَقالوا ولَم يُبدوا هُناكَ التَّعامِيا إلهُكَ مَولانا وأنتَ وَلِيُّنا وما لَكَ مِنّا فِي الوِلايَةِ عاصِيا فَقالَ لَهُ قُم يا عَلِيُّ فَإِنَّني رَضيتُكَ مِن بَعدي إماما وهادِيا فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا وَلِيُّهُ فَكونوا لَهُ أنصارَ صِدقٍ مَوالِيا هُناكَ دَعَا اللّهُمَّ والِ وَلِيَّهُ وكُن لِلَّذي عادى عَلِيّا مُعادِيا ويُروى أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَمّا سَمِعَهُ يُنشِدُ هذِهِ الأَبياتَ قالَ لَهُ : يا حَسّانُ ، لا تَزالُ مُؤَيَّدا بِروحِ القُدُسِ ما نَصَرتَنا أو نافَحتَ (1) عَنّا بِلِسانِكَ (2) .
راجع : ج 5 ص 101 (الفصل العاشر : عليّ عن لسان الشعراء) .
10 / 9سُؤالُ عَذابٍ واقِعٍ«وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَ_ذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» (3) .
.
ص: 568
«سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَ_فِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» (1) .
الإمام عليّ عليه السلام :أنَا الَّذي نَزَلَ عَلى أعدائي : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَ_فِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» ؛ بِمَعنى مَن أنكَرَ وِلايَتي ، وهُوَ النُّعمانُ بنُ الحارِثِ اليَهودِيُّ ، لَعَنَهُ اللّهُ تَعالى ! (2)
الإمام الباقر عن الإمام زين العابدين عليهماالسلام :لَمّا نَصَبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا يَومَ غَديرِ خُمٍّ فَقالَ : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» طارَ ذلِكَ فِي البِلادِ ، فَقَدِمَ عَلى رَسولِ اللّهِ النُّعمانُ بنُ الحارِثِ الفِهِريُّ ، فَقالَ : أمَرتَنا عَنِ اللّهِ أن نَشهَدَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وأنَّكَ رَسولُ اللّهِ ، وأمَرتَنا بِالجِهادِ وَالحَجِّ وَالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَالصَّومِ ، فَقَبِلناها مِنكَ ، ثُمَّ لَم تَرضَ حَتّى نَصَبتَ هذَا الغُلامَ فَقُلتَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ ! فَهذا شَيءٌ مِنكَ أو أمرٌ مِن عِندِ اللّهِ ؟ ! قالَ : أمرٌ مِن عِندِ اللّهِ . قالَ : اللّهُ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ إنَّ هذا مِنَ اللّهِ ؟ قالَ : اللّهُ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ إنَّ هذا مِنَ اللّهِ . قالَ : فَوَلَّى النُّعمانُ وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ هذا هُوَ الحَقُّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائتِنا بِعَذابٍ أليمٍ ! فَرَماهُ اللّهُ بِحَجَرٍ عَلى رَأسِهِ فَقَتَلَهُ . فَأَنزَلَ اللّهُ تَعالى : «سَأَلَ سَآئِل» (3) .
تأويل الآيات الظاهرة عن حسين بن محمّد :سَأَلتُ سُفيانَ بنَ عُيَينَةَ عَن قَولِ اللّهِ عزّ وجلّ :
.
ص: 569
«سَأَلَ سَآئِل» فيمَن نَزَلَت ؟ فَقالَ : يَا بنَ أخي ، لَقَد سَأَلتَني عَن شَيءٍ ما سَأَلَني عَنهُ أحَدٌ قَبلَكَ ، لَقَد سَأَلتُ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام عَنِ مِثلِ الَّذي سَأَلتَني فَقالَ : أخبَرَني أبي ، عَن جَدّي ، عَن أبيهِ ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ : لَمّا كانَ يَومُ غَديرِ خُمٍّ قامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خَطيبا ، فَأَوجَزَ في خُطبَتِهِ ، ثُمَّ دَعا عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام فَأَخَذَ بِضَبعَيهِ ، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتّى رُئِيَ بَياضُ إبطَيهِ ، وقالَ لِلنّاسِ : أ لَم اُبَلِّغكُمُ الرِّسالَةَ ؟ أ لَم أنصَح لَكُم ؟ قالوا : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . قالَ : فَفَشَت هذِهِ فِي النّاسِ ، فَبَلَغَ ذلِكَ الحارِثَ بنَ النُّعمانِ الفِهرِيَّ ، فَرَحَّلَ راحِلَتَهُ ثُمَّ استَوى عَلَيها _ ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ ذاكَ فِي الأبطَحِ (1) _ فَأَناخَ ناقَتَهُ ثُمَّ عَقَلَها ، ثُمَّ أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَسَلَّمَ ، ثُمَّ قالَ : يا عَبدَ اللّهِ ! إنَّكَ دَعَوتَنا إلى أن نَقولَ : لا إلهَ إلَا اللّهُ ، فَقُلنا ، ثُمَّ دَعَوتَنا إلى أن نَقولَ : إنَّكَ رَسولُ اللّهِ ، فَقُلنا وفِي القَلبِ ما فيهِ ! ثُمَّ قُلتَ لَنا : صَلّوا ، فَصَلَّينا ، ثُمَّ قُلتَ لَنا : صوموا ، فَصُمنا ، ثُمَّ قُلتَ لَنا : حُجّوا فَحَجَجنا ، ثُمَّ قُلتَ لَنا : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ» ، فَهذا عَنكَ أو عَنِ اللّهِ ؟ ! فَقالَ لَهُ : بَل عَنِ اللّهِ _ فَقالَها ثَلاثا _ . فَنَهَضَ وإنَّهُ لَمُغضَبٌ ، وإنَّهُ يَقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ ما يَقولُ مُحَمَّدٌ حَقّا ، فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ تَكونُ نِقمَةً في أوَّلِنا وآيَةً في آخِرِنا ؛ وإن كانَ ما يَقولُ كَذِبا فَأَنزِل بِهِ نِقمَتَكَ ! ثُمَّ استَوى عَلى ناقَتِهِ فَأَثارَها (2) ، فَلَمّا خَرَجَ مِنَ الأَبطَحِ رَماهُ اللّهُ بِحَجَرٍ عَلى
.
ص: 570
رَأسِهِ ، فَخَرَجَ مِن دُبُرِهِ ، فَسَقَطَ مَيِّتا ! فَأَنزَلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَ_فِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِى الْمَعَارِجِ» (1) .
السيرة الحلبيّة :قالَ بَعضُهُم : ولَمّا شاعَ قَولُهُ صلى الله عليه و آله : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» ، في سائِرِ الأَمصارِ وطارَ في جَميعِ الأَقطارِ ؛ بَلَغَ الحارِثَ بنَ النُّعمانِ الفِهرِيَّ ، فَقَدِمَ المَدينَةَ ، فَأَناخَ راحِلَتَهُ عِندَ بابِ المَسجِدِ ، فَدَخَلَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله جالِسٌ وحَولَهُ أصحابُهُ ، فَجاءَ حَتّى جَثا (2) بَينَ يَدَيهِ ، ثُمَّ قالَ : يا مُحَمَّدُ ! إنَّكَ أمَرتَنا أن نَشهَدَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وأنَّكَ رَسولُ اللّهِ ، فَقَبِلنا ذلِكَ مِنكَ ، وإنَّكَ أمَرتَنا أن نُصَلِّيَ فِي اليَومِ وَاللَّيلَةِ خَمسَ صَلَواتٍ ، ونَصومَ شَهرَ رَمَضانَ ، ونُزَكِّيَ أموالَنا ، ونَحُجَّ البَيتَ ، فَقَبِلنا ذلِكَ مِنكَ ، ثُمَّ لَم تَرضَ بِهذا حَتّى رَفَعتَ بِضَبعَيِ ابنِ عَمِّكَ فَفَضَّلتَهُ وقُلتَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ! فَهذا شَيءٌ مِنَ اللّهِ أو مِنكَ ؟ ! فَاحمَرَّت عَينا رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقالَ : وَاللّهِ الّذي لا إلهَ إلّا هُوَ إنَّهُ مِن اللّهِ ولَيسَ مِنّي _ قالَها ثَلاثا _ . فَقامَ الحارِثُ وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ هذا هُوَ الحَقُّ مِن عِندِكَ _ وفي رِوايَةٍ : اللّهُمَّ إن كانَ ما يَقولُ مُحَمَّدٌ حَقّا _ فَأَرسِل عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائتِنا بِعَذابٍ أليمٍ ! فَوَاللّهِ ما بَلَغَ بابَ المَسجِدِ حَتّى رَماهُ اللّهُ بِحَجَرٍ مِنَ السَّماءِ ، فَوَقَعَ عَلى رَأسِهِ ، فَخَرَجَ مِن دُبُرِهِ فَماتَ !
.
ص: 571
وأنزَلَ اللّهُ تَعالى : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَ_فِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» الآيَةَ . وكانَ ذلِكَ اليَومُ الثّامِن عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ (1) .
تفسير القرطبي_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» _: قيلَ : إنَّ السّائِلَ هُنا هُوَ الحارِثُ بنُ النُّعمانِ الفِهرِيُّ . وذلِكَ أنَّهُ لَمّا بَلَغَهُ قَولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في عَلِيٍّ رضى الله عنه : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» رَكِبَ ناقَتَهُ فَجاءَ حَتّى أناخَ راحِلَتَهُ بِالأَبطَحِ ، ثُمَّ قالَ : يا مُحَمَّدُ ! أمَرتَنا عَنِ اللّهِ أن نَشهَدَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وأنَّكَ رَسولُ اللّهِ ، فَقَبِلناهُ مِنكَ ، وأن نُصَلِّيَ خَمسا ، فَقَبِلناهُ مِنكَ ، ونُزَكِّيَ أموالَنا ، فَقَبِلناهُ مِنكَ ، وأن نَصومَ شَهرَ رَمَضانَ في كُلِّ عامٍ ، فَقَبِلناهُ مِنكَ ، وأن نَحُجَّ ، فَقَبِلناهُ مِنكَ . ثُمَّ لَم تَرضَ بِهذا حَتّى فَضَّلتَ ابنَ عَمِّكَ عَلَينا ! أفَهذا شَيءٌ مِنكَ أم مِنَ اللّهِ ؟ ! فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ما هُوَ إلّا مِنَ اللّهِ . فَوَلَّى الحارِثُ وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ ما يَقولُ مُحَمَّدٌ حَقّا فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائتِنا بِعَذابٍ أليمٍ ! فَوَاللّهِ ما وَصَلَ إلى ناقَتِهِ حَتّى رَماهُ اللّهُ بِحَجَرٍ ، فَوَقَعَ عَلى دِماغِهِ ، فَخَرَجَ مِن دُبُرِهِ فَقَتَلَهُ ! فَنَزَلَت : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» الآيَةَ (2) .
المناقب لابن شهر آشوب :أبو عُبَيدٍ ، وَالثَّعلَبِيُّ ، وَالنَقّاشُ ، وسُفيانُ بنُ عُيَينَةَ، وَالرّازِيُّ، وَالقَزوينِيُّ، والنَّيسابورِيُّ، وَالطَّبرِسِيُّ، وَالطّوسِيُّ، في تَفاسيرِهِم: أنَّهُ لَمّا بَلَّغَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِغَديرِ خُمٍّ ما بَلَّغَ وشاعَ ذلِكَ فِي البِلادِ ؛ أتَى الحارِثُ بنُ النُّعمانِ الفِهرِيُّ_ وفي رِوايَةِ أبي عُبَيدٍ : جابِرُ بنُ النَّضرِ بنِ الحارِثِ بنِ كَلدَةَ العَبدَرِيُّ _ فَقالَ :
.
ص: 572
يا مُحَمَّدُ ! أمَرتَنا عَنِ اللّهِ بِشَهادَةِ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ ، وبِالصَّلاةِ وَالصَّومِ وَالحَجِّ وَالزَّكاةِ ، فَقَبِلنا مِنكَ ، ثُمَّ لَم تَرضَ بِذلِكَ حَتّى رَفَعتَ بِضَبعِ ابنِ عَمِّكَ فَفَضَّلتَهُ عَلَينا وقُلتَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ! فَهذا شَيءٌ مِنكَ أم مِنَ اللّهِ ؟ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وَالَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ إنَّ هذا مِنَ اللّهِ . فَوَلَّى الحارِثُ يُريدُ راحِلَتَهُ وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ ما يَقولُ مُحَمَّدٌ حَقّا فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائتِنا بِعَذابٍ أليمٍ ! فَما وَصَلَ إلَيها حَتّى رَماهُ اللّهُ بِحَجَرٍ فَسَقَطَ عَلى هامَتِهِ ، وخَرَجَ مِن دُبُرِهِ وقَتَلَهُ ! وأنزَلَ اللّهُ تَعالى : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» الآيَةَ . وفي شَرحِ الأَخبارِ أنَّهُ نَزَلَ : «أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ» (1)(2) .
راجع : كتاب «الغدير» : ج1 ص239 _ 266 .
10 / 10اِحتِجاجُ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِفاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ لَمّا مُنِعَت فَدَكَ وخاطَبَتِ الأَنصارَ ، فَقالوا : يا بِنتَ مُحَمَّدٍ ، لَو سَمِعنا هذَا الكَلامَ مِنكَ قَبلَ بَيعَتِنا لِأَبي بَكرٍ ما عَدَلنا بِعَلِيٍّ أحَدا ، فَقالَت _: وهَل تَرَكَ أبي يَومَ غَديرِ خُمٍّ لِأَحَدٍ عُذرا ؟ (3)
عنها عليهاالسلام :أنَسيتُم قَولَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟ (4)(5)
.
ص: 573
عنها عليهاالسلام_ خِطابا لِقَومٍ وَقَفوا خَلفَ بابِ بَيتِها لِأَخذِ البَيعَةِ مِن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام _: لا عَهدَ لي بِقَومٍ أَسوَأَ مَحضَرا مِنكُم ! تَرَكتُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله جِنازَةً بَينَ أيدينا ، وقَطَعتُم أمرَكُم فيما بَينَكُم ، ولَم تُؤَمِّرونا ولَم تَرَوا لَنا حَقّا ، كَأَنَّكُم لَم تَعلَموا ما قالَ يَومَ غَديرِ خُمٍّ ، وَاللّهِ لَقَد عَقَدَ لَهُ يَومَئِذٍ الوَلاءَ لِيَقطَعَ مِنكُم بِذلِكَ مِنهَا الرَّجاءَ ، ولكِنَّكُم قَطَعتُمُ الأَسبابَ بَينَكُم وبَينَ نَبِيِّكُم ، وَاللّهُ حَسيبٌ بَينَنا وبَينَكُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ (1) .
راجع : كتاب «الغدير» : ج 1 ص 196 (احتجاج الصدّيقة فاطمة بنت رسول اللّه ) .
10 / 11اِحتِجاجُ عَلِيٍّالاحتجاج :قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام [بَعدَ وَفاةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله وَانتِخابِ أبي بَكرٍ ] : يا مَعاشِرَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، اللّهَ اللّهَ لاتَنسَوا عَهدَ نَبِيِّكُم إلَيكُم في أمري ، ولا تُخرِجوا سَلطانَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِن دارِهِ وقَعرِ بَيتِهِ إلى دورِكُم وقَعرِ بُيوتِكُم ، ولاتَدفَعوا أهلَهُ عَن حَقِّهِ ومَقامِهِ في النّاسِ ! فَوَاللّهِ يا مَعاشِرَ الجَمعِ ! إنَّ اللّهَ قَضى وحَكَمَ ونَبِيُّهُ أعلَمُ وأنتُم تَعلَمونَ أنّا أهلَ البَيتِ أحَقُّ بِهذَا الأَمرِ مِنكُم ، أ ما كانَ القارِئُ مِنكُم لِكِتابِ اللّهِ ، الفَقيهُ في دينِ اللّهِ ، المُضطَلِعُ بِأَمرِ الرَّعِيَّةِ ؟ وَاللّهِ إنَّهُ لفينا لا فيكُم ! فَلا تَتَّبِعُوا الهَوى فَتَزدادوا مِنَ الحَقِّ بُعداً ، وتُفسِدوا قَديمَكُم بِشَرٍّ مِن حَديثِكُم . فَقالَ بَشيرُ بنُ سَعدٍ الأَنصارِيُّ الَّذي وَطَّأَ الأَرضَ لِأَبي بَكرٍ ، وقالَت جَماعَةٌ مِنَ الأَنصارِ: يا أبَا الحَسَنِ ، لَو كانَ هذَا الأَمرُ سَمِعَتهُ مِنكَ الأَنصارُ قَبلَ بَيعَتِها لِأَبي بَكرٍ مَا اختَلَفَ فيكَ اثنانِ. فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : ياهؤُلاءِ ! أ كُنتُ أدَعُ رَسولَ اللّهِ مُسَجّىً لا اُواريهِ وأخرُجُ اُنازِع
.
ص: 574
في سُلطانِهِ ؟ وَاللّهِ ماخِفتُ أحَداً يَسمو لَهُ ويُنازِعُنا أهلَ البَيتِ فيهِ ، ويَستَحِلَّ مَا استَحلَلتُموهُ ، ولا عَلِمتُ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَرَكَ يَومَ غَديرِ خُمٍّ لِأَحَدٍ حُجَّةً ، ولا لِقائِلٍ مَقالاً (1) .
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كَلامِهِ عليه السلام لَمّا عَزَمَ عَلَى المَسيرِ إلَى الشّامِ لِقِتالِ مُعاوِيَةَ _: فَالعَجَبُ مِن مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ ! يُنازِعُنِي الخِلافَةَ ، ويَجحَدُنِي الاِءمامَةَ ، ويَزعُمُ أنَّهُ أحَقُّ بِها مِنّي ، جُرأَةً مِنهُ عَلَى اللّهِ وعَلى رَسولِهِ ، بِغَيرِ حَقٍّ لَهُ فيها ولا حُجَّةٍ ، لَم يُبايِعهُ عَلَيهَا المُهاجِرونَ ، ولا سَلَّمَ لَهُ الأَنصارُ والمُسلِمونَ... ما بالُ مُعاوِيَةَ وأصحابِهِ طاعِنينَ في بَيعَتي ؟ ! ولِمَ لَم يَفوا بِها لي وأنَا في قَرابَتي وسابِقَتي وصِهري أولى بِالأَمرِ مِمَّن تَقَدَّمَني ؟ أ ما سَمِعتُم قَولَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الغَديرِ في وِلايَتي وموالاتي ؟ فَاتَّقُوا اللّهَ أيُّهَا المُسلِمونَ (2) .
المناقب لابن شهر آشوب :رَوى عَلقَمَةُ أنَّهُ خَرَجَ يَومَ صِفّينَ رَجُلٌ مِن عَسكَرِ الشّامِ وعَلَيهِ سِلاحٌ ومُصحَفٌ فَوقَهُ ، وهُوَ يَقولُ: «عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ» (3) فَأَرَدتُ البِرازَ ، فَقالَ عليه السلام : مَكانك. وخَرَجَ بِنَفسِهِ وقالَ : أ تَعرِفُ النَّبَأَ العَظيمَ الَّذي هُم فيهِ مُختَلِفونَ ؟قالَ: لا ، قالَ: وَاللّهِ إنّي أنَا النَّبَأُ العَظيمُ الَّذي فِيَّ اختَلَفتُم ، وعَلى وِلايَتي تَنازَعتُم ، وعَن وِلايَتي رَجَعتُم بَعدَما قَبِلتُم ، وبِبَغيِكُم هَلَكتُم بَعدَما بِسَيفي نَجَوتُم ، ويَومَ غَديرٍ قَد عَلِمتُم ، ويَومَ القِيامَةِ تَعلَمونَ ما عَلِمتُم ، ثُمَّ عَلاهُ بِسَيفِهِ فَرَمى رَأسَهُ ويَدَهُ ، ثُمَّ قالَ : أبَى اللّهُ إلّا أنَّ صِفّينَ دارُنا ودارُكُم ما لاحَ فِي الاُفُقِ كَوكَبٌ وحَتّى تَموتوا أو نَموتَ ومالَنا ومالَكُم عَن حَومَةِ الحَربِ مَهرَبٌ (4)
.
ص: 575
الإمام عليّ عليه السلام_ مِن كِتابٍ كَتَبَهُ بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِنَ النَّهرَوانِ وأمَرَ أن يُقرَأَ عَلَى النّاسِ _: إنَّ هذَا لَأَمرٌ عَجيبٌ ، ولَم يَكونوا لِوِلايَةِ أحَدٍ مِنهُم أكرَهَ مِنهُم لِوِلايَتي ، كانوا يَسمَعونَ وأنَا اُحاجُّ أبا بَكرٍ وأقولُ يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ، أنَا أحَقُّ بِهذَا الأَمرِ مِنكُم ما كان مِنكُم مَن يَقرَأُ القُرآنَ ويَعرِفُ السُّنَّةَ ، ويَدينُ بِدينِ اللّهِ الحَقِّ ، وإنَّما حُجَّتي أنّي وَلِيُّ هذَا الأَمرِ مِن دون قُرَيشٍ ، إنَّ نَبِيَّ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ: الوَلاءُ لِمَن أعتَقَ . فَجاءَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِعِتقِ الرِّقابِ مِنَ النّارِ وأعتَقَها مِنَ الرِّقِّ ، فَكانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَلاءُ هذِهِ الاُمَّةِ . وكانَ لي بَعدَهُ ما كانَ لَهُ ، فَما جازَ لِقُرَيشٍ مِن فَضلِها عَلَيها بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله جازَ لِبَني هاشِمٍ عَلى قُرَيشٍ ، وجازَ لي عَلى بَني هاشِمٍ بِقَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ: مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ . إلّا أن تَدَّعِيَ قُرَيشٌ فَضلَها عَلَى العَرَبِ بِغَيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَإِن شاؤوا فَليَقولوا ذلِكَ (1) .
الأمالي للمفيد عن أبي عليّ الهمداني :إنَّ عَبدَ الرَّحمنِ بنِ أبي لَيلَى قامَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ إنّي سائِلُكَ لِاخُذَ عَنكَ ، وقَدِ انتَظَرنا أن تَقولَ مِن أمرِكَ شَيئاً فَلَم تَقُلهُ ، أ لا تُحَدِّثُنا عَن أمرِكَ هذا أكانَ بِعَهدٍ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أو شَيءٍ رَأَيتَهُ ؟ فَإِنّا قَد أكثَرنا فيكَ الأَقاويلَ ، وأوثقُهُ عِندَنا ما قَبِلناهُ عَنكَ وسَمِعناهُ مِن فيكَ. إنّا كُنّا نَقولُ: لَو رَجَعَت إلَيكم بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يُنازِعكُم فيها أحَدٌ ، وَاللّهِ ما أدري إذا سُئِلتُ ما أقولُ ! أزعُمُ أنَّ القَومَ كانوا أولى بِما كانوا فيهِ مِنكَ ؛ فَإِن قُلتُ ذلِكَ ، فَعَلامَ نَصَبَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَعدَ حِجَّةِ الوِداعِ ؟ فَقالَ : « أيُّهَا النّاسُ مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ». وإن تَكُ أولى مِنهُم بِما كانوا فيهِ فَعَلامَ نَتَوَلّاهُم ؟ فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : يا عَبدَ الرَّحمنِ ، إنَّ اللّهَ تَعالى قَبَضَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله وأنَا يَومَ قَبَضَه
.
ص: 576
أولى بِالنّاسِ مِنّي بِقَميصي هذا ، وقَد كانَ مِن نَبِيِّ اللّهِ إلَيَّ عَهدٌ لَو خَزَمتُموني بِأَنفي لَأَقرَرتُ سَمعاً للّهِِ وطاعَةً ، وإنَّ أوَّلَ مَا انتَقَصناهُ بَعدَهُ إبطالُ حَقِّنا فِي الخُمُسِ ، فَلَمّا رَقَّ أمرُنا طَمِعَت رُعيانُ البَهَمِ مِن قُرَيشٍ فينا ، وقَد كانَ لي عَلَى النّاسِ حَقٌّ لَو رَدّوهُ إلَيَّ عَفواً قَبِلتُهُ وقُمتُ بِهِ وكانَ إلى أجَلٍ مَعلومٍ ، وكُنتُ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَى النّاسِ حَقٌّ إلى أجَلٍ ، فَإِن عَجَّلوا لَهُ مالَهُ أخَذَهُ وحَمِدَهُم عَلَيهِ ، وإن أخَّروهُ أخَذَهُ غَيرَ مَحمودينَ ، وكُنتُ كَرَجُلٍ يَأخُذُ السُّهولَةَ وهُوَ عِندَ النّاسِ مَحزونٌ . وإنَّما يُعرَفُ الهُدى بِقِلَّةِ مَن يَأخُذُهُ مِنَ النّاسِ ، فَإِذا سَكَتُّ فَأَعفوني فَإِنَّهُ لَو جاءَ أمرٌ تَحتاجونَ فيهِ إلَى الجَوابِ أجَبتُكُم ، فَكُفّوا عَنّي ما كَفَفتُ عَنكُم. فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَأَنتَ لَعَمرُكَ كَما قالَ الأَوَّلُ: لَعَمرُكَ لَقَد أيقَظتَ مَن كانَ نائِماً وأسمَعتَ مَن كانَت لَهُ اُذُنانِ (1)
10 / 12مُناشَداتُ عَلِيٍّمسند ابن حنبل عن أبي الطفيل :جَمَع عَلِيٌّ رضى الله عنه النّاسَ فِي الرَّحبَةِ (2) ، ثُمَّ قالَ لَهُم : أنشُدُ اللّهَ كُلَّ امرِئٍ مُسلِمٍ سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ ما سَمِعَ لَمّا قامَ . فَقامَ ثَلاثونَ مِنَ النّاسِ _ وقالَ أبو نَعيمٍ : فَقامَ ناسٌ كَثيرٌ _ فَشَهِدوا حينَ أخَذَهُ بِيَدِهِ فَقالَ لِلنّاسِ : أ تَعلَمونَ أنّي أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ قالوا : نَعَم يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ .
