سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :2
ص :3
منتهی المطلب فی تحقیق المذهب
للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر
تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
ص :4
سرشناسه:علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور: منتهی المطلب فی تحقیق المذهب / للعلامه الحلی الحسن بن یوسف بن علی بن المطهر؛ تحقیق قسم الفقه فی مجمع البحوث الاسلامیه.
مشخصات نشر: مشهد : آستان قدس رضوی بنیاد پژوهش های اسلامی، 1414ق.= 1994م.= -1373
مشخصات ظاهری:15 ج.
شابک:19000 ریال:ج.7: 964-444-293-8
وضعیت فهرست نویسی:برون سپاری
يادداشت: عربی.
يادداشت:فهرستنویسی براساس جلد ششم.
يادداشت:ج.7 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
یادداشت:نمایه.
موضوع:فقه جعفری -- قرن 8ق.
موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه
شناسه افزوده:مجمع البحوث الاسلامية
رده بندی کنگره:BP182/3/ع8م8 1373
رده بندی دیویی:297/342
شماره کتابشناسی ملی:2559784
ص :5
ص :6
و فيه فصول:
العلم بالصّلاة الواجبة واجب لتوجّه الأمر بها المتوقّف (1)على معرفتها و هو متوقّف (2)على العلم بأجزائها،إذ معرفة المركّب مسبوقة بمعرفة أجزائه.
و أجزاء الصلاة تنقسم إلى (3)قسمين،واجب و ندب،و كذا كيفيّاتها و تروك الصلاة،و لا بدّ من معرفة الواجب ليؤدّيه على وجهه،فإنّه لو فعل الواجب بنيّة الندب بطلت صلاته،و لو فعل النّدب بنيّة الواجب دخل تحت حُكم:مَن فَعل فعلا ليس من أفعال الصلاة،فتبطل مع الكثرة.
و اعلم أنّ الواجب،منه ركن،و منه غير ركن،و نعني بالرّكن هنا ما لو أخلّ به المصلّي عامدا أو ساهيا (4)،ثمَّ ذكره (5)بطلت صلاته،و أنا أسوق إليك الأفعال الواجبة أوّلا، و كيفيّاتها (6)الواجبة و المندوبة و ما يليق بفعل فَعَل،ثمَّ أتلو عليك الأفعال المندوبة و كيفيّاتها،و أختم ذلك بالتّروك بعون اللّه تعالى في مباحث.
ص:7
ذهب إليه كلّ علماء الإسلام.
قال اللّه تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (1).
و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لرافع بن خديج:«صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في صفة الصّلاة:فقام أبو عبد اللّه عليه السّلام مستقبل القبلة منتصبا (3).و هو في بيان الواجب،فيكون ما أتى به واجبا إلاّ ما أخرجه (4)الدّليل.
و عن حريز،عن رجل،عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (5)قال:«النحر الاعتدال في القيام» (6).
و في الحسن،عن جميل بن درّاج أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المريض الّذي يصلّي قاعدا فقال:«إنّ الرجل ليوعك و يحرج و لكنّه أعلم بنفسه و لكن إذا قوي فليقم» (7).
و في الحسن،عن أبي حمزة،عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:
ص:8
اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ) (1)قال:«الصحيح يصلّي قائما،و قعودا،المريض يصلّي جالسا، وَ عَلى جُنُوبِهِمْ الّذي يكون أضعف من المريض الّذي يصلّي جالسا» (2).
و قد ثبت بالتّواتر مداومة النبي صلّى اللّه عليه و آله عليه و بيّن به الواجب.
مسألة:و لو تعذّر عليه القيام و أمكنه مع الاعتماد وجب،فإن لم يتمكّن صلّى جالسا،و عليه إجماع العلماء.
روى (3)الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«صلّ قائما،فإن لم تستطع فقاعدا،فإن لم تستطع فعلى جنب» (4).
القيام،بل يصلّي قائما و يومئ للرّكوع،ثمَّ يجلس و يومئ للسّجود.و عليه علماؤنا،و به قال الشافعيّ (1)،و أحمد (2).و قال أبو حنيفة:يسقط عنه القيام (3).
لنا:قوله عليه السّلام لعمران بن حصين:«صلّ قائما،فإن لم تستطع فجالسا» (4).
جعل مرتبة الجلوس مشروطة (5)بعدم الاستطاعة على القيام،فلا يجوز بدونه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ عن محمّد بن إبراهيم،عمّن حدّثه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يصلّي المريض قائما،فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا» (6).
و لأنّ القيام ركن قدر عليه فيلزمه الإتيان به كالقراءة،و العجز عن (7)غيره لا يقتضي سقوطه،كالقراءة إذا عجز عنها.
احتجّ أبو حنيفة بأنّها صلاة لا ركوع فيها و لا سجود،فيسقط فيها القيام كالنّافلة على الرّاحلة (8).
و الجواب:أنّ قياسهم فاسد.
أمّا أوّلا:فلأنّ الصّلاة على الرّاحلة لا يسقط فيها الرّكوع.
و أمّا ثانيا:فلأنّ القيام غير واجب فيها فلا يسقط في الرّاحلة لسقوط (9)الركوع
ص:10
و السّجود،بل لعدم وجوبه،و لهذا (1)له أن يصلّي جالسا على الأرض مع التمكّن (2).
بلا خلاف،فلو وجد في أثناء الصّلاة خفّا قام و أتمّ صلاته.ذهب إليه علماؤنا،و به قال مالك (3)،و الشّافعيّ (4)،و أبو حنيفة (5)،و أحمد (6).
و قال محمّد بن الحسن:تبطل صلاته (7)،كالعاري إذا وجد السّاتر في أثناء الصّلاة.
لنا:أنّه أتى بالمأمور به،فيكون مجزئا،و قياسه فاسد لمنع حكم الأصل.
(8).
ذهب إليه علماؤنا،و به قال مالك (9)،و الشّافعيّ (10)،و أحمد (11).و قال سعيد بن المسيّب:يصلّي مستلقيا و وجهه و رجلاه إلى القبلة (12).و هو قول أبي ثور (13)، و أصحاب الرّأي (14).
لنا:قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعمران:«فإن لم تستطع فعلى جَنب» (15).
ص:11
و قوله تعالى (وَ عَلى جُنُوبِهِمْ) (1).قال المفسّرون:أراد (2)به الصّلاة في حال المرض (3).و هو قول أبي جعفر عليه السّلام في تفسير هذه الآية (4).
احتجّوا بأنّه إذا صلّى على جنبه كان وجهه في الإيماء إلى غير القبلة،و إذا صلّى على ما ذكرناه كان إيماؤه إليها (5).
و الجواب:أنّه غير مستلق إلى القبلة بل إلى السّماء،و لهذا يوضع الميّت في قبره على ما ذكرناه،و الإيماء إلى القبلة حالة الرّكوع و السّجود غير مطلوب من (6)الصحيح،بل يومئ إلى الأرض فكيف يطلب من (7)المريض.
فبعينيه
(8).
و قال أبو حنيفة:يؤخّر الصّلاة (9).
لنا:قوله عليه السّلام:فعلى جنبك تومئ (10).
و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر،فإنّه له جائز،و يستقبل بوجهه القبلة،ثمَّ يومئ بالصّلاة إيماءا» (11)و الإيماء يقع على الإيماء بالعين و الرّأس،و كذا في رواية محمّد بن
ص:12
إبراهيم (1).
خلافا للشافعيّ (2)،و أبي حنيفة (3).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أمّ سلمة أنّها سجدت على المرفقة (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشيخ،عن أبي بصير قال:سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه؟فقال:«لا،إلاّ أن يكون مضطرّا ليس عنده غيرها، و ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه» (5).و لأنّ ذلك أشبه بالسّجود من (6)الإيماء.و لأنّ تكليفه بالسّجود يستلزم الحرج،و تكليفه الإيماء يستلزم (7)ترك السّجود مع القدرة.
احتجّ المخالف بما روي،عن ابن مسعود أنّه دخل على مريض يعوده فرآه يسجد على عود،فانتزعه (8)و رمى به و قال:هذا ممّا عرض به لكم الشّيطان (9).
و الجواب:لا حجّة فيما يفعله (10)ابن مسعود،لأنّه توهّم التشبّه بعبادة (11)الأوثان.
و يدلّ عليه ما رواه زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح قال:سألته عن
ص:13
المريض هل يسجد على الأرض أو على مروحة أو على سواك يرفعه؟فقال:«هو أفضل من الإيماء و إنّما كره من كره السّجود على المروحة من أجل الأوثان الّتي كانت تعبد من دون اللّه و إنّا لم نعبد غير اللّه قطّ،فاسجد على المروحة أو على سواك أو عود» (1).
خلافا لمالك (2).و يؤيّد ما ذكرناه قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«و ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه» (3).
و ابن سيرين،و مجاهد،و سعيد بن جبير،و مالك،و الثّوريّ،و الشّافعيّ،و إسحاق (1).
و قال أبو حنيفة:يجلس كيف شاء (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أنس أنّه صلّى متربّعا،فلمّا ركع ثنّى رجليه (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن حمران بن أعين،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«كان أبي عليه السّلام إذا صلّى جالسا تربّع فإذا ركع ثنّى رجليه» (4).و لأنّ القيام يخالف القعود،فينبغي أن يخالف هيئته في بدله هيئة غيره،كمخالفة القيام غيره.
احتجّ بأنّ القيام سقط عنه فسقطت عنه هيئته (5).
و الجواب:السّقوط هناك للمشقّة و الهيئة لا مشقّة فيها،و ليس هذا على الوجوب بالإجماع،لعدم الدّليل على وجوبه.
و روى معاوية بن ميسرة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل،أ يصلّي الرجل و هو جالس متربّعا و مبسوط الرّجلين؟فقال:«لا بأس بذلك» (6).
و روى ابن بابويه في كتابه،عن الصّادق عليه السّلام قال في الصّلاة في المحمل:«صلّ متربّعا و ممدود الرّجلين و كيف ما أمكنك» (7).
بلا خلاف،لأنّه قيام مثله،و إن كان لغير (1)ذلك كقصر السّقف،و من كان في سفينة مظلّلة (2)لا يتمكّن من استيفاء القيام فيها،أو كان خائفا،وجب عليه القيام بما يتمكّن منه كالأحدب،خلافا لبعضهم (3).
لأنّه لا يترك الفرض للنفل،خلافا لأحمد (5).
و احتجّ بأنّه لو كان إمام الحيّ عاجزا،أبحنا له ترك القيام و إن كان قادرا،للمتابعة، مراعاة للجماعة،فهاهنا أولى.و هو ضعيف لما يأتي في فساد الأصل،و اختاره الشّافعيّ (6)، و احتجّ بأنّ الأجر يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام،فإنّ صلاة القاعد بنصف صلاة القائم (7).و صلاة الجماعة تفضل المنفرد بخمس و عشرين (8).
و الجواب:إنّما تفضل صلاة الجماعة مع استيفاء أركانها،أمّا مع اختلالها فلا.
و الأوزاعيّ (1).
لنا:أنّه يلحقه بتركه ضرر (2)و حرج،فيكون منفيّا.
احتجّ المخالف بما روي،عن ابن عبّاس أنّه لمّا كفّ بصره أتاه رجل فقال:إن صبرت على سبعة أيّام لا تصلّي إلاّ مستلقيا داويت عينك و رجوت أن تبرأ.فأرسل في ذلك إلى عائشة و أبي هريرة و غيرهما من الصّحابة فقالوا:إن (3)متّ في هذه الأيّام ما الّذي تصنع بالصّلاة؟فترك المعالجة (4).
و الجواب:يحتمل أن لا يكون المخبر (5)قد استند إلى اليقين (6)،أو أنّهم لم يقبلوا خبره.
لأنّه أمكن في الصّلاة.و لما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضمّ أصابعه و قرّب بين قدميه حتّى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات (7)و استقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحرّفهما (8)عن القبلة (9).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا قمت في الصّلاة
ص:17
فلا تلصق قدمك (1)بالأخرى،دع (2)بينهما فصلا إصبعا أقلّ ذلك إلى شبر» (3).
و يستحبّ أن يستقبل بأصابع رجليه القبلة ليحصل كمال التّوجّه إليها بقدر الإمكان و لرواية حمّاد.
و هي واجبة في الصلاة بلا خلاف بين علماء الإسلام،و ركن فيها في قول العلماء كافّة.
قال اللّه تعالى (وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (4).و الإخلاص لا يتحقّق إلاّ بالنيّة.
و قال عليه السّلام:«إنّما الأعمال بالنيّات،و إنّما لامرئ ما نوى» (5).
و قال الرّضا عليه السّلام:«لا عمل إلاّ بنيّة» (6). (7)و لأنّ الأفعال تقع (8)على وجوه مختلفة بعضها غير مراد اللّه تعالى،فلا يختصّ المراد إلاّ بالنيّة،و هي عرض محلّها القلب و لا اعتبار بالنّطق (9)فيها،و لا يفتقر إليه،لأنّ الأفعال المختلفة يفتقر في وقوعها على وجوهها (10)
ص:18
إلى الإرادة،و هي من أفعال القلوب (1)،و لا أثر للنّطق (2)في اختصاص الأفعال بوجه دون آخر،فيسقط (3)اعتباره عملا بالأصل.
و قال بعض الشّافعيّة:يستحبّ أن يضاف إلى الاعتقاد (4)القلبيّ النّطق اللّسانيّ (5)،و آخرون منهم قالوا بالوجوب (6).و ليس شيئا.
لأنّ الشّرط هو ما يقف عليه تأثير المؤثّر،أو ما يقف عليه صحّة الفعل،و هذا متحقّق فيها،و لأنّ النيّة مقارنة لأوّل جزء من الصّلاة أعني التّكبير،أو سابقة عليه،فلا يكون جزءا.
بلا خلاف،لأنّ مجرّد ذكر الفعل و هو الصّلاة مثلا لا يتخصّص بمعيّنة دون أُخرى إلاّ بالنيّة،فيجب اعتبارها.
و لا بدّ من نيّة القربة بلا خلاف،لأنّ الإخلاص هو التّقرّب.
و يشترط أيضا نيّة الوجوب أو النّدب.ذهب إليه الشّيخ رحمه اللّه (7)و هو جيّد،خلافا لبعض الشّافعيّة (8)،و لبعض الحنابلة (9).
لنا:القصد (10)من النيّة تخصيص بعض الأفعال الّتي يمكن
ص:19
وقوعها (1)على (2)الوجوه المختلفة،و نيّة التّعيين (3)غير كافية،إذ الظّهر مثلا يقع على النّافلة كظهر الصّبيّ و المعيد لها جماعة.
احتجّ المخالف بأنّ التّعيين (4)يغني عنها،إذ الظّهر لا يكون إلاّ فرضا (5).
و الجواب:قد بيّنّا وقوع الظّهر على أشياء مختلفة،و كلّ (6)ما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر (7)اختصاصه بأحد الوجوه إلى النيّة.
لاشتراك المعيّنة بينهما،فلا بدّ من التّخصيص،خلافا لبعض النّاس (8).
احتجّوا بأنّ نيّة الفرض تنصرف إلى الحاضرة (9).و ليس بشيء؛لأنّ الحضور لا يكفي عن النّيّة كما لم يكف عن نيّة الوجوب.
،لأنّ الواجب عليه القضاء و لم ينوه فلا يقع فعله قضاء.
فعلى ما اخترناه يلزمه
ص:20
الإعادة أيضا لما قلناه.
عند بعض أصحابنا (2)،و هو ما إذا نسي تعيّن (3)الفائتة.
لأنّهما لا يتداخلان و لم ينو واحدة بعينها.
أمّا في مواضع لزوم أحدهما فلا يفتقر إلى نيّته (4)،لأنّ الفرض متعيّن له،و أمّا في مواضع التّخيير كالمسافر في أحد المواطن الأربعة، فلا يتعيّن أحدهما بالنيّة،بل جائز له أن يقتصر على الرّكعتين،و جائز أن يتمّ،فلا يحتاج أحدهما إلى التّعيين (5).
و النّافلة المعيّنة كالاستسقاء تفتقر إلى التّعيين،و الرّاتبة كنوافل الظّهر و غيرها لا تفتقر إلى التّعيين،و لا بدّ من نيّة التّقرّب و النّدب (6)في الجميع.
لنا:قوله تعالى (وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (1).و الحال لبيان (2)هيئة الفاعل وقت الفعل،و قلنا:الإخلاص هو النّية،و لأنّ النيّة شرط فلا يجوز خلوّ العبادة عنها كغيرها من الشّرائط.
احتجّ بأنّها عبادة فجاز أن يتقدّم نيّتها عليها كالصّوم (3).
و الجواب:العمل بالآية أولى.
و يجب استدامة حكمها لتقع الأفعال منويّة،و لا يشترط استدامتها حقيقة،لما في ذلك من المشقّة و الحرج،فإنّ الإنسان قد يعرض ما يشغله عن استحضارها،فلو أوجبنا الاستدامة حقيقة لما انفكّ الإنسان من الصّلاة و ذلك ضرر عظيم،و نعني باستدامة حكمها أن لا ينوي قطع الصّلاة،و لو ذهل عنها أو زالت عن خاطره في أثناء الصّلاة لم يؤثّر ذلك في صحّتها.
أبو حنيفة (1).لأنّها عبادة صحّ دخوله فيها فلم تفسد بنيّة الخروج منها كالحجّ.و قال الشّافعيّ تبطل (2).[ثمَّ] (3)قال الشيخ:و يقوى في نفسي أنّها تبطل،لأنّه عمل بغير نيّة، و لأنّه حكم النيّة قبل إتمام صلاته ففسدت كما لو سلّم للخروج،و كذا مع التّردّد؛لأنّ استدامة النيّة شرط و مع التّردّد لا استدامة (4).و الأخير عندي أقرب.
لأنّه بمجرّد النيّة لا يكون فاعلا و لا يكون رافعا لنيّته (6)الاولى.
لأنّه لا عمل إلاّ بنيّة يطابقها (7).
لأنّه فعل منهيّ عنه و النّهي يقتضي الفساد.
كمن صلّى و ذكر أنّ عليه فائتة،فإنّه يعدل نيّته إلى الفائتة،و كذا لو نقل الفرض إلى النفل في صورة الجماعة إذا طلب فضيلتها (8)أو سبق إلى غير صورة الجمعة،لورود النّص في مثل هذه و لا يجوز التّعديّ؛لأنّه خارج عن الأصل،فيقتصر فيه على مورد النّقل.
لأنّ الأصل العدم،فإن انتقل
ص:23
أو ذكر النيّة (1)استمرّ،لعدم المبطل و غلبة الظنّ بأنّ الانتقال بعد الإكمال.و لو عمل عملا مع الشّكّ الموجب للاستئناف لم يصحّ؛لأنّه عري عن النيّة و حكمها،فإنّ استصحاب حكمها مع الشّكّ لا يوجد.
و لو شكّ هل نوى فرضا أو نفلا و هو في الحال استأنف أيضا.
و في رواية عبد اللّه بن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة و هو ينوي (2)أنّها نافلة؟فقال:«هي الّتي قمت فيها و لها»و قال:«إذا قمت و أنت تنوي الفريضة فدخلك الشّكّ بعد فأنت في الفريضة على الّذي قمت له،و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة،ثمَّ إنّك تنويها بعد فريضة فأنت في النّافلة،و إنّما يحسب للعبد من صلاته الّتي ابتدأ في أوّل صلاته» (3).و المراد بهذه الرّواية الاستمرار بعد الانتقال.
و لو شكّ هل أحرم بظهر أو عصر في الحال استأنف أيضا؛لأنّ التّعيين (4)شرط و قد زال بالشّكّ.
لأنّه يقتضي وقوع بعض الأفعال غير منويّ.و قال بعض الحنفيّة:إن كان بحال لو سئل عن صلاته أيّ صلاة يصلّي فأجاب بغير تكلّف جاز (5).و ليس شيئا.
و قال آخرون منهم:لو توضّأ بنيّة الصّلاة و لم يشتغل فيما بين ذلك بشيء من أعمال الدّنيا كفته تلك النّيّة و جازت صلاته (6)،و قد بيّنّا فساده.
ص:24
و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
و إنّما أخّرناه عن النّيّة،لتقدّمها عليه إمّا حكما أو وجودا،و أخّرناهما عن القيام؛ لأنّه شرط في صحّتهما.و قد أجمع المسلمون على أنّ التكبير واجب في الصّلاة،و هو ركن عندهم عدا الزّهريّ،و الأوزاعيّ،فإنّهما قالا:لو (1)أخلّ به المصلّي عامدا بطلت صلاته، و لو أخلّ به ناسيا (2)أجزأته تكبيرة الرّكوع (3).و به قال سعيد بن المسيّب (4)،و الحسن، و قتادة،و الحكم (5).
لنا:قوله عليه السّلام:«تحريمها التّكبير» (6)دلّ على أنّ الدّخول في الصّلاة متوقّف عليه،و هو شامل للعمد و السّهو.
و ما رواه رفاعة (7)،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يقبل اللّه صلاة امرئ
ص:25
حتّى يضع الطّهور مواضعه ثمَّ يستقبل القبلة و يقول:اللّه أكبر» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرّجل ينسى (2)تكبيرة الافتتاح؟قال:«يعيد» (3).
و في الصحيح،عن محمّد،عن أحدهما عليهما السّلام في الّذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته،فقال:«إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد و لكن كيف يستيقن؟!» (4).و عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرّجل ينسى (5)أن يفتتح الصّلاة حتّى يركع؟ قال:«يعيد الصّلاة» (6).
و عن ذريح المحاربيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ينسى (7)أن يكبّر حتّى قرأ؟قال:«يكبّر» (8).
و إعادة التّكبير يستلزم إعادة النّية؛لما بيّنّا من وجوب المقارنة (9).لا يقال:قد روى الشّيخ في الصحيح،عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام
ص:26
قال:قلت له:رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع،فقال:«أجزأه» (1).
و في الصحيح،عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصّلاة؟فقال:«أ ليس كان من نيّته أن يكبّر؟» قلت:نعم،قال:«فليمض في صلاته» (2).
لأنّا نقول:إنّهما محمولان على من نسي و لم يتيقّن (3)التّرك بل شكّ فيه،عملا بالجمع بين الأحاديث.
و يؤيّده:ما رواه الفضل بن عبد الملك و ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في الرّجل يصلّي و لم يفتتح بالتّكبير هل تجزئه تكبيرة الرّكوع؟قال:«لا،بل يعيد صلاته إذا حفظ أنّه لم يكبّر» (4).و كذا قوله عليه السّلام:«و لكن كيف يستيقن؟!» (5).
و كذا ما ورد في هذا الباب.
احتجّ المخالف (1)بقوله عليه السّلام:«تحريمها التّكبير» (2).أضاف التكبير إلى الصّلاة، و الشّيء لا يضاف إلى نفسه.و هو خطأ،لأنّ الإضافة تقتضي المغايرة،و لا ريب في مغايرة الشّيء لجزئه،فما ذكروه لا يدلّ على مطلوبهم.
و عليه علماؤنا،و هو قول أحمد (3).و للجمهور خلاف في مواضع.
الأوّل:قال أبو حنيفة:تنعقد الصّلاة بكلّ اسم للّه تعالى على وجه التّعظيم،كقوله:
اللّه (4)عظيم،أو جليل،أو سبحان اللّه و نحوه (5).و الباقي ذهبوا إلى تعيين التّكبير كما اخترناه.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«تحريمها التّكبير» (6).
و في حديث رفاعة،عنه صلّى اللّه عليه و آله:«ثمَّ يستقبل القبلة و يقول:اللّه أكبر» (7).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث (8).
احتجّ بأنّه ذكر اللّه تعالى على وجه التّعظيم،فأشبه قوله:اللّه أكبر،و بالقياس على الخطبة حيث لم يتعيّن لفظها (9).
ص:28
و الجواب عن الأوّل:أنّه قياس في معارضة النّصّ (1)فلا يكون مقبولا،و ينتقض بقوله:اللّهمّ اغفر لي.و الفرق بينه و بين الخطبة ظاهر،إذ لم يرد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيها لفظ معيّن،و المقصود الاتّعاظ (2).
الثّاني:الّذي نذهب إليه،الإتيان بلفظ اللّه أكبر،لأنّه لا تنعقد الصّلاة بمعناها و لا بغير العربيّة مع القدرة.و به قال الشّافعيّ (3)،و أبو يوسف،و محمد (4).و قال أبو حنيفة:
يجزئه (5).
لنا:ما تقدّم و ما ثبت بالتّواتر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يداوم على هذه الصّيغة،و كان ذلك بيانا للواجب فيكون واجبا،و لقوله عليه السّلام:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (6).
احتجّ أبو حنيفة (7)بقوله تعالى (وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) (8).و هذا قد ذكر.
و الجواب:أنّه إخبار عن ذكر اللّه تعالى و هو غير مبيّن،و فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مبيّن له فيقتصر عليه.
ص:29
لو لم (1)يحسن العربيّة وجب عليه التّعلّم،فإن خشي الفوات كبّر بلغته.و به قال الشّيخ في المبسوط (2)،و هو اختيار الشّافعيّ (3).
و قال قوم من الجمهور:يكون كالأخرس (4).
لنا:أنّ التّكبير ذكر،فإذا تعذّر اللّفظ أتى بعناه تحصيلا لفائدة المعنى.
الثّالث:لو أتى بلفظ أكبر معرّفا فقال:اللّه الأكبر لم يصحّ.و به قال الشّيخ في المبسوط (5)،و أكثر أهل العلم قالوا به (6).و قال الشّافعيّ:تنعقد بها (7).و اختاره ابن الجنيد منّا (8).
لنا:ما رواه الجمهور في حديث رفاعة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:
«و يقول اللّه أكبر» (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن حمّاد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد وصف له الصّلاة:«و قال بخشوع:اللّه أكبر» (10).و بيان الواجب واجب، و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يداوم على هذه الصيغة،و لو لم تكن متعيّنة (11)لعدل
ص:30
عنها في بعض الأوقات.
قال الشّافعيّ:إنّه لم يغيّر البنية (1)و لا المعنى (2)،و هو ضعيف،لأنّه قبل التّعريف كان متضمّنا لإضمار أو تقدير فزال،فإنّ قوله:اللّه أكبر معناه من كلّ شيء.
الرّابع:التّرتيب شرط فيها فلو عكس فقال:الأكبر اللّه أو أكبر اللّه لم تنعقد صلاته.و هو قول أحمد (3)،خلافا لبعض الشّافعيّة (4)،و لأبي حنيفة (5).
لنا:ما تقدّم،و لأنّه لا يسمّى حينئذ تكبيرا.
الخامس:قال في المبسوط:يجب أن يأتي ب«أكبر»،على وزن أفعل،فلو مدّ (6)خرج عن المقصود (7)،لأنّه حينئذ يصير جمع«كبر»و هو الطّبل (8).و هو جيّد مع القصد،أمّا مع عدمه فإنّه بمنزلة مدّ الألف.و لأنّه قد ورد الإشباع في الحركات إلى حيث ينتهي إلى الحروف في لغة العرب و لم يخرج بذلك عن الوضع.و كذا لا ينبغي له أن يمدّ الهمزة الاُولى من لفظ (9)اللّه،لأنّه يصير (10)مستفهما،فإن قصده بطلت (11).
فإن تعذّر النّطق أصلا قال الشّيخ:
يكبّر بالإشارة بإصبعه و يومئ (12).و قال بعض الجمهور:يسقط فرضه
ص:31
عنه (1).
لنا:أنّ الصحيح يجب عليه النّطق بتحريك لسانه،و العجز عن أحدهما لا يسقط الآخر.قالوا:الإشارة و حركة اللّسان يتبع اللّفظ،فإذا سقط فرضه سقطت توابعه.و هو باطل،لأنّ إسقاط أحد الواجبين لا يستلزم إسقاط الآخر،و عندي فيه نظر.
لأنّه ذكر،محلّه اللّسان،و لا يحصل إلاّ بالصّوت،و الصّوت ما يمكن سماعه،و أقرب السّامعين نفسه،فمتى لم يسمعه لم يعلم إتيانه (2)بالقول،و الرّجل و المرأة في ذلك سواء.
لأنّه جزء من الصّلاة المشترطة (3)به مع القدرة،فلو اشتغل بالتّكبير و هو آخذ في القيام لم يتمّه أو انحنى إلى الرّكوع مثلا،بأن كان مأموما قبل إكماله بطلت صلاته.و قال الشّافعيّ:إن انحنى قبل إكماله و كانت فرضا بطلت و انعقدت نافلة (4).و هو باطل،لأنّها إذا بطلت لم تنعقد نافلة،لأنّه لم ينو النّافلة.
لأنّ الإخلال بالجزء يستلزم الإخلال بالجميع.
و كذا لو قال:اللّه أكبر بالتّقطيع،لأنّ التّعظيم إنّما يحصل بالإخبار و مع التّقطيع يكون بمنزلة الأصوات الّتي ينعق (5)بها و لا يكون تركيبها دالاّ على شيء،و فيه إخلال بالجزء الصّوريّ.
ص:32
و هي واجبة.
روى الشّيخ في الصّحيح،عن ابن أبي عمير،عن زيد الشحّام قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الافتتاح؟فقال:«تكبيرة تجزئك»قلت:فالسّبع (1)؟قال«ذلك الفضل» (2).
و في الصحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«التّكبيرة الواحدة في افتتاح الصّلاة تجزئ،و الثّلاث أفضل،و السّبع أفضل كلّه» (3).
و في الحسن عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا افتتحت الصّلاة فارفع كفّيك،ثمَّ ابسطهما بسطا،ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات ثمَّ قل:اللّهمّ أنت الملك الحقّ (4)لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت،ثمَّ كبّر (5)تكبيرتين،ثمَّ قل:لبّيك و سعديك،و الخير في يديك،و الشرّ ليس إليك،و المهديّ من هديت،لا ملجأ (6)منك إلاّ إليك سبحانك و حنانيك،تباركت و تعاليت،سبحانك ربّ البيت،ثمَّ تكبّر تكبيرتين،ثمَّ تقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ،عالم الغيب و الشّهادة،حنيفا مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين،ثمَّ تعوّذ من الشّيطان،ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب» (7).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا افتتحت الصّلاة فكبّر إن شئت واحدة،و إن شئت ثلاثا،و إن شئت خمسا،و ان شئت سبعا كلّ ذلك مجزي عنك
ص:33
غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلاّ بتكبيرة واحدة» (1).
قال أصحابنا:و المصلّي بالخيار أيّها شاء جعلها تكبيرة الإحرام،فإن نوى بها أوّل التّكبيرات وقعت البواقي في الصّلاة،و له أن ينوي الأخيرة و الوسطى و أيّها شاء (2).
المأثورة
واحدة منها تكبيرة الإحرام في أوّل كلّ فريضة.و قال بعض الجمهور:ليس قبل تكبيرة الإحرام دعاء مسنون (3). (4)
لنا:ما تقدّم من الأحاديث.
احتجّ المخالف بقوله تعالى «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (5).و ليس فيه حجّة،لأنّ الرّغبة إليه بالدّعاء أتمّ من التّكبير و القراءة.
في أوّل كلّ فريضة،و أوّل صلاة اللّيل و الوتر،و أوّل نافلة الزّوال،و أوّل نافلة المغرب،و أوّل ركعتي الإحرام،و في الوتيرة (7).
و قال في الخلاف:يستحبّ في مواضع مخصوصة من النّوافل (8).و قال في التّهذيب:ذكر
ص:34
ذلك عليّ بن الحسين بن بابويه في رسالته و لم أجد به (1)خبرا مسندا (2).
و لو قيل باستحباب ذلك في كلّ صلاة كان حسنا،عملا بالإطلاق،و لما فيه من الذّكر.
و في الصّحيح،عن الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أخفّ ما يكون من التّكبير في الصّلاة؟قال:«ثلاث تكبيرات فإذا كنت إماما فإنّه يجزئك أن تكبّر واحدة تجهر فيها و تسرّ ستّا» (4).
لما تقدّم (5).
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يجزئك في الصّلاة من الكلام في التّوجّه إلى اللّه تبارك و تعالى أن تقول وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ على ملّة إبراهيم حنيفا مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ،لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين، و يجزيك تكبيرة واحدة» (6).و هذا الدّعاء يكون بعد تكبيرة الافتتاح،ثمَّ يتعوّذ باللّه من الشّيطان الرّجيم،ثمَّ يقرأ الحمد.
قال الشّيخ في النّهاية:و إن قال في التّوجّه:وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات و الأرض على ملّة إبراهيم و دين محمّد و منهاج عليّ حنيفا مسلما إلى آخر الكلام كان
ص:35
أفضل (1).و قاله ابن بابويه في كتابه (2).
بلا خلاف بين أهل العلم في فرائض الصّلوات و نوافلها.
روى الجمهور،عن ابن عمر قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا افتتح الصّلاة رفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه،و إذا أراد أن يركع،و بعد ما يرفع رأسه من الرّكوع (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام حين افتتح الصّلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلا (4).
و في الصّحيح،عن صفوان بن مهران قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام إذا كبّر في الصّلاة رفع يديه حتّى يكاد يبلغ اذنيه (5).
و في الصّحيح،عن ابن سنان قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (6).
و اختلف في حدّه،فقال الشّيخ:يحاذي بهما شحمتي اذنيه (7).و هو اختيار أبي حنيفة (8).و قال الشّافعيّ:يرفعهما إلى حدّ المنكبين (9).
ص:36
لنا:ما رواه الجمهور،عن وائل بن حجر (1)و مالك بن الحويرث،عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يرفع يديه إذا كبّر حتّى يحاذي بهما اذنيه (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه أبو بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا افتتحت الصّلاة و كبّرت فلا تجاوز أُذنيك» (3).
و في رواية عمّار،رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يرفعهما (4)حيال وجهه (5).
احتجّوا بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رفع يديه إلى المنكبين (6).
و الجواب:ما ذكرناه أولى،لأنّه أحوط،و لو فعل أيّهما شاء كان جائزا.
و لو انتهى لم يرفع، سواء تركه عمدا أو سهوا لفوات محلّه.
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة أنّ (1)النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا دخل في الصّلاة رفع يديه مدّا (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و لا تشبّك أصابعك،و لتكونا على فخذيك قبالة ركبتيك» (3).
و في الحسن،عن حمّاد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد وصف الصّلاة،فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضمّ أصابعه (4).
احتجّ الشّافعيّ (5)بما رواه أبو هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان ينشر أصابعه (6).و لا حجّة فيه،لأنّ النّشر يحصل ببسط الكفّ و إن كانت الأصابع مضمومة،كما يقال:نشرت الثّوب و هو لا يقتضي التّفريق.
و في رواية منصور بن حازم قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام افتتح الصّلاة فرفع يديه حيال وجهه و استقبل القبلة ببطن كفّيه (7).
عملا بعموم الأمر.و روى وائل بن حجر قال:أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصّلاة (8).
عملا بالعموم.
ص:38
لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إذا افتتحت و كبّرت فلا تجاوز أُذنيك،و لا ترفع يديك فتجاوز بهما رأسك» (1).
و عن عليّ عليه السّلام أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرّ برجل يصلّي و قد رفع يديه فوق رأسه فقال:«ما لي أرى قوما يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنّها آذان خيل شمس» (2).
و لا نعرف فيه خلافا، ليحصل لهم المتابعة،فإنّهم لا يجوز لهم أن يكبّروا قبل تكبيره.
و في رواية الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فإن كنت إماما أجزأك أن تكبّر واحدة تجهر بها و تسرّ ستّا» (3).
بل ما يسمعه المجاورون له.
و يسمع المأموم غيره.
لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و تسرّ ستّا».
و في رواية أبي بصير،عنه عليه السّلام:«فإن كنت إماما لم تجهر إلاّ بتكبيرة الإحرام» (4).و لأنّه ربّما التبس على المأمومين،فدخلوا معه في الصّلاة و إن لم يتلبّس هو بها.
ص:39
لعدم الفائدة و فقد النّص الدالّ عليه.
و هو مذهب علمائنا أجمع،و به قال الحسن،و ابن سيرين،و عطاء،و الثّوريّ،و الأوزاعيّ (2)،و الشّافعيّ (3)، و إسحاق (4)،و أحمد (5)،و أصحاب الرّأي (6).و قال مالك:لا يستحبّ في الفريضة و يستحبّ في قيام رمضان (7)،و حكي عن محمّد بن سيرين أنّه كان يتعوّذ بعد القراءة (8).
لنا:قوله تعالى (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (9).
و الأصل الإجراء على العموم إلى أن (10)يظهر المخصّص.
و ما رواه الجمهور،عن أبي سعيد الخدريّ،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة استفتح،ثمَّ يقول:«أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم» (11).
ص:40
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«ثمَّ تعوّذ من الشيطان،ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب» (1).و لأنّ وسوسة الشّيطان إنّما تعرض عند اشتغال العبد بالطّاعات،فيستحبّ التعوّذ منه دفعا لمفسدته.
احتجّ مالك (2)بما رواه أنس،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يفتتح الصّلاة بالحمد للّه ربّ العالمين (3).
و الجواب:المراد بالصّلاة هاهنا (4)القراءة،كما روى أبو هريرة،أنّ اللّه تعالى قال:
«قسمت الصّلاة بيني و بين عبدي نصفين» (5).و فسّر ذلك بالفاتحة،و كلام ابن سيرين ضعيف.
(1).
و في رواية حنّان بن سدير قال:صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام فتعوّذ بإجهار،ثمَّ جهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم (2).
ثمَّ لا يستحبّ في باقي الرّكعات.و هو مذهب علمائنا،و قول عطاء،و الحسن،و النّخعيّ،و الثّوريّ (3).و قال الشّافعيّ (4)،و ابن سيرين:يتعوّذ في كلّ ركعة (5).
لنا:القصد هو التعوّذ من الوسوسة و هو حاصل في أوّل الرّكعة فيكتفى به في الباقي.
و ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة قال:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا نهض من الرّكعة الثّانية استفتح بقراءة الحمد (6).رواه مسلم.
خلافا لبعض الجمهور (7).
لنا:فعل فات محلّه فيفوت بفواته كالاستفتاح.
على أنّ ما يدركه المأموم آخر صلاته و يقضي الأوّل بعد فراغ الإمام،و عندنا أنّ ما يدركه المأموم هو أوّل صلاته و سيأتي.
لأنّ الثّانية غير مطابقة للصّلاة،فإن كبّر ثالثة و نوى بها الافتتاح انعقدت صلاته،و على هذا أبدا،و إن لم ينو بما بعد تكبيرة الإحرام الافتتاح صحّت صلاته بل هو مستحبّ على ما قلناه من الاستفتاح بسبع تكبيرات (1).
كما يتأتّى له و يقدر عليه،و لا يجب عليه غير ذلك (5).
و الوجه أنّه إن كانت الآفة توجب تغيير باقي الحروف (6)وجب عليه التّعلّم بقدر الإمكان،فإن لم يمكنه كان الواجب عليه ما يقدر عليه،و إن لم تكن مغيّرة لم يكن به بأس.
،فإن خاف الفوت اقتصر على تكبيرة الإحرام و أجزأته عنهما (7).
ص:43
و ليس قوله رحمه اللّه:ثمَّ يكبّر تكبيرة الرّكوع،عطفا على يكبّر تكبيرة الافتتاح؛لأنّه يقتضي وجوب تكبيرة الرّكوع و هو مناف لمذهبه (1)،و إن كان كلامه مشعرا بذلك.
و كذا لوّح في النّهاية بوجوبها (2).و ليس بشيء.قال:و لو نوى بها تكبيرة الرّكوع لم تصحّ صلاته (3).و هو جيّد؛لأنّه لم يكبّر للإحرام.قال:و أمّا صلاة النّافلة فلا يتعذّر فيها، لأنّ عندنا صلاة النّافلة لا تصلّى جماعة إلاّ أن يفرض في صلاة الاستسقاء،فإن فرض فيها كان حكمها حكم الفريضة،سواء في وجوب الإتيان بها مع الاختيار،و في جواز الاقتصار على تكبيرة الإحرام عند التّعذّر (4).و هذا تصريح بوجوب تكبيرة الرّكوع و ليس مقصودا؛لأنّ النّافلة مستحبّة فكيف يجب فيها تكبيرة الرّكوع.
و ما رواه عليّ عليه السّلام،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أنا أوّل المسلمين»فإنّما جاز؛لأنّه كان أوّل المسلمين من هذه الأُمّة (5).
فإن كبّر معه كان جائزا إلاّ أنّ الأفضل ما قدّمناه،فإن كبّر قبله لم يصحّ و وجب عليه أن يقطعها بتسليمة و يستأنف بعده أو معه تكبيرة الإحرام،و كذلك إن كان قد صلّى شيئا من الصّلاة و أراد أن يدخل في صلاة الإمام قطعها و استأنف معه (6).و قال في الخلاف:لا ينبغي أن يكبّر المأموم إلاّ بعد فراغ الإمام من التّكبير (7).و هو قول مالك (8)،و الشّافعيّ (9)،
ص:44
و أبو يوسف (1).و قال أبو حنيفة (2)،و سفيان،و محمّد:يجوز أن يكبّر معه (3).
قال:دليلنا:أنّه لا خلاف في جواز الصّلاة مع التّكبير بعده و اختلفوا فيه إذا كبّر معه فينبغي الأخذ بالاحتياط.و أيضا:فالإمام إنّما قيل إنّه إمام ليقتدى به،و بالتّكبير معه لا يحصل الاقتداء به،لأنّه يحتاج إلى أن يفعل الفعل على الوجه الّذي فعله (4).
و روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أنّه قال:«إنّما الإمام مؤتمّ به فإذا كبّر فكبّروا» (5).و هذا نصّ.
و لا نعلم خلافا في وجوب القراءة و كونها شرطا في الصّلاة بين العلماء،إلاّ ما حكاه الشّيخ عن الحسن بن صالح بن حيّ من أنّه قال:ليست القراءة شرطا فيها (6).و كذا حكي عن الأصمّ (7).
لنا:قوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) .و قوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (8).
ص:45
و ما رواه الجمهور،عن عبادة بن الصّامت (1)،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام:«فمن ترك القراءة متعمّدا أعاد الصّلاة» (3).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:سألته عن ا الّذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته؟قال:«لا صلاة له إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو إخفات» (4).و خلاف المذكورين منقرض (5)لا اعتبار به.
و الشّافعيّ (1)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (2).و في الأُخرى:يجزئ مقدار آية واحدة (3).
و هو منقول عن أبي حنيفة (4)،و نقل عنه أنّه يجزئ مقدار ثلاث آيات من أيّ آيات القرآن شاء (5).
لنا:قوله عليه السّلام:«لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب» (6).رواه عبادة،و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله داوم عليها،و مواظبته تدلّ على تعيّنها (7).
و لقوله عليه السّلام:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (8).
و من طريق الخاصّة:رواية محمّد بن مسلم،عن الباقر عليه السّلام (9).
ص:47
احتجّ المخالف (1)بقوله عليه السّلام للأعرابيّ:«ثمَّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن» (2).و بقوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (3).و لأنّ الفاتحة مساوية لآيات القرآن في الأحكام فكذا في الصّلاة.
و الجواب عن الأوّل:أنّ الشّافعيّ رواه بإسناده،عن رفاعة بن رافع أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال للأعرابيّ:«ثمَّ اقرأ بأُمّ القرآن و ما شاء اللّه أن تقرأ» (4).ثمَّ نحمله على الفاتحة و ما تيسَّر معها ممّا زاد عليها.و يحتمل أنّه لم يكن يحسن الفاتحة.
و كذا الجواب عن الآية:فإنّه يحتمل أنّه أراد الفاتحة و ما تيسّر معها،و يحتمل أنّها نزلت قبل الفاتحة؛لأنّها مكّيّة.و قولهم:الفاتحة مساوية لغيرها ممنوع في كلّ شيء،و لهذا أجمعنا على أنّ من تركها مسيء (5)بخلاف غيرها.
و هي بعض آية في سورة النّمل تجب قراءتها في الصّلاة مبتدئا بها في أوّل الفاتحة.و هو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السّلام.و قال الشّافعيّ:إنّها آية من أوّل الحمد بلا خلاف (6).و في كونها آية من كلّ سورة قولان:أحدهما:أنّها آية من كلّ أوّل سورة.
و الآخر:أنّها بعض من أوّل كلّ سورة و يتمّ بما بعدها آية (7).و قال أحمد (8)،
ص:48
و إسحاق (1)،و أبو ثور (2)،و أبو عبيدة (3)،و عطاء،و الزّهريّ (4)،و عبد اللّه بن المبارك:
إنّها آية من كلّ سورة (5).و قال أبو حنيفة (6)،و مالك (7)،و الأوزاعيّ (8)،و داود:ليست آية من فاتحة الكتاب و لا من سائر السّور (9).ثمَّ قال مالك (10)،و الأوزاعيّ (11)،و داود:
يكره أن يقرأها في الصّلاة (12).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة أنّه قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في صلاته،ثمَّ قرأ:الحمد للّه ربّ العالمين إلى آخر الفاتحة،ثمَّ قال:و الّذي نفسي بيده إنّي لأشبهكم صلاة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (13).رواه النّسائيّ.
و روى ابن المنذر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قرأ في الصّلاة:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم (14).
و عن أُمّ سلمة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرأ في الصّلاة:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ص:49
و عدّها آية،الحمد للّه ربّ العالمين،اثنتين إلى آخرها (1).
و عن أبي هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا قرأتم الحمد فاقرؤا بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فإنّها أُمّ الكتاب و السّبع المثاني و بسم اللّه الرّحمن الرّحيم آية منها» (2).
و عن ابن عبّاس أنّه قال:سرق الشّيطان من النّاس مائة و ثلاث عشرة آية حين (3)ترك بعضهم قراءة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في أوائل السّور (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن صفوان قال:صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما،فكان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم و أخفى ما سوى ذلك (5).
و في الصحيح،عن معاوية بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إذا قمت للصّلاة أقرأُ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في فاتحة القرآن؟قال:«نعم»قلت:فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأُ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم مع السّورة؟قال:«نعم» (6).
و في الصّحيح،عن يحيى بن عمران الهمدانيّ (7)قال:كتبت إلى أبي جعفر عليه
ص:50
السّلام جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في صلاته وحده في أُمّ الكتاب فلمّا صار إلى غير أُمّ الكتاب من السّورة تركها؟فقال العبّاسيّ (1):ليس بذلك بأس،فكتب عليه السّلام بخطّه:«يعيدها مرّتين على رغم أنفه»يعني العبّاسيّ (2).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السّبع المثاني و القرآن العظيم هي (3)الفاتحة؟قال:«نعم»قلت:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من السّبع؟قال:«نعم،هي أفضلهنّ» (4).
و لأنّ اللّه تعالى قال (وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) (5).قال المفسّرون:إنّها الفاتحة تثنّى في كلّ صلاة مرّتين (6)،و إنّما تكون سبعا بالتّسمية.و لأنّها ثابتة في المصاحف بخطّ القرآن و قد كانت الصّحابة تتشدّد (7)في التّعشيرات و النّقط و أسماء السّور،فكيف يجوز لهم إثبات ما ليس من القرآن فيه.و لأنّ القرّاء يقرؤنها في أوائل السّور كغيرها من الآيات.
احتجّ أبو حنيفة (8)بما رواه أبو هريرة قال:سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول:
«قال اللّه تعالى:قسمت الصّلاة بيني و بين عبدي نصفين و لعبدي ما سأل،فإذا قال:
الحمد للّه ربّ العالمين،قال اللّه تعالى:حمدني عبدي،فإذا قال:الرّحمن الرّحيم،قال اللّه
ص:51
تعالى:أثنى عليّ عبدي،فإذا قال:مالك يوم الدّين،قال اللّه (1):مجّدني عبدي،فإذا قال:
إيّاك نعبد و إيّاك نستعين،قال اللّه (2):هذا بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل،فإذا قال:
اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضّالّين، قال:هذا لعبدي و لعبدي ما سأل» (3).فلو كانت البسملة آية لعدّها و بدأ بها و لم يتحقّق التنصيف.و لأنّها لو كانت آية من كلّ سورة لتواترت كغيرها.
و الجواب عن الأوّل:أنّ قسمة الصّلاة ليست قسمة للسّورة (4).و لأنّه أراد ذكر التّساوي في قسمة الصّلاة لا قسمة السّورة،و يؤيّده:اختصاص اللّه تعالى بثلاث آيات أوّلا،ثمَّ مشاركته مع العبد في الرّابعة،و حينئذ لا يبقى التّنصيف في السّورة ثابتا (5).
قوله:لو كانت آية لبدأ بها و عدّها.قلنا:قد روى ذلك عبد اللّه بن زياد بن سمعان (6)عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله قال:«يقول عبدي إذا افتتح الصّلاة:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فيذكرني عبدي» (7).و ساق الحديث،و هذا نصّ في الباب.
و عن الثّاني:أنّا نقول بموجبة و ندّعي التّواتر في نقلها،و قوّة الشّبهة فيها منعت من تكفير المخالف.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه
ص:52
عليه السّلام عن الرّجل يكون إماما فيستفتح الحمد و لا يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم؟ فقال:«لا يضرّه و لا بأس» (1).
و في الصّحيح،عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ و محمّد بن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب؟قال:«نعم،إن شاء سرّا و إن شاء جهرا»فقالا:أ فيقرأها مع السّورة الأُخرى؟ فقال:«لا» (2).
لأنّا نقول:إنّا نحمل الرّواية الأُولى على إمام اتّقى،فجائز (3)له أن يتركها أو يخافت بها،لما (4)رواه الشّيخ،عن أبي حسن جرير بن زكريّا بن إدريس القمّيّ (5)قال:سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن الرّجل يصلّي بقوم يكرهون أن يجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم؟فقال:«لا يجهر» (6).أو يكون محمولا على النّاسي.
و عن الثّانية:أنّها محمولة على النّافلة،و كذلك جميع ما ورد (7)في هذا الباب.
ص:53
ذهب إليه أكثر علمائنا (2).و قال في النّهاية:لا تجب السّورة الأُخرى (3).و به قال الشّافعيّ (4)و غيره من الجمهور (5).
قال الشّيخ في الخلاف و المبسوط:الظّاهر من روايات أصحابنا و مذهبهم أنّ قراءة سورة أُخرى مع الحمد واجب في الفرائض،و لا يجزئ الاقتصار على أقلّ منها (6).و به قال بعض أصحاب الشّافعيّ (7)إلاّ أنّه جوّز بدل ذلك ما يكون قدر آيها من القرآن.
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي قتادة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في الرّكعتين الأوّلتين من الظّهر بفاتحة الكتاب و سورتين يطوّل في الاُولى و يقصّر في الثّانية و كذا في العصر و الصّبح يطوّل في الاُولى من كلّ منهما و يقصّر في الثّانية (8).
و أمر معاذا فقال:«اقرأ بالشّمس و ضحاها،و سبّح اسم ربّك الأعلى،و اللّيل إذا يغشى» (9).
و قد تواتر النّقل عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه صلّى بالسّورة بعد الحمد و داوم عليها (10)،و ذلك يدلّ على الوجوب.و أيضا قوله عليه السّلام:«صلّوا كما رأيتموني
ص:54
أُصلّي» (1).
و روى الجمهور أيضا،عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب و معها غيرها» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن يحيى بن عمران الهمدانيّ قال كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في صلاته وحده في أُمّ الكتاب فلمّا صار إلى غير أُمّ الكتاب من السّورة تركها؟فقال العبّاسيّ:ليس بذلك بأس فكتب عليه السّلام بخطّه:«يعيدها مرّتين على رغم أنفه»يعني العبّاسيّ (3).و ترك الجميع يستلزم ترك البسملة فكان أولى بوجوب الإعادة.
و عن منصور بن حازم قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا بأكثر» (4).
و في رواية حمّاد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تعليم صفة الصّلاة،ثمَّ قرأ الحمد و سورة (5).و كان ذلك في معرض البيان.
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام،قال:سألته عن الرّجل يقرأ السّورتين في الرّكعة؟فقال:«لا،لكلّ سورة ركعة» (6).و لأنّ الاحتياط
ص:55
يقتضي ذلك،إذ البراءة (1)تحصل باليقين مع قراءتها لا مع تركها.
احتجّ الشّيخ بما رواه،عن الحلبيّ في الصّحيح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إنّ فاتحة الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة» (2).
و احتجّ الجمهور (3)بقوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (4).و بما رواه أبو داود قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اخرُج فَنادِ في المدينة أنّه لا صلاة إلاّ بقرآن و لو بفاتحة الكتاب» (5).و هذا يدلّ على أنّه لا يتعيّن الزّيادة على الحمد.
و الجواب عن الأوّل:أنّه محمول على الضّرورة أو حالة الاستعجال.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن الحسن الصّيقل قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أ يجزئ عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شيء؟فقال:«لا بأس» (6).
و في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها،و يجوز للصّحيح في قضاء الصّلاة التّطوّع باللّيل و النّهار» (7).
و في الصّحيح،عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«لا بأس بأن يقرأ الرّجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الرّكعتين الأوّلتين إذا ما أعجلت به
ص:56
حاجة أو تخوّف شيئا» (1).و هذا نصّ في جواز الاقتصار على الحمد مع العذر فيحمل الإطلاق عليه جمعا بين الأدلّة.
دفعا للحرج.و يؤيّده:رواية عبد اللّه بن سنان،و حسن الصّيقل.
لأنّها كالحمد في الوجوب،أمّا لو لم يمكنه التّعلّم أو ضاق الوقت صلّى بالحمد وحدها للضّرورة،و لا خلاف في جواز الاقتصار على الحمد في هذه المواضع و في النّوافل للعارف المختار.
لأنّه يكون قد قرأ بعض السّورة فلم يأت بالواجب.
و يؤيّده:رواية يحيى بن عمران الهمدانيّ،عن أبي جعفر عليه السّلام (2).أمّا لو كانت سورة براءة لم تجب البسملة فيها،لأنّها ليست آية منها بدليل حذفها في المصاحف.
لنا:ما تقدّم من الأحاديث (1).و في رواية منصور بن حازم،عن الصّادق عليه السّلام:«لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا بأكثر» (2).
و يجوز مع الضّرورة و في النّافلة و لغير العارف إذا لم يمكنه التّعلّم أو ضاق عليه الوقت الاقتصار على ما يحسنه بلا خلاف.قال الشّيخ في المبسوط:قراءة سورة بعد الحمد واجب غير أنّه إن قرأ بعض سورة لا يحكم ببطلان الصّلاة (3).
و قال ابن الجنيد:و لو قرأ بأُمّ الكتاب و بعض السّورة في الفرائض أجزأه (4).
و احتجّوا بما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عمر بن يزيد قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:«أ يقرأ الرّجل السّورة الواحدة في الرّكعتين من الفريضة؟فقال:«لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات» (5).
و في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يقرأ سورة واحدة في الرّكعتين من الفريضة و هو يحسن غيرها فإن فعل فما عليه؟ قال:«إذا أحسن غيرها فلا يفعل،و إن لم يحسن غيرها فلا بأس» (6).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن السّورة أ يصلّي الرّجل بها في الرّكعتين من الفريضة؟فقال:«نعم،إذا كانت ستّ آيات قرأ بالنّصف منها في الرّكعة
ص:58
الاولى،و النّصف الآخر في الرّكعة الثّانية» (1).
و عن إسماعيل بن الفضل (2)قال:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السّلام و أبو جعفر عليه السّلام،فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة فلمّا سلّم التفت إلينا فقال:«أما إنّي (3)أردت أن أعلّمكم» (4).
و في الصّحيح عن سعد بن سعد الأشعريّ،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:
سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة هل يجزئه في الثّانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السّورة؟فقال:«يقرأ الحمد،ثمَّ يقرأ ما بقي من السّورة» (5).
و تأوّل الشّيخ الحديث الأوّل بأن حمله على أنّه يجوز له إعادة السّورة في الرّكعة الثّانية دون أن يبعّضها (6)،و ذلك إذا لم يحسن غيرها،فأمّا إذا أحسن غيرها فإنّه يكره ذلك (7)،و استدلّ على هذا التّأويل بالرّواية الثّانية.
و تأوّل الرّواية الثّالثة بأنّها محمولة على حالة التقيّة دون الاختيار (8)،و استدلّ عليه
ص:59
بالرّواية الرّابعة.
و حمل الرّواية الخامسة على النّافلة و استدلّ عليه بما رواه في الصّحيح عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن تبعيض السّورة؟قال:«أكره و لا بأس به في النافلة» (1).و هذه التّأويلات و إن كانت ممكنة إلاّ أنّ فيها ما لا يخلو عن بعد.
و لو قيل:فيه روايتان،إحداهما جواز الاقتصار على البعض،و الأُخرى المنع،كان وجها،و يحمل المنع على كمال الفضيلة.
لأنّ المفهوم من فحاوي الأحاديث و فتاوى الأصحاب أنّ السّورة غير الحمد.
و وجب عليه استئناف الصّلاة إن تعمّد،و استئناف القراءة إن كان ساهيا،لأنّ المنقول عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2)و أفعال الأئمّة عليهم السّلام التّرتيب (3)،و هذه الأُمور إنّما تثبت (4)توقيفا.
و قال بعض الجمهور:يستحبّ أن تغاير (5)بينهما (6).
قال ابن الجنيد:و الأفضل أن يقرأ أطولهما في الاُولى و أقصرهما في الثّانية (7).و قال الشّيخ في الخلاف:يجوز أن يسوّي بين الرّكعتين في مقدار السّورتين اللّتين تقرأ فيهما بعد
ص:60
الحمد،و ليس لأحدهما ترجيح على الآخر (1).و لا ريب في أنّ التّرجيح حكم شرعيّ،إن ثبت عمل به و إلاّ فلا.
و قد روى الجمهور،عن رجل من جهينة (2)أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقرأ في الصّبح إذا زلزلت في الرّكعتين كلتيهما فلا أدري أنسي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أم قرأ ذلك عمدا.رواه أبو داود،و النّسائيّ (3).و عندنا لا يقع من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سهو.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قلت له:أُصلّي بِقُل هو اللّه أحد؟قال:«نعم،قد صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في كلتي الرّكعتين بِقُل هو اللّه أحد لم يصلّ قبلها و لا بعدها بِقُل هو اللّه أحد أتمّ منها» (4).
و بغيرها من المتقدّمات عليها و المتأخّرات عنها من غير ترجيح،خلافا لبعض الجمهور فإنّهم يستحبّون أن يقرأ في الثّانية بما بعد الأُولى في النّظم (5).
لنا:ما رواه البخاريّ عن الأحنف (6)أنّه قرأ بالكهف في الأُولى و في الثّانية بيوسف
ص:61
و ذكر أنّه صلّى مع عمر الصّبح بهما (1).و لأنّ الأصل عدم التّرجيح و لم ينقل إلينا عن الأئمّة عليهم السّلام في هذا شيء.
،خلافا لأحمد في إحدى الرّوايتين،فإنّه كره أواخر السّور (2). (3)
لنا:أنّ المأخوذ عليه هو قراءة ما زاد على الحمد و قد حصل.
و ما رواه الجمهور،عن ابن مسعود أنّه كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصّبح آخر آل عمران و آخر الفرقان (4).رواه الخلاّل.
و من طريق الخاصّة:رواية أبي بصير (5)،و إسماعيل بن الفضل (6)،و قد تقدّمنا.
العاشر:لا نعرف خلافا في استحباب قراءة سورة (7)بعد الحمد في النّوافل.
بوجوبها أجمع عمدا
بلا خلاف في الحمد؛لأنّ الإتيان بها واجب،لقوله عليه السّلام:
«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (8).و وجودها أجمع يتوقّف على وجود أجزائها،فمع الإخلال
ص:62
بحرف منها يقع الإخلال بها،و كذا الإعراب لو أخلّ به عامدا بطلت صلاته،سواء أتى بحركات مضادّة لحركات الإعراب أو حذف الإعراب و سكن الحرف،و سواء اختلّ المعنى باللّحن كما لو كسر كاف إيّاك أو ضمّ تاء أنعمت،أو لم يغيّر كما لو ضمّ هاء اللّه،خلافا لبعض الجمهور (1).
لنا:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى بالإعراب المتلقّى عنه عليه السّلام و قال:
«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (2).و لأنّه تعالى:وصف القرآن بكونه عربيّا فما ليس بعربيّ فليس بقرآن.
و لو عجز أو ضاق الوقت صلّى على ما يحسنه،و لو لم يمكنه التعلّم على الاستقامة هل يجب عليه ترك الإعراب لاحتمال الخطأ و التّسكين أولا؟فيه تردّد ينشأ من كون حذف الحركات يبطل الجزء الصّوريّ من الكلام،و من كون الواجب عليه الإتيان بالصّحيح و ترك الخطأ و قد فات الأوّل فيجب الثّاني،و الأخير أقرب.
و كذا لو لم يعرف القراءة.
فلو أخلّ به عامدا بطلت صلاته،و لو أخلّ به ناسيا استأنف القراءة ما دام في حالها،لأنّ مع الإخلال بالتّرتيب لا يتحقّق الإتيان بها.
حرف مغاير للمنطوق به،بدليل أنّ شدّة راء الرّحمن أُقيمت مقام اللاّم،و شدّة ذال الّذين أُقيمت مقام اللاّم،فالإخلال به إخلال بحرف من الحمد و ذلك مبطل.و هو مذهب الشّافعيّ (1)،خلافا لبعض الجمهور حيث جوّز ترك التّشديد،لأنّه غير ثابت في المصحف، و إنّما هو صفة للحرف و يسمّى تاركه قارئا (2).و ليس شيئا (3).و في سورة الحمد أربع عشرة تشديدة بلا خلاف.
و لا ينبغي المبالغة في التّشديد،لأنّه في كلّ موضع أُقيم مقام حرف ساكن،فإذا زاد على ذلك يكون بمنزلة من زاد على الحرف الأصليّ (4).
و لا يعوّل على ما يوجد في مصحف ابن مسعود،لأنّ القرآن ثبت بالتّواتر و مصحف ابن مسعود لم يثبت متواترا (5)،و لو قرأ به بطلت صلاته،خلافا لبعض الجمهور (6).
لنا:أنّه قرأ (7)بغير القرآن فلا يكون مجزئا.
لتواترها أجمع،و لا يجوز أن يقرأ بالشّاذّ و إن اتّصلت رواية (8)،لعدم تواترها و أحبّ القراءات (9)إليّ ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عيّاش،و قراءة أبي عمرو بن العلاء،فإنّهما أولى من قراءة حمزة و الكسائيّ؛لما فيهما من الإدغام و الإمالة و زيادة المدّ،و ذلك كلّه تكلّف،و لو قرأ به
ص:64
صحّت صلاته بلا خلاف.
لئلاّ يبدّل حرفا بحرف،فلو أخرج الضّاد في قوله تعالى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ) (1).من مخرج الظّاء لاختلّ المعنى و بطلت صلاته إن فعله متعمّدا،و إن كان جاهلا وجب عليه التعلّم.
موضعه أجزأ
و لو تعمّد استأنف؛لأنّه أخلّ بالتّرتيب (2).قال:و لو نوى قطعها و قطع القراءة استأنف صلاته،و إن لم يقطع القراءة استمرّ؛لأنّه مع القطع يظهر (3)أثر النيّة فيفسد صلاته،لأنّه نوى إفسادها و فعل ما نوى،بخلاف ما لو لم يقطع (4).قال:و لو أخلّ بإصلاح لسانه في القراءة مع القدرة أبطل صلاته،و لو كان ناسيا لم تبطل (5).
لنا:أنّه بغير العربيّة ليس بقرآن؛لقوله تعالى (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (1).أخبر أنّه أنزل القرآن بالعربيّ،فما ليس بعربيّ لم يكن قرآنا.و كذا قوله تعالى (إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (2).و لأنّ القرآن ما ثبت نقله بالتّواتر،و التّرجمة و المرادف ليس كذلك،و لأنّه معجز بالإجماع إمّا بفصاحته أو نظمه أو بهما أو بالصرفة (3)،فلو كان معناه قرآنا لما تحقّق الإعجاز،و لما حصل التّحدّي به،و لكانت التّفاسير قرآنا،و يلزم أنّ من أتى بمعنى شعر امرؤ القيس (4)نظما أن يكون هو بعينه شعر امرؤ القيس،و ذلك جهالة.
و أيضا:قوله تعالى (وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (5).فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أتاهم بالقرآن بلغة العرب فادّعوا أنّ رجلا من العجم يعلّمه،فأكذبهم اللّه تعالى و قال:هذا الّذي يضيفون إليه التّعليم أعجميّ،و الّذي أتاكم به لسان عربيّ.فلو استويا في كونهما قرآنا لم ينكر عليهم ما ادّعوه،و إذا لم يكن قرآنا لم يكن مجزئا،لقوله عليه السّلام:«لا صلاة إلاّ بقرآن» (6).و قوله عليه السّلام:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (7).
