سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :2
منتهی المطلب فی تحقیق المذهب
للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر
تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
ص :3
سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :4
هذا هو الجزء التاسع من كتاب«منتهى المطلب في تحقيق المذهب»الذي منّ اللّه سبحانه علينا فيما مضى بتحقيق و إخراج ثمانية أجزاء منه.و نسأله تعالى التوفيق لمواصلة العمل حتّى اكتمال أجزائه جميعا.
و قد اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسخ مخطوطة عديدة،و لم ندّخر وسعا-في أثناء التحقيق-عن البحث عن نسخ أخرى إغناء للعمل و إكمالا لما في بعض النسخ السابقة من نقص.و من هنا أضفنا إلى النسخ المعتمدة في تحقيق هذا الجزء التاسع نسخة أخرى تحتفظ بها المكتبة المركزيّة للآستانة الرضويّة المقدّسة،رقمها 19473 مكتوبة بخطّ النسخ.و تشتمل على البحث الثامن في بقيّة أقسام الصوم إلى آخر الكتاب،وقفها السيّد أبو الحسن ملكيّ بن سلطان العلماء الزنجانيّ سنة 1415 ه على المكتبة،و رمزنا لها بالحرف«ر».
و لا يفوتنا أن نقدّر لأعضاء قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية جهودهم المشكورة في تصحيح هذا الجزء،و هم حجج الإسلام و الإخوة الأفاضل:
1-الشيخ علي الاعتماديّ.
2-الشيخ نوروز علي الحاجي آباديّ.
3-الشيخ عبّاس المعلّميّ.
4-الشيخ محمّد علي الملكيّ.
5-الشيخ علي النمازيّ.
6-الأخ شكر اللّه الأختريّ.
7-الأخ علي أصغر المولويّ.
8-الأخ عادل البدريّ.
9-الأخ السيّد طالب الموسويّ.
10-السيّد أبو الحسن الهاشميّ.
11-السيّد بلاسم الموسويّ.
و نشكر أيضا لحجّة الإسلام و المسلمين الشيخ عليّ أكبر إلهى الخراسانيّ إشرافه على تحقيق الكتاب راجين له و لكلّ الإخوة المشاركين في هذا العمل القبول و حسن المآب.
قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة
ص:5
ص:6
في الصوم
و فيه مقدّمة و مباحث
ص:7
ص:8
الصوم في اللغة:هو الإمساك،قال اللّه تعالى حكاية عن مريم عليها السّلام:
إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً (1)أي صمتا عن الكلام،و يقال:صام النهار إذا أمسكت الشمس عن السير،و قال الشاعر:
خيل صيام و خيل غير صائمة تحت العجاج و أخرى تعلك اللجما
فاستعمال الصوم في هذه المعاني-مع أنّ الأصل عدم الاشتراك و المجاز، و وجود ما يصلح معنى له في كلّ واحد و اشتراكه أعني الإمساك مطلقا-دالّ على كونه حقيقة فيه.
و في الشرع عبارة عن إمساك مخصوص يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.
مسألة:و هو ينقسم إلى واجب و ندب و مكروه و محظور.
فالواجب ستّة:صوم شهر رمضان،و الكفّارات،و دم المتعة،و النذر و ما في معناه من اليمين و العهد،و الاعتكاف على بعض الوجوه،و قضاء الواجب.
و الندب:جميع أيّام السنة إلاّ العيدين و أيّام التشريق لمن كان بمنى.
و المؤكّد منه أربعة عشر:صوم ثلاثة أيّام في كلّ شهر،و أيّام البيض و الغدير،
ص:9
و مولد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و مبعثه،و دحو الأرض،و عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء،و عاشوراء على جهة الحزن،و المباهلة،و كلّ خميس،و كلّ جمعة، و أوّل ذي الحجّة و رجب و شعبان.
و المكروه أربعة:صوم عرفة لمن يضعفه (1)عن الدعاء،أو شكّ (2)في الهلال، و النافلة سفرا عدا ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة،و الضيف نافلة من غير إذن مضيفه،و كذا الولد من غير إذن الوالد،و الصوم ندبا لمن دعي إلى طعام.
و المحظور تسعة:صوم العيدين،و أيّام التشريق لمن كان بمنى،و يوم الشكّ بنيّة الفرض،و صوم نذر المعصية،و صوم الصمت،و صوم الوصال،و صوم المرأة و العبد ندبا من غير إذن الزوج و المالك،و صوم الواجب سفرا عدا ما استثني، و سيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى.
و قيل:لم يكن فرضا بل تطوّعا (3).
و قيل:لمّا قدم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله المدينة أمر بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، و هو قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ (4)الآية،ثمّ نسخ بقوله:
شَهْرُ رَمَضانَ (5) (6).و قيل:المراد بالأيّام المعدودات شهر رمضان،فالآية ليست منسوخة.
ص:10
و قيل:أوّل ما فرض صوم شهر رمضان للمطيق لم يكن واجبا عينا،بل كان مخيّرا بين الفدية و الصوم،و كان الصوم أفضل،و ذلك قوله تعالى: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (1)ثمّ نسخ بقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (2)(3)
الآخرة أو ينام إلى أن تغيب الشمس،
فإذا غربت حلّ الطعام و الشراب إلى أن يصلّى العشاء أو ينام (4)،و إنّ صرمة بن قيس الأنصاريّ (5)أتى امرأته و كان صائما فقال:
عندك شيء؟فقالت:لعلّي أذهب فأطلب لك،فذهبت و غلبته عينه فجاءت فقالت:
خيبة لك،فلم ينتصف النهار حتّى غشي عليه و كان يعمل يومه في أرضه،فذكر ذلك للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فنزل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ (6)الآية (7)و روى ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطّاب اختان نفسه فجامع امرأته و قد صلّى
ص:11
العشاء فنزل قوله تعالى: تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ (1)(2).
الرمضاء و هي الحجارة الحارّة؛
لأنّ الجاهليّة كانت تكبس في كلّ ثلاث سنين شهرا فيجعلون المحرّم صفرا حتّى لا تختلف شهورها في الحرّ و البرد،و ذلك هو النسيء الذي حرّمه اللّه تعالى (3)عليهم،فكان رمضان يشتدّ فيه الحرّ و ربيع في زمان الربيع و جمادى في جمود الماء فلمّا حرّم اللّه النسيء اختلفت الشهور في ذلك (4).
و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه إنّما سمّي رمضان؛لأنّه يحرق الذنوب (5).
قال اللّه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (6).
و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«بني الإسلام على خمس:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا رسول اللّه،و إقام الصلاة،و إيتاء الزكاة، و صوم شهر رمضان،و حجّ البيت» (7).
و جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لصوته دويّ لا يفقه ما يقول،فدنا
ص:12
منه فإذا هو يسأله عن الإسلام،فذكر له إلى أن ذكر صوم رمضان،فقال:هل عليّ غيره؟فقال:«لا،إلاّ أن تطوّع» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«بني الإسلام على خمسة أشياء:على الصلاة،و الزكاة،و الصوم، و الحجّ،و الولاية،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الصوم جنّة من النار» (2).
و عن أبي أيّوب،[عن أبي الورد] (3)،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في آخر جمعة من شعبان فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:أيّها الناس إنّه (4)قد أظلّكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر،شهر رمضان فرض اللّه صيامه»الحديث (5).و الأخبار كثيرة في ذلك متواترة (6)،و لا خلاف بين المسلمين في وجوب صوم شهر رمضان.
و هو من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس الذي تجب معه الصلاتان.
و قال الأعمش:إنّما يجب الإمساك من طلوع الفجر الذي يملأ البيوت و الطرق (7).
لنا:قوله تعالى حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
ص:13
أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (1).و لا خلاف بين المسلمين في ذلك،و الأعمش منفرد لا يعتدّ بخلافه؛للإجماع.
ص:14
في النيّة
و هي شرط في صحّة الصوم واجبا كان أو ندبا،رمضان كان أو غيره،ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أكثر الفقهاء (1).
و حكي عن زفر بن الهذيل،و مجاهد،و عطاء أنّ صوم رمضان (2)إذا تعيّن بأن كان مقيما صحيحا لا يفتقر إلى النيّة (3).
لنا:قوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (4)و الصوم عبادة،و معنى النيّة الإخلاص.
و قوله تعالى: وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (5).
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّما (6)
ص:15
الأعمال بالنيّات» (1).و عنه عليه السّلام:«من لم يبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله:«إنّما الأعمال بالنيّات و لكلّ امرئ ما نوى» (3).
و عنه عليه السّلام:«الأعمال بالنيّات» (4).
و عن الرضا عليه السّلام أنّه قال:«لا قول إلاّ بعمل و لا عمل إلاّ بنيّة و لا نيّة إلاّ بإصابة السنّة» (5).
و لأنّه يحتمل وجهي الطاعة و غيرها و لا مميّز إلاّ النيّة.و لأنّ قضاءه (6)يفتقر إلى النيّة فكذا الأداء،كالصلاة.
احتجّ المخالف:بأنّ الصوم في رمضان فرض مستحقّ بعينه فلا يفتقر إلى النيّة، كرة الوديعة و الغصب (7).
و الجواب:الفرق بأنّه حقّ الآدمي.
و هو أن ينوي الصوم متقرّبا إلى اللّه تعالى لا غير،و لا يفتقر إلى نيّة التعيين،أعني أن ينوي
ص:16
وجه ذلك الصوم كرمضان أو غيره (1)و قال مالك:لا بدّ من نيّة التعيين في رمضان و غيره (2).و به قال الشافعيّ (3)، و أحمد في أحد القولين،و في القول الثاني كقولنا (4)،و هو مذهب أبي حنيفة بشرط أن يكون مقيما (5).
لنا:أنّ القصد من نيّة التعيين تمييز أحد الفعلين أو أحد وجهي الفعل الواحد عن الآخر،و هو غير حاصل في صورة النزاع؛لأنّ رمضان لا يقع فيه غيره،بل هو على وجه واحد فاستغنى عن نيّة التعيين،كردّ الوديعة.و لأنّه فرض مستحقّ في زمان بعينه (6)،فلا يجب تعيين النيّة له،كطواف الزيارة عندهم.
احتجّوا:بأنّه صوم واجب فلا بدّ فيه من التعيين كالقضاء (7).و لأنّه واجب مؤقّت فافتقر إلى التعيين،كالصلاة.
و الجواب:الفرق بين صورة النزاع و المقيس عليه؛لأنّ تلك الأوقات لا تتعيّن؛ لوقوع القضاء و الصلاة فيها فاحتاجت إلى التعيين.
الشافعي (1)،و مالك (2)،و أحمد (3).
و قال أبو حنيفة:لا يحتاج إلى نيّة التعيين (4).و هو مذهب السيّد المرتضى رحمه اللّه (5).
احتجّ الشيخ:بأنّه صوم واجب لا يتعيّن وقته بأصل الشرع فيفتقر إلى التعيين كالنذر المطلق.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّه زمان تعيّن للصوم بسبب النذر فكان كرمضان،و لأنّ الأصل براءة الذمّة (6)،و هو قويّ.
أمّا ما لا يتعيّن صومه،كالنذور المطلقة،و الكفّارات،و القضاء،و صوم النفل فلا بدّ فيه من نيّة التعيين.و هو قول علمائنا و كافّة الجمهور،إلاّ النافلة؛لأنّه زمان لا يتعيّن الصوم فيه و لا يتخصّص وجهه،فاحتاج إلى النيّة المفيدة للاختصاص، و هو عامّ في الفرض و النفل.
ص:18
و لا ينعكس (1)في كلّ صورة يشترط فيها نيّة التعيين (2).و هو مشكل؛لأنّه فسّر نيّة التعيين بأن ينوي أن يصوم شهر رمضان أو غيره،و حينئذ لا بدّ من نيّة القربة؛لأنّها شرط في كلّ عبادة،و نيّة التعيين مغايرة لها و غير مستلزمة لها؛لجواز قصد أحدهما حالة الذهول عن الآخر،فإذن لا بدّ من نيّة التقرّب (3)أيضا.أمّا إن نوى مع التعيين التقرّب فإنّه يجزئه قولا واحدا،و كان مقصود الشيخ-رحمه اللّه-هذا.
إذا كان واجبا.و قال محمّد و أبو يوسف:يقع عن رمضان (1).و تردّد الشيخ في المبسوط بين قولنا و بين جواز إيقاع الصومين فيه (2).
لنا:أنّ الصوم منهيّ عنه بقوله عليه السّلام:«ليس من البرّ الصيام في السفر» (3)و لما يأتي.
و المنهيّ عنه لا يقع مأمورا به،فلا يقع عبادة؛و لأنّه زمان أبيح الفطر فيه للعذر،فلا يجوز صيامه عن غير رمضان،كالمريض و الشيخ الهمّ.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّه زمان تخيّر فيه بين الصوم و الإفطار،فجاز أن يصوم ما شاء،كالمقيم في غير رمضان (4).
و احتجّ أبو يوسف و محمّد:بأنّ الصوم واجب رخّص فيه للعذر و المشقّة،فإذا صام لم يرخّص (5)(6).
و الجواب:لا نسلّم التخيير على ما يأتي،و الفرق بين المقيم و المسافر أنّ المقيم يجوز له الإفطار بالأصالة لا لأجل العذر.و لأنّه يجوز له التطوّع،بخلاف صورة النزاع.
و عن الثاني:أنّه لا يلزم من فعله المنهيّ عنه اعتباره شرعا،كإتمام الصلاة.
وقع عن رمضان
ص:20
لا غير؛لما بيّنّا من أنّ رمضان يكفي فيه نيّة القربة (1)و قد حصلت فلا تضرّ الضميمة.أمّا لو كان عالما فالأقوى أنّه كذلك؛لهذا الدليل بعينه.و قيل:لا يجزئ؛ لانّه لم ينو المطلق فينصرف إلى رمضان و صرف الصوم إلى غير رمضان لا يجوز، فلا يقع أحدهما،أمّا رمضان فلأنّه لم ينوه،و أما غيره فلعدم صحّة إيقاعه (2)، و نحن هاهنا في الموضعين من المتردّدين.
الليل،
و يتضيّق حتّى (3)يطلع الفجر،فلا يجوز تأخيرها عن طلوعه مع العلم،و لو أخّرها و طلع الفجر فسد صوم ذلك اليوم إذا كان عامدا و وجب عليه قضاؤه،و لو تركها ناسيا أو لعذر جاز تجديدها إلى الزوال.
و قال الشافعيّ:لا يجزئ الصيام إلاّ بنيّة من الليل في الواجب كلّه،المعيّن و غيره (4)-و به قال مالك (5)،و أحمد (6)-و في جواز مقارنة النيّة لطلوع الفجر عنده وجهان (7).
ص:21
و قال أبو حنيفة:يصحّ صوم رمضان بنيّة قبل الزوال،و كذا كلّ صوم معيّن (1).
لنا:على الحكم الأوّل،و هو جواز إيقاعها ليلا:الإجماع و النصّ،قال عليه السّلام:«لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» (2).
و على الحكم الثاني،و هو عدم جواز تأخيرها عن طلوع الفجر مع العلم:
الحديث (3)أيضا،و بأنّ النيّة شرط في الصوم على ما تقدّم،فمن تركها متعمّدا فقد أخلّ بشرط الصحّة فيكون الصوم فاسدا؛لعدم الشرط،فلا يتجدّد له انعقاد.
و على الحكم الثالث،و هو الجواز مع العذر و النسيان:بما روي أنّ ليلة الشكّ أصبح الناس،فجاء أعرابيّ إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فشهد برؤية الهلال،فأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (4)مناديا ينادي:من لم يأكل فليصم،و من أكل فليمسك (5).و إذا جاء مع العذر-و هو الجهل بالهلال-جاز مع النسيان.
احتجّ الشافعيّ (6):بقوله عليه السّلام:«لا صيام لمن لم يبيّت الصيام قبل الفجر» (7).
ص:22
احتجّ أبو حنيفة (1)بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعث إلى أهل العوالي يوم (2)عاشوراء أنّ من أكل منكم فليمسك بقيّة نهاره،و من لم يأكل فليصم (3).و كان صوما واجبا متعيّنا،فأجازه بنيّة من النهار.و لأنّه غير ثابت في الذمّة فهو كالتطوّع.
و الجواب عن الأوّل:أنّه وارد في الذاكر؛إذ يستحيل تكليف الساهي و المعذور.
و عن الثاني:أنّ صوم عاشوراء لم يكن واجبا؛لانّه قد روي عنه عليه السّلام هكذا:«هذا يوم عاشوراء لم يكتب اللّه عليكم صيامه و أنا صائم،فمن شاء فليصم و من شاء فليفطر» (4).
سلّمنا الوجوب لكنّه تجدّد في أثناء النهار،فكان كمن نذر إتمام صيام يوم صامه ندبا،فإنّ نيّة الفرض تتجدّد عند تجدّده،بخلاف صورة النزاع.
و عن الثالث:أنّ الفرق بين التطوّع و الفرض ثابت،فإنّ التطوّع سومح في تبييت نيّته من الليل تكثيرا له؛إذ قد يبدو له الصوم في النهار،و لو اشترطت النيّة لمنع من ذلك،فسامح الشرع فيه كما سامح في ترك القيام في النافلة،و ترك الاستقبال في السفر تكثيرا له،بخلاف الفرض.
ص:23
و أيضا ينتقض بصوم كفّارة الظهار،فإنّه عند أبي حنيفة لا يثبت في الذمّة و لا يصحّ بنيّة من النهار (1).
و قال بعض الشافعيّة:إنّما تصحّ النيّة في النصف الثاني دون الأوّل؛لاختصاصه بأذان الصبح و الدفع من مزدلفة (2).
و لنا:عموم (3)قوله عليه السّلام:«لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» (4)من غير تفصيل.
و لأنّ تخصيصه بالنصف الثاني مناف للغرض و مفض إلى تفويت الصوم؛إذ التقديم رخصة فالتضييق (5)ينافيها،و أكثر الناس قد لا ينتبه في النصف الثاني و لا يذكر الصوم،و نمنع (6)المقيس عليه،و قد مضى البحث في الأذان (7)،و سيأتي
ص:24
في الدفع من مزدلفة،على أنّهما يجوزان بعد الفجر فلا يفضي (1)منعهما في النصف الأوّل إلى فواتهما،بخلاف النيّة.و لأنّ اختصاصها بالنصف الأخير بمعنى التجويز و التخيير فيه و اشتراط النيّة بمعنى التحتّم و فوات الصوم بفواتها فيه،و مع اختلاف الحكمين لا يصحّ القياس.
لأنّ محلّ الصوم هو النهار و النيّة له فجازت مقارنتها له؛لأنّ التقديم للمشقّة فلا يمنع جواز المقارنة.
و قال بعض الشافعيّة:يجب تقديمها على الفجر؛لقوله عليه السّلام:«من لم يجمع قبل الفجر فلا صيام له» (2).
و لأنّه يجب إمساكه بآخر جزء من الليل ليكمل به صوم النهار،فوجب تقديم النيّة على ذلك (3).
و الجواب:لمّا تعذّر إيقاع العزم مع الطلوع،لعدم ضبطه،لم يكلّف الرسول عليه السّلام (4)به،و بعده لا يجوز،فوجبت القبليّة لذلك،لا أنّها في الأصل واجبة قبل الفجر و نمنع (5)من الإمساك بالليل و إن كان الصوم لا يتمّ إلاّ به،فلا نسلّم أنّه تجب نيّته.
فيجوز
ص:25
أن ينوي ليلا و يفعل بعدها ما ينافي الصوم إلى قبل الفجر،و أن ينام بعد النيّة -خلافا لأبي إسحاق من الشافعيّة (1)-لقوله تعالى: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (2).
مستمرّ إلى الزوال،
فيجوز إيقاعها في أيّ جزء كان من هذا الزمان إذا لم يفعل المنافي نهارا.
و قال أبو حنيفة:لا يجزئ إلاّ من الليل (4)،و به قال الفقهاء.و قول السيّد المرتضى-رحمه اللّه-:إنّ وقت نيّة الصوم الواجب من أوّل الفجر إلى الزوال (5)، إنّما أراد به وقت التضيّق (6).
لنا:أنّه صوم لم يتعيّن زمانه،فجاز تجديد النيّة فيه إلى الزوال كالنافلة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد الرحمن بن الحجّاج،قال:
سألته عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار أن يصوم ذلك اليوم و يقضيه من (7)رمضان و إن لم يكن نوى ذلك من الليل؟قال:«نعم،يصومه و يعتدّ به إذا لم يحدث (8)شيئا» (9).
ص:26
و عن صالح بن عبد اللّه (1)،عن أبي إبراهيم عليه السّلام،قال:قلت له:رجل جعل للّه عليه صيام شهر،فيصبح و هو ينوي الصوم،ثمّ يبدو له فيفطر و يصبح و هو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم،فقال:«هذا كلّه جائز» (2).
و عن عبد الرحمن بن الحجّاج،قال:سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل يصبح لم (3)يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما،و كان عليه يوم من شهر رمضان،أله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟فقال:«نعم،له أن يصوم يعتدّ به من شهر رمضان» (4)و إنّما اعتبرنا الزوال؛لأنّ الواجب الإتيان بصوم الفريضة من أوّل النهار إلى آخره،فإذا نوى قبل الزوال؛احتسب له صيام ذلك اليوم كلّه؛لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:الرجل يصبح لا ينوي (5)الصوم،فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم،فقال:«إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه،و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» (6).
و عن عمّار الساباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل[يكون] (7)عليه
ص:27
أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى ينوي (1)الصيام؟قال:«هو بالخيار إلى أن تزول الشمس،فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم،و إن كان نوى الإفطار فليفطر»سئل:فإن كان نوى الإفطار يستقيم له أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟قال:«لا» (2).
أمّا حديث أحمد بن محمّد بن أبي نصر عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان،و يصبح فلا يأكل إلى العصر،أ يجوز أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟قال:«نعم» (3)فإنّه مع إرساله لا تعرّض فيه بالنيّة.
احتجّ الفقهاء:بقوله عليه السّلام:«من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له» (4).
و لأنّه زمان لا يوصف نهاره بتحريم الأكل من أوّله،فإذا لم ينو من الليل لم يوصف أوّله بالتحريم،بخلاف الصوم المعيّن (5).
و الجواب:أنّ الحديث مخصوص بصوم النافلة فيندرج فيه ما شابهه في عدم التعيين (6)،و كذا عن الثاني.
ص:28
أحدهما:أنّه يجب من الليل،بمعنى أنّه لا يصحّ الصوم إلاّ بنيّة (1)من الليل، ذهب إليه مالك (2)،و داود (3)،و المزنيّ (4)،و روي عن عبد اللّه بن عمر (5).
و قال علماؤنا أجمع:يجوز تجديدها نهارا،و به قال ابن مسعود،و حذيفة، و سعيد بن المسيّب،و سعيد بن جبير،و النخعيّ (6)،و الشافعيّ (7)،و أحمد (8)،و أصحاب الرأي (9).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة قالت:دخل عليّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم فقال:«هل عندكم شيء؟»قلنا:لا،قال:«فإنّي إذا صائم» (10).
ص:29
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن قيس،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:قال عليّ عليه السّلام:«إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما، ثمّ بدا له (1)الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا أو يفطر (2)فهو بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر» (3).
و عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة،قال:«هو بالخيار ما بينه و بين العصر،و إن مكث حتّى العصر ثمّ بدا له أن يصوم و لم يكن نوى ذلك،فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء» (4)(5).
و في الصحيح عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل إلى أهله فيقول:عندكم شيء و إلاّ صمت،فإن كان عندهم شيء أتوه به و إلاّ صام» (6).
و لأنّ نفل الصلاة مخفّف (7)عن فرضها بترك القيام،و فعلها على الراحلة إلى غير القبلة،فكذا الصوم.
احتجّ مالك:بظاهر قوله عليه السّلام:«لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» (8).و لأنّ الصلاة يتساوى وقت نيّة فرضها و نفلها،فكذا الصوم (9).
ص:30
و الجواب عن الحديث:أنّه مخصوص بالناسي و المعذور (1).و لأنّ حديثنا خاصّ و حديثهم عامّ مع ضعفه،فإنّ في طريقه يحيى بن أيّوب (2)،و ضعّفه أحمد.
و عن القياس بالفرق؛لأنّ النيّة مع أوّل الصلاة في النفل لا يؤدّي اشتراطها إلى تقليلها؛لأنّها لا تقع إلاّ بقصد و نيّة إلى فعلها.
أمّا اشتراط الصوم من الليل فإنّه يؤدّي إلى تقليل النفل،فإنّه ربّما عنّ (3)له الصوم بالنهار فعفي عن ذلك،كما تجوز الصلاة نفلا على الراحلة لهذه العلّة.
و ثانيهما:أنّه يمتدّ وقتها بامتداد النهار،فتجوز النيّة بعد الزوال إلى أن يبقى من النهار ما يصحّ صومه،فلو انتهى النهار بانتهاء النيّة لم يقع الصوم،و هو اختيار السيّد المرتضى (1)،و ابن إدريس (2)،و أكثر علمائنا (3)،و هو قول للشافعيّ أيضا غير مشهور (4).قال الشيخ في الخلاف:لا أعرف به نصّا (5).
لنا:على امتداد النيّة بامتداد النهار ما رواه الجمهور و الأصحاب عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام أنّهما يدخلان المنزل،فإن وجدا طعاما أكلا و إلاّ صاما،و قد تقدّم الحديثان من غير تعيين (6).
و ما رواه الشيخ في حديث هشام بن سالم الصحيح (7)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله:«و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» (8)و كذا حديث أبي بصير عنه عليه السّلام (9)،و حديث محمّد بن قيس عن الباقر عليه السّلام،عن عليّ صلوات اللّه عليه و آله (10)،فإنّه دالّ بإطلاقه على صورة النزاع.
ص:32
و لأنّه نوى في جزء من النهار فكان مجزئا،كما لو نوى قبل الزوال.و لأنّ جميع الليل محلّ لنيّة الفرض،فإذا تعلّقت نيّة النفل بالنهار،كانت في جميعه.
احتجّ المخالف:بأنّ النيّة ينبغي أن تكون من أوّل النهار أو قبله،فإذا نوى قبل الزوال جاز ذلك تخفيفا،و جعلت نيّته مع معظم النهار بمنزلة نيّته مع جميعه،كما لو أدرك الإمام بعد الرفع لم يدرك الركعة؛لفوات معظمها،و لو أدركه قبله،أدركها؛ لإدراكه معظمها (1).
و الجواب:لا يعارض ما ذكرتموه ما تلوناه من الأحاديث العامّة و القياسات الكثيرة.
النهار؟
قال الشيخ في الخلاف بالثاني (3)،و به قال أكثر الشافعيّة،و قال آخرون منهم:إنّه يكون صائما من حين النيّة (4)،و به قال أحمد (5).
لنا:أنّ الصوم في اليوم الواحد لا يتبعّض فيه.و لأنّه لو جاز ذلك لجاز إذا أكل في أوّل النهار أن يصوم بقيّته.
و يؤيّده:رواية (6)هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (7).
احتجّ المخالف:بأنّ ما قبل النيّة لم يقصد بالإمساك فيه الصوم،
ص:33
فلا يكون طاعة (1).
و الجواب:لا امتناع في ذلك،كما لو نسي النيّة بعد فعلها،فإنّه يحكم بكونه صائما تلك الحال حكما و إن انتفى القصد في تلك الحال،و كما لو أدرك الإمام راكعا فإنّه يحسب له تلك الركعة و إن فات بعضها.
لا يقال:إنّما لم يجز لمن أكل الصوم بقيّة النهار؛لأنّه لم يترك حكم العادة،لا لما ذكرتموه.
و لأنّ رواية هشام تدلّ على أنّه يحسب له من وقت النيّة إذا أوقعها بعد الزوال.
و لرواية عبد اللّه بن سنان الصحيحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«فإن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم،فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها» (2).
لأنّا نقول:لو كانت العلّة ترك العادة لكان-من شرب جرعة أو أكل شيئا يسيرا لا يحصل به غداء (3)-صائما،و ليس كذلك.و لا ريب في دلالة رواية هشام على أنّ الناوي بعد الزوال يحتسب (4)له من حين النيّة،و الناوي قبله يحتسب (5)له من أوّل النهار،فالأولى العمل بمضمونها،و تحمل رواية ابن سنان عليها؛لإمكانه.
إذا ثبت هذا،فالشرط عدم إيقاع ما يفسد الصوم لو كان صائما قبل النيّة،فلو فعل ما ينتقض به الصوم ثمّ نوى،لم يعتدّ به بلا خلاف.
ص:34
عليه بيوم أو أيّام (1).و قال في المبسوط:لو نوى قبل الهلال صوم الشهر،أجزأته النيّة السابقة إن عرض له ليلة الصيام سهو أو نوم أو إغماء،فإن كان ذاكرا فلا بدّ له من تجديدها (2)،و بنحوه قال في النهاية (3)و الجمل (4).و يمكن أن يحتجّ له بأنّ المقارنة غير شرط،و لهذا جاز تقديمها من أوّل الليل و إن يعقبها (5)الأكل و الشرب و الجماع،و إذا جاز ذلك،جاز أن يتقدّم بيوم أو يومين أو ثلاث؛لتقارب الزمان هنا،كما هو ثم.و لكنّ هذا ضعيف جدّا؛لأنّ تقديم النيّة من أوّل الليل مستفاد من مفهوم قوله عليه السّلام:«من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له» (6).و لأنّ مقارنة النيّة لأوّل طلوع الفجر عسر جدّا،فانتفى،و صار المعتبر فعلها في الزمان الممتدّ من أوّل الليل إلى آخره،بخلاف تقدّمها (7)باليوم و الأيّام.و لأنّه لا فاصل بين الليلة و اليوم بغيرهما،بخلاف الأيّام السابقة.و لأنّه قياس من غير جامع، فلا يكون مسموعا.
و أحمد في إحدى الروايتين (1)،و إسحاق (2)،و حكي عن زفر (3).
و قال أبو حنيفة (4)،و الشافعيّ (5)،و أحمد في رواية:أنّه لا بدّ من تجديد النيّة لكلّ يوم (6).
لنا:أنّه نوى في زمان يصلح جنسه لنيّة الصوم لا يتخلّل (7)بينه و بين فعله زمان يصلح جنسه لصوم سواه،فجاز ذلك،كما لو نوى اليوم الأوّل من ليلته.و لأنّه عبادة واحدة حرمته واحدة و يخرج منه بمعنى واحد هو الفطر،فصار كصلاة واحدة.و لأنّ حرمته حرمة واحدة فيؤثّر فيه النيّة الواحدة كما أثّرت في اليوم الواحد،إذا وقعت في ابتدائه.
احتجّ المخالف:بأنّه صوم واجب،فوجب أن ينويه من ليلته،كاليوم الأوّل و لأنّ هذه الأيّام عبادات يتخلّلها ما ينافيها،و لا يفسد بعضها بفساد بعض،فأشبهت القضاء (8).
و الجواب:مساواة الليلة الأولى لباقي الليالي،كما بيّنّا،فكما جاز إيقاع النيّة
ص:36
في كلّ ليلة جاز في الأولى،و كونها عبادات متعدّدة صحيح من وجه،و هي متّحدة من وجه آخر على ما قدّمناه.
و اعلم أنّ عندي في هذه المسألة إشكالا؛إذ الحقّ أنّها عبادات منفصلة،و لهذا لا يبطل البعض بفساد الآخر،بخلاف الصلاة الواحدة و اليوم الواحد،و ما ذكره أصحابنا قياس محض لا نعمل به؛لعدم النصّ على الفرع و على علّته،لكنّ الشيخ رحمه اللّه (1)،و السيّد المرتضى رضي اللّه عنه ادّعيا هاهنا الإجماع (2)و لم يثبت عندنا ذلك،فالأولى تجديد النيّة لكلّ يوم من ليلته.
فإنّ الأولى (3)تجديدها بلا خلاف.
أمّا عندنا؛فلعدم النصّ،و أمّا عندهم؛فللفرق بين صوم لا يقع فيه غيره،و بين صوم يجوز أن يقع فيه سواه.
ليلة أو ثالث ليلة للباقي من الشهر؟
فيه تردّد.
أمّا إن قلنا بعدم الاكتفاء في الأوّل قلنا به هاهنا،و إن قلنا بالاكتفاء هناك فالأولى الاكتفاء هنا؛لأنّ النيّة الواحدة قد كانت مجزئة عن الجميع فعن البعض أولى،لكنّ هذه كلّها قياسات لا يعتمد عليها.
إذا لم ير الهلال بنيّة أنّه من
ص:37
شعبان،و لا يكره صومه،سواء كان هناك مانع من الرؤية كالغيم و شبهه،أو لم يكن هناك مانع.
و قال المفيد رحمه اللّه:إنّما يستحبّ مع الشكّ في الهلال لا مع الصحو و ارتفاع الموانع،و يكره مع الصحو و ارتفاع الموانع،إلاّ لمن كان صائما قبله (1)،و به قال الشافعيّ (2)،و الأوزاعيّ (3).
و قال أحمد:إن كانت السماء مصحية،كره صومه،و إن كانت مغيّمة،وجب صومه،و يحكم بأنّه من رمضان (4).و روي ذلك عن ابن عمر (5)،و قال الحسن، و ابن سيرين:إن صام الإمام صاموا،و إن أفطر أفطروا (6).و هو مرويّ عن أحمد (7).
و قال أبو حنيفة (8)،و مالك مثل قولنا (9).
لنا:ما رواه الجمهور عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:«لأنّ أصوم يوما من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوما من رمضان» (10).
ص:38
و رووه عن عائشة (1)،و أبي هريرة (2).و رووا عن عائشة أنّها كانت تصومه (3)و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن حكيم قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن اليوم الذي يشكّ فيه،فإنّ الناس يزعمون أنّ من صامه بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان،فقال:«كذبوا،إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّقوا (4)له،و إن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام» (5).
و عن بشير النبّال،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن صوم يوم الشكّ،فقال:«صمه،فإن يك من شعبان كان تطوّعا،و إن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت (6)له» (7).
و عن الكاهليّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اليوم الذي يشكّ فيه من شعبان،قال:لأن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوما من رمضان» (8).
ص:39
و لأنّه يوم محكوم به من شعبان،فلا يكره صومه،كما لو كانت عادته صيامه.
و لأنّ الاحتياط يقتضي الصوم،فلا وجه للكراهية،و لأنّه يوم محكوم به من شعبان،فكان كغيره من أيّامه.
احتجّ الشافعيّ (1):بما رواه أبو هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام:اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان،و يوم الفطر،و يوم الأضحى، و أيّام التشريق (2).
و عن عمّار بن ياسر قال:من صام يوم الشكّ فقد عصى أبا القاسم صلّى اللّه عليه و آله (3).
و عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تقدّموا هلال رمضان بيوم و لا بيومين إلاّ أن يوافق صوما كان يصومه أحدكم» (4).
و روى أصحابنا شبه ذلك،روي الشيخ عن هارون بن خارجة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«عدّ شعبان تسعة و عشرين يوما،فإن كانت متغيّمة (5)
ص:40
فأصبح صائما،و إن كانت مصحية و تبصّرته و لم تر شيئا فأصبح مفطرا» (1).
و عن عبد الكريم بن عمرو قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:[إنّي] (2)جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم،فقال:«لا تصم في السفر،و لا العيدين، و لا أيّام التشريق،و لا اليوم الذي يشكّ فيه» (3)و عن قتيبة الأعشى قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن صوم ستّة أيّام:العيدين،و أيّام التشريق،و اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان» (4).
احتجّ أحمد (5):بما رواه ابن عمر قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّما الشهر تسع و عشرون يوما فلا تصوموا حتّى تروا الهلال،و لا تفطروا حتّى تروه، فإن غمّ عليكم فاقدروا له» (6)و معنى الإقدار التضييق (7)،كما في قوله تعالى: وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ (8).
ص:41
و التضييق (1)له أن يجعل شعبان تسعة و عشرين يوما.و فعل ابن عمر ذلك، فكان يصوم مع الغيم و المانع،و يفطر لا معهما،و هو الراوي،فكان فعله تفسيرا.
و لأنّه شكّ في أحد طرفي الشهر لم يظهر فيه أنّه من غير رمضان،فوجب الصوم كالطرف الآخر.و لأنّ الاحتياط يقتضي الصوم.
و احتجّ ابن سيرين (2):بقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الصوم يوم تصومون، و الفطر يوم تفطرون،و الأضحى يوم تضحّون» (3)قيل معناه:أنّ الصوم و الفطر مع الجماعة و معظم الناس (4).
و الجواب:أنّ الأحاديث الدالّة على النهي منصرفة إلى الصوم بنيّة أنّه من رمضان؛لأنّه (5)ظاهرا من غير رمضان فاعتقاد أنّه منه قبيح،فإرادة فعله على هذا الوجه قبيحة و يقع الفعل باعتبار قبح الإرادة قبيحا،فكان منهيّا عنه،و النهي في العبادات يدلّ على الفساد.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن محمّد بن شهاب الزهريّ قال:سمعت عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول:«يوم الشكّ أمرنا بصيامه و نهينا عنه،أمرنا أن يصومه (6)الإنسان على أنّه من شعبان،و نهينا عن أن يصومه (7)على أنّه من شهر رمضان و هو لم ير الهلال» (8).
ص:42
و حديث أحمد على الوجوب معارض بما رواه البخاريّ بإسناده عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«صوموا لرؤيته،و أفطروا لرؤيته،فإن غمّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين» (1).
على أنّ مسلما رواه-في الصحيح-عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذكر رمضان فقال:«صوموا لرؤيته،و أفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فاقدروا له ثلاثين» (2).
و في حديث آخر عن ربعيّ بن حراش (3)أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
«صوموا لرؤيته،و أفطروا لرؤيته،فإن غمّ عليكم فعدّوا شعبان ثلاثين (4)،ثمّ صوموا،و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ثمّ أفطروا» (5).
و لأنّ الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه بالشكّ،و لهذا لا يحلّ الدين المعلّق بشهر رمضان،و لا الطلاق المعلّق به عنده.و أمّا الكراهية مع الصحو فمنفيّة بما ذكرناه من الأدلّة.
و قد روى الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يصل شعبان برمضان (6)،
ص:43
و هو عامّ،و يحمل (1)نهي تقديم الصوم على العاجز ليقوى بالإفطار على الصوم الواجب،كما حمل رواية أبي هريرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتّى يكون رمضان» (2).
و احتجاج ابن سيرين ورد على الظاهر إذ الغالب عدم خفاء الهلال عن جماعة كثيرة،و خفاؤه عن واحد و اثنين،لا العكس.
لما بيّنّاه من أنّ النهي يدلّ على الفساد،و لحديث عليّ بن الحسين عليهما السّلام (3).
و لما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في يوم الشكّ:«من صامه قضاه و إن كان كذلك» (4)يريد:من صامه على أنّه من رمضان (5)،و يدلّ عليه قوله عليه السّلام:«و إن كان كذلك»لأنّ التشبيه إنّما هو للنيّة.
و لو نوى أنّه من شعبان ندبا،ثمّ بان أنّه من رمضان،أجزأ عنه؛لأنّه صوم شرعيّ غير منهيّ عنه،فكان مجزئا عن الواجب،لأنّ رمضان لا يقع فيه غيره،
ص:44
و نيّة الوجوب ساقطة؛للعذر،كناسي النيّة إلى قبل الزوال،و لما ذكرناه من الأحاديث (1).
و لا يجزئه لو خرج من رمضان إلاّ أن يجدّد النيّة قبل الزوال.
و تردّد (2)الشيخ في الخلاف (3)-فلو ثبت الهلال قبل الزوال،جدّد النيّة و أجزأه؛لأنّ محلّ النيّة باق.
و النهار باق، جدّد نيّة الوجوب،و لو لم يعلم حتّى فات النهار أجزأ عنه على ما بيّنّا (4).
و إن كان من شعبان فهو ندب،للشيخ قولان:
أحدهما:الإجزاء لو بان من رمضان،ذكره في الخلاف؛لأنّ نيّة القربة كافية و قد نوى القربة (5).
و الثاني:لا يجزئه (6)-و به قال الشافعيّ (7)-لأنّ نيّته متردّدة،و الجزم شرطها، و التعيين ليس بشرط إذا علم أنّه من شهر رمضان،أمّا فيما لا يعلم فلا نسلّم ذلك.
و لم يتناول شيئا،نوى حينئذ الصوم الواجب،و أجزأه؛لما بيّنّا أنّ محلّ النيّة إلى
ص:45
الزوال،و العذر موجود و هو الجهل،فكان كتارك النيّة نسيانا.
و لو ظهر له ذلك بعد الزوال أمسك بقيّة نهاره و وجب عليه القضاء،و به قال أبو حنيفة (1).
و الشافعيّ أوجب القضاء في الموضعين (2)،و قد سلف ضعفه (3).
و روي عن عطاء أنّه قال:يأكل بقيّة يومه (4).و لا نعلم أحدا قاله سواه،إلاّ في رواية عن أحمد،ذكرها أبو الخطّاب (5).
و احتجّوا:بالقياس على المسافر (6)،و هو خطأ؛لأنّ للمسافر الفطر بعد قدومه ظاهرا و باطنا،بخلاف صورة النزاع.و لما رواه الجمهور (7)عن ابن عبّاس أنّ الأعرابيّ لمّا شهد بالهلال،أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الناس بالصوم و صام (8).
لنا:أنّه صام بشرطه،و هو النيّة،فكان مجزئا و لا يبطل بعد انعقاده،و نمنع (1)كون استدامة النيّة شرطا.
لما تقدّم في المتيقّن،فمع الشكّ أولى،و للشافعيّ وجهان (2).
إحدى و تسعين و غلط في ذلك،صحّت نيّته،
خلافا لبعض الشافعيّة (3)؛لأنّه صام بشرطه فلا يؤثّر فيه غلطه،كما لو حسب أنّه الاثنين فنواه و كان الثلاثاء.
أو كان عليه يوم من سنة أربع فنواه من سنة خمس،الحقّ عندي أنّه لا يجزئ؛لأنّه صوم لا يتعيّن بزمان،فلا بدّ فيه من النيّة،و الذي عليه لم ينوه،فلم يكن مجزئا، كما لو كان عليه رقبة من ظهار فنواها عن الفطر.
الواحد فلا بحث،
و إن أوجبنا الشاهدين فهل يجوز له أن ينوي عن رمضان واجبا؟ فيه تردّد ينشأ،من كون المخبر إفادة الظنّ بخبره،فجاز له النيّة،و يجزئه لو بان أنّه من رمضان؛لأنّه نوى بضرب من الظنّ،فكان كالشاهدين.و من كونه يوما محكوما به (4)من شعبان لم يخرج عن كونه يوم شكّ بشهادة الواحد،فكان الواجب نيّة النفل.و الأخير عندي أقرب.
ص:47
أو أخبره العارف بذلك بالهلال من غير مشاهدة،فهل يجزئه الصوم لو نوى أنّه من رمضان؟فيه التردّد،من حيث إنّ المخبر إفادة الظنّ،كما لو أخبر عن مشاهدة،و من حيث إنّه لم يخرج كونه يوم شكّ،و التردّد هنا أضعف؛لأنّ الحساب ليس بطريق إلى إثبات الأهلّة و لا يتعلّق وجوبه به،و إنّما يثبت بالرّؤية أو استكمال ثلاثين،و لا ريب في عدم الوجوب هاهنا،بخلاف المخبر الواحد عن الرؤية؛لوقوع الخلاف هناك و إن كان الحقّ عدمه أيضا على ما يأتي.
لم يصحّ صومه؛لأنّه لم يفعل نيّة جازمة فلا تكون مجزئة،كما لو تردّد بين الصوم و عدمه.و إن قصد التبرّك،أو أنّ ذلك موقوف على مشيئة اللّه تعالى و توفيقه و تمكينه،لم يكن شرطا و صحّ صومه.
بوقته فافتقر إلى التعيين.
و لأنّه جعله مشتركا بين الفرض و النفل،فلا يتعيّن لأحدهما؛لعدم الأولويّة،و لا لغيرهما؛لعدم القصد.
و قال أبو يوسف:إنّه يقع عن القضاء؛لأنّ التطوّع لا يفتقر إلى التعيين،فكأنّه نوى القضاء،و صوما مطلقا.و قال محمّد:يقع تطوّعا (2).و به قال الشافعيّ (3)؛لأنّ زمان القضاء يصلح للتطوّع،فإذا سقطت نيّة الفرض بالتشريك بقي نيّة الصوم،فوقع تطوّعا.
ص:48
و الجواب عن الأوّل:أنّ التطوّع و إن لم يفتقر إلى التعيين،إلاّ أنّه يصحّ أن ينويه و يعيّنه،و هو مناف للفرض فلا يصحّ مجامعته،بخلاف ما لو نوى الفرض و الصوم المطلق؛لأنّه جزء من الفرض غير مناف له فافترقا.
و عن الثاني:أنّ زمان القضاء كما هو صالح للتطوّع فكذا للقضاء،فلا تخصيص، و نيّتهما واقعة،و ليس سقوط نيّة الفرض للتشريك أولى من سقوط نيّة النفل،فإمّا أن يسقطا و هو المطلوب،أو ثبتا و هو محال.
صائم منه،
و إن كان من شوّال فهو مفطر،قال بعض الشافعيّة:صحّت نيّته و صومه؛ لأنّه بنى نيّته على أصل و هو بقاء الشهر (1)،و عندي فيه تردّد.
و لو نوى أنّه صائم فيه عن رمضان أو نافلة لم يجز بلا خلاف؛لأنّه جعله مشتركا و لم يخلصه للفرض.
تقدّم ،
و يجب عليه الإمساك و القضاء،و هل يثاب على الإمساك؟قيل:لا؛لعدم الاعتداد به و عدم الإجزاء،فكان كما لو أكل متعمّدا ثمّ أمسك (3)،و الصحيح عندي أنّه يثاب عليه ثواب الإمساك؛لأنّه واجب يستحقّ (4)بتركه العقاب فيستحقّ بفعله الثواب،لا ثواب الصوم.
الصوم الواجب رمضان كان أو غيره،
فإن خرج الزوال و لم ينو،خرج محلّ النيّة في
ص:49
الفرض دون النفل.هذا لمن أصبح بنيّة الإفطار،أمّا لو أصبح بنيّة الصوم ندبا في يوم الشكّ،فإنّه يجدّد نيّة الوجوب مع قيام البيّنة متى كان من النهار.
ثمّ جدّد النيّة لم يجزئه،سواء كان قبل الزوال أو بعده،لأنّه قد مضى من الوقت زمان لم يصمه،و لم يكن بحكم الصائم فيه من غير عذر،و يجب عليه الإمساك،سواء أفطر أولا،و وجب عليه القضاء.
فإنّما تتعلّق بالصوم بإحداث توطين النفس و قهرها على الامتناع بتجديد (1)الخوف من عقاب اللّه و غير ذلك،أو يفعل كراهية لحدوث هذه الأشياء،فتكون متعلّقة على هذا الوجه و لا تنافي الأصول (2).
و تحرير ما استشكله الشيخ أنّ الإرادة صفة مميّزة لبعض المقدورات من بعض يقتضي تخصيص إيقاع الفاعل لبعضها دون الباقي فهي النيّة إنّما (3)تتعلّق بالممكنات المقدورة لنا.
إذا تقرّر هذا فنقول:النفي غير مقدور لنا على رأي قوم؛لأنّ القدرة تتعلّق بالإيجاد؛إذ لا تخصيص للعدم،فلا يكون بعضه مقدورا دون بعض.و لأنّه مستمرّ، و الصوم عبارة عن الإمساك،و هو في الحقيقة راجع إلى النفي فكيف تصحّ إرادته! فأجاب الشيخ بأنّ متعلّق الإرادة توطين النفس على الامتناع و قهرها عليه بتخويفها من العقاب و هو معنى وجوديّ.
أو نقول:الإرادة هاهنا راجعة إلى الكراهة (4)أعني أنّه يحدث كراهية تتعلّق
ص:50
بإحداث المفطرات.هذا ما قرّره الشيخ،و الحقّ في ذلك قد ذكرناه في كتبنا الكلاميّة (1).
و لو (2)بلغ قبل الزوال بغير المبطل وجب عليه تجديد نيّة الفرض و إلاّ فلا.
سواء وافق ذلك صوم يوم عادته صومه،أولا،و سواء صام قبله أولا،و لا يكره له ذلك.
و قال بعض الشافعيّة:يكره له (3)،و هو خطأ؛لأنّه إذا جاز له أن يصومه تطوّعا لسبب من موافقة (4)يوم عادته صومه أو تقدّم صومه عليه،ففي الفرض أولى، كالوقت الذي نهي عن الصلاة فيه.على أنّا نمنع كراهية صومه منفردا،و قد سلف.
إذا ثبت هذا،فلو صامه تطوّعا من غير سبب فعندنا أنّه مستحبّ و لا بحث (5)حينئذ،و عند المفيد-رحمه اللّه-أنّه مكروه (6)،على ما تقدّم،و كذا عند الشافعيّ، فهل يصحّ أم لا؟قال بعض الشافعيّة:لا يصحّ؛لأنّ الغرض به القربة و هي لا تحصل بذلك (7)،و فيه نظر.
ص:51
فيما يمسك عنه الصائم
يجب الإمساك عن الأكل و الشرب،و الجماع و الإنزال،و الكذب على اللّه و على رسوله و الأئمّة عليهم السّلام،و الارتماس في الماء،و إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق،و البقاء (1)على الجنابة حتّى يطلع الفجر من غير ضرورة،و معاودة النوم بعد انتباهة حتّى يطلع الفجر،و القيء عامدا،و الحقنة،و جميع المحرّمات، فهاهنا (2)مسائل:
و الإجماع.
قال اللّه تعالى: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (3).
و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«و الذي نفسي بيده لخلوف (4)فم الصائم أطيب عند اللّه من ريح المسك،بترك طعامه و شرابه و شهوته
ص:52
من أجلي» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان بلال يؤذّن للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين يطلع الفجر،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام و الشراب،فقد أصبحتم» (2).
و في الصحيح عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت:متى يحرم الطعام (3)على الصائم و تحلّ الصلاة صلاة الفجر؟فقال:«إذا اعترض الفجر و كان كالقبطيّة (4)البيضاء فثمّ يحرم الطعام و تحلّ الصلاة صلاة الفجر»قلت:فلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟فقال:«هيهات،أين تذهب؟تلك صلاة الصبيان» (5).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:
«لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال:الطعام و الشراب،و النساء، و الارتماس في الماء» (6).
ص:53
و قد أجمع المسلمون:على الفطر بالأكل و الشرب و إن اختلفوا في تفاصيل تأتي إن شاء اللّه.
أمّا ما ليس بمعتاد فذهب علماؤنا إلى أنّه يفطر،و أنّ حكمه حكم المعتاد،سواء تغذّى به أو لم يتغذّ به،و هو قول عامّة أهل العلم،إلاّ ما نستثنيه.
و قال الحسن بن صالح بن حيّ:لا يفطر بما ليس بطعام و لا شراب (1).
و حكي عن أبي طلحة الأنصاريّ أنّه كان يأكل البرد في الصوم،و يقول:ليس بطعام و لا شراب (2).
و قال أبو حنيفة:لو ابتلع حصاة أو فستقة بقشرها،لم تجب الكفّارة فيعتبر في إيجاب الكفّارة ما يتغذّى به أو يتداوى به (3).
لنا:دلالة الكتاب و السنّة على تحريم الأكل و الشرب على العموم،فيدخل فيه محلّ النزاع،و فعل أبي طلحة لم يثبت،و لو ثبت لم يكن حجّة.و لأنّ الإمساك يجب عمّا يصل إلى الجوف،و تناول ما ليس بمعتاد-كالحصاة و المياه المستخرجة من الأشجار-ينافي الإمساك،فكان مفسدا للصوم.
سواء أخرجها من فمه أو لم يخرجها.
و قال أحمد:إن كان يسيرا لا يمكنه التحرّز منه فابتلعه لم يفطر،و إن كان كثيرا أفطر (4).
ص:54
و قال الشافعيّ:إن كان ممّا يجري به الريق،و لا يتميّز عنه،فبلعه مع ريقه، لم يفطره،و إن كان بين أسنانه شيء من لحم أو خبز حصل في فيه،متميّزا عن الريق،فابتلعه مع ذكره للصوم،فسد صومه (1).
و قال أبو حنيفة:لا يفطر به (2).
لنا:أنّه بلع طعاما مختارا ذاكرا،فوجب أن يفطر،كما لو ابتدأ أكلا.و لأنّه جنس المفطر فتساوى الكلّ،و الجزء فيه،كالماء.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّه لا يمكنه التحرّز منه،فأشبه ما يجري به الريق (3).
و الجواب:بأنّ ما يجري به الريق لا يمكنه لفظه،و البصاق لا يخرج به جميع الريق،و في توالي البصاق مشقّة،فيكون منفيّا.
و قد تحصّل من هذا:إن كان موضع يمكنه التحرّز منه و لفظه،يجب،و كلّ موضع لا يمكنه ذلك،فإنّه لا يفطره.
لأنّه لا يمكن الاحتراز عنه و لا بدّ منه،و لو انقطع جفّ حلقه.
و لو جمعه في فيه ثمّ ابتلعه،لم يفطر،و للشافعيّ قولان:أحدهما الإفطار (4).
ص:55
لنا:أنّه وصل إلى جوفه من معدته،فلا يكون مفطرا،كالقليل.و لأنّ قليله لا يفطر،فكذا كثيره.
ثمّ أعاده في فيه،فالوجه الإفطار،قلّ أو كثر؛لابتلاعه البلل الذي على ذلك الجسم.
و قال بعض الجمهور:لا يفطر إن كان قليلا (3).
لا يقال:قد روت عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقبّلها و هو صائم و يمصّ لسانها (4).
لأنّا نقول:قد طعن أبو داود في هذه الرواية و قال:إنّ سندها ليس بصحيح (5).
و لو سلّمنا،فلا نسلّم أنّ المصّ كان في الصوم،فيجوز أنّه كان يقبّلها في الصوم، و يمصّ لسانها في غيره.سلّمنا،لكنّ المصّ لا يستلزم الابتلاع،فيجوز أن يمصّ ريقها و يبصقه.سلّمنا،لكن يجوز أن لا يكون على لسانها شيء من الريق.
لا يقال:قد روى الشيخ عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
ص:56
الصائم يقبّل؟قال:«نعم،و يعطيها لسانه تمصّه» (1).
و عن أبي ولاّد الحنّاط قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي أقبّل بنتا لي صغيرة و أنا صائم،فيدخل في جوفي من ريقها شيء،قال:فقال لي:«لا بأس، ليس عليك شيء» (2).
و في الحسن عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:سألته عن الرجل الصائم،أله أن يمصّ لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟قال:«لا بأس» (3).
لأنّا نقول:قد بيّنّا أنّ المصّ لا يستلزم الابتلاع.و حديث أبي ولاّد لم يذكر فيه أنّ الريق وصل إلى جوفه بالمصّ؛لاستحالة ذلك في البنت شرعا،فجاز أن يبلع (4)شيئا من ريقها بسبب القبلة من غير شعور أو تعمّد.
لأنّه لم ينفصل عن محلّه المعتاد،فكان كما لو وجد الريق على لسانه باطنا.
لم يفطر باجتلابه،و أفطر بابتلاعه عمدا.
و قال الشافعيّ:يفطر (1)،و عن أحمد روايتان (2).
لنا:أنّه معتاد في الفم غير واصل من خارج فأشبه الريق.و لأنّ البلوى تعمّ به؛ لعدم انفكاك الصائم عنه،فالاحتراز عنه مشقّة عظيمة،فوجب العفو عنه،كالريق.
و يؤيّده:ما رواه غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته» (3).
احتجّوا:بأنّه يمكن الاحتراز منها فأشبهت القيء (4).
و الجواب:المنع من تمكّن الاحتراز دائما.
صومه على ما سلف في الأكل .
هذا على المذهب المشهور.و اختار السيّد المرتضى أنّ ابتلاع الحصاة و ما أشبهها ليس بمفسد (6).
العلماء.
قال اللّه تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ إلى قوله تعالى: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ (7).
ص:58
و ما تقدّم في حديث محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام (1)،سواء أنزل أو لم ينزل بلا خلاف.
أمّا الوطء في الدبر،فإن كان مع إنزال،فلا خلاف بين العلماء كافّة في إفساده الصوم،و إن كان بدون إنزال فالذي عليه المعوّل (2)،إفساد الصوم به؛لأنّه وطء في محلّ الشهوة فأشبه الوطء في الفرج.
و قد روى الشيخ عن أحمد بن محمّد،عن بعض الكوفيّين يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام (3)في الرجل يأتي المرأة في دبرها و هي صائمة قال:
«لا ينقض صومها و ليس عليها (4)غسل» (5).و هو مقطوع السند فلا اعتداد به.
و روى الشيخ عن عليّ بن الحكم،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«إذا أتى الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها،و ليس عليها غسل» (6).
قال الشيخ:هذا خبر غير معمول عليه،و هو مقطوع الإسناد لا يعوّل عليه (7).
و إن لم ينزل لم يفسد صومه.
ص:59
قبل أو دبر (1)،كان حكمه حكم واطئ الحيّة.
و إن لم ينزل تبع وجوب الغسل،فإن أوجبناه أفسد صومه؛لأنّه مجنب حينئذ،و إلاّ فلا.
و قال الشيخ:لا يجب الغسل و يفطر (2).و الأولى الحكم بإيجاب الغسل و الإفطار؛لأنّه وطئ حيوانا في فرجه،فوجب تعلّق الحكمين به،كالمرأة.
لأنّه يجب عليه الغسل على ما بيّنّاه (3)،فيكون مفسدا لصومه.
دبره الغسل و يكون مفطرا،
و كذا المرأة الموطوءة في الدبر أو القبل.
أمّا لو أنزل بمجامعتها في غير الفرجين،فإنّ الحكمين يختصّان به،و لا نعلم خلافا في أنّ المرأة الموطوءة في قبلها طوعا يفسد صومها.
و إن لم تنزلا لم يفسد صومهما،و لو أنزلت واحدة اختصّ الفساد بها.
عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني،قال:«عليه من الكفّارة مثل ما على الّذي يجامع» (1).
و عن سماعة قال:سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل،قال:«عليه إطعام ستّين مسكينا،مدّ لكلّ مسكين» (2).
و عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وضع يده على شيء من جسد امرأة (3)فأدفق،فقال (4):«كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا،أو يعتق رقبة» (5).
و عن حفص بن سوقة (6)،عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في[قضاء] (7)رمضان،فيسبقه الماء فينزل،فقال:
«عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع في (8)رمضان» (9).و إيجاب الكفّارة يستلزم إفساد الصوم.
ص:61
عامدا بمباشرة و غير ذلك من إيقاع ما يوجب الإنزال،يفسد الصوم (1).
القضاء،
فإن كان نظره إلى ما يحلّ له النظر إليه فأمنى،لم يكن عليه شيء.فإن أصغى أو تسمّع (2)إلى حديث فأمنى،لم يكن عليه شيء (3).
و قال الشافعيّ (4)،و أبو حنيفة (5)،و الثوريّ:لا يفسد الصوم بالإنزال عقيب النظر مطلقا؛لأنّه إنزال عن غير مباشرة،فأشبه الإنزال بالفكر (6). (7)و قال أحمد (8)،و مالك (9)،و الحسن البصريّ (10)،و عطاء:يفسد الصوم به مطلقا؛لأنّه إنزال بفعل يتلذّذ به،و يمكن التحرّز منه،فأشبه الإنزال باللمس (11).
ص:62
لأنّها مظنّة الإنزال،فلحقت بالجماع.و يؤيّده:حديث حفص بن سوقة (1).
لم يجز له التقبيل؛لأنّها مفسدة لصومه،فحرمت كالأكل.
و إن كان ذا شهوة لا يبلغ (2)معها غلبة الظنّ بالإنزال،كانت مكروهة على ما يأتي.
لم يفسد صومه إجماعا.
إذا كان عامدا.
ينشأ من قوله عليه السّلام:«عفي لأمّتي الخطأ و النسيان،و ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلّم» (3).و من كونه متمكّنا من فعله و تركه،و لهذا نهي عن التفكّر في ذاته تعالى،و أمر بالتفكّر في مخلوقاته،و مدح اللّه المتفكّرين في خلق السموات و الأرض،و لو كان غير مقدور، لم يتعلّق به هذه الأحكام،كالاحتلام.
لأنّ الخاطر لا يمكن دفعه.
و به قال
ص:63
مالك-لأنّه أنزل بالنظر أشبه ما لو كرّره (1).و قال أحمد:لا يفسد،إلاّ بالتكرار؛ لأنّ النظرة الأولى لا يمكن التحرّز منها،فلا يفسد الصوم ما أفضت إليه (2).
و الجواب:المنع من عدم القدرة على التحرّز،و إن فرض سلّمنا.
و به قال أبو حنيفة (3)،و الشافعيّ (4)، و هو مرويّ عن الحسن،و الشعبيّ،و الأوزاعيّ (5).و قال مالك (6)و أحمد:
يفطر (7).
لنا:أنّه خارج لا يوجب الغسل،فأشبه البول.و لأنّ الأصل براءة الذمّة، و القياس على الإنزال باطل؛لأنّ الأصل أكبر ذنبا،فالعقوبة به أشدّ.
احتجّوا:بأنّه خارج تخلّله الشهوة خرج بالمباشرة،فأشبه المنيّ (8).
و الجواب:قد بيّنّا الفرق.
لا يقال:قد روى الشيخ عن رفاعة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لامس جارية في شهر رمضان فأمذى،قال:«إن كان حراما فليستغفر اللّه
ص:64
استغفار من لا يعود أبدا و يصوم يوما مكان يوم،و إن كان من حلال (1)يستغفر اللّه و لا يعود و يصوم يوما مكان يوم» (2).قال الشيخ:إنّه محمول على الاستحباب. (3)
و هو حسن؛لما يأتي.
قال الشيخان:يفسد الصوم ،
و به قال الأوزاعيّ (5).
و قال السيّد المرتضى-رحمه اللّه-لا يفسده (6)،و هو قول الجمهور.
احتجّ الشيخان:بما رواه الشيخ عن أبي بصير قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم»قال:قلت:هلكنا،قال:
«ليس حيث تذهب،إنّما ذلك الكذب على اللّه،و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و على الأئمّة عليهم السّلام» (7).
و عن سماعة قال:سألته عن رجل كذب في رمضان،قال:«قد أفطر و عليه قضاؤه و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمّد» (8).
قال الشيخ-رحمه اللّه:نقض الوضوء عبارة عن نقض ثوابه و كماله و وجهه الذي يستحقّ به الثواب؛لأنّه لو لم يفعله،كان ثوابه أعظم،و قربته أزيد و أكثر،
ص:65
و لا يريد عليه السّلام نقض الوضوء الذي يجب معه الإعادة،على ما تقدّم في نواقض الطهارة.و كذا في الحديث الثاني يحمل الأمر بقضاء الوضوء على الاستحباب (1).و احتجّوا أيضا:بالإجماع (2).
و احتجّ الآخرون:بالأصل الدالّ على البراءة،و عدم الدليل الناهض (3)بإزالته، على أنّ الحديث الأوّل قد اشتمل على ما اتّفق العلماء على تركه و هو النقض للوضوء،و الحديث الثاني ضعيف؛لأنّ في طريقه عثمان بن عيسى و سماعة،و هما واقفيّان،على أنّ سماعة لم يسنده إلى إمام،و الإجماع ممنوع مع وجود الخلاف.
و الإيراد على الحديث الأوّل ضعيف؛لأنّه لا يلزم من ترك ظاهر الحديث في أحد الحكمين اللذين اشتمل الحديث عليهما،تركه في الحكم الثاني،و الأقرب الإفساد،عملا بالرواية الأولى و بالاحتياط المعارض لأصل (4)البراءة.
«من لم يدع قول الزور و العمل به فليس للّه حاجة أن يدع طعامه و شرابه» (1).
و عنه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا كان أحدكم صائما،فلا يرفث و لا يجهل،فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل:إنّي صائم إنّي صائم» (2).
و الجواب:ليس في الحديثين دلالة على الإفساد بالمشاتمة.
و الباقون من الجمهور على أنّه غير مكروه (1).و للشيخ قول ثان بأنّه حرام لا يوجب قضاء و لا كفّارة،و هو جيّد (2).
لنا على التحريم:ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال سمعت:
أبا جعفر عليه السّلام يقول:«لا يضرّ الصائم ما صنع،إذا اجتنب أربع (3)خصال:
الأكل،و الشرب،و النساء،و الارتماس في الماء» (4).و هو يدلّ بمفهوم الشرط على وجود الضرر مع عدم اجتنابها.
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«الصائم يستنقع في الماء،و لا يرمس رأسه» (5).
و في الصحيح عن حريز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا يرمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء» (6).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:الصائم يستنقع في الماء،و يصبّ على رأسه،و يتبرّد بالثوب،و ينضح المروحة،و ينضح البوريا تحته (7)،و لا يغمس رأسه في الماء» (8).
ص:68
و لأنّه مظنّة لوصول الماء إلى الحلق غالبا،فنهي عنه،كالجماع المفضي إلى الإنزال؛لاشتراكهما في كون كلّ واحد منهما مقدّمة للمفسد.
و لنا على عدم إيجاب القضاء و الكفّارة:ما رواه الشيخ في الموثّق عن إسحاق بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا عليه (1)قضاء ذلك اليوم؟قال:«ليس عليه قضاء و لا يعودنّ (2).
و لأنّ الأصل عدم وجوب أحدهما،فلا يصار إلى خلافه إلاّ بدليل،و لم يوجد.
قال الشيخ:و لست أعرف حديثا في إيجاب القضاء و الكفّارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء (3).
احتجّ السيّد المرتضى:بما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كره للصائم أن يرتمس في الماء» (4).
و لأنّ الأصل عدم التحريم،فلا يرجع عنه إلاّ بدليل.
و احتجّ الجمهور (5):بما روت عائشة،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصبح جنبا من جماع،لا من احتلام،ثمّ يغتسل و يصوم (6).
ص:69
و روى أبو بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالعرج (1)،يصبّ على رأسه الماء و هو صائم،من العطش،أو من الحرّ (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الرواية ضعيفة السند،و أيضا الكراهية قد تصدق على التحريم،فتحمل عليه؛جمعا بين الأدلّة.
و الأصل قد بيّنّا بالأدلّة زواله.و حديث عائشة محمول على أنّه قارب من الصباح؛لأنّ الصوم عندنا مشروط بالطهارة من الجنابة في أوّله على ما يأتي.
و لأنّه عليه السّلام كان يصلّي في أوّل الوقت.
و حديث عبد الرحمن نقول بموجبه؛لأنّ صبّ الماء على الرأس عندنا ليس بمكروه،بخلاف الارتماس؛إذ دخول الماء إلى الباطن (3)في الارتماس أكثر منه في صبّ الماء.
و ليس بمكروه،بل قد يكون مستحبّا.
سواء دخل الماء اختيارا أو اضطرارا،إذا كان الارتماس مختارا.
فإن تعمّد إدخال الماء،
ص:70
أفسد صومه.و إن لم يتعمّد و كان الصبّ يؤدّي إليه قطعا،أفسد أيضا مع الاختيار لا مع الاضطرار،و إن لم يؤدّ إليه،لم يفسد صومه.
و النجس،
عملا بعموم النهي.
مثل غبار النفض و الدقيق و خالف فيه الجمهور (2).
لنا:أنّه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم،فكان مفسدا له.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سليمان الجعفريّ (3)،قال:سمعته يقول:«إذا شمّ رائحة غليظة،أو كنس بيتا،فدخل في أنفه و حلقه غبار،فإنّ ذلك له فطر (4)،مثل الأكل و الشرب و النكاح» (5).
و في رواية عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السّلام قال:سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه،قال:«لا بأس»،و سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه،قال:«لا بأس» (6).و هي محمولة على عدم تمكّن
ص:71
الاحتراز منه.و على قول السيّد المرتضى (1)ينبغي عدم الإفساد بذلك.
أمّا لو كان مضطرّا أو دخل الغبار بغير شعور منه أو بغير اختيار،فإنّه لا يفطره إجماعا.
و لا عذر،
حتّى يطلع الفجر،أفسد صومه.و به قال أبو هريرة،و سالم بن عبد اللّه، و الحسن البصريّ،و طاوس،و عروة.و به قال الحسن بن صالح بن حيّ،و النخعيّ في الفرض خاصّة (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من أصبح جنبا فلا صوم له» (3).
و عن أبي هريرة،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من أصبح جنبا في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل،ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتّى أصبح قال:«يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا»قال:و قال:«إنّه لخليق أن لا أراه يدركه أبدا» (5).
ص:72
و عن سليمان بن جعفر المروزيّ (1)،عن الفقيه عليه السّلام قال:«إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل،و لا يغتسل حتّى يصبح،فعليه صوم شهرين متتابعين، مع صوم ذلك اليوم،و لا يدرك فضل يومه» (2).
و لأنّ حدث الجنابة مناف للصوم،فلا يجامعه.و لأنّه منهيّ عن تعمّد الإنزال نهارا للهتك،و هو موجود في صورة النزاع.
احتجّ المخالف (3):بما رواه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال:
ذهبت أنا و أبي،حتّى دخلنا على عائشة فقالت:أشهد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أنّه كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام،ثمّ يصومه.ثمّ دخلنا على أمّ سلمة فقالت مثل ذلك،ثمّ أتينا أبا هريرة فأخبرناه بذلك فقال:هما أعلم بذلك،إنّما حدّثنيه الفضل بن عبّاس (4).
و لأنّ بقاء الاغتسال عليه لا يمنع من صحّة صومه،كما لو احتلم في نهار رمضان،ثمّ ادّعوا في حديث أبي هريرة احتمال النسخ (5).
و الجواب عن الأوّل:قد بيّنّا أنّ المراد من قوله:ليصبح،أي:يقارب
ص:73
الصباح (1)؛لما عرف من حاله عليه السّلام في مواظبته لأداء الفرائض في أوّل أوقاتها.و لأنّه لا يطلق هذا اللفظ غالبا إلاّ في المستدام،و لا شكّ في كراهيته، و من المستبعد مداومة الرسول صلّى اللّه عليه و آله على المكروه،إن لم نقل بالتحريم،فهذا مدفوع حينئذ و أيضا:نحمله على ما ذكرناه تجوّزا،جمعا بين الأدلّة.و الفرق بين المقيس و الأصل في قياسهم ظاهر؛لأنّ العلّة و هي الهتك غير موجودة في الأصل.
لا يقال:قد روى الشيخ عن إسماعيل بن عيسى (2)،قال:سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان،فنام عمدا حتّى أصبح (3)،أيّ شيء عليه؟قال:«لا يضرّه هذا،و لا يفطر و لا يبالي؛فإنّ أبي عليه السّلام قال:قالت عائشة:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام» (4).
و عن حبيب الخثعميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان،ثمّ يجنب،ثمّ يؤخّر الغسل
ص:74
متعمّدا حتّى يطلع الفجر» (1).
لأنّا نقول:قد تأوّل الشيخ الحديث الأوّل بأمرين.
أحدهما:أنّه للتقيّة،و لهذا أسنده الإمام عليه السّلام إلى عائشة و لم يسنده إلى آبائه عليهم السّلام.
و ثانيهما:أنّ تعمّد النوم لا يوجب قضاء و لا كفّارة،و ليس بمحرّم،و لم يذكر في الحديث أنّه تعمّد ترك الاغتسال.
و تأوّل الثاني بالأوّل،و باحتمال تأخير الغسل لعذر من برد أو عوز ماء أو انتظاره أو غير ذلك،و هو سائغ للضرورة (2)،و كلاهما جيّد.
بمعنى (3)أنّها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال،و يبطل الصوم لو أخلّت به حتّى طلع (4)الفجر؟و الأقرب ذلك؛لأنّ حدث الحيض يمنع الصوم،فكان أقوى من الجنابة.و ابن أبي عقيل قال:إنّ الحائض و النفساء إذا طهرتا من دمهما ليلا فتركتا الغسل حتّى يطلع الفجر عامدتين،وجب عليهما القضاء خاصّة (5).
فإن لم يعلم ضيق
ص:75
الوقت،نزع و أتمّ صومه من غير تلوّم (1)و لا تحرّك حركة الجماع و وجب عليه الغسل و القضاء إن كان قد ترك المراعاة على ما يأتي،فإن نزعه بنيّة المجامعة (2)، فقد أفطر و وجب عليه ما على المجامع.
و إن كان قد راعى الفجر و لم يغلب على ظنّه قربه،فجامع ثمّ نزع مع أوّل طلوعه،لم يفسد صومه.و به قال الشافعيّ (3)،و أبو حنيفة (4).
و قال مالك (5)،و أحمد،و المزنيّ،و زفر:يبطل صومه،و أوجب أحمد الكفّارة (6).
لنا:أنّ النزع ترك للجماع،فلا يتعلّق به ما يتعلّق بالجماع،و هذا كما لو حلف لا يدخل دارا،فخرج منها،أو حلف لا يلبس الثوب،فاشتغل بنزعه.
احتجّوا:بأنّ النزع يلتذّ به،كما يلتذّ بالإيلاج،فأفسد الصوم كالإيلاج (7).
و الجواب:الالتذاذ لا اعتداد به،كما لو جامع في غير الفرجين و لم ينزل،فإنّ اللذّة تحصل و لا يفسد الصوم.
لأنّه؛
ص:76
أوصل طعاما إلى جوفه باختياره مع ذكر الصوم،ففسد صومه.