.
ص: 577
قالَ : فَخَرَجتُ وكَأَنَّ في نَفسي شَيئا ، فَلَقيتُ زَيدَ بنَ أرقَمَ ، فَقُلتُ لَهُ : إنّي سَمِعتُ عَلِيّا رضى الله عنه يَقولُ كَذا وكَذا . قالَ : فَما تُنكِرُ ؟ قَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ ذلِكَ لَهُ (1) .
اُسد الغابة عن أبي الطفيل :كُنّا عِندَ عَلِيٍّ رضى الله عنه فَقالَ : أنشُدُ اللّهَ تَعالى مَن شَهِدَ يَومَ غَديرِ خُمٍّ إلّا قامَ . فَقامَ سَبعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ؛ مِنهُم أبو قُدامَةَ الأَنصارِيُّ ، فَقالوا : نَشهَدُ أنّا أقبَلنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن حِجَّةِ الوَداعِ ، حَتّى إذا كانَ الظُّهرُ خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَأَمَرَ بِشَجَراتٍ فَشُدِدنَ ، واُلقِيَ عَلَيهِنَّ ثَوبٌ ، ثُمَّ نادى : الصَّلاةَ ، فَخَرَجنا فَصَلَّينا ، ثُمَّ قامَ فَحَمِدَ اللّهَ تَعالى وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! أ تَعلَمونَ أنَّ اللّهَ عزّوجلّ مَولايَ وأنَا مَولَى المُؤمِنين ، وأنّي أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم ؟ يَقولُ ذلِكَ مِرارا . قُلنا : نَعَم ، وهُوَ آخِذٌ بِيَدِكَ يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . ثَلاثَ مَرّاتٍ (2) .
مسند ابن حنبل عن زيد بن أرقم :اِستَشهَدَ عَلِيٌّ النّاسَ ، فَقالَ : أنشُدُ اللّهَ رَجُلاً سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : اللّهُمَّ مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، فَقامَ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلاً فَشَهِدوا (3) .
مسند ابن حنبل عن زاذان بن عمر :سَمِعتُ عَلِيّا فِي الرَّحبَةِ وهُوَ يَنشُدُ النّاسَ : مَن شَهِد
.
ص: 578
رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ وهُوَ يَقولُ ما قالَ ؟ فَقامَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَشَهِدوا أنَّهُم سَمِعوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (1) .
المعجم الأوسط عن عميرة بن سعد :سَمِعتُ عَلِيّا يَنشُدُ النّاسَ : مَن سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟ فَقامَ ثَلاثَةَ عَشَرَ ، فَشَهِدوا أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (2) .
مسند ابن حنبل عن زياد بن أبي زياد :سَمِعتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رضى الله عنه يَنشُدُ النّاسَ ، فَقالَ : أنشُدُ اللّهَ رَجُلاً مُسلِما سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ ما قالَ ؟ فَقامَ : اِثنا عَشَرَ بَدرِيّا فَشَهِدوا (3) .
السنّة عن المهاجر بن عميرة أو عميرة بن المهاجر :سَمِعتُ عَلِيّا رضى الله عنه ناشَدَ النّاسَ عَلَى المِنبَرِ : مَن سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟ فَقامَ اثنا عَشَرَ رَجُلاً ، فَقالوا : سَمِعنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُهُ (4) .
مسند ابن حنبل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى :شَهِدتُ عَلِيّا فِي الرَّحبَةِ يَنشُدُ النّاسَ : أنشُدُ اللّهَ مَن سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . لَمّا
.
ص: 579
قامَ فَشَهِدَ . قالَ عَبدُ الرَّحمنِ : فَقامَ اثنا عَشَرَ بَدرِيّا كَأَنّي أنظُرُ إلى أحَدِهِم ، فَقالوا : نَشهَدُ أنّا سَمِعنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ : أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم وأزواجي اُمَّهاتِهِم ؟ فَقُلنا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ (1) .
خصائص أمير المؤمنين عن زيد بن يثيع :سَمِعتُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رضى الله عنهيَقولُ عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ : إنّي أنشُدُ اللّهَ رَجُلاً _ ولا أنشُدُ إلّا أصحابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله _ سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ . فَقامَ سِتَّةٌ مِن جانِبِ المِنبَرِ ، وسِتَّةٌ مِنَ الجانِبِ الآخَرِ ، فَشَهِدوا أنَّهُم سَمِعوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ ذلِكَ (2) .
شرح الأخبار عن أبي رملة :كُنتُ جالِسا عِندَ عَلِيٍّ عليه السلام فِي الرَّحبَةِ ؛ إذ أقبَلَ إلَينا أربَعَةٌ عَلى نَجائِبَ (3) ، فَأَناخوها عَن بُعدٍ ، ثُمَّ تَقَدَّموا حَتّى وَقَفوا عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقالوا : السَّلام
.
ص: 580
عَلَيكَ يا مَولانا . قالَ : وعَلَيكُمُ السَّلامُ ، مِن أينَ أقبَلتُم ؟ قالوا : أقبَلنا مِن أرضٍ كَذا وكَذا . قالَ : ولِمَ دَعَوتُموني مَولاكُم ؟ قالوا : سَمِعنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . فَقالَ _ عِندَ ذلِكَ _ : اُناشِدُ اللّهَ رَجُلاً سَمِعَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ ما يَقولُهُ هؤُلاءِ الرَّهطُ إلّا قامَ فَتَكَلَّمَ ، فَقامَ اثنا عَشَرَ رَجُلاً ، فَشَهِدوا بِذلِكَ (1) .
خصائص أمير المؤمنين عن عمرو ذي مرّ :شَهِدتُ عَلِيّا بِالرَّحبَةِ يَنشُدُ أصحابَ مُحَمَّدٍ : أيُّكُم سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ ما قالَ ؟ قالَ : فَقامَ اُناسٌ فَشَهِدوا أنَّهُم سَمِعوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَإِنَّ عَلِيّا مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ ، وأحِبَّ مَن أحَبَّهُ ، وأبغِض مَن أبغَضَهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ (2) .
اُسد الغابة عن يعلى بن مرّة :سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ . فَلَمّا قَدِمَ عَلِيٌّ الكوفَةَ نَشَدَ النّاسَ : مَن سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ؟ فَانتَشَدَ لَهُ بِضعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فيهِم : عامِرُ بنُ لَيلَى الغِفارِيُّ (3) .
اُسد الغابة عن الأصبغ بن نباتة :نَشَدَ عَلِيٌّ النّاسَ : مَن سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَوم
.
ص: 581
غَديرِ خُمٍّ ما قالَ إلّا قامَ . فَقامَ بِضعَةَ عَشَرَ ؛ فيهِم أبو أيّوبَ الأَنصارِيُّ وأبو زَينَبَ ، فَقالوا : نَشهَدُ أنّا سَمِعنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأخَذَ بِيَدِكَ يَومَ غَديرِ خُمٍّ فَرَفَعَها فَقالَ : أ لَستُم تَشهَدونَ أنّي قَد بَلَّغتُ ونَصَحتُ ، قالوا : نَشهَدُ أنَّكَ قَد بَلَّغتَ ونَصَحتَ . قالَ : ألا إنَّ اللّهَ عزّوجلّ وَلِيّي وأنَا وَلِيُّ المُؤمِنينَ ، فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ ، وأحِبَّ مَن أحَبَّهُ ، وأعِن مَن أعانَهُ ، وأبغِض مَن أبغَضَهُ (1) .
اُسد الغابة عن الأصبغ بن نباتة :نَشَدَ عَلِيٌّ النّاسَ فِي الرَّحبَةِ : مَن سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ ما قالَ إلّا قامَ ، ولا يَقومُ إلّا مَن سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ . فَقامَ بِضعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ؛ فيهِم أبو أيّوبَ الأَنصارِيُّ ، وأبو عَمرَةَ بنُ عَمرِو بنِ مِحصَنٍ ، وأبو زَينَبَ ، وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ ، وخُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ ثابِتٍ الأَنصارِيُّ ، وحُبشِيُّ بنُ جُنادَةَ السَّلولِيُّ ، وعُبَيدُ بنُ عازِبٍ الأَنصارِيُّ ، وَالنُّعمانُ بنُ عَجلانَ الأَنصارِيُّ ، وثابِتُ بنُ وَديعَةَ الأَنصارِيُّ ، وأبو فُضالَةَ الأَنصارِيُّ ، وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَبدِ رَبٍّ الأَنصارِيُّ . فَقالوا : نَشهَدُ أنّا سَمِعنا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : ألا إنَّ اللّهَ عزّوجلّ وَلِيّي وأنَا وَلِيُّ المُؤمِنينَ ، ألا فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وأحِبَّ مَن أحَبَّهُ ، وأبغِض مَن أبغَضَهُ ، وأعِن مَن أعانَهُ (2) .
خصائص أمير المومنين عن سعيد بن وهب :قالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللّهُ وَجهَهُ فِي الرَّحبَةِ : أنشُدُ بِاللّهِ مَن سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ يَقولُ : اللّهُ وَلِيّي وأنَا وِلِيُّ المُؤمِنينَ ، ومَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَهذا وَلِيُّهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ .
.
ص: 582
قالَ سَعيدٌ : فَقامَ إلى جَنبي سِتَّةٌ ، وقالَ زَيدُ بنُ يُثَيعٍ : قامَ عِندي سِتَّةٌ ، وقالَ عَمرٌو ذو مُرٍّ وساقَ الحَديثَ (1) .
المستدرك على الصحيحين عن إياس الضبّي عن أبيه :كُنّا مَعَ عَلِيٍّ يَومَ الجَمَلِ ، فَبَعَثَ إلى طَلحَةَ بنِ عُبيدِ اللّهِ أن ألقِني ، فَأَتاهُ طَلحَةُ فَقالَ : نَشَدتُكَ اللّهَ ، هَل سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : فَلِمَ تُقاتِلُني ؟ قالَ : لَم أذكُر ! ! قالَ : فَانصَرَفَ طَلحَةُ (2)(3) .
راجع : كتاب «الغدير» : ج 1 ص 159 _ 187 .
10 / 13الدُّعاءُ عَلَى الكاتِمينَمسند ابن حنبل عن سماك بن عبيد بن الوليد العبسي :دَخَلتُ عَلى عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي لَيلى فَحَدَّثَني أنَّهُ شَهِدَ عَلِيّا فِي الرَّحبَةِ قالَ : أنشُدُ اللّهَ رَجُلاً سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وشَهِدَهُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ إلّا قامَ ، ولا يَقومُ إلّا مَن قَد رَآهُ . فَقامَ اثنا عَشَرَ رَجُلاً ، فَقالوا : قَد رَأَيناهُ وسَمِعناهُ حَيثُ أخَذَ بِيَدِهِ يَقولُ : اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ . فَقامَ إلّا ثَلاثَةٌ لَم يَقوموا ، فَدَعا عَلَيهِم فَأَصابَتهُم دَعوَتُهُ (4) .
.
ص: 583
تاريخ دمشق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى :خَطَبَ النّاسَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فِي الرَّحبَةِ ، قالَ : أنشُدُ اللّهَ امرَأً نِشدَةَ الإِسلامِ سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِ خُمٍّ أخَذَ بِيَدي يَقولُ : أ لَستُ أولى بِكُم _ يا مَعشَرَ المُسلِمينَ _ مِن أنفُسِكُم ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ . إلّا قامَ . فَقامَ بِضعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَشَهِدوا ، وكَتَمَ قَومٌ ؛ فَما فَنوا مِنَ الدُّنيا إلّا عَموا وبَرِصوا (1) .
حلية الأولياء عن عميرة بن سعد :شَهِدتُ عَلِيّا عَلَى المِنبَرِ ناشِدا أصحابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وفيهِم أبو سَعيدٍ ، وأبو هُرَيرَةَ ، وأنَسُ بنُ مالِكٍ ، وهُم حَولَ المِنبَرِ ، وعَلِيٌّ عَلَى المِنبَرِ ، وحَولَ المِنبَرِ اثنا عَشَرَ رَجُلاً هؤُلاءِ مِنهُم . فَقالَ عَلِيٌّ : نَشَدتُكُم بِاللّهِ ، هَل سَمِعتُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟ فَقاموا كُلُّهُم فَقالوا : اللّهُمَّ نَعَم . وقَعَدَ رَجُلٌ فَقالَ : ما مَنَعَكَ أن تَقومَ ؟ قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كَبِرتُ ونَسيتُ ! فَقالَ : اللّهُمَّ إن كانَ كاذِبا فَاضرِبهُ بِبَلاءٍ حَسَنٍ . قالَ فَما ماتَ حَتّى رَأَينا بَينَ عَينَيهِ نُكتَةً (2) بَيضاءَ لا تُواريهَا العِمامَةُ (3) .
المعارف لابن قتيبة_ في أنَسِ بنِ مالِكٍ _: كانَ بِوَجهِهِ بَرَصٌ . وذَكَرَ قَومٌ أنَّ عَلِيّا رضى الله عنهسَأَلَهُ عَن قَولِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ؟ فَقالَ : كَبِرَت سِنّي ونَسيتُ ! فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ رضى الله عنه : إن كُنتَ كاذِبا فَضَرَبَكَ اللّهُ بِبَيضاءَ لا تُواريهَا العِمامَةُ (4) .
.
ص: 584
الأمالي للصدوق عن أبي هدبة :رَأَيتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ مَعصوبا بِعِصابَةٍ ، فَسَأَلتُهُ عَنها ، فَقالَ : هذِهِ دَعوَةُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقُلتُ لَهُ : وكَيفَ كانَ ذاكَ ؟ فَقالَ : . . . لَمّا كانَ يَومُ الدّارِ استَشهَدَني عَلِيٌّ عليه السلام فَكَتَمتُهُ ، فَقُلتُ : إنّي نَسيتُهُ ! فَرَفَعَ عَلِيٌّ عليه السلام يَدَهُ إلَى السَّماءِ ، فَقالَ : اللّهُمَّ ارمِ أنَسا بِوَضَحٍ (1) لا يَستُرُهُ مِنَ النّاسِ . ثُمَّ كَشَفَ العِصابَةَ عَن رَأسِهِ ، فَقالَ : هذِهِ دَعوَةُ عَلِيٍّ ، هذِهِ دَعوَةُ عَلِيٍّ ، هذِهِ دَعوَةُ عَلِيٍّ (2) .
اُسد الغابة عن أبي إسحاق :حَدَّثَني مَن لا اُحصي (3) : أنَّ عَلِيّا نَشَدَ النّاسَ فِي الرَّحبَةِ : مَن سَمِعَ قَولَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ؟ فَقامَ نَفَرٌ شَهِدوا أنَّهُم سَمِعوا ذلِكَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكَتَمَ قَومٌ ؛ فَما خَرَجوا مِنَ الدُّنيا حَتّى عَموا ، وأصابَتهُم آفَةٌ ، مِنهُم : يَزيدُ بنُ وَديعَةَ ، وعَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُدلِجٍ (4) .
رجال الكشّي عن زِرّ بن حُبَيش :خَرَجَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام مِنَ القَصرِ ، فَاستَقبَلَهُ رُكبانٌ مُتَقَلِّدونَ بِالسُّيوفِ ، عَلَيهِمُ العَمائِمُ ، فَقالوا : السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرِ المُؤمِنينَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولانا . فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : مَن هاهُنا مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقامَ خالِدُ بنُ زَيدٍ ؛ أبو أيّوبَ ، وخُزَيمَةُ بنُ ثابِتٍ ذُو الشَّهادَتَينِ ، وقَيسُ بنُ سَعدِ بنِ عُبادَةَ ، وعَبدُ اللّهِ ابنُ بُدَيلِ بنِ وَرقاءِ ، فَشَهِدوا جَميعا أنَّهُم سَمِعوا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ .
.
ص: 585
فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام لِأَنَسِ بنِ مالِكٍ وَالبَراءِ بنِ عازِبٍ : ما مَنَعَكُما أن تَقوما فَتَشهَدا ؟ فَقَد سَمِعتُما كَما سَمِعَ القَومُ . ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ إن كانا كَتَماها مُعانَدَةً فَابتَلِهِما . فَعَمِيَ البَراءُ بنُ عازِبٍ ، وبَرِصَ قَدَما أنَسِ بنِ مالِكٍ ، فَحَلَفَ أنَسُ بنُ مالِكٍ أن لا يَكتُمَ مَنقَبَةً لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ولا فَضلاً أبَدا ، وأمَّا البَراءُ بنُ عازِبٍ فَكانَ يَسألُ عَن مَنزِلِهِ ، فَيُقالُ : هُوَ في مَوضِعِ كَذا وكَذا ، فَيَقولُ : كَيفَ يَرشُدُ مَن أصابَتهُ الدَّعوَةُ ؟ ! (1)
أنساب الأشراف عن أبي وائل شقيق بن سلمة :قالَ عَلِيٌّ عَلَى المِنبَرِ : نَشَدتُ اللّهَ رَجُلاً سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ : اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، إلّا قامَ فَشَهِدَ _ وتَحتَ المِنبَرِ أنَسُ بنُ مالِكٍ ، وَالبَراءُ بنُ عازِبٍ ، وجَريرُ بنُ عَبدِ اللّهِ _ فَأَعادَها ، فَلَم يُجِبهُ أحَدٌ ، فَقالَ : اللّهُمَّ مَن كَتَمَ هذِهِ الشَّهادَةَ وهُوَ يَعرِفُها فَلا تُخرِجهُ مِنَ الدُّنيا حَتّى تَجعَلَ بِهِ آيَةً يُعرَفُ بِها . قالَ : فَبَرِصَ أنسٌ ، وعَمِيَ البَراءُ ، ورَجَعَ جَريرٌ أعرابِيّا بَعدَ هِجرَتِهِ ، فَأَتَى السَّراةَ (2) فَماتَ في بَيتِ اُمِّهِ بِالسَّراةِ (3) .
المعجم الكبير عن أبي سلمان المؤذّن عن زيد بن أرقم :نَشَدَ عَلِيٌّ النّاسَ: أنشُدُ اللّهَ رَجُلاً سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ . فَقامَ اثنا عَشَرَ بَدرِيّا ، فَشَهِدوا بِذلِكَ . قالَ زَيدٌ : وكُنتُ أنَا فيمَن كَتَمَ ، فَذَهَبَ بَصَري (4) .
.
ص: 586
الإرشاد عن أبي سلمان المؤذّن عن زيد بن أرقم :نَشَدَ عَلِيٌّ النّاسَ فِي المَسجِدِ فَقالَ : أنشُدُ اللّهَ رَجُلاً سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ . فَقامَ اثنا عَشَرَ بَدرِيّا ؛ سِتَّةٌ مِنَ الجانِبِ الأَيمَنِ ، وسِتَّةٌ مِنَ الجانِبِ الأَيسَرِ ، فَشَهِدوا بِذلِكَ . قالَ زَيدُ بنُ أرقَمَ : وكُنتُ أنَا فيمَن سَمِعَ ذلِكَ فَكَتَمتُهُ ، فَذَهَبَ اللّهُ بِبَصَري ، وكانَ يَتَنَدَّمُ عَلى ما فاتَهُ مِنَ الشَّهادَةِ ويَستَغفِرُ 1 .
شرح نهج البلاغة :وذَكَرَ جَماعَةٌ مِن شُيوخِنَا البَغدادِيّينَ أنَّ عِدَّةً مِنَ الصَّحابَةِ وَالتّابِعينَ وَالمُحَدِّثينَ كانوا مُنحَرِفينَ عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، قائِلينَ فيهِ السّوءَ ، ومِنهُم مَن كَتَمَ مَناقِبَهُ وأعانَ أعداءَهُ مَيلاً مَعَ الدُّنيا ، وإيثارا لِلعاجِلَةِ ، فَمِنهُم أنَسُ ابنُ مالِكٍ . ناشَدَ عَلِيٌّ عليه السلام النّاسَ في رَحبَةِ القَصرِ _ أو قالَ : رحَبَةِ الجامِعِ بِالكوفَةِ _ : أيُّكُم سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟ فَقامَ اثنا عَشَرَ رَجُلاً فَشَهِدوا بِها ، وأنَسُ بنُ مالِكٍ فِي القَومِ لَم يَقُم ، فَقالَ لَهُ : يا أنَسُ ! ما يَمنَعُكَ أن تَقومَ فَتَشهَدَ ، ولَقَد حَضَرتَها ؟ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كَبِرتُ ونَسيتُ ! فَقالَ : اللّهُمَّ إن كانَ كاذِبا فَارمِهِ بِها بَيضاءَ لا تُواريهَا العِمامَةُ . قالَ طَلحَةُ بنُ عُمَيرٍ : فَوَاللّهِ لَقَد رَأَيتُ الوَضَحَ بِهِ بَعدَ ذلِكَ أبيَضَ بَينَ عَينَيهِ .
.
ص: 587
ورَوى عُثمانُ بنُ مُطَرِّفٍ أنَّ رَجُلاً سَأَلَ أنَسَ بنَ مالِكٍ في آخِرِ عُمُرِهَِعن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فقَالَ : إنّي آلَيتُ أن لا أكتُمَ حَديثا سُئِلتُ عَنهُ في عَلِيٍّ بَعدَ يَومِ الرَّحبَةِ ، ذاكَ رَأسُ المُتَّقينَ يَومَ القِيامَةِ ، سَمِعتُهُ وَاللّهِ مِن نَبِيِّكُم . ورَوى أبو إسرائيلَ عَنِ الحَكَمِ عَن أبي سُلَيمانَ المُؤَذِّنِ : أنَّ عَلِيّا عليه السلام نَشَدَ النّاسَ مَن سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . فَشَهِدَ لَهُ قَومٌ وأمسَكَ زَيدُ بنُ أرقَمَ ؛ فَلَم يَشهَد _ وكانَ يَعلَمُها _ فَدَعا عَلِيٌّ عليه السلام عَلَيهِ بِذِهابِ البَصَرِ ، فَعَمِيَ ، فَكانَ يُحَدِّثُ النّاسَ بِالحَديثِ بَعدَ ما كُفَّ بَصَرُهُ (1) .
الخصال عن جابر بن يزيد الجعفيّ عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :خَطَبَنا عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ قُدّامَ مَنبَرِكُم هذا أربَعَةُ رَهطٍ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ مِنهُم أنَسُ بنُ مالِكٍ ، وَالبَراءُ بنُ عازِبٍ ، وَالأَشعَثُ بنُ قَيسٍ الكِندِيُّ ، وخالِدُ بنُ يَزيدَ البَجَلِيُّ . ثُمَّ أقبَلَ عَلى أنَسٍ فَقالَ : يا أنَسُ ! إن كُنتَ سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ . ثُمَّ لَم تَشهَد لِيَ اليَومَ بِالوِلايَةِ فَلا أماتَكَ اللّهُ حَتّى يَبتَلِيَكَ بِبَرَصٍ لا تُغَطّيهِ العِمامَةُ . وأمّا أنتَ يا أشعَثُ ، فَإِن كُنتَ سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ . ثُمَّ لَم تَشهَد لِيَ اليَومَ بِالوِلايَةِ فَلا أماتَكَ اللّهُ حَتّى يَذهَبَ بِكَريمَتَيكَ (2) . وأمّا أنتَ يا خالِدَ بنَ يَزيدَ ، فَإِن كُنتَ سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ . ثُمَّ لَم تَشهَد لِيَ اليَومَ بِالوِلايَةِ فَلا أماتَكَ اللّهُ إلّا ميتَةً جاهِلِيَّةً .
.
ص: 588
وأمّا أنتَ يا بَراءَ بنَ عازِبٍ ، فَإِن كُنتَ سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ . ثُمَّ لَم تَشهَد لِيَ اليَومَ بِالوِلايَةِ فَلا أماتَكَ اللّهُ إلّا حَيثُ هاجَرتَ مِنهُ . قالَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَنصارِيُّ : وَاللّهِ لَقَد رَأَيتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ وقَدِ ابتُلِيَ بِبَرَصٍ يُغَطّيهِ بِالعِمامَةِ فَما تَستُرُهُ . ولَقَد رَأَيتُ الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ وقَد ذَهَبَت كَريمَتاهُ وهُوَ يَقولُ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ دُعاءَ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلَيَّ بِالعَمى فِي الدُّنيا ، ولَم يَدعُ عَلَيَّ بِالعَذابِ فِي الآخِرَةِ فَاُعَذَّبَ . وأمّا خالِدُ بنُ يَزيدَ فَإِنَّهُ ماتَ فَأَرادَ أهلُهُ أن يَدفِنوهُ وحُفِرَ لَهُ في مَنزِلِهِ فَدُفِنَ ، فَسَمِعَت بِذلِكَ كِندَةُ فَجاءَت بِالخَيلِ وَالإِبِلِ فَعَقَرَتها عَلى بابِ مَنزِلِهِ ، فَماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً . وأمَّا البَراءُ بنُ عازِبٍ فَإِنَّهُ وَلّاهُ مُعاوِيَةُ اليَمَنَ فَماتَ بِها ، ومِنها كان هاجَرَ (1) .