ص:66
و أيضا:روى عبد اللّه بن أبي أوفى أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:
إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا أصنع؟فقال له:«قل:سبحان اللّه و الحمد للّه» (1).فلو كان معنى القرآن مجزئا لأوجب عليه السّلام القراءة بأيّ لسان كان، أو الإتيان بمعناه و إن أخلّ بلفظه،و لأنّه ثبت بالتّواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يصلّي بالعربيّة و قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (2).و فعل ذلك بيانا للواجب فكان واجبا.
احتجّ المخالف (3)بقوله تعالى (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ) (4).و إنّما ينذر كلّ قوم بلسانهم.و بقوله تعالى:( إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى) (5).و قوله:
(وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (6).و تلك (7)لم تكن بالعربيّة،و لأنّه تعالى حكى عن نوح قوله:
(رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً) (8).و لم يقولوا ذلك بالعربيّة إلاّ أنّهم لمّا حكى المعنى عنهم أضاف القول إليهم،و ذلك يقتضي أنّ من عبّر عن القرآن بالفارسيّة يكون عبارته قرآنا.
و الجواب عن الأوّل:أنّه إذا فسّره لهم كان الإنذار بالمفسّر دون التّفسير،و لأنّ الإنذار بالقرآن لا يستلزم نقل اللّفظ بعينه،فإنّه لو أوضح لهم المعنى قيل:إنّه أنذرهم به، بخلاف صورة النّزاع.
و عن الثّاني:أنّا نعلم أنّ القرآن بعينه لم يكن في تلك اللّغة بل معناه و المجاز قد يصار
ص:67
إليه لقرينة.و قيل:إنّه أراد صفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و ذكر شريعته في الصّحف الاُولى (1)و هو (2)الجواب عن الثّالث.
مسألة:و لو لم يحسن القراءة وجب عليه التّعلّم بالعربيّة.و هو قول كلّ من أوجب القراءة بها؛لأنّ القراءة واجبة و هي متوقّفة على التّعلّم فيكون واجبا،و لو أخلّ به مع المكنة بطلت صلاته؛لأنّه غير قارئ مع إمكانه.و لو ضاق الوقت قرأ ما يحسن و تعلّم لما يستأنف بلا خلاف؛لأنّه حال لا يتّسع للزّيادة على ما يعلمه فيقتصر عليه،و وجوب التعلّم في المستقبل لإمكانه.
لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«فإن كان معك قرآن فاقرأ به» (4).و هل يجب أن يأتي بسورة (5)كاملة؟الحقّ عندنا نعم؛لأنّها واجبة مع الحمد فلا يسقط بفواتها لعذر، و هل يجب أن يأتي بسورة أُخرى عوض الحمد؟الأقرب لا،و لو لم يحسن سورة كاملة قرأ ما يحسنه،و هل يجب عليه أن يقرأ بعدد آيها؟الأقرب أنّه لا يجب،خلافا لبعض الشّافعيّة (6)لأنّها بدل عندهم.
لأنّ الآية منها أقرب إليها من غيرها،و هل يكرّرها سبعا؟الأقرب عندنا أنّه لا يجب،خلافا لأحمد (7)،و القولان
ص:68
للشّافعيّ (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن رفاعة بن رافع أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا قمت إلى الصّلاة فإن كان معك قرآن فاقرأ به و إلاّ فاحمد اللّه و هلّله و كبّره» (2).فلم يأمره بالتّكرار بل اقتصر على ما معه.
ينشأ من أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله للأعرابيّ أن يحمد اللّه و يكبّره و يهلّله و قوله:الحمد للّه،بعض آية و لم يأمره بها و لا اقتصر عليها،و من قوله عليه السّلام:«فإن كان معك قرآن فاقرأ به».و الأقرب اعتبار الاسم إن كان ذلك البعض يسمّى قرآنا قرأ به و إلاّ فلا.
و لا يقرأ بالمعنى لأنّه غير قرآن فيدخل تحت قوله عليه السّلام:«فإن كان معك قرآن فاقرأ به و إلاّ فاحمد اللّه و هلّله و كبّره» (4).و المعنى ليس بقرآن.
(5)و لم يحدّ ذلك بحدّ.و قال بعض الجمهور:يجزئ ما علّمه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رجلا (6)قال:يا رسول اللّه إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلّمني ما يجزئني،فقال:«سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه» (7)،قال:هذا للّه فمالي؟قال:«تقول:اللّهمّ اغفر لي و ارحمني و ارزقني و اهدني
ص:69
و عافني» (1).
و قال بعض الشّافعيّة:لا بدّ مع الكلمات المقدّمة (2)من كلمتين ليقوم العدد سبعا مقام الحمد (3).و ليس بجيّد،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اقتصر عليه في معرض السّؤال عن الإجزاء،و الجواب يتضمّن إعادة السّؤال،أمّا لو قيل بالاستحباب تحصيلا للمشابهة كان وجها.
و هو قول أكثر أهل العلم (5).
و قال أبو حنيفة:تبطل الصّلاة به إذا لم يكن حافظا (6).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عائشة أنّه كان يؤمّها عبد لها يقرأ في المصحف.رواه الأثرم و أبو داود (7). (8)و عن الزّهريّ:كان خيارنا يفعلونه (9).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن الحسن بن زياد الصّيقل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له:ما تقول في الرّجل يصلّي و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السّراج قريبا منه؟قال:«لا بأس» (10).و لأنّ القدر الواجب هو القراءة محفوظة كانت أو لم تكن.
ص:70
احتجّ أبو حنيفة:بأنّه عمل كثير فيكون مبطلا (1)،و بما رواه ابن عبّاس قال:نهانا أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام أن نؤمّ النّاس في المصاحف و أن يؤمنّا إلاّ محتلم (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّه من أعمال الصّلاة فلا يكون مبطلا.و لأنّه نظر إلى موضع معيّن فلم تبطل الصّلاة به كما لو كان حافظا.
و عن الثّاني:أنّ النهي لتقديم المفضول فلا يتناول صورة النّزاع.
لأنّ القراءة معتبرة و قد تعذّرت فيأتي ببدلها و هو حركة اللّسان،و لا يكون بدلا إلاّ مع النيّة،و اكتفى الشّيخ بالأوّل (3)،و فيه نظر.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول أهل العلم إلاّ الشّافعيّ في أحد القولين،فإنّه قال فيه:
يسنّ أن يقرأ سورة مع الفاتحة في الأخيرين (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي قتادة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في الرّكعتين الأوّلتين (6)من الظّهر بأُمّ الكتاب و سورتين،و في الرّكعتين الأخيرتين (7)بأُمّ الكتاب (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن جميل بن درّاج،عن أبي عبد اللّه عليه
ص:71
السّلام:«و يقرأ الرّجل في الأخيرتين إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب» (1).
و روى في الصّحيح،عن عبيد بن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّكعتين الأخيرتين من الظّهر؟قال:«تسبّح و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك،و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء» (2).
احتجّ الشّافعيّ (3)بما روي،عن أبي بكر أنّه صلّى المغرب و قرأ في الأخيرة بأُمّ الكتاب و هذه الآية (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) (4)(5).
و الجواب:فعله ليس بحجّة مع معارضته لفعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و اتّباع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أولى،مع أنّه يجوز أن يكون قد طلب بهذه الدّعاء لا القرآن.
فإن كانت ثلاثيّة وجبت في الأوّلتين،و إن كانت رباعيّة ففي ثلاث (1).
و قال الحسن:يجب في ركعة واحدة (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام أنّه قرأ في الأوّلتين،و سبّح في الأخيرتين (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمد بن قيس (4)،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا صلّى يقرأ في الأوّلتين من صلاته الظّهر سرّا،و يسبّح في الأخيرتين من صلاته الظّهر على نحو من صلاته العشاء، و كان يقرأ في الأوّلتين من صلاة العصر سرّا،و يسبّح في الأخيرتين على نحو من صلاته العشاء،و كان يقول:أوّل صلاة أحدكم الرّكوع» (5).
و ما تقدّم في (6)حديث عبيد بن زرارة (7)؛و لأنّ القراءة لو تعيّنت في الأخيرتين
ص:73
ليس فيها الجهر كالأوّلتين.
احتجّ الشّافعيّ (1)بما رواه أبو قتادة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في أُوليي الظهر بأُمّ الكتاب و سورتين،و يقرأ في الأُخريين بأُمّ الكتاب (2).
و الجواب:لا منافاة بين فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ما اخترناه،لأنّ التّخيير لا يقتضي سقوط القراءة؛لأنّ للمصلّي أن يقرأ و أن يسبّح أيّهما شاء فعل.
و طعن الحنابلة في حديث عليّ بأنّ رواية الحارث الأعور (3)و قد قال الشّعبي إنّه كان كذّابا (4)،باطل،لأنّ المشهور من حال الحارث الصّلاح و ملازمته لعليّ عليه السّلام، أمّا الشّعبي فالمعلوم منه الانحراف عنه عليه السّلام و ملازمته لبني أُميّة و متابعته لهم حتّى عدّ في شيعتهم (5).
و أيضا:فقد تواتر النّقل عن أهل البيت عليهم السّلام بما ذكرناه (6)فلا عبرة بمخالفته (7)،و لأنّهما محلّ التّخفيف و لهذا (8)سقطا أصلا في بعض الفرائض كالصّبح و في السّفر و سقطت السّورة فيهما فكان التّخيير مناسبا (9).
ص:74
لثبوت التّخيير بينهما، و الحكم (1)بالفرق ينافي التّخيير بين الرّاجح و المرجوح.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن عليّ بن حنظلة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
سألته عن الرّكعتين[الأخيرتين] (2)ما أصنع فيهما؟فقال:«إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللّه فهو سواء»قال:قلت فأيّ ذلك أفضل؟قال:«هما و اللّه سواء إن شئت سبّحت،و إن شئت قرأت» (3).
لأنّه ربّما يأتي مسبوق،فلو لم يقرأ الإمام لخلت (4)صلاة المسبوق من قراءة،لجواز أن يسبّح هو،و الأولى للمأموم التّسبيح وقت قراءة الإمام.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كنت إماما فاقرأ في الرّكعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب،و إن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» (5).
و روى،عن محمّد بن حكيم قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام،أيّما أفضل القراءة في الرّكعتين الأخيرتين أو التّسبيح؟فقال:«القراءة أفضل» (6).و حمله الشّيخ
ص:75
على الإمام (1)،جمعا بين هذه الرّواية و رواية ابن حنظلة.
و عن معاوية بن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القراءة خلف الإمام في الرّكعتين الأخيرتين؟قال:«الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح،فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و إن شئت فسبّح» (2).
فقال المفيد رحمه اللّه:يجزئ أربع تسبيحات أن يقول:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر (3).و اختاره الشّيخ في الاستبصار (4).و قال في المبسوط و الجمل:هو مخيّر بين القراءة و عشر تسبيحات صورتها:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه.ثلاث مرّات و يقول عقيب الثّالثة:و اللّه أكبر (5).و به قال ابن أبي عقيل،و السيّد المرتضى في المصباح (6)،و ابن إدريس (7).و قال في النهاية:اثنى عشر تسبيحة،يضيف قوله:و اللّه أكبر إلى الثّلاث (8).
و قال أبو الصّلاح:مخيّر (9)بين الحمد و ثلاث تسبيحات:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه (10).و قال حريز بن عبد اللّه السّجستانيّ في كتابه:تسع تسبيحات (11).أسقط التّكبير و كرّر التّسبيح و التّحميد و التّهليل ثلاثا،و به قال أبو جعفر بن بابويه (12).
ص:76
و الأقرب الأوّل.
لنا:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:ما يجزئ من القول في الرّكعتين الأخيرتين؟قال:«أن تقول:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و تكبّر و تركع» (1).و هذا نصّ في الباب.
و في الصّحيح،عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قمت في الرّكعتين لا تقرأ فيهما فقل:الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر» (2).و هذا يدلّ على الاجتزاء بذلك،لكنّا أوجبنا التّهليل لرواية زرارة،فيبقى سقوط ما زاد مستفادا منهما، و قوله عليه السّلام قال:«لا تقرأ»ليس نهيا له عن القراءة بل (3)بمعنى غير،كأنّه قال:غير قارئ،فيكون حالا.و لأنّ الأصل برأيه الذمّة،و قول حريز رواه في كتابه،عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا تقرأ في الرّكعتين الأخيرتين من الأربع الرّكعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام»قال:قلت:فما أقول فيهما؟قال:«إن كنت إماما فقل:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه (4)ثلاث مرّات ثمَّ تكبّر و تركع، و إن كنت خلف إمام فلا تقرأ شيئا في الأُوليين (5)و أنصت لقراءته و لا تقولنّ شيئا في الأخيرتين (6)،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول للمؤمنين (وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) يعني في الفريضة خلف الإمام (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (7)و الأخيرتان تبع
ص:77
الأوّلتين» (1).و النّهي هاهنا متوجّه على من يعتقد وجوب القراءة،فقال عليه السّلام:«لا تقرأ»بمعنى (2)معتقدا وجوب القراءة على التّعيين،و هذه الرّواية محمولة على الفضيلة لما قدّمناه من الرّواية (3).
و قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن عبيد بن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّكعتين الأخيرتين من الظّهر؟قال:«تسبّح و تحمد اللّه و تستغفر لذنبك و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء» (4).فما تضمّنته هذه الرّواية من الاستغفار الأقرب أنّه ليس بواجب؛لرواية زرارة (5).
عملا بالاحتياط و برواية زرارة (6)،و في رواية الحلبيّ تقديم الحمد على التّسبيح (7)،و هو محمول على بيان التّسبيح لا على ترتيبه.
و هو مذهب أكثر علمائنا (8).و حكى الشّيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا أنّ
ص:78
القراءة ركن تبطل الصّلاة بتركها عمدا و سهوا (1)(2).
لنا:قوله عليه السّلام:«رفع عن أُمّتي الخطأ و النّسيان» (3).و ارتفاع عينه محال فلا يكون مرادا فيحمل على ارتفاع حكمه،لأنّه أقرب مجاز (4)إلى الحقيقة،إذ نفي الماهيّة (5)يستلزم نفي جميع صفاتها،و أعمّها ما ذكرناه.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:
«إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض الرّكوع و السّجود و القراءة سنّة،فمن ترك القراءة متعمّدا أعاد الصّلاة،و من نسي القراءة فقد تمّت صلاته و لا شيء عليه» (6).
و عن منصور بن حازم في الموثّق قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها،فقال:«أ ليس قد أتممت الرّكوع و السّجود؟» قلت:بلى قال:«فقد تمّت صلاتك إذا كنت ناسيا» (7).
احتجّ المخالف (8)بقوله عليه السّلام:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (9).
ص:79
و الجواب:أنّه مع الذّكر لما بينّاه.
لو أخلّ بالقراءة في الأُوليين (1)ناسيا لم تتعيّن في الآخرتين (2)على إحدى الرّوايتين، بل يبقى على التّخيير و هو الأقوى عملا بعموم الأخبار الدّالة على التّخيير (3).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:الرّجل يسهو عن القراءة في الرّكعتين الأوّلتين فيذكر في الرّكعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ،قال:«أتمّ الرّكوع و السّجود؟»قلت:نعم،قال:«إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» (4).
و اختار الشّيخ في الخلاف أنّه يقرأ في الآخرتين قال:و روي أنّ التّخيير قائم، و احتجّ بأنّ الصّلاة تخلو من قراءة،و قال عليه السّلام:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (5).
و الجواب:ما تقدّم.
المبسوط:قراءة سورة بعد الحمد واجب غير أنّه إن قرأ بعض سورة أو قرن بين سورتين بعد الحمد لا يحكم ببطلان الصّلاة (1).
لنا:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي في كلّ ركعة بسورة (2)واحدة بعد الحمد (3)،و متابعته واجبة.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:
سألته عن الرّجل يقرأ السّورتين في الرّكعة؟فقال:«لا،لكلّ سورة ركعة» (4).
و ما رواه،عن عمر بن يزيد قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أقرأ سورتين في ركعة؟قال:«نعم»قلت:أ ليس يقال:أعط كلّ سورة حقّها من الرّكوع و السّجود؟فقال:
«ذلك في الفريضة فأمّا النّافلة فليس به بأس» (5).دلّ بمفهومه على ثبوت البأس في الفريضة،و لأنّ يقين البراءة يثبت بقراءة سورة واحدة للاتّفاق عليه،بخلاف الجمع فيكون المصير إليه أولى.
احتجّ المجوّزون بما رواه الشّيخ في الموثّق عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:
«إنّما يكره أن يجمع بين السّورتين في الفريضة فأمّا النّافلة فليس به بأس» (6).
و ما رواه،عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن القران بين السّورتين في المكتوبة و النّافلة؟قال:«لا بأس» (7).و لأنّ الأصل الجواز فيصار إليه.
ص:81
و الجواب عن الأوّل:أنّ حديثنا أصحّ طريقا و كان العمل به أولى،و لأنّ الكراهية يشتمل (1)التّحريم،و يدلّ على إرادته قوله عليه السّلام:«فأمّا النّافلة فليس به بأس».
و عن الثّاني:أنّه معارض بما تلوناه من الأحاديث.
و عن الثّالث:أنّه معارض بالاحتياط،و بالجملة فنحن في هذه المسألة من المتردّدين.
فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرأ سورة البقرة و آل عمران و النّساء في ركعة (2).و ما تقدّم من الأحاديث يدلّ عليه.
و احتجّوا على ذلك بما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زيد الشّحّام قال:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السّلام الفجر فقرأ الضّحى و ألم نشرح في ركعة واحدة (1).
و ذكر أحمد بن محمّد بن أبي نصر في كتابه عن المفضّل قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضّحى و أَ لَمْ نَشْرَحْ و سورة الفيل و لِإِيلافِ قُرَيْشٍ » (2).و هاتان الرّوايتان غير دالّتين على مطلوبهم،إذ أقصى ما يدلّ عليه الجواز،أمّا الوجوب فلا.
الشّيخ في التّبيان:لا تعاد
(3)و قال في الاستبصار:الضّحى و ألم نشرح عند آل محمّد عليه و عليهم السّلام سورة واحدة و ينبغي أن يقرأهما موضعا واحدا،و لا يفصل بينهما ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في الفرائض (4).و قال ابن إدريس:تجب قراءة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في الاُولى و الثّانية (5).و هو الوجه عندي،لأنّها ثابتة في المصحف فتكون آية منها.
احتجّ الشّيخ بأنّهما سورة واحدة فلا يعاد بينهما البسملة (6).
و الجواب:المنع من وحدتهما،و ما ذكرتموه إنّما يدلّ على وجوب قراءتهما أمّا على وحدتهما فلا،بل رواية المفضّل تدلّ على تسميتهما سورتين،لأنّ الاستثناء متّصل.
أكثر علمائنا
ص:83
على المنع (1).و قال ابن الجنيد منّا:لو قرأ سورة من العزائم في النّافلة سجد،و إن كان في فريضة أومأ،فإذا فرغ قرأها و سجد (2).و هذا يدلّ على التّسويغ.و أطبق الجمهور على الجواز.
لنا:أنّه لو جاز ذلك لزم أحد محذورين (3)إمّا زيادة السّجود في الصّلاة و هو مبطل لها،و إمّا ترك السّجود مع توجّه الأمر به و كلاهما منفيّان.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم،فإنّ السّجود زيادة في المكتوبة» (4).
و ما رواه،عن عثمان بن عيسى،عن سماعة قال:من قرأ:اقرأ باسم ربّك،فإذا ختمها فليسجد،فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع،قال:و إن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء و الرّكوع و لا تقرأ في الفريضة و اقرأ في التّطوّع (5).و الحديثان و إن كانا لا يخلوان من ضعف.
أمّا الأوّل:فلأنّ في طريقها ابن بكير و هو فطحيّ،و القاسم بن عروة (6)و لا
ص:84
يحضرني حاله.
و أمّا الثاني:فلأنّ في طريقها عثمان بن عيسى و سماعة و هما واقفيّان،و هي موقوفة لم يسندها سماعة إلى إمام،فإنّ فتوى أكثر الأصحاب على المنع،و الاحتياط دالّ عليه.
و يمكن أن يجوّز على قول الشّيخ من جواز الاقتصار على بعض السّورة،فيقرأ حتّى يبلغ السّجدة و يترك (1)،أو نقول:يجوز على قول من يجوّز الزّيادة على السّورة،فيترك إذا بلغ السّجدة و يقرأ من غيرها.و قد رواها الشّيخ،عن عمّار السّاباطيّ في الموثّق،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم،فقال:«إذا بلغ موضع السّجدة فلا يقرأها،و إن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها و يدع الّتي فيها السّجدة و يرجع إلى غيرها» (2).
كما لو ضاق الوقت فقرأ بالبقرة و أشباهها،بحيث يعلم خروج الوقت قبل الإتمام.ذكره الشّيخ في المبسوط (3)و هو الاختيار؛لأنّه يلزم منه الإخلال بالصّلاة أو بعضها حتّى يخرج الوقت عمدا و ذلك غير جائز.
و قال علم الهدى في المصباح:هو من وكيد السّنن حتّى روي أنّ من تركها عامدا أعاده (1).و قال ابن الجنيد:هو مستحبّ (2)،و هو مذهب الجمهور كافّة.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يجهر فيما قلناه و يسرّ فيما عداه (3).
و قال صلّى اللّه عليه و آله:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (4).و لأنّه مستحبّ عندهم فنقول:إنّه عليه السّلام لمّا بيّن الصّلاة إن كان قد فعل ما فصّلناه وجب اتّباعه (5)؛لأنّه بيان للواجب،و إن كان قد خالف وجب اتّباعه،و لم يقل به أحد.و لأنّه يلزم منه عدول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من المسنون إلى المكروه و هو قبيح.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قلت له:رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه،فقال:«أيّ ذلك فعل متعمّدا (6)فقد نقض (7)صلاته و عليه الإعادة،و إن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه و قد تمّت صلاته» (8).
و روى ابن بابويه في كتابه،عن محمّد بن حمران (9)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،
ص:86
الجهر في صلاة الجمعة و المغرب و العشاء الآخرة و الغداة،و الإخفات في الظّهر و العصر (1).و روى نحوه عن الفضل عن الرّضا عليه السّلام (2).
احتجّ ابن الجنيد:بما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يصلّي الفريضة ممّا يجهر فيه هل له أن لا يجهر؟قال:
«إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل» (3).قال الشّيخ في الاستبصار:هذا الخبر موافق للعامّة و لسنا نعمل به،و العمل على الخبر الأوّل (4).و هو جيّد،لجواز أن يكون قد خرج مخرج التقيّة فلا تعويل عليه حينئذ.
سامعا
بلا خلاف بين العلماء،و الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع (5)لو كان سامعا
ص:87
و هو وفاق؛لأنّ الجهر هو الإعلان و الإظهار و هو يتحقّق بسماع الغير القريب فيكتفى (1)به،و الإخفات السّرّ،و إنّما حدّدناه بما قلناه،لأنّ ما دونه لا يسمّى كلاما و لا قرآنا و ما زاد عليه يسمّى جهرا.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة عن الباقر عليه السّلام قال:
«لا يكتب من القراءة و الدّعاء إلاّ ما أسمع نفسه» (2).
و في الصّحيح،عن الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يقرأ الرّجل في صلاته و ثوبه على فيه؟فقال:«لا بأس بذلك إذا أسمع أُذنيه الهمهمة» (3).
و عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن قوله تعالى (وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها) (4)قال:«المخافتة دون سمعك،و الجهر أن ترفع صوتك شديدا» (5).
و قد خرج (6)بهذا الجواب بيان فساد من استدلّ بهذه الآية على التّخيير بين الجهر و الإخفات،لأنّ ظاهرها غير مراد قطعا،إذ نفي الجهر و الإخفات مع القراءة غير ممكن، فلا بدّ من صرفها إلى ما قاله عليه السّلام.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرّك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟قال:«لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهّم توهّما» (7).لأنّ الشّيخ
ص:88
حمل هذه الرّواية على من كان مع قوم لا يقتدي بصلاتهم و يخاف من إسماعه نفسه بالقراءة (1)،و استدلّ عليه بما رواه محمّد بن أبي حمزة،عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النّفس» (2).
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم؛لأنّ صوتها عورة فلا يجوز لها إبرازه إلى الرّجال،نعم لا تقصر في الإخفات عن إسماع نفسها لو كانت تسمع.
بلا خلاف عندنا،سواء كان القضاء مفعولا في نهار أو ليل،و قد أجمع أهل العلم على الإسرار في صلاة النّهار إذا قضيت في نهار أو ليل،و كذا صلاة اللّيل إذا قضيت في اللّيل جهر بها،و إن قضاها بالنّهار جهر بها عندنا.و به قال أبو حنيفة،و أبو ثور،و ابن المنذر (3).و قال الشّافعيّ:يسرّ بها.و هو قول الأوزاعيّ،و أحمد (4).
لنا:قوله عليه السّلام:«من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته» (5).و لا يتحقّق المشابهة إلاّ بما قلناه.
احتجّوا بأنّها صلاة نهار فتدخل تحت قوله عليه السّلام:«إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النّهار فارجموه بالبعر» (6).رواه
ص:89
أبو حفص (1).
و الجواب:المنع من كونها صلاة نهار و إن فعلت فيه،و لهذا ينوي قضاء صلاة العشاء مثلا.
و عند الجمهور مستحبّ.أمّا المأموم فلا خلاف في أنّه لا يسنّ له الجهر،أمّا عندنا فلأنّه يجب عليه الإنصات أو يستحبّ له،و أمّا عندهم فلأنّه يستحبّ له الإنصات.و أمّا المنفرد فإنّه يجب عليه الجهر عندنا في المواضع المذكورة،و عند الشّافعيّ يستحبّ (2)،لأنّه غير مأمور بالإنصات فكان كالإمام.و قال أحمد:لا يستحبّ له الجهر (3)؛لأنّه غير مأمور بإسماع غيره فلا يستحبّ له.و الأوّل أصحّ.
لرواية زرارة،عن الباقر عليه السّلام،و قد تقدّمت (4).
و لو ذكر في أثناء القراءة التّرك انتقل إلى ما يجب عليه من الجهر أو الإخفات و لا يستأنف القراءة؛لأنّه لو ذكر بعد فوات قراءتها لم يستأنف فكذا حكم أبعاضها.
و هو إجماع العلماء كافّة.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّما يقول،و لا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا ممّا
ص:90
يقول» (1).
و لا يجب في شيء من أذكار الصّلاة؛لأنّ الأصل عدمه.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال:سألته عن التّشهّد و القول في الرّكوع و السّجود و القنوت للرّجل أن يجهر به؟قال:«إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» (2).
نعم يستحبّ للإمام الجهر به؛لرواية أبي بصير (3)؛و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ينبغي للإمام أن يُسمع من خلفه التّشهّد و لا يسمعونه شيئا» (4).
؛لأنّها آية من الحمد و السّورة فيجب الجهر بها.
و الجمهور اختلفوا فقال الشّافعيّ و من تبعه:يجهر بها مطلقا (5).و أبو حنيفة و من تبعه قالوا:يسرّ بها مطلقا (6).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة أنّه قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و قال:أنا
ص:91
أشبهكم بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).
و عن أُمّ سلمة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى فقرأ:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم (2).و مثله رواه ابن المنذر (3).و الإخبار بالقراءة يستلزم السّماع و هو معنى الجهر.
و روى أبو هريرة أنّه قال:ما أسمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أسمعناكم و ما أخفى علينا أخفينا عليكم (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن صفوان قال:صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما فكان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم و أخفى ما سوى ذلك (5).
و عن عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ قال:صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السّلام في مسجد بني كأهل فجهر مرّتين ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم،و قنت في الفجر،و سلّم واحدة ممّا يلي القبلة (6).
و في الموثّق،عن مسمع البصريّ قال:صلّيت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،الحمد للّه ربّ العالمين،ثمَّ قرأ السّورة (7).و لأنّها آية من الحمد
ص:92
و غيرها فكان لها حكم باقي الآيات.
احتجّ المخالف بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قرأ الفاتحة و لم يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم (1).روته عائشة (2).فدلّ على عدم الجهر فيها.
و الجواب:لعلّها لم تسمعه لبعدها عنه،و قد ثبت أنّه عليه السّلام قرأها.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ و محمّد بن عليّ الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب؟قال:«نعم،إن شاء سرّا،و إن شاء جهرا» (3).
لأنّا نحمل هذه الرّواية على الصّلاة الإخفاتيّة،جمعا بين الأدلّة.
(4)قال علم الهدى:
و من أصحابنا من يرى الجهر بها في كلّ صلاة للإمام،أمّا المنفرد فيجهر بها في صلاة الجهر، و يخفت بها في الإخفات (5).و قال ابن إدريس:إنّما يستحبّ الجهر بها في أوّلتي الظّهر و العصر دون أواخرهما،و ثالثة المغرب و اخرى العشاء (6)(7).
لنا:ما تقدّم من حديث صفوان (8).
و ما رواه الشّيخ،عن أبي حمزة الثماليّ قال:قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:«يا
ص:93
ثماليّ إنّ الصّلاة إذا أُقيمت جاء الشّيطان إلى قرين الإمام فيقول:هل ذكر ربّه؟فإن قال:
نعم،ذهب،و إن قال:لا،ركب على كتفيه،فكان إمام القوم حتّى ينصرفوا»قال:فقلت:
جعلت فداك أ ليس يقرؤن القرآن؟قال:«بلى ليس حيث تذهب يا ثماليّ إنّما هو الجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم» (1).و ذلك مطلق فيجري على إطلاقه إلى أن يظهر المقيّد، و تخصيص ابن إدريس استحباب الجهر بما يتعيّن فيه القراءة ممّا لا وجه له،و تمسّكه بالاحتياط غير دالّ عليه،و احتجاجه بقول الشّيخ في الجمل:و يستحبّ الجهر بها في الموضعين (2).فاسد،لاحتمال أن يكون مراده أوّل الحمد و أوّل السّورة لا الظّهر و العصر كما فهمه هو.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن أبي جرير زكريّا بن إدريس القمّيّ قال:سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن الرّجل يصلّي بقوم يكرهون أن يجهر ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم؟فقال:«لا يجهر» (3).
و هو مذهب علمائنا أجمع،لما رواه أبو هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النّهار فارجموه بالبعر» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن الحسن بن فضّال،عن بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«السنّة في صلاة النّهار بالإخفات،و السنّة في صلاة اللّيل
ص:94
بالإجهار» (1).و لأنّ فيه تنبيها للنّائم بخلاف النّهار لأنّه ربّما يشوبه (2)رياء.
و به قال أحمد،و الأوزاعيّ،و الشّافعيّ،و كرهه مالك،و أصحاب الرّأي (3)،و قال بعضهم:يسكت عقيب الافتتاح و بعد الحمد خاصّة (4).
لنا:ما رواه الجمهور،عن الأثرم،عن عروة بن الزّبير قال:أمّا أنا فأغتنم من الإمام اثنتين (5)إذا قال (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ) (6).فأقرأُ عندها و حين يختم السّورة فأقرأُ قبل أن يركع (7).و هذا يدلّ على اشتهار ذلك فيما بينهم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن غياث بن كلّوب (8)،عن إسحاق بن عمّار، عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام أنّ رجلين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اختلفا في صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كم كان له من سكتة؟فكتبا إلى ابيّ بن كعب فقال:كان له سكتتان:إذا فرغ من أُمّ القرآن،و إذا فرغ من السّورة (9).و لأنّ المقتضي لسكوته بعد الحمد موجود بعد السّورة.
ص:95
و لا يعارض ذلك ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب و سورة أُخرى في النّفس الواحد؟قال:«إن شاء قرأ في نفس و إن شاء غيره» (1).لأنّ النّدب لا ينافي التّخيير.
بلا خلاف بين أهل العلم كافّة،و خلاف الآحاد انقرض.روى الشّيخ،عن منصور بن حازم قال:أمرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أقرأ المعوّذتين في المكتوبة (2).
و عن داود بن فرقد،عن مولى بسّام (3)قال:أمّنا أبو عبد اللّه عليه السّلام في صلاة المغرب فقرأ المعوّذتين،ثمَّ قال:«هما من القرآن» (4).و لا نعرف الآن فيه خلافا.
و يجب عليه النّطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يخفى بعضها في بعض؛لقوله تعالى (وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (5).
و سئلت عائشة عن قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟فقالت:لا كسردكم هذا لو أراد السّامع أن يعدّ حروفه لعدّها (6).
ص:96
و سئلت أُمّ سلمة (1)عن قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟فقالت:كان يقطّع قراءته آية آية بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،الحمد للّه ربّ العالمين،الرّحمن الرّحيم،مالك يوم الدّين،إيّاك نعبد و إيّاك نستعين (2).رواه أحمد.و هذا يدلّ على أنّ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم آية من الحمد.
و روى البخاريّ بإسناده،عن أنس قال:كانت قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مدّا،ثمَّ قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم يمدّ بسم اللّه و يمدّ بالرّحمن و يمدّ بالرّحيم (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه بعض أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل قراءته،و إذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة أو النّار سأل اللّه الجنّة و تعوّذ باللّه من النّار،و إذا مرّ بيا أيّها النّاس و يا أيّها الّذين آمنوا قال:لبّيك ربّنا» (4).
و يكره التمطيط (5)و هو المدّ المفرط،لأنّه يخرج الحركات إلى الحروف.
يجوز له أن يقطع القراءة بسكوت و دعاء و ثناء بحيث لا يخرج به عن اسم القارئ، و لا نعرف فيه خلافا بين علمائنا.
كالقدر و الجحد و التّوحيد و ألهاكم و ما شابهها.و في العشاء بمتوسّطاته،كالانفطار و الطّارق و الأعلى و شبهها.و في الصّبح بمطوّلاته كالمدّثّر و المزّمّل و هل أتى و شبهها،ذكره الشّيخ
ص:97
رحمه اللّه (1)،و أومأ المفيد (2)،و علم الهدى إلى بعضه (3).
روى الجمهور،عن جابر بن سمرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في الفجر ب«ق و القرآن المجيد» (4).رواه مسلم.
و روي،عن ابن عمر قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرأ في المغرب:قل يا أيّها الكافرون و قل هو اللّه أحد.أخرجه ابن ماجه (5).
و روى أبو حفص بإسناده قال:كتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في الصّبح بطوال المفصّل،و اقرأ في الظهر بأوساط المفصّل،و اقرأ في المغرب بقصار المفصّل (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:القراءة في الصّلاة فيها شيء مؤقّت؟قال:«لا،إلاّ الجمعة يقرأ بالجمعة و المنافقون»قلت:فأيّ السّور تقرأ في الصّلوات؟قال:«أمّا الظّهر و العشاء الآخرة يقرأ فيهما سواء،و العصر و المغرب سواء،و أمّا الغداة فأطول،فأمّا الظّهر و العشاء الآخرة فسبّح اسم ربك الأعلى و الشّمس و ضحاها و نحوها،و أمّا العصر و المغرب فإذا جاء نصر اللّه،و ألهاكم التّكاثر و نحوها،و أمّا الغداة فعمّ يتساءلون،و هل أتاك حديث الغاشية،و لا اقسم بيوم القيامة،و هل أتى على الإنسان حين من الدّهر» (7).
ص:98
و عن عيسى بن عبد اللّه القمّيّ (1)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الغداة بعمّ يتساءلون،و هل أتاك حديث الغاشية و لا اقسم بيوم القيامة و شبهها،و كان يصلّي الظّهر بسبّح اسم و الشّمس و ضحاها و هل أتاك حديث الغاشية و شبهها،و كان يصلّي المغرب بقل هو اللّه أحد و إذا جاء نصر اللّه و الفتح،و إذا زلزلت،و كان يصلّي العشاء الآخرة بنحو ممّا يصلّي في الظّهر،و العصر بنحو من المغرب» (2).
و عن أبي جعفر محمّد بن أبي طلحة (3)خال سهل بن عبد ربّه (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قرأت في صلاة الفجر بقل هو اللّه أحد و قل يا أيها الكافرون و قد فعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (5).
و عن ابن راشد قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام:جعلت فداك إنّك كتبت إلى
ص:99
محمّد بن الفرج تُعلمه أنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض إنّا أنزلناه و قل هو اللّه أحد،و أنّ صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر،فقال عليه السّلام:«لا يضيقنّ صدرك بهما فإنّ الفضل و اللّه فيهما» (1).و هذه الأخبار تدلّ على عدم تعيين شيء واجب في هذا الباب بل أيّ سورة قرأها جاز عدا ما استثناه (2).
و سيأتي البحث فيه (3).
،و في غداة يوم الجمعة و قل هو اللّه (4)،قال في المبسوط:و روي المنافقون (5).
و روى حريز و ربعيّ رفعاه إلى أبي جعفر عليه السّلام،قال:«يستحبّ أن يقرأ في عتمة (6)الجمعة سورة (7)الجمعة و المنافقون،و في الصّبح مثل ذلك،و في الجمعة مثل ذلك،و في صلاة العصر مثل ذلك» (8).
و في رواية أبي الصّباح الكنانيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة و قل هو اللّه أحد،و في العشاء الآخرة بالجمعة
ص:100
و سبّح اسم ربّك الأعلى،و في غداة الجمعة بالجمعة و قل هو اللّه أحد،و في صلاة الجمعة بسورة الجمعة و المنافقين و في عصر الجمعة بسورة الجمعة و قل هو اللّه أحد» (1).
(2).قال ابن بابويه:و يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين و يوم الخميس في الرّكعة الأُولى الحمد و هل أتى،و في الثانية الحمد و هل أتاك حديث الغاشية،فإن قرأهما في الاثنين و الخميس وقاه اللّه شرّ اليومين (3).قال و حكى من صحب الرّضا عليه السّلام إلى خراسان لمّا أشخص إليها أنّه كان يقرأ ما ذكرناه (4).
الرّابع:روى الشّيخ،عن عبد اللّه بن المغيرة،عن معاذ بن مسلم (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«لا تدع أن تقرأ بقل هو اللّه أحد و قل يا أيّها الكافرون في سبع مواطن، في الرّكعتين قبل الفجر،و ركعتي الزّوال و ركعتين (6)بعد المغرب،و ركعتين في (7)أوّل صلاة
ص:101
اللّيل،و ركعتي الإحرام و الفجر إذا أصبحت بها،و ركعتي الطّواف» (1).قال في التّهذيب:
و في رواية اخرى أنّه يقرأ في هذا كلّه بقل هو اللّه أحد،و في الثّانية بقل يا أيّها الكافرون إلاّ في الرّكعتين قبل الفجر فإنّه يبدأ بقل يا أيّها الكافرون،ثمَّ يقرأ في الرّكعة الثّانية بقل هو اللّه أحد (2).
و روي،عن محسن الميثميّ (3)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«يقرأ في صلاة الزّوال في الرّكعة الأُولى الحمد و قل هو اللّه أحد،و في الرّكعة الثّانية الحمد و قل يا أيّها الكافرون،و في الرّكعة الثّالثة الحمد و قل هو اللّه أحد و آية الكرسيّ،و في الرّكعة الرّابعة الحمد و قل هو اللّه أحد و آخر البقرة من (آمَنَ الرَّسُولُ) (4)إلى آخرها،و في الرّكعة الخامسة الحمد و قل هو اللّه أحد و الخمس آيات من آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) (5)إلى قوله (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) (6)و في الرّكعة السّادسة الحمد و قل هو اللّه أحد و ثلاث آيات السّخرة (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ) (7)إلى قوله (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (8).و في الرّكعة السّابعة الحمد و قل هو اللّه أحد و الآيات من سورة الأنعام (وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ) (9)إلى قوله:
ص:102
(وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (1).و في الرّكعة الثّامنة الحمد و قل هو اللّه أحد و آخر سورة الحشر من قوله (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) (2)إلى آخرها،فإذا فرغت فقل:«اللّهمّ مقلّب القلوب و الأبصار ثبّت قلبي على دينك و لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب»سبع مرّات،ثمَّ تقول:«أستجير باللّه من النّار»سبع مرّات (3).
و عن محمّد بن أبي طلحة،عن عبد الخالق،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كان يقرأ في الرّكعتين بعد العتمة بالواقعة و قل هو اللّه أحد (4).
و عن محمّد بن أبي حمزة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرأ في كلّ ركعة من صلاة اللّيل خمس عشرة آية و يكون ركوعه مثل قيامه و سجوده مثل ركوعه و رفع رأسه من الرّكوع و السّجود سواء» (5).
و عن أبي مسعود الطّائيّ (6)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ في آخر صلاة اللّيل هل أتى على الإنسان،قال عليّ بن النّعمان (7):
ص:103
و قال الحرث (1):و سمعته يقول:قل هو اللّه أحد ثلث القرآن،و قل يا أيّها الكافرون تعدل ربعه،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجمع قل هو اللّه أحد في الوتر لكي يجمع القرآن كلّه» (2).قال الشّيخ و روي أنّ من قرأ في الرّكعتين الأوّلتين من صلاة اللّيل في كلّ ركعة منهما الحمد مرّة و قل هو اللّه أحد ثلاثين مرّة انفتل و ليس بينه و بين اللّه عزّ و جلّ ذنب إلاّ غفر له (3).
(4)لأنّ الأمر بالسّجود واجب فلا يترك لأجل النّفل،و جاز في النّافلة لأنّه عبادة لا ينافيها.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن سماعة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«إذا قرأت السّجدة فاسجد و لا تكبّر حتّى ترفع رأسك» (5).
ص:104
(2)،فإذا قام قرأ الحمد مستحبّا،ثمَّ ركع ليكون ركوعه عقيب قراءة.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الرّجل يقرأ السّجدة في آخر السّورة؟قال:«يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمَّ يركع و يسجد» (3).
و روى الشّيخ،عن وهب بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن أبيه،عن عليّ عليهما السّلام قال:«إذا كان آخر السّورة[السجدة] (4)أجزأك أن تركع بها» (5).قال الشّيخ:
لا ينافي بينهما،لأنّ هذا محمول على من صلّى مع قوم لا يمكنه أن يسجد و يقوم[و] (6)يقرأ الحمد،فإنّه لا بأس أن يركع معهم (7).و بالجملة فإنّ وهب بن وهب ضعيف لا يعوّل على روايته.
يحتاج (1)إلى دليل.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته عن الرّجل يقرأ السّجدة فينساها حتّى يركع و يسجد؟قال:«يسجد إذا ذكر إذا (2)كانت من العزائم» (3).
رواه الشّيخ في الصّحيح، عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قرأت شيئا من العزائم الّتي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك،و لكن تكبّر حين ترفع رأسك،و العزائم أربعة:حم السّجدة و[الم] (4)تنزيل و النّجم،و اقرأ باسم ربّك» (5).
لأنّ السّجود واجب بمطلق الأمر و قد تعذّر فعله فيأتي ببدله و هو الإيماء.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربّك الّذي خلق،أو شيئا من العزائم،و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم إيماءا» (6).
،فإنّه لا ينتقل عنهما إلاّ في صلاة الظّهر يوم الجمعة،فإنّه لا بأس به
ص:106
أن (1)ينتقل عنهما إلى سورة الجمعة و المنافقون.ذكره الشّيخ رحمه اللّه (2)لقوله تعالى:
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (3).و ذلك مطلق.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يريد أن يقرأ السّورة فيقرأ غيرها فقال (4):«له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها» (5).
و روى،عن عمرو بن أبي نصر قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرّجل يقوم في الصّلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو اللّه أحد و قل يا أيّها الكافرون،فقال:«يرجع من كلّ سورة إلاّ من قل هو اللّه أحد و قل يا أيّها الكافرون» (6).
و نحوه روى في الصّحيح،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (7).
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:
رجل قرأ سورة في ركعة فغلط[أ] (1)يدع المكان الّذي غلط فيه و يمضي في قراءته [أ] (2)و يدع تلك السّورة و يتحوّل منها إلى غيرها؟فقال:«كلّ ذلك لا بأس به و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع» (3).و حملها الشّيخ على النّافلة (4).
و روى في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من غلط في سورة فليقرأ قل هو اللّه أحد ثمَّ ليركع» (5).
و يجوز للمأموم أن يردّ عليه و ينبّهه (6)موضع الغلط بلا خلاف.
رواه الشّيخ في الموثّق،عن سماعة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«ينبغي لمن يقرأ القرآن إذا مرّ بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو،و يسأل العافية من النّار و من العذاب» (7).
و في الموثّق،عن عمّار بن موسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«الرّجل إذا قرأ و الشّمس و ضحاها فيختمها أن يقول:صدق اللّه و صدق رسوله،و الرّجل إذا قرأ (آللّهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ) (8)أن يقول:اللّه خير اللّه خير اللّه أكبر،و إذا قرأ
ص:108
(ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (1)أن يقول:كذب العادلون باللّه،و الرّجل إذا قرأ (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (2)أن يقول:اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر».قلت:فإن لم يقل الرّجل شيئا من هذا إذا قرأ؟قال:
«ليس عليه شيء» (3).
لأنّه في تلك الحال غير واقف.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن السّكونيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الرّجل يصلّي في موضع،ثمَّ يريد أن يتقدّم قال:«يكفّ عن القراءة في مشيه حتّى يتقدّم إلى الموضع الّذي يريد،ثمَّ يقرأ» (4).
و قال الشّيخ:سواء كان ذلك سرّا أو جهرا،في آخر الحمد أو قبلها،للإمام و المأموم و على كلّ حال (5).و ادّعى الشّيخان (6)،و السيّد المرتضى رحمهما اللّه تعالى إجماع الإماميّة عليه (7).
و قال الشّافعيّ:يستحبّ للإمام و المأموم (8).و هو مرويّ،عن ابن عمر، و ابن الزبير،و به قال عطاء،و أحمد،و أصحاب الرّأي (9).و قال مالك:لا يسنّ
ص:109
للإمام (1).
لنا:ما رواه الجمهور و الأصحاب،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميّين» (2).و التّأمين من كلامهم.
و عنه عليه السّلام أنّه قال:«إنّما هي التّسبيح و التّكبير و قراءة القرآن» (3).و لفظة (إنّما)للحصر و(آمين)ليس واحدا منها.
و ما رواه أبو حميد السّاعديّ (4)في جماعة من الصّحابة أنّه قال:أنا أعلمكم بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.قالوا:اعرض علينا،قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قام إلى الصّلاة يرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه،ثمَّ يكبّر حتّى يقرّ كلّ عضو في موضعه معتدلا،ثمَّ يقرأ،ثمَّ يكبّر فيرفع يديه حتّى يحاذي منكبيه،ثمَّ يركع (5).و لو كان التأمين مسنونا لذكره،و الزّيادة على فعله عليه السّلام بدعة.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن جميل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها فقل أنت:الحمد للّه ربّ العالمين،و لا تقل:آمين» (6).
ص:110
و في الموثّق،عن الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب:آمين؟قال:«لا» (1).
و لا يعارض ذلك ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن جميل قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول النّاس في الصّلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين؟فقال:«ما أحسنها، و أخفض الصّوت بها» (2).لأنّ هذا الرّاوي قد روى ضدّ روى ذلك (3)،فنحمل هذه الرّواية على التّقيّة لأنّه في موضعها.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن وهب قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أقول آمين إذا قال الإمام:غير المغضوب عليهم و لا الضّالّين؟قال:«هم اليهود و النّصارى».و لم يجب عليه السّلام عن هذا (4)(5)،فعدوله عن الجواب دليل على كراهية هذه اللّفظة،و لم يتمكّن من التّصريح للتقيّة،فعدل عن الجواب مطلقا.
و لأنّ التأمين يستدعي سبق الدّعاء و هو لا يتحقّق إلاّ مع القصد،فعلى تقدير عدم القصد إليه يكون التأمين لغوا.
و لأنّه لو كان النّطق بها تأمينا لم يجز إلاّ لمن قصد الدّعاء و لكن ذلك ليس شرطا بالإجماع،أمّا عندنا فللمنع مطلقا،و أمّا عندهم فللاستحباب مطلقا.
لا يقال:إنّ الدّعاء في الصّلاة جائز عندكم فجاز التأمين لأنّه دعاء.
ص:111
لأنا نقول:لا نسلّم أنّه دعاء.
أمّا أوّلا:فلأنّه اسم للدعاء (1)،و الفرق بين الاسم و المسمى ظاهر،و لا يستلزم الإذن في أمر الإذن في ما غايره.
و أمّا ثانيا:فلأنّ بعض الجمهور ذهب إلى أنّ«آمين»اسم من أسماء اللّه تعالى (2)فكيف يتحقّق الدّعاء فيها؟سلّمنا لكنّ الدّعاء يستدعي القصد و هو غير شرط عندكم، فلم يكن المسوّغ لها (3)كونها دعاء.
احتجّ المخالف (4)بما رواه أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا قال الإمام:غير المغضوب عليهم و لا الضّالّين،فقولوا:آمين،فإنّه من وافق قوله قول الملائكة غفر اللّه له» (5).
و عن أبي هريرة:إذا أمّن الإمام فأمّنوا (6).و عن وائل بن حجر قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قال:و لا الضّالّين قال:آمين و رفع صوته بها (7).
و الجواب عن الحديثين الأوّلين:بالمنع من صحّة سندهما،فإنّ أبا هريرة اتّفق له مع عمر بن الخطّاب واقعة شهد فيها عليه بأنّه عدوّ اللّه و عدوّ المسلمين و حكم عليه بالخيانة،و أوجب عليه عشرة ألف دينار ألزمه بها بعد ولايته البحرين (8)،و إذا كانت هذه
ص:112
حاله فكيف يركن إليه و يوثق بروايته.و نقل عن أبي حنيفة أنّه لم يعمل برواية أبي هريرة (1).
و عن الثّالث:أنّ مالكا أنكر هذه الرّواية (2)،فلو كانت صحيحة (3)عندهم لما خفي عنه.
و هو في اللغة:الانحناء،قاله صاحب الصّحاح (4).
قال الشّاعر:
و لا تُهين[الفقير] (5)علّك أن تركع يوما و الدّهر قد رفعه (6)
و هو في الشّرع:أيضا الانحناء،و هو واجب في كلّ ركعة مرّة إلاّ في الكسوف و أخواته،و وجوبه ثابت بالنّصّ و الإجماع،قال اللّه تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا) (7).و لا خلاف بين علماء الإسلام في وجوبه مرّة واحدة في كلّ ركعة،و فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يدلّ عليه.
بلا خلاف؛لأنّ الصّلاة مجموع ركعات،و المجموع لا يتحقّق بدون أجزائه.
ص:113
و يؤيّده:ما رويناه،عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:«أوّل الصّلاة الرّكوع» (1).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أيقن الرّجل أنّه ترك ركعة من الصّلاة و قد سجد سجدتين (2)و ترك الرّكوع استأنف الصّلاة» (3).
و في الصّحيح،عن رفاعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد و يقوم؟قال:«يستقبل» (4).قال الشّيخ:هو ركن في الصّبح و المغرب و صلاة السّفر و أُوليي (5)الرّباعيّات (6)،و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
بلا خلاف؛لأنّه حقيقته (7)،و قدره أن يكون بحيث تبلغ يداه إلى ركبتيه.و هو قول أهل العلم كافّة إلاّ أبا حنيفة،فإنّه أوجب مطلق الانحناء (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا ركعت فضع كفّيك على ركبتيك» (9).و هو يستلزم التّحديد المذكور.
و عن أبي حميد في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:رأيته إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه (10).
ص:114
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«و تمكّن (1)راحتيك من ركبتيك» (2).
و في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:«ثمَّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه» (3).و كان ذلك بيانا للواجب فيكون واجبا.
و في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار و ابن مسلم و الحلبيّ قالوا:و بلّع بأطراف أصابعك عين الرّكبة فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك و أحبّ إليّ أن تمكّن كفّيك من ركبتيك (4).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و تمكّن راحتيك من ركبتيك» (5).و الوضع غير واجب،على ما يأتي،فتعيّن وجوب الانحناء إلى هذا الحدّ.
لأنّ الزّيادة عليه يستلزم تكليف ما لا يطاق و وجوب الإتيان بالمعذور،لأنّه بعض الواجب فلا يسقط بسقوط (6)الآخر.
لأنّه القدر الممكن فيتعيّن (7).
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن إبراهيم الكرخيّ قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الرّكوع و السّجود،فقال:«ليؤم برأسه
ص:115
إيماءا و إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد،فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماءا» (1).
حسب حاله
ثمَّ ينحني للرّكوع قليلا ليكون فارقا بين القيام و الرّكوع و إن لم يلزمه (2).
و هو جيّد لأنّه حدّ الرّكوع فلا يجب الزّيادة عليه.
و الطّمأنينة هي السّكون حتّى يرجع كلّ عضو مستقرّه و إن قلّ.و هو قول علمائنا أجمع.
قال الشّيخ في الخلاف:هو ركن (3).و به قال الشّافعيّ (4)و أحمد (5).و قال أبو حنيفة:
لا يجب الطّمأنينة (6).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للأعرابيّ المسيء في صلاته:«ثمَّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا» (7).و الأمر للوجوب،و لأنّه بيان الواجب.
و عن أبي قتادة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«أسوء النّاس سرقة الّذي يسرق من صلاته»قيل:و كيف يسرق من صلاته؟قال:«لا يتمّ ركوعها و لا سجودها».و قال:
«لا تجزئ صلاة لا يقيم الرّجل ظهره فيها في الرّكوع و السّجود» (8).
ص:116
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«فإذا ركعت فصفّ قدميك و اجعل بينهما شبرا،و أقم صلبك و مدّ عنقك» (1).و إنّما قيّدناه بقدر الذّكر الواجب؛لأنّ الذكر فيه واجب على ما يأتي فلا بدّ من الطّمأنينة بقدر أدائه.
و يدلّ عليه ما رواه الجمهور،عن ابن مسعود،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
«إذا ركع أحدكم و قال:سبحان ربي العظيم و بحمده،فقد تمَّ ركوعه و ذلك أدناه» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن أبي بكر الحضرميّ (3)قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:أيّ شيء حدّ الرّكوع و السّجود؟قال:«تقول:سبحان ربّي العظيم و بحمده ثلاثا في الرّكوع،و سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاثا في السّجود،فمن نقص واحدة،نقص ثلث صلاته،و من نقص اثنين نقص ثلثي صلاته،و من لم يسبّح فلا صلاة له» (4).و هذا يدلّ على التّحديد الّذي ذكرناه.
احتجّ أبو حنيفة (5)بقوله تعالى (ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا) (6).و غير المطمئنّ آت بمطلق المأمور فيكون مجزئا.
ص:117
و الجواب:أنّ فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مبيّن له،فلم يكن المطلق مجزئا.و قول الشّيخ:أنّه ركن.إن عنى بالرّكن ما بيّنّاه فهو في موضع المنع على ما يأتي من عدم إفساد الصّلاة بتركه سهوا،و إن أطلق عليه اسم الرّكن بمعنى أنّه واجب،إطلاقا لاسم الكلّ على الجزء فهو مسلّم.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أحمد (1)و باقي (2)أهل الظّاهر كداود (3)،و إسحاق بن راهويه (4).و قال الشّافعيّ (5)،و مالك (6)،و أبو حنيفة:
لا يجب (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عقبة بن عامر قال:لمّا نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (8).قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«اجعلوها في ركوعكم» (9).
و عن ابن مسعود أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرّات:سبحان ربّي العظيم و بحمده و ذلك أدناه» (10).أخرجهما أبو داود،و ابن ماجه.
و روى الأثرم عن حذيفة بإسناده أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا ركع يقول:«سبحان ربّي العظيم» (11).فقد وجد الأمر القوليّ و الفعليّ بالذّكر فيكون واجبا.
ص:118
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن هشام بن سالم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التّسبيح في الرّكوع و السّجود؟قال:«تقول في الرّكوع:سبحان ربّي العظيم، و في السّجود:سبحان ربّي الأعلى،الفريضة من ذلك واحدة،و السّنة ثلاث،و الفضل في سبع» (1). (2)
احتجّ المخالف (3)بما روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للمسيء في صلاته:
«ثمَّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا،ثمَّ ارفع حتّى تعتدل قائما» (4).و لم يأمره بالتّكبير و لا بالتّسبيح.
و الجواب:أنّه قد أمره أوّلا،لما (5)ثبت من الأحاديث،و تعليم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما كان لهيئات الأفعال لا للأفعال،لأنّ الأعرابيّ كان يفعل الأفعال لا على الهيئة المطلوبة للشّارع.
الخلاف التّسبيح (1)،و هو قول ابن أبي عقيل (2)،و ابن بابويه (3)،و المفيد (4)،و السيّد المرتضى (5)،و أبي الصّلاح (6).
لنا:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:يجزئ أن أقول مكان التّسبيح في الرّكوع و السّجود:لا إله إلاّ اللّه و الحمد للّه و اللّه أكبر؟فقال:«نعم،كلّ هذا ذكر اللّه» (7).و مثله روى في الصّحيح،عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (8).و فيه إشارة إلى العلّة،و ذلك يقتضي الإجزاء بمطلق الذّكر.
و في الصّحيح،عن مسمع،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يجزئك من القول في الرّكوع و السّجود ثلاث تسبيحات أو قدر هنّ مترسّلا و ليس له و لا كرامة أن يقول:
سبّح سبّح سبّح» (9).و ليس المراد من القدر التسبيح أيضا و إلاّ لزم التخيير بين الشيء و نفسه و هو باطل.و لأنّ الأصل براءة الذمّة فيعمل به إلى أن يظهر المنافي.
احتجّ الموجبون للتّسبيح برواية هشام بن سالم و قد تقدّمت (10).
و بما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قلت له:ما يجزئ من القول في الرّكوع و السّجود؟فقال:«ثلاث تسبيحات في ترسّل،و واحدة تامّة
ص:120
تجزئ» (1).
و في الصّحيح،عن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يسجد،كم يجزئه من التّسبيح في ركوعه و سجوده؟فقال:«ثلاث و تجزئه واحدة» (2).و لأنّ الاحتياط يقتضي وجوب التّسبيح على التّعيين (3).
و الجواب عن الأحاديث:أنّها دالّة على وجوب التّسبيح و نحن نقول به لكن على وجه التّخيير بينه و بين الذّكر،و التّخيير لا ينافي الوجوب كخصال الكفّارة،و دليل الاحتياط معارض بالبراءة الأصليّة.
واحدة تامّة كبرى صورتها:سبحان ربّي العظيم
أو ثلاث صغريات صورتها:سبحان اللّه، ثلاثا مع الاختيار (4)،و مع الضّرورة تجزئ الواحدة من الصّغرى (5)،لرواية زرارة (6).
و الاجتزاء بالواحدة الكبرى دلّ عليه قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث هشام بن سالم:«تقول في الرّكوع:سبحان ربّي العظيم،الفريضة من ذلك تسبيحة،و السنّة
ص:121
و على قيام الثّلاث الصّغر (3)مقامها ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أخفّ ما يكون من التّسبيح؟قال:«ثلاث تسبيحات مترسّلا تقول:سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه» (4).و الاجتزاء بواحدة صغرى في حال الضّرورة مستفاد من الإجماع.
سبحان ربّي الأعلى و بحمده
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و توقّف أحمد في زيادة و بحمده (5)، و أنكرها الشّافعيّ (6)،و أبو حنيفة (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن حذيفة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول في ركوعه:
سبحان ربّي العظيم و بحمده،و في سجوده:سبحان ربّي الأعلى و بحمده (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام لمّا علّمه الرّكوع:«و قل:سبحان ربّي العظيم و بحمده ثلاث مرّات» (9).و مثله روى أبو بكر الحضرميّ عنه عليه السّلام (10).و لأنّه زيادة حمد.
ص:122
احتجّ المخالف،بأنّها زيادة لم تحفظ (1)عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2).
و الجواب:روايتنا أصحّ لأنّها مشتملة على الإثبات.
فلو اشتغل فيه و هو آخذ في الرّكوع،أو اشتغل بالرّفع و هو مسبّح لم يجزئ؛لأنّ الواجب التّسبيح فيه،و لا يتحقّق إلاّ بما قلناه.
و قال الشّافعيّ:
أكمله خمس (4)،و بعض أصحابه ثلاث (5).
لنا:أنّه زيادة في التّسبيح،و يؤيّده:ما تقدّم في حديث هشام بن سالم (6)،و يجوز الزّيادة عليها.
روى الشّيخ،عن حمزة بن حمران و الحسن بن زياد قالا:دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده قوم يصلّي بهم العصر و قد كنّا صلّينا فعدّدنا له في ركوعه سبحان ربّي العظيم أربعا أو ثلاثا و ثلاثين مرّة،و قال أحدهما في حديثه:و بحمده في الرّكوع و السّجود (7).
و عن أبان بن تغلب قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو يصلّي فعدّدت
ص:123
له في الرّكوع و السّجود ستّين تسبيحة (1).و لأنّه زيادة في التّسبيح.
و قال الثّوريّ:ينبغي للإمام أن يقول:سبحان ربي العظيم خمسا ليدرك المأموم ثلاثا (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عقبة بن عامر قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا ركع قال:«سبحان ربّي العظيم»ثلاث مرّات،و إذا سجد قال:«سبحان ربّي الأعلى»ثلاث مرّات (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سماعة قال:قال:«يجزئك في الرّكوع ثلاث تسبيحات تقول:سبحان اللّه ثلاثا،و من كان يقوى على أن يطوّل الرّكوع و السّجود فليطوّل ما استطاع يكون ذلك في تسبيح اللّه و تحميده و الدّعاء و التضرّع فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى ربّه و هو ساجد،فأمّا الإمام فإنّه إذا قام بالنّاس فلا ينبغي (4)أن يطوّل بهم،فإنّ في النّاس الضّعيف،و من له الحاجة،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا صلّى بالنّاس خفّ بهم» (5).
و لأنّه ربّما يشقّ على المأموم التّطويل.و قول الثّوريّ باطل،لأنّ المأموم يركع مع الإمام فيدرك ما يدركه،و لا ينافي هذا ما رويناه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه صلّى بقوم فسبّح أربعا و ثلاثين (6).لأنّه محمول على من كان يقدر على ذلك.
لأنّه موضع إجابة لكثرة الخضوع فيه.
ص:124
و يؤيّده:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«أمّا الرّكوع فعظّموا الرّبّ فيه،و أمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء فقمن أن يستجاب لكم» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب:اللّه أكبر،ثمَّ اركع و قل (2)ربّ لك ركعت و لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكّلت و أنت ربّي،خشع لك قلبي و سمعي (3)و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخّي و عصبي و عظامي و ما أقلّته قدماي غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر و لا مستجير،سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاث مرّات في ترسّل» (4).
و روى الشّافعيّ ما يقاربه،عن عليّ عليه السّلام (5)،إلاّ أنّه قدّم التّسبيح فيه.
و هو وفاق،لما رواه عليّ عليه السّلام:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قراءة القرآن في الرّكوع و السّجود.
رواه الجمهور (6).
و لأنّها عبادة فيستفاد كيفيّتها من صاحب الشّرع عليه السّلام،و قد ثبت أنّه لم يقرأ فيهما،فلو كان مستحبّا لنقل فعله.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،
ص:125
و قال الشّيخ في الخلاف:هو ركن (1).و به قال الشّافعيّ (2)،و أحمد (3).و قال أبو حنيفة:
لا يجب (4).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للمسيء في صلاته:«ثمَّ ارفع حتّى تعتدل قائما» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:«ثمَّ استوى قائما» (6).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا رفعت رأسك من الرّكوع فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» (7).و لأنّ الرّكوع ركن و هو خفض،فالرّفع منه واجب كالسّجود.
احتجّوا بأنّه تعالى لم يأمر به،و لأنّه لو كان واجبا لتضمّن ذكرا واجبا كالقيام الأوّل (8).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من عدم الأمر مع قوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ (9).و ما أمر به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و دوام على فعله و قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (10).
ص:126
و ما ذكروه منقوض بالرّكوع و السّجود،فإنّهما ركنان و لا يجب فيهما ذكر عندهم، و بالرّفع من السّجود،و بالإجماع لا يجب فيه ذكر.
(2)لأجل العذر،و لو زال العارض بعد السّجود لم يقم للرّكوع،لأنّه فات محلّه،فلا يجب تداركه عملا بالأصل،و لأنّه يستلزم أحد محذورين:إمّا زيادة السّجود إن أعاده معه،أو تقديم السّجود على الرّكوع،و هما منفيّان.
(3).و هو مشكل،لأنّ الانتصاب و الطمأنينة فيه واجبان لم يفت محلّهما و لم يحصل المنافي فيجب فعلهما.
أمّا لو كان ساهيا فإنّه لا يبطل صلاته و عليه سجدتا السّهو بل يقعد و يأتي بالسّجدة الثّانية.
