تفسیر مقاتل بن سلیمان المجلد3

اشارة

نام کتاب: تفسیر مقاتل بن سلیمان
نویسنده: بلخی مقاتل بن سلیمان
موضوع: کلامی زیدیه- روایی زیدیه
قرن: 2
زبان: عربی
مذهب: شیعی
ناشر: دار إحیاء التراث
مکان چاپ: بیروت
سال چاپ: 1423 ق
نوبت چاپ: اول
تحقیق: عبد الله محمود شحاته
توضیح: کامل‌

سورة طه‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 9

[سورة طه (20): الآیات 1 الی 135]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقی (2) إِلاَّ تَذْکِرَةً لِمَنْ یَخْشی (3) تَنْزِیلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَ السَّماواتِ الْعُلی (4)
الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی (5) لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّری (6) وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ یَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفی (7) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنی (8) وَ هَلْ أَتاکَ حَدِیثُ مُوسی (9)
إِذْ رَأی ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْکُثُوا إِنِّی آنَسْتُ ناراً لَعَلِّی آتِیکُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَی النَّارِ هُدیً (10) فَلَمَّا أَتاها نُودِیَ یا مُوسی (11) إِنِّی أَنَا رَبُّکَ فَاخْلَعْ نَعْلَیْکَ إِنَّکَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُویً (12) وَ أَنَا اخْتَرْتُکَ فَاسْتَمِعْ لِما یُوحی (13) إِنَّنِی أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِی وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی (14)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ أَکادُ أُخْفِیها لِتُجْزی کُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعی (15) فَلا یَصُدَّنَّکَ عَنْها مَنْ لا یُؤْمِنُ بِها وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدی (16) وَ ما تِلْکَ بِیَمِینِکَ یا مُوسی (17) قالَ هِیَ عَصایَ أَتَوَکَّؤُا عَلَیْها وَ أَهُشُّ بِها عَلی غَنَمِی وَ لِیَ فِیها مَآرِبُ أُخْری (18) قالَ أَلْقِها یا مُوسی (19)
فَأَلْقاها فَإِذا هِیَ حَیَّةٌ تَسْعی (20) قالَ خُذْها وَ لا تَخَفْ سَنُعِیدُها سِیرَتَهَا الْأُولی (21) وَ اضْمُمْ یَدَکَ إِلی جَناحِکَ تَخْرُجْ بَیْضاءَ مِنْ غَیْرِ سُوءٍ آیَةً أُخْری (22) لِنُرِیَکَ مِنْ آیاتِنَا الْکُبْری (23) اذْهَبْ إِلی فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغی (24)
قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی (25) وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِی (26) وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِی (27) یَفْقَهُوا قَوْلِی (28) وَ اجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی (29)
هارُونَ أَخِی (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِی (31) وَ أَشْرِکْهُ فِی أَمْرِی (32) کَیْ نُسَبِّحَکَ کَثِیراً (33) وَ نَذْکُرَکَ کَثِیراً (34)
إِنَّکَ کُنْتَ بِنا بَصِیراً (35) قالَ قَدْ أُوتِیتَ سُؤْلَکَ یا مُوسی (36) وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلَیْکَ مَرَّةً أُخْری (37) إِذْ أَوْحَیْنا إِلی أُمِّکَ ما یُوحی (38) أَنِ اقْذِفِیهِ فِی التَّابُوتِ فَاقْذِفِیهِ فِی الْیَمِّ فَلْیُلْقِهِ الْیَمُّ بِالسَّاحِلِ یَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِی وَ عَدُوٌّ لَهُ وَ أَلْقَیْتُ عَلَیْکَ مَحَبَّةً مِنِّی وَ لِتُصْنَعَ عَلی عَیْنِی (39)
إِذْ تَمْشِی أُخْتُکَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلی مَنْ یَکْفُلُهُ فَرَجَعْناکَ إِلی أُمِّکَ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ قَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّیْناکَ مِنَ الْغَمِّ وَ فَتَنَّاکَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِینَ فِی أَهْلِ مَدْیَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلی قَدَرٍ یا مُوسی (40) وَ اصْطَنَعْتُکَ لِنَفْسِی (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوکَ بِآیاتِی وَ لا تَنِیا فِی ذِکْرِی (42) اذْهَبا إِلی فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغی (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَیِّناً لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشی (44)
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ یَفْرُطَ عَلَیْنا أَوْ أَنْ یَطْغی (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِی مَعَکُما أَسْمَعُ وَ أَری (46) فَأْتِیاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّکَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِی إِسْرائِیلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناکَ بِآیَةٍ مِنْ رَبِّکَ وَ السَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی (47) إِنَّا قَدْ أُوحِیَ إِلَیْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلی مَنْ کَذَّبَ وَ تَوَلَّی (48) قالَ فَمَنْ رَبُّکُما یا مُوسی (49)
قالَ رَبُّنَا الَّذِی أَعْطی کُلَّ شَیْ‌ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدی (50) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولی (51) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی فِی کِتابٍ لا یَضِلُّ رَبِّی وَ لا یَنْسی (52) الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَکَ لَکُمْ فِیها سُبُلاً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّی (53) کُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَکُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِأُولِی النُّهی (54)
مِنْها خَلَقْناکُمْ وَ فِیها نُعِیدُکُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُکُمْ تارَةً أُخْری (55) وَ لَقَدْ أَرَیْناهُ آیاتِنا کُلَّها فَکَذَّبَ وَ أَبی (56) قالَ أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِکَ یا مُوسی (57) فَلَنَأْتِیَنَّکَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَیْنَنا وَ بَیْنَکَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَ لا أَنْتَ مَکاناً سُویً (58) قالَ مَوْعِدُکُمْ یَوْمُ الزِّینَةِ وَ أَنْ یُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًی (59)
فَتَوَلَّی فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ کَیْدَهُ ثُمَّ أَتی (60) قالَ لَهُمْ مُوسی وَیْلَکُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَی اللَّهِ کَذِباً فَیُسْحِتَکُمْ بِعَذابٍ وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَری (61) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوی (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ یُرِیدانِ أَنْ یُخْرِجاکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ بِسِحْرِهِما وَ یَذْهَبا بِطَرِیقَتِکُمُ الْمُثْلی (63) فَأَجْمِعُوا کَیْدَکُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَ قَدْ أَفْلَحَ الْیَوْمَ مَنِ اسْتَعْلی (64)
قالُوا یا مُوسی إِمَّا أَنْ تُلْقِیَ وَ إِمَّا أَنْ نَکُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقی (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِیُّهُمْ یُخَیَّلُ إِلَیْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعی (66) فَأَوْجَسَ فِی نَفْسِهِ خِیفَةً مُوسی (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّکَ أَنْتَ الْأَعْلی (68) وَ أَلْقِ ما فِی یَمِینِکَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا کَیْدُ ساحِرٍ وَ لا یُفْلِحُ السَّاحِرُ حَیْثُ أَتی (69)
فَأُلْقِیَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَ مُوسی (70) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَیُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقی (71) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَکَ عَلی ما جاءَنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الَّذِی فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِی هذِهِ الْحَیاةَ الدُّنْیا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِیَغْفِرَ لَنا خَطایانا وَ ما أَکْرَهْتَنا عَلَیْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللَّهُ خَیْرٌ وَ أَبْقی (73) إِنَّهُ مَنْ یَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا یَمُوتُ فِیها وَ لا یَحْیی (74)
وَ مَنْ یَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِکَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلی (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها وَ ذلِکَ جَزاءُ مَنْ تَزَکَّی (76) وَ لَقَدْ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی أَنْ أَسْرِ بِعِبادِی فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِیقاً فِی الْبَحْرِ یَبَساً لا تَخافُ دَرَکاً وَ لا تَخْشی (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِیَهُمْ مِنَ الْیَمِّ ما غَشِیَهُمْ (78) وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدی (79)
یا بَنِی إِسْرائِیلَ قَدْ أَنْجَیْناکُمْ مِنْ عَدُوِّکُمْ وَ واعَدْناکُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَیْمَنَ وَ نَزَّلْنا عَلَیْکُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوی (80) کُلُوا مِنْ طَیِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ وَ لا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی وَ مَنْ یَحْلِلْ عَلَیْهِ غَضَبِی فَقَدْ هَوی (81) وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدی (82) وَ ما أَعْجَلَکَ عَنْ قَوْمِکَ یا مُوسی (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلی أَثَرِی وَ عَجِلْتُ إِلَیْکَ رَبِّ لِتَرْضی (84)
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَکَ مِنْ بَعْدِکَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِیُّ (85) فَرَجَعَ مُوسی إِلی قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ یا قَوْمِ أَ لَمْ یَعِدْکُمْ رَبُّکُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطالَ عَلَیْکُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ یَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّکُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِی (86) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَکَ بِمَلْکِنا وَ لکِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِینَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَکَذلِکَ أَلْقَی السَّامِرِیُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُکُمْ وَ إِلهُ مُوسی فَنَسِیَ (88) أَ فَلا یَرَوْنَ أَلاَّ یَرْجِعُ إِلَیْهِمْ قَوْلاً وَ لا یَمْلِکُ لَهُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً (89)
وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ یا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّکُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِی وَ أَطِیعُوا أَمْرِی (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَیْهِ عاکِفِینَ حَتَّی یَرْجِعَ إِلَیْنا مُوسی (91) قالَ یا هارُونُ ما مَنَعَکَ إِذْ رَأَیْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَیْتَ أَمْرِی (93) قالَ یَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْیَتِی وَ لا بِرَأْسِی إِنِّی خَشِیتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَیْنَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِی (94)
قالَ فَما خَطْبُکَ یا سامِرِیُّ (95) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ یَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَ کَذلِکَ سَوَّلَتْ لِی نَفْسِی (96) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَکَ فِی الْحَیاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَ إِنَّ لَکَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَ انْظُرْ إِلی إِلهِکَ الَّذِی ظَلْتَ عَلَیْهِ عاکِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِی الْیَمِّ نَسْفاً (97) إِنَّما إِلهُکُمُ اللَّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ عِلْماً (98) کَذلِکَ نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ آتَیْناکَ مِنْ لَدُنَّا ذِکْراً (99)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ یَحْمِلُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وِزْراً (100) خالِدِینَ فِیهِ وَ ساءَ لَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ حِمْلاً (101) یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) یَتَخافَتُونَ بَیْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ إِذْ یَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِیقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ یَوْماً (104)
وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ یَنْسِفُها رَبِّی نَسْفاً (105) فَیَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَری فِیها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً (107) یَوْمَئِذٍ یَتَّبِعُونَ الدَّاعِیَ لا عِوَجَ لَهُ وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (108) یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلاً (109)
یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْماً (110) وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَیِّ الْقَیُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111) وَ مَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا یَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً (112) وَ کَذلِکَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا وَ صَرَّفْنا فِیهِ مِنَ الْوَعِیدِ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ أَوْ یُحْدِثُ لَهُمْ ذِکْراً (113) فَتَعالَی اللَّهُ الْمَلِکُ الْحَقُّ وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یُقْضی إِلَیْکَ وَحْیُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِی عِلْماً (114)
وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلی آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِیَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115) وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ أَبی (116) فَقُلْنا یا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَکَ وَ لِزَوْجِکَ فَلا یُخْرِجَنَّکُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقی (117) إِنَّ لَکَ أَلاَّ تَجُوعَ فِیها وَ لا تَعْری (118) وَ أَنَّکَ لا تَظْمَؤُا فِیها وَ لا تَضْحی (119)
فَوَسْوَسَ إِلَیْهِ الشَّیْطانُ قالَ یا آدَمُ هَلْ أَدُلُّکَ عَلی شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْکٍ لا یَبْلی (120) فَأَکَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا یَخْصِفانِ عَلَیْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَیْهِ وَ هَدی (122) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِیعاً بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی هُدیً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدایَ فَلا یَضِلُّ وَ لا یَشْقی (123) وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمی (124)
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِی أَعْمی وَ قَدْ کُنْتُ بَصِیراً (125) قالَ کَذلِکَ أَتَتْکَ آیاتُنا فَنَسِیتَها وَ کَذلِکَ الْیَوْمَ تُنْسی (126) وَ کَذلِکَ نَجْزِی مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ یُؤْمِنْ بِآیاتِ رَبِّهِ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقی (127) أَ فَلَمْ یَهْدِ لَهُمْ کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ یَمْشُونَ فِی مَساکِنِهِمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِأُولِی النُّهی (128) وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَکانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّی (129)
فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها وَ مِنْ آناءِ اللَّیْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّکَ تَرْضی (130) وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا لِنَفْتِنَهُمْ فِیهِ وَ رِزْقُ رَبِّکَ خَیْرٌ وَ أَبْقی (131) وَ أْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَیْها لا نَسْئَلُکَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُکَ وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوی (132) وَ قالُوا لَوْ لا یَأْتِینا بِآیَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَیِّنَةُ ما فِی الصُّحُفِ الْأُولی (133) وَ لَوْ أَنَّا أَهْلَکْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزی (134)
قُلْ کُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِیِّ وَ مَنِ اهْتَدی (135)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 19
سورة طه «1» (13) سورة مکیة «2» و هی خمس و ثلاثون و مائة آیة کوفی.
______________________________
(1) المقصود الإجمالی للسورة:
معظم ما اشتملت علیه سورة طه هو ما یأتی:
تیسیر الأمر علی الرسول- صلّی اللّه علیه و سلم-، و ذکر الاستواء، و علم اللّه- تعالی- بالقریب و البعید، و ذکر حضور موسی- علیه السلام- بالوادی المقدس، و إظهار عجائب عصاء و الید البیضاء، و سؤال شرح الصدر و تیسیر الأمر و إلقاء التابوت فی البحر و إثبات محبة موسی فی القلوب، و اصطفاء اللّه- تعالی- موسی، و اختصاصه بالرسالة إلی فرعون، و ما جری بینهما من المکالمة، و الموعد یوم الزینة، و حیل فرعون و سحرته بالحبال و العصیّ، و إیمان السحرة و تعذیب فرعون لهم، و المنة علی بنی إسرائیل بنجاتهم من الغرق، و تعجیل موسی: و المجی‌ء إلی الطور، و مکر السامری فی صنعه العجل و إضلال القوم، و تعبیر موسی هارون بسبب ضلالتهم، و حدیث القیامة، و حال الکفار فی عقوبتهم، و نسف الجبال، و انقیاد المنکرین فی ربقة طاعة اللّه الحی القیوم، و آداب قراءة القرآن، و سؤال زیادة العلم و البیان، و تعبیر آدم بسبب النسیان، و تنبیهه علی الوسوسة و مکر الشیطان، و بیان عقوبة نسیان القرآن، و نهی النبی عن النظر إلی أحوال الکفار و أهل الطغیان، و الالتفات إلی ما خولوا: من الأموال، و الولدان، و إلزام الحجة علی المنکرین بإرسال الرسل بالبرهان، و تنبیه الکفار علی انتظار أمر اللّه فی قوله: «قُلْ کُلٌّ مُتَرَبِّصٌ ...» إلی آخر السورة.
(2) فی المصحف المطبوع (20) سورة طه مکیة إلا آیتی 130، 131 فمدنیتان، و آیاتها 135 نزلت بعد سورة مریم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 20
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ طه 1- ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقی 2- و ذلک
أن أبا جهل و الولید بن المغیرة و النضر بن الحارث و المطعم بن عدی قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: إنک لتشقی حین ترکت دین آبائک فائتنا «1» ببراءة أنه لیس مع إلهک إله، فقال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، بل بعثت رحمة للعالمین
قالوا بل أنت شقی فأنزل اللّه- عز و جل- فی قولهم للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- «طه» یعنی یا رجل و هو بالسریانیة، ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقی یعنی ما أنزلناه علیک «2» إِلَّا تَذْکِرَةً لِمَنْ یَخْشی 3- اللّه تَنْزِیلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ کلها وَ السَّماواتِ السبع الْعُلی «3»- 4- یعنی الرفیع «4» من الأرض الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی 5- فی التقدیم قبل خلق السموات و الأرض
______________________________
(1) فی أ: فاتنا.
(2) «علیک»: من فیض اللّه، ف.
(3) فی أ: العلا، ف: العلی.
(4) کذا فی أ (أحمد الثالث)، ل (کویر یلی)، ف (فیض اللّه)، م (أمانة)، ح (حمیدیة): و المراد المرتفعة فوق الأرض، قال النسفی فی تفسیره: «و العلی جمع العلیاء، تأنیث الأعلی» و وصف السموات بالعلی دلیل ظاهر علی عظم قدرة خالقها)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 21
یعنی استقر «1»، ثم عظم الرب- عز و جل- نفسه فقال- سبحانه-: لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّری 6- یعنی بالثری الأرض السفلی و تحتها الصخرة و الملک و الثور و الحوت و الماء و الریح تهب فی الهواء «2» وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، و إن تعلن بالقول فَإِنَّهُ یَعْلَمُ السِّرَّ یعنی ما أسر العبد فی نفسه وَ ما أَخْفی 7- من السر «ما لا یعلم العبد أنه یعلمه و هو عامله، فیعلم اللّه ذلک کله «3»». ثم
______________________________
(1) اللّه- تعالی- منزه عن مشابهة الحوادث، و هذا الوصف للرحمن بأنه استقر علی العرش فیه مشابهة بالحوادث، یتنزه اللّه عن ذلک.
قال، فی ظلال القرآن: ( «الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی الاستواء علی العرش کنایة عن غایة السیطرة و الاستعلاء. فأمر الناس إذن إلی اللّه و ما علی الرسول إلا التذکرة لمن یخشی).
و قال ابن جریر الطبری: ( «الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی یقول- تعالی ذکره- الرحمن علی عرشه ارتفع و علا).
و قال النسفی: ( «الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی أی استولی عن الزجاج و نبه بذکر العرش و هو أحد المخلوقات علی غیره.
و قیل لما کان الاستواء علی العرش سریر الملک مما یرادف الملک جعلوه کنایة عن الملک فقالوا استوی فلان علی العرش أی ملک، و إن لم یقعد علی السریر البتة و هذا کقولک به فلان مبسوطة أی جواد و إن لم یکن له ید رأسا.
و المذهب قول علی ... رضی اللّه عنه- الاستواء غیر مجهول و التکلیف غیر معقول و الإیمان به واجب و السؤال عند بدعة لأنه- تعالی- کان و لا مکان فهو قبل خلق المکان لم یتغیر عما کان.
(انظر تفسیر النسفی م: 48)
(2) فی أ: الهوی، و الکلمة ساقطة من (ز) و فی ف: الهواء.
(3) من ز، و فی أ: و ما لا یعلمه العبد أنه یعمله فهو عالمه و عالم یعمله و هو عالمه فیعلم اللّه- عز و جل- ذلک».
و فی ل: «ما لا یعلم العبد أنه یعمله فهو عالمه» و ما لم یعمله و هو عامله فیعلم ذلک».
و فی ف: «ما لا یعلمه العبد أنه یعلم فهو عالمه، و ما لم یعلمه و هو عامله و هو عامله (کذا) فیعلم اللّه ذلک کله».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 22
و حد نفسه- تبارک و تعالی- إذ لم «یوحده» «1» کفار مکة فقال- سبحانه-:
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنی 8- و هی التی فی آخر سورة الحشر «2» و نحوه لقولهم ائتنا ببراءة أنه لیس مع إلهک إله وَ هَلْ أَتاکَ یقول «و قد جاءک «3»» حَدِیثُ مُوسی 9- إِذْ رَأی ناراً لیلة الجمعة فی الشتاء بأرض المقدسة «4» فَقالَ لِأَهْلِهِ یعنی امرأته و ولده امْکُثُوا مکانکم إِنِّی آنَسْتُ ناراً یعنی إنی رأیت نارا و هو نور رب العالمین- تبارک و تعالی- لَعَلِّی آتِیکُمْ مِنْها بِقَبَسٍ فأقتبس النار لکی «5» تصطلون من البرد أَوْ أَجِدُ عَلَی النَّارِ هُدیً 10- یعنی من یرشدنی إلی الطریق و کان موسی- علیه السلام- قد تحیر لیلا و ضل الطریق فلما انتهی إلیها سمع تسبیح الملائکة و رأی نورا عظیما فخاف و ألقی اللّه- عز و جل- علیه السکینة فَلَمَّا أَتاها انتهی إلیها [2 ب نُودِیَ یا مُوسی 11- إِنِّی أَنَا رَبُّکَ فَاخْلَعْ نَعْلَیْکَ من قدمیک و کانتا من جلد حمار میت غیر ذکی «6» فخلعهما موسی
______________________________
(1) ن ز، و فی ل: یوحدوه.
(2) یشیر إلی الآیات 22، 23، 24 من سورة الحشر و هی: «هُوَ اللَّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِیمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِکُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَیْمِنُ الْعَزِیزُ الْجَبَّارُ الْمُتَکَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یُشْرِکُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنی یُسَبِّحُ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ»
(3) فی أ: قد جاءک، ر: و قد أتاک.
(4) فی أ، ز، ل، ف: بأرض المقدسة، و الأنسب بالأرض المقدسة.
(5) فی الأصل: لعلکم لکی.
(6) فی کتب الفقه یطهر الجلد و نحوه بالدبغ، فالمقصود أن الجلد کان غیر مدبوغ أو غیر طاهر، و فی أ: ذکی، ز: زکی، أ ه.
أقول: و الزکاة فی اللغة النماء و الطهارة لأنها تنمی المال و تطهره.
- فعن غیر زکی أی غیر طاهر، و یسمی الذبح: الذکاة قال- تعالی- إِلَّا ما ذَکَّیْتُمْ سورة المائدة: 3. أی ذبحتم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 23
- علیه السلام- و ألقاهما من وراء الوادی إِنَّکَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ یعنی بالوادی المطهر طُویً 12- و هو اسم الوادی وَ أَنَا اخْتَرْتُکَ یا موسی للرسالة فَاسْتَمِعْ لِما یُوحی 13- یعنی للذی یوحی إلیک و الوحی ما ذکر اللّه- عز و جل-: إِنَّنِی أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی قال: حدثنا الهذیل عن مقاتل، عن علقمة ابن مرثد، عن کعب: أن موسی- علیه السلام- کلمه ربه مرتین، و رأی محمد- صلی اللّه علیه و سلم ربه- جل جلاله- مرتین، و عصی آدم- علیه السلام- ربه- تعالی- مرتین.
حدثنا عبید اللّه، قال: و حدثنی أبی عن الهذیل، عن حماد بن عمرو النصیبی «1» عن عبد الحمید بن یوسف قال صیاح الدراج: «الرَّحْمنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوی «2»».
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی عن الهذیل، عن صیفی بن سالم، عن عمرو ابن عبید عن الحسن، فی قوله- عز و جل- «... أَکادُ أُخْفِیها ...» «قال أخفیها «3»» من نفسی قال هذیل و لم أسمع مقاتلا.
قوله- سبحانه-: فَاعْبُدْنِی یعنی فوحدنی فإنه لیس معی إله، ثم قال- تعالی- وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی 14- یقول لتذکرنی بها یا موسی ثم استأنف إِنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ یقول إن الساعة جائیة لا بد أَکادُ أُخْفِیها من نفسی فی قراءة ابن مسعود فکیف یعلمها أحد و قد کدت أن
______________________________
(1) ف: النصیبی، أ: البصبی، ل: النصبی، و هذه الأسانید کلها موجودة فی أ، ل، ق و ساقطة من ز.
(2) سورة الرحمن: 5.
(3) قال أخفیها: من ل، و لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 24
أخفیها من نفسی لئلا یعلمها مخلوق لِتُجْزی کُلُّ نَفْسٍ یقول- سبحانه- الساعة آتیة لتجزی کل نفس بر و فاجر «1» بِما تَسْعی 15- إذا جاءت الساعة یعنی بما تعمل فی الدنیا فَلا یَصُدَّنَّکَ عَنْها یا محمد یعنی عن إیمان بالساعة مَنْ لا یُؤْمِنُ بِها یعنی من لا یصدق بها أنها کائنة وَ اتَّبَعَ هَواهُ ثم قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فَتَرْدی 16- یعنی فتهلک إن صدوک عن الإیمان بالساعة، فیها تقدیم، ثم قال- عز و جل- فی مخاطبته لموسی- علیه السلام- وَ ما تِلْکَ بِیَمِینِکَ یا مُوسی 17- یعنی عصاه کانت بیده الیمنی، قال ذلک لموسی «2»- علیه السلام- و هو یرید أن یحولها حیة قالَ موسی- علیه السلام-: هِیَ عَصایَ أَتَوَکَّؤُا عَلَیْها یقول أعتمد علیها إذا مشیت وَ أَهُشُّ بِها عَلی غَنَمِی یقول أخبط بها الشجر فیتهاش الورق فی الأرض فتأکله غنمی إذا رعیتها و کانت صغارا «3» لا تعلون «4» الشجر، و کان «5» [13] موسی- علیه السلام- یضرب بعصاه الشجر فیتهاش «6» الورق فی الأرض فتأکله غنمه «7».
وَ لِیَ فِیها یعنی فی العصا مَآرِبُ أُخْری 18- یعنی حوائج أخری و کان موسی- علیه السلام- یحمل زاده و سقاءه علی عصاه و یضرب الأرض بعصاه فیخرج
______________________________
(1) کذا فی أ، ل، ف، و فی ؤ: (لتجزی کل بر و فاسق) و لعل کلمة سقطت منها فالراجح أن أصلها (لتجزی کل «نفس» بر و فاجر)
(2) من ل، و فی أ: قال ذلک و جل لموسی، و لعل أصله- عز و جل-.
(3) فی أ: و کانت صفارا، ل: و کن صفارا.
(4) فی أ: ل، ف: لا تعلون.
(5) فی أ: و کان، ف: فکان.
(6) فی ف: فیتهاوش، أ: فیتهاش.
(7) فی ف: غنمی، أ: غنمه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 25
ما یأکل یومه و یرکزها فی الأرض فیخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء و تضی‌ء باللیل فی غیر قمر لیهتدی بها و یرد بها غنمه علیه فتقیه بإذن اللّه- عز و جل- من الآفات و یقتل بها الحیات و العقارب بإذن اللّه- عز و جل-.
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی، عن الهذیل، عن مقاتل، قال: دفع جبریل- علیه السلام- «العصا» «1» إلی موسی- علیه السلام- و هو متوجه إلی مدین باللیل، و اسم العصا نفعة «2».
قالَ اللّه- عز و جل-: أَلْقِها یا مُوسی 19- فَأَلْقاها من یده الیمنی فَإِذا هِیَ حَیَّةٌ تَسْعی 20- علی بطنها ذکرا أشعر له عرف فخاف موسی- علیه السلام- أن یأخذها ف قالَ له و به- عز و جل-:
خُذْها وَ لا تَخَفْ منها سَنُعِیدُها سِیرَتَهَا الْأُولی 21- یعنی سنعیدها عصا کهیئتها الأولی عصا، کما کانت أول مرة، فأهوی موسی بیده إلی ذنبها فقبض علیها فصارت عصا کما کانت وَ اضْمُمْ یَدَکَ یعنی کفک إِلی جَناحِکَ یعنی عضدک تَخْرُجْ بَیْضاءَ مِنْ غَیْرِ سُوءٍ یعنی من غیر برص، فأخرج یده من مدرعته و کانت مضربة «3» فخرجت بیضاء لها شعاع کشعاع الشمس یعنی البصر، ثم قال: آیَةً أُخْری 22- یعنی الید آیة أخری سوی العصا لِنُرِیَکَ مِنْ آیاتِنَا الْکُبْری 23- یعنی الید کانت أکبر و أعجب أمرا من العصا فذلک قوله- سبحانه- «فَأَراهُ الْآیَةَ الْکُبْری «4» یعنی الید اذْهَبْ إِلی فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغی 24-
______________________________
(1) العصا: من ل، و لیست فی أ.
(2) کذا فی أ، ل، ف.
(3) فی ل: مصریة، ف: مصریة، و فی أ: مضربة، و قد یکون معناها تضرب إلی سواه.
(4) سورة النازعات: 20.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 26
یقول إنه عصی، فادعوه إلی عبادتی، و اعلم أنی قد ربطت علی قلبه، فلم یؤمن فأتاه ملک خازن من خزان الریح، فقال له: انطلق لما أمرت قالَ موسی: رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی 25- یقول أوسع لی قلبی قال له الملک: انطلق لما «1» أمرت به فإن هذا «2» قد عجز عنه جبریل و میکائیل و إسرافیل- علیهم السلام-، ثم قال موسی: وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِی 26- یقول و هون علی ما أمرتنی به من البلاغ إلی فرعون و قومه و لا تعسره علی وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِی و کان فی لسانه رتة یعنی الثقل، هذا الحرف عن محمد بن هانئ «3».
یَفْقَهُوا قَوْلِی 28- یعنی [3 ب کلامی وَ اجْعَلْ لِی وَزِیراً یقول بالدخول «4» إلی فرعون یعنی عونا مِنْ أَهْلِی 29- لکی یصدقنی فرعون هارُونَ أَخِی 30- اشْدُدْ بِهِ أَزْرِی 31- یقول اشدد به ظهری و لیکون عونا لی وَ أَشْرِکْهُ فِی أَمْرِی 32- الذی أمرتنی به، یتعظون لأمرنا و نتعاون کلانا جمیعا «5» کَیْ نُسَبِّحَکَ کَثِیراً- 33- فی الصلاة وَ نَذْکُرَکَ کَثِیراً- 34- باللسان إِنَّکَ کُنْتَ بِنا بَصِیراً- 35- یقول ما أبصرک بنا قالَ عز و جل-: قَدْ أُوتِیتَ سُؤْلَکَ یا مُوسی 36-.
و مسألتک لنفسک خیرا، عن العقدة فی اللسان و لأخیک وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلَیْکَ یعنی أنعمنا علیک مع النبوة مَرَّةً أُخْری 37- ثم بین النعمة فقال-
______________________________
(1) فی أ: لما، ل: بما.
(2) کذا فی أ، ل، و الأنسب فإن هذا الأمر.
(3) من هنا ساقط من (ف) إلی قوله- تعالی-: «قالَ لَهُمْ مُوسی وَیْلَکُمْ لا تَفْتَرُوا».
(4) کذا فی أ، ل.
(5) کذا فی أ، ل، م.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 27
سبحانه-: إِذْ أَوْحَیْنا إِلی أُمِّکَ ما یُوحی 38- و اسمها یوخاند «1» أَنِ اقْذِفِیهِ أن اجعلیه فِی التَّابُوتِ و المؤمن الذی صنع التابوت اسمه خربیل بن صابوث «2» فَاقْذِفِیهِ فِی الْیَمِ یعنی فی نهر مصر و هو النیل فَلْیُلْقِهِ الْیَمُّ بِالسَّاحِلِ علی شاطئ البحر یَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِی وَ عَدُوٌّ لَهُ یعنی فرعون عدو اللّه- عز و جل- و عدو لموسی- علیه السلام- وَ أَلْقَیْتُ عَلَیْکَ مَحَبَّةً مِنِّی فألقی اللّه- عز و جل- علی موسی- علیه السلام- المحبة فأحبوه حین رأوه فهذه النعمة الأخری وَ لِتُصْنَعَ عَلی عَیْنِی 39- حین قذف التابوت «3» فی البحر و حین التقط و حین غذی فکل ذلک بعین اللّه- عز و جل- فلما التقطه جعل موسی لا یقبل ثدی امرأة إِذْ تَمْشِی أُخْتُکَ مریم فَتَقُولُ لآل فرعون: هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلی مَنْ یَکْفُلُهُ یعنی علی من یضمه و یرضعه لکم، فقالوا: نعم. فذهبت أخته فجاءت بالأم فقبل ثدیها، فذلک قوله- سبحانه-: فَرَجَعْناکَ إِلی أُمِّکَ «4» یعنی کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ علیک وَ قَتَلْتَ حین بلغ أشده ثمانی عشرة سنة «5» نَفْساً بمصر فَنَجَّیْناکَ مِنَ الْغَمِ یعنی من القتل، و کان مغموما مخافة أن یقتل مکان القتیل وَ فَتَنَّاکَ فُتُوناً یعنی ابتلیناک ببلاء علی أثر بلاء، یعنی بالبلاء النقم منذ یوم ولد إلی أن بعثه اللّه- عز و جل- رسولا فَلَبِثْتَ سِنِینَ یعنی عشر سنین فِی أَهْلِ مَدْیَنَ حین کان مع شعیب- علیهما السلام- ثُمَّ جِئْتَ عَلی قَدَرٍ یعنی
______________________________
(1) فی أ، ل: یوخاند، و ذکرت فی مواضع أخری یوکابد.
(2) من ز، و فی أ، ل: و صنع التابوت لموسی- علیه السلام- جبریل و هو المؤمن من آل فرعون.
(3) فی الأصل: فی التابوت.
(4) کذا فی أ، ل، «یعنی» ساقطة من ز.
(5) من ل، و فی أ: ثمان عشرة سنة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 28
میقات یا مُوسی 40- وَ اصْطَنَعْتُکَ لِنَفْسِی 41- و هو ابن أربعین سنة یقول و اخترتک لنفسی رسولا اذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوکَ هارون بِآیاتِی یعنی الید و العصا، و هارون یومئذ غائب بمصر فالتقیا موسی و هارون- علیهما السلام- من قبل أن یصلا إلی فرعون وَ لا تَنِیا فِی ذِکْرِی 42- یقول و لا تضعفا [4 ا] فی أمری، فی قراءة ابن مسعود «و لا تهنا فی ذکری فی البلاغ إلی فرعون» یجرئهما «1» علی فرعون اذْهَبا إِلی فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغی 43- یقول عصی اللّه- عز و جل- أربعمائة سنة فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَیِّناً یقول ادعواه بالکنیة یعنی بالقول اللین- هل لک إلی أن تزکی، و أهدیک إلی ربک فتخشی- «لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشی «2»- 44- قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ یَفْرُطَ عَلَیْنا یعنی أن یعجل علینا بالقتل أَوْ أَنْ یَطْغی 45- یعنی یستعصی. قالَ لا تَخافا القتل إِنَّنِی مَعَکُما فی الدفع عنکما، فذلک قوله- سبحانه-: «... فلا یصلون إلیکما ... «3»» ثم قال: أَسْمَعُ جواب فرعون وَ أَری 46- یقول و أعلم ما یقول، کقوله: «... لتحکم بین الناس بما أراک اللّه «4» ...» یعنی بما أعلمک اللّه- عز و جل- فَأْتِیاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّکَ فانقطع کلام اللّه- عز و جل- لموسی- علیه السلام- فلما أتیا فرعون، قال موسی لفرعون: «فَأَرْسِلْ» «5» مَعَنا بَنِی إِسْرائِیلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ یقول
______________________________
(1) فی ل: یجرئهما، أ: یجیریهما، و فی حاشیة أ: یجرئهما من الجراءة.
(2) ما بین القوسین «...» ساقط من أ، ل، ز
(3) سورة القصص: 35.
(4) سورة النساء: 105.
(5) فی أ: أرسل، و فی حاشیة أ: التلاوة فأرسل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 29
و لا تستعبدهم بالعمل یعنی بقوله «معنا» یعنی معنا یعنی نفسه و أخاه قَدْ جِئْناکَ بِآیَةٍ یعنی بعلامة مِنْ رَبِّکَ و هی الید و العصا وَ السَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی 47- یقول و السلام علی من آمن باللّه- عز و جل- إِنَّا قَدْ أُوحِیَ إِلَیْنا أَنَّ الْعَذابَ فی الآخرة عَلی مَنْ کَذَّبَ بتوحید اللّه- عز و جل- وَ تَوَلَّی 48- یعنی و أعرض عنه. قالَ فرعون: فَمَنْ رَبُّکُما یا مُوسی 49- قالَ رَبُّنَا الَّذِی أَعْطی کُلَّ شَیْ‌ءٍ من الدواب خَلْقَهُ یعنی صورته التی تصلح له ثُمَّ هَدی 50- یقول هداه إلی معیشته و مرعاه فمنها ما یأکل الحب، و منها ما یأکل اللحم قالَ فرعون: یا موسی فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولی 51- یقول مؤمن آل فرعون فی حم المؤمن «... یا قَوْمِ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ مِثْلَ یَوْمِ الْأَحْزابِ، مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ ... «1»» فی الهلاک، فلما سمع ذلک فرعون من المؤمن، قال لموسی: «فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولی فلم یعلم موسی ما أمرهم؟ لأن التوراة إنما أنزلت علی موسی- علیه السلام- بعد هلاک فرعون و قومه، فمن ثم رد علیه موسی ف قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی فِی کِتابٍ یعنی اللوح المحفوظ لا یَضِلُّ رَبِّی یعنی لا یخطئ «2» ذلک الکتاب ربی وَ لا یَنْسی 52- ما فیه. فلما أنزل اللّه- عز و جل- علیه التوراة أعلمه و بین له فیها القرون الأولی، ثم ذکر موسی- علیه السلام- صنع اللّه- عز و جل- لیعتبر به فرعون، فقال: الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ «مَهْداً» «3» [4 ب یعنی فراشا وَ سَلَکَ لَکُمْ یعنی و جعل لکم فِیها سُبُلًا
______________________________
(1) سورة غافر: 30- 31.
(2) فی أ: لا یخطئ ربی، و فی ل: لا یخطئ.
(3) فی أ: مهادا، ز: مهدا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 30
یعنی طرقا فی الأرض وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ یعنی بالمطر أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّی 53- من الأرض یعنی مختلفا من کل لون من النبات منها للدواب و منها للناس کُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَکُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ یعنی فیما ذکر من هذه الآیة لَآیاتٍ یعنی لعبرة لِأُولِی النُّهی 54- یعنی لذوی العقول فی توحید اللّه- عز و جل-. هذا قول موسی- علیه السلام- لفرعون، ثم قال اللّه- عز و جل-: مِنْها خَلَقْناکُمْ یعنی أول مرة خلقکم من الأرض من التراب الذی ذکر فی هذه الآیة التی قبلها وَ فِیها نُعِیدُکُمْ إذا متم وَ مِنْها نُخْرِجُکُمْ یوم القیامة أحیاء بعد الموت تارَةً أُخْری 55- یعنی مرة أخری وَ لَقَدْ أَرَیْناهُ آیاتِنا کُلَّها یعنی فرعون، الآیات السبع:
الطوفان، و الجراد، و القمل، و الضفادع، و الدم، و الطمس، و السنین، و العصا، و الید «فَکَذَّبَ» «1» بها، بأنها لیست من اللّه- عز و جل- وَ أَبی 56- أن یصدق بها و زعم أنها سحر قالَ فرعون لموسی:
أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِکَ یا مُوسی 57- الید و العصا فَلَنَأْتِیَنَّکَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ یعنی بمثل سحرک فَاجْعَلْ بَیْنَنا وَ بَیْنَکَ مَوْعِداً یعنی وقتا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَ لا أَنْتَ مَکاناً سُویً 58- یعنی میقاتا یعنی عدلا کقوله سبحانه: «... أصحاب الصراط السوی ...» «2» یعنی العدل قالَ موسی لفرعون: مَوْعِدُکُمْ یَوْمُ الزِّینَةِ یعنی یوم عید لهم فی کل سنة یوم واحد و هو یوم النیروز وَ أَنْ یُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًی 59- یعنی نهارا فی الیوم الذی فیه
______________________________
(1) فی أ: فکذبوا.
(2) سورة طه: 135.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 31
العید، مثل قوله: «... بَأْسُنا ضُحًی ... «1»» یعنی نهارا. و بعث فرعون شرطة «2» فحشرهم للمیعاد فَتَوَلَّی فِرْعَوْنُ یقول أعرض فرعون عن الحق الذی دعی إلیه فَجَمَعَ کَیْدَهُ یعنی سحرته ثُمَّ أَتی 60- قالَ لَهُمْ مُوسی وَیْلَکُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَی اللَّهِ کَذِباً لقولهم إن الید و العصا لیستا «3» من اللّه- عز و جل- و إنها سحر فَیُسْحِتَکُمْ یعنی فیهلککم جمیعا بِعَذابٍ وَ قَدْ خابَ یعنی و قد خسر «4» مَنِ افْتَری 61- و قال الکذب علی اللّه- عز و جل- فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ یعنی اختلفوا فی قولهم بینهم نظیرها فی الکهف «... إِذْ یَتَنازَعُونَ بَیْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ...» «5» وَ أَسَرُّوا النَّجْوی 62- من موسی و هارون- علیهما السلام- فنجواهم أن قالُوا [5 أ] إِنْ هذانِ لَساحِرانِ یُرِیدانِ أَنْ یُخْرِجاکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ یعنی أرض مصر بِسِحْرِهِما وَ یَذْهَبا بِطَرِیقَتِکُمُ الْمُثْلی 63- یقول یغلبانکم علی الرجال و الأمثال، جمع أمثل و هو الممتاز من الرجال «6»، من أهل العقول و الشرف، فیتبعون موسی و هارون و یترکون فرعون فَأَجْمِعُوا کَیْدَکُمْ یعنی سحرکم هذا قول فرعون لوجوه سحرة قومه ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا یعنی جمیعا وَ قَدْ أَفْلَحَ یعنی و قد سعد الْیَوْمَ مَنِ اسْتَعْلی 64- یعنی من غلب قالُوا یا مُوسی إِمَّا أَنْ تُلْقِیَ عصاک من یدک وَ إِمَّا أَنْ نَکُونَ نحن أَوَّلَ مَنْ أَلْقی 65- قالَ بَلْ أَلْقُوا فلما ألقوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِیُّهُمْ یُخَیَّلُ إِلَیْهِ
______________________________
(1) سورة الأعراف: 98.
(2) فی ل: شرطة، ا: شرطه.
(3) فی الأصل: لیست.
(4) فی ز: و قد خسر، أ: و خسر.
(5) سورة الکهف: 21.
(6) من ل. و فی أ: یلعبانکم علی الرجال، و الأمثل من أهل العقول و الشرف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 32
یعنی إلی موسی مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها «تَسْعی «1»- 66- و کانت حبالا و هی لا تتحرک فَأَوْجَسَ یعنی فوقع فِی نَفْسِهِ خِیفَةً مُوسی 67- یعنی خاف موسی إن صنع القوم مثل صنعه أن یشکوا فیه فلا یتبعوه و یشک «2» فیه من تابعه «3» قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّکَ أَنْتَ الْأَعْلی 68- یعنی الغالب نظیرها ... وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ... «4» الغالبون هذا قول جبریل لموسی- علیه السلام- عن أمر ربه- عز و جل- و هو علی یمینه تلک الساعة وَ أَلْقِ ما فِی یَمِینِکَ یعنی عصاه ففعل فإذا هی حیة تَلْقَفْ یقول تلقم ما صَنَعُوا من السحر حتی تلقمت الحبال و العصیّ إِنَّما صَنَعُوا کَیْدُ ساحِرٍ یقول إن الذی عملوا هو عمل ساحر یعنی کبیرهم و ما صنع موسی فلیس بسحر وَ لا یُفْلِحُ السَّاحِرُ حَیْثُ أَتی 59- أینما «5» کان الساحر فلا یفلح فَأُلْقِیَ السَّحَرَةُ سُجَّداً للّه- تبارک و تعالی- و کانوا ثلاثة و سبعین ساحرا أکبرهم اسمه شمعون «6»، فلما التقمت الحبال و العصی ألقاهم اللّه- عز و جل- علی وجوههم سجدا قالُوا آمَنَّا یعنی صدقنا بِرَبِّ هارُونَ وَ مُوسی 70- قالَ فرعون:
آمَنْتُمْ لَهُ یعنی صدقتم لموسی قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ یقول قبل أن آمرکم بالإیمان لموسی إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ یعنی لعظیمکم فی السحر هو الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ
______________________________
(1) من 66 إلی 83 طه، ساقط من ز،.
(2) من ل، و فی أ: «و یشکو» ثم أصلحها ثانیا إلی «و یشک».
(3) فی ل زیادة: (و الله أعلم)
(4) سورة آل عمران: 139، سورة محمد: 35.
(5) فی ل: أینما، أ، إنما.
(6) فی ل: اسمه شمعون، أ: شمعون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 33
یعنی الید الیمنی و الرجل الیسری وَ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ مثل قوله- تعالی- «أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ یَسْتَمِعُونَ فِیهِ ...» «1» یعنی علیه وَ لَتَعْلَمُنَّ أَیُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقی 71- أنا أو رب موسی و هارون «و أبقی» و أدوم عذابا «قالُوا» «2» یعنی قالت السحرة: لَنْ نُؤْثِرَکَ «3» یعنی لن نختارک عَلی ما جاءَنا مِنَ الْبَیِّناتِ یعنون الید و العصا وَ لا علی الَّذِی فَطَرَنا یعنی خلقنا یعنون ربهم- عز و جل- الذی خلقهم فَاقْضِ یعنی فاحکم فینا ما أَنْتَ قاضٍ یعنی حاکم من القطع و الصلب إِنَّما تَقْضِی هذِهِ الْحَیاةَ الدُّنْیا- 72- إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا [5 ب یقول إنا صدقنا بتوحید اللّه- عز و جل- لِیَغْفِرَ لَنا خَطایانا یقول سحرنا وَ یغفر لنا «ما» «4» الذی «أَکْرَهْتَنا عَلَیْهِ» «5» یعنی ما جبرتنا علیه مِنَ السِّحْرِ وَ اللَّهُ خَیْرٌ وَ أَبْقی 73- یقول اللّه- جل جلاله- أفضل منک و أدوم منک یا فرعون فإنک تموت و یبقی الرب وحده- تعالی جده-، لقول فرعون: «... أَیُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقی «6» إِنَّهُ مَنْ یَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً یعنی مشرکا فی الآخرة و أنت هو یا فرعون
______________________________
(1) سورة الطور: 38.
(2) فی أ، ل: «قالت».
(3) فی أ زیادة: علی ما، ثم کبرها ثانیا.
(4) فی أ: «الذی» و فی حاشیة أ: الآیة «و ما».
(5) فی أ: زیادة: «من»، و لیست فی ل.
(6) سورة طه: 71.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 34
فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا یَمُوتُ فِیها فیستریح وَ لا «یَحْیی «1»- 74- فتنفعه الحیاة، نظیرها فی «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّکَ الْأَعْلَی» «2» وَ مَنْ یَأْتِهِ فی الآخرة مُؤْمِناً یعنی مصدقا بتوحید اللّه- عز و جل- قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ من الأعمال فَأُولئِکَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلی 75- یعنی الفضائل الرفیعة فی الجنة من الأعمال جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ یعنی تحت البساتین الأنهار خالِدِینَ فِیها لا یموتون وَ ذلِکَ جَزاءُ یعنی الخلود جزاء مَنْ تَزَکَّی 76- وَ لَقَدْ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی أَنْ أَسْرِ بِعِبادِی لیلا بأرض مصر فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِیقاً فِی الْبَحْرِ یَبَساً لا تَخافُ دَرَکاً من آل فرعون من ورائک وَ لا تَخْشی 77- الغرق فی البحر أمامک، لأن بنی إسرائیل قالوا لموسی: هذا فرعون قد لحقنا بالجنود و هذا البحر قد غشینا فلیس لنا منفذ «3»، فنزلت «لا تَخافُ دَرَکاً وَ لا تَخْشی أوجب ذلک علی نفسه- تعالی-: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِیَهُمْ مِنَ الْیَمِّ ما غَشِیَهُمْ 78- یعنی الغرق وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ القبط وَ ما هَدی 79- یقول و ما هداهم و ذلک أن فرعون قال لقومه فی حم المؤمن: «... ما أُرِیکُمْ إِلَّا ما أَری وَ ما أَهْدِیکُمْ إِلَّا سَبِیلَ «4» الرَّشادِ «5» فأضلهم و لم یهدهم فذلک قوله- عز و جل-: «وَ ما هَدی ، کما قال- تعالی-: یا بَنِی إِسْرائِیلَ قَدْ أَنْجَیْناکُمْ مِنْ عَدُوِّکُمْ فرعون و قومه
______________________________
(1) فی أ: «و لا یحیی» بالیاء طبقا لتشکیل المصحف.
(2) سورة الأعلی: 13 و تمامها: «ثُمَّ لا یَمُوتُ فِیها وَ لا یَحْیی .
(3) فی أ: منقذ، ل: منفذ.
(4) فی أ: إلا فی سبیل، ل: إلا سبیل.
(5) سورة غافر: 29.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 35
وَ واعَدْناکُمْ «1» جانِبَ الطُّورِ الْأَیْمَنَ « «2»» یعنی حین سار موسی مع السبعین عن یمین الجبل فأعطی التوراة وَ نَزَّلْنا عَلَیْکُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوی 80- فی التیه أما المن فالترنجبین کان بین أعینهم باللیل علی شجرهم أبیض کأنه الثلج حلو مثل العسل فیغدون علیه فیأخذون منه ما یکفیهم یومهم ذلک و لا یرفعون منه لغد و یأخذون یوم الجمعة لیومین لأن السبت کان عندهم لا یسیحون «3» فیه و لا یعملون فیه هذا لهم و هم فی التیه مع موسی- علیه السلام- و تنبت ثیابهم مع أولادهم، أما الرجال فکانت ثیابهم لا تبلی و لا تخرق و لا تدنس، و أما السلوی و هو [6 أ] الطیر و ذلک أن بنی إسرائیل سألوا موسی اللحم و هم فی التیه فسأل موسی- علیه السلام- ربه- عز و جل- ذلک، فقال اللّه: لأطعمنهم أقل الطیر لحما فبعث اللّه- سبحانه- سحابا «4» فأمطرت «5» سمانا- و جمعتهم الریح الجنوب- و هی «6» طیر حمر تکون فی طریق مصر، فمطرت قدر میل فی عرض الأرض و قدر طول رمح فی السماء یقول اللّه- تعالی- ذکره کُلُوا مِنْ طَیِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ یعنی بالطیبات الحلال من الرزق وَ لا تَطْغَوْا فِیهِ یقول و لا تعصوا فی الرزق، یعنی فیما رزقناکم من المن و السلوی فترفعوا منه لغد و کان اللّه- سبحانه- قد نهاهم أن یرفعوا منه لغد فعصوا اللّه- عز و جل- و رفعوا منه و قددوا فتدود و نتن و لو لا صنیع بنی إسرائیل لم یتغیر الطعام أبدا،
______________________________
(1، 2) فی أ: و وعدناکم.
(3) من أ، و فی ل: لا یسحمون.
(4) سحابا: من ل، و لیست فی أ.
(5) فی الأصل: فمطرت.
(6) کذلک فی أ، ل. و الضمیر عائد علی السمان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 36
و لو لا حواء زوج آدم- علیهما السلام- لم تخن أنثی زوجها الدهر، فذلک قوله: «وَ لا تَطْغَوْا فِیهِ» کقوله- تعالی- لفرعون «1»: «... إِنَّهُ طَغی «2» یعنی عصی فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی یعنی فیجب علیکم عذابی وَ مَنْ یَحْلِلْ عَلَیْهِ غَضَبِی عذابی فَقَدْ هَوی 81- یقول و من وجب علیه عذابی فقد هلک وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ من الشرک عن عبادة العجل وَ آمَنَ یعنی و صدق بتوحید اللّه- عز و جل- وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدی 82- یعنی عرف أن لعمله ثوابا یجازی به کقوله سبحانه: «وَ بِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ «3» یعنی یعرفون الطریق وَ ما أَعْجَلَکَ عَنْ قَوْمِکَ یا مُوسی 83- «4» یعنی السبعین الذین اختارهم موسی حین ذهبوا معه إلی الطور لیأخذوا التوراة من ربه- عز و جل- فلما ساروا عجل موسی- علیه السلام- شوقا إلی ربه- تبارک و تعالی- و خلف السبعین و أمرهم أن یتبعوه إلی الجبل فقال اللّه- عز و جل- له- «وَ ما أَعْجَلَکَ عَنْ قَوْمِکَ»؟- السبعین قالَ لربه- جل و عز-:
هُمْ أُولاءِ عَلی أَثَرِی یجیئون من بعدی وَ عَجِلْتُ یعنی أسرعت إِلَیْکَ رَبِّ لِتَرْضی 84- یقول حتی ترضی عنی قالَ اللّه- جل جلاله-:
فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَکَ یعنی الذین خلفتهم مع هارون علی ساحل البحر سوی السبعین مِنْ بَعْدِکَ بالعجل وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِیُ 85- حین أمرهم
______________________________
(1) لفرعون: یعنی عن فرعون.
(2) سورة طه: 24- سورة طه: 43.
(3) سورة النحل: 16.
(4) من تفسیر 66 إلی 83 من سورة طه ساقط من ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 37
بعبادة العجل و کانوا اثنی عشر ألفا» «1» فَرَجَعَ مُوسی من الجبل إِلی قَوْمِهِ غَضْبانَ علیهم أَسِفاً حزینا لعبادتهم العجل قالَ لهم یا قَوْمِ أَ لَمْ یَعِدْکُمْ رَبُّکُمْ وَعْداً حَسَناً یعنی حقا کقوله سبحانه فی البقرة: «... وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ...» «2» یعنی حقا فی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- أن یعطیکم «3» التوراة [6 ب فیها بیان کل شی‌ء و الوعد حین قال- عز و جل-: «... وَ واعَدْناکُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَیْمَنَ ...» «4» حین سار موسی مع السبعین لیأخذوا التوراة فطال علیهم العهد یعنی میعاده إیاهم أربعین یوما، فذلک قوله- تعالی-: أَ فَطالَ عَلَیْکُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ یَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبٌ یعنی أن یجب علیکم عذاب، کقوله- تعالی-:
«... قَدْ وَقَعَ عَلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ ...» «5» یعنی عذاب من ربکم فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِی 86- یعنی الأربعین یوما و ذلک أنهم عدوا الأیام و اللیالی فعدوا عشرین یوما و عشرین لیلة، ثم قالوا لهارون: قد تم الأجل الذی کان بیننا و بین موسی، فعند ذلک أضلهم السامری قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَکَ بِمَلْکِنا و نحن نملک أمرنا وَ لکِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً یعنی خطایا، لأن ذلک حملهم علی صنع العجل و عبادته مِنْ زِینَةِ الْقَوْمِ یقول من حلی آل فرعون الذهب و الفضة، و ذلک أنه لما مضی خمسة و ثلاثون یوما، قال لهم السامری و هو من بنی إسرائیل: یا أهل مصر إن موسی لا یأتیکم فانظروا هذا الوزر و هو الرجس
______________________________
(1) فی أ، ل: اثنی عشر ألفا بید أن مکان «ألفا» بیاض فی أ.
(2) سورة البقرة: 83.
(3) کذا فی أ، ل. و قد یکون المراد أن عندکم التوراة فیها بیان کل شی‌ء و فیها أمر محمد و رسالته فلا تکتموه.
(4) سورة طه: 80.
(5) سورة الأعراف: 71.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 38
الذی علی نسائکم و أولادکم من حلی آل فرعون الذی أخذتموه منهم غصبا فتطهروا منه و اقذفوه فی النار. ففعلوا ذلک و جمعوه فعمد السامری، فأخذه ثم صاغه عجلا لست و ثلاثین یوما و سبعة و ثلاثین یوما و ثمانیة و ثلاثین یوما، فصاغه فی ثلاثة أیام ثم قذف القبضة التی أخذها من أثر حافر فرس «1» جبریل- علیه السلام- فخار العجل خورة واحدة، و لم یثن فأمرهم السامری بعبادة العجل لتسعة و ثلاثین یوما، ثم أتاهم موسی- علیه السلام- من الغد لتمام أربعین یوما، فذلک قوله- سبحانه- فَقَذَفْناها فَکَذلِکَ «یعنی هکذا أَلْقَی السَّامِرِیُ «2»- 87- الحلی فی النار فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً یعنی بالجسد أنه لا روح فیه لَهُ خُوارٌ یعنی له صوت فَقالُوا «3» قال السامری وحده: هذا إِلهُکُمْ وَ إِلهُ مُوسی معشر بنی إسرائیل، و ذلک أن بنی إسرائیل لما عبروا البحر مروا علی العمالقة و هم عکوف علی أصنام لهم، قالوا لموسی اجعل لنا إلها کما لهم آلهة فاغتنمها السامری فلما اتخذه قال: هذا إلهکم و إله موسی معشر بنی إسرائیل فَنَسِیَ 88- یقول فترک موسی ربه و هو هذا، و قد ذهب موسی یزعم خطاب ربه «4»، یقول اللّه- جل جلاله- أَ فَلا یعنی أ فهلا یَرَوْنَ أنه «5» أَلَّا یَرْجِعُ إِلَیْهِمْ قَوْلًا أنه لا یکلمهم العجل وَ لا یَمْلِکُ یقول لا یقدر لَهُمْ ضَرًّا یقول لا یقدر العجل علی أن
______________________________
(1) فی أ: فرس الرسول. و علی الرسول خط یشبه الشطب، و الکلمة لیست فی ل.
(2) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ، ل. و فی أ: «یعنی هکذا السامری فی النار ألقی الحلی، أ ه و القرآن غیر ممیز.
(3) فی أ، ل، فقالوا. و فی حاشیة أ: الأصل فقال السامری.
(4) فی أ: ربا، ل: ربه.
(5) فی الأصل: «یرون أنه».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 39
یرفع عنهم سوءا وَ لا نَفْعاً- 89- یقول و لا یسوق إلیهم خیرا وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ أن یأتیهم موسی من الطور [7 أ] یا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ یعنی ابتلیتم بالعجل وَ إِنَّ رَبَّکُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِی علی دینی وَ أَطِیعُوا أَمْرِی 90- یعنی قولی قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَیْهِ عاکِفِینَ قالوا لن نبرح علی العجل واقفین نعبده، کقوله- سبحانه-: «... لا أبرح» یعنی لا أزال «حَتَّی أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ ...» «1» حَتَّی یَرْجِعَ إِلَیْنا مُوسی 91- فلما رجع موسی قالَ لهارون: «یا هارُونُ» «2» ما مَنَعَکَ إِذْ رَأَیْتَهُمْ ضَلُّوا- 92- یعنی أشرکوا «أَلَّا تَتَّبِعَنِ» «3» یقول ألا اتبعت أمری فأنکرت علیهم أَ فَعَصَیْتَ أَمْرِی 93- یقول أ فترکت قولی، کقوله- سبحانه-:
«وَ لا تُطِیعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِینَ» «4» قالَ هارون موسی- علیهما السلام-:
«یَا بْنَ أُمَّ» «5» لا تَأْخُذْ بِلِحْیَتِی وَ لا بِرَأْسِی فإنی لو أنکرت علیهم لصاروا حزبین یقتل بعضهم بعضا و «إِنِّی خَشِیتُ» «6» أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَیْنَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِی 94- یقول و لم تحفظ وصیتی فی الأعراف قوله «7»- سبحانه- لهارون: «... اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَ أَصْلِحْ ...» «8» و کان هارون أحب
______________________________
(1) سورة الکهف: 60.
(2) «یا هارون»: ساقطة من أ، ل.
(3) فی أ: ألا تتبعنی.
(4) سورة الشعراء: 151.
(5) «یبنؤم»: کما فی الصحف.
(6) فی أ: و لخشیت.
(7) فی أ: قوله سبحانه، ل: قوله.
(8) سورة الأعراف: 142.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 40
بنی إسرائیل من موسی- صلی اللّه علیهما- و لقد سمت بنو إسرائیل علی اسم هارون سبعین ألفا من حبه- علیه السلام- قالَ فَما خَطْبُکَ یعنی فما أمرک؟ یا سامِرِیُ 95- یقول فما حملک علی ما أری قالَ السامری: بَصُرْتُ بِما لَمْ یَبْصُرُوا بِهِ یقول بما لم یفطنوا به «1» یقول عرفت ما لم یعرفوه من امر فرس جبریل- علیه السلام- فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ فرس الرَّسُولِ یعنی تحت فرس جبریل- علیه السلام- فَنَبَذْتُها فی النار علی أثر الحلی وَ کَذلِکَ سَوَّلَتْ لِی نَفْسِی 96- یقول هکذا زینت لی نفسی أن أفعل ذلک قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَکَ فِی الْحَیاةِ إلی أن تموت أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ یعنی لا تخالط الناس وَ إِنَّ لَکَ فی الآخرة مَوْعِداً یعنی یوم القیامة لَنْ تُخْلَفَهُ یقول لن تغیب عنه وَ انْظُرْ إِلی إِلهِکَ یعنی العجل الَّذِی ظَلْتَ عَلَیْهِ عاکِفاً یقول أقمت علیه عابدا له لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنار و بالمبرد ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِی الْیَمِّ نَسْفاً- 97- یقول لنبذنه فی الیم نبذا إِنَّما إِلهُکُمُ اللَّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ یعنی ملأ کُلَّ شَیْ‌ءٍ عِلْماً- 98- فعلمه- تبارک و تعالی.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل، عن مقاتل، قال: علم- عز و جل- من یعبده و من لا یعبده قبل خلقهم، جل جلاله.
کَذلِکَ یعنی هکذا نَقُصُّ عَلَیْکَ یا محمد مِنْ أَنْباءِ یعنی من أحادیث ما قَدْ سَبَقَ من قبلک من الأمم الخالیة وَ قَدْ آتَیْناکَ مِنْ لَدُنَّا ذِکْراً- 99- یقول قد أعطیناک [7 ب من عندنا تبیانا یعنی القرآن
______________________________
(1) فی أ: به، ل: له، ز: به.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 41
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ یعنی عن إیمان بالقرآن فَإِنَّهُ یَحْمِلُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وِزْراً- 100- یعنی إثما بإعراضه عن القرآن یحمله علی ظهره خالِدِینَ فِیهِ یعنی فی الوزر فی النار وَ ساءَ لَهُمْ یعنی و بئس لهم یَوْمَ الْقِیامَةِ حِمْلًا- 101- یعنی إثما و الوزر هو الخطأ الکبیر یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِینَ یعنی المشرکین إلی النار یَوْمَئِذٍ زُرْقاً- 102- زرق الأعین یَتَخافَتُونَ یعنی یتساءلون بَیْنَهُمْ یقول بعضهم لبعض: إِنْ یعنی ما لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً- 103- یعنی عشر لیال» «1» نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ إِذْ یَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِیقَةً یعنی أمثلهم نجوی و رأیا إِنْ لَبِثْتُمْ فی القبور إِلَّا یَوْماً- 104- واحدا وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْجِبالِ نزلت فی رجل من ثقیف فَقُلْ یَنْسِفُها رَبِّی نَسْفاً- 105- من الأرض من أصولها فَیَذَرُها قاعاً لا تراب فیها صَفْصَفاً- 106- لا نبت فیها لا تَری فِیها عِوَجاً یعنی خفضا وَ لا أَمْتاً- 107- یعنی رفعا یَوْمَئِذٍ یَتَّبِعُونَ الدَّاعِیَ یعنی صوت الملک الذی هو قائم علی صخرة بیت المقدس و هو إسرافیل- علیه السلام- حین ینفخ فی الصور یعنی «2» فی القرن لا یزیغون و لا یروغون عنه یمینا و لا شمالا یعنی لا یمیلون عنه، کقوله- سبحانه-: «... تَبْغُونَها عِوَجاً ...» «3» یعنی زیغا و هو المیل لا عِوَجَ لَهُ «یعنی عنه، یستقیمون قبل الصوت» «4» نظیرها «... و لم یجعل له عوجا ...» «5» وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً- 108-
______________________________
(1) فی أ: لبثتم عشر لیال.
(2) یعنی: من ز، و هی ساقطة من أ.
(3) سورة آل عمران: 99.
(4) ما بین القوسین «...»: من ز فقط.
(5) سورة الکهف: 1.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 42
إلا خفیا من الأصوات مثل وطء الأقدام یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ یعنی شفاعة الملائکة إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ أن یشفع له وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلًا- 109- یعنی التوحید یَعْلَمُ اللّه- عز و جل- ما «بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ» «1» یقول ما کان قبل أن یخلق الملائکة و ما کان بعد خلقهم وَ لا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْماً- 110- یعنی باللّه- عز و جل- علما هو أعظم من ذلک وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ یعنی استسلمت الوجوه لِلْحَیِ الذی لا یموت الْقَیُّومِ یعنی القائم علی کل شی‌ء وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً- 111- یقول و قد خسر من حمل شرکا یوم القیامة علی ظهره وَ مَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ مصدق بتوحید اللّه- عز و جل- فَلا یَخافُ ظُلْماً فی الآخرة «2» یعنی أن تظلم حسناته کلها حتی لا یجازی بحسناته کلها وَ لا هَضْماً- 112- یعنی و لا ینقص منها شیئا، مثل قوله- عز و جل-: «... فَلا یَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً «3» وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لیفقهوه وَ صَرَّفْنا یعنی و صنفنا فِیهِ یعنی لوّنا فیه یعنی فی القرآن مِنَ ألوان الْوَعِیدِ للأمم الخالیة فی الدنیا من الحصب و الخسف و الغرق و الصیحة فهذا الوعید لهم [8 أ] لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَتَّقُونَ یعنی لکی یخلصوا التوحید بوعیدنا فی القرآن أَوْ یُحْدِثُ لَهُمْ یعنی الوعید ذِکْراً- 113- عظة فیخافون فیؤمنون فَتَعالَی اللَّهُ یعنی
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» ساقط من أ و هو من ز.
(2) فی أ: الأرض، ز: الآخرة.
(3) سورة الجن: 13.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 43
ارتفع اللّه الْمَلِکُ الْحَقُ لأن غیره- عز و جل- و ما سواه من الآلهة باطل وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ و ذلک أن جبریل- علیه السلام- کان إذا أخبر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بالوحی لم یفرغ جبریل- علیه السلام- من آخر الکلام، حتی یتکلم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بأوله فقال اللّه- عز و جل-: «و لا تعجل» بقراءة القرآن مِنْ قَبْلِ أَنْ یُقْضی إِلَیْکَ وَحْیُهُ یقول من قبل أن یتمه لک جبریل- علیه السلام- وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِی عِلْماً- 114- یعنی قرآنا وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلی آدَمَ مِنْ قَبْلُ محمد- صلی اللّه علیه و سلم- ألا یأکل من الشجرة فَنَسِیَ یقول فترک آدم العهد، کقوله: «... وَ إِلهُ مُوسی فَنَسِیَ» «1» یقول ترک، و کقوله- سبحانه-:
«... إِنَّا نَسِیناکُمْ ...» «2» یقول ترکناکم، و کقوله «... فَنَسُوا حَظًّا ...» «3» یعنی ترکوا فلما نسی العهد سمی الإنسان، فأکل منها وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً- 115- یعنی صبرا عن أکلها وَ إِذْ قُلْنا یعنی و قد قلنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ إذ نفخ فیه الروح فَسَجَدُوا، ثم استثنی فقال: إِلَّا إِبْلِیسَ لم یسجد ف أَبی «4»- 116- أن یسجد فَقُلْنا یا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَکَ وَ لِزَوْجِکَ حواء فَلا یُخْرِجَنَّکُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقی 117- بالعمل بیدیک «5» و کان یأکل من الجنة رغدا من غیر أن یعمل بیده شیئا فلما أصاب الخطیئة أکل من عمل یده
______________________________
(1) سورة طه: 88.
(2) سورة السجدة: 14.
(3) سورة المائدة: 14.
(4) فی حاشیة أ: الإباء أشد من الامتناع.
(5) فی ز: بیدک، أ: بیدیک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 44
فکان یعمل و یأکل إِنَّ لَکَ یا آدم أَلَّا تَجُوعَ فِیها وَ لا تَعْری 118- وَ أَنَّکَ لا تَظْمَؤُا فِیها یعنی لا تعطش فی الجنة وَ لا تَضْحی 119- یقول لا یصیبک حر الشمس فیؤذیک فتفرق» «1» فَوَسْوَسَ إِلَیْهِ الشَّیْطانُ یعنی إبلیس وحده ف قالَ یا آدَمُ «هَلْ أَدُلُّکَ» «2» یقول ألا أدلک عَلی شَجَرَةِ «الْخُلْدِ» «3» من أکل منها خلد فی الجنة فلا یموت وَ علی مُلْکٍ لا یَبْلی 120- یقول لا یفنی فَأَکَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما یقول ظهرت لهما عورتهما وَ طَفِقا یَخْصِفانِ عَلَیْهِما یقول و جعلا یخصفان یقول یلزقان الورق بعضه علی بعض «مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ»» «4» ورق التین لیستتروا به فی الجنة وَ عَصی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی 121- یعنی فضل و تولی عن طاعة ربه- عز و جل- ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ یعنی استخلصه ربه- عز و جل- فَتابَ عَلَیْهِ من ذنبه وَ هَدی 122- یعنی و هداه للتوبة قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِیعاً یعنی آدم و إبلیس بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ یقول إبلیس و ذریته عدو لآدم و ذریته [8 ب فَإِمَّا یعنی فان یَأْتِیَنَّکُمْ یعنی ذریة آدم مِنِّی هُدیً یعنی رسلا معهم کتب فیها البیان فَمَنِ اتَّبَعَ هُدایَ یعنی رسلی و کتابی فَلا یَضِلُ فی الدنیا وَ لا یَشْقی 123- فی الآخرة وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی یعنی عن إیمان بالقرآن نزلت فی الأسود بن عبد الأسود المخزومی قتله حمزة بن عبد المطلب یوم بدر علی الحوض فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکاً
______________________________
(1) فی ز: «کقوله- تعالی-: «وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها» یعنی و حرها، و الآیة سورة الشمس:
و لیس فی أ.
(2) فی أ: ( «أدلک» یعنی أدلک)، و فی ز: ( «هل أدلک» یقول ألا أدلک)
(3) «الخلد»: ساقطة من أ، و هی من ز.
(4) ما بین القوسین «...» ساقط من النسخ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 45
یعنی معیشة سوء لأنها فی معاصی اللّه- عز و جل- الضنک و الضیق وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمی 124- عن حجته قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِی أَعْمی عن حجتی وَ قَدْ کُنْتُ بَصِیراً- 125- فی الدنیا علیما «1» بها، و هذا مثل قوله- سبحانه-: «هَلَکَ عَنِّی سُلْطانِیَهْ «2» یعنی ضلت عنی حجتی، و هذا قوله حین شهدت علیه الجوارح بالشرک و الکفر قالَ اللّه- تعالی-:
کَذلِکَ یعنی هکذا أَتَتْکَ آیاتُنا یعنی آیات القرآن فَنَسِیتَها یعنی فترکت إیمانا بآیات القرآن وَ کَذلِکَ الْیَوْمَ تُنْسی 126- فی الآخرة تترک فی النار و لا تخرج منها و لا نذکرک وَ کَذلِکَ نَجْزِی مَنْ أَسْرَفَ یعنی و هکذا نجزی «3» من أشرک فی الدنیا بالنار فی الآخرة وَ لَمْ یُؤْمِنْ بِآیاتِ رَبِّهِ یقول و لم یؤمن بالقرآن وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مما أصابه فی الدنیا من القتل ببدر وَ أَبْقی 127- یعنی و أدوم من عذاب الدنیا ثم خوف کفار مکة فقال- سبحانه-: أَ فَلَمْ یَهْدِ لَهُمْ یقول أو لم نبین لهم کَمْ أَهْلَکْنا بالعذاب قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ یَمْشُونَ فِی مَساکِنِهِمْ یقول یمرون فی قراهم فیرون هلاکهم یعنی عادا و ثمودا «4» و قوم لوط و قوم شعیب إِنَّ فِی ذلِکَ یعنی إن فی هلاکهم بالعذاب فی الدنیا «لَآیاتٍ» «5» لعبرة لِأُولِی النُّهی 128- یعنی لذوی العقول فیحذرون مثل عقوبتهم وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ
______________________________
(1) فی أ: علیم، ل: علیما.
(2) سورة الحاقة: 29.
(3) فی أ زیادة: یقول هکذا تجزی، و المثبت من ل.
(4) فی أ: عاد و ثمود، ل: عادا و ثمودا.
(5) «لآیات»: ساقطة من الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 46
فی تأخیر العذاب عنهم إلی تلک المدة «لَکانَ لِزاماً» «1» وَ أَجَلٌ مُسَمًّی 129- یعنی یوم القیامة «لکان لزاما» للزمهم العذاب فی الدنیا کلزوم الغریم الغریم «2» فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ من تکذیبهم إیاک بالعذاب وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ یعنی صل بأمر ربک قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ یعنی الفجر وَ قَبْلَ غُرُوبِها یعنی الظهر و العصر وَ مِنْ آناءِ اللَّیْلِ یعنی المغرب و العشاء فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّکَ تَرْضی 130- یا محمد فی الآخرة بثواب اللّه- عز و جل-.
قال مقاتل: کانت الصلاة رکعتین بالغداة و رکعتین بالعشی فلما عرج بالنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فرضت علیه خمس صلوات رکعتین رکعتین غیر المغرب، فلما هاجر إلی المدینة أمر [9 أ] بتمام الصلوات و لها ثلاثة أحوال «3».
وَ لا تَمُدَّنَّ» «4» عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ یعنی کفار مکة من الرزق أصنافا- منهم- من الأموال فإنها زَهْرَةَ یعنی زینة الْحَیاةِ الدُّنْیا لِنَفْتِنَهُمْ فِیهِ یقول أعطیناهم ذلک لکی نبتلیهم وَ رِزْقُ رَبِّکَ فی الآخرة یعنی الجنة خَیْرٌ وَ أَبْقی 131- یعنی أفضل و أدوم و أبقی مما أعطی کفار مکة وَ أْمُرْ أَهْلَکَ یعنی قومک بِالصَّلاةِ کقوله-
______________________________
(1) «لَکانَ لِزاماً»: ساقطة من أ، ل.
(2) جاء فی أ بعد انتهاء.
(3) المراد بقوله لها ثلاثة أحوال: أن الصلوات الخمس منها ما هو رکعتان، و منها ما هو ثلاث رکعات، و منها ما هو أربع، فتلک ثلاثة أحوال. الصبح رکعتان، الظهر و العصر و العشاء أربع رکعات، المغرب ثلاث رکعات.
(4) فی أ: لا تمدن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 47
سبحانه-: «وَ کانَ یَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ «1» ...» یعنی قومه وَ اصْطَبِرْ عَلَیْها یعنی الصلاة فإنا لا نَسْئَلُکَ رِزْقاً إنما نسألک العبادة نَحْنُ نَرْزُقُکَ وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوی 132- یعنی عاقبة التقوی دار الجنة، لقوله- عز و جل-: «وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ، ما أُرِیدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِیدُ أَنْ یُطْعِمُونِ» «2» إنما أرید منهم العبادة وَ قالُوا أی کفار مکة» «3»:
لَوْ لا یعنی هلا یَأْتِینا بِآیَةٍ مِنْ رَبِّهِ فتعلم أنه نبی رسول کما کانت الأنبیاء تجی‌ء بها إلی قومهم یقول اللّه- عز و جل-: أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَیِّنَةُ ما فِی الصُّحُفِ الْأُولی 133- یعنی بیان کتب» «4» إبراهیم و موسی الذی کان «5» قبل کتاب» «6» محمد- صلی اللّه علیهم أجمعین- وَ لَوْ أَنَّا أَهْلَکْناهُمْ بِعَذابٍ فی الدنیا مِنْ قَبْلِهِ یعنی من قبل هذا القرآن فی الآخرة «لَقالُوا رَبَّنا» «7» لَوْ لا یعنی هلا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولًا معه کتاب فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ یعنی آیات القرآن مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ یعنی نستذل وَ نَخْزی 134- یعنی و نعذب فی الدنیا نظیرها فی القصص» «8» قُلْ کُلٌّ مُتَرَبِّصٌ و ذلک أن کفار
______________________________
(1) سورة مریم: 55.
(2) سورة الذاریات: 56- 57.
(3) ما بین القوسین «...»، من ل، فی أ: (و قال) کفار مکة.
(4) فی: کتب، ل: کتابی.
(5) فی أ، ل: الذی، و الأولی التی کانت.
(6) فی أ: کنا، ل: کتاب.
(7) «لقالوا ربنا»: ساقط من أ، ل.
(8) یشیر إلی 47 من سورة القصص و تمامها: «وَ لَوْ لا أَنْ تُصِیبَهُمْ مُصِیبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ فَیَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ وَ نَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 48
مکة قالوا نتربص بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- الموت لأن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أوعدهم العذاب فی الدنیا، فأنزل اللّه- عز و جل- «قل» لکفار مکة «کل متربص» أنتم بمحمد الموت و محمد یتربص بکم العذاب فی الدنیا فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ إذا نزل بکم العذاب فی الدنیا مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِیِ یعنی العدل» «1» أ نحن أم أنتم وَ مَنِ اهْتَدی 135- منا و منکم» «2».
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی عن الهذیل، قال: سمعت الواقدی- و لم أسمع مقاتلا- یحدث عن أبی إسحاق، عن سعید بن جبیر، عن ابن عباس، عن أبی بن کعب، عن رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم، فی قوله- عز و جل-: «... خَیْراً مِنْهُ زَکاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً» «3» قال أعقبت بعد ذلک غلاما «4».
______________________________
(1) فی أ: العذاب، ل: العدل.
(2) انتهی إلی هنا تفسیر سورة طه- و القصص القادمة آثار تتعلق بسورة الکهف و مکانها الطبیعی هو آخر سورة الکهف إلا أن أصول المخطوطة أوردتها کما تشاهد فی آخر سورة طه.
و تلحظ أن سورة الکهف هی آخر الجزء الأول فی الأصول- و سورة طه هی بدایة الجزء الثانی.
و ربما کان المفسر قد استدرک بهذه النصوص، بعد أن أتم الجزء الأول و أکمله، فألحق هذه النصوص فی آخر السورة الأولی من الجزء الثانی و هی سورة طه.
و تلاحظ أنه أورد بعد ذلک نصوصا عامة تتعلق بالقرآن و الإسلام.
(3) سورة الکهف: 81.
و کان الأنسب ذکر هذا السند فی سورة الکهف لا فی سورة طه، و فی (ز) عدة أسانید تتعلق بآیات من سور أخری.
(4) فی أ، ل: العقب عند ذلک غلاما.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 49
حدثنا عبید اللّه، قال حدثنی أبی عن الهذیل، عن المسیب عن السدی» «1»، و مقاتل، عن حذیفة، أنه لما حان للخضر و موسی- علیهما السلام- أن یفترقا:
قال له الخضر: یا موسی، لو صبرت لأتیت علی ألف عجیبة أعجب مما رأیت. قال: فبکی موسی علی فراقه.
فقال موسی للخضر: أوصنی یا نبی اللّه. قال له: الخضر یا موسی اجعل همک فی معادک، و لا تخض فیما لا یعینک و لا تأمن الخوف فی أمنک، و لا تیأس» «2» من الأمن فی خوفک، و لا تذر الإحسان فی قدرتک، و تدبر الأمور فی عاقبتک.
قال له موسی- علیه السلام- زدنی رحمک اللّه.
قال له الخضر: إیاک و الإعجاب بنفسک، و التفریط فیما بقی من عمرک، «و احذر» «3» من لا یغفل عنک. قال له موسی- صلی اللّه علیهما-: زدنی رحمک اللّه.
قال له الخضر: إیاک و اللجاجة، و لا تمش فی غیر حاجة، و لا تضحک من غیر عجب، و لا تعیرن أحدا من الخاطئین بخطایاهم بعد الندم، و ابک علی خطیئتک یا ابن عمران.
قال له موسی- صلی اللّه علیه و سلم- قد أبلغت فی الوصیة فأتم اللّه علیک نعمته، و غمرک فی رحمته، و کلأک من عدوه.
______________________________
(1) فی أ: عن المسیب بن سویک، و فی حاشیة أ، کذا الکاف ظاهرة.
و لم یحتمل سوید و یحتمل ابن شریک إلا أن الواو ظاهرة.
و فی ل: عن المسیب عن الرتل و مقاتل عن نفیه، و جمیع الأسانید لیست فی ف، و فی ز:
إسناد فیه عن المسیب عن السدی.
(2) فی أ: تأیس.
(3) «ر احذر»: من ز، و لبست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 50
قال له الخضر آمین، فأوصنی یا موسی.
قال له موسی: إیاک و الغضب إلا فی اللّه- تعالی-، و لا ترض عن أحد إلا فی اللّه- عز و جل-، و لا تحب لدنیا، و لا تبغض لدنیا تخرجک من الإیمان و تدخلک فی الکفر.
قال الخضر- علیهما السلام-: قد أبلغت فی الوصیة فأعانک اللّه علی طاعته، و أراک السرور فی أمرک، و حببک إلی خلقه، و أوسع علیک من فضله.
قال له موسی: آمین. فبینما هما جلوس علی ساحل البحر إذ انقضت «خطافة» «1» فنقرت بمنقارها من البحر نقرتین.
قال موسی للخضر- علیهما السلام-: یا نبی اللّه، هل تعلم ما نقص من البحر؟
قال له الخضر: لو لا ما نراد» «2» فیه لأخبرتک.
قال موسی للخضر: یا نبی اللّه، هل من شی‌ء لیس فیه برکة؟
قال له الخضر: نعم یا موسی، ما من شی‌ء إلا و فیه برکة ما خلا آجال العباد، و مدتهم و لو لا ذلک لفنی «الناس» «3».
قال موسی: و کیف ذلک؟
قال له الخضر: لأن کل شی‌ء ینقص منه فلا یزاد فیه ینقطع.
قال له موسی» «4»: یا نبی اللّه، من أجل أی شی‌ء أعطاک اللّه- عز و جل-
______________________________
(1) «خطافة»: کذا فی أ، ل.
(2) فی أ: نراک، ل: نراد.
(3) «الناس»: زیادة اقتضاها السیاق.
(4) «قال له موسی»: مکررة فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 51
من بین العباد «أن» «1» لا تموت حتی نسأل اللّه- تعالی-، و اطلعت علی ما فی قلوب العباد تنظر بعین اللّه- عز و جل-.
قال له الخضر: یا موسی، بالصبر» «2» عن معصیة اللّه- عز و جل-، و الشکر للّه- عز و جل- فی نعمته، و سلامة القلب لا أخاف [10 أ] و لا أرجو دون اللّه أحدا.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی عن الهذیل، قال: سمعت عبد القدوس یحدث عن الحسن، قال: سمعت ابن عباس علی المنبر یقول: «فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْهُ زَکاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً» «3» قال جاریة مکان الغلام.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنا أبی عن الهذیل، عن المسیب، عن رجل، عن ابن عباس، فی قوله- عز و جل-: «... وَ کانَ تَحْتَهُ کَنْزٌ لَهُما ...» قال کان لوحا» «4» من ذهب مکتوب فیه «بسم اللّه الرحمن الرحیم، لا إله إلا اللّه، أحمد رسول اللّه، عجبت لمن یؤمن بالقدر کیف یحزن؟ و عجبت لمن یعلم أن الموت حق کیف یفرح؟ و عجبت لمن یری الدنیا و تصریف أهلهما کیف یطمئن إلیها؟
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی عن الهذیل، عن أبی یوسف، عن الحسن ابن عمارة، عن أبیه، عن عکرمة، عن ابن عباس، فی قوله- عز و جل-:
«... لا تُؤاخِذْنِی بِما نَسِیتُ ...» قال: لم ینس و لکن هذا من معاریض الکلام.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل، قال: سمعت المسیب یحدث عن عبید اللّه بن مالک، عن علی- رضی اللّه عنه- و قد لقیه،
______________________________
(1) أن: زیادة اقتضاها السیاق.
(2) فی أ: علی الصبر.
(3) سورة الکهف: 81.
(4) فی أ، ل: لوح. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 52
قال: إن الترک سریة خرجوا من یأجوج و مأجوج یغیرون علی الناس فردم ذو القرنین دونهم فبقوا.
قال مقاتل: إنما سموا الترک لأنهم ترکوا خلف الردم.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل عن أبی الملیح عن میمون بن مهران عن ابن عباس، قال: انتهی ذو القرنین إلی ملک من ملوک الأرض، فقال لذی القرنین: إنک قد بلغت ما لم یبلغه أحد، و قد أخبرت أن عندک علما، و أنا سائلک عن خصال أربع فإن أنت أخبرتنی عنهم علمت أنک عالم. ما اثنان قائمان؟ و اثنان ساعیان؟ و اثنان مشترکان؟ و اثنان متباغضان؟
قال له ذو القرنین: أما الاثنان القائمان فالسموات و الأرض لم یزولا منذ خلقهما اللّه- عز و جل-، و أما الاثنان الساعیان فالشمس و القمر لم یزالا «دائِبَیْنِ» «1» منذ خلقهما اللّه- عز و جل-، و أما الاثنان المشترکان فاللیل و النهار یأخذ کل واحد منهما من صاحبه، و أما الاثنان المتباغضان فالموت» «2» و الحیاة لا یحب أحدهما صاحبه أبدا، قال صدقت فإنک من علماء أهل الأرض.
حدثنا عبید اللّه، قال حدثنی: أبی عن الهذیل، عن المسعودی عن عون بن عبد اللّه المزنی عن مطرف بن الشخیر، أنه قال: فضل العلم خیر من فضل العمل و خیر العمل [10 ب أوسطه و الحسنة بین السیئتین» «3».
قوله- سبحانه-: «... وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَ لا تُخافِتْ بِها» سیئة «و ابتغ بین ذلک سبیلا» «4» حسنة. قال الهذیل و لم أسمع مقاتلا.
______________________________
(1) فی الأصل دائبان.
(2) فی أ: الموت، ل: فالموت.
(3) من أ، ل: بین الستین.
(4) سورة الإسراء: 110.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 53
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: الهذیل قال مقاتل: تفسیر آدم- علیه السلام- لأنه خلق من أدیم الأرض، و تفسیر حواء لأنها خلقت من حی» «1»، و تفسیر نوح لأنه ناح علی قومه، و تفسیر إبراهیم أبو الأمم، و یقال أب رحیم، و تفسیر» «2» إسحاق لضحک سارة، و یعقوب لأنه» «3» خرج من بطن أمه قابض علی عقب العیص، و تفسیر یوسف زیادة فی الحسن، و تفسیر یحیی: أحیی من بین مبتین، لأنه خرج من بین شیخ کبیر و عجوز عاقر- صلی اللّه علیهم أجمعین.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنی الهذیل عن مقاتل، عن الضحاک، عن ابن عباس، قال: دخل رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- «علی ابنة عمته أم هانئ» «4» فنعس، فوضعت له و سادة، فوضع رأسه فنام، «فبینا» «5» هو نائم إذ ضحک فی منامه ثم وثب فاستوی جالسا فقالت أم هانئ: لقد سرنی ما رأیت فی وجهک، یا رسول اللّه، من البشری. فقال: یا أم هانئ، إن جبریل- علیه السلام- أخبرنی فی منامی أن ربی- عز و جل- قد وهب لی أمتی کلهم یوم القیامة، و قال: لی لو استوهبت غیرهم لأعطیناکهم، ففرحت لذلک و ضحکت.
ثم وضع رأسه فنام فضحک، ثم وثب فجلس، فقالت له أم هانئ: بأبی أنت و أمی، لقد سرنی ما رأیت من البشری فی وجهک. قال: یا أم هانئ، أتانی
______________________________
(1) فی أ: حیة، ل: حی.
(2) فی أ: تفسیر.
(3) لأنه: لیست فی أ.
(4) من ل، و فی أ: بیت بنت عمته بنت أبی طالب فنعس.
(5) «فبینا»: کذا فی أ، ل. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 54
جبریل- علیه السلام- فأخبرنی أن الجنة تشتاق إلی و إلی أمتی فضحکت من ذلک و فرحت.
قالت أم هانئ: یحق لک، یا رسول اللّه، أن تفرح.
ثم وضع رأسه فنام فضحک فی منامه، فاستوی جالسا، فقالت أم هانئ: لقد سرنی ما رأیت من البشری فی وجهک یا رسول اللّه، قال: یا أم هانئ، عرضت علی أمتی فإذا معهم قضبان النور، إن القضیب منها» «1» لیضی‌ء ما بین المشرق و المغرب، فسألت جبریل- علیه السلام- عن تلک القضبان التی فی أیدیهم، فقال ذلک الإسلام یا محمد- صلی اللّه علیک- و فتحت أبواب الجنة فی منامی فنظرت إلی داخلها من خارجها فإذا فیها قصور الدر و الیاقوت فقلت لمن هذه؟ فقال:
لک یا محمد و لأمتک و لقد زینها اللّه- عز و جل- لک و لأمتک قبل أن یخلقک [11 أ] بألفی عام، فضحکت من ذلک. قالت أم هانئ: یحق لک أن تضحک و تفرح» «2» هنیئا لک مریئا، یا نبی اللّه، بما أعطاک ربک.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل عن مقاتل، عن الضحاک، عن ابن عباس، قال: رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم-: لما خلق اللّه- عز و جل- جنة الفردوس و غرسها بیده فلما فرغ منها، لم تر عین و لم یخطر علی قلب بشر مثلها و ما فیها، فقال لها- تبارک و تعالی-: تزینی. فتزینت، ثم قال لها: تزینی. فتزینت، ثم قال لها: تکلمی. فتکلمت قالت «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» «3» قال لها: من هم؟ قالت: الموحدون أمة محمد- صلی اللّه علیه و سلم-
______________________________
(1) فی أ: فیها.
(2) فی أ: یحق لک أن تفرح و تفرح، ل: یحق لک أن تضحک و تفرح.
(3) سورة المؤمنون الآیة الأولی. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 55
«أُولئِکَ هُمُ الْوارِثُونَ، الَّذِینَ یَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِیها خالِدُونَ» «1» ثم أغلق بابها فلا یفتح إلی یوم القیامة فما یجیئهم من طیب الشجر» «2» فهو من خلال بابها و الحور یوم القیامة علی بابها و أنا قائم علی الحوض أرد عنه أمم الکفار کما یری الراعی غرائب الإبل حتی تأتی أمتی غرا» «3» محجلین من آثار الوضوء أعرفهم فیشربون من ذلک الحوض فمن شرب منه لم یظمأ بعده أبدا، فقال معاذ: یا رسول اللّه، لقد سعد الذین یشربون من ذلک الحوض. فقال: و یحک یا معاذ، من خلق فی بطن أمه موحدا، و یؤمن برسوله فهو یشرب من ذلک الحوض، و یدخل الفردوس. قال معاذ: ما أکثر ما یخلق فی بطن أمه مشرکا ثم یولد و هو مشرک ثم یموت مؤمنا. فقال: یا معاذ و یحک من مات مسلما فقد خلق فی ظهر آدم مسلما ثم تداولته ظهور المشرکین حتی أدرکنی فآمن بی فأولئک إخوانی و أنتم أصحابی، ثم قرأ رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- «إِخْواناً عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ» «4».
______________________________
(1) سورة المؤمنون: 10، 11.
(2) فی ل: فما یجیئکم من طیب السحر.
(3) فی أ: غر محجلون، ل: غرا محجلین.
(4) سورة الحجر: 47.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 57

سورة الأنبیاء

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 59
سورة الأنبیاء

[سورة الأنبیاء (21): الآیات 1 الی 112]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِی غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما یَأْتِیهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ یَلْعَبُونَ (2) لاهِیَةً قُلُوبُهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوَی الَّذِینَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُکُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قالَ رَبِّی یَعْلَمُ الْقَوْلَ فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (4)
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْیَأْتِنا بِآیَةٍ کَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَ فَهُمْ یُؤْمِنُونَ (6) وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَکَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا یَأْکُلُونَ الطَّعامَ وَ ما کانُوا خالِدِینَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَیْناهُمْ وَ مَنْ نَشاءُ وَ أَهْلَکْنَا الْمُسْرِفِینَ (9)
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَیْکُمْ کِتاباً فِیهِ ذِکْرُکُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (10) وَ کَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْیَةٍ کانَتْ ظالِمَةً وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِینَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها یَرْکُضُونَ (12) لا تَرْکُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلی ما أُتْرِفْتُمْ فِیهِ وَ مَساکِنِکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا یا وَیْلَنا إِنَّا کُنَّا ظالِمِینَ (14)
فَما زالَتْ تِلْکَ دَعْواهُمْ حَتَّی جَعَلْناهُمْ حَصِیداً خامِدِینَ (15) وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما لاعِبِینَ (16) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ کُنَّا فاعِلِینَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَی الْباطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَ لَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا یَسْتَحْسِرُونَ (19)
یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لا یَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ یُنْشِرُونَ (21) لَوْ کانَ فِیهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ (22) لا یُسْئَلُ عَمَّا یَفْعَلُ وَ هُمْ یُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَکُمْ هذا ذِکْرُ مَنْ مَعِیَ وَ ذِکْرُ مَنْ قَبْلِی بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِی إِلَیْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُکْرَمُونَ (26) لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ (27) یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا یَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضی وَ هُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَ مَنْ یَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّی إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِکَ نَجْزِیهِ جَهَنَّمَ کَذلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ (29)
أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ کانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْ‌ءٍ حَیٍّ أَ فَلا یُؤْمِنُونَ (30) وَ جَعَلْنا فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِهِمْ وَ جَعَلْنا فِیها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ یَهْتَدُونَ (31) وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آیاتِها مُعْرِضُونَ (32) وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ (33) وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِکَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34)
کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَیْرِ فِتْنَةً وَ إِلَیْنا تُرْجَعُونَ (35) وَ إِذا رَآکَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ یَتَّخِذُونَکَ إِلاَّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِی یَذْکُرُ آلِهَتَکُمْ وَ هُمْ بِذِکْرِ الرَّحْمنِ هُمْ کافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِیکُمْ آیاتِی فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (38) لَوْ یَعْلَمُ الَّذِینَ کَفَرُوا حِینَ لا یَکُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَ لا هُمْ یُنْصَرُونَ (39)
بَلْ تَأْتِیهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا یَسْتَطِیعُونَ رَدَّها وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ (40) وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِکَ فَحاقَ بِالَّذِینَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (41) قُلْ مَنْ یَکْلَؤُکُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِکْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَ لا هُمْ مِنَّا یُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتَّی طالَ عَلَیْهِمُ الْعُمُرُ أَ فَلا یَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ (44)
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُکُمْ بِالْوَحْیِ وَ لا یَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما یُنْذَرُونَ (45) وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّکَ لَیَقُولُنَّ یا وَیْلَنا إِنَّا کُنَّا ظالِمِینَ (46) وَ نَضَعُ الْمَوازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً وَ إِنْ کانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنا بِها وَ کَفی بِنا حاسِبِینَ (47) وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسی وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِیاءً وَ ذِکْراً لِلْمُتَّقِینَ (48) الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)
وَ هذا ذِکْرٌ مُبارَکٌ أَنْزَلْناهُ أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْکِرُونَ (50) وَ لَقَدْ آتَیْنا إِبْراهِیمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَ کُنَّا بِهِ عالِمِینَ (51) إِذْ قالَ لِأَبِیهِ وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِیلُ الَّتِی أَنْتُمْ لَها عاکِفُونَ (52) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِینَ (53) قالَ لَقَدْ کُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (54)
قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِینَ (55) قالَ بَلْ رَبُّکُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الَّذِی فَطَرَهُنَّ وَ أَنَا عَلی ذلِکُمْ مِنَ الشَّاهِدِینَ (56) وَ تَاللَّهِ لَأَکِیدَنَّ أَصْنامَکُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِینَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ کَبِیراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَیْهِ یَرْجِعُونَ (58) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِینَ (59)
قالُوا سَمِعْنا فَتًی یَذْکُرُهُمْ یُقالُ لَهُ إِبْراهِیمُ (60) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلی أَعْیُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَشْهَدُونَ (61) قالُوا أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا یا إِبْراهِیمُ (62) قالَ بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ کانُوا یَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلی أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّکُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
ثُمَّ نُکِسُوا عَلی رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ یَنْطِقُونَ (65) قالَ أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَنْفَعُکُمْ شَیْئاً وَ لا یَضُرُّکُمْ (66) أُفٍّ لَکُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (67) قالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ فاعِلِینَ (68) قُلْنا یا نارُ کُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ (69)
وَ أَرادُوا بِهِ کَیْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِینَ (70) وَ نَجَّیْناهُ وَ لُوطاً إِلَی الْأَرْضِ الَّتِی بارَکْنا فِیها لِلْعالَمِینَ (71) وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ نافِلَةً وَ کُلاًّ جَعَلْنا صالِحِینَ (72) وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِیتاءَ الزَّکاةِ وَ کانُوا لَنا عابِدِینَ (73) وَ لُوطاً آتَیْناهُ حُکْماً وَ عِلْماً وَ نَجَّیْناهُ مِنَ الْقَرْیَةِ الَّتِی کانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِینَ (74)
وَ أَدْخَلْناهُ فِی رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِینَ (75) وَ نُوحاً إِذْ نادی مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْکَرْبِ الْعَظِیمِ (76) وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا إِنَّهُمْ کانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِینَ (77) وَ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ إِذْ یَحْکُمانِ فِی الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِیهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ کُنَّا لِحُکْمِهِمْ شاهِدِینَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَیْمانَ وَ کُلاًّ آتَیْنا حُکْماً وَ عِلْماً وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ یُسَبِّحْنَ وَ الطَّیْرَ وَ کُنَّا فاعِلِینَ (79)
وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَکُمْ لِتُحْصِنَکُمْ مِنْ بَأْسِکُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاکِرُونَ (80) وَ لِسُلَیْمانَ الرِّیحَ عاصِفَةً تَجْرِی بِأَمْرِهِ إِلی الْأَرْضِ الَّتِی بارَکْنا فِیها وَ کُنَّا بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عالِمِینَ (81) وَ مِنَ الشَّیاطِینِ مَنْ یَغُوصُونَ لَهُ وَ یَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِکَ وَ کُنَّا لَهُمْ حافِظِینَ (82) وَ أَیُّوبَ إِذْ نادی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَکَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَیْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِکْری لِلْعابِدِینَ (84)
وَ إِسْماعِیلَ وَ إِدْرِیسَ وَ ذَا الْکِفْلِ کُلٌّ مِنَ الصَّابِرِینَ (85) وَ أَدْخَلْناهُمْ فِی رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِینَ (86) وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ فَنادی فِی الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظَّالِمِینَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّیْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ کَذلِکَ نُنْجِی الْمُؤْمِنِینَ (88) وَ زَکَرِیَّا إِذْ نادی رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِی فَرْداً وَ أَنْتَ خَیْرُ الْوارِثِینَ (89)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ یَحْیی وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ کانُوا یُسارِعُونَ فِی الْخَیْراتِ وَ یَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ کانُوا لَنا خاشِعِینَ (90) وَ الَّتِی أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِیها مِنْ رُوحِنا وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آیَةً لِلْعالَمِینَ (91) إِنَّ هذِهِ أُمَّتُکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّکُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ کُلٌّ إِلَیْنا راجِعُونَ (93) فَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا کُفْرانَ لِسَعْیِهِ وَ إِنَّا لَهُ کاتِبُونَ (94)
وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ (95) حَتَّی إِذا فُتِحَتْ یَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ کُلِّ حَدَبٍ یَنْسِلُونَ (96) وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِیَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِینَ کَفَرُوا یا وَیْلَنا قَدْ کُنَّا فِی غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ کُنَّا ظالِمِینَ (97) إِنَّکُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) لَوْ کانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَ کُلٌّ فِیها خالِدُونَ (99)
لَهُمْ فِیها زَفِیرٌ وَ هُمْ فِیها لا یَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی أُولئِکَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101) لا یَسْمَعُونَ حَسِیسَها وَ هُمْ فِی مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (102) لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَکْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ هذا یَوْمُکُمُ الَّذِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) یَوْمَ نَطْوِی السَّماءَ کَطَیِّ السِّجِلِّ لِلْکُتُبِ کَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ وَعْداً عَلَیْنا إِنَّا کُنَّا فاعِلِینَ (104)
وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِی هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِینَ (106) وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ (107) قُلْ إِنَّما یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُکُمْ عَلی سَواءٍ وَ إِنْ أَدْرِی أَ قَرِیبٌ أَمْ بَعِیدٌ ما تُوعَدُونَ (109)
إِنَّهُ یَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ یَعْلَمُ ما تَکْتُمُونَ (110) وَ إِنْ أَدْرِی لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَکُمْ وَ مَتاعٌ إِلی حِینٍ (111) قالَ رَبِّ احْکُمْ بِالْحَقِّ وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ (112)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 69
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ نزلت فی کفار مکة وَ هُمْ فِی غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ 1- لا یؤمنون به یعنی بالحساب یوم القیامة، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: ما یَأْتِیهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ یعنی من بیان من ربهم یعنی القرآن مُحْدَثٍ یقول الذی یحدث اللّه- عز و جل- إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من القرآن «لا محدث عند اللّه- تعالی» «1» إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ یَلْعَبُونَ 2- یعنی لاهین» «2» عن القرآن لاهِیَةً قُلُوبُهُمْ یعنی غافلة قلوبهم عنه وَ أَسَرُّوا النَّجْوَی [11 ب الَّذِینَ ظَلَمُوا فهو أبو جهل، و الولید بن المغیرة، و عقبة بن أبی معیط، قالوا سرا فیما بینهم: هَلْ هذا یعنون محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ لا یفضلکم» «3» بشی‌ء فتتبعونه أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ یعنی القرآن وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ 3- أنه سحر «قالَ» «4» لهم محمد- صلی اللّه علیه و سلم- رَبِّی یَعْلَمُ الْقَوْلَ یعنی السر الذی فیما بینهم فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ السَّمِیعُ لسرهم الْعَلِیمُ 4- به بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ یعنی جماعات أحلام یعنون القرآن
______________________________
(1) «لا محدث عند اللّه- تعالی-»: من أ و لیست فی ل و لا فی ز.
(2) فی أ: لاهون، ز، ل: لاهین.
(3) فی أ: لا یعلمکم، ل، ز: لا یفضلکم.
(4) فی أ: «قل» لهم یا محمد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 70
سورة الأنبیاء «1» مکیة و هی مائة و اثنتا عشرة آیة، کوفیة» «2»
______________________________
(1) المقصود الإجمالی لسورة الأنبیاء:
التنبیه علی الحساب فی القیامة، و قرب زمانها، و وصف الکفار بالغفلة، و إثبات النبوة، و استیلاء أهل الحق علی أهل الضلالة، و حجة الوحدانیة، و الإخبار عن الملائکة و طاعتهم، و خلق اللّه السموات و الأرض بکمال قدرته، و سیر الکواکب و دور الفلک، و الإخبار عن موت الخلائق و فنائهم و حفظ اللّه- تعالی- و حراسته العبد من الآفات، و ذکر میزان العدل فی القیامة، و ذکر إبراهیم بالرشد و الهدایة، و إنکاره الأصنام و عبّادها، و سلامة إبراهیم من النار، و نجاة لوط من قومه أولی العدوان، و نجاة نوح و متابعیه من الطوفان، و حکم داود، و فهم سلیمان، و ذکر تسخیر الشیطان، و تضرع أیوب، و دعا. یونس، و سؤال زکریا، و صلاح مریم، و هلاک قری أفرطوا فی الطغیان، و فتح سد یأجوج و مأجوج فی آخر الزمان و ذل الکفار و الأوثان، فی دخول النسران، و عز أهل اطاعة و الإیمان من الأزل إلی الأبد فی جمیع الأزمان، علی علالی الجنان، و طی السموات فی ساعة القیامة، و ذکر الأمم الماضیة، و المنزل من الکتب فی سالف الأزمان، و إرسال المصطفی- صلی اللّه علیه و سلم- بالرأفة و الرحمة و الإحسان، و تبلیغ الرسالة علی حکم السویة من غیر نقصان و رجحان، و طلب حکم اللّه- تعالی- علی وفق الحق، و الحکمة فی قوله:
«رَبِّ احْکُمْ بِالْحَقِّ وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ»: 112.
و فی کتاب بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی: 317 ما یأتی:
سمیت سورة الأنبیاء لاشتمالها علی قصصهم: علی إبراهیم، و إسحاق، و یعقوب، و لوط، و نوح، و سلیمان، و داود، و أیوب، و إسماعیل، و صالح، و یونس، و زکریا، و یحیی، و عیسی.
(2) و فی المصحف المتداول: (21) سورة الأنبیاء مکیة و آیاتها 112 نزلت بعد سورة إبراهیم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 71
قالوا هی أحلام کاذبة مختلطة یراها محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فی المنام فیخبرنا بها، ثم قال: بَلِ افْتَراهُ یعنون بل یخلق محمد- صلی اللّه علیه و سلم- القرآن من تلقاء نفسه، ثم قال: بَلْ هُوَ یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- شاعِرٌ فإن کان صادقا فَلْیَأْتِنا بِآیَةٍ کَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ 5- من الأنبیاء- علیهم السلام- بالآیات إلی قومهم، کل هذا من قول هؤلاء النفر، کما أرسل موسی و عیسی و داود و سلیمان- علیهم السلام- بالآیات و العجائب یقول اللّه- عز و جل- ما آمَنَتْ یقول ما صدقت بالآیات قَبْلَهُمْ یعنی قبل کفار مکة مِنْ قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها بالعذاب فی الدنیا یعنی کفار الأمم الخالیة أَ فَهُمْ یُؤْمِنُونَ 6- یعنی کفار مکة أفهم یصدقون بالآیات، فقد کذبت بها الأمم الخالیة من قبلهم، بأنهم لا یصدقون» «1»، ثم قالوا فی الفرقان: «... أَ هذَا الَّذِی بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ...» «2» یأکل و یشرب و ترک الملائکة فلم یرسلهم، فأنزل اللّه- عز و جل- فی قولهم: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَکَ إِلَّا رِجالًا نُوحِی إِلَیْهِمْ فَسْئَلُوا یا معشر کفار مکة أَهْلَ الذِّکْرِ یعنی مؤمنی أهل التوراة إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 7- إن الرسل کانوا من البشر فسیخبرونکم أن اللّه- عز و جل- ما بعث رسولا إلا من البشر، و نزل فی قولهم «... أَ هذَا الَّذِی بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا» یأکل و یشرب و یترک» «3» الملائکة فلا یرسلهم فقال- سبحانه-: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً یعنی الأنبیاء- علیهم
______________________________
(1) کذا فی أ، ل.
(2) سورة الفرقان: 4، و قد وردت فی جمیع النسخ: «أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا» و هی من سورة الإسراء: 94.
(3) کذا، و الأولی: و ترک الملائکة فلم یرسلهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 72
السلام-، و الجسد الذی لیس فیه روح، کقوله- سبحانه-: «... عِجْلًا جَسَداً» «1» ...» لا یَأْکُلُونَ الطَّعامَ و لا یشربون و لکن جعلناهم جسدا» «2» فیها أرواح، یأکلون الطعام، و یذوقون الموت، و ذلک قوله- سبحانه: وَ ما کانُوا خالِدِینَ 8- فی الدنیا ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ یعنی الرسل الوعد یعنی العذاب فی الدنیا إلی قومهم فَأَنْجَیْناهُمْ یعنی الرسل من العذاب وَ مَنْ نَشاءُ من المؤمنین وَ أَهْلَکْنَا الْمُسْرِفِینَ 9- یقول و عذبنا المشرکین فی الدنیا. قال أبو محمد: قال [12 أ] أبو العباس ثعلب: قال الفراء «وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً» إلا لیأکلوا» «3» الطعام.
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَیْکُمْ یا أهل مکة کِتاباً فِیهِ ذِکْرُکُمْ یعنی شرفکم أَ فَلا تَعْقِلُونَ 10- مثل قوله- تعالی-: «وَ إِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَ لِقَوْمِکَ» «4» ...» یعنی شرفا لک و لقومک وَ کَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْیَةٍ یعنی أهلکنا من قریة بالعذاب فی الدنیا قبل أهل مکة کانَتْ ظالِمَةً وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها یقول و جعلنا بعد هلاک الأمم الخالیة قَوْماً آخَرِینَ 11- یعنی قوما کانوا بالیمن فی قریة تسمی حضور» «5» و ذلک أنهم قتلوا نبیا من الأنبیاء- علیهم السلام- فسلط اللّه- عز و جل- جند بخت نصر» «6» فقتلوهم، کما سلط بخت نصر» «7» و الروم علی الیهود
______________________________
(1) سورة طه: 88.
(2) کذا فی أ، ل، ز.
(3) فی الأصل: لیأکلون.
(4) سورة الزخرف: 44.
(5) فی ز: حضور، أ، ل: حصفورا.
(6) فی ز، ل: بخت نصر، أ: بخت ناصر.
(7) من ز، ل، و فی أ: بخت ناصر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 73
ببیت المقدس فقتلوهم، و سبوهم حین قتلوا یحیی بن زکریا و غیره من الأنبیاء- علیهم السلام-، فذلک قوله- عز و جل-: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا یقول فلما رأوا عذابنا یعنی أهل حضور إِذا هُمْ مِنْها یَرْکُضُونَ 12- یقول إذا هم من القریة یهربون قالت لهم الملائکة کهیئة الاستهزاء لا تَرْکُضُوا یقول لا تهربوا وَ ارْجِعُوا إِلی ما أُتْرِفْتُمْ فِیهِ یعنی إلی ما خولتم فیه من الأموال وَ إلی مَساکِنِکُمْ یعنی قریتکم التی هربتم منها لَعَلَّکُمْ تُسْئَلُونَ 13- کما سئلتم الإیمان قبل نزول العذاب فلما رأوا العذاب قالُوا یا وَیْلَنا إِنَّا کُنَّا ظالِمِینَ 14- یقول اللّه- عز و جل-: فَما زالَتْ تِلْکَ دَعْواهُمْ یقول فما زال الویل قولهم حَتَّی جَعَلْناهُمْ حَصِیداً خامِدِینَ 15- یقول أطفأناهم بالسیف فحمدوا مثل النار إذا طفئت فحمدت وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ یعنی السموات السبع و الأرضین السبع وَ ما بَیْنَهُما من الخلق لاعِبِینَ 16- یعنی عابثین لغیر شی‌ء و لکن خلقناهما لأمر هو کائن لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً یعنی ولدا و ذلک أن نصاری نجران السید و العاقب و من معهما قالوا عیسی ابن اللّه فقال اللّه- عز و جل-:
«لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً» «1» لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا یعنی من عندنا من الملائکة لأنهم أطیب و أطهر من عیسی و لم نتخذه من أهل الأرض، ثم قال- سبحانه-:
إِنْ کُنَّا فاعِلِینَ 17- یقول ما کنا فاعلین ذلک أن نتخذ ولدا، مثلها
______________________________
(1) تفسیر «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً» من ز، و هو ناقص، و مضطرب فی أ، ففی أ: یعنی معهما، قالوا عیسی- صلی اللّه علیه و سلم- ابن اللّه، فقال اللّه- عز و جل-: «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً» یعنی ولدا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 74
فی الزخرف «1» بَلْ نَقْذِفُ بل نرمی بِالْحَقِ الذی قال اللّه- عز و جل-:
«إِنْ کُنَّا فاعِلِینَ» عَلَی الْباطِلِ الذی «2» قالوا إن للّه- عز و جل- ولدا فَیَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ یعنی ذاهب وَ لَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ 18- یقول لکم الویل فی الآخرة مما تقولون من «3» [12 ب البهتان بأن للّه ولدا، ثم قال- سبحانه-: وَ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عبیده و فی ملکه، و عیسی بن مریم، و عزیز، و الملائکة ... و غیرهم، ثم قال- سبحانه-: وَ مَنْ عِنْدَهُ من الملائکة لا یَسْتَکْبِرُونَ یعنی لا یتکبرون عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا یَسْتَحْسِرُونَ 19- یعنی و لا یعیون، کقوله- عز و جل-:
«... وَ هُوَ حَسِیرٌ «4» و هو معی، «5» ثم قال- تعالی ذکره-: یُسَبِّحُونَ یعنی یذکرون اللّه- عز و جل- اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لا یَفْتُرُونَ 20- یقول لا یستریحون من ذکر اللّه- عز و جل- لیست لهم فترة و لا سامة أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ یُنْشِرُونَ 21- لَوْ کانَ فِیهِما آلِهَةٌ یعنی آلهة کثیرة إِلَّا اللَّهُ یعنی غیر اللّه- عز و جل- لَفَسَدَتا یعنی لهلکتا یعنی السموات و الأرض و ما بینهما فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ 22- نزه الرب نفسه- تبارک و تعالی- عن قولهم بأن مع اللّه
______________________________
(1) کذا فی أ، و فی ز: مثلها فی الزمر «لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفی مِمَّا یَخْلُقُ ما یَشاءُ سُبْحانَهُ ...» (سورة الزمر: 4)، و انظر الآیات: 59- 64 من سورة الزخرف ففیها هذه الفکرة بمعناها لا یلفظها.
(2) فی ز: الذی، أ: الذین.
(3) فی أ: من من.
(4) سورة الملک: 4.
(5) فی ز: یعنی معیا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 75
- عز و جل- إلها، ثم قال- سبحانه-: لا یُسْئَلُ عَمَّا یَفْعَلُ یقول لا یسأل اللّه- تعالی- عما یفعله فی خلقه وَ هُمْ یُسْئَلُونَ 23- یقول- سبحانه- یسأل اللّه الملائکة فی الآخرة «... أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِی هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِیلَ «1»؟ و یسألهم، و یقول للملائکة: «... أَ هؤُلاءِ إِیَّاکُمْ کانُوا یَعْبُدُونَ «2» أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ لکفار مکة: هاتُوا بُرْهانَکُمْ یعنی حجتکم، أن مع اللّه- عز و جل- إلها کما زعمتم هذا ذِکْرُ مَنْ مَعِیَ وَ ذِکْرُ مَنْ قَبْلِی یقول هذا القرآن فیه خبر من معی، و خبر من قبلی من الکتب، لیس فیه أن مع اللّه- عز و جل- إلها کما زعمتم بَلْ أَکْثَرُهُمْ یعنی کفار مکة لا یَعْلَمُونَ الْحَقَ یعنی التوحید فَهُمْ مُعْرِضُونَ 24- عنه عن التوحید، کقوله- عز و جل- «بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ ... «3»» یعنی بالتوحید وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِی إِلَیْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ 25- یعنی فوحدون «وَ قالُوا أی کفار مکة» «4» منهم النضر بن الحارث: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً قالوا إن الملائکة بنات اللّه- تعالی- فنزه الرب- جل جلاله- نفسه عن قولهم، فقال: سُبْحانَهُ بَلْ هم یعنی الملائکة عِبادٌ مُکْرَمُونَ 26- لعبادة ربهم و لیسوا ببنات «5» الرحمن و لکن اللّه أکرمهم بعبادته، ثم أخبر عن الملائکة «فقال» «6»: لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ
______________________________
(1) سورة الفرقان: 17.
(2) سورة سبأ: 40.
(3) سورة الصافات: 37.
(4) فی ز: « (و قالوا أ] کفار مکة»، و فی أ: « (و قال) کفار مکة».
(5) فی أ: بینات، ز: بنات.
(6) «فقال»: من ز، و لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 76
یعنی الملائکة لا یسبقون ربهم بأمر، یقول الملائکة لم تأمر کفار مکة بعبادتهم إیاها، ثم قال: وَ هُمْ یعنی الملائکة بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ 27- یقول لا تعمل الملائکة إلا بأمره، فأخبر اللّه- عز و جل- عن الملائکة أنهم عباد یخافون ربهم و یقدسونه و یعبدونه یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ یقول الرب- عز و جل- یعلم ما کان قبل أن یخلق الملائکة، و یعلم ما کان بعد خلقهم وَ لا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضی یقول لا تشفع الملائکة إلا لمن رضی اللّه أن یشفع له یعنی من أهل التوحید» «1» «الذین لا یقولون إن الملائکة بنات اللّه- عز و جل- لأن کفار مکة زعموا أن الملائکة تشفع لهم فی الآخرة إلی اللّه- عز و جل-، ثم قال: سبحانه- یعنی «2» الملائکة «3» وَ هُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ 28- یعنی خائفین وَ مَنْ یَقُلْ مِنْهُمْ یعنی من الملائکة إِنِّی إِلهٌ مِنْ دُونِهِ یعنی من دون اللّه- عز و جل- فَذلِکَ یعنی فهذا الذی یقول إنی إله من دونه نَجْزِیهِ جَهَنَّمَ کَذلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ 29- النار حین زعموا أن مع اللّه- عز و جل- إلها و لم یقل ذلک أحد من الملائکة غیر إبلیس عدو اللّه رأس الکفر أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا یقول أو لم یعلم الذین کفروا من أهل مکة أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ کانَتا رَتْقاً یعنی ملتزقین، و ذلک أن اللّه- تبارک و تعالی- أمر بخار الماء فارتفع فخلق منه السموات السبع فأبان إحداهما من الأخری، فذلک قوله فَفَتَقْناهُما ثم قال- سبحانه-: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْ‌ءٍ حَیٍ
______________________________
(1) فی أ: (و لا یشفعون) الملائکة. و المثبت من ز.
(2) یعنی بمعنی یقصد.
(3) ما بین الأقواس «...» من أ، و لیس فی ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 77
یقول و جعلنا الماء حیاة کل شی‌ء یشرب الماء أَ فَلا یُؤْمِنُونَ 30- یقول أ فلا یصدقون بتوحید اللّه- عز و جل- مما یرون من صنعه وَ جَعَلْنا فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ یعنی الجبال أرسیت فی الأرض فأثبتت الأرض بالجبال «1» أَنْ تَمِیدَ «بِهِمْ» «2» لئلا تزول الأرض بهم «3» وَ جَعَلْنا فِیها یعنی فی الجبال فِجاجاً یعنی کل شعب فی جبل فیه منذ سُبُلًا یعنی طرقا لَعَلَّهُمْ یَهْتَدُونَ 31- یقول لکی یعرفوا طرقها وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً یعنی المرفوع مَحْفُوظاً من الشیاطین لئلا یسمعوا إلی کلام الملائکة فیخبروا «4» الناس وَ هُمْ عَنْ آیاتِها یعنی الشمس و القمر و النجوم و غیرها مُعْرِضُونَ 32- فلا یتفکرون فیما یرون من صنعه- عز و جل- فیوحدونه وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ 33- یقول یدخلان من قبل المغرب فیجریان تحت الأرض حتی یخرجا «5» من قبل المشرق، ثم یجریان «6» فی السماء إلی المغرب، فذلک قوله- سبحانه-: «کل» «7»- یعنی الشمس و القمر «فِی فَلَکٍ» یعنی فی دوران «یَسْبَحُونَ» یعنی یجرون فذلک دورانهما.
______________________________
(1) من ز، و فی أ: فأثبتناها بالجبال.
(2) فی ز، أ: «بکم».
(3) فی أ، ز: بکم.
(4) فی أ، ل: فیخبرون، ز: فیخبروا.
(5) فی أ: یخرجان، ز: یخرجا.
(6) فی ز: یجریان، أ یخرجان.
(7) «کل»: من ز، و لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 78
وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ [13 ب و ذلک أن قوما قالوا: إن محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- لا یموت. فأنزل اللّه- عز و جل- «وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ» یعنی لنبی من الأنبیاء مِنْ قَبْلِکَ الْخُلْدَ فی الدنیا فلا یموت فیها، بل یموتون
فلما نزلت هذه الآیة، قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لجبریل علیه السلام-:
فمن یکون فی أمتی من بعدی، فأنزل اللّه- عز و جل- «أَ فَإِنْ» «1» مِتَ
یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- فَهُمُ الْخالِدُونَ 34- فإنهم «2» یموتون أیضا، ثم قال- عز و جل-: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ «یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و غیره «3» وَ نَبْلُوکُمْ یقول و نختبرکم «4» بِالشَّرِّ یعنی بالشدة لتصبروا «5» وَ ب الْخَیْرِ فِتْنَةً تعنی بالرخاء لتشکروا «6» «فتنة» یقول هما بلاء یبتلیکم بهما «7» وَ إِلَیْنا فی الآخرة تُرْجَعُونَ 35- بعد الموت فنجزیکم بأعمالکم وَ إِذا رَآکَ الَّذِینَ کَفَرُوا یعنی أبا جهل إِنْ یَتَّخِذُونَکَ إِلَّا هُزُواً و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- مر علی أبی سفیان بن حرب، و علی أبی جهل بن هشام، فقال أبو جهل لأبی سفیان کالمستهزئ:
انظروا إلی نبی بنی عبد مناف. فقال أبو سفیان لأبی جهل حمیة- و هو من بنی عبد شمس بن عبد مناف- و ما تنکر أن یکون نبیا فی بنی عبد مناف «8» فسمع
______________________________
(1) «أفإین» کما وردت فی تشکیل المصحف.
(2) فی أ، ز: بأنهم، و لکنها لیست فی أ.
(3) ما بین القوسین «...» من ل، ز، و لیس فی أ.
(4) فی ز: و نختبرکم، أ: و نبتلیکم.
(5) فی ز: لتصبروا، أ: فتصبروا.
(6) من ز، و فی أ: اضطراب.
(7) من أ: وحدها.
(8) من ز، و فی أ: و ما تنکر أن یکون نبی فی بنی عبد مناف. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 79
النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قولهما، فقال لأبی جهل: ما أراک منتهیا حتی ینزل اللّه- عز و جل- بک ما نزل بعمک الولید بن المغیرة، و أما أنت یا أبا سفیان فإنما قلت الذی قلت حمیة، فأنزل اللّه- عز و جل- «وَ إِذا رَآکَ الَّذِینَ کَفَرُوا»
یعنی أبا جهل «إِنْ یَتَّخِذُونَکَ إِلَّا هُزُواً» استهزاء. و قال أبو جهل حین رأی النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أَ هذَا الَّذِی یَذْکُرُ آلِهَتَکُمْ اللات و العزی و مناة بسوء یقول اللّه- عز و جل- وَ هُمْ بِذِکْرِ یعنی بتوحید الرَّحْمنِ هُمْ کافِرُونَ 36- و ذلک أن أبا جهل قال: إن الرحمن مسیلمة بن حبیب الحنفی الکذاب خُلِقَ الْإِنْسانُ یعنی آدم أبو البشر مِنْ عَجَلٍ و ذلک أن کفار قریش استعجلوا بالعذاب فی الدنیا من قبل أن یأتیهم تکذیبا به کما استعجل آدم- علیه السلام- الجلوس «1» من قبل أن تتم فیه الروح من قبل رأسه- یوم الجمعة «2» «فأراد أن یجلس من قبل أن تتم فیه الروح إلی قدمیه فلما بلغت الروح وسطه و نظر إلی حسن خلقه أراد أن یجلس و نصفه طین «3»» فورث الناس کلهم العجلة من آدم- علیه السلام- لم تجد منفذا فرجعت من أنفه فعطس، فقال: «الحمد للّه رب العالمین» [14 أ] فهذه أول کلمة تکلم بها:
و بلغنا أن اللّه- عز و جل- رد علیه «فقال: لهذا خلقتک یرحمک ربک» «4» فسبقت رحمته غضبه فلما استعجل کفار مکة العذاب فی الدنیا نزلت «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» لأنهم من ذریته یقول اللّه- عز و جل- لکفار مکة
______________________________
(1) فی أ، ل: الجلوس ز، للجلوس.
(2) من ز، و فی أ، و فی ل: الروح- یوم الجمعة- من قبل رأسه.
(3) ما بین القوسین «...» من أ، ل، و لیس فی ز.
(4) ما بین القوسین «...» من ز وفی أ رد علیه یرحمک اللّه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 80
ف سَأُرِیکُمْ آیاتِی یعنی عذابی القتل فَلا تَسْتَعْجِلُونِ 37- یقول فلا تعجلوا بالعذاب وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 38- و ذلک أن کفار مکة قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: متی هذا العذاب الذی «1» تعدنا، إن کنت صادقا، یقولون ذلک مستهزئین تکذیبا بالعذاب فأنزل اللّه- عز و جل- لَوْ یَعْلَمُ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة حِینَ لا یَکُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ و ذلک أن أیدیهم تغل إلی أعناقهم «و تجعل فی أعناقهم ضحرة من الکبریت فتشتعل النار فیها فلا یستطیعون أن یتقوا النار إلا بوجوههم «2».
فذلک قوله- سبحانه-: «أَ فَمَنْ یَتَّقِی بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ یَوْمَ الْقِیامَةِ ...» «3» و ذلک قوله: «حِینَ لا یَکُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ» لو علموا ذلک ما استعجلوا بالعذاب، ثم قال- سبحانه-: وَ لا هُمْ یُنْصَرُونَ 39- یقول و لا هم یمنعون من العذاب، ثم قال- تعالی-: بَلْ تَأْتِیهِمْ الساعة بَغْتَةً یعنی فجأة فَتَبْهَتُهُمْ یقول» «4» فتفجأهم فَلا یَسْتَطِیعُونَ رَدَّها یعنی أن یردوها وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ 40- یقول و لا یناظر بهم العذاب حتی یعذبوا وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِکَ کما استهزئ بک یا محمد یعزی نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- لیصبر علی تکذیبهم إیاه بالعذاب و ذلک أن مکذبی الأمم الخالیة کذبوا رسلهم بأن العذاب لیس بنازل بهم فی الدنیا
______________________________
(1) فی أ: التی، و التفسیر کله مختصر فی ز، و لیس موجودا بها.
(2) ما بین القوسین «...»: لیس فی ز، و هو من أ.
(3) سورة الزمر: 24.
(4) فی أ: یقول، ز: یعنی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 81
فلما أخبر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- کفار مکة استهزءوا منه تکذیبا بالعذاب یقول اللّه- عز و جل-: فَحاقَ «بِالَّذِینَ» «1» یعنی فدا ربهم «سَخِرُوا مِنْهُمْ» «2» ما یعنی الذی کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ 41- بأنه غیر نازل بهم قُلْ مَنْ یَکْلَؤُکُمْ یقول من یحرسکم بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ مِنَ عذاب الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِکْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ 42- یعنی القرآن، معرضون عنه، ثم قال- سبحانه-: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ نزلت فی الحارث بن قیس السهمی و فیه نزلت أیضا فی الفرقان «أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ...» «3» فقال- سبحانه-: «أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ» تَمْنَعُهُمْ من العذاب مِنْ دُونِنا یعنی من دون اللّه- عز و جل- فیها تقدیم ثم أخبر عن الآلهة فقال- تعالی-:
لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ یقول لا تستطیع الآلهة [14 ب «أن» «4» تمنع نفسها من سوء أرید بها، ثم قال- سبحانه-: وَ لا هُمْ یعنی من یعبد الآلهة مِنَّا یُصْحَبُونَ 43- یعنی و لا هم منا یجارون یقول اللّه- تعالی- لا یجیرهم منی «و لا یؤمنهم منی» «5» أحد بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ یعنی کفار مکة وَ آباءَهُمْ حَتَّی طالَ عَلَیْهِمُ الْعُمُرُ أَ فَلا یَرَوْنَ یعنی أ فهلا یرون أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ یعنی أرض مکة نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها «یعنی نغلبهم
______________________________
(1) فی أ، ل، ز «بهم» لکنها فی القرآن «بالذین».
(2) «سخروا منهم»: ساقطة من الأصل.
(3) سورة الفرقان 43 و تلاحظ أن أ، ل، ز، أوردت الآیة «أ فرأیت ...» و صوابها «أ فرأیت ...».
(4) أن: من ز، و ساقطة من أ.
(5) ما بین القوسین «...» من ز، و لیس فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 82
علی ما حول أرض مکة» «1» أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ 44- یعنی کفار مکة أو النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و المؤمنون؟ بل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و أصحابه- رضی اللّه عنهم هم الغالبون لهم، «و ربه محمود» «2» قُلْ لکفار مکة: إِنَّما أُنْذِرُکُمْ بِالْوَحْیِ بما فی القرآن من الوعید وَ لا یَسْمَعُ یا محمد الصُّمُّ الدُّعاءَ هذا مثل ضربه اللّه- عز و جل- للکفار یقول إن الأصم إذا نادیته لم «3» یسمع فکذلک الکافر لا یسمع الوعید و الهدی إِذا ما یُنْذَرُونَ 45- وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ یقول و لئن أصابتهم عقوبة مِنْ عَذابِ رَبِّکَ لَیَقُولُنَّ یا وَیْلَنا إِنَّا کُنَّا ظالِمِینَ 46- وَ نَضَعُ الأعمال فی الْمَوازِینَ الْقِسْطَ یعنی العدل لِیَوْمِ الْقِیامَةِ فجبریل- علیه السلام- یلی موازین أعمال بنی آدم فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً یقول لا ینقصون شیئا من أعمالهم وَ إِنْ کانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ یعنی وزن حبة مِنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنا بِها یعنی جئنا بها «بالحبة» «4» وَ کَفی بِنا حاسِبِینَ 47- یقول- سبحانه- و کفی بنا من سرعة الحساب وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسی وَ هارُونَ الْفُرْقانَ یعنی التوراة وَ ضِیاءً یعنی و نورا من الضلالة یعنی التوراة وَ ذِکْراً یعنی و تفکرا لِلْمُتَّقِینَ 48- الشرک ثم نعتهم فقال- سبحانه-: الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ فأطاعوه و لم یروه وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ 49- یعنی من القیامة خائفین وَ هذا
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» من ز، و فی أ: یعنی تغلب علی مکة ثم علی أخری.
(2) ما بین القوسین «...» من ز، و فی أ: و اللّه- عز و جل- محمود.
(3) لم: من ز، و هی مشطوبة فی أ.
(4) «بالجنة»: فی الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 83
القول ذِکْرٌ یعنی بیان مُبارَکٌ أَنْزَلْناهُ أَ فَأَنْتُمْ یا أهل مکة لَهُ مُنْکِرُونَ 50- یقول- سبحانه- «لا تعرفونه فتؤمنون به «1».
وَ لَقَدْ آتَیْنا إِبْراهِیمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ یقول و لقد أعطینا إبراهیم هداه فی السرب و هو صغیر من قبل موسی و هارون وَ کُنَّا بِهِ عالِمِینَ 51- یقول اللّه- عز و جل- و کنا بإبراهیم عالمین بطاعته لنا إِذْ قالَ لِأَبِیهِ آزر: وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِیلُ الَّتِی أَنْتُمْ لَها عاکِفُونَ 52- تعبدونها «2» «قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِینَ» «3»- 53- قالَ لهم إبراهیم: لَقَدْ کُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 54- قالُوا أَ جِئْتَنا یإبراهیم بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِینَ 55- قالوا أجد هذا القول منک [15 أ] أم لعب یإبراهیم قالَ إبراهیم: بَلْ رَبُّکُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الَّذِی فَطَرَهُنَ یعنی الذی خلقهن وَ أَنَا عَلی ذلِکُمْ یعنی علی ما أقول لکم مِنَ الشَّاهِدِینَ 56- بأن ربکم الذی خلق السموات و الأرض وَ تَاللَّهِ یقول و اللّه، لَأَکِیدَنَّ أَصْنامَکُمْ بالسوء یعنی أنه یکسرها، و هی اثنان و سبعون صنما من ذهب و فضة و نحاس «و حدید» «4» و خشب بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِینَ 57- یعنی ذاهبین إلی عیدکم «و کان
______________________________
(1) «لا تعرفونه فتؤمنون به»: من ز، و فی أ: «لا یعرفونه فیؤمنون به».
(2) «تعبدونها» من ز، و فی أ: یقول التی أنتم لها عابدین، و علیها علامة تمریض.
(3) «قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِینَ»: من ز، و هی ساقطة من أ.
(4) «و حدید»: من ز، و لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 84
لهم» «1» عید فی کل سنة یوما واحدا «2» «و کانوا إذا خرجوا قربوا إلیها الطعام ثم یسجدون» «3» لها ثم یخرجون، ثم إذا جاءوا من عیدهم بدءوا بها فسجدوا لها ثم تفرقوا إلی منازلهم «4».
فسمع قول إبراهیم- صلی اللّه علیه و سلم- رجل منهم، حین قال:
«وَ تَاللَّهِ لَأَکِیدَنَّ أَصْنامَکُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِینَ» فلما خرجوا دخل إبراهیم علی الأصنام و الطعام بین أیدیها فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً یعنی قطعا، کقوله- سبحانه- «... عَطاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ» «5» یعنی غیر مقطوع، ثم استثنی إِلَّا کَبِیراً لَهُمْ یعنی أکبر الأصنام فلم یقطعه و هو من ذهب و لؤلؤ و عیناه یاقوتتان حمراوان تتوقدان فی الظلمة لهما بریق کبریق النار و هو فی مقدم البیت، فلما کسرهم وضع الفأس بین یدی الصنم الأکبر، ثم قال: لَعَلَّهُمْ إِلَیْهِ یَرْجِعُونَ 58- یقول إلی الصنم الأکبر یرجعون من عیدهم، فلما رجعوا من عیدهم دخلوا علی الأصنام فإذا هی «6» مجذوذة قالُوا یعنی نمروذ بن کنعان وحده، هو الذی قال:
مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِینَ 59- لنا حین انتهک هذا منا قال الرجل الذی کان یسمع قول إبراهیم- علیه السلام- حین قال:
«وَ تَاللَّهِ لَأَکِیدَنَّ أَصْنامَکُمْ ... «7» قالُوا سَمِعْنا فَتًی یَذْکُرُهُمْ بسوء، فذلک قوله
______________________________
(1) «و کان لهم» من ز، فی أ: و کل له.
(2) یوما واحدا: من ز، فی أ: یوم واحد.
(3) یسجدون: من ز، ل» فی أ: یسجدوا.
(4) ما بین الأقواس «...»: من أ، و لیس فی ز.
(5) سورة هود: 108.
(6) فی أ: هن، ز: هی.
(7) سورة الأنبیاء: 57.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 85
یعنی الرجل وحده قال سمعت فتی یذکرهم بسوء إضمار یُقالُ لَهُ إِبْراهِیمُ 60- قالُوا قال نمروذ الجبار «1»: فَأْتُوا بِهِ عَلی أَعْیُنِ النَّاسِ یعنی علی رءوس الناس لَعَلَّهُمْ یَشْهَدُونَ 61- علیه بفعله و یشهدون عقوبته فلما جاءوا به قالُوا قال نمروذ: أَ أَنْتَ فَعَلْتَ «هذا» «2» بِآلِهَتِنا یا إِبْراهِیمُ 62- یعنی أنت کسرتها: قالَ إبراهیم: بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هذا یعنی أعظم الأصنام الذی فی یده الفأس غضب حین سویتم بینه و بین الأصنام الصغار فقطعها فَسْئَلُوهُمْ إِنْ کانُوا یَنْطِقُونَ 63- یقول سلوا الأصنام المجذوذة من «3» قطعها؟ إن قدروا علی الکلام فَرَجَعُوا إِلی أَنْفُسِهِمْ [15 ب فلاموها فَقالُوا فقال بعضهم لبعض: إِنَّکُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ 64- لإبراهیم حین «4» تزعمون أنه قطعها و الفأس فی ید الصنم الأکبر، ثم قالوا بعد ذلک کیف یکسرها «و هو مثلها» «5»، فذلک قوله- سبحانه-: ثُمَّ نُکِسُوا عَلی رُؤُسِهِمْ یقول رجعوا عن قولهم الأول فقالوا لإبراهیم لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ یَنْطِقُونَ 65- فتخبرنا من کسرها.
حدثنا محمد، قال: حدثنا أبو القاسم، قال: الهذیل سمعت عبد القدوس- و لم أسمع مقاتلا- یحدث عن الحسن «ثُمَّ نُکِسُوا عَلی رُؤُسِهِمْ» یعنی علی الرؤساء و الأشراف.
______________________________
(1) الجبار: من ز، و لیس فی أ.
(2) «بهذا»: فی الأصل.
(3) فی الأصل: فی.
(4) حین: من ز، و لیست فی أ.
(5) من ز، و فی أ: و إنما هو مثلها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 86
قالَ لهم إبراهیم عند ذلک: أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة ما لا یَنْفَعُکُمْ شَیْئاً إن عبدتموهم وَ لا یَضُرُّکُمْ 66- إن لم تعبدوهم، ثم قال لهم إبراهیم: أُفٍّ لَکُمْ یعنی بقوله أف لکم، الکلام الردی‌ء «1» وَ لِما تَعْبُدُونَ من الأصنام مِنْ دُونِ اللَّهِ عز و جل- أَ فَلا یعنی أ فهلا تَعْقِلُونَ 67- أنها لیست بآلهة قالُوا حَرِّقُوهُ بالنار وَ انْصُرُوا آلِهَتَکُمْ یقول انتقموا منه إِنْ کُنْتُمْ فاعِلِینَ 68- ذلک به فألقوه فی النار، یعنی إبراهیم- صلی اللّه علیه و سلم- و یقول اللّه- عز و جل- قُلْنا یا نارُ کُونِی بَرْداً من الحر وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ 69- یقول و سلمیه من البرد و لو لم یقل «و سلاما» لأهلکه بردها وَ أَرادُوا بِهِ کَیْداً یعنی بإبراهیم حین خرج من النار، فلما نظر إلیه الناس بادروا لیخبروا نمروذ فجعل بعضهم یکلم بعضا فلا یفقهون کلامهم فبلبل اللّه ألسنتهم علی سبعین لغة، فمن ثم سمیت بابل، و حجزهم اللّه عنه «فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِینَ» «2»- 70- وَ نَجَّیْناهُ یعنی إبراهیم وَ لُوطاً من أرض کوثا و معهما سارة من شر نمروذ بن کنعان الجبار إِلَی الْأَرْضِ الَّتِی بارَکْنا فِیها لِلْعالَمِینَ 71- یعنی الناس إلی الأرض المقدسة و برکتها الماء و الشجر و النبت وَ وَهَبْنا لَهُ یعنی لإبراهیم إِسْحاقَ ثم قال: وَ یَعْقُوبَ نافِلَةً یعنی فضلا علی مسألته فی إسحاق وَ کُلًّا جَعَلْنا یعنی إبراهیم و إسحاق و یعقوب جعلناهم صالِحِینَ 72- وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا یقول جعلناهم قادة للخیر یدعون الناس إلی أمر اللّه- عز و جل- وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْراتِ یعنی الأعمال الصالحة
______________________________
(1) فی أ: الردی‌ء، ز: القبیح.
(2) ما بین القوسین «...» ساقط من النسخ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 87
وَ إِقامَ الصَّلاةِ [16 أ] وَ إِیتاءَ الزَّکاةِ وَ کانُوا لَنا عابِدِینَ 73- یعنی موحدین وَ لُوطاً آتَیْناهُ یعنی أعطیناه حُکْماً یعنی الفهم و العقلی وَ عِلْماً وَ نَجَّیْناهُ مِنَ الْقَرْیَةِ یعنی سدوم الَّتِی کانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ یعنی السیئ» «1» من العمل إتیان الرجال فی أدبارهم فأنجی اللّه لوطا و أهله، و عذب القریة» «2» بالخسف و الحصب إِنَّهُمْ کانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِینَ 74- وَ أَدْخَلْناهُ فِی رَحْمَتِنا یعنی نعمتنا و هی النبوة کقوله- عز و جل- «إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَیْهِ ...» «3» بالنبوة إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِینَ 75- وَ نُوحاً إِذْ نادی مِنْ قَبْلُ إبراهیم و لوطا و إسحاق و کان نداؤه حین قال:
«... أَنِّی مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» «4» فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه فَنَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْکَرْبِ الْعَظِیمِ 76- یعنی الهول الشدید یعنی الغرق وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ فی قراءة أبی بن کعب «و نصرناه علی القوم» الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی کذبوا بنزول العذاب علیهم فی الدنیا و کان نصره هلاک قومه إِنَّهُمْ کانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِینَ 77- لم ننج منهم أحدا وَ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ إِذْ یَحْکُمانِ فِی الْحَرْثِ یعنی الکرم إِذْ نَفَشَتْ فِیهِ غَنَمُ الْقَوْمِ یعنی النفش باللیل و السرح بالنهار» «5» وَ کُنَّا لِحُکْمِهِمْ شاهِدِینَ 78- یعنی داود و سلیمان- صلی اللّه علیهما- و صاحب الغنم و صاحب
______________________________
(1) فی أ: السیئات، ز: السی‌ء.
(2) فی أ، ل: و عذبناها.
(3) سورة الزخرف: 59.
(4) سورة القمر: 10، و تمامها: «فَدَعا رَبَّهُ أَنِّی مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ».
(5) من أو فی ز: یعنی تنفش باللیل و تسرح بالنهار.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 88
الکرم، و ذلک أن راعیا جمع غنمه باللیل إلی جانب کرم رجل فدخلت الغنم الکرم فأکلته و صاحبها لا یشعر بها فلما أصبحوا أتوا داود النبی- علیه السلام- فقصوا علیه أمرهم، فنظر داود ثمن الحرث، فإذا هو قریب من ثمن الغنم، فقضی بالغنم لصاحب الحرث فمروا بسلیمان فقال: کیف قضی لکم نبی اللّه؟
فأخبراه، فقال سلیمان: نعم ما قضی نبی اللّه و غیره أرفق للفریقین فدخل رب الغنم علی داود» «1» فأخبره بقول سلیمان فأرسل داود إلی سلیمان فأتاه فعزم علیه بحقه بحق النبوة، لما أخبرتنی فقال عدل الملک، و غیره أرفق فقال داود: و ما هو؟
قال سلیمان: تدفع الغنم إلی صاحب الحرث، فله أولادها و أصوافها و ألبانها و سمنها، و علی رب الغنم أن یزرع لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا بلغ و کان مثله یوم أفسده دفع إلیه حرثه و قبض غنمه» «2»، قال: داود نعم ما قضیت» «3» فأجاز قضاءه» «4»، و کان هذا ببیت المقدس، یقول اللّه- عز و جل- فَفَهَّمْناها سُلَیْمانَ یعنی القضیة لیس یعنی به الحکم و لو کان الحکم لقال ففهمناه وَ کُلًّا یعنی داود و سلیمان آتَیْنا یعنی أعطینا حُکْماً وَ عِلْماً [16 ب یعنی الفهم و العلم فصوب قضاء سلیمان و لم یعنف داود وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ یُسَبِّحْنَ یعنی یذکرن اللّه- عز و جل- کلما ذکر داود ربه- عز و جل- ذکرت الجبال ربها معه وَ سخرنا له الطَّیْرَ وَ کُنَّا فاعِلِینَ 79- ذلک بداود وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَکُمْ یعنی الدروع من حدید و کان داود أول من
______________________________
(1) فی أ، دود، ز، ل: داود.
(2) فی ز: أفسده، دفع إلیه غنمه.
(3) فی أ: نعما قضیت، ل، ز: نعم ما قضیت.
(4) من ل، ز، و فی أ: و أدار قضاءه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 89
اتخذها لِتُحْصِنَکُمْ مِنْ بَأْسِکُمْ یعنی من حربکم من القتل و الجراحات فَهَلْ أَنْتُمْ شاکِرُونَ 80- لربکم فی نعمه فتوحدونه استفهام. قال الفراء: یعنی فهل أنتم شاکرون؟ معنی الأمر أی اشکروا، و مثله «... فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» «1» أی انتهوا وَ سخرنا لِسُلَیْمانَ الرِّیحَ عاصِفَةً یعنی شدیدة تَجْرِی بِأَمْرِهِ إِلی الْأَرْضِ الَّتِی بارَکْنا فِیها یعنی الأرض المقدسة یعنی بالبرکة الماء و الشجر وَ کُنَّا بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ مما أعطیناهما عالِمِینَ 81- وَ مِنَ الشَّیاطِینِ مَنْ یَغُوصُونَ لَهُ لسلیمان فی البحر فیخرجون له اللؤلؤ، و هو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر وَ یَعْمَلُونَ له عَمَلًا دُونَ ذلِکَ یعنی غیر الغیاصة من تماثیل و محاریب و جفان کالجراب و قدور راسیات وَ کُنَّا لَهُمْ یعنی الشیاطین حافِظِینَ 82- علی سلیمان لئلا یتفرقوا عنه.
وَ أَیُّوبَ إِذْ نادی رَبَّهُ یعنی دعا ربه- عز و جل- أَنِّی مَسَّنِیَ الضُّرُّ یعنی أصابنی البلاء وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ 83- فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه فَکَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَیْناهُ أَهْلَهُ فأحیاهم اللّه- عز و جل- وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ و کانت امرأة أیوب ولدت قبل البلاء سبع بنین و ثلاث بنات فأحیاهم اللّه- عز و جل- و مثلهم معهم رَحْمَةً یقول نعمة مِنْ عِنْدِنا وَ ذِکْری لِلْعابِدِینَ 84- یقول و تفکرا للموحدین فأعطاه اللّه- عز و جل- مثل کل شی‌ء ذهب له یعنی أیوب، و کان أیوب من أعبد الناس فجهد إبلیس لیزیله عن عبادة ربه- عز و جل- فلم یستطع.
______________________________
(1) سورة المائدة الآیة 91 و تمامها: «إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِی الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ وَ یَصُدَّکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 90
وَ إِسْماعِیلَ وَ إِدْرِیسَ وَ ذَا الْکِفْلِ کُلٌّ مِنَ الصَّابِرِینَ 85- وَ أَدْخَلْناهُمْ فِی رَحْمَتِنا یعنی فی نعمتنا و هی النبوة إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِینَ 86- یعنی من المؤمنین.
وَ ذَا النُّونِ یعنی یونس بن متی- علیه السلام- إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً یعنی مراغما لقومه، لحزقیل بن أجار» «1» و من معه من بنی إسرائیل ففارقهم من غیر أن یؤمنوا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ فحسب یونس أن لن نعاقبه بما صنع فَنادی یقول فدعا ربه فِی الظُّلُماتِ یعنی ظلمات ثلاث ظلمة اللیل، و ظلمة البحر، و ظلمة بطن الحوت، فنادی: أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ [17 أ] یوحد ربه- عز و جل- سُبْحانَکَ نزه- تعالی- أن یکون ظلمه» «2»، ثم أقر علی نفسه بالظلم، فقال: إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظَّالِمِینَ 87- یقول یونس- علیه السلام-: إنی ظلمت نفسی فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه وَ نَجَّیْناهُ مِنَ الْغَمِ یعنی من بطن الحوت وَ کَذلِکَ نُنْجِی الْمُؤْمِنِینَ 88-.
قال أبو محمد» «3»: قال أبو العباس ثعلب: قال الفراء: «أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ» و نقدر علیه، لمعنی واحد، و هو من قوله قدرت الشی‌ء، لا قدرت» «4»، معناه من التقدیر لا من القدر، و مثله فی سورة الفجر «... فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ ...» «5» من التقدیر
______________________________
(1) فی أ: لحزقیا بن أجان، ز: لحزقیل بن أجار.
(2) فی أ: یظلمه، ز: ظلمه.
(3) «قال أبو محمد ...» و ما بعدها لیس فی ل، و لا فی ز، و هو من أوحدها.
(4) کذا فی أ.
(5) سورة الفجر: 16.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 91
و التقدیر لا من القدرة،
بلغنا أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قال: مکث یونس- علیه السلام- فی بطن الحوت ثلاثة أیام. و عن کعب قال: أربعین یوما» «1».
وَ زَکَرِیَّا إِذْ نادی رَبَّهُ یعنی دعا ربه فی آل عمران» «2»، و فی مریم» «3» قال:
رَبِّ لا تَذَرْنِی فَرْداً یعنی وحیدا وهب لی ولیا یرثنی وَ أَنْتَ خَیْرُ الْوارِثِینَ 89- یعنی أنت خیر من یرث العباد فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه وَ وَهَبْنا لَهُ یَحْیی وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ یعنی امرأته فحاضت و کانت لا تحیض من الکبر إِنَّهُمْ کانُوا یُسارِعُونَ فِی الْخَیْراتِ یعنی أعمال الصالحات، یعنی زکریا و امرأته وَ یَدْعُونَنا رَغَباً فی ثواب اللّه- عز و جل- وَ رَهَباً من عذاب اللّه- عز و جل وَ کانُوا لَنا خاشِعِینَ 90- یعنی للّه- سبحانه- متواضعین.
وَ الَّتِی أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الفواحش، لأنها قذفت و هی مریم «بنة» «4» عمران أم عیسی- صلی اللّه علیهما- فَنَفَخْنا فِیها مِنْ رُوحِنا نفخ جبریل- علیه السلام- فی جیبها فحملت من نفخة جبریل بعیسی- صلی اللّه علیهم- وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها عیسی- صلی اللّه علیه- آیَةً لِلْعالَمِینَ 91- یعنی عبرة لبنی إسرائیل، فکانا آیة إذ حملت مریم- علیها السلام- من غیر بشر، و ولدت عیسی من غیر أب- صلی اللّه علیه-.
______________________________
(1) من ز، و فی أ، ل: و یقال أربعین یوما عن کعب. أ. ه.
و ما یروی عن کعب من الإسرائیلیات التی لا یجوز النظر إلیها خصوصا إذا و رد عن المعصوم (ص) ما یخالفه.
(2) سورة آل عمران: 38 و تمامها هُنالِکَ دَعا زَکَرِیَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً إِنَّکَ سَمِیعُ الدُّعاءِ.
(3) سورة مریم: 2- 6، و تمامها ذِکْرُ رَحْمَتِ رَبِّکَ عَبْدَهُ زَکَرِیَّا، إِذْ نادی رَبَّهُ نِداءً خَفِیًّا، قالَ رَبِّ إِنِّی وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّی وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَیْباً وَ لَمْ أَکُنْ بِدُعائِکَ رَبِّ شَقِیًّا، وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی وَ کانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا، یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا». تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 159
(4) «ابنت»: فی الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 92
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُکُمْ أُمَّةً واحِدَةً یقول إن هذه ملتکم التی أنتم علیها، یعنی شریعة الإسلام هی ملة واحدة کانت علیها الأنبیاء و المؤمنون الذین نجوا من عذاب اللّه- عز و جل- وَ أَنَا رَبُّکُمْ فَاعْبُدُونِ 92- یعنی فوحدون وَ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ فرقوا دینهم الإسلام الذی أمروا به فیما» «1» بینهم فصاروا زبرا یعنی فرقا «کُلٌّ» «2»: کل أهل تلک الأدیان إِلَیْنا راجِعُونَ 93- فی الآخرة فَمَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ یقول و هو مصدق بتوحید اللّه- عز و جل- فَلا کُفْرانَ لِسَعْیِهِ یعنی لعمله یقول یشکر اللّه- عز و جل- عمله وَ إِنَّا لَهُ [17 ب کاتِبُونَ 94- یکتب له سعیه الحفظة من الملائکة وَ حَرامٌ عَلی قَرْیَةٍ فیما خلا أَهْلَکْناها بالعذاب فی الدنیا أَنَّهُمْ لا یَرْجِعُونَ 95- یخوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة فی الدنیا حَتَّی إِذا فُتِحَتْ یعنی أرسلت یَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ و هما أخوان لأب و أم و هما من نسل یافث بن نوح وَ هُمْ مِنْ کُلِّ حَدَبٍ یَنْسِلُونَ 96- یقول من کل مکان یخرجون من کل جبل و أرض و بلد، و خروجهم عند اقتراب الساعة، فذلک قوله- عز و جل-: وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ یعنی وعد البعث أنه حق کائن فَإِذا هِیَ شاخِصَةٌ یعنی فاتحة أَبْصارُ الَّذِینَ کَفَرُوا بالبعث لا یطرفون مما یرون من العجائب، یعنی التی کانوا یکفرون بها فی الدنیا قالوا: یا وَیْلَنا قَدْ کُنَّا فِی غَفْلَةٍ مِنْ هذا الیوم، ثم ذکر قول الرسل لهم فی الدنیا أن البعث کائن،
______________________________
(1) فی أ: فیها، و فی حاشیة أ: فیما، و فی ز: فیما.
(2) فی أ، ز، ل «کل».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 93
فقالوا: بَلْ کُنَّا ظالِمِینَ 97- أخبرنا بهذا الیوم فکذبنا به إِنَّکُمْ یعنی کفار مکة وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ یعنی رمیا فی جهنم ترمون فیها أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ 98- یعنی داخلون لَوْ کانَ هؤُلاءِ الأوثان آلِهَةً ما وَرَدُوها یعنی ما دخلوها یعنی جهنم لامتنعت من دخولها وَ کُلٌ یعنی الأوثان و من یعبدها فِیها یعنی فی جهنم خالِدُونَ 99- نزلت فی بنی سهم منهم العاص بن وائل و الحارث و عدی ابنی قیس و عبد اللّه بن الزبعری بن قیس، و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- دخل المسجد الحرام و نفر من بنی سهم جلوس فی الحطیم، و حول الکعبة ثلاثمائة و ستون صنما، فأشار بیده إلیهم فقال: «إِنَّکُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» یعنی الأصنام «حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ...» إلی آیتین» «1» ثم خرج فدخل ابن الزبعری، و هم یخوضون فیما ذکر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لهم و لآلهتهم، فقال: ما هذا الذی تخوضون؟ فذکروا له قول النبی- صلی اللّه علیه و سلم-. فقال ابن الزبعری: و اللّه، لئن قالها بین یدی لأخصمنه. فدخل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من ساعته، فقال ابن الزبعری: أ هی لنا و لآلهتنا خاصة أم لنا و لآلهتنا و لجمیع الأمم و لآلهتهم؟ فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لکم و لآلهتکم و لجمیع الأمم و لآلهتهم. قال: خصمتک» «2» و رب الکعبة، الست تزعم أن عیسی نبی و تثنی علیه و علی أمه خیرا، و قد علمت أن النصاری یعبدونها، و عزیر یعبد و الملائکة تعبد، فإن کان هؤلاء معنا قد رضینا أنهم
______________________________
(1) سورة الأنبیاء: 98- 99.
(2) فی ل: خصمتک، أ أخصمتک. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 94
معنا، فسکت النبی- صلی اللّه علیه و سلم» «1»
- ثم قال- سبحانه» «2»-: لَهُمْ فِیها زَفِیرٌ یعنی آخر نهیق الحمار وَ هُمْ فِیها لا یَسْمَعُونَ 100- الصوت، و ذلک حین یقال لأهل النار اخسئوا فیها و لا تکلمون، فصاروا بکما و عمیا و صما.
ثم استثنی ممن کان یعبد أنهم» «3» لا یدخلون جهنم [18 أ] فقال- سبحانه-:
إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی الجنة أُولئِکَ عَنْها یعنی جهنم مُبْعَدُونَ 101- یعنی عیسی و عزیرا و مریم و الملائکة- علیهم السلام- لا یَسْمَعُونَ حَسِیسَها یقول لا یسمع أهل الجنة صوت جهنم حین یقال لهم اخسئوا فیها، و لا تکلموا فتغلق علیهم أبوابها فلا تفتح عنهم أبدا و لا یسمع أحد صوتها وَ هُمْ یعنی هؤلاء فِی مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ 102- یعنی لا یموتون فلما سمع بنو سهم بما استثنی اللّه- عز و جل- ممن یعبد من الآلهة، عزیر و عیسی و مریم و الملائکة، قالوا للنبی» «4»- صلی اللّه علیه و سلم- هلا استثنیت هؤلاء حین سألناک، فلما خلوت تفکرت» «5».
______________________________
(1) فی ز: روایة مختصرة فی الهامش نصها:
«فقال عبد اللّه بن الزبعری یا رسول اللّه النصاری قد عبدوا عیسی، و الیهود قد عبدوا العزیر. فقال له النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: ما أجهلک بلغة قومک.
أراد أن ما، لما لا یعقل، و من لمن یعقل، ثم أسلم و کان من الشعراء الرسول».
(2) فی أ، ل: ثم قال- سبحانه-: «إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی ...» أی أن فیهما تفسیر الآیة 101 بعد 99، و قد عدلت التفسیر حسب ترتیب الآیات.
(3) فی أ: أنهم، ل: أنه، و هذا الکلام فی أ، ل، بعد تفسیر 99 فترک 100 ثم فسرها بعد 101.
(4) فی ل: عزیرا و عیسی و مریم، بالنصب.
و فی أ: عزیز و مریم و عیسی.
و فی ز: فلما سمعت بنو سهم من استثنی اللّه ممن یعبد قالوا للنبی.
(5) فی ز: فلما خصمت خلوت فذکرت. أ ه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 95
قوله- سبحانه-: لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَکْبَرُ حدثنا أبو محمد، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل، عن مقاتل، عن نعمان» «1»، عن سلیم، عن ابن عباس، أنه قال علی منبر البصرة: ما تقولون فی تفسیر هذه الآیة «لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَکْبَرُ»؟ ثلاث مرات فلم یجبه أحد. فقال: تفسیر هذه الآیة أن اللّه- عز و جل- إذا أدخل أهل الجنة، و رأوا ما فیها من النعیم ذکروا الموت فیخافون أن یکون آخر ذلک الموت فیحزنهم ذلک، و أهل النار إذا دخلوا النار و رأوا ما فیها من العذاب یرجون أن یکون آخر ذلک الموت، فأراد اللّه- عز و جل- أن یقطع حزن أهل الجنة و یقطع رجاء أهل النار، فیبعث اللّه- عز و جل- ملکا و هو جبریل- علیه السلام- و معه الموت فی صورة کبش أملح فیشرف به علی أهل الجنة، فینادی: یا أهل الجنة. فیسمع أعلاها درجة و أسفلها درجة، و الجنة درجات، فیجیبه أهل الجنة، فیقول: هل تعرفون هذا؟
فیقولون: نعم، هذا الموت. قال، ثم ینصرف به إلی النار فیشرف به علیهم فینادی أهل النار، فیسمع أعلاها درکا و أسفلها درکا، و النار درکات، فیجیبونه، فیقول: هل تعرفون هذا؟ فیقولون: نعم، هذا الموت، قال: ثم یرده إلی مکان مرتفع بین الجنة و النار حیث ینظر إلیه أهل الجنة و أهل النار فیقول: الملک إنا ذابحوه. فیقول أهل الجنة بأجمعهم: نعم لکی یأمنوا الموت، و یقول [18 ب أهل النار بأجمعهم لا، لکی یذوقوا الموت، قال فیعمد الملک إلی الکبش الأملح و هو الموت فیذبحه و أهل الجنة و أهل النار ینظرون إلیه، فینادی الملک: یا أهل الجنة خلود لا موت فیه» «2» فیأمنون الموت. فذلک قوله- تعالی- «لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَکْبَرُ»
______________________________
(1) فی أ: النغمن، ل نعمان.
(2) فی ل: فیه، أ: فیها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 96
ثم ینادی الملک: یا أهل النار خلود لا موت فیه. قال ابن عباس:
فلو لا ما قضی اللّه- عز و جل- علی أهل الجنة من الخلود فی الجنة، لماتوا من فرحتهم تلک، و لو لا ما قضی اللّه- عز و جل- علی أهل النار من تعمیر» «1» الأرواح فی الأبدان لماتوا حزنا. فذلک قوله- عز و جل-: «وَ أَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِیَ الْأَمْرُ ...» «2» یعنی إذ وجب لهم العذاب یعنی ذبح الموت فاستیقنوا الخلود فی النار و الحسرة و الندامة، فذلک قول اللّه- عز و جل- للمؤمنین «لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَکْبَرُ» یعنی الموت بعد ما دخلوا الجنة وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ یعنی الحفظة الذین کتبوا أعمال بنی آدم، حین خرجوا من قبورهم قالوا للمؤمنین: هذا یَوْمُکُمُ الَّذِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ 103- فیه الجنة، ثم قال: یَوْمَ نَطْوِی السَّماءَ کَطَیِّ السِّجِلِّ لِلْکُتُبِ یعنی کطی الصحیفة فیها الکتاب، ثم قال- سبحانه-: کَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ و ذلک أن کفار مکة أقسموا باللّه جهد أیمانهم فی سورة النحل «... لا یَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ یَمُوتُ ...» «3» فأکذبهم اللّه- عز و جل- فقال- سبحانه- بَلی وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا: «کَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ» یقول هکذا نعید خلقهم فی الآخرة کما خلقناهم فی الدنیا وَعْداً عَلَیْنا إِنَّا کُنَّا فاعِلِینَ 104- وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ یعنی التوراة و الإنجیل و الزبور مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ یعنی اللوح المحفوظ أَنَّ الْأَرْضَ للّه «یَرِثُها» «4» عِبادِیَ الصَّالِحُونَ 105- یعنی المؤمنون إِنَّ فِی هذا
______________________________
(1) کذا فی أ، ل: أی تظل معمرة و خالدة فی أجسادهم.
(2) سورة مریم: 39.
(3) سورة النحل: 38.
(4) فی حاشیة أ: فی الأصل «یورثها».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 97
القرآن لَبَلاغاً إلی الجنة لِقَوْمٍ عابِدِینَ 106- یعنی موحدین وَ ما أَرْسَلْناکَ یا محمد إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ 107- یعنی الجن و الإنس فمن تبع محمدا ... صلی اللّه علیه و سلم- علی دینه فهو له رحمة کقوله- سبحانه-: لعیسی بن مریم- صلی اللّه علیه- «... وَ رَحْمَةً مِنَّا» «1» ...» لمن تبعه علی دینه» «2» و من لم یتبعه علی دینه صرف عنهم البلاء ما کان بین أظهرهم.
فذلک قوله- سبحانه-: «وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ ...» «3» کقوله لعیسی بن مریم- صلی اللّه علیه- «وَ رَحْمَةً مِنَّا» لمن تبعه علی دینه.
قال أبو جهل- لعنه اللّه- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: اعمل أنت لإلهک یا محمد و نحن لآلهتنا. قُلْ إِنَّما یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ یقول إنما ربکم رب واحد فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 108- یعنی مخلصون فَإِنْ تَوَلَّوْا یقول فإن أعرضوا عن الإیمان فَقُلْ لکفار مکة:
آذَنْتُکُمْ عَلی سَواءٍ یقول نادیناکم علی أمرین وَ قل لهم: إِنْ أَدْرِی یعنی ما أدری أَ قَرِیبٌ أَمْ بَعِیدٌ ما تُوعَدُونَ 109- بنزول العذاب بکم فی الدنیا، و قل لهم: إِنَّهُ یَعْلَمُ الْجَهْرَ یعنی العلانیة مِنَ الْقَوْلِ وَ یَعْلَمُ ما تَکْتُمُونَ 110- یعنی ما تسرون من تکذیبهم بالعذاب، فأما الجهر فإن کفار مکة حین أخبرهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم بالعذاب کانوا یقولون:
______________________________
(1) سورة مریم: 21.
(2) فی أ زیادة: و من لم یتبعه علی دینه صرف عنهم البلاء ما کان بین أظهرهم، فذلک قول اللّه- سبحانه- «وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ» کقوله لعیسی بن مریم صلی اللّه علیه «... وَ رَحْمَةً مِنَّا ...» لمن تبعه علی دینه. و لیست هذه الزیادة فی ل. و المرجح لدی أنها سقطت سهوا منه بسبب سبق النظر.
(3) الأنفال: 33.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 98
«مَتی هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ» «1» ...»- و الکتمان أنهم قالوا إن العذاب لیس بکائن وَ قل لهم: یا محمد، إِنْ أَدْرِی یقول ما أدری لَعَلَّهُ یعنی فلعل تأخیر العذاب عنکم فی الدنیا یعنی القتل ببدر فِتْنَةٌ لَکُمْ نظیرها فی سورة الجن» «2» فیقولون لو کان حقا لنزل بنا العذاب وَ مَتاعٌ إِلی حِینٍ 111- یعنی و بلاغا إلی آجالکم، ثم ینزل بکم العذاب ببدر قالَ رَبِّ احْکُمْ بِالْحَقِ یعنی اقض بالعدل بیننا و بین کفار مکة فقضی اللّه لهم القتل ببدر وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ 112- فأمر اللّه- عز و جل- النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن یستعین به- عز و جل- علی ما یقولون من تکذیبهم بالبعث و العذاب.
قال الهذیل: قال الشماخ فی الجاهلیة:
النبع منبته بالصخر ضاحیة و النخل ینبت بین الماء و العجل یعنی الطین» «3».
قال: و حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنا أبی، قال: حدثنا أبو رزق فی قوله- عز و جل- «وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْراتِ» قال التطوع و لم أسمع الهذیل» «4».
______________________________
(1) سورة سبا: 29، سورة یس: 48.
(2) سورة الجن: 10.
(3) فی أ: یعنی العجل الطین، و فی ل، ز: یعنی الطین.
(4) من ل، و فی أ: و لم أسمع مقاتلا. و فی ز: و لم أسمع مقاتلا ثم شطب فوقها و کتب هذیلا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 99