10 / 14تَفسيرُ كَلِمَةِ «المَولى»الإمام الحسين عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أدَّبَ نَبِيَّهُ الآدابَ كُلَّها ، فَلَمَّا استَحكَمَ الأَدَبَ فَوَّضَ الأَمرَ إلَيهِ ، فَقالَ : «وَ مَآ ءَاتَكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَ_كُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ» (2) إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أدَّبَ عَلِيّا بِتِلكَ الآدابِ الَّتي أدَّبَهُ بِها ، فَلَمَّا استَحكَمَ الآدابَ كُلَّها فَوَّضَ الأَمرَ إلَيهِ ، فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (3) .
معاني الأخبار عن أبي إسحاق :قُلتُ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام : ما مَعنى قَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : مَن
.
ص: 589
كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ؟ قالَ : أخبَرَهُم أنَّهُ الإِمامُ بَعدَهُ (1) .
معاني الأخبار عن أبان بن تغلب :سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ مَحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ عليهماالسلام عَن قَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . فَقالَ : يا أبا سَعيدٍ ، تَسأَلُ عَن مِثلِ هذا ؟ !عَلَّمَهُم أنَّهُ يَقومُ فيهِم مَقامَهُ (2) .
الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام :إنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ فَقالَ : يَا بنَ رَسولِ اللّهِ ، بِماذا فُضِّلَ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ عَلَى النّاسِ ؟ فَقالَ : يَقولُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ . فَقالَ الرَّجُلُ : فَهذا حَديثٌ مَعروفٌ عِندَ النّاسِ يَعرِفُهُ الخاصُّ وَالعامُّ ، فَهَل غَيرُ ذلِكَ ؟ فَقالَ لَهُ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : ويَحَكَ ! وهَل تَدري ما يَجمَعُهُ هذَا القولُ ، وما يَقتَضيهِ ؟ ! إنَّ اللّهَ عزّوجلّ جَعَلَ لَهُ بِهِ عَلَى الاُمَّةِ ما جَعَلَهُ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَيها مِنَ السَّمعِ والطَّاعَةِ (3) .
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَفَعَ يَدَي عَلِيٍّ عليه السلام بِغَديرِ خُمٍّ حَتّى نَظَرَ النّاسُ إلى بَياضِ إبطَيهِما ، فَجَعَلَهُ موَلَى المُسلِمينَ وإمامَهُم (4) .
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ أثنى عَلى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله [بِقَولِهِ] : «وَ إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (5) ثُمَّ فَوَّضَ إلَيهِ فَقالَ : «وَ مَآ ءَاتَ_كُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ» . وإنَّ نَبِيَّ اللّهِ فَوَّضَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . وَائتَمَنَهُ (6) .
.
ص: 590
بشارة المصطفى عن إبراهيم بن رجاء الشيباني :قيلَ لِجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام : ما أرادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِقَولِهِ لِعَلِيٍّ يَومَ الغَديرِ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ منَ عاداهُ ؟ قالَ : فَاستَوى جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام قاعِدا ، ثُمَّ قالَ : سُئِلَ وَاللّهِ عَنها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : اللّهُ مَولايَ أولى بي مِن نَفسي لا أمرَ لي مَعَهُ ، وأنَا مَولَى المُؤمِنينَ أولى بِهِم مِن أنفُسِهِم لا أمرَ لَهُم مَعي ، ومَن كُنتُ مَولاهُ أولى بِهِ مِن نَفسِهِ لا أمرَ لَهُ مَعي ، فَعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام مَولاهُ أولى بِهِ مِن نَفسِهِ لا أمرَ لَهُ مَعَهُ (1) .
الإمام الكاظم عليه السلام :نَحنُ نَدَّعي إنَّ وَلاءَ جَميعِ الخَلائِقِ لَنا ، نَعني وَلاءَ الدّينِ ... ونَحنُ نَدَّعي ذلِكَ لِقَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يَومَ غَديرِخُمٍّ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . يَعني بِذلِكَ وَلاءَ الدّينِ (2) .
الكافي عن عبد العزيز بن مسلم :كُنّا مَعَ الرِّضا عليه السلام بِمَروٍ ، فَاجتَمَعنا فِي الجامِعِ يَومَ الجُمُعَةِ في بَدءِ مَقدَمِنا ، فَأَداروا أمرَ الإِمامَةِ ، وذَكَروا كَثرَةَ اختِلافِ النّاسِ فيها ، فَدَخَلتُ عَلى سَيِّدي عليه السلام فَأَعلَمتُهُ خَوضَ النّاسِ فيهِ ، فَتَبَسَّمَ عليه السلام ثُمَّ قالَ : يا عَبدَ العَزيزِ ! جَهِلَ القَومُ وخُدِعوا عَن آرائِهِم ؛ إنَّ اللّهَ عزّوجلّ لَم يَقبِض نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله حَتّى أكمَلَ لَهُ الدّينَ ، وأنزَلَ عَلَيهِ القُرآنَ فيهِ تِبيانُ كُلِّ شَيءٍ ، بَيِّنَ فيهِ الحَلالَ وَالحَرامَ ، وَالحُدودَ وَالأَحكامَ ، وجَميعَ ما يَحتاجُ إلَيهِ النّاسُ كَمَلاً ، فَقالَ عزّ وجلّ : «مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَ_بِ مِن شَىْ ءٍ» (3) وأنزَلَ في حِجَّةِ الوَداعِ ؛ وهِيَ آخِرُ عُمُرِهِ صلى الله عليه و آله : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَ_مَ دِينًا» (4) .
.
ص: 591
وأمرُ الإِمامَةِ مِن تَمامِ الدّينِ ، ولَم يَمضِ صلى الله عليه و آله حَتّى بَيَّنَ لِاُمَّتِهِ مَعالِمَ دينِهِم وأوضَحَ لَهُم سَبيلَهُم ، وتَرَكَهُم عَلى قَصدِ سَبيل الحَقِّ ، وأقامَ لَهُم عَلِيّا عليه السلام عَلَما وإماما ، وما تَرَكَ لَهُم شَيئا يَحتاجُ إلَيهِ الاُمَّةُ إلّا بَيَّنَهُ ، فَمَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ عزّوجلّ لَم يُكمِل دينَهُ ، فَقَد رَدَّ كِتابَ اللّهِ ، ومَن رَدَّ كِتابَ اللّهِ فَهُو كافِرٌ بِهِ . هَل يَعرِفونَ قَدرَ الإِمامَةِ ومَحَلَّها مِنَ الاُمَّةِ ، فَيَجوزَ فيهَا اختِيارُهُم ؟ ! إنَّ الإِمامَةَ أجَلُّ قَدرا ، وأعظَمُ شَأنا ، وأعلا مَكانا ، وأمنَعُ جانِبا ، وأبعَدُ غَورا مِن أن يَبلُغَهَا النّاسُ بِعُقولِهِم ، أو يَنالوها بِآرائِهِم ، أو يُقيموا إماما بِاختِيارِهِم . إنَّ الإِمامَةَ خَصَّ اللّهُ عزّوجلّ بِها إبراهيمَ الخَليلَ عليه السلام بَعدَ النُّبُوَّةِ ، وَالخُلَّةِ مَرتَبَةً ثالِثَةً ، وفَضيلَةً شَرَّفَهُ بِها ، وأشادَ بِها ذِكرَهُ ، فَقالَ : «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» فَقالَ الخَليلُ عليه السلام سُرورا بِها : «وَ مِن ذُرِّيَّتِى» قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّ__لِمِينَ» (1) فَأَبطَلَت هذِهِ الآيَةُ إمامَةَ كُلِّ ظالِمٍ إلى يَومِ القِيامَةِ ، وصارَت فِي الصَّفوَةِ (2) .
كشف الغمّة عن الحسن بن ظريف :كَتَبتُ إلى أبي مُحَمَّدٍ [الإِمامِ العَسكَرِيِّ عليه السلام ]أسأَلُهُ : ما مَعنى قَولِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ ؟قال : أرادَ بِذلِكَ أن يَجعَلَهُ عَلَماً يُعرَفُ بِهِ حِزبُ اللّهِ عِندَ الفُرقَةِ (3) .
.
ص: 592
10 / 15عيدُ الغَديرِ فِي الإِسلامِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَومُ غَديرِ خُمٍّ أفضَلُ أعيادِ اُمَّتي وهُوَ اليَومُ الَّذي أمَرَنِي اللّهُ تَعالى ذِكرُهُ فيهِ بِنَصبِ أخي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلَما لِاُمَّتي ، يَهتَدونَ بِهِ مِن بَعدي ، وهُوَ اليَومُ الَّذي أكمَلَ اللّهُ فيهِ الدّينَ ، وأتَمَّ عَلى اُمَّتي فيهِ النِّعمَةَ ، ورَضِيَ لَهُمُ الاِءسلامَ دينا (1) .
الإمام الحسين عليه السلام :اِتَّفَقَ في بَعضِ سِني أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام الجُمُعَةُ وَالغَديرُ ، فَصَعِدَ المِنبَرَ عَلى خَمسِ ساعاتٍ مِن نَهارِ ذلِكَ اليَومِ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ حَمدا لَم يُسمَع بِمِثلِهِ ، وأثنى عَلَيهِ ثَناءً لَم يَتَوَجَّه إلَيهِ غَيرُهُ ، فَكانَ ما حُفِظَ مِن ذلِكَ . . . : ثُمَّ إنَّ اللّهَ تَعالى جَمَعَ لَكُم مَعشَرَ المُؤمِنينَ في هذَا اليَومِ عيدَينِ عَظيمَينِ كَبيرَينِ لا يَقومُ أحَدُهُما إلّا بِصاحِبِهِ ؛ لِيُكمِلَ عِندَكُم جَميلَ صَنيعَتِهِ ، ويَقِفَكُم عَلى طَريقِ رُشدِهِ ، ويَقفُوَ بِكُم آثارَ المُستَضيئينَ بِنورِ هِدايَتِهِ ، ويُشمِلَكُم (2) مِنهاجَ قَصدِهِ ، ويُوَفِّرَ عَلَيكُم هَنيءَ رِفدِهِ ، فَجَعَلَ الجُمُعَةَ مَجمَعا نَدَبَ إلَيهِ لِتَطهيرِ ما كانَ قَبلَهُ ، وغَسلِ ما كانَ أوقَعَتهُ مَكاسِبُ السَّوءِ مِن مِثلِهِ إلى مِثلِهِ ، وذِكرى لِلمُؤمِنينَ ، وتِبيانَ خَشيَةِ المُتَّقينَ ، ووَهَبَ مِن ثَوابِ الأَعمالِ فيهِ أضعافَ ماوَهَبَ لِأَهلِ طاعَتِهِ فِي الأَيّامِ قَبلَهُ وجَعَلَهُ لا يَتِمُّ إلّا بِالاِئتِمارِ لِما أمَرَ بِهِ ، وَالاِنتِهاءِ عَمّا نَهى عَنهُ ، وَالبُخوعِ (3) بِطاعَتِهِ فيما حَثَّ عَلَيهِ ونَدَبَ إلَيهِ ، فَلا يَقبَلُ تَوحيدَهُ إلّا بِالاِعتِرافِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله بِنُبُوَّتِهِ ، ولا يَقبَلُ ديناً إلّا بِوِلايَةِ مَن أمَرَ بِوِلايَتِهِ ، ولا تَنتَظِمُ أسبابُ طاعَتِهِ إلّا بِالتَّمَسُّكِ بِعِصَمِهِ وعِصَمِ أهل
.
ص: 593
وِلايَتِهِ ، فَأَنزَلَ عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله في يَومِ الدَّوحِ مابَيَّنَ بِهِ عَن إرادَتِهِ في خُلَصائِهِ وذَوِي اجتِبائِهِ . . . إنَّ هذا يَومٌ عَظيمُ الشَّأنِ ، فيهِ وَقَعَ الفَرَجُ ، ورُفِعَتِ الدَّرَجُ ، ووَضَحَتِ الحُجَجُ ، وهُوَ يَومُ الإِيضاحِ وَالإِفصاحِ عَنِ المَقامِ الصِّراحِ ، ويَومُ كَمالِ الدّينِ ، ويَومُ العَهدِ المَعهودِ ، ويَومُ الشّاهِدِ وَالمَشهودِ . . . عودوا رَحِمَكُمُ اللّهُ بَعدَ انقِضاءِ مَجمَعِكُم ، بِالتَّوسِعَةِ عَلى عِيالِكُم ، وَالبِرِّ بِإِخوانِكُم ، وَالشُّكرِ للّهِِ عزّوجلّ عَلى ما مَنَحَكُم ، وَاجمَعوا يَجمَعِ اللّهُ شَملَكُم ، وتَبارّوا يَصِلِ اللّهُ اُلفَتَكُم ، وتَهادَوا نِعَمَ اللّهِ كَما مَنّاكُم بِالثَّوابِ فيهِ عَلى أضعافِ الأَعيادِ قَبلَهُ وبَعدَهُ إلّا في مِثلِهِ ، وَالبِرُّ فيهِ يُثمِرُ المالَ ، ويَزيدُ فِي العُمُرِ ، وَالتَّعاطُفُ فيهِ يَقتَضي رَحمَةَ اللّهِ وعَطفَهُ ، وهَيِّؤوا لِاءِخوانِكُم وعِيالِكُم عَن فَضلِهِ بِالجَهدِ مِن جودِكُم ، وبِما تَنالُهُ القُدرَةُ مِنِ استِطاعَتِكُم ، وأظهِرُوا البِشرَ فيما بيَنَكُم ، وَالسُّرورَ في مُلاقاتِكُم ، وَالحَمدَ للّهِِ عَلى ما مَنَحَكُم ، وعودوا بِالمَزيدِ مِنَ الخَيرِ عَلى أهلِ التَّأميلِ لَكُم ، وساووا بِكُم ضَعَفاءَكُم في مَأكَلِكُم ، وما تَنالُهُ القُدرَةُ مِنِ استِطاعَتِكُم ، وعَلى حَسَبِ إمكانِكُم ، فَالدِّرهَمُ فيهِ بِمِائَةِ ألفِ دِرهَمٍ ، وَالمَزيدُ مِنَ اللّهِ عزَّوجَلَّ ، وصَومُ هذَا اليَومِ مِمّا نَدَبَ اللّهُ تَعالى إلَيهِ ، وجَعَلَ الجَزاءَ العَظيمَ كَفالَةً عَنهُ حَتّى لَو تَعَبَّدَ لَهُ عَبدٌ مِنَ العَبيدِ فِي الشَّبِيبَةِ مِنَ ابتِداءِ الدُّنيا إلى تَقَضّيها صائِماً نَهارَها قائِماً لَيلَها ، إذا أخلَصَ المُخلِصُ في صَومِهِ لَقَصُرَت إلَيهِ أيّامُ الدُّنيا عَن كِفايَةٍ ، ومَن أسعَفَ أخاهُ مُبتَدِئاً ، وبَرَّهُ راغِباً ، فَلَهُ كَأَجرِ مَن صامَ هذَا اليَومِ وقامَ لَيلَتَهُ (1) .
الكافي عن الحسن بن راشد عن الإمام الصادق عليه السلام :قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ! لِلمُسلِمينَ عيدٌ غَير
.
ص: 594
العيدَينِ ؟ قالَ : نَعَم يا حَسَنُ ، أعظَمُهُما وأشرَفُهُما ، قُلتُ : وأيُّ يَومٍ هُوَ ؟قال : هُوَ يَومُ نَصبِ أميرِ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ فيهِ عَلَما لِلنّاسِ ، قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ وما يَنبَغي لَنا أن نَصنَعَ فيهِ ؟ قالَ : تَصومُهُ يا حَسَنُ ، وتُكِثرُ الصَّلاةَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وتَبَرَّأُ إلَى اللّهِ مِمَّن ظَلَمَهُم ؛ فَإِنَّ الأَنبِياءَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم كانَت تَأمُرُ الأَوصِياءَ بِاليَومِ الَّذي كانَ يُقامُ فيهِ الوَصِيُّ أن يُتَّخَذَ عيدا . قالَ : قُلتُ : فَما لِمَن صامَهُ ؟ قالَ : صِيامُ سِتّينَ شَهراً (1) .
الكافي عن سالم :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : هَل لِلمُسلِمينَ عيدٌ غَيرُ يَومِ الجُمُعَةِ وَالأَضحى وَالفِطرِ ؟ قالَ : نَعَم ، أعظَمُها حُرمَةً . قُلتُ : وأيُّ عيدٍ هُوَ جُعِلتُ فِداكَ ؟قالَ : اليَومُ الَّذي نَصَبَ فيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام وقالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ . قُلتُ : وأيُّ يَومٍ هُوَ ؟ قالَ : وما تَصنَعُ بِاليَومِ ؟ إنَّ السَّنَةَ تَدورُ ، ولكِنَّهُ يَومُ ثَمانِيَةَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ . فَقُلتُ : وما يَنبَغي لَنا أن نَفعَلَ في ذلِكَ اليَومِ ؟ قالَ : تَذكُرونَ اللّهَ عَزَّ ذِكرُهُ فيهِ بِالصِّيامِ وَالعِبادَةِ وَالذِّكرِ لِمُحَمَّدٍ ؛ وآلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أوصى أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام أن يَتَّخِذَ ذلِكَ اليَومَ عيداً ، وكَذلِكَ كانَتِ الأَنبِياءُ عليهم السلام : تَفعَلُ ؛ كانوا يوصونَ أوصِياءَهُم بِذلِكَ فَيَتَّخِذونَهُ عيدا (2) .
الخصال عن المفضّل بن عمر :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : كَم لِلمُسلمِينَ مِن عيدٍ ؟فَقالَ : أربَعَةُ أعيادٍ . قالَ : قُلتُ : قَد عَرَفتُ العيدَينِ وَالجُمُعَةَ . فَقالَ لي : أعظَمُها وأشرَفُها يَومُ الثّامِنَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ ، وهُوَ اليَومُ الَّذي أقامَ فيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ونَصَبَهُ لِلنّاسِ عَلَما . قالَ : قُلتُ : ما يَجِبُ عَلَينا في ذلِكَ اليَومِ ؟ قالَ : يَجِبُ عَلَيكُم صِيامُه
.
ص: 595
شُكرا للّهِِ وحَمدا لَهُ ، مَعَ أنَّهُ أهلٌ أن يُشكَرَ كُلَّ ساعَةٍ ، وكَذلِكَ أمَرَتِ الأَنبِياءُ أوصِياءَها أن يَصومُوا اليَومَ الَّذي يُقامُ فيهِ الوَصِيُّ يَتَّخِذونَهُ عيدا ، ومَن صامَهُ كانَ أفضَلَ مِن عَمَلِ سِتّينَ سَنَةً (1) .
الإقبال عن أبي الحسن الليثي عن الإمام الصادق عليه السلام :أنَّهُ قالَ لِمَن حَضَرَهُ مِن مَواليهِ وشيعَتِهِ : أ تَعرِفونَ يَوما شَيَّدَ اللّهُ بِهِ الإِسلامَ ، وأظهَرَ بِهِ مَنارَ الدّينِ ، وجَعَلَهُ عيدا لَنا ولِمَوالينا وشيعَتِنا ؟ فَقالوا : اللّهُ ورَسولُهُ وابنُ رَسولِهِ أعلَمُ ، أ يَومُ الفِطرِ هُوَ يا سَيِّدَنا ؟قالَ: لا . قالوا : أفَيَومُ الأَضحى هُوَ ؟ قالَ : لا ، وهذانِ يَومانِ جَليلانِ شَريفانِ ، ويَومُ مَنارِ الدّينِ أشرَفُ مِنهُما ؛ وهُوَ اليَومُ الثّامِنَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ ، وإنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمَّا انصَرَفَ مِن حِجَّةِ الوَداعِ وصارَ بِغَديرِ خُمٍّ أمَرَ اللّهُ عزّوجلّ جَبرَئيلَ عليه السلام أن يَهبِطَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَقتَ قِيامِ الظُّهرِ مِن ذلِكَ اليَومِ ، وأمَرَهُ أن يَقومَ بِوِلايَةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وأن يَنصِبَهُ عَلَما لِلنّاسِ بَعدَهُ ، وأن يَستَخلِفَهُ في اُمَّتِهِ . فَهَبَطَ إلَيهِ وقالَ لَهُ : حَبيبي مُحَمَّدُ ! إنَّ اللّهَ يُقرِئُكَ السَّلامَ ، ويَقولُ لَكَ : قُم في هذَا اليَومِ بِوِلايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ؛ لِيَكونَ عَلَما لِاُمَّتِكَ بَعدَكَ ، يَرجِعونَ إلَيهِ ، ويَكونُ لَهُم كَأَنتَ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : حَبيبي جَبرَئيلُ ! إنّي أخافُ تَغَيُّرَ أصحابي لِما قَد وُتِروهُ ، وأن يُبدوا ما يُضمِرونَ فيهِ . فَعَرَجَ ، وما لَبِثَ أن هَبَطَ بِأَمرِ اللّهِ فَقالَ لَهُ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (2) . فَقامَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذَعِرا مَرعوبا خائِفا مِن شِدَّةِ الرَّمضاءِ وقَدَماهُ تُشوَيانِ ، وأمَر
.
ص: 596
بِأَن يُنَظَّفَ المَوضِعُ ويُقَمَّ (1) ما تَحتَ الدَّوحِ (2) مِنَ الشَّوكِ وغَيرِهِ ، فَفُعِلَ ذلِكَ ، ثُمَّ نادى بِالصَّلاةِ جامِعَةً ، فَاجتَمَعَ المُسلِمونَ ، وفيمَنِ اجتَمَعَ أبو بَكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ وسائِرُ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ . ثُمَّ قامَ خَطيبا وذَكَرَ بَعدَهُ الوِلايَةَ ، فَأَلزَمَها لِلنّاسِ جَميعا ، فَأَعلَمَهُم أمرَ اللّهِ بِذلِكَ فَقالَ قَومٌ ما قالوا ، وتَناجَوا بما أسَرّوا (3) .
الأمالي للشجري عن صفوان بن يحيى :سَمِعتُ الصّادِقَ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عليهماالسلاميَقولُ : الثّامِنَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ عيدُ اللّهِ الأَكبَرُ ، ما طَلَعَت عَلَيهِ شَمسٌ في يَومٍ أفضَلَ عِندَ اللّهِ مِنهُ ، وهُوَ الَّذي أكمَلَ اللّهُ فيهِ دينَهُ لِخَلقِهِ ، وأتَمَّ عَلَيهِم نِعَمَهُ ، ورَضِيَ لَهُمُ الإِسلامَ ديناً ، وما بَعَثَ اللّهُ نَبِيّا إلّا أقامَ وَصِيَّهُ في مِثلِ هذَا اليَومِ ، ونَصَبَهُ عَلَما لِاُمَّتِهِ ، فَليَذكُرِاللّهَ شيعَتُنا عَلى ما مَنَّ عَلَيهِم بِمَعرِفَتِهِ هذَا اليَومَ دونَ سائِرِ النّاسِ . قالَ : فَقُلتُ : يَا بنَ رَسولِ اللّهِ ، فَما نَصنَعُ فيهِ ؟ فَقالَ : تَصومُهُ ؛ فَإِنَّ صِيامَهُ يَعدِلُ سِتّينَ شَهرا ، وتُحسِنُ فيهِ إلى نَفسِكَ وعِيالِكَ وما مَلَكَت يَمينُكَ بِما قَدَرتَ عَلَيهِ (4) .
مصباح المتهجِّد عن أبي هارون عمّار بن حريز العبدي :دَخَلتُ عَلى أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام في يَومِ الثّامِنَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ ، فَوَجَدتُهُ صائِما ، فَقالَ لي : هذا يَومٌ عَظيمٌ ، عَظَّمَ اللّهُ حُرمَتَهُ عَلَى المُؤمِنينَ ، وأكمَلَ لَهُم فيهِ الدّينَ ، وتَمَّمَ عَلَيهِمُ النِّعمَةَ ، وجَدَّدَ لَهُم ما أخَذَ عَلَيهِم مِنَ العَهدِ وَالميثاقِ . فَقيلَ لَهُ : ما ثَوابُ صَومِ هذَا اليَومِ ؟ قالَ : إنَّهُ يَومُ عيدٍ وفَرَحٍ وسُرورٍ ويَومُ صَومٍ شُكرا للّهِِ تَعالى ، وإنَّ صَومَهُ يَعدِلُ سِتّينَ شَهرا مِن أشهُرِ الحُرُمِ (5) .
.
ص: 597
الإمام الصادق عليه السلام :صِيامُ يَومِ غَديرِ خُمٍّ يَعدِلُ صِيامَ عُمُرِ الدُّنيا ؛ لَو عاشَ إنسانٌ ثُمَّ صامَ ما عَمَرَتِ الدُّنيا لَكانَ لَهُ ثَوابُ ذلِكَ ، وصِيامُهُ يَعدِلُ عِندَ اللّهِ عزّوجلّ في كُلِّ عامٍ مِائَةَ حَجَّةٍ ومِائَةَ عُمرَةٍ مَبروراتٍ مُتَقَبَّلاتٍ ، وهُوَ عيدُ اللّهِ الأَكبَرُ (1) .