القيام
لفوات محلّه لعذر (4)فلم يجب الإتيان به (5).و عندي فيه نظر.
لأنّه ركن لم يفت محلّه فيجب عليه فعله،و لو سقط بعد الرّكوع قبل الطّمأنينة فيه ففي إعادة الرّكوع إشكال أقربه
ص:127
عدم الإعادة،لأنّه أتى بالرّكوع المشروع،فلو أعاده زاد ركنا.
و استدلّ بإجماع الفرقة،على أنّ من شكّ في شيء و قد انتقل عنه إلى حالة اخرى لا يلتفت (1).و قال الشّافعيّ:ينتصب قائما،ثمَّ يسجد عن قيام (2).و هو ضعيف.
ذكره ابن أبي عقيل؛لأنّه غير منقول (3).
يقول:اللّه أكبر،ثمَّ يركع.
و هو قول أكثر أهل العلم (4)،قال الشّيخ في المبسوط:تكبير الرّكوع مع باقي التّكبيرات سنّة مؤكّدة على الظّاهر من المذهب،و لا تبطل الصّلاة بتركها عمدا و لا نسيانا و إن ترك الأفضل (5).و قال سلاّر:و من أصحابنا من ألحق بالواجب تكبير الرّكوع و السّجود (6)، و به قال إسحاق،و داود (7).و قد قام بإزاء هؤلاء طائفة أُخرى لم يجعلوا التّكبير مشروعا، و هو قول عمر بن عبد العزيز،و سالم،و القاسم،و سعيد بن جبير (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن مسعود قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكبّر في كلّ خفض و رفع و قيام و قعود.رواه التّرمذيّ (9).
ص:128
و ما رواه أبو هريرة قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قام إلى الصّلاة يكبّر حين يقوم،ثمَّ حين يركع (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام لمّا علّمه الرّكوع قال له:«فقل و أنت منتصب:اللّه أكبر،و اركع» (2).
و في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:ثمَّ صبر هنيئة يعني بعد قراءة قل هو اللّه أحد بقدر ما يتنفّس و هو قائم،ثمَّ رفع يديه حيال وجهه و قال:«اللّه أكبر»و هو قائم،ثمَّ ركع (3).و لأنّه شروع في ركن فشرع فيه التّكبير كحالة ابتداء الصّلاة،و لأنّه انتقال من ركن إلى ركن فشرع فيه ذكر يعلم به المأموم الانتقال ليقتدي به،كحال الرّفع من الرّكوع،فهذا يدلّ على المشروعيّة.
و أمّا ما يدلّ على عدم الوجوب فالأصل مع عدم المعارض.
و ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للأعرابيّ:«ثمَّ اقرأ ما تيسّر من القرآن،ثمَّ اركع» (4).و لو كان التّكبير واجبا لما أخلّ به.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن أدنى ما يجزئ من التّكبير في الصّلاة؟قال:«تكبيرة واحدة» (5).
احتجّ الموجبون بما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا تتمّ صلاة أحد من النّاس حتّى يكبّر،ثمَّ يركع حتّى يطمئنّ» (6).
ص:129
و من طريق الخاصّة:بحديث زرارة (1)،فإنّه عليه السّلام أمره بالتّكبير،و الأمر للوجوب.و فعله الصّادق عليه السّلام لمّا علّم حمّادا و قال له:«هكذا صلّ» (2).
أحتجّ الآخرون (3)بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعلّمه المسيء في صلاته (4)،و لو كان مشروعا لعلّمه.
و الجواب عن الأوّل:أنّ المراد به الاستحباب،لأنّ نفي التمام يفهم منه ذلك،و تحمل الأحاديث الدّالّة على الأمر به على الاستحباب جمعا بين الأدلّة.
و عن الأخير أنّه عليه السّلام علّمه الواجب،و لأنّه عليه السّلام علّمه الهيئات دون الأفعال،لأنّه كان يعرفها.
عليه و آله قال:يقرأ ثمَّ يرفع يديه حتّى يحاذي منكبيه،ثمَّ يركع (1).
و من طريق الخاصّة:رواية حمّاد (2)و غيرها (3).
ذهب إليه أكثر علمائنا (4)،و كذا يستحبّ رفع اليدين عند كلّ تكبير.
و قال السيّد المرتضى في الانتصار:يجب رفع اليدين في تكبيرات الصّلاة كلّها (5).
و ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب الرّفع (6).و قال الثّوريّ،و أبو حنيفة،و إبراهيم النّخعيّ:لا يرفع يديه إلاّ عند الافتتاح (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن الزّهريّ،عن سالم،عن أبيه قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا استفتح الصّلاة رفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه،و إذا أراد أن يركع (8).
و عن أبي عبد حميد السّاعديّ،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:ثمَّ يكبّر فيرفع يديه بحذاء منكبيه،ثمَّ يرفع رأسه (9).
و قد رواه جماعة من الصّحابة كعليّ عليه السّلام،و وائل بن حجر،و عمر بن
ص:131
الخطّاب،و مالك بن الحويرث،و أنس،و أبي هريرة،و جابر بن عمر (1)و غيرهم (2)فصار كالمتواتر.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:ثمَّ رفع يديه حيال وجهه و قال:«اللّه أكبر»و هو قائم،ثمَّ ركع (3).
و ما رواه في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يرفع يديه إذا ركع،و إذا رفع رأسه من الرّكوع،و إذا سجد،و إذا رفع رأسه من السّجود،و إذا أراد أن يسجد الثّانية (4).
و في الصّحيح،عن ابن مسكان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«في الرّجل يرفع يده كلّما أهوى إلى الرّكوع و السّجود،و كلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود (5)قال:
هي العبوديّة» (6).
و عن زرارة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«رفعك يديك في الصّلاة زينتها» (7).و لأنّه تكبير شرع للانتقال إلى ركن،فاستحبّ فيه الرّفع كالاستفتاح.
ص:132
احتجّ السيّد المرتضى بالإجماع و بالاحتياط (1).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع منه.نعم،المعلوم الاستحباب،فإن كان مراد السيّد بالواجب هاهنا الاستحباب المؤكّد صحّ التمسّك بالإجماع و إلاّ فلا.
و عن الثّاني:بمعارضة الأصل،و لأنّه لا احتياط في اعتقاد ما ليس بواجب واجبا، و لا في الإتيان بما ليس بواجب على جهة الوجوب،لإمكان المؤاخذة بالجهل.
و احتجّ أبو حنيفة (2)بما رواه ابن مسعود أنّه قال:ألا أُصلّي بكم (3)صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلم يرفع يده إلاّ في الأوّل مرّة (4).
و عن البراء بن عازب أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يرفع يديه إذا افتتح الصّلاة،ثمَّ لا يعود (5).و لأنّه نسخ.
و الجواب عن الحديثين:أنّهما معارضان للأحاديث المتقدّمة مع كثرة رواتها و زيادة عدالتهم على رواه هاتين الرّوايتين،و عمل الصّحابة بما قلناه و عمل أهل البيت عليهم السّلام مع أنّه الحجّة (6)و هم أعرف بمظانّ الأُمور الشّرعيّة.
و أيضا رواياتنا دالّة على الإثبات،و روايتهم دالّة على النّفي،و الإثبات مقدّم، و لأنّه فعل مندوب فجاز الإخلال به في وقت،و الرّاوي روى ما رأى،فلا ينتفي ما لم يره.
و عن النّسخ بالمنع منه،فإنّ الصحابة كافّة رفعوا أيديهم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أهل البيت عليهم السّلام أفتوا به بعده مع أنّ الأصل عدم النّسخ.
الشّيخ (1)،و قال الشّافعيّ:إلى منكبيه (2).و هو رواية لنا عن أهل البيت عليهم السّلام (3).
لنا:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:ثمَّ رفع يديه حيال وجهه و قال:«اللّه أكبر»و هو قائم ثمَّ ركع (4).
و في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (5).قال:«هو رفع يديك حيال وجهك» (6).
احتجّ الشّيخ بما رواه في الصّحيح،عن صفوان بن مهران الجمّال قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام إذا كبّر في الصّلاة رفع يديه حتّى يكاد يبلغ اذنيه (7).و هذه كيفيّة مستحبّة يجوز فعل القليل منها و البالغ في الفضل.
و لا نعرف فيه خلافا،لأنّ المشروع رفع اليدين بالتّكبير و هو لا يتحقّق إلاّ بما قلناه.
الرّكوع
و هو مذهب العلماء كافّة إلاّ ما روي،عن ابن مسعود أنّه كان إذا ركع طبّق يديه
ص:134
و جعلهما بين ركبتيه (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي حميد السّاعديّ أنّه وصف ركوع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما قلناه (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن الباقر عليه السّلام لمّا علّمه الرّكوع:«و تمكّن راحتيك من ركبتيك،و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى،و تُلقم بأطراف أصابعك عين الرّكبة،و فرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك» (3).
و ما رواه في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن الصّادق عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:
ثمَّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات (4)فردّ ركبتيه إلى خلفه (5).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و تمكّن راحتيك من ركبتيك،و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى،و بلّع بأطراف أصابعك عين الرّكبة،و فرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك،فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك،و أحبّ إليّ أن تمكّن كفّيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الرّكبة و تفرّج بينها» (6).
احتجّ ابن مسعود بأنّه رواه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
و الجواب:ما قلناه أكثر رواه،فالعمل عليه متعيّن،و لو صحّ فهو منسوخ.روى
ص:135
مصعب بن سعد بن أبي وقّاص (1)قال:صلّيت إلى جنب أبي فطبّقت يديّ و جعلتهما بين ركبتيّ فضرب أبي في يدي فلمّا انصرف قال:يا بنيّ إنّا كنّا نفعل ذلك فأمرنا أن نضرب بالأكفّ على الرّكب (2).
و سقط عنه استحباب الوضع للعذر.
لأنّه فعل تعلّق بهما، فلا يسقط عن إحداهما بحصول العذر في الأُخرى كما في الوضوء.
إعادة الرّكوع تردّد
ينشأ من كون الشكّ حصل في هيئته (3)بعد فوات محلّه فلا التفات،و من كونه قد شكّ في الرّكوع (4)المعتدّ به و هو قائم فيركع.
و هو مذهب العلماء كافّة.
روى الجمهور،عن أبي حميد في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذلك كلّه (5).
و عن عائشة:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا ركع لم يرفع رأسه و لم يصوّبه
ص:136
و لكن بين ذلك (1).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان إذا ركع لو كان على ظهره قدح ماء لم يتحرّك عنه،لاستواء ظهره (2).
و من طريق الخاصّة:رواية زرارة،عن الباقر عليه السّلام:«و أقم صلبك و مدّ عنقك» (3).و رواية حمّاد عن الصّادق عليه السّلام:و ردّ ركبتيه إلى خلفه،ثمَّ سوّى ظهره و مدّ عنقه (4).
و يستحبّ أن يصفّ في ركوعه بين قدميه،لا يقدّم إحداهما على الأُخرى و يجعل بينهما قدر شبر،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن الباقر عليه السّلام لمّا علّمه الرّكوع:«و تصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر» (5).
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الشّافعيّ (6).و قال إسحاق:هذا القول واجب (7)،و هو أحد قولي أحمد (8).
لنا:على عدم الوجوب،ما رووه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه لم يعلّمه المسيء في صلاته (9)،و تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه
ص:137
السّلام لمّا علّمه الصّلاة لم يذكر له ذلك (1).و على الاستحباب اتّفاق العلماء.
و ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا تتمّ صلاة أحدكم».
و ساق الحديث إلى قوله:«ثمَّ يقول:سمع اللّه لمن حمده» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:«فلمّا استمكن من القيام قال:سمع اللّه لمن حمده» (3).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن الباقر عليه السّلام لمّا علّمه الرّكوع:«ثمَّ قل:سمع اللّه لمن حمده و أنت منتصب قائم» (4).
احتجّ الموجب (5)بقوله عليه السّلام:«لا تتمّ صلاة أحدكم»إلى قوله:«ثمَّ يقول:سمع اللّه لمن حمده».
و الجواب:أنّ المراد بذلك:لا تتمّ صلاته بأجمعها الشّاملة للواجب و النّدب،و لأنّ الأصل عدم الوجوب و قد ظهر المنافي فيحمل ذلك على الاستحباب.
و إسحاق (1).و قال ابن مسعود،و ابن عمر،و مالك،و الشّعبيّ (2)و أبو حنيفة (3)،و أحمد:
لا يشرع للمأموم ذلك (4).
لنا:قوله عليه السّلام:«لا تتمّ صلاة أحدكم»إلى قوله:«ثمَّ يقول:سمع اللّه لمن حمده» (5).و قول الباقر عليه السّلام:«ثمَّ قل سمع اللّه لمن حمده و أنت منتصب» (6).و ذلك عامّ،و لأنّه انتقال من ركن إلى آخر،فشرع الذّكر على العموم كالتّكبير،و لأنّه ذكر مشروع للإمام فشرع للمأموم كغيره من الأذكار.
لأنّه ذكر شرع (7)للانتقال من ركن إلى آخر و مع الجهر يحصل الإعلام،و لا نعرف فيه خلافا.
بأن يقول:الحمد للّه ربّ العالمين أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة للّه ربّ العالمين.سواء كان إماما أو مأموما،و هو فتوى علمائنا.و قال الشّافعيّ:يقول بعد التسميع:ربّنا لك الحمد،إماما كان أو مأموما (8).و قال أبو حنيفة (9)،و مالك:يقولها المأموم خاصّة دون الإمام و المنفرد (10).و لأحمد كالقولين، و في وجوبها عنده قولان (11).
ص:139
لنا:أنّ قوله:سمع اللّه لمن حمده،إذكار بالحمد و ترغيب فيه،فيستحبّ للإمام و المأموم و المنفرد،و أولى ما أتى به ما ذكرناه نحن،لأنّه لفظ القرآن.
و لما رواه الجمهور،عن حذيفة بن اليمان قال:صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكان إذا رفع رأسه من الرّكوع قال:«سمع اللّه لمن حمده»ثمَّ قال:«الحمد للّه ذي الملكوت و الجبروت و الكبرياء و العظمة».رواه أحمد في مسنده (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«ثمَّ قل و أنت منتصب قائم:سمع اللّه لمن حمده،الحمد للّه ربّ العالمين أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة للّه ربّ العالمين،تجهر بها صوتك» (2).
(3).
و اختلفوا في الواو،فأسقطها الشّافعيّ لأنّها للعطف و لا شيء يعطف عليه هنا (4)،و أثبتها باقي الجمهور،لأنّ المعطوف عليه هاهنا مقدّر إذ الواو يدلّ عليه،و تقديره:ربّنا حمدناك و لك الحمد،فيكون ذلك أبلغ في الحمد (5).و الأولى عندنا ترك الجميع،و قول ما نقل عن أهل البيت عليهم السّلام (6).
خلافا للشافعيّة (7).
لنا:أنّه خلاف المنقول و عكس المشروع فلا يكون مجزئا كما لو قال في التّكبير:
الأكبر اللّه.
ص:140
احتجّوا بأنّه أتى باللّفظ و المعنى (1).
و الجواب:المنع،فإنّ قوله:سمع اللّه لمن حمده،صيغة خبر قد يراد للدّعاء و يصلح له،و عكسه شرط و جزاء لا يصلح لذلك.
للعطسة و المستحبّ بعد الرّفع جاز
خلافا لأحمد (2).
لنا:أنّ انضمام هذه النيّة لم يغيّر شيئا من مقاصد الكلام،فلم تكن مؤثّرة في المنع، و لأنّها عبادة ذات سببين فلم يضرّ جمعها في نيّة واحدة،كما لو نوى بالطّهارة رفع حدثين.
و يستحبّ أن تكون بارزة أو في كمّه،و لو خالف لم تبطل صلاته (4).قال:و من قدر على القيام و عجز عن الرّكوع صلّى قائما،فإن أمكنه أن يعتمد ليركع اعتمد واجبا،و إن لم يمكنه الرّكوع إلاّ على جانب لزمه ذلك،فإن لم يمكنه على ذلك حنى رأسه و ظهره،فإن لم يقدر أومأ برأسه (5).
و هو في اللّغة:الخضوع (1)و الانحناء (2)،و في الشّرع:عبارة عن وضع الجبهة على الأرض،و هو خضوع خاصّ و انحناء خاصّ فيكون مجازا لغويّا و حقيقة شرعيّة، و السّجدة بالفتح،الواحدة،و بالكسر،الاسم،و المسجد،و المسجد واحد المساجد.
قال اللّه تعالى اِرْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (3).و قد ثبت بالتّواتر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و عن الأئمّة عليهم السّلام السّجود في الصّلاة.
و يجب في كلّ ركعة سجدتان بلا خلاف بين علماء الإسلام،و هما معا ركن في الصّلاة.
روى الشّيخ،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا تعاد الصّلاة إلاّ في خمسة:الطّهور،و الوقت،و القبلة،و الرّكوع،و السّجود» (4).و كلّ واحدة منهما ليست ركنا على ما يأتي و إن كانت واجبة.
لنا:قوله عليه السّلام للمسيء في صلاته:«ثمَّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا» (5).
و من طريق الخاصّة:ما يأتي من وجوب الذّكر فيه،و هو يستلزم الطمأنينة.
و يجب فيه السّجود على الأعضاء السّبعة:الجبهة،و الكفّان،و الرّكبتان،و إبهاما
ص:142
الرجلين.ذهب إليه الشّيخان (1)،و أتباعهما (2)،و به قال طاوس (3)،و الشّافعيّ في أحد قوليه (4)،و أحمد (5)،و إسحاق (6).و قال علم الهدى:بدل الكفّين مفصل الكفّين عند الزّندين (7).و قال أبو حنيفة (8)،و مالك (9)،و الشّافعيّ في القول الآخر:لا يجب السّجود على غير الجبهة (10).
لنا:قوله تعالى وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ (11).قال جماعة من المفسّرين:المراد بها:
أعضاء السّجود السّبعة (12).
و ما رواه الجمهور،عن ابن عبّاس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«أُمرت بالسّجود على سبعة أعظم:اليدين،و الرّكبتين،و أطراف القدمين،و الجبهة» (13).
و عن ابن عمر رفعه:«إنّ اليدين تسجدان كما يسجد الوجه،فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه،و إذا رفعه فليرفعهما».رواه أبو داود،و أحمد (14).
ص:143
و إذا وجب السّجود على اليدين وجب على بقيّة الأعضاء السّبعة،لعدم القائل بالفرق.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:قال أبو جعفر الباقر عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:السّجود على سبعة أعظم:الجبهة، و اليدين،و الرّكبتين،و الإبهامين،و ترغم بأنفك إرغاما،أمّا الفرض فهذه السّبعة،و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله» (1).
و في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:
و سجد على ثمانية أعظم:الكفّين،و الرّكبتين،و أنامل إبهامي الرجلين،و الجبهة،و الأنف، و قال:سبع منها فرض يسجد عليها،و هي الّتي ذكرها اللّه عزّ و جلّ في كتابه و قال:
وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ و هي:الجبهة،و الكفّان،و الرّكبتان،و الإبهامان،و وضع الأنف على الأرض سنّة» (2).
احتجّ أبو حنيفة (3)بقوله عليه السّلام:«سجد وجهي» (4)و لو ساواه غيره لما خصّه بالذّكر،و لأنّ وضع الجبهة على الأرض يسمّى سجودا بخلاف غيره،فينصرف الأمر المطلق إليه،لأنّه محصّل المسمّى،و لأنّه لو وجب السّجود على غيره لوجب كشفه كما يكشف الجبهة.
و الجواب عن الأوّل:أنّ تخصيص الشّيء لا يدلّ على نفيه عمّا عداه (5)،و العجب أنّ أبا حنيفة يساعد على أنّ المفهوم لا يعمل به و قد عمل به هاهنا،و هل هذا إلاّ مناقضة!
ص:144
على أنّه يجوز أن يكون سبب التّخصيص ما اشتملت عليه الوجه من كثرة الخضوع، و يحتمل أن يكون أراد بالوجه هاهنا الذّات،لقوله تعالى وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ (1).
و بالجملة فالاستدلال بهذا الحديث في مثل هذا الموضع في غاية الضّعف.
قوله:وضع الجبهة يسمّى سجودا.قلنا:مسلّم،و كذا غيره (2)،كما في قوله عليه السّلام:«سجد لحمي و عظمي و ما أقلّته قدماي» (3).
و عن الثّاني:المنع من المساواة،إذ لا جامع،ثمَّ يظهر الفرق بأنّ الجبهة هي الأصل دون غيرها.
أو جاهلا
لأنّه لم يأت بالمأمور به،فيبقى في عهدة الأمر،و لو كان ناسيا صحّت صلاته إذا ذكر بعد الرّفع،لفوات المحلّ.
و يقرّب ذلك العضو من الأرض بقدر الإمكان؛لأنّها واجبات متعدّدة،فلا يسقط البعض لسقوط الآخر لعذر.
و أمكنه أن يحفر لها حفيرة ينزل (5)فيها ليقع السّليم من الجبهة على الأرض وجب؛ لأنّ المأخوذ عليه السّجود على بعض الجبهة و بالفعل الّذي ذكرناه يحصل المأمور به فيكون
ص:145
واجبا.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن مصادف قال:خرج بي دمّل فكنت أسجد على جانب فرأى أبو عبد اللّه عليه السّلام أثره فقال:«ما هذا؟»فقلت:لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمّل فإنّما أسجد منحرفا،فقال لي:«لا تفعل ذلك و لكن احفر حفيرة و اجعل الدّمّل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض» (1).
(2)لاستغراق الجبهة بالمانع مثلا أو بغيره سجد على أحد الجبينين،و لا يسقط السّجود عن بقيّة الأعضاء،خلافا لبعض الجمهور (3).
لنا:أنّ المأمور به السّجود على سبعة أعضاء فلا يسقط بعضها لحصول المسقط في الآخر،و لأنّ الجبهة مع الجبينين كالعضو الواحد فيقوم أحدهما مقامها للعذر،و لأنّ السّجود على أحدهما أشبه بالسّجود على الجبهة من الإيماء،و الإيماء سجود مع تعذّر الجبهة فالجبين أولى.
احتجّ المخالف (4)بأنّ بقيّة الأعضاء تبع،فيسقط اعتبارها لسقوط الأصل.
و الجواب:المنع من التّبعيّة.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن يعقوب،عن عليّ بن محمّد بإسناده قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السّجود عليها؟قال:«يضع ذقنه على الأرض،إنّ اللّه تعالى يقول يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (1).
لأنّه حالة ينتقل إليها مع الضّرورة، و يؤيّده:رواية إبراهيم الكرخيّ (2)و قد تقدّمت في الرّكوع (3).
لأنّ المطلق يكفي فيه أقلّ ما يطلق عليه الاسم.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سألته عن حدّ السّجود؟فقال:«ما بين قصاص الشّعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك» (4).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أحدهما عليهما السّلام قال:قلت:الرّجل يسجد و عليه قلنسوة (5)أو عمامة؟فقال:«إذا مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه» (6).
الواجب تحصيل ما (1)يسمّى سجودا،و كذا البحث في بقيّة الأعضاء و إن كان الأولى استغراق جميعها (2)في الملاقاة.
و به قال أحمد (3)و باقي (4)أهل الظّاهر (5).و قال أبو حنيفة (6)،و مالك (7)،و الشّافعيّ:لا يجب (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عقبة بن عامر قال:لمّا نزل سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (9)قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«ضعوها (10)في سجودكم» (11).و الأمر للوجوب.
و عن ابن مسعود،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إذا سجد أحدكم فليقل:سبحان ربّي الأعلى ثلاثا» (12).
و من طريق الخاصّة:رواية هشام بن سالم (13)و قد تقدّمت
ص:148
في الرّكوع (1).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قلت له:
ما يجزئ من القول في الرّكوع و السّجود؟فقال:«ثلاث تسبيحات في ترسّل،و واحدة تامّة تجزئ» (2).و الإجزاء يفهم منه الوجوب.
و في رواية أبي بكر الحضرميّ عن أبي جعفر عليه السّلام:«و من لم يسبّح،فلا صلاة له» (3).
احتجّوا بأنّ اللّه تعالى (4)أمر بمطلق السّجود (5).
و الجواب:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيّنه بفعله و قوله.
في السّجود.
و الفضل في ثلاث أكثر،و أكثر من ذلك الخمس،و السّبع أكمل لما تقدّم (1).
و هو وفاق،لما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول في سجوده:«اللّهمّ لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت أنت ربّي سجد وجهي للّذي خلقه،و شقّ سمعه و بصره، فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » (2).
و عن أبي هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«أقرب ما يكون العبد من ربّه و هو ساجد فأكثروا (3)من الدّعاء» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا سجدت فكبّر و قل:اللّهمّ لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت و عليك توكّلت و أنت ربّي سجد وجهي للّذي خلقه،و شقّ سمعه و بصره،و الحمد للّه ربّ العالمين،تبارك اَللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ،ثمَّ قل:سبحان ربّي الأعلى و بحمده،ثلاث مرّات» (5).
و عن أبي جرير الرّواسيّ (6)قال:سمعت أبا الحسن عليه السّلام و هو يقول:«اللّهمّ إنّي أسألك الرّاحة عند الموت و العفو عند الحساب»يردّدها (7).
ص:150
و عن عبد الرّحمن بن سيابة (1)قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أدعو و أنا ساجد؟فقال:«نعم فادع للدّنيا و الآخرة فإنّه ربّ الدّنيا و الآخرة» (2).
فلو أخذ في السّجود و هو ذاكر أو رفع رأسه و لم يتمّم (3)لم يجزئه ذلك.
لو تركه ناسيا لم تبطل صلاته،و سيأتي البحث فيه.
قال الشّيخ:فإن زاد بمقدار لبنة لم يكن به بأس و إن زاد لم يجز (4).ذهب إليه علماؤنا،لأنّ العلوّ المعتدّ به يخرج (5)بسببه المصلّي عن الهيئة المنقولة عن الشّارع.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن موضع جبهة السّاجد أ يكون أرفع من مقامه؟فقال:«لا،و لكن ليكن مستويا» (6).
و أمّا التّقدير الّذي ذكره الشّيخ فيدلّ عليه ما رواه،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن السّجود على الأرض المرتفعة؟فقال:«إذا كان موضع
ص:151
جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (1).
لو وقعت جبهته على المرتفع جاز له أن يرفع رأسه و يسجد (2)على المساوي؛لأنّه لم يحصل كمال السّجود،فيجوز العود لتحصيل التّكميل.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن الحسين بن حمّاد (3)قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع؟فقال:«ارفع رأسك ثمَّ ضعه» (4).
و لا يعارض ذلك ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها،و لكن جرّها على الأرض» (5).
و عن حسين بن حمّاد قال:قلت له:أضع وجهي للسّجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع،أُحوّل وجهي إلى مكان مستو؟قال:«نعم،جرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه» (6).
ص:152
و عن أحمد بن محمّد بن عيسى (1)،عن موسى بن جعفر عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته من الأرض؟قال:«يحرّك جبهته حتّى يتمكّن (2)فينحّي الحصى عن (3)جبهته و لا يرفع رأسه» (4).
لأنّا نحمل هذه الأخبار على ما إذا كان المقدار (5)المرتفع لبنة فما دون،فلو رفع رأسه حينئذ،لزمه أن يزيد سجدة متعمّدا و هو غير سائغ.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أحمد (6)،و منعه أبو حنيفة (7).
لنا:أنّ السّجود واجب فيجب بقدر الممكن،و لأنّه أشبه بالسّجود من الإيماء فيكون أولى من الواجب فيكون واجبا،لاستحالة اشتمال ما ليس بواجب على المصالح المطلوبة من الواجب.
و يؤيّده:رواية الكرخيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و إن كان له من يرفع
ص:153
الخمرة إليه فليسجد،فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماءا» (1).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سألته عن المريض؟فقال:«يسجد على الأرض أو على المروحة أو على سواك يرفعه هو الأفضل من الإيماء،إنّما كره من كره السّجود على المروحة من أجل الأوثان الّتي كانت تعبد من دون اللّه، و إنّا لم نعبد غير اللّه قطّ،فاسجد على المروحة،أو على عود،أو على سواك» (2).
و اعلم أنّ حرف(أو)في قوله:«على الأرض أو على المروحة»للتّفصيل.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الشّافعيّ (3)،و أحمد (4).و قال مالك (5)،و أبو حنيفة (6):الرّفع واجب مثل حدّ السّيف،أمّا الطّمأنينة فلا.
لنا:ما رواه الجمهور،عن عائشة قالت:كان رسول صلّى اللّه عليه و آله إذا رفع من السّجدة لم يسجد حتّى يستوي قاعدا (7).و قولنا:كان فلان يفعل كذا،إنّما يستعمل في الفعل المداوم عليه،و الدّوام يدلّ على الوجوب و قوله عليه السّلام للمسيء في صلاته:
«ثمَّ ارفع رأسك حتّى تطمئنّ» (8).
ص:154
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:ثمَّ رفع رأسه من السّجود فلمّا استوى جالسا قال:«اللّه أكبر» و قال له:«هكذا صلّ» (1).و الأمر للوجوب إلاّ ما يخرج بالدليل و غير ذلك من الأحاديث،و هي كما دلّت على الرّفع دلّت على الطّمأنينة.و كذا يجب رفع الرّأس من السّجدة الثّانية بلا خلاف.
و هو قول علمائنا أجمع،و يسقط مع الضّرورة،و به قال الشّافعيّ (2).و قال أبو حنيفة (3)،و مالك (4)،و أحمد:
لا يجب (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن خبّاب قال:شكونا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرّ الرّمضاء في جباهنا و أكفّنا فلم يُشكِنا (6).رواه مسلم.و لو جاز السّجود على الحائل لما كان للشّكوى معنى و لأشكاهم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام،عن الرّجل يسجد و عليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض؟قال:
«لا يجزئه ذلك حتّى تصل جبهته[إلى] (7)الأرض» (8).و يستحبّ إبراز اليدين دون غيرهما.
و عليه فتوى علمائنا،
ص:155
و قال الشّيخ في الخلاف:يجوز أن يهوى به (1).و به قال الشّافعيّ (2).
لنا:ما رواه الجمهور في حديث السّاعديّ (3)و الأعرابيّ (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:ثمَّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه،ثمَّ سجد (5).و ما ذكره الشّيخ جائز لكنّ الأولى ما قلناه.
و عليه فتوى علمائنا أجمع،و به قال الأوزاعيّ (6)،و مالك (7)،و أحمد في إحدى الرّوايتين.
و قال في الأُخرى:يسبق بركبتيه (8).و به قال النّخعيّ (9)،و أبو حنيفة (10)، و الثّوريّ (11)،و الشّافعيّ (12).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا
ص:156
سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه و لا يبرك بروك البعير».رواه النّسائيّ (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:سئل عن الرّجل يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه؟قال:«نعم» (2)يعني في الصّلاة.و عن الحسين بن أبي العلاء مثله (3). (4)
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:«و ابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا» (5).
احتجّ المخالف (6)بما رواه وائل بن حجر قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا سجد وضع يديه بعد ركبتيه،و إذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه (7).
و عن أبي هريرة:«إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه و لا يبرك بروك الفحل» (8).
و عن أبي سعيد قال:كنّا نضع اليدين قبل الرّكبتين،فأُمرنا بوضع الرّكبتين قبل اليدين (9).
و الجواب عن الأوّل:أنّه حكاية فعل،و القول أولى من الفعل،و لأنّه كيفيّة مندوبة
ص:157
يجوز فعلها في وقت دون آخر،و سوّغ تركها للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بعض الأوقات ليكون أبلغ في تعريف جواز الترك.و رواية أبي هريرة معارضة بروايته الّتي نقلناها عنه، و ذلك ممّا يوجب تطرّق التّهمة إليه.و قول أبي سعيد لا حجّة فيه،لجواز أن يكون الآمر غير النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد،و إذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه (1).
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن الباقر عليه السّلام:«تضعهما معا» (2).
و ما (3)رواه الشّيخ،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل إذا ركع ثمَّ رفع رأسه أ يبدأ (4)فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟قال:«لا يضرّه بأيّ ذلك بدأ فهو مقبول منه» (5).
و روى أبو بصير في الموثّق،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا بأس إذا صلّى
ص:158
الرّجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه» (1).
للعذر و إن كان الأوّل مندوبا.
و الإرغام:هو إلصاق الأنف بالرّغام-و هو التّراب-ذهب إلى استحبابه علماؤنا أجمع،و به قال عطاء، و طاوس،و عكرمة،و الحسن،و ابن سيرين (2)،و الشّافعيّ (3)،و أبو ثور (4)،و محمّد، و أبو يوسف (5)،و أحمد في إحدى الرّوايتين،و في الأُخرى:يجب السّجود عليه (6)،و هو قول سعيد بن جبير،و إسحاق (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم» (8)و لم يذكر الأنف،و لو كان واجبا لما أخّر بيانه.
و عن جابر قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سجد بأعلى جبهته على قصاص الشّعر (9).رواه تمام (10).و إذا سجد بأعلى الجبهة لم يسجد على الأنف.
ص:159
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة قال:«سبع منها فرض سجد عليها»و عدّها،ثمَّ قال:
«و وضع الأنف على الأرض سنّة» (1).
و عن محمّد بن مصادف قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إنّما السّجود على الجبهة و ليس على الأنف سجود» (2).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«السّجود على سبعة أعظم:الجبهة،و اليدين،و الرّكبتين،و الإبهامين من الرّجلين (3)،و ترغم بأنفك إرغاما،فأمّا الفرض فهذه السّبعة،و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله» (4).و هذه الأحاديث كما دلّت على عدم الوجوب فقد دلّت على الاستحباب،و لأنّ الأصل عدم الوجوب إلى أن يظهر المنافي.
احتجّ الموجبون (5)بما رواه ابن عبّاس،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم:الجبهة».و أشار بيده إلى الأنف (6).
و في لفظ آخر رواه ابن عبّاس أيضا:«أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم:الجبهة، و الأنف،و اليدين،و الرّكبتين،و الإبهامين» (7).
و عن عكرمة قال:قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من
ص:160
الأرض ما تصيب الجبهة» (1).
و الجواب عن الأوّل:أنّه لا يمكن أن يكون إشارته إلى الأنف و يريد به الجبهة،و إلاّ لتعيّن بالسّجود عليه،فلعلّ الرّاوي رأى محاذاة يديه لأوّل الجبهة فتوهّم الأنف.على أنّ رواية ابن عبّاس قد اختلفت روايته (2)،و ذلك ممّا تطرّق التّهمة إلى الضّبط فيها.
و قوله عليه السّلام:«أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم».ثمَّ عدّ الأنف،دليل على أنّه غير مراد بأمر الوجوب،و إلاّ لكان المأمور به ثمانية أعضاء.
و عن الرّواية الأخيرة أنّها مرسلة،قاله أحمد بن حنبل (3)،فلا تعويل عليها حينئذ.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الموثّق،عن عمّار،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام قال:
«قال عليّ عليه السّلام:لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين» (4).
لأنّا نقول:إنّ راويها عمّار و هو ضعيف (5)،و أيضا فهي محمولة على الاستحباب.
هذا (1).
لنا:ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على السّجود على الجبهة،و الأنف ليس منها.
و عن ابن عمر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إذا سجدت فمكّن جبهتك من الأرض» (2).و الأمر للوجوب.
و من طريق الخاصّة:حديث زرارة (3)،و حمّاد بن عيسى (4)،و محمّد بن مصادف (5)و قد تقدّم ذلك كلّه (6).
احتجّ أبو حنيفة بأنّ الأنف و الجبهة عضو واحد،فإذا سجد على الأنف وجب أن يجزئه،كما إذا سجد على بعض الجبهة (7).
و الجواب:المنع من وحدتهما و النّقض بعظم الرّأس،فإنّه متّصل بعظم الجبهة.
بلا خلاف.
للدّعاء،و يستحبّ أن يكون موضع الجبهة مساويا للموقف،لأنّه أنسب بالاعتدال المطلوب في السّجود،و أمكن للساجد.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يرفع موضع جبهته في المسجد؟فقال:«إنّي أُحبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي».و كرهه (1).أي و كره الرّفع.
لا يضع شيئا من جسده على شيء،بل يجافي عضديه عن جنبيه،و بطنه عن فخذيه،و فخذيه عن ساقيه بلا خلاف.
روى الجمهور،عن أبي حُمَيد أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه (2).
و عن البراء أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا سجد جَخَّ،و الجخّ:الخاوي.
رواه أبو داود (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن حفص الأعور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان عليّ عليه السّلام إذا سجد يتخوّى (4)كما يتخوّى البعير الضّامر عند بروكه» (5).
ص:163
و في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:و لم يستعن بشيء من بدنه على شيء منه في ركوع و لا سجود،و كان مجنحا،و لم يضع ذراعيه على الأرض (1).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن الباقر عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:«و لا تفترش ذراعيك افتراش السّبع ذراعيه (2)،و لا تضعن ذراعيك على ركبتيك و فخذيك،و لكن تجنح بمرفقيك،و لا تلزق كفّيك بركبتيك» (3).
ذهب إليه العلماء (4)كافّة.
روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«اعتدلوا في السّجود و لا يسجد أحدكم و هو باسط ذراعيه على الأرض» (5).
و عن جابر قال:«إذا سجد أحدكم فليعتدل و لا يفترش ذراعيه افتراش الكلب» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا تفترش ذراعيك افتراش السّبع،و ابسط كفّيك و لا تجعلهما بين ركبتيك
ص:164
و لكن تحرفهما عن ذلك شيئا» (1).و عن حريز،عن رجل،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
«و لا تفترش ذراعيك» (2).و الافتراش المنهيّ عنه في هذه الأحاديث هو عبارة عن بسط الذّراعين على الأرض كما هو في حديث حمّاد.
منكبيه موجّهات إلى القبلة
و هو قول أهل العلم كافّة،لما رواه أبو حميد في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).
و عن وائل بن حجر قال:سجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجعل كفّيه بحذاء اذنيه (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:«و لا تلزق كفّيك بركبتيك،و لا تدنهما من وجهك و بين ذلك حيال منكبيك،و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك،و لكن تحرّفهما عن ذلك شيئا،و ابسطهما على الأرض بسطا،و اقبضهما إليك قبضا،و إن كان تحتهما ثوب فلا يضرّك،و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل،و لا تفرّجنّ بين أصابعك في سجودك و لكن اضممهنّ (5)جميعا» (6).
ص:165
و الحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل،لورود النّصّ في خصوصيّة الجبهة،فالتعدّي بالاجتزاء (1)في البعض يحتاج إلى دليل.
أمّا ظاهر الإبهامين في الرّجلين لو سجد عليهما فالأقرب عندي الجواز.
و التّكبير للسّجدة الثّانية جالسا،ثمَّ يسجد،فإذا استوى في الثّانية قاعدا كبّر.
و قال علم الهدى في المصباح:و قد روي أنّه إذا كبّر للدّخول في فعل من الصّلاة ابتدأ بالتّكبير في حال ابتدائه و للخروج بعد الانفصال عنه (3).و الوجه عندي إكمال التّكبير قبل الدّخول؛لما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:ثمَّ رفع رأسه من السّجود فلمّا استوى جالسا قال:«اللّه أكبر» و دعا.،ثمَّ كبّر و هو جالس و سجد الثّانية و قال كما قال في الأُولى (4).
السّجدتين:«اللّهمّ اغفر لي و ارحمني و اهدني و عافني و ارزقني».رواه أبو داود (1).
و عن حذيفة أنّه صلّى مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكان يقول بين السّجدتين:
«ربّ اغفر لي،ربّ اغفر لي».رواه النّسائيّ (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه السّجود:«فإذا رفعت رأسك فقل بين السّجدتين:اللّهمّ اغفر لي و ارحمني و أجرني (3)و ادفع عنّي و عافني إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير تبارك اللّه ربّ العالمين» (4).
و في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:
قال:«أستغفر اللّه ربّي و أتوب إليه» (5).و قول أحمد ضعيف جدّا؛لأنّ الأصل براءة الذمّة إلى أن يثبت الدّليل و لم يثبت.
بأن يجلس على وركه الأيسر و يخرج رجليه جميعا،و يفضي بمقعدته إلى الأرض،و يجعل رجله اليسرى على الأرض و ظاهر قدمه اليمنى على بطن (6)قدمه اليسرى،هكذا فسّره الشّيخ (7).
و قال علم الهدى في المصباح:يجلس مماسّا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر،و ينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض،و يستقبل بركبتيه معا القبلة (8).
ص:167
و قال أحمد:يجلس مفترشا،و هو أن يثني رجله اليسرى فيبسطها و يجلس عليها، و ينصب رجله اليمنى و يخرجها من تحته،و يجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطراف أصابعها إلى القبلة (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن مسعود أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يجلس في وسط الصّلاة و في آخرها متورّكا (2).
لا يقال:المراد بذلك حال التشهّد.
لأنّا نقول:اللّفظ مطلق و هو يتناول بمفهومه كلّ الصّلاة و ليس في كلّها تشهّدان.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه لمّا علّمه الصّلاة:ثمَّ قعد على فخذه الأيسر قد وضع قدمه اليمنى على بطن قدمه اليسرى (3).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا جلست في الصّلاة فلا تجلس على يمينك و اجلس على يسارك» (4).
الجمهور،عن عليّ (1)عليه السّلام،و هو قول أكثر أهل العلم (2).
و قال الشّيخ في المبسوط بالجواز و إن كان التورّك أفضل (3).و به قال السيّد المرتضى (4)،و ابن بابويه (5)،و هو منقول عن ابن عمر،و ابن عبّاس،و ابن الزّبير (6).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا تقع بين السّجدتين» (7).
و عن أنس قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا رفعت رأسك من السّجود فلا تقع كما يقعي الكلب» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار و ابن مسلم و الحلبيّ قالوا:قال:«لا تقع في الصّلاة بين السّجدتين كإقعاء الكلب» (9).
و في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا تقع بين السّجدتين إقعاء» (10).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:«فإذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئا،و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على
ص:169
الأرض،و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى و أليتاك على الأرض،و طرف (1)إبهامك اليمنى على الأرض،و إيّاك و القعود على قدميك فتتأذّى بذلك،و لا تكن قاعدا على الأرض فتكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد و الدّعاء» (2).و العلّة الّتي ذكرها عليه السّلام في التّشهّد منسحبة في غيره فيتعدّى الحكم إليه.
احتجّ الشّيخ بما رواه في الصّحيح،عن عبيد اللّه الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا بأس بالإقعاء في الصّلاة بين السّجدتين» (3).
و الجواب:إنّا نقول بموجبة إلاّ أنّا نثبت كيفيّة زائدة على رفع البأس هي (4)الكراهية، و ذلك لا ينافي هذا الحديث.
الإقعاء عبارة عن أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه.و قال بعض أهل اللّغة:هو أن يجلس الرّجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب (5).
و الأوّل أولى،لأنّه تفسير الفقهاء و بحثهم فيه.
ذهب إليه علماؤنا؛لأنّه فعل ليس من الصّلاة فيكره ترك العبادة له.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:الرّجل ينفخ في الصّلاة موضع جبهته؟فقال:«لا» (6).و المطلوب من
ص:170
النّهي الكراهية (1)،لما رواه،عن إسحاق بن عمّار،عن رجل من بني عجل قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المكان يكون عليه الغبار فأنفخه إذا أردت السّجود؟ فقال:«لا بأس» (2).
و عن أبي بكر الحضرميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا بأس بالنّفخ في الصّلاة في موضع السّجود ما لم يؤذ أحدا» (3).
النّهوض إلى الرّكعة الثّانية،و تسمّى جلسة الاستراحة
ذهب إليه علماؤنا إلاّ السيّد المرتضى رحمه اللّه،فإنّه قال بالوجوب (4)،و هو منقول عن الشّافعيّ (5).
و ممّن قال باستحبابه الشّافعيّ في أحد القولين (6)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (7).
و في الآخر للشّافعيّ (8)،و لأحمد أنّه لا يجلس،و إليه ذهب أكثر الجمهور (9).
لنا على عدم الوجوب:الأصل من غير معارض.
و ما رواه الجمهور،عن وائل بن حجر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان إذا
ص:171
رفع رأسه من السّجود استوى قائما بتكبيرة (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن زرارة قال:رأيت أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السّلام إذا رفعا رءوسهما من السّجدة الثّانية نهضا و لم يجلسا (2).
و على الاستحباب ما رواه الجمهور،عن مالك بن الحويرث أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يجلس إذا رفع رأسه من السّجود قبل أن ينهض (3).و كذا في حديث أبي حُمَيد السّاعديّ (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا رفعت رأسك في السّجدة الثّانية من الرّكعة الأُولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثمَّ قم» (5).
و ما رواه،عن عبد الحميد بن عوّاض،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:رأيته إذا رفع رأسه من السّجدة الثّانية من الرّكعة الأُولى جلس حتّى يطمئنّ ثمَّ يقوم (6).
و عن الأصبغ،عن عليّ عليه السّلام قال:كان إذا رفع رأسه من السّجود قعد حتّى يطمئنّ،ثمَّ يقوم،فقيل له:يا أمير المؤمنين قد كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعا
ص:172
من السّجود نهضا على صدور إقدامهما كما ينهض الإبل؟فقال:«إنّما يفعل ذلك أهل الجفاء من النّاس إنّ هذا من توقير الصّلاة» (1).
لا يقال:قد روى الشّيخ،عن رحيم (2)قال:قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام:
جعلت فداك أراك إذا صلّيت فرفعت رأسك من السّجود في الرّكعة الاُولى و الثّالثة فتستوي (3)جالسا ثمَّ تقوم،فنصنع كما تصنع؟فقال (4):«لا تنظروا إلى ما أصنع أنا،اصنعوا ما تُؤمرون» (5).و هذا يدلّ على المنع من الجلسة.
لأنّا نقول:لو كانت مكروهة لما فعلها الإمام عليه السّلام،و إنّما أراد عليه السّلام:
لا تفعلوا كلّ ما تشاهدون على طريق الوجوب.
و يؤيّده:قوله عليه السّلام:«و لكن اصنعوا ما تؤمرون».و الأمر إنّما هو للوجوب.
لأنّها حالة من حالات الصّلاة فلا يخلّيها من ذكر،و لإطلاق الأمر بالدّعاء،و أولى ما يقال:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قمت من السّجود قلت:اللّهمّ ربّي بحولك و قوّتك أقوم و أقعد،و إن شئت قلت:و أركع و أسجد» (6).
ص:173
و في رواية محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قام الرّجل من السّجود قال:بحول اللّه أقوم و أقعد» (1).
و عليه فتوى علمائنا أجمع،و به قال مالك (2)،و الشّافعيّ (3)،و إسحاق (4)،و حكي عن ابن عمر،و عمر بن عبد العزيز (5).
و قال أبو حنيفة:لا يعتمد على يديه بل يرفعهما أوّلا و يعتمد على ركبتيه إلاّ مع المشقّة (6)،و به قال أحمد (7)،و الثّوريّ (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن مالك بن الحويرث لمّا وصف صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:فلمّا رفع رأسه من السّجدة الأخيرة في الرّكعة الأُولى فاستوى قاعدا[ثمَّ] (9)قام و اعتمد على الأرض بيديه.رواه النّسائيّ (10).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد،و إذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه (11).و لأنّ ذلك أشبه بالتّواضع و أعون للمصلّي.
ص:174
احتجّ المخالف (1)بما رواه أبو هريرة قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينهض في الصّلاة معتمدا على صدور قدميه (2).
و ما رواه ابن عمر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يعتمد الرّجل على يديه إذا نهض في الصّلاة (3).
و ما رواه الأثرم،عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:«إنّ من السنّة في الصّلاة المكتوبة إذا نهض الرّجل في الرّكعتين الأُوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلاّ أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع» (4).
و الجواب عن الأوّل:ما تقدّم من بيان ضعف أبي هريرة (5).
و أيضا:بأنّ راويه خالد بن إلياس (6)،قال أحمد:ترك النّاس حديثه (7).
و أيضا:فإنّ خبرنا قد اشتمل على الزّيادة فيكون أولى.
و عن الثّاني:أنّه غير مضبوط؛لأنّ أحمد رواه بهذا اللّفظ:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يجلس الرّجل في الصّلاة و هو معتمد على يديه (8).
ص:175
و رواه أبو (1)خزيمة (2)بلفظ آخر و هو:أن يعتمد الرّجل على اليسرى (3).و ذلك يدلّ على عدم الضّبط و تطرّق الخلل إلى (4)هذه الرّواية.
و عن الثّالث:أنّه مدفوع عند أهل البيت عليهم السّلام،و هم كانوا أعرف بأقوال أمير المؤمنين عليه السّلام و أفعاله.
يجوز فعل خلافها
و لا يكون قد فعل مكروها للضّرورة بلا خلاف.
في الثّانية أو الثّالثة أو الرّابعة على ما يأتي.
و لو لم تسبقه الإرادة فالأقرب الإجزاء أيضا؛لأنّه لم يخرج بذلك عن هيئة الصّلاة و نيّتها،أمّا لو وقع على جنبه ثمَّ انقلب فماسّت جبهته الأرض ففي الإجزاء تردّد،ينشأُ من خروجه بذلك عن هيئة الصّلاة و لم يرد بانقلابه السّجود،و إنّما أراد الانقلاب فقطع بذلك نيّة السّجود، فصار كما لو نوى بغسل يده (2)التّبرّد لا غير.
و لو نوى ترك السّجود فسقط لا للسّجود لم يجزئه لعدم النيّة،و الأقرب البطلان لوجود ما ينافي الصّلاة.أمّا لو أهوى يريد السّجود أو كان على إرادته،ثمَّ يحدث (3)إرادة اخرى غير السّجود،ثمَّ استوى أجزأه ما لم يتطاول مدّة (4)الانقلاب.
لكنّ الجلوس في التشهّد الثّاني بقدره واجب (1).
لنا على وجوب الأوّل:ما رواه الجمهور،عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمره بالتشهّدين (2)،و الأمر للوجوب،و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله دوام على فعله و قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (3).و متابعته واجبة في أقواله و أفعاله.
و عن ابن مسعود قال:علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التّشهّد في وسط الصّلاة و آخرها (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سورة بن كليب قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أدنى ما يجزئ من التشهّد؟قال:«الشّهادتان» (5).و الإجزاء يفهم منه الوجوب.
و قال أحمد بن محمّد بن أبي نصر في جامعه (6):و التّشهّد تشهّدان في الثانية و الرّابعة،فأمّا الّذي في الثّانية فما ذكره معاوية بن عمّار،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (7).
و ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا
ص:178
علّمه الصّلاة:فصلّى ركعتين على هذا و يداه مضمومتا الأصابع و هو جالس في التشهّد، فلمّا فرغ من التشهّد سلّم فقال:«يا حمّاد هكذا صلّ» (1).و الأمر للوجوب.
و عن يعقوب بن شعيب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«التشهّد (2)في كتاب عليّ شفع» (3).و لأنّه أحد التشهّدين فكان واجبا كالآخر.
احتجّ الشّافعيّ بأنّه يسقط بالسّهو فكان كالمندوبات (4).
و الجواب:المنع من السّقوط،فإنّه يجب قضاؤه عندنا على ما يأتي،و لو سلّم لم يدلّ على عدم الوجوب،كنسيان تسبيح الرّكوع مثلا مع وجوبه عندنا،و لو سلّم لكن متى يكون عدم القضاء دليلا على عدم الوجوب إذا سقط لا إلى بدل أو مع البدل؟الأوّل (5)مسلّم، و نحن لا نقول به،و الثّاني ممنوع و البدل عندنا هو سجدتا السّهو فكان ذلك جبرا كجبرانات الحجّ بخلاف السّنن.
و أمّا وجوب التشهّد الثاني فيدلّ عليه ما تقدّم من مداومته عليه السّلام و أمره به و تعليمه الصّحابة (6)إيّاه (7)،و ما رواه الأصحاب (8)،و بالإجماع المركّب.
رسول اللّه
و ما زاد عليه فهو مندوب؛لرواية سورة بن كليب عن الباقر عليه السّلام (9).
ص:179
و ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:التشهّد في الصّلاة؟قال:«مرّتين»قال قلت:و كيف مرّتين؟قال:«إذا استويت جالسا فقل:
أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،ثمَّ تنصرف» قال:قلت:قول (1)العبد:التحيّات للّه و الصّلوات الطيّبات[للّه] (2)،قال:«هذا اللّطف من الدّعاء يلطف العبد (3)ربّه» (4).
و في رواية عبد الملك بن عمرو الأحول،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«التشهّد في الرّكعتين الأوّلتين:الحمد للّه أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله» (5).
و في رواية أبي بصير عنه عليه السّلام:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله» (6).و الأصل في ذلك كلّه وجوب الشّهادتين.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:
ما يجزئ من القول في التشهّد في الرّكعتين الأوّلتين؟قال:«أن تقول:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له»قلت:فما يجزئ من تشهّد الرّكعتين الأخيرتين؟فقال:
«الشّهادتان» (7).و ذلك يدلّ على الاكتفاء بالشّهادة الواحدة في التشهّد الأوّل،و قد روى،
ص:180
عن حبيب الخثعميّ (1)،عن أبي جعفر عليه السّلام يقول:«إذا جلس الرّجل للتشهّد فحمد اللّه أجزأه» (2).
و عن بكر بن حبيب (3)قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن التشهّد؟فقال:«لو كان كما يقولون واجبا على النّاس هلكوا،إنّما كان القوم يقولون:أيسر ما يعلمون إذا حمدت اللّه أجزأك» (4). (5)و ذلك يدلّ على أنّ الشّهادتين غير واجبتين بل مطلق الذّكر مجزي.
لأنّا نقول:إنّ الرّواية الأُولى دلّت على هذا المقدار و ليست مانعة من وجوب الزّيادة،فيعمل بما يتضمّنه حديث الزّيادة.
فإن قلت:إنّ الإجزاء لا يستعمل إلاّ مع نفي وجوب الزّائد،قلت:لو كان هذا المعنى مرادا هنا لوجب الاجتزاء بالشّهادة الواحدة في الأخير أيضا،لما رواه الشّيخ في الصّحيح، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال:قلت لأبي الحسن عليه السّلام:جعلت فداك التّشهّد
ص:181
الّذي في الثّانية يجزئ أن أقول في الرّابعة؟قال:«نعم» (1).لكنّ التالي باطل لقوله:قلت:
فما يجزئ من تشهّد الرّكعتين الأخيرتين؟فقال:«الشّهادتان» (2).
و الحديث الثّاني إذا صحّ سنده محمول على حمد مضاف إلى الشّهادتين لا أنّه كاف عنهما و كذا الحديث الأخير.
ذهب إليه علماؤنا أجمع، و أوجبها الشّافعيّ (3)،و أحمد (4).
لنا:الأصل عدم الوجوب،و لأنّ الواجب هو التشهّد،و ليس هذا المعنى مأخوذا (5).
في التحيّات.
و يؤيّده:ما تقدّم من الرّوايات من طرقنا الدّالّة على الاكتفاء بالشّهادتين (6).
احتجّوا (7)بما رواه ابن مسعود قال:علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التشهّد فقال:التحيّات.إلخ (8).
و الجواب:أنّ هذه رواية فيما يعمّ به البلوى،فكيف يخصّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله
ص:182
ابن مسعود بتعليم تكليف عامّ!نعم،إذا كان ندبا جاز أن يقتصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في إبلاغه بطريق الواحد.
(1)و عليه فتوى علمائنا.و قال الشّافعيّ (2)و أحمد:المجزي من التّشهّد أن تقول:التحيّات للّه السّلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته،السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله (3).هذا هو القدر الواجب.و اختلفوا في الأفضل،فقال أحمد و إسحاق (4):أفضله ما رواه عبد اللّه بن مسعود قال:علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله التشهّد كما يعلّمني السّورة،التحيّات للّه و الصّلوات الطيّبات،السّلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته،السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله (5).
و قال مالك:أفضله تشهّد عمر بن الخطّاب،التحيّات للّه و الصّلوات الطيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته،السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله (6).
و قال الشّافعيّ (7):أفضله ما روي،عن ابن عبّاس قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه
ص:183
عليه و آله يعلّمني التشهّد كما يعلّمنا السّورة من القرآن فيقول:قولوا:التحيّات المباركات، الصّلوات الطيّبات للّه،سلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته،سلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه (1).
لنا:أنّ التّسليم خروج من الصّلاة،لقوله عليه السّلام:«و تحليلها التّسليم» (2).
و يلزم منه خروج الشّهادتين عن الصّلاة لوقوعهما (3)بعد التّسليم.
لا يقال:المخرج من الصّلاة:السّلام عليكم.
لأنّا نقول:إطلاق التّسليم يتناول فعل السّلام فتخصيص ما ذكرتم بالمراد به تحكّم، و لأنّ قوله:علينا و على عباد اللّه الصّالحين،يتناول الحاضرين و غيرهم من الصّلحاء، و قوله:السّلام عليكم،يختصّ بالحاضرين،فلو كان المخرج هو السّلام على الحاضرين لكان السّلام على الحاضرين مع غيرهم أولى.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن ابن مسكان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«و تقول:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصّلاة» (4).
و ما رواه في الصّحيح،عن الحلبيّ قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«كلّما ذكرت اللّه عزّ و جلّ به و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصّلاة،فإذا قلت:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،فقد انصرفت» (5).
و عن ميسر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«شيئان يفسد النّاس بهما صلاتهم:قول
ص:184
الرّجل:تبارك اسمك و تعالى جدّك و لا إله غيرك،و إنّما هو شيء قالته الجنّ بجهالة فحكى اللّه عنهم،و قول الرّجل:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين» (1).
و لا ريب في أنّه ليس المطلوب إسقاط هذا بالكلّيّة بل تقدّمه (2)على التشهّد،و ذلك يدلّ على ما أردناه.
احتجّوا (3)بالرّوايات المتقدّمة (4).
و الجواب:أمّا حديث عمر فضعيف،لأنّه لم يروه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أكثر أهل العلم من الصّحابة على خلافه.و حديث ابن عبّاس ضعيف أيضا، لانفراده بروايته و اختلاف لفظه.و حديث ابن مسعود قد بيّنّا ضعفه.
و كذا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمدا رسوله،أو عبده و رسوله.أو قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله،من غير واو على تردّد.
و لو قال:أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،فالأقرب عدم (5)الإجزاء على إشكال،و كذا أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أو بغير واو.
أو أُخبر عن علم،أو أتيقّن و ما شابهه لم يجزئه؛لأنّها أذكار يتعيّن فيها المنقول،و لأنّ الواجب التشهّد و هو مأخوذ من لفظ الشّهادة لا من المعنى،و كذا لو قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه واحد،و أنّ الرّسول محمّد.
ذهب إليه علماؤنا أجمع في التشهّد الأوّل و الثّاني.و قال الشّيخ في الخلاف:هي ركن فيهما (1)،و به قال أحمد (2).
و قال الشّافعيّ:هي مستحبّة في التشهّد الأوّل و فرض في الأخير (3).و قال أبو حنيفة:هي مستحبّة في الموضعين (4)،و به قال مالك (5).
لنا:قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ (6).و الأمر للوجوب.و لا يجب خارج الصّلاة بالإجماع فيتناول صورة النّزاع قطعا.
لا يقال:إنّ الكرخيّ أوجبها في العمر مرّة (7)،و الطّحاويّ أوجبها كلّما ذكر (8)، فلا يتحقّق الإجماع.
لأنّا نقول:الإجماع سبقهما فلا عبرة بتخريجهما.
و ما رواه الجمهور،عن عائشة قالت:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
ص:186
«لا تقبل صلاة إلاّ بطهور و بالصّلاة عَلَيّ» (1).
و عن فضالة بن عبيد (2)سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد ربّه و لم يصلّ على النّبيّ و آله فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«عجل هذا»ثمَّ دعاه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:«إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد (3)ربّه و الثّناء عليه،ثمَّ ليصلّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ثمَّ ليدع بعده بما شاء» (4).و ظاهر الأمر الوجوب.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من تمام الصّوم إعطاء الزّكاة كالصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصّلاة،و من صام و لم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمّدا،و من صلّى و لم يصلّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له إنّ اللّه بدأ بها قبل الصّلاة فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (5)» (6).
و لأنّ الصّلاة عبادة شرط فيها ذكر اللّه تعالى فشرط فيها ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كالأذان.
احتجّوا (7)بما رواه ابن مسعود أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله علّمه التشهّد،
ص:187
ثمَّ قال:«إذا قلت هذا فقد تمّت صلاتك» (1).و لأنّ الوجوب شرعيّ فيقف عليه و لم يثبت.
و الجواب عن الأوّل:أنّ هذه الزّيادة من كلام ابن مسعود،قاله الدّار قطنيّ (2)، و لأنّه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
و أيضا:فيحتمل أنّه أراد فقد قاربت (3)التّمام،كما في قوله عليه السّلام:«من وقف بعرفة فقد تمَّ حجّة» (4)أي قارب (5)التّمام.
و عن الثّاني:بالمنع من عدم ورود الشّرع بعد ما تلوناه من القرآن و الأحاديث.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو مذهب بعض الشّافعيّة (6)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (7)،و في الأُخرى أنّها مستحبّة (8)،و به قال الشّافعيّ (9)،و أبو حنيفة (10).
لنا:ما رواه كعب[بن عجرة] (11)قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول
ص:188
في الصّلاة:«اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» (1).فيجب متابعته،لقوله عليه السّلام:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (2).
و عن جابر،عن أبي جعفر،عن أبي مسعود الأنصاريّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من صلّى صلاة و لم يصلّ فيها عَلَيّ و على أهل بيتي لم تقبل» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن الحلبيّ قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أُسمّي الأئمّة في الصّلاة؟قال:«أجملهم» (4).و الأمر للوجوب،و لا تجب إلاّ في الموضع المتنازع فيه بالإجماع.
و عن عبد الملك بن عمرو الأحول،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«التشهّد في الرّكعتين الأوّلتين الحمد للّه أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد،و تقبّل شفاعته في أُمّته و ارفع درجته» (5).
و ما زاد فهو مستحبّ بلا خلاف.
و لو ضاق الوقت أو عجز أتى بالممكن،و لو لم يقدر سقط عنه.
ص:189
و لو عكس لم يجزئه،خلافا للشّافعيّ (1).
لنا:أنّه تعبّد شرعيّ فيقف على المنقول.
احتجّ الشّافعيّ بأنّ المعنى حاصل،و لأنّه ذكر من غير جنس المعجز فلا يجب فيه التّرتيب كالخطبة (2).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من الاكتفاء بالمعنى كيف كان.
و عن الثّاني:بالمنع من المساواة لأنّه ذكر متعيّن اللّفظ بخلاف الخطبة.
عليهم السّلام
ذهب إليه علماؤنا أجمع في التشهّد الأوّل و الثّاني،و هو قول كلّ من أوجب التشهّد؛لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعله،و الصّحابة،و التّابعون،و ذلك يدلّ على الوجوب؛لقوله عليه السّلام:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (3).و لأنّه فعله بيانا للواجب فكان واجبا،و إنّما يقدّر بقدر الشّهادتين و الصّلاتين،لأنّ الواجب فعلها جالسا،إذ لا يجوز الانصراف قبله،و لا القيام عمدا قبل الإكمال.
الثّاني متورّكا (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن مسعود قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجلس في وسط الصّلاة و آخرها متورّكا (2).
و عن ابن الزّبير قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قعد في الصّلاة،جعل قدمه اليسرى تحت فخذه و ساقه،و فرش قدمه اليمنى (3).و اللّفظ مطلق فتجري عليه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«فإذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض،و فرّج بينهما شيئا،و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض،و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى و أليتاك على الأرض،و طرف إبهامك اليمنى على الأرض،و إيّاك و القعود على قدميك فتتأذّى بذلك،و لا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنّما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهّد و الدّعاء» (4).
احتجّ الشّافعيّ (5)بما رواه أبو حميد أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله جلس يعنى للتشهّد، فافترش رجله اليسرى و أقبل بصدر اليمنى على قبلته (6).
و الجواب:أنّه لا يدلّ على المداومة،فلعلّه فعله مرّة،بخلاف حديثنا،لأنّ قوله:كان يفعل كذا،إنّما يستعمل في المداومة أو الأكثريّة.
ذهب إليه علماؤنا.و قال أحمد كما قلنا في اليسرى و كذا في اليمنى،إلاّ أنّه يعقد الخنصر
ص:191
و البنصر (1).