سورة الحج‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 101

[سورة الحج (22): الآیات 1 الی 78]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
یا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَیْ‌ءٌ عَظِیمٌ (1) یَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ کُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَی النَّاسَ سُکاری وَ ما هُمْ بِسُکاری وَ لکِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِیدٌ (2) وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُجادِلُ فِی اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَ یَتَّبِعُ کُلَّ شَیْطانٍ مَرِیدٍ (3) کُتِبَ عَلَیْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ یُضِلُّهُ وَ یَهْدِیهِ إِلی عَذابِ السَّعِیرِ (4)
یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناکُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَیْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَیِّنَ لَکُمْ وَ نُقِرُّ فِی الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی ثُمَّ نُخْرِجُکُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ وَ مِنْکُمْ مَنْ یُتَوَفَّی وَ مِنْکُمْ مَنْ یُرَدُّ إِلی أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِکَیْلا یَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَیْئاً وَ تَرَی الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَیْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ (5) ذلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ یُحْیِ الْمَوْتی وَ أَنَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (6) وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیها وَ أَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُورِ (7) وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُجادِلُ فِی اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدیً وَ لا کِتابٍ مُنِیرٍ (8) ثانِیَ عِطْفِهِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ لَهُ فِی الدُّنْیا خِزْیٌ وَ نُذِیقُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَذابَ الْحَرِیقِ (9)
ذلِکَ بِما قَدَّمَتْ یَداکَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِیدِ (10) وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللَّهَ عَلی حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَیْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلی وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْیا وَ الْآخِرَةَ ذلِکَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِینُ (11) یَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَضُرُّهُ وَ ما لا یَنْفَعُهُ ذلِکَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِیدُ (12) یَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلی وَ لَبِئْسَ الْعَشِیرُ (13) إِنَّ اللَّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یُرِیدُ (14)
مَنْ کانَ یَظُنُّ أَنْ لَنْ یَنْصُرَهُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ فَلْیَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَی السَّماءِ ثُمَّ لْیَقْطَعْ فَلْیَنْظُرْ هَلْ یُذْهِبَنَّ کَیْدُهُ ما یَغِیظُ (15) وَ کَذلِکَ أَنْزَلْناهُ آیاتٍ بَیِّناتٍ وَ أَنَّ اللَّهَ یَهْدِی مَنْ یُرِیدُ (16) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ الَّذِینَ هادُوا وَ الصَّابِئِینَ وَ النَّصاری وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا إِنَّ اللَّهَ یَفْصِلُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ شَهِیدٌ (17) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ وَ کَثِیرٌ حَقَّ عَلَیْهِ الْعَذابُ وَ مَنْ یُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُکْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یَشاءُ (18) هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ فَالَّذِینَ کَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِیابٌ مِنْ نارٍ یُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِیمُ (19)
یُصْهَرُ بِهِ ما فِی بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ (20) وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِیدٍ (21) کُلَّما أَرادُوا أَنْ یَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِیدُوا فِیها وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِیقِ (22) إِنَّ اللَّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِیها حَرِیرٌ (23) وَ هُدُوا إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلی صِراطِ الْحَمِیدِ (24)
إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِی جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاکِفُ فِیهِ وَ الْبادِ وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ (25) وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِیمَ مَکانَ الْبَیْتِ أَنْ لا تُشْرِکْ بِی شَیْئاً وَ طَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَ الْقائِمِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ (26) وَ أَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجالاً وَ عَلی کُلِّ ضامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ (27) لِیَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ یَذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِی أَیَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلی ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعامِ فَکُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِیرَ (28) ثُمَّ لْیَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْیُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ (29)
ذلِکَ وَ مَنْ یُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ أُحِلَّتْ لَکُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما یُتْلی عَلَیْکُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ وَ مَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَکَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّیْرُ أَوْ تَهْوِی بِهِ الرِّیحُ فِی مَکانٍ سَحِیقٍ (31) ذلِکَ وَ مَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَی الْقُلُوبِ (32) لَکُمْ فِیها مَنافِعُ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی ثُمَّ مَحِلُّها إِلَی الْبَیْتِ الْعَتِیقِ (33) وَ لِکُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَکاً لِیَذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلی ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِینَ (34)
الَّذِینَ إِذا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ الصَّابِرِینَ عَلی ما أَصابَهُمْ وَ الْمُقِیمِی الصَّلاةِ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ (35) وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَکُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَکُمْ فِیها خَیْرٌ فَاذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَیْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَکُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ کَذلِکَ سَخَّرْناها لَکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (36) لَنْ یَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لکِنْ یَنالُهُ التَّقْوی مِنْکُمْ کَذلِکَ سَخَّرَها لَکُمْ لِتُکَبِّرُوا اللَّهَ عَلی ما هَداکُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِینَ (37) إِنَّ اللَّهَ یُدافِعُ عَنِ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ کُلَّ خَوَّانٍ کَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلی نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ (39)
الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ یَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِیَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ یُذْکَرُ فِیهَا اسْمُ اللَّهِ کَثِیراً وَ لَیَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ (40) الَّذِینَ إِنْ مَکَّنَّاهُمْ فِی الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْکَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَ إِنْ یُکَذِّبُوکَ فَقَدْ کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ (42) وَ قَوْمُ إِبْراهِیمَ وَ قَوْمُ لُوطٍ (43) وَ أَصْحابُ مَدْیَنَ وَ کُذِّبَ مُوسی فَأَمْلَیْتُ لِلْکافِرِینَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَکَیْفَ کانَ نَکِیرِ (44)
فَکَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها وَ هِیَ ظالِمَةٌ فَهِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِیدٍ (45) أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَتَکُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ یَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَی الْأَبْصارُ وَ لکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ (46) وَ یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ یُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَ کَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَةٍ أَمْلَیْتُ لَها وَ هِیَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَ إِلَیَّ الْمَصِیرُ (48) قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَکُمْ نَذِیرٌ مُبِینٌ (49)
فَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ (50) وَ الَّذِینَ سَعَوْا فِی آیاتِنا مُعاجِزِینَ أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَحِیمِ (51) وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللَّهُ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللَّهُ آیاتِهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (52) لِیَجْعَلَ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَفِی شِقاقٍ بَعِیدٍ (53) وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَیُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِینَ آمَنُوا إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (54)
وَ لا یَزالُ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی مِرْیَةٍ مِنْهُ حَتَّی تَأْتِیَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ یَأْتِیَهُمْ عَذابُ یَوْمٍ عَقِیمٍ (55) الْمُلْکُ یَوْمَئِذٍ لِلَّهِ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ (56) وَ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا فَأُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ (57) وَ الَّذِینَ هاجَرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَیَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ (58) لَیُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً یَرْضَوْنَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَلِیمٌ حَلِیمٌ (59)
ذلِکَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیْهِ لَیَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ (61) ذلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ (62) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرٌ (63) لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ (64)
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ وَ الْفُلْکَ تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ یُمْسِکُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ (65) وَ هُوَ الَّذِی أَحْیاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَکَفُورٌ (66) لِکُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَکاً هُمْ ناسِکُوهُ فَلا یُنازِعُنَّکَ فِی الْأَمْرِ وَ ادْعُ إِلی رَبِّکَ إِنَّکَ لَعَلی هُدیً مُسْتَقِیمٍ (67) وَ إِنْ جادَلُوکَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ یَحْکُمُ بَیْنَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ ذلِکَ فِی کِتابٍ إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ (70) وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ ما لَیْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ ما لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ (71) وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ تَعْرِفُ فِی وُجُوهِ الَّذِینَ کَفَرُوا الْمُنْکَرَ یَکادُونَ یَسْطُونَ بِالَّذِینَ یَتْلُونَ عَلَیْهِمْ آیاتِنا قُلْ أَ فَأُنَبِّئُکُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِکُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ (72) یا أَیُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ یَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ یَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَیْئاً لا یَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ (73) ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ (74)
اللَّهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِکَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ (75) یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ إِلَی اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّکُمْ وَ افْعَلُوا الْخَیْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَ جاهِدُوا فِی اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباکُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ هُوَ سَمَّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَ فِی هذا لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهِیداً عَلَیْکُمْ وَ تَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النَّاسِ فَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاکُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلی وَ نِعْمَ النَّصِیرُ (78)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 111
سورة الحج «1» مکیة، إلا عشر آیات فإنها نزلت بالمدینة، من قوله: «یا أَیُّهَا ...» إلی قوله- تعالی-: «» «2» ... شَدِیدٌ» نزلت فی غزوة بنی المصطلق بالمدینة.
و إلا قوله- تعالی-: «سَواءً الْعاکِفُ فِیهِ ...» «3» الآیة، نزلت فی عبد اللّه بن أنس بن خطل.
و قوله- تعالی-: «وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ ...» «4» الآیة نزلت فی أهل التوراة.
و قوله- تعالی-: «وَ الَّذِینَ هاجَرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا ...» الآیتین» «5».
______________________________
(1) المقصود الإجمالی لسورة الحج.
من مقاصد السورة الوصیة بالتقوی، و الطاعة، و بیان هول الساعة، و زلزلة القیامة، و إثبات الحشر و النشر و جدال أهل الباطل مع أهل الحق، و الشکابة من أهل النفاق و عیب الأوثان و عبادتها، و ذکر نصرة الرسول- صلی اللّه علیه و سلم-، و إقامة البرهان و الحجة، و خصومة المؤمن و الکافر فی دین التوحید، و أذان إبراهیم بالحج، و تعظیم الحرمات و الشعائر، و المنة علی العباد یدفع فساد أهل الفساد، و حدیث البئر المعطلة و ذکر نسیان رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- و سهوه حال تلاوة القرآن، و أنواع الحجة علی إثبات القیامة و عجز الأصنام و عبادها و اختبار الرسول من الملائکة و الإنس و أمر المؤمنین بأنواع العبادة و الإحسان، و المنة علیهم باسم المسلمین، و الاعتصام بحفظ اللّه و حیاطته فی قوله: «وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاکُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلی وَ نِعْمَ النَّصِیرُ» سورة الحج: 78.
(2) سورة الحج: 1- 2.
(3) سورة الحج: 25.
(4) سورة الحج: 54.
(5) الآیتین بالجر معناه إلی آخر الآیتین و هما 58، 59 من سورة الحج.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 112
و قوله- تعالی-: «أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ ...» إلی قوله:
«... لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ» «1».
و قوله: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللَّهَ عَلی حَرْفٍ ...» «2» الآیة.
______________________________
(1) من سورة الحج: 39- 40.
(2) سورة الحج: 11.
و فی المصحف المتداول. (22) سورة الحج مدنیة، إلا الآیات 52، 53، 54، 55، فبین مکة و المدینة. و آیاتها 78 نزلت بعد سورة النور.
و فی کتاب بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی:
السورة مکیة بالاتفاق سوی ست آیات منها فهی مدنیة من الآیة 19 إلی آخر الآیة 24.
و سمیت سورة الحج لاشتمالها علی مناسک الحج، و تعظیم الشعائر و تأذین إبراهیم للناس بالحج.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 113
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی عن الهذیل، عن مقاتل، یا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ یخوفهم یقول اخشوا ربکم إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَیْ‌ءٌ عَظِیمٌ 1- یَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ یقول تدع البنین لشدة الفزع من الساعة و ذلک قبل النفخة الأولی ینادی مناد «1» من السماء الدنیا یأیها الناس جاء أمر اللّه فیسمع صوته أهل الأرض جمیعا فیفزعون فزعا شدیدا، و یموج بعضهم فی بعض و یشیب فیها الصغیر و یسکر فیها الکبیر و تضع الحوامل ما فی بطونها و تدع المراضع البنین من الفزع الشدید، فذلک قوله- عز و جل-: «یَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ» عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ کُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها النساء و الدواب حملها من شدة الفزع وَ تَرَی النَّاسَ سُکاری من الخوف وَ ما هُمْ بِسُکاری من الشراب وَ لکِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِیدٌ- 2-.
نزلت هاتان الآیتان لیلا و الناس یسیرون فی غزاة بنی المصطلق و هم حی من خزاعة، فقرأها النبی- صلی اللّه علیه و سلم- تلک اللیلة علی الناس ثلاث مرات، ثم «2» قال: هل تدرون أی یوم هذا؟ قالوا: اللّه و رسوله أعلم، قال: هذا یوم یقول اللّه- عز و جل- لآدم «- علیه السلام- قم «3»» فابعث بعث
______________________________
(1) فی أ: مناد، ز: ملک.
(2) ثم: من ز، و لیست فی أ.
(3) «- علیه السلام- قم»: من ز، و لیست فی أ. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 114
النار من ذریتک. فیقول: یا رب و ما بعث النار، قال: من کل ألف تسعمائة و تسعة و تسعون «1» إلی النار و واحد إلی الجنة، فلما سمع القوم ذلک اشتد علیهم و حزنوا، فلما أصبحوا أتوا النبی- صلی اللّه علیه- فقالوا: «و ما توبتنا و ما حیلتنا «2»». فقال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أبشروا فإن معکم خلیقتین لم یکونا فی أمة قط إلا کثرتها یأجوج و مأجوج و هم من کل حدب ینسلون- ما أنتم فی الناس إلا کشعرة بیضاء فی ثور أسود، أو کشعرة سوداء فی ثور «3» أبیض، أو کالرقم فی ذراع الدابة، أو کالشامة فی سنام البعیر، فأبشروا و قاربوا و سددوا و اعملوا. ثم قال: أ یسرکم أن تکونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: من أین لنا ذلک یا رسول اللّه؟ قال: أ فیسرکم أن تکونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: من أین لنا ذلک یا رسول اللّه؟ قال: أ یسرکم أن تکونوا شطر أهل الجنة؟ قالوا: من أین لنا ذلک یا رسول اللّه، قال: فإنکم أکثر أهل الجنة، أهل الجنة عشرون و مائة صف، أمتی من ذلک ثمانون صفا و سائر أهل الجنة [20 أ] أربعون صفا و مع هؤلاء أیضا سبعون ألفا یدخلون الجنة بغیر حساب مع کل رجل سبعون ألفا.
فقالوا: من هم یا رسول اللّه؟ قال: هم الذین لا یرقون و لا یسترقون و لا یکتوون و لا یتطیرون، و علی ربهم یتوکلون. فقام عکاشة بن محصن الأسدی، فقال:
یا رسول اللّه، ادع اللّه أن یجعلنی منهم. قال: فإنک منهم، فقام رجل آخر من رهط ابن مسعود من هذیل، فقال: یا رسول اللّه، ادع اللّه أن یجعلنی منهم. قال:
سبقک بها عکاشة.
______________________________
(1) فی أ: و تسعون، ل، ز: و تسعین.
(2) «و ما توبتنا و ما حیلتنا»: من ز، و فی أ: ما أخبرتنا بآیة هی أشد علینا من هذه الآیة.
(3) فی ز أ: الثور.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 115
قوله- سبحانه-: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُجادِلُ فِی اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ یعلمه نزلت فی النضر بن الحارث القرشی و أمه اسمها صفیة بنت الحارث بن عثمان بن عبد الدار بن قصی، قال: وَ یَتَّبِعُ النضر کُلَّ شَیْطانٍ مَرِیدٍ- 3- یعنی مارد کُتِبَ عَلَیْهِ یعنی قضی علیه یعنی الشیطان أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ یعنی من اتبع الشیطان فَأَنَّهُ یُضِلُّهُ عن الهدی وَ یَهْدِیهِ یعنی و یدعون إِلی عَذابِ السَّعِیرِ- 4-. یعنی الوقود ثم ذکر صنعه لیعتبروا فی البعث، فقال- سبحانه-: یا أَیُّهَا النَّاسُ یعنی کفار مکة إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِنَ الْبَعْثِ یعنی فی شک من البعث بعد الموت فانظروا إلی بدء خلقکم فَإِنَّا خَلَقْناکُمْ مِنْ تُرابٍ و لم تکونوا شیئا ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ مثل الدم ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ یعنی من النطفة مخلقة وَ غَیْرِ مُخَلَّقَةٍ یعنی السقط یخرج من بطن أمه مصورا و غیر مصور «لِنُبَیِّنَ لَکُمْ» «1» وَ نُقِرُّ فِی الْأَرْحامِ ما نَشاءُ فلا یکون سقطا «2» إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی یقول خروجه من بطن أمه لیعتبروا فی البعث و لا یشکوا فیه أن الذی بدأ خلقکم لقادر علی أن یعیدکم بعد الموت، ثم قال- سبحانه-: ثُمَّ نُخْرِجُکُمْ من بطون أمهاتکم طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ ثمانی عشرة سنة «3» إلی أربعین سنة وَ مِنْکُمْ مَنْ یُتَوَفَّی من قبل أن یبلغ أشده وَ مِنْکُمْ مَنْ یُرَدُّ بعد الشباب إِلی أَرْذَلِ الْعُمُرِ یعنی الهرم لِکَیْلا یَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ کان یعلمه شَیْئاً فذکر بدء الخلق ثم ذکر الأرض المیتة کیف یحیها لیعتبروا فی البعث فإن البعث لیس بأشد من بدء الخلق و من
______________________________
(1) «لنبین لکم»: ساقطة من أ.
(2) فی أ: سقط، ز: سقطا.
(3) فی أ، ل: ثمانی عشرة سنة، ز: ثمان عشرة سنة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 116
الأرض حین یحیها من بعد موتها، فذلک قوله- سبحانه-: وَ تَرَی الْأَرْضَ هامِدَةً یعنی میتة لیس فیها نبت یعنی متهشمة «1» فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَیْهَا الْماءَ یعنی المطر اهْتَزَّتْ الأرض یعنی تحرکت بالنبات [20 ب (کقوله: «تَهْتَزُّ کَأَنَّها جَانٌّ» «2» أی تحرک کأنها حیة) «3». ثم قال للأرض «4»: وَ رَبَتْ یعنی و أضعفت النبات وَ أَنْبَتَتْ مِنْ کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ 5- یعنی من کل صنف من النبات حسن ذلِکَ یقول هذا الذی فعل، هذا الذی «5» ذکر من صنعه، یدل علی توحیده بصنعه بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُ و غیره من الآلهة باطل وَ أَنَّهُ یُحْیِ الْمَوْتی فی الآخرة وَ أَنَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ- 6- من البعث و غیره قدیر وَ أَنَّ السَّاعَةَ «آتِیَةٌ» «6» لا رَیْبَ یعنی لا شک فِیها أنها کائنة وَ أَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ فی الآخرة مَنْ فِی الْقُبُورِ- 7- من الأموات فلا تشکوا فی البعث وَ مِنَ النَّاسِ یعنی النضر بن الحارث بن علقمة بن کلدة بن السیاف «7» ابن عبد الدار بن قصی بن کلاب بن مرة و من الناس مَنْ یُجادِلُ فِی اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ یعنی یخاصم فی اللّه- عز و جل- ان الملائکة بنات اللّه- تعالی- وَ لا هُدیً وَ لا کِتابٍ مُنِیرٍ- 8- «و لا هدی»- و لا بیان معه من اللّه- عز و جل- بما یقول «و لا کتاب» من اللّه- تعالی- «منیر» یعنی مضیئا «8» فیه حجة بأن الملائکة بنات اللّه فیخاصم بهذا.
______________________________
(1) فی ز: یعنی میتة متهشمة لیس فیها نبت.
(2) سورة القصص: 31.
(3) ما بین القوسین (...): من ز: و فی أ: کقوله للحیة «تَهْتَزُّ کَأَنَّها جَانٌّ» لم تزل.
(4) اللام بمعنی عن، و الأنسب: ثم قال عن الأرض.
(5) الذی: من ز، و لیست فی أ.
(6) فی أ: لآتیة، ز: آتیة.
(7) فی ل: السیاف، ز: الساق، ا: السابق و لعلها محرفة عن السباق.
(8) فی ز: مضیئا، ا: مضی‌ء.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 117
قال الفراء و أبو عبیدة فی قوله- عز و جل-: «ثانِیَ عِطْفِهِ» یقول یتبختر فی مشیته تکبرا.
ثم أخبر عن النضر فقال- سبحانه-: ثانِیَ عِطْفِهِ یقول یلوی «1» عنقه عن الإیمان لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یقول لیستزل عن دین الإسلام لَهُ فِی الدُّنْیا خِزْیٌ یعنی القتل ببدر وَ نُذِیقُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَذابَ الْحَرِیقِ 9- یعنی نحرقه بالنار ذلِکَ العذاب بِما قَدَّمَتْ یَداکَ من الکفر و التکذیب وَ أَنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ- 10- فیعذب علی غیر ذنب وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللَّهَ عَلی حَرْفٍ یعنی علی شک «نزلت فی أناس من أعراب أسد بن خزیمة و غطفان «2».
قال مقاتل: إذا سألک رجل علی کم حرف تعبد اللّه- عز و جل- فقل:
لا أعبد اللّه علی شی‌ء من الحروف، و لکن اعبد اللّه- تعالی- و لا أشرک به شیئا لأنه واحد لا شریک له «3».
کان الرجل یهاجر الی المدینة فإن أخصبت أرضه، و نتحبت فرسه، و ولد له غلام، و صح بالمدینة، و تتابعت علیه الصدقات، قال: هذا دین حسن.
یعنی الإسلام، فذلک قوله- تعالی-: فَإِنْ أَصابَهُ خَیْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ یقول رضی بالإسلام و إن أجدبت أرضه، و لم تنتج فرسه، و ولدت «4» له جاریة،
______________________________
(1) فی أ: ملوی، ز: یلوی.
(2) ما بین القوسین «...» من ز، و فی أ: نزلت فی رجل من غطفان.
(3) قول مقاتل هذا من أ، و لیس فی ز.
(4) فی ز: و ولدت، ا: و ولد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 118
و سقم بالمدینة، و لم یجد علیه بالصدقات قال: هذا دین سوء، ما أصابنی من دینی هذا الذی کنت علیه إلا شرا فرجع عن دینه، فذلک قوله- سبحانه-:
وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ یعنی بلاء انْقَلَبَ عَلی وَجْهِهِ یقول رجع إلی دینه الأول [21 أ] کافرا خَسِرَ الدُّنْیا وَ الْآخِرَةَ خسر دنیاه التی کان یحبها، فخرج منها ثم أفضی إلی الآخرة و لیس له فیها شی‌ء، مثل قوله «1»-: «... إِنَّ الْخاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِیهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ...» «2» یقول اللّه- عز و جل-:
ذلِکَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِینُ 11- یقول ذلک هو الغبن البین، ثم أخبر عن هذا المرتد عن الإسلام، فقال- سبحانه-: یَدْعُوا یعنی یعبد «3» مِنْ دُونِ اللَّهِ یعنی الصنم ما لا یَضُرُّهُ فی الدنیا إن لم یعبده وَ ما لا یَنْفَعُهُ فی الآخرة إن عبده ذلِکَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِیدُ- 12- یعنی الطویل یَدْعُوا یعنی یعبد لَمَنْ ضَرُّهُ فی الآخرة أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ فی الدنیا لَبِئْسَ الْمَوْلی یعنی الولی وَ لَبِئْسَ الْعَشِیرُ- 13- یعنی الصاحب، کقوله- سبحانه- «/ ... وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ...» «4» یعنی و صاحبوهن بالمعروف، ثم ذکر ما أعد للصالحین فقال- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ یقول تجری العیون من تحت البساتین إِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یُرِیدُ- 14- مَنْ کانَ یَظُنُ یعنی یحسب أَنْ لَنْ یَنْصُرَهُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ
______________________________
(1) من ز، و لیس فی أ.
(2) سورة الزمر: 15.
(3) فی أ: یعبدون، ز: یعبد.
(4) سورة النساء: 19.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 119
یعنی النبی «1»- صلی اللّه علیه و سلم- فَلْیَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَی السَّماءِ یعنی بحبل إلی سقف البیت ثُمَّ لْیَقْطَعْ یعنی لیختنق فَلْیَنْظُرْ هَلْ یُذْهِبَنَّ کَیْدُهُ یقول فعله بنفسه إذا فعل ذلک، هل یذهبن ذلک ما یجد فی قلبه من الغیظ بأن محمد لا ینصر ما یَغِیظُ- 15- هل یذهب ذلک ما یجد فی قلبه من الغیظ.
نزلت فی نفر من أسد و غطفان قالوا: إنا نخاف الا ینصر محمد فینقطع الذی بیننا و بین حلفائنا من الیهود فلا یجیرونا و لا یاوونا.
وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا أَنْزَلْناهُ یعنی القرآن آیاتٍ بَیِّناتٍ یعنی واضحات وَ أَنَّ اللَّهَ یَهْدِی إلی دینه مَنْ یُرِیدُ- 16- إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ الَّذِینَ هادُوا وَ الصَّابِئِینَ قوم یعبدون الملائکة و یصلون للقبلة «2» و یقرءون الزبور وَ النَّصاری وَ الْمَجُوسَ یعبدون الشمس و القمر و النیران «3» وَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا یعنی مشرکی العرب یعبدون الأوثان فالأدیان ستة فواحد للّه- عز و جل- و هو الإسلام و خمسة للشیطان إِنَّ اللَّهَ یَفْصِلُ یعنی یحکم بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من أعمالهم شَهِیدٌ- 17- أَ لَمْ تَرَ یعنی ألم تعلم أَنَّ اللَّهَ یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ من الملائکة و غیرهم وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ سجود هؤلاء الثلاثة حین تغرب الشمس «4» قبل المغرب [21 ب للّه- تعالی- تحت العرش.
______________________________
(1) المراد: من یظن أن اللّه لا ینصر محمدا.
(2) من ل و فیها القبلة، و أما أ: فقد جعلت هذا الوصف للنصاری، و هو خطأ.
(3) کذا فی أ، ل، ز، و المراد النار.
(4) من ز، و لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 120
وَ یسجد الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُ ظلهم حین تطلع الشمس و حین تزول إذا تحول ظل کل شی‌ء فهو سجوده، «1» ثم قال- سبحانه-: وَ یسجد کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ یعنی المؤمنین وَ یسجد کَثِیرٌ ممن حَقَّ عَلَیْهِ الْعَذابُ من کفار الإنس و الجن سجودهم هو سجود ظلالهم «2».
وَ مَنْ یُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُکْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یَشاءُ- 18- فی خلقه فقرأ النبی- صلی اللّه علیه و سلم- هذه الآیة فسجد لها هو و أصحابه- رضی اللّه عنهم- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ نزلت فی المؤمنین و أهل الکتاب» «3» ثم بین ما أعد للخصمین، فقال: فَالَّذِینَ کَفَرُوا یعنی الیهود و النصاری قُطِّعَتْ لَهُمْ یعنی جعلت لهم ثِیابٌ مِنْ نارٍ یعنی قمصا من نحاس من نار فیها تقدیم یُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِیمُ 19- إذا ضربه الملک بالمقمعة ثقب رأسه ثم صب فیه الحمیم الذی قد انتهی حره یُصْهَرُ یعنی یذاب بِهِ یعنی بالحمیم ما فِی بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ- 20- یقول و تنضج الجلود وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِیدٍ- 21- کُلَّما أَرادُوا أَنْ یَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِیدُوا فِیها و ذلک إذا جاء جهنم ألقت الرجال فی أعلی الأبواب فیریدون الخروج فتعیدهم الملائکة یعنی الخزان فیها بالمقامع و تقول لهم الخزنة إذا ضربوهم بالمقامع «وَ ذُوقُوا» «4» عَذابَ الْحَرِیقِ 22-
______________________________
(1) فی ز، و فی أ، ل: نقص.
(2) فی أ، ل: سجودهم ظلهم، ز: سجودهم ظلالهم.
(3) أخرج ابن جریر من طریق العوفی عن ابن عباس أنها نزلت فی أهل الکتاب قالوا للمؤمنین:
نحن ولی بالله منکم، و أقدم کتابا و نبینا قبل نبیکم. فقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد بینکم، و بما أنزل الله من کتاب، و أخرج ابن أبی حاتم عن قتادة مثله. و انظر لباب النقول سیوطی: 151.
(4) فی أ، ل، ز «ذوقوا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 121
یعنی النار ثم ذکر ما أعد اللّه- عز و جل- للمؤمنین، فقال- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ یُدْخِلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ یقول تجری العیون من تحت البساتین یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ «وَ لُؤْلُؤاً» «1» أی أساور من لؤلؤ وَ لِباسُهُمْ فِیها حَرِیرٌ- 23- مما یلی الجسد الحریر و أعلاه السندس و الإستبرق وَ هُدُوا فی الدنیا إِلَی الطَّیِّبِ مِنَ الْقَوْلِ یعنی التوحید و هو قول لا إله إلا اللّه وحده لا شریک له، کقوله «... کَلِمَةً طَیِّبَةً «2» ...» یعنی التوحید وَ هُدُوا إِلی صِراطِ یعنی دین الإسلام الْحَمِیدِ- 24- عند خلقه یحمده أولیاؤه إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یقول و یمنعون الناس عن دین اللّه- عز و جل- وَ عن الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِی جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاکِفُ فِیهِ یعنی المقیم فی الحرم و هم أهل مکة وَ الْبادِ یعنی من دخل مکة من غیر أهلها وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ یقول من لجأ إلی الحرم یمیل فیه بشرک نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ 25- یعنی وجیعا نزلت فی عبد اللّه بن أنس «3» بن خطل القرشی من بنی تیم [22 أ] ابن مرة و ذلک أن رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- بعث عبد اللّه مع رجلین أحدهما مهاجر و الآخر من الأنصار فافتخروا فی الأنساب فغضب ابن خطل فقتل الأنصاری ثم هرب إلی مکة کافرا و رجع المهاجر إلی المدینة، فأمر النبی- صلی اللّه علیه
______________________________
(1) فی أ، ل، ز: و أساور من (لؤلؤ)
(2) سورة إبراهیم: 24.
(3) فی أ، ز: أنس، و فی لباب النقول للسیوطی ص 151: أنیس.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 122
و سلم- بقتل عبد اللّه یوم فتح مکة فقتله أبو برزة الأسلمی و سعد «1» بن حریث القرشی أخو عمرو بن حریث.
قوله- عز و جل- وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِیمَ مَکانَ الْبَیْتِ المعمور قال دللنا إبراهیم علیه فبناه مع ابنه إسماعیل- علیهما السلام- و لیس له أثر و لا أساس، کان الطوفان محا أثره، و رفعه اللّه- عز و جل- لیالی الطوفان «2» إلی السماء فعمرته الملائکة و هو البیت المعمور، قال اللّه- عز و جل- لإبراهیم: أَنْ لا تُشْرِکْ بِی شَیْئاً وَ طَهِّرْ بَیْتِیَ من الأوثان لا تنصب حوله و ثنا «3» لِلطَّائِفِینَ بالبیت وَ الْقائِمِینَ یعنی المقیمین بمکة من أهلها وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ- 26- یعنی فی الصلوات الخمس و فی الطواف حول البیت من أهل مکة و غیرهم و البیت الحرام الیوم مکان البیت المعمور و لو أن حجرا وقع من البیت المعمور وقع علی البیت الحرام، و هو فی العرض و الطول مثله إلا أن قامته کما بین السماء و الأرض «4» وَ أَذِّنْ یإبراهیم فِی النَّاسِ یعنی المؤمنین بِالْحَجِ فصعد أبا قبیس و هو الجبل الذی الصفا فی أصله «5» فنادی یأیها الناس أجیبوا ربکم إن اللّه- عز و جل- یأمرکم أن تحجوا بیته فسمع نداء إبراهیم- علیه السلام- کل مؤمن علی ظهر الأرض، و یقال فی أصلاب الرجال و أرحام النساء فالتلبیة الیوم جواب نداء إبراهیم- علیه السلام- عن أمر ربه- عز و جل-، فذلک قوله
______________________________
(1) و سعد: من ز، و فی أ: و سعید.
(2) کذا فی أ، ل، و لیس فی ز.
(3) فی أ: وثن، ز: وثنا.
(4) ما بین القوسین «...» من ز، و لیس فی أ.
(5) من أ، ل، و لیس فی ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 123
- سبحانه-: یَأْتُوکَ رِجالًا یعنی علی أرجلهم مشاة وَ عَلی کُلِّ ضامِرٍ یعنی الإبل یَأْتِینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ 27- یعنی یجی‌ء من کل مکان بعید لِیَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ یعنی الأجر فی الآخرة فی مناسکهم وَ لکی یَذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِی أَیَّامٍ مَعْلُوماتٍ یعنی ثلاثة أیام، یوم النحر و یومین بعده إلی غروب الشمس عَلی ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعامِ فَکُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ یعنی الضریر الزمن الْفَقِیرَ- 28- الذی لیس له شی‌ء ثُمَّ لْیَقْضُوا تَفَثَهُمْ یعنی حلق الرأس و الذبح و الجمار وَ لْیُوفُوا یعنی لکی یوفوا نُذُورَهُمْ فی حج أو عمرة بما أوجبوا علی أنفسهم من هدی أو غیره «1» وَ لْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ 29- أعتق فی الجاهلیة من القتل و السبی و الخراب.
«قال الفراء: أعتق من الفرق و من أن یدعی ملکه أحد من الجبابرة، و یقال العتیق القدیم «2».
ذلِکَ وَ مَنْ یُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ یعنی أمر المناسک کلها فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ [22 ب عِنْدَ رَبِّهِ فی الآخرة وَ أُحِلَّتْ لَکُمُ بهیمة الْأَنْعامُ التی حرموا للآلهة فی سورة الأنعام إِلَّا ما یُتْلی عَلَیْکُمْ من التحریم فی أول سورة المائدة فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ فیها تقدیم یقول اتقوا عبادة اللات و العزی و مناة و هی الأوثان وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ- 30- یقول اتقوا الکذب و هو الشرک.
______________________________
(1) فی أ: أو عمرة، ز، ل: أو غیره.
(2) قول الفراء، لیس فی ل، و لا فی ز، و إنما فی أ وحدها. و فیها هذه الزیادة أیضا: «الکنون المکنون من القتل و السبی و الخراب».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 124
حدثنا أبو محمد «1»، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل عن مقاتل، عن محمد بن علی، فی قوله- تعالی-: «وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال الکذب و هو الشرک فی التلبیة، و ذلک أن الخمس قریش و خزاعة و کنانة و عامر بن صعصعة فی الجاهلیة کانوا یقولون فی التلبیة: لبیک اللهم لبیک، لبیک لا شریک لک، إلا شریکا هو لک، تملکه و ما ملک» یعنون الملائکة التی تعبد هذا هو قول الزور لقولهم: «إلا شریکا «2» هو لک».
و کان أهل الیمن فی الجاهلیة یقولون فی التلبیة: «نحن عرایا «3» عک عک إلیک عانیة، عبادک الیمانیة، کیما نحج الثانیة، علی القلاص الناجیة».
و کانت تمیم تقول فی إحرامها: «لبیک ما نهارنا نجره، إدلاجه و برده و حره، لا یتقی شیئا و لا یضره، حجا لرب مستقیم بره.
و کانت ربیعة تقول: «لبیک اللهم حجا حقا، تعبدا و رقا، لم نأتک للمناحة «4»، و لا حبا «5» للرباحة».
و کانت قیس عیلان تقول: «لبیک لو لا أن بکرا دونکا، بنو أغیار و هم یلونکا، ببرک الناس و یفخرونکا، ما زال منا عجیجا «6» یأتونکا «7»».
______________________________
(1) فی أ: أبو محمد، ز: محمد.
(2) فی أ: إلا شریک.
(3) فی النسخ غرابا، و فی غیر هذا الموضع فی أ: عرایا.
(4) فی أ: للمناحة، ز: للمناحة، و لعل المراد طلب المنح و العطایا.
(5) فی أ: و لا جا، ل: و لا حبا.
(6) فی ل: عجیجا، ز: عثج.
(7) ما بین الأقواس «...» ساقط من أ، و هو من ل، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 125
و کانت جرهم تقول فی إحرامها: «لبیک إن جرهما عبادک، و الناس طرف و هم تلادک، و هم لعمری عمروا بلادک، لا یطاق ربنا یعادک، و هم الأولون علی میعادک، و هم «1» یعادون «2» کل من یعادک، حتی یقیموا الدین فی وادک».
و کانت قضاعة تقول: «لبیک رب الحل و الإحرام، ارحم مقام عبد و آم، أتوک یمشون علی الأقدام».
و کانت أسد و غطفان تقول فی إحرامها- بشعر الیمن: «لبیک، إلیک «3» تعدوا قلقا و ضینها، معترضا فی بطنها جنینها، مخالفا «4» دین النصاری دینها».
و کانت «5» النساء تطفن «6» باللیل «7» عراة، و قال بعضهم: لا بل نهارا تأخذ إحداهن حاشیة برد تستر به «8» و تقول: الیوم یبدوا بعضه أو کله، و ما بدا منه فلا أحله، کم من لبیب عقله یضله، و ناظر ینظر فما یمله ضخم من الجثم «9» عظیم ظله.
و کانت تلبیة آدم- علیه السلام-: «لبیک اللّه لبیک [23 أ] عبد خلقته بیدیک، کرمت فأعطیت، قربت فأدنیت، تبارکت و تعالیت، أنت رب البیت.
______________________________
(1) فی أ: فان، ز: و هم.
(2) فی الأصل: یعادوا.
(3) «إلیک» من ز، و لیست فی أ.
(4) فی أ: مخالفا، ز: مخالف.
(5) فی أ، ز: و کن.
(6) فی النسخ: یطفن.
(7) فی أ: بالبیت عراة تأخذ إحداهن، و المذکور من ز،
(8) فی أ، ل، ز: به. و الأنسب بها لأن الضمیر یعود علی مؤنث.
(9) کذا فی أ، ل، ز بالثاء لا بالسین و قد یکون أصلها الجسم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 126
فأنزل اللّه- عز و جل-: «وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» «1» یعنی الکذب و هو الشرک فی الإحرام، حُنَفاءَ لِلَّهِ یعنی مخلصین للّه بالتوحید غَیْرَ مُشْرِکِینَ بِهِ ثم عظم الشرک فقال: وَ مَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَکَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّیْرُ یعنی فتذهب به الطیر النسور أَوْ تَهْوِی بِهِ الرِّیحُ فِی مَکانٍ سَحِیقٍ 31- یعنی بعیدا فهذا مثل الشرک فی البعد من اللّه- عز و جل- ذلِکَ یقول هذا الذی أمر اجتناب الأوثان وَ مَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ یعنی البدن من أعظمها و أسمنها فَإِنَّها مِنْ تَقْوَی الْقُلُوبِ 32- یعنی من إخلاص القلوب. لَکُمْ فِیها فی البدن مَنافِعُ فی ظهورها و ألبانها إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی یقول إلی أن تقلد أو تشعر أو تسمی هدایا [25 ب فهذا الأجل المسمی فإذا فعل ذلک بها لا یحمل علیها إلا مضطرا و یرکبها بالمعروف و یشرب فضل ولدها من اللبن و لا یجهد الحلب حتی لا ینهک أجسامها «2» ثُمَّ مَحِلُّها إِلَی الْبَیْتِ الْعَتِیقِ 33- یعنی منحرها إلی أرض الحرم کله (کقوله- سبحانه-: «... فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ...» «3» یعنی أرض الحرم «4» کله) ثم ینحروا یأکل و یطعم إن شاء نحر الإبل و إن
______________________________
(1) فی أ: زیادة: «حین قالوا لا شریک لک إلا شریکا تملکه و ما ملک، ثم کتب عنوانا هو: تلبیة العرب فی الجاهلیة: و نقل تلبیة قریش و عک، و تلبیة من نسک لود و سواع و نسر، ... إلخ ورقتین کاملتین هما [23 أ، ب ، [24 أ، ب ، و النصف الأول من ورقة [25 أ].
و لم أجد هذه الزیادة فی ل، و لا فی ز، و لا فی ف، و هی النسخ الأصلیة المعتبرة، و قد انفرد بنقلها أ، ح، م، فرأیت ألا أجعل ذلک فی قلب التفسیر بل أجعله فی ملاحق الرسالة. خصوصا أن هذه الزیادة جلها تصحیف و تحریف، و آمل أن أجد فی المستقبل نسخة أصلیة بها هذه الزیادة حتی یتسنی لی المقابلة بینهما.
(2) فی أ: من أجسامها، ز: أجسامها.
(3) سورة التوبة: 28.
(4) ما بین القوسین (...): من أ و لیس فی ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 127
شاء ذبح الغنم أو البقر ثم تصدق به کله، و إن شاء أکل و أمسک منه، و ذلک أن أهل الجاهلیة کانوا لا یأکلون شیئا من البدن، فأنزل اللّه- عز و جل- «فَکُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا» فلیس الأکل بواجب و لکنه رخصة، کقوله- سبحانه- «... وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «1» ...» و لیس الصید بواجب و لکنه رخصة وَ لِکُلِّ أُمَّةٍ یعنی لکل قوم من المؤمنین فیما خلا، کقوله- سبحانه-:
«... أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ «2» ...» أن یکون قوم أکثر من قوم، ثم قال:
جَعَلْنا مَنْسَکاً یعنی ذبحا یعنی هراقة الدماء لِیَذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلی ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعامِ و إنما خص الأنعام من البهائم لأن من البهائم ما لیس من الأنعام، و إنما سمیت البهائم لأنها لا تتکلم فَإِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ لیس له شریک یقول فربکم رب واحد فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِینَ 34- یعنی المخلصین بالجنة، ثم نعتهم فقال: الَّذِینَ إِذا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ یعنی خافت قُلُوبُهُمْ وَ الصَّابِرِینَ عَلی ما أَصابَهُمْ من أمر اللّه وَ الْمُقِیمِی الصَّلاةِ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ 35- من الأموال. قوله- عز و جل- وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَکُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ یعنی من أمر المناسک لَکُمْ فِیها خَیْرٌ یقول لکم فی نحرها أجر فی الآخرة و منفعة فی الدنیا، و إنما سمیت البدن لأنها تقلد و تشعر و تساق إلی مکة «و الهدی الذی ینحر بمکة و لم یقلد و لم یشعر و الجزور البعیر الذی لیس ببدنة و لا بهدی «3»».
______________________________
(1) سورة المائدة: 2.
(2) سورة النحل: 92.
(3) ما بین القوسین «...»: من أ و لیس فی ر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 128
فَاذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَیْها إذا نحرت صَوافَ یعنی معقولة یدها الیسری قائمة علی ثلاثة قوائم مستقبلات «1» القبلة.
قال الفراء: صواف یعنی یصفها ثم ینحرها فهذا تعلیم من اللّه- عز و جل- فمن شاء نحرها علی جنبها.
فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها یعنی فإذا خرت لجنبها علی الأرض بعد نحوها فَکُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ یعنی الراضی الذی یقنع بما یعطی «2» و هو السائل وَ الْمُعْتَرَّ الذی یتعرض للمسألة و لا یتکلم فهذا تعلیم من اللّه- عز و جل- فمن شاء أکل و من لم [26 أ] یشأ لم یأکل، و من شاء أطعم، ثم قال- سبحانه-:
کَذلِکَ سَخَّرْناها یعنی هکذا ذللناها لَکُمْ یعنی المدن لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ 36- ربکم- عز و جل- فی نعمه لَنْ یَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها و ذلک أن کفار العرب کانوا فی الجاهلیة إذا نحروا البدن عند زمزم أخذوا «3» دماءها فنضحوها قبل الکعبة، و قالوا: اللهم تقبل منا. فأراد المسلمون أن یفعلوا ذلک فأنزل اللّه- عز و جل- «لَنْ یَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها» وَ لکِنْ یَنالُهُ التَّقْوی مِنْکُمْ یقول النحر هو تقوی «4» منکم فالتقوی هو الذی ینال اللّه و یرفعه إلیه فأما اللحوم و الدماء فلا یرفعه إلیه. کَذلِکَ سَخَّرَها لَکُمْ یعنی البدن لِتُکَبِّرُوا لتعظموا اللَّهَ عَلی ما هَداکُمْ لدینه وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِینَ 37- بالجنة فمن فعل ما ذکر اللّه فی هذه الآیات فقد أحسن. قوله- عز
______________________________
(1) فی أ: مستقبلة، ز: مستقبلات.
(2) فی أ: یعطی، ز: أعطی.
(3) من ل، و لیست فی أ.
(4) فی أ، ز: فالتقوی، ل: و التقوی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 129
و جل-: إِنَّ اللَّهَ «یُدافِعُ» «1» کفار مکة عَنِ الَّذِینَ آمَنُوا بمکة، هذا حین أمر المؤمنین بالکف عن کفار مکة قبل الهجرة حین آذوهم، فاستشاروا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی قتالهم فی السر فنهاهم اللّه- عز و جل «2» ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ کُلَّ خَوَّانٍ یعنی کل عاص کَفُورٍ- 38- بتوحید اللّه- عز و جل- یعنی کفار مکة. فلما قدموا المدینة أذن اللّه- عز و جل- للمؤمنین فی القتال بعد النهی بمکة، فقال- سبحانه-:
أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ فی سبیل اللّه بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ظلمهم کفار مکة وَ إِنَّ اللَّهَ عَلی نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ- 39- فنصرهم- اللّه- تعالی- علی کفار مکة بعد النهی، ثم أخبر عن ظلم کفار مکة، فقال- سبحانه-: الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ و ذلک أنهم عذبوا منهم طائفة و آذوا بعضهم بالألسن حتی هربوا من مکة إلی المدینة «بِغَیْرِ حَقٍّ» «3» إِلَّا أَنْ یَقُولُوا یقول لم یخرج کفار مکة المؤمنین من دیارهم «إلا أن یقولوا» رَبُّنَا اللَّهُ فعرفوه و وحدوه، ثم قال- سبحانه-: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ یقول لو لا أن یدفع اللّه المشرکین بالمسلمین لغلب المشرکون فقتلوا المسلمین لَهُدِّمَتْ یقول لخربت صَوامِعُ الرهبان وَ بِیَعٌ النصاری وَ صَلَواتٌ یعنی الیهود وَ مَساجِدُ المسلمین «یُذْکَرُ فِیهَا اسْمُ اللَّهِ کَثِیراً» «4»: کل هؤلاء الملل یذکرون اللّه کثیرا فی مساجدهم فدفع اللّه- عز و جل- بالمسلمین
______________________________
(1) فی أ، ز: یدفع.
(2) فی أ: اللّه- عز و جل-، ز: النبی- صلی اللّه علیه و سلم-.
(3) ما بین القوسین «...» ساقط من أ، ز.
(4) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ، ز و هو فی حاشیة أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 130
عنها «1»، ثم قال- سبحانه و تعالی-: وَ لَیَنْصُرَنَّ اللَّهُ علی عدوه مَنْ «یَنْصُرُهُ یعنی من یعینه حتی یوحد «2» اللّه»- عز و جل- إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌ فی نصر أولیائه عَزِیزٌ- 40- یعنی منیع فی ملکه و سلطانه نظیرها فی الحدید (... وَ لِیَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ «3» ... یعنی من یوحده «4»، و غیرها فی الأحزاب، و هود. و هو- سبحانه- أقوی و أعز من خلقه [26 ب الَّذِینَ إِنْ مَکَّنَّاهُمْ فِی الْأَرْضِ یعنی أرض المدینة و هم المؤمنون بعد القهر بمکة، ثم أخبر عنهم فقال- تعالی-: أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ یعنی التوحید الذی یعرف وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْکَرِ الذی لا یعرف و هو الشرک وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ- 41- یعنی عاقبة أمر العباد إلیه فی الآخرة وَ إِنْ یُکَذِّبُوکَ یا محمد یعزی نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- لیصبر علی تکذیبهم إیاه بالعذاب فَقَدْ کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ یعنی قبل أهل مکة قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ- 42- وَ قَوْمُ إِبْراهِیمَ وَ قَوْمُ لُوطٍ- 43- وَ أَصْحابُ مَدْیَنَ یعنی قوم شعیب- علیه السلام- کل هؤلاء کذبوا رسلهم وَ کُذِّبَ مُوسی یعنی عصی موسی- علیه السلام- لأنه ولد فیهم کما ولد محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فیهم فَأَمْلَیْتُ یعنی فأمهلت لِلْکافِرِینَ فلم أعجل علیهم بالعذاب ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بعد الإمهال بالعذاب فَکَیْفَ کانَ نَکِیرِ- 44- یعنی تغییری ألیس وجدوه حقا فکذلک کذب کفار مکة کما کذبت مکذبی الأمم
______________________________
(1) فی أ، ل، ز: عنها، أی عن هذه العلل.
(2) من ل و فی ز: «مَنْ یَنْصُرُهُ» یعنی من یوحده یعنی نفسه حتی یوحد اللّه.
(3) سورة الحدید: 25.
(4) ما بین القوسین «...»: من ز وحدها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 131
الخالیة فَکَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَةٍ یعنی و کم من قریة أهلکناها بالعذاب فی الدنیا أَهْلَکْناها وَ هِیَ ظالِمَةٌ فَهِیَ خاوِیَةٌ یعنی خربة عَلی عُرُوشِها یعنی ساقطة من فوقها، یعنی بالعروش سقوف البیت، أی لیس فیها مساکن وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ یعنی خالیة لا تستعمل «1» وَ قَصْرٍ مَشِیدٍ- 45- یعنی طویلا «2» فی السماء لیس له أهل أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ یقول فلو ساروا فی الأرض فتفکروا «فَتَکُونَ» «3» لَهُمْ قُلُوبٌ یَعْقِلُونَ بِها المواعظ «أَوْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بِها» «4» فَإِنَّها لا تَعْمَی الْأَبْصارُ وَ لکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ- 46- وَ یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالْعَذابِ نزلت فی النضر بن الحارث القرشی یقول اللّه- تعالی-: وَ لَنْ یُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ فی العذاب بأنه کائن ببدر یعنی القتل وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 47- و هی الأیام الست التی خلق اللّه فیهن السموات و الأرض و إنما قال اللّه- تعالی- ذلک لاستعجالهم بالعذاب فالیوم عند اللّه- عز و جل- کألف سنة، فمن ثم قال: وَ کَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَةٍ أَمْلَیْتُ لَها یعنی أمهلت لها فلم أعجل علیها بالعذاب وَ هِیَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها بعد الإملاء بالعذاب وَ إِلَیَ إلی اللّه الْمَصِیرُ- 48- یقول إلی اللّه یصیرون قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ یعنی کفار مکة إِنَّما أَنَا لَکُمْ نَذِیرٌ مُبِینٌ 49- یعنی بین فَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ 50- وَ الَّذِینَ سَعَوْا فِی آیاتِنا مُعاجِزِینَ یعنی فی القرآن مثبطین یعنی کفار
______________________________
(1) لا تستعمل: من أ، و فی ز: لیس لها ساکن.
(2) فی أ: طویل، ز: طویلا.
(3) فی أ، ز: حتی نکون، و فی حاشیة أ: الآیة «فتکون».
(4) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ، و هو فی ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 132
مکة یثبطون الناس عن الإیمان بالقرآن أُولئِکَ [27 أ] أَصْحابُ الْجَحِیمِ 51- وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی یعنی إذا حدث نفسه أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ یعنی فی حدیثه مثل قوله: ... وَ مِنْهُمْ أُمِّیُّونَ لا یَعْلَمُونَ الْکِتابَ إِلَّا أَمانِیَ «1» ... یقول إلا ما یحدثوا عنها یعنی التوراة و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- کان یقرأ فی الصلاة عند مقام إبراهیم- صلی اللّه علیه و سلم- فنعس فقال: أَ فَرَأَیْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی، وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْری تلک الغرانیق العلی، عندها الشفاعة ترتجی، فلما سمع کفار مکة أن لآلهتهم شفاعة فرحوا، ثم رجع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقال: «أَ فَرَأَیْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْری أَ لَکُمُ الذَّکَرُ وَ لَهُ الْأُنْثی تِلْکَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِیزی «2»»
فذلک قوله- سبحانه-: فَیَنْسَخُ اللَّهُ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ علی
______________________________
(1) سورة البقرة: 178.
(2) هذه روایة باطلة لا أصل لها کما ذکر ذلک المحققون مثل ابن العربی و القاضی عیاض و غیرهم.
علی أن المنقول و المعقول یأبیان قبولها. فالقرآن صرح بأن اللّه تکفل بحفظ القرآن فی قلب النبی و سلامة قرامة علی لسانه قال- تعالی-: «لا تُحَرِّکْ بِهِ لِسانَکَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَیْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنا بَیانَهُ». سورة طه: 114.
ثم ألا یأتی النعاس علی النبی إلا عند ذکر آلهة المشرکین. و إذا جاز للشیطان أن یجری هذا الکلام علی لسان النبی تطرق الشک و الاحتمال إلی غیره. و قد صرح القرآن بخلافه قال تعالی-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ سورة الحجر: 9.
و من حفظ القرآن، صیانته من الاختلاط بغیره خصوصا ما یخالف عقیدة المسلمین.
و قد ورد فی ذلک روایات منها ما جاء فی لباب النقول للسیوطی: 151:
«أخرج ابن أبی حاتم و ابن جریر و ابن المنذر من طریق بسند صحیح عن سعید بن جبیر قال قرأ النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بمکة «و النجم» فلما بلغ «... أَ فَرَأَیْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْری ...» ألقی الشیطان علی لسانه: تلک الغرانیق العلا و إن شفاعتهن لترتجی، فقال المشرکون:
ما ذکر آلهتنا بخیر قبل الیوم فسجد و سجدوا فنزلت «وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ ...» الآیة.- تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 133
لسان محمد- صلی اللّه علیه و سلم- ثُمَّ یُحْکِمُ اللَّهُ آیاتِهِ من «1» الباطل الذی یلقی الشیطان علی لسان محمد- صلی اللّه علیه و سلم- وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 52- لِیَجْعَلَ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ علی لسان النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و ما یرجون من شفاعة آلهتهم فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یعنی الشک وَ الْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ یعنی الجافیة قلوبهم عن الإیمان فلم تلن له وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ یعنی کفار مکة لَفِی شِقاقٍ بَعِیدٍ- 53- یعنی لفی ضلال بعید یعنی طویل، ثم ذکر المؤمنین- سبحانه- وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ باللّه- عز و جل- أَنَّهُ یعنی القرآن الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَیُؤْمِنُوا بِهِ
______________________________
- و أخرجه البزار و ابن مردویه من وجه آخر عن سعید بن جبیر عن ابن عباس، فیما أحسبه، و قال: لا یروی متصلا إلا بهذا الإسناد، و تفرد بوصله أمیة بن خالد و هو ثقة مشهور، و أخرجه البخاری عن ابن عباس بسند فیه الواقدی و ابن مردویه من طریق الکلبی عن أبی صالح عن ابن عباس و ابن جریر من طریق العوفی عن ابن عباس و أورده ابن إسحاق فی السیرة عن محمد بن کعب و موسی بن عاقبة عن ابن شهاب و ابن جریر عن محمد بن قیس و ابن أبی حاتم عن السدی کلهم بمعنی واحد، إما ضعیفة أو منقطعة، سوی طریق سعید بن جبیر الأولی.
قال الحافظ بن حجر: لکن کثرة الطرق تدل علی أن للقصة أصل مع أن لها طریقین صحیحین مرسلین أخرجهما ابن جریر: أحدهما من طریق الزهری عن أبی بکر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، و الآخر من طریق داود بن هند عن أبی العالیة، و لا عبرة بقول ابن العربی و عیاض إن هذه الروآیات باطلة لا أصل لها. انتهی و علق المصحح بقوله العقیدة الیقین أو ما یقاربه فی السند لأنها یقین فی موضعها، و إذن الحق مع عیاض و ابن العربی و غیرهم من المحققین، بل العقل فی هذا الموضوع ینفر کل النفور من صحة هذه الروآیة.
(1) فی أ: أن، ل: من، و لیست فی ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 134
یعنی فیصدقوا به فَتُخْبِتَ یعنی فتخلص لَهُ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِینَ آمَنُوا إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 54- یعنی دینا مستقیما» «1».
وَ لا یَزالُ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة أبو جهل و أصحابه فِی مِرْیَةٍ مِنْهُ یعنی فی شک من القرآن حَتَّی تَأْتِیَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً یعنی فجأة أَوْ یَأْتِیَهُمْ عَذابُ یَوْمٍ عَقِیمٍ 55- یعنی بلا رأفة و لا رحمة القتل ببدر، ثم قال فی التقدیم «2»:
الْمُلْکُ یَوْمَئِذٍ لِلَّهِ یعنی یوم القیامة لا ینازعه فیه أحد و الیوم فی الدنیا ینازعه غیره فی ملکه یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ ثم بین حکمه فی کفار مکة، فقال:- سبحانه-:
فَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ 56- وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه وَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا بالقرآن بأنه لیس من اللّه- عز و جل- فَأُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ 57- یعنی الهوان وَ الَّذِینَ هاجَرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ إلی المدینة ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَیَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ فی الآخرة رِزْقاً حَسَناً یعنی کریما وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ 58- و ذلک أن نفرا من المسلمین قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- نحن نقاتل المشرکین فنقتل منهم و لا نستشهد [27 ب فما لنا شهادة فأشرکهم اللّه- عز و جل- جمیعا فی الجنة، فنزلت فیهم آیتان «3»، فقال: لَیُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا یَرْضَوْنَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَلِیمٌ لقولهم حَلِیمٌ
______________________________
(1) من ز، و فی أ: زیادة: «فلم یلتفتوا إلی ما ألقی علی لسان النبی- صلی اللّه علیه و سلم».
و قد أورد البیضاوی فی تفسیره عدة وجوه فی تفسیر الآیة منها الوجه الذی فسریه مقاتل الآیة ثم قال البیضاوی: و هو مردود عند المحققین، و إن صح فابتلاء تمییز به الثابت علی الإیمان من المتزلزل فیه.
و تفسیر الجلالین للآیة موافق تماما لتفسیر مقاتل. و کلاهما موضع نظر کما سبق.
(2) أی ملک ذلک الیوم الذی تقدم الحدیث عنه.
(3) فی أ زیادة: نظیرها، الآیة، 100 من سورة النساء، و تمامها: «وَ مَنْ یُهاجِرْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ یَجِدْ فِی الْأَرْضِ مُراغَماً کَثِیراً وَ سَعَةً وَ مَنْ یَخْرُجْ مِنْ بَیْتِهِ مُهاجِراً إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ یُدْرِکْهُ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 135
- 59- عنهم، «لقولهم انا نقاتل و لا نستشهد» «1» ذلِکَ وَ مَنْ عاقَبَ و ذلک أن مشرکی مکة لقوا المسلمین «للیلة بقیت من المحرم «2»»، فقال بعضهم لبعض. إن أصحاب محمد «3» یکرهون القتال فی الشهر الحرام فاحملوا علیهم فناشدهم المسلمون أن یقاتلوهم فی الشهر الحرام «4» فأبی المشرکون إلا القتال. فبغوا علی المسلمین فقاتلوهم و حملوا علیهم و ثبت المسلمون فنصر اللّه- عز و جل- المسلمین علیهم فوقع «5» فی أنفس المسلمین من القتال فی الشهر الحرام، فأنزل اللّه- عز و جل «ذلِکَ وَ مَنْ عاقَبَ» هذا جزاء من عاقب بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیْهِ لَیَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ عنهم غَفُورٌ- 60- لقتالهم فی الشهر الحرام ذلِکَ یعنی هذا الذی فعل من قدرته، ثم بین قدرته- جل جلاله- فقال- سبحانه:
ذلک بِأَنَّ اللَّهَ یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ یعنی انتقاص کل واحد منهما من الآخر حتی یکون النهار خمس عشرة ساعة و اللیل تسع ساعات فی کل سنة وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بأعمالهم بَصِیرٌ- 61- بها ذلِکَ یعنی هذا الذی فعل ذلک، یدل علی توحیده بصنعه بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ یعنی یعبدون من دونه من الآلهة هُوَ الْباطِلُ الذی
______________________________
- الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً» و فی ز: فنزلت فیهم آیتان فقال:
«لَیُدْخِلَنَّهُمْ ...»، الآیة.
أقول و المراد بالآیتین الآیة السابقة رقم 58، و هذه الآیة 59 سورة الحج.
(1) ما بین القوسین «...»: من ز، و لیس فی أ.
(2) للیلة بقیت من المحرم: من ز، و فی أ: فی لیلتین بقینا من المحرم.
(3) فی أ، ز، ل: صلی اللّه علیه و سلم.
(4) أی أن المسلمین ناشدوا الکفار أن لا یقاتلوهم.
(5) فی أ: فوقع، ز: فوقر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 136
لیس بشی‌ء و لا ینفعهم «1» عبادتهم، ثم عظم نفسه- تبارک اسمه- فقال:
وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِیُ یعنی الرفیع فوق خلقه الْکَبِیرُ- 62- فلا شی‌ء أعظم منه أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً یعنی المطر فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً من النبات إِنَّ اللَّهَ لَطِیفٌ باستخراج النبت خَبِیرٌ- 63- ثم قال- تعالی- لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ عبیده و فی ملکه وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ «2» الْغَنِیُ من عبادة خلقه الْحَمِیدُ- 64- عند خلقه فی سلطانه أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ یعنی ذلک لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ وَ الْفُلْکَ یقول و سخر الفلک یعنی السفن تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ یُمْسِکُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ یقول لئلا تقع علی الأرض إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ یعنی لرفیق رَحِیمٌ 65- بهم فیما سخر لهم، و حبس عنهم السماء فلا تقع علیهم فیهلکوا وَ هُوَ الَّذِی أَحْیاکُمْ یعنی خلقکم و لم تکونوا شیئا ثُمَّ یُمِیتُکُمْ عند آجالکم ثُمَّ یُحْیِیکُمْ بعد موتکم فی الآخرة إِنَّ الْإِنْسانَ لَکَفُورٌ- 66- [28 أ] لنعم اللّه- عز و جل- فی حسن خلقه حین لا یوحده، ثم قال- سبحانه-: لِکُلِّ أُمَّةٍ یعنی لکل قوم فیما خلا جَعَلْنا مَنْسَکاً یعنی ذبحا یعنی هراقة الدماء ذبیحة «3» فی عیدهم هُمْ ناسِکُوهُ یعنی ذابحوه کقوله: «... إِنَّ صَلاتِی وَ نُسُکِی ...» «4» یعنی ذبیحتی. فَلا یُنازِعُنَّکَ فِی الْأَمْرِ یعنی فی أمر الذبائح «5» فإنک أولی بالأمر منهم «أی من کفار
______________________________
(1) «و لا ینفعکم»: فی أ، و الجملة لیست فی ز.
(2) فی أ: هو.
(3) فی أ: فی ذبیحته، ز: ذبیحة.
(4) سورة الأنعام: 162.
(5) فی أ، ز: الذبائح، ل: الدنیا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 137
خزاعة و غیرهم» «1» نزلت فی بدیل بن ورقاء الخزاعی و بشر بن سفیان الخزاعی و یزید ابن الحلیس من بنی الحارث بن عبد مناف لقولهم للمسلمین، فی الأنعام «2»، ما قتلتم أنتم بأیدیکم فهو حلال و ما قتل اللّه فهو حرام یعنون المیتة، ثم قال- سبحانه-:
وَ ادْعُ إِلی رَبِّکَ یعنی إلی معرفة ربک و هو التوحید إِنَّکَ لَعَلی هُدیً یعنی لعلی دین مُسْتَقِیمٍ 67- وَ إِنْ جادَلُوکَ فی أمر الذبائح یعنی هؤلاء النفر فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ 68- و بما نعمل و ذلک حین اختلفوا فی أمر الذبائح، فذلک قوله- عز و جل-: اللَّهُ یَحْکُمُ یعنی یقضی بینکم یوم القیامة فِیما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ 69- من الدین. نسختها آیة السیف «3».
قوله- عز و جل-: أَ لَمْ تَعْلَمْ یا محمد أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ «4» إِنَّ ذلِکَ العلم فِی کِتابٍ یعنی اللوح المحفوظ إِنَّ ذلِکَ الکتاب عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ- 70- یعنی هینا.
وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً یعنی ما لم ینزل به کتابا «5» من السماء لهم فیه حجة بأنها آلهة وَ ما لَیْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ
______________________________
(1) ما بین القوسین «...»: من أ وحدها.
(2) «فی الأنعام»: من أ، و لیس فی ز.
(3) راجع ما کتبته عن النسخ عند مقاتل، و فیه أن هذا لیس من النسخ عند الأصولیین بل هو من المنسأ.
(4) فی أ: زیادة: و ذلک أن اللّه خلق فلما من نور طوله خمسمائة عام، و خلق اللوح طوله خمسمائة عام و عرضه خمسمائة عام، فقال اللّه- عز و جل- للقلم: أکتب. قال: رب، و ما أکتب؟ قال: علمی فی خلقی، و ما یکون إلی یوم القیامة. فجری القلم فی اللوح بما هو کائن إلی یوم القیامة، فذلک قوله- سبحانه-: «أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ»، و هی زیادة أشبه بخرافات بنی إسرائیل. و لیست هذه الزیادة فی ز، مما یجعل نسخة ز فی نظرنا أعلی قدرا.
(5) فی أ، ز: کتابا. علی أنه مفعول ینزل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 138
أنها آلهة وَ ما لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ- 71- یقول و ما للمشرکین من مانع من العذاب وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ یعنی واضحات تَعْرِفُ فِی وُجُوهِ الَّذِینَ کَفَرُوا الْمُنْکَرَ ینکرون القرآن «1» أن یکون من اللّه- عز و جل- یَکادُونَ یَسْطُونَ بِالَّذِینَ یَتْلُونَ عَلَیْهِمْ آیاتِنا [28 ب یقول یکادون یقعون بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- من کراهیتهم للقرآن و قالوا ما شأن محمد و أصحابه أحق بهذا الأمر منا و اللّه إنهم لأشر خلق اللّه، فأنزل اللّه- عز و جل- قُلْ لهم یا محمد: أَ فَأُنَبِّئُکُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِکُمُ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و أصحابه «النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِینَ کَفَرُوا» «2»: من وعده اللّه النار و صار إلیها یعنی الکفار فهم شرار الخلق وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ- 72- النار حین یصیرون إلیها و نزل فیهم فی الفرقان «الَّذِینَ یُحْشَرُونَ عَلی وُجُوهِهِمْ إِلی جَهَنَّمَ أُوْلئِکَ شَرٌّ مَکاناً وَ أَضَلُّ سَبِیلًا «3» ...» یا أَیُّهَا النَّاسُ یعنی کفار مکة ضُرِبَ مَثَلٌ یعنی شبها و هو الصنم فَاسْتَمِعُوا لَهُ ثم أخبر عنه، فقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام یعنی اللات و العزی و مناة و هبل لَنْ یستطیعوا أن یَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ یقول لو اجتمعت الآلهة علی أن یخلقوا ذبابا ما استطاعوا ثم قال- عز و جل-: وَ إِنْ یَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَیْئاً مما علی الآلهة من ثیاب أو حلی أو طیب لا یَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ یقول لا تقدر الآلهة أن تستنقذ من الذباب
______________________________
(1) فی ز: أمر النبی- صلی اللّه علیه و سلم.
(2) ما بین الأقواس «...»: ساقط من أ، ز.
(3) الفرقان الآیة 34، و فی أ، ز: سقط (علی وجوههم) من الآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 139
ما أخذ منها، ثم قال: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ «1»- 73- فأما الطالب فهو الصنم و أما المطلوب فهو الذباب، فالطالب هو «2» الصنم الذی یسلبه الذباب و لا یمتنع منه و المطلوب هو الذباب، فأخبر اللّه عن الصنم أنه لا قوة له و لا حیلة فکیف تعبدون ما لا یخلق ذبابا و لا یمتنع من الذباب، قوله- عز و جل-: ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ یقول ما عظموا اللّه حق عظمته حین أشرکوا به و لم یوحدوه إِنَّ اللَّهَ لَقَوِیٌ فی أمره عَزِیزٌ- 74- أی منیع فی ملکه، قوله- عز و جل- اللَّهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِکَةِ رُسُلًا و هم: جبریل و میکائیل و إسرافیل و ملک الموت و الحفظة الذین یکتبون أعمال بنی آدم وَ مِنَ النَّاسِ رسلا، منهم محمد- صلی اللّه علیه- فیجعلهم أنبیاء إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بمقالتهم بَصِیرٌ- 75- بمن یتخذه رسولا یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ یقول یعلم ما کان قبل خلق الملائکة و الأنبیاء و یعلم ما یکون من بعدهم وَ إِلَی اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 76- فی الآخرة.
قوله- عز و جل- یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا وَ اسْجُدُوا [29 أ] یأمرهم بالصلاة وَ اعْبُدُوا رَبَّکُمْ یعنی وحدوا ربکم وَ افْعَلُوا الْخَیْرَ الذی أمرکم به لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تُفْلِحُونَ 77- یقول من فعل ذلک فقد أفلح وَ جاهِدُوا فِی اللَّهِ یأمرهم بالعمل حَقَّ جِهادِهِ یقول اعملوا للّه بالخیر حق عمله نسختها «3» الآیة التی فی التغابن و هی فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ «4» ....
______________________________
(1) تفسیرها من ز، و هو مضطرب فی أ، ل.
(2) فی أ، ز: فهو.
(3) انظر النسخ عند مقاتل فی الدراسة التی قدمتها لهذا التفسیر و ستجد أنه لا نسخ هنا عند الأصولیین.
(4) سورة التغابن: 16.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 140
ثم قال هُوَ اجْتَباکُمْ یقول اللّه- عز و جل- استخلصکم لدینه وَ ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ یعنی فی الإسلام مِنْ حَرَجٍ یعنی من ضیق و لکن جعله واسعا هو مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ هُوَ سَمَّاکُمُ یقول اللّه- عز و جل- سماکم الْمُسْلِمِینَ فیها تقدیم مِنْ قَبْلُ قرآن محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فی الکتب الأولی وَ فِی هذا القرآن أیضا سماکم المسلمین لِیَکُونَ الرَّسُولُ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و آله سلم- شَهِیداً عَلَیْکُمْ أنه بلغ الرسالة وَ تَکُونُوا أنتم یا معشر أمة محمد- صلی اللّه علیه و سلم-، یعنی مؤمنیهم شُهَداءَ عَلَی النَّاسِ یعنی شهداء للرسل أنهم بلغوا قومهم الرسالة فَأَقِیمُوا الصَّلاةَ یقول أتموها وَ آتُوا الزَّکاةَ یقول أعطوا الزکاة من أموالکم وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ یقول و ثقوا باللّه فإذا فعلتم ذلک «هُوَ مَوْلاکُمْ» «1» فَنِعْمَ الْمَوْلی وَ نِعْمَ النَّصِیرُ- 78- یقول نعم المولی هو لکم و نعم النصیر هو لکم «2».
______________________________
(1) «هُوَ مَوْلاکُمْ»: ساقط من أ، ز.
(2) انتهی تفسیر سورة الحج فی أ، و أما ز، ففی آخرها هذه الزیادة:
حدثنا محمد، قال:
حدثنا أبو القاسم عن الهذیل، عن معمر بن راشد، عن إسماعیل بن أمیة، عن الأعرج قال: کان من تلبیة رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- لبیک إله الحق، قال الهذیل: و لم أسمع مقاتلا.
تلبیة رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم:
«لبیک اللهم لبیک، لبیک لا شریک لک لبیک، إن الحمد و النعمة لک و الملک لا شریک لک».
حدثنا محمد قال: حدثنا أبو القاسم قال: قال الهذیل: و حدثنی بعض المشیخة أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لما کثر الناس زاد فی تلبیة: «العیش عیش الآخرة».
الحمد للّه وحده و صلواته علی محمد و آله، و سلم تسلیما.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 141

سورة المؤمنون‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 142
سورة المؤمنون
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 143

[سورة المؤمنون (23): الآیات 1 الی 118]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَ الَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَ الَّذِینَ هُمْ لِلزَّکاةِ فاعِلُونَ (4)
وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ (6) فَمَنِ ابْتَغی وَراءَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ العادُونَ (7) وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَ الَّذِینَ هُمْ عَلی صَلَواتِهِمْ یُحافِظُونَ (9)
أُولئِکَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِینَ یَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِیها خالِدُونَ (11) وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِی قَرارٍ مَکِینٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ (14)
ثُمَّ إِنَّکُمْ بَعْدَ ذلِکَ لَمَیِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ تُبْعَثُونَ (16) وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَکُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَ ما کُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِینَ (17) وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْکَنَّاهُ فِی الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلی ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنا لَکُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِیلٍ وَ أَعْنابٍ لَکُمْ فِیها فَواکِهُ کَثِیرَةٌ وَ مِنْها تَأْکُلُونَ (19)
وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَیْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآکِلِینَ (20) وَ إِنَّ لَکُمْ فِی الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِیکُمْ مِمَّا فِی بُطُونِها وَ لَکُمْ فِیها مَنافِعُ کَثِیرَةٌ وَ مِنْها تَأْکُلُونَ (21) وَ عَلَیْها وَ عَلَی الْفُلْکِ تُحْمَلُونَ (22) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ فَقالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُرِیدُ أَنْ یَتَفَضَّلَ عَلَیْکُمْ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِکَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِی آبائِنَا الْأَوَّلِینَ (24)
إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّی حِینٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِی بِما کَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَیْنا إِلَیْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْکَ بِأَعْیُنِنا وَ وَحْیِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ فَاسْلُکْ فِیها مِنْ کُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ وَ أَهْلَکَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَ لا تُخاطِبْنِی فِی الَّذِینَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَیْتَ أَنْتَ وَ مَنْ مَعَکَ عَلَی الْفُلْکِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (28) وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِی مُنْزَلاً مُبارَکاً وَ أَنْتَ خَیْرُ الْمُنْزِلِینَ (29)
إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ وَ إِنْ کُنَّا لَمُبْتَلِینَ (30) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِینَ (31) فَأَرْسَلْنا فِیهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ (32) وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَ أَتْرَفْناهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یَأْکُلُ مِمَّا تَأْکُلُونَ مِنْهُ وَ یَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَکُمْ إِنَّکُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (34)
أَ یَعِدُکُمْ أَنَّکُمْ إِذا مِتُّمْ وَ کُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّکُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَیْهاتَ هَیْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِیَ إِلاَّ حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِینَ (37) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً وَ ما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِینَ (38) قالَ رَبِّ انْصُرْنِی بِما کَذَّبُونِ (39)
قالَ عَمَّا قَلِیلٍ لَیُصْبِحُنَّ نادِمِینَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّیْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِینَ (42) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما یَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا کُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها کَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِیثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ (44)
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسی وَ أَخاهُ هارُونَ بِآیاتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِینٍ (45) إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ فَاسْتَکْبَرُوا وَ کانُوا قَوْماً عالِینَ (46) فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَیْنِ مِثْلِنا وَ قَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (47) فَکَذَّبُوهُما فَکانُوا مِنَ الْمُهْلَکِینَ (48) وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ لَعَلَّهُمْ یَهْتَدُونَ (49)
وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْیَمَ وَ أُمَّهُ آیَةً وَ آوَیْناهُما إِلی رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِینٍ (50) یا أَیُّهَا الرُّسُلُ کُلُوا مِنَ الطَّیِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً إِنِّی بِما تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ (51) وَ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّکُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ زُبُراً کُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِی غَمْرَتِهِمْ حَتَّی حِینٍ (54)
أَ یَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ (55) نُسارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِینَ هُمْ مِنْ خَشْیَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیاتِ رَبِّهِمْ یُؤْمِنُونَ (58) وَ الَّذِینَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا یُشْرِکُونَ (59)
وَ الَّذِینَ یُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلی رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِکَ یُسارِعُونَ فِی الْخَیْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ (61) وَ لا نُکَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَ لَدَیْنا کِتابٌ یَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِی غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَ لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِکَ هُمْ لَها عامِلُونَ (63) حَتَّی إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِیهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ یَجْأَرُونَ (64)
لا تَجْأَرُوا الْیَوْمَ إِنَّکُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ کانَتْ آیاتِی تُتْلی عَلَیْکُمْ فَکُنْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ تَنْکِصُونَ (66) مُسْتَکْبِرِینَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (67) أَ فَلَمْ یَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ یَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِینَ (68) أَمْ لَمْ یَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْکِرُونَ (69)
أَمْ یَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَکْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ کارِهُونَ (70) وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیهِنَّ بَلْ أَتَیْناهُمْ بِذِکْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِکْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّکَ خَیْرٌ وَ هُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ (72) وَ إِنَّکَ لَتَدْعُوهُمْ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (73) وَ إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناکِبُونَ (74)
وَ لَوْ رَحِمْناهُمْ وَ کَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ (75) وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَکانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما یَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّی إِذا فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ إِذا هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ (77) وَ هُوَ الَّذِی أَنْشَأَ لَکُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِیلاً ما تَشْکُرُونَ (78) وَ هُوَ الَّذِی ذَرَأَکُمْ فِی الْأَرْضِ وَ إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ (79)
وَ هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَ یُمِیتُ وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (81) قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَ کُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَ آباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ (83) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیها إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)
سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَکَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ (86) سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ یُجِیرُ وَ لا یُجارُ عَلَیْهِ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّی تُسْحَرُونَ (89)
بَلْ أَتَیْناهُمْ بِالْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما کانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ کُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ فَتَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِیَنِّی ما یُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِی فِی الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (94)
وَ إِنَّا عَلی أَنْ نُرِیَکَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ السَّیِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَصِفُونَ (96) وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِکَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّیاطِینِ (97) وَ أَعُوذُ بِکَ رَبِّ أَنْ یَحْضُرُونِ (98) حَتَّی إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)
لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَکْتُ کَلاَّ إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (100) فَإِذا نُفِخَ فِی الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذٍ وَ لا یَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِینُهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِینُهُ فَأُولئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِی جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِیها کالِحُونَ (104)
أَ لَمْ تَکُنْ آیاتِی تُتْلی عَلَیْکُمْ فَکُنْتُمْ بِها تُکَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَیْنا شِقْوَتُنا وَ کُنَّا قَوْماً ضالِّینَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِیها وَ لا تُکَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ کانَ فَرِیقٌ مِنْ عِبادِی یَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَیْرُ الرَّاحِمِینَ (109)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِیًّا حَتَّی أَنْسَوْکُمْ ذِکْرِی وَ کُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَکُونَ (110) إِنِّی جَزَیْتُهُمُ الْیَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) قالَ کَمْ لَبِثْتُمْ فِی الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِینَ (112) قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّینَ (113) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِیلاً لَوْ أَنَّکُمْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناکُمْ عَبَثاً وَ أَنَّکُمْ إِلَیْنا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَی اللَّهُ الْمَلِکُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْکَرِیمِ (116) وَ مَنْ یَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الْکافِرُونَ (117) وَ قُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَیْرُ الرَّاحِمِینَ (118)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 151
سورة المؤمنون «1» سورة المؤمنین مکیة «کلها» «2»، «و هی مائة و ثمانی عشرة آیة کوفیة «3»
______________________________
(1) مقصود السورة إجمالا:
معظم ما اشتملت علیه السورة ما یأتی:
الفتوی بفلاح المؤمنین و الدلالة علی أخلاق أهل الإسلام و ذکر العجائب فی خلق الأولاد فی الأرحام، و الإشارة إلی الموت و البعث، و منة الحق علی الخلق بإنبات الأشجار و إظهار الأنهار، و ذکر المراکب، و الإشارة إلی هلاک قوم نوح و مذمة الکفار، و أهل الإنکار، و ذکر عیسی و مریم، و إیوائهما إلی ربوة ذات قرار، و إمهال الکفار فی المعاصی، و المخالفات، و بیان حال المؤمنین فی العبادات، و الطاعات، و بیان حجة التوحید و برهان النبوات، و ذل الکفار بعد الممات، و عجزهم فی جهنم حال العقوبات، و مکافأتهم فی العقبی علی حسب أعمالهم فی الدنیا، و تهدید أهل اللهو، و اللغو و الغفلات، و أمر الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- بدعاء الأمة و سؤال المغفرة لهم و الرحمات فی قوله: «وَ قُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَیْرُ الرَّاحِمِینَ»: 118.
(2) «کلها»: من ز وحدها.
(3) ما بین القوسین «...»: من أ وحدها و الموجود فی أ: و هی مائة و ثمانیة عشر آیة فأصلحتها و فی المصحف:
(23) سورة المؤمنون مکیة و آیاتها 118 نزلت بعد سورة الأنبیاء.
و سمیت سورة المؤمنین لافتتاحها بفلاح المؤمنین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 152
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1- یعنی سعد المؤمنون یعنی المصدقین بتوحید اللّه- عز و جل-، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ 2- یقول متواضعون یعنی إذا صلی لم یعرف من عن یمینه و من عن شماله وَ الَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ 3- یعنی اللغو:
الشتم و الأذی إذا سمعوه من کفار مکة لإسلامهم، و فیهم نزلت «... مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِراماً ...» «1» یعنی معرضین عنه وَ الَّذِینَ هُمْ لِلزَّکاةِ فاعِلُونَ 4- یعنی زکاة أموالهم وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ 5- عن الفواحش، ثم استثنی فقال- سبحانه-: إِلَّا عَلی أَزْواجِهِمْ یعنی حلائلهم أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ من الولائد فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ 6- یعنی لا یلامون علی الحلال «2» فَمَنِ ابْتَغی وَراءَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ العادُونَ 7- یقول فمن ابتغی [29 ب الفواحش بعد الحلال فهو معتد وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ 8- یقول یحافظون علی أداء الأمانة و وفاء العهد وَ الَّذِینَ هُمْ عَلی صَلَواتِهِمْ یُحافِظُونَ 9- علی المواقیت، ثم أخبر بثوابهم فقال: أُولئِکَ هُمُ الْوارِثُونَ 10- ثم بین ما یرثون فقال:
الَّذِینَ یَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ یعنی البستان علیه الحیطان، بالرومیة
______________________________
(1) سورة الفرقان: 72.
(2) فی ر: الحلال، أ: الحلائل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 153
هُمْ فِیها خالِدُونَ 11- یعنی فی الجنة لا یموتون، قوله- عز و جل-:
وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ یعنی آدم- صلی اللّه علیه- مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ 12- و السلالة: إذا عصر الطین انسل الطین و الماء من بین أصابعه ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً یعنی ذریة آدم فِی قَرارٍ مَکِینٍ 13- یعنی الرحم: تمکن النطفة فی الرحم ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً یقول تحول الماء فصار دما فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً یعنی فتحول الدم فصار لحما «1» مثل المضغة فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ یقول خلقناه، خَلْقاً آخَرَ یعنی الروح ینفخ فیه بعد خلقه،
فقال عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- قبل أن یتم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- الآیة- «فَتَبارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ»- فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- هکذا أنزلت یا عمر.
فَتَبارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ 14- یقول هو أحسن المصورین یعنی من الذین خلقوا التماثیل و غیرها التی لا یتحرک منها شی‌ء ثُمَّ إِنَّکُمْ بَعْدَ ذلِکَ الخلق بعد ما ذکر من تمام خلق الإنسان لَمَیِّتُونَ 15- عند آجالکم ثُمَّ إِنَّکُمْ بعد الموت یَوْمَ الْقِیامَةِ تُبْعَثُونَ 16- یعنی تحیون بعد الموت وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَکُمْ سَبْعَ طَرائِقَ یعنی سموات غلظ کل سماء مسیرة خمسمائة عام، و بین کل سماء مسیرة خمسمائة عام وَ ما کُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِینَ 17- یعنی عن خلق السماء و غیره وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ ما یکفیکم من المعیشة یعنی العیون فَأَسْکَنَّاهُ یعنی فجعلنا فِی الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلی ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ 18- فیغور «2» فی الأرض یعنی فلا یقدر علیه فَأَنْشَأْنا یعنی فخلقنا لَکُمْ بِهِ بالماء جَنَّاتٍ یعنی البساتین
______________________________
(1) فی أ: لحما، ز: دما.
(2) فی أ: فنعود به، ز فیغور.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 154
مِنْ نَخِیلٍ وَ أَعْنابٍ لَکُمْ فِیها فَواکِهُ کَثِیرَةٌ وَ مِنْها تَأْکُلُونَ 19- ثم قال: وَ خلقنا شَجَرَةً یعنی الزیتون و هو أول زیتونة خلقت تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَیْناءَ یقول تنبت فی أصل الجبل الذی کلم اللّه- عز و جل- علیه موسی- علیه السلام- تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ یعنی تخرج بالذی فیه الدهن «1» [30 أ] یقول هذه الشجرة تشرب الماء و تخرج الزیت فجعل اللّه- عز و جل- فی هذه الشجرة أدما و دهنا وَ هی صِبْغٍ لِلْآکِلِینَ 20- و کل جیلی یجمل الثمار فهو سیناء یعنی الحسن وَ إِنَّ لَکُمْ فِی الْأَنْعامِ یعنی الإبل و البقر و الغنم لَعِبْرَةً نُسْقِیکُمْ مِمَّا فِی بُطُونِها یعنی اللبن وَ لَکُمْ فِیها مَنافِعُ کَثِیرَةٌ یعنی فی ظهورها و ألبانها و أوبارها و أصوافها و أشعارها وَ مِنْها تَأْکُلُونَ 21- یعنی من النعم «2»، ثم قال: وَ عَلَیْها یعنی الإبل وَ عَلَی الْفُلْکِ تُحْمَلُونَ 22- علی ظهورها فی أسفارکم ففی هذا الذی ذکر من هؤلاء الآیات عبرة فی توحید الرب- عز و جل.
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ فَقالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ لیس لکم رب غیره أَ فَلا تَتَّقُونَ 23- یقول أ فلا تعبدون اللّه- عز و جل- فَقالَ الْمَلَأُ یعنی الأشراف الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا یعنون نوحا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ لیس له علیکم فضل فی شی‌ء فتتبعونه یُرِیدُ نوح أَنْ یَتَفَضَّلَ عَلَیْکُمْ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ یعنی لأرسل مَلائِکَةً إلینا فکانوا رسله ما سَمِعْنا بِهذا التوحید فِی آبائِنَا الْأَوَّلِینَ 24-
______________________________
(1) فی حاشیة ا: و أما الذهن بکسر الذال المعجمة فهو الشحم و غیره.
(2) فی ز: الغنم، و فی أ: النعم، و فی حاشیة أ: فی الأصل الغنم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 155
إِنْ هُوَ یعنون نوحا إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ یعنی جنونا فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّی حِینٍ 25- یعنون الموت قالَ نوح: رَبِّ انْصُرْنِی بِما کَذَّبُونِ 26- یقول انصرنی بتحقیق قولی فی العذاب بأنه نازل بهم فی الدنیا فَأَوْحَیْنا إِلَیْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْکَ یقول اجعل السفینة «1» بِأَعْیُنِنا وَ وَحْیِنا کما نأمرک فَإِذا جاءَ أَمْرُنا یقول- عز و جل- فإذا جاء قولنا فی نزول العذاب بهم فی الدنیا یعنی الغرق وَ فارَ الماء من التَّنُّورُ و کان التنور فی أقصی مکان من دار نوح و هو التنور الذی یخبز فیه «و کان فی الشام بعین وردة» «2» فَاسْلُکْ فِیها مِنْ کُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ ذکر و أنثی وَ أَهْلَکَ فاحملهم معکم فی السفینة، ثم استثنی من الأهل إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ یعنی من سبقت علیهم کلمة العذاب فکان ابنه و امرأته ممن سبق علیه القول من أهله، ثم قال- تعالی-: وَ لا تُخاطِبْنِی یقول و لا تراجعنی فِی الَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی أشرکوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ 27- یعنی بقوله و لا تخاطبنی. قول نوح- علیه السلام- لربه- عز و جل- «... إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی ... «3»» یقول اللّه و لا تراجعنی فی ابنک کنعان، فإنه من الذین ظلموا [30 ب ، ثم قال- سبحانه-: فَإِذَا اسْتَوَیْتَ أَنْتَ وَ مَنْ مَعَکَ من المؤمنین عَلَی الْفُلْکِ یعنی السفینة فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ 28- یعنی المشرکین وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِی من السفینة مُنْزَلًا مُبارَکاً وَ أَنْتَ خَیْرُ الْمُنْزِلِینَ 29- من غیرک یعنی بالبرکة
______________________________
(1) من ز، و فی أ: أن اجعل الفلک.
(2) «و کان فی الشام بعین وردة»: من أ، و لیست فی ز.
(3) سورة هود: 45.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 156
أنهم توالدوا و کثروا إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یقول إن فی هلاک قوم نوح «بالغرق» «1» لعبرة لمن بعدهم، ثم قال: وَ إِنْ یعنی و قد کُنَّا لَمُبْتَلِینَ 30- بالغرق، ثُمَّ أَنْشَأْنا یعنی خلقنا مِنْ بَعْدِهِمْ یعنی من بعد قوم نوح قَرْناً آخَرِینَ 31- و هم قوم هود- علیه السلام- فَأَرْسَلْنا فِیهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ یعنی من أنفسهم أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی أن وحدوا اللّه ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ یقول لیس لکم رب غیره أَ فَلا تَتَّقُونَ 32- یعنی أ فهلا تعبدون اللّه- عز و جل- وَ قالَ الْمَلَأُ یعنی الأشراف مِنْ قَوْمِهِ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه- عز و جل- وَ کَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ یعنی بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال وَ أَتْرَفْناهُمْ یعنی و أغنیناهم فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا ما هذا یعنون هودا- علیه السلام- إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ لیس له علیکم فضل یَأْکُلُ مِمَّا تَأْکُلُونَ مِنْهُ وَ یَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ 33- وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَکُمْ إِنَّکُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ 34- یعنی لعجزة مثلها فی یوسف «2»- علیه السلام-.
أَ یَعِدُکُمْ هود أَنَّکُمْ إِذا مِتُّمْ وَ کُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّکُمْ مُخْرَجُونَ 35- من الأرض أحیاء بعد الموت هَیْهاتَ هَیْهاتَ لِما تُوعَدُونَ 36- یقول هذا حدیث قد درس فلا یذکر إِنْ هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا یعنی نموت نحن و یحیا آخرون من أصلابنا فنحن کذلک أبدا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِینَ 37-
______________________________
(1) «بالغرق»: من ز، و فی أ: «فی الغرق».
(2) یشیر إلی الآیة 14 من سورة یوسف و هی «قالُوا لَئِنْ أَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 157
بعد الموت مثلها فی الجاثیة» «1». «إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً وَ ما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِینَ» «2»- 38- «قالَ» «3» هو: «رَبِّ انْصُرْنِی بِما کَذَّبُونِ 39- و ذلک أن هودا- علیه السلام- أخبرهم أن العذاب نازل بهم فی الدنیا فکذبوه، فقال: رب انصرنی بما کذبون فی أمر العذاب. قالَ عَمَّا قَلِیلٍ قال عن قلیل لَیُصْبِحُنَّ نادِمِینَ 40- فَأَخَذَتْهُمُ الصَّیْحَةُ بِالْحَقِ یعنی صیحة جبریل- علیه السلام- فصاح صیحة واحدة فماتوا أجمعین فلم یبق منهم أحد فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً یعنی کالشی‌ء البالی من نبت الأرض یحمله السیل، فشبه أجسادهم بالشی‌ء البالی فَبُعْداً فی الهلاک لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ 41- یعنی المشرکین ثُمَّ أَنْشَأْنا یعنی خلقنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِینَ 42- یعنی قوما آخرین فأهلکناهم [31 أ] بالعذاب فی الدنیا ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما یَسْتَأْخِرُونَ 43- عنه ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا یعنی الأنبیاء تترا: بعضهم علی أثر بعض کُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها کَذَّبُوهُ فلم یصدقوه فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً فی العقوبات وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِیثَ لمن بعدهم من الناس یتحدثون بأمرهم و شأنهم فَبُعْداً فی الهلاک لِقَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ 44- یعنی لا یصدقون بتوحید اللّه- عز و جل- ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسی وَ أَخاهُ هارُونَ بِآیاتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِینٍ 45- إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ یعنی الأشراف و اسم فرعون قیطوس بآیاتنا: الید
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 24 من سورة الجاثیة و هی: «وَ قالُوا ما هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا وَ ما یُهْلِکُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا یَظُنُّونَ».
(2) الآیة 38 ساقطة من ا، ل، ز.
(3) فی ا، ل: فقال، ز: قال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 158
و العصا و سلطان مبین یعنی حجة بینة «1» فَاسْتَکْبَرُوا یعنی فتکبروا عن الإیمان باللّه- عز و جل- وَ کانُوا قَوْماً عالِینَ 46- یعنی متکبرین عن توحید اللّه فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَیْنِ مِثْلِنا یعنی أ نصدق إنسانین مثلنا لیس لهما علینا فضل وَ قَوْمُهُما یعنی بنی إسرائیل لَنا عابِدُونَ 47- فَکَذَّبُوهُما فَکانُوا مِنَ الْمُهْلَکِینَ 48- بالغرق وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ یعنی التوراة لَعَلَّهُمْ یَهْتَدُونَ 49- من الضلالة یعنی بنی إسرائیل لأن التوراة نزلت بعد هلاک فرعون و قومه، قوله- عز و جل-: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْیَمَ وَ أُمَّهُ یعنی عیسی و أمه مریم- علیهما السلام- آیَةً یعنی عبرة لبنی إسرائیل لأن «2» مریم حملت من غیر بشر و خلق ابنها من غیر أب وَ آوَیْناهُما من الأرض المقدسة إِلی رَبْوَةٍ یعنی الغوطة من أرض الشام بدمشق یعنی بالربوة المکان المرتفع من الأرض ذاتِ قَرارٍ یعنی استواء وَ مَعِینٍ 50- یعنی الماء الجاری یا أَیُّهَا الرُّسُلُ یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- کُلُوا مِنَ الطَّیِّباتِ الحلال من الرزق وَ اعْمَلُوا صالِحاً إِنِّی بِما تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ 51- وَ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُکُمْ أُمَّةً واحِدَةً یقول هذه ملتکم التی أنتم علیها یعنی ملة الإسلام ملة واحدة علیها کانت الأنبیاء- علیهم السلام- و المؤمنون الذین نجوا من العذاب، «الذین ذکرهم اللّه- عز و جل- فی هذه السورة «3»» ثم قال- سبحانه-: وَ أَنَا رَبُّکُمْ فَاتَّقُونِ 52-
______________________________
(1) «بِآیاتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِینٍ»: جزء من آیة أخری لا من هذه الآیة، و قد فسر هذا الجزء فی أ، ل، ز.
(2) فی أ: أن، ز: لأنها.
(3) ما بین القوسین «...»: من أ، و لیس فی ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 159
یعنی فاعبدون بالإخلاص فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ یقول فارقوا دینهم الذی أمروا به فیما بینهم، و دخلوا فی غیره زُبُراً یعنی قطعا «1» کقوله «آتُونِی زُبَرَ الْحَدِیدِ ...» «2» یعنی قطع الحدید یعنی فرقا فصاروا أحزابا «3» یهودا، و نصاری و صابئین و مجوسا و أصنافا شتی کثیرة، ثم قال- سبحانه-: کُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ 53- یقول کل أهل بما عندهم من الدین راضون به «4»، ثم ذکر کفار مکة فقال- تعالی- [31 ب للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فَذَرْهُمْ فِی غَمْرَتِهِمْ حَتَّی حِینٍ 54- یقول خل عنهم فی غفلتهم إلی أن أقتلهم ببدر، ثم قال- سبحانه-: أَ یَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ یعنی نعطیهم مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ 55- نُسارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْراتِ یعنی المال و الولد لکرامتهم علی اللّه- عز و جل- یقول: بَلْ لا یَشْعُرُونَ 56- أن الذی أعطاهم من المال و البنین هو شر لهم: ... إِنَّما نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدادُوا إِثْماً ...» «5» ثم ذکر المؤمنین فقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِینَ هُمْ مِنْ خَشْیَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ 57- یعنی من عذابه وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیاتِ رَبِّهِمْ یُؤْمِنُونَ 58- یعنی هم یصدقون بالقرآن أنه من اللّه- عز و جل «6»-، ثم قال- تعالی-: وَ الَّذِینَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا یُشْرِکُونَ 59- معه غیره
______________________________
(1) فی ز: کقوله فی الکهف.
(2) سورة الکهف: 96.
(3) فی أ: أدیانا، ز: أحزابا.
(4) فی أ: بیاض، ز: به.
(5) سورة آل عمران: 178.
(6) من ز، و فی أ: یقول الذین بالقرآن یصدقون بأنه من اللّه- عز و جل-.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 160
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 223
«و لکنهم یوحدون ربهم» «1» وَ الَّذِینَ یُؤْتُونَ ما آتَوْا یعنی یعطون ما أعطوا من الصدقات و الخیرات «وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» «2» یعنی خائفة للّه من عذابه یعلمون أَنَّهُمْ إِلی رَبِّهِمْ راجِعُونَ 60- فی الآخرة فیعملون علی علم فیجزیهم بأعمالهم، فکذلک المؤمن ینفق و یتصدق و جلا من خشیة اللّه- عز و جل-، ثم نعتهم فقال: أُولئِکَ یُسارِعُونَ فِی الْخَیْراتِ یعنی یسارعون فی الأعمال الصالحة التی ذکرها لهم فی هذه الآیة وَ هُمْ لَها سابِقُونَ 61- الخیرات التی یسارعون إلیها وَ لا نُکَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها یقول لا نکلف نفسا» «3» من العمل إلا ما أطاقت «وَ لَدَیْنا یعنی و عندنا کِتابٌ یعنی أعمالهم التی یعملون فی اللوح المحفوظ» «4» یَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ 62- فی أعمالهم بَلْ قُلُوبُهُمْ یعنی الکفار فِی غَمْرَةٍ مِنْ هذا یقول فی غفلة من إیمان بهذا القرآن وَ لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِکَ یقول لهم أعمال خبیثة دون الأعمال الصالحة یعنی غیر الأعمال الصالحة التی ذکرت عن المؤمنین فی هذه الآیة و فی الآیة الأولی «هُمْ لَها عامِلُونَ» «5»- 63- یقول هم لتلک الأعمال الخبیثة «6» عاملون التی هی فی اللوح المحفوظ أنهم سیعلمونها لا بد لهم من أن یعملوها.
حَتَّی إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِیهِمْ یعنی أغنیاءهم و جبابرتهم بِالْعَذابِ یعنی القتل
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» من أ، و لیس فی ز.
(2) تفسیرها من ز، و هو مضطرب فی أ.
(3) فی أ: نفس، ز: لا نکلفها من العمل إلا ما أطاقت.
(4) ما بین القوسین «...»: من أ، و فی ز: «و لدینا» یقول و عندنا «کتاب» نسخة أعمالهم التی یعملون مکتوب فی اللوح المحفوظ.
(5) فی أ، «وَ هُمْ لَها سابِقُونَ»، و فی ز: «صواب».
(6) فی أ: الحسنة، ز: الخبیثة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 161
ببدر إِذا هُمْ یَجْأَرُونَ 64- إذا هم یضجون إلی اللّه- عز و جل- حین نزل بهم العذاب یقول اللّه- عز و جل- لا تَجْأَرُوا الْیَوْمَ لا تضجوا الیوم إِنَّکُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ 65- یقول لا تمنعون منا حتی تعذبوا بعد «1» القتل ببدر قَدْ کانَتْ آیاتِی یعنی القرآن تُتْلی عَلَیْکُمْ یعنی علی کفار مکة فَکُنْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ تَنْکِصُونَ 66- یعنی تتأخرون «2» [32 أ] عن إیمان به، تکذیبا بالقرآن، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: مُسْتَکْبِرِینَ بِهِ «یعنی آمنین بالحرم بأن لهم البیت الحرام» «3» سامِراً باللیل- إضمار فی الباطل- و أنتم آمنون فیه، ثم قال: تَهْجُرُونَ 67- القرآن فلا تؤمنون به نزلت فی الملأ من قریش الذین مشوا إلی أبی طالب. أَ فَلَمْ یَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ یعنی أ فلم یستمعوا القرآن أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ یَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِینَ 68- یقول قد جاء أهل مکة النذر کما جاء آباءهم و أجدادهم الأولین أَمْ لَمْ یَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- بوجهه و نسبه فَهُمْ لَهُ مُنْکِرُونَ 69- فلا یعرفونه بل یعرفونه أَمْ یَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ قالوا: إن بمحمد جنونا، یقول اللّه- عز و جل-: بَلْ جاءَهُمْ محمد- صلی اللّه علیه و سلم- بِالْحَقِ یعنی بالتوحید وَ أَکْثَرُهُمْ لِلْحَقِ یعنی التوحید کارِهُونَ 70-، یقول اللّه- عز و جل-: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ یعنی لو اتبع اللّه أهواء کفار مکة فجعل مع نفسه شریکا لَفَسَدَتِ یعنی لهلکت السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیهِنَ من الخلق بَلْ أَتَیْناهُمْ بِذِکْرِهِمْ یعنی بشرفهم یعنی القرآن
______________________________
(1) فی أ: بعد، ز: یعنی.
(2) فی أ: تتأخرون، ز: تستأخرون.
(3) ما بین القوسین «...»: من ز، و فی أ: یعنی بالحرم و یقال بالبیت.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 162
فَهُمْ عَنْ ذِکْرِهِمْ مُعْرِضُونَ 71- یعنی القرآن «معرضون عنه فلا یؤمنون به «1»» أَمْ تَسْأَلُهُمْ یا محمد خَرْجاً أجرا علی الإیمان بالقرآن فَخَراجُ رَبِّکَ یعنی فأجر ربک خَیْرٌ یعنی أفضل من خراجهم وَ هُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ 72- وَ إِنَّکَ لَتَدْعُوهُمْ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 73- یعنی الإسلام لا عوج فیه وَ إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ یعنی لا یصدقون بالبعث عَنِ الصِّراطِ لَناکِبُونَ 74- یعنی عن الدین لعادلون وَ لَوْ رَحِمْناهُمْ وَ کَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ یعنی الجوع الذی أصابهم بمکة سبع سنین، لقولهم فی حم الدخان رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ «2» فلیس قولهم باستکانة و لا توبة، و لکنه کذب منهم، کما کذب فرعون و قومه حین قالوا لموسی: ... لَئِنْ کَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَکَ ... «3».
فأخبر اللّه- عز و جل- عن کفار مکة، فقال سبحانه- «و لو رحمناهم و کشفنا ما بهم من ضر» لَلَجُّوا فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ 75- یقول لتمادوا فی ضلالتهم یترددون فیها و ما آمنوا.
ثم قال- تعالی-: وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ یعنی الجوع فَمَا اسْتَکانُوا لِرَبِّهِمْ یقول فما استسلموا یعنی الخضوع «لربهم» «4» وَ ما یَتَضَرَّعُونَ 76- یعنی «و ما کانوا یرغبون «5» إلی اللّه- عز و جل- فی الدعاء. حَتَّی إِذا فَتَحْنا
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» من أ، و لیس فی ز.
(2) سورة الدخان: 12.
(3) سورة الأعراف: 134.
(4) «لربهم»: من ز، و لیست فی أ.
(5) فی أ: و ما یرغبون، ز: و ما کانوا یرغبون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 163
یعنی أرسلنا عَلَیْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِیدٍ یعنی الجوع إِذا هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ 77- یعنی آیسین من الخیر و الرزق نظیرها فی سورة الروم «1» وَ هُوَ الَّذِی أَنْشَأَ لَکُمُ یعنی خلق لکم السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ یعنی القلوب فهذا من النعم قَلِیلًا ما تَشْکُرُونَ 78- یعنی بالقلیل أنهم لا یشکرون رب هذه النعم فیوحدونه، وَ هُوَ الَّذِی ذَرَأَکُمْ یعنی خلقکم فِی الْأَرْضِ وَ إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ 79- فی الآخرة، وَ هُوَ الَّذِی یُحْیِی الموتی وَ یُمِیتُ الأحیاء وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ 80- توحید ربکم فیما ترون من صنعه فتعتبرون، بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ 81- یعنی کفار مکة قالوا مثل قول الأمم الخالیة قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَ کُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ 82- قالوا ذلک تعجبا و جحدا و لیس باستفهام، نزلت فی آل طلحة بن عبد العزی منهم شیبة و طلحة و عثمان و أبو سعید و مشافع و أرطأة و ابن شرحبیل و النضر بن الحارث و أبو الحارث بن علقمة لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَ آباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ یعنی البعث إِنْ هذا الذی یقول محمد- صلی اللّه علیه و سلم إِلَّا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ 83- یعنی أحادیث الأولین و کذبهم قُلْ لکفار مکة: لِمَنِ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیها من الخلق حین کفروا بتوحید اللّه- عز و جل- إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 84- خلقهما سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَکَّرُونَ 85- فی توحید اللّه- عز و جل- فتوحدونه قُلْ لهم: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ 86- سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ 87- یعنی أ فلا تعبدون اللّه- عز و جل- قُلْ مَنْ بِیَدِهِ مَلَکُوتُ یعنی خلق کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ یُجِیرُ وَ لا یُجارُ عَلَیْهِ
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 49 من سورة الروم و هی «وَ إِنْ کانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ یُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِینَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 164
یقول یؤمن و لا یؤمن علیه أحد «1» إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 88- سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّی تُسْحَرُونَ 89- قل فمن أین سحرتم فأنکرتم أن «2» اللّه- تعالی- واحد لا شریک له و أنتم مقرون بأنه خلق الأشیاء کلها، فأکذبهم اللّه- عز و جل- حین أشرکوا به فقال- سبحانه-: بَلْ أَتَیْناهُمْ بِالْحَقِ یقول بل جئناهم بالتوحید وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ 90- فی قولهم إن الملائکة بنات اللّه- عز و جل- یقول اللّه- تعالی-: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ یعنی الملائکة وَ ما کانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ یعنی من شریک فلو کان معه إله إِذاً لَذَهَبَ کُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ کفعل ملوک الدنیا یلتمس بعضهم قهر بعض، ثم نزه الرب نفسه- جل جلاله- عن مقالتهم فقال- تعالی- سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ 91- یعنی عما یقولون بأن الملائکة بنات الرحمن عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ یعنی غیب ما کان و ما یکون. و الشهادة «3» فَتَعالی یعنی فارتفع عَمَّا یُشْرِکُونَ 92- لقولهم الملائکة بنات اللّه. قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِیَنِّی [23 أ] ما یُوعَدُونَ 93- من العذاب یعنی القتل ببدر و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أراد أن یدعو علی کفار مکة،
______________________________
(1) من ز، و مثلها ف. و فی ل: یؤمن و لا یؤمن أحد، و فی أ: یؤمر و لا یؤمر علیه أحدا.
و فی النسفی 3: 97 «وَ هُوَ یُجِیرُ وَ لا یُجارُ عَلَیْهِ» أجرت فلان علی فلان إذا أغثته منه و منعته.
یعنی و هو یغیث من یشاء ممن یشاء، و لا یغیث أحد منه أحدا.
و فی الجلالین: 290 یُجِیرُ وَ لا یُجارُ عَلَیْهِ» یحمی و لا یحمی علیه.
(2) فی أ، ز: بأن.
(3) فی الجلالین «عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ» ما عاب و ما شوهد بالجر صفة و بالرفع خبر ب محذوف.
و کذا فی البیضاوی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 165
ثم قال: «رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِی فِی الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ» «1»- 94- وَ إِنَّا عَلی أَنْ نُرِیَکَ ما نَعِدُهُمْ من العذاب لَقادِرُونَ 95-، ثم قال اللّه- عز و جل- یعزی نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- لیصبر علی الأذی: ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ السَّیِّئَةَ نزلت فی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و أبی جهل- لعنه اللّه- حین جهل علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَصِفُونَ 96- من الکذب ثم أمره أن یتعوذ من الشیطان، فقال- تعالی- وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِکَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّیاطِینِ 97- یعنی الشیاطین فی أمر أبی جهل، وَ أَعُوذُ بِکَ رَبِّ أَنْ یَحْضُرُونِ 98- حَتَّی إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ یعنی الکفار قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ 99- إلی الدنیا حین «2» یعاین ملک الموت یؤخذ بلسانه فینظر «3» إلی سیئاته قبل الموت، «فلما» «4» هجم علی الخزی سأل الرجعة إلی الدنیا لیعمل صالحا فیما ترک، فذلک قوله- سبحانه-: «رب ارجعون» إلی الدنیا لَعَلِّی یعنی لکی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَکْتُ من العمل الصالح یعنی الإیمان، یقول- عز و جل- «5»- کَلَّا لا یرد إلی الدنیا، ثم استأنف فقال: إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها یعنی بالکلمة قوله «6»: «رب ارجعون»، ثم قال- سبحانه-: وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ یعنی و من بعد الموت أجل إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ 100- یعنی
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
(2) فی ز، ل: حین، ا: حتی.
(3) فی أ: و ینظر، ل: فینظر.
(4) «فلما»: زیادة لیست فی أ، ل، ز، ف: و قد اقتضاها السیاق.
(5) عز و جل: من ز، و فی أ: یقول: «کلا».
(6) فی أ: قوله- سبحانه، ز: قوله
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 166
یحشرون «1» بعد الموت فَإِذا نُفِخَ فِی الصُّورِ یعنی النفخة الثانیة فَلا أَنْسابَ بَیْنَهُمْ یعنی لا نسبة بینهم عم و ابن عم و أخ و ابن أخ و غیره یَوْمَئِذٍ وَ لا یَتَساءَلُونَ 101- یقول و لا یسأل حمیم حمیما فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِینُهُ بالعمل الصالح یعنی المؤمنین فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 102- یعنی الفائزین «2» وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِینُهُ یعنی الکفار فَأُولئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا یعنی غبنوا أَنْفُسَهُمْ فِی جَهَنَّمَ خالِدُونَ 103- لا یموتون تَلْفَحُ یعنی تنفخ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِیها کالِحُونَ 104- عابسین شفته العلیا قالصة لا تغطی أنیابه، و شفته السفلی تضرب بطنه و ثنایاه خارجة من فیه [33 ب بین شفتیه أربعون ذراعا بذراع الرجل الطویل من الخلق الأول کل ناب له مثل أحد و یقال «3» لکفار مکة: أَ لَمْ تَکُنْ آیاتِی تُتْلی عَلَیْکُمْ یقول ألم یکن القرآن یقرأ علیکم فی أمر هذا الیوم و ما هو کائن فیکم فَکُنْتُمْ بِها تُکَذِّبُونَ 105- نظیرها فی الزمر «4» قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَیْنا شِقْوَتُنا التی کتبت علینا وَ کُنَّا قَوْماً ضالِّینَ 106- عن الهدی، ثم قالوا رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها یعنی من النار فَإِنْ عُدْنا إلی الکفر و التکذیب فَإِنَّا ظالِمُونَ 107- ثم رد مقدار
______________________________
(1) فی أ: زیادة لیست فی ل، ف، ز، و هی: «حدثنا محمد، قال: حدثنی أبی قال: قال الکسائی فی قوله- تعالی-: «رب ارجعون» العرب تخاطب الواحد بمخاطبة الجمع من ذلک قوله: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ...» مخاطبة له و الحکم لغیره. و منه قوله- عز و جل-: «...
عَلی خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِمْ أَنْ یَفْتِنَهُمْ ...» و المدرکون فرعون و غیره، و الخوف منه و من غیره.
و الآیة الأولی من سورة الطلاق: 1، و الآیة الثانیة من سورة یونس: 83.
(2) فی أ: الفائزون، ز: الفائزین.
(3) فی أ: فقال، ز: قل، ل: یقال.
(4) یشیر إلی 71 من سورة الزمر و هی:
«وَ سِیقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلی جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّی إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ یَأْتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ ...» الآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 167
الدنیا منذ خلقت إلی أن تفنی سبع مرات قالَ اخْسَؤُا فِیها یقول اصغروا فی النار وَ لا تُکَلِّمُونِ 108- فلا یتکلم أهل النار بعدها أبدا غیر أن لهم زفیرا أول نهیق الحمار، و شهیقا «1» آخر نهیق الحمار، ثم قال- عز و جل-: إِنَّهُ کانَ فَرِیقٌ مِنْ عِبادِی المؤمنین یَقُولُونَ، رَبَّنا آمَنَّا یعنی صدقنا بالتوحید فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَیْرُ الرَّاحِمِینَ 109- فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِیًّا و ذلک أن رءوس کفار قریش المستهزئین: أبا جهل و عتبة و الولید و أمیة و نحوهم اتخذوا فقراء أصحاب النبی- صلی اللّه علیه و سلم- سخریا یستهزءون بهم و یضحکون من خباب و عمار و بلال و سالم مولی أبی حذیفة و نحوهم من فقراء العرب فازدروهم، ثم قال: حَتَّی أَنْسَوْکُمْ ذِکْرِی حتی ترککم الاستهزاء بهم عن الإیمان بالقرآن وَ کُنْتُمْ مِنْهُمْ یا معشر کفار قریش من الفقراء تَضْحَکُونَ 110- استهزاء بهم نظیرها فی ص «2»، یقول اللّه- عز و جل-:
إِنِّی جَزَیْتُهُمُ الْیَوْمَ فی الآخرة بِما صَبَرُوا علی الأذی و الاستهزاء یعنی الفقراء من العرب و الموالی أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ 111- یعنی هم الناجون قالَ عز و جل- للکفار: کَمْ لَبِثْتُمْ فِی الْأَرْضِ فی الدنیا یعنی فی القبور عَدَدَ سِنِینَ 112- قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ استقلوا ذلک یرون أنهم لم یلبثوا فی قبورهم إلا یوما أو بعض یوم، ثم قال الکفار للّه- تعالی- أو لغیره فَسْئَلِ الْعادِّینَ 113- یقول فسل الحساب یعنی ملک الموت و أعوانه قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ فی القبور إِلَّا قَلِیلًا لَوْ أَنَّکُمْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 114-
______________________________
(1) فی ز، ل: و شهیق.
و فی أ: غیر أن لهم فیها زفیرا آخر نهیق الحمار، و شهیق أول نهیق الحمار، و المثبت فی الصدر عن ز، ل.
(2) یشیر إلی الآیة 63 مق سورة ص و هی: «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِیًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 168
إذا لعلمتم أنکم لم تلبثوا إلا قلیلا و لکنکم کنتم لا تعلمون کم لبثتم فی القبور یقول اللّه- عز و جل- أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناکُمْ عَبَثاً یعنی لعبا و باطلا لغیر شی‌ء:
أن «1» لا نعذبوا إذا کفرتم وَ حسبتم أَنَّکُمْ إِلَیْنا لا تُرْجَعُونَ 115- فی الآخرة فَتَعالَی اللَّهُ یعنی ارتفع [34 أ] اللّه- عز و جل- الْمَلِکُ الْحَقُ أن یکون خلق شیئا عبسا ما خلق شیئا إلا لشی‌ء یکون، لقولهم أن معه إلها، ثم وحد الرب نفسه- تبارک و تعالی- فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْکَرِیمِ 116- وَ مَنْ یَدْعُ مَعَ اللَّهِ یعنی و من یصف مع اللّه إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ یعنی لا حجة له بالکفر و لا عذر یوم القیامة، نزلت فی الحارث بن قیس السهمی أحد المستهزئین فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الْکافِرُونَ 117- یقول جزاء الکافرین، أنه لا یفلح یعنی لا یسعد فی الآخرة عند ربه- عز و جل وَ قُلْ رَبِّ اغْفِرْ الذنوب وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَیْرُ الرَّاحِمِینَ 118- من غیرک یقول من کان یرحم أحدا «2» فإن اللّه- عز و جل- بعباده أرحم و هو خیر یعنی أفضل رحمة من أولئک الذین لا یرحمون «3».
______________________________
(1) فی أ: ألا، ز: أن لا.
(2) فی ز: أحدا، أو شیئا، أ: أحدا
(3) فی أ: لا یرحمون، ل، ز، ف: یرحمون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 169