الإقبال عن الإمام الرضا عليه السلام :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ زُفَّت أربَعَةُ أيّامٍ إلَى اللّهِ كَما تُزَفُّ العَروسُ إلى خِدرِها . قيلَ : ما هذِهِ الأَيّامُ ؟ قالَ : يَومُ الأَضحى ، ويَومُ الفِطرِ ، ويَومُ الجُمُعَةِ ، ويَومُ الغَديرِ ، وإنَّ يَومَ الغَديرِ بَينَ الأَضحى وَالفِطرِ وَالجُمُعَةِ كَالقَمَرِ بَينَ الكَواكِبِ ، وهُوَ اليَومُ الَّذي نَجّى فيهِ إبراهيمَ الخَليلَ مِنَ النّارِ ، فَصامَهُ شُكرا للّهِِ ، وهُوَ اليَومُ الَّذي أكمَلَ اللّهُ بِهِ الدّينَ في إقامَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عَلِيّا أميرَ المُؤمِنينَ عَلَما ، وأبانَ فَضيلَتَهُ ووِصايَتَهُ ، فَصامَ ذلِكَ اليَومَ ، وإنَّهُ لَيَومُ الكَمالِ ، ويَومُ مَرغمَةِ الشَّيطانِ ، ويَومُ تَقَبُّلِ أعمالِ الشّيعَةِ ومُحِبّي آلِ مُحَمَّدٍ . . . وهُوَ يَومُ تَنفيسِ الكَربِ ، ويَومُ تَحطيطِ الوِزرِ ، ويَومُ الحِباءِ وَالعَطِيَّةِ ، ويَومُ نَشرِ العِلمِ ، ويَومُ البِشارَةِ ، وَالعيدِ الأَكبَرِ ، ويَومٌ يُستَجابُ فيهِ الدُّعاءُ ، ويَومُ المَوقِفِ العَظيمِ ، ويَومُ لُبسَ الثِّيابِ ونَزعِ السَّوادِ ، ويَومُ الشَّرطِ المَشروطِ ، ويَومُ نَفيِ الهُمومِ ، ويَومُ الصَّفحِ عَن مُذنِبي شيعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ . وهُوَ يَومُ السَّبقَةِ ، ويَومُ إكثارِ الصَّلاةِ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، ويَومُ الرِّضا ، ويَومُ عيدِ أهلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ ، ويَومُ قَبولِ الأَعمالِ ، ويَومُ طَلَبِ الزِّيادَةِ ، ويَومُ استِراحَةِ المُؤمِنينَ ، ويَومُ المُتاجَرَةِ ، ويَومُ التَوَدُّدِ ، ويَومُ الوُصولِ إلى رَحمَةِ اللّهِ ، ويَومُ التَزكِيَةِ ، ويَومُ تَركِ الكَبائِرِ وَالذُّنوبِ ، ويَومُ العِبادَةِ ، ويَومُ تَفطيرِ الصّائِمينَ ، فَمَن فَطَّرَ فيهِ صائِما مُؤمِنا كانَ كَمَن أطعَمَ فِئاما وفِئاما _ إلى أن عَدَّ عَشرا . ثُمَّ قالَ : أوَتَدرى ¨
.
ص: 598
مَا الفِئامُ ؟ قالَ : لا . قالَ : مِائَةُ ألفٍ _ وهُوَ يَومُ التَّهنِئَةِ ، يُهَنِّى ءُ بَعضُكُم بَعضا ، فَإِذا لَقِيَ المُؤمِنُ أخاهُ يَقولُ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَنا مِنَ المُتَمَسِّكينَ بِوِلايَةِ أميرِ المُؤمِنينَ وَالأَئِمَّةِ عليهم السلام (1) .
الإمام الرضا عليه السلام_ في بَيانِ فَضلِ يَومِ الغَديرِ _: لَو عَرَفَ النّاسُ فَضلَ هذَا اليَومِ بِحَقيقَتِهِ لَصافَحَتهُمُ المَلائِكَةُ في كُلِّ يَومٍ عَشرَ مَرّاتٍ (2) .
مصباح المتهجّد عن الفيّاض بن محمّد الطرسوسي :أَنّهُ شَهِدَ أبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ موسى الرِّضا عليه السلام في يَومِ الغَديرِ وبِحَضرَتِهِ جَماعَةٌ مِن خاصَّتِهِ قَدِ احتَبَسَهُم لِلإِفطارِ ، وقَد قَدَّمَ إلى مَنازِلِهِمُ الطَّعامَ وَالبُرَّ وَالصِّلاتِ وَالكِسوَةَ حَتَّى الخَواتيمَ وَالنِّعالَ ، وقَد غَيَّرَ مِن أحوالِهِم وأحوالِ حاشِيَتِهِ ، وجُدِّدَت لَهُ آلَةٌ غَيرُ الآلَةِ الَّتي جَرَى الرَّسمُ بِابتِذالِها قَبلَ يَومِهِ ، وهُوَ يَذكُرُ فَضلَ اليَومِ وقِدَمَهُ (3) .
راجع : كتاب «نفحات الأزهار» : ج 6 ، 7 ، 8 ، 9 . كتاب «الغدير» : ج 1 ص 12 _ 14 و ص 267 _ 289 .
10 / 16زِيارَةُ أميرِ المُؤمِنينَ في عيدِ الغَديرتهذيب الأحكام عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر :كُنّا عِندَ الرِّضا عليه السلام وَالمَجلِسُ غاصٌّ بِأَهلِهِ ، فَتَذاكَروا يَومَ الغَديرِ ، فَأَنكَرَهُ بَعضُ النّاسِ ، فَقالَ الرِّضا عليه السلام : حَدَّثَني أبي عَن
.
ص: 599
أبيهِ عليه السلام قالَ : إنَّ يَومَ الغَديرِ فِي السَّماءِ أشهَرُ مِنهُ فِي الأَرضِ ، إنَّ للّهِِ فِي الفِردَوسِ الأَعلى قَصرا لَبِنَةً مِن فِضَّةٍ ولَبِنَةً مِن ذَهَبٍ ، فيهِ مِائَةُ ألفِ قُبَّةٍ مِن ياقوتَةٍ حَمراءَ ، ومِائَةُ ألفِ خَيمَةٍ مِن ياقوتٍ أخضَرَ ، تُرابُهُ المِسكُ وَالعَنبَرُ ، فيهِ أربَعَةُ أنهارٍ : نَهرٌ مِن خَمرٍ ، ونَهرٌ مِن ماءٍ ، ونَهرٌ مِن لَبَنٍ ، ونَهرٌ مِن عَسَلٍ ، وحَواليهِ أشجارُ جَميعِ الفَواكِهِ ، عَلَيهِ طُيورٌ أبدانُها مِن لُؤلُؤٍ وأجنِحَتُها مِن ياقوتٍ تُصَوِّتُ بِأَلوانِ الأَصواتِ ، إذا كانَ يَومُ الغَديرِ وَرَدَ إلى ذلِكَ القَصرِ أهلُ السَّماواتِ يُسَبِّحونَ اللّهَ ويُقَدِّسونَهُ ويُهَلِّلونَهُ ، فَتَطايَرُ تِلكَ الطُّيورُ فَتَقَعُ في ذلِكَ الماءِ وتَتَمَرَّغُ عَلى ذلِكَ المِسكِ وَالعَنبَرِ ، فَإِذَا اجتَمَعَتِ المَلائِكَةُ طارَت ، فَتَنفُضُ ذلِكَ عَلَيهِم ، وإنَّهُم في ذلِكَ اليَومِ لَيَتَهادَونَ نِثارَ فاطِمَةَ عليهاالسلام ، فَإِذا كانَ آخِرُ ذلِكَ اليَومِ نودوا : اِنصَرِفوا إلى مَراتِبِكُم فَقَد أمِنتُم مِنَ الخَطَأِ وَالزَّلَلِ إلى قابِلٍ في مِثلِ هذَا اليَومِ تَكرِمَةً لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وعَلِيٍّ عليه السلام . ثُمَّ قالَ : يَا بنَ أبي نَصرٍ ، أينَما كُنتَ فَاحضُر يَومَ الغَديرِ عِندَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ؛ فَإِنَّ اللّهَ يَغفِرُ لِكُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ، ومُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ ذُنوبَ سِتّينَ سَنَةً ، ويُعتِقُ مِنَ النّارِ ضِعفَ ما أعتَقَ في شَهرِ رَمَضانَ ولَيلَةِ القَدرِ ولَيلَةِ الفِطرِ ، وَالدِّرهَمُ فيهِ بِأَلفِ دِرهَمٍ لِاءِخوانِكَ العارِفينَ ، فَأَفضِل عَلى إخوانِكَ في هذَا اليَومِ وسُرَّ فيهِ كُلَّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ . ثُمَّ قالَ : يا أهلَ الكوفَةِ ! لَقَد اُعطيتُم خَيرا كَثيرا ، وإنَّكُم لَمِمَّنِ امتَحَنَ اللّهُ قَلبَهُ لِلإِيمانِ ، مُستَقَلّونَ مَقهورونَ مُمتَحَنونَ يُصَبُّ عَلَيكُمُ البَلاءُ صَبّاً ، ثُمَّ يَكشِفُهُ كاشِفُ الكَربِ العَظيمِ ، وَاللّهِ لَو عَرَفَ النّاسُ فَضلَ هذَا اليَومِ بِحَقيقَتِهِ لَصافَحَتهُمُ المَلائِكَةُ في كُلِّ يَومٍ عَشرَ مَرّاتٍ ، ولَولا أنّي أكرَهُ التَّطويلَ لَذَكَرتُ مِن فَضلِ هذَا اليَومِ وما أعطَى اللّهُ فيهِ مَن عَرَفَهُ ما لا يُحصى بِعَدَدٍ (1) .
.
ص: 600
الإمام الصادق عليه السلام :إذا كُنتَ في يَومِ الغَديرِ في مَشهَدِ مَولانا أميرِ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهُ عَلَيهِ فَادنُ مِن قَبرِهِ بَعدَ الصَّلاةِ وَالدُّعاءِ ، وإن كُنتَ في بُعدٍ مِنهُ فَأَومِ إلَيهِ بَعدَ الصَّلاةِ وهذَا الدُّعاءُ : اللّهُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ ، وأخي نَبِيِّكَ ، ووَزيرِهِ ، وحَبيبِهِ ، وخَليلِهِ ، ومَوضِعِ سِرِّهِ ، وخِيَرَتِهِ مِن اُسرَتِهِ ، ووَصِيِّهِ وصَفوَتِهِ وخالِصَتِهِ وأمينِهِ ووَلِيِّهِ وأشرَفِ عِترَتِهِ ؛ الَّذينَ آمَنوا بِهِ ، وأبي ذُرِّيَّتِهِ ، وبابِ حِكمَتِهِ ، وَالنّاطِقِ بِحُجَّتِهِ ، وَالدّاعي إلى شَريعَتِهِ ، وَالماضي عَلى سُنَّتِهِ ، وخَليفَتِهِ عَلى اُمَّتِهِ ، سَيِّدِ المُسلِمينَ (1) وأميرِ المُؤمِنينَ ، وقائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، أفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أحَدٍ مِن خَلقِكَ وأصفِيائِكَ وأوصِياءِ أنبِيائِكَ . اللّهُمَّ إنّي أشهَدُ أنَّهُ قَد بَلَّغَ عَن نَبِيِّكَ ما حُمِّلَ ، ورَعى مَا استُحفِظَ ، وحَفِظَ مَا استودِعَ ، وحَلَّلَ حَلالَكَ ، وحَرَّمَ حَرامَكَ ، وأقامَ أحكامَكَ ، ودَعا إلى سَبيلِكَ ، ووالى أولِياءَكَ ، وعادى أعداءَكَ ، وجاهَدَ النّاكِثينَ عَن سَبيلِكَ ، وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ عَن أمرِكَ ، صابِرا مُحتَسِبا ، [ مُقبِلاً] (2) غَيرَ مُدبِرٍ ، لا تَأخُذُهُ فِي اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ ، حَتّى بَلَغَ في ذلِكَ الرِّضاء[و] (3) سَلَّمَ إلَيكَ القَضاءَ ، وعَبَدَكَ مُخلِصا ، ونَصَحَ لَكَ مُجتَهِدا ، حَتّى أتاهُ اليَقينُ ، فَقَبَضتَهُ إلَيكَ شَهيدا سَعيدا ، وَلِيّا تَقِيّا ، رَضِيّا زَكِيّا ، هادِيا مَهدِيّا ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلَيهِ ، أفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أحَدٍ مِن أنبِيائِكَ وأصفِيائِكَ ، يا رَبَّ العالَمينَ (4) .
الإمام الهادي عليه السلام_ في زِيارَةٍ زارَ بِها في يَومِ الغَديرِ فِي السَّنَةِ الَّتي أشخَصَهُ المُعتَصِمُ _: تَقِفُ عَلَيهِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وتَقولُ :
.
ص: 601
السَّلامُ عَلى مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ ، خاتَمِ النَّبِيّينَ ، وسَيِّدِ المُرسَلينَ ، وصَفوَةِ رَبِّ العالَمينَ ، أمينِ اللّهِ عَلى وَحيِهِ ، وعَزائِمِ أمرِهِ ، الخاتِمِ لِما سَبَقَ ، وَالفاتِحِ لِمَا استَقبَلَ ، والمُهَيمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، وصَلَواتُهُ وتَحِيّاتُهُ ، السَّلامُ عَلى أنبِياءِ اللّهِ ورُسُلِهِ ومَلائِكَتِهِ المُقَرَّبينَ وعِبادِهِ الصّالِحينَ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدَ الوَصِيّينَ ، ووارِثَ عِلمِ النَّبِيّينَ ، ووَلِيَّ رَبِّ العالَمينَ ، ومَولايَ ومَولَى المُؤمِنينَ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، يا أمينَ اللّهِ في أرضِهِ ، وسَفيرَهُ في خَلقِهِ ، وحُجَّتَهُ البالِغَةَ عَلى عِبادِهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا دينَ اللّهِ القَويمَ ، وصِراطَهُ المُستَقيمَ . السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا النَّبَأُ العَظيمُ ، الَّذي هُم فيهِ مُختَلِفونَ ، وعَنهُ يُسأَلونَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؛ آمَنتَ بِاللّهِ وهُم مُشرِكونَ ، وصَدَّقتَ بِالحَقِّ وهُم مُكَذِّبونُ ، وجاهَدتَ وهُم مُحجِمونَ ، وعَبَدتَ اللّهَ مُخلِصا لَهُ الدّينَ ، صابِرا مُحتَسِبا حَتّى أتاكَ اليَقينُ ، ألا لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا سَيِّدَ المُسلِمينَ ، ويَعسوبَ المُؤمِنينَ ، وإمامَ المُتَّقينَ ، وقائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ورَحمَةُ اللّهِ وَبرَكاتُهُ ، أشهَدُ أنَّكَ أخُو الرَّسولِ ووَصِيُّهُ ، ووارِثُ عِلمِهِ ، وأمينُهُ عَلى شَرعِهِ ، وخَليفَتُهُ في اُمَّتِهِ ، وأوَّلُ مَن آمَنَ بِاللّهِ وصَدَّقَ بِما أنزَلَ عَلى نَبِيِّهِ ، وأشهَدُ أنَّهُ قَد بَلَّغَ عَنِ اللّهِ ما أنزَلَهُ فيكَ ، وصَدَعَ بِأَمرِهِ ، وأوجَبَ عَلى اُمَّتِهِ فَرضَ وِلايَتِكَ ، وعَقَدَ عَلَيهِمُ البَيعَةَ لَكَ ، وجَعَلَكَ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم كَما جَعَلَهُ اللّهُ كَذلِكَ . ثُمَّ أشهَدَ اللّهَ تَعالى عَلَيهِم فَقالَ : أ لَستُ قَد بَلَّغتُ ؟ فَقالوا : اللّهُمَّ بَلى . فَقالَ : اللّهُمَّ اشهَد ، وكَفى بِكَ شَهيدا وحاكِما بَينَ العِبادِ . فَلَعَنَ اللّهُ جاحِدَ وِلايَتِكَ بَعدَ الاِءقرارِ ، وناكِثَ عَهدِكَ بَعدَ الميثاقِ ، وأشهَدُ أنَّكَ أوفَيتَ بِعَهدِ اللّهِ تَعالى ، وأنَّ اللّهَتَعالى موفٍ بِعَهدِهِ لَكَ «وَ مَنْ أَوْفَى بِمَا عَ_هَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (1) .
.
ص: 602
وأشهَدُ أنَّكَ أميرُ المُؤمِنينَ ، الحَقُّ الَّذي نَطَقَ بِوِلايَتِكَ التَّنزيلُ ، وأخَذَ لَكَ العَهدَ عَلَى الاُمَّةِ بِذلِكَ الرَّسولُ ، وأشهَدُ أنَّكَ وعَمَّكَ وأخاكَ الَّذينَ تاجَرتُمُ اللّهَ بِنُفوسِكُم ، فَأَنزَلَ اللّهُ فيكُم : «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَ لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَ_تِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَ الْاءِنجِيلِ وَ الْقُرْءَانِ وَ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَ ذَ لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّ_ئِبُونَ الْعَ_بِدُونَ الْحَ_مِدُونَ السَّ_ئِحُونَ الرَّ كِعُونَ السَّ_جِدُونَ الْأَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ الْحَ_فِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (1) . أشهَدُ يا أميرَ المُؤمِنينَ أنَّ الشّاكَّ فيكَ ما آمَنَ بِالرَّسولِ الأَمينِ ، وأنَّ العادِلَ بِكَ غَيرَكَ عادِلٌ عَنِ الدّينِ القَويمِ الَّذِي ارتَضاهُ لَنا رَبُّ العالَمينَ ، فَأَكمَلَهُ بِوِلايَتِكَ يَومَ الغَديرِ ، وأشهَدُ أنَّكَ المَعنِيُّ بِقَولِ العَزيزِ الرَّحيمِ : «وَأَنَّ هَ_ذَا صِرَ طِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ» (2) ضَلَّ وَاللّهِ وأضَلَّ مَنِ اتَّبَعَ سِواكَ ، وعَنَدَ عَنِ الحَقِّ مَن عاداكَ . اللّهُمَّ سَمِعنا لِأَمرِكَ ، وأطَعنا وَاتَّبَعنا صِراطَكَ المُستَقيمَ ، فَاهدِنا رَبَّنا ولا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ الهُدى عَن طاعَتِكَ ، وَاجعَلنا مِنَ الشّاكِرينَ لِأَنعُمِكَ ، وأشهَدُ أنَّكَ لَم تَزَل لِلهَوى مُخالِفا ، ولِلتُّقى مُحالِفا ، وعَلى كَظمِ الغَيظِ قادِرا ، وعَنِ النّاسِ عافِياً ، وإذا عُصِيَ اللّهُ ساخِطاً ، وإذا اُطيعَ اللّهُ راضِياً ، وبِما عَهِدَ إلَيكَ عامِلاً ، راعِيا لِمَا استُحفِظتَ ، حافِظا مَا استودِعتَ ، مُبَلِّغا ما حُمِّلتَ ، مُنتَظِرا ما وُعِدتَ، وأشهَدُ أنَّكَ مَا اتَّقَيتَ ضارِعا (3) ، ولا أمسَكتَ عَن حَقِّكَ جازِعا ، ولا أحجَمتَ عَن مُجاهَدَةِ عاصيكَ ناكِلاً ،
.
ص: 603
ولا أظهَرتَ الرِّضا بِخِلافِ ما يَرضَى اللّهُ مُداهِناً ، ولا وَهَنتَ لِما أصابَكَ في سَبيلِ اللّهِ ، ولا ضَعُفتَ ولَا استَكَنتَ (1) عَن طَلَبِ حَقِّكَ مُراقِبا (2) . مَعاذَ اللّهِ أن تَكونَ كَذلِكَ ، بَل إذ ظُلِمتَ فَاحتَسَبتَ رَبَّكَ ، وفَوَّضتَ إلَيهِ أمرَكَ ، وذَكَّرتَ فَما ذَكَروا ، ووَعَظتَ فَمَا اتَّعَظوا ، وخَوَّفتَهُمُ اللّهَ فَما تَخَوَّفوا (3) . وأشهَدُ أنَّكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ جاهَدتَ فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، حَتّى دَعاكَ اللّهُ إلى جِوارِهِ ، وقَبَضَكَ إلَيهِ بِاختِيارِهِ ، وألزَمَ أعداءَكَ الحُجَّةَ بِقَتلِهِم إيّاكَ ؛ لِتَكونَ لَكَ الحُجَّةُ عَلَيهِم ، مَعَ ما لَكَ مِنَ الحُجَجِ البالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلقِهِ . السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، عَبَدتَ اللّهَ مُخلِصا ، وجاهَدتَ فِي اللّهِ صابِرا ، وجُدتَ بِنَفسِكَ مُحتَسِبا ، وعَمِلتَ بِكِتابِهِ ، وَاتَّبَعتَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ ، وأقَمتَ الصَّلاةَ ، وآتَيتَ الزَّكاةَ ، وأمَرتَ بِالمَعروفِ ، ونَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ مَا استَطَعتَ ، مُبتَغِيا مَرضاةَ ما عِندَ اللّهِ ، راغِبا فيما وَعَدَ اللّهُ ، لا تَحفِلُ (4) بِالنَّوائِبِ ، ولا تَهِنُ عِندَ الشَّدائِدِ ، ولا تُحجِمُ عَن مُحارِبٍ ، أفِكَ مَن نَسَبَ غَيرَ ذلِكَ ، وَافتَرى باطِلاً عَلَيكَ ، وأولى لِمَن (5) عَنَدَ عَنكَ . لَقَد جاهَدتَ فِي اللّهِ حَقَّ الجِهادِ ، وصَبَرتَ عَلَى الأَذى صَبرَ احتِسابٍ ، وأنتَ أوَّلُ مَن آمَنَ بِاللّهِ وصَلّى لَهُ وجاهَدَ ، وأبدى صَفحَتَهُ في دارِ الشِّركِ ، وَالأَرضُ مَشحونَةٌ ضَلالَةً ، وَالشَّيطانُ يُعبَدُ جَهرَةً . وأنتَ القائِلُ : لا تَزيدُني كَثرَةُ النّاسِ حَولي عِزَّةً ، ولا تَفَرُّقُهُم عَنّي وَحشَةً ، ولَو
.
ص: 604
أسلَمَنِي النّاسُ جَميعا لَم أكُن مُتَضَرِّعا ، اِعتَصَمتَ بِاللّهِ فَعَزَزتَ ، وآثَرتَ الآخِرَةَ عَلَى الاُولى فَزَهِدتَ . وأيَّدَكَ اللّهُ وهَداكَ ، وأخلَصَكَ وَاجتَباكَ ، فَما تَناقَضَت أفعالُكَ ، ولَا اختَلَفَت أقوالُكَ ، ولا تَقَلَّبَت أحوالُكَ ، ولَا ادَّعَيتَ ولَا افتَرَيتَ عَلَى اللّهِ كَذِبا ، ولا شَرِهتَ إلَى الحُطامِ ، ولادَنَّسَكَ الآثامُ ، ولَم تَزَل عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكَ ويَقينٍ مِن أمرِكَ ، تَهدي إلَى الحَقِّ وإلى صِراطٍ مُستَقيمٍ . أشهَدُ شَهادَةَ حَقٍّ ، واُقسِمُ بِاللّهِ قَسَمَ صِدقٍ أنَّ مُحَمَّدا وآلَهُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ساداتُ الخَلقِ ، وأنَّكَ مَولايَ ومَولَى المُؤمِنينَ ، وأنَّكَ عَبدُ اللّهِ ووَلِيُّهُ ، وأخُو الرَّسولِ ووَصِيُّهُ ووارِثُهُ ، وأنَّهُ القائِلُ لَكَ : وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ ما آمَنَ بي مَن كَفَرَ بِكَ ، ولا أقَرَّ بِاللّهِ مَن جَحَدَكَ ، وقَد ضَلَّ مَن صَدَّ عَنكَ ، ولَم يَهتَدِ إلَى اللّهِ تَعالى ولا إلَيَّ مَن لا يُهدى بِكَ ، وهُوَ قَولُ رَبّي عزّوجلّ : «وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَ__لِحًا ثُمَّ اهْتَدَى» (1) إلى وِلايَتِكَ . مَولايَ فَضلُكَ لا يَخفى ، ونورُكَ لا يُطفى ، وإنَّ مَن جَحَدَكَ الظَّلومُ الأَشقى . مَولايَ أنتَ الحُجَّةُ عَلَى الِعبادِ ، وَالهادي إلَى الرَّشادِ ، وَالعُدَّةُ لِلمَعادِ . مَولايَ لَقَد رَفَعَ اللّهُ فِي الاُولى مَنزِلَتَكَ ، وأعلى فِي الآخِرَةِ دَرَجَتَكَ ، وبَصَّرَكَ ما عَمِيَ عَلى مَن خالَفَكَ ، وحالَ بَينَكَ وبَينَ مَواهِبِ اللّهِ لَكَ ؛ فَلَعَنَ اللّهُ مُستَحِلِّي الحُرمَةِ مِنكَ ، وذائِدَ الحَقِّ عَنكَ ، وأشهَدُ أنَّهُمُ الأَخسَرونَ الَّذينَ «تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيهَا كَ__لِحُونَ» (2) ، وأشهَدُ أنَّكَ ما أقدَمتَ ولا أحجَمتَ ولا نَطَقتَ ولا أمسَكتَ إلّا بِأَمرٍ مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ . قُلتَ : وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لَقَد نَظَرَ إلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أضرِبُ قُدّامَهُ بِسَيفي . فَقالَ :
.