و قال الشّافعيّ في الأُمّ:يقبض أصابع يده اليمنى إلاّ المسبّحة (2).و قال في الإملاء:
يقبض أصابعه الثّلاث:الخنصر و البنصر و الوسطى،و يبسط المسبّحة و الإبهام.و قال أيضا:يقبض الخنصر و البنصر،و يجعل الوسطى مع الإبهام حلقة،و يشير بالمسبّحة متشهّدا (3).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عبد اللّه بن الزّبير أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا قعد يدعو،وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى و يده اليسرى على فخذه اليسرى و أشار بإصبعه [السبّابة] (4). (5)و العطف يقتضي التّسوية،و لأنّ ما ذكرناه أبلغ في الخضوع فيكون أولى.
ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا جلست في الرّكعة الثّانية فقل:بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه و خير الأسماء للّه أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي السّاعة،و أشهد أنّ ربّي (6)نعم الرّبّ،و أنّ محمّدا نعم الرّسول،اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و تقبّل شفاعته في أُمّته و ارفع درجته،ثمَّ تحمد اللّه مرّتين أو ثلاثا،ثمَّ تقوم فإذا جلست في الرّابعة قلت:بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه و خير الأسماء للّه أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي السّاعة أشهد (7)أنّك نعم الرّبّ،و أنّ محمّدا نعم الرّسول،التّحيّات للّه و الصّلوات الطّاهرات الطيّبات الزّاكيات الغاديات الرّائحات
ص:192
السّابغات النّاعمات للّه،ما طاب و زكا و طهر و خلص و صفا فللّه،أشهد (1)أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي السّاعة،أشهد أنّ ربّي (2)نعم الرّبّ،و أنّ محمّدا نعم الرّسول،و أشهد أنّ السّاعة آتية لا ريب فيها،و أنّ اللّه يبعث من في القبور،الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه،الحمد للّه ربّ العالمين،اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد،و بارك على محمّد و آل محمّد،و سلّم على محمّد و آل محمّد،و ترحّم على محمّد و (3)آل محمّد،كما صلّيت و باركت و ترحّمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد،اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد،و اغفر لنا و لإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان،و لا تجعل في قلوبنا غلاّ للّذين آمنوا ربّنا إنّك رءوف رحيم،اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد،و امنن عليّ بالجنّة،و عافني من النّار، اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد،و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات (4)و لا تزد الظالمين إلاّ تبارا،ثمَّ قل:السّلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته،السّلام على أنبياء اللّه و رسله،السّلام على جبرئيل و ميكائيل و الملائكة المقرّبين،السّلام على محمّد بن عبد اللّه خاتم النّبيّين لا نبيّ بعده،السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،ثمَّ تسلّم» (5).
من اللّه دون ما يقصد به الدّنيا (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لابن مسعود:«ثمَّ ليتخيّر من الدّعاء ما أعجبه» (2).
و في حديث مسلم بإسناده،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ثمَّ ليتخيّر من بعد من المسألة ما شاء و ما أحبّ» (3).
و في حديث أبي هريرة:«إذا تشهّد أحدكم فليتعوّذ من أربع،ثمَّ يدعو لنفسه ما بدا له» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن بكر بن حبيب قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:أيّ شيء أقول في التشهّد و القنوت؟قال:«قل بأحسن ما علمت فإنّه لو كان موقّتا لهلك النّاس» (5).
و في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجلان افتتحا الصّلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه،و دعا هذا و كان دعاؤه أكثر من تلاوته أيّهما أفضل؟قال:«كلّ فيه فضل»قلت:علمت أنّ كلاّ حسن؟فقال:«الدّعاء أفضل،أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (6)هي و اللّه العبادة،هي و اللّه أفضل» (7).
و قال أحمد:السنّة
ص:194
إخفاؤه (1).
لنا:أنّ في ذلك إعلانا بالاعتراف بالتّوحيد و الرّسالة فكان مسنونا كالقراءة.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ينبغي للإمام أن يُسمع من خلفه كلّما يقول،و لا ينبغي لمن خلف الإمام أن يُسمعه شيئا ممّا يقول» (2).
و في الصّحيح،عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ينبغي للإمام أن يُسمع من خلفه التشهّد و لا يُسمعونه شيئا» (3).و ليس ذلك على الوجوب،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن الماضي عليه السّلام عن الرّجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهّد و القول في الرّكوع و السّجود و القنوت؟قال:
«إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» (4).
احتجّ أحمد بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يجهر به (5).
و الجواب:لا نسلّم ذلك،فإن استند إلى رواية قلنا:رواية النّفي غير مقبولة؛لأنّه إخبار عن السّماع و ليس عدم السّماع مستلزما عدم المسموع،و لو سلّم فجاز أن يكون ذلك في وقت،لأنّه مندوب لا يجب المداومة عليه.
للقنوت،و الباقي للرّكوع و السّجود،فلو قام إلى الثّالثة بالتّكبير لزاد أربعا.
أمّا المفيد رحمه اللّه فإنّه أسقط تكبيرات القنوت من البين فصار التّكبير عنده أربعا و تسعين (1)،و الّذي يدلّ على العدد الّذي ذكرناه:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«التكبير في صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس و تسعون تكبيرة،منها القنوت خمس» (2).
و في الصّحيح،عن الصبّاح المزنيّ (3)قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«خمس و تسعون تكبيرة في اليوم و اللّيلة للصّلوات،منها تكبير القنوت» (4).
و ما رواه في الحسن،عن عبد اللّه بن المغيرة:و فسّر التّكبيرات الظّهر إحدى و عشرون تكبيرة،و في العصر إحدى و عشرون تكبيرة،و في المغرب ستّ عشرة تكبيرة،و في العشاء الآخرة إحدى و عشرون،و في الفجر إحدى عشرة تكبيرة،و خمس
ص:196
تكبيرات القنوت في خمس صلوات (1).
و اعتبار إحدى عشرة تكبيرة في الفجر مضافة إلى تكبيرة القنوت يدلّ على ما قلناه،و إلاّ لكان الواجب الاقتصار على إحدى عشرة تكبيرة لا غير.
و يدلّ أيضا على أنّ ذكر القيام بحول اللّه و قوّته أقوم و أقعد:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا جلست في الرّكعتين الأُوليين فتشهّدت،ثمَّ قمت فقل:بحول اللّه و قوّته أقوم و أقعد» (2).
و في الصّحيح،عن رفاعة بن موسى قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام[يقول:
«كان عليّ عليه السّلام] (3)إذا نهض من الرّكعتين الأوّلتين (4)قال:بحولك و قوّتك أقوم و أقعد» (5).
و لأنّ ما ذكرناه يقتضي أن لا تخلو الأفعال في الصّلاة عن ذكر،ثمَّ إنّا نطالب الشّيخ المفيد رحمه اللّه بالدّليل (6)،قال الشّيخ:و كان شيخنا قديما يفتي بمضمون هذه الرّواية،ثمَّ عنّ (7)له في آخر عمره ترك العمل بها و العمل على رفع اليدين بغير تكبير،قال:و لست أعرف به حديثا أصلا (8).
ص:197
فقال علم الهدى (1)، و ابن أبي عقيل (2)،و أبو الصّلاح:أنّه واجب تبطل الصّلاة بالإخلال به عمدا لا سهوا (3)،و به قال الشّافعيّ (4)،و مالك (5)،و أحمد (6).و قال الشّيخان:هو مسنون في الصّلاة (7).
و قال أبو حنيفة:ليس التّسليم من الصّلاة و لا يتعيّن الخروج به منها،بل الخروج من الصّلاة بكلّ ما ينافيها،سواء كان من فعل المصلّي كالتّسليم و الحدث،أو ليس من فعله كطلوع الشّمس أو وجود الماء للمتيمّم المتمكّن من الاستعمال (8).و الأقرب عندي الوجوب.
لنا:قوله تعالى وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (9).و الأمر للوجوب،و لا يجب في غير الصّلاة بالإجماع فيجب فيها قطعا.
و ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«مفتاح الصّلاة الطّهور
ص:198
و تحريمها التّكبير و تحليلها التّسليم» (1).أضاف المصدر إلى الصّلاة فيفيد العموم،و يلزم منه انحصار التّحليل في التّسليم،و لأنّ التّسليم وقع خبرا عن التّحليل فيكون مساويا له أو أعمّ،لاستحالة الإخبار بالأخصّ عن الأعمّ،و لأنّ النّحويّين اتّفقوا على أنّ الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ على معنى أنّ ما صدق عليه أنّه تحليل الصّلاة صدق عليه التّسليم، و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يداوم على فعله و قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ و ابن بابويه و علم الهدى عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«مفتاح الصّلاة الطّهور،و تحريمها التّكبير،و تحليلها التّسليم» (3).و قد مضى وجه الاستدلال به.
لا يقال:إنّه (4)خبر مرسل من طرقكم فلا يعمل به.
لأنّا نقول:لا نسلّم أنّه مرسل،فإنّ الأُمّة تلقّته (5)بالقبول،و نقله الخاصّ و العامّ، و مثل هذا الحديث البالغ في الشّهرة قد تحذف رواته اعتمادا على شهرته،على أنّ الشّيخ محمّد بن يعقوب الكلينيّ رواه مسندا،عن عليّ بن محمّد بن عبد اللّه (6)،عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ (7)،عن القدّاح،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
ص:199
«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.»الحديث.إلاّ أنّه قال:«مفتاح الصّلاة الوضوء» (1).
و لو سلّم فهؤلاء الثّلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث،و لو لا علمهم بصحّته لما أرسلوه و حكموا (2)بأنّه من قوله عليه السّلام،على أنّ هذا المنع لا يسمع من أبي حنيفة،فإنّه يعمل بالمرسل.
و ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:و سلّم،ثمَّ قال:«يا حمّاد هكذا صلّ» (3).و الأمر للوجوب.
و لأنّ الخروج من الصّلاة واجب كالدّخول فيها،و الحدث مناف لها فلا يجب فعله فيها.
و لأنّه يلزم أحد محذورين على قول أبي حنيفة،إمّا إبطال قوله،أو وقوع الحدث في الصّلاة،لأنّه قبل الحدث إمّا أن يخرج من الصّلاة أو لا،و يلزم من الأوّل الخروج لا بما ينافيها و هو خلاف مذهبه،و من الثّاني وقوع الحدث في الصّلاة إن أحدث.
و لأنّه لو خرج من الصّلاة بالصّلاة على النّبيّ و آله عليهم السّلام لما بطلت صلاة المتمّم في السّفر و من زاد خامسة عمدا أو سهوا،لأنّه لا يفتقر إلى ما يخرج به من الصّلاة.
ص:200
و لأنّه ذكر في أحد طرفي الصلاة فكان واجبا كالتكبير.
احتجّوا (1)بما رواه ابن مسعود،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا علّمه التشهّد،ثمَّ قال:«إذا قلت هذا فقد مضت صلاتك» (2).و لأنّه عليه السّلام لم يعلّمه الأعرابيّ (3).
و بما رواه الشّيخ،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يصلّي،ثمَّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم؟قال:«تمّت صلاته» (4).و لو كان التّسليم واجبا لوجبت عليه الإعادة.و لأنّ الأصل عدم الوجوب.
و الجواب عن الأوّل:أنّ قوله:«فإذا قلت هذا فقد مضت صلاتك»من كلام ابن مسعود.
و عن الثّاني:أنّ الأعرابيّ كان يعرف التّسليم،فلهذا لم يذكره له،أو كان ذلك قبل إيجاب التّسليم.
و عن الثّالث:بأنّ في طريقها أبان بن عثمان و هو واقفيّ لا تعويل على روايته.
و يعارضها ما تقدّم،و ما رواه أبو بصير قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل صلّى الصّبح فلمّا جلس في الرّكعتين قبل أن يتشهّد رعف،قال:«فليخرج فليغسل أنفه ثمَّ ليرجع فليتمّ صلاته،فإنّ آخر الصّلاة التّسليم» (5).
و عن الرّابع:أنّه معارض بالاحتياط.
و الأُخرى:السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته
و العبارة الأُولى لنا خاصّة لا يعرفها
ص:201
الجمهور في التّسليم.
و من أصحابنا من أوجب العبارة الثّانية،ذهب إليه علم الهدى (1)،و أبو الصّلاح (2).
لنا:قوله عليه السّلام:«و تحليلها التّسليم» (3).و هو يقع على كلّ واحد منهما،و كذا قوله عليه السّلام:«آخر الصّلاة التّسليم» (4).
و ما رواه أبو بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كنت إماما فإنّما التّسليم أن تسلّم على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تقول:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصّلاة،ثمَّ تؤذن القوم و أنت مستقبل القبلة فتقول:السّلام عليكم» (5).
و رواه الشّيخ في الموثّق،عن ابن مسكان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (6)،و عن أبي كهمس (7)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الرّكعتين الأوّلتين إذا جلست
ص:202
فيهما للتشهّد فقلت و أنت جالس:«السّلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته» انصراف هو؟قال:«لا و لكن إذا قلت السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين فهو الانصراف» (1).
و أمّا العبارة الثّانية فقد وقع الاتّفاق عليها،لما رواه وائل بن حجر قال:صلّيت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكان يسلّم عن يمينه:«السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر قال:رأيت إخوتي موسى،و إسحاق (3)،و محمّدا (4)بني جعفر يسلّمون في الصّلاة عن اليمين و الشّمال:
السّلام عليكم و رحمة اللّه،السّلام عليكم و رحمة اللّه (5).
ص:203
لقوله عليه السّلام:
«و تحليلها التّسليم» (1).و ذلك يتناول كلّ واحد منهما،فيحصل التحلّل (2)و الخروج من الصّلاة به،و لا نعرف خلافا في أنّه لا يجب عليه الإتيان بهما،إنّما النّزاع في وجوب تعيّن العبارة الأخيرة،و قد سلف جواز الاكتفاء بالعبارة الاُولى.
لا يقال:حجّتكم فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هو إنّما يسلّم بالعبارة الثّانية، و لأنّ الإجماع واقع على أنّ الخروج منحصر في العبارة الثّانية أو فعل المنافي،و العبارة الأُولى ليست أحدهما.
لأنّا نقول:إنّا احتججنا بفعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على وجوب التّسليم، و جواز العبارة الأُولى مستفاد من الأحاديث المنقولة عن أهل البيت عليهم السّلام (3)، و من قوله:«و تحليلها التّسليم».و هو يصدق على العبارة الاولى،و الإجماع ممنوع،فإنّ النّصوص عن أهل البيت عليهم السّلام تدلّ على فساد هذه الدّعوى.
و قد صرّح الشّيخ في التّهذيب فقال:من قال:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين في التّشهّد فقد انقطعت صلاته،فإن قال بعد ذلك:السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته جاز (4).
ص:204
و لا نعرف فيه خلافا من القائلين بوجوبه،لأنّ المنقول هو الصّورتان المذكورتان (1).
و يؤيّده:رواية أبي كهمس و قد تقدّمت (2).
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن الحلبيّ،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«كلّما ذكرت اللّه عزّ و جلّ به و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصّلاة،فإن قلت:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،فقد انصرفت» (3).
و هو:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،فلو عكس فقال:السّلام على عباد اللّه الصّالحين و علينا، أو قال:السّلام علينا و على عباد اللّه المخلصين أو العابدين لم يجز؛لأنّها منقولة عن آل الرّسول عليهم السّلام (4)فلا يجوز التعدّي عنها،و كذا لو أتى بالتّرجمة،ثمَّ إن أتى بغير المجزي متعمّدا بطلت صلاته،لأنّه كلام في الصّلاة غير مشروع،و إن بدأ بالعبارة الثّانية، ثمَّ أتى بالعبارة الأُولى جاز له أن يأتي بأيّ صيغة أراد،و على أيّ كيفيّة أوجدها صحّ،لأنّه يكون قد خرج من الصّلاة.
و قال أبو الصّلاح:الفرض أن يقول:السّلام عليكم و رحمة اللّه (1).
لنا:ما رواه سعيد بإسناده عن عليّ عليه السّلام أنّه كان يسلّم عن يمينه و شماله (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه البزنطيّ في جامعه،عن عبد اللّه بن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن تسليم الإمام و هو مستقبل القبلة؟قال:«يقول:
السّلام عليكم» (3).
و ما رواه أبو بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ثمَّ تؤذن القوم و أنت مستقبل القبلة فتقول:السّلام عليكم،و كذا إذا كنت وحدك» (4).
و لأنّ ذكر الرّحمة تكرير للثّناء فلم يجب،كقوله:و بركاته.
لأنّه يكون آتيا به خارج الصّلاة،و لو أتى به مبتدئا ناويا به الخروج،ففي الإجزاء تردّد ينشأ،من وقوع اسم التّسليم عليه،و كونه من تحيّة القرآن ورد بصورتها فيكون مجزئا،و هو قول الشّافعيّ (5)،و من كونه غير المنقول و فيه إخلال بلام الاستغراق فيغيّر المعنى.
و ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لأبي تميمة (1):«لا تقل عليكم السّلام،فإن قولك عليك السّلام تحيّة الموتى» (2).رواه أحمد.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن عثمان بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الرّجل يسلّم عليه في الصّلاة؟قال:«يردّ يقول:سلام عليكم،و لا يقول:و عليكم السّلام،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قائما يصلّي فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه،فردّ عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هكذا» (3).
و إذا كان الإتيان بهذه الصّيغة منهيّا عنه في الصّلاة على سبيل الردّ،فكذا في التّسليم؛ لأنّه قبله لم يخرج عن الصّلاة و الردّ كالابتداء.
احتجّ الشّافعيّ بأنّ المقصود المعنى،و هو يحصل مع العكس (4).
و الجواب:المنع من كون المعنى كلّ المراد.
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يسلّم تسليمة واحدة،و كان المهاجرون يسلّمون تسليمة واحدة (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،و محمّد بن مسلم، و معمّر بن يحيى،و إسماعيل،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يسلّم تسليمة واحدة إماما كان أو غيره» (2).
و لأنّ التّسليم مخرج من الصّلاة،لقوله عليه السّلام:«تحليلها التّسليم» (3).فلم يجب عليه شيء آخر فيها.
احتجّ أحمد بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،سلّم تسليمتين (4).
و الجواب:لا ريب في ندبيّته،ففعله المرّتين دليل الرّجحان،و اقتصاره على المرّة دليل (5)عدم المنع من النّقيض.
و المأموم يسلّم تسليمتين بوجهه يمينا و شمالا إن كان على يساره غيره،و إن لم يكن اقتصر بالتّسليم على يمينه.و ممّن قال إنّ الإمام يسلّم تسليمة
ص:208
واحدة:ابن عمر،و أنس،و سلمة بن الأكوع،و عائشة،و الحسن،و ابن سيرين، و عمر بن عبد العزيز،و مالك،و الأوزاعيّ.و نقل الجمهور،عن عليّ عليه السّلام أنّه يستحبّ للإمام أن يسلّم تسليمتين عن يمينه و شماله.و كذا،عن عمّار،و ابن مسعود.و به قال عطاء،و الشّعبيّ،و الثّوريّ،و إسحاق،و ابن المنذر،و أحمد،و أصحاب الرّأي (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسلّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه (2).
و عن سلمة بن الأكوع قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى فسلّم مرّة واحدة (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد الحميد بن عوّاض،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن كنت تؤمّ قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك،و إن كنت مع إمام فتسليمتين،و إن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» (4).
و في الصّحيح،عن منصور قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«الإمام يسلّم واحدة و من وراه يسلّم اثنتين،و إن لم يكن عن شماله أحد سلّم واحدة» (5).
و عن عنبسة بن مصعب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقوم في الصّفّ خلف إمام و ليس على يساره أحد كيف يسلّم؟قال:«تسليمة عن يمينه» (6).
ص:209
أمّا الإشارة بمؤخّر العين فشيء ذكره الشّيخ في النّهاية (1).و قال في المبسوط:الإمام و المنفرد يسلّمان تجاه القبلة (2).
و يؤيّد ما ذكره في النّهاية:ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر في جامعه،عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» (3).
و يؤيّد ما ذكره في المبسوط:رواية عبد الحميد (4)،و الكلّ جائز و إنّما البحث في الأولويّة.
قال علم الهدى في المسائل الطرابلسيّة:لم أجد لأصحابنا فيه نصّا و يقوى عندي أنّها من الصّلاة (5)،و به قال الشّافعيّ (6)،خلافا لأبي حنيفة (7).
لنا:أنّه ذكر شرع في محلّ من الصّلاة يجوز أن يرد عليه ما يفسد (8)الصّلاة،فكان منها كالتّشهّد.
و يؤيّده:ما تقدّم في رواية أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«آخر
ص:210
الصّلاة التّسليم» (1).
احتجّ أبو حنيفة بقوله عليه السّلام:«إنّ صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس،إنّما هي التّسبيح و التّكبير و قراءة القرآن» (2).و لأنّ السّلام ينافيها فلم يكن منها كالكلام.
و الجواب:أنّ الخبر محمول على ما لم يشرع بها،و بهذا فارق الكلام.
لم أجد لأصحابنا فيه نصّا،و الأقرب أنّه لا يجب؛لأنّه ذكر من الصّلاة فلم يفتقر إلى نيّة (3)بانفراده، كأجزائها.
و يؤيّده:قوله عليه السّلام:«فإن قلت:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين فقد انصرفت» (4).و لم يشترط (5)نيّة الخروج.
لأنّه وضع له فشرعت له نيّته.
خلافا لقوم من الجمهور (6).
لنا:أنّ القصد هو الخروج،و التّسليم على الصّالحين لا ينافيه.
ص:211
و ما رواه الجمهور،عن جابر بن سمرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إنّما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه،ثمَّ يسلّم على أخيه من على يمينه و شماله».رواه مسلم (1).
، و بالثّاني التّسليم على الملائكة أو على من في يساره (2).
روى ابن بابويه في كتابه:أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السّلام ما معنى قول الإمام:السّلام عليكم؟قال:«إنّ الإمام يترجم عن اللّه عزّ و جلّ و يقول في ترجمته لأهل الجماعة:أمان لكم من عذاب يوم القيامة» (3).
الرّابع:روى الشّيخ في الموثّق،عن عمّار السّاباطيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التّسليم ما هو؟فقال:«هو إذن» (4).
و فيه مباحث:
و عليه السّكينة و الوقار
قال اللّه تعالى اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (5).و قال:
وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ (6).
و يستحبّ له أن يقول إذا قام إلى الصّلاة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبان و معاوية بن وهب جميعا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قمت إلى الصّلاة فقل:اللّهمّ
ص:212
إنّي أُقدّم إليك محمّدا بين يدي حاجتي و أتوجّه به إليك،فاجعلني به وجيها عندك في الدّنيا و الآخرة و من المقرّبين،اجعل صلاتي به متقبّلة،و ذنبي به مغفورا،و دعائي به مستجابا، إنّك أنت الغفور الرّحيم» (1).
و يستحبّ له أن يتوجّه بسبع تكبيرات،إحداها:تكبيرة الإحرام بينها ثلاثة أدعية.
و يستحبّ له الاستكانة و الخشوع في صلاته،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن الفضيل بن يسار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان عليّ بن الحسين عليه السّلام إذا قام في الصّلاة تغيّر لونه،فإذا سجد لم يرفع رأسه حتّى يرفضّ عرقا» (2).و أن يأتي بالصّلاة على الوجه الأكمل غير مستعجل،و ليكن على سكون و وقار.
روى الشّيخ في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالس في المسجد إذ (3)دخل رجل فقام فصلّى فلم يتمّ ركوعه و لا سجوده،فقال صلّى اللّه عليه و آله:نقر كنقر الغراب،لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (4).
و في الصّحيح،عن هشام بن سالم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قام العبد من الصّلاة فخفّف صلاته قال اللّه تعالى لملائكته:أما ترون إلى عبدي كأنّه يرى أنّ قضاء حوائجه بيد غيري،إما يعلم أنّ قضاء حوائجه بيدي» (5).
و يستحبّ إيقاعها في المسجد جماعة،لما رواه الشّيخ في الموثّق،عن طلحة بن زيد، عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليه السّلام قال:«لا صلاة لمن لم يشهد الصّلوات المكتوبات
ص:213
من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا» (1).
و عن ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«همّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإحراق قوم في منازلهم،كانوا يصلّون في منازلهم و لا يصلّون الجماعة،فأتاه رجل أعمى فقال:يا رسول اللّه إنّي ضرير البصر،و ربّما أسمع النّداء و لا أجد من يقودني إلى الجماعة و الصّلاة معك،فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«شدّ من منزلك إلى المسجد حبلا و احضر الجماعة» (2).
و لأنّها مواطن العبادة و مواضع الاستجابة فكان إيقاع الصّلاة فيها أولى.
و يستحبّ إيقاعها في أوّل الوقت.قال عليه السّلام:«أوّل الوقت رضوان و آخره عفو اللّه و العفو لا يكون إلاّ من ذنب» (3).
و قال عليه السّلام:«لفضل الوقت الأوّل على الآخر خير للمؤمن من ولده و ماله» (4).رواهما ابن بابويه.
و ابن أبي ليلى (1)،و الحسن بن صالح بن حيّ (2).و نقله الشّافعيّ في القديم،عن عليّ عليه السّلام،و أبي بكر،و عمر،و عثمان،و أنس،و الحسن البصريّ (3).
و قال أبو حنيفة:إنّه غير مسنون بل هو مكروه في الصّلوات كلّها إلاّ الوتر (4)،و إليه ذهب الثوريّ (5).و قال أبو يوسف:إذا قنت الإمام فاقنت معه (6).
و قال أحمد:القنوت للأئمّة يدعون للجيوش فإن ذهب إليه ذاهب فلا بأس (7).و قال إسحاق:هو سنّة عند الحوادث لا يدعه الأئمّة (8).
لنا:قوله تعالى (وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ) (9).
لا يقال:القنوت طول القيام؛لقوله عليه السّلام:أفضل الصّلاة طول القنوت أي القيام (10).
لأنّا نقول:المراد طول الدّعاء كما قلناه؛لأنّه صار حقيقة شرعيّة.و لأنّه دعاء فيكون مأمورا به؛لقوله تعالى اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (11).و لأنّ الدّعاء أفضل العبادات فلا يكون منافيا للصّلاة.
ص:215
و ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قنت شهرا يدعو على حيّ من أحياء العرب ثمَّ تركه.رواه مسلم (1)،و ذلك يقتضي فعله في كلّ صلاة.
و ما رووه،عن أبي هريرة قال:لمّا رفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأسه من الرّكعة الثّانية من الصّبح قال:«اللّهمّ أنج الوليد بن الوليد (2)،و سلمة بن هشام (3)، و عيّاش بن أبي ربيعة (4)،و المستضعفين بمكّة،و اشدد وطأتك على مُضَر (5)،و رِعل (6)،
ص:216
و ذكوان (1)،و أرسل عليهم سنين كسني يوسف».رواه البخاريّ (2).
و عن أنس قال:ما زال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقنت في الفجر حتّى فارق الدّنيا (3).و ذلك يبطل مذهب أبي حنيفة،و يبطل مذهب الشّافعيّ:ما تقدّم من الايات، و حديث أبي هريرة.
و ما رواه البراء بن عازب قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يصلّي صلاة مكتوبة إلاّ قنت فيها (4).
و ما رووه،عن عليّ عليه السّلام أنّه قنت في صلاة المغرب[فدعا] (5)على أُناس و أشياعهم (6).و إذا ثبت القنوت في المغرب ثبت العموم لعدم القائل بالفرق.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن صفوان الجمّال قال:صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام أيّاما فكان يقنت في كلّ صلاة يجهر فيها أو لا يجهر فيها (7).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«القنوت في كلّ صلاة في الرّكعة الثّانية قبل الرّكوع» (8).
و في الصّحيح،عن ابن مسكان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«القنوت في
ص:217
المغرب في الرّكعة الثانية و في صلاة العشاء و الغداة مثل ذلك،و في الوتر في الرّكعة الثّالثة» (1).
و في الموثّق،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«القنوت في كلّ ركعتين من التطوّع أو الفريضة» (2).و لأنّه دعاء مشروع في بعض الصّلوات فيشرع في الباقي.
لا يقال:قد روى الشّيخ،عن عبد الملك بن عمرو قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القنوت قبل الرّكوع أو بعده؟قال:«لا قبله و لا بعده» (3).
و في الصّحيح،عن سعد بن سعد الأشعريّ،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:
سألته عن القنوت هل يقنت في الصّلوات كلّها أم فيما يجهر فيها بالقراءة؟قال:
«ليس القنوت إلاّ في الغداة و الوتر و الجمعة و المغرب» (4).
و عن يونس بن يعقوب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القنوت في أيّ الصّلوات أقنت؟فقال:«لا تقنت إلاّ في الفجر» (5).
لأنّا نقول:إنّ ذلك محمول على نفي الوجوب لا نفي الاستحباب،أو أنّه على سبيل التقيّة،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أحمد بن محمّد،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام
ص:218
قال:«قال أبو جعفر في القنوت:إن شئت فاقنت و إن شئت فلا تقنت»قال أبو الحسن عليه السّلام:«و إذا كانت التّقيّة فلا تقنت و أنا أتقلّد هذا» (1).
و في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن القنوت فقال:«فيما يجهر فيه بالقراءة»قال:قلت له:إنّي سألت أباك عن ذلك فقال:«في الخمس كلّها»فقال:«رحم اللّه أبي إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحقّ،ثمَّ أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتّقيّة» (2).
احتجّ أبو حنيفة (3)بما روت أُمّ سلمة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن القنوت في الفجر (4).
و عن ابن مسعود،و أنس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قنت شهرا و ترك (5).
و احتجّ الشّافعيّ بعدم النّقل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في القنوت في غير الصّبح، و عن الصّحابة (6).
و الجواب عن الأوّل:أنّ رواية محمّد بن يعلى (7)،عن عنبسة
ص:219
بن عبد الرّحمن (1)،عن عبد اللّه بن نافع (2)،و هؤلاء كلّهم ضعاف عند أهل الحديث.
و عن الثّاني:أنّه متروك بخبر (3)أنس،و يحتمل أن يكون قوله:و ترك،أي الدّعاء على القوم،و كذا هو في حديث أنس.
و عن الثّالث:أنّ النّقل موجود في حديث البراء،و أبي هريرة،و عليّ عليه السّلام، و أهل البيت عليهم السّلام.
لرواية ابن مسكان فإنّه خصّص فيها ما يجهر فيه.
و روى الشّيخ في الموثّق،عن سماعة قال:سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو؟فقال:
«كلّ شيء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت» (4).
و القنوت قبل الرّكوع و بعد القراءة،و يتأكّد من الجهريّات في الغداة و المغرب؛
ص:220
لرواية سعد بن سعد،عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (1).
لا نعرف فيه خلافا؛لما رواه الجمهور،عن[عليّ عليه السّلام] (2)عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يقول في آخر وتره:«اللّهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخطك، و أعوذ بمعافاتك من عقوبتك،و أعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك،أنت كما أثنيت على نفسك» (3).
و من طريق الخاصّة:رواية ابن مسكان (4)،و سماعة،إذ الوتر ممّا يجهر فيه، و حديث سعد بن سعد (5).
و عن أبي بكر بن[أبي] (6)سمّاك (7)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:«قل في قنوت الوتر:اللّهمّ اغفر لنا و ارحمنا و عافنا و اعف عنّا في الدّنيا و الآخرة».و قال:
ص:221
«يجزئ من القنوت ثلاث تسبيحات» (1).
و عن أحمد بن عبد العزيز (2)،عن بعض أصحابنا قال:كان أبو الحسن الأوّل عليه السّلام إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال:«هذا مقام من حسناته نعمة منك،و شكره ضعيف،و ذنبه عظيم،و ليس لذلك إلاّ رفقك و رحمتك،فإنّك قلت في كتابك المنزل على نبيّك المرسل صلّى اللّه عليه و آله كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ.
وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (3).طال هجوعي و قلّ قيامي و هذا السّحر و أنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يجد لنفسه ضرّا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا».ثمَّ يخرّ ساجدا (4).
و روى ابن بابويه،عن أبي حمزة الثّماليّ قال:كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول في آخر وتره و هو قائم:«ربّ أسأت و ظلمت نفسي و بئس ما صنعت و هذه يداي جزاء بما صنعتا»قال:ثمَّ يبسط يديه جميعا قدّام وجهه و يقول:«و هذه رقبتي خاضعة لك لما أتت»قال:ثمَّ يطأطئ رأسه و يخضع برقبته،ثمَّ يقول:«و ها أنا ذا بين يديك فخذ لنفسك الرّضا من نفسي حتّى ترضى لك العتبى لا أعود لا أعود لا أعود»قال:و كان و اللّه إذا قال لا أعود لم يعد (5).
و روى ابن بابويه،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يقول في قنوت الوتر:
«اللّهمّ اهدني فيمن هديت،و عافني فيمن عافيت،و تولّني فيمن تولّيت،و بارك لي فيما أعطيت،و قني شرّ ما قضيت،فإنّك تقضي و لا يقضى عليك،سبحانك ربّ البيت
ص:222
أستغفرك و أتوب إليك،و اومن بك و أتوكّل عليك لا حول و لا قوّة إلاّ بك يا رحيم» (1).
و رواه الجمهور،عن الحسن بن عليّ عليهما السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2).
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال ابن مسعود (3)،و إبراهيم النّخعيّ،و الحسن البصريّ،و أصحاب الرّأي،و أحمد في أقوى الرّوايتين.و قال في الأُخرى:إنّه لا يقنت إلاّ في النّصف الأخير من رمضان (4).و رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام،و به قال ابيّ بن كعب،و ابن سيرين،و الزّهريّ (5)، و مالك (6)،و الشّافعيّ (7).
لنا:رواية ابيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول كذا (8).و لفظة كان للمداومة.
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الأحاديث.
و ما رواه ابن بابويه في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال:
ص:223
«القنوت في كلّ الصّلوات» (1).و لأنّه وتر و يشرع فيه القنوت كالنّصف الآخر من رمضان، و لأنّه ذكر شرع في الوتر فيشرع في جميع السّنة كغيره من الأذكار.
لما رواه عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،عن الرّجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر،قال:«ليس عليه شيء»و قال:
«إن ذكره و قد أهوى إلى الرّكوع قبل أن يضع[يديه] (2)على الرّكبتين فليرجع قائما فليقنت، ثمَّ ليركع و إن وضع يديه على ركبتيه فليمض في صلاته و ليس عليه شيء» (3).
فهذه الرّواية تدلّ على أنّ القنوت قبل الرّكوع،و رواية بعض أصحابنا،عن أبي الحسن موسى عليه السّلام (4)،تدلّ على أنّه بعد الرّكوع،و كلاهما حسن.
لأنّ الوتر نافلة يقصد به تعظيم الرّبّ تعالى و الاستعطاف،فيجوز بكلّ (5)صنف يتخيّره المصلّي.و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نقل عنه أذكارا مختلفة في القنوت و هو دليل عدم الانحصار.
و من طريق أهل البيت عليهم السّلام ما رواه الشّيخ،عن إسماعيل بن الفضل قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّا أقول في وتري؟قال:«ما قضى اللّه على لسانك و قدّره» (6).
و لأنّهم عليهم السّلام اختلفت الرّوايات في أذكارهم،فدلّ على عدم التّوظيف.
على خلاف فيه بين علمائنا و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
فلو أخلّ به عامدا أو ناسيا لم تبطل
ص:224
صلاته.ذهب إليه أكثر علمائنا.
و قال ابن بابويه:القنوت سنّة واجبة من تركها عمدا أعاد،لقوله تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (1). (2)
و روى ذلك ابن أُذينة،عن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«القنوت في الجمعة و الوتر و العشاء و العتمة و الغداة،فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (3).و به قال ابن أبي عقيل (4).و لا أعلم خلافا في أنّه لو تركه نسيانا لم تبطل صلاته.
لنا:الأصل عدم الوجوب فلا يصار إلى خلافه إلاّ بدليل،و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقنت تارة و ترك اخرى،و هو دليل على عدم الوجوب.
و ما رواه الشّيخ،عن عبد الملك بن عمر و قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القنوت قبل الرّكوع أو بعده؟قال:«لا قبله و لا بعده» (5).
و في الصّحيح،عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:«قال أبو جعفر عليه السّلام في القنوت إن شئت فاقنت و إن شئت لا تقنت» (6).
و احتجاجهم بالآية ضعيف،لأنّه يتضمّن وجوب الدّعاء قائما،و الأمر المطلق لا يقتضي التّكرار،و لأنّه دلّ على وجوب القيام حال القنوت لا على وجوب القنوت.
و رواية وهب محمولة على الاستحباب جمعا بين الأدلّة.
ص:225
و عليه علماؤنا،و به قال ابيّ،و ابن مسعود، و أبو موسى،و البراء،و ابن عبّاس،و أنس،و عمر بن عبد العزيز،و عبيدة،و عبد الرّحمن بن أبي ليلى (1)،و مالك (2)،و أبو حنيفة (3).و قال الشّافعيّ:إنّه بعد الرّكوع (4).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابيّ،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قنت قبل الرّكوع (5).
و عن ابن مسعود،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قنت قبل الرّكوع (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«القنوت في كلّ صلاة في الرّكعة الثّانية قبل الرّكوع» (7).
و في حديث سماعة:«و القنوت قبل الرّكوع و بعد القراءة» (8).
و في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كلّ قنوت قبل الرّكوع إلاّ الجمعة،فإنّ الرّكعة الأُولى فيها قبل الرّكوع و الأخيرة بعد الرّكوع» (9).
احتجّ الشّافعيّ (10)بما رواه أبو هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قنت بعد
ص:226
الرّكوع (1).
و الجواب:أنّه معارض بما قدّمناه من الأحاديث و هي أكثر.
اختاره الشّيخ في المبسوط (2).و قال في النّهاية (3)،و المفيد:لو لم يذكر حتّى ركع في الثّالثة قضاه بعد فراغه من الصّلاة (4).و جعل الشّيخ القضاء بعد الفراغ رواية (5).
احتجّ على ما ذكره في المبسوط بما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم و زرارة بن أعين قالا:سألنا أبا جعفر عليه السّلام عن الرّجل ينسى القنوت حتّى يركع؟قال:«يقنت بعد الرّكوع فإن لم يذكر فلا شيء عليه» (6).
و على ما ذكره في النّهاية بما رواه في الموثّق،عن أبي أيّوب الخزّاز (7)عن أبي بصير قال:سمعته يذكر عند أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في الرّجل إذا سها في القنوت:«قنت بعد
ص:227
ما ينصرف و هو جالس» (1).و الأقرب عندي:الأوّل،لكثرة الرّوايات به مع سلامة سندها.و لأنّ الأصل عدم شغل الذّمّة بواجب أو ندب (2).
لا خلاف عندنا في استحباب الإتيان بالقنوت بعد الرّكوع مع نسيانه قبله،و أمّا أنّه هل هو قضاء أو أداء ففيه تردّد،يَنشأ،من كون محلّه قبل الرّكوع و قد فات فيتعيّن (3)القضاء،و من كون الأحاديث لم تدلّ على كونه قضاء،مع أنّه قد روى الشّيخ،عن إسماعيل الجعفيّ،و معمّر بن يحيى،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«القنوت قبل الرّكوع و إن شئت فبعده» (4).و الرّواية غير سليمة عن الطّعن في السّند،و الأقرب الأوّل.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل ينسى القنوت حتّى يركع أ يقنت؟قال:«لا» (5).
لأنّا نقول:إنّه أراد نفي الإيجاب أو حال التقيّة،ذكرهما الشّيخ (6).
و أن يسأل ما هو مباح من أُمور الدّنيا
خلافا لأبي حنيفة،و أحمد (7).
ص:228
لنا:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله (1)،و عليّا عليه السّلام كانا يدعوان في القنوت لأقوام بأعيانهم،و على آخرين معيّنين (2).
و ما رواه الجمهور،عن فضالة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد (3)اللّه و الثّناء عليه،ثمَّ يصلّي عليّ،ثمَّ يدعو بعده بما شاء» (4).
و عن أبي الدّرداء قال:إنّي لأدعو في صلاتي لسبعين أخا من إخواني بأسمائهم و أنسابهم (5).و لم ينكر عليه أحد.
و عن أبي مسعود،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ثمَّ ليتخيّر من الدّعاء أعجبه إليه» (6).
و في حديث مسلم:«ثمَّ ليتخيّر بعده من المسألة ما شاء أو ما أحبّ» (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«تدعو في الوتر على العدوّ و إن شئت سمّيتهم و تستغفر، و ترفع يديك في الوتر حيال وجهك و إن شئت تحت (8)ثوبك» (9).
ص:229
و روى ابن بابويه،عن معروف بن خرّبوذ (1)،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«ثمَّ ادع اللّه بما أحببت يعني في قنوت الوتر» (2).
و عن الصّادق عليه السّلام قال:«كلّما ناجيت به ربّك في الصّلاة فليس بكلام» (3).
بالإجماع.
بل قد وردت أحاديث عن الرّسول و أهل بيته صلّى اللّه عليهم بأدعية مختلفة متغايرة،و ذلك يدلّ على الاكتفاء بأيّ دعاء كان.نعم،المستحبّ ما هو مأثور.
و روى ابن بابويه في الصّحيح،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن القنوت فيه قول معلوم؟فقال:«أثن على ربّك،و صلّ على نبيّك،و استغفر لذنبك» (4).
و عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«القنوت
ص:230
في الوتر الاستغفار و في الفريضة الدّعاء» (1).
و عن عبد الرّحمن بن أبي نجران،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يجزئك من القنوت خمس تسبيحات في ترسّل» (2).
و في رواية أبي بكر بن سمّاك،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«يجزئ من القنوت ثلاث تسبيحات» (3).
و في الصّحيح،عن سعد بن أبي خلف (4)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يجزئك في القنوت:اللّهمّ اغفر لنا و ارحمنا و عافنا و اعف عنّا في الدّنيا و الآخرة إنّك على كلّ شيء قدير» (5).
و روى ابن بابويه في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام القول في قنوت الفريضة في الأيّام كلّها إلاّ في (6)الجمعة:«اللّهمّ إنّي أسألك لي و لوالديّ و لولدي و أهل بيتي و إخواني فيك اليقين و العفو و المعافاة و الرّحمة و العافية في الدّنيا و الآخرة» (7).
ص:231
خلافا لسعد بن عبد اللّه (1)من قدمائنا (2).و به قال محمّد بن الحسن الصفّار منهم (3)،و ابن بابويه (4).
لنا:أنّه يصدق عليه اسم الدّعاء فيكون داخلا تحت قوله اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (5).
و لقول أبي جعفر الثّاني عليه السّلام قال:«لا بأس أن يتكلّم الرّجل في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي به ربّه عزّ و جلّ» (6).رواه ابن بابويه.
و لقوله عليه السّلام:«كلّما ناجيت به ربّك فليس بكلام» (7).أي بكلام (8)مبطل.
و لقول الصّادق عليه السّلام:«كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (9).رواه ابن بابويه.
و النّهي هنا غير موجود،و لا نعرف حجّة لسعد في ذلك.
ص:232
و قال علم الهدى:يجهر في الجهريّة و يخافت في الإخفاتيّة و قد روي الجهر به على كلّ حال (1).و قال الشّافعيّ:يخافت به مطلقا (2).
لنا:أنّه تقديس اللّه تعالى و تعظيم و استغفار و سؤال فواضله فيحسن فيه الإجهار.
و يؤيّده:ما رواه ابن بابويه في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
«القنوت كلّه جهار» (3).
احتجّ الشّافعيّ بأنّه مسنون فأشبه التشهّد الأوّل (4).
و الجواب:المنع من ثبوت الحكم في الأصل و المطالبة بالجامع.
و يستحبّ فيه التطويل.روى ابن بابويه،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أطولكم قنوتا في دار الدّنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف» (5).
و يستحبّ فيه رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين،لما رواه ابن بابويه،عن أبي حمزة الثّماليّ،عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام في الحديث الّذي وصف فيه قنوته عليه السّلام (6).
و روى محمّد بن سليمان قال:كتبت إلى الفقيه أسأله عن القنوت،فقال:«إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين» (7).و هو يدلّ بالمفهوم على الرّفع مع عدم الضّرورة.
ص:233
و روى عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«تدعو في الوتر على العدوّ،و إن شئت سمّيتهم و تستغفر،و ترفع يديك حيال وجهك،و إن شئت تحت ثوبك» (1).
و يستحبّ أن يتلقّى بباطنهما السّماء و يجوز العكس.
ذهب إليه الشّيخ (2).و قال المفيد:
لا يكبّر (3).و قد سلف (4)ما يدلّ عليه (5)،و هل يستحبّ له أن يمسح وجهه بيديه عند الفراغ من الدّعاء؟قيل:نعم (6)،و لم يثبت.
لئلاّ يشتغل نظره فيشتغل قلبه.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام لمّا علّمه
ص:234
الصّلاة:«و ليكن نظرك إلى موضع سجودك» (1).
و ما رواه غياث بن إبراهيم،عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليهم السّلام قال:«لا تجاوز بطرفك في الصّلاة موضع سجودك» (2).و لأنّه أبلغ في الاستكانة و الخضوع فكان فعله مشروعا.
(3)قاله الشّيخان (4)، و علم الهدى (5).
و قال الشّيخ أيضا:و غمّض عينيك فإن لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك (6).
و يدلّ على الأوّل:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:«و ليكن نظرك إلى ما بين قدميك» (7).و ما رواه مسمع،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يغمّض الرّجل عينيه في الصّلاة (8).
و يدلّ على الثّاني:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:ثمَّ ركع و سوّى ظهره،و مدّ عنقه،و غمّض عينيه (9).و الكلّ عندي جائز.و رواية مسمع لا ينافي هذا؛لأنّ النّهي جاز أن يتناول غير حالة الرّكوع.
لأنّ النّظر إلى السّماء حينئذ
ص:235
مكروه،لما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«اجمع بصرك و لا ترفعه إلى السّماء» (1).و التّغميض مكروه،لرواية مسمع (2)فتعيّن شغلها بالنّظر إلى باطن الكفّين.
لئلاّ يشتغل قلبه عن عبادة اللّه تعالى.
ذكره علماؤنا،و التّعويل على النّقل المشهور عن أهل البيت عليهم السّلام.
روى الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لمّا علّمه الصّلاة:فقام أبو عبد اللّه عليه السّلام مستقبل القبلة منتصبا،فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضمّ أصابعه (3).
و في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا قمت في الصّلاة فلا تلصق قدمك بالأُخرى،دع بينهما فصلا إصبعا أقلّ (4)ذلك إلى شبر أكثره،و أسدل منكبيك و أرسل يديك و لا تشبّك أصابعك،و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك» (5).
و يستحبّ وضعهما في حال ركوعه على عيني ركبتيه،و في سجوده حيال وجهه، و في جلوسه على فخذيه،و مستند ذلك كلّه النّقل عن أهل البيت عليهم السّلام (6).
ص:236
روى الجمهور،عن أبي هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا تشهّد أحدكم فليتعوّذ من أربع:من عذاب النّار،و عذاب القبر،و فتنة المحيا و الممات،و فتنة المسيح الدّجّال ثمَّ يدعو لنفسه بما بدا له» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن منصور بن يونس (2)،عمّن ذكره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من صلّى صلاة فريضة و عقّب إلى أُخرى فهو ضيف اللّه، و حقّ على اللّه أن يكرم ضيفه» (3).
و في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«الدّعاء بعد الفريضة أفضل من الصّلاة تنفّلا» (4).
و الدّنيا ممّا ليس بمحرّم لكن ما ورد به الأثر (1)أفضل.ذهب إليه علماؤنا أجمع.و قال أبو حنيفة:يقتصر على ألفاظ القرآن و ما ورد من المأثور (2).
لنا:رواية أبي هريرة:«ثمَّ يدعو لنفسه بما بدا له».
و عن أنس قال:جاءت أُمّ سليم إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقالت:يا رسول اللّه علّمني دعاء أدعو به في صلاتي،فقال:«احمدي اللّه عشرا،و سبّحي اللّه عشرا،ثمَّ سلي ما شئت» (3).
و من طريق الخاصّة:ما تقدّم من الرّوايات الدّالّة على الإذن في الدّعاء مطلقا (4).
و عن الوليد بن صبيح (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«التّعقيب أبلغ في طلب الرّزق من الضّرب في البلاد» (6).يعني بالتّعقيب الدّعاء بعقب (7)الصّلاة (8).
يرفع يديه إلى شحمتي أُذنيه بها قبل أن يثنّي رجليه ثمَّ يقول:ما رواه الشيخ في الموثّق،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قل بعد التّسليم:اللّه أكبر،لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد،يحيي و يميت و هو حيّ لا يموت،بيده الخير
ص:238
و هو على كلّ شيء قدير،لا إله إلاّ اللّه وحده،صدق وعده،و نصر عبده،و هزم الأحزاب وحده،اللّهمّ اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك،إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (1).
و عن سلام المكّيّ (2)،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«أتى رجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقال له:شيبة الهذيل،فقال:يا رسول اللّه إنّي شيخ قد كبر سنّي و ضعفت قوّتي عن عمل كنت قد عوّدته نفسي من صلاة و صيام و حجّ و جهاد،فعلّمني يا رسول اللّه كلاما ينفعني اللّه به و خفّف عليّ يا رسول اللّه،فقال:أعد فأعاد ثلاث مرّات،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ما حولك شجرة و لا مدرة إلاّ و قد بكت من رحمتك،فإذا صلّيت الصّبح فقل عشر مرّات:سبحان اللّه العظيم و بحمده،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،فإنّ اللّه يعافيك بذلك من العمى،و الجنون،و الجذام،و الفقر،و الهرم فقال:
يا رسول اللّه هذا للدّنيا فما للآخرة؟فقال:تقول في دبر كلّ صلاة:اللّهمّ اهدني من عندك، و أفض عليّ من فضلك،و انشر عليّ من رحمتك،و أنزل عليّ من بركاتك.قال:فقبض عليهنّ بيده ثمَّ مضى» (3).
و في الموثّق،عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لأصحابه ذات يوم:أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثّياب و الآنية، ثمَّ وضعتم بعضه على بعض أ ترونه يبلغ السّماء؟قالوا:لا،يا رسول اللّه،فقال:يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،ثلاثين مرّة، و هنّ يدفعن الهدم و الغرق و الحرق و التردّي في البئر و أكل السّبع و ميتة السّوء و البليّة
ص:239
الّتي نزلت على العبد في ذلك اليوم» (1).
و في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«أقلّ ما يجزئك من الدّعاء بعد الفريضة أن تقول:اللّهمّ إنّي أسألك من كلّ خير أحاط به علمك،و أعوذ بك من كلّ شرّ أحاط به علمك،اللّهمّ إنّي أسألك عافيتك في أُموري كلّها،و أعوذ بك من خزي الدّنيا و عذاب الآخرة» (2).
و في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا تنسوا الموجبتين» أو قال:«عليكم بالموجبتين في دبر كلّ صلاة»قلت:و ما الموجبتان؟قال:«تسأل اللّه الجنّة و تعوّذ باللّه من النّار» (3).
و عن محمّد الواسطيّ (4)قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«لا تدع في دبر كلّ صلاة:أُعيذ نفسي و ما رزقني ربّي باللّه الواحد الصّمد حتّى تختمها،و أُعيذ نفسي و ما رزقني ربّي بربّ الفلق حتّى تختمها،و أُعيذ نفسي و ما رزقني ربّي بربّ النّاس حتّى تختمها» (5).
و روي،عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام أنّه قال:«من أحبّ أن يخرج من الدّنيا و قد تخلّص من الذّنوب كما يتخلّص الذّهب الّذي لا كدر فيه و لا يطلبه أحد بمظلمة، فليقل في دبر كلّ صلاة (6)نسبة الربّ تبارك و تعالى اثنتي عشرة مرّة،ثمَّ يبسط يديه فيقول:اللّهمّ إنّي أسألك باسمك المكنون المخزون الطّاهر الطّهر المبارك،و أسألك باسمك
ص:240
العظيم و سلطانك القديم أن تصلّي على محمّد و آل محمّد،يا واهب العطايا،يا مطلق الأُسارى،يا فكّاك الرّقاب من النّار،أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد،و أن تعتق رقبتي من النّار،و تخرجني من الدّنيا آمنا،و تدخلني الجنّة سالما،و أن تجعل دعائي أوّله فلاحا،و أوسطه نجاحا،و آخره صلاحا إنّك أنت علاّم الغيوب».ثمَّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«هذا من المخبيات (1)ممّا علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أمرني أن أُعلّمه الحسن و الحسين عليهما السّلام» (2).
و عن محمّد بن سليمان الدّيلميّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت له:جعلت فداك إنّ شيعتك تقول:إنّ الإيمان مستقرّ و مستودع فعلّمني شيئا إذا قلته استكملت الإيمان،قال:«قل في دبر كلّ صلاة فريضة:رضيت باللّه ربّا،و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله نبيّا،و بالإسلام دينا،و بالقرآن كتابا،و بالكعبة قبلة،و بعليّ عليه السّلام وليّا و إماما، و بالحسن و الحسين و الأئمّة صلوات اللّه عليهم،اللّهمّ إنّي رضيت بهم أئمّة فارضني لهم إنّك على كلّ شيء قدير» (3).
و قد أجمع أهل العلم كافّة على استحبابه.
روى الجمهور،عن أبي هريرة قال:جاء الفقراء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا:ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلى و النعيم المقيم،يصلّون كما نصلّي، و يصومون كما نصوم،و لهم فضول أموال يحجّون بها و يعتمرون و يتصدّقون،فقال:
«ألا أُحدّثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم و لم يدرككم أحد بعدكم،و كنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم إلاّ من عمل مثله،تسبّحون و تحمدون و تكبّرون خلف كلّ صلاة
ص:241
ثلاثا و ثلاثين» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن ابن سنان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من سبّح تسبيح فاطمة عليها السّلام قبل أن يثنّي رجليه من صلاة الفريضة غفر له و يبدأ بالتّكبير» (2).
و عن ابن أبي نجران،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من سبّح اللّه في دبر الفريضة تسبيح فاطمة عليها السّلام المائة،و أتبعها بلا إله إلاّ اللّه غفر له» (3).
و عن أبي هارون المكفوف،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يا أبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السّلام كما نأمرهم بالصّلاة،فالزمه فإنّه لم يلزمه عبد فشقي (4)» (5).
و عن صالح بن عقبة (6)،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«ما عُبد اللّه بشيء من التّحميد أفضل من تسبيح فاطمة الزّهراء عليها السّلام،و لو كان شيء أفضل منه لنحله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة الزّهراء عليها السّلام» (7).و إنّما نسب إليها؛لأنّها سبب في تشريعه.
ص:242
روى ابن بابويه،عن أمير المؤمنين عليه السّلام (1)أنّه قال لرجل من بني سعد:
«إلا أُحدّثكم (2)عنّي و عن فاطمة عليها السّلام أنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها،و طحنت بالرّحى حتّى مَجَلَت يداها،و كسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، و أوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها،فأصابها من ذلك ضرر شديد،فقلت لها:لو أتيت أباك فسألته (3)خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل،فأتت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فوجدت عنده حُدّاثا فاستحيت فانصرفت،فعلم عليه السّلام أنّها جاءت لحاجة، فغدا علينا و نحن في لحافنا،فقال:السّلام عليكم،فسكتنا و استحيينا لمكاننا،ثمَّ قال:
السّلام عليكم،فسكتنا،ثمَّ قال:السّلام عليكم،فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف (4)، و قد كان يفعل ذلك يسلّم ثلاثا فإن أذن له و إلاّ انصرف،فقلت:و عليك السّلام يا رسول اللّه ادخل فدخل و جلس عند رؤوسنا فقال:يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمّد؟فخشيت إن لم نجبه أن يقوم،فأخرجت رأسي فقلت:أنا و اللّه أُخبرك يا رسول اللّه،إنّها استقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها،و جرّت الرّحى حتّى مَجَلَت يداها، و كسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها،و أوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها،فقلت لها:لو أتيت أباك فسألته (5)خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل،قال:أ فلا أُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعا و ثلاثين تكبيرة،و سبّحا ثلاثا و ثلاثين،و احمدا ثلاثا و ثلاثين،فأخرجت فاطمة عليها السّلام رأسها،فقالت:رضيت عن اللّه و عن رسوله،رضيت عن اللّه و عن رسوله» (6).
ص:243
على هذا التّرتيب في الأشهر.
روى الشّيخ،عن محمّد بن عذافر قال:دخلت مع أبي على أبي عبد اللّه عليه السّلام، فسأله أبي عن تسبيح فاطمة الزّهراء عليها السّلام؟فقال:«اللّه أكبر»حتّى أحصى أربعا و ثلاثين مرّة،ثمَّ قال:«الحمد للّه»حتّى بلغ سبعا و ستّين،ثمَّ قال:«سبحان اللّه»حتّى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة (1).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«يبدأ بالتّكبير أربعا و ثلاثين،ثمَّ التّحميد ثلاثا و ثلاثين،ثمَّ التّسبيح ثلاثا و ثلاثين» (2).
قال ابن بابويه:فإذا فرغ من تسبيح فاطمة عليها السّلام،قال:اللّهمّ أنت السّلام و منك السّلام و لك السّلام و إليك يعود السّلام سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، و سلام على المرسلين،و الحمد للّه ربّ العالمين،السّلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته،السّلام على الأئمّة الهادين المهديّين،السّلام على جميع أنبياء اللّه و رسله و ملائكته،السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين،ثمَّ تسلّم على الأئمّة عليهم السّلام واحدا واحدا و تدعو بما بدا لك (3).
المنذر (1).و قال النّخعيّ (2)،و مالك،و أبو حنيفة:يكره (3).
لنا:قوله تعالى وَ مِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ (4).ثمَّ أوجب السّجود عقيب هذه النّعم،فيكون مشروعا عند تجدّد كلّ نعمة.
و ما رواه الجمهور،عن أبي بكرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أتاه أمر يسرّ به خرّ ساجدا (5).رواه ابن المنذر.و عن عليّ عليه السّلام أنّه سجد حين وجد ذا الثُّدَيَّة (6). (7)
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن مرازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سجدة الشّكر واجبة على كلّ مسلم تتمّ بها صلاتك،و ترضي بها ربّك، و تعجب الملائكة منك،و إنّ العبد إذا صلّى ثمَّ سجد سجدة الشّكر فتح الرّبّ تعالى الحجاب بين العبد و بين الملائكة فيقول:يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدّى فرضي و أتمّ عهدي،ثمَّ
ص:245
سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه،ملائكتي ما ذا له (1)؟فتقول الملائكة:يا ربّنا رحمتك،ثمَّ يقول الرّبّ تعالى:ثمَّ ما ذا له؟فتقول الملائكة:يا ربّنا جنّتك،فيقول الرّبّ تعالى:ثمَّ ما ذا؟فتقول الملائكة:ربّنا كفاية مهمّة،فيقول الربّ ثمَّ ما ذا؟فلا يبقى شيء من الخير إلاّ قالته الملائكة،فيقول اللّه تعالى:يا ملائكتي ثمَّ ما ذا؟فتقول الملائكة:يا ربّنا لا علم لنا،فيقول اللّه تعالى:لأشكرنّه كما شكرني و اقبل إليه بفضلي و أُريه رحمتي» (2).
احتجّوا بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان في أيّامه الفتوح،و استسقى فسقي و لم يسجد شكرا (3).
و الجواب:المنع من ترك السّجود لما بيّنّاه في خبر أبي بكرة.
و ما رواه عبد الرّحمن بن عوف قال:سجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأطال، فسألناه قال:«أتاني جبرئيل عليه السّلام فقال:من صلّى عليك مرّة صلّى اللّه عليه عشرا فخررت شكرا للّه» (4).
لرواية مرازم؛لأنّها مظنّة التّعبّد و موضع الخضوع و الشّكر على التّوفيق لأداء العبادة،و عند تجدّد النّعم و دفع النقم،لأنّ شكر المنعم واجب عقلا،و أبلغ أنواعه السّجود على ما روي أنّ منتهى العبادة من ابن آدم للّه تعالى السّجود (5).و أنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّه عزّ و جلّ إذا كان في سجوده،
ص:246
لقوله:
وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ (1). (2)
و رواية مرازم تدلّ على تأكّد (3)الاستحباب.
(4)و هو أن يضع خدّه الأيمن على الأرض عقيب السّجود،ثمَّ خدّه الأيسر.ذهب إليه علماؤنا أجمع و لم يعتبره الجمهور.
لنا:أنّه موضع استكانة و تذلّل،و ما ذكرناه أبلغ فيه فيكون مطلوبا.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن إسحاق بن عمّار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان موسى بن عمران عليه السّلام إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض و خدّه الأيسر بالأرض» (5).
و قال إسحاق بن عمّار بن موسى السّاباطيّ:رأيت من آبائي من يصنع (6)ذلك.قال محمّد بن سنان:يعني موسى (7)في الحجر في جوف اللّيل (8).
ص:247
و روى الشّيخ،عن عبد اللّه بن جندب (1)في الحسن،عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام أنّه أمره بذلك (2).
و روى ابن بابويه،عن الباقر عليه السّلام قال:«أوحى اللّه تعالى إلى موسى بن عمران عليه السّلام (3):أ تدري لِمَ اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟قال موسى عليه السّلام:
لا يا ربّ،قال:يا موسى إنّي قلّبت عبادي ظهرا لبطن فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي نفسا منك،يا موسى إنّك إذا صلّيت وضعت خدّيك على التّراب» (4).
ما نقل عن أهل البيت عليهم السّلام، و قد اختلفت الأدعية المأثورة عنهم عليهم السّلام،و ذلك يدلّ على عدم التعيين.
روى الشّيخ في الحسن،عن عبد اللّه بن جندب قال:سألت أبا الحسن الماضي عليه السّلام عمّا أقول في سجدة الشّكر فقد اختلف أصحابنا فيه؟فقال:«قل و أنت ساجد:اللّهمّ إنّي أُشهدك و اشهد ملائكتك و أنبيائك و رسلك و جميع خلقك أنّك أنت اللّه ربي،و الإسلام ديني،و محمّد نبيّي،و عليّ و الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمّد بن عليّ و جعفر بن محمّد و موسى بن جعفر و عليّ بن موسى و محمّد بن عليّ الجواد و عليّ بن محمّد و الحسن بن عليّ و الخلف الحجّة بن الحسن بن عليّ أئمتي،بهم أتولّى و من أعدائهم أتبرّأُ،اللّهمّ إنّي أنشدك دم المظلوم-ثلاثا-اللّهمّ إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك
ص:248
لأعدائك لتهلكنّهم بأيدينا و أيدي المؤمنين،اللّهمّ إنّي أنشدك[بإيوائك لنفسك] (1)لأوليائك لتظفرنّهم بعدوّك و عدوّهم أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و على المستحفظين من آل محمّد-ثلاثا-اللّهمّ إنّي أسألك اليسر بعد العسر-ثلاثا-ثمَّ ضع (2)خدّك الأيمن بالأرض (3)و قُل (4):يا كهفي حين تعييني المذاهب و تضيق عليّ الأرض بما رحبت، يا بارئ خلقي رحمة بي و قد كنت (5)عن خلقي غنيّا،صلّ على محمّد و آل محمّد و على المستحفظين من آل محمّد (6)ثمَّ تضع خدّك الأيسر و تقول:يا مذلّ كلّ جبّار،و يا معزّ كلّ ذليل،قد و عزّتك بلغ بي مجهودي،فرّج عنّي (7)-ثلاثا-ثمَّ تقول:يا حنّان يا منّان يا كاشف الكرب العظام-ثلاثا-ثمَّ تعود إلى السّجود فتقول مائة مرّة:شكرا شكرا،ثمَّ تسأل اللّه حاجتك إن شاء اللّه» (8).
و عن محمّد بن سليمان،عن أبيه قال:خرجت مع أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام إلى بعض أمواله،فقام إلى صلاة الظّهر،فلمّا فرغ خرّ للّه ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين و تغرغر دموعه:«ربّ عصيتك بلساني و لو شئت و عزّتك لأخرستني،و عصيتك ببصري و لو شئت و عزّتك لأكمهتني،و عصيتك بسمعي و لو شئت و عزّتك لأصممتني، و عصيتك بيدي و لو شئت و عزّتك لكنعتني،و عصيتك برجلي و لو شئت و عزّتك لجذمتني،و عصيتك بفرجي و لو شئت و عزّتك لعقمتني،و عصيتك بجميع جوارحي الّتي أنعمت بها عليّ و ليس هذا جزاؤك منّي».قال:ثمَّ أحصيت له ألف مرّة و هو يقول:
ص:249
«العفو العفو»قال:ثمَّ ألصق خدّه الأيمن بالأرض فسمعته و هو يقول بصوت حزين:
«بؤت إليك بذنبي،عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذّنوب غيرك يا مولاي»-ثلاث مرّات-ثمَّ ألصق خدّه الأيسر بالأرض فسمعته و هو يقول:«ارحم من أساء و اقترف و استكان و اعترف»-ثلاث مرّات-ثمَّ رفع رأسه (1).