سورة النور

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 171

[سورة النور (24): الآیات 1 الی 64]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِیها آیاتٍ بَیِّناتٍ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ (1) الزَّانِیَةُ وَ الزَّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْکُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِی دِینِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ لْیَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (2) الزَّانِی لا یَنْکِحُ إِلاَّ زانِیَةً أَوْ مُشْرِکَةً وَ الزَّانِیَةُ لا یَنْکِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِکٌ وَ حُرِّمَ ذلِکَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ (3) وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِینَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)
إِلاَّ الَّذِینَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِکَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (5) وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِینَ (6) وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَیْهِ إِنْ کانَ مِنَ الْکاذِبِینَ (7) وَ یَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْکاذِبِینَ (8) وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَیْها إِنْ کانَ مِنَ الصَّادِقِینَ (9)
وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَکِیمٌ (10) إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْکِ عُصْبَةٌ مِنْکُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَکُمْ بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اکْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَ الَّذِی تَوَلَّی کِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِیمٌ (11) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَیْراً وَ قالُوا هذا إِفْکٌ مُبِینٌ (12) لَوْ لا جاؤُ عَلَیْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ یَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِکَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْکاذِبُونَ (13) وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّکُمْ فِیما أَفَضْتُمْ فِیهِ عَذابٌ عَظِیمٌ (14)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِکُمْ ما لَیْسَ لَکُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَیِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیمٌ (15) وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَتَکَلَّمَ بِهذا سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ (16) یَعِظُکُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (17) وَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیاتِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (18) إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19)
وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ (20) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّیْطانِ وَ مَنْ یَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّیْطانِ فَإِنَّهُ یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ ما زَکی مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَ لکِنَّ اللَّهَ یُزَکِّی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (21) وَ لا یَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْکُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ یُؤْتُوا أُولِی الْقُرْبی وَ الْمَساکِینَ وَ الْمُهاجِرِینَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لْیَعْفُوا وَ لْیَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَکُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ (22) إِنَّ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (23) یَوْمَ تَشْهَدُ عَلَیْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَیْدِیهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (24)
یَوْمَئِذٍ یُوَفِّیهِمُ اللَّهُ دِینَهُمُ الْحَقَّ وَ یَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِینُ (25) الْخَبِیثاتُ لِلْخَبِیثِینَ وَ الْخَبِیثُونَ لِلْخَبِیثاتِ وَ الطَّیِّباتُ لِلطَّیِّبِینَ وَ الطَّیِّبُونَ لِلطَّیِّباتِ أُولئِکَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا یَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ (26) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِکُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِیها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّی یُؤْذَنَ لَکُمْ وَ إِنْ قِیلَ لَکُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْکی لَکُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ (28) لَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ مَسْکُونَةٍ فِیها مَتاعٌ لَکُمْ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَکْتُمُونَ (29)
قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ یَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِکَ أَزْکی لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِیرٌ بِما یَصْنَعُونَ (30) وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِینَ غَیْرِ أُولِی الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِینَ لَمْ یَظْهَرُوا عَلی عَوْراتِ النِّساءِ وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَی اللَّهِ جَمِیعاً أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصَّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ (32) وَ لْیَسْتَعْفِفِ الَّذِینَ لا یَجِدُونَ نِکاحاً حَتَّی یُغْنِیَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ الَّذِینَ یَبْتَغُونَ الْکِتابَ مِمَّا مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ فَکاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِیهِمْ خَیْراً وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِی آتاکُمْ وَ لا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ مَنْ یُکْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِکْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِیمٌ (33) وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَیْکُمْ آیاتٍ مُبَیِّناتٍ وَ مَثَلاً مِنَ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِینَ (34)
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکاةٍ فِیها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِی زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرِّیٌّ یُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَکَةٍ زَیْتُونَةٍ لا شَرْقِیَّةٍ وَ لا غَرْبِیَّةٍ یَکادُ زَیْتُها یُضِی‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلی نُورٍ یَهْدِی اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ یَشاءُ وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ (35) فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِیتاءِ الزَّکاةِ یَخافُونَ یَوْماً تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ (37) لِیَجْزِیَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ یَزِیدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ یَرْزُقُ مَنْ یَشاءُ بِغَیْرِ حِسابٍ (38) وَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَعْمالُهُمْ کَسَرابٍ بِقِیعَةٍ یَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّی إِذا جاءَهُ لَمْ یَجِدْهُ شَیْئاً وَ وَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَ اللَّهُ سَرِیعُ الْحِسابِ (39)
أَوْ کَظُلُماتٍ فِی بَحْرٍ لُجِّیٍّ یَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ یَدَهُ لَمْ یَکَدْ یَراها وَ مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّیْرُ صَافَّاتٍ کُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِیحَهُ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِما یَفْعَلُونَ (41) وَ لِلَّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَی اللَّهِ الْمَصِیرُ (42) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یُزْجِی سَحاباً ثُمَّ یُؤَلِّفُ بَیْنَهُ ثُمَّ یَجْعَلُهُ رُکاماً فَتَرَی الْوَدْقَ یَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِیها مِنْ بَرَدٍ فَیُصِیبُ بِهِ مَنْ یَشاءُ وَ یَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ یَشاءُ یَکادُ سَنا بَرْقِهِ یَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) یُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ إِنَّ فِی ذلِکَ لَعِبْرَةً لِأُولِی الْأَبْصارِ (44)
وَ اللَّهُ خَلَقَ کُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی رِجْلَیْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی أَرْبَعٍ یَخْلُقُ اللَّهُ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنا آیاتٍ مُبَیِّناتٍ وَ اللَّهُ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (46) وَ یَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا ثُمَّ یَتَوَلَّی فَرِیقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ وَ ما أُولئِکَ بِالْمُؤْمِنِینَ (47) وَ إِذا دُعُوا إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِیَحْکُمَ بَیْنَهُمْ إِذا فَرِیقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَ إِنْ یَکُنْ لَهُمُ الْحَقُّ یَأْتُوا إِلَیْهِ مُذْعِنِینَ (49)
أَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ یَخافُونَ أَنْ یَحِیفَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّما کانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِینَ إِذا دُعُوا إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِیَحْکُمَ بَیْنَهُمْ أَنْ یَقُولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَخْشَ اللَّهَ وَ یَتَّقْهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَیَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَیْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَیْکُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِیعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَی الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِینُ (54)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ (56) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مُعْجِزِینَ فِی الْأَرْضِ وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَ لَبِئْسَ الْمَصِیرُ (57) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْکُمُ الَّذِینَ مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ وَ الَّذِینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْکُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِینَ تَضَعُونَ ثِیابَکُمْ مِنَ الظَّهِیرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَکُمْ لَیْسَ عَلَیْکُمْ وَ لا عَلَیْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَیْکُمْ بَعْضُکُمْ عَلی بَعْضٍ کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیاتِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (58) وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْکُمُ الْحُلُمَ فَلْیَسْتَأْذِنُوا کَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمْ آیاتِهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (59)
وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِی لا یَرْجُونَ نِکاحاً فَلَیْسَ عَلَیْهِنَّ جُناحٌ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِینَةٍ وَ أَنْ یَسْتَعْفِفْنَ خَیْرٌ لَهُنَّ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (60) لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْمَرِیضِ حَرَجٌ وَ لا عَلی أَنْفُسِکُمْ أَنْ تَأْکُلُوا مِنْ بُیُوتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ آبائِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أُمَّهاتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ إِخْوانِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أَخَواتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أَعْمامِکُمْ أَوْ بُیُوتِ عَمَّاتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أَخْوالِکُمْ أَوْ بُیُوتِ خالاتِکُمْ أَوْ ما مَلَکْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِیقِکُمْ لَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْکُلُوا جَمِیعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً فَسَلِّمُوا عَلی أَنْفُسِکُمْ تَحِیَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَکَةً طَیِّبَةً کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیاتِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ (61) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا کانُوا مَعَهُ عَلی أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ یَذْهَبُوا حَتَّی یَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَکَ أُولئِکَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوکَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَیْنَکُمْ کَدُعاءِ بَعْضِکُمْ بَعْضاً قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِینَ یَتَسَلَّلُونَ مِنْکُمْ لِواذاً فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یُصِیبَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قَدْ یَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ وَ یَوْمَ یُرْجَعُونَ إِلَیْهِ فَیُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ (64)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 181
[سورة النور «1»] سورة النور مدنیة و هی أربع «2» و ستون آیة کوفیة «3».
______________________________
(1) مقصود السورة إجمالا:
اشتملت سورة النور علی ما یأتی:
بیان فرائض مختلفة، و آداب حد الزانی و الزانیة، و النهی عن قذف المحصنات، و حکم القذف، و اللعان و قصة إفک الصدیقة، و شکایة المنافقین، و خوضهم فیه و حکایة حال المخلصین فی حفظ اللسان، و بیان عظمة عقوبة البهتان، و ذم إشاعة الفاحشة و النهی عن متابعة الشیطان و المنة بتزکیة الأحوال علی أهل الإیمان، و الشفاعة لمسطح إلی الصدیق فی ابتداء الفضل و الإحسان، و مدح عائشة بأنها حصان رزان، و بیان أن الطیبات الطیبین، و لعن الخائضین فی حدیث الافک، و النهی عن دخول البیوت بغیر إذن و إیذان، و الأمر بحفظ الفروج و غض الأبصار، و الأمر بالتوبة لجمیع أهل الإیمان، و بیان النکاح و شرائطه، و کراهة الإکراه علی الزنا و تشبیه المعرفة بالسراج و القندیل، و شجرة الزیتون، و تمثیل أعمال الکفار، و أحوالهم، و ذکر الطیور و تسبیحها و أورادها، و إظهار عجائب صنع اللّه فی إرسال المطر، و تفصیل أصناف الحیوان، و الانقیاد لأمر اللّه- تعالی- بالتواضع و الإذعان، و خلافة المؤمنین فی الأرض، و صلابتهم فی الشدة و بیان استئذان الصبیان و العبید، و رفع الحرج عن الأعمی و الأعرج و الزمن، و الأمر بحرمة سید الإنس و الجان، و تهدید المنافقین، و تحذیرهم من العصیان، و ختم السورة بأن للّه الملک و الملکوت بقوله: «أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قَدْ یَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ وَ یَوْمَ یُرْجَعُونَ إِلَیْهِ فَیُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ»: 64.
(2) فی أ: أربعة.
(3) و فی المصحف (24) سورة مدنیة و آیاتها 64 نزلت بعد الحشر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 182
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ سُورَةٌ یرید فریضة و حکم أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها یعنی و بیناها وَ أَنْزَلْنا فِیها آیاتٍ بَیِّناتٍ یعنی- عز و جل- آیات القرآن بینات یعنی واضحات یعنی حدوده- تعالی- و أمره و نهیه لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تَذَکَّرُونَ 1- فتتبعون ما فیه من الحدود و النهی الزَّانِیَةُ وَ الزَّانِی إذا لم یحصنا فَاجْلِدُوا کُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ یجلد الرجل علی بشرته و علیه إزار، و تجلد المرأة جالسة علیها درعها وَ لا تَأْخُذْکُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِی دِینِ اللَّهِ یعنی رقة فی أمر اللّه- عز و جل- من تعطیل الحدود علیهما إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ الذی فیه جزاء الأعمال فلا تعطلوا الحد وَ لْیَشْهَدْ عَذابَهُما یعنی جلدهما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 2- یعنی رجلین فصاعدا یکون ذلک نکالا لهما و عظة للمؤمنین، قال الفراء: الطائفة الواحد فما فوقه الزَّانِی من أهل الکتاب لا یَنْکِحُ إِلَّا زانِیَةً من أهل الکتاب أَوْ ینکح مُشْرِکَةً من غیر أهل الکتاب من العرب یعنی الولائد اللاتی یزنین بالأجر علانیة منهن أم شریک جاریة عمرو بن عمیر المخزومی، و أم مهزول جاریة ابن أبی السائب بن عاند «1»،
______________________________
(1) فی أ: ابن أم الشایب بن عاید، ف: ابن أبی السایب بن عایذ، ز، ل: جاریة أبی السائب بن عائد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 183
و شریفة جاریة زمعة بن الأسود و جلالة جاریة سهیل «1» بن عمرو، و قریبة جاریة هشام بن عمرو، و فرشی «2» جاریة عبد اللّه بن خطل، و أم علیط «3» جاریة صفوان بن أمیة، و حنة «4» القبطیة جاریة العاص بن وائل [34 ب ، و أمیمة جاریة عبد اللّه بن أبی، و مسیکة بنت أمیة جاریة عبد اللّه بن نفیل کل امرأة منهن رفعت علامة علی بابها کعلامة البیطار لیعرف أنها زانیة، و ذلک أن نفرا من المؤمنین سألوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عن تزویجهن بالمدینة، قالوا: ائذن لنا فی تزویجهن فإنهن أخصب أهل المدینة و أکثر خیرا، و المدینة غالیة السعر، و الخبز بها قلیل، و قد أصابنا الجهد، فإذا جاء اللّه- عز و جل- بالخیر طلقناهن و تزوجنا مسلمات فأنزل اللّه- عز و جل- «الزَّانِی لا یَنْکِحُ إِلَّا زانِیَةً «5»» أَوْ مُشْرِکَةً.
وَ الزَّانِیَةُ لا یَنْکِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِکٌ وَ حُرِّمَ ذلِکَ یقول و حرم تزویجهن عَلَی الْمُؤْمِنِینَ 3- وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ یعنی نساء المؤمنین بالزنا ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ من الرجال علی قولهم فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِینَ جَلْدَةً
______________________________
(1) فی أ: سهیل، ف: سهیل، ل، ز: صهیب.
(2) من ز، و فی ف، ا: و جاریة عبد الله.
(3) فی ف: علیط، ا، ز: غلیظ.
(4) فی أ: و جنة، ز: و حنة.
(5) جاء فی حاشیة ز ما یأتی: «و کان فی الجاهلیة ینکح الرجل الزانیة و یتخذها مأکلة فرغب رجل من المسلمین فی نکاح أم مهزول و اشترطت له أن تنفق علیه فأنزل الله هذه الآیة.
و کان ابن مسعود یحرم نکاح الزانیة و یقول إذا تزوج الزانی الزانیة فهما زانیان، و قیل إن المرأة الفاجرة لا ترغب فی الصالح و إنما ترغب فی الفاجر مثلها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 184
یجلد بین الضر «1» بین علی ثیابه. وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ما دام حیا وَ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ 4- یعنی العاصین فی مقالتهم، ثم استثنی فقال: إِلَّا الَّذِینَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِکَ یعنی بعد الرمی وَ أَصْلَحُوا العمل فلیسوا بفساق فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لقذفهم رَحِیمٌ 5- بهم فقرأ النبی- صلی اللّه علیه و سلم- هاتین الآیتین فی خطبة یوم الجمعة، فقال عاصم بن عدی الأنصاری للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: جعلنی اللّه فداک، لو أن رجلا منا وجد علی بطن امرأته رجلا فتکلم جلد ثمانین جلدة و لا تقبل له شهادة «2» فی المسلمین أبدا و یسمیه المسلمون فاسقا، فکیف لأحدنا عند ذلک بأربعة شهداء إلی أن تلتمس أحدنا أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته فأنزل اللّه- عز و جل- فی قوله: وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ بالزنا وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ یعنی الزوج أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِینَ 6- إلی ثلاث آیات،
فابتلی «3» اللّه- عز و جل- عاصما بذلک فی یوم الجمعة الأخری فأتاه ابن عمه عویمر الأنصاری من بنی العجلان بن عمرو بن عوف و تحته ابنة عمه أخی أبیه فرماها بابن عمه شریک بن السحماء، و الخلیل و الزوج و المرأة
______________________________
(1) هکذا فی أ، ز، ف، ل.
و المراد ضربا وسطا بین الشدید و الخفیف، یضرب بسوط لا ثمرة فیه و یفرق الضرب علی جسمه و لا یضرب علی وجهه لأنه مجمع المحاسن و لا علی فرجه لأنه مقتل. انظر کتاب الاختیار لتعلیل المختار للموصلی: 4/ 84.
(فصل فی بیان حد الزنا) و أیضا: 4/ 79. (کتاب الحدود): 4/ 93، باب حد القذف.
(2) من، ز، و فی أ: و لا تقبل له شهادة، و لا تقبل لها شهادة.
(3) فی أ: فابتل، ز: فابتلی. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 185
کلهم من بنی عمرو بن عوف و کلهم بنو عم عاصم فقال: یا عاصم، لقد رأیت شریکا علی بطن امرأتی فاسترجع عاصم فأتی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقال:
أ رأیت سؤالی عن هذه و الذین یرمون أزواجهم فقد ابتلیت بها فی أهل بیتی فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و ما ذاک یا عاصم [35 أ] فقال: أتانی ابن عمی فأخبرنی أنه وجد ابن عم لنا علی بطن امرأته فأرسل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلی الزوج و الخلیل و المرأة فأتوه «1» فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لزوجها عویمر: و یحک اتق اللّه- عز و جل- فی خلیلتک و ابنة عمک أن تقذفها بالزنا.
فقال الزوج: أقسم لک باللّه- عز و جل- إنی رأیته معها علی بطنها و إنها لحبلی منه، و ما قربتها منذ أربعة أشهر. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- للمرأة: خولة بنت قیس الأنصاریة و یحک ما یقول زوجک، قالت: أحلف باللّه إنه لکاذب، و لکنه غار، و لقد رءانی معه نطیل السمر باللیل «2» و الجلوس بالنهار، فما رأیت ذلک فی وجهه، و ما نهانی عنه قط، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- للخلیل: و یحک ما یقول ابن عمک فحدثه مثل قولها، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- للزوج و المرأة: قوما فأحلفا باللّه- عز و جل.
فقام الزوج عند المنبر دبر صلاة العصر یوم الجمعة «و هو» عویمر بن أمیة «3» فقال:
______________________________
(1) ورد ذلک فی لباب النقول للسیوطی: 155- 156. کما ساق روایة أخری أخرجها الإمام أحمد أن الآیة نزلت فی سعد بن عبادة و هو سید الأنصار. و نقل السیوطی أن الحافظ بن حجر قال:
اختلف الأئمة فی هذه المواضع فمنهم من رجح أنها نزلت فی شأن عویمر، و منهم من رجح أنها نزلت فی شأن هلال، و منهم من جمع بینهما بأن أول من وقع له هلال، و صادف مجی‌ء عویمر أیضا فنزلت فی شأنهما معا.
(2) فی أ: السمر باللیل، ز: السهر و الجلوس بالنهار.
(3) عویمر بن أمیة: لیس فی ز و لا فی ل، «و هو»: زیادة اقتضاها السیاق. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 186
أشهد باللّه أن فلانة زانیة یعنی امرأته خولة، و إنی لمن الصادقین، ثم قال الثانیة «1»: أشهد باللّه أن فلانة زانیة و لقد رأیت شریکا علی بطنها و إنی لمن الصادقین، ثم قال الثالثة: أشهد باللّه أن فلانة زانیة و إنها لحبلی من غیری و إنی لمن الصادقین.
ثم قال فی الرابعة: أشهد باللّه أن فلانة زانیة و ما قربتها منذ أربعة أشهر و إنی لمن الصادقین.
ثم قال الخامسة: لعنة اللّه علی عویمر إن کان من الکاذبین علیها فی قوله.
«وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَیْهِ إِنْ کانَ مِنَ الْکاذِبِینَ» «2»- 7- ثم قامت خولة بنت قیس الأنصاری مقام زوجها، فقالت: أشهد باللّه ما أنا بزانیة و إن زوجی لمن الکاذبین، ثم قالت «3» الثانیة: أشهد باللّه ما أنا بزانیة، و ما رأی شریکا علی بطنی و إن زوجی لمن الکاذبین.
ثم قالت الثالثة: أشهد باللّه ما أنا بزانیة و إنی لحبلی منه و إنه لمن الکاذبین.
ثم قالت الرابعة: أشهد باللّه ما أنا بزانیة و ما رأی علی من ریبة و لا فاحشة و إن زوجی لمن الکاذبین.
ثم قالت الخامسة: غضب اللّه علی خولة إن کان عویمرا من الصادقین فی قوله. ففرق النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بینهما، فذلک قوله- عز و جل-:
وَ یَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ یقول یدفع عنها الحد «4» لشهادتها «5» بعد
______________________________
(1) من ز، و لیست فی أ.
(2) الآیة ساقطة من أ، ف، ز، ل، ح، م.
(3) فی أ زیادة: فقالت.
(4) فی أ: الحد، ز: الجلد.
(5) فی أ: بشهادتها، ز: لشهادتها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 187
أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْکاذِبِینَ 8- «وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَیْها إِنْ کانَ» زوجها «من الصّادقین»- 9- فی قوله و کان الخلیل رجلا «1» أسود [35 ب ابن حبشیة
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إذا ولدت فلا ترضع ولدها حتی تأتونی به فأتوه بولدها فإذا هو أشبه الناس بالخلیل، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لو لا الأیمان «2» لکان لی فیهما «3» أمر.
«و المتلاعنان یفترقان فلا یجتمعان أبدا، و إن صدقت زوجها لم یتلاعنا.
فإن کان زوجها جامعها- بعد الدخول بها «4»- رجمت و یرثها زوجها، و إن کان لم یجامعها جلدت مائة جلدة و هی امرأته «5».
و إن کان الزوج رجع عن قوله قبل أن یفرغا من الملاعنة جلد ثمانین جلدة و کانت امرأته کما هی «6».
ثم قال اللّه- عز و جل-: وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ یعنی و نعمته لأظهر المریب «7» یعنی الکاذب منهما. ثم قال: وَ أَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ علی التائب حَکِیمٌ 10- حکم الملاعنة ثم قال:- عز و جل- إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْکِ یعنی بالکذب عُصْبَةٌ مِنْکُمْ و ذلک أن النبی- صلی اللّه
______________________________
(1) فی أ: رجل، ز: رجلا.
(2) فی أ: لو لا ما مضی، ز: او لا الأیمان.
(3) فی أ: فیها، ز: فیهما.
(4) زیادة اقتضاها السیاق. و المراد إن کان زوجها قد جامعها صارت محصنة فحدها الرجم و إن لم یکن جامعها لم تکن محصنة فیکون حدها الجلد.
(5) ما بین الأقواس «...»: من ل، ز، و هو ناقص و مضطرب فی أ.
(6) ساقط من أ، و هو من ز، ل.
(7) فی أ: علی المذنب، ز: المریب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 188
علیه و سلم- انطلق غازیا و انطلق معه «1» عائشة بنت «2» أبی بکر- رضی اللّه عنهما- زوج النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، و مع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یومئذ رفیق له، یقال له صفوان بن المعطل من بنی سلیم، و کان النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إذا سار لیلا مکث صفوان فی مکانه حتی یصبح فإن سقط من المسلمین شی‌ء من متاعهم حمله إلی العسکر فعرفه، فإذا جاء صاحبه دفعه إلیه، و أن عائشة- رضی اللّه عنها- لما نودی بالرحیل ذات لیلة «3» رکبت الرحل فدخلت هودجها، ثم ذکرت حلیا کان لها نسیته فی المنزل «4» فنزلت لتأخذ الحلی و لا یشعر بها صاحب البعیر فانبعث البعیر فسار مع المعسکر فلما وجدت عائشة- رضی اللّه عنها- حلیها و کان جزعا ظفار یا لا ذهب فیه و لا فضة و لا جوهر «5» فإذا البعیر قد ذهب فجعلت تمشی علی إثره و هی تبکی، و أصبح صفوان بن المعطل فی المنزل «6»، ثم سار فی أثر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و أصحابه فإذا هو بعائشة- رضی اللّه عنها- قد غطت وجهها تبکی. فقال صفوان: من هذا؟ فقالت: أنا عائشة؟ فاسترجع «7» و نزل عن بعیره «8» و قال: ما شأنک یا أم المؤمنین. فحدثته بأمر الحلی فحملها علی بعیره،
______________________________
(1) کذا فی أ، ل، ز، ف.
(2) فی الأصل: ابنت.
(3) فی أ: ذلک لیلة، ل: ذات لیلة، و الجملة ساقطة من ز.
(4) هکذا فی أ، ز، ل، ف، و المراد بالمنزل اسم مکان للنزول و هو الموضع الذی نزلت به لنقضی حاجتها بعیدا عن الجیش.
(5) ما بین الأقواس «...» من أ، ل و ساقط من ز. و فی أ: و لا جوهرا.
(6) أی فی المکان الذی نزل به الجیش.
(7) استرجع: أی قال: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ.
(8) وردت هذه القصة فی لباب النقول للسیوطی: 157، و قد أخرجها الشیخان و غیرهما عن عائشة- رضی اللّه عنها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 189
و نزل النبی- صلی اللّه علیه و سلم «1»- ففقد «2» عائشة- رضی اللّه عنها- فلم یجدها فلبثوا ما شاء اللّه ثم جاء صفوان «3» و قد حملها علی بعیره، فقذفها عبد اللّه بن أبی، و حسان بن ثابت، و مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب «4» بن عبد مناف و حمنة «5» بنت جحش أخت عبد اللّه بن جحش الأسدی «6».
یقول اللّه- تعالی-: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَکُمْ لأنکم تؤجرون علی ما قد قیل لکم من الأذی بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ [36 أ] حین أمرتم بالتثبت «7» و العظة لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اکْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ علی قدر ما خاض فیه من أمر عائشة- رضی اللّه عنها- و صفوان بن المعطل السلمی وَ الَّذِی تَوَلَّی کِبْرَهُ مِنْهُمْ یعنی عظمه منهم یعنی من العصبة و هو عبد اللّه بن أبی رأس المنافقین و هو الذی قال ما برئت منه و ما برئ منها «8»، لَهُ عَذابٌ عَظِیمٌ 11- أی شدید.
______________________________
(1) فی ز، ل «و أصحابه»، و لیست فی أ.
(2) فی أ: فقد، ل، ز: ففقد، و قد تکون فتفقد.
(3) فی حاشیة ز، ما یأتی: (و فی روایة «و کان صفوان قد عرض من وراء الجیش فأدلج فأصبح عند منزل و النفر (کذ أ] بین نزول المساء و أخذ اللیل، یقلل عرض مشددا نزل آخر اللیل و مخففا سار اللیل کله.
(4) فی أ: عبد المطلب، ل، ز: المطلب.
(5) فی أ: و جمیلة بنت جحش، ز: و حمنة بنت جحش أخت عبد اللّه بن جحش.
(6) جاء فی النسفی: فقال عبد اللّه بن أبی ما برئت عائشة من صفوان و ما بری‌ء منها فخاض الناس فی ذلک فقال بعضهم قد کان کذا و کذا، و قال بعضهم سمعت کذا و کذا، و بعضهم عرض بالقول، و بعضهم أعجبه ذلک، فنزلت ثمانی عشرة آیة تکذب الذین قذفوا عائشة- رحمها اللّه- و تبرئها و تؤدب المؤمنین فنزلت «إِنَّ الَّذِینَ جاؤُ بِالْإِفْکِ عُصْبَةٌ مِنْکُمْ» یعنی عبد اللّه بن أبی و حسان بن ثابت و مسطح ابن أثاثة و حمنة بنت جحش «لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَکُمْ» یقول لعائشة و صفوان لا تحسبوا الذی قیل لکم من الکذب شرا لکم لأنکم تؤجرون علی ذلک.
(7) فی أ: بالتثبیت، ز: بالتثبت.
(8) من ز، و فی أ: یعنی عظمه من المعصیة یعنی عبد اللّه بن أبی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 190
ففی هذه الآیة عبرة لجمیع المسلمین إذا کانت بینهم خطیئة، فمن أعلن علیها «1» بفعل أو کلام أو عرض أو أعجبه ذلک أو رضی به فهو شریک فی تلک الخطیئة علی قدر ما کان بینهم و الذی تولی کبره یعنی الذی ولی الخطیئة بنفسه فهو أعظم إثما عند اللّه و هو المأخوذ به قال فإذا کانت خطیئة بین المسلمین فمن شهد و کره فهو مثل الغائب، و من غاب و رضی فهو کمن شهد «2»، ثم وعظ الذین خاضوا فی أمر عائشة- رضی اللّه عنها- فقال: لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ یقول هلا إذ سمعتم قذف عائشة- رضی اللّه عنها- بصفوان «3» کذبتم به ألا ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ لأن فیهم حمنة بنت جحش بِأَنْفُسِهِمْ خَیْراً یقول ألا ظن بعضهم ببعض خیرا بأنهم لم یزنوا وَ ألا قالُوا هذا إِفْکٌ مُبِینٌ 12- یقول ألا قالوا هذا القذف کذب بین، ثم ذکر الذین قذفوا عائشة فقال: لَوْ لا یعنی هلا جاؤُ عَلَیْهِ یعنی علی القذف بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ یَأْتُوا بِالشُّهَداءِ: بأربعة شهداء فَأُولئِکَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْکاذِبُونَ 13- فی قولهم «4»، یعنی الذین قذفوا عائشة- رحمها اللّه- ثم قال: وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ یعنی و نعمته فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّکُمْ فِیما أَفَضْتُمْ فِیهِ عَذابٌ عَظِیمٌ 14- یقول لأصابکم «5» فیما قلتم من القذف العقوبة فی الدنیا و الآخرة فیها تقدیم إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ یقول إذ یرویه بعضکم عن بعض وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِکُمْ یعنی
______________________________
(1) هذا التعلیق من ز وحدها، و فیها (علیه)
(2) کل هذا التعلیق من ز، و لیس فی أ.
(3) مکررة فی أ.
(4) الآیة رقم 13 مع تفسیرها سقطا من أ، و هما من ز.
(5) فی أ: لأصابهم، ز، ل: لأصابکم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 191
بألسنتکم ما لَیْسَ لَکُمْ بِهِ عِلْمٌ یقول من غیر أن تعلموا أن الذی قلتم من القذف حق وَ تَحْسَبُونَهُ هَیِّناً یقول تحسبون القذف ذنبا هینا وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیمٌ 15- فی الوزر ثم وعظ الذین خاضوا فی أمر عائشة- رضی اللّه عنها- فقال- سبحانه-: وَ لَوْ لا یعنی هلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ یعنی القذف قُلْتُمْ ما یَکُونُ لَنا یعنی ما ینبغی لنا أَنْ نَتَکَلَّمَ بِهذا الأمر هلا قلتم مثل ما قال سعد بن معاذ «1»- رضی اللّه عنه- و ذلک أن سعدا لما سمع القول فی أمر عائشة قال:
سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ «2».
ثم قال- عز و جل- ألا قلتم سُبْحانَکَ یعنی ألا نزهتم الرب- جل جلاله- عن أن یعصی و قلتم هذا القول بُهْتانٌ عَظِیمٌ 16- لشدة قولهم و البهتان الذی یبهت فیقول «3» ما لم یکن من قذف أو غیره ثم وعظ الذین خاضوا فی أمر عائشة- رضی اللّه عنها- فقال: یَعِظُکُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً یعنی القذف أبدا إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ 17- وَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیاتِ یعنی أموره «4» وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 18- إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ یعنی من قذف عائشة- رضی اللّه عنها- و صفوان أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ یعنی أن یظهر الزنا، أحبوا ما شاع لعائشة- رضی اللّه عنها- من الثناء السی‌ء فِی الَّذِینَ آمَنُوا فی صفوان و عائشة- رضی اللّه عنهما- لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ یعنی وجیع فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ یعنی عذاب النار وَ اللَّهُ یَعْلَمُ [36 ب وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 19- وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ یعنی نعمته لعاقبکم فیما قلتم لعائشة
______________________________
(1) فی ز: الأنصاری صاحب لواء الأنصار.
(2) ما بین القوسین «...» من ز، و هو ناقص من أ.
(3) فی أ: فیقول، ز: فیکون.
(4) کذا فی أ، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 192
- رضی اللّه عنها. ثم قال- عز و جل- وَ أَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ یعنی رفیق بکم «1» رَحِیمٌ 20- بکم حین عفا عنکم فلم یعاقبکم فی أمر عائشة- رضی اللّه عنها- یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّیْطانِ یعنی تزیین الشیطان فی قذف عائشة- رضی اللّه عنها- وَ مَنْ یَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّیْطانِ فَإِنَّهُ یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ یعنی بالمعاصی وَ الْمُنْکَرِ یعنی ما لا یعرف وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ یعنی نعمته ما زَکی یعنی ما صلح مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَ لکِنَّ اللَّهَ یُزَکِّی یعنی بصلح مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ لقولهم لعائشة عَلِیمٌ 21- به.
وَ لا یَأْتَلِ یعنی و لا یحلف أُولُوا الْفَضْلِ مِنْکُمْ یعنی فی الغنی وَ السَّعَةِ فی الرزق یعنی أبا بکر الصدیق- رضی اللّه عنه- أَنْ یُؤْتُوا أُولِی الْقُرْبی یعنی مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، و أمه اسمها أسماء بنت أبی جندل بن نهشل، قرابة أبی بکر الصدیق ابن خالته «2» وَ الْمَساکِینَ لأن مسطحا کان فقیرا وَ الْمُهاجِرِینَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ لأنه کان من المهاجرین الذین هاجروا إلی المدینة وَ لْیَعْفُوا یعنی و لیترکوا وَ لْیَصْفَحُوا یعنی و لیتجاوزوا عن مسطح أَ لا تُحِبُّونَ یعنی أبا بکر أَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَکُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ للذنوب العظام رَحِیمٌ 22- یعنی بالمؤمنین
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لأبی بکر- رضی اللّه عنه-: أما تحب أن یغفر اللّه- تعالی
______________________________
(1) فی أ: رفیق لکم، ز: یرق لکم.
(2) من ز، ل، و فی أ زیادة هی: و کان یتیما فی حجره فی صغره فلما تبین عذر عائشة- رضی اللّه عنها- و کان مسطح فیمن خاض فی أمرها حلف أبو بکر- رضی اللّه عنه- ألا یصله بشی‌ء أبدا لأنه أذاع علی عائشة أمر القذف، و کان مسطح من المهاجرین الأولین فأنزل اللّه- عز و جل- فی أبی بکر الصدیق «و لا یأتل» یعنی و لا یحلف «أولو الفضل منکم و السعة أن یؤتوا أولی القربی». تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 193
لک. قال: بلی. قال: فاعف و اصفح.
فقال أبو بکر- رضی اللّه عنه-: قد عفوت و صفحت لا أمنعه معروفا بعد الیوم، و قد جعلت له مثل ما کان قبل الیوم. و کان أبو بکر- رضی اللّه عنه- قد حرمه تلک العطیة حین ذکر عائشة- رضی اللّه عنها- بالسوء.
إِنَّ الَّذِینَ یَرْمُونَ یعنی یقذفون بالزنا الْمُحْصَناتِ لفروجهن عفائف یعنی عائشة- رضی اللّه عنها- الْغافِلاتِ عن الفواحش الْمُؤْمِناتِ یعنی المصدقات لُعِنُوا یعنی عذبوا بالجلد ثمانین فِی الدُّنْیا وَ فی الْآخِرَةِ بعذاب «النار. یعنی عبد اللّه بن أبی یعذب بالنار «1» [37 أ] لأنه منافق وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ 23- ثم ضرب النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عبد اللّه بن أبی و حسان بن ثابت و مسطح و حمنة بنت جحش کل واحد منهم ثمانین فی قذف عائشة- رضی اللّه عنها- یَوْمَ تَشْهَدُ عَلَیْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَیْدِیهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ 24- یَوْمَئِذٍ فی الآخرة یُوَفِّیهِمُ اللَّهُ دِینَهُمُ الْحَقَ یعنی حسابهم بالعدل لا یظلمون وَ یَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِینُ 25- یعنی العدل البین، ثم قال- تعالی-: الْخَبِیثاتُ یعنی السی‌ء من الکلام لِلْخَبِیثِینَ من الرجال و النساء الذین قذفوا عائشة لأنه یلیق بهم الکلام السی‌ء «2».
______________________________
(1) من «النار ...» إلی «... النار»: ساقط من أ، و هو من ز.
(2) اضطراب فی النسخ و التفسیر مستخلص من أ، ز.
ففی أ: «الخبیثات» یعنی السی‌ء من الکلام لأنهم یلیق بهم الکلام السی‌ء یعنی قذف عائشة- رضی اللّه عنها. «للخبیثین» من الرجال و النساء الذین قذفوا عائشة- رضی اللّه عنها- لأن فیهم حمنة بنت جحش.
و فی ز: «الخبیثات للخبیثین» یعنی السیئ من الکلام لأنه یلیق بها السی‌ء، ثم قال «و الخبیثون» من الرجال و النساء «للخبیثات» یعنی السیئ من الکلام لأنه یلیق بهم الکلام السیئ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 194
وَ الْخَبِیثُونَ من الرجال و النساء لِلْخَبِیثاتِ یعنی السیئ من الکلام لأنه یلیق بهم الکلام السیئ «1».
ثم قال- سبحانه-: وَ الطَّیِّباتُ یعنی الحسن من الکلام لِلطَّیِّبِینَ من الرجال و النساء یعنی- عز و جل- الذین ظنوا بالمؤمنین و المؤمنات خیرا وَ الطَّیِّبُونَ من الرجال و النساء لِلطَّیِّباتِ یعنی الحسن من الکلام لأنه یلیق بهم الکلام الحسن، ثم قال- تعالی-: أُولئِکَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا یَقُولُونَ یعنی مما یقول هؤلاء القاذفون الذین قذفوا عائشة- رضی اللّه عنها- هم مبرأون من الخبیثات من الکلام لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ 26- یعنی رزقا حسنا فی الجنة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِکُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا یعنی حتی تستأذنوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها فیها تقدیم فابدءوا بالسلام قبل الاستئذان و ذلک أنهم کانوا فی الجاهلیة یقول بعضهم لبعض حییت صباحا و مساء فهذه کانت تحیة القوم بینهم حتی نزلت هذه الآیة، ثم قال:
______________________________
(1) و فی الجلالین: «الخبیثات» من النساء و من الکلمات «للخبیثین» من الناس «و الخبیثون» من الناس «للخبیثات» مما ذکر.
و فی البیضاوی: «الخبیثات للخبیثین، و الخبیثون للخبیثات و الطیبات للطیبین و الطیبون للطیبات» أی الخبائث یتزوجن الخبائث و بالعکس و کذلک أهل الطیب فیکون کالدلیل علی قوله «أولئک» یعنی أهل بیت النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أو الرسول و عائشة و صفوان «مبرءون مما یقولون» إذ لو صدق لم تکن زوجته و لم یقرر علیها و قیل الخبیثات و الطیبات من الأقوال و الإشارة إلی الطیبین و الضمیر فی «یقولون» للآفکین مما یقولون فیهم أو للخبیثات أی مبرءون من أن یقولوا مثل قولهم.
«لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ» یعنی الجنة و لقد برأ اللّه أربعة بأربع، برأ یوسف- علیه السلام- بشاهد من أهلها، و موسی- علیه السلام- من قول الیهود فیه بالحجر الذی ذهب بثوبه، و مریم بإنطاق ولدها، و عائشة- رضی اللّه عنها- بهذه الآیات مع هذه المبالغات، و ما ذلک إلا لإظهار منصب الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- و إعلاء منزلته.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 195
ذلِکُمْ یعنی السلام و الاستئذان خَیْرٌ لَکُمْ یعنی أفضل لکم من «1» أن تدخلوا بغیر إذن لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ 27- أن التسلیم و الاستئذان خیر لکم فتأخذون به و یأخذ أهل البیت حذرهم فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِیها أَحَداً یعنی فی البیوت فَلا تَدْخُلُوها حَتَّی یُؤْذَنَ لَکُمْ فی الدخول وَ إِنْ قِیلَ لَکُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا و لا تقعدوا و لا تقوموا علی أبواب الناس فإن لهم حوائج «2» هُوَ أَزْکی لَکُمْ یقول الرجعة خیر لکم من القیام و القعود علی أبوابهم وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ 28- إن دخلتم بإذن أو بغیر إذن فمن دخل بیتا بغیر إذن أهله قال له ملکاه اللذان یکتبان علیه [37 ب : أف لک عصیت و آذیت.
یعنی عصیت اللّه- عز و جل- و آذیت أهل البیت، فلما نزلت آیة التسلیم و الاستئذان فی البیوت، قال أبو بکر الصدیق- رضی اللّه عنه- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: فکیف بالبیوت التی بین مکة و المدینة و الشام علی طهر الطریق لیس فیها ساکن؟ فأنزل اللّه- عز و جل- فی قول أبی بکر الصدیق- رضی اللّه عنه- لَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ یعنی حرج أَنْ تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ مَسْکُونَةٍ لیس بها ساکن فِیها مَتاعٌ یعنی منافع لَکُمْ من البرد و الحر یعنی الخانات و الفنادق وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما تُبْدُونَ یعنی ما تعلنون بألسنتکم وَ ما تَکْتُمُونَ 29- یعنی ما تسرون فی قلوبکم.
قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا یخفضوا «3» مِنْ أَبْصارِهِمْ و «من» «4» ها هنا صلة یعنی یحفظوا أبصارهم کلها عما لا یحل النظر إلیه وَ یَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ عن
______________________________
(1) من: ساقطة من أ، و فی حاشیة أ: من محمد و هی فی ز.
(2) فی أ: حوائج، ل، ز: حوائجا.
(3) فی أ: یحفظوا، و فی حاشیة أ: یخفضوا، محمد.
و فی ل: یحفظوا، و لیست فی ز مطلقا.
(4) فی الأصل: «المن».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 196
الفواحش ذلِکَ الغض للبصر و الحفظ للفرج أَزْکی لَهُمْ یعنی خیرا لهم «من أن لا یغضوا الأبصار، و لا یحفظوا الفروج» «1» ثم قال- عز و جل-:
إِنَّ اللَّهَ خَبِیرٌ بِما یَصْنَعُونَ 30- فی الأبصار و الفروج نزلت هذه الآیة و التی بعدها فی أسماء بنت مرشد کان لها فی بنی حارثة نخل یسمی الوعل فجعلت «2» النساء یدخلنه غیر متواریات یظهرن ما علی صدورهن و أرجلهن و أشعارهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا! فأنزل اللّه- عز و جل- وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها یعنی الوجه و الکفین و موضع السوارین وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَ یعنی علی صدورهن وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَ یعنی- عز و جل- و لا یضعن الجلباب إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ یعنی أزواجهن أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی إِخْوانِهِنَ ثم قال: أَوْ نِسائِهِنَ یعنی نساء المؤمنات کلهن أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُنَ من العبید أَوِ التَّابِعِینَ و هو الرجل یتبع الرجل فیکون معه من غیر عبیده، من غَیْرِ أُولِی الْإِرْبَةِ «مِنَ الرِّجالِ» «3» یقول من لا حاجة له فی النساء: الشیخ الهرم و العنین و الخصی و العجوب و نحوه، ثم قال- سبحانه-: أَوِ الطِّفْلِ یعنی الغلمان الصغار الَّذِینَ لَمْ یَظْهَرُوا عَلی عَوْراتِ النِّساءِ لا یدرون ما النساء من الصغر فلا بأس بالمرأة أن تضع الجلباب عند هؤلاء «4» المسلمین فی هذه الآیة، ثم قال- تعالی- [38 أ]:
______________________________
(1) فی أ: «مما لا یغضون الأبصار و لا یحفظون الفروج»، ز: «من أن لا یحفظوا ...».
(2) فی أ: «فجعل»، ز: «فجعلت» و تشبه فجعلن.
(3) «من الرجال»: ساقطة من أ، ل، ز.
(4) کذا فی أ، ل، ز، و المراد عند وجود هؤلاء تتخفف المرأة من جلبابها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 197
وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَ یقول و لا یحرکن أرجلهن لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَ یعنی الخلخال و ذلک أن المرأة یکون فی رجلها خلخال فتحرک رجلها عمدا لیسمع صوت الجلاجل، فذلک قوله- عز و جل- «و لا یضربن بأرجلهن» وَ تُوبُوا إِلَی اللَّهِ جَمِیعاً من الذنوب التی أصابوها مما فی هذه السورة أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مما نهی عنه- عز و جل- من أول هذه السورة إلی هذه الآیة لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تُفْلِحُونَ 31- وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ یعنی الأحرار بعضکم بعضا یعنی من الأزواج من رجل أو امرأة و هما حران فأمر اللّه- عز و جل- أن یزوجا، ثم قال- سبحانه- وَ أنکحوا الصَّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ یقول و زوجوا المؤمنین من عبیدکم و إمائکم فإنه أغض للبصر و أحفظ للفرج، ثم رجع إلی الأحرار فیها تقدیم إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ لا سعة لهم فی التزویج یُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الواسع فوعدهم أن یوسع علیهم عند التزویج وَ اللَّهُ واسِعٌ لخلقه عَلِیمٌ 32- بهم «1» فقال عمر- رضی اللّه عنه- ما رأیت أعجز ممن لم یلتمس الغناء فی الباءة یعنی النساء یعنی قول اللّه- عز و جل-:
«إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ» وَ لْیَسْتَعْفِفِ عن الزنا و یقال نکاح الأمة الَّذِینَ لا یَجِدُونَ نِکاحاً یعنی سعة التزویج حَتَّی یُغْنِیَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ یعنی یرزقه فیتزوج الحرائر و تزوجوا الإماء وَ الَّذِینَ یَبْتَغُونَ الْکِتابَ مِمَّا مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ یعنی عبیدکم فَکاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِیهِمْ خَیْراً یعنی ما لا، نزلت فی حویطب بن عبد العزی و فی غلامه صبیح القبطی و ذلک أنه طلب إلی سیده المکاتبة علی مائة دینار ثم وضع عنه عشرین دینارا، فأداها و عتق، ثم إن صبیحا
______________________________
(1) فی أ: به، ز: بهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 198
یوم حنین أصابه سهم فمات منه، ثم أمر اللّه- تبارک و تعالی- أن یعینوا فی الرقاب فقال: وَ آتُوهُمْ یعنی و أعطوهم مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِی «آتاکُمْ» «1» وَ لا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغاءِ یقول و لا تکرهوا ولائدکم علی الزنا، نزلت فی عبد اللّه ابن أبی المنافق و فی جاریته أمیمة «2»، و فی عبد اللّه بن نتیل «3» المنافق و فی جاریته مسیکة و هی بنت أمیمة، و منهن أیضا معادة «4» و أروی و عمرة و قتیلة، فأتت أمیمة و ابنتها مسیکة للنبی «5»- صلی اللّه علیه و سلم- فقالت: إنا نکره علی الزنا.
فأنزل اللّه- عز و جل- هذه الآیة [38 ب «و لا تکرهوا فتیاتکم علی البغاء» إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً «6» یعنی تعففا عن الفواحش لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَیاةِ الدُّنْیا یعنی کسبهن و أولادهن من الزنا وَ مَنْ یُکْرِهْهُنَ علی الزنا فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِکْراهِهِنَ لهن فی قراءة ابن مسعود غَفُورٌ لذنوبهن رَحِیمٌ 33- بهن لأنهن مکرهات. وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَیْکُمْ آیاتٍ مُبَیِّناتٍ یعنی الحلال و الحرام و الحدود و أمره و نهیه مما ذکر فی هذه السورة إلی هذه الآیة، ثم قال- سبحانه-:
وَ مَثَلًا مِنَ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ یعنی سنن العذاب فی الأمم الخالیة حین
______________________________
(1) فی أ: أعطاکم، و فی حاشیة أ: الآیة «آتاکم».
(2) فی ز، زیادة- أم مسیکة.
(3) فی أ: شبل، ز: نتبل.
(4) ورد ذلک فی لباب النقول للسیوطی: 162.
(5) فی أ: النبی، ز: النبی.
(6) فی حاشیة ز ما یأتی:
قوله: «إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً» مفهوم الشرط هنا معطل إجماعا، و إنما أتی به لیظهر عن الإکراه فائدة إذا لو أردن البغاء و هو الزنا لم یظهر للنهی عنه فائدة لاتفاق السادات و النفیات علیه، کذا فهمته، و أن لم أعلم، کتبه الفقیر إلی من قال «ادعونی» أحمد بن عبد الکریم الأشمونی- عفا اللّه عنهما.
و ذلک فی حاشیة الورقة 56 من النسخة الأزهریة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 199
کذبوا رسلهم وَ مَوْعِظَةً یعنی و عظة لِلْمُتَّقِینَ 34- اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «1» یقول اللّه هادی أهل السموات و الأرض ثم انقطع الکلام، و أخذ فی نعت نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- و ما ضرب له من المثل، فقال- سبحانه-:
مَثَلُ نُورِهِ مثل نور محمد- صلی اللّه علیه و سلم- إذا کان مستودعا فی صلب أبیه عبد اللّه بن عبد المطلب کَمِشْکاةٍ یعنی بالمشکاة الکوة لیست بالنافذة فِیها مِصْباحٌ یعنی السراج الْمِصْباحُ فِی زُجاجَةٍ الصافیة تامة الصفاء یعنی بالمشکاة صلب عبد اللّه أبی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و یعنی بالزجاجة جسد محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و یعنی بالسراج الإیمان فی جسد محمد- صلی اللّه علیه و سلم-، فلما خرجت الزجاجة فیها المصباح من الکوة صارت الکوة مظلمة فذهب نورها و الکوة مثل عبد اللّه ثم شبه الزجاجة بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- فی کتب الأنبیاء- علیهم السلام- لا خفاء فیه «2» کضوء الکواکب الدری و هو الزهرة فی الکواکب و یقال المشتری و هو البرجرس بالسریانیة «3» یُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَکَةٍ یعنی بالشجرة المبارکة إبراهیم- خلیل الرحمن، صلی اللّه علیه
______________________________
(1) جاء فی حاشیة ز ما یأتی: ورقة 56:
روی مقاتل عن الضحاک مثل للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-، فشبه عبد المطلب بالمشکاة، و شبه عبد اللّه بالزجاجة و شبه النبی بالمصباح و کان فی صلبهما، فنورت النبوة من إبراهیم و هو قوله: «یُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَکَةٍ» و إنما شبه إبراهیم بالشجرة لأن أکثر الأنبیاء منه «لا شَرْقِیَّةٍ وَ لا غَرْبِیَّةٍ» أی لا یهودیة و لا نصرانیة، ما کان إبراهیم یهودیا و لا نصرانیا.
(2) فی أ: به.
(3) من أ، و فی ز: «کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرِّیٌّ» یعنی أن اسم محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و ذکره مع أسماء الأنبیاء و الرسل فی اللوح المحفوظ عند اللّه، فضل اسمه علی تلک الأسماء کفضل الکوکب الدری یعنی المضی‌ء علی سائر الکواکب و هی الزهرة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 200
و سلم- یقول یوقد محمد من إبراهیم- علیهما السلام- و هو من ذریته ثم ذکر إبراهیم- علیه السلام- فقال- سبحانه-: زَیْتُونَةٍ قال طاعة حسنة لا شَرْقِیَّةٍ وَ لا غَرْبِیَّةٍ یقول لم یکن إبراهیم- علیه السلام- یصلی قبل المشرق کفعل النصاری و لا قبل المغرب کفعل الیهود، و لکنه کان یصلی قبل الکعبة، ثم قال: یَکادُ زَیْتُها یُضِی‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ «یعنی إبراهیم یکاد علمه یضی‌ء. و سمعت من یحکی عن أبی صالح فی قوله- تعالی-: (یکاد زیتها یضی‌ء) «1» قال: یکاد محمد- صلی اللّه علیه و سلم- أن یتکلم بالنبوة قبل أن یوحی إلیه یقول: «وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ» یقول و لو لم تأته النبوة لکانت طاعته مع طاعة [39 أ] الأنبیاء، علیهم السلام، ثم قال- عز و جل-: نُورٌ عَلی نُورٍ قال محمد- صلی اللّه علیه و سلم- نبی خرج من صلب نبی یعنی إبراهیم- علیهما السلام- یَهْدِی اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ یَشاءُ قال یهدی اللّه لدینه من یشاء من عباده، و کأن الکوة مثلا لعبد اللّه بن عبد المطلب، و مثل السراج مثل الإیمان، و مثل الزجاجة مثل جسد محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و مثل الکوکب الدری مثل محمد- صلی اللّه علیه و سلم-، و مثل الشجرة المبارکة مثل إبراهیم- علیهما السلام «2»-، فذلک قوله- عز و جل-
______________________________
(1) ما بین الأقواس «...» کان قد سقط سهوا من أ، ثم کتبه فی الهامش.
(2) سار مقاتل علی أن الضمیر فی قوله- تعالی: «مَثَلُ نُورِهِ» عائد علی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و هو احتمال بعید فی رأیی.
و قد سار البیضاوی علی أن الضمیر عائد علی للّه- تعالی- فقال: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» بمعنی منور السموات و الأرض و قد قرئ به فإنه- تعالی- نورهما بالکواکب و ما یفیض عنها من الأنوار و بالملائکة و الأنبیاء أو مدبرهما.
«مَثَلُ نُورِهِ» صفة نوره العجیبة و إضافته إلی ضمیره- سبحانه- دلیل علی أن إطلاقه علیه لم یکن علی ظاهره.
و قال فی الجلالین «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» أی منورهما بالشمس و القمر «مَثَلُ نُورِهِ» أی صفته فی قلب المؤمن «کَمِشْکاةٍ فِیها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِی زُجاجَةٍ» هی القندیل و المصباح السراج أی الفتیلة الموقودة، و المشکاة الطاقة غیر النافذة أی الأنبوبة فی القندیل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 201
وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ 35- فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ یقول أمر اللّه- عز و جل- أن ترفع یعنی أن تبنی.
أمر اللّه- عز و جل- برفعها و عمارتها وَ أمر أن یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یعنی یوحد اللّه- عز و جل- نظیرها فی البقرة» «1»: یُسَبِّحُ لَهُ فِیها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ یقول یصلی للّه- عز و جل- رِجالٌ فیها تقدیم بالغدو و العشی «2»، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ یعنی شراء «3» وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ یعنی الصلوات المفروضة وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِیتاءِ الزَّکاةِ یقول لا تلهیهم التجارة عن إقام الصلاة و إعطاء الزکاة، ثم أخبر عنهم فقال- سبحانه-:
یَخافُونَ یَوْماً تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ حین زالت من أماکنها من الصدور فنشبت فی حلوقهم عند الحناجر، قال: وَ الْأَبْصارُ- 37- یعنی تقلب أبصارهم فتکون زرقا، لِیَجْزِیَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما یعنی الذی عَمِلُوا من الخیر و لهم مساوئ فلا یجزیهم بها وَ یَزِیدَهُمْ علی أعمالهم مِنْ فَضْلِهِ فضلا علی أعمالهم وَ اللَّهُ یَرْزُقُ مَنْ یَشاءُ بِغَیْرِ حِسابٍ 38- یقول اللّه- تعالی- لیس فوقی ملک یحاسبنی أنا الملک أعطی من شئت بغیر حساب لا أخاف من أحد یحاسبنی وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه مثل أَعْمالُهُمْ الخبیثة کَسَرابٍ بِقِیعَةٍ یعنی- عز و جل- بالسراب الذی یری فی الشمس بأرض قاع «4» یَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ یعنی العطشان ماءً فیطلبه و یظن أنه قادر علیه حَتَّی إِذا جاءَهُ
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 203 من سورة البقرة و هی «وَ اذْکُرُوا اللَّهَ فِی أَیَّامٍ مَعْدُوداتٍ ...» الآیة.
(2) أی یسبح له رجال بالغدو و العشی أی فی الصباح و المساء.
(3) فی أ: شری، ل: شراء.
(4) بأرض قاع: أی فی صحراء خالیة أو فضاء متسع، و فی أ: فی الشمس قاع، ز: بأرض قاع.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 202
یعنی أتاه لَمْ یَجِدْهُ شَیْئاً فهکذا الکافر إذا انتهی إلی عمله یوم القیامة وجده لم یغن عنه شیئا لأنه عمله فی غیر إیمان، کما لم یجد العطشان السراب شیئا حتی انتهی إلیه فمات من العطش فهکذا الکافر یهلک یوم القیامة کما هلک العطشان حین انتهی إلی السراب، یقول: وَ وَجَدَ اللَّهَ جل جلاله- بالمرصاد و عِنْدَهُ عمله فَوَفَّاهُ حِسابَهُ یقول فجازاه بعمله لم یظلمه [39 ب وَ اللَّهُ سَرِیعُ الْحِسابِ 39- یخوفه بالحساب کأنه قد کان نزلت فی شیبة ابن ربیعة بن عبد شمس بن عبد مناف و کان یلتمس الدین فی الجاهلیة و یلبس الصفر فکفر فی الإسلام، ثم ضرب اللّه- عز و جل- لشیبة و کفره بالإیمان مثلا آخر فقال: أَوْ کَظُلُماتٍ فِی بَحْرٍ لُجِّیٍ یعنی فی بحر عمیق و البحر إذا کان عمیقا کان أشد لظلمته، یعنی بالظلمات الظلمة التی فیها الکافر و البحر اللجی قلب الکافر یَغْشاهُ مَوْجٌ فوق الماء ثم یذهب عنه ذلک الموج ثم یغشاه موج آخر مکان الموج الأول، فذلک قوله- عز و جل-: «یغشاه موج» مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ فهی ظلمة الموج و ظلمة اللیل و ظلمة البحر و السحاب «1» یقول و هذه ظلمات بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ فهکذا الکافر قلبه مظلم فی صدر مظلم فی جسد مظلم «2» لا یبصر نور «3» الإیمان کما أن صاحب البحر إِذا أَخْرَجَ یَدَهُ فی ظلمة الماء لَمْ یَکَدْ یَراها یعنی لم یرها البتة، فذلک قوله- عز و جل- وَ مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً یعنی الهدی الإیمان فَما لَهُ مِنْ نُورٍ- 40- یعنی من هدی.
______________________________
(1) فی أ: سحاب، ل: و السحاب، و هی ساقطة من ز.
(2) من ز، و فی أ: فهکذا الکافر قلبه مظلم فی صدر و جسد مظلم.
و فی ل: فهکذا الکافر قلبه مظلم فی صدر جسده مظلم.
(3) فی ا، ز: لا یبصرون، ل: لا یبصر نور.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 203
«إِذا أَخْرَجَ یَدَهُ لَمْ یَکَدْ یَراها» لم یقارب به البصر، کقول «1» الرجل لم یصب و لم یقارب.
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یُسَبِّحُ لَهُ یقول ألم تعلم أن اللّه یذکره مَنْ فِی السَّماواتِ من الملائکة وَ من فی الْأَرْضِ من المؤمنین: من الإنس و الجن وَ الطَّیْرُ صَافَّاتٍ الأجنحة کُلٌ من فیها: فی السموات «2» و الأرض قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ من الملائکة و المؤمنین من الجن و الإنس ثم قال- عز و جل-:
وَ تَسْبِیحَهُ یعنی و یذکره کل مخلوق بلغته غیر کفار الإنس و الجن وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِما یَفْعَلُونَ 41- وَ لِلَّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَی اللَّهِ الْمَصِیرُ- 42- فی الآخرة أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یقول ألم تعلم أن اللّه یُزْجِی یعنی یسوق سَحاباً ثُمَّ یُؤَلِّفُ بَیْنَهُ یعنی یضم بعضه إلی بعض ثُمَّ یَجْعَلُهُ رُکاماً یعنی قطعا یحمل بعضها علی إثر بعض «ثُمَّ یُؤَلِّفُ «3» بَیْنَهُ» یعنی یضم «4» السحاب بعضه إلی بعض بعد الرکام فَتَرَی الْوَدْقَ یَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ یقول فتری المطر یخرج من خلال «5» السحاب وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِیها مِنْ بَرَدٍ فَیُصِیبُ بِهِ بالبرد مَنْ یَشاءُ فیضر فی زرعه و ثمره وَ یَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ یَشاءُ فلا یضره فی زرعه
______________________________
(1) فی ا، ل: کقول، ز: یقول.
(2) من ز، و فی أ: من فی السموات.
(3) فی أ: یولف.
(4) فی أ: یصف، ز: بضم.
(5) فی أ: خلل، ز: خلال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 204
و لا فی ثمره یَکادُ سَنا بَرْقِهِ یقول ضوء برقه یَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ- 43- یُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ یعنی بالتقلب «1» اختلافهما: أنه یأتی باللیل [40 أ] و یذهب بالنهار، ثم یأتی بالنهار و یذهب باللیل إِنَّ فِی ذلِکَ الذی ذکر من صنعه لَعِبْرَةً لِأُولِی الْأَبْصارِ- 44- یعنی لأهل البصائر فی أمر اللّه- عز و جل- وَ اللَّهُ خَلَقَ کُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی بَطْنِهِ یعنی الهوام وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی رِجْلَیْنِ الإنس و الجن و الطیر وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی أَرْبَعٍ قوائم یعنی الدواب و الأنعام و الوحش و السباع یَخْلُقُ اللَّهُ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من الخلق قَدِیرٌ- 45- لَقَدْ أَنْزَلْنا آیاتٍ مُبَیِّناتٍ لما فیه من أمره و نهیه وَ اللَّهُ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 46- یعنی إلی دین مستقیم یعنی الإسلام، و غیره من الأدیان لیس بمستقیم، وَ یَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ یعنی صدقنا بتوحید اللّه- عز و جل- وَ بِالرَّسُولِ یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- أنه من اللّه- عز و جل- نزلت فی بشر المنافق وَ أَطَعْنا قولهما ثُمَّ یَتَوَلَّی فَرِیقٌ مِنْهُمْ یعنی ثم یعرض عن طاعتهما طائفة منهم مِنْ بَعْدِ ذلِکَ یعنی من بعد الإیمان باللّه- عز و جل- و رسوله- صلی اللّه علیه و سلم-. وَ ما أُولئِکَ بِالْمُؤْمِنِینَ 47- یعنی- عز و جل- بشر المنافق، ثم أخبر عنه فقال- تعالی-: وَ إِذا دُعُوا إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِیَحْکُمَ بَیْنَهُمْ إِذا فَرِیقٌ مِنْهُمْ یعنی من المنافقین مُعْرِضُونَ 48- عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلی کعب بن الأشرف و ذلک أن رجلا من الیهود کان بینه و بین بشر خصومة و أن الیهودی دعا بشرا إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم-
______________________________
(1) أ: بالتقلب، ز: تقلب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 205
و دعاه بشر إلی کعب فقال بشر: إن محمدا «1» یحیف علینا، یقول اللّه- عز و جل:
وَ إِنْ یَکُنْ لَهُمُ الْحَقُ یعنی بشرا المنافق یَأْتُوا إِلَیْهِ مُذْعِنِینَ 49- یأتوا إلیه طائعین مسارعین إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یعنی الکفر أَمِ ارْتابُوا أم شکوا فی القرآن أَمْ یَخافُونَ أَنْ یَحِیفَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ یعنی أن یجوز اللّه- عز و جل- علیهم وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ 50- ثم نعت الصادقین فی إیمانهم فقال- سبحانه-: إِنَّما کانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِینَ إِذا دُعُوا إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ یعنی إلی کتابه و رسوله یعنی أمر رسوله- صلی اللّه علیه و سلم- لِیَحْکُمَ بَیْنَهُمْ أَنْ یَقُولُوا سَمِعْنا قول النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وَ أَطَعْنا أمره وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 51- وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فی أمر الحکم وَ یَخْشَ اللَّهَ فی ذنوبه التی عملها ثم قال- تعالی- «وَ یَتَّقْهِ» «2» و من یتق اللّه- تعالی- فیما بعد فلم یعصه فَأُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ 52- یعنی الناجون [40 ب من النار فلما بین اللّه- عز و جل- کراهیة المنافقین لحکم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أتوه فقالوا و اللّه لو أمرتنا أن نخرج من دیارنا و أموالنا و نسائنا لخرجنا أ فنحن «3» لا نرضی بحکمک فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- فیما حلفوا للنبی «4»- صلی اللّه علیه و سلم- وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ یعنی حلفوا باللّه یعنی المنافقین جَهْدَ أَیْمانِهِمْ فإنه من حلف باللّه- عز و جل- فقد اجتهد فی الیمین لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ یعنی النبی- صلی اللّه
______________________________
(1) فی أ: صلی اللّه علیه و سلم، و لیست فی ل.
(2) «وَ یَتَّقْهِ»: ساقطة من أ، و فی حاشیة أ: الآیة و یثقه.
(3) فی أ، ز، ل، ف: فنحن، و قد یکون أصلها أ فنحن فسقطت الهمزة من النساخ.
(4) فی ز: حلفوا للنبی، أ: خالفوا النبی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 206
علیه و سلم- لَیَخْرُجُنَ من الدیار و الأموال کلها قُلْ لهم: لا تُقْسِمُوا لا تحلفوا و لکن هذه منکم طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ یعنی طاعة حسنة للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- إِنَّ اللَّهَ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ 53- من الإیمان و الشرک، ثم أمرهم بطاعته- عز و جل- و طاعة رسوله- صلی اللّه علیه و سلم- فقال- تعالی-: قُلْ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ فیما أمرتم فَإِنْ تَوَلَّوْا یعنی أعرضتم عن طاعتهما فَإِنَّما عَلَیْهِ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم ما حُمِّلَ وَ عَلَیْکُمْ ما حُمِّلْتُمْ یقول فإنما علی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- ما أمر من تبلیغ الرسالة و علیکم و ما أمرتم من طاعتهما، ثم قال- تعالی-: وَ إِنْ تُطِیعُوهُ یعنی- النبی صلی اللّه علیه و سلم- تَهْتَدُوا من الضلالة و إن عصیتموه فإنما علی رسولنا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- البلاغ المبین یعنی لیس علیه إلا أن یبلغ و یبین «وَ ما» «1» عَلَی الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِینُ «2»- 54- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ و ذلک أن کفار مکة صدوا المسلمین عن العمرة عام الحدیبیة فقال المسلمون: لو أن اللّه- عز و جل- فتح علینا مکة و دخلناها آمنین فسمع اللّه- عز و جل- قولهم فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- «وعد اللّه الذین آمنوا منکم و عملوا الصالحات، لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ یعنی أرض مکة کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ من بنی إسرائیل و غیرهم، وعدهم أن یستخلفهم بعد هلاک کفار مکة «3» وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الإسلام حتی یشیع الإسلام الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ
______________________________
(1) فی أ: «فما»، ز: «فانما».
(2) أتیت بالنص القرآنی بلفظه فی آخر التفسیر لأن جمیع النسخ حرفته فنقلت التفسیر کما فی النسخ ثم نقلت المقطع الأخیر من الآیة زائدا علی التفسیر.
(3) فی أ: کفارها، ز: بعد هلاک أهلها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 207
یعنی الذی رضی لهم وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ من کفار أهل مکة أَمْناً لا یخافون أحدا یَعْبُدُونَنِی یعنی یوحدوننی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً من الآلهة وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ التمکین فی الأرض فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ 55- یعنی العاصین وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ یعنی و أتموا الصلاة وَ آتُوا الزَّکاةَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ [41 أ] فیما أمرکم لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ 56- یقول لکی ترحموا فلا تعذبوا لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة مُعْجِزِینَ یعنی سابقی اللّه فِی الْأَرْضِ حتی یجزیهم اللّه- عز و جل- بکفرهم وَ مَأْواهُمُ «النَّارُ» «1» وَ لَبِئْسَ الْمَصِیرُ- 57- یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْکُمُ فی بیوتکم الَّذِینَ مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ یعنی العبید و الولائد فی کل وقت نزلت فی أسماء بنت أبی مرشد «2» قالت: إنه لیدخل علی «3» الرجل و المرأة و لعلهما أن یکونا «4» فی لحاف واحد لا علم لهما فنزلت هذه فقال- سبحانه- وَ لیستأذنکم الَّذِینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْکُمْ یعنی من الأحرار من الصبیان ثَلاثَ مَرَّاتٍ لأنها ساعات غفلة و غیره مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِینَ تَضَعُونَ ثِیابَکُمْ مِنَ الظَّهِیرَةِ یعنی نصف النهار وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَکُمْ یقول هذه ساعات غفلة و غیره لَیْسَ عَلَیْکُمْ معشر المؤمنین یعنی أرباب البیوت وَ لا عَلَیْهِمْ یعنی الخدم و الصبیان الصغار جُناحٌ بَعْدَهُنَ یعنی بعد العورات الثلاث طَوَّافُونَ عَلَیْکُمْ یعنی بالطوافین یتقلبون علیکم لیلا و نهارا
______________________________
(1) فی أ: جهنم. و فی حاشیة أ: الآیة «النار».
(2) فی أ: أسماء بنت مرشد، ل: أسماء بنت أبی مرشد.
(3) فی أ: علی، ز: علی.
(4) فی أ: یکونا، ز: یکونان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 208
یدخلون و یخرجون بغیر استئذان بَعْضُکُمْ عَلی بَعْضٍ کَذلِکَ یعنی هکذا یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیاتِ یعنی أمره و نهیه فی الاستئذان وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 58- «حکم» «1» ما ذکر من الاستئذان فی هذه الآیة وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْکُمُ الْحُلُمَ یعنی من الأحرار «2» فَلْیَسْتَأْذِنُوا کَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی من الکبار من ولد الرجل و أقربائه «3» و یقال من العبید کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمْ آیاتِهِ یعنی أمره وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 59- حکم الاستئذان بعد العورات «4» الثلاث علی الأطفال إذا احتلموا وَ الْقَواعِدُ عن الحیض مِنَ النِّساءِ یعنی المرأة الکبیرة التی لا تحیض من الکبر اللَّاتِی لا یَرْجُونَ نِکاحاً یعنی تزویجا فَلَیْسَ عَلَیْهِنَّ جُناحٌ یعنی حرج أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَ فی قراءة ابن مسعود «من ثیابهن» و هو الجلباب الذی یکون فوق الخمار غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِینَةٍ لا ترید بوضع الجلباب أن تری زینتها یعنی الحلی، قال- عز و جل- وَ أَنْ یَسْتَعْفِفْنَ و لا یضعن الجلباب خَیْرٌ لَهُنَ من وضع الجلباب وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ 60- لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ نزلت فی الأنصار، و ذلک أنه «5» لما نزلت إِنَّ الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَیَصْلَوْنَ سَعِیراً «6»، «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ [41 ب
______________________________
(1) «حکم»: ساقطة من أ، و هی من ل.
(2) فی أ، ل: یعنی من الأحرار الحلم.
(3) فی أ: و أقرباء.
(4) فی أ: عورات.
(5) زیادة لیست فی أ، و لا فی ل.
(6) سورة النساء: 1.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 209
بالباطل «1»» قالت الأنصار: ما بالمدینة مال أعز من الطعام، فکانوا لا یأکلون مع الأعمی لأنه لا یبصر موضع الطعام و لا مع الأعرج لأنه لا یطبق الزحام، و لا مع المریض لأنه لا یطیق «2» أن یأکل کما یأکل الصحیح، و کان الرجل یدعو حمیمه و ذا قرابته و صدیقه إلی طعامه فیقول أطعم من هو أفقر إلیه منی فان أکره أن آکل أموال الناس بالباطل و الطعام أفضل المال فأنزل اللّه- عز و جل-: «لیس علی الأعمی حرج» وَ لا عَلَی الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْمَرِیضِ حَرَجٌ فی الأکل معهم وَ لا عَلی أَنْفُسِکُمْ لأنهم یأکلون علی حده أَنْ تَأْکُلُوا مِنْ بُیُوتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ آبائِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أُمَّهاتِکُمْ «3» أَوْ بُیُوتِ إِخْوانِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أَخَواتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أَعْمامِکُمْ أَوْ بُیُوتِ عَمَّاتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أَخْوالِکُمْ أَوْ بُیُوتِ خالاتِکُمْ أَوْ ما مَلَکْتُمْ مَفاتِحَهُ یعنی خزائنه یعنی عبیدکم و إمائکم أَوْ صَدِیقِکُمْ نزلت فی مالک «4» بن زید و کان «5» صدیقه الحارث بن عمرو، و ذلک أن الحارث خرج غازیا و خلف مالکا فی أهله و ماله و ولده فلما رجع رأی مالکا مجهودا «6» قال: ما أصابک «7»؟ قال: لم یکن عندی شی‌ء و لم یحل لی أکل مالک، ثم قال- سبحانه-: لَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْکُلُوا جَمِیعاً أَوْ أَشْتاتاً و ذلک أنهم کانوا یأکلون علی حدة و لا یأکلون جمیعا، یرون أن أکله ذنب «8» یقول
______________________________
(1) سورة النساء: 29.
(2) فی أ: لا یطیق یأکل، ز: لا یطیق أن یأکل.
(3) فی أ: إلی آخر الآیة، و فی ز نص الآیة کاملا.
(4) فی أ، ز: «ملک» لکن ذکرت بعد ذلک فی ز «مالک».
(5) فی أ: کان، ز: و کان.
(6) فی، ل، ز: مجهودا، أقول و المعنی ضعیفا مهزولا.
(7) کذا فی أ، ز- و الأنسب قال له: ما أصابک؟
(8) فی ل: ذنب، و فی أ: حلف و لعله محرف عن حلف. و الجملة ساقطة من ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 210
اللّه- عز و جل-: «کلوا جمیعا أو أشتاتا»: و کانت بنو لیث بن بکر لا یأکل الرجل منهم حتی یجد من یأکل معه أو یدرکه الجهد فیأخذ عنزة له فیرکزها و یلقی علیها ثوبا تحرجا أن یأکل وحده، فلما جاء الإسلام فعلوا ذلک، و کان المسلمون إذا سافروا اجتمع نفر منهم فجمعوا نفقاتهم و طعامهم فی مکان فإن غاب رجل منهم لم یأکلوا حتی یرجع صاحبهم مخافة الإثم، فنزلت «لیس علیکم جناح أن تأکلوا جمیعا» إن کنتم جماعة «أو أشتاتا» یعنی متفرقین فَإِذا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً للمسلمین فَسَلِّمُوا عَلی أَنْفُسِکُمْ یعنی بعضکم علی بعض یعنی أهل دینکم یقول السلام تَحِیَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَکَةً یعنی من سلم أجر فهی البرکة طَیِّبَةً حسنة کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیاتِ یعنی أمره فی أمر الطعام و التسلیم لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ 61- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ [42 أ] وَ إِذا کانُوا مَعَهُ أی النبی «1»- صلی اللّه علیه و سلم-» عَلی أَمْرٍ جامِعٍ یقول إذا اجتمعوا «علی أمر هو «2»» للّه- عز و جل- طاعة لَمْ یَذْهَبُوا یعنی لم یفارقوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- حَتَّی یَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَکَ أُولئِکَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوکَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ یعنی لبعض أمرهم فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ یعنی من المؤمنین نزلت فی عمر بن الخطاب- رضوان اللّه علیه- فی غزاة تبوک و ذلک
أنه استأذن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی الرجعة أن یسمع المنافقین، إلی أهله فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- انطلق فو اللّه ما أنت بمنافق.
یرید أن یسمع المنافقین فلما سمعوا ذلک، قالوا: ما بال محمد «3» إذا استأذنه أصحابه أذن لهم فإذا استأذناه
______________________________
(1) فی أ: « (و إذا کانوا مع) النبی- صلی اللّه علیه و سلم-».
(2) فی ل: علی أمر هو، ا: علی أمرهم.
(3) فی أ: صلی اللّه علیه و سلم، و لیس فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 211
لم یأذن لنا، فو اللات ما نراه یعدل، و إنما «1» زعم أنه جاء لیعدل «2»، ثم قال:
وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ یعنی للمؤمنین «اللَّهَ» «3» إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ 62- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَیْنَکُمْ کَدُعاءِ بَعْضِکُمْ بَعْضاً یقول اللّه- عز و جل- لا تدعوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- باسمه: یا محمد «4» و یا بن عبد اللّه إذا کلمتموه کما یدعو بعضکم بعضا باسمه یا فلان و یا بن فلان و لکن عظموه و شرفوه- صلی اللّه علیه و سلم- و قولوا یا رسول اللّه یا نبی اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- نظیرها فی الحجرات «5» قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِینَ یَتَسَلَّلُونَ مِنْکُمْ لِواذاً و ذلک أن المنافقین کان یثقل علیهم یوم الجمعة قول النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و حدیثه إذا کانوا معه علی أمر جامع فیقوم المنافق و ینسل و یلوذ بالرجال و بالساریة لئلا یراه النبی- صلی اللّه علیه و سلم- حتی یخرج من المسجد، و یدعوه «6» باسمه یا محمد و یا بن عبد اللّه فنزلت هؤلاء الآیات قوله- سبحانه-: «قد یعلم اللّه الذین یتسللون منکم لو إذا» فخوفهم عقوبته فقال- سبحانه-: فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ یعنی عن أمر اللّه- عز و جل- أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ یعنی الکفر أَوْ یُصِیبَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 63- یعنی وجیعا یعنی القیل فی الدنیا، ثم عظم نفسه- جل جلاله- فقال- تعالی-: أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ
______________________________
(1) فی ل: و إنما، أ: فإنما.
(2) فی ل: لیعدل، أ: بالعدل.
(3) لفظ الجلالة ساقط من أ، و هو فی ز.
(4) کذا فی أ، ل، ز. و الأنسب: مثل یا محمد.
(5) یشیر إلی الآیة الثانیة من سورة الحجرات.
(6) فی أ: و یدعوا، ز: و یدعوه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 212
من الخلق عبیده و فی ملکه قَدْ یَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ من الإیمان و النفاق وَ یَوْمَ یُرْجَعُونَ إِلَیْهِ أی إلی اللّه فی الآخرة «1» فَیُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من خیر أو شر وَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ من اعمالکم عَلِیمٌ 64- به- عز و جل
______________________________
(1) فی أ: (و یوم یرجعون) فی الآخرة: (إلی) اللّه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 213

سورة الفرقان‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 215

[سورة الفرقان (25): الآیات 1 الی 77]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
تَبارَکَ الَّذِی نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلی عَبْدِهِ لِیَکُونَ لِلْعالَمِینَ نَذِیراً (1) الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ وَ خَلَقَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِیراً (2) وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا یَخْلُقُونَ شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ وَ لا یَمْلِکُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ لا یَمْلِکُونَ مَوْتاً وَ لا حَیاةً وَ لا نُشُوراً (3) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْکٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَیْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً (4)
وَ قالُوا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ اکْتَتَبَها فَهِیَ تُمْلی عَلَیْهِ بُکْرَةً وَ أَصِیلاً (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِی یَعْلَمُ السِّرَّ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ کانَ غَفُوراً رَحِیماً (6) وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ یَأْکُلُ الطَّعامَ وَ یَمْشِی فِی الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَیْهِ مَلَکٌ فَیَکُونَ مَعَهُ نَذِیراً (7) أَوْ یُلْقی إِلَیْهِ کَنْزٌ أَوْ تَکُونُ لَهُ جَنَّةٌ یَأْکُلُ مِنْها وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) انْظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلاً (9)
تَبارَکَ الَّذِی إِنْ شاءَ جَعَلَ لَکَ خَیْراً مِنْ ذلِکَ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ یَجْعَلْ لَکَ قُصُوراً (10) بَلْ کَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَ أَعْتَدْنا لِمَنْ کَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِیراً (11) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ سَمِعُوا لَها تَغَیُّظاً وَ زَفِیراً (12) وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها مَکاناً ضَیِّقاً مُقَرَّنِینَ دَعَوْا هُنالِکَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْیَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً کَثِیراً (14)
قُلْ أَ ذلِکَ خَیْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ کانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِیراً (15) لَهُمْ فِیها ما یَشاؤُنَ خالِدِینَ کانَ عَلی رَبِّکَ وَعْداً مَسْؤُلاً (16) وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَیَقُولُ أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِی هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِیلَ (17) قالُوا سُبْحانَکَ ما کانَ یَنْبَغِی لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِکَ مِنْ أَوْلِیاءَ وَ لکِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ حَتَّی نَسُوا الذِّکْرَ وَ کانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ کَذَّبُوکُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِیعُونَ صَرْفاً وَ لا نَصْراً وَ مَنْ یَظْلِمْ مِنْکُمْ نُذِقْهُ عَذاباً کَبِیراً (19)
وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَیَأْکُلُونَ الطَّعامَ وَ یَمْشُونَ فِی الْأَسْواقِ وَ جَعَلْنا بَعْضَکُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَ کانَ رَبُّکَ بَصِیراً (20) وَ قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْنَا الْمَلائِکَةُ أَوْ نَری رَبَّنا لَقَدِ اسْتَکْبَرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا کَبِیراً (21) یَوْمَ یَرَوْنَ الْمَلائِکَةَ لا بُشْری یَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِینَ وَ یَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَ قَدِمْنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) أَصْحابُ الْجَنَّةِ یَوْمَئِذٍ خَیْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِیلاً (24)
وَ یَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِکَةُ تَنْزِیلاً (25) الْمُلْکُ یَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَ کانَ یَوْماً عَلَی الْکافِرِینَ عَسِیراً (26) وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلی یَدَیْهِ یَقُولُ یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلاً (27) یا وَیْلَتی لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِی عَنِ الذِّکْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِی وَ کانَ الشَّیْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (29)
وَ قالَ الرَّسُولُ یا رَبِّ إِنَّ قَوْمِی اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَ کَذلِکَ جَعَلْنا لِکُلِّ نَبِیٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِینَ وَ کَفی بِرَبِّکَ هادِیاً وَ نَصِیراً (31) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَیْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَکَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِیلاً (32) وَ لا یَأْتُونَکَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناکَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِیراً (33) الَّذِینَ یُحْشَرُونَ عَلی وُجُوهِهِمْ إِلی جَهَنَّمَ أُوْلئِکَ شَرٌّ مَکاناً وَ أَضَلُّ سَبِیلاً (34)
وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ وَ جَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِیراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَی الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِیراً (36) وَ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا کَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَ جَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آیَةً وَ أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِینَ عَذاباً أَلِیماً (37) وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَیْنَ ذلِکَ کَثِیراً (38) وَ کُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَ کُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِیراً (39)
وَ لَقَدْ أَتَوْا عَلَی الْقَرْیَةِ الَّتِی أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَ فَلَمْ یَکُونُوا یَرَوْنَها بَلْ کانُوا لا یَرْجُونَ نُشُوراً (40) وَ إِذا رَأَوْکَ إِنْ یَتَّخِذُونَکَ إِلاَّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِی بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) إِنْ کادَ لَیُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَیْها وَ سَوْفَ یَعْلَمُونَ حِینَ یَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِیلاً (42) أَ رَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَ فَأَنْتَ تَکُونُ عَلَیْهِ وَکِیلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَکْثَرَهُمْ یَسْمَعُونَ أَوْ یَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلاً (44)
أَ لَمْ تَرَ إِلی رَبِّکَ کَیْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساکِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَیْهِ دَلِیلاً (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَیْنا قَبْضاً یَسِیراً (46) وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِباساً وَ النَّوْمَ سُباتاً وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (47) وَ هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْیِیَ بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً وَ نُسْقِیَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِیَّ کَثِیراً (49)
وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَیْنَهُمْ لِیَذَّکَّرُوا فَأَبی أَکْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ کُفُوراً (50) وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِی کُلِّ قَرْیَةٍ نَذِیراً (51) فَلا تُطِعِ الْکافِرِینَ وَ جاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً کَبِیراً (52) وَ هُوَ الَّذِی مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَیْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً (53) وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ کانَ رَبُّکَ قَدِیراً (54)
وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَنْفَعُهُمْ وَ لا یَضُرُّهُمْ وَ کانَ الْکافِرُ عَلی رَبِّهِ ظَهِیراً (55) وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلاً (57) وَ تَوَکَّلْ عَلَی الْحَیِّ الَّذِی لا یَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَ کَفی بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِیراً (58) الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِیراً (59)
وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَ زادَهُمْ نُفُوراً (60) تَبارَکَ الَّذِی جَعَلَ فِی السَّماءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ فِیها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِیراً (61) وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ یَذَّکَّرَ أَوْ أَرادَ شُکُوراً (62) وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَ الَّذِینَ یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِیاماً (64)
وَ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها کانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً (66) وَ الَّذِینَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ یُسْرِفُوا وَ لَمْ یَقْتُرُوا وَ کانَ بَیْنَ ذلِکَ قَواماً (67) وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ لا یَزْنُونَ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً (68) یُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ یَخْلُدْ فِیهِ مُهاناً (69)
إِلاَّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً (70) وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ یَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مَتاباً (71) وَ الَّذِینَ لا یَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِراماً (72) وَ الَّذِینَ إِذا ذُکِّرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ لَمْ یَخِرُّوا عَلَیْها صُمًّا وَ عُمْیاناً (73) وَ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّیَّاتِنا قُرَّةَ أَعْیُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِینَ إِماماً (74)
أُوْلئِکَ یُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ یُلَقَّوْنَ فِیها تَحِیَّةً وَ سَلاماً (75) خالِدِینَ فِیها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً (76) قُلْ ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ فَقَدْ کَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ یَکُونُ لِزاماً (77)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 223
سورة الفرقان «1» سورة الفرقان مکیة و هی سبع و سبعون آیة کوفیة «2».
______________________________
(1) مقصود السورة.
المقصود الإجمالی لسورة الفرقان ما یأتی:
المنة بإنزال القرآن، و منشور رسالة سید ولد عدنان، و تنزیه الحق- تعالی- عن الولد و الشریک و ذم الأوثان، و الشکایة من المشرکین بطعنهم فی المرسلین، و طلبهم مجالات المعجزات من الأنبیاء کل أوان، و ذل المشرکین فی العذاب و الهوان، و عز المؤمنین فی ثوابهم بفرادیس الجنان و خطاب الحق مع الملائکة فی القیامة تهدیدا لأهل الکفر، و الطغیان، و بشارة الملائکة للمجرمین بالعقوبة النسران، و بطلان أعمال الکفار یوم ینصب المیزان، و الإخبار بمقر المؤمنین فی درجات الجنان، و انشقاق السموات بحکم الهول و سیاسة العبدان، و الإخبار عن ندامة الظالمین یوم الهیبة و نطق الأرکان، و ذکر الترتیب و الترتیل فی نزول القرآن، و حکایة حال القرون الماضیة، و تمثیل الکفار-
(2) فی المصحف المتداول بیننا:
(25) سورة الفرقان مکیة، الا الآیات 68، 69، 70 فمدنیة، و آیاتها 77 نزلت بعد یس.
و فی کتاب بصائر ذوی التمییز فی لطائف الکتاب العزیز للفیروزآبادی تحقیق الأستاذ النجار ما یأتی:
السورة مکیة بالاتفاق، و عدد آیاتها سبع و سبعون.
و سمیت سورة الفرقان لأن فی فاتحتها ذکر الفرقان فی قوله: «... نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلی عَبْدِهِ ...».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 224
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 287
بالأنعام، أخس الحیوان، و تفضیل الأنعام علیهم فی کل شأن، و عجائب صنع اللّه فی ضمن الغلل و الشمس و تخلیق اللیل، و النهار، و الأوقات، و الأزمان، و المنة بإنزال الأمطار، و إثبات الأشجار فی کل مکان، و ذکر الحجة فی المیاه المختلفة فی البحار، و ذکر النسب، و الصهر، فی نوع الإنسان، و عجائب الکواکب، و البروج و دور الفلک، و سیر الشمس، و القمر و تفصیل صفات العباد، و خواصهم بالتواضع، و حکم قیام اللیل، و الاستعاذة من النیران، و ذکر الإقتار و الاقتصاد فی الفقه، و الاحتراز من الشرک و الزنا و قتل النفس بالظلم و العدوان و الإقبال علی التوبة و الابتعاد عن اللغو و الزور و الوعد بالغرف للصابرین علی عبادة الرحمن، و بیان أن الحکمة فی تخلیق الحلق التضرع و الدعاء و الابتهال إلی اللّه الکریم المنان، بقوله: «قُلْ ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ فَقَدْ کَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ یَکُونُ لِزاماً».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 225
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ «تَبارَکَ» «1» حدثنا أبو جعفر محمد بن هانی، قال: حدثنا أبو القاسم الحسین ابن عون، قال: حدثنا أبو صالح الهذیل بن حبیب الزیدانی، قال: حدثنا مقاتل ابن سلیمان «فی» «2» قوله- عز و جل «تبارک» یقول افتعل البرکة الَّذِی نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلی عَبْدِهِ یعنی القرآن و هو المخرج من الشبهات علی عبده محمد- صلی اللّه علیه و سلم- لِیَکُونَ محمد- صلی اللّه علیه و سلم- بالقرآن لِلْعالَمِینَ نَذِیراً- 1- یعنی للإنس و الجن نذیرا نظیرها فی فاتحة الکتاب «... رَبِّ الْعالَمِینَ» «3» ثم عظم الرب- عز و جل- نفسه عن شرکهم فقال- سبحانه-: الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وحده وَ لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً لقول الیهود و النصاری عزیز ابن اللّه و المسیح ابن اللّه وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ من الملائکة و ذلک أن العرب قالوا: إن للّه- عز و جل- شریکا من الملائکة فعبدوهم «4» فأکذبهم اللّه- عز و جل- نظیرها فی آخر بنی إسرائیل «5» وَ خَلَقَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِیراً- 2- کما ینبغی أن یخلقه «6» وَ اتَّخَذُوا یعنی کفار مکة مِنْ دُونِهِ آلِهَةً
______________________________
(1) تفسیرها من ز، و هو مضطرب فی ا.
(2) «فی»: زیادة للتوضیح اقتضاها السیاق.
(3) سورة الفاتحة آیة 2 و هی الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ» أی رب الإنس و الجن.
(4) فی أ: یعبدونهم، ز: فعبدوهم.
(5) یشیر إلی الآیة 111 من سورة الإسراء و هی: ن و قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ وَلِیٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ کَبِّرْهُ تَکْبِیراً».
(6) فی أ: یخلقهم، ز: یخلقه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 226
یعنی اللات و العزی یعبدونهم لا یَخْلُقُونَ شَیْئاً ذبابا و لا غیره وَ هُمْ یُخْلَقُونَ یعنی الآلهة لا تخلق شیئا و هی تخلق ینحتونها بأیدیهم ثم یعبدونها، نظیرها فی مریم، و فی یس، و فی الأحقاف، ثم أخبر عن الآلهة فقال- تعالی-: وَ لا یَمْلِکُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا یقول لا تقدر الآلهة أن تمتنع ممن أراد بها سوءا وَ لا نَفْعاً یقول و لا تسوق الآلهة إلی أنفسها نفعا، ثم قال- تعالی-: وَ لا یَمْلِکُونَ یعنی الآلهة مَوْتاً یعنی أن تمیت أحدا، ثم قال- عز و جل-: وَ لا حَیاةً یعنی و لا یحیون أحدا یعنی الآلهة وَ لا نُشُوراً- 3- أن تبعث الأموات، فکیف تعبدون من لا یقدر علی شی‌ء من هذا و تترکون عبادة ربکم الذی یملک ذلک «1» کله وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْکٌ افْتَراهُ قال النضر بن الحارث من بنی عبد الدار ما هذا القرآن الا کذب اختلفه محمد- صلی اللّه علیه و سلم- من تلقاء نفسه، ثم قال: وَ أَعانَهُ عَلَیْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ یقول النضر عاون محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- عداس مولی حو یطب بن عبد العزی و یسار غلام العامر ابن الحضرمی و جبر [43 أ] مولی عامر بن الحضرمی کان یهودیا فأسلم و کان هؤلاء الثلاثة من أهل الکتاب. یقول اللّه- تعالی-: فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً- 4- قالوا شرکا و کذبا حین یزعمون أن الملائکة بنات اللّه- عز و جل-، و حین قالوا إن القرآن لیس من اللّه- عز و جل- إنما اختلفه محمد- صلی اللّه علیه و سلم- من تلقاء نفسه وَ قالُوا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ و قال النضر هذا القرآن حدیث الأولین أحادیث رستم و اسفندباز اکْتَتَبَها محمد- صلی اللّه علیه و سلم فَهِیَ تُمْلی عَلَیْهِ بُکْرَةً وَ أَصِیلًا- 5- یقول «2»: هؤلاء النفر الثلاثة
______________________________
(1) فی ا زیادة: عز و جل، و لیست فی ز.
(2) کذا فی ا، ز، و المراد یقول النضر بن الحارث.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 227
یعلمون محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- طرفی النهار بالغداة و العشی قُلْ لهم یا محمد أَنْزَلَهُ الَّذِی یَعْلَمُ السِّرَّ و ذلک أنهم قالوا بمکة سرا «... هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ» لأنه إنسی مثلکم، بل هو ساحره «... أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ» إلی آیتین «1» فأنزل اللّه- عز و جل «قل أنزله الذی یعلم السر» فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ کانَ غَفُوراً فی تأخیر العذاب عنهم رَحِیماً- 6- حین لا یعجل علیهم بالعقوبة وَ قالُوا «ما لِهذَا» «2» الرَّسُولِ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- یَأْکُلُ الطَّعامَ وَ یَمْشِی فِی الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَیْهِ مَلَکٌ فَیَکُونَ مَعَهُ نَذِیراً- 7- یعنی رسولا یصدق محمدا- صلّی اللّه علیه و سلم- بما جاء أَوْ یُلْقی إِلَیْهِ کَنْزٌ یعنی أو ینزل إلیه مال من السماء فیقسمه بیننا أَوْ تَکُونُ لَهُ جَنَّةٌ یعنی بستانا یَأْکُلُ مِنْها هذا قول النضر بن الحارث، و عبد اللّه بن أمیة، و نوفل ابن خویلد، کلهم من قریش وَ قالَ الظَّالِمُونَ یعنی هؤلاء إِنْ یعنی ما تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً- 8- یعنی أنه مغلوب علی عقله فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- فی قولهم للنبی- صلّی اللّه علیه و سلم-: إنه یأکل الطعام و یمشی فی الأسواق «وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَیَأْکُلُونَ الطَّعامَ وَ یَمْشُونَ فِی الْأَسْواقِ «3» ...» یقول هکذا کان المرسلون «4» من قبل محمد- صلّی اللّه علیه و سلم- و نزل فی قولهم إن محمدا مسحور «5» قوله- تعالی «6»-: انْظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الْأَمْثالَ
______________________________
(1) یشیر الی الآیات 3، 4، 5 من سورة الأنبیاء و تمامها: لاهِیَةً قُلُوبُهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوَی الَّذِینَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، قالَ رَبِّی یَعْلَمُ الْقَوْلَ فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ، بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْیَأْتِنا بِآیَةٍ کَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ».
(2) فی ا، ز: مال هذا، و کذلک فی رسم المصحف الشریف.
(3) سورة الفرقان: 20.
(4) فی ا: المرسلین، ز: المرسلون.
(5) فی ا: مسحورا، ز: مسحور.
(6) فی ا: فقال- تعالی، ز: فقال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 228
یقول انظر کیف و صفوا لک الأشیاء حین زعموا أنک ساحر فَضَلُّوا عن الهدی فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلًا- 9- یقول لا یجدون مخرجا مما قالوا لک بأنک ساحر و نزل فی قولهم: لو لا أنزل، یعنی هلا ألقی، إلیه کنز «1»، أو تکون له جنة یأکل منها، فقال- تبارک و تعالی-: تَبارَکَ الَّذِی [43 ب إِنْ شاءَ جَعَلَ لَکَ خَیْراً مِنْ ذلِکَ یعنی أفضل من الکنز و الجنة فی الدنیا جعل لک فی الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ یقول بینها الأنهار وَ یَجْعَلْ لَکَ قُصُوراً- 10- یعنی بیوتا فی الجنة و ذلک أن قریشا یسمون بیوت الطین القصور بَلْ کَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ یعنی- عز و جل- بالقیامة و ذلک أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- أخبرهم بالبعث فکذبوه. یقول اللّه- تعالی-: وَ أَعْتَدْنا لِمَنْ کَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِیراً- 11- یعنی وقودا إِذا رَأَتْهُمْ السعیر و هی جهنم مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ یعنی مسیرة مائة سنة سَمِعُوا لَها من شدة «2» غضبها علیهم تَغَیُّظاً وَ زَفِیراً- 12- یعنی آخر نهیق الحمار وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها یعنی جهنم مَکاناً ضَیِّقاً لضیق الرمح فی الزج مُقَرَّنِینَ یعنی موثقین فی الحدید قرناء مع الشیاطین دَعَوْا هُنالِکَ ثُبُوراً- 13- یقول دعوا عند ذلک بالویل یقول الخزان: لا تَدْعُوا الْیَوْمَ ثُبُوراً واحِداً یعنی ویلا واحدا وَ ادْعُوا ثُبُوراً کَثِیراً- 14- یعنی ویلا کثیرا لأنه دائم لهم أبدا قُلْ لکفار مکة: أَ ذلِکَ الذی ذکر من النار خَیْرٌ أفضل أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ یعنی
______________________________
(1) نص الآیة «... لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَیْهِ مَلَکٌ فَیَکُونَ مَعَهُ نَذِیراً أَوْ یُلْقی إِلَیْهِ کَنْزٌ، أَوْ تَکُونُ لَهُ جَنَّةٌ یَأْکُلُ مِنْها».
(2) شدة: فی الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 229
التی لا انقطاع لها «1» الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ کانَتْ لَهُمْ جَزاءً بأعمالهم الحسنة وَ مَصِیراً- 15- یعنی و مرجعا «لَهُمْ فِیها ما یَشاؤُنَ» «2» خالِدِینَ فیها لا یموتون کانَ عَلی رَبِّکَ وَعْداً منه فی الدنیا مَسْؤُلًا- 16- یسأله فی الآخرة المتقون إنجاز ما وعدهم فی الدنیا و هی الجنة وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ یعنی یجمعهم یعنی کفار مکة وَ یحشر ما یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الملائکة فَیَقُولُ للملائکة: أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِی هؤُلاءِ یقول: أنتم أمرتموهم بعبادتکم؟ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِیلَ 17- یقول أو هم أخطئوا طریق الهدی فتبرأت الملائکة ف قالُوا سُبْحانَکَ نزهوه- تبارک و تعالی- أن یکون معه آلهة ما کانَ یَنْبَغِی لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِکَ مِنْ أَوْلِیاءَ یعنی «ما لنا أن نتخذ من دونک ولیا «3»» أنت ولینا من دونهم وَ لکِنْ مَتَّعْتَهُمْ یعنی کفار مکة وَ متعت آباءَهُمْ من قبلهم حَتَّی نَسُوا الذِّکْرَ یقول حتی ترکوا إیمانا بالقرآن وَ کانُوا قَوْماً بُوراً- 18- یعنی هلکی یقول اللّه- تعالی- لکفار مکة: فَقَدْ کَذَّبُوکُمْ الملائکة بِما تَقُولُونَ بأنهم لم یأمروکم بعبادتهم «4» فَما تَسْتَطِیعُونَ صَرْفاً وَ لا نَصْراً یقول لا تقدر الملائکة صرف العذاب عنکم «و لا نصرا» [44 أ] یعنی و لا منعا یمنعونکم منه «5» وَ مَنْ یَظْلِمْ مِنْکُمْ یعنی یشرک باللّه فی الدنیا فیموت علی الشرک «6» نُذِقْهُ
______________________________
(1) فی ا: التی لا تنقطع، ز: التی لا انقطاع لها.
(2) ما بین القوسین «...» ساقطة من أ، و هی فی حاشیة ا کالاتی: الآیة «لَهُمْ فِیها ما یَشاؤُنَ خالِدِینَ» و فی أ: «خالدین».
(3) الجملة من أ، و لیست فی ز.
(4) من ز، و فی أ: لقولهم أنهم لم یأمرکم أن تعبدوها.
(5) من ز، و فی أ: و لا منعا یمنعکم منهم.
(6) من ز، و فی أ: فیموت علیها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 230
فی الآخرة عَذاباً کَبِیراً- 19- یعنی شدیدا و کقوله فی بنی إسرائیل:
«... وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا کَبِیراً» «1» یعنی شدیدا وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ لقول کفار مکة للنبی- صلّی اللّه علیه و سلم- أنه یأکل الطعام و یمشی فی الأسواق إِلَّا إِنَّهُمْ لَیَأْکُلُونَ الطَّعامَ وَ یَمْشُونَ فِی الْأَسْواقِ وَ جَعَلْنا بَعْضَکُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ابتلینا بعضا ببعض و ذلک حین أسلم أبو ذر الغفاری- رضی اللّه عنه-، و عبد اللّه بن مسعود، و عمار بن یاسر، و صهیب، و بلال، و خباب بن الأرت، و جبر مولی عامر بن الحضرمی، و سالم مولی أبی حذیفة، و النمر بن قاسط، و عامر بن فهیرة، و مهجع بن عبد اللّه، و نحوهم من الفقراء، فقال أبو جهل، و أمیة، و الولید، و عقبة، و سهیل، و المستهزءون من قریش: انظروا إلی هؤلاء الذین اتبعوا محمدا- صلّی اللّه علیه و سلم- من موالینا و أعواننا رذالة کل قبیلة فازدروهم، فقال اللّه- تبارک و تعالی- لهؤلاء الفقراء من العرب و الموالی أَ تَصْبِرُونَ علی الأذی و الاستهزاء وَ کانَ رَبُّکَ بَصِیراً- 20- أن تصبروا فصبروا و لم یجزعوا فأنزل اللّه- عز و جل- فیهم «إِنِّی جَزَیْتُهُمُ الْیَوْمَ بِما صَبَرُوا» علی الأذی و الاستهزاء من کفار قریش «... أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ» «2» یعنی الناجین من العذاب وَ قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا یعنی لا یخشون البعث نزلت فی عبد اللّه بن أمیة و الولید بن المغیرة و مکرز بن حفص بن الأحنف و عمرو بن عبد اللّه بن أبی قیس العامری، و یغیض بن عامر بن هشام لَوْ لا یعنی هلا أُنْزِلَ عَلَیْنَا الْمَلائِکَةُ فکانوا رسلا إلینا أَوْ نَری رَبَّنا فیخبرنا أنک رسول، یقول اللّه- تعالی-: لَقَدِ اسْتَکْبَرُوا یقول تکبروا فِی أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا کَبِیراً- 21- یقول علوا فی القول علوا شدیدا حین قالوا أو نری ربنا فهکذا العلو فی القول.
______________________________
(1) سورة الإسراء: 4.
(2) سورة المؤمنون: 111.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 231
یقول اللّه- تبارک و تعالی-: یَوْمَ یَرَوْنَ الْمَلائِکَةَ لا بُشْری یَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِینَ و ذلک أن کفار مکة إذا خرجوا من قبورهم قالت لهم الحفظة من الملائکة- علیهم السلام- حرام محرم علیکم- أیها المجرمون- أن یکون لکم من البشری شی‌ء حین رأیتمونا «1»، کما بشر المؤمنون فی حم السجدة، فذلک قوله: «وَ یَقُولُونَ» «2» یعنی الحفظة من الملائکة للکفار: حِجْراً مَحْجُوراً- 22- یعنی حراما محرما علیکم- أیها المجرمون- البشارة کما بشر المؤمنون وَ قَدِمْنا یعنی و جئنا و یقال و عمدنا إِلی ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً- 23- یعنی کالغبار الذی یسطع من حوافر الدواب أَصْحابُ الْجَنَّةِ یَوْمَئِذٍ خَیْرٌ مُسْتَقَرًّا یعنی أفضل منزلا فی الجنة وَ أَحْسَنُ مَقِیلًا- 24- یعنی القائلة، و ذلک أنه یخفف عنهم الحساب ثم تقیلون من یومهم ذلک فی الجنة مقدار نصف یوم من أیام الدنیا فیما یشتهون من التحف و الکرامة، فذلک قوله- تعالی: «و أحسن مقیلا» من مقبل الکفار، و ذلک أنه إذا فرغ من عرض الکفار، أخرج لهم عنق من النار یحیط بهم، فذلک قوله فی الکهف: «... أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها «3» ...» ثم خرج من النار دخان «4» ظل أسود فیتفرق علیهم من فوقهم ثلاث فرق و هم فی السرادق فینطلقون یستظلون تحتها مما أصابهم من حر السرادق فیأخذهم الغثیان و الشدة من حره و هو أخف العذاب فیقبلون فیها لا مقبل راحة فذلک مقیل أهل النار ثم یدخلون النار أفواجا أفواجا وَ یَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ یعنی السموات السبع یقول عن الغمام و هو أبیض
______________________________
(1) «حین رأیتمونا»: من أ، و لیست فی ز.
(2) فی أ: «و یقول»، ز: «و یقولون».
(3) سورة الکهف: 29.
(4) فی أ: دخان و ظل، ز، دخان ظل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 232
کهیئة الضبابة لنزول الرب- عز و جل- و ملائکته، فذلک قوله- سبحانه- وَ نُزِّلَ الْمَلائِکَةُ من السماء إلی الأرض عند انشقاقها تَنْزِیلًا- 25- لحساب الثقلین کقوله- عز و جل- فی البقرة: «هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ یَأْتِیَهُمُ اللَّهُ فِی ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ «1» ...».
الْمُلْکُ یَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وحده- جل جلاله- و الیوم الکفار ینازعونه فی أمر وَ کانَ یَوْماً عَلَی الْکافِرِینَ عَسِیراً- 26- یقول عسر علیهم یومئذ مواطن یوم لشدته القیامة و مشقته، و یهون علی المؤمن کأدنی «2» صلاته وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلی یَدَیْهِ یعنی ندامة یعنی عقبة بن أبی معیط بن عمرو بن أمیة بن عبد شمس بن عبد مناف و ذلک أنه کان یکثر مجالسة النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- و أصحابه فقال له خلیله و هو أمیة «3» بن خلف الجمحی: یا عقبة، ما أراک إلا قد صبأت إلی حدیث هذا الرجل، یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم-، فقال:
لم أفعل. فقال: وجهی من وجهک حرام إن لم تنقل فی وجه محمد [45 أ]- صلّی اللّه علیه و سلم- و تبرأ منه حتی یعلم قومک و عشیرتک أنک غیر مفارق لهم.
ففعل ذلک عقبة فأنزل اللّه- عز و جل- فی عقبة بن أبی معیط «و یوم بعض الظالم علی یدیه» من الندامة یَقُولُ یا لَیْتَنِی یتمنی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلًا- 27- إلی الهدی یا وَیْلَتی یدعو بالویل، ثم یتمنی فیقول:
یا لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً یعنی أمیة خَلِیلًا- 28- یعنی یا لیتنی لم أطع فلانا یعنی
______________________________
(1) سورة البقرة: 210.
(2) من ز، و فی أ: خطأ.
(3) فی أ، ل: أمیة، و فی، ز: أبی و قد وردت الروایات بهما انظر أسباب النزول للواحدی:
191، لباب النقول للسیوطی: 166.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 233
أمیة بن خلف فقتله النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- یوم بدر، و قتل عقبة «عاصم» «1» بن أبی الأفلح الأنصاری صبرا بأمر رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلم- و لم یقتل من الأسری یوم بدر «من قریش» «2» غیره و النضر بن الحارث «3»، یقول عقبة: لَقَدْ أَضَلَّنِی لقد ردنی عَنِ الذِّکْرِ یعنی عن الإیمان بالقرآن بَعْدَ إِذْ جاءَنِی یعنی حین جاءنی وَ کانَ الشَّیْطانُ فی الآخرة لِلْإِنْسانِ یعنی عقبة خَذُولًا- 29- یقول یتبرأ منه و نزول فیهما «الْأَخِلَّاءُ یَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ...» «4» وَ قالَ الرَّسُولُ یا رَبِّ إِنَّ قَوْمِی قریشا اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً- 30- یقول ترکوا الإیمان بهذا القرآن فهم مجانبون له یقول اللّه- عز و جل-: یعزی نبیه- صلّی اللّه علیه و سلم- وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا جَعَلْنا لِکُلِّ نَبِیٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِینَ نزلت فی أبی جهل «وحده» «5» «أی» «6» فلا یکبرن علیک فإن الأنبیاء قبلک قد لقیت هذا التکذیب من قومهم، ثم قال- عز و جل-: وَ کَفی بِرَبِّکَ هادِیاً إلی دینه وَ نَصِیراً- 31- یعنی و مانعا فلا أحد أهدی من اللّه- عز و جل- و لا أمنع منه وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ یعنی هلا نزل عَلَیْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً کما جاء به موسی
______________________________
(1) «عاصم»: فی ز، ل، و لیست فی ا.
(2) «من قریش» فی ز، و لیست فی أ، ل.
(3) کذا فی نسخة أ، ل، ف، ز. و فی لباب النقول للواحدی روایات متعددة فی أسباب نزول الآیة، و فیها بسط و أف للموضوع: 191، 192.
(4) سورة الزخرف: 67.
(5) «وحده»: فی أ، ل. و لیست فی ز.
(6) «أی»: زیادة لتوضیح الکلام و لیست موجودة فی جمیع النسخ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 234
و عیسی یقول: کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَکَ یعنی «لیثبت القرآن فی قلبک» «1» وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِیلًا- 32- یعنی نرسله ترسلا آیات ثم آیات ذلک قوله- سبحانه «2»-:
«وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَی النَّاسِ عَلی مُکْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلًا» «3» ثم قال- عز و جل:
وَ لا یَأْتُونَکَ بِمَثَلٍ یخاصمونک به إضمار لقولهم: «لو لا نزل» «4» علیه القرآن جملة واحدة، و نحوه فی القرآن مما یخاصمون به النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- فیرد اللّه- عز و جل- علیهم قولهم، فذلک قوله- عز و جل-: إِلَّا جِئْناکَ بِالْحَقِ فیما تخصمهم به وَ أَحْسَنَ تَفْسِیراً- 33- یعنی و أحسن تبیانا فترد به خصومتهم، ثم أخبر اللّه- عز و جل- بمستقرهم فی الآخرة فقال- سبحانه-:
الَّذِینَ یُحْشَرُونَ عَلی وُجُوهِهِمْ إِلی جَهَنَّمَ أُوْلئِکَ شَرٌّ مَکاناً [45 ب وَ أَضَلُّ سَبِیلًا- 34- یعنی و أخطا طریق الهدی فی الدنیا من المؤمنین وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ یقول أعطینا موسی- علیه السلام- التوراة وَ جَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِیراً- 35- یعنی معینا ثم انقطع الکلام فأخبر اللّه- عز و جل- محمد- صلّی اللّه علیه و سلم- فقال- سبحانه-: فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَی الْقَوْمِ یعنی أهل مصر الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی الآیات التسع فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِیراً- 36- یعنی أهلکناهم بالعذاب هلاکا «5» یعنی الغرق وَ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا یعنی حین کَذَّبُوا الرُّسُلَ یعنی نوحا وحده أَغْرَقْناهُمْ وَ جَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آیَةً یعنی عبرة
______________________________
(1) من أ، و فی ز: «یقول نثبت القرآن فی قلبک».
(2) من أ، و فی ز: فذلک قوله فی بنی إسرائیل.
(3) سورة الإسراء: 106.
(4) فی أ: لو لا نزل، ز: هلا أنزل.
(5) کذا فی أ، ز، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 235
لمن بعدهم وَ أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِینَ عَذاباً أَلِیماً- 37- یعنی وجیعا، ثم قال- تعالی-:
وَ أهلکنا عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِ یعنی البئر التی قتل فیها صاحب یاسین «1» بأنطاکیة التی بالشام وَ قُرُوناً یعنی و أهلکنا أمما بَیْنَ ذلِکَ ما بین عاد إلی أصحاب الرس کَثِیراً- 38- وَ کُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَ کُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِیراً- 39- و کلا دمرنا بالعذاب تدمیرا «وَ لَقَدْ أَتَوْا» «2» عَلَی الْقَرْیَةِ الَّتِی أُمْطِرَتْ بالحجارة مَطَرَ السَّوْءِ یعنی قریة لوط- علیه السلام- کل حجر فی العظم علی قدر کل إنسان أَ فَلَمْ یَکُونُوا یَرَوْنَها؟ فیعتبروا بَلْ کانُوا لا یَرْجُونَ نُشُوراً- 40- یقول- عز و جل- بل کانوا لا یخشون بعثا، نظیرها فی تبارک الملک: «... وَ إِلَیْهِ النُّشُورُ» «3» یعنی الإحیاء «وَ إِذا رَأَوْکَ» «4» یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- إِنْ یَتَّخِذُونَکَ إِلَّا هُزُواً أَ هذَا الَّذِی بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا- 41- صلّی اللّه علیه و سلم- نزلت فی أبی جهل- لعنة اللّه- ثم قال أبو جهل: إِنْ کادَ لَیُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا یعنی لیستزلنا عن عبادة الهتنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا یعنی تثبتنا عَلَیْها یعنی علی عبادتها لیدخلنا فی دینه، یقول اللّه- تبارک و تعالی-: «وَ سَوْفَ» «5» یَعْلَمُونَ حِینَ یَرَوْنَ الْعَذابَ فی الآخرة مَنْ أَضَلُّ سَبِیلًا- 42- یعنی من أخطأ طریق الهدی أهم أم المؤمنون؟ فنزلت أَ رَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ و ذلک أن الحارث بن قیس
______________________________
(1) المراد به: المذکور قصته فی سورة یس.
(2) فی أ: « (و لقد أتوا) یعنی (علی القریة)
(3) سورة الملک: 15.
(4) من أ، و فی ز: «وَ إِذا رَآکَ الَّذِینَ کَفَرُوا».
(5) فی أ: (فسوف)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 236
السهمی هوی شیئا فعبده أَ فَأَنْتَ یا محمد تَکُونُ عَلَیْهِ وَکِیلًا- 43- یعنی مسیطرا یقول ترید أن تبدل المشیئة «1» إلی الهدی و الضلالة أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَکْثَرَهُمْ یَسْمَعُونَ «إلی الهدی» «2» أَوْ یَعْقِلُونَ الهدی ثم شبههم «3» بالبهائم، فقال- سبحانه-: إِنْ هُمْ إِلَّا کَالْأَنْعامِ فی الأکل و الشرب لا یلتفتون إلی الآخرة بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلًا- 44- [46 أ] یقول بل هم اخطأ طریقا «4» من البهائم لأنها تعرف ربها و تذکرة، و کفار مکة «5» لا یعرفون ربهم فیوحدونه أَ لَمْ تَرَ إِلی رَبِّکَ کَیْفَ مَدَّ الظِّلَ ما بین طلوع الفجر إلی طلوع الشمس وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساکِناً یقول- تبارک و تعالی- لو شاء لجعل الظل دائما لا یزول إلی یوم القیامة ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَیْهِ یعنی علی الظل دَلِیلًا- 45- تتلوه الشمس فتدفعه حتی تأتی علی الظل کله ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَیْنا یعنی الظل قَبْضاً یَسِیراً- 46- یعنی خفیفا «6» وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِباساً یعنی سکنا وَ النَّوْمَ سُباتاً یعنی الإنسان مسبوتا لا یعقل کأنه میت وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً- 47- ینتشرون فیه لابتغاء الرزق وَ هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ الرِّیاحَ بُشْراً یعنی یبشر السحاب بالمطر «7» بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ یعنی قدام المطر وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً
______________________________
(1) فی أ: المشیة، ز: المشیة.
(2) «إلی الهدی»: ساقط من ز.
(3) فی أ: ثم نسبهم، ز: فشبههم.
(4) من ز، و هی مضطربة فی ا.
(5) من أ، و فی ز: و أهل مکة کفارهم.
(6) فی أ: خفیا.
(7) من ل، ز. و فی أ: «و هو الذی أرسل الریاح نشرا» یعنی تنشر السحاب للمطر، و فی القرطبی: 482 «و هو الذی أرسل الریاح نشرا» ناشرات للسحاب جمع نشور، و قرأ ابن عامر بالسکون علی التخفیف، و حمزة و الکسائی به و بفتح النون علی أنه مصدر وصف به، و عاصم «بشرا» تخفیف بشر جمع بشیر بمعنی مبشر «بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ» یعنی قدام المطر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 237
یعنی المطر طَهُوراً- 48- للمومنین لِنُحْیِیَ بِهِ المطر بَلْدَةً مَیْتاً لیس فیه نبت فینبت بالمطر وَ نُسْقِیَهُ بالریاح و المطر مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً فی تلک البلدة وَ أَناسِیَّ کَثِیراً- 49- فی تلک البلدة وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَیْنَهُمْ یعنی المطر بین الناس یصرف المطر أحیانا مرة بهذا البلد و مرة ببلد آخر، فذلک التصرف لِیَذَّکَّرُوا فی صنعه فیعتبروا فی توحید اللّه- عز و جل- فیوحده فَأَبی أَکْثَرُ النَّاسِ إِلَّا کُفُوراً- 50- یعنی إلا کفرا باللّه- تعالی- فی نعمه وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا زمانک یا محمد فِی کُلِّ قَرْیَةٍ نَذِیراً- 51- یعنی رسولا، و لکن بعثناک إلی القری کلها رسولا اختصصناک بها فَلا تُطِعِ الْکافِرِینَ یعنی کفار مکة دعوا النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- إلی ملة آبائه وَ جاهِدْهُمْ بِهِ یعنی بالقرآن جِهاداً کَبِیراً- 52- یعنی شدیدا وَ هُوَ الَّذِی مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ یعنی ماء المالح علی ماء العذب هذا عَذْبٌ فُراتٌ یعنی- تبارک و تعالی- خلدا طیبا وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ یعنی مرا من شدة الملوحة وَ جَعَلَ بَیْنَهُما بَرْزَخاً یعنی أجلا «1» وَ حِجْراً مَحْجُوراً- 53- یعنی حجابا محجوبا فلا یختلطان و لا یفسد طعم الماء العذب وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً یعنی النطفة إنسانا فَجَعَلَهُ یعنی الإنسان نَسَباً وَ صِهْراً أما النسب فالقرابة سبع: أمهاتکم و بناتکم و عماتکم و خالاتکم و بنات الأخ و الصهر من القرابة «2» له خمس نسوة، أمهاتکم اللاتی أرضعنکم، و أخواتکم من
______________________________
(1) کذا فی أ، ل، و فی ز: (برزخا) یعنی أجلا، نظیرها فی سورة المؤمنین «وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ» یعنی و من بعد الموت أجل.
(2) فی ز: و الصهر من لا قرابة. و المذکور من أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 238
الرضاعة، و أمهات نسائکم «وَ رَبائِبُکُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسائِکُمُ» «1» اللاتی دخلتم بهن فإن لم تکونوا دخلتم [46 ب بهن فلا جناح علیکم و حلائل أبنائکم فهذا من الصهر، ثم قال- تعالی-: وَ کانَ رَبُّکَ قَدِیراً- 54- علی ما أراده وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الملائکة ما لا یَنْفَعُهُمْ فی الآخرة إن عبدوهم وَ لا یَضُرُّهُمْ فی الدنیا إذا لم یعبدوهم وَ کانَ الْکافِرُ یعنی أبا جهل عَلی رَبِّهِ ظَهِیراً- 55- یعنی معینا للمشرکین علی ألا یوحدوا اللّه- عز و جل- وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلَّا مُبَشِّراً بالجنة وَ نَذِیراً- 56- من النار قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ یعنی علی الإیمان «2» مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلًا- 57- لطاعته وَ تَوَکَّلْ عَلَی الْحَیِّ الَّذِی لا یَمُوتُ و ذلک حین دعی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- إلی ملة آبائه وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ «3» أی بحمد ربک یقول و اذکر بأمره وَ کَفی بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِیراً- 58- یعنی بذنوب کفار مکة فلا أحد أخبر و لا أعلم بذنوب العباد من اللّه- عز و جل-، ثم عظم نفسه- تبارک و تعالی- فقال- عز و جل-: الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ قبل ذلک «4» الرَّحْمنُ جل جلاله- فَسْئَلْ بِهِ خَبِیراً- 59- یعنی فاسأل باللّه خبیرا یا من تسأل عنه محمدا «5»
______________________________
(1) ما بین الأقواس «...» ساقط من أ، و هو من ل، ز.
(2) من ز، و فی أ: «قل لا أسألکم علیه) الإیمان».
(3) فی أ: (و سبح بحمد) ربک.
(4) فی أ زیادة: یعنی، و لیست فی ز.
(5) من ل و هی غیر واضحة فی ا و فیها زیادة: و هو حزبک یا محمد. و فی ز: یقول فاسأل عن اللّه خبیرا ما یسأل عنه محمد. أ. ه.
و فی تفسیر النسفی (فاسأل به خبیرا) و یکون خبیرا معقول سل، أی فاسأل عنه رجلا عارفا یخبرک برحمته أو فاسأل رجلا خبیرا به و برحمته أو الرحمن اسم من أسماء اللّه- تعالی- مذکور فی الکتب المتقدمة و لم یکونوا یعرفونه فقیل فاسأل بهذا الاسم من یخبرکم من أهل الکتاب حتی تعرف من ینکره و من ثم کانوا یقولون ما نعرف الرحمن إلا الذی بالیمامة یعنون مسیلمة و کان یقال له رحمان الیمامة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 239
وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ لکفار مکة اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ عز و جل- و ذلک
أن أبا جهل قال: یا محمد إن کنت تعلم الشعر فنحن عارفون لک، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- الشعر غیر هذا، إن هذا کلام الرحمن- عز و جل-. قال أبو جهل: بخ بخ أجل، لعمر اللّه، إنه هذا لکلام الرحمن الذی بالیمامة، فهو یعلمک «1» قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم: الرحمن هو اللّه- عز و جل- الذی فی السماء و من عنده یأتی جبریل- علیه السلام-. فقال أبو جهل: یا آل غالب «2»، من یعذرنی من ابن أبی کبشة یزعم أن ربه واحد و هو یقول اللّه یعلمنی، و الرحمن یعلمنی، ألستم تعلمون أن هذین إلهین؟، قال الولید بن المغیرة، و عتبة، و عقبة: ما نعلم اللّه و الرحمن إلا اسمین، فأما اللّه فقد عرفناه و هو الذی خلق ما نری، و أما الرحمن فلا نعلمه إلا مسیلمة الکذاب. ثم قال: یا بن أبی کبشة تدعو إلی عبادة الرحمن الذی بالیمامة. فأنزل اللّه- عز و جل- «و إذا قیل لهم اسجدوا للرحمن»
یعنی صلوا للرحمن قالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ فأنکروه أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا؟ یعنی نصلی للذی تأمرنا یعنون مسیلمة وَ زادَهُمْ نُفُوراً- 60- یقول زادهم ذکر الرحمن تباعدا من الإیمان تَبارَکَ الَّذِی جَعَلَ فِی السَّماءِ بُرُوجاً یعنی مضیئا وَ هُوَ الَّذِی [47 أ] جَعَلَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً فجعل النهار خلفا من اللیل لمن کانت له حاجة و کان مشغولا لِمَنْ أَرادَ أَنْ یَذَّکَّرَ اللّه- عز و جل- أَوْ أَرادَ شُکُوراً- 62- فی اللیل و النهار یعنی عبادته وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً یعنی حلما فی اقتصاد وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ
______________________________
(1) فی الأصل: یعملک.
(2) فی ا، ز، ل: غالب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 240
یعنی السفهاء قالُوا سَلاماً- 63- یقول إذا سمعوا الشتم و الأذی من کفار مکة من أجل الإسلام ردوا معروفا وَ الَّذِینَ یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمْ باللیل فی الصلاة سُجَّداً وَ قِیاماً- 64- وَ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها کانَ غَراماً- 65- یعنی لازما لصاحبه لا یفارقه إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً- 66- یعنی بئس المستقر و بئس الخلود، کقوله- سبحانه-: «... دارَ الْمُقامَةِ «1» ...» یعنی دار الخلد وَ الَّذِینَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ یُسْرِفُوا فی غیر حق وَ لَمْ یَقْتُرُوا یعنی و لم یمسکوا عن حق وَ کانَ بَیْنَ ذلِکَ قَواماً- 67- یعنی بین الإسراف و الإفتار مقتصدا وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ یعنی لا یعبدون مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ قتلها إِلَّا بِالْحَقِ یعنی بالقصاص وَ لا یَزْنُونَ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ جمیعا یَلْقَ أَثاماً- 68- یعنی جزاؤه وادیا فی جهنم یُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ یَخْلُدْ فِیهِ یعنی فی العذاب مُهاناً- 69- یعنی یهان «2» فیه نزلت بمکة فلما هاجر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلی المدینة، کتب وحشی بن حبیش غلام المطعم عدی ابن نوفل بن عبد مناف، إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بعد ما قتل حمزة- هل لی من توبة و قد أشرکت و قتلت و زنیت؟
فسکت النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، فأنزل اللّه فیه بعد سنتین «3». فقال- سبحانه-: إِلَّا مَنْ تابَ من الشرک وَ آمَنَ یعنی و صدق بتوحید اللّه- عز و جل- وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ یعنی یحول اللّه
______________________________
(1) سورة فاطر: 35.
(2) فی أ: یمان، ز: یهان.
(3) فی ا، ز: سنتین، ل: سنین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 241
- عز و جل- سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ و التبدیل من العمل السی‌ء إلی العمل الصالح وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً لما کان فی الشرک رَحِیماً- 70- به فی الإسلام فأسلم وحشی، و کان وحشی «قد قتل» «1» حمزة بن عبد المطلب- علیه السلام- یوم أحد، ثم أسلم، فأمره النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فخرب مسجد المنافقین، ثم قتل مسیلمة الکذاب بالیمامة علی عهد أبی بکر الصدیق- رضی اللّه عنه- فکان وحشی یقول أنا الذی قتلت خیر الناس، یعنی حمزة، و أنا الذی قتلت شر الناس، یعنی مسیلمة الکذاب، فلما قبل اللّه- عز و جل- توبة وحشی، قال کفار مکة: کلنا قد عمل عمل وحشی فقد قبل اللّه- عز و جل- [47 ب توبته و لم ینزل فینا شی‌ء «2» فأنزل اللّه- عز و جل- فی کفار مکة «3» «... یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ (جَمِیعاً ...» «4») فی الإسلام، یعنی بالإسراف الذنوب العظام الشرک و القتل و الزنا، فکان بین هذه الآیة «... (وَ لا یَقْتُلُونَ) «5» النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ...» إلی آخر الآیة «6»، و بین الآیة التی فی النساء «... وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ ... «7»» إلی آخر الآیة، ثمانی سنین وَ مَنْ تابَ من الشرک وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ یَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مَتاباً
______________________________
(1) فی ا، ز: قتل، فجعلها «قد قتل».
(2) کذا فی ا، ز، ل.
(3) فی أ: فی کفار مکة، ز: فی سورة الزمر.
(4) فی ز: ( «جمیعا ...» إلی آیات). و الآیة 53 من سورة الزمر.
(5) فی ا، ز: و لا تقتلوا.
(6) سورة الفرقان: 68.
(7) سورة النساء: 93 و تمامها: «وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 242
- 71- یعنی مناصحا لا یعود إلی نکل الذنب وَ الَّذِینَ لا یَشْهَدُونَ الزُّورَ یعنی لا یحضرون الذنب یعنی الشرک وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِراماً- 72- یقول إذا سمعوا من کفار مکة الشتم و الأذی علی الإسلام «مَرُّوا کِراماً» معرضین عنهم، کقوله- سبحانه-: «وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ «1» ...» وَ الَّذِینَ إِذا ذُکِّرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ یعنی و الذین إذا وعظوا بآیات القرآن لَمْ یَخِرُّوا عَلَیْها صُمًّا وَ عُمْیاناً- 73- یقول لم یقفوا علیها صما لم یسمعوها و لا عمیانا لم یبصروها کفعل مشرکی مکة و لکنهم سمعوا و أبصروا و انتفعوا به وَ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّیَّاتِنا قُرَّةَ أَعْیُنٍ یقول اجعلهم صالحین فتقرأ عیننا بذلک وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِینَ إِماماً- 74- یقول و اجعلنا أئمة یقتدی بنا فی الخیر أُوْلئِکَ یُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ یُلَقَّوْنَ فِیها تَحِیَّةً وَ سَلاماً- 75- نظیرها فی الزمر- «... لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِیَّةٌ «2» ...».
قال أبو محمد: سألت أبا صالح عنها، فقال: قال مقاتل: «اجعلنا نقتدی بصالح أسلافنا، حتی «یقتدی بنا من بعدنا «3»»، بِما صَبَرُوا علی أمر اللّه- عز و جل- وَ یُلَقَّوْنَ «4» فِیها تَحِیَّةً یعنی السلام ثم قال: وَ سَلاماً یقول و سلم اللّه لهم أمرهم و تجاوز عنهم، و یقال «5» التسلیم من الملائکة علیهم خالِدِینَ فِیها
______________________________
(1) سورة القصص: 55.
(2) سورة الزمر: 20.
(3) فی أ: یقتدی بنا بعدنا، و لیست فی ز.
(4) فی أ: یلقون.
(5) فی أ: و یقول، ز: و یقال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 243
لا یموتون أبدا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا فیها وَ مُقاماً- 76- یعنی الخلود قُلْ ما یَعْبَؤُا بِکُمْ یقول ما یفعل بکم رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ یقول لو لا عبادتکم فَقَدْ کَذَّبْتُمْ النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، یعد کفار مکة فَسَوْفَ یَکُونُ لِزاماً- 77- یلزمکم العذاب ببدر، فقتلوا و ضربت الملائکة وجوههم و أدبارهم و عجل اللّه- تعالی- بأرواحهم إلی النار فیعرضون علیها طرفی النهار.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 245

سورة الشّعراء

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 247

[سورة الشعراء (26): الآیات 1 الی 227]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
طسم (1) تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ (2) لَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ أَلاَّ یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ (4)
وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ کانُوا عَنْهُ مُعْرِضِینَ (5) فَقَدْ کَذَّبُوا فَسَیَأْتِیهِمْ أَنْبؤُا ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (6) أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلَی الْأَرْضِ کَمْ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ زَوْجٍ کَرِیمٍ (7) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (8) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (9)
وَ إِذْ نادی رَبُّکَ مُوسی أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا یَتَّقُونَ (11) قالَ رَبِّ إِنِّی أَخافُ أَنْ یُکَذِّبُونِ (12) وَ یَضِیقُ صَدْرِی وَ لا یَنْطَلِقُ لِسانِی فَأَرْسِلْ إِلی هارُونَ (13) وَ لَهُمْ عَلَیَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ یَقْتُلُونِ (14)
قالَ کَلاَّ فَاذْهَبا بِآیاتِنا إِنَّا مَعَکُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِیا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِینَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِی إِسْرائِیلَ (17) قالَ أَ لَمْ نُرَبِّکَ فِینا وَلِیداً وَ لَبِثْتَ فِینا مِنْ عُمُرِکَ سِنِینَ (18) وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَکَ الَّتِی فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْکافِرِینَ (19)
قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّینَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْکُمْ لَمَّا خِفْتُکُمْ فَوَهَبَ لِی رَبِّی حُکْماً وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُرْسَلِینَ (21) وَ تِلْکَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَیَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِی إِسْرائِیلَ (22) قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِینَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُمَا إِنْ کُنْتُمْ مُوقِنِینَ (24)
قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ (25) قالَ رَبُّکُمْ وَ رَبُّ آبائِکُمُ الْأَوَّلِینَ (26) قالَ إِنَّ رَسُولَکُمُ الَّذِی أُرْسِلَ إِلَیْکُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَیْنَهُما إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَیْرِی لَأَجْعَلَنَّکَ مِنَ الْمَسْجُونِینَ (29)
قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُکَ بِشَیْ‌ءٍ مُبِینٍ (30) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (31) فَأَلْقی عَصاهُ فَإِذا هِیَ ثُعْبانٌ مُبِینٌ (32) وَ نَزَعَ یَدَهُ فَإِذا هِیَ بَیْضاءُ لِلنَّاظِرِینَ (33) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِیمٌ (34)
یُرِیدُ أَنْ یُخْرِجَکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (35) قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِی الْمَدائِنِ حاشِرِینَ (36) یَأْتُوکَ بِکُلِّ سَحَّارٍ عَلِیمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِیقاتِ یَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَ قِیلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39)
لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ کانُوا هُمُ الْغالِبِینَ (40) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ کُنَّا نَحْنُ الْغالِبِینَ (41) قالَ نَعَمْ وَ إِنَّکُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ (42) قالَ لَهُمْ مُوسی أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِیَّهُمْ وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44)
فَأَلْقی مُوسی عَصاهُ فَإِذا هِیَ تَلْقَفُ ما یَأْفِکُونَ (45) فَأُلْقِیَ السَّحَرَةُ ساجِدِینَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِینَ (47) رَبِّ مُوسی وَ هارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ أَجْمَعِینَ (49)
قالُوا لا ضَیْرَ إِنَّا إِلی رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطایانا أَنْ کُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِینَ (51) وَ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی أَنْ أَسْرِ بِعِبادِی إِنَّکُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِی الْمَدائِنِ حاشِرِینَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِیلُونَ (54)
وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَ إِنَّا لَجَمِیعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ (57) وَ کُنُوزٍ وَ مَقامٍ کَرِیمٍ (58) کَذلِکَ وَ أَوْرَثْناها بَنِی إِسْرائِیلَ (59)
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِینَ (60) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسی إِنَّا لَمُدْرَکُونَ (61) قالَ کَلاَّ إِنَّ مَعِی رَبِّی سَیَهْدِینِ (62) فَأَوْحَیْنا إِلی مُوسی أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَکانَ کُلُّ فِرْقٍ کَالطَّوْدِ الْعَظِیمِ (63) وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِینَ (64)
وَ أَنْجَیْنا مُوسی وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِینَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِینَ (66) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (67) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (68) وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِیمَ (69)
إِذْ قالَ لِأَبِیهِ وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاکِفِینَ (71) قالَ هَلْ یَسْمَعُونَکُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ یَنْفَعُونَکُمْ أَوْ یَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا کَذلِکَ یَفْعَلُونَ (74)
قالَ أَ فَرَأَیْتُمْ ما کُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِی إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِینَ (77) الَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهْدِینِ (78) وَ الَّذِی هُوَ یُطْعِمُنِی وَ یَسْقِینِ (79)
وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفِینِ (80) وَ الَّذِی یُمِیتُنِی ثُمَّ یُحْیِینِ (81) وَ الَّذِی أَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لِی خَطِیئَتِی یَوْمَ الدِّینِ (82) رَبِّ هَبْ لِی حُکْماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ (83) وَ اجْعَلْ لِی لِسانَ صِدْقٍ فِی الْآخِرِینَ (84)
وَ اجْعَلْنِی مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِیمِ (85) وَ اغْفِرْ لِأَبِی إِنَّهُ کانَ مِنَ الضَّالِّینَ (86) وَ لا تُخْزِنِی یَوْمَ یُبْعَثُونَ (87) یَوْمَ لا یَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَی اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ (89)
وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ (90) وَ بُرِّزَتِ الْجَحِیمُ لِلْغاوِینَ (91) وَ قِیلَ لَهُمْ أَیْنَ ما کُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ یَنْصُرُونَکُمْ أَوْ یَنْتَصِرُونَ (93) فَکُبْکِبُوا فِیها هُمْ وَ الْغاوُونَ (94)
وَ جُنُودُ إِبْلِیسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَ هُمْ فِیها یَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ کُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ (97) إِذْ نُسَوِّیکُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ (98) وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99)
فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ (100) وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنا کَرَّةً فَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (102) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (103) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (104)
کَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِینَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَ لا تَتَّقُونَ (106) إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (108) وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ (109)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (110) قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَکَ وَ اتَّبَعَکَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَ ما عِلْمِی بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلی رَبِّی لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِینَ (114)
إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِیرٌ مُبِینٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ یا نُوحُ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِینَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِی کَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ فَتْحاً وَ نَجِّنِی وَ مَنْ مَعِیَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (118) فَأَنْجَیْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ (119)
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِینَ (120) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (121) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (122) کَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِینَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ (124)
إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (126) وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ (127) أَ تَبْنُونَ بِکُلِّ رِیعٍ آیَةً تَعْبَثُونَ (128) وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّکُمْ تَخْلُدُونَ (129)
وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِینَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (131) وَ اتَّقُوا الَّذِی أَمَدَّکُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّکُمْ بِأَنْعامٍ وَ بَنِینَ (133) وَ جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ (134)
إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ (135) قالُوا سَواءٌ عَلَیْنا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَکُنْ مِنَ الْواعِظِینَ (136) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِینَ (137) وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ (138) فَکَذَّبُوهُ فَأَهْلَکْناهُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (139)
وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (140) کَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِینَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ (142) إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (144)
وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ (145) أَ تُتْرَکُونَ فِی ما هاهُنا آمِنِینَ (146) فِی جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ (147) وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِیمٌ (148) وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً فارِهِینَ (149)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (150) وَ لا تُطِیعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِینَ (151) الَّذِینَ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ وَ لا یُصْلِحُونَ (152) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِینَ (153) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآیَةٍ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (154)
قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَ لَکُمْ شِرْبُ یَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَیَأْخُذَکُمْ عَذابُ یَوْمٍ عَظِیمٍ (156) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِینَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (158) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (159)
کَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِینَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ (161) إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (163) وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ (164)
أَ تَأْتُونَ الذُّکْرانَ مِنَ الْعالَمِینَ (165) وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ أَزْواجِکُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ یا لُوطُ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِینَ (167) قالَ إِنِّی لِعَمَلِکُمْ مِنَ الْقالِینَ (168) رَبِّ نَجِّنِی وَ أَهْلِی مِمَّا یَعْمَلُونَ (169)
فَنَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِینَ (170) إِلاَّ عَجُوزاً فِی الْغابِرِینَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِینَ (172) وَ أَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِینَ (173) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (174)
وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (175) کَذَّبَ أَصْحابُ الْأَیْکَةِ الْمُرْسَلِینَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَیْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ (177) إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (179)
وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ (180) أَوْفُوا الْکَیْلَ وَ لا تَکُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِینَ (181) وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِیمِ (182) وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیاءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ (183) وَ اتَّقُوا الَّذِی خَلَقَکُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِینَ (184)
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِینَ (185) وَ ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَ إِنْ نَظُنُّکَ لَمِنَ الْکاذِبِینَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَیْنا کِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (187) قالَ رَبِّی أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188) فَکَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ یَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ کانَ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ (189)
إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (190) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (191) وَ إِنَّهُ لَتَنْزِیلُ رَبِّ الْعالَمِینَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ (193) عَلی قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ (194)
بِلِسانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ (195) وَ إِنَّهُ لَفِی زُبُرِ الْأَوَّلِینَ (196) أَ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ آیَةً أَنْ یَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِی إِسْرائِیلَ (197) وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلی بَعْضِ الْأَعْجَمِینَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَیْهِمْ ما کانُوا بِهِ مُؤْمِنِینَ (199)
کَذلِکَ سَلَکْناهُ فِی قُلُوبِ الْمُجْرِمِینَ (200) لا یُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّی یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ (201) فَیَأْتِیَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (202) فَیَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَ فَبِعَذابِنا یَسْتَعْجِلُونَ (204)
أَ فَرَأَیْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِینَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ ما کانُوا یُوعَدُونَ (206) ما أَغْنی عَنْهُمْ ما کانُوا یُمَتَّعُونَ (207) وَ ما أَهْلَکْنا مِنْ قَرْیَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِکْری وَ ما کُنَّا ظالِمِینَ (209)
وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّیاطِینُ (210) وَ ما یَنْبَغِی لَهُمْ وَ ما یَسْتَطِیعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَکُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِینَ (213) وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ (214)
وَ اخْفِضْ جَناحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (215) فَإِنْ عَصَوْکَ فَقُلْ إِنِّی بَرِی‌ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَ تَوَکَّلْ عَلَی الْعَزِیزِ الرَّحِیمِ (217) الَّذِی یَراکَ حِینَ تَقُومُ (218) وَ تَقَلُّبَکَ فِی السَّاجِدِینَ (219)
إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُکُمْ عَلی مَنْ تَنَزَّلُ الشَّیاطِینُ (221) تَنَزَّلُ عَلی کُلِّ أَفَّاکٍ أَثِیمٍ (222) یُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَکْثَرُهُمْ کاذِبُونَ (223) وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224)
أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی کُلِّ وادٍ یَهِیمُونَ (225) وَ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ ما لا یَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَکَرُوا اللَّهَ کَثِیراً وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (227)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 257
سورة الشعراء «1» سورة الشعراء مکیة، غیر آیتین فإنهما مدنیتان أحدهما قوله- تعالی-:
«أَ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ «2» آیَةً أَنْ یَعْلَمَهُ ...» «3» الآیة. و الأخری قوله- تعالی-:
«وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ «4»».
و بعض أهل التفسیر یقول: إن من قوله- تعالی-: «وَ الشُّعَراءُ ...» إلی آخرها و هن أربع آیات «5» مدنیات. و اللّه أعلم بما أنزل «6».
______________________________
(1) المقصود الإجمالی للسورة:
اشتملت سورة الشعراء علی الآتی:
ذکر القسم ببیان آیات القرآن، و تسلیة الرسول عن تأخر المنکرین عن الإیمان، و ذکر موسی و هارون و مناظرة فرعون الملعون، و ذکر السحرة، و مکرهم فی الابتداء و إیمانهم و انقیادهم فی الانتهاء و سفر موسی بنی إسرائیل من مصر و طلب فرعون إیاهم، و انفلاق البحر و إغراق القبط، و ذکر الجبل، و ذکر المناجاة و دعاء إبراهیم الخلیل، و ذکر استغاثة الکفار من عذاب النیران، و قصة نوح، و ذکر الطوفان، و تعدی عاد، و ذکر هود، و ذکر عقوبة ثمود، و ذکر قوم لوط و خبثهم، و قصة شعیب، و هلاک أصحاب الأیکة لعبثهم، و نزول جبرئیل علی النبی بالقرآن العربی و تفصیل حال الأمم السالفة الکثیرة و أمر الرسول- صلّی اللّه علیه و سلم- بإنذار العشیرة و تواضعه للمؤمنین، و أخلائه اللینة و بیان غوایة شعراء الجاهلیة، و أن العذاب منقلب الذین یظلمون فی قوله: «... وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ»: 227.
و سمیت سورة الشعراء لاختتامها بذکرهم فی قوله: «وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ»: 224.
(2) «لهم»: ساقطة من الأصل.
(3) سورة الشعراء: 197 و تمامها: أَ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ آیَةً أَنْ یَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِی إِسْرائِیلَ».
(4) سورة الشعراء: 224.
(5) الأربع آیات الأخیرة من سورة الشعراء هی 224، 225، 226، 227.
(6) من «و بعض أهل التفسیر ...» إلی هنا، ساقط من ل و هو من أ، و لیس فی ز کذلک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 258
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ طسم 1- تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ 2- یعنی- عز و جل- ما بین فیه من أمره و نهیه و حلاله و حرامه لَعَلَّکَ یا محمد باخِعٌ نَفْسَکَ و ذلک حین کذب به کفار مکة منهم الولید بن المغیرة، و أبو جهل، و أمیة بن خلف، فشق علی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- تکذیبهم إیاه فأنزل اللّه- عز و جل «لعلک باخع نفسک» یعنی قاتلا نفسک حزنا أَلَّا یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ 3- یعنی ألا یکونوا مصدقین بالقول بأنه من عند اللّه- عز و جل- نظیرها فی الکهف «فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ عَلی آثارِهِمْ ...» إِنْ نَشَأْ یعنی لو نشاء نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّتْ یعنی فمالت أَعْناقُهُمْ «لَها» یعنی للآیة خاضِعِینَ 4- یعنی مقبلین إلیها مؤمنین بالآیة وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ یقول ما یحدث اللّه- عز و جل- إلی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- من القرآن إِلَّا کانُوا عَنْهُ یعنی عن الإیمان بالقرآن مُعْرِضِینَ 5- فَقَدْ کَذَّبُوا بالحق یعنی بالقرآن لما جاءهم یعنی حین جاءهم به محمد- صلّی اللّه علیه و سلم- فَسَیَأْتِیهِمْ أَنْبؤُا یعنی حدیث ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ 6- و ذلک أنهم حین کذبوا بالقرآن أوعدهم اللّه- عز و جل- بالقتل ببدر، ثم وعظهم لیعتبروا فقال
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 259
- عز و جل-: أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلَی الْأَرْضِ کَمْ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ زَوْجٍ کَرِیمٍ 7- یقول کم أخرجنا من الأرض من کل صنف من ألوان النبت حسن إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یقول إن فی النبت لعبرة فی توحید اللّه- عز و جل- أنه واحد وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ یعنی أهل مکة مُؤْمِنِینَ 8- یعنی مصدقین بالتوحید وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ 9- فی نقمته منهم ببدر «الرحیم» حین لا یعجل علیهم بالعقوبة إلی الوقت «المحدد لهم «1»» وَ إِذْ نادی رَبُّکَ یقول و إذ أمر ربک یا محمد مُوسی أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ 10- یعنی المشرکین «قَوْمَ فِرْعَوْنَ» «2» و اسمه فیطوس بأرض مصر و قل لهم:
یا موسی، أَ لا یَتَّقُونَ 11- یعنی ألا یعبدون اللّه- عز و جل- قالَ موسی: رَبِّ إِنِّی أَخافُ أَنْ یُکَذِّبُونِ 12- فیما أقول «3» وَ أخاف أن یَضِیقُ صَدْرِی یعنی یضیق قلبی وَ لا یَنْطَلِقُ لِسانِی بالبلاغ فَأَرْسِلْ إِلی هارُونَ 13- یقول فأرسل معی هرون، کقوله فی النساء: «... وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلی أَمْوالِکُمْ ... «4»» یعنی مع أموالکم وَ لَهُمْ عَلَیَّ ذَنْبٌ یعنی عندی ذنب یعنی قتل النفس فَأَخافُ أَنْ یَقْتُلُونِ 14- قالَ کَلَّا فَاذْهَبا بِآیاتِنا لا تخافا القتل «5» إِنَّا مَعَکُمْ مُسْتَمِعُونَ 15- فَأْتِیا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِینَ 16- کقوله- سبحانه-:
______________________________
(1) فی ا، ف: «إلی الوقت» و زدت «المحدد لهم» لیتضح المعنی.
(2) فی ا، ف: فرعون و قومه، فعدلتها لتصحیح النص. کما أنها مکتوبة فی النسختین علی أنها تفسیر لا قرآن. و یترتب علیه ترک هذه الجملة بدون ذکر.
(3) فی ف، أ: بما.
(4) سورة النساء: 2.
(5) فی أ: لا تخاف، و فی ف: لا تخافا القتل. و جملة فاذهبا بآیاتنا مکتوبة علی الهامش فی ف، ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 260
«فَأْتِیاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّکَ «1»» یعنی نفسه «2» و هرون رسولا ربک لقول «3» فرعون أنا الرب و الإله ثم انقطع الکلام. ثم انطلق موسی- صلّی اللّه علیه و سلم- إلی مصر و هرون بمصر فانطلقا کلاهما إلی فرعون فلم یأذن لهما سنة فی الدخول، فلما دخلا علیه قال، موسی لفرعون: «إنا» یعنی نفسه و هرون- علیه السلام- «رسول رب العالمین» أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِی إِسْرائِیلَ 17- إلی أرض فلسطین لا تستعبدهم فعرف فرعون موسی لأنه رباه فی بیته، فلما قتل موسی- علیه السلام- النفس هرب من مصر فلما أتاه قالَ فرعون له:
أَ لَمْ نُرَبِّکَ فِینا وَلِیداً یعنی صبیا وَ لَبِثْتَ فِینا یعنی عندنا مِنْ عُمُرِکَ سِنِینَ 18- یعنی ثلاثین سنة وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَکَ الَّتِی فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْکافِرِینَ 19- قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّینَ 20- یعنی من الجاهلین و هی قراءة ابن مسعود «فعلتها إذا و أنا من الجاهلین» فَفَرَرْتُ مِنْکُمْ إلی مدین لَمَّا خِفْتُکُمْ أن تقتلون فَوَهَبَ لِی رَبِّی حُکْماً یعنی العلم و الفهم وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُرْسَلِینَ 21- إلیکم، ثم قال لفرعون: وَ تِلْکَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَیَ یا فرعون تمن علی بإحسانک إلی خاصة فیما زعمت و تنسی إساءتک أَنْ عَبَّدْتَ یقول استعبدت بَنِی إِسْرائِیلَ 22- فاتخذتهم عبیدا لقومک القبط و کان فرعون «قد» قهرهم «4» أربعمائة و ثلاثین سنة و یقال و أربعین سنة، و إنما کانت بنو إسرائیل بمصر حین أتاها یعقوب و بنوه و حشمه حین أتوا
______________________________
(1) سورة طه: 47.
(2) هکذا فی ف، و فی أ:
(3) فی ف: یقول.
(4) فی ف، أ: و کان فرعون قهرهم. فزدت «قد».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 261
یوسف «1» قالَ فِرْعَوْنُ لموسی: وَ ما رَبُّ الْعالَمِینَ 23- منکرا له قالَ موسی: هو رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُمَا من العجائب إِنْ کُنْتُمْ مُوقِنِینَ 24- بتوحید اللّه- عز و جل- قالَ فرعون لِمَنْ حَوْلَهُ یعنی الأشراف و کان حوله خمسون «2» و مائة من أشرافهم أصحاب الأثرة «3».
أَ لا تَسْتَمِعُونَ 25- إلی قول هذا یعنی موسی قالَ موسی: هو رَبُّکُمْ وَ رَبُّ آبائِکُمُ الْأَوَّلِینَ 26- قالَ فرعون لهم: إِنَّ رَسُولَکُمُ یعنی موسی الَّذِی أُرْسِلَ إِلَیْکُمْ لَمَجْنُونٌ 27- قالَ موسی هو: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ یعنی مشرق و مغرب یوم «4»، یستوی اللیل و النهار فی السنة یومین و یسمی البرج المیزان، ثم قال: وَ ما بَیْنَهُما یعنی «ما» «5» بین المشرق و المغرب من جبل أو بناء أو شجر أو شی‌ء إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ 28- توحید اللّه- عز و جل- قالَ فرعون: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً یعنی ربا غَیْرِی لَأَجْعَلَنَّکَ مِنَ الْمَسْجُونِینَ 29- یعنی من المحبوسین قالَ موسی: أَ وَ لَوْ جِئْتُکَ بِشَیْ‌ءٍ مُبِینٍ 30- یعنی بأمر بین یعنی الید و العصا بستبین لک أمری فتصدقنی قالَ فرعون: فَأْتِ بِهِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 31-
______________________________
(1) فی أ: لحمل أتاها یعقوب. ثم علق کاتبها محمد السنبلاوینی بأنه یری أن الصواب من حین أتاها یعقوب.
و أما و فی م: لحمل أتاها یعقوب، کما هی بدون تعلیق. و هذا یدل علی أن، م ناقلتان من نسخة واحدة. و أما ف ففیها: حین أتاها یعقوب.
(2) فی أ: خمسین و کذلک فی م و هو دلیل نقلهما من نسخة واحدة.
(3) فی ف، أ: الأسرة، و لعل الکاتب کان یملی علیه فکتب الأثرة: الأسرة.
(4) هکذا فی ف، ا، م. و لعل المراد یوم معین یستوی فیه اللیل و النهار.
(5) ما: زیادة لیست فی ف، ا، م.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 262
بأنک رسول رب العالمین إلینا. «فَأَلْقی عَصاهُ «1» و فی ید موسی- علیه السلام- عصاه و کانت من الآس. قال ابن عباس: إن جبرئیل دفع العصا إلی موسی- علیهما السلام- باللیل حین توجه إلی مدین و کان آدم- علیه السلام- أخرج بالعصا من الجنة، فلما مات آدم قبضها جبریل- علیه السلام- فقال موسی لفرعون: ما هذه بیدی. قال فرعون:
هذه عصا. فألقاها موسی من یده فَإِذا هِیَ ثُعْبانٌ مُبِینٌ 32- یعنی حیة ذکر أصفر أشعر العنق عظیم ملأ الدار عظما قائم علی ذنبه یتلمظ علی فرعون و قومه یتوعدهم، قال فرعون: خذها یا موسی، مخافة أن تبتلعه فأخذ بذنبها فصارت عصا مثل ما کانت. قال فرعون: هل من آیة أخری غیرها؟ قال موسی: نعم. فأبزر یده، قال لفرعون: ما هذه؟ قال فرعون: هذه یدک. فأدخلها فی جیبه و هی مدرعة مصریة من صوف «وَ نَزَعَ یَدَهُ» «2» یعنی أخرج یده من المدرعة فَإِذا هِیَ بَیْضاءُ لِلنَّاظِرِینَ 33- لها شعاع مثل شعاع الشمس من شدة بیاضها یغشی البصر قالَ فرعون: لِلْمَلَإِ یعنی الأشراف حَوْلَهُ إِنَّ هذا یعنی موسی لَساحِرٌ عَلِیمٌ 34- بالسحر یُرِیدُ أَنْ یُخْرِجَکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ یعنی مصر بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ 35- یقول فما ذا تشیرون علی، فرد علیه الملأ من قومه یعنی الأشراف قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ یقول احبسهما جمیعا و لا تقتلهما حتی تنظر ما أمرهما وَ ابْعَثْ فِی الْمَدائِنِ یعنی فی القری حاشِرِینَ 36- یحشرون علیک السحرة، فذلک قوله- سبحانه: یَأْتُوکَ بِکُلِّ سَحَّارٍ عَلِیمٍ 37- یعنی عالم بالسحر فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِیقاتِ یَوْمٍ مَعْلُومٍ
______________________________
(1) لیست فی ا. و هی مکتوبة علی الهامش فی ف.
(2) فی أ: «ثم نزع یده». و هو خطأ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 263
- 38- یعنی موقت و هو یوم عیدهم و هو یوم الزینة و هم اثنان و سبعون ساحرا من أهل فارس و بقیتهم من بنی إسرائیل وَ قِیلَ لِلنَّاسِ یعنی لأهل مصر هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ 39- إلی السحرة لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ علی أمرهم إِنْ کانُوا هُمُ الْغالِبِینَ 40- لموسی و أخیه و اجتمعوا، فقال موسی للساحر الأکبر: تؤمن بی إن غلبتک؟ قال الساحر: لآتین بسحر لا یغلبه سحر، فإن غلبتنی لأومنن بک و فرعون ینظر إلیهما و لا یفهم ما یقولان فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً یعنی جعلا إِنْ کُنَّا نَحْنُ الْغالِبِینَ 41- لموسی و أخیه قالَ فرعون: نَعَمْ لکم الجعل وَ إِنَّکُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ 42- عندی فی المنزلة سوی الجعل قالَ لَهُمْ مُوسی أَلْقُوا ما فی أیدیکم من الحبال و العصی ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ 43- فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِیَّهُمْ وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ یعنی بعظمة فرعون، کقولهم «1» لشعیب:
«... وَ ما أَنْتَ عَلَیْنا بِعَزِیزٍ ... «2»» یعنی بعظیم إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ 44- فإذا هی حیات فی أعین الناس، و فی عین موسی و هرون تسعی إلی موسی و أخیه، و إنما هی حبال و عصی لا تحرک فخاف موسی فقال جبریل لموسی- علیهما السلام-:
ألق عصاک فإذا هی حیة عظیمة سدت الأفق برأسها و علقت ذنبها فی قبة لفرعون طول القبة سبعون ذراعا فی السماء و ذلک فی المحرم یوم السبت لثمانی لیال خلون من المحرم «3». ثم إن حیة موسی فتحت فاها فجعلت تلقهم تلک الحیات فلم یبق منها شی‌ء، فذلک قوله- عز و جل-:
______________________________
(1) فی أ، م: کقوله، و فی ف: کقولهم.
(2) سورة هود: 91.
(3) هکذا فی ف، و فی أ: لیومان خلون من المحرم و الخطأ فیه ظاهر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 264
فَأَلْقی مُوسی عَصاهُ: فَإِذا هِیَ تَلْقَفُ ما یَأْفِکُونَ «1»- 45- یعنی فإذا هی تلقم ما یکذبون من سحرهم ثم أخذ موسی- علیه السلام- بذنبها فإذا هی عصا کما کانت، فقال السحرة بعضهم لبعض لو کان هذا سحر لبقیت الحبال و العصی، فذلک قوله- عز و جل- فَأُلْقِیَ السَّحَرَةُ ساجِدِینَ 46- للّه- عز و جل- قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِینَ 47- لقول موسی أنا رسول رب العالمین، فقال فرعون:
أنا رب العالمین، قالت السحرة: رَبِّ مُوسی وَ هارُونَ 48- فبهت فرعون عند ذلک و ألقی بیدیه ف قالَ فرعون للسحرة: آمَنْتُمْ لَهُ یقول صدقتم بموسی قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ یقول من قبل أن آمرکم بالإیمان به، ثم قال فرعون للسحرة: إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ إن هذا لمکر مکرتموه، یقول إن هذا لقول قلتموه أنتم یعنی به السحرة و موسی فی المدینة یعنی فی أهل مدین لتخرجوا منها أهلها بقول الساحر الأکبر لموسی حین قال لئن غلبتنی لأؤمن بک، ثم قال فرعون: فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا وعید فأخبرهم بالوعید فقال:
لَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ یعنی الید الیمنی و الرجل الیسری وَ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ 49- فی جذوع النخل فردت علیه السحرة حین أوعدهم بالقتل و الصلب قالُوا لا ضَیْرَ ما عسیت أن تصنع هل هو إلا أن تقتلنا إِنَّا إِلی رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ 50- یعنی لراجعون إلی الآخرة إِنَّا نَطْمَعُ أی نرجو أَنْ یَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطایانا یعنی سحرنا أَنْ کُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِینَ 51- یعنی أول المصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- من أهل
______________________________
(1) فی ف، أ: «فَإِذا هِیَ تَلْقَفُ ما یَأْفِکُونَ» فقط، أی أن صدر الآیة ترک فأثبته، و فی ف، زیادات فی وصف الحیة من عظمتها و ضخامتها و هی أشیاء لم تثبت عن المعصوم- صلّی اللّه علیه و سلم- و لا یمکن الإیمان بها إلا عن هذا الطریق.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 265
مصر فقطعهم و صلبهم فرعون من یومه، قال ابن عباس: کانوا أول النهار سحرة و آخر النهار شهداء.
وَ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی أَنْ أَسْرِ بِعِبادِی بنی إسرائیل لیلا إِنَّکُمْ مُتَّبَعُونَ 52- یعنی یتبعکم فرعون و قومه فأمر جبریل- علیه السلام- کل أهل أربعة أبیات من بنی إسرائیل فی بیت، و یعلم تلک الأبواب بدم الخراف «1» فإن اللّه- عز و جل- یبعث الملائکة إلی أهل مصر فمن لم یروا علی بابه دما دخلوا بیته فقتلوا أبکارهم، من أنفسهم و أنعامهم، فیشغلهم دفنهم إذا أصبحوا عن طلب موسی ففعلوا و استعاروا حلی أهل مصر فساروا من لیلتهم قبل البحر هارون علی المقدمة و موسی علی الساقة فأصبح فرعون من الغد یوم الأحد و قد قتلت الملائکة أبکارهم فاشتغلوا بدفنهم ثم جمع الجموع فساروا یوم الاثنین فی طلب موسی- علیه السلام- و أصحابه. و هامان علی مقدمة فرعون فی ألفی ألف و خمسمائة. و یقال ألف ألف مقاتل، فذلک قوله- عز و جل-: فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِی الْمَدائِنِ حاشِرِینَ 53- یحشرون الناس فی طلب موسی- علیه السلام- و هرون- علیه السلام- و بنی إسرائیل. ثم قال فرعون: إِنَّ هؤُلاءِ یعنی بنی إسرائیل لَشِرْذِمَةٌ یعنی عصابة قَلِیلُونَ 54- و هم ستمائة ألف وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ 55- لقتلهم أبکارنا ثم هربوا منا وَ إِنَّا لَجَمِیعٌ حاذِرُونَ 56- علینا السلاح. «2» یقول اللّه- تعالی-: فَأَخْرَجْناهُمْ من مصر مِنْ جَنَّاتٍ یعنی البساتین وَ عُیُونٍ 57- یعنی أنهار جاریة وَ کُنُوزٍ یعنی الأموال الظاهرة من
______________________________
(1) فی ف «الحرب»، و فی أ: بدم الجدار، و فی م: بدم الجدار و قد رأیت الحراف أقرب کلمة إلی ف.
(2) هکذا فی ف، م. و فی أ: بالسلاح.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 266
الذهب و الفضة و إنما سمی کنزا لأنه لم یعط حق اللّه- عز و جل- منه و کل ما لم یعط حق اللّه- تعالی- منه فهو کنز و إن کان ظاهرا، قال سبحانه وَ مَقامٍ کَرِیمٍ 58- یعنی المساکن الحسان کَذلِکَ هکذا فعلنا بهم فی الخروج من مصر و ما کانوا فیه من الخیر، ثم قال- سبحانه-: وَ أَوْرَثْناها بَنِی إِسْرائِیلَ 59- و ذلک أن اللّه- عز و جل- رد بنی إسرائیل بعد ما أغرق فرعون و قومه إلی مصر فَأَتْبَعُوهُمْ یقول فأتبعهم فرعون و قومه مُشْرِقِینَ 60- یعنی ضحی فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ یعنی جمع موسی- علیه السلام- و جمع فرعون فعاین بعضهم بعضا قالَ أَصْحابُ مُوسی إِنَّا لَمُدْرَکُونَ 61- هذا فرعون و قومه لحقونا من ورائنا و هذا البحر أمامنا قد غشینا و لا منقذ لنا منه قالَ موسی- علیه السلام-: کَلَّا «لا یدرکوننا» «1» إِنَّ مَعِی رَبِّی سَیَهْدِینِ 62- الطریق و ذلک أن جبریل- علیه السلام- حین أتاه فأمره بالمسیر من مصر قال: موعد ما بیننا و بینک البحر فعلم موسی- علیه السلام- أن اللّه- عز و جل- سیجعل له مخرجا و ذلک یوم الاثنین العاشر من المحرم «2» فلما صار موسی إلی البحر أوحی اللّه- عز و جل- إلیه «3» «فَأَوْحَیْنا إِلی مُوسی أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْبَحْرَ فجاءه جبریل- علیه السلام- فقال اضرب بعصاک البحر فضربه بعصاه فی أربع ساعات من النهار فَانْفَلَقَ البحر فانشق الماء اثنی عشر طریقا یابسا، کل طریق طوله فرسخان و عرضه فرسخان، و قام الماء عن یمین الماء و عن یساره کالجبل العظیم، فذلک
______________________________
(1) فی الأصل: «لا یدرکونا».
(2) فی أ: یوم العاشر من المحرم.
(3) الآیة «فَأَوْحَیْنا إِلی مُوسی لکنها وردت فی الأصل: «أوحی اللّه- عز و جل- إلیه».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 267
قوله- عز و جل- فَکانَ کُلُّ فِرْقٍ کَالطَّوْدِ الْعَظِیمِ 63- یعنی کالجبلین المقابلین «1» کل واحد منهما علی الآخر و فیهما کوی من طریق إلی طریق لینظر بعضهم إلی بعض إذا ساروا فیه لیکون آنس لهم إذا نظر بعضهم إلی بعض فسلک کل سبط من بنی إسرائیل فی طریق لا «یخالطهم» «2» أحد من غیرهم و کانوا اثنی عشر سبطا فساروا فی اثنی عشر طریقا «3» فقطعوا البحر و هو نهر النیل بین أیلة و مصر نصف النهار فی ساعتین فتلک ست ساعات من النهار یوم الاثنین و هو یوم العاشر من المحرم، فصام موسی- علیه السلام- یوم العاشر شکر اللّه- عز و جل- حین أنجاه اللّه- عز و جل- و أغرق عدوه فرعون فمن ثم تصومه الیهود.
و سار فرعون و قومه فی تمام ثمانیة ساعات فلما توسطوا البحر تفرقت الطرق علیهم فأغرقهم اللّه- عز و جل- أجمعین، فذاک قوله- تعالی-: وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِینَ 64- یعنی هناک الآخرین. قربنا فرعون و جنوده فی مسلک بنی إسرائیل وَ أَنْجَیْنا مُوسی وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِینَ 65- من الغرق فلم یبق أحد إلا نجا ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِینَ 66- یعنی فرعون و قومه فی تمام تسع ساعات من النهار ثم أوحی اللّه- عز و جل- إلی البحر فألقی فرعون علی الساحل فی ساعة فتلک «4» عشر ساعات و بقی من النهار ساعتان إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یقول فی هلاک فرعون و قومه لعبرة لمن بعدهم وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ 67- یقول لم یکن أکثر أهل مصر مصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- و لو کان أکثرهم مؤمنین لم یعذبوا فی الدنیا. و لم یؤمن من أهل مصر غیر آسیة امرأة فرعون
______________________________
(1) المقبلین: فی ف، و فی أ: کشط و تصلیح، و فی م: المتقبلین.
(2) فی الأصل: «تخالطهم».
(3) قال ابن عباس صار البحر اثنی عشر طریقا لکل سبط طریق. و زاد السدی و صار فیه طاقات ینظر بعضهم إلی بعض، ابن کثیر: 3/ 336.
(4) فی الأصل: فذلک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 268
و حزقیل المؤمن من آل فرعون و فیة «1» الماشطة و مریم ابنة ناموثیة «2» التی دلت علی عظام یوسف وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ فی نقمته من أعدائه حین انتقم منهم الرَّحِیمُ 68- بالمؤمنین حین أنجاهم من العذاب و کان موسی بمصر ثلاثین سنة فلما قتل النفس خرج إلی مدین هاربا علی رجلیه فی الصیف بغیر زاد و کان راعیا عشر سنین ثم بعثه اللّه رسولا و هو ابن أربعین سنة ثم دعا قومه ثلاثین سنة ثم قطع البحر فعاش خمسین سنة فمات و هو ابن عشرین و مائة سنة- صلّی اللّه علیه و سلم- و کان دعا فرعون و قومه عشر سنین فلما أبوا أرسل اللّه علیهم الطوفان و الجراد و القمل و إلی آخر الآیة «3» ثم لبث فیهم «4» أیضا عشرین سنة کل ذلک ثلاثین سنة فلم یؤمنوا فأغرقهم اللّه أجمعین فعاش موسی- علیه السلام- عشرین و مائة سنة.
وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ علی أهل مکة نَبَأَ یعنی حدیث إِبْراهِیمَ 69- إِذْ قالَ لِأَبِیهِ آزر وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ 70- قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً من ذهب و فضة و حدید و نحاس و خشب فَنَظَلُّ لَها عاکِفِینَ 71- یقول فنقیم علیها عاکفین و هی اثنان و سبعون قالَ إبراهیم- علیه السلام-: هَلْ یَسْمَعُونَکُمْ إِذْ تَدْعُونَ 72- یقول هل تجیبکم الأصنام إذا دعوتموهم أَوْ هل یَنْفَعُونَکُمْ فی شی‌ء إذا عبدتموها أَوْ یَضُرُّونَ 73- یضرونکم بشی‌ء
______________________________
(1) هکذا فی ف، أ، م: و فیه.
(2) هکذا فی أ، و فی ف: ناموئین.
(3) الآیة: فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آیاتٍ ... سورة الأعراف: 133.
(4) فی ف، ا: فیها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 269
إن لم تعبدوها فردوا علی إبراهیم «قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا کَذلِکَ یَفْعَلُونَ» «1»- 74- یعنی هکذا یعبدون الأصنام قالَ إبراهیم: أَ فَرَأَیْتُمْ ما کُنْتُمْ تَعْبُدُونَ 75- من الأصنام أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمُ الْأَقْدَمُونَ 76- فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِی أنا بری‌ء مما تعبدون ثم استثنی إبراهیم- علیه السلام- مما یعبدون رب العالمین- جل جلاله- و عبادتهم اللّه؛ لأنهم یعلمون أن اللّه- تعالی- هو ربهم هو الذی خلقهم قوله: إِلَّا رَبَّ الْعالَمِینَ 77- مما تعبدون فإنی لا أتبرأ منه و إقرارهم باللّه- عز و جل- أنه خلقهم و هو ربهم، و هم عباده ثم ذکر إبراهیم- علیه السلام- نعم رب العالمین- تعالی- فقال: الَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهْدِینِ 78- وَ الَّذِی هُوَ یُطْعِمُنِی إذا جعت وَ یَسْقِینِ 79- إذا عطشت وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفِینِ 80- وَ الَّذِی یُمِیتُنِی فی الدنیا ثُمَّ یُحْیِینِ 81- بعد الموت فی الآخرة.
وَ الَّذِی أَطْمَعُ یعنی أرجو أَنْ یَغْفِرَ لِی خَطِیئَتِی یَوْمَ الدِّینِ 82- یعنی یوم الحساب یقول أنا أعبد الذی یفعل هذا بی و لا أعبد غیره و خطیئة إبراهیم ثلاث کذبات، حین قال عن سارة «2» هذه أختی، و حین قال إِنِّی سَقِیمٌ و حین قال بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هذا. إحداهن لنفسه و اثنتان للّه- عز و جل- دعا ربه- تعالی ذکره- فقال: رَبِّ هَبْ لِی حُکْماً یعنی الفهم و العلم وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ 83- یعنی الأنبیاء- علیهم السلام- وَ اجْعَلْ لِی لِسانَ صِدْقٍ فِی الْآخِرِینَ 84- یعنی ثناء حسنا یقال من بعدی فی الناس فأعطاه
______________________________
(1) فی أ: «قالوا إنا وجدنا» و هو خلاف النص القرآنی.
(2) فی ف، ا، م: لسارة. و اللام بمعنی عن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 270
اللّه- عز و جل- ذلک فکل أهل دین یقولون «1» إبراهیم- علیه السلام-، و یثنون علیه، ثم قال: وَ اجْعَلْنِی مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِیمِ 85- یقول اجعلنی ممن یرث الجنة وَ اغْفِرْ لِأَبِی إِنَّهُ کانَ مِنَ الضَّالِّینَ 86- یعنی من المشرکین وَ لا تُخْزِنِی یعنی لا تعذبنی یَوْمَ یُبْعَثُونَ 87- یعنی یوم تبعث الخلق بعد الموت، ثم نعت إبراهیم- علیه السلام- ذلک الیوم، فقال: یَوْمَ لا یَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ 88- من العذاب من بعد الموت إِلَّا مَنْ أَتَی اللَّهَ فی الآخرة بِقَلْبٍ سَلِیمٍ 89- من الشرک مخلصا للّه- عز و جل- بالتوحید فینفعه یوم البعث ماله و ولده.
وَ أُزْلِفَتِ یعنی و قربت الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ 90- وَ بُرِّزَتِ الْجَحِیمُ یعنی و کشف الغطاء عن الجحیم لِلْغاوِینَ 91- من کفار بنی آدم و هم الضالون عن الهدی وَ قِیلَ لَهُمْ أَیْنَ ما کُنْتُمْ تَعْبُدُونَ 92- مِنْ دُونِ اللَّهِ لأنهم عبدوا الشیطان نظیرها فی الصافات هَلْ یَنْصُرُونَکُمْ أَوْ یَنْتَصِرُونَ 93- یعنی هل یمنعونکم النار أو یمتنعون منها فَکُبْکِبُوا فِیها یعنی فقذفوا فی النار یعنی فقذفهم الحزنة فی النار هُمْ یعنی کفار بنی آدم وَ الْغاوُونَ 94- یعنی الشیاطین الذین أغووا بنی آدم، ثم قال- تعالی-: وَ جُنُودُ إِبْلِیسَ أَجْمَعُونَ 95- یعنی ذریة إبلیس کلهم قالُوا وَ هُمْ فِیها یَخْتَصِمُونَ 96- فی النار فیها تقدیم و ذلک أن الکفار من بنی آدم قالوا للشیاطین: تَاللَّهِ یعنی و اللّه إِنْ لقد کُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ 97- إِذْ نُسَوِّیکُمْ یعنی نعد لکم- یا معشر الشیاطین- بِرَبِّ الْعالَمِینَ 98- فی الطاعة فهذه
______________________________
(1) فی ا، م: یتولون ابراهیم. و فی ف: یقولون ابراهیم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 271
خصومتهم، ثم قال کفار مکة من بنی آدم: وَ ما أَضَلَّنا عن الهدی إِلَّا الْمُجْرِمُونَ 99- یعنی الشیاطین، ثم أظهروا الندامة فقالوا: فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ 100- من الملائکة و البنین وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ 101- یعنی القریب الشفیق فیشفعون لنا کما یشفع للمؤمنین، و ذلک انهم لما رأوا کیف یشفع اللّه- عز و جل- و الملائکة و البنین فی أهل التوحید، قالوا عند ذلک «فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ ...» إلی آخر الآیة.
حدثنا أبو محمد قال: حدثنی الهذیل، قال: قال مقاتل: استکثروا من صداقة المؤمنین فإن المؤمنین یشفعون یوم القیامة، فذلک قوله- سبحانه-:
«وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ» ثم قال: فَلَوْ أَنَّ لَنا کَرَّةً یعنی رجعه إلی الدنیا فَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 102- یعنی من المصدقین بالتوحید إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یعنی إن فی هلاک قوم إبراهیم لعبرة لمن بعدهم. وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ 103- یقول لو کان أکثرهم مؤمنین لم یعذبوا فی الدنیا وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ فی نقمته الرَّحِیمُ 104- بالمؤمنین. هلک قوم إبراهیم بالصیحة تفسیره فی سورة العنکبوت «1».
کَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِینَ 105- یعنی کذبوا نوحا وحده، نظیرها فی «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ» «2» إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ لیس بأخیهم فی الدین و لکن
______________________________
(1) فی سورة العنکبوت الآیة 40:
(فَکُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَیْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّیْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَ ما کانَ اللَّهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ
(2) سورة القمر آیة 9، 10: (کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَکَذَّبُوا عَبْدَنا وَ قالُوا مَجْنُونٌ وَ ازْدُجِرَ، فَدَعا رَبَّهُ أَنِّی مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ).
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 272
أخوهم فی النسب أَ لا تَتَّقُونَ 106- یعنی ألا تخشون اللّه- عز و جل- إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ 107- فیما بینکم و بین ربکم فَاتَّقُوا اللَّهَ یعنی فاعبدوا اللّه وَ أَطِیعُونِ 108- فیما آمرکم به من النصیحة وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ یعنی جعلا و ذلک أنهم قالوا للأنبیاء إنما تریدون أن تملکوا علینا فی أموالنا «1» فردت علیهم الأنبیاء فقالوا لا نسألکم علیه «2» من أجر یعنی علی الإیمان جعلا إِنْ أَجْرِیَ یعنی جزائی إِلَّا عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ 109- فَاتَّقُوا اللَّهَ یعنی فاعبدوا اللّه وَ أَطِیعُونِ 110- فیما آمرکم به من النصیحة قالُوا لنوح أَ نُؤْمِنُ لَکَ أ نصدقک بقولک وَ اتَّبَعَکَ الْأَرْذَلُونَ 111- یعنی السفلة قالَ نوح- علیه السلام-: وَ ما عِلْمِی بِما کانُوا یَعْمَلُونَ 112- یقول لم أکن أعلم أن اللّه یهدیهم للإیمان من بینکم و یدعکم، ثم قال نوح- علیه السلام-: إِنْ حِسابُهُمْ یعنی ما جزاء الأرذلون إِلَّا عَلی رَبِّی لَوْ تَشْعُرُونَ 113- وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِینَ 114- یقول و ما أنا بالذی لا یقبل «3» الإیمان من الذین تزعمون أنهم الأرذلون عندکم إِنْ أَنَا یعنی ما أنا إِلَّا نَذِیرٌ مُبِینٌ 115- یعنی رسول بین لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ یعنی لئن لم تسکت یا نُوحُ عنا لَتَکُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِینَ 116- یعنی من المقتولین قالَ نوح: رَبِّ إِنَّ قَوْمِی کَذَّبُونِ 117- البعث فَافْتَحْ بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ فَتْحاً یقول اقض بینی و بینهم قضاء یعنی العذاب وَ نَجِّنِی وَ مَنْ مَعِیَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 118- من الغرق فنجاه اللّه- عز و جل- فَأَنْجَیْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ 119-
______________________________
(1) هکذا فی ف، أ: و لعلها علینا أموالنا.
(2) فی ف، أ: لا أسألکم علیه.
(3) فی أ: لا أقبل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 273
یعنی الموقر من الناس و الطیر و الحیوان کلها من کل صنف ذکر و أنثی ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ أهل السفینة الْباقِینَ 120- یعنی من بقی منهم «ممن» «1» لم یرکب السفینة. إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یقول إن فی هلاک قوم نوح بالغرق لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة لیحذروا مثل عقوبتهم، ثم قال- تعالی-: وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ 121- یعنی مصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- یقول کان أکثرهم کافرین بالتوحید و لو کان أکثرهم مؤمنین لم یعذبوا فی الدنیا، ثم قال- سبحانه-: وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ فی نقمته منهم بالغرق الرَّحِیمُ 122- بالمؤمنین إذ نجاهم من الغرق، إنما ذکر اللّه- تعالی- تکذیب الأمم الخالیة رسلهم، لما کذب کفار قریش النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- بالرسالة أخبر اللّه- عز و جل- النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- أنه أرسله کما أرسل نوحا و هودا و صالحا و لوطا و شعیبا فکذبهم قومهم، فکذلک أنت یا محمد و ذکر عقوبة قومهم الذین کذبوا رسلهم لئلا یکذب کفار قریش محمدا- صلّی اللّه علیه و سلم- فحذرهم مثل عذاب الأمم الخالیة.
کَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِینَ 123- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ لیس بأخیهم فی الدین و لکن أخوهم فی النسب أَ لا تَتَّقُونَ 124- یعنی ألا تخشون اللّه- عز و جل- إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ 125- فیما بینکم و بین ربکم فَاتَّقُوا اللَّهَ یعنی فاعبدوا اللّه وَ أَطِیعُونِ 126- فیما آمرکم به من النصیحة وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ یقول لا أسألکم علی الإیمان جعلا إِنْ أَجْرِیَ یقول ما أجری إِلَّا عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ 127- أَ تَبْنُونَ بِکُلِّ رِیعٍ یعنی طریق آیَةً یعنی علما تَعْبَثُونَ
______________________________
(1) فی الأصل: «من».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 274
- 128- یعنی تلعبون و ذلک أنهم کانوا إذا سافروا لا یهتدون إلا بالنجوم فبنوا القصور [53 ا] الطوال عبثا یقول علما بکل طریق یهتدون بها فی طریقهم وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ یعنی القصور لیذکروا بها هذا منزل بنی فلان و بنی و فلان لَعَلَّکُمْ یعنی کأنکم تَخْلُدُونَ 129- فی الدنیا فلا تموتون وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِینَ 130- یقول إذا أخذتم أخذتم فقتلتم فی غیر حق کفعل الجبارین، و الجبار من یقتل بغیر حق فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ 131- وَ اتَّقُوا الَّذِی أَمَدَّکُمْ یقول اتقوا اللّه الذی أعطاکم بِما تَعْلَمُونَ «1»- 132- من الخیر، ثم أخبر بالذی أعطاهم، فقال- سبحانه-: أَمَدَّکُمْ بِأَنْعامٍ وَ بَنِینَ 133- وَ جَنَّاتٍ یقول البساتین وَ عُیُونٍ 134- یعنی و أنهار جاریة أعطاهم هذا الخیر کله، بعد ما «أخبرهم» «2» عن قوم نوح بالغرق، قال «3»: فإن لم تؤمنوا ف إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ 135- إن ینزل بکم فی الدنیا یعنی بالعظیم الشدید فردوا «علیه» «4»- علیه السلام- قالُوا سَواءٌ عَلَیْنا أَ وَعَظْتَ بالعذاب أَمْ لَمْ تَکُنْ مِنَ الْواعِظِینَ 136- إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِینَ 137- یعنی ما هذا العذاب الذی یقول هود إلا أحادیث الأولین وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ 138- فَکَذَّبُوهُ بالعذاب فی الدنیا فَأَهْلَکْناهُمْ بالریح إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یقول إن فی هلاکهم بالریح لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة فیحذروا مثل عقوبتهم، ثم قال- سبحانه-: وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ 139-
______________________________
(1) فی أ: ما تعملون.
(2) فی أ: أخبر قوم نوح.
(3) «أخبرهم»: لیست فی ا.
(4) «علیه» زیادة اقتضاها السیاق غیر موجودة فی الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 275
و لو کان أکثرهم مؤمنین لم یعذبوا فی الدنیا وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ فی نقمته من أعدائه حین أهلکهم بالریح الرَّحِیمُ 140- بالمؤمنین حین أنجاهم.
کَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِینَ 141- یعنی صالحا وحده إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ فی النسب و لیس بأخیهم فی الدین أَ لا تَتَّقُونَ 142- یعنی «ألا تخشون» «1» اللّه- عز و جل- إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ 143- فیما بینکم و بین اللّه- عز و جل- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ 144- فیما آمرکم به وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ یعنی علی الإیمان مِنْ أَجْرٍ یعنی جعلا إِنْ أَجْرِیَ یعنی «ما جزائی» «2» إِلَّا عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ 145- ثم قال صالح- علیه السلام-: أَ تُتْرَکُونَ فِی ما هاهُنا من الخیر آمِنِینَ 146- من الموت، ثم أخبر عن الخیر، فقال- سبحانه-: فِی جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ 147- وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِیمٌ 148- یعنی طلعها متراکب بعضها علی بعض من الکثرة وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً فارِهِینَ 149- یعنی حاذقین بنحتها فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ 150- فیما آمرکم به من النصیحة وَ لا تُطِیعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِینَ 151- یعنی التسعة الذین عقروا الناقة [53 ب ثم نعتهم فقال- تعالی-: الَّذِینَ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ وَ لا یُصْلِحُونَ 152- یقول الذین یعصون فی الأرض و لا یطیعون اللّه- عز و جل- فیما أمرهم به قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِینَ 153.
______________________________
(1) فی أ: «ألا تخشوا».
(2) فی أ: «ما جزای».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 276
حدثنا أبو محمد قال: حدثنا الأثرم، قال أبو عبیدة و الفراء: المسحر المخلوق، و یقال أیضا الذی له سحر یجتمع فیه طعامه أسفل نحره لأن «نصف العنق» «1» نحر و نصفه سحر ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا یقول إنما أنت بشر مثلنا فی المنزلة و لا تفضلنا فی شی‌ء لست بملک و لا رسول فَأْتِ بِآیَةٍ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 154- بأنک رسول اللّه إلینا، فقال لهم صالح: إن اللّه- عز و جل- «سیخرج» «2» لکم من هذه الصخرة ناقة و براء عشراء یعنی حامل، قال مقاتل: کانت الناقة من غیر نسل ثم انشقت عن الناقة قالَ لهم صالح- علیه السلام-: هذِهِ ناقَةٌ اللّه لکم آیة بأنی رسول اللّه لَها شِرْبٌ وَ لَکُمْ شِرْبُ یَوْمٍ مَعْلُومٍ 155- و کان للناقة یوم، و لهم یوم و إذا کان شرب یوم الناقة من الماء کانوا فی لبن ما شاءوا و لیس لهم ماء فإذا کان یومهم، لم یکن للناقة ماء و کان لأهل القریة و لمواشیهم یوم، و لها یوم آخر «فَذَرُوها تَأْکُلْ فِی أَرْضِ اللَّهِ» وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ یعنی و لا تعقروها فَیَأْخُذَکُمْ عَذابُ یَوْمٍ عَظِیمٍ 156- فی الدنیا فَعَقَرُوها یوم الأربعاء فماتت فَأَصْبَحُوا نادِمِینَ 157- علی عقرها فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ یوم السبت من صیحة جبریل- علیه السلام- فماتوا أجمعین إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یعنی فی هلاکهم بالصیحة لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة یحذر کفار مکة مثل عذابهم، ثم قال- سبحانه-: وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ 158- یعنی لو کان أکثرهم مؤمنین ما عذبوا فی الدنیا وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ فی نقمته
______________________________
(1) فی أ: «العنق».
(2) فی أ: «خرج».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 277
من أعدائه الرَّحِیمُ 159- بالمؤمنین، و عاد و ثمود ابنا عم، ثمود بن عابر ابن أرم بن سام بن نوح و هود بن شالح.
کَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِینَ 160- کذبوا لوطا وحده و لوط ابن حراز بن آزر، فسارة أخت لوط- علیه السلام- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ ابن حراز أَ لا تَتَّقُونَ 161- یعنی ألا تخشون اللّه- عز و جل- إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ 162- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ 163- فیما آمرکم به من النصیحة وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ یعنی ما أسألکم علی الإیمان من جعل إِنْ أَجْرِیَ یعنی ما جزائی إِلَّا عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ 164- أَ تَأْتُونَ الذُّکْرانَ مِنَ الْعالَمِینَ 165- یعنی نکاح الرجال وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ أَزْواجِکُمْ یعنی بالأزواج فروج نسائکم [54 أ] بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ 166- یعنی معتدین قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ یعنی لئن لم تسکت عنا یا لُوطُ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِینَ 167- من القریة قالَ لوط: إِنِّی لِعَمَلِکُمْ یعنی إتیان الرجال مِنَ الْقالِینَ 168- یعنی الماقتین رَبِّ نَجِّنِی وَ أَهْلِی مِمَّا یَعْمَلُونَ 169- من الخبائث فَنَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِینَ 170-، ثم استثنی فقال: إِلَّا عَجُوزاً فِی الْغابِرِینَ 171- یعنی الباقین فی العذاب یعنی امرأته ثُمَّ دَمَّرْنَا یعنی أهلکنا الْآخَرِینَ 172- بالخسف و الحصب، فذلک قوله- تعالی-:
وَ أَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ مَطَراً یعنی الحجارة فَساءَ یعنی فبئس مَطَرُ الْمُنْذَرِینَ یعنی الذین أنذروا بالعذاب خسف اللّه بقری قوم لوط و أرسل الحجارة علی من کان خارجا من القریة إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یعنی إن فی هلاکهم بالخسف
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 278
و الحصب لعبرة لهذه الأمة، ثم قال- تعالی-: وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ 174- لو کان أکثرهم مؤمنین لم یعذبوا فی الدنیا وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ فی نقمته الرَّحِیمُ 175- بالمؤمنین، و ذلک قوله- تعالی- «و لقد أنذرهم بطشتنا «1» ...» یعنی عذابنا.
کَذَّبَ أَصْحابُ الْأَیْکَةِ یعنی غیطة الشجر کان أکثر الشجر الدوم و هو المقل الْمُرْسَلِینَ 176- یعنی کذبوا شعیبا- علیه السلام- وحده و شعیب بن نویب بن مدین بن إبراهیم- خلیل الرحمن إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَیْبٌ و لم یکن شعیب من نسبهم، فلذلک لم یقل- عز و جل- أخوهم شعیب و قد کان أرسل إلی أمة غیرهم أیضا إلی ولد مدین، و شعیب من نسلهم فمن ثم قال فی هذه السورة «إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَیْبٌ» و لم یقل أخوهم لأنه لیس من نسلهم:
أَ لا تَتَّقُونَ 177- یقول ألا تخشون اللّه- عز و جل-؟ إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ 178- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ 179- فیما آمرکم به من النصیحة وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ یعنی علی الإیمان مِنْ أَجْرٍ یعنی من جعل إِنْ أَجْرِیَ یعنی ما جزائی إِلَّا عَلی رَبِّ الْعالَمِینَ 180- أَوْفُوا الْکَیْلَ و لا تنقصوه وَ لا تَکُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِینَ 181- یعنی من المنقصین للکیل وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِیمِ 182- یعنی بالمیزان المستقیم و المیزان بلغة الروم القسطاس وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیاءَهُمْ یقول و لا تنقصوا الناس حقوقهم فی الکیل و المیزان وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ یعنی و لا تسعوا فی الأرض مُفْسِدِینَ 183- بالمعاصی وَ اتَّقُوا یقول و اخشوا أن یعذبکم فی الدنیا الَّذِی خَلَقَکُمْ وَ خلق الْجِبِلَّةَ یعنی الخلیفة الْأَوَّلِینَ 184- یعنی
______________________________
(1) سورة القمر: 36.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 279
الأمم الخالیة [54 ب الذین عذبوا فی الدنیا قوم نوح و هود و صالح و قوم لوط قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِینَ 185- یعنی أنت بشر مثلنا لست بملک و لا رسول، فذلک قوله- سبحانه-: وَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا تفضلنا فی شی‌ء فتبعک وَ إِنْ نَظُنُّکَ یقول و قد نحسبک یا شعیب لَمِنَ الْکاذِبِینَ 186- یعنی «حین» «1» تزعم أنک نبی رسول فَأَسْقِطْ عَلَیْنا کِسَفاً یعنی جانبا مِنَ السَّماءِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 187- بأن العذاب نازل بنا لقوله فی هود: «... وَ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ مُحِیطٍ» «2» قالَ شعیب: رَبِّی أَعْلَمُ من غیره بِما تَعْمَلُونَ 188- من نقصان الکیل و المیزان فَکَذَّبُوهُ بالعذاب فَأَخَذَهُمْ عَذابُ یَوْمِ الظُّلَّةِ و ذلک أن اللّه- عز و جل- کان حبس عنهم الریح و الظل فأصابهم حر شدید فخرجوا من منازلهم فرفع اللّه- عز و جل- سحابة فیها عذاب بعد ما أصابهم الحر سبعة أیام فانقلبوا لیستظلوا تحتها فأهلکهم اللّه- عز و جل- حرا و غما تحت السحابة، فذلک قوله- عز و جل-: «عذاب یوم الظلة» إِنَّهُ کانَ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ 189- لشدته إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً إن فی هلاکهم بالحر و الغم لعبرة لمن بعدهم یحذر کفار مکة أمة محمد- صلّی اللّه علیه و سلم، ثم قال- عز و جل-: وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ 190- یعنی لو کان أکثرهم مؤمنین ما عذبوا فی الدنیا وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ فی نقمته من أعدائه الرَّحِیمُ 191- بالمؤمنین وَ إِنَّهُ لَتَنْزِیلُ رَبِّ الْعالَمِینَ 192- و ذلک أنه لما قال کفار مکة: إن محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- یتعلم القرآن من «أبی» «3» فکیهة و یجی‌ء به «الری» «4»، و هو شیطان، فیلقیه علی لسان محمد
______________________________
(1) «حین»: زیادة اقتضاها السیاق لم ترد فی الأصل.
(2) سورة هود: 84.
(3) فی ا: «ابنی»، ف: «أبی».
(4) فی ا: «الذی»، ف: «الری».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 280
- صلی اللّه علیه و سلم- فأکذبهم اللّه- تعالی- فقال- عز و جل-: «وَ إِنَّهُ لَتَنْزِیلُ رَبِّ الْعالَمِینَ» یعنی القرآن نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ 193- یعنی جبریل- علیه السلام- «أمین» فیما استودعه اللّه- عز و جل- من الرسالة إلی الأنبیاء- علیهم السلام- نزله عَلی قَلْبِکَ لیثبت به قلبک یا محمد لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ 194- أنزله بِلِسانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ 195- لیفقهوا ما فیه لقوله إنما یعلمه أبو فکیهة، و کان أبو فکیهة أعجمیا، ثم قال- سبحانه-:
وَ إِنَّهُ لَفِی زُبُرِ الْأَوَّلِینَ 196- یقول أمر محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و نعته فی کتب الأولین، ثم قال: أَ وَ لَمْ یَکُنْ محمد- صلّی اللّه علیه و سلم- لَهُمْ آیَةً یعنی لکفار مکة أَنْ یَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِی إِسْرائِیلَ 197- یعنی ابن سلام و أصحابه وَ لَوْ نَزَّلْناهُ [55 أ] یعنی القرآن عَلی بَعْضِ الْأَعْجَمِینَ 198- یعنی أبا فکیهة یقول لو أنزلناه علی رجل لیس بعربی اللسان فَقَرَأَهُ عَلَیْهِمْ علی کفار مکة لقالوا ما نفقه قوله و ما کانُوا بِهِ مُؤْمِنِینَ 199- یعنی بالقرآن مصدقین بأنه من اللّه- عز و جل- کَذلِکَ سَلَکْناهُ یعنی هکذا جعلنا الکفر بالقرآن فِی قُلُوبِ الْمُجْرِمِینَ 200- لا یُؤْمِنُونَ بِهِ یعنی بالقرآن حَتَّی یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ 201- یعنی الوجیع فَیَأْتِیَهُمْ العذاب بَغْتَةً یعنی فجأة وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 202- فیتمنون الرجعة و النظرة، فذلک قوله- سبحانه-: فَیَقُولُوا یعنی کفار مکة هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ 203- فنعتب و نراجع فلما أوعدهم النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- العذاب، قالوا فمتی هذا العذاب تکذیبا به، یقول اللّه- عز و جل- أَ فَبِعَذابِنا یَسْتَعْجِلُونَ 204- أَ فَرَأَیْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِینَ 205- فی الدنیا ثُمَّ جاءَهُمْ بعد ذلک العذاب ما کانُوا
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 281
یُوعَدُونَ 206- ما أَغْنی عَنْهُمْ من العذاب ما کانُوا یُمَتَّعُونَ 207- فی الدنیا، ثم خوفهم فقال- سبحانه- وَ ما أَهْلَکْنا مِنْ قَرْیَةٍ فیما خلا بالعذاب فی الدنیا إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ 208- یعنی رسلا تنذرهم العذاب بأنه نازل بهم فی الدنیا ذِکْری یقول العذاب یذکر و یفکر وَ ما کُنَّا ظالِمِینَ 209- فنعذب علی غیر ذنب کان منهم ظلما، قالت قریش إنه یجی‌ء بالقرآن الری یعنون الشیطان، فیلقیه علی لسان محمد- صلّی اللّه علیه و سلم- فکذبوه بما جاء به، فأنزل اللّه- عز و جل- وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّیاطِینُ 210- وَ ما یَنْبَغِی لَهُمْ أن ینزلوا بالقرآن وَ ما یَسْتَطِیعُونَ 211- لأنه حیل بینهم و بین السمع، بالملائکة و الشهب و ذلک أنهم کانوا یستمعون إلی السماء قبل أن یبعث النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- فلما بعث رمتهم الملائکة بالشهب، فذلک قوله- سبحانه: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ 212- بالملائکة و الکواکب فَلا تَدْعُ یعنی مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ و ذلک حین دعی إلی دین آبائه فقال لا تدع یعنی فلا تعبد مع اللّه إلها آخر فَتَکُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِینَ 213- وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ 214- لما نزلت هذه الآیة قال النبی- صلّی اللّه علیه و سلم-: إنی أرسلت إلی الناس عامة و أرسلت إلیکم یا بنی هاشم و بنی المطلب خاصة و هم الأقربون و هما أخوان ابنا عبد مناف وَ اخْفِضْ جَناحَکَ یعنی لین لهم جناحک لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 215- فَإِنْ عَصَوْکَ یعنی بنی هاشم و بنی عبد المطلب فلم یجیبوک إلی الإیمان فَقُلْ إِنِّی بَرِی‌ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ 216- من الشرک و الکفر [55 ب وَ تَوَکَّلْ یعنی وثق باللّه- عز و جل- عَلَی الْعَزِیزِ فی نقمته الرَّحِیمِ 217- بهم حین لا یعجل علیهم بالعقوبة، و ذلک حین
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 282
دعی إلی ملة آبائه ثم قال- سبحانه-: الَّذِی یَراکَ حِینَ تَقُومُ 218- وحدک إلی الصلاة وَ تَقَلُّبَکَ یعنی و یری رکوعک و سجودک و قیامک فهذا التقلب فِی السَّاجِدِینَ 219- یعنی و یراک مع المصلین فی جماعة إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ لما قالوا حین دعی إلی دین آبائه الْعَلِیمُ 220- بما قال کفار مکة هَلْ أُنَبِّئُکُمْ عَلی مَنْ تَنَزَّلُ الشَّیاطِینُ 221- لقولهم إنما یجی‌ء به الری فیلقیه علی لسان محمد- صلّی اللّه علیه و سلم- تَنَزَّلُ عَلی کُلِّ أَفَّاکٍ یعنی کذاب أَثِیمٍ 222- بربه منهم مسیلمة الکذاب و کعب بن الأشرف یُلْقُونَ السَّمْعَ یقول «تلقی» «1» الشیاطین بآذانهم إلی السمع فی السماء لکلام الملائکة و ذلک أن اللّه- عز و جل- إذا أراد أمرا فی أهل الأرض «أعلم» «2» به أهل السموات من الملائکة فتکلموا به فتسمع الشیاطین لکلام الملائکة و ترمیهم بالشهب فیخطفون الخطفة، ثم قال- عز و جل-: وَ أَکْثَرُهُمْ کاذِبُونَ 223- یعنی الشیاطین حین یخبرون الکهنة أنه یکون فی الأرض کذا و کذا، ثم قال- سبحانه-: وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ 224- منهم عبد اللّه بن الزبعری السهمی، و أبو سفیان بن عبد المطلب، و همیرة ابن أبی وهب المخزومی، و مشافع بن عبد مناف عمیر الجمحی، و أبو عزة اسمه عمرو بن عبد اللّه، کلهم من قریش، و أمیة بن أبی الصلت الثقفی، تکلموا بالکذب و الباطل و قالوا نحن نقول مثل قول محمد- صلّی اللّه علیه و سلم- قالوا الشعر و اجتمع إلیهم غواة من قومهم یستمعون من أشعارهم، و یروون عنهم حتی یهجون، فذلک قوله- عز و جل-: أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی کُلِّ وادٍ یَهِیمُونَ
______________________________
(1) فی أ: یلقون.
(2) فی أ: علم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 283
- 225- یعنی فی کل طریق یعنی فی کل فن من الکلام یأخذون وَ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ ما لا یَفْعَلُونَ 226-: فعلنا و فعلنا و هم کذبة فاستأذن شعراء المسلمین أن یقتصوا من المشرکین منهم عبد اللّه بن رواحة، و حسان بن ثابت و کعب بن مالک من بنی سلمة بن خثم کلهم من الأنصار، فأذن لهم النبی- النبی صلّی اللّه علیه و سلم-، فهجوا المشرکین و مدحوا النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- فأنزل اللّه- تعالی- «و الشعراء یتبعهم الغاوون ...» إلی آیتین ثم استثنی- عز و جل- شعراء المسلمین فقال: إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَکَرُوا اللَّهَ کَثِیراً وَ انْتَصَرُوا علی المشرکین [56 أ] مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا یقول انتصر «1» شعراء المسلمین من شعراء المشرکین، فقال: وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی أشرکوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ 227- یقول ینقلبون فی الآخرة إلی الخسران.
حدثنا عبید اللّه بن ثابت، قال: حدثنی أبی عن الهذیل، عن رجل، عن الفضل ابن عیسی الرقاشی، قال: «بِلِسانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ» قال: فضله علی الألسن.
قال الهذیل سمعت المسیب بحدیث عن أبی روق قال: کانت ناقة صالح- علیه السلام- بوضع لها الإناء فتدر فیه اللبن.
حدثنا عبد اللّه قال حدثنی أبی عن الهذیل، عن علی بن عاصم، عن الفضل ابن عیسی الرقاشی، عن محمد بن المنکور عن جابر بن عبد اللّه، عن رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلم- قال: لما کلم اللّه- عز و جل- موسی- علیه السلام-
______________________________
(1) فی أ: انتصروا. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 284
فوق الطور فسمع کلاما فوق الکلام الأول فقال یا رب هذا کلامک الذی کلمتنی به. قال: لا یا موسی: إنما کلمتک بقوة عشرة آلاف لسان «1» ولی قوة الألسن کلها، و أنا أقوی من ذلک، فلما رجع موسی- علیه السلام- إلی قومه قالوا: یا موسی، صف لنا کلام الرحمن، قال: سبحان اللّه، لا أستطیع. قالوا: فشبهه، قال: ألم تروا إلی أصوات الصواعق التی تقتل بأحلی حلاوة إن سمعتموه فإنه قریب منه و لیس به «2».
______________________________
(1) من أ، و فی ف: إنما کلمتک بما تطیق و تستطیع بذلک احتماله و لو کلمتک بأشد من هذا لمت.
(2) انتهی تفسیر سورة الشعراء فی ف، و فی ا زیادات فی هذه القصة، و یکفی أن تعلم أنها مرویة عن کعب لتعرف أنها من إسرائیلیات الیهود التی رأینا بالإعراض عنها.
و ما أغنی کتاب اللّه عن هذا التشبیه و التجسیم، و قد شان مقاتل تفسیره بهذا التجسیم و التشبیه، و هو معروف و مشهور عند الیهود.
ثبتنا اللّه بالقول الثابت، و حفظنا من الزیغ و ختم لنا بالإیمان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 285