ص: 605
«يا عَلِيُّ أنتَ عِندي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، واُعلِمُكَ أنَّ مَوتَكَ وحَياتَكَ مَعي وعَلى سُنَّتي» ، فَوَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ ، ولا ضَلَلتُ ولا ضَلَّ بي ، ولا نَسيتُ ما عَهِدَ إلَيَّ رَبّي ، وإنّي لَعَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبّي بَيَّنَها لِنَبِيِّهِ ، وبَيَّنَهَا النَّبِيُّ لي ، وإنّي لَعَلَى الطَّريقِ الواضِحِ ، ألفِظُهُ لَفظا . صَدَقتَ وَاللّهِ وقُلتَ الحَقَّ ؛ فَلَعَنَ اللّهُ مَن ساواكَ بِمَن ناواكَ ، (1) وَاللّهُ جَلَّ ذِكرُهُ يَقولُ : «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (2) ولَعَنَ اللّهُ مَن عَدَلَ بِكَ مَن فَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ وِلايَتَكَ ، وأنتَ وَلِيُّ اللّهِ وأخو رَسولِهِ وَالذّابُّ عَن دينِهِ ، وَالَّذي نَطَقَ القُرآنُ بِتَفضيلِهِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَ_هِدِينَ عَلَى الْقَ_عِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَ_تٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» (3) وقالَ اللّهُ تَعالى : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ وَجَ_هَدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّ__لِمِينَ * الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَ_هَدُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَ لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَ_ل_ءِكَ هُمُ الْفَآل_ءِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَ نٍ وَجَنَّ_تٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَ__لِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» (4) . أشهَدُ أنَّكَ المَخصوصُ بِمِدحَةِ اللّهِ ، المُخلِصُ لِطاعَةِ اللّهِ ، لَم تَبغِ بِالهُدى بَدَلاً ، ولَم تُشرِكُ بِعِبادَةِ رَبِّكَ أحَدا ، وأنَّ اللّهَ تَعالَى استَجابَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله فيكَ دَعوَتَهُ . ثُمَّ أمَرَهُ بِإِظهارِ ما أولاكَ لِاُمَّتِهِ ، إعلاءً لِشَأنِكَ ، وإعلاناً لِبُرهانِكَ ، ودَحضاً لِلأَباطيلِ ، وقَطعا لِلمَعاذيرِ ، فَلَمّا أشفَقَ مِن فِتنَةِ الفاسِقينَ ، وَاتَّقى فيكَ المُنافِقينَ ،
.
ص: 606
أوحَى اللّهُ رَبُّ العالَمينَ : «يَ_أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (1) فَوَضَعَ عَلى نَفسِهِ أوزارَ المَسيرِ ، ونَهَضَ في رَمضاءِ الهَجيرِ ، فَخَطَبَ فَأَسمَعَ ، ونادى فَأَبلَغَ ، ثُمَّ سَأَلَهُم أجمَعَ فَقالَ : هَل بَلَّغتُ ؟فَقالوا : اللّهُمَّ بَلى . فَقالَ : اللّهُمَّ اشهَد . ثُمَّ قالَ : أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ فَقالوا : بَلى ، فَأَخَذَ بِيَدِكَ وقالَ : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ» فَما آمَنَ بِما أنزَلَ اللّهُ فيكَ عَلى نَبِيِّهِ إلّا قَليلٌ ، ولا زادَ أكثَرُهُم إلّا تَخسيرا ، ولَقَد أنزَلَ اللّهُ تَعالى فيكَ مِن قَبلُ وهُم كارِهونَ : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَ_فِرِينَ يُجَ_هِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَ سِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَ__لِبُونَ» (2) «رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّ_هِدِينَ» (3) «رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ» (4) . اللّهُمَّ إنّا نَعلَمُ أنَّ هذا هُوَ الحَقُّ مِن عِندِكَ ، فَالعَن مَن عارَضَهُ وَاستَكبَرَ ، وكَذَّبَ بِهِ وكَفَرَ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (5) .
.
ص: 607
السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدَ الوَصِيّينَ ، وأوَّلَ العابِدينَ ، وأزهَدَ الزّاهِدينَ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، وصَلَواتُهُ وتَحِيّاتُهُ . أنتَ مُطعِمُ الطَّعامِ عَلى حُبِّهِ مِسكينا ويَتيما وأسيرا لِوَجهِ اللّهِ ، لا تُريدُ جَزاءً ولا شُكوراً ، وفيكَ أنزَلَ اللّهُ تَعالى : «وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَ_ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (1) وأنتَ الكاظِمُ لِلغَيظِ ، وَالعافي عَنِ النّاسِ ، وَاللّهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ (2) ، وأنتَ الصّابِرُ فِي البَأساءِ وَالضَّرّاءِ وحينَ البَأسِ (3) وأنتَ القاسِمُ بِالسَّوِيَّةِ ، وَالعادِلُ فِي الرَّعِيَّةِ ، وَالعالِمُ بِحُدودِ اللّهِ مِن جَميعِ البَرِيَّةِ ، وَاللّهُ تَعالى أخبَرَ عَمّا أولاكَ مِن فَضلِهِ بِقَولِهِ : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ فَلَهُمْ جَنَّ_تُ الْمَأْوَى نُزُلَا بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» (4) . وأنتَ المَخصوصُ بِعِلمِ التَّنزِيلِ ، وحُكمِ التَّأويلِ ، ونَصرِ الرَّسولِ ، ولَكَ المَواقِفُ المَشهودَةِ (5) ، وَالمَقاماتُ المَشهورَةِ ، وَالأَيّامُ المَذكورَةِ ؛ يَومُ بَدرٍ ويَومُ الأَحزابِ «إِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَ_رُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنَ_فِقُونَ وَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَا غُرُورًا * وَ إِذْ قَالَت طَّ_آئِفَةٌ مِّنْهُمْ يَ_أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ وَ يَسْتَ_اذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَا فِرَارًا» (6) وقالَ اللّهُ تَعالى : «وَ لَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُواْ هَ_ذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ مَا زَادَهُمْ إِلَا إِيمَ_نًا وَتَسْلِيمًا» (7) فَقَتَلت
.
ص: 608
عَمرَوهُم ، وهَزَمتَ جَمعَهُم «وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْرًا وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَ كَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا» (1) . ويَومُ اُحُدٍ إذ يُصعِدونَ ولا يَلوونَ (2) عَلى أحَدٍ وَالرَّسولُ يَدعوهُم في اُخراهُم (3) وأنتَ تَذودُ بِهِمُ المُشرِكينَ عَنِ النَّبِيِّ ذاتَ اليَمينِ وذاتَ الشِّمالِ ، حَتّى رَدَّهُمُ اللّهُ عَنكُما خائِفينَ (4) ، ونَصَرَ بِكَ الخاذِلينَ . ويَومُ حُنَينٍ عَلى ما نَطَقَ بِهِ التَّنزيلُ «إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْ_ئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (5) وَالمُؤمِنونَ أنتَ ومَن يَليكَ ، وعَمُّكَ العَبّاسُ يُنادِي المُنهَزِمينَ : يا أصحابَ سورَةِ البَقَرَةِ ، يا أهلَ بَيعَةِ الشَّجَرَةِ ! حَتَّى استَجابَ لَهُ قَومٌ قَد كَفَيتَهُمُ المَؤونَةَ ، وتَكَفَّلتَ دونَهُمُ المَعونَةَ ، فَعادوا آيِسينَ مِنَ المَثوبَةِ ، راجينَ وَعدَ اللّهِ تَعالى بِالتَّوبَةِ ، وذلِكَ قَولُهُ جَلَّ ذِكرُهُ : « ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَ لِكَ عَلَى مَن يَشَآءُ» (6) وأنتَ حائِزٌ دَرَجَةَ الصَّبرِ ، فائِزٌ بِعَظيمِ الأَجرِ . ويَومُ خَيبَرَ إذ أظهَرَ اللّهُ خَوَرَ المُنافِقينَ ، وقَطَعَ دابِرَ الكافِرينَ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ «وَلَقَدْ كَانُواْ عَ_هَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَ_رَ وَ كَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْ_ئولًا» (7) . مَولايَ أنتَ الحُجَّةُ البالِغَةُ ، وَالمَحَجَّةُ الواضِحَةُ ، والنِّعمَةُ السّابِغَةُ ، وَالبُرهانُ المُنيرُ ، فَهَنيئا لَكَ ما آتاكَ اللّهُ مِن فَضلٍ ، وتَبّاً لِشانِئِكَ ذِي الجَهلِ . شَهِدَت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله
.
ص: 609
جَميعَ حُروبِهِ ومَغازيهِ ، تَحمِلُ الرايَةَ أمامَهُ ، وتَضرِبُ بِالسَّيفِ قُدّامَهُ ، ثُمَّ لِحَزمِكَ المَشهورِ ، وبَصيرَتِكَ بِما فِي الاُمورِ ، أمَّرَكَ فِي المَواطِنِ ولَم يَكُ عَلَيكَ أميرٌ ، وكَم مِن أمرٍ صَدَّكَ عَن إمضاءِ عَزمِكَ فيهِ التُّقى ، وَاتَّبَعَ غَيرُكَ في نَيلِهِ الهَوى ، فَظَنَّ الجاهِلونَ أنَّكَ عَجَزتَ عَمّا إلَيهِ انتَهى ، ضَلَّ وَاللّهِ الظّانُّ لِذلِكَ ومَا اهتَدى ، ولَقَد أوضَحتَ ما أشكَلَ مِن ذلِكَ لِمَن تَوَهَّمَ وَامتَرى ، بِقَولِكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيكَ : قَد يَرَى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجهَ الحيلَةِ ودونَها حاجِزٌ مِن تَقوَى اللّهِ ، فَيَدَعُها رَأيَ العَينِ ، ويَنتَهِزُ فُرصَتَها مَن لا جَريحَةَ (1) لَهُ فِي الدّينِ . صَدَقتَ وخَسِرَ المُبطِلونَ . وإذ ماكَرَكَ النّاكِثانِ فَقالا : نُريدُ العُمرَةَ . فَقُلتَ لَهُما : لَعَمرُكُما ما تُريدانِ (2) العُمرَةَ لكِنِ الغَدرَةَ ، وأخَذتَ البَيعَةَ عَلَيهِما ، وجَدَّدتَ الميثاقَ فَجَدّا فِي النِّفاقِ ، فَلَمّا نَبَّهتَهُما عَلى فِعلِهِما أغفَلا وعادا ومَا انتَفَعا ، وكانَ عاقِبَةُ أمرِهِما خُسراً . ثُمَّ تَلاهُما أهلُ الشّامِ فَسِرتَ إلَيهِم بَعدَ الإِعذارِ وهُم لا يَدينونَ دينَ الحَقِّ ولا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ ، هَمَجٌ (3) رَعاعٌ (4) ضالّونَ ، وبِالَّذي اُنزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ فيكَ كافِرونَ ، ولِأَهلِ الخِلافِ عَلَيكِ ناصِرونَ ، وقَد أمَرَ اللّهُ تَعالى بِاتِّباعِكَ ونَدَبَ المُؤمِنينَ إلى نَصرِكَ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّ_دِقِينَ» (5) . مَولايَ بِكَ ظَهَرَ الحَقُّ وقَد نَبَذَهُ الخَلقُ ، وأوضَحتَ السُّنَنَ بَعدَ الدُّروسِ وَالطَّمسِ ، ولَكَ سابِقَةُ الجِهادِ عَلى تَصديقِ التَّنزيلِ ، ولَكَ فَضيلَةُ الجِهادِ عَلى تَحقيقِ التَّأويلِ ،
.
ص: 610
وعَدُوُّكَ عَدُوُّ اللّهِ جاحِدٌ لِرَسولِ اللّهِ ، يَدعو باطِلاً ويَحكُمُ جائِرا ويَتَأَمَّرُ غاصِباً ويَدعو حِزبَهُ إلَى النّارِ ، وعَمّارٌ يُجاهِدُ ويُنادي بَينَ الصَّفَّينِ : الرَّواحَ الرَّواحَ إلَى الجَنَّةِ ، ولَمَّا استَسقى فَسُقِيَ اللَّبَنَ كَبَّرَ وقالَ : قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : آخِرُ شَرابِكَ مِنَ الدُّنيا ضَياحٌ مِن لَبَنٍ ، وتَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ ، فَاعتَرَضَهُ أبُو العادِيَةِ الفَزارِيُّ فَقَتَلَهُ ، فَعَلى أبِي العادِيَةِ لَعنَةُ اللّهِ ولَعنَةُ مَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ أجمَعينَ ، وعَلى مَن سَلَّ سَيفَهُ عَلَيكَ ، وسَلَلتَ عَلَيهِ سَيفَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِنَ المُشرِكينَ وَالمُنافِقينَ إلى يَومِ الدّينِ ، وعَلى مَن رَضِيَ بِما ساءَكَ ولَم يَكرَههُ ، وأغمَضَ عَينَهُ ولَم يُنكِرهُ ، أو أعانَ عَلَيكَ بِيَدٍ أو لِسانٍ ، أو قَعَدَ عَن نَصرِكَ ، أو خَذَلَ عَنِ الجِهادِ مَعَكَ ، أو غَمَطَ فَضلَكَ ، أو جَحَدَ حَقَّكَ ، أو عَدَلَ بِكَ مَن جَعَلَكَ اللّهُ أولى بِهِ مِن نَفسِهِ ، وصَلَواتُ اللّهِ عَلَيكَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ وسَلامُهُ وتَحِيّاتُهُ ، وعَلَى الأَئِمَّةِ مِن آلِكَ الطّاهِرينَ ، إنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ . . . وأشبَهتَ فِي البَياتِ عَلَى الفِراشِ الذَّبيحَ عليه السلام ؛ إذ أجَبتَ كَما أجابَ ، وأطَعتَ كَما أطاعَ إسماعيلُ صابِرا مُحتَسِبا ؛ إذ قالَ لَهُ : «يَ_بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَ_أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّ_بِرِينَ» (1) وكَذلِكَ أنتَ لَمّا أباتَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّهُ عَلَيكُما وأمَرَكَ أن تَضطَجِعَ في مَرقَدِهِ واقِياً لَهُ بِنَفِسَك ، أسرَعتَ إلى إجابَتِهِ مُطيعاً ، ولِنَفسِكَ عَلَى القَتلِ مُوَطِّناً ، فَشَكَرَ اللّهُ تَعالى طاعَتَكَ ، وأبانَ عَن جَميلِ فِعلِكَ بِقَولِهِ جَلَّ ذِكرُهُ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» (2) . ثُمَّ مِحنَتُكَ يَومَ صِفّينَ وقَد رُفِعَتِ المَصاحِفُ حيلَةً ومَكرا ، فَاُعرِضَ الشَّكُّ ، وعُرِفَ الحَقُّ، وَاتُّبِعَ الظَنُّ ، أشبَهَت مِحنَةَ هارونَ ؛ إذ أمَّرَهُ موسى عَلى قَومِهِ فَتَفَرَّقوا عَنهُ ، وهارونُ يُناديهِم : «يَ_قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَ_نُ فَاتَّبِعُونِى وَ أَطِيعُوا
.
ص: 611
أَمْرِى * قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَ_كِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى» (1) وكَذلِكَ أنتَ لَمّا رُفِعَتِ المَصاحِفُ قُلتَ : يا قَومِ إنَّما فُتِنتُم بِها وخُدِعتُم . فَعَصَوكَ وخَالَفوا عَلَيكَ وَاستَدعَوا نَصبَ الحَكَمَينِ ، فَأَبَيتَ عَلَيهِم وتَبَرَّأتَ إلَى اللّهِ مِن فِعلِهِم وفَوَّضتَهُ إلَيهِم ، فَلَمّا أسفَرَ الحَقُّ ، وسَفِهَ المُنكَرُ ، وَاعتَرَفوا بِالزَّلَلِ وَالجَورِ عَنِ القَصدِ ، وَاختَلَفوا مِن بَعدِهِ ، وألزَموكَ عَلى سَفَهِ التَّحكيمِ الَّذي أبَيتَهُ ، وأحَبّوهُ ، وحَظَرتَهُ وأباحوا ذَنبَهُمُ الَّذِي اقتَرَفوهُ ، وأنتَ عَلى نَهجِ بَصيرَةٍ وهُدىً ، وهُم عَلى سُنَنِ ضَلالَةٍ وعَمىً ، فَما زالوا عَلَى النِّفاقِ مُصِرّينَ ، وفِي الغَيِّ مُتَرَدِّدينَ ، حَتّى أذاقَهُمُ اللّهُ وَبالَ أمرِهِم ، فَأَماتَ بِسَيفِكَ مَن عانَدَكَ فَشَقِيَ وهَوى ، وأحيا بِحُجَّتِكَ مَن سَعِدَ فَهَدى ، صَلَواتُ اللّهِ عَلَيكَ غادِيَةً ورائِحَةً وعاكِفَةً وذاهِبَةً ، فَما يُحيطُ المادِحُ وَصفَكَ ، ولا يُحبِطُ الطاعِنُ فَضلَكَ ، أنتَ أحسَنُ الخَلقِ عِبادَةً ، وأخلَصُهُم زَهادَةً ، وأذَبُّهُم عَنِ الدّينِ ، أقَمتَ حُدودَ اللّهِ بِجُهدِكَ ، وفَلَلتَ عَساكِرَ المارِقينَ بِسَيفِكَ ، تُخمِدُ لَهَبَ الحُروبِ بِبَنانِكَ ، وتَهتِكُ سُتورَ الشُّبَهِ بِبَيانِكَ ، وتَكشِفُ لَبسَ الباطِلِ عَن صَريحِ الحَقِّ ، لا تَأخُذُكَ فِي اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ ، وفي مَدحِ اللّهِ تَعالى لَكَ غِنىً عَن مَدحِ المادِحينَ وتَقريظِ الواصِفينَ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَ_هَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً» (2) ولَمّا رَأَيتَ أن قَتَلتَ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ وصَدَّقَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعدَهُ فَأَوفَيتَ بِعَهدِهِ ، قُلتَ : أ ما آنَ أن تُخضَبَ هذِهِ مِن هذِهِ ؟ أم مَتى يُبعَثُ أشقاها ؟ واثِقاً بِأَنَّكَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكَ ، وبَصيرَةٍ مِن أمرِكَ ، قادِما عَلَى اللّهِ ، مُستَبشِرا بِبَيعِكَ الَّذي بايَعتَهُ بِهِ ، وذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ (3) . اللّهُمَّ العَن قَتَلَةَ أنبِيائِكَ، وأوصِياءِ أنبِيائِكَ، بِجَميعِ لَعَناتِكَ، وأصلِهِم حَرَّ نارِكَ... .
.
ص: 612
اللّهُمَّ العَن قَتَلَةَ أميرِ المُؤمِنينَ ومَن ظَلَمَهُ (1) وأشياعَهُم وأنصارَهُم ، اللّهُمَّ العَن ظالِمِي الحُسَينِ وقاتِليهِ ، وَالمُتابِعينَ عَدُوَّهُ وناصِريهِ ، وَالرّاضِينَ بِقَتلِهِ وخاذِليهِ ، لَعناً وَبيلاً ، اللّهُمَّ العَن أوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ آلَ مُحَمَّدٍ ومانِعيهِم حُقوقَهُم ، اللّهُمَّ خُصَّ أوَّلَ ظالِمٍ وغاصِبٍ لآلِ مُحَمَّدٍ بِاللَّعنِ ، وكُلَّ مُستَنٍّ بِما سَنَّ إلى يَومِ الدّينِ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيّينَ وسَيِّدِ المُرسَلينَ وآلِهِ الطّاهِرينَ ، وَاجعَلنا بِهِم مُتَمَسِّكينَ ، وبِمُوالاتِهِم مِنَ الفائِزينَ الآمِنينَ ، الَّذينَ لا خَوفٌ عَلَيهِم ولا[هُم] (2) يَحزَنونُ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ (3) .
10 / 17مَسجِدُ الغَديرِالإمام الباقر عليه السلام :أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ عِندَما جاءَتهُ آيَةُ العِصمَةِ _ مُنادِيا يُنادي فِي النّاسِ بِالصَّلاةِ جامِعَةً ، ويَرُدُّ مَن تَقَدَّم مِنهُم ، ويَحبِسُ مَن تَأَخَّرَ ، وتَنَحّى عَن يَمينِ الطَّريقِ إلى جَنبِ مَسجِدِ الغَديرِ ، أمَرَهُ بِذلِكَ جَبرَئيلُ عَنِ اللّهِ عزّوجلّ ، وكانَ فِي المَوضِعِ سَلَماتٌ (4)(5) .
الكافي عن حسّان الجمّال :حَمَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام مِنَ المَدينَةِ إلى مَكَّةَ ، فَلَمَّا انتَهَينا إلى مَسجِدِ الغَديرِِ نَظَرَ إلى مَيسَرَةِ المَسجِدِ فَقالَ : ذلِكَ مَوضِعُ قَدَمِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَيث
.
ص: 613
قالَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ (1) .
الإمام الصادق عليه السلام :يُستَحَبُّ الصَّلاةُ في مَسجِدِ الغَديرِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله أقامَ فيهِ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وهُوَ مَوضِعٌ أظهَرَ اللّهُ عزّوجلّ فيهِ الحَقَّ (2) .
الكافي عن عبد الرحمن ابن الحجّاج :سَأَلتُ أبا إبراهيمَ عليه السلام عَنِ الصَّلاةِ في مَسجِدِ غَديرِ خُمٍّ بِالنَّهارِ وأنَا مُسافِرٌ ، فَقالَ : صَلِّ فيهِ ؛ فَإِنَّ فيهِ فَضلاً ، وقَد كانَ أبي يَأمُرُ بِذلِكَ (3) .
.
ص: 614
بحث حول موضع الغدير (1)إنّ موضع غدير خُمّ من المواضع الإسلاميّة التي شهدت أكثر من موقف من مواقف النبيّ صلى الله عليه و آله ، والتي يمكننا تلخيصها بالتالي : 1 _ وقوعه في طريق الهجرة النبويّة . 2 _ وقوعه في طريق عودة النبيّ صلى الله عليه و آله من حَجَّة الوداع . 3 _ وقوع بيعة الغدير فيه . وكلّ واحد من هذه المواقف الثلاثة يشكّل بُعدا مهمّا في مسيرة التاريخ الإسلامي ، فالهجرة كانت البدء لانتشار الدعوة الإسلاميّة وانطلاقها خارج ربوع مكّة ، ومن ثمّ إلى العالم كلّه . وحَجَّة الوداع والعودة منها إلى المدينة المنوّرة كانت ختم الرسالة ؛ حيث كمل الدين فتمّت النعمة . وبيعة الغدير هي التمهيد لعهد الإمامة والإمام حيث ينتهي عهد الرسالة والرسول .
.
ص: 615
ومن هنا اكتسب موضع «غدير خُمّ» أهمّيته الجغرافيّة في التراث الإسلامي ، ومنزلته التكريميّة كمَعْلَمة خطيرة من معالم التاريخ الإسلامي . واشتهر الموقع بحادثة الولاية للإمام أمير المؤمنين عليه السلام أكثر من شهرته موقعا أو منزلاً من معالم طريق الهجرة النبويّة أو من طريق العودة من حَجَّة الوداع . . . . وسيكون الحديث عن هذا الموضع الشريف في حدود النقاط التالية : _ اسم الموقع . _ سبب التسمية . _ تحديد الموقع جغرافيّا . _ وصف الموقع تاريخيّا . _ وصف مشهد النصّ بالولاية . _ الأعمال المندوب إليها شرعا في هذا الموقع . _ وصف الموقع الراهن . _ الطرق المؤدّية إليه . _ صور (1) .
اسم الموقع :1 _ اشتهر الموضع باسم «غدير خُمّ» ؛ ففي حديث السيرة لابن كثير : «قالَ المُطَّلِبُ بنُ زِيادٍ ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقيلٍ : سَمِعَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ يَقولُ : كُنّا بِالجُحفَةِ بِغَديرِ خُمٍّ ، فَخَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن خِباءٍ أو فُسطاطٍ . . .» (2) .
.