صومه،
و لو نام غير ناو للغسل،فسد صومه و عليه قضاؤه.ذهب إليه علماؤنا، خلافا للجمهور.
لنا:أنّا قد بيّنّا (1)أنّ الطهارة في ابتدائه شرط لصحّته،و بنومه قد فرّط في تحصيل الشرط،فيفسد صومه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران قال:سألته عن رجل أصابته جنابة[في] (2)جوف الليل في رمضان،فنام و قد علم بها،و لم يستيقظ حتّى يدركه الفجر،فقال:«عليه أن يتمّ صومه و يقضي يوما آخر» (3).
و في الصحيح عن أحمد بن محمّد،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان،أو أصابته جنابة،ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّدا،قال:«يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه» (4).
و في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل يجنب في رمضان،ثمّ يستيقظ،ثمّ ينام حتّى يصبح،قال:«يتمّ يومه و يقضي يوما آخر،فإن لم يستيقظ حتّى يصبح،أتمّ يومه و جاز له» (5).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال سألته عن
ص:77
الرجل تصيبه الجنابة في رمضان،ثمّ ينام قبل أن يغتسل،قال:«يتمّ صومه و يقضي ذلك اليوم،إلاّ أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر،فإن انتظر ماء يسخن له،أو يستقى، فطلع الفجر،فلا يقضي يومه» (1).و حجّة الجمهور ظاهرة،و قد سلف جوابها (2).
فحكمه مع طلوع الفجر حكم تارك الغسل عمدا.
فمفهوم ما تقدّم من الأحاديث يدلّ على الإفساد و وجوب القضاء لكن قد روى الشيخ-رحمه اللّه في الصحيح-عن معاوية بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل يجنب في أوّل الليل،ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان،قال:«ليس عليه شيء» قلت:فإنّه استيقظ،ثمّ نام حتّى أصبح؟قال:«فليقض ذلك اليوم عقوبة» (3).و هو الصحيح عندي،و عمل الأصحاب عليه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عيص بن القاسم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل،و أخّر الغسل حتّى طلع الفجر،قال:«يتمّ صومه و لا قضاء عليه» (4).
ص:78
فيه تردّد ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم،و لا قياس يدلّ عليه،و من تعميم الأصحاب و إدراجه في المفطرات مطلقا.
و لم يفسد صومه،
و يجوز له تأخيره،و لا نعلم فيه خلافا.
و عليه أكثر علمائنا (2)،و به قال عامّة أهل العلم.
و قال السيّد المرتضى:لا يفسد (3).و اختاره ابن إدريس (4)،و به قال عبد اللّه بن عبّاس،و عبد اللّه بن مسعود (5).
لنا:اتّفاق (6)العلماء على ذلك،و مخالفة من شذّ لا يعتدّ به.
و ما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من ذرعه القيء و هو صائم فليس عليه قضاء،و من استقاء فليقض» (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن سماعة قال:سألته عن القيء في
ص:79
رمضان،فقال:«إن كان شيء يبدره (1)،فلا بأس،و إن كان شيء يكره نفسه عليه، أفطر و عليه القضاء» (2).
و عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر،و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» (3).
و لأنّه تعمّد سلوك الطعام في حلقه،فأفسد صومه،كالأكل.و لأنّه لا ينفكّ غالبا عن ابتلاع شيء منه،فكان مفسدا.
احتجّ ابن إدريس:بأنّ الأصل براءة الذمّة،و لا دليل على شغلها (4).
و احتجّ ابن مسعود و ابن عبّاس (5):بما رواه زيد بن أسلم عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا يفطر من قاء أو احتجم أو احتلم» (6).
و لأنّ الفطر بما يصل لا بما يخرج.
و الجواب عن الأوّل:أنّ الدليل قد بيّنّاه،و الأصل خرج عن دلالته به.
و عن الثاني:أنّا نقول بموجبه و نحمله على من قاء من غير قصد،كمن ذرعه القيء؛لأنّه عليه السّلام فصّل ذلك و بيّنه،فكان مخصّصا بحديثهم،فيقدّم في العمل.
و عن الثالث:بالنقض بخروج المنيّ و الحيض.
ص:80
لو ذرعه القيء،لم يفطر.و عليه علماؤنا أجمع،و هو قول العلماء كافّة.
و حكي عن الحسن البصريّ في إحدى الروايتين عنه أنّه قال:يفطر (1)و هو خطأ؛للخبر الذي رويناه.و لأنّه حصل بغير اختيار،فهو بمنزلة غبار الطريق إذا وصل إلى حلقه.
أمّا القلس-بفتح القاف و اللام-فلا يفسد الصوم،و هو ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه و ليس بقيء،فإن عاد فهو القيء.كذا قاله في الصحاح (2).
و قال اليزيديّ (3):القلس:خروج الطعام أو الشراب إلى الفم من البطن أعاده صاحبه أو ألقاه (4).
أمّا لو ابتلع شيئا منه بعد خروجه من حلقه إلى فمه أو خارج،فإن تعمّد،أفطر، سواء كان عامدا أو غير عامد،و إن لم يتعمّد،لم يفطر إذا كان القيء عن غير عمد.
الشافعيّ (1)،و أبو حنيفة (2)،و أحمد (3).
و قال الشيخ في النهاية:لا يفسد الصوم و إن فعل محرّما (4).و هو اختيار السيّد المرتضى (5)،و ابن إدريس (6)،و به قال الحسن بن صالح بن حيّ و داود (7)، و ابن أبي عقيل منّا (8).
و قال مالك:يفطر بالكثير منها لا بالقليل (9).و الأقوى عندي مذهب السيّد المرتضى.
لنا:أنّ الأصل الصحّة،فلا يعدل عنه إلاّ بدليل.و لأنّه عبادة شرعيّة انعقد شرعا،فلا يفسد إلاّ بموجب شرعيّ.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عليّ بن الحسن،عن أبيه قال:كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام:ما تقول في التلطّف يستدخله الإنسان و هو صائم؟فكتب:
«لا بأس بالجامد» (10).
ص:82
و روى-في الحسن-عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى (1)عليه السّلام، قال:سألته عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء و هما صائمان؟ قال:«لا بأس» (2)و هو عامّ في الجامد و غيره.
و لأنّ الحقنة لا تصل إلى المعدة،و لا إلى موضع الاغتذاء فلا تؤثّر فسادا، كالاكتحال.
و لأنّها لا تجري في مجرى (3)الاغتذاء،فلا تفسد الصوم،كالاكتحال.
احتجّوا (4):بما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام،أنّه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان،فقال:«الصائم لا يجوز له أن يحتقن» (5).
و لأنّه أوصل إلى جوفه ما يصلح بدنه،و هو ذاكر للصوم،فكان كالأكل.
و الجواب عن الأوّل:أنّا نقول بموجبه؛إذ الاحتقان عندنا حرام بالمائع،أمّا أنّه مفسد،فلا،و لا دلالة للحديث عليه.و أمّا القياس فباطل بما قدّمناه (6)،و للفرق؛ لوجود الهتك في الأصل دون الفرع.
و أفسد به الصوم الجمهور على ما تقدّم؛فإنّهم لم يفرّقوا بين المائع و الجامد (1)، و كذا أبو الصلاح (2)،و ابن البرّاج (3).
و به قال الشافعيّ (5)،و أبو حنيفة (6)،و أحمد (7).
و قال مالك:لا يفطر (8).و به قال أبو يوسف،و محمّد (9)،و هو الحقّ عندي.
لنا:أنّ الحقنة لا تفسد الصوم،فكذا هنا.و لأنّه ليس بمنفذ في الخلقة (10)، و إنّما حدث بجنابة،فالواصل منه لا يفطره.
احتجّوا:بأنّه أوصل إلى جوفه المفطر مع ذكره،فكان مفسدا (11)،كالحقنة.
و الجواب:المنع من الأصل و قد تقدّم.
ص:84
قال الشيخ:
يفسد صومه (1).و به قال الشافعيّ (2).
و الأقوى أنّه لا يفسد الصوم-و به قال أبو يوسف،و محمّد (3)-لما سلف.
و قال أبو الصلاح:يفطر (4)،و به قال الشافعيّ (5)،و أبو حنيفة (6)،و مالك (7)، و أحمد (8)إذا وصل إلى الدماغ.
لنا:الأصل الحلّ و عدم الإفساد به،فالخروج عنه يحتاج (9)إلى دليل شرعيّ.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن حمّاد بن عثمان قال:سأل ابن أبي يعفور أبا عبد اللّه عليه السّلام-و أنا أسمع-عن الصائم يصبّ الدواء في أذنه؟قال:«نعم» (10).
ص:85
و عن ليث المراديّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم،يحتجم و يصبّ في أذنه الدهن؟قال:«لا بأس،إلاّ بالسعوط فإنّه يكره» (1).
احتجّوا:بأنّ الدماغ جوف،فالواصل إليه يغذّيه (2)،فيفطر به،كجوف البدن (3).
و الجواب:المنع من ذلك،كالاكتحال.
سواء وصل إلى المثانة أو لم يصل.و به قال أبو حنيفة (4)،و أحمد (5).
و قال الشافعيّ:يفطر (6)،و به قال أبو يوسف،و اضطرب قول محمّد فيه (7).
لنا:أنّ المثانة ليست محلاّ للاغتذاء،فلا يفطر بما يصل إليها،كالمستنشق غير البالغ.و لأنّه ليس بين باطن الذكر و الجوف منفذ،و إنّما يخرج البول رشحا،فالذي يجعل فيه لا يصل إلى الجوف،فلا يفطره،كما لو ترك في فمه شيئا و لم يبلعه (8).
احتجّوا:بأنّ لها منفذا إلى الجوف.و لأنّها كالدماغ في أنّها من باطن البدن (9).
ص:86
و الجواب:قد بيّنّا أنّه ليس بين المثانة و الجوف منفذ.
و أمّا وجوب الاحتراز عن جميع المحرّمات فظاهر،و يتأكّد ذلك في الصوم.
روى جرّاح المدائنيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إنّ الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده»ثمّ قال:«قالت مريم: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً (1)[أي] (2)صمتا،فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم و غضّوا أبصاركم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا»قال (3):«و سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امرأة تسابّ جارية لها و هي صائمة،فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بطعام،فقال لها:كلي،فقالت:
إنّي صائمة،فقال:كيف تكونين صائمة و قد سبّيت جاريتك؛إنّ الصوم ليس من الطعام و الشراب» (4).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا صمت فليصم سمعك و بصرك،و شعرك و جلدك»و عدّد أشياء غير هذا،قال:«و لا يكون يوم صومك كيوم فطرك» (5).
الشافعيّ (1)،و أبو حنيفة (2)،و أحمد (3).
و قال الشيخ في المبسوط:إنّه مكروه لا يفسد الصوم،سواء بلغ إلى الدماغ أو لم يبلغ،إلاّ ما نزل إلى الحلق،فإنّه يفطر و يوجب القضاء (4).و به قال مالك (5)، و الأوزاعيّ،و داود (6)،و هو الصحيح عندي.
لنا:أنّ الصوم عبادة شرعيّة،و قد انعقد شرعا،فلا يفسد إلاّ بدليل شرعيّ، و لأنّه لم يصل إلى الحلق فأشبه إذا لم يصل إلى الدماغ.
احتجّوا:بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للقيط بن صبرة (7):«و بالغ في الاستنشاق،إلاّ أن تكون صائما» (8).
و لأنّ الدماغ جوف،فالواصل إليه يغذّيه،فأفطر به،كجوف البدن (9).
ص:88
و الجواب عن الأوّل:أنّ المنع إنّما كان للخوف من النزول إلى الحلق؛إذ يعرض ذلك في الاستنشاق البالغ غالبا.
و عن الثاني:أنّ التغذية لا تحصل من ذلك.و اشتراك الدماغ و المعدة في اسم الجوف لا يقتضي اشتراكهما في الحكم؛لأنّ الحكم ثبت (1)في المعدة؛لأنّها محلّ الاغتذاء.أمّا ما يصل إلى الدماغ فلا يسمّى أكلا.
و أمّا الكراهية؛فلما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم،عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام قال:«لا بأس بالكحل للصائم و كره السعوط للصائم» (2).
قال الشيخ:و أمّا السعوط فليس في شيء من الأخبار أنّه يوجب الكفّارة، و إنّما وردت مورد الكراهية (3).
الرأي (1).
لنا:الأصل عدم التحريم،فلا يصار إلى خلافه إلاّ بدليل شرعيّ،و لم يثبت.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الصائم يمضغ العلك؟فقال:«نعم،إن شاء» (2).
فإن احتجّ الشيخ بأنّه لا بدّ من تحلّل أجزاء منه تشيع (3)في الفم،و يتعدّى مع الريق إلى المعدة،منعنا ذلك.نعم،لو تحقّق ذلك أفسد صومه،أمّا مع عدم التحقّق فلا.
قال الشيخ في التهذيب عقيب خبر أبي بصير:هذا الخبر غير معمول عليه (4).
فإن أراد الشيخ أنّه مكروه،و قول الإمام عليه السّلام:«لا بأس»ينافيه،فهو ممكن،إلاّ أنّ لفظة:«لا بأس»،قد تستعمل كثيرا في المكروه،و إن عنى أنّه محرّم،فهو ممنوع.و قد تردّد في المبسوط و جعل الأحوط فيه التحريم (5).
عملا بالإطلاق.
و الضعيف الذي يتحلّل أجزاؤه إذا تحفّظ من ابتلاعها؛عملا بالإطلاق.
ص:90
ينشأ من استحالة انتقال الأعراض فلا بدّ من تحلّل أجزاء يستصحبها الطعم،و من عدم نزول شيء من العلك،و مجرّد (1)الطعم لا يفطر،فقد قيل:من لطخ باطن قدمه بالحنظل وجد طعمه،و لا يفطره إجماعا.
و مضغ الطعام للصبيّ،و زقّ (2)الطائر؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لمن قبّل امرأته:«أ رأيت لو تمضمضت بماء ثمّ مججته» (3)(4)شبّه القبلة بالمضمضة،و هو يدلّ على عدم الإفطار بما يحصل في الفم.
و روى الشيخ في الصحيح عن حمّاد بن عثمان،قال:سأل ابن أبي يعفور أبا عبد اللّه عليه السّلام-و أنا أسمع-عن الصائم يصبّ الدواء في أذنه؟قال:«نعم، و يذوق المرق و يزقّ الفرخ» (5).
و في الموثّق عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا بأس أن يذوق الرجل الصائم القدر» (6).
و في الصحيح عن الحلبيّ أنّه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر إليه؟فقال:«لا بأس»و سئل عن المرأة يكون لها الصبيّ و هي صائمة فتمضغ
ص:91
له الخبز فتطعمه (1)؟فقال:«لا بأس به و الطير إن كان لها» (2).
و لا يعارض ذلك ما رواه الشيخ عن سعيد الأعرج قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يذوق الشيء و لا يبلعه؟فقال:«لا» (3).قال الشيخ:لأنّه محمول على من لا حاجة به إلى ذلك؛لانّ الرخصة قد (4)وردت في ذلك عند الضرورة الداعية إليه،من فساد طعام،أو هلاك صبيّ،أو طائر،فأمّا مع فقد ذلك أجمع،فلا يجوز على حال (5).
عليه،
و إلاّ وجب القضاء.
و لو تمضمض فابتلع الماء سهوا،فإن كان للتبرّد،فعليه القضاء،و إن كان للصلاة،فلا شيء عليه.و كذا لو ابتلع ما لا يقصده،كالذباب و قطر المطر،و لو فعله عمدا أفطر،و سيأتي البحث في ذلك كلّه.
روى الشيخ عن مسعدة بن صدقة،عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام:
«إنّ عليّا عليه السّلام سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم،قال:ليس عليه قضاء إنّه ليس بطعام» (7).
ذهب إليه علماؤنا أجمع-إلاّ ابن أبي عقيل،
ص:92
فإنّه كرهه بالرطب (1)-سواء كان رطبا أو يابسا،أوّل النهار أو آخره.و به قال مالك (2)،و أبو حنيفة (3).
و قال أحمد:يكره بالرطب و يكره أيضا باليابس بعد الزوال (4).و به قال ابن عمر،و عطاء،و مجاهد،و الأوزاعيّ (5)،و الشافعيّ (6)،و إسحاق (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي إسحاق الخوارزميّ (8)قال:سألت عاصم الأحول (9)أ يستاك الصائم؟قال:نعم،قلت:برطب السواك و يابسه؟قال:نعم، قلت:أوّل النهار و آخره؟قال:نعم،قال:عمّن؟قال:عن أنس،عن النبيّ صلّى اللّه
ص:93
عليه و آله (1).
و عن عامر بن ربيعة،[عن أبيه] (2)قال:رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما لا أحصي يتسوّك و هو صائم (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟فقال:
«لا بأس به» (4).
و لأنّه طهر فأشبه المضمضة.
احتجّ الشافعيّ (5):بما روى خبّاب بن الأرتّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا صمتم فاستاكوا بالغداة،و لا تستاكوا بالعشيّ،فإنّه ليس من صائم تيبس شفتاه إلاّ كانتا نورا بين عينيه يوم القيامة» (6).
و عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:«إذا صمتم فاستاكوا بالغداة،و لا تستاكوا بالعشيّ (7)».
و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لخلوف فم الصائم أطيب عند اللّه من ريح
ص:94
المسك الأذفر» (1).فهو أثر مرغوب فيه،فأشبه إزالة دم الشهادة بالغسل.
و الجواب عن الأوّل:أنّه محمول على التسوّك لاستجلاب الريق،و يؤيّده تمام الحديث.
و عن الثاني:أنّه يزيد الخلوف و لا يزيله.
لا يقال:قد روى الشيخ في الموثّق عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يستاك الصائم أيّ النهار شاء و لا يستاك بعود رطب» (2).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا يستاك الصائم بعود رطب» (3).
قال الشيخ:هذان الخبران محمولان على الكراهية،لا التحريم (4)؛لما رواه في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب و قال:«لا يضرّ أن يبلّ سواكه بالماء ثمّ ينفضه حتّى لا يبقى فيه شيء» (5).
ص:95
و في الحسن عن موسى بن أبي الحسن الرازيّ (1)،عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام،قال:سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان،فقال:«جائز» فقال بعضهم:إنّ السواك تدخل رطوبته في الجوف،فقال:ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق؟فقال:«الماء للمضمضة أرطب من السواك» (2).
فإن قال قائل:لا بدّ من الماء للمضمضة من أجل السنّة،فلا بدّ من السواك من أجل السنّة التي جاء بها جبرئيل عليه السّلام إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (3).
و هذا يدلّ على أنّ الشيخ يرى كراهية التسوّك (4)بالرطب،كما ذهب إليه أحمد،و هو مذهب قتادة،و الشعبيّ،و الحكم (5)؛لأنّ الرطب ينتثر (6)في الفم و يستجلب الريق،فكره،كالعلك،و هو ممنوع؛لأنّ اليابس ينتثر (7)و الرطب للينه لا ينتثر (8)و لا يستجلب الريق؛لأنّه لا يجاوز به الأسنان.
و مع ذلك فهو معارض بما (9)رواه نافع عن ابن عمر أنّه قال:لا بأس بالسواك الأخضر للصائم (10).
ص:96
و يحمل ما رواه الشيخ من الحديثين على التسوّك،لا للطاعة،بل لاستجلاب الريق.
لو كان السواك يابسا،جاز أن يبلّه بالماء و يتسوّك به و يتحفّظ من ابتلاع رطوبته.ذهب إليه علماؤنا،و يؤيّده:ما تقدّم من العمومات.
و كذا يجوز أن يتسوّك بالماء؛لما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم أ يستاك بالماء؟قال:«لا بأس» (1)
فأمّا لو (2)وقع نسيانا،فلا عندنا،و فيه بحث يأتي،و خلاف بين العلماء نذكره.
و كذلك ما يحصل عن غير قصد،كالغبار الذي يدخل حلقه (3)من الطريق، و الذبابة،أو يرشّ عليه الماء فيدخل مسامعه و حلقه،أو يلقى في ماء فيصل إلى جوفه،أو يسبق إلى حلقه من ماء المضمضة،أو يصبّ (4)في أنفه أو حلقه شيء كرها،فهذا كلّه لا يفسد الصيام بلا خلاف نعلمه بين العلماء كافّة.
أمّا لو أكره على الإفطار،بأن و جر (5)في حلقه الماء كرها،لم يفطر.
و لو توعّده و خوّفه حتّى أكل،فكذلك عندنا.و قال الشيخ:إنّه يفطر (6)،
ص:97
و للشافعيّ قولان (1).
و قال أبو حنيفة (2)،و مالك:يفطر مع الإكراه في الصورة الأولى،و الثانية أيضا (3).
لنا:قوله عليه السّلام:«رفع عن أمّتي:الخطأ،و النسيان،و ما استكرهوا عليه» (4).
و لأنّه غير متمكّن من الفعل في الصورتين،فلا يصحّ تكليفه عقلا.
و لأنّ هنا معنى حرمة الصوم،فإذا حصل بغير اختياره لم يفطره،كما لو طارت ذبابة إلى حلقه،أو ذرعه القيء.
احتجّوا:بأنّ الطعام وصل (5)إلى جوفه مع ذكره للصوم،فأفطر،كما لو كان مريضا فأكل.و كذا الحائض تفطر و إن خرج الدم كرها (6).
و الجواب:أنّه يبطل بغبار الطريق،و عند أبي حنيفة:لو بلع ما بين أسنانه، لم يفطر (7)،فينتقض قياسه به.
ص:98
و أمّا الحيض،فليس خروج الدم مطلقا هو المفطر؛لأنّ المستحاضة يخرج دمها،و لا تفطر (1)،فإذا لم يعقل معناه لم يصحّ القياس عليه.
و المريض مخصوص،فلا يحمل عليه غيره.
و سيأتي.
لأنّ له طريقا إلى العلم،فالتفريط ثابت من جهته،فلا يسقط الحكم عنه.
و يمكن أن يقال بعدم الفساد؛لأنّ الجاهل بالتحريم،كالناسي.و لما رواه زرارة و أبو بصير قالا:سألنا أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، و أتى أهله و هو محرم،و هو لا يرى إلاّ أنّ ذلك حلال له،قال:«ليس عليه شيء» (2).
و الوجه:الأوّل،و يحمل الحديث على عدم وجوب الكفّارة و إن وجب القضاء.
قال الشيخ:يفطر،و عليه القضاء و الكفّارة.قال:و ذهب بعض أصحابنا إلى أنّه يقضي و لا يكفّر (3).
و الوجه عندي ما اختاره الشيخ؛لأنّ الجاهل غير معذور مع إمكان التعلّم.
هذا إذا عاد و نوى الصوم،أمّا لو لم ينو بعد ذلك الصوم،فالوجه وجوب القضاء.و به قال أصحاب الرأي (1)،و الشافعيّ في أحد الوجهين.
و في الثاني:أنّه يفطر مطلقا (2).و به قال أحمد (3)،و أبو ثور (4).
أمّا وجوب القضاء؛فلأنّه لم يصم،فلا يعتدّ بإمساكه.
و أمّا عدم وجوب الكفّارة،فبالأصل السالم عن معارضة الهتك.
و إن عاد فنوى الصوم،صحّ،كما لو أصبح غير ناو للصوم.و به قال من منع في الفرض (5)؛لأنّ شرط النيّة المشترطة في الصوم استدامتها حكما في جميع زمان الصوم المفروض، لا النافلة.
لأنّه لو نوى الإفطار في الحال،لم يفطر،فالأولى في المستقبل عدمه.
لم يفطر؛لأنّه بنيّة الفطر جزما لا يفطر،فالأولى أنّه لا يفطر مع تردّده،و قد نازع في هذين الفرعين بعض المشترطين؛لاستمرار حكم النيّة (6).
ص:100
ثمّ جدّد نيّة الصوم قبل الزوال،لم ينعقد (1).و فيه تردّد.
ص:101
فيما يوجب القضاء و الكفّارة،أو القضاء خاصّة
و الكفّارة.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال جميع الفقهاء.
و قال النخعيّ،و الشعبيّ،و سعيد بن جبير،و قتادة:لا كفّارة عليه (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنّ رجلا أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال:هلكت،فقال:«و ما أهلكك؟»قال:وقعت على امرأتي في رمضان،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«هل تجد رقبة تعتقها؟».قال:لا،قال:«فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟»قال:لا،قال:«فهل تستطيع إطعام ستّين مسكينا؟» قال:لا أجد؛فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«اجلس»فجلس،فبينا هو جالس كذلك أتي بعرق فيه تمر-قيل:العرق:-المكتل (2)-فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«اذهب فتصدّق به»فقال:يا رسول اللّه،و الذي بعثك بالحقّ،ما بين لابتيها (3)
ص:102
أهل بيت أحوج منّا،فضحك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى بدت أنيابه،ثمّ قال:
«اذهب فأطعمه عيالك» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا،يوما واحدا من غير عذر،قال:«يعتق نسمة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» (2).و قد بيّنّا أنّ الجماع مفطر (3).
و ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا،فقال:«إنّ رجلا أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:هلكت يا رسول اللّه،فقال:ما لك؟قال:النار يا رسول اللّه قال:و مالك؟قال:وقعت على أهلي،قال:تصدّق و استغفر ربّك،فقال الرجل:فوالذي عظّم حقّك ما تركت في البيت شيئا قليلا و لا كثيرا،قال فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر،فيه عشرون صاعا،يكون عشرة أصوع بصاعنا، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:خذ هذا التمر فتصدّق به،فقال:يا رسول اللّه على من أتصدّق و قد أخبرتك أنّه ليس في بيتي قليل و لا كثير؟قال:فخذه فأطعمه (4)عيالك،و استغفر اللّه عزّ و جلّ»قال:فلمّا رجعنا قال أصحابنا:إنه بدأ
ص:103
بالعتق قال (1):«أعتق أو صم أو تصدّق» (2).
و لأنّه إجماع،و خلاف أولئك غير معتدّ به.
احتجّوا:بأنّها عبادة لا تتعلّق الكفّارة بقضائها فلا تتعلّق بأدائها،كالصلاة (3)و الجواب:المنع من المساواة؛لوقوع الفرق من حيث إنّ الأداء متعلّق بزمان مخصوص يتعيّن به،بخلاف القضاء الذي محلّه العمر،و الصلاة لا تدخل في جبرانها المال،بخلاف الصيام.
لا يقال:قد روى الشيخ عن عمّار بن موسى الساباطيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل و هو صائم فيجامع أهله،فقال:«يغتسل و لا شيء عليه» (4).
لأنّا نقول:يحتمل أن يكون الجماع وقع ليلا،و يحتمل أن يكون سهوا.قال الشيخ:و يحتمل أن يكون جاهلا بالتحريم (5)؛لما رواه عن زرارة و أبي بصير قالا جميعا:سألنا أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان،و أتى أهله و هو محرم،و هو لا يرى،إلاّ أنّ ذلك حلال له،قال:«ليس عليه شيء» (6).
و الوجه عندي التأويلان الأوّلان.
و بالجملة فالروايتان ضعيفتا السند،مخالفتان للأصول التي مهّدناها،
ص:104
و للروايات الشهيرة،فلا تعارض بهما (1).
لم يملّكه التمر،
بل تطوّع عليه السّلام عنه بالتكفير،فلمّا أخبره بحاجته صرفه إليه و يحتمل أنّه ملّكه التمر ليتصدّق به عن نفسه،فلمّا أخبره بفقره،قدّم حاجته على الكفّارة،فيحتمل أن يكون أمره بذلك و الكفّارة باقية في ذمّته،و يحتمل أن يكون سقطت عنه لعجزه،و يحتمل أن يكون صرف الكفّارة إليه و إلى عياله لمّا كان هو المتطوّع بها،أو تكون مصروفة إلى عياله.
إلاّ الأوزاعيّ، فإنّه حكي عنه أنّه إن كفّر بالعتق أو الإطعام،قضى،و إن كفّر بالصيام،لم يقض؛ لأنّه صام شهرين (3).
و هو خطأ؛لأنّ الصوم نوع من أنواع الكفّارة،فوجب معه القضاء،كالعتق، و الصوم في الكفّارة عوض عن العتق؛لقيامه مقامه،فلا يقع عن رمضان.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سليمان بن جعفر المروزيّ،عن الفقيه عليه السّلام قال:«إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل[و لا يغتسل حتّى يصبح] (4)،فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم،و لا يدرك فضل يومه» (5).
ص:105
و للشافعيّ قول:إنّه إذا وجبت الكفّارة سقط القضاء؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لم يأمر الأعرابيّ بالقضاء (1).
و هو باطل؛لما تقدّم.و لما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للأعرابيّ:«و صم يوما مكانه» (2).
و الصغيرة و المزنيّ بها؛
عملا بالإطلاق.
متعمّدا،
فقال:«عليه عتق رقبة و إطعام (3)ستّين مسكينا،و صيام شهرين متتابعين، و قضاء ذلك اليوم،و أين (4)له مثل ذلك اليوم» (5).
قال الشيخ:يحتمل أن يكون المراد بالواو التخيير،لا الجمع،كما في قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ (6)و يحتمل أن يكون مخصوصا بمن أتى أهله في حال يحرم الوطء فيها،مثل أن يطأ في الحيض،أو في حال الظهار قبل الكفّارة؛لأنّه قد وطئ محرّما في شهر رمضان (7).
ص:106
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عبد السلام بن صالح الهرويّ،قال:قلت للرضا عليه السّلام:يا ابن رسول اللّه،قد روي عن آبائك عليهم السّلام فيمن جامع في شهر رمضان،أو أفطر فيه:ثلاث كفّارات،و روي عنهم أيضا:كفّارة واحدة،فبأيّ الحديثين نأخذ؟قال:«بهما جميعا،متى جامع الرجل حراما،أو أفطر على حرام في شهر رمضان،فعليه ثلاث كفارات:عتق رقبة،و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستّين مسكينا،و قضاء ذلك اليوم،و إن كان نكح حلالا،أو أفطر عليه،فعليه كفّارة واحدة» (1).
و بمضمون هذه الرواية أفتى أبو جعفر بن بابويه رحمه اللّه (2).
لأنّه نوع من المفطرات،فاستوى فيه الرجل و المرأة،كالأكل.و هل تلزمها الكفّارة؟ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال مالك (3)،و أبو حنيفة (4)،و أبو ثور،و ابن المنذر (5)،و الشافعيّ في أحد القولين،و في الآخر:لا كفّارة عليها (6).و عن أحمد روايتان (7).
لنا:أنّها شاركت الرجل في السبب و حكم الإفطار فشاركته في الحكم الآخر
ص:107
و هو الكفّارة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن المشرقيّ (1)،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:
كتب:«من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا،فعليه عتق رقبة مؤمنة،و يصوم يوما بدل يوم» (2).و هو عامّ في الرجل و المرأة.
و عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن بعض مواليه قال:«من أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح،فعليه عتق رقبة،أو إطعام ستّين مسكينا،و قضاء ذلك اليوم،و يتمّ صيامه،و لن يدركه أبدا» (3)و إذا كان حكم المقام على الجنابة عمدا يوجب الكفّارة عليها بالعموم، فالجماع نهارا أولى.
احتجّ المخالف:بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر الواطئ في رمضان أن يعتق
ص:108
رقبة،و لم يأمر في المرأة بشيء،مع علمه بوجوده منها (1).و لأنّه حقّ ماليّ يتعلّق بالوطء،فكان على الرجل،كالمهر (2).
و الجواب:أنّه عليه السّلام بيّنه في تلك الحال؛لأنّه سأله،و التخصيص عقيب السؤال لا يدلّ على نفي الحكم عن غيره.بل لو قيل:يجب بمقتضى ما ذكرتم،كان أولى؛لقوله عليه السّلام:«حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» (3).
و عن الثاني:بالفرق بينه و بين المهر،و هو ظاهر.
ذكره الشيخ-رحمه اللّه (4)-و أكثر علمائنا (5).
و قال الجمهور:تسقط الكفّارة عنها و عنه؛لأنّ صومها صحيح،فلا كفّارة عنه (6)(7).
و لنا:أنّه هتك تفرّد بفعله،و لا يحصل إلاّ من اثنين،فكان عليه عقوبتهما معا و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن المفضّل بن عمر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة،فقال:«إن كان استكرهها،فعليه
ص:109
كفّارتان،و إن كانت طاوعته،فعليه كفّارة،و عليها كفّارة،و إن كان أكرهها،فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ،و إن كانت طاوعته،ضرب خمسة و عشرين سوطا،و ضربت خمسة و عشرين سوطا» (1).و في سند الرواية ضعف.و بالجملة فنحن في هذا من المتردّدين.
و التفريع عليه:إن أكرهها فهل الكفّارتان عنه؟أو كفّارة عنه و كفّارة عنها يتحمّلها بسبب الإكراه؟فيه تردّد،أقربه أنّهما معا عنه.
فإن قلنا:إنّهما عنهما (3)،فإن اتّفق حالهما و كانا من أهل العتق،أعتق رقبتين، و إن كانا من أهل الصيام،صام أربعة أشهر،و إن كانا من أهل الإطعام،أطعم مائة و عشرين مسكينا.
و إن اختلف حالهما،فإن كان هو أعلى،أعتق عن نفسه،و هل يجوز له أن يصوم عنها؟فيه تردّد،أقربه أنّه لا يجوز؛لأنّ الكفّارة و إن كانت عنها،إلاّ أنّه بالإكراه تحمّلها،فكان الاعتبار بقدرته.
و إن كان هو من أهل الصيام،و الزوجة من أهل الإطعام،صام عن نفسه و عنها.و كذا إن كانت هي أعلى حالا منه،وجب عليه ما يقدر عليه هو،و لا اعتبار بحالها.
و إنّما ذكرنا هذه الفروع؛لمنازعة الشافعيّة (4)في بعضها (5).
ص:110
و إن أكرهها،سقطت الكفّارة عنهما.أمّا عنه؛فلعدم التكليف بالجنون،و أمّا عنها؛ فلعدمه بالإكراه.
و إن أكرهها،فعليه كفّارة،و هل يجب عليه أخرى؟قال الشيخ:لا يجب؛لأنّ حمله على الزوجة قياس لا نقول به (1).و هو جيّد؛عملا بأصل براءة الذمّة.
و يجب عليها كفّارة عن نفسها،و لا كفّارة عليه و لا عليها عنه.
و هل يجب عليه كفّارة عن نفسه؟فيه تردّد ينشأ من إمكان تحقّق الإكراه في الجماع،و عدمه، نظرا إلى استناد الميل القلبيّ إلى الاختيار خاصّة.
و إن لم ينزل،فيه قولان:
أحدهما:أنّه كذلك.و به قال الشافعيّ (2)،و أحمد (3)،و أبو حنيفة في رواية.
و في أخرى-و هي الشهيرة-لا كفّارة بالوطء في الدبر (4)،و وافقنا على وجوب القضاء.
لنا:أنّه أفسد صوم رمضان بجماع في الفرج،فأوجب الكفّارة،كالوطء.و لأنّه وطء في محلّ مشتهى طبعا،فكان كالقبل.و لأنّه وجب أحد المعلولين،فيثبت
ص:111
الآخر.و لأنّه وطء مقصود (1)في فرج،فيجب به الغسل و الكفّارة.و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر من قال:واقعت أهلي،بالقضاء و الكفّارة (2)،و لم يستفصله مع الاحتمال،فيكون عامّا في مطلق الوطء.
و احتجّ أبو حنيفة:بأنّه وطء لا يتعلّق به حدّ،فلا يتعلّق به كفّارة (3).
و الجواب:المنع من عدم الحدّ،سلّمنا لكن لا ملازمة،كما في الأكل.
لا يقال:قد روى الشيخ عن أحمد بن محمّد،عن بعض الكوفيّين يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:في الرجل يأتي المرأة في دبرها و هي صائمة،قال:
«لا ينقض صومها،و ليس عليه غسل» (4).
و عن عليّ بن الحكم،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أتى الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة،لم ينقض صومها،و ليس عليها غسل» (5).
لأنّا نقول:إنّهما خبران مرسلان لا اعتداد بهما.
و قال أبو حنيفة:يلزمه القضاء لا غير (1).
لنا:أنّه وطئ عمدا وطئا يصير به جنبا،فتجب به الكفّارة.و لأنّه جماع في فرج محرّم شرعا مشتهى طبعا،فأوجب الكفّارة.و لأنّ إحدى العقوبتين ثابتة، فيثبت الأخرى.
و ادّعى الشيخ أبو جعفر-رحمه اللّه تعالى-الإجماع على ذلك (2).
و ادّعى السيّد المرتضى إجماع الإماميّة على وجوب الغسل على الفاعل و المفعول،فيجب القول بفساد الصوم،و يلزم من إفطاره متعمّدا الكفّارة (3).
و إن لم ينزل، قال الشيخ لا نصّ فيه،و يجب القول بالقضاء؛لأنّه مجمع عليه دون الكفّارة (4).
و منع ابن إدريس من إيجاب القضاء أيضا (5)،و هو قويّ.
لأنّه إذا وجب بوطء الزوجة،فبوطء الأجنبيّة أولى.
لأنّه هتك مشترك بين فعليهما،فاشتركا في العقوبة.
القضاء و الكفّارة،
و كذا لو وطئ فيما دون الفرجين فأنزل.و به قال مالك (6)،
ص:113
و أبو ثور (1).
و قال أحمد:يجب في الوطء فيما دون الفرج،و عنه في القبلة و اللمس روايتان (2).
و قال الشافعيّ (3)،و أبو حنيفة:عليه القضاء دون الكفّارة (4).
لنا:أنّه أجنب مختارا متعمّدا،فكان كالمجامع.
و لأنّه أنزل عمدا و أفطر به،فلزمته الكفّارة؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أمر المفطر بالكفّارة (5).
و لأنّه وجبت إحدى العقوبتين،فتجب الأخرى.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني،قال:
«عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» (6).
و عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وضع يده على شيء من جسد امرأته،فأدفق،قال:«كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا،أو يعتق رقبة» (7).
ص:114
و عن حفص بن سوقة،عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في[قضاء شهر] (1)رمضان،فيسبقه الماء،فينزل، فقال:«عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع[في رمضان] (2)» (3).
و به قال الشافعيّ (4)،و أبو حنيفة (5).
و قال الشيخ-رحمه اللّه-إن نظر إلى محلّلة،لم يلزمه شيء بالإمناء،و إن نظر إلى محرّمة،لزمه القضاء (6).
و قال مالك:إن أنزل من النظرة الأولى،أفطر و لا كفّارة عليه،و إن استدام النظر حتّى أنزل،وجبت عليه الكفّارة (7).
احتجّ الشافعيّ:بأنّه إنزال (8)من غير مباشرة،فلم يفطر به،كالاحتلام.و لأنّه إنزال من غير مباشرة،فأشبه إذا فكّر فأنزل (9).
ص:115
احتجّ مالك:بأنّه أنزل متلذّذا،كاللامس (1).
و الأقرب عندي أنّه إن أنزل من النظرة الأولى،لم يفطر و لم يفسد صومه، سواء كان نظرا (2)إلى محرّم أو محلّل؛لأنّ النظرة الأولى لا يمكن الاحتراز منها، فلا يحصل ما أفضت (3)إليه النظرة،كالذباب و غبار الطريق إذا دخل إلى حلقه.
و لأنّ الأصل الصحّة،فلا يعدل عنه إلاّ بدليل.
و إن أنزل من نظر متكرّر يعلم معه الإنزال،كان حكمه حكم المقبّل و اللامس.
و به قال الشافعيّ (5).
و قال أحمد:يفطر (6).
لنا:أنّه خارج لا يوجب الغسل،فإذا انضمّ إلى المباشرة،لم يفسد الصوم، كالبول.
احتجّ:بأنّه خارج تخلّلته (7)الشهوة،فإذا انضمّ إلى المباشرة،أفطر به، كالمنيّ (8).
و الجواب:الفرق بأنّ المنيّ يلتذّ بخروجه و يوجب الغسل،بخلافه.و في رواية
ص:116
رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه يقضي (1)،و حمله الشيخ على الاستحباب (2)،و هو حسن.
و إن أنزلتا،فسد صومهما.
و هل يجب عليهما القضاء و الكفّارة؟الوجه لزومهما؛لأنّ الجماع من المرأة موجب للكفّارة عليها على ما مضى (3).و عن أحمد روايتان (4).
و لو ساحق المجبوب فأنزل،فحكمه حكم المجامع فيما دون الفرج إذا أنزل.
و قد سلف أنّه يوجب القضاء و الكفّارة عندنا (5).
الكفّارة،كما لو وطئ بعد طلوع الفجر.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّ وطأه لم يصادف صوما صحيحا،فلم يوجب الكفّارة،كما لو ترك النيّة و جامع (1).
و الجواب:من حيث الفرق،و من حيث المنع.
أمّا الأوّل:فلأنّ تارك النيّة ترك (2)الصوم لترك النيّة،لا للجماع.
و أمّا الثاني:فلأنّا نمنع من عدم وجوب الكفّارة.
الحادي عشر:لو نزع في الحال مع أوّل طلوع الفجر من غير تلوّم،لم يتعلّق به حكم،إلاّ ما يأتي من أنّه إن فرّط في تحصيل الوقت،لزمه القضاء،و إلاّ فلا-و به قال أبو حنيفة (3)،و الشافعي (4)-لأنّه ترك للجماع،فلا يتعلّق به حكم الجماع،كما لو حلف لا يدخل بيتا و هو فيه،فخرج منه.
و قال بعض الجمهور:يجب الكفّارة؛لأنّ النزع جماع يلتذّ به،فيتعلّق به ما يتعلّق بالاستدامة،كالإيلاج (5).
و قال مالك:يبطل صومه و لا كفّارة عليه،لأنّه لا يقدر على أكثر ممّا فعله في ترك الجماع،فكان كالمكره (6).
ص:118
و الجواب عن الأوّل:أنّ البحث فيما لو نزع غير متلذّذ.
و عن الثاني:بالتسليم و لا يقتضي ذلك وجوب (1)القضاء.
وجب عليه القضاء و الكفّارة.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال عطاء،و الحسن البصريّ،و الزهريّ،و الثوريّ،و الأوزاعيّ،و إسحاق (2)،و أبو حنيفة (3)، و مالك (4).
و قال الشافعي:لا تجب الكفّارة،بل القضاء خاصّة (5).و به قال سعيد بن جبير، و النخعيّ،و محمّد بن سيرين،و حمّاد بن أبي سليمان،و أحمد،و داود (6).
لنا:أنّه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه،فوجبت فيه الكفّارة،كالجماع.
و لأنّ الكفّارة في باب المواقعة تعلّقت بجناية إفساد الصوم،و هذه جناية إفساد الصوم،فالشرع الوارد لم يكن واردا هنا.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر،قال:
«يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا،فإن لم يقدر،تصدّق
ص:119
بما يطيق» (1).
و عن عبد الرحمن قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا،قال:«عليه خمسة عشر صاعا،لكلّ مسكين مدّ،مثل الذي صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).
احتجّ الشافعيّ:بأنّ السنّة وردت في الجماع،و غير الجماع لا يقاس عليه، كالإفطار باستدعاء القيء،و بلع الجوزة و الحصاة.
و لأنّ الدليل ينفي (3)وجوب الكفّارة؛لأنّ التوبة كافية لرفع الذنب،إلاّ أنّا تركنا العمل في باب المواقعة،فيبقى المتنازع فيه على قضيّة الدليل (4)و الجواب عن الأوّل:أنّا قد بيّنّا من أحاديث أهل البيت عليهم السّلام وجوب الكفّارة،و القياس مع قيام شرائطه يعمل به عنده،و قد تمّ هنا؛إذ الكفّارة في باب المواقعة تعلّقت بجناية إفساد الصوم،فيثبت في موارده،بخلاف استدعاء القيء، و بلع الحصاة و الجوزة؛لأنّ الجناية في المتنازع فيه أبلغ.على أنّا نمنع عدم الكفّارة في بلع الحصاة و الجوزة،و يخرج استدعاء القيء بالنصّ فيبقى الباقي على عمومه،و بهذا يظهر الجواب عن الثاني.
و سيأتي.
و شبهها،
أو شرب ما لم تجر به العادة،تعلّق به وجوب القضاء و الكفّارة،خلافا للسيّد المرتضى-رحمه اللّه- (1)و لأبي حنيفة (2)،و الشافعيّ (3).
لنا:أنّه مناف للصوم،فيكون مفسدا.و تجب به الكفّارة؛لما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنّ رجلا أفطر في رمضان،فأمره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا (4).
و عن سعيد بن المسيّب أنّ رجلا قال:يا رسول اللّه أفطرت في شهر رمضان فقال:«أعتق رقبة» (5)و لم يستفصله،و كذا من طريق الخاصّة (6).
و أبو حنيفة (1)،و مالك (2)،و أحمد (3).
لنا:أنّه مفسد للصوم؛لمنافاته له،فكان موجبا للكفّارة،كالأكل.و لأنّا بيّنّا أنّ ازدراد ما لا يعتاد،يوجب القضاء و الكفّارة،فكذا (4)الغبار.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سليمان بن جعفر المروزيّ قال:سمعته يقول:«إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان،أو استنشق متعمّدا،أو شمّ رائحة غليظة،أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار،فعليه صوم شهرين متتابعين،فإنّ ذلك له فطر،مثل الأكل و الشرب و النكاح» (5).
و الاستدلال بهذه الرواية ضعيف؛لوجهين:
أحدهما:عدم الاتّصال (6)إلى إمام؛إذ قول الراوي:سمعته،كما يحتمل أن يكون إماما،يحتمل أن يكون غيره.
الثاني:اشتمال هذه الرواية على أحكام لا تثبت على ما يأتي.
لا يقال:قد روى الشيخ عن عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السّلام،قال:سألته عن الصائم يدخل الغبار حلقه،قال:«لا بأس» (7)و عن مسعدة بن صدقة،عن جعفر،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام أنّ عليّا
ص:122
عليه السّلام سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم،قال:«ليس عليه قضاء،إنّه ليس بطعام» (1).
لأنّا نقول:إنّهما ضعيفتا السند.و أيضا فإنّا نقول بموجبهما؛إذ المفطر عندنا إدخال الغبار و الذباب عمدا إلى الفم،لا دخولهما مطلقا؛إذ قد يدخلان من غير اختيار،فلا يفطران.
لا يقال:إنّ تعليل أمير المؤمنين عليه السّلام ب«أنّه ليس بطعام»ينفي ما ذكرتم من الاحتمال؛لأنّه لا فرق بين الطعام و غيره في عدم الإفطار بالدخول ناسيا أو من غير قصد.
لأنّا نقول:لا امتناع في إرادة:أنّه ليس بطعام مقصود أكله و إن كان بعيدا، فالأولى الاعتماد على الأوّل.
و بالجملة فإنّ السيّد المرتضى-رحمه اللّه-لم يوجب الكفّارة (2)،و هو قويّ.
و قال أبو الصلاح-رحمه اللّه-إذا وقف في الغبار،لزمه القضاء (3).
فلا يستعقب شيئا آخر إلاّ بدليل.
احتجّ الشيخان:بما رواه أبو بصير قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم»قال:قلت:هلكنا،قال:«ليس حيث تذهب،إنّها ذلك الكذب على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله،و على الأئمّة عليهم السّلام» (1).
و الإفطار يستلزم الكفّارة؛لما تقدّم في حديث عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر،قال:
«يعتق نسمة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا،فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» (2).
و بما رواه سماعة،قال:سألته عن رجل كذب في رمضان،قال:«قد أفطر و عليه قضاؤه،و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمّد» (3).
و لأنّ الاحتياط يقتضي ذلك.
و الجواب عن الحديثين:باشتمالها على ما منعتم من العمل به،فتكون ضعيفة، و الثانية ضعيفة السند،و هي غير مسندة إلى إمام.
و لا نسلّم أنّ الإفطار يستلزم وجوب الكفّارة؛لأنّه قد يحصل الإفطار و إن لم تجب الكفّارة،على ما يأتي.
و الاحتياط معارض ببراءة الذمّة (4).
ص:124
وجب عليه القضاء و الكفّارة.ذهب إليه الشيخان (1).
و قال ابن أبي عقيل:عليه القضاء خاصّة (2).و به قال أبو هريرة،و الحسن البصريّ،و سالم بن عبد اللّه،و النخعيّ،و عروة،و طاوس (3)،و هو الظاهر من كلام السيّد المرتضى (4).و قال الجمهور:لا قضاء عليه و لا كفّارة،و صومه صحيح.
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من أصبح جنبا في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتّى أصبح قال:
«يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا»قال:و قال:«إنّه خليق (6)أن لا أراه يدركه أبدا» (7).
و عن سليمان بن جعفر المروزيّ،عن الفقيه عليه السّلام قال:«إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل[و لا يغتسل حتّى يصبح] (8)فعليه صوم شهرين
ص:125
متتابعين مع صوم ذلك اليوم،و لا يدرك فضل يومه» (1)و عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن بعض مواليه قال:سألته عن احتلام الصائم، قال:فقال:«إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتّى يغتسل، و إن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام ساعة حتّى يغتسل،فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح،فعليه رقبة،أو إطعام ستّين مسكينا،و قضاء (2)ذلك اليوم،و يتمّ صيامه و لن يدركه أبدا» (3).
و لأنّه تعمّد البقاء على الجنابة نهارا،فكان كمن تعمّد فعلها نهارا.
احتجّ ابن أبي عقيل:بما رواه إسماعيل بن عيسى،قال:سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتّى أصبح،أيّ شيء عليه؟قال:«لا يضرّه هذا و لا يفطر و لا يبالي،فإنّ أبي عليه السّلام قال:
قالت عائشة:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام» (4).
و احتجّ المخالف (5):بقوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ إلى قوله: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ (6)و جواز المباشرة إلى هذه الغاية يستلزم جواز ترك
ص:126
الاغتسال في أوّل الفجر.
و بما رووه (1)عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثمّ يصومه (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ النوم عمدا لا يستلزم تعمّد ترك الاغتسال،فجاز أن يتعمّد النوم على عزم الاغتسال ليلا.
و عن الحديث الآخر:ما قدّمناه (3)من أنّ المراد أنّه كان عليه السّلام يقارب بالاغتسال طلوع الفجر،لا أنّه يفعله بعده،و إلاّ لزم أن يكون مداوما لترك الفريضة في أوّل وقتها مع المكنة؛لأنّ قولهم:كان يفعل كذا يعطي المداومة.
و عن الآية:لا نسلّم (4)أنّ التقييد بالغاية لاحق بالمعطوف عليه.و لأنّ منع المباشرة بعد الطلوع لئلاّ يهتك الصوم بالجنابة،و هو موجود في صورة النزاع.
و الكفّارة؛
لأنّ مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم،و يصير كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.
أمّا لو نام على عزم الاغتسال ثمّ انتبه،ثمّ نام ثانيا ثمّ انتبه،ثمّ نام ثالثا على عزم الاغتسال أيضا حتّى طلع الفجر،قال الشيخان:يجب القضاء و الكفّارة (5).
و احتجّا:بما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أجنب في شهر
ص:127
رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتّى أصبح،قال:«يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا»قال:و قال:«إنّه خليق أن لا أراه يدركه أبدا» (1)و بما رواه سليمان بن جعفر المروزيّ عن الفقيه عليه السّلام و قد تقدّمت (2)و بما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه (3).
و شيء (4)من هذه الروايات غير دالّ (5)على مطلوبهما.
أمّا الأوّل:فلأنّه عليه السّلام علّق وجوب الكفّارة على ترك الغسل متعمّدا حتّى يصبح من غير ذكر تكرّر النوم،و رواية سليمان دالّة على وجوب الكفّارة مطلقا، و كذا رواية إبراهيم بن عبد الحميد مع إرسالها و عدم ذكر المسئول،و كما يحتمل تكرّر النوم،يحتمل ترك الغسل متعمّدا،بل هو الأولى؛لما تقدّم من الروايات، فيحمل المطلق عليه.
و لا رواية تدلّ على مرادهم حتّى يحملوا هذه الرواية عليها.على أنّ الأصل براءة الذمّة،فلا يخرج منه إلاّ بدليل.
و لأنّ النوم سائغ،و لا قصد له في ترك الغسل،فلا عقوبة؛إذ الكفّارة مترتّبة (6)
ص:128
على التفريط أو الإثم،و ليس أحدهما ثابتا،فإذا الأولى عندنا سقوط الكفّارة،إلاّ مع العمد.
أحدها:أنّه يوجب القضاء و الكفّارة.اختاره الشيخ في بعض كتبه (1)،و المفيد رحمه اللّه (2).
و ثانيها:أنّه مكروه.و هو اختيار السيّد المرتضى (3)،و به قال مالك (4)، و أحمد (5).
و ثالثها:أنّه محرّم و لا يفسد الصوم و لا يوجب قضاء و لا كفّارة.اختاره الشيخ في الاستبصار (6)،و به أعمل.
و رابعها:أنّه سائغ مطلقا.و هو قول ابن أبي عقيل من علمائنا (7)،و به قال الجمهور،إلاّ من استثنيناه (8).
لنا:على التحريم ما تقدّم من الأخبار الدالّة على النهي (9).و على عدم إيجاب القضاء و الكفّارة:الأصل و ما تقدّم من الأحاديث (10).و هذه المسألة قد مضى
ص:129
البحث فيها (1).
يجب يوم مكان يوم.
ذهب إليه علماؤنا أجمع و هو قول عامّة الفقهاء.
و حكي عن ربيعة أنّه قال:يجب مكان كلّ يوم اثنا عشر يوما.و قال سعيد بن المسيّب:إنّه يصوم عن كلّ يوم شهرا.و قال إبراهيم النخعيّ و وكيع:يصوم عن كلّ يوم ثلاثة آلاف يوم (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للمجامع:«و صم يوما مكانه» (3)و في رواية أبي داود:«و صم يوما و استغفر اللّه» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن المشرقيّ،عن أبي الحسن عليه السّلام و قد سئل عمّن أفطر أيّاما من شهر رمضان عمدا،فقال:«من أفطر يوما من شهر رمضان[متعمّدا] (5)فعليه عتق رقبة مؤمنة،و يصوم يوما بدل يوم» (6).
و في حديث سماعة عن المجامع:«و قضاء ذلك اليوم،و أين له مثل ذلك اليوم» (7).
و لأنّ القضاء يكون على حسب الأداء،كسائر العبادات.و لأنّ قضاء العبادة يستوي فيه الترك بالعذر و غير العذر،كالصلاة و الحجّ.
ص:130
احتجّ ربيعة:بأنّ رمضان يجزئ عن السنة،و هي اثنا عشر شهرا،فكلّ يوم منه في مقابلة اثني عشر يوما من غيره (1).و هذا ليس بصحيح؛لأنّا لا نسلّم وجوب صوم السنة و الإجزاء (2)عنه برمضان.
مسكينا.
هذا اختيار أكثر علمائنا (3)،و به قال مالك (4).
و قال أبو حنيفة (5)،و الثوريّ (6)،و الشافعيّ (7)،و الأوزاعيّ:إنّها على الترتيب (8).و به قال ابن أبي عقيل من علمائنا (9)،و للسيّد المرتضى-رحمه اللّه- قولان (10)،و عن أحمد روايتان (11).
و قال الحسن البصريّ:هو مخيّر بين تحرير رقبة و نحر بدنة (12).
ص:131
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنّ رجلا أفطر في رمضان،فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يكفّر بعتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكينا (1).و«أو»للتخيير.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفطر في شهر رمضان يوما واحدا من غير عذر، قال:«يعتق نسمة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا،فإن لم يقدر، تصدّق بما يطيق» (2).
و لأنّها تجب بالمخالفة،فكانت على التخيير،ككفّارة اليمين،و جزاء الصيد.
احتجّ ابن أبي عقيل (3):بما رواه الشيخ عن المشرقيّ،عن أبي الحسن عليه السّلام قال،كتب:«من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا،فعليه عتق رقبة مؤمنة،و يصوم يوما بدل يوم» (4).
و احتجّ الجمهور (5):بما رواه أبو هريرة أنّ رسول اللّه (6)صلّى اللّه عليه و آله قال للواقع على أهله:«هل تجد رقبة تعتقها؟»قال:لا،قال:«فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟»قال:لا،قال:فهل تجد (7)إطعام ستّين.
ص:132
مسكينا» (1).فدلّ على أنّها للترتيب.
و لأنّها كفّارة فيها صوم متتابع فكانت على الترتيب،ككفّارة القتل و الظهار.
و احتجّ الحسن (2):بما رواه ابن المسيّب،فقال:جاء أعرابيّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضرب نحره و ينتف شعره،و يقول:هلك الأبعد،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«و ما ذاك؟»فقال:أصبت أهلي في رمضان و أنا صائم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«هل تستطيع أن تعتق رقبة؟»فقال:لا،فقال:«فهل تستطيع أن تهدي بدنة؟»فقال:لا (3).
و عن جابر بن عبد اللّه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من أفطر يوما في شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة،فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعا» (4).
و الجواب عن الأوّل:أنّ إيجاب الرقبة لا ينافي التخيير بينها و بين غيرها، و ذلك كما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا،فقال:«إنّ رجلا أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:هلكت،فقال:ما لك؟قال وقعت على أهلي،قال:تصدّق و استغفر ربّك» (5)و مع ذلك لا تتعيّن الصدقة أوّلا إجماعا (6).
ص:133
و عن الثاني:أنّ أمره عليه السّلام بشيء بعد آخر،لا يدلّ على الترتيب؛إذ ليس بصريح (1)فيه.سلّمنا لكنّه معارض بخبرنا الدالّ بتصريحه على التخيير.
و لأنّ فيه تيسيرا و تخفيفا،فيكون العمل به راجعا.سلّمنا لكن نحمله على الاستحباب جمعا بين الأدلّة؛إذ تنزيله على وجوب الترتيب يبطل حديثنا بالكلّيّة، و ليس كذلك إذا حملناه على الاستحباب.
و عن الثالث:بالفرق بين الصورتين؛لقوّة الذنب في القتل و الظهار،بخلاف صورة النزاع؛إذ قد يحمله على ذلك نوع من الضرورة القليلة،بخلاف القتل و الظهار.
و عن الرابع:أنّه معارض بحديث الجماعة،فيكون أولى من رواية ابن المسيّب.و لأنّه لا نقول بموجبه؛لأنّه نقله عن العتق إلى الهدي على الترتيب و الحسن يقول على التخيير،فما يذهب إليه،لا يدلّ الحديث عليه.
و عن الخامس:أنّ رواية الحارث بن عبيدة عن مقاتل بن سليمان،عن عطاء، عن جابر.و الحارث و مقاتل ضعيفان.
للخلاص من الخلاف.
و عليه علماؤنا أجمع،و به قال عامّة الفقهاء،إلاّ ابن أبي ليلى،فإنّه لم يوجب التتابع (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لمن واقع
ص:134
أهله:«فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» (1).
و ما رواه أبو هريرة أيضا عنه عليه السّلام أنّه أمر الذي أفطر يوما من رمضان بكفّارة الظهار (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن سماعة قال:سألته عن رجل أتى أهله في رمضان،فقال:«عليه...صيام شهرين متتابعين» (3).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أو يصوم شهرين متتابعين (4)».
و لأنّها كفّارة فيها صوم شهرين،فكان متتابعا،كالظهار و القتل.
احتجّ ابن أبي ليلى (5):بما رواه أبو هريرة أنّ رجلا أفطر في رمضان،فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يكفّر بعتق رقبة،أو صيام شهرين،أو إطعام ستّين مسكينا،و لم يذكر التتابع (6)،فكان الأصل عدمه.
و الجواب:ما نقلناه أولى؛لأنّه لفظ الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و ما نقلتموه لفظ الراوي.و لأنّ الأخذ بالزيادة أولى؛لجواز سهو الراوي عنها.
و هو خمسة عشر صاعا لستّين
ص:135
مسكينا،لكلّ مسكين مدّ و قد سلف تقدير المدّ (1).و به قال الشافعيّ (2)،و عطاء، و الأوزاعيّ (3).
و قال أبو حنيفة:من البرّ لكلّ مسكين نصف صاع،و من غيره صاع (4).
و قال أحمد:مدّ من برّ،و نصف صاع من غيره (5)و قال الشيخ:لكلّ مسكين مدّان من طعام (6).
لنا:ما رواه الجمهور في حديث المجامع أنّه أتي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر،فقال:«خذ هذا فأطعم عيالك» (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا،قال:«عليه خمسة عشر صاعا،لكلّ مسكين مدّ بمدّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله» (8).
و لأنّها أنواع تؤدّى في واجب فتكون متساوية المقدار.
احتجّ أبو حنيفة (9):بما رووه (10)عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث سلمة
ص:136
بن صخر:«و أطعم وسقا من تمر» (1).
و احتجّ أحمد (2):بما رواه أبو زيد المدنيّ (3)قال:جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للمظاهر:«أطعم هذا،فإنّ مدّي شعير مكان مدّ برّ» (4).
و الجواب عن الأوّل:أنّه مختلف فيه.
و عن الثاني:بأنّه غير صورة النزاع.
فإذا عدم الرقبة فصام ثمّ وجد الرقبة في أثنائه،جاز له المضيّ فيه،و الانتقال إلى الرقبة أفضل.
و قال أبو حنيفة (5)،و المزنيّ:لا يجزئه الصوم،و يكفّر بالعتق (6).و للشافعيّ وجهان (7).
لنا:أنّه بفقد الرقبة تعيّن عليه الصيام،فلا يزول هذا الحكم بوجدان الرقبة كما لو وجدها بعد الفراغ من الصيام.
ص:137
و لأنّه بدل عن واجب،فجاز المضيّ فيه بعد الشروع و ترك الانتقال،كالمتيمّم إذا داخل في الصلاة ثمّ وجد الماء،و قد سلف البحث فيه (1).
احتجّ أبو حنيفة:بأنّه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل،فبطل حكم البدل،كالمتيمّم يرى الماء (2).
و الجواب:أنّ المتيمّم بعد الدخول في الصلاة يمضي،أمّا قبلها[فلا] (3)، و الفرق:أنّه لم يتلبّس بما فعل التيمّم له،فلم يظهر له حكم.
و أيضا بالفرق (4)،بأنّ التيمّم لا يرفع الحدث،و إنّما يستره،فإذا وجد الماء، ظهر حكمه،بخلاف الصوم،فإنّه يرفع حكم الجماع بالكلّيّة.
و لأنّ الصوم تطول مدّته،فيشقّ إلزامه الجمع بينه و بين العتق،بخلاف الوضوء و التيمّم.
عليه السّلام في حديث المجامع
لمّا جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا،فقال له رسول اللّه:«خذ هذا التمر فتصدّق به»فقال:يا رسول اللّه على من أتصدّق به و قد أخبرتك أنّه ليس في بيتي قليل و لا كثير،فقال:«فخذه فأطعمه عيالك و استغفر اللّه عزّ و جلّ» (5).
ص:138
و روى عن محمّد بن النعمان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان،فقال:«كفّارته جريبان من طعام،و هو عشرون صاعا» (1).و لا ينافي ما قدّمناه من التقدير.
أمّا الأوّل فلأنّه فقير،فإذا كفّر بعشرة أصوع،خرج عن العهدة؛لأنّه فقير غير متمكّن من الصيام،و إلاّ لأمره عليه السّلام به.
و أمّا الثاني:فالاحتمال صغر الصاع؛جمعا بين الأدلّة.
عن الصائم يصيبه عطش حتّى يخاف على نفسه،
قال:«يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لا يشرب حتّى يروى» (2).و الرواية مناسبة للمذهب،لأنّه في محلّ الضرورة.
إذا ثبت هذا،فهل يجب عليه القضاء أم لا؟الوجه عدم الوجوب؛لأنّه إذا شرب بقدر ما يمسك رمقه مخافة التلف،كان بمنزلة المكره.و لأنّ التكليف يسقط حينئذ و لا يجوز له التعدّي،فلو شرب زيادة على ذلك،وجب عليه القضاء و الكفّارة.
و قال الأوزاعيّ:سقطت عنه الكفّارة (1).و للشافعيّ قولان (2)،و عن أحمد روايتان (3).
لنا على سقوطها عن ذمّته:ما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للمجامع:«اذهب فكله أنت و عيالك» (4)و لم يأمره بالكفّارة في ثاني الحال، و لو كان باقيا في ذمّته،لأمره بالإخراج مع التمكّن.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في حديث المجامع أيضا من قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله:«فخذه فأطعمه عيالك و استغفر اللّه عزّ و جلّ» (5).
و ما رواه-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر قال:«يعتق نسمة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستّين مسكينا،فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» (6).
و في الحسن عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل وقع على أهله في شهر رمضان،فلم يجد ما يتصدّق به على ستّين مسكينا،قال:
«يتصدّق بما يطيق» (7).و لو ثبتت الكفّارة في ذمّته لبيّنوه عليهم السّلام،و لما وقع
ص:140
الإجزاء (1)بالصدقة بالممكن.
و لأنّ الكفّارة حقّ من حقوق اللّه تعالى،لا على وجه البدل،فلم تجب مع العجز،كصدقة الفطر.
احتجّوا (2):بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر الأعرابيّ بأن يأخذ التمر و يكفّر عن نفسه،بعد أن أعلمه بعجزه عن الأنواع الثلاثة،و إنّما أمره بصرفه إلى أهله لمّا أخبره بحاجتهم إليه (3)،فدلّ على أنّ الكفّارة واجبة مع العجز.
و لأنّه حقّ للّه تعالى في المال،فلا تسقط بالعجز،كسائر الكفّارات.
و الجواب عن الأوّل:أنّه عليه السّلام لم يدفعه إليه لأنّ الكفّارة واجبة عليه،بل كان تبرّعا منه عليه السّلام بذلك،و عندنا أنّه يجوز التبرّع بالكفّارة.
و عن الثاني:أنّه قياس في معارضة النصّ،فلا يسمع.
و قوت عياله ذلك اليوم.
و لو عجز عنه، سقط؛لعدم القدرة التي هي شرط التكليف.
فقال المفيد-رحمه اللّه-:لو عجز عن الأصناف الثلاثة،صام ثمانية عشر يوما متتابعات،لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام،
ص:141
فإن لم يقدر على ذلك،فليتصدّق بما أطاق،أو فليصم ما استطاع (1).فجعل صوم الثمانية عشر واجبا بعد العجز عن الأصناف على التعيين،و خيّر بين الصدقة مطلقا بالممكن،و بين الصوم المستطاع بعد العجز عن الثمانية عشر يوما.
و قال الشيخ أبو جعفر-رحمه اللّه-:فإن لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة، فليتصدّق بما تمكّن منه،فإن لم يتمكّن من الصدقة،صام ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر،صام ما تمكّن منه،فإن لم يتمكّن،قضى ذلك اليوم و استغفر اللّه تعالى (2).فجعل الصدقة بما يتمكّن واجبا بعد العجز عن الثلاثة الأصناف،و جعل صوم ثمانية عشر مرتبة ثانية بعده،و جعل الصوم بما تمكّن مرتبة ثالثة،و حديث عبد اللّه بن سنان يدلّ على الصدقة بما تمكّن عند العجز (3).
و قد روى الشيخ عن أبي بصير و سماعة بن مهران،قال:سألنا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين،فلم يقدر على الصيام، و لم يقدر على العتق،و لم يقدر على الصدقة،قال:«فليصم ثمانية عشر يوما من كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» (4).
بأصالة براءة الذمّة،و عدم التقييد في الخبر.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سليمان بن جعفر الجعفريّ،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار و كفّارة الدم و كفّارة اليمين» (1).
فيه تردّد ينشأ من وجوب الشهرين اللذين يجب تحتهما الشهر الواحد،و من النصّ على وجوب الثمانية عشر لا غير عند العجز عن الأصناف الثلاثة،أمّا لو تمكّن من الصدقة على ثلاثين،وجب،لقوله عليه السّلام:«فإن لم يتمكّن تصدّق بما استطاع» (2).
أحدهما؟
فيه التردّد المذكور.
و اتّفق علماؤنا و الجمهور على عدم إيجاب الكفّارة فيما عدا ما ذكرناه.أمّا قضاء رمضان؛فلأنّه عبادة تجب الكفّارة في أدائها،فتجب في قضائها،كالحجّ.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح عن بريد بن معاوية العجليّ،عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان،قال:
«إن كان أتى أهله قبل الزوال،فلا شيء عليه إلاّ يوما مكان يوم،و إن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين» (1).
و في الصحيح عن هشام بن سالم،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان،فقال:«إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر،فلا شيء عليه،يصوم يوما بدله،و إن فعل بعد العصر،صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين،فإن لم يمكنه،صام ثلاثة أيّام» (2).
قال الشيخ:و لا تنافي بين الخبرين؛لأنّ وقت الصلاتين واحد و هو الزوال،إلاّ أنّ الظهر قبل العصر على ما تقدّم،فعبّر عمّا قبل الزوال بما قبل العصر؛لقرب ما بين الوقتين،و عمّا بعده لما بعد العصر؛لذلك (3).
و أمّا النذر المعيّن:فلتعيّن زمانه،كما تعيّن رمضان،فصار الإفطار فيه هتكا؛ لحرمة صوم متعيّن،فأوجب الإثم،و الكفّارة تتبع الإثم في فطر الصوم المتعيّن زمانه،كرمضان.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن القاسم الصيقل (4)أنّه كتب إليه:يا سيّدي رجل نذر
ص:144
أن يصوم يوما للّه،فوقع في ذلك اليوم على أهله،ما عليه من الكفّارة؟فأجابه:
«يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة» (1).
و عن عليّ بن مهزيار أنّه كتب إليه يسأله:يا سيّدي رجل نذر أن يصوم يوما بعينه،فوقع في ذلك اليوم على أهله،ما عليه من الكفّارة؟فكتب عليه السّلام:
«يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة» (2).
و أمّا الاعتكاف،فلأنّه إذا كان واجبا،كرمضان في التعيين (3)،فهتكه يستلزم ما وجب في رمضان.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله،فقال:«هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان» (4).
و عن زرارة،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المعتكف يجامع أهله؟ فقال:«إذا فعل فعليه ما على المظاهر» (5).
و عن سماعة بن مهران،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن معتكف
ص:145
واقع أهله،قال:«عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا،عتق رقبة، أو صوم شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكينا» (1).
و قد روى الشيخ،في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، و ضربت له قبّة من شعر،و شمّر المئزر،و طوى فراشه»فقال بعضهم:و اعتزل النساء؟فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«أمّا اعتزال النساء فلا» (2)قال الشيخ:لا ينافي ذلك الأخبار المتقدّمة؛لأنّ قوله عليه السّلام:«أمّا اعتزال النساء فلا»المعنى فيه مخالطتهنّ و مجالستهنّ،دون أن يكون المراد:وطئهنّ في حال الاعتكاف؛لأنّ الذي يحرم في حال الاعتكاف الجماع،دون ما سواه (3)، و سيأتي البحث في ذلك إن شاء اللّه.
و بعد الزوال، فأوجبوا الكفّارة في الثاني دون الأوّل.
و الجمهور لم يفرّقوا بينهما،بل قالوا بسقوط الكفّارة في البابين،إلاّ قتادة،فإنّه أوجبها فيهما معا (4).و ابن أبي عقيل من علمائنا اختار مذهب الجمهور في سقوط
ص:146
الكفّارة (1).
لنا:ما تقدّم (2)؛و لأنّه قبل الزوال مخيّر بين الإتمام و الإفطار (3)،فلا يتعيّن صومه،و بعد الزوال يتعيّن صومه،فيجري مجرى رمضان.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«صوم النافلة،لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى ما شئت،و صوم قضاء الفريضة، لك أن تفطر إلى زوال الشمس،فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» (4).
و عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار،فقال:«لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال» (5)
فإن لم يتمكّن،صام ثلاثة أيّام (7)،و قد روي أنّه لا كفّارة عليه.و روي أنّ عليه كفّارة رمضان.
روى الشيخ بإسناده عن عمّار الساباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟
ص:147
قال:«هو بالخيار إلى زوال الشمس،فإذا زالت[الشمس] (1)فإن كان نوى الصوم فليصم،و إن كان نوى الإفطار فليفطر»سئل:فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟قال:[«لا»سئل:فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟قال:] (2)«قد أساء و ليس عليه شيء إلاّ قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» (3).
و روى زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:سألته عن رجل قضى من رمضان فأتى النساء،قال:«عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في رمضان؛لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيّام رمضان» (4).
قال الشيخ:وجه الجمع بينهما أنّه يحتمل أن تكون الرواية الأولى واردة فيمن لا يتمكّن من الإطعام،و لا صيام ثلاثة أيّام.و الرواية الثانية واردة فيمن أفطر بعد الزوال استخفافا بالفرض و تهاونا به،فأمّا من أفطر على غير ذلك فلا (5).
إدريس (1):يا سيّدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت،فإن أنا لم أصمه،ما يلزمني من الكفّارة؟فكتب و قرأته:«لا تتركه إلاّ من علّة،و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض،إلاّ أن تكون نويت ذلك،و إن (2)كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعد كلّ يوم لسبعة (3)مساكين،نسأل اللّه التوفيق لما يحبّ و يرضى» (4).
قال الشيخ:لا ينافي ذلك ما تقدّم؛لأنّ الكفّارة تجب على قدر طاقة الإنسان، فمن تمكّن من عتق رقبة لزمه ذلك،فإن عجز عنه أطعم سبعة مساكين (5).