سورة النّمل‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 287

[سورة النمل (27): الآیات 1 الی 93]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
طس تِلْکَ آیاتُ الْقُرْآنِ وَ کِتابٍ مُبِینٍ (1) هُدیً وَ بُشْری لِلْمُؤْمِنِینَ (2) الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَیَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ یَعْمَهُونَ (4)
أُوْلئِکَ الَّذِینَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَ هُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَ إِنَّکَ لَتُلَقَّی الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ عَلِیمٍ (6) إِذْ قالَ مُوسی لِأَهْلِهِ إِنِّی آنَسْتُ ناراً سَآتِیکُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِیکُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّکُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِیَ أَنْ بُورِکَ مَنْ فِی النَّارِ وَ مَنْ حَوْلَها وَ سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ (8) یا مُوسی إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (9)
وَ أَلْقِ عَصاکَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ کَأَنَّها جَانٌّ وَلَّی مُدْبِراً وَ لَمْ یُعَقِّبْ یا مُوسی لا تَخَفْ إِنِّی لا یَخافُ لَدَیَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ (11) وَ أَدْخِلْ یَدَکَ فِی جَیْبِکَ تَخْرُجْ بَیْضاءَ مِنْ غَیْرِ سُوءٍ فِی تِسْعِ آیاتٍ إِلی فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ (12) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آیاتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِینٌ (13) وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ (14)
وَ لَقَدْ آتَیْنا داوُدَ وَ سُلَیْمانَ عِلْماً وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی فَضَّلَنا عَلی کَثِیرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِینَ (15) وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ وَ قالَ یا أَیُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَ أُوتِینا مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِینُ (16) وَ حُشِرَ لِسُلَیْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّیْرِ فَهُمْ یُوزَعُونَ (17) حَتَّی إِذا أَتَوْا عَلی وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ یا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساکِنَکُمْ لا یَحْطِمَنَّکُمْ سُلَیْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِکاً مِنْ قَوْلِها وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَ عَلی والِدَیَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِی بِرَحْمَتِکَ فِی عِبادِکَ الصَّالِحِینَ (19)
وَ تَفَقَّدَ الطَّیْرَ فَقالَ ما لِیَ لا أَرَی الْهُدْهُدَ أَمْ کانَ مِنَ الْغائِبِینَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِیداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَیَأْتِیَنِّی بِسُلْطانٍ مُبِینٍ (21) فَمَکَثَ غَیْرَ بَعِیدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُکَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ یَقِینٍ (22) إِنِّی وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِکُهُمْ وَ أُوتِیَتْ مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ لَها عَرْشٌ عَظِیمٌ (23) وَجَدْتُها وَ قَوْمَها یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ (24)
أَلاَّ یَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی یُخْرِجُ الْخَبْ‌ءَ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ یَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ (26) قالَ سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْکاذِبِینَ (27) اذْهَبْ بِکِتابِی هذا فَأَلْقِهْ إِلَیْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا یَرْجِعُونَ (28) قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ إِنِّی أُلْقِیَ إِلَیَّ کِتابٌ کَرِیمٌ (29)
إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَیَّ وَ أْتُونِی مُسْلِمِینَ (31) قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی أَمْرِی ما کُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّی تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِیدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَیْکِ فَانْظُرِی ما ذا تَأْمُرِینَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوکَ إِذا دَخَلُوا قَرْیَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَ کَذلِکَ یَفْعَلُونَ (34)
وَ إِنِّی مُرْسِلَةٌ إِلَیْهِمْ بِهَدِیَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ یَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جاءَ سُلَیْمانَ قالَ أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِیَ اللَّهُ خَیْرٌ مِمَّا آتاکُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِیَّتِکُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَیْهِمْ فَلَنَأْتِیَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ (37) قالَ یا أَیُّهَا الْمَلَؤُا أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ (38) قالَ عِفْرِیتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِکَ وَ إِنِّی عَلَیْهِ لَقَوِیٌّ أَمِینٌ (39)
قالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّی لِیَبْلُوَنِی أَ أَشْکُرُ أَمْ أَکْفُرُ وَ مَنْ شَکَرَ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ (40) قالَ نَکِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِی أَمْ تَکُونُ مِنَ الَّذِینَ لا یَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِیلَ أَ هکَذا عَرْشُکِ قالَتْ کَأَنَّهُ هُوَ وَ أُوتِینَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَ کُنَّا مُسْلِمِینَ (42) وَ صَدَّها ما کانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها کانَتْ مِنْ قَوْمٍ کافِرِینَ (43) قِیلَ لَهَا ادْخُلِی الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ کَشَفَتْ عَنْ ساقَیْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِیرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَیْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ (44)
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِیقانِ یَخْتَصِمُونَ (45) قالَ یا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّیِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّیَّرْنا بِکَ وَ بِمَنْ مَعَکَ قالَ طائِرُکُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَ کانَ فِی الْمَدِینَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ وَ لا یُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَیِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِیِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِکَ أَهْلِهِ وَ إِنَّا لَصادِقُونَ (49)
وَ مَکَرُوا مَکْراً وَ مَکَرْنا مَکْراً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ مَکْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِینَ (51) فَتِلْکَ بُیُوتُهُمْ خاوِیَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ (52) وَ أَنْجَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا وَ کانُوا یَتَّقُونَ (53) وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
أَ إِنَّکُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَما کانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ یَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَیْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِینَ (57) وَ أَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِینَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ سَلامٌ عَلی عِبادِهِ الَّذِینَ اصْطَفی آللَّهُ خَیْرٌ أَمَّا یُشْرِکُونَ (59)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما کانَ لَکُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ یَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِیَ وَ جَعَلَ بَیْنَ الْبَحْرَیْنِ حاجِزاً أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ یُجِیبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ یَکْشِفُ السُّوءَ وَ یَجْعَلُکُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِیلاً ما تَذَکَّرُونَ (62) أَمَّنْ یَهْدِیکُمْ فِی ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَنْ یُرْسِلُ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَی اللَّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ (63) أَمَّنْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَ مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (64)
قُلْ لا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَیْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَ ما یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَکَ عِلْمُهُمْ فِی الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِی شَکٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَ إِذا کُنَّا تُراباً وَ آباؤُنا أَ إِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ (68) قُلْ سِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِینَ (69)
وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَ لا تَکُنْ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ (70) وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (71) قُلْ عَسی أَنْ یَکُونَ رَدِفَ لَکُمْ بَعْضُ الَّذِی تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاسِ وَ لَکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَشْکُرُونَ (73) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَیَعْلَمُ ما تُکِنُّ صُدُورُهُمْ وَ ما یُعْلِنُونَ (74)
وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلاَّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (75) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَقُصُّ عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ أَکْثَرَ الَّذِی هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (76) وَ إِنَّهُ لَهُدیً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ (77) إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ بِحُکْمِهِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْعَلِیمُ (78) فَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ إِنَّکَ عَلَی الْحَقِّ الْمُبِینِ (79)
إِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ (80) وَ ما أَنْتَ بِهادِی الْعُمْیِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ یُؤْمِنُ بِآیاتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ (82) وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ (83) حَتَّی إِذا جاؤُ قالَ أَ کَذَّبْتُمْ بِآیاتِی وَ لَمْ تُحِیطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)
وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا یَنْطِقُونَ (85) أَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّیْلَ لِیَسْکُنُوا فِیهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (86) وَ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَ کُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِینَ (87) وَ تَرَی الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِیَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِی أَتْقَنَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ إِنَّهُ خَبِیرٌ بِما تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
وَ مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَةِ فَکُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِی النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِی حَرَّمَها وَ لَهُ کُلُّ شَیْ‌ءٍ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ (91) وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِینَ (92) وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَیُرِیکُمْ آیاتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَ ما رَبُّکَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 295
سورة النمل «1» سورة النمل مکیة.
و هی ثلاث و تسعون آیة کوفیة «2».
______________________________ تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 363
______________________________
(1) المقصود الإجمالی لسورة النمل تضمنت سورة النمل المعانی الآتیة:
بیان شرف القرآن، و مدح المؤمنین، و ذم المشرکین و الإشارة إلی ذکر الوادی المقدس، و موسی ابن عمران و ذکر خبر داود و سلیمان، و فضل اللّه- تعالی- علیهما بتعلیمهما منطق الطیر و سائر الحیوان، و قصة النمل، و ذکر الهدهد و خیر بلقیس، و رسالة الهدهد إلیها من سلیمان، و مشاورتها أرکان الدولة، و بیان أثر الملوک إذا نزلوا فی مکان، و إهداء بلقیس إلی سلیمان و تهدیده لها، و دعوة آصف لإحضار تخت بلقیس فی أسرع وقت، و تغییر حال العرش لتجربتها، و إسلامها علی یدی سلیمان، و حدیث صالح، و مکر قومه فی حقه، و طرف من حدیث قوم لوط أولی الطغیان، و البرهان فی الحدائق، و الأشجار، و البحار، و الأنهار، و إجابة الحق دعاء أهل التضرع، و الابتهال إلی الرحمن، و هدایة اللّه الخلق فی ظلمات البر، و البحر، و اطلاع الحق- تعالی- علی أسرار الغیب، و تسلیة الرسول- صلّی اللّه علیه و سلم- فی إعراض المنکرین من قبول القرآن، و قبول الإیمان و خروج الدابة، و ظهور علامة القیامة، و الإخبار عن حال الجبال فی ذلک الیوم، و بیان جزاء المجرمین و إعراض الرسول عن المشرکین، و إقباله علی القرآن الکریم، و أمر اللّه له بالحمد علی إظهار الحجة أعنی القرآن فی قوله «وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَیُرِیکُمْ آیاتِهِ ...»: 3.
و سمیت سورة النمل لاشتمالها علی حدیث النملة عن سلیمان فی قوله: «حَتَّی إِذا أَتَوْا عَلی وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ یا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساکِنَکُمْ ....»: 18.
(2) فی أ: و هی ثلاث و سبعون آیة کوفیة: و هو تصحیف، فکتب علوم القرآن تذکر أنها ثلاث و تسعون فی عد الکوفة: و خمس و تسعون فی عدا الحجاز، و أربع و تسعون فی عد الشام.
انظر بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی: 348.
و فی المصحف (27) سورة النمل مکیة، و آیاتها 93 نزلت بعد سورة الشعراء.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 296
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ طس تِلْکَ آیاتُ الْقُرْآنِ وَ کِتابٍ مُبِینٍ 1- یعنی بین ما فیه من أمره و نهیه هُدیً یعنی بیان من الضلالة لمن عمل به وَ بُشْری لما فیه من الثواب لِلْمُؤْمِنِینَ 2- یعنی للمصدقین بالقرآن بأنه من اللّه- عز و جل، ثم نعتهم فقال- سبحانه- الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ یعنی یتمون الصلاة المکتوبة وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ یعنی و یعطون الزکاة المفروضة وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ یعنی بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال هُمْ یُوقِنُونَ 3- إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ یعنی لا یصدقون بالبعث زَیَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ یعنی ضلالتهم فَهُمْ یَعْمَهُونَ 4- یعنی یترددون فیها أُوْلئِکَ الَّذِینَ لَهُمْ سُوءُ یعنی شدة الْعَذابِ فی الآخرة وَ هُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ 5- وَ إِنَّکَ لَتُلَقَّی یعنی لتؤتی الْقُرْآنَ کقوله- سبحانه-: «وَ ما یُلَقَّاها ...» «1» یعنی و ما یؤتاها، ثم قال: مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ فی أمره عَلِیمٍ 6- بأعمال الحلق إِذْ قالَ مُوسی لِأَهْلِهِ یعنی امرأته حین رأی النار إِنِّی آنَسْتُ ناراً یقول إنی رأیت نارا و هو نور رب العزة- جل ثناؤه- رآه لیلة الجمعة عن یمین «2» الجبل «بالأرض المقدسة» «3» سَآتِیکُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أین الطریق و قد [57 أ]
______________________________
(1) سورة فصلت: 35 و تمامها «وَ ما یُلَقَّاها إِلَّا الَّذِینَ صَبَرُوا وَ ما یُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیمٍ».
(2) فی أ: من سن، ل، ز: عن یمین.
(3) و ردت «بأرض المقدسة» فی: ا، ل، ز، و الأنسب بالأرض المقدسة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 297
کان تحیر و ترک الطریق. ثم قال: «فإن لم أجد من یخبرنی الطریق» «1»:
أَوْ آتِیکُمْ» «2» بِشِهابٍ قَبَسٍ یقول آتیکم «بنار قبسة» «3» مضیئة لَعَلَّکُمْ تَصْطَلُونَ 7- من البرد فَلَمَّا جاءَها «4» یعنی النار «5» و هو «6» نور رب العزة- تبارک و تعالی- نُودِیَ أَنْ بُورِکَ مَنْ فِی النَّارِ وَ مَنْ حَوْلَها یعنی الملائکة وَ سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ 8- فی التقدیم، ثم قال: یا مُوسی إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ یقول إن النور الذی رأیت أنا الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ 9- وَ أَلْقِ عَصاکَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ یعنی تحرک کَأَنَّها جَانٌ یعنی کأنها کانت حیة وَلَّی مُدْبِراً من الخوف من الحیة وَ لَمْ یُعَقِّبْ یعنی و لم یرجع یقول اللّه- عز و جل-: یا مُوسی لا تَخَفْ من الحیة إِنِّی لا یَخافُ لَدَیَ یعنی عندی الْمُرْسَلُونَ 10- إِلَّا مَنْ ظَلَمَ نفسه من الرسل فإنه یخاف فکان منهم آدم و یونس و سلیمان و إخوة یوسف و موسی بقتله النفس،- علیهم السلام- ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ یعنی فمن بدل إحسانا بعد إساءته فَإِنِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ 11- وَ أَدْخِلْ یَدَکَ الیمنی فِی جَیْبِکَ یعنی جیب المدرعة من قبل صدره و هی مضربة «7» تَخْرُجْ الید من المدرعة بَیْضاءَ لها شعاع کشعاع الشمس مِنْ غَیْرِ سُوءٍ یعنی من غیر برص ثم انقطع الکلام، یقول
______________________________
(1) فی أ: فإن لم أجد الطریق.
(2) فی ا، ز: «آتیکم» و فی حاشیة أ: «أو آتیکم».
(3) من أ: و فی ز: بنار أقتبسه لکم.
(4) من ا، و فی ز: «فلما جاءها».
(5) من ز، و فی أ: إلی النار، و فی حاشیة أ: یحتمل أنها أی النار.
(6) فی ا، ز: و هو، بالضمیر المذکر أی الضوء.
(7) فی ز: و هی مضربة. و فی أ: و هی مضربة، فلعل معناها أنه یدخل یده فی جیب مدرعته حال کونها مضروبة علیها أو ملبوسة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 298
اللّه- تبارک و تعالی- لمحمد- صلّی اللّه علیه و سلم-: فِی تِسْعِ آیاتٍ یعنی «أعطی» «1» تسع آیات. الید، و العصا، و الطوفان، و الجراد، و القمل، و الضفادع، و الدم، و السنین، و الطمس، فآیتان منهما أعطی موسی- علیه السلام- «بالأرض المقدسة» «2» الید و العصی، حین أرسل إلی فرعون، و أعطی سبع آیات بأرض مصر حین کذبوه فکان أولها الید و آخرها الطمس، یقول: إِلی فِرْعَوْنَ و اسمه فیطوس وَ قَوْمِهِ أهل مصر إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ 12- یعنی عاصین «فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آیاتُنا» «3» مُبْصِرَةً یعنی مبینة معاینة یرونها قالُوا: یا موسی هذا الذی جئت به سِحْرٌ مُبِینٌ 13- یعنی بین. یقول اللّه- عز و جل-: وَ جَحَدُوا بِها یعنی بالآیات یعنی بعد المعرفة، فیها تقدیم وَ اسْتَیْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ أنها من اللّه- عز و جل- و أنها لیست بسحر ظُلْماً شرکا وَ عُلُوًّا تکبرا «4» فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ 14- فی الأرض بالمعاصی، کان عاقبتهم الغرق، و إنما استیقنوا بالآیات أنها من اللّه لدعاء موسی ربه أن یکشف عنهم الرجز فکشفه عنهم. [57 ب و قد علموا ذلک وَ لَقَدْ آتَیْنا یعنی أعطینا داوُدَ وَ سُلَیْمانَ عِلْماً بالقضاء و بکلام الطیر و بکلام الدواب وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی فَضَّلَنا عَلی کَثِیرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِینَ
______________________________
(1) «أعطی»: زیادة اقتضاها السیاق.
(2) فی الأصل: بأرض المقدسة.
(3) فی ا، ز: «فلما جاءهم» موسی «بآیاتنا».
(4) فی ا فسر هذه الآیة هکذا:
«جحدوا بها، ظلما و علوا، و استیقنتها أنفسهم، فانظر کیف کان عاقبة المفسدین». و قد أعدت ترتیب الآیة کما وردت فی المصحف الشریف، و ترتیب ز مثل ا، قالت «و جحدوا بها»- ظلما و علوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 299
- 15- یعنی بالقضاء و النبوة و الکتاب و کلام البهائم و الملک الذی أعطاهما اللّه- عز و جل- و کان سلیمان أعظم ملکا من داود و أفطن منه و کان داود أکثر تعبدا من سلیمان «1» وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ یعنی ورث سلیمان علم داود و ملکه وَ قالَ سلیمان لبنی إسرائیل: یا أَیُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَ أُوتِینا مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ یعنی أعطنا الملک و النبوة و الکتاب و الریاح و سخرت لنا الشیاطین، و منطق الدواب و محاریب و تماثیل و جفان کالجوابی «2» و قدور راسیات و عین الفطر یعنی عین الصفر إِنَّ هذا الذی أعطینا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِینُ 16- یعنی البین وَ حُشِرَ لِسُلَیْمانَ یعنی و جمع لسلیمان جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِ طائفة وَ من الْإِنْسِ وَ من الطَّیْرِ طائفة فَهُمْ یُوزَعُونَ 17- یعنی یساقون، و کان سلیمان استعمل علیهم جندا یرد الأول علی الآخر حتی ینام الناس و قال- عز و جل- حَتَّی إِذا أَتَوْا عَلی وادِ النَّمْلِ من أرض الشام قالَتْ نَمْلَةٌ و اسمها الجرمی «3» یا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا و هن خارجات فقالت ادخلوا مَساکِنَکُمْ یعنی بیوتکم لا یَحْطِمَنَّکُمْ سُلَیْمانُ یعنی لا یهلکنکم سلیمان وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 18- بهلاککم فسمع سلیمان قولها من ثلاثة أمیال فانتهی إلیها سلیمان حین قالت «و هم لا یشعرون» فَتَبَسَّمَ ضاحِکاً مِنْ قَوْلِها ضحک من ثناءها علی سلیمان بعدله فی ملکه، أنه لو یشعر بکم لم یحطمکم، یعنی
______________________________
(1) من أ، و فی ز: و کان داود أفضلهما و کل فاضل.
(2) فی أ: الجوابی، و فی المصحف «وَ جِفانٍ کَالْجَوابِ» سورة سبأ: 13.
(3) إن اللّه أبهم النملة و لم یحدد اسمها إذ لا تتوقف علی ذکره فائدة ثم هو مما لا یوقف علیه إلا بنقل، و لم یصح نقل، فی اسم هذه النملة، فوضح أن تحدید اسمها لا یکون إلا من الإسرائیلیات أو من الموضوعات.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 300
بالضحک، الکشر، و قال سلیمان: لقد علمت النمل أنه. لک لا بغی فیه و لا فخر، و لئن علم بنا قبل أن یغشانا لم نوطا «1». ثم وقف سلیمان بمن معه من الجنود لیدخل النمل مساکنهم، ثم حمد ربه- عز و جل- حین علمه منطق کل شی‌ء فسمع کلام النملة وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِی یعنی ألهمنی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَ عَلی والِدَیَ من قبلی یعنی أبویه داود و أمه بتشایع بنت الیائن «2» وَ الهمنی أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِی بِرَحْمَتِکَ یعنی بنعمتک فِی یعنی مع عِبادِکَ الصَّالِحِینَ 19- الجنة وَ تَفَقَّدَ الطَّیْرَ یعنی الهدهد حین سار من بیت المقدس قبل الیمن فلما مر بالمدینة وقف فقال إن اللّه- عز و جل- سیبعث من هاهنا نبینا طوبی لمن تبعه «3»، [58 أ] فلما أراد أن ینزل فَقالَ ما لِیَ لا أَرَی الْهُدْهُدَ أَمْ و المیم ها هنا صلة، کقوله- تعالی-: «أَمْ عِنْدَهُمُ» یعنی أ عندهم «الْغَیْبُ فَهُمْ یَکْتُبُونَ» «4» أم کانَ مِنَ الْغائِبِینَ 20- لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِیداً یعنی لأنتفن ریشه فلا یطیر مع الطیر حولا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ یعنی لأقتلنه أَوْ لَیَأْتِیَنِّی بِسُلْطانٍ مُبِینٍ 21- یعنی حجة بینة أعذره بها فَمَکَثَ غَیْرَ بَعِیدٍ یقول لم یلبث إلا قلیلا حتی جاء الهدهد فوقع بین یدی سلیمان- علیه السلام- فجعل ینکث بمنقاره و یومی «5»
______________________________
(1) کذا فی ا، ز، کأن هذه الجملة من المفهوم المقابل لکلام النملة.
(2) فی أ: و أمه بنشایع ابنت الباتن، و فی ز: و بتشایع بنت الیائن.
(3) فی أ: زیادة: لم یکن بها یومئذ أحد ثم سار فمر بمکة فقال: إن اللّه- عز و جل- سیبعث منک رسولا طوبی لمن تبعه، و لیست هذه الزیادة فی ز.
(4) سورة الطور: 41، و سورة القلم: 47.
(5) فی الأصل: یومی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 301
برأسه إلی سلیمان فَقالَ لسلیمان: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ یقول علمت ما لم تعلم به وَ جِئْتُکَ بأمر لم تخبرک به الجن و لم تنصحک فیه و لم یعلم به الإنس و بلغت ما لم تبلغه أنت و لا جنودک و جئتک مِنْ أرض سَبَإٍ بالیمن بِنَبَإٍ یَقِینٍ 22- یقول بحدیث یقین لا شک فیه فقال سلیمان و ما ذلک؟ قال الهدهد: إِنِّی وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِکُهُمْ یعنی تملک أهل سبأ وَ أُوتِیَتْ یعنی و أعطیت مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ یکون بالیمن یعنی العلم و المال و الجنود و السلطان و الزینة و أنواع الخیر فهذا کله من کلام الهدهد، و قال الهدهد: وَ لَها عَرْشٌ عَظِیمٌ 23- یعنی ضخم ثمانون ذراعا فی ثمانین ذراعا، و ارتفاع السریر من الأرض أیضا» «1» ثمانون ذراعا فی ثمانین ذراعا مکلل بالجوهر و المرأة اسمها بلقیس بنت أبی سرح «2»، و هی من الإنس و أمها «3» من الجن اسمها فازمة بنت الصخر «4»، ثم قال: وَجَدْتُها وَ قَوْمَها یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ السیئة یعنی سجودهم للشمس فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ یعنی عن الهدی فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ 24- ثم قال الهدهد: أَلَّا یَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی یُخْرِجُ الْخَبْ‌ءَ یعنی الغیث فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «وَ یَعْلَمُ ما تُخْفُونَ
______________________________
(1) فی أ: و ارتفاع السریر من الأرض ثمانون ذراعا.
فی ز: و ارتفاع السریر من الأرض أیضا، ثمانون ذراعا فی ثمانین ذراعا.
فکلمة أیضا، و جملة فی ثمانین ذراعا الأخیرة من ز وحدها.
(2) من أ، و فی ز: بلقیس بنت الیسرح.
(3) فی أ: و أهلها و فی ف، ز: و أمها.
(4) فی ل، أ: الصخر، ز: الطحن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 302
فی قلوبکم وَ ما تُعْلِنُونَ 25- بألسنتکم» «1» اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ 26- یعنی بالعظیم العرش «2».
قالَ سلیمان للهدهد دلنا علی الماء: سَنَنْظُرُ فیما تقول أَ صَدَقْتَ فی قولک أَمْ کُنْتَ یعنی أم أنت مِنَ الْکاذِبِینَ 27- مثل قوله- عز و جل- «کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» «3» و کان الهدهد یدلهم علی قرب الماء من الأرض إذا نزلوا فدلهم علی ماء فنزلوا و احتفروا الرکایا «4» و روی الناس و الدواب، و کانوا قد عطشوا فدعا سلیمان الهدهد و قال: اذْهَبْ بِکِتابِی هذا فَأَلْقِهْ إِلَیْهِمْ یعنی إلی أهل سبأ ثُمَّ تَوَلَ یقول ثم انصرف عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا یَرْجِعُونَ 28- الجواب، فحمل الهدهد الکتاب بمنقاره، فطار حتی وقف علی رأس المرأة، فرفرف ساعة و الناس
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» ورد فی أ: «فی قلوبهم (و ما یعلنون) بألسنتهم».
و فی ز: « (و یعلم ما یخفون و ما یعلنون) بألسنتهم.
(2) کذا فی أ، ز، و المراد أن العظیم صفة للعرش.
و فی أ زیادة: لیست فی ف و لا، ل، و لا، ز، أی أنها زیادة لیست فی جمیع النسخ سوی أ، و هی:
قال أبی: قال أبو صالح عن مقاتل: الحب ما خبأته السماء من غیثها و الأرض من نباتها و هو قوله تعالی-: «کانَتا رَتْقاً» یعنی متلاصقتین «فَفَتَقْناهُما» یعنی الأرض بالنبات و السماء بالمطر و هو قوله- سبحانه-: «وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ» بالمطر «وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ» بالنبات و اللّه أعلم. قال عبد اللّه: قال الأثرم: قال أبو عبیدة: الرتق الذی یکون فی السماء و الأرض، أی لم یکن فی السماء ثقب للمطر، و لا فی الأرض، فثقبت السماء بالمطر و الأرض بالنبات.
أقول و هی زیادة فی أ وحدها. و فی هذه الزیادة اضطراب و فساد فأصلحت فسادها.
(3) سورة آل عمران: 110.
(4) کذا فی أ، ل، ف، ز، و هی مضبوطة فی ز: الرکابا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 303
ینظرون، فرفعت المرأة رأسها، فألقی الهدهد الکتاب فی حجرها، فلما رأت الکتاب و رأت الخاتم رعدت و خضعت و خضع من معها من الجنود، لأن ملک سلیمان- علیه السلام- کان فی خاتمه فعرفوا أن الذی أرسل هذا الطیر أعظم ملکا من ملکها، فقالت: إن ملکا رسله الطیر، إن ذلک الملک لملک عظیم، فقرأت هی الکتاب، و کانت عربیة من قوم تبع بن أبی شراحیل الحمیری و قومها من قوم تبع و هم عرب فأخبرتهم بما فی الکتاب و لم یکن فیه شی‌ء غیر: «إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَیَّ» ألا تعظموا علی «وَ أْتُونِی مُسْلِمِینَ».
قال أبو صالح: و یقال مختوم «1» ف قالَتْ المرأة لهم: یا أَیُّهَا الْمَلَأُ یعنی الأشراف إِنِّی أُلْقِیَ إِلَیَّ کِتابٌ کَرِیمٌ 29- یعنی کتاب حسن إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ 30- أَلَّا تَعْلُوا عَلَیَّ وَ أْتُونِی مُسْلِمِینَ 31- ثم قالت إن یکن «2» هذا الملک یقاتل علی الدنیا فإنا نمده بما أراد من الدنیا، و إن یکن یقاتل لربه فإنه لا یطلب الدنیا و لا یریدها و لا یقبل منا شیئا غیر الإسلام، ثم استشارتهم «3» ف قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ یعنی الأشراف، و هم: ثلاثمائة و ثلاثة عشر قائدا مع کل قائد مائة ألف و هم أهل مشورتها فقالت لهم: أَفْتُونِی فِی أَمْرِی من هذا ما کُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّی تَشْهَدُونِ
______________________________
(1) من أ وحدها. و المعنی و یقال إن الکتاب کان مختوما.
(2) فی أ: إن یکن. و فی حاشیة أ: فی الأصل إن یکون، و فی ز: إن کان.
(3) فی ل: استشارتهم، و هی ساقطة من ز، و فی أ: ثم استبانتهم. و فی حاشیة أ: صورة ما فی الأصل ثم استئابهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 304
- 32- تقول ما کنت قاضیة أمرا حتی تحضرون قالُوا لها نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ یعنی عدة کثیرة فی الرجال «1» کقوله: «... فَأَعِینُونِی بِقُوَّةٍ «2» ...» یعنی بالرجال وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِیدٍ فی الحرب یعنی الشجاعة وَ الْأَمْرُ إِلَیْکِ یقول قد أخبرناک بما عندنا و ما نجاوز ما تقولین فَانْظُرِی ما ذا تَأْمُرِینَ 33- یعنی ماذا تشیرین علینا، کقول فرعون لقومه: «... فَما ذا تَأْمُرُونَ» «3» یعنی ماذا تشیرون علی قالَتْ إِنَّ الْمُلُوکَ إِذا دَخَلُوا قَرْیَةً أَفْسَدُوها یعنی أهلکوها، کقوله- عز و جل-: «... لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ «4» ...» یعنی لهلکتها و من فیهن، ثم قال- عز و جل-: وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً یعنی أهانوا أشرافها و کبراءها لکی یستقیم لهم الأمر، یقول [59 أ] اللّه- عز و جل-: وَ کَذلِکَ یَفْعَلُونَ 34- کما قالت، ثم قالت المرأة لأهل مشورتها وَ إِنِّی مُرْسِلَةٌ إِلَیْهِمْ بِهَدِیَّةٍ أصانعهم علی ملکی إن کانوا أهل دنیا فَناظِرَةٌ بِمَ یَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ 35- من عنده بالجواب فأرسلت بالهدیة «5» مع الوفد علیهم المنذر بن عمرو الهدیة مائة وصیف، و مائة وصیفة و جعلت للجاریة قصة أمامها و قصة مؤخرها و جعلت للغلام قصة أمامه و ذؤابة وسط رأسه و ألبستهم لباسا واحدا و بعثت بحقة فیها جوهرتان إحداهما مثقوبة و الأخری غیر مثقوبة. و قالت للوفد: إن کان نبیا
______________________________
(1) فی أ: یعنی بالرجال، ز: یعنی عدة کثیرة الرجال، و المثبت من ل.
(2) سورة الکهف: 95.
(3) سورة الشعراء: 35، و سورة الأعراف: 110، و کلاهما «فَما ذا تَأْمُرُونَ»، و قد کتبت أ: «ماذا تأمرون» و صوابها «فما ذا تأمرون».
(4) سورة البقرة: 251 و منها «وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لکِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَی الْعالَمِینَ».
(5) فی ز: بالهدیة، أ، بهدیة، ف: بهدیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 305
فسیمیز بین الجواری و الغلمان و یخبر بما فی الحقة و یرد الهدیة فلا یقبلها، و إن کان ملکا فسیقبل الهدیة و لا یعلم ما فی الحقة فلما انتهت الهدیة «إلی سلیمان» «1»- علیه السلام- میز بین الوصفاء و الوصائف من قبل الوضوء و ذلک أنه أمرهم بالوضوء فکانت الجاریة تصب الماء علی بطن ساعدها و الغلام علی ظهر ساعده فمیز بین الوصفاء و الوصائف و حرک الحقة، و جاء جبریل- علیه السلام- فأخبره بما فیها فقیل له ادخل فی المثقوبة خیطا من غیر حیلة إنس و لا جان و أثقب الأخری من غیر حیلة إنس و لا جان، و کانت الجوهرة المثقوبة معوجة فأتته دودة تکون فی الفضفضة و هی الرطبة فربط فی مؤخرها خیطا فدخلت الجوهرة حتی أنفذت الخیط إلی الجانب الآخر، فجعل رزقها فی الفضفضة، و جاءت الأرضة فقالت لسلیمان: اجعل رزقی «فی الخشب و السقوف و البیوت «2».
قال:» نعم فثقبت «3» الجوهرة فهذه حیلة من غیر إنس و لا جان «4».
«و سألوه» «5» ماء لم ینزل من السماء و لم یخرج من الأرض. فأمر «6» بالخیل فأجریت حتی عرقت فجمع العرق فی شی‌ء حتی صفا و جعله فی قداح الزجاج «7» فعجب الوفد
______________________________
(1) فی أ: سلیمان إلیه، و فی ف: سلیمان.
(2) فی أ: «فی الخشب فقال»، و المثبت من ز.
(3) فی أ: فنهبت.
(4) لم یرد مثل هذا القصص فی الکتاب او السنة الصحیحة فلم یبق إلا أن یکون من أقاصیص بنی إسرائیل، و ما أغنی کتابنا عنها، خصوصا و أن فهم الآیة لا یتوقف علیها، و القرآن ذکر أنها أرسلت هدیة مبهمة، و لو علم أن فی تحدیدها و وصفها فائدة لنا لذکره.
(5) من أ، و فی ز: و قال له أمیر الوفد: أسألک ماء ......
(6) فی ز: فأمر، و فی أ: فأمرت.
(7) فی ز: و جعله فی القواریر. و المثبت من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 306
«من علمه» «1» و جاء جبریل- علیه السلام- فأخبره بما فی الحقة فأخبرهم سلیمان بما فیها، «ثم رد «2» سلیمان» «3» الهدیة «فَلَمَّا جاءَ «4» سُلَیْمانَ» قال للوفد:
أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِیَ اللَّهُ خَیْرٌ مِمَّا آتاکُمْ یقول فما أعطانی اللّه- تعالی- من الإسلام و النبوة و الملک و الجنود خیر مما أعطاکم بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِیَّتِکُمْ تَفْرَحُونَ 36- یعنی إذا أهدی بعضکم إلی بعض «5»، فأما أنا فلا أفرح بها إنما أرید منکم الإسلام، ثم قال سلیمان لأمیر الوفد: ارْجِعْ إِلَیْهِمْ بالهدیة فَلَنَأْتِیَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها لا طاقة لهم بها من الجن و الإنس وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ 37- یعنی مذلین بالإنس و الجن.
ثم قالَ یا أَیُّهَا الْمَلَؤُا أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ 38- یعنی مخلصین [59 ب بالتوحید و إنما علم سلیمان أنها تسلم لأنه أوحی إلیه ذلک، فلذلک قال: «قَبْلَ أَنْ یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ» فیحرم علی سریرها، لأن الرجل «6» إذا أسلم حرم ما له و دمه و کان سریرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ و الجوهر مستور بالحریر و الدیباج علیه الحجلة قالَ عِفْرِیتٌ مِنَ الْجِنِ یعنی مارد من الجن اسمه الحقیق «7»
______________________________
(1) فی أ: من عمله، و فی ز: فعجب أمیر الوفد من علمه.
(2) فی أ، و فی ز: فرد سلیمان.
(3) و رد وصف هذه الهدیة فی النسفی و غیره، قریبا مما و رد فی تفسیر مقاتل، و کله منقول عن الإسرائیلیات، و ما أغنی کتاب اللّه عن هذه الإسرائیلیات.
(4) ما بین القوسین «...» ساقط من أ، ز.
(5) من ف، ز. و فی أ: إلی.
(6) المراد الإنسان سواء أ کان رجلا أو امرأة.
(7) فی أ: الحقیق، و فی ز: حنقوق.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 307
أَنَا آتِیکَ بِهِ یعنی سریرها قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِکَ یعنی من مجلسک و کان سلیمان- علیه السلام- یجلس للناس غدوة فیقضی بینهم حتی یضحی الضحی الأکبر، ثم یقوم، فقال: أنا آتیک به قبل أن تحضر مقامک «1» و ذلک أنی «2» أضع قدمی عند منتهی بصری فلیس شی‌ء أسرع منی فآتیک بالعرش و أنت فی مجلسک وَ إِنِّی عَلَیْهِ یعنی علی حمل السریر لَقَوِیٌ علی حمله أَمِینٌ 39- علی ما فی السریر من المال، قال سلیمان أرید أسرع من ذلک قالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ و هو رجل من الإنس من بنی إسرائیل کان یعلم اسم اللّه الأعظم، و کان الرجل اسمه آصف بن برخیا بن شمعیا بن دانیال أَنَا آتِیکَ بِهِ بالسریر قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ الذی هو علی منتهی بصرک و هو جاء «3» إلیک فقال سلیمان: لقد أسرعت أن فعلت ذلک فدعا الرجل باسم اللّه الأعظم «4» و منه ذو الجلال و الإکرام فاحتمل السریر احتمالا فوضع بین یدی سلیمان و کانت المرأة قد أقبلت إلی سلیمان حین جاءها الوفد و خلفت السریر فی أرضها بالیمن فی سبعة أبیات بعضها فی بعض أقفالها من حدید و معها مفاتیح الأبیات السبعة «فَلَمَّا رَآهُ» «5» فلما رأی سلیمان العرش مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ تعجب منه ف قالَ هذا السریر مِنْ فَضْلِ رَبِّی أعطانیه لِیَبْلُوَنِی یقول لیختبرنی: أَ أَشْکُرُ اللّه-
______________________________
(1) کذا فی أ، ز.
و فی النسفی: قبل أن تنتهی من مجلس حکمک و قضائک.
(2) فی ف: أتی، و فی أ: أنا.
(3) جائی: فی أ، ز.
(4) من أ، و فی ز: بالاسم الأعظم.
(5) فی أ: «فلما، رأی»، و فی حاشیة أ: الآیة رآه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 308
عز و جل- فی نعمه حین أتیت بالعرش أَمْ أَکْفُرُ بنعم اللّه إذا رأیت من هو دونی أعلم منی «1» فعزم اللّه- عز و جل- له علی الشکر فقال- عز و جل-:
وَ مَنْ شَکَرَ فی نعمه فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ یقول فإنما یعمل لنفسه وَ مَنْ کَفَرَ النعم فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌ عن عبادة خلقه کَرِیمٌ 40- مثلها فی لقمان «فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ» «2» قالَ سلیمان: «نَکِّرُوا لَها عَرْشَها» «3» زیدوا فی السریر و انقصوا منه نَنْظُرْ إذا جاءت أَ تَهْتَدِی أَمْ تَکُونُ مِنَ الَّذِینَ لا یَهْتَدُونَ 41- یقول أتعرف العرش أم تکون من الذین لا یعرفون فَلَمَّا جاءَتْ المرأة قِیلَ لها أَ هکَذا عَرْشُکِ فأجابتهم ف قالَتْ کَأَنَّهُ هُوَ و قد عرفته و لکنها شبهت علیهم کما شبهوا علیها، و لو قیل لها هذا [60 أ] عرشک لقالت: نعم، قیل لها: فإنه عرشک فما أغنی «عنه» «4» إغلاق الأبواب؟، یقول سلیمان:
وَ أُوتِینَا الْعِلْمَ من اللّه- عز و جل- مِنْ قَبْلِها یعنی من قبل أن یجی‌ء العرش و الصرح و غیره وَ کُنَّا مُسْلِمِینَ 42- یعنی و کنا مخلصین بالتوحید من قبلها وَ صَدَّها عن الإسلام ما کانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ من عبادة الشمس إِنَّها کانَتْ مِنْ قَوْمٍ کافِرِینَ 43- قِیلَ لَهَا ادْخُلِی الصَّرْحَ و هو قصر من قواریر علی الماء تحته السمک فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً یعنی غدیر الماء وَ کَشَفَتْ عَنْ ساقَیْها یعنی رجلیها لتخوض الماء إلی سلیمان و هو علی السریر فی مقدم البیت و ذلک أنها لما أقبلت قالت الجن لقد لقینا من سلیمان
______________________________
(1) کذا فی أ، ز، ل.
(2) من ز، و لیست فی أ، و الآیة: 12 فی سورة لقمان «... فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ».
(3) ما بین القوسین «...» ساقط من أ، ل، ف.
(4) «عنه»: من ز، و لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 309
ما لقینا من التعب فلو قد اجتمع سلیمان و هذه المرأة و ما عندها من العلم لهلکنا و کانت أمها جنیة فقالوا: تعالوا نبغضها إلی سلیمان نقول إن رجلیها مثل حوافر الدواب، لأن أمها کانت جنیة، ففعلت، فأمر سلیمان فبنی لها بیتا من قواریر فوق الماء، و أرسل فیه السمک لتحسب أنه الماء «فتکشف» «1» عن رجلیها فینظر سلیمان أصدقته الجن أم کذبته و جعل سریره فی مقدم البیت: «فلما رأت الصرح» «2» حسبته لجة الماء و کشفت عن ساقیها فنظر إلیها سلیمان فإذا هی من أحسن الناس قدمین و رأی علی ساقها شعرا کثیرا فکره سلیمان ذلک، فقالت:
إن الرمانة لا تدری ما هی حتی تذوقها، قال سلیمان: ما لا یحلو فی العین لا یحلو «الفم» «3». فلما رأت الجن أن سلیمان رأی ساقیها قالت الجن لا تکشفی عن ساقیک.
«قالَ» «4» إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ یعنی أملس مِنْ قَوارِیرَ فلما رأت السریر و الصرح علمت أن ملکها لیس بشی‌ء عند ملک سلیمان و أن ملکه من ملک اللّه- عز و جل- ف قالَتْ حین دخلت الصرح رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی یعنی بعبادتها الشمس وَ أَسْلَمْتُ یعنی أخلصت مَعَ سُلَیْمانَ بالتوحید لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ 44- خرت للّه- عز و جل- ساجدة و تابت إلی اللّه- عز و جل- من شرکها و اتخذها سلیمان- علیه السلام- لنفسه فولدت له داود بن سلیمان بن داود- علیهم السلام-، و أمر لها بقریة من الشام
______________________________
(1) فی أ: فکشفت، و فی ل: فتکشف.
(2) فی أ: «فلما رأته»، و فی ف: «فلما رأت الصرح».
(3) فی أ: القلب، و فی ز، ل: الفم.
(4) القائل هو سلیمان- علیه السلام-، و أنظر النسفی ج 3 ص 164 و فیه: (قال المحققون لا یحتمل أن یحتال سلیمان لینظر إلی ساقیها و هی أجنبیة فلا یصح القول بمثله)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 310
یجبی لها خراجها، «و کانت عذراء فاتخذ الحمامات من أجلها» «1». «و
قال» «2» النبی- صلی اللّه علیه و سلم- کانت من أحسن نساء العالمین ساقین «3»، و هی «4» من أزواج سلیمان فی الجنة، فقالت عائشة- رضی اللّه عنها- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-. هی أحسن ساقین منی، قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أنت أحسن [60 ب ساقین منها فی الجنة «5».
و کان سلیمان- علیه السلام- یسیر بها معه إذا سار وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه فَإِذا هُمْ فَرِیقانِ یَخْتَصِمُونَ 45- «مؤمنین و کافرین» «6» و کانت خصومتهم الآیة التی فی الأعراف «قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ، قالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِی آمَنْتُمْ بِهِ کافِرُونَ، فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ...» «7» و وعدهم صالح العذاب فقالوا:
«... یا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ» «8» فرد «9» علیهم صالح:
قالَ یا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّیِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ یقول لم تستعجلون بالعذاب
______________________________
(1) من أ، و فی ز: و کانت عذرا. فاتخذت الجن الحمامات من أجلها.
(2) فی أ، ز: فقال.
(3) رسول اللّه أجل من أن یقول مثل هذا.
(4) فی أ: فهی، و فی ز: و هی.
(5) الکلام مکرر فی أ فأسقطت سطر کتب مرتین.
(6) من ز، و فی أ، ف: مؤمنون و کافرون.
(7) من سورة الأعراف: 75- 70.
(8) سورة الأعراف: 77، و فی أ: إن کنت من الصادقین.
(9) فی أ: فقال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 311
قبل العافیة لَوْ لا یعنی هلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ من الشرک لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تُرْحَمُونَ 46- فلا تعذبوا فی الدنیا ف قالُوا یا صالح اطَّیَّرْنا یعنی تشاء منا بِکَ وَ بِمَنْ مَعَکَ علی دینک و ذلک أنه قحط المطر عنهم و جاعوا فقالوا أصابنا «1» هذا الشر من شؤمک و شؤم أصحابک ف قالَ لهم- علیه السلام- إنما طائِرُکُمْ عِنْدَ اللَّهِ یقول الذی أصابکم هو «2» مکتوب فی أعناقکم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ 47- یعنی تبتلون و إنما ابتلیتم بذنوبکم وَ کانَ فِی الْمَدِینَةِ قریة صالح: الحجر، تِسْعَةُ رَهْطٍ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ یعنی یعملون فی الأرض بالمعاصی وَ لا یُصْلِحُونَ 48- یعنی و لا یطیعون اللّه- عز و جل- فیما منهم قدار بن سالف بن جدع، عاقر الناقة، و اسم أمه قدیرة، و مصدع، و داب، و یباب إخوة «بنی» «3» مهرج، و عائذ بن عبید، و هذیل، و ذو أعین و هما أخوان ابنا عمرو «4» و هدیم، و صواب فعقروا الناقة لیلة الأربعاء. و أهلکهم اللّه- عز و جل- یوم السبت بصیحة جبریل- علیه السلام- قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ یعنی تحالفوا باللّه- عز و جل لَنُبَیِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ لیلا بالقتل یعنی صالحا و أهله ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِیِّهِ یعنی ذا رحم صالح أن اسألوا عنه ما شَهِدْنا مَهْلِکَ أَهْلِهِ قالوا:
ما ندری من قتل صالحا «5» و أهله، ما نعرف الذین قتلوه وَ إِنَّا لَصادِقُونَ 49- فیما نقول، یقول- عز و جل-: وَ مَکَرُوا مَکْراً حین أرادوا قتل صالح- علیه
______________________________
(1) فی أ: أصبنا، و فی ز: أصابنا.
(2) فی أ: فهو، و فی ز: هو.
(3) فی الأصل: «بنو».
(4) کذا فی أ، ز.
(5) فی أ: صالح، ز: صالحا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 312
السلام- و أهله، یقول اللّه- تعالی-: وَ مَکَرْنا مَکْراً حین جثم الجبل علیهم وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 50- فَانْظُرْ یا محمد کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ مَکْرِهِمْ یعنی عاقبة عملهم و صنیعهم أَنَّا دَمَّرْناهُمْ یعنی التسعة یعنی أهلکنا هم بالجبل حین جثم علیهم وَ دمرنا قَوْمَهُمْ أَجْمَعِینَ 51- بصیحة جبریل- علیه السلام- فلم نبق منهم أحدا، فَتِلْکَ بُیُوتُهُمْ خاوِیَةً یعنی «1» خربة [61 أ] لیس بها سکان «2» بِما ظَلَمُوا یعنی بما أشرکوا إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یعنی أن فی هلاکهم لعبرة لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ 52- بتوحید اللّه- عز و جل- وَ أَنْجَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا یعنی الذین صدقوا، من العذاب وَ کانُوا یَتَّقُونَ 53- الشرک وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ یعنی المعاصی یعنی بالمعصیة إتیان الرجال شهوة من دون النساء بَلْ أَنْتُمْ یعنی و لکن أنتم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ 55- فَما کانَ جَوابَ «قَوْمِهِ قوم لوط» «3» حین نهاهم عن المعاصی إِلَّا أَنْ قالُوا بعضهم لبعض: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ یعنی لوطا و ابنتیه «4» مِنْ قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ یَتَطَهَّرُونَ 56- یعنی لوطا وحده «یتطهرون» مثلها فی الأعراف «5» «یتطهرون» یعنی یتنزهون عن إتیان الرجال فإنا لا نحب أن یکون بین أظهرنا من ینهانا عن عملنا، یقول اللّه- عز و جل-: فَأَنْجَیْناهُ من
______________________________
(1) فی أ: خالیة، و فی ف، ل: خربة.
(2) من أ، و فی ف: لیس لها سکان.
(3) فی أ: «قوم لوط».
(4) فی أ: و ابنته، و فی ف: و ابنتیه.
(5) سورة الأعراف: 82 و هی «وَ ما کانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ یَتَطَهَّرُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 313
العذاب وَ أَهْلَهُ یعنی و ابنتیه ریثا و زعوثا «1»، ثم استثنی فقال- سبحانه-:
إِلَّا امْرَأَتَهُ لم ننجها قَدَّرْناها یقول قدرنا ترکها «مِنَ» «2» الْغابِرِینَ 57- وَ أَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ مَطَراً یعنی الحجارة فَساءَ یعنی فبئس مَطَرُ الْمُنْذَرِینَ 58- یعنی الذین أنذروا بالعذاب، فذلک قوله- عز و جل-:
«وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا» «3» یعنی عذابنا، و قُلِ یا محمد الْحَمْدُ لِلَّهِ فی هلاک الأمم الخالیة یعنی ما ذکر فی هذه السورة من هلاک فرعون و قومه و ثمود و قوم لوط، و قل الحمد للّه الذی علمک هذا الأمر الذی ذکر، ثم قال:
وَ سَلامٌ عَلی عِبادِهِ الَّذِینَ اصْطَفی یعنی الذین اختارهم اللّه- عز و جل- لنفسه للرسالة،- فسلام اللّه علی الأنبیاء «4»- علیهم السلام-، ثم قال اللّه- عز و جل-: آللَّهُ خَیْرٌ أَمَّا یُشْرِکُونَ 59- به یقول:
اللّه- تبارک و تعالی- أفضل، أم الالهة التی تعبدونها؟ یعنی کفار مکة
کان النبی صلی اللّه علیه و سلم- إذا قرأ هذه الآیة قال: بل الله خیر و أبقی و أجل و أکرم»
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ یعنی حیطان النخل و الشجر ذاتَ بَهْجَةٍ یعنی ذات حسن ما کانَ لَکُمْ یعنی ما ینبغی لکم أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها فتجعلوا للالهة نصیبا مما أخرج اللّه- عز و جل- لکم من الأرض بالمطر، ثم قال- سبحانه- استفهام: أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ یعینه علی صنعه- جل جلاله- ثم قال
______________________________
(1) فی أ: و زعرتا، و فی ف: و زغوثا، و فی ز و زعوثا.
(2) فی أ: مع، و فی حاشیة أ: الآیة «من».
(3) سورة القمر: 36.
(4) من أ، و فی ف: و صلی اللّه علی الأنبیاء.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 314
- تعالی-: بَلْ هُمْ قَوْمٌ یَعْدِلُونَ 60- یعنی یشرکون یعنی کفار مکة، ثم قال- سبحانه-: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً یعنی مستقرا لا تمید بأهلها وَ جَعَلَ خِلالَها یعنی فجر نواحی الأرض أَنْهاراً فهی تطرد «1» وَ جَعَلَ لَها رَواسِیَ یعنی الجبال، فتثبت «2» بها الأرض لئلا تزول [61 ب بمن علی ظهرها وَ جَعَلَ بَیْنَ الْبَحْرَیْنِ الماء المالح و الماء العذب حاجِزاً حجز اللّه- عز و جل- بینهما بأمره فلا یختلطان أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ یعینه علی صنعه- عز و جل- بَلْ أَکْثَرُهُمْ یعنی لکن أکثرهم یعنی أهل مکة لا یَعْلَمُونَ 61- بتوحید ربهم أَمَّنْ یُجِیبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ یَکْشِفُ السُّوءَ یعنی الضر وَ یَجْعَلُکُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ یعینه علی صنعه قَلِیلًا ما تَذَکَّرُونَ 62- یقول ما أقل «ما تذکرون» «3» أَمَّنْ یَهْدِیکُمْ فِی ظُلُماتِ یقول أم من یرشدکم فی أهوال الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَنْ یُرْسِلُ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ یقول یبسط السحاب قدام المطر، کقوله فی «عسق»: «وَ یَنْشُرُ رَحْمَتَهُ» «4» یعنی و یبسط رحمته بالمطر أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ یعینه علی صنعه- عز و جل- ثم قال: تَعالَی اللَّهُ یعنی ارتفع اللّه یعظم نفسه- جل جلاله- عَمَّا یُشْرِکُونَ 63- به من الالهة، ثم قال- تعالی-: أَمَّنْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ یقول من بدأ الخلق فخلقهم و لم یکونوا شیئا ثم بعیده فی الآخرة وَ مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ یعنی
______________________________
(1) کذا فی أ، ز.
(2) کذا فی أ، ف.
(3) فی أ: ما یذکرون، و فی ز: ما تذکرون.
(4) سورة الشوری: 28.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 315
المطر وَ الْأَرْضِ یعنی النبت أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ یعینه علی صنعه- عز و جل- قُلْ لکفار مکة: هاتُوا بُرْهانَکُمْ یعنی هلموا بحجتکم بأنه صنع شیئا من هذا غیر اللّه- عز و جل- من الالهة فتکون لکم الحجة علی اللّه- تعالی- إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 64- بأن مع اللّه آلهة کما زعمتم یعنی الملائکة قُلْ لا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّماواتِ یعنی الملائکة وَ الْأَرْضِ الناس الْغَیْبَ یعنی البعث یعنی غیب الساعة إِلَّا اللَّهُ وحده- عز و جل-. ثم قال- عز و جل- وَ ما یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ 65- یقول لکفار مکة و ما یشعرون متی یبعثون بعد الموت لأنهم یکفرون بالبعث بَلِ ادَّارَکَ عِلْمُهُمْ فِی الْآخِرَةِ یقول علموا فی الاخرة حین عاینوها ما شکوا فیه، و عموا عنه فی الدنیا «1» بَلْ هُمْ الیوم فِی شَکٍّ مِنْها یعنی من الساعة بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ 66- فی الدنیا وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَ إِذا کُنَّا تُراباً وَ آباؤُنا أَ إِنَّا لَمُخْرَجُونَ 67- من القبور أحیاء نزلت فی أبی طلحة و شیبة و مشافع و شرحبیل و الحارث و أبوه و أرطاة بن شرحبیل لَقَدْ وُعِدْنا هذا الذی یقول محمد- صلی اللّه علیه و سلم- یعنون البعث نَحْنُ وَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ یعنون من قبلنا إِنْ هذا الذی یقول محمد- صلی اللّه علیه و سلم-:
إِلَّا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ 68- یعنی أحادیث الأولین و کذبهم قُلْ لکفار مکة: سِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِینَ 69- یعنی کفار الأمم الخالیة کیف کان عاقبتهم فی الدنیا الهلاک یخوف کفار مکة مثل عذاب الأمم الخالیة لئلا یکذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- و قد رأوا [62 أ] هلاک قوم لوط و عاد و ثمود، ثم قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ
______________________________
(1) فی أ: ما شکوا فیه و عموا عنها فی الدنیا. و فی ز: ما شکوا و عموا عنها فی الدنیا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 316
یعنی علی کفار مکة إن تولوا عنک و لم یجیبوک وَ لا تَکُنْ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ 70- یقول لا یضیق صدرک بما یقولون هذا دأبنا و دأبک أیام الموسم، و هم الخراصون و هم المستهزءون وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ یعنون العذاب إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 71- یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وحده بأن العذاب نازل بنا قُلْ عَسی أَنْ یَکُونَ رَدِفَ لَکُمْ یعنی قریب لکم بَعْضُ الَّذِی تَسْتَعْجِلُونَ 72- فکان بعض العذاب القتل ببدر و سائر العذاب لهم فیما بعد الموت، ثم قال: وَ إِنَّ رَبَّکَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاسِ یعنی علی کفار مکة حین لا یعجل علیهم بالعذاب حین أرادوه وَ لَکِنَّ أَکْثَرَهُمْ یعنی أکثر أهل مکة لا یَشْکُرُونَ 73- الرب- عز و جل- فی تأخیر العذاب عنهم وَ إِنَّ رَبَّکَ لَیَعْلَمُ ما تُکِنُّ صُدُورُهُمْ یعنی ما تسر قلوبهم وَ ما یُعْلِنُونَ 74- بألسنتهم وَ ما مِنْ غائِبَةٍ یعنی علم غیب ما یکون من العذاب فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ و ذلک حین استعجلوه بالعذاب إِلَّا فِی کِتابٍ مُبِینٍ 75- یقول إلا هو بین فی اللوح المحفوظ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَقُصُّ عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ أَکْثَرَ الَّذِی هُمْ فِیهِ یعنی فی القرآن یَخْتَلِفُونَ 76- یقول هذا القرآن مبین لأهل الکتاب اختلافهم وَ إِنَّهُ لَهُدیً من الضلالة وَ رَحْمَةٌ من العذاب لمن آمن به، فذلک قوله- عز و جل-: لِلْمُؤْمِنِینَ 77- بالقرآن أنه من ربک إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یعنی بین بنی إسرائیل بِحُکْمِهِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْعَلِیمُ 78- فَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ یعنی فثق باللّه- عز و جل- و ذلک حین دعی إلی ملة آبائه فأمره أن یثق باللّه- عز و جل- و لا یهوله قول أهل مکة إِنَّکَ عَلَی الْحَقِّ الْمُبِینِ 79- یعنی علی الدین البین و هو الإسلام،
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 317
ثم ضرب لکفار مکة مثلا، فقال- سبحانه-: «إِنَّکَ» «1» یا محمد لا تُسْمِعُ الْمَوْتی فی النداء فشبه کفار مکة بالأموات کما لا یسمع المیت النداء کذلک لا تسمع الکفار النداء «و لا تفقهه» «2» وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ 80- یقول إن الأصم إذا ولی مدبرا ثم نادیته لم یسمع الدعاء و کذلک الکافر لا یسمع الإیمان إذا دعی إلیه، ثم قال- عز و جل- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: وَ ما أَنْتَ بِهادِی الْعُمْیِ إلی الإیمان عَنْ ضَلالَتِهِمْ یعنی عن کفرهم إِنْ تُسْمِعُ یقول ما تسمع الإیمان إِلَّا مَنْ یُؤْمِنُ بِآیاتِنا إلا من یصدق بالقرآن أنه من اللّه- عز و جل- فَهُمْ مُسْلِمُونَ 81- یقول فهم مخلصون بتوحید اللّه- عز و جل- وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ یقول إذا نزل العذاب بهم أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تخرج من الصفا الذی بمکة تُکَلِّمُهُمْ بالعربیة تقول أَنَّ النَّاسَ یعنی کفار مکة کانُوا بِآیاتِنا یعنی بخروج الدابة لا یُوقِنُونَ 82- هذا قول الدابة للناس إن الناس بخروجی لا یوقنون لأن خروجها آیة من آیات اللّه- عز و جل- [62 ب فإذا «رآها» «3» الناس کلهم عادت إلی مکانها من حیث خرجت لها أربع قوائم و زغب و ریش و لها جناحان و اسمها «أفضی» «4» «فإذا خرجت بلغ رأسها السحاب» «5» وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً یعنی زمرا مِمَّنْ یُکَذِّبُ بِآیاتِنا فَهُمْ یُوزَعُونَ 83- یعنی فهم یساقون إلی النار
______________________________
(1) فی أ: فإنک.
(2) فی أ: و لا تفقه، و فی ز: و لا تفقهه.
(3) فی أ: و أو، و فی ف: رأوها، و فی ز: رآها.
(4) کذا فی أ، ز.
(5) من ز، و فی أ: لا یخرج منها إلا رأسها فبلغ رأسها السحاب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 318
حَتَّی إِذا جاؤُ قالَ أَ کَذَّبْتُمْ بِآیاتِی یعنی بالساعة وَ لَمْ تُحِیطُوا بِها عِلْماً أنها باطل أَمَّا ذا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 84- وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ یعنی و نزل العذاب بهم بِما ظَلَمُوا یعنی بما أشرکوا فَهُمْ لا یَنْطِقُونَ 85- یعنی لا یتکلمون فیها، ثم وعظ کفار مکة لیعتبروا فی صنعه فیوحدوه- عز و جل- فقال- تعالی-:
أَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّیْلَ لِیَسْکُنُوا فِیهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یقول إن فیهما لعبرة لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 86- یعنی لقوم یصدقون بتوحید اللّه- عز و جل- وَ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ یقول فمات مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ من شدة الخوف و الفزع إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ یعنی جبریل و میکائیل و إسرافیل و ملک الموت- علیهم السلام وَ کُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِینَ 87- یعنی و کل البر و الفاجر أتوه فی الآخرة صاغرین وَ تَرَی الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً یعنی تحسبها مکانها وَ هِیَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ فتستوی فی الأرض صُنْعَ اللَّهِ الَّذِی أَتْقَنَ یعنی الذی أحکم کُلَّ شَیْ‌ءٍ إِنَّهُ خَبِیرٌ بِما تَفْعَلُونَ 88- یعنی إنه خبیر بما فعلتم، نظیرها فی الروم مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فی الآخرة یعنی بلا إله إلا اللّه فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها فیها تقدیم یقول له منها خیر «وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ» «1»- 89-.
حدثنی الهذیل، عن مقاتل، عن ثابت البنانی، عن کعب عجرة، عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی قوله- عز و جل- «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ...»، «مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَةِ ...»، قال هذه تنجی و هذه تردی.
وَ مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَةِ یعنی بالشرک فَکُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِی النَّارِ ثم تقول لهم خزنة جهنم هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 90- من الشرک
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» ساقطة من أ، ل، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 319
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ یعنی مکة الَّذِی حَرَّمَها من القتل و السبی و حرم فیها الصید و غیره فلا یستحل فیها ما لا ینبغی وَ لَهُ ملک کُلُّ شَیْ‌ءٍ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ 91- یعنی من المخلصین بالتوحید وَ أمرت أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ علیکم یا أهل مکة فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَ عن الإیمان بالقرآن مثلها فی الزمر «1» فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِینَ 92- یعنی من المرسلین یعنی أنا کأحد الرسل وَ قُلِ یا محمد الْحَمْدُ لِلَّهِ سَیُرِیکُمْ آیاتِهِ یعنی العذاب فی الدنیا فَتَعْرِفُونَها «2» أنها حق و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أخبرهم بالعذاب أنه نازل بهم فکذبوه فنزلت «سیریکم آیاته» یعنی القتل ببدر إذا نزل بکم فلا تستعجلون، ثم قال- سبحانه-:
وَ ما رَبُّکَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ «3»- 93- هذا و عید فعذبهم اللّه- عز و جل- بالقتل و ضربت الملائکة وجوههم و أدبارهم و عجل اللّه بأرواحهم إلی النار «4».
______________________________
(1) سورة الزمر: 41: «فَمَنِ اهْتَدی فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها.».
(2) تکرر تفسیر هذا الجزء من الآیة 93، فحذفت المکرر.
(3) فی أ: یعملون، و فی تفسیر القرطبی: 510: قراءة حفص «تعلمون».
و قرأ ابن کثیر و أبو عمرو و حمزة و الکسائی بالیاء. أ ه. أی کما هو فی تفسیر مقاتل.
(4) فی ز، تذییل فی آخر سورة النمل فی وصف عصا موسی، و فیه تهویل أشبه بخرافات بنی إسرائیل و لذا آثرت ترکه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 321

سورة القصص‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 323

[سورة القصص (28): الآیات 1 الی 88]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
طسم (1) تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ (2) نَتْلُوا عَلَیْکَ مِنْ نَبَإِ مُوسی وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِی الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَها شِیَعاً یَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ یُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ یَسْتَحْیِی نِساءَهُمْ إِنَّهُ کانَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ (4)
وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (5) وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (6) وَ أَوْحَیْنا إِلی أُمِّ مُوسی أَنْ أَرْضِعِیهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَیْهِ فَأَلْقِیهِ فِی الْیَمِّ وَ لا تَخافِی وَ لا تَحْزَنِی إِنَّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِینَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِیَکُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما کانُوا خاطِئِینَ (8) وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَیْنٍ لِی وَ لَکَ لا تَقْتُلُوهُ عَسی أَنْ یَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (9)
وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسی فارِغاً إِنْ کادَتْ لَتُبْدِی بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلی قَلْبِها لِتَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (10) وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّیهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (11) وَ حَرَّمْنا عَلَیْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلی أَهْلِ بَیْتٍ یَکْفُلُونَهُ لَکُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلی أُمِّهِ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (13) وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوی آتَیْناهُ حُکْماً وَ عِلْماً وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ (14)
وَ دَخَلَ الْمَدِینَةَ عَلی حِینِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِیها رَجُلَیْنِ یَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِیعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِی مِنْ شِیعَتِهِ عَلَی الَّذِی مِنْ عَدُوِّهِ فَوَکَزَهُ مُوسی فَقَضی عَلَیْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِینٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی فَاغْفِرْ لِی فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (16) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَلَنْ أَکُونَ ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ (17) فَأَصْبَحَ فِی الْمَدِینَةِ خائِفاً یَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِی اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ یَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسی إِنَّکَ لَغَوِیٌّ مُبِینٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ یَبْطِشَ بِالَّذِی هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ یا مُوسی أَ تُرِیدُ أَنْ تَقْتُلَنِی کَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِیدُ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ جَبَّاراً فِی الْأَرْضِ وَ ما تُرِیدُ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْمُصْلِحِینَ (19)
وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَی الْمَدِینَةِ یَسْعی قالَ یا مُوسی إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِکَ لِیَقْتُلُوکَ فَاخْرُجْ إِنِّی لَکَ مِنَ النَّاصِحِینَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً یَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (21) وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْیَنَ قالَ عَسی رَبِّی أَنْ یَهْدِیَنِی سَواءَ السَّبِیلِ (22) وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْیَنَ وَجَدَ عَلَیْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ یَسْقُونَ وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَیْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُکُما قالَتا لا نَسْقِی حَتَّی یُصْدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَیْخٌ کَبِیرٌ (23) فَسَقی لَهُما ثُمَّ تَوَلَّی إِلَی الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّی لِما أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ (24)
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِی عَلَی اسْتِحْیاءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِی یَدْعُوکَ لِیَجْزِیَکَ أَجْرَ ما سَقَیْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَیْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (25) قالَتْ إِحْداهُما یا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَیْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِیُّ الْأَمِینُ (26) قالَ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أُنْکِحَکَ إِحْدَی ابْنَتَیَّ هاتَیْنِ عَلی أَنْ تَأْجُرَنِی ثَمانِیَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِکَ وَ ما أُرِیدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَیْکَ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِینَ (27) قالَ ذلِکَ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ أَیَّمَا الْأَجَلَیْنِ قَضَیْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَیَّ وَ اللَّهُ عَلی ما نَقُولُ وَکِیلٌ (28) فَلَمَّا قَضی مُوسَی الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْکُثُوا إِنِّی آنَسْتُ ناراً لَعَلِّی آتِیکُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّکُمْ تَصْطَلُونَ (29)
فَلَمَّا أَتاها نُودِیَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَیْمَنِ فِی الْبُقْعَةِ الْمُبارَکَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ یا مُوسی إِنِّی أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ (30) وَ أَنْ أَلْقِ عَصاکَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ کَأَنَّها جَانٌّ وَلَّی مُدْبِراً وَ لَمْ یُعَقِّبْ یا مُوسی أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّکَ مِنَ الْآمِنِینَ (31) اسْلُکْ یَدَکَ فِی جَیْبِکَ تَخْرُجْ بَیْضاءَ مِنْ غَیْرِ سُوءٍ وَ اضْمُمْ إِلَیْکَ جَناحَکَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِکَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّکَ إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ (32) قالَ رَبِّ إِنِّی قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ یَقْتُلُونِ (33) وَ أَخِی هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّی لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِی رِدْءاً یُصَدِّقُنِی إِنِّی أَخافُ أَنْ یُکَذِّبُونِ (34)
قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأَخِیکَ وَ نَجْعَلُ لَکُما سُلْطاناً فَلا یَصِلُونَ إِلَیْکُما بِآیاتِنا أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَکُمَا الْغالِبُونَ (35) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسی بِآیاتِنا بَیِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَریً وَ ما سَمِعْنا بِهذا فِی آبائِنَا الْأَوَّلِینَ (36) وَ قالَ مُوسی رَبِّی أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدی مِنْ عِنْدِهِ وَ مَنْ تَکُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَ قالَ فِرْعَوْنُ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرِی فَأَوْقِدْ لِی یا هامانُ عَلَی الطِّینِ فَاجْعَلْ لِی صَرْحاً لَعَلِّی أَطَّلِعُ إِلی إِلهِ مُوسی وَ إِنِّی لَأَظُنُّهُ مِنَ الْکاذِبِینَ (38) وَ اسْتَکْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَیْنا لا یُرْجَعُونَ (39)
فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِی الْیَمِّ فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِینَ (40) وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَی النَّارِ وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ لا یُنْصَرُونَ (41) وَ أَتْبَعْناهُمْ فِی هذِهِ الدُّنْیا لَعْنَةً وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِینَ (42) وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَکْنَا الْقُرُونَ الْأُولی بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَ هُدیً وَ رَحْمَةً لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (43) وَ ما کُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِیِّ إِذْ قَضَیْنا إِلی مُوسَی الْأَمْرَ وَ ما کُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِینَ (44)
وَ لکِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَیْهِمُ الْعُمُرُ وَ ما کُنْتَ ثاوِیاً فِی أَهْلِ مَدْیَنَ تَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِنا وَ لکِنَّا کُنَّا مُرْسِلِینَ (45) وَ ما کُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَیْنا وَ لکِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِیرٍ مِنْ قَبْلِکَ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (46) وَ لَوْ لا أَنْ تُصِیبَهُمْ مُصِیبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ فَیَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ وَ نَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (47) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِیَ مِثْلَ ما أُوتِیَ مُوسی أَ وَ لَمْ یَکْفُرُوا بِما أُوتِیَ مُوسی مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَ قالُوا إِنَّا بِکُلٍّ کافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِکِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدی مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (49)
فَإِنْ لَمْ یَسْتَجِیبُوا لَکَ فَاعْلَمْ أَنَّما یَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَیْرِ هُدیً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ (50) وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (51) الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ یُؤْمِنُونَ (52) وَ إِذا یُتْلی عَلَیْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا کُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِینَ (53) أُولئِکَ یُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَیْنِ بِما صَبَرُوا وَ یَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ (54)
وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَکُمْ أَعْمالُکُمْ سَلامٌ عَلَیْکُمْ لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ (55) إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ (56) وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدی مَعَکَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَکِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً یُجْبی إِلَیْهِ ثَمَراتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (57) وَ کَمْ أَهْلَکْنا مِنْ قَرْیَةٍ بَطِرَتْ مَعِیشَتَها فَتِلْکَ مَساکِنُهُمْ لَمْ تُسْکَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِیلاً وَ کُنَّا نَحْنُ الْوارِثِینَ (58) وَ ما کانَ رَبُّکَ مُهْلِکَ الْقُری حَتَّی یَبْعَثَ فِی أُمِّها رَسُولاً یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِنا وَ ما کُنَّا مُهْلِکِی الْقُری إِلاَّ وَ أَهْلُها ظالِمُونَ (59)
وَ ما أُوتِیتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَمَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ زِینَتُها وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَیْرٌ وَ أَبْقی أَ فَلا تَعْقِلُونَ (60) أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِیهِ کَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَیاةِ الدُّنْیا ثُمَّ هُوَ یَوْمَ الْقِیامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِینَ (61) وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ فَیَقُولُ أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قالَ الَّذِینَ حَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِینَ أَغْوَیْنا أَغْوَیْناهُمْ کَما غَوَیْنا تَبَرَّأْنا إِلَیْکَ ما کانُوا إِیَّانا یَعْبُدُونَ (63) وَ قِیلَ ادْعُوا شُرَکاءَکُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُمْ وَ رَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ کانُوا یَهْتَدُونَ (64)
وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ فَیَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِینَ (65) فَعَمِیَتْ عَلَیْهِمُ الْأَنْباءُ یَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا یَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَعَسی أَنْ یَکُونَ مِنَ الْمُفْلِحِینَ (67) وَ رَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَ یَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ (68) وَ رَبُّکَ یَعْلَمُ ما تُکِنُّ صُدُورُهُمْ وَ ما یُعْلِنُونَ (69)
وَ هُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِی الْأُولی وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُکْمُ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَیْکُمُ اللَّیْلَ سَرْمَداً إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ مَنْ إِلهٌ غَیْرُ اللَّهِ یَأْتِیکُمْ بِضِیاءٍ أَ فَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَیْکُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ مَنْ إِلهٌ غَیْرُ اللَّهِ یَأْتِیکُمْ بِلَیْلٍ تَسْکُنُونَ فِیهِ أَ فَلا تُبْصِرُونَ (72) وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (73) وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ فَیَقُولُ أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)
وَ نَزَعْنا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَکُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ (75) إِنَّ قارُونَ کانَ مِنْ قَوْمِ مُوسی فَبَغی عَلَیْهِمْ وَ آتَیْناهُ مِنَ الْکُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِی الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْفَرِحِینَ (76) وَ ابْتَغِ فِیما آتاکَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِیبَکَ مِنَ الدُّنْیا وَ أَحْسِنْ کَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَیْکَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِی الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُفْسِدِینَ (77) قالَ إِنَّما أُوتِیتُهُ عَلی عِلْمٍ عِنْدِی أَ وَ لَمْ یَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَکَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَکْثَرُ جَمْعاً وَ لا یُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلی قَوْمِهِ فِی زِینَتِهِ قالَ الَّذِینَ یُرِیدُونَ الْحَیاةَ الدُّنْیا یا لَیْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِیَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِیمٍ (79)
وَ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَیْلَکُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَیْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا یُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما کانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ یَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما کانَ مِنَ المُنْتَصِرِینَ (81) وَ أَصْبَحَ الَّذِینَ تَمَنَّوْا مَکانَهُ بِالْأَمْسِ یَقُولُونَ وَیْکَأَنَّ اللَّهَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ یَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْنا لَخَسَفَ بِنا وَیْکَأَنَّهُ لا یُفْلِحُ الْکافِرُونَ (82) تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (83) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَةِ فَلا یُجْزَی الَّذِینَ عَمِلُوا السَّیِّئاتِ إِلاَّ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (84)
إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ قُلْ رَبِّی أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدی وَ مَنْ هُوَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (85) وَ ما کُنْتَ تَرْجُوا أَنْ یُلْقی إِلَیْکَ الْکِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ فَلا تَکُونَنَّ ظَهِیراً لِلْکافِرِینَ (86) وَ لا یَصُدُّنَّکَ عَنْ آیاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَیْکَ وَ ادْعُ إِلی رَبِّکَ وَ لا تَکُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (87) وَ لا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ کُلُّ شَیْ‌ءٍ هالِکٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُکْمُ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (88)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 333
سورة القصص «1» سورة القصص «2» مکیة «3».
______________________________
(1) المقصود الإجمالی لسورة القصص ما یأتی:
بیان ظلم فرعون بنی إسرائیل، و ولادة موسی، و محبة آسیة له، ورد موسی علی أمه، و حدیث القبطی، و الإسرائیلی، و هجرة موسی من مصر إلی مدین، و سقیه لبنات شعیب، و استئجار شعیب موسی، و خروج موسی من مدین و ظهور آثار النبوة الید البیضاء، و قلب العصا، و إمداد اللّه- تعالی- له بأخیه هارون، و حیلة هامان فی معارضة موسی، و إخبار اللّه- تعالی- عما جری فی الطور، و مدح مؤمنی أهل الکتاب، و قصة إهلاک القرون الماضیة و مناظرة المشرکین یوم القیامة، و اختیار اللّه- تعالی- ما شاء، و إقامة البرهان علی وجود الحق، و وعد الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- بالرجوع إلی مکة و بیان أن کل ما دون الحق فهو فی عرضه الفناء و الزوال، و أن زمام الحکم بیده- تعالی- فی قوله «... کُلُّ شَیْ‌ءٍ هالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُکْمُ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ» سورة القصص: 88.
(2) فی نسخة ز، بدأ سورة القصص:
حدثنا محمد بن هانی، قال حدثنا أبو القاسم الحسین بن میمون قال: حدثنا أبو صالح الهذیل بن حبیب فقال: حدثنا مقاتل بن سلیمان قال:- سورة القصص مکیة، و فیها من المدنی «الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ ...» إلی قوله: «... سَلامٌ عَلَیْکُمْ لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ» و فیها آیة لیست بمکیة و لا مدنیة «إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ» نزلت بالحجفة قبل الهجرة.
(3) فی أ زیادة: «إلا آیتان»، و هو خطأ، و صوابه «إلا آیتین».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 334
و فیها من المدنی «الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ یُؤْمِنُونَ ...» إلی قوله «... سَلامٌ عَلَیْکُمْ لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ» «1».
و فیها آیة لیست بمکیة و لا مدنیة قوله: «إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ ...» «2» نزلت بالحجفة أثناء الهجرة «3».
و عدد آیاتها ثمان و ثمانون آیة کوفیة «4».
______________________________
(1) یشیر إلی أربع آیات هی الآیات: 52، 53، 54، 55. من سورة القصص، و المثبت من ل.
و فی أ: سورة القصص مکیة إلا آیتان فإنهما مدنیتان و هما قوله- تعالی-: «الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ ...» إلی قوله «... الْجاهِلِینَ».
(2) سورة القصص: 85.
(3) فی ل: نزلت بالحجفة قبل الهجرة.
و فی المصحف (28) سورة القصص مکیة.
إلا من آیة 52 إلی غایة 55 فمدنیة، و آیة 85 فبالحجفة أثناء الهجرة و آیاتها 88 نزلت بعد النمل.
(4) فی أ: و عدد آیاتها ستة و ثمانون آیة کوفیة باتفاق.
أقول: و هذا خطأ لفظا و معنی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 335
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ طسم 1- تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ یعنی القرآن الْمُبِینِ 2- یعنی بین ما فیه نَتْلُوا عَلَیْکَ یعنی نقرأ علیک یا محمد مِنْ نَبَإِ یعنی من حدیث مُوسی وَ فِرْعَوْنَ اسمه فیطوس بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 3- یعنی یصدقون بالقرآن، ثم أخبر عن فرعون فقال- سبحانه-: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا یعنی تعظم فِی الْأَرْضِ یعنی أرض مصر وَ جَعَلَ أَهْلَها یعنی أهل مصر شِیَعاً یعنی أحزابا یَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ یعنی من أهل مصر یستضعف بنی إسرائیل یُذَبِّحُ یعنی یقتل أَبْناءَهُمْ یعنی أبناء بنی إسرائیل وَ یَسْتَحْیِی نِساءَهُمْ یقول و یترک بناتهم فلا یقتلهن و کان جمیع من قتل من بنی إسرائیل ثمانیة «1» عشر طفلا إِنَّهُ یعنی فرعون کانَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ 4- یعنی کان یعمل فی الأرض بالمعاصی یقول اللّه- عز و جل-: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَ یقول نرید أن ننعم عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا یعنی بنی إسرائیل حین أنجاهم من آل فرعون فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً یعنی قادة فی الخیر یقتدی بهم فی الخیر وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ 5- لأرض مصر بعد هلاک فرعون وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ یعنی
______________________________
(1) فی أ: ثمانیة، ز: ثمانیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 336
فی أرض مصر وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما القبط مِنْهُمْ یعنی من بنی إسرائیل ما کانُوا یَحْذَرُونَ 6- من مولود بنی إسرائیل إن یکون هلاکهم فی سببه و هو موسی- صلی اللّه علیه و سلم- و ذلک أن الکهنة أخبروا فرعون أنه یولد فی هذه السنة مولود فی بنی إسرائیل یکون هلاکک «1» فی سببه فجعل فرعون علی نساء بنی إسرائیل قوابل من نساء أهل مصر «و أمرهنّ» «2» أن یقتلن کل مولود ذکر یولد من بنی إسرائیل مخافة ما بلغه «3» فلم یزل اللّه- عز و جل- بلطفه یصنع لموسی- علیه السلام- حتی نزل بآل فرعون من الهلاک [63 ب ما کانوا یحذرون، و ملک فرعون أربعمائة سنة و ستة و أربعین سنة، وَ أَوْحَیْنا إِلی أُمِّ مُوسی و اسمها یو کابد «4» من ولد لاوی «5» بن یعقوب أَنْ أَرْضِعِیهِ فأمرها جبریل- علیه السلام- بذلک فَإِذا خِفْتِ عَلَیْهِ القتل و کانت أرضعته ثلاثة أشهر و کان خوفها أنه کان یبکی من قلة اللبن فیسمع الجیران بکاء الصبی، فقال: «فإذا خفت علیه» فَأَلْقِیهِ فِی الْیَمِ یعنی فی البحر و هو بحر النیل. فقالت:
رب، إنی قد علمت أنک قادر علی ما تشاء، و لکن کیف لی أن ینجو صبی صغیر من عمق البحر و بطون الحیتان. فأوحی اللّه- عز و جل- إلیها أن تجعله فی التابوت،
______________________________
(1) کذا فی أ، ل، ف.
(2) «و أمرهن»: من ف، و لیست فی أ.
(3) من ف، و الجملة مضطربة فی أ.
(4) فی أ، ز: یوخاند، ف: یوکابد.
(5) فی أ: لاویة، ز: لاوی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 337
ثم تقذفه فی الیم، فإنی أو کل به ملک یحفظه فی الیم، فصنع لها التابوت حزقیل القبطی، و وضعت موسی فی التابوت، ثم ألقته فی البحر یقول اللّه- عز و جل-:
وَ لا تَخافِی علیه الضیعة وَ لا تَحْزَنِی علیه القتل «1» إِنَّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِینَ 7- إلی أهل مصر فصدقت، بذلک ففعل اللّه- عز و جل- ذلک به، و بارک اللّه- تعالی- علی موسی- علیه السلام- و هو فی بطن أمه ثلاثمائة و ستین برکة، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ من البحر من بین الماء و الشجر و هو فی التابوت، فمن ثم سمی موسی، بلغة القبط الماء: مو، و الشجر: سی، فسموه موسی، ثم قال- تعالی-: لِیَکُونَ لَهُمْ عَدُوًّا فی الهلاک وَ حَزَناً یعنی و غیظا فی قتل الأبکار، فذلک قوله- عز و جل- «وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ» «2» لقتلهم أبکارنا، ثم قال- سبحانه-: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما کانُوا خاطِئِینَ 8- وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ و اسمها آسیة بنت مزاحم- علیها السلام: قُرَّتُ عَیْنٍ لِی وَ لَکَ لا تَقْتُلُوهُ فإنا أتینا به من أرض أخری، و لیس من بنی إسرائیل عَسی أَنْ یَنْفَعَنا فنصیب منه خیرا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً یقول اللّه- عز و جل-: وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 9- أن هلاکهم فی سببه وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسی فارِغاً إِنْ کادَتْ لَتُبْدِی بِهِ و ذلک أنها رأت التابوت یرفعه موج و یضعه آخر، فخشیت علیه الغرق، فکادت تصیح شفقة علیه، فذلک قوله- عز و جل-: «إن کادت لتبدی به» یقول إن همت لتشعر أهل مصر بموسی- علیه السلام- أنه ولدها لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلی قَلْبِها بالإیمان لِتَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 10- یعنی
______________________________
(1) کذا فی أ، ز، و المراد و لا تحزنی علیه من القتل.
(2) سورة الشعراء: 55.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 338
من المصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- حین قال لها: «إِنَّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِینَ» وَ قالَتْ أم موسی: لِأُخْتِهِ یعنی أخت موسی لأبیه و أمه، و اسمها مریم قُصِّیهِ یعنی قصی أثره فی البحر «1» و هو فی التابوت یجری فی الماء حتی تعلمی علمه من یأخذه فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ یعنی کأنها مجانبة له بعیدا من أن ترقبه کقوله- تعالی-: «... وَ الْجارِ الْجُنُبِ ...» «2» یعنی بعیدا منهم من قوم آخرین و عینها إلی التابوت معرضة بوجهها [64 أ] عنه إلی غیره وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 11- أنها ترقبه وَ حَرَّمْنا عَلَیْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ أن یصیر إلی أمه، و ذلک أنه لم یقبل ثدی امرأة فَقالَتْ أخته مریم هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلی أَهْلِ بَیْتٍ یَکْفُلُونَهُ لَکُمْ یعنی یضمنون لکم رضاعه وَ هُمْ لَهُ للولد ناصِحُونَ 12- هم أشفق علیه و أنصح له من غیره فأرسل إلیها «3» فجاءت فلما وجد الصبی ریح أمه قبل ثدیها، فذلک قوله- عز و جل-: فَرَدَدْناهُ إِلی أُمِّهِ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ لقوله: «إِنَّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِینَ» «4» ثم قال- تعالی-: وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ یعنی أهل مصر لا یَعْلَمُونَ 13- بأن وعد اللّه- عز و جل- حق وَ لَمَّا بَلَغَ موسی أَشُدَّهُ یعنی ثمانی عشرة سنة وَ اسْتَوی یعنی أربعین سنة «5» آتَیْناهُ حُکْماً وَ عِلْماً یقول أعطیناه علما و فهما وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ 14- یقول هکذا نجزی من أحسن
______________________________
(1) فی أ: الجد، و فی ف، الحد، و فی ز: البحر.
(2) سورة النساء: 36.
(3) کذا فی أ، ز، ف، و الضمیر عائد علی الأم و إن لم یسبق ذکرها لفظا، و الأنسب فأرسل إلی أمه.
(4) سورة القصص: 7.
(5) من أ، ل، و فی ز: «وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ» لثمان عشرة سنة إلی أربعین سنة «و استوی» ابن ثلاثین سنة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 339
یعنی من آمن باللّه- عز و جل- و کان بقریة تدعی خانین «1» علی رأس فرسخین فأتی المدینة فدخلها نصف النهار، فذلک قوله- عز و جل-: وَ دَخَلَ الْمَدِینَةَ یعنی القریة عَلی حِینِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها یعنی نصف النهار وقت القائلة فَوَجَدَ فِیها رَجُلَیْنِ کافرین یَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِیعَتِهِ یعنی هذا من جنس موسی من بنی إسرائیل وَ هذا الآخر مِنْ عَدُوِّهِ من القبط «فاستغثه الّذی من شیعته علی الّذی من عدوّه» «2» فَوَکَزَهُ مُوسی بکفه مرة واحدة فَقَضی عَلَیْهِ الموت، و کان موسی- علیه السلام- شدید البطش «3» ثم ندم موسی- علیه السلام- فقال: إنی لم أومر بالقتل قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ یعنی من تزیین الشیطان إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِینٌ 15- قالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی یعنی أضررت نفسی بقتل النفس فَاغْفِرْ لِی فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ 16- بخلقه قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَیَ یقول إذ أنعمت علی بالمغفرة فلم تعاقبنی بالقتل فَلَنْ أعود أن أَکُونَ ظَهِیراً لِلْمُجْرِمِینَ 17- یعنی معینا للکافرین فیما بعد الیوم لأن الذی نصره «4» موسی کان کافرا فَأَصْبَحَ موسی من الغد «فِی الْمَدِینَةِ» «5» خائِفاً یَتَرَقَّبُ یعنی ینتظر الطلب فَإِذَا الَّذِی اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ یَسْتَصْرِخُهُ یعنی یستغیثه ثانیة علی رجل آخر کافر من القبط قالَ لَهُ مُوسی للذی نصره بالأمس: الإسرائیلی:
______________________________
(1) فی أ، ز: خانین.
(2) ما بین القوسین «...»: ساقط من أن، ل، ز.
(3) فی أ، زیادة: ابن ثلاثین سنة، و لیست فی ز.
(4) فی أ: نصر، ز، ف، نصره.
(5) «فی المدینة»: ساقطة من أ، ل، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 340
إِنَّکَ لَغَوِیٌّ مُبِینٌ 18- یقول إنک لمضل مبین قتلت أمس فی سببک رجلا فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ یَبْطِشَ الثانیة بالقبطی بِالَّذِی هُوَ عَدُوٌّ لَهُما یعنی عدوا لموسی و عدوا للإسرائیلی، ظن الإسرائیلی أن موسی یرید أن یبطش به لقول موسی له: «إنک لغوی مبین» قالَ الإسرائیلی: یا مُوسی أَ تُرِیدُ أَنْ تَقْتُلَنِی کَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِیدُ یعنی ما ترید إِلَّا أَنْ تَکُونَ جَبَّاراً یعنی قتالا فِی الْأَرْضِ مثل سیرة الجبابرة «1» القتل فی غیر حق [64 ب وَ ما تُرِیدُ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْمُصْلِحِینَ 19- یعنی من المطیعین للّه- عز و جل- فی الأرض و لم یکن أهل مصر علموا بالقاتل حتی أفشی الإسرائیلی علی موسی فلما سمع القبطی بذلک انطلق فأخبرهم أن موسی هو القاتل فائتمروا بینهم بقتل موسی وَ جاءَ رَجُلٌ فجاء حزقیل بن صابوث القبطی- و هو المؤمن- مِنْ أَقْصَی الْمَدِینَةِ یعنی أقصی القریة یَسْعی علی رجلیه ف قالَ یا مُوسی إِنَّ الْمَلَأَ من أهل مصر یَأْتَمِرُونَ بِکَ لِیَقْتُلُوکَ بقتلک القبطی فَاخْرُجْ من القریة إِنِّی لَکَ مِنَ النَّاصِحِینَ 20- فَخَرَجَ موسی- علیه السلام- مِنْها من القریة خائِفاً أن یقتل یَتَرَقَّبُ یعنی ینتظر الطلب و هو هارب منهم قالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ 21- یعنی المشرکین أهل مصر فاستجاب اللّه- عز و جل- له فأتاه جبریل- علیه السلام- فأمره أن یسیر تلقاء مدین و أعطاه العصا فسار من مصر إلی مدین فی عشرة أیام بغیر دلیل، فذلک قوله- عز و جل-: وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْیَنَ بغیر دلیل خشی أن یضل الطریق قالَ عَسی رَبِّی أَنْ یَهْدِیَنِی سَواءَ السَّبِیلِ 22-
______________________________
(1) فی أ: الجبابرین، و فی ز: الجبابرة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 341
یعنی یرشدنی قصد الطریق إلی مدین فبلغ مدین، فذلک قوله- تعالی-: وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْیَنَ ابن إبراهیم خلیل الرحمن لصلبه- علیهم السلام-، و کان الماء لمدین فنسب إلیه، ثم قال: وَجَدَ عَلَیْهِ أُمَّةً یقول یقول وجد موسی علی الماء جماعة مِنَ النَّاسِ یَسْقُونَ أغنامهم وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَیْنِ تَذُودانِ یعنی حابستین الغنم لتسقی «1» فضل ماء الرعاء «2» و هما ابنتا شعیب النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و اسم الکبری صبورا و اسم الصغری عبرا «3» و کانتا توأمتین «4» فولدت الأولی قبل الأخری بنصف نهار قالَ لهما موسی: ما خَطْبُکُما یعنی ما أمرکما قالَتا لا نَسْقِی الغنم حَتَّی یُصْدِرَ الرِّعاءُ بالغنم راجعة من الماء إلی الرعی فنسقی فضلتهم وَ أَبُونا شَیْخٌ کَبِیرٌ- 23- لا یستطیع أن یسقی الغنم من الکبر فقال لهما موسی- علیه السلام-: أین الماء؟ فانطلقا به إلی الماء فإذا الحجر علی رأس البئر لا یزیله إلا عصابة من الناس فرفعه موسی- علیه السلام- وحده بیده، ثم أخذه الدلو فأدلی دلوا واحدا فأفرغه فی الحوض ثم دعا بالبرکة. فَسَقی لَهُما الغنم فرویت ثُمَّ تَوَلَّی یعنی انصرف إِلَی الظِّلِ ظل شجرة فجاس تحتها من شدة الحر و هو جائع فَقالَ رَبِّ إِنِّی لِما أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ- 24- یعنی إلی الطعام، فرجعت الکبیرة إلی موسی لتدعوه، فذلک قوله- عز و جل-: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما یعنی الکبری تَمْشِی عَلَی اسْتِحْیاءٍ یعنی علی حیاء [65 أ] و هی التی تزوجها موسی- علیه السلام-،
______________________________
(1) فی ز: لتسقی، و فی أ: لتسقین.
(2) فی أ: الرعاء، و فی ز: الرعی.
(3) فی أ: محبرا، و فی ز، ل، ف: عبرا.
(4) فی أ: توأمین، و فی ز: توأمتین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 342
قالَتْ إِنَّ أَبِی یَدْعُوکَ لِیَجْزِیَکَ أَجْرَ ما سَقَیْتَ لَنا و بین موسی و بین أبیها ثلاثة أمیال فلو لا الجوع الذی أصابه ما اتبعها، فقام یمشی معها، ثم أمرها أن تمشی خلفه و تدله بصوتها علی الطریق کراهیة أن ینظر إلیها و هما علی غیر جادة یقول فَلَمَّا جاءَهُ
فلما أتی موسی شعیبا- علیهما السلام- وَ قَصَّ عَلَیْهِ یعنی علی شعیب الْقَصَصَ الذی کان من أمره أجمع، أمر القوابل اللائی قتلن «1» أولاد بنی إسرائیل، و حین ولد و حین قذف فی التابوت فی الیم، ثم المراضع بعد التابوت حتی أخبره بقتل الرجل من القبط. «قالَ» «2» له شعیب: لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ 25- یعنی المشرکین قالَتْ إِحْداهُما و هی الکبری یا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَیْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ یقول إن الذی استأجرت هو الْقَوِیُّ الْأَمِینُ 26- قال شعیب لابنته: من أین علمت قوته؟ و أمانته؟ قال: أزال الحجر وحده عن رأس البئر و کان لا یطیقه إلا رجال، و ذکرت أنه أمرها «3» أن تمشی خلفه کراهیة أن ینظر إلیها ف قالَ شعیب لموسی- علیهما السلام-: إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أُنْکِحَکَ إِحْدَی ابْنَتَیَ یعنی أن أزوجک إحدی ابنتی هاتَیْنِ عَلی أَنْ تَأْجُرَنِی نفسک ثَمانِیَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ «عَشْراً یعنی عشر سنین» «4» فَمِنْ عِنْدِکَ وَ ما أُرِیدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَیْکَ فی العشر سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِینَ 27- یعنی من الرافقین بک، کقول موسی «5» لأخیه هارون: «... اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَ أَصْلِحْ ...» «6»
______________________________
(1) فی أ: القوابل التی قتلوا، و فی ز: القوابل الذین قتلوا. أ ه و الأنسب: القوابل اللائی قتلن.
(2) فی أ: «قال». و فی حاشیة أ: فی الأصل یقول، و فی ز: یقول.
(3) من ز و لیست فی أ.
(4) فی أ: «عشرا» سنین، و فی ز: (عشر أ] یعنی عشر سنین.
(5) من ز، فی أ: کقوله لموسی.
(6) سورة الأعراف: 142.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 343
یعنی و ارفق بهم، فی سورة الأعراف قال موسی: ذلِکَ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ أَیَّمَا الْأَجَلَیْنِ قَضَیْتُ ثمانی «1» سنین أو عشر سنین فَلا عُدْوانَ یعنی فلا سهیل عَلَیَّ وَ اللَّهُ عَلی ما نَقُولُ وَکِیلٌ 28- یعنی شهید فیما بیننا، کقوله- عز و جل-:
«... وَ کَفی بِاللَّهِ وَکِیلًا» «2» یعنی شهیدا فأتم موسی- علیه السلام- عشر سنین علی أن یزوج ابنته الکبری اسمها صبورا بنت شعیب بن نویب «3» بن مدین بن إبراهیم فَلَمَّا قَضی مُوسَی الْأَجَلَ السنین العشر وَ سارَ بِأَهْلِهِ لیلة الجمعة آنَسَ یعنی رأی مِنْ جانِبِ یعنی من ناحیة الطُّورِ یعنی الجبل ناراً و هو النور بأرض المقدسة «4» ف قالَ لِأَهْلِهِ امْکُثُوا مکانکم إِنِّی آنَسْتُ ناراً یقول إنی رأیت نارا لَعَلِّی آتِیکُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أین الطریق و کان قد تحیر لیلا، فإن لم أجد من یخبرنی «أَوْ جَذْوَةٍ» «5» یعنی آتیکم بشعلة و هو عود قد احترق بعضه «مِنَ النَّارِ» «6» لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تَصْطَلُونَ 29- من البرد، فترک موسی- علیه السلام- امرأته و ولده فی البریة بین مصر و مدین، ثم استقام فذهب بالرسالة [65 ب فأقامت امرأته مکانها ثلاثین سنة فی البریة مع ولدها و غنمها، فمر بها راع «7» فعرفها و هی حزینة تبکی فانطلق بها إلی أبیها فَلَمَّا أَتاها أتی النار نُودِیَ لیلا مِنْ شاطِئِ یعنی من جانب یعنی من ناحیة الْوادِ الْأَیْمَنِ
______________________________
(1) فی الأصل: ثمانی.
(2) سورة النساء الآیات 81، 132، 171.
(3) فی أ: بویب، و فی ز: نویب.
(4) فی الأصل: بأرض المقدسة.
(5) «أو جذوة»: ساقطة من أ، ز.
(6) «من النار»: ساقطة من أ، ز.
(7) فی أ، و فی ز: راعی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 344
یعنی یمین الجبل فِی الْبُقْعَةِ الْمُبارَکَةِ و المبارکة لأن اللّه- عز و جل- کلم موسی- علیه السلام- فی تلک البقعة نودی مِنَ الشَّجَرَةِ و هی هو سجة و کان حول العوسجة شجر الزیتون فنودی أَنْ یا مُوسی فی التقدیم إِنِّی أَنَا اللَّهُ الذی نادیتک رَبُّ الْعالَمِینَ 30- هذا کلامه- عز و جل- لموسی- علیه السلام- وَ أَنْ أَلْقِ عَصاکَ و هی ورق الاس أس الجنة من یدک فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ تحرک کَأَنَّها جَانٌ یقول کأنها حیة لم تزل.
قال الهذیل عن غیر مقاتل «کأنها جان» یعنی شیطان وَلَّی مُدْبِراً من الرهب من الحیة یعنی من الخوف فیها تقدیم وَ لَمْ یُعَقِّبْ یعنی و لم یرجع، قال- سبحانه-:
«یا مُوسی «1» أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ من الحیة إِنَّکَ مِنَ الْآمِنِینَ 31- من الحیة اسْلُکْ یعنی ادخل یَدَکَ الیمنی فِی جَیْبِکَ فجعلها فی جیبه من قبل الصدر و هی مدرعة من صوف مضربة «2» تَخْرُجْ یدک من الجیب بَیْضاءَ مِنْ غَیْرِ سُوءٍ یعنی من غیر برص لها شعاع کشعاع الشمس یغشی «3» البصر وَ اضْمُمْ إِلَیْکَ جَناحَکَ یعنی عضدک من یدک «مِنَ الرَّهْبِ» «4» فَذانِکَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّکَ یعنی آیتین من ربک یعنی الید و العصا إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ 32- یعنی عاصین قالَ رَبِّ إِنِّی قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ یَقْتُلُونِ 33- وَ أَخِی هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّی لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِی رِدْءاً یعنی عونا لکی یُصَدِّقُنِی و هارون یومئذ بمصر لکی یصدقنی فرعون
______________________________
(1) فی أ، ز: لموسی.
(2) فی أ،: مضربة، و فی ز: مصربة، و فی حاشیة ز: مضربة.
(3) فی أ: تغشی، و فی ز: یعشی.
(4) «مِنَ الرَّهْبِ»: ساقط من أ، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 345
إِنِّی أَخافُ أَنْ یُکَذِّبُونِ 34- قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأَخِیکَ یعنی ظهرک بأخیک هارون وَ نَجْعَلُ لَکُما سُلْطاناً یعنی حجة بآیاتنا یعنی الید و العصا فیها تقدیم فَلا یَصِلُونَ إِلَیْکُما بقتل یعنی فرعون و قومه لقولهما فی طه: «إِنَّنا نَخافُ أَنْ یَفْرُطَ عَلَیْنا» بالقتل «أَوْ أَنْ یَطْغی «1»، فذلک قوله- سبحانه-: «فلا یصلون إلیکما» بِآیاتِنا «2» أنتما وَ مَنِ اتَّبَعَکُمَا الْغالِبُونَ 35- فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسی بِآیاتِنا الید و العصا بَیِّناتٍ یعنی واضحات التی فی طه «3» و الشعراء «4» قالُوا ما هذا الذی جئت به یا موسی إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَریً افتریته یا موسی، أنت تقولته و هارون وَ قالوا:
ما سَمِعْنا بِهذا فِی آبائِنَا الْأَوَّلِینَ 36- یعنی الید و العصا وَ لما کذبوه بما جاء به [66 أ] قالَ مُوسی رَبِّی أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدی مِنْ عِنْدِهِ فإنی جئت بالهدی من عند اللّه- عز و جل- وَ هو أعلم ب مَنْ تَکُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ یعنی دار الجنة ألنا أولکم. ثم قال: إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 37- فی الآخرة لا یفوز المشرکون یعنی لا یسعدون وَ قالَ فِرْعَوْنُ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ یعنی الأشراف من قومه ما عَلِمْتُ لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرِی هذا القول من فرعون کفر فَأَوْقِدْ لِی یا هامانُ عَلَی الطِّینِ فَاجْعَلْ لِی صَرْحاً یقول أوقد النار علی الطین حتی یصیر اللبن أجرا و کان فرعون أول من طبخ الأجر و بناء «فاجعل لی صرحا» یعنی قصرا طویلا لَعَلِّی أَطَّلِعُ إِلی إِلهِ مُوسی فبنی
______________________________
(1) سورة طه: 45.
(2) «بآیاتنا»: ساقطة من أ، ز، و فیهما (فلا یصلون إلیکما) بقتل.
(3) سورة طه: 70 «فَأُلْقِیَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَ مُوسی .
(4) سورة الشعراء: 45 «فَأَلْقی مُوسی عَصاهُ فَإِذا هِیَ تَلْقَفُ ما یَأْفِکُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 346
و کان «ملاطه» «1» خبث القواریر «فکان» «2» الرجل لا یستطیع القیام علیه «3» مخافة أن تنسفه الریح، ثم قال فرعون: «فَأَطَّلِعَ إِلی إِلهِ مُوسی وَ إِنِّی لَأَظُنُّهُ یقول إنی لأحسب موسی مِنَ الْکاذِبِینَ 38- بما یقول إن فی السماء إلها «وَ اسْتَکْبَرَ» «4» فرعون هُوَ وَ جُنُودُهُ عن الإیمان فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِ یعنی بالمعاصی وَ ظَنُّوا یقول و حسبوا أَنَّهُمْ إِلَیْنا لا یُرْجَعُونَ 39- أحیاء بعد الموت فی الآخرة، یقول اللّه- عز و جل-: فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِی الْیَمِ یعنی فقذفناهم فی نهر النیل الذی بمصر فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِینَ 40- یعنی المشرکین أهل مصر کان عاقبتهم الغرق وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یعنی قادة فی الشرک یَدْعُونَ إِلَی النَّارِ یعنی یدعون إلی الشرک و جعل فرعون و الملأ قادة فی الشرک، و أتبعناهم أهل مصر وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ لا یُنْصَرُونَ 41- یعنی لا یمنعون من العذاب وَ أَتْبَعْناهُمْ فِی هذِهِ الدُّنْیا لَعْنَةً یعنی الغرق وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ فی النار هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِینَ 42- وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَکْنَا بالعذاب فی الدنیا الْقُرُونَ الْأُولی یعنی نوحا و عادا و ثمود و قوم إبراهیم و قوم لوط و قوم شعیب و غیرهم کانوا قبل موسی، ثم قال- عز و جل-: بَصائِرَ لِلنَّاسِ یقول فی هلاک الأمم الخالیة بصیرة لبنی إسرائیل وَ هُدیً یعنی التوراة هدی من الضلالة لمن عمل بها وَ رَحْمَةً لمن آمن «5» بها من العذاب لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَتَذَکَّرُونَ 43- فیؤمنوا
______________________________
(1) الملاط: بالمیم هو ما یطلی به من نحو الجص. للکاتب، من حاشیة أ.
(2) فی أ: فکان، و فی ز: و کان.
(3) فی أ زیادة: من طوله.
(4) فی أ: فاستکبر.
(5) فی أ: به.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 347
بتوحید اللّه- عز و جل- وَ ما کُنْتَ یا محمد بِجانِبِ یعنی بناحیة کقوله- عز و جل-: «... جانِبَ الْبَرِّ ...» «1» یعنی ناحیة البر الْغَرْبِیِ بالأرض المقدسة «2»، «و الغربی» یعنی غربی الجبل حیث تغرب الشمس إِذْ قَضَیْنا إِلی مُوسَی الْأَمْرَ [66 ب یقول إذ عهدنا إلی موسی الرسالة إلی فرعون و قومه وَ ما کُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِینَ 44- لذلک الأمر وَ لکِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً یعنی خلفنا قرونا فَتَطاوَلَ عَلَیْهِمُ الْعُمُرُ وَ ما کُنْتَ ثاوِیاً یعنی شاهدا فِی أَهْلِ مَدْیَنَ تَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِنا یعنی تشهد مدین فتقرأ علی أهل مکة أمرهم وَ لکِنَّا کُنَّا مُرْسِلِینَ 45- یعنی أرسلناک إلی أهل مکة لتخبرهم بأمر مدین وَ ما کُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ یعنی بناحیة من الجبل الذی کلم اللّه- عز و جل- علیه موسی- علیه السلام- إِذْ نادَیْنا یعنی إذ کلمنا موسی و آتیناه التوراة وَ لکِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ یقول و لکن القرآن رحمة یعنی نعمة من ربک النبوة اختصصت بها، إذ أوحینا إلیک أمرهم لتعرف کفار نبوتک، فذلک قوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً یعنی أهل مکة بالقرآن ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِیرٍ یعنی رسولا مِنْ قَبْلِکَ لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَتَذَکَّرُونَ 46- فیؤمنوا وَ لَوْ لا أَنْ تُصِیبَهُمْ مُصِیبَةٌ یعنی العذاب فی الدنیا بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ من المعاصی یعنی کفار مکة فَیَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ یعنی القرآن وَ نَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 47- یعنی المصدقین فیها تقدیم یقول لو لا أن یقولوا ربنا لو لا أرسلت إلینا رسولا فنتبع آیاتک و نکون من المؤمنین لأصابتهم مصیبة بما قدمت أیدیهم فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ یعنی
______________________________
(1) سورة الإسراء: 68.
(2) فی الأصل: بأرض المقدسة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 348
القرآن مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا یعنی هلا أُوتِیَ «مِثْلَ ما أُوتِیَ مُوسی «1» یعنی أعطی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- القرآن جملة مکتوبة کما أعطی موسی التوراة أَ وَ لَمْ یَکْفُرُوا بِما أُوتِیَ مُوسی مِنْ قَبْلُ قرآن محمد- صلی اللّه علیه و سلم- قالُوا سِحْرانِ «2» تَظاهَرا یعنون التوراة و القرآن و من قرأ «ساحران» یعنی موسی و محمدا «3»- صلی اللّه علیهما «تظاهرا» یعنی تعاونا علی الضلالة یقول صدق کل واحد منهما الآخر وَ قالُوا إِنَّا بِکُلٍّ کافِرُونَ 48- یعنی بالتوراة و بالقرآن لا نؤمن بهما، یقول اللّه- عز و جل- لمحمد- صلی اللّه علیه و سلم-: قُلْ لکفار مکة: فَأْتُوا بِکِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدی لأهله مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 49- بأنهما ساحران تظاهرا فَإِنْ لَمْ یَسْتَجِیبُوا لَکَ فإن لم یفعلوا: أن یأتوا بمثل التوراة و القرآن فَاعْلَمْ أَنَّما یَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ بغیر علم وَ مَنْ أَضَلُ یقول فلا أحد أضل مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَیْرِ هُدیً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ 50- إلی دینه- عز و جل- وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ یقول و لقد بینا لکفار مکة ما فی القرآن من الأمم الخالیة کیف عذبوا بتکذیبهم رسلهم لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَتَذَکَّرُونَ 51- فیخافوا فیؤمنوا الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یعنی أعطیناهم [67 أ] الإنجیل مِنْ قَبْلِهِ یعنی القرآن هُمْ بِهِ یُؤْمِنُونَ 52- یعنی هم بالقرآن مصدقون بأنه من اللّه- عز و جل- نزلت فی مسلمی
______________________________
(1) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ، ل، ز.
(2) فی أ: ساحران. و المثبت من ز.
(3) فی ز: و محمد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 349
أهل الإنجیل و هم أربعون رجلا «1» من أهل الإنجیل «2» أقبلوا مع جعفر بن أبی طالب- رضوان اللّه علیه- إلی المدینة، و ثمانیة قدموا من الشام بحیری، و أبرهة و الأشرف، و درید، و تمام، و أیمن، و إدریس، و نافع فنعتهم اللّه- عز و جل- فقال- سبحانه-: وَ إِذا یُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتنا «3» یقول و إذا قرئ علیهم القرآن قالُوا آمَنَّا بِهِ یعنی صدقنا بالقرآن إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا کُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِینَ 53- یقول إنا کنا من قبل هذا القرآن مخلصین للّه- عز و جل- بالتوحید، یقول اللّه- عز و جل-: أُولئِکَ یُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَیْنِ بِما صَبَرُوا أجرا بتمسکهم بالإسلام حین «4» أدرکوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- فآمنوا به، و أجرهم بالإیمان بالنبی- صلی اللّه علیه و سلم- «5»، فلما اتبعوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- شتمهم «6» کفار قومهم «7» فی متابعة النبی- صلی اللّه علیه و سلم-
______________________________
(1) فی أ: فهی أربعین رجلا، و فی ز: نزلت فی أربعین من أهل الإنجیل، و فی ل: فی أربعین رجلا.
(2) فی أ: الأنصار، ل: الإنجیل.
(3) ورد ذلک فی لباب النقول للسیوطی: 168.
(4) فی أ، ل: حین. و الأنسب حتی، و یؤید ذلک حدیث البخاری، ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الکتاب آمن بنبیه و آمن بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم.
و فی شرح العینی. أن هذا الرجل له أجران أجر بإیمانه بنبیه و تمسکه بالإیمان حتی بعث محمد و الأجر الثانی إیمانه بالنبی حین علم به.
(5) کذا فی أ، ل، و فی ز: «أُولئِکَ یُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَیْنِ بِما صَبَرُوا» یعنی بتمسکهم بالإسلام حین أدرکوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- فآمنوا به فسبهم کفار قومهم بمتابعتهم محمدا فصفحوا عنهم.
(6) فی ز: سبهم، و فی أ: شتمهم.
(7) فی أ: قومهم، و فی ل، ز: کفار قومهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 350
فصفحوا عنهم و ردوا معروفا فأنزل اللّه- عز و جل- وَ یَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ ما سمعوا من قومهم من الأذی وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال یُنْفِقُونَ 54- فی طاعة اللّه- عز و جل- وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ من قومهم یعنی من الشر و الشتم و الأذی أَعْرَضُوا عَنْهُ یعنی عن اللغو فلم یردوا علیهم مثل ما قیل لهم وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَکُمْ أَعْمالُکُمْ یعنی لنا دیننا و لکم دینکم، و ذلک حین عیروهم بترک دینهم، و قالوا لکفار قومهم: سَلامٌ عَلَیْکُمْ یقول ردوا علیهم معروفا لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ 55- یعنی لا نرید أن تکون مع أهل الجهل و السفه إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ و ذلک
أن أبا طالب بن عبد المطلب، قال: یا معشر بنی هاشم أطیعوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- و صدقوه تفلحوا و ترشدوا. قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-:
یا عم تأمرهم بالنصیحة لأنفسهم و تدعها لنفسک. قال: فما ترید یا بن أخی؟
قال: أرید منک کلمة واحدة فإنک فی آخر یوم من الدنیا، أن تقول لا إله إلا اللّه، أشهد لک بها عند اللّه- عز و جل- قال: یا بن أخی قد علمت أنک صادق، و لکنی أکره أن یقال جزع عند الموت و لو لا أن یکون علیک و علی بنی أبیک غضاضة و سبة لقلتها، و لأقررت بعینک «1» عند الفراق لما أری من شدة وجدک و نصیحتک، و لکن سوف أموت علی ملة أشیاخ عبد المطلب و هاشم و عبد مناف فأنزل اللّه- عز و جل-: «إنک» [67 ب یا محمد «لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ» إلی الإسلام وَ لکِنَّ اللَّهَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ
- 56- یقول و هو أعلم بمن قدر له الهدی وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدی مَعَکَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا
______________________________
(1) کذا فی أ، ز، ل. و الأنسب و لأقررت عینک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 351
نزلت فی الحارث بن نوفل بن عبد مناف القرشی، و ذلک أنه قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: إنا لنعلم «أن» «1» الذی تقول حق و لکنا یمنعنا أن نتبع الهدی معک مخافة أن یتخطفنا العرب من أرضنا یعنی مکة فإنما نحن أکلة رأس للعرب و لا طاقة لنا بهم، یقول اللّه- تعالی-: أَ وَ لَمْ نُمَکِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً یُجْبی إِلَیْهِ یحمل إلی الحرم ثَمَراتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ یعنی بکل شی‌ء من ألوان الثمار رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا یعنی من عندنا وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ یعنی أهل مکة لا یَعْلَمُونَ 57- یقول هم یأکلون رزقی و یعبدون غیری و هم آمنون فی الحرم من القتل و السبی فکیف یخافون لو أسلموا أن لا یکون ذلک لهم، نجعل لهم الحرم آمنا فی الشرک و نخوفهم فی الإسلام؟ فإنا لا نفعل ذلک بهم لو أسلموا، ثم خوفهم- عز و جل- فقال- سبحانه-: وَ کَمْ أَهْلَکْنا مِنْ قَرْیَةٍ بَطِرَتْ مَعِیشَتَها یقول بطروا و أشروا یتقلبون فی رزق اللّه- عز و جل- فلم یشکروا اللّه- تعالی- فی نعمه فأهلکهم بالعذاب فَتِلْکَ مَساکِنُهُمْ لَمْ تُسْکَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ یعنی من بعد هلاک أهلها إِلَّا قَلِیلًا من المساکن فقد یسکن فی بعضها وَ کُنَّا نَحْنُ الْوارِثِینَ 58- لما خلفوا من بعد هلاکهم یخوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة حین قالوا: إنا نتخوف أن نتخطف من مکة، ثم قال اللّه- عز و جل-: وَ ما کانَ رَبُّکَ مُهْلِکَ الْقُری یعنی معذب أهل القری الخالیة «2» حَتَّی «یَبْعَثَ» «3» فِی أُمِّها رَسُولًا یعنی فی أکبر تلک القری رسولا و هی مکة یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِنا یقول یخبرهم
______________________________
(1) «أن»: زیادة اقتضاها السباق.
(2) من ز، و فی أ: القری. الأمم الخالیة.
(3) فی أ: نبعث.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 352
الرسول بالعذاب بأنه نازل بهم فی الدنیا إن لم یؤمنوا وَ ما کُنَّا مُهْلِکِی الْقُری یعنی معذبی أهل القری فی الدنیا إِلَّا وَ أَهْلُها ظالِمُونَ 59- یقول إلا و هم «مذنبون» «1» یقول لم نعذب علی غیر ذنب وَ ما أُوتِیتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ یقول و ما أعطیتم من خیر یعنی به کفار مکة فَمَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ زِینَتُها یقول تمتعون فی أیام حیاتکم، فمتاع الحیاة الدنیا و زینتها إلی فناء وَ ما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب خَیْرٌ وَ أَبْقی یعنی أفضل و أدوم لأهله مما أعطیتم فی الدنیا أَ فَلا «تَعْقِلُونَ» «2»- 60- أن الباقی خیر من الفانی الذاهب أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ یعنی أ فمن وعده اللّه- عز و جل- یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی الدنیا وَعْداً حَسَناً [68 أ] یعنی الجنة فَهُوَ لاقِیهِ فهو معاینه یقول مصیبه کَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَیاةِ الدُّنْیا بالمال ثُمَّ هُوَ یَوْمَ الْقِیامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِینَ 61- النار یعنی أبا جهل بن هشام- لعنه اللّه- لیسا بسواء، نظیرها فی الأنعام وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ یعنی کفار مکة فَیَقُولُ أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ 62- فی الدنیا أن معی شریکا قالَ الَّذِینَ حَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ یعنی وجب علیهم کلمة العذاب و هم الشیاطین، حق علیهم القول یوم قال اللّه- تعالی ذکره- لإبلیس «... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکُمْ أَجْمَعِینَ» «3» فقالت الشیاطین فی الآخرة رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِینَ أَغْوَیْنا أَغْوَیْناهُمْ کَما غَوَیْنا یعنون کفار بنی آدم یعنی هؤلاء الذین أضللناهم کما ضللنا تَبَرَّأْنا إِلَیْکَ منهم یا رب ما کانُوا إِیَّانا یَعْبُدُونَ 63- فتبرأت الشیاطین ممن کان یعبدها وَ قِیلَ لکفار
______________________________
(1) فی أ: یذنبون، و فی ز: مذنبون.
(2) فی أ: «یعقلون».
(3) سورة الأعراف: 18.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 353
بنی آدم ادْعُوا شُرَکاءَکُمْ یقول سلوا الآلهة: أهم الآلهة؟ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُمْ یقول سألوهم فلم تجبهم الالهة نظیرها فی الکهف یقول اللّه- تعالی-: وَ رَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ کانُوا یَهْتَدُونَ 64- من الضلالة یقول لو أنهم کانوا مهتدین فی الدنیا ما رأوا العذاب فی الآخرة وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ یقول و یوم یسألهم یعنی کفار مکة یسألهم اللّه- عز و جل- فَیَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِینَ 65- فی التوحید فَعَمِیَتْ عَلَیْهِمُ الْأَنْباءُ یعنی الحجج یَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا یَتَساءَلُونَ 66- یعنی لا یسأل بعضهم بعضا عن الحجج لأن اللّه- تعالی- ادحض حجتهم و أکل ألسنتهم، فذلک قوله- تعالی-:
«فَعَمِیَتْ عَلَیْهِمُ الْأَنْباءُ یَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا یَتَساءَلُونَ» فَأَمَّا مَنْ تابَ من الشرک وَ آمَنَ یعنی و صدق بتوحید اللّه- عز و جل- وَ عَمِلَ صالِحاً فَعَسی و العسی من اللّه- عز و جل- واجب أَنْ یَکُونَ مِنَ الْمُفْلِحِینَ 67- وَ رَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَ یَخْتارُ و ذلک أن الولید قال فی «حم» الزخرف:
«... لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلی رَجُلٍ مِنَ الْقَرْیَتَیْنِ عَظِیمٍ» «1» یعنی نفسه و أبا مسعود الثقفی، فذلک قوله- سبحانه-: «و یختار» أی للرسالة «2» و النبوة من یشاء فشاء- جل جلاله- أن یجعلها فی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و لیست النبوة و الرسالة بأیدیهم و لکنها بید اللّه- عز و جل-، ثم قال- سبحانه-:
ما کانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ من أمرهم ثم نزه نفسه- تبارک و تعالی- عن قول الولید حین قال: «أجعل» محمد- صلی اللّه علیه و سلم- «الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا
______________________________
(1) سورة الزخرف: 31.
(2) فی أ، و فی ز: و یختار للرسالة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 354
لَشَیْ‌ءٌ عُجابٌ» «1» فکفر بتوحید اللّه- عز و جل- فأنزل اللّه- سبحانه- ینزه نفسه- عز و جل- عن شرکهم فقال: سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالی یعنی [68 ب و ارتفع عَمَّا یُشْرِکُونَ 68- به غیره- عز و جل- ثم قال- عز و جل- وَ رَبُّکَ یَعْلَمُ ما تُکِنُّ صُدُورُهُمْ یعنی ما تسر قلوبهم وَ ما یُعْلِنُونَ 69- بألسنتهم، نظیرها فی النمل، ثم وحد الرب نفسه- تبارک و تعالی- حین لم یوحده «2» کفار مکة، الولید و أصحابه، فقال- سبحانه-: وَ هُوَ اللَّهُ «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» «3» لَهُ الْحَمْدُ فِی الْأُولی وَ الْآخِرَةِ یعنی یحمده أولیاؤه فی الدنیا و یحمدونه فی الآخرة یعنی أهل الجنة وَ لَهُ الْحُکْمُ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 70- بعد الموت فی الآخرة فیجزیکم بأعمالکم قُلْ یا محمد لکفار مکة: أَ رَأَیْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَیْکُمُ اللَّیْلَ سَرْمَداً إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ فدامت «4» ظلمته مَنْ إِلهٌ غَیْرُ اللَّهِ یَأْتِیکُمْ بِضِیاءٍ یعنی بضوء النهار أَ فَلا یعنی أ فهلا «5» تَسْمَعُونَ 71- المواعظ. و قُلْ لهم أَ رَأَیْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَیْکُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ مَنْ إِلهٌ غَیْرُ اللَّهِ یَأْتِیکُمْ بِلَیْلٍ تَسْکُنُونَ فِیهِ من النصب أَ فَلا یعنی أ فهلا «6» تُبْصِرُونَ 72- ثم أخبر عن صنعه- تعالی ذکره- فقال- سبحانه-: وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْکُنُوا یعنی لتستقروا فِیهِ باللیل من النصب وَ لِتَبْتَغُوا بالنهار مِنْ فَضْلِهِ یعنی
______________________________
(1) سورة ص: 5.
(2) فی أ: لم یوحدوه، و فی ز: لم یوحده.
(3) فی أ: «لا إله غیره»، و فی ز: «لا إله إلا هو».
(4) فی أ، ز: فدام.
(5) فی أ: فهلا، و فی ز: أ فهلا.
(6) فی أ: فهلا، و فی ز: أ فهلا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 355
الرزق وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ 73- ربکم فی نعمه فتوحدوه- عز و جل- وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ یعنی یسألهم فَیَقُولُ أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ 74- فی الدنیا. وَ نَزَعْنا یقول و أخرجنا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیداً یعنی رسولها و نبیها یشهد علیها بالبلاغ و الرسالة فَقُلْنا لهم یعنی للکفار: هاتُوا هلموا بُرْهانَکُمْ یعنی حجتکم بأن معی شریکا فلم یکن لهم حجة «فَعَلِمُوا» «1» أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ یعنی التوحید للّه- عز و جل- وَ ضَلَّ عَنْهُمْ فی الآخرة ما کانُوا یَفْتَرُونَ 75- فی الدنیا بأن مع اللّه- سبحانه- شریکا. إِنَّ قارُونَ کانَ مِنْ قَوْمِ مُوسی یعنی من بنی إسرائیل و کان ابن عمه، قارون بن أصهر «2» بن قوهث «3» بن لاوی ابن یعقوب، و موسی بن عمران بن قوهث فَبَغی عَلَیْهِمْ یقول بغی قارون علی بنی إسرائیل من أجل کنزه ماله وَ آتَیْناهُ یعنی و أعطیناه مِنَ الْکُنُوزِ یعنی من الأموال ما إِنَّ مَفاتِحَهُ یعنی خزائنه لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِی الْقُوَّةِ و العصبة من عشرة نفر إلی أربعین فإذا کانوا أربعین فهم أولو قوة یقول لتعجز العصبة أولی القوة عن حمل الخزائن «4». إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ بنو إسرائیل لا تَفْرَحْ یقول لا تمرح و لا تبطر و لا تفخر بما أوتیت من الأموال إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْفَرِحِینَ 76- یعنی المرحین البطرین وَ قالوا له: ابْتَغِ فِیما آتاکَ اللَّهُ یعنی فیما أعطاک اللّه [69 أ]- عز و جل- من الأموال و الخیر الدَّارَ الْآخِرَةَ یعنی دار الجنة وَ لا تَنْسَ نَصِیبَکَ یعنی و لا تترک حظک مِنَ الدُّنْیا أن
______________________________
(1) فی أ، «و علموا».
(2) فی أ: أصهر، و فی ز: یصهر.
(3) فی أ: قوهث، و فی ز: قاهث. و فی ل: بوهب.
(4) من ز، و الجملة ناقصة فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 356
تعمل فیها لآخرتک وَ أَحْسِنْ العطیة فی الصدقة و الخیر فیما یرضی اللّه- عز و جل- کَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَیْکَ وَ لا تَبْغِ بإحسان اللّه إلیک الْفَسادَ فِی الْأَرْضِ یقول لا تعمل فیها بالمعاصی إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُفْسِدِینَ 77- فرد قارون علی قومه حین أمروه أن یطیع اللّه- عز و جل- فی ماله و فیما أمره ف قالَ لهم: إِنَّما أُوتِیتُهُ یعنی إنما أعطیته یعنی المال عَلی عِلْمٍ عِنْدِی یقول علی خیر علمه اللّه- عز و جل- عندی یقول اللّه- عز و جل-: أَ وَ لَمْ یَعْلَمْ قارون أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَکَ بالعذاب مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ حین کذبوا رسلهم مَنْ هُوَ أَشَدُّ «مِنْهُ» «1» من قارون قُوَّةً و بطشا وَ أَکْثَرُ جَمْعاً من الأموال منهم نمرود الجبار و غیره، ثم قال- عز و جل-: وَ لا یُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ 78- یقول «و لا یسأل» «2» مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالیة الذین عذبوا فی الدنیا، فإن اللّه- عز و جل- قد أحصی أعمالهم الخبیثة و علمها «فَخَرَجَ قارون عَلی قَوْمِهِ فِی زِینَتِهِ «3»- قومه- بنی إسرائیل،- الزینة- یعنی الشارة الحسنة خرج علی بغلة شهباء علیها سرج من ذهب علیه الأرجوان و معه أربعة آلاف فارس علی الخیل علیهم و علی دوابهم الأرجوان، «و معه ثلاثمائة جاریة بیض علیهن الحلی و الثیاب الحمر «4» علی البغال الشهب»، فلما نظر المؤمنون إلی تلک الزینة و الجمال. قالَ الَّذِینَ یُرِیدُونَ الْحَیاةَ الدُّنْیا و هم أهل التوحید
______________________________
(1) فی أ: «من قارون».
(2) فی أ: «و لا یسلوا»، و فی ز: «و لا یسأل».
(3) فی حاشیة أ فی الأصل: و خرج فی زینته علی قومه، و فی ز مثل ما فی حاشیة أ.
(4) و معه ثلاثمائة جاریة. إلخ من ز، و لیس فی أ.
و فی ز: الثیاب الأحمر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 357
یا لَیْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِیَ یعنی مثل ما أعطی قارُونُ من الأموال إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِیمٍ 79- یقول إنه لذو نصیب وافر فی الدنیا وَ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ بما وعد اللّه فی الآخرة للذین تمنوا مثل مما أعطی قارون وَیْلَکُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَیْرٌ لِمَنْ آمَنَ یعنی لمن صدق بتوحید اللّه- عز و جل- وَ عَمِلَ صالِحاً خیر مما أوتی قارون فی الدنیا وَ لا یُلَقَّاها یعنی الأعمال الصالحة یعنی و لا یؤتاها إِلَّا الصَّابِرُونَ 80- فَخَسَفْنا بِهِ یعنی بقارون، و ذلک أن اللّه- عز و جل- أمر الأرض أن تطیع موسی- علیه السلام- فأمر موسی الأرض أن تأخذ قارون فأخذته إلی قدمیه فدعا قارون موسی و ذکره الرحم، فأمرها موسی أن تأخذه، فأخذته إلی عنقه ثم دعا قارون موسی و ذکره الرحم، فأمرها موسی- علیه السلام- أن تبتلعه [69 ب فهو یتجلجل فی الأرض کل یوم قامة رجل إلی یوم القیامة «1»، فقالت بنو إسرائیل: إن موسی إنما أهلک قارون حتی یأخذ ماله و داره فخسف اللّه- عز و جل- بعد قارون بثلاثة أیام- بداره و ماله الصامت فانقطع الکلام، فذلک قوله- عز و جل-: «فخسفنا به» یعنی بقارون وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما کانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ یَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ یقول اللّه- عز و جل- لم یکن لقارون جند یمنعونه من اللّه- عز و جل- وَ ما کانَ مِنَ المُنْتَصِرِینَ 81- یقول و ما کان قارون من الممتنعین مما نزل به من الخسف وَ أَصْبَحَ الَّذِینَ تَمَنَّوْا مَکانَهُ بِالْأَمْسِ بعد ما خسف به یَقُولُونَ وَیْکَأَنَّ اللَّهَ یعنی لکن اللّه یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ یَقْدِرُ یعنی یوسع الرزق علی من یشاء و یقتر
______________________________
(1) کذا فی أ، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 358
علی من یشاء، و قالوا: لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْنا یعنی لو لا أن اللّه- عز و جل- أنعم علینا بالإیمان لَخَسَفَ بِنا ثم قال: وَیْکَأَنَّهُ یعنی و لکنه لا یُفْلِحُ لا یسعد الْکافِرُونَ 82- تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَةُ یعنی الجنة نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوًّا یعنی تعظما فِی الْأَرْضِ عن الإیمان بالتوحید وَ لا فَساداً یقول و لا یریدون فیها عملا بالمعاصی وَ الْعاقِبَةُ فی الآخرة لِلْمُتَّقِینَ 83- من الشرک فی الدنیا مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ یعنی بکلمة الإخلاص و هی «لا إله إلا اللّه وحده لا شریک له» فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها فی التقدیم، یقول فله منها خیر، وَ مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَةِ یعنی الشرک یقول من جاء فی الآخرة بالشرک فَلا یُجْزَی الَّذِینَ عَمِلُوا السَّیِّئاتِ یعنی الذین عملوا الشرک إِلَّا ما کانُوا یَعْمَلُونَ 84- من الشرک فإن جزاء الشرک النار فلا ذنب أعظم من الشرک و لا عذاب أعظم من النار «1».
حدثنا محمد قال: حدثنا أبو القاسم، قال: حدثنا الهذیل عن مقاتل عن علقمة بن مرثد قال: ذکر النبی- صلی اللّه علیه- «2» هذه الآیة- «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ»، «وَ مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَةِ» فقال هذه تنجی و هذه تردی، و قال مقاتل: إنه بلغه عن کعب بن عجرة قال: سمعت النبی- صلی اللّه علیه- یقول «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ» فهی «3» لا إله إلا اللّه «وَ مَنْ جاءَ بِالسَّیِّئَةِ» فهی «4» الشرک فهذه تنجی و هذه
______________________________
(1) فی أ زیادة: «إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ» و لیست فی ز، ثم تکرر ذکرها بعد ذلک فی أ، فاعتمدت علی ز لأنها أنسب هنا.
(2) نسخة ز دائما تقول:- النبی صلی اللّه علیه-، أ: النبی- صلی اللّه علیه و سلم-.
(3) فی أ: فهی، و فی ز: فهو.
(4) فی أ: فهی، و فی ز: فهو. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 359
تردی،
قوله- عز و جل- إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- خرج من الغار لیلا، ثم هاجر من وجهه ذلک إلی المدینة، فسار فی غیر الطریق مخافة الطلب فلما أمن رجع إلی الطریق فنزل بالجحفة بین مکة و المدینة، و عرف «1» الطریق إلی مکة فاشتاق إلیها، و ذکر مولده و مولد أبیه فأتاه [70 أ] جبریل- علیه السلام- فقال: أ تشتاق إلی بلدک و مولدک؟
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- نعم. فقال جبریل: إن اللّه- عز و جل- یقول-: «إن الذی فرض علیک القرآن»
لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ یعنی إلی مکة ظاهرا علیهم فنزلت هذه الآیة بالجحفة لیست بمکیة و لا مدنیة قُلْ رَبِّی أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدی و ذلک أن کفار مکة کذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- و قالوا إنک فی ضلال فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- فی قولهم: «قل ربی أعلم من جاء بالهدی» فأنا الذی جئت بالهدی من عند اللّه- عز و جل- وَ هو أعلم مَنْ هُوَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 85- یقول أ نحن أم أنتم وَ ما کُنْتَ تَرْجُوا یا محمد أَنْ یُلْقی إِلَیْکَ الْکِتابُ یعنی أن ینزل علیک القرآن یذکره النعم، و قال ما کان الکتاب إِلَّا رَحْمَةً یعنی- عز و جل- نعمة مِنْ رَبِّکَ اختصصت بها یا محمد. و ذلک حین دعی إلی دین آبائه فأوحی اللّه- عز و جل- إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی ذلک فقال: فَلا تَکُونَنَّ ظَهِیراً یعنی معینا لِلْکافِرِینَ 86- علی دینهم وَ لا یَصُدُّنَّکَ کفار مکة عَنْ آیاتِ اللَّهِ یعنی عن إیمان بالقرآن بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَیْکَ وَ ادْعُ الناس إِلی معرفة رَبِّکَ عز و جل- و هو التوحید،
______________________________
(1) کذا فی أ، ز. و المراد رأی أو شاهد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 360
ثم أو عز «1» إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و حذره، فقال- سبحانه-:
وَ لا تَکُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِکِینَ 87- و ذلک حین دعی إلی دین آبائه فحذره اللّه- عز و جل- أن یتبع دینهم، فقال- سبحانه-: وَ لا تَدْعُ یقول و لا تعبد مَعَ اللَّهِ تعالی إِلهاً آخَرَ فإنه واحد لیس معه شریک، ثم وحد نفسه- جل جلاله- فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ کُلُّ شَیْ‌ءٍ هالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ یقول- سبحانه- کل شی‌ء من الحیوان میت ثم استثنی نفسه- جل جلاله- بأنه- تعالی- حی دائم لا یموت فقال- جل جلاله-: «إلا وجهه» یعنی إلا هو لَهُ الْحُکْمُ یعنی القضاء وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 88- أحیاء فی الآخرة فیجزیکم- عز و جل- بأعمالکم.
______________________________
(1) کذا فی أ، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 361