تكبير السّجود و لا تسليم
(2)و قال في المبسوط:يستحبّ التكبير لرفع الرّأس من السّجود (3).و لعلّه شبّهه بسجود التّلاوة.و قال الشّافعيّ:أنّها كسجود التّلاوة (4).
لنا:أنّ السّجود اسم لوضع الجبهة فيتحقّق معه الامتثال و ما زاد خارج عن المسمّى يفتقر إثباته إلى دليل.
و عن عبد الرّحمن بن خاقان (1)قال:رأيت أبا الحسن الثّالث عليه السّلام سجد سجدة الشّكر فافترش ذراعيه و ألصق صدره و بطنه فسألته عن ذلك؟فقال:«كذا يجب» (2).
في الأعراف،و الرّعد،و النّحل،و بني إسرائيل،و مريم،و الحجّ في موضعين،و الفرقان،و النّمل،و الم تنزيل،و ص،و حم السّجدة،و النّجم،و إذا السّماء انشقّت،و اقرأ باسم ربّك.و به قال أحمد في إحدى الرّوايتين (3)،و إسحاق (4).
و قال ابن بابويه:يستحبّ أن يسجد في كلّ سورة فيها سجدة (5).فيدخل فيه آل عمران،لقوله تعالى يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي (6).و غيرها.
و قال الشّافعيّ:إنّ السّجدات أربع عشرة و أنكر سجدة ص (7).و قال أبو حنيفة:
أربع عشرة (8)،كالشّافعيّ،إلاّ أنّه أنكر السّجدة الثّانية من الحجّ.و قال مالك في إحدى
ص:251
الرّوايتين (1)،و الشّافعيّ:إنّها أحد عشر (2)،و أنكرا سجدات المفصّل.
لنا:ما رواه الجمهور،عن عمرو بن العاص أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اقرأه خمس عشرة سجدة:منها ثلاث في المفصّل،و في سورة الحجّ سجدتان (3).
و عن عقبة بن عامر قال:قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:في سورة الحجّ سجدتان؟قال:«نعم و من لم يسجدهما فلا يقرأهما».رواهما أبو داود (4).و لأنّ عليّا عليه السّلام سجد في الحجّ مرّتين،و كذا عمر،و ابنه عبد اللّه،و أبو الدّرداء،و أبو موسى (5).
و قال ابن عبّاس:فضّلت الحجّ بسجدتين (6).و لا يقوله إلاّ عن توقيف،و هذا يبطل قول أبي حنيفة.
احتجّ (7)بأنّه جمع فيها بين الرّكوع و السّجود فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (8).فلم تكن سجدة كما في قوله تعالى اُقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ (9).
و الجواب:أنّ اقتران الرّكوع لا ينفي استحباب السّجدة كما في اقتران البكاء في قوله تعالى خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (10).مع أنّه معارض بما تقدّم من الأحاديث،و بفعل
ص:252
الصّحابة و التّابعين.قال ابن عمر:لو كنت تاركا إحداهما لتركت الاُولى (1).و قال أبو إسحاق:أدركت النّاس منذ سبعين سنة يسجدون في الحجّ سجدتين (2).و أيضا:فالأُولى إخبار و الثّانية أمر،و اتّباع الأمر أولى.
و لنا على إبطال (3)قول الشّافعيّ من إنكار سجدات المفصّل:ما رواه عمرو بن العاص أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اقرأه خمس عشرة سجدة (4).
و ما رواه أبو رافع (5)قال:صلّيت خلف أبي هريرة العتمة فقرأ:(إذا السماء انشقت)فسجد فقلت:ما هذه السّجدة؟فقال:سجدت بها خلف أبي القاسم صلّى اللّه عليه و آله فلا أزال أسجد فيها حتّى ألقاه (6).
و عن أبي هريرة قال:سجدنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في:(إذ السّماء انشقّت)و اقرأ باسم ربّك.رواه مسلم و أبو داود (7).
و عن عبد اللّه بن مسعود أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سجد في سورة النّجم و ما بقي من القوم أحد إلاّ سجد (8).
و على إبطال قوله في ص:ما رواه أبو داود بإسناده،عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى اللّه
ص:253
عليه و آله سجد فيها (1).
احتجّ الشّافعيّ (2)على الأوّل بما رواه أبو الدّرداء قال:سجدت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إحدى عشرة ليس فيها شيء من المفصّل (3).
و عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يسجد في شيء من المفصّل منذ تحوّل إلى المدينة (4).
و الجواب عن الأوّل:أنّ إسناده ضعيف،قاله أبو داود (5).و لأنّه شهادة على النّفي فلا تقبل مع رواية الإثبات.
و عن الثّاني:بذلك أيضا،و لأنّ أبا هريرة أسلم بالمدينة سنة سبع،فيكون أولى من حديث ابن عبّاس،لأنّه كان صبيّا لا يعرف أفعال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على التّفصيل.
و احتجّ (6)على الثّاني (7)بما رواه أبو سعيد قال:قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو على المنبر ص،فنزل فسجد و سجد النّاس معه،فلمّا كان يوم آخر قرأها فلمّا بلغ السّجدة تَشزَّن (8)النّاس للسّجود،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّما هي توبة نبيّ، و لكنّي رأيتكم تشزّنتم للسّجود».فنزل فسجد و سجدوا (9).
و عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سجد في ص و قال:«سجدها داود
ص:254
توبة و نحن نسجدها شكرا» (1).
و الجواب:أنّهما يدلاّن على ما قلناه من السّجود فيها لكنّا نقول باستحبابه.
و قال الشّافعيّ:الكلّ مستحبّ (3).و قال أبو حنيفة:الكلّ واجب (4).
لنا على وجوب الأربع:ما روي،عن عليّ عليه السّلام قال:«عزائم السّجود أربع» (5).و لأنّها تتضمّن الأمر بالسّجود فتكون واجبة،و ما عداها غير صريح في الأمر فتكون مستحبّة.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قرأت شيئا من العزائم الّتي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك و لكن تكبّر حين ترفع رأسك،و العزائم أربعة:حم السّجدة،و تنزيل،و النّجم،و اقرأ باسم ربّك» (6).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد،و إن كنت على غير وضوء،و إن كنت جنبا و إن كانت المرأة لا
ص:255
تصلّي،و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد» (1).
(2)أمّا السّامع:فعندي فيه تردّد، أحوطه الوجوب؛لرواية عبد اللّه بن سنان.و قيل:لا يجب بل يستحبّ عملا بالأصل (3).
و فيه قوّة و عليه أعمل،لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن رجل سمع السّجدة تُقرأ؟فقال:«لا يسجد إلاّ أن يكون منصتا لقراءته مستمعا لها،أو يصلّي بصلاته،فأمّا ان يكون في ناحية يصلّي و أنت في ناحية أُخرى فلا تسجد لما سمعت» (4).
عند قوله:
وَ اسْجُدُوا لِلّهِ (5).و قال في المبسوط:عند قوله إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ (6)(7).و به قال مالك (8).و قال الشّافعيّ (9)و أهل الكوفة:عند قوله وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ (10).
لنا:أنّ الأمر بالسّجود مطلق للفور فلا يجوز التّأخير.
و هو قول
ص:256
الشّافعيّ (1)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (2)،و مرويّ عن الحسن،و الشّعبيّ،و سالم، و عطاء،و عكرمة (3).و قال أحمد في الرّواية الأُخرى:إنّه لا يسجد،و به قال أبو ثور، و ابن عمر،و سعيد بن المسيّب،و إسحاق (4).
و قال مالك:يكره قراءة السّجدة في وقت النّهي (5).
لنا:إطلاق الأمر بالسّجود المتناول للأوقات كلّها،و لأنّها ذات سبب فجاز فعلها في وقت النّهي عن النّوافل كقضاء (6)النّوافل الرّاتبة.
لا يقال:قد روى الشّيخ،عن عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يسمع السّجدة في السّاعة الّتي لا تستقيم الصّلاة فيها قبل غروب الشّمس و بعد صلاة الفجر،قال:«لا يسجد» (7).
لأنّا نقول:إنّ رواتها فطحيّة (8)،فلا تعارض ما ثبت بغيرها من الأخبار.
احتجّ المخالف (9)بقوله عليه السّلام:«لا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشّمس و لا بعد العصر حتّى تغرب الشّمس» (10).
و الجواب:أنّ السّجدة ليست بصلاة و لا هي عندنا جزء صلاة،و لو سلّم فالنّهي
ص:257
يتناول النّفل المبتدأ به لا الواجب أو النّفل ذا السّبب.
و هو إنّما يتناول وضع الجبهة،فالزّائد منفيّ بالأصل إلى أن يقوم الدّليل،و به قال مالك في غير الصّلاة (1)،أمّا إذا كان فيها فإنّه يكبّر.و قال الشّافعيّ (2)،و أبو حنيفة:يكبّر مطلقا (3)،و به قال الحسن، و ابن سيرين،و النّخعيّ (4).
لنا:ما تقدّم.
و ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا قرأت شيئا من العزائم الّتي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك و لكن تكبّر حين ترفع رأسك» (5).و مثله رواه،عن سماعة في الموثّق،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (6).
احتجّ المخالف بأنّها صلاة فيشرع فيها تكبيرة الافتتاح (7).
و الجواب:المنازعة في (8)المقدّمة الأُولى.
و به قال الشّيخ في المبسوط (1)و الخلاف (2)،و المستند في ذلك رواية عبد اللّه بن سنان،و سماعة.
(3)ذهب إليه علماؤنا.و به قال النّخعيّ،و الحسن،و سعيد بن جبير (4)،و أبو حنيفة (5)،و أحمد في إحدى الرّوايتين (6)، و الشّافعيّ في أحد القولين (7).و في الأُخرى لأحمد:يجب التّسليم (8).
لنا:أنّ الأمر بمطلق السّجود فالزّائد منفيّ بالأصل،و لأنّه لم ينقل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لا عن أحد من الأئمّة عليهم السّلام،و لأنّه لا تشهّد فيها فلا تسليم كغير الصّلاة.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام قال:سألته عن إمام قرأ السّجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال:«يقدّم غيره فيتشهّد و يسجد هو و ينصرف و قد تمّت صلاتهم» (9).أمره بالانصراف عقيب السّجود فانتفت رابطة التّسليم.
احتجّ المخالف (10)بقوله عليه السّلام:«و تحليلها التّسليم» (11).
ص:259
و الجواب:أنّ المراد بذلك الصّلاة،و السّجود للتّلاوة (1)ليس منها في شيء،و لو كان سجود التّلاوة داخلا فيها لافتقرت إلى تكبيرة الافتتاح،و أحمد لا يقول به.
و عليه فتوى علمائنا،و به قال الشّعبيّ (2).و قال أكثر الجمهور:يشترط الطّهارة من الحدثين (3).
لنا:الأصل عدم تعلّق الذّمّة بالطّهارة فيعمل به،و يؤيّده:رواية أبي بصير، و قد تقدّمت (4).
احتجّوا بأنّها صلاة فيفتقر إلى الطّهارة (5).
و الجواب:المنع من ذلك.
خلافا للجمهور (6).
لنا:ما تقدّم من الأصل،و لأنّه سجود لا يشترط فيه الطّهارة على ما بان، فلا يشترط فيه الاستقبال.و حجّتهم ما مضى.
و الجواب عنه:ما سلف.
فلو فاتت،قال الشّيخ في المبسوط:يقضي العزائم وجوبا،و في النّدب هو بالخيار (7).و قال
ص:260
في الخلاف:تعلّقت ذمّته بفرض أو سنّة،و لا يبرأ إلاّ بقضائه (1).و لو قيل:إنّها تكون أداء لعدم التّوقيت كان وجها.
قاله ابن بابويه (2).
و قال أيضا:و قد روي أنّه يقول (3)في سجدة العزائم:«لا إله إلاّ اللّه حقّا حقّا،لا إله إلاّ اللّه إيمانا و تصديقا،لا إله إلاّ اللّه عبوديّة و رقّا،سجدت لك يا ربّ تعبّدا و رقّا، لا مستنكفا و لا مستكبرا،بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» (4).
لأنّ مع وجود المقتضي يحصل المقتضى.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يعلّم السّورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد؟قال:
«عليه أن يسجد كلّما سمعها،و على الّذي يعلّمه أيضا أن يسجد» (5).
احتجّوا (1)بما روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة،ثمَّ نظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّك كنت إمامنا و لو سجدت سجدنا» (2).
و الجواب:ليست الإمامة هاهنا حقيقة.
لنا:المقتضي موجود و ترك الغير للواجب لا يبيح تركه على المكلّف،و بمثل ما قلناه قال الشّافعيّ (3).
لا يقال:يعارض هذا ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يصلّي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلّي لنفسه و ربّما قرءوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها فكيف يصنع؟قال:«لا يسجد» (4).
لأنّا نقول:يحتمل أن يقال:يترك (5)ذلك تقيّة و يومئ؛لما رواه الشّيخ في الموثّق، عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ،أو شيئا من العزائم و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم إيماءا» (6).
لنا:أنّ الواجب السّجود،فلا يقوم ما هو دونه مقامه،كسجود الصّلاة.
احتجّ أبو حنيفة (1)بقوله تعالى وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ (2).
و الجواب:المراد السّجود و عبّر عنه بالرّكوع؛لأنّ لفظة خر إنّما تستعمل في السّجود،و المرويّ،عن داود عليه السّلام السّجود لا الرّكوع (3)،و لو سلّم أنّه ركع حقيقة فليس بحجّة،لأنّ داود عليه السّلام فعل ذلك توبة لا لسجود التّلاوة.
و إن كان على الرّاحلة،و إن لم يتمكّن أومأ بالسّجود حيث كان وجهه؛لأنّه بدل لكمال الفعل فقام مقامه مع العجز،و لأنّ عليّا عليه السّلام أومأ على الرّاحلة.نقله الجمهور (4).و لو كان ماشيا و أمكن السّجود على الأرض وجب و إلاّ أومأ.
و هو أن ينتزع الآيات الّتي فيها السّجود فيقرأها و يسجد فيها (5).و قيل:الاختصار أن يقرأ القرآن و يحذف آيات السّجود (6).و هو أيضا مكروه.
لوجود المقتضي و هو الأمر السّالم عن معارضة الفعل.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته عن الرّجل يقرأ السّجدة فينساها حتّى يركع و يسجد؟قال:«يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» (7).
ص:263
(1)لأنّ فيه تشبّها بالائتمام.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«لا ينبغي للإمام أن ينتقل إذا سلّم حتّى يتمّ من خلفه الصّلاة».قال:و سألته عن الرّجل يؤمّ في الصّلاة هل ينبغي له أن يعقّب بأصحابه بعد التّسليم؟فقال:«يسبّح و يذهب من شاء لحاجته و لا يعقّب رجل لتعقيب الإمام» (2).
:
ليس عدم الانصراف واجبا بل هو مستحبّ؛إذ الائتمام في أصله مستحبّ و المفارقة جائزة فبعد الفراغ أولى،و لأنّه لا ائتمام هنا،و لا يعارضه ما رواه الشّيخ في الحسن،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أيّما رجل أمّ قوما فعليه أن يقعد بعد التّسليم و لا يخرج من ذلك الموضع حتّى يتمّ الّذين خلفه الّذين سبقوا صلاتهم،ذلك على كلّ إمام واجب إذا علم أنّ فيهم مسبوقا،و إن علم أنّ ليس فيهم مسبوقا بالصّلاة فليذهب حيث شاء» (3).لأنّه عليه السّلام عبّر بالواجب عن الاستحباب الشّديد.
آخر:
قال بعض الجمهور:و يكره للمأمومين القيام قبل الإمام (4).و استدلّ بقوله عليه السّلام:«إنّي إمامكم فلا تسبقوني بالرّكوع و لا بالسّجود و لا بالقيام و لا بالانصراف».
ص:264
رواه مسلم (1).
و ليس في ذلك دلالة؛لجواز (2)أن يكون المراد بالانصراف هنا التّسليم،فيكون النّهي راجعا إلى سبقه في أفعال الصّلاة لا في الانصراف بعدها.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن صفوان بن مهران الجمّال قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام إذا صلّى و فرغ من صلاته،رفع يديه جميعا فوق رأسه (3).
لأنّه موضع إجابة و ربّما أفاد امتناعا من الظّلم.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلاّ بانصراف لعن بني أُميّة» (4).و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّا عليه السّلام دعوا على أقوام بأعيانهم في صلاتهم (5)ففي خارجها أولى.
أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا انصرفت من الصّلاة فانصرفت عن يمينك» (1).
احتجّوا (2)بما رواه هُلب (3)أنّه صلّى مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكان ينصرف عن شقّيه (4).
و الجواب:أنّه مستحبّ،فيجوز تركه في بعض الأوقات لعذر و لغيره (5).
نقله الجمهور عن عليّ عليه السّلام.
قال أحمد:لا أعرفه عن غيره عليه السّلام (6).
و رووا عن المغيرة بن شعبة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يتطوّع الإمام في مكانه الّذي يصلّي فيه بالنّاس» (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن سليمان بن خالد،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«الإمام إذا انصرف فلا يصلّي في مقامه ركعتين حتّى ينحرف عن مقامه ذلك» (8).
لقوله تعالى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً (9).دلّ على كراهية النّوم في النّهار.
ص:266
و ما رواه ابن بابويه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته عن النّوم بعد الغداة؟فقال:«إنّ الرّزق يبسط تلك السّاعة،فأنا أكره أن ينام الرّجل تلك السّاعة» (1).
و عن الصّادق عليه السّلام قال:«نومة الغداة مشومة تطرد الرّزق،و تصفرّ اللّون و تقبّحه و تغيّره،و هو نوم كلّ مشوم،إنّ اللّه تبارك و تعالى يقسّم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس فإيّاكم و تلك النّومة» (2).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من جلس في مصلاّه من صلاة الفجر إلى طلوع الشّمس ستره اللّه من النّار» (3).
و روى الشّيخ،عن جابر،عن الباقر عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:قال اللّه:يا ابن آدم اذكرني بعد الفجر ساعة،و اذكرني بعد العصر ساعة أكفك ما أهمّك» (4).
:
لرواية جابر،و بعد المغرب قبل العشاء؛لما رواه ابن بابويه،عن الباقر عليه السّلام قال:«النّوم أوّل النّهار خرق،و القائلة نعمة،و النّوم بعد العصر حمق،و النّوم بين العشائين يحرم الرّزق» (5).
و عن جابر،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إنّ إبليس إنّما يبثّ جنوده جنود اللّيل من حين تغيب الشّمس إلى مغيب الشّفق،و يبثّ جنود النّهار من حين يطلع الفجر إلى
ص:267
مطلع الشّمس».و ذكر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يقول:«أكثروا ذكر اللّه عزّ و جلّ في هاتين السّاعتين فإنّهما ساعتا غفلة،و تعوّذوا باللّه عزّ و جلّ من شرّ إبليس و جنوده، و عوّذوا صغاركم في هاتين السّاعتين فإنّهما ساعتا غفلة» (1).
لقوله عليه السّلام:«و القائلة نعمة» (2).و لما رواه ابن بابويه،قال:جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:يا رسول اللّه إنّي كنت ذكورا و إنّي صرت نسيّا،فقال:«أ كنت تقيل؟»قال:نعم،قال:«و تركت ذاك؟»قال:نعم، قال:«عد»فعاد،فرجع إليه ذهنه (3).
قال:و روي:«قيلوا،فإنّ اللّه يطعم الصّائم في منامه و يسقيه» (4).
قال:و روي:«قيلوا،فإنّ الشّيطان لا يقيل» (5).
الثّالث:روى ابن بابويه،عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«تقول إذا طلع الفجر:الحمد للّه فالق الإصباح سبحان ربّ المساء و الصّباح،اللّهمّ صبّح آل محمّد ببركة و عافية،و سرور و قرّة عين و رزق واسع،و صبّحني و أهل بيتي ببركة و عافية، و سرور و قرّة عين،اللّهمّ إنّك تنزل بالليل و النّهار ما تشاء،فأنزل عليّ و على أهل بيتي من بركة السّماوات و الأرض رزقا حلالا واسعا تغنيني به عن جميع خلقك» (6).و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا استيقظ من منامه قال:«الحمد للّه الّذي أحياني بعد ما أماتني و إليه النّشور».و إذا أوى إلى فراشه قال:«باسمك اللّهمّ أحيا و باسمك أموت» (7).
ص:268
و عن عبد الكريم بن عتبة،عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال:«من قال عشر مرّات قبل طلوع الشّمس و قبل غروبها:لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو حيّ لا يموت بيده الخير و هو على كلّ شيء قدير،كانت كفّارة لذنوبه في ذلك اليوم» (1).
«و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول بعد صلاة الفجر:اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ و الحزن و العجز و الكسل و البخل و الجبن و ضَلَع الدّين و غلبة الرّجال و بوار الأيّم (2)و الغفلة و الذّلّة و القسوة و العيلة و المسكنة،و أعوذ بك من نفس لا تشبع و من قلب لا يخشع و من دعاء لا يسمع و من صلاة لا تنفع،و أعوذ بك من امرأة تشيبني قبل أوان مشيبي،و أعوذ بك من ولد يكون عليّ ربّا،و أعوذ بك من مال يكون عليّ عذابا،و أعوذ بك من صاحب خديعة إن رأى حسنة دفنها،و إن رأى سيّئة أفشاها،اللّهمّ لا تجعل لفاجر عندي يدا و لا منّة» (3).
و روى الشّيخ،عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن رجل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أصابك همّ فامسح يدك (4)على موضع سجودك،ثمَّ أمرّ (5)بيدك على وجهك يعني من جانب خدّك الأيسر،و على جبهتك إلى جانب خدّك الأيمن»كذلك وصفه إبراهيم الرّاوي«ثمَّ قل:بسم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشّهادة الرّحمن الرّحيم،اللّهمّ أذهب عنّي الهموم و الأحزان ثلاثا» (6).
و الدّعوات المنقولة عن أهل البيت عليهم السّلام كثيرة لا تحصى قد وضع الشّيخ
ص:269
لمهمّا كتاب المصباح.
فلو فعله عمدا أو سهوا بطلت صلاته،و لا خلاف في أنّه إذا أحدث عمدا أبطل صلاته إلاّ عند أبي حنيفة،فإنّه قال:
لو أحدث عقيب قعوده قدر التشهّد تمّت صلاته (1).لأنّ التشهّد عنده ليس بواجب (2)، و قد سلف بطلانه (3).
أمّا النّاسي إذا سبقه الحدث فإنّ أكثر أصحابنا أوجبوا عليه الاستئناف بعد الطّهارة (4).و قال الشّيخ في الخلاف (5)،و السيّد المرتضى في المصباح:إذا سبقه الحدث ففيه روايتان:إحداهما:يعيد الصّلاة،و الأُخرى:يعيد الوضوء و يبني على صلاته (6).
قال الشّيخ في الخلاف:و الّذي أعمل عليه و افتي به الرّواية الاُولى (7).و قال في المبسوط:و قد روي:إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء و يبني على صلاته (8)، و الأحوط الأوّل (9).
ص:270
و قال الشّافعيّ في الجديد:تبطل صلاته و يستأنف بعد الوضوء (1).و به قال مالك (2)،و ابن شبرمة (3)،و أحمد (4)،و عطاء (5)،و النّخعيّ (6).و قال في القديم:
يتوضّأ و يبني (7).و هو رواية عن أحمد (8)،و به قال أبو حنيفة (9)،و ابن أبي ليلى (10)، و داود (11).
و قال الثّوريّ:إذا كان حدثه من رعاف أو قيء توضّأ و بنى،و إن كان من بول أو ريح أو ضحك أعاد الوضوء و الصّلاة (12).
و عن أحمد:إن كان حدثه من السّبيلين أعاد الوضوء و الصّلاة،و إن كان من غيرهما بنى (13).
ص:271
و عن أبي حنيفة:إن كان منيّا بطلت صلاته،و إن كان دما فإن كان بغير فعله مثل أن شجّه إنسان أو فصده بطلت صلاته،و إن كان بغير فعل إنسان كالرّعاف لم تبطل صلاته (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عليّ بن طلق (2)،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا فسا أحدكم و هو في الصّلاة فلينصرف و ليتوضّأ و ليعد الصّلاة» (3).
و عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:فمن وجد في بطنه رِزّا فلينصرف و ليغتسل أو ليتوضّأ و ليستقبل صلاته».رواه الأثرم (4).
و الرِّزّ:الصّوت،قاله صاحب الصّحاح (5).
و عنه عليه السّلام قال:«إنّ الشّيطان يأتي أحدكم و هو في الصّلاة فيقول:أحدثت فلا ينصرفنّ حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن أبي بكر الحضرميّ،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما قالا:«لا يقطع الصّلاة إلاّ أربع:الخلاء،و البول،و الرّيح، و الصّوت» (7).
و عن الحسن بن الجهم (8)قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل صلّى الظّهر
ص:272
أو العصر فأحدث حين جلس في الرّابعة؟فقال:«إن كان قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه فلا يعيد،و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» (1).
و عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع:«فليس عليه شيء و لم ينقض وضوءه،و إن كان متلطّخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء،و إن كان في صلاته قطع الصّلاة و أعاد الوضوء و الصّلاة» (2).
و لأنّ الطّهارة شرط و قد فسد فيفسد المشروط،و لأنّه فقد شرط الصّلاة في أثنائها على وجه لا يعود إلاّ بعد زمن طويل و عمل كثير ففسدت صلاته كما لو تنجّس بنجاسة يحتاج في إزالتها إلى مثل ذلك،أو انكشفت عورة و لم يجد السّترة إلاّ في مكان بعيد.
احتجّ أصحابنا (3)بما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن الفضيل بن يسار قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:أكون في الصّلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟فقال:
«انصرف،ثمَّ توضّأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصّلاة متعمّدا،و إن تكلّمت ناسيا فلا بأس عليك،فهو بمنزلة من تكلّم في الصّلاة ناسيا»قلت:و إن قلّب
ص:273
وجهه عن القبلة؟قال:«نعم و إن قلّب وجهه عن القبلة» (1).
قال السيّد المرتضى:لو لم يكن الأذى و الغمز ناقضين للطّهارة لما أمره بالانصراف و الوضوء (2).
و عن أبي سعيد القمّاط (3)قال:سمعت رجلا يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول و هو في الصّلاة المكتوبة في الرّكعة الأُولى أو الثّانية أو الثّالثة أو الرّابعة؟قال:فقال:«إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ،ثمَّ ينصرف إلى مصلاّه الّذي كان يصلّي فيه،فيبني على صلاته من الموضع الّذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصّلاة بكلام»قال:قلت:و إن التفت يمينا و شمالا أو ولّى عن القبلة؟قال:«نعم كلّ ذلك واسع،إنّما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة فإنّما عليه أن يبني على صلاته» (4).
و احتجّ أبو حنيفة (5)بما روته عائشة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف فليتوضّأ و ليبن على ما مضى من صلاته» (6).
و الجواب عن الأحاديث السّابقة:بمنع صحّة السّند،و بمعارضتها بالأخبار الّتي
ص:274
أوردناها،فيبقى الدّليل العقليّ سالما.و أيضا:فالأذى و الغمز ليس بناقض،و ليس في الخبر أنّه أحدث،و قوله عليه السّلام:«ما لم ينقض الصّلاة متعمّدا»إنّما يدلّ على أنّ السّاهي لا يعيد من حيث دليل الخطاب،و ليس حجّة،و إن كان فمع عدم المعارض،و حديث أبي حنيفة ضعّفه الرّواة (1)منهم (2)،و مع تسليمه فالرّعاف و القيء ليسا بحدثين على ما مضى،و يحمل قوله عليه السّلام:«و ليتوضّأ»على غسله ما أصاب الثّوب من الدّم.
على القول بالبناء لو انصرف من الصّلاة ليتوضّأ و يبني فأخرج باقي الحدث عامدا استأنف.و به قال الشّيخ (3)،و أبو حنيفة (4).
و قال الشّافعيّ في القديم:يبني (5).
لنا:العمل بالإطلاق الدّالّ على وجوب الاستئناف مع العمد و طريقة الاحتياط.
احتجّ الشّافعيّ بأنّه حدث طرأ على حدث فلا يكون مؤثّرا (6).
و الجواب:المنع من مساواة الحدثين؛إذ الأوّل غير ناقض للصّلاة بخلاف الثّاني.
شرط صحّة الصّلاة،و مع الالتفات بالكلّيّة يفوت الشّرط.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة أنّه سمع أبا جعفر عليه السّلام يقول:
«الالتفات يقطع الصّلاة إذا كان بكلّه» (1).
و في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلّب وجهك عن القبلة فيفسد صلاتك،فإنّ اللّه تعالى قال لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (2).و اخشع بصرك و لا ترفعه إلى السّماء و لكن حذاء وجهك في موضع سجودك» (3).
و أمّا النّقص (4)من الثّواب في الالتفات إلى أحد الجانبين مع بقاء الجسد مستقبلا،فلما رواه الجمهور،عن أبي ذرّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لا يزال اللّه مقبلا على العبد و هو في صلاته ما لم يلتفت،فإذا التفت انصرف عنه» (5).
و ليس ذلك للتّحريم؛لما رووه،عن ابن عبّاس،قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يلتفت يمينا و شمالا و لا يلوي عنقه خلف ظهره (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عبد الملك (7)قال:سألت أبا عبد اللّه عليه
ص:276
السّلام عن الالتفات في الصّلاة أ يقطع الصّلاة؟فقال:«لا،و ما أُحبّ أن يفعل» (1).و إنّما أشار عليه السّلام بذلك إلى الالتفات يمينا و شمالا.
و عن الحلبيّ في الحسن،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا،و إن كنت قد تشهّدت فلا تعد» (2).
لو التفت إلى ما وراءه ناسيا لم يعد صلاته؛لقوله عليه السّلام:«رفع عن أُمّتي الخطأ، و النّسيان،و ما استكرهوا عليه» (3).
فلو نطق بحرفين فصاعدا عمدا بطلت صلاته لا سهوا،و قد أجمع أهل العلم كافّة على أنّ من تكلّم في الصلاة عالما أنّه فيها و أنّه محرّم عليه لغير مصلحة الصّلاة و لا لأمر يوجب الكلام و لا داعيا،أنّه يبطل صلاته.
و هذه المسألة تشتمل على مطالب:
و عن زيد بن أرقم (1):كنّا نتكلّم في الصّلاة،يكلّم أحدنا صاحبه و هو إلى جنبه حتّى نزلت وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (2)فأُمرنا بالسّكوت و نُهينا عن الكلام.رواه مسلم (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه،عن الصّادق عليه السّلام قال:«كلّما ناجيت به ربّك في الصّلاة فليس بكلام» (4).و أراد بذلك أنّه ليس بكلام مبطل،و هو يدلّ على البطلان بما لا يناجي به الربّ تعالى.
خلافا للشّافعيّ (6).
لنا:أنّه تكلّم (7)متعمّدا فبطلت صلاته كالعالم،و الجهل ليس بعذر في التّكاليف (8)بل الأولى فيه زيادة العقوبة بالإعادة.
احتجّ الشّافعيّ بأنّ الكلام قد كان سائغا لحديث زيد،و النّسخ إنّما يثبت في حقّ من يعلم به (9).
ص:278
و بما رواه معاوية بن الحكم السّلميّ (1)قال:بينا أنا أُصلّي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ عطس رجل من القوم فقلت:يرحمك اللّه،فرماني القوم بأبصارهم،فقلت:
و أثكل امِّياه ما شأنكم تنظرون إليّ،فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم،فلمّا رأيتهم يُصمِّتُوني سكتّ،فلمّا صلّى اللّه عليه و آله فبأبي هو و أُمّي ما رأيت معلّما قبله و لا بعده أحسن تعليما منه،فو اللّه ما كهرني و لا شتمني و لا ضربني،ثمَّ قال:«إنّ هذه الصّلاة لا يَصلُح فيها شيء من كلام النّاس إنّما هي التّسبيح و التّكبير و قراءة القرآن» (2).
فلم يأمره بالإعادة.
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من تسويغ الكلام،و لو سلّم لكنّ النّسخ لا يتوقّف على العلم به و إلاّ دار،بل على ورود الشّرع مع إمكان العلم به.
و عن الثّاني:أنّ التّسميت عندنا جائز فالنّاقض هو الكلام الثّاني.و في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس» (3)أمر بالإعادة.
و الأوزاعيّ (1).
و في الثّالثة:إنّ صلاة الإمام المتكلّم لا تفسد و تفسد صلاة المأمومين الّذين تكلّموا (2).
لنا:عموم الأحاديث الدّالّة على النّهي (3).
و ما رووه،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«التّسبيح للرّجال و التّصفيق للنّساء» (4).و لو كان الكلام جائزا لتنبيه الإمام لاستغنى عن التّسبيح.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن الرّجل يصيبه الرّعاف و هو في الصّلاة؟فقال:«إن قدر على ماء عنده يمينا و شمالا بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه،ثمَّ ليصلّ ما بقي من صلاته، و إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (5).و لأنّه كلام ليس من الصّلاة فأشبه غير المتعلّق بمصلحتها.
احتجّوا (6)بما رواه أبو هريرة،قال:صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاة
ص:280
العصر فسلّم في ركعتين،فقام ذو اليدين (1)فقال:أ قصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول اللّه؟ فأقبل على القوم و قال:«أصدق ذو اليدين؟»فقالوا:نعم،فأتمّ ما بقي من صلاته و سجد و هو جالس بعد التّسليم (2).
و الجواب:أنّ هذا الحديث مردود لوجوه:
أحدها:أنّه يتضمّن إثبات السّهو في حقّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو محال عقلا، و قد بيّناه في كتب الكلام (3).
الثّاني:أنّ أبا هريرة أسلم بعد أن مات ذو اليدين بسنين،فإنّ ذا اليدين قتل يوم بدر و ذلك بعد الهجرة بسنتين (4)،و أسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين (5).
و اعترض على هذا بأنّ الّذي قتل يوم بدر ذو الشّمالين،و اسمه عمير بن عبد
ص:281
عمرو بن نضلة الخزاعيّ (1)،و ذو اليدين عاش بعد وفاة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مات في أيّام معاوية،قال:و قبره بذي خشب و اسمه الخرباق،و الدّليل عليه أنّ عمران بن حُصين روى هذا الحديث،فقال فيه:فقام الخرباق (2)فقال:أ قُصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول اللّه (3)؟.و أُجيب بأنّ الأوزاعيّ روى فقال:فقام ذو الشّمالين فقال:
أ قصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول اللّه؟و ذو الشّمالين قتل يوم بدر لا محالة (4).
و روى الأصحاب أنّ ذا اليدين كان يقال له:ذو الشّمالين.رواه سعيد الأعرج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (5).
الثّالث:أنّه قد روي في هذا الخبر أنّ ذا اليدين قال:أ قصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول اللّه؟فقال:«كلّ ذلك لم يكن» (6).
و روي أنّه عليه السّلام قال:«إنّما أسهو لابيّن (7)لكم» (8).
ص:282
و روي أيضا:أنّه قال:«لم أنس و لم تقصر الصّلاة» (1).
ذهب إليه علماؤنا،كما لو خشي على ضرير أو صبيّ التردّي في الهلكة،أو رأى حيّة و نحوها تقصد غافلا أو نائما و لا يمكنه التّنبيه بالتّسبيح.و به قال الأوزاعيّ (2)،و سعيد بن المسيّب، و النّخعيّ،و حمّاد بن أبي سليمان (3)،و بعض الشّافعيّة (4).و قال أحمد (5)،و بعض الشّافعيّة:
لا تبطل الصّلاة بذلك (6).
لنا:عموم الأحاديث الدّالّة على النّهي (7).
و ما رواه الجمهور،عن ابن مسعود،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّ اللّه يحدث من أمره ما يشاء،و إنّ اللّه قد أحدث أن لا تكلّموا في الصّلاة» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الرّجل يريد الحاجة و هو في الصّلاة؟فقال:«يومئ برأسه و يشير بيده،و المرأة إذا أرادت الحاجة و هي تصلّي تصفق بيدها» (9).
ص:283
و عن إسماعيل بن أبي زياد،عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليه السّلام أنّه قال في رجل يصلّي و يرى الصّبيّ يحبو إلى النّار،أو الشّاة تدخل البيت لتفسد الشّيء قال:
«فلينصرف و ليحرز ما يتخوّف و يبني على صلاته ما لم يتكلّم» (1).و لأنّه تكلّم متعمّدا بما لا يتعلّق بالصّلاة و ليس منها،فأشبه ما إذا لم يتعلّق بالمصلحة.
احتجّوا (2)بأنّه كلام واجب (3).
و الجواب:المنع من كون الواجب غير مبطل.
خلافا للشّافعيّ (4).
لنا:العموم الدالّ على إبطال الصّلاة بالكلام العمد،و لأنّه يجري مجرى تنبيه المتردّي و في تلك الصّورة تبطل الصّلاة عند أكثر الشّافعيّة فكذا هنا.أجابوا بالفرق؛لأنّ ذلك ليس بمتحقّق،لجواز أن لا يقع الأعمى بخلاف إجابة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإنّها متحقّقة (5).
و ليس بجيّد؛لأنّ ذلك لا يمنع الوجوب،بل الإنذار واجب فساوى إجابة النّبي صلّى اللّه عليه و آله.
احتجّ الشّافعيّ (6)بما رواه أبو هريرة قال:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ابيّ بن كعب و هو يصلّي في المسجد فقال:«السّلام عليك يا ابيّ»فالتفت إليه أُبيّ فلم يجبه، ثمَّ خفّف الصّلاة،فلمّا انصرف أتى (7)النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:السّلام عليك
ص:284
يا رسول اللّه (1)،فقال:«و عليك السّلام،ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟»فقال:
يا رسول اللّه كنت أُصلّي،قال:«[أ] (2)فلم تجد فيما أوحي إليّ اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ؟ (3)»قال:بلى يا رسول اللّه لا أعود (4).
و الجواب:أنّه ليس محلّ النّزاع؛إذ ردّ السّلام عندنا واجب غير مبطل على ما يأتي.
ينشأ من كون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله جمع بينه و بين النّاسي في العفو (5)،و الأقرب البطلان،لأنّه تكلّم عامدا بما ليس من الصّلاة،و الإكراه لا يخرج الفعل عن التعمّد و يقتضي (6)إبطال الصّلاة، كما لو اكره على زيادة ثالثة في الفجر،أو على زيادة ركوع في ركعة،و رفع المؤاخذة لا ينافي ذلك،إذ لو تكلّم غير مكره لكان معاقبا بخلاف المكره و إن اشتركا في الإبطال.
لنا:إلزام الخصم بحديث ذي الشّمالين (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يتكلّم ناسيا في الصّلاة يقول:أقيموا صفوفكم؟ قال:«يتمّ صلاته ثمَّ يسجد سجدتين»فقلت:سجدتي (2)السّهو قبل التّسليم هما أو بعده؟ قال:«بعده» (3).
احتجّ المخالف (4)بعموم النّهي في قوله عليه السّلام:«إنّ صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الادميّين» (5).و لأنّ عمده يبطل الصّلاة فكذلك سهوه كالحدث.
و الجواب عن الحديث:أنّه لا دلالة فيه؛لأنّ الكلام لا يصلح في الصّلاة و ليس في الحديث ذكر الصّلاة الّتي وقع فيها.
و عن القياس بالفرق،فإنّ الحدث يبطل الطّهارة أو يوجبها و ليس ممّا حرّمته (6)الصّلاة.
خلافا للشّيخ في بعض
ص:286
أقواله (1)،و لأحمد في إحدى الرّوايتين (2)،و لأصحاب الرّأي (3).
لنا:أنّه داخل في حيّز النّسيان فيدخل تحت قوله عليه السّلام:«رفع عن أُمّتي الخطأ،و النّسيان» (4).و رواية ذي اليدين و إن لم تكن حجّة لنا فهي في معرض الإلزام (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام في الرّجل يسهو في الرّكعتين و يتكلّم،قال:«يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم و لا شيء عليه» (6).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام:في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم و هو يرى أنّه قد أتمّ الصّلاة و تكلّم،ثمَّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين قال:«يتمّ ما بقي من صلاته و لا شيء عليه» (7).
قال الشّيخ في المبسوط:و قد روي أنّه يقطع الصّلاة قال:و الأوّل أحوط (8).
احتجّوا بالمنع المطلق (9).
ص:287
و الجواب:العمل بالخاصّ أولى،و هو معارض (1)بما نقل عن جماعة من الصّحابة أنّهم تكلّموا بعد التّسليم بظنّ الإتمام ثمَّ أتمّوا مع الذّكر،كالزّبير،و ابنيه عبد اللّه و عروة، و صوّبهم ابن عبّاس (2)و لم ينكر فكان إجماعا.
لا فرق بين قليل الكلام و كثيره في الإبطال مع العمد و عدمه مع السهو،خلافا للشافعيّ،فإنّه أبطل بالكلام الكثير و إن صدر عن سهو (3).
لنا:عموم رفع السّهو،و ما رواه الشّيخ،عن عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و الرّجل يذكر بعد ما قام و تكلّم و مضى في حوائجه أنّه إنّما صلّى ركعتين في الظّهر و العصر و العتمة و المغرب،قال:«يبني على صلاته فيتمّها و لو بلغ الصّين و لا يعيد» (4).و لأنّه سهو فكان معفوّا عنه كالقليل.
احتجّ الشّافعيّ بالقياس على الفعل الكثير (5).
و الجواب:منع الحكم في الأصل،و الفرق بأنّ الفعل آكد،كما أنّ عتق المجنون لا ينفذ و أفعاله من الجنايات ينفذ،و لأنّ القليل من الفعل معفوّ عنه مع العمد بخلاف الكلام، فحصل الفرق و هو كاف في إبطال القياس.
فأتمّ صلاته و سجد للسّهو
و عليه علماؤنا،و به قال الشّافعيّ (6)،
ص:288
و أبو حنيفة (1)،و أحمد (2).و قال سعيد بن المسيّب،و النّخعيّ،و حمّاد بن أبي سليمان:تبطل صلاته (3).
لنا:رواية ذي اليدين (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم و هو يرى أنّه قد أتمّ صلاته و تكلّم،ثمَّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين فقال:«يتمّ ما بقي من صلاته و لا شيء عليه» (5).
و كذا لو سلّم في ركعة واحدة.
و قال أحمد:
لا تبطل؛لأنّ القلم مرفوع عنه (7).
و الجواب:رفع القلم يبطل التكليف فلا يصحّ صلاته فهو حجّة لنا،و الأصل في ذلك أنّ النّوم ناقض للطّهارة و أنّ نواقض الطّهارة مبطلة للصّلاة و قد تقدّم (8).
و الكلم جمع كلمة، و أقلّ ما يتركّب (9)منه الكلمة حرفان؛لأنّ سيبويه قسّم الكلمة إلى اسم،و فعل،و حرف و يدخل فيه مثل:أب،و أخ،و كُل،و قُم،و قَد،و عَن،فلو قال:لا،أفسد صلاته؛لأنّها
ص:289
حرفان:لام،و ألف،و لو نفخ بحرفين أفسد صلاته قاله الشّيخ (1).و به قال الشّافعيّ (2)، و أحمد في إحدى الرّوايتين.و في الأُخرى:لا يفسد صلاته مطلقا.و في أُخرى عنه:يفسد صلاته مطلقا (3).
لنا:أنّه مع انتظامه من حرفين يسمّى كلاما على ما مرّ،و بدونه لا يعدّ كلاما.
و احتجّ المخالف بقول ابن عبّاس:من نفخ في الصّلاة فقد تكلّم (4).
و الجواب:أنّه محمول على الإتيان بالحرفين.
لأنّه لا يسمّى كلاما، إلاّ أن يكون مفيدا،كالأفعال الثلاثيّة المعتلّة الطرفين إذا أمر بها مثل:
ق و ع و ش،فإنّ عندي فيها تردّد،و الوجه إبطال الصّلاة بها؛لوجود مسمّى الكلام فيها.
و احتجّ أحمد (1)بما رواه عبد اللّه بن عمرو (2)قال:انكسفت الشّمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وصف صلاته إلى أن قال:ثمَّ نفخ في سجوده فقال:«أف أف» (3).
و الجواب عن الأوّل:أنّه إن أراد ما لا يسمعه الإنسان من نفسه فليس بنفخ،و إن أراد ما لا يسمعه الغير فهو ممنوع؛إذ ما أبطل الإجهار به أبطل الإسرار به كالكلام.
و عن الثّاني:لعلّ النّفخ لم يكن بحرفين.
و قال بعض الجمهور:
لا تبطل الصّلاة مطلقا (4)؛لأنّ عليّا عليه السّلام قال:«كانت لي ساعة في السّحر أدخل فيها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فإن كان في صلاة تنحنح و كان ذلك إذني،و إن لم يكن في الصّلاة أذِنَ لي» (5).رواه الخلاّل بإسناده.و الوجه عندي اعتبار اسم الكلام.
و قد روى الشّيخ،عن طلحة بن زيد،عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليه (1)السّلام قال:«مَن أنَّ في صلاته فقد تكلّم» (2).و يحمل ذلك على الإتيان بحرفين.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ اللّه تعالى وصف إبراهيم عليه السّلام بالأوّاه (3)فكان ذكرا و الذّكر غير مبطل (4).
و الجواب:المدح لا يقتضي جواز فعله في الصّلاة كالمدح على الأفعال الكثيرة الحسنة المنافية للصّلاة كالكلمة الطيّبة.
لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن مهزيار قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرّجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي ربّه؟قال:«نعم» (5).
و عن الحلبيّ قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أُسمّي الأئمّة عليهم السّلام في الصّلاة،قال:«أجملهم» (6).و من هذا الباب كلّ ذكر يقصد به تنبيه غيره.
فلو قهقه عمدا بطلت صلاته،سواء بان حرفان أو لا.و هو مذهب أهل العلم كافّة،و كذا الاتّفاق وقع على أنّ التّبسّم لا يبطل الصّلاة عمدا و سهوا.
روى الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من قهقه فليعد صلاته» (7).
و عن جابر بن عبد اللّه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«القهقهة تنقض الصّلاة
ص:292
و لا تنقض الوضوء».رواه الدّار قطني (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصّلاة» (2).
و في الموثّق،عن سماعة قال:سألته عن الضّحك هل يقطع الصّلاة؟قال:«أمّا التّبسّم فلا يقطع الصّلاة،و أمّا القهقهة فهي تقطع الصّلاة» (3).
فلو فعله عامدا بطلت صلاته.و هو قول أهل العلم كافّة؛لأنّه يخرج به عن كونه مصلّيا،و القليل لا يبطل الصّلاة بالإجماع.
روى أبو رافع أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قتل عقربا و هو يصلّي (4).
و عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بقتل الأسودين في الصّلاة الحيّة و العقرب (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن الحسين بن أبي العلاء قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يرى الحيّة و العقرب و هو يصلّي المكتوبة؟ قال:«يقتلها» (6).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل
ص:293
يكون في الصّلاة فيرى الحيّة و العقرب يقتلهما إن آذياه؟قال:«نعم» (1).
و في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:في الرّجل يقتل البقّة و البرغوث و القملة (2)و الذّباب في الصّلاة أ تنقض صلاته و وضوءه؟قال«لا» (3).
و لم يحدّ الشّارع القلّة و الكثرة،فالمرجع في ذلك إلى العادة،و كلّ ما ثبت أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام فعلوه في الصّلاة أو أمروا به فهو من (4)حيّز القليل،كقتل البرغوث و الحيّة و العقرب.
و كما روى الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان يحمل امامة بنت أبي العاص،فكان إذا سجد وضعها و إذا قام رفعها (5).
الثّاني:روى الشّيخ في الموثّق،عن عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا بأس أن تحمل المرأة صبيّها و هي تصلّي فترضعه و هي تتشهّد» (1).
و عن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يكون في الصّلاة فيقرأ (2)فيرى حيّة بحياله يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟قال:«إن كان بينه و بينها خطوة واحدة فليخط و ليقتلها و إلاّ فلا» (3).
الثّالث:روى الشّيخ،عن زكريّا الأعور (4)قال:رأيت أبا الحسن عليه السّلام يصلّي قائما و إلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له فأراد أن يتناولها،فانحطّ أبو الحسن عليه السّلام و هو قائم في صلاته فناول الرّجل العصا،ثمَّ عاد إلى صلاته (5).
و عليه علماؤنا أجمع،بشرط أن لا يتلفّظ بل يعقده في ضميره و ليس مكروها، و به قال أهل العلم كافّة إلاّ أبا حنيفة فإنّه كرهه (6)،و كذا الشّافعيّ (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه عدّ الفاتحة في الصّلاة
ص:295
و قطعها (1)،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يفعل مكروها.
و عنه عليه السّلام أنّه كان يسبّح ثلاث تسبيحات و هو إنّما يكون بالعدد (2).
و عن أبي الدّرداء قال:إنّي لأدعو في صلاتي لسبعين رجلا من إخواني (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه،عن عبد اللّه بن المغيرة أنّه قال عليه السّلام:«لا بأس أن يعدّ الرّجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده (4)فيعدّ به» (5).
احتجّ القائلون بالكراهية بأنّه عمل ليس من الصّلاة فكان مكروها كمسح الوجه (6).
و الجواب:الفرق موجود؛إذ هو و إن لم يكن من أعمال الصّلاة لكن فيه غرض مطلوب شرعا،و هو حفظ الرّكعات عن السّهو بخلاف مسح الوجه.
لا يقطعها عمدا و لا سهوا،و إن كان لأُمور الدّنيا لم يجز و أبطل الصّلاة،سواء غلب عليه أو لا.
و يدلّ على جواز الأوّل قوله تعالى إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا (7).
و روى الجمهور،عن مُطرّف (8)،عن أبيه قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص:296
و لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء (1).رواه الخلاّل.قال أبو عبيد (2)(3):الأزيز غليان صدره و حركته بالبكاء.
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن بابويه،عن منصور بن يونس بزرج أنّه سأل الصّادق عليه السّلام:عن الرّجل يتباكى في الصّلاة المفروضة حتّى يبكي فقال:«قرّة عين و اللّه»و قال:«إذا كان ذلك فاذكرني عنده» (4).«و كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاث أعين،عين بكت من خشية اللّه،و عين غضّت عن محارم اللّه،و عين باتت ساهرة في سبيل اللّه» (5).
و أمّا المنع من الثّاني:فلأنّه ليس من أفعال الصّلاة،فكان قاطعا كالكلام.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن النّعمان بن عبد السّلام (6)،عن أبي حنيفة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البكاء في الصّلاة أ يقطع الصّلاة؟قال:«إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصّلاة،و إن كان لذكر ميّت له فصلاته فاسدة» (7).
ص:297
و هو وضع اليمين على الشّمال حال القراءة،فلو فعله بطلت صلاته.ذهب إليه أكثر علمائنا (1).و قال أبو الصّلاح:هو مكروه (2)، و هو قول مالك (3)،و ابن الزّبير (4)،و الحسن البصريّ (5).و قال الشّافعيّ (6)،و أحمد (7)، و أصحاب الرّأي:هو مستحبّ (8).
و قد استدلّ الشّيخ (9)،و السيّد المرتضى على ذلك بالإجماع (10).
لنا:أنّه فعل كثير ليس من أفعال الصّلاة فيكون مبطلا.و لأنّ أفعال الصّلاة متلقّاة عن الشّرع،و ليس هناك ما يدلّ على تشريعه.و لأنّ الاحتياط يقتضي ترك ما وقع الخلاف في كونه مبطلا.و لما رواه الشّيخ،عن حريز،عن رجل،عن أبي جعفر عليه السّلام
ص:298
قال:«لا تكفّر إنّما يصنع ذلك المجوس» (1).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:قلت:الرجل يضع يده في الصّلاة و حكى اليمنى على اليسرى؟فقال:«ذلك التّكفير لا يفعله» (2).
و النّهي يدلّ على التّحريم؛و لأنّه سنّة المجوس فيجب تركه،لقوله عليه السّلام:
«خالفوهم» (3).و الأمر للوجوب.
اعترض بعض المتأخّرين بمنع الإجماع،لوجود المخالف.و على الأوّل بأنّ وضع اليدين على الرّكبتين ليس بواجب و لم يتناول النّهي وضعهما في موضع معيّن فكان للمكلّف وضعهما كيف شاء.
و على الثّاني:بأنّه كما لم يثبت تشريع الوضع لم يثبت تحريمه،و عدم التّشريع لا يقتضي التّحريم؛لعدم دلالته على التّحريم (4).
و على الثّالث:بأنّ الاحتياط إنّما يتمّ إذا لم يوجد دليل الجواز و قد وجد،و هو الأمر بمطلق الصّلاة.
و أيضا:الاحتياط إنّما يكون إذا لم يعلم ضعف مستند المانع،و هنا ضعف مستند المانع معلوم،و الرّواية تدلّ على الكراهية لما تضمّنته من قوله:إنّه تشبّه (5)بالمجوس.و أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالمخالفة ليس على الوجوب؛لأنّهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد استناد الخير إلى اللّه تعالى.
و الجواب عن منع الإجماع:أنّه غير مسموع؛إذ هو دليل يصحّ أن يكون معلوما
ص:299
و أن يكون مظنونا و يقبل في نقله الآحاد.فقول السيّد المرتضى و الشّيخ رحمهما اللّه و إن لم يفد القطع بثبوته،فإنّه يثمر ظنّا فيكون حجّة،و خلاف أبي الصّلاح محدث لا يؤثّر فيما ادّعياه.
و عن الثّاني:بالمنع من عدم النّهي الدّالّ على وضعهما في موضع معيّن.
و عن الثّالث:بثبوت التّحريم بالأدلّة الّتي ذكرناها.
و عن الرّابع:أنّ الأمر بمطلق الصّلاة لا يقتضي جواز التّكفير،إلاّ أن يقال:الأمر توجّه بالصّلاة و هو غير مانع من التّكفير فكان سائغا بالأصل،فحينئذ يرجع حاصل هذا الاستدلال إلى عدم العلم بالدّليل،و ذلك لا يدلّ على عدم المدلول و لا فرق حينئذ بين الأمر بالصّلاة في هذا الباب،و بين الأمر بالزّكاة الدالّ على وجوبها،و لم يتعرّض للمنع من التّكفير في الصّلاة،و ضعف مستند المانع قد ظهر بطلانه،و تعليله كون النّهي للكراهية بالتّشبيه بالمجوس غير صحيح،إذ لا ينافي التّحريم،بل الأقرب ثبوته للتّشبيه،و مخالفتهم واجبة،و لا يؤثّر فيها ما ذكره،إذ تخصيص العامّ لا يخرجه عن الاستدلال به في غير صورة التّخصيص.
و استدلّ الجمهور على الاستحباب (1)بما رواه سهل بن سعد (2)قال:كان النّاس يؤمرون أن يضع الرّجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصّلاة.قال أبو حازم (3):
ص:300
لا أعلمه إلاّ ينمي ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1).
و عن ابن مسعود،أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرّ به و هو واضع شماله على يمينه، فوضع يمينه على شماله في الصّلاة (2).
و عن وائل بن حجر قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي فوضع يديه على صدره إحداهما على الأُخرى (3).
و الجواب عن الرّواية الأُولى:أنّها غير دالّة على الأمر،و قول أبي حازم:لا أعلمه إلاّ ينمي ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قول شاكّ غير جازم على نسبته إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله.
و رواية ابن مسعود غير عامّة؛لأنّها واقعة مخصوصة،و معارضة بما ذكرنا من الأدلّة.
و رواية وائل بن حجر مخالفة لفعلهم؛إذ هم بين واضعين فوق السرّة و تحتها، و تركهم للعمل بمضمونها يدلّ على الضّعف.
من التّكفير (1)،و في رواية محمّد بن مسلم:أنّ التّكفير هو وضع اليمين على الشّمال.فنحن نطالب الشّيخ بالمستند،و القياس عنده باطل،و قد عوّل على ما ذكرناه (2)من الأدلّة غير الخبرين (3).
لرواية محمّد بن مسلم.
لتناول اسم اليد له.
كمن رأى دابّة له انفلتت،أو غريما يخاف فوته،أو مالا يخاف ضياعه،أو غريقا يخاف هلاكه،أو حريقا يلحقه،أو طفلا يخاف سقوطه.
أمّا الأوّل:فلقوله تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (4).
و أمّا الثّاني:فلأنّ في البقاء على حاله ضررا و هو منفيّ شرعا.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن سماعة قال:سألته عن الرّجل يكون قائما في الصّلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوّف ضيعته أو هلاكه؟قال:«يقطع صلاته و يحرز متاعه،ثمَّ يستقبل الصّلاة»قلت:فيكون في الصّلاة الفريضة فَتَفلِتُ دابّته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا؟فقال:«لا بأس بأن يقطع صلاته» (5).
و عن حريز،عمّن أخبره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كنت في صلاة
ص:302
الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق،أو غريما لك عليه مال،أو حيّة تخافها على نفسك فاقطع الصّلاة و اتبع الغلام أو غريما لك و اقتل الحيّة» (1).
إنّما يجوز ذلك إذا لم يحصل الغرض بدونه،فلو أمكن بدون قطعها لم يجز،عملا بالعموم السّالم عن معارضة الضّرورة.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن عمّار السّاباطيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يكون في الصّلاة فيرى حيّة بحياله يجوز أن يتناولها فيقتلها؟فقال:«إن كان بينه و بينها خطوة واحدة فليخط و ليقتلها و إلاّ فلا» (2).يعني إذا لم يخف (3).
إذا ثبت ذلك:فنقول:إذا فعله لم يبطل صلاته إجماعا.روى الجمهور عن أبي برزة أنّه صلّى و لجام دابّته في يده فجعلت الدّابّة تنازعه و جعل يتبعها و جعل رجل من الخوارج يقول:اللّهمّ[أخز]هذا (4)الشّيخ،فلمّا انصرف قال:إنّي سمعت قولكم و إنّي غزوت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ستّ غزوات أو سبع غزوات أو ثمان غزوات، و شهدت من تيسيره أنّي كنت أرجع مع دابّتي أحبّ إليّ من أن ترجع إلى مألفها فيشقّ عليّ (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن إسماعيل بن أبي زياد،عن جعفر، عن أبيه،عن عليّ عليهم السّلام أنّه قال في رجل يصلّي و يرى الصبيّ يحبو إلى النّار،
ص:303
أو الشّاة تدخل البيت لتفسد الشّيء،قال:«فلينصرف و ليحرز ما يتخوّف و يبني على صلاته ما لم يتكلّم» (1).
(2)و هو مذهب الجمهور كافّة.
و احتجّ الشّيخ بالإجماع (3)،و هو عندي مشكل،و الأولى أنّ مطلق (4)الأكل و الشّرب غير مبطل ما لم يتطاول بحيث يدخل تحت الفعل الكثير،فيكون إبطاله مستندا إلى الكثرة لا إلى كونه أكلا و شربا.
احتجّ الجمهور (5)بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كفّوا أيديكم في الصّلاة».و بأنّه اشتغال عن العبادة بما ينافيها،و بأنّ ما أبطل الصّوم أبطل الصّلاة كالمباشرة.
و الجواب عن الأوّل:أنّه حقيقة في الأمر بكفّ اليد و نحن نقول بموجبة،إذ الأكل قد يمكن بغير اليد،فإن قلت:المراد المجاز و هو المنع من الأفعال الخارجة عن الصّلاة.قلت:
لا بدّ من الدّلالة على إرادة المجاز،و لو سلّم (6)فهو مخصوص بالفعل القليل.
و عن الثّاني:بأنّه باطل بالأفعال اليسيرة و نحن نتكلّم على تقدير قلّة الأكل.
و عن الثّالث:بالمنع من الإلحاق بالصّوم في صورة النّزاع؛إذ الصّوم هو الإمساك عن الأكل قليله و كثيره فهو ينافيهما و لا ينافي الصّلاة إذا كان قليلا.
و به
ص:304
قال الشّافعيّ (1)،و أحمد (2)،و عطاء (3).و قال الأوزاعيّ:يفسد صلاته (4).
لنا:عموم رفع أحكام النّسيان.
احتجّ بأنّه فعل مبطل من غير جنس الصّلاة فاستوى عمده و سهوه كالفعل الكثير (5).
و الجواب:المنع من ثبوت الحكم في الأصل.
لا يجوز (1).و به قال الشّافعيّ (2).
احتجّ الشّيخ بالإباحة الأصليّة (3)،و بما رواه سعيد الأعرج قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي أبيت و أُريد الصّوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدّعاء و أشرب،و أكره أن أصبح و أنا عطشان،و أمامي قلّة بيني و بينها خطوتان أو ثلاث؟فقال:«تسعى إليها و تشرب منها حاجتك،و تعود في الدّعاء» (4).
و الأقرب عندي مراعاة القلّة فيصحّ الصّلاة معها و تبطل بدونها،و رواية سعيد محمولة عليه،على أنّها وردت في واقعة مقيّدة بقيود إرادة الصّوم و خوف العطش و كونه في دعاء الوتر،و مع ذلك فهي واردة في صلاة الوتر خاصّة.
رواه عبد اللّه بن سلام (1)،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا تلتفتوا في صلاتكم فإنّه لا صلاة لملتفت» (2).
و الجواب:منع الرّواية بضعف عبد اللّه بن سلام عند المحدّثين،و لو سلّم فتحمل على الالتفات بالجميع و قد مضى البحث في ذلك (3).
لأنّه استراحة في الصّلاة و تغيير (4)لهيئتها المشروعة،و كذا يكره التمطّي أيضا لهذه (5)العلّة.
و يؤيّد ذلك:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الرّجل يريد الحاجة و هي في الصّلاة؟فقال:«يومئ برأسه و يشير بيده،و المرأة إذا أرادت الحاجة و هي تصلّي تصفق بيدها»قال:و سألته عن الرّجل يتثأّب في الصّلاة و يتمطّى؟قال:«هو من الشّيطان و لن يملكه» (6).و في ذلك كلّه دلالة على رجحان التّرك مع الإمكان.
و يكره العبث في الصّلاة بالإجماع؛لأنّه يذهب بخشوعها،و قد روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأى رجلا يعبث في الصّلاة فقال:«لو خشع قلب هذا لخشعت
ص:307
جوارحه» (1).
و يكره التنخّم،و البصاق،و فرقعة الأصابع؛لما في ذلك من التّشاغل عن الخشوع (2).
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي القاسم معاوية بن عمّار،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:الرّجل يعبث بذكره في الصّلاة المكتوبة،قال:«و ما له فعل؟!»قلت:عبث بذكره حتّى مسّه بيده،قال:«لا بأس» (3).و الاستفسار هنا للإنكار.
و ما رواه أبو بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنّك بين يدي اللّه،فإن كنت لا تراه فاعلم أنّه يراك،فأقبل قبل صلاتك،فلا تمتخط و لا تبصق،و لا تنقض أصابعك،و لا تورّك،فإنّ قوما عذّبوا بنقض الأصابع و التورّك في الصّلاة» (4).
و يكره التأوّه بحرف و قد مضى دليله.
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم.روى ثوبان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا يحلّ لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتّى يستأذن،و لا يقوم إلى الصّلاة و هو حقن» (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن هشام بن الحكم،عن
ص:308
أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا صلاة لحاقن و لا لحاقنة و هو بمنزلة من هو في ثوبه» (1).
و المراد بذلك نفي الكمال لا الصّحة.
و ما رواه أبو بكر الحضرميّ،عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:لا تصلّ و أنت تجد شيئا من الأخبثين» (2).
و لأنّه شاغل عن الخشوع و حضور القلب.
لو صلّى كذلك صحّت صلاته.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أبو حنيفة (3)، و الشّافعيّ (4)،و أحمد (5).و قال ابن أبي موسى (6):إن كان به من مدافعة الأخبثين ما يزعجه و يشغله عن الصّلاة أعاد (7).و به قال مالك (8).
لنا:أنّه أتى بالمأمور على وجهه فيكون خارجا عن عهدة الأمر.
احتجّ مالك (9)بخبر ثوبان (10)،و بما روته عائشة،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:309
و آله أنّه قال:«لا صلاة لمن يحضره طعام و لا و هو يدافعه الأخبثان» (1).
و الجواب:أنّ المراد من الخبرين الكراهية؛لأنّه وافقنا على صحّة صلاة من يحضره طعام،و من يشتغل قلبه بشيء من الدّنيا.
و قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن الفضيل بن يسار قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:أكون في الصّلاة و أجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا،فقال:«انصرف ثمَّ توضّأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصّلاة متعمّدا،فإن تكلّمت ناسيا فلا شيء عليك،فهو بمنزلة من تكلّم في الصّلاة ناسيا»قلت:و إن قلّب وجهه عن القبلة؟قال:
«نعم،و إن قلّب وجهه عن القبلة» (2).