و ابن أبي عقيل من علمائنا لم يوجب كفّارة في ذلك (6)،كالجمهور.
القضاء،
سواء كان قبل الزوال أو بعده،عملا بأصل براءة الذمّة السليم عن المعارض،و القياس على قضاء رمضان ضعيف؛لتعيّن الصوم هناك بعد الزوال، بخلاف صورة النزاع.
عليه،
فهذه قيود ثلاثة لا بدّ منها.
الأوّل:العمد،و لا خلاف بين علمائنا في أنّ الناسي لا يفسد صومه،و لا يجب عليه قضاء و لا كفّارة بفعل المفطر ناسيا.و به قال أبو هريرة،و ابن عمر،و عطاء،
ص:149
و طاوس،و الأوزاعيّ،و الثوريّ (1)،و الشافعيّ (2)،و أحمد (3)،و إسحاق (4)، و أصحاب الرأي (5).
و قال ربيعة (6)،و مالك:يفطر الناسي بذلك (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا فليتمّ صومه،فإنّما أطعمه اللّه و سقاه» (8).
و عنه عليه السّلام:«من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر،فإنّما هو رزق رزقه اللّه» (9).
ص:150
و عن عليّ عليه السّلام قال:«لا شيء على من أكل ناسيا» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن قيس،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول:من صام فنسي فأكل و شرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي،فإنّما هو رزق رزقه اللّه فليتمّ صيامه» (2).
و عن داود بن سرحان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل ينسى فيأكل في شهر رمضان قال:«يتمّ صومه،فإنّما هو شيء أطعمه اللّه عزّ و جلّ» (3).
و عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام في رمضان فأكل و شرب ناسيا فقال:«يتمّ صومه و ليس عليه قضاؤه (4)» (5).
و لأنّ التكليف بالإمساك يستدعي الشعور،و هو مفقود (6)عن الناسي،فكان غير مكلّف به،و إلاّ لزم تكليف ما لا يطاق.
و لأنّها عبادة ذات تحليل و تحريم،فكان في محظوراتها ما يختلف عمده و سهوه،كالصلاة و الحجّ.
و لأنّه عليه السّلام قطع نسبة الأكل و الشرب إليه،فلا يكون منافيا لصومه.
احتجّ مالك:بأنّ الأكل ضدّ الصوم؛لأنّه كفّ،فلا يجامعه،ككلام الناسي
ص:151
في الصلاة (1).
و الجواب:الضدّ هو الأكل عمدا،لا مطلق الأكل،فإنّه نفس المتنازع، و المقيس عليه ممنوع،على ما تقدّم (2).
و لا نعلم فيه خلافا.
لعدم القصد و العلم بالصوم فهو أعذر من الناسي.
تعلّق به الحكم.
و فرّق الشيخ بينهما (3)،و قد سلف (4).
فيحصل من هذا و ممّا تقدّم أنّ المجنب إذا نام،فإن كان على عزم ترك الاغتسال حتّى أصبح،وجب عليه القضاء و الكفّارة،و إن نام على عزم الاغتسال ثمّ استيقظ ثانيا ثمّ نام ثالثا حتّى طلع الفجر فكذلك،و إن نام من أوّل مرّة عازما على الاغتسال و طلع الفجر،فلا شيء عليه،و إن نام ثانيا و استمرّ به النوم (5)على عزم الاغتسال حتّى طلع الفجر،وجب عليه القضاء خاصّة،و الأحكام
ص:152
المتقدّمة سلفت (1).
أمّا هذا الحكم،فيدلّ عليه ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران،سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل فنام،و قد علم بها،و لم يستيقظ حتّى يدركه الفجر،فقال:«عليه أن يتمّ صومه و يقضي يوما آخر»فقلت:إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضي رمضان؟قال:«فيأكل يومه ذلك و ليقض،فإنّه لا يشبه رمضان شيء من الشهور» (2).
و في الصحيح عن ابن أبي يعفور،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح،قال:«يتمّ صومه (3)و يقضي يوما آخر،و إن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه و جاز له» (4).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمّ ينام قبل أن يغتسل،قال:«يتمّ صومه و يقضي ذلك اليوم إلاّ أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر،فإن انتظر ماء يسخن أو يستقى، فطلع الفجر،فلا يقضي يومه (5)» (6).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان،قال:«ليس عليه شيء»
ص:153
قلت:فإن هو استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح؟قال:«فليقض ذلك اليوم عقوبة» (1).
و لأنّه فرّط في الاغتسال،فوجب عليه القضاء.و لا تجب الكفّارة؛لأنّ المنع من النومة الأولى تضييق على المكلّف.
و إنّما اشترطنا الوجوب و التعيين؛لأنّ ما فسد صومه لا يسمّى الإتيان ببدله قضاء إلاّ مع القيدين؛لأنّ القضاء اسم لفعل مثل المقضيّ بعد خروج وقته،و إلاّ فكلّ صوم صادفه أحد السبعة يفسد،فإن كان واجبا أتى ببدله و لا يسمّى قضاء،و إن كان متعيّنا سمّي البدل قضاء،فمن ظنّ بقاء الليل فجامع،أو أكل،أو شرب،أو فعل المفطر مطلقا ثمّ تبيّن أنّه كان طالعا،فإن كان قد رصد الفجر فلم ينتبه (3)،أتمّ صومه و لا شيء عليه،و ان لم يرصد الفجر مع القدرة على المراعاة ثمّ تبيّن أنّه كان طالعا وجب عليه القضاء،لا غير،مع إتمام ذلك اليوم،و لا كفّارة عليه،و هذا التفصيل ذهب إليه علماؤنا خاصّة.
و قال الشافعيّ:لا كفّارة عليه مطلقا،سواء رصد أو لم يرصد،مع ظنّ الليل، و عليه القضاء (4).و هو قول عامّة الفقهاء،إلاّ ما حكي عن إسحاق بن راهويه، و داود أنّهما قالا:لا يجب عليه القضاء.و هو مذهب الحسن،و مجاهد،و عطاء، و عروة (5).
و قال أحمد:إذا جامع بظنّ أنّ الفجر لم يطلع،و تبيّن أنّه كان طالعا،وجب
ص:154
عليه القضاء و الكفّارة مطلقا،و لم يعتبر (1)المراعاة (2).
لنا:أنّه مفرّط بترك المراعاة،فوجب عليه القضاء؛لإفساده الصوم بالتناول، و لا كفّارة؛لعدم الإثم.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران،قال:سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان،فقال:«إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر،فليتمّ صومه و لا إعادة عليه،و إن كان قام فأكل و شرب ثمّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع،فليتمّ صومه و يقضي يوما آخر؛لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر،فعليه الإعادة» (3).
و في الصحيح عن الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن (4)،فقال:«يتمّ صومه ذلك ثمّ ليقضه،و إن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر،أفطر»ثمّ قال:«إنّ أبي كان ليلة يصلّي و أنا آكل،فانصرف فقال:أمّا جعفر فقد أكل و شرب بعد الفجر،فأمرني، فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان» (5).
و أمّا مع المراعاة فلا قضاء عليه؛لأنّ الأصل بقاء الليل،و قد اعتضد بالمراعاة، فجاز له التناول مطلقا،فلا إفساد حينئذ و جرى مجرى الساهي.
احتجّ من لم يوجب القضاء مطلقا (6):بما رواه زيد بن وهب،قال:كنت جالسا
ص:155
في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رمضان في زمن عمر بن الخطّاب، فأتينا بعساس (1)فيها شراب من بيت حفصة،فشربنا و نحن نرى أنّه من الليل،ثمّ انكشف السحاب،فإذا الشمس طالعة،قال:فجعل الناس يقولون:نقضي يوما مكانه،فقال عمر:و اللّه لا نقضيه،ما تجانفنا (2)لإثم (3).
و لأنّه لم يقصد الأكل في الصوم،فلم يلزمه القضاء،كالناسي.
و احتجّ الموجبون مطلقا:بأنّه أكل مختارا،ذاكرا للصوم فأفطر،كما لو أكل يوم الشكّ.و لأنّه جهل وقت الصيام،فلم يعذر به،كالجهل بأوّل رمضان.و لأنّه يمكن التحرّز منه،فأشبه أكل العمد (4).
و استدلّ أحمد (5)على وجوب الكفّارة بالجماع بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر المجامع بالتكفير من غير تفريق و لا تفصيل (6).و لأنّه أفسد صوم رمضان بجماع تامّ،فوجبت عليه الكفّارة،كما لو علم.
و الجواب عن الأوّل:يحتمل أنّ عمر راعى (7)الفجر.
و عن الثاني:أنّه بترك المراعاة مفرّط،بخلاف (8)الناسي.
ص:156
و عن الثالث:بالمنع من أكله (1)مختارا ذاكرا للصوم؛لأنّ التقدير أنّه قد راعى و لم يظفر (2)بالفجر،فلم يكن آكلا مع الصوم في ظنّه مع قيام الموجب،و هو المأخوذ عليه.
و عن الرابع:أنّ الجهل مع قيام الموجب مقتض للعذر.
و عن الخامس:بعدم تسليم إمكان التحرّز؛إذ المأخوذ عليه الإمساك نهارا مع علمه بذلك.
و عن السادس:أنّه عليه السّلام إنّما أمره بذلك للهتك،و لهذا شكا الأعرابيّ من كثرة الذنب و شدّة المؤاخذة،و ذلك إنّما يكون مع قصد الإفطار،فلا يتناول صورة النزاع.و لأنّها حكاية حال فلا تكون عامّة.
المراعاة و تركها،ثمّ فعل المفطر،وجب عليه القضاء،
لا غير؛لأنّه بترك المراعاة مفرّط،فأفسد صومه،و وجب القضاء،و بالبناء على أصل البقاء و صدق المخبر سقط الإثم،فلا كفّارة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الحسن عن معاوية بن عمّار،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا،فتقول (4):لم يطلع،فآكل،ثمّ أنظر فأجده قد طلع حين نظرت،قال:«تتمّ يومك (5)و تقضيه،أما إنّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه» (6).
ص:157
طالعا،
فتناول المفطر،وجب القضاء خاصّة؛للتفريط بترك المراعاة مع القدرة؛لأنّ البحث فيه،و سقوط الكفّارة؛لعدم الإثم،بناء على أصل بقاء الليل.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحّرون في بيت،فنظر إلى الفجر فناداهم (2)،فكفّ بعضهم،و ظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل،قال:«يتمّ صومه و يقضي» (3).
عملا بالإطلاق و ترك استفصال الحال عند السؤال.
فالأشبه وجوب القضاء و الكفّارة؛لأنّ قولهما محكوم به شرعا،فيترتّب عليه توابعه.
ثمّ بان كذبه مع قدرته على المراعاة،وجب عليه القضاء خاصّة؛لما تقدّم.
رحمه اللّه-في المبسوط (1).
و قال في النهاية:إن غلب على ظنّه دخول الليل فأفطر،فليمسك،و لا قضاء عليه (2)،و كذا في التهذيب (3)،و اختاره ابن إدريس (4)،و الأقوى خيرة المفيد.
لنا:أنّه تناول ما ينافي الصوم عمدا،فلزمه القضاء،و لا كفّارة عليه؛لحصول الشبهة و عدم العلم.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن أبي بصير و سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوم صاموا شهر رمضان،فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس،فرأوا أنّه الليل،فقال:«على الذي أفطر صيام ذلك اليوم،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (5)فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّدا» (6).
و احتجّ الجمهور (7)على ذلك أيضا:بما رواه حنظلة (8)،قال:كنّا في شهر رمضان و في السماء سحاب،فظننّا أنّ الشمس غابت،فأفطر بعضنا،فأمر عمر من
ص:159
كان أفطر أن يصوم مكانه (1).
احتجّ الشيخ:بما رواه أبو الصبّاح الكنانيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء علّة (2)فأفطر،ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب،فقال:«قد تمّ صومه و لا يقضيه» (3).
و بما رواه زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثل ذلك (4).
و بما رواه-في الصحيح-عن زرارة،قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«وقت المغرب إذا غاب القرص،فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضى صومك،و تكفّ عن الطعام إن كنت قد (5)أصبت منه شيئا» (6).
و لأن التكليف هنا منوط بالظنّ؛لعدم العلم،و قد حصل.
و الجواب:أنّ الحديث الأوّل،في طريقه محمّد بن الفضيل و هو ضعيف.و في طريق الحديث الثاني،أبو جميلة و هو ضعيف أيضا.
و الحديث الثالث،لا دلالة فيه على صورة النزاع و هو سقوط القضاء، و التكليف منوط باستمرار الظنّ و لم يحصل هنا،كمن ظنّ الطهارة و صلّى ثمّ تبيّن فساد ظنّه.و حديثنا و إن كان يرويه محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ عن يونس
ص:160
بن عبد الرحمن،و قد توقّف ابن بابويه فيما يرويه محمّد بن عيسى عن يونس (1)، إلاّ أنّه اعتضد بأنّه تناول ما ينافي الصوم مختارا عامدا ذاكرا للصوم،فلزمه القضاء،و سقطت الكفّارة؛لعدم العلم و حصول (2)الشبهة،فلا إثم.و لأنّه جهل وقت الصيام فلم يعذر،كالجهل بأوّل رمضان.و لأنّه أفطر مع ذكر الصوم فأفطر كما لو أكل يوم الشكّ.
الشكّ،
فليس عليه قضاء و له الأكل حتّى يتيقّن (3)الطلوع.و به قال ابن عبّاس، و عطاء،و الأوزاعيّ (4)،و الشافعيّ (5)،و أحمد (6)،و أصحاب الرأي (7).
و قال مالك:يجب القضاء (8).
لنا:قوله تعالى: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (9)جعل غاية إباحة الأكل التبيّن و قد يكون قبله شاكّا،فلو لزمه القضاء حينئذ،لحرم عليه الأكل.
ص:161
و ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«فكلوا و اشربوا حتّى يؤذّن ابن أمّ مكتوم» (1)و كان رجلا أعمى لا يؤذّن حتّى يقال له:أصبحت.
و لأنّ الأصل بقاء الليل فيستصحب حكمه إلى أن يعلم زواله،و مع الشكّ لا علم.
و لأنّ الأصل براءة الذمّة فلا يصار إلى خلافه،إلاّ بدليل.
احتجّ مالك:بأنّ الأصل بقاء الصوم في ذمّته،فلا يسقط بالشكّ.و لأنّه أكل شاكّا في النهار و الليل،فلزمه القضاء،كما لو أكل مع الشكّ في غروب الشمس (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ السقوط إنّما هو بعد الثبوت،و الصوم مختصّ بالنهار.
و عن الثاني:بأنّ الأصل بقاء الليل في الصورة الأولى،و بقاء النهار في الصورة الأخيرة،فافترقا.
لأنّ الأصل بقاء النهار و هل تجب الكفّارة؟فيه تردّد ينشأ من كون الأصل بقاء النهار،فلا يجوز له الإفطار فوجبت عليه الكفّارة كالعالم ببقائه،و من عدم الهتك و الإثم فلا كفّارة،و الأخير أقرب.
لأنّ الأصل براءة الذمّة،و المعارض و هو فساد الظنّ منتف.
ص:162
لما (1)مرّ.
عليه؛
لأنّه لم يوجد يقين (2)أزال ذلك الظنّ الذي بنى عليه،فأشبه ما (3)لو صلّى بالاجتهاد،ثمّ شكّ في الإصابة بعد صلاته.
ذهب إليه أكثر علمائنا (4)،و أكثر فقهاء الجمهور (5).
و قال السيّد المرتضى:أخطأ و لا قضاء عليه (6).
و قال أبو ثور:يجب عليه القضاء و الكفّارة (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من ذرعه القيء و هو صائم فليس عليه قضاء،و إن استقاء فليقض» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه سماعة (9)و الحلبيّ،و قد تقدّمنا (10).
ص:163
احتجّ السيّد المرتضى:بأنّ الأصل الصحّة و براءة الذمّة.و لأنّ المقتضي و هو الإمساك موجود،و المعارض و هو القيء لا يصلح أن يكون معارضا؛لأنّ الصوم إمساك عمّا يصل إلى الجوف،لا ما ينفصل عنها،فليس بمناف.
احتجّ أبو ثور:بأنّه سلوك في مجرى الطعام،فكان موجبا للقضاء و الكفّارة، كالأكل (1).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الأصل قد يصار إلى خلافه،و هو إذا ما وجد دليل مناف له،و قد بيّنّا بالأدلّة تعلّق القضاء (2).
و عن الثاني:بالفرق،و هو ظاهر.
أمّا لو ذرعه القيء،فلا كفّارة عليه بالإجماع،و لا قضاء عليه أيضا.و هو قول علمائنا أجمع،و قول كلّ من يحفظ عنه العلم.
و في رواية عن الحسن البصريّ:أنّه يجب عليه القضاء خاصّة (3)،و هو خطأ؛ لقوله عليه السّلام:«من ذرعه القيء و هو صائم،فليس عليه قضاء» (4).و لأنّه حصل بغير اختياره،فلا يكون مفسدا.
و لأنّ الفم في حكم الظاهر،فلا يبطل الصوم بالواصل إليه،كالأنف و العين.
أمّا لو تمضمض،فدخل الماء في حلقه،فإن تعمّد ابتلاع الماء،وجب عليه القضاء و الكفّارة.و هو قول كلّ من أوجبهما بالأكل و الشرب.و إن لم يقصده،بل ابتلعه بغير (1)اختياره،فإن كان قد تمضمض للصلاة،فلا قضاء عليه و لا كفّارة، و إن كان للتبرّد أو للعبث،وجب عليه القضاء خاصّة.و هو قول علمائنا.
و قال الشافعيّ:إن لم يكن بالغ،و إنّما رفق فسبق الماء فقولان:
أحدهما:يفطر (2).و به قال أبو حنيفة (3)،و مالك (4)،و المزنيّ (5).
و الثاني:لا يفطر (6)،و به قال الأوزاعيّ (7)،و أحمد (8)،و إسحاق،و أبو ثور.
و اختاره الربيع (9)،و الحسن البصريّ (10).
ص:165
و إن بالغ،بأن زاد على ثلاث مرّات فوصل الماء إلى جوفه،أفطر قولا واحدا و به قال أحمد (1).
و روي عن عبد اللّه بن عبّاس أنّه إن توضّأ لمكتوبة (2)،لم يفطر،و إن كان للنافلة،أفطر (3).و هو رواية الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4).و به قال النخعيّ (5).
لنا:أنّه إذا توضّأ للصلاة،فعل فعلا مشروعا،فلا يترتّب عليه عقوبة؛لعدم التفريط شرعا.و لأنّه وصل إلى حلقه من غير إسراف و لا قصد،فأشبه ما لو طارت ذبابة إلى حلقه.
أمّا إذا كان متبرّدا أو عابثا؛فلأنّه فرّط بتعريض الصوم للإفساد،فلزمته العقوبة للتفريط.و لأنّه وصل بفعل منهيّ عنه،فأشبه المتعمّد،و لا كفّارة عليه؛لأنّه غير قاصد للإفساد و الهتك.
و يؤيّد ما ذكرناه:ما رواه الشيخ عن سماعة قال:سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش،فدخل حلقه،قال:«عليه قضاؤه،و إن كان في وضوء فلا بأس» (6).
و عن الريّان بن الصلت،عن يونس،قال:الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء،و إن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه،فلا شيء عليه و قد تمّ
ص:166
صومه،و إن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه،فعليه الإعادة، و الأفضل للصائم أن لا يتمضمض (1).
احتجّ أبو حنيفة:بأنّه أوصل الماء إلى جوفه ذاكرا لصومه،فأفطر،كما لو تعمّد شربه (2).
و الجواب:الفرق؛لأنّه فعل مشروعا فيما ادّعينا سقوط القضاء فيه من غير إسراف،بخلاف المتعمّد.
و احتجّ أيضا:بأنّ الآكل على أنّ الليل قد دخل،مفطر و هو بالناسي أشبه؛لأنّ كلاّ منهما لا يعلم أنّه صائم،فالسابق إلى جوفه الماء أولى بالإفطار؛لأنّه يعلم أنّه صائم (3).
و الجواب:ليس العلم وحده كافيا؛لأنّ المكره على الأكل عالم أنّه صائم،و مع ذلك لا يفطر،و كذا (4)صورة النزاع.
و نحن لا نقول بالقياس.
يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم،
قال:«ليس عليه شيء إذا لم يتعمّد» قلت:فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟قال:«ليس عليه شيء»قلت:
ص:167
تمضمض الثالثة؟قال:«ليس عليه شيء و لا قضاء» (1).و نحن نقول بموجب هذه الرواية و نحملها على المتمضمض للصلاة.
قال:«لا يبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات» (3).
قال الشيخ:و قد روي:«مرّة واحدة» (4).
دلّت رواية سماعة .
و قد روى الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصائم يتوضّأ للصلاة،فيدخل الماء حلقه،قال:«إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء،و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» (6).
و يلوح من كلام الشيخ في التهذيب وجوب الكفّارة.
و استدلّ بما رواه سليمان بن جعفر المروزيّ،قال:سمعته يقول:«إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان،أو استنشق متعمّدا،أو شمّ رائحة غليظة،أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار،فعليه صوم شهرين متتابعين،فإنّ ذلك له فطر مثل الأكل و الشرب و النكاح» (7).
ص:168
قال في الاستبصار:هذا الخبر محمول على من تمضمض تبرّدا فدخل حلقه شيء و لم يبزقه و بلعه متعمّدا،كان عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا (1).
فقال السيّد المرتضى-رحمه اللّه-:إنّها محرّمة،و لا يجب به قضاء و لا كفّارة (2).و به قال الحسن بن صالح بن حيّ، و داود (3).
و قال الشيخ في النهاية:يجب القضاء بالمائع لا بالجامد (4).
و قال أبو الصلاح:يجب القضاء مطلقا (5).و به قال الشافعيّ (6)،و أبو حنيفة (7)، و أحمد (8).
و قال مالك:يفطر بالكثير،و يجب به القضاء (9).
لنا على التحريم:ما تقدّم،و على عدم إيجاب القضاء و الكفّارة الأصل السالم عن المعارض.
ص:169
و ما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام:سئل (1)عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء و هما صائمان؟فقال:«لا بأس» (2).
و لأنّ الحقنة لا تحصل إلى المعدة،و لا إلى موضع الاغتذاء،فلا يؤثّر فسادا في الصوم،كالاكتحال،و قد سلف البحث في ذلك كلّه (3).
لأنّ الصوم عبادة من شرطها النيّة فأبطلتها الردّة،كالصلاة و الحجّ.و لأنّها عبادة محضة فنافاها الكفر،كالصلاة.
هذا إذا ارتدّ في أثناء اليوم،أمّا لو ارتدّ بعد انقضائه،صحّ صوم ذلك اليوم، و لا قضاء عليه فيه،خلافا لبعض الجمهور (4).
لنا:أنّه فعل ما وجب عليه فخرج عن العهدة،و الإحباط باطل،و قد بيّنّاه في كتبنا الكلاميّة (5).
و عليهم القضاء لا غير،
و سيأتي البحث في ذلك كلّه إن شاء اللّه.
تكرّرت الكفّارة.
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم،إلاّ رواية عن أبي حنيفة (6)،
ص:170
سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفّر.
أمّا لو جامع في يومين من رمضان واحد،وجبت عليه كفّارتان،سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفّر.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الشافعيّ (1)،و مالك (2)، و اللّيث،و ابن المنذر،و روي أيضا عن عطاء و مكحول (3).
و قال أبو حنيفة:إن لم يكفّر عن الأوّل فكفّارة واحدة،و إن كفّر فروايتان:إحداهما:أنّها كفّارة واحدة أيضا (4).و به قال أحمد (5)،و الزهريّ، و الأوزاعيّ (6).
لنا:أنّ صوم كلّ يوم عبادة منفردة عن الآخر لا يتّحد صحّته مع صحّة ما قبله و لا ما بعده،و لا بطلانه مع بطلانه،فلا يتّحد أثر السببين فيهما.
و لأنّ أحد الأثرين لا يتّحد مع الآخر،و هو القضاء،و كذا (7)الأثر (8)الآخر.
و لأنّ المقتضي مستقلّ بالتأثير في الأوّل،و هو موجود في الثاني،فيؤثّر أثره نوعا لا شخصا،و إلاّ تواردت العلل على معلول واحد.
و لأنّ الكفّارة عقوبة على إفساد صوم صحيح فتتكرّر بتكرّره.
و لأنّ كلّ يوم عبادة منفردة،فإذا وجبت الكفّارة بإفساده،لم تتداخل مع
ص:171
غيرها،كرمضانين و كالحجّين.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّها تجب على وجه العقوبة،و لهذا تسقط بالشبهة،و هو إذا ظنّ أنّ الفجر لم يطلع،و ما هذا سبيله يتداخل العقوبة فيه،كالحدود (1).
و الجواب:الفرق،فإنّ الحدود عقوبة على البدن،و هذه كفّارة فاعتبارها بالكفّارات أولى.
و لأنّ الحدود تتداخل في سببين.و لأنّ الحدّ مبنيّ على التخفيف،فلم يتكرّر بتكرّر سببه قبل استيفائه،و ليس كذا التكفير في مقابلة الإفساد.
و الذي يقتضيه مذهبنا أنّه لا تتكرّر الكفّارة (2).
و قال السيّد المرتضى-رحمه اللّه-:تتكرّر الكفّارة (3).
و قال ابن الجنيد:إن كفّر عن الأوّل كفّر ثانيا،و إلاّ كفّر كفّارة واحدة عنهما (4).
و بقول الشيخ-رحمه اللّه-قال أبو حنيفة (5)،و مالك (6)،و الشافعيّ (7).
و بقول ابن الجنيد قال أحمد (8)،و الأقوى ما اختاره الشيخ.
لنا:أنّ الوطء الثاني لم يقع في صوم صحيح،فلا يوجب الكفّارة.و لأنّه
ص:172
لم يحصل به هتك فلا يساوي ما يوجبه.و لأنّ أحد الأمرين (1)و هو القضاء لا يثبت،فلا يثبت الآخر.
احتجّ السيّد المرتضى:بأنّ الجماع سبب تامّ في وجوب الكفّارة فتتكرّر بتكرّره؛عملا بالمقتضي،و كما لو تكرّره (2)في يومين.
و بما روي عن الرضا عليه السّلام أنّ الكفّارة تتكرّر بتكرّر الوطء (3).و لأنّه وطء محرّم كحرمة رمضان،فأوجب الكفّارة،كالأوّل (4).
و الجواب عن الأوّل:بأنّ الجماع مطلقا ليس بمقتض للكفّارة،بل مع وصف الهتك،و إلاّ لوجب على المسافر،و بهذا ظهر الفرق بينه و بين وطء يومين.
و رواية الرضا عليه السّلام،لا يحضرني الآن حال رواتها،و الفرق بين حرمة الأكل أوّلا و ثانيا ظاهر و إن اشتركا في التحريم،إلاّ أنّ للأوّل مزيّة الهتك،بخلاف الثاني.
و قول الشيخ-رحمه اللّه-:ليس لأصحابنا فيه نصّ،يحتمل أنّه قاله قبل وقوفه على هذه الرواية المنقولة عن الرضا عليه السّلام،و قال عن قول ابن الجنيد:
إنّه قال قياسا،و ذلك لا يجوز عندنا (5).
.
لأنّ الإمساك و إن وجب،
ص:173
إلاّ أنّه ليس بصوم صحيح،و الكفّارة تختصّ (1)بما يحصل به الفطر و يفسد به الصوم الصحيح.
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بالكفّارة حين أخبره بالفطر (2)،فاختصّ الحكم به،كما لو نطق به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛لأنّ الجواب يتضمّن إعادة السؤال.
أم لا؟
فيه تردّد ينشأ من تعليق الكفّارة بالجماع و الأكل مثلا مطلقا و قد وجدا، فتكرّرت الكفّارة،و الفرق بينه و بين إيجاد السبب أنّ التعليق على الماهيّة المتناولة للواحد و الكثير،و من كون السبب الهتك و إفساد الصوم الصحيح،و هو منتف في الثاني.
و إن لم يعرف قواعد الإسلام،عرّف،ثمّ يعامل بعد ذلك بما يعامل به المولود على الفطرة.
و إن اعتقد التحريم،عزّر،فإن عاد عزّر،فإن عاد قتل في الثالثة.و قيل:بل في الرابعة (3).
و الأوّل:رواية سماعة،قال:سألته عن رجل أخذ في شهر رمضان (4)ثلاث مرّات،و قد يرفع إلى الإمام ثلاث مرّات،قال:«فليقتل في الثالثة» (5).
ص:174
و في الصحيح عن بريد العجليّ قال:سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيّام،قال:«يسأل هل عليك في إفطارك إثم؟فإن قال:لا،فإنّ على الإمام أن يقتله،و إن قال:نعم،فإنّ على الإمام أن ينهكه ضربا» (1).
و الثاني:أحوط؛لأنّ التهجّم على الدم خطر،و سيأتي تحقيق ذلك كلّه إن شاء اللّه تعالى.
ذهب إليه علماؤنا،و عليه كفّارتان،و لا كفّارة عليها و لا قضاء.
و لو طاوعته،عزّر كلّ واحد منهما بخمسة و عشرين سوطا،و كان على كلّ واحد منهما كفّارة واحدة؛لأنّه مع الإكراه سبب تامّ في صدور الذنبين،فتحمّل ما تجب عليها لو طاوعته.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن المفضّل بن عمر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة،فقال:«إن كان استكرهها،فعليه كفّارتان،و إن كانت طاوعته،فعليه كفّارة و عليها كفّارة،و إن كان أكرهها،فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ،و إن كانت طاوعته،ضرب خمسة و عشرين سوطا،و ضربت خمسة و عشرين سوطا» (2).
و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة السند،إلاّ أنّ أصحابنا ادّعوا الإجماع على مضمونها مع ظهور العمل بها و نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السّلام،و إذا عرف ذلك لم يعتدّ بالناقلين؛إذ يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم و إن أسندت (3)في
ص:175
الأصل إلى الضعفاء.
و عليه كفّارتان (1).
و نحن نمنع ذلك في النائمة،لعدم الدليل عليه،مع أنّ الأصل براءة الذمّة، و القياس على المكرهة باطل (2).لا نقول به.
و لأنّ الفرق موجود؛إذ في الإكراه من التهجّم على إيقاع الذنب ما ليس بموجود في النائمة.و لأنّه ثبت على خلاف الأصل؛إذ صومها صحيح و الكفّارة تتبع البطلان،لكنّا صرنا إليه في المكرهة للإجماع،و هو مفقود في النائمة،فيبقى على الأصل.
نفسها،أفطرت،
و لزمها القضاء؛لأنّها دفعت عن نفسها الضرر (3)بالتمكين، كالمريض و لا كفّارة عليها؛لقولهم عليهم السّلام:لا كفّارة على المكرهة (4).
و نحن نقول:إن كانت مكرهة فلا قضاء عليها أيضا؛لقوله عليه السّلام:«رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه» (5).
و إن لم تكن مكرهة؛فلا وجه لسقوط الكفّارة.و الحقّ أنّها مكرهة،و لا فرق
ص:176
بين الإجبار و بين الضرب حتّى تمكّن من نفسها،و القياس على المريض باطل لا نقول به.و لأنّ المريض سقط (1)عنه فرض الصيام إلى القضاء؛لدليل،و ليس كذلك صورة النزاع.
و على رواية أخرى:«ثلاث كفّارات» (2).
و هل يتحمّل عنها الكفّارة لو أكرهها؟قال بعض علمائنا:نعم؛لأنّ الزنا أغلظ حكما من الوطء المحلّل،فالذنب فيه أفحش،فإذا تحمّل في أضعف الذنبين فتحمّله في أعلاهما أولى (3).
و نحن نقول:إنّه ليس بمنصوص عليه و لا في معناه؛إذ لا نسلّم أنّ الكفّارة لتكفير الذنب.سلّمنا لكنّها لا يلزم من كونها مسقطة لأقلّ الذنبين،إسقاطها لأعلاهما،فإذا الأولى (4)الاقتصار على موضع التنصيص و عدم التحمّل هنا.
ص:177
فيما يستحبّ للصائم اجتنابه
لما لا يؤمن معه من شدّة الميل المنتهي إلى الإنزال فيعرّض نفسه لإفساد الصوم،و قد أجمع كلّ من يحفظ عنه العلم على كراهة التقبيل لذي الشهوة؛لما ذكرناه.
و لما رواه الجمهور عن عمر بن الخطّاب قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المنام،فأعرض عنّي،فقلت له:ما لي؟فقال:«إنّك تقبّل و أنت صائم» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم و زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه سئل،هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟فقال:«إنّي أخاف عليه فليتنزّه عن ذلك،إلاّ أن يثق أن لا يسبقه منيّه» (2).
و عن الأصبغ بن نباتة،قال:جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام،فقال:يا أمير المؤمنين أقبّل و أنا صائم؟فقال له:«عفّ صومك،فإنّ بدء القتال اللطام» (3).
ص:178
و لأنّ العبادة إذا منعت الوطء منعت القبلة،كالإحرام.
إذا ثبت هذا،فنقول:القبلة لا تنقض الصوم بمجرّدها بالإجماع.
و قد روى الشيخ-في الصحيح-عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«لا تنقض القبلة الصوم» (1).
و عن سماعة بن مهران،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القبلة في شهر رمضان للصائم أ تفطره؟فقال:«لا» (2).
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقبّل و هو صائم (3).
إذا ثبت هذا،فإنّ القبلة مكروهة في حقّ ذي الشهوة إذا لم يغلب على ظنّه الإنزال إجماعا،و لو غلب على ظنّه الإنزال فهل هى محرّمة أم لا؟الأكثر على أنّها مكروهة (4).
و قال بعض الشافعيّة:إنّها محرّمة حينئذ؛لأنّ إنزال الماء مفسد للصوم، فلا يجوز أن يعرّض الصوم للإفساد في الغالب من حاله (5).
لنا:أنّ عمر بن الخطّاب قال:هششت فقبّلت و أنا صائم،فقلت:يا رسول اللّه، صنعت اليوم أمرا عظيما قبّلت و أنا صائم،قال:«أ رأيت لو تمضمضت من إناء
ص:179
و أنت صائم»قلت:لا بأس،قال:«فمه» (1).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على الكراهية (2).
و لأنّ إفضاءه إلى الإفساد مشكوك فيه،فلا يثبت التحريم بالشكّ.
أمّا الشيخ الكبير المالك إربه و من لا تحرّك القبلة شهوته هل هي مكروهة (3)أم لا؟الأقرب عندي أنّها ليست مكروهة في حقّه.و به قال أبو حنيفة (4)، و الشافعيّ (5).
و الظاهر من كلام الشيخ في التهذيب الكراهة مطلقا (6)،و به قال مالك (7)،و عن أحمد روايتان (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقبّل و هو صائم،و كان أملككم لإربه (9).
و قبّل رجل امرأته،فأرسلت فسألت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فأخبرها النبيّ
ص:180
صلّى اللّه عليه و آله أنّه يقبّل و هو صائم،فقال الرجل:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليس مثلنا،قد غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر،فغضب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:«إنّي أخشاكم للّه و أعلمكم بما أتّقي» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي بصير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الصائم يقبّل؟قال:«نعم،و يعطيها لسانه تمصّه» (2).
و لرواية زرارة عن الباقر عليه السّلام أنّه سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟فقال:«إنّي أخاف عليه،فليتنزّه عن ذلك،إلاّ أن يثق أن لا يسبقه (3)منيّه» (4).
و لأنّ المقتضي و هو أصالة عدم الكراهة موجود،و المعارض و هو خوف الإنزال مفقود،فيثبت الحكم و هو الجواز المطلق.و لأنّها مباشرة بغير شهوة، فأشبهت لمسّ اليد لحاجة.
احتجّ أحمد:بحديث عمر من إعراض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه بمجرّد القبلة مطلقا (5).و بأنّ العبادة إذا منعت الوطء منعت القبلة،كالإحرام (6).
و الجواب عن الأوّل:أنّه استناد إلى منام،فلا تعويل عليه.سلّمنا لكنّه نهاه؛ لوجود الشهوة في حقّ عمر.و القياس على الإحرام ضعيف،فإنّ الإحرام يحرّم دواعي الجماع من الطيب و عقد النكاح،بخلاف الصوم.
ص:181
على ما تقدّم (1)،فإن أنزل،أفطر و وجب عليه القضاء و الكفّارة عندنا،و عند أحمد (2)،و مالك (3).
و قال الشافعيّ:لا تجب الكفّارة.و قد سلف البحث فيه (4).
عن أخيه موسى عليه السّلام،قال:سألته عن الرجل الصائم أ له أن يمصّ لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟قال:«لا بأس» (5).و هذه الرواية مناسبة للمذهب،و ينبغي أن يخلو لسان أحدهما من الرطوبة،فإن كانت فيه فليتحفّظ من ابتلاعها.
الرجل يضع يده على جسد امرأته و هو صائم،
فقال:«لا بأس،و إن أمذى فلا يفطر»قال:و قال:«و لا تباشروهنّ-يعني الغشيان (6)-في شهر رمضان بالنهار» (7).و هذه الرواية تدلّ على أنّ المذي لا ينقض الصيام،و قد بيّنّاه فيما، سلف (8)،خلافا لأحمد (9).
ص:182
و روى الشيخ أيضا عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان و هو صائم،فقال:«ليس عليه شيء،و إن أمذى فليس عليه شيء،و المباشرة ليس بها بأس،و لا قضاء يومه،و لا ينبغي له أن يتعرّض لرمضان» (1).
و لا يعارض ذلك ما رواه رفاعة بن موسى،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لامس جارية في شهر رمضان فأمذى،قال:«إن كان حراما فليستغفر اللّه استغفار من لا يعود أبدا،و يصوم يوما مكان يوم،و إن كان من حلال فليستغفر اللّه و لا يعود،و يصوم يوما مكان يوم» (2).
قال الشيخ:هذا حديث شاذّ نادر مخالف لفتيا مشايخنا كلّهم،و لعلّ الراوي و هم في قوله في آخر الخبر:«و يصوم يوما مكان يوم»لأنّ متضمّن الخبر يدلّ عليه؛لأنّه شرع في الفرق بين المذي من مباشرة حرام و بينه من حلال،و على الفتيا التي رواها لا فرق بينهما،فعلم أنّه و هم من الراوي (3).
و بما رواه الشيخ عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان و هو صائم فأمنى،فقال:«لا بأس» (4).
و ليس بمفطر
ص:183
و لا محظور،ذهب إليه علماؤنا،و به قال الشافعيّ (1)،و أبو حنيفة (2).
و قال أحمد:يفطر إن وجد طعمه في حلقه،و إلاّ فلا (3)،و بنحوه قال أصحاب مالك (4).
و عن ابن أبي ليلى و ابن شبرمة:أنّ الكحل يفطر الصائم (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي رافع مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،قال:
نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر و نزلت معه،فدعا بكحل إثمد (6)،و اكتحل به في رمضان و هو صائم (7).
و عن أنس:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كره السعوط للصائم،و لم يكره الكحل (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام في الصائم يكتحل،قال:«لا بأس به،ليس بطعام و لا شراب» (9).
ص:184
و عن ابن أبي يعفور،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكحل للصائم، فقال:«لا بأس به،إنّه ليس بطعام يؤكل» (1).
و عن عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا بأس بالكحل للصائم» (2).
و لأنّ العين ليست منفذا،فلم يفطر بالداخل فيها،كما لو دهن رأسه.
احتجّ أحمد:بأنّه أوصل إلى حلقه ما هو ممنوع من تناوله بفيه،فأفطر به، كما لو أوصله من أنفه (3).
و الجواب:أنّه قياس في معارضة النصّ،فلا يكون مسموعا.و لأنّ الإيصال إلى الحلق لا يستلزم الإفطار ما لم يبتلعه.و لأنّ الوصول من المسامّ لا يفطر، و لهذا (4)لو دلك رجله بالحنظل،وجد طعمه و لا يفطره.
و أمّا الاكتحال بما فيه مسك أو ما يصل إلى الحلق كالصّبر (5)،فإنّه مكروه؛لما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن عليّ،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصائم إذا اشتكى عينه يكتحل بالذرور و ما أشبهه،أم لا يسوغ له ذلك؟فقال:«لا يكتحل» (6).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل.
ص:185
يكتحل و هو صائم،فقال:«لا،إنّي أتخوّف أن يدخل رأسه» (1).و المراد بهذين الحديثين ما يوجد فيه المسك أو ما شابهه ممّا له رائحة جاذبة فدخل الحلق؛لما رواه الشيخ عن سماعة،قال:سألته عن الكحل للصائم،فقال:«إذا كان كحلا ليس فيه مسك و ليس له طعم في الحلق فليس به بأس» (2).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عن المرأة تكتحل و هي صائمة،فقال:«إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس» (3).و النهي في هذه الأخبار للكراهية لا التحريم؛عملا بالأصل،و بما قدّمناه،و بما رواه الشيخ عن الحسين بن أبي غندر (4)،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أكتحل بكحل فيه مسك و أنا صائم؟فقال:«لا بأس به» (5).
و لا يفطر بالحجامة، و ليست محظورة.ذهب إليه علماؤنا أجمع.
أمّا إخراج الدم المضعف،فإنّه لا يؤمن معه الضرر أو الإفطار،فيكون مكروها،
ص:186
و إن لم يضعف،لم يكن به بأس؛لانتفاء سبب الكراهية،و أمّا عدم الإفطار بالحجامة فهو قول علمائنا.و به قال في الصحابة الحسين بن عليّ عليهما السلام، و عبد اللّه بن عبّاس،و ابن مسعود،و أنس،و أبو سعيد الخدريّ،و زيد بن أرقم، و أمّ سلمة،و في التابعين:سعيد بن المسيّب،و جعفر بن محمّد الباقر عليهما السلام، و سعيد بن جبير،و طاوس،و القاسم بن محمّد،و سالم،و عروة،و الشعبيّ، و النخعيّ،و أبو العالية (1)،و به قال الشافعيّ (2)،و أبو حنيفة (3)،و مالك (4)، و الثوريّ،و أبو ثور،و داود (5).
و قال أحمد (6)،و إسحاق:يفطر الحاجم و المحجوم (7)-و عن أحمد في الكفّارة روايتان (8)-و اختاره ابن المنذر،و محمّد بن إسحاق بن خزيمة (9).و كان
ص:187
مسروق،و الحسن،و ابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله احتجم و هو صائم محرم (2).روى البخاريّ هذا الحديث مفصّلا،و روى أيضا أنّه احتجم و هو محرم (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحسين بن أبي العلاء قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحجامة للصائم،قال:«نعم،إذا لم يجد ضعفا» (4).
و عن سعيد الأعرج قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يحتجم، فقال:«لا بأس،إلاّ أن يتخوّف على نفسه الضعف» (5).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن ميمون،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه قال:
«ثلاثة لا يفطرن الصائم:القيء،و الاحتلام،و الحجامة،و قد احتجم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو صائم،و كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم» (6).
و لأنّه دم خارج من ظاهر البدن،فأشبه الفصد.
احتجّ أحمد:بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أفطر الحاجم
ص:188
و المحجوم» (1)رواه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أحد عشر نفسا (2).
و الجواب:يحتمل أنّه عليه السّلام أراد أنّهما قربا من الإفطار للضعف.و أيضا فهو منسوخ بخبرنا المنقول عنه عليه السّلام.و أيضا فيحتمل أنّه عليه السّلام أراد تفريقهما؛لأنّهما كانا يغتابان،على جهة المجاز،و لا استبعاد في ذلك.
أمّا إذا خاف الضعف فإنّها مكروهة له حينئذ؛لما لا يؤمن معه من الإفطار،أو الأذى.
و يؤيّده:روايتا الحسين بن أبي العلاء و سعيد الأعرج،و قد تقدّمتا.
و ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا بأس بأن يحتجم الصائم إلاّ في رمضان فإنّي أكره أن يغرّر بنفسه،إلاّ أن يخاف على نفسه،و إنّا إذا أردنا الحجامة في رمضان احتجمنا ليلا» (3).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الصائم أ يحتجم؟فقال:«إنّي أتخوّف عليه،أ ما يتخوّف على نفسه؟»قلت:ما ذا يتخوّف عليه؟قال:«الغشيان أو تثور به مرّة»قلت:أ رأيت إن قوي على ذلك و لم يخش شيئا؟قال:«نعم إن شاء» (4).
فإن خاف الضعف أو العطش،كره له
ص:189
ذلك؛لما لا يؤمن معه من الضرر أو الإفطار.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدخل الحمّام و هو صائم،فقال:«ليس به بأس» (1).
و يدلّ على الاشتراط ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل يدخل الحمّام و هو صائم،فقال:
«لا بأس ما لم يخش ضعفا» (2).
و يتأكّد في النرجس-و هو قول علمائنا أجمع-لأنّ للأنف اتّصالا بجوف الدماغ و يكره الإيصال إليه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن الحسن الصيقل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟فقال:«لا،و لا يشمّ الريحان» (3).
و عن الحسن بن راشد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الصائم يشمّ الريحان؟قال:«لا؛لأنّه لذّة و يكره[له] (4)أن يتلذّذ» (5).
و النهي في هذه المواضع للتنزيه و الكراهية،لا التحريم؛لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الصائم يشمّ الريحان و الطيب؟قال:«لا بأس» (6).
و في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام
ص:190
عن الصائم ترى للرجل أن يشمّ الريحان أم لا ترى له ذلك؟فقال:«لا بأس به» (1).
و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«الصائم يدهّن بالطيب و يشمّ الريحان» (2).
و عن الحسن بن راشد قال:كان أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا صام تطيّب بالطيب و يقول:«الطيب تحفة الصائم» (3).
و عن سعد بن سعد،قال:كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السّلام:هل يشمّ الصائم الريحان يتلذّذ به؟فقال عليه السّلام:«لا بأس به» (4).
و أمّا تأكيد الكراهية في النرجس،فيدلّ عليه ما رواه الشيخ عن محمّد بن العيص (5)(6)قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام ينهى عن النرجس،فقلت:
ص:191
جعلت فداك لم ذاك؟قال:«لأنّه ريحان الأعاجم» (1).
و يلحق بذلك المسك أيضا؛لشدّة رائحته.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن غياث،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام،قال:«إنّ عليّا عليه السّلام كره المسك أن يتطيّب به الصائم» (2).
أمّا المائع فقد اختلف علماؤنا فيه،فقال بعضهم:إنّه مفطر يوجب القضاء خاصّة (4).و قال آخرون:إنّه محرّم و ليس بمفطر (5)،و هو المختار،و قد سلف البحث في ذلك (6).
و قال الشافعيّ (7)،و أبو حنيفة (8)،و أحمد:الحقنة مطلقا مفطرة (9)،و لم يفرّقوا بين الجامد و المائع؛لأنّه جوف،فإذا وصل إليه باختياره و هو ذاكر للصوم مع إمكان الاحتراز عنه وجب أن يفطره،و نحن نمنع من الإفطار بما يصل إلى كلّ
ص:192
جوف و لا دليل عليه،و القياس عندنا باطل مع قيام الفرق؛إذ ما يصل إلى الجوف ممّا يحصل به الاغتذاء،ليس كما يصل إلى جوف الدماغ.
و يدلّ على كراهية الجامد ما رواه الشيخ عن عليّ بن الحسن،عن أبيه،قال:
«كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام:ما تقول في التلطّف (1)يستدخله الإنسان و هو صائم؟فكتب:لا بأس بالجامد» (2).
و لأنّه ليس بمحلّ الاغتذاء و لا موصل إليه،فلا يكون محظورا،كالاكتحال.
سواء وصل إلى المثانة أو لم يصل.و به قال الحسن بن صالح بن حيّ،و داود (3)،و أبو حنيفة (4)، و أحمد (5).
و قال الشافعيّ:يفطر (6).
لنا:أنّ الصوم حكم شرعيّ قد انعقد فلا يبطل إلاّ بدليل شرعيّ و لم يثبت.
و لأنّ الأصل الصحّة،فالبطلان طارئ مفتقر إلى سبب شرعيّ.و لأنّ الواصل إلى جوف الذكر كالواصل إلى جوف الأنف و الفم،فلا يكون مفطرا.
احتجّ الشافعيّ:بأنّه أوصل الدهن إلى جوف في جسده،فأفطر،كما لو داوى
ص:193
الجائفة.و لأنّ المنيّ يخرج من الذكر فيفطره،و ما أفطر بالخارج منه جاز أن يفطر بالداخل فيه،كالفم (1).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من الأصل،و بالفرق بين الجوف المشتمل على مواضع الاغتذاء و بين غيره.
و عن الثاني:بأنّ الجواز لا يستلزم الوقوع،و القياس على الفم باطل؛لأنّ الحكم ممنوع في الأصل؛إذ الدخول إلى الفم بمجرّده لا يوجب الإفطار،و قد سلف (2)في هذا كلام (3).
و قال أبو الصلاح:يفطر (5).و به قال الشافعيّ (6)،و مالك (7)،و أبو حنيفة (8)، و أحمد إذا وصل إلى دماغه (9).
لنا:أنّ الصوم انعقد شرعا،فلا يبطل جزافا،و لا دليل على بطلانه مع أصالة الصحّة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن حمّاد،قال:سألت أبا عبد اللّه
ص:194
عليه السّلام عن الصائم يصبّ في أذنه الدهن؟قال:«لا بأس به» (1).
و في الصحيح عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الصائم يشتكي أذنه يصبّ فيها الدواء؟قال:«لا بأس به» (2).
احتجّوا:بأنّه أوصل إلى جوفه مع ذكره للصوم مختارا،فأفطر،كالأكل (3).
و الجواب:قد تقدّم مرارا من أنّه ليس كلّ واصل إلى كلّ جوف مفطرا (4).
لأنّه يقتضي اكتناز (5)مسامّ البدن فيمنع خروج الأبخرة،و يوجب احتقان الحرارة باطن البدن،فيحتاج معه إلى التبريد.
و يؤيّده:رواية الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟فقال:«لا» (6).
و روى الشيخ عن الحسن بن راشد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
الحائض تقضي الصلاة؟قال:«لا»قلت:تقضي الصوم؟قال:«نعم»قلت:من أين جاء هذا؟قال:«إنّ أوّل من قاس إبليس»قلت:فالصائم يستنقع في الماء؟قال:
«نعم»قلت:فيبلّ ثوبا على جسده؟قال:«لا»قلت:من أين جاء هذا؟قال:«من ذاك (7)...» (8).و هذا النهي نهي تنزيه،لا تحريم؛عملا بالأصل المقتضي للإباحة.
ص:195
و بما رواه الشيخ-في الموثّق-عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الصائم يستنقع في الماء و يصبّ على رأسه،و يتبرّد بالثوب، و ينضح المروحة،و ينضح البوريا تحته،و لا يغمس رأسه في الماء» (1).
عملا بالأصل و بما تقدّم من الحديثين.
أمّا المرأة فيكره لها الجلوس في الماء.
و قال أبو الصلاح منّا:يلزمها القضاء (2)،و ليس بمعتمد.
لنا:أنّ الصوم انعقد شرعا فلا يبطل إلاّ بدليل،و لم يثبت.
احتجّ أبو الصلاح:بأنّها تحمل الماء في قبلها (3).و بما رواه الشيخ عن حنّان بن سدير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الصائم يستنقع في الماء؟قال:«لا بأس و لكن لا يغمس رأسه،و المرأة لا تستنقع في الماء؛لأنّها تحمله بقبلها» (4).
و الجواب:لا نسلّم أنّها تحمل الماء،سلّمنا،لكنّنا نمنع الإفطار بذلك، و حنّان بن سدير واقفيّ،و نحملها على الكراهية-كما اختاره الشيخان (5)-جمعا بين الأدلّة.
ص:196
فلو فعل صنفا تجب به الكفّارة،ثمّ سقط فرض الصوم في ذلك اليوم بسفر أو حيض أو جنون أو إغماء، قال الشيخ لا تسقط الكفّارة (3).و به قال مالك (4)،و ابن أبي ليلى (5)،و أحمد (6)، و إسحاق (7)،و أبو ثور،و داود (8).
و قال أبو حنيفة (9)،و الثوريّ:إنّها تسقط (10)،و للشافعيّ قولان (11).
و قال زفر:تسقط بالحيض و الجنون دون المرض و السفر (12).و قال بعض أصحاب مالك:تسقط بالسفر دون المرض و الجنون (13).
لنا:أنّه وجد المقتضي و هو الهتك و الإفساد بالسبب الموجب للكفّارة،فيثبت الأثر،و المعارض-و هو العذر المسقط لفرض الصوم-لا يصلح للمانعيّة؛إذ لم يزل
ص:197
الهتك و الإفساد المتقدّم.و لأنّه معنى طرأ بعد وجوب الكفّارة فلا يسقطها،كالسفر عند زفر.
احتجّ المخالف:أنّ هذا اليوم خرج بالمرض و الحيض من استحقاق الصوم فلا يجب بالوطء فيه كفّارة،كالمسافر،و كما لو قامت البيّنة بأنّه من شوّال (1).
و الجواب:لا نسلّم عدم استحقاقه قبل العذر؛و لهذا يجب الإمساك فيه قبل العذر إجماعا،و الفرق موجود بين صورة النزاع و بين المسافر و أوّل شوّال مع قيام البيّنة؛لأنّ الصوم في السفر غير مستحقّ،و كونه من شوّال غير طارئ (2).
أمّا زفر فإنّه قال:الحيض يخرج الإمساك الأوّل من أن يكون صوما،و المرض لا يبطله (3).و هو فاسد؛لأنّ المرض و ان لم يفسده فإنّه يجوّز إفساده،و ما يجوّز إفساده لا تجب الكفّارة به،كالفاسد.
و قول أبي حنيفة لا يخلو من قوّة؛لأنّه في علم اللّه تعالى غير مكلّف بصوم ذلك اليوم.و الأقرب الأوّل.
ص:198
فيمن يصحّ منه الصوم
و هو قول العلماء كافّة.و عن أحمد رواية أنّه يجب عليه الصوم إذا أطاقه (1).
لنا:الإجماع-و مخالفة الشاذّ لا اعتداد به-و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«رفع القلم عن ثلاث:عن الصبيّ حتّى يبلغ،و عن المجنون حتّى يفيق،و عن النائم حتّى يستيقظ» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن معاوية بن وهب،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في كم يؤخذ الصبيّ بالصّيام؟فقال:«ما بينه و بين خمس عشرة سنة، و أربع عشرة سنة،و إن هو صام قبل ذلك فدعه» (3).
ص:199
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«على الصبيّ إذا احتلم الصيام،و على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار،إلاّ أن تكون مملوكة،فإنّه ليس عليها خمار،إلاّ أن تحبّ أن تختمر،و عليها الصيام» (1).
و لأنّ العقل شرط في التكليف و هو عسر (2)المعرفة،فلا بدّ من أن يناط بوصف ظاهر يكون معرّفا (3)لحصوله و هو بلوغ السنّ التي قرّرها الشارع.و لأنّها عبادة بدنيّة فلا تجب على الصبيّ،كالحجّ.
احتجّ أحمد (4):بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيّام،وجب عليه صيام شهر رمضان» (5).
و لأنّها عبادة بدنيّة فأشبه الصلاة،و قد أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأن يضرب على الصلاة من بلغ عشرا (6).
و الجواب:حديثه مرسل،و مع ذلك فهو محمول على الاستحباب،و سمّاه واجبا تأكيدا لاستحبابه،كقوله عليه السّلام:«غسل الجمعة واجب على كلّ محتلم» (7).
ص:200
و نمنع الأصل المقيس عليه.و ضرب الغلام على ترك الصلاة للتمرين و خفّة المئونة،بخلاف الصيام.
لا يقال:قد روى الشيخ عن السكونيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه عليهما السلام،قال:«الصبيّ إذا أطاق الصوم ثلاثة أيّام متتابعة،فقد وجب عليه صيام شهر رمضان» (1).
و عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه سئل عن الصبيّ متى يصوم؟قال:«إذا أطاقه» (2).
لأنّا نقول:إنّه محمول على الاستحباب على ما تقدّم (3).
قال الشيخ:و حدّه إذا بلغ تسع سنين،و يختلف حاله بحسب المكنة و الطاقة (5).هذا على جهة الاستحباب دون الفرض و الإيجاب على ما تقدّم (6).و يلزم به وجوبا إذا بلغ خمس عشرة سنة، و سيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى.
و لا خلاف بين أهل العلم في شرعيّة ذلك؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر وليّ الصبيّ بذلك (7).
ص:201
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم،فإذا غلبهم العطش أفطروا» (1).
و لأنّ فيه تمرينا على الطاعة (2)و منعا عن الفساد،فكان شرعه (3)ثابتا في نظر الشرع.
إذا ثبت ذلك،فإنّ صومه صحيح شرعيّ و نيّته صحيحة،و ينوي الندب؛لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله،فلا ينوي غيره.
و قال أبو حنيفة:إنّه ليس بشرعيّ،و إنّما هو إمساك عن المفطرات للتأديب (4).
و فيه قوّة.
و كذا المرأة تؤمر بالصيام قبل سنّ البلوغ و هو تسع سنين،أو الإنزال،أو الحيض على ما يأتي؛لأنّ المقتضي في الصبيّ موجود فيها (5)فيثبت الأثر (6).
لأنّ التكليف يستدعي العقل؛لأنّ تكليف غير العاقل قبيح؛و لقوله عليه السّلام:«و عن المجنون
ص:202
حتّى يفيق» (1).
و لا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبيّ به،بلا خلاف؛لأنّه غير مميّز،بخلاف الصبيّ؛فإنّه مميّز،فكان للتكليف في حقّه فائدة،بخلاف المجنون.
هذا إذا كان جنونه مطبقا،أمّا لو أفاق وقتا دون وقت،فإن كان إفاقته يوما كاملا،وجب عليه الصيام فيه؛لوجود المقتضي بشرطه و هو التعقّل ذلك اليوم، و عدم المانع و هو عدم التعقّل.
و لأنّ صوم كلّ يوم عبادة بانفراده،فلا يؤثّر فيه ما يزيل الحكم عن غيره.و كذا المغمى عليه يسقط الصوم عنه،و سيأتي البحث فيه.
أمّا اشتراطه في الصحّة؛فلأنّ الكافر لا يعرف اللّه تعالى،فلا يصحّ أن يتقرّب إليه،و النيّة شرط في الصوم،و فوات الشرط يستلزم عدم المشروط تحقيقا للشرط.
و أمّا عدم اشتراطه في الوجوب فلما تقدّم من أنّ الكفّار مخاطبون بفروع العبادات،و قد سلف الخلاف فيه (2)،و هذا مذهب علمائنا أجمع.
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم.
روى الجمهور عن عائشة قالت:كنّا نحيض على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و
ص:203
آله،فنؤمر بقضاء الصوم و لا نؤمر بقضاء الصلاة (1).
و عن أبي سعيد قال:قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أ ليس إحداكنّ إذا حاضت لم تصلّ و لم تصم فذلك من نقصان دينها» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة أصبحت صائمة في رمضان،فلمّا ارتفع النهار حاضت،قال:
«تفطر»قال:و سألته عن امرأة رأت الطهر أوّل النهار،قال:«تصلّي و تتمّ يومها و تقضي» (3).
و في الصحيح عن عيص بن القاسم البجليّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس،قال:«تفطر حين تطمث» (4).
و في الصحيح عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«أيّ ساعة رأت المرأة الدم فهى تفطر الصائمة إذا طمثت» (5).
و في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن امرأة أصبحت صائمة،فلمّا ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أ تفطر؟قال:«نعم، و إن كان وقت المغرب فلتفطر»قال:و سألته عن امرأة رأت الطهر في أوّل النهار في
ص:204
شهر رمضان فتغتسل و لم تطعم كيف تصنع في ذلك اليوم؟قال:«تفطر ذلك اليوم، فإنّما فطرها من الدم» (1)و لا خلاف بين المسلمين في ذلك.
و لأنّ دم النفاس هو دم الحيض،و حكمه حكمه بلا خلاف.
سواء وجد في أوّله أو آخره،بلا خلاف بين العلماء كافّة،و يدلّ عليه ما تقدّم من الأحاديث.
لا يقال:قد روى الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال،فهي في سعة أن تأكل و تشرب، و إن عرض لها بعد الزوال فلتغتسل و لتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل و تشرب» (2).
لأنّا نمنع صحّة سنده؛إذ في طريقه عليّ بن فضّال،و هو فطحيّ.
قال الشيخ:هذا الحديث و هو من الراوي؛لأنّه إذا كان رؤية الدم هو المفطر، فلا يجوز لها أن تعتدّ بذلك اليوم،و إنّما يستحبّ لها أن تمسك بقيّة النهار تأديبا إذا رأت الدم بعد الزوال (3)؛لما رواه محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة ترى الدم غدوة،أو ارتفاع النهار،أو عند الزوال،قال:«تفطر،و إذا كان بعد العصر،أو بعد الزوال فلتمض على صومها و لتقض ذلك اليوم» (4).
ص:205
و لم ينعقد صومها،
و يجب عليها القضاء،و هو وفاق.
أحدهما:إنّه يفسد صومه بزوال عقله،ذهب إليه أكثر علمائنا (1).و به قال الشافعيّ (2).
و الثاني:إن سبقت منه النيّة صحّ صومه و كان باقيا عليه،اختاره المفيد-رحمه اللّه (3)-و هو قول للشافعيّ (4)،و له قول ثالث:إنّه إن أفاق في بعضه أوّله أو وسطه أو آخره صحّ صومه،و إلاّ فلا (5).
و قال مالك:إن أفاق قبل الفجر و استدام حتّى يطلع الفجر صحّ صومه،و إلاّ فلا (6).
و قال أحمد:إذا أفاق في جزء من النهار صحّ صومه (7).
و قال أبو حنيفة (8)،و المزنيّ:يصحّ صومه و ان لم يفق في شيء منه (9).
ص:206
لنا:أنّه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوبا و ندبا،فلا يصحّ منه الصوم مع سقوطه.
و لأنّ كلّ ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه،أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون و الحيض.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ في-الحسن-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كلّما غلب اللّه عليه،فليس على صاحبه شيء» (1).
و لأنّ سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم،و الأوّل ثابت على ما يأتي،فيتحقّق الثاني.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّ النيّة قد صحّت،و زوال الشعور بعد ذلك لا يمنع من صحّة الصوم كالنوم (2).
و الجواب:الفرق،فإنّ النوم جبلّة و عادة،و لا يزيل العقل،و لهذا متى نبّه تنبّه، و الإغماء عارض يزيل العقل،فأشبه الجنون،فكان حكمه حكمه.
أمّا السكران فلا يسقط عنه الفرض؛لأنّه الجاني على نفسه،فلا يسقط بفعله فرض الصوم،و كذا النائم.
و لو أخلّت بالأغسال لم تعتدّ (1)بذلك الصوم و تقضيه؛لفوات شرطه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن مهزيار،قال:كتبت إليه:
امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان،ثمّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين،هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟فكتبت:«تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؛لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر فاطمة و المؤمنات من نسائه بذلك» (2).
قال الشيخ:إنّما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلا،أو لا تعلم ما يلزم المستحاضة،فأمّا مع العلم بذلك و الترك له على العمد يلزمها القضاء (3).
إنّما يعتبر الغسل في صوم المستحاضة في حقّ من يجب عليها،أمّا من لا يجب،كالتي لا يظهر الدم على الكرسف،فإنّه لا يعتبر في صومها غسل و لا وضوء.
و أمّا كثيرة الدم التي يجب عليها غسل واحد،فإنّها إذا أخلّت به،بطل صومها.
و التي يجب عليها الأغسال الثلاثة لو أخلّت بأحد غسلي النهار فكذلك.
و لو أخلّت بالغسل الذي للعشاءين،فالأقرب صحّة صومها؛لأنّ ذلك الغسل إنّما يقع بعد انقضاء صوم ذلك اليوم.
ص:208
و به قال أهل الظاهر (1)،و أبو هريرة (2).
و قال أكثر الفقهاء:إنّه يصحّ (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ليس من البرّ الصيام في السفر» (4).
و عنه عليه السّلام:«أنّه قال:«الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار قال:
سمعته يقول:«إذا صام الرجل رمضان في السفر،لم يجزئه،و عليه الإعادة» (6).
و عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصوم في السفر في شهر رمضان و لا غيره» (7).و سيأتي البحث مع الفقهاء إن شاء اللّه تعالى.
ص:209
و السفر الموجب للإفطار هو الموجب للتقصير في الصلاة بشرائطه،و قد بيّنّاها في كتاب الصلاة (1).
أمّا الندب ففي صحّته في السفر قولان:و الأقرب الكراهية.قال الشيخ في المبسوط:يكره صوم التطوّع في السفر،و روى جواز ذلك (2).
لنا:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أحمد بن محمّد،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصيام بمكّة و المدينة و نحن في سفر،قال:«فريضة؟»فقلت:لا، و لكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة،فقال:«تقول اليوم و غدا؟»قلت:نعم،فقال:
«لا تصم» (3).
قال الشيخ:و لو خلّينا و ظاهر هذه الأخبار لقلنا:إنّ صوم التطوّع في السفر محظور،كما أنّ صوم الفريضة محظور،غير أنّه ورد فيه من الرخص ما نقلنا عن الحظر إلى الكراهة (4).
روى ذلك إسماعيل بن سهل (5)عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينة في أيّام بقين من (6)شعبان فكان يصوم،ثمّ
ص:210
دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فأفطر،فقيل له:أ تصوم شعبان و تفطر شهر رمضان؟!فقال:«نعم،شعبان إليّ إن شئت صمته،و إن شئت لا،و شهر رمضان عزم من اللّه عزّ و جلّ عليّ الإفطار» (1).
و عن الحسن بن بسّام الجمّال (2)،عن رجل قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما بين مكّة و المدينة في شعبان و هو صائم،ثمّ رأينا هلال شهر رمضان فأفطر،فقلت له:جعلت فداك،أمس كان من شعبان و كنت صائما،و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر،فقال:«إنّ ذلك تطوّع و لنا أن نفعل ما شئنا،و هذا فرض و ليس (3)لنا أن نفعل إلاّ ما أمرنا» (4).
قال الشيخ:هذان خبران مرسلان،فالعمل بما تقدّم أولى (5).
و قول الشيخ جيّد،و لعلّ احتجاج القائلين بالجواز هذان الحديثان و قد ضعّفهما الشيخ على ما يرى (6)،و التمسّك بالأصل و هو الإباحة ضعيف؛لأنّا قد بيّنّا وجود النهي عنهم (7)عليهم السلام عن ذلك،فلا أقلّ من الكراهة.
مسألة:و يصحّ الصوم الواجب سفرا في مواضع:
ص:211
أحدها:من نذر صوم يوم معيّن،و شرط في نذره صومه سفرا و حضرا،فإنّه يجب عليه صومه و إن كان مسافرا،اختاره الشيخان (1)و أتباعهما (2)؛لعموم قوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (3).و قوله تعالى: وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا (4).
و لأنّ الأصل صحّة النذر،و إذا صحّ لزم.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:سألته عن الرجل يجعل للّه عليه صوم يوم مسمّى،قال:«يصومه أبدا في السفر و الحضر» (5).
قال الشيخ:الوجه فيه[أنّه] (6)إذا شرط على نفسه أن يصوم في السفر و الحضر (7)؛لما رواه عليّ بن مهزيار قال:كتب بندار مولى إدريس:يا سيّدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت،فإن أنا لم أصمه،ما يلزمني من الكفّارة؟فكتب و قرأته:«لا تتركه إلاّ من علّة،و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض،إلاّ أن تكون نويت ذلك،و إن كنت أفطرت منه من غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة مساكين،نسأل اللّه التوفيق لما يحبّ و يرضى» (8)و لا نعلم مخالفا لهما من
ص:212
علمائنا،فوجب المصير إليه.
و ثانيها:صوم ثلاثة أيّام لبدل دم المتعة؛لقوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ (1)و سيأتي تحقيق ذلك إن شاء اللّه تعالى.
و ثالثها:صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات عامدا عالما و عجز عن الفداء و هو البدنة و سيأتي.
و رابعها:إذا كان سفره أكثر من حضره،أو عزم على المقام عشرة أيّام،أو كان سفره معصية.و قد تقدّم بيان ذلك كلّه في كتاب الصلاة (2).
و لا يجوز الصوم واجبا لغير هؤلاء سفرا.و فيه قول للمفيد بجواز صوم ما عدا رمضان من الواجبات (3)،و هو نادر و قد بيّنّا ضعفه (4).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن كرام،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم،فقال:«صم و لا تصم في السفر، و لا العيدين،و لا أيّام التشريق،و لا اليوم الذي تشكّ (5)فيه من شهر رمضان» (6).
و ما رواه عن عمّار الساباطيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقول:للّه عليّ أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقلّ،فعرض له أمر لا بدّ له أن يسافر،أ يصوم و هو مسافر؟قال:«إذا سافر فليفطر؛لأنّه لا يحلّ له الصوم في
ص:213
السفر،فريضة كان أو غيره،و الصوم في السفر معصية» (1)و هذا نصّ في الباب.
و هو مستثنى من الكراهية؛لضرورة السفر و المحافظة على الصوم في ذلك الموضع.
و يدلّ عليه ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيّام صمت أوّل يوم الأربعاء، و تصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة،و هي الأسطوانة التي كان ربط [نفسه] (2)إليها حتّى نزل عذره من السماء،و تقعد عندها يوم الأربعاء،ثمّ تأتي ليلة الخميس التي تليها ممّا يلي مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليلتك و يومك،و تصوم يوم الخميس،ثمّ تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مصلاّه ليلة الجمعة،فتصلّي عندها ليلتك و يومك،و تصوم يوم الجمعة،و إن استطعت أن لا تتكلّم بشيء في هذه الأيّام[فافعل] (3)إلاّ ما لا بدّ لك منه،و لا تخرج من المسجد إلاّ لحاجة،و لا تنام في ليل و لانهار فافعل،فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل، ثمّ احمد اللّه في يوم الجمعة و اثن عليه،و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سل حاجتك،و ليكن فيما تقول:اللهمّ ما كانت لى إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع،سألتكها أو لم أسألكها،فإنّي أتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة صلّى اللّه عليه و آله في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها،فإنّك حريّ أن تقضى حاجتك إن شاء اللّه تعالى» (4).
ص:214
لأنّ الضرر منفيّ بقوله عليه السّلام:«لا ضرر و لا إضرار (1)في الإسلام» (2)فالمؤدّي إليه وجب أن لا يكون مشروعا.و لو تكلّف المريض الصوم حينئذ لم يصحّ؛لأنّه منهيّ عنه و النهي في العبادات يدلّ على فساد المنهيّ عنه.و لو لم يتضرّر بالصوم و قدر عليه،وجب عليه؛عملا بالعموم،و المرض ليس بمانع؛لأنّ التقدير ذلك،و المرجع في ذلك إلى الإنسان نفسه،و سيأتي تمام البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
ص:215
في الزّمان الذي يصحّ صومه
و يدلّ عليه النصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (1).و لا خلاف بين المسلمين في ذلك.
و لو نذر صومه لم ينعقد؛لأنّه ليس محلاّ له،فلم يكن الإمساك فيه عبادة مطلوبة للشرع فلا يصحّ نذره،و كذا لو نذر صوم النهار و الليل معا؛لأنّه لا يصحّ صومه بانفراده،فلا يصحّ منضما إلى غيره،و لا خلاف في هذا كلّه.
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى عن صوم هذين اليومين، أمّا يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم،و أمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم (2).
و عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام:يوم
ص:216
الفطر،و يوم النحر،و أيّام التشريق،و اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن الزهريّ،عن عليّ بن الحسين عليهما السلام،قال في حديث طويل ذكر فيه وجوه الصيام:«و أمّا الصوم الحرام، فصوم يوم الفطر،و يوم الأضحى» (2)الحديث.
و لا خلاف في تحريم صوم العيدين بين المسلمين كافّة.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الشافعيّ (3).
و قال أبو حنيفة:صومه محرّم و لو نذره انعقد و لزمه أن يصوم غيره،و إن صام فيه عن نذر مطلق لم يجزئه (4).
لنا:أنّه محرّم شرعا،فلا يصحّ نذره،و لأنّه معصية،لأنّه منهيّ عنه؛لقوله عليه السّلام:«ألا لا تصوموا هذه الأيّام» (5)فلا يتقرّب بالنذر فيه إلى اللّه تعالى؛ لتضادّ الوجهين و استحالة اجتماعهما.
و لقوله عليه السّلام:«لا نذر في معصية» (6).
ص:217
و لأنّه نذر صوما محرّما فكان النذر باطلا،كما لو نذرت أن تصوم أيّام حيضها أو ليلا.
و لأنّ ما لا يصحّ صومه عن النذر المطلق و الكفّارة لا يصحّ عن النذر المعيّن فيه،كأيّام الحيض و النفاس.
احتجّ:بأنّه نذر صوم يوم مع أهليّته للصوم فيه،فانعقد نذره كسائر الأيّام.و لأنّ الصوم المطلق عبادة فصحّ نذره،و التعيين باطل فيبقى المطلق منصرفا إلى غير المنهيّ عنه.و لأنّه نذر بصوم مشروع فيصحّ النذر به؛لقوله عليه السّلام:«من نذر و سمّى فعليه الوفاء بما سمّى» (1)و النهي غير متوجّه إلى الصوم؛لعدم قبوله قضيّة النهى؛لمشروعيّته،كالصلاة في الدار المغصوبة (2).