سورة العنکبوت‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 363

[سورة العنکبوت (29): الآیات 1 الی 69]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الم (1) أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ (2) وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکاذِبِینَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ أَنْ یَسْبِقُونا ساءَ ما یَحْکُمُونَ (4)
مَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (5) وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما یُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ (6) وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُکَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِی کانُوا یَعْمَلُونَ (7) وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ حُسْناً وَ إِنْ جاهَداکَ لِتُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِی الصَّالِحِینَ (9)
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِیَ فِی اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ کَعَذابِ اللَّهِ وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّکَ لَیَقُولُنَّ إِنَّا کُنَّا مَعَکُمْ أَ وَ لَیْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِی صُدُورِ الْعالَمِینَ (10) وَ لَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِینَ (11) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِیلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطایاکُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِینَ مِنْ خَطایاهُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ (12) وَ لَیَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَ لَیُسْئَلُنَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَمَّا کانُوا یَفْتَرُونَ (13) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِینَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُونَ (14)
فَأَنْجَیْناهُ وَ أَصْحابَ السَّفِینَةِ وَ جَعَلْناها آیَةً لِلْعالَمِینَ (15) وَ إِبْراهِیمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْکاً إِنَّ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَمْلِکُونَ لَکُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَ اعْبُدُوهُ وَ اشْکُرُوا لَهُ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَ إِنْ تُکَذِّبُوا فَقَدْ کَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِکُمْ وَ ما عَلَی الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِینُ (18) أَ وَ لَمْ یَرَوْا کَیْفَ یُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ (19)
قُلْ سِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ یُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (20) یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ وَ یَرْحَمُ مَنْ یَشاءُ وَ إِلَیْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ وَ ما لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا نَصِیرٍ (22) وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ اللَّهِ وَ لِقائِهِ أُولئِکَ یَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِی وَ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (23) فَما کانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (24)
وَ قالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَیْنِکُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا ثُمَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَ یَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً وَ مَأْواکُمُ النَّارُ وَ ما لَکُمْ مِنْ ناصِرِینَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَ قالَ إِنِّی مُهاجِرٌ إِلی رَبِّی إِنَّهُ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (26) وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ وَ جَعَلْنا فِی ذُرِّیَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْکِتابَ وَ آتَیْناهُ أَجْرَهُ فِی الدُّنْیا وَ إِنَّهُ فِی الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِینَ (27) وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّکُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَکُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِینَ (28) أَ إِنَّکُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَ تَقْطَعُونَ السَّبِیلَ وَ تَأْتُونَ فِی نادِیکُمُ الْمُنْکَرَ فَما کانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (29)
قالَ رَبِّ انْصُرْنِی عَلَی الْقَوْمِ الْمُفْسِدِینَ (30) وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِیمَ بِالْبُشْری قالُوا إِنَّا مُهْلِکُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْیَةِ إِنَّ أَهْلَها کانُوا ظالِمِینَ (31) قالَ إِنَّ فِیها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِیها لَنُنَجِّیَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ کانَتْ مِنَ الْغابِرِینَ (32) وَ لَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِی‌ءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالُوا لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوکَ وَ أَهْلَکَ إِلاَّ امْرَأَتَکَ کانَتْ مِنَ الْغابِرِینَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلی أَهْلِ هذِهِ الْقَرْیَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما کانُوا یَفْسُقُونَ (34)
وَ لَقَدْ تَرَکْنا مِنْها آیَةً بَیِّنَةً لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (35) وَ إِلی مَدْیَنَ أَخاهُمْ شُعَیْباً فَقالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ ارْجُوا الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ (36) فَکَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دارِهِمْ جاثِمِینَ (37) وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَیَّنَ لَکُمْ مِنْ مَساکِنِهِمْ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ وَ کانُوا مُسْتَبْصِرِینَ (38) وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسی بِالْبَیِّناتِ فَاسْتَکْبَرُوا فِی الْأَرْضِ وَ ما کانُوا سابِقِینَ (39)
فَکُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَیْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّیْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَ ما کانَ اللَّهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (40) مَثَلُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِیاءَ کَمَثَلِ الْعَنْکَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَیْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُیُوتِ لَبَیْتُ الْعَنْکَبُوتِ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (42) وَ تِلْکَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما یَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِلْمُؤْمِنِینَ (44)
اتْلُ ما أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنَ الْکِتابِ وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ لَذِکْرُ اللَّهِ أَکْبَرُ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْکِتابِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنا وَ أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُکُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَ کَذلِکَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ فَالَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مِنْ هؤُلاءِ مَنْ یُؤْمِنُ بِهِ وَ ما یَجْحَدُ بِآیاتِنا إِلاَّ الْکافِرُونَ (47) وَ ما کُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ کِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِیَمِینِکَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آیاتٌ بَیِّناتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ ما یَجْحَدُ بِآیاتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (49)
وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْهِ آیاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآیاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَ إِنَّما أَنَا نَذِیرٌ مُبِینٌ (50) أَ وَ لَمْ یَکْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ یُتْلی عَلَیْهِمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَرَحْمَةً وَ ذِکْری لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (51) قُلْ کَفی بِاللَّهِ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ شَهِیداً یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ کَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) وَ یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالْعَذابِ وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّی لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَ لَیَأْتِیَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (53) یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالْعَذابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْکافِرِینَ (54)
یَوْمَ یَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ یَقُولُ ذُوقُوا ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) یا عِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِی واسِعَةٌ فَإِیَّایَ فَاعْبُدُونِ (56) کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَیْنا تُرْجَعُونَ (57) وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِینَ (58) الَّذِینَ صَبَرُوا وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ (59)
وَ کَأَیِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ یَرْزُقُها وَ إِیَّاکُمْ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (60) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّی یُؤْفَکُونَ (61) اللَّهُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ یَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ (62) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ (63) وَ ما هذِهِ الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلاَّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِیَ الْحَیَوانُ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ (64)
فَإِذا رَکِبُوا فِی الْفُلْکِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَی الْبَرِّ إِذا هُمْ یُشْرِکُونَ (65) لِیَکْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ وَ لِیَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ (66) أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ یُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ یَکْفُرُونَ (67) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً أَوْ کَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَ لَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْکافِرِینَ (68) وَ الَّذِینَ جاهَدُوا فِینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِینَ (69)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 371
سورة العنکبوت «1» سورة العنکبوت مکیة.
و یقال نزلت بین مکة و المدینة فی طریقه حین هاجر- صلی اللّه علیه و سلم- و هی تسع و ستون آیة کوفیة «2».
______________________________
(1) المقصود الإجمالی للسورة: تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 431
معظم مقصود سورة العنکبوت ما یأتی:
توبیخ أهل الدعوی، و ترغیب أهل التقوی، و الوصیة ببر الوالدین للأبرار، و الشکایة من المنافقین فی جرأتهم علی حمل الأوزار، و الإشارة إلی بلوی نوح و الخلیل، لتسلیة الحبیب، و هجرة إبراهیم من بین قومه إلی مکان غریب، و وعظ لوط قومه، و عدم اتعاظهم و إهلاک اللّه إیاهم، و الإشارة إلی حدیث شعیب و تعبیر عباد الأصنام، و توبیخهم، و تمثیل الصنم بیت العنکبوت، و إقامة حجج التوحید، و نهی الصلاة عن الفحشاء و المنکر، و أدب الجدال مع المنکرین و المبتدعین، و بیان الحکمة فی کون رسولنا- صلی اللّه علیه و سلم- أمیا، و الخیر عن استعجال الکفار و العذاب و أن کل إنسان بالضرورة میت و وعد المؤمنین بالثواب، و ضمان الحق رزق کل دابة، و بیان أن الدنیا دار فناء و ممات، و أن العقبی دار بقاء و حیاة و بیان حرمة الحرم و أمنه و الإخبار بأن عنایة اللّه و هدایته مع أهل الجهاد و الإحسان فی قوله: «وَ الَّذِینَ جاهَدُوا فِینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِینَ» سورة العنکبوت: 69.
(2) فی أ: و هی تسعة و ستون.
و فی المصحف: (29) سورة العنکبوت مکیة إلا من آیة 1 إلی آیة 11 فمدنیة و آیاتها 69 نزلت بعد الروم و فی کتاب بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی.
سمیت سورة العنکبوت لتکرر ذکره فیها: «کَمَثَلِ الْعَنْکَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَیْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُیُوتِ لَبَیْتُ الْعَنْکَبُوتِ» سورة العنکبوت: 41.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 372
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الم 1- أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا نزلت فی مهجع بن عبد اللّه مولی عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- کان أول قتیل من المسلمین یوم بدر و هو أول من یدعی إلی الجنة من [70 ب شهداء أمة محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فجزع علیه أبواه.
و کان «1» اللّه- تبارک و تعالی- بین للمسلمین أنه لا بد لهم من البلاء و المشقة فی ذات اللّه- عز و جل- و قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یومئذ: سید الشهداء مهجع. و کان رماه عامر بن الحضرمی بسهم فقتله، فأنزل اللّه- عز و جل- فی أبویه عبد اللّه و امرأته «الم. أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا» أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ 2- یقول أحسبوا أن یترکوا عن التصدیق بتوحید اللّه- عز و جل- و لا یبتلون فی إیمانهم وَ لَقَدْ فَتَنَّا یقول و لقد ابتلینا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی من قبل هذه الأمة من المؤمنین فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ یقول فلیرین اللّه الذین صَدَقُوا فی إیمانهم من هذه الأمة عند البلاء فیصبروا لقضاء اللّه- عز و جل- وَ لَیَعْلَمَنَ یقول و لیرین الْکاذِبِینَ 3- فی إیمانهم فیشکوا عند البلاء، ثم وعظ کفار العرب، فقال- سبحانه-: أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ یعنی الشرک «2»
______________________________
(1) فی أ: و کأن، ز: و کان.
(2) فی أ: یعنی- عز و جل- الشرک، ز: یعنی الذین عملوا الشرک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 373
نزلت فی بنی عبد شمس أَنْ یَسْبِقُونا یعنی أن یفوتونا بأعمالهم السیئة حتی یجزیهم بها فی الدنیا، فقتلهم اللّه- عز و جل- ببدر منهم شیبة و عتبة ابنا ربیعة، و الولید بن عتبة بن ربیعة، و حنظلة بن أبی سفیان بن حرب، و عبیدة بن سعد بن العاص بن أمیة، و عقبة بن أبی معیط، و العاص بن وائل، ثم قال- عز و جل-: ساءَ ما یَحْکُمُونَ 4- یعنی ما یقضون یعنی بنی عبد شمس بن عبد مناف، ثم قال- تعالی-: مَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ یقول من خشی البعث فی الآخرة فلیعمل لذلک الیوم فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ یعنی یوم القیامة وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ 5- لقول بنی عبد شمس بن عبد مناف حین قالوا: إنا نعطی فی الآخرة ما یعطی المؤمنون، یعنی بالمؤمنین بنی هاشم و بنی عبد المطلب بن عبد مناف «العلیم» به.
نزلت «مَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ» فی بنی هاشم و بنی عبد المطلب ابنی عبد مناف، منهم علی بن أبی طالب و حمزة و جعفر- علیهم السلام- و عبیدة بن الحارث، و الحصین «1»، و الطفیل ابنا «2» الحارث بن المطلب، و مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، و زید بن حارثة، و أبو هند «3»، و أبو «4» لیلی مولی- النبی صلی اللّه علیه و سلم- و أیمن بن أم أیمن قتیل یوم حنین- رضی اللّه عنه- ثم قال- تعالی-: وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما یُجاهِدُ لِنَفْسِهِ یقول من یعمل الخیر فإنما یعمل لنفسه یقول إنما أعمالهم لأنفسهم «5» إِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ 6- یعنی
______________________________
(1) فی أ: الحسین، و فی ز: الحصین.
(2) فی أ: ابنا، و فی ز: ابنی.
(3) فی أ: و أبو هند، و فی ز: و أبی هند.
(4) فی أ: و أبو لیلی، و فی ز: و أبی لیل.
(5) من ز، و فی أ: إن أعمالهم لا تغنیه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 374
عن أعمال القبیلتین بنی هاشم و بنی عبد المطلب ابنی «1» عبد مناف، ثم قال- عز و جل- أیضا یعنیهم وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ «2» لَنُکَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ [71 أ] وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِی کانُوا یَعْمَلُونَ 7- فیجزیهم بإحسانهم و لا یجزیهم بمساوئهم یعنی بنی هاشم و بنی المطلب، ثم قال اللّه- عز و جل-: وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ حُسْناً نزلت فی سعد بن أبی وقاص الزهری- رضی اللّه عنه- و أمه حمنة بنت سفیان بن أمیة بن عبد شمس بن عبد مناف وَ إِنْ جاهَداکَ لِتُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ بأن معی شریکا فَلا تُطِعْهُما فی الشرک إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فی الآخرة فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 8- یعنی سعدا «3»- رضی اللّه عنه- و ذلک أنه «4» حین أسلم حلفت أمه لا تأکل طعاما، و لا تشرب شرابا، و لا تدخل «کنا» «5» حتی یرجع سعد عن الإسلام، فجعل سعد یترضاها فأبت علیه، و کان بها بارا فأتی سعد- رضی اللّه عنه- النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فشکی إلیه فنزلت فی سعد- رضی اللّه عنه- هذه الآیة.
فأمره النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن یترضاها و یجهد «6» بها علی أن تأکل و تشرب فأبت حتی یئس منها، و کان سعد أحب ولدها إلیها،
______________________________
(1) فی أ: ابنا، ز: ابنی.
(2) فی أ، ز «وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِی الصَّالِحِینَ» فکلاهما أدمجا الآیة 9 مع الآیة 7.
(3) فی أ: یعنی سعد، و فی ز: یعنی سعدا.
(4) فی أ: أنه، و فی ز: و ذلک أنه.
(5) و ردت هکذا فی الأصل.
(6) فی أ: و یجد بها علی، و فی ف، ز: و یجهد بها أن تأکل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 375
«وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِی الصَّالِحِینَ «1»- 9- وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِیَ فِی اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ کَعَذابِ اللَّهِ نزلت فی عیاش بن أبی ربیعة بن المغیرة بن عمرو بن مخزوم القرشی، و ذلک أن عیاشا أسلم فخاف أهل بیته فهرب إلی المدینة بدینه قبل أن یهاجر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلیها فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة بن أبی جندل بن نهشل التمیمی ألا تأکل و لا تشرب و لا تغسل رأسها و لا تدخل «کنا» «2» حتی یرجع إلیها فصبرت ثلاثة أیام ثم أکلت و شربت فرکب أبو جهل عدو اللّه و الحارث ابنا هشام و هما أخواه لأمه و هما بنو عم حتی أتیا المدینة فلقیاه فقال أبو جهل لأخیه عیاش:
قد علمت أنک کنت أحب إلی أمک من جمیع ولدها و آثر عندها- لأنه کان أصغرهم سنا، و کان بها بارا- و قد حلفت أمک ألا تأکل «3» و لا تشرب و لا تغسل رأسها و لا تدخل بیتا حتی ترجع إلیها، و أنت تزعم أن فی دینک بر الوالدین، فارجع إلیها فإن ربک الذی بالمدینة هو بمکة فاعبده بها. فأخذ عیاش علیهم المواثیق ألا یحرکاه «4»، فاتبعهما، فأوثقاه ثم جلده کل واحد منهما مائة جلدة حتی یبرأ من دین محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فأنزل اللّه- عز و جل- فی عیاش «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ» یعنی صدقنا بتوحید اللّه- «فَإِذا أُوذِیَ فِی اللَّهِ» یعنی ضربهما إیاه «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ» یقول جعل عذاب الناس فی الدنیا
______________________________
(1) الآیة 9 من سورة العنکبوت ساقطة من أ، ف، ز، ل، لأنها أدمجت مع الآیة 7 و لم تذکر فی مکانها.
(2) و ردت هکذا فی الأصل.
(3) فی أ: لا تأکل، ز: ألا تأکل.
(4) کذا فی أ، ز، ف، ل. و المراد ألا یحرکاه عن دینه و لا یزحزحاه عنه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 376
کعذاب اللّه فی الآخرة، کقوله- عز و جل-: «یَوْمَ هُمْ عَلَی النَّارِ یُفْتَنُونَ» «1» یعنی یعذبون، ثم استأنف وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّکَ [71 ب علی عدوک بمکة و غیرها، إذا کان للمؤمنین دولة لَیَقُولُنَ المنافقون للمؤمنین إِنَّا کُنَّا مَعَکُمْ علی عدوکم و إذا رأوا دولة للکافرین شکوا فی إیمانهم أَ وَ لَیْسَ اللَّهُ یعنی- عز و جل- أو ما اللّه «بِأَعْلَمَ» «2» بِما فِی صُدُورِ الْعالَمِینَ 10- من الإیمان و النفاق وَ لَیَعْلَمَنَّ «اللَّهُ» «3» یعنی و لیرین اللّه الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا عند البلاء و التمحیص وَ لَیَعْلَمَنَ یعنی و لیرین الْمُنافِقِینَ 11- فی إیمانهم فیشکوا عند البلاء و التمحیص وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا یعنی أبا سفیان لِلَّذِینَ آمَنُوا نزلت فی عمر بن الخطاب، و عثمان بن عفان، و خباب بن الأرت- رضی اللّه عنهم- ختن عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- علی أخته أم جمیل اتَّبِعُوا سَبِیلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطایاکُمْ و ذلک أن أبا سفیان بن حرب بن أمیة قال لهؤلاء النفر: اتبعوا ملة آبائنا و نحن الکفلاء بکل تبعة من اللّه نصیبکم و أهل مکة علینا شهداء کفلاء، فذلک قوله- تعالی-: «و لنحمل خطایاکم»، یقول اللّه- عز و جل-: وَ ما هُمْ بِحامِلِینَ مِنْ خَطایاهُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ 12- فیما یقولون «4» وَ لَیَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ یعنی و لیحملن أوزارهم التی عملوا، و أوزارا مع أوزارهم لقولهم للمؤمنین «اتَّبِعُوا سَبِیلَنا»، «مع» یعنی إلی أوزارهم التی عملوا لأنفسهم وَ لَیُسْئَلُنَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَمَّا کانُوا یَفْتَرُونَ 13-
______________________________
(1) سورة الذاریات: 13.
(2) فی أ: أعلم.
(3) «الله»: ساقط من الأصول.
(4) بما یقولون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 377
من الکذب لقولهم نحن الکفلاء بکل تبعة تصیبکم من اللّه- عز و جل- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِینَ عاماً یدعوهم إلی الإیمان باللّه- عز و جل- فکذبوه فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُونَ 14- یعنی الماء طغی علی کل شی‌ء فأغرقوا فَأَنْجَیْناهُ یعنی نوحا- علیه السلام- وَ أَصْحابَ السَّفِینَةِ من الغرق وَ جَعَلْناها یعنی السفینة آیَةً لِلْعالَمِینَ 15- یعنی لمن بعدهم من الناس وَ إِبْراهِیمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه وَ اتَّقُوهُ یعنی و اخشوه «1» ذلِکُمْ یعنی عبادة اللّه خَیْرٌ لَکُمْ من عبادة الأوثان إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 16- و لکنکم لا تعلمون إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً یعنی أصناما وَ تَخْلُقُونَ إِفْکاً یعنی تعلمونها بأیدیکم ثم تزعمون أنها آلهة کذبا و أنتم تنحتونها، فذلک قوله- عز و جل-: «وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ» «2» بأیدیکم من الأصنام، فقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة لا یَمْلِکُونَ یقول لا یقدرون لَکُمْ رِزْقاً علی رزق فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَ اعْبُدُوهُ یعنی وحدوه وَ اشْکُرُوا لَهُ و اشکروا اللّه فی النعم فإن مصیرکم إلیه [72 أ] فذلک قوله- تعالی-: إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 17- أحیاء بعد الموت وَ إِنْ تُکَذِّبُوا یعنی کفار مکة یکذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- بالعذاب و بالبعث فَقَدْ کَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِکُمْ «یعنی من قبل کفار مکة کذبوا رسلهم بالعذاب «3».
______________________________
(1) فی ف: و اخشوه: أ: اجتنبوه.
(2) سورة الصافات: 96.
(3) من ز، و فی أ: «یعنی من قبل مبعث النبی- صلی اللّه علیه و سلم- کفار مکة کذبوا بالعذاب رسلهم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 378
وَ ما عَلَی الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِینُ 18- یقول و ما علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلا أن یبین لکم أمر العذاب أَ وَ لَمْ یَرَوْا کَیْفَ یُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ کما خلقهم یقول أو لم یعلم کفار مکة کیف بدأ اللّه- عز و جل- خلق الإنسان من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم عظاما، ثم لحما، و لم یکونوا شیئا ثم هلکوا، ثم یعیدهم فی الآخرة إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ- 19- یقول إعادتهم فی الآخرة علی اللّه- عز و جل- هین، «1» ثم «2» قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- قُلْ لهم: سِیرُوا فِی الْأَرْضِ لیعتبروا فی أمر البعث فَانْظُرُوا کَیْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ یعنی خلق السموات و الأرض و ما فیها من الخلق لأنهم یعلمون أن اللّه- عز و جل- خلق الأشیاء کلها ثُمَ إن اللَّهُ یُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ یعنی یعید الخلق الأول یقول هکذا یخلق الخلق الآخر یعنی البعث بعد الموت کما بدأ الخلق الأول، إنما ذکر النشأة الآخرة لأنها بعد الخلق الأول إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من البعث و غیره قَدِیرٌ- 20- یُعَذِّبُ مَنْ یَشاءُ وَ یَرْحَمُ مَنْ یَشاءُ وَ إِلَیْهِ تُقْلَبُونَ 21- یعنی و إلیه ترجعون بعد الموت یوم القیامة فیجزیکم بأعمالکم وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ یعنی کفار مکة بمعجزین یعنی بسابقین اللّه- عز و جل- فتفوتوه فِی الْأَرْضِ کنتم وَ لا فِی السَّماءِ کنتم أینما کنتم حتی یجزیکم بأعمالکم السیئة وَ ما لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِیٍ یعنی من قریب لینفعکم وَ لا نَصِیرٍ- 22- یعنی و لا مانع یمنعکم من اللّه- عز و جل- وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ اللَّهِ یعنی بالقرآن «3» وَ لِقائِهِ
______________________________
(1) کذا فی أ، ل، ز، ف، و الأنسب تقدیر مضاف إلی اعادتهم» لیکون کالاتی «أمر» بإعادتهم فی الآخرة علی اللّه- عز و جل- هین.
(2) «ثم»: ساقطة من أ، و هی من ز، و فی أ: قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-.
(3) فی أ: القرآن، ز: بالقرآن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 379
و کفروا بالبعث أُولئِکَ یَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِی یعنی من جنتی وَ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 23- یعنی وجیعا. ثم ذکر إبراهیم- علیه السلام- فی التقدیم «1» قال:
فَما کانَ جَوابَ قَوْمِهِ یعنی قوم إبراهیم- علیه السلام- حین دعاهم إلی اللّه- عز و جل- و نهاهم عن عبادة الأصنام إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ بالنار فقذفوه فی النار فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یعنی- عز و جل- إن فی النار التی لم تحرق إبراهیم- علیه السلام- لعبرة لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 24- یعنی یصدقون بتوحید اللّه- عز و جل- وَ قالَ لهم إبراهیم- علیه السلام-: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ الأوثان آلهة مِنْ دُونِ اللَّهِ عز و جل- [72 ب أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَیْنِکُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا «2» یعنی بین الأتباع و القادة مودة علی عبادة الأصنام ثُمَ إذا کان یَوْمَ الْقِیامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ یقول تتبرأ القادة من الأتباع وَ یَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضاً یقول و یلعن الأتباع القادة من الأمم الخالیة و هذه الأمة، ثم قال لهم إبراهیم- علیه السلام-: وَ مَأْواکُمُ النَّارُ یعنی مصیرکم إلی النار وَ ما لَکُمْ مِنْ ناصِرِینَ 25- یعنی مانعین من العذاب یمنعونکم منه فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ یعنی فصدق بإبراهیم لوط- علیهما السلام- و هو أول من صدق بإبراهیم حین رأی إبراهیم لم تضره النار «3» وَ قالَ إبراهیم- علیه السلام-: إِنِّی مُهاجِرٌ إِلی رَبِّی یعنی هجر قومه المشرکین من أرض کوثا هو و لوط و سارة أخت لوط- علیهم السلام- إلی الأرض المقدسة «إلی ربی» یعنی إلی رضا
______________________________
(1) فی التقدیم: أی الذی تقدم ذکره.
(2) فی أ، ز: «مودة فی الحیاة الدنیا بینکم»، و فی حاشیة أ الآیة «مَوَدَّةَ بَیْنِکُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا»
(3) کذا فی أ، ز. و الأنسب حین رأی النار لم تضر إبراهیم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 380
ربی. و قال فی الصافات: «... إِنِّی ذاهِبٌ إِلی رَبِّی» یعنی إلی رضا ربی، «سیهدین» «1» فهاجر و هو ابن خمس و سبعین سنة إِنَّهُ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ 26- وَ وَهَبْنا لَهُ یعنی لإبراهیم إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ ابن إسحاق بالأرض «2» المقدسة وَ جَعَلْنا فِی ذُرِّیَّتِهِ یعنی ذریة إبراهیم النُّبُوَّةَ یعنی إسماعیل و إسحاق و یعقوب- علیهم السلام- وَ الْکِتابَ یعنی صحف إبراهیم وَ آتَیْناهُ أَجْرَهُ یعنی أعطیناه جزاءه فِی الدُّنْیا یعنی الثناء الحسن و المقالة الحسنة من أهل الأدیان کلها، لمضیه علی رضوان اللّه حین ألقی فی النار، «و کسر» «3» الأصنام، و مضیه علی ذبح ابنه، فجمیع أهل الأدیان یقولون إبراهیم منا لا یتبرأ منه «أحد» «4» وَ إِنَّهُ یعنی إبراهیم فِی الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِینَ 27- نظیرها فی النحل «5».
«وَ لُوطاً» «6» إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّکُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ یعنی المعصیة یعنی إتیان الرجال فی أدبارهم لیلا «7» ما سَبَقَکُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِینَ 28- فیما مضی قبلکم و کانوا لا یأتون إلا الغرباء، ثم قال- عز و جل-: أَ إِنَّکُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَ تَقْطَعُونَ السَّبِیلَ یعنی المسافر، و ذلک أنهم إذا جلسوا فی نادیهم یعنی فی مجالسهم رموا ابن السبیل بالحجارة و الخذف فیقطعون سبیل المسافر، فذلک قوله- عز
______________________________
(1) سورة الصافات: 99.
(2) فی الأصل: بأرض.
(3) فی أ: الکسر، و فی ز: و کسر.
(4) «أحد»: ساقطة من أ، و هی من ز.
(5) یشیر إلی الآیة 122 من سورة النحل و هی:
«وَ آتَیْناهُ فِی الدُّنْیا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِی الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِینَ».
(6) فی أ، ز: و أرسلنا لوطا. و فی حاشیة أ: الآیة و لوطا إذ قال لقومه.
(7) کذا فی أ، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 381
و جل-: وَ تَأْتُونَ فِی نادِیکُمُ الْمُنْکَرَ یعنی فی مجالسکم المنکر یعنی الحذف «1» بالحجارة فَما کانَ جَوابَ قَوْمِهِ أی قوم لوط- علیه السلام- حین نهاهم عن الفاحشة و المنکر إِلَّا أَنْ قالُوا للوط- علیه السلام-: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 29- یعنی بأن العذاب نازل بهم فی الدنیا فدعا لوط ربه- عز و جل- ف قالَ رَبِّ انْصُرْنِی عَلَی الْقَوْمِ الْمُفْسِدِینَ 30- یعنی العاصین یعنی بالفساد إتیان الرجال فی أدبارهم، یقول رب انصرنی بتحقیق قولی فی العذاب علیهم «بما کذبون» یعنی بتکذیبهم إیای [73 أ] حین قالوا إن العذاب لیس بنازل بهم فی الدنیا، فأهلکهم اللّه- عز و جل- بالخسف و الحصب، و کان لوط- علیه السلام- قد أنذرهم العذاب، فذلک قوله «وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا ...» «2» یعنی عذابنا وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا یعنی الملائکة إِبْراهِیمَ بِالْبُشْری بالولد قالُوا لإبراهیم: إِنَّا مُهْلِکُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْیَةِ یعنون قریة لوط إِنَّ أَهْلَها کانُوا ظالِمِینَ 31- قالَ إِنَّ فِیها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِیها لَنُنَجِّیَنَّهُ وَ أَهْلَهُ یعنی لوطا، ثم استثنی فقال: إِلَّا امْرَأَتَهُ کانَتْ مِنَ الْغابِرِینَ 32- یعنی الباقین فی العذاب وَ لَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا الملائکة لُوطاً و حسب أنهم من الإنس سِی‌ءَ بِهِمْ یعنی کرههم لوط لصنیع قومه بالرجال وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً یعنی بضیافة الملائکة ذرعا یعنی مخافة علیهم أن یفضحوهم وَ قالُوا و قالت الرسل للوط- علیه السلام-: لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ لأن قومه و عدوه فقالوا معک رجال سحروا «3» أبصارنا، فستعلم ما تلقی
______________________________
(1) فی أ: یعنی الحذف بالحجارة، و فی: بالحذف، و فی ل، ز: یعنی الحذف بالحجارة.
(2) سورة القمر: 36.
(3) سحروا: من ف، و لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 382
عذابهم، فقالت الرسل: إِنَّا مُنَجُّوکَ وَ أَهْلَکَ ثم استثنی امرأته، فذلک قوله- عز و جل-: إِلَّا امْرَأَتَکَ کانَتْ مِنَ الْغابِرِینَ 33- یعنی من الباقین فی العذاب، فهلک قوم لوط، ثم أهلکت بعد، بحجر أصابها فقتلها إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلی أَهْلِ هذِهِ الْقَرْیَةِ رِجْزاً یعنی عذابا مِنَ السَّماءِ علی قری لوط یعنی الخسف و الحصب بِما کانُوا یَفْسُقُونَ 34- یعنی یعصون وَ لَقَدْ تَرَکْنا مِنْها آیَةً یعنی من قریة لوط آیة بَیِّنَةً یعنی علامة واضحة، یعنی هلاکهم لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ 35- بتوحید اللّه- عز و جل- کانت قریة لوط بین المدینة و الشام، و ولد للوط بعد هلاک قومه ابنتان و کان له ابنتان قبل هلاکهم «1».
ثم مات لوط و کان أولاده مؤمنین من بعده.
وَ أرسلنا إِلی مَدْیَنَ أَخاهُمْ شُعَیْباً بن نویب بن مدین ابن إبراهیم خلیل الرحمن- جل جلاله- لصلبه فَقالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه وَ ارْجُوا الْیَوْمَ الْآخِرَ یعنی و اخشوا البعث الذی فیه جزاء الأعمال وَ لا تَعْثَوْا یعنی و لا تسعوا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ 36- یعنی بالمعاصی فی نقصان الکیل و المیزان و هو الفساد فی الأرض فَکَذَّبُوهُ بالعذاب حین أوعدهم أنه نازل بهم فی الدنیا فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دارِهِمْ یعنی- عز و جل- فی محلتهم و عسکرهم جاثِمِینَ 37- أمواتا خامدین مثل النار إذا أطفئت، بینما هی تقد إذا هی طفئت، فشبه أرواحهم فی أجسادهم و هم أحیاء مثل النار إذا تقد «ثم شبه هلاکهم بالنار» «2» إذا طفئت، [73 ب بینما هم أحیاء إذ صاح بهم جبریل
______________________________
(1) من ز، و فی أ: خطأ.
(2) ما بین الأقواس «...»، زیادة اقتضاها السیاق.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 383
- علیه السلام- فصعقوا أمواتا أجمعین وَ أهلکنا عاداً وَ ثَمُودَ و هما ابنا عم وَ قَدْ تَبَیَّنَ لَکُمْ یا أهل مکة مِنْ مَساکِنِهِمْ یعنی منازلهم آیة فی هلاکهم وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ السیئة فَصَدَّهُمْ الشیطان عَنِ السَّبِیلِ أی طریق الهدی وَ کانُوا مُسْتَبْصِرِینَ 38- فی دینهم یحسبون أنهم علی هدی وَ أهلکنا قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ و اسمه فیطوس وَ هامانَ قهرمان فرعون و دستوره «1». وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسی بِالْبَیِّناتِ «2» أخبرهم أن العذاب نازل بهم فی الدنیا فکذبوه و ادعوا أنه غیر نازل بهم فی الدنیا. فَاسْتَکْبَرُوا فِی الْأَرْضِ وَ ما کانُوا سابِقِینَ 39- یعنی فتکبروا بذنوبهم یعنی بتکذیبهم الرسل، کقوله- تعالی-: «... اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ «3» ...» یعنی بتکذیبهم الرسل و کفروا به «... فَدَمْدَمَ عَلَیْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ «4» ...» یعنی بتکذیبهم صالحا. قال- عز و جل-:
«فَکُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ» «5» فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَیْهِ حاصِباً یعنی من الحجارة و هم قوم لوط وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّیْحَةُ یعنی صیحة جبریل- علیه السلام- و هم قوم صالح، و قوم شعیب، و قوم هود، و قوم إبراهیم
______________________________
(1) فی أ زیادة لیست فی ف، و لا فی ز، و هی: و هو بالفارسیة الذی یستشیره.
(2) یلاحظ أن أ، ف، ز، فیهم خطأ فی هذه الآیة ثم فسرت فی الجمیع علی هذا الخطأ، و فی أ: «وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسی بِالْبَیِّناتِ» یعنی قوم نوح و عاد و ثمود و قوم إبراهیم و قوم لوط و قوم شعیب و قوم فرعون «جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ» یقول أخبرتهم رسلهم بالبینات، (و هی مقطع من آیة أخری لیس محلها هنا).
و مع ذلک فقد ورد هذا الخطأ فی جمیع النسخ و اضطررت لتصویبه حسب ترتیب المصحف.
(3) سورة التوبة: 102.
(4) سورة الشمس: 14.
(5) ما بین القوسین «...» ساقط من النسخ أ، ز، ل، ف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 384
وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ یعنی قارون و أصحابه وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا یعنی قوم نوح، و قوم فرعون وَ ما کانَ اللَّهُ لِیَظْلِمَهُمْ فیعذبهم علی غیر ذنب وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ 40- یخوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة لئلا یکذبوا محمد- صلی اللّه علیه و سلم-، ثم قال- عز و جل- مَثَلُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِیاءَ یعنی الآلهة و هی الأصنام اللات و العزی و مناة و هبل کَمَثَلِ الْعَنْکَبُوتِ و ذلک أن اللّه- عز و جل- ضرب مثل الصنم فی الضعف یعنی کشبه العنکبوت إذا اتَّخَذَتْ بَیْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ یعنی أضعف الْبُیُوتِ کلها لَبَیْتُ الْعَنْکَبُوتِ فکذلک ضعف الصنم هو أضعف من بیت العنکبوت لَوْ یعنی إن کانُوا یَعْلَمُونَ 41- و لکن لا یعلمون، ثم قال- تعالی-: إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ یعنی الأصنام وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ 42- یعنی العزیز فی ملکه الحکیم فی أمره، ثم قال- عز و جل-: وَ تِلْکَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ یقول و تلک الأشباه نبینها لکفار مکة، فیما ذکر من أمر الصنم وَ ما یَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ 43- یقول الذین یعقلون عن اللّه- عز و جل- الأمثال خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ لم یخلقهما باطلا لغیر شی‌ء خلقهما لأمر هو کائن إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِلْمُؤْمِنِینَ 44- یقول إن فی [74 أ] خلقهما لعبرة للمصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- اتْلُ ما أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنَ الْکِتابِ یعنی أقرأ علی أهل الکتاب ما أنزل إلیک من القرآن، ثم قال- تعالی-: وَ أَقِمِ یعنی و أتم الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ یعنی عن المعاصی وَ عن الْمُنْکَرِ یعنی بالمنکر ما لا یعرف یقول إن الإنسان ما دام یصلی للّه- عز و جل
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 385
- فقد انتهی عن الفحشاء و المنکر لا یعمل بهما ما دام یصلی حتی ینصرف، ثم قال- عز و جل- وَ لَذِکْرُ اللَّهِ أَکْبَرُ یعنی إذا صلیت للّه- تعالی- فذکرته فذکرک اللّه بخیر، و ذکر اللّه إیاک أفضل من ذکرک إیاه فی الصلاة وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ 45- فی صلاتکم وَ لا تُجادِلُوا یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وحده أَهْلَ الْکِتابِ البتة یعنی مؤمنیهم عبد اللّه بن سلام و أصحابه إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فیها تقدیم یقول جادلهم قل لهم بالقرآن و أخبرهم عن القرآن نسختها آیة السیف فی براءة فقال- تعالی-: «قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ ...» «1» إِلَّا الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ «2» وَ قُولُوا لهم یعنی ظلمة الیهود آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنا یعنی القرآن وَ أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ یعنی التوراة وَ قولوا لهم إِلهُنا وَ إِلهُکُمْ واحِدٌ ربنا و ربکم واحد وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 46- یعنی مخلصین بالتوحید وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ کما أنزلنا التوراة علی أهل الکتاب،- لیبین لهم- عز و جل- یعنی لیخبرهم، ثم ذکر مؤمنی أهل التوراة عبد اللّه بن سلام و أصحابه فقال- سبحانه-: فَالَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یعنی أعطیناهم التوراة یعنی بن سلام و أصحابه یُؤْمِنُونَ بِهِ یصدقون بقرآن محمد- صلی اللّه
______________________________
(1) سورة التوبة: 29.
و نری أن حقیقة النسخ لا تنطبق علی هذا الأمر. فآیة العنکبوت تأمر بالجدال بالتی هی أحسن مع أهل الکتاب و آیة التوبة تأمر بقتال صنف آخر لا یؤمن باللّه و لا بالیوم الآخر.
و انظر النسخ عند مقاتل فی دراستی التی قدمت بها لهذا التفسیر.
(2) فی أ، ز: یعنی مشرکیهم.
و فی کلیهما تحریف فی الآیة فقد أورداها هکذا «و لا تجادلوا أهل الکتاب إلا الذین ظلموا منهم إلا بالتی هی أحسن» و ترتیب الآیة فی المصحف غیر ذلک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 386
علیه و سلم- أنه من اللّه- عز و جل-، ثم ذکر مسلمی مکة فقال: وَ مِنْ هؤُلاءِ مَنْ یُؤْمِنُ بِهِ یعنی یصدق بقرآن محمد- صلی اللّه علیه و سلم- أنه من اللّه جاء، ثم قال: وَ ما یَجْحَدُ بِآیاتِنا یعنی آیات القرآن بعد المعرفة لأنهم یعلمون أن محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- نبی و أن القرآن حق «1» من اللّه- عز و جل- إِلَّا الْکافِرُونَ 47- من الیهود وَ ما کُنْتَ یا محمد تَتْلُوا یعنی تقرأ مِنْ قَبْلِهِ یعنی من قبل القرآن مِنْ کِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِیَمِینِکَ فلو کنت یا محمد تتلوا القرآن أو تخطه، لقالت الیهود إنما کتبه من تلقاء نفسه و إِذاً لَارْتابَ یقول و إذا لشک الْمُبْطِلُونَ 48- یعنی الکاذبین یعنی کفار الیهود إذا لشکوا فیک یا محمد، إذا لقالوا إن الذی نجد فی التوراة نعته «2»، هو أمی لا یقرأ الکتاب [74 ب و لا یخطه بیده، ثم ذکر مؤمنی أهل التوراة فقال: «بَلْ هُوَ» «3» یا محمد آیاتٌ بَیِّناتٌ یعنی علامات واضحات بأنه أمی لا یقرأ الکتاب و لا یخطه بیده فِی صُدُورِ یعنی فی قلوب الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالتوراة یعنی عبد اللّه بن سلام و أصحابه ثم قال- عز و جل-: وَ ما یَجْحَدُ بِآیاتِنا یعنی ببعث محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فی التوراة بأنه أمی لا یقرأ الکتاب و لا یخطه بیده، و هو مکتوب فی التوراة فکتموا أمره و جحدوا، فذلک قوله- عز و جل-: «و ما یجحد بآیاتنا» یعنی یبعث محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فی التوراة إِلَّا الظَّالِمُونَ 49-
______________________________
(1) فی أ: و القرآن حق.
(2) فی أ: بعثه، و فی ز: نعته.
(3) فی أ، ز: «بل هو» یعنی یا محمد، و فی ف: «بل هو» یا محمد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 387
یعنی کفار الیهود وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْهِ آیاتٌ مِنْ رَبِّهِ قال کفار مکة هلا أنزل علی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- آیات من ربه إلینا کما کان تجی‌ء إلی قومهم، فأوحی اللّه- تبارک و تعالی- إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قال:
قُلْ لهم إِنَّمَا الْآیاتُ عِنْدَ اللَّهِ فإذا شاء أرسلها و لیست بیدی وَ إِنَّما أَنَا نَذِیرٌ مُبِینٌ 50- فلما سألوه الآیة قال اللّه- تعالی-: أَ وَ لَمْ یَکْفِهِمْ بالآیة من القرآن أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ یُتْلی عَلَیْهِمْ فیه خبر ما قبلهم و ما بعدهم إِنَّ فِی ذلِکَ یعنی- عز و جل- فی القرآن لَرَحْمَةً لمن آمن به و عمل به وَ ذِکْری یعنی و تذکرة لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 51- یعنی یصدقون بالقرآن أنه من اللّه- عز و جل- فکذبوا بالقرآن فنزل قُلْ کَفی بِاللَّهِ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ شَهِیداً یعنی فلا شاهد أفضل من اللّه بیننا یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْباطِلِ یعنی صدقوا بعبادة الشیطان وَ کَفَرُوا بِاللَّهِ بتوحید اللّه أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ 52- وَ یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالْعَذابِ استهزاء و تکذیبا به نزلت فی النضر بن الحارث حیث قال: «... فَأَمْطِرْ عَلَیْنا» فی الدنیا «حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ» «1» یقول ذلک استهزاء و تکذیبا فنزلت فیه «وَ یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالْعَذابِ» وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّی فی الآخرة لَجاءَهُمُ الْعَذابُ الذی استعجلوه فی الدنیا وَ لَیَأْتِیَنَّهُمْ العذاب فی الآخرة بَغْتَةً یعنی فجأة وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 53- یعنی لا یعلمون به حتی ینزل بهم العذاب، ثم قال- سبحانه-: یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالْعَذابِ
______________________________
(1) سورة الأنفال: 32 و تمامها: «وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ کانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 388
یعنی النضر بن الحارث وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْکافِرِینَ 54- ثم أخبر بمنازلهم یوم القیامة، فقال- تعالی-: یَوْمَ یَغْشاهُمُ الْعَذابُ و هم فی النار مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ یعنی بذلک «لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ...» «1» [75 أ] یعنی بین طبقتین من نار وَ یَقُولُ لهم الخزنة:
ذُوقُوا جزاء ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 55- من الکفر و التکذیب یا عِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا نزلت فی ضعفاء مسلمین أهل مکة إن کنتم فی ضیق بمکة من إظهار الإیمان ف إِنَّ أَرْضِی یعنی أرض اللّه بالمدینة «2» واسِعَةٌ من الضیق فَإِیَّایَ فَاعْبُدُونِ 56- یعنی فوحدونی بالمدینة علانیة، ثم خوفهم الموت لیهاجروا فقال- تعالی-: کُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَیْنا تُرْجَعُونَ 57- فی الآخرة بعد الموت فیجزیکم بأعمالکم، ثم ذکر المهاجرین فقال- سبحانه-: وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ یعنی لننزلنهم مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها لا یموتون فی الجنة نِعْمَ أَجْرُ یعنی جزاء الْعامِلِینَ 58- للّه- عز و جل-، ثم نعتهم فقال- عز و جل-: الَّذِینَ صَبَرُوا علی الهجرة وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ 59- یعنی و باللّه یثقون فی هجرتهم، و ذلک أن أحدهم کان یقول بمکة أهاجر إلی المدینة و لیس لی بها مال، و لا معیشة، فوعظهم اللّه لیعتبروا فقال:
وَ کَأَیِّنْ یعنی و کم مِنْ دَابَّةٍ فی الأرض أو طیر لا تَحْمِلُ یعنی لا ترفع رِزْقَهَا معها اللَّهُ یَرْزُقُها حیث توجهت وَ إِیَّاکُمْ یعنی
______________________________
(1) سورة الزمر: 16.
(2) فی أ: «فإن أرض اللّه» المدینة، و فی ز: «إِنَّ أَرْضِی واسِعَةٌ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 389
یرزقکم إن هاجرتم إلی المدینة وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ 60- لقولهم إنا لا نجد ما ننفق فی المدینة، ثم قال- عز و جل- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ یعنی و لئن سألت کفار مکة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ وحده خلقهم فَأَنَّی یُؤْفَکُونَ 61- یعنی- عز و جل- من أین تکذبون یعنی بتوحیدی، ثم رجع إلی الذین رغبهم فی الهجرة، و الذین قالوا لا نجد ما ننفق، فقال- عز و جل-: اللَّهُ یَبْسُطُ یعنی یوسع الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ یَقْدِرُ لَهُ یعنی و یقتر علی من یشاء إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ 62- من البسط علی من یشاء، و التقتیر علیه «1» وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ یعنی کفار مکة مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً یعنی المطر فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَیَقُولُنَّ اللَّهُ یفعل ذلک قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بإقرارهم بذلک «بَلْ» «2» أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ 63- بتوحید ربهم و هم مقرون بأن اللّه- عز و جل- خلق الأشیاء کلها وحده، ثم قال- تعالی-:
وَ ما هذِهِ الْحَیاةُ «3» الدُّنْیا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ یعنی و باطلا وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ یعنی الجنة لَهِیَ الْحَیَوانُ یقول [75 ب لهی دار الحیاة لا موت فیها لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ 64- و لکنهم لا یعلمون فَإِذا رَکِبُوا فِی الْفُلْکِ یعنی السفن یعنی کفار مکة یعظهم لیعتبروا دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ یعنی موحدین له التوحید «4» فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَی الْبَرِّ إِذا هُمْ یُشْرِکُونَ 65-
______________________________
(1) فی أ: علیهم، ز: علیم.
(2) فی أ: و لکن «بل»، و فی ز: و لکن یعنی بل.
(3) فی أ: «و ما الحیاة».
(4) من ز، و فی أ: یعنی التوحید له: الإسلام.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 390
فلا یوحدون کما یوحدونه- عز و جل- فی البحر لِیَکْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ یعنی لئلا یکفروا بما أعطیناهم فی البحر من العافیة حین سلمهم اللّه- عز و جل- من البلاء و أنجاهم من الیم «وَ لِیَتَمَتَّعُوا» «1» إلی منتهی آجالهم فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ 66- هذا وعید أَ وَ لَمْ یَرَوْا یعنی کفار مکة یعظهم لیعتبروا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ یُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ فیقتلون و یسبون فادفع عنهم و هم یأکلون رزقی و یعبدون غیری فلست أسلط علیهم عدوهم إذا أسلموا نزلت فی الحارث بن نوفل القرشی، نظیرها فی «طسم» القصص «2»، ثم بین لهم ما یعبدون فقال- سبحانه-: أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ یعنی أ فبالشیطان یصدقون أن للّه- تعالی- شریکا وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ الذی أطعمهم من جوع، و آمنهم من خوف یَکْفُرُونَ 67- فلا یؤمنون برب هذه النعمة فیوحدونه- عز و جل-، ثم قال- تعالی ذکره-: وَ مَنْ أَظْلَمُ یقول فلا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً أَوْ کَذَّبَ بِالْحَقِ یعنی بالتوحید لَمَّا جاءَهُ یعنی حین جاءه، ثم قال- تعالی-: أَ لَیْسَ فِی جَهَنَّمَ یقول أما لهذا المکذب بالتوحید فی جهنم مَثْویً یعنی مأوی لِلْکافِرِینَ 68- بالتوحید وَ الَّذِینَ جاهَدُوا فِینا یعنی عملوا بالخیر للّه- عز و جل-، مثلها فی
______________________________
(1) فی أ، ز: «و لکی یتمتعوا».
(2) یشیر إلی الآیة 57 من سورة القصص و هی وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدی مَعَکَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَکِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً یُجْبی إِلَیْهِ ثَمَراتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 391
آخر الحج «1» لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا یعنی دیننا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِینَ 69- لهم فی العون «2» لهم.
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 78 من سورة الحج و بدایتها «وَ جاهِدُوا فِی اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباکُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ هُوَ سَمَّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَ فِی هذا لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهِیداً عَلَیْکُمْ وَ تَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النَّاسِ فَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاکُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلی وَ نِعْمَ النَّصِیرُ».
(2) من ز، و فیما تمت و ربنا محمود، و له الفواضل و الجود و صلی اللّه علی خیار خلقه محمد النبی المصطفی و آله،- فی الورقة 120.
و فی أعلی الورقة 119، وقف علی ذریة محمود عبد الخالق الأشمونی الحنفی- غفر اللّه له و لوالدیه آمین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 393

سورة الرّوم‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 395

[سورة الروم (30): الآیات 1 الی 60]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِی أَدْنَی الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ (3) فِی بِضْعِ سِنِینَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ یَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
بِنَصْرِ اللَّهِ یَنْصُرُ مَنْ یَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا یُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (6) یَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (7) أَ وَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّی وَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَکافِرُونَ (8) أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها أَکْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَما کانَ اللَّهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (9)
ثُمَّ کانَ عاقِبَةَ الَّذِینَ أَساؤُا السُّوای أَنْ کَذَّبُوا بِآیاتِ اللَّهِ وَ کانُوا بِها یَسْتَهْزِؤُنَ (10) اللَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَکائِهِمْ شُفَعاءُ وَ کانُوا بِشُرَکائِهِمْ کافِرِینَ (13) وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یَوْمَئِذٍ یَتَفَرَّقُونَ (14)
فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِی رَوْضَةٍ یُحْبَرُونَ (15) وَ أَمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِکَ فِی الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحانَ اللَّهِ حِینَ تُمْسُونَ وَ حِینَ تُصْبِحُونَ (17) وَ لَهُ الْحَمْدُ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِیًّا وَ حِینَ تُظْهِرُونَ (18) یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ یُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ وَ یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ کَذلِکَ تُخْرَجُونَ (19)
وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (21) وَ مِنْ آیاتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِکُمْ وَ أَلْوانِکُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِلْعالِمِینَ (22) وَ مِنْ آیاتِهِ مَنامُکُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُکُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ (23) وَ مِنْ آیاتِهِ یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَیُحْیِی بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (24)
وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاکُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ کُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) وَ هُوَ الَّذِی یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَیْهِ وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلی فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (27) ضَرَبَ لَکُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِکُمْ هَلْ لَکُمْ مِنْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ مِنْ شُرَکاءَ فِی ما رَزَقْناکُمْ فَأَنْتُمْ فِیهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ کَخِیفَتِکُمْ أَنْفُسَکُمْ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَیْرِ عِلْمٍ فَمَنْ یَهْدِی مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِینَ (29)
فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (30) مُنِیبِینَ إِلَیْهِ وَ اتَّقُوهُ وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ لا تَکُونُوا مِنَ الْمُشْرِکِینَ (31) مِنَ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَ کانُوا شِیَعاً کُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَ إِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِیبِینَ إِلَیْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِیقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ (33) لِیَکْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)
أَمْ أَنْزَلْنا عَلَیْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ یَتَکَلَّمُ بِما کانُوا بِهِ یُشْرِکُونَ (35) وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ إِذا هُمْ یَقْنَطُونَ (36) أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّ اللَّهَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ وَ الْمِسْکِینَ وَ ابْنَ السَّبِیلِ ذلِکَ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یُرِیدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ رِباً لِیَرْبُوَا فِی أَمْوالِ النَّاسِ فَلا یَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ زَکاةٍ تُرِیدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
اللَّهُ الَّذِی خَلَقَکُمْ ثُمَّ رَزَقَکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِیکُمْ هَلْ مِنْ شُرَکائِکُمْ مَنْ یَفْعَلُ مِنْ ذلِکُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسادُ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ لِیُذِیقَهُمْ بَعْضَ الَّذِی عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلُ کانَ أَکْثَرُهُمْ مُشْرِکِینَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ الْقَیِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ یَوْمَئِذٍ یَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ یَمْهَدُونَ (44)
لِیَجْزِیَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْکافِرِینَ (45) وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ یُرْسِلَ الرِّیاحَ مُبَشِّراتٍ وَ لِیُذِیقَکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لِتَجْرِیَ الْفُلْکُ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (46) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ رُسُلاً إِلی قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِینَ أَجْرَمُوا وَ کانَ حَقًّا عَلَیْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِینَ (47) اللَّهُ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً فَیَبْسُطُهُ فِی السَّماءِ کَیْفَ یَشاءُ وَ یَجْعَلُهُ کِسَفاً فَتَرَی الْوَدْقَ یَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ (48) وَ إِنْ کانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ یُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِینَ (49)
فَانْظُرْ إِلی آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ کَیْفَ یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِکَ لَمُحْیِ الْمَوْتی وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (50) وَ لَئِنْ أَرْسَلْنا رِیحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ یَکْفُرُونَ (51) فَإِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ (52) وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْیِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ یُؤْمِنُ بِآیاتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَیْبَةً یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَ هُوَ الْعَلِیمُ الْقَدِیرُ (54)
وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَیْرَ ساعَةٍ کَذلِکَ کانُوا یُؤْفَکُونَ (55) وَ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِیمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِی کِتابِ اللَّهِ إِلی یَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا یَوْمُ الْبَعْثِ وَ لکِنَّکُمْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَیَوْمَئِذٍ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ (57) وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآیَةٍ لَیَقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (58) کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی قُلُوبِ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ (59)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا یَسْتَخِفَّنَّکَ الَّذِینَ لا یُوقِنُونَ (60)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 401
سورة الروم «1» سورة الروم مکیة و هی ستون آیة کوفیة «2».
______________________________
(1) المقصود الإجمالی للسورة:
معظم مقصود السورة ما یأتی:
ذکر غلبة الروم علی فارس و عیب الکفار فی إقبالهم علی الدنیا، و أخبار القرون الماضیة، و ذکر قیام الساعة، و آیات التوحید، و الحجج المترادفة الدالة علی الذات و الصفات، و بیان بعث القیامة و تمثیل حال المؤمنین و الکافرین، و تقریر المؤمنین، و الإیمان، و الأمر بالمعروف و الإحسان إلی ذوی القربی، و وعد الثواب علی أداء الزکاة و الإخبار عن ظهور الفساد فی البر و البحر و عن آثار القیامة، و ذکر عجائب الصنع فی السحاب و الأمطار و ظهور آثار الرحمة فی الربیع، و إصرار الکفار علی الکفر، خلق اللّه الخلق مع الضعف و العجز، و احیاء الخلق بعد الموت، و الحشر و النشر، و تسلیة رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم-، و تسکینه عن جفاء المشرکین و أذاهم فی قوله: «...
وَ لا یَسْتَخِفَّنَّکَ الَّذِینَ لا یُوقِنُونَ» سورة الروم: 60.
و سمیت سورة الروم لما فیها من ذکر غلبة الروم.
(2) فی المصحف (30) سورة الروم مکیة إلا آیة 17 فمدنیة و آیاتها 60 نزلت بعد الانشقاق.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 402
بسم اللّه الرحمن الرحیم تفسیر سورة الروم «1»
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی قال: حدثنا الهذیل عن أبی بکر الهذلی، عن عکرمة «2» قال: اقتتل الروم و فارس فهزمت الروم فبلغ ذلک النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و أصحابه فشق علیهم و هم بمکة، و فرح الکفار و شمتوا فلقوا أصحاب النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، فقالوا لهم: إنکم أهل کتاب و الروم أهل کتاب فقد ظهر إخواننا أهل فارس علی إخوانکم من الروم فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- «الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِی أَدْنَی الْأَرْضِ» و أدنی الأرض یومئذ أذرعات فیها کان القتال «وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ، فِی بِضْعِ سِنِینَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ» أن یظهر الروم علی فارس «و من بعد» «3» ما ظهرت، قال: فخرج أبو بکر الصدیق
______________________________
(1) من ز وحدها، و نسخة الأزهریة: (ز): مقسمة إلی ثلاثة أثلاث کل عشرة أجزاء للقرآن ثلث. و فی أول سورة الروم نجد صفحة کاملة مکتوب فی أعلاها:
الثلث الثالث من کتاب التفسیر عن مقاتل بن سلیمان روایة أبی یعقوب إسحاق بن إبراهیم بن الخلیل الجلاب.
(2) هذا الإسناد من (أ)، و قد ذکر فی (أ) فی آخر سورة العنکبوت، بینما ذکر فی (ز) فی أول سورة الروم، و فی ز: حدثنا محمد قال: حدثنا أبو القاسم، قال: الهذیل قال: حدثنا أبو بکر ابن عبد اللّه الهذلی عن عکرمة قال: اقتتل الروم.
(3) سورة الروم: 1- 4. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 403
- رضوان اللّه علیه- [76 أ] إلی الکفار فقال: أ فرحتم لظهور إخوانکم علی إخواننا فلا تفرحوا و لا یقر اللّه أعینکم لیظهرن اللّه الروم علی فارس، أخبرنا بذلک نبی اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- فقال له أبی بن خلف الجمحی: کذبت یا أبا فصیل. فقال أبو بکر- رضی اللّه عنه-: أنت أکذب یا عدو اللّه. فقال:
أناجیک عشر قلائص منی و عشر قلائص منک إلی ثلاث سنین. ثم جاء أبو بکر- رضی اللّه عنه- إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقال: ناجیت عدو اللّه أبی بن خلف أن یظهر اللّه- عز و جل- الروم علی فارس إلی ثلاث سنین فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: ما کذلک ذکرت لک، إنما قال اللّه- عز و جل-: «بِضْعِ سِنِینَ» و البضع ما بین الثلاث إلی التسع فاذهب فزایدهم فی الخطر و مادهم فی الأجل فخرج أبو بکر- رضی اللّه عنه- فلقی أبی بن خلف، فقال: لعلک ندمت یا أبا عامر. قال: فقال تعال أزایدک فی الخطر، و أمادکم فی الأجل فنجعلها مائة قلوص إلی تسع سنین. قال: قد فعلت. قال: و کانت امرأة بفارس لا تلد إلا ملوکا أبطالا، فدعاها کسری. فقال: إنی أرید أن أبعت إلی الروم جیشا و أستعمل رجلا من بنیک فأشیری علی أیهم أستعمل فقالت:
هذا فلان و سمته و هو أروغ من ثعلب و أجبن من صقر، و هذا الفرخان و هو أنفذ من السنان، و هذا شهر بران و هو «أحلم» «1» من الأرزان فاستعمل أیهم شئت.
قال: إنی أستعمل الحلیم فبعث «شهر بران» «2» علی الجیش فسار إلی الروم أرض فارس فظهر علیهم و خرب مدائنهم و قطع زیتونهم، فلما ظهرت فارس علی الروم جلس الفرخان یشرب فقال لأصحابه: قد رأیت فی المنام أنی جالس علی سریر
______________________________
(1) فی أ: أعلم، و فی ف: أحلم.
(2) فی أ: شهر بزان، و فی ز: شهر بران. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 404
کسری فعمد الملاقون المبلغون بالأحادیث فکتبوا إلی کسری أن عبدک الفرخان یتمنی فی المنام أن یقعد علی سریرک فکتب کسری إلی شهر بران إذا جاءک کتابی هذا فابعث برأس أخیک الفرخان فکتب إلیه شهر بران أیها الملک إن الفرخان له صولة و نکایة فی العدو فلا تفعل فکتب إلیه کسری إن فی رجال فارس منه خلفا و بدلا فعجل علی برأسه فراجعه. فقال: أیها الملک إنک لن تجد من الفرخان بدلا صولة و نکایة، فغضب کسری فلم یجبه و بعث «بریدا» «1» إلی أهل فارس الذین بالروم: إنی قد نزعت عنکم «شهر بران» «2» و استعملت علیکم الفرخان و دفع إلی صاحب البرید صحیفة صغیرة [76 ب فقال إذا ولی الفرخان و انقاد له أخوه فادفع إلیه الصحیفة. فلما قرأ شهر بران الکتاب قال: «سمعا» «3» و طاعة و وضع تاجه علی رأس أخیه و نزل علی سریره و جلس علیه الفرخان و دفع الرسول الصحیفة إلیه فقال: ائتونی «بشهر بران» «4» فأتی به لیضرب عنقه فقال شهر بران لا تعجل حتی أکتب وصیتی قال: فکتبها فدعا بسفط فیه ثلاث صحائف.
و قال: ویحک أنت ابن أمی و أبی و هذه ثلاث صحائف جاءتنی فی قتلک فراجعت فیک کسری ثلاث مرات. فقال الفرخان: أمنا و اللّه کانت أعرف بنا، أنت «أحلم» «5» من الأرزق حین راجعت فی ثلاث مرات و أنا أنفذ من السنان حین أردت قتلک بکتاب واحد ثم رد الملک إلی أخیه و کان أکبر منه فکتب شهر بران
______________________________
(1) فی أ: یرید، و فی ز: بریدا.
(2) فی أ: شهر بزان، و فی ز: شهر بران.
(3) فی أ: سمع، و فی ز: سمعا.
(4) فی أ: بشهر بزان، و فی ز: بشهر بران.
(5) فی ف: أحلم، و فی أ: أعلم، و فی ز: أحلم. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 405
إلی قیصر إن لی إلیک حاجة لا تحملها البرد «1» و لا تبلغها الصحف فالقنی و لا تلقنی إلا فی خمسین رومیا فإنی ألقاک فی خمسین فارسیا فأقبل قیصر فی خمسمائة ألف رومی فجعل یبثهم فی الطرق و بعث بین یدیه العیون مخافة أن یکون مکرا منه حتی أتته عیونه أن لیس معه إلا خمسین رجلا ثم بسطت لهم «بسط» «2» فمشیا علیها و نزلا عن برذونیهما إلی قبة من دیباج ضربت «لهما» «3» عراها ذهب و أزرارها فضة و أطنابها إبریسم مع أحدهما سکین نصلبها زمرد أخضر و قرابها من ذهب و مع الآخر سکین نصابها من فارهرة خضراء و قرابها من ذهب و دعوا ترجمانا بینهما فقال شهر بران لقیصر: إن الذین کسروا شوکتک و أطفئوا جمرتک و خربوا مدائنک و قطعوا شجرک أنا و أخی بکیدنا و شجاعتنا و إن کسری حسدنا علی ذلک و أرادنی علی قتل أخی و أراد أخی علی قتلی فأبینا فخالفناه جمیعا فنحن نقاتله معک فقال: أصبتما فأشار أحدهما إلی الآخر السر بین اثنین فإذا جاوزهما فشا فقتلا الترجمان بسکینیهما و أهلک اللّه- عز و جل- کسری و جاء الخبر إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یوم الحدیبیة ففرح النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و من معه «بظهور الروم» «4» و بأخذ الحظ فذلک قوله- عز و جل-.
«وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ»
«5».
______________________________
(1) البرد جمع برید.
(2) «بسط»: زیادة اقتضاها السیاق.
(3) فی ز: «لهما البردانیک» و فی أ: لهما الدرابیک.
(4) فی أ: «بذلک من ظهور الروم»، و فی ز: «بظهور الروم».
(5) سورة الروم: 3.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 406
بسم اللّه الرحمن الرحیم «1» سورة الروم «2» الم 1- غُلِبَتِ الرُّومُ 2- و ذلک أن أهل فارس غلبوا علی الروم فِی أَدْنَی الْأَرْضِ یعنی أرض الأردن و فلسطین، ثم قال- عز و جل-:
وَ هُمْ یعنی الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ 3- أهل فارس فِی بِضْعِ سِنِینَ «یعنی خمس سنین أو سبع سنین إلی تسع» «3» لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ حین ظهرت «4» فارس علی الروم وَ مِنْ بَعْدُ ما ظهرت الروم علی فارس وَ یَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ 4- و ذلک أن فارس غلبت الروم ففرح بذلک کفار مکة فقالوا: إن فارس لیس لهم کتاب و نحن منهم و قد غلبوا أهل الروم و هم أهل کتاب قبلکم فنحن أیضا نغلبکم کما غلبت فارس الروم. فخاطرهم أبو بکر الصدیق- رضی اللّه عنه- علی أن یظهر اللّه- عز و جل- الروم علی فارس فلما کان یوم بدر غلب
______________________________
(1) النسخة ز، کررت البسملة فی أول سورة الروم. المرة الأولی فی المقدمة التی ذکر فیها مخاطرة أبی بکر و أخذه الخطر. و المرة الثانیة عند بدء التفسیر قالت بسم اللّه الرحمن الرحیم.
سورة الروم مکیة.
(2) من ز وحدها.
(3) فی أ: یعنی خمس أو سبع سنین إلی تسع، و فی ز: یعنی خمس سنین أو سبع.
(4) فی أ: ظهر، و فی ز: ظهرت.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 407
المسلمون کفار مکة و أتی المسلمین الخیر بعد ذلک و النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و المؤمنون بالحدیبیة أن الروم قد غلبوا أهل فارس ففرح المسلمون بذلک، فذلک قوله- تبارک و تعالی-: «وَ یَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ» بِنَصْرِ اللَّهِ یَنْصُرُ مَنْ یَشاءُ فنصر اللّه- عز و جل- الروم علی فارس، و نصر المؤمنین علی المشرکین یوم بدر، قال أبو محمد: سألت أبا العباس ثعلب عن البضع و النیف، فقال: البضع من ثلاث إلی تسع و النیف من واحد إلی خمسة، و ربما أدخلت کل واحدة علی صاحبتها فتجوز مجازها، فأخذ أبو بکر الصدیق- رضی اللّه عنه- الخطر من صفوان بن أمیة و النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بالحدیبیة مقیم حین صده المشرکون عن دخول مکة وَ هُوَ الْعَزِیزُ یعنی المنیع فی ملکه الرَّحِیمُ 5- بالمؤمنین حین نصرهم وَعْدَ اللَّهِ لا یُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ و ذلک أن اللّه- عز و جل- وعد المؤمنین فی أول السورة أن یظهر الروم علی فارس حین قال- تعالی-:
«وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ» «1» علی أهل فارس، و ذلک قوله- عز و جل-:
«وَعْدَ اللَّهِ لا یُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ» بأن الروم تظهر علی فارس وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ 6- یعنی کفار مکة یَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَیاةِ الدُّنْیا یعنی «2» حرفتهم و حیلتهم و متی یدرک زرعهم «3»، و ما یصلحهم فی معایشهم لصلاح دنیاهم وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ 7- حین لا یؤمنون بها، ثم وعظهم
______________________________
(1) سورة الروم: 2.
(2) فی أ: حین، و فی ف: یعنی، و فی ز: یعنی.
(3) فی أ: و متی زرعهم، و فی ف، ز، و فی ل: و متی یدرک زرعهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 408
لیعتبروا فقال- تعالی-: أَ وَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ یقول- سبحانه- لم یخلقهما عبثا لغیر شی‌ء خلقهما لأمر هو کائن وَ أَجَلٍ مُسَمًّی یقول السموات و الأرض لهما أجل ینتهیان إلیه یعنی یوم القیامة وَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ النَّاسِ یعنی- عز و جل- کفار مکة بِلِقاءِ رَبِّهِمْ بالبعث بعد الموت لَکافِرُونَ 8- لا یؤمنون أنه کائن، ثم خوفهم فقال- عز و جل-: أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ [77 ب فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی الأمم الخالیة فکان عاقبتهم العذاب فی الدنیا کانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ من أهل مکة قُوَّةً وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها یعنی و عاشوا فی الأرض أَکْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها أکثر مما عاش فیها کفار مکة وَ جاءَتْهُمْ یعنی الأمم الخالیة رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ یعنی أخبرتهم بأمر العذاب فَما کانَ اللَّهُ لِیَظْلِمَهُمْ فیعذبهم علی غیر ذنب وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ 9- ثُمَّ کانَ عاقِبَةَ الَّذِینَ أَساؤُا یعنی أشرکوا السُّوای بعد العذاب فی الدنیا أَنْ کَذَّبُوا بِآیاتِ اللَّهِ یعنی بأن کذبوا بالعذاب بأنه لیس بنازل بهم فی الدنیا وَ کانُوا بِها یعنی بالعذاب یَسْتَهْزِؤُنَ 10- تکذیبا به أنه لا یکون، ثم قال- سبحانه-: اللَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ یقول اللّه بدأ الناس فخلقهم، ثم یعیدهم فی الآخرة بعد الموت أحیاء کما کانوا ثُمَّ إِلَیْهِ «تُرْجَعُونَ» «1»- 11- فی الآخرة، فیجزیهم بأعمالهم وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یعنی یوم القیامة یُبْلِسُ یعنی ییأس الْمُجْرِمُونَ 12- یعنی کفار مکة من شفاعة الملائکة وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَکائِهِمْ من الملائکة شُفَعاءُ
______________________________
(1) فی أ: یرجعون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 409
فیشفعوا لهم وَ کانُوا بِشُرَکائِهِمْ کافِرِینَ 13- یعنی تبرأت الملائکة ممن کان یعبدها وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یوم القیامة یَوْمَئِذٍ یَتَفَرَّقُونَ 14- بعد الحساب إلی الجنة و إلی النار فلا یجتمعون أبدا، ثم أخبر بمنزلة الفریقین جمیعا فقال- سبحانه-: فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِی رَوْضَةٍ یُحْبَرُونَ 15- یعنی فی بساتین یکرمون و ینعمون فیها و هی الجنة وَ أَمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه- عز و جل- وَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی القرآن وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ یعنی البعث فَأُولئِکَ فِی الْعَذابِ مُحْضَرُونَ 16- فَسُبْحانَ اللَّهِ یعنی فصلوا للّه- عز و جل- حِینَ تُمْسُونَ یعنی صلاة المغرب و صلاة «العشاء» «1» وَ حِینَ تُصْبِحُونَ 17- یعنی صلاة الفجر وَ لَهُ الْحَمْدُ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «2» یحمده الملائکة فی السموات و یحمده المؤمنون فی الأرض وَ عَشِیًّا یعنی صلاة العصر وَ حِینَ تُظْهِرُونَ 18- یعنی صلاة الأولی، یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ یقول یخرج الناس و الدواب و الطیر من النطف و هی میتة وَ یُخْرِجُ الْمَیِّتَ یعنی النطف مِنَ الْحَیِ یعنی من الناس و الدواب و الطیر وَ یُحْیِ الْأَرْضَ بالماء بَعْدَ مَوْتِها فینبت العشب فذلک حیاتها، ثم قال:
وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا تُخْرَجُونَ 19- یا بنی آدم من الأرض یوم القیامة بالماء کما یخرج العشب من الأرض بالماء، و ذلک [78 أ] أن اللّه- عز و جل- یرسل یوم القیامة ماء «الحیوان» «3» من السماء السابعة من البحر
______________________________
(1) فی أ: العشی، و فی حاشیة أ: العشاء.
(2) هذه الآیة ذکر تفسیر آخرها قبل أولها ففسرت هکذا «و عشیا و حین تظهرون و له الحمد فی السموات و الأرض».
(3) فی أ: الحیوان، و فی حاشیة أ: الحیاة محمد، و فی ز: الحیوان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 410
المسجور علی الأرض بین النفختین فتنبت عظام الخلق و لحومهم و جلودهم کما ینبت العشب من الأرض وَ مِنْ آیاتِهِ یعنی و من علامات ربکم أنه واحد- عز و جل- و إن لم تروه فاعرفوا توحیده بصنعه أَنْ خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ یعنی آدم- صلی اللّه علیه- خلقه من طین ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ یعنی ذریة آدم بشر تَنْتَشِرُونَ 20- فی الأرض یعنی «تتبسطون» «1» فی الأرض کقوله- سبحانه-: «... وَ یَنْشُرُ ...» «2» یعنی و یبسط رحمته وَ مِنْ آیاتِهِ یعنی علاماته أن تعرفوا توحیده و إن لم تروه أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ یعنی بعضکم من بعض أَزْواجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ و بین أزواجکم مَوَدَّةً یعنی الحب وَ رَحْمَةً لیس بینها و بینه رحم إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یعنی إن فی هذا الذی ذکر لعبرة لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ 21- فیعتبرون فی توحید اللّه- عز و جل- وَ مِنْ آیاتِهِ یعنی و من علامة «3» الرب- عز و جل- أنه واحد فتعرفوا «4» توحیده بصنعه أن خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و أنتم تعلمون ذلک، کقوله- سبحانه-: «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ ...» «5» وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِکُمْ عربی و عجمی و غیره وَ اختلاف أَلْوانِکُمْ أبیض و أحمر و أسود إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یعنی إن فی هذا الذی ذکر لعبرة لِلْعالِمِینَ فی توحید اللّه- عز و جل- وَ مِنْ آیاتِهِ یعنی و من علامات الرب- تعالی- أن یعرف توحیده بصنعه
______________________________
(1) فی أ: تنبسطون، و فی ز: تتبسطون.
(2) سورة الشوری: 28.
(3) فی أ: علامته، ز: علامة.
(4) فی أ: فتعرفون، ز: فتعرفوا.
(5) سورة الزمر: 38.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 411
مَنامُکُمْ بِاللَّیْلِ یعنی النوم، ثم قال: وَ ب النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُکُمْ مِنْ فَضْلِهِ یعنی الرزق إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یعنی إن فی هذا الذی ذکر لعبرة لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ 23- المواعظ فیوحدون ربهم- عز و جل- وَ مِنْ آیاتِهِ یعنی و من علاماته أن تعرفوا توحید الرب- جل جلاله- بصنعه و إن لم تروه یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً «من الصواعق لمن کان بأرض» «1» نظیرها فی الرعد «2» وَ طَمَعاً فی رحمته یعنی المطر وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً یعنی المطر فَیُحْیِی بِهِ بالمطر الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِکَ یعنی- عز و جل- فی هذا الذی ذکر لَآیاتٍ یعنی لعبرة لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ 24- عن اللّه- عز و جل- فیوحدونه وَ مِنْ آیاتِهِ یعنی علاماته أن تعرفوا توحید اللّه- تعالی- بصنعه أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ یعنی السموات السبع و الأرضین السبع قال ابن مسعود قامتا علی غیر عمد بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاکُمْ یدعو إسرافیل- صلی اللّه علیه و سلم- من صخرة بیت المقدس فی الصور [78 ب عن أمر اللّه- عز و جل- «دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» «3»- 25- و فی هذا کله الذی ذکره من صنعه، «عبرة و تفکرا» «4» فی توحید اللّه- عز و جل- ثم عظم نفسه- تعالی ذکره- فقال: وَ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ من الملائکة وَ من فی الْأَرْضِ من الإنس و الجن و من
______________________________
(1) کذا فی أ، ل، ف.
و فی ز: لمن کان بأرض فی، و لعل أصله: لمن کان بأرض فیه الصواعق.
(2) سورة الرعد: 12، و تمامها «هُوَ الَّذِی یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ یُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ».
(3) و ردت فی أ، ل، ز، ف: «دعوة إذا أنتم تخرجون من الأرض» فی التقدیم.
(4) فی أ: «عبرة و تفکر»، ز: «عبرة و تفکرا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 412
یعبد من دون اللّه- عز و جل- کلهم عبیده و فی ملکه، قال- سبحانه-:
کُلٌّ لَهُ قانِتُونَ 26- یعنی کل ما فیهما من الخلق للّه «قانتون» یعنی مقرون بالعبودیة له یعلمون أن اللّه- جل جلاله- ربهم و هو خلقهم و لم یکونوا شیئا ثم یعیدهم، ثم یبعثهم فی الآخرة أحیاء بعد موتهم کما کانوا، ثم قال- عز و جل-: «وَ هُوَ الَّذِی یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ» «1» و هو الذی بدأ الخلق، یعنی خلق آدم، فبدأ خلقهم و لم یکونوا شیئا ثم یعیدهم، یعنی یبعثهم فی الآخرة أحیاء بعد موتهم کما کانوا «2». وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَیْهِ یقول البعث أیسر علیه عندکم، یا معشر الکفار، فی المثل من الخلق الأول حین بدأ خلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما، فذلک قوله- عز و جل-: وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلی فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فإنه- تبارک و تعالی- رب واحد لا شریک له وَ هُوَ الْعَزِیزُ فی ملکه لقولهم إن اللّه- عز و جل- لا یقدر علی البعث الْحَکِیمُ 27- فی أمره حکم البعث ضَرَبَ لَکُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِکُمْ نزلت فی کفار قریش و ذلک أنهم کانوا یقولون فی إحرامهم «لبیک لا شریک لک إلا شریکا هو لک تملکه و ما ملک» فقال- تعالی-: «ضَرَبَ لَکُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِکُمْ» یقول وصف لکم یا معشر الأحرار، من کفار قریش مثلا یعنی شبها من عبیدکم هَلْ لَکُمْ استفهام مِنْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ من العبید مِنْ شُرَکاءَ فِی ما رَزَقْناکُمْ من الأموال فَأَنْتُمْ و عبیدکم فِیهِ سَواءٌ فی الرزق، ثم قال: تَخافُونَهُمْ کَخِیفَتِکُمْ أَنْفُسَکُمْ یقول- عز و جل- تخافون عبیدکم أن یرثوکم بعد الموت کما تخافون أن یرثکم الأحرار من أولیائکم،
فقالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- لا، قال لهم
______________________________
(1) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ، ل، و التفسیر مذکور، فی ز، دون نص القرآن.
(2) من، وحدها. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 413
النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أ فترضون للّه- عز و جل- الشرکة فی ملکه و تکرهون الشرک فی أموالکم فسکتوا و لم یجیبوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم-.
إلا شریکا هو لک تملکه و ما ملک، یعنون الملائکة. قال: فکما لا تخافون إن یرثکم عبیدکم فکذلک لیس للّه- عز و جل- شریک
کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ یعنی هکذا نبین الآیات لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ 28- عن اللّه- عز و جل- الأمثال فیوحدونه، ثم ذکرهم «1» فقال- سبحانه- بَلِ اتَّبَعَ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَیْرِ عِلْمٍ یعلمونه بأن معه شریکا فَمَنْ یَهْدِی مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ یقول فمن یهدی إلی توحید اللّه من قد أضله اللّه- عز و جل- عنه وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِینَ 29- [79 أ] یعنی مانعین من اللّه- عز و جل-، ثم قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- إن لم یوحد کفار مکة ربهم فوحد أنت ربک یا محمد فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ یعنی فأخلص دینک الإسلام للّه- عز و جل- حَنِیفاً یعنی مخلصا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها یعنی ملة الإسلام التوحید الذی خلقهم علیه ثم أخذ المیثاق من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم «2» «... وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی ... «3»» ربنا، و أقروا له بالربوبیة و المعرفة له- تبارک و تعالی- ثم قال- سبحانه- لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ یقول لا تحویل لدین اللّه- عز و جل- الإسلام یعنی التوحید ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ یعنی التوحید و هو الدین
______________________________
(1) کذا فی أ، ز: ذکرهم بدون تشدید الکاف.
(2) فی أ: ذریاتهم، ز: ذریتهم.
(3) یشیر إلی الآیة 72 ا من سورة الأعراف و هی «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 414
المستقیم وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ یعنی کفار مکة لا یَعْلَمُونَ 30- توحید اللّه- عز و جل- ثم أمرهم بالإنابة إلیه من الکفر و أمرهم بالصلاة فقال- عز و جل- مُنِیبِینَ إِلَیْهِ یقول راجعین إلیه من الکفر إلی التوحید للّه- تعالی ذکره- «وَ اتَّقُوهُ» «1» یعنی و اخشوه وَ أَقِیمُوا «2» یعنی و أتموا الصَّلاةَ وَ لا تَکُونُوا مِنَ الْمُشْرِکِینَ 31- یقول لکفار مکة کونوا من الموحدین للّه- عز و جل- و لا تکونوا مِنَ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ یعنی أهل الأدیان فرقوا دینهم الإسلام وَ کانُوا شِیَعاً یعنی أحزابا فی الدین یهود و نصاری و مجوس و غیره و نحو ذلک کُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ 32- کل أهل ملة بما عندهم من الدین راضون به وَ إِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ یعنی کفار مکة ضر یعنی السنین و هو الجوع یعنی قحط المطر علیهم سبع سنین دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِیبِینَ إِلَیْهِ یقول- عز و جل- راجعین الیه یدعونه أن یکشف عنهم الضر لقوله- تعالی- فی «حم» الدخان:
«رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ» یعنی الجوع «إِنَّا مُؤْمِنُونَ» «3»، قال- تعالی-:
ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً یعنی إذا أعطاهم من عنده، نعمة یعنی المطر إِذا فَرِیقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ 33- یقول ترکوا توحید ربهم فی الرخاء و قد وحدوه فی الضر لِیَکْفُرُوا «یعنی لکی یکفروا» «4» «بِما آتَیْناهُمْ» «5» بالذی أعطیناهم من الخیر
______________________________
(1) «و اتقوه» ساقطة من أ، ز.
(2) فی أ، ز: «وَ أَنْ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ اتَّقُوهُ». و کثیرا ما یحدث تقدیم و تأخیر فی الآیة القرآنیة عند ذکرها و تفسیرها، و قد بذلت الجهد فی تصویب النص القرآنی. و باللّه التوفیق.
(3) سورة الدخان: 12.
(4) «یعنی لکی یکفروا»: من ف و هی ممسوحة فی أ.
(5) «بما آتیناهم»: ساقطة من أ، ف، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 417
لا تجری الأنهار، و أهل العمود «1»، ثم قال: «ظَهَرَ الْفَسادُ» یعنی قحط المطر [80 أ] و نقص الثمار فی البحر یعنی فی الریف یعنی القری حیث تجری فیها الأنهار «2» بِما کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ من المعاصی یعنی کفار مکة لِیُذِیقَهُمْ اللّه الجوع بَعْضَ الَّذِی عَمِلُوا یعنی الکفر و التکذیب فی السنین السبع لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَرْجِعُونَ 41- من الکفر إلی الإیمان، ثم خوفهم فقال- سبحانه-: «قُلْ سِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلُ» «3» یعنی قبل کفار مکة من الأمم الخالیة «4» کانَ أَکْثَرُهُمْ مُشْرِکِینَ 42- فکان عاقبتهم الهلاک فی الدنیا، ثم قال: فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ الْقَیِّمِ یعنی فأخلص دینک للإسلام المستقیم فإن غیر دین الإسلام لیس بمستقیم مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ یعنی یوم القیامة لا مَرَدَّ لَهُ یعنی لا یقدر أحد علی رد ذلک الیوم مِنَ اللَّهِ عز و جل- یَوْمَئِذٍ یَصَّدَّعُونَ 43- یعنی بعد الحساب یتفرقون إلی الجنة و إلی النار مَنْ کَفَرَ باللّه فَعَلَیْهِ إثم کُفْرُهُ وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ یَمْهَدُونَ 44- یعنی
______________________________
(1) کذا فی أ، ز، و المراد أن القحط أصاب أهل العمود أی أهل الأعمدة و الأبنیة فی البر.
(2) کذا فی أ، ل، ز، ف.
و فی تفسیر الجلالین، «ظَهَرَ الْفَسادُ فِی الْبَرِّ» یقحط المطر و قلة النبات «و البحر» أی البلاد التی علی الأنهار بقلة مائها.
و فی تفسیر البیضاوی «ظَهَرَ الْفَسادُ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ» کالجدب و الموتان و کثرة الحرق و الغرق و إخفاء الغاصة (کذا) و محق البرکات و کثرة المضار و الضلالة و الظلم و قیل المراد بالبحر قری السواحل و قری البحور.
(3) فی أ: «أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ» و فی ز:
«سیروا فی الأرض فانظروا کیف کان عاقبة الذین من قبلهم» و فی کلاهما تحریف للآیة.
(4) من ز، و هی مضطربة فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 418
یقدمون لِیَجْزِیَ یعنی لکی یجزی اللّه- عز و جل- فی القیامة الَّذِینَ آمَنُوا بتوحید اللّه- عز و جل- وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْکافِرِینَ 45- بتوحید اللّه- عز و جل- وَ مِنْ آیاتِهِ یعنی و من علاماته- عز و جل- و إن لم تروه أن تعرفوا توحیده بصنعه- عز و جل- أَنْ یُرْسِلَ الرِّیاحَ مُبَشِّراتٍ یعنی یستبشر بها الناس رجاء المطر وَ لِیُذِیقَکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ یقول و لیعطیکم من نعمته یعنی المطر «وَ لِتَجْرِیَ» «1» الْفُلْکُ فی البحر بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا فی البحر مِنْ فَضْلِهِ یعنی الرزق کل هذا بالریاح وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ 46- رب هذه النعم فتوحدونه، ثم خوف کفار مکة لکی لا یکذبوا النبی- صلّی اللّه علیه و آله و سلّم- فقال- سبحانه-: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ رُسُلًا إِلی قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فأخبروا قومهم بالعذاب أنه نازل بهم فی الدنیا إن لم یؤمنوا فکذبوهم بالعذاب أنه غیر نازل بهم فی الدنیا، فعذبهم اللّه- عز و جل- فذلک قوله- عز و جل-: فَانْتَقَمْنا «2» بالعذاب مِنَ الَّذِینَ أَجْرَمُوا یعنی الذین أشرکوا وَ کانَ حَقًّا عَلَیْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِینَ 47- یعنی المصدقین للأنبیاء- علیهم السلام-، بالعذاب «3»، فکان نصرهم أن اللّه- عز و جل- أنجاهم من العذاب مع الرسل، ثم أخبر عن صنعه لیعرف توحیده، فقال- عز و جل-: اللَّهُ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً فَیَبْسُطُهُ فِی السَّماءِ کَیْفَ یَشاءُ وَ یَجْعَلُهُ کِسَفاً
______________________________
(1) فی ا: و لکی تجری.
(2) من، و فی أ: «... بالبینات» فأخبروا قومهم بالعذاب بأنه غیر نازل بهم إن لم یؤمنوا فی الدنیا بتکذیبهم بالعذاب بأنه غیر نازل بهم فی الدنیا فیعذبهم الله- عز و جل- فذلک قوله- سبحانه-: «فانتقمنا».
(3) کذا فی أ، ز. و المعنی یصدق وقوع العذاب للکافرین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 419
یقول یجعل الریح السحاب قطعا یحمل بعضها علی بعض فیضمه ثم یبسط السحاب [80 ب فی السماء کیف یشاء اللّه- تعالی-، إن شاء بسطه علی مسیرة یوم أو بعض یوم أو مسیرة أیام یمطرون، فذلک قوله- عز و جل- فَتَرَی الْوَدْقَ یَخْرُجُ یعنی المطر یخرج مِنْ خِلالِهِ یعنی من خلال السحاب فَإِذا أَصابَ بِهِ یعنی بالمطر مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ 48- یعنی إذا هم یفرحون بالمطر علیهم وَ إِنْ کانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ یُنَزَّلَ «عَلَیْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ» «1» یعنی من قبل نزول المطر فی السنین السبع حین قحط علیهم المطر لَمُبْلِسِینَ 49- یعنی آیسین من المطر فَانْظُرْ یا محمد إِلی آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ یعنی النبت من آثار المطر کَیْفَ یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بالمطر فتنبت من بعد موتها حین لم یکن فیها نبت، ثم دل علی نفسه فقال: إِنَّ ذلِکَ یقول إن هذا الذی فعل ما ترون لَمُحْیِ الْمَوْتی فی الآخرة فلا تکذبوا بالبعث یعنی کفار مکة، ثم قال- تعالی-:
وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ- 50- من البعث و غیره، ثم وعظهم لیعتبروا فقال- عز و جل-: وَ لَئِنْ أَرْسَلْنا رِیحاً علی هذا النبت الأخضر فَرَأَوْهُ النبت مُصْفَرًّا من البرد بعد الخضرة «لَظَلُّوا» «2» مِنْ بَعْدِهِ یَکْفُرُونَ 51- «برب» «3» هذه النعم، ثم عاب کفار مکة فضرب لهم مثلا فقال- عز و جل-: فَإِنَّکَ یا محمد لا تُسْمِعُ الْمَوْتی النداء فشبه الکفار بالأموات یقول فکما لا یسمع المیت النداء فکذلک الکفار لا یسمعون
______________________________
(1) ما بین القوسین «...»: ساقط من الأصل.
(2) فی: یعنی لمالوا، و فی حاشیة ا: فی الأصل لمالوا، و المثبت من ا.
(3) فی الأصل: رب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 420
الإیمان و لا یفقهون، ثم قال: وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ 52- فشبهوا أیضا بالصم إذا ولوا مدبرین، یقول إن الأصم إذا ولی مدبرا ثم نادیته لا یسمع الدعاء، فکذلک الکافر لا یسمع الإیمان إذا دعی وَ ما أَنْتَ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بِهادِ الْعُمْیِ للإیمان یقول عموا عن الإیمان عَنْ ضَلالَتِهِمْ «یعنی کفرهم الذی هم علیه» «1» ثم أخبر النبی- صلّی اللّه علیه و آله و سلّم- فمن یسمع الإیمان فقال- سبحانه-: «إِنْ تُسْمِعُ» «2» بالإیمان إِلَّا مَنْ یُؤْمِنُ بِآیاتِنا یعنی یصدق بالقرآن أنه جاء من اللّه- عز و جل-: فَهُمْ مُسْلِمُونَ 53- یعنی فهم مخلصون بالتوحید، ثم أخبرهم عن خلق أنفسهم لیتفکر المکذب بالبعث فی خلق نفسه فقال- عز و جل-: اللَّهُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ ضَعْفٍ یعنی من نطفة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً یعنی شدة تمام خلقه ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً یقول فجعل من بعد قوة الشباب الهرم وَ جعل شَیْبَةً یعنی الشمط یَخْلُقُ ما یَشاءُ یعنی هکذا یشاء أن یخلق الإنسان «3» کما وصف خلقه [81 أ]، ثم قال: وَ هُوَ یعنی الرب نفسه- جل جلاله- الْعَلِیمُ یعنی العالم بالبعث الْقَدِیرُ- 54- یعنی القادر علیه، ثم قال- عز و جل- وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یعنی یوم القیامة یُقْسِمُ یعنی یحلف الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا فی القبور غَیْرَ ساعَةٍ و ذلک أنهم استقلوا ذلک، یقول اللّه- عز و جل-: کَذلِکَ کانُوا یُؤْفَکُونَ 55- یقول هکذا کانوا یکذبون بالبعث فی الدنیا کما کذبوا أنهم لم یلبثوا فی قبورهم إلا ساعة
______________________________
(1) من ز، و فی أ: «یعنی کفرهم التی هم فیها».
(2) من ز، و فی ا: «و لا تسمع» و فی حاشیة ا: الآیة «إن تسمع».
(3) «الإنسان» من ز، و هی ساقطة من ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 421
«وَ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِیمانَ» «1» للکفار یوم القیامة لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِی کِتابِ اللَّهِ إِلی یَوْمِ الْبَعْثِ فهذا قول ملک الموت لهم فی الآخرة، ثم قال: فَهذا یَوْمُ الْبَعْثِ الذی کنتم به تکذبون أنه غیر کائن وَ لکِنَّکُمْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 56- کم لبثتم فی القبور فَیَوْمَئِذٍ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی أشرکوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ 57- فی الآخرة فیعتبون وَ لَقَدْ ضَرَبْنا یعنی وصفنا و بینا لِلنَّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ یعنی من کل شبه نظیرها فی الزمر «2» وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ یا محمد بِآیَةٍ کما سأل کفار مکة لَیَقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا للنبی- صلّی اللّه علیه و سلم- إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ 58- لقالوا ما أنت یا محمد لا کذاب و ما هذه الآیة من اللّه- عز و جل- کما کذبوا فی انشقاق القمر حین قالوا: «هذا سحر» «3» کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ یقول هکذا یختم اللّه- عز و جل- بالکفر عَلی قُلُوبِ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ 59- توحید اللّه- عز و جل-، فلما أخبرهم اللّه- عز و جل- بالعذاب أنه نازل بهم فی الدنیا کذبوه فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- فَاصْبِرْ یا محمد علی تکذیبهم إیاک بالعذاب یعزی نبیه- صلّی اللّه علیه و سلم- لیصبر فقال: «فاصبر» إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ یعنی صدق بالعذاب أنه نازل بهم فی الدنیا فقالوا للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-:
عجل لنا العذاب فی الدنیا إن کنت صادقا. هذا قول النضر بن الحارث القرشی
______________________________
(1) فی ا، ز، اضطراب فی ترتیب الآیة، ففیهما: «و قال الذین أوتوا العلم فی کتاب اللّه) و أوتوا «الإیمان» فیها تقدیم للکافرین یوم القیامة «لقد لبثتم» فی القبور.
و قد صوبت الخطأ و أعدت ترتیب الآیة کما وردت فی المصحف.
(2) من سورة الزمر: 27، و هی «وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ».
(3) سورة القمر: 2 و هی «وَ إِنْ یَرَوْا آیَةً یُعْرِضُوا وَ یَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 422
من بنی عبد الدار بن قصی، فأنزل اللّه- تعالی-: وَ لا یَسْتَخِفَّنَّکَ یعنی و لا یستفزنک فی تعجیل العذاب بهم الَّذِینَ لا یُوقِنُونَ بنزول العذاب علیهم فی الدنیا فعذبهم اللّه- عز و جل- ببدر حین قتلهم و ضربت الملائکة وجوههم و أدبارهم و عجل اللّه أرواحهم إلی النار فهم یعرضون علیها کل یوم طرفی النهار ما دامت الدنیا، «فقتل «1»» اللّه النضر بن الحارث ببدر و ضرب عنقه علی بن أبی طالب- رضی اللّه عنه «2».
______________________________
(1) فی أ، و فی ز: «فقتل» و الأنسب «و قتل».
(2) انتهی تفسیر سورة الروم فی ا.
و فی ز، زیادة غربیة عن التفسیر تعادل صفحة واحدة، و قد تابعت أ، ل، ف فی ترکها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 423

سورة لقمان‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 425
31 سورة اللقمان مکّیة و آیاتها أربع و ثلاثون
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 426

[سورة لقمان (31): الآیات 1 الی 34]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الم (1) تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْحَکِیمِ (2) هُدیً وَ رَحْمَةً لِلْمُحْسِنِینَ (3) الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ (4)
أُولئِکَ عَلی هُدیً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَ یَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ (6) وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا وَلَّی مُسْتَکْبِراً کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها کَأَنَّ فِی أُذُنَیْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِیمٍ (7) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِیمِ (8) خالِدِینَ فِیها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (9)
خَلَقَ السَّماواتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَ أَلْقی فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِکُمْ وَ بَثَّ فِیها مِنْ کُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ زَوْجٍ کَرِیمٍ (10) هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِی ما ذا خَلَقَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (11) وَ لَقَدْ آتَیْنا لُقْمانَ الْحِکْمَةَ أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ وَ مَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ (12) وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَ هُوَ یَعِظُهُ یا بُنَیَّ لا تُشْرِکْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ (13) وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلی وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِی عامَیْنِ أَنِ اشْکُرْ لِی وَ لِوالِدَیْکَ إِلَیَّ الْمَصِیرُ (14)
وَ إِنْ جاهَداکَ عَلی أَنْ تُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِی الدُّنْیا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِیلَ مَنْ أَنابَ إِلَیَّ ثُمَّ إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) یا بُنَیَّ إِنَّها إِنْ تَکُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَکُنْ فِی صَخْرَةٍ أَوْ فِی السَّماواتِ أَوْ فِی الْأَرْضِ یَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرٌ (16) یا بُنَیَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ اصْبِرْ عَلی ما أَصابَکَ إِنَّ ذلِکَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّکَ لِلنَّاسِ وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَ اقْصِدْ فِی مَشْیِکَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ (19)
أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَکُمْ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُجادِلُ فِی اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدیً وَ لا کِتابٍ مُنِیرٍ (20) وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَیْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ کانَ الشَّیْطانُ یَدْعُوهُمْ إِلی عَذابِ السَّعِیرِ (21) وَ مَنْ یُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَی اللَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی وَ إِلَی اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَ مَنْ کَفَرَ فَلا یَحْزُنْکَ کُفْرُهُ إِلَیْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِیلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلی عَذابٍ غَلِیظٍ (24)
وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ (26) وَ لَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ یَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ کَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ (27) ما خَلْقُکُمْ وَ لا بَعْثُکُمْ إِلاَّ کَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ (28) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی وَ أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ (29)
ذلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ (30) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْکَ تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِیُرِیَکُمْ مِنْ آیاتِهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِکُلِّ صَبَّارٍ شَکُورٍ (31) وَ إِذا غَشِیَهُمْ مَوْجٌ کَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَی الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما یَجْحَدُ بِآیاتِنا إِلاَّ کُلُّ خَتَّارٍ کَفُورٍ (32) یا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ وَ اخْشَوْا یَوْماً لا یَجْزِی والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَیْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا وَ لا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ یَعْلَمُ ما فِی الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِی نَفْسٌ ما ذا تَکْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ (34)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 431
سورة لقمان «1» سورة لقمان مکیة و هی أربع «2» و ثلاثون آیة کوفیة.
______________________________
(1) المقصود الإجمالی لسورة لقمان هو:
بشارة المؤمنین بنزول القرآن، و الأمر بإقامة الصلاة و أداء الزکاة، و الشکایة من قوم اشتغلوا بلهو الحدیث، و الشکایة عن المشرکین فی الإعراض عن الحق، و إقامة الحجة علیهم، و المنة علی لقمان بما أعطی من الحکمة، و الوصیة بیر الوالدین و وصیة لقمان لأولاده، و المنة بإسباغ النعمة، و إلزام الحجة علی أهل الضلالة، و بیان أن کلمات القرآن بحور المعانی و الحجة علی حقیقة البعث و الشکایة من المشرکین بإقنالهم علی الحق فی وقت المحنة. و إعراضهم عنه فی وقت النعمة، و تخویف الخلق بصعوبة القیامة و هو لها، و بیان أن خمسة علوم مما یختص به الرب الواحد- تعالی- فی قوله: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ یَعْلَمُ ما فِی الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِی نَفْسٌ ما ذا تَکْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ» سورة لقمان: 34.
(2) فی أ: أربعة.
و فی المصحف (31) سورة لقمان مکیة.
إلا الآیات 27، 28، 29 فمدنیة.
و آیاتها 34 نزلت بعد الصافات.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 432
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 489
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الم 1- تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْحَکِیمِ 2- یعنی- عز و جل- المحکم من الباطل هُدیً من الضلالة وَ رَحْمَةً من العذاب لِلْمُحْسِنِینَ 3- یعنی للمتقین، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ یعنی یتمون الصلاة کقوله- سبحانه: «... فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِیمُوا الصَّلاةَ ...» «1» وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ من أموالهم وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ یعنی بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال هُمْ یُوقِنُونَ 4- بأنه کائن أُولئِکَ الذین فعلوا ذلک عَلی هُدیً یعنی بیان مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 5- وَ مِنَ النَّاسِ یعنی النضر بن الحارث مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ یعنی باطل الحدیث یقول باع القرآن بالحدیث الباطل حدیث رستم و اسفندباز، و زعم أن القرآن مثل حدیث الأولین حدیث رستم و اسفندباز لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یعنی لکی یستنزل بحدیث الباطل عن سبیل اللّه الإسلام بِغَیْرِ عِلْمٍ یعلمه وَ یَتَّخِذَها هُزُواً یقول و یتخذ آیات القرآن استهزاء به مثل حدیث رستم و اسفندباز و هو الذی قال: ما هذا القرآن إلا أساطیر الأولین، و ذلک أن النضر ابن الحارث قدم إلی الحیرة تاجرا فوجد حدیث رستم و اسفندباز فاشتراه ثم أتی به أهل مکة فقال: محمد «2». یحدثکم عن عاد و ثمود و إنما هو مثل حدیث رستم
______________________________
(1) سورة النساء: 103.
(2) فی ا: محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 433
و اسفندباز یقول اللّه- تعالی-: أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ 6- یعنی وجیعا، ثم أخبر عن النضر فقال- عز و جل-: وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا یعنی و إذا قرئ علیه القرآن وَلَّی مُسْتَکْبِراً یقول أعرض متکبرا عن الإیمان بالقرآن یقول: کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها یعنی کأن لم یسمع آیات القرآن کَأَنَّ فِی أُذُنَیْهِ وَقْراً یعنی ثقلا کأنه أصم فلا یسمع القرآن فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِیمٍ 7- فقتل ببدر قتله علی بن أبی طالب- علیه السّلام إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فی الآخرة لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِیمِ 8- خالِدِینَ فِیها لا یموتون وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا یعنی صدقا فإنه منجز لهم ما وعدهم وَ هُوَ الْعَزِیزُ فی ملکه الْحَکِیمُ 9- حکم لهم الجنة خَلَقَ السَّماواتِ السبع بِغَیْرِ عَمَدٍ فیها تقدیم تَرَوْنَها یقول هن قائمات لیس لهن عمد وَ أَلْقی فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ یعنی الجبال أَنْ تَمِیدَ بِکُمْ یقول لئلا تزول بکم الأرض [82 أ] وَ بَثَّ فِیها مِنْ کُلِّ دابَّةٍ یقول خلق فی الأرض من کل دابة وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً یعنی المطر فَأَنْبَتْنا فِیها یقول فأجرینا بالماء فی الأرض مِنْ کُلِّ زَوْجٍ کَرِیمٍ 10- یعنی کل صنف من ألوان النبت حسن هذا «الذی ذکر» «1» خَلْقُ اللَّهِ عز و جل- و صنعه فَأَرُونِی یعنی کفار مکة ما ذا خَلَقَ الَّذِینَ تدعون: یعنی تعبدون مِنْ دُونِهِ یعنی الملائکة نظیرها فی سبأ و الأحقاف، ثم استأنف الکلام بَلِ الظَّالِمُونَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 11-
______________________________
(1) «الذی ذکر»: ساقطة من ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 434
یعنی المشرکین فی خسران بین وَ لَقَدْ آتَیْنا لُقْمانَ الْحِکْمَةَ أعطیناه العلم و الفهم من غیر نبوة فهذه نعمة فقلنا له: أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ عز و جل- فی نعمه فیما أعطاک من الحکمة وَ مَنْ یَشْکُرْ للّه- تعالی- فی نعمه فیوحده فَإِنَّما یَشْکُرُ یعنی فإنما یعمل الخیر لِنَفْسِهِ وَ مَنْ کَفَرَ النعم فلم یوحد ربه- عز و جل- فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌ عن عبادة خلقه حَمِیدٌ- 12- عن خلقه فی سلطانه وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ و اسم ابنه أنعم وَ هُوَ یَعِظُهُ یعنی- عز و جل- یؤدبه یا بُنَیَّ لا تُشْرِکْ بِاللَّهِ معه غیره إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ 13- کان ابنه و امرأته کفارا فما زال بهما حتی أسلما و زعموا أن لقمان کان ابن خالة أیوب- صلی اللّه علیه.
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی قال: حدثنا سعید بن بشیر عن قتادة بن دعامة قال: کان لقمان رجلا أفطس من أرض الحبشة. قال هذیل: و لم أسمع مقاتلا.
وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ سعد بن أبی وقاص بوالدیه یعنی أباه اسمه مالک و أمه حمنة بنت سفیان بن أمیة بن عبد شمس بن عبد مناف حَمَلَتْهُ أُمُّهُ حمنة وَهْناً عَلی وَهْنٍ یعنی ضعفا علی ضعف وَ فِصالُهُ فِی عامَیْنِ أَنِ اشْکُرْ لِی یعنی للّه- عز و جل- أن هداه للإسلام وَ اشکر لِوالِدَیْکَ النعم فیما أولیاک إِلَیَّ الْمَصِیرُ- 14- فأجزیک بعملک قال- تعالی-: وَ إِنْ جاهَداکَ عَلی أَنْ تُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ لا تعلم بأن معی شریکا فَلا تُطِعْهُما فی الشرک وَ صاحِبْهُما فِی الدُّنْیا مَعْرُوفاً یعنی بإحسان، ثم قال لسعد- رضی للّه عنه-: وَ اتَّبِعْ سَبِیلَ مَنْ أَنابَ إِلَیَ یعنی دین من أقل
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 435
إلی یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم، ثم قال: «ثُمَّ» «1» إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فی الآخرة فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 15- و قال ابن لقمان أنعم لأبیه:
یا أبت، إن عملت بالخطیئة حیث لا یرانی أحد کیف یعلمه اللّه- عز و جل- فرد علیه لقمان- علیه السّلام-: یا بُنَیَّ إِنَّها إِنْ تَکُ مِثْقالَ حَبَّةٍ یعنی وزن ذرة مِنْ خَرْدَلٍ فَتَکُنْ فِی صَخْرَةٍ التی فی الأرض السفلی و هی خضراء مجوفة لها ثلاث شعب علی لون السماء أَوْ تکن الحبة [82 ب فِی السَّماواتِ السبع أَوْ فِی الْأَرْضِ یَأْتِ بِهَا اللَّهُ یعنی بتلک الحبة إِنَّ اللَّهَ لَطِیفٌ باستخراجها خَبِیرٌ- 16- بمکانها یا بُنَیَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ یعنی التوحید وَ انْهَ عَنِ الْمُنْکَرِ یعنی الشر الذی لا یعرف وَ اصْبِرْ عَلی ما أَصابَکَ فیهما من الأذی إِنَّ ذلِکَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ- 17- یقول إن ذلک الصبر علی الأذی فی الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر من حق الأمور التی أمر اللّه- عز و جل- بها و عزم علیها وَ قال لقمان لابنه: وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّکَ لِلنَّاسِ یقول لا تعرض بوجهک عن فقراء الناس إذا کلموک فخرا بالخیلاء و العظمة «وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً» «2» إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ- 18- یعنی- عز و جل- کل بطر مرح فخور فی نعم اللّه- تعالی- لا یأخذها بالشکر وَ اقْصِدْ فِی مَشْیِکَ لا تختل فی مشیک و لا تبطر حیث لا یحل وَ اغْضُضْ یعنی و اخفض مِنْ صَوْتِکَ یعنی من کلامک یأمر لقمان ابنه بالاقتصاد فی المشی و المنطق ثم ضرب للصوت الرفیع «3» مثلا فقال- عز و جل-:
______________________________
(1) «ثم»: ساقطة من ا، ل، ف.
(2) «وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً»: ساقط من ا.
(3) کذا فی ا، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 436
إِنَّ أَنْکَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ- 19- یعنی أقبح الأصوات لصوت الحمیر، لشدة صوتهن «1» تقول العرب هذا أصوات الحمیر، و هذا صوت الحمیر و تقول هذا صوت الدجاج، و هذا أصوات الدجاج. و تقول هذا صوت النساء و أصوات النساء أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَکُمْ ما فِی السَّماواتِ یعنی الشمس و القمر و النجوم «2» و السحاب و الریاح وَ سخر لکم ما فِی الْأَرْضِ یعنی الجبال و الأنهار فیها السفن و الأشجار و النبت عاما «3» بعام. ثم قال: وَ أَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ یقول و أوسع علیکم نعمه ظاهِرَةً یعنی تسویة الخلق و الرزق و الإسلام وَ باطِنَةً یعنی ما ستر من الذنوب من بنی آدم فلم یعلم بها أحد و لم یعاقب فیها فهذا کله من النعم فالحمد للّه علی ذلک حمدا کثیرا و نسأله تمام النعمة فی الدنیا و الآخرة فإنه ولی کل حسنة وَ مِنَ النَّاسِ یعنی النضر بن الحارث مَنْ یُجادِلُ یعنی یخاصم فِی اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ یعلمه حین یزعم أن اللّه- عز و جل- البنات یعنی الملائکة وَ لا هُدیً وَ لا کِتابٍ مُنِیرٍ- 20- یعنی لا بیان معه من اللّه- عز و جل- یقول و لا کتاب مضی‌ء له فیه حجة بأن الملائکة بنات اللّه- عز و جل- وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ یعنی للنضر اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ من الإیمان بالقرآن قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَیْهِ آباءَنا من الدین، یقول اللّه- عز و جل-:
أَ وَ لَوْ کانَ یعنی و إن کان الشَّیْطانُ یَدْعُوهُمْ إِلی عَذابِ السَّعِیرِ- 21-
______________________________
(1) فی أ، و فی ز: هذه الجملة فی آخر تفسیر الآیة.
(2) من ز. و فی ا: تقول العرب هذا صوت الحمیر، و هذه أصوات الحمیر و تقول هذا صوت الدجاج، و هذه أصوات الدجاج. و تقول هذا صوت النساء و هذه أصوات النساء.
(3) فی ا: عام.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 437
یعنی الوقود یتبعونه یعنی النضر بن الحارث مثله فی سورة الحج. ثم أخبر عن الموحدین فقال- سبحانه-: وَ مَنْ یُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَی اللَّهِ یقول من یخلص [83 أ] دینه للّه کقوله- تعالی-: «وَ لِکُلٍّ وِجْهَةٌ «1» ...» یعنی لکل أهل دین، ثم قال: وَ هُوَ مُحْسِنٌ فی عمله فَقَدِ اسْتَمْسَکَ یقول فقد أخذ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقی التی لا انفصام لها، لا انقطاع لها وَ إِلَی اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ- 22- یعنی مصیر أمور العباد إلی اللّه- عز و جل- فی الآخرة فیجزیهم بأعمالهم وَ مَنْ کَفَرَ فَلا یَحْزُنْکَ کُفْرُهُ و ذلک أن کفار مکة قالوا فی «حم عسق»:
«... افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً «2» ...» یعنون النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- حین یزعم أن القرآن جاء من اللّه- عز و جل- فشق علی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قولهم و أحزنه فأنزل اللّه- عز و جل- «و من کفر» بالقرآن «فَلا یَحْزُنْکَ کُفْرُهُ» إِلَیْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من المعاصی إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 23- یقول إن اللّه- عز و جل- عالم بما فی قلب محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- من الحزن بما قالوا له، ثم أخبر- عز و جل- عنهم فقال:
نُمَتِّعُهُمْ قَلِیلًا فی الدنیا إلی آجالهم ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ نصیرهم إِلی عَذابٍ غَلِیظٍ- 24- یعنی شدید لا یفتر عنهم وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ یعنی و لکن أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ 25- بتوحید اللّه- عز و جل- ثم عظم نفسه- عز و جل- فقال:
لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ من الخلق عبیده و فی ملکه إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُ عن عبادة خلقه الْحَمِیدُ- 26- عند خلقه فی سلطانه
______________________________
(1) سورة البقرة: 148.
(2) سورة الشوری: 24، و منها «أَمْ یَقُولُونَ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً فَإِنْ یَشَإِ اللَّهُ یَخْتِمْ عَلی قَلْبِکَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 438
وَ لَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ یَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ کَلِماتُ اللَّهِ یعنی علم اللّه یقول لو أن کل شجرة ذات ساق علی وجه الأرض بریت أقلا ما و کانت البحور السبعة مدادا «فکتب «1» بتلک» الأقلام و جمیع خلق اللّه- عز و جل- یکتبون من البحور السبعة فکتبوا علم- اللّه تعالی- و عجائبه لنفدت تلک الأقلام و تلک البحور و لم ینفد علم اللّه و کلماته و لا عجائبه، إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ فی ملکه حَکِیمٌ 27- فی أمره یخبر الناس أن أحدا لا یدرک علمه ما خَلْقُکُمْ وَ لا بَعْثُکُمْ إِلَّا کَنَفْسٍ واحِدَةٍ نزلت فی أبی بن خلف، و أبی الأشدین و اسمه أسید بن کلدة «2» و منبه و نبیه ابنی الحجاج بن السباق بن حذیفة السهمی، کلهم من قریش و ذلک أنهم قالوا للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: إن اللّه خلقنا أطوارا، نطفة، علقة، مضغة، عظاما، لحما، ثم تزعم أنا نبعث خلقا جدیدا جمیعا فی ساعة واحدة، فقال اللّه- عز و جل- ما خلقکم- أیها الناس- جمیعا علی اللّه- سبحانه- فی القدرة- إلا کخلق نفس واحدة، و لا بعثکم جمیعا علی اللّه- تعالی- إلا کبعث نفس واحدة إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ- 28- لما قالوا من الخلق و البعث أَ لَمْ تَرَ یا محمد أَنَّ اللَّهَ یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ یعنی انتقاص کل واحد منهما من صاحبه [83 ب حتی یصیر أحدهما خمس عشرة ساعة و الآخر سبع ساعات وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لبنی آدم کُلٌّ یَجْرِی إِلی أَجَلٍ و هو الأجل ال مُسَمًّی وَ أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ فیهما خَبِیرٌ- 29- ذلِکَ یقول هذا الذی ذکر من صنع اللّه و النهار و الشمس و القمر بِأَنَّ اللَّهَ
______________________________
(1) فی أ: فکتبت، و فی ز: فکتبوا بتلک الأقلام من تلک البحور السبعة، و کتبوا علم اللّه و عجائبه لنفدت تلک الأقلام و تلک البحور و لم ینفد علم اللّه و لا عجائبه.
(2) من ز، و فی ا: و أبی الأسد بن أسید بن خلف الجمحی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 439
- جل جلاله- هُوَ الْحَقُ و غیر باطل یدل علی توحیده بصنعه، ثم قال- تعالی-: وَ أَنَّ ما یَدْعُونَ یعنی یعبدون مِنْ دُونِهِ من الآلهة هو الْباطِلُ لا تنفعکم عبادتهم و لیس بشی‌ء ثم عظم نفسه- عز و جل- فقال سبحانه: وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِیُ یعنی الرفیع فوق خلقه الْکَبِیرُ- 30- فلا أعظم منه، ثم ذکر توحیده و صنعه فقال- سبحانه-: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْکَ السفن تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بالریاح بِنِعْمَتِ اللَّهِ یعنی برحمة اللّه- عز و جل- لِیُرِیَکُمْ مِنْ آیاتِهِ یعنی من علاماته و أنتم فیهن یعنی ما ترون من صنعه و عجائبه فی البحر و الابتغاء فیه الرزق و الحلی إِنَّ فِی ذلِکَ الذی ترون فی البحر لَآیاتٍ یعنی لعبرة لِکُلِّ صَبَّارٍ علی أمر اللّه- عز و جل- عند البلاء فی البحر شَکُورٍ- 31- للّه- تعالی- فی نعمه حین أنجاه من أهوال البحر، ثم قال- عز و جل-: وَ إِذا غَشِیَهُمْ فی البحر مَوْجٌ کَالظُّلَلِ یعنی کالجبال دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ یعنی موحدین له الدِّینَ یقول التوحید فَلَمَّا نَجَّاهُمْ من البحر إِلَی الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ یعنی عدل فی وفاء العهد فی البر فیما عاهد اللّه- عز و جل- علیه فی البحر من التوحید «یعنی» «1» المؤمن، ثم ذکر المشرک الذی وحد اللّه فی البحر حین دعاه مخلصا ثم ترک التوحید فی البر و نقض العهد، فذلک قوله- عز و جل- وَ ما یَجْحَدُ بِآیاتِنا یعنی ترک العهد إِلَّا کُلُّ خَتَّارٍ یعنی غدار بالعهد کَفُورٍ- 32- للّه- عز و جل- فی نعمه فی ترکه التوحید فی البر، یا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ یقول- اللّه تعالی- وحدوا ربکم وَ اخْشَوْا یَوْماً یخوفهم یوم القیامة لا یَجْزِی یعنی لا یغنی والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ شیئا من المنفعة یعنی الکفار وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ
______________________________
(1) «یعنی»: ساقطة من ا، و هی من ز
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 440
یعنی «هو مغن» «1» عَنْ والِدِهِ شَیْئاً من المنفعة إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ فی البعث أنه کائن فَلا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا عن الإسلام وَ لا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ- 33- یعنی الباطل و هو الشیطان یعنی به إبلیس إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ نزلت فی رجل اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة بن محارب من أهل البادیة أتی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فقال: إن أرضنا «أجدبت» «2» فمتی الغیث؟
و ترکت امرأتی حبلی فما ذا تلد؟ و قد علمت أین ولدت، فبأی أرض أموت؟
و قد علمت ما عملت الیوم، فما أعمل غدا؟ و متی الساعة؟ فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- فی «مسألة» «3» المحاربی «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» یعنی یوم القیامة لا یعلمها غیره وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ یعنی المطر وَ یَعْلَمُ ما فِی الْأَرْحامِ ذکرا أو أنثی أو غیر سوی وَ ما تَدْرِی نَفْسٌ بر و فاجر ما ذا تَکْسِبُ غَداً من خیر و شر وَ ما تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ فی سهل أو جبل فی بر أو بحر إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ- 34- بهذا کله مما ذکر فی هذه الآیة.
فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أین السائل عن الساعة؟
فقال المحاربی: هذا أنا ذا فقرأ علیه النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- هذه الآیة.
______________________________
(1) فی أ، ل: «هو مغنی»، و فی ز: «هو جاز» عن والده شیئا من المنفعة.
(2) فی أ: «جدبت» و فی ز: «أجدبت».
(3) فی ا: «فی مسئلة».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 441

سورة السجدة

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 443
(32) سورة السجدة مکّیة و آیاتها ثلاثون‌

[سورة السجده (32): الآیات 1 الی 30]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الم (1) تَنْزِیلُ الْکِتابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ (2) أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِیرٍ مِنْ قَبْلِکَ لَعَلَّهُمْ یَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ ما لَکُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا شَفِیعٍ أَ فَلا تَتَذَکَّرُونَ (4)
یُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَی الْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذلِکَ عالِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (6) الَّذِی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِینٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِینٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِیهِ مِنْ رُوحِهِ وَ جَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِیلاً ما تَشْکُرُونَ (9)
وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِی الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ کافِرُونَ (10) قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَ لَوْ تَری إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناکِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَ لَوْ شِئْنا لَآتَیْنا کُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لکِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّی لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ (13) فَذُوقُوا بِما نَسِیتُمْ لِقاءَ یَوْمِکُمْ هذا إِنَّا نَسِیناکُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
إِنَّما یُؤْمِنُ بِآیاتِنَا الَّذِینَ إِذا ذُکِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ (15) تَتَجافی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزاءً بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (17) أَ فَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوی نُزُلاً بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (19)
وَ أَمَّا الَّذِینَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ کُلَّما أَرادُوا أَنْ یَخْرُجُوا مِنْها أُعِیدُوا فِیها وَ قِیلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِی کُنْتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ (20) وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنی دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (21) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُکِّرَ بِآیاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِینَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ فَلا تَکُنْ فِی مِرْیَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَ جَعَلْناهُ هُدیً لِبَنِی إِسْرائِیلَ (23) وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ کانُوا بِآیاتِنا یُوقِنُونَ (24)
إِنَّ رَبَّکَ هُوَ یَفْصِلُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (25) أَ وَ لَمْ یَهْدِ لَهُمْ کَمْ أَهْلَکْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ یَمْشُونَ فِی مَساکِنِهِمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ أَ فَلا یَسْمَعُونَ (26) أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَی الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْکُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلا یُبْصِرُونَ (27) وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْفَتْحُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (28) قُلْ یَوْمَ الْفَتْحِ لا یَنْفَعُ الَّذِینَ کَفَرُوا إِیمانُهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ (29)
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 447
سورة السجدة «1» سورة السجدة مکیة «2» إلا آیة واحدة نزلت بالمدینة فی الأنصار و هی قوله- تعالی-: «تَتَجافی جُنُوبُهُمْ ...» «3» الآیة.
و قال غیر مقاتل: فیها ثلاث آیات مدنیات، و هی قوله- تعالی-:
«أَ فَمَنْ کانَ مُؤْمِناً ...» إلی قوله- تعالی- «... یکذبون» «4» و عدد آیاتها ثلاثون آیة کوفیة.
______________________________
(1) مقصود السورة.
المقصود الإجمالی لسورة السجدة هو:
تنزیل القرآن، و تخلیق السماء و الأرض، و خلق الخلائق و تخصیص الإنسان من بینهم، و تسلیط ملک الموت علی قبض الأرواح، و إهانة العاصین فی القیامة، و مل‌ء جهنم من أهل الإنکار و الضلالة، و سجود العباد فی أجواف اللیالی خضوعا لربهم، و أخبارهم بما ادخر لهم فی العقبی من أنواع الکرامة و التفریق بین الفاسقین و الصادقین فی الجزاء و الثواب فی یوم المآب، و تسلیة النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بتقریر أحوال الأنبیاء الماضین، و تقریر حجة المنکر بن للوحدانیة، و أمر الرسول بالإعراض عن مکافاة أهل الکفر و أمره بانتظار النصر بقوله: «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ» سورة السجدة: 30.
(2) و فی المصحف (32) سورة السجدة مکیة.
إلا من آیة 16 إلی آیة 20 فمدنیة.
و آیاتها 30 نزلت بعد سورة المؤمنین.
(3) آیة: 16.
(4) و هی الآیات 16، 17، 18.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 448
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الم 1- تَنْزِیلُ الْکِتابِ یعنی القرآن لا رَیْبَ فِیهِ یعنی لا شک فیه أنه نزل مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ 2- جل و عز- لقولهم: أَمْ یَقُولُونَ أنه افْتَراهُ محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- من تلقاء نفسه فأکذبهم اللّه- تعالی- بَلْ هُوَ الْحَقُ یعنی القرآن مِنْ رَبِّکَ و لو لم یکن من ربک لم یکن حقا و کان باطلا لِتُنْذِرَ قَوْماً یعنی کفار قریش ما أَتاهُمْ یقول لم یأتهم مِنْ نَذِیرٍ یعنی من رسول مِنْ قَبْلِکَ یا محمد لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَهْتَدُونَ 3- من الضلالة اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ یدل علی نفسه- عز و جل- بصنعه وَ ما بَیْنَهُما یعنی السحاب و الریاح و الجبال و الشمس و القمر و النجوم فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ قبل خلق السموات و الأرض و قبل کل شی‌ء «ما لَکُمْ مِنْ دُونِهِ» «1» مِنْ وَلِیٍ یعنی من قریب ینفعکم فی الآخرة یعنی کفار مکة وَ لا شَفِیعٍ من الملائکة أَ فَلا تَتَذَکَّرُونَ 4- فیما ذکر اللّه- عز و جل- من صنعه فتوحدونه، ثم قال- عز و جل-:
یُدَبِّرُ الْأَمْرَ یقول یفصل القضاء وحده مِنَ السَّماءِ إِلَی الْأَرْضِ فینزل به جبریل- صلی اللّه علیه- ثُمَّ یَعْرُجُ یقول ثم یصعد الملک إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ واحد من أیام الدنیا کانَ مِقْدارُهُ أی مقدار ذلک الیوم أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ 5- أنتم لأن ما بین السماء و الأرض مسیرة خمسمائة، عام فذلک مسیرة
______________________________
(1) فی ا: من دون اللّه. و فی حاشیة ا: الآیة (دونه)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 449
ألف سنة کل ذلک فی یوم من أیام الدنیا ذلِکَ یعنی هذا الذی ذکر من هذه الأشیاء عالِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ [84 ب الْعَزِیزُ فی ملکه الرَّحِیمُ 6- بخلقه مثلها فی یس «... ذلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ» «1» ثم قال لنفسه- عز و جل-: الَّذِی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ خَلَقَهُ یعنی علم کیف یخلق الأشیاء من غیر أن یعلمه أحد وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ یعنی آدم- علیه السّلام- مِنْ طِینٍ 7- کان أوله طینا، فلما نفخ فیه الروح صار لحما و دما ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ یعنی ذریة آدم- علیه السّلام- مِنْ سُلالَةٍ یعنی النطفة التی تسل من الإنسان مِنْ ماءٍ مَهِینٍ 8- یعنی بالماء النطفة، و یعنی بالمهین الضعیف، ثم رجع الی آدم فی التقدیم فقال- تعالی-: ثُمَّ سَوَّاهُ یعنی ثم سوی خلقه وَ نَفَخَ فِیهِ مِنْ رُوحِهِ ثم رجع إلی ذریة آدم- علیه السّلام- فقال- سبحانه-: وَ جَعَلَ لَکُمُ یعنی ذریة آدم- علیه السّلام- بعد النطفة السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِیلًا ما تَشْکُرُونَ 9- یعنی بالقلیل أنهم لا یشکرون رب هذه النعم فی حسن خلقهم فیوحدونه. تقول العرب: «إنک لقلیل الفهم» یعنی لا یفهم و لا یفقه.
وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا یعنی هلکنا فِی الْأَرْضِ و کنا ترابا أَ إِنَّا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ: إنا لمبعوثون خلقا جدیدا بعد الموت یعنون البعث و یعنون کما کنا تکذیبا بالبعث «2» نزلت فی أبی بن خلف، و أبی الأشدین اسمه أسید بن کلدة ابن خلف الجمحی، و منبه و نبیه ابنی الحجاج یقول اللّه- عز و جل- بَلْ نبعثهم
______________________________
(1) سورة یس: 38، و فی ا: الرحیم.
(2) من ا. و فی ز: «وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِی الْأَرْضِ» یعنی هلکنا فی الأرض و کنا ترابا «أَ إِنَّا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ» بعد الموت یعنون البعث و نعود کما کنا تکذیبا بالبعث.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 450
نظیرها فی «ق و القرآن» «1» ثم قال: هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ یعنی بالبعث کافِرُونَ 10- لا یؤمنون قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ یزعمون أن اسمه عزرائیل و له أربعة أجنحة جناح بالمشرق، و جناح بالمغرب، و جناح له فی أقصی العالم من حیث تجی‌ء الریح الدبور، و جناح له فی أقصی العالم من حیث تجی‌ء الریح الصبا، و رجل له بالمشرق، و رجله الأخری بالمغرب، و الخلق بین رجلیه و رأسه فی السماء العلیا و جسده کما بین السماء و الأرض و وجهه «2» عند ستر الحجب ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ 11- بعد الموت أحیاء فیجزیکم بأعمالکم وَ لَوْ تَری یا محمد إِذِ الْمُجْرِمُونَ یعنی- عز و جل- کفار مکة ناکِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا إلی الدنیا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ 12- بالبعث یقول اللّه- جل ثناؤه-: وَ لَوْ شِئْنا لَآتَیْنا یعنی لأعطینا کُلَّ نَفْسٍ فاجرة هُداها یعنی بیاتها وَ لکِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّی یعنی وجب العذاب منی لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ 13- یعنی من کفار الإنس و الجن جمیعا و القول الذی وجب من اللّه- عز و جل- لقوله لإبلیس یوم عصاه فی السجود لآدم- علیه السّلام- «... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ» «3» فإذا أدخلوا النار قالت الخزنة لهم: فَذُوقُوا العذاب بِما نَسِیتُمْ یعنی بما ترکتم الإیمان ب لِقاءَ [85 ا] یَوْمِکُمْ هذا یعنی البعث إِنَّا نَسِیناکُمْ تقول الخزنة إنا ترکناکم فی العذاب وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ الذی لا ینقطع بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 14- من الکفر و التکذیب إِنَّما یُؤْمِنُ بِآیاتِنَا یقول یصدق بآیاتنا یعنی القرآن الَّذِینَ إِذا ذُکِّرُوا بِها یعنی وعظوا بها یعنی بآیاتنا القرآن
______________________________
(1) سورة ق: 1.
(2) فی ا: و نحو وجهه. ز: و وجهه.
(3) سورة ص: 85.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 451
خَرُّوا سُجَّداً علی وجوههم وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ و ذکروا اللّه بأمره وَ هُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ 15- یعنی لا یتکبرون عن السجود کفعل کفار مکة حین تکبروا عن السجود تَتَجافی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ نزلت فی الأنصار «تتجافی جنوبهم» یعنی کانوا یصلون بین المغرب و العشاء یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً من عذابه وَ طَمَعاً یعنی و رجاء فی رحمته وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال یُنْفِقُونَ 16- فی طاعة اللّه- عز و جل- ثم أخبر بما أعد «1» لهم، فقال:- عز و جل- فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِیَ لَهُمْ فی جنات عدن مما لم تر عین، و لم تسمع أذن، و لم یخطر علی قلب قائل مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزاءً بِما کانُوا یَعْمَلُونَ 17 به أَ فَمَنْ کانَ مُؤْمِناً و ذلک
أن الولید بن عقبة بن أبی معیط من بنی أمیة أخو عثمان بن عفان- رضی اللّه عنه- من أمه قال لعلی بن أبی طالب- رضی اللّه عنه-:
اسکت فإنک صبی، و أنا أحد منک سنانا، و أبسط منک لسانا، و أکثر حشوا فی الکتیبة منک. قال له علی- علیه السّلام-: اسکت فأنت فاسق. فأنزل اللّه- جل ذکره-: «أ فمن کان مؤمنا» یعنی علیا- علیه السّلام کَمَنْ کانَ فاسِقاً یعنی الولید لا یَسْتَوُونَ
- 18- أن یتوبوا من الفسق، ثم أخبر بمنازل المؤمنین و فساق الکفار فی الآخرة، فقال ... سبحانه-: «أَمَّا الَّذِینَ» «2» آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ فی الآخرة جَنَّاتُ الْمَأْوی مأوی المؤمنین و یقال مأوی أرواح الشهداء نُزُلًا بِما کانُوا یَعْمَلُونَ 19- وَ أَمَّا الَّذِینَ فَسَقُوا یعنی عصوا یعنی الکفار فَمَأْواهُمُ یعنی- عز و جل- فمصیرهم النَّارُ کُلَّما أَرادُوا أَنْ یَخْرُجُوا مِنْها أُعِیدُوا فِیها وَ قِیلَ لَهُمْ و ذلک أن جهنم
______________________________
(1) فی ا: ما أعد.
(2) فی ا: «فأما الذین».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 452
إذا جاشت ألقت الناس فی أعلی النار فیریدون الخروج فتتلقاهم الملائکة بالمقامع فیضربونهم فیهوی أحدهم من الضربة إلی قعرها و تقول الخزنة إذا ضربوهم ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِی کُنْتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ 20- بالبعث و بالعذاب بأنه لیس کائنا ثم قال- عز و جل-: وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ یعنی کفار مکة مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنی یعنی الجوع الذی أصابهم فی السنین السبع بمکة حین أکلوا العظام و الموتی و الجیف و الکلاب عقوبة بتکذیبهم النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- ثم- قال- [85 ب : دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ یعنی القتل ببدر و هو أعظم من العذاب الذی أصابهم من الجوع لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَرْجِعُونَ 21- من الکفر إلی الإیمان وَ مَنْ أَظْلَمُ یقول فلا أحد أظلم مِمَّنْ ذُکِّرَ بِآیاتِ رَبِّهِ یقول ممن وعظ بآیات القرآن ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها عن الإیمان إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِینَ مُنْتَقِمُونَ 22- یعنی کفار مکة نزلت فی المطعمین و المستهزئین من قریش انتقم اللّه- عز و جل- منهم بالقتل ببدر، و ضربت الملائکة الوجوه و الأدبار، و تعجیل أرواحهم إلی النار وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ یقول أعطینا موسی- صلّی اللّه علیه و سلّم- التوراة فَلا تَکُنْ یا محمد فِی مِرْیَةٍ مِنْ لِقائِهِ یقول لا تکن فی شک من لقاء موسی- علیه السّلام- التوراة فإن اللّه- عز و جل- ألقی الکتاب علیه یعنی التوراة حقا وَ جَعَلْناهُ هُدیً یعنی التوراة هدی لِبَنِی إِسْرائِیلَ 23- من الضلالة وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ یعنی من بنی إسرائیل أَئِمَّةً یعنی قادة إلی الخیر یَهْدُونَ بِأَمْرِنا یعنی یدعون الناس إلی أمر اللّه- عز و جل- لَمَّا صَبَرُوا یعنی لما صبروا علی البلاء حین کلفوا بمصر ما لم یطیقوا من العمل فعل ذلک بهم باتباعهم موسی علی دین اللّه- عز و جل- قال- تعالی-: وَ کانُوا بِآیاتِنا یعنی بالآیات التسع یُوقِنُونَ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 453
- 24- بأنها من اللّه- عز و جل- إِنَّ رَبَّکَ هُوَ یَفْصِلُ بَیْنَهُمْ یعنی یقضی بینهم یعنی بنی إسرائیل یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ من الدین یَخْتَلِفُونَ 25- ثم خوف کفار مکة فقال- تعالی-: أَ وَ لَمْ یَهْدِ لَهُمْ یعنی یبین لهم کَمْ أَهْلَکْنا بالعذاب مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ یعنی الأمم الخالیة یَمْشُونَ فِی مَساکِنِهِمْ یقول یمرون علی قراهم یعنی قوم لوط، و صالح و هود، علیهم فیرون هلاکهم إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یعنی لعبرة أَ فَلا یَسْمَعُونَ 26- الوعید بالمواعظ، ثم وعظهم لیوحدوا فقال- سبحانه-: أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَی الْأَرْضِ الْجُرُزِ یعنی الملساء لیس فیها نبت فَنُخْرِجُ بِهِ بالماء زَرْعاً تَأْکُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلا یُبْصِرُونَ 27- هذه الأعاجیب فیوحدون ربهم- عز و جل- وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْفَتْحُ یعنی القضاء و هو البعث إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 28- و ذلک أن المؤمنین «قالوا إن لنا یوما» «1» نتنعم فیه و نستریح فقال کفار مکة: متی هذا الفتح إن کنتم صادقین؟ یعنون النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وحده، تکذیبا بالبعث بأنه «لیس بکائن» «2» فإن کان البعث حقا صدقنا یومئذ فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- قُلْ یا محمد یَوْمَ الْفَتْحِ یعنی القضاء لا یَنْفَعُ الَّذِینَ کَفَرُوا إِیمانُهُمْ بالبعث لقولهم للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- إن کان البعث الذی تقول حقا صدقنا یومئذ، فذلک قوله [86 أ]- عز و جل- «یوم الفتح لا ینفع الذین کفروا بالبعث» «3» لقولهم إن کان ذلک الیوم حقا صدقنا
______________________________
(1) من ز، و فی أ: قالوا لنا یوم.
(2) فی ا: لیس کائن.
(3) کذا فی ا، ز. و أعتقد أن أصله- بالبعث إیمانهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 454
وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ 29- یقول لا یناظر بهم العذاب «حتی یقولوا» «1» فلما نزلت هذه الآیة أراد النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أن یرسل «إلیهم فیجزیهم و ینبؤهم» «2» فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- یعزی نبیه- صلّی اللّه علیه و سلّم- إلی مدة فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ بهم العذاب یعنی القتل ببدر «إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ 30- العذاب» «3» یعنی القتل ببدر فقتلهم اللّه و ضربت الملائکة وجوههم و أدبارهم و عجل اللّه أرواحهم إلی النار ثم إن آیة السیف نسخت الإعراض «4».
______________________________
(1) «حتی یقولوا»: من ا، و لیست فی ز.
(2) فی ا: «فیجزیهم و ینبؤهم» و لیست فی ز.
(3) فی ز: «إنا منتظرون» بهم العذاب.
(4) لیست حقیقة النسخ واقعة هنا، فالإعراض کان فی مکة، و السیف کان فی المدینة، فهو من باب المنسأ الذی تأخر الأمر به إلی وقت الحاجة إلیه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 455

سورة الأحزاب‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 457
(33) سورة الأحزاب مدنیة و آیاتها ثلاث و سبعون
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 458