و هذه الرّواية ضعيفة عندنا؛لأنّ وجود الغمز في البطن لا يوجب الطّهارة بمجرّده ما لم ينضمّ إليه الحدث و قد سلف (3).
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرّجل يصيبه الغمز في بطنه و هو يستطيع أن يصبر عليه أ يصلّي على تلك الحال أم لا يصلّي؟قال:فقال:«إن احتمل الصّبر و لم يخف إعجالا عن الصّلاة فليصلّ و ليصبر» (4).
و هو إجماع،روى أنس،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم»فاشتدّ قوله في ذلك حتّى قال:«لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفنّ أبصارهم» (5).رواه البخاريّ.
ص:310
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
«اجمع بصرك و لا ترفعه إلى السّماء» (1).
و يكره تغميض العين في الصّلاة،روى الجمهور،عن ابن عبّاس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا قام أحدكم في الصّلاة فلا يغمّض عينيه» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه مسمع،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يغمّض الرّجل عينيه في الصّلاة (3).
و يكره لبس الخفّ الضّيق؛لما فيه من الشّغل.
و يكره التّورّك في الصّلاة،و هو أن يعتمد بيديه على وركيه و هو التخصّر.
روى الجمهور،عن أبي هريرة أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن التخصّر في الصّلاة (4).
و من طريق الخاصّة:رواية أبي بصير (5)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و لا يتورّك فإنّ قوما قد عذّبوا بنقض الأصابع و التورّك في الصّلاة» (6).
و يكره السّدل في الصّلاة،قاله علم الهدى في المصباح (7)،و ابن إدريس (8).و به قال
ص:311
أبو حنيفة (1)،و الشّافعيّ (2)،خلافا لمالك (3)،و هو عبارة عن وضع الثّوب على الرّأس أو الكتف و إرسال طرفيه.
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة قال:نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن السّدل (4).
و من طريق الخاصّة:رواية ابن بابويه،و قد تقدّمت في باب اللّباس (5).
لا أن يعتمد (6)عليه بحيث يسقط مع سقوطه.
أمّا الأوّل:فلما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علّة؟ فقال:«لا بأس»و عن الرّجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الرّكعتين الأوّلتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علّة؟قال:«لا بأس» (7).
و في الموثّق،عن عبد اللّه بن بكير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:سألته عن الرّجل يصلّي متوكّئا على عصا أو على حائط؟فقال:«لا بأس بالتّوكّي على عصا و الاتّكاء على الحائط» (8).
ص:312
و عن سعيد بن يسار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التّكأة في الصّلاة على الحائط يمينا و شمالا؟فقال:«لا بأس» (1).
و أمّا الثّاني:فلما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و لا تستند إلى جدار إلاّ أن تكون مريضا» (2).و لأنّه حينئذ لا يكون قائما بالاستقلال.
السّلام
و أن يفعل ذلك إذا عطس غيره،و هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام.و به قال الشّافعيّ،و أبو يوسف،و أحمد (3).و قال أبو حنيفة:تبطل صلاته (4).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عامر بن ربيعة (5)قال:عطس شابّ من الأنصار خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو في الصّلاة فقال:الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه حتّى يرضى ربّنا و بعد ما يرضى من أمر الدّنيا و الآخرة،فلمّا انصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«من القائل الكلمة؟فإنّه لم يقل بأسا ما تناهت دون العرش» (6).رواه
ص:313
أبو داود.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن مسكان،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا عطس الرّجل[في الصلاة] (1)فليقل:
الحمد للّه» (2).و إذا جاز حمد اللّه في حقّه جاز في حقّ غيره؛لأنّه ثناء على اللّه تعالى.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن أبي بصير قال:قلت له:أسمع العطسة فأحمد اللّه و أُصلّي على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنا في الصّلاة؟قال:«نعم،و إن كان بينك و بين صاحبك اليمّ» (3).و لأنّه مناجاة للربّ و شكر له على نعمه فيكون سائغا.
لأنّه مناجاة للرّبّ تعالى فيكون سائغا للرّواية.
فيقول:يرحمك اللّه،أو يغفر اللّه لك،و ما أشبهه إذا كان مؤمنا؛لأنّه دعاء فكان سائغا.
و الشّافعيّ (1)،و أحمد:يردّ بالإشارة (2).و قال أبو حنيفة:لا يردّ نطقا و لا إشارة (3).
لنا:قوله تعالى وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (4).و هو عامّ.
و ما رواه الجمهور،عن ابن مسعود قال:كنّا نسلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو في الصّلاة فيردّ علينا (5).و ادّعاؤهم أنّه منسوخ لم يثبت.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن عثمان بن عيسى،عن سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يسلّم عليه في الصّلاة؟قال:«يردّ، يقول (6):سلام عليكم،و لا يقل (7):عليكم (8)السّلام،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قائما يصلّي،فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه،فردّ عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هكذا» (9).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو في الصّلاة فقلت:السّلام عليك،فقال:«السّلام عليك»فقلت:كيف أصبحت؟فسكت، فلمّا انصرف قلت له:أ يردّ السّلام و هو في الصّلاة؟فقال:«نعم،مثل ما قيل له» (10).
ص:315
و ما رواه البزنطيّ في جامعه،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ عمّارا سلّم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فردّ عليه (1).و لأنّ أبا هريرة أمر به (2)،و الظّاهر أنّه إنّما قاله توقيفا،و لأنّه دعاء في الحقيقة فكان سائغا.
احتجّ المخالف (3)بما رواه جابر قال:كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فبعثني في حاجة و هو يصلّي على راحلته و وجهه إلى غير القبلة فسلّمت فلم يردّ عليّ،فلمّا انصرف قال:«أما إنّه لم يمنعني أن أردّ عليك إلاّ أنّي كنت أُصلّي» (4).
و عن ابن مسعود قال:يا رسول اللّه كنّا نسلّم عليك في الصّلاة فتردّ علينا؟قال:
«إنّ في الصّلاة لشغلا» (5).و لأنّه كلام آدميّ فتكون الصّلاة محروسة عنه.
و الجواب عن الأوّل:لعلّه عليه السّلام قد كان مشغولا بالعبادة فلم يسمع،و علّل عليه السّلام ترك الرّدّ بالصّلاة؛لأنّها سبب شغل القلب عن السّماع.و يؤيّده:قوله عليه السّلام في حديث ابن مسعود:«إنّ في الصّلاة لشغلا».
و عن رواية ابن مسعود:بذلك أيضا،أو أنّه عليه السّلام قد كان يسلّم أوّلا عليهم بغير لفظ القرآن.
و يؤيّده:قوله عليه السّلام في آخر حديث ابن مسعود:«إنّ اللّه يحدث من أمره ما يشاء،و إنّ اللّه قد أحدث أن لا تكلّموا في الصّلاة» (6).و السّلام الّذي نجوّزه نحن شيء ورد به القرآن فلا يكون كلام النّاس و بهذا خرج (7)الجواب عن قولهم:أنّه كلام آدميّ.
لا يقال:إذا قصد به ردّ السّلام خرج عن القرآن.لأنّا نمنع ذلك،فإنّه قرآن من حيث
ص:316
النظم،و ردّ السّلام من حيث القصد له،و لهذا لو قرأ آية دعاء جاز له أن ينويه و لا يخرج به عن القرآن.
احتجّ الشّافعيّ (1)بما رواه ابن عمر قال:خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى قباء يصلّي فيه،قال:فجاءته الأنصار فسلّموا عليه و هو يصلّي،قال:فقلت لبلال:كيف رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يردّ عليهم حين كانوا يسلّمون عليه و هو يصلّي؟ قال:يقول هكذا،و بسط يعني كفّه[و بسط جعفر بن عون (2)كفّه] (3)و جعل بطنه أسفل و ظهره إلى فوق (4).و لأنّ ابن عبّاس سلّم عليه موسى بن جميل (5)و هو يصلّي فقبض على ذراعه و كان ردّا من ابن عبّاس عليه (6).
و الجواب:هذا يصلح حجّة على أبي حنيفة المانع من الإشارة لا علينا؛لجواز انضمام النّطق اللّسانيّ إلى الإشارة،و ليس في الحديثين ما يدلّ على عدم النّطق،و عدم سماع الرّاوي لا يدلّ على العدم.
لأنّه
ص:317
ليس بلفظ القرآن،و لما تقدّم من الرّوايات (1).
الدّعاء و يكون مستحقّا
(2)و عندي فيه تردّد،ينشأ من قول الباقر عليه السّلام:«يقول:
مثل ما قيل له» (3).و ذلك عامّ.
لا يقال:إنّ مقصوده عليه السّلام قوله:سلام عليكم؛لأنّه منطوق القرآن.لأنّا نمنع ذلك؛لأنّ كيفيّة التّسليم (4)عليه في صلاته:السّلام عليك،و به أجاب عليه السّلام و ليس هو منطوق القرآن.
بينه و بين نفسه و لا يرفع صوته]
الثّالث:روى الشّيخ،عن عمّار السّاباطيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
سألته عن المصلّي؟فقال:«إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصّلاة فردّ عليه فيما بينك و بين نفسك و لا ترفع صوتك» (5).
و في الصّحيح،عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا سلّم عليك الرّجل و أنت (6)تصلّي قال:تردّ عليه خفيّا كما قال» (7).و هاتان محمولتان على ما إذا حصل للمصلّي تقيّة.
أقربه جواز ردّه؛لعموم الآية (8).
خلافا لعطاء،و الشّعبيّ،
ص:318
و إسحاق (1).
لنا:عموم قوله تعالى فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ (2).أي أهل دينكم،و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سلّم عليه أصحابه فردّ عليهم (3)نطقا تارة و إشارة عندهم اخرى و لم ينكر عليهم (4).
احتجّوا بأنّه ربّما غلط المصلّي (5).
و الجواب:قد كان ينبغي أن يكره له الدّخول عليه؛لأنّه ربّما اشتغل خاطره فغلط و لمّا لم يلحظ ذلك هنا فكذا ثَمَّ.
سواء كان للدين أو للدّنيا بغير خلاف بين علمائنا؛لعموم قوله تعالى (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (6).و لقوله تعالى قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ (7).و غيره من الآيات الدالّة على تعلّق غرض الشّارع به مطلقا،و قد ثبت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام أنّهما ادعيا على أقوام و لأقوام قائمين (8)، و قال عليه السّلام:«ادعوا اللّه في سجودكم» (9).
ص:319
و في حديث الصّادق عليه السّلام:«كلّما كلّمت اللّه به في صلاة الفريضة فلا بأس به و ليس بكلام» (1).
و روى الشّيخ،عن أبي جرير الرواسيّ قال:سمعت أبا الحسن عليه السّلام و هو يقول:«اللّهمّ إنّي أسألك الرّاحة عند الموت و العفو عند الحساب»يردّدها (2).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:صلّى بنا أبو بصير في طريق مكّة فقال-و هو ساجد و قد كانت ضلّت (3)ناقة لجمّالهم-:اللّهمّ ردّ على فلان ناقته.قال محمّد:فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته،فقال:«و فعل؟»فقلت:نعم،قال:فسكت،قلت:
أ فأعيد الصّلاة؟قال:«لا» (4).
و في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو في الصّلاة المكتوبة إمّا راكعا و إمّا ساجدا فيصلّي عليه و هو على تلك الحال؟فقال:«نعم،إنّ الصّلاة على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله كهيئة التّكبير و التّسبيح،و هي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيّهم يبلغها إيّاه» (5).
و عن عبد الرّحمن بن سيابة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أدعو و أنا ساجد؟فقال:«نعم،فادع للدّنيا و الآخرة فإنّه ربّ الدّنيا و الآخرة» (6).
و تصفيق إحدى يديه بالأُخرى،و ضرب الحائط،و التّسبيح،و التّكبير،و أن يتلو شيئا من القرآن مجيبا لغيره
ص:320
أو مبتدئا له بالخطاب،سواء نبّه الإمام في ذلك أو غيره.و به قال الشّافعيّ لكنّه كره للمرأة التّسبيح و قصرها على التّصفيق (1).
و قال أبو حنيفة:إن قصد بالتّسبيح مصلحة الصّلاة كإعلام الإمام شيئا نسيه لم تبطل صلاته و إلاّ بطلت (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا نابكم أمر فليسبّح الرّجال و لتصفّق النّساء».و في لفظ آخر:«من نابه شيء في صلاته فليقل:سبحان اللّه فإنّه لا يسمعه أحد حين يقول:سبحان اللّه إلاّ التفت» (3).رواهما مسلم و البخاريّ.
و في مسند أحمد عن عليّ عليه السّلام:«كنت إذا استأذنت على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إن كان في صلاة سبّح،و إن كان في غير صلاة أذن» (4).
و عن عليّ عليه السّلام أنّه قال له رجل من الخوارج و هو في صلاة الغداة فناداه لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (5).قال:فأنصت له حتّى فهم، فأجابه و هو في الصّلاة فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (6). (7)
ص:321
احتجّ به أحمد (1)،و رواه أبو بكر النجّاد (2).
و عن عطاء بن السّائب (3)قال:استأذنّا على عبد الرّحمن بن أبي ليلى و هو يصلّي فقال اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ (4).فقلنا:كيف صنعت؟فقال:استأذنّا على عبد اللّه بن مسعود و هو يصلّي فقال اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الرّجل يريد الحاجة و هو في الصّلاة؟فقال:
«يومئ برأسه و يشير بيده،و المرأة إذا أرادت الحاجة و هي تصلّي تصفق بيدها» (6).
و عن أبي الوليد (7)قال:كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فسأله ناجية
ص:322
أبو حبيب (1)فقال له:جعلني اللّه فداك إنّ لي رحى أطحن فيها فربّما قمت في ساعة من اللّيل فأعرف من الرّحى أنّ الغلام قد نام فأضرب الحائط لأُوقظه؟فقال:«نعم،أنت في طاعة اللّه عزّ و جلّ تطلب رزقه» (2).
و عن محمّد بن بجيل (3)أخي عليّ بن بجيل قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يصلّي فمرّ به رجل و هو بين السّجدتين فرماه أبو عبد اللّه عليه السّلام بحصاة فأقبل إليه الرّجل (4).
و في الصّحيح،عن عليّ بن جعفر،عن أخيه موسى عليه السّلام قال:سألته عن الرّجل يكون في صلاته فيستأذن إنسان على الباب فيسبّح و يرفع صوته و يسمع جاريته فتأتيه فيريها بيده أنّ على الباب إنسانا،هل يقطع ذلك صلاته و ما عليه؟فقال:«لا بأس لا يقطع ذلك (5)صلاته» (6).
و لأنّ التّصفيق باليد،أو ضرب الحائط و ما أشبههما أفعال قليلة لا تؤثّر في البطلان.
و لأنّ التّنبيه بالتّسبيح،و تلاوة القرآن لا يخرجه عن كونه قرآنا و تسبيحا فيكون سائغا، لقوله عليه السّلام:«إنّ صلاتنا هذه تسبيح و دعاء و قرآن» (7).
احتجّ أبو حنيفة بأنّه خطاب آدميّ فكان داخلا تحت عموم النّهي عن الكلام،كما لو
ص:323
قال يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ (1).فإنّ صلاته تبطل و إن وجدت هذه الصّورة في القرآن (2).
و الجواب:القصد لا يخرجه عن كونه قرآنا و تسبيحا،لأنّه يقصد الأمرين فإنّ من دعا بسورة من القرآن لا يخرج عن كونه قارئا بل يسمّى داعيا قارئا.
و يؤيّده:ما رواه عبيد بن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته عن ذكر السّورة من الكتاب يدعو بها في الصّلاة،مثل:قل هو اللّه أحد؟فقال:«إذا كنت تدعو بها فلا بأس» (3).
لما فيه من اشتغال القلب بغير العبادة.
و يؤيّده:ما رواه أبو العبّاس الفضل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كان الرّجل مصلّيا فلا يشير إلى شيء و لا يومئ إلى شيء إلاّ أن لا يجد بُدّا» (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عمر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه،فلمّا انصرف قال لأُبيّ:«أ صلّيت معنا؟»قال:نعم،قال:«فما منعك؟» (1).
و هذا عندنا و إن كان غير صحيح؛لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يجوز عليه التّرك،لكنّا ذكرناه في معرض الإلزام.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن سماعة قال:سألته عن الإمام إذا أخطأ في القرآن فلا يدري ما يقول؟قال:«يفتح عليه بعض من خلفه» (2).
و لأنّه تنبيه لإمامه بما هو للإمام مشروع في الصّلاة فأشبه التّسبيح.
احتجّ أبو حنيفة (3)بما رواه الحارث،عن عليّ عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا يفتح على الإمام» (4).
و الجواب:أنّ هذه الرّواية ضعّفها المحدّثون (5).قال أبو داود:راويها أبو إسحاق و لم يرو عن الحارث إلاّ أربعة أحاديث ليس هذا منها (6).و ذلك يدلّ على ضعفها.
ذهب إليه علماؤنا؛لأنّه ليس بناقض للطّهارة على ما بيّنّاه (2)، و الإزالة من مصلحة الصّلاة فلا تبطلها؛لأنّ التّقدير عدم فعل الكثير.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرّجل يأخذه الرّعاف و القيء في الصّلاة كيف يصنع؟قال:«ينفتل فيغسل أنفه و يعود في صلاته،و إن تكلّم فليعد صلاته،و ليس عليه وضوء» (3).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام في الرّجل يمسّ أنفه في الصّلاة فيرى دما،كيف يصنع أ ينصرف؟فقال:«إن كان يابسا فليرم به و لا بأس» (4).
و عن أبي حفص،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول:
«لا يقطع الصّلاة الرّعاف و لا الدّم و لا القيء،فمن وجد أذى فليأخذ بيد رجل من القوم من الصّفّ فليقدّمه يعني إذا كان إماما» (5).
و في الصّحيح،عن معاوية بن وهب البجليّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّعاف أ ينقض الوضوء؟قال:«لو أنّ رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله (6)فقال برأسه (7)فغسله فليبن على صلاته
ص:326
و لا يقطعها» (1).
و في الصّحيح،عن إسماعيل بن عبد الخالق (2)قال:سألته عن الرّجل يكون في جماعة من القوم يصلّي المكتوبة فيعرض له رعاف كيف يصنع؟قال:«يخرج فإن وجد ماء قبل أن يتكلّم فليغسل الرّعاف ثمَّ ليعد و ليبن (3)على صلاته» (4).
لا يقال:يعارض ذلك ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرّعاف و الحجامة و القيء؟قال:«لا ينقض هذا شيئا من الوضوء و لكن ينقض الصّلاة» (5).
و عن أبي حمزة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«لا يقطع الصّلاة إلاّ رعاف و أزّ في البطن فادرؤهنّ (6)ما استطعتم» (7).
لأنّا نقول:إنّهما محمولتان على فعل المنافي،أو الاحتياج إلى فعل كثير،أو على
ص:327
الاستحباب.
(1)لما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا قام أحدكم إلى الصّلاة فإنّ الرّحمة تواجهه فلا يمسح الحصى» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن طلحة بن زيد،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام قال:«إنّ عليّا عليه السّلام كره تنظيم الحصى في الصّلاة و كان يكره أن يصلّي على قصاص شعره حتّى يرسله إرسالا» (3).
و لأنّه نوع عبث فكان مكروها،أمّا لو قصد به عدّ الآي فالوجه عندي زوال الكراهية.
من وجوب السّتر لبدنها أجمع.و لا جهر عليها و لا أذان و لا إقامة،فإن فعلتهما خافتت فيهما؛لأنّ الخطاب كما يشمل الرّجل فهو شامل للمرأة،فالأصل أنّ كلّ ما ثبت في حقّه ففي حقّها هو ثابت إلاّ ما يستثنى.
و يستحبّ لها أن تفعل (4)كلّ ما يحصل به السّتر البالغ؛لأنّها عورة.
و يستحبّ لها أن تفعل ما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة قال:إذا قامت المرأة في الصّلاة جمعت بين قدميها،و لا تفرّج بينهما،و تضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها،فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلاّ تطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها،فإذا
ص:328
جلست فعلى أليتيها كما يقعد (1)الرّجل و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالرّكبتين قبل اليدين،ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض،فإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض،فإذا نهضت انسلّت انسلالا لا ترفع عجيزتها أوّلا (2).
ركبتيها من الأرض
لأنّه أبلغ في السّتر.
و يؤيّده:ما تقدّم في رواية زرارة،و ما رواه الشّيخ،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه قال:سألته عن جلوس المرأة في الصّلاة؟قال:«تضمّ فخذيها» (3).
و عن ابن بكير،عن بعض أصحابنا قال:المرأة إذا سجدت تضمّمت،و الرّجل إذا سجد تفتّح (4).و كان ابن عمر يأمر نساءه أن يجلسن مربّعات (5).و به قال أحمد (6).
لنا:ما تقدّم،و ما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام قال:«إذا صلّت المرأة فلتحتفز و لتضمّ فخذيها» (7).و لأنّه مسنون للرّجل فيسنّ (8)لها كغيره من المندوبات.
الثّاني:روى الشّيخ في الموثّق،عن ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
ص:329
«إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها» (1).و هو حسن؛لما فيه من الاستتار.
الثّالث:يستحبّ لها أن تكثّف (2)الجلباب.قال الخليل:الجلباب أوسع من الخمار و ألطف من الإزار (3).و إنّما يستحبّ لها أن تجعله كثيفا؛لأنّه يمنع من وصفها.
لا يقطع الصّلاة للرّجل و المرأة ما يمرّ بين يديهما إجماعا منّا و قد سلف (4)، و لا عقص الشّعر على خلاف،و قد تقدّم (5).
قال الشّيخ:لو نوى أن يصلّي بالتّطويل لم تبطل صلاته لو خفّفها (6).و هو حسن.
و فيه فصول:
و فيه مباحث:
روى الشّيخ،عن أبي بصير قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«ما طلعت
ص:330
الشّمس بيوم أفضل من يوم الجمعة» (1).
و عن ابن أبي نصر،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّ الجمعة سيّد الأيّام يضاعف اللّه فيه الحسنات،و يمحو فيه السيّئات،و يرفع فيه الدّرجات،و يستجيب فيه الدّعوات،و يكشف فيه الكربات، و يقضي فيه الحوائج (2)العظام،و هو يوم المزيد للّه فيه عتقاء و طلقاء من النّار،ما دعا اللّه فيه أحد من النّاس و عرف حقّه و حرمته إلاّ كان حقّا على اللّه أن يجعله من عتقائه و طلقائه من النّار،فإن مات في يومه و ليلته مات شهيدا و بعث آمنا،و ما استخفّ أحد بحرمته و ضيّع حقّه إلاّ كان حقّا على اللّه عزّ و جلّ أن يصليه نار جهنّم إلاّ أن يتوب» (3).
و روى ابن بابويه،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي (4)قال:«أخّرهم إلى السّحر ليلة الجمعة» (5).
و روى،عن أبي بصير،عن أحدهما عليهما السّلام قال:«إنّ العبد المؤمن ليسأل اللّه الحاجة فيؤخّر اللّه عزّ و جلّ قضاء حاجته الّتي سأل إلى يوم الجمعة ليخصّه بفضل يوم الجمعة» (6).
و روى،عن الأصبغ بن نباتة،عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«ليلة الجمعة ليلة غرّاء،و يومها يوم أزهر،من (7)مات ليلة الجمعة كتب له براءة من ضغطة القبر،و من مات يوم الجمعة كتب له براءة من النّار» (8).
ص:331
و روى،عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصّدقة و الصّوم و نحو هذا،قال:«يستحبّ أن يكون ذلك يوم الجمعة فإنّ العمل يوم الجمعة يضاعف» (1).
و روى أبو بصير،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إنّ اللّه تبارك و تعالى لينادي كلّ ليلة جمعة من فوق عرشه من أوّل اللّيل إلى آخره:ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته و دُنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه (2)؟ألا عبد مؤمن يتوب إليّ من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه؟ألا عبد مؤمن قد قترت عليه رزقه يسألني (3)الزّيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده و أُوسّع عليه؟ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأُعافيه؟ ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أُطلقه من حبسه قبل طلوع الفجر فأُطلقه من حبسه و اخلّي سربه؟ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له و آخذ له بظلامته؟» (4)قال:«فما يزال ينادي بهذا حتّى يطلع الفجر» (5).
و روى،عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قلت للرّضا عليه السّلام:يا ابن رسول اللّه ما تقول في الحديث الّذي يرويه النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:إنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل في كلّ ليلة جمعة إلى السّماء الدّنيا؟فقال عليه السّلام:«لعن اللّه المحرّفين الكلم عن مواضعه،و اللّه ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كذلك،إنّما قال:إنّ اللّه تبارك و تعالى يُنزل ملكا إلى السّماء الدّنيا كلّ ليلة في الثّلث الأخير و ليلة الجمعة في أوّل اللّيل،فيأمره فينادي:هل من سائل فأُعطيه؟هل من تائب فأتوب عليه؟هل من مستغفر فأغفر له؟يا طالب الخير أقبل،و يا طالب الشرّ أقصر،فلا يزال ينادي بهذا حتّى
ص:332
يطلع الفجر،فإذا طلع الفجر عاد إلى محلّه من ملكوت السّماء،حدّثني بذلك أبي عن جدّي عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (1).
الجمعة واجبة،و هو قول علماء الإسلام.و يدلّ عليه الكتاب و السنّة و الإجماع.
أمّا الكتاب:فقوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا (2).و الأمر للوجوب.
و أمّا السنّة:فما رواه الجمهور،عن أبي الجعد الضّمريّ (3)أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«من ترك ثلاث جُمَع تهاونا طبع اللّه على قلبه» (4).
و قال عليه السّلام:«الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم[في جماعة] (5)إلاّ أربعة» (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح و ابن يعقوب بإسنادهما عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض في كلّ سبعة أيّام خمسا و ثلاثين صلاة،منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها (7)إلاّ
ص:333
خمسة» (1)الحديث.
و رؤيا في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«فرض اللّه على النّاس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها اللّه في جماعة و هي الجمعة،و وضعها عن تسعة» (2)الحديث.
و في الصّحيح،عن أبي بصير و محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«من ترك الجمعة ثلاث جُمَع متوالية طبع اللّه على قلبه» (3).
و أمّا الإجماع:فإنّه لا خلاف بين المسلمين في ذلك.
و قال الشّافعيّ (1)،و مالك (2)،و أحمد (3)في إحدى الرّوايتين،و أبو ثور:ليس الإمام شرطا و لا إذنه بل متى اجتمع (4)جماعة من غير أمر الإمام فأقاموها بغير إذنه جاز (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«أربع إلى الولاة:الفيء، و الحدود،و الصّدقات،و الجمعة» (6).
و قال في خطبته:«من ترك الجمعة في حياتي أو بعد موتي و له إمام عادل أو جائر استخفافا بها و جحودا فلا جمع اللّه له شمله و لا بارك له في أمره» (7)الحديث.علّق التوعّد على وجود الإمام فينتفي عند انتفائه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة قال:كان أبو جعفر عليه السّلام يقول:«لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط:الإمام و أربعة» (8).
و ما رواه في الحسن،عن محمّد بن مسلم قال:سألته عن الجمعة؟فقال:«أذان و إقامة،يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب،و لا يصلّي النّاس ما دام الإمام على المنبر،ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ:قل هو اللّه أحد،ثمَّ يقوم فيفتتح بخطبة،ثمَّ
ص:335
ينزل فيصلّي بالنّاس،ثمَّ يقرأ بهم في الرّكعة الأُولى بالجمعة و في الثّانية بالمنافقين» (1).
و ما رواه،عن سماعة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة يوم الجمعة؟ فقال:«أمّا مع الإمام فركعتان،و أمّا من صلّى وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظّهر» (2).
و لأنّ انعقاد الجمعة حكم شرعيّ فيقف على الشّرع،و الآية (3)تفتقر إلى البيان بفعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو قوله،و لم يُقم الجمعة إلاّ السلطان في كلّ عصر فكان إجماعا،و لو (4)كانت تنعقد بالرّعيّة لصلّوها في بعض الأحيان.
و لأنّه لو لم يعتبر أمر الإمام لسبقت طائفة إلى إقامتها لغرض ففاتت عن (5)أهل المصر،فجعلت إلى السّلطان الّذي يسوّي بين النّاس لئلاّ يفوت بعضهم.
احتجّ المخالف بأنّ عليّا عليه السّلام صلّى الجمعة و عثمان كان محصورا و الولاية له (6).
و الجواب:أنّ هذا عندنا ساقط بالكلّيّة؛إذ الولاية لعليّ عليه السّلام،و أيضا (7)عند المخالفين فإنّ عليّا عليه السّلام فعل ذلك بأمر عثمان.
أبي عقيل (1)،و سلاّر (2)،و أبو الصّلاح (3)،و ابن إدريس (4).
و قال الشّيخ (5)،و ابن بابويه (6)،و ابن حمزة:إنّ أقلّ العدد الّذي يجب عليهم الجمعة سبعة نفر و يستحبّ للخمسة (7).
و قال الشّافعيّ (8)،و مالك (9)،و أحمد في إحدى الرّوايتين عنه:إنّ الشّرط حضور أربعين (10)،و هو قول عمر بن عبد العزيز (11)،و عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة (12)،
ص:337
و إسحاق (1).و الرّواية الأُخرى عن أحمد:خمسون (2).
و قال ربيعة:تنعقد باثني عشر لا بأقلّ (3).و قال الثّوريّ (4)،و أبو حنيفة (5)،و محمّد:
تنعقد بأربعة،الإمام أحدهم (6).و قال اللّيث بن سعد (7)،و الأوزاعيّ (8)،و أبو ثور (9)، و أبو يوسف:تنعقد بثلاثة،الإمام أحدهم (10).و قال الحسن بن صالح بن حيّ:تنعقد باثنين (11).
لنا:أنّ الجمعة تجب على أهل المصر،و أقلّ عدد يتمّ نظامهم به هو الخمسة:الحاكم و نائبه،و المدّعي و المدّعى عليه،و المستوفي للحدود،فيجب عليهم الحضور،و لا يشترط الزّائد عملا بقوله تعالى فَاسْعَوْا .فذلك مطلق غير مقيّد بعدد،إلاّ ما أخرجناه بالدّليل.
ص:338
و أيضا:بطلان قول كلّ واحد يستلزم صحّة قولنا،و سيأتي تفصيل أدلّتهم (1)و الاعتراض عليها.
و أيضا:ما رواه الشّيخ و ابن يعقوب في الحسن،عن زرارة قال:كان أبو جعفر عليه السّلام يقول:«لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط:الإمام و أربعة» (2).
و ما رواه الشّيخ،عن ابن أبي يعفور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة» (3).
و ما رواه في الصّحيح،عن منصور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا (4)،فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم» (5).
و ما رواه،عن أبي العبّاس،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«أدنى ما يجزئ في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه» (6).
و ما رواه،عن الفضل بن عبد الملك قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات،فإن كان لهم من يخطب لهم جمّعوا إذا كانوا خمسة
ص:339
نفر،و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين» (1).
احتجّ الشّيخ (2)بما رواه في الصّحيح،عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا» (3).
و ما رواه،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين،و لا تجب على أقلّ منهم:الإمام،و قاضيه،و المدّعي حقّا، و المدّعى عليه،و الشّاهدان،و الّذي يضرب الحدود بين يدي الإمام» (4).
احتجّ الشّافعيّ (5)بما رواه الجمهور،عن كعب بن مالك (6)قال:أوّل من جمّع بنا أسعد بن زرارة و نحن أربعون (7).
و ما رواه،عن جابر بن عبد اللّه قال:مضت السنّة أنّ في كلّ أربعين فما فوقها جمعة (8).
ص:340
و احتجّ أحمد (1)بما رواه الجمهور،عن أبي أمامه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«تجب الجمعة على خمسين رجلا،و لا تجب على مَن دون ذلك» (2).
و بما رواه أبو هريرة قال:لمّا بلغ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسين جمّع بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).
و احتجّ ربيعة (4)بما روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كتب إلى مُصعب بن عمير بالمدينة فأمره أن يصلّي الجمعة عند الزّوال ركعتين،و أن يخطب فيها،فجمّع مصعب بن عمير في بيت سعد بن خيثمة (5)باثني عشر رجلا (6).
و عن جابر قال:كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم الجمعة فقدمت العير فخرج النّاس إليها فلم يبق إلاّ اثني عشر رجلا أنا فيهم،فأنزل اللّه تعالى وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً (7)(8).و ما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ الأربعة عدد يزيد على أقلّ الجمع المطلق،فانعقدت به الجمعة كالأربعين (9).
احتجّ أبو يوسف بأنّ الثّلاثة يصدق عليه اسم الجمع،فتنعقد به الجمعة كالأربعين،
ص:341
و لأنّه تعالى أمر الجمع فيدخل فيه الثّلاثة (1).
و احتجّ ابن حيّ بأنّ معنى الاجتماع موجود في الاثنين (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الأمر بالجمعة للسّبعة لا يستلزم نفيها عن الأقلّ إلاّ من حيث دليل الخطاب أو مفهوم الشّرط،و كلاهما لا يعارضان النّصّ.
و عن الثّاني:بعد تسليم صحّة السّند أنّه معارض بما ذكرناه من الأحاديث (3)فيبقى الأمر بالجمعة سليما عن الاشتراط.
و أيضا:فيحتمل أنّ الباقر عليه السّلام إنّما حكم بنفي الوجوب على الأقلّ بناء على الغالب؛إذ من المستبعد انفكاك المصر من العدد الّذي ذكره من الحاكم و غيره،و إذا كان الحكم إنّما هو على الغالب فلا دلالة فيه،و هذا التّأويل و إن كان بعيدا إلاّ أنّه أولى من الإسقاط.و يؤيّده:تعديده عليه السّلام بمن (4)ذكره.
و عن الثّالث:أنّه لا حجّة فيه؛إذ يجوز أن يكون قد وقع اتّفاقا لا أنّه شرط.
و عن الرّابع:أنّ ابن الجوزيّ (5)قد ضعّف هذا الحديث (6)فلا احتجاج فيه.
و أيضا:فإنّه دالّ على أنّ كلّ أربعين تجب عليهم الجمعة،لا على عدمها عن الأقلّ إلاّ من حيث دليل الخطاب و هو ضعيف.
ص:342
و أيضا:فإنّ قوله:من السنّة (1).يحتمل أن لا يكون المراد سنّة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله؛لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها و أجر العامل بها إلى يوم القيامة» (2).و لو سلّم فالاستدلال بها ضعيف جدّا.
و عن الخامس:أنّه ضعيف عندهم،و مع ذلك فإنّ أحمد الّذي رواه قد عمل بخلافه، و ذلك ممّا تطرّق إليه التّهمة.
و عن السّادس:بمثله،و أيضا فإنّه يمكن أن يكون قد وقع اتّفاقا،لا أنّ اجتماع الخمسين شرط.
و عن السّابع:أنّه يمكن وقوعه اتّفاقا لا أنّه شرط،و كذا الثّامن.
و عن التّاسع:أنّه قياس في الأُمور المقدّرة و هو غير مسموع؛إذ باب التّقديرات مأخوذة من النصّ،و هو الجواب عن الباقي.
مسألة:و الخطبة شرط في الجمعة.و هو قول عامّة أهل العلم لا نعرف فيه مخالفا إلاّ الحسن البصريّ فإنّه قال:تجزئ الجمعة خطب الإمام أو لم يخطب (3).
لنا:قوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (4).و المراد الخطبة،و وجوب السّعي إليها يستلزم وجوبها.و لأنّه عليه السّلام لم يصلّ إلاّ بخطبة (5)،و المداومة تقتضي الإيجاب.
و أيضا:قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (6).و هذا أمر (7)يفيد الوجوب.
و ما رواه الجمهور،عن عمر قال:قصرت الصّلاة لأجل الخطبة (8).و بمثله رووا عن
ص:343
عائشة و سعيد بن جبير (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن محمّد بن مسلم لمّا سأله عن الجمعة فقال:«فيصعد المنبر فيخطب» (2).
و ما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته عن أُناس في قرية هل يصلّون الجمعة جماعة؟قال:«نعم،يصلّون أربعا إذا لم يكن من يخطب» (3).و يقدّم وجوب الخطبة بصدق هذا الشّرط على تقدير عدمها فيجب الظّهر.
و ما رواه الفضل بن عبد الملك:«و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين» (4).
و ما رواه في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتّى ينزل الإمام» (5).
احتجّ الحسن البصريّ:بأنّها صلاة عيد فلا تجب فيها الخطبة كالأضحى (6).
و الجواب:منع عدم وجوبهما (7)في الأضحى على ما يأتي،و لو سلّم فالفرق ثابت؛ إذ (8)هذه الخطبة قد غيّرت الفرض و قامت مقام بعضه،بخلاف الأضحى.
و لا نعرف فيه خلافا؛لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة بعده إنّما صلّوها جماعة،و المداومة إنّما يكون في الواجب.و لأنّه
ص:344
عليه السّلام قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (1).
و هو مذهب علمائنا أجمع إلاّ ما نقله الشّيخ في الخلاف عن السيّد المرتضى قال:و في أصحابنا من قال:إنّه يجوز أن تصلّى الفرض عند قيام الشّمس يوم الجمعة خاصّة،و هو اختيار المرتضى (2).و الّذي اخترناه قول أكثر أهل العلم (3).
و ذهب أحمد إلى أنّ وقتها حين يرتفع النّهار،و عنه:أنّها تصلّى في السّاعة السّادسة (4).و روي عن ابن مسعود،و جابر،و سعيد،و معاوية (5):أنهم صلّوها قبل الزّوال (6).و قال بعض الحنابلة:إنّه يجوز فعلها في وقت صلاة العيد (7).و قال عطاء:كلّ عيد حين يمتدّ الضّحى،الجمعة،و الأضحى،و الفطر (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن سلمة بن الأكوع قال:كنّا نُجمِّع (9)مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا زالت الشّمس ثمَّ نرجع نتتبّع الفيء (10).متّفق عليه.
ص:345
و روى البخاريّ عن أنس قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الجمعة حين تميل الشّمس (1).و قول الصّحابيّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّه كان يفعل كذا إنّما يكون مع المداومة،و لو لا الوجوب لما داوم.و لقوله:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الجمعة حين (3)تزول الشّمس قدر شراك،و يخطب في الظلّ الأوّل فيقول جبرئيل عليه السّلام:يا محمّد قد زالت الشّمس فانزل فصلّ» (4).
و في الصّحيح،عن ابن مسكان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال:«وقت صلاة الجمعة عند الزّوال» (5).
و في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا صلاة نصف النّهار إلاّ الجمعة» (6).
و في الصّحيح،عن زرارة قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق إنّما لها وقت واحد حين تزول» (7).
و لأنّهما صلاتا وقت واحد فاتّحد الوقت لهما كالتّمام و القصر،و لأنّ الجمعة بدل فأشبهت المبدل،و لأنّ آخر وقتهما واحد فاتّحد الأوّل كصلاة الحضر و السّفر.
ص:346
احتجّ المخالف (1)بما رواه جابر بن عبد اللّه قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي يعني الجمعة ثمَّ نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشّمس (2).
و عن سهل بن سعد قال:ما كنّا نقيل و لا نَتَغَدّى إلاّ بعد الجمعة في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).قال ابن قتيبة (4):و لا يسمّى غداء و لا قائلة بعد الزّوال (5).
و بما رواه وكيع (6)[عن] (7)السلميّ (8)قال:شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته و خطبته قبل نصف النّهار (9).
و الجواب عن الأوّل:أنّه معارض بما ذكرناه من الأحاديث (10)و يجوز أن يكون
ص:347
الرّاوي قد سها في ذلك.
و عن الثّاني:أنّه لا دلالة فيه؛إذ مفهوم القيلولة هو النّوم في الظّهيرة و القائلة الظّهيرة كذا (1)ذكره صاحب الصّحاح (2).قال:و الظّهيرة:الهاجرة (3).و الهاجرة:نصف النّهار (4).فكيف يصحّ ما ذكره ابن قتيبة،على أنّه يحتمل إرادة المجاز للقرب،عملا بحديثنا الدالّ على أنّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما كان يصلّي بعد الزّوال.
و عن الثّالث:بما ذكرناه في الأوّل،و بأنّ عمل أبي بكر ليس بحجّة إجماعا.و أيضا:
لو جازت الصّلاة قبل الزّوال لفاتت أكثر المصلّين،فإنّ الوقت الحاضر لهم و الجامع لتبدّدهم (5)إنّما هو الزّوال لمعرفتهم به.
مسألة:و انفراد الجمعة شرط فيها بمعنى أنّه لا يصحّ (6)أن تصلّى جمعتان في موضعين إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال فصاعدا.ذهب إليه أكثر علمائنا،و هذا التّقدير لما بين الجمعتين و إن كانتا في بلد واحد.
و قال الشّافعيّ (7)،و مالك (8)،و أبو حنيفة:لا تصلّى جمعتان في بلد واحد (9).و قال أحمد:إن تعذّر الاجتماع في مسجد واحد لتباعد أقطار البلد أو للمشقّة الحاصلة من الاجتماع جازت إقامة الجمعتين في موضعين فإن حصل الاكتفاء بهما حرمت الثّالثة و إلاّ
ص:348
ساغت (1)،و هو قول عطاء إلاّ أنّه قال:إذا كان البلد واسعا لا يسعهم المسجد الأعظم فلكلّ قوم مسجد و يجمّعون فيه (2).فمنع من الزّائد على الواحدة مع الاختيار دون الزّائد على الاثنين.
و قال أبو يوسف:إن كان البلد ذا جانب واحد لم ينعقد فيه إلاّ جمعة واحدة،و إن كان ذا جانبين فإن كان بينهما جسر فهما كالجانب الواحد و إلاّ فكلّ جانب بلد بانفراده (3).
و قال محمّد بن الحسن:القياس أنّه لا يقام في البلد إلاّ جمعة واحدة،فإن أُقيمت في موضعين جاز استحسانا (4).و هو مرويّ عن أبي حنيفة (5)،و لم يعتبر (6)أحد من الجمهور بُعد ثلاثة أميال.
و قال داود:يجوز أن يصلّوا الجمعة في مساجدهم كما يصلّون سائر الصّلوات (7).
لنا:ما نقله الجمهور و الأصحاب من أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يكن يجمّع إلاّ في موضع واحد،و كذلك الصّحابة بعده (8)،و قد قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (9).
و لم ينقل أحد أنّهم جمّعوا في موضعين بل (10)كان الصّلاة في موضعين أولى،لما فيه من عمارة المساجد بالعبادة،و لمّا لم ينقل فعله،دلّ على تحريمه.
ص:349
و ما رواه الجمهور،عن ابن عمر قال:لا تقام الجمعة إلاّ في المسجد الأكبر الّذي يصلّي فيه الإمام (1).و لم ينكر عليه أحد فكان إجماعا.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ و ابن يعقوب في الحسن عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال يعني لا تكون جمعة إلاّ فيما بينه و بين ثلاثة أميال،و ليس تكون جمعة إلاّ بخطبة،و إذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و يجمّع هؤلاء» (2).و ما رواه الشّيخ عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و يجمّع هؤلاء و لا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال» (3).
و لأنّ الجمعة سمّيت بهذا الاسم لاجتماع النّاس،فينبغي أن لا يفترقوا.
و اعلم:أنّ هذين الحديثين دلاّ على ما ذهبنا إليه من الجواز مع بُعد ثلاثة أميال، و لأنّ المشقّة تحصل بحضور من يكون على هذا الحدّ أو يزيد عليه فكان منفيّا،و الجمعة متعيّنة عليه فوجب فعلها في موطنه،و لأنّه يتعذّر حصول جامع ليسع من يكون على هذا البُعد خصوصا مع وجوب حضور أهل القرى الّذي على رأس فرسخين فما دون،فكان تسويغ الجمعة الثّانية لهؤلاء دفعا لهذه المفاسد فكان مشروعا.
احتجّ أحمد بأنّها صلاة شرع لها الاجتماع و الخطبة فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع كصلاة العيد،و لأنّ في الاجتماع من عظم المصر مشقّة (4).
و احتجّ أبو يوسف بأنّ الجانبين بمنزلة المصرين فصحّت الجمعة فيهما (5).
ص:350
و احتجّ محمّد (1)بما روي عن عليّ عليه السّلام أنّه كان يخرج فيصلّي العيد في الجبّان و يستخلف أبا مسعود البدريّ يصلّي بضَعَفَةِ النّاس (2).و حكم الجَبَّان عنده حكم البلد و الجمعة كالعيد عنده.
و احتجّ داود بما روي عن عمر أنّه كتب إلى أبي هريرة بالبحرين أن جمّعوا حيث ما كنتم (3).
و الجواب عن الأوّل:أنّ المقيس عليه عندنا كالجمعة في ذلك،و سيأتي،و عن الثّاني:أنّ المشقّة ممنوعة؛إذ ليست العادة جارية بمشقّة الاجتماع في جامع البلد،و إن كان فيه مشقّة يسيرة فلا اعتبار بها،و أيضا:فالمشقّة إنّما تحصل مع البُعد الّذي قدّرناه،فحينئذ نقول:يجوز الجمعة الثّانية،أمّا مع الأقلّ فلا مشقّة.
و عن الثّاني:بالمنع من تعدّدهما،و لهذا لا يترخّص (4)المسافر إذا عبر إلى الجانب الآخر من موطنه و سافر منه إلاّ بعد غيبوبة بنائه عنه.
و عن الثّالث:بجواز (5)أن يكون بينهما ثلاثة أميال فصاعدا،هذا عندنا،و عند المخالف المنع من المساواة للعيد و الجمعة (6).
و عن الرّابع:أنّه حجّة لنا؛إذ أمر فيه بالجمع الّذي لا يفهم إلاّ من الاجتماع.
ص:351
و هو قول علمائنا،و الشّافعيّ (1)،و هو منقول عن ابن عمر،و ابن عبّاس،و عمر بن عبد العزيز،و الأوزاعيّ،و اللّيث، و مكحول،و عكرمة (2)،و مالك (3)،و أحمد (4)،و إسحاق (5).
و قال أبو حنيفة:لا تجب على أهل السّواد (6).و نقله الجمهور عن عليّ عليه السّلام (7)،و عن الحسن،و ابن سيرين،و إبراهيم،و محمّد بن الحسن (8).
لنا:قوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (9).و ذلك عامّ.
و ما رواه الجمهور عن كعب بن مالك (10)قال:أوّل من جمّع بنا[أسعد بن زرارة] (11)في حرّة بني بياضة في نقيع يقال له:نقيع الخضمات (12).قال ابن جريج:قلت لعطاء:أ كان
ص:352
ذلك بأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟قال:نعم.قال الخطّابيّ:حرّة بني بياضة قرية على ميل من المدينة (1).
و عن ابن عبّاس قال:إنّ أوّل جمعة جمّعت بعد جمعة المدينة،لَجُمعَة جمّعت بِجُوَاثَى (2)من البحرين من قرى عبد القيس (3).
و ما رواه أبو هريرة أنّه كتب يسأل عمر عن الجمعة بالبحرين و كان عامله عليها، فكتب إليه:جمّعوا حيث كنتم (4).
و ما رواه عبد اللّه بن عمرو أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«الجُمُعَةُ على من سمع النّداء» (5).و ذلك عامّ في أهل القرى و غيرهم.
و ما رواه مالك قال:كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّون الجمعة في هذه القرى الّتي بين مكّة و المدينة (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين» (7).
و ما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته عن أُناس في قرية هل يصلّون الجمعة جماعة؟قال:«نعم،يصلّون أربعا إذا لم يكن من
ص:353
يخطب» (1).و هذا يدلّ على أنّه مع وجود الخطيب يصلّونها ركعتين.
و ما رواه،عن الفضل بن عبد الملك قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات،فإن كان لهم من يخطب بهم جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر» (2).
و ما رواه في الصّحيح،عن منصور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا» (3).
و ذلك عامّ إلاّ ما أخرجه الدّليل،و لأنّه بناء استوطنه العدد المشترط فوجبت عليهم كما لو كانوا في المصر.
لا يقال:قد روى الشّيخ،عن طلحة بن زيد (4)،عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليهم السّلام قال:«لا جمعة إلاّ في مصر تقام فيه الحدود» (5).
لأنّا نقول:إنّ طلحة بن زيد عاميّ فلا تعويل على روايته،و يمكن أن يحمل على التقيّة،و رواية حفص بن غياث،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام قال:«ليس على أهل
ص:354
القرى جمعة و لا خروج في العيدين» (1).لا تعويل عليها،لضعف حفص (2)،و يحتمل أنّه نفى وجوب الحضور إذا كانوا على أكثر من فرسخين.
احتجّ المخالف (3)بما روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا جمعة و لا تشريق إلاّ في مصر جامع» (4).
و الجواب:هذا الحديث ضعيف،قال أحمد:رواه الأعمش عن سعيد المقبريّ و لم يلقه (5).
و خالف فيه أكثر الجمهور فاشترطوا القرية المبنيّة ممّا جرت العادة ببنائها بها،كالحجر،أو الطّين،أو اللّبن،أو القصب،أو الشّجر و نحوه، و لم يوجبوا الجمعة على أهل الخيام و بيوت الشّعر و أمثالهم و إن كانوا مستوطنين (6)(7)إلاّ الشّافعيّ في أحد قوليه (8). (9)و تردّد الشّيخ في المبسوط و قوّى الوجوب (10).
لنا:قوله تعالى فَاسْعَوْا (11).و ذلك عامّ.
و ما رواه الجمهور،عن جابر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من كان يؤمن
ص:355
باللّه و اليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلاّ مريض أو مسافر أو امرأة أو صبيّ أو مملوك» (1).و في حديث عمر:جمّعوا حيث كنتم (2).
و ما رووه عن عبد اللّه بن عمر أنّه كان يرى أهل المياه يجمّعون فلا يعيب عليهم (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن منصور في قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«يجمّع القوم إذا كانوا خمسة فما زادوا،فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم، و الجمعة واجبة على كلّ أحد،لا يعذر النّاس فيها إلاّ خمسة:المرأة،و المملوك،و المسافر، و المريض،و الصّبيّ» (4).و لأنّهم قاطنون (5)في منازلهم فأشبهوا السّاكنين في المدن و القرى.
احتجّ المخالف بأنّ قبائل العرب لم يقيموا جمعة و لا أمرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لو فعلوها أو أمرهم لنقل؛لكثرته و عموم البلوى به (6).
و الجواب:أمّا الأمر:فقد فعله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد بيّنّاه في الآية و الحديث.
و أمّا فعلهم:فلعلّهم إذا قاربوا المدينة صلّوا فيها،و مع بُعدهم يخفى حالهم،فلهذا لم ينقل أنّهم جمّعوا.
يوجب الجمعة على أهل السّواد؛لأنّهم أشبهوا أهل القرية إلى جانب المصر.
و إن كانت متفرّقة تفرّقا يسيرا غير خارج عن العادة،كان حكمهم حكم القرية الواحدة،خلافا للشّافعيّ فإنّه اشتراط اتّصال البناء (1).و إن كان التّفرّق ممّا لم تجر العادة بمثله،بحيث لا يسمّى المجموع قرية واحدة،فإن كان في كلّ واحد منهم العدد المشترط،وجب عليهم الجمعة أو الحضور إن كانوا على بُعد فرسخين فما دون،و إن لم يكن في شيء منهم العدد المعتبر،فإن كانوا على فرسخين فما دون وجب عليهم الحضور أو على من هو بذلك القدر (2)،و إن بَعُدُوا عن ذلك لم يجب على أحد منهم الجمعة و لا الحضور،و إن كان بعضهم بذلك العدد وجب عليه الجمعة و على كلّ من كان بُعده عنه فرسخين الحضور إليه أو إلى البلد.
لما بيّنّا أنّ البنيان ليس شرطا.
فلو كان مقيما في بلد على سبيل التّجارة أو طلب العلم أو غير ذلك و في نيّته الإبراح مع قضاء و طره (3)وجبت عليه الجمعة و انعقدت به عندنا.و قال أكثر الجمهور:لا تنعقد به (4)،و سيأتي البحث فيه.و كذا لو كانوا أهل قرية يظعنون عنها صيفا و يسكنونها شتاء أو بالعكس وجبت عليهم،خلافا لأكثر الجمهور (5).
لنا:ما تقدّم من الأدلّة الدّالّة على وجوب الجمعة إلاّ من خرج بالدّليل.
ص:357
و به قال أبو حنيفة (1)،و أحمد (2).و قال الشّافعيّ:لا يجوز في غير البنيان (3).
لنا:ما رواه الجمهور أنّ مصعب بن عمير جمّع في نقيع الخضمات،و النّقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدّة،فإذا نضب الماء نبت الكلأ (4).و في حديث عمر:جمّعوا حيث كنتم (5).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن محمّد بن مسلم لمّا سئل عن الجمعة،فوصفها (6)و لم يذكر الإقامة في البنيان،فلا يكون شرطا.و لأنّه تخصيص للعموم الدّالّ على الجواز في كلّ موطن من غير دليل.و لأنّه موضع لصلاة العيد فجازت الجمعة فيه كالجامع.و لأنّ الجمعة صلاة عيد فأشبهت الأضحى.و لأنّ الأصل عدم الاشتراط و لا نصّ في اشتراطه و لا معنى نصّ فكان ساقطا.
احتجّ الشّافعيّ بأنّ القريب (7)موضع يجوز لأهل المصر قصر الصّلاة فيه فلم يجز لهم إقامة الجمعة فيه كالبعيد (8).
و الجواب:المنع من الفرق بين القريب و البعيد أوّلا،و من جواز التّقصير في القريب و سيأتي.
ص:358
فلو صلّى العدد ثمَّ انفضّوا في الأثناء صحّت صلاة الباقي و لو كان الإمام وحده.قال الشّيخ:و لا نصّ لأصحابنا فيه،و الّذي يقتضيه مذهبهم أنّه لا تبطل الجمعة بعد الشّروع (1).و هو قول أبي يوسف،و محمّد (2)،و للشّافعيّ خمسة أقوال:
أحدها:الإتمام ظهرا و هو أصحّها عندهم (3).و به قال زفر (4).
الثّاني:كما قلناه (5).
الثّالث:إن بقي معه واحد أتّمها جمعة حكاه الشّيخ عنه في الخلاف (6)،و أبو ثور أيضا (7).
الرّابع:إن بقي معه اثنان أتمّها جمعة.و هو قول الثّوريّ (8).
الخامس:إن انفضّوا بعد أن صلّى ركعة أتمّها جمعة و إلاّ أتمّها ظهرا.و هو قول المزنيّ (9)، و مالك (10).
و قال أبو حنيفة:إن انفضّوا بعد ما صلّى ركعة بسجدة واحدة أتمّها
ص:359
جمعة (1).
و قال أحمد:تبطل و يستأنفونها (2)ظهرا إلاّ أن يكون هناك وقت يمكن استدراك الجمعة (3).
و قال إسحاق:إن بقي معه اثنا عشر أتمّها جمعة (4).
لنا:أنّه دخل في الصّلاة دخولا شرعيّا فلا تبطل إلاّ بدليل شرعيّ،و لا دليل على شيء من أقاويلهم فسقطت.و لأنّ الجماعة شرط الشّروع لا شرط البقاء؛لأنّ حاجة الإمام إلى الجماعة كحاجة الجماعة إليه و الإمام شرط الشّروع في حقّهم،فإنّ المسبوق يتمّها جمعة فكذا هنا،و لا استبعاد في أن يكون العدد شرطا في الابتداء لا الاستدامة،كعدم الماء في حقّ المتيمّم عندهم.
احتجّ الشّافعيّ على القول الأوّل:بأنّ الجماعة شرط و قد فاتت فتبطل الجمعة و ينتقل الفرض إلى الأصل (5).
و على الثّالث:بأنّه إن بقي معه واحد صدق اسم الجمع فيه إذ الاثنان جماعة (6).
و على الرّابع:أنّ الثّلاثة أقلّ (7)الجمع فمع بقائهم يصدق اسم الجمع عليهم (8).
ص:360
و على الخامس (1):بما روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أُخرى» (2).و لأنّهم أدركوا ركعة فصحّت لهم الجمعة كالمسبوق إذا أدرك ركعة،و لأنّ العدد شرط يختصّ الجمعة فلم يفت بفواته في ركعة،كما لو دخل وقت العصر و قد صلّوا ركعة.
و احتجّ أبو حنيفة بأنّ الجماعة شرط العقد و الشّروع،و الجماعة إنّما توجد بالمشاركة غير أنّ المقتدي بالشّروع قصد المشاركة مع الإمام فتثبت (3)الشّركة في حقّه من غير مؤكّد، و الإمام لم يشارك الجماعة قصدا فلا بدّ من مؤكّد و هو الرّكعة التّامّة (4)حتّى تثبت الشّركة حكما له،فإذا لم يقيّد بالسّجود لم تتحقّق الشّركة،كمصلّي الظّهر إذا قام إلى الخامسة قصدا للتنفّل خرج من الظّهر للحال.و لو قام غير قاصد للتنفّل لم يخرج عن الفرض ما لم يقيّد (5)الخامسة بالسّجدة،و إنّما اكتفينا بالسّجدة الواحدة؛لأنّ بإدراكها يدرك معظم الرّكعة،فأشبه ما لو أدركها (6)بسجدتيها (7).
احتجّ أحمد بأنّه قد فات بعض الشّرائط فكان كفوات الطّهارة (8).
و احتجّ إسحاق بأنّ أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله انفضّوا عنه فلم يبق معه إلاّ
ص:361
اثنا عشر فأتمّها جمعة (1).
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من كون الجماعة شرطا في الاستدامة.
و عن الثّاني:أنّك إن اشترطت مطلق الجماعة قياسا على الابتداء لم يتمّ،بل لا بدّ من اعتبار عدد الابتداء،و إن لم تشترط الجماعة فليس لاعتبار الواحد و الاثنين معنى،و هو الجواب عن الثّالث.
و عن الرّابع:أنّه دالّ (2)على إدراك الجمعة لمن أدرك ركعة،لا على بطلان الجمعة مع التّفرّق،فأين أحد البابين من الآخر! فإن قلت:إنّه إذا انفضّ الجماعة قبل الرّكعة لم يدرك الإمام ركعة.
قلت:هذا بناء على اشتراط الجماعة لإدراك الإمام و المتخلّف للرّكعة و هو أوّل المسألة،فلو استدلّ بهذا الخبر عليه دار.
و عن الخامس:أنّا نسلّم أنّه إذا أدرك ركعة تمّت،و لكن إذا تفرّقوا (3)قبل الرّكعة هل يصحّ جمعة الباقي أم لا؟و القياس الّذي ذكرته لا يدلّ عليه و هو الجواب عن السّادس.
و عن السّابع:أنّه كلام خطابيّ لا طائل تحته،و الأصل الّذي ذكره ممنوع و سيأتي البحث فيه.
و قوله:أدرك معظم الرّكعة فأدركها منقوض بمن لم يَفُته من الرّكعة إلاّ السّجدتان فإنّه أدرك معظمها.
و عن الثّامن:بالمنع من كونه شرطا في الاستدامة.
و عن التّاسع:بأنّه عليه السّلام إنّما أتمّ جمعة؛لأنّه هو الواجب عندنا،و ليس الاثنا عشر (4)شرطا بل وقع اتّفاقا.
ص:362
فلو دخل في الجمعة في وقتها ثمَّ دخل عليه وقت العصر و لم يتمّها صحّت صلاته و أتمّها جمعة،و هل إدراك الرّكعة شرط؟ الأقرب عندي أنّه كذلك،و الشّيخ أطلق في كتابي الخلاف (1)و المبسوط (2).
و قال بعض الجمهور:إذا دخل وقت العصر قبل فعل الرّكعة فلا جمعة،و إن صلّى ركعة فدخل العصر صحّت جمعته (3).
و قال آخرون منهم:لو دخل وقت العصر بعد إحرامه بها أتمّها جمعة،قاله أبو الخطّاب (4).و قال أبو يوسف،و محمّد:لو دخل وقت العصر بعد تشهّده و قبل سلامه سلّم و أجزأته (5)،و هو قول أحمد (6)،و ذلك يعطي أنّه متى دخل قبل ذلك انقلبت ظهرا و بطلت جمعته.
و قال أبو حنيفة:إذا خرج وقت الجمعة قبل فراغه منها بطلت و لا يبني عليها ظهرا (7).و قال الشّافعيّ:لا يتمّها جمعة و يبني عليها ظهرا (8).
لنا:أنّه دخل فيها جمعة على الوجه المشروع فيستصحب و لا يبطل و لا ينقلب ظهرا إلاّ بدليل شرعيّ،و أيضا:قوله عليه السّلام:«من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها
ص:363
ركعة أُخرى» (1).و هذا الحديث يصدق في حقّ المسبوق و من خرج عليه الوقت.
و احتجّ المخالف بأنّ ما كان شرطا في بعضها كان شرطا في جميعها كالطّهارة (2).
و الجواب:أنّه قياس في مقابلة النّصّ فلا يكون مقبولا،و لانتفاضه بالجماعة فإنّه شرط يكتفي بإدراكه في ركعة.
لو خرج الوقت و لم يتلبّس فلا خلاف في بطلان جمعته.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول كلّ من لم يجعل الإسلام شرطا في التّكليف،و قد تقدّم البحث في أنّ الإسلام ليس شرطا في التكليف (4)،و ذلك يعمّ صورة النّزاع،نعم،هو شرط الجواز بلا خلاف.
أصل:اللّفظ المختصّ بالذّكور كالرّجال لا يتناول النّساء إجماعا و كذا العكس،أمّا ما لا يختصّ بأحد القبيلين،فإمّا أن لا يبيّن فيه تذكير و لا تأنيث كلفظة«مَن»و شبهها فهو يتناول القبيلين؛لوقوع الإجماع على أنّ مَن أوصى بهذه الصّيغة أو ربط بها توكيلا،أو إذنا في أمر،أو نذرا فإنّه لا يختصّ بأحدهما.و إمّا أن يبيّن فيه علامة التّذكير و التّأنيث و هاهنا اتّفق النّاس على أنّ الموجود فيه علامة التّأنيث لا يتناول المذكّرين و أمّا الموجود فيه علامة التّذكير فقال الأكثر:أنّه لا يتناول المؤنّث،خلافا لشذوذ.
ص:364
لنا:أنّ الجمع تضعيف الواحد،و قام لا يتناول الإناث،فكذا قاموا.
احتجّ المخالف بأنّ أهل اللّغة قالوا إذا اجتمع المذكّر و المؤنّث غلبت صيغة المذكّر (1).
و الجواب:أنّه غير محلّ النّزاع.
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم؛لأنّ الأصل عدم الوجوب و صيغة الخطاب تتناول الذّكور خاصّة.
و روى الجمهور،عن جابر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلاّ مريض،أو مسافر،أو امرأة،أو صبيّ، أو مملوك» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«فرض اللّه على النّاس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها اللّه عزّ و جلّ في جماعة و هي الجمعة،و وضعها عن تسعة:عن الصّغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس فرسخين» (3).و لأنّ المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرّجال.
لأنّ النّساء كنّ (4)يصلّين مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الجماعة.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ،عن حفص بن غياث قال:و سأل بعض مواليهم ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على المرأة و العبد و المسافر؟فقال ابن أبي ليلى:لا تجب الجمعة على واحد منهم و لا الخائف،فقال الرّجل:فما تقول إن حضر واحد منهم الجمعة مع
ص:365
الإمام فصلاّها معه هل تجزئه تلك الصّلاة عن ظهر يومه؟فقال:نعم،فقال الرّجل:و كيف يجزئ ما لم يفرضه اللّه عليه عمّا فرضه اللّه عليه و قد قلت:أنّ الجمعة لا تجب عليه و من لم تجب عليه الجمعة فالفرض عليه أن يصلّي أربعا و يلزمك فيه معنى أنّ اللّه فرض عليه أربعا فكيف أجزأ عنه ركعتان مع ما يلزمك أنّ من دخل فيما لم يفرضه (1)عليه لم يجزئ عنه ما (2)فرض عليه؟فما كان عند ابن أبي ليلى جواب فيها و طلب إليه أن يفسّرها له فأبى،ثمَّ سألته أنا عن ذلك ففسّرها لي،فقال:الجواب:أنّ اللّه فرض على جميع المؤمنين و المؤمنات و رخّص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها،فلمّا حضروها سقطت الرّخصة و لزمهم الفرض الأوّل،فمن أجل ذلك أجزأ عنهم،فقلت:عمّن هذا؟فقال:عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).
فلو حضر أربعة و امرأة سقطت الجمعة؛لما رواه الشّيخ في الحسن،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط» (4).قال صاحب الصّحاح:الرّهط:ما دون العشرة من الرّجال لا تكون فيهم امرأة (5).
و في الصّحيح،عن منصور،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة (6)فما زادوا،فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم» (7).
ص:366
قال صاحب الصّحاح:القوم:الرّجال دون النّساء (1).و يؤيّده:ذكر الباقي بالعدد الدّالّ (2)على التّذكير.