ص: 616
وفي حديث زيد بن أرقم ، قال : «خَطَبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِغَديرِ خُمٍّ تَحتَ شَجَراتٍ» (1) . وكذلك في حديثه الآخر ، قال : «لَمّا رَجَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن حِجَّةِ الوَداعِ ونَزَلَ غَديرَ خُمٍّ ، أمَرَ بِدَوحاتٍ فَقُمِمنَ . . .» (2) . وفي شعر نُصيب : وقالَت بِالغَديرِ غَديرِ خُمٍّ : اُخَيَّ إلى مَتى هذَا الرُّكوبُ ألَم تَرَ أنَّني ما دُمتَ فينا أنامُ ولا أنامُ إذا تَغيبُ (3) وفي قَولِ الكُمَيتِ الأَسَدِيِّ : ويَومَ الدَّوحِ دَوحِ غَديرِ خُمٍّ أبانَ لَهُ الوِلايَةَ لَو اُطيعا (4) وضُبط لفظ «خُمّ» في لسان العرب بفتح الخاء ، ونقل عن ابن دريد أنّه قال : «إنَّما هُوَ خُمٌّ ، بِضَمِّ الخاءِ» (5) . 2 _ كما أنّه يسمّى ب_ «وادي خُمّ» ، أخذا من واقع الموضع ، قال الحازمي : «خُمٌّ : وادٍ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ عِندَ الجُحفَةِ ، بِهِ غَديرٌ ، عِندَهُ خَطَبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وهذَا الوادي مَوصوفٌ بِكَثرَةِ الوَخامَةِ» (6) . وقد ورد هذا الاسم في حديث السيرة لابن كثير ونصّه : «قالَ الإِمامُ أحمَدُ : حَدَّثَنا عَفّانُ ، حَدَّثَنا أبو عَوانَةَ ، عَنِ المُغيرَةِ ، عَن أبي عُبَيدٍ ، عَن مَيمونٍ أبي عَبدِ اللّهِ ،
.
ص: 617
قالَ : قالَ زَيدُ بنُ أرقَمَ _ وأنَا أسمَعُ _ : نَزَلنا مَعَ رَسولِ اللّه مَنزِلاً يُقالُ لَهُ : وادي خُمٍّ . . .» (1) . وفي نصّ المراجعات : «وأخرَجَ الإِمامُ أحمَدُ مِن حَديثِ زَيدِ بنِ أرقَمَ : قالَ : نَزَلنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِوادٍ يُقالُ لَهُ : وادي خُمٍّ ، فَأَمَرَ بِالصَّلاةِ ، فَصَلّاها بِهَجيرٍ . . .» (2) . 3 _ وقد يطلق عليه «خُمّ» اختصارا كما في كتاب صفة جزيرة العرب ، فقد قال مؤلّفه الهمداني _ وهو يعدّد بلدان تهامة اليمن _ : «ومَكَّةُ : أحوازُها لِقُرَيشٍ وخُزاعَةَ ، ومِنها : مَرُّ الظَّهرانِ ، وَالتَّنعيمُ ، وَالجِعرانَةُ ، وسَرِفٌ ، وفَخٌّ ، وَالعُصمُ ، وعُسفانُ ، وقُدَيدٌ _ وهُوَ لِخُزاعَةَ _ وَالجُحفَةُ ، وخُمٌّ ، إلى ما يَتَّصِلُ بِذلِكَ مِن بَلَدِ جُهَينَةَ ومَحالِّ بَني حَربٍ» (3) . وكما في شعر معن بن أوس المزني : عَفا وخَلا مِمَّن عَهِدَت بِهِ خُمٌ وشاقَكَ بِالمَسحاءِ مِن سَرِفٍ رَسمٌ وفي قول المجالد بن ذي مرّان الهمداني من قصيدة قالها لمعاوية بن أبي سفيان وقد رأى تمويهه وتمويه عمرو بن العاص على الناس في دم عثمان : وَلَهُ حُرمَةُ الوَلاءِ عَلَى النّا سِ بِخُمٍّ وكانَ ذَا القَولُ جَهرا (4) 4 _ واُطلق عليه في بعض الحديث اسم الجحفة من باب تسمية الجزء باسم الكلّ ؛ لأنّ خُمّا جزء من وادي الجحفة الكبير _ كما سيأتي _ . وقد جاء هذا في حديث عائشة بنت سعد الذي أخرجه النسائي فى ¨
.
ص: 618
«الخصائص» (1) _ كما في المراجعات (2) _ ونصّه : «عَن عائِشَةَ بِنتِ سَعدٍ قالَت : سَمِعتُ أبي يَقولُ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ الجُحفَةِ . . .» . ورواه ابن كثير في السيرة عن ابن جرير بسنده بالنصّ التالي : «عَن عائِشَةَ بِنتِ سَعدٍ ، سَمِعَت أباها يَقولُ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ يَومَ الجُحفَةِ ، وأخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ . . .» (3) . 5 _ ويقال له : «الخرّار» ، قال السكوني : «مَوضِعُ الغَديرِ غَديرِ خُمٍّ يُقالُ لَهُ : الخَرّارُ» (4) . ويلتقي هذا مع تعريف البكري في معجم ما استعجم للخرّار حيث قال : «قالَ الزُّبَيرُ : هُوَ وادِي الحِجازِ (5) يَصُبُّ عَلَى الجُحفَةِ» (6) . 6 _ ويختصر ناسُنا اليوم الاسم فيُطلقون عليه : «الغدير» . 7 _ الغُرَبَة ، بضمّ الغين المعجمة وفتح الراء المهملة والباء الموحّدة ، هكذا ضبطه البلادي في معجم معالم الحجاز (7) ، وهو الاسم الراهن الذي يسمّيه به أبناء المنطقة في أيّامنا هذه ، قال البلادي : «ويُعرَفُ غَديرُ خُمٍّ اليَومَ بِاسمِ «الغُرَبَةِ» ، وهُوَ غَديرٌ عَلَيهِ نَخلٌ قَليلٌ لِاُناسٍ مِنَ البَلادِيَّةِ مِن حَربٍ ، وهُوَ في دِيارِهِم يَقَعُ شَرقَ الجُحفَةِ عَلى(8) أكيالٍ ، وواديهِما واحِدٌ ، وهُوَ وادِي الخَرّارِ» .
.
ص: 619
ويقيّد لفظ «الغدير» بإضافته إلى «خُمّ» تمييزا بينه وبين غدران اُخرى ، قُيّدت _ هي الاُخرى _ بالإضافة ، أمثال : _ غدير الأشطاط : موضع قرب عسفان . _ غدير البركة : بركة زبيدة . _ غدير البنات : في أسفل وادي خماس . _ غدير سلمان : في وادي الأغراف . _ غدير العروس : في وادي الأغراف أيضا (1) . وقد يُطلق على غديرنا : «غدير الجحفة» ، كما في حديث زيد بن أرقم : «أقبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله في حِجَّةِ الوَداعِ حَتّى نَزَلَ بِغَديرِ الجُحفَةِ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ . . .» (2) .
سبب التسمية :نستطيع أن نستخلص من مجموع التعريفات التي ذكرتها المعجمات العربيّة للغدير التعريف التالي : الغدير : هو المنخفض الطبيعي من الأرض يجتمع فيه ماء المطر أو ماء السيل ، ولا يبقى إلى القيظ (3) . ويجمع على : غُدُر _ بضمّ أوّلَيْه _ وغُدْر _ بضمّ أوّله وسكون ثانيه _ وأَغْدُرة ، وغُدْران . و علّلوا تسمية المنخفض الذي يجتمع فيه الماء غديرا ب_ : 1 _ أنّه اسم مفعول لمغادرة السيل له ؛ أي أنّ السيل عندما يملأ المنخفض بالماء
.
ص: 620
يغادره ؛ بمعنى يتركه بمائه . 2 _ أنّه اسم فاعل من الغَدْر ؛ لأنّه يخون ورّاده ؛ فينضب عنهم ، ويغدر بأهله ؛ فينقطع عند شدّة الحاجة إليه . وقوّاه الزبيدي في معجمه «تاج العروس» بقول الكميت : ومِن غَدرِهِ نَبَزَ الأَوَّلونَ بِأَن لَقَّبوهُ الغَديرَالغَديرَا (1) وشرح معنى البيت : بأنّ الشاعر أراد أنّ من غدره نبز الأوّلون الغديرَ بأن لقّبوه الغديرَ ، فالغدير الأول مفعول نبز ، والثاني مفعول لقّبوه . وسبب تسمية الموقع بالغدير لأنّه منخفض الوادي . أمّا «خُمّ» فنقل ياقوت في معجم البلدان عن الزمخشري أنّه قال : «خُمٌّ : اِسمُ رَجُلٍ صَبّاغٍ ، اُضيفَ إلَيهِ الغَديرُ الَّذي بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ بِالجُحفَةِ» (2) . ثمّ نقل عن صاحب «المشارق» أنّه قال : «إنَّ خُمّا اسمُ غَيضَةٍ هُناكَ ، وبِها غَديرٌ نُسِبَ إلَيها» . والتعليل نفسه نجده عند البكري في معجم ما استعجم قال : «وغَديرُ خُمٍّ عَلى ثَلاثَةِ أميالٍ مِنَ الجُحفَةِ ، يَسرَةً عَنِ الطَّريقِ ، وهذَا الغَديرُ تَصُبُّ فيه عَينٌ ، وحَولَهُ شَجَرٌ كَثيرٌ مُلتَفٌّ ، وهُوَ الغَيضَةُ الَّتي تُسمّى خُمّا» (3) .
تحديد الموقع جغرافيا :نصَّ غير واحد من اللغويّين والجغرافيّين والمؤرّخين على أنّ موقع غدير خُمّ بين مكّة والمدينة .
.
ص: 621
ففي لسان العرب _ مادّة خمم : «وخُمٌّ: غَديرٌ مَعروفٌ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ» (1) . وفي النهاية ، لابن الأثير _ مادّة : خمم : «غَديرُ خُمٍّ : مَوضِعٌ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ» (2) . وفي معجم البلدان : «وقالَ الحازِمِيُّ : خُمٌّ : وادٍ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ» (3) . وفي المصدر نفسه : «قالَ الزَّمَخشَرِيُّ : خُمٌّ : اِسمُ رَجُلٍ صَبّاغٍ ، اُضيفَ إلَيهِ الغَديرُ الَّذي هُوَ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ» . ويبدو أنّه لا خلاف بينهم في أنّ موضع غدير خُمّ بين مكّة والمدينة ، وإنّما وقع شيء قليل من الخلاف بينهم في تعيين مكانه بين مكّة والمدينة ، فذهب الأكثر إلى أنّه في «الجحفة» ، ويعنون بقولهم : «في الجحفة» أو «بالجحفة» وادي الجحفة _ كما سيأتي _ . من هؤلاء : ابن منظور في لسان العرب _ مادّة : خمم ، قال : «وخَمٌّ : غَديرٌ مَعروفٌ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ بِالجُحفَةِ ، وهُوَ غَديرُ خَمٍّ» (4) . والفيروزآبادي في القاموس المحيط _ مادّة : خَمَّ ، قال : «وغَديرُ خُمٍّ : مَوضِعٌ عَلى ثَلاثَةِ أميالٍ بِالجُحفَةِ بَينَ الحَرَمَينِ» 5 . والزمخشري في نصّه المتقدّم الذي نقله عنه الحموي في معجم البلدان القائل فيه : «خُمٌّ : اِسمُ رَجُلٍ صَبّاغٍ ، اُضيفَ إلَيهِ الغَديرُ الَّذي بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ بِالجُحفَةِ» . وفي حديث السيرة لابن كثير _ المتقدّم _ : «قالَ المُطَّلِبُ بنُ زِيادٍ ، عَن عَبدِ اللّهِ بن
.
ص: 622
مُحَمَّدِ بنِ عَقيلٍ ، سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبدِ اللّهِ يَقولُ : كُنّا بِالجُحفَةِ بِغَديرِ خُمٍّ . . .» . وكما قلتُ ، يريدون من «الجحفة» في هذا السياق : الوادي لا القرية التي هي الميقات ، وذلك بقرينة ما يأتي من ذكرهم تحديد المسافة بين غدير خُمّ والجحفة ، الذي يعني أنّ غدير خُمّ غير الجحفة (القرية) ، ولأنّ وادي الجحفة يبدأ من الغدير وينتهي عند البحر الأحمر ، فيكون الغدير جزءا منه ، وعليه لا معنى لتحديد المسافة بينه وبين الوادي الذي هو جزء منه . وتفرّد الحميري في الروض المعطار فحدّد موضعه بين الجحفة وعسفان ، قال : «وبَينَ الجُحفَةِ وعُسفانَ غَديرُ خُمٍّ» (1) . وهو _ من غير ريب _ وَهْمٌ منه ، وبخاصّة أنّه حدّد الموضع بأنّه على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق ، حيث لا يوجد عند هذه المسافة بين الجحفة وعسفان موضع يُعرف بهذا الاسم . والظاهر أنّه نقل العبارة التي تحدّد المسافة بثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق من «معجم ما استعجم» ، ولم يلتفت إلى أنّ البكري يريد بيسرة الطريق الميسرة للقادم من المدينة إلى مكّة ، وليس العكس ، فوقع في هذا التوهّم . قال البكري في معجمه : «وغَديرُ خُمٍّ عَلى ثَلاثَةِ أميالٍ مِنَ الجُحفَةِ يَسرَةً عَنِ الطَّريقِ» (2) _ وكما قلت _ يريد بالميسرة جهة اليسار بالنسبة إلى القادم من المدينة إلى مكّة بقرينة ما ذكره في بيان مراحل الطريق بين الحرمين ومسافاتها عند حديثه عن العقيق حيث بدأ بالمدينة ، قال : «وَالطَّريقُ إلى مَكَّةَ مِنَ المَدينَةِ عَلَى العَقيقِ : مِنَ المَدينَةِ إلى ذِي الحُلَيفَةِ . . .» (3) .
.
ص: 623
ونخلص من هذا إلى أنّ غدير خُمّ يقع في وادي الجحفة على يسرة طريق الحاجّ من المدينة إلى مكّة ، عند مبتدأ وادي الجحفة حيث منتهى وادي الخرّار . ومن هنا كان أنْ أسماه بعضهم بالخرّار _ كما تقدّم _ . ولعلّ علّة ما استظهره السمهودي في كتابه وفاء الوفا ، من أنّ الخرّار بالجحفة (1) ؛ هو ما أوضحته من أنّ غدير خُمّ مبتدأ وادي الجحفة ، وعنده منتهى وادي الخرّار . ويؤيّد هذا الذي ذكرته قول الزبير _ الذي نقلته آنفا عن معجم ما استعجم من أنّ الخرّار وادٍ بالحجاز يصبّ على الجحفة . وقد يشير إلى هذا قول الحموي في معجم البلدان : «الخَرّارُ . . . وهُوَ مَوضِعٌ بِالحِجازِ ، يُقالُ : هُوَ قُربَ الجُحفَةِ» (2) . وعبارة عرّام التالية تؤكّد لنا أنّ الغدير من الجحفة ، قال _ كما نقله عنه الحموي في معجم البلدان _ : «ودونَ الجُحفَةِ عَلى ميلٍ غَديرُ خُمٍّ ، وواديهِ يَصُبُّ فِي البَحرِ» (3) ، حيث يعني بواديه وادي الجحفة ؛ لأنّه هو الذي يصبّ في البحر حيث ينتهي عنده . أمّا المسافة بين موضع غدير خُمّ والجحفة (القرية = الميقات) فَحُدّدت _ فيما لديَّ من مراجع _ بالتالي : _ حدّدها البكري في معجم ما استعجم بثلاثة أميال ، ونقل عن الزمخشري أنّ المسافة بينهما ميلان ناسبا ذلك إلى (القيل) إشعارا بضعفه (4) . وإلى القول بأنّ المسافة بينهما ميلان ذهب الحموي في معجمه قال : «وغَديرُ خُم
.
ص: 624
بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ ، بَينَهُ وبَينَ الجُحفَةِ ميلانِ» (1) . وقدّر الفيروز آبادي المسافة بثلاثة أميال ، قال في القاموس _ مادّة : خَمَّ : «وغَديرٌ خُمٍّ : مَوضِعٌ عَلى ثَلاثَةِ أميالٍ بِالجُحفَةِ (2) بَينَ الحَرَمَينِ» (3) . وقدّرها بميل كلّ من نصر وعرّام (4) ، ففي تاج العروس (5) _ مادّة : خَمّ : «وقالَ نَصرٌ : دونَ الجُحفَةِ عَلى ميلٍ بَينَ الحَرَمَينِ الشَّريفَينِ» . وفي معجم البلدان : «وقالَ عَرّامٌ : ودونَ الجُحفَةِ عَلى ميلٍ غَديرُ خُمٍّ ...» (6) . وهذا التفاوت في المسافة من الميل إلى الاثنين إلى الثلاثة أمر طبيعي ؛ لأنّه يأتي _ عادة _ من اختلاف الطريق التي تسلك ، وبخاصّة أنّ وادي الجحفة يتّسع بعد الغدير ، ويأخذ بالاتّساع أكثر حتى قرية الجحفة ومن بعدها أكثر حتى البحر ، فربّما سلك أحدهم حافّة الجبال فتكون المسافة ميلاً ، وقد يسلك أحدهم وسط الوادي فتكون المسافة ميلين ، ويسلك الآخر حافة الوادي من جهة السهل فتكون المسافة ثلاثة أميال .
وصف الموضع تاريخيا :احتفظ لنا التاريخ بصورة تكاد تكون كاملة المعالم متكاملة الأبعاد لموضع غدير خُمّ ، فذكر أنّه يضمّ المعالم التالية :
.
ص: 625
1 _ العين :ففي لسان العرب مادّة خمم : «قالَ ابنُ الأَثيرِ : هُوَ مَوضِعٌ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ تَصُبُّ فيهِ عَينٌ هُناكَ (1) » (2) . وفي معجم ما استعجم والروض المعطار : «وهذَا الغَديرُ تَصُبُّ فيهِ عَينٌ» (3) . وفي معجم البلدان : «وخُمٌّ : مَوضِعٌ تَصُّبُ فيهِ عَينٌ» (4) وتقع هذه العين في الشمال الغربي للموقع _ كما سيتّضح لنا هذا من ذكر المعالم الاُخرى _ .
2 _ الغدير :وهو الذي تصبّ فيه العين المذكورة كما هو واضح من النصوص المنقولة المتقدّمة . 3 _ الشجر : ففي حديث الطبراني : «إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله خَطَبَ بِغَديرِ خُمٍّ تَحتَ شَجَراتٍ» (5) . وفي حديث الحاكم : «لَمّا رَجَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن حِجَّةِ الوَداعِ ، ونَزَلَ غَديرَ خُمٍّ أمَرَ بِدَوحاتٍ فَقُمِمنَ» (6) . وفي حديث الإمام أحمد : «وظُلِّلَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِثَوبٍ عَلى شَجَرَةٍ سَمُرَةٍ مِنَ الشَّمسِ» (7) .
.
ص: 626
وفي حديثه الآخر : «وكُسِحَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَحتَ شَجَرَتَينِ فَصَلَّى الظُّهرَ» (1) . والشجر المشار إليه هنا من نوع «السَّمُر» ، واحده «سَمُرَة» بفتح السين المهملة وضمّ الميم وفتح الراء المهملة ، وهو من شجر الطَلَح ؛ وهو شجر عظيم ، ولذا عبّر عنه ب«الدوح» كما في الأحاديث والأشعار التي مرّ شيء منها ، واحده «دوحة» ؛ وهي الشجرة العظيمة المتشعّبة ذات الفروع الممتدّة . وهو غير «الغيضة» الآتي ذكرها ؛ لأ نّه متفرّق في الوادي هنا وهناك .
4 _ الغَيْضة :وهي الموضع الذي يكثر فيه الشجر ويلتفّ ، وتُجمع على غياض وأغياض . وموقعها حول الغدير ، كما ذكر البكري في معجم ما استعجم ، قال : «وهذَا الغَديرُ تَصُبُّ فيهِ عَينٌ ، وحَولَهُ شَجَرٌ كَثيرٌ مُلتَفٌّ ، وهِيَ الغَيضَةُ» (2) . ومرّ بنا أنّ صاحب المشارق ذكر «أنَّ خُمّا اسمُ غَيضَةٍ هُناكَ ، وبِها غَديرٌ نُسِبَ إلَيها» .
5 _ النبت البَرّي :ونقل ياقوت الحموي في معجمه البلداني عن عرّام أنّه قال : «لا نَبتٌ فيهِ غَيرَ المَرخِ وَالثُّمامِ وَالأَراكِ وَالعُشَرِ» (3) .
6 _ المسجد :وذكروا أنّ فيه مسجدا شُيِّد على المكان الذي وقف فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وصلّى وخطب ونصب عليّا للمسلمين خليفة ووليّا . وعَيّنوا موقعه بين الغدير والعين ، قال البكري في معجمه : «وبَينَ الغَديرِ وَالعَين
.
ص: 627
مَسجِدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله » (1) . وفي معجم البلدان أنّ صاحب المشارق قال : «وخُمٌّ : مَوضِعٌ تَصُبُّ فيهِ عَينٌ ، بَينَ الغَديرِ وَالعَينِ وبَينَهُما مَسجِدُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله » (2) . ويبدو أنّ هذا المسجد قد تداعى ولم يبقَ منه في زمن الشهيد الأول _ المتوفّى سنة 786 ه _ إلّا جدرانه ، كما أشار إلى هذا الشيخ صاحب الجواهر في الجواهر نقلاً عن كتاب «الدروس في فقه الإماميّة (3) » للشهيد الأوّل ، قال : «وفِي الدُّروسِ : وَالمَسجِدُ باقٍ إلَى الآنِ جُدرانُهُ ، وَاللّهُ العالِمُ» (4) . أمّا الآن فلم نجد له أثرا . . . كما ساُشير إلى هذا فيما يعقبه . 7 _ ونقل ياقوت في معجم البلدان عن الحازمي أنّ «هذَا الوادي مَوصوفٌ بِكَثرَةِ الوَخامَةِ» 5 . يقال : وخم المكان وخامة : إذا كان غير ملائم للسكنى فيه . 8 _ ومع وخامته ذكر عرّام _ فيما نقله ياقوت عنه _ أنّ به اُناسا من خزاعة وكنانة ، ولكنّهم قليلون ، قال : «وبِهِ اُناسٌ مِن خُزاعَةَ وكِنانَةَ غَيرُ كَثيرٍ» 6 .
وصف مشهد النصّ بالولاية :ويُنسق على ما تقدّم من وصف الموضع تاريخيا وصف حادثة الولاية بخطواتها المتسلسلة والمترتّب بعضها على بعض لتكتمل أمام القارئ الكريم الصورة للحادثة
.
ص: 628
التي أعطت هذا الموضع الشريف أهمّيّته كمَعْلَم مهمّ من معالم السيرة النبويّة المقدّسة ، وتتلخّص بالتالي : 1 _ وصول الركب النبوي بعد منصرفه من حَجَّة الوداع إلى موضع غدير خُمّ ضحى نهار الثامن عشر من شهر ذي الحَجَّة الحرام من السنة الحادية عشرة للهجرة . فعن زيد بن أرقم : «لَمّا حَجَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم حِجَّةَ الوَداعِ ، وعادَ قاصِداً المَدينَةَ قامَ بِغَديرِ خُمٍّ _ وهُوَ ماءٌ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ _ وذلِكَ فِي اليَومِ الثّامِنَ عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ الحَرامِ» (1) . 2 _ ولأنّ هذا الموضع كان مفترق الطرق المؤدّية إلى المدينة المنوّرة ، والعراق ، والشام ، ومصر ، تفرّق الناس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم متّجهين وجهة أوطانهم ، فأمر صلى الله عليه و آله وسلمعليّاً عليه السلام أن يجمعهم بردّ المتقدّم وانتظار المتأخّر . ففي حديث جابر بن عبد اللّه الأنصاري : «إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَزَلَ بِخُمٍّ فَتَنَحَّى النّاسُ عَنهُ . . . فَأَمَرَ عَلِيّاً فَجَمَعَهُم» (2) . وفي حديث سعد : «كُنّا مَعَ رَسولِ اللّهِ فَلَمّا بَلَغَ غَديرَ خُمٍّ وَقَفَ لِلنّاسِ ، ثُمَّ رَدَّ مَن تَقَدَّمَ ، ولَحِقَ مَن تَخَلَّفَ» (3) . 3 _ ونزل الرسول قريباً من خمس سَمُرات دوحات متقاربات ، ونهى أن يُجلَس تحتهنّ . يقول زيد بن أرقم : «نَزَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَينَ مَكَّةَ وَالمَدينَةِ عِندَ سَمُراتٍ خَمسٍ دَوحاتٍ عِظامٍ» (4) .
.
ص: 629
وفي حديث عامر بن ضمرة وحذيفة بن اُسيد ، قالا : «لَمّا صَدَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلممِن حِجَّةِ الوَداعِ ، ولَم يَحُجَّ غَيرَها ، أقبَلَ حَتّى إذا كانَ بِالجُحفَةِ نَهى عَن شَجَراتٍ بِالبَطحاءِ مُتَقارِباتٍ لا يَنزِلوا تَحتَهُنَّ» (1) . 4 _ ثم أمر صلى الله عليه و آله وسلم أن يُقمّ ما تحت تلكم السمرات من شوك ، وأن تشذّب فروعهنّ المتدلّية ، وأن ترشّ الأرض تحتهنّ . ففي حديث زيد بن أرقم : «قامَ بِالدَّوحاتِ فَقُمَّ ما تَحتَهُنَّ مِن شَوكٍ» (2) . وفي حديثه الآخر : «أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم بِالشَّجَراتِ فَقُمَّ ما تَحتَها ، ورُشَّ» (3) . وفي حديث عامر بن ضمرة وحذيفة بن اُسيد : «فَقُمَّ ما تَحتَهُنّ وشُذِّبنَ عَن رُؤوسِ القَومِ» (4) . 5 _ وبعد أن نزلت الجموع منازلها وأخذت أماكنها ، أمر صلى الله عليه و آله وسلممناديه أن ينادي : «الصَّلاةَ جامِعَةً» . يقول حبّة بن جوين العرني البجلي : «لَمّا كانَ يَومُ غَديرِ خُمٍّ دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم : (الصَّلاةَ جامِعَةً) نِصفَ النَّهارِ . . .» 5 . وفي حديث زيد المتقدّم : «فَأَمَرَ بِالدَّوحاتِ فَقُمَّ ما تَحتَهُنّ مِن شَوكٍ ثُمَّ نادى : الصَّلاةَ جامِعَةً» . 6 _ وبعد أن تكاملت الصفوف للصلاة جماعة ، قام صلى الله عليه و آله وسلم إماماً بين شجرتين من
.