[سورة الأحزاب (33): الآیات 1 الی 73]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
یا أَیُّهَا النَّبِیُّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لا تُطِعِ الْکافِرِینَ وَ الْمُنافِقِینَ إِنَّ اللَّهَ کانَ عَلِیماً حَکِیماً (1) وَ اتَّبِعْ ما یُوحی إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ إِنَّ اللَّهَ کانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً (2) وَ تَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ وَ کَفی بِاللَّهِ وَکِیلاً (3) ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ وَ ما جَعَلَ أَزْواجَکُمُ اللاَّئِی تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِکُمْ وَ ما جَعَلَ أَدْعِیاءَکُمْ أَبْناءَکُمْ ذلِکُمْ قَوْلُکُمْ بِأَفْواهِکُمْ وَ اللَّهُ یَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ یَهْدِی السَّبِیلَ (4)
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُکُمْ فِی الدِّینِ وَ مَوالِیکُمْ وَ لَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ فِیما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لکِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُکُمْ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً (5) النَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُهاجِرِینَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلی أَوْلِیائِکُمْ مَعْرُوفاً کانَ ذلِکَ فِی الْکِتابِ مَسْطُوراً (6) وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِیِّینَ مِیثاقَهُمْ وَ مِنْکَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِیمَ وَ مُوسی وَ عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِیثاقاً غَلِیظاً (7) لِیَسْئَلَ الصَّادِقِینَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَ أَعَدَّ لِلْکافِرِینَ عَذاباً أَلِیماً (8) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ جاءَتْکُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ کانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً (9)
إِذْ جاؤُکُمْ مِنْ فَوْقِکُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْکُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنالِکَ ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِیداً (11) وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ یا أَهْلَ یَثْرِبَ لا مُقامَ لَکُمْ فَارْجِعُوا وَ یَسْتَأْذِنُ فَرِیقٌ مِنْهُمُ النَّبِیَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِیَ بِعَوْرَةٍ إِنْ یُرِیدُونَ إِلاَّ فِراراً (13) وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَیْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ یَسِیراً (14)
وَ لَقَدْ کانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا یُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ کانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (15) قُلْ لَنْ یَنْفَعَکُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِیلاً (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِی یَعْصِمُکُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِکُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِکُمْ رَحْمَةً وَ لا یَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِیًّا وَ لا نَصِیراً (17) قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْکُمْ وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنا وَ لا یَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِیلاً (18) أَشِحَّةً عَلَیْکُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَیْتَهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ تَدُورُ أَعْیُنُهُمْ کَالَّذِی یُغْشی عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوکُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ أُولئِکَ لَمْ یُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَ کانَ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیراً (19)
یَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ یَذْهَبُوا وَ إِنْ یَأْتِ الْأَحْزابُ یَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِی الْأَعْرابِ یَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِکُمْ وَ لَوْ کانُوا فِیکُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِیلاً (20) لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَکَرَ اللَّهَ کَثِیراً (21) وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلاَّ إِیماناً وَ تَسْلِیماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلاً (23) لِیَجْزِیَ اللَّهُ الصَّادِقِینَ بِصِدْقِهِمْ وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ إِنْ شاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ کانَ غَفُوراً رَحِیماً (24)
وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنالُوا خَیْراً وَ کَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ وَ کانَ اللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزاً (25) وَ أَنْزَلَ الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ مِنْ صَیاصِیهِمْ وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِیقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِیقاً (26) وَ أَوْرَثَکُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِیارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَ کانَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیراً (27) یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ إِنْ کُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَیاةَ الدُّنْیا وَ زِینَتَها فَتَعالَیْنَ أُمَتِّعْکُنَّ وَ أُسَرِّحْکُنَّ سَراحاً جَمِیلاً (28) وَ إِنْ کُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْکُنَّ أَجْراً عَظِیماً (29)
یا نِساءَ النَّبِیِّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ یُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَیْنِ وَ کانَ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیراً (30) وَ مَنْ یَقْنُتْ مِنْکُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَیْنِ وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً کَرِیماً (31) یا نِساءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِینَ الزَّکاةَ وَ أَطِعْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً (33) وَ اذْکُرْنَ ما یُتْلی فِی بُیُوتِکُنَّ مِنْ آیاتِ اللَّهِ وَ الْحِکْمَةِ إِنَّ اللَّهَ کانَ لَطِیفاً خَبِیراً (34)
إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِینَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصَّادِقِینَ وَ الصَّادِقاتِ وَ الصَّابِرِینَ وَ الصَّابِراتِ وَ الْخاشِعِینَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِینَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصَّائِمِینَ وَ الصَّائِماتِ وَ الْحافِظِینَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذَّاکِرِینَ اللَّهَ کَثِیراً وَ الذَّاکِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِیماً (35) وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِیناً (36) وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِی أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِ أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ وَ اتَّقِ اللَّهَ وَ تُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللَّهُ مُبْدِیهِ وَ تَخْشَی النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضی زَیْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناکَها لِکَیْ لا یَکُونَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ حَرَجٌ فِی أَزْواجِ أَدْعِیائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) ما کانَ عَلَی النَّبِیِّ مِنْ حَرَجٍ فِیما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَ یَخْشَوْنَهُ وَ لا یَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَ کَفی بِاللَّهِ حَسِیباً (39)
ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِکُمْ وَ لکِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِیِّینَ وَ کانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیماً (40) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا اللَّهَ ذِکْراً کَثِیراً (41) وَ سَبِّحُوهُ بُکْرَةً وَ أَصِیلاً (42) هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَ مَلائِکَتُهُ لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ وَ کانَ بِالْمُؤْمِنِینَ رَحِیماً (43) تَحِیَّتُهُمْ یَوْمَ یَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَ أَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً کَرِیماً (44)
یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَرْسَلْناکَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً (45) وَ داعِیاً إِلَی اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِیراً (46) وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً کَبِیراً (47) وَ لا تُطِعِ الْکافِرِینَ وَ الْمُنافِقِینَ وَ دَعْ أَذاهُمْ وَ تَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ وَ کَفی بِاللَّهِ وَکِیلاً (48) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نَکَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَکُمْ عَلَیْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِیلاً (49)
یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَکَ أَزْواجَکَ اللاَّتِی آتَیْتَ أُجُورَهُنَّ وَ ما مَلَکَتْ یَمِینُکَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَیْکَ وَ بَناتِ عَمِّکَ وَ بَناتِ عَمَّاتِکَ وَ بَناتِ خالِکَ وَ بَناتِ خالاتِکَ اللاَّتِی هاجَرْنَ مَعَکَ وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِیِّ إِنْ أَرادَ النَّبِیُّ أَنْ یَسْتَنْکِحَها خالِصَةً لَکَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَیْهِمْ فِی أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ لِکَیْلا یَکُونَ عَلَیْکَ حَرَجٌ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً (50) تُرْجِی مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِی إِلَیْکَ مَنْ تَشاءُ وَ مَنِ ابْتَغَیْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَیْکَ ذلِکَ أَدْنی أَنْ تَقَرَّ أَعْیُنُهُنَّ وَ لا یَحْزَنَّ وَ یَرْضَیْنَ بِما آتَیْتَهُنَّ کُلُّهُنَّ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما فِی قُلُوبِکُمْ وَ کانَ اللَّهُ عَلِیماً حَلِیماً (51) لا یَحِلُّ لَکَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَکَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَکَتْ یَمِینُکَ وَ کانَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ رَقِیباً (52) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتَ النَّبِیِّ إِلاَّ أَنْ یُؤْذَنَ لَکُمْ إِلی طَعامٍ غَیْرَ ناظِرِینَ إِناهُ وَ لکِنْ إِذا دُعِیتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لا مُسْتَأْنِسِینَ لِحَدِیثٍ إِنَّ ذلِکُمْ کانَ یُؤْذِی النَّبِیَّ فَیَسْتَحْیِی مِنْکُمْ وَ اللَّهُ لا یَسْتَحْیِی مِنَ الْحَقِّ وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِکُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِکُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ وَ ما کانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْکِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِکُمْ کانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیماً (53) إِنْ تُبْدُوا شَیْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ کانَ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیماً (54)
لا جُناحَ عَلَیْهِنَّ فِی آبائِهِنَّ وَ لا أَبْنائِهِنَّ وَ لا إِخْوانِهِنَّ وَ لا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَ لا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَ لا نِسائِهِنَّ وَ لا ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُنَّ وَ اتَّقِینَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ کانَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ شَهِیداً (55) إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِیماً (56) إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً (57) وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً (58) یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلابِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً (59)
لَئِنْ لَمْ یَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِی الْمَدِینَةِ لَنُغْرِیَنَّکَ بِهِمْ ثُمَّ لا یُجاوِرُونَکَ فِیها إِلاَّ قَلِیلاً (60) مَلْعُونِینَ أَیْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِیلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِیلاً (62) یَسْئَلُکَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ ما یُدْرِیکَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَکُونُ قَرِیباً (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْکافِرِینَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِیراً (64)
خالِدِینَ فِیها أَبَداً لا یَجِدُونَ وَلِیًّا وَ لا نَصِیراً (65) یَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِی النَّارِ یَقُولُونَ یا لَیْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولا (66) وَ قالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ کُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِیلا (67) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَیْنِ مِنَ الْعَذابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً کَبِیراً (68) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ آذَوْا مُوسی فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَ کانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِیهاً (69)
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِیداً (70) یُصْلِحْ لَکُمْ أَعْمالَکُمْ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِیماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) لِیُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِینَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِکِینَ وَ الْمُشْرِکاتِ وَ یَتُوبَ اللَّهُ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً (73)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 467
سورة الأحزاب «1» سورة الأحزاب مدنیة.
عدد آیاتها ثلاث و سبعون آیة کوفیة «2».
______________________________
(1) مقصود سورة الأحزاب المقصود الإجمالی لسورة الأحزاب هو:
الأمر بالتقوی، و أنه لیس فی صدر واحد قلبان و أن المتبنی لیس بمنزلة الابن، و أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- للمؤمنین بمکانة الوالد، و أزواجه الطاهرات بمکان الأمهات، و أخذ المیثاق علی الأنبیاء، و السؤال عن صدق الصادقین، و ذکر حرب الأحزاب و الشکایة من المنافقین و ذم المعرضین، و وفاء الرجال بالعهد، و رد الکفار بغیظهم، و تخبر أمهات المؤمنین، و وعظهن و نصحهن و بیان شرف أهل البیت الطاهرین، و وعد المسلمین و المسلمات بالأجور الوافرة، و حدیث تزویج زید و زینب و رفع الحرج عن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-، و ختم الأنبیاء به- علیه السّلام- و الأمر بالذکر الکثیر، و الصلوات و التسلیمات علی المؤمنین، و المخاطبات الشریفة لسیدنا المصطفی- صلی اللّه علیه و سلّم- و بیان النکاح و الطلاق و العدة، و خصائص النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فی باب النکاح، و تخییره فی القسم بین الأزواج، و الحجر علیه فی تبدیلهن، و نهی الصحابة عن دخول حجرة النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بغیر إذن منه، و ضرب الحجاب، و نهی المؤمنین عن تزوج أزواجه من بعده، و الموافقة مع الملائکة فی الصلاة علی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و تهدید المؤذین للنبی و للمؤمنین، و تعلیم آداب النساء فی خروجهن من البیوت، و تهدید المنافقین فی إیقاع الأراجیف، و ذل الکفار فی النار و النهی عن إیذاء الرسول- صلّی اللّه علیه و سلّم- و الأمر بالقول السدید، و بیان عرض الأمانة علی السموات و الأرض، و عذاب المنافقین، و توبة المؤمنین فی قوله: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ...» الآیة 72 إلی آخر السورة.
(2) فی المصحف: (33) سورة الأحزاب مدنیة و آیاتها 73 نزلت بعد سورة آل عمران.
و سمیت سورة الأحزاب لاشتمالها علی قصة حرب الأحزاب فی قوله: «یَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ یَذْهَبُوا ...» الآیة 20.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 468
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ یا أَیُّهَا النَّبِیُّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لا تُطِعِ الْکافِرِینَ وَ الْمُنافِقِینَ و ذلک
أن عبد اللّه بن أبی، و عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح، و طعمة بن أبیرق، و هم المنافقون کتبوا مع غلام لطعمة إلی مشرکی مکة من قریش إلی أبی سفیان بن حرب، و عکرمة بن أبی جهل، و أبی الأعور رأس الأحزاب ان أقدموا علینا فسنکون لکم أعوانا فیما تریدون، و إن شئتم مکرنا بمحمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- حتی یتبع دینکم الذی أنتم علیه فکتبوا إلیهم: إنا لن نأتیکم حتی تأخذوا العهد و المیثاق من محمد «1» فإنا نخشی أن یغدر بنا. «ثم نأتیکم فنقول» «2» و تقولون لعله یتبع دیننا فلما جاءهم الکتاب، انطلق هؤلاء المنافقون حتی أتوا النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فقالوا أتیناک فی أمر أبی سفیان بن حرب، و أبی الأعور، و عکرمة بن أبی جهل أن تعطیهم العهد و المیثاق علی دمائهم و أموالهم فیأتون و تکلمهم لعل إلهک یهدی قلوبهم فلما رأی رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- ذلک و کان حریصا علی أن یؤمنوا أعطاهم الأمان من نفسه فکتب المنافقون إلی الکافرین من قریش أنا قد استمکنا من محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- و لقد أعطانا و إیاکم الذی تریدون فأقبلوا علی اسم اللات و العزی «لعلنا نزیله إلی ما نهواه» «3» ففرحوا بذلک ثم رکب کل رجل منهم راحلة
______________________________
(1) فی أ زیادة: «صلّی اللّه علیه و سلّم».
(2) فی ا، م: «فنقول ثم نأتیکم و تقولون»، و هو خطأ فی النقل.
(3) فی ا: «لعلنا نزله إلی ما نهوی». تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 469
حتی أتوا المدینة فلما دخلوا علی عبد اللّه بن أبی أنزلهم و أکرمهم و رحب بهم و قال أنا عند الذی یسرکم «محمد أذن» «1» و لو قد سمع کلامنا و کلامکم لعله لا یعصینا فیما «نأمره» «2» فأبشروا و استعینوا آلهتکم علیه فإنها نعم العون لنا و لکم فلما رأوا ذلک منه قالوا أرسل إلی إخواننا فأرسل عبد اللّه بن أبی إلی طعمة و سعد أن إخواننا من أهل مکة قدموا علینا فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم و لزم بعضهم بعضا من الفرح و هم قیام، ثم جلسوا یرون أن یستنزلوا محمدا- صلّی اللّه علیه و سلّم- عن دینه.
فقال عبد اللّه بن أبی: أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدوا ذلک و لا أزید. أقول إنا- معشر الأنصار- لم نزل و إلهنا محمود بخیر و نحن الیوم أفضل منذ أرسل إلینا محمد «3»، و نحن کل یوم منه فی مزید، و نحن نرجو بعد الیوم من إله محمد « «4»» کل خیر و لکن لو شاء محمد « «5»» «قبل أمرا کان» «6» یکون ما عاش لنا و له ذکر فی الأولین الذین مضوا و یذهب ذکره فی الآخرین علی أن یقول إن اللات و العزی لهما شفاعة یوم القیامة و لهما ذکر و منفعة علی طاعتهما. هذا قولی له ... قال أبو سفیان: نخشی علینا و علیکم الغدر و القتل، فإن محمدا «7» زعموا أنه لن یبقی بها أحدا منا من شدة بغضه إیانا و إنا نخشی أن یکون یضمر لنا فی نفسه ما کان لقی أصحابه یوم أحد. قال
______________________________
(1) فی ا، م: محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- إذا. و هو خطأ لا یستقیم معه الکلام. و قد جاء فی سورة التوبة: 61 «وَ مِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَ یَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَیْرٍ لَکُمْ ...»
(2) فی ا: نأمر به.
(3، 4، 5) فی ا زیادة: «صلّی اللّه علیه و سلّم».
(6) «قبل أمرا کان» ساقطة من ف. و فی ا: و لب، م: و لب. و قد غلب علی ظنی أنهما محرفتان عن قبل. فأثبت قبل لیستقیم المعنی.
(7) فی ا زیادة: «صلّی اللّه علیه و سلّم». تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 470
عبد اللّه بن أبی: إنه إذا أعطی الأمان فإنه لن یغدر «1»، هو أکرم من ذلک و أو فی بالعهد منا فلما أصبحوا أتوه فسلموا علیه فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: مرحبا بأبی سفیان اللهم أهد قلبه. فقال أبو سفیان: اللهم یسر الذی هو خیر فجلسوا فتکلموا و عبد اللّه بن أبی، فقالوا للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: ارفض ذکر اللات و العزة و مناة حجر یعبد بأرض هذیل و قل: إن لهما «2» شفاعة و منفعة فی الآخرة لمن عبدهما فنظر إلیه النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و شق علیه قولهم فقال عمر بن الخطاب- رضوان اللّه علیه «3»- ائذن لی «یا رسول اللّه» «4» فی قتلهم. فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: إنی قد أعطیتهم العهد و المیثاق.
و قال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: لو شعرت أنکم تأتون لهذا من الحدیث لما أعطیتهم الأمان. فقال أبو سفیان: ما بأس بهذا أن قوما استأنسوا إلیک یا محمد و رجوا منک أمرا فأما إذا قطعت رجاءهم فإنه لا ینبغی لک أن تؤذیهم، و علیک باللین و التؤدة لإخوانک و أصحابک. فإن هذا من قوم أکرموک و نصروک و أعانوک و لولاهم لکنت مطلوبا مقتولا و کنت فی الأرض خائفا لا یقبلک أحد. فزجرهم عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- فقال: اخرجوا فی لعنة اللّه و غضبه فعلیکم رجس اللّه و غضبه و عذابه ما أکثر شرککم و أقل خیرکم و أبعدکم من الخیر و أقربکم
______________________________
(1) فی ا: فإنه لم یغدرکم و هو أکرم ..- و الخطأ ظاهر. لأنها واقعة فی جواب إذا، و إذا ظرف لما یستقبل من الزمان و لم حرف نفی و جزم و قلب یقلب معنی المضارع من الحال للماضی.
أما عبارة ف: فإنه لن یغدر فهی لنفی الغدر فی المستقبل و بها یستقیم المعنی.
(2) الضمیر عائد علی اللات و العزی، و فی سورة النجم: 19- 20 «أَ فَرَأَیْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْری .
(3) فی ف: «رضی اللّه عنه».
(4) «یا رسول اللّه»: ساقطة من ا. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 471
من الشر فخرجوا من عنده، فأمر النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أن یخرجهم من المدینة «1» فقال بعضهم لبعض لا نخرج حتی یعطینا العهد إلی أن نرجع إلی بلادنا فأعطاهم النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- ذلک فنزلت فیهم «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لا تُطِعِ الْکافِرِینَ» یعنی- تبارک و تعالی- أبا سفیان، و عکرمة، و أبا الأعور اسمه عمرو بن سفیان، ثم قال: «و المنافقین» یعنی عبد اللّه بن أبی، و عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح، و طعمة بن أبیرق إِنَّ اللَّهَ کانَ عَلِیماً حَکِیماً- 1- فلما خرجوا من عنده قال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-:
ما لهؤلاء؟ علیهم لعنة اللّه و الملائکة و الناس أجمعین
وَ اتَّبِعْ ما یُوحی إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ یعنی ما فی القرآن إِنَّ اللَّهَ کانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً- 2- وَ تَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ و ثق باللّه فیما تسمع من الأذی وَ کَفی بِاللَّهِ وَکِیلًا- 3- ناصرا و ولیا و مانعا فلا أحد أمنع من اللّه- تعالی- و إنما نزلت فیها «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لا تُطِعِ الْکافِرِینَ» من أهل مکة «و المنافقین» من أهل المدینة یعنی هؤلاء النفر الستة المسلمین و دع أذاهم إیاک لقولهم للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قل للالهة شفاعة و منفعة لمن عبدها «وَ تَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ وَ کَفی بِاللَّهِ وَکِیلًا» یعنی مانعا فلا أحد أمنع من اللّه- عز و جل-.
ثم قال: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ نزلت فی «أبی» «2» معمر ابن أنس الفهری «کان» «3» رجلا حافظا لما سمع و أهدی الناس بالطریق و کان لبیبا
______________________________
(1) فی أ: قال. و هو خطأ فی النقل.
(2) فی ا: «ابن» و هو خطأ.
(3) فی ا: «و کان». و الواو زیادة من الناسخ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 472
«فقالت» «1» قریش: «ما أحفظ أبا معمر» «2» إلا أنه ذو قلبین. فکان جمیل یقول:
إن فی جوفی قلبین أحدهما أعقل من محمد. فلما کان یوم بدر انهزم و أخذ نعله فی یده.
فقال له سفیان بن الحرث: أین تذهب یا جمیل؟ تزعم أن لک قلبین أحدهما أعقل من محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم-.
ثم قال: وَ ما جَعَلَ أَزْواجَکُمُ اللَّائِی تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِکُمْ یعنی أوس ابن الصامت بن قیس بن الصامت الأنصاری من بنی عوف بن الخزرج و امرأته خولة بنت قیس بن ثعلبة بن مالک بن أصرم بن حزامة من بنی عمرو بن عوف ابن الخزرج.
ثم قال: وَ ما جَعَلَ أَدْعِیاءَکُمْ أَبْناءَکُمْ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- تبنی زید بن حارثة اتخذه ولدا فقال الناس زید بن محمد فضرب اللّه- تعالی- لذلک مثلا للناس فقال: «ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ ...» «وَ ما جَعَلَ أَدْعِیاءَکُمْ» «3» فکما لا یکون للرجل الواحد قلبان کذلک لا یکون دعی الرجل ابنه یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و زید بن حارثة بن قرة بن شرحبیل الکلبی، من بنی عبدود کان النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- تبناه فی الجاهلیة و آخی بینه و بین حمزة ابن عبد المطلب- رضی اللّه عنهما- فی الإسلام فجعل الفقیر أخا الغنی لیعود علیه.
فلما تزوج النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- زینب بنت جحش و کانت تحت زید
______________________________
(1) فی ف: «قالت» بسقوط الفاء.
(2) فی ف: «ما حفظ أبو معمر».
(3) «وَ ما جَعَلَ أَدْعِیاءَکُمْ»: ساقطة من ف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 473
ابن حارثة، قالت الیهود و المنافقون: تزوج محمد «1» امرأة ابنه و هو ینهانا عن ذلک، فنزلت هذه الآیة، فذلک قوله «سبحانه» «2»: «وَ ما جَعَلَ أَدْعِیاءَکُمْ» یعنی دعی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- حین ادعی زیدا ولدا فقال هو ابنی «أبناءکم» یقول لم یجعل أدعیاءکم أبناءکم ثم قال: ذلِکُمْ الذی قلتم زید بن «محمد» «3» هو قَوْلُکُمْ بِأَفْواهِکُمْ یقول إنکم قلتموه بألسنتکم وَ اللَّهُ یَقُولُ الْحَقَ فیما قال من أمر زید بن حارثة وَ هُوَ یَهْدِی السَّبِیلَ 4- یعنی و هو یدل إلی طریق الحق ثم «أخبر» «4» کیف یقولون فی أمر زید بن حارثة فقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ یقول قولوا زید بن حارثة و لا تنسبوه إلی غیر أبیه هُوَ أَقْسَطُ یعنی أعدل عِنْدَ اللَّهِ فلما نزلت هذه الآیة دعاه المسلمون إلی أبیه فقال زید أنا ابن حارثة معروف نسبی فقال اللّه- تعالی-: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُکُمْ فِی الدِّینِ وَ مَوالِیکُمْ یقول فإن لم تعلموا لزید أبا تنسبوه إلیه فهو أخوکم فی الدین و مولاکم یقول فلان مولی فلان وَ لَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ یعنی حرج فِیما أَخْطَأْتُمْ بِهِ قبل النهی و نسبوه إلی غیر أبیه وَ لکِنْ الجناح فی «ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُکُمْ» «5» بعد النهی وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً- 5- «غفورا» لما کان من قولهم قبل من أن زید بن محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- «رحیما» «6» فیما بقی. فقال رجل
______________________________
(1) فی ا زیادة: «صلّی اللّه علیه و سلّم».
(2) «سبحانه»: غیر موجودة فی ف.
(3) فی ا زیادة: «صلّی اللّه علیه و سلّم».
(4) فی ا: «أخبر عنهم».
(5) فی ف، ا: «ما تعمدت به قلوبکم». بزیادة (به) عن نص القرآن.
(6) «رحیما»: ساقطة من ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 474
من المسلمین فی ذلک فأنزل اللّه- تعالی- النَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ فی الطاعة له مِنْ أَنْفُسِهِمْ یعنی من بعضهم لبعض، فلما نزلت هذه الآیة
قال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: «من ترک دینا فعلی، و من ترک کلا- یعنی عیالا- فأنا أحق به، و من ترک مالا فللورثة».
ثم قال- عز و جل-: وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ و لا یحل لمسلم أن یتزوج من نساء النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- شیئا أبدا، ثم قال- عز و جل-: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللَّهِ یعنی «فی» «1» المواریث مِنَ الْمُؤْمِنِینَ یعنی الأنصار، ثم قال: وَ الْمُهاجِرِینَ الذین هاجروا إلیهم بالمدینة، و ذلک أن اللّه- تعالی- أراد أن یحرض المؤمنین علی الهجرة بالمواریث «فلما نزلت هذه الآیة ورث المهاجرون بعضهم بعضا علی القرابة. فإن کان مسلما لم یهاجر لم یرثه ابنه و لا أبوه و لا أخوه المهاجر، إذا مات أحدهما و لم یهاجر الآخر» «2».
______________________________
(1) فی: ساقطة من ا.
(2) فی شرح هذه الآیة اضطراب شدید فی النسخ.
أ- فی ف: «فلما نزلت هذه الآیة ورث المهاجرون إذا مات أحدهم. و من لم یهاجر فلا میراث بینهم».
ب- و فی ا: «فلما نزلت هذه الآیة ورث المهاجرون بعضهم بعضا علی القرابة فإن کان مسلما لم یهاجر لم یرثه ابنه و لا أبوه و لا أخوه و المهاجرین إذا مات أحدهما و لم یهاجر الآخر فلا میراث بینهما».
ج- و فی الأزهریة: «فإن کان مسلما لم یهاجر لم یرث ابنه و لا أبوه المهاجر إذا مات أحدهما و لم یهاجر الآخر».
- و عبارة ف، موجزة و لعل شیئا سقط منها- و عبارة ا: غیر مستقیمة.
- و عبارة الأزهریة فیها خطأ نحوی.
و قد أثبتها بعد إصلاحها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 475
إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلی أَوْلِیائِکُمْ مَعْرُوفاً یعنی إلی أقربائکم أن توصوا لهم من المیراث للذین لم یهاجروا من المسلمین، کانوا بمکة أو بغیرها، ثم قال: کانَ ذلِکَ فِی الْکِتابِ مَسْطُوراً- 6- یعنی مکتوبا فی اللوح المحفوظ أن المؤمنین أولی ببعض فی المیراث من الکفار «فلما کثر المهاجرون رد اللّه- عز و جل- المواریث علی أولی الأرحام» «1» علی کتاب اللّه فی القسمة إن کان مهاجرا أو غیر مهاجر فقال فی آخر الأنفال: «... وَ أُولُوا الْأَرْحامِ» من المسلمین «بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ» مهاجر و غیر مهاجر فی المیراث «فِی کِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ» «2» فنسخت الآیة التی فی الأنفال هذه الآیة التی فی الأحزاب.
وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِیِّینَ مِیثاقَهُمْ وَ مِنْکَ یا محمد وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِیمَ وَ مُوسی وَ عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ فکان النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أولهم فی المیثاق و آخرهم فی البعث، و ذلک أن اللّه- تبارک و تعالی- خلق آدم- علیه السلام- و أخرج منه ذریته، فأخذ علی ذریته من النبیین أن یعبدوه و لا یشرکوا به شیئا و أن یدعوا الناس إلی عبادة اللّه- عز و جل- و أن یصدق بعضهم بعضا «و أن ینصحوا لقومهم» «3» فذلک قوله- عز و جل-: وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِیثاقاً غَلِیظاً- 7- الذی أخذ علیهم فکل نبی بعثه اللّه- عز و جل- صدق من کان قبله، و من کان بعده من الأنبیاء- علیهم السلام-، یقول- عز و جل-: لِیَسْئَلَ الصَّادِقِینَ عَنْ صِدْقِهِمْ یعنی النبیین- علیهم السلام- هل بلغوا الرسالة وَ أَعَدَّ لِلْکافِرِینَ بالرسل عَذاباً أَلِیماً- 8- یعنی وجیعا یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ
______________________________
(1) فی ف: «فلما کثر المهاجرون رد اللّه علیهم المواریث علی أولی الأرحام».
(2) فی النسخ اختلاط الآیة بتفسیرها مما یوهم أن الجمیع من القرآن و آیة، سورة الأنفال: 75
(3) فی ا: «و أن ینصحوا بقولهم» و فی ف: «و أن ینصحوا لقومهم»، و هو موافق لما جاء فی تفسیر ابن کثیر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 476
فی الدفع عنکم و ذلک أن أبا سفیان بن حرب و من معه من المشرکین یوم الخندق تحزبوا فی ثلاثة أمکنة علی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و أصحابه یقاتلونهم من کل وجه فبعث اللّه- عز و جل- علیهم باللیل ریحا باردة، و بعث اللّه الملائکة «1» فقطعت الریح الأوتاد، و أطفأت النیران، و جالت الخیل بعضها فی بعض، و کبرت الملائکة فی ناحیة عسکرهم، فانهزم المشرکون من غیر قتال، فأنزل اللّه- عز و جل- یذکرهم فقال- تعالی-: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ» فی الدفع عنکم إِذْ جاءَتْکُمْ جُنُودٌ من المشرکین یعنی أبا سفیان بن حرب و من اتبعه فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً شدیدة وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها من الملائکة ألف ملک فیهم جبریل- علیه السلام- «2» وَ کانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً- 9- ثم أخبر عن حالهم فقال- سبحانه-: إِذْ جاؤُکُمْ مِنْ فَوْقِکُمْ من فوق الوادی من قبل المشرق علیهم مالک ابن عوف البصری، و عیینة بن حصن الفزاری فی ألف من غطفان معهم طلیحة ابن خویلد الأسدی، و حیی بن أخطب الیهودی فی الیهود «یهود قریظة» «3» و عامر ابن الطفیل فی هوزان، ثم قال- جل ثناؤه-: وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْکُمْ یعنی من بطن الوادی من قبل المغرب، و هو أبو سفیان بن حرب علی أهل مکة معه یزید بن خلیس علی قریش و الأعور السلمی من قبل الخندق، فذلک قوله- عز و جل-: وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ یعنی شخصت الأبصار فرقا وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا- 10- «یعنی الإیاس من النصر» «4»، «و اخلاف الأمر» «5» یقول- جل ثناؤه-:
______________________________
(1) هکذا فی ف، و فی ا، زیادة: «من ناحیة عسکرهم».
(2) فی ا: علیهم جبریل- صلّی اللّه علیه و سلّم.
(3) فی ا: «یهود أهل قریظة».
(4) فی ا: «یعنی الإباسة من النصر».
(5) فی ف: «و اختلاف الأمر».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 477
هُنالِکَ یعنی عند ذلک ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ بالقتال و الحصر «1» وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِیداً- 11- لما رأی اللّه- عز و جل- ما فیه المؤمنون من الجهد و الضعف «بعث علیهم» «2» ریحا و جنودا من الملائکة، فأطفأت الریح نیرانهم، و ألقت أبنیتهم، و أکفأت قدورهم و نزعت أوتادهم، و نسفت التراب فی وجوههم، و جالت الدواب بعضها فی بعض، و سمعوا تکبیر الملائکة فی نواحی عسکرهم فرعبوا، فقال طلیحة بن خویلد الأسدی: إن محمدا قد بدأکم بالشر فالنجاة النجاة، فنادی رئیس کل قوم بالرحیل فانهزموا لیلا بما استخقوا من أمتعتهم، و رفضوا بعضها لا یبصرون شیئا من شدة الریح و الظلمة، فانهزموا فذلک قوله- عز و جل-:
«وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنالُوا خَیْراً وَ کَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ» بالریح و الملائکة «وَ کانَ اللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزاً» «3» یعنی منیعا فی ملکه حین هزمهم.
وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ منهم أوس بن قیظی، و معتب بن قشیر الأنصاری وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یعنی الشک ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً- 12- و ذلک
أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- لما بلغة إقبال المشرکین من مکة أمر بحفر الخندق فحفر کل بنی أب علی حدة، و صار سلمان الفارسی فی بنی هاشم فأتی سلمان علی صخرة فلم یستطع قلعها، فأخذ النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- المعول من سلمان فضرب به ثلاث ضربات «فانصدع» «4» الحجر، و سطع نور من الحجر کأنه البرق، فقال سلمان: یا رسول اللّه لقد رأیت من الحجر أمرا عجیبا و أنت
______________________________
(1) الحصر المراد به الحصار الذی أحاط بالمؤمنین فصاروا بین المشرکین و الیهود.
(2) فی ف: «بعث اللّه علیهم» و الضمیر فی علیهم عائد علی الکافرین.
(3) سورة الأحزاب: 25.
(4) فی أ: «و انصدع» و هو تصحیف. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 478
تضربه فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم-: و هل رأیت؟ قال: نعم. قال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: رأیت فی الضربة الأولی قوی الیمن، و فی الضربة الثانیة أبیض المدائن، و فی الضربة الثالثة مدائن الروم، و لقد أوحی اللّه- عز و جل- إلی «بأنه» «1» یفتحهن علی أمتی. فاستبشر المؤمنون و فشا ذلک فی المسلمین فلما رأوا شدة القتال، و الحصر ارتاب المنافقون، فأساءوا القول.
قال معتب بن قشیر بن عدی الأنصاری من الأوس من بنی عمرو بن عوف: یعدنا «محمد» «2» فتح قصور الیمن و فارس و الروم و لا یستطیع «3» أحدنا أن یبرز إلی «4» الجلاء حتی یوضع فیه سهم هذا و اللّه الغرور من قول ابن عبد المطلب و تابعه علی ذلک «5» نفر، فأنزل اللّه- تعالی-:
«وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» یعنی کفرا «ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً».
قال معتب بن قشیر: إن الذی یقول لهو الغرور و لم یقل إن الذی وعدنا اللّه و رسوله غرورا لأنه لا یصدق بأن محمدا- صلّی اللّه علیه و سلّم- رسول فیصدقه. فقال اللّه- تعالی- إن الذی قال محمد هو ما وعد اللّه و هو قول اللّه- عز و جل-، فأکذب اللّه معتبا «6».
وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ من المنافقین من بنی سالم یا أَهْلَ یَثْرِبَ لا مُقامَ لَکُمْ لا مساکن لکم فَارْجِعُوا إلی المدینة خوفا و رعبا من الجهد
______________________________
(1) فی ف: «انه».
(2) فی أ: محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم-.
(3) فی ا: فلا یستطیع.
(4) فی ا زیادة: أحدنا و هو خطأ.
(5) فی أ: علی قوله.
(6) هذه العبارة فی ف و هی مضطربة فی ا و فی و الأزهریة. و بالطبع فی أمانة لأنها ناقلة عن ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 479
و القتال فی الخندق، یقول ذلک المنافقون بعضهم لبعض. ثم قال: وَ یَسْتَأْذِنُ فَرِیقٌ مِنْهُمُ النَّبِیَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَةٌ یعنی خالیة طائعة هذا قول بنی حارثة ابن الحرث، و بنی سلمة بن جشم، و هما من الأنصار و ذلک أن بیوتهم کانت فی ناحیة من المدینة، فقالوا بیوتنا ضائعة نخشی علیها السراق، یقول اللّه- تعالی-:
وَ ما هِیَ بِعَوْرَةٍ یعنی بضائعه إِنَ یعنی ما یُرِیدُونَ إِلَّا فِراراً- 13- من القتل نزلت فی قبیلتین من الأنصار بنی حارثة و بنی سلمة بن جشم، و هموا أن یترکوا أماکنهم فی الخندق ففیهم «1» یقول اللّه- تعالی-: «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْکُمْ أَنْ تَفْشَلا وَ اللَّهُ وَلِیُّهُما وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» «2» قالوا بعد ما نزلت هذه الآیة ما یسرنا أنا لم نهم بالذی هممنا إذ کان اللّه ولینا.
قوله- تعالی-: وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَیْهِمْ مِنْ أَقْطارِها یقول و لو دخلت علیهم المدینة من نواحیها یعنی نواحی المدینة ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ یعنی الشرک لَآتَوْها یعنی لأعطوها عفوا یقول لو أن الأحزاب دخلوا المدینة، ثم أمروهم بالشرک لأشرکوا وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا یَسِیراً- 14- یقول ما تحبسوا بالشرک إلا قلیلا حتی یعطوا طائعین فیکفوا، ثم أخبر عنهم فقال- سبحانه-: وَ لَقَدْ کانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ قتال الخندق و هم سبعون رجلا لیلة العقبة قالوا «3» للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- اشترط لربک و لنفسک ما شئت.
فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: أشترط لربی أن تعبدوه و لا تشرکوا به شیئا، و أشترط لنفسی أن تمنعونی مما تمنعون منه
______________________________
(1) فی ا: و فیهم.
(2) سورة آل عمران: 122.
(3) فی ا: فقالوا. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 480
أنفسکم و أولادکم و نساءکم. «قالوا» «1»: فما لنا إذا فعلنا یا نبی اللّه. قال: لکم النصر فی الدنیا و الجنة فی الآخرة. فقالوا: قد فعلنا «2» ذلک. فذلک قوله: و قد کانوا عاهدوا اللّه من قبل. یعنی لیلة العقبة حین شرطوا للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- المنعة لا یُوَلُّونَ الْأَدْبارَ منهزمین و ذلک أنهم بایعوا النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أنهم یمنعونه مما یمنعون «3» أنفسهم و أولادهم و أموالهم. یقول اللّه- عز و جل- وَ کانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا- 15- یقول أن اللّه یسأل یوم القیامة عن نقض العهد «فإن» «4» عدو اللّه إبلیس سمع شرط الأنصار تلک اللیلة فصاح صیحة أیقظت النائم، و فزع القظان و کان صوته «أن» «5» نادی کفاره فقال: هذا محمد قد «بایعه» «6» الناس فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- لإبلیس اخسأ عدو اللّه.
قُلْ لَنْ یَنْفَعَکُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ لن تزدادوا علی آجالکم وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ فی الدنیا إِلَّا قَلِیلًا- 16- یعنی إلی آجالکم القلیل «7» لا تزدادوا علیها شیئا. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِی یَعْصِمُکُمْ مِنَ اللَّهِ یعنی یمنعکم من اللّه إِنْ أَرادَ بِکُمْ سُوءاً یعنی الهزیمة أَوْ أَرادَ بِکُمْ رَحْمَةً یعنی
______________________________
(1) فی ف: «فقالوا».
(2) فی ا: زیادة سطر مکرر و هو سهو من الناسخ.
(3) روایة الحدیث مما یمنعون منه. و لکن «منه» لیست فی النسخ.
(4) فی ا: «و إن».
(5) فی ف: «إذا».
(6) فی ا: «تابعه» و هو تصحیف.
(7) هکذا فی النسخ و الوصف إذا کان زنته فعیل استوی فیه المذکر و المؤنث مثل رجل بخیل و امرأة بخیل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 481
خیرا و هو النصر یقول: «من یقدر علی دفع السوء و صنیع الخیر» «1»، نظیرها فی الفتح «... قُلْ فَمَنْ یَمْلِکُ لَکُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً إِنْ أَرادَ بِکُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِکُمْ «2» نَفْعاً ...» ثم قال- عز و جل-: وَ لا یَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِیًّا یعنی قریبا فینفعهم وَ لا نَصِیراً- 17- یعنی مانعا یمنعهم من الهزیمة. إن أراد بکم «سوءا» أو أراد بکم رحمة «3» قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْکُمْ و ذلک أن الیهود أرسلوا إلی المنافقین یوم الخندق فقالوا: ماذا الذی «حملکم» «4» أن تقتلوا أنفسکم بأیدی أبی سفیان و من معه فإنهم إن قدروا هذه المرة لم یستبقوا منکم أحدا، و أنا نشفق علیکم، إنما أنتم إخواننا، و نحن جیرانکم. وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنا. فأقبل «رجلان» «5» من المنافقین عبد اللّه بن أبی، و رجل من أصحابه علی المؤمنین یعوقونهم و یخوفونهم بأبی سفیان و من معه، قالوا: لئن قدروا علیکم هذه المرة لم یستبقوا منکم أحدا. «ما ترجون» «6» من محمد، فو اللّه ما یرفدنا بخیر، و لا عنده خیر ما هو إلا «أن» «7» یقتلنا هاهنا و ما لکم فی صحبته خیر، هلم ننطلق إلی إخواننا و أصحابنا «یعنون الیهود» «8».
فلم یزد قول المنافقین للمؤمنین إلا إیمانا و تسلیما و احتسابا، فذلک قوله- عز و جل- «قَدْ یَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْکُمْ» یعنی عبد اللّه بن أبی و أصحابه «و» یعلم
______________________________
(1) فی أ: من یقدر علی دفع السوء و دفع الخیر.
(2) سورة الفتح: 11، و هی مذکورة فی الأزهریة فقط هکذا «... إِنْ أَرادَ بِکُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِکُمْ نَفْعاً ...»
(3) هکذا فی الأزهریة. و فی ف، أ: سوءا فی التقدیم.
(4) فی أ: «یحملکم».
(5) فی ف: «رجل». و فی أ و الأزهریة: «رجلان».
(6) فی الأزهریة: «ما ترجوا». و هو خطأ. و فی أ: «ما تریدون».
(7) هکذا فی الأزهریة، «أن» ساقطة من ف، أ.
(8) هکذا فی الأزهریة، «یعنون الیهود» ساقطة من ف، ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 482
«القائلین لإخوانهم» یعنی الیهود حین دعوا إخوانهم المنافقین حین قالوا «هلم إلینا»، ثم قال: وَ لا یَأْتُونَ یعنی المنافقین الْبَأْسَ یعنی القتال إِلَّا قَلِیلًا- 18- یعنی بالقلیل إلا ریاء و سمعة من غیر احتساب. ثم أخبر عن المنافقین فقال- تعالی-: أَشِحَّةً عَلَیْکُمْ یقول أشفقة من المنافقین علیکم حین یعوقونکم- یا معشر المؤمنین- ثم أخبر عنهم عند القتال أنهم أجبن الناس قلوبا و أضعفهم یقینا «و أسوأهم» «1» ظنا «باللّه- عز و جل» «2» فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَیْتَهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ تَدُورُ أَعْیُنُهُمْ کَالَّذِی یُغْشی عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ و جاءت الغنیمة سَلَقُوکُمْ یعنی رموکم. یعنی عبد اللّه بن أبی و أصحابه، یقول: بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ یعنی ألسنة سلیطة باسطة بالشر یقولون أعطونا الغنیمة فقد کنا معکم فلستم بأحق بها منا، یقول اللّه- جل و عز-:
أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ یعنی الغنیمة أُولئِکَ لَمْ یُؤْمِنُوا بالنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و لم یصدقوا بتوحید اللّه فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ یقول أبطل جهادهم لأن أعمالهم خبیثة و جهادهم لم یکن فی إیمان وَ کانَ ذلِکَ یعنی حبط أعمالهم عَلَی اللَّهِ یَسِیراً- 19- یعنی هینا.
ثم ذکر المنافقین فقال- عز و جل-: یَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ یَذْهَبُوا و ذلک أن الأحزاب الذین تحزبوا علی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و أصحابه- رضی اللّه عنهم- فی الخندق. و کان أبو سفیان بن حرب علی أهل مکة، و کان علی بنی المصطلق و هم حی من خزاعة یزید بن الحلیس الخزاعی، و کان علی هوازن
______________________________
(1) فی النسخ: «و أسوأه».
(2) «باللّه- عز و جل»: ساقطة من ف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 483
مالک بن عوف النضری، و کان علی بنی غطفان عیینة بن حصن بن بدر الفزاری، و کان علی بنی أسد طلیحة بن خویلد «الفقسی» «1» من بنی أسد، ثم کانت الیهود «2»، فقذف اللّه- عز و جل- فی قلوبهم الرعب، و أرسل علیهم ریحا و هی الصبا فجعلت تطفئ نیرانهم و تلقی أبنیتهم. و أنزل جنودا لم تروها من الملائکة فکبروا فی عسکرهم فلما سمعوا التکبیر قذف اللّه- تعالی- الرعب فی قلوبهم و قالوا قد بدأ محمد بالشر فانصرفوا إلی مکة راجعین عن الخندق من الخوف و الرعب الذی نزل بهم فی الخندق وَ إِنْ یَأْتِ الْأَحْزابُ یعنی و إن یرجع الأحزاب إلیهم للقتال یَوَدُّوا یعنی یود المنافقین لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِی الْأَعْرابِ و لم یشهدوا القتال یَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِکُمْ یعنی عن حدیثکم و خیر ما فعل محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- و أصحابه وَ لَوْ کانُوا فِیکُمْ یشهدون القتال ما قاتَلُوا یعنی المنافقین إِلَّا قَلِیلًا- 20- یقول ما قاتلوا إلا ریاء و سمعة من غیر حسبة، ثم قال- عز و جل-: لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أن کسرت رباعیته و جرح فوق حاجبه و قتل عمه حمزة و آساکم بنفسه فی مواطن الحرب و الشدة لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ یعنی لمن کان یخشی اللّه- عز و جل- و یخشی البعث الذی فیه جزاء الأعمال وَ ذَکَرَ اللَّهَ کَثِیراً- 21- ثم نعت المؤمنین فقال: وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ یوم الخندق. أبا سفیان و أصحابه و أصابهم الجهد و شدة القتال قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ فی البقرة حین قال: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ و لما
______________________________
(1) «الفقی»: ساقطة من ف.
(2) فی ف: زیادة غیر واضحة و لا مفهومة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 484
یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّی یَقُولَ الرَّسُولُ (وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ) «1» مَتی نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ».
و قالوا: صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ما قال فی سورة البقرة. یقول اللّه- عز و جل- وَ ما زادَهُمْ الجهد و البلاء فی الخندق إِلَّا إِیماناً یعنی تصدیقا بوعد اللّه- عز و جل- فی سورة البقرة أنه یبتلیهم وَ تَسْلِیماً- 22- لأمر اللّه و قضائه، ثم نعت المؤمنین فقال: مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ لیلة العقبة بمکة فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ یعنی أجله فمات علی الوفاء یعنی حمزة و أصحابه قتلوا یوم أحد- رضی اللّه عنهم- وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ یعنی المؤمنین من ینتظر أجله علی الوفاء بالعهد وَ ما بَدَّلُوا العهد تَبْدِیلًا- 23- کما بدل المنافقون، ثم قال: لِیَجْزِیَ اللَّهُ بالإیمان و التسلیم الصَّادِقِینَ بوفاء العهد بِصِدْقِهِمْ وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ بنقض العهد إِنْ شاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ فیهدیهم من النفاق إلی الإیمان إِنَّ اللَّهَ کانَ غَفُوراً رَحِیماً- 24- یقول اللّه- عز و جل-: وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ یعنی أبا سفیان و جموعه من الأحزاب یغبظهم لَمْ یَنالُوا خَیْراً وَ کَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ وَ کانَ اللَّهُ قَوِیًّا فی ملکه عَزِیزاً- 25- فی حکمه «2» ثم ذکر یهود أهل قریظة حیی بن أخطب و من معه الذین أعانوا المشرکین یوم الخندق علی قتال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فقال- عز و جل- وَ أَنْزَلَ الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ مِنْ صَیاصِیهِمْ یعنی أعانوهم،
______________________________
(1) فی النسخ: «وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ ...» إلی آخر الآیة، سورة البقرة: 214.
(2) فی ف: زیادة لیست فی موضعهم. و هی خطأ من ناسخ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 485
تعنی الیهود أعانوا المشرکین علی قتال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و المؤمنین.
و ذلک
أن اللّه- عز و جل- حین هزم المشرکین عن الخندق بالریح و الملائکة أتی جبریل- علیه السلام- علی فرس. فقال- صلّی اللّه علیه و سلّم- یا جبریل، ما هذا الغبار علی وجه الفرس فقال: هذا الغبار من الریح التی أرسلها اللّه علی أبی سفیان و من معه فجعل النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- یمسح الغبار عن وجه الفرس و عن سرجه. فقال له جبریل- علیه السلام-: سر إلی بنی قریظة فإن اللّه- عز و جل- داقهم لک دق البیض علی الصفا.
فسار النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- إلی یهود بنی قریظة فحاصرهم إحدی و عشرین لیلة ثم نزلوا علی حکم سعد بن معاذ الأنصاری فحکم علیهم سعد أن تقتل مقاتلتهم و تسبی ذراریهم فکبر النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و قال: لقد حکم اللّه- عز و جل-. و لقد رضی اللّه علی عرشه بحکم سعد، و ذلک أن جبریل کان «قال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم» «1»: سر إلی بنی قریظة فاقتل مقاتلتهم و اسب ذراریهم فإن اللّه- عز و جل- قد أذن لک فهم لک طعمة،
فذلک قوله- عز و جل-: «وَ أَنْزَلَ الَّذِینَ ظاهَرُوهُمْ» یعنی الیهود أعانوا أبا سفیان «مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ» یعنی قریظة «مِنْ صَیاصِیهِمْ» یعنی من حصونهم وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِیقاً یعنی طائفة تَقْتُلُونَ فقتل منهم أربعمائة و خمسین رجلا وَ تَأْسِرُونَ فَرِیقاً- 26- یعنی و تسبون طائفة سبعمائة و خمسین وَ أَوْرَثَکُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِیارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها یعنی خیبر وَ کانَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من القری و غیرها قَدِیراً- 27- أن یفتحها علی المسلمین
______________________________
(1) هکذا فی الأزهریة. و فی ف، ا: «و قال جبریل للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 486
فقال عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- ألا تخمس کما خمست یوم بدر قال:
هذا قد جعله اللّه لی دون المؤمنین. فقال عمر- رضی اللّه عنه-: رضینا و سلمنا لرسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- فقسم النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فی أهله منها «عشرین رأسا» «1» ثم جعل النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بقیته نصفین فبعث النصف مع سعد بن عبادة الأنصاری إلی الشام و بعث بالنصف الباقی مع أوس بن قیظی من الأنصار إلی غطفان و أمرهما أن یبتاعا الخیل فجلبا خیلا عظیمة فقسمها النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فی المسلمین و توفی سعد بن معاذ- رضی اللّه عنه- من رمیة أصابت أکحله یوم الخندق فانتفضت جراحته «فنزفت الدم» «2» فمات- رحمه اللّه «3»- و قد اعتنقه النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-. فاتبع النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و المسلمون جنازته
فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- لقد اهتز العرش لموت سعد بن معاذ- رضی اللّه عنه «4».
یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ إِنْ کُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَیاةَ الدُّنْیا وَ زِینَتَها فَتَعالَیْنَ أُمَتِّعْکُنَ یقول کما یمتع الرجل امرأته إذا طلقها سوی المهر وَ أُسَرِّحْکُنَّ سَراحاً جَمِیلًا- 28- یقول حسنا فی غیر ضرار وَ إِنْ کُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ یعنی الجنة فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْکُنَّ أَجْراً عَظِیماً- 29- یعنی الجنة.
______________________________
(1) هکذا فی ف، ا: «عشرین عشرین». و فی الأزهریة: «تسعة عشر رأسا».
(2) هکذا فی الأزهریة. و فی ا: «فلزق الدم» و هذه الجملة ساقطة من ف.
(3) «رحمه اللّه»: هکذا فی ز، و لیست هذه الجملة فی ا، و لا فی ف.
(4) فی ف: «رحمة اللّه علیه».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 487
فقالت- عائشة بنت أبی بکر الصدیق- رضی اللّه عنهما «1»- «و حین خیرهن» «2» النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بل نختار اللّه و الدار الآخرة «و ما لنا و للدنیا إنما «جعلت» «3» الدنیا دار فناء و الآخرة هی الباقیة أحب إلینا من الفانیة» «4». فرضی نساؤه کلهن بقول عائشة- رضی اللّه عنها- فلما اخترن اللّه و رسوله أنزل اللّه- عز و جل- «لا یَحِلُّ لَکَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ...» إلی آخر الایة «5».
یا نِساءَ النَّبِیِّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ یعنی العصیان للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- یُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَیْنِ فی الآخرة وَ کانَ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیراً- 30- یقول و کان عذابها علی اللّه هینا وَ مَنْ یَقْنُتْ مِنْکُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ یعنی و من یطع منکن «6» اللّه و رسوله وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَیْنِ فی الآخرة بکل صلاة أو صیام أو تکبیر أو تسبیح لها مکان کل حسنة یکتب عشرون حسنة وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً کَرِیماً- 31- یعنی حسنا و هی الجنة. ثم قال: یا نِساءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَ یعنی اللّه فإنکن- معشر أزواج النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- تنظرن إلی الوحی فأنتن أحق الناس بالتقوی فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ یقول
______________________________
(1) فی أ: زیادة: «أم المؤمنین الصدیقة بنت الصدیق».
(2) فی ز: «إذ خیرهن».
(3) فی ز: خلقت.
(4) هکذا فی ز، ف. و فی أ: «و ما لنا و للدنیا إنما جعلت دار فناء و هی الفانیة، و الباقیة أحب إلینا من الفانیة»
(5) الآیة 52: الأحزاب، و آخرها: «.... وَ لَوْ أَعْجَبَکَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَکَتْ یَمِینُکَ وَ کانَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ رَقِیباً».
(6) فی الأصل: «للّه».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 488
فلا «تومین» «1» بقول یقارف الفاحشة «2» فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ یعنی الفجور فی أمر الزنا «3» فزجرهن اللّه- عز و جل- عن الکلام مع الرجال و أمرهن بالعفة و ضرب علیهن الحجاب، ثم قال- تعالی-: وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً- 32- یعنی قولا حسنا یعرف و لا یقارف الفاحشة. و من یقذف نبیا أو امرأة نبی فعلیه حدّان سوی التغریب الذی یراه الإمام. ثم قال- عز و جل-: «وَ قَرْنَ» «4» فِی بُیُوتِکُنَ و لا تخرجن من الحجاب وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی و التبرج أنها تلقی الحمار «عن رأسها» «5» و لا تشده فیری قرطها و قلائدها. «وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی قبل أن یبعث محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- مثل قوله: «... عاداً الْأُولی «6» أمرهن أیضا بالعفة و أمر بضرب الحجاب علیهن، ثم قال: وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِینَ الزَّکاةَ یقول و أعطین الزکاة وَ أَطِعْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ یعنی الإثم الذی نهاهن عنه فی هذه الآیات.
«و من الرجس الذی یذهبه اللّه عنهن إنزال الآیات بما أمرهن به» «7».
______________________________
(1) فی ز، ف: ترمین، و فی ا: «تومین».
(2) قال السدی و غیره یعنی بذلک ترقیق الکلام إذا خاطبن الرجال. تفسیر ابن کثیر: 3/ 482
(3) فی ز: زیادة: مثل قوله: «لَئِنْ لَمْ یَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» یعنی فجور و هو الزنا و لیس فی القرآن غیرهما.
(4) فی ز: زیادة: من قرأها «و قرن» بالکسر فهو من الاستقرار و من قرأها «و قرن» فهو من الوقار.
(5) فی تفسیر ابن کثیر 3: 482 علی رأسها.
(6) سورة النجم: 50
(7) هذه الجملة التی بین القوسین «...» هامش فی ز. و قد نقلتها لأن فهم الکلام الذی بعدها یتوقف علی ذکرها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 489
فإن ترکهن ما أمرهن به و ارتکابهن ما نهاهن عنه من الرجس. فذلک قوله «إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ» یا أَهْلَ الْبَیْتِ یعنی نساء النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- لأنهن فی بیته وَ یُطَهِّرَکُمْ «1» من الإثم الذی ذکر- 33- فی هذه الآیات تَطْهِیراً- 33-.
حدّثنی أبی عن الهذیل فقال: قال مقاتل بن سلیمان: یعنی به نساء النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- کلهن و لیس معهن ذکر «2».
وَ اذْکُرْنَ ما یُتْلی فِی بُیُوتِکُنَّ مِنْ آیاتِ اللَّهِ یعنی القرآن وَ الْحِکْمَةِ یعنی أمره و نهیه فی القرآن فوعظهن لیتفکرن. و امتن علیهن إِنَّ اللَّهَ کانَ لَطِیفاً خَبِیراً- 34- یعنی لطیف علیهن فنهاهن أن یخضعن بالقول خبیرا به.
إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُسْلِماتِ و ذلک أن أم سلمة بنت أبی أمیة أم المؤمنین و نسیبة بنت کعب «3» الأنصاری قلن ما شأن ربنا یذکر الرجال و لا یذکر النساء فی شی‌ء من کتابه نخشی ألا یکون فیهن خیر، و لا للّه فیهن حاجة، و قد تخلی عنهن فأنزل اللّه- تعالی- فی قول أم سلمة و نسیبة بنت کعب «إِنَّ الْمُسْلِمِینَ وَ الْمُسْلِماتِ» یعنی المخلصین بالتوحید و المخلصات وَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ
______________________________
(1) هنا تعلیق علی أ هو: «فی الأصل و یطهرکن».
(2) فی ز هامش تعلیق علی کلام مقاتل هو: (قلت لو کان الأمر کذلک لقال «عنکن» بنون النسوة و الصحیح أن أهل البیت علی و فاطمة و الحسن و الحسین و یؤید هذا قوله «عنکم». و أیضا کان رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- فیهم و إذا اجتمع ألف مؤنث و فیهم ذکر غلب المذکر علی المؤنث لأن المذکر هو الأصل لأنه یدرک بلا زیادة و المؤنث لا یدرک إلا بزیادة و ما یدرک بزیادة فرع عما یدرک بلا زیادة فلهذا قال: «عنکم» و لم یقل «عنکن»)
(3) فی ف: کنعان، و هو تصحیف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 490
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 549
یعنی المصدقین بالتوحید و المصدقات وَ الْقانِتِینَ وَ الْقانِتاتِ یعنی المطیعین و المطیعات «وَ الصَّادِقِینَ فی إیمانهم وَ الصَّادِقاتِ فی إیمانهن» «1» وَ الصَّابِرِینَ علی أمر اللّه- عز و جل- وَ الصَّابِراتِ علیه وَ الْخاشِعِینَ وَ الْخاشِعاتِ یعنی المتواضعین و المتواضعات، قال مقاتل: من لا یعرف فی الصلاة من عن یمینه و من عن یساره من الخشوع للّه- عز و جل- فهو منهم.
وَ الْمُتَصَدِّقِینَ بالمال وَ الْمُتَصَدِّقاتِ به وَ الصَّائِمِینَ وَ الصَّائِماتِ
«قال مقاتل: من صام شهر رمضان و ثلاثة أیام من کل شهر فهو من «الصائمین» «2» فهو من أهل هذه الآیة» «3».
وَ الْحافِظِینَ فُرُوجَهُمْ عن الفواحش وَ الْحافِظاتِ من الفواحش وَ الذَّاکِرِینَ اللَّهَ کَثِیراً باللسان و الذاکرات اللّه کثیرا باللسان وَ الذَّاکِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فی الآخرة مَغْفِرَةً لذنوبهم وَ أَجْراً یعنی و جزاء عَظِیماً- 35- یعنی الجنة. و أنزل اللّه- عز و جل- أیضا فی أم سلمة- رضی اللّه عنها- فی آخر آل عمران: «... أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی ...» «4» إلی آخر الآیة. و فی «حم المؤمن: «... مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ ...» «5».
وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ یعنی عبد اللّه بن جحش بن رباب بن صبرة بن مرة ابن غنم بن دودان الأسدی، ثم قال: وَ لا مُؤْمِنَةٍ یعنی زینب بنت جحش
______________________________
(1) «وَ الصَّادِقِینَ وَ الصَّادِقاتِ»: غیر موجودة فی ف. و مکتوبة بعد «الخاشعین و الخاشعات» فی أ، ز، فأثبتها فی مکانها کما هی بالمصحف.
(2) فی الأصل: «الصائمین و الصائمین».
(3) هذه الجملة فی ز فقط. و نقلها ابن کثیر: 3/ 488 عن سعید بن جبیر علی أنها قول له.
(4) سورة آل عمران: 195.
(5) هذه الجملة من ز، و لیست فی غیرها. و الآیة من سورة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 491
أخت عبد اللّه بن جحش. و ذلک
أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- خطب زینب بنت جحش علی زید بن حارثة. و زینب هی بنت عمة النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و هی بنت أمیمة بنت عبد المطلب فکره عبد اللّه أن یزوجها من زید و کان زید أعرابیا فی الجاهلیة مولی فی الإسلام و کان أصابه النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- من سبی أهل الجاهلیة فأعتقه و تبناه «1». فقالت زینب: لا أرضاه لنفسی و أنا أتم نساء قریش. و کانت جمیلة بیضاء، فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-:
لقد رضیته لک، فأنزل اللّه- عز و جل- «وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ»
- یعنی عبد اللّه ابن جحش «وَ لا مُؤْمِنَةٍ» یعنی زینب إِذا قَضَی اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ و ذلک
أن زید بن حارثة الکلبی قال: یا نبی اللّه،
______________________________
(1) کان زید حرا ثم أخذ ظلما و بیع علی أنه عبد و قد اشترته السیدة خدیجه ثم وهبته للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- کان زید بن حارثة بن شراحیل الکلبی یسیر مع أمه سعدی الطائیة متوجهین مع قافلة إلی دیار بنی طیئ لزیارة أهلها. و کان زید فی سن الثامنة إذ طلعت علیه و علی من معه خیل بنی القین من جسر فاستولت علیهم و وقع أسیرا فحملوه إلی مکة لیبتاعوه فی سوقها و رآه حکیم بن حزام بن خویلد فاشتراه لعمته خدیجة بنت خویلد بأربعمائة درهم. و قد أکرمته خدیجة- رضی اللّه عنها- و بعد زواجها من النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- وهبته له، و لما علم والده به حضر إلی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و رغب فی أخذ زید و طلب من النبی أن ییسر علیه فی الفداء و أن یخفف عنه فی العوض الذی سیأخذه بدلا من زید.
فقال له النبی: لا عوض و لا فداء، إن قبل زید أن یعود معک فلیعد و لتأخذه سالما فانما بلا عوض، و إن آثر الإقامة معی فأنا لا أرفضه.
و لکن زیدا آثر الحیاة مع رسول اللّه تقدیرا لعطفه و رعایته و جلاله و برکته، فأخذ النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بید زید و ذهب إلی المسجد و قال: أیها الناس اشهدوا أن زید بن حارثة ابنی و یرثنی فأصبح یلقب زید بن محمد بعد أن تبناه النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- ثم أراد اللّه أن یبطل عادة التبنی و أن یبطل تحریم زوجة المتبنی علی الأب، لأن الدعی لیس کالابن و تحت إرادة اللّه فتزوج من زینب ثم طلقها و أمر اللّه رسوله أن یتزوجها «لِکَیْ لا یَکُونَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ حَرَجٌ فِی أَزْواجِ أَدْعِیائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً» «و انظر حیاة محمد للأستاذ محمد حسین هیکل الطبعة التاسعة ص 322 و ما بعدها».
«و انظر زید بن حارثة لمحمد علی قطب قصص الصحابة للأطفال طبع المختار الإسلامی». تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 492
أخطب علی» فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و من یعجبک من النساء؟ فقال زینب بنت جحش. فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: لقد أصبت أن لا نألو غیر الحسن و الجمال، و ما أذادها بفعل أنها أکرم من ذلک نفسا، فقال زید: یا نبی اللّه، إنک إذا کلمتها، و تقول إن زیدا أکرم الناس علی «1» فإن هذه امرأة حسناء «2» و أخشی أن تردنی فذلک أعظم فی نفسی من کل شی‌ء. و عمد «3» زید الی علی- رضی اللّه عنه- فحمله علی أن یکلم النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-، فقال له زید انطلق إلی النبی فإنه لن یعصیک. فانطلق علی معه إلی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فإنی فاعل و إنی مرسلک یا علی إلی أهلها فتکلمهم فرجع علی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- إنی قد رضیته لکم و أقضی أن تنکحوه فأنکحوه.
و ساق إلیهم عشرة «4» دنانیر و ستین درهما و خمارا و ملحفة و درعا و إزارا و خمسین مدا من طعام و عشرة «5» أمداد من تمر أعطاه النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- ذلک کله و دخل بها زید فلم یلبث إلا یسیرا «6» حتی شکا إلی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-
______________________________
(1) کان زید من أحب الناس إلی رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- و کان سید اکبر الشأن جلیل القدر. یقال له الحب و یقال لابنه أسامة الحب ابن الحب. قالت عائشة- رضی اللّه عنها-: «ما بعثه رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- فی سریة إلا أمره علیهم، و لو عاش من بعده لاستخلفه. رواه الإمام أحمد.
و
روی البزاز أن رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- سئل أی أهلک أحب إلیک؟ فقال- صلّی اللّه علیه و سلّم-: أسامة بن زید بن حارثة الذی أنعم اللّه علیه و أنعمت علیه».
تفسیر ابن کثیر 3/ 490.
(2) فی ا: لسناء.
(3) فی ف، ا: فعمد، و لکن الواو أنسب هنا.
(4) فی الأصل: عشر، و لکن الأنسب «عشرة».
(5) فی الأصل: عشر، و لکن الأنسب «عشرة».
(6) قال ابن کثیر: «فمکثت عنده قریبا من سنة أو فوقها». تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 493
ما یلقی منها فدخل النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فوعظها فلما کلمها أعجبه حسنها و جمالها و ظرفها «1»، و کان أمرا قضاه اللّه- عز و جل- ثم رجع النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و فی نفسه منها ما شاء اللّه- عز و جل- فکان النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- یسأل زیدا بعد ذلک کیف هی معک؟ فیشکوها إلیه فقال له النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: اتق اللّه و أمسک علیک زوجک و فی قلبه غیر ذلک، فأنزل «2» اللّه- عز و جل- وَ مَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِیناً- 36- یعنی بینا فلما نزلت هذه الآیة جعل عبد اللّه بن جحش «3» أمرها إلی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-، و قالت زینب للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: قد جعلت أمری بیدک، یا رسول اللّه، فأنکحها النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- زیدا فمکثت عنده حینا، ثم إن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أتی زیدا فأبصر زینب قائمة، و کانت حسناء بیضاء من أتم نساء قریش فهویها النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فقال:
______________________________
(1) هذا کلام مرفوض لا یقبله العقل و لا یوافقه النقل:
إن إعجاب النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بجمالها و ظرفها کان یتأتی لو لم یکن رآها قبل ذلک. أما و الحال أنها کانت بنت عمته و قد ربیت قریبا منه و راها صغیرة و ناشئة. و لو شاء لتزوجها بکرا لم تمس، و لکنه خطبها لزید مولاه. ثم أعلم اللّه نبیه أنها ستکون من أزواجه فلما أتاه زید- رضی اللّه عنه- لیشکوها إلیه قال له: «أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ وَ اتَّقِ اللَّهَ» فقال له اللّه:
قد أخبرتک أنی مزوجکها «... وَ تُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللَّهُ مُبْدِیهِ ...» سورة الأحزاب: 37.
هذا ما روی عن ابن أبی حاتم و روی مثله عن السدی. قال ابن کثیر: 3/ 491 «و قد روی ابن جریر ها هنا آثارا عن بعض السلف- رضی اللّه عنهم- أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها.
(2) هنا اضطراب فلیس نزول هذه الآیة متعلقا بما ذکره مقابل قبلها.
(3) فی ف: جعل زید، و هو خطا. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 494
سبحان اللّه مقلب القلوب «1». ففطن زید، فقال: یا رسول اللّه، ائذن لی فی طلاقها فإن فیها کبرا، تعظم علی و تؤذینی بلسانها، فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-:
أمسک علیک زوجک و اتق اللّه، ثم إن زیدا طلقها بعد ذلک، فأنزل اللّه- عز و جل- وَ إِذْ تَقُولُ
یا محمد لِلَّذِی أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِ بالإسلام وَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِ بالعتق و کان زید أعرابیا فی الجاهلیة مولی فی الإسلام فسبی فأصابه النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فأعتقه أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ وَ اتَّقِ اللَّهَ وَ تُخْفِی فِی نَفْسِکَ
______________________________
(1) جاء فی کتاب حیاة محمد للدکتور محمد حسین هیکل، الفصل السابع عشر تحت عنوان «أزواج النبی»: 318، 319. «إن المبشرین و المستشرقین أطلقوا لخیالهم العنان فی تصویر الهوی الذی لعب بقلب رسول الله- صلی الله علیه و سلم- حین رأی زینب ممددة علی فراشها فی ثیاب نومها فعصف منظرها بقلبه. و أمثال هذه الصورة التی أبدعها الخیال الکثیر. تراه فی مویر و فی دو منجم و فی واشنطن أرفنج و فی لا منس و غیرهم من المستشرقین و المبشرین.
و مما یدعو إلی أشد الأسف أن هؤلاء جمیعا اعتمدوا فی روایتهم علی ما ورد فی بعض کتب السیرة و الکثیر من الحدیث، ثم أقاموا علی ما صوروا قصورا من الخیال فی شأن محمد و صلته بالمرأة ......
و النبی لم یکن کما صور هؤلاء و أولئک، رجلا یأخذ بعقله الهوی و هو لم یتزوج من تزوج من نسائه بدافع من شهوة أو غرام، و إذا کان بعض الکتاب المسلمین فی بعض العصور قد أباحوا لأنفسهم أن یقولوا هذا القول، و أن یقدموا خصوم الإسلام عن حسن نیة هذه الحجة فذلک لأنهم انحدر بهم التقلید إلی المادیة فأرادوا أن یصوروا محمدا عظیما فی کل شی‌ء، عظیما حتی فی شهوات الدنیا، و هذا تصویر خاطئ ینکره تاریخ محمد أشد إنکار. و تأبی حیاته کلها أن تقره.
فالنبی قد تزوج خدیجة و هو فی الثالثة و العشرین من عمره و هو فی شرخ الصبا و ریعان الفتوة و مع ذلک ظلت خدیجة وحدها زوجة ثمانیا و عشرین سنة حتی تخطی الخمسین.
فمن غیر الطبیعی أن تراه و قد تخطی الخمسین ینقلب فجأة هذا الانقلاب الذی یجعله ما یکاد یری زینب بنت جحش، و عنده نساء خمس غیرها، حتی یفتن بها و حتی تستغرق تفکیره لیله و نهاره ...
إنها صورة لا تلبق فی ضعتها برجل مادی، عظیم استطاعت رسالته أن تنقل العالم و أن تغیر مجری التاریخ، و ما تزال علی استعداد لأن تنقل العالم مرة أخری و تفسیر مجری التاریخ طورا جدید».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 495
یعنی و تسر فی قلبک یا محمد لیت أنه طلقها «1» مَا اللَّهُ مُبْدِیهِ یعنی مظهره علیک حین ینزل به قرآنا «2» وَ تَخْشَی قالة النَّاسَ فی أمر زینب وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فی أمرها فقرأ النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- هذه الآیة علی الناس بما أظهر اللّه علیه من أمر زینب إذ هویها، فقال عمر بن الخطاب- رضی اللّه
______________________________
(1) اتق اللّه یا مقاتل فی رسول اللّه:
لقد أخبر اللّه رسوله أن زینب ستکون من أزواجه فلما جاء زید یشکوها إلیه وصاه بها خیرا إبقاء منه علی العشرة الزوجیة بین حبه و ابنة عمته. فقال له اللّه: «وَ إِذْ تَقُولُ ...» الآیة.
لقد تحامل مقاتل علی رسول اللّه فی موضوع زید و زینب- و مهد الطریق المغرضین و أعداء الإسلام من المستشرقین و غیرهم أن ینقلوا هذه الفری علی رسول اللّه و هو منها براء.
(2) انظر کتاب محمد رسول اللّه تألیف ایتین دینیه و سلیمان إبراهیم، و ترجمة الدکتور عبد الحلیم محمود و محمد عبد الحلیم محمود مطبعة نهضة مصر: 250- 251.
و فیه یقول:
«لم یکن الرسول یفکر فی الزواج بزینب لا قبل زید و لا بعده و إلا فأی شی‌ء کان یمنعه من الزواج بها بکرا غضة الإهاب، و قد کان یملک من أمرها کل شی‌ء؟
علی ان زواج زید بزینب کان بوحی سماوی و أمر إلهی ..
و تم الزواج .. و أراد زید غیر مرة أن یطلقها لتکبّرها علیه و لکن الرسول کان یقول له «أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ» مع علمه- صلّی اللّه علیه و سلّم- بأن اللّه سیزوجه بها تشریعا جدیدا و قضاء علی عادة تأصلت فی نفوس العرب: هی معاملة المتبنی معاملة الابن الحقیقی.
و کان زید قد قضی من زینب وطرا، و لم یعد له بها من حاجة، و لم یعد یحتمل العیش معها فطلقها، فأمر الرسول أن یتزوج بها و لکن الرسول فی نفسه کان یخشی علی ضعاف الإیمان سوء الظن، و من الکفار الدعایة السیئة فنزلت الآیة الکریمة الجامعة:
«وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِی أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِ أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ وَ اتَّقِ اللَّهَ، وَ تُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللَّهُ مُبْدِیهِ وَ تَخْشَی النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ...» سورة الأحزاب: 37.
و کان زواج النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- من زینب ابتلاء عظیما، سواء نظرنا إلیه بالنسبة لزید و زینب أولا، أو بالنسبة إلی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- ثانیا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 496
عنه-: لو کتم رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- شیئا من القرآن لکتم هذه التی أظهرت علیه. یقول اللّه- تعالی-: فَلَمَّا قَضی زَیْدٌ مِنْها وَطَراً یعنی حاجة و هی الجماع زَوَّجْناکَها یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم. فطلقها زید بن حارثة فلما انقضت عدتها تزوجها النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و کانت زینب- رضی اللّه عنها- تفخر علی نساء النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فتقول: زوجکن الرجال، و اللّه- عز و جل- زوجنی نبیه- صلّی اللّه علیه و سلّم.
ثم قال- عز و جل-: لِکَیْ لا یَکُونَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ حَرَجٌ فِی أَزْواجِ تزویج نساء أَدْعِیائِهِمْ یقول لکیلا یکون علی الرجل حرج فی أن یتزوج امرأة ابنه الذی تبناه و لیس من صلبه إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً یعنی حاجة و هو الجماع وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا- 37- یقول اللّه- عز و جل-: کان تزویج النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- زینب کائنا فلما تزوجها النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قال أنس: إن محمدا تزوج امرأة ابنه و هو ینهانا عن تزویجهن فأنزل اللّه- تبارک و تعالی- فی قولهم ما کانَ عَلَی النَّبِیِّ مِنْ حَرَجٍ فِیما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ یقول فیما أحل اللّه له، سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ یقول هکذا کانت سنة اللّه فی الذین خلوا من قبل محمد یعنی داود النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- حین هوی المرأة التی فتن بها و هی امرأة أوریا بن حنان فجمع اللّه بین داود و بین المرأة التی هویها. و کذلک جمع اللّه- عز و جل- بین محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- و بین زینب إذ هویها کما فعل بداود- علیه السلام، فذلک قوله- عز و جل- وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً- 38- فقدر اللّه- عز و جل- لداود و محمد
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 497
تزویجهما «1».
الَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- خاصة
______________________________
(1) لقد حفظ اللّه ظواهر الأنبیاء و بواطنهم من التلبس بأمر و لو منهی عنه فکیف یباح لمسلّم أن ینسب إلی رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- اشتهاء امرأة متزوجة. مع أن الآیات التی جاءت بعد ذلک توضح أن زواجها کان فرضا من اللّه لتشریع زواج الآباء بزوجات الأدعیاء «ما کانَ عَلَی النَّبِیِّ مِنْ حَرَجٍ فِیما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ...» أی فیما أحل له و أمره به من تزویج زینب و لکن مقاتلا شط به الهوی إلی رسل اللّه و أول کلام اللّه تأویلا أخرجه عن قصده.
و صدق اللّه العظیم «... فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِیلِهِ وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما یَذَّکَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ» سورة آل عمران: 7.
و لعل هذا مما جعل بعض الأتقیاء یقول: «لو قدرت علی مقاتل بن سلیمان فی موضع لا یرانا فیه أحد لقتلته».
و
قد أ عن علی- رضی اللّه عنه-: «من حدثکم بحدیث داود علی ما یرویه القصاص جلدته مائة و ستین جلدة»
و هو حد الفریة علی الأنبیاء.
لقد کان مقاتل حافظا فی التفسیر و لکنه کان لا یضبط الإسناد و کان یقص فی الجامع بمرور کما جاء فی تهذیب الکمال فی أسماء الرجال.
و تفسیر الآیة علی وجهها السلیم یبعد عن رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- و عن الأنبیاء اتهام المغرضین و یؤکد نزاهتهم و بعدهم عما یشین.
جاء فی تفسیر ابن کثیر لقوله- تعالی-: «ما کانَ عَلَی النَّبِیِّ مِنْ حَرَجٍ فِیما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً»- یقول- تعالی-: «ما کانَ عَلَی النَّبِیِّ مِنْ حَرَجٍ فِیما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» أی فیما أحل له و أمره به من تزویج زینب- رضی اللّه عنها ... التی طلقها دعیه زید بن حارثة- رضی اللّه عنه-، و قوله- تعالی-: «سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» أی هذا حکم اللّه- تعالی- فی الأنبیاء قبله لم یکن لیأمرهم بشی‌ء و علیهم فی ذلک حرج و هذا رد علی من توهم من المنافقین نقصا فی تزویجه امرأة زید مولاه و دعیه الذی کان تبناه «وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» أی و کان أمره الذی یقدره کائنا لا محالة واقعا لا محید عنه و لا معدل فما شاء کان و ما لم یشأ لم یکن. ا. ه. تفسیر ابن کثیر: 3/ 492.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 498
وَ یَخْشَوْنَهُ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-، یقول محمد یخشی اللّه أن یکتم عن الناس ما أظهر اللّه علیه من أمر زینب إذ هویها وَ لا یَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ فی البلاغ عن اللّه- عز و جل- وَ کَفی بِاللَّهِ حَسِیباً- 39- یعنی شهیدا فی أمر زینب إذ هویها فلا شاهد أفضل من اللّه- عز و جل- «1».
و أنزل اللّه- عز و جل- فی قول الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِکُمْ یعنی زید بن حارثة یقول إن محمدا لیس بأب لزید وَ لکِنْ محمدا رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِیِّینَ یعنی آخر النبیین لا نبی بعد محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- و لو أن لمحمد ولدا لکان نبیا رسولا، فمن ثم قال:
«وَ خاتَمَ النَّبِیِّینَ» وَ کانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیماً- 40- یقول لو کان زید ابن محمد لکان نبیا فلما نزلت «ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِکُمْ»
قال النبی
______________________________
(1) و هذه الآیة أیضا یحملها مقاتل علی رأیه و هواه. و هی شاهد بأنه- علیه الصلاة و السلام- بلغ الرسالة و أدی الأمانة و لم یخش فی اللّه لومة لائم. و معنی «وَ کَفی بِاللَّهِ حَسِیباً» یعنی ناصرا و معینا کما وردت فی قوله- تعالی-: «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ ...» سورة الأنفال:
64. أی أن اللّه کافیک و ناصرک. لا کما ادعی مقاتل أن حسیبا بمعنی شهیدا فی أمر زینب إذ هویها.
جاء فی تفسیر الحافظ ابن کثیر: 3/ 492 یمدح- تبارک و تعالی-: «الَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ» أی إلی خلقه و یؤدونها بأمانة «وَ یَخْشَوْنَهُ» أی و یخافونه و لا یخافون أحدا سواء فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات اللّه- تعالی-: «وَ کَفی بِاللَّهِ حَسِیباً» أی و کفی باللّه ناصرا و معینا، و سید الناس فی هذا المقام بل و فی کل مقام محمد رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- فإنه قام بأداء الرسالة و إبلاغها إلی أهل المشارق و المغارب، إلی جمیع أنواع بنی آدم و أظهر اللّه- تعالی- کلمته و دینه و شرعه علی جمیع الأدیان و الشرائع فإنه قد کان النبی قبله إنما یبعث إلی قومه خاصة، و أما هو- صلّی اللّه علیه و سلّم- فإنه بعث إلی جمیع الخلق عربهم و عجمهم «قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعاً ...». سورة الأعراف: 158. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 499
- صلّی اللّه علیه و سلّم- لزید: لست لک بأب. فقال زید: یا رسول اللّه، أنا زید بن حارثة معروف نسبی «1».
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا اللَّهَ باللسان ذِکْراً کَثِیراً «2»- 41- وَ سَبِّحُوهُ بُکْرَةً وَ أَصِیلًا- 42- یعنی صلوا للّه بالغداة الفجر و العشی یعنی الظهر و العصر هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَ مَلائِکَتُهُ نزلت فی الأنصار یقول هو الذی یغفر لکم و یأمر الملائکة بالاستغفار لکم لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ یعنی لکی یخرجکم من الظلمات إلی النور یعنی من الشرک إلی الإیمان وَ کانَ بِالْمُؤْمِنِینَ رَحِیماً- 43- تَحِیَّتُهُمْ یَوْمَ یَلْقَوْنَهُ سَلامٌ یعنی یوم یلقون الرب- عز و جل- فی الآخرة سلام، یعنی تسلیم الملائکة علیهم وَ أَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً کَرِیماً- 44- یعنی أجرا حسنا فی الجنة یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَرْسَلْناکَ شاهِداً علی هذه الأمة بتبلیغ الرسالة وَ مُبَشِّراً بالجنة و النصر فی الدنیا علی من خالفهم وَ نَذِیراً- 45- من النار.
______________________________
(1) نسخة ف، ا، ز. و بالتالی م لأنها ناقلة من ا: عکست ترتیب الآیتین السابقتین و هما رقم 39، 40. ففسرت آیة 40 قبل 39 حتی یهیأ للقارئ أن ترتیب الآیتین هکذا: «ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِکُمْ ...» إلی آخر الایة 40 سورة الأحزاب.
«الَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَ یَخْشَوْنَهُ ...» إلی آخر الآیة 39 سورة الأحزاب.
و قد أصلحت الخطأ و رتبت الآیتین کما هما فی المصحف.
و إن دل هذا علی شی‌ء فهو أن الناسخ کان ینسخ بدون تصرف.
و أن أصل هذا التفسیر واحد و أن هذا التفسیر وثیق النسب لیس منتحلا علی مقاتل کما نحل تفسیر المقیاس علی ابن عباس. مع أن کل ما صح نسبته إلی ابن عباس فی التفسیر قرابة مائة آیة. کما أثر عن الشافعی.
(2) فی ز زیادة: «لم یرض اللّه من الذکر إلا بالکثیر».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 500
وَ داعِیاً إِلَی اللَّهِ یعنی إلی معرفة اللّه- عز و جل- بالتوحید بِإِذْنِهِ یعنی بأمره وَ سِراجاً مُنِیراً- 46- «یعنی هدی مضیئا للناس» «1» وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا کَبِیراً- 47- یعنی الجنة.
وَ لا تُطِعِ الْکافِرِینَ من أهل مکة: أبا سفیان بن حرب، و عکرمة بن أبی جهل و أبا الأعور السلمی.
وَ الْمُنافِقِینَ عبد اللّه بن أبی، و عبد اللّه بن سعد، و طعمة بن أبیرق حین قال أبو سفیان و من معه من هؤلاء النفر: یا محمد ارفض ذکر آلهتنا و قل: إن لهما شفاعة و منفعة لمن عبدها، ثم قال: وَ دَعْ أَذاهُمْ إیاک یعنی الذین قالوا للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قل إن لآلهتنا شفاعة.
وَ تَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ یعنی وثق باللّه وَ کَفی بِاللَّهِ وَکِیلًا- 48- یعنی مانعا یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نَکَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ یعنی إذا تزوجتم المصدقات بتوحید اللّه ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ یعنی من قبل أن تجامعوهن فَما لَکُمْ عَلَیْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها إن شاءت تزوجت من یومها «فَمَتِّعُوهُنَّ» «2» وَ سَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِیلًا- 49- یعنی حسنا فی غیر ضرار یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَکَ أَزْواجَکَ «یعنی النساء «3» التسع» اللَّاتِی آتَیْتَ أُجُورَهُنَ أحللنا لک ما مَلَکَتْ یَمِینُکَ یعنی بالولایة: ماریة القبطیة أم إبراهیم و ریحانة بنت عمرو الیهودی، و کانت سبیت من الیهود مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَیْکَ وَ أحللنا لک
______________________________
(1) فی ا: «یعنی مضیئا للناس و هو القرآن».
(2) فی ز: « (فمتعوهن) بالنصف من المهر».
(3) فی ز: «یعنی نساءه».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 501
بَناتِ عَمِّکَ وَ بَناتِ عَمَّاتِکَ وَ بَناتِ خالِکَ وَ بَناتِ خالاتِکَ اللَّاتِی هاجَرْنَ مَعَکَ إلی المدینة «إضمار» «1» فإن کانت لم تهاجر إلی المدینة فلا یحل تزویجها «ثم قال- تعالی-» «2»: وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِیِّ إِنْ أَرادَ النَّبِیُّ أَنْ یَسْتَنْکِحَها یعنی أن یتزوجها بغیر مهر و هی أم شریک بنت جابر بن ضباب «3» بن حجر من بنی عامر بن لوی و کانت تحت أبی الفکر الأزدی و ولدت له غلامین شریکا و مسلما و یذکرون أنه نزل علیها «دلو» «4» من السماء فشربت منه ثم توفی عنها زوجها أبو الفکر فوهبت نفسها للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فلم یقبلها و لو فعله لکان له خاصة دون المؤمنین.
فإن وهبت امرأة یهودیة أو نصرانیة أو أعرابیة نفسها «فإنه لا یحل» «5» للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أن یتزوجها.
ثم قال: خالِصَةً لَکَ الهبة یعنی خاصة لک، یا محمد مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ لا تحل هبة المرأة نفسها بغیر مهر لغیرک من المؤمنین و کانت أم شریک قبل أن تهب نفسها للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- امرأة أبی الفکر الأزدی ثم الدوسی
______________________________
(1) «إضمار»: ساقطة من ا، ف. و هی من ز.
(2) فی ف، ز، ا: ثم قال- تعالی-: «و أحللنا لک امرأة مؤمنة».
و یفهم من ذلک أن جملة أحللنا لک من کلام اللّه. و قد أسقطتها کلیة لأنها مفهومة ضمنا مما سبق.
(3) فی ز: زیادة: «القرشی».
(4) فی ف، ز، ا: «دلوا» و هو خطأ لأنه فاعل مرفوع.
(5) فی النسخ: ف، ز، ا: «فإنها لا تحل» و قد غیرتها إلی «فإنه لا یحل» لیستقیم الکلام.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 502
من رهط أبی هریرة، ثم أخبر اللّه عن المؤمنین فقال: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَیْهِمْ یعنی ما أوجبنا علی المؤمنین فِی أَزْواجِهِمْ ألا یتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر و بینة وَ أحللنا لهم ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ یعنی جماع الولایة لِکَیْلا یَکُونَ عَلَیْکَ یا محمد حَرَجٌ فی الهبة بغیر مهر فیها تقدیم وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً- 50- غفورا فی التزویج بغیر مهر للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- رحیما فی تحلیل ذلک له «1».
ثم قال- تعالی-: تُرْجِی مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ توقف من بنات العم و العمة و الخال و الخالة فلا تزوجها وَ تُؤْوِی یعنی و تضم إِلَیْکَ مَنْ تَشاءُ منهن فتتزوجها فخیر اللّه- عز و جل- النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فی تزویج القرابة فذلک قوله- تعالی-: وَ مَنِ ابْتَغَیْتَ منهن فتزوجتها مِمَّنْ عَزَلْتَ منهن فَلا جُناحَ یعنی فلا حرج عَلَیْکَ ذلِکَ أَدْنی یقول ذلک أجدر
______________________________
(1) قال ابن أبی حاتم: حدثنا علی بن الحسین، حدثنا محمد بن منصور الجعفی، حدثنا یونس ابن بکیر، عن عنبسة بن الأزهر، عن سماک، عن عکرمة، عن ابن عباس، قال: «لم یکن عند رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- امرأة وهبت نفسها له» و رواه ابن جریر عن أبی کریب، عن یونس ابن بکیر، أی أنه لم یقبل واحدة ممن وهبت نفسها له، و إن ذلک مباح له و مخصوص به لأنه مردود إلی مشیئته، کما قال اللّه- تعالی- «... إِنْ أَرادَ النَّبِیُّ أَنْ یَسْتَنْکِحَها ...» أی إن اختار ذلک.
تفسیر ابن کثیر: 3/ 500.
لقد وهبت نساء کثیرات أنفسهن لرسول- صلّی اللّه علیه و سلّم-. و روی الإمام أحمد و البخاری عن عائشة- رضی اللّه عنها- کانت تغیر من النساء اللاتی وهبن أنفسهن لرسول اللّه حتی قالت ألا تسنحی المرأة أن تعرض نفسها بغیر صداق؟
فأنزل اللّه- عز و جل- «تُرْجِی مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِی إِلَیْکَ مَنْ تَشاءُ ...». قالت: إنی أری ربک یسارع لک فی هواک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 503
أَنْ تَقَرَّ أَعْیُنُهُنَ یعنی نساء النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- التسع اللاتی اخترنه.
و ذلک أنهن قلن لو فتح اللّه مکة علی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فسیطلقنا غیر عائشة و یتزوج أنسب منا. فقال اللّه- عز و جل-: وَ لا یَحْزَنَ إذا علمن أنک لا تزوج علیهن إلا ما أحللنا لک من تزویج القرابة. ثم قال: وَ یَرْضَیْنَ یعنی نساءه التسع بِما آتَیْتَهُنَ یعنی بما «کُلُّهُنَّ» «1» من النفقة و کان فی نفقتهن قلة وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما فِی قُلُوبِکُمْ وَ کانَ اللَّهُ عَلِیماً حَلِیماً- 51- ذو تجاوز. ثم حرم علی النبی تزویج النساء غیر التسع اللاتی اخترنه فقال: لا یَحِلُّ لَکَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ أزواجک التسع اللاتی عندک یقول لا یحل لک أن تزداد علیهن وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَ یعنی نساءه التسع مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَکَ حُسْنُهُنَ یعنی أسماء بنت عمیس الخثعمیة التی کانت امرأة جعفر ذی الجناحین، ثم قال- تعالی-: إِلَّا ما مَلَکَتْ یَمِینُکَ یعنی الولایة، ثم حذر النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أن یرکب فی أمرهن ما لا ینبغی، «2» فقال: وَ کانَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من العمل رَقِیباً- 52- حفیظا.
______________________________
(1) جاء فی تعلیق علی الأزهریة: «کلهن» بالرفع توکید لنون النسوة فی «و یرضین» و لا یضیر الفصل.
و أما قوله: «... قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ کُلَّهُ لِلَّهِ ...» بالرفع علی قراءة أبی عمرو ف «کل» خبر أن و علی قراءة. غیره بالنصب توکید للأمر.
(2) و کیف یرتکب- صلّی اللّه علیه و سلّم- فی أمرهن ما لا ینبغی. و هو صاحب الخلق العظیم؟ لقد کان تحریم النساء علیه و قصره علی زوجاته التسع مکافأة لهن حین اخترن اللّه و رسوله و الدار الآخرة لما خیرهن رسول اللّه.
ثم إن اللّه- تعالی- رفع عنه الحرج فی ذلک، و نسخ حکم هذه الآیة و أباح له التزوج، و لکن ذلک لم یقع منه بعد ذلک لتکون المنة لرسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- علیهن.
و قد رویت الأحادیث بذلک المعنی فی مسند الإمام أحمد و فی سنن الترمذی و النسائی. انظر ابن کثیر: 3/ 502: عن عائشة- رضی اللّه عنها- قالت ما مات رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- حتی أحل اللّه له النساء.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 504
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتَ النَّبِیِّ إِلَّا أَنْ یُؤْذَنَ لَکُمْ إِلی طَعامٍ غَیْرَ ناظِرِینَ إِناهُ یعنی نضجه و بلاغه وَ لکِنْ إِذا دُعِیتُمْ فَادْخُلُوا علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی بیته فَإِذا طَعِمْتُمْ الطعام فَانْتَشِرُوا یعنی فقوموا من عنده و تفرقوا وَ لا مُسْتَأْنِسِینَ لِحَدِیثٍ و ذلک أنهم کانوا یجلسون عند النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قبل الطعام و بعد الطعام، و کان ذلک فی بیت أم سلمة بنت أبی أمیة أم المؤمنین، فیتحدثون عنده طویلا فکان ذلک یؤذیه و یستحیی أن یقول لهم قوموا و ربما أخرج النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و هم فی بیته یتحدثون، فذلک قوله- عز و جل-: «وَ لا مُسْتَأْنِسِینَ لِحَدِیثٍ» إِنَّ ذلِکُمْ کانَ یُؤْذِی النَّبِیَّ فَیَسْتَحْیِی مِنْکُمْ وَ اللَّهُ لا یَسْتَحْیِی مِنَ الْحَقِ ثم أمر اللّه- تبارک و تعالی- نبیه بالحجاب علی نسائه، فنزل الخیار و التیمم فی أمر عائشة «1».
و نزل الحجاب فی أمر زینب بنت جحش فأمر اللّه- تعالی- المؤمنین ألا یکلموا نساء النبی إلا من وراء حجاب، فذلک قوله: وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِکُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِکُمْ من الریبة وَ قُلُوبِهِنَ و أطهر
______________________________
(1) الخیار هو تخییر رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- لنسائه بین أن یفارقهن فیذهبن إلی غیره ممن یجدن عنده المال و الزینة و بین الصبر علی ما عنده من ضیق الحال.
و قد روی البخاری أن رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- خیر نساءه حین أمره اللّه أن یخبرهن. و بدأ بعائشة، فقالت: أختار اللّه و رسوله. و قالت کل نسائه مثل ذلک. و انظر ما سبق فی تفسیر الآیتین 28، 29 من هذه السورة.
و أما التیمم. فنزلت آیته عند ما کان الرسول (ص) قافلا من إحدی الغزوات ثم أذن للجیش بالاستراحة. فذهبت عائشة- و کانت مع رسول اللّه فی هذه الغزوة- لتقضی شأنها. فانقطع عقد لها من جزع أظفار و حبس الرسول و المسلمون و لیسوا علی ماء و لیس معهم ماء. فأنزل اللّه آیة التیمم (أنظر سورة النساء: 43، سورة المائدة: 6)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 505
لقلوبهن من الریبة، فقال طلحة بن عبید اللّه القرشی من بنی تیم بن مرة: ینهانا محمد أن ندخل علی بنات عمنا یعنی عائشة- رضی اللّه عنها- و هما من بنی تیم ابن مرة، ثم قال فی نفسه: و اللّه، لئن مات محمد و أنا حی لأتزوجن عائشة فأنزل اللّه- تعالی- فی قول طلحة بن عبید اللّه «1» وَ ما کانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْکِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِکُمْ کانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیماً- 53- لأن اللّه جعل نساء النبی- صلی اللّه علیه و سلم- علی المؤمنین فی الحرمة کأمهاتهم، فمن ثم عظم اللّه تزویجهن علی المؤمنین ثم أعلمهم اللّه أنه یعلم سرهم و علانیتهم فقال: إِنْ تُبْدُوا إن تظهروا شَیْئاً من أمرکم یعنی طلحة لقوله یمنعنا محمد من الدخول علی بنات عمنا، فأعلن هذا القول، ثم قال: أَوْ تُخْفُوهُ یعنی أو تسروه فی قلوبکم یعنی قوله لأتزوجن عائشة بعد موت النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فَإِنَّ اللَّهَ کانَ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ من السر و العلانیة عَلِیماً- 54- ثم رخص فی الدخول علی نساء النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من غیر حجاب لأهل القرابة، فقال: لا جُناحَ یعنی لا حرج عَلَیْهِنَ فی الدخول علی نساء النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فِی آبائِهِنَّ وَ لا أَبْنائِهِنَّ وَ لا إِخْوانِهِنَّ وَ لا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَ لا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَ لا نِسائِهِنَ یعنی کل حرة مسلمة وَ لا ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُنَ یعنی عبید نساء النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن یدخلوا علیهن من غیر حجاب فلا جناح علیهن فی ذلک و حذرهن و حذر من یدخل علیهن من غیر حجاب أن یکون منهن أو منهم من لا یصلح، فقال لهن: وَ اتَّقِینَ اللَّهَ «فی دخولهم علیکن» «2» إِنَّ اللَّهَ کانَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من أعمالکم شَهِیداً- 55-
______________________________
(1) فی ف زیادة: «و اسم أمه صعبة بنت الحضرمی».
(2) فی أ: «فی دخولهن علیکم»، و فی ز: «فی دخولهم علیهن».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 506
لم یغب عن اللّه- عز و جل- من یدخل علیهن إن کان منهن أو منهم ما لا یصلح.
إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِ صلی اللّه علیه و سلم. أما صلاة الرب- عز و جل- فالمغفرة للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-، و أما صلاة الملائکة فالاستغفار للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-، ثم قال- تعالی-: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ یعنی استغفروا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم وَ سَلِّمُوا تَسْلِیماً- 56- فلما نزلت هذه الآیة قال المسلمون: هذه لک، یا رسول اللّه، فما لنا؟ فنزلت «... هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَ مَلائِکَتُهُ لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ وَ کانَ بِالْمُؤْمِنِینَ رَحِیماً» «1» إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- نزلت فی الیهود من أهل المدینة، و کان أذاهم للّه- عز و جل- أن زعموا أن للّه ولدا، و أنهم یخلقون کما یخلق اللّه- عز و جل- یعنی التماثیل و التصاویر.
و أما أذاهم للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فإنهم زعموا أن محمدا ساحر مجنون شاعر کذاب لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ یعنی باللعنة فی الدنیا العذاب و القتل و الجلاء، و أما فی الآخرة فإن اللّه یعذبهم بالنار، فذلک قوله- عز و جل- وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً- 57- یعنی عذاب الهوان.
وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً و البهتان ما لم یکن وَ إِثْماً مُبِیناً- 58- یعنی بینا یقال: نزلت فی علی ابن أبی طالب- رضی اللّه عنه- و ذلک أن نفرا من المنافقین کانوا یؤذونه
______________________________
(1) سورة الأحزاب: 43.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 507
و یکذبون علیه. و أن عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- قال فی خلافته لأبی ابن کعب الأنصاری إنی قرأت هذه الآیة:
«وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ ...» إلی آخر الآیة: فوقعت منی کل موقع، و اللّه، إنی لأضربهم و أعاقبهم. فقال له أبی بن کعب- رحمه اللّه-:
إنک لست منهم إنک مؤدب معلم «1».
یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلَابِیبِهِنَ یعنی القناع الذی یکون فوق الخمار و ذلک أن المهاجرین قدموا المدینة و معهم نساؤهم فنزلوا مع الأنصار فی دیارهم فضاقت الدور عنهم. و کان النساء یخرجن باللیل إلی النخل فیقضین حوائجهن یعنی البراز فکان المریب یرصد النساء باللیل فیأتیها فیعرض علیها و یغمزها فإن هویت الجماع أعطاها أجرها و قضی حاجته و إن کانت عفیفة صاحت فترکها. و إنما کانوا یطلبون الولائد فلم تعرف الأمة من الحرة باللیل فذکر نساء المؤمنین ذلک لأزواجهن و ما یلقین باللیل من الزناة، فذکروا ذلک للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فأنزل اللّه- عز و جل- «یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلَابِیبِهِنَّ».
______________________________
(1) هکذا فی ز: و فی ف، و فی أ: زیادة: و یقال: ان قوما کانوا یؤذون علی بن أبی طالب- رضی اللّه عنه- و یکذبون علیه فأنزل اللّه- عز و جل- فیهم هذه الآیة.
فإذا کان یوم القیامة سلط اللّه علیهم الجرب فیحتک أحدهم حتی یبدو العظم فیقال یا فلان أ یؤذیک هذا فیقول نعم فیقال هذا بأذاک المؤمنین و المؤمنات بغیر ما اکتسبوا.
و فی هذا المعنی حدیث أورده أبو حامد الغزالی فی کتاب إحیاء علوم الدین: فی باب حقوق المسلم علی أخیه المسلم و هو حدیث عام فی آذی أی مؤمن و لیس خاصا بمن آذی سیدنا علی- رضی اللّه عنه-. و لعل الزیادة التی فی ز، أ، سببها أن أحد النساخ کان شیعیا. و الدلیل علی أنها من صنع النساخ أن معناها سبق أن ذکره مقاتل فی تفسیر الآیة. و لا یعقل أن یکرره فی موضعین منفصلین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 508
یعنی القناع فوق الخمار ذلِکَ أَدْنی یعنی أجدر أَنْ یُعْرَفْنَ فی زیهن أنهن لسن «بمربیات» «1» و أنهن عفایف فلا یطمع فیهن أحد فَلا یُؤْذَیْنَ باللیل وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً فی تأخیر العذاب عنهم رَحِیماً- 59- حین لا یعجل علیهم بالعقوبة، ثم أوعدهم فقال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لَئِنْ لَمْ یَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ عن نفاقهم وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ الفجور و هم الزناة، ثم نعتهم بأعمالهم الخبیثة فقال: وَ الْمُرْجِفُونَ فِی الْمَدِینَةِ یعنی المنافقین کانوا یخبرون المؤمنین بالمدینة بما یکرهون من عدوهم یقول لئن لم ینتهوا عن الفجور و الإرجاف و النفاق لَنُغْرِیَنَّکَ یا محمد بِهِمْ یقول لنحملنک علی قتلهم ثُمَّ لا یُجاوِرُونَکَ فِیها إِلَّا قَلِیلًا- 60- و نجعلهم مَلْعُونِینَ أَیْنَما ثُقِفُوا فأوجب لهم اللعنة علی کل حال أینما وجدوا و أدرکوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِیلًا- 61- یقول خذوهم و اقتلوهم قتالا، فانتهوا عن ذلک مخافة القتل. سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ هکذا کانت سنة اللّه فی أهل بدر «القتل» «2» و هکذا سنة اللّه فی هؤلاء الزناة و فی المرجفین القتل، إن لم ینتهوا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِیلًا- 62- یعنی تحویلا لأن قوله- عز و جل- حق فی أمر القتل یَسْئَلُکَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ یعنی القیامة، و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- کان یخطب، فسأله رجل عن الساعة فأوحی اللّه- عز و جل- إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ ما یُدْرِیکَ لَعَلَّ السَّاعَةَ یعنی القیامة تَکُونُ قَرِیباً- 63- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْکافِرِینَ یعنی کفار مکة وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِیراً- 64-
______________________________
(1) فی أ: بمزینات.
(2) هکذا فی ف، و القتل: ساقطة من ز، و من أ. و المراد بأهل بدر کفار غزوة بدر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 509
یعنی وقودا خالِدِینَ فِیها أَبَداً لا یَجِدُونَ وَلِیًّا یعنی قریبا یمنعهم وَ لا نَصِیراً- 65- یعنی و لا مانعا یمنهم من العذاب یَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِی النَّارِ یَقُولُونَ یا لَیْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولَا- 66- یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم-.
وَ قالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ کُبَراءَنا فهذا قول الأتباع من مشرکی العرب من أهل مکة قالوا: ربنا إنا أطعنا سادتنا، نزلت فی اثنی عشر رجلا و هم المطعمون یوم بدر فیهم أبو جهل بن هشام، و عتبة و شیبة ابنا ربیعة، و کبراءنا، یعنی ذوی الأسنان منا فی الکفر فَأَضَلُّونَا السَّبِیلَا- 67- یعنی المطعمین فی غزوة بدر و المستهزئین من قریش «فأضلونا عن سبیل الهدی یعنی عن التوحید» «1». ثم قال الأتباع: رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَیْنِ مِنَ الْعَذابِ یعنون القادة و الرءوس من کفار قریش وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً کَبِیراً- 68- یعنی عظیما یعنی اللعن علی أثر اللعن. یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ آذَوْا مُوسی و ذلک أن اللّه- عز و جل- وعظ المؤمنین ألا یؤذوا محمدا فیقولون زید بن محمد فإن ذلک للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- أذی کما آذت بنو إسرائیل موسی فزعموا أنه آدر. و ذلک أن موسی- علیه السلام- کان فیه حیاء شدید و کان لا یغتسل فی نهر و لا غیره إلا و علیه إزار. «و کان» «2» بنو إسرائیل یغتسلون عراة. فقالوا:
ما یمنع موسی أن یتجرد کما نتجرد إلا أنه آدر فانطلق موسی- علیه السلام- ذات یوم یغتسل فی عین بأرض الشام و استتر بصخرة و وضع ثیابه علیها ففرت الصخرة
______________________________
(1) هکذا فی ز، و فی ف، أ: «فأضلونا عن السبیل یعنی سبیل الهدی عن التوحید»، و لکن عبارة الأزهریة أسهل فهما.
(2) فی ف، أ، ز: «و کانت». و لکن «کان» أنسب هنا من «کانت».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 510
بثیابه و أتبعها موسی- علیه السلام- متجردا فلحقها فضربها بعصاه «و کان موسی- علیه السلام- لا یضع العصا من یده حیث ما کان» «1» و قال لها: ارجعی إلی مکانک فقالت: إنما أنا عبد مأمور لم تضربنی فردها إلی مکانها. فنظرت إلیه بنو إسرائیل فإذا هو من أحسن الناس خلقا و أعدلهم صورة و کان «سلیما» «2» لیس الذی قالوا «3»، فذلک قوله- عز و جل- فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا إنه آدر وَ کانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِیهاً- 69- یعنی مکینا یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِیداً- 70- یعنی قولا عدلا و هو التوحید یُصْلِحْ لَکُمْ یعنی یزکی لکم أَعْمالَکُمْ بالتوحید وَ یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِیماً- 71- یقول قد نجا بالخیر و أصاب منه نصیبا وافرا إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ و هی الطاعة عَلَی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ علی الثواب و العقاب إن أحسنت جوزیت و إن عصت عوقبت فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها یعنی الطاعة علی الثواب و العقاب فلم یطقنها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها و أشفقن من العذاب مخافة ترک الطاعة فقیل لآدم- علیه السلام- أ تحملها بما فیها، قال آدم: و ما فیها یا رب؟ قال: إن أطعت جوزیت و إن عصیت عوقبت. قال آدم: قد حملتها بما فیها. قال اللّه- عز و جل- فلم یلبث فی الجنة إلا قلیلا یعنی ساعتین من یومه حتی عصی ربه- عز و جل- و خان الأمانة، فذلک قوله- عز و جل-: وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ یعنی
______________________________
(1) هذه الجملة التی بین القوسین «...»: فی ف، و ساقطة من ز.
(2) فی ف، أ: «جسیما».
(3) فی الأزهریة زیادة و أما قوله «لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ آذَوْا مُوسی ...» فهو مثل «لِمَ تُؤْذُونَنِی وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 511
آدم- علیه السلام- إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً لنفسه بخطیئته جَهُولًا- 72- بعاقبة ما تحمل من الطاعة علی الثواب و العقاب.
لِیُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِینَ یقول عرضنا الأمانة علی الإنسان لکی یعذب اللّه المنافقین وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِکِینَ وَ الْمُشْرِکاتِ بما خانوا الأمانة و کذبوا الرسل، و نقضوا المیثاق الذی أقروا به علی أنفسهم، یوم أخرجهم من ظهر آدم- علیه السلام- حین قال- عز و جل- «... أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی ...» «1» فنقضوا هذه المعرفة و ترکوا للطاعة یعنی التوحید وَ یَتُوبَ اللَّهُ یقول و لکی یتوب اللّه عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ بما وفوا بالأمانة و لم ینقضوا المیثاق وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً لذنوبهم رَحِیماً- 73- بهم.
______________________________
(1) سورة الأعراف: 172.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 513

سورة سبأ

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 515
سورة سبا مکیة و آیاتها أربع و خمسون‌

[سورة سبإ (34): الآیات 1 الی 54]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِی الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَکِیمُ الْخَبِیرُ (1) یَعْلَمُ ما یَلِجُ فِی الْأَرْضِ وَ ما یَخْرُجُ مِنْها وَ ما یَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما یَعْرُجُ فِیها وَ هُوَ الرَّحِیمُ الْغَفُورُ (2) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لا تَأْتِینَا السَّاعَةُ قُلْ بَلی وَ رَبِّی لَتَأْتِیَنَّکُمْ عالِمِ الْغَیْبِ لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْبَرُ إِلاَّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (3) لِیَجْزِیَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ (4)
وَ الَّذِینَ سَعَوْا فِی آیاتِنا مُعاجِزِینَ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِیمٌ (5) وَ یَرَی الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ هُوَ الْحَقَّ وَ یَهْدِی إِلی صِراطِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ (6) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا هَلْ نَدُلُّکُمْ عَلی رَجُلٍ یُنَبِّئُکُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ کُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّکُمْ لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ (7) أَفْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِی الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِیدِ (8) أَ فَلَمْ یَرَوْا إِلی ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَیْهِمْ کِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِکُلِّ عَبْدٍ مُنِیبٍ (9)
وَ لَقَدْ آتَیْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً یا جِبالُ أَوِّبِی مَعَهُ وَ الطَّیْرَ وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِیدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَ قَدِّرْ فِی السَّرْدِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً إِنِّی بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ (11) وَ لِسُلَیْمانَ الرِّیحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ وَ أَسَلْنا لَهُ عَیْنَ الْقِطْرِ وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ یَعْمَلُ بَیْنَ یَدَیْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ مَنْ یَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِیرِ (12) یَعْمَلُونَ لَهُ ما یَشاءُ مِنْ مَحارِیبَ وَ تَماثِیلَ وَ جِفانٍ کَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِیاتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُکْراً وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ (13) فَلَمَّا قَضَیْنا عَلَیْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلی مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْکُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَیَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ الْغَیْبَ ما لَبِثُوا فِی الْعَذابِ الْمُهِینِ (14)
لَقَدْ کانَ لِسَبَإٍ فِی مَسْکَنِهِمْ آیَةٌ جَنَّتانِ عَنْ یَمِینٍ وَ شِمالٍ کُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّکُمْ وَ اشْکُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَیِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ سَیْلَ الْعَرِمِ وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَیْهِمْ جَنَّتَیْنِ ذَواتَیْ أُکُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَیْ‌ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِیلٍ (16) ذلِکَ جَزَیْناهُمْ بِما کَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِی إِلاَّ الْکَفُورَ (17) وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وَ أَیَّاماً آمِنِینَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَیْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِیثَ وَ مَزَّقْناهُمْ کُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِکُلِّ صَبَّارٍ شَکُورٍ (19)
وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَیْهِمْ إِبْلِیسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِیقاً مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (20) وَ ما کانَ لَهُ عَلَیْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ یُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِی شَکٍّ وَ رَبُّکَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ حَفِیظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَمْلِکُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ وَ ما لَهُمْ فِیهِما مِنْ شِرْکٍ وَ ما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِیرٍ (22) وَ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّی إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّکُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ (23) قُلْ مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَ إِنَّا أَوْ إِیَّاکُمْ لَعَلی هُدیً أَوْ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (24)
قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ یَجْمَعُ بَیْنَنا رَبُّنا ثُمَّ یَفْتَحُ بَیْنَنا بِالْحَقِّ وَ هُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِیمُ (26) قُلْ أَرُونِیَ الَّذِینَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَکاءَ کَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (27) وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاَّ کَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِیراً وَ نَذِیراً وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (28) وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (29)
قُلْ لَکُمْ مِیعادُ یَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ (30) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَ لا بِالَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ لَوْ تَری إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ یَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلی بَعْضٍ الْقَوْلَ یَقُولُ الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَکُنَّا مُؤْمِنِینَ (31) قالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا لِلَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا أَ نَحْنُ صَدَدْناکُمْ عَنِ الْهُدی بَعْدَ إِذْ جاءَکُمْ بَلْ کُنْتُمْ مُجْرِمِینَ (32) وَ قالَ الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا بَلْ مَکْرُ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَکْفُرَ بِاللَّهِ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِی أَعْناقِ الَّذِینَ کَفَرُوا هَلْ یُجْزَوْنَ إِلاَّ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (33) وَ ما أَرْسَلْنا فِی قَرْیَةٍ مِنْ نَذِیرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ کافِرُونَ (34)
وَ قالُوا نَحْنُ أَکْثَرُ أَمْوالاً وَ أَوْلاداً وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّی یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (36) وَ ما أَمْوالُکُمْ وَ لا أَوْلادُکُمْ بِالَّتِی تُقَرِّبُکُمْ عِنْدَنا زُلْفی إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِکَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِی الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) وَ الَّذِینَ یَسْعَوْنَ فِی آیاتِنا مُعاجِزِینَ أُولئِکَ فِی الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّی یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ یَقْدِرُ لَهُ وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَهُوَ یُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ (39)
وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً ثُمَّ یَقُولُ لِلْمَلائِکَةِ أَ هؤُلاءِ إِیَّاکُمْ کانُوا یَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَکَ أَنْتَ وَلِیُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ کانُوا یَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَکْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْیَوْمَ لا یَمْلِکُ بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا وَ نَقُولُ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِی کُنْتُمْ بِها تُکَذِّبُونَ (42) وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ یُرِیدُ أَنْ یَصُدَّکُمْ عَمَّا کانَ یَعْبُدُ آباؤُکُمْ وَ قالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْکٌ مُفْتَریً وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِینٌ (43) وَ ما آتَیْناهُمْ مِنْ کُتُبٍ یَدْرُسُونَها وَ ما أَرْسَلْنا إِلَیْهِمْ قَبْلَکَ مِنْ نَذِیرٍ (44)
وَ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ ما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَیْناهُمْ فَکَذَّبُوا رُسُلِی فَکَیْفَ کانَ نَکِیرِ (45) قُلْ إِنَّما أَعِظُکُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنی وَ فُرادی ثُمَّ تَتَفَکَّرُوا ما بِصاحِبِکُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِیرٌ لَکُمْ بَیْنَ یَدَیْ عَذابٍ شَدِیدٍ (46) قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی اللَّهِ وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ شَهِیدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّی یَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُیُوبِ (48) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما یُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما یُعِیدُ (49)
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلی نَفْسِی وَ إِنِ اهْتَدَیْتُ فَبِما یُوحِی إِلَیَّ رَبِّی إِنَّهُ سَمِیعٌ قَرِیبٌ (50) وَ لَوْ تَری إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَکانٍ قَرِیبٍ (51) وَ قالُوا آمَنَّا بِهِ وَ أَنَّی لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ (52) وَ قَدْ کَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ یَقْذِفُونَ بِالْغَیْبِ مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ (53) وَ حِیلَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ ما یَشْتَهُونَ کَما فُعِلَ بِأَشْیاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ کانُوا فِی شَکٍّ مُرِیبٍ (54)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 521
سورة سبإ «1» سورة سبإ مکیة عددها أربع و خمسون آیة کوفیة «2».
______________________________
(1) مقصود السورة:
بیان حجة التوحید، و برهان نبوة الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- و معجزات داود و سلیمان، و وفاتهما، و هلاک سبإ، و شؤم الکفران، و عدم الشکر، و إلزام الحجة علی عباد الأصنام، و مناظرة مادة الضلالة و سفلتهم، و معاملة الأمم الماضیة مع النبیین، و وعد المنفقین و المصدقین بالإخلاف، و الرجوع بإلزام الحجة علی منکری النبوة، و تمنی الکفار فی وقت الوفاة الرجوع إلی الدنیا فی قوله:
«وَ حِیلَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ ما یَشْتَهُونَ کَما فُعِلَ بِأَشْیاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ کانُوا فِی شَکٍّ مُرِیبٍ» سورة سبأ: 54.
و فی کتاب بصائر ذوی التمییز ما یأتی:
سمیت سورة سبإ لاشتمالها علی قصة سبإ «لَقَدْ کانَ لِسَبَإٍ فِی مَسْکَنِهِمْ آیة «...» سورة سبإ: 15 و ما بعدها
(2) فی المصحف (34) سورة سبإ مکیة إلا آیة 6 فمدنیة و آیاتها 54 نزلت بعد سورة لقمان
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 523
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ و ذلک أن کفار مکة لما کفروا بالبعث، حمد الرب نفسه قال- عز و جل- «الْحَمْدُ لِلَّهِ» الَّذِی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ من الخلق وَ لَهُ الْحَمْدُ فِی الْآخِرَةِ یعنی یحمده أولیاؤه فی الآخرة إذا دخلوا الجنة فقالوا: «... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی صَدَقَنا وَعْدَهُ ...» «1»، «... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی هَدانا لِهذا ...» «2» وَ هُوَ الْحَکِیمُ حکم البعث الْخَبِیرُ- 1- به [97 أ] یَعْلَمُ ما یَلِجُ فِی الْأَرْضِ من المطر وَ ما یَخْرُجُ مِنْها من النبات وَ ما یَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من المطر وَ ما یَعْرُجُ فِیها یعنی و ما یصعد فی السماء من الملائکة وَ هُوَ الرَّحِیمُ حین لا یعجل علیهم بالعذاب «الْغَفُورُ» «3»- 2- وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا أبو سفیان لکفار مکة و اللات و العزی لا تَأْتِینَا السَّاعَةُ أبدا فلما حلف أبو سفیان بالأصنام حلف النبی- صلی اللّه علیه و سلم- باللّه- عز و جل-، فقال- اللّه- عز و جل-: قُلْ یا محمد بَلی وَ رَبِّی لَتَأْتِیَنَّکُمْ الساعة عالِمِ الْغَیْبِ غیب الساعة لا یَعْزُبُ عَنْهُ من مِثْقالُ ذَرَّةٍ وزن أصغر النمل فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِکَ و لا أقل من ذلک المثقال وَ لا أَکْبَرُ منه و لا أعظم من المثقال إِلَّا فِی کِتابٍ مُبِینٍ 3- إلا هو بین فی اللوح المحفوظ لِیَجْزِیَ لکی یجزی
______________________________
(1) سورة الزمر: 74.
(2) سورة الأعراف: 43.
(3) «الغفور»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 524
فی الساعة الَّذِینَ آمَنُوا صدقوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ «بالقسط» «1»:
بالعدل أُولئِکَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ حسنا فی الجنة، ثم ذکر کفار مکة فقال- عز و جل-: وَ الَّذِینَ سَعَوْا عملوا فِی آیاتِنا یعنی القرآن مُعاجِزِینَ مثبطین الناس عن الإیمان بالقرآن مثلها فی الحج «أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِیمٌ» «2»- 5- نظیرها فی الجاثیة «3».
وَ یَرَی و یعلم الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ باللّه- عز و جل- یعنی مؤمنی أهل الکتاب و هی قراءة ابن مسعود «و یعلم الذین أوتوا الحکمة من قبل» الَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْکَ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- مِنْ رَبِّکَ هُوَ الْحَقَ یعنی القرآن وَ یَهْدِی إِلی صِراطِ و یدعو إلی دین الْعَزِیزِ فی ملکه الْحَمِیدِ- 6- فی خلقه. وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا بالبعث أبو سفیان، قال لکفار مکة: هَلْ نَدُلُّکُمْ ألا ندلکم عَلی رَجُلٍ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یُنَبِّئُکُمْ یخبرکم أنکم إِذا مُزِّقْتُمْ کُلَّ مُمَزَّقٍ یخبرکم أنکم إذا تفرقتم فی الأرض و ذهبت «اللحوم و العظام» «4» و کنتم ترابا «إِنَّکُمْ» «5» لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ- 7- یعنی البعث بعد الموت، ثم قال أبو سفیان:
أَفْتَری محمد- صلی اللّه علیه و سلم- عَلَی اللَّهِ کَذِباً حین یزعم أنا نبعث
______________________________
(1) «بالقسط»: لیست هذه الکلمة جزءا من هذه الآیة، و ان کانت جزءا من آیة أخری.
(2) فی أ: «لهم عذاب»، و فی ز: «أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِیمٌ».
(3) یشیر إلی الآیة 11 من سورة الجاثیة و هی: «هذا هُدیً وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِیمٌ».
(4) فی أ: «اللحوم العظام»، و فی ز: «اللحوم و العظام».
(5) «إنکم»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 525
بعد الموت أَمْ بِهِ جِنَّةٌ یقول: «أم بمحمد جنون» «1» فرد اللّه- جل و عز- علیهم فقال: بَلِ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لا یصدقون بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال هم أکذب و أشد فریة من محمد- صلی اللّه علیه و سلم- حین کذبوا بالبعث، ثم قال- جل و عز: هم فِی الْعَذابِ فی الآخرة وَ الضَّلالِ الْبَعِیدِ- 8- الشقاء الطویل نظیرها فی آخر «اقتربت الساعة» «2».
ثم خوفهم فقال- جل و عز-: أَ فَلَمْ یَرَوْا إِلی ما بَیْنَ [97 ب أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ثم بین ما هو فقال- جل و عز- مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ «فتبتلعهم» «3» أَوْ نُسْقِطْ عَلَیْهِمْ کِسَفاً مِنَ السَّماءِ یعنی جانبا من السماء فنهلکهم بها «إِنَّ فِی ذلِکَ» «4» لَآیَةً یعنی عبرة «5» لِکُلِّ عَبْدٍ مُنِیبٍ 9- مخلص بالتوحید وَ لَقَدْ آتَیْنا داوُدَ أعطینا داود مِنَّا فَضْلًا النبوة کقوله- عز و جل- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی سورة النساء: «... (وَ کانَ فَضْلُ «6» اللَّهِ) عَلَیْکَ عَظِیماً «7»» یعنی النبوة و الکتاب، فذلک قوله
______________________________
(1) من ز، و فی أ: «أم جنون- صلی اللّه علیه و سلم- جنون».
(2) سورة القمر: 1، و یشیر إلی الآیات «کَذَّبُوا بِآیاتِنا کُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِیزٍ مُقْتَدِرٍ» أَ کُفَّارُکُمْ خَیْرٌ مِنْ أُولئِکُمْ أَمْ لَکُمْ بَراءَةٌ فِی الزُّبُرِ، أَمْ یَقُولُونَ نَحْنُ جَمِیعٌ مُنْتَصِرٌ، سَیُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ یُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَ السَّاعَةُ أَدْهی وَ أَمَرُّ، إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی ضَلالٍ وَ سُعُرٍ» یَوْمَ یُسْحَبُونَ فِی النَّارِ عَلی وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ» سورة القمر: 42- 48.
(3) «فتبتلعهم»: من ز، و فی أ: «فتشعلهم».
(4) «إن فی ذلک»: ساقط من أ، و هی فی ز.
(5) «یعنی لعبرة»: من ز وحدها.
(6) فی ز: «وَ کانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکَ عَظِیماً»، و فی أ: «وَ کانَ فَضْلُ اللَّهِ ...» الآیة
(7) سورة النساء: 113.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 526
- عز و جل- « (وَ لَقَدْ آتَیْنا «1») داوُدَ مِنَّا فَضْلًا» النبوة و الزبور و ما سخر له من الجبل و الطیر و الحدید ثم بین ما أعطاه فقال- عز و جل-: یا جِبالُ أَوِّبِی مَعَهُ سبحی معه مع داود- علیه السلام- یقول اذکری الرب مع داود و هو التسبیح، ثم قال- عز و جل-: وَ سخرنا له الطَّیْرَ وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِیدَ- 10- فکان داود- علیه السلام- یضفر الحدید ضفر العجین من غیر نار فیتخذها دروعا طوالا، فذلک قوله- عز و جل-: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ الدروع الطوال و کانت الدروع قبل داود إنما هی صفائح الحدید مضروبة فکان داود- علیه السلام- یشد الدروع بمسامیر ما یقرعها بحدید و لا یدخلها النار فیقرع من الدروع فی بعض النهار و بعض اللیل بیده ثمن ألف درهم «2» قال لداود:
وَ قَدِّرْ فِی السَّرْدِ یقول قدر المسامیر فی الخلق و لا تعظم المسامیر فتنقصم «3» و لا تضفر المسامیر فتسلس. ثم قال اللّه- عز و جل- لآل داود: وَ اعْمَلُوا صالِحاً یعنی قولوا «الحمد للّه إِنِّی بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ» «4»- 11- ثم ذکر ابنه سلیمان- علیهما السلام- و ما أعطاه اللّه- عز و جل- من الخیر و الکرامة فقال- عز و جل: وَ سخرنا لِسُلَیْمانَ الرِّیحَ غُدُوُّها شَهْرٌ یعنی مسیرة شهر فتحملهم الریح من بیت المقدس إلی إصطخر و تروح بهم «ذابلستان» «5» وَ رَواحُها شَهْرٌ
______________________________
(1) فی أ: «آتینا»، و فی ز: «و لقد آتینا».
(2) کذا فی أ، ز. «و المعنی ما ثمنه ألف درهم، و فی حاشیة أ: «الظاهر أنه ثمانیة آلاف»، و أری أن الأصل أصدق من الحاشیة.
(3) فی أ: «و لا تعظم المسامیر فتنقص»، ز: «و لا تعظم المسمار فیقصم».
(4) من ز، و فی أ: «الحمد لله الآیة».
(5) «ذابلستان»: کذا فی أ، ز. و هی فی ز تشبه: «نابلستان».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 527
یعنی مسیرة فنحملهم إلی بیت المقدس لا تحول طیرا من فوقهم و لا ورقة من تحتهم و لا تثیر ترابا ثم قال- جل و عز- وَ أَسَلْنا لَهُ عَیْنَ الْقِطْرِ یعنی أخرجنا لسلیمان عین الصفر ثلاثة أیام تجری مجری الماء بأرض الیمن وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ یَعْمَلُ و سخرنا لسلیمان من الجن من یعمل بَیْنَ یَدَیْهِ بین یدی سلیمان بِإِذْنِ رَبِّهِ یعنی رب سلیمان- عز و جل- وَ مَنْ یَزِغْ مِنْهُمْ و من یعدل منهم «عَنْ أَمْرِنا» «1» عن أمر سلیمان- علیه السلام- نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِیرِ- 12- الوقود فی الدنیا کان ملک بیده سوط من نار من یزغ عن أمر سلیمان ضربه بسوط من نار فذلک عذاب السعیر «2» یَعْمَلُونَ لَهُ ما یَشاءُ یعنی الجن لسلیمان مِنْ مَحارِیبَ [98 أ] المساجد وَ تَماثِیلَ من نحاس و رخام من «الأرض» «3» المقدسة و إصطخر من غیر أن یعبدها أحد، ثم قال- جل و عز-: وَ جِفانٍ «کَالْجَوابِ» «4» و قصاع فی العظم کحیاض الإبل بأرض الیمن من العظم یجلس علی کل قصعة واحدة ألف رجل یأکلون منها بین یدی سلیمان وَ قُدُورٍ عظام لها قوائم لا نتحرک راسِیاتٍ ثابتات نتخذ من الجبال و القدور و عین الصفر بأرض الیمن، و کان ملک سلیمان ما بین مصر و کابل، ثم قال- جل و عز-: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُکْراً بما أعطیتم من الخیر یقول الرب- عز و جل-: وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ- 13- لربهم «5» فَلَمَّا قَضَیْنا عَلَیْهِ
______________________________
(1) فی أ: «عن أمرنا» سلیمان، و فی ز: «عن أمرنا» لسلیمان.
(2) من ز، و الآیة مضطربة فی أ.
(3) فی الأصل: «أرض».
(4) فی أ: «کالجوابی».
(5) کذا فی أ، ز.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 528
علی سلیمان «1» الْمَوْتَ و ذلک أن سلیمان- علیه السلام- کان دخل فی السن و هو فی بیت المقدس ما دَلَّهُمْ ما دل الجن عَلی مَوْتِهِ علی موت سلیمان إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ یعنی «الأرضة» «2» و ذلک أن الجن کانوا یخبرون الإنس أنهم یعلمون الغیب الذی یکون فی غد فابتلوا بموت سلیمان ببیت المقدس و کان داود أسس بیت المقدس موضع فسطاط موسی- علیه السلام- فمات قبل أن یبنی فبناه سلیمان بالصخر و القار، فلما حضره الموت قال لأهله: لا تخبروا الجن بموتی حتی یفرغوا من بناء بیت المقدس. «و کان قد بقی منه عمل سنة» «3»، فلما حضره الموت و هو متکئ علی عصاه، و قد أوصی أن یکتم موته، و قال: لا تبکوا علی سنة لئلا یتفرق الجن عن بناء بیت المقدس. ففعلوا «فلما بنوا سنة» «4» و فرغوا من بنائه سلط اللّه- عز و جل- علیه الأرضة عند رأس الحول علی أسفل عصاه فأکلته، فذلک قوله- عز و جل-: تَأْکُلُ مِنْسَأَتَهُ أسفل العصا فخر عند ذلک سلیمان میتا فرأته الجن فتفرقت، فذلک قوله- عز و جل-: فَلَمَّا خَرَّ سلیمان تَبَیَّنَتِ الْجِنُ یعنی تبینت الإنس أَنْ لَوْ کانُوا الجن یَعْلَمُونَ الْغَیْبَ یعنی غیب موت سلیمان ما لَبِثُوا حولا فِی الْعَذابِ الْمُهِینِ 14- و الشقاء و النصب فی بیت المقدس و إنما سموا الجن لأنهم استخفوا من الإنس فلم یروهم.
لَقَدْ کانَ لِسَبَإٍ و هو زجل بن یشخب بن یعرب بن قحطان فِی مَسْکَنِهِمْ آیَةٌ، ثم قال: جَنَّتانِ أحدهما عَنْ یَمِینٍ الوادی وَ الأخری عن
______________________________
(1) فی أ: «فلما قضینا علی سلیمان الموت». و فی حاشیة أ: «الآیة علیه الموت».
(2) فی أ: «الأرض»، و فی ز: «الأرضة».
(3) من ز، و فی أ: «و کان بقی من عمله سنة».
(4) کذا فی ل، ز، و فی أ: «فلما بنوه سنة» و أری أن أصلها: «فلما بنوه بعد سنة».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 529
شِمالٍ الوادی، و اسم الوادی العرم، یقول اللّه- عز و جل- لأهل تلک الجنتین: کُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّکُمْ الذی فی الجنتین وَ اشْکُرُوا لَهُ للّه فیما رزقکم ثم قال: أرض سبأ بَلْدَةٌ طَیِّبَةٌ بأنها أخرجت ثمارها وَ ربکم إن شکرتم فیما رزقکم [98 ب رَبٌّ غَفُورٌ- 15- للذنوب کانت المرأة تحمل مکتلا علی رأسها فتدخل البستان فیمتلئ مکتلها من ألوان الفاکهة و الثمار من غیر أن تمس شیئا بیدها، و کان أهل سبأ إذا أمطروا یأتیهم السیل من مسیرة أیام کثیرة إلی العرم، فعمدوا فسدوا ما بین الجبلین بالصخر و القار فاستد زمانا، و ارتفع الماء علی حافتی الوادی فصار فیهما ألوان الفاکهة و الأعناب فعصوا ربهم فلم یشکروه فذلک قوله- عز و جل-: فَأَعْرَضُوا عن الحق فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ سَیْلَ الْعَرِمِ و السیل هو الماء، و العرم اسم الوادی سلط اللّه- عز و جل- «الفارة» «1» علی البناء الذی بنوه «و تسمی الخلد» «2» فنقبت الردم ما بین الجبلین فخرج الماء و یبست جناتهم و أبدلهم اللّه- عز و جل- مکان الفاکهة و الأعناب:
«وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَیْهِمْ جَنَّتَیْنِ ذَواتَیْ» «3» أُکُلٍ خَمْطٍ و هو الأراک وَ أَثْلٍ یعنی شجرة تسمی الطرفاء یتخذون منها الأقداح النضار وَ شَیْ‌ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِیلٍ 16- و ثمرة السدر النبق ذلِکَ الهلاک جَزَیْناهُمْ بِما کَفَرُوا کافأناهم بکفرهم وَ هَلْ نُجازِی إِلَّا الْکَفُورَ- 17- و هل یکافأ بعمله السی‌ء إلا الکفور للّه- عز و جل- فی نعمه.
______________________________
(1) «الفارة»: ساقطة من أ.
(2) فی ز: «و اسمها الخلد»، و فی أ: «و یسمی الخلد».
(3) «وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَیْهِمْ جَنَّتَیْنِ ذَواتَیْ»: ساقطة من أ، ز، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 530
ثم: وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ بین أهل سبإ وَ بَیْنَ الْقُرَی قری «الأرض» «1» المقدسة: الأردن و فلسطین الَّتِی بارَکْنا فِیها بالشجر و الماء قُریً ظاهِرَةً متواصلة و کان متجرهم من أرض الیمن إلی أرض الشام علی کل میل قریة و سوق، لا یحلون عنده حتی یرجعوا «إلی الیمین» «2» من الشام، فذلک قوله- عز و جل-: وَ قَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ للمبیت و المقیل من قریة إلی قریة سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وَ أَیَّاماً آمِنِینَ 18- من الجوع و العطش و السباع فلم یشکروا ربهم «و سألوا» «3» ربهم أن تکون القری و المنازل بعضها أبعد من بعض فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَیْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِیثَ للناس وَ مَزَّقْناهُمْ کُلَّ مُمَزَّقٍ یقول اللّه- عز و جل- و فرقناهم فی کل وجه فلما خرجوا من أرض سبأ، ساروا فأما الأزد فنزلوا البحرین و عمان، و أما خزاعة فنزلوا بمکة، و أما الأنصار و هم الأوس و الخزرج، فنزلوا بالمدینة، و أما غسان فنزلوا بالشام فهذا تمزقهم، فذلک قوله- عز و جل-: «فَجَعَلْناهُمْ أَحادِیثَ وَ مَزَّقْناهُمْ کُلَّ مُمَزَّقٍ» إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ «یعنی فی هلاک جنتیهم و تفریقهم عبرة» «4» لِکُلِّ صَبَّارٍ شَکُورٍ- 19- یعنی المؤمن من هذه الأمة صبور علی البلاء إذا ابتلی لما ابتلی أهل سبإ ثم قال: «شکور» للّه- عز و جل- فی نعمه: وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَیْهِمْ إِبْلِیسُ ظَنَّهُ و ذلک أن إبلیس خلق من نار السموم، و خلق آدم من طین [99 أ]، ثم قال إبلیس: إن النار ستغلب
______________________________
(1) فی الأصل: «أرض».
(2) فی ل: «الیمین»، و فی أ: «إلی الیمین إلی الشام»، و فی ز: «الیمین إلی الشام».
(3) «سألوا»: ساقطة من أ، و هی من ز.
(4) من ز، و فی أ: «یعنی جناتهم و تفریقهم عبرة».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 531
الطین فقال «... لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ إِلَّا عِبادَکَ ...» «1» الآیة. فمن ثم صدق ظنه یقول اللّه- عز و جل-: فَاتَّبَعُوهُ ثم استثنی عباده المخلصین فقال- جل و عز-: إِلَّا فَرِیقاً طائفة مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 20- لم یتبعوه فی الشرک، و هم الذین قال اللّه: «إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ ...» «2»، ثم قال: وَ ما کانَ لَهُ لإبلیس عَلَیْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ من ملک أن یضلهم عن الهدی إِلَّا لِنَعْلَمَ لنری مَنْ یُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِی شَکٍ لیبین المؤمن من الکافر وَ رَبُّکَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من الإیمان و الشک حَفِیظٌ- 21- رقیب: قُلِ لکفار مکة ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أنهم آلهة یعنی الملائکة الذین عبدتموهم فلیکشفوا الضر الذی نزل بکم من الجوع من السنین السبع نظیرها فی بنی إسرائیل فأخبر اللّه- عز و جل- عن الملائکة أنهم لا یَمْلِکُونَ لا یقدرون علی مِثْقالَ ذَرَّةٍ یعنی أصغر و زن النمل فِی السَّماواتِ فی خلق السموات «وَ لا فِی الْأَرْضِ» «3» فکیف یملکون کشف الضر عنکم وَ ما لَهُمْ فِیهِما فی خلق السموات و الأرض مِنْ شِرْکٍ یعنی الملائکة وَ ما لَهُ مِنْهُمْ من الملائکة مِنْ ظَهِیرٍ- 22- یعنی عونا علی شی‌ء، ثم ذکر الملائکة الذین رجوا منافعهم، فقال- جل و عز-: وَ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ شفاعة الملائکة عِنْدَهُ لأحد إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أن یشفع من أهل التوحید، ثم أخبر عن خوف الملائکة أنهم إذا سمعوا الوحی خروا سجدا من مخافة الساعة، فکیف یعبدون من هذه منزلته؟ فهلا یعبدون من تخافه الملائکة؟ قال: حَتَّی إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ
______________________________
(1) سورة
(2) سورة الحجر: 42.
(3) فی أ: «و الأرض»، و فی حاشیة أ: الآیة «و لا فی الأرض».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 532
و ذلک أن أهل السموات من الملائکة لم یکونوا سمعوا صوت الوحی ما بین زمن عیسی و محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و کان بینهما قریب من ستمائة عام، فلما نزل الوحی علی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- سمعوا صوت الوحی کوقع الحدید علی الصفا، فخروا سجدا مخافة القیامة، إذ هبط جبریل علی أهل کل سماء فأخبرهم أنه الوحی، فذلک قوله- عز و جل-: «حتی إذا فزع عن قلوبهم» تجلی الفزع عن قلوبهم قاموا من السجود قالُوا فتسأل الملائکة بعضها بعضا ما ذا قالَ جبریل عن رَبُّکُمْ قالُوا الْحَقَ یعنی الوحی وَ هُوَ الْعَلِیُ الرفیع الْکَبِیرُ- 23- العظیم فلا أعظم منه قُلْ لکفار مکة الذین یعبدون الملائکة مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماواتِ یعنی المطر وَ الْأَرْضِ یعنی النبات فردوا فی سورة یونس قالوا: «... اللّه ...» «1» یرزقنا إضمار قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: قُلِ اللَّهُ یرزقکم، ثم انقطع الکلام، و أما قوله: وَ إِنَّا أَوْ إِیَّاکُمْ لَعَلی هُدیً أَوْ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 24- قال کفار مکة للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: تعالوا ننظر فی [99 ب معایشنا من أفضل دنیا نحن أم أنتم یا أصحاب محمد- صلی اللّه علیه و سلم-: إنکم لعلی ضلالة،- فرد علیهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- ما نحن و أنتم علی أمر واحد إن أحد الفریقین لعلی هدی، یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- نفسه و أصحابه أو فی ضلال مبین یعنی کفار مکة الألف ها هنا صلة، مثل قوله
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 31 من سورة یونس و هی:
«قُلْ مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَمَّنْ یَمْلِکُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ مَنْ یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ یُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ وَ مَنْ یُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَیَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 533
- عز و جل- «... وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ کَفُوراً «1» ...» «قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ» «2»- 25- قُلْ یا محمد لکفار مکة:
یَجْمَعُ بَیْنَنا رَبُّنا فی الآخرة و أنتم ثُمَّ یَفْتَحُ یقضی بَیْنَنا بِالْحَقِ بالعدل وَ هُوَ الْفَتَّاحُ القضاء الْعَلِیمُ 26- بما یقضی قُلْ لکفار مکة: أَرُونِیَ الَّذِینَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ یعنی باللّه- عز و جل- شُرَکاءَ من الملائکة هل خلقوا شیئا یقول اللّه- عز و جل-: کَلَّا ما خلقوا شیئا ثم استأنف بَلْ هُوَ اللَّهُ الذی خلق الأشیاء کلها «3» الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ 27- «العزیز» فی ملکه «الحکیم» فی أمره، نظیرها فی الأحقاف «4» وَ ما أَرْسَلْناکَ یعنی یا محمد إِلَّا کَافَّةً لِلنَّاسِ عامة للناس بَشِیراً بالجنة لمن أجابه وَ نَذِیراً من النار لمن عصاه وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ یعنی أهل مکة لا یَعْلَمُونَ 28- وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ الذی تعدنا یا محمد «5» إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 29- إن کنت صادقا بأن العذاب نازل بنا فی الدنیا قُلْ لَکُمْ مِیعادُ میقات فی العذاب یَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ عن المیعاد ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ 30- یعنی لا تتباعدون عنه و لا نتقدمون، وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا یعنی الأسود بن عبد یغوث، و ثعلب و هما أخوان ابنا
______________________________
(1) سورة
(2) الآیة 25 ساقطة من أ فلم تذکر هی و لا تفسیرها.
(3) فی أ: کلها الآیة، و فی ز: «العزیز» فی ملکه «الحکیم» فی أمره.
(4) سورة الأحقاف: 2 و هی «تَنْزِیلُ الْکِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ».
(5) فی أ: یا محمد الآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 534
الحارث بن السباق من بنی عبد الدار بن قصی لَنْ نُؤْمِنَ لک لا نصدق بِهذَا الْقُرْآنِ وَ لا بِالَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ من الکتب التی نزلت قبل القرآن، «بین یدیه» التوراة و الإنجیل و الزبور وَ لَوْ تَری یا محمد إِذِ الظَّالِمُونَ یعنی مشرکی مکة مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فی الآخرة یَرْجِعُ یرد بَعْضُهُمْ «إِلی «1» بَعْضٍ الْقَوْلَ ثم أخبر عن قولهم: یَقُولُ الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا و هم الأتباع لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا الذین تکبروا عن الإیمان و هم القادة فی الکفر لَوْ لا أَنْتُمْ لَکُنَّا مُؤْمِنِینَ 31- لو لا أنتم- معشر الکبراء- لکنا مؤمنین یعنی مصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- فردت القادة و هم الکبراء علی الضعفاء و هم الأتباع: «قالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا لِلَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا» «2» أَ نَحْنُ صَدَدْناکُمْ عَنِ الْهُدی یعنی أ نحن منعناکم عن الإیمان بَعْدَ إِذْ جاءَکُمْ بَلْ کُنْتُمْ مُجْرِمِینَ 32- فردت الضعفاء علی الکبراء فقالوا: «وَ قالَ الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا» «3» بَلْ مَکْرُ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ «بل قولهم [100 أ] کذب باللیل و النهار» «4» إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَکْفُرَ بِاللَّهِ بتوحید اللّه- عز و جل- وَ نَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً یعنی و تأمرونا أن نجعل له شریکا وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ فی أنفسهم لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ حین عاینوا العذاب فی الآخرة وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِی أَعْناقِ «الَّذِینَ «5» کَفَرُوا» و ذلک أن اللّه- عز و جل- یأمر خزنة جهنم أن یجعلوا
______________________________
(1) فی حاشیة أ: فی الأصل «علی».
(2) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ، ز.
(3) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ.
(4) من أ، و فی ز: «یعنی بل قولهم لنا باللیل و النهار».
(5) «الذین کفروا»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 535
الأغلال فی أعناق الذین کفروا بتوحید اللّه- عز و جل-، «و قالت» «1» لهم الخزنة: «هَلْ یُجْزَوْنَ» «2» فی الآخرة إِلَّا ما کانُوا یَعْمَلُونَ 33- من الکفر فی الدنیا وَ ما أَرْسَلْنا فِی قَرْیَةٍ مِنْ نَذِیرٍ من رسول إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أغنیاؤها و جبابرتها للرسل إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ بالتوحید کافِرُونَ 34- وَ قالُوا أیضا لفقراء المسلمین أ هؤلاء خیر منا أم هم أولی باللّه منا نَحْنُ أَکْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ 35- یقول اللّه- عز و جل-: قُلْ إِنَّ رَبِّی یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ و یقتر علی من یشاء وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ کفار مکة لا یَعْلَمُونَ 36- أن البسط و القتر بید اللّه- عز و جل- وَ ما أَمْوالُکُمْ وَ لا أَوْلادُکُمْ بِالَّتِی تُقَرِّبُکُمْ عِنْدَنا زُلْفی یعنی قربة إِلَّا مَنْ آمَنَ صدق باللّه «وَ عَمِلَ صالِحاً» «3» «فَأُولئِکَ لَهُمْ» «4» جَزاءُ الضِّعْفِ «بِما عَمِلُوا» «5» من الخیر نجزی بالحسنة الواحدة عشرة فصاعدا، ثم قال- عز و جل-: وَ هُمْ فِی الْغُرُفاتِ غرف الجنة آمِنُونَ 37- من الموت وَ الَّذِینَ یَسْعَوْنَ فِی آیاتِنا مُعاجِزِینَ یقول عملوا بالتکذیب بالقرآن مثبطین عن الإیمان بالقرآن أُولئِکَ فِی الْعَذابِ مُحْضَرُونَ 38- النار قُلْ إِنَّ رَبِّی یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ یوسع الرزق علی من یشاء مِنْ عِبادِهِ وَ یَقْدِرُ لَهُ و یقتر وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَهُوَ یُخْلِفُهُ بقول اللّه- جل و عز-
______________________________
(1) فی أ: «قالت»، ز: «و قال».
(2) فی أ: «هل» «تجزون إلا ما کنتم».
(3) فی أ: «و عمل صالحا ...» الآیة.
(4) «فأولئک لهم»: لیس فی أ.
(5) «بما عملوا»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 536
أخلفه لکم و أعطاکموه وَ هُوَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ 39- مثل قوله- عز و جل-:
«... وَ أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَکُمْ مُسْتَخْلَفِینَ فِیهِ «1» ...» وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً یعنی الملائکة و من عبدها یعنی یجمعهم جمیعا فی الآخرة ثُمَّ یَقُولُ لِلْمَلائِکَةِ أَ هؤُلاءِ إِیَّاکُمْ کانُوا یَعْبُدُونَ 40- یعنی عن أمرکم عبدوکم فنزهت الملائکة ربها- عز و جل- عن الشرک ف قالُوا سُبْحانَکَ أَنْتَ وَلِیُّنا مِنْ دُونِهِمْ و نحن منهم «براء» «2» إضمار «3» ما أمرناهم بعبادتنا بَلْ کانُوا یَعْبُدُونَ الْجِنَ بل أطاعوا الشیطان فی عبادتهم و أَکْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ 41- مصدقین بالشیطان فَالْیَوْمَ فی الآخرة لا یَمْلِکُ بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا [100 ب لا تقدر الملائکة علی أن تسوق إلی من عبدها نفعا، و لا تقدر علی أن تدفع عنهم سوءا وَ نَقُولُ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا یأمر اللّه الخزنة أن تقول للمشرکین من أهل مکة: «ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ» «4» «الَّتِی کُنْتُمْ بِها تُکَذِّبُونَ «5»- 42- وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا و إذا قری علیهم القرآن بَیِّناتٍ ما فیه من الأمر و النهی قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ یعنون النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یُرِیدُ أَنْ یَصُدَّکُمْ عَمَّا کانَ یَعْبُدُ آباؤُکُمْ وَ قالُوا ما هذا القرآن إِلَّا إِفْکٌ کذب مُفْتَریً افتراه محمد- صلی اللّه علیه و سلم-
______________________________
(1) سورة الحدید: 7.
(2) فی أ: «براء»، ز: «برآء».
(3) من ز، وحدها.
(4) فی أ: الآیة.
(5) «الَّتِی کُنْتُمْ بِها تُکَذِّبُونَ»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 537
من تلقاء نفسه وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا من اهل مکة لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ «یعنون» «1» القرآن حین جاءهم إِنْ هذا القرآن إِلَّا سِحْرٌ مُبِینٌ 43- یقول اللّه- عز و جل-: وَ ما آتَیْناهُمْ یعنی و ما أعطیناهم مِنْ کُتُبٍ یَدْرُسُونَها یعنی یقرءونها بأن مع اللّه شریکا نظیرها فی الزخرف «أَمْ آتَیْناهُمْ کِتاباً ...» الآیة «2» و نظیرها فی الملائکة «3» وَ ما أَرْسَلْنا إِلَیْهِمْ یعنی أهل مکة قَبْلَکَ مِنْ نَذِیرٍ- 44- یا محمد من رسول لم ینزل کتاب، و لا رسول قبل محمد- صلی اللّه علیه و سلم- إلی العرب، ثم قال- جل و عز-: وَ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی الأمم الخالیة کذبوا رسلهم قبل کفار مکة وَ ما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَیْناهُمْ و ما بلغ الکفار مکة، عشر الذی أعطینا الأمم الخالیة من الأموال و العدة و العمر و القوة فَکَذَّبُوا رُسُلِی فأهلکناهم بالعذاب فی الدنیا حین کذبوا الرسل فَکَیْفَ کانَ نَکِیرِ- 45- تغییری الشر فاحذروا، یا أهل مکة، مثل عذاب الأمم الخالیة قُلْ لکفار مکة إِنَّما أَعِظُکُمْ بِواحِدَةٍ بکلمة واحدة کلمة الإخلاص أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ الحق مَثْنی وَ فُرادی ثُمَّ تَتَفَکَّرُوا ما بِصاحِبِکُمْ مِنْ جِنَّةٍ ألا یتفکر الرجل وحده و مع صاحبه فیعلم و یتفکر فی خلق السموات و الأرض و ما بینهما أن اللّه- جل و عز- خلق هذه الأشیاء وحده و أن محمدا لصادق و ما به جنون إِنْ هُوَ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إِلَّا نَذِیرٌ لَکُمْ
______________________________
(1) «یعنون»: من ز، و لیست فی أ.
(2) سورة الزخرف: 21.
(3) عله یشیر إلی الآیة 32 من سورة فاطر و هی: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ: بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 538
مبین «1» یعنی بینا بَیْنَ یَدَیْ عَذابٍ شَدِیدٍ- 46- فی الآخرة قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- سأل کفار مکة ألا یؤذوه حتی یبلغ عن اللّه- عز و جل- الرسالة فقال بعضهم لبعض ما سألکم شططا کفوا عنه، فسمعوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یوما یذکر اللات و العزی فی القرآن فقالوا ما ینتهی هذا الرجل عن عیب آلهتنا سألنا ألا تؤذیه فقد فعلنا، و سألناه ألا یؤذینا فی آلهتنا فلم یفعل، فأکثروا فی ذلک، فأنزل اللّه [101 أ]- عز و جل- «قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ» جعل «فهو لکم» إِنْ أَجْرِیَ ما جزائی إِلَّا عَلَی اللَّهِ وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ شَهِیدٌ- 47- بأنی نذیر و ما بی من جنون قُلْ إِنَّ رَبِّی یَقْذِفُ بِالْحَقِ یتکلم بالوحی عَلَّامُ الْغُیُوبِ 48- عالم کل غیب، و إذا قال- جل و عز- عالم الغیب فهو غیب واحد قُلْ جاءَ الْحَقُ الإسلام وَ ما یُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما یُعِیدُ- 49- یقول ما یبدئ الشیطان الخلق فیخلقهم و ما یعید خلقهم فی الآخرة فیبعثهم بعد الموت و اللّه- جل و عز- بفعل ذلک قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ و ذلک أن کفار مکة قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- لقد ضللت حین ترکت دین آبائک فَإِنَّما أَضِلُّ عَلی نَفْسِی إنما ضلالتی علی نفسی وَ إِنِ اهْتَدَیْتُ فَبِما یُوحِی إِلَیَّ رَبِّی من القرآن «2» إِنَّهُ سَمِیعٌ الدعاء قَرِیبٌ 50- الإجابة.
وَ لَوْ تَری إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ یقول إذا فزعوا عند معاینة العذاب «3»، نزلت
______________________________
(1) کذا فی أ، ز.
(2) أ: «من العذاب»، ز: «من القرآن».
(3) من ز وحدها و أما فی أ: نزلت فی السفیانی. و ساق قصة أشبه بخرافات بنی إسرائیل.
و ما کان أغناه عن سردها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 539
فی السفیانی «و ذلک أن السفیانی یبعث ثلاثین ألف رجل من الشام مقاتلة إلی الحجاز علیهم رجل اسمه بحیر بن بجیلة فإذا انتهوا إلی البیداء خسف بهم» «1» فلا ینجو منهم أحد غیر رجل من جهینة اسمه ناجیة یفلت وحده، مقلوب وجهه وراء ظهره، یرجع القهقری فیخبر الناس بما لقی أصحابه «2».
قال: وَ أُخِذُوا مِنْ مَکانٍ قَرِیبٍ 51- من تحت «أرجلهم» «3» وَ قالُوا آمَنَّا بِهِ حین رأوا العذاب یقول اللّه- تعالی-: «وَ أَنَّی لَهُمُ التَّناوُشُ» «4» التوبة عند معاینة العذاب مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ- 52- الرجعة إلی التوبة بعید منهم لأنه لا یقبل منهم «5» وَ قَدْ کَفَرُوا بِهِ بالقرآن مِنْ قَبْلُ نزول العذاب حین بعث اللّه- عز و جل- محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- وَ یَقْذِفُونَ بِالْغَیْبِ یقول: «و یتکلمون بالإیمان» «6» مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ- 53- یقول التوبة تباعد منهم فلا یقبل منهم و قد غیب عنهم الإیمان عند نزول العذاب فلم یقدروا علیه عند نزول العذاب بهم فی الدنیا وَ حِیلَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ ما یَشْتَهُونَ من أن تقبل التوبة «7» منهم عند العذاب کَما فُعِلَ بِأَشْیاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ یقول کما عذب أوائلهم من
______________________________
(1) من أ، و فی ز: و ذلک أن السفیانی یبعث ثلاثین ألف رجل من الشام مقاتلة إلی الحجاز علیهم رجل اسمه بحیر بن بجیلة، فإذا انتهوا إلی البیداء خسف بهم.
(2) کذا فی ز، و فی أ قصة خرافیة بهذا المعنی.
(3) فی الأصول: «أجلهم» و لعلها «أرجلهم».
(4) فی أ: الآیة.
(5) من ز، و لیس فی أ.
(6) من ز، و فی أ: «و یرجمون بالظنون».
(7) من ز، و فی أ: و بین السفیانی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 540
الأمم الخالیة من قبل هؤلاء إِنَّهُمْ کانُوا فِی شَکٍ من العذاب بأنه غیر نازل بهم فی الدنیا مُرِیبٍ 54- یعنی بمریب أنهم لا یعرفون شکهم «و یقال کان هذا العذاب بالسیف یوم بدر «1» و قالوا آمنا به یعنی بالقرآن.
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» من ز وحدها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 541

سورة فاطر

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 543
(35) سورة فاطر مکّیة و آیاتها خمس و أربعون‌