و في رواية الفضل بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«فإن كان لهم من يخطب بهم جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر» (3).قال صاحب الصّحاح:النّفر بالتّحريك عدّة رجال من ثلاثة إلى عشرة (4).
لما ذكرناه من اشتراط الرّجال في الجمعة.
لا يقال:روى الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أحدهما عليهما السّلام قال:سألته عن أُناس في قرية هل يصلّون الجمعة جماعة؟قال:«نعم،يصلّون أربعا إذا لم يكن من يخطب» (5).و الاُناس يطلق على المذكّر و المؤنّث.
لأنّا نقول:لا دلالة له فيه؛إذ قوله:«يصلّون»إنّما يتناول المذكّر بالحقيقة و قد مضى.
لما رواه الشّيخ،عن أبي همام،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها،و إن صلّت في المسجد أربعا نقصت صلاتها لتصلّ في بيتها أربعا أفضل» (6).
و هو مذهب علماء الإسلام؛لأنّ العقل
ص:367
شرط في التكليف،لاستحالة توجّهه إلى غير العاقل.
مسألة:و البلوغ شرط.و هو مذهب علمائنا أجمع،و ذهب إليه أكثر أهل العلم (1).
و قال بعض الحنابلة:إنّ الصّبيّ المميّز تجب عليه الجمعة (2).
لنا:أنّه غير مكلّف بالتّكاليف الشرعيّة أجمع فكيف يكون مكلّفا بنوع منها.
أحمد روايتان (1).
لنا:ما رواه الجمهور،عن جابر و قد تقدّم (2).
و عن تميم الدّاريّ قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«الجمعة واجبة إلاّ على خمسة:امرأة،أو صبيّ،أو مريض،أو مسافر،أو عبد» (3).رواه رجاء بن المرجئ (4)في سننه.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن و الصّحيح معا،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و وضعها عن تسعة:عن الصّغير،و الكبير،و المجنون،و المسافر، و العبد،و المرأة،و المريض،و الأعمى و من كان على رأس فرسخين» (5).
و ما رواه في الصّحيح،عن أبي بصير و محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلاّ خمسة:المريض،و المملوك، و المسافر،و المرأة،و الصّبيّ» (6).
و لأنّ منافعه مملوكة لسيّده و هو محبوس عليه فكان كالمحبوس بالدّين،و لأنّها يجب السّعي إليها من بعيد فلم تجب[عليه] (7)كالحجّ،و لأنّه لو وجبت عليه لوجب عليه المضيّ
ص:369
إليها و إن لم يأذن السيّد كالفرائض و هو باطل إجماعا.
احتجّ المخالف بعموم الأمر (1).
و احتجّ قتادة بأنّ حقّه عليه قد تحوّل إلى المال فأشبه من عليه الدّين (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الآية مخصوصة بذوي الأعذار و هو منهم،و لأنّها مخصّصة بما (3)قدّمناه من الأحاديث.
و عن الثّاني:أنّ استيلاء السيّد عليه و تملّك منافعه لم يزل بالضّريبة.
و هو قول أكثر أهل العلم (5).و أوجب الحسن البصريّ،و قتادة الجمعة على المكاتب كما أوجباها على المخارج (6)،و هو ضعيف؛لأنّ الرقّ ثابت في الجميع فيدخل تحت اسم المملوك و العبد.
قالا:منفعته له بإذن السيّد.قلنا:إباحة السيّد له التصرّفات لا يزيل ملكه عنه،كما لو أذن له السيّد أو أمره بصلاة الجمعة فإنّها لا تجب عليه عندهما.
و هو قول من ذكرنا؛لوجود المانع و هو الرقّيّة.و قال الشّيخ في المبسوط:تجب عليه في يوم نفسه؛لأنّه ملكها فيه (7).
لأنّه أدّى فرضه فلا يجب
ص:370
عليه بدله.
لينال فضل الجمعة و ثوابها
ذكره في الخلاف (1)،و به قال أبو حنيفة (2)،خلافاً للشّيخ في المبسوط (3)،و للشّافعيّ (4)،و أحمد (5).
لنا:ما دلّ على اعتبار العدد عامّ غير مخصوص بعبد و غيره،و عدم الوجوب عليه لا يقتضي عدم الانعقاد به،كالمريض.
احتجّ المخالف بأنّهم ليسوا من أهل فرض الجمعة فلم تنعقد بهم،كالنّساء (6).
و الجواب:ينتقض ما ذكرتم بالمريض فيبقى دليلنا سالماً،و لا خلاف أنّه لو صلّى الجمعة أجزأته.
فلا تجب على المسافر ما لم يستوطن بلد الغُربة شهرا أو ينوي المقام عشرة أيّام.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول عطاء، و عمر بن عبد العزيز،و الحسن،و الشّعبيّ،و مالك،و الثّوريّ (7)،و الشّافعيّ،و إسحاق، و أبي ثور (8).و قال الزّهريّ و النّخعيّ:إنّ الجمعة تجب على المسافر (9).
ص:371
لنا:ما تقدّم من الأحاديث في فصل العبد (1).و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الصّحابة بأسرهم و من بعدهم لم ينقل عنهم الجمعة في أسفارهم و هذا إجماع،و لأنّ السّفر مظنّة الترخّص فلا يكون مظنّة للمنافي.
احتجّ المخالف بعموم الأمر (2)،و بقوله عليه السّلام:«الجمعة على من سمع النّداء» (3).
و الجواب:أنّ الآية و الخبر مخصوصان بما ذكرناه من الدليل (4).
ذكره في الخلاف (5)،و هو قول أبي حنيفة (6)،خلافا للشّيخ في المبسوط (7)،و للشّافعيّ (8)،و قد تقدّم البحث في العبد و هو آت فيه.
لأنّه بحكم المقيم،و كذا لو أقام شهرا من غير نيّة.و قال الشّافعيّ:لو أقام أربعة أيّام وجبت عليه الجمعة،لأنّه صار مقيما (9)و المشترطون (10)للاستيطان لم يوجبوها عليه و لو طال مقامه.
و هو ظاهر على مذهبنا،و للشّافعيّة قولان:
ص:372
قال أبو إسحاق:لا تنعقد به،لأنّ الشّافعيّ اشترط فيمن تنعقد به الجمعة الاستيطان.
و قال أبو[عليّ بن أبي] (1)هريرة:تنعقد به،لوجوبها عليه فأشبه المستوطن (2). (3)
و لا خلاف في الإجزاء.
لسقوط (4)الجمعة، و الأقرب اشتراطه.
لسقوط الفرض عنه.
ذهب إليه علماؤنا،و هو قول أبي حنيفة (5)، سواء وجد قائدا أو لم يجد،و هو إحدى الرّوايتين عن أبي يوسف (6).و قال محمّد:إذا وجد قائدا وجبت عليه،و هو الرّواية الأُخرى عن أبي يوسف (7).و قال أحمد:يجب عليه الجمعة (8).
لنا:أنّه أبلغ عذرا من المرأة فكان التّرخيص (9)في حقّه ثابتا.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:
ص:373
و وضعها عن الأعمى (1).
احتجّوا بالعموم (2).
و الجواب:أنّه مخصوص بما ذكرناه،أو بالقياس على المعذور.
احتجّ محمّد بأنّه قادر على الإتيان مع القائد فوجب عليه (3).
و الجواب:أنّه عاجز بنفسه فلا يكون قادرا بغيره،لأنّ ذلك الغير ربّما امتنع عن الإعانة في الطّريق.
لعدم العذر.
لما بيّنّاه.
و الجواب:المنع من عموم الخطاب له بعد العفو عنه،و هكذا البحث في كلّ من سقط عنه فرض الجمعة إذا صلّى الظّهر ثمَّ حضرها.
و هو مذهب علمائنا أجمع.و به قال علماء الأمصار، و ذلك لحديث جابر (1)و تميم (2)من طريق العامّة،و حديث زرارة (3)و أبي بصير و محمّد بن مسلم من طريق الخاصّة (4)،و لأنّه معذور للمشقّة الحاصلة بتكلّف الحضور،فسقطت عنه.
لعدم التّخصيص و تناول اسم المريض للجميع.
لحصول المانع فيهما.و قال الشّافعيّ:إنّما تسقط عنه مع زيادة المرض أو حصول مشقّة غير محتملة (5).
و هو قول أكثر أهل العلم (6).
الّتي صلاّها
لما بيّنّا،سواء زال عنه المانع أو لا،و كذا كلّ من لا تجب عليه الجمعة.
و هو مذهب علمائنا أجمع،لأنّه معذور بعرجه
ص:375
لحصول المشقّة في حقّه،و لأنّه مريض فسقطت عنه،و لو حضر وجبت عليه و انعقدت به بلا خلاف.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و تجب على من بينه و بين الجامع فرسخان فما دون،و هذا التّحديد إنّما هو للخارج عن البلد أمّا المستوطن (2)فيه فإنّه يجب عليه الحضور أو الجمعة إذا بعد ثلاثة أميال.
و قال سعيد بن المسيّب (3)،و اللّيث (4)،و مالك (5)،و أحمد:يجب الحضور على غير أهل المصر إذا كان بينهم و بين الجامع فرسخ واحد فما دون و لا يجب لو زاد (6).
و قال الشّافعيّ (7)،و إسحاق:إنّما تجب على من سمع النّداء (8)،و هو مرويّ عن عبد اللّه بن عمر (9).
و قال أبو حنيفة:لا جمعة على من كان خارج المصر و إن سمع النّداء (10).
ص:376
و روي عن أبي هريرة،و ابن عمر،و أنس،و الحسن،و نافع،و عكرمة،و الحكم، و عطاء،و الأوزاعيّ:تجب على من آواه اللّيل إلى أهله (1).
لنا:عموم السّعي،خرج من بعد عن الفرسخين للمشقّة و لحديث زرارة (2)،فيبقى الباقي على أصل الاندراج.
و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجمعة،فقال:«تجب على من كان منها على رأس فرسخين فإن زاد على ذلك فليس عليه شيء» (3).
و ما رواه عن زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين» (4).و ذلك يدلّ من حيث المفهوم على سقوطها عمّن زاد بعده على ذلك.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:
«الجمعة واجبة على من إن صلّى الغداة في أهله إدراك الجمعة،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما يصلّي العصر في وقت الظّهر في سائر الأيّام كي إذا قضوا الصّلاة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجعوا إلى رحالهم قبل اللّيل و ذلك سنّة إلى يوم القيامة» (5).
و روى في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:«و وضعها عن
ص:377
تسعة:.،و من كان على رأس فرسخين» (1).
لأنّا نقول:أمّا الأوّل:فإنّ الوجوب المراد به هنا شدّة الاستحباب،للأحاديث السّابقة.
و أمّا الثّاني:فإنّه يحمل على من زاد عن الفرسخين بشيء قليل،إذ الحصول (2)على نفس الفرسخين ممتنع.
احتجّ مالك بعموم الأمر بالسّعي و هو يتناول غير أهل المصر (3).
و احتجّ الشّافعيّ (4)بما رواه عبد اللّه بن عمرو أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
«الجمعة على من سمع النّداء» (5).
و احتجّ أبو حنيفة بأنّ عثمان صلّى العيد في يوم الجمعة،ثمَّ قال لأهل العوالي:من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف،و من أراد أن يقيم حتّى يصلّي الجمعة فليقم،و لأنّهم خارج المصر فأشبهوا أهل الحلل (6). (7)
و احتجّ الباقون (8)بما رواه أبو هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«الجمعة على من آواه اللّيل إلى أهله» (9).
و الجواب عن الأوّل:أنّه غير دالّ على التّحديد بالفرسخ و نحن نقول بموجبة.
ص:378
و عن الثّاني:أنّ الوجوب على السّامع لا ينفي الوجوب عن غيره،و لأنّه لو لم يحصل النّداء لوجب السّعي،و لأنّ المقصود من السّماع ليس هو الحقيقة،فإنّ فاقد السّمع يجب عليه السّعي،و كذا الغافل و النّائم،و أيضا فالسّمع متفاوت فلا يجوز للشّارع ردّ النّاس إليه بغير ضابط،بل المراد منه القريب (1)فيجد بما ذكرناه للرّوايات عن أهل البيت عليهم السّلام،على أنّه قد طعن فيه أكثر الجمهور و قالوا:إنّه من كلام ابن عمر (2).
و عن الثّالث:بأنّا نقول بموجبة؛إذ مع اجتماع العيد و الجمعة يتخيّر المصلّي و سيأتي.
و عن الرّابع:بالمنع من عدم الوجوب في المقيس عليه،و لو سلّم فالفرق ثابت؛ إذ أولئك غير مستوطنين بخلاف أهل القرى.
و عن الخامس:أنّ راويه عبد اللّه بن سعيد المقبريّ (3)و هو ضعيف.
و انعقدت به.
لرواية زرارة (4)،و لأنّه سعي إلى طاعة اللّه فكان مطلوبا.
فإن كانوا على الشّرائط وجبت عليهم الجمعة أو الحضور،و لو فقدوا الشّرائط تخيّروا بين الظّهر و الحضور، و لو نقص البُعد عن ذلك وجب عليهم الحضور أو الجمعة ما لم يكن بينهم و بين الجمعة
ص:379
ثلاثة أميال،و لو حضر بعضهم فإن تخلف من يصحّ منه الجمعة صحّت منه و إلاّ وجب عليه السّعي.
و هو قول أكثر أهل العلم (1).و مالك لم يجعل المطر عذرا (2).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عبّاس أنّه أمر مؤذّنه في يوم جمعة في يوم مطير:إذا قلت:أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه،فلا تقل:حيّ على الصّلاة،قل:صلّوا في بيوتكم،قال:
فكأنّ النّاس استنكروا ذلك،فقال:أ تعجبون من ذا؟فعل ذا من هو خير منّي (3).رواه مسلم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«لا بأس بأن (4)تدع الجمعة في المطر» (5).
و ما رواه ابن بابويه في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (6).
احتجّ مالك بالعموم.
و الجواب:أنّه يخرج من ذكرنا للعذر.
لأنّ فيه مشقّة فكان الوجوب ساقطا،فلو مرض له قريب و خاف موته جاز له الاعتناء به و ترك الجمعة،و لو لم يكن قريبا و كان معتنيا (7)به جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره مقامه.
ص:380
و لو كان عليه دين يخاف معه من الحضور و هو غير متمكّن سقطت عنه،و لو تمكّن لم يكن عذرا.
و لو كان عليه حدّ قذف أو شرب (1)أو غيرهما لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله و ترك الجمعة.
و هو مذهب علمائنا؛للمشقّة فأشبه المريض، و تدلّ عليه الرّوايات السّابقة (2).
و هو يشتمل على وصفين:البلوغ،و العقل، و ذلك ممّا لا خلاف فيه؛إذ من ليس بعاقل لا يصحّ منه إيقاع الفعل على وجه الطّاعة،و في المراهق نظر،أقربه عدم الجواز أيضا.و كلام الشّيخ في الخلاف يشعر بجواز إمامته (3)،و هو قول الشّافعيّ في الإملاء (4)،و قال في الأُمّ:لا يجوز (5).
لنا:أنّه غير مكلّف فلا يناط به صلاة غيره.
احتجّ الشّيخ بأنّ صلاته شرعيّة (6)؛لقوله عليه السّلام:«مروهم بالصّلاة و هم أبناء سبع» (7).
و الجواب:إن أردت بالشرعيّة ما أمر الشّارع بها للفاعل فهو باطل؛إذ الأمر منوط
ص:381
بالبلوغ،و إن أردت به ما يثاب عليه فهو ممنوع؛لعدم استحقاق الثّواب.نعم،يستحقّون العوض أمّا الثّواب فلا،و إن أردت بالشرعيّة ما أمر الشّارع بها لغير (1)الفاعل فهو مسلّم و ذلك لا يفيد المطلوب.
و هو مذهب علمائنا أجمع،و اعتبر الجمهور الإسلام.
لنا:أنّه فاسق فلا يصلح للإمامة،لما تقدّم في باب الجماعة.و يعتبر فيه العدالة لذلك (2)أيضا،خلافا للجمهور؛لما رواه الجمهور،عن جابر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«لا تؤمّنّ امرأة رجلا،و لا فاجر مؤمنا،إلاّ أن يقهره بسلطان،أو يخاف سوطه أو سيفه» (3).
و يعتبر فيه طهارة المولد و جميع الشّروط (4)المعتبرة في إمام الجماعة و قد سلفت.
و يعتبر فيه الذّكورة (5)،فلا يصلح إمامة النّساء،أمّا للرّجال فلما مضى،و أمّا لأمثالهنّ فلسقوط الجمعة في حقّهنّ.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«يؤمّكم أقرؤكم» (1).
و هذا غير مخصوص بالحرّ.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد،عن أحدهما عليهما السّلام أنّه سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به و كان أكثرهم قرآنا؟قال:«لا بأس» (2).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (3).و لأنّهم رجال يصحّ منهم الجمعة فجاز أن يكونوا أئمّة كالأحرار.
احتجّ المخالف (4)بما رواه السّكونيّ،عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليهم السّلام أنّه قال:«لا يؤمّ العبد إلاّ أهله» (5).و لأنّهم لا تجب عليهم الجمعة فلم يجز أن يؤمّوا كالنّساء.
و الجواب عن الأوّل:بضعف الرّواية.
و عن الثّاني:بالفرق مع أنّه قياس في معارضة النصّ فلا يكون مقبولا.
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه تعالى» (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن أبي عبيدة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن» (4).و لأنّه مكلّف يتعيّن عليه الجمعة مع الحضور فأشبه الحاضر.
احتجّ المخالف بأنّ الجمعة لا تجب عليه فلا يكون إماما كالنّساء (5).
و الجواب:بما تقدّم و النّقض بالمريض.
لا نعرف فيه مخالفا من أهل العلم.
و هو قول أكثر أهل العلم (7)؛لأنّ فقد حاسّة لا يخلّ بشيء من أفعال الصّلاة فكان حكمه حكم فاقد السّمع و الشّمّ.
لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«خمسة لا يؤمّون النّاس على كلّ حال:المجذوم،و الأبرص، و المجنون،و ولد الزّنا،و الأعرابيّ» (8).
ص:384
و روى،عن إبراهيم بن عبد الحميد،عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«لا يصلّي بالنّاس من في وجهه آثار» (1).
و قد روى الشّيخ،عن عبد اللّه بن يزيد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين؟قال:«نعم»قلت:هل يبتلي اللّه بهما المؤمن؟قال:
«نعم،و هل كتب البلاء إلاّ على المؤمن» (2).
قال الشّيخ:هذا محمول على الضّرورة في الجماعة (3).
و تعيّن الاجتماع معه لا خلاف فيه بين علمائنا؛لأنّ الولاية له.
و روى الشّيخ،عن حمّاد بن عيسى،عن جعفر،عن أبيه،عن عليّ عليه السّلام قال:
«إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع بالنّاس ليس ذلك لأحد غيره» (4).
فلا يجوز أن يخطب واحد و يصلّي آخر،و لم أقف فيه على نصّ صريح لهم،لكنّ الأقرب ذلك إلاّ أن يكون هناك عذر؛لأنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام بعده هكذا فعلوا.
و قال عليه السّلام:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (5).و لأنّ الخطبتين كالرّكعتين فيتولاّهما الواحد،و أمّا مع العذر فظاهر؛لأنّ الاستخلاف في بعض الصّلاة له جائز فمع الخطبة أولى.
ص:385
و هل تجب إعادة الخطبة؟فيه نظر.
لأنّ المسبوق يجوز استخلافه في الصّلاة فمع الخطبة أولى،و به قال الأوزاعيّ (1)،و الشّافعيّ (2)؛لأنّه ممّن تنعقد به الجمعة فجاز أن يؤمّ كما لو حضر الخطبة.و قال الثّوريّ:يشترط؛لأنّه إمام في الجمعة فاشترط حضوره[الخطبة] (3)،و به قال أبو ثور،و أصحاب الرّأي (4)،و ليس بشيء.
لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلاّها وقت الزّوال فيهما،و لأنّ النّاس يجتمعون فلو انتظروا الإبراد شقّ عليهم،و هل الصّعود على المنبر واجب؟الأقرب أنّه لا يجب؛لأنّ الواجب إسماع العدد الخطبة لكن يستحبّ،و لا نعرف فيه مخالفا؛لما رواه الجمهور،عن سهل بن سعد قال:أرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى امرأة سماّها سهل أن مُرِي غلامك النجّار يعمل لي أعوادا أجلس عليهنّ إذا كلّمت النّاس (5).
ص:386
و رووا،عن أُمّ هشام بنت حارثة بن النّعمان (1)قالت:ما أخذت(ق)إلاّ عن لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرأها كلّ جمعة على المنبر إذا خطب النّاس (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الجمعة حين تزول الشّمس قدر شراك،و يخطب في الظلّ الأوّل،فيقول جبرئيل عليه السّلام:يا محمّد قد زالت الشمس فانزل فصلّ» (3).
و في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم قال:سألته عن الجمعة؟فقال:«أذان و إقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب» (4).
قال الشّيخ:يستحبّ أن يقعد الخطيب دون الدّرجة العالية من المنبر (5).
أصل:إذا ورد لفظ من الشّرع يمكن حمله على معنى لغويّ و حكم شرعيّ مجدّد، فحمله على الثّاني أولى و ليس بمجمل،لأنّ المعهود من الشّرع إنّما هو تعريف الأحكام لا تعريف اللّغة،فكان اللفظ الصّادر عنه ظاهرا في الحكم الشّرعيّ المجدّد،و قولهم:إنّا عهدنا من باب الشّرع استعمال الألفاظ في معانيها اللغويّة فيتساوى الاحتمالان (6)،ضعيف؛
ص:387
لأولويّة الشّرعيّ،لما ذكرناه.
(1).
لنا:أنّ السّعي إنّما يجب بعد الأذان و هو إنّما يكون بعد دخول الوقت.و ما رواه الجمهور،عن سلمة بن الأكوع قال:كنّا نجمّع مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا زالت الشّمس ثمَّ نرجع نتتبّع الفيء (2).و الجمعة إنّما هي الخطبتان و الركعتان.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم قال:سألته عن الجمعة؟ فقال:«أذان و إقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب.» (3)الحديث.
و ما رواه،عن عبد اللّه بن ميمون،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام قال:
«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتّى يفرغ المؤذّنون» (4).
و لأنّ الفائدة من الخطبة إنّما هو الاستماع للاتّعاظ (5)المستلزم (6)للحضور،و ذلك إنّما يكون بعد الزّوال،لاشتغال النّاس قبله،فكان يلزم أن يفوت الخطبة أكثر المصلّين،و ذلك غير مطلوب في نظر الشّرع،و لأنّهما بدل من الصّلاة فلحقهما (7)حكمها.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتّى ينزل الإمام» (8).
ص:388
و لأنّ الخطبتين يصدق عليهما أنّهما صلاة لغة؛لاشتمالهما على الدّعاء،فنقول:ذلك غير مطلوب من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّها صلاة؛لأنّ الشّرع بتعريف الأحكام أكثر اعتناء من تعريف اللّغات،فلم يبق إلاّ أنّهما تساويان الصّلاة في الأحكام،و الصّلاة إنّما يصحّ بعد الزّوال؛لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا صلاة نصف النّهار إلاّ الجمعة» (1).
احتجّ الشّيخ (2)برواية عبد اللّه بن سنان الصّحيحة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي الجمعة حين تزول الشّمس قدر شراك، و يخطب في الظّلّ الأوّل،فيقول جبرئيل عليه السّلام:يا محمّد قد زالت الشّمس فانزل فصلّ» (3).
و الجواب:أنّ الظلّ الأوّل يمكن أن يكون المراد به ما يحصل بعد زوال الشّمس.
لنا:ما رواه الجمهور،عن جابر قال:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا صعد المنبر سلّم (1).
و عن ابن عمر قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل المسجد يوم الجمعة سلّم على من عند المنبر جالسا،فإذا صعد المنبر توجّه النّاس سلّم عليهم (2).
و عن الشّعبيّ قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل النّاس فقال:«السّلام عليكم و رحمة اللّه»و يحمد اللّه و يثني عليه و يقرأ سورة ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم فيخطب (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عمرو بن جميع (4)رفعه،عن عليّ عليه السّلام قال:«من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا استقبل النّاس» (5).و لأنّه تحيّة فكان حسنا.
احتجّ الشّيخ بأنّ الأصل براءة الذمّة و شغلها بواجب أو مندوب يحتاج إلى دليل (6).
و الجواب:الدّليل ما قدّمناه،و لو (7)كان بالمدينة ابتدأ بالسّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
ص:390
و إذا (1)سلّم ردّ عليه النّاس؛لأنّ ردّ السّلام آكد من ابتدائه،و لقوله تعالى:
وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها (2).
و لما رواه الجمهور،عن ابن عمر قال:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخطب خطبتين كان يجلس إذا صعد المنبر حتّى يفرغ المؤذّنون،ثمَّ يقوم فيخطب،ثمَّ يجلس فلا يتكلّم ثمَّ يقوم (3).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عبد اللّه بن ميمون،عن جعفر عليه السّلام،و قد تقدّم (4).
لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا صعد المنبر جلس إلى أن يفرغ المؤذّنون (5)،و هذا هو الأذان الأوّل؛إذ ينبغي فعله مع أذان المؤذّنين في المنابر و هو الأذان الّذي يحرم به البيع و يتعلّق به وجوب السّعي،و إذا فرغ المؤذّنون من الأذان خطبهم قائما،و لو كان له عذر جاز له القعود،أمّا مع عدمه فلا،و به قال الشّافعيّ (6).و قال أبو حنيفة:لو خطب جالسا من غير علّة جاز (7).
لنا:ما رواه الجمهور في حديث ابن عمر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يخطب
ص:391
قائما خطبتين (1).
و كذا في حديث جابر بن سمرة قال:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يخطب قائما،ثمَّ يجلس،ثمَّ يقوم فيخطب قائما،فمن نبّأك أنّه كان يخطب جالسا فقد كذب،فقد و اللّه صلّيت معه أكثر من ألفي صلاة.رواه مسلم،و أبو داود،و النّسائيّ (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن وهب قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إنّ أوّل من خطب و هو جالس معاوية و استأذن النّاس في ذلك من وجع كان بركبتيه،و كان يخطب خطبة و هو جالس،و خطبة و هو قائم ثمَّ يجلس بينهما،ثمَّ قال:الخطبة و هو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين (3).
و لأنّهما بدل من الرّكعتين فاشترط (4)فيهما القيام كمبدلهما،و لأنّ حكمهما حكم الصّلاة؛لرواية عبد اللّه بن سنان،و قد مضى تقريرها (5).
احتجّ أبو حنيفة بأنّه ذكر ليس من شرطه الاستقبال فلا يجب له القيام،كالأذان (6).
و الجواب:الفرق؛لأنّهما بدل بخلاف الأذان.
لو كان له عذر من علّة أو زمانة جاز له القعود،فلو قدر في أثنائه على القيام وجب، و لو قعد لغير عذر قال الشّيخ:بطلت صلاته و صلاة من خلفه إن علموا،و يصحّ صلاة من
ص:392
لم يعلم (1).
آخر:
لا ينبغي أن يفصل بين الأذان و الخطبة بجلوس و غيره بل ينبغي التّعقيب؛لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذا فعل (2).
و به قال الشّافعيّ (3)،و أحمد (4).و قال أبو حنيفة:يلتفت يمينا و شمالا (5).
لنا:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل كذلك،روى البراء بن عازب قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقبل علينا بوجهه،و نقبل عليه بوجوهنا (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه ابن يعقوب في كتابه،عن السّكونيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:كلّ واعظ قبلة،يعني إذا خطب الإمام النّاس يوم الجمعة ينبغي للنّاس أن يستقبلوه بوجوههم» (7).
و ما رواه ابن بابويه في كتابه أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله قال:«كلّ واعظ قبلة و كلّ موعوظ قبلة للواعظ» (8).يعني في الجمعة و العيدين و صلاة الاستسقاء.
و لأنّه أبلغ في سماع النّاس و أعدل بينهم،فإنّه لو التفت إلى أحد الجانبين لأعرض
ص:393
عن الآخر.
احتجّ أبو حنيفة بالقياس على الأذان (1).
و الجواب:منع الحكم في الأصل.
لحصول المقصود و هو السّماع.
و هو قول عامّة أهل العلم إلاّ الحسن البصريّ،فإنّه استقبل القبلة و لم ينحرف إلى الإمام (2).
و عن سعيد بن المسيّب أنّه كان لا يستقبل هشام بن إسماعيل (3)إذا خطب فوكّل به هشام شرطيّا يعطفه إليه (4).
لنا:ما رواه الجمهور،عن عديّ بن ثابت،عن أبيه،عن جدّه قال:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم (5).
أمّا البعيد الّذي لا يبلغه الصّوت فالأقرب عندي أنّه ينبغي له استقبال القبلة.
ص:394
فلو أخلّ بواحدة منهما فلا جمعة له.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الشّافعيّ (1).و قال مالك،و الأوزاعيّ، و إسحاق،و أبو ثور،و ابن المنذر (2)،و أصحاب الرّأي (3)،و أحمد:إنّه يجزئه خطبة واحدة (4).
لنا:ما رواه الجمهور في حديث ابن عمر (5)و جابر بن سمرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يخطب خطبتين (6)و قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (7).
و من طريق الخاصّة:رواية (8)معاوية بن وهب الصّحيحة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«الخطبة و هو قائم خطبتان يجلس بينهما» (9)الحديث.
و في رواية الفضل بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين» (10).
و في رواية محمّد بن مسلم:«فيصعد المنبر فيخطب،ثمَّ يقعد ثمَّ يقوم فيفتتح بخطبته
ص:395
ثمَّ ينزل» (1).
و بمثله (2)في رواية سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3).و لأنّهما عوض الرّكعتين كلّ خطبة مقام ركعة،و الإخلال بأحدهما كالإخلال بإحدى الرّكعتين.
احتجّ المخالف (4)بقوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (5).و ليس فيه دلالة على وجوب ما زاد (6)على الخطبة.
و الجواب:أنّه مجمل و بيّنه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فكان (7)ما فعله واجبا.
و الصّلاة على النّبيّ و آله صلّى اللّه عليهم،و قراءة شيء من القرآن،و الوعظ،فهذه الأربعة لا بدّ منها،فلو أخلّ بأحدها لم يجزئه.و به قال الشّافعيّ (8).و قال أبو حنيفة:يجزئ من الخطبة كلمة واحدة:
الحمد للّه،أو اللّه أكبر،أو سبحان اللّه،أو لا إله إلاّ اللّه و ما شابه ذلك (9).
و قال أبو يوسف و محمّد:لا يجزئه حتّى يأتي بكلام يسمّى خطبة في العادة (10).
ص:396
و عن مالك روايتان:إحداهما:أنّ من هلّل أو سبّح أعاد ما لم يصلّ.
و الثّانية:أنّه لا يجزئ إلاّ ما يسمّيه العرب،خطبة (1).
أمّا حمد اللّه فلقوله عليه السّلام:«كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد اللّه فهو أبتر» (2).
و أمّا الصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛فلما روي في تفسير قوله أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (3)قال:لا اذكر إلاّ ذكرت معي (4).و لأنّه وجب ذكر اللّه و الثّناء عليه فوجبت الصّلاة على النّبيّ و آله صلّى اللّه عليهم كالأذان و التّشهّد.
و أمّا الصّلاة على آله،فلما رواه ابن يعقوب،عن[عبيد] (5)اللّه بن عبد اللّه الدهقان (6)،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:«كلّما ذكر اسم ربّه صلّ على محمّد و آله» (7).
و أمّا القراءة،فلما رواه الشّعبيّ قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل النّاس فقال:«السّلام عليكم»و يحمد اللّه و يثني عليه و يقرأ سورة ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم فيخطب ثمَّ ينزل (8).
و في رواية جابر كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خطبتان يجلس بينهما و يقرأ
ص:397
القرآن و يذكّر النّاس (1).
و في رواية صفوان بن يعلى (2)،عن أبيه[قال] (3):سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرأ على المنبر وَ نادَوْا يا مالِكُ (4). (5)
و في رواية أُمّ هشام:تلقّنت (6)سورة(ق)من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا خطب يوم الجمعة على المنبر (7).
و أمّا الوعظ،فلما روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال في خطبته:«ألا إنّ الدّنيا عرض حاضر يأكل منه البرّ و الفاجر،ألا و إنّ الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر» (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن سماعة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ينبغي للإمام الّذي يخطب بالنّاس يوم الجمعة[أن] (9)يلبس عمامة في الشّتاء و الصّيف،و يتردّى ببرد يمنيّة أو عدنيّ،و يخطب و هو قائم يحمد اللّه و يثني عليه،ثمَّ يوصي بتقوى اللّه،ثمَّ يقرأ سورة من القرآن قصيرة،ثمَّ يجلس،ثمَّ يقوم فيحمد اللّه و يثني
ص:398
عليه،و يصلّي على محمّد و آله (1)،و على أئمّة المسلمين،و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا فرغ من هذا قام المؤذّن[فأقام] (2)فصلّى بالنّاس ركعتين يقرأ في الأُولى بسورة الجمعة، و في الثّانية بسورة المنافقين» (3).
احتجّ أبو حنيفة بأنّ الأمر مطلق بالسّعي إلى الذّكر المطلق (4)،و لما روي أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:علّمني عملا أدخل به الجنّة،فقال:«لئن أقصرت في الخطبة لقد أعرضت في المسألة» (5).
فالجواب عن الأوّل:ما تقدّم.
و أمّا الثّاني:فلا شكّ أنّه مجاز،فإنّ السّؤال لا يسمّى خطبة.
فالّذي ذكرناه عبارة الشّيخ في الخلاف (6)و المبسوط،إلاّ أنّه قال فيه:و قراءة سورة خفيفة من القرآن (7).
و قال في النّهاية:و يخطب الخطبتين،و يفصل بينهما بجلسة،و يقرأ سورة خفيفة، و يحمد اللّه في خطبته،و يصلّي على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و يدعو لأئمّة المسلمين، و يدعو أيضا للمؤمنين و المؤمنات،و يعظ،و يزجر،و ينذر،و يخوّف (8).
ص:399
و قال السيّد المرتضى في المصباح:يحمد اللّه في الاُولى و يمجّده و يثني عليه، و يشهد لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله بالرّسالة،و يوشّحها بالقرآن،و يعظ.
و في الثّانية:الحمد و الاستغفار،و الصّلاة على النّبيّ و على آله،عليه و عليهم السّلام،و يدعو لأئمّة المسلمين و لنفسه و للمؤمنين (1).
و قال أبو الصّلاح:و خطبة في أوّل الوقت مقصورة على حمد اللّه و الثّناء عليه بما هو أهله،و الصّلاة على محمّد و آله المصطفين (2)،و وعظ،و زجر (3).
و قال ابن البرّاج بمثل قول الشّيخ في النّهاية (4).
و قال ابن حمزة بمثل قوله في المبسوط (5).
و قال الشّيخ في الجمل بمثل قوله في المبسوط (6).و بمثله قال ابن إدريس (7).
ظاهر كلامه في الخلاف الاجتزاء (8)بآية يتمّ فائدتها،و كذا كلام السيّد المرتضى في المصباح.و في رواية سماعة دلالة على وجوب السورة.
و لو قرأ إحدى العزائم نزل فسجد و سجد النّاس معه،و به قال أبو حنيفة (9).و قال الشّافعيّ:لا يجب السّجود،فيجوز له أن يترك،و أن ينزل و يسجد،و أن يسجد على المنبر
ص:400
إن يمكن (1).و قال مالك:لا ينزل (2).
لنا:أنّه واجب فلا يجوز تركه،و ما رواه الجمهور أنّ عثمان نزل و سجد،و كذا عمّار، و أبو موسى،و النّعمان بن بشير،و عقبة بن عامر (3)،و عمل هؤلاء الصّحابة إنّما يكون تلقّيا (4).
احتجّوا بأنّه غير واجب (5).
و الجواب:المنع و سيأتي.
و الظّاهر من عبارات الأصحاب (6)،و الأخبار الوجوب.و به قال الشّافعيّ (7)؛لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يجلسها (8)،و قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» (9).و قال أبو حنيفة (10)،و أحمد (11)، و مالك:إنّ الجلوس ليس بواجب (12).
و احتجّوا بما رواه أبو إسحاق قال:رأيت عليّا عليه السّلام يخطب على المنبر فلم
ص:401
يجلس حتّى فرغ (1).و لأنّها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تكن واجبة.
و الجواب عن الأوّل:بالمنع من النّقل،و لو سلّم فلعلّه اشتبه على الرّاوي؛إذ في أقلّ ما يكون من الجلوس بلاغ،فلعلّه اشتغل عنه في تلك اللّحظة.
و عن الثّاني:بالنّقض بالجلوس بين الرّكعتين.
الرّابع:لو خطب جالسا لعذر فصل بينهما بسكوت.
و لا نعرف فيه مخالفا،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذا فعل (2).
و روى الشّيخ،عن أبي مريم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سألته عن خطبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقبل الصّلاة أو بعدها؟فقال:«قبل الصّلاة ثمَّ يصلّي» (3).
إذ قد خطب في مرّات متعدّدة بخطب مختلفة و كذا الأئمّة عليهم السّلام،بل الواجب اشتمال الخطبة على ما ذكرناه (4)و لا نعرف فيه خلافا.
و لأحمد روايتان (1).
لنا:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خطب متطهّرا،لأنّه كان يصلّي عقيب الخطبة و قال:«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي».و لأنّه فعله بيانا فكان واجبا،و لرواية عبد اللّه بن سنان أنّهما صلاة (2)؛و لأنّهما بدل فكان حكمهما حكم مبدلهما؛و لأنّهما ذكر هو شرط في الصّلاة فاشترطت فيه الطّهارة كالتّكبير.
احتجّ المخالف بأنّ الأصل عدم الوجوب الى أن يظهر دليل (3)؛و لأنّه ذكر يتقدّم الصّلاة فلم يكن الطّهارة فيه شرطا كالأذان.
و الجواب عن الأوّل:ما ذكرنا من الأدلّة،و لأنّ أصله معارض بأنّ الأصل شغل الذمّة بعد الخطاب فلا يحصل البراءة باليقين إلاّ مع الطّهارة فاشترطت.
و عن الثّاني:بالفرق؛إذ الخطبتان بدل و شرط.
إذ الطّهارة شرط و قد فاتت فكان كما لو أحدث في أثناء الصّلاة.و لو أحدث بعد الفراغ منهما (4)قبل الصّلاة،قال الشّيخ في المبسوط:يستخلف؛إذ الأمر بالاستخلاف مطلق (5).و هو في معنى ما ذكرناه.
ثمَّ تيقّن الحدث تطهّر و استأنف.
لما ذكرناه.و اعلم أنّ المسائل
ص:403
المذكورة في الطّهارة و الحدث في الشّكّ و اليقين آتية هاهنا.
ذهب إليه علماؤنا،فلو حضر معه ثلاثة نفر لم يصحّ،و به قال الشّافعيّ (1)،و أحمد (2).و قال أبو حنيفة:لا يشترط (3)العدد في الخطبتين (4).
لنا:الاحتياط يقتضي ذلك،و رواية الفضل (5)،و لأنّه ذكر من شرائط الجمعة فاعتبر فيه العدد كتكبيرة الإحرام (6).
احتجّ بالقياس على الأذان (7).
و الجواب:أنّه ليس بشرط بخلافهما،و يجب الاستماع؛لأنّ المقصود من الخطبة الاستماع للاتّعاظ و ذلك ظاهر.و لأنّه قد نهي النّاس عن الكلام حال الخطبة و لا سبب لذلك إلاّ المنع من الاستماع.و لرواية الفضل بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أهل القرى قال:«إن كان لهم من يخطب بهم جمّعوا» (8).و لا يفهم من الخطبة بهم إلاّ إذا سمعوا.
ص:404
هل الاستماع شرط أم لا؟الأقرب عندي أنّه واجب غير شرط،لعدم الدّلالة على الاشتراط،فلو حضر فاقد السّمع و كان العدد يتمّ به وجبت الجمعة،و لو كانوا كلّهم كذلك وجبت أيضا،عملا بالعموم،و إنّما يشترط العدد في واجبات الخطبة لا في مسنوناتها.
و يبتدئ المؤذّن الّذي بين يديه بالإقامة، و ينادي باقي المؤذّنين:الصّلاة الصّلاة،و صلّى بالنّاس ركعتين،و قد أجمع علماء الإسلام على أنّ الجمعة ركعتان،روى الجمهور عن عمر أنّه قال:صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن سماعة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة يوم الجمعة؟فقال:«أمّا مع الإمام فركعتان،و أمّا من صلّى وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظّهر» (2).
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الشّافعيّ (3)،و أبو ثور (4)،و أحمد (5).
و قال أبو حنيفة:يقرأ من أيّ موضع شاء و لا يختصّ القراءة بسورة (6).
و قال مالك:يقرأ في الأُولى سورة الجمعة و في الثّانية الغاشية (7).
و قال أبو بكر عبد العزيز:يقرأ في الثّانية سبّح (8).
ص:405
لنا:ما رواه الجمهور عن عبيد اللّه بن أبي رافع (1)قال:صلّى بنا أبو هريرة الجمعة فقرأ بسورة الجمعة في الرّكعة الاُولى،و في الرّكعة الآخرة:إذا جاءك المنافقون،فلمّا قضى أبو هريرة الصّلاة أدركته فقلت:يا أبا هريرة إنّك قرأت السّورتين كان عليّ عليه السّلام قرأ بهما بالكوفة قال:إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقرأ بهما في الجمعة.رواه مسلم (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن أبي الصّباح الكنانيّ،قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«إذا كان صلاة الجمعة فاقرأ سورة الجمعة و المنافقين» (3).
و عن أبي بصير عنه عليه السّلام:«و في الجمعة سورة الجمعة و المنافقون» (4).
و في رواية محمّد بن مسلم:ثمَّ يقرأ بهم في الرّكعة الأُولى بالجمعة،و في الثّانية بالمنافقون (5).
و في رواية سماعة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«يقرأ في الأولى بسورة الجمعة و في الثّانية بسورة المنافقون» (6).
و لأنّ سورة الجمعة يليق بها؛لما فيها من الحثّ عليها فكان استحباب القراءة فيها
ص:406
مناسبا،و سورة المنافقون فيها إرغام لهم و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يصلّي بها لذلك (1)المعنى،و لا يخلو زمان منهم (2)،فاستحبّ قراءتها.
احتجّ أبو حنيفة بأنّ النّقل قد اختلف،فتارة نقل أنّه عليه السّلام صلّى بالجمعة و المنافقين،و تارة نقل أنّه صلّى بسبّح و الغاشية و غير ذلك،و ذلك يدلّ على عدم اليقين (3).
و احتجّ مالك بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي بالجمعة و الغاشية (4).
و احتجّ أبو بكر عبد العزيز بما نقله مالك قال:أمّا الّذي جاء به الحديث:هل أتاك حديث الغاشية،مع سورة الجمعة،و الّذي أدركت عليه النّاس سبّح اسم ربّك الأعلى (5).
و الجواب عنهما:أنّ ما ذكرناه أولى؛لاشتماله على فعل أكثر الصّحابة مع فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و لأنّ فيه زيادة ثواب لزيادة القراءة،و ما ذكروه يحتمل أن يكون في وقت الاستعجال و ذلك لا ينافي ما ذكرناه من الأولويّة.
الشّيخ في الخلاف (1)،و الظّاهر من كلامه في المبسوط ذلك أيضا (2)،و به قال السيّد المرتضى (3)،و ابن إدريس (4).و نقل عن بعض أصحابنا وجوب السّورتين (5).
لنا:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن الرّجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّدا؟قال:«لا بأس بذلك» (6).
و ما رواه محمّد بن سهل بن الأشعريّ (7)،عن أبيه قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرّجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّدا؟قال:«لا بأس» (8).
و لأنّ الأصل براءة الذمّة و قد ثبت الاستحباب فالزّائد يحتاج (9)إلى دليل.
احتجّ الموجبون بما رواه الشّيخ في الحسن،عن عمر بن يزيد قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من صلّى الجمعة بغير الجمعة و المنافقين أعاد الصّلاة في سفر
ص:408
أو حضر» (1).
و ما رواه في الصّحيح،عن صبّاح بن صبيح (2)قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقل هو اللّه أحد،قال:«يتمّها ركعتين ثمَّ يستأنف» (3).
و ما رواه في الحسن،عن محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إنّ اللّه أكرم بالجمعة المؤمنين فسنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشارة لهم.و المنافقين توبيخا للمنافقين،و لا ينبغي تركهما،فمن تركهما متعمّدا فلا صلاة له» (4).
و الجواب:أنّ ذلك دليل على شدّة التّأكيد (5)لا على الوجوب،كما أنّه قد روي أنّ من دخل في الصّلاة بغير أذان استأنف (6)،و كذا من دخل الإمام و قد صلّى بعض الصّلاة أتمّها نافلة،ثمَّ دخل في الجماعة (7).
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الجمعة في السّفر ما أقرأ فيهما؟قال:«اقرأهما بقل هو اللّه أحد» (8).فدلّ ذلك
ص:409
على أنّ قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:«أعاد في سفر أو حضر»إنّما أراد به المبالغة.
و أيضا:روى الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:«لا بأس بأن تقرأ فيها بغير الجمعة و المنافقين إذا كنت مستعجلا» (1).
لأنّه مستحبّ فات فعله في محلّه (2)فاستحبّ استدراكه،و لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام في الرّجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللّه أحد،قال:«يرجع إلى سورة الجمعة» (3).
و في الصّحيح،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا افتتحت صلاتك بقُل هو اللّه أحد و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلاّ أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها» (4).
و في الموثّق،عن عبيد بن زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أُخرى؟قال:«فليرجع إلى السورة الأولى إلاّ أن يقرأ بقل هو اللّه أحد»قلت:رجل صلّى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو اللّه أحد؟قال:
«يعود إلى سورة الجمعة» (5).
ص:410
بالسّورتين،ذكره الشّيخ (1)،و خالف فيه ابن إدريس (2)،و الأقرب عندي قول الشّيخ؛ لرواية صبّاح و قد مضت (3).
احتجّ ابن إدريس بأنّ النّقل يحتاج إلى دليل و لم يوجد (4).
و جوابه:أنّ الرّواية دلّت عليه،و لا خلاف أنّه ليس على سبيل الوجوب.
و لم أقف على قول للأصحاب في الوجوب و عدمه و الأصل عدمه.
و يدلّ على الجهر ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن جميل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إنّما يجهر إذا كانت خطبة» (5).و بمثله روى في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم (6).
و ما رواه،عن عبد الرّحمن العرزميّ (7)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أُخرى و أجهر فيها» (8).
و ما رواه في الصّحيح،عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و يجهر بالقراءة» (9).
بلا خلاف بين علمائنا
ص:411
لأنّها مستحبّتان في بدلها فاستحبّتا فيها.
و يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
سألته عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟فقال:«نعم»و قال:
«اقرأ بسورة (1)الجمعة و المنافقين يوم الجمعة» (2).
و إلاّ أتمّها نافلة و استأنف الفريضة بالسّورتين على جهة الاستحباب و البحث فيه كما في الجمعة.
قال الشّيخ:نعم (3)،و منع ابن إدريس من ذلك (4)،و هو مذهب الجمهور (5).
و قال السيّد المرتضى في المصباح:و أمّا المنفرد بصلاة الظّهر يوم الجمعة فقد روي أنّ عليه أن يجهر بالقراءة استحبابا،و روي أنّ الجهر إنّما يستحبّ لمن صلاّها مقصورة بخطبة أو صلاّها ظهرا أربعا في جماعة و لا جهر على المنفرد (6).و الأقرب عندي ما ذكره الشّيخ.
لنا:رواية الحلبيّ و قد تقدّمت.
و ما رواه الشّيخ،عن عمران الحلبيّ قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول
ص:412
و سئل عن الرّجل يصلّي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟فقال:«نعم،و القنوت في الثّانية» (1).
و ما رواه في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لنا:«صلّوا في السّفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة،و أجهروا بالقراءة»فقلت:إنّه ينكر علينا الجهر بها في السّفر،فقال:«أجهروا بها» (2).
و ما رواه،عن محمّد بن مروان قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة الظّهر يوم الجمعة كيف نصلّيها في السّفر؟فقال:«تصلّيها في السّفر ركعتين و القراءة فيها جهرا» (3).
و لأنّها مبدل لما يستحبّ فيه الجهر و لا يزيد البدل عن المبدل منه؛و لأنّ الأصل جواز الجهر.و لأنّ فيه تحريصا على العبادة فكان الجهر و الإعلان فيه مستحبّا.
احتجّ المخالف (4)بما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن جميل قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن[الجماعة يوم] (5)الجمعة[في السّفر] (6)؟فقال:«تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظّهر و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة،إنّما يجهر إذا كانت خطبة» (7).
ص:413
و في الصّحيح عن محمّد بن مسلم قال:سألته عن صلاة الجمعة في السّفر؟قال:
«تصنعون كما تصنعون في الظّهر و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة،و إنّما يجهر إذا كانت خطبة» (1).
و أجاب الشّيخ عنهما بتنزيلهما على حال التقيّة (2).و هو جيّد؛لرواية محمّد بن مسلم و ذكر الإنكار فيها.
و لما رواه في الموثّق،عن عبد اللّه بن بكير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم في قرية ليس لهم من يجمّع بهم،أيصلّون الظّهر يوم الجمعة جماعة؟قال:«نعم،إذا لم يخافوا» (3).فهاهنا صرّح بالتّقيّة.
و له وقت وجوب-و هو الزّوال إن كان قريبا،أو قبله بحيث يدرك الجمعة إن كان بعيدا لا خلاف في هذا،لأنّ أداء الجمعة واجب و لا يتمّ إلاّ بالسّعي على الوجه الّذي ذكرناه فيكون واجبا-و وقت استحباب و هو أوّل النّهار.ذهب إليه علماؤنا،و هو قول الأوزاعيّ (4)،و الشّافعيّ (5)،و ابن المنذر (6)،
ص:414
و أحمد (1)،و أصحاب الرّأي (2).و قال مالك:لا يستحبّ التكبير قبل الزّوال (3).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:
«من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة،ثمَّ راح في السّاعة الأُولى فكأنّما قرّب بَدَنَة،و من راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة،و من راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، و من راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دَجَاجَة،و من راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بَيضَة،فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» (4).
و قال علقمة:خرجت مع عبد اللّه بن مسعود إلى الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه، فقال:رابع أربعة و ما رابع أربعة ببعيد إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إنّ النّاس يجلسون من اللّه تعالى يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة» (5).
و روى التّرمذيّ بإسناده أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من غسّل يوم الجمعة و اغتسل،و بكّر و ابتكر كان له بكلّ خطوة يخطوها أجر سنة،صيامها و قيامها» (6).
و معنى قوله:«بكّر»أي خرج في بكرة النّهار أي أوّله و ابتكر أي بالغ،فجاء في أوّل البكرة، و قوله:«غسّل و اغتسل»أي غسّل امرأته ثمَّ اغتسل ليكون غاضّا لطرفه مع خروجه.
و قيل:غسّل رأسه و اغتسل في بدنه،قاله ابن المبارك (7).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان قال:قال
ص:415
أبو عبد اللّه عليه السّلام:«فضّل اللّه الجمعة على غيرها من الأيّام،و إنّ الجنان لتزخرف و تزيّن يوم الجمعة لمن أتاها،فإنّكم تتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة،و إنّ أبواب السّماء لتفتح لصعود أعمال العباد» (1).
و عن جابر بن يزيد،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قلت له:قول اللّه عزّ و جلّ:
فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ (2)قال:قال:«اعملوا و عجّلوا فإنّه يوم مضيّق على المسلمين فيه،و ثواب أعمال المسلمين على قدر ما ضيّق عليهم،و الحسنة و السيّئة تضاعف فيه»قال:و قال أبو جعفر عليه السّلام:«و اللّه لقد بلغني أنّ أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانوا يجهّزون للجمعة يوم الخميس؛لأنّه يوم مضيّق على المسلمين» (3).
و عن جابر قال:كان أبو جعفر عليه السّلام يبكّر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشّمس قِيد رمح (4)،فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك،و كان يقول:«إنّ لِجُمع شهر رمضان على جُمع سائر الشّهور فضلا كفضل شهر رمضان على سائر الشّهور» (5).
و لأنّه موطن (6)عبادة فاستحبّ المضيّ إليه و المباكرة له.و لأنّ المضيّ إلى الجمعة طاعة فيستحبّ المسارعة إليها؛لقوله تعالى وَ سارِعُوا (7).
احتجّ مالك (8)بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من راح إلى الجمعة». (9)و الرّواح
ص:416
بعد الزّوال.
و الجواب:أنّه لا ينافي ما ذكرناه،على أنّه يستعمل مجازا في غير ما ذكر؛لقوله عليه السّلام:«ثمَّ راح في السّاعة الاُولى» (1).و لأنّه عليه السّلام ذمّ المتأخّر فقال للّذي يتخطّى النّاس:«رأيتك آنيت و آذيت» (2).أي أخّرت المجيء.
و يسرّح لحيته،و يستاك،و يلبس أنظف ثيابه،و يعمّم و يرتدي؛لما رواه الجمهور،عن ابن عبّاس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ هذا يوم عيد جعله اللّه للمسلمين،فمن جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل،و إن كان طيب فليمسّ منه و عليكم بالسّواك» (3).
و عن عبد اللّه بن سلام أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في يوم الجمعة يقول:
«ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعته سوى ثوبي مهنته» (4).و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعتمّ (5)و يرتدي (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن هشام بن الحكم قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة يغتسل،و يتطيّب،و يسرّح لحيته، و يلبس أنظف ثيابه،و ليتهيّأ للجمعة،و ليكن عليه في ذلك اليوم السكينة و الوقار،
ص:417
و ليحسن عبادة ربّه،و ليفعل الخير ما استطاع،فإنّ اللّه يطّلع إلى الأرض ليضاعف الحسنات» (1).
و يستحبّ أخذ الشّارب و قصّ الأظفار فيه،روى الشّيخ،عن محمّد بن العلاء (2)، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:«من أخذ من شاربه و قلّم أظفاره يوم الجمعة ثمَّ قال:بسم اللّه على سنّة محمّد و آل محمّد،كتب اللّه له بكلّ شعرة و بكلّ قلامة عتق رقبة و لم يمرض مرضا يصيبه إلاّ مرض الموت» (3).
و روي في الصّحيح،عن حفص بن البختريّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«أخذ الشّارب و الأظفار من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام» (4).
و يستحبّ للخطيب أن يلبس عمامة و يتردّى ببرد يمنيّة أو عدنيّ؛لرواية سماعة (5)، و أن يكون عليه السّكينة و الوقار؛لرواية هشام (6).
و يستحبّ للمصلّي أن يمشي إلى الجمعة ماشيا إلاّ أن يقصد من بعد خارج عن البلد فإنّه يجوز له الرّكوب إذا كانت هناك مشقّة و إلاّ فالمشي أولى.
سواء ظهر الإمام أو لم يظهر،و سواء كان له مجلس يعتاد (7)الجلوس فيه أو لم يكن.
ص:418
و به قال عطاء (1)،و سعيد بن المسيّب (2)،و الشّافعيّ (3)،و أحمد (4).و قال مالك:و إن لم يكن الإمام قد ظهر لم يكره،و إن ظهر كره إن لم يكن له مجلس معتاد و إلاّ لم يكره (5).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لقد آذيت» (6).
و عنه عليه السّلام أنّه قال:«من تخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة اتّخذ جسرا إلى جهنّم» (7).
و عن عبد اللّه بن بُسر (8)قال:جاء رجل يتخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخطب،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«اجلس فقد آذيت» (9).
و لأنّه فعل يتأذى به فينبغي اجتنابه.
لعموم الخبر،إلاّ أن لا يجد إلى مصلاّه سبيلا فيجوز له التخطّي إليه إذا لم يكن له موضع يتمكّن من الصّلاة فيه.
ص:419
و به قال الشّافعيّ (1).و قال الأوزاعيّ:يتخطّاهم إلى السّعة مطلقا (2).و قال قتادة:
يتخطّاهم إلى مصلاّه (3).و قال الحسن البصريّ:يتخطّى رقاب الّذين يجلسون على أبواب المسجد فإنّه لا حرمة لهم (4).أمّا لو تركوا الصّفوف الأُولى خالية جاز له أن يتخطّاهم؛لأنّهم رغبوا عن الفضيلة فلا حرمة لهم يمنع التّخطّي (5).
لأنّه موضع حاجة،فكان حكمه حكم من لا يجد مكانا إلاّ مع التخطّي.
بلا خلاف؛لأنّه موضع ضرورة،و لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى بالمدينة العصر فسلّم ثمَّ قام مسرعا فتخطّى رقاب النّاس إلى حجر بعض نسائه (6).فلو عاد كان أحقّ بمكانه على قول (7).
سواء كان معتادا بالجلوس فيه أو لم يكن؛لأنّ العادة لا يوجب التّمليك و لا الأولويّة و قد حصل السبق المفيد لها فلا يعدل عنه،و لقوله تعالى سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (8).
و لما روي عنه عليه السّلام أنّه قال:«من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به» (9).و هذا بلا خلاف.
ص:420
لأنّه يقوم باختياره فكان كما لو احتطب (1)له،أمّا لو لم يكن نائبا فقام ليجلس آخر لم يكن أيضا به بأس،لأنّه قام باختياره فأشبه النّائب،سواء انتقل القائم إلى مكان مثله أو دونه.
و قيل بالكراهية في الثّاني (2)؛لأنّه يؤثر على نفسه في الدّين،و الأوّل أولى لشرعيّة تقديم أهل الفضل،و لقوله عليه السّلام:«لِيَلني منكم أهل الفضل و النّهي» (3).
أقربه الاختصاص؛لأنّ الحقّ للآثر و قد خصّ به غيره،فكان قائما مقام نفسه،كما لو حجّر موضعا ثمَّ آثر به غيره.و قيل:لا يختصّ؛لأنّه بالقيام عنه خرج استحقاقه فبقي على الأصل،كمن وسع لرجل في طريق فمرّ غيره (5).و لعلّ بينهما فرقا،من حيث أنّ الطريق جعل للمرور فيه، فمن انتقل من مكان فيها لم يبق له فيه حق،بخلاف المسجد الموضوع للإقامة.
لعموم النّهي.و لأنّ هذا غير مال،بل هو حقّ دينيّ،فيستوي فيه السيّد و عبده كسائر الحقوق الدينيّة.
فيه
ذكره الشّيخ (6)؛إذ لا حرمة له.و لأنّ السّبق بالأبدان لا بما يجلس عليه.
و هو اتّفاق؛لما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من غسّل و اغتسل،و بكّر و ابتكر،و مشى و لم يركب،و دنا من الإمام
ص:421
فاستمع و لم يَلغُ،كان له بكلّ خطوةٍ عمل سنة أجر صيامها و قيامها» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن معاوية بن وهب قال:رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام يوما و قد دخل المسجد الحرام لصلاة العصر،فلمّا كان دون الصّفوف ركعوا فركع وحده (2)ثمَّ سجد السّجدتين ثمَّ قام يمضي حتّى لحق بالصّفوف (3).
و إذا كان الحال كذلك في شيء لم يوجب فيه الاجتماع،ففيما أوجب أولى،و لأنّه أمكن من السّماع.
روى ابن عمر قال:سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحوّل إلى غيره» (4).و لأنّ تحرّكه يزيل نعاسه فكان سائغا للسّماع.
أشبهه
ذهب إليه عامّة أهل العلم.روى الحكم بن حزن (5)قال:وفدت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فأقمنا أيّاما شهدنا فيها الجمعة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقام متوكّئا على عصا أو قوس فحمد اللّه و أثنى عليه كلمات طيّبات خفيفات مباركات (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه
ص:422
عليه السّلام:«و ليلبس البرد و العمامة و يتوكّأ على قوس أو عصا» (1).
و لأنّ ذلك أعون له،و لو لم يفعل استحبّ له أن يصعد ساكن (2)الأطراف مرسلا يديه ساكنتين مع جنبيه و لا يضع اليمين على الشّمال كالصّلاة.
و لو لم يوجد المنبر اتّخذ شيئا يشبهه ليصعد عليه،و لو كان في الصّحراء نظر إلى موضع مرتفع أو جمع شيئا من الآلات أو الأحجار (3)ثمَّ يصعد عليها؛لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذا فعل في خطبته.
ليحصل السّماع التامّ لأكثر النّاس.
روى جابر قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا خطب احمرّت عيناه و علا صوته و اشتدّ غضبه حتّى كأنّه منذر جيش يقول صبحكم مسّاكم (4).
و يستحبّ تقصير الخطبة؛لما رواه عمّار قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«أطيلوا الصّلاة و أقصروا الخطبة» (5).
و روى جابر بن سمرة قال:كنت أُصلّي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكانت صلاته قصدا و خطبته قصدا (6).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«إنّما كان يصلّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله العصر في وقت الظّهر في سائر
ص:423
الأيّام كي إذا قضوا الصّلاة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجعوا إلى رحالهم قبل اللّيل» (1).و فيه دلالة من حيث المفهوم على المطلوب،و لأنّ فيه تخفيفا و تسهيلا.
و يستحبّ أن يكون فصيحا في خطبته بليغا،و يكون كلامه فوق الرديّ المسترذل و دون الوحشيّ المستثقل،و لا يستعجل فيه و لا يمطّطه بل يكون بيّنا،و يكون صادق اللّهجة،و إذا أُرتِج عليه جاز لغيره أن يذكّره.
فلو عكس ففي الإجزاء (2)نظر أقربه الثبوت؛لأنّه أتى بالمطلوب،و لو قرأ آيات تشتمل على ما هو مطلوب (3)ففي الإجزاء نظر،و يمكن أن يقال به لحصول الأمر المطلوب.
و تجب الموالاة فيها (4)،فلو فصل في أثناء الخطبة بكلام طويل أو سكوت طويل حتّى خرج عن اسم الخطيب استأنف و ذلك منوط بالعادة،و لا يشترط الموالاة بين الخطبة و الصّلاة ما لم يطل الفصل.
العلم (1).و قال مالك (2)،و أحمد:إذا زالت الشّمس يوم الجمعة حرم البيع (3).
لنا:أنّه معلّق (4)على النّداء لا على الوقت،فلا يحرم قبله عملا بالأصل السّالم عن المعارض،و لأنّ المقصود منه إدراك الجمعة و هو يحصل بما ذكرناه.
و أمّا الكراهية وقت الزّوال فقد ذكرها الشّيخ في الخلاف قال:لأنّا قد بيّنّا أنّ الزّوال وقت الصّلاة،و أنّه ينبغي أن يخطب في الفيء و إذا زالت نزل فصلّى،فإذا أخّر فقد ترك الأفضل.
فيجوز للعبيد و النّساء و المرضى و المسافرين و غيرهم ممّن لا تجب عليهم عقد البيع.ذهب إليه أكثر أهل العلم (5).و قال مالك:يحرم عليهم كما يحرم على المخاطبين (6)،و به رواية عن أحمد (7).
لنا:أنّه تعالى إنّما حرّم البيع على من كلّفه السّعي فلا يتناول غيرهم عملا بالأصل السّالم،و لأنّ الغرض منه عدم الاشتغال عن الجمعة و هو إنّما يصحّ في المكلّف بها،و لأنّه غير محرّم في حقّ المسافر في غير المصر و لا في حقّ المقيم بقرية لا جمعة على أهلها إجماعا.
و كذا صورة النّزاع لاشتراكهما في عدم التّكليف بها.
ص:425
إجماعا،أمّا الآخر فإنّه يكون قد فعل مكروها،ذكره الشّيخ في المبسوط؛لإعانته على المحرّم (1)،و به قال بعض الجمهور (2).و قال الشّافعيّ:إنّه أثم أيضا (3)؛لدليل الشيخ، و هو جيّد؛لقوله تعالى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (4).
و إن كان محرّما،نقله الشّيخ في المبسوط (6)،و به قال الشّافعيّ (7)و أبو حنيفة (8).و قال مالك (9)،و أحمد (10)،و داود بعدم الانعقاد (11)،و هو القول الآخر للأصحاب،اختاره الشّيخ (12).
لنا:أنّ النّهي لا يقتضي فساد المنهيّ عنه في المعاملات،و تحقيقه أنّ النّهي لأجل الصّلاة،و ذلك لا يختصّ بالبيع فلا يوجب فساده،كمن ترك صلاة واجبة و اشتغل بالبيع.
احتجّ الشّيخ بأنّ النّهي يدلّ على الفساد و هو ممنوع.