و الجواب:أنّ ما ذكره ليس بصحيح؛لأنّه نذر صوما محرّما فكان النذر باطلا، كما لو نذرت أن تصوم أيّام حيضها أو ليلا،و اليوم المذكور لا يقبل وقوع الصوم فيه،فلم يكن الناذر أهلا للصوم فيه،و المطلق لا تحقّق له إلاّ مع قيد التشخّص، فالناذر إن أطلقه تخيّر في جهات التشخيص،و إن عيّنه انصرف إلى المعيّن،فإن كان قابلا للصوم انعقد نذره،و إلاّ فقد صرف المطلق إلى ما لا يصحّ إيجاده فيه،فكان كما لو صرفه إلى الليل،و لا نسلّم أنّه نذر بصوم مشروع؛لأنّ التقدير تعيين (3)النذر بما لا يقبله.
و نقول أيضا:أنّ ما لا يصحّ صومه عن النذر المطلق و الكفّارة،لا يصحّ عن النذر المعيّن فيه،كزمان الحيض و النفاس،و يخالف سائر الأيّام؛لأنّ الصوم فيها غير محرّم،بخلاف مسألتنا.
ص:218
و هي:الحادي عشر من ذي الحجّة، و الثاني عشر و الثالث عشر-لمن كان بمنى خاصّة.و به قال أبو حنيفة (1).
و قال مالك:يجوز (2)،و للشافعيّ كالقولين (3)(4).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى عن صيام ستّة أيّام:
يوم الفطر،و يوم النحر،و أيّام التشريق،و اليوم الذي يشكّ فيه أنّه من رمضان (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن الزهريّ،عن عليّ بن الحسين عليهما السلام:«و أمّا صوم الحرام:فصوم يوم الفطر،و يوم الأضحى،و ثلاثة أيّام التشريق» (6).
و عن معاوية بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصيام (7)أيّام التشريق،فقال:«أمّا بالأمصار فلا بأس به،و أمّا بمنى فلا» (8).و سيأتي البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالى في باب الحجّ.
و البحث فيما لو نذر صيامها و هو بمنى،كالبحث في نذر صوم العيدين.
أو واحدا أو زمان قدوم
ص:219
زيد،فاتّفق أحد هذه الأيّام لم يجز صومها أيضا؛للنهي،فلا ينعقد صومه بالجهل.
و لأنّه لا يصحّ صومه مع النذر و العلم،فلا يصحّ مع الجهل؛لرجوع الفساد إلى إيقاع الصوم في الأيّام،لا إلى العلم و الجهل.
و هل يقضي صومه أم لا؟فيه قولان (1)،و سيأتي البحث عن ذلك إن شاء اللّه تعالى.
فيه ،
و سيأتي تمامه إن شاء اللّه تعالى.
ص:220
في صوم رمضان
و النظر في أمور ثلاثة:
و لا نعلم خلافا في أنّ رؤية الهلال للزائد على الواحد سبب في وجوب الصوم،و علامة في شهر رمضان.قال اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ (1).
و هذا يدلّ على أنّه تعالى اعتبر الأهلّة في تعرّف أوقات الحجّ و غيره ممّا يعتبر فيه الوقت.
و أيضا:فقد أجمع المسلمون منذ زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله (2)،إلى زماننا هذا على اعتبار الهلال و الترائي له،و التصدّي لإبصاره،و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتصدّى لرؤيته و يتولاّها،و يلتمس الهلال (3).
و قد شرع عليه السّلام قبول الشهادة عليه (4)،و الحكم في من شهد بذلك في
ص:221
مصر من الأمصار،و من جاء بالخبر به عن (1)خارج المصر،و حكم المخبر به في الصحّة و سلامة الجوّ من الغيم و شبهه،و خبر من شهد برؤيته مع العوارض.
و ذلك يدلّ على أنّ رؤية الهلال أصل من أصول الدين معلوم ضرورة في شرع الرسول صلّى اللّه عليه و آله (2)،و الأخبار تواترت بذلك،و لا نعلم فيه خلافا.
و قد روى الشيخ عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الأهلّة، فقال:«هي أهلّة الشهور،فإذا رأيت الهلال فصم،و إذا رأيته فأفطر» (3).
و في الصحيح عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«صم لرؤية الهلال،و أفطر لرؤيته» (4).
و عن الفضيل بن عثمان (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«ليس على
ص:222
أهل القبلة إلاّ الرؤية و ليس على المسلمين إلاّ الرؤية» (1).و الأخبار في ذلك كثيرة.
شهد عند الحاكم أو لم يشهد،قبلت شهادته أو ردّت.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال مالك (2)،و الليث (3)،و الشافعيّ (4)،و أصحاب الرأي (5)،و ابن المنذر (6).
و قال عطاء،و الحسن،و ابن سيرين،و إسحاق:لا يصوم إلاّ في جماعة الناس (7).و عن أحمد روايتان (8).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته» (9)و تكليف الرسول صلّى اللّه عليه و آله كما يتناول الواحد يتناول
ص:223
الجمع (1)و بالعكس،إلاّ أن يثبت المخصّص.
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم،و ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن سنان،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأهلّة،فقال:«هي أهلّة الشهور،فإذا رأيت الهلال فصم،و إذا رأيته فأفطر» (2).
و لأنّه يتيقّن أنّه من رمضان،فلزمه صومه،كما لو حكم به الحاكم.
و لأنّ الرؤية أبلغ في باب العلم من الشاهدين و أكثر؛لاحتمال الخطأ و تطرّق الكذب إلى الشهود و الاشتباه عليهم،فإذا تعلّق حكم الوجوب بأضعف الطريقين، فالأقوى أولى.
احتجّوا:بأنّه يوم محكوم به من شعبان،فلم يلزمه صومه عن رمضان،كما قبل ذلك (3).
و الجواب:أنّ هذا محكوم به من شعبان ظاهرا في حقّ غيره،فأمّا في الباطن فهو يعلم أنّه عن رمضان،فلزمه صيامه.
لو أفطر في هذا اليوم بالجماع أو غيره وجبت عليه الكفّارة.ذهب إليه علماؤنا، و به قال الشافعيّ (4).
ص:224
و قال أبو حنيفة:لا تجب الكفّارة (1).
لنا:أنّه يوم لزمه صومه من رمضان،فوجبت عليه الكفّارة بالجماع فيه،كغيره من الأيّام،و كما لو قبلت شهادته.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّها عقوبة،فلا تجب بفعل مختلف فيه كالحدّ.و لأنّه لا يجب على الجميع،فأشبه زمان القضاء (2).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من كون الكفّارة عقوبة.سلّمنا،لكن ينتقض بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه،و لأنّها تجب في المال، فهي آكد من الحدّ.
و عن الثاني:بأنّ الوجوب على الجميع لا اعتبار به،و قد وجب عليه،و كذا إذا ثبت بالبيّنة،فإنّه لا يجب على الحائض و لا المسافر و لا المريض،و مع ذلك تجب الكفّارة لو أفطر.
اعتبر بالشهادة.
و قد أجمع المسلمون كافّة على اعتبار الشهادة في رؤية الهلال،و أنّها علامة لشهر رمضان،و إنّما الخلاف وقع في عدد الشهود،فالذي اختاره سلاّر من علمائنا قبول شهادة الواحد في أوّله،و أنّ الصوم يجب بها (3).و هو أحد قولي الشافعيّ (4)،
ص:225
و إحدى الروايتين عن أحمد (1)،و هو اختيار ابن المبارك (2).
و ذهب المفيد (3)،و السيّد المرتضى-رحمه اللّه-إلى أنّه لا يقبل إلاّ شاهدان عدلان صحوا و غيما (4).و به قال ابن إدريس (5)،و أكثر علمائنا (6)،و هو القول الآخر للشافعيّ (7)،و به قال مالك (8)،و الليث بن سعد،و الأوزاعيّ و إسحاق (9).
و قال الشيخ:إن كان في السماء علّة و شهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته، وجب الصوم،و إن لم يكن هناك علّة لم يقبل إلاّ شهادة القسامة خمسين رجلا من البلد أو خارجه،هذا اختياره في المبسوط (10).
و قال في النهاية:فإن كان في السماء علّة و لم يره جميع أهل البلد و رآه خمسون نفسا،وجب الصوم،و لا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان،بل يلزم فرضه لمن رآه حسب،و ليس على غيره شيء.و متى كان في السماء علّة
ص:226
و لم ير في البلد الهلال و رآه خارج البلد شاهدان عدلان،وجب أيضا الصوم.
و إن لم يكن في السماء علّة،و طلب فلم ير،لم يجب الصوم إلاّ أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه (1).
و قال أبو حنيفة:لا يقبل في الصحو إلاّ الاستفاضة،و في الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد،و في غيره لا يقبل إلاّ اثنان (2).و الأقرب (3)خيرة المفيد.
لنا:ما رواه الجمهور عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب (4)قال:صحبنا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تعلّمنا منهم،و إنّهم حدّثونا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته،فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين،فإن شهد ذوا عدل،فصوموا و أفطروا و انسكوا» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«قال عليّ عليه السّلام:لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين» (6).
ص:227
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إنّ عليّا عليه السّلام قال:لا أجيز في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين» (1).
و عن يعقوب بن شعيب،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام:«إنّ عليّا عليه السّلام قال:لا أجيز في الطلاق و لا في الهلال إلاّ رجلين» (2).
و عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته،فإن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» (3).
و في الحسن عن شعيب (4)،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان،فقال:«لا تقضه إلاّ أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر»و قال:«لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلاّ أن يقضي أهل الأمصار،فإن فعلوا فصمه» (5).
و لأنّها عبادة فاعتبر عددها بأعمّ الشهادات وقوعا اعتبارا بالأعمّ الأغلب.
و لأنّها شهادة في هلال،فأشبهت شوّالا و غيره من الشهور.
احتجّ سلاّر:بما رواه محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين،
ص:228
و إن لم تروا الهلال إلاّ من وسط النهار[أو آخره] (1)فأتمّوا الصيام إلى الليل،و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ثمّ أفطروا» (2).
و لأنّ الاحتياط للعبادة يقتضي قبول الواحد.
و احتجّ الشافعيّ (3):بما رواه ابن عبّاس قال:جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الحرّة (4)فقال:إنّي رأيت الهلال فقال:«أتشهد أن لا إله إلاّ اللّه؟»قال:نعم،قال:«أتشهد أنّ محمّدا رسول اللّه-صلّى اللّه عليه و آله؟-«قال:
نعم،قال:«يا بلال أذّن في الناس فليصوموا غدا» (5).
و روى ابن عمر قال:تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّي رأيته،فصام و أمر الناس بالصيام (6).و لأنّه لا تهمة فيه؛لأنّه يشترك فيه المخبر و المخبّر في الوجوب،فقبل من الواحد كالخبر عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله (7).
و احتجّ أبو حنيفة:بأنّه لا يجوز أن ينظر الجماعة إلى مطلع الهلال،مع صحّة
ص:229
الحاسّة و ارتفاع الموانع،فيختصّ واحد برؤيته (1).
و احتجّ الشيخ-رحمه اللّه-بما رواه القاسم بن عروة عن أبي العباس،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الصوم للرؤية و الفطر للرؤية،و ليس الرؤية أن يراه واحد و لا اثنان و لا خمسون» (2).
و عن حبيب الخزاعيّ (3)قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة،و إنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر،و كان بالمصر علّة،فأخبرا أنّهما رأياه،و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية» (4).
و عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
قلت له:كم يجزئ في رؤية الهلال؟فقال:«إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه، فلا تؤدّوا بالتظنّي،و ليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد:قد رأيته؛و يقول الآخرون:لم نره،إذا رآه واحد رآه مائة،و إذا رآه مائة رآه ألف،و لا يجزئ في
ص:230
رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين،و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر» (1).
و عن عبد اللّه بن بكير بن أعين،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«صم للرؤية و أفطر للرؤية،و ليس رؤية الهلال أن يجيء الرجل و الرجلان فيقولان:رأيناه،إنّما الرؤية أن يقول القائل:رأيت،فيقول القوم صدق» (2).
و لأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد و الاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحّة الحاسّة،فلم يكن قولهما مؤثّرا،أمّا إذا وجدت العلّة،فإنّه يحتمل اختلاف أحوال الأبصار في الحدّة و الضعف،فيرى بعضهم دون بعض.
و الجواب عن الأوّل:أنّه غير دالّ على محلّ النزاع؛إذ البحث في رؤية الهلال للصوم في أوّل رمضان،لا آخره.
و عن الثاني:أنّ الاحتياط ليس بدليل موجب،و لأنّه ينافي الاحتياط؛ لحصول الإفطار في آخره بقول الواحد.
و عن الثالث:بأنّ حكمه عليه السّلام بالصوم عند شهادة الواحد لا يقتضي استناد الإيجاب إليها؛لأنّه حكاية حال،فلعلّه عليه السّلام عرف ذلك (3)من غيرها،أو بالرؤية.
لا يقال:الأصل عدم ذلك.لأنّا نقول:هذا لا يفيد اليقين (4)،فلا يعارض ما ثبت من شرعه عليه السّلام بالحكم بالشاهدين،و أنّ العمل بالشاهد الواحد مناف
ص:231
لما ثبت من تشريعه عليه السّلام،فيكون الاحتمال الذي ذكرناه أرجح من هذا الأصل.
و عن الرابع:بالفرق بين الخبر و الشهادة،فإنّه اشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية؛لعظم خطرها.
و عن الخامس:بجواز الاختلاف في الرؤية؛لبعد المرئيّ و لطافته،و قوّة الحاسّة و ضعفها،و التفطّن للرؤية و عدمه،و اختلاف مواضع نظرهم.
و لأنّه ينتقض بما لو حكم برؤيته حاكم بشهادة الواحد أو الاثنين،فإنّه يجوز، و لو امتنع لما (1)قالوه،لم ينفذ فيه حكم الحاكم.
و عن الأحاديث التي أوردها الشيخ (2):بالمنع من صحّة سندها،و احتمال الخطأ في الناظرين.
و بالجملة،فإنّ قول الخمسين قد لا يفيد اليقين،بل الظنّ،و هو حاصل بشهادة العدلين،على أنّ المشهور بين العلماء من الفرقة و غيرهم العمل بقول الشاهدين، فكان المصير إليه متعيّنا.
لنا:الأصل براءة الذمّة و عدم التكليف بالصوم عند شهادتهنّ،و ما تقدّم في الحديث عن عليّ عليه السّلام (3).و لأنّ الصيام من الفروض المتأكّدة،فجاز أن لا تقبل فيه شهادة النساء؛لمكان الغلط.
و قال
ص:232
أبو ثور:يقبل واحد (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن طاوس،قال:شهدت المدينة و بها ابن عمر و ابن عبّاس،فجاء رجل إلى واليها،فشهد عنده على[رؤية الهلال] (2)هلال رمضان،فسأل ابن عمر و ابن عبّاس عن شهادته،فأمراه أن يجيزه و قالا:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان، قالا:و كان لا يجيز على شهادة الإفطار إلاّ شهادة رجلين (3).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث و الأدلّة (4).
احتجّ أبو ثور:بأنّه خبر بما يستوي فيه المخبر و المخبر،فأشبه أخبار الديانات (5).
و الجواب:المنع من كونه خبرا،و لهذا لا يقبل فيه:فلان عن فلان،فافترقا.
و الآخر:لا يفطرون (1)،و هو قول محمّد بن الحسن (2).
لنا:أنّ الصوم ثبت شرعا بشهادة الواحد،فيثبت الإفطار باستكمال العدّة، و لا يكون إفطار بالشهادة،كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء،و تثبت[بهنّ] (3)الولادة،فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة.
احتجّ المخالف:بأنّه يكون فطرا بشهادة واحد (4).و جوابه تقدّم (5).
فلمّا استكملوا ثلاثين لم ير الهلال مع الصحو،لزم الفطر.و هو أحد قولي الشافعيّ،و في الآخر:
لا يفطرون (6).
لنا:أنّ شهادة الاثنين ثبت بها الهلال و الصوم،فيثبت بها (7)الفطر.و لأنّا قد بيّنّا (8)أنّ الشهادة تقبل مع الصحو و وافقنا على ذلك،فلو شهد شاهدان برؤيته،جاز الفطر،فكذلك إذا بنى على شهادتهما.
احتجّ:بأنّ عدم الرؤية مع الصحو يقين،و الحكم بالشاهدين ظنّ،و اليقين مقدّم (9).
ص:234
و الجواب:المنع في المقدّمتين معا.
ذهب إليه علماؤنا،و به قال الشافعيّ (1).
و قال أحمد:لا يفطر إذا رآه وحده (2)،و هو مرويّ عن مالك (3)، و الليث بن سعد (4).
لنا:ما تقدّم من قوله عليه السّلام:«صوموا لرؤيته،و أفطروا لرؤيته» (5).
و ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام،قال:سألته عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره،له أن يصوم؟قال:«إذا لم يشكّ فيه فليطعم (6)،و إلاّ فليصم مع الناس» (7).
و لأنّه يتيقّن أنّه من شوّال،فجاز الإفطار،كما لو قامت البيّنة،بل هو أبلغ؛ لحصول اليقين بالرؤية دون الشهادة.
احتجّ المخالف (8):بما رواه أبو رجاء (9)عن أبي قلابة أنّ رجلين قدما المدينة.
ص:235
و قد رأينا الهلال،و قد أصبح الناس صياما فأتيا عمر،فذكرا ذلك له،فقال لأحدهما:أ صائم أنت؟قال:بل مفطر،قال:ما حملك على هذا؟قال:لم أكن لأصوم و قد رأيت الهلال.و قال الآخر:أنا صائم،قال:ما حملك على هذا؟قال:
لم أكن لأفطر و الناس صيام،فقال للذي أفطر:لو لا مكان هذا لأوجعت رأسك،ثمّ نودي في الناس أن اخرجوا (1).و إنّما أراد ضربه؛لإفطاره برؤيته،و دفع عنه الضرب؛لكمال الشهادة به و بصاحبه،و لو جاز له الفطر لما أنكر عليه و لا توعّده.
و لأنّه يوم محكوم به من رمضان،فلم يجز الفطر فيه،كاليوم الذي قبله.
و الجواب عن الأوّل:-بعد سلامة السند عن الطعن-أنّه مستند إلى صحابيّ، فلا يكون حجّة ما لم يسنده (2)إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله.و أيضا:فيحتمل أنّه شهد واحد في البلد بالرؤية،و انضمّ إليه شهادة الثاني و كان عمر متّهما للآخر في شهادته،أو كان عمر يعمل بشهادة الواحد في الإفطار.
و عن الثاني:أنّا نمنع أنّه محكوم عليه بأنّه من رمضان في نفس الأمر بل ظاهرا،أمّا عند من رأى الهلال فلا.
و كذا حكم الفاسق و المرأة و العبد و من لا تقبل شهادته.
لا يقال:قد روى الشيخ عن أبي الجارود،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
«الفطر يوم يفطر الناس،و الأضحى يوم يضحّي الناس،و الصوم يوم يصوم الناس» (3).
لأنّا نقول:إنّه عليه السّلام أجابه عقيب شكّه؛لأنّ أبا الجارود قال:شككنا في الأضحى فدخلنا على أبي جعفر عليه السّلام،و حكى الحديث،فلا يتناول صورة
ص:236
النزاع،و حكم عليه السّلام بذلك؛لأنّه خرج مخرج الأغلب،أو لأنّه حكم الشاكّ، و كلاهما مناسب،فيحمل عليه.
لا يقبل فيه شهادة رجل و امرأتين،و لا شهادة النساء منفردات و إن كثرن،و كذا غير شوّال من الشهور إجماعا؛لأنّه ممّا يطّلع عليه الرجال،و ليس بمال و لا المقصود منه المال فأشبه القصاص.
و خالف الجمهور في رمضان؛للاحتياط للعبادة (2)و هو ضعيف.
آخر:لو رآه اثنان و لم يشهدا عند الحاكم،جاز لمن سمع شهادتهما الإفطار، و كذا الصيام إذا عرف العدالة؛لقوله عليه السّلام:«إذا شهد اثنان فصوموا و أفطروا» (3).
و لو شهدا فردّ الحاكم شهادتهما؛لعدم معرفته بهما،جاز الإفطار أيضا و يجوز لكلّ منهما (4)أن يفطر عندنا و عند أحمد بشرط أن يعرف عدالة صاحبه (5).
بلا خلاف؛
لأنّه نوع تواتر يفيد العلم.
أمّا لو لم ير أصلا و غمّ على الناس،أكملت عدّة شعبان ثلاثين يوما.و به قال
ص:237
الشافعيّ (1)،ثمّ صاموا وجوبا من رمضان.
روى الجمهور عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره،ثمّ يصوم رمضان لرؤيته،فان غمّ عليه عدّ ثلاثين يوما،ثمّ صام (2).
و عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته،فإنّ غمّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان،فقال:«لا تصم إلاّ أن تراه،فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» (4).
و عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«في كتاب عليّ عليه السّلام:صم لرؤيته و أفطر لرؤيته،و إيّاك و الشكّ و الظنّ،فإن خفي عليكم فأتمّوا الشهر الأوّل ثلاثين» (5).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا رأيتم الهلال فصوموا،و إذا رأيتموه فأفطروا،و ليس بالرأي و لا بالتظنّي،و لكن
ص:238
بالرؤية (1)،و الرؤية (2)ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو،و ينظر تسعة فلا يرونه (3)،إذا رآه واحد رآه عشرة و الف،و إذا كانت علّة فأتمّ شعبان ثلاثين» (4).
و لأنّ الأصل بقاء ما كان على ما كان و قد اعتضد بعدم الرؤية،فيكون باقيا ظنّا فيعمل عليه.
ليحتاطوا بذلك لصيامهم،و يسلموا من الاختلاف.
روى الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«أحصوا هلال شعبان لرمضان» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن أبي خالد الواسطيّ،عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام،عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من ألحق في شهر رمضان يوما من غيره متعمّدا فليس يؤمن باللّه و لابي» (6).
و لأنّ الصوم واجب.و كذا الإفطار في العيد،فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما؛ ليقع التكليف على وجهه.
لأنّ أصل
ص:239
الجدول مأخوذ من الحساب النجوميّ في ضبط سير القمر و اجتماعه بالشمس.
و لا يجوز التعويل على قول المنجّمين و لا الاجتهاد فيه.و هو قول أكثر الفقهاء من الجمهور (1).و حكي عن قوم أنّهم قالوا:يجتهد في ذلك و يرجع إلى المنجّمين (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره،ثمّ يصوم رمضان لرؤيته،فإن غمّ عليه عدّ ثلاثين يوما ثمّ صام (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن قيس،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«قال أمير المؤمنين عليه السّلام:إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه بيّنة عدول (4)من المسلمين،و إن لم تروا الهلال إلاّ من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل،و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمّ أفطروا» (5).
و عن الفضيل (6)بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«ليس على أهل القبلة إلاّ الرؤية،ليس على المسلمين إلاّ الرؤية» (7).
و الأحاديث في ذلك كثيرة متواترة على أنّ الطريق إمّا الرؤية أو مضيّ
ص:240
ثلاثين (1)،فلو كان الرجوع إلى المنجّم حجّة لأرشدوا إليه.و لأنّه مبنيّ على قواعد ظنّيّة ظنّا ضعيفا قد يخطئ و يصيب،فلا يجوز التعويل عليه البتّة.
و لقوله عليه السّلام:«من صدّق كاهنا أو منجّما فهو كافر بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله» (2).
احتجّوا:بقوله تعالى: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (3).
و بما رواه ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«فإن غمّ عليكم فاقدروا له» (4)و التقدير إنّما هو معرفة التسيير و المنازل،و لذلك رجعنا إلى الكواكب و المنازل في القبلة و الأوقات،و هي أمور شرعيّة رتّب عليها الشارع أحكاما كثيرة،فكذا هنا.
و الجواب:أنّ الاهتداء بالنجم معرفة الطرق و مسالك البلدان و تعريف الأوقات.
و لأنّا نقول بموجبه؛فإنّا برؤية الهلال نهتدي إلى أوّل الشهور،أمّا قول المنجّم فلا، و الآية لا تدلّ عليه.
و عن الحديث:أنّ المرويّ:«فاقدروا له ثلاثين»و هذا يمنع كلّ تأويل.
و أمّا القبلة و الوقت فالطريق هو المشاهدة،كما نقول نحن في رؤية الهلال:
ليس بقول المنجّم الذي يكذب أكثر الأوقات.
و قد زعم قوم من حشويّة الحديث أنّه معتبر،و أنّ
ص:241
شهور السنة قسمان:تامّ،و ناقص،فرمضان لا ينقص أبدا،و شعبان لا يتمّ أبدا، و تعلّقوا في ذلك بأحاديث منسوبة إلى أهل البيت عليهم السلام،أصلها حذيفة بن منصور (1).
منها:ما رواه حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ الناس يقولون:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صام تسعة و عشرين يوما أكثر ممّا صام ثلاثين،فقال:«كذبوا،ما صام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوما،و لا نقص شهر رمضان منذ خلق السموات و الأرض من ثلاثين يوما و ليلة» (2).
و نحو هذا روى حذيفة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام بغير واسطة (3).و رواه آخر عن حذيفة غير مسند (4)إلى إمام (5).
قال الشيخ:و هذا الحديث لا يصحّ العمل به.
أمّا أوّلا:فلأنّه لم يوجد في شيء من الأصول المصنّفة،و إنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار.
و أيضا:فإنّ كتاب حذيفة بن منصور-رحمه اللّه-عري عن هذا الحديث، و الكتاب معروف مشهور،و لو كان هذا الحديث صحيحا عنه،لضمنه كتابه.
و أيضا:فإنّه مختلف الألفاظ،مضطرب المعاني؛لأنّه تارة يرويه عن
ص:242
أبي عبد اللّه عليه السّلام بلا واسطة،و تارة يرويه عنه عليه السّلام بواسطة،و تارة يفتي به من قبل نفسه و لا يسنده إلى أحد،و هذا يدلّ على اضطرابه و ضعفه.
و أيضا:فإنّه خبر واحد لا يوجب علما و لا عملا،و لا يجوز الاعتراض به على المتواتر من الأخبار و القرآن العزيز،و عمل جميع المسلمين على خلافه،و مع ذلك فلا تخلو الأحاديث من ضعف في الاستدلال بها.
ثمّ إنّه-رحمه اللّه-تأوّل الأحاديث جميعها بما هو موجود في كتابيه التهذيب و الاستبصار-و نحن لقلّة فائدتها أعرضنا عنها-ثمّ إنّه-رحمه اللّه-عارض ذلك بأحاديث كثيرة تدلّ على خلاف ما تضمّنه هذا الحديث (1)،و نحن نقتصر على بعضها:
فمنها:ما رواه عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما-يعني أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السّلام-قال:«شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان،فإذا صمت تسعة و عشرين يوما ثمّ تغيّمت السماء فأتمّ العدّة ثلاثين» (2).
و عن سماعة قال:«و قد يكون شهر رمضان تسعة و عشرين (3)و يكون ثلاثين،و يصيبه ما يصيب الشهور من التمام و النقصان» (4).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«إذا رأيتم الهلال فصوموا،و إذا رأيتموه فأفطروا،و ليس بالرأي و لا بالتظنّي و لكن بالرؤية، و الرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد:هو ذا هو،و ينظر تسعة فلا
ص:243
يرونه (1)،إذا رآه واحد رآه عشرة و ألف،و إذا كانت علّة فأتمّ شعبان ثلاثين» (2).
و عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان،فإن تغيّمت السماء يوما فأتمّوا العدّة» (3).
و في الصحيح عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في شهر رمضان:«هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان» (4).
و عن أبي خالد الواسطيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«حدّثني أبي عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام قال:صمنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تسعة و عشرين يوما،و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال-لمّا ثقل في مرضه-أيّها الناس إنّ السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم،ثمّ قال بيده:فذاك رجب مفرد، و ذو القعدة،و ذو الحجّة،و المحرّم ثلاثة متواليات،ألا و هذا الشهر المفروض رمضان صوموا (5)لرؤيته و أفطروا لرؤيته،و إذا (6)خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين يوما،و صوموا الواحد و ثلاثين» (7).
و روي أحاديث كثيرة تنافي مقتضى الأحاديث الدالّة على العدد (8)،مع ما فيها من المطاعن التي ذكرها الشيخ،و منافاتها لفتاوي العلماء،فلا اعتداد بها البتّة.
ص:244
و قال من لا يعتدّ به:إنّه إن غاب بعد الشفق فهو للّيلة الماضية،و إن غاب قبله فهو لليلته (1).
لنا:قوله عليه السّلام:«الصوم للرؤية و الفطر للرؤية» (2).
و لأنّ الأصل براءة الذمّة و قد اعتضد بالسلامة عن المعارض فيعمل به.
احتجّ المخالف (3):بما رواه الشيخ عن إسماعيل بن الحرّ (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته،و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» (5).
و الجواب:أنّه لا يعارض هذا الحديث ما ورد من الأحاديث الدالّة على انحصار الطريق في الرؤية و مضيّ ثلاثين؛لكثرتها و اشتهارها حتّى قارنت المتواتر (6).
قال الشيخ:إنّما يكون هذا أمارة على اعتبار دخول الشهر إذا كان في السماء علّة من غيم و ما يجري مجراه،فجاز اعتباره في الليلة المستقبلة بالغيبوبة قبل الشفق و تطوّق (7)الهلال،فأمّا مع زوال العلّة فلا،و متى استعملنا هذه الأخبار في
ص:245
بعض الأحوال برئت عهدتنا و لم نكن دافعين لها (1).
و قد روى الشيخ عن محمّد بن مرازم (2)،عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين،و إذا رأيت ظلّ رأسك فيه فهو لثلاث» (3)و هذه الرواية لا تعارض ما تلوناه من الأحاديث.
و ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على العمل بالرؤية أو مضيّ ثلاثين.
و قد روى الشيخ عن عمران الزعفرانيّ (4)قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة لا نرى (5)السماء،فأيّ يوم نصوم؟ قال:«أنظر (6)اليوم الذي صمت من السنة الماضية (7)،و صم يوم الخامس» (8).
ص:246
و عن عمران أيضا قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّا نمكث في الشتاء اليوم و اليومين لا نرى شمسا و لا نجما فأيّ يوم نصوم؟قال:«انظر (1)اليوم الذي صمت من السنة الماضية،و عدّ خمسة أيّام،و صم اليوم الخامس» (2).
و طريق الأوّل مرسل،و الثاني فيه سهل بن زياد و هو ضعيف جدّا،فإذن لا تعويل عليهما،و لا يعارضان الأحاديث الصحيحة الشهيرة.
قال الشيخ:يحتمل أن يكون السماء متغيّمة،فعلى الإنسان أن يصوم يوم الخامس من صيام يوم السنة الماضية على أنّه من شعبان إن لم يعلم انقضاءه احتياطا،فإن اتّفق أن يكون من رمضان فقد أجزأ عنه،و إلاّ كان نافلة،و يجري مجرى يوم الشكّ،و ليس في الحديث أنّه يصومه بنيّة أنّه من رمضان،فلا يعارض به ما تقدّم (3).
قال في الاستبصار:هذان الخبران خبر واحد لا يوجب علما و لا عملا،و لأنّ راويهما عمران الزعفرانيّ و هو مجهول،و[في] (4)إسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصّون بروايته (5).و هو جيّد.
أكثر علمائنا (1)،إلاّ من شذّ منهم لا نعرفه،و به قال الشافعيّ (2)، و مالك (3)،و أبو حنيفة (4).
و قال أحمد:إن كان في أوّل شهر رمضان و كان قبل الزوال،فهو للماضية، و في آخر رمضان روايتان:إحداهما:كذلك،و الثانية للمستقبلة احتياطا (5).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال:جاءنا كتاب عمر و نحن بخانقين:إنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض،فإذا رأيتم الهلال في أوّل النهار فلا تفطروا حتّى تمسوا،إلاّ أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلاّه بالأمس عشيّة (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى،قال:كتبت إليه عليه السّلام:جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان،فيرى من الغد الهلال قبل الزوال،و ربما رأينا بعد الزوال فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟و كيف تأمرني في ذلك؟فكتب عليه السّلام:«تتمّ إلى الليل،فإنّه إن كان تامّا رؤي قبل الزوال» (7).
و عن محمّد بن قيس،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«قال أمير المؤمنين
ص:248
عليه السّلام:إذا رأيتم الهلال فأفطروا،أو يشهد عليه عدل من المسلمين،فإن لم تروا الهلال إلاّ من وسط النهار أو آخره،فأتمّوا الصيام إلى الليل،فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين (1)ثمّ أفطروا» (2).
و عن جرّاح المدائنيّ قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من رأى هلال شوّال بنهار في (3)رمضان فليتمّ صيامه» (4).
و عن إسحاق بن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان،فقال:«لا تصمه إلاّ أن تراه،فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه،فاقضه،فإذا رأيته (5)وسط النهار فأتمّ صومك (6)إلى الليل» (7).يعني أتمّ صومك إلى الليل على أنّه من شعبان،دون أن تنوي أنّه من رمضان.
احتجّ المخالف:بقوله عليه السّلام:«صوموا لرؤيته» (8)فيجب الصوم بالرؤية
ص:249
و قد حصلت،و أنّ ما قبل الزوال أقرب إلى الماضية (1)و ما رواه الشيخ في الحسن عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية،و إذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة» (2).
و عن عبيد بن زرارة و عبد اللّه بن بكير قالا:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال،و إذا رؤي بعد الزوال فهو من شهر رمضان» (3).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الخبر الذي رووه،يقتضي وجوب الصوم بعد الرؤية، و عندهم يجب الصوم من أوّل النهار،و أمّا القرب فإنّه أقرب إلى الليلة المستقبلة منه إلى وقت طلوعه من أوّل الليلة الماضية.
و احتياط أحمد باطل؛إذ الاحتياط إنّما يعتبر مع دليل،أمّا مع عدمه فلا،و لهذا لو اشتبه عليه الفجر،لم يجب عليه الإمساك احتياطا.
و عن الحديثين اللذين أوردهما الشيخ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:فإنّ في طريق الثاني منهما ابن فضّال و هو ضعيف،و مع ذلك فلا يصلحان لمعارضة الأحاديث الكثيرة الدالّة على انحصار الطريق في الرؤية و مضيّ ثلاثين لا غير.
و محرّم على
ص:250
أنّه من رمضان (1)،فإن صامه بنيّة أنّه من شعبان ثمّ ظهر أنّه من رمضان فقد أجزأ عنه،و لو لم يصمه ثمّ صام تسعة و عشرين (2)ثمّ رأى هلال شوّال لم يقض يوما آخر؛لأنّه لم يثبت أنّه من رمضان فلا تشتغل الذمّة بشيء،أمّا لو قامت البيّنة برؤيته فإنّه يقضي يوما بدله بلا خلاف.
و يدلّ عليه ما رواه الشيخ عن المفضّل و زيد الشحّام جميعا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الأهلّة،فقال:«هي أهلّة الشهور،فإذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فأفطر»قلت:أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟فقال:«لا،إلاّ أن تشهد لك بيّنة عدول،فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» (3).
و عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته،فإن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» (4).و الأخبار كثيرة (5).
و لأنّه مع استمرار الشكّ و عدم قيام البيّنة يبنى على أصالة براءة الذمّة،أمّا مع قيام البيّنة فإنّه يحكم عليه بأنّه أفطر يوما من شهر رمضان،فيجب عليه القضاء إجماعا.
ص:251
لو أفطر يوم الشكّ ثمّ صام مستمرّا فأهلّ شوّال و قد صام ثمانية و عشرين يوما،قضى يوما واحدا لا غير.
أمّا الثاني:فلأنّ الأصل براءة الذمّة من الزائد،و لم يثبت ما يعارضه فيستمرّ على حكمه.
و أمّا الأوّل:فللعلم بأنّ الشهر لا ينقص عن تسعة و عشرين (1).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن حمّاد بن عيسى عن عبد اللّه بن سنان،عن رجل- نسي حمّاد بن عيسى اسمه-قال:صام عليّ عليه السّلام بالكوفة ثمانية و عشرين يوما شهر رمضان فرأوا الهلال،فأمر مناديا أن ينادي:اقضوا يوما،فإنّ الشهر تسعة و عشرون يوما (2).
و اعتبر بعض الشافعيّة في التباعد مسافة التقصير و هو ثمانية و أربعون ميلا فاعتبر لكلّ بلد حكم نفسه إن كان بينهما هذه المسافة (1).
و روي عن عكرمة أنّه قال:لأهل كلّ بلد رؤيتهم.و هو مذهب القاسم،و سالم، و إسحاق (2).
لنا:أنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية،و في الباقي:بالشهادة، فيجب صومه؛لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (3).
و قوله عليه السّلام:«فرض اللّه صوم شهر رمضان» (4).و قد ثبت أنّ هذا اليوم منه.و لأنّ شهر رمضان عدّة بين هلالين و قد ثبت أنّ هذا اليوم منه.و لأنّه يحلّ به الدين و يجب به النذر و يقع به الطلاق و العتاق المتعلّقان به عندهم،فيجب صيامه.
و لأنّ البيّنة العادلة شهدت بالهلال،فيجب الصوم،كما لو تقاربت البلاد.
و لأنّه شهد برؤيته من يقبل قوله،فيجب القضاء لو فات؛لما رواه الشيخ عن ابن مسكان و الحلبيّ جميعا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إلاّ أن تشهد لك بيّنة عدول،فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» (5).
و في رواية منصور عنه عليه السّلام:«فإن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» (6).
و في الحسن عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن اليوم الذي
ص:253
يقضى من شهر رمضان،فقال:«لا تقضه إلاّ أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر»و قال:«لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلاّ أن يقضي أهل الأمصار،فإن فعلوا فصمه» (1).علّق عليه السّلام وجوب القضاء بشهادة العدلين من جميع المسلمين و هو نصّ في التعميم قربا و بعدا،ثمّ عقّبه بمساواته لغيره من أهل الأمصار،و لم يعتبر عليه السّلام القرب في ذلك.
و في حديث عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» (2).و لم يعتبر القرب أيضا.
و في الصحيح عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال فيمن صام تسعة و عشرين قال:«إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية،قضى يوما» (3).علّق عليه السّلام على الشهادة على (4)مصر،و هو يكون شائعة يتناول الجميع على البدل فلا تخصيص بالصلاحية (5)لبعض الأمصار إلاّ بدليل،و الأحاديث كثيرة في وجوب القضاء إذا شهدت البيّنة بالرؤية، و لم يعتبروا قرب البلاد و بعدها.
احتجّوا:بما رواه كريب (6)أنّ أمّ الفضل بنت الحارث (7)بعثته إلى معاوية
ص:254
بالشام،قال:فقدمت الشام فقضيت بها حاجتي،و استهلّ عليّ رمضان فرأينا الهلال ليلة الجمعة،ثم قدمت المدينة في آخر الشهر،فسألني عبد اللّه بن عبّاس و ذكر الهلال فقال:متى رأيتم الهلال؟فقلت:ليلة الجمعة،فقال:أنت رأيته،فقلت:نعم، و رآه الناس و صاموا و صام معاوية،فقال:لكنّا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتّى نكمل العدّة أو نراه،فقلت:أ فلا تكتفي برؤية معاوية و صيامه؟قال:لا،هكذا أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).
و الجواب:ليس هذا دليلا على المطلوب؛لاحتمال أنّ ابن عبّاس لم يعمل بشهادة كريب،و الظاهر أنّه كذلك؛لأنّه واحد.و عمل معاوية ليس حجّة؛لاختلال حاله عنده؛لانحرافه عن عليّ عليه السّلام و محاربته له،فلا يعتدّ بعمله.
و بالجملة فليس دالاّ على المطلوب.
و أيضا:فإنّه يدلّ على أنّهم لا يفطرون بقول الواحد،أمّا على عدم القضاء فلا.
و لو قالوا:إنّ البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض؛لكريّة (2)الأرض.
قلنا:إنّ المعمور منها قدر يسير هو الربع،و لا اعتداد به عند السماء.و بالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع،و عدم طلوعه في بعضها المتباعدة عنه لكريّة (3)الأرض،لم يتساو حكماهما،أمّا بدون ذلك فالتساوي هو الحقّ.
ص:255
على قول الشيخ-رحمه اللّه (1)-لو سافر من رأى الهلال في بلده إلى بلد لم ير الهلال فيه بعيد فلم ير الهلال بعد ثلاثين،فالوجه أنّه يصوم معهم بحكم الحال.
ثلاثين،
فإن غمّت الأهلّة أجمع،فالأقرب الاعتبار برواية الخمسة (2).و به قال الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط (3).
و قال آخرون:يعتبر بعدّ ثلاثين ثلاثين (4).
لنا:أنّ العادة قاضية متواترة على نقصان بعض الشهور في السنة بعدّه الخمسة أو أزيد أو أنقص،فيحمل على الأغلب.و للرواية الدالّة على الخمسة،فإنّها معتبرة هاهنا و إلاّ لزم إسقاطها بالكلّيّة؛إذ لا يعمل بها في غير هذه الصورة.
و الاحتجاج بقولهم عليهم السلام:فإن غمّ الشهر،عدّ ما قبله ثلاثين،ليس دافعا لقولنا؛لأنّا نقول بموجبه،إنّما البحث فيما لو غمّ ما قبله إلى آخر شهور السنة.
مسألة:و من كان بحيث لا يعلم الأهلّة،كالمحبوس،أو اشتبهت عليه الشهور، و كالأسير مع الكفّار إذا لم يعلم الشهر،فإنّه يجتهد و يغلب على ظنّه،فإن حصل له ظنّ بالاجتهاد في بعض الأهلّة أو الشهور أنّه من رمضان،صامه،ثمّ إن استمرّ الاشتباه أجزأه بلا خلاف-إلاّ من الحسن بن صالح بن حيّ (5)-لأنّه أدّى فرضه
ص:256
باجتهاده فأجزأه،كما لو ضاق الوقت في اشتباه القبلة.
و إن لم يستمرّ فإنّه حينئذ لا يخلو من ثلاثة أحوال (1):إمّا أن يوافق رمضان،أو يوافق الصوم قبله أو بعده،فإن وافقه أجزأه.و به قال عامّة الفقهاء،إلاّ الحسن بن صالح بن حيّ،فإنّه قال:لا يجزئه (2).
و هو خطأ؛لأنّه أدّى العبادة باجتهاده،فإذا وافق الإصابة أجزأه،كالقبلة إذا اشتبهت عليه.
و لأنّه مكلّف بالصوم إجماعا.
و لوجوب القضاء عنده المستلزم لوجوب الأداء،و لا طريق إلى العلم،فلا يكلّف به؛لاستحالة تكليف ما لا يطاق،فيكلّف بالاجتهاد و قد حصل الفرض في محلّه،فوجب القول بالإجزاء؛لاستلزام امتثال الأمر الخروج عن العهدة.
و لأنّه مأمور بالصوم،و نيّة القربة قد بيّنّا أنّها تكفي،و أنّ رمضان لا يقع فيه غيره (3)،و قد نوى الصوم مطلقا،فوجب أن يجزئه.
احتجّ:بأنّه صامه على الشكّ فلا يجزئه،كما إذا صام يوم الشكّ ثمّ بان أنّه من رمضان (4).
و الجواب:أنّ يوم الشكّ لم يضع الشارع الاجتهاد طريقا إليه،بل أمر بالصوم عند أمارة عيّنها و نصبها علامة على وجوب الصوم،فما لم توجد لم يجب الصوم.
الثاني:أن يوافق بعده،فإنّه يجزئه أيضا في قول عامّة العلماء،إلاّ الحسن بن صالح بن حيّ،فإنّه قال:لا يجزئه (5).
ص:257
لنا:أنّه أدّى العبادة في أحد وقتيها-أعني وقت القضاء-فيجزئه،كما لو فعلها في الوقت الآخر،و هو وقت الأداء،كما لو دخل في الصلاة ثمّ خرج الوقت،فإنّ صلاته تصحّ و إن كان بعضها قضاء و بعضها أداء.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له:الرجل أسرته الروم و لم يصم شهر رمضان،و لم يدر أيّ شهر هو،قال:«يصوم شهرا يتوخّاه و يحسب،فإن كان الشهر الذي صامه قبل (1)رمضان لم يجزئه،و إن كان بعده أجزأه» (2).
لا يقال:شرط صحّة القضاء نيّة التعيين (3)و هو لم ينو القضاء،و إنّما نوى الأداء،فلا يجزئه.
لأنّا نقول:إنّه ينوي الوجوب عمّا في ذمّته،و التقدير انقضاء شهر رمضان، فالثابت في الذمّة القضاء،فأجزأه؛لأنّ قصده براءة ذمّته (4).
الحال الثالث:أن يوافق قبل شهر رمضان،فإنّه لا يجزئه عندنا.و به قال أبو حنيفة (5)،و مالك (6)،و أحمد (7).و للشافعيّ قولان (8).
لنا:أنّه أتى بالعبادة قبل وقتها بالتحرّي،فلم يجزئه،كالصلاة في يوم الغيم.
و يدلّ عليه أيضا رواية عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.
ص:258
احتجّ:بأنّه اشتبه عليه،فأجزأه إيقاع الفعل قبل الوقت،كما لو اشتبه يوم عرفة، فوقفوا قبله (1).
و الجواب:المنع من حكم الأصل،و لو قلنا بجوازه فيما يجوّزه (2)إذا أخطأ الناس أجمعهم؛لعظم المشقّة عليهم.و لأنّه لا يؤمن مثله في القضاء بخلاف الصوم، و الصلاة أشبه بمسألتنا من الحجّ.
و يصومه على سبيل التخمين.
و به قال بعض الشافعيّة.
و قال آخرون:لا يلزمه ذلك (3).
لنا:أنّه مكلّف بالصوم و قد فقد العلم بتعيّن الوقت،فسقط عنه التعيين،و وجب عليه الصوم في شهر يتوخّاه،كما لو فاته الشهر مع علمه و لم يصمه،فإنّه يسقط عنه التعيين و يتوخّى شهرا يصومه للقضاء،و كما لو لم يغلب على ظنّه القبلة و ضاق الوقت،فإنّه يتوخّى جهة يصلّي إليها.
و يدلّ عليه أيضا رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4).
احتجّ المخالف:بأنّه لم يعلم دخول شهر رمضان لا يقينا و لا ظنّا،فلا يلزمه الصيام،كما لو شكّ في دخول وقت الصلاة،فإنّه لا يلزمه الصلاة،و فرّقوا بين الشكّ هنا و الشكّ في القبلة بأنّ وقت الصلاة معلوم،فلا يجوز أن يخليه من فعلها،و هاهنا
ص:259
وقت العبادة لم يعلم وجوده،فلا يجب عليه؛لأنّه شاكّ في سبب الوجوب،و في القبلة لم يشكّ في سبب الوجوب فافترقا (1).و هذا فيه نظر؛لأنّ الشكّ في دخول وقت الصلاة يمكن معه تحصيل العلم بالدخول بالعلامات التي وضعها الشارع، فلا يجوز له الإقدام على فعل العبادة بمجرّد الشكّ،أمّا هاهنا فالتقدير أنّه لا يمكنه علم ذلك،فسقط اعتبار الوقت عنه بالكلّيّة في نظر الشرع.
فيه تردّد ينشأ من اشتغال ذمّته بالوجوب لو صادف صومه قبل الشهر،و من كون الأصل عدم الوجوب و عدم اشتغال الذمّة،و لا يلزم من اشتغال الذمّة بعد الانكشاف اشتغاله قبله،و الأخير أقرب.
ما قبله،
و وجب قضاء السابق خاصّة.
و لو وافق صومه شوّال لم يصحّ صوم يوم الفطر و صحّ فيما سواه،و وجب عليه صوم يوم بدل العيد.
و كذا البحث لو وافق ذا الحجّة و هو بمنى لم يصحّ صوم العيد و لا أيّام التشريق و وجب عليه قضاؤها.
سواء وافق ما بين هلالين أو لم يوافق،و سواء كان الشهران تامّين أو ناقصين أو أحدهما تامّا و الآخر ناقصا.
و قال بعض الشافعيّة:إذا وافق شهرا بين هلالين أجزأه مطلقا،و إن لم يوافق، لزمه صوم ثلاثين و إن كان رمضان ناقصا (2).
ص:260
و هو خطأ؛لأنّ الواجب عليه قضاء ما ترك،و الاعتبار فيه بالأيّام.
و لقوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1).
و لأنّه فاته شهر رمضان،فوجب أن يقضي ما فاته على حسبه؛لأنّ القضاء معتبر بحسب الأداء كالمريض و المسافر.
احتجّ المخالف:بأنّه لو نذر صيام شهر،أجزأه ما بين هلالين أو ثلاثين يوما (2).
و الجواب:أنّه أطلق في النذر صوم شهر،و الإطلاق ينصرف إلى ما يتناوله الاسم و الاسم يتناول ذلك،و أمّا هاهنا فيجب أن يراعي عدد الأيّام التي تركها، و هذا كما لو نذر صلاة مطلقة،لزمه ركعتان.
و لو نذر صلاة معيّنة لزمه بعددها (3)،و كذا لو ترك صلاة،لزمه بعددها (4)،كذا هاهنا الواجب بعدّة ما فاته من الأيّام،سواء كان ما صامه بين هلالين أو من شهرين (5).
يومين،
و لو انعكس الفرض،لم يجب عليه شيء،و لو كانا تامّين،لزمه قضاء يوم بدل العيد،و كذا لو كانا ناقصين.
و أوجب بعض الشافعيّة قضاء يومين (6)،و ليس بمعتمد.
إلاّ
ص:261
أن يوافق صوما قبل رمضان على ما بيّنّاه (1)؛لأنّه صام صوما مشروعا،فوجب أن يخرج به عن العهدة،و المقدّمة الأولى ثبتت هاهنا،و الثانية في أصول الفقه.
وجب عليه أن يصومه؛
لأنّ الذي فعله لا يخرجه عن العهدة و قد حضر وقت التكليف،فيجب عليه الفعل،كما لو لم يصم متقدّما،و إن ظهر بعد فوات جميع رمضان،وجب عليه القضاء على ما بيّنّاه (2)،و خالف فيه بعض الشافعيّة،و قد سلف البحث معهم (3).
و به قال أبو حنيفة (4).
و قال الشافعيّ:لا يجزئه (5)،و به قال أحمد (6).
لنا:أنّ نيّة التعيين ليست شرطا،و قد مضى البحث في ذلك من الجانبين (7).
مسألة:و يستحبّ الدعاء عند رؤية الهلال؛لأنّه انتقال من زمان إلى آخر، فاستحبّ فيه الدعاء بطلب الخير فيه.
روى الجمهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول إذا رأى الهلال:«اللّه أكبر، اللهمّ أهلّه علينا بالأمن و الإيمان،و السلامة و الإسلام،و التوفيق لما تحبّ
ص:262
و ترضى،ربّي و ربّك اللّه» (1).
و من طريق الخاصّة:روى الشيخ عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أهلّ هلال شهر رمضان،استقبل القبلة، و رفع يديه،فقال:اللهمّ أهلّه علينا بالأمن و الإيمان،و السلامة و الإسلام،و العافية المجلّلة (2)،و الرزق الواسع،و دفع الأسقام،اللهمّ ارزقنا صيامه و قيامه و تلاوة القرآن فيه،اللهمّ سلّمه لنا،و تسلّمه منّا،و سلّمنا فيه» (3).
و عن عمرو بن شمر قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا أهلّ هلال شهر رمضان أقبل إلى القبلة و قال:اللهمّ أهلّه علينا بالأمن و الإيمان،و السلامة و الإسلام،و العافية المجلّلة،اللهمّ ارزقنا صيامه و قيامه و تلاوة القرآن فيه،اللهمّ سلّمه لنا،و تسلّمه منّا،و سلّمنا فيه» (4).
و عن الحسين بن المختار رفعه،قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«إذا رأيت الهلال فلا تبرح و قل:اللهمّ إنّي أسألك خير هذا الشهر و فتحه و نوره و نصره و بركته و طهوره و رزقه،أسألك (5)خير ما فيه و خير ما بعده،و أعوذ بك من شرّ ما فيه و شرّ ما بعده،اللهمّ أدخله علينا بالأمن و الإيمان،و السلامة و الإسلام،و البركة و التقوى،و التوفيق لما تحبّ و ترضى» (6).
ص:263
و قال ابن بابويه:قال أبي-رضي اللّه عنه-في رسالته:إنّك إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه،و لكن استقبل القبلة و ارفع يديك إلى اللّه عزّ و جلّ و خاطب الهلال تقول:ربّي و ربّك اللّه ربّ العالمين،اللهمّ أهلّه علينا بالأمن و الإيمان،و السلامة و الإسلام،و المسارعة إلى ما تحبّ و ترضى،اللهمّ بارك لنا في شهرنا هذا،و ارزقنا عونه و خيره،و اصرف عنّا ضرّه و شرّه و بلاءه و فتنته (1).
و كان من قول أمير المؤمنين عليه السّلام عند رؤية الهلال:«أيّها الخلق المطيع، الدائب (2)السريع،المتردّد في فلك التدبير،المتصرّف في منازل التقدير،آمنت بمن نوّر بك الظلم،و أضاء بك البهم،و جعلك آية من آيات سلطانه،و امتهنك (3)بالزيادة و النقصان و الطلوع و الأفول،و الإنارة و الكسوف،في كلّ ذلك أنت له مطيع،و إلى إرادته سريع،سبحانه ما أحسن ما دبّر،و أتقن ما صنع في ملكه، و جعلك اللّه[هلال] (4)شهر حادث لأمر حادث،جعلك اللّه هلال أمن و إيمان، و سلامة و إسلام،هلال أمن (5)من العاهات،و سلامة من السّيّئات،اللهمّ اجعلنا أهدى من طلع عليه،و أزكى من نظر إليه،و صلّ على محمّد و آله،و افعل بي كذا و كذا يا أرحم الراحمين» (6).
الذي تجب معه صلاة الصبح-و هو قول العلماء كافّة-قال اللّه تعالى: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
ص:264
اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (1).
و روى الشيخ-في الصحيح-عن أبي بصير،عن أحدهما عليهما السلام في قول اللّه عزّ و جلّ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (2)الآية،فقال:«نزلت في خوّات بن جبير الأنصاريّ (3)،و كان مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الخندق و هو صائم،و أمسى (4)على تلك الحال،و كان قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام (5)،فجاء خوّات إلى أهله حين أمسى،فقال:هل عندكم طعام؟فقالوا:لا،أقم (6)حتّى نصنع لك طعاما،فاتّكأ فنام،فقالوا له:قد غفلت؟ فقال:نعم،فبات على تلك الحال و أصبح،ثمّ غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه، فمرّ (7)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلمّا رأى الذي به أخبره كيف كان أمره، فأنزل اللّه فيه الآية: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (8)(9).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الخيط
ص:265
الأبيض من الخيط الأسود،فقال:«بياض النهار من سواد الليل»قال:«و كان بلال يؤذّن للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله (1)حين يطلع الفجر و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
«إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام و الشراب فقد أصبحتم» (2).
و في الصحيح عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت:متى يحرم الطعام (3)على الصائم و تحلّ الصلاة صلاة الفجر؟فقال:«إذا اعترض الفجر و كان كالقبطيّة (4)البيضاء،فثمّ يحرم الطعام،و تحلّ الصلاة صلاة الفجر»قلت:
فلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟فقال:«هيهات أين تذهب؟!تلك صلاة الصبيان» (5).و لا نعرف في ذلك خلافا يعتدّ (6)به.
و لا تفريط هنا بترك المراعاة،فلا يلزمه القضاء،كما بيّنّاه في الأكل و الشرب (1).
أمّا لو جامع من غير مراعاة أو قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع مع إمكان المراعاة،فبان طالعا،وجب عليه القضاء،و قد تقدّم ذلك،و لا كفّارة للشبهة،و قد سلف البحث فيه فيما مضى (2).
صلاة المغرب،
و قد تقدّم (3)،و علامة ذلك غيبوبة الحمرة المشرقيّة.
و قال قوم من علمائنا:إنّه لو كان بحيث يرى الآفاق و غابت الشمس،و رأى ضوءها على بعض الجبال من بعيد أو بناء عال،مثل منارة إسكندريّة،جاز الإفطار،فاعتبروا غيبوبة القرص لا غير (4).قال الشيخ (5):و الأحوط عندي أن لا يفطر حتّى تغيب عن الأبصار في كلّ ما يشاهده،فإنّه يتيقّن معه تمام الصوم (6).
و الذي ذكره الشيخ هو الوجه عندي؛لما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير،عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن يقوم بحذاء القبلة و يتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق،فإذا جازت قمّة (7)الرأس إلى ناحية المغرب،فقد وجب الإفطار و سقط القرص» (8).
احتجّوا:بما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى
ص:267
اللّه عليه و آله:إذا غاب القرص أفطر الصائم،و دخل وقت الصلاة» (1).
و الجواب:أنّا نقول بموجبه،لكنّ البحث في غيبوبة القرص متى هو،فأين (2)أحدهما من الآخر؟!على أنّ في طريق هذه الرواية عمرو بن شمر و هو ضعيف.
قال ابن بابويه-رحمه اللّه-قال أبي رضي اللّه عنه في رسالته إليّ:يحلّ لك الإفطار إذا بدت ثلاثة أنجم و هي تطلع من غروب الشمس،و هو رواية أبان عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام (3)،و قد رواه الشيخ أيضا عن أبان،عن زرارة، قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن وقت إفطار الصائم،قال:«حين يبدو له ثلاثة أنجم»و قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك، قال:«ليس عليه قضاء» (4).
قال الشيخ:ما تضمّنه هذا الخبر من ظهور ثلاثة أنجم لا يعتبر به،و المراعى ما قدّمناه من سقوط القرص،و علامته زوال الحمرة من ناحية المشرق،و هذا كان يعتبره أصحاب أبي الخطّاب لعنه اللّه (5).
لأنّ الأصل البقاء،فلا يجوز الإقدام على المفطر مع الشكّ،و لو غاب القرص و بقي له أمارة الظهور فأصحّ الروايتين وجوب الإمساك حتّى تذهب علامة ظهوره.
الصوم،فإن كان هناك قوم ينتظرونه للإفطار،قدّم الإفطار معهم على الصلاة،مراعاة لقلب المؤمن.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:سئل عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟قال:«إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم،فليفطر معهم،و إن كان غير ذلك فليصلّ و ليفطر» (1).
و عن زرارة و فضيل،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«تصلّي في رمضان ثمّ تفطر،إلاّ أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار،فلا تخالف عليهم و إلاّ فابدأ بالصلاة فقد حضرك فرضان:الإفطار و الصلاة،و أفضلهما الصلاة»ثمّ قال:«تصلّي و أنت صائم،و تختم بالصوم أحبّ إليّ» (2).
و هي قسمان:
و لو كان بعد الفجر،لم يجب،و استحبّ له الإمساك،سواء كان مفطرا أو صائما.
و قال أبو حنيفة:يجب عليه الإمساك (1).
و قال الشافعيّ:إن كان أفطر استحبّ له الإمساك،و في القضاء قولان،و إن كان صائما فوجهان:
أحدهما:يتمّه استحبابا و يقضيه وجوبا؛لفوات نيّة التعيين.
و الثاني:يتمّ وجوبا و يقضيه استحبابا (2).
لنا:قوله عليه السّلام:«رفع القلم عن ثلاثة:عن الصبيّ حتّى يبلغ،و عن المجنون حتّى يفيق،و عن النائم حتّى ينتبه» (3).و رفع القلم عبارة عن سقوط التكليف واجبا و ندبا،فلا يجب عليه.
و لأنّ الصبيّ ليس أهلا للخطاب و لا محلاّ للوجوب،فلا تكليف عليه في أوّل النهار و لا في آخره؛لاستحالة إيجاب صوم بعض اليوم.
و يفارق هذا ما إذا فات بعض اليوم ثمّ قامت البيّنة بالرؤية،كما احتجّ به أبو حنيفة (4)؛لأنّ أوّل النهار كان صومه واجبا على البالغ ثمّ ظهر وجوبه بقيام البيّنة،بخلاف صورة النزاع.
و أمّا استحباب الإمساك؛فلأنّه تمرين على الصوم و تسليك للصبر على الطاعات،و ليس بتكليف يتوقّف على توجّه الخطاب.
ص:270
فلا يجب على المجنون إجماعا،و للحديث.
و لو أفاق في أثناء الشهر،وجب عليه صيام ما بقي إجماعا؛لأنّه مكلّف قد حضر (1)وقت التكليف،فتعلّق به ما خوطب به فيه،و لا يجب عليه قضاء ما فات، و سيأتي.
أمّا اليوم الذي أفاق فيه،فإن أفاق قبل طلوع الفجر،وجب عليه صيامه إجماعا،و إن أفاق في أثنائه،أمسك استحبابا لا وجوبا؛لما تقدّم في فصل الصبيّ (2)،و الخلاف هنا كالخلاف هناك،و حكم المغمى عليه حكم المجنون.
فلو أسلم في أثناء الشهر،وجب عليه صيام ما بقي دون الماضي،و سيأتي.
أمّا اليوم الذي أسلم فيه،فإن كان قد أسلم قبل طلوع الفجر،وجب عليه صيامه،و إن كان بعده،أمسك استحبابا لا وجوبا؛لما تقدّم (4).
و يدلّ عليه أيضا ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن العيص بن القاسم،قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيّام، هل عليهم أن يقضوا ما مضى[منه] (5)أو يومهم الذي أسلموا فيه؟قال:«ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه،إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر» (6).و الخلاف هنا كما تقدّم.
ص:271
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و لا نعلم فيه خلافا.
و قد أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة.قال اللّه تعالى:
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1).
إذا ثبت هذا:فنقول حدّ المرض الذي يجب معه الإفطار:ما يزيد في مرضه لو صام،أو يبطؤ البرء معه،و عليه أكثر العلماء (2).
و حكي عن قوم لا اعتداد بهم إباحة الفطر بكلّ مرض،سواء زاد في المرض أو لم يزد (3).
لنا:أنّه شاهد للشهر لا يؤذيه الصوم،فكان كالصحيح.
احتجّوا (4)بعموم قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ (5).
و الجواب:أنّها مخصوصة في المسافر و المريض معا،فإنّ المسافر سفرا قصرا لا يجب عليه القصر.
و الفرق بين السفر و المرض أنّ الشارع اعتبر مظنّة السفر و هو السفر الطويل حيث لم يمكن اعتبار الحكمة بنفسها،فإنّ قليل المشقّة لا يبيح القصر،و الكثير لا ضابط له في نفسه،فاعتبرت مظنّة الكثير،و هو السفر الطويل الذي حدّه الشارع و جعله مناطا للحكم دائرا معه وجوب القصر وجودا و عدما.
أمّا المرض فلم يعتبر الشارع له ضابطا؛لاختلاف الأمراض،فإنّ منها ما يضرّ صاحبه الصوم،و منها ما لا يؤثّر الصوم فيه،فلم يصلح المرض ضابطا،فاعتبرت
ص:272
الحكمة،لإمكانها؛إذ الإنسان على نفسه بصيرة،فوجب اعتبار ما يخاف معه الزيادة أو عدم البرء أو بطؤه،و بالجملة الإضرار بالصوم.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن ابن أذينة،قال:كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه؟و المرض الذي يدع صاحبه الصلاة من قيام؟فقال: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (1).و قال:«ذاك إليه،هو أعلم بنفسه» (2).
و عن سماعة قال:سألته ما حدّ المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار، كما يجب عليه في السفر من كان مريضا أو على سفر؟قال:«هو مؤتمن عليه مفوّض إليه،فإن وجد ضعفا فليفطر،و إن وجد قوّة فليصمه،كان المرض ما كان» (3).
و عن عمّار الساباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يجد في رأسه وجعا من صداع شديد هل يجوز له الإفطار؟قال:«إذا صدّع صداعا شديدا، و (4)إذا حمّ حمّى شديدة،و إذا رمدت عينه (5)رمدا شديدا فقد حلّ له الإفطار» (6).
لكن بشرط
ص:273
الزيادة أو الضرر (1)على ما بيّنّا (2)(3).
وجب عليه الإفطار،سواء استند في ذلك إلى أمارة أو تجربة أو قول عارف،عملا بالعموم.
لأنّه منهيّ عنه و النهي يدلّ على فساد المنهيّ عنه.
و لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (4)و التفصيل يقطع الشركة.
و خالف بعض الجمهور في ذلك،و قال:إنّه إذا تكلّفه أجزأه و إن زاد في مرضه (5)،و ليس بمعتمد.
و رواية عقبة بن خالد (6)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل صام رمضان و هو
ص:274
مريض،قال:«يتمّ صومه و لا يعيد يجزئه» (1)ليست منافية لما ذهبنا إليه؛لأنّها كما يحتمل المرض الذي يزيد الصوم فيه،يحتمل ما لا يزيد الصوم فيه،و لا يمكن الجمع،فلا دلالة فيها على نقيض المطلوب،بل يجب حملها على من لا يزيد الصوم فيه؛جمعا بين الأدلّة.
فيه تردّد ينشأ من وجوب الصوم (2)بالعموم و سلامته عن معارضة المرض،و من كون المريض إنّما أبيح له الفطر لأجل الضرر به،و هو حاصل هنا؛لأنّ الخوف من تجدّد المرض في معنى الخوف من زيادته و تطاوله.
الفطر؟فيه التردّد.
أمّا المستحاضة إذا خافت من الضرر بالصوم،فإنّها تفطر؛لأنّ الاستحاضة مرض،فدخلت تحت العموم.
و لو جوّزنا لصاحب الشبق المضرّ به،الإفطار،فإن أمكنه استدفاع الأذى بما لا يفسد به صوم غيره،كالوطء فيما دون الفرج،وجب عليه ذلك.
و إن لم يمكنه إلاّ بإفساد الصوم،هل يجوز له ذلك؟فيه تردّد ينشأ من تحريم الإفطار لغير (3)سبب،و من مراعاة مصلحة بقاء النفس على السلامة،كالحامل و المرضع،فإنّهما تفطران خوفا على ولديهما.
و لو كان له امرأتان:حائض و طاهر،و دعته الضرورة إلى وطء إحداهما، و جوّزنا له ذلك،فالوجه وطء الطاهر؛لأنّ اللّه تعالى حرّم وطء الحائض في
ص:275
كتابه (1).و لأنّ وطأها فيه أذى لا يزول بالحاجة إلى الوطء.
و قيل:يتخيّر؛لأنّ وطء الصائمة يفسد صومها،فتتعارض (2)المفسدتان فيتساويان (3)،و الوجه الأوّل.
و كذا لو أمكنه استدفاع الأذى بفعل محرّم،كالاستمناء باليد أو يد امرأته أو جاريته لم يسغ ذلك،خلافا لبعضهم (4).
إلاّ ما استثنيناه، فلا يجب الصوم على المسافر.و هو قول كلّ العلماء،قال اللّه تعالى: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (6).
و روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّ اللّه تعالى وضع عن المسافر الصوم و شطر الصلاة» (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (8)قال:«ما أبينها من شهد فليصمه و من سافر فلا يصمه» (9).
ص:276
و عن ابن أبي عمير (1)،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سمعته يقول:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّ اللّه تصدّق على مرضى أمّتي و مسافريها بالتقصير و الإفطار،أ يسرّ أحدكم إذا تصدّق بصدقة أن تردّ عليه؟!» (2).و لا خلاف بين المسلمين في إباحة الإفطار للمسافر سفرا مشروطا بما يأتي و ما مضى (3).
ذهب إليه علماؤنا أجمع.و به قال أبو هريرة (4)و ستّة من الصحابة (5)،و أهل الظاهر (6).
و قال باقي الجمهور بجواز الصوم،و اختلفوا في الأفضل من الصوم و الإفطار:
فقال الشافعيّ (7)،و مالك (8)،و أبو حنيفة (9)،و الثوريّ (10)،و أبو ثور:إنّ الصوم في السفر أفضل (11).
ص:277
و قال أحمد (1)،و الأوزاعيّ (2)و إسحاق:الفطر أفضل (3)،و هو قول عبد اللّه بن عبّاس،و عبد اللّه بن عمر (4).
لنا:قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (5)و التفصيل قاطع للشركة،فكما أنّ الحاضر يلزمه الصوم فرضا لازما مضيّقا،كذلك المسافر يلزمه القضاء فرضا مضيّقا،و إذا وجب عليه القضاء مطلقا،سقط عنه فرض الصوم.
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ليس من البرّ الصيام في السفر» (6).
و عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» (7).
و عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه أفطر في السفر،فلمّا بلغه أنّ قوما صاموا قال:
«أولئك العصاة» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن حكيم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لو أنّ رجلا مات صائما في السفر ما صلّيت عليه» (9).
ص:278
و عن يحيى بن أبي العلاء،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر»ثمّ قال:«إنّ رجلا أتى (1)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:يا رسول اللّه أصوم شهر رمضان في السفر؟فقال:«لا» فقال:يا رسول اللّه إنّه عليّ يسير،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ اللّه تصدّق على مرضى أمّتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان،أ يعجب أحدكم أن لو تصدّق بصدقة أن تردّ عليه؟!» (2).
و في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«سمّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قوما صاموا حين أفطر و قصّر:عصاة،و قال:هم العصاة إلى يوم القيامة،و إنّا لنعرف أبناءهم و أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا» (3).
و في الصحيح عن صفوان بن يحيى،عن أبي الحسن عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم،قال:«ليس من البرّ الصوم (4)في السفر» (5).
احتجّ المخالف (6):بما روته عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لحمزة الأسلميّ و قد سأله عن الصوم في السفر:«إن شئت صم و إن شئت فأفطر» (7).
و عن أنس قال:سافرنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فصام بعضنا و أفطر بعضنا،فلم يعب الصائم على المفطر و لا المفطر على الصائم (8).
ص:279
و لأنّ الإفطار في السفر رخصة،و من رخّص له الفطر،جاز له أن يتحمّل المشقّة بالصوم،كالمريض.
و الجواب:أنّ الحديثين محمولان على صوم النافلة؛إذ التخيير ينافي الأفضليّة،و قد اتّفقوا على أفضليّة أحدهما أعني الصوم أو الفطر (1)،و القياس ممنوع للأصل،و قد سلف (2).
أمّا التفصيل و هو عدم الإجزاء مع العلم بوجوب التقصير،و الإجزاء لا معه،فيدلّ عليه أنّه مع العلم بوجوب التقصير يكون قد صام صوما يعلم أنّه لا يجزئه فلا يكون مجزئا،و مع عدم العلم يكون معذورا للجهل؛لأنّ جهالته بالقصر موجب بقائه (3)على علمه السابق من وجوب الإتمام،فيكون مؤدّيا فرضه (4).
و يدلّ عليه أيضا ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:رجل صام في السفر،فقال:«إن كان بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء و إن لم يكن بلغه فلا شيء عليه» (5).
و عن ابن أبي شعبة،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام،مثله (6).
و في الصحيح عن معاوية بن عمّار،قال:سمعته يقول:«إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزئه و عليه الإعادة» (7).و في الصحيح عن عبد الرحمن
ص:280
بن أبي عبد اللّه،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام شهر رمضان في السفر،فقال:«إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك، فليس عليه القضاء،و قد أجزأ عنه الصوم» (1).
فلو كان معصية للّه تعالى،أو لصيد لهو و بطر،أو كان تابعا لسلطان جائر،فعليه التمام و لم يجز له الإفطار-و عليه علماؤنا أجمع-لأنّ الرخصة مساعدة فلا تلائم العاصى.
و يدلّ عليه أيضا:ما رواه الشيخ عن عمّار بن مروان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سمعته يقول:«من سافر قصّر و أفطر،إلاّ أن يكون رجلا سفره في الصيد،أو في معصية اللّه تعالى،أو رسولا لمن يعصي اللّه،أو فى طلب شحناء (2)أو سعاية ضرر (3)على قوم من المسلمين» (4).
و عن زرارة قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عمّن يخرج من أهله بالصقورة و الكلاب يتنزّه الليلتين و الثلاث هل يقصّر من صلاته أو لا؟ (5)قال:«لا يقصّر،إنّما خرج في لهو» (6).و التعليل يدلّ على التعميم.
و عن أبي سعيد الخراسانيّ،قال:دخل رجلان على أبي الحسن الرضا
ص:281
عليه السّلام بخراسان،فسألاه عن التقصير،فقال لأحدهما:«وجب عليك التقصير؛ لأنّك قصد تني»و قال للآخر:«وجب عليك التمام؛لأنّك قصدت السلطان» (1).
و قد سلف البحث في ذلك (2).
و هما أربعة و عشرون ميلا،رواه عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في التقصير:«حدّه أربعة و عشرون ميلا» (3).
و نحوه روى عبد اللّه بن بكير،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4).
و في الصحيح عن عاصم بن حميد،عن أبي بصير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:في كم يقصّر الرجل؟فقال:«في بياض يوم أو بريدين»قال:«خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ذي خشب فقصّر»فقلت:و كم ذي خشب؟قال:
«بريدان» (5).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في التقصير في الصلاة،قال:«بريد في بريد أربعة و عشرون ميلا»ثمّ قال:
«إنّ أبي كان يقول:إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء (6)أو الدابّة الناجية (7)،
ص:282
و إنّما وضع على سير القطار» (1)(2).
و الجمهور اختلفوا في تحديد المسافة،و قد مضى في باب الصلاة ذكر الخلاف و تحقيق الحقّ في ذلك (3).