ص: 630
تلكم السمرات الخمس . يقول عامر و حذيفة في حديثهما المتقدّم : «حَتّى إذا نودِيَ لِلصَّلاةِ غَدا إلَيهِنَّ فَصَلّى تَحتَهُنَّ» . وفي رواية الإمام أحمد عن البراء بن عازب : قال : «كُنّا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في سَفَرٍ ، فَنَزَلنا بِغَديرِ خُمٍّ ، فَنودِيَ فينا : الصَّلاةَ جامِعَةً ، وكُسِحَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم تَحتَ شَجَرَتَينِ ، فَصَلَّى الظُّهرَ» (1) . 7 _ وظُلِّلَ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عن الشمس أثناء صلاته بثوب ، عُلّق على إحدى الشجرتين . ففي رواية الإمام أحمد حديث زيد من أرقم : «وظُلِّلَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلمبِثَوبٍ عَلى شَجَرَةٍ سَمُرَةٍ مِنَ الشَّمسِ» (2) . 8 _ وكان ذلك اليوم هاجراً شديد الحرّ . يقول زيد بن أرقم : «فَخَرَجنا إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم في يَومٍ شَديدِ الحَرِّ ، وإنَّ مِنّا مَن يَضَعُ بَعضَ رِدائِهِ عَلى رَأسِهِ ، وبَعضَهُ عَلى قَدَمِهِ مِن شِدَّةِ الرَّمضاءِ» (3) . 9 _ وبعد أن انصرف صلى الله عليه و آله وسلم من صلاته ، أمر أن يصنع له منبر من أقتاب الإبل (4) . 10 _ ثمّ صعد صلى الله عليه و آله وسلم المنبر متوسّداً يد عليّ عليه السلام . يقول جابر في حديثه المتقدّم : «فَأَمَرَ عَلِيّاً فَجَمَعَهُم ، فَلَمَّا اجتَمَعوا قامَ فيهِم وهُوَ مُتَوَسِّدٌ يَدَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ» . 11 _ وخطب صلى الله عليه و آله وسلم خطبته . . .
.
ص: 631
12 _ «ثُمَّ طَفِقَ القَومُ يُهَنِّئونَ أميرَ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، ومِمَّن هَنَّأَهُ في مُقَدَّمِ الصَّحابَةِ : الشَّيخانِ أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، كُلٌّ يَقولُ : بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا بنَ أبي طالِبٍ !أصبَحتَ وأمسَيتَ مَولايَ ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ» (1) . 13 _ وقال ابن عبّاس : «وَجَبَت _ وَاللّهِ _ في أعناقِ القَومِ» (2) ؛ يعني بذلك البيعة بالولاية والإمرة والخلافة . 14 _ ثم استأذن الرسولَ شاعرُه حسّانُ بن ثابت في أن يقول شعراً في المناسبة . . . . (3)
الأعمال المندوب إليها شرعاً في هذا الموقع :الأعمال المندوب إليها شرعاً في هذا الموضع ، هي : 1 _ استحباب الصلاة في مسجده المعروف _ تاريخياً _ بمسجد رسول اللّه ، ومسجد النبيّ ، ومسجد غدير خُمّ . 2 _ الإكثار فيه من الدعاء والابتهال إلى اللّه تعالى . قال الشيخ صاحب الجواهر في كتابه جواهر الكلام : «وكَذلِكَ يُستَحَبُّ لِلرّاجِعِ عَلى طَريقِ المَدينَةِ الصَّلاةُ في مَسجِدِ غَديرِ خُمٍّ ، والإِكثارُ فيهِ مِنَ الدُّعاءِ ، وهُوَ مَوضِعُ النَّصِّ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام » (4) . ومن الحديث الذي يدلّ على ذلك . . . . (5)
.
ص: 632
وقال الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة : «يُستَحَبُّ لِقاصِدِي المَدينَةِ المُشَرَّفَةِ المُرورُ بِمَسجِدِ الغَديرِ ودُخولُهُ وَالصَّلاةُ فيهِ ، وَالإِكثارُ مِنَ الدُّعاءِ . وَهُوَ المَوضِعُ الَّذي نَصَّ فيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم عَلى إمامَةِ أميرِ المُؤمِنينَ وخِلافَتِهِ بَعدَهُ ، ووَقَعَ التَّكليفُ بِها ، وإن كانَتِ النُّصوصُ قَد تَكاثَرَت بِها عَنهُ صلى الله عليه و آله وسلمقَبلَ ذلِكَ اليَومِ ، إلّا أنَّ التَّكليفَ الشَّرعِيَّ وَالإِيجابَ الحَتمِيَّ إنَّما وَقَعَ في ذلِكَ اليَومِ ، وكانَت تِلكَ النُّصوصُ المُتَقَدَّمَةُ مِن قَبيلِ التَّوطِئَةِ لِتُوَطِّنَ النُّفوسَ عَلَيها ، وقَبولِها بَعدَ التَّكليفِ بِها . فَرَوى ثِقَةُ الإِسلامِ فِي الكافي (1) وَالصَّدوقُ فِي الفَقيهِ (2) عَن أبان عَن أبي عَبدِاللّهِ عليه السلام : قالَ : يُستَحَبُّ الصَّلاةُ في مَسجِدِ الغَديرِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم أقامَ فيهِ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وهُوَ مَوضِعٌ أظهَرَ اللّهُ عزّوجلّ فيهِ الحَقَّ . ورَوَى المَشايِخُ الثَّلاثَةُ (3) _ نَوَّرَ اللّهُ تَعالى مَضاجِعَهُم _ فِي الصَّحيحِ عَن عَبِد الرَّحمنِ بنِ الحَجّاجِ : قالَ : سَأَلتُ أبا إبراهيمَ عليه السلام عَنِ الصَّلاةِ في مَسجِد غَديرِ خُمِّ بِالنَّهارِ وأنَا مُسافِرٌ ، فَقالَ : صَلِّ فيهِ ؛ فَإِنَّ فيهِ فَضلاً ، وقَد كانَ أبي يَأمُرُ بِذلِكَ» . (4) وقد ذكر استحباب الصلاة في مسجد الغدير غير واحد من فقهائنا الإماميّة ، مضافاً إلى مَن ذكرتهم ، منهم : _ الشيخ الطوسي في النهاية ، قال : «وإذَا انتَهى [يَعنِي الحاجَّ] إلى مَسجِدِ الغَديرِ ، فَليَدخُلهُ ، وَليُصَلِّ فيهِ رَكعَتَينِ» (5) .
.
ص: 633
_ القاضي ابن البرّاج في المهذّب ، قال : «فَمَن تَوَجَّهَ إلى زِيارَتِهِ صلى الله عليه و آله وسلم مِن مَكَّةَ بَعدَ حَجِّهِ فَيَنبَغي لَهُ إذا أتى مَسجِدَ الغَديرِ . . . فَليَدخُلُه ، ويُصَلّي مِن مَيسَرَتِهِ ما تَيَسَّرَ لَهُ ، ثُمَّ يَمضي إلَى المَدينَةِ» (1) . _ الشيخ ابن إدريس في السرائر ، قال : «وإذَا انتَهَى [الحاجُّ ]إلى مَسجِدِ الغَديرِ دَخَلَهُ وصَلّى فيهِ رَكعَتَينِ» (2) . _ الشيخ ابن حمزة في الوسيلة ، قال : «وصَلّى [يَعنِي الحاجَّ] أيضاً في مَسجِدِ الغَديرِ رَكعَتَينِ إذا بَلَغَهُ» (3) . _ الشيخ يحيى بن سعيد في الجامع ، قال : «فَإِذا أتَى [الحاجُّ] مَسجِدَ الغَديرِ دَخَلَهُ وصَلّى رَكعَتَينِ» (4) . _ السيّد الحكيم في منهاج الناسكين ، قال : «وكَذا يُستَحَبُّ الصَّلاةُ في مَسجِدِ غَديرِ خُمٍّ ، وَالإِكثارُ مِنَ الاِبتِهالِ وَالدُّعاءِ فيهِ . وهُوَ المَوضِعُ الَّذي نَصَّ فيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِالوِلايَةِ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وعَقَدَ البَيعَةَ لَهُ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيهِما وعَلى آلِهِمَا الطّاهِرينَ» (5) .
وصف الموقع الراهن :وصَفَه المقدّم عاتق بن غيث البلادي _ المؤرّخ الحجازي المعاصر _ في كتابه معجم معالم الحجاز ، قال : «ويُعرَفُ غَديرُ خُمٍّ اليَومَ بِاسمِ «الغُرَبَةِ» ؛ وهُوَ غَديرٌ عَلَيهِ نَخل
.
ص: 634
قَليلٌ لِاُناسِ مِنَ البَلادِيَّةِ مِن حَربٍ ، وهُوَ في دِيارِهِم يَقَعُ شَرقَ الجُحفَةِ عَلى (8) أكيالٍ ، وواديهِما واحِدٌ ، وهُوَ وادِي الخَرّارِ (1) . وكانَت عَينُ الجُحفَةِ تَنبُعُ مِن قُربِ الغَديرِ ، ولا زالَت فَقرُها ماثِلَةً لِلعِيانِ . وتَركَبُ الغَديرَ مِنَ الغَربِ وَالشِّمالِ الغَربِيِّ آثارُ بَلدَةٍ كانَ لَها سورٌ حَجَرِيٌّ لا زالَ ظاهِراً ، وأنقاضُ الآثارِ تَدُلُّ عَلى أنَّ بَعضَها كانَ قُصوراً أو قِلاعاً ، ورُبَّما كانَ هذا حَيّاً مِن أحياءِ مَدينَةِ الجُحفَةِ ، فَالآثارُ هُنا تَتَشابَهُ» (2) . وقد استطلعتُ _ ميدانيّاً _ الموضع من خلال رحلتين : _ كانت اُولاهما : يوم الثلاثاء 7 / 5 / 1402 ه_ = 2 / 3 / 1982 م . _ والثانية : يوم الأربعاء 18 / 6 / 1409 ه_ = 25 / 1 / 1989 م . . .
الطرق المؤدّية إلى الموقع. . . أنّ هناك طريقين تؤدّيان إلى موقع غدير خُمّ ؛ إحداهما من الجحفة ، والاُخرى من رابغ .
1 _ طريق الجحفة :تبدأ من مفرق الجحفة عند مطار رابغ سالكاً تسعة كيلوات مزفّتة إلى أوّل قرية الجحفة القديمة ، حيث شيّدت الحكومة السعوديّة _ بعد أن هدمت المسجد السابق الذي رأيناه في الرحلة الاُولى _ مسجداً كبيراً في موضعه ، وحمّامات للاغتسال ، ومرافق صحّية ، ومواقف سيّارات . ثمّ تنعطف الطريق شمالاً وسط حجارة ورمال كالسدود بمقدار خمسة كيلوات
.
ص: 635
إلى قصر علياء ، حيث نهاية قرية الميقات . ثم تنعطف الطريق إلى جهة اليمين ، قاطعاً بمقدار كيلوين أكواماً من الحجارة وتلولاً من الرمال ، وحرّة قصيرة المسافة . ثم تهبط من الحرّة يمنة الطريق حيث وادي الغدير .
M33_T1_File_2585092
M33_T1_File_2585093
2 _ طريق رابغ :وتبدأ من مفرق طريق مكّة _ المدينة العامّ ، الداخل إلى مدينة رابغ عند إشارة المرور ، يمنة الطريق للقادم من مكّة ، مارّةً ببيوتات من الصفيح ، واُخرى من الطين يسكنها بعض بدو المنطقة . ثم يصعد على طريق قديمة مزفَّتة تنعطف به إلى اليسار _ وهي الطريق العامّ القديمة التي تبدأ بقاياها من وراء مطار رابغ _ . وبعد مسافة عشر كيلوات ، وعلى اليمين ، يتفرّع منه الفرع المؤدّي إلى الغدير ، ومسافته من رابغ إلى الغدير 26 كيلومتراً تقريباً . وفي ضوء ما تقدّم : يقع غدير خُمّ من ميقات الجحفة مطلع الشمس بحوالي 8 كيلومترات ، وجنوب شرقي رابغ بما يقرب من 26 كم .
.
ص: 636
. .
ص: 637
الفصل الحادي عشر : غاية جهد النبيّ في تعيين الوليّ11 / 1طَلَبُ الصَّحيفَةِ وَالدَّواةِصحيح البخاري عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عبّاس :لَمّا حُضِرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وفِي البَيتِ رِجالٌ فيهِم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : هَلُمَّ أكتُب لَكُم كِتابا لا تَضِلّوا بَعدَهُ . فَقالَ عُمَرُ : إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَد غَلَبَ عَلَيهِ الوَجَعُ ! ! ! وعِندَكُمُ القُرآنُ ، حَسبُنا كِتابُ اللّهِ ! ! فَاختَلَفَ أهلُ البَيتِ فَاختَصَموا ؛ مِنهُم مَن يَقولُ : قَرِّبوا يَكتُب لَكُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله كِتابا لَن تَضِلّوا بَعدَهُ ، ومِنهُم مَن يَقولُ ما قالَ عُمَرُ . فَلَمّا أكثَرُوا اللَّغوَ وَالاِختِلافَ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قوموا . قالَ عُبَيدُ اللّهِ : فَكانَ ابنُ عَبّاسٍ يَقولُ : إنَّ الرَّزِيَّةَ (1) كُلَّ الرَّزِيَّةِ ما حالَ بَينَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وبَينَ أن يَكتُبَ لَهُم ذلِكَ الكِتابَ ؛ مِن اختِلافِهِم ولَغَطِهِم (2) .
.
ص: 638
صحيح البخاري عن ابن عبّاس :يَومُ الخَميسِ ، وما يَومُ الخَميسِ ! ! اِشتَدَّ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَجَعُهُ ، فَقالَ : اِيتوني أكتُب لَكُم كِتابا لَن تَضِلّوا بَعدَهُ أبَدا . فَتَنازَعوا _ ولا يَنبَغي عِندَ نَبِيٍّ تَنازُعٌ _ فَقالوا : ما شَأنُهُ ؟ ! أهَجَرَ (1) ؟ ! ! اِستَفهِموهُ ! ! ! فَذَهَبوا يَرُدّونَ عَلَيهِ . فَقالَ : دَعوني ؛ فَالَّذي أنَا فيهِ خَيرٌ مِمّا تَدعونَني إليَهِ (2) .
صحيح مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس :يَومُ الخَميسِ ، وما يَومُ الخَميسِ ! !ثُمَّ جَعَلَ تَسيلُ دُموعُهُ ، حَتّى رَأَيتُ عَلى خَدَّيِه كَأَنَّها نِظامُ اللُّؤلُؤِ . قالَ : قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِيتوني بِالكَتِفِ (3) وَالدَّواةِ أكتُب لَكُم كِتابا لَن تَضِلّوا بَعدَهُ أبَدا . فَقالوا : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَهجُرُ ! ! ! (4)
مسند ابن حنبل عن جابر :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله دَعا عِندَ مَوتِهِ بِصَحيفَةٍ لِيَكتُبَ فيها كِتابا لا يَضِلّونَ بَعدَهُ ، فَخالَفَ عَلَيها عُمَرُ بنُ الخَطّابِ حَتّى رَفَضَها (5) .
.
ص: 639
الإرشاد_ في قَضِيَّةِ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: . . . ثُمَّ قالَ [ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] : اِيتوني بِدَواةٍ وكَتِفٍ أكتُب لَكُم كِتابا لا تَضِلّوا بَعدَهُ أبَدا . ثُمَّ اُغمِيَ عَلَيهِ ، فَقامَ بَعضُ مَن حَضَرَ يَلتَمِسُ دَواةً وكَتِفا ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ : اِرجِع ، فَإِنَّهُ يَهجُرُ ! ! ! فَرَجَعَ . ونَدِمَ مَن حَضَرَهُ عَلى ما كانَ مِنهُم مِنَ التَّضجيعِ (1) في إحضارِ الدَّواةِ وَالكَتِفِ ، فَتَلاوَموا بَينَهُم فَقالوا : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ! لَقَد أشفَقنا مِن خِلافِ رَسولِ اللّهِ . فَلَمّا أفاقَ صلى الله عليه و آله قالَ بَعضُهُم : أ لا نَأتيكَ بِكَتِفٍ يا رَسولَ اللّهِ ودَواةٍ ؟ فَقالَ : أبَعدَ الَّذي قُلتُم ! ! لا ، ولكِنَّني اُوصيكُم بِأَهلِ بَيتي خَيرا . ثُمَّ أعرَضَ بِوَجهِهِ عَنِ القَومِ فَنَهَضوا ، وبَقِيَ عِندَهُ العَبّاسُ وَالفَضلُ وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ وأهلُ بَيتِهِ خاصَّةً . فَقالَ لَهُ العَبّاسُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إن يَكُن هذَا الأَمرُ فينا مُستَقِرّا بَعدَكَ فَبَشِّرنا ، وإن كُنتَ تَعلَمُ أنّا نُغلَبُ عَلَيهِ فَأَوصِ بِنا ، فَقالَ : أنتُمُ المُستَضعَفونَ مِن بَعدي . وأصمَتَ ، فَنَهَضَ القَومُ وهُم يَبكونَ قَد أيِسوا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله (2) .
شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس :خَرَجتُ مَعَ عُمَرَ إلَى الشّامِ في إحدى خَرجاتِهِ ، فَانفَرَدَ يَوما يَسيرُ عَلى بَعيرِهِ فَاتَّبَعتُهُ ، فَقال لي : يَا بنَ عَبّاسٍ ، أشكو إلَيكَ ابنَ عَمِّكَ؛ سَأَلتُهُ أن يَخرُجَ مَعي فَلَم يَفعَل ، ولَم أزَل أراهُ واجِدا ، فيمَ تَظُنُّ مَوجِدَتَهُ ؟ قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّكَ لَتَعلَمُ . قالَ : أظُنُّهُ لا يَزالُ كَئيبا لِفَوتِ الخِلافَةِ . قُلتُ : هُوَ ذاكَ ؛ إنَّهُ يَزعُمُ أنَّ رَسولَ اللّهِ أرادَ الأَمرَ لَهُ . فَقالَ : يَا بنَ عَبّاسٍ ، وأرادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الأَمرَ لَهُ فَكانَ ، ماذا إذا لَم يُرِدِ اللّهُ تَعالى ذلِكَ ! إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أرادَ أمرا وأرادَ اللّهُ غَيرَهُ ، فَنَفَذَ مُرادُ اللّهِ تَعالى ولَم يَنفُذ مُرادُ رَسولِهِ ، أوَ كُلَّما أرادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ ؟ ! إنَّهُ أرادَ إسلام
.
ص: 640
عَمِّهِ ولَم يُرِدهُ اللّهُ فَلَم يُسلِم ! وقَد رُوِيَ مَعنى هذَا الخَبَرِ بِغَيرِ هذَا اللَّفظِ ، وهُوَ قَولُهُ : إنَّ رسَولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أرادَ أن يَذكُرَهُ لِلأَمرِ في مَرَضِهِ ، فَصَدَدتُهُ عَنهُ خَوفا مِنَ الفِتنَةِ ، وَانتِشارِ أمرِ الإِسلامِ ، فَعَلِمَ رَسولُ اللّهِ ما في نَفسي وأمسَكَ ، وأبَى اللّهُ إلّا إمضاءَ ما حَتَمَ (1) .
شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس :دَخَلتُ عَلى عُمَرَ في أوَّلِ خِلافَتِهِ ، وقَد اُلقِيَ لَهُ صاعٌ مِن تَمرٍ عَلى خَصَفَةٍ (2) ، فَدَعاني إلَى الأَكلِ ، فَأَكَلتُ تَمرَةً واحِدَةً ، وأقبَلَ يَأكُلُ حَتّى أتى عَلَيهِ ، ثُمَّ شَرِبَ مِن جَرٍّ (3) كانَ عِندَهُ ، وَاستَلقى عَلى مِرفَقَةٍ لَهُ ، وطَفِقَ يحَمَدُ اللّهَ يُكَرِّرُ ذلِكَ ، ثُمَّ قالَ : مِن أينَ جِئتَ يا عَبدَ اللّهِ ؟ قُلتُ : مِنَ المَسجِدِ . قالَ : كَيفَ خَلَّفتَ ابنَ عَمِّكَ ؟ فَظَنَنتُهُ يَعني عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ ؛ قُلتُ : خَلَّفتُهُ يَلعَبُ مَعَ أترابِهِ . قالَ : لَم أعنِ ذلِكَ ، إنَّما عَنَيتُ عَظيمَكُم أهلَ البَيتِ . قُلتُ : خَلَّفتُهُ يَمتَحُ بِالغَربِ (4) عَلى نَخيلاتٍ مِن فُلانٍ ، وهُوَ يَقرَأُ القُرآنَ . قالَ : يا عَبدَ اللّهِ ، عَلَيكَ دِماءُ البُدنِ إن كَتَمتَنيها !هَل بَقِيَ في نَفسِهِ شَيءٌ مِن أمرِ الخِلافَةِ ؟ قُلتُ : نَعَم . قالَ : أ يَزعُمُ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَصَّ عَلَيهِ ؟ قُلتُ : نَعَم ، وأزيدُكَ ؛ سَأَلتُ أبي عَمّا يَدَّعيهِ فَقالَ : صَدَقَ . فَقالَ عُمَرُ : لَقَد كانَ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في أمرِهِ ذَروٌ (5) مِن قَولٍ لا يُثبِتُ حُجَّةً ، ولا يَقطَعُ عُذرا ، ولَقَد كانَ يَربَعُ (6) في أمرِهِ وَقتا ما ، ولَقَد أرادَ في مَرَضِهِ أن يُصَرِّحَ بِاسمِه
.
ص: 641
فَمَنَعتُ مِن ذلِكَ إشفاقا وحيطَةً عَلَى الإِسلامِ ، لا ورَبِّ هذِهِ البَنِيَّةِ لا تَجتَمِعُ عَلَيهِ قُرَيشٌ أبَدا ! ولَو وَلِيَها لَانتَقَضَت عَلَيهِ العَرَبُ مِن أقطارِها ، فَعَلِمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنّي عَلِمتُ ما في نَفسِهِ ، فَأَمسَكَ ، وأبَى اللّهُ إلّا إمضاءَ ما حَتَمَ (1) .
.
ص: 642
منع كتابة الوصيّة بين التبرير والنقدتعتبر واقعة عزم الرسول صلى الله عليه و آله على كتابة الوصيّة ، ومنع الخليفة الثاني إيّاه من كتابتها، واقعة غريبة ومثيرة . فرسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي «مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» (1) قد قرّر في آخر لحظات حياته بيان بعض الاُمور للاُمّة الإسلاميّة . وحتى لو كان الرسول شخصا عاديّا كان ينبغي تلبية طلبه ذاك ، ناهيك عن أنّه أعلن بأنّ هدفه من كتابة تلك الوصيّة هو أن لا تضلّ بعده الاُمّة أبدا ، وهذا هدف يطمح إليه كلّ إنسان . المثير للدهشة في هذا المجال هو أنّ الخليفة الثاني عارض ذلك الطلب البسيط الذي ينطوي على نتيجة كبرى . وأسباب تلك المعارضة واضحة طبعا ، وصرّحت بها بعض المصادر التاريخيّة . وحتى لو لم يُشِر أيّ مصدر تاريخي إلى مراده ، فإنّ أيّ باحث منصف يدرك حقيقة الأمر من خلال وضع هذه الواقعة وواقعة السقيفة ، ووصول عمر إلى منصب الخلافة ، إلى جانب بعضها الآخر . ويستفاد من المصادر التاريخيّة بأنّ هناك فئة كانت تعاضد عمر وتؤازره في موقفه ذاك . وهذا ما يدلّ على وجود جماعة ضغط كان لها حضور حتى فى ¨
.