ص:426
فيه نظر،ينشأ من أنّه عقد يوجب الاشتغال عن الجمعة فكان النّهي عن البيع نهيا-من حيث المفهوم-عنه،و من اختصاص النّهي بالبيع فإلحاق غيره به قياس مع قيام الفرق؛لعدم مساواة غيره له في الاشتغال لقلّة وجوده بخلافه.
(1).
و قال آخرون منهم:إنّه مكروه (2)،و القولان للشّيخ في الخلاف (3)،و بالأوّل قال الشّافعيّ في القديم و الإملاء (4)،و أبو حنيفة،و مالك،و الأوزاعيّ،و أحمد (5)، و ابن المنذر (6).و بالثّاني قال الشّافعيّ في الجديد (7)،و عروة بن الزّبير (8)،و الشّعبيّ، و النّخعيّ،و سعيد بن جبير (9)،و الثّوريّ (10).
وجه الأوّل:ما رواه أبو هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا قلت
ص:427
لصاحبك:أنصت و الإمام يخطب فقد لغوت» (1).و اللّغو الإثم.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن محمّد بن مسلم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته،فإذا فرغ من خطبته تكلّم ما بينه و بين أن تقام الصّلاة فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه» (2).
و عندي (3)الكراهية،عملا بالأصل،و رواية محمّد بن مسلم لا تدلّ على التّحريم، بل أكثر ما يستعمل:لا ينبغي،في المستحبّ،و رواية أبي هريرة معارضة بما رواه أنس، قال:بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخطب يوم الجمعة إذ قام إليه رجل فقال:يا رسول اللّه هلك الكراع[و] (4)هلك الشّاة فادع اللّه أن يسقينا-و ذكر الحديث[إلى أن] (5)قال-:ثمَّ دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قائم يخطب فاستقبله قائما فقال:يا رسول اللّه هلكت الأموال و انقطعت السّبل فادع اللّه يرفعها عنّا (6).
و روي أنّ رجلا قام إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو يخطب فقال:يا رسول اللّه متى السّاعة؟فأعرض عنه،و أومأ النّاس إليه بالسّكوت،فلم يقبل و أعاد،فلمّا كان في الثّالثة قال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«و يحك ما ذا أعددت لها؟»قال:حبّ (7)اللّه
ص:428
تعالى و رسوله،فقال:«إنّك مع من أحببت» (1).و هذا كما يدلّ على جواز الكلام من المستمع يدلّ على جوازه من الخطيب،على أنّ خبر أبي هريرة دلّ على جعله لاغيا لكلامه في الموضع الّذي يليق به السّكوت،و ليس كلّ لغو إثما،قال اللّه تعالى لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (2).
سواء قلنا:إنّ (4)النّهي للتّحريم أو للتّنزيه.ذهب إليه علماؤنا،و به قال عطاء، و طاوس،و الزّهريّ،و المزنيّ،و النّخعيّ (5)،و مالك،و إسحاق (6)،و أبو يوسف (7)، و الشّافعيّ و أصحابه (8).و قال أبو حنيفة (9)،و محمّد:الكلام مباح ما لم يظهر الإمام، فإذا ظهر حرم حتّى يفرغ من الخطبتين و الصّلاة (10).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أنس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان ينزل يوم الجمعة
ص:429
من المنبر فيقوم معه الرّجل فيكلّمه في الحاجة ثمَّ ينتهي إلى مصلاّه فيصلّي (1).
و من طريق الخاصّة:رواية محمّد بن مسلم و قد تقدّمت (2).
و إذا ثبت الجواز بعد الخطبتين فقبلهما أولى،و أيضا:حديث أبي هريرة دلّ (3)على تعليق النّهي بحال الخطبة.
احتجّ المخالف بأنّه بعد الخطبة يكره له الصّلاة فالكلام أولى (4).
و الجواب:أنّه غير دالّ على مطلوبه.
لقوله تعالى وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها (5).و لأنّه يجوز ذلك في الصّلاة ففي حال استماع الخطبة أولى.
و قال بعض الجمهور:لا يردّ السّلام و لا يسمّت العاطس؛لأنّ فرض الإنصات سابق (6).
و قال آخرون منهم:لا يردّ السّلام و يسمّت العاطس؛لأنّ المسلّم سلّم في غير موضعه بخلاف العاطس (7).
و أبي حنيفة (1)،و أحمد (2).و حكى الشّافعيّ في القديم عن أبي حنيفة أنّه قال:إذا تكلّم حال الخطبة و صلّى أعادها (3)،و هكذا حكى عنه السّاجي (4).و قال محمّد:لا يعيد (5).
لنا:ما تقدّم من الأحاديث و الأصل دالّ على جوازه.
و احتجّوا بحديث أبي هريرة (6).
و الجواب:ما تقدّم.
عملا بالعموم،و للبعيد أن يذكر اللّه تعالى و يقرأ القرآن فيما بينه و بين نفسه،و يصلّي على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كذلك؛لأنّه غير مستمع لبعده فلم يتعلّق به النّهي،و هل الإنصات أفضل أم الذّكر؟فيه نظر.
لارتكابه ما نهي عنه،و لحديث أبي هريرة،بل ينبغي له الإشارة.و به قال زيد بن صوحان (7)،و عبد الرحمن بن أبي ليلى،و الثّوريّ، و الأوزاعيّ،و أحمد،و ابن المنذر.و كره طاوس الإشارة (8)،و ليس بجيّد؛لأنّه قد أومأ النّاس إلى السّائل متى السّاعة؟بالسّكوت بحضرة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و لأنّ الإشارة لا تكره في الصّلاة ففي الخطبة أولى.
ص:431
كتحذير الضّرير من التردّي،و الواطئ حيوانا مؤذيا كالعقرب؛لأنّه يجوز في الصّلاة إفسادها به ففي الخطبة أولى.
لأنّه سكوت يسير في أثناء الخطبتين فأشبه سكوت التنفّس.و به قال مالك،و الشّافعيّ،و الأوزاعيّ، و إسحاق (1)،إلاّ أنّهم قالوا بالتّحريم بناء على أصلهم في تحريم الكلام.
و قال الحسن البصريّ:لا يمنع من الكلام فيها؛لأنّ الإمام غير خاطب و لا متكلّم (2)فأشبه ما قبلها و ما بعدها (3).و هو ضعيف؛لأنّه و إن لم يكن خاطبا إلاّ أنّه في حكمه.
لأنّه لم يفرغ من الخطبة، إذ قد بيّنّا أنّها مشتملة عليه (4).و قال بعض الجمهور:يزول النّهي (5).
لما فيه من الاشتغال بغير الطّاعة في وقتها، و لمنعه الفهم فلا يحصل الخشوع،و لما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«و من مسّ الحصى فقد لغا» (6).
و أحمد (1)؛لأنّه فعل يشتغل به،و ليس بجيّد.و نقل ابن الصّبّاغ عن الأوزاعيّ أنّه يبطل الجمعة (2)،و ذلك خلاف الإجماع.
خلافا لأحمد،فإنّه قال:حصبه أعجب إليّ؛لأنّ ابن عمر رأى سائلا يسأل و الإمام يخطب يوم الجمعة فحصبه (3).
لنا:العموم الدّالّ على فعل الصّدقة،و لأنّ كراهية السّؤال لا يوجب كراهية الإعطاء،على أنّا نمنع كراهية السّؤال؛لأنّه كلام في محلّ الحاجة و فعل ابن عمر ليس حجّة.
و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم،و نقل عن عبادة (4)كراهية ذلك (5).
لنا:أنّه غير مانع من الاستماع و فيه غرض مطلوب فكان سائغا بالأصل السّالم، و بما رواه الجمهور عن يعلي بن شدّاد (6)،قال:شهدت مع معاوية بيت المقدس فجمّع بنا فنظرت فإذا جُلُّ مَن في المسجد أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرأيتهم مُحتبين و الإمام يخطب (7).
احتجّ عبادة بما رواه سهل بن معاذ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الحبوة
ص:433
يوم الجمعة (1).
و الجواب:أنّه ضعيف السّند،ذكره ابن المنذر (2).
و به قال شريح،و ابن سيرين،و النّخعيّ،و قتادة،و الثّوريّ (3)،و مالك (4)،و اللّيث (5)، و أبو حنيفة (6).و قال الحسن البصريّ،و ابن عُيَينَة (7)،و مكحول،و الشّافعيّ،و إسحاق، و أبو ثور:يصلّي التحيّة (8).و قال الأوزاعيّ:إن كان قد صلّى تحيّة المسجد في داره لم يصلّ و إلاّ صلاّها (9).
لنا:قوله تعالى وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا (10).قال المفسّرون:
أراد بالقرآن هنا الخطبة (11).
ص:434
و ما رواه الجمهور في قوله عليه السّلام للّذي يتخطّى رقاب النّاس:«اجلس فقد آذيت و آنيت» (1).
و ما رواه ابن عمر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا خطب الإمام فلا صلاة و لا كلام» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن محمّد بن مسلم قال:سألته عن الجمعة؟ إلى قوله:«فيصعد المنبر فيخطب و لا يصلّي النّاس ما دام الإمام على المنبر» (3).و لأنّ ذلك مانع من السّماع المطلوب فكره.
احتجّ المخالف (4)بما رواه جابر قال:جاء رجل و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخطب النّاس فقال:«صلّيت يا فلان؟»قال:لا،قال:«قم فاركع» (5).
و الجواب:أنّه معارض بما ذكرناه من الحديث.و بما رواه ثعلبة بن أبي مالك (6)أنّهم كانوا في زمن عمر يوم الجمعة يصلّون حتّى يخرج عمر فإذا خرج و جلس على المنبر و أخذ المؤذّنون جلسوا يتحدّثون حتّى إذا سكت المؤذّن و قام عمر سكتوا فلم يتكلّم أحد (7).
و ذلك يدلّ على اشتهار هذا الأمر بينهم.
ص:435
و به قال في الصّحابة:
ابن مسعود،و ابن عمر،و أنس بن مالك (1).و في التّابعين:سعيد بن المسيّب،و الزّهريّ (2).
و في الفقهاء:مالك (3)،و الشّافعيّ (4)،و الأوزاعيّ،و الثّوريّ (5)،و أحمد (6)،و أبو ثور، و أصحاب الرّأي (7).و قال عطاء،و طاوس،و مجاهد،و مكحول:من لم يدرك الخطبة صلّى أربعا (8).
لنا:ما رواه الجمهور،عن أبي هريرة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:«من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصّلاة» (9).
و عن أبي هريرة عنه صلّى اللّه عليه و آله:«من أدرك ركعة من الصّلاة فقد أدرك الصّلاة» (10).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن الحلبيّ قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة؟فقال:«يصلّي ركعتين،فإن فاتته الصّلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا»و قال:«إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت
ص:436
الصلاة،فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظّهر أربع» (1).
و عن أبي بصير و أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة و إن فاتته فليصلّ أربعا» (2).
و عن عبد الرّحمن العرزميّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أُخرى و أجهر فيها،فإن أدركته و هو يتشهّد فصلّ أربعا» (3).و لأنّ في إدراك الجمعة بما ذكرناه نوع تخفيف.
احتجّ المخالف بأنّ الخطبة شرط،فلا تكون جمعة في حقّ من لم يوجد في حقّه شرطها (4).
و الجواب:وجود الخطبة شرط في صحّة الجمعة لا إدراكها،فإنّه نفس المتنازع.
لا يقال:قد روى الشّيخ في الصّحيح،عن ابن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا تكون الجمعة إلاّ لمن أدرك الخطبتين» (5).
لأنّا نقول:إنّه أراد بذلك نفي الكمال جمعا بين الأدلّة.
ص:437
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و هو قول أكثر أهل العلم (1).و قال النّخعيّ،و داود،و الحكم،و حمّاد،و أبو حنيفة،و أبو يوسف:يكون مدركا للجمعة بأيّ قدر أدركه من الصّلاة مع الإمام و لو كان يسيرا (2)،حتّى أنّ أبا حنيفة قال:لو أدركه في سجود السّهو بعد التّسليم كان مدركا لها (3).
لنا:قوله عليه السّلام:«من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصّلاة» (4).و ذلك يدلّ من حيث المفهوم على أنّ من أدرك الأقلّ فليس بمدرك؛لأنّه في مقام التّرغيب في الجماعة،فلو كانت تدرك بالأقلّ لكان ذكره أولى،و هذا المفهوم من قبيل أظهر المفهومات، و لأنّه قول جماعة كثيرة من الصّحابة و لم ينكر عليهم،فكان إجماعا،و لرواية الحلبيّ، و الفضل بن عبد الملك،و عبد الرّحمن و قد تقدّمت.
و ما رواه الجمهور أيضا،عن أبي سلمة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:
«من أدرك يوم الجمعة ركعة فليضف إليها أُخرى و من أدرك دونها صلاّها أربعا» (5).
احتجّ المخالف بالقياس على المسافر يدرك المقيم،و بأنّه أدرك جزءا من الصّلاة فكان مدركا لها كالظّهر (6).
و الجواب:بالمنع من ثبوت الحكم في الأصلين،و لو سلّم فالفرق ثابت،أمّا في المسافر،فلأنّ إدراكه إدراك إلزام و هذا إدراك إسقاط للعدد فافترقا،و لذلك يتمّ المسافر خلف المقيم و لا يقصّر المقيم خلف المسافر.و أمّا الثّاني،فلأنّ الظّهر ليس من شرطها
ص:438
الجماعة بخلاف المتنازع.
أنّه لم يسجد مع إمامه إلاّ سجدة واحدة قعد فسجد،ثمَّ قام
سواء اشتغل بالقراءة أو لم يشتغل على ما يأتي.و لو أتمّ الثّانية فذكر ترك سجدة و شكّ من أيّ الرّكعتين هي،أعاد سجدة و سجد سجدتي السّهو و يكون مدركا للجمعة،خلافا للشّافعيّ (1)،بناء على أنّ ترك سجدة لا يؤثّر في البطلان و لا فساد الرّكعة.
إجماعا؛لأنّ الأصل أنّه ما أتى بها معه.
إجماعا،و هل يتمّها ظهرا أم يستأنف؟الّذي نذهب إليه أنّه يستأنف الظّهر (2)نيّة و تكبيرا،و لا يدخل ممّا تقدّم منهما إلاّ إذا أدركه و هو في التشهّد فإنّه يكتفي بالأُولى؛و ضابطه أنّه إذا فاته الرّكوع الثّاني لم يلحق الجمعة، فإذا دخل معه يكون مدركا لفضيلة الجماعة،فإن سجد معه السّجدتين فإذا سلّم الإمام سلّم و أتى بنيّة أُخرى و تكبيرة إحرام أُخرى،لأنّه لو دخل بالأوّل يكون قد زاد ركنا،أمّا إذا أدركه بعد السّجدتين حتّى يدخل لم يكن قد زاد الرّكن.و الجمهور لم يفرّقوا بل اختلفوا،فقال أحمد:إذا دخل بنيّة الجمعة لم يبن عليها الظّهر؛لأنّ الظهر لا تتأدّى بنيّة الجمعة ابتداء فكذا دواما كالظّهر مع العصر (3).
ص:439
و قال قتادة،و أيّوب (1)،و يونس (2)، (3)و الشّافعيّ:ينوي الجمعة لئلاّ يخالف نيّة الإمام نيّة المأموم،ثمَّ يبني عليها ظهرا (4).و على ما قلناه نحن هل ينوي الجمعة أم الظّهر؟ الأصحّ الثّاني؛لأنّ الأُولى فاتت و هو يعلم عدم لحوقه فكانت نيّته عبثا.
و عند القائلين (5)بالجواز لو أدرك المأموم معه دون الرّكعة لم يكن له الدّخول معه؛لأنّها في حقّه ظهر فلا يجوز قبل الزّوال،فإذا دخل كانت نفلا و لم يجزئه عن الظّهر.
و الشّافعيّ (1)،و أحمد (2)،و أبو ثور،و ابن المنذر:يلزمه السّجود على ظهر غيره أو قدمه و يجزئه (3).
لنا:ما رواه الجمهور،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«و مكّن جبهتك من الأرض» (4).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الحسن،عن حمّاد بن عيسى،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في حديث طويل و سجد على ثمانية أعظم:الكفّين،و الرّكبتين،و أنامل إبهامي الرّجلين،و الجبهة،و الأنف.و قال:«سبع منها فرض يسجد (5)عليها و هي الّتي ذكرها اللّه عزّ و جلّ في كتابه،و قال وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً (6).
و هي الجبهة،و الكفّان،و الرّكبتان،و الإبهامان،و وضع الأنف على الأرض سنّة» (7).
و عن عليّ بن يقطين،عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام:«و يجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» (8).و لأنّ المأمور به هو السّجود و ليس هو إلاّ وضع الجبهة على الأرض.قال صاحب الصّحاح:و منه سجود الصّلاة و هو وضع الجبهة على
ص:441
الأرض (1).
احتجّ المخالف (2)بما روي،عن عمر أنّه قال:إذا اشتدّ الزحام فليسجد على ظهر أخيه (3).و لأنّه أشبه العاجز بالمرض فكان مجزئا.
و الجواب عن الأوّل:أنّه لا احتجاج بقول عمر في معارضة قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته،فإنّه لو لم يرد (4)عنه و عن أهل بيته (5)عليهم السّلام ما يخالفه لم يكن حجّة فكيف مع الورود.
و عن الثّاني:بالفرق،إذ العجز هناك لا يتوقّع زواله بسرعة،فجاز له رفع ما يسجد عليه،بخلاف ما نحن فيه،إذ يمكنه الصّبر إلى أن يتمكّن من السّجود.
لأنّه لم يدرك ركعة منها.و به قال قتادة،و أيّوب السّختيانيّ (6)،و يونس بن عبيد،و الشّافعيّ،و أبو ثور (7)،و أحمد في إحدى الرّوايتين عنه (8).و قال الحسن،و الأوزاعيّ،و أصحاب الرّأي:إنّه يكون مدركا للجمعة يصلّي ركعتين،لأنّه أحرم بالصّلاة مع الإمام في أوّل ركعة فأشبه ما لو ركع و سجد معه (9).و ليس
ص:442
شيئا.
و لا نعرف فيه مخالفا،و لو لم يتخلّص المأموم إلاّ بعد ركوع الإمام،فإن أمكنه السّجود و اللّحاق به في ركوعه وجب و لا يجب عليه القراءة،و إن خاف فوت الرّكوع صبر حتّى يسجد الإمام و يتابعه و لا يركع معه.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أبو حنيفة (1)، و الشّافعيّ في أحد القولين (2).و قال مالك،و أحمد:إن خاف أنّه إن تشاغل بالسّجود ركع الإمام،لزمه متابعته في الرّكوع و تصير الثّانية أولاه (3)،و هو القول الآخر للشّافعيّ (4).
لنا:أنّه قد ركع مع الإمام فيجب عليه السّجود بعده،و قول مالك يستلزم زيادة ركن في الصّلاة.
و ما رواه الشيخ،عن حفص بن غياث قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم النّاس و كبّر مع الإمام و ركع و لم يقدر على السّجود، و قام الإمام و النّاس في الرّكعة الثّانية،و قام هذا معهم فركع الإمام و لم يقدر هو (5)على الرّكوع في الرّكعة الثّانية من الزّحام و قدر على السّجود كيف يصنع؟فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«أمّا الرّكعة الأولى فهي إلى عند الرّكوع تامّة،فلمّا لم يسجد لها حتّى دخل في الرّكعة الثّانية لم يكن له ذلك،فلمّا سجد في الثّانية فإن كان نوى أنّ هذه السّجدة هي (6)للرّكعة الأولى فقد تمّت له الأولى،فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة ثمَّ (7)يسجد فيها ثمَّ يتشهّد
ص:443
و يسلّم،و إن كان لم ينو أن تكون تلك السّجدة (1)للرّكعة الأُولى لم تجزئ عنه الاُولى و لا الثّانية،و عليه أن يسجد سجدتين و ينوي أنّهما للرّكعة الاُولى،و عليه بعد ذلك ركعة تامّة يسجد فيها» (2).
احتجّوا (3)بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فإذا ركع فاركعوا» (4).
و الجواب:أنّ الائتمام مفهومه الإتيان بمثل فعل الغير،و الإمام ركع الثّانية بعد تمام الاُولى،و لا يمكن تحقّق ذلك للمأموم إجماعا.
و أيضا فإنّه في تتمّة الحديث قال:«و إذا سجد فاسجدوا».فإن قلت:قد سقط الأمر بالسّجود للعذر و بقي الأمر بالمتابعة في الرّكوع متوجّها لإمكانه.قلت:لا نسلّم الإمكان؛إذ المطلوب فعل الرّكوع بعد السّجود.
و أيضا (5)ينتقض بما إذا كان الإمام قائما،فإنّه يجوز له السّجود إجماعا و الائتمام حينئذ.
و جعل سجدتيه للرّكعة الاُولى،و يضيف إليهما ركعة بعد التّسليم،و إن لم ينو بهاتين السّجدتين أنّهما للرّكعة الأُولى،كان عليه إعادة الصّلاة (1).و جعله في المبسوط رواية (2).
و به قال ابن البرّاج (3)،و ابن إدريس (4).
و الّذي أذهب إليه هو اختياره في النّهاية؛لأنّه زاد ركنا في الصّلاة،فكان مبطلا.و ما ذكره في الخلاف فهو تعويل على رواية حفص و هو ضعيف.و هل يشترط نيّة أنّهما للأُولى، ظاهر كلامه يعطي ذلك.
و قال ابن إدريس:لا يفتقر في ذلك إلى نيّة،قال:لأنّ نيّة الصّلاة كافية في نيّة أبعاضها،و لا يفتقر كلّ فعل إلى نيّة (5).
و ما ذكره ليس بجيّد؛لأنّه تابع لغيره،فلا بدّ من نيّة تخرجه عن المتابعة في كونهما للثّانية.و ما ذكره من عدم افتقار الأبعاض إلى نيّة إنّما هو إذا لم يقم الموجب،أمّا مع قيامه فلا.
ليلحقوا به
كما يستحبّ له ذلك إذا عرف دخول المأموم إلى المسجد،فإذا سجد المأموم قام، فإن (6)وجد الإمام لم يركع صبر حتّى يفرغ من القراءة،ثمَّ ركع (7)معه متابعا،و إن كان قد ركع،فإن لحقه في الرّكوع اشتغل بالرّكوع معه قولا واحدا لنا،و لا يشتغل بقراءة ما فاته؛ لأنّ المأموم لا قراءة عليه عندنا.و هو أصحّ وجهي الشّافعيّة.و في الوجه الآخر:لهم قضاء
ص:445
القراءة الفائتة؛لأنّهم أدركوا محلّها مع الإمام فيلزمهم فعلها بخلاف المسبوق (1).و ليس بجيّد؛لأنّهم لم يدركوها،إذ الواجب عليهم قضاء السّجود و لم يتابعوه في محلّها فهم كالمسبوقين (2).
حتّى ركع (3)الإمام في الثّانية و سجد معه و نوى بهما للأُولى صحّت له ركعة واحدة و صحّت جمعته بها.
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال الشّافعيّ (4).
و قال بعض الحنابلة:إن لم يقم إلى الرّكعة الثّانية و لكن سجد السّجدتين من غير قيام تمّت له ركعة،أمّا إذا قام إلى الرّكعة الثّانية ليركع مع الإمام فيها ففاته،ثمَّ سجد السّجدتين للأُولى فلا جمعة له (5).
و قال بعض أصحاب الشّافعيّ:لا جمعة له مطلقا؛لأنّ إدراك الجمعة إنّما يكون بركعة كاملة و هذه ملفّقة (6).
لنا:قوله عليه السّلام:«من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة» (7).و ما ذكروه من التلفيق فليس بصحيح،لأنّ المسبوق إنّما يصلّي بالأُولى (8)مع الإمام و الإمام يصلّي الثّانية،كذلك السّجود قد اتّبعه فيه،و اختلافهما في الاحتساب لا يضرّ.
ص:446
فهل له أن يركع و يسجد،ثمَّ يقوم إلى الثّانية أم لا؟فيه نظر،ينشأ من أنّه لم يدرك الرّكعة مع الإمام،و أنّه يجوز للمزحوم قضاء ما عليه و اللّحاق.
و قد روى الشّيخ،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يكون في المسجد إمّا في يوم الجمعة،و إمّا في غير ذلك من الأيّام،فيزحمه النّاس إمّا إلى حائط،و إمّا إلى أسطوانة،فلا يقدر على أن يركع و لا يسجد حتّى يرفع الناس رؤوسهم،فهل يجوز له أن يركع و يسجد وحده،ثمَّ يستوي (1)مع النّاس في الصفّ؟فقال:
«نعم،لا بأس بذلك» (2).
و في الطّريق محمّد بن سليمان،فإن كان هو ابن أعين (3)أو الأصفهانيّ (4)فهو ثقة،و إن كان ابن عبد اللّه الدّيلميّ (5)فهو ضعيف جدّا.و قد روى ابن بابويه هذا الحديث في الصّحيح،عن عبد الرّحمن بن الحجّاج،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (6).و على هذا يمكن
ص:447
القول بالقضاء و المتابعة و إن لم يكن فيه دلالة خاصّة على ذلك،و على هذه الرّواية لو قضى السّجود و لحق بالإمام فوجده رافعا من الرّكوع جاز له أن يركع و يلحق به.
لأنّه لحق بالإمام في أكثر الرّكعة الاُولى من القراءة و الرّكوع و التّكبير،و باقي الرّكعة فعلها في حكم إمامته،و هل يتابع الإمام في السّجدتين الأخيرتين و قعود التشهّد قبل أن يشتغل بالثّانية؟فالّذي يقتضيه المذهب أنّه يصبر لا يسجد و لا يشتغل بالثّانية حتّى يفرغ الإمام،ثمَّ يقوم فيأتي بالرّكعة الثّانية؛لأنّه لو تابعه لزاد في الصّلاة ركنا.
فلم يتمكّن أيضا حتّى قعد الإمام للتشهّد فهل يسجد أم لا؟و معه هل يلحق الجمعة أم لا؟الأقرب أنّه لا جمعة له و يستقبل الظّهر؛لأنّه لم يدرك ركعة مع الإمام،و فارق هذا الفرض الأوّل؛إذ هو في الأوّل مأمور بالقضاء و اللّحاق به،فأمكن أن يقال:أنّه يدرك (1)الجمعة بخلاف هذا،أمّا لو لم يتمكّن من السّجود إلاّ بعد تسليم الإمام فالوجه هاهنا فوات الجمعة قولا واحدا؛لأنّ ما يفعله بعد السّلام لم يكن في حكم صلاة الإمام.
الزّحام
سجد و تبعه (2)في التشهّد،و صحّت له الجمعة إجماعا إلاّ في وجه ضعيف للشّافعيّة (3)؛لأنّه أدرك جميع الصّلاة بعضها فعلا و بعضها حكما،و لو لم يزل حتّى سلّم فقد أدرك الجمعة أيضا.
ص:448
ثمَّ زال الزّحام فسجد و تبع (1)الإمام في التّشهّد،فالأقرب أنّه لا جمعة له؛إذ لم يدرك الرّكعة، أمّا لو لم يدرك السّجود إلاّ بعد التّسليم،فالوجه الفوات لا غير.
لا يسجد معه،بل يصبر إلى أن يركع الإمام في الثّانية فيركع (2)معه،و يكون أُولاه،ثمَّ يتمّم (3)،و يكون مدركا للجمعة- خلافا لبعض الشّافعيّة (4)-لأنّه لو أدرك الرّكوع في الثّانية كان مدركا للجمعة،فما زاد من الرّكعة الاُولى لا يكون مانعا من الإدراك.
قالوا:ملفّقة.
أجبنا:بالمنع فيهما.
لا في الابتداء، و لا في الاستدامة.فلو صلّى مع الإمام ركعة،ثمَّ زوحم في الثّانية و أخرج من الصّفّ أتمّها مع الإمام و إن كان فذّا (5).
و عن أحمد روايتان:إحداهما:مثل ما قلناه؛لأنّه قد يعفى في البناء عن تكميل الشّروط،كما لو خرج الوقت و قد صلّوا (6)ركعة.
و الأُخرى:أنّه لا يصحّ إلاّ إذا نوى الانفراد؛لأنّه فذّ في ركعة كاملة فأشبه ما لو فعل ذلك عمدا (7).
سواء فرغ من الخطبة و لم يشرع
ص:449
في الصّلاة،أو شرع فيها.و هو مذهب علمائنا أجمع،و به قال مالك (1)،و أبو حنيفة (2)، و الثّوريّ (3)،و أحمد (4)،و إسحاق،و أبو ثور (5)،و الشّافعيّ في الجديد (6).و قال في القديم:
لا يجوز له الاستخلاف (7).
لنا:ما رواه الجمهور أنّه لمّا صلّى بالنّاس أبو بكر في حال مرض النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتهادى بين العبّاس و عليّ فدخل المسجد و أبو بكر يصلّي بالنّاس فتقدّم فصلّى بهم و تأخّر أبو بكر (8).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن زرارة قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة،و أحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرّجل فقدّمه فصلّى بهم،أ تجزئهم صلاتهم بصلاته و هو لا ينويها صلاة؟فقال:
«لا ينبغي للرّجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة بل ينبغي له أن ينويها و إن كان قد صلّى فإنّ له صلاة أُخرى،و إلاّ فلا يدخل معهم و قد تجزئ عن القوم
ص:450
صلاتهم و إن لم ينوها» (1).
احتجّ المخالف (2)بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّى بأصحابه،فلمّا أحرم بالصّلاة ذكر أنّه جنب،فقال لأصحابه:«كما أنتم»و مضى و رجع و رأسه يقطر ماء (3)،و لم يستخلف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فدلّ على عدم الجواز.
و الجواب:أنّ هذا عندنا باطل و الخبر كذب؛إذ الأنبياء معصومون عن وقوع الذّنب عمدا و سهوا.و أيضا:فإنّه لا يدلّ على المنع من الاستخلاف.
فإنّا نقول:إنّه إذا أمكنه العود بسرعة جاز له أن لا يستخلف.
عملا بالعموم في جواز الاستخلاف.
و قال الشّافعيّ:إذا أحدث بعد الخطبتين قبل الصّلاة يخطب بهم غيره و يصلّي،و إن لم يسع (4)الوقت صلّى الظّهر أربعا (5).و ليس بشيء؛لأنّ الخطبتين قائمتان مقام الرّكعتين، فكما جاز الاستخلاف في الصّلاة جاز فيما يعدّ (6)البدل.
يسمعها
إلاّ أنّ الأفضل استخلاف من سمع؛لأنّ المسبوق عندنا يجوز استخلافه،فمع الخطبة
ص:451
أولى،و كذا يجوز استخلاف من لم يحرم مع الإمام لذلك (1).
و قال الشّافعيّ:لا يستخلف المسبوق،سواء حضر الخطبة أو لا؛لأنّه يكون مبتدئا للجمعة،و لا يجوز له أن يبدأ بجمعة بعد جمعة (2).و ليس بشيء؛لأنّه بالنّسبة إليه ابتداء، و بالنّسبة إلى المأمومين ليس بابتداء،و ينتقض بالمأموم إذا سبق،فإنّه يكون مبتدئا و غير مبتدء.
أو في ركوعها
و به قال الشّافعيّ أيضا (3)،و فرّق بين أن يكون الحدث في الأُولى أو الثّانية.
فإذا ثبت جواز الاستخلاف أتمّها المأمومون جمعة قولا واحدا عندنا و عنده،و هل يتمّ المستخلف جمعة أم ظهرا؟الوجه عندنا أنّه يتمّها جمعة،خلافا للشّافعيّ في أحد قوليه (4).
و لو أحدث في الرّكعة الاُولى و استخلف من قد أحرم معه،ثمَّ أحدث المستخلف بعد أن صلّى الرّكعة الاُولى،و استخلف من أدرك معه الرّكعة الثّانية،تمَّ (5)المأمومون جمعة،و كذا الإمام الثّاني عندنا،خلافا للشّافعيّ (6).قال أبو إسحاق من أصحابه:و فرق بين هذه المسألة و بين المأموم إذا أدرك ركعة أنّه يتمّها جمعة؛لأنّ المأموم يتبع إمامه فيجوز له أن يتمّ على وجه التّبع لإمامه،بخلاف الإمام،فإنّه لا يجوز أن يكون تبعا للمأمومين فيبني على صلاتهم،و لا يجوز أن يبني على صلاة الإمام الأوّل؛لأنّ الجمعة لم تتمّ له (7).
و كذا لو لم
ص:452
يستخلف جاز لهم،أمّا لو لم يستخلفوا و نوى الكلّ الانفراد،هل يتمّون (1)الجمعة أو ظهرا أو تبطل؟لم أجد لأصحابنا فيه نصّا،و الوجه وجوب الاستخلاف،فمع عدمه تبطل الجمعة.
الأقرب الجواز.
،صحّت جمعة المأمومين،و يجب على الإمام الظّهر،خلافا لبعض الجمهور (2).أمّا لو كان العدد غير زائد على المعتبر فالوجه عندنا أنّه كذلك،خلافا للشّافعيّ (3).
فلو صلّى من وجب عليه السّعي الظّهر لغير عذر لم تصحّ صلاته و يجب عليه السّعي،فإن أدرك الجمعة صلاّها و إلاّ أعاد ظهره.ذهب إليه علماؤنا أجمع،و به قال أحمد (4)، و مالك (5)،و الثّوريّ (6)،و زفر (7)،و الشّافعيّ في الجديد.و قال في القديم:
الواجب هو الظّهر و لكن كلّف إسقاطها بالجمعة (8)(9).و به قال أبو حنيفة (10)،
ص:453
و أبو يوسف (1)،و اختلفا فيمن صلّى الظّهر في داره-بعد اتّفاقهما مع الشّافعيّ على الصّحّة-أنّه إذا سعى إلى الجمعة هل يبطل ظهره أم لا؟فقال أبو حنيفة:يبطل بالسّعي (2).
و قال أبو يوسف:لا يبطل به،لكنّه إذا وافى الجامع،فأحرم خلف الإمام،بطلت الآن ظهره و كانت الجمعة فرضه (3).و قال أبو حنيفة:و يلزمه السّعي،فإن سعى بطلت و إلاّ صحّت (4).
لنا:أنّ السّعي إلى الجمعة واجب بالآية (5)،فتكون الجمعة واجبة،و لأنّها واجبة بالإجماع و يأثم بتركها إجماعا و ترك السّعي إليها،فلا يخاطب إلاّ بها؛لاستحالة توجّه الخطاب بصلاتين في وقت واحد،و لأنّه يأثم بفعل الظّهر إذا ترك الجمعة،و لا يأثم بفعل الجمعة إذا ترك الظّهر إجماعا،و الواجب إنّما هو ما يتعلّق الإثم بتركه.
احتجّوا بأنّ الظّهر فرض الوقت كسائر الأيّام،و الجمعة بدل،و لهذا لو تعذّرت صلّى الظّهر،فمع الإتيان بالأصل ينبغي الإجزاء كسائر الأيّام (6).
و الجواب:المنع من أنّها هي الأصل و إلاّ لعوقب بتركها،و لما صحّ فعل البدل مع إمكان فعلها كالأبدال،و لما بطلت بالسّعي كالصّلوات الصّحيحة،و لأنّ الصّحيح مبرئ للذّمّة فلا يجوز اشتغالها بواجب آخر،و لأنّها مع الفراغ منها لم يبطل شيء من مبطلاتها، فكيف يبطل بما ليس من مبطلاتها مع عدم ورود الشّرع به.أمّا إذا فاتته الجمعة فإنّه يجب
ص:454
الظّهر؛لتوقّف الجمعة على شروط فاتته في قضائها،فتعيّن المصير إلى الظّهر،و هذا حال البدل.و قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث جابر:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة» (1).دالّ على ما ذكرناه.
في حقّ من لم تجب عليه
فيجوز فعلها له و إن تمكّن من الحضور،إلاّ أنّه مع الحضور تجب الجمعة عليه و قد تقدّم.
أو بعدها وجبت عليه الإعادة
لأنّ الأصل بقاء الصّلاة في الذّمّة إلى أن يثبت (2)يقين البراءة.و لأنّه صلّى مع الشكّ في الشّرط فلا يصحّ،كالشكّ في الطّهارة.
عندي فيه توقّف،فعلى الأوّل،لو صلّى في بيته قبل صلاة الإمام أو معها و بين داره و الجامع ما يعلم معه الفوات لو سعى بطلت،لا الثّاني، و الأوّل أقرب؛لأنّه صلّى في غير وقت الفريضة،إذ ذلك الوقت في حقّه وقت الجمعة، و بتفريطه لا يخرج عن أن يكون وقتا لها.
لشذوذ (1).
لنا:أنّه غير مخاطب بها و مكلّف بالظّهر فيصحّ فعلها.
احتجّوا بأنّه لا يتيقّن بقاء العذر فلا تصحّ صلاته كغير المعذور (2).
و الجواب:أمّا عذر المرأة فبقاؤه متيقّن،و الأصل بقاء عذر غيرها،و الظّاهر استمراره.
و هو قول علمائنا،و فعل ذلك ابن مسعود،و هو قول الأعمش (3)،و الشّافعيّ (4)،و إسحاق (5)،و أحمد (6).و كرهه الحسن،و أبو قلابة (7)،و أبو حنيفة (8).
لنا:عموم الأحاديث الدّالّة على فضيلة الجماعة (9)،و لأنّ ابن مسعود فعله و هو من الصّحابة و لم ينكر عليه.
احتجّ أبو حنيفة بأنّه لم يخل زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من معذورين و لم ينقل عنهم جماعة (10).
ص:456
و الجواب:المنع بابن مسعود فإنّه صلّى بعلقمة و الأسود (1).و هكذا حكم من فاتته الجمعة.و لا يكره لهم فعل الجماعة في مسجد الجمعة بعد الفراغ منها (2)؛لعموم الأدلّة،خلافا لأحمد (3).
و هو قول علمائنا أجمع،و به قال الشّافعيّ (4)،و أحمد (5)،و إسحاق،و ابن المنذر (6).
و قال أبو حنيفة (7)،و الأوزاعيّ:يجوز (8).
لنا:قوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ (9).و النّداء وقت الزّوال،فإيجاب السّعي يقتضي تحريم ما يحصل به تركه.
احتجّوا بأنّ عمر قال:لا تحبس الجمعة عن سفر (10).
و الجواب:أنّ قول عمر ليس بحجّة؛لجواز أن يكون عن اجتهاده (11)،و نحمله على السّفر قبل الوقت،جمعا بين الأدلّة.
ص:457
لأنّ الضّرورة مبيحة.
ذهب إليه علماؤنا،و هو قول أكثر أهل العلم (1)،و أحد قولي الشّافعيّ (2)،و إحدى الرّوايات عن أحمد (3).
و قال الشّافعيّ في الجديد:لا يجوز (4)،و به قال ابن عمر،و عائشة (5)،و الحسن، و ابن سيرين (6)،و أحمد في رواية عنه،و في الرّواية الثّالثة أنّه يباح للجهاد خاصّة (7).
لنا:ما رواه الجمهور،عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله وجّه
ص:458
زيد بن حارثة (1)،و جعفر بن أبي طالب (2)،و عبد اللّه بن رواحة (3)في جيش مؤتة فتخلّف عبد اللّه فرآه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:«ما خلّفك؟»فقال:الجمعة،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لروحة في سبيل اللّه أو غدوة خير من الدّنيا و ما فيها».قال:فراح منطلقا (4).
و لأنّ الوجوب ليس بثابت،و إمكانه ليس بمانع كما في قبل طلوع الفجر،و لحديث عمر (5).
ص:459
احتجّ الشّافعيّ بأنّه وقت للرواح إلى الجمعة و قد يجب السّعي فيه لمن بَعُدَ طريقه (1).
و احتجّ أحمد بأنّه وقت للجمعة فيحرم السّفر فيه كما في بعد الزّوال (2).
و الجواب عن الأوّل:أنّ الرّواح (3)في ذلك الوقت مستحبّ و القياس على من بَعُدَ طريقه ليس بشيء؛لأنّ الكلام ليس فيه بل في المسافر قبل وجوب السّعي عليه.
و عن الثّاني:بالمنع،و قد تقدّم (4).
و ليس بمكروه
قال الشّيخ في النّهاية:يجوز إذا أمنوا الضّرر و تمكّنوا من الخطبة (5).
و ذكر في الخلاف:أنّه لا يجوز (6)،و هو اختيار السيّد المرتضى (7)،و ابن إدريس (8)، و سلاّر (9)و هو الأقوى عندي.
لنا:ما تقدّم من اشتراط الإمام أو نائبه (10)فمع الغيبة يجب الظّهر؛لفوات الشّرط.
قاله الشّيخ
ص:460
في الخلاف (1).
و قال في المبسوط:إنّه مكروه (2)و ما ذكره في الخلاف أقوى.
لنا:أنّه لم يكن مشروعا في عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيكون بدعة،روى الجمهور عن السائب بن يزيد (3)،قال:كان النّداء إذا صعد الإمام على المنبر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبي بكر و عمر،فلمّا كان عثمان[و] (4)كثر النّاس فزاد النّداء الثّالث على الزوراء (5)،رواه البخاريّ.
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن حفص بن غياث،عن جعفر،عن أبيه عليهما السّلام قال:«الأذان الثّالث يوم الجمعة بدعة» (6).أقول:إنّما سمّي ثالثا باعتبار الإقامة لا أنّ في الوضع كذلك،بل هو ثان،قال الشّيخ في المبسوط:و روي أنّ أوّل من فعل ذلك عثمان.و قال عطاء:إنّ أوّل من فعل ذلك معاوية.
و قال الشّافعيّ:ما فعله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر و عمر أحبّ إليّ و هو السنّة.قال الشيخ:و هو مثل ما قلناه (7).
ص:461
ذهب إليه علماؤنا أجمع.
قال الشّيخ:يسقط (1).
و قال المفيد في المقنعة (2)و الأركان:يؤذّن و يقيم للعصر (3)،و به قال ابن البرّاج في الكامل (4)،و ابن إدريس (5)،و الوجه عندي الأوّل؛لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن الفضيل و زرارة و غيرهما،عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظّهر و العصر بأذان و إقامتين،و جمع بين المغرب و العشاء بأذان و إقامتين (6).
احتجّ ابن إدريس بالإجماع على استحباب الأذان لكلّ صلاة (7).
و الجواب:ادّعاء الإجماع في موضع الخلاف باطل.
و لو لم يتمكّن صلّى معه،فإذا سلّم الإمام قام فأضاف إليها (8)ركعتين تتمّة الظّهر.
لنا:أنّ الإمام (9)من شرطه العدالة فلا يجوز فعل الجمعة مع عدمه،و لما رواه الشّيخ عن أبي بكر الحضرميّ قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:كيف تصنع يوم الجمعة؟قال:
ص:462
«كيف تصنع أنت؟»قلت:أُصلّي في منزلي ثمَّ أخرج فأُصلّي معهم،قال:«كذلك أصنع أنا» (1).
و عن أحمد روايتان:إحداهما:أنّه يصلّي خلفه (2)و يجزئ بها عن الظّهر، و الأُخرى:يصلّي و يعيد (3).
أحدهما:في الأُولى قبل الرّكوع.و الثّاني:في الثّانية بعد الرّكوع.ذهب إليه الشّيخ في أكثر كتبه (4)،و ابن البرّاج (5)،و ابن أبي عقيل (6)،و سلاّر (7).
و قال السيّد المرتضى:و على الإمام أن يقنت في الجمعة،و اختلفت الرّواية في قنوت الإمام فيها،فروي أنّه يقنت في الأُولى قبل الرّكوع و كذلك الّذين خلفه،و روي أنّ على الإمام إن صلاّها جمعة مقصورة قنوتين في الأُولى قبل الرّكوع،و في الثّانية بعد الرّكوع (8).
و قال المفيد:و القنوت في الاُولى من الرّكعتين في فريضة (9).
و قال ابن بابويه:و على الإمام فيها قنوتان،قنوت في الرّكعة الأُولى قبل الرّكوع، و في الرّكعة الثّانية بعد الرّكوع،و من صلاّها وحده فعليه قنوت واحد في الرّكعة الأُولى قبل الرّكوع،تفرّد بهذه الرّواية حريز عن زرارة.و الّذي أستعمله و أُفتي به و مضى عليه
ص:463
مشايخي رحمة اللّه عليهم هو أنّ القنوت في جميع الصّلوات في الجمعة و غيرها في الرّكعة الثّانية بعد القراءة و قبل الرّكوع (1).
و قال ابن إدريس:الّذي يقوى عندي أنّ الصّلاة لا يكون فيها إلاّ قنوت واحد،أيّة صلاة كانت،فلا نرجع عن إجماعنا بأخبار الآحاد (2).
وجه الأوّل:ما رواه الشّيخ في الموثّق،عن أبي بصير قال:سأل عبد الحميد أبا عبد اللّه عليه السّلام-و أنا عنده-عن القنوت في يوم الجمعة؟و ساق الحديث فقال:
«هي في الأُولى و الأخيرة»قال:قلت:جعلت فداك قبل الرّكوع أو بعده؟قال:
«كلّ القنوت قبل الرّكوع إلاّ الجمعة فإنّ الرّكعة الأُولى القنوت فيها قبل الرّكوع،و الأخيرة بعد الرّكوع» (3).
و ما رواه في الموثّق،عن سماعة قال:سألته عن القنوت في الجمعة؟فقال:«أمّا الإمام فعليه القنوت في الرّكعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع،و في الثّانية بعد ما يرفع رأسه من الرّكوع قبل السّجود» (4).
و وجه الثّاني:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«و يقنت في الرّكعة الأولى منها قبل الرّكوع» (5).
و ما رواه في الحسن،عن سليمان بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«القنوت يوم الجمعة في الرّكعة الأولى» (6).
ص:464
و عن عمر بن حنظلة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:القنوت يوم الجمعة، فقال:«أنت رسولي إليهم في هذا إذا صلّيتم في جماعة ففي الرّكعة الأولى،و إذا صلّيتم وحدانا ففي الرّكعة الثّانية» (1).
و في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في قنوت الجمعة:«إذا كان إماما قنت في الرّكعة الأولى،فإن كان يصلّي أربعا ففي الرّكعة الثّانية قبل الرّكوع» (2).
و هذه الأخبار و إن اختلفت فالوجه الأوّل،و لا يضرّ اختلافهما؛إذ هو في فعل مستحبّ و ذلك يحتمل اختلافه لاختلاف الأوقات و الأحوال،فتارة يبالغ الأئمّة عليهم السّلام في الأمر بالكمال،و تارة يقتصر على ما يحصل معه بعض المندوب و لا استبعاد في ذلك.
و ممّا يؤيّده:ما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن داود بن الحصين (3)قال سمعت معمر بن أبي رئاب (4)يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن القنوت في الجمعة؟
ص:465
فقال:«ليس فيها قنوت» (1).
و عن عبد الملك بن عمرو قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:قنوت الجمعة في الرّكعة الأولى قبل الرّكوع و في الثّانية بعد الرّكوع؟فقال لي:«لا قبل و لا بعد» (2).فهاهنا قد اقتصر على فعل الصّلاة من غير قنوت إشعارا باستحبابه و أنّه (3)ليس فيها قنوت واجب.
عملا بالأصل.
و إن كان بعض الأصحاب قد يأتي في عبارته الوجوب (4).
الثّالث:روى الشّيخ في الصّحيح،عن عبيد اللّه الحلبيّ قال في قنوت الجمعة:اللّهمّ صلّ على محمّد و على أئمّة المؤمنين،اللّهمّ اجعلني ممّن خلقته لدينك و ممّن خلقته لجنّتك، قلت:أُسمّي الأئمّة؟قال:سمّهم جملة (5).
و عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«القنوت يوم الجمعة في الرّكعة
ص:466
الأولى بعد القراءة،و يقول في القنوت:لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم،لا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم،لا إله إلاّ اللّه ربّ السّموات السّبع و ربّ الأرضين السّبع و ما فيهنّ و ما بينهنّ و ربّ العرش العظيم و الحمد للّه ربّ العالمين،اللّهمّ صلّ على محمّد كما هديتنا به،اللّهمّ صلّ على محمّد كما كرّمتنا به،اللّهمّ اجعلنا ممّن اخترت لدينك و خلقته لجنّتك،اللّهمّ لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب» (1).
ذهب إليه علماؤنا أجمع،و اختلفوا في كيفيّة إيقاعها،فالّذي اختاره الشّيخ أنّ الأولى تقديمها على الزّوال (2)،و هو قول المفيد (3)،و أبي الصّلاح (4)،و ابن البرّاج (5)، و ابن إدريس (6).
قال الشّيخ:يصلّي ستّ ركعات عند انبساط الشّمس،و ستّ ركعات عند ارتفاعها، و ستّ ركعات إذا قرب من الزّوال،و ركعتين عند الزّوال (7).
و قال السيّد المرتضى:يصلّي ستّ ركعات عند الانبساط،و ستّ ركعات عند الارتفاع،و ركعتين عند الزّوال،و ستّا بعد الظّهر قبل العصر (8).و بنحوه قال ابن أبي عقيل (9).
ص:467
و قال عليّ بن بابويه (1)،و ابنه أبو جعفر:الأولى تأخير النوافل إلى بعد الزوال (2).
و الأقرب عندي الأوّل؛لما رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عليّ بن يقطين،قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن النافلة الّتي تصلّى يوم الجمعة،قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال:«قبل الصّلاة» (3).
و ما رواه،عن عمر بن حنظلة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صلاة التطوّع يوم الجمعة إن شئت من أوّل النّهار و ما تريد أن تصلّيه بعد الجمعة فإن شئت عجّلته فصلّيته من أوّل النهار أيّ النهار شئت قبل أن تزول الشّمس» (4).
و ما رواه في الصّحيح،عن سعد بن سعد الأشعريّ،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:سألته عن الصّلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزّوال؟قال:«ستّ ركعات بكرة،و ستّ ركعات بعد ذلك اثنتي عشرة ركعة،و ستّ ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة،و ركعتان بعد الزّوال فهذه عشرون ركعة،و ركعتان بعد العصر فهذه ثنتان و عشرون ركعة» (5).و قد تضمّنت هذه الرّواية زيادة ركعتين.
و لأنّ وقت النّوافل يوم الجمعة قبل الزّوال إجماعا؛إذ يجوز فعلها فيه،و في غيره لا يجوز،و تقديم الطّاعة أولى من تأخيرها.
احتجّ السيّد المرتضى بما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال:قال أبو الحسن عليه السّلام:«الصّلاة يوم الجمعة ستّ ركعات صدر النّهار،و ستّ ركعات عند ارتفاعه،
ص:468
و ركعتان إذا زالت الشّمس،ثمَّ صلّ الفريضة،ثمَّ صلّ بعدها ستّ ركعات» (1).
و بمثله روي،عن مراد بن خارجة (2)،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (3)، و يعقوب بن يقطين في الصّحيح،عن العبد الصّالح عليه السّلام (4).
و احتجّ ابن بابويه بما رواه سليمان بن خالد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:
فأيّهما أفضل أقدّم الرّكعات يوم الجمعة أم أُصلّيها بعد الفريضة؟قال:«تصلّيها بعد الفريضة» (5).
و ما رواه عقبة بن مصعب (6)قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت:أيّما أفضل أُقدّم الرّكعات يوم الجمعة أو أُصلّيها بعد الفريضة؟قال:«لا بل تصلّيها
ص:469
بعد الفريضة» (1).
و الجواب:أنّ هذه الروايات على تقدير سلامتها عن الطّعن،معارضة بما ذكرناه من الرّوايات،و يبقى الأصل و هو أولويّة فعل الطّاعة على وجه التّقديم،و لو فعل الإنسان بمهما شاء من ذلك لم يكن به بأس.
يستحبّ تقديم ركعتي الزّوال عليه؛
لما رواه الشّيخ في الصّحيح عن موسى بن جعفر عليه السّلام قال:سألته عن ركعتي الزّوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟قال:
«قبل الأذان» (2).و لا ريب أنّ الأذان لا يجوز تقديمه على الزّوال إلاّ على قول شاذّ (3).
و قال بعض أصحابنا:إنّ الرّكعتين تصلّى بعد الزّوال (4)،و هو اختيار الجمهور (5)، و ليس بشيء.
لما رواه الجمهور،عن أبي الدّرداء قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أكثروا الصّلاة عليّ يوم الجمعة،فإنّه يوم مشهود يشهده الملائكة» (6).
ص:470
و عن أوس بن أوس (1)قال:«قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أفضل أيّامكم يوم الجمعة،فيه خلق آدم و فيه قبض،و فيه النّفخة،و فيه الصّعقة،فأكثروا عليّ من الصّلاة فيه؛فإنّ صلاتكم معروضة عليّ»قالوا:يا رسول اللّه كيف يعرض سلامنا عليك و قد أرِمتَ أي بليت؟قال:«إنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم على الأرض أجساد الأنبياء» (2).
و من طريق الخاصّة:ما رواه الشّيخ،عن عمر بن يزيد قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:«يا عمر إنّه إذا كان ليلة الجمعة نزل من السّماء ملائكة بعدد الذرّ، في أيديهم أقلام الذّهب و قراطيس الفضّة،لا يكتبون إلى ليلة السّبت إلاّ الصّلاة على محمّد و آل محمّد فأكثر منها» (3)و قال:«يا عمر إنّ من السنّة أن تصلّي على محمّد و على أهل بيته في كلّ جمعة ألف مرّة و في سائر الأيّام مائة مرّة» (4).
و يستحبّ قراءة سورة الكهف،لما رواه الجمهور،عن عليّ عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيّام من كلّ فتنة،فإن خرج الدجّال (5)عصم
ص:471
منه» (1).
و من طريق الخاصّة:ما رواه محمّد بن يعقوب في كتابه،عن محمّد بن أبي حمزة قال:
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من قرأ الكهف في ليلة الجمعة كانت كفّارة لما بين الجمعة إلى الجمعة» (2).
قال:و روى غيره أيضا فيمن قرأها يوم الجمعة بعد الظّهر و العصر مثل ذلك (3).
و يستحبّ أن يقرأ عقيب غداة الجمعة سورة الرّحمن،روى ابن يعقوب في الصّحيح، عن حمّاد بن عثمان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«يستحبّ أن تقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة الرّحمن،ثمَّ تقول كلّما قلت فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قلت:
لا بشيء من آلائك ربّ (4)أُكذّب» (5).
و روى ابن بابويه في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«من قال في آخر سجدة من النّافلة بعد المغرب ليلة الجمعة-و إن قاله كلّ ليلة فهو أفضل-:اللّهمّ إنّي أسألك بوجهك الكريم و اسمك العظيم أن تصلّي على محمّد و آل محمّد،و أن تغفر لي ذنبي العظيم سبع مرّات،انصرف و قد غفر له» (6).
و روى الشّيخ في الصّحيح،عن الحلبيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من قال
ص:472
بعد الجمعة حين ينصرف جالسا من قبل أن يركع:الحمد مرّة،و قل هو اللّه أحد سبعا، و قل أعوذ بربّ الفلق سبعا،و قل أعوذ بربّ النّاس سبعا و آية الكرسيّ (1)، و آية السّخرة (2)،و آخر قوله لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (3)إلخ،كانت كفّارة ما بين الجمعة إلى الجمعة» (4).
و روى الشّيخ عن ناجية قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:«إذا صلّيت العصر يوم الجمعة فقل:اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد الأوصياء المرضيّين بأفضل صلواتك، و بارك عليهم بأفضل بركاتك و عليهم السّلام و على أرواحهم و أجسادهم و رحمة اللّه و بركاته»قال:«من قالها في دبر العصر كتب اللّه له مائة ألف حسنة،و محا عنه مائة ألف سيّئة،و قضى له مائة ألف حاجة،و رفع له بها مائة ألف درجة» (5).
و يستحبّ الإكثار من الدّعاء يوم الجمعة فربّما وافق ساعة الإجابة،فقد روي،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه ذكر يوم الجمعة فقال:«فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم و هو يصلّي يسأل اللّه إلاّ أعطاه إيّاه» (1).
و في لفظ آخر:«و هو قائم يصلّي» (2).
و اختلف في تلك السّاعة،قال الشّيخ:ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي النّاس في الصّفوف (3)؛لما رواه في الصّحيح،عن معاوية بن عمّار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:السّاعة الّتي في يوم الجمعة الّتي لا يدعو فيها مؤمن إلاّ استجيب له،قال:
«نعم،إذا خرج الإمام»قلت:إنّ الإمام يعجّل و يؤخّر،قال:«إذا زاغت الشّمس» (4).
و قال عبد اللّه بن سلام و طاوس:هي آخر ساعة في يوم الجمعة (5)،و هو مرويّ أيضا عندنا،رواه الشّيخ في الصّحيح،عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«السّاعة الّتي يستجاب فيها الدّعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي النّاس في الصّفوف،و ساعة أُخرى من آخر النّهار إلى غروب الشّمس» (6).
و بالّذي اختاره الشّيخ رواية عن الجمهور،روى مسلم بإسناده إلى أبي موسى قال:
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى
ص:474
الصّلاة» (1).و قيل:هي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس و من العصر إلى غروبها (2).و قيل:هي السّاعة الثّالثة من النّهار (3).و قيل:أخفى اللّه على خلقه هذه السّاعة ليتضرّعوا له بالدّعاء في اليوم كلّه كما أخفى ليلة القدر (4).
و يكره فيه إنشاد الشّعر.روى ابن بابويه،عن زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من أنشد بيت شعر يوم الجمعة فهو حظّه من ذلك اليوم» (5).
و روي أيضا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إذا رأيتم الشّيخ يحدّث يوم الجمعة بأحاديث الجاهليّة فارموا رأسه و لو بالحصى» (6).
و يكره السّعي في الحوائج و السفر يوم الجمعة بكرة لأجل الصّلاة،فأمّا بعد الصّلاة فجائز يتبرّك به،رواه ابن بابويه،عن الهادي عليه السّلام (7).
و قال في المصباح:يقرأ في الثّانية من المغرب قل هو اللّه أحد (1).
و قال السيّد المرتضى:يقرأ في الثّانية من الغداة المنافقين (2)،و اختاره عليّ بن بابويه (3).
و قال الشّافعيّ:يقرأ في الأولى من الغداة سجدة لقمان (4)،و في الثّانية هل أتى (5).
لنا:ما تقدّم من تحريم قراءة العزائم في الواجبات (6).
و ما رواه الشّيخ،عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«اقرأ في ليلة الجمعة الجمعة و سبّح اسم ربّك الأعلى،و في الفجر سورة الجمعة و قل هو اللّه أحد،و في الجمعة سورة الجمعة و المنافقين» (7).
و عن أبي الصّبّاح الكنانيّ،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة و قل هو اللّه أحد،و إذا كان في العشاء الآخرة فاقرأ سورة الجمعة و سبّح اسم ربّك الأعلى،فإذا كان صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة و قل هو اللّه أحد،و إذا كان صلاة الجمعة فاقرأ سورة (8)الجمعة و المنافقين،و إذا كان صلاة العصر يوم الجمعة فاقرأ سورة (9)الجمعة و قل هو اللّه أحد» (10).
ص:476
(1)ذهب إليه علماؤنا،و هو قول كلّ من جعل الخطبتين شرطا.
لنا:فعل فات شرطه فيبطل (2)،قال الشّيخ في المبسوط:و قد روي أنّه من فاته (3)الخطبتان صلّى ركعتين.فعلى هذه الرّواية يمكن أن يقال:يصلّي الجمعة ركعتين و يترك الخطبتين،و الأوّل أحوط.قال:و الوجه في هذه الرّواية أن يكون مختصّة بالمأموم الّذي يفوته الخطبتان،فأمّا إن تنعقد الجمعة من غير خطبتين فلا تصحّ على حال (4).
أقول:و هذا التّأويل حسن يحتمله الرّواية،و أظنّ أنّها رواية الحلبيّ في الحسن قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة؟فقال:«يصلّي ركعتين فإن فاتته الصّلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا».و يدلّ على قرب تأويل الشّيخ قوله في الرّواية:و قال:«إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الرّكعة الأخيرة فقد أدركت الصّلاة فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظّهر أربع» (5).
لأنّ فوات المستحبّ لا يؤثّر في رفع الواجب.
ظاهر كلامه في المبسوط (6)أنّه يصلّي الظّهر،و لو قيل:يصلّي جمعة كان حسنا.
ص:477
لأنّ الأصل البقاء.و هو قول كلّ من اشترط بقاء الوقت أيضا.
فذكر أنّه ترك سجدة و لم يدر أ هي من الرّكعة الّتي أدركها مع الإمام أو من الأُخرى،أضاف إليها سجدة، لأنّ ركعة الإمام لا سهو (1)عليه فيها فيبقى الشكّ متوجّها إلى الثّانية و هو في موضعه فيأتي بما شكّ فيه،فإذا سجد،ثمَّ ذكر أنّ التّرك كان من ركعة الإمام،سجد بعد الفراغ سجدة (2)قضاء،و سجد سجدتي السّهو و يكون مدركا للجمعة،خلافا لبعض الجمهور (3)و قد سلف (4).و لو ذكر أنّها من الّتي انفرد بها،فقد تمّمها بسجدته الأُولى.
،و إن سبقت إحداهما صحّت السّابقة و بطلت الأُخرى، سواء كانت السّابقة هي جماعة الإمام الرّاتب أو جماعة غيره.و هو أحد قولي الشّافعيّ (6).
و قال في القول الآخر:إنّه تصحّ جماعة الإمام الرّاتب سواء تقدّمت أو تأخّرت أو قارنت (7).
لنا:أنّ السّابقة انعقدت صحيحة فلا تفسد بعقد الثّانية.
احتجّ الشّافعيّ بأنّه كان يلزم أنّه متى شاء العدد المعتبر في الجمعة إفساد جمعة أهل
ص:478
البلد أمكنهم،بأن يجتمعوا و يعقدوا الجمعة (1).و هذا لا يتأتّى على قولنا أنّ الجمعة مشروطة بالإمام أو بمن (2)يأذن له،على أحد القولين،و بالعدل على القول الآخر،و هذا الفرض لا يقع من أحدهم و إنّما يرد على من يجوّز إمامة الفاسق.
و لا بكون إحداهما في قصبة البلد و الأُخرى في أقصاه،خلافا لمالك (3).
و كذا لو علم سبق إحداهما و جهل عينها،أو علم عينها و أشكل بعد ذلك،خلافا للمزنيّ في الفرضين الأخيرين،قال:
لأنّ كلّ واحدة منهما عقدت على الصّحّة فلا يفسدها الشكّ (4).و هذا ليس بجيّد؛لأنّ كلّ واحدة إنّما تصحّ إذا علم أنّها السّابقة.
فإن أمكنت الجمعة وجبت و إلاّ وجبت الظّهر،أمّا لو سبق إحداهما قطعا و جهل عينها،أو علم ثمَّ أشكل و بقي من الوقت ما يمكن فعل الجمعة هل تجب أم لا؟قال الشّيخ:تجب الجمعة (5).و هو أحد قولي الشّافعيّ (6)؛لأنّا حكمنا بفسادهما معا،و وجوب الإعادة عليها (7)،فكان المصر ما صلّيت فيه جمعة
ص:479
صحيحة.و الوجه عندي أنّهم يصلّون ظهرا،و هو القول الآخر للشّافعيّ (1)؛لأنّ إحداهما قد سبقت و صحّت،و إنّما أوجبنا الإعادة فيهما حيث جهلنا التّعيين،فلا تنعقد (2)جمعة اخرى و جهل التعيين (3)لا يقتضي الفساد في نفس الأمر و إلاّ لكانت المرأة المزوّجة برجلين من وليّين أحدهما سابق العقد و جهل خالية عن الزوجين و هو باطل،بل يثبت حكم النكاح في حقّها فلا تنكح آخر دونهما،و بهذا ظهر الفرق بين علم السبق و جهل التعيين و بين علم المقارنة.
لعدم اليقين بنفي المانع من الصّحّة.و قيل:إنّما تجب ظهرا؛لأنّ سبق إحداهما و لو بالتكبير أظهر من المقارنة و أغلب (4)،و لا تحمل الأفعال على النادر؛لأنّه بمنزلة المعدوم (5).و ليس بشيء.
(6)و هو حسن،و به قال الشافعيّ في أحد قوليه،و في القول الآخر:يعتبر ذلك بالفراغ من إحداهما قبل الأُخرى (7).
لنا:أنّه متى أحرم بإحداهما حرم الإحرام بالأُخرى،و إذا انعقدت فما يطرء عليها يكون باطلا فلا يبطلها.قالوا:قبل تمامها لا نعلم صحّتها و تمامها،قلنا:صحّتها معلومة بالسبق.
إذا لم
ص:480
يكن بينهما فرسخ و لزمهم استئناف الظهر؛لأنّ ما فعله قد ظهر بطلانه.و قال بعض الجمهور:له إتمامها ظهرا (1)،و ليس بجيّد.
مسألة:لا نعرف خلافا بين أهل العلم أنّ الجمعة إذا فاتت تقضى ظهرا أربع ركعات.
ص:481