[سورة فاطر (35): الآیات 1 الی 45]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِکَةِ رُسُلاً أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (1) ما یَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِکَ لَها وَ ما یُمْسِکْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (2) یا أَیُّهَا النَّاسُ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ اللَّهِ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ (3) وَ إِنْ یُکَذِّبُوکَ فَقَدْ کُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِکَ وَ إِلَی اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)
یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا وَ لا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما یَدْعُوا حِزْبَهُ لِیَکُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِیرِ (6) الَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ کَبِیرٌ (7) أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَصْنَعُونَ (8) وَ اللَّهُ الَّذِی أَرْسَلَ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلی بَلَدٍ مَیِّتٍ فَأَحْیَیْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها کَذلِکَ النُّشُورُ (9)
مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِیعاً إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ وَ الَّذِینَ یَمْکُرُونَ السَّیِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ وَ مَکْرُ أُولئِکَ هُوَ یَبُورُ (10) وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَکُمْ أَزْواجاً وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثی وَ لا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِی کِتابٍ إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ (11) وَ ما یَسْتَوِی الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ کُلٍّ تَأْکُلُونَ لَحْماً طَرِیًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْیَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَی الْفُلْکَ فِیهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (12) یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّی ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ لَهُ الْمُلْکُ وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما یَمْلِکُونَ مِنْ قِطْمِیرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا یَسْمَعُوا دُعاءَکُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَکُمْ وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَکْفُرُونَ بِشِرْکِکُمْ وَ لا یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ (14)
یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ (15) إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ (16) وَ ما ذلِکَ عَلَی اللَّهِ بِعَزِیزٍ (17) وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلی حِمْلِها لا یُحْمَلْ مِنْهُ شَیْ‌ءٌ وَ لَوْ کانَ ذا قُرْبی إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ مَنْ تَزَکَّی فَإِنَّما یَتَزَکَّی لِنَفْسِهِ وَ إِلَی اللَّهِ الْمَصِیرُ (18) وَ ما یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ (19)
وَ لا الظُّلُماتُ وَ لا النُّورُ (20) وَ لا الظِّلُّ وَ لا الْحَرُورُ (21) وَ ما یَسْتَوِی الْأَحْیاءُ وَ لا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ یُسْمِعُ مَنْ یَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِیرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْناکَ بِالْحَقِّ بَشِیراً وَ نَذِیراً وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِیها نَذِیرٌ (24)
وَ إِنْ یُکَذِّبُوکَ فَقَدْ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ وَ بِالزُّبُرِ وَ بِالْکِتابِ الْمُنِیرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَکَیْفَ کانَ نَکِیرِ (26) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِیضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِیبُ سُودٌ (27) وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ کَذلِکَ إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ کِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِیَةً یَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
لِیُوَفِّیَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ یَزِیدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَکُورٌ (30) وَ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ مِنَ الْکِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِیرٌ بَصِیرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِیها حَرِیرٌ (33) وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَکُورٌ (34)
الَّذِی أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا یَمَسُّنا فِیها نَصَبٌ وَ لا یَمَسُّنا فِیها لُغُوبٌ (35) وَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا یُقْضی عَلَیْهِمْ فَیَمُوتُوا وَ لا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها کَذلِکَ نَجْزِی کُلَّ کَفُورٍ (36) وَ هُمْ یَصْطَرِخُونَ فِیها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْکُمْ ما یَتَذَکَّرُ فِیهِ مَنْ تَذَکَّرَ وَ جاءَکُمُ النَّذِیرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَیْبِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ فَمَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ وَ لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ کُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَ لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ کُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (39)
قُلْ أَ رَأَیْتُمْ شُرَکاءَکُمُ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِی ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْکٌ فِی السَّماواتِ أَمْ آتَیْناهُمْ کِتاباً فَهُمْ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ یَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) إِنَّ اللَّهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَکَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ کانَ حَلِیماً غَفُوراً (41) وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِیرٌ لَیَکُونُنَّ أَهْدی مِنْ إِحْدَی الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِیرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِکْباراً فِی الْأَرْضِ وَ مَکْرَ السَّیِّئِ وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِینَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِیلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِیلاً (43) أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ کانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعْجِزَهُ مِنْ شَیْ‌ءٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ إِنَّهُ کانَ عَلِیماً قَدِیراً (44)
وَ لَوْ یُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما کَسَبُوا ما تَرَکَ عَلی ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَ لکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ کانَ بِعِبادِهِ بَصِیراً (45)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 549
سورة فاطر «1» سورة الملائکة «2» مکیة.
عددها خمس و أربعون آیة کوفیة «3».
______________________________
(1) معظم مقصود السورة:
بیان خلق الملائکة، و فتح أبواب الرحمة و تذکیر النعمة، و التحذیر من الجن، و عداوتهم و تسلیة الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- و صعود کلمة الشهادة، و تحویل الإنسان من حال إلی حال، و ذکر عجائب البحر و استخراج الحلیة منه، و تخلیق اللیل و النهار، و عجز الأصنام عن الربوبیة، و صفة الخلائق بالفقر و الفاقة، و احتیاج الخلق فی القیامة، و إقامة البرهان و الحجة و فضل القرآن، و شرف التلاوة و أصناف الخلق فی میراث القرآن، و دخول أهل الإیمان الجنة، و خلود النار لأهل الکفر و الطغیان، و الإخبار بأنه لو عدل ربنا فی الخلق لم یسلم من عذابه أحد من الإنس و الجان.
(2) تسمی سورة الملائکة، و تسمی سورة فاطر، ففی أولها:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِکَةِ رُسُلًا أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ».
(3) فی المصحف: (35) سورة فاطر مکیة.
آیاتها 45 نزلت بعد الفرقان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 551
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 633
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الشکر للّه فاطِرِ یعنی خالق السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِکَةِ رُسُلًا منهم جبریل، و میکائیل، و إسرافیل، و ملک الموت، و الکرام الکاتبین- علیهم السلام-، ثم قال- جل و عز-: الملائکة أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ یقول من الملائکة من له جناحان، و منهم من له ثلاثة، و منهم من له أربعة، و لإسرافیل ستة أجنحة، ثم قال- جل و عز-: یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ و ذلک أن فی الجنة نهرا یقال له نهر الحیاة یدخله کل یوم جبریل- علیه السلام- بعد ثلاث ساعات من النهار یغتسل فیه [102 أ] و له جناحان ینشرهما فی ذلک النهر و لجناحه سبعون ألف ریشة فیسقط من کل ریشة قطرة من ماء فیخلق اللّه- جل و عز- منها ملکا یسبح «1» اللّه- تعالی- إلی یوم القیامة، فذلک قوله- عز و جل-: «یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ» إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من خلق الأجنحة من الزیادة قَدِیرٌ- 1- یعنی یزید فی خلق الأجنحة علی أربعة أجنحة، ما یشاء ما یَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ الرزق نظیرها فی بنی إسرائیل ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّکَ یعنی الرزق فَلا مُمْسِکَ لَها لا یقدر أحد علی حبسها وَ ما یُمْسِکْ و ما یحبس من الرزق فَلا مُرْسِلَ لَهُ یعنی الرزق مِنْ بَعْدِهِ فلا معطی من بعد اللّه وَ هُوَ الْعَزِیزُ فی ملکه الْحَکِیمُ 2- فی أمره
______________________________
(1) إن اللّه غنی عن استحمام جبریل، إذا أراد أن یزید فی خلق الملائکة، و ما أشبه هذا القول بالإسرائیلیات، و ما أغنی کتاب اللّه عنها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 552
یا أَیُّهَا النَّاسُ یعنی أهل مکة: اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ ثم أخبرهم بالنعمة فقال- جل و عز-: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ اللَّهِ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ یعنی المطر وَ الْأَرْضِ یعنی النبات ثم وحد نفسه- جل جلاله- فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ 3- وَ إِنْ یُکَذِّبُوکَ یعزی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لیصبر علی تکذیبهم إیاه فَقَدْ کُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ «قَبْلِکَ» «1» وَ إِلَی «اللَّهِ» «2» تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 4- أمور العباد تصیر إلی اللّه- جل و عز- فی الآخرة یا أَیُّهَا النَّاسُ یعنی کفار مکة إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ فی البعث أنه کائن فَلا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا عن الإسلام وَ لا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ- 5- الباطل و هو الشیطان ثم قال- جل و عز-: إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُمْ عَدُوٌّ حین أمرکم بالکفر باللّه فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا یقول فعادوه بطاعة اللّه- عز و جل-، ثم قال- جل و عز-: إِنَّما یَدْعُوا حِزْبَهُ إنما یدعو شیعته إلی الکفر بتوحید اللّه- عز و جل- لِیَکُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِیرِ- 6- یعنی الوقود ثم بین مستقر الکفار، و مستقر المؤمنین فقال- جل و عز-: الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ فی الآخرة وَ الَّذِینَ آمَنُوا: صدقوا بتوحید اللّه- عز و جل- وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أدوا الفرائض لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم یعنی جزاءهم عند ربهم وَ أَجْرٌ کَبِیرٌ- 7- فی الجنة أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ نزلت فی أبی جهل بن هشام فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُ عن الهدی مَنْ یَشاءُ فلا یهدیه إلی الإسلام وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ لدینه فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ
______________________________
(1) فی أ: «قبلک» الآیة.
(2) «الله»: لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 553
یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یقول فلا تقتل نفسک ندامة علیهم یعنی أهل مکة «إِنَّ» «1» اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَصْنَعُونَ 8- وَ اللَّهُ الَّذِی أَرْسَلَ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً فَسُقْناهُ فسقنا السحاب إِلی بَلَدٍ مَیِّتٍ [102 ب یعنی بالمیت أنه لیس علیه نبت فَأَحْیَیْنا بِهِ بالماء الْأَرْضَ فتنبت بَعْدَ مَوْتِها بعد إذ لم یکن علیها نبت کَذلِکَ النُّشُورُ- 9- هکذا یحیون یوم القیامة بالماء کما یحیی الأرض بعد موتها مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعِزَّةَ المنعة بعبادة الأوثان فلیعتز بطاعة اللّه- جل و عز- فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِیعاً جمیع من یتعزز فإنما یتعزز بإذن اللّه- عز و جل- إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ العمل الحسن یقول إلی اللّه- عز و جل- یصعد فی السماء التوحید وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ یقول شهادة ألا إله إلا اللّه ترفع العمل الصالح إلی اللّه- عز و جل- فی السماء، ذکروا عن ابن عباس أنه قال: «وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ» اللّه إلیه، ثم ذکر- جل ثناؤه- من لا یوحده، فقال- جل ثناؤه-: وَ الَّذِینَ یَمْکُرُونَ السَّیِّئاتِ الذین یقولون الشرک لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ فی الآخرة، ثم أخبر عن شرکهم فقال- جل و عز-:
وَ مَکْرُ أُولئِکَ هُوَ یَبُورُ- 10- و قولهم الشرک یهلک فی الآخرة، ثم دل- جل و عز- علی نفسه فقال: وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ یعنی بدأ خلقکم مِنْ تُرابٍ یعنی آدم- علیه السلام- ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ یعنی نسله ثُمَّ جَعَلَکُمْ ذریة آدم أَزْواجاً وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثی یقول لا تحمل المرأة الولد وَ لا تَضَعُ الولد
______________________________
(1) فی أ: «فإن».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 554
إِلَّا بِعِلْمِهِ ثم قال- جل و عز-: وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ یعنی من قل عمره أو کثر فهو إلی أجله الذی کتب له، ثم قال- جل و عز-: وَ لا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ کل یوم حتی ینتهی إلی أجله إِلَّا فِی کِتابٍ اللوح المحفوظ مکتوب قبل إن یخلقه إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ- 11- الأجل حین کتبه اللّه- جل و عز- فی اللوح المحفوظ وَ ما یَسْتَوِی الْبَحْرانِ یعنی الماء العذب و الماء المالح هذا عَذْبٌ فُراتٌ یعنی طیب سائِغٌ شَرابُهُ یسیغه الشارب وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ مر لا ینبت وَ مِنْ کُلٍ من الماء المالح و العذب تَأْکُلُونَ لَحْماً طَرِیًّا السمک وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْیَةً یعنی اللؤلؤ تَلْبَسُونَها وَ تَرَی الْفُلْکَ فِیهِ مَواخِرَ یعنی «بالمواخر» «1» أن سفینتین تجریان إحداهما مقبلة و الأخری مدبرة بریح واحدة، تستقبل إحداهما الأخری لِتَبْتَغُوا فی البحر مِنْ فَضْلِهِ من رزقه وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ «2»- 12- یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ انتقاص کل واحد منهما من الآخر حتی یصیر أحدهما إلی تسع ساعات و الآخر إلی خمس عشرة ساعة وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لبنی آدم کُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّی کلاهما دائبان یجریان إلی یوم القیامة ثم دل [103 أ] علی نفسه فقال- جل و عز ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ لَهُ الْمُلْکُ فاعرفوا توحیده بصنعه ثم عاب الآلهة فقال: وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ الذین تعبدون مِنْ دُونِهِ الأوثان ما یَمْلِکُونَ مِنْ قِطْمِیرٍ- 13- قشر النوی الذی یکون علی النوی الرقیق، ثم أخبر عن الآلهة اللات و العزی و مناة، فقال-: سبحانه إِنْ تَدْعُوهُمْ لا یَسْمَعُوا دُعاءَکُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَکُمْ
______________________________
(1) فی أ: «المواخر».
(2) ساقط من أ، و فیها: «و لتبتغوا من فضله ...» الآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 555
یقول لو أن الأصنام سمعوا ما استجابوا لکم وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ یَکْفُرُونَ بِشِرْکِکُمْ یقول إن الأصنام یوم القیامة یتبرءون من عبادتکم إیاها فتقول للکفار ما أمرناکم بعبادتنا، نظیرها فی یونس «فَکَفی بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمْ إِنْ کُنَّا عَنْ عِبادَتِکُمْ لَغافِلِینَ» «1» ثم قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-:
وَ لا یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ- 14- یعنی الرب نفسه- سبحانه- فلا أحد أخبر منه.
قوله- عز و جل-: یا أَیُّهَا النَّاسُ یعنی کفار مکة أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللَّهِ یعنی إلی ما عند اللّه- تعالی- وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُ عن عبادتکم الْحَمِیدُ- 15- عند خلقه إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ أیها الناس بالهلاک إذا عصیتم وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ- 16- غیرکم أمثل منکم وَ ما ذلِکَ عَلَی اللَّهِ بِعَزِیزٍ- 17- إن فعل ذلک هو علی اللّه هین وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری لا تحمل نفس خطیئة نفس أخری وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ من الوزر إِلی حِمْلِها من الخطایا أن یحمل عنها لا یُحْمَلْ مِنْهُ من وزرها «2» شَیْ‌ءٌ وَ لَوْ کانَ ذا قُرْبی و لو کان بینهما قرابة ما حملت عنها شیئا من وزرها إِنَّما تُنْذِرُ المؤمنین الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ آمنوا به و لم یروه وَ أَقامُوا الصَّلاةَ أتموا الصلاة المکتوبة وَ مَنْ تَزَکَّی فَإِنَّما یَتَزَکَّی لِنَفْسِهِ و من صلح فصلاحه لنفسه وَ إِلَی اللَّهِ الْمَصِیرُ- 18- فیجزی بالأعمال فی الآخرة ثم ضرب مثل المؤمن و الکافر فقال- جل و عز-: «وَ ما یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ» «3»- 19-
______________________________
(1) سورة یونس: 29.
(2) فی أ: «لا یحمل منه» وزرها
(3) «وَ ما یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ»: لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 556
و ما یستویان فی الفضل و العمل «الأعمی» عن الهدی یعنی الکافر «و البصیر» بالهدی: المؤمن وَ لَا تستوی «1» الظُّلُماتُ وَ لَا النُّورُ- 20- یعنی بالظلمات الشرک و النور یعنی الإیمان وَ لَا الظِّلُ یعنی الجنة وَ لَا الْحَرُورُ- 21- یعنی النار وَ ما یَسْتَوِی الْأَحْیاءُ المؤمنین وَ لَا الْأَمْواتُ یعنی الکفار، و البصیر، و الظل، و النور، و الأحیاء، فهو مثل المؤمن.
و الأعمی و الظلمات و الحرور و الأموات، فهو مثل الکافر، ثم قال- جل و عز- إِنَّ اللَّهَ [103 ب یُسْمِعُ الإیمان مَنْ یَشاءُ وَ ما أَنْتَ یا محمد بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ- 22- و ذلک أن اللّه- جل و عز- شبه الکافر من الأحیاء حین دعوا إلی الإیمان فلم یسمعوا، بالأموات أهل القبور الذین لا یسمعون الدعاء، ثم قال للنبی- علیه السلام- حین لم «یجیبوه» «2» إلی الإیمان إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِیرٌ- 23- ما أنت إلا رسول إِنَّا أَرْسَلْناکَ بِالْحَقِ لم نرسلک رسولا باطلا لغیر شی‌ء بَشِیراً لأهل طاعته بالجنة وَ نَذِیراً من النار لأهل معصیته، ثم قال: وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ و ما من أمة فیما مضی إِلَّا خَلا فِیها نَذِیرٌ- 24- إلا جاءهم رسول غیر أمة محمد فإنهم لم یجئهم رسول قبل محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و لا یجیئهم إلی یوم القیامة وَ إِنْ یُکَذِّبُوکَ یعزی نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- لیصبر فلست بأول رسول کذب فَقَدْ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالیة جاءَتْهُمْ «3» رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ بالآیات التی کانوا یصنعون و یخبرون بها وَ بِالزُّبُرِ و بالأحادیث التی کانت قبلهم من المواعظ
______________________________
(1) فی أ: (و ما) تستوی
(2) الضمیر عائد إلی الکفار، أی حین لم یجبه الکفار.
(3) فی أ: زیادة: ثم قال إن الرسل جاءوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 557
وَ بِالْکِتابِ الْمُنِیرِ- 25- المضی‌ء الذی فیه أمره و نهیه ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِینَ کَفَرُوا بالعذاب فَکَیْفَ کانَ نَکِیرِ- 26- تغییری الشر أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً یعنی المطر فَأَخْرَجْنا بِهِ بالماء ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها بیض و حمر و صفر وَ مِنَ الْجِبالِ أیضا جُدَدٌ بِیضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها یعنی بالجدد الطرائق التی تکون فی الجبال منها أبیض و أحمر وَ منها غَرابِیبُ سُودٌ- 27- یعنی الطوال السود «1» ثم قال- جل و عز-: وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ بیض و حمر و صفر و سود مُخْتَلِفٌ «أَلْوانُهُ» «2» اختلاف ألوان الثمار، ثم قال- جل و عز-: کَذلِکَ إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فیها تقدیم یقول أشد الناس للّه- عز و جل- خیفة أعلمهم باللّه- تعالی- إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ فی ملکه غَفُورٌ- 28- لذنوب المؤمنین إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ کِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ فی مواقیتها وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال سِرًّا وَ عَلانِیَةً یَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ- 29- لن تهلک، هؤلاء قوم من المؤمنین أثنی اللّه- جل و عز- علیهم. لِیُوَفِّیَهُمْ أُجُورَهُمْ لیوفر لهم أعمالهم وَ یَزِیدَهُمْ علی أعمالهم من الجنة مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ للذنوب العظام شَکُورٌ- 30- لحسناتهم وَ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ مِنَ الْکِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ یقول إن قرآن محمد- صلی اللّه علیه و سلم- یصدق ما قبله من الکتب التی أنزلها اللّه- عز و جل- علی [104 أ] الأنبیاء- علیهم السلام- إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِیرٌ بأعمالهم بَصِیرٌ
______________________________
(1) فی أ خطأ و المثبت من ف
(2) «ألوانه»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 558
- 31- بها ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ قرآن محمد- صلی اللّه علیه و سلم- الَّذِینَ اصْطَفَیْنا اخترنا مِنْ عِبادِنا من هذه الأمة فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ أصحاب الکبائر من أهل التوحید وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ عدل فی قوله وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ الذین سبقوا إلی الأعمال الصالحة و تصدیق الأنبیاء بِإِذْنِ اللَّهِ بأمر اللّه- عز و جل- ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ- 32- دخول الجنة ثم أخبره بثوابهم فقال- جل و عز-: جَنَّاتُ عَدْنٍ تجری من تحتها الأنهار یَدْخُلُونَها هؤلاء الأصناف الثلاثة یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ بثلاث «1» أسورة وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِیها حَرِیرٌ- 33- و قد حبس- الظالم- بعد هؤلاء الصنفین: السابق و المقتصد، ما شاء اللّه من أجل ذنوبهم «2» الکبیرة، ثم غفرها لهم و تجاوز عنهم فأدخلوا الجنة فلما دخلوها، و استقرت بهم الدار حمدوا ربهم من المغفرة و دخول الجنة وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ لأنهم لا یدرون ما یصنع اللّه- عز و جل- بهم إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ للذنوب العظام شَکُورٌ- 34- للحسنات و إن قلت، و هذا قول آخر شکور للعمل الضعیف القلیل، فهذا قول أهل الکبائر من أهل التوحید، ثم قالوا: الحمد للّه الَّذِی أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ یعنی دار الخلود أقاموا فیها أبدا لا یموتون و لا یتحولون عنها أبدا مِنْ فَضْلِهِ لا یَمَسُّنا فِیها نَصَبٌ لا یصیبنا فی الجنة مشقة فی أجسادنا وَ لا یَمَسُّنا فِیها لُغُوبٌ 35- و لا یصیبنا فی الجنة عیا لما کان یصیبهم فی الدنیا من النصب فی العبادة وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا یُقْضی عَلَیْهِمْ فَیَمُوتُوا وَ لا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها کَذلِکَ
______________________________
(1) فی الأصل: «بثلاثة».
(2) الضمیر عائد علی الظالم، و المراد به حبس الظالم لنفسه، من أجل ذنوب هذه الفئة، و لذا أعاد الضمیر بالجمع، فقال من أجل ذنوبهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 559
هکذا نَجْزِی کُلَّ کَفُورٍ- 36- بالإیمان وَ هُمْ یَصْطَرِخُونَ فِیها یعنی یستغیثون فیها و الاستغاثة أنهم ینادون فیها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ من الشرک، ثم قیل لهم أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْکُمْ فی الدنیا ما یَتَذَکَّرُ فِیهِ فی العمر مَنْ تَذَکَّرَ وَ جاءَکُمُ النَّذِیرُ الرسول محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فَذُوقُوا العذاب فَما لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ- 37- ما للمشرکین من مانع یمنعهم من اللّه- عز و جل- إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَیْبِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یعلم ما یکون فیهما و غیب ما فی قلوبهم أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 38- بما فی القلوب هُوَ الَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ من بعد الأمم الخالیة فَمَنْ کَفَرَ بتوحید اللّه فَعَلَیْهِ عاقبة کُفْرُهُ وَ لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ [104 ب کُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً یقول: الکافر لا یزداد فی طول العمل إلا ازداد اللّه- جل و عز- «له» «1» بغضا، ثم قال- جل و عز-: وَ لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ کُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً- 39-: لا یزداد «الکافرون» «2» فی طول العمل إلا ازدادوا بکفرهم خسارا قُلْ یا محمد لکفار مکة أَ رَأَیْتُمْ شُرَکاءَکُمُ مع اللّه یعنی الملائکة الَّذِینَ تَدْعُونَ یعنی تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِی ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ یقول ماذا خلقت الملائکة فی الأرض کما خلق اللّه- عز و جل- أن کانوا آلهة أَمْ لَهُمْ یعنی أم لهم: الملائکة شِرْکٌ مع اللّه- عز و جل- فی سلطانه «فِی السَّماواتِ» «3» أَمْ آتَیْناهُمْ کِتاباً فَهُمْ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْهُ
______________________________
(1) فی أ: «لهم».
(2) فی أ: «الکافر»، ل: «الکافرون».
(3) «فی السماوات»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 560
«یقول: هل أعطینا کفار مکة» «1» فهم علی بینة منه «2» بأن مع اللّه- عز و جل- شریکا من الملائکة، ثم استأنف فقال: «بَلْ» «3» إِنْ یَعِدُ ما یعد الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً- 40- ما یعد الشیطان کفار بنی آدم من شفاعة الملائکة لهم فی الآخرة إلا باطلا، ثم عظم نفسه- تعالی- عما قالوا من الشرک، فقال- جل ثناؤه-: إِنَّ اللَّهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا یقول ألا تزولا عن موضعهما وَ لَئِنْ زالَتا و لئن أرسلهما فزالتا إِنْ أَمْسَکَهُما فمن یمسکهما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ اللّه یقول لا یمسکهما من أحد من بعده، ثم قال فی التقدیم إِنَّهُ کانَ حَلِیماً عنهم عن قولهم الملائکة بنات اللّه- تعالی- حین لا یعجل علیهم بالعقوبة غَفُوراً- 41- ذو تجاوز وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ یعنی کفار مکة فی الأنعام حین قالوا «لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَیْنَا الْکِتابُ لَکُنَّا أَهْدی مِنْهُمْ ... «4»» «جَهْدَ أَیْمانِهِمْ» «5» بجهد الإیمان لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِیرٌ یعنی رسولا لَیَکُونُنَّ أَهْدی مِنْ إِحْدَی الْأُمَمِ یعنی من الیهود و النصاری، یقول اللّه- عز و جل-: فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِیرٌ و هو محمد- صلی اللّه علیه و سلم- ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً- 42- ما زادهم الرسول و دعوته إلا تباعدا عن الهدی عن الإیمان. «اسْتِکْباراً فِی الْأَرْضِ» «6» وَ مَکْرَ السَّیِّئِ قول الشرک وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ و لا یدور قول الشرک إِلَّا بِأَهْلِهِ
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» مکرر فی الأصول.
(2) فی أ: «فهم لا بینات منه».
(3) «بل»: ساقطة من أ.
(4) سورة الأنعام: 157.
(5) «جهد أیمانهم»: ساقطة من أ.
(6) «اسْتِکْباراً فِی الْأَرْضِ»: ساقط من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 561
کقوله- عز و جل- وَ حاقَ بِهِمْ ... و درا بهم الآیة «1»، ثم خوفهم، فقال: فَهَلْ یَنْظُرُونَ ما ینظرون إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِینَ مثل عقوبة الأمم الخالیة ینزل بهم العذاب ببدر کما نزل بأوائلهم فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ فی العذاب تَبْدِیلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِیلًا- 43- لا یقدر أحد أن یحول العذاب عنهم، ثم قال- جل و عز- یعظهم: أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ [105 أ] مِنْ قَبْلِهِمْ عاد، و ثمود، و قوم لوط، وَ کانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً بطشا، فأهلکناهم وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعْجِزَهُ لیفوته مِنْ شَیْ‌ءٍ من أحد، کقوله- عز و جل-: «وَ إِنْ فاتَکُمْ شَیْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِکُمْ «2» ...» و قوله- جل و عز- فی یس: «... ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَیْ‌ءٍ ...» «3» یعنی من أحد، یقول لا یسبقه من أحد کان فِی السَّماواتِ «وَ لا فِی الْأَرْضِ» «4» فیفوته أحد کان فی السموات أو فی الأرض حتی یجزیه بعمله إِنَّهُ کانَ عَلِیماً بهم «قَدِیراً» «5»- 44- فی نزول
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 8 من سورة هود، و فیها «وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلی أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَیَقُولُنَّ ما یَحْبِسُهُ أَلا یَوْمَ یَأْتِیهِمْ لَیْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ» کما ورد النص: «فَأَصابَهُمْ سَیِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ» فی سورة النحل: 34، «وَ بَدا لَهُمْ سَیِّئاتُ ما کَسَبُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ» سورة الزمر: 48، «فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ» سورة غافر: 83، «وَ بَدا لَهُمْ سَیِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ» سورة الجاثیة: 33، «وَ لَقَدْ مَکَّنَّاهُمْ فِیما إِنْ مَکَّنَّاکُمْ فِیهِ وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً فَما أَغْنی عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِذْ کانُوا یَجْحَدُونَ بِآیاتِ اللَّهِ وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ». سورة الأحقاف: 26.
(2) سورة الممتحنة: 11.
(3) سورة یس: 15.
(4) «و لا فی الأرض»: ساقط من أ، ف.
(5) «قدیرا»: ساقطة من أ، ف، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 562
العذاب بهم إذا شاء وَ لَوْ یُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ کفار مکة بِما کَسَبُوا من الذنوب و هو الشرک لعجل لهم العقوبة، فذلک قوله- عز و جل-: ما تَرَکَ عَلی ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ فوق الأرض من دابة لهلکت الدواب من قحط المطر وَ لکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی إلی الوقت الذی فی اللوح المحفوظ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ «وقت نزول العذاب بهم فی الدنیا» «1» «فَإِنَّ اللَّهَ کانَ بِعِبادِهِ» «2» بَصِیراً- 45- لم یزل اللّه- عز و جل- بعباده بصیرا.
______________________________
(1) فی أ: «الوقت نزل بهم العذاب فی الدنیا»، و المثبت من ل.
(2) «فَإِنَّ اللَّهَ کانَ بِعِبادِهِ»: ساقط من أ، و مثبت فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 563

سورة یس‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 565
(36) سورة یس مکّیّة و آیاتها ثلاث و ثمانون‌

[سورة یس (36): الآیات 1 الی 83]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
یس (1) وَ الْقُرْآنِ الْحَکِیمِ (2) إِنَّکَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ (3) عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (4)
تَنْزِیلَ الْعَزِیزِ الرَّحِیمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلی أَکْثَرِهِمْ فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنا فِی أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِیَ إِلَی الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَ جَعَلْنا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَیْناهُمْ فَهُمْ لا یُبْصِرُونَ (9)
وَ سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ (10) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّکْرَ وَ خَشِیَ الرَّحْمنَ بِالْغَیْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ کَرِیمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْیِ الْمَوْتی وَ نَکْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ أَحْصَیْناهُ فِی إِمامٍ مُبِینٍ (12) وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْیَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمُ اثْنَیْنِ فَکَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَیْکُمْ مُرْسَلُونَ (14)
قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَکْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا یَعْلَمُ إِنَّا إِلَیْکُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَ ما عَلَیْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِینُ (17) قالُوا إِنَّا تَطَیَّرْنا بِکُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّکُمْ وَ لَیَمَسَّنَّکُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِیمٌ (18) قالُوا طائِرُکُمْ مَعَکُمْ أَ إِنْ ذُکِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعی قالَ یا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِینَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا یَسْئَلُکُمْ أَجْراً وَ هُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَ ما لِیَ لا أَعْبُدُ الَّذِی فَطَرَنِی وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفاعَتُهُمْ شَیْئاً وَ لا یُنْقِذُونِ (23) إِنِّی إِذاً لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ (24)
إِنِّی آمَنْتُ بِرَبِّکُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِیلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِی رَبِّی وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُکْرَمِینَ (27) وَ ما أَنْزَلْنا عَلی قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَ ما کُنَّا مُنْزِلِینَ (28) إِنْ کانَتْ إِلاَّ صَیْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (29)
یا حَسْرَةً عَلَی الْعِبادِ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (30) أَ لَمْ یَرَوْا کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ (31) وَ إِنْ کُلٌّ لَمَّا جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْضَرُونَ (32) وَ آیَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَیْتَةُ أَحْیَیْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ یَأْکُلُونَ (33) وَ جَعَلْنا فِیها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِیلٍ وَ أَعْنابٍ وَ فَجَّرْنا فِیها مِنَ الْعُیُونِ (34)
لِیَأْکُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ ما عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ أَ فَلا یَشْکُرُونَ (35) سُبْحانَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا یَعْلَمُونَ (36) وَ آیَةٌ لَهُمُ اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَ الشَّمْسُ تَجْرِی لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ (38) وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّی عادَ کَالْعُرْجُونِ الْقَدِیمِ (39)
لا الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَها أَنْ تُدْرِکَ الْقَمَرَ وَ لا اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ کُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ (40) وَ آیَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّیَّتَهُمْ فِی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ (41) وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما یَرْکَبُونَ (42) وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِیخَ لَهُمْ وَ لا هُمْ یُنْقَذُونَ (43) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ (44)
وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَیْنَ أَیْدِیکُمْ وَ ما خَلْفَکُمْ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَ ما تَأْتِیهِمْ مِنْ آیَةٍ مِنْ آیاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ کانُوا عَنْها مُعْرِضِینَ (46) وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (47) وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (48) ما یَنْظُرُونَ إِلاَّ صَیْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ یَخِصِّمُونَ (49)
فَلا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِیَةً وَ لا إِلی أَهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ (50) وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلی رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ (51) قالُوا یا وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ کانَتْ إِلاَّ صَیْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْضَرُونَ (53) فَالْیَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْیَوْمَ فِی شُغُلٍ فاکِهُونَ (55) هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِی ظِلالٍ عَلَی الْأَرائِکِ مُتَّکِؤُنَ (56) لَهُمْ فِیها فاکِهَةٌ وَ لَهُمْ ما یَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِیمٍ (58) وَ امْتازُوا الْیَوْمَ أَیُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ یا بَنِی آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطانَ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ (60) وَ أَنِ اعْبُدُونِی هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ (61) وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْکُمْ جِبِلاًّ کَثِیراً أَ فَلَمْ تَکُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْیَوْمَ بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ (64)
الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلی أَفْواهِهِمْ وَ تُکَلِّمُنا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ (65) وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلی أَعْیُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّی یُبْصِرُونَ (66) وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلی مَکانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِیًّا وَ لا یَرْجِعُونَ (67) وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَکِّسْهُ فِی الْخَلْقِ أَ فَلا یَعْقِلُونَ (68) وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما یَنْبَغِی لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِینٌ (69)
لِیُنْذِرَ مَنْ کانَ حَیًّا وَ یَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَی الْکافِرِینَ (70) أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَیْدِینا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِکُونَ (71) وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَکُوبُهُمْ وَ مِنْها یَأْکُلُونَ (72) وَ لَهُمْ فِیها مَنافِعُ وَ مَشارِبُ أَ فَلا یَشْکُرُونَ (73) وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ یُنْصَرُونَ (74)
لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ وَ ما یُعْلِنُونَ (76) أَ وَ لَمْ یَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِیمٌ مُبِینٌ (77) وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِیَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ (78) قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ (79)
الَّذِی جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَ وَ لَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلی وَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِیمُ (81) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِی بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (83)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 571
سورة یس «1» سورة یس مکیة.
عدد آیاتها ثلاث و ثمانون آیة کوفیة «2».
______________________________
(1) معظم مقصود السورة:
تأکید أمر القرآن، و الرسالة و إلزام الحجة علی أهل الضلالة، و ضرب المثل بأهل أنطاکیة فی قوله «وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْیَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ» سورة یس: 13 و ذکر حبیب النجار الذی جاء من أقصی المدینة یسعی، و بیان البراهین المختلفة فی إحیاء الأرض المیتة و إبداء اللیل، و النهار، و سیر الکواکب، و دور الأفلاک، و جری الجواری المنشئات فی البحار، و ذلة الکفار عند الموت، و حیرتهم ساعة البعث و سعد المؤمنین المطیعین، و شغلهم فی الجنة، و میز المؤمن من الکافر فی القیامة، و شهادة الجوارح علی أهل المعاصی بمعاصیهم، و المنة علی الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- بصیانته من الشعر و نظمه، و إقامة البرهان علی البعث، و نفاذ أمر الحق فی کن فیکون، و کمال ملک ذی الجلال علی کل حال فی قوله: «فَسُبْحانَ الَّذِی بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ» سورة یس: 83.
و قسورة اسمان: سورة یس، لافتتاحها بها، و سورة حبیب النجار لاشتمالها علی قصته.
(2) فی المصحف (36) سورة یس مکیة.
إلا آیة 45 فمدنیة.
و آیاتها 83 نزلت بعد الجن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 573
قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-، ما أرسل اللّه إلینا رسولا، و ما أنت برسول و تابعه کفار مکة علی ذلک فأقسم اللّه- عز و جل- بالقرآن الحکیم یعنی المحکم من الباطل: وَ الْقُرْآنِ الْحَکِیمِ 2- إِنَّکَ یا محمد لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ 3- عَلی صِراطٍ علی طریق مُسْتَقِیمٍ 4- دین الإسلام لأن غیر دین الإسلام لیس بمستقیم، ثم قال: هذا القرآن هو تَنْزِیلَ من الْعَزِیزِ فی ملکه الرَّحِیمِ 5- بخلقة لِتُنْذِرَ قَوْماً بما فی القرآن من الوعید ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ الأولون فَهُمْ غافِلُونَ 6- لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلی أَکْثَرِهِمْ لقوله لإبلیس: «... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ ...» «1» لقد حق القول لقد وجب العذاب علی أکثر أهل مکة فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ 7- لا یصدقون بالقرآن إِنَّا جَعَلْنا فِی أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِیَ إِلَی الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ 8- و ذلک أن أبا جهل بن هشام حلف لئن رأی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لیدمغنه، فأتاه أبو جهل و هو یصلی و معه الحجر فرفع الحجر لیدمغ النبی [105 ب - صلی اللّه علیه و سلم- فیبست یده «و التصق» «2» الحجر بیده فلما رجع إلی أصحابه خلصوا یده فسألوه فأخبرهم بأمر الحجر، فقال رجل آخر من بنی المغیرة المخزومی، أنا أقتله. فأخذ الحجر، فلما دنا من من النبی- صلی اللّه علیه و سلم- طمس اللّه- عز و جل- علی بصره فلم یر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و سمع قراءته «3» فرجع إلی أصحابه فلم یبصرهم حتی نادوه، فذلک قوله- عز و جل-: وَ جَعَلْنا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَدًّا حین لم یروا
______________________________
(1) سورة ص: 85.
(2) فی الأصل: «التزق».
(3) فی أ: قرآنه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 574
النبی- صلی اللّه علیه و سلم وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَیْناهُمْ فَهُمْ لا یُبْصِرُونَ 9- حین لم یر أصحابه فسألوه ما صنعت، فقال: لقد «سمعت» «1» قراءته و ما رأیته فأنزل اللّه- عز و جل- فی أبی جهل- «إِنَّا جَعَلْنا فِی أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِیَ إِلَی الْأَذْقانِ» یعنی بالأذقان الحنک فوق «الغلصمة» «2»، یقول رددنا أیدیهم فی أعناقهم «فَهُمْ مُقْمَحُونَ» یعنی أن یجمع یدیه إلی عنقه، و أنزل اللّه- عز و جل- فی الرجل الآخر «وَ جَعَلْنا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا» یعنی ظلمة فلم یر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- «وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا» فلم یر أصحابه، الآیة «3»، و کان معهم الولید بن المغیرة وَ سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ یا محمد لا یُؤْمِنُونَ 10- بالقرآن بأنه من اللّه- عز و جل- فلم یؤمن أحد من أولئک الرهط من بنی مخزوم، ثم نزل فی أبی جهل «أَ رَأَیْتَ الَّذِی یَنْهی عَبْداً إِذا صَلَّی» «4» ثم قال- جل و عز-: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّکْرَ القرآن وَ خَشِیَ الرَّحْمنَ و خشی عذاب الرحمن بِالْغَیْبِ و لم یره فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ لذنوبهم وَ أَجْرٍ کَرِیمٍ 11- و جزاء حسنا فی الجنة إِنَّا نَحْنُ نُحْیِ الْمَوْتی فی الآخرة وَ نَکْتُبُ ما قَدَّمُوا فی الدنیا فی حیاتهم من خیر أو شر عملوه وَ آثارَهُمْ ما استنوه من سنة، خیر أو شر فاقتدی به من بعد موتهم، «و إن کان خیرا فله» «5» مثل أجر من عمل به، و لا ینقص من أجورهم
______________________________
(1) فی الأصل: «سمعة».
(2) المراد به فوق الحلقوم.
(3) سورة یس: 9، و تمامها: «وَ جَعَلْنا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَیْناهُمْ فَهُمْ لا یُبْصِرُونَ».
(4) سورة العلق: 9- 10.
(5) فی أ: «و إن کان خیرا له».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 575
شی‌ء، و إن کان شرا فعلیه مثل وزر من عمل به و لا ینقص من أوزارهم شی‌ء، فذلک قوله- عز و جل-: «یُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ یَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ» «1»، ثم قال- جل و عز-: وَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ من الأعمال أَحْصَیْناهُ بیانه فِی إِمامٍ مُبِینٍ 12- کل شی‌ء عملوه فی اللوح المحفوظ «2» وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا وصف لهم- یا محمد- شبها لأهل مکة فی الهلاک أَصْحابَ الْقَرْیَةِ أنطاکیة إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ 13- إِذْ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمُ «اثْنَیْنِ» «3» تومان و یونس فَکَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فقوینا یعنی فشددنا الرسولین بثالث حین صدقهما بتوحید اللّه و حین أحیا الجاریة و کان اسمه شمعون و کان من الحواریین و کان وصی عیسی بن مریم فَقالُوا [106 أ] إِنَّا إِلَیْکُمْ مُرْسَلُونَ 14- فکذبوهما و لو فعلت ذلک بکم یا أهل مکة لکذبتم، فقال شمعون للملک: أشهد أنهما رسولان أرسلهما ربک الذی فی السماء، فقال الملک لشمعون: أخبرنی بعلامة ذلک فقال شمعون: إن ربی أمرنی أن أبعث لک ابنتک، فذهبوا إلی قبرها، فضرب القبر برجله. فقال: قومی بإذن إلهنا الذی فی السماء، الذی أرسلنا إلی هذه القریة و اشهدی لنا علی والدک فخرجت الجاریة من قبرها، فعرفوها فقالت یا أهل القریة آمنوا بهؤلاء الرسل، و إنی أشهد أنهم أرسلوا إلیکم، فإن سلمتم یغفر لکم ربکم، و إن أبیتم ینتقم اللّه منکم. ثم قالت لشمعون: ردنی إلی مکانی فإن القوم لن یؤمنوا لکم، فأخذ شمعون قبضة من تراب قبرها فوضعها علی
______________________________
(1) سورة القیامة: 13.
(2) فی أ: زیادة: و ذلک قوله- عز و جل- «وَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ أَحْصَیْناهُ» من الأعمال أحصیناه.
و لیست فی ل.
(3) «اثنین»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 576
رأسها، ثم قال عودی مکانک، فعادت، فلم یؤمن منهم غیر حبیب النجار، کان من بنی إسرائیل، و ذلک أنه حین سمع بالرسل جاء مسرعا فآمن و ترک عمله، و کان قبل إیمانه مشرکا قالُوا فقال القوم للرسل: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَکْذِبُونَ 15- و کان «فعل» «1» شمعون من الحواریین فقال شمعون: «إِنَّا إِلَیْکُمْ مُرْسَلُونَ» أرسلنا إلیکم ربکم الذی فی السماء «ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» ما نری لکم علینا من فضل فی شی‌ء «وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَیْ‌ءٍ» و ما أرسل الرحمن من أحد یعنی لم یرسل رسولا الآیة، «قالُوا» «2» فقالت الرسل رَبُّنا یَعْلَمُ إِنَّا إِلَیْکُمْ لَمُرْسَلُونَ 16- فإن کذبتمونا «وَ ما» «3» عَلَیْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِینُ 17- ما علینا إلا أن نبلغ، و نعلمکم و نبین لکم أن اللّه واحد لا شریک فقال القوم للرسل: «قالُوا» «4» إِنَّا تَطَیَّرْنا بِکُمْ یقول تشاء منا بکم و ذلک أن المطر حبس عنهم، فقالوا أصابنا هذا الشر یعنون قحط المطر من قبلکم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّکُمْ لئن لم تسکتوا عنا لنقتلنکم وَ لَیَمَسَّنَّکُمْ یعنی و لیصیبنکم مِنَّا عَذابٌ أَلِیمٌ 18- یعنی وجیعا «قالُوا» «5» فقالت الرسل: طائِرُکُمْ مَعَکُمْ الذی أصابکم کان مکتوبا فی أعناقکم أَ إِنْ ذُکِّرْتُمْ أئن وعظتم باللّه- عز و جل- تطیرتم بنا بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ 19- قوم مشرکون و الشرک أسرف الذنوب وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعی علی رجلیه اسمه حبیب
______________________________
(1) من ل وحدها، و فی أ: فعل.
(2) «قالوا»: ساقطة من الأصل.
(3) فی أ: «فما».
(4) «قالوا»: ساقطة من أ.
(5) «قالوا»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 577
ابن «ابریا «1» أعور نجار» من بنی إسرائیل کان فی غار یعبد اللّه- عز و جل- فلما سمع بالرسل أتاهم و ترک عمله: «قالَ» «2» یا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِینَ 20- الثلاثة تومان و یونس و شمعون [106] اتَّبِعُوا مَنْ لا یَسْئَلُکُمْ أَجْراً وَ هُمْ مُهْتَدُونَ 21- فأخذوه فرفعوه إلی الملک، فقال له برئت منا و اتبعت عدونا فقال:
وَ ما لِیَ لا أَعْبُدُ الَّذِی فَطَرَنِی خلقنی وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 22- أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفاعَتُهُمْ شَیْئاً لا تقدر الآلهة أن تشفع لی فتکشف الضر عنی شفاعتها وَ لا یُنْقِذُونِ 23- من الضر إِنِّی إِذاً لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ 24- لفی خسران بین أن اتخذت من دون اللّه- جل و عز- آلهة فوطئ حتی خرجت معاه من دبره فلما أمر بقتله قال: یا قوم، إِنِّی آمَنْتُ بِرَبِّکُمْ فَاسْمَعُونِ 25- فقتل، ثم ألقی فی البئر و هی الرس، و هم أصحاب «الرس» «3» و قتل الرسل الثلاثة قِیلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ فلما ذهبت روح حبیب إلی الجنة و دخلها و عاین ما فیها من النعیم تمنی فی قالَ یا لَیْتَ قَوْمِی یَعْلَمُونَ 26- بنی إسرائیل بِما بأی شی‌ء غَفَرَ لِی رَبِّی وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُکْرَمِینَ 27- باتباعی المرسلین فلو علموا لآمنوا بالرسل فنصح لهم فی حیاته، و بعد موته، یقول اللّه- عز و جل-: وَ ما أَنْزَلْنا عَلی قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ «یعنی من بعد قتل حبیب النجار» «4» مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَ ما کُنَّا مُنْزِلِینَ 28- الملائکة إِنْ کانَتْ إِلَّا صَیْحَةً واحِدَةً من جبریل- علیه السلام- لیس لها مثنویة فَإِذا هُمْ خامِدُونَ 29-
______________________________
(1) «أبریا أعور نجار»: کذا فی أ، ل.
(2) فی أ: «فقال».
(3) فی أ: «الرسل»، ل: «الرس».
(4) من، و فی أ: «یعنی من حبیب».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 578
موتی مثل النار إذا طفئت لا یسمع لها صوت، و
قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: «إن صاحب یس الیوم فی الجنة و مؤمن آل فرعون و مریم بنت عمران و آسیة امرأة فرعون»
یا حَسْرَةً عَلَی الْعِبادِ یا ندامة للعباد فی الآخرة باستهزائهم بالرسل فی الدنیا، ثم قال- عز و جل-: ما یَأْتِیهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ 30-، ثم خوف کفار مکة فقال: «أَ لَمْ» «1» یَرَوْا أ لم یعلموا کَمْ أَهْلَکْنا بالعذاب قَبْلَهُمْ قبل کفار مکة مِنَ الْقُرُونِ الأمم: عاد و ثمود و قوم لوط، فیری أهل مکة من هلاکهم أَنَّهُمْ إِلَیْهِمْ لا یَرْجِعُونَ إلی الحیاة الدنیا وَ إِنْ کُلٌّ لَمَّا جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْضَرُونَ 32- عندنا فی الآخرة، ثم وعظ کفار مکة فقال- عز و جل-: وَ آیَةٌ لَهُمُ و علامة لهم الْأَرْضُ الْمَیْتَةُ أَحْیَیْناها بالمطر فتنهت وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا البر و الشعیر الحبوب کلها فَمِنْهُ یَأْکُلُونَ 33- وَ جَعَلْنا «فِیها» «2» فی الأرض جَنَّاتٍ بساتین مِنْ نَخِیلٍ وَ أَعْنابٍ وَ فَجَّرْنا فِیها مِنَ الْعُیُونِ 34- الجاریة لِیَأْکُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ ما عَمِلَتْهُ أَیْدِیهِمْ یقول [107 أ] لم یکن ذلک من صنع أیدیهم و لکنه من فعلنا أَ فَلا یَشْکُرُونَ 35- رب هذه النعم فیوحدوه سُبْحانَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها الأصناف کلها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مما تخرج الأرض من ألوان النبات و الشجر وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الذکر و الأنثی وَ مِمَّا لا یَعْلَمُونَ 36- من الخلق، ثم قال- جل و عز-: وَ آیَةٌ لَهُمُ یقول من علامة الرب لأهل مکة إذ لم یروه اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ «ننزع» «3»
______________________________
(1) فی أ: «أو لم».
(2) فی أ: «فی».
(3) فی أ: «ننزح»، ل: «ننزع».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 579
منه النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ 37- باللیل، مثل قوله- عز و جل-:
«... الَّذِی آتَیْناهُ آیاتِنا فَانْسَلَخَ «1» مِنْها ...» وَ الشَّمْسُ تَجْرِی لِمُسْتَقَرٍّ لَها لوقت لها إلی یوم القیامة،
قال أبو ذر الغفاری: غربت الشمس یوما، فسألت النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أین تغرب الشمس؟ فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- تغرب فی عین حمئة و طینة سوداء، ثم تخر ساجدة تحت العرش فتستأذن فیأذن لها فکأن قد قیل لها ارجعی إلی حیث تغربین «2».
ذلِکَ الذی ذکر من اللیل و النهار، و الشمس و القمر یجری فی ملکه بما قدر من أمرهما و خلقهما تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ 38- ثم قال- عز و جل-:
وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ فی السماء یزید، ثم یستوی، ثم ینقص فی آخر الشهر حَتَّی عادَ کَالْعُرْجُونِ حتی عاد مثل الخیط کما یکون أول ما استهل فیه «کالعرجون» یعنی العذق الیابس المنحنی الْقَدِیمِ 39- الذی أتی علیه الحول. ثم قال- جل و عز-: لَا الشَّمْسُ یَنْبَغِی لَها أَنْ تُدْرِکَ الْقَمَرَ فتضی‌ء مع ضوء القمر، «لأن» «3» الشمس سلطان النهار، و القمر سلطان اللیل، ثم قال- عز و جل-: وَ لَا اللَّیْلُ سابِقُ النَّهارِ یقول «و لا یدرک» «4» سواد اللیل
______________________________
(1) سورة الأعراف: 175.
(2)
الحدیث فی البخاری بلفظ آخر هو: «عن أبی هریرة- رضی اللّه عنه- قال: «خرجت مع رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- و الشمس علی سعف النخیل. فقال لی: یا أبا هریرة، ما بقی من الدنیا إلا کما بقی من یومکم هذا، أ تدری أین تغیب هذه الشمس؟ قلت اللّه و رسوله أعلم. قال إنها تذهب تحت ساق العرش فتستأذن فی السجود فیؤذن لها ثم تستأذن فی الشروق فیؤذن لها، و إنها توشک أن تستأذن فلا یؤذن لها فذاک قیام الساعة».
أو کما قال:
(3) «لأن»: ساقطة من أ، و هی من ل.
(4) فی أ: «و لا یدری»، ل: «و لا یدرک»، و فی حاشیة أ: «و لا یدرک». محمد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 580
ضوء النهار فیغلبه علی ضوئه وَ کُلٌ اللیل و النهار فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ 40- فی دوران یجرون یعنی الشمس و القمر یدخلان تحت الأرض من قبل المغرب فیخرجان من تحت الأرض، حتی یخرجا من قبل المشرق، ثم یجریان فی السماء حتی یغربا قبل المغرب، فهذا دورانهما فذلک قوله- عز و جل-:
«وَ کُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ» یقول و کلاهما فی دوران یجریان إلی یوم القیامة وَ آیَةٌ لَهُمْ و علامة لهم یعنی کفار مکة أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّیَّتَهُمْ ذریة أهل مکة فی أصلاب آبائهم فِی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ 41- یعنی الموقر من الناس و الدواب وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ و جعلنا لهم من شبه سفینة نوح ما یَرْکَبُونَ 42- فیها وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فی الماء فَلا صَرِیخَ لَهُمْ لا مغیث لهم [107 ب وَ لا هُمْ یُنْقَذُونَ 43- من الغرق إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا إلا نعمة منا حین لا نغرقهم وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ 44- و بلاغا إلی آجالهم وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَیْنَ أَیْدِیکُمْ یقول لا یصیبکم منا عذاب الأمم الخالیة «قبلکم» «1» وَ ما خَلْفَکُمْ و اتقوا ما بعدکم من عذاب الأمم فلا تکذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ 45- لکی ترحموا وَ ما تَأْتِیهِمْ مِنْ آیَةٍ مِنْ آیاتِ رَبِّهِمْ «إِلَّا کانُوا عَنْها مُعْرِضِینَ» «2»- 46- فلا یتفکروا وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا و ذلک أن المؤمنین قالوا بمکة لکفار قریش، لأبی سفیان و غیره أنفقوا علی المساکین «من» «3» الذی زعمتم أنه للّه و ذلک أنهم کانوا یجعلون نصیبا للّه من الحرث و الأنعام بمکة، للمساکین، فیقولون هذا للّه بزعمهم،
______________________________
(1) فی أ: «قبلهم»، ل: «قبلکم».
(2) «إِلَّا کانُوا عَنْها مُعْرِضِینَ»: لیست فی أ، و هی فی ل.
(3) «من»: زیادة اقتضاها السیاق، لیست فی أ، و لا فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 581
و یجعلون «للآلهة» «1» نصیبا فإن لم یزک «2» ما جعلوه للآلهة من الحرث و الأنعام و زکا ما جعلوه للّه- عز و جل- لیس للآلهة شی‌ء «و هی» «3» تحتاج إلی نفقة، فأخذوا ما جعلوه للّه، قالوا لو شاء اللّه لأزکی نصیبه و لا یعطون المساکین شیئا مما زکی لآلهتهم، فقال المؤمنون لکفار قریش: أنفقوا «مِمَّا «4» رَزَقَکُمُ اللَّهُ» قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا فقالت کفار قریش: أَ نُطْعِمُ المساکین الذی للآلهة مَنْ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ یعنی رزقه لو شاء اللّه لأطعمه و قالوا لأصحاب النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 47- وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا «الْوَعْدُ» «5» إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 48- بأن العذاب نازل بنا فی الدنیا یقول اللّه- عز و جل- ما یَنْظُرُونَ إِلَّا صَیْحَةً واحِدَةً لا مثنویة لها تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ یَخِصِّمُونَ 49- و هم یتکلمون فی الأسواق و المجالس و هم أعز ما کانوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِیَةً یقول اعجلوا عن التوصیة فماتوا وَ لا إِلی أَهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ 50- یقول و لا إلی منازلهم یرجعون من الأسواق فأخبر اللّه- عز و جل- بما یلقون فی الأولی. ثم أخبر بما یلقون فی الثانیة إذا بعثوا، فذلک قوله- عز و جل-: وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ من القبور إِلی رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ 51- یخرجون إلی اللّه- عز و جل- من قبورهم أحیاء فلما رأوا العذاب ذکروا قول الرسل فی الدنیا: أن البعث حق
______________________________
(1) فی أ: «الله»، ل: «و للآلهة».
(2) فی أ، ل: «یزکو»، و هو مضارع معتل یجزم بحذف حرف العلة.
(3) «و هی»: زیادة اقتضاها السیاق لیست فی أ، و لا فی ل.
(4) فی أ: «مما ...» الآیة، و المثبت من ل.
(5) فی أ: الآیة، و لیس فیها: «إن کنتم صادقین».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 582
قالُوا یا وَیْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا و ذلک أن أرواح الکفار کانوا یعرضون علی منازلهم من النار طرفی النهار کل یوم فلما کان بین النفختین رفع عنهم العذاب فرقدت تلک الأرواح بین النفختین، فلما بعثوا فی النفخة الأخری و عاینوا فی القیامة ما کذبوا به فی الدنیا [108 أ] من البعث و الحساب فدعوا بالویل «قالوا یا ویلنا من بعثنا من مرقدنا» فی قراءة ابن مسعود «من میتنا»، قال حفظتهم من الملائکة هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ علی ألسنة الرسل، فذلک قوله- عز و جل- وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ 52- و ذکر النفخة الثانیة فقال- سبحانه-: إِنْ یعنی ما کانَتْ إِلَّا صَیْحَةً واحِدَةً من إسرافیل فَإِذا هُمْ جَمِیعٌ الخلق کلهم لَدَیْنا عندنا مُحْضَرُونَ 53- «بالأرض» «1» المقدسة فلسطین لنحاسبهم فَالْیَوْمَ فی الآخرة لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 54- من الکفر جزاء الکافر النار، ثم قال- جل و عز-: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْیَوْمَ فی الآخرة فِی شُغُلٍ یعنی شغلوا بالنعیم، بافتضاض العذاری عن ذکر أهل النار فلا یذکرونهم و لا یهتمون بهم، ثم قال- جل و عز-: فاکِهُونَ 55- فکهون یعنی معجبین بما هم فیه شغل النعیم و الکرامة هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ یعنی الحور العین حلائلهم فِی ظِلالٍ و من قرأ «فاکهون» «2» یعنی ناعمین فی ظلال کبار القصور عَلَی الْأَرائِکِ علی السرر علیها الحجال مُتَّکِؤُنَ 56- لَهُمْ فِیها فی الجنة فاکِهَةٌ وَ لَهُمْ ما یَدَّعُونَ 57- یتمنون ما شاءوا من الخیر سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِیمٍ 58- و ذلک أن الملائکة تدخل علی أهل الجنة من کل باب یقولون سلام علیکم یا أهل الجنة من ربکم الرحیم وَ امْتازُوا
______________________________
(1) فی الأصل: أرض.
(2) قراءة «فاکهون» و قرأ یعقوب فی روایة «فکهون» للمبالغة و انظر تفسیر البیضاوی للآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 583
و اعتزلوا الْیَوْمَ فی الآخرة أَیُّهَا الْمُجْرِمُونَ 59- و ذلک حین اختلط الإنس و الجن و الدواب دواب البر و البحر و الطیر فاقتص بعضهم من بعض ثم قیل لهم کونوا ترابا فکانوا ترابا فبقی الإنس و الجن خلیطین إذ بعث اللّه- عز و جل- إلیهم منادیا أن امتازوا الیوم یقول اعتزلوا الیوم- أیها المجرمون- من الصالحین أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ الذین أمروا بالاعتزال یا بَنِی آدَمَ فی الدنیا أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطانَ یعنی إبلیس وحده و لا تطیعوه فی الشرک إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ 60- بین العداوة وَ أَنِ اعْبُدُونِی یقول وحدونی هذا التوحید صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ 61- دین الإسلام لأن غیر دین الإسلام لیس بمستقیم وَ لَقَدْ أَضَلَ إبلیس مِنْکُمْ عن الهدی جِبِلًّا خلقا «کَثِیراً» «1» أَ فَلَمْ تَکُونُوا تَعْقِلُونَ 62- فلما دنوا من النار قالت لهم خزنتها هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ 63- فی الدنیا فلما ألقوا فی النار قالت لهم الخزنة:
اصْلَوْهَا الْیَوْمَ فی الآخرة بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ 64- فی الدنیا الْیَوْمَ نَخْتِمُ و ذلک أنهم سئلوا [108 ب أین شرکاؤکم الذین کنتم تزعمون فقالوا:
و اللّه ربنا ما کنا مشرکین فیختم اللّه- جل و عز- «2» علی أفواههم و تتکلم «3» أیدیهم و أرجلهم بشرکهم، فذلک قوله- تعالی-: الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلی أَفْواهِهِمْ «4»
______________________________
(1) فی أ: «کثیرا ...» الآیة، و لیس فیها نص تمام الآیة.
(2) نلاحظ فی نسخة أحمد الثالث أنه فی النصف الأول من القرآن یتبع لفظ الجلالة بقوله- عز و جل- و فی النصف الثانی من القرآن یغلب علیه أن یقول- جل و عز- و حبذا لو کان سار فی النصف الثانی علی نمط النصف الأول.
(3) فی أ: «و تکلمت».
(4) «علی أفواههم»: لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 584
وَ تُکَلِّمُنا أَیْدِیهِمْ وَ تَشْهَدُ «أَرْجُلُهُمْ» «1» بِما کانُوا یَکْسِبُونَ 65- بما کانوا یقولون من الشرک وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلی أَعْیُنِهِمْ نزلت فی کفار مکة بقول لو نشاء لحولنا أبصارهم من الضلالة إلی الهدی «فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ» «2» و لو طمست الکفر لاستبقوا الصراط یقول لأبصروا طریق الهدی، ثم قال- جل و عز-: فَأَنَّی یُبْصِرُونَ 66- فمن أین یبصرون الهدی إن لم أعم علیهم طریق الضلالة، ثم خوفهم فقال- جل و عز-: وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلی مَکانَتِهِمْ یقول- تعالی- لو شئت لمسختهم حجارة فی منازلهم لیس فیها أرواح فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِیًّا وَ لا یَرْجِعُونَ 67- یقول لا یتقدمون و لا یتأخرون وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ «فنطول عمره» «3» نُنَکِّسْهُ فِی الْخَلْقِ أَ فَلا یَعْقِلُونَ 68- و ما علمناه الشعر نزلت فی عقبة بن أبی معیط و أصحابه قالوا إن القرآن شعر وَ ما یَنْبَغِی لَهُ أن یعلمه إِنْ هُوَ یعنی القرآن إِلَّا ذِکْرٌ تفکر وَ قُرْآنٌ مُبِینٌ 69- بین لِیُنْذِرَ یعنی «لتنذر یا محمد بما فی القرآن» «4» من الوعید مَنْ کانَ حَیًّا من کان مهدیا فی علم اللّه- عز و جل- وَ یَحِقَّ الْقَوْلُ و یجب العذاب عَلَی الْکافِرِینَ 70- بتوحید اللّه- عز و جل- أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَیْدِینا من فعلنا أَنْعاماً الإبل و البقر و الغنم فَهُمْ لَها مالِکُونَ 71- ضابطین وَ ذَلَّلْناها کقوله- عز و جل-: «... وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِیلًا «5» ...» «و ذللناها» فیحملون
______________________________
(1) فی أ: «أرجلهم ...» الآیة.
(2) «فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ»: ساقطة من أ، ل.
(3) «فنطول عمره»: من ل، و لیست فی أ.
(4) من ل. و فی أ: ( «لتنذر» یا محمد بما فی القرآن من الوعید)
(5) سورة الإنسان: 14.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 585
علیها و یسوقونها حیث شاءوا و لا تمتنع منها فَمِنْها رَکُوبُهُمْ حمولتهم الإبل و البقر وَ مِنْها یَأْکُلُونَ 72- یعنی الغنم وَ لَهُمْ فِیها مَنافِعُ فی الأنعام و منافع فی الرکوب علیها، و الحمل علیها، و ینتفعون بأصوافها و أوبارها، و أشعارها، ثم قال- جل و عز-: وَ فیها مَشارِبُ ألبانها أَ فَلا یَشْکُرُونَ 73-، ثم قال- جل و عز:- وَ اتَّخَذُوا یعنی کفار مکة مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً یعنی اللات و العزی و مناة لَعَلَّهُمْ یُنْصَرُونَ 74- لکی تمنعهم لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَهُمْ لا تقدر الآلهة أن تمنعهم من العذاب، ثم قال- جل و عز:- وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ 75- یقول کفار مکة للالهة حزب «یغضبون لها و یحضرونها فی الدنیا» «1» فَلا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ کفار مکة إِنَّا نَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ من التکذیب وَ ما یُعْلِنُونَ 76- یظهرون من القول بألسنتهم حین قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- کیف یبعث اللّه هذا العظم علانیة، نزلت فی أبی بن خلف [109 أ] الجمحی فی أمر العظم، «و کان قد أضحکهم» «2» بمقالته فهذا الذی «أعلنوا» «3» و ذلک أن أبا جهل، و الولید بن المغیرة، و عتبة، و شیبه ابنی ربیعة، و عقبة، و العاص بن وائل، کانوا جلوسا فقال لهم أبی بن خلف،
قال لهم فی النفر من قریش: إن محمدا یزعم أن اللّه یحیی الموتی، و أنا آتیه بعظم فاسأله: کیف یبعث اللّه هذا؟ فانطلق أبی ابن خلف فأخذ عظما بالیا، حائلا نخرا، فقال: یا محمد، تزعم أن اللّه یحیی
______________________________
(1) فی أ: «یغضبون لها فی الدنیا و یحضرونها». و فی ل: «یغضبون لها و یحضرونها فی الدنیا».
(2) فی أ، ل: «و أضحکهم».
(3) فی أ: «علنوا». تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 586
الموتی بعد إذ بلیت عظامنا و کنا ترابا تزعم أن اللّه یبعثنا خلقا جدیدا. ثم جعل یفت العظم ثم یذریه فی الریح، و یقول یا محمد: من یحیی هذا؟ فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یحیی اللّه- عز و جل- هذا ثم یمیتک، ثم یبعثک، ثم یدخلک، نار جهنم، فأنزل اللّه- عز و جل- فی أبی بن خلف أَ وَ لَمْ یَرَ الْإِنْسانُ
یعنی أ و لم یعلم الإنسان أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِیمٌ مُبِینٌ 77- بین الخصومة فیما یخاصم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عن البعث ثم قال، وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وصف لنا شبها فی أمر العظم وَ نَسِیَ خَلْقَهُ و ترک المنظر فی بدء خلق نفسه إذ خلق من نطفة، و لم یکن قبل ذلک شیئا ف قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ 78- یعنی بالیة قُلْ یا محمد لأبی یُحْیِیهَا یوم القیامة الَّذِی أَنْشَأَها خلقها أَوَّلَ مَرَّةٍ فی الدنیا و لم تک شیئا «1» وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلِیمٌ 79- علیم بخلقهم فی الدنیا علیم بخلقهم فی الآخرة بعد الموت خلقا جدیدا الَّذِی جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً «2» «فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ» «3»- 80- فالذی یخرج من الشجر الأخضر النار فهو قادر علی البعث، ثم ذکر ما هو أعظم خلقا من خلق الإنسان، فقال- جل و عز-: أَ وَ لَیْسَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ هذا أعظم خلقا من خلق الإنسان بِقادِرٍ عَلی أَنْ یَخْلُقَ فی الأرض مِثْلَهُمْ مثل خلقهم فی الدنیا، ثم قال لنفسه- تعالی-:
«بَلی «4» قادر علی ذلک وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِیمُ 81- بخلقهم فی الآخرة
______________________________
(1) فی أ: الآیة، و اکتفی بذلک عن سرد تمام الآیة.
(2) فی أ: الآیة.
(3) «فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ»: لیس فی أ.
(4) «بلی»: ساقطة من أ، و فی حاشیة أ: یحتمل أنه سقط هنا (بلی)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 587
العلیم ببعثهم إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أمر البعث و غیره أَنْ یَقُولَ لَهُ مرة واحدة کُنْ فَیَکُونُ 82- لا یثنی قوله، ثم عظم نفسه عن قولهم فقال- عز و جل-: فَسُبْحانَ الَّذِی بِیَدِهِ مَلَکُوتُ خلق کُلِّ شَیْ‌ءٍ من البعث و غیره وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 83- إلی اللّه- عز و جل- بعد الموت لتکذیبهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 589

سورة الصافات‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 591
(37) سورة الصافّات مکّیة و آیاتها ثنتان و ثمانون و مائة

[سورة الصافات (37): الآیات 1 الی 182]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِیاتِ ذِکْراً (3) إِنَّ إِلهَکُمْ لَواحِدٌ (4)
رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ (5) إِنَّا زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِزِینَةٍ الْکَواکِبِ (6) وَ حِفْظاً مِنْ کُلِّ شَیْطانٍ مارِدٍ (7) لا یَسَّمَّعُونَ إِلَی الْمَلَإِ الْأَعْلی وَ یُقْذَفُونَ مِنْ کُلِّ جانِبٍ (8) دُحُوراً وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (9)
إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِینٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَ یَسْخَرُونَ (12) وَ إِذا ذُکِّرُوا لا یَذْکُرُونَ (13) وَ إِذا رَأَوْا آیَةً یَسْتَسْخِرُونَ (14)
وَ قالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِینٌ (15) أَ إِذا مِتْنا وَ کُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَ أَنْتُمْ داخِرُونَ (18) فَإِنَّما هِیَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ یَنْظُرُونَ (19)
وَ قالُوا یا وَیْلَنا هذا یَوْمُ الدِّینِ (20) هذا یَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِی کُنْتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِینَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ وَ ما کانُوا یَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلی صِراطِ الْجَحِیمِ (23) وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24)
ما لَکُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْیَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ یَتَساءَلُونَ (27) قالُوا إِنَّکُمْ کُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْیَمِینِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَکُونُوا مُؤْمِنِینَ (29)
وَ ما کانَ لَنا عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ کُنْتُمْ قَوْماً طاغِینَ (30) فَحَقَّ عَلَیْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31) فَأَغْوَیْناکُمْ إِنَّا کُنَّا غاوِینَ (32) فَإِنَّهُمْ یَوْمَئِذٍ فِی الْعَذابِ مُشْتَرِکُونَ (33) إِنَّا کَذلِکَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِینَ (34)
إِنَّهُمْ کانُوا إِذا قِیلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ یَسْتَکْبِرُونَ (35) وَ یَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتارِکُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِینَ (37) إِنَّکُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِیمِ (38) وَ ما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)
إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ (40) أُولئِکَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواکِهُ وَ هُمْ مُکْرَمُونَ (42) فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ (43) عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ (44)
یُطافُ عَلَیْهِمْ بِکَأْسٍ مِنْ مَعِینٍ (45) بَیْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِینَ (46) لا فِیها غَوْلٌ وَ لا هُمْ عَنْها یُنْزَفُونَ (47) وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِینٌ (48) کَأَنَّهُنَّ بَیْضٌ مَکْنُونٌ (49)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ یَتَساءَلُونَ (50) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّی کانَ لِی قَرِینٌ (51) یَقُولُ أَ إِنَّکَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِینَ (52) أَ إِذا مِتْنا وَ کُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَدِینُونَ (53) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِی سَواءِ الْجَحِیمِ (55) قالَ تَاللَّهِ إِنْ کِدْتَ لَتُرْدِینِ (56) وَ لَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّی لَکُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِینَ (57) أَ فَما نَحْنُ بِمَیِّتِینَ (58) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولی وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ (59)
إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (60) لِمِثْلِ هذا فَلْیَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61) أَ ذلِکَ خَیْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِینَ (63) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِی أَصْلِ الْجَحِیمِ (64)
طَلْعُها کَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّیاطِینِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآکِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَیْها لَشَوْباً مِنْ حَمِیمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَی الْجَحِیمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّینَ (69)
فَهُمْ عَلی آثارِهِمْ یُهْرَعُونَ (70) وَ لَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَکْثَرُ الْأَوَّلِینَ (71) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا فِیهِمْ مُنْذِرِینَ (72) فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِینَ (73) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ (74)
وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِیبُونَ (75) وَ نَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْکَرْبِ الْعَظِیمِ (76) وَ جَعَلْنا ذُرِّیَّتَهُ هُمُ الْباقِینَ (77) وَ تَرَکْنا عَلَیْهِ فِی الْآخِرِینَ (78) سَلامٌ عَلی نُوحٍ فِی الْعالَمِینَ (79)
إِنَّا کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِینَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِینَ (82) وَ إِنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لَإِبْراهِیمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ (84)
إِذْ قالَ لِأَبِیهِ وَ قَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (85) أَ إِفْکاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِیدُونَ (86) فَما ظَنُّکُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِی النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّی سَقِیمٌ (89)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِینَ (90) فَراغَ إِلی آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَ لا تَأْکُلُونَ (91) ما لَکُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَیْهِمْ ضَرْباً بِالْیَمِینِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَیْهِ یَزِفُّونَ (94)
قالَ أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95) وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْیاناً فَأَلْقُوهُ فِی الْجَحِیمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ کَیْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِینَ (98) وَ قالَ إِنِّی ذاهِبٌ إِلی رَبِّی سَیَهْدِینِ (99)
رَبِّ هَبْ لِی مِنَ الصَّالِحِینَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِیمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْیَ قالَ یا بُنَیَّ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ أَنِّی أَذْبَحُکَ فَانْظُرْ ما ذا تَری قالَ یا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِینَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِینِ (103) وَ نادَیْناهُ أَنْ یا إِبْراهِیمُ (104)
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْیا إِنَّا کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِینُ (106) وَ فَدَیْناهُ بِذِبْحٍ عَظِیمٍ (107) وَ تَرَکْنا عَلَیْهِ فِی الْآخِرِینَ (108) سَلامٌ عَلی إِبْراهِیمَ (109)
کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِینَ (111) وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِیًّا مِنَ الصَّالِحِینَ (112) وَ بارَکْنا عَلَیْهِ وَ عَلی إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِینٌ (113) وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلی مُوسی وَ هارُونَ (114)
وَ نَجَّیْناهُما وَ قَوْمَهُما مِنَ الْکَرْبِ الْعَظِیمِ (115) وَ نَصَرْناهُمْ فَکانُوا هُمُ الْغالِبِینَ (116) وَ آتَیْناهُمَا الْکِتابَ الْمُسْتَبِینَ (117) وَ هَدَیْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ (118) وَ تَرَکْنا عَلَیْهِما فِی الْآخِرِینَ (119)
سَلامٌ عَلی مُوسی وَ هارُونَ (120) إِنَّا کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِینَ (122) وَ إِنَّ إِلْیاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ (124)
أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِینَ (125) اللَّهَ رَبَّکُمْ وَ رَبَّ آبائِکُمُ الْأَوَّلِینَ (126) فَکَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ (128) وَ تَرَکْنا عَلَیْهِ فِی الْآخِرِینَ (129)
سَلامٌ عَلی إِلْ‌یاسِینَ (130) إِنَّا کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِینَ (132) وَ إِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ (133) إِذْ نَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِینَ (134)
إِلاَّ عَجُوزاً فِی الْغابِرِینَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِینَ (136) وَ إِنَّکُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَیْهِمْ مُصْبِحِینَ (137) وَ بِاللَّیْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (138) وَ إِنَّ یُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ (139)
إِذْ أَبَقَ إِلَی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ (140) فَساهَمَ فَکانَ مِنَ الْمُدْحَضِینَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِیمٌ (142) فَلَوْ لا أَنَّهُ کانَ مِنَ الْمُسَبِّحِینَ (143) لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (144)
فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَ هُوَ سَقِیمٌ (145) وَ أَنْبَتْنا عَلَیْهِ شَجَرَةً مِنْ یَقْطِینٍ (146) وَ أَرْسَلْناهُ إِلی مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ یَزِیدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلی حِینٍ (148) فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّکَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ (149)
أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِکَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْکِهِمْ لَیَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ (152) أَصْطَفَی الْبَناتِ عَلَی الْبَنِینَ (153) ما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ (154)
أَ فَلا تَذَکَّرُونَ (155) أَمْ لَکُمْ سُلْطانٌ مُبِینٌ (156) فَأْتُوا بِکِتابِکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (157) وَ جَعَلُوا بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ (159)
إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ (160) فَإِنَّکُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ (161) ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ بِفاتِنِینَ (162) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِیمِ (163) وَ ما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (164)
وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَ إِنْ کانُوا لَیَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِکْراً مِنَ الْأَوَّلِینَ (168) لَکُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ (169)
فَکَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ (170) وَ لَقَدْ سَبَقَتْ کَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِینَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِینٍ (174)
وَ أَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ یُبْصِرُونَ (175) أَ فَبِعَذابِنا یَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِینَ (177) وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِینٍ (178) وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ یُبْصِرُونَ (179)
سُبْحانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ (180) وَ سَلامٌ عَلَی الْمُرْسَلِینَ (181) وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ (182)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 599
[سورة الصافات «1»] سورة الصافات مکیة.
و عددها مائة و اثنتان و ثمانون آیة کوفیة «2».
______________________________
(1) معظم مقصود السورة:
الإخبار عن صف الملائکة و المصلین للعبادة، و دلائل الوحدانیة، و رجم الشیاطین و ذل الظالمین، و عز المطیعین فی الجنان، و قهر المجرمین فی النیران، و معجزة نوح، و حدیث إبراهیم، و فداء إسماعیل فی جزاء الانقیاد و بشارة إبراهیم بإسحاق، و المنة علی موسی و هارون بإیتاء الکتاب، و حکایة الناس فی حال الدعوة، و هلاک قوم لوط، و حبس یونس فی بطن الحوت، و بیان فساد عقیدة المشرکین فی نسبة الملائکة إلیه، و قولهم إن الملائکة بنات اللّه، و درجات الملائکة فی مقام العبادة و ما منح اللّه الأنبیاء من النصرة و التأیید، و تنزیه اللّه عن الضد و الندید فی قوله: «سُبْحانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ» سورة الصافات: 180.
(2) فی المصحف (38) سورة الصافات مکیة، و آیاتها 182 نزلت بعد سورة الأنعام.
و قد سمیت سورة الصافات لافتتاحها بها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 601
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا- 1- یعنی- عز و جل- صفوف الملائکة فَالزَّاجِراتِ زَجْراً- 2- الملائکة یعنی به الرعد، و هو ملک اسمه الرعد یزجر السحاب بصوته یسوقه إلی البلد الذی أمر أن یمطره، و البرق مخاریق من نار یسوق بها السحاب، فإذا صف السحاب بعضه إلی بعض سطع منه نار فیصیب اللّه به من یشاء و هی الصاعقة التی ذکر اللّه- عز و جل- فی الرعد فَالتَّالِیاتِ ذِکْراً- 3- یعنی به الملائکة و هو جبریل وحده- علیه السلام- یتلو القرآن علی الأنبیاء من ربهم، و هو، الملقیات ذکرا، یلقی الذکر علی الأنبیاء، و ذلک أن کفار مکة قالوا یجعل محمد- صلی اللّه علیه و سلم- الآلهة إلها واحدا فأقسم اللّه بهؤلاء الملائکة إِنَّ إِلهَکُمْ یعنی أن ربکم لَواحِدٌ- 4- لیس له شریک، ثم عظم نفسه عن شرکهم فقال- عز و جل-: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما یقول أنا رب ما بینهما من شی‌ء من الآلهة و غیرها وَ أنا رَبُّ الْمَشارِقِ 5- «یعنی» «1» مائة و سبعة و سبعین مشرقا فی السنة کلها، و المغارب مثل ذلک، «2» ثم قال: إِنَّا زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا لأنها أدنی السماء من الأرض و أقربها
______________________________
(1) «یعنی»: من ل، و لیست فی أ، و مع کونها ساقطة من أ ففیها: « (رب المشارق) مائة و سبعة و سبعین «أی بالنصب»، و لا یتأتی ذلک إلا بعد کلمة: «یعنی».
(2) فی أ زیادة هی: «قال أبو محمد هذه قمریة لأن السنة فی حساب الأهلة ثلاثمائة و أربعة و خمسین یوما»، و لیست فی ل، و بها تحریف و أخطاء فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 602
بِزِینَةٍ الْکَواکِبِ 6- و هی معلقة فی السماء بهیئة القنادیل وَ حِفْظاً یعنی «زینة» «1» السماء بالکواکب مِنْ کُلِّ شَیْطانٍ مارِدٍ- 7- متمرد علی اللّه- عز و جل- فی المعصیة لا یَسَّمَّعُونَ إِلَی الْمَلَإِ الْأَعْلی یعنی الملائکة و کانوا قبل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یسمعون کلام الملائکة وَ یُقْذَفُونَ و یرمون مِنْ کُلِّ جانِبٍ 8- من کل ناحیة دُحُوراً یعنی طردا بالشهب من الکواکب، ثم ترجع الکواکب إلی أمکنتها وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ 9- یعنی دائم للشیاطین من یستمع منهم، و من لم یستمع عذاب دائم فی الآخرة و الکواکب تجرح و لا تقتل، نظیرها فی تبارک «وَ لَقَدْ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّیاطِینِ، وَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِیرِ» «2» إِلَّا مَنْ خَطِفَ من الشیاطین الْخَطْفَةَ یخطف من الملائکة فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ 10- من الملائکة الکواکب، «یعنی بالشهاب الثاقب» «3» «نارا» «4» مضیئة. کقول موسی: «... (أَوْ آتِیکُمْ «5») بِشِهابٍ قَبَسٍ «6» ...» یعنی «بنار «7»» مضیئة، فیها تقدیم «8» قال- جل و عز-: فَاسْتَفْتِهِمْ یقول سلهم: أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً نزلت
______________________________
(1) «زینة»: زیادة اقتضاها السیاق لیست فی النسخ.
(2) سورة تبارک: 5، و فی أ: نظیرها فی تبارک «إنا زینا السماء الدنیا بمصابیح و جعلناها رجوما للشیاطین ...» الآیة، و فیه خطأ فی الآیة، فالصواب «وَ لَقَدْ زَیَّنَّا» بینما قال:
«انا زینا».
(3) فی أ: «یعنی الثاقب»، و فی ل: «یعنی الشهاب الثاقب».
(4) فی أ، ل: «نار».
(5) فی أ: (آتیکم)، و فی ل: (أو آتیکم)
(6) سورة النمل: 7.
(7) فی أ، ل: «نار». و الأنسب: «بنار».
(8) أی تقدم ذکرها فیما سبق من التفسیر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 603
فی أبی الأشدین و اسمه أسید بن کلدة بن «خلف» «1» «الجمحی» «2». و إنما کنی [110 أ] أبا الأشدین لشدة بطشه و فی «رکانة» «3» بن عبد یزید بن هشام ابن عبد مناف یقول سل هؤلاء أهم أشد خلقا بعد موتهم لأنهم کفروا بالبعث أَمْ مَنْ خَلَقْنا یعنی خلق السموات و الأرض و ما بینهما و المشارق، لأنهم یعلمون أن اللّه- جل و عز- خلق هذه الأشیاء، ثم أخبر عن خلق الإنسان فقال- جل و عز-: إِنَّا خَلَقْناهُمْ یعنی آدم مِنْ طِینٍ لازِبٍ 11- یعنی لازب بعضه فی البعض فهذا أهون خلقا عند هذا المکذب بالبعث من خلق السموات و الأرض و ما بینهما و المشارق، و نزلت فی أبی الأشدین أیضا «أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً» بعثا بعد الموت «أَمِ السَّماءُ بَناها» «4» ثم قال- جل و عز-:
بَلْ عَجِبْتَ یا محمد من القرآن حین أوحی إلیک نظیرها فی الرعد «وَ إِنْ تَعْجَبْ» من القرآن: «فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ «5» ...» فاعجب من قولهم بتکذیبهم بالبعث، ثم قال- جل و عز- وَ یَسْخَرُونَ 12- یعنی کفار مکة سخروا من النبی- صلی اللّه علیه و سلم- حین سمعوا منه القرآن، ثم قال: وَ إِذا ذُکِّرُوا لا یَذْکُرُونَ 13- و إذا وعظوا بالقرآن لا یتعظون وَ إِذا رَأَوْا آیَةً یعنی انشقاق القمر بمکة فصار نصفین یَسْتَسْخِرُونَ 14- سخروا فقالوا هذا عمل السحرة، فذلک قوله
______________________________
(1) فی أ: «یخلف»، و فی ل: «خلف».
(2) «الجمحی»: من ل، و لیست فی أ.
(3) «رکزته» فی أ: «نکایة»، و فی ل: «رکانة».
(4) سورة النازعات: 27 و هی: «أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها».
(5) سورة الرعد: 5 و تمامها: «وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا کُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَ أُولئِکَ الْأَغْلالُ فِی أَعْناقِهِمْ وَ أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 604
- عز و جل-: «وَ قالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِینٌ» «1»- 15- نظیرها فی «اقتربت الساعة» «2» «... وَ یَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» «3» أَ إِذا مِتْنا وَ کُنَّا «تُراباً» «4» وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ 16- بعد الموت أَ وَ یبعث آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ 17- قالوا ذلک تعجبا، یقول اللّه- عز و جل- لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم-: قُلْ لکفار مکة: نَعَمْ وَ أَنْتُمْ داخِرُونَ 18- و أنتم صاغرون، ثم أخبر عنهم- عز و جل-: فَإِنَّما هِیَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ صیحة واحدة من إسرافیل لا مثنویة لها فَإِذا هُمْ یَنْظُرُونَ 19- الی البعث الذی کذبوا به فلما نظروا و عاینوا البعث ذکروا قول الرسل ان البعث حق «وَ قالُوا» «5» یا وَیْلَنا هذا یَوْمُ الدِّینِ 20- یوم الحساب الذی أخبرنا به النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فردت علیهم الحفظة من الملائکة هذا یَوْمُ الْفَصْلِ «6» یوم القضاء الَّذِی کُنْتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ 21- بأنه کائن احْشُرُوا الَّذِینَ ظَلَمُوا الذین أشرکوا من بنی آدم وَ أَزْواجَهُمْ قرناءهم من الشیاطین الذین أظلوهم و کل کافر مع شیطان فی سلسلة واحدة وَ ما کانُوا یَعْبُدُونَ 22- مِنْ دُونِ اللَّهِ یعنی إبلیس و جنده نزلت فی کفار قریش نظیرها فی یس «أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ ...» الآیة «... أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطانَ ...» «7» یعنی إبلیس وحده فَاهْدُوهُمْ إِلی صِراطِ یعنی ادعوهم
______________________________
(1) «وَ قالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِینٌ»: ساقطة من أ.
(2) سورة القمر: أ.
(3) سورة القمر: 2 و تمامها: «وَ إِنْ یَرَوْا آیَةً یُعْرِضُوا وَ یَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ».
(4) فی أ: «ترابا ...» الآیة.
(5) فی أ: «فقالوا».
(6) فی أ: الآیة، و لم یذکر بقینها.
(7) سورة یس: 60 و تمامها: «أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ یا بَنِی آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّیْطانَ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 605
إلی طریق الْجَحِیمِ 23- [110 ب ، و الجحیم ما عظم اللّه- عز و جل- من النار «وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ» «1»- 24- فلما سیقوا إلی النار حبسوا فسألهم خزنة جهنم ألم تأتکم رسلکم بالبینات؟ قالوا: بلی، و لکن حقت کلمة العذاب علی الکافرین یقول الخازن: ما لَکُمْ لا تَناصَرُونَ 25- نظیرها فی الشعراء «... هَلْ یَنْصُرُونَکُمْ «2» ...» یقول الکفار ما لشرکائکم الشیاطین لا یمنعونکم من العذاب یقول اللّه- عز و جل- لمحمد- صلی اللّه علیه و سلم: بَلْ هُمُ الْیَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ 26- للعذاب وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ یَتَساءَلُونَ 27- یتکلمون «قالُوا» «3»: قال قائل من الکفار لشرکائهم الشیاطین: إِنَّکُمْ کُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْیَمِینِ 28- یعنون من قبل الحق، نظیرها فی الحاقة «لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْیَمِینِ» «4» بالحق و قالوا للشیاطین أنتم زینتم لنا ما نحن علیه فقلتم إن هذا الذی نحن علیه هو الحق قالُوا قالت لهم الشیاطین: بَلْ لَمْ تَکُونُوا مُؤْمِنِینَ 29- مصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- وَ ما کانَ لَنا عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ من ملک فنکرهکم علی متابعتنا بَلْ کُنْتُمْ قَوْماً طاغِینَ 30- عاصین، ثم قالت الشیاطین: فَحَقَّ عَلَیْنا قَوْلُ رَبِّنا یوم قال لإبلیس: «... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ ...» «5» الآیة إِنَّا لَذائِقُونَ 31- فَأَغْوَیْناکُمْ یعنی أضللناکم عن الهدی «إِنَّا کُنَّا غاوِینَ» «6»- 32- ضالین یقول اللّه- عز و جل-: فَإِنَّهُمْ یَوْمَئِذٍ
______________________________
(1) فی أ: «وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ» و لیس بهم «مسؤلون».
(2) سورة الشعراء: 93.
(3) «قالوا»: ساقطة من أ.
(4) سورة الحاقة: 45، و فی أ: الآیة.
(5) سورة ص: 85، و تمامها «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ».
(6) «إِنَّا کُنَّا غاوِینَ»: ساقط من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 606
للکفار و الشیاطین فِی الْعَذابِ مُشْتَرِکُونَ 33- «إِنَّا کَذلِکَ» «1» نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِینَ 34- ثم أخبر عنهم فقال- جل و عز-: إِنَّهُمْ کانُوا إِذا قِیلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ یَسْتَکْبِرُونَ 35- یتکبرون عن الهدی نزلت فی الملأ من قریش الذین مشوا إلی أبی طالب، فقال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: قولوا لا إله إلا اللّه تملکون بها العرب و تدین لکم العجم بها، «وَ یَقُولُونَ» «2» أَ إِنَّا لَتارِکُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ 36- فقال- جل و عز-: بَلْ جاءَ بِالْحَقِ یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم-: جاء بالتوحید وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِینَ 37- قبله إِنَّکُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِیمِ 38- یعنی الوجیع وَ ما تُجْزَوْنَ فی الآخرة إِلَّا ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 39- فی الدنیا من الشرک، جزاء الشرک النار، ثم استثنی المؤمنین فقال: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ 40- بالتوحید لا یذوقون العذاب، فأخبر ما أعد لهم فقال- جل و عز-: أُولئِکَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ 41- یعنی بالمعلوم حین یشتهونه یؤتون به، ثم بین الرزق فقال- تبارک و تعالی-: فَواکِهُ وَ هُمْ مُکْرَمُونَ 42- فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ 43- عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ 44- «فی الزیارة» «3» یُطافُ عَلَیْهِمْ یعنی یتقلب علیهم بأیدی الغلمان الخدم بِکَأْسٍ یعنی الخمر مِنْ مَعِینٍ 45- [111 أ] یعنی الجاری بَیْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِینَ 46- لا فِیها غَوْلٌ لا غائلة علیها یرجع منها الرأس کفعل خمر الدنیا وَ لا هُمْ عَنْها یُنْزَفُونَ 47- یعنی یسکرون فتنزف عقولهم کخمر الدنیا
______________________________
(1) فی أ: الآیة، و لم تذکر بقیة الآیة.
(2) فی أ: «قالوا».
(3) فی أ: فی الزیادة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 607
وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ حافظات النظر من الرجال غیر أزواجهن لا یرون غیرهم من العشق، ثم قال- جل و عز-: عِینٌ 48- یعنی حسان الأعین ثم شبهن «1» ببیاض البیض الذی الصفرة فی جوفه، فقال: کَأَنَّهُنَّ بَیْضٌ مَکْنُونٌ 49- «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ» «2» یَتَساءَلُونَ 50- أی أهل الجنة حین یتکلمون، یکلم بعضهم بعضا یقول: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّی کانَ لِی قَرِینٌ 51- و ذلک أن أخوین من بنی إسرائیل اسم أحدهما فطرس و الآخر سلخا ورث کل واحد منهما عن أبیه أربعة آلاف دینار، فأما أحدهما فأنفق ماله فی طاعة اللّه- عز و جل-، و المشرک الآخر أنفق ماله فی معصیة اللّه- عز و جل- و معیشة الدنیا، و هما اللذان «3» ذکرهما «4» اللّه- عز و جل- فی سورة الکهف «5».
______________________________
(1) فی أ: شبهم.
(2) فی أ: «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ ...» الآیة.
(3) فی أ: الذی، و فی ل: اللذان.
(4) فی أ: ذکر، و فی ل: ذکرهما.
(5) تبدأ فصتهما من الآیة 32- 43 من سورة الکهف، حیث یقول- سبحانه-: «وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَیْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَیْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَیْنَهُما زَرْعاً، کِلْتَا الْجَنَّتَیْنِ آتَتْ أُکُلَها وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَیْئاً وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً، وَ کانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ أَنَا أَکْثَرُ مِنْکَ مالًا وَ أَعَزُّ نَفَراً وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِیدَ هذِهِ أَبَداً، وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلی رَبِّی لَأَجِدَنَّ خَیْراً مِنْها مُنْقَلَباً، قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ أَ کَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاکَ رَجُلًا لکِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّی وَ لا أُشْرِکُ بِرَبِّی أَحَداً، وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَکَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْکَ مالًا وَ وَلَداً، فَعَسی رَبِّی أَنْ یُؤْتِیَنِ خَیْراً مِنْ جَنَّتِکَ وَ یُرْسِلَ عَلَیْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِیداً زَلَقاً، أَوْ یُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِیعَ لَهُ طَلَباً، وَ أُحِیطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ یُقَلِّبُ کَفَّیْهِ عَلی ما أَنْفَقَ فِیها وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها وَ یَقُولُ یا لَیْتَنِی لَمْ أُشْرِکْ بِرَبِّی أَحَداً» وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ فِئَةٌ یَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما کانَ مُنْتَصِراً».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 608
فلما صارا إلی الآخرة أدخل المؤمن الجنة، و أدخل المشرک النار، فلما أدخل الجنة المؤمن ذکر أخاه، فقال لإخوانه من أهل الجنة: «إِنِّی کانَ لِی قَرِینٌ» یعنی «صاحب» «1» یَقُولُ أَ إِنَّکَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِینَ 52- بالبعث أَ إِذا مِتْنا وَ کُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَدِینُونَ 53- یعنی «المحاسبین» «2» فی أعمالنا ثم قالَ المؤمن لإخوانه فی الجنة: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ 54- إلی النار فتنظرون منزلة أخی فردوا علیه أنت أعرف به منا، فاطلع أنت، و لأهل الجنة فی منازلهم کوی فإذا شاءوا نظروا إلی أهل النار فَاطَّلَعَ المؤمن فَرَآهُ فرأی أخاه فِی سَواءِ یعنی فی وسط الْجَحِیمِ 55- أسود الوجه أزرق العینین مقرونا مع شیطانه فی سلسلة قالَ المؤمن: «تَاللَّهِ إِنْ کِدْتَ لَتُرْدِینِ» «3»- 56- لتغوین فأنزل منزلتک فی النار وَ لَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّی یقول لو لا ما أنعم اللّه علی بالإسلام لَکُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِینَ 57- النار، ثم انقطع الکلام، ثم أقبل المؤمن علی أصحابه فقال: أَ فَما نَحْنُ بِمَیِّتِینَ 58- عرف المؤمن أن کل نعیم معه الموت فلیس بتام إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولی التی کانت فی الدنیا «4» «وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ» «5»- 59- فقیل له «إنک لا تموت فیها» «6» فقال عند ذلک: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ 60- ثم انقطع کلام المؤمن، یقول اللّه- عز و جل:
لِمِثْلِ هذا النعیم الذی ذکر قبل هذه الآیة فی قوله: «أُولئِکَ لَهُمْ رِزْقٌ
______________________________
(1) کذا فی أ، و فی ل: «صاحب».
(2) «المحاسبین» من أ و لیست فی ل.
(3) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ.
(4) فی أ: الآیة.
(5) ما بین القوسین «...»: من ل، و لیس فی أ.
(6) کذا فی أ، ل و الأنسب: «إنک لا تموت فیها و لا تعذب».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 609
معلوم «1»» فَلْیَعْمَلِ الْعامِلُونَ 61- فلیسارع المسارعین یقول اللّه- عز و جل: أَ ذلِکَ خَیْرٌ نُزُلًا للمؤمنین أَمْ نزل الکافر شَجَرَةُ الزَّقُّومِ 62- و هی النار للذین استکبروا عن لا إله إلا اللّه حین أمرهم [111 ب النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- بها، ثم قال- جل و عز-: إِنَّا جَعَلْناها یعنی الزقوم فِتْنَةً لِلظَّالِمِینَ 63- یعنی لمشرکی مکة منهم عبد اللّه ابن الزبعری، و أبو جهل بن هشام، و الملأ من قریش الذین مشوا إلی أبی طالب، و ذلک أن ابن الزبعری قال: إن الزقوم بکلام الیمن التمر و الزبد. فقال أبو جهل: یا جاریة، ابغنا تمرا و زبدا، ثم قال لأصحابه: تزقموا من هذا الذی یخوفنا به محمد. یزعم أن النار تنبت الشجر و النار تحرق الشجر، فکان الزقوم فتنة لهم، فأخبر اللّه- عز و جل- أنها لا تشبه النخل، و لا طلعها کطلع النخل، فقال- تبارک و تعالی-: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ تنبت فِی أَصْلِ الْجَحِیمِ 64- طَلْعُها تمرها کَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّیاطِینِ 65- فَإِنَّهُمْ لَآکِلُونَ مِنْها من ثمرتها فَمالِؤُنَ مِنْهَا من ثمرها الْبُطُونَ 66- ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَیْها لَشَوْباً یعنی لمزاجا مِنْ حَمِیمٍ 67- یشربون علی إثر الزقوم الحمیم الحار الذی قد انتهی حره ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ بعد الزقوم و شرب الحمیم لَإِلَی الْجَحِیمِ 68- و ذلک قوله- عز و جل-: «یَطُوفُونَ بَیْنَها وَ بَیْنَ حَمِیمٍ آنٍ «2»» إِنَّهُمْ أَلْفَوْا وجدوا آباءَهُمْ ضالِّینَ 69- عن الهدی فَهُمْ عَلی آثارِهِمْ یُهْرَعُونَ 70- یقول «یسعون «3»» فی مثل أعمال آبائهم وَ لَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ قبل أهل مکة
______________________________
(1) سورة الصافات: 41، و فی أ: «لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ».
(2) سورة الرحمن: 44.
(3) فی أ: «یسمعون»، و فی ل: «یسعون»، و فی حاشیة أ: «یسرعون، محمد».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 610
أَکْثَرُ الْأَوَّلِینَ 71- من الأمم وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا فِیهِمْ مُنْذِرِینَ 72- رسلا ینذرونهم العذاب فکذبوا الرسل فعذبهم اللّه- عز و جل- فی الدنیا، فذلک قوله- عز و جل-: فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِینَ 73- یحذر کفار مکة لئلا یکذبوا محمدا- صلّی اللّه علیه و سلم- فینزل بهم العذاب فی الدنیا، ثم استثنی فقال- جل و عز-: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ 74- الموحدین فإنهم نجوا من العذاب بالتوحید وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ فی «اقتربت «1» ...»:
«... أَنِّی مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ «2»» و فی الأنبیاء «3».
فأنجاه ربه فغرقهم بالماء، فذلک قوله- عز و جل-: فَلَنِعْمَ الْمُجِیبُونَ 75- یعنی الرب نفسه- تعالی- وَ نَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْکَرْبِ الْعَظِیمِ 76- الهول الشدید و هو الغرق وَ جَعَلْنا ذُرِّیَّتَهُ ولد نوح هُمُ الْباقِینَ 77- و ذلک أن أهل السفینة ماتوا و لم یکن لهم نسل غیر ولد نوح و کان الناس من ولد نوح، فلذلک قال «هُمُ الْباقِینَ» فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- سام أبو العرب، و یافث أبو الروم، و حام أبو الحبش وَ تَرَکْنا عَلَیْهِ فِی الْآخِرِینَ 78- یقول ألقینا علی نوح بعد موته ثناء حسناء، یقال له من بعده فی الآخرین خیر، فذلک قوله- عز و جل-: سَلامٌ عَلی نُوحٍ فِی الْعالَمِینَ 79- یعنی بالسلام الثناء الحسن الذی ترک علیه من بعده فی الناس.
______________________________
(1) سورة القمر: 1.
(2) سورة القمر: 10 و تمامها: «فَدَعا رَبَّهُ أَنِّی مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ».
(3) یشیر إلی الآیة 76، من سورة الأنبیاء و هی: «وَ نُوحاً إِذْ نادی مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْکَرْبِ الْعَظِیمِ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 611
«إِنَّا» «1» کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ 80- هکذا نجزی کل محسن فجزاه اللّه- عز و جل- بإحسانه الثناء الحسن فی العالمین إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِینَ 81- یعنی المصدقین بالتوحید ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِینَ 82- یعنی قوم نوح وَ إِنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لَإِبْراهِیمَ 83- یقول إبراهیم علی ملة نوح- علیهما السلام- قال الفراء: إبراهیم من شیعته- محمد- علیهما السلام.
قال أبو محمد: سألت أبا العباس عن ذلک، فقال: کل من کان علی دین رجل فهو من شیعته، کل نبی من شیعة إبراهیم صاحبه، فإبراهیم من شیعة محمد، و محمد من شیعة إبراهیم- علیهما السلام- إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ 84- یعنی بقلب مخلص من الشرک إِذْ قالَ لِأَبِیهِ آزر وَ قَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ 85- من الأصنام أَ إِفْکاً یعنی أکذبا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِیدُونَ 86- فَما ظَنُّکُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ 87- إذا لقیتموه و قد عبدتم غیره فَنَظَرَ إبراهیم نَظْرَةً فِی النُّجُومِ 88- یعنی الکواکب و ذلک أنه رأی نجما طلع فَقالَ لقادتهم: إِنِّی سَقِیمٌ 89- و هم ذاهبون إلی عیدهم «إِنِّی سَقِیمٌ» یعنی وجیع، و ذلک أنهم کانوا یعبدون الأصنام «کانت «2»» اثنین و سبعین صنما من ذهب و فضة «و شبه «3»» و نحاس و حدید و خشب و کان أکبر الأصنام عیناه من یاقوتتین حمراوین، و هو من ذهب و کانوا إذا خرجوا إلی عیدهم دخلوا قبل أن یخرجوا فیسجدون لها و یقربون الطعام ثم یخرجون إلی عیدهم فإذا
______________________________
(1) «إنا»: ساقطة من الأصل.
(2) فی أ: «فکانت».
(3) کذا فی أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 612
رجعوا من عیدهم فدخلوا علیها «سجدوا لها «1»» «ثم یتفرقون «2»» فلما خرجوا إلی عیدهم اعتل إبراهیم بالطاعون، و ذلک أنهم کانوا ینظرون فی النجوم، فنظر إبراهیم فی النجوم فقال: «إِنِّی سَقِیمٌ»، قال الفراء: کل من عمل فیه النقص و دب فیه الفناء و کان منتظر للموت فهو سقیم. فذلک قوله- عز و جل-:
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِینَ 90- ذاهبین و قد وضعوا الطعام و الشراب بین یدی آلهتهم فَراغَ إِلی آلِهَتِهِمْ إلی الصنم الکبیر و هو فی «3» بیت فَقالَ للآلهة أَ لا تَأْکُلُونَ 91- الطعام الذی بین أیدیکم ما لَکُمْ لا تَنْطِقُونَ 92- ما لکم لا تکلمون؟ ما لکم لا تردون جوابا، أ تأکلون، أولا تأکلون، فَراغَ یعنی فمال إلی آلهتهم «فراغ» عَلَیْهِمْ یعنی فأقبل علیها ضَرْباً بِالْیَمِینِ بیده الیمین «یکسرهم بالفأس فلما رجعوا من عیدهم، فَأَقْبَلُوا إِلَیْهِ یَزِفُّونَ 94- یمشون إلی إبراهیم یأخذونه بأیدیهم ف قالَ لهم إبراهیم:
أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ 95- و ما تنحتون من الأصنام [112 ب وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ 96- و ما تنحتون من الأصنام.
قال أبو محمد: قال الفراء: «ضَرْباً بِالْیَمِینِ» الذی حلفها علیها، فقال:
«وَ تَاللَّهِ لَأَکِیدَنَّ أَصْنامَکُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِینَ «4»». قال أبو محمد: حدثنی هناد، قال: حدثنا ابن یمان، قال: رأیت «سفیان «5»» جائیا من السوق بالکوفة، فقلت: من أین أقبلت؟ قال: من دار الصیادلة نهیتهم عن بیع
______________________________
(1) فی أ: «فسجدوا لها».
(2) فی الأصل: «ثم یتفرقوا».
(3) کذا فی أ، ل.
(4) سورة: الأنبیاء: 57.
(5) فی الأصل: «سفیانا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 613
الداذی «1» و إنی لأری الشی‌ء أنکره فلا أستطیع تغییره فأبول دما رجع إلی قول مقاتل «قالُوا» «2» ابْنُوا لَهُ بُنْیاناً قال ابن عباس: «بنوا» «3» حائطا من حجارة طوله فی السماء ثلاثون ذراعا، و عرضه عشرون ذراعا فَأَلْقُوهُ فِی الْجَحِیمِ 97- فی نار عظیمة قال اللّه- عز و جل- فی سورة الأنبیاء:
«... یا نارُ کُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ «4»»، «وَ أَرادُوا بِهِ کَیْداً «5» ...» سوءا، الآیة و علاهم إبراهیم- علیه السلام- «و سلمه «6»» اللّه- عز و جل- و حجزهم عنه فلم یلبثوا إلا یسیرا حتی أهلکهم اللّه- عز و جل- فما بقیت یومئذ دابة إلا جعلت تطفئ النار عن إبراهیم- علیه السلام-، غیر الوزغ کانت تنفخ النار علی إبراهیم، فأمر النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- بقتلها «فَأَرادُوا بِهِ کَیْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِینَ» «7»- 98- وَ قالَ و هو ببابل إِنِّی ذاهِبٌ یعنی مهاجر إِلی رَبِّی إلی رضی ربی «بالأرض «8»» المقدسة سَیَهْدِینِ 99- لدینه و هو أول من هاجر من الخلق و معه لوط و سارة فلما قدم «الأرض» «9» المقدسة سأل ربه الولد، فقال: رَبِّ هَبْ لِی مِنَ الصَّالِحِینَ 100- هب لی
______________________________
(1) کذا فی أ، و الروایة کلها لیست فی ل.
(2) «قالوا»: ساقطة من أ.
(3) فی أ: «یقول»، و فی ل: «بنوا».
(4) سورة الأنبیاء: 69 و تمامها: «قُلْنا یا نارُ کُونِی بَرْداً وَ سَلاماً عَلی إِبْراهِیمَ».
(5) سورة الأنبیاء: 70، و تمامها: «وَ أَرادُوا بِهِ کَیْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِینَ».
(6) فی أ: «و سلمهم».
(7) الآیة 98 ساقطة من أ، ل، هی و تفسیرها.
(8) فی الأصل: «بأرض».
(9) فی الأصل: «أرض».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 614
ولدا صالحا، فاستجاب له فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِیمٍ 101- یعنی علیم، و هو العالم «1»، و هو إسحاق بن سارة «2».
______________________________
(1) فی أ: و هو الغلام، و فی ل: و هو العالم.
(2) ذهب مقاتل إلی أن الذبیح إسحاق، و المشهور أنه إسماعیل، و فی کتاب بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی أنه إسماعیل و قد مر بک فی أول السورة «المقصود الإجمالی لسورة الصافات» أن الذبیح إسماعیل، فی رأی الفیروزآبادی و جمهور المفسرین، و یرجحه أن اللّه بشر إبراهیم بإسحاق بعد ذکر قصة الذبح فدل علی أن المبشر به غیر الذبیح. و قد عنی الطبری فی تفسیره لهذه الآیة بتحقیق الذبیح فقال: و اختلف أهل التأویل فی المفدی من الذبح من ابنی إبراهیم فقال بعضهم: هو إسحاق، و قال بعضهم: هو إسماعیل.
و أورد الطبری أدلة الفریقین فی أربع صفحات هی الصفحات 51- 54 من الجزء الثالث و العشرین.
«قال أبو جعفر»: و أولی القولین بالصواب فی المفدی من ابنی إبراهیم- خلیل الرحمن- علی ظاهر التنزیل قول من قال هو إسحاق لأن اللّه قال: «وَ فَدَیْناهُ بِذِبْحٍ عَظِیمٍ» سورة الصافات: 107 فذکر أنه فدی الغلام الحلیم الذی بشر به إبراهیم حین سأله أن یهب له ولدا صالحا من الصالحین فقال:
«رَبِّ هَبْ لِی مِنَ الصَّالِحِینَ» فإذا کان المفدی بالذبح من ابنیه هو المبشر به و کان اللّه- تبارک اسمه- قد بین فی کتابه أن الذی بشر به هو إسحاق و من وراء إسحاق یعقوب فقال- جل ثناؤه-:
«وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِکَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ یَعْقُوبَ» سورة هود: 71 و کان فی کل موضع من القرآن ذکر تبشیره إیاه بولد فإنما هو معنی به إسحاق کان بیتا أن تبشیره إیاه بقوله «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِیمٍ» فی هذا الموضع نحو سائر أخباره فی غیره من آیات القرآن ...
و قد ذهب الأستاذ سید قطب إلی أن الذبیح هو إسماعیل کما یرجح سیاق السیرة و السورة.
و رجح النسفی فی تفسیره أن الذبیح هو إسماعیل قال النسفی:
(و الأظهر أن الذبیح إسماعیل و هو قول أبی بکر و ابن عباس و ابن عمر و جماعة من التابعین- رضی اللّه عنهم- لقوله- علیه السلام- أنا ابن الذبیحین أحدهما جده إسماعیل و الآخر أبوه عهد اللّه.
و عن الأصمعی أنه قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبیح؟ فقال: یا أصمعی أین عزب عنک عقلک؟ و متی کان إسحاق یمکنه و إنما کان إسماعیل بمکة و هو الذی بنی البیت مع أبیه و النحر بمکة ...
و المسألة کما تری فیها خلاف بین المفسرین و المرجح لدی أن الذبیح هو إسماعیل- علیه السلام- و قد نقل النیسابوری فی تفسیره عددا من الحجج علی أن الذبیح هو إسماعیل لا إسحاق و کان الزجاج یقول اللّه أعلم أیهما الذبیح.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 615
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ مع أبیه السَّعْیَ المشی إلی الجبل قالَ یا بُنَیَّ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ لنذر کان علیه فیه یقول إنی أمرت فی المنام أَنِّی أَذْبَحُکَ فَانْظُرْ ما ذا تَری فرد علیه إسحاق «قالَ یا أَبَتِ «1»» افْعَلْ ما تُؤْمَرُ و أطع ربک فمن ثم لم یقل إسحاق لإبراهیم- علیهما السلام- افعل ما رأیت، و رأی إبراهیم ذلک ثلاث لیال متتابعات، و کان إسحاق قد صام و صلّی قبل الذبح سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِینَ 102- علی الذبح فَلَمَّا أَسْلَما یقول أسلما لأمر اللّه و طاعته وَ تَلَّهُ لِلْجَبِینِ 103- و کبه لجبهته، فلما أخذ بناصیته لیذبحه عرف اللّه- تعالی- منهما الصدق، قال الفراء فی قوله- عز و جل-: «ماذا تری»؟ مضموم التاء قال: المعنی ما «تری» من الجلد و الصبر علی طاعة اللّه- عز و جل-، و من قرأ «تری» أراد إبراهیم أن یعلم ما عنده من العزم، ثم هو ماض علی ذبحه، کما أمره اللّه- عز و جل- [113 أ] رجع إلی مقاتل وَ نادَیْناهُ أَنْ یا إِبْراهِیمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْیا فی ذبح ابنک، و خذ الکبش «إِنَّا کَذلِکَ «2»» نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ 105- هکذا نجزی کل محسن فجزاه اللّه- عز و جل- بإحسانه و طاعته، العفو عن ابنه إسحاق، ثم قال- عز و جل-: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِینُ 106- یعنی النعیم المبین حین عفا عنه و فدی بالکبش «وَ فَدَیْناهُ «3» بِذِبْحٍ عَظِیمٍ 107- ببیت المقدس الکبش اسمه رزین و کان من الوعل رعی فی الجنة أربعین سنة قبل أن یذبح وَ تَرَکْنا و أبقینا عَلَیْهِ فِی الْآخِرِینَ 108- الثناء الحسن یقال له من بعد موته فی الأرض، فذلک قوله- عز
______________________________
(1) «قالَ یا أَبَتِ»: ساقطة أ.
(2) فی أ: الآیة، و لم یذکر بقیتها.
(3) «و فدیناه»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 616
و جل-: سَلامٌ عَلی إِبْراهِیمَ 109- «یعنی «1»» بالسلام الثناء الحسن، یقال له من بعده فی أهل الأدیان، فی الناس کلهم، «کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ» «2»- 110- إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِینَ 111- یعنی المصدقین بالتوحید وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِیًّا «مِنَ الصَّالِحِینَ» «3»- 112- یقول و بشرنا إبراهیم بنبوة إسحاق بعد العفو عنه وَ بارَکْنا عَلَیْهِ علی إبراهیم وَ عَلی إِسْحاقَ «وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِما» «4» إبراهیم و إسحاق مُحْسِنٌ مؤمن وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ یعنی المشرک مُبِینٌ 113- وَ لَقَدْ مَنَنَّا أنعمنا عَلی مُوسی وَ هارُونَ 114- بالنبوة و هلاک عدوهما وَ نَجَّیْناهُما وَ قَوْمَهُما بنی إسرائیل «مِنَ الْکَرْبِ الْعَظِیمِ» «5»- 115- وَ نَصَرْناهُمْ «6» علی عدوهم «فَکانُوا هُمُ الْغالِبِینَ» «7»- 116- لفرعون و قومه وَ آتَیْناهُمَا الْکِتابَ الْمُسْتَبِینَ 117- «یقول أعطیناهما التوراة» «8» «المستبین» یعنی بین «ما فیه «9»».
______________________________
(1) «یعنی»: ساقطة من أ.
(2) «کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ»: ساقطة من أ.
(3) «من الصالحین»: ساقطة من أ.
(4) فی أ: «و من ذریته»، و فی حاشیة أ: الآیة «ذریتهما».
(5) «مِنَ الْکَرْبِ الْعَظِیمِ»: ساقطة من أ.
(6) فی أ: الآیة.
(7) «فَکانُوا هُمُ الْغالِبِینَ»: لیست فی أ.
(8) جملة «یقول أعطیناهما التوراة» من ل، و لیست فی أ.
(9) فی أ: «ما فیها»، و فی ل: «ما فیه».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 617
وَ هَدَیْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ 118- دین الإسلام وَ تَرَکْنا عَلَیْهِما «فِی الْآخِرِینَ» «1»- 119- «أبقینا «2»» من بعدهما الثناء الحسن یقال لهما بعدهما، و ذلک قوله- عز و جل-: سَلامٌ عَلی مُوسی وَ هارُونَ 120- یعنی بالسلام الثناء الحسن إِنَّا کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ 121- هکذا نجزی کل من أحسن «3» «إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِینَ» «4»- 122- وَ إِنَّ إِلْیاسَ «بن فنحن «5» لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ 123- إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ 124- یعنی ألا تعبدون أَ تَدْعُونَ بَعْلًا أ تعبدون ربا بلغة الیمن «الإله «6»» یسمی بعلا و کان صنما من ذهب ببعلبک بأرض الشام فکسره إلیاس، ثم هرب منهم وَ تَذَرُونَ عبادة أَحْسَنَ الْخالِقِینَ 125- فلا تعبدونه «اللَّهَ رَبَّکُمْ» «7» وَ رَبَّ آبائِکُمُ الْأَوَّلِینَ 126- «فَکَذَّبُوهُ» «8» فکذبوا إلیاس النبی- علیه السلام- فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ 127- النار، ثم استثنی إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ 128- یعنی المصدقین لا یحضرون النار «وَ تَرَکْنا عَلَیْهِ فِی الْآخِرِینَ» «9»- 129- سَلامٌ عَلی «إِلْ‌یاسِینَ» «10»- 130- یعنی بالسلام الثناء الحسن و الخیر الذی
______________________________
(1) «فی الآخرین»: ساقطة من أ.
(2) فی أ: «أبقینا»، و فی ل: «یقول و أبقینا».
(3) فی أ زیادة: (المؤمنین) یعنی المصدقین.
(4) «إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِینَ»: ساقطة من الأصل و تفسیرها.
(5) فی أ: «فنحن»، و فی ل: «فحمی».
(6) فی أ، ل: «آلهة».
(7) «اللَّهَ رَبَّکُمْ» الآیة فی أ، و لم تذکر بقیتها.
(8) فی أ: (فکذبوه) إلیاس.
(9) «وَ تَرَکْنا عَلَیْهِ فِی الْآخِرِینَ»: ساقطة من أ.
(10) فی أ: «الیاسین».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 618
ترک علیه فی الآخرین «إِنَّا «1»» کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ 131- هکذا نجزی کل محسن «إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا «2»» الْمُؤْمِنِینَ 132- المصدقین بالتوحید.
قال الفراء عن حیان الکلبی «إل یاسین» یعنی به النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، فإذا قال «سَلامٌ عَلی إِلْ‌یاسِینَ» فالمعنی سلام علی آل محمد- صلی اللّه علیه و سلم-، و آل «3» [113 ب کل نبی من اتبعه علی دینه، و آل فرعون من اتبعه علی دینه، فذلک قوله- عز و جل- «... أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ... «4»»، رجع إلی مقاتل، وَ إِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ 133- أرسل إلی سدوم، و دامورا، و عامورا، و صابورا أربع مدائن کل مدینة مائة الف إِذْ نَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِینَ 134- یعنی ابنتیه «ریثا، و زعوثا» «5» ثم استثنی امرأة، فقال- جل و عز-: إِلَّا عَجُوزاً فِی الْغابِرِینَ 135- یعنی فی الباقین فی العذاب، «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِینَ» «6» نظیرها فی الشعراء «... الآخرین «7»» ثم أهلکنا بقیتهم بالخسف و الحصب وَ إِنَّکُمْ یا أهل مکة لَتَمُرُّونَ «عَلَیْهِمْ «8»» مُصْبِحِینَ 137- وَ بِاللَّیْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ 138- علی القری نهارا و لیلا غدوة و عشیة إذا انطلقتم إلی الشام إلی التجارة وَ إِنَّ یُونُسَ و هو ابن متّی من أهل نینوی لَمِنَ الْمُرْسَلِینَ 139-
______________________________
(1) «انا»: ساقطة من أ.
(2) «إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا»: ساقطة من أ.
(3) فی أ: تکررت «و آل» مرتین.
(4) سورة غافر: 46.
(5) فی أ: زیتا و زعونا، و فی ل: «ریثا و زعوتا»، و فی ف: «ریثا و زعونا».
(6) «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِینَ»: ساقط من الأصل.
(7) سورة الشعراء: 172، و تمامها «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِینَ».
(8) بقیة الآیة 137، و الآیة 138، ساقطتان من الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 619
کان من بنی إسرائیل إِذْ أَبَقَ إِلَی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ 140- الموقر من الناس و الدواب «فساهم» و ذلک أنه دخل السفینة فلف رأسه و نام فی جانبها فوکل اللّه- عز و جل- به الحوت، و اسمها اللخم فاحتبست سفینتهم و لم تجر، فخاف القوم الغرق، فقال بعضهم لبعض: إن فینا لعبدا مذنبا. قالوا: له و هو ناحیتها یا عبد اللّه من أنت؟ ألا تری «أنا «1»» قد غرقنا؟ قال: أنا المطلوب أنا یونس بن متی فاقذفونی فی البحر. قالوا: نعوذ باللّه أن نقذفک یا رسول اللّه، فقارعهم ثلاث مرات کل ذلک یقرعونه. فقالوا: لا، و لکن نکتب أسماءنا، ثم نقذف بها فی الماء ففعل ذلک، فقالوا: اللهم إن کان هذا طلبتک «فغرق اسمه، و خرج أسماءنا» «2» فغرق اسمه «و ارتفعت» «3» أسماؤهم، ثم قالوا الثانیة: اللهم إن کنت إیاه تطلب فغرق «أسماءنا «4»» و ارفع اسمه فغرقت أسماؤهم، و ارتفع اسمه، ثم قالوا الثالثة: اللهم إن کنت إیاه تطلب فغرق اسمه و ارفع أسماءنا، فغرق اسمه و ارتفعت أسماؤهم، فلما رأوا ذلک ثلاث «مرات «5»» أخذوا بیده لیقذفوه فی الماء، و لم یکن أوحی اللّه إلی الحوت ماذا الذی یرید به؟ فلما قذف أوحی إلی الحوت- و لیس بینه و بین الماء إلا شبران- لی فی عبدی حاجة إنی لم أجعل عبدی لک رزقا، و لکن جعلت بطنک له مسجدا فلا تحسری له شعرا و بشرا، و لا «تردی «6»» علیه طعاما و لا شرابا، قال، فقال له الماء و الریح: أین أردت أن تهرب، من الذی یعبد فی السماء و الأرض،
______________________________
(1) «أنا»: من ل، و لیست فی أ.
(2) ما بین القوسین «...»: من ل، و لیست فی أ.
(3) فی أ: و ارتفعت، و فی ل: و خرجت.
(4) فی أ: «أسماؤنا»، و فی ل: «أسماؤنا».
(5) «مرات»: من ل، و لیست فی أ.
(6) فی ل: «تردی»، و فی أ: «تزدری».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 620
فواللّه إنا لنعبده، و إنا لنخشی أن یعاقبنا. و جعل یونس «یذکر «1»» اللّه- عز و جل-، و یذکر [114 أ] کل شی‌ء صنع و لا یدعوه فألهمه اللّه- جل و عز- عند الوقت «2» فدعاه ففلق دعاءه البحر و السحاب فنادی بالتوحید، ثم نزه الرب- عز و جل- أنه لیس أهل «لأن «3»» یعصی، ثم اعترف فقال: «... لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظَّالِمِینَ «4»».
«فَساهَمَ فَکانَ مِنَ الْمُدْحَضِینَ» «5»- 141- یعنی فقارعهم فکان من المقروعین المغلوبین فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِیمٌ 142- یعنی استلام إلی ربه قال الفراء: ألام الرجل إذا استحق اللوم و هو ملیم، و قال أیضا: و لیم علی أمر قد کان منه فهو ملوم علی ذلک، رجع إلی قول مقاتل. «6» فَلَوْ لا أَنَّهُ کانَ قبل أن یلتقمه الحوت مِنَ الْمُسَبِّحِینَ 143- یعنی من المصلین قبل المعصیة و کان فی زمانه کثیر الصلاة و الذکر للّه- جل و عز- فلو لا ذلک لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ عقوبة فیه إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ 144- الناس من قبورهم «7» فَنَبَذْناهُ ألقیناه بِالْعَراءِ یعنی البراری من
______________________________
(1) فی أ: «یذکر»، و فی ل: «یدعو».
(2) کذا فی أ، ل. و لعل المراد عند الوقت المستجاب فیه الدعاء.
(3) فی أ، و فی ل: «أن».
(4) سورة الأنبیاء: 78.
(5) من ل، و لیست فی أ.
(6) هذا دلیل قاطع علی أن التفسیر فی أ، ل و جمیع النسخ لمقاتل و لیس لهذیل بن حبیب، کما ذهب إلی ذلک الدکتور یوسف العش، ثم إن جمیع النسخ متشابهة إلی حد کبیر فکیف نقول هذه لمقاتل و تلک لهذیل بن حبیب؟.
(7) کذا فی أ، ل، و المراد إلی یوم یبعث الناس من قبورهم، فلا یجوز أن یقال یبعثون الناس من قبورهم، إلا علی لغة أکلونی البراغیث و هی لغة ضعیفة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 621
الأرض التی لیس فیها نبت، وَ هُوَ سَقِیمٌ 145- یعنی مستقام «1» وجیع وَ أَنْبَتْنا عَلَیْهِ شَجَرَةً مِنْ یَقْطِینٍ 146- یعنی من قرع یأکل منها، و یستظل بها، و کانت تختلف إلیه، و علة فیشرب من لبنها و لا تفارقه وَ أَرْسَلْناهُ قبل أن یلتقمه الحوت إِلی مِائَةِ أَلْفٍ من الناس أَوْ یعنی بل یَزِیدُونَ 147- عشرون ألفا علی مائة ألف کقوله- عز و جل-: «... قابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنی «2»» یعنی بل أدنی أرسله إلی نینوی فَآمَنُوا فصدقوا بتوحید اللّه- عز و جل- فَمَتَّعْناهُمْ فی الدنیا إِلی حِینٍ 148- منتهی آجالهم.
حدثنا عبد اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل، قال، و قال مقاتل: کل شی‌ء ینبسط مثل القرع و الکرم و القثاء و الکشوتا ... و نحوها فهو یسمی یقطینا.
قال الفراء: قال ابن عباس: کل ورقة انشقت، و استوت فهی یقطین.
و قال أبو عبیدة: کل شجرة لا تقوم علی ساق فهی یقطین فَاسْتَفْتِهِمْ یقول للنبی- صلّی اللّه علیه و سلم- فأسال کفار مکة منهم النضر بن الحارث أَ لِرَبِّکَ الْبَناتُ یعنی الملائکة وَ لَهُمُ الْبَنُونَ 149- فسألهم النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- فی الطور و النجم و ذلک أن جهینة و بنی سلمة عبدوا الملائکة و زعموا أن حیا من الملائکة یقال لهم الجن منهم إبلیس أن اللّه- عز و جل- اتخذهم بنات لنفسه، فقال لهم أبو بکر الصدیق: فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن، یقول اللّه- عز و جل-: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِکَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ 150-
______________________________
(1) کذا فی أ، ل.
(2) سورة النجم: 9.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 622
لخلق الملائکة إنهم إناث نظیرها فی الزخرف «1» أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْکِهِمْ من کذبهم لَیَقُولُونَ 151- وَلَدَ اللَّهُ [114 ب وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ 152- فی قولهم یقول اللّه- عز و جل- أَصْطَفَی استفهام، أختار الْبَناتِ عَلَی الْبَنِینَ 153- و البنون أفضل من البنات ما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ 154- یعنی کیف تقضون الجور حین تزعمون أن للّه- عز و جل- البنات و لکم البنون أَ فَلا تَذَکَّرُونَ 155- أنه لا یختار البنات علی البنین أَمْ لَکُمْ بما تقولون «سُلْطانٌ مُبِینٌ» «2»- 156- کتاب من اللّه- عز و جل- أن الملائکة بنات اللّه فَأْتُوا بِکِتابِکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 157- ثم قال- جل و عز-: وَ جَعَلُوا و وصفوا بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً بین الرب- تعالی- و الملائکة حین زعموا أنهم بنات اللّه- عز و جل- وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ 158- لقد علم ذلک الحی من الملائکة و من قال إنهم بنات اللّه «إنهم لمحضرون» النار سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ 159- عما یقولون من الکذب إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ 160- الموحدین فإنهم لا یحضرون النار. «3» فَإِنَّکُمْ یعنی کفار مکة وَ ما تَعْبُدُونَ 161- من الآلهة ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ علی ما تعبدون من الأصنام بِفاتِنِینَ 162- یقول بمضلین أحدا بآلهتکم إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِیمِ 163- إلا من قدر اللّه- عز و جل- أنه یصلی الجحیم، و سبقت له
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 19 من سورة الزخرف، و هی: «وَ جَعَلُوا الْمَلائِکَةَ الَّذِینَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُکْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ یُسْئَلُونَ».
(2) «سلطان مبین»: ساقطة من أ.
(3) فی أ، و غیرها. فسرت الآیات: 158 ثم 160 ثم 159 علی التوالی، و قد أعدت ترتیبها حسب ورودها فی المصحف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 623
الشقاوة «وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ» «1»- 164- وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ 165- یعنی صفوف الملائکة فی السموات فی الصلاة وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ 166- یعنی المصلین، یخبر جبریل النبی «2»- صلی اللّه علیه و سلم- بعبارتهم لربهم- عز و جل- فکیف یعبدهم کفار مکة، قوله- عز و جل- وَ إِنْ کانُوا لَیَقُولُونَ 167- کفار مکة لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِکْراً مِنَ الْأَوَّلِینَ 168- خبر الأمم الخالیة کیف أهلکوا و ما کان من أمرهم لَکُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِینَ 169- بالتوحید نزلت فی الملأ من قریش، فقص اللّه- عز و جل- علیهم خبر الأولین، و علم الآخرین فَکَفَرُوا بِهِ بالقرآن فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ 170- هذا وعید یعنی القتل ببدر وَ لَقَدْ سَبَقَتْ کَلِمَتُنا بالنصر لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِینَ 171- یعنی الأنبیاء- علیهم السلام- یعنی بالکلمة قوله- عز و جل: کَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِی ... «3» فهذه الکلمة التی سبقت للمرسلین، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ 172- علی کفار قریش وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ 173- حزبنا یعنی المؤمنین «لهم الغالبون» الذین نجوا من عذاب الدنیا و الآخرة. فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِینٍ 174- یقول اللّه- عز و جل- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فأعرض عن کفار مکة إلی العذاب، إلی القتل ببدر وَ أَبْصِرْهُمْ إذا نزل بهم العذاب ببدر فَسَوْفَ یُبْصِرُونَ 175- العذاب، فقالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: متی هذا الوعد؟ تکذیبا به فأنزل اللّه- عز و جل- أَ فَبِعَذابِنا
______________________________
(1) الآیة کلها ساقطة من ا.
(2) فی ا: للنبی.
(3) سورة المجادلة: 21.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 624
[115 ا] یَسْتَعْجِلُونَ 176- فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ بحضرتهم فَساءَ صَباحُ فبئس صباح الْمُنْذَرِینَ 177- الذین أنذروا العذاب، ثم عاد فقال- عز و جل-: وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِینٍ 178- أعرض عنهم إلی تلک المدة القتل ببدر «وَ أَبْصِرْ» «1» و ابصر العذاب فَسَوْفَ یُبْصِرُونَ 179- العذاب، ثم نزه نفسه عن قولهم فقال- جل و عز-: سُبْحانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّةِ یعنی عزة من یتعزز «2» من ملوک الدنیا عَمَّا یَصِفُونَ 180- عما یقولون من الکذب إن الملائکة بنات اللّه- عز و جل- وَ سَلامٌ عَلَی الْمُرْسَلِینَ 181- الذین بلغوا عن اللّه التوحید وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ 182- علی هلاک الآخرین الذین لم یوحدوا ربهم.
______________________________
(1) فی الأصل: «و أبصرهم».
(2) فی ا: من یعزر ملوک الدنیا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 625

سورة ص‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 627

[سورة ص (38): الآیات 1 الی 88]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
ص وَ الْقُرْآنِ ذِی الذِّکْرِ (1) بَلِ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ (2) کَمْ أَهْلَکْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَ لاتَ حِینَ مَناصٍ (3) وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَ قالَ الْکافِرُونَ هذا ساحِرٌ کَذَّابٌ (4)
أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ عُجابٌ (5) وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلی آلِهَتِکُمْ إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ یُرادُ (6) ما سَمِعْنا بِهذا فِی الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) أَ أُنْزِلَ عَلَیْهِ الذِّکْرُ مِنْ بَیْنِنا بَلْ هُمْ فِی شَکٍّ مِنْ ذِکْرِی بَلْ لَمَّا یَذُوقُوا عَذابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّکَ الْعَزِیزِ الْوَهَّابِ (9)
أَمْ لَهُمْ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما فَلْیَرْتَقُوا فِی الْأَسْبابِ (10) جُنْدٌ ما هُنالِکَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (11) کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَیْکَةِ أُولئِکَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ کُلٌّ إِلاَّ کَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14)
وَ ما یَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَیْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (15) وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ یَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ اذْکُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَیْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ یُسَبِّحْنَ بِالْعَشِیِّ وَ الْإِشْراقِ (18) وَ الطَّیْرَ مَحْشُورَةً کُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
وَ شَدَدْنا مُلْکَهُ وَ آتَیْناهُ الْحِکْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ (20) وَ هَلْ أَتاکَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلی داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغی بَعْضُنا عَلی بَعْضٍ فَاحْکُمْ بَیْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلی سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِی لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِیَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَکْفِلْنِیها وَ عَزَّنِی فِی الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤالِ نَعْجَتِکَ إِلی نِعاجِهِ وَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَیَبْغِی بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ قَلِیلٌ ما هُمْ وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راکِعاً وَ أَنابَ (24)
فَغَفَرْنا لَهُ ذلِکَ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفی وَ حُسْنَ مَآبٍ (25) یا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوی فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ بِما نَسُوا یَوْمَ الْحِسابِ (26) وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما باطِلاً ذلِکَ ظَنُّ الَّذِینَ کَفَرُوا فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ کَالْمُفْسِدِینَ فِی الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِینَ کَالْفُجَّارِ (28) کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ مُبارَکٌ لِیَدَّبَّرُوا آیاتِهِ وَ لِیَتَذَکَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29)
وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَیْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَیْهِ بِالْعَشِیِّ الصَّافِناتُ الْجِیادُ (31) فَقالَ إِنِّی أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَیْرِ عَنْ ذِکْرِ رَبِّی حَتَّی تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) رُدُّوها عَلَیَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ (33) وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَیْمانَ وَ أَلْقَیْنا عَلی کُرْسِیِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34)
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَ هَبْ لِی مُلْکاً لا یَنْبَغِی لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِی إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّیحَ تَجْرِی بِأَمْرِهِ رُخاءً حَیْثُ أَصابَ (36) وَ الشَّیاطِینَ کُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ (37) وَ آخَرِینَ مُقَرَّنِینَ فِی الْأَصْفادِ (38) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِکْ بِغَیْرِ حِسابٍ (39)
وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفی وَ حُسْنَ مَآبٍ (40) وَ اذْکُرْ عَبْدَنا أَیُّوبَ إِذْ نادی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ (41) ارْکُضْ بِرِجْلِکَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ (42) وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَ ذِکْری لِأُولِی الْأَلْبابِ (43) وَ خُذْ بِیَدِکَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
وَ اذْکُرْ عِبادَنا إِبْراهِیمَ وَ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ أُولِی الْأَیْدِی وَ الْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِکْرَی الدَّارِ (46) وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الْأَخْیارِ (47) وَ اذْکُرْ إِسْماعِیلَ وَ الْیَسَعَ وَ ذَا الْکِفْلِ وَ کُلٌّ مِنَ الْأَخْیارِ (48) هذا ذِکْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِینَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) مُتَّکِئِینَ فِیها یَدْعُونَ فِیها بِفاکِهَةٍ کَثِیرَةٍ وَ شَرابٍ (51) وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) هذا ما تُوعَدُونَ لِیَوْمِ الْحِسابِ (53) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (54)
هذا وَ إِنَّ لِلطَّاغِینَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (56) هذا فَلْیَذُوقُوهُ حَمِیمٌ وَ غَسَّاقٌ (57) وَ آخَرُ مِنْ شَکْلِهِ أَزْواجٌ (58) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَکُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (59)
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِکُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (60) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِی النَّارِ (61) وَ قالُوا ما لَنا لا نَری رِجالاً کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِیًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) إِنَّ ذلِکَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُمَا الْعَزِیزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِیمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما کانَ لِی مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلی إِذْ یَخْتَصِمُونَ (69)
إِنْ یُوحی إِلَیَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِیرٌ مُبِینٌ (70) إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ (71) فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاَّ إِبْلِیسَ اسْتَکْبَرَ وَ کانَ مِنَ الْکافِرِینَ (74)
قالَ یا إِبْلِیسُ ما مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أَسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْعالِینَ (75) قالَ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّکَ رَجِیمٌ (77) وَ إِنَّ عَلَیْکَ لَعْنَتِی إِلی یَوْمِ الدِّینِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (79)
قالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ (80) إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِکَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (82) إِلاَّ عِبادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ (83) قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ (84)
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ (85) قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِینَ (86) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ لِلْعالَمِینَ (87) وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِینٍ (88)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 633
سورة ص «1» سورة ص مکیة عددها ثمانون و ثمانون آیة کوفی «2»
______________________________
(1) معظم مقصود السورة:
بیان تعجب الکفار من نبوة المصطفی- صلّی اللّه علیه و سلم- وصف المنکرین رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلم- بالاختلاق و الافتراء، و اختصاص الحق- تعالی- بملک الأرض و السماء، و ظهور أحوال یوم القضاء، و عجائب حدیث داود و أوربا و قصة سلیمان فی حدیث الملک، علی سبیل المنة و العطاء، و ذکر أیوب فی الشفاء، و الابتلاء، و تخصیص إبراهیم و أولاده من الأنبیاء، و حکایة أحوال ساکنی جنة المأوی، و عجز حال الأشقیاء فی سقر و لظی: و واقعة إبلیس مع آدم و حواء، و تهدید الکفار علی تکذیبهم للنبی المجتبی فی قوله: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِکْرٌ لِلْعالَمِینَ، وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِینٍ سورة ص: 87- 88.
و لها اسمان: سورة ص، لافتتاحها بها، و سورة داود لاشتمالها علی قصته فی قوله:
«... وَ اذْکُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَیْدِ» سورة ص: 17.
(2) فی المصحف (38) سورة ص مکیة و آیاتها 88 نزلت بعد القمر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 635
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 693
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ص وَ الْقُرْآنِ ذِی الذِّکْرِ- 1- یعنی ذا البیان «بَلِ» «1» الَّذِینَ کَفَرُوا بالتوحید من أهل مکة فِی عِزَّةٍ یعنی فی حمیة، کقوله فی البقرة: «... أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ... «2»» الحمیة وَ شِقاقٍ 2- اختلاف، ثم خوفهم فقال- جل و عز-: کَمْ أَهْلَکْنا مِنْ قَبْلِهِمْ من قبل کفار مکة مِنْ قَرْنٍ من أمة بالعذاب فی الدنیا، الأمم الخالیة، فَنادَوْا عند نزول العذاب فی الدنیا وَ لاتَ حِینَ مَناصٍ 3- یعنی لیس هذا بحین قرار فخوفهم لکیلا یکذبوا محمدا- صلّی اللّه علیه و سلم-، ثم قال- جل و عز-: وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ محمد- صلّی اللّه علیه و سلم- مُنْذِرٌ مِنْهُمْ رسول منهم وَ قالَ الْکافِرُونَ من أهل مکة هذا ساحِرٌ یفرق بین الاثنین کَذَّابٌ 4- یعنون النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- حین یزعم أنه رسول أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً «إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ عُجابٌ» «3»- 5- و ذلک حین أسلم عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- فشق علی قریش إسلام عمر، و فرح به المؤمنون وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ و هم سبعة و عشرون رجلا، و الملأ فی کلام العرب الأشراف منهم الولید بن المغیرة،
______________________________
(1) «بل»: ساقطة من ا.
(2) سورة البقرة: 206، و تمامها: «وَ إِذا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ».
(3) «إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ عُجابٌ»: ساقط من ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 636
و أبو جهل بن هشام، و أمیة و أبی ابنا خلف، ... و غیرهم، فقال الولید بن المغیرة:
أَنِ امْشُوا إلی أبی طالب وَ اصْبِرُوا و اثبتوا عَلی عبادة آلِهَتِکُمْ نظیرها فی الفرقان «... لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَیْها «1» ...» یعنی ثبتنا، فقال اللّه- عز و جل- فی الجواب: «فَإِنْ یَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْویً لَهُمْ «2» ...» فمشوا إلی أبی طالب فقالوا: أنت شیخنا و کبیرنا و سیدنا فی أنفسنا و قد رأیت ما فعلت [115 ب السفهاء و إنا أتیناک لتقضی بیننا و بین «ابن» «3» أخیک.
فأرسل أبو طالب إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فأتاه، فقال أبو طالب: هؤلاء قومک، یسألونک السواء فلا تمل کل المیل علی قومک. فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلم-: و ماذا یسألونی؟
قالوا: ارفض ذکر آلهتنا و ندعک و إلهک. فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- «لهم» «4»: أعطونی أنتم کلمة واحدة تملکون بها العرب، و تدن لکم بها العجم.
فقال أبو جهل: للّه أبوک لنعطینکها و عشرا معها. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: قولوا لا إله إلا اللّه.
فنفروا من ذلک، فقاموا، فقالوا: «أجعل» یعنی وصف محمد «الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا الذی یقول «لَشَیْ‌ءٌ عُجابٌ» یعنی لأمر عجب، بلغة أزد شنوءة، أن تکون الآلهة واحدا إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ الأمر یُرادُ- 6- ما سَمِعْنا بِهذا الأمر الذی یقول محمد فِی الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ یعنی ملة النصرانیة، و هی آخر الملل لأن النصاری یزعمون أن مع اللّه
______________________________
(1) سورة الفرقان: 42، و تمامها «إِنْ کادَ لَیُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَیْها وَ سَوْفَ یَعْلَمُونَ حِینَ یَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِیلًا».
(2) سورة فصلت: 24. و تمامها: «فَإِنْ یَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْویً لَهُمْ وَ إِنْ یَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِینَ».
(3) «ابن»: زیادة اقتضاها السیاق.
(4) فی ا: «أم»، و فی کتب السیرة: «لهم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 637
عیسی بن مریم، ثم قال الولید: إِنْ هذا القرآن إِلَّا اخْتِلاقٌ 7- من محمد تقوله من تلقاء نفسه، ثم قال الولید: أَ أُنْزِلَ عَلَیْهِ الذِّکْرُ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- مِنْ بَیْنِنا و نحن أکبر سنا و أعظم شرفا، یقول اللّه- عز و جل- لقول الولید: «إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ» یقول اللّه- تعالی-:
بَلْ هُمْ فِی شَکٍّ مِنْ ذِکْرِی یعنی القرآن بَلْ لَمَّا یعنی لم یَذُوقُوا عَذابِ 8-، مثل قوله «... وَ لَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ «1» ...» یعنی لم یدخل الإیمان فی قلوبکم أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّکَ یعنی نعمة ربک و هی النبوة، نظیرها فی الزخرف «أَ هُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّکَ ... «2»» یعنی النبوة یقول أ بأیدیهم مفاتیح النبوة و الرسالة فیضعونها حیث شاءوا، فإنها لیست بأیدیهم و لکنها بید الْعَزِیزِ فی ملکه الْوَهَّابِ 9- الرسالة، و النبوة لمحمد- صلّی اللّه علیه و سلم-، ثم قال: أَمْ لَهُمْ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما یعنی کفار قریش یقول ألهم ملکهما و أمرهما، بل اللّه یوحی الرسالة إلی من یشاء، ثم قال: فَلْیَرْتَقُوا فِی الْأَسْبابِ 10- یعنی الأبواب إن کانوا صادقین بأن محمدا- صلّی اللّه علیه و سلم- تخلقه من تلقاء نفسه، یقول الولید: «إن هذا إلا اختلاق الأسباب» یعنی الأبواب التی فی السماء، فلیستمعوا إلی الوحی حین یوحی اللّه- عز و جل- إلی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم-، ثم أخبر عنهم فقال:
جُنْدٌ ما هُنالِکَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ 11- فأخبر اللّه- تعالی- بهزیمتهم ببدر مثل قوله: «سَیُهْزَمُ الْجَمْعُ ...» «3» ببدر و الأحزاب [116 ا] بنی المغیرة
______________________________
(1) سورة الحجرات: 14.
(2) سورة الزخرف: 32.
(3) سورة القمر: 45.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 638
و بنی أمیة، «و آل «1»» أبی طلحة کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ- 12- «کان یأخذ الرجل فیمده بین أربعة أوتاد، و وجهه الی السماء، و کان «یوثق» «2» کل رجل إلی ساریة مستلقیا بین السماء و الأرض فیترکه حتی یموت» «3» وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَیْکَةِ یعنی غیضة الشجر و هو المقل و هی قریة شعیب یعزی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- لیصبر علی «تکذیب» «4» کفار مکة، کما کذبت الرسل قبله فصبروا، ثم قال: أُولئِکَ الْأَحْزابُ 13- یعنی الأمم الخالیة إِنْ کُلٌّ إِلَّا کَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ 14- یقول فوجب عقابی علیهم فاحذروا یا أهل مکة مثله فلا تکذبوا محمدا- صلّی اللّه علیه و سلم- فکذبوه بالعذاب فی الدنیا و الآخرة فقالوا متی هذا العذاب؟ فأنزل اللّه- عز و جل- وَ ما یَنْظُرُ هؤُلاءِ یعنی کفار مکة یقول ما ینظرون بالعذاب إِلَّا صَیْحَةً واحِدَةً یعنی نفخة الأولی لیس لها مثنویة، نظیرها فی یس «... صَیْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ یَخِصِّمُونَ «5» ...» ما لَها مِنْ فَواقٍ 15- یقول ما لها من مرد و لا رجعة وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا و ذلک أن اللّه- عز و جل- ذکر فی الحاقة أن الناس یعطون کتبهم بأیمانهم و شمائلهم فقال أبو جهل: «عَجِّلْ لَنا قِطَّنا» یعنی کتابنا الذی تزعم أنا نعطی فی الآخرة فعجله لنا قَبْلَ یَوْمِ الْحِسابِ 16- یقول ذلک تکذیبا به فأنزل اللّه-
______________________________
(1) فی ا: إلی، و فی ل: و آل.
(2) الکلمة غیر واضحة فی ل، ف.
(3) من ل، و فی ف، ا: «الأوتاد» یعنی العقابین.
(4) فی ا: تکذیبهم، و فی ف: تکذیب.
(5) سورة یس: 49. و تمامها: «ما یَنْظُرُونَ إِلَّا صَیْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ یَخِصِّمُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 639
عز و جل- اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ یعنی أبا جهل یعزی نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- لیصبر علی تکذیبهم وَ اذْکُرْ عَبْدَنا داوُدَ «بن أشی و یقال میشا» «1» بن «عوید» «2» بن فارض بن یهوذا بن یعقوب- علیه السلام- ذَا الْأَیْدِ یعنی القوة فی العبادة إِنَّهُ أَوَّابٌ 17- یعنی مطیع إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ یُسَبِّحْنَ بِالْعَشِیِّ وَ الْإِشْراقِ 18- و کان داود- علیه السلام- إذا ذکر اللّه ذکرت الجبال معه ففقه تسبیح الجبال وَ الطَّیْرَ مَحْشُورَةً یعنی مجموعة، و سخرنا الطیر محشورة کُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ 19- یقول کل الطیر لداود مطیع وَ شَدَدْنا مُلْکَهُ قال کان یحرسه کل لیلة ثلاثة و ثلاثون ألفا من بنی إسرائیل، ثم قال: وَ آتَیْناهُ الْحِکْمَةَ یعنی «و أعطیناه «3» الفهم و العلم» وَ فَصْلَ الْخِطابِ 20- یقول و أعطیناه فصل القضاء: البینة علی المدعی و الیمین علی من أنکر وَ هَلْ أَتاکَ نَبَأُ یعنی حدیث الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ 21- و ذلک أن داود قال: رب اتخذت إبراهیم خلیلا و کلمت موسی تکلیما، فوددت أنک أعطیتنی من الذکر مثل ما أعطیتهما، فقال له: إنی ابتلیتهما بما لم أبتلک به، فإن شئت [116 ب ابتلیتک بمثل الذی ابتلیتهما، و أعطیتک مثل ما أعطیتهما من الذکر، قال: نعم، قال: أعمل عملک. فمکث داود- علیه السلام- ما شاء اللّه- عز و جل-، یصوم نصف الدهر، و یقوم نصف اللیل، إذا صلی فی المحراب فجاء طیر حسن ملون فوقع إلیه فتناوله فصار إلی الکوة، فقام لیأخذه فوقع الطیر فی بستان فأشرف داود فرأی امرأة تغتسل فتعجب من حسنها، و أبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها
______________________________
(1) من ل، و فی ا: «بن أشی بن لمس».
(2) من ل، و لیست فی ا.
(3) فی ا: «و أعطیناه».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 640
فغطت جسمها، فزاده ذلک بها عجبا و دخلت المرأة منزلها، و بعث داود غلاما فی أثرها إذا هی بتسامح امرأة أدریا بن حنان، و زوجها فی الغزو فی بعث البلقاء الذی بالشام، مع «نواب» «1» بن صور یا ابن أخت داود- علیه السلام- فکتب داود إلی ابن أخته بعزیمة أن یقدم أدریا فیقاتل أهل البلقاء، و لا یرجع حتی یفتحها أو یقتل فقدمه فقتل- رحمة اللّه علیه- فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود، فولدت له سلیمان بن داود، فبعث اللّه- عز و جل- إلی داود- علیه السلام- ملکین، لیستنقذه بالتوبة، فأتوه یوم رأس المائة فی المحراب و کان یوم عبادته الحرس حوله، «إِذْ دَخَلُوا عَلی داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ» «2» فلما رآهما داود قد تسوروا المحراب فزع داود، و قال فی نفسه: لقد ضاع ملکی حین یدخل علی بغیر أذن.
«قالُوا» «3» فقال أحدهما لداود: لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغی بَعْضُنا عَلی بَعْضٍ فَاحْکُمْ بَیْنَنا بِالْحَقِ یعنی بالعدل وَ لا تُشْطِطْ یعنی و لا تجر فی القضاء وَ اهْدِنا إِلی سَواءِ الصِّراطِ- 22- یقول أرشدنا «الی قصد الطریق» «4» ثم قال: إِنَّ هذا أَخِی یعنی الملک الذی معه لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً یعنی تسع و تسعون امرأة و هکذا کن لداود «5».
______________________________
(1) فی ا: «ثواب».
(2) ما بین القوسین «...»: ساقط من ا.
(3) «قالوا»: ساقطة من ا.
(4) فی ا: «إلی قصد و هو عدل الطریق»، ف: «إلی قصد الطریق».
(5) اتبع مقاتل هنا الإسرائیلیات التی تنقص من قدر الأنبیاء و تنسب إلیهم المعاصی.
مع أن اللّه حفظ ظواهرهم و بواطنهم من التلبس بأمر منهی عنه، إن الأنبیاء هداة البشریة و الأسوة الحسنة التی قال اللّه فیها «أُولئِکَ الَّذِینَ هَدَی اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ...» سورة الأنعام: 90.-
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 641
ثم قال: وَ لِیَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ یعنی امرأة واحدة فَقالَ أَکْفِلْنِیها یعنی أعطینها وَ عَزَّنِی فِی الْخِطابِ 23- یعنی غلبنی فی المخاطبة، إن دعا کان أکثر منی ناصرا، و إن بطش کان أشد منی بطشا، و إن تکلم کان أبین منی فی المخاطبة قالَ داود: لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤالِ نَعْجَتِکَ إِلی نِعاجِهِ یعنی بأخذه التی لک من الواحدة، إلی التسع و التسعین التی له وَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ الْخُلَطاءِ یعنی الشرکاء لَیَبْغِی بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ لیظلم بعضهم بعضا إِلَّا استثناء، فقال: «إلا» الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا یظلمون أحدا «1» وَ قَلِیلٌ ما هُمْ یقول هم قلیل فلما قضی بینهما نظر أحدهما إلی صاحبه فضحک فلم یفطن لهما فأحبا یعرفاه فصعدا تجاه وجهه، «و علم» «2» أن اللّه- تبارک و تعالی- ابتلاه بذلک [117 أ] وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ یقول و علم داود أنا ابتلیناه فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راکِعاً یقول وقع ساجدا أربعین یوما و لیلة وَ أَنابَ 24- یعنی ثم رجع من ذنبه تائبا إلی اللّه- عز و جل- «و خر
______________________________
- قال النسفی فی تفسیره: 4/ 29- 30: (و ما یحکی من أن داود بعث مرة بعد مرة أدریا إلی غزوة البلقاء و أحب أن یقتل لیتزوج امرأته فلا یلیق من المتسمین بالصلاح من أفناء الناس فضلا عن بعض أعلام الأنبیاء، و قال علی- رضی اللّه عنه-: من حدثکم بحدیث داود- علیه السلام- علی ما یرویه القصاص جلدته مائة و ستین جلدة، و هو حد الفریة علی الأنبیاء ...».
لقد اتهمت الإسرائیلیات أنبیاء اللّه بالسکر و الزنا و شرب الخمر، و جعلتهم دعاة للرذیلة و الشر و هذا یخالف حقائق التاریخ و نصوص القرآن قال- تعالی-: «رُسُلًا مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ...».
إنا بلینا فی بلادنا بدولة إسرائیل، و بلینا فی تفسیرنا بأباطیل بنی إسرائیل؟ فمتی نطهر بلادنا من الیهود؟ و متی ننقی تفسیرنا من إسرائیلیات الیهود؟
عسی ان یکون قریبا.
(1) فی ا زیادة: إضمار.
(2) کذا فی ا، و الأنسب: «فعلم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 642
راکعا» مثل قوله: «... ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً ...» «1» یعنی رکوعا فَغَفَرْنا لَهُ ذلِکَ یعنی ذنبه، ثم أخبر بما له فی الآخرة، فقال: وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفی یعنی لقربة وَ حُسْنَ مَآبٍ 25- یعنی و حسن مرجع یا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ یعنی بالعدل «2» وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوی «فتحکم بغیر حق» «3» فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یقول یستزلک الهوی عن طاعة اللّه- تعالی- إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یعنی عن دین الإسلام لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ بِما نَسُوا یعنی بما ترکوا الإیمان یَوْمَ الْحِسابِ 26- وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما باطِلًا یعنی لغیر شی‌ء و لکن خلقتهما لأمر هو کائن ذلِکَ ظَنُّ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة «أنی» «4» خلقتهما لغیر شی‌ء فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مِنَ النَّارِ- 27- لما أنزل اللّه- تبارک و تعالی- «فی» «5» «ن و القلم» «إِنَّ لِلْمُتَّقِینَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِیمِ» «6» قال کفار قریش للمؤمنین: إنا نعطی من الخیر فی الآخرة ما تعطون، فأنزل اللّه- عز و جل-
______________________________
(1) و فی البقرة: 58، «وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْیَةَ فَکُلُوا مِنْها حَیْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَکُمْ خَطایاکُمْ وَ سَنَزِیدُ الْمُحْسِنِینَ».
سورة النساء: 154، و هی «وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِیثاقِهِمْ وَ قُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِی السَّبْتِ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِیثاقاً غَلِیظاً».
و مثلها فی الأعراف: 161، و هی: «وَ إِذْ قِیلَ لَهُمُ اسْکُنُوا هذِهِ الْقَرْیَةَ وَ کُلُوا مِنْها حَیْثُ شِئْتُمْ وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَکُمْ خَطِیئاتِکُمْ سَنَزِیدُ الْمُحْسِنِینَ».
(2) فی ف زیادة: «بما بینت لک فی الزبور».
(3) فی ا: «فتحکم بغیره»، و فی ف: «فنحکم بغیر حق».
(4) فی ا: «أنها».
(5) «فی»: لیست فی الأصل.
(6) سورة القلم: 34.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 643
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ یعنی بنی هاشم و «بنی المطلب» «1» أخوی بنی عبد مناف «2»، فیهم علی بن أبی طالب، و حمزة بن عبد المطلب، و جعفر بن أبی طالب- علیهم السلام- و عبیدة بن الحارث بن المطلب، و طفیل بن الحارث بن المطلب، و زید بن حارثة الکلبی، و أیمن بن أم أیمن، و من کان «یتبعه» «3» من بنی هاشم یقول: أ نجعل هؤلاء کَالْمُفْسِدِینَ فِی الْأَرْضِ بالمعاصی، نزلت فی بنی عبد شمس بن عبد مناف: فی عتبة بن ربیعة، و شیبة بن ربیعة، و الولید بن عتبة بن ربیعة، و حنظلة بن أبی سفیان، و عبیدة بن سعید ابن العاص، و العاص بن أبی أمیة بن عبد شمس، ثم قال: أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِینَ یعنی بنی هاشم و بنی المطلب فی الآخرة کَالْفُجَّارِ- 28- کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ یا محمد مُبارَکٌ یعنی هو برکة لمن عمل بما فیه لِیَدَّبَّرُوا آیاتِهِ یعنی لیسمعوا آیات القرآن وَ لِیَتَذَکَّرَ بما فیه من المواعظ أُولُوا الْأَلْبابِ 29- یعنی أهل اللب و العقل وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَیْمانَ ثم أثنی علی سلیمان، فقال- سبحانه-: نِعْمَ الْعَبْدُ و هذا ثناء علی عبده سلیمان نعم العبد، إِنَّهُ أَوَّابٌ 30- یعنی مطیع إِذْ عُرِضَ عَلَیْهِ بِالْعَشِیِّ الصَّافِناتُ یعنی بالصفن إذا رفعت الدابة إحدی یدیها فتقوم علی ثلاث قوائم، ثم قال:
الْجِیادُ- 31- یعنی السراع، مثل قوله
______________________________
(1) فی ا: «و بنی عبد المطلب»، و فی ف: «و بنی المطلب»، و تفسیر الآیة 28 من ف، إذ أنه مقتضب جدا فی ا.
(2) أی فی بنی هاشم و بنی المطلب و الذین آمنوا و عملوا الصالحات.
(3) المرجح لدی أن الضمیر یعود علی النبی- صلی الله علیه و سلم- أی و من کان یتبع النبی محمدا من بنی هاشم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 644
«... فَاذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَیْها صَوافَّ ...» «1» معلقة قائمة علی ثلاث، و ذلک أن سلیمان- علیه السلام- صلی الأولی، ثم جلس علی کرسیه لتعرض علیه الخیل و علی ألف فرس کان ورثها من أبیه داود- علیهما السلام- و کان أصابها [117 ب من العمالقة فعرض علیه منها تسعمائة فغابت الشمس و لم یصل العصر، فذلک قوله: «فَقالَ» «2» إِنِّی أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَیْرِ یعنی المال و هو الخیل الذی عرض علیه عَنْ ذِکْرِ رَبِّی یعنی صلاة العصر، کقوله: «رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ ...» «3» یعنی الصلوات الخمس حَتَّی تَوارَتْ بِالْحِجابِ 32- و الحجاب جبل دون ق بمسیرة سنة تغرب الشمس من ورائه، ثم قال: رُدُّوها عَلَیَ یعنی کروها علی فَطَفِقَ «مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ» «4»- 33- یقول فجعل یمسح بالسیف سوقها و أعناقها فقطعها، و بقی منها مائة فرس فما کان فی أیدی الناس الیوم فهی من نسل تلک المائة قوله: وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَیْمانَ یعنی بعد ما ملک عشرین سنة، ثم ملک أیضا بعد الفتنة عشرین سنة، فذلک أربعین یقول لقد ابتلینا سلیمان أربعین یوما وَ أَلْقَیْنا عَلی کُرْسِیِّهِ یعنی سریره جَسَداً یعنی رجلا من الجن یقال له «صخر بن عفیر» «5» بن عمرو بن شرحبیل، و یقال إن إبلیس جده، و یقال أیضا اسمه أسید ثُمَّ أَنابَ 34- یقول ثم رجع بعد أربعین یوما إلی ملکه و سلطانه و ذلک أن سلیمان غزا العمالقة فسبی
______________________________
(1) سورة الحج: 36.
(2) «فقال»: ساقطة من ا.
(3) سورة النور: 37.
(4) «مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ»:، ساقط من ا.
(5) فی ا: «ضمر بن عمیرة»، و فی ف: «صخر بن عفیر».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 645
من نسائهم، و کانت فیهم ابنة ملکهم فاتخذها لنفسه فاشتاقت إلی أبیها، و کان بها من الحسن و الجمال حالا یوصف فحزنت و هزلت و تغیرت فأنکرها سلیمان أن یتخذ لها شبه أبیها فاتخذ لها صنما علی شبه أبیها فکانت تنظر إلیه فی کل ساعة فذهب عنها ما کانت تجد فکانت تکنس ذلک البیت و ترشه حتی زین لها الشیطان فعبدت ذلک الصنم بغیر علم سلیمان لذلک، و کانت لسلیمان جاریة من أوثق أهله عنده قد کان و کلها بخاتمه و کان سلیمان لا یدخل الخلاء حتی یدفع خاتمه إلی تلک الجاریة و إذا أتی بعض نسائه فعل ذلک و أن سلیمان أراد ذات یوم أن یدخل الخلاء فجاء صخر و قد «نزع» «1» سلیمان خاتمه لیناوله الجاریة، و لم یلتفت، فأخذه صخر فألقاه فی البحر و جلس صخر فی ملک سلیمان «2»، و ذهب عن سلیمان البهاء و النور فحرج یدور فی قری بنی إسرائیل فکلما أتی سلیمان قوما رجموه و طردوه تعظیما لسلیمان- علیه السلام- و کان سلیمان إذا لبس خاتمه سجد له کل شی‌ء یراه من الجن و الشیاطین و تظله الطیر، و کان خرج من ملکه فی ذی القعدة
______________________________
(1) و نزع.
(2) فی ا: و جلس فی ملکه، و هذه القصة کلها لیست فی ف (نسخة فیض اللّه) إلی جوار أنها مختلفة لمخالفتها ما
ورد فی الحدیث الصحیح الذی رواه البخاری فی باب الجهاد: 4/ 22 عن أبی هریرة- رضی اللّه عنه- أنه قال: قال رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلم-، قال سلیمان بن داود- علیهما السلام- لأطوفن اللیلة علی مائة امرأة، أو تسع و تسعین کلهن تأتی بفارس یجاهد فی سبیل اللّه. فقال له صاحبه: إن شاء اللّه، فلم یقل إن شاء اللّه، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل و الذی نفس محمد بیده او قال: إن شاء اللّه، لجاهدوا فی سبیل اللّه فرسانا أجمعون. أ ه.
فإذا ورد فی السنة الصحیحة تفسیرا للآیة فلا یجوز أن نفسرها بقصة صخر المارد التی ذکرها مقاتل، و أوردها ابن جریر الطبری: 23/ 101. و یجب أن ینقی تفسیر القرآن من هذه الخرافات التی دخلت علینا من إسرائیلیات الیهود و أباطیلهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 646
و عشر ذی الحجة و رجع إلی ملکه یوم النحر، و ذلک قوله: «وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَیْمانَ ...»: أربعین یوما «... ثُمَّ أَنابَ» یعنی رجع إلی ملکه، و ذلک أنه أتی ساحل البحر فوجد صیادا یصید [119 ا] السمک فتصدق منه «1»، فتصدق علیه بسمکة «2» فشق بطنها فوجد الخاتم فلبسه فرجع إلیه البهاء و النور و سجد له کل من رآه و هرب صخر فدخل البحر، فبعث فی طلبه الشیاطین فلم یقدروا علیه حتی أشارت الشیاطین علی سلیمان أن یتخذ علی ساحل البحر، کهیئة العین من الخمر، و جعلت الشیاطین «تشرب» «3» من ذلک الخمر و یلهون، فسمع صخر جلبتهم فخرج إلیهم فقال لهم: ما هذا اللهو و الطرب قالوا مات سلیمان بن داود و قد استرحنا منه، فنحن نشرب و نلهو فقال لهم و أنا أیضا أشرب و ألهو معکم، فلما شرب الخمر فسکر، أخذوه و أوثقوه و أتی به سلیمان فحفر له حجرا فأدخل فیه و أطبق علیه بحجر آخر، و أذاب الرصاص فصب بین الحجرین و قذف به فی البحر فهو فیه إلی الیوم فلما رجع «سلیمان» «4» إلی ملکه و سلطانه: قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَ هَبْ لِی مُلْکاً لا یَنْبَغِی لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِی إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ 35- فوهب اللّه- عز و جل- له من الملک ما لم یکن له و لا لأبیه داود- علیهما السلام- فزاده الریاح و الشیاطین بعد ذلک فذلک قوله- تعالی-:
______________________________
(1) أی طلب منه الصدقة، و من ذلک تعلم أنها مهانة لأنبیاء اللّه، و الأنبیاء أکرم علی اللّه من أن یهینهم أو یحکم فیهم صخر المارد خصوصا و قد ورد فی الحدیث الصحیح، أن فتنة سلیمان هی أنه نسی أن یقول: إن شاء اللّه.
(2) کیف یصدق هذا؟ مع
قوله- صلّی اللّه علیه و سلم- نحن معاشر الأنبیاء لا تحل لنا صدقة، إن القصة کلها مختلفة.
(3) فی ا: «تشربون» و الأنسب: «تشرب».
(4) «سلیمان»: زیادة اقتضاها السیاق.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 647
فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّیحَ تَجْرِی بِأَمْرِهِ رُخاءً حَیْثُ أَصابَ 36- یقول مطیعة لسلیمان حیث أراد أن «تتوجه» «1» توجهت له وَ سخرنا له الشَّیاطِینَ کُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ 37- کانوا یبنون له ما یشاء من البنیان و هو محاریب و تماثیل و یغوصون له فی البحر فیستخرجون له اللؤلؤ، و کان سلیمان أول من استخرج اللؤلؤ من البحر، قال: وَ آخَرِینَ من مردة الشیاطین، إضمار مُقَرَّنِینَ فِی الْأَصْفادِ- 38- یعنی موثقین فی الحدید هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ علی من شئت من الشیاطین فخل عنه أَوْ أَمْسِکْ یعنی، و أحبس فی العمل و الوثاق من شئت منهم بِغَیْرِ حِسابٍ 39- یعنی بلا تبعة علیک فی الآخرة فیمن تمن علیه فترسله، و فیمن تحبسه فی العمل، ثم أخبر بمنزلة سلیمان فی الآخرة فقال تعالی-: وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفی یعنی لقربة وَ حُسْنَ مَآبٍ 40- یعنی و حسن مرجع، و کان لسلیمان ثلاثمائة امرأة حرة و سبعمائة سریة و کان لداود- علیه السلام- مائة امرأة حرة و تسعمائة سریة، «و کانت» «2» الأنبیاء کلهم فی الشدة غیر داود و سلیمان- علیهما السلام- وَ اذْکُرْ عَبْدَنا أَیُّوبَ إِذْ نادی رَبَّهُ یعنی إذ قال لربه: أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطانُ یقول أصابنی الشیطان بِنُصْبٍ یعنی مشقة فی جسده وَ عَذابٍ 41- فی ماله ارْکُضْ یعنی ادفع [119 ب الأرض بِرِجْلِکَ بأرض الشام فنبعت عین من تحت قدمه فاغتسل فیها فخرج منها صحیحا ثم مشی أربعین خطوة فدفع برجله الأخری فنعبت عین ماء أخری،
______________________________
(1) فی ا: «توجه».
(2) فی ا: «کانت».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 648
ماء عذب بارد شرب منها، فذلک قوله: هذا مُغْتَسَلٌ الذی اغتسل فیها، ثم قال: بارِدٌ وَ شَرابٌ 42- الذی أشرب منه «و کان الدود» «1» یأکله «سبع سنین و سبعة أشهر و سبعة أیام و سبع ساعات متتابعات» «2». وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ فأضعف اللّه- عز و جل- له، و کان له سبع «بنین» «3» و ثلاث بنات قبل البلاء و ولدت له امرأته بعد البلاء سبع بنین و ثلاث بنات فأضعف اللّه له رَحْمَةً یعنی نعمة مِنَّا، ثم قال: وَ ذِکْری یعنی تفکر لِأُولِی الْأَلْبابِ 43- یعنی اهل اللب و العقل وَ خُذْ بِیَدِکَ ضِغْثاً یعنی بالضغث القبضة الواحدة فأخذ عیدانا رطبة و هی الأسل مائة عود عدد ما حلف علیه و کان حلف لیجلدن امرأته مائة جلدة فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ یعنی و لا تأثم فی یمینک التی حلفت علیها، فعمد إلیها فضربها بمائة عود ضربة واحدة فأوجعها فبرئت یمینه، و کان اسمها دنیا ثم أثنی اللّه- عز و جل- علی أیوب فقال: إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً علی البلاء إضمار نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ 44- یعنی مطیعا للّه- تعالی-، لما برأ أیوب فاغتسل کساء جبریل- علیه السلام- حلة وَ اذْکُرْ یا محمد صبر عِبادَنا إِبْراهِیمَ حین القی فی النار وَ صبر «إِسْحاقَ» «4» للذبح وَ صبر یَعْقُوبَ فی
______________________________
(1) فی ا: «و کانت الدواب»، و فی ف: «و کانت الدود».
(2) من ف، و فی ا: سبع سنین، و سبع أشهر و سبع أیام و سبع ساعات، و قال أیوب- علیه السلام- لم یکن فیما ابتلیت به شی‌ء أشد علی من شماتة الأعداء. و الزیادة الأخیرة من ا، و لیست فی ف.
(3) فی ا: «بنون»، و فی ف: «بنین».
(4) «إسحاق»: مکرر فی ا مرتین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 649
ذهاب بصره «1» و لم یذکر إسماعیل بن إبراهیم لأنه لم یبتل» «2»، «و اسم أم یعقوب» «3» رفقا.
ثم قال: أُولِی الْأَیْدِی یعنی أولی القوة فی العبادة، ثم قال:
وَ الْأَبْصارِ- 45- یعنی البصیرة فی أمر اللّه و دینه، ثم ذکر اللّه- تعالی- هؤلاء الثلاثة إبراهیم و ابنیه إسحاق و یعقوب بن إسحاق، فقال: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ للنبوة و الرسالة بِخالِصَةٍ «ذِکْرَی» «4» الدَّارِ- 46-.
حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا داود بن رشید، قال: حدثنا الولید عن ابن جابر «أنه» «5» سمع عطاء الخراسانی فی قوله: «أُولِی الْأَیْدِی وَ الْأَبْصارِ» قال القوة فی العبادة و البصر بالدین «إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِکْرَی الدَّارِ» یقول و جعلناهم أذکر الناس لدار الآخرة یعنی الجنة وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الْأَخْیارِ- 47- [120] اختارهم اللّه علی علم «للرسالة» «6» وَ اذْکُرْ صبر «إِسْماعِیلَ» هو أشویل بن هلقانا» «7» وَ صبر الْیَسَعَ وَ صبر «ذَا الْکِفْلِ» «8» «وَ کُلٌّ» «9» مِنَ الْأَخْیارِ- 48- اختارهم اللّه- عز و جل- للنبوة فاصبر یا محمد
______________________________
(1) فی حاشیة ا: العمی لا یجوز علی الأنبیاء- علیهم السلام- علی ما حرره السبکی و إن کان المعتزلة یرون جوازه.
(2) فی ا: «لم یبتل»، و فی ف: «لم یبتلی».
(3) فی ا: «و اسم یعقوب»، و فی ف: «و اسم أم یعقوب».
(4) فی ا: «ذکر».
(5) «أنه»: زیادة اقتضاها السیاق، و الروایة کلها، سندها و منها من ا و لیست فی ف.
(6) فی ا: الرسالة، و فی ف: للرسالة.
(7) فی ا: «إسماعیل» بن هاقانا، و فی ف: ( «إسماعیل» هو أشویل بن هلقانا) و لم یفسر إسماعیل فی الجلالین، و البیضاوی، و الدر المنثور، و تفسیر المقیاس للفیروزآبادی المنسوب لابن عباس.
(8) فی القرآن «ذا الکفل» و فی الکلام العادی یقال «و صبر ذی الکفل».
(9) فی ا: «کل».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 650
علی الأذی کما صبر هؤلاء الستة علی البلاء، ثم قال: هذا ذِکْرٌ یعنی هذا بیان الذی ذکر اللّه من أمر الأنبیاء فی هذه السورة وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِینَ من هذه الأمة فی الآخرة لَحُسْنَ مَآبٍ 49- یعنی مرجع جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ 50-.
حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا داود بن رشید، قال: حدثنا جلید عن الحسن فی قوله: «مفتحة لهم الأبواب» قال: أبواب یری ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها، یقال لها: انفتحی، انقفلی، تکلم فتفهم «و تتکلم» «1».
حدثنا داود بن رشید قال: حدثنا الولید بن مسلم قال: سألت زهیر بن محمد عن قوله- تعالی-: «... وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِیها بُکْرَةً وَ عَشِیًّا» «2» قال لیس فی الجنة لیل، هم فی نور أبدا و لهم مقدار اللیل بإرخاء الحجب و مقدار النهار.
مُتَّکِئِینَ فِیها فی الجنة علی السرر یَدْعُونَ فِیها بِفاکِهَةٍ کَثِیرَةٍ وَ شَرابٍ 51- وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ النظر عن الرجال لا ینظرن إلی غیر أزواجهن لأنهن عاشقات لأزواجهن، ثم قال: أَتْرابٌ 52- یعنی مستویات علی میلاد واحد بنات ثلاثة و ثلاثین سنة، ثم قال:
هذا الذی ذکر فی هذه الآیة، «ذکر» «3» یعنی بیان من الخیر فی الجنة ما تُوعَدُونَ لِیَوْمِ الْحِسابِ 53- یعنی لیوم الجزاء إِنَّ هذا الخیر فی الجنة لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ- 54- یقول هذا الرزق للمتقین، ثم ذکر الکفار، فقال- سبحانه-: «هذا» «4» وَ إِنَّ لِلطَّاغِینَ لَشَرَّ مَآبٍ
______________________________
(1) فی ا: و تکلم.
(2) سورة مریم: 62.
(3) «ذکر»: وردت علی أنها من الآیة فی الأصل.
(4) «هذا»: ساقطة من الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 651
- 55- یعنی بئس المرجع، ثم أخبر بالمرجع، فقال: جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ ما مهدوا لأنفسهم من العذاب هذا فَلْیَذُوقُوهُ حَمِیمٌ یعنی الحار الذی انتهی حره و طبخه وَ غَسَّاقٌ 57- البارد الذی قد انتهی برده نظیرها فی «عم یتساءلون» «... حَمِیماً وَ غَسَّاقاً» «1» فینطلق من الحار إلی البارد فتقطع جلودهم و تتصدع عظامهم و تحرق کما یحرق حر النار، ثم قال: وَ آخَرُ مِنْ شَکْلِهِ أَزْواجٌ 58- یقول و آخر من شکله یعنی من نحو الحمیم و الغساق أصناف یعنی ألوان من العذاب فی الحمیم یشبه بعضه بعضا فی شبه العذاب هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَکُمْ و ذلک أن [120 ب القادة فی الکفر المطعمین فی غزاة بدر و المستهزئین من رؤساء قریش دخلوا النار قبل الأتباع، فقالت الخزنة للقادة و هم فی النار «هذا فوج» یعنی زمرة «مقتحم معکم» النار إضمار یعنون الأتباع. قالت القادة: لا مَرْحَباً بِهِمْ قال الخزنة:
إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ- 59- معکم فردت الأتباع من کفار مکة علی القادة «قالُوا» «2» بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِکُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ زینتموه لَنا هذا الکفر إذ تأمروننا فی سورة سبأ «3» أن نکفر بالله و نجعل له أندادا فَبِئْسَ الْقَرارُ- 60- یعنی فبئس المستقر، قالت الأتباع، «قالُوا» «4» رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا
______________________________
(1) سورة النبأ: 25.
(2) «قالوا»، ساقطة من ا.
(3) سورة سبأ: 33 و تمامها: «وَ قالَ الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا بَلْ مَکْرُ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَکْفُرَ بِاللَّهِ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِی أَعْناقِ الَّذِینَ کَفَرُوا هَلْ یُجْزَوْنَ إِلَّا ما کانُوا یَعْمَلُونَ».
(4) «قالوا»: ساقطة من ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 652
یعنی من زین لنا هذا یعنی من سبب لنا هذا الکفر فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِی النَّارِ- 61- «وَ قالُوا» «1» ما لَنا لا نَری رِجالًا کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ- 62- یعنون فقراء المؤمنین عمار، و خباب، و صهیب، و بلال، و سالم، و نحوهم.
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِیًّا فی الدنیا، نظیرها فی «قد أفلح» «2» «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِیًّا ...» «3» أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ- 63- یقول أم حارت أبصارهم عناقهم معنا فی النار و لا نراهم، إِنَّ ذلِکَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ- 64- یعنی خصومة القادة و الأتباع فی هذه الآیة، ما قال بعضهم لبعض فی الخصومة، نظیرها فی الأعراف، و فی «حم» المؤمن حین قالت، «... أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا ...» «4» عن الهدی، ثم ردت أولاهم دخول النار علی أخراهم دخول النار و هم الأتباع و قوله: «إِذْ یَتَحاجُّونَ فِی النَّارِ ...» إلی آخر الآیة. «5» قُلْ لکفار مکة: إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ یعنی رسول وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ لا شریک له الْقَهَّارُ- 65- لخلقه، ثم عظم نفسه عن شرکهم فقال- سبحانه-: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُمَا «فإن» «6» من یعبد فیهما، فأنا ربهما و رب من فیهما الْعَزِیزُ فی ملکه الْغَفَّارُ- 66- لمن تاب قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِیمٌ 67- یعنی القرآن حدیث عظیم لأنه کلام اللّه- عز و جل- أَنْتُمْ یا کفار مکة عَنْهُ مُعْرِضُونَ 68-
______________________________
(1) «قالوا» ساقطة من ا، و نلاحظ أن الآیات فی ا مرتبة هکذا آیة 61 ثم 64 ثم 62 ثم 63 ثم 65. و قد أعدت ترتیبها کما وردت فی القرآن، فأخرت آیة 64 الی مکانها.
(2) سورة المؤمنون: 1.
(3) سورة المؤمنون: 110 و تمامها «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِیًّا حَتَّی أَنْسَوْکُمْ ذِکْرِی وَ کُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَکُونَ» و معنی نظیرها فی «قد أفلح»، أی فی «قد أفلح المؤمنون».
(4) سورة الأعراف: 38.
(5) سورة غافر: 47، و تمامها: «وَ إِذْ یَتَحاجُّونَ فِی النَّارِ فَیَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا کُنَّا لَکُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِیباً مِنَ النَّارِ».
(6) فی ا: «بأن»، ف: «فإن»، و علیهما علامة تمریض. و الکلمة غیر واضحة فی جمیع النسخ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 653
یعنی عن إیمان بالقرآن معرضون ما کانَ لِی مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلی من الملائکة إِذْ یَخْتَصِمُونَ 69- یعنی الخصومة حین قال لهم الرب- تعالی-: «... إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً» قالت الملائکة:
«... أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ» «قال» اللّه لهم: «إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ» «1» [121 أ] «فهذه «2» خصومتهم» إِنْ یعنی إذ یُوحی إِلَیَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِیرٌ مُبِینٌ 70- یعنی رسول بین إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ 71- یعنی آدم، و کان آدم- علیه السلام- أول ما خلق منه عجب الذنب و آخر ما خلق منه أظفاره ثم رکب فیه سائر خلقه یعنی عجب الذنب، و فیه یرکب یوم القیامة کما رکب فی الدنیا فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ 72- فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ الذین کانوا فی الأرض إضمار کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 73- ثم استثنی من الملائکة إبلیس و کان اسمه فی الملائکة الحارث «3» و سمی إبلیس حین عصی إبلیس من الخیر، «إِلَّا إِبْلِیسَ» «4» اسْتَکْبَرَ حین تکبر عن السجود لآدم- علیه السلام- وَ کانَ مِنَ الْکافِرِینَ 74- فی علم اللّه- عز و جل- «قالَ یا إِبْلِیسُ ما مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ» «5» ما لک ألا تسجد لِما خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أَسْتَکْبَرْتَ یعنی تکبرت
______________________________
(1) سورة البقرة: 30.
(2) فی ا، ف: «فهذا خصومتهم»، و الأنسب: «فهذه خصومتهم».
(3) فی ا، ف: الحرث، و نلاحظ أن کلمة الحارث تکتب الحرث فی النسختین فی کل المواضع.
(4) «إلا إبلیس»: ساقط من ا، ف.
(5) من ف، فی ا: خطأ فی الآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 654
أَمْ کُنْتَ مِنَ الْعالِینَ 75- یعنی من المتعظمین قالَ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ 76- و النار تغلب الطین قالَ فَاخْرُجْ مِنْها یعنی من الجنة فَإِنَّکَ رَجِیمٌ 77- یعنی ملعون وَ إِنَّ عَلَیْکَ لَعْنَتِی إِلی یَوْمِ الدِّینِ 78- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ 79- یعنی النفخة الثانیة قالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ 80- إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 81- یعنی إلی أجل موقوت «و هو» «1» النفخة الأولی قالَ إبلیس لربه- تبارک و تعالی-: فَبِعِزَّتِکَ یقول فبعظمتک لَأُغْوِیَنَّهُمْ یقول لأضلنهم أَجْمَعِینَ 82- عن الهدی، ثم استثنی إبلیس فقال: إِلَّا عِبادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ 83- بالتوحید فإنی لا أستطیع أن أغویهم قالَ اللّه- عز و جل-: فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ 84- یقول قوله الحق. فیها تقدیم، و «أقول الحق» یعنی قول اللّه- عز و جل- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ یإبلیس و من ذریتک الشیاطین وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ علی دینک من کفار بنی آدم مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ 85- یعنی من الفریقین جمیعا قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ یعنی من جعل وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِینَ 86- هذا القرآن من تلقاء نفسی إِنْ هُوَ إِلَّا ذِکْرٌ یقول ما القرآن الا بیان لِلْعالَمِینَ 87- وَ لَتَعْلَمُنَ یعنی کفار مکة نَبَأَهُ یعنی نبأ القرآن بَعْدَ حِینٍ 88- هذا وعید لهم القتل ببدر، مثل قوله فی «و الصافات» «2»: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِینٍ» «3»
______________________________
(1) فی ا: و هی.
(2) سورة الصافات: 1.
(3) سورة الصافات: 174.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 655
یعنی القتل ببدر «1».
______________________________
(1) انتهی تفسیر سورة ص فی ف.
و فی ا صفحة [121 ب زیادات معظمها أشبه بالإسرائیلیات فلم أنقلها و اعتمدت فی ذلک علی نسخة ف «فیض اللّه» و هی أقدم من ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 657