ص: 643
المجالس الخاصّة للرسول صلى الله عليه و آله بحيث إنّ الجدل واللغط اشتدّ، وأصبحت كتابة الوصيّة غير ذات جدوى . والأدهى من كلّ ذلك هو أنّ البعض حاول إثبات صحّة عمل الخليفة ولكن على حساب الانتقاص من الرسول صلى الله عليه و آله ، فقالوا : «إنَّهُ مِن دَلائِلِ فِقهِ عُمَرَ وفَضائِلِهِ ودَقيقِ نَظَرِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَشِيَ أن يَكتُبَ صلى الله عليه و آله اُمورا رُبَّما عَجَزوا عَنها وَاستَحَقُّوا العُقوبَةَ عَلَيها ؛ لِأَنَّها مَنصوصَةٌ لا مَجالَ لِلاِجتِهادِ فيها» (1) . فالرسول صلى الله عليه و آله يقول لهم : اُريد أن أكتب لكم شيئا لا تضلّوا بعده أبدا ، وهؤلاء يقولون : إنّ كتابة الرسول توجب العقاب ، ومعارضة عمر له دليل على فقهه وفضله ودقيق نظره ! ! ونظرا لهذا التعارض الصريح بين رأي الرسول صلى الله عليه و آله ورأي الخليفة الثاني ، كيف يمكن حينئذٍ تفسير هذه الإشادة بعمر ؟ ! والأعجب من ذلك هو التبرير الذي جاء به القاضي عيّاض لكلّ الواقعة ؛ إذ أنّه حرّفها عن صورتها الأصليّة ، وأوردها على نحو مقلوب ، بقوله : «أهَجَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ هكَذا هُوَ في صَحيحِ مُسلِمٍ وغَيرِهِ : أهَجَرَ ؟ عَلى نَحوِ الاِستِفهامِ ، وهُوَ أصَحُّ مِن رِوايَةِ مَن رَوى : هَجَرَ أو يَهجُرُ ؛ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ لا يَصِحُّ مِنهُ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّ مَعنى هَجَرَ : هَذى . وإنَّما جاءَ هذا مِن قائِلِهِ استِفهاما لِلإِنكارِ عَلى مَن قالَ : لا تَكتُبوا ؛ أي لا تَترُكوا أمرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وتَجعَلوهُ كَأَمرِ مَن هَجَرَ في كَلامِهِ ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه و آله لا يَهجُرُ ، وقَولُ عُمَرَ : حَسبُنا كِتابُ اللّهِ ، رَدٌّ عَلى مَن نازَعَهُ ، لا عَلى أمرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله » (2) . فهل ثمّة تحريف أوضح من هذا ؟ ومن البديهي أنّ هذا النصّ لو لم يكن موجودا في صحيحي البخاري ومسلم ، لوصل إلينا بهذا الشكل المحرّف .
.
ص: 644
والبخاري وإن كان قد نقل هذا النصّ على نحوين ، إلّا أنّه أورده في الموضع الذي صرّح فيه باسم القائل بلفظة «وجع» ، وهي تتضمّن معنىً أقلّ إساءة . وفي الموضع الذي حجب فيه اسم القائل أورد الكلمة القبيحة «أهجر (1) » ، والظاهر أنّها الكلمة الأصليّة . ولعلّ مصدر هذا الاختلاف هو ابن عبّاس الذي بيّن _ بذكاء خاصّ _ حقيقة الأمر كاملة ، ولكن على نحوين من النقل .
11 / 2إنفاذُ جَيشِ اُسامَةَالطبقات الكبرى عن عروة بن الزبير :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد بَعَثَ اُسامَةَ وأمَرَهُ أن يوَطِّئَ الخَيلَ نَحوَ البَلقاءِ (2) حَيثُ قُتِلَ أبوهُ وجَعفَرٌ ، فَجَعَلَ اُسامَةُ وأصحابُهُ يَتَجَهَّزونَ وقَد عَسكَرَ بِالجُرفِ (3) ، فَاشتَكى رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ عَلى ذلِكَ ، ثُمَّ وَجَدَ مِن نَفسِهِ راحَةً فَخَرَجَ عاصِبا رَأسَهُ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! أنفِذوا بَعث اُسامَةَ _ ثَلاثَ مَرّاتٍ _ ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَاستُعِزَّ (4) بِهِ ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله (5) .
الطبقات الكبرى عن ابن عمر :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله بَعَثَ سَرِيَّةً فيهِم أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، وَاستَعمَلَ عَلَيهِم اُسامَةُ بنُ زَيدٍ ، فَكانَ النّاسُ طَعَنوا فيهِ _ أي في صِغَرِهِ _ فَبَلَغَ ذلِكَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَصَعِدَ المِنبَرَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وقالَ : إنَّ النّاسَ قَد طَعَنوا في إمارَةِ اُسامَةَ ، وقَد كانوا طَعَنوا في إمارَةِ أبيهِ مِن قَبلِهِ ، وإنَّهُما لَخَليقانِ لَها ، وإنَّهُ لَمِن
.
ص: 645
أحَبِّ النّاسِ إلَيَّ آلاً ، فَاُوصيكُم بِاُسامَةَ خَيرا ! (1)
الطبقات الكبرى عن حَنَش :سَمِعتُ أبي يَقولُ : اِستَعمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله اُسامَةَ بنَ زَيدٍ وهُوَ ابنُ ثَماني عَشرَةَ سَنَةً (2) .
أنساب الأشراف :كانَ في جَيشِ اُسامَةَ : أبو بَكرٍ ، وعُمَرُ ، ووُجوهٌ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ (3) .
المغازي_ في ذِكرِ جَيشِ اُسامَةَ _: ولَم يَبقَ أحَدٌ مِنَ المُهاجِرينَ الأَوَّلينَ إلَا انتُدِبَ في تِلكَ الغَزوَةِ ؛ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، وأبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ ، وسَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ (4) .
دلائل النبوّة للبيهقي :كانَ اُسامَةُ بنُ زَيدٍ قَد تَجَهَّزَ لِلغَزوِ ، وخَرَجَ في نَقلِهِ إلَى الجُرفِ ، فَأَقامَ تِلكَ الأَيّامَ بِشَكوى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد أمَّرَهُ عَلى جَيشٍ عامَّتُهُمُ المُهاجِرونَ ، فيهِم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ (5) .
الطبقات الكبرى عن عروة :فِي الجَيشِ الَّذِي استَعمَلَهُ [النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ] عَلَيهِم : أبو بَكرٍ ، وعُمَرُ ، وأبو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ (6) .
.
ص: 646
شرح نهج البلاغة :دَخَلَ اُسامَةُ مِن مُعَسكَرِهِ يَومَ الإِثنَينِ ؛ الثّاني عَشَرَ مِن شَهرِ رَبيعِ الأَوَّلِ ، فَوَجَدَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُفيقا ، فَأَمَرَهُ بِالخُروجِ وتَعجيلِ النُّفوذِ ، وقالَ : اُغدُ عَلى بَرَكَةِ اللّهِ ، وجَعَلَ يَقولُ : «أنفِذوا بَعثَ اُسامَةَ» ويُكَرِّرُ ذلِكَ ، فَوَدَّعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وخَرَجَ ومَعَهُ أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، فَلَمّا رَكِبَ جاءَهُ رَسولُ اُمِّ أيمَنَ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَموتُ ، فَأَقبَلَ ومَعَهُ أبو بَكرٍ وعُمَرُ وأبو عُبَيدَةَ (1) .
الطبقات الكبرى عن هشام بن عروة :مَرِضَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَجَعَلَ يَقولُ في مَرَضِهِ : أنفِذوا جَيشَ اُسامَةَ ، أنفِذوا جَيشَ اُسامَةَ (2) .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :جَهِّزوا جَيشَ اُسامَةَ ، لَعَنَ اللّهُ مَن تَخَلَّفَ عَنهُ ! (3)
الإرشاد :. . . فَلَمّا سَلَّمَ [ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله مِنَ الصَّلاةِ ]انصَرَفَ إلى مَنزِلِهِ ، وَاستَدعى أبا بَكرٍ وعُمَرَ وجَماعَةً مِمَّن حَضَرَ المَسجِدَ مِنَ المُسلِمينَ ، ثُمَّ قالَ : أ لَم آمُر أن تُنفِذوا جَيشَ اُسامَةَ ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : فَلِمَ تَأَخَّرتُم عَن أمري ؟ فَقالَ أبو بَكرٍ : إنَّني كُنتُ خَرَجتُ ثُمَّ عُدتُ لِاُجَدِّدَ بِكَ عَهدا . وقالَ عُمَرُ : يا رَسولَ اللّهِ ، لَم أخرُجُ لِأَنَّني لَم اُحِبَّ أن أسأَلَ عَنكَ الرَّكبَ . فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : فَأَنفِذوا جَيشَ اُسامَةَ ، فَأَنفِذوا جَيشَ اُسامَةَ _ يُكَرِّرُها ثَلاثَ مَرّاتٍ _ ثُمَّ اُغمِيَ عَلَيهِ مِنَ التَّعَبِ الَّذي لَحِقَهُ وَالأَسَفِ (4) ، فَمَكَثَ هُنَيهَةً مُغمىً عَلَيهِ ،
.
ص: 647
وبَكَى المُسلِمونَ ، وَارتَفَعَ النَّحيبُ مِن أزواجِهِ ووُلِدِه وَالنِّساءِ المُسلِماتِ ومَن حَضَرَ مِنَ المُسلِمينَ (1) .
الإرشاد :عَقَدَ [النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ] لِاُسامَةَ بنِ زَيدِ بنِ حارِثَةَ الإِمرَةَ ، ونَدَبَهُ أن يَخرُجَ بِجُمهورِ الاُمَّةِ إلى حَيثُ اُصيبَ أبوهُ مِن بِلادِ الرّومِ ، وَاجتَمَعَ رَأيُهُ صلى الله عليه و آله عَلى إخراجِ جَماعَةٍ مِن مُتَقَدِّمِي المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ في مُعَسكَرِهِ ؛ حَتّى لا يَبقى فِي المَدينَةِ عِندَ وَفاتِهِ صلى الله عليه و آله مَن يَختَلِفُ فِي الرِّئاسَةِ ، ويَطمَعُ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى النّاسِ بِالإِمارَةِ ، ويَستَتِبُّ الأَمرُ لِمَنِ استَخلَفَهُ مِن بَعدِهِ ، ولا يُنازِعُهُ في حَقِّهِ مُنازِعٌ ، فَعَقَدَ لَهُ الإِمرَةَ عَلى مَن ذَكَرناهُ . وجَدَّ _ عَلَيهِ وآلِهِ السَّلامُ _ في إخراجِهِم ، فَأَمَرَ اُسامَةَ بِالبُروزِ عَنِ المَدينَةِ بِمُعَسكَرِهِ إلَى الجُرفِ ، وحَثَّ النّاسَ عَلَى الخُروجِ إلَيهِ وَالمَسيرِ مَعَهُ ، وحَذَّرَهُم مِنَ التَّلَوُّمِ (2) وَالإِبطاءِ عَنهُ . فَبَينا هُوَ في ذلِكَ ، إذ عَرَضَت لَهُ الشَّكاةُ (3) الَّتي تُوُفِّيَ فيها (4) .
السيرة النبويّة عن عروة بن الزبير وغيره :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله استَبطَأَ النّاسَ في بَعثِ اُسامَةَ بنِ زَيدٍ وهُوَ في وَجَعِهِ ، فَخَرَجَ عاصِبا رَأسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى المِنبَرِ _ وقَد كانَ النّاسُ قالوا في إمرَةِ اُسامَةَ : أمَّرَ غُلاما حَدَثا عَلى جِلَّةِ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ! _ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ بِما هُوَ لَهُ أهلٌ ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! أنفِذوا بَعثَ اُسامَةَ ، فَلَعمري لَئِن قُلتُم في إمارَتِهِ لَقَد قُلتُم في إمارَةِ أبيهِ مِن قَبلِهِ ، وإنَّهُ لَخَليقٌ لِلإِمارَةِ ، وإن كانَ أبوهُ لَخَليقا لَها !
.
ص: 648
ثُمَّ نَزَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَانكَمَشَ (1) النّاسُ في جِهازِهِم ، وَاستَعَزَّ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَجَعُهُ ، فَخَرَجَ اُسامَةُ وخَرَجَ جَيشُهُ مَعَهُ حَتّى نَزَلُوا الجُرفَ _ مِنَ المَدينَةِ عَلى فَرسَخٍ _ فَضَرَبَ بِهِ عَسكَرَهُ ، وتَتامَّ (2) إلَيهِ النّاسُ ، وثَقُلَ (3) رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَقامَ اُسامَةُ وَالنّاسُ لِيَنظُروا مَا اللّهُ قاضٍ في رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله (4) .
الإمام عليّ عليه السلام :أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِتَوجيهِ الجَيشِ الَّذي وَجَّهَهُ مَعَ اُسامَةَ ابنِ زَيدٍ عِندَ الَّذي أحدَثَ اللّهُ بِهِ مِنَ المَرَضِ الَّذي تَوَفّاهُ فيهِ ، فَلَم يَدَعِ النَّبِيُّ أحَدا مِن أفناءِ (5) العَرَبِ ، ولا مِنَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ وغَيرِهِم مِن سائِرِ النّاسِ مِمَّن يَخافُ عَلى نَقضِهِ ومُنازَعَتِهِ ، ولا أحَدا مِمَّن يَراني بِعَينِ البَغضاءِ مِمَّن قَد وَتَرتُهُ بِقَتلِ أبيهِ أو أخيهِ أو حَميمِهِ ، إلّا وَجَّهَهُ في ذلِكَ الجَيشِ ، ولا مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالمُسلِمينَ وغَيرِهِم وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَالمُنافِقينَ ؛ لِتَصفُوَ قُلوبُ مَن يَبقى مَعي بِحَضرَتِهِ ، ولِئَلّا يَقولَ قائِلٌ شَيئا مِمّا أكرَهُهُ ، ولا يَدفَعُني دافِعٌ مِنَ الوِلايَةِ وَالقِيامِ بِأَمرِ رَعِيَّتِهِ مِن بَعدِهِ . ثُمَّ كانَ آخِرُ ما تَكَلَّمَ بِهِ في شَيءٍ مِن أمرِ اُمَّتِهِ أن يُمضِيَ جَيشَ اُسامَةَ ، ولا يَتَخَلَّفَ عَنهُ أحَدٌ مِمَّن أُنهَضَ مَعَهُ ، وتَقَدَّمَ في ذلِكَ أشَدَّ التَّقَدُّمِ ، وأوعَزَ (6) فيهِ أبلَغَ الإِيعازِ ، وأكَّدَ فيهِ أكثَرَ التَّأكيدِ .
.
ص: 649
فَلَم أشعُر بَعدَ أن قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلّا بِرِجالٍ مِن بَعثِ اُسامَةَ بنِ زَيدٍ وأهلِ عَسكَرِهِ قَد تَرَكوا مَراكِزَهُم ، وأخَلّوا مَواضِعَهُم ، وخالَفوا أمرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيما أنهَضَهُم لَهُ وأمَرَهُم بِهِ وتَقَدَّمَ إلَيهِم ؛ مِن مُلازَمَةِ أميرِهِم ، وَالسَّيرِ مَعَهُ تَحتَ لِوائِهِ ، حَتّى يُنفَذَ لِوَجهِهِ الَّذي أنفَذَهُ إلَيهِ ! فَخَلَّفوا أميرَهُم مُقيما في عَسكَرِهِ ، وأقبَلوا يَتَبادَرونَ عَلَى الخَيلِ رَكضا إلى حَلِّ عُقدَةٍ عَقَدَهَا اللّهُ عزّوجلّ لي ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله في أعناقِهِم فَحَلّوها ، وعَهدٍ عاهَدُوا اللّهَ ورَسولَهُ فَنَكَثوهُ ! وعَقَدوا لِأَنفُسِهِم عَقدا ضَجَّت بِهِ أصواتُهُم ، وَاختَصَّت بِهِ آراؤُهُم ، مِن غَيرِ مُناظَرَةٍ لِأَحَدٍ مِنّا بني عَبدِ المُطَّلِبِ ، أو مُشارَكَةٍ في رَأيٍ ، أوِ استِقالَةٍ (1) لِما في أعناقِهِم مِن بَيعَتي ! (2)
.
ص: 650
بحث حول آخر قرارات النبيّاكتملت الفصول لهذا المبحث العظيم الذي حمل بين طيّاته آخر جهود رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، تلك الجهود الحافلة بالآلام والمشاقّ . ونعود هنا لإلقاء نظرة اُخرى _ عطفا على ما سبق ذكره _ لنفصح بإيجاز عن سرّ عدم تحقّق آخر جهوده صلى الله عليه و آله . لقد بيّنتْ هذه الفصول بكلّ جلاء بأنّ الولاية العلويّة قد واكبت الرسالة المحمّديّة في الإبلاغ والتصريح ، وأنّ الرسول حينما كان يصدح بالرسالة ، كان يجاهر أيضا بالحديث عن ديمومة الرسالة في قالب الولاية ، ويسمّي عليا «وصيّا» و«خليفة» و«وزيرا» و«صاحبا» و«رفيقا» . وإضافة إلى كلّ ذلك فإنّه كان يتحدّث عن القيادة المستقبليّة في المناسبات المختلفة بما يتناسب والظروف السياسيّة والثقافيّة التي كانت سائدة آنذاك . وكان يصف أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه الشخص الأكثر مقدرة على قيادة الاُمّة وانتشالها من تلاطم أمواج الفتن والانحرافات . وقد أوردنا هذه الحقائق بين طيّات هذه الموسوعة استنادا إلى الكمّ الهائل من الروايات المنقولة من طريق الفريقين ، وجرى التأكيد على أنّ ذروة ذلك الإبلاغ وقعت في «حَجَّة الوداع» أو بتعبير آخر في «حَجَّة البلاغ» وفي غدير خمّ . وهكذا فإنّ تأكيد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على كتابة الولاية من بعده في آخر ساعات
.
ص: 651
عمره المبارك ، كان بلا شكّ يمثّل آخر جهوده ومساعيه لوضع حلّ يضمن سلامة المجتمع ، ويقي الاُمّة من الانحراف من بعده . ومن هذا المنطلق أمر الرسول صلى الله عليه و آله _ وهو في فراش المرض، وبدنه الشريف يلتهب من شدّة الحُمّى _ بتجهيز جيش بقيادة الشابّ اُسامة بن زيد ، وأكّد على الخروج فيه ، ولعن المتخلّفين عنه . وكان كلّما فتح عينيه سأل عن مجريات اُمور ذلك الجيش . لكنّ العجب كلّ العجب أنّ البعض امتنع عن الالتحاق بذلك الجيش اجتهادا منهم أمام النصّ الصريح من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وفضلاً عن ذلك اتّهموا الرسول الذي لم يكن يقول إلّا الحقّ ، ولا يتكلّم إلّا بالوحي (1) ، بأنّه يهجر ؛ أي يهذي ! ! وهكذا بقيت كتابة الوصيّة بلا أثر ، ولم تُفلح آخر جهود الرسول صلى الله عليه و آله لإعداد الأرضيّة الكفيلة بتوطيد «حاكميّة الحقّ» . ليس هناك أدنى شكّ في أنّ المراد من هذه الوصيّة هو التصريح بالقيادة ، والتأكيد عليها، وجلب الأنظار إلى ما جاء من إبلاغ الحقّ على مدى عشرين سنة، ونودي به في كلّ حدب وصوب (2) . ولكن يبقى ثمّة سؤال؛ وهو لماذا لم يصرّ الرسول صلى الله عليه و آله على كتابة الوصيّة رغم اللغط الذي أثاروه في حينها ؟ ولماذا لم يبادر إلى هذا الإجراء الأساسي مسبقا وفي أيّام صحّته ؟ ولماذا لم يُقدِم على كتابة الوصيّة رغم الاقتراح الذي قدّمه البعض بالإتيان بأدوات الكتاب، مع أنّه بقي على قيد الحياة أربعة أيّام بعد طرح هذه القضيّة ؟ ولماذا لم يُقدم على هذا الإجراء ليحول دون وقوع الاُمّة في الضلال؛ وهو
.
ص: 652
الذي يصفه القرآن بالحرص على هداية الاُمّة ؟ ! (1) لعلّ التأمّل في وضع المجتمع الإسلامي حينذاك ، وطبيعة تركيب مجتمع المدينة، ومكانة الإمام عليّ عليه السلام يساعد في العثور على جواب لهذا السؤال ، لقد قام الرسول صلى الله عليه و آله بالكثير من الغزوات والمعارك في سبيل القضاء على الشرك وإزالة العراقيل الحائلة دون إبلاغ الرسالة . وقد قُتل في تلك المعارك الكثير من قادة الشرك والاستكبار ، وكان لسيف عليّ عليه السلام الدور الأكبر فيها، وهذه حقيقة لا يشكّ فيها من لديه أدنى اطّلاع على تاريخ الإسلام . وفي السنوات الأخيرة من عمر الرسول صلى الله عليه و آله التحق الكثير من ذوي اُولئك القادة بمعسكر الإسلام ، إلّا أنّ الإسلام لم يدخل في قلوبهم ، ولم يكونوا على استعداد للقبول بقيادة الإمام عليّ عليه السلام ، هذا من جهة . ومن جهة اُخرى فإنّ الكثير من الصحابة البارزين ما كانوا يرون _ لسبب أو آخر _ المصلحة في وجود الإمام عليّ عليه السلام على رأس قيادة الاُمّة ، فلم يَرُق لهم أمر كتابة الوصيّة ؛ وذلك لأنّ كتابة الوصيّة كانت تغلق عليهم باب كلّ الأعذار والتبريرات . أمّا في الظروف العادية فإنّ إقدام النبيّ صلى الله عليه و آله على مثل هذا الإجراء يهيّئ كان الأجواء لبثّ الفرقة والتناحر في داخل المعسكر الإسلامي . بينما في آخر لحظات عمر الرسول صلى الله عليه و آله فإنّ الوصيّة كانت تلقى أجواءً أفضل للقبول ، ومن الطبيعي أنّ القائد الذي شارف على الرحيل من هذه الدنيا بعد سنوات من الجهد في سبيل توطيد ركائز الدين ، لابدّ أنّ يضع خطّة للمستقبل يضمن فيها بقاء الدين ومصلحة الاُمّة ، ولو أنّ الوجوه البارزة ما كانت لتثير الاختلاف واللغط وتعكّر صفو الماء لكان الاحتمال قويّا بأن لايجد الذين أسلموا حديثا فرصة للمناورة .
.
ص: 653
وعلى هذا المنوال عزم الرسول صلى الله عليه و آله على أصل الوصيّة وكتابتها من جهة، وسعى من جهة اُخرى من خلال أمره بتجهيز سريّة اُسامة لإبعاد أصحاب الادّعاءات ومثيري الضجيج عن الساحة في سبيل توفير الأجواء لطرح المسألة نهائيّا . ولا شكّ أنّ سريّة اُسامة لو كانت سارت على وجهتها ، واُبعد مثيرو الشغب عن الساحة لكانت الوصيّة قد كُتبت ، والخلافة الحقّة قد استُتبّت ، ولقُضي على كل ما يُعكّر صفو الأجواء ، قبل عودتهم (1) . ولكن لماذا لم يُصرّ النبيّ صلى الله عليه و آله على ما طلب ، ولم يستثمر الفرصة المتبقّية لكتابة الوصيّة ؟ يكفي النظر إلى ما قيل حول المسألة للعثور على الجواب، وسبب ذلك يعود _ كما صرّح به مفكّر بارع (2) _ إلى أنّهم جرّدوه من العصمة من الضلال بقولهم : «هجر» ! ! ولهذا قال لهم فيما رواه ابن عبّاس بعد أن هدأت الضجّة وقالوا له : أ لا نأتيك بما طلبتَ ؟ قال : أ بَعدَ الذي قلتم ؟ !... أوَبَعد ماذا ؟ ! يا للعجب ويا للأسف ! ! فهل هناك موضع للكتابة بعد أن اتّهموا الرسول صلى الله عليه و آله بأنّه يهجر ؟ فإذا كان قول الرسول يُتجاهل، ويوصف بالهذيان في حياته، وهو الذي نزّهه القرآن عن الخطأ بقوله : «وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» (3) فلا بدّ وأن يكون سائر كلامه موضع تشكيك من بعد وفاته . ويظهر من هذا الكلام والأجواء التي تمخّضت عنه ، ما يلي : 1 _ إنّ المعارضين لخلافة الإمام عليّ عليه السلام كانوا جادّين في موقفهم ، ولم يتوّرعوا
.
ص: 654
حتى عن النيل من الرسول صلى الله عليه و آله في سبيل هذه الغاية . 2 _ لم يكن للكتابة تأثير حينذاك ، وذلك لأنّهم كانوا سيُشيعون هذا الكلام وهذا الرأي بين الناس ، ويُبطلون بذلك أيّ أثر لكتابة الصحيفة . 3 _ لعلّ أهمّ ما كان يتمخّض عن ذلك هو أن لا يصل الإمام إلى الخلافة ، بل وكانت تضيع كلّ تعاليم الرسول ، ويقع التشكيك في حجّيّتها ، وتضمحلّ أوامره ونواهيه في خضمّ الأخذ والردّ . والحقيقة هي أنّ اتّهام الرسول صلى الله عليه و آله بالهذيان يعتبر من أكثر الحوادث مثارا للحزن والألم والمرارة في تاريخ الإسلام . ولعلّ أبلغ ما يعبّر عن ذلك هو كلام ابن عبّاس الذي كان يبكي ويقول : «إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ ما حالَ بَينَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وبَينَ أن يَكتُبَ لَهُم ذلِكَ الكِتابَ !» . والأمر المثير أنّه بعد سنتين من ذلك التاريخ حينما كان أبو بكر في اللحظات الأخيرة من حياته يعيش في حالة إغماء ولا قدرة له على الكلام نصب عمر بن الخطّاب خليفة من بعده بكتابة تلقينيّة من عثمان، غير أنّ أحدا لم يتّهمه بالهذيان ! (1) وهكذا فقد وقعت تلك الإهانة، ولم تُكتب تلك الوصيّة، ووُضعت اُسس انحراف القيادة ، وحلَّ بالاُمّة ما لم يكن ينبغي أنّ يحلّ بها . وتبلور تاريخ المسلمين على نحو آخر حافل بكثير من الاضطرابات (2) .
.
ص: 655
الفهرس التفصيلي .
ص: 656
. .
ص: 657
. .
ص: 658
. .
ص: 659
. .
ص: 660
. .
ص: 661
. .
ص: 662
. .
ص: 663
. .
ص: 664
. .