و لا يعارض هذه الأحاديث:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن زيد الشحّام قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«يقصّر الرجل في مسيرة اثني عشر ميلا» (4).
و في الحسن عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«التقصير في بريد، و البريد أربعة فراسخ» (5).
و في الحسن عن أبي أيّوب قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أدنى ما يقصّر فيه المسافر؟فقال:«بريد» (6).
لأنّها محمولة على من أراد الرجوع ليومه؛لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن معاوية بن وهب،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟
ص:283
قال:«بريد ذاهبا،و بريد جائيا» (1).
و عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:سألته عن التقصير، قال:«في بريد»قال:قلت:بريد؟قال:«إنّه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه» (2).
فأمّا رواية أبي سعيد الخدريّ قال:كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا سافر فرسخا قصّر الصلاة (3)،فإنّها محمولة على أنّه عليه السّلام إذا قصد المسافة و خرج عن الجدران بحيث يخفى عنه الأذان و هو الفرسخ،قصّر الصلاة،لا أنّه يقصّر لو قصد الفرسخ لا غير؛لأنّه بمعزل عن قول المحقّقين.
فالهائم (4)لا يترخّص و إن سار أكثر من المسافة؛لما رواه الشيخ عن صفوان،قال:سألت الرضا عليه السّلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل،فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان،و هي أربعة فراسخ من بغداد،أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصّر؟قال:
«لا يقصّر و لا يفطر؛لأنّه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ،إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق،فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه،و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا،لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار،فإن هو أصبح و لم ينو السفر،فبدا له من بعد أن أصبح في
ص:284
السفر،قصّر و لم يفطر يومه ذلك» (1).
و كذا لو نوى الإقامة هذه المدّة،و لو لم ينو الإقامة،بل ردّد نيّته في الإقامة و عدمها،قصّر ما بينه و بين شهر،ثمّ يتمّ بعد ذلك؛لما تقدّم.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أبي بصير،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا عزم الرجل أن يقيم عشرا عليه الصلاة،و إن كان في شكّ لا يدري ما يقيم،فيقول:اليوم أو غدا،فليقصّر ما بينه و بين شهر،فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتمّ الصلاة» (2).
لأنّ وقته مشغول بالسفر فلم يترخّص؛لعدم المشقّة فيه.و لأنّه يلزم التقصير في أكثر الأوقات.
و يدلّ عليه ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام،يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان» (3).
و عن إسماعيل بن أبي زياد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه عليه السّلام، عن عليّ عليه السّلام،قال:«سبعة لا يقصّرون الصّلاة:الأمير الذي يدور في إمارته، و الجابي (4)الذي يدور في جبايته،و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى
ص:285
سوق،و البدويّ الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر،و الراعي،و المحارب الذي يخرج لقطع السبيل،و الذي (1)يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا» (2).
و عن سنديّ بن الربيع (3)،قال في المكاري و الجمّال الذي يختلف ليس (4)له مقام:يتمّ الصلاة و يصوم في شهر رمضان (5).
مسألة:و لو أقام أحدهم في بلده أو غير بلده عشرة أيّام عازمين على ذلك، قصّروا إذا خرجوا في الصلاة و الصيام.
رواه الشيخ عن يونس بن عبد الرحمن،عن بعض رجاله،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتمّ،قال:أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيّام،وجب عليه الصيام و التمام أبدا و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام، فعليه التقصير و الإفطار» (6).
ص:286
و كذا لو تردّد المسافر في الإقامة؛فإنّه يتمّ بعد مضيّ شهر،و قد سلف البحث (1).
و قد سلف تحقيق ذلك (2).
و يؤيّده هنا:ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«ليس يفترق التقصير و الإفطار،فمن قصّر فليفطر» (3).
و هل يشترط تبييت النيّة من الليل؟قال الشيخ-رحمه اللّه-:نعم،فلو بيّت نيّته على السفر من الليل ثمّ خرج أيّ وقت كان من النهار،وجب عليه التقصير و القضاء.و لو خرج بعد الزوال أمسك و عليه القضاء.
و إن لم يبيّت نيّته من الليل،لم يجز له التقصير،و كان عليه إتمام ذلك اليوم، و ليس عليه قضاؤه أيّ وقت خرج،إلاّ أن يكون قد خرج قبل طلوع الفجر،فإنّه يجب عليه الإفطار على كلّ حال.و لو قصّر،وجب عليه القضاء و الكفّارة (4).
و ذهب المفيد-رحمه اللّه-إلى أنّ المعتبر خروجه قبل الزوال،فإن خرج حينئذ لزمه الإفطار،فإن صامه لم يجزئه،و وجب عليه القضاء،و لو خرج بعد الزوال،أتمّ (5).و به قال أبو الصلاح،و لا اعتبار بالنيّة (6).
و قال السيّد المرتضى-رحمه اللّه-:يفطر و لو خرج قبل الغروب (7)،و هو قول
ص:287
عليّ بن بابويه (1)،و لم يعتبر التبييت.
أمّا الجمهور فقد قال الشافعيّ:إذا نوى المقيم الصوم قبل الفجر ثمّ خرج بعد الفجر مسافرا،لم يفطر يومه (2)،و به قال أبو حنيفة (3)،و مالك (4)،و الأوزاعيّ، و أبو ثور،و اختاره النخعيّ و مكحول،و الزهريّ (5).
و لو أفطر ففي وجوب الكفّارة بينهم خلاف،فأوجبها الشافعيّ (6).
و قال أبو حنيفة (7)،و مالك:لا كفّارة عليه؛للشبهة (8).
و قال أحمد في إحدى الروايتين:يجوز له الإفطار (9).و به قال إسحاق،و داود، و المزنيّ،و اختاره ابن المنذر (10).و الأقوى عندي خيرة المفيد.
لنا:قوله تعالى: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (11)و هو بعمومه يتناول من خرج قبل الزوال بغير نيّة من الليل على السفر،و قد بيّنّا أنّه
ص:288
للوجوب (1).
و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه خرج من المدينة عام الفتح،فلمّا بلغ إلى كراع الغميم (2)أفطر (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر و هو صائم،قال:
«إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم،و إن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه» (4).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه (5)صيام ذلك اليوم و يعتدّ به من شهر رمضان،و إذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم،فإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه و إن شاء (6)صام» (7).
و لأنّه معنى لو وجد في أوّل النهار أباح الفطر،فكذا إذا وجد في أثنائه، كالمريض.
و لأنّه قبل الزوال يكون معظم ذلك اليوم انقطع في السفر،فألحق به حكم
ص:289
المسافر،و لهذا كان محلّ النيّة إلى الزوال اعتبارا بالأكثر،فكان السفر إلى قبل الزوال يجري مجرى السفر في أوّل الطلوع كالنيّة،أمّا بعد الزوال فإنّه انقضى معظم ذلك اليوم على الصوم،فلا يؤثّر فيه السفر المتعقّب،كما لم يعتدّ بالنيّة فيه.
و لعموم قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (1)خرج عنه ما لو سافر قبل الزوال؛للحديثين،و لما ذكرناه،فيبقى الباقي على عمومه.
احتجّ الشيخ:بما رواه سليمان بن جعفر الجعفريّ،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح، قال:«إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم،إلاّ أن يدلج دلجة (2)» (3).
و عن رفاعة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين (4)يصبح،قال:«يتمّ صومه ذلك»قال:قلت:فإنّه أقبل في شهر رمضان و لم يكن بينه و بين أهله إلاّ ضحوة من النهار،فقال:«إذا طلع الفجر و هو خارج (5)فهو بالخيار،إن شاء صام،و إن شاء أفطر» (6).
و عن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله قال:«إذا حدّث نفسه بالليل في السفر،أفطر إذا خرج
ص:290
من منزله،و إن لم يحدّث نفسه من الليل (1)ثمّ بدا له في السفر من يومه أتمّ صومه» (2).
و عن أبي بصير قال:«إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل، فأتمّ الصوم و اعتدّ به من شهر رمضان» (3).
و لقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (4).و هو بإطلاقه يدلّ على صورة النزاع،و لا يلزم ذلك فيما لو بيّت نيّته من الليل؛لأنّه مع النيّة على السفر من الليل، يكون صومه مشروطا في بيته.و لأنّه إذا عزم من الليل،لم ينو الصوم،فلا يكون صومه تامّا.و حمل الخبرين اللذين أوردناهما من طرقنا على من نوى من الليل السفر،فإنّه يجب عليه الإفطار إذا خرج قبل الزوال،و إن (5)خرج بعد الزوال، استحبّ له أن يتمّ صومه،فإن لم يتمّ (6)،لم يكن عليه شيء (7).
و استدلّ على التأويل بما رواه أبو بصير قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إذا أردت السفر في شهر رمضان،فنويت الخروج من الليل،فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر و عليك قضاء ذلك اليوم» (8).
ص:291
و احتجّ السيّد المرتضى:بعموم قوله تعالى: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ (1)و هو يصدق على من خرج قبل الغروب بشيء يسير،فيجب عليه الإفطار.
و بما رواه عبد الأعلى مولى آل سام في الرجل يريد السفر في شهر رمضان، قال:«يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل» (2).
و احتجّ الشافعيّ:بأنّ الصوم عبادة يختلف بالسفر و الحضر،فإذا اجتمع فيها السفر و الحضر،غلب حكم الحضر،كما لو دخل في الصلاة ثمّ سافر (3).
و الجواب عن الحديث الأوّل:أنّ في طريقه عليّ بن[أحمد بن] (4)أشيم،و هو ضعيف،و هو مع ذلك غير دالّ على مطلوب الشيخ؛لأنّه اعتبر التبييت و في أيّ وقت يخرج معه يفطر،و الحديث ينافيه؛لأنّه عليه السّلام أوجب عليه الصيام،إلاّ أن يدلج دلجة،و الدلج:السير في الليل،و أدلج:إذا سار الليل كلّه،و إن سار آخره (5)،قيل:ادّلج،بتشديد الدال.
و الحديث الثاني في طريقه ابن فضّال،و هو ضعيف،و محمول على من سافر بعد الزوال.
و الثالث:في طريقه عليّ بن فضّال (6)،و هو ضعيف،و مع ذلك،فإنّه يحتمل التأويل؛لأنّ قوله:«ثمّ بدا له في السفر من يومه،أتمّ صومه»كما يحتمل السفر أوّل
ص:292
النهار،يحتمل آخره،بل و يحتمل عدم السفر أصلا،فيحمل على ما إذا سافر بعد الزوال.
و الرابع:مرسل،فإنّ صفوان بن يحيى رواه عن رجل،عن أبي بصير،و مع ذلك فأبو بصير لم يسنده إلى إمام،فيحتمل أنّه قاله (1)عن اجتهاده،و مع ذلك يحتمل التأويل المتقدّم (2).
و دفع الشيخ المعارضة في استدلاله بالآية يلزم عليه أنّه لو لم يخرج يقضيه؛ لأنّه لم ينوه،و ليس كذلك.
فإن قلت:نيّة السفر لا تستلزم إبطال نيّة الصوم؛لجواز أن يجدّدها بعد الفجر قبل الزوال.
قلت:فإذا كان كذلك،جاز اجتماع نيّة السفر و الصوم.على أنّا نقول:إنّه يجب عليه مع العزم على السفر من الليل النيّة للصوم؛لجواز الرجوع عن العزم على السفر.
و أمّا تأويله فضعيف؛لعدم دلالة الحديثين عليه و لا غيره من الأدلّة، و الأحاديث التي ذكرها قد بيّنّا ضعف سندها،و تأويلها أولى من تأويل الحديثين؛ لصحّة سندهما.
و الحديث الذي استدلّ به على التأويل،غير دالّ على ما طلبه (3)من التأويل، و مع ذلك فهو مقطوع السند،و مع ذلك فإنّه يحتمل أنّه إذا خرج قبل انتصاف النهار؛ عملا بالأغلب.
و عن احتجاج السيّد:أنّ الآية مخصوصة بالحديثين اللذين ذكرناهما (4)،
ص:293
و حديثه ضعيف السند،و مع ذلك فهو مقطوع لم يسند إلى إمام،فلا اعتداد به.
و احتجاج الشافعيّ باطل؛لأنّ (1)حكم الحضر إنّما يغلب لو خرج بعد الزوال؛ لمضيّ أكثر الوقت في الصوم،أمّا مع الخروج قبل الزوال فلا.
بلده؛
لأنّه حينئذ يسمّى ضاربا في الأرض،أمّا قبله فلا،و قد بيّنّا ذلك في كتاب الصلاة (2).
النهار،
و ليس واجبا،ذهب إليه علماؤنا.و به قال الشافعيّ (3)،و مالك (4)، و أبو ثور،و داود (5).
و قال أبو حنيفة (6)،و الثوريّ،و الأوزاعيّ:لا يجوز لهم أن يأكلوا في بقيّة النهار (7).
و عن أحمد روايتان (8).
لنا:أنّه أبيح له الإفطار في أوّل النهار ظاهرا و باطنا،فإذا أفطر،كان له
ص:294
أن يستديمه إلى آخر النهار،كما لو بقي العذر.
و لأنّ الإفطار قد حصل في أوّل النهار،فلا يجب صيام الباقي؛لأنّ الصوم غير قابل للتبعيض في اليوم.و لأنّ الأصل براءة الذمّة،و إنّما كلّفناه بالإمساك استحبابا؛ ليأمن من (1)تهمة من يراه،و ليتشبّه بالصائمين.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض،أ يواقعها؟قال:«لا بأس به» (2).
و أمّا استحباب الإمساك؛فلما رواه الشيخ-في الصحيح-عن يونس،قال:
قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان و قد أكل قبل دخوله،قال:
«يكفّ عن الأكل بقيّة يومه و عليه القضاء» (3).
و عن سماعة،قال:سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس و قد أكل، قال:«لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا،و لا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل» (4).
احتجّ أبو حنيفة:بأنّ هذا معنى لو طرأ قبل طلوع الفجر،لوجب الصوم،فإذا طرأ بعد الفجر،وجب الإمساك كقيام البيّنة بأنّه من شهر رمضان (5).
ص:295
و الجواب:الفرق بينهما،فإنّ في صورة النزاع أبيح للمفطر الإفطار ظاهرا و باطنا،فإذا أفطر،كان له أن يستديمه إلى آخر النهار،كما لو استمرّ العذر،بخلاف قيام البيّنة؛لأنّه لم يكن له الفطر باطنا،فلمّا انكشف له خطاؤه،حرم عليه الإفطار، و هكذا البحث في كلّ مفطر،كالحائض إذا طهرت،و الطاهر إذا حاضت،و الصبيّ إذا بلغ،و الكافر إذا أسلم.
فإن قدم أو برئ قبل الزوال،أمسكا بقيّة يومهما وجوبا و أجزأهما عن رمضان،و إن كان بعد الزوال، أمسكا استحبابا،و قضيا.
و قال أبو حنيفة:يجب عليه الإمساك مطلقا (1).
و لأصحاب الشافعيّ وجهان في المسافر،و أمّا المريض فأوجبا عليه الإمساك مطلقا (2).
لنا:أنّه قبل الزوال يمكنه أداء الواجب على وجه تؤثّر النيّة في ابتدائه،فوجب الصوم و الإجزاء؛لأنّه فعل ما أمر به على وجهه،فيخرج عن العهدة،و أمّا بعد الزوال فمحلّ النيّة فات،فلا يجب الصوم؛لعدم شرطه،و استحبّ الإمساك لحرمة الزمان.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن أبي بصير،قال:سألته عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان،فقال:«إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صوم ذلك اليوم و يعتدّ به» (3).
ص:296
و عن أحمد بن محمّد،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل قدم من سفره في شهر رمضان و لم يطعم شيئا قبل الزوال،قال:«يصوم» (1).
و عن سماعة قال:«و إن قدم بعد زوال الشمس أفطر و لا يأكل ظاهرا،و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم» (2).
و احتجاج أبي حنيفة قد سلف و بيّنّا ضعفه (3).
جاز له الإفطار،و إن أمسك حتّى يدخل و أتمّ صومه،كان أفضل و أجزأه.
أمّا جواز الإفطار؛فلأنّ المقتضي للحلّ و هو السفر موجود،و المانع مفقود بالأصل،فيثبت الحكم.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن رفاعة بن موسى،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتّى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار،قال:«إذا طلع الفجر و هو خارج لم يدخل (4)فهو بالخيار،إن شاء صام،و إن شاء أفطر» (5).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان،فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار،فقال:
«إذا طلع الفجر و هو خارج لم يدخل أهله فهو بالخيار،إن شاء صام،و إن شاء أفطر» (6).
و أمّا أولويّة الصوم:فلأنّها عبادة موقّتة يمكنه الإتيان بها في وقتها المضروب
ص:297
لها،فكان أولى من تركها.و لأنّ أيّام رمضان أشرف من غيرها،فإيقاع العبادة فيه على وجهها أولى من غيرها.و لأنّه مسارعة إلى فعل الواجب و مبادرة إلى الإتيان بالطاعة،فيكون أولى.و لأنّ الأداء مع صحّته أولى من القضاء.
و هو قول كلّ العلماء، و قد سلف تحقيق ذلك (1).
و لو زال عذرهما في أثناء النهار،لم يصحّ لهما صوم،و استحبّ لهما الإمساك و وجب عليهما القضاء،و هو قول أكثر العلماء (2).
و قال أبو حنيفة:يجب الإمساك و القضاء (3).
لنا:أنّ الوجوب سقط عنهما ظاهرا و باطنا،فلم يجب عليهما الإمساك، بخلاف ما لو قامت البيّنة بأنّه من رمضان بعد تناول المفطر (4)و قد سبق احتجاج أبى حنيفة و الجواب عنه (5).
و كذا لو تجدّد في أثناء النهار و لو قبل الغروب بشيء يسير،و لا نعلم فيه خلافا.
قيل:الصوم واجب على الحائض و النفساء و يجب عليهما الإفطار،و لهذا
ص:298
أوجبنا القضاء عليهما (1).و هو خطأ؛لأنّ وجوب الصوم مع وجوب الإفطار ممّا يتنافيان،و وجوب القضاء بأمر جديد،لا بالأمر السابق.نعم،إنّه وجد سبب الوجوب فيهما و لم يوجد الوجوب لمانع،أمّا الوجوب فلا.
فلو فات الصبيّ الذي لم يبلغ شهر رمضان،لم يجب عليه القضاء حالة البلوغ،سواء كان مميّزا أو لم يكن.
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم؛لأنّ الصغير لا يتناوله الخطاب وقت الأمر بالصوم و لم يوجد فيه شرطه و هو العقل،فلا يتناوله خطاب القضاء.و لا نعلم فيه خلافا،إلاّ من الأوزاعيّ؛فإنّه قال:يقضيه إن كان أفطره و هو مطيق على صيامه (2).و ليس معتمدا (3)؛لأنّه زمن مضى في حال صباه،فلم يلزمه القضاء،كما لو بلغ بعد انسلاخ الشهر أجمع.
لنا:أنّه ليس من أهل التكليف في ابتداء اليوم،و بعض اليوم لا يصحّ صومه، فسقط التكليف بصوم ذلك اليوم وجوبا و ندبا،فالقضاء ساقط؛لأنّه يستتبع وجوب الأداء أو وجود سببه.
احتجّ الشافعيّ:بأنّه يجب عليه أن يصوم بقيّته لبلوغه،و تعذّر عليه صومه؛ للإفطار،و قضاؤه منفردا،فوجب أن يكمل صوم يوم ليتوصّل إلى صوم ما وجب عليه،كما نقول:إذا عدل الصوم بالإطعام،فبقي نصف مدّ؛فإنّه يصوم يوما كاملا؛ لأنّه لا يمكنه أن يصوم نصف يوم (1).
و ليس بصحيح؛لأنّ إدراك بعض وقت العبادة إذا لم يمكن فعلها فيه.و لا يبنى عليه من وقت آخر،لا يجب قضاؤها،كما لو أدرك من أوّل وقت الصلاة ما لا يمكن فعلها فيه.
أمّا لو بلغ و هو صائم،فإنّه لا يجب عليه إتمامه على ما تقدّم،و لا قضاؤه، سواء استمرّ على صومه أو أفطر.
و للشافعيّ وجهان:أحدهما:يجب قضاؤه مطلقا (2)،و ليس بمعتمد؛لما تقدّم.
أفاق،لم يجب عليه قضاؤه.
و عليه فتوى علمائنا.و به قال الشافعيّ (3)،
ص:300
و أبو حنيفة (1).
و قال مالك:يجب عليه القضاء (2)،و به قال أبو العبّاس بن سريج (3)،و عن أحمد روايتان (4).
لنا:أنّه ليس محلاّ للتكليف و لا متوجّها نحوه الخطاب؛لزوال عقله،فلا يجب عليه الأداء و لا القضاء؛لقوله عليه السّلام:«رفع القلم عن ثلاثة:عن المجنون حتّى يفيق» (5).
و لأنّ القضاء يجب بأمر جديد و لم يثبت في حقه؛و لأنّه معنى يزيل التكليف، فلم يجب القضاء في زمانه،كالصغر و الكفر.
احتجّ المخالف:بأنّه معنى يزيل العقل،فلا ينافي وجوب الصوم،كالإغماء (6).
و الجواب:المنع من الحكم في الأصل،و الفرق بأنّ الإغماء مرض،و لهذا
ص:301
يلحق الأنبياء،بخلاف الجنون؛فإنّه يزيل التكليف؛لنقص فيه يمنع من الخطاب.
و لا اليوم الذي يفيق فيه،إلاّ أن يكون قبل الفجر ثمّ يفطر.و به قال الشافعيّ في أحد الوجهين (1).
و قال أبو حنيفة:يجب قضاء ما فات (2).
و قال محمّد بن الحسن:إذا بلغ مجنونا ثمّ أفاق في أثناء الشهر،لا قضاء عليه، أمّا إذا كان عاقلا بالغا ثمّ جنّ،قضي ما فاته حالة الجنون (3).
لنا:أنّ الجنون مزيل للخطاب و التكليف،فيسقط قضاء ما فات من بعض الشهر،كما يسقط جميعه.و لأنّه معنى لو وجد في بعض الشهر،أسقط القضاء،فإذا وجد في بعضه فكذلك،كالصغر.
احتجّ أبو حنيفة:بأن الجنون لا ينافي الصوم؛لأنّه لو جنّ في أثناء الشهر لم يبطل صومه فإذا وجد في بعض الشهر،وجب القضاء كالإغماء (4).
و احتجّ محمّد على الفرق:بأنّ بلوغه لم يتعلّق به التكليف (5).
و الجواب:بالمنع في الأصل،و لا نسلّم أنّ الجنون لا ينافي الصوم؛لأنّ الصوم تكليف مشروط بالعقل،و هو منفيّ عن المجنون،و عند انتفاء الشرط ينتفي المشروط،فكان بمنزلة الحيض.
ص:302
فالذي نصّ عليه الشيخ-رحمه اللّه-أنّه لا قضاء عليه،سواء كان مفيقا في أوّل الشهر ناويا للصوم ثمّ أغمي عليه،أو لم يكن مفيقا،بل أغمي عليه من أوّل الشهر.هذا اختياره-رحمه اللّه-في النهاية و المبسوط (1).
و قال في الخلاف:إن سبقت منه النيّة،صحّ صومه،و لا قضاء عليه، و إن لم تسبق،بأن كان مغمى عليه من أوّل الشهر،وجب القضاء (2).و به قال المفيد -رحمه اللّه (3)-و السيّد المرتضى رضي اللّه عنه (4).
و قال الشافعيّ (5)،و أبو حنيفة:يقضي زمان إغمائه مطلقا،و اختلفا في يوم إغمائه (6)،فقال أبو حنيفة:لا يقضيه؛لحصول النيّة (7).
و قال الشافعيّ:يقضيه،لأنّه لا اعتبار بنيّته مع زوال عقله،و يقضي؛لأنّه مريض (8).و الأقرب عندي خيرة الشيخ رحمه اللّه.
لنا:أنّه مع الإغماء يزول عقله،فيسقط التكليف عنه؛لزوال شرطه،كما سقط بالجنون.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أيّوب بن نوح،قال:كتبت إلى
ص:303
أبي الحسن الثالث عليه السّلام أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟فكتب:«لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة» (1).
و عن عليّ بن محمّد القاسانيّ (2)،قال:كتبت إليه-و أنا بالمدينة-أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته (3)؟فكتب:«لا يقضي الصوم» (4)(5).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يغمى عليه الأيّام،قال:«لا يعيد شيئا من صلاته» (6).و في الصحيح عن عليّ بن مهزيار، قال:سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب:«لا يقضي الصوم،و لا يقضي الصلاة» (7).
و في الحسن عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كلّما
ص:304
غلب اللّه عليه فليس على صاحبه شيء» (1).
احتجّوا:بأنّه مريض،فوجب عليه القضاء؛لأنّ مدّته لا تتطاول غالبا، و لا تثبت الولاية على صاحبه،فلم يزل به التكليف (2).
و بما رواه حفص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«يقضي المغمى عليه ما فاته» (3).
و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كلّ شيء تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه،فاقضه إذا أفقت (4)».
و قد وردت أحاديث صحيحة (5)دالّة على وجوب قضاء الصلاة على المغمى عليه (6)،و وجوب قضاء الصلاة يستلزم وجوب قضاء الصوم؛لأنّه لو سقط قضاء الصوم،لكان إنّما يسقط لزوال التكليف بزوال العقل،و هو موجود في الصلاة،فلمّا وجب قضاء الصلاة،وجب قضاء الصوم؛لأنّ الإغماء لم يثبت مانعيّته للتكليف.
و الجواب:نسلّم أنّه مريض،لكن زوال عقله يخرجه عن تناول الخطاب له، فلا يكون الأمر مكلّفا بالقضاء،و الأحاديث محمولة على الاستحباب.
رمضان ثمّ أسلم،لم يجب عليه قضاؤه.
و هو قول كلّ العلماء.
ص:305
و لو أسلم في أثناء الشهر،فلا قضاء عليه لما فات.ذهب إليه علماؤنا أجمع، و هو قول عامّة العلماء.
و قال عطاء:عليه قضاؤه،و عن الحسن كالمذهبين (1)،و ليس بصحيح لقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (2).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«الإسلام يجبّ ما قبله» (3).
و روى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إنّ عليّا عليه السّلام كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان:إنّه ليس عليه قضاء إلاّ ما يستقبل» (4).
و في الصحيح عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيام؟قال:«ليس عليه إلاّ ما أسلم فيه» (5).
و لأنّ ما مضى عبادة خرجت حال كفره،فلا يجب عليه قضاؤها كرمضان الماضي،و يجب عليه صيام المستقبل من الأيّام الباقية-و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم-لأنّ المقتضي و هو الخطاب موجود،و المعارض و هو الكفر زائل، فيثبت الحكم،و لا نعلم فيه خلافا.
و أمّا اليوم الذي أسلم فيه،فإن كان قبل طلوع الفجر،وجب عليه صيامه،و لو
ص:306
أفطر،قضاه و كفّر،و إن كان بعد الفجر،أمسك استحبابا،و لا قضاء عليه،و لا يجب عليه صيامه.و للشافعيّ وجهان (1).
لنا:أنّ بعض اليوم سقط قضاؤه؛تخفيفا من اللّه تعالى،فسقط الباقي؛لأنّ بعض اليوم الباقي لا يجب أداؤه،فكذا القضاء.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن العيص بن القاسم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيّام،هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه،أو يومهم الذي أسلموا فيه؟قال:«ليس عليهم قضاء، و لا يومهم الذي أسلموا فيه،إلاّ أن يكون أسلموا قبل طلوع الفجر» (2).
و ما اخترناه مذهب مالك (3)،و أبي ثور،و ابن المنذر (4).
و قال أحمد:يجب عليه الإمساك و يقضيه (5).و ليس بمعتمد،و قد مضى البحث في الصبيّ مثله (6).
و في رواية الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«سألته عن رجل أسلم بعد ما دخل شهر رمضان أيّاما،فقال:«ليقض ما فاته» (7).
ص:307
قال الشيخ:هذه الرواية محمولة على من أسلم في رمضان وفاته ذلك لغرض (1)من مرض أو غير ذلك،أو يكون لا يعلم وجوب الصوم عليه،فأفطر ثمّ علم بعد ذلك وجوبه عليه؛لأنّ قوله عليه السّلام:«ليقض ما فاته»و الفوت لا يكون إلاّ بعد توجّه الفرض إلى المكلّف،و من أسلم في النصف من شهر رمضان،لم يكن ما مضى متوجّها إليه إلاّ بشرط الإسلام،فلذلك لم يلزمه القضاء (2).
و في قول الشيخ:إنّه غير متوجّه إليه الفرض.ضعف؛لأنّا قد بيّنّا في أصول الفقه أنّ الإسلام ليس شرطا في فروع العبادات (3)،فالأولى حمل الرواية على ما ذكره،أو على الاستحباب.على أنّ في طريقها أبان بن عثمان،و هو ضعيف.
بالقضاء (1).
احتجّ أبو حنيفة:بالآية (2)التي استدللنا بها في الكافر الأصليّ،و بقوله عليه السّلام:«الإسلام يجبّ ما قبله» (3)و بالقياس على الكافر الأصليّ (4).
و الجواب:أنّ الآية و الخبر إنّما يتناولان الكافر الأصليّ؛لأنّه لا يؤاخذ بالعبادات في حال كفره،و بالفرق في القياس بين الأصليّ و المرتدّ؛فإنّ الأصليّ لو ألزم بالقضاء لنفر عن الإسلام،و مطلوب الشارع تقريبه إليه و ترغيبه فيه،و ذلك ممّا ينافي وجوب قضاء العبادات السابقة المتكثّرة عليه،فلم يكن مشروعا،و إلاّ لزم نقض الغرض،بخلاف المرتدّ العارف بقواعد الإسلام؛فإنّه مع علمه بوجوب القضاء عليه يكون التفريط منه،و يكون علمه بذلك لطفا له،و رادعا عن الردّة.
و جوابه:أنّ الإحباط من شرطه الموافاة.
لزمه القضاء؛
لأنّ الإخلال بسببه،فلا يكون معذورا به،و لا كذا لو كان من قبله تعالى.
به الصوم؛
للمشقّة و لأنّه كان يجب على الشارع (2)المنع منه مع الصوم الواجب المتعيّن.
عقله دواء،لزمه القضاء إذا أفاق؛
لأنّ ذلك لمنفعته و مصلحته (3).و ليس معتمدا (4)، و الصواب سقوط القضاء مطلقا.
فكلّ موضع سقط القضاء فيه، سقطت الكفّارة،و لا ينعكس.
لأنّه عبادة فات وقتها مع عظم ثوابها فاستحبّ قضاؤها.
الآتي،
فلا يجوز له الإخلال بقضائه حتّى يدخل الثاني؛لأنّه مأمور بالقضاء،
ص:310
و جواز التأخير القدر المذكور معلوم من السنة فينتفى (1)ما زاد.
فلو أخّر القضاء بعد برئه توانيا حتّى حضر الرمضان الثاني،صام الحاضر و قضى الأوّل بالإجماع،و كفّر عن كلّ يوم من الفائت بمدّين،و أقلّه بمدّ قاله الشيخ -رحمه اللّه (2)-و المفيد-رضي اللّه عنه (3)-و به قال الشافعيّ (4)،و مالك (5)، و الثوريّ (6)،و أحمد (7)،و إسحاق،و الأوزاعيّ،و هو قول ابن عبّاس،و ابن عمر، و أبي هريرة،و مجاهد،و سعيد بن جبير (8).
و قال ابن إدريس منّا:لا كفّارة عليه (9).و به قال أبو حنيفة (10)،و الحسن، و النخعيّ (11).
ص:311
لنا:ما روي عن ابن عمر (1)،و ابن عبّاس (2)،و أبي هريرة أنّهم قالوا:يطعم عن كلّ يوم مسكينا (3).و أسنده أبو هريرة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من طريق ضعيف (4)،و لم يرو عن غيرهم خلافه،فكان إجماعا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم قال سألتهما عليهما السلام عن رجل مرض،فلم يصم حتّى أدركه شهر رمضان آخر، فقالا:«إن كان برأ ثمّ توانى قبل أن يدركه الصوم (5)الآخر،صام الذي أدركه، و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين،و عليه قضاؤه،فإن كان لم يزل مريضا حتّى أدركه شهر رمضان آخر،صام الذي أدركه،و تصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ لمسكين،و ليس عليه قضاؤه» (6).
و في الصحيح عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان و يخرج عنه و هو مريض (7)حتّى يدركه شهر رمضان آخر،قال:
«يتصدّق عن الأوّل و يصوم الثاني،فإن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتّى أدركه شهر رمضان آخر،صامهما جميعا و يتصدّق عن الأوّل» (8).
ص:312
و عن أبي الصباح الكنانيّ،قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة،ثمّ أدركه شهر رمضان قابل،فقال:«إن كان صحّ فيما بين ذلك،ثمّ لم يقضه حتّى أدركه رمضان قابل،فإنّ عليه أن يصوم و أن يطعم كلّ يوم مسكينا،و إن كان مريضا فيما بين ذلك حتّى أدركه شهر رمضان قابل،فليس عليه إلاّ الصيام إن صحّ،فإن تتابع المرض عليه (1)،فعليه أن يطعم عن كلّ يوم مسكينا» (2).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا مرض الرجل من رمضان (3)إلى رمضان ثمّ صحّ،فإنّما عليه لكلّ يوم أفطر فدية طعام،و هو مدّ لكلّ مسكين»قال:«و كذلك أيضا في كفّارة اليمين و كفّارة الظهار مدّا مدّا،و إن صحّ فيما بين الرمضانين،فإنّما عليه أن يقضي الصيام،فإن تهاون به و قد صحّ،فعليه الصدقة و الصيام جميعا لكلّ يوم مدّ إذا فرغ من ذلك الرمضان» (4).
احتجّ ابن إدريس:بأنّ الأصل براءة الذمّة،فلا تكون مشغولة إلاّ بدليل،و لا إجماع،و الأخبار ظنّيّة لا تفيد القطع (5).
و احتجّ أبو حنيفة:بأنّه تأخير صوم واجب،فلا تجب به الكفّارة،كما لو أخّر الأداء و النذر (6).
ص:313
و الجواب:أنّ أصالة براءة الذمّة لا يصار إليها مع وجود المزيل،و هو ما تقدّم من الأحاديث.و قوله:إنّها ظنّيّة خطأ؛لأنّ أكثر المسائل الفقهيّة كذلك،فلا معنى للتشهّى في الأحكام بقبول بعض الأحاديث الظنّيّة دون بعض،مع أنّ الراوي كعبد اللّه بن سنان و أبي الصباح الكنانيّ و أبي بصير و محمّد بن مسلم و زرارة بن أعين،و هؤلاء هم أعين فضلاء السلف،و لم يوجد لهم مخالف،فلا معنى لإنكار ابن إدريس هنا.
و أمّا احتجاج أبي حنيفة فضعيف؛لأنّه قياس في معارضة النصّ،مع قيام الفرق،فإنّ التشديد وقع من الصحابة على قضاء رمضان قبل مجيء آخر،و لهذا قالوا:من فرّط في رمضان حتّى دخل رمضان آخر (1).و اسم التفريط يدلّ على التضييق.
احتجّ الشيخان:بما رواه محمّد بن مسلم عنهما عليهما السلام،و ما رواه زرارة عن الباقر عليه السّلام،و أبو الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و قد تقدّمت هذه الروايات (1).
و لأنّ وقت القضاء ما بين الآتي و الماضي،و العذر قد استمرّ أداء و قضاء، فسقط القضاء،كما لو جنّ أو أغمي عليه من أوّل وقت الصلاة حتّى خرج.
احتجّ ابن بابويه (2):بعموم قوله تعالى: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (3)و هو عامّ فيمن استمرّ المرض به (4)و من لا يستمرّ.
و قول ابن بابويه عندي قويّ لا يعارض الآية-التي استدلّ بها-الأحاديث المرويّة بطريق الآحاد.
و قولهم:إنّ وقت القضاء بين الرمضانين،ممنوع،و وجوب القضاء فيه لا يستلزم تعيينه له،و لهذا لو فرّط لوجب قضاؤه بعد الرمضان الثاني.
مثل سفر أو شيء يضرّ به الصوم،و بالجملة لم يتهاون به،ثمّ عرض مع ضيق الوقت ما يمنعه،كان معذورا،و لزمه القضاء.و عليه إجماع العلماء؛لقوله تعالى: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (5).
و ما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكنانيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة،ثمّ أدركه شهر رمضان قابل،فقال:«إن كان صحّ فيما بين ذلك ثمّ لم يقضه حتّى أدركه رمضان قابل،كان عليه أن يصوم
ص:315
و أن يطعم كلّ يوم مسكينا،و إن كان مريضا فيما بين ذلك حتّى أدركه شهر رمضان قابل،فليس عليه إلاّ الصيام إن صحّ،فإن تتابع المرض عليه (1)فعليه أن يطعم عن كلّ يوم مسكينا» (2).و نحوه في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).
و في حديث سعد بن سعد عن رجل،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثمّ يصحّ بعد ذلك فيؤخّر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر[ما عليه في ذلك؟] (4)قال:«أحبّ له تعجيل الصيام،فإن كان أخّره فليس عليه شيء» (5)و حملها الشيخ على من أخّره لا تهاونا،و لكن على عزم القضاء (6).
و للشافعيّ وجهان:
أحدهما:تتعدّد الكفّارة بتعدّد السنين،قياسا على الأولى.
و الثاني:لا تجب؛لأنّ الكفّارة وجبت بالتأخير فلا تجب بالتأخير أخرى (2).
و الأخير أقرب؛لأنّ الأصل براءة الذمّة.
لأنّه طاعة فات وقتها،فندب إلى قضائها.روى الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر و هو مريض،فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم،فأمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت» (4).
و عن سماعة قال:سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه،فقال:«يتصدّق بدل كلّ يوم يوم من الرمضان الذي كان عليه،بمدّ من طعام،و ليصم هذا الذي أدرك (5)،فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه،فإنّي كنت مريضا فمرّ عليّ ثلاث رمضانات لم أصحّ فيهنّ،ثمّ أدركت رمضانا،فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّين من طعام،ثمّ عافاني اللّه و صمتهنّ» (6).
ص:317
و لا كفّارة،و هو قول العلماء.
و قال قتادة،و طاوس:يجب أن يكفّر عنه عن كلّ يوم إطعام مسكين (1).
لنا:الأصل عدم الإطعام و لا معارض له.و لأنّه حقّ اللّه تعالى وجب بالشرع، و مات من يجب عليه قبل إمكان فعله،فسقط إلى غير بدل،كالحجّ.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل دخل عليه شهر رمضان و هو مريض لا يقدر على الصيام، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال،قال:«لا صيام عليه و لا يقضى عنه» قلت:فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان فلم تقدر على الصوم،فماتت في شهر رمضان أو في شهر شوّال،فقال:«لا يقضى عنها» (2).
و عن منصور بن حازم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتّى يموت،قال:«لا يقضى عنه»و الحائض تموت في رمضان، قال:«لا يقضى عنها» (3).
و عن أبي مريم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا صام الرجل رمضان فلم يزل مريضا حتّى يموت،فليس عليه شيء،و إن صحّ ثمّ مرض حتّى يموت و كان له مال،تصدّق عنه،فإن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه» (4).و مثله رواه أبو
ص:318
مريم من طريق آخر،إلاّ أنّه قال«صام عنه وليّه» (1).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام،قال:سألته عن رجل أدركه شهر رمضان و هو مريض،فتوفّي قبل أن يبرأ،قال:«ليس عليه شيء و لكن يقضى عن الذي يبرأ،ثمّ يموت قبل أن يقضي» (2).
و عموم السلب (3)يدلّ على سقوط الكفّارة،كما دلّ على سقوط القضاء، و لا عبرة بمخالفة قتادة و طاوس؛لانفرادهما.
احتجّا:بأنّه صوم واجب سقط بالعجز عنه،فوجب الإطعام عنه،كالشيخ الهمّ (4)إذا ترك الصيام لعجزه عنه (5).
و الجواب:الفرق حاصل،فإنّ الشيخ يجوز ابتداءً الوجوب عليه،بخلاف الميّت.
قال أصحابنا:إنّه يستحبّ القضاء عنه.و هو حسن؛لأنّها طاعة فعلت عن الميّت،فوصل إليه ثوابها على ما سلف (6).
ص:319
قضي عنه.ذهب إليه علماؤنا،و به قال الشافعيّ في القديم (1)،و أبو ثور (2).
و قال الشافعيّ في الجديد:يطعم عنه عن كلّ يوم مدّا (3).و به قال أبو حنيفة (4)، و مالك (5)،و الثوريّ (6)،إلاّ أنّ مالكا يقول:لا يلزم الوليّ أن يطعم عنه حتّى يوصي بذلك.و هو مرويّ عن ابن عبّاس و عمر و عائشة (7).
و قال أحمد:إن كان صوم نذر،صام عنه،و إن كان صوم رمضان،أطعم عنه (8).
لنا:أنّ الصوم استقرّ في ذمّته بالتمكّن منه،فلا يسقط بموته كالدين،و يجب على وليّه القيام بما وجب عليه من الصيام؛لما رواه الجمهور عن ابن عبّاس قال:
ركبت امرأة في البحر فنذرت إنّ اللّه نجّاها أن تصوم شهرا،فأنجاها اللّه تعالى،
ص:320
فلم تصم حتّى ماتت،فجاءت قرابة لها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فذكرت ذلك له،فقال لها:«صومي» (1).
و عن عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من مات و عليه صيام،صام عنه وليّه» (2).
و عن ابن عبّاس قال جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت و عليها صوم شهر أ فأقضيه عنها؟قال:«لو كان على أمّك دين، كنت قاضيه عنها؟»قال:نعم،قال:«فدين اللّه أحقّ أن يقضى» (3).و في رواية:
جاءت امرأة (4).
و من طريق الخاصّة:رواية أبي مريم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و رواية محمّد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما عليهما السلام (5).
و عن عبد اللّه بن بكير،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يموت في شهر رمضان،قال:«ليس على وليّه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر،و إن مرض فلم يصم رمضان ثمّ لم يزل مريضا حتّى مضى رمضان و هو مريض،ثمّ مات
ص:321
في مرضه ذلك،فليس على وليّه أن يقضي عنه الصيام،فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثمّ صحّ بعد ذلك فلم يقضه ثمّ مرض فمات،فعلى وليّه أن يقضي عنه لأنّه قد صحّ و لم يقض و وجب عليه» (1).
و لأنّ الصوم يدخل في جبرانه المال،فتدخل النيابة فيه،كالحجّ.
احتجّ الشافعيّ على الجديد (2):بما رواه نافع عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من مات و عليه صيام شهر،فليطعم عنه مكان كلّ يوم مسكينا» (3).
و لأنّ الصوم لا تدخله النيابة في حال الحياة،فكذلك بعد الموت،كالصلاة (4).
و احتجّ أحمد بالتفصيل:بما روي عن ابن عبّاس أنّه سئل عن رجل مات و عليه نذر يصوم شهرا و عليه صوم رمضان،قال:أمّا رمضان فليطعم عنه،و أمّا النذر فيصام عنه (5).قال:و حديث ابن عبّاس في تمثيل الصوم بالدين مختصّ بالنذر (6).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الترمذيّ قال:الصحيح عن ابن عمر موقوف (7)و حينئذ لا احتجاج به،على أنّا نقول بموجبه؛لأنّ الصدقة عندنا تجب إذا لم يكن وليّ من الذكران،و القياس على الصلاة ممنوع الأصل،على أنّه في مقابلة النصّ،فلا يكون مسموعا.
و احتجاج أحمد ضعيف؛لأنّه موقوف على حديث ابن عبّاس،فعلى تقدير
ص:322
النقل عنه،جاز أن يكون قاله عن اجتهاد،أو في شخصين لأحدهما وليّ فيقضي في النذر،و الآخر لا وليّ له فيتصدّق عنه في رمضان.
و قوله:حديث ابن عبّاس مخصوص بالنذر،قول بغير حجّة،فلا يعوّل عليه.
بمرض و غيره ممّا تمكّن من قضائه و لم يقضه.
ذهب إليه الشيخ-رحمه اللّه (2)- و إن لم يكن له ولد ذكر و كان له إناث قال الشيخ:يتصدّق عنه بمدّين من ماله عن كلّ يوم،و أقلّه مدّ (3).
و قال المفيد-رحمه اللّه-:إذا لم يكن إلاّ أنثى،قضت عنه (4).
و الأقرب اختيار الشيخ رحمه اللّه.
لنا:أنّ الأصل براءة الذمّة من قضاء ما وجب على غير المكلّف،فيصار إليه ما لم يظهر مناف،و لم يثبت.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-رحمه اللّه-عن حمّاد بن عثمان،عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال سألته عن الرجل يموت و عليه دين من شهر رمضان، من يقضي عنه؟قال:«أولى الناس به»قلت:فإن كان أولى الناس به امرأة؟قال:
«لا،إلاّ الرجال» (5).
و في الصحيح عن محمّد بن يعقوب،عن محمّد بن يحيى،عن محمّد بن الحسن الصفّار،قال:كتبت إلى الأخير عليه السّلام في رجل مات و عليه قضاء من شهر
ص:323
رمضان عشرة أيّام و له وليّان،هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا:خمسة أيّام أحد الوليّين،و خمسة أيّام الآخر؟فوقّع عليه السّلام:«يقضي عنه أكبر وليّيه (1)عشرة أيّام ولاء إن شاء اللّه» (2).
قال ابن بابويه-رحمه اللّه-:هذا التوقيع عندي من توقيعاته إلى محمّد بن الحسن الصفّار بخطّه عليه السّلام (3).و بقول المفيد قال ابن بابويه (4)،و هو معارض لما تقدّم (5)من حديث حمّاد،و هو إن كان ضعيف السند مرسلا،إلاّ أنّ الأصل براءة الذمّة،فلا يشتغل ذمّة الوارث إلاّ بما حصل عليه الاتّفاق،و هو اختصاص القضاء بالولد الأكبر الذكر.
بمدّين،
و أقلّه مدّ (6).
و السيّد المرتضى-رحمه اللّه-أوجب الصدقة أوّلا،فإن لم يكن له مال،صام عنه وليّه (7).
و دلّ على قول السيّد المرتضى رواية أبي مريم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«و إن صحّ ثمّ مرض حتّى يموت و كان له مال،تصدّق عنه،فإن لم يكن له
ص:324
و في رواية أبان بن عثمان،عن أبي مريم:«فإن لم يكن له مال،صام عنه وليّه» (3).
و الأقرب قول الشيخ-رحمه اللّه-لأنّ الواجب الصوم،فالتخطّي إلى الصدقة يحتاج إلى دليل.
و رواية أبان معارضة برواية محمّد بن الحسن الصفّار،و هي أصحّ طريقا.
لأنّه وليّ له، فيتعيّن عليه الصوم.
بالحصص،
أو يقوم به بعض،فيسقط عن الآخرين (4).و اختاره أبو جعفر بن بابويه رحمه اللّه (5).
و قال ابن إدريس:لا يجب-،متوهّما أنّ لفظة:أكبر،تقتضي الواحدة (6)و أنّ النصّ على الأكبر يمنع المتساويين (7)-.و ليس بصحيح.
ص:325
القضاء،و وجب الصدقة (1).و عليه دلّت رواية حمّاد المرسلة،و قد سلفت (2).
المال؛
لأنّه حقّ واجب على الميّت،فيخرج من الأصل،كالدين.
الوجوب على الوليّ،
فلا يخرج عن العهدة بفعل المتبرّع،كالصلاة عنه حيّا،و من كون الحقّ على الميّت،فأسقط الفعل المتبرّع عنه الوجوب،كالدين.
أمّا لو أمره،فهل يجزئه أم لا؟للشافعيّ وجهان (3).
و كذا التردّد في أنّه هل يجوز أن يستأجر عنه من يصوم؟و الأقرب في ذلك كلّه عدم الإجزاء؛عملا بالأصل.
الأسباب الموجبة،
كاليمين و النذر و العهد،إذا مات من وجب عليه مع إمكان القضاء و لم يقضه،وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة (4)،و عليه دلّت عموم النصوصات.
تصدّق عنه عن شهر،
و يقضي عنه وليّه شهرا آخر (5).و هو رواية الوشّاء عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام،قال:سمعته يقول:«إذا مات الرجل و عليه صيام
ص:326
شهرين متتابعين من علّة فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل و يقضي عن (1)الثاني» (2).
و في طريقها سهل بن زياد،و هو ضعيف،غير أنّ العمل بمضمونها حسن؛لما فيه من التخفيف عن الوليّ.
ذكرناه.
و قال ابن إدريس:يجب عليه صيام الشهرين معا (3).
أمّا لو وجب على التخيير في كفّارة إفطار رمضان-مثلا-فالوجه فيه تخيير الوليّ بين أن يصوم شهرين متتابعين،أو يتصدّق من مال الميّت من أصله،أو يعتق (4)عنه من أصل المال أيضا؛لأنّه صوم وجب مخيّرا فلا يتضيّق على الوليّ، و الصدقة عن الميّت ليست واجبة،و التخيير سقط في حقّ الميّت،فيتخيّر القائم مقامه.
اللّه-و هو قول أكثر الجمهور (1).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن امرأة مرضت في (2)رمضان و ماتت في شوّال، فأوصتني أن أقضي عنها،قال:«هل برئت من مرضها»؟قلت:لا،ماتت فيه،قال:
«لا تقض (3)عنها،فإنّ اللّه لم يجعله عليها»قلت:فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك،قال:«فكيف تقضي عنها شيئا لم يجعله اللّه عليها؟!فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك،فصم» (4).
وجه الاستدلال:أنّه عليه السّلام استفسره،هل حصل برء من المرض أولا؟ و لو لم يجب القضاء مع البرء،لم يكن للسؤال معنى.
و أيضا:فإنّه عليه السّلام علّل سقوط القضاء عنها بسقوط وجوب الأداء عليها، و هو يستلزم وجوب القضاء عنها مع وجوب الأداء عليها.
عملا بالإطلاق.
بل يجب عليه الإفطار و القضاء إذا حضر بلده أو بلدا يجب عليه الإتمام فيه على ما بيّنّا تفصيله (5).
إذا ثبت هذا،فإن مات المسافر بعد تمكّنه من القضاء،وجب أن يقضى عنه،
ص:328
عملا بما تقدّم (1)،و لو مات في سفره و لم يتمكّن من القضاء،ففي وجوب القضاء عنه للشيخ قولان:
أحدهما:عدم الوجوب؛لأنّه لم يستقرّ في ذمّته؛إذ معنى الاستقرار أن يمضي زمان يتمكّن فيه من القضاء و يهمل به (2).
و الآخر:يقضى عنه و لو مات في السفر،اختاره في التهذيب (3)،و احتجّ بما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت،قال:«يقضى عنه،و إن امرأة حاضت في رمضان فماتت،لم يقض عنها، و المريض في رمضان لم يصحّ حتّى مات لا يقضى عنه» (4).
و عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في امرأة حاضت في شهر رمضان،أو مرضت،أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان،هل يقضى عنها؟ فقال:«أمّا الطمث و المرض فلا،و أمّا السفر فنعم» (5).
و الذي ذكره في الخلاف أقوى؛لأنّه لم يتمكّن من القضاء،فلا يجب على وليّه القضاء عنه؛لعدم التفريط،و الحديثان في طريقهما عليّ بن فضّال و فيه قول، فالأولى المصير إلى الأصل من براءة الذمّة.
أمّا جواز الإفطار قبل الزوال؛فلأنّه لم يتعيّن زمانه،فجاز الإفطار فيه.و لأنّ ما
ص:329
قبل الزوال محلّ لتجديد النيّة (1)،و كلّ وقت يجوز فيه تجديد نيّة الصوم،يجوز فيه الإفطار إذا لم يكن قد تعيّن زمانه للصوم.
أمّا بعد الزوال،فإنّه واجب قد استقرّ فيه نيّة الوجوب و فات محلّ تجديدها، فتعيّن الصوم.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى ما شئت،و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس،فإذا زالت الشمس،فليس لك أن تفطر» (2).
و عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار،فقال:«لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال» (3).
و عن سماعة بن مهران،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله:«الصائم بالخيار إلى زوال الشمس»قال:«إنّ ذلك في الفريضة،فأمّا النافلة،فله أن يفطر أيّ ساعة (4)شاء إلى غروب الشمس» (5).
و قوله عليه السّلام:«إنّ ذلك في الفريضة»أراد قضاء الفريضة؛لأنّ نفس الفريضة ليس فيها خيار،لا قبل الزوال و لا بعده.
ص:330
للضرورة،و إن كان لغير عذر،وجب عليه القضاء و إطعام عشرة مساكين،فإن عجز،صام ثلاثة أيّام-و أنكر الجمهور وجوب الكفّارة هنا-و به قال قتادة (1).
لنا:أنّ الكفّارة مترتّبة على ارتكاب الإثم بالإفطار في الزمان المتعيّن للصوم، و هو متحقّق في القضاء بعد الزوال على ما تقدّم (2).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن هشام بن سالم،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان،فقال:«إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر (3)،فلا شيء عليه،يصوم يوما بدل يوم،و إن فعل بعد العصر،صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين،فإن لم يمكنه،صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك» (4).
و عن بريد العجليّ،عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان،قال:«إن كان أتى أهله قبل الزوال،فلا شيء عليه إلاّ يوما مكان يوم،و إن كان أتى أهله بعد الزوال،فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين» (5).
هذا هو المشهور بين علمائنا و المعمول عليه بين أكثرهم (6).
ص:331
و قال بعض فقهائنا (1):عليه كفّارة يمين (2).و هو خطأ؛إذ لا نصّ عليه،مع أنّ الأصل براءة الذمّة من وجوب العتق و الكسوة تخييرا و ترتيبا؛لأنّ هذه الكفّارة أخفّ من غيرها،فاقتصر فيها على الأخفّ عقوبة من غيرها.
و قد روى الشيخ عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ عليه مثل كفّارة رمضان (3)و قد سلفت الرواية (4)،و في طريقها ابن فضّال،و هو ضعيف.
قال الشيخ:تحمل على من أفطر تهاونا بفرض اللّه تعالى و استخفافا به،فوجب عليه من الكفّارة ذلك؛زيادة في العقوبة (5).
و قد روى الشيخ أيضا عن عمّار الساباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه لا شيء عليه (6).و في عمّار قول.و قال الشيخ:إنّه محمول على أنّه أراد:لا شيء من العقاب عليه؛لأنّ من أفطر في هذا اليوم (7)لا يستحقّ العقاب و إن أفطر بعد الزوال و تلزمه الكفّارة،و ليس كذلك من أفطر في رمضان؛لأنّه يستحقّ العقاب و القضاء و الكفّارة (8).
و ليس ما ذكره الشيخ بمعتمد؛لأنّه يحرم عليه الإفطار بعد الزوال، فكان العقاب ثابتا،و الأقرب أن يحمل على من لم يتمكّن من التكفير،و به
ص:332
تأوّل في النهاية (1).
إلى آخره.
قال الشيخ في النهاية و المبسوط:عليه قضاء الصلاة و الصوم معا (3).
و منع ابن إدريس من قضاء الصوم،و أوجب قضاء الصلاة (4).
أمّا قضاء الصلاة فلا خلاف فيه؛لأنّها مشروطة بالطهارة و لم يحصل،و عند فقدان الشرط يفقد المشروط.
و أمّا قضاء الصوم فيدلّ عليه ما رواه الشيخ-رحمه اللّه في الصحيح-عن الحلبيّ،قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان،قال:«عليه أن يقضي الصلاة و الصيام» (5).
و يعضد هذه الرواية ما أفتى به الأصحاب من وجوب القضاء على المجنب إذا نام مع القدرة على الغسل ثمّ انتبه ثمّ نام،سواء ذكر الاحتلام بعد ذكره الأوّل أو نسيه.فنقول:إذا كان التفريط السابق يوجب (6)القضاء،فكذا هنا؛لحصول التكرار للنوم مع ذكر الجنابة أوّل مرّة.
لا يقال:القضاء هناك إنّما وجب مع نيّة الاغتسال،فيكون ذاكرا للغسل و مفرّطا فيه كلّ نومة.و لأنّ ذلك إنّما وجب في تكرار النوم في الليلة الواحدة،أمّا في الليالي المتعدّدة فلا.و لأنّ التفريط السابق لو أوجب القضاء،لأوجب الكفّارة؛لأنّه
ص:333
حصل بعد انتباهتين.
لأنّا نجيب عن الأوّل:بمنع اشتراط النيّة كلّ نومة،فإنّ الأحاديث وردت مطلقة غير مشروطة بذلك.
روى الشيخ-في الصحيح-عن ابن أبي يعفور،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل يجنب في رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح،قال:«يتمّ يومه و يقضي يوما آخر،و إن لم يستيقظ حتّى يصبح،أتمّ يومه و جاز له» (1).
و مثله روى محمّد بن مسلم-في الصحيح-عن أحدهما عليهما السلام (2)، و أحمد بن محمّد-في الصحيح-عن أبي الحسن عليه السّلام (3).
فإن وجد هذا التقييد في كلّ نومة،فإنّما هو من كلام المصنّفين،و التعويل على مأخذهم (4)،لا معتقدهم.
و عن الثاني:أنّا لو قسنا هذه الصورة على المنتبه،لورد علينا هذا الإشكال، لكنّا نحن إنّما ذكرنا ذلك لإزالة الاستبعاد و التعويل على الرواية الصحيحة الدالّة بصريحها على وجوب القضاء.
و عن الثالث:بالمنع من وجوب الكفّارة في الأصل،و قد تقدّم (5).
سلّمنا،لكن هناك يحمل على ما إذا كان ذاكرا للاغتسال (6)كلّ نومة و لم يفعله،
ص:334
بخلاف صورة النزاع؛لعدم الإثم بالتفريط،و استبعاد ابن إدريس ذلك قد ظهر ضعفه،و الاحتجاج بأصل البراءة إنّما يتمّ مع عدم المشغل (1)للذمّة،أمّا مع وجوده فلا.
و هو اختيار شيخنا-رحمه اللّه (2)-و أكثر علمائنا (3).و به قال ابن عبّاس،و أنس بن مالك،و أبو هريرة،و مجاهد،و أبو قلابة،و أهل المدينة،و الحسن البصريّ، و سعيد بن المسيّب،و عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة (4)،و مالك (5)،و أبو حنيفة (6)، و الثوريّ،و الأوزاعيّ (7)،و الشافعيّ (8)،و إسحاق (9).
و قال بعض علمائنا:الأفضل أن يأتي به متفرّقا (10).
و منهم من قال:إن كان الذي فاته عشرة أيّام أو ثمانية،فليتابع بين ثمانية أو
ص:335
بين ستّة،و يفرّق الباقي (1).
و قال داود،و النخعي،و الشعبيّ:إنّه يجب التتابع.و نقله الجمهور عن عليّ عليه السّلام،و ابن عمر (2).
لنا:قوله تعالى: فعدّة من أيّام أخر (3)و هو يدلّ بإطلاقه على إيجاب العدّة، أمّا على التتابع فلا.
و ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال في قضاء رمضان:«إن شاء فرّق و إن شاء تابع» (4).
و سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تقطيع قضاء رمضان،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لو كان على أحدكم دين فقضاه من الدرهم و الدرهمين حتّى يقضي ما عليه من الدين هل كان ذلك قاضيا دينه؟»قالوا:نعم يا رسول اللّه،قال:
«فاللّه أحقّ بالعفو و التجاوز منكم»رواه الأثرم بإسناده (5).
و قال أبو عبيدة بن الجرّاح في قضاء رمضان:إنّ اللّه لم يرخّص لكم في فطره و هو يريد أن يشقّ عليكم في قضائه (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كان على الرجل شيء من صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ الشهور شاء أيّاما متتابعة،فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء و ليحص الأيّام،فإن
ص:336
فرّق فحسن،و إن تابع فحسن» (1).
و في الصحيح عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«من أفطر شيئا من رمضان في عذر،فإن قضاه متتابعا أفضل،و إن قضاه متفرّقا فحسن» (2).
و عن سليمان بن جعفر الجعفريّ،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان،أ يقضيها متفرّقة؟قال:«لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان،إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار و كفّارة الدم و كفّارة اليمين» (3).
و لأنّه صوم لا يتعلّق بزمان معيّن،فلم يجب فيه التتابع،كالنذر المطلق.
احتجّ أصحابنا على أولويّة التفريق (4):بما رواه عمّار بن موسى الساباطيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان كيف يقضيها؟فقال:«إن كان عليه يومان،فليفطر بينهما يوما،و إن كان عليه خمسة أيّام (5)،فليفطر بينها (6)أيّاما،و ليس له أن يصوم أكثر من ستّة أيّام متوالية،و إن كان عليه ثمانية أيّام أو عشرة،أفطر بينها (7)يوما» (8).
و ليقع الفرق بين الأداء و القضاء.
ص:337
و احتجّ داود (1):بما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:«من كان عليه صوم شهر رمضان فليسرده و لا يقطعه» (2).
و بما روته عائشة أنّها قالت:نزلت فعدّة من أيّام أخر متتابعات فسقطت متتابعات (3).
و الجواب عن الأوّل:أنّ في طريقه قوما ضعفاء،منهم عمّار،و يحتمل أنّه عليه السّلام إنّما أمره بذلك على جهة التخيير (4)و الإباحة،لا على سبيل الإيجاب و لا الندب؛ليحصل (5)الإرشاد.
و عن الثاني:بالمنع من وجوب الفرق،و لو سلّم فهو حاصل بالزمان.
و عن الثالث:بأنّه خبر لم يثبت صحّته عن أبي هريرة و لا بيّنه،و لهذا لم يذكره أهل السنن،و لو صحّ،حمل على الاستحباب،فإنّ التتابع أحسن؛لما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعات،و موافقة الخبر،و الخروج من الخلاف،و مشابهته بالأداء.
و عن خبر عائشة أنّه لم يثبت صحّته،و لو صحّ،فقد سقطت اللفظة التي بها الاحتجاج بالنسخ،فلا يبقى حجّة؛إذ لا حكم للمنسوخ.
إذا ثبت هذا،ظهر أنّ الأولى هو التتابع.
و قال الطحاويّ:إنّ التتابع و التفريق سواء؛لأنّه لو أفطر يوما من شهر رمضان،
ص:338
لم يستحبّ له إعادة جميعه؛ليزول التفريق،كذلك إذا أفطر جميعه (1).
و هو خطأ؛لما بيّنّا فيه من المسارعة إلى فعل الطاعات،و امتثال الأوامر، و المبادرة إلى براءة (2)الذمّة و غير ذلك من الأمور المطلوبة من التتابع.و ما ذكره ليس بصحيح؛لأنّ فعله في وقته يقع أداء،فإذا صامه لم يكن صوم الفرض، فلم يستحبّ إعادته،بخلاف مسألتنا.
أن يصوم تطوّعا حتّى يأتي به،
ذهب إليه علماؤنا.و هو قول أحمد في إحدى الروايتين.و في الأخرى يجوز (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي هريرة:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:
«من صام تطوّعا و عليه من رمضان شيء لم يقضه،فإنّه لا يتقبّل منه حتّى يصومه» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع؟فقال:«لا، حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان» (5).
و عن أبي الصباح الكنانيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه من شهر رمضان أيّام،يتطوّع؟فقال:«لا،حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان» (6).
و لأنّه عبادة يدخل في جبرانها المال،فلم يصحّ التطوّع بها قبل أداء
ص:339
فرضها،كالحجّ.
احتجّ أحمد:بأنّها عبادة تتعلّق بوقت موسّع،فجاز التطوّع في وقتها قبل فعلها، كالصلاة (1).
و الجواب:أنّه قياس في معارضة النصّ،و معارض بمثله،فلا يكون مسموعا مع قيام الفرق بين الأصل و الفرع.
كان بمنى،
و أيّام الحيض و النفاس،و أيّام السفر الذي يجب فيه القصر.
أمّا العيدان فهو وفاق كلّ العلماء؛لتواتر النهي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن صومهما (2).
و أمّا أيّام التشريق:فذهب علماؤنا إليه لمن كان بمنى،و هو قول أكثر أهل العلم (3)،و عن أحمد روايتان (4).
لنا:أنّ صومها منهيّ عنه،فأشبهت العيدين.
احتجّ أحمد:بجواز صومها لمن لم يجد الهدي،فيقاس كلّ فرض عليه، و القضاء مشابه له (5).
و الجواب:بمنع الحكم في الأصل-و سيأتي-و قيام الفرق؛لأنّه في محلّ الضرورة للفاقد.
ص:340
و أمّا أيّام الحيض و النفاس فقد اتّفق عليه العلماء.و لأنّ هذين الحديثين يبطلان أداء الصوم،فقضاؤه أولى؛لعدم تعيينه (1).
و أمّا أيّام السفر الذي يجب فيه القصر؛فلما تقدّم من الأدلّة (2).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عقبة بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل مرض في شهر رمضان،فلمّا برئ أراد الحجّ،كيف يصنع بقضاء الصوم؟قال:«إذا رجع فليقضه» (3).
ذهب إليه علماؤنا،و به قال سعيد بن المسيّب (4)،و الشافعيّ (5)،و إسحاق (6)،و أحمد في إحدى الروايتين.
و في الثانية أنّه مكروه (7).و رووه عن عليّ عليه السّلام،و الزهريّ،و الحسن البصريّ (8).
لنا:تسويغ القضاء،و عدم الكراهية مستفاد من إطلاق قوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (9).
و ما رواه الجمهور أنّ عمر كان يستحبّ قضاء رمضان في العشر (10).
ص:341
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أ رأيت إن بقي عليّ شيء من صوم شهر رمضان أقضيه في ذي الحجّة؟قال:«نعم» (1).
و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قضاء شهر رمضان في شهر ذي الحجّة و أقطعه،قال:«اقضه في ذي الحجّة و اقطعه إن شئت» (2).
و لأنّه أيّام عبادة،فلم يكره القضاء فيه،كعشر المحرّم.
احتجّ أحمد (3):بأنّه روي عن عليّ عليه السّلام كراهيته (4).
و الجواب:المنع من الرواية.
لا يقال:قد روى الشيخ عن غياث بن إبراهيم،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام،قال:«قال عليّ عليه السّلام في قضاء شهر رمضان:إن كان لا يقدر على سرده فرّقه و قال:لا يقضى شهر رمضان في عشر من ذي الحجّة» (5).
لأنّا نقول:إنّ في طريقها غياث بن إبراهيم،و هو ضعيف.
و لم يجز له صومه.
رواه الشيخ-في الصحيح-عن ابن سنان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقضي رمضان فيجنب من أوّل الليل و لا يغتسل حتّى آخر
ص:342
الليل و هو يرى أنّ الفجر قد طلع،قال:«لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره» (1).
و كذا قال الشيخ في النافلة:و كلّ ما لا يتعيّن صومه (2).
أمّا لو أكل أو شرب ناسيا في قضاء رمضان،فالوجه أنّه يتمّ على صومه؛لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،أنّه سئل عن رجل نسي فأكل و شرب ثمّ ذكر،قال:«لا يفطر،إنّما هو شيء رزقه اللّه،فليتمّ صومه» (3).
و عن محمّد بن قيس،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول:من صام فنسي فأكل و شرب،فلا يفطر من أجل أنّه نسي،فإنّما هو رزق رزقه اللّه عزّ و جلّ،فليتمّ صومه» (4).
و عن أبي بصير،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل صام يوما نافلة، فأكل و شرب ناسيا،قال:«يتمّ يومه ذلك،و ليس عليه شيء» (5).و للشيخ قول آخر،و هذا أجود.
ص:343
و يدلّ عليه النصّ و الإجماع.
قال اللّه تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ (2).
و إنّما يجب بعد العجز عن العتق.و هو شهران متتابعان.
و صوم كفّارة الظهار واجب بالإجماع و نصّ القرآن.
قال اللّه تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ (3).
و هو يجب مرتّبا على العتق،مثل كفّارة قتل الخطأ صفة و قدرا.
و صوم من أفطر يوما من شهر رمضان واجب على التخيير بينه و بين العتق و الصدقة،و قدره شهران متتابعان يتعيّن على من لم يعتق و لم يصدّق،و قد سلف ما يدلّ عليه (4).
و صوم كفّارة قتل العمد،و هو شهران متتابعان مع الصدقة و العتق،واجب بلا خلاف.
ص:344
و صوم بدل الهدي للمتمتّع إذا لم يجد الهدي و لا ثمنه،واجب بنصّ القرآن.
قال اللّه تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (1)و لا خلاف فيه.
و صوم كفّارة اليمين و باقي الكفّارات واجب.
و صوم الاعتكاف المنذور واجب؛لما يأتي من اشتراط الاعتكاف بالصوم،فإذا كان المشروط واجبا بالنذر و شبهه،وجب شرطه،و كذا إذا وجب،بأن اعتكف يومان على رأي.
و صوم كفّارة من أفاض من عرفات قبل مغيب الشمس عامدا و لم يجد الجزور واجب،و قدره ثمانية عشر يوما.
فهذه هي أقسام الصوم الواجب،و يلحق به ما وجب بالنذر و اليمين و العهد.
و سيأتي البحث في كلّ قسم منه في مواضعه إن شاء اللّه تعالى.
و روى الشيخ-رحمه اللّه-عن الزهريّ،عن عليّ بن الحسين عليهما السلام، قال:قال (2)يوما:«يا زهريّ من أين جئت؟»فقلت:من المسجد،قال:«فيم كنتم؟»قلت:تذاكرنا أمر الصوم فاجتمع رأيي و رأي أصحابي على أنّه ليس من الصوم شيء واجب إلاّ صوم شهر رمضان،فقال:«يا زهريّ،ليس كما قلتم،الصوم على أربعين وجها:فعشرة أوجه منها واجبة،كوجوب شهر رمضان،و عشرة أوجه منها صيامهنّ حرام،و أربعة عشر منها صاحبها بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر، و صوم الإذن على ثلاثة أوجه،و صوم التأديب،و صوم الإباحة،و صوم السفر و المرض»قلت:جعلت فداك ففسّرهنّ لي،قال:«أمّا الواجب (3):فصيام شهر
ص:345
رمضان،و صيام شهرين متتابعين في كفّارة الظهار؛لقوله عزّ و جلّ وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ (1)،و صيام شهرين متتابعين فيمن أفطر يوما من شهر رمضان،و صيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب؛لقول اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إلى قوله:
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (2)،و صوم ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين واجب قال اللّه تعالى: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ (3)،هذا لمن لم يجد الإطعام،كلّ ذلك متتابع و ليس بمتفرّق.
و صيام أذى حلق الرأس واجب،قال اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (4)و صاحبها فيها بالخيار،فإن شاء صام ثلاثا،و صوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي،قال اللّه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (5)و صوم جزاء الصيد واجب،قال اللّه تعالى وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (6)أ تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهريّ؟»قال:قلت:لا أدري،قال:«يقوّم الصيد قيمة عدل[و] (7)تفضّ تلك
ص:346
القيمة على البرّ ثمّ يكال ذلك البرّ أصواعا فيصوم لكلّ نصف صاع يوما،و صوم النذر واجب و صوم الاعتكاف واجب.
و أمّا صوم الحرام:فصوم يوم الفطر،و يوم الأضحى،و ثلاثة أيّام من أيّام التشريق،و صوم يوم الشكّ أمرنا به و نهينا عنه،أمرنا بأن نصومه مع صيام شعبان، و نهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس»فقلت له:
جعلت فداك،فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟قال:«ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم من شعبان،فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه،و إن كان من شعبان لم يضرّه»فقلت:و كيف يجزئ صوم تطوّع من فريضة؟فقال:«لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان ثمّ علم بعد ذلك،أجزأ عنه؛لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه،و صوم الوصال حرام،و صوم الصمت حرام،و صوم نذر المعصية حرام، و صوم الدهر حرام.
و أمّا الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار:فصوم يوم الجمعة و الخميس،و صوم أيّام البيض،و صوم ستّة أيّام من شوّال بعد شهر رمضان،و صوم يوم عرفة و يوم عاشوراء،و كلّ ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر.
و أمّا صوم الإذن:فالمرأة لا تصوم تطوّعا إلاّ بإذن زوجها،و العبد لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن مولاه،و الضيف لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن صاحبه،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من نزل على قوم فلا يصوم تطوّعا إلاّ بإذنهم.
فأمّا صوم التأديب:فإن يؤخذ الصبيّ إذا راهق بالصوم تأديبا و ليس بفرض، و كذلك من أفطر لعلّة في أوّل النهار ثمّ قوى بقيّة يومه،أمر بالإمساك عن الطعام بقيّة يومه تأديبا و ليس بفرض،و كذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار ثمّ قدم أهله أمر بالإمساك بقيّة يومه و ليس بفرض(و كذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقيّة
ص:347
يومها) (1).
و أمّا صوم الإباحة:فمن أكل أو شرب ناسيا،أو قاء من غير تعمّد،فقد أباح اللّه عزّ و جلّ له ذلك،و أجزأ عنه صومه.
و أمّا صوم السفر و المرض،فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك،فقال قوم:يصوم.
و قال آخرون:لا يصوم،و قال قوم:إن شاء صام و إن شاء أفطر،و أمّا نحن فنقول:
يفطر في الحالين جميعا،فإن صام في السفر أو حال المرض فعليه القضاء فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2)فهذا تفسير الصيام» (3).
و قال عليه السّلام:«قال اللّه تبارك و تعالى:الصوم لي و أنا أجزي به،و للصائم فرحتان:حين يفطر و حين يلقى ربّه عزّ و جلّ،و الذي نفس محمّد بيده لخلوف فم الصائم عند اللّه أطيب من ريح المسك» (1).
و قال عليه السّلام لأصحابه:«ألا أخبركم بشيء إن فعلتموه تباعد الشيطان عنكم،كما تباعد المشرق من المغرب؟»قالوا:بلى يا رسول اللّه،قال:«الصوم يسوّد وجهه،و الصدقة تكسر ظهره،و الحبّ في اللّه عزّ و جلّ و المؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره،و الاستغفار يقطع و تينه،و لكلّ شيء زكاة،و زكاة الأبدان الصيام» (2).
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«ثلاث يذهبن البلغم و يزدن في الحفظ:
السواك و الصوم و قراءة القرآن» (3).
و قال الصادق عليه السّلام:«أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى موسى عليه السّلام:
ما يمنعك من مناجاتي؟فقال:يا ربّ أجلّك عن المناجاة؛لخلوف فم الصائم، فأوحى اللّه تبارك و تعالى إليه:يا موسى لخلوف فم الصائم عندي أطيب من
ص:349
ريح المسك» (1).
و قال عليه السّلام:«نوم الصائم عبادة،و صمته تسبيح،و عمله متقبّل،و دعاؤه مستجاب» (2).و الأخبار في ذلك كثيرة (3).
و منه ما يختصّ وقتا بعينه،و هو كثير غير أنّا نذكر مهمّه،و يشتمل (4)على مسائل:
و هي أوّل خميس في الشهر، و أوّل أربعاء في العشر الثاني منه،و آخر خميس في العشر الأخير (5).
روى الشيخ بإسناده عن حمّاد بن عثمان،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«صام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى قيل:ما يفطر،ثمّ أفطر حتّى قيل:
ما يصوم،ثمّ صام صوم داود عليه السّلام يوما و يوما لا،ثمّ قبض عليه السّلام على صيام ثلاثة أيّام في الشهر.و قال:يعدلن صوم الشهر و يذهبن بوحر الصدر»قال حمّاد:[فقلت:فما الوحر؟قال:] (6)الوحر:الوسوسة»قال حمّاد:فقلت:أيّ الأيّام هي؟قال:«أوّل خميس من الشهر،و أوّل أربعاء بعد العشر،و آخر خميس فيه» فقلت:لم صارت هذه الأيّام التي (7)تصام؟فقال:«إنّ من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيّام المخوفة» (8).
ص:350
و عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصيام في الشهر كيف هو (1)؟فقال:«ثلاث في الشهر،في كلّ عشر يوم،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (2)ثلاثة (3)أيّام في الشهر صوم الدهر» (4).
و عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صوم السنة،فقال صيام (5)ثلاثة أيّام من كلّ شهر:الخميس و الأربعاء و الخميس يذهب ببلابل (6)القلب و وحر الصدر،الخميس و الأربعاء و الخميس،و إن شاء:الاثنين و الأربعاء و الخميس،و إن صام في كلّ عشرة أيّام يوما،فإنّ ذلك ثلاثون حسنة،و إن أحبّ أن يزيد على ذلك فليزد» (7).
و عن عبد اللّه بن سنان،قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا كان في أوّل الشهر خميسان فصم أوّلهما،فإنّه أفضل،و إذا كان في آخره خميسان فصم آخرهما [فإنّه أفضل (8)]» (9).
ص:351
الشهر الثاني.
رواه أبو بصير،قال:سألته عن صوم ثلاثة أيّام في الشهر،فقال:«في كلّ عشرة أيّام يوم خميس و أربعاء و خميس،و الذي يليه أربعاء و خميس و أربعاء» (1).
قال الشيخ:إنّه ليس بمناف لما قدّمناه من الأخبار؛لأنّ الإنسان مخيّر بين أن يصوم أربعاء بين خميسين أو خميسا بين أربعاءين،و الأصل في هذا الصوم التنفّل و التطوّع،فهو مخيّر في ترتيبه (2)،و يدلّ عليه ما رواه[إبراهيم بن إسماعيل بن (3)] (4)داود،قال:سألت الرضا عليه السّلام عن الصيام،فقال:«ثلاثة أيّام في الشهر:الأربعاء و الخميس و الجمعة»فقلت:إنّ أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين،فقال:«لا بأس بذلك،و لا بأس بخميس بين أربعاءين» (5).
و هذه الروايات غير متنافية؛لأنّ المتطوّع في توسعة من الترك،فكيف الترتيب،غير أنّ الأشهر الأولى.
فلو لم يرغب المكلّف بمساواة صومها في الوقتين،أدّى إلى الحرج أو تركها بالكلّيّة.
ص:352
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن أبي حمزة،قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:صوم ثلاثة أيّام في كلّ شهر أؤخّرها إلى الشتاء ثمّ أصومها؟فقال:«لا بأس» (1).
عملا بالأصل المبيح لهما.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عمّار بن موسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سألته عن الرجل تكون عليه من الثلاثة الأيّام الشهر،هل يصلح له أن يؤخّرها و يصومها في آخر الشهر؟قال:«لا بأس»قلت:يصومها متوالية أو متفرّقة؟قال:
«ما أحبّ،إن شاء متوالية،و ان شاء فرّق بينها» (2).
لأنّ ذلك فداء يوم من رمضان،فيثبت هنا؛لأنّه قد ثبت أنّه فداء الصوم المطلوب شرعا من العاجز عنه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عيص بن القاسم،قال:سألته عمّن لم يصم الثلاثة الأيّام و هو يشتدّ عليه الصيام،هل فيه فداء؟قال:«مدّ من طعام في كلّ يوم» (3).
و رواه ابن بابويه عن عيص مسندا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام (4).
و في رواية صالح (5)بن عقبة عن عقبة،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
«جعلت فداك إنّي قد كبرت و ضعفت عن الصيام فكيف أصنع بهذه الثلاثة الأيّام في كلّ شهر؟فقال:«يا عقبة تصدّق بدرهم عن كلّ يوم»قال:قلت:درهم واحد؟
ص:353
فقال:«لعلّها كثرت عندك و أنت تستقلّ الدرهم؟»قال:قلت:إنّ نعم اللّه عليّ لسابغة،فقال:«يا عقبة لإطعام مسلم خير من صيام شهر» (1).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أو لأبي الحسن عليه السّلام:الرجل يتعمّد الشهر في الأيّام القصار يصوم لسنة (2)؟قال:«لا بأس» (3).و قد سلف مثله (4).
في آخر العشر،
فقال:«صم الأوّل فلعلّك لا تلحق الثاني» (5).
طلبا لزيادة الثواب،روى ابن بابويه عن الفضيل بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال«إذا صام أحدكم الثلاثة الأيّام من الشهر فلا يجادلنّ أحدا،و لا يجهل و لا يسرع إلى الحلف و الأيمان باللّه،فإن جهل عليه أحد فليحتمل» (6).
و الخامس عشر من كلّ شهر-
و هو قول العلماء كافّة.
روى الجمهور عن أبي ذرّ،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله«يا أبا ذرّ إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة» (7).
ص:354
و قال عليه السّلام للأعرابيّ:«كل»قال:إنّي صائم،قال:«صوم ما ذا؟»قال:
صوم ثلاثة أيّام من الشهر،قال:«إن كنت صائما فعليك بالغرّ البيض:ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة» (1).
و عن ملحان القيسيّ (2)،قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأمرنا أن نصوم البيض:ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة،و قال:«هو كهيئة الدهر» (3)يريد بذلك أنّ صوم ثلاثة أيّام بشهر.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ في حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليهما السلام،و قد سلف (4)،و سمّيت أيّام البيض؛لابيضاض ليلها كلّه بالقمر.
و التقدير:أيّام الليالي البيض.
و نقل الجمهور:أنّ اللّه تعالى تاب على آدم عليه السّلام،و بيّض صحيفته (5).
يوم مبعث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و مولده،و دحو الأرض،و يوم الغدير نصب اللّه تعالى فيه عليّا عليه السّلام إماما للأنام؛لأنّها أيّام شريفة أنعم اللّه تعالى فيها بأعظم البركات،فاستحبّ شكره بالصوم فيها.
روى الشيخ عن محمّد بن عبد اللّه الصيقل (6)(7)،قال:خرج علينا أبو الحسن
ص:355
يعني الرضا عليه السّلام بمرو في خمسة و عشرين من ذي القعدة،فقال:«صوموا فإنّي أصبحت صائما»قلنا:جعلنا اللّه فداك أيّ يوم هو؟قال:«يوم نشرت فيه الرحمة و دحيت فيه الأرض و نصبت فيه الكعبة و هبط فيه آدم عليه السّلام» (1).
و عن الحسن بن راشد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:جعلت فداك،للمسلمين عيد غير العيدين؟قال:«نعم يا حسن أعظمهما و أشرفهما»قال:
قلت:فأيّ يوم هو؟قال:«هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه السّلام فيه علما للناس» قلت:جعلت فداك،و ما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟قال:«تصومه يا حسن،و تكثر الصلوات على محمّد و آله،و تبرّأ إلى اللّه عزّ و جلّ ممّن ظلمهم،و إنّ الأنبياء كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيدا»قال:قلت:فما لمن صامه؟قال:«صيام ستّين شهرا،و لا تدع صيام سبعة و عشرين من رجب فإنّه اليوم الذي نزلت فيه النبوّة على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و ثوابه مثل ستّين شهرا لكم» (2).
و عن محمّد بن الليث المكّيّ (3)،قال:حدّثني إسحاق (4)بن عبد اللّه العريضيّ
ص:356
العلويّ (1)،قال:و جل (2)في صدري ما الأيّام التي تصام؟فقصدت مولانا أبا الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام و هو ب«صريا» (3)و لم أبد ذلك لأحد من خلق اللّه،فدخلت عليه،فلمّا بصر بي قال عليه السّلام:«يا إسحاق (4)جئت تسألني عن الأيّام التي يصام فيهنّ و هي أربعة:أوّلهنّ يوم السابع و العشرين من رجب يوم بعث اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله إلى خلقه رحمة للعالمين،و يوم مولده صلّى اللّه عليه و آله،و هو السابع عشر من شهر ربيع الأوّل،و يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة،فيه دحيت الكعبة،و يوم الغدير فيه أقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخاه عليّا عليه السّلام علما للناس و إماما من بعده»قلت:صدقت جعلت فداك لذلك قصدت،أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه (5).
أبي الحسن عليه السّلام،قال:«صوم يوم عرفة يعدل السنة»و قال:«لم يصمه الحسن و صامه الحسين عليه السّلام» (1).
و روى ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام:«صوم يوم التروية كفّارة سنة،و يوم عرفة كفّارة سنتين» (2).
و به قال أبو حنيفة (3)،و روي عن عائشة أيضا،و ابن الزبير،و إسحاق،و عطاء.و قال باقي الجمهور:إنّه مكروه (4).
لنا:أنّ المقتضي موجود،و هو الأمر بالصوم فيه مستحبّا،و المانع و هو العجز عن الدعاء مفقود؛إذ التقدير فيه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:
سألته عن صوم يوم عرفة،قال:«من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك عن الدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة فصمه،و إن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه» (5).
احتجّ المخالف (6):بما روي عن أمّ الفضل بنت الحارث أنّ ناسا تماروا بين يديها يوم عرفة في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال بعضهم:صائم،و قال
ص:358
بعضهم:ليس بصائم،فأرسلت إليه بقدح من لبن و هو واقف على بعيره بعرفات، فشربه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (1).
و قال ابن عمر:حججت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يصمه،يعني يوم عرفة.و مع أبي بكر،فلم يصمه.و مع عثمان فلم يصمه،و أنا لا أصومه و لا آمر به و لا أنهى عنه (2).
و الجواب عنه:أنّ هذه الأحاديث محمولة على أنّه عليه السّلام لم يتمكّن من الصيام للعطش،أو أنّه عليه السّلام كان مسافرا،أو للضعف و المنع من الدعاء.
و لأنّه يوم شريف معظّم يستجاب فيه الدعاء خصوصا في الموقف الذي يقصد من كلّ فجّ عميق؛طلبا لفضل اللّه تعالى و إجابة دعائه،فكان تركه أفضل.
أمّا مع القدرة على الجمع بين الصيام و الدعاء،فصومه أفضل؛لما تقدّم،و لما رواه الشيخ عن سليمان الجعفريّ،قال:سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول:«كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف،و يأمر بظلّ مرتفع،فيضرب له فيغتسل ممّا يبلغ منه الحرّ» (3).
و عن حنّان بن سدير،عن أبيه،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:سألته عن صوم يوم عرفة،فقلت:جعلت فداك إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة،قال:«كان أبي لا يصومه،قلت:و لم ذلك؟قال:إنّ يوم عرفة يوم دعاء و مسألة،و أتخوّف أن يضعفني عن الدعاء و أكره أن أصومه،و أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى
ص:359
و ليس بيوم صوم» (1).
و على هذا التأويل حمل الشيخ-رحمه اللّه (2)-رواية محمّد بن قيس،قال:
سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان» (3).
لجواز أن يكون يوم عيد، فيكون صومه حراما،فمع الاشتباه يستحبّ تركه.
و يؤيّده:رواية حنّان بن سدير عن الباقر عليه السّلام في قوله:«إنّ يوم عرفة يوم دعاء و مسألة،و أتخوّف أن يضعفني عن الدعاء،و أكره أن أصومه،و أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى و ليس بيوم صوم» (4).
قال ابن بابويه-رحمه اللّه-:إنّ العامّة غير موفّقين لفطر و لا أضحى،و إنّما كره عليه السّلام صوم عرفة؛لأنّه كان (5)يكون يوم العيد في أكثر السنين،و تصديق ذلك (6)ما قاله الصادق عليه السّلام:«لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السّلام أمر اللّه عزّ و جلّ ملكا فنادى:أيّتها الأمّة الظالمة (7)القاتلة عترة نبيّها لا وفّقكم اللّه لصوم
ص:360
و لا فطر» (1).
و في حديث آخر:«لا وفّقكم اللّه لفطر و لا أضحى» (2).
أمّا مع العلم بالهلال و التمكّن من الدعاء،فإنّه مستحبّ مندوب إليه مطلقا، سواء كان بعرفة أو لم يكن.
و روى ابن بابويه أنّ في تسع من ذي الحجّة أنزلت توبة داود عليه السّلام،فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة تسعين سنة (3).
عليه السّلام عن صوم يوم عرفة،
قال:«إن شئت صمت و إن شئت لم تصم» (4).
و روي:أنّ رجلا أتى الحسن و الحسين عليهما السلام فوجد أحدهما صائما و الآخر مفطرا،فسألهما،فقالا:«إن صمت فحسن و إن لم تصم فجائز» (5).
و روي عن عبد اللّه بن المغيرة،عن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«أوصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى عليّ عليه السّلام وحده،و أوصى عليّ إلى الحسن و الحسين عليهما السلام جميعا،و كان الحسن عليه السّلام إمامه،فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه السّلام و هو يتغذّى،و الحسين عليه السّلام صائم، ثمّ جاء بعد ما قبض الحسن عليه السّلام فدخل على الحسين عليه السّلام يوم عرفة و هو يتغدّى و عليّ بن الحسين عليهما السلام صائم،فقال له الرجل:إنّي دخلت
ص:361
على الحسن عليه السّلام و هو يتغدّى و أنت صائم،ثمّ دخلت عليك و أنت مفطر، فقال:«إنّ الحسن عليه السّلام كان إماما فأفطر لئلاّ يتّخذ صومه سنّة و ليتأسّى به الناس،فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام،فأردت أن لا يتّخذ صومي سنّة فيتأسّى الناس بي» (1).
و قيل:لأنّ إبراهيم عليه السّلام أري في المنام ليلة التروية أنّه يؤمر بذبح ابنه، فأصبح يومه يتروّى هل هذا من اللّه أو حلم؟فسمّي يوم التروية،فلمّا كانت الليلة الثانية رآه أيضا فأصبح يوم عرفة،فعرف أنّه من اللّه،فسمّي يوم عرفة (2).
لأنّه يوم جرت فيه أعظم المصائب و هو قتل الحسين عليه السّلام و هتك حريمه،فكان الحزن بترك الأكل و الملاذّ و احتمال الأذى متعيّنا.
و لما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام،قال:«صوموا العاشوراء التاسع و العاشر،فإنّه يكفّر ذنوب سنة» (3).
و عن أبي همام،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«صام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم عاشوراء» (4).
و عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام،قال:«صيام
ص:362
يوم عاشوراء كفّارة سنة» (1).
و قد روى الجمهور عن ابن عبّاس،قال:أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بصوم يوم عاشوراء (2).
و قد وردت أحاديث في كراهته محمولة على ما قلناه من الصوم للتبرّك (3).
روى الشيخ عن زرارة،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام،قالا:
«لا تصم يوم عاشوراء و لا يوم عرفة بمكّة و لا بالمدينة و لا في وطنك و لا في مصر من الأمصار» (4).
و إنّما حملناه على التبرّك بصومه؛لما رواه الشيخ عن جعفر بن عيسى،قال:
سألت الرضا عليه السّلام عن صوم عاشوراء و ما يقول الناس فيه،فقال:«عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد بقتل (5)الحسين عليه السّلام،و هو يوم تشاءم به آل محمّد،و يتشاءم به أهل الإسلام،و اليوم الذي يتشاءم الإسلام و أهله لا يصام و لا يتبرّك به،و يوم الاثنين يوم نحس قبض اللّه فيه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و ما أصيب آل محمّد إلاّ في يوم الاثنين،فتشأّمنا به، و تبرّك به أعداؤنا،و يوم عاشوراء قتل الحسين عليه السّلام و تبرّك به ابن مرجانة
ص:363
و تشأّم به آل محمّد،فمن صامهما أو تبرّك بهما لقي اللّه عزّ و جلّ ممسوخ (1)القلب، و كان حشره (2)مع الذين سنّوا صومهما و التبرّك بهما» (3).
و عن عبيد بن زرارة،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«من صام يوم عاشوراء،كان حظّه من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة و آل زياد»قال:قلت:
و ما حظّهم (4)من ذلك اليوم؟قال:«النار» (5).
قال الشيخ-رحمه اللّه-:الوجه في هذه الأحاديث أنّ من صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الجزع لما حلّ بعترته فقد أصاب،و من صامه على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه و التبرّك به و الاعتقاد لبركته و سعادته فقد أثم و أخطأ (6).
و به قال سعيد بن المسيّب،
ص:364
و الحسن البصريّ (1).
و روي عن ابن عبّاس أنّه قال:إنّه التاسع من المحرّم (2).و ليس بمعتمد؛لما تقدّم في أحاديثنا:أنّه يوم قتل الحسين عليه السّلام،و يوم قتل الحسين عليه السّلام هو العاشر بلا خلاف (3).
و روى الجمهور عن ابن عبّاس[قال] (4):أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرّم (5).و هذا ينافي ما روي عنه أوّلا.
فقال أبو حنيفة:إنّه كان واجبا (6).
و قال آخرون:إنّه لم يكن واجبا (7).و للشافعيّ قولان (8).و عن أحمد روايتان (9).
احتجّ الموجبون (10):بما روت عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صامه و أمر بصيامه،فلمّا افترض رمضان كان هو الفريضة و ترك عاشوراء،فمن شاء صامه
ص:365
و من شاء تركه (1).و أيضا فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كتب إلى أهل العوالي أنّه من أكل منكم فليمسك بقيّة يومه،و من لم يأكل فليصم (2).و هذا يدلّ على وجوبه.
و احتجّ الآخرون (3):بما رووه عن معاوية أنّه سمع يوم عاشوراء على المنبر يقول:يا أهل المدينة أين علماؤكم؟سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
«إنّ هذا يوم عاشوراء لم يكتب اللّه عليكم صيامه و أنا صائم،فمن شاء فليصم، و من شاء فليفطر» (4).
و أيضا:فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يأمر من أكل فيه بالقضاء،و لو كان واجبا لأمره بالقضاء.
و قد ورد في أحاديثنا ما يدلّ عليهما:
روى الشيخ عن الوشّاء قال:حدّثني نجيّة بن الحارث العطّار،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن صوم يوم عاشورا،فقال:«صوم متروك بنزول شهر رمضان،و المتروك بدعة»قال نجيّة:فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك من بعد أبيه،فأجاب (5)بمثل جواب أبيه،ثمّ قال لي:«أما إنّه صيام يوم ما نزل به كتاب
ص:366
و لا جرت به سنّة إلاّ سنّة آل زياد بقتل الحسين بن عليّ عليهما السلام» (1).
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم و زرارة أنّهما سألا أبا جعفر الباقر عليه السّلام عن صوم يوم عاشوراء،فقال:«كان صومه قبل صوم شهر رمضان،فلمّا نزل شهر رمضان،ترك» (2).
و هو الرابع و العشرون من ذي الحجّة، فيه باهل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بنفسه و بأمير المؤمنين و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام،نصارى نجران.و فيه تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام بخاتمه في ركوعه (3)،و نزلت فيه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (4)لأنّه يوم شريف،و قد أظهر اللّه تعالى فيه نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله على خصمه،و حصل فيه من التنبيه على قرب عليّ عليه السّلام من ربّه و اختصاصه و عظم منزلته و ثبوت ولايته و استجابة الدعاء به ما لم يحصل لغيره،و ذلك من أعظم الكرامات الموجبة لإخبار اللّه تعالى أنّ نفسه نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فيستحبّ صومه شكرا لهذه النعم الجسيمة.
خليل الرحمن عليه السّلام ،
و ذلك نعمة عظيمة ينبغي مقابلتها بالشكر،و صيام ذلك اليوم من الأفعال المختصّة به،فيكون مستحبّا.
و روي عن موسى بن جعفر عليه السّلام قال:«من صام أوّل يوم من ذي الحجّة
ص:367
كتب اللّه له صوم ثمانين شهرا،فإن صام التسع كتب اللّه عزّ و جلّ له صوم الدهر» (1).
قال ابن بابويه:و روي أنّ في أوّل يوم من ذي الحجّة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه السّلام،فمن صام ذلك اليوم،كان كفّارة ستّين سنة (2).
أمّا الشيخ-رحمه اللّه-فقد روى عن سهل بن زياد،عن بعض أصحابنا،عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام،قال:«و في أوّل يوم من ذي الحجّة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه السّلام،فمن صام ذلك اليوم كتب اللّه له صيام ستّين شهرا» (3).
و قيل:إنّ فاطمة عليها السلام تزوّجت في ذلك اليوم (4).
و قيل:في السادس من ذي الحجّة (5).فيستحبّ صومهما معا؛لإدراك فضيلة الوقت.
فإنّه محرّم،و قد سلف (6)،و لا نعلم في الحكمين خلافا؛لأنّها أيّام شريفة مفضّلة يضاعف فيها العمل و يستحبّ فيها الاجتهاد بالعبادة.
روى الجمهور عن ابن عبّاس،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ما من أيّام العمل الصالح فيهنّ أحبّ إلى اللّه من هذه الأيّام العشر»قالوا:يا رسول اللّه،و لا الجهاد في سبيل اللّه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«و لا الجهاد في سبيل اللّه، إلاّ رجلا خرج بنفسه و ماله فلم يرجع من ذلك بشيء» (7).
ص:368
و عن أبي هريرة،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:«ما من أيّام أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ بأن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجّة،يعدل صيام كلّ يوم منها بصيام سنة، و قيام كلّ ليلة بقيام ليلة القدر» (1).
و عن بعض أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصوم تسع ذي الحجّة و يوم عاشوراء (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن الكاظم عليه السّلام أنّ من صام التسع كتب اللّه له صوم الدهر (3).
و كذلك يستحبّ صيام يوم الخامس و العشرين من ذي الحجّة،و هو يوم نزلت في أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام(هل أتى).
و في السادس و العشرين منه طعن عمر بن الخطّاب سنة ثلاث و عشرين من الهجرة،و في التاسع و العشرين منه قبض عمر بن الخطّاب.
و يوم الثامن عشر منه هو يوم الغدير-و قد سلف (4)-نصب فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام إماما للأنام،و هو يوم قتل عثمان بن عفّان،و بايع المهاجرون و الأنصار عليّا عليه السّلام طائعين مختارين ما خلا أربعة أنفس منهم:
عبد اللّه بن عمر،و محمّد بن مسلمة (5)،و سعد بن أبي وقّاص،و أسامة بن زيد.
ص:369
و في هذا اليوم فلح موسى بن عمران عليه السّلام على السحرة،و أخزى اللّه تعالى فرعون و جنوده،و فيه نجّى اللّه تعالى إبراهيم عليه السّلام من النار،و فيه نصب موسى عليه السّلام وصيّه يوشع بن نون،و نطق بفضله على رءوس الأشهاد، كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعليّ عليه السّلام،و فيه أظهر عيسى عليه السّلام وصيّه شمعون الصفا،و فيه أشهد سليمان بن داود عليه السّلام سائر رعيّته إلى استخلاف آصف وصيّه.
و هو يوم عظيم البركات،فيستحبّ صيام هذه الأيّام كلّها استحبابا مؤكّدا؛لما فيها من النعم (1).
و هو قول علمائنا.و كره أحمد صومه كلّه إلاّ لصائم السنة فيدخل ضمنا (2).
لنا:أنّه شهر شريف معظّم في الجاهليّة و الإسلام.و هو أحد أشهر الحرم المعظّمة عند اللّه تعالى،فكان إيقاع الطاعات فيه أفضل من غيره.
و يؤيّده:ما رواه المفيد-رحمه اللّه-عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من صام رجب كلّه كتب اللّه تعالى له رضاه،و من كتب له رضاه لم يعذّبه» (3).
ص:370
و عن كثير بيّاع النوا (1)،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إنّ نوحا عليه السّلام ركب السفينة في أوّل يوم من رجب فأمر عليه السّلام من معه أن يصوموا ذلك اليوم و قال:من صامه تباعدت عنه النار مسير سنة،و من صام سبعة أيّام منه أغلقت عنه أبواب النيران السبعة،و من صام ثمانية أيّام فتحت له أبواب الجنان الثمانية،و من صام عشرة أعطي مسألته،و من صام خمسة و عشرين قيل له:استأنف العمل فقد غفر اللّه لك،و من زاد زاده اللّه تعالى» (2).
و عن أبي الحسن موسى عليه السّلام،قال:«رجب نهر في الجنّة أشدّ بياضا من اللبن و أحلى من العسل،من صام يوما من رجب سقاه اللّه من ذلك النهر» (3).
و بالجملة:فإنّه شهر معظّم و يسمّى الشهر الأصمّ؛لأنّ العرب لم تكن تغير فيه، و لا ترى الحرب و سفك الدماء،فكان لا يسمع فيه حركة السلاح و لا صهيل الخيل.
و يسمّى أيضا الشهر الأصبّ؛لأنّه يصبّ اللّه تعالى فيه الرحمة على عباده.
و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يصومه و يقول:«رجب شهري،و شعبان شهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و شهر رمضان شهر اللّه» (4).
ص:371
احتجّ أحمد:بما رواه خرشة (1)بن الحرّ،قال:رأيت عمر يضرب أكفّ المترجّبين حتّى يضعوها في الطعام و يقول:كلوا فإنّما هو شهر كان تعظّمه الجاهليّة (2).
و عن ابن عمر أنّه كان إذا رأى الناس و ما يعدّون لرجب،كرهه و قال:صوموا منه و أفطروا (3).و دخل أبو بكرة (4)على أهله و عندهم سلال جدد و كيزان،فقال:
ما هذا؟فقالوا:رجب نصومه،قال:أ جعلتم رجب رمضان؟فأكفأ السلال و كسر الكيزان (5).
و الجواب:ما نقلناه أولى؛لموافقته عموم الأمر بالصوم خصوصا في هذا الشهر الشريف عند الجاهليّة و الإسلام.
و نقل أحمد عن عمر-أنّه إنّما كان تعظّمه الجاهليّة-يقتضي عدم العرفان بفضل هذا الشهر الشريف في الشريعة المحمّديّة صلّى اللّه عليه و آله.
و كذا أمر ابن عمر و أبي بكرة بترك صومه،يدلّ على قلّة معرفتهما بفضل هذا الشهر.
و بالجملة:لا اعتداد بفعل هؤلاء مع ما نقلناه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام.
و يتأكّد استحباب ثلاثة أيّام منه:أوّله و ثانيه و ثالثه،و آكده استحباب أوّل
ص:372
يوم منه.
و فيه ولد مولانا الباقر عليه السّلام يوم الجمعة غرّة شهر رجب سنة سبع و خمسين (1).
و في اليوم الثاني منه كان مولد أبي الحسن الثالث عليه السّلام.و قيل:الخامس منه (2).
و يوم العاشر منه مولد (3)مولانا أبي جعفر الثاني عليه السّلام (4).
و يوم الثالث عشر منه كان مولد مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة،ذكره الشيخ-رحمه اللّه-عن ابن عيّاش (5)من علمائنا رحمهم اللّه (6).و قيل:قبل المبعث بعشر سنين (7).
و في اليوم الخامس عشر منه خرج فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:373
من الشعب (1).
و في هذا اليوم لخمسة أشهر من الهجرة عقد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لأمير المؤمنين عليه السّلام،على ابنته فاطمة عليها السلام،عقدة النكاح،و كان فيه الإشهاد له و الإملاك،و لها يومئذ ثلاث عشرة سنة في بعض الروايات،و في بعضها تسع،و قيل:عشر،و قيل:غير ذلك (2).
و في هذا اليوم حوّلت القبلة من بيت المقدس و كان الناس في صلاة العصر، فتحوّلوا منها إلى البيت الحرام،فكان بعض صلاتهم هذه إلى بيت المقدس،و بعضها إلى البيت الحرام (3).
و في اليوم الثالث منه سنة أربع و خمسين و مأتين،كانت وفاة سيّدنا أبي الحسن عليّ بن محمّد صاحب العسكر عليه السّلام،و له يومئذ إحدى و أربعون سنة (4).
و في اليوم الثامن عشر منه،كانت وفاة إبراهيم بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.و في اليوم الثاني و العشرين منه،كانت وفاة معاوية بن أبي سفيان (5).
و في اليوم الحادي و العشرين منه،كانت وفاة الطاهرة فاطمة عليها السلام.
و في اليوم الثالث و العشرين منه،طعن الحسن بن عليّ عليهما السلام.
و في الرابع و العشرين منه،كان فتح خيبر على يد أمير المؤمنين عليه السّلام، بقلعه باب القموص و قتله مرحب (6).
و في الخامس و العشرين منه،كانت وفاة مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر
ص:374
عليهما السلام.قال الشيخ:و روي أنّ من صامه،كان كفّارة مأتي سنة (1).
و في اليوم السادس و العشرين منه،كانت وفاة أبي طالب رحمه اللّه (2).
و في اليوم السابع و العشرين منه،بعث سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و يستحبّ صومه؛لزيادة النعمة فيه،و هو أحد الأيّام الأربعة (3).
و روى سلمان الفارسيّ-رحمه اللّه-في حديث طويل:«و كتب له بصوم كلّ يوم يصومه منه عبادة سنة و رفع له ألف درجة،فإن صام الشهر كلّه أنجاه اللّه عزّ و جلّ من النار،و أوجب له الجنّة،يا سلمان أخبرني بذلك جبرئيل عليه السّلام» (4).
روى الشيخ عن أبي الصباح الكنانيّ،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«صوم شعبان و شهر رمضان متتابعين توبة من اللّه» (5).
و عن عمرو بن خالد،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصوم شعبان و شهر رمضان يصلهما (6)،و ينهى (7)الناس أن يصلوهما و كان يقول:هما شهرا اللّه (8)،و هما كفّارة لما قبلهما و ما بعدهما» (9).
ص:375
و عن محمّد بن سليمان،عن أبيه،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما تقول في الرجل يصوم شعبان و شهر رمضان؟قال:«هما الشهران اللذان قال اللّه تعالى:
شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ (1)»قال:قلت:فلا يفصل بينهما؟قال:«إذا أفطر من الليل فهو فصل،و إنّما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا وصال في صيام، يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار،و قد يستحبّ للعبد أن لا يدع السحور» (2).
و عن أبي حمزة الثماليّ،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«من صام شعبان كان طهورا له من كلّ زلّة و وصمة و بادرة»قال:قلت له:و ما الوصمة؟قال:«اليمين في المعصية،و النذر في المعصية»قلت:فما البادرة؟قال:«اليمين عند الغضب،و التوبة منها الندم عليها (3)» (4).
و عن صفوان بن مهران الجمّال،قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:«حثّ من في ناحيتك على صوم شعبان»فقلت:جعلت فداك ترى فيه شيئا؟قال:«نعم،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا رأى هلال شعبان،أمر مناديا ينادي في المدينة:يا أهل يثرب إنّي رسول رسول اللّه إليكم،ألا إنّ شعبان شهري،فرحم اللّه من أعانني على شهري»قال:«إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول:ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينادي في شعبان، و لن يفوتني أيّام حياتي صوم شعبان إن شاء اللّه،ثمّ كان عليه السّلام يقول:صوم
ص:376
شهرين متتابعين توبة من اللّه» (1).
و في الصحيح عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام،هل صام أحد من آبائك شعبان قطّ؟فقال:«صامه خير آبائي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (2).
و مثله روى سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).
قال الشيخ-رحمه اللّه-:فأمّا الأخبار التي رويت في النهي عن صوم شعبان، و أنّه ما صامه أحد من الأئمّة عليهم السلام،فالمراد بها أنّه لم يصمه أحد من الأئمّة عليهم السلام معتقدين وجوبه و فرضه،و أنّه يجري مجرى شهر رمضان؛لأنّ قوما قالوا:إنّ صومه فريضة،و كان أبو الخطّاب-لعنه اللّه-و أصحابه يذهبون إليه و يقولون:إنّ من أفطر يوما منه،لزمه من الكفّارة ما يلزم من أفطر يوما من شهر رمضان.فورد عنهم عليهم السلام الإنكار لذلك،و أنّه لم يصمه أحد منهم على ذلك الوجه.و الأخبار التي تضمّنت الفصل بين شعبان و شهر رمضان،فالمراد بها النهي عن الوصال الذي بيّنّا فيما مضى أنّه محرّم،و يدلّ عليه رواية محمّد بن سليمان عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (4)،و قد تقدّمت (5).
و قد روى المفيد عن زيد الشحّام،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:هل صام أحد من آبائك عليهم السلام شعبان؟قال:«نعم،كان آبائي يصومونه،و أنا أصومه، و آمر شيعتي بصومه،فمن صام منكم شعبان حتّى يصله بشهر رمضان،كان حقّا على اللّه أن يعطيه جنّتين،و يناديه ملك من بطنان العرش عند إفطاره كلّ ليلة:يا فلان،طبت و طابت لك الجنّة،و كفى بك أنّك سررت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:377
بعد موته» (1).
و يتأكّد صيام أوّل يوم منه.
روى الشيخ-رحمه اللّه-عن الحسن بن محبوب،عن عبد اللّه بن مرحوم (2)الأزديّ (3)،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«من صام أوّل يوم من شعبان وجبت له الجنّة البتّة،و من صام يومين نظر اللّه إليه في كلّ يوم و ليلة في دار الدنيا و دام نظره إليه في الجنّة،و من صام ثلاثة أيّام زار اللّه في عرشه في (4)جنّته في كلّ يوم» (5).
و في اليوم الثالث منه ولد مولانا الحسين بن عليّ عليهما السلام،و خرج إلى القاسم بن العلاء الهمدانيّ (6)وكيل أبي محمّد عليه السّلام أنّ مولانا الحسين
ص:378
عليه السّلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان،فصمه (1).
و روى الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«صوموا شعبان و اغتسلوا ليلة النصف منه،ذلك تخفيف من ربّكم» (2).
و هذه الليلة التي أمر عليه السّلام بالاغتسال فيها،هي (3)مولد مولانا صاحب الزمان عليه السّلام.
و قد ورد في فضل هذه الليلة و العبادة فيها شيء كثير (4).و هي إحدى الليالي الأربعة:ليلة الفطر،و ليلة الأضحى،و ليلة النصف من شعبان،و أوّل ليلة من رجب (5).
روى ابن بابويه:إنّ اللّه أنزل الكعبة فيه،و هي أوّل رحمة نزلت،فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة سبعين سنة (6).
قال ابن بابويه:و في أوّل يوم من المحرّم دعا زكريّا عليه السّلام ربّه عزّ و جلّ، فمن صام ذلك اليوم استجاب اللّه له،كما استجاب لزكريّا عليه السّلام (7).
و نحوه قال الشيخ رحمه اللّه (8).
ص:379
قال:و في اليوم الثالث من المحرّم كان عبور موسى بن عمران عليه السّلام على جبل طور سيناء.و في اليوم السابع منه أخرج اللّه سبحانه و تعالى يونس عليه السّلام من بطن الحوت.و في اليوم العاشر منه كان مقتل سيّدنا و مولانا أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ عليهما السلام.و يستحبّ في هذا اليوم زيارته.
و يستحبّ صوم هذا العشر،فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام و الشراب إلى بعد العصر،ثمّ يتناول شيئا من التربة (1).
و قد روي استحباب صيام شهر المحرّم،رواه الجمهور عن أبي هريرة،قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر اللّه المحرّم» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه المفيد-رحمه اللّه-عن النعمان بن سعد (3)(4)عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لرجل:إن كنت صائما بعد شهر رمضان،فصم المحرّم،فإنّه شهر تاب اللّه فيه على قوم، و يتوب اللّه تعالى فيه على آخرين» (5).
ص:380
قال الشيخ-رحمه اللّه-:و في اليوم السابع عشر من المحرّم انصرف أصحاب الفيل عن مكّة و قد نزل عليهم العذاب.و في اليوم الخامس و العشرين منه سنة أربع و تسعين،كانت وفاة زين العابدين عليه السّلام (1).
الأولى،
ففيه سنة ستّ و ثلاثين كان فتح البصرة لأمير المؤمنين عليه السّلام.و في ليلته من هذه السنة بعينها كان مولد أبي محمّد عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام (2).
و روى المفيد-رحمه اللّه-عن راشد بن محمّد (3)،عن أنس بن مالك،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من صام من (4)شهر حرام الخميس و الجمعة و السبت،كتب اللّه له عبادة تسعمائة سنة» (5).
و قال أبو يوسف:كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صياما،خوفا أن يلحق ذلك بالفريضة (1).و حكي مثل ذلك عن محمّد بن الحسن (2).
و قال مالك في الموطّأ:يكره ذلك،و ما رأيت أحدا من أهل الفقه يصومها و لم يبلغني ذلك من أحد من السلف،و أنّ أهل العلم يكرهون ذلك،و يخافون بدعته،و أن يلحق الجهّال برمضان ما ليس منه (3).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي أيّوب،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«من صام رمضان و أتبعه بستّ من شوّال فكأنّما صام الدّهر» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في حديث الزهريّ-عن عليّ بن الحسين عليهما السلام في وجوه الصيام (5).
و ما ذكروه ليس بجيّد؛لأنّ يوم الفطر فاصل بينهما.
و قد روى الشيخ عن حريز عنهم عليهم السلام،قال:«إذا أفطرت من رمضان فلا تصومنّ بعد الفطر تطوّعا إلاّ بعد ثلاث يمضين» (6).قال الشيخ-رحمه اللّه-:
الوجه فيه أنّه ليس في صيام هذه الأيّام من الفضل و التبرّك به ما في غيره من الأيّام
ص:382
و ان كان صومها جائزا،يكون الإنسان (1)فيه مخيّرا،و لا تنافي بينهما حينئذ (2).
روى داود بإسناده عن أسامة بن زيد أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يصوم يوم الاثنين و الخميس،فسئل عن ذلك،فقال:«إنّ أعمال الناس تعرض يوم الاثنين و الخميس» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-رحمه اللّه-في حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليه السّلام (4).
الجمعة.و كذا من عادته صيام أوّل يوم من الشهر أو آخره فيوافقه (1).
لنا:أنّ الصوم في نفسه طاعة،و هذا يوم شريف تضاعف فيه الحسنات،فكان صومه مشروعا.و لأنّه يوم فأشبه سائر الأيّام.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
رأيته صائما يوم جمعة،فقلت له:جعلت فداك إنّ الناس يزعمون أنّه يوم عيد، فقال:«كلاّ إنّه يوم خفض و دعة» (2).
احتجّ المخالف:بما رواه أبو هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يفرد يوم الجمعة بالصوم (3).
و عن جويرية بنت الحارث (4)أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل عليها يوم الجمعة و هي صائمة،فقال:«صمت أمس؟»قالت:لا،قال:«فتريدين أن تصومي غدا؟»قالت:لا،قال:«فأفطري» (5).
و سأل رجل جابر بن عبد اللّه و هو يطوف فقال:أسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،نهى عن صيام يوم الجمعة؟قال:نعم و ربّ هذا البيت (6).
ص:384
و هذه الأخبار متأوّلة بمن (1)يضعف فيه عن الفرائض و أداء الجمعة على وجهها و السعي إليها.
عليه و آله .
و روى الجمهور عن عبد اللّه بن عمرو،قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أحبّ الصيام إلى اللّه تعالى صيام أخي داود عليه السّلام،كان يصوم يوما و يفطر يوما،و أحبّ الصلاة إلى اللّه تعالى صلاة داود عليه السّلام،كان يرقد شطر الليل و يقوم ثلثه،ثمّ يرقد آخره» (3).
في نفسه،
و لا يملك منافعه،بل هي مصروفة إلى السيّد،و ربما كان الصوم مانعا للسيّد عن ذلك،فكان ممنوعا منه.
أمّا مع إذنه فإنّ الصوم (4)سائغ قطعا؛لأنّ المقتضي للمنع مفقود،إذ المنع إنّما كان لكراهية المالك،و لم يوجد بالإذن.
و كذا الصوم الواجب،له أن يفعله بغير إذن مولاه،بل مع كراهية.و هذه
ص:385
الأحكام لا خلاف فيها بين علمائنا.و لا فرق بين أن يكون المولى حاضرا أو غائبا.
و يؤيّد ذلك:ما ذكرناه في حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليهما السلام (1).
لأنّها بالصوم تعرّضه لما يمنعه من الاستمتاع لو أراده،فلم يكن مشروعا لها إلاّ برضاه.
و لا فرق بين أن يكون زوجها حاضرا أو غائبا.و اشترط الشافعيّ حضوره (2).
و ليس بمعتمد.
و يؤيّد ذلك:ما نصّ عليه الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام في حديث الزهريّ،و قد مضى (3).
أمّا الواجب فلا يعتبر إذنه،بل يجب عليها فعله،و لا يحلّ له منعها عنه،و كذا بجوز لها أن تصوم تطوّعا بإذنه بلا خلاف.
مسألة:و الضيف لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن مضيفه.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من نزل على قوم فلا يصوم تطوّعا إلاّ بإذنهم» (4)و قد اشتمل عليه حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليهما السلام (5).
و لأنّ فيه طيب قلب المؤمن من مراعاته،فكان مستحبّا،فلا نعلم فيه خلافا من علمائنا.
.
ص:386
و الإفطار عنده؛لأنّ مراعاة قلب المؤمن أفضل من ابتداء الصوم (1).
و يؤيّده:ما رواه داود الرقّيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لإفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا» (2).
و عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-في الصحيح-قال:«من دخل على أخيه و هو صائم فأفطر عنده و لم يعلمه (3)بصومه فيمنّ عليه،كتب اللّه له صوم سنة» (4).
و قد روى ذلك ابن بابويه عن الفضيل بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (5).
و كذا لا ينبغي للولد أن يتطوّع بالصوم إلاّ بإذن والده؛لأنّ امتثال أمر الوالد أولى من فعل المندوب.
و يؤيّده:ما رواه ابن بابويه عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن صاحبه،و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعا إلاّ بإذنه و أمره،و من صلاح العبد و طاعته و نصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن مولاه،و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعا إلاّ بإذن أبويه و أمرهما،و إلاّ كان الضيف جاهلا،
ص:387
و كانت المرأة عاصية،و كان العبد فاسدا،و كان الولد عاقّا» (1).
و هو خمسة:المسافر إذا قدم أهله و قد أفطر،أمسك بقيّة النهار تأديبا،و كذا إذا قدم بلدا يعزم فيه على الإقامة عشرة أيّام فزائدا،سواء كان بعد الزوال أو قبله استحبابا و ليس بفرض.و به قال الشافعيّ (2)،و مالك (3)،و أبو ثور،و داود (4).
و قال أبو حنيفة (5)،و الثوريّ،و الأوزاعيّ:لا يجوز له أن يأكل بقيّة النهار (6).
و عن أحمد روايتان (7)،و قد سلف البحث في ذلك (8).
و لو قدم صائما مع وصوله قبل الزوال،أمسك بقيّة النهار و احتسبه من رمضان، و قد تقدّم ذلك (9)،و يجوز له أن يدخل مفطرا.
ص:388
منه و لا يتروّى من الماء،
بل يتناول منهما بقدر الحاجة و الضرورة؛لحرمة الشهر.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلاّ القوت و ما أشرب كلّ الريّ» (1).
و لأنّ فيه تشبّها (2)بالصائم و امتناعا عن الملاذ،طاعة للّه تعالى،فكان مستحبّا.
بل يكره له ذلك كراهة مغلّظة.و به قال الشافعيّ (3).
و قال الشيخ-رحمه اللّه-:لا يجوز له مواقعة النساء (4).و به قال أحمد.و قال أحمد أيضا:تجب به الكفّارة كالقضاء (5).
لنا:أنّ فرض الصوم ساقط عنه،فلا مانع.و لأنّ كلّ صوم جاز له أن يفطر فيه بالأكل،جاز بالجماع،كالتطوّع.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-رحمه اللّه في الصحيح-عن عمر بن يزيد،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسافر في شهر رمضان،أله أن يصيب من النساء؟ قال:«نعم» (6).
ص:389
و في الصحيح عن عليّ بن الحكم،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يجامع أهله في السفر في شهر رمضان،فقال:«لا بأس به» (1).
و عن محمّد بن سهل،عن أبيه،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان و هو مسافر،فقال:«لا بأس» (2).
احتجّ الشيخ-رحمه اللّه-:بما رواه عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار،فإنّ ذلك محرّم عليه» (3).
و في الصحيح عن ابن سنان،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسافر في شهر رمضان و معه جارية له،فله أن يصيب منها بالنهار؟فقال:«سبحان اللّه أ ما يعرف (4)حرمة شهر رمضان؟!إنّ له في الليل سبحا طويلا»قلت:أ ليس له أن يأكل و يشرب و يقصّر؟فقال:«إنّ اللّه عزّ و جلّ رخّص للمسافر في الإفطار و التقصير رحمة و تخفيفا لموضع التعب و النصب و وعث السفر،و لم يرخّص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان،و أوجب عليه قضاء الصيام، و لم يوجب عليه تمام الصلاة إذا آب من سفره»ثمّ قال:«و السنّة لا تقاس،و إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلاّ القوت و ما أشرب كلّ الريّ» (5).
ص:390
و عن عبد اللّه بن سنان،قال:سألته عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر،فقال:«أ ما يعرف هذا حقّ شهر رمضان؟!إنّ له في الليل سبحا طويلا» (1).
و احتجّ أحمد:بأنّه أبيح له الأكل و الشرب للحاجة إليه و لا حاجة به إلى الجماع (2).
و الجواب عن الأخبار التي أوردها الشيخ-رحمه اللّه-:أن نحملها على الكراهية الشديدة،دون التحريم؛جمعا بين الأخبار.
و هذا أولى من جمعه-رحمه اللّه-بأنّ ذلك وقع عن السؤال عن الجماع في شهر رمضان،فجاز أن يكون ليلا،فلا يمتنع حمل الإباحة حينئذ عن الليل دون النهار،أو يكون أن تغلبه الشهوة،و لا يأمن من الدخول في محظور،فرخّص له أن ينال من الحلال (3).
و عن الثاني:أنّ إباحة الأكل لو كان للحاجة،لوجب أن لا يباح إلاّ في محلّها، و ليس كذلك،فإنّ من لا يحتاج إلى الأكل،لو أكل،جاز إجماعا.
و أن يأكل و يشرب كما قلنا (4)،و يجوز له أن يجامع أيضا؛لأنّه أبيح له الإفطار،فكان المانع زائلا.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان،فيصيب امرأته حين طهرت
ص:391
من الحيض أ يواقعها؟قال:«لا بأس به» (1).
و ليس واجبا عليهما ذلك؛لأنّهما برؤية الدم في ذلك اليوم أفطرتا،و باقي اليوم لا يصحّ صومه،فلا وجه لوجوب الإمساك.نعم،يستحبّ لهما التشبّه بالصائمين في ترك المفطرات.
روى أبو الصباح الكنانيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في امرأة ترى الطهر في أوّل النهار في شهر رمضان و لم تغتسل و لم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟قال:«تفطر ذلك اليوم (2)إنّما فطرها من الدم» (3).
و كذا لو كانت المرأة طاهرا (4)صائمة،ثمّ تجدّد الحيض و النفاس في أثناء النهار،فإنّها تفطر ذلك اليوم،و يستحبّ لها الإمساك تأديبا و ليس واجبا؛لأنّ المانع من الصوم قد وجد و هو الدم.
و روى أبو الصباح الكنانيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في امرأة أصبحت صائمة،فلمّا ارتفع النهار أو كان العشاء،حاضت أ تفطر؟قال:«نعم،و إن كان قبل الغروب فلتفطر» (5).
و سأل عبد الرحمن بن الحجّاج أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة تلد بعد العصر
ص:392
أ تتمّ ذلك اليوم أم تفطر؟فقال:«تفطر ثمّ تقضي ذلك اليوم» (1).
و عن عيص بن القاسم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن المرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس،قال:«تفطر حين تطمث» (2).و قد تقدّم بيان ذلك كلّه (3).
و يشترط في صحّة أفعال المستحاضة من الأغسال على التفصيل الذي قدّمناه (4)،فلو أخلّت بالغسل مع وجوبه عليها،وجب عليها القضاء؛لأنّ شرط الصوم و هو الغسل لم يوجد، فلا يكون صحيحا.
و يدلّ عليه ما رواه عليّ بن مهزيار،قال:كتبت إليه:امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان،ثمّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين،هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟فكتب عليه السّلام:«تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؛لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر المؤمنات بذلك»رواه الشيخ في الصحيح (5)،ثمّ قال-رحمه اللّه-:إنّما لم يأمر بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلا،أولا تعلم ما (6)يلزم المستحاضة،فأمّا مع العلم بذلك
ص:393
و الترك له على التعمّد يلزمها القضاء (1).
و ليس بواجب،
و قد دلّ عليه حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليهما السلام، قال:«و كذلك من أفطر لعلّة في أوّل النهار،ثمّ قوي بقيّة يومه،أمر بالإمساك عن الطعام بقيّة يومه تأديبا و ليس بفرض» (2).
هذا إن كان قد تناول،و إن لم يكن قد تناول شيئا يفسد الصوم،فإن كان برؤه قبل الزوال،أمسك وجوبا،و احتسب به من رمضان،و إن كان برؤه بعد الزوال، أمسك استحبابا و قضاه،و قد مضى بيان ذلك (3).
و ليس بفرض،سواء تناولا شيئا أو لم يتناولا،و سواء زال عذرهما قبل الزوال أو بعده.و هذا أحد قولي الشيخ (4).
و في القول الآخر:يجدّدان نيّة الصوم إذا زال عذرهما قبل الزوال و لم يتناولا، و لا يجب عليهما القضاء (5).
لنا:أنّ المتقدّم من الزمان على البلوغ و الإسلام لم يصحّ صومه في حقّ الصبيّ؛ فلأنّه لم يكن مخاطبا،و أمّا في حقّ الكافر؛فلأنّ نيّة القربة شرط،و الإسلام شرط،و لم يوجدا،و بعض اليوم لا يصحّ (6)صومه.
احتجّ الشيخ-رحمه اللّه-:بأنّ الصوم ممكن في حقّهما،و وقت النيّة باق،و قد
ص:394
صار الصبيّ مخاطبا ببلوغه و بعض اليوم إنّما لا يصحّ صومه إذا لم تكن النيّة يسري حكمها إلى أوّله،أمّا إذا كانت بحال يسري حكمها إلى أوّل الصوم،فإنّه يصحّ،و هو هنا كذلك؛لأنّه يتمكّن من فعل نيّة يسري حكمها إلى أوّله.
و الجواب:لا نسلّم أنّ النيّة هنا يسري حكمها إلى أوّل الصوم؛لأنّه قبل زوال العذر غير مكلّف،و النيّة إنّما يصحّ فعلها قبل الزوال للمخاطب بالعبادات،أمّا غيره فممنوع؛لعدم النصّ عليه،و وجود الفرق بينه و بين المنصوص عليه إن قيس عليه، مع أنّ القياس عندنا و عنده باطل.
و هو مذهب العلماء كافّة؛لما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى عن صوم هذين اليومين،أمّا يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم،و أمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم (1).
و عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام:يوم الفطر،و يوم النحر،و أيّام التشريق،و اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان (2).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليهما السلام (3)،و لا نعلم فيه خلافا.
ص:395
صوم شهرين متتابعين
و إن دخل فيهما العيدان و أيّام التشريق (1).و استدلّ بما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام،قال:«تغلّظ عليه الدية،و عليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم»قلت:فإنّه يدخل في هذا شيء؛قال:«و ما هو؟»قلت:يوم العيد و أيّام التشريق؛قال:«يصوم فإنّه حقّ لزمه» (2).
و الصواب عندي خلاف ذلك،فإنّ الاتّفاق بين فقهاء الإسلام قد وقع على تحريم صوم العيدين،و إخراج هذه الصورة من حكم مجمع عليه بهذا الحديث-مع أنّ في طريقه سهل بن زياد و هو ضعيف-لا يجوز،فالأولى البقاء (3)على التحريم.
صومه محرّم فنذره لا ينعقد؛لقوله عليه السّلام:«لا نذر في معصية اللّه» (1).
و قوله عليه السّلام:«لا نذر إلاّ ما ابتغي به وجه اللّه» (2).
و قوله عليه السّلام»«من نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه» (3).
و سيأتي البحث في ذلك إن شاء اللّه تعالى.
و هل يجب عليه قضاؤه أم لا؟فيه تردّد،أقربه عدم الوجوب.
لنا:أنّه زمان لا يصحّ صومه،فلا يتعلّق النذر به،و لا أثر للجهالة؛لأنّه لا يخرج بذلك عن كونه عيدا،و إذا لم يجب الأداء سقط القضاء.
أمّا أوّلا فلأنّه إنّما يجب بأمر جديد و لم يوجد.
و أمّا ثانيا:فلأنّه يتبع وجوب الأداء،و المتبوع منتف،فيكون منتفيا.
و قد اتّفق أكثر العلماء على تحريم صومها تطوّعا (4).
و قال الشافعيّ في أحد قوليه:إنّها محرّمة أيضا في الفرض.و في القول الآخر:
ص:397
يجوز صومها للمتمتّع إذا لم يجد الهدي (1).
و للشيخ-رحمه اللّه-قول بصومها للقاتل في أشهر الحرم (2).
لنا:ما رواه الجمهور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أيّام التشريق أيّام أكل و شرب و ذكر اللّه عزّ و جلّ» (3).
و عن عبد اللّه بن حذافة (4)،قال:بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أيّام منى أنادي:أيّها الناس إنّها أيّام أكل و شرب و بعال (5).
و عن عمرو بن العاص أنّه قال:هذه الأيّام التي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأمر بإفطارها و ينهى عن صيامها،قال مالك:و هي أيّام التشريق (6).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين
ص:398
عليهما السلام (1).
و عن قتيبة الأعشى،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن صوم ستّة أيّام» (2)و ذكرها.
و عن معاوية بن عمّار،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صيام أيّام التشريق،فقال:«أمّا بالأمصار فلا بأس به،و أمّا بمنى فلا» (3).
احتجّ المخالف (4):بما روي عن ابن عمر و عائشة أنّهما قالا:لم يرخّص في صوم أيّام التشريق إلاّ لمتمتّع لم يجد الهدي (5).
و الجواب:أنّ قول ابن عمر و عائشة موقوف عليهما،فلا حجّة فيه مع ورود النهي العامّ عن الصيام.و أيضا فإنّه كما يحتمل من كان بمنى،يحتمل من كان بالأمصار،فيحمل على الثاني؛جمعا بين أخبارنا و بينه.
و احتجاج الشيخ-رحمه اللّه-برواية زرارة المتقدّمة في فصل العيدين قد عرفت ضعف التمسّك به (6).
لأنّه منهيّ عنه عندنا و عندهم،و قد سلف تحقيق ذلك (7).
ص:399
و صوم نذر المعصية حرام،و هو أن ينذر أنّه إن تمكّن من قتل مؤمن أو زنى أو ما شابه ذلك من المحرّمات،صام أو صلّى،و قصد بذلك الشكر على تيسّرها و تسهيلها (1)،لا الزجر عنها؛لقوله عليه السّلام:«لا نذر إلاّ ما أريد به وجه اللّه تعالى» (2).
و دلّ عليه أيضا حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليهما السلام (3).
و يحرم أيضا صوم الصمت-قاله علماؤنا أجمع-لأنّه غير مشروع في ملّتنا، فيكون بدعة فيكون محرّما.
و يدلّ عليه حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليهما السلام.
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عمر،قال:واصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رمضان فواصل الناس،فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الوصال،فقالوا:
إنّك تواصل،فقال:«إنّي لست مثلكم إنّي أظلّ عند ربّي يطعمني و يسقيني» (1).
و هذا يقتضي التحريم من وجهين:
أحدهما:نهيه عليه السّلام،و النهي يدلّ على التحريم على ما بيّنّاه في أصول الفقه (2).
و الثاني:أنّه عليه السّلام بيّن اختصاصه به،و منع إلحاق غيره به.
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليهما السلام لمّا عدّد وجوه الصوم (3).
احتجّوا:بأنّه ترك الأكل و الشرب المباح،فلم يكن محرّما،كما لو تركه في حال الفطر.و بأنّ النهي إنّما أتى رحمة للمكلّفين و شفقة عليهم (4)؛لقول عائشة:
نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الوصال رحمة لهم (5).
و الجواب عن الأوّل:أنّه باطل بما لو ترك الأكل و الشرب يوم العيد.و بأنّ النهي إذا كان للتحريم،لم يناف كونه رحمة للمكلّفين،فإنّ الرحمة كما تصدق في المكروه،ففي الحرام هي صادقة،بل في كلّ تكليف (6)و إرشاد؛لقوله تعالى:
ص:401
وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (1).
و فعل ابن الزبير خارق للإجماع،و لما ثبت من النهي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
فقال في النهاية و المبسوط:هو أن يجعل عشاءه سحوره (2).و هو رواية الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«الوصال في الصوم أن يجعل (3)عشاءه سحوره» (4).
و قال ابن بابويه:قال الصادق عليه السّلام:«الوصال الذي نهي عنه،هو أن يجعل عشاءه سحوره» (5).
و قال في الاقتصاد (6):هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلا (7).و هو اختيار ابن إدريس (8)،و الجمهور،و هو رواية محمّد بن سليمان عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«إنّما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا وصال
ص:402
في صيام،يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار» (1).
فالأقوى فيه عدم التحريم.
حمله على حقيقته من الأكل و الشرب صرفا للفظ إلى الحقيقة،و يحتمل حمله على مجازه،و هو أنّه يعان على الصيام و يغنيه اللّه تعالى عن الطعام و الشراب،و هو أولى بمنزلة من طعم و شرب،و هو أولى؛لأنّه لو طعم و شرب حقيقة لما كان مواصلا و قد أقرّهم (2)على قولهم:إنّك تواصل.و لأنّه عليه السّلام قال:«أظلّ...
يطعمني ربّي و يسقيني»و هذا يقتضي أنّه في النهار،و لا يجوز الأكل في النهار له و لا لغيره.
و لا خلاف في تحريمه مع دخول هذه الأيّام.
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا صام و لا أفطر من صام الدهر» (3).
و عن أبي موسى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:«من صام الدهر ضيّقت
ص:403
عليه جهنّم» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الزهريّ عن عليّ بن الحسين عليهما السلام،قال:
«و صوم الدهر حرام» (2).
إذا ثبت هذا،فلو أفطر هذه الأيّام التي نهي عن صيامها هل يكره صيام الباقي أم لا؟قال الشافعيّ (3)و أكثر الفقهاء:إنّه ليس بمكروه (4)؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،نهى عن صيام ستّة أيّام من السنة (5)،فدلّ على أنّ صوم الباقي جائز.
و قال أبو يوسف:إنّه مكروه؛لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عنه (6).
و لو أراد بالنهي هذه الأيّام لأفردها بالنهي دون صوم الدهر.و يحتمل أن يكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى؛لأنّه صائم الدهر يعتاد بذلك ترك الغذاء،و لا يبقى له قوّة شهوة إليه و لا مشقّة زائدة فيه،و يخرجه عن استشعار التقرّب بالصوم؛لأنّ الغرض بالعبادات (7)التقرّب بها و الاستشعار لها،و هذا معنى قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله:«لا صام و لا أفطر»أي لم يجد ما يجده الصائم من مخالفة عادته للقربة،و لا أفطر.
ص:404
و لأنّه يحدث مشقّة و ضعفا،فربما عجز أكثر عن العبادات (1)،و شبه التبتّل.
و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا صام من صام الدهر،من صام ثلاثة أيّام،يصوم الدهر كلّه»فقال له عبد اللّه بن عمرو:إنّي أطيق أكثر من ذلك، قال:«فصم صوم داود عليه السّلام كان يصوم يوما و يفطر يوما»فقال:إنّي أطيق على أفضل من ذلك،قال:«لا أفضل من ذلك» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-قال:سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صوم الدهر،فقال:«لم يزل مكروها» (3).
و صوم المرأة تطوّعا مع كراهية زوجها،و كذا العبد،و قد مرّ ذلك كلّه (4).
ص:405
في اللواحق
التحمّل ،جاز لهما أن يفطرا إجماعا.
و هل تجب الفدية؟قال الشيخ:نعم،يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام (2).
و بوجوب الكفّارة قال أبو حنيفة (3)،و الثوريّ،و الأوزاعيّ،و به قال سعيد بن جبير،و طاوس (4)،إلاّ أنّ أبا حنيفة قال:يطعم عن كلّ يوم نصف صاع من حنطة أو صاعا من تمر (5).
و قال أحمد:يطعم مدّا من برّ أو نصف صاع من تمر أو شعير (6).
ص:406
و قال المفيد-رحمه اللّه (1)-و السيّد المرتضى-رضي اللّه عنه (2)-و أكثر علمائنا:لا تجب الكفّارة مع العجز عن الصوم (3).و به قال مالك (4)،و أبو ثور، و ربيعة،و مكحول (5)،و للشافعيّ كالقولين (6).
لنا:ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس قال:الشيخ الكبير يطعم عن كلّ يوم مسكينا (7).
و عن أبي هريرة قال:من أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان،فعليه عن كلّ يوم مدّ من قمح (8).و ضعف أنس عن الصوم عاما قبل وفاته،فأفطر و أطعم (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان،فقال:
«يتصدّق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكلّ يوم» (10).
ص:407
و عن عبد الملك بن عتبة الهاشميّ (1)،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الشيخ الكبير و العجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان،قال:
«تصدّق في كلّ يوم بمدّ من حنطة» (2).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:
الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام،و لا قضاء عليهما،فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما» (3).
و مثله روى محمّد بن مسلم أيضا بطريق آخر عن الصادق عليه السّلام،إلاّ أنّه قال:«و يتصدّق كلّ واحد منهما في كل يوم بمدّين من طعام» (4).
و نحن نحمله على الاستحباب،و الشيخ-رحمه اللّه-حمله على الواجد (5).
و من لا يتمكّن إلاّ من إطعام مدّ،فليس عليه إلاّ مدّ.و لأنّ الأداء صوم واجب، فجاز أن يسقط إلى الكفّارة،كالقضاء.
ص:408
أمّا المفيد-رحمه اللّه-فإنّه فصّل و قال:الشيخ الكبير و المرأة الكبيرة إذا لم يطيقا الصيام و عجزا عنه،فقد سقط عنهما فرضه،و وسعهما الإفطار و لا كفّارة عليهما،و إذا أطاقاه بمشقّة عظيمة و كان يمرضهما إن صاماه[أو] (1)يضرّهما ضررا بيّنا،وسعهما الإفطار،و عليهما أن يكفّرا عن كلّ يوم بمدّ من طعام (2).
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي-رحمه اللّه-:هذا الذي فصّل به بين من يطيق الصيام بمشقّة،و بين من لا يطيقه أصلا،لم أجد به حديثا مفصّلا،و الأحاديث كلّها على أنّه متى عجزا،كفّرا عنه،و الذي حمله على هذا التفصيل هو أنّه ذهب إلى أنّ الكفّارة فرع على وجوب الصوم،و متى ضعف (3)عن الصيام ضعفا لا يقدر عليه جملة،فإنّه يسقط عنه وجوبه جملة؛لأنّه لا يحسن تكليفه للصيام و حاله هذه، و قد قال اللّه تعالى: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها (4)و هذا ليس بصحيح؛لأنّ وجوب الكفّارة ليس مبنيّا على وجوب الصوم،إذ لا امتناع في أن يكلّف اللّه تعالى من لا يطيق الصوم الكفّارة؛للمصلحة المعلومة له تعالى،و ليس لأحدهما تعلّق بالآخر (5).
و كلام الشيخ جيّد؛إذ لا نزاع في سقوط التكليف بالصوم للعجز،لكنّا نقول:إنّه سقط إلى بدل هو الكفّارة؛عملا بالأحاديث الدالّة عليه،و هي مطلقة لا دلالة فيها على التفصيل الذي ذكره المفيد-رحمه اللّه-،فيجب حملها على إطلاقها.
و أمّا مالك و من وافقه،فقد احتجّوا:بأنّه ترك الصوم لعجزه،فلا يجب به
ص:409
الإطعام،كما لو تركه لمرضه و اتّصل بموته (1).
و الجواب:بالمنع من الأصل؛لأنّا قد بيّنّا أنّه يصام عن الميّت أو يتصدّق عنه فيما تقدّم (2)،سلّمنا لكنّ الفرق ظاهر،فإنّ المريض إذا مات لم يجز الإطعام؛لأنّه يؤدّي إلى أن يجب ذلك على الميّت ابتداءً،و يفارق ذلك إذا أمكنه الصوم فلم يفعل حتّى مات؛لأنّ وجوب الإطعام يستند إلى حال الحياة،و الشيخ الكبير له ذمّة صحيحة.
لو لم يتمكّن من الصدقة،سقطت عنه؛لعجزه عنها.
و يؤيّده:رواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام (3).
و قد روى الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:
الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم؟فقال:«يصوم عنه بعض ولده»قلت:فإن لم يكن له ولد؟قال:«فأدنى قرابته»[قلت] (4):فإن لم يكن له قرابة؟قال:«يتصدّق بمدّ في كلّ يوم،فإن لم يكن عنده شيء فليس عليه شيء» (5).و ما تضمّنت هذه الرواية من صوم الوليّ أو القرابة محمول على الاستحباب.
فقال في المبسوط و النهاية:عن
ص:410
كلّ يوم مدّان،فإن لم يتمكّن فمدّ (1)؛عملا برواية محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام (2).
و قال في الاستبصار:إنّها مدّ عن كلّ يوم (3).و حمل رواية محمّد بن مسلم على الاستحباب؛عملا بالأحاديث الباقية،كما حملناه نحن،و هو أولى؛لأنّ الأصل براءة الذمّة و عدم شغلها بشيء إلاّ لدليل (4).
تقدّم .
و في أحد قولي الشيخ:بمدّين،كالهمّ،و لا قضاء عليه (6)،أمّا جواز الإفطار فللعجز عن الصيام.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن مفضّل بن عمر،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
إنّ لنا فتيانا و بنات لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش، قال:«فليشربوا مقدار ما تروى به نفوسهم و ما يحذرون» (7).
و عن عمّار بن موسى الساباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصيبه العطش حتّى يخاف على نفسه،قال:يشرب بقدر ما يمسك (8)رمقه،و لا يشرب
ص:411
حتّى يروى» (1).
و أمّا الصدقة:فلعجزه عن الصيام؛و لما تقدّم في حديث محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام (2).
و عن داود بن فرقد عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فيمن ترك الصيام قال:
«إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه،و إن كان من كبر أو لعطش فبدل كلّ يوم مدّ» (3).
و أمّا سقوط القضاء:فلأنّه أفطر لعجزه (4)عن الصيام و التقدير دوامه،فيدوم المسبّب.
و يؤيّده:رواية داود عن الصادق عليه السّلام،فإنّه فصّل،و التفصيل يقطع الشركة.
و لما تقدّم من الأحاديث الدالّة على الإذن في الإفطار مطلقا،و يجب عليه القضاء مع البرء؛ لأنّه مرض و قد زال،فيقضي،كغيره من الأمراض؛عملا بالآية (6).
و هل تجب الصدقة أم لا؟قال الشيخ-رحمه اللّه-:تجب،كما تجب لذي العطاش الذي لا يرجى برؤه (7).
و نصّ المفيد-رحمه اللّه-على عدم وجوب الكفّارة (8).و هو اختيار السيّد
ص:412
المرتضى-رحمه اللّه (1)-و ابن إدريس (2).و هو الأقرب؛لأنّه مريض أبيح له الإفطار؛لعجزه عن الصيام حال مرضه مع رجاء برئه،فلا يستعقب الكفّارة،كغيره من الأمراض.
إذا ثبت هذا،فإنّه لا ينبغي لهؤلاء أن يتملّوا (3)من الطعام و الشراب و لا يواقعوا النساء،و هل ذلك على سبيل التحريم أو الكراهة؟فيه تردّد،و الأقرب الأخير.
أفطرتا،
و عليهما القضاء-و هو قول فقهاء الإسلام-و لا كفّارة عليهما.
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة و عن الحامل و المرضع الصوم» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،قال:
سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان؛لأنّهما لا تطيقان الصوم،و عليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام،و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد» (5).
إذا ثبت هذا،فإنّ الصدقة بما ذكره الباقر عليه السّلام واجبة؛لأنّه بدل عن الإفطار مع المكنة من الصوم في حقّ غيرهما،فيثبت فيهما.
و هو قول علماء
ص:413
الإسلام-لأنّه ضرر غير مستحقّ،فأشبه الصائم نفسه،و لا نعلم فيه خلافا،و يجب عليهما القضاء إجماعا،إلاّ من سلاّر (1)من علمائنا مع زوال العذر،و يجب عليهما الصدقة عن كلّ يوم بمدّ من طعام.ذهب إليه علماؤنا،و هو المشهور من قول الشافعيّ (2)،و به قال أحمد-إلاّ أنّه يقول:مدّ من برّ أو نصف صاع من تمر أو شعير (3)-و به قال مجاهد (4).
و عن الشافعيّ:أنّ الكفّارة تجب على المرضع دون الحامل (5).و هو إحدى الروايتين عن مالك (6)،و به قال الليث بن سعد (7).
و قال أبو حنيفة:لا تجب عليهما كفّارة (8).و هو مذهب الحسن البصريّ، و عطاء،و الزهريّ،و ربيعة،و الثوريّ،و الأوزاعيّ،و أبي ثور،و أبي عبيدة، و داود (9)،و المزنيّ (10)،و ابن المنذر (11).
ص:414
و للشافعيّ قول ثالث:إنّ الكفّارة استحباب (1).
و عن ابن عبّاس و ابن عمر،أنّهما قالا:تجب الكفّارة عليهما دون القضاء (2).
و هو اختيار سلاّر من علمائنا (3).
لنا:قوله تعالى: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ (4).قال ابن عبّاس:
كانت رخصة للشيخ الكبير و المرأة الكبيرة و هما يطيقان الصيام أن يفطرا و يطعما لكلّ يوم مسكينا،و الحبلى و المرضع إذا خافتا على أولادهما،أفطرتا و أطعمتا.
رواه أبو داود (5).و نحوه روي عن ابن عمر (6).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم في حديث محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام (7).فإنّه سوّغ لهما الإفطار مطلقا،و أوجب عليهما القضاء و الصدقة، و هو يتناول ما إذا خافتا على الولد،كما يتناول ما إذا خافتا على أنفسهما.و لأنّ المشقّة التي يخشى معها على الولد يسقط وجوب الصوم؛لأنّه حرج و إضرار و هما منفيّان،و يتصدّقان؛لأنّه جزاء إخلالهما مع المكنة و الطاقة و إمكان الصوم.
و أمّا وجوب القضاء فبالآية و بما تلوناه من الحديث.و لأنّه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة،فوجبت به الكفّارة،كالشيخ الكبير.
و احتجّ الشافعيّ على الفرق:بأنّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها،بخلاف الحامل.و لأنّ الحمل متّصل بالحامل،فالخوف عليه كالخوف على بعض
ص:415
أعضائها (1).
و جوابه:أنّ الفرق لا يقتضي سقوط القضاء مع ورود النصّ به.
و احتجّ أبو حنيفة (2):بما رواه أنس بن مالك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّ اللّه تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة،و عن الحامل و المرضع الصوم» (3).
و لأنّه فطر أبيح لعذر،فلم تجب به كفّارة كالمريض.
و الجواب:أنّ الحديث لم يتعرّض لسقوط الكفّارة،فكانت موقوفة على الدليل كالقضاء،فإنّ الحديث لم يتعرّض له،و المريض أخفّ حالا منهما؛لأنّه يفطر بسبب نفسه.
و احتجّ سلاّر (4):بأنّ الآية تناولتهما و ليس فيها إلاّ الإطعام،و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إنّ اللّه تعالى وضع...[و] (5)عن الحامل و المرضع الصوم».
و الجواب:أنّهما يطيقان القضاء،فلزمهما،كالحائض و النفساء،و الآية أوجبت الإطعام و لم تتعرّض للقضاء بنفي و لا إثبات،و نحن أثبتنا وجوبه بدليل آخر، و المراد بوضع الصوم وضعه عنهما في حال عذرهما،كما في قوله عليه السّلام:«إنّ اللّه وضع عن المسافر الصوم» (6).
ص:416
و عن أحمد روايتان (1).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من صام تطوّعا و عليه من رمضان شيء لم يقضه،فإنّه لا يتقبّل منه حتّى يصومه» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع؟فقال:«لا، حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان» (3).
و عن أبي الصباح الكنانيّ نحوه (4)،و رواهما ابن بابويه أيضا (5).و لأنّه عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يصحّ التطوّع بها قبل أدائها فرضا،كالحجّ.
احتجّ أحمد:بأنّها عبادة متعلّقة بوقت موسّع،فجاز التطوّع في وقتها، كالصلاة (6).
و الجواب:أنّه قياس في معارضة النصّ،فلا يكون مسموعا.
و أيضا:فإنّا نقول:إنّ أداء الصلاة لا يمنع من فعل النافلة؛لأنّه لا يفوت وقتها، أمّا قضاء الصلاة فإنّه لا يجوز التطوّع لمن عليه القضاء.
و قال أبو حنيفة:يجب المضيّ فيه،و لا يجوز له الإفطار إلاّ لعذر،فإن أفطر قضاه (3).
و روي عن محمّد أنّه قال (4):إذا دخل على أخ فحلف عليه،أفطر و عليه القضاء (5).
و قال مالك:يجب بالدخول فيه،و لا يجوز الخروج عنه إلاّ بعذر،و إذا خرج عنه بعذر لا يجب القضاء (6).و به قال أبو ثور (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة قالت:دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:«هل عندكم شيء؟»فقلت:لا،قال:«فإنّي صائم»ثمّ مرّ بي بعد ذلك اليوم و قد أهدي إليّ حيس (8)فخبأت (9)له منه و كان يحبّ الحيس،قلت:يا رسول اللّه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه،قال:«أدنيه أما إنّي قد أصبحت و أنا صائم»فأكل منه،ثمّ قال:«إنّما مثل صوم التطوّع مثل الرجل يخرج من ماله
ص:418
الصدقة،فإن شاء أمضاها و إن شاء حبسها» (1).
و روت أمّ هاني،قالت:دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأتي بشراب فناولنيه فشربت منه،ثمّ قلت:يا رسول اللّه لقد أفطرت و كنت صائمة،فقال لها:
«أكنت تقضين شيئا؟»قلت:لا،قال:«فلا يضرّك إن كان تطوّعا» (2).
و في رواية أخرى:قالت:قلت له:إنّي صائمة،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ المتطوّع أمين نفسه فإن شئت فصومي و إن شئت فأفطري» (3).
و في رواية أخرى:قالت:دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا صائمة،فناولني فضل شراب،فشربت فقلت:يا رسول اللّه إنّي كنت صائمة و إنّي كرهت أن أردّ سؤرك،فقال:«إن كان قضاء من رمضان فصومي يوما مكانه،و إن كان تطوّعا فإن شئت فاقضيه،و إن شئت فلا تقضيه» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان:«إنّه بالخيار إلى زوال الشمس،و إن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار» (5).
و عن إسحاق بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام نحوه (6).
ص:419
و لأنّ كلّ صوم لو أتمّه كان تطوّعا إذا خرج منه لم يجب قضاؤه،كما لو اعتقد أنّه من رمضان فبان أنّه من شعبان أو من شوّال.
احتجّ المخالف:بما روي عن عائشة أنّها قالت:أصبحت أنا و حفصة صائمتين متطوّعتين فأهدي لنا حيس فأفطرنا ثمّ سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:
«اقضيا يوما مكانه» (1).
و لأنّها عبادة تلزم بالنذر،فلزمت بالشروع فيها،كالحجّ و العمرة (2).
و الجواب:أنّ خبرهم:قال أبو داود:لا يثبت (3).و قال الترمذيّ:فيه مقال (4).
و ضعّفه الجوزجانيّ (5)و غيره (6).و مع ذلك فإنّه محمول على الاستحباب.
و أمّا الحجّ فإحرامه آكد،و لهذا لا يخرج منه باختياره و لا بإفساده،فإذا أحرم و اعتقده (7)أنّه واجب عليه،لم يجز له الخروج منه،فافترقا.
إتمامها،
و يتأكّد بعد الزوال؛لما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة،عن أبي عبد اللّه،
ص:420
عن أبيه عليهما السلام أنّ عليّا عليه السّلام قال:«الصائم تطوّعا بالخيار ما بينه و بين نصف النهار،و إذا (1)انتصف النهار فقد وجب الصوم» (2).
و المراد بالوجوب هنا شدّة الاستحباب،كما قالوا عليهم السلام:غسل الجمعة واجب،و صلاة الليل واجبة (3).و لا يراد بذلك الفرض الذي يستحقّ العقاب بتركه.
و كذا حديث معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن عليه السّلام،قلت له:النوافل ليس لي أن أفطر بعد الظهر؟قال:«نعم» (4)في حديث ذكره الشيخ،فإنّه أيضا محمول على الاستحباب.
بالشروع،
و لا يجب قضاؤها إذا خرج منها إلاّ الحجّ و العمرة،فإنّهما يخالفان سائر العبادات في هذا؛لتأكّد إحرامهما،و لا يخرج منهما بإفسادهما.
و عن أحمد رواية أنّه لا يجوز قطع الصلاة المندوبة،فإن قطعها قضاها (5).
و هو خطأ؛لأنّ ما جاز ترك جميعه،جاز ترك بعضه كالصدقة،و الحجّ و العمرة يخالفان غيرهما.
منه،
و إن كان مطلقا،كقضاء رمضان أو النذر المطلق،فإنّه يجوز له الخروج منه إلاّ في رمضان بعد الزوال على ما تقدّم (6).
ص:421
في معنى النذر من يمين أو عهد؛
لأنّ الأصل براءة الذمّة،و التقدير أنّه لم ينذره مقيّدا بالتتابع،فإذا فعله مفترقا،فقد صدق عليه أنّه أتى بما نذره،فكان مخرجا عن العهدة.و صوم قضاء رمضان و قد سلف بيان عدم وجوب تتابعه (1)،و صوم جزاء الصيد و سيأتي،و صوم سبعة أيّام في بدل الهدي على ما يأتي.
و قد روى الشيخ-في الحسن-عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام،قال:سألته عن صوم ثلاثة أيّام في الحجّ و السبعة أ يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ (2)قال:«يصوم الثلاثة لا يفرق بينها و السبعة لا يفرق بينها، و لا يجمع السبعة و الثلاثة جميعا» (3).و سيأتي البحث في ذلك إن شاء تعالى.
أمّا غير هذه الأربعة،مثل الصوم في كفّارة الظهار،أو قتل الخطأ،أو الإفطار،أو كفّارة اليمين؛لما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«صيام ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين متتابعا و لا يفصل بينهنّ» (4)أو كفّارة أذى حلق الرأس،أو ثلاثة أيّام بدل الهدي،فإنّ التتابع فيها واجب على ما مضى بيان بعضها (5)و سيأتي بيان الباقي إن شاء اللّه تعالى.
فأفطر في الشهر الأوّل
أو بعد انتهائه قبل أن يصوم من الشهر الثاني شيئا،فإن كان
ص:422
أفطر لعذر من مرض أو حيض،لم ينقطع تتابعه،بل ينتظر زوال العذر ثمّ يتمّ الصيام.ذهب إليه علماؤنا،و به قال الشافعيّ في الحيض،أمّا المرض فله قولان (1).
لنا:أنّ المرض مساو للحيض في كونهما عذرين من قبل اللّه تعالى ليس من المقدور (2)دفعهما،فتساويا في سقوط التكليف بالتتابع.
و لأنّه لو لم يسقط التتابع بهما،لكان تعريضا لتكرار الاستئناف؛لعدم الوثوق بزوال العارض،و ذلك ضرر عظيم.
و لأنّه يبنى مع الحيض فيبنى مع المرض؛لتساويهما في كونهما من قبله تعالى.
و لأنّ الاستئناف عقوبة على التفريط و لا تفريط من الوارد (3)من قبله تعالى.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن رفاعة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا و مرض،قال:«يبني عليه،اللّه حبسه»قلت:امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت و أفطرت أيّام حيضها،قال:«تقضيها»قلت:فإنّها قضتها ثمّ يئست من الحيض،قال:
«لا تعيدها أجزأها ذلك» (4).
و رواه-في الصحيح-عن محمّد بن مسلم،عن الباقر عليه السّلام أيضا (5).
و عن سليمان بن خالد،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان عليه
ص:423
صيام شهرين متتابعين فصام خمسة و عشرين يوما ثمّ مرض،فإذا برئ أ يبني على صومه أم يعيد صومه كلّه؟فقال:«بل يبني على ما كان صام»ثمّ قال:«هذا ممّا غلب اللّه عليه،و ليس على ما غلب اللّه عزّ و جلّ عليه شيء» (1).
لا يقال:قد روى الشيخ-في الصحيح-عن جميل و محمّد بن حمران،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل الحرّ (2)يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار، فيصوم شهرا ثمّ يمرض،قال:«يستقبل فإن زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى على ما بقي» (3).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأوّل فإنّ عليه أن يعيد الصيام، و إن صام الشهر الأوّل و صام من الشهر الثاني شيئا ثمّ عرض له ما له العذر فإنّما عليه أن يقضي» (4).
لأنّا نقول:إنّ هذا محمول على الاستحباب دون الإيجاب على ما تقدّم (5)، و تأوّله الشيخ-رحمه اللّه-بذلك أيضا و باحتمال أن لا يكون المرض مانعا من الصوم (6).
قبل أن يصوم من الشهر الثاني
ص:424
شيئا لغير عذر،استأنف-و هو قول فقهاء الإسلام-لأنّه لم يأت المأمور به؛إذ هو صوم شهرين متتابعين و لم يفعله فلا يخرج عن العهدة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«في كفّارة اليمين في الظهار صيام شهرين متتابعين،و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر أيّاما أو شيئا منه،فإن عرض له شيء يفطر منه، أفطر ثمّ قضى ما بقي عليه،و إن صام شهرا ثمّ عرض له شيء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا،فلم يتابع،أعاد الصوم كلّه» (1).
لا يقال:هذا الحديث ينافي ما ذهبتم إليه؛لأنّه عليه السّلام علّق القضاء و الإعادة بالإفطار قبل الإكمال لعروض شيء و أنتم لا تذهبون إليه،فما هو مذهبكم لا يدلّ الحديث عليه،و ما يدلّ الحديث عليه لا تقولون به،فلا يجوز لكم الاستدلال بمثله.
لأنّا نقول:عروض شيء أعمّ من أن يكون عذرا يمنع الصوم و من أن لا يكون كذلك،و ليس يتناولهما معا على الجمع،فيحمل على الثاني؛لما تلوناه من الأحاديث المتقدّمة.
و أيضا:فإذا دلّ على الإعادة للإفطار لعذر،فلغير عذر أولى.
كان يوما ثمّ أفطر،
جاز له البناء،سواء كان لعذر أو لغيره.و هو مذهب علمائنا أجمع،خلافا للجمهور كافّة.
لنا:أنّه بصوم بعض الشهر الثاني عقيب الأوّل تصدق المتابعة؛لأنّها أعمّ من المتابعة بالكلّ أو البعض،و الأعمّ من الشيئين صادق عليهما،فيخرج عن العهدة
ص:425
بكلّ واحد منهما.
و لأنّه إذا صام من الثاني و لو شيئا،تابع في الأكثر،و حكم الأكثر غالبا حكم الجميع.
و يؤيّد ذلك:رواية الحلبيّ-الصحيحة-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في كفّارة الظهار صيام شهرين متتابعين،و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر أيّاما أو شيئا منه»و قد تقدّمت (1).
و عن سماعة بن مهران،قال:سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أ يفرّق بين الأيّام؟فقال:«إذا صام أكثر من شهر فوصله ثمّ عرض له أمر فأفطر فلا بأس،فإن كان أقلّ من شهر أو شهرا،فعليه أن يعيد الصيام» (2).
أن يسبقه صوم يوم أو أيّام من رجب،
و لا يجتزئ (3)بمتابعة شهر رمضان؛لأنّه صوم استحقّ في أصل التكليف،و التتابع وصف لصوم الكفّارة،و أحدهما غير الآخر،فلا يقوم أحدهما مقام الآخر.
أمّا لو صام قبله يوما أو أيّاما من رجب،ثمّ وصله بشعبان حتّى زاد على الشهر الواحد،أجزأه؛لما تقدّم من الأحاديث (4).
ص:426
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في رجل صام في ظهار شعبان ثمّ أدركه شهر رمضان،قال:
«يصوم شهر رمضان و يستأنف الصوم،فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيّته» (1).
شيئا،فقد أخطأ و إن جاز له التمام .
و اختاره ابن إدريس محتجّا بأنّ حدّ التتابع أن يصوم الشهرين (3).
و نحن نمنع ذلك؛لما ثبت في حديث الحلبيّ-الصحيح-عن الصادق عليه السّلام أنّ حدّ التتابع:«أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر أيّاما أو شيئا منه» (4).و حينئذ لا يتوجّه الخطأ إلى المكلّف،و قول الصادق عليه السّلام أولى بالاتّباع من قول ابن إدريس.
معا؛
خلاصا من الخلاف،و لما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعات و طلب المغفرة من اللّه تعالى و إسقاط الذنب بفعل العقوبة بالصوم و براءة الذمّة من شغل.
انقطع تتابعه،و وجب عليه الاستئناف مع رجوعه إلى وطنه أو وصوله إلى موضع يلزمه التمام فيه،و إن كان مضطرّا إلى السفر مقهورا عليه،لم ينقطع التتابع و أفطر،ثمّ إذا وصل إلى بلده بنى و قضى ما تخلّف عليه.
ص:427
و كذا كلّ ما كان من قبل اللّه تعالى من الأعذار؛لأنّه لا قدرة على دفعه،و الاستئناف عقوبة على التفريط و لم يوجد.
و يدلّ عليه أيضا قوله عليه السّلام:«و ليس عليه ممّا غلب اللّه شيء» (1).
فصام خمسة عشر يوما ثمّ أفطر لعذر أو غيره،جاز له البناء،و إن أفطر قبل ذلك، استأنف،إلاّ أن يكون لعذر فإنّه يتمّ و يبني.
و قال الشافعيّ:إن أفطرت المرأة لحيض بنت و قضت أيّام حيضها،و إن مرض الناذر ففي التتابع قولان (2).
و قال أحمد:إن مرض أتمّ إذا عوفي و عليه كفّارة يمين،و إن أحبّ استأنف و لا كفّارة (3)،و لم يعتبر أحد من الجمهور صوم النصف.
لنا:ما رواه الشيخ عن موسى بن بكر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل جعل عليه صوم شهر،فصام منه خمسة عشر يوما،ثمّ عرض له أمر،قال:«إن كان صام خمسة عشر يوما،فله أن يقضي ما بقي،و إن كان أقلّ من خمسة عشر يوما، لم يجزئه حتّى يصوم شهرا تامّا» (4).
و عن الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر عليه السّلام مثله (5).
ص:428
قال الشيخ في الجمل:إذا كان كفّارة العبد صيام شهر فصام نصفه،جاز له التفريق للباقي و البناء على ما مضى (1).و منعه ابن إدريس (2)،و هو الأقوى (3)، و الحكم في الشهر كالحكم في الشهرين،و قد بيّنّاه (4).
و سبعة أيّام إذا رجع إلى أهله.قال الشيخ:و لا يجب التتابع في السبعة (5)،أمّا الثلاثة فقد اتّفقوا على وجوب التتابع فيها.
إذا ثبت هذا،فلو صام يوما ثمّ أفطر،استأنف.و إن صام يومين ثمّ أفطر فكذلك،إلاّ أن يصوم يوم التروية و يوم عرفة،فإنّه يفطر العيد،و يأتي بيوم ثالث بعد انقضاء أيّام التشريق،أمّا تتابعها؛فلرواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و قد تقدّمت (6).
و أمّا الاجتزاء بيومين في التتابع بشرط أن يكون الإفطار للعيد؛فلما رواه عبد الرحمن[عن] (7)أبي عبد اللّه عليه السّلام فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة قال:«يجزئه أن يصوم يوما آخر» (8).
ص:429
و عن يحيى الأزرق (1)،عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتّعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة،قال:«يصوم يوما آخر بعد أيّام التشريق» (2).
أفطر الثالث،
استأنف؛عملا بوجوب التتابع من غير معارض.
و سيأتي.
إحداهما:عن عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي الحسن عليه السّلام،قيل له:
إنّ عبد اللّه بن الحسن يقول بصوم أيّام التشريق،فقال:«إنّ جعفرا كان يقول:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر[بديلا] (1)(2)أن ينادي أنّ هذه أيّام أكل و شرب، فلا يصومنّ فيها أحد» (3).
و الأخرى:رواها إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه،أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول:من فاته صيام الثلاثة الأيّام في الحجّ فليصمها أيّام التشريق (4).
و الأوّل هو المعمول عليها عند الأصحاب،و الثانية نادرة شاذّة مخصّصة للعموم المعلوم قطعا من المنع من صيام أيّام التشريق،فلا يجوز التعويل عليها.
فإن كانت المرأة مسافرة أيضا حلّ لهما معا الجماع.
و كذا لو قدم هو من سفره و كان مفطرا في ذلك اليوم و هي قد طهرت في ذلك اليوم من الحيض،جاز لهما الجماع أيضا؛لسقوط فرض الصوم عنهما.
و لو غرّته فقالت:إنّي مفطرة،فوطأها،أفطرت و لا كفّارة عليه عن نفسه؛ لإباحة الفطر له،و لا عنها؛لغروره،و لا صنع له فيه،و يجب عليها كفّارة عن نفسها.
ص:431
و لو علم بصومها،فإن لم يكرهها،وجبت الكفّارة عليها؛لأنّه يحرم عليها الإفطار و قد فعلته،فوجبت الكفّارة عقوبة،و لا يجب عليه شيء؛لأنّه لم يفطر في صوم واجب عليه.
و إن أكرهها،فلا كفّارة عليه أيضا عنه،و هل تجب عليه كفّارة عنها أم لا؟ الأقرب وجوبها عليه؛لما تقدّم من أنّ المكره لزوجته يتحمّل عنها الكفّارة (1).
و لا فرق بين أن يغلبها على نفسها أو يتهدّدها فتطاوعه،و لا تفطر في الحالين.
و قال الشافعيّ:لا تفطر في الأولى،و في التهدّد قولان (2)،و قد سلف (3).
و عشرون يوما من الشهر
فحينئذ تزول الكراهية-لأنّ فيه تعريضا لإبطال الصوم، و منعا عن فعل العبادة ابتداءً،و اكتفاء بالقضاء عن الأداء،و كلّ ذلك مطلوب الترك.
أمّا إذا مضت المدّة المذكورة،فإنّ الكراهية تزول؛لأنّ أكثر الشهر قد فعله أداء.فلو كره له الخروج بعد هذه المدّة،لزم تحمّل الضرر بالترك على تقدير إرادة الأولى.
و كذا لو كان مضطرّا إلى السفر،بأن خاف على فوات مال أو هلاك أخ،أو خرج في واجب من حجّ أو عمرة،أو مندوب،فإنّ الكراهية تزول هنا.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عليّ بن أسباط،عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا دخل شهر رمضان فللّه فيه شرط قال اللّه تعالى:
ص:432
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (1)فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج،إلاّ في حجّ أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه،و ليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه،فإذا مضت ليلة ثلاث و عشرين فليخرج حيث شاء» (2).
و روى الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قلت له:جعلت فداك يدخل عليّ شهر رمضان فأصوم بعضه،فتحضرني نيّة في زيارة قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام،فأزوره و أفطر ذاهبا و جائيا،أو أقيم حتّى أفطر و أزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين؟فقال:«أقم حتّى تفطر»قلت له:جعلت فداك فهو أفضل؟قال:«نعم،أ ما تقرأ في كتاب اللّه فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (3)» (4).
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحا (5)،ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر فسكت،فسألته غير مرّة،فقال:«يقيم أفضل، إلاّ أن يكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها (6)أو يتخوّف على ماله» (7).
و عن أبي بصير،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخروج إذا دخل شهر رمضان،فقال:«لا،إلاّ فيما أخبرك به:خروج إلى مكّة،أو غزو في سبيل اللّه،أو مال تخاف هلاكه،أو أخ تخاف هلاكه،و إنّه ليس أخا من الأب و الأمّ» (8).
و هذا النهي على الكراهية لا التحريم؛عملا بالأصل،و بما رواه ابن بابويه-في
ص:433
الصحيح-عن العلاء،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم،و قد مضى منه أيّام،فقال:
«لا بأس بأن يسافر و يفطر و لا يصوم» (1).
و رواه عن أبان بن عثمان عن الصادق عليه السّلام (2).
إذا ثبت هذا،فقد روى ابن بابويه أنّ تشييع المؤمن أفضل من المقام؛لما فيه من مراعاة قلب المؤمن،رواه عن الصادق عليه السّلام عن الرجل يخرج يشيّع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة،فقال:«إن كان في شهر رمضان فليفطر»فسئل أيّهما أفضل يصوم أو يشيّعه؟فقال:«يشيّعه،إنّ اللّه عزّ و جلّ وضع الصوم عنه إذا شيّعه» (3).
و كذا روي عن حمّاد بن عثمان،عن الصادق عليه السّلام أنّه يستحبّ له أن يتلقّى أخاه من السفر و يفطر (4).
عشر يوما-
قاله أكثر علمائنا (5)-لما رواه الشيخ-في الحسن-عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام و لم يقدر على العتق و لم يقدر على الصدقة،قال:«فليصم ثمانية عشر يوما عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» (6).
ص:434
بمنى،أفطر بلا خلاف،
و هل يجب قضاؤه؟فيه تردّد ينشأ من كون الزمان غير محلّ الصوم،فلا ينعقد نذره مع الجهل،كما لا ينعقد مع العلم،و هو الأقوى و قد سلف (1)،و قد ورد بالقضاء و بعدمه أخبار (2).
في أصل الشرع،
واجب من قبل اللّه تعالى،فلا يرد عليه وجوب آخر،و لو قيل بانعقاده،كان قويّا.
و تظهر الفائدة:لو أفطره هل تجب عليه كفّارة واحدة أو كفّارتان؟فإن قلنا بصحّة النذر،لزمه كفّارتان،و إلاّ فواحدة.
مسافرا،أفطر و يقضي.
روى الشيخ عن القاسم بن أبي القاسم الصيقل أنّه كتب إليه:يا سيّدي،رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي،فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر،أو أضحى،أو يوم جمعة،أو أيّام التشريق،أو سفر،أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيّدي؟فكتب إليه:«قد وضع اللّه عنك الصيام في هذه الأيّام كلّها،و تصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه» (4).
ص:435
لأنّه نذر في طاعة فوجب عليه الوفاء به.
إذا ثبت هذا،فلو كان عليه قضاء من رمضان،أو وجب عليه بعد ذلك،لزمه أن يصوم القضاء مقدّما على صوم النذر؛لأنّه واجب ابتداءً بالشرع،فإذا صامه كان الزمان الذي قضى (1)فيه هل يدخل تحت النذر؟فيه تردّد ينشأ،من ظهور استحقاقه للقضاء،فلم يدخل في النذر،كشهر رمضان،و من دخوله في النذر؛لأنّه لو صامه عن النذر وقع عنه،و بقي القضاء في ذمّته.
إذا عرفت ذلك (2)،فنقول:لا كفّارة عليه في هذه الأيّام التي فاتته من نذره؛لأنّه لا يمكنه فعلها،كالمريض إذا أفطر ثمّ اتّصل مرضه بموته.
و قال بعض الشافعيّة:تلزمه الكفّارة،لأنّه عجز عن صوم الواجب عجزا مؤبّدا، فلزمته الكفّارة،كالشيخ الهمّ (3).
و جوابه:أنّه معارض ببراءة الذمّة.
عن الكفّارة أم لا؟
الوجه أنّه لا يصوم عنها،بل ينتقل فرضه إلى غير الصوم في المرتّب و المخيّر.
لأنّه إن قدم ليلا، لم يجب صومه؛لعدم الشرط،و إن قدم نهارا؛فلعدم التمكّن من صيام اليوم المنذور (4).
و قال الشيخ-رحمه اللّه-:إن وافق قدومه قبل الزوال و لم يكن تناول شيئا
ص:436
مفطرا،جدّد النيّة و صام ذلك اليوم،و إن كان بعد الزوال،أفطر و لا قضاء عليه فيما بعد (1).
و لو نذر يوم قدومه دائما،سقط وجوب اليوم الذي جاء فيه،و وجب صومه فيما بعد.
فلو اتّفق في رمضان،صامه عن رمضان خاصّة فيسقط النذر فيه؛لأنّه كالمستثنى،و لا قضاء عليه.و لو صامه عن النذر وقع عن رمضان و لا قضاء عليه أيضا.
الكفّارات،
قال الشيخ-رحمه اللّه-:يصوم في الشهر الأوّل عن الكفّارة؛تحصيلا للتتابع،فإذا صام من الثاني شيئا،صام ما بقي من الأيّام عن النذر؛لسقوط التتابع (2).
و قال بعض أصحابنا:يسقط التكليف بالصوم؛لعدم إمكان التتابع،و ينتقل الفرض إلى الإطعام (3).و ليس بجيّد و الأقرب صيام ذلك اليوم-و إن تكرّر-عن النذر،ثمّ لا يسقط به التتابع لا في الشهر الأوّل و لا في الأخير؛لأنّه عذر لا يمكنه الاحتراز عنه.
و لا فرق بين تقدّم وجوب التكفير على النذر و تأخّره.
و فيه تردّد، و له قول آخر:أنّه يجب عليه الصوم في البلد (4).
و قد روى عليّ بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه السّلام،قال:سألته عن رجل
ص:437
جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة،و شهر بالمدينة،و شهر بمكّة من بلاء ابتلي به، فقضي أنّه صام بالكوفة شهرا،و دخل المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما و لم يقم عليه الجمّال،قال:«يصوم ما بقي عليه إذا انتهى إلى بلده» (1).
إلاّ العيدين و أيّام التشريق إن كان بمنى،ثمّ لا يخلو إمّا أن يشترط التتابع أو لا،فإن لم يشترطه حتّى أفطر في أثنائها،قضى ما أفطره،و صام الباقي،و وجب عليه الكفّارة في كلّ يوم يفطره؛لتعيّنه للصوم بالنذر على ما تقدّم.
و إن شرط التتابع استأنف.و قيل:إن جاز النصف،بنى و لو فرّق (2).هذا إذا كان إفطاره لغير عذر،و أمّا إن كان لعذر فإنّه يبني و يقضي و لا كفّارة عليه.
و لو نذر صوم سنة غير معيّنة،تخيّر في التوالي و التفريق إن لم يشترط التتابع.
إلى آخره،
و يجزئه لو كان ناقصا.
و لو صام في أثناء الشهر،أتمّ عدّة ثلاثين،سواء كان تامّا أو ناقصا.
و لو نذره متتابعا،وجب عليه أن يتوخّى ما يصحّ فيه ذلك و يجتزئ بالنصف.
و لو شرع في ذي الحجّة لم يجزئ؛لانقطاع التتابع بالعيد.
فوالى الصوم،
قال ابن إدريس:وجب عليه كفّارة خلف النذر؛لأنّه نذر الإفطار فصام (3).
ص:438
لأنّه قدّم الواجب على وقته،فلا يحصل به الامتثال،كما لو قدّم رمضان.
اليمين،
لم ينعقد نذره؛لأنّه ليس طاعة.
و أقلّه يوما واحدا؛لأنّ الأصل براءة الذمّة من الزائد.
و قد روى الشيخ عن أبي جميلة،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل جعل للّه نذرا و لم يسمّ شيئا،قال:«يصوم ستّة أيّام» (1).
و الوجه حمله على الاستحباب،و بالجملة فهو مرسل أبي جميلة و فيه قول.
أشهر.
و لو نذر أن يصوم حينا،كان عليه أن يصوم ستّة أشهر؛لقوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ (2).
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن السكونيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام،عن آبائه عليهم السلام أنّ عليّا عليه السّلام قال في رجل نذر أن يصوم زمانا،قال:«الزمان خمسة أشهر،و الحين ستّة أشهر؛لأنّ اللّه تعالى يقول: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها (3).
و نحوه روى الشيخ عن أبي الربيع الشاميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الحين (4).
ص:439
و كذا الزوجة لا يجوز لها ذلك إلاّ بإذن زوجها؛لأنّ فيه تفويت المنافع المستحقّة للسيّد و الزوج، فاشترط رضاهما،و سيأتي البحث في هذه المسائل كلّها إن شاء اللّه تعالى في باب النذر بكلام أبسط.
السحور مستحبّ.و هو قول العلماء كافّة.
روى أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:«تسحّروا فإنّ في السحور بركة» (1).
و عنه عليه السّلام:«فصل ما بين صيامنا و صيام أهل الكتاب أكلة السحر (2)» (3).
و عنه عليه السّلام:«السحور بركة فلا تدعوه و لو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء،فإنّ اللّه و ملائكته يصلّون على المتسحّرين» (4).
ص:440
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«السحور بركة» (1)،و قال عليه السّلام:«لا تدع أمّتي السحور و لو على حشفة تمر» (2).
و قال عليه السّلام:«تعاونوا بأكل السحر (3)على صيام النهار،و بالنوم عند القيلولة على قيام الليل» (4).
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّ اللّه تعالى و ملائكته يصلّون على المستغفرين و المتسحّرين بالأسحار،فليتسحّر أحدكم و لو بشربة من ماء» (5).
و سأل سماعة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السحور لمن أراد الصوم،فقال:«أمّا في شهر رمضان،فإنّ الفضل في السحور و لو بشربة من ماء،و أمّا في التطوّع (6)فمن أحبّ أن يتسحّر فليفعل،و من لم يفعل فلا بأس» (7).
و سأله أبو بصير عن السحور في أداء (8)الصوم أ واجب هو عليه؟فقال:
«لا بأس بأن لا يتسحّر إن شاء،فأمّا في شهر رمضان فإنّه أفضل أن يتسحّر،أحبّ أن لا يترك في شهر رمضان» (9).
إذا ثبت هذا،فالأفضل تأخير السحور؛لما رواه زيد بن ثابت،قال:تسحّرنا مع
ص:441
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثمّ قمنا إلى الصلاة،قلت:كم كان قدر ذلك؟قال:
خمسين آية (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ أنّ رجلا سأل الصادق عليه السّلام،فقال آكل و أنا أشكّ في الفجر،فقال:«كل حتّى لا تشكّ» (2).
و لأنّ القصد به التقوي على الصيام،و كلّما قرب من الفجر كان المعنى المطلوب منه أكثر.
قال أحمد بن حنبل:إذا شكّ في الفجر يأكل حتّى يستيقن طلوعه (3).و هذا قول ابن عبّاس،و الأوزاعيّ (4)،و هو الذي نقلناه عن الصادق عليه السّلام، و استحباب تأخيره مع يقين (5)الليل.و أمّا (6)مع الشكّ فإنّه يكره،إلاّ أنّه يجوز؛ لأنّ الأصل بقاء الليل.
إذا عرفت ذلك،فكلّ ما يحصل من أكل و شرب فإنّ فضيلة السحور حاصلة معه؛لقوله عليه السّلام:«و لو بشربة من ماء» (7).و في حديث:«و لو بحشفة من تمر» (8).
ص:442
قال ابن بابويه:و أفضل السحور السويق و التمر (1).
و يستحبّ تعجيل الإفطار بعد صلاة المغرب إن لم يكن هناك من ينتظره،
و إلاّ فقبلها.
روى الجمهور عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«يقول اللّه تعالى أحبّ عبادي إليّ أسرعهم فطرا» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سئل عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها،فقال:«إذا كان معه (3)قوم يخشى (4)أن يحبسهم عن عشائهم،فليفطر معهم،و إن كان غير ذلك،فليصلّ و ليفطر» (5).
و لأنّه لا يأمن الضعف و خور (6)القوّة بترك المبادرة إلى الاغتذاء.
و إنّما يستحبّ التعجيل إذا تيقّن الغروب،فأمّا مع الشكّ فلا يجوز؛لأنّ الأصل بقاء النهار.و يريد بتعجيل الإفطار الأكل و الشرب و إن كان الإفطار يحصل بغروب الشمس من طريق الحكم.
إذا ثبت هذا،فإنّه يستحبّ أن يفطر على التمر أو الزبيب أو الماء أو اللبن.روى
ص:443
الشيخ عن جابر قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يفطر على الأسودين»-قلت:رحمك اللّه و ما الأسودان؟قال:«التمر و الماء،أو الزبيب (1)و الماء-و يتسحّر بهما» (2).
و عن ابن سنان،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«الإفطار على الماء يغسل ذنوب القلب» (3).
و عن غياث بن إبراهيم،عن جعفر،عن أبيه عليهما السلام:«إنّ عليّا عليه السّلام كان (4)يستحبّ أن يفطر على اللبن» (5).
و يستحبّ للصائم الدعاء عند إفطاره،
فإنّ له دعوة مجابة.روى الشيخ عن السكونيّ،عن جعفر بن محمّد،عن آبائه عليهم السلام (6):«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أفطر قال:اللهمّ لك صمنا،و على رزقك أفطرنا،فتقبّله منّا،ذهب الظمأ و ابتلّت العروق و بقي الأجر» (7).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«تقول في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإفطار إلى آخره:الحمد للّه الذي أعاننا فصمنا و رزقنا فأفطرنا،اللهمّ تقبّل منّا،و أعنّا عليه،و سلّمنا فيه،و تسلّمه منّا في يسر منك و عافية،الحمد للّه
ص:444
الذي قضى عنّا يوما من شهر رمضان» (1).
و عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه عليه السّلام،قال:«جاء قنبر مولى عليّ عليه السّلام بفطره إليه،قال:فجاء (2)بجراب فيه سويق عليه خاتم،فقال له رجل:يا أمير المؤمنين إنّ هذا لهو البخل تختم على طعامك!؟قال:فضحك عليّ عليه السّلام ثمّ قال:أو غير ذلك؟لا أحبّ أن يدخل بطني شيء إلاّ[شيء] (3)أعرف سبيله،ثمّ كسر الخاتم فأخرج سويقا، فجعل منه في قدح فأعطاه إيّاه،فأخذ القدح فلمّا أراد أن يشرب قال [بسم اللّه] (4)اللهمّ لك صمنا،و على رزقك أفطرنا،فتقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم» (5).
و روى ابن بابويه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«يستجاب دعاء الصائم (6)عند الإفطار» (7).
و يستحبّ إفطار الصائم.
روى الشيخ عن أبي الصباح الكنانيّ،عن أبي عبد اللّه
ص:445
عليه السّلام،قال:«من فطّر صائما فله مثل أجره» (1).
و رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2).
و عن موسى بن بكر،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك» (3).
و عن مسعدة بن صدقة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«دخل سدير على أبي في شهر رمضان فقال:يا سدير هل تدري أيّ ليال (4)هذه؟فقال:نعم فداك أبي،هذه ليالي شهر رمضان فما ذاك (5)؟فقال له:أ تقدر أن تعتق في كلّ ليلة من هذه الليالي عشر رقاب من ولد إسماعيل؟فقال له سدير:بأبي أنت و أمّي لا يبلغ مالي ذلك،فما زال ينقص حتّى بلغ به (6)رقبة واحدة،في كلّ ذلك يقول:لا أقدر عليه،فقال له:أ فما تقدر أن تفطر في كلّ ليلة رجلا مسلما؟فقال له:بلى و عشرة، فقال له أبي:فذاك الذي أردت،يا سدير إنّ إفطارك أخاك المسلم يعدل عتق رقبة من ولد إسماعيل» (7).
«و كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة
ص:446
فتذبح و تقطّع أعضاء و تطبخ،فإذا كان عند المساء أكبّ على القدور حتّى يجد ريح المرق و هو صائم،ثمّ يقول:هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان اغرفوا لآل فلان ثمّ يؤتى بخبز و تمر فيكون ذلك عشاؤه» (1).
و عن أبي الورد،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في آخر جمعة من شعبان،فحمد اللّه و أثنى عليه و تكلّم بكلام،ثمّ قال:
قد أظلّكم شهر رمضان،من فطّر فيه صائما،كان له بذلك عند اللّه عزّ و جلّ عتق رقبة و مغفرة ذنوبه فيما مضى،قيل له:يا رسول اللّه ليس كلّنا نقدر أن نفطّر صائما، قال:إنّ اللّه كريم يعطي هذا الثواب لمن لا يقدر إلاّ على مذقة (2)من لبن يفطر بها صائما،أو شربة من ماء عذب،أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك» (3).
و عنه عليه السّلام قال:«إنّ المكثرين (1)هم المقلّون يوم القيامة،إلاّ من قال بالمال هكذا و هكذا» (2).
و يستحبّ أن يكثر ذلك في شهر رمضان،قال ابن عبّاس:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،كان أجود الناس بالخير،و كان أجود ما يكون في شهر رمضان، و كان أجود من الريح المرسلة (3).
و لأنّ الثواب فيه أكثر.و لأنّ الناس يشتغلون في شهر رمضان بصيامهم، و ينقطعون عن مكاتبهم و معايشهم (4)،فيكون حاجتهم إلى البرّ أكثر و الثواب عليه أعظم.
و ليلة القدر ليلة شريفة معظّمة في الشرع،
قال اللّه تعالى: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (5)و معنى القدر الحكم.
و قال تعالى: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (6).
و روى عن ابن عبّاس قال:إنّما سمّيت ليلة القدر؛لأنّ اللّه تعالى يقدّر فيها ما
ص:448
يكون في تلك السنة من خير و مصيبة و رزق و غير ذلك (1).
و عن أبي هريرة،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من صام رمضان و قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن رفاعة،عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:«ليلة القدر هي أوّل السنة و هي آخرها» (3).
و«أري رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في منامه بني أميّة يصعدون منبره من بعده،يضلّون الناس عن الصراط القهقرى،فأصبح كئيبا حزينا،فهبط عليه جبرئيل عليه السّلام فقال:يا رسول اللّه ما لي أراك كئيبا حزينا؟قال:يا جبرئيل إنّي رأيت بني أميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلّون الناس عن الصراط القهقرى،فقال:و الذي بعثك بالحقّ إنّ هذا لشيء ما اطّلعت عليه،ثمّ عرج إلى السماء،فلم يلبث أن نزل عليه بأي من القرآن يؤنسه بها،منها: أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ. ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (4)و أنزل عليه:
إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (5).
جعل ليلة القدر لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله خيرا من ألف شهر من ملك بني أميّة» (6).
و سأل حمران أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ
ص:449
(1)قال:«هي ليلة القدر و هي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر،و لم ينزل القرآن إلاّ في ليلة القدر،قال اللّه عزّ و جلّ: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (2)قال:«يقدّر في ليلة القدر كلّ شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل،من خير أو شرّ أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزق،فما قدّر في تلك الليلة و قضي فهو المحتوم،و للّه عزّ و جلّ فيه المشيئة»قال:قلت له: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ أيّ شيء عنى بذلك؟فقال:«العمل الصالح في ليلة القدر،و لو لا ما يضاعف اللّه تبارك و تعالى للمؤمنين ما بلغوا و لكنّ اللّه عزّ و جلّ يضاعف لهم الحسنات» (3).
و سئل الصادق عليه السّلام،كيف تكون ليلة القدر خير من ألف شهر؟قال:
«العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر» (4).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«نزلت التوراة في ستّ مضين من شهر رمضان،و نزل الإنجيل في اثنتي عشرة مضت من شهر رمضان،و نزل الزبور في ليلة ثمانية عشرة من شهر رمضان،و نزل القرآن في ليلة القدر» (5).
و روى الشيخ-في الصحيح-عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«ليلة القدر في كلّ سنة،و يومها مثل ليلتها» (6).
إذا ثبت هذا،فإنّها باقية لم ترتفع إجماعا؛لما روى الجمهور عن أبي ذرّ،قال:
ص:450
قلت:يا رسول اللّه،ليلة القدر رفعت مع الأنبياء،أو هي باقية إلى يوم القيامة؟فقال:
«باقية الى يوم القيامة»قلت:في رمضان،أو في غيره؟فقال:«في رمضان»فقلت:
في العشر الأوّل أو الثاني أو الأخير؟فقال:«في العشر الأخير» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:«ليلة القدر تكون في كلّ عام،لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن» (2).
إذا عرفت هذا،فنقول:أكثر أهل العلم على أنّها في شهر رمضان (3).
و كان ابن مسعود يقول:من يقم الحول يصبها (4)،يشير بذلك إلى أنّها في السنة كلّها.و هو خطأ؛لأنّ اللّه تعالى أنزل القرآن في شهر رمضان بقوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (5)ثمّ قال (6)تعالى: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (7)فلو كانت في غير رمضان لتناقض.
قال أبيّ بن كعب:و اللّه لقد علم ابن مسعود أنّها في رمضان،و لكنّه كره أن يخبركم فتتّكلوا (8).و الروايات من طرقنا (9)،و طرق الجمهور متواترة على أنّها في شهر رمضان (10).
ص:451
إذا ثبت هذا،فإنّه يستحبّ طلبها في جميع ليالي شهر رمضان،و في العشر الأواخر (1)آكد،و في ليالي الوتر منه آكد.
روى الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل العشر الأواخر شدّ المئزر و اجتنب النساء و أحيا الليل و تفرّغ للعبادة» (3).
و قد اختلف العلماء في أرجى هذه الليالي فقال أبيّ بن كعب (4)و عبد اللّه ابن عبّاس:هي ليلة سبع و عشرين (5)؛لما روى أبو ذرّ في حديث فيه طول (6)أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يقم في رمضان حتّى بقي سبع فقام بهم حتّى مضى نحو من ثلث من الليل،ثمّ قام بهم في ليلة خمس و عشرين حتّى مضى نحو من شطر الليل حتّى كانت ليلة سبع و عشرين،فجمع نساءه و أهله و اجتمع الناس، قال:فقام بهم حتّى خشينا أن يفوتنا الفلاح،يعني السحور (7).
و حكي عن ابن عبّاس أنّه قال:سورة القدر ثلاثون كلمة،السابعة و العشرون منها هي (8).و هذا ليس بشيء؛لأنّ قوله: لَيْلَةِ الْقَدْرِ هي الكلمة الخامسة،و هي
ص:452
أصرح من هي،و مع ذلك فلا تدلّ على وجودها في ذلك العدد.
و قال مالك:هي في العشر الأواخر،و ليس فيها تعيين (1).
و قال ابن عمر:إنّها ليلة ثلاث و عشرين (2).
أمّا علماؤنا:فقد روى ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام قال:«في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير،و في ليلة إحدى و عشرين القضاء،و في ليلة ثلاث و عشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها،و للّه عزّ و جلّ أن يفعل ما يشاء في خلقه» (3).
و في حديث حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّها في العشر الأواخر من رمضان (4).
و عن عليّ بن أبي حمزة قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له أبو بصير:جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى أيّ ليلة هي؟فقال:«في ليلة إحدى و عشرين أو ثلاث و عشرين»قال:فإن لم أقو (5)على كلتيهما،فقال:«ما أيسر ليلتين فيما تطلب»قال:فقلت:ربما رأينا الهلال عندنا و جاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى،فقال:«ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها...»ثمّ قال عليه السّلام:«يكتب في ليلة القدر وفد الحاجّ و المنايا و البلايا و الأرزاق و ما يكون إلى مثلها في قابل فاطلبها في إحدى[و عشرين] (6)و ثلاث و عشرين، و صلّ في كلّ واحدة منهما مائة ركعة،و أحيهما إن استطعت إلى النور،و اغتسل
ص:453
فيهما»قلت:فإن لم أقدر على ذلك و أنا قائم؟قال:«فصلّ و أنت جالس»قلت:
فإن لم أستطع؟قال:«فعلى فراشك»قلت:فإن لم أستطع؟قال:«لا عليك أن تكتحل أوّل الليل بشيء من النوم،إنّ أبواب السماء تفتح في شهر رمضان و تصفد الشياطين و تقبل الأعمال-أعمال المؤمنين-نعم الشهر شهر رمضان،كان يسمّى على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المرزوق» (1).
و روى ابن بابويه عن محمّد بن حمران،عن سفيان بن السمط،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟فقال:«تسع عشرة و إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين»قلت:فإن أخذت إنسانا الفترة أو علّة ما المعتمد عليه من ذلك؟فقال:«ثلاث و عشرين» (2).
و روى ابن بابويه عن عبد اللّه بن بكير،عن زرارة،عن أحدهما عليهما السلام أنّ «ليلة ثلاث و عشرين هي ليلة الجهنيّ،و كان من حديثه:أنّه أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه إنّ لي إبلا و غنما و غلمة،و أحبّ أن تأمرني بليلة أدخل فيها المدينة،فأشهد الصلاة،و ذلك في شهر رمضان،فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسارّه (3)في أذنه،و كان الجهنيّ إذا كان ليلة ثلاث و عشرين،دخل بإبله و غنمه و أهله إلى المدينة،ثمّ يرجع إلى مكانه» (4)قال ابن بابويه:و اسم الجهنيّ عبد اللّه بن أنيس الأنصاريّ (5).
إذا ثبت هذا،فعلامتها ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن العلاء،عن محمّد
ص:454
بن مسلم،عن أحدهما عليهما السلام،قال:سألته عن علامة ليلة القدر؟قال:
«علامتها أن يطيب ريحها،و إن كانت في برد دفئت،و إن كانت في حرّ بردت و طابت» (1).
و قال الجمهور:إنّ علامتها ما رواه أبو ذرّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
«إنّ الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها» (2)و في بعضها:«بيضاء مثل الطست» (3).
و رووا عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«هي ليلة طلقة لا حارّة و لا باردة» (4).
لو نذر أن يعتق عبده بعد مضيّ ليلة القدر،فإن كان قاله قبل العشر صحّ النذر، و وجب عليه العتق بعد انسلاخ الشهر؛لأنّه تيقّن حصولها إذا مضت الليلة الأخيرة، و إن كان قاله،و قد مضى ليلة من العشر،لم يتعلّق النذر بتلك السنة؛لأنّه لا يتحقّق وجودها بعد النذر،فيقع في السنة الثانية إذا مضى جميع العشر.
و شهر رمضان شهر شريف معظّم يكثر فيه الثواب و العقاب على الطاعات
و المعاصي.
ص:455
روى الشيخ عن أبي الورد،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في آخر جمعة من شعبان،فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمّ قال:أيّها الناس إنّه (1)قد أظلّكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر،و هو (2)شهر رمضان، فرض اللّه صيامه،و جعل قيام ليلة فيه بتطوّع كتطوّع صلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور،و جعل لمن تطوّع فيه بخصلة من خصال الخير و البرّ،كأجر من أدّى فريضة من فرائض اللّه تعالى،و من أدّى فيه فريضة من فرائض اللّه،كان كمن أدّى سبعين فريضة من فرائض اللّه عزّ و جلّ فيما سواه من الشهور،و هو شهر الصبر،و أنّ الصبر ثوابه الجنّة،و هو شهر المواساة،و هو شهر يزيد اللّه عزّ و جلّ فيه رزق (3)المؤمنين،و من فطّر فيه مؤمنا صائما (4)،كان له بذلك عند اللّه عزّ و جلّ عتق رقبة و مغفرة لذنوبه فيما مضى»قيل له:يا رسول اللّه ليس كلّنا نقدر على أن نفطّر صائما،فقال:«إنّ اللّه عزّ و جلّ كريم يعطي هذا الثواب لمن لم يقدر إلاّ على مذقة من لبن يعطيها صائما،أو شربة من ماء عذب،أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك،و من خفّف فيه عن مملوكه،خفّف اللّه عنه حسابه،و هو شهر أوّله رحمة، و وسطه مغفرة،و آخره الإجابة (5)و العتق من النار،و لا غناء بكم فيه عن أربع خصال:خصلتين ترضون اللّه بهما،و خصلتين لا غناء بكم عنهما،فأمّا اللتان ترضون اللّه عزّ و جلّ بهما فشهادة (6)أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،و أمّا اللتان لا غناء بكم عنهما،فتسألون اللّه فيه حوائجكم و الجنّة،و تسألون اللّه العافية،
ص:456
و تعوذون به من النار» (1).
و عن معمّر بن يحيى،قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«لا يسأل اللّه عزّ و جلّ عبدا عن صلاة بعد الخمس (2)و لا عن صوم بعد رمضان» (3).
و في الصحيح عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل،إلاّ أن يشهد عرفة» (4).
و عن عبد اللّه بن عبيد اللّه (5)،عن رجل،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا حضر شهر رمضان،و ذلك في ثلاث بقين من شعبان قال لبلال:ناد في الناس،فجمع الناس،ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمّ قال:أيّها الناس إنّ هذا الشهر قد خصّكم اللّه به،و هو سيّد الشهور،فيه ليلة خير من ألف شهر،تغلق فيه أبواب النار،و تفتح فيه أبواب الجنان،فمن أدركه و لم يغفر له فأبعده اللّه،و من أدرك والديه و لم يغفر له فأبعده اللّه،و من ذكرت عنده و لم يصلّ عليّ فأبعده اللّه» (6).
ص:457
و عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقبل بوجهه إلى الناس فيقول:يا معشر المسلمين،إذا طلع هلال شهر رمضان، غلّت مردة الشياطين،و فتحت أبواب السماء و أبواب الرحمة،و غلّقت أبواب النار، و استجيب الدعاء،و كان للّه فيه عند كلّ فطر عتقاء يعتقهم من النار،و ينادي مناد كلّ ليلة هل من سائل؟هل من مستغفر؟اللهمّ أعط كلّ منفق خلفا،و أعط كلّ ممسك تلفا،حتّى إذا طلع هلال شوّال،نودي المؤمنون أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة»ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام:«أما و الذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير و الدراهم» (1).
و عن محمّد بن مروان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إنّ للّه في كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء،و طلقاء من النار،إلاّ من أفطر على مسكر،فإذا كان آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه» (2).
قال ابن بابويه:و في رواية عمر بن يزيد (3):«إلاّ من أفطر على مسكر أو صاحب شاهين و هو الشطرنج» (4).
و روى ابن بابويه-في الصحيح-عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا انصرف من عرفات و سار إلى منى،دخل المسجد، فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر،فقام خطيبا،فقال بعد الثناء على اللّه
ص:458
عزّ و جلّ:أمّا بعد فإنّكم سألتموني عن ليلة القدر،و لم أطوها عنكم؛لأنّي لم أكن بها عالما،اعلموا أيّها الناس:أنّه من ورد عليه شهر رمضان و هو صحيح سويّ، فصام نهاره و قام وردا من ليله و واظب على صلاته و هجر إلى جمعته و غدا إلى عيده،فقد أدرك ليلة القدر و فاز بجائزة الربّ عزّ و جلّ» (1).
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل شهر رمضان،أطلق كلّ أسير و أعطى كلّ سائل (2).
و ينبغي ترك المماراة في الصوم و التنازع و التحاسد.
روى الشيخ عن جرّاح المدائنيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إنّ الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده»ثمّ،قال:«قالت مريم: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً (3)أي صمتا،فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم،و غضّوا أبصاركم،و لا تنازعوا و لا تحاسدوا»قال:«و سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امرأة تسابّ جارية لها و هي صائمة،فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بطعام،فقال لها:كلي،فقالت:
إنّي صائمة،فقال:كيف تكونين صائمة و قد سببت جاريتك!؟إنّ الصوم ليس من الطعام و الشراب» (4).
و روى ابن بابويه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:«ما من عبد صائم يشتم فيقول:إنّي صائم سلام عليك،لا أشتمك كما تشتمني،إلاّ قال الربّ تبارك و تعالى:
ص:459
استجار عبدي بالصوم من شرّ عبدي،قد أجرته من النار» (1).
و في الصحيح عن محمّد بن مسلم،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك»و عدّد أشياء غير هذا،قال:«و لا يكون يوم صومك كيوم فطرك» (2).
و يكره إنشاد الشعر؛لأنّ فيه منعا عن الاشتغال بالذكر.
و يؤيّده:ما رواه-في الصحيح-عن حمّاد بن عثمان و غيره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا ينشد الشعر بليل،و لا ينشد في شهر رمضان بليل و لا نهار» قال له إسماعيل:يا أبتاه فإنّه فينا،قال:«و إن كان فينا» (3).
و في الصحيح عن حمّاد بن عثمان،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«يكره رواية الشعر للصائم و المحرم و (4)في الحرم و في يوم الجمعة و أن يروى بالليل»قلت (5):و إن كان شعر حقّ؟قال:«و إن كان شعر حقّ» (6).
نذر نذرا في صيام فعجز،فقال:«كان أبي عليه السّلام يقول:عليه مكان كلّ يوم مدّ» (1).
و هو قريب إن كان معيّنا و عجز عن صيامه؛لأنّه يجري مجرى رمضان في التعيين و الوجوب،فكان عليه فداؤه،كالشيخ العاجز،و إن كان غير معيّن و استمرّ العجز فكذلك،و إلاّ سقط عنه الصوم،و التكفير على الاستحباب على إشكال.
و روى الشيخ عن الحسن بن عليّ بن فضّال،
قال:كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام أسأله عن قوم عندنا،يصلّون و لا يصومون شهر رمضان،و أنا أحتاج إليهم يحصدون لي،فإذا دعوتهم إلى الحصاد لم يجيبوا حتّى أطعمهم،و هم يجدون من يطعمهم،فيذهبون (2)و يدعوني و أنا أضيق من إطعامهم في شهر رمضان فكتب،إليّ بخطّه أعرفه:«أطعمهم» (3).
قد بيّنّا أنّ صوم بدل الهدي عشرة أيّام:ثلاثة أيّام متتابعات في الحجّ،
و سبعة إذا رجع إلى أهله (4).
ص:461
فإن أقام،انتظر وصول أهل بلده أو شهرا؛لما رواه (1)الشيخ عن أبي بصير، قال:سألته عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي،فصام ثلاثة أيّام،فلمّا قضى نسكه بدا له أن يقيم سنة،قال:«فلينظر منهل أهل بلده،فإذا ظنّ أنّهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيّام» (2).
و في رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إنّه إن كان له مقام بمكّة فأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر سيره إلى أهله أو شهرا ثمّ صام بعده» (3).
روى الشيخ عن عبيد بن زرارة،
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:الرجل يكون صائما فيقال له:أ صائم أنت؟فيقول:لا،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«هذا كذب» (4).و هو حقّ؛لأنّه إخبار بغير المطابق للمخبر عنه فكان كذبا،و مفهوم الحديث أنّه يجب اجتنابه.
و روى الشيخ عن عبد اللّه بن سنان،
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل جعل للّه عليه نذرا صيام سنة فلم يستطع،قال:«يصوم شهرا و بعض الشهر الآخر ثمّ
ص:462
لا بأس أن يقطع الصوم» (1).
و التفصيل في هذه الرواية:أنّه إن كان نذر سنة معيّنة فعجز عن صيامها،فعل ما قاله عليه السّلام؛للعجز،و إن كان مطلقة فإن لم يشترط التتابع،صام كيف شاء، و إن شرط التتابع توقّع المكنة،فإن غلب على ظنّه عدم التمكّن،فرّق صومه؛ للعجز.
قال ابن بابويه:
روي عن البزنطيّ،عن هشام بن سالم،عن سعد الخفّاف،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:كنّا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان،فقال:«لا تقولوا هذا رمضان و لا ذهب رمضان و لا جاء رمضان،فإنّ رمضان اسم من أسماء اللّه عزّ و جلّ (2)لا يجيء و لا يذهب،إنّما يجيء و يذهب الزائل،و لكن قولوا:شهر رمضان،فالشهر مضاف إلى الاسم،و الاسم اسم اللّه عزّ و جلّ،و هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن،جعله اللّه عزّ و جلّ مثلا وعيدا» (3).
و عن غياث بن إبراهيم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه،عن جدّه عليهم السلام،قال:«قال عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه:لا تقولوا رمضان، و لكن قولوا:شهر رمضان،فإنّكم لا تدرون ما رمضان» (4).
ص:463
و روى ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«يستحبّ للرجل أن يأتي
أهله أوّل ليلة من شهر رمضان؛
لقول اللّه عزّ و جلّ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (1)» (2).
و روى جرّاح المدائنيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أطعم يوم الفطر قبل
أن تصلّي،
و لا تطعم يوم الأضحى حتّى ينصرف الإمام» (3).
و قال عليّ بن محمّد النوفليّ لأبي الحسن عليه السّلام:إنّي أفطرت يوم الفطر على طين القبر و تمر فقال له:«جمعت بركة و سنّة» (4).
و نظر عليّ بن الحسين عليهما السلام (5)إلى الناس يوم فطر و هم يلعبون
و يضحكون،
فقال لأصحابه و التفت إليهم:«إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه،فسبق فيه قوم ففازوا،و تخلّف آخرون فخابوا،فالعجب كلّ العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون و يخيب فيه المقصّرون،و أيم اللّه لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه
ص:464
و مسيء بإساءته» (1).
و روى حنّان بن سدير عن عبد اللّه بن سنان (2)(3)،
عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال:«يا عبد اللّه ما من (4)عيد للمسلمين أضحى و لا فطر،إلاّ و هو يجدّد لآل محمّد فيه حزنا»قال:قلت:و لم؟قال:«لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم» (5).
و روى عبد اللّه بن لطيف التفليسيّ (6)عن رزين (7)قال:قال أبو عبد اللّه
ص:465
عليه السّلام:«لمّا ضرب الحسين بن عليّ عليهما السلام بالسيف فسقط،ثمّ ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من بطنان العرش:ألا أيّتها الأمّة المتحيّرة الضالّة بعد نبيّها لا وفّقكم اللّه لأضحى و لا فطر-و في خبر آخر:«لصوم و لا فطر»-قال:ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«فلا جرم و اللّه ما وفّقوا و لا يوفّقون حتّى يثور ثائر الحسين بن عليّ عليهما السلام» (1).
ص:466
في الاعتكاف
و النظر في الماهيّة و الشرائط و الأحكام
الاعتكاف في اللغة:هو اللبث الطويل و لزوم الشيء و حبس النفس عليه،برّا كان أو غيره.
قال اللّه تعالى: ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (1).
و قال: يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ (2).
و في الشرع (3):عبارة عن لبث مخصوص للعبادة.
و قد اتّفق المسلمون على مشروعيّة الاعتكاف و أنّه سنّة.
قال اللّه تعالى: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ (4).
و قال اللّه تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (5).
و روى الجمهور عن عائشة،أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يعتكف في
ص:467
العشر الأواخر (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن حمّاد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد،و ضربت له قبّة من شعر،و شمّر المئزر،و طوى فراشه»فقال بعضهم:و اعتزل النساء؟فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«أمّا اعتزال النساء فلا» (2).
و رواه ابن بابويه عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و زاد فيه:أنّه لم يمنعهنّ من خدمته،و الجلوس معه (3).
و إنّما يجب بالنذر و شبهه.
روى الجمهور عن أبي سعيد الخدريّ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر» (4)فعلّقه بالإرادة،و لو كان واجبا لما كان كذلك.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ اعتكافه،و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام» (5).
ص:468
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام ما أمروا بفعله على سبيل الوجوب (1)،و لا فعلته الصحابة إلاّ من شذّ.
كان يعتكف في كلّ سنة،
و يداوم عليه؛تقرّبا إلى اللّه تعالى و طلبا لثوابه (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه عن داود بن الحصين،عن أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«اعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في شهر رمضان في العشر الأولى،ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى،ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر» (3).
إذا ثبت هذا،فأفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان؛لما تقدّم من مداومة الرسول صلّى اللّه عليه و آله في كلّ سنة.
و روى ابن بابويه عن السكونيّ بإسناده قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين و عمرتين» (4).
على ما يأتي،
و إنّما يصحّ الصوم بالشرطين.
إذا عرفت هذا،فهو على قسمين:واجب و ندب.
فالواجب:ما وجب بالنذر أو اليمين أو العهد،لا في أصل الشرع على ما يأتي.
ص:469
و الندب:ما عداه.
و يدلّ على وجوب المنذور قوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (1).
و قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).
و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من نذر أن يطيع اللّه فليطعه» (3).و لا نعلم فيه خلافا.
و يصحّ اعتكاف الصبيّ المميّز،كما يصحّ صومه،و هل يكون شرعيّا أم لا، البحث فيه كالصوم.
فلا يختصّ بأحدها إلاّ بالنيّة المخلصة لبعض الأفعال،أو لبعض الوجوه و الاعتبارات عن بعض آخر.
و هي تشتمل (4)نيّة التقرّب (5)؛لأنّه عبادة فيشترط في قبولها نيّة الإخلاص، لقوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (6).و نيّة التقرّب تكون عبادة.
فلو قصد اليمين أو منع النفس أو الغضب،لم يعتدّ به،و إنّما يصحّ إذا نوى القربة
ص:470
و الطاعة،و على الوجه من وجوب أو ندب؛لأنّ الفعل صالح لهما،فلا يخلص لأحدهما إلاّ بالنيّة،و هما متضادّان لا يمكن اجتماعهما،ليصحّ مع عدمهما،فلا بدّ من نيّة أحدهما؛ليقع على وجه المأمور به.
و إذا نوى الاعتكاف مدّة لم تلزمه بالإجماع.
نعم،استمرار النيّة شرط فيه حكما،فلو خرج لقضاء حاجة أو لغيره،استأنف النيّة عند الدخول إن بطل الاعتكاف بالخروج،و إلاّ فلا.
مسألة:و الصوم شرط في الاعتكاف.و هو مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام.و به قال ابن عمر،و ابن عبّاس،و عائشة و الزهريّ (1)، و أبو حنيفة (2)،و مالك (3)،و الليث،و الأوزاعيّ،و الحسن بن صالح بن حيّ (4)، و أحمد في إحدى الروايتين (5).
و قال الشافعيّ:يجوز أن يعتكف بغير صوم،فلم يجعل الصوم شرطا فيه (6).
و رواه عن ابن مسعود،و سعيد بن المسيّب،و عمر بن عبد العزيز و الحسن، و عطاء،و طاوس،و إسحاق (7)،و أحمد في الرواية الأخرى (8).
ص:471
لنا:ما رواه الجمهور عن عائشة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا اعتكاف إلاّ بصوم»رواه الدارقطنيّ (1).
و عن ابن عمر أنّ عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهليّة،فسأل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:«اعتكف و صم»رواه أبو داود (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا اعتكاف إلاّ بصوم» (3).
و رواه في الموثّق عن محمّد بن مسلم،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«لا يكون اعتكاف (4)إلاّ بصيام» (5)و نحوه روي عن أبي داود،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (6).
و رواه في الموثّق عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (7).
و لأنّه لبث في مكان مخصوص،فلم يكن بمجرّده قربة،كالوقوف بعرفة.
احتجّوا (8):بما رواه ابن عمر عن عمر أنّه قال:يا رسول اللّه إنّي نذرت في الجاهليّة أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أوف بنذرك» (9)و لو كان الصوم شرطا لم يصحّ اعتكاف الليل.
ص:472
و لأنّه عبادة تصحّ في الليل،فلم يشترط لها الصيام،كالصلاة.
و لأنّ إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلاّ بالشرع،و لا نصّ فيه و لا إجماع.و لأنّ ابن عبّاس قال:ليس على معتكف (1)صوم (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الليلة قد تطلق مع إرادة النهار معها،كما يقال:أقمنا في موضع كذا ليلتين أو ثلاثا،و المراد:الليل و النهار،فلم لا يجوز إرادة ذلك هنا!؟ و مع هذا الاحتمال لا تتمّ المعارضة به.
و عن الثاني:بالمنع من صحّتها ليلا خاصّة على ما سيأتي و الفرق بينه و بين الصلاة ظاهر؛لأنّه بمجرّده لا يكون عبادة،فاشترط فيه الصوم،و النصّ قد بيّنّاه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عن أهل بيته عليهم السلام.
و أيضا:مداومة الرسول صلّى اللّه عليه و آله على الاعتكاف صائما يدلّ على الاشتراط،و قول ابن عبّاس موقوف عليه،فلا يكون حجّة،على أنّه قد نقلنا عنه أنّه كان يعتقد اشتراط الصوم،فيكون معارضا لهذه الرواية.
سواء كان الصوم واجبا أو ندبا،و سواء كان الاعتكاف واجبا أو ندبا،فلو اعتكف في رمضان،صحّ و اكتفى فيه بصوم شهر رمضان،و يقع نيّة الصوم عن رمضان،و كذا النذر المعيّن أو غير المعيّن.
لأنّ النبيّ صلّى اللّه
ص:473
عليه و آله كان يعتكف و هو صائم (1)،و لا خلاف فيه.
لأنّ الصوم المشترط لا يصحّ في دون اليوم.
كيومي العيدين،و أيّام الحيض و النفاس و المرض إذا كان الصوم يزيد فيه،و المسافر إذا منع من الصوم الواجب و الندب.
لأنّه عبادة لا بدّ فيها من نيّة القربة، و الكافر ليس أهلا للتقرّب (2)إلى اللّه تعالى،فلا يصحّ منه الاعتكاف كما لا يصحّ منه الصوم و لا غيره من العبادات.
أمّا على أصل الشافعيّ من جواز دخول المسجد للكافر (1)فإنّه يتمشّى قوله، لكن هذا الأصل عندنا باطل،فلا وجه لقول الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط.
لأنّ المجنون لا يقع منه العبادة؛لعدم فهمه،و كذا الصبيّ؛لخروجهما (2)بعدم الرشد عن التكليف.
و لا يصحّ من السكران؛لأنّه لا يعقل شيئا.و لأنّه تعالى نهاه عن الصلاة حال (3)سكره بقوله: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى (4)و السكر يمنع من الدخول إلى المسجد،فلا يصحّ الاعتكاف منه.
و كذا السيّد في حقّ عبده؛لأنّ منافع الاستمتاع و الخدمة مملوكة للزوج و السيّد،فلا يجوز صرفهما إلى غيرهما إلاّ[بإذنهما] (5)و كذا المدبّر و أمّ الولد.
فاعتكف في الأيّام المختصّة به،فالوجه جوازه؛لأنّ تصرّف المولى انقطع عنه في أيّامه.
أن يخرج عن محض الرقّيّة.
ص:475
و قال الشافعيّ:يجوز؛لأنّه لا حقّ للمولى في منافعه (1).و ليس بجيّد؛لأنّه لم يخرج عن الرقّ بالكتابة،فتوابع الرقّ لاحقة به،و إطلاق الإذن منصرف إلى الاكتساب لا غيره.
لم يجب.
و به قال الشافعيّ (2).
و قال أبو حنيفة:له منع العبد و ليس له منع الزوجة (3).و قال مالك:ليس له منعهما معا (4).
لنا:أنّه فعل مندوب يجوز الرجوع فيه؛لأنّ التقدير أنّه لم يجب؛لأنّ الشروع غير ملزم عندنا على ما يأتي،فجاز له إبطال فعلهما،كما لو اعتكف بنفسه ثمّ بدا له في الرجوع.
و لأنّ من منع غيره من الاعتكاف إذا أذن فيه و كان تطوّعا،كان له إخراجه منه، كالسيّد مع عبده.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّ المرأة تملك بالتمليك،فإذا أذن لها،أسقط حقّه عن منافعها،و أذن لها في استيفائها،فصار كما لو ملّكها عينا،و ليس كذلك العبد،فإنّه لا يملك،و إنّما يتلف منافعه على ملك السيّد؛فإذا أذن له في إتلافها،صار كالمعير (5).
ص:476
و احتجّ مالك:بأنّه عقد على نفسه تمليك منافع كان يملكها بحقّ اللّه تعالى، فلم يكن له الرجوع فيه،كصلاة الجمعة (1).
و الجواب عن الأوّل:أنّ منافع المرأة لزوجها،و لهذا يجب عليها بذلها،فإذا أذن لها في إتلافها،جرى مجرى المعير.
و عن الثاني:أنّ الجمعة تجب بالدخول فيها،بخلاف الاعتكاف.
و لا نذر العبد إلاّ بإذن مولاه،فإذا أذنا فإن كان النذر لأيّام معيّنة،لم يجز لهما الرجوع و لا المنع،و إن كان غير معيّن،جاز المنع ما لم يجب بأن يمضي يومان-على ما يأتي من الخلاف- لأنّه ليس على الفور.
و لو دخلا في المندوب بإذنه،جاز الرجوع أيضا.
و قال الشيخ-رحمه اللّه-:يجب عليه الصبر ثلاثة أيّام و هو أقلّ الاعتكاف (2).
و ليس بحسن،لأنّا لا نقول بوجوب الاعتكاف بالشروع.
و لو كان الزوج أو السيّد أذنا إذنا غير معيّن بزمان،لم يجز لأحدهما الدخول إلاّ بإذن (3)؛لأنّ منافع الزوج و السيّد حقّ مضيّق يفوت بالتأخير،بخلاف الاعتكاف.
للمستأجر،
فلا يجوز تعريضها للمنع،و لو أذن المستأجر،جاز.و كذا ينبغي في الضيف؛لا فتقار صومه تطوّعا إلى الإذن.
إن كان منذورا أو مضى يومان-على ما يأتي-و إلاّ ندبا.
ص:477
و لو دخل في الاعتكاف بغير إذن (1)فأعتق في الحال،قال الشيخ-رحمه اللّه-:
يلزمه (2).و ليس بجيّد؛لأنّ الدخول منهيّ عنه،فلا ينعقد به الاعتكاف،فلا يجب إتمامه.
و هو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام.و الجمهور كافّة على خلافه فإنّ الشافعيّ لم يقدّره بحدّ، بل يجوّز الاعتكاف بساعة (3)واحدة أو أقلّ (4).و هو رواية عن أحمد (5)، و أبي حنيفة.
و رواية أخرى عن أبي حنيفة أنّه لا يجوز أقلّ من يوم واحد (6).و هو رواية عن مالك.
و عن مالك رواية أخرى أنّه لا يكون أقلّ من عشرة أيّام (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا اعتكاف إلاّ بصوم» (8)و الصوم لا يقع في أقلّ من يوم،فبطل قول الشافعيّ و من وافقه.
و لنا على التقدير بثلاثة أيّام:أنّ الاعتكاف عبارة عن اللبث المتطاول و الإقامة
ص:478
للعبادة،و لا يصدق ذلك بيوم واحد.و لأنّ التقدير بيوم لا مماثل له في الشرع، و التقدير بعشرة سيأتي إبطاله،فيتعيّن الثلاثة،كصوم كفّارة اليمين و كفّارة بدل الهدي و غير ذلك من النظائر.
و يدلّ عليه:ما رواه الشيخ عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام،و من اعتكف صام» (1).
و عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا اعتكف العبد فليصم»و قال:«لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام» (2).
احتجّ الشافعيّ:بأنّ الاعتكاف لبث،و هو يصدق بالقليل و الكثير،كالصدقة (3).
و احتجّ أبو حنيفة:بأنّ من شرطه الصوم،و أقلّه يوم،و الزائد غير ثابت شغل الذمّة به (4).
و احتجّ مالك (5):بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يعتكف عشرة أيّام (6).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الاعتكاف هو اللبث الطويل،و ذلك لا يصدق
ص:479
بساعة (1)واحدة فما دون،بل إنّما يتحقّق مع لبث و إقامة،و منه قوله تعالى: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (2)أي المقيم،و يقال:عكف على كذا،أي أقام عليه،فلا يصحّ في اللحظة الواحدة،و بهذا ظهر الفرق بينه و بين الصدقة؛لصدقها على الكثير و القليل بمعنى واحد،بخلاف الاعتكاف.
و عن الثاني:بما تقدّم.
و عن الثالث:بأنّ فعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله لا يمنع ما نقص عنه.
لأنّه نذر في طاعة،فكان واجبا عليه الإتيان به.
و التتابع أفضل إذا لم يشترط التتابع في النذر.و به قال الشافعيّ (3).
و قال أبو حنيفة (4)،و مالك:يلزمه التتابع (5).و عن أحمد روايتان (6).
لنا:أنّه معنى يصحّ فيه التفريق،فلا يجب فيه التتابع بالنذر المطلق،كالصيام.
و لأنّ النذر لم يتناول المتابعة،فلا يجب بها و لا بغيرها؛لعدمه.
و لأنّ الامتثال يتحقّق بالإتيان به متتابعا و متفرّقا،لكن على مذهبنا لا يفرق
ص:480
أقلّ من ثلاثة أيّام؛لما يأتي.
احتجّوا:بأنّه معنى يحصل بالليل و النهار،فإذا أطلقه اقتضى التتابع،كما لو حلف:لا كلّمت زيدا شهرا،كان متتابعا (1).
و الجواب:الفرق،فإنّ اليمين ينصرف إلى المعهود من ذلك،و لهذا لا يجب أن يكون ذلك عقيب اليمين،و لا يلزم هذا في النذر،أمّا لو شرط التتابع،وجب إجماعا.
ناقصا؛
لصدق اسم الشهر عليهما،فيخرج عن العهدة بكلّ منهما،و إن لم يأت بالشهر بين الهلالين،أتى بثلاثين يوما.
كرجب-مثلا-وجب اعتكافه متتابعا و إن لم يشترطه في النذر،فلو أفطر يوما منه بعد مضيّ ثلاثة أيّام،صحّ ما مضى و أتمّ و قضى ما فات.و به قال الشافعيّ (2)،إلاّ أنّه لم يشترط الثلاثة؛لأنّه لا حدّ عنده لقليل الاعتكاف.
و قال أحمد:يستأنف؛لأنّ المتابعة واجبة،فأشبه إذا شرط (3).و هو خطأ؛لأنّ وجوب تتابع الشهر المعيّن من ضرورة الوقت،و ذلك لا يوجب الاستئناف،كمتابعة رمضان.
إذا ثبت هذا،فلو فات،قضاه،و لا يجب عليه التتابع في قضائه.
و لو نذره و شرط التتابع في نذره وجب عليه ذلك،فإن فات،قضاه متتابعا؛لأنّ التتابع وصف من لوازم النذر.
ص:481
و قال بعض الشافعيّة:لو نذر شهرا معيّنا متتابعا،لم يجب التتابع في قضائه لو فات؛لأنّ التتابع وقع ضرورة،فلا أثر للفظه (1).و ليس بجيّد.
و لو نذر اعتكاف أيّام،لم يلزمه المتابعة إلاّ في كلّ ثلاث.هذا إذا لم يشترط المتابعة،و لو شرطها وجب.
و يدخل فيه الأيّام و الليالي؛لأنّ الشهر عبارة عنهما،و الاعتكاف يصحّ فيهما، فدخلا فيه.
أمّا لو نذر اعتكاف أيّام معدودة،كعشرة أيّام-مثلا-و لم يعيّنها،لم يجب التتابع إلاّ أن يشترطه على ما قلناه،و لا تدخل الليالي،بل ليلتان من كلّ ثلاث على ما قرّرناه من أنّه لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام بليلتين.
و قال أبو حنيفة:تدخل الليالي و الأيّام؛لأنّ ذكر أحد العددين على طريق الجمع يقتضي دخول الآخر تحته؛لقوله تعالى: ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً (2)و قال تعالى: ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (3)و القصّة (4)واحدة (5).
و الجواب:اسم اليوم حقيقة لما بين الفجر إلى الغروب،و الليلة ما عدا ذلك، فلا يتناولها إلاّ مع القرينة،و مع تجرّد اللفظ عنها يحمل على حقيقته (6).
إذا عرفت هذا،فلو نذر أيّاما معيّنة و ترك منها يوما،فإن كان قد مضى له ثلاثة
ص:482
أيّام،صحّ ما مضى و أتمّ و قضى ما فات،و إن كان دون الثلاثة،استأنف،و لو كان قد شرط التتابع و أخلّ بيوم استأنف.
سواء شرط التتابع أو لم يشرط؛لأنّه لا اعتكاف (1)أقلّ منها،و يدخل قبل الفجر لا في أثناء النهار.
و قال الشيخ-رحمه اللّه-في بعض كتبه:إن لم يشترط التتابع اعتكف نهار ثلاثة أيّام بغير ليال (2).و ليس بمعتمد.
اعتكاف عندنا إلاّ بصوم،
فلو اعتكف غير صائم و صام غير معتكف،لم يجزئه عندنا.
و قال بعض الشافعيّة:يجزئه و إن نذر الجمع؛لأنّ الصوم عبادة ليست من شرط الاعتكاف،فلم يلزمه بالنذر الجمع بينهما،كالصوم و الصلاة (3).
و هو خطأ؛لأنّ الاعتكاف عندنا مشروط بالصوم،فإذا نذر الجمع،وجب عليه الإتيان بهما جميعا و لا يجزئه التفريق.سلّمنا لكنّ الصوم مشروع مستحبّ في الاعتكاف إجماعا،فوجب بالنذر،بخلاف الصوم و الصلاة؛لأنّ أحدهما لم يشرع للآخر.
إذا عرفت هذا،فلو أفسد صومه،انقطع التتابع و وجب عليه إعادة الاعتكاف و الصوم،و لو نذر الاعتكاف مصلّيا،وجب عليه الجمع؛لأنّه طاعة.
قال الشيخ-رحمه اللّه-:وجب عليه
ص:483
الدخول فيه مع طلوع الهلال من ذلك الشهر؛فإذا أهلّ الشهر الذي بعده فقد و فى و خرج من الاعتكاف (1).و به قال مالك (2)،و الشافعيّ (3).
و قال زفر:يدخل المسجد قبل طلوع الفجر من أوّله.و به قال الليث بن سعد (4)،و عن أحمد روايتان كالقولين (5).
لنا:أنّه نذر الشهر،و أوّله غروب الشمس،و لهذا تحلّ الديون المعلّقة به، و النذور،و الطلاق،و العتاق المعلّقات (6)به عندهم،و يجب أن يدخل قبل الغروب؛لأنّه لا يمكن استيفاء جميع الشهر إلاّ بذلك،و ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.
احتجّ زفر:بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد أن يعتكف صلّى الصبح، ثمّ دخل معتكفه (7)؛و لأنّ اللّه تعالى قال: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (8)و لا يلزم الصوم ليلا،بل قبل طلوع الفجر؛و لأنّ الصوم شرط في الاعتكاف، فلا يجوز ابتداؤه قبل شرطه (9).
و الجواب:عن الأوّل:أنّه اعتكاف مندوب متى أراد الدخول فيه،فعل،و ليس
ص:484
البحث فيه،و إنّما البحث فيمن لزمه اعتكاف شهر كامل لنذر نذره،فلا يحصل (1)إلاّ بالدخول قبل غروب الشمس من أوّله،و يخرج بعد غروبها من آخره،كمن نذر اعتكاف يوم،فإنّه يلزمه الدخول فيه قبل طلوع فجره،و يخرج بعد غروب شمسه.
و عن الثانيّ:أنّ الصوم لا يصحّ إلاّ في النهار،فلا يدخل الليل فيه،بخلاف الاعتكاف.
فإذا خرج الشهر خرج منه.و به قال الشافعيّ (2)،و مالك (3)،و الثوريّ (4)، و أبو حنيفة و أصحابه (5).
و قال الأوزاعيّ،و إسحاق،و أبو ثور:يدخل في أوّل نهار الحادي و العشرين (6)،و عن أحمد روايتان،هذا أظهرهما (7).
لنا:ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدريّ قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعتكف العشر الأوسط من رمضان،فاعتكف عاما حتّى إذا كان ليلة الحادي و العشرين و هي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه،قال:«من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر» (8)فأمرهم باعتكاف العشر الأواخر ليلة الحادي
ص:485
و العشرين و اعتكف معهم.و لأنّه لو نذر شهرا،لزمه من أوّل ليلة فيه على ما تقدّم (1)،فكذلك إذا نذر العشر (2).
احتجّوا (3):بأنّ عائشة روت أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد أن يعتكف،صلّى الصبح ثمّ اعتكف (4).
و جوابه:أنّه محمول على أنّه عليه السّلام أراد أن يعتكف من ذلك الوقت، و لم يرد اعتكاف جميع العشر،و لهذا فإنّه عندهم يلزمه أن يعتكف قبل الفجر، و النقل الذي أو ردوه أنّه عليه السّلام اعتكف بعد الصلاة.
إذا ثبت هذا،فإنّ العشر اسم لما بين العشرين،فلو كان الشهر ناقصا،اجتزأ بما صامه،و اعتكفه من تسعة أيّام.
أمّا لو نذر اعتكاف عشرة أيّام فإنّه يلزمه أن يدخل قبل طلوع الفجر؛لأنّ اليوم اسم لبياض النهار،و دخول الليل إنّما هو على طريق التبع،بخلاف العشر،فإنّه اسم لمجموع الليل و النهار.
فلو عيّن الأيّام بآخر الشهر،أو فرضها فيه فنقص الشهر،وجب عليه أن يأتي بيوم آخر؛ليتمّ العدد الذي نذره،بخلاف ما لو نذر العشر الأواخر مثلا،كما إذا نذر ثلاثين يوما فاعتكف شهرا بين هلالين فنقص الشهر،فإنّه يكمله بيوم آخر،و لو نذر شهرا،أجزأه ما بين الهلالين و إن كان ناقصا كذلك العشر.
ص:486
لأنّه نذر في طاعة،فلو أخلّ به وجب عليه قضاؤه صائما.
و قال زفر:لو صامه و لم يعتكف فيه،سقط عنه (1).
لنا:أنّه نذر في طاعة أخلّ به،فوجب عليه قضاؤه كغيره من الواجبات.و لأنّه لمّا مضى الشهر بقي الالتزام (2)باعتكاف شهر مطلق،و ذلك لا يتمّ بما لا صحّة له إلاّ به،و هو الصوم،فوجب عليه،كما لو التزم بالصلاة،فإنّه التزام بالوضوء.
احتجّ زفر:بأنّ النذر بالاعتكاف لا يوجب الصوم ابتداءً،بل ضرورة صحّة الاعتكاف،و في هذه الصورة الصوم واجب بدونه،فلا يقع نذره موجبا للصوم، فكيف يجب عليه الصوم بعد ذلك؟فبقي اعتكافه بلا صوم،فلا يجب؛لأنّه غير مشروع (3).
و الجواب:أنّ وجوب الصوم ابتداءً لا يمنع من ورود وجوب آخر بالنذر عليه، سلّمنا،لكن وجوب الصوم ابتداءً هنا أغنى عن صوم الاعتكاف،أمّا في القضاء فلا بدّ منه و القضاء لا يسقط،فوجب الإتيان به كالابتداء،أمّا لو أخّره إلى رمضان آخر فقضاه (4)فيه هل يجزئه أم لا؟الوجه الإجزاء.
و قال أبو حنيفة:لا يجزئه بل يجب أن يقضيه في غير شهر رمضان بصوم مختصّ بالاعتكاف (5).و ليس بمعتمد؛لأنّ الفائت هو الاعتكاف و هو اللبث للعبادة،و الصوم شرط فيه أيّ صوم كان،فكيف اتّفق كان معتكفا،فكان مخرجا عن العهدة.
فلو
ص:487
اعتكف شهرا قبله أو صام،أو ذكر على هذا الوجه الصلاة،لم يجزئه عن النذر.و به قال محمّد بن الحسن (1)،و زفر (2).
و قال أبو حنيفة (3)،و أبو يوسف:يجزئه (4).
لنا:أنّه التزم عبادة بدنيّة في زمان مخصوص،فلا يجوز تقديمها عليه، كصوم (5)رمضان و صلاة الظهر قبل الوقت.
و لأنّ صوم شهر قبل رجب مغاير لصوم رجب،فلا يكون واجبا فلا يكون مجزئا عن الواجب؛لأنّ بدل الواجب واجب (6).
احتجّا:بأنّه أدّى الواجب بعد وجود سببه،فيجوز،كما لو نذر أن يتصدّق في رجب فتصدّق قبله،و الجامع بينهما أنّ الداخل تحت النذر ما هو قربة،و القربة نفس الفعل لا نفس الزمان،بخلاف صوم رمضان و صلاة الظهر؛لأنّه لم يوجد سبب وجوبهما (7).
و الجواب:لا نسلّم وجود السبب،و لهذا فإنّه لا يجب عليه الإتيان بالفعل قبل الشهر المنذور إجماعا،فلو وجد السبب لم يجز الترك،و القياس على الصدقة ضعيف،لأنّ البحث في الفرع،و النزاع فيه كالأصل،و لا نسلّم أنّ الفعل بمجرّده هو القربة لا غير؛لأنّ الأيّام تتفاوت في الفضيلة،فجاز أن يكون الوقت المنذور للعبادة يحصل فيه الثواب الأكثر من غيره.
ص:488
لزمه فداء ما أدرك إن لم يفعله،و به قال الشافعيّ (1).
و قال أبو حنيفة:عليه اعتكاف شهر (2).
لنا:أنّه لا يقدر إلاّ على هذا القدر،فيتقدّر الوجوب به،كما في قضاء (3)رمضان.
احتجّ أبو حنيفة:بأنّه التزم بالكلّ،و المراعى فيما يلتزم العبد التصوّر لا التحقّق، فإنّه لو قال:للّه عليّ ألف حجّة،لزمه الكلّ و إن لم يعش ألف سنة.
و الجواب:المنع من ذلك.
ثلاثة أيّام،
و عند المخالف إمّا ساعة من ليل أو نهار (4)،أو يوم على الخلاف الواقع بينهم (5).
منفردا،
خلافا للجمهور،فإنّهم جوّزوا اعتكاف يوم،فعلى قولهم لو نذر اعتكاف
ص:489
يوم هل يجوز تفريقه أم لا؟للشافعيّة قولان:
أحدهما:الجواز،كالشهر.
و الثاني:عدمه (1)؛لأنّ الخليل قال:اليوم اسم لما بين طلوع الفجر و غروب الشمس،فإذا فرّقه لم يسمّ يوما،بخلاف الشهر،فإنّه يصدق على الثلاثين متتابعة و متفرّقة.و لأنّ صوم الشهر يجوز تفريقه،بخلاف صوم اليوم (2).
و كذا لو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد لا غير،أمّا لو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد و لم يضمّ نفي غيره،وجب عليه الإتيان به،و لا يصحّ إلاّ بأن يضمّ إليه يومين آخرين.
سقط عنه أداؤه و وجب عليه قضاؤه،و للشافعيّ وجه آخر (3)أنّه لا يقضي؛لتعذّر الاعتكاف حين الوجوب (4).و ليس بجيّد؛لأنّ العبادة الواجبة بالشرع إذا تعذّرت بالمرض،وجب قضاؤها،و كذا المنذورة.
بطل نذره،
و لا يتعلّق بذمّته قضاء؛لأنّه عقد نذره بزمان لا يصحّ وجوده فيه،كما لو قال:للّه عليّ أن أصوم أمس.
و لو نذر اعتكاف شهر رمضان من سنة خمس،صحّ نذره،فإن ترك اعتكافه عمدا أو سهوا وجب عليه القضاء؛لأنّ نذره صحّ و فرّط بتركه.
ص:490
لم يجب عليه شيء،و إن قدم نهارا،سقط ذلك اليوم و وجب عليه اعتكاف باقي الأيّام،لكن يحتاج في كلّ اعتكاف إلى أن يضمّ إليه يومين آخرين.
في الجملة:
لقوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (1)و لو صحّ الاعتكاف في غيره لم يخصّ التحريم بالاعتكاف في المسجد؛لأنّ المباشرة حرام في حال الاعتكاف مطلقا.و لأنّ الاعتكاف لبث هو قربة فاختصّ بمكان كالوقوف، أمّا التعيين فقد اختلف العلماء فيه،فالذي عليه أكثر علمائنا أنّه لا يجوز الاعتكاف إلاّ في مسجد جمّع فيه نبيّ أو وصيّ نبيّ،و هي أربعة مساجد:المسجد الحرام، و مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمّع فيهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و مسجد الكوفة،و مسجد البصرة جمّع فيهما عليّ عليه السّلام،و جمّع أيضا عليه السّلام في مسجد المدينة،هذا هو المشهور بين علمائنا (2).
و قد روي في بعض الأخبار بدل مسجد البصرة مسجد المدائن.رواه ابن بابويه رحمه اللّه (3).
و قال ابن أبي عقيل منّا:إنّه يصحّ الاعتكاف في كلّ مسجد،قال:و أفضل الاعتكاف في المسجد الحرام،و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و مسجد الكوفة،و سائر الأمصار مساجد الجماعات (4).
ص:491
و قال المفيد-رحمه اللّه-:لا يكون الاعتكاف إلاّ في المسجد الأعظم،و قد روي أنّه لا يكون إلاّ في مسجد جمّع فيه نبيّ أو وصيّ و المساجد التي جمّع فيها نبيّ أو وصيّ نبيّ،فجاز لذلك الاعتكاف فيها،أربعة مساجد (1).و عدّ ما ذكرناه أوّلا،و هذا مذهب علمائنا.
أمّا الجمهور فقد اختلفوا،فقال الشافعيّ:يصحّ في كلّ مسجد (2)،كما ذهب إليه ابن أبي عقيل من أصحابنا،و به قال مالك (3).
و قال أحمد:لا يجوز إلاّ في مسجد يجمّع فيه (4)،و به قال أبو حنيفة (5)،و هو قول المفيد رحمه اللّه.
و عن حذيفة أنّه لا يصحّ الاعتكاف إلاّ في أحد المساجد الثلاثة:المسجد الحرام،و المسجد الأقصى،و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله (6).
لنا:أنّ الاعتكاف عبادة شرعيّة،فيقف على مورد النصّ،و الذي وقع عليه الاتّفاق ما ذكرناه.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
ص:492
ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟فقال:«لا اعتكاف إلاّ في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة،و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة و مسجد المدينة و مسجد مكّة» (1)و في طريقها سهل بن زياد و فيه ضعف.
و في رواية عليّ بن الحسن بن فضّال عن محمّد بن عليّ عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد مثل ذلك و زاد فيه:«و مسجد البصرة» (2).
و في هذا الطريق أيضا ضعف،إلاّ أنّ ابن بابويه رواه في الصحيح (3)،فالمعتمد عليه.قال ابن بابويه:و قد روي في مسجد المدائن (4).
و لأنّ الاعتكاف يتعلّق به أحكام شرعيّة من أفعال و تروك،و الأصل عدم تعلّقها بالمكلّف إلاّ مع ثبوت المقتضي،و لم يوجد.
احتجّ المفيد-رحمه اللّه-:بما رواه عليّ بن عمران (5)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه عليه السّلام،قال:«المعتكف يعتكف في المسجد الجامع» (6).
ص:493
و عن يحيى بن العلاء الرازيّ (1)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا يكون اعتكاف إلاّ في مسجد جماعة» (2).
و عن داود بن سرحان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا اعتكاف إلاّ في العشر الأواخر من شهر رمضان»و قال:«إنّ عليّا عليه السّلام كان يقول:لا أرى الاعتكاف إلاّ في المسجد الحرام،أو مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله،أو في مسجد جامع» (3).
و الجواب:هذه أحاديث مطلقة و ما قلناه مقيّد،فيحمل عليه؛جمعا بين الأدلّة.
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله اعتكف في مسجده،و اعتكف عليّ عليه السّلام في جامع الكوفة،و الصحابة في مسجد مكّة،و جماعة من الصحابة في مسجد البصرة، فيجب الاقتصار عليه.نعم،قد روي أنّ الحسن عليه السّلام صلّى بمسجد المدائن (4).فإن ثبتت هذه الرواية،جاز الاعتكاف فيه و إلاّ فلا.
و رواية عبد اللّه بن سنان،قال:«لا يصلح العكوف إلاّ في مسجد رسول اللّه صلّى
ص:494
اللّه عليه و آله،و مسجد من مساجد الجماعة» (1)و في طريقها قول.
و احتجّ ابن أبي عقيل:بما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر في جامعه عن داود بن الحصين،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا اعتكاف إلاّ بصوم و في المصر الذي أنت فيه» (2).
و جوابه:أنّه ممنوع؛إذ ظاهره يقتضي أنّه لا يجوز الاعتكاف إلاّ في مصره، و هو خلاف الإجماع،فيجب تأويله،فيحمل على المساجد التي عدّدناها.
و احتجّ أبو حنيفة:بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«كلّ مسجد له إمام و مؤذّن يعتكف فيه» (3).
و لأنّه قد يأتي عليه الجمعة،فإن خرج،أبطل اعتكافه،و ربّما كان واجبا،و إن لم يخرج،أبطل جمعته،فحينئذ يشترط المسجد الجامع (4).
و الجواب:أنّه مساعدة لنا على قولنا؛إذ هو يتناول ما ذهبنا إليه،أمّا الاقتصار على المعيّن فقد بيّنّا دليله.
في الجديد.
و قال في القديم:يجوز أن تعتكف في مسجد بيتها و هو الموضع الذي جعلته لصلاتها من بيتها فجوّز الاعتكاف في منزلها (1).
و قال أبو حنيفة:إنّه أفضل (2).
لنا:أنّها قربة يشترط فيها المسجد في حقّ الرجل فيشترط فيها في حقّ المرأة كالطواف.
و أيضا:ما تقدّم من عموم قولهم عليهم السلام:«لا اعتكاف إلاّ في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة» (3).
احتجّ أبو حنيفة:بأنّه موضع فضيلة صلاتها،فكان موضعا لاعتكافها،كالمسجد في حقّ الرجل (4).
و الجواب:أنّ الصلاة غير معتبرة في الاعتكاف؛لأنّ فضيلة صلاة الرجل النافلة (5)متعلّقة بمنزله،و لا يصحّ له الاعتكاف فيه و لا الجمعة،و كذلك (6)المرأة لا تصحّ منها الجمعة في منزلها.
ص:496
قال بعض الجمهور:نعم؛ لأنّ سطح المسجد من المسجد،و لهذا يمنع منه الجنب،كما يمنع من سفله (1).
و لا يجزئه لو عدل إلى غير ما نذره (2).
و قال الشافعيّ:إن نذر الاعتكاف في المسجد الحرام،لزم،و إن نذر بغيره (3)، لم يلزم (4).
لنا:أنّه نذر في طاعة،فيجب عليه الوفاء به،و لا يتحقّق إلاّ بفعل ما نذره على الصفة المنذورة،فيجب أن لا يجزئ مع عدمها.
احتجّ الشافعيّ:بأنّه لا يتعلّق به عبادة شرعيّة،و النذر تعلّق (5)بمطلق الاعتكاف و قد حصل (6).
و الجواب:المنع من ذلك،و كذا البحث في الصلاة لو نذر فعلها في موضع تعيّن عليه إذا كان لذلك المكان مزيّة على غيره بأن يكون مسجدا أو موضع عبادة،أمّا إذا لم يكن،فالأقرب عندي تعلّق النذر بالصلاة مطلقا.
فإن لم يقدر،خرج من الاعتكاف،فإذا بني المسجد،رجع و أتمّ اعتكافه،أو استأنفه على التفصيل الآتي.
ص:497
و هو قول العلماء كافّة.
روى الجمهور عن عائشة قالت:السنّة للمعتكف أن لا يخرج إلاّ لما لا بدّ له منه (1).
و قالت أيضا:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا اعتكف يدني إليّ رأسه فأرجّله،و كان لا يدخل البيت إلاّ لحاجة الإنسان (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الموثّق-عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا يخرج المعتكف من المسجد إلاّ في حاجة» (3).
و في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلاّ لحاجة لا بدّ منها،ثمّ لا يجلس حتّى يرجع و لا يخرج في شيء إلاّ لجنازة أو يعود مريضا،و لا يجلس حتّى يرجع،و اعتكاف المرأة مثل ذلك» (4).
و لأنّ الاعتكاف هو اللبث في المسجد،فمع خروجه لا يصدق الاسم.
ص:498
للعبادة،
فالخروج مناف له.
و به قال الشافعيّ (1)، و أبو حنيفة (2)،و مالك (3)،و أحمد (4).
و قال أبو يوسف،و محمّد:لا يبطل حتّى يكون أكثر من نصف يوم (5).
لنا:أنّه خرج من معتكفه لغير حاجة،فوجب أن يبطل اعتكافه،كما لو كان أكثر من نصف النهار.
احتجّا:بأنّ اليسير معفوّ عنه و إن كان لغير حاجة،كما لو خرج للحاجة ثمّ يأتي في مشيه و كان يمكنه أن يمشي أسرع من ذلك؛فإنّه يعفى عنه؛لقلّته،كذلك هاهنا (6).
و الجواب:أنّ المشي يختلف فيه طباع الناس،و إنّما ينبغي أن يمشي على حذو مشيه؛لأنّ عليه مشقّة في تغييره،بخلاف صورة النزاع،فإنّه لا حاجة إليه هاهنا.
و بعض جوارحه لما
ص:499
يعرض من حاجة إلى ذلك؛لأنّ المنافي للاعتكاف خروجه بجملته لا خروج بعضه،و حديث عائشة (1)دلّ عليه.
من حين خروجه.
هذا إن (2)كان تطوّعا،أو كان واجبا غير متتابع،أو متتابعا من حيث الوقت بأن ينذر الشهر الفلانيّ أو العشر الفلانيّ-مثلا-فهذا إذا خرج ثمّ عاد،تجدّد الاعتكاف من حين عوده.
أمّا لو كان النذر متتابعا من حيث الشرط،فإن خرج أبطل اعتكافه الأوّل و استأنف من حين عوده و قضى ما مضى من الأيّام.
لأنّ هذا لا بدّ منه،و لا يجوز فعله في المسجد،فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه، لم يصحّ لأحد الاعتكاف.
و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يعتكف،و كان يخرج لقضاء الحاجة (3).
و المراد بحاجة الإنسان:البول و الغائط،كني بذلك عنهما؛لعموم الحاجة إليهما.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن داود بن سرحان،قال:كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي أريد أن اعتكف فما ذا أقول و ما ذا أفرض على نفسي؟فقال:«لا تخرج من المسجد إلاّ لحاجة لا بدّ منها،و لا تقعد
ص:500
تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك» (1)و كذا في حديث الحلبيّ عنه عليه السّلام (2).
إلاّ أن يجد غضاضة بأن يكون من أهل الاحتشام (3)فيجد المشقّة بدخولها لأجل الناس،فعندي هاهنا يجوز أن يعدل عنها إلى منزله و إن كان أبعد.
لم يلزمه الإجابة؛لما فيه من المشقّة بالاحتشام،بل يمضي إلى منزله.
ذلك ما لم يخرج عن مسمّى الاعتكاف
بأن يكون منزله خارج البلد مثلا.
و قال بعض الشافعيّة:يجوز أن يمضي إلى الأبعد (4).و ليس بمعتمد؛لأنّه لا ضرر عليه في الأقرب،فعدوله يقتضي خروجه لغير حاجة.
لأنّ الجنب يحرم عليه الاستيطان في المسجد و لا يلزمه الغسل في المسجد و إن أمكن.
إمّا لضرورة اتّفقت،كما اخترناه،أو لأنّه اعتكف في مسجد لا يجمّع فيه،كما ذهب إليه غيرنا،
ص:501
خرج لأدائها و لم يبطل اعتكافه.و به قال أبو حنيفة (1)،و أحمد (2).
و قال الشافعيّ:لا يعتكف في غير الجامع إذا كان اعتكافه يتخلّله جمعة،فإن نذر اعتكافا متتابعا،فخرج منه لصلاة الجمعة،بطل اعتكافه،و عليه الاستئناف (3).
لنا:أنّه خرج لأداء واجب عليه،فلا يبطل به اعتكافه،كما لو خرج لأداء الشهادة أو لإنقاذ غريق أو إطفاء حريق.
احتجّ:بأنّه أمكنه فرضه بحيث لا يخرج منه،فبطل بالخروج،كالمكفّر إذا ابتدأ صوم الشهرين المتتابعين في شعبان أو ذي الحجّة (4).
و الجواب:أنّه إذا نذر أيّاما معيّنة فيها جمعة،فكأنّه استثنى الجمعة بلفظه، و يبطل ما ذكره بما لو نذرت المرأة اعتكاف أيّام متتابعة فيها عادة حيضها.
و قال أحمد:يجوز أن يتمّ اعتكافه فيه (1).
لنا:أنّ المكان تعيّن بإنشاء الاعتكاف فيه أو بالنذر إن كان منذورا.
احتجّوا:بأنّ الجامع محلّ الاعتكاف،و المكان لا يتعيّن للاعتكاف بنذره و تعيينه،فمع عدمه أولى (2).
و الجواب:المنع،و قد تقدّم السند.
كلّ واحد منهما؛
لأنّه بعضه،و ليس له أن يخرج من أحدهما إلى الآخر إلاّ لضرورة أو لحاجة (3)من حرّ أو برد أو غير ذلك.
أمّا لو كان أحد الموضعين ملاصقا للآخر بحيث لا يحتاج إلى المشي في غيرهما،جاز له أن يخرج من أحدهما إلى الآخر.
لنا:ما رواه الجمهور عن عاصم بن ضمرة،عن عليّ عليه السّلام قال:«إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة،و ليعد المريض،و ليحضر الجنازة،و ليأت أهله، و ليأمرهم بالحاجة و هو قائم» (1)رواه أحمد و الأثرم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-في الحسن-عن الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«و لا يخرج في شيء إلاّ لجنازة،أو يعود مريضا،و لا يجلس حتّى يرجع» (2).و لأنّه مستحبّ مؤكّد و الاعتكاف للعبادة،فلا يمنع من مؤكّداتها.
احتجّ المخالف:بما روته عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا اعتكف لا يدخل البيت إلاّ لحاجة الإنسان (3).
و عنها أنّها قالت:السنّة على المعتكف أن لا يعود مريضا،و لا يشهد جنازة، و لا يمسّ امرأة و لا يباشرها،و لا يخرج لحاجة إلاّ لما لا بدّ منه (4).
و لأنّه ليس بواجب،فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب من أجله (5).
و الجواب:أنّ الحديث الأوّل نقول بموجبه،و لا دلالة فيه على موضع النزاع.
و الحديث الثاني غير مسند (6)إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قول عائشة ليس بحجّة،و كونه ليس بواجب:لا يمنع من فعله الاعتكاف،كقضاء الحاجة.
ص:504
متتابعا أو غير متتابع،تعيّن عليه التحمّل و الأداء أو لم يتعيّن عليه أحدهما،إذا دعي إليها.
و قال الشافعيّ:إن تعيّنا عليه،خرج و لا يبطل اعتكافه المتتابع،و إن لم يتعيّنا عليه و لا واحد منهما،انقطع التتابع بخروجه،و يستأنف إذا عاد،و إن تعيّن عليه التحمّل دون الأداء،فكما لو لم يتعيّنا عليه،و إن كان بالعكس فقولان (1).
لنا:أنّ إقامة الشهادة ممّا لا بدّ منه،فصار ضروريّا،كقضاء الحاجة،فلا يكون مبطلا.
و إذا دعي إليها مع عدم التعيين،تجب الإجابة،فلا يمنع الاعتكاف منه.
احتجّ الشافعيّ:بأنّه خرج لغير حاجة فأبطل التتابع (2).
و جوابه:المنع من المقدّمة الأولى،و يقيمها قائما و لا يقعد.
إذا عرفت هذا،فإذا (3)جاز لإقامة الشهادة مع التعيين فهل يجوز مع عدمه، الأقرب عدمه.
و يجوز أن يخرج لزيارة الوالدين؛لأنّه طاعة،فلا يكون الاعتكاف مانعا منها.
و كذا يجوز أن يخرج في حاجة أخيه المؤمن؛لأنّه طاعة،فلا يمنع الاعتكاف منها.
ص:505
و يؤيّده:ما رواه ابن بابويه عن ميمون بن مهران (1)قال:كنت جالسا عند الحسن بن عليّ عليهما السلام،فأتاه رجل فقال له:يا ابن رسول اللّه إنّ فلانا له عليّ مال و يريد أن يحبسني،فقال:«و اللّه ما عندي مال فأقضي عنك»قال:فكلّمه فلبس عليه السّلام نعله،فقلت له:يا ابن رسول اللّه أنسيت اعتكافك؟فقال:«لم أنس و لكنّي سمعت أبي عليه السّلام يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:
«من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد اللّه عزّ و جلّ تسعة آلاف سنة،صائما نهاره،قائما ليله» (2).
المسجد
و إن كان بينه و بين المسجد فضاء،و لا يكون مبطلا لاعتكافه (3).
و للشافعيّ قولان فيما إذا كان بينهما فضاء و ليست في رحبة المسجد،بل خارجة عنه و عنها (4).
و احتجّ الشيخ:بأنّ هذه المنارة بنيت للمسجد و أذانه،فصارت كالمتّصلة به.
و لأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك بأن يكون مؤذّن المسجد و قد عرف صوته
ص:506
و وثق بمعرفته بالأوقات،فجاز له ذلك.
و فيما ذكره الشيخ-رحمه اللّه-إشكال؛لأنّ الأذان و إن كان مندوبا إلاّ أنّه يمكن فعله في المسجد،فيبقى الخروج لغير ضرورة.أمّا لو فرض أن يكون هو المؤذّن و قد اعتاد الناس بصوته،و يبلغ من الإسماع ما لا يبلغ لو أذّن في المسجد، لم أستبعد (1)قول الشيخ رحمه اللّه.
الصلاة أيّها الأمير،أو قال:الصلاة أيّها الأمير،بطل اعتكافه .
و هو جيّد؛لأنّه خرج من معتكفه لغير ضرورة،فأبطل اعتكافه،كما تقدّم.
و للشافعيّ قول بالجواز؛لأنّ عائشة روت أنّ بلالا جاء فقال:السلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته،الصلاة يرحمك اللّه (3).
و الجواب:أنّه في غير الاعتكاف.
لنا:أنّها خارجة عن المسجد فكانت كغيرها.
احتجّ أحمد:بأنّها تابعة له و معه،فكانت بمنزلته (1).
و الجواب:تابع الشيء و مصاحبه غيره،و مساواتها في الحكم يحتاج إلى دليل، و لا فرق بين أن يكون عليها حائط و باب أو لم يكن.
لا يمشي تحت الظلال و لا يقف فيه-إلاّ عند الضرورة-إلى أن يعود إلى المسجد،ذكره في النهاية (2).
و قال أبو الصلاح:لا يجلس تحت سقف (3).
و في تحريم المشي تردّد و الأقرب الاقتصار في المنع على الجلوس تحت سقف أو غير سقف؛لرواية داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و لا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك» (4).
و في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلاّ لحاجة لا بدّ منها،ثمّ لا يجلس حتّى يرجع، و لا يخرج في شيء إلاّ لجنازة أو يعود مريضا،و لا يجلس حتّى يرجع» (5).
أمّا المشي تحت الظلال ففيه الإشكال (6).
قال السيّد المرتضى-رحمه اللّه-:ليس للمعتكف إذا خرج من المسجد
ص:508
أن يستظلّ بسقف حتّى يعود إليه،و الثوريّ يوافق الشيعة الإماميّة في ذلك.
و حكى عنه الطحاويّ في كتاب الاختلاف أنّ المعتكف لا يدخل تحت سقف إلاّ أن يكون ممرّه فيه،فإن دخل فسد اعتكافه،و باقي الفقهاء يجيزون له الاستظلال بالسقف.ثمّ استدلّ على قوله-رحمه اللّه-بالإجماع،و طريقة الاحتياط،و اليقين بأنّ العبادة ما فسدت[إلاّ بيقين] (1)،و لا يقين إلاّ باجتناب ما ذكرناه (2).
خاصّة،
فإنّه يصلّي في أيّ بيوتها شاء.قاله علماؤنا؛لأنّها حرم،فلها حرمة ليست لغيرها.
و يدلّ عليه ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد اللّه بن سنان قال:المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها شاء،سواء عليه في المسجد صلّى أو في بيوتها (3).
و أسنده ابن بابويه عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها شاء سواء عليه صلّى في المسجد أو في بيوتها» (4).ثمّ قال بعد كلام«و لا يصلّي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلاّ بمكّة،فإنّه يعتكف بمكّة حيث شاء؛لأنّها كلّها حرم» (5).
و قال الشيخ:قوله عليه السّلام:«يعتكف بمكّة حيث شاء»إنّما يريد به:يصلّي صلاة الاعتكاف؛لأنّه شرع في بيان صلاة المعتكف فقال:«و لا يصلّي المعتكف
ص:509
في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلاّ بمكّة»لأنّ الاستثناء يقتضي ذلك،و إلاّ لكان من غير الجنس (1).
و قد روى الشيخ-في الصحيح-أيضا عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها شاء،و المعتكف في غيرها لا يصلّي إلاّ في المسجد الذي سمّاه» (2).
كلام الشيخ-رحمه اللّه-يقتضي أنّ الصلاة في البيوت مع الضرورة،بأن يخرج من المسجد لحاجة،ثمّ يحضر وقت الصلاة و هو في بيت من بيوت مكّة،فإنّه يصلّي فيها،بخلاف غير مكّة،فإنّه لا يجوز له أن يصلّي حتّى يرجع إلى المسجد.
آخر:لو اعتكف (3)في غير مكّة فخرج لضرورة فتطاول وقت الضرورة حتّى ضاق وقت الصلاة عن عوده،صلّى أين شاء،و لم يبطل اعتكافه؛لأنّه صار ضروريّا،فيكون معذورا،كالمضيّ إلى الجمعة.
و قال ربيعة (3)،و مالك (4)،و ابن المنذر:تمضي في اعتكافها حتّى تفرغ منه، ثمّ ترجع إلى بيت زوجها فتعتدّ فيه (5).
لنا:قوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ (6).
و لأنّ الاعتداد في بيتها واجب،فلزمها الخروج إليه،كالجمعة في حقّ الرجل.
احتجّوا:بأنّ الاعتكاف المنذور واجب،و الاعتداد في بيت الزوج واجب،و قد تعارضا،فيقدّم الأسبق (7).
و الجواب:ينتقض بالخروج إلى الجمعة و سائر الواجبات،أمّا استئناف الاعتكاف فإنّه يصحّ على تقدير أن يكون الاعتكاف واجبا و لم يشترط الرجوع.
بما هو عليه و هو مفلّس لم يبطل اعتكافه،
و إذا عاد بنى؛لقوله عليه السّلام:«رفع عن أمّتي الخطأ،و النسيان،و ما استكرهوا عليه» (8).
و إن أخرجه بحقّ،مثل إقامة حدّ أو استيفاء دين يتمكّن من قضائه،بطل
ص:511
اعتكافه و استأنف،قاله الشيخ (1)-رحمه اللّه (2)-.و به قال الشافعيّ فيمن عليه دين،أمّا من عليه إقامة حدّ فإنّه يبني عند الشافعيّ (3).
لنا:أنّ التفريط وقع منه و أحوج نفسه إلى الإخراج مع تمكّنه من تركه،فكان كمن يخرج مختارا.
احتجّ الشافعيّ:بأنّه مكره على الخروج،و لا اعتبار باختيار السبب (4).
و الجواب:ينتقض ما ذكرته على أصلك بأداء الشهادة إذا كان مختارا في تحمّلها،فإنّه يبطل اعتكافه عنده لو خرج لأدائها مضطرّا.و هذا الذي ذكره الشيخ -رحمه اللّه-ينبغي تقييده بعدم مضيّ ثلاثة أيّام،أمّا إذا مضت الثلاثة و لم يشترط التتابع،فإنّه لا يستأنف،بل يصحّ اعتكافه (5)،و يأتي بما زاد إن كان واجبا.
و لأنّه فعل المنهيّ عنه ناسيا،فلا يقتضي فساد العبادة،كالأكل في الصوم.
احتجّ:بأنّه ترك الاعتكاف و هو لزوم المسجد،و ترك الشيء عمده و سهوه سواء،كترك النيّة في الصوم (1).
و الجواب:نمنع (2)التسوية بين الذكر و عدمه.
أو إغماء أو جنون،فإنّه يخرج إجماعا،و إذا برئ بنى و لا يبطل اعتكافه،إلاّ أن يكون قد مضى أقلّ من ثلاثة أيّام عندنا.
و إن كان مرضا خفيفا لا يحتاج معه إلى الخروج من المسجد سواء عليه أقام فيه أو خرج،كحمّى يوم أو صداع يسير أو وجع ضرس و ما أشبهه ممّا لا يضطرّ معه إلى الخروج،لا يخرج من المسجد،و لو خرج أبطل اعتكافه،و وجب عليه الاستئناف إن كان واجبا متتابعا.و إن كان مريضا يشقّ معه المقام في المسجد و يحتاج إلى الفراش و الطبيب و المعالجة،جاز له الخروج إجماعا،فإذا برئ هل يقضي أم لا؟للشافعيّ قولان:
أحدهما:يقضي إن كان واجبا.
و الثاني:بنى إن كان واجبا أيضا (3).
أمّا الشيخ-رحمه اللّه-فإنّه قال:متى عرض للمعتكف مرض أو جنون أو إغماء أو حيض،أو طلبه سلطان يخاف على نفسه أو ماله،فإنّه يخرج،ثمّ إن كان خرج و قد مضى أكثر مدّة اعتكافه،عاد بعد زوال عذره،و بنى على ما تقدّم و أتمّ ما بقي،و إن لم يكن مضى أكثر من النصف،استأنف الاعتكاف،سواء كان
ص:513
الاعتكاف واجبا أو مندوبا؛لأنّا قد بيّنّا أنّه يجب بالدخول فيه إلاّ ما استثناه من الشرط (1).
و لا نعرف للشيخ-رحمه اللّه-تمسّكا سوى القياس على الشهرين المتتابعين، لكنّ الشيخ-رحمه اللّه-لا يعمل بالقياس.
و الأولى في هذا المقام أن يقال:إن كان الاعتكاف مندوبا،لم يجب عليه القضاء و إن كان واجبا فإمّا أن يكون ثلاثة أيّام أو أزيد،فإن كان ثلاثة أيّام لا غير، استأنف الاعتكاف؛لأنّ ما بقي أقلّ من ثلاثة و يجب عليه الإتيان بها،و لا يمكن إلاّ بإكمال ثلاثة أيّام على ما سلف،فوجب الاستئناف؛لضرورة الإتيان بالباقي.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا مرض المعتكف،أو طمثت المرأة المعتكفة،فإنّه يأتي بيته ثمّ يعيد إذا برئ و يصوم» (2).
و إن كان أزيد من ثلاثة أيّام،فإن كان قد حصل العارض بعد الثلاثة،خرج، و إذا عاد بنى،فإن كان الباقي ثلاثة فما زاد،أتى بها،و إن كان دونها،أتى بثلاثة، و إن حصل العارض قبل الثلاثة،فهو في محلّ التردّد من حيث عموم الحديث الدالّ على الاستئناف،و من حيث حصول العارض المقتضي للضرورة،فكان كالخروج للحاجة،و الأقرب عدم الاستئناف.
و مالك (1)،و ربيعة،و الزهريّ،و عمرو بن دينار (2).
و قال أحمد:إن لم يكن للمسجد رحبة،رجعت إلى منزلها،و إن كان له رحبة خارجة يمكن أن يضرب فيه خباءها،يضرب خباءها فيها مدّة حيضها (3).
و قال النخعيّ:يضرب فسطاطها في دارها،فإذا طهرت،قضت تلك الأيّام،و إن دخلت بيتا أو سقفا استأنفت (4).
لنا:على خروجها من المسجد:قوله عليه السّلام:«لا أحلّ المسجد لحائض و لا جنب» (5).
و لأنّ الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد،فهو كالجنابة و آكد منه، و لا نعرف في وجوب خروجها خلافا.
و أمّا رجوعها إلى منزلها فلأنّه وجب عليها الخروج من المسجد،فلم يلزمها الإقامة في رحبته كالخارجة في العدّة أو خوف الفتنة.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ-في الصحيح-عن عبد الرحمن بن الحجّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إنّها ترجع إلى بيتها»و قد تقدّمت الرواية (6).
احتجّ أحمد:بما روته عائشة قالت:كنّ المعتكفات إذا حضن أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإخراجهنّ من المسجد،و أن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتّى يطهرن (7).
ص:515
و الجواب بعد تسليم الحديث:أنّه يحتمل أن يبيّن عليه السّلام أنّ رحبة المسجد ليست منه،أو أنّ (1)الاعتكاف قد كان واجبا عليهنّ،و علم عليه السّلام من حالهنّ توهّم سقوطه عنهنّ بخروجهنّ من المسجد للحيض،فأزال هذا الوهم عنهنّ.
و قول إبراهيم النخعيّ لا تعويل عليه؛إذ هو مخالف لما عليه العلماء.
لأنّ النفاس في الحقيقة دم حيض.
الصلاة و لا الطواف.
و قالت عائشة:اعتكفت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة و الصفرة،و ربما و ضعنا الطشت تحتها و هي تصلّي (2).
إذا ثبت هذا،فإنّها تتحفّظ و تتلجّم؛لئلاّ تتعدّى النجاسة إلى المسجد،فإن لم يكن صيانتها منه،خرجت؛لأنّه عذر فأشبه قضاء الحاجة.
معتكف،لزمه الإحرام،
و يقيم في اعتكافه إلى أن يتمّ ثمّ يمضي في إحرامه؛لأنّها
ص:516
عبادة تبطل بالخروج لغير ضرورة،و لا ضرورة هنا.
أمّا لو خاف فوت الحجّ فإنّه يترك الاعتكاف و يمضي في الحجّ،فإذا فرغ استأنف الاعتكاف واجبا إن كان واجبا،و إلاّ ندبا؛لأنّ الخروج حصل باختياره؛ لأنّه كان يسعه أن يؤخّر الاعتكاف.
لم يلزمه قضاؤه؛
لأنّه لا دليل عليه (1).
كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2).و كذا لو أخرج يده أو رجله؛لأنّه بخروج أحد هذه الأعضاء لا يكون خارجا،و لهذا لو حلف ألاّ يخرج لم يحنث بخروج أحد أعضائه.
عليه الإتيان بما نذره،
و قد تقدّم البحث فيه (3).فإن كان فيه اعتكف،و إن كان بعيدا رحل إليه،فإن كان المسجد الحرام لم يدخله إلاّ بحجّة أو عمرة؛لأنّه لا يجوز له دخول مكّة إلاّ محرما.
المسجد،فله ترك الاعتكاف؛
لأنّ هذه الأشياء ممّا أباح اللّه تعالى ترك الواجب بأصل الشرع لها،كالجمعة و الصلاة،فأولى أن يباح لأجله ترك ما أوجبه على نفسه.
ص:517
و قد روى ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام:«إنّ واقعة بدر كانت في شهر رمضان فلم يعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين يوما،عشرة لعامه،و عشرة قضاء لما فاته» (1)و إذا جاز ترك الاعتكاف من أصله فكذا في انتهائه.
عليه و آله لمّا أردن الاعتكاف،
أمرن بأبنيتهنّ فضربن في المسجد (2).
و لأنّ المسجد يحضره الرجال و قد أمرن بالاختفاء عنهم.
و ينبغي أن تضرب خباءها في ناحية المسجد لا في وسطه،لئلاّ يمنع من اتّصال الصفوف.
و كذا يستحبّ للرجل أيضا أن يستتر بشيء،روى الجمهور عن أبي سعيد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اعتكف في قبّة تركيّة على سدّتها قطعة حصير،قال:
فأخذ الحصير بيده فنحّاها في ناحية القبّة ثمّ أطلع رأسه فكلّم الناس (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه-في الصحيح-عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبّة من شعر و شمّر المئزر و طوى فراشه» (4).
و لأنّه أستر له و أخفى لعمله،و ربّما احتاج إلى الأكل و النوم و ينبغي له
ص:518
سترهما عن الناس.
و شبهه،
و إذا تبرّع به،كان ندبا بلا خلاف (1).
إذا ثبت هذا،فاعلم أنّه قد اختلف علماؤنا هل يجب المندوب بغير نذر و شبهه أم لا على أقوال ثلاثة:
أحدها:يجب بالنيّة و الدخول فيه،اختاره الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط (2)،و أبو الصلاح الحلبيّ (3).و به قال مالك (4)،و أبو حنيفة (5).
و ثانيها:لا يجب إلاّ أن يمضي يومان معتكفا،فيجب الثالث،اختاره ابن الجنيد (6)و ابن البرّاج (7)،و هو الظاهر من كلام الشيخ في النهاية (8).
و ثالثها:لا يجب أصلا،بل له الرجوع فيه متى شاء،اختاره السيّد المرتضى- رحمه اللّه (9)-و ابن إدريس (10).و به قال الشافعيّ (11)،و أحمد (12)،و هو الأقوى عندي.
ص:519
لنا:أنّها عبادة مندوبة فلا تجب بالشروع فيها،كالصلاة المندوبة و غيرها من العبادات التي أوجبها الشارع في الأصل لا يجب إتمامها في الندب إلاّ الحجّ و العمرة؛للإجماع عليهما،فكيف يجب ما ليس له أصل في الوجوب.
و لأنّه لا تجب الصدقة بمال نوى الصدقة به و شرع فيها بإخراج بعضها،فكذا الاعتكاف المشابه له؛لأنّه غير مقدّر بالشرع،فأشبه الصدقة.
احتجّ الموجبون بالدخول منّا:بورود الأخبار الدالّة على وجوب الكفّارة على من أفسد الاعتكاف بجماع و غيره و هو مطلق،و لو كان ندبا لم تجب بإفساده الكفّارة (1).
و احتجّ المخالفون عليه:بالقياس على الحجّ و العمرة (2).
و احتجّ ابن الجنيد:بما رواه محمّد بن مسلم (3)عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
«إذا اعتكف يوما و لم يكن،اشترط،فله أن يخرج و يفسخ اعتكافه،و إن أقام يومين و لم يكن اشترط،فليس له أن يخرج و يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام» (4).
و الجواب عن الأوّل:بأنّها مطلقة لا تتناول صورة النزاع و غيرها جمعا، و يصدق في كلّ واحد منها و من غيرها،فيحمل على الغير (5)؛جمعا بين الأدلّة، و أخذا بالمتيقّن مع معارضة براءة الذمّة.
و عن الثاني:بالفرق؛لأنّه يحصل غالبا بكلفة عظيمة و مشقّة شديدة و إنفاق
ص:520
مال كثير،ففي إبطالهما تضييع لماله،و قد نهي عنه،فلهذا وجب عليه المضيّ فيهما، بخلاف الاعتكاف.
و عن الثالث:بأنّ الرواية ضعيفة السند؛إذ في طريقها عليّ بن فضّال.
و هو قول عامّة أهل العلم،إلاّ من شذّ،فقد نقل (1)عن بعض العلماء أنّه يجب الاعتكاف بمجرّد العزم عليه (2).
و استدلّ عليه:بما روته عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان،فاستأذنته عائشة،فأذن لها،فأمرت ببنائها،فضرب،و سألت حفصة أن تستأذن لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ففعلت،فأمرت ببنائها، فضرب،فلمّا رأت ذلك زينب بنت جحش،أمرت ببنائها،فضرب،قالت:و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صلّى الصبح دخل معتكفه،فلمّا صلّى الصبح، انصرف فبصر (3)بالأبنية فقال:«ما هذا؟»فقالوا:بناء عائشة،و حفصة،و زينب، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«آلبرّ أردتنّ؟ما أنا بمعتكف»فرجع فلمّا أفطر اعتكف عشرا من شوّال (4).
و لأنّه عبادة تتعلّق بالمسجد فلزمت بالدخول فيها،كالحجّ.
ص:521
و الجواب عن الأوّل:أنّه لا دلالة فيه على وجوبه بالعزم،بل دليل على خلافه؛ لأنّ تركه له دليل على عدم الوجوب بالعزم،و القضاء لا يدلّ على الوجوب؛لأنّا نمنع كونه قضاء،و لو سلّم،فإنّ النوافل تقضى كالفرائض مستحبّا.
و عن الثاني:بالفرق،و قد مضى (1).
اتّفقوا على أنّه لا يجب إلاّ بعد إكمال اليومين.
فإن اعتكف يومين آخرين،قال الشيخ-رحمه اللّه-:وجب السادس (2)،و به قال ابن الجنيد (3)، و أبو الصلاح (4)،و ابن البرّاج (5).
و قال ابن إدريس:لا يجب السادس (6).
احتجّ الشيخ (7)-رحمه اللّه-:بما رواه عن أبي عبيدة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار،إن شاء ازداد أيّاما أخر،و إن شاء خرج من المسجد،فإن أقام يومين بعد الثلاثة،فلا يخرج من المسجد حتّى يستكمل ثلاثة أخر» (8)و في طريقها عليّ بن فضّال،و فيه قول.
أنّه إن عرض له
ص:522
عارض أن يخرج من الاعتكاف،و لا نعرف فيه مخالفا إلاّ ما حكي عن مالك أنّه قال:لا يصحّ الاشتراط (1).
لنا:أنّه عبادة في إنشائها الخير،فله اشتراط الرجوع مع العارض،كالحجّ.
و لأنّه عبادة تجب بعقده،فكان الشرط إليه فيه كالوقف.
و لأنّ الاعتكاف لا يختصّ بقدر،فإذا شرط الخروج فكأنّه نذر القدر الذي أقامه.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«و اشترط على ربّك في اعتكافك،كما تشترط عند إحرامك أن يحلّك في اعتكافك (2)عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه» (3).
و رواه ابن بابويه عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» (4).
احتجّ مالك:بأنّه شرط في العبادة ما ينافيها،فلا يصحّ،كما لو شرط الجماع أو الأكل في الصلاة.
و الجواب:أنّه بمنزلة من يشترط الاعتكاف في زمان دون زمان،و ذلك صحيح،بخلاف ما ذكره؛لأنّه شرط أن يأتي بمنهيّ عنه في العبادة،فلم يجز (5).
عارض رجع فيه،
فله الرجوع أيّ وقت شاء ما لم يمض له يومان،فإن مضى له
ص:523
يومان،وجب عليه إتمام الثالث،و إن لم يشترط،وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيّام؛لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام (1).
و قال في النهاية:متى شرط جاز له الرجوع فيه أيّ وقت شاء،فإن لم يشترط، لم يكن له الرجوع فيه إلاّ أن يكون أقلّ من يومين،فإن مضى عليه يومان،وجب عليه إتمام ثلاثة أيّام (2).
و الذي ذكره في النهاية دلّ عليه رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط،فله أن يخرج و يفسخ اعتكافه،و إن أقام يومين و لم يكن اشترط،فليس له أن يخرج و يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام» (3).
هذا الذي اختاره الشيخ-رحمه اللّه-أمّا السيّد المرتضى-رحمه اللّه-فيتخرّج على قوله ما فصّله،و هو أنّه لا يخلو إمّا أن يكون الاعتكاف متبرّعا به،أو منذورا، فإن كان الأوّل،جاز أن يرجع متى شاء،سواء شرط أولا؛لأنّه عبادة مندوبة لا تجب بالدخول فيها،فجاز الرجوع متى شاء و إن لم يشترط،كالصلاة و الصوم.
و إن كان الثاني،فإمّا أن يعيّنه بزمان أولا،و على التقديرين فإمّا أن يشترط التتابع أولا،و على التقادير الأربعة فإمّا أن يشترط على ربّه الرجوع إن عرض له عارض أو لا يشترط،فالأقسام ثمانية.
الأوّل:أن يعيّن زمانا و يشترط التتابع و يشترط على ربّه،فعند العارض يخرج عن الاعتكاف،و لا يجب عليه إتمامه؛عملا بالاشتراط،و لا قضاؤه؛لعدم الدليل عليه،مع أنّ الأصل براءة الذمّة.
ص:524
الثاني:عيّن النذر و لم يشترط التتابع،لكن شرط على ربّه[الرجوع] (1)ثمّ عرض العارض فإنّه يخرج؛عملا بالاشتراط،و لا يجب عليه الإتمام و لا القضاء.
الثالث:عيّن النذر و شرط التتابع و لم يشترط على ربّه،فإنّه يخرج مع العارض و يقضي مع الزوال متتابعا.
الرابع:عيّن النذر و لم يشترط التتابع و لا اشترط على ربّه،ثمّ عرض له ما يقتضي الخروج،فإنّه يخرج و يقضي الفائت.
الخامس:لم يعيّن زمانا،لكنّه شرط المتابعة،و اشترط على ربّه،فعند العارض يخرج،ثمّ يأتي بما بقي عليه عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة و إن كان أقلّ استأنف.
السادس:لم يعيّن،و اشترط التتابع و لم يشترط على ربّه،فإنّه يخرج مع العارض،ثمّ يستأنف اعتكافا متتابعا؛لأنّه وجب عليه متتابعا،و لا يتعيّن بفعله إذا لم يعيّنه بنذره،فيجب عليه الإتيان به على وصفه المشترط في النذر.
السابع:لم يعيّن،و اشترط على ربّه و لم يشترط التتابع،فإنّه يخرج مع العارض،ثمّ يستأنف إن كان قد اعتكف أقلّ من ثلاثة،و إلاّ بنى إن كان الواجب أزيد،و أتى بالباقي إن كان ثلاثة فما زاد،و إلاّ فثلاثة.
الثامن:لم يعيّن،و لم يشترط التتابع و لا شرط على ربّه،فإنّه يخرج مع العارض و يستأنف إن لم يحصل ثلاثة،و إلاّ أتمّ (2).
الاشتراط إنّما يصحّ في عقد النذر،أمّا إذا أطلقه من الاشتراط على ربّه فلا يصحّ له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف،فإذا لم يشترط ثمّ عرض له مانع يمنع
ص:525
الصوم أو الكون في المسجد،فإنّه يخرج ثمّ يقضي الاعتكاف،إن كان واجبا فواجبا،و إن كان ندبا فندبا.
آخر:لو اشترط الوطء في اعتكافه،أو الفرجة أو النزهة أو البيع للتجارة أو التكسّب بالصناعة في المسجد،لم يجز ذلك؛لأنّه مناف للاعتكاف فلا يجامعه.
قال اللّه تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها (1).و قد أجمع فقهاء الأمصار على تحريم الوطء للمعتكف.
إذا ثبت هذا،فإنّ الاعتكاف يفسد بالوطء بإجماع أهل العلم،فإنّ الوطء إذا حرم في العبادة أفسدها،كالحجّ،و لا نعرف فيه مخالفا.و لا فرق في ذلك بين الإنزال و عدمه.
هذا إذا كان الوطء عمدا،أمّا إذا وقع سهوا،فإنّه لا يبطل اعتكافه،و به قال الشافعيّ (2).
و قال أبو حنيفة (3)،و مالك (4)و أحمد:يبطل (5).
لنا:قوله عليه السّلام:«رفع عن أمّتي الخطأ و النسيان» (6).
ص:526
و لأنّها مباشرة لا تفسد الصوم فلا تفسد الاعتكاف،كالمباشرة فيما دون الفرج.
احتجّ المخالف:بأنّ ما حرم في الاعتكاف استوى عمده و سهوه،كالخروج من المسجد (1).
و الجواب بعد تسليم الأصل:بالفرق،فإنّ الخروج ترك المأمور به و هو مخالف لفعل المحظور،فإنّ من ترك النيّة في الصوم،لم يصح صومه و إن كان ناسيا، بخلاف ما لو جامع سهوا.
الفرجين؛
لقوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (2).و هو على عمومه في كلّ مباشرة،و بما قلناه ذهب مالك (3).
و قال أبو حنيفة:إن أنزل أفسد اعتكافه،و إن لم ينزل لم يفسد (4).و للشافعيّ قولان (5).
ص:527
لنا:ما تقدّم من الآية.و لأنّها مباشرة محرّمة فأفسدت الاعتكاف،كالجماع.
احتجّ المخالف:بأنّه لا يفسد الصوم فلا يفسد الاعتكاف،كما لو كان بغير شهوة (1).
و الجواب:الفرق،فإنّ هذه المباشرة لم تحرم في الصوم بعينها،بل إذا خاف الإنزال،و هي محرّمة في الاعتكاف بعينها،كما ذهب إليه أبو حنيفة أيضا في وطء الساهي،فإنّه لا يفسد الصيام (2)،و يفسد الاعتكاف (3).
لصدق اسم المباشرة فيه و اسم الفرج عليه.
لما ثبت من أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يلامس بعض نسائه في الاعتكاف (4).
لنا:ما رواه الجمهور عن عمرو بن شعيب،عن أبيه،عن جدّه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن البيع و الشراء في المسجد (1).
و عنه عليه السّلام (2)-و قد سمع رجلا ينشد ضالّة في المسجد-:«أيّها الناشد غيرك الواجد،إنّما بني المسجد لذكر اللّه و الصلاة» (3)و كلمة إنّما للحصر إلاّ ما خرج بالدليل.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ-رحمه اللّه-عن أبي عبيدة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«المعتكف لا يشمّ الطيب،و لا يتلذّذ بالريحان،و لا يماري، و لا يشتري،و لا يبيع» (4).
و لأنّ الاعتكاف لبث للعبادة،فينافي ما غايرها.
ينبغي القول بالمنع منه؛عملا بمفهوم النهي عن البيع و الشرى.
قال السيّد المرتضى:تحرم التجارة و البيع و الشرى (1).و التجارة أعمّ.
يشتري به قوته،
فالوجه الجواز؛للضرورة.
إلاّ ما لا بدّ منه؛لأنّه تدعو الحاجة إليه،فجرى مجرى لبس قميصه و عمامته و نزعهما.
نعم،يجوز له النظر في أمر معيشته و صنعته،و يتحدّث بما شاء من الحديث المباح و يأكل الطيّبات.
و كذا الكلام الفحش.
و في تحريم الطيب قولان،قال به في النهاية و الجمل (3)،و سوّغه في المبسوط (4).و الأقرب الأوّل؛لرواية أبي عبيدة عن الباقر عليه السّلام.
و لأنّها عبادة تختصّ مكانا،فكان ترك الطيب فيها مشروعا،كالحجّ.
قال الشيخ في الجمل:و يجب على المعتكف أن يتجنّب جميع ما يتجنّبه المحرم (5).
و قال في المبسوط:و قد روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم،و هو مخصوص
ص:530
بما قلناه،من الوطء و المباشرة،و القبلة،و الملامسة و استنزال الماء بجميع أسبابه، و الخروج من المسجد إلاّ لضرورة،و البيع و الشراء،و يجوز له أن ينكح،و يأكل الطيّبات،و يشمّ الطيب،و أكل الصيد،و عقد النكاح (1).و الأقرب ما قاله في النهاية؛لدلالة الحديث عليه و الاحتياط.
و لا بأس أن يأكل في المسجد،و يغسل يده في طشت ليفرغ خارج المسجد، و لا يجوز له أن يخرج لغسل يده؛لأنّ منه بدّا،و لا يخرج للطهارة و لا لتجديدها.
و لا يجوز له أن يبول في المسجد في آنية،و لا أن يفصد،و لا يحتجم.
بل هو أفضل من الصلاة المندوبة.و به قال الشافعيّ (2).
و قال أحمد:لا يستحبّ له إقراء القرآن،و لا دراسة العلم،بل التشاغل بذكر اللّه تعالى و التسبيح و الصلاة أفضل (3).
لنا:أنّ إقراء القرآن و تدريس العلم قربة و طاعة،فاستحبّ للمعتكف،كالصلاة و الذكر.
احتجّ:بأنّها عبادة شرّع لها المسجد،فلا يستحبّ فيها إقراء القرآن،و تدريس العلم،كالصلاة و الطواف (4).
ص:531
و الجواب:أنّ الصلاة شرّع لها أذكار مخصوصة و خشوع،و الاشتغال بالعلم يقطعه عنها،و أمّا الطواف فلا يكره فيه إقراء القرآن و لا تدريس العلم.
و لأنّ العلم أفضل العبادات و نفعه يتعدّى،فكان أولى بمن الصلاة.
لأنّ في منعه ضررا عظيما.
و قد روي أنّ صفيّة (1)زوج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله معتكفا،فأتيته ليلا أزوره،فحدّثته،فلمّا انقلبت،قام ليقلبني، فإذا رجلان من الأنصار،فلمّا رأيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أسرعا،فقال صلّى اللّه عليه و آله:«على رسلكما إنّها صفيّة بنت حييّ»فقالا:سبحان اللّه يا رسول اللّه،فقال:«إنّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم،فخشيت أن يقذف في قلوبكما شرّا» (2).
عليه و آله أنّه قال:لا صمات يوم إلى الليل» (1).
و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى عن صوم الصمت (2).و قد رواه أصحابنا أيضا (3)،و قد سلف (4)،و أجمعوا على تحريمه.
إذا ثبت هذا،فلو نذره في اعتكافه لم ينعقد.و هو قول فقهاء الإسلام.قال ابن عبّاس:بينا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخطب إذا هو برجل قائم،فسأل عنه صلّى اللّه عليه و آله،فقالوا:أبو إسرائيل (5)نذر أن يقوم في الشمس و لا يقعد و لا يستظلّ و لا يتكلّم و يصوم،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«مره فليتكلّم و ليستظلّ و يقعد و ليتمّ صومه» (6).
و لأنّه نذر في معصية فلا ينعقد،و انضمامه إلى الاعتكاف لا يخرج به عن كونه بدعة.
قال بعض الجمهور:لا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من كلامه؛لأنّه استعمله في غير ما هو له،فأشبه استعمال المصحف في التوسّد،و قد جاء«لا يناظر بكلام اللّه» (7)قيل:معناه:لا يتكلّم عند الشيء بالقرآن،كما يقال لمن جاء في وقته:
ص:533
ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (1)و ما شابهه (2).و هو جيّد؛لأنّ احترام القرآن يقتضي خلاف ذلك.
لأنّ شرطه الصوم،و مع فساد الشرط يفسد المشروط.
و كذا كلّ ما يمنع الاعتكاف من فعله نهارا،يمنع من فعله ليلا،و قد يحرم في النهار ما يحلّ بالليل،كالأكل و الشرب؛لأنّ المنع للصوم لا للاعتكاف.
و الارتداد لا يفسده،فإذا عاد بنى (4).و الوجه عندي الإبطال.
و لا خصومة .و هو قريب؛
لأنّه لا يفسد الصوم،فلا يفسد الاعتكاف.
ذهب إليه علماؤنا،و به قال الحسن البصريّ،و الزهريّ (6)،و بعض الحنابلة (7)،و أحمد في إحدى الروايتين (8)،و باقي الجمهور قالوا بسقوطها و إن فسد الاعتكاف (9).
لنا:أنّه زمان تعيّن للصوم،و تعلّق الإثم بإفساده،فوجبت الكفّارة فيه بالجماع، كرمضان.
ص:534
و لأنّها عبادة يفسدها الوطء بعينه،فوجبت الكفّارة بالوطء فيها،كالحجّ و صوم رمضان.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن أبي ولاّد الحنّاط،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة كان زوجها غائبا،فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها،فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها،و تهيّأت لزوجها حتّى واقعها،فقال:
«إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها؛فإنّ عليها ما على المظاهر» (1).
و في الموثّق عن سماعة بن مهران،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله،فقال:«هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان» (2).
احتجّوا:بأنّها عبادة لا تجب بأصل الشرع،فلم تجب بإفسادها كفّارة، كالنوافل.و لأنّها عبادة لا يدخل المال في جبرانها فلم تجب الكفّارة بإفسادها، كالصلاة.
و لأنّ وجوب الكفّارة يحتاج إلى دليل (3).
و الجواب عن الأوّل:بالفرق،فإنّ النافلة لا يتعلّق بإفسادها إثم،و الكفّارة تتبع الإثم.
و عن الثاني:بالمنع من ذلك.
و عن الثالث:بقيام الدليل الذي ذكرناه.
أو إطعام ستّين
ص:535
مسكينا.و به قال:الحسن و الزهريّ،إلاّ أنّهما قالا بالترتيب (1)،و هو رواية حنبل (2)عن أحمد (3).و قال بعض الحنابلة:عليه كفّارة يمين (4).
لنا:أنّها كفّارة في صوم معيّن واجب،فكانت مثل كفّارة رمضان.
و يؤيّده:ما تقدّم في حديث سماعة،و ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران أيضا قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله،قال:«عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا:عتق رقبة،أو صوم شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكينا» (5).
تلوناه من الأحاديث.
و لا يعارض ذلك:ما رواه الشيخ عن زرارة،قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المعتكف يجامع أهله،قال:«إذا فعله فعليه ما على المظاهر» (6).
ص:536
و لرواية أبي عبيدة في حديث المرأة:«إنّ عليها ما على المظاهر» (1)لأنّ المراد بذلك المقدار دون الكيفيّة؛لما تقدّم.
وجبت عليه كفّارة واحدة-
قاله علماؤنا-لأنّ الوطء في رمضان يوجب الكفّارة، و الوطء في الاعتكاف (2)،و الأصل عدم التداخل عند تغاير السبب.
و يؤيّده:ما رواه الشيخ عن عبد الأعلى بن أعين،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان،قال:«عليه الكفّارة»،قال:قلت:فإن وطأها نهارا؟قال:«عليه كفّارتان» (3).
كفّارتان،
و إن جامع ليلا،كان عليه كفّارة واحدة (4).و أطلق القول في ذلك، و الأقرب عندنا أنّ وجوب الكفّارتين يتعلّق بالجماع في نهار رمضان على المعتكف،لا على من وطئ معتكفا في نهار غير رمضان؛عملا بالرواية في نهار رمضان،و برواية سماعة في عموم قوله عليه السّلام في المواقع:«عليه ما على الذي يفطر يوما من شهر رمضان» (5).و كذا في رواية زرارة (6)،و هو يتناول الليل و النهار،و الأصل براءة الذمّة من الزائد.فالحاصل:أنّه إن وطئ في نهار رمضان
ص:537
كان عليه كفّارتان،و إن جامع في ليلة أو نهار غير رمضان أو ليله،فكفّارة واحدة.
اعتكافه،
قال السيّد المرتضى-رحمه اللّه-:و يجب عليه أربع كفّارات،و إن أكرهها ليلا،كان عليه كفّارتان و لا يفسد اعتكافها.و لو طاوعته وجب عليه كفّارتان نهارا، و كفّارة واحدة ليلا،و كذا على المرأة،و يفسد اعتكافهما معا؛للمطاوعة (1).
و الأقرب عندي خلاف هذا،فإنّ تضاعف الكفّارة بالإكراه إنّما ورد في شهر رمضان،مع ضعف الراوي و هو المفضّل بن عمر،و إذا كان حال الأصل كذا،فكيف صورة النزاع،مع أنّ القياس عندنا باطل،فلا وجه لتضعيف الكفّارة بالإكراه،كما لو أكره عبده على الإفطار في رمضان،فإنّه لا يجب عليه كفّارة بذلك.
أمّا رمضان فقد ثبت الحكم فيه؛عملا بالرواية الضعيفة و فتوى الأصحاب عليه،فالتعدية إلى غيره من غير دليل قياس محض لا يعتمد عليه.
لعموم قوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (2)على إشكال.
قال الشيخ:يجب القضاء و الكفّارة بالجماع،و كذا كلّ مباشرة تؤدّي إلى إنزال الماء عمدا (3).و في أصحابنا من قال:ما عدا الجماع يوجب القضاء،دون الكفّارة (4).و هو الوجه عندي.
الكفّارة؟قال السيّد المرتضى-رحمه اللّه (1)-و المفيد رضي اللّه عنه:تجب الكفّارة بكلّ مفطر في رمضان (2)،و لا أعرف المستند،و الوجه عندي التفصيل:فإن كان الاعتكاف في شهر رمضان،وجبت الكفّارة بالأكل و الشرب و غيرهما ممّا عدّدناه في باب شهر رمضان،و إن كان في غيره،فإن كان منذورا معيّنا،وجبت الكفّارة أيضا؛لأنّه بحكم رمضان.
أمّا لو كان الاعتكاف مندوبا،أو واجبا غير متعيّن بزمان،لم تجب الكفّارة بغير الجماع،مثل الأكل و الشرب و غيرهما،و هذا غير لائق من السيّد؛لأنّه لا يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه مطلقا.
أمّا على قول الشيخ-رحمه اللّه-في المبسوط من وجوب المندوب في الاعتكاف بالشروع فيه،فإنّه تجب به الكفّارة،و كذا اليوم الثالث على قول الشيخين.
أمّا على قولنا و قول السيّد المرتضى فلا تجب به الكفّارة؛لأنّ له الرجوع متى شاء.
فإن تمسّكوا بعموم الأحاديث الدالّة على وجوب الكفّارة (3)،قلنا:إنّما وردت بالجماع،فحمل غيره عليه قياس محض و إن كان الصوم يفسد به و يفسد الاعتكاف بفساد الصوم،لكنّ الكفّارة تتبع الإثم،و لا إثم هنا؛لجواز الرجوع.
قال الشيخ-رحمه اللّه-:
في أصحابنا من قال:يقضي عنه وليّه،أو يخرج من ماله من ينوب عنه؛لعموم ما روي أنّ من مات و عليه صوم واجب،وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة (4).
ص:539
و الأقرب أن يقال:إن كان واجبا فكذلك على إشكال،و إن كان ندبا فلا.
قال-رحمه اللّه-:قضاء الاعتكاف الفائت ينبغي أن يكون على الفور (1).و هو جيّد؛لأنّه واجب،و إخلاء الذمّة من الواجب واجب.و لأنّ فيه مسارعة إلى فعل الطاعة و المغفرة،فيكون مأمورا به؛لقوله تعالى: وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (2).
و قال-رحمه اللّه-:إذا أغمي على المعتكف أيّاما ثمّ أفاق،لم يلزمه قضاؤه؛ لأنّه لا دليل عليه (3)،و الوجه وجوب القضاء إن كان واجبا غير معيّن بزمان.
إذا عرفت هذا،فإذا فسد الاعتكاف وجب قضاؤه إن كان واجبا،و إن كان ندبا استحبّ قضاؤه و على قول الشيخ-رحمه اللّه-يجب قضاؤه مطلقا:لأنّه يجب بالدخول فيه (4).
قال-رحمه اللّه-:متى كان خروجه من الاعتكاف بعد الفجر،كان دخوله في قضائه قبل الفجر،و يصوم يومه و لا يعيد الاعتكاف ليله،و إن كان خروجه ليلا، كان قضاؤه من مثل ذلك الوقت إلى آخر مدّة الاعتكاف المضروبة و إن كان خرج وقتا من مدّة الاعتكاف بما فسخه به ثمّ عاد إليه و قد بقيت مدّة من التي عقدها،تمّم باقي المدّة و زاد في آخرها مقدار ما فاته من الوقت (5)(6).
ص:540