سورة الزّمر

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 659

[سورة الزمر (39): الآیات 1 الی 75]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
تَنْزِیلُ الْکِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّینُ الْخالِصُ وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِیُقَرِّبُونا إِلَی اللَّهِ زُلْفی إِنَّ اللَّهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی ما هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کاذِبٌ کَفَّارٌ (3) لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفی مِمَّا یَخْلُقُ ما یَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4)
خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ یُکَوِّرُ اللَّیْلَ عَلَی النَّهارِ وَ یُکَوِّرُ النَّهارَ عَلَی اللَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّی أَلا هُوَ الْعَزِیزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَ أَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِیَةَ أَزْواجٍ یَخْلُقُکُمْ فِی بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِی ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ لَهُ الْمُلْکُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّی تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَکْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ عَنْکُمْ وَ لا یَرْضی لِعِبادِهِ الْکُفْرَ وَ إِنْ تَشْکُرُوا یَرْضَهُ لَکُمْ وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ مَرْجِعُکُمْ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِیباً إِلَیْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِیَ ما کانَ یَدْعُوا إِلَیْهِ مِنْ قَبْلُ وَ جَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِکُفْرِکَ قَلِیلاً إِنَّکَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ إِنَّما یَتَذَکَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9)
قُلْ یا عِبادِ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّکُمْ لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما یُوَفَّی الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَیْرِ حِسابٍ (10) قُلْ إِنِّی أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ (11) وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَکُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِینَ (12) قُلْ إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِینِی (14)
فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِیهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَلا ذلِکَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِینُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِکَ یُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ یا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) وَ الَّذِینَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ یَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَی اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْری فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِکَ الَّذِینَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِکَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَیْهِ کَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِی النَّارِ (19)
لکِنِ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِیَّةٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا یُخْلِفُ اللَّهُ الْمِیعادَ (20) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَکَهُ یَنابِیعَ فِی الْأَرْضِ ثُمَّ یُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ یَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِی ذلِکَ لَذِکْری لِأُولِی الْأَلْبابِ (21) أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلی نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَیْلٌ لِلْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِکْرِ اللَّهِ أُولئِکَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلی ذِکْرِ اللَّهِ ذلِکَ هُدَی اللَّهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشاءُ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) أَ فَمَنْ یَتَّقِی بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ قِیلَ لِلظَّالِمِینَ ذُوقُوا ما کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ (24)
کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْیَ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَکْبَرُ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ (26) وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِیًّا غَیْرَ ذِی عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِیهِ شُرَکاءُ مُتَشاکِسُونَ وَ رَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (29)
إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ عِنْدَ رَبِّکُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَی اللَّهِ وَ کَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَ لَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْکافِرِینَ (32) وَ الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ ما یَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِکَ جَزاءُ الْمُحْسِنِینَ (34)
لِیُکَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِی عَمِلُوا وَ یَجْزِیَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِی کانُوا یَعْمَلُونَ (35) أَ لَیْسَ اللَّهُ بِکافٍ عَبْدَهُ وَ یُخَوِّفُونَکَ بِالَّذِینَ مِنْ دُونِهِ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَ لَیْسَ اللَّهُ بِعَزِیزٍ ذِی انْتِقامٍ (37) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَ فَرَأَیْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِیَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ کاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِی بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِکاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ عَلَیْهِ یَتَوَکَّلُ الْمُتَوَکِّلُونَ (38) قُلْ یا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلی مَکانَتِکُمْ إِنِّی عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
مَنْ یَأْتِیهِ عَذابٌ یُخْزِیهِ وَ یَحِلُّ عَلَیْهِ عَذابٌ مُقِیمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدی فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها وَ ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَکِیلٍ (41) اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَ وَ لَوْ کانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئاً وَ لا یَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِیعاً لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (44)
وَ إِذا ذُکِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُکِرَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عالِمَ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْکُمُ بَیْنَ عِبادِکَ فِی ما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (46) وَ لَوْ أَنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ یَکُونُوا یَحْتَسِبُونَ (47) وَ بَدا لَهُمْ سَیِّئاتُ ما کَسَبُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (48) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِیتُهُ عَلی عِلْمٍ بَلْ هِیَ فِتْنَةٌ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (49)
قَدْ قالَهَا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنی عَنْهُمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ (50) فَأَصابَهُمْ سَیِّئاتُ ما کَسَبُوا وَ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَیُصِیبُهُمْ سَیِّئاتُ ما کَسَبُوا وَ ما هُمْ بِمُعْجِزِینَ (51) أَ وَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (52) قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (53) وَ أَنِیبُوا إِلی رَبِّکُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)
وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یا حَسْرَتی عَلی ما فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ کُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِینَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِی لَکُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِینَ (57) أَوْ تَقُولَ حِینَ تَرَی الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِی کَرَّةً فَأَکُونَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ (58) بَلی قَدْ جاءَتْکَ آیاتِی فَکَذَّبْتَ بِها وَ اسْتَکْبَرْتَ وَ کُنْتَ مِنَ الْکافِرِینَ (59)
وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ تَرَی الَّذِینَ کَذَبُوا عَلَی اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْمُتَکَبِّرِینَ (60) وَ یُنَجِّی اللَّهُ الَّذِینَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا یَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خالِقُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَکِیلٌ (62) لَهُ مَقالِیدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ اللَّهِ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) قُلْ أَ فَغَیْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّی أَعْبُدُ أَیُّهَا الْجاهِلُونَ (64)
وَ لَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَ إِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَ کُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ (66) وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ (67) وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْری فَإِذا هُمْ قِیامٌ یَنْظُرُونَ (68) وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْکِتابُ وَ جِی‌ءَ بِالنَّبِیِّینَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (69)
وَ وُفِّیَتْ کُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما یَفْعَلُونَ (70) وَ سِیقَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلی جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّی إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ یَأْتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَتْلُونَ عَلَیْکُمْ آیاتِ رَبِّکُمْ وَ یُنْذِرُونَکُمْ لِقاءَ یَوْمِکُمْ هذا قالُوا بَلی وَ لکِنْ حَقَّتْ کَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَی الْکافِرِینَ (71) قِیلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها فَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ (72) وَ سِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَی الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّی إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِینَ (73) وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَیْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِینَ (74)
وَ تَرَی الْمَلائِکَةَ حَافِّینَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِیلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ (75)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 667
[سورة الزمر] «1» سورة الزمر مکیة إلا ثلاث آیات فیها نزلت فی وحشی بن زید و أصحابه بالمدینة [122 أ] و هن قوله- تعالی-: «قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ ...» إلی قوله: «... وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ» «2».
عددها خمس و سبعون آیة کوفی «3».
______________________________
(1) «معظم مقصود السورة».
بیان تنزیل القرآن، و الإخلاص فی الدین و الإیمان و تنزیه الحق- تعالی- عن الولد، و عجائب صنع اللّه فی الکواکب و الأفلاک، و المنة علی العباد بإنزال الإنعام من السماء فی کل أو ان و حفظ الأولاد فی أرحام الأمهات بلا أنصار و أعوان و جزاء الخلق علی الشکر و الکفران، و ذکر شرف المتهجدین فی الدیاجر بعبادة الرحمن و بیان أجر الصابرین، و ذل أصحاب الخسران، و بشارة المؤمنین فی استماع القرآن بإحسان، و إضافة غرف الجنان لأهل الإخلاص و العرفان، و شرح صدر المؤمنین بنور التوحید و الإیمان، و بیان أحوال آیات الفرقان، و عجائب القرآن، و تمثیل أحوال أهل الکفر و أهل الإیمان و الخطاب مع المصطفی بالموت و الفناء و تحلل الأبدان و بشارة أهل الصدق بحسن الجزاء و الغفران و الوعد بالکفایة و الکلاءة للعبدان، و إضافة الملک إلی قبضة الرحمن، و نفخ الصور علی سبیل الهیبة و السیاسة، و إشراق العرصات بنور العدل، و عظمة السلطان، و سوق الکفار بالذل و الخزی إلی دار العقوبة و الهوان، و تفریج المؤمنین بالسلام علیهم فی دار الکرامة، و غرف الجنان، و حکم الحق بین الخلق بالعدل، و ختمه بالفضل و الإحسان فی قوله: «... وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِیلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ»: سورة الزمر: 75.
(2) یشیر إلی الآیات 53، 54، 55 من سورة الزمر و نصها: «قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ. وَ أَنِیبُوا إِلی رَبِّکُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ».
(3) فی المصحف: (39) سورة الزمر مکیة إلا الآیات 52، 53، 54 فمدنیة و آیاتها 75 نزلت بعد سورة سبأ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 669
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ تَنْزِیلُ الْکِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ فی ملکه الْحَکِیمِ 1- فی أمره إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ یعنی القرآن بِالْحَقِ یقول لم ننزله باطلا لغیر شی‌ء فَاعْبُدِ اللَّهَ یقول فوحد اللّه مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ 2- یعنی له التوحید أَلا لِلَّهِ الدِّینُ الْخالِصُ یعنی التوحید و غیره من الأدیان لیس بخالص وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا یعنی کفار العرب مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ فیها إضمار قالوا: ما نَعْبُدُهُمْ یعنی الآلهة، نظیرها فی «حم عسق» «1» «وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ اللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیْهِمْ ...» «2» و ذلک أن کفار العرب عبدوا الملائکة و قالوا ما نعبدهم إِلَّا لِیُقَرِّبُونا إِلَی اللَّهِ زُلْفی یعنی منزلة فیشفعوا لنا إلی اللّه إِنَّ اللَّهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی ما هُمْ فِیهِ من الدین یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی لدینه مَنْ هُوَ کاذِبٌ کَفَّارٌ- 3- لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَداً یعنی عیسی بن مریم «3» لَاصْطَفی یعنی لاختار مِمَّا یَخْلُقُ ما یَشاءُ من الملائکة فإنها أطیب و أطهر من عیسی کقوله فی الأنبیاء: «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً»
______________________________
(1) سورة الشوری: 1.
(2) سورة الشوری: 6، و تمامها: «وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ اللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیْهِمْ وَ ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَکِیلٍ».
(3) فی ا: عیسی بن مریم، کتبت فیها «ابن» بدون همزة فی أول السطر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 670
یعنی ولدا یعنی عیسی «لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا ...» «1» یعنی من عندنا من الملائکة، ثم نزه نفسه عما قالوا من البهتان فقال: سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ لا شریک له الْقَهَّارُ- 4-، ثم عظم نفسه فقال: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ لم یخلقهما باطلا لغیر شی‌ء یُکَوِّرُ یعنی یسلط اللَّیْلَ عَلَی النَّهارِ وَ یُکَوِّرُ النَّهارَ یعنی و یسلط النهار عَلَی اللَّیْلِ یعنی انتقاص کل واحد منهما من الآخر وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لبنی آدم کُلٌّ یَجْرِی یعنی الشمس و القمر لِأَجَلٍ مُسَمًّی یعنی لیوم القیامة یدل علی نفسه بصنعه لیعرف توحیده، ثم قال: أَلا هُوَ الْعَزِیزُ فی ملکه الْغَفَّارُ- 5- لمن تاب إلیه خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ یعنی آدم- علیه السلام- ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها یعنی حواء وَ أَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ الْأَنْعامِ یعنی و جعل لکم من أمره مثل قوله فی الأعراف «یا بَنِی آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَیْکُمْ لِباساً ...» «2» یقول جعلنا، و مثل قوله: «... وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ ...» «3» یقول و جعلنا الحدید «وَ أَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ الْأَنْعامِ» «4» یعنی الإبل و البقر و الغنم ثَمانِیَةَ أَزْواجٍ یعنی أصناف یعنی أربعة ذکور و أربعة «إناث» «5» یَخْلُقُکُمْ فِی بُطُونِ [122 ب
______________________________
(1) سورة الأنبیاء: 17، و تمامها «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ کُنَّا فاعِلِینَ».
(2) سورة الأعراف: 26، و تمامها: «یا بَنِی آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَیْکُمْ لِباساً یُوارِی سَوْآتِکُمْ وَ رِیشاً وَ لِباسُ التَّقْوی ذلِکَ خَیْرٌ ذلِکَ مِنْ آیاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ».
(3) سورة الحدید: 25، و تمامها: «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ».
(4) «وَ أَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ الْأَنْعامِ»: زیادة اقتضاها السیاق.
(5) فی ا: «إناث»، و فی ف: «إناثا» أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 671
أُمَّهاتِکُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ یعنی نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم الروح فِی ظُلُماتٍ ثَلاثٍ یعنی البطن و الرحم و المشیمة التی یکون فیها الولد، ثم قال: ذلِکُمُ اللَّهُ الذی خلق هذه الأشیاء هو رَبُّکُمْ لَهُ الْمُلْکُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّی تُصْرَفُونَ 6- یقول فمن أین تعدلون عنه إلی غیره، «یقول» «1» لکفار مکة: إِنْ تَکْفُرُوا بتوحید اللّه فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ عَنْکُمْ عن عبادتکم وَ لا یَرْضی لِعِبادِهِ الْکُفْرَ: الذین قال- عز و جل-: «عنهم» «2» لإبلیس «إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ ...» «3» وَ إِنْ تَشْکُرُوا یعنی توحدوا «4» اللّه یَرْضَهُ لَکُمْ وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری یقول لا تحمل نفس خطیئة أخری ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ مَرْجِعُکُمْ فی الآخرة فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 7- وَ إِذا مَسَ یعنی أصاب الْإِنْسانَ یعنی أبا حذیفة بن المغیرة بن عبد اللّه المخزومی ضُرٌّ یعنی بلاء أو شدة دَعا رَبَّهُ مُنِیباً إِلَیْهِ یقول راجعا إلی اللّه من شرکه موحدا یقول اللهم اکشف ما بی ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ یقول أعطاه اللّه الخیر نَسِیَ یعنی ترک ما کانَ یَدْعُوا إِلَیْهِ مِنْ قَبْلُ فی ضره وَ جَعَلَ أبو حذیفة لِلَّهِ أَنْداداً یعنی شرکاء لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِهِ یعنی لیستزل عن دین الإسلام قُلْ لأبی حذیفة تَمَتَّعْ بِکُفْرِکَ قَلِیلًا فی الدنیا إلی أجلک إِنَّکَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ- 8- ثم ذکر المؤمن، فقال- سبحانه-: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ یعنی مطیع
______________________________
(1) فی ا: «اللّه»، و فی ف: «یقول».
(2) «عنهم»: زیادة اقتضاها السیاق لیست فی ا، و لا فی ف.
(3) سورة الحجر: 42.
(4) فی ا: توحید، و فی ف: توحدوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 672
للّه فی صلاته و هو عمار بن یاسر آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً یعنی ساعات اللیل ساجدا وَ قائِماً فی صلاته یَحْذَرُ عذاب الْآخِرَةَ وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ یعنی الجنة کمن لا یفعل ذلک لیسا بسواء قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ إن ما وعد اللّه إضمار فی الآخرة من الثواب و العقاب حق، یعنی عمار بن «یاسر» «1» وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ یعنی أبا حذیفة إِنَّما یَتَذَکَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ 9- یعنی أهل اللب و العقل یعنی عمار بن یاسر، ثم قال: قُلْ یا عِبادِ الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّکُمْ لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا «العمل» «2» فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَةٌ یعنی الجنة وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ «یعنی المدینة» «3» إِنَّما یُوَفَّی الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ یعنی جزاءهم الجنة و أرزاقهم فیها بِغَیْرِ حِسابٍ 10- قُلْ إِنِّی أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ و ذلک أن کفار قریش قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- ما یحملک علی الذی أتیتنا به، ألا تنظر إلی ملة أبیک عبد اللّه، و ملة جدک عبد المطلب، و إلی سادة قومک یعبدون اللات و العزی و مناة فتأخذ به، فأنزل اللّه- تبارک و تعالی-: «قل» یا محمد «إنی أمرت» [123 ا] «أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ» یعنی أن أوحد اللّه مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ 11- یعنی له التوحید وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَکُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِینَ 12- یعنی المخلصین بتوحید اللّه- عز و جل- قُلْ لهم إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی فرجعت إلی ملة ءابائی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ 13- قُلِ لهم یا محمد
______________________________
(1) فی ا: «یسار».
(2) فی ا: التوحید، و فی ف: العمل.
(3) ا: یعنی المدینة من الضیق، و فی ف: یعنی المدینة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 673
اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً موحدا لَهُ دِینِی 14- فَاعْبُدُوا أنتم ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ من الآلهة و نزل فیهم أیضا، «قُلْ أَ فَغَیْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّی أَعْبُدُ أَیُّهَا الْجاهِلُونَ» «1» قُلْ یا محمد إِنَّ الْخاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا یعنی غبنوا أَنْفُسَهُمْ فصاروا إلی النار وَ أَهْلِیهِمْ یعنی و خسروا أهلیهم من الأزواج و الخدم «یَوْمَ الْقِیامَةِ» «2» أَلا ذلِکَ یعنی هذا هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِینُ 15- یعنی البین حین لم یوحدوا ربهم یعنی و أهلیهم فی الدنیا، ثم قال: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ یعنی أطباق من النار فتلهب علیهم وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ یعنی مهادا من نار ذلِکَ یقول هذا الذی ذکر من ظلل النار یُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ یا عِبادِ فَاتَّقُونِ 16- یعنی فوحدون وَ الَّذِینَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ یعنی الأوثان و هی مؤنثة أَنْ یَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَی اللَّهِ یعنی و رجعوا من عبادة الأوثان إلی عبادة اللّه- عز و جل- فقال- تعالی-: لَهُمُ الْبُشْری یعنی الجنة فَبَشِّرْ «عِبادِ» «3»- 17- فبشر عبادی بالجنة، ثم نعتهم فقال:
الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ یعنی القرآن فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ یعنی أحسن ما فی القرآن من طاعة اللّه- عز و جل- و لا یتبعون المعاصی مثل قوله:
«وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ ...» «4» أی «5» من طاعته أُولئِکَ الَّذِینَ هَداهُمُ اللَّهُ لدینه وَ أُولئِکَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ 18- یعنی أهل اللب و العقل حین یستمعون فیتبعون أحسنه من أمره و نهیه یعنی أحسن ما فیه من
______________________________
(1) سورة الزمر: 64.
(2) «یوم القیامة»: ساقطة من ا.
(3) فی ا: «عبادی».
(4) سورة الزمر: 55.
(5) «أی»: زیادة اقتضاها السیاق.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 674
أمره و نهیه، «و لا یتبعون السوء الذی ذکره عن غیرهم» «1».
أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَیْهِ یعنی وجب علیه کَلِمَةُ الْعَذابِ یعنی یوم قال لإبلیس «... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ» «2» أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِی النَّارِ- 19- لکِنِ الَّذِینَ اتَّقَوْا وحدوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ ثم نعت الغرف فقال: هی مَبْنِیَّةٌ فیها تقدیم تَجْرِی «مِنْ تَحْتِهَا» «3»، تجری العیون من تحت الغرف یعنی «أسفل منها» «4» الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ هذا الخیر لا یُخْلِفُ اللَّهُ الْمِیعادَ- 20- ما وعدهم أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَکَهُ یَنابِیعَ یعنی فجعله عیونا و رکابا فِی الْأَرْضِ ثُمَّ یُخْرِجُ بِهِ بالماء زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ یَهِیجُ یعنی ییبس فَتَراهُ بعد الخضرة مُصْفَرًّا ثُمَّ یَجْعَلُهُ حُطاماً یعنی هالکا نظیرها «... لا یَحْطِمَنَّکُمْ سُلَیْمانُ وَ جُنُودُهُ ...» «5» یعنی [123 ب . لا یهلکنکم سلیمان هذا مثل ضربه اللّه فی الدنیا کمثل النبت، بینما هو أخضر إذ تغیر فیبس، ثم هلک، فکذلک تهلک الدنیا بعد بهجتها و زینتها إِنَّ فِی ذلِکَ لَذِکْری یعنی تفکر لِأُولِی الْأَلْبابِ 21- أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ
______________________________
(1) فی ا: «و لا یتبعون السوء الذی ذکره عن قوم»، و فی ف: «و لا یتبعون المساوی التی ذکرها عن غیرهم».
(2) سورة هود: 119.
(3) «من تحتها»: ساقطة من ا، ف.
(4) من ف، و فی ا: «هذا أسفل منها».
(5) سورة النمل: 18، و تمامها: «حَتَّی إِذا أَتَوْا عَلی وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ یا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساکِنَکُمْ لا یَحْطِمَنَّکُمْ سُلَیْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 675
یقول أ فمن وسع اللّه قلبه للتوحید فَهُوَ عَلی نُورٍ یعنی علی هدی مِنْ رَبِّهِ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- فَوَیْلٌ لِلْقاسِیَةِ یعنی الجافیة قُلُوبُهُمْ فلم تلن یعنی أبا جهل مِنْ ذِکْرِ اللَّهِ یعنی عن توحید اللّه أُولئِکَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 22- یعنی أبا جهل یقول اللّه- تعالی- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- لیس المنشرح صدره بتوحید اللّه کالقاسی قلبه لیسا بسواء اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ یعنی القرآن کِتاباً مُتَشابِهاً یشبه بعضه بعضا مَثانِیَ یعنی یثنی الأمر فی القرآن مرتین أو ثلاثا أو أکثر من نحو ذکر الأمم الخالیة، و من نحو ذکر الأنبیاء، و من نحو ذکر آدم- علیه السلام- و إبلیس، و من نحو ذکر الجنة و النار، و البعث و الحساب، و من نحو ذکر النبت و المطر، و من نحو ذکر العذاب، و من نحو ذکر موسی و فرعون، ثم قال: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ یعنی مما فی القرآن من الوعید جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ عذاب رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلی ذِکْرِ اللَّهِ یعنی إلی الجنة و ما فیها من الثواب، ثم قال: ذلِکَ الذی ذکر من القرآن هُدَی اللَّهِ یَهْدِی بِهِ یعنی بالقرآن مَنْ یَشاءُ لدینه وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ عن دینه فَما لَهُ مِنْ هادٍ- 23- إلی دینه یقول من أضله اللّه عن الهدی فلا أحد یهدیه إلیه.
و قوله «1»- تعالی-: أَ فَمَنْ یَتَّقِی بِوَجْهِهِ سُوءَ یعنی شدة الْعَذابِ «یَوْمَ الْقِیامَةِ» «2» یقول لیس الضال الذی یتقی النار بوجهه کالمهتدی الذی لا تصل النار إلی وجهه، «لیسا» «3» بسواء، یقول الکافر یتقی بوجهه شدة
______________________________
(1) فی الأصل: «قوله».
(2) «یوم القیامة»: ساقط ا، ف.
(3) فی ا، «لیسوا» و فی ف: «لیسا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 676
العذاب و هو فی النار مغلولة یده إلی عنقه، و فی عنقه حجر ضخم مثل الجبل العظیم من کبریت تشتعل النار فی الحجر و هو معلق فی عنقه و تشتعل علی وجهه فحرها و وهجها علی وجهه لا یطیق دفعها عن وجهه من أجل الأغلال التی فی یده و عنقه «وَ قِیلَ» «1» و قالت الخزنة: لِلظَّالِمِینَ ذُوقُوا العذاب ب ما کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ 24- من الکفر و التکذیب کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی قبل کفار مکة کذبوا رسلهم بالعذاب فی الآخرة بأنه غیر نازل بهم فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ 25- و هم غافلون عنه فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْیَ یعنی العذاب فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَکْبَرُ [124 ا] مما أصابهم فی الدنیا لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ 26- و لکنهم لا یعلمون قوله وَ لَقَدْ ضَرَبْنا یعنی وضعنا لِلنَّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ «مِنْ کُلِّ مَثَلٍ» «2» من کل شبه لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ 27- یعنی کی «یؤمنوا» «3» به، ثم قال: وصفنا «4» قُرْآناً عَرَبِیًّا لیفقهوه غَیْرَ ذِی عِوَجٍ یعنی لیس «مختلفا» «5» و لکنه مستقیم لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ 28- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا و ذلک أن کفار قریش دعوا النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- إلی ملة آبائه و إلی عبادة اللات و العزی و مناة فضرب لهم مثلا و لآلهتهم مثلا الذین یعبدون من دون اللّه- عز و جل- فقال: «ضرب اللّه مثلا» رَجُلًا فِیهِ شُرَکاءُ مُتَشاکِسُونَ یعنی مختلفین یملکونه جمیعا، ثم قال: وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ
______________________________
(1) «قیل»: ساقطة من ا.
(2) فی ا: «من کل شبه».
(3) فی الأصل: «یؤمنون».
(4) کذا فی ا، ف.
(5) فی ا: مختلف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 677
یعنی خالصا لرجل لا یشرکه فیه أحد یقول فهل یستویان؟ یقول: هل یستوی من عبد آلهة شتی مختلفة یعنی الکفار و الذی یعبد ربا واحدا یعنی المؤمنین؟
فذلک قوله: «هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلًا» فقالوا لا یعنی هل یستویان فی الشبه فخصمهم النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- فقال: قل: الْحَمْدُ لِلَّهِ حین خصمهم بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ 29- توحید ربهم، فذلک قوله:
إِنَّکَ مَیِّتٌ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ 30- یعنی أهل مکة ثُمَّ إِنَّکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ أنت یا محمد و کفار مکة یوم القیامة عِنْدَ رَبِّکُمْ تَخْتَصِمُونَ 31- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَی اللَّهِ بأن له شریکا وَ کَذَّبَ بِالصِّدْقِ یعنی بالحق و هو التوحید إِذْ جاءَهُ یعنی لما جاءه البیان هذا المکذب بالتوحید أَ لَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً یعنی مأوی لِلْکافِرِینَ 32- وَ الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ یعنی بالحق و هو النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- جاء بالتوحید وَ صَدَّقَ بِهِ یعنی بالتوحید، المؤمنون صدقوا بالذی جاء به محمد- صلّی اللّه علیه و سلم-، و المؤمنون أصحاب النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- «1» فذلک قوله: أُولئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ 33- الشرک من أصحاب النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- لَهُمْ ما یَشاؤُنَ فی الجنة عِنْدَ رَبِّهِمْ من الخیر یعنی ذلِکَ جَزاءُ الْمُحْسِنِینَ 34- یعنی الموحدین لِیُکَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِی عَمِلُوا من المساوئ یعنی «یمحوها» «2» بالتوحید وَ یَجْزِیَهُمْ بالتوحید أَجْرَهُمْ یعنی جزاءهم بِأَحْسَنِ الَّذِی کانُوا یَعْمَلُونَ 35-
______________________________
(1) من ف، و فی ا: اضطراب.
(2) فی ا: یمحاها، و فی ف: یمحوها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 678
یقول «یجزیهم» «1» بالمحاسن و لا یجزیهم بالمساوئ أَ لَیْسَ اللَّهُ یعنی أما اللّه بِکافٍ عَبْدَهُ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یکفیه عدوه، ثم قال: وَ یُخَوِّفُونَکَ بِالَّذِینَ یعبدون مِنْ دُونِهِ اللات و العزی و مناة و ذلک أن کفار مکة [124 ب قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: إنا نخاف أن یصیبک من آلهتنا اللات و العزی و مناة جنون أو خبل قوله: وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدی فَما لَهُ مِنْ هادٍ- 36- یهدیه للإسلام وَ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ لدینه فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ یقول لا یستطیع أحد أن یضله أَ لَیْسَ اللَّهُ بِعَزِیزٍ یعنی بمنیع فی ملکه ذِی انْتِقامٍ 37- من عدوه یعنی کفار مکة وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ یا محمد مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قال لهم النبی- صلّی اللّه علیه و سلم-: من خلقهما؟
قالوا: اللّه خلقهما «لَیَقُولُنَّ اللَّهُ» «2» قال اللّه- عز و جل- لنبیه- علیه السلام: قُلْ أَ فَرَأَیْتُمْ ما تَدْعُونَ یعنی تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة إِنْ أَرادَنِیَ اللَّهُ یعنی أصابنی اللّه بِضُرٍّ «یعنی ببلاء أو شدة» «3» هَلْ هُنَ یعنی الآلهة کاشِفاتُ ضُرِّهِ یقول هل تقدر الآلهة أن تکشف ما نزل بی من الضر أَوْ أَرادَنِی بِرَحْمَةٍ یعنی بخیر و عافیة هَلْ هُنَ یعنی الآلهة مُمْسِکاتُ رَحْمَتِهِ یقول هل تقدر الآلهة أن تحبس عنی هذه الرحمة، فسألهم النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- عن ذلک فسکتوا و لم یجیبوه، قال اللّه- عز و جل- للنبی- صلّی اللّه علیه و سلم-:
______________________________
(1) فی الأصل: «یجزئیهم».
(2) «لَیَقُولُنَّ اللَّهُ»: ساقطة من ا.
(3) فی ا: «یعنی بلاء و شدة»، و فی ف: «یعنی ببلاء أو شدة».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 679
قُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ عَلَیْهِ یَتَوَکَّلُ یعنی یثق الْمُتَوَکِّلُونَ 38- یعنی الواثقون قُلْ یا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلی مَکانَتِکُمْ یعنی علی جدیلتکم التی أنتم علیها إِنِّی عامِلٌ علی جدیلتی التی أمرت بها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 39- هذا وعید مَنْ یَأْتِیهِ عَذابٌ یُخْزِیهِ یعنی یهینه فی الدنیا وَ من یَحِلُ یعنی یجب عَلَیْهِ عَذابٌ مُقِیمٌ 40- یقول دائم لا یزول عنه فی الآخرة إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ یعنی القرآن لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدی بالقرآن فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَ عن الإیمان بالقرآن فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها یقول فضلالته علی نفسه یعنی إثم ضلالته علی نفسه وَ ما أَنْتَ یا محمد عَلَیْهِمْ بِوَکِیلٍ 41- یعنی بمسیطر «نسختها آیة السیف» «1» اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها یقول عند أجلها، یعنی التی قضی اللّه علیها الموت فیمسکها علی الجسد فی التقدیم وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فتلک الأخری التی یرسلها إلی الجسد، «فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری «2» إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لعلامات لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ 42- فی أمر البعث أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ نزلت فی کفار مکة زعموا أن للملائکة شفاعة قُلْ لهم: یا محمد أَ وَ لَوْ یعنی إن کانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئاً من الشفاعة وَ لا یَعْقِلُونَ 43- أنکم تعبدونهم نظیرها فی الأنعام. قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِیعاً فجمیع من یشفع إنما هو بإذن اللّه، ثم عظم نفسه فقال:
لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و ما بینهما من الملائکة و غیرهم عبیده و فی ملکه
______________________________
(1) فی ا: «نسخة السیف» و فی ف: «نسختها آیة السیف».
(2) ما بین القوسین «...»: ساقط من ا، ف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 680
ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 44- وَ إِذا ذُکِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ [125 أ] یعنی انقبضت و یقال نفرت عن التوحید قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ یعنی لا یصدقون بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال یعنی کفار مکة وَ إِذا ذُکِرَ الَّذِینَ عبدوا مِنْ دُونِهِ من الآلهة إِذا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ 45- بذکرها و هذا یوم قرأ النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- سورة النجم بمکة فقرأ «... اللَّاتَ وَ الْعُزَّی، وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْری ، تلک الغرانیق العلی، عندها الشفاعة ترجی، ففرح کفار مکة حین سمعوا أن لها شفاعة «1» قُلِ اللَّهُمَ أمر النبی- صلّی اللّه علیه و سلم-
______________________________
(1) هذا کلام مرفوض یعتمد علی روایة تأباها طبیعة هذا الدین و صدق النبی الکریم. و الأصل أن النبی لا یقر علی خطأ و لو أخطأ لراجعه الوحی فی الحال و قصة الغرانیف أو حدیث الغرانیق، لا یتفق مع أصول هذا الدین فاللّه- عز و جل- قد تکفل بحفظ کتابه فقال- سبحانه-:
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» سورة الحجر: 9. و قد تکفل اللّه بأن یجمع القرآن فی قلب النبی و أن یحفظ لسانه عند قراءته قال- تعالی-: «لا تُحَرِّکْ بِهِ لِسانَکَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَیْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» سورة القیامة: 16- 18.
و بین اللّه أن النبی لا ینطق عن هواء و لا ینطق إلا بما جاءه به الوحی قال- تعالی-:
«وَ النَّجْمِ إِذا هَوی ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَ ما غَوی وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحی سورة النجم: 1- 4.
و قد ذکر الدکتور محمد حسین هیکل «قصة الغرانیق» فی الفصل السادس من کتاب «حیاة محمد».
و خلاصتها أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- جلس حول الکعبة فقرأ علی قومه سورة النجم حتی بلغ قوله- تعالی-: «أَ فَرَأَیْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی، وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْری سورة النجم 19- 20 فقرأ بعد ذلک «تلک الغرانیق العلا و إن شفاعتهن لترتجی ...» ثم مضی و قرأ السورة کلها و سجد فی آخرها.
هنالک سجد القوم جمیعا لم یتخلف منهم أحد. و أعلنت قریش رضاها عما تلا النبی ...
ثم قال الدکتور هیکل: هذا حدیث الغرانیق رواه غیر واحد من کتاب السیرة، و أشار إلیه غیر واحد من المفسرین، و وقف عنده کثیرون من المستشرقین طویلا، و هو حدیث ظاهر التهافت ینقصه قلیل من التمحیص، و هو ینقض ما لکل نبی من العصمة فی تبلیغ رسالات ربه فمن عجب أن یأخذ به
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 681
أن یقول یا: فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عالِمَ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْکُمُ بَیْنَ عِبادِکَ فِی ما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ 46- وَ لَوْ أَنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی لمشرکی مکة یوم القیامة ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ یعنی من شدة الْعَذابِ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ بَدا لَهُمْ یعنی و ظهر لهم حین بعثوا مِنَ اللَّهِ ما لَمْ یَکُونُوا یَحْتَسِبُونَ 47- فی الدنیا أنه نازل بهم فی الآخرة وَ بَدا لَهُمْ سَیِّئاتُ ما کَسَبُوا یعنی و ظهر لهم حین بعثوا فی الآخرة الشرک الذی کانوا علیه حین شهدت علیهم الجوارح بالشرک لقولهم ذلک فی سورة الأنعام «... وَ اللَّهِ رَبِّنا ما کُنَّا مُشْرِکِینَ» «1» وَ حاقَ بِهِمْ یعنی وجب لهم العذاب بتکذیبهم و استهزائهم بالعذاب أنه غیر کائن، فذلک قوله:
______________________________
بعض کتاب السیرة و بعض المفسرین المسلمین و لذلک لم یتردد ابن إسحاق حین سئل عنه فی أن قال:
إنه من وضع الزنادقة.
و قد ساق الأستاذ هیکل عددا من الحجج علی فساد قصة الغرانیق منها:
أولا: أن سیاق سورة النجم یأباها لأن اللّه ذم هذه الأصنام بعد ذلک و قال: إِنْ هِیَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ... سورة النجم: 23.
فکیف یمدح اللّه اللات و العزی و یذمها فی آیات متعاقبة.
ثانیا: أن النبی لم یجرب علیه الکذب قط حتی سمی الصادق الأمین و کان صدقه أمرا مسلما به للناس جمیعا، و ما کان النبی لیذر الکذب علی الناس و یکذب علی اللّه.
ثالثا: أن قصة الغرانیق تناقض أصل التوحید و وحدانیة الإله و هی المسألة التی نادی بها الإسلام فی مکة و المدینة و لم یقبل فیها النبی هوادة، و لا أماله عنها ما عرضت قریش علیه من المال و الملک.
رابعا: أن قال الإمام محمد عبده من أن العرب لم تصف آلهتها بالغرانیق و لم یرد ذلک فی نظمهم و لا فی خطبهم، و لا عرف عنهم فی أحادیثهم.
لا أصل إذا لمسألة الغرانیق علی الإطلاق، و لم یبق إلا أن تکون من وضع الزنادقة افتراء منهم علی الإسلام و نبی الإسلام.
انظر «حیاة محمد» لهیکل الفصل السادس «قصة الغرانیق»: 160- 167.
(1) سورة الأنعام: 23.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 682
ما کانُوا بِهِ» «1» بالعذاب یَسْتَهْزِؤُنَ 48- «فَإِذا» «2» مَسَ یعنی أصاب الْإِنْسانَ یعنی أبا حذیفة بن المغیرة ضُرٌّ یعنی بلاء أو شدة دَعانا یعنی دعا ربه منیبا یعنی مخلصا بالتوحید أن یکشف ما به من الضر ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا یقول ثم إذا آتیناه، یعنی أعطیناه الخیر قالَ إِنَّما أُوتِیتُهُ یعنی إنما أعطیت الخیر عَلی عِلْمٍ عندی یقول علی علم عندی یقول علی علم علمه اللّه منی، یقول اللّه- عز و جل-: بَلْ هِیَ فِتْنَةٌ یعنی بل تلک النعمة بلاء ابتلی به وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ 49- ذلک قَدْ قالَهَا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یقول قد قالها قارون فی القصص قبل أبی حذیفة- «... إِنَّما أُوتِیتُهُ عَلی عِلْمٍ عِنْدِی ...» «3» یقول علی خیر علمه اللّه عندی یقول اللّه- تبارک- و تعالی- فَما أَغْنی عَنْهُمْ من العذاب یعنی الخسف ما کانُوا یَکْسِبُونَ 50- من الکفر و التکذیب یقول فما أغنی عنهم الکفر من العذاب شیئا فَأَصابَهُمْ سَیِّئاتُ ما کَسَبُوا یعنی عقوبة ما کسبوا من الشرک «وَ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَیُصِیبُهُمْ سَیِّئاتُ ما کَسَبُوا» «4» وَ ما هُمْ بِمُعْجِزِینَ 51- یعنی و ما هم بسابقی اللّه- عز و جل- بأعمالهم الخبیثة حتی یجزیهم بها، ثم وعظوا لیعتبروا فی توحیده، و ذلک حین مطروا بعد سبع سنین فقال: أَ وَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَبْسُطُ [125 ب یعنی یوسع الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ یعنی و یقتر علی من
______________________________
(1) «به»: ساقطة من ا.
(2) فی الأصل: «و إذا».
(3) سورة القصص: 78، و تمامها «قالَ إِنَّما أُوتِیتُهُ عَلی عِلْمٍ عِنْدِی أَ وَ لَمْ یَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَکَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَکْثَرُ جَمْعاً وَ لا یُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ».
(4) ساقط من ا ما یأتی: «وَ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَیُصِیبُهُمْ سَیِّئاتُ ما کَسَبُوا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 683
یشاء إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یعنی لعلامات لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 52- یعنی یصدقون بتوحید اللّه- عز و جل- قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ نزلت فی مشرکی مکة و ذلک أن اللّه- عز و جل- أنزل فی الفرقان «وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ...» «1» الآیة فقال وحشی مولی المطعم بن عدی بن نوفل:
إنی قد فعلت هذه الخصال فکیف لی بالتوبة فنزلت فیه «إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً» «2» فأسلم وحشی فقال مشرکو «3» مکة قد قبل من وحشی توبته، و قد نزل فیه و لم ینزل فینا فنزلت فی مشرکی مکة «یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ» یعنی بالإسراف: الشرک و القتل و الزنا فلا ذنب أعظم إسرافا من الشرک لا تَقْنَطُوا یقول لا تیأسوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لأنهم ظنوا ألا توبة لهم إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً یعنی الشرک و القتل و الزنا الذی ذکر فی سورة الفرقان إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ 53- لمن تاب منها ثم دعاهم إلی التوبة- فقال سبحانه-: وَ أَنِیبُوا إِلی رَبِّکُمْ یقول و ارجعوا من الذنوب إلی اللّه وَ أَسْلِمُوا لَهُ یعنی و أخلصوا له بالتوحید، ثم خوفهم فقال: مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ 54- یعنی لا تمنعون من العذاب وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ من القرآن مِنْ رَبِّکُمْ یعنی ما ذکر من الطاعة من الحلال و الحرام مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً یعنی فجأة وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ 55- حین یفجؤکم من قبل أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یا حَسْرَتی
______________________________
(1) سورة الفرقان: 68 و تمامها: «وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لا یَزْنُونَ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً».
(2) سورة الفرقان: 70.
(3) فی ا: مشرکو، بالألف بعد الواو.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 684
یعنی یا ندامتا عَلی ما فَرَّطْتُ یعنی ما ضیعت فِی جَنْبِ اللَّهِ یعنی فی ذات اللّه یعنی من ذکر اللّه وَ إِنْ کُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِینَ 56- یعنی لمن المستهزئین بالقرآن فی الدنیا. «أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِی لَکُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِینَ 57- أَوْ تَقُولَ حِینَ تَرَی الْعَذابَ» «1» لَوْ أَنَّ لِی کَرَّةً یعنی رجعة إلی الدنیا فَأَکُونَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ 58- یقول فأکون من الموحدین للّه- عز و جل- یقول اللّه- تبارک و تعالی- ردا علیه بَلی قَدْ جاءَتْکَ آیاتِی یعنی آیات القرآن فَکَذَّبْتَ بِها أنها لیست من اللّه وَ اسْتَکْبَرْتَ یعنی و تکبرت عن ایمان بها وَ کُنْتَ مِنَ الْکافِرِینَ 59- ثم أخبر بما لهم فی الآخرة فقال- سبحانه-: وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ تَرَی الَّذِینَ کَذَبُوا عَلَی اللَّهِ بأن معه شریکا وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَیْسَ لهذا المکذب بتوحید اللّه فِی جَهَنَّمَ مَثْویً یعنی مأوی لِلْمُتَکَبِّرِینَ 60- عن التوحید وَ یُنَجِّی اللَّهُ من جهنم الَّذِینَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ یعنی بنجاتهم [126 أ] بأعمالهم الحسنة لا یَمَسُّهُمُ السُّوءُ یقول لا یصیبهم العذاب وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ 61- اللَّهُ خالِقُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَکِیلٌ 62- یقول رب کل شی‌ء من الخلق لَهُ مَقالِیدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة بِآیاتِ اللَّهِ یعنی بآیات القرآن أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ 63- فی العقوبة قُلْ أَ فَغَیْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّی أَعْبُدُ أَیُّهَا الْجاهِلُونَ 64- و ذلک أن کفار قریش دعوا النبی
______________________________
(1) ما بین الأقواس «...» ساقط من ا، و هو الآیة 57 و جزء من الآیة 58، کلاهما ساقط من ا مع تفسیرهما.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 685
- صلّی اللّه علیه و سلم- إلی دین آبائه فحذر اللّه- عز و جل- النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- أن یتبع دینهم فقال: وَ لَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَ إِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ من الأنبیاء لَئِنْ أَشْرَکْتَ بعد التوحید لَیَحْبَطَنَ یعنی لیبطلن عَمَلُکَ الحسن إضمار الذی کان وَ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ 65- فی العقوبة، ثم أخبر بتوحیده فقال- تعالی-: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ یقول فوحد وَ کُنْ له مِنَ الشَّاکِرِینَ 66- فی نعمه فی النبوة و الرسالة.
قوله- تعالی- وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ نزلت فی المشرکین یقول و ما عظموا اللّه حق عظمته وَ الْأَرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ «یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ» «1» مطویات یوم القیامة بیمینه فیها تقدیم فهما کلاهما فی یمینه یعنی فی قبضته الیمنی «2» قال ابن عباس: یقبض علی الأرض و السموات جمیعا فما یری طرفهما من قبضته و یده الأخری یمین سُبْحانَهُ نزه نفسه عن شرکهم وَ تَعالی و ارتفع عَمَّا یُشْرِکُونَ 67- به وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ و هو القرن و ذلک أن إسرافیل و هو واضع فاه علی القرن یشبه البوق و دائرة رأس القرن کعرض السماء
______________________________
(1) «یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ»: ساقط من ا.
(2) اللّه- تعالی- منزه عن الکم و الکیف و منزه عن أن یحویه مکان و منزه عن مشابهة الحوادث و منزه عن أن تکون له قبضة کقبضتنا أو ید کأیدینا.
قال الأستاذ سید قطب فی تفسیر الآیة: «و کل ما ورد فی القرآن و فی الحدیث من هذه الصور و المشاهد إنما هو تقریب للحقائق التی لا یملک البشر إدراکها بغیر أن توضع لهم فی تعبیر یدرکونه، و فی صورة یتصورونها و منه هذا التصویر لجانب من حقیقة القدرة المطلقة، التی لا تتقید بشکل، و لا تتحیز فی حیز و لا تتحدد بحدود» فی ظلال القرآن: 523، و قد نصح القارئ أن یراجع بتوسع فصل:
التصویر الفنی، و فصل: التخییل الحمی و التجسیم فی کتاب التصویر الفنی فی القرآن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 686
و الأرض و هو شاخص ببصره نحو العرش، یؤمر فینفخ فی القرن فإذا نفخ فیه:
______________________________
و قد عرض الطبری معنی الآیة و هو قریب مما ذهب إلیه مقاتل ثم عرض رأیا آخر لبعض أهل العربیة من أهل البصرة. یقول:
«وَ الْأَرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ» أی فی قدرته نحو قوله:
«... وَ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ ...» أی و ما کانت لکم علیه قدرة و لیس الملک للیمین دون سائر الجسد قال: و قوله: «... فی قبضته ...» نحو قولک للرجل هذا فی یدک و فی قبضتک. تفسیر الطبری:
23/ 19.
و قد ذهب النسفی و النیسابوری مذهب الزمخشری فی تأویل هذه الآیة. قال النیسابوری «... وَ الْأَرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ ...» قال جار اللّه: الغرض من هذا الکلام إذا أخذته کما هو بجملته تصویر عظمته، و التوفیق علی کنه جلاله من غیر ذهاب بالقبضة و الیمین إلی جهة حقیقة أو إلی جهة مجاز، و کذلک حکم ما
یروی عن عبد اللّه بن مسعود أن رجلا من أهل الکتاب جاء إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقال: یا أبا القاسم، إن اللّه یمسک السموات یوم القیامة علی إصبع، و الأرض علی إصبع، و الشجر علی إصبع، و الثری علی إصبع، و سائر الخلق علی إصبع ثم یهزهن، فیقول أنا الملک، فضحک رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلم- تعجبا مما قال و أنزل اللّه الآیة تصدیقا له.
و قال جار اللّه و إنما ضحک أفصح العرب و تعجب لأنه لم یفهم منه إلا ما یفهمه علماء البیان، من غیر تصور إمساک و لا إصبع و لا هز و لا شی‌ء من ذلک و لکن فهمه وقع أول شی‌ء و آخره علی الزبدة و الخلاصة التی هی الدلالة علی القدرة الباهرة و أن الأفعال العظام التی لا تکتنها الأوهام هینة علیه.
و قال النیسابوری ... و القبضة بالفتح المرة من القبض یعنی و الأرضون جمیعا مع عظمهن لا یبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته فهن ذوات قبضته و عندی أن المراد منه تصرفه یوم القیامة فیها بتبدیلها کقوله: «یَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ ...» سورة إبراهیم: 98.
... وَ السَّماواتُ مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ ...» کقوله: «یَوْمَ نَطْوِی السَّماءَ کَطَیِّ السِّجِلِّ لِلْکُتُبِ ...» سورة الأنبیاء: 104 و قیل معنی مطویات کونها مستولی علیها استیلاءک علی الشی‌ء المطوی عندک بیدک.
و قیل معنی مطویات کونها مستولی علیها بیمینه أی یقسمه لأنه- تعالی- حلف أن یطویها و یفنیها فی الآخرة.
و فی الآیة إشارة إلی کمال استغنائه و أنه إذا أراد تبدیل الأرض غیر الأرض، و السموات و ذلک فی یوم القیامة، سهل علیه کل السهولة، و لذلک نزه نفسه عن الشرکاء بقوله «... سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 687
فَصَعِقَ یعنی فمات مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ من شدة الصوت و الفزع من فیها من الحیوان، ثم استثنی إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ یعنی جبریل و میکائیل، ثم روح جبریل، ثم روح إسرافیل ثم یأمر ملک الموت فیموت ثم یدعهم فیما بلغنا أمواتا أربعین سنة ثم یحیی اللّه- عز و جل- إسرافیل فیأمره أن ینفخ الثانیة، فذلک قوله: ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْری فَإِذا هُمْ قِیامٌ علی أرجلهم یَنْظُرُونَ 68- إلی البعث الذی کذبوا به، فذلک قوله- تعالی- «یَوْمَ یَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِینَ» «1» مقدار ثلاثمائة عام وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها یعنی بنور ساقه «2»، فذلک قوله- تعالی-: «یوم
______________________________
(1) سورة المطففین: 6.
(2) لا سند لمقاتل فی هذا التخصیص، بأن النور نور ساقه قال فی ظلال القرآن.
«وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ»: أرض الساحة التی یتم فیها الاستعراض «بنور ربها» الذی لا نور غیره فی هذا المقام.
و قال الطبری: «وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ...» یقول- تعالی ذکره- فأضاءت الأرض بنور ربها، یقال أشرقت الشمس إذا صفت و أضاءت، و سرقت إذا طلعت، و ذلک حین یبرز الرحمن لفصل القضاء بین خلقه و بنحو الذی قلنا فی ذلک قال أهل التأویل.
... قال قتادة فی قوله: «وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ...» قال أضاءت فما یتضارون فی نوره إلا کما یتضارون فی الشمس فی الیوم الصحو الذی لا دخن فیه.
و قال النیسابوری: «وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها» الظاهر أن هذا نور تجلیه سبحانه و قد مر شرح هذا النور فی تفسیر قوله: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ...» سورة النور: 35.
و قال علماء البیان افتتح الآیة بذکر العدل کما اختتم الآیة بنفی الظلم و یقال للملک للعادل أشرقت الآفاق بنور عدلک و أضاءت الدنیا بقسطک و فی ضده أظلمت الدنیا بجوره، و أهل الظاهر من المفسرین لم یستبعدوا أن یخلق اللّه فی ذلک الیوم للأرض نورا مخصوصا و قیل أراد أرض الجنة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 688
یکشف عن ساق ...» «1» وَ وُضِعَ الْکِتابُ الذی عملوا فی أیدیهم لیقرؤه وَ جِی‌ءَ بِالنَّبِیِّینَ فشهدوا علیهم بالبلاغ وَ الشُّهَداءِ یعنی الحفظة من الملائکة فشهدوا علیهم بأعمالهم [126 ب التی عملوها وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِ یعنی بالعدل وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ 69- فی أعمالهم «2» وَ وُفِّیَتْ کُلُّ نَفْسٍ بر و فاجر ما عَمِلَتْ فی الدنیا من خیر أو شر وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما یَفْعَلُونَ 70- یقول الرب- تبارک و تعالی- أعلم بأعمالهم من النبیین و الحفظة، وَ سِیقَ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه إِلی جَهَنَّمَ زُمَراً یعنی أفواجا من کفار کل أمة علی حدة حَتَّی إِذا جاؤُها یعنی جهنم فُتِحَتْ أَبْوابُها یومئذ و کانت مغلقة و نشرت الصحف و کانت مطویة وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها یعنی خزنة جهنم أَ لَمْ یَأْتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یعنی من أنفسکم یَتْلُونَ عَلَیْکُمْ یعنی یقرءون علیکم آیاتِ «رَبِّکُمْ» «3» القرآن وَ یُنْذِرُونَکُمْ لِقاءَ یَوْمِکُمْ هذا یعنی البعث قالُوا بَلی قد فعلوا وَ لکِنْ حَقَّتْ یعنی وجبت کَلِمَةُ الْعَذابِ یعنی بالکلمة یوم قال لإبلیس: «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ» «4» عَلَی الْکافِرِینَ 71- قِیلَ قالت لهم الخزنة: «ادْخُلُوا» «5» أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها لا یموتون
______________________________
(1) سورة القلم: 42.
(2) الآیتان 69، 70، ذکرنا فی ا مع تقدیم و تأخیر و نقل جزء آیة إلی آیة أخری، و قد صویت الأخطاء.
(3) «ربکم» لیست فی ا.
(4) سورة ص: 85.
(5) فی ا: فادخلوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 689
فَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ 72- عن التوحید وَ سِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَی الْجَنَّةِ زُمَراً یعنی أفواجا حَتَّی إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها و أبواب الجنة ثمانیة مفتحة أبدا وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِینَ 73- لا یموتون فیها فلما دخلوها وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ یعنی أرض الجنة بأعمالنا نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَیْثُ نَشاءُ یعنی نتنزل منها حیث نشاء رضاهم بمنازلهم منها، یقول اللّه- تبارک و تعالی- فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِینَ 74- و قال فی هذه السورة «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ...» یعنی أرض الجنة- و قال فی سورة الأنبیاء:
«وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ» یعنی أرض الجنة «یَرِثُها عِبادِیَ الصَّالِحُونَ» «1» وَ تَرَی یا محمد الْمَلائِکَةَ حَافِّینَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ یعنی تحت العرش یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ یعنی یذکرونه بأمر ربهم وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِیلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ 75-.
و ذلک أن اللّه- تبارک و تعالی- افتتح الخلق بالحمد، و ختم بالحمد، فقال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ...» «2» و ختم بالحمد حین قال:
«... وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْحَقِّ ...» یعنی بالعدل «... وَ قِیلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ» «3».
حدثنا أبو جعفر، قال: حدثنا أبو القاسم، قال: قال الهذیل حدثنی جریر بن عبد الحمید عن عطاء بن السائب، عن ابن جبیر، فی قوله- تعالی-
______________________________
(1) سورة الأنبیاء: 105.
(2) سورة الأنعام: 1.
(3) سورة الزمر: 75.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 690
«اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها ...» قال: تقبض أنفس الأموات و ترسل [127 ا] أنفس الأحیاء إلی أجل مسمی فلا تقبضها «... إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ» «1».
______________________________
(1) سورة الزمر الآیة 42 و تمامها «اللَّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتِی قَضی عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الْأُخْری إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 691

سورة غافر

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 693

[سورة غافر (40): الآیات 1 الی 85]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
حم (1) تَنْزِیلُ الْکِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِیدِ الْعِقابِ ذِی الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَیْهِ الْمَصِیرُ (3) ما یُجادِلُ فِی آیاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِینَ کَفَرُوا فَلا یَغْرُرْکَ تَقَلُّبُهُمْ فِی الْبِلادِ (4)
کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ هَمَّتْ کُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِیَأْخُذُوهُ وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَکَیْفَ کانَ عِقابِ (5) وَ کَذلِکَ حَقَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِیمِ (7) رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِی وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّیَّاتِهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (8) وَ قِهِمُ السَّیِّئاتِ وَ مَنْ تَقِ السَّیِّئاتِ یَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (9)
إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَکْبَرُ مِنْ مَقْتِکُمْ أَنْفُسَکُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَی الْإِیمانِ فَتَکْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ (11) ذلِکُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِیَ اللَّهُ وَحْدَهُ کَفَرْتُمْ وَ إِنْ یُشْرَکْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُکْمُ لِلَّهِ الْعَلِیِّ الْکَبِیرِ (12) هُوَ الَّذِی یُرِیکُمْ آیاتِهِ وَ یُنَزِّلُ لَکُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَ ما یَتَذَکَّرُ إِلاَّ مَنْ یُنِیبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ (14)
رَفِیعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ یُلْقِی الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِیُنْذِرَ یَوْمَ التَّلاقِ (15) یَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا یَخْفی عَلَی اللَّهِ مِنْهُمْ شَیْ‌ءٌ لِمَنِ الْمُلْکُ الْیَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْیَوْمَ تُجْزی کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْیَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسابِ (17) وَ أَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَی الْحَناجِرِ کاظِمِینَ ما لِلظَّالِمِینَ مِنْ حَمِیمٍ وَ لا شَفِیعٍ یُطاعُ (18) یَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْیُنِ وَ ما تُخْفِی الصُّدُورُ (19)
وَ اللَّهُ یَقْضِی بِالْحَقِّ وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَقْضُونَ بِشَیْ‌ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (20) أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ کانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ کانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ آثاراً فِی الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَ ما کانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کانَتْ تَأْتِیهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَکَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِیٌّ شَدِیدُ الْعِقابِ (22) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِینٍ (23) إِلی فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ قارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ کَذَّابٌ (24)
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ وَ اسْتَحْیُوا نِساءَهُمْ وَ ما کَیْدُ الْکافِرِینَ إِلاَّ فِی ضَلالٍ (25) وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِی أَقْتُلْ مُوسی وَ لْیَدْعُ رَبَّهُ إِنِّی أَخافُ أَنْ یُبَدِّلَ دِینَکُمْ أَوْ أَنْ یُظْهِرَ فِی الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) وَ قالَ مُوسی إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ مِنْ کُلِّ مُتَکَبِّرٍ لا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الْحِسابِ (27) وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَکْتُمُ إِیمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ یَقُولَ رَبِّیَ اللَّهُ وَ قَدْ جاءَکُمْ بِالْبَیِّناتِ مِنْ رَبِّکُمْ وَ إِنْ یَکُ کاذِباً فَعَلَیْهِ کَذِبُهُ وَ إِنْ یَکُ صادِقاً یُصِبْکُمْ بَعْضُ الَّذِی یَعِدُکُمْ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ (28) یا قَوْمِ لَکُمُ الْمُلْکُ الْیَوْمَ ظاهِرِینَ فِی الْأَرْضِ فَمَنْ یَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِیکُمْ إِلاَّ ما أَری وَ ما أَهْدِیکُمْ إِلاَّ سَبِیلَ الرَّشادِ (29)
وَ قالَ الَّذِی آمَنَ یا قَوْمِ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ مِثْلَ یَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَ یا قَوْمِ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ یَوْمَ التَّنادِ (32) یَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِینَ ما لَکُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) وَ لَقَدْ جاءَکُمْ یُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَیِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِی شَکٍّ مِمَّا جاءَکُمْ بِهِ حَتَّی إِذا هَلَکَ قُلْتُمْ لَنْ یَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً کَذلِکَ یُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34)
الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ بِغَیْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ الَّذِینَ آمَنُوا کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَ قالَ فِرْعَوْنُ یا هامانُ ابْنِ لِی صَرْحاً لَعَلِّی أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلی إِلهِ مُوسی وَ إِنِّی لَأَظُنُّهُ کاذِباً وَ کَذلِکَ زُیِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صُدَّ عَنِ السَّبِیلِ وَ ما کَیْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِی تَبابٍ (37) وَ قالَ الَّذِی آمَنَ یا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِکُمْ سَبِیلَ الرَّشادِ (38) یا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَیاةُ الدُّنْیا مَتاعٌ وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِیَ دارُ الْقَرارِ (39)
مَنْ عَمِلَ سَیِّئَةً فَلا یُجْزی إِلاَّ مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیها بِغَیْرِ حِسابٍ (40) وَ یا قَوْمِ ما لِی أَدْعُوکُمْ إِلَی النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِی إِلَی النَّارِ (41) تَدْعُونَنِی لِأَکْفُرَ بِاللَّهِ وَ أُشْرِکَ بِهِ ما لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوکُمْ إِلَی الْعَزِیزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِی إِلَیْهِ لَیْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِی الدُّنْیا وَ لا فِی الْآخِرَةِ وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَی اللَّهِ وَ أَنَّ الْمُسْرِفِینَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْکُرُونَ ما أَقُولُ لَکُمْ وَ أُفَوِّضُ أَمْرِی إِلَی اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِیرٌ بِالْعِبادِ (44)
فَوَقاهُ اللَّهُ سَیِّئاتِ ما مَکَرُوا وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْها غُدُوًّا وَ عَشِیًّا وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) وَ إِذْ یَتَحاجُّونَ فِی النَّارِ فَیَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا کُنَّا لَکُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِیباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا کُلٌّ فِیها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَکَمَ بَیْنَ الْعِبادِ (48) وَ قالَ الَّذِینَ فِی النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّکُمْ یُخَفِّفْ عَنَّا یَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49)
قالُوا أَ وَ لَمْ تَکُ تَأْتِیکُمْ رُسُلُکُمْ بِالْبَیِّناتِ قالُوا بَلی قالُوا فَادْعُوا وَ ما دُعاءُ الْکافِرِینَ إِلاَّ فِی ضَلالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ (51) یَوْمَ لا یَنْفَعُ الظَّالِمِینَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْهُدی وَ أَوْرَثْنا بَنِی إِسْرائِیلَ الْکِتابَ (53) هُدیً وَ ذِکْری لِأُولِی الْأَلْبابِ (54)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ بِالْعَشِیِّ وَ الْإِبْکارِ (55) إِنَّ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ بِغَیْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِی صُدُورِهِمْ إِلاَّ کِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِیهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (56) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَکْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (57) وَ ما یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ لا الْمُسِی‌ءُ قَلِیلاً ما تَتَذَکَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیها وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یُؤْمِنُونَ (59)
وَ قالَ رَبُّکُمُ ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِی سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِینَ (60) اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُونَ (61) ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ خالِقُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ (62) کَذلِکَ یُؤْفَکُ الَّذِینَ کانُوا بِآیاتِ اللَّهِ یَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَکُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَکُمْ وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ فَتَبارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ (64)
هُوَ الْحَیُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ (65) قُلْ إِنِّی نُهِیتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِی الْبَیِّناتُ مِنْ رَبِّی وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِینَ (66) هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ یُخْرِجُکُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ ثُمَّ لِتَکُونُوا شُیُوخاً وَ مِنْکُمْ مَنْ یُتَوَفَّی مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّی وَ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِی یُحْیِی وَ یُمِیتُ فَإِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (68) أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ أَنَّی یُصْرَفُونَ (69)
الَّذِینَ کَذَّبُوا بِالْکِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِی أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ یُسْحَبُونَ (71) فِی الْحَمِیمِ ثُمَّ فِی النَّارِ یُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِیلَ لَهُمْ أَیْنَ ما کُنْتُمْ تُشْرِکُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَکُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئاً کَذلِکَ یُضِلُّ اللَّهُ الْکافِرِینَ (74)
ذلِکُمْ بِما کُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ بِما کُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها فَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِیَنَّکَ بَعْضَ الَّذِی نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّیَنَّکَ فَإِلَیْنا یُرْجَعُونَ (77) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِکَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَیْکَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَیْکَ وَ ما کانَ لِرَسُولٍ أَنْ یَأْتِیَ بِآیَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِیَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِکَ الْمُبْطِلُونَ (78) اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْکَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْکُلُونَ (79)
وَ لَکُمْ فِیها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَیْها حاجَةً فِی صُدُورِکُمْ وَ عَلَیْها وَ عَلَی الْفُلْکِ تُحْمَلُونَ (80) وَ یُرِیکُمْ آیاتِهِ فَأَیَّ آیاتِ اللَّهِ تُنْکِرُونَ (81) أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کانُوا أَکْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِی الْأَرْضِ فَما أَغْنی عَنْهُمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ کَفَرْنا بِما کُنَّا بِهِ مُشْرِکِینَ (84)
فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِکَ الْکافِرُونَ (85)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 703
سورة غافر «1» سورة المؤمن مکیة عددها خمس و ثمانون آیة کوفی «2».
______________________________
(1) مقصود سورة غافر الإجمالی:
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 763
المنة علی الخلق بالغفران، و قبول التوبة، و تقلب الکفار بالکسب و التجارة، و بیان وظیفة حملة العرش و تضرع الکفار فی قعر الجحیم، و إظهار أنوار العدل فی القیامة، و ذکر إهلاک القرون الماضیة و إنکار فرعون علی موسی و هارون، و مناظرة حزبیل لقوم فرعون نائبا عن موسی و عرض أرواح الکفار علی العقوبة، و وعد النصر للرسل، و إقامة أنواع الحجة و البرهان علی أهل الکفر و الضلال و الوعد بإجابة دعاء المؤمنین، و إظهار أنواع العجائب من صنع اللّه، و عجز المشرکین فی العذاب، و أن الإیمان عند الیأس غیر نافع، و الحکم بخسران الکافرین و المبطلین فی قوله «فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِکَ الْکافِرُونَ» سورة غافر: 85.
(2) فی المصحف- (40) سورة غافر مکیة إلا آیتی 56، 58 فمدنیتان و آیاتها 85 نزلت بعد الزمر.
و لهذه السورة أربعة أسماء:
1- سورة المؤمن لاشتمالها علی حدیث مؤمن آل فرعون- أعنی حزبیل- فی قوله:
«وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ...»: 28.
2- و سورة الطول لقوله: «... ذِی الطَّوْلِ ...»: 3.
3- و سورة «حم» الأولی لأنها أولی ذوات «حم».
4- سورة غافر لقوله: «... غافِرِ الذَّنْبِ ...»: 3.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 705
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ حم 1- تَنْزِیلُ الْکِتابِ مِنَ اللَّهِ یقول قضی تنزیل الکتاب من اللّه الْعَزِیزِ فی ملکه الْعَلِیمِ 2- بخلقه غافِرِ الذَّنْبِ یعنی من الشرک «وَ قابِلِ التَّوْبِ» «1» شَدِیدِ الْعِقابِ لمن لم یوجده ذِی الطَّوْلِ یعنی ذی الغنی عمن لا یوحده، ثم وحد نفسه- جل جلاله- فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَیْهِ الْمَصِیرُ- 3- یعنی مصیر العباد إلیه فی الآخرة فیجزیهم بأعمالهم، قوله: ما یُجادِلُ یعنی یماری فِی آیاتِ اللَّهِ یعنی آیات القرآن إِلَّا الَّذِینَ کَفَرُوا یعنی الحارث بن قیس السهمی فَلا یَغْرُرْکَ یا محمد تَقَلُّبُهُمْ فِی الْبِلادِ- 4- یعنی کفار مکة یقول لا یغررک ما هم فیه من الخیر و السعة من الرزق فإنه متاع قلیل ممتعون به إلی آجالهم فی الدنیا، ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالیة لیحذروا فلا یکذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- فقال: «کَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ» «2» قبل أهل مکة قَوْمُ نُوحٍ رسولهم نوحا- علیه السلام- وَ کذبت الْأَحْزابُ یعنی الأمم الخالیة رسلهم مِنْ بَعْدِهِمْ یعنی من بعد قوم نوح وَ هَمَّتْ کُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِیَأْخُذُوهُ یعنی لیقتلوه «وَ جادَلُوا» «3» یعنی و خاصموا رسلهم بِالْباطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ یعنی لیبطلوا به الحق الذی جاءت به الرسل و جدالهم أنهم
______________________________
(1) «و قالوا التوب»: ساقط من ا.
(2) فی ا: «کذبت قبل» أهل مکة.
(3) فی الأصل: «و جادوا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 706
قالوا لرسلهم: ما أنتم إلا بشر مثلنا، و ما نحن إلا بشر مثلکم ألا أرسل اللّه ملائکة فهذا جدالهم کما قالوا للنبی- صلّی اللّه علیه و سلم- فَأَخَذْتُهُمْ بالعذاب فَکَیْفَ کانَ عِقابِ 5- یعنی عقابی ألیس وجدوه حقا وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا عذبتهم، «و کذلک» حَقَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ یقول وجبت کلمة العذاب من ربک عَلَی الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ- 6- حین قال لإبلیس: «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ» «1». قوله:
الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ فیها إضمار و هم أول من خلق اللّه- تعالی- من الملائکة و ذلک أن اللّه- تبارک و تعالی- قال فی سورة «حم عسق» «2» «... وَ الْمَلائِکَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الْأَرْضِ ...» «3» «فاختص» «4» فی «حم» المؤمن، من الملائکة حملة العرش وَ مَنْ حَوْلَهُ یقول «و من» «5» حول العرش من الملائکة «و اختص استغفار الملائکة بالمؤمنین» «6» من أهل الأرض فقال: «الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ» یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ یقول یذکرون اللّه بأمره وَ یُؤْمِنُونَ بِهِ و یصدقون باللّه- عز و جل- بأنه واحد لا شریک له وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا حین قالوا: «... فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تابُوا ...» «7» و قالت الملائکة: رَبَّنا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ یعنی ملأت کل
______________________________
(1) سورة ص: 85.
(2) فی: «عسق»، و فی ل: «حم عسق».
(3) سورة الشوری: 5.
(4) فی ا: «فاختصر»، و فی ل: «فاختص».
(5) فی ا: «و من»، و فی ل: «من».
(6) فی ا: «و اختم باستغفار الملائکة للمؤمنین» و فی ل: «و اختص بالاستغفار الملائکة للمؤمنین».
(7) سورة غافر: 7.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 707
شی‌ء من الحیوان فی السموات و الأرض رَحْمَةً یعنی نعمة یتقلبون فیها وَ عِلْماً یقول علم من فیهما من الخلق و قالوا: فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تابُوا من الشرک وَ اتَّبَعُوا سَبِیلَکَ یعنی دینک وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِیمِ 7- رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِی وَعَدْتَهُمْ علی ألسنة الرسل وَ أدخل معهم الجنة مَنْ صَلَحَ یعنی من وحد اللّه «من» «1» الذین آمنوا مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّیَّاتِهِمْ من الشرک إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ 8- ثم قال: وَ قِهِمُ السَّیِّئاتِ یعنی الشرک وَ مَنْ تَقِ السَّیِّئاتِ فی الدنیا «یَوْمَئِذٍ» «2» فَقَدْ رَحِمْتَهُ «یومئذ»: فی الآخرة وَ ذلِکَ الذی ذکر من الثواب هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ 9-.
قوله: إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَکْبَرُ مِنْ مَقْتِکُمْ أَنْفُسَکُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَی الْإِیمانِ فَتَکْفُرُونَ 10- و ذلک أن الکفار إذا عاینوا النار فی الآخرة و دخلوها مقتوا أنفسهم فقالت لهم الملائکة، و هم خزنة جهنم یومئذ، لمقت اللّه إیاکم فی الدنیا حین دعیتم إلی الإیمان یعنی التوحید فکفرتم أکبر من مقتکم أنفسکم.
قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ یعنی کانوا نطفا فخلقهم فهذه موتة و حیاة، و أماتهم عند آجالهم، ثم بعثهم فی الآخرة فهذه موتة و حیاة أخری، فهاتان «موتتان» «3» و حیاتان فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا بأن البعث حق
______________________________
(1) فی أ: «بعد»، و فی ل: «من».
(2) «یومئذ»: ساقطة من أ، ل.
(3) «موتتان»: ساقطة من أ، و أما فی ل: ففیها صفحات کثیرة ساقطة، و نجد الورقة نصفها من سورة و نصفها الثانی من سورة أخری.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 708
فَهَلْ إِلی خُرُوجٍ مِنْ سَبِیلٍ 11- قالوا فهل لنا کرة إلی الدنیا مثلها فی «حم عسق» «1» قوله: ذلِکُمْ المقت فی التقدیم إنما کان بِأَنَّهُ إِذا دُعِیَ اللَّهُ یعنی إذا ذکر اللّه وَحْدَهُ کَفَرْتُمْ به یعنی بالتوحید وَ إِنْ یُشْرَکْ بِهِ تُؤْمِنُوا یعنی و إن یعدل به تصدقوا، ثم قال: فَالْحُکْمُ یعنی القضاء لِلَّهِ الْعَلِیِ یعنی الرفیع فوق خلقه الْکَبِیرِ- 12- یعنی العظیم فلا شی‌ء أعظم منه، قوله- تعالی-: هُوَ الَّذِی یُرِیکُمْ آیاتِهِ یعنی السموات و الأرض و الشمس و القمر و النجوم و الریاح و السحاب و اللیل و النهار و الفلک فی البحر و النبت و الثمار عاما بعام وَ یُنَزِّلُ لَکُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً یعنی المطر وَ ما یَتَذَکَّرُ فی هذا الصنع فیوحد الرب- تعالی- إِلَّا مَنْ یُنِیبُ 13- إلا من یرجع، ثم أمر المؤمنین بتوحیده فقال- عز و جل-:
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ [128 أ] یعنی موحدین لَهُ الدِّینَ یعنی التوحید وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ 14- من أهل مکة، ثم عظم نفسه عن شرکهم فقال- عز و جل-: رَفِیعُ الدَّرَجاتِ یقول أنا فوق السموات لأنها ارتفعت من الأرض سبع سموات ذُو الْعَرْشِ یعنی هو علیه یعنی علی العرش «2» یُلْقِی الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ یقول ینزل الوحی من السماء بإذنه عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ من الأنبیاء لِیُنْذِرَ النبیون بما فی القرآن من الوعید یَوْمَ التَّلاقِ 15- یعنی یوم یلتقی الخالق و الخلائق، ثم ذکر ذلک الیوم فقال:
______________________________
(1) سورة الشوری: 44 و تمامها: «وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِیٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَ تَرَی الظَّالِمِینَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ یَقُولُونَ هَلْ إِلی مَرَدٍّ مِنْ سَبِیلٍ».
(2) هذا من التجسیم المذموم فی تفسیر مقاتل. و انظر فی دراسة منهج مقاتل فی التفسیر و خصوصا موضوع: «مقاتل و علم الکلام».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 709
یَوْمَ هُمْ بارِزُونَ من قبورهم علی ظهر الأرض مثل الأدیم الممدود لا یَخْفی عَلَی اللَّهِ مِنْهُمْ شَیْ‌ءٌ یقول لا یستتر عن اللّه- عز و جل- منهم أحد، فیقول الرب تبارک- و تعالی- لِمَنِ الْمُلْکُ الْیَوْمَ یعنی یوم القیامة حین قبض علی السموات و الأرض فی یده الیمنی فلا یجیبه أحد، فیقول لنفسه لِلَّهِ الْواحِدِ لا شریک له الْقَهَّارِ- 16- لخلقه حین أحیاهم الْیَوْمَ فی الآخرة تُجْزی کُلُّ نَفْسٍ بر و فاجر بِما کَسَبَتْ من خیر أو شر لا ظُلْمَ الْیَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسابِ 17- یفرغ اللّه- تعالی- من حسابهم فی مقدار نصف یوم من أیام الدنیا، قوله- تعالی-: وَ أَنْذِرْهُمْ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- أنذر أهل مکة یَوْمَ الْآزِفَةِ یعنی اقتراب الساعة إِذِ الْقُلُوبُ لَدَی الْحَناجِرِ و ذلک أن الکفار إذا عاینوا النار فی الآخرة شخصت أبصارهم إلیها فلا یطرفون و أخذتهم رعدة شدیدة من الخوف فشهقوا شهقة فزالت قلوبهم من أماکنها فنشبت فی حلوقهم فلا تخرج من أفواههم و لا ترجع إلی أماکنها أبدا، فذلک قوله تعالی: «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَی» یعنی عند «الحناجر» کاظِمِینَ یعنی مکروبین ما لِلظَّالِمِینَ یعنی المشرکین مِنْ حَمِیمٍ یعنی قریب ینفعهم وَ لا شَفِیعٍ یُطاعُ 18- فیهم یَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْیُنِ یعنی الغمزة فیما لا یحل بعینه و النظرة فی المعصیة وَ ما تُخْفِی الصُّدُورُ- 19- یعنی و ما تسر القلوب من الشر وَ اللَّهُ یَقْضِی بِالْحَقِ یعنی یحکم بالعدل وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ من الآلهة لا یَقْضُونَ یعنی لا یحکمون بِشَیْ‌ءٍ یعنی و الذین یعبدون من دونه لا یقضون بشی‌ء، یعنی آلهة کفار مکة إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ- 20- ثم خوفهم بمثل عذاب
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 710
الأمم الخالیة لیحذروا فیوحدوا الرب- تبارک و تعالی- فقال: أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ کانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالیة عاد، و ثمود، و قوم لوط، کانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ [128 ب یعنی من کفار مکة قُوَّةً یعنی بطشا وَ آثاراً فِی الْأَرْضِ یعنی أعمالا و ملکوا فی الأرض فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ فعذبهم وَ ما کانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ 21- یقی العذاب عنهم یقول ذلِکَ العذاب إنما نزل بهم بِأَنَّهُمْ کانَتْ تَأْتِیهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ یعنی بالبیان فَکَفَرُوا بالتوحید فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بالعذاب إِنَّهُ قَوِیٌ فی أمره شَدِیدُ الْعِقابِ 22- إذا عاقب یعنی عقوبة الأمم الخالیة، قوله- تعالی-: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا یعنی الید و العصا وَ سُلْطانٍ مُبِینٍ 23- یعنی و حجة بینة إِلی فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ قارُونَ فلما رأوا الید و العصا قالوا لیستا من اللّه بل موسی ساحر، فی الید حین أخرجها بیضاء، و العصا حین صارت حیة «فَقالُوا ساحِرٌ» «1» کَذَّابٌ 24- حین زعم أنه رسول رب العالمین فَلَمَّا جاءَهُمْ موسی بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا یعنی الید و العصا آمنت به بنو إسرائیل ف قالُوا أی قال فرعون وحده لقومه للملأ یعنی الأشراف: اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ یعنی مع موسی وَ اسْتَحْیُوا نِساءَهُمْ یقول اقتلوا أبناءهم و دعوا البنات، فلما هموا بذلک حبسهم اللّه عنهم حین أقطعهم «2»
______________________________
(1) «فَقالُوا ساحِرٌ»: ساقطة من أ.
(2) کذا فی أ، ل، و المراد حین جعل البحر قطعا و طرقا فسار فیه بنو إسرائیل قال- تعالی- «وَ جاوَزْنا بِبَنِی إِسْرائِیلَ الْبَحْرَ ...» سورة الأعراف: 138.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 711
البحر، یقول اللّه- عز و جل- وَ ما کَیْدُ «الْکافِرِینَ» «1» إِلَّا فِی ضَلالٍ 25- یعنی خسار یقول «و ما کید» فرعون الذی أراد ببنی إسرائیل من قتل الأبناء و استحیاء النساء «إِلَّا فِی ضَلالٍ» یعنی خسار.
وَ قالَ فِرْعَوْنُ لقومه القبط ذَرُونِی أَقْتُلْ یقول خلوا عنی أقتل مُوسی وَ لْیَدْعُ رَبَّهُ فلیمنعه ربه من القتل إِنِّی أَخافُ أَنْ یُبَدِّلَ دِینَکُمْ یعنی عبادتکم إیای أَوْ أَنْ یُظْهِرَ فِی الْأَرْضِ أرض مصر الْفَسادَ- 26- یعنی بالفساد أن یقتل أبناءکم و یستحیی نساءکم کما فعلتم بقومه یفعله بکم، فلما قال فرعون لقومه: «ذرونی أقتل موسی» استعاذ موسی:
وَ قالَ مُوسی إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ مِنْ کُلِّ مُتَکَبِّرٍ یعنی متعظم عن الإیمان یعنی التوحید لا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الْحِسابِ 27- یعنی فرعون لا یصدق بیوم یدان بین العباد وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یعنی قبطی مثل فرعون یَکْتُمُ إِیمانَهُ مائة سنة حتی سمع قول فرعون فی قتل موسی- علیه السلام- فقال المؤمن: أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ یَقُولَ رَبِّیَ اللَّهُ وَ قَدْ جاءَکُمْ بِالْبَیِّناتِ مِنْ رَبِّکُمْ یعنی الید و العصا وَ إِنْ یَکُ موسی کاذِباً فَعَلَیْهِ کَذِبُهُ وَ إِنْ یَکُ صادِقاً فی قوله و کذبتموه یُصِبْکُمْ بَعْضُ الَّذِی یَعِدُکُمْ من العذاب إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی إلی دینه مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ 28- یعنی مشرک «مفتن» «2» [129 ا] و قال المؤمن: یا قَوْمِ لأنه قبطی مثلهم لَکُمُ الْمُلْکُ الْیَوْمَ ظاهِرِینَ فِی الْأَرْضِ یعنی أرض مصر علی
______________________________
(1) وردت فی النسخ: «فرعون».
(2) کذا فی أ: «مفتن»، و المراد یمشی بالفتنة و الکذب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 712
أهلها فَمَنْ یَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ یقول فمن یمنعنا من عذاب اللّه- عز و جل- إِنْ جاءَنا لما سمع فرعون قول المؤمن قالَ عدو اللّه فِرْعَوْنُ عند ذلک لقومه: ما أُرِیکُمْ من الهدی إِلَّا ما أَری لنفسی وَ ما أَهْدِیکُمْ إِلَّا سَبِیلَ الرَّشادِ- 29- یقول و ما أدعوکم إلا إلی طریق الهدی، بل یدلهم علی سبیل الغی «1» وَ قالَ الَّذِی آمَنَ یعنی صدق بتوحید اللّه- عز و جل- یا قَوْمِ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ فی تکذیب موسی مِثْلَ یَوْمِ الْأَحْزابِ 30- یعنی مثل أیام عذاب الأمم الخالیة الذین کذبوا رسلهم مِثْلَ دَأْبِ یعنی مثل أشباه قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ- 31- فیعذب علی غیر ذنب، ثم حذرهم المؤمن عذاب الآخرة، فقال: وَ یا قَوْمِ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ یَوْمَ التَّنادِ- 32- یعنی یوم ینادی أهل الجنة أهل النار «... أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا ...» «2» و ینادی أصحاب النار أصحاب الجنة «... أَنْ أَفِیضُوا عَلَیْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ ...» «3».
ثم أخبر المؤمن عن ذلک الیوم، فقال: یَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِینَ یعنی بعد الحساب إلی النار ذاهبین، کقوله: «فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِینَ» «4» یعنی ذاهبین إلی عیدهم ما لَکُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ یعنی من مانع یمنعکم من اللّه- عز
______________________________
(1) هذا تعلیق من المفسر علی کلام فرعون، معناه: أن فرعون لا یدلهم للهدی بل یدلهم للغی و الضلال.
(2) سورة الأعراف: 44.
(3) سورة الأعراف: 50.
(4) سورة الصافات: 90.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 713
و جل- وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدی فَما لَهُ مِنْ هادٍ- 33- یعنی من أحد یهدیه إلی دین اللّه- عز و جل-، ثم وعظهم لیتفکروا فقال: وَ لَقَدْ جاءَکُمْ یُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَیِّناتِ و لم یکن رآه المؤمن قط، «من قبل» موسی «بالبینات» یعنی بینات تعبیر رؤیا الملک البقرات السبع بالسنین «1».
فَما زِلْتُمْ فِی شَکٍّ مِمَّا جاءَکُمْ بِهِ یعنی مما أخبرکم من تصدیق الرؤیا حَتَّی إِذا هَلَکَ یعنی مات قُلْتُمْ لَنْ یَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا کَذلِکَ یعنی هکذا یُضِلُّ اللَّهُ عن الهدی إضمار مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ یعنی من هو مشرک مُرْتابٌ 34- یعنی شاک فی اللّه- عز و جل-، لا یوحد اللّه- تعالی-، قوله: الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ بِغَیْرِ سُلْطانٍ یعنی بغیر حجة أَتاهُمْ من اللّه کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ الَّذِینَ آمَنُوا نزلت فی المستهزئین من قریش یقول: کَذلِکَ یعنی هکذا یَطْبَعُ اللَّهُ یعنی یختم اللّه- عز و جل- بالکفر عَلی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّرٍ جَبَّارٍ- 35- یعنی قتال یعنی فرعون تکبر عن عبادة اللّه- عز و جل-، یعنی التوحید کقوله «... إِنْ تُرِیدُ إِلَّا أَنْ تَکُونَ جَبَّاراً ...» «2» یعنی قتالا وَ قالَ فِرْعَوْنُ [129 ب : یا هامانُ ابْنِ لِی صَرْحاً یعنی قصرا مشیدا من آجر لَعَلِّی أَبْلُغُ الْأَسْبابَ 36- أَسْبابَ السَّماواتِ یعنی أبواب السموات السبع یعنی باب کل سماء إلی السابعة فَأَطَّلِعَ إِلی إِلهِ مُوسی ثم قال
______________________________
(1) رأی الملک فی منامه أن سبع بقرات سمان قویة خرجت علیها سبع بقرات عجاف فأکلتها، و قد فسرها یوسف بأنه سیأتی علی مصر سبع سنوات مخصبة، ثم تأتی سبع سنوات عجاف تأکل ثمر السنوات السبع المخصبة قال- تعالی-: «وَ قالَ الْمَلِکُ إِنِّی أَری سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ ...» سورة یوسف: 43.
(2) سورة القصص: 19.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 714
فرعون لهامان: وَ إِنِّی لَأَظُنُّهُ یعنی إنی لأحسب موسی کاذِباً فیما یقول: إن فی السماء إلها، وَ کَذلِکَ یقول و هکذا زُیِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ أن یطلع إلی إله موسی قال: «وَ صُدَّ» «1» عَنِ السَّبِیلِ یقول و صد فرعون الناس حین قال لهم ما أریکم إلا ما أری فصدهم عن الهدی وَ ما کَیْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِی تَبابٍ 37- یقول و ما قول فرعون إنه یطلع إلی إله موسی إلا فی خسار، ثم نصح المؤمن لقومه: وَ قالَ الَّذِی آمَنَ یا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِکُمْ سَبِیلَ الرَّشادِ- 38- یعنی طریق الهدی یا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَیاةُ الدُّنْیا مَتاعٌ قلیل وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِیَ دارُ الْقَرارِ- 39- یقول تمتعون فی الدنیا قلیلا، ثم «استقرت» «2» الدار الآخرة بأهل الجنة و أهل النار، یعنی بالقرار لا زوال عنها، ثم أخبر بمستقر الفریقین جمیعا «3»، فقال- تعالی-:
مَنْ عَمِلَ سَیِّئَةً یعنی الشرک فَلا یُجْزی إِلَّا مِثْلَها فجزاء الشرک النار «و هما» «4» عظیمان کقوله: «جَزاءً وِفاقاً» «5» وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیها بِغَیْرِ حِسابٍ 40- یقول بلا تبعة فی الجنة فیما یعطون فیها من الخیر، ثم قال: وَ یا قَوْمِ ما لِی أَدْعُوکُمْ إِلَی النَّجاةِ من النار إضمار یعنی التوحید وَ تَدْعُونَنِی إِلَی النَّارِ- 41- یعنی إلی الشرک تَدْعُونَنِی لِأَکْفُرَ بِاللَّهِ وَ أُشْرِکَ بِهِ ما لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ
______________________________
(1) قراءة حفص «و صد» بضم الصاد، أی صد، الله عن سبیل الرشاد، و بفتح الصاد کوفی و یعقوب، أی صد غیره. و انظر تفسیر النسفی: 4/ 61.
(2) کذا فی أ، ل. و الأولی «تسنقر».
(3) من ل، و فی أ اضطراب.
(4) فی أ: «هما»، و فی ل: «و هما».
(5) سورة النبأ: 26.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 715
بأن له شریکا وَ أَنَا أَدْعُوکُمْ إِلَی الْعَزِیزِ فی نقمته من أهل الشرک الْغَفَّارِ- 42- لذنوب أهل التوحید، ثم زهدهم فی عبادة الآلهة فقال: لا جَرَمَ یعنی حقا أَنَّما تَدْعُونَنِی إِلَیْهِ من عبادة الآلهة لَیْسَ لَهُ دَعْوَةٌ مستجابة إضمار تنفعکم یقول لیس بشی‌ء فِی الدُّنْیا وَ لا فِی الْآخِرَةِ وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَی اللَّهِ یعنی مرجعنا بعد الموت إلی اللّه فی الآخرة وَ أَنَّ الْمُسْرِفِینَ یعنی المشرکین هُمْ أَصْحابُ النَّارِ- 43- یومئذ فردوا علیه نصیحته، فقال المؤمن: فَسَتَذْکُرُونَ إذا نزل بکم العذاب ما أَقُولُ لَکُمْ من النصیحة فأوعدوه، فقال: وَ أُفَوِّضُ أَمْرِی إِلَی اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِیرٌ بِالْعِبادِ- 44- و اسمه «حزبیل بن برحیال» «1». فهرب المؤمن إلی الجبل فطلبه رجلان فلم «یقدرا» «2» علیه، فذلک قوله: فَوَقاهُ اللَّهُ سَیِّئاتِ ما مَکَرُوا یعنی ما أرادوا به من الشر وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ 45- یقول و وجب [130 ا] بآل القبط و کان فرعون قبطیا مثلهم، شدة العذاب:
یعنی الغرق، قوله- تعالی-: النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْها و ذلک أن أرواح آل فرعون، و روح کل کافر تعرض علی «منازلها» «3» کل یوم مرتین غُدُوًّا وَ عَشِیًّا ما دامت الدنیا، ثم أخبر بمستقرهم فی الآخرة، فقال: وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یعنی القیامة «یقال» «4» أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ 46- یعنی أشد عذاب المشرکین، ثم أخبر عن خصومتهم فی النار، فقال:
______________________________
(1) «حزبیل بن برحیال»: کذا فی أ بدون إعجام، و فی بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی أن اسمه «حزبیل».
(2) فی أ: «یقدروا».
(3) فی أ: «منازلها»، و فی ل: «منازلهم».
(4) فی أ: «فقال»، و فی حاشیة أ: «یقال: محمد».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 716
وَ إِذْ یَتَحاجُّونَ فِی النَّارِ یعنی یتخاصمون «فَیَقُولُ» «1» الضُّعَفاءُ و هم الأتباع لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا عن الإیمان و هم القادة إِنَّا کُنَّا لَکُمْ تَبَعاً فی دینکم فَهَلْ أَنْتُمْ یا معشر القادة مُغْنُونَ عَنَّا نَصِیباً مِنَ النَّارِ- 47- باتباعنا إیاکم قالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا و هم القادة للضعفاء:
إِنَّا کُلٌّ فِیها نحن و أنتم إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَکَمَ یعنی قضی بَیْنَ الْعِبادِ- 48- قد أنزلنا منازلنا فی النار «و أنزلکم منازلکم فیها» «2» «وَ قالَ الَّذِینَ فِی النَّارِ» «3» فلما ذاق أهل النار شدة العذاب قالوا: لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا «رَبَّکُمْ» «4» یعنی سلوا لنا ربکم یُخَفِّفْ عَنَّا یَوْماً من أیام الدنیا إضمار مِنَ الْعَذابِ 49- فردت علیهم الخزنة ف قالُوا أَ وَ لَمْ تَکُ تَأْتِیکُمْ رُسُلُکُمْ یعنی رسل منکم بِالْبَیِّناتِ یعنی بالبیان قالُوا بَلی قد جاءتنا الرسل «قالُوا» «5» قالت لهم الخزنة: فَادْعُوا وَ ما دُعاءُ الْکافِرِینَ إِلَّا فِی ضَلالٍ 50- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا یعنی بالنصر فی الدنیا الحجة التی معهم إلی العباد وَ نصرهم فی الآخرة یَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهادُ- 51- یعنی الحفظة من الملائکة یشهدون للرسل بالبلاغ و یشهدون علی الکفار بتکذیبهم و النصر للذین آمنوا: أن اللّه
______________________________
(1) فی أ: «فقال».
(2) فی أ: «و أنزلتم منها»، و الأنسب: «و أنزلکم منها»، و فی ل: «و أنزلکم منازلکم فیها».
(3) «و قال الذین فی النار»: ساقطة من أ، ل.
(4) «ربکم»: ساقطة من أ، ل.
(5) «قالوا»: ساقطة من أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 717
- تبارک و تعالی- أنجاهم مع الرسل من عذاب الدنیا و عذاب الآخرة، ثم أخبر عن ذلک الیوم فقال: یَوْمَ لا یَنْفَعُ الظَّالِمِینَ یعنی المشرکین مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ یعنی العذاب وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ- 52- الضلالة نار جهنم وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی یعنی أعطیناه الْهُدی یعنی التوراة هدی من الضلالة وَ أَوْرَثْنا من بعد موسی بَنِی إِسْرائِیلَ الْکِتابَ 53- هُدیً من الضلالة وَ ذِکْری لِأُولِی الْأَلْبابِ 54- یعنی تفکرا لأهل اللب و العقل، قوله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ و ذلک أن اللّه- تبارک و تعالی- وعد النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی آیتین من القرآن أن یعذب کفار مکة فی الدنیا فقالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- متی یکون هذا الذی «تعدنا» «1»؟ یقولون ذلک استهزاء و تکذیبا بأنه غیر کائن، فأنزل اللّه [130 ب - عز و جل- یعزی نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- لیصبر علی تکذیبهم إیاه بالعذاب، فقال: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» فی العذاب أنه نازل بهم القتل ببدر، و ضرب الملائکة الوجوه و الأدبار، و تعجیل أرواحهم إلی النار، فهذا العذاب وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِکَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ بِالْعَشِیِّ وَ الْإِبْکارِ- 55- یعنی وصل بأمر ربک بالغداة یعنی صلاة الغداة و صلاة العصر، قوله: إِنَّ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ بِغَیْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ و ذلک أن الیهود قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- إن صاحبنا یبعث فی آخر الزمان و له سلطان یعنون الدجال ماء البحر إلی رکبته و السحاب فوق رأسه فقال: «إِنَّ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ» یعنی یمارون فی آیات اللّه لأن الدجال آیة من آیات اللّه- عز و جل- «بِغَیْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ» یعنی بغیر حجة «أتتهم» «2» من اللّه، إضمار بأن
______________________________
(1) فی الأصل: «توعدنا».
(2) فی أ، ل: أتاهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 718
الدجال کما یقولون، یقول اللّه- عز و جل-: إِنْ فِی صُدُورِهِمْ إِلَّا کِبْرٌ یقول ما فی قلوبهم إلا عظمة ما هُمْ بِبالِغِیهِ إلی ذلک الکبر لقولهم إن الدجال یملک الأرض فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ یا محمد من فتنة الدجال إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ لقولهم یعنی الیهود الْبَصِیرُ- 56- به، ثم قال: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَکْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ یعنی بالناس فی هذا الموضع الدجال وحده یقول «خلق السموات و الأرض أکبر من خلق الناس» یقول هما أعظم خلقا من خلق الدجال وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ 57- یعنی الیهود. «1» ثم ضرب مثل المؤمن و مثل الکافر، فقال- تعالی-: وَ ما یَسْتَوِی فی الفضل الْأَعْمی یعنی الکافر وَ الْبَصِیرُ یعنی المؤمن وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ لَا الْمُسِی‌ءُ یعنی و ما یستوی فی الفضل المؤمن المحسن و لا الکافر المسی‌ء قَلِیلًا ما تَتَذَکَّرُونَ 58-، قوله: إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیها یعنی کائنة لا شک فیها وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یُؤْمِنُونَ 59- یعنی کفار مکة أکثرهم لا یصدقون بالبعث وَ قالَ رَبُّکُمُ لأهل الیمن: ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ ثم ذکر کفار مکة فقال:
إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِی یعنی عن التوحید سَیَدْخُلُونَ فی الآخرة جَهَنَّمَ داخِرِینَ 60- یعنی صاغرین، ثم ذکر النعم فقال- تعالی-: اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً لابتغاء الرزق فهذا فضله، فذلک قوله- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاسِ یعنی کفار مکة وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُونَ 61-
______________________________
(1) کذا فی ل، و فی أ: زیادة: «یخرج الدجال فی خمسة و ثمانین و مائة سنة»، أقول و صوابها فی خمس، لا فی خمسة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 719
ربهم فی نعمه فیوحدونه، ثم دلهم علی نفسه [131 أ]- تعالی- بصنعه لیوحد فقال: ذلِکُمُ اللَّهُ الذی جعل اللیل و النهار هو رَبُّکُمْ خالِقُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ ثم وحد نفسه فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ 62- یقول من أین تکذبون بأنه لیس بواحد لا شریک له؟ کَذلِکَ یُؤْفَکُ یعنی هکذا یکذب بالتوحید الَّذِینَ کانُوا بِآیاتِ اللَّهِ یعنی آیات القرآن یَجْحَدُونَ 63- اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَکُمْ فی الأرحام یعنی خلقکم فَأَحْسَنَ صُوَرَکُمْ و لم یخلقکم علی خلقة الدواب و الطیر وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ یعنی من غیر رزق الدواب و الطیر، ثم دل علی نفسه فقال: ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ الذی خلق الأرض و السماء و أحسن الخلق و رزق الطیبات فَتَبارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ 64- هُوَ الْحَیُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ثم أمره بتوحیده فقال- تعالی-: فَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ یعنی موحدین لَهُ الدِّینَ یعنی له التوحید الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ 65- قُلْ إِنِّی نُهِیتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ و ذلک أن کفار مکة من قریش قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: ما یحملک علی هذا الذی أتیتنا به ألا تنظر إلی ملة أبیک عبد اللّه، و جدک عبد المطلب، و إلی سادة قومک یعبدون اللات و العزی و مناة فتأخذ به فما یحملک علی ذلک إلا الحاجة فنحن نجمع لک من أموالنا، فأمروه بترک عبادة اللّه- تعالی- فأنزل اللّه «قل» یا محمد لکفار مکة «إنی نهبت أن أعبد الذین تدعون» یعنی تعبدون «من دون اللّه» من الآلهة لَمَّا جاءَنِی یعنی حین جاءنی الْبَیِّناتُ مِنْ رَبِّی وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ یعنی أخلص التوحید لِرَبِّ الْعالَمِینَ 66- هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ و ذلک أن کفار مکة کذبوا بالبعث
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 720
فأخبرهم اللّه عن بدء خلقهم لیعتبروا فی البعث فقال- تعالی-: «هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ» یعنی آدم- علیه السلام- ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ یعنی ذریته ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ یعنی مثل الدم ثُمَّ یُخْرِجُکُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ یعنی «ثمانی عشرة سنة» «1» فهو فی الأشد ما بین الثمانی عشرة إلی الأربعین سنة ثُمَّ لِتَکُونُوا شُیُوخاً یعنی لکی تکونوا شیوخا وَ مِنْکُمْ مَنْ یُتَوَفَّی مِنْ قَبْلُ أن یکون شیخا وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّی یعنی الشیخ و الشاب جمیعا وَ لَعَلَّکُمْ یعنی و لکی تَعْقِلُونَ 67- یقول لکی تعقلوا «آثار» «2» ربکم فی خلقکم بأنه قادر علی أن یبعثکم کما خلقکم، ثم قال: هُوَ اللّه الَّذِی یُحْیِی الموتی وَ یُمِیتُ الأحیاء فَإِذا قَضی أَمْراً [131 ب کان فی علمه یعنی البعث فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ 68- مرة واحدة لا یثنی قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ یعنی آیات القرآن أنه لیس من اللّه- عز و جل- أَنَّی یُصْرَفُونَ 69- یقول من أین یعدلون عنه إلی غیره یعنی کفار مکة، ثم أخبر عنهم فقال- تعالی-: الَّذِینَ کَذَّبُوا بِالْکِتابِ یعنی بالقرآن وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- أرسل بالتوحید، فأوعدهم فی الآخرة. فقال: فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ 70- هذا وعید، ثم أخبر عن الوعید. فقال: إِذِ الْأَغْلالُ فِی أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ یُسْحَبُونَ 71- علی الوجوه فِی الْحَمِیمِ یعنی حر النار ثُمَّ فِی النَّارِ یُسْجَرُونَ 72- یعنی یوقدون فصاروا وقودها. ثُمَّ قِیلَ لَهُمْ قبل دخول النار یعنی تقول
______________________________
(1) فی أ: ثمانیة عشر سنة، و فی ل سقطت جملة «ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ» مع تفسیرها.
(2) «آثار»: زیادة اقتضاها السیاق، لیست فی أ، و لا فی ل، و فی الجلالین «وَ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ» دلائل التوحید فتؤمنون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 721
لهم الخزنة: أَیْنَ ما کُنْتُمْ تُشْرِکُونَ 73- یعنی تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ فهل یمنعونکم من النار یعنی الآلهة. و قالُوا ضَلُّوا عَنَّا ضلت عنا الآلهة بَلْ لَمْ نَکُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَیْئاً یعنی لم نکن نعبد من قبل فی الدنیا شیئا إن الذی کنا نعبد کان باطلا لم یکن شیئا کَذلِکَ یعنی هکذا یُضِلُّ اللَّهُ الْکافِرِینَ 74- ذلِکُمْ السلاسل و الأغلال و السحب بِما کُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِی الْأَرْضِ یعنی تبطرون من الخیلاء و الکبریاء بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ بِما کُنْتُمْ تَمْرَحُونَ 75- یعنی تعصون فی الأرض «ادْخُلُوا» «1» أَبْوابَ جَهَنَّمَ السبع خالِدِینَ فِیها لا تموتون فَبِئْسَ مَثْوَی یعنی فبئس مأوی الْمُتَکَبِّرِینَ 76- عن الإیمان فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أخبر کفار مکة أن العذاب نازل بهم فکذبوه فأنزل اللّه- عز و جل- یعزی نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- لیصبر علی تکذیبهم إیاه بالعذاب فقال: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» فی العذاب أنه نازل بهم ببدر «فَإِمَّا» «2» نُرِیَنَّکَ فی حیاتک بَعْضَ الَّذِی نَعِدُهُمْ من العذاب فی الدنیا القتل ببدر و سائر العذاب بعد الموت نازل بهم، ثم قال: أَوْ نَتَوَفَّیَنَّکَ یا محمد قبل عذابهم فی الدنیا فَإِلَیْنا فی الآخرة یُرْجَعُونَ 77- یعنی یردون فنجزیهم بأعمالهم وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِکَ یا محمد مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَیْکَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَیْکَ ذکرهم وَ ما کانَ لِرَسُولٍ أَنْ یَأْتِیَ بِآیَةٍ و ذلک أن کفار مکة سألوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن یأتیهم بآیة یقول اللّه- تعالی- «و ما کان
______________________________
(1) فی أ: «فادخلوا».
(2) فی أ: (فإما) یقول (فإما)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 722
لرسول» یعنی «و ما ینبغی» «1» لرسول «أن یأتی بآیة» الی قومه إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ یعنی إلا بأمر اللّه [132 أ] فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ بالعذاب یعنی القتل ببدر فیها تقدیم قُضِیَ العذاب بِالْحَقِ یعنی لم یظلموا حین عفوا وَ خَسِرَ هُنالِکَ یعنی عند ذلک الْمُبْطِلُونَ 78- یعنی المکذبین بالعذاب فی الدنیا بأنه غیر کائن، ثم ذکرهم صنعه لیعتبروا فیوحدوه، فقال- سبحانه-: اللَّهُ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَنْعامَ یعنی الإبل و البقر «لِتَرْکَبُوا مِنْها» «2» وَ مِنْها تَأْکُلُونَ 79- یعنی الغنم وَ لَکُمْ فِیها مَنافِعُ فی ظهورها، و ألبانها، و أصوافها، و أوبارها، و أشعارها وَ لِتَبْلُغُوا عَلَیْها حاجَةً فِی صُدُورِکُمْ یعنی فی قلوبکم وَ عَلَیْها یعنی الإبل و البقر وَ عَلَی الْفُلْکِ یعنی السفن تُحْمَلُونَ 80- ثم قال: وَ یُرِیکُمْ آیاتِهِ فهذا الذی ذکر من الفلک و الأنعام من آیاته فاعرفوا توحیده بصنعه و إن لم تروه، ثم قال:
فَأَیَّ آیاتِ اللَّهِ تُنْکِرُونَ 81- أنه لیس من اللّه- عز و جل-، ثم خوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة لیحذروا، فیوحدوه، فقال- تعالی-: أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی قبل أهل مکة من الأمم الخالیة یعنی عادا و ثمود و قوم لوط کانُوا أَکْثَرَ مِنْهُمْ من أهل مکة عددا وَ أَشَدَّ قُوَّةً یعنی بطشا وَ آثاراً فِی الْأَرْضِ یعنی أعمالا و ملکا فی الأرض فکان عاقبتهم العذاب فَما أَغْنی عَنْهُمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ 82- فی الدنیا حین نزل بهم العذاب یقول ما دفع عنهم العذاب أعمالهم الخبیثة فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ یعنی بخبر العذاب أنه نازل بهم فَرِحُوا
______________________________
(1) فی أ: «یعنی ینبغی»، و الأنسب: «و ما ینبغی».
(2) «لِتَرْکَبُوا مِنْها»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 723
فی الدنیا یعنی رضوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فقالوا لن نعذب وَ حاقَ بِهِمْ یعنی وجب العذاب لهم ب ما کانُوا بِهِ بالعذاب یَسْتَهْزِؤُنَ 83- أنه غیر کائن یقول- تعالی-: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا یعنی عذابنا فی الدنیا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ لا شریک له وَ کَفَرْنا بِما کُنَّا بِهِ مُشْرِکِینَ 84- یقول اللّه- عز و جل-: فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا یعنی عذابنا فی الدنیا یقول لم یک ینفعهم تصدیقهم بالتوحید حین رأوا عذابنا سُنَّتَ اللَّهِ «الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ» «1»: بالعذاب فی الذین خلوا من قبل یعنی فی الأمم الخالیة إذا عاینوا العذاب لم ینفعهم إیمانهم إلا قوم یونس فإنه رفع عنهم العذاب وَ خَسِرَ هُنالِکَ یقول غبن عند ذلک الْکافِرُونَ 85- بتوحید اللّه- عز و جل- فاحذروا یا أهل مکة سنة الأمم الخالیة فلا تکذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم-.
[132 ب قال مقاتل: فرعون أول من طبخ الآجر و بنی به. و قال:
قتل جعفر ذو الجناحین و ابن رواحة و زید بن حارثة بموته قتلهم غسان، و قتل خالد بن الولید یوم فتح مکة من بنی جذیمة سبعین رجلا.
قال مقاتل: عاد و ثمود ابنا عم، و موسی و قارون ابنا عم، و إلیاس و الیسع ابنا عم، و یحیی و عیسی ابنا خالة.
______________________________
(1) «الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ»: ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 724
قال مقاتل: أم عبد المطلب سلمی بنت زید بن عدی «من بنی عدی ابن النجار» «1» و أم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- آمنة بنت وهب «من بنی عبد مناف ابن زهرة» «2».
______________________________
(1) فی أ: «من بنی عدی بن النجار»، ف: «من بنی النجار».
(2) فی ف: «من بنی عبد مناف بن زهرة»، و فی أ: «ابن النجار من بنی عدی بن زهرة». و قد انتهی تفسیر السورة هنا فی (ف، ل) أما فی (أ) فقد تفردت بزیادة فی حفر بئر زمزم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 725

سورة فصّلت‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 727

[سورة فصلت (41): الآیات 1 الی 54]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
حم (1) تَنْزِیلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ (2) کِتابٌ فُصِّلَتْ آیاتُهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ (3) بَشِیراً وَ نَذِیراً فَأَعْرَضَ أَکْثَرُهُمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ (4)
وَ قالُوا قُلُوبُنا فِی أَکِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْهِ وَ فِی آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَیْنِنا وَ بَیْنِکَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِیمُوا إِلَیْهِ وَ اسْتَغْفِرُوهُ وَ وَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ (6) الَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَ إِنَّکُمْ لَتَکْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِکَ رَبُّ الْعالَمِینَ (9)
وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَکَ فِیها وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِینَ (10) ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِی یَوْمَیْنِ وَ أَوْحی فِی کُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ وَ حِفْظاً ذلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُکُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِکَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ کافِرُونَ (14)
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَکْبَرُوا فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ کانُوا بِآیاتِنا یَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً صَرْصَراً فِی أَیَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِیقَهُمْ عَذابَ الْخِزْیِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزی وَ هُمْ لا یُنْصَرُونَ (16) وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَیْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمی عَلَی الْهُدی فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ (17) وَ نَجَّیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا وَ کانُوا یَتَّقُونَ (18) وَ یَوْمَ یُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَی النَّارِ فَهُمْ یُوزَعُونَ (19)
حَتَّی إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (20) وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَ ما کُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ یَشْهَدَ عَلَیْکُمْ سَمْعُکُمْ وَ لا أَبْصارُکُمْ وَ لا جُلُودُکُمْ وَ لکِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا یَعْلَمُ کَثِیراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَ ذلِکُمْ ظَنُّکُمُ الَّذِی ظَنَنْتُمْ بِرَبِّکُمْ أَرْداکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِینَ (23) فَإِنْ یَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْویً لَهُمْ وَ إِنْ یَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِینَ (24)
وَ قَیَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَیَّنُوا لَهُمْ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ حَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ فِی أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ کانُوا خاسِرِینَ (25) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِیهِ لَعَلَّکُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِیقَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا عَذاباً شَدِیداً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِی کانُوا یَعْمَلُونَ (27) ذلِکَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِیها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما کانُوا بِآیاتِنا یَجْحَدُونَ (28) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَیْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِیَکُونا مِنَ الْأَسْفَلِینَ (29)
إِنَّ الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلائِکَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِیاؤُکُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ وَ لَکُمْ فِیها ما تَشْتَهِی أَنْفُسُکُمْ وَ لَکُمْ فِیها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِیمٍ (32) وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَی اللَّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِی مِنَ الْمُسْلِمِینَ (33) وَ لا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَ لا السَّیِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ عَداوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ (34)
وَ ما یُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِینَ صَبَرُوا وَ ما یُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِیمٍ (35) وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (36) وَ مِنْ آیاتِهِ اللَّیْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَهُنَّ إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَکْبَرُوا فَالَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ یُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا یَسْأَمُونَ (38) وَ مِنْ آیاتِهِ أَنَّکَ تَرَی الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَیْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ الَّذِی أَحْیاها لَمُحْیِ الْمَوْتی إِنَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (39)
إِنَّ الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی آیاتِنا لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنا أَ فَمَنْ یُلْقی فِی النَّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتِی آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ (40) إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِالذِّکْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَکِتابٌ عَزِیزٌ (41) لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ (42) ما یُقالُ لَکَ إِلاَّ ما قَدْ قِیلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِکَ إِنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَ ذُو عِقابٍ أَلِیمٍ (43) وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِیًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آیاتُهُ ءَ أَعْجَمِیٌّ وَ عَرَبِیٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدیً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ فِی آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَیْهِمْ عَمًی أُولئِکَ یُنادَوْنَ مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ (44)
وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ فَاخْتُلِفَ فِیهِ وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَیْها وَ ما رَبُّکَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِیدِ (46) إِلَیْهِ یُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَکْمامِها وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثی وَ لا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ أَیْنَ شُرَکائِی قالُوا آذَنَّاکَ ما مِنَّا مِنْ شَهِیدٍ (47) وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَ ظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِیصٍ (48) لا یَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَیْرِ وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَیَؤُسٌ قَنُوطٌ (49)
وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَیَقُولَنَّ هذا لِی وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلی رَبِّی إِنَّ لِی عِنْدَهُ لَلْحُسْنی فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِیظٍ (50) وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَی الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأی بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِیضٍ (51) قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ کَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِی شِقاقٍ بَعِیدٍ (52) سَنُرِیهِمْ آیاتِنا فِی الْآفاقِ وَ فِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ شَهِیدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِی مِرْیَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ مُحِیطٌ (54)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 733
سورة فصلت «1» سورة السجدة مکیة عددها أربع خمسون آیة کوفیة «2».
______________________________
(1) معظم مقصود السورة:
بیان شرف القرآن، و إعراض الکفار عن قبوله و کیفیة خلق الأرض و السماء، و الإشارة إلی إهلاک عاد و ثمود، و شهادة الجوارح علی العاصین فی القیامة و عجز الکفار فی سجن جهنم، و بشارة المؤمنین بالخلود فی الجنان، و بیان شرف القرآن و النفع و الضرر، و الإساءة و الإحسان، و جزع الکفار عند بالابتلاء و الامتحان، و إظهار الآیات الدالة علی الذات و الصفات و إحاطة علم اللّه بکل شی‌ء من الأسرار و الإعلان بقوله: «... أَلا إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ مُحِیطٌ» سورة فصلت: 54.
و تسمی سورة «حم» السجدة، لاشتمالها علی السجدة، کما تسمی سورة فصلت لقوله- تعالی- فیها: «کِتابٌ فُصِّلَتْ آیاتُهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ» سورة فصلت: 2.
و تسمی کذلک سورة المصابیح لقوله: «... وَ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ وَ حِفْظاً ...» سورة فصلت: 12.
(2) فی أ: «عددها خمسة و أربعون». و فیه خطأ لغوی صوابه خمس و أربعون.
و فیه خطأ نقل فالمذکور فی کتب التفسیر أن عددها عند الکوفیین أربعا و خمسین آیة، لا خمسا و أربعین.
و أما نسخة ل، ف فلم یذکروا عدد الآیات فی صدر السورة و هذا شأنهما فی کل السور فی الأهم الأغلب.
و فی المصحف: (41) سورة فصلت مکیة و آیاتها 54 نزلت بعد سورة غافر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 735
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ حم «1»- 1- تَنْزِیلٌ حم یعنی ما حم فی اللوح المحفوظ یعنی ما قضی من الأمر مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ 2- اسمان رقیقان أحدهما أرق من الآخر «الرحمن» یعنی المسترحم علی خلقه «و الرحیم» أرق من الرحمن «الرحیم» اللطیف بهم، قوله: کِتابٌ فُصِّلَتْ آیاتُهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لیفقهوه و لو کان غیر عربی ما علموه، فذلک قوله: لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ 3- ما فیه، ثم قال: القرآن: بَشِیراً بالجنة وَ نَذِیراً من النار فَأَعْرَضَ أَکْثَرُهُمْ یعنی أکثر أهل مکة عن القرآن فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ 4- الإیمان به وَ قالُوا قُلُوبُنا فِی أَکِنَّةٍ «مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْهِ» «2» و ذلک أن أبا جهل [133 ب
ابن هشام، و أبا سفیان بن حرب، و عتبة و شیبة ابنا ربیعة، دخلوا علی علی بن أبی طالب و رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- عنده فقال لهم رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم-: قولوا: لا إله إلا اللّه. فشق ذلک علیهم «وَ قالُوا قُلُوبُنا فِی أَکِنَّةٍ»
یقولون علیها الغطاء فلا تفقه ما «تقول» «3» وَ فِی آذانِنا وَقْرٌ یعنی ثقل فلا تسمع ما تقول، ثم إن أبا جهل بن هشام
______________________________
(1) لجأت إلی طریقة النص المختار من النسخ أ، ل، ف فی صدر هذه السورة، ففی جمیعها اضطراب.
(2) «مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْهِ»: ساقطة من أ، ف، ل.
(3) فی الأصل: «تقوم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 736
جعل ثوبه بینه و بین النبی- صلی اللّه علیه و سلم- ثم قال: یا محمد أنت من ذلک الجانب و نحن من هذا الجانب وَ مِنْ بَیْنِنا وَ بَیْنِکَ حِجابٌ یعنی ستر و هو الثوب الذی رفعه أبو جهل فَاعْمَلْ یا محمد لإلهک الذی أرسلک إِنَّنا عامِلُونَ 5- لآلهتنا التی «1» نعبدها، ثم قال- تعالی-: قُلْ یا محمد لکفار مکة: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ لقولهم لرسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- اعمل أنت لإلهک، و نحن لآلهتنا، ثم قال رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم-: فَاسْتَقِیمُوا إِلَیْهِ بالتوحید وَ اسْتَغْفِرُوهُ من الشرک، ثم أوعدهم إن لم یتوبوا من الشرک فقال: وَ وَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ 6- یعنی کفار قریش الَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاةَ یعنی لا یعطون الصدقة و لا یطعمون الطعام وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ یعنی بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال هُمْ کافِرُونَ 7- بها بأنها غیر «کائنة» «2»، ثم قال: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بالتوحید وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال لَهُمْ أَجْرٌ غَیْرُ مَمْنُونٍ 8- یعنی غیر منقوص فی الآخرة قُلْ أَ إِنَّکُمْ لَتَکْفُرُونَ بالتوحید وَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ یوم الثلاثاء و یوم الأربعاء، ثم قال:
وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً یعنی شرکا ذلِکَ الذی خلق الأرض فی یومین هو رَبُّ الْعالَمِینَ 9- یعنی الناس أجمعین، ثم قال: وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ مِنْ فَوْقِها یعنی جعل الجبل من فوق الأرض أوتادا للأرض لئلا تزول بمن علیها وَ بارَکَ فِیها یعنی فی الأرض و البرکة: الزرع و الثمار
______________________________
(1) فی أ: «الذی».
(2) فی أ: «کائن».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 737
و النبات و غیره «1»، ثم قال: وَ قَدَّرَ فِیها أَقْواتَها فِی أَرْبَعَةِ أَیَّامٍ یقول و قسم فی الأرض أرزاق العباد و البهائم سَواءً لِلسَّائِلِینَ 10- یعنی عدلا لمن یسأل الرزق من السائلین ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ قبل ذلک فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً عبادتی و معرفتی یعنی أعطیا الطاعة طیعا أَوْ کَرْهاً و ذلک أن اللّه- تعالی- حین خلقهما عرض علیهما الطاعة بالشهوات و اللذات علی الثواب و العقاب فأبین أن یحملها من المخافة، فقال لهما الرب ائتیا المعرفیة لربکما و الذکر له علی غیر ثواب و لا عقاب طوعا أو کرها قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ 11- یعنی [134 أ] أعطیناه طائعین فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ یقول فخلق السموات السبع فِی یَوْمَیْنِ الأحد و الاثنین وَ أَوْحی یقول و أمر فِی کُلِّ سَماءٍ أَمْرَها الذی أراده قال وَ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا یقول لأنها أدنی السموات من الأرض بِمَصابِیحَ یعنی الکواکب وَ حِفْظاً بالکواکب یعنی ما یرمی الشیاطین بالشهاب لئلا «یستمعوا» «2» إلی السماء، یقول: ذلِکَ الذی ذکر من صنعه فی هذه الآیة تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ فی ملکه الْعَلِیمِ 12- بخلقه فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الإیمان یعنی التوحید فَقُلْ أَنْذَرْتُکُمْ صاعِقَةً فی الدنیا مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ- 13- یقول مثل عذاب عاد و ثمود و إنما خص عادا و ثمود من بین الأمم لأن کفار مکة قد عاینوا هلاکهم بالیمن و الحجر.
قال مقاتل: کل من یموت من عذاب أو سقم أو قتل فهو مصعوق.
______________________________
(1) کذا فی أ، ف.
(2) فی أ: «یستمعوا»، ف: «یستمعون».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 738
ثم قال: إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ یعنی من قبلهم و من بعدهم، فقالوا لقومهم: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ یقول وحدوا اللّه قالُوا للرسل لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِکَةً فکانوا إلینا رسلا فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ یعنی بالتوحید کافِرُونَ 14- لا نؤمن به فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَکْبَرُوا یعنی فتکبروا عن الإیمان و عملوا فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِ فخوفهم هود العذاب وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً یعنی بطشا قال کان الرجل منهم ینزع الصخرة من الجبل لشدته و کان طوله اثنا عشر ذراعا و یقال «ثمانیة عشر ذراعا» «1» و کانوا بالیمن فی حضر موت «2».
أَ وَ لَمْ یَرَوْا یقول أو لم یعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً یعنی بطشا وَ کانُوا بِآیاتِنا یعنی بالعذاب یَجْحَدُونَ 15- أنه لا ینزل بهم فأرسل اللّه علیهم الریح فأهلکتهم، فذلک قوله- تعالی-:
فَأَرْسَلْنا فأرسل اللّه عَلَیْهِمْ رِیحاً صَرْصَراً یعنی باردة فِی أَیَّامٍ نَحِساتٍ یعنی شدادا و کانت ریح الدبور فأهلکتهم، فذلک قوله: لِنُذِیقَهُمْ یعنی لکی نعذبهم عَذابَ الْخِزْیِ یعنی الهوان فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا فهو الریح وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزی یعنی أشد و أکثر إهانة من الریح التی أهلکتهم فی الدنیا وَ هُمْ لا یُنْصَرُونَ 16- یعنی لا یسمعون من العذاب.
قال عبد اللّه: سمعت أبا العباس أحمد بن یحیی یقول: الصرصر الریح الباردة التی لها صوت.
______________________________
(1) فی الأصل: «ثمانی عشر ذراعا»، و یجب تأنیث العدد لأن المعدود مذکر فصوبته.
(2) فی أ: «فی حضرموت (فأرسلنا علیهم) ..» ففسر جزءا من الآیة 16 ثم عاد فأکمل تفسیر الآیة 15 ثم أکمل الآیة 16، و قد صوبت الأخطاء و عدلت مکان التفسیر، حسب ترتیب الآیات فی المصحف الشریف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 739
ثم ذکر ثمود، فقال: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَیْناهُمْ یعنی بینا لهم فَاسْتَحَبُّوا الْعَمی عَلَی الْهُدی یقول اختاروا الکفر علی الإیمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ یعنی صیحة جبریل- علیه السلام- الْعَذابِ الْهُونِ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ 17- [134 ب یعنی یعملون من الشرک، ثم قال: وَ نَجَّیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بالتوحید من العذاب الذی نزل بکفارهم وَ کانُوا یَتَّقُونَ 18- الشرک، قوله: وَ یَوْمَ یُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَی النَّارِ فَهُمْ یُوزَعُونَ 19- نزلت فی صفوان بن أمیة الجمحی، و فی ربیعة، و عبد باللیل ابنی عمرو الثقفیین «.........» إلی خمس آیات، و یقال «إن الثلاثة نفر» «1» صفوان بن أمیة، و فرقد بن ثمامة، و أبو فاطمة «فهم یوزعون» یعنی یساقون إلی النار تسوقهم خزنة جهنم حَتَّی إِذا ما جاؤُها یعنی النار و عاینوها قیل لهم أین شرکاؤکم الذین کنتم تزعمون فی الدنیا؟ قالوا عند ذلک «... وَ اللَّهِ رَبِّنا ما کُنَّا مُشْرِکِینَ» «2» فختم اللّه علی أفواهم و أوحی إلی الجوارح فنطقت بما کتمت الألسن من الشرک، فذلک قوله: شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ و أیدیهم و أرجلهم بِما کانُوا یَعْمَلُونَ 20- من الشرک فلما شهدت علیهم الجوارح، «وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ» «3»: قالت الألسن للجوارح لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنا یعنی الجوارح قالوا أبعدکم اللّه إنما کنا نجاحش عنکم فلم شهدتم علینا بالشرک و لم تکونوا تتکلمون فی الدنیا قالُوا قالت الجوارح للألسن: أَنْطَقَنَا اللَّهُ الیوم الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ
______________________________
(1) من ف، و فی أ: و یقال إن الثلاثة یعنی.
(2) سورة الأنعام: 23.
(3) «وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ»: ساقط من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 740
من الدواب و غیرها وَ هُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ یعنی هو أنطقکم أول مرة من قبلها فی الدنیا، قبل أن ننطق نحن الیوم وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 21- یقول إلی اللّه تردون فی الآخرة فیجزیکم بأعمالکم فی التقدیم «1» و ذلک أن هؤلاء النفر الثلاثة کانوا فی ظل الکعبة یتکلمون، فقال أحدهم: هل یعلم اللّه ما نقول؟ فقال الثانی:
إن خفضنا لم یعلم، و إن رفعنا علمه. فقال الثالث: إن کان اللّه یسمع إذا رفعنا فإنه یسمع إذا خفضنا. فسمع قولهم عبد اللّه بن مسعود، فأخبر بقولهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فأنزل اللّه فی قولهم: وَ ما کُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ یعنی تستیقنون، و قالوا تستکتمون أَنْ یَشْهَدَ عَلَیْکُمْ سَمْعُکُمْ وَ لا أَبْصارُکُمْ وَ لا جُلُودُکُمْ وَ لکِنْ ظَنَنْتُمْ یعنی حسبتم أَنَّ اللَّهَ لا یَعْلَمُ کَثِیراً مِمَّا تَعْمَلُونَ 22- یعنی هؤلاء الثلاثة قول بعضهم لبعض هل یعلم اللّه ما نقول، لقول الأول و الثانی و الثالث، یقول حسبتم «أن اللّه لا یعلم کثیرا مما تعملون» «2».
وَ ذلِکُمْ ظَنُّکُمُ الَّذِی ظَنَنْتُمْ بِرَبِّکُمْ یقول یقینکم الذی أیقنتم بربکم و علمکم باللّه بأن الجوارح لا تشهد علیکم، و لا تنطق و أن اللّه [135 أ] لا یخزیکم بأعمالکم الخبیثة أَرْداکُمْ یعنی أهلککم سوء الظن فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِینَ 23- بظنکم السیئ کقوله لموسی: «... فَتَرْدی «3» یقول فتهلک «فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِینَ» یعنی من أهل النار فَإِنْ یَصْبِرُوا علی النار فَالنَّارُ مَثْویً لَهُمْ یعنی فالنار مأواهم وَ إِنْ یَسْتَعْتِبُوا فی الآخرة فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِینَ 24- یقول و إن یستقیلوا ربهم فی الآخرة، فما هم من المقالین لا یقبل ذلک منهم، ثم قال: وَ قَیَّضْنا لَهُمْ فی الدنیا قُرَناءَ من الشیاطین یقول
______________________________
(1) من أ، و لیس فی ف، و فی أ أیضا زیادة: «فاستقیموا إلیه و استغفروه و إلیه ترجعون».
(2) من ف، و فی أ أخطاء.
(3) سورة طه: 16.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 741
و هیأنا لهم قرناء فی الدنیا فَزَیَّنُوا لَهُمْ یقول فحسنوا لهم کقوله: «... کَذلِکَ زُیِّنَ «1» ...» یقول حسن ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ یعنی من أمر الآخرة و زینوا لهم التکذیب بالبعث و الحساب و الثواب و العقاب أن ذلک لیس بکائن وَ زینوا لهم ما خَلْفَهُمْ من الدنیا فحسنوه فی أعینهم، و حببوها إلیهم حتی لا یعملوا خیرا وَ حَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ یعنی وجب علیهم العذاب فِی أُمَمٍ یعنی مع أمم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی من قبل کفار مکة مِنْ کفار الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ من الأمم الخالیة إِنَّهُمْ کانُوا خاسِرِینَ 25- وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا یعنی الکفار «2» لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ ...... إلی ثلاث آیات، هذا قول أبی جهل و أبی سفیان لکفار قریش قالوا لهم إذا سمعتم القرآن من محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و أصحابه فارفعوا أصواتکم بالأشعار و الکلام فی وجوههم، حتی تلبسوا علیهم قولهم فیسکتون، فذلک قوله: وَ الْغَوْا فِیهِ بالأشعار و الکلام لَعَلَّکُمْ تَغْلِبُونَ 26- یعنی لکی تغلبونهم فیسکتون، فأخبر اللّه- تعالی- بمستقرهم فی الآخرة، فقال: فَلَنُذِیقَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا عَذاباً شَدِیداً یعنی أبا جهل و أصحابه وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِی کانُوا یَعْمَلُونَ 27- من الشرک ذلِکَ العذاب جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ یعنی أبا جهل و أصحابه لَهُمْ فِیها دارُ الْخُلْدِ لا یموتون جَزاءً بِما کانُوا بِآیاتِنا یعنی بآیات القرآن یَجْحَدُونَ 28- أنه لیس من اللّه- تعالی- و قد عرفوا أن محمدا- صلی اللّه علیه و سلم-
______________________________
(1) سورة یونس: 12، و تمامها «وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا کَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ کَأَنْ لَمْ یَدْعُنا إِلی ضُرٍّ مَسَّهُ کَذلِکَ زُیِّنَ لِلْمُسْرِفِینَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ».
(2) کذا فی أ، ف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 742
صادق فی قوله و نزل فی أبی جهل بن هشام و أبی بن خلف «إِنَّ الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی آیاتِنا لا یَخْفَوْنَ ...» الآیة «1» وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَیْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لأنهما أول من أقاما علی المعصیة من الجن إبلیس، و من الأنس ابن آدم قاتل هابیل رأس الخطیئة نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا یعنی من أسفل منا [135 ب فی النار لِیَکُونا مِنَ الْأَسْفَلِینَ 29- فی النار، ثم أخبر عن المؤمنین فقال: إِنَّ الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ فعرفوه ثُمَّ اسْتَقامُوا علی المعرفة و لم یرتدوا عنها تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلائِکَةُ فی الآخرة من السماء و هم الحفظة أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا «وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ» «2»- 30- و ذلک أن المؤمن إذا خرج من قبره، فینفض رأسه، و ملکه قائم علی رأسه یسلم علیه، فیقول الملک للمؤمن أ تعرفنی؟ فیقول: لا.
فیقول: أنا الذی کنت أکتب عملک الصالح فلا تخف و لا تحزن و أبشر بالجنة التی کنت توعد، و ذلک أن اللّه وعدهم علی السنة الرسل- فی الدنیا- الجنة «3»، و تقول الحفظة یومئذ للمؤمنین نَحْنُ أَوْلِیاؤُکُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا و نحن أولیاؤکم الیوم: وَ فِی الْآخِرَةِ وَ لَکُمْ فِیها یعنی فی الجنة ما تَشْتَهِی أَنْفُسُکُمْ وَ لَکُمْ فِیها ما تَدَّعُونَ 31- یعنی ما تتمنون، هذا الذی أعطاکم اللّه کان نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِیمٍ 32-، قوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَی اللَّهِ یعنی التوحید وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِی مِنَ الْمُسْلِمِینَ
______________________________
(1) سورة فصلت: 40 و تمامها «إِنَّ الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی آیاتِنا لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنا أَ فَمَنْ یُلْقی فِی النَّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتِی آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ».
(2) «وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ»: ساقطة من أ.
(3) أی أن الوعد بالجنة کان فی الدنیا علی ألسنة الرسل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 743
- 33- یعنی المخلصین یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قوله: وَ لا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّیِّئَةُ «ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ» «1» و ذلک أن أبا جهل کان یؤذی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و کان النبی «2» مبغضا له یکره رؤیته فأمر بالعفو و الصفح یقول إذا فعلت ذلک فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ عَداوَةٌ یعنی أبا جهل کَأَنَّهُ وَلِیٌ لک فی الدین حَمِیمٌ 34- لک فی النسب الشفیق علیک، ثم أخبر نبیه- علیه السلام-: وَ ما یُلَقَّاها یعنی لا یؤتاها یعنی الأعمال الصالحة العفو و الصفح إِلَّا الَّذِینَ صَبَرُوا علی کظم الغیظ وَ ما یُلَقَّاها یعنی لا یؤتاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیمٍ 35- نصیبا وافرا فی الجنة فأمره اللّه بالصبر و الاستعاذة من الشیطان فی أمر أبی جهل وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّکَ یعنی یفتننک فی أمر أبی جهل و الرد عنه مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ یعنی فتنة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ بالاستعاذة الْعَلِیمُ 36- بها، نظیرها فی «حم» المؤمن «... إِنْ فِی صُدُورِهِمْ إِلَّا کِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِیهِ «3» ...»، و فی الأعراف «4» أمر أبی جهل.
وَ مِنْ آیاتِهِ أن یعرف التوحید بصنعه و إن لم تروه اللَّیْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَهُنَ
______________________________
(1) «ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ»: ساقط من أ
(2) «النبی»: من ف، و هی ساقطة من أ.
(3) سورة غافر: 56، و تمامها «إِنَّ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِ اللَّهِ بِغَیْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِی صُدُورِهِمْ إِلَّا کِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِیهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ».
(4) یشیر إلی الآیة 200 من سورة الأعراف و هی: «وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 744
یعنی الذی خلق هؤلاء الآیات إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ 37- فسجد النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و المؤمنون یومئذ، فقال کفار مکة عند ذلک: بل نسجد للات و العزی و مناة، یقول اللّه- تعالی-: فَإِنِ اسْتَکْبَرُوا [136 أ] عن السجود للّه فَالَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ من الملائکة یُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا یَسْأَمُونَ 38- یعنی لا یملون من الذکر له و العبادة و لیست لهم فترة و لا سآمة وَ مِنْ آیاتِهِ أن یعرف التوحید بصنعه و إن لم تروه أَنَّکَ تَرَی الْأَرْضَ خاشِعَةً متهشمة غبراء لا نبت فیها فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَیْهَا الْماءَ یعنی علی الأرض المطر فصارت حیة فأنبتت و اهْتَزَّتْ بالخضرة وَ رَبَتْ یقول و أضعفت النبات، ثم قال: إِنَّ الَّذِی أَحْیاها بعد موتها لَمُحْیِ الْمَوْتی فی الآخرة لیعتبر من یشک فی البعث إِنَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ- 39- من البعث و غیره، قوله: إِنَّ الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی آیاتِنا یعنی أبا جهل یمیل عن الإیمان بالقرآن- بالأشعار و الباطل «1» لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنا یعنی أبا جهل، و أخبر اللّه- تعالی- بمستقره فی الآخرة فقال: أَ فَمَنْ یُلْقی فِی النَّارِ خَیْرٌ یعنی أبا جهل خیر أَمْ مَنْ یَأْتِی آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- ثم قال لکفار مکة: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ هذا وعید إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ- 40- من الشرک و غیره إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یعنی أبا جهل بِالذِّکْرِ لَمَّا جاءَهُمْ یعنی به القرآن حین جاءهم و هو أبو جهل و کفار مکة وَ إِنَّهُ لَکِتابٌ عَزِیزٌ- 41- یقول و إنه لقرآن منیع من الباطل، فلا یستذل، لأنه کلام اللّه لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ
______________________________
(1) کذا فی أ، ف. و المراد یترک الإیمان بالقرآن و ینشغل بالأشعار و الباطل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 745
یقول لا یأتی القرآن بالتکذیب بل یصدق هذا القرآن الکتب التی کانت قبله:
التوراة و الإنجیل و الزبور، «1» ثم قال: وَ لا یأتیه الباطل مِنْ خَلْفِهِ یقول لا یجیئه «2» من بعده کتاب یبطله فیکذبه بل هو تَنْزِیلٌ یعنی وحی مِنْ حَکِیمٍ فی أمره حَمِیدٍ- 42- عند خلقه، ثم قال: ما یُقالُ لَکَ یا محمد من التکذیب بالقرآن أنه لیس بنازل علیک إِلَّا ما قَدْ قِیلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِکَ من قومهم من التکذیب لهم أنه لیس العذاب بنازل «3» بهم یعزی نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- لیصبر علی الأذی و التکذیب إِنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغْفِرَةٍ یقول ذو تجاوز فی تأخیر العذاب عنهم إلی الوقت حین سألوا العذاب فی الدنیا و إذا جاء الوقت وَ ذُو عِقابٍ فهو ذو عقاب أَلِیمٍ 43- یعنی وجیع کقوله: «... إِنْ تَکُونُوا تَأْلَمُونَ ...» «4» إن کنتم تتوجعون، قوله: وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِیًّا و ذلک أن کفار قریش کانوا إذا رأوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یدخل علی یسار أبی فکیهة الیهودی، و کان أعجمی اللسان غلام عامر بن الحضرمی القرشی یحدثه [136 ب قالوا: ما یعلمه إلا یسار أبو فکیهة، فأخذه سیده فضربه، و قال له: إنک تعلم محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- فقال یسار: بل هو یعلمنی، فأنزل اللّه- عز و جل- «وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِیًّا» یقول بلسان العجم لَقالُوا لقال کفار
______________________________
(1) الجملة مکررة فی أ.
(2) فی أ: «لا یجبه».
(3) فی أ: «نازل»، ف: «بنازل».
(4) سورة النساء: 104، و تمامها: «وَ لا تَهِنُوا فِی ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَکُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ یَأْلَمُونَ کَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا یَرْجُونَ وَ کانَ اللَّهُ عَلِیماً حَکِیماً».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 746
مکة: لَوْ لا فُصِّلَتْ یقول هلا بینت آیاتُهُ بالعربیة حتی نفقه و نعلم ما یقول محمد ءَ أَعْجَمِیٌ «1»: و لقالوا إن القرآن أعجمی أنزل علی محمد وَ و هو عَرَبِیٌّ قُلْ نزله اللّه عربیا لکی یفقهوه و لا یکون لهم علة، یقول اللّه- تعالی-: «هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا» «2» هُدیً من الضلالة وَ شِفاءٌ لما فی القلوب للذی فیه من التبیان، ثم قال: وَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بالآخرة یعنی لا یصدقون بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال فِی آذانِهِمْ وَقْرٌ یعنی ثقل فلا یسمعون الإیمان بالقرآن «3» وَ هُوَ عَلَیْهِمْ عَمًی یعنی عموا عنه یعنی القرآن فلم «یبصروه» «4» و لم یفقهوه أُولئِکَ یُنادَوْنَ مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ- 44- إلی الإیمان بأنه غیر کائن لأنهم صم عنه و عمی و فی آذانهم وقر، قوله: وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ یقول أعطینا موسی التوراة فَاخْتُلِفَ فِیهِ یقول فکفر به بعضهم وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ و هی کلمة الفصل بتأخیر العذاب عنهم إلی أجل مسمی یعنی یوم القیامة یقول لو لا ذلک الأجل لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ یعنی بین الذین آمنوا و بین الذین اختلفوا «و کفروا» «5» بالکتاب، لو لا ذلک الأجل لنزل بهم العذاب فی الدنیا وَ إِنَّهُمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ یعنی من الکتاب مُرِیبٍ 45- یعنی أنهم
______________________________
(1) فی الجلالین: (أ) قرآن (أعجمی و) نبی (عربی) استفهام إنکار منهم، بتحقیق الهمزة الثانیة و قلبها ألفا بإشباع و دونه.
(2) «هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا»: ساقطة من أ، و من ف، و مکتوب فی حاشیة ف.
(3) کذا فی أ، ف، و یکون تقدیره: (فلا یسمعون «الدعوة» إلی الإیمان بالقرآن)
(4) فی الأصل: «یبصرون».
(5) فی أ: «و کفروهم»، و فی ف: «و کفروا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 747
لا یعرفون شکهم، ثم قال: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ العمل فَعَلَیْها یقول إساءته علی نفسه وَ ما رَبُّکَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ- 46- إِلَیْهِ یُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ و ذلک أن الیهود قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- أخبرنا عن الساعة، فإن کنت رسولا کما زعمت علمتها و إلا علمنا أنک لست برسول، و لا نصدقک،
قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- «لا یعلمها إلا اللّه أرد علمها إلی اللّه، فقال اللّه- عز و جل- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم» «1»
- فإن کنت «رددت» «2» علمها، یعنی علم الساعة إلی اللّه فإن الملائکة و الخلق کلهم ردوا علم الساعة یعنی القیامة إلی اللّه- عز و جل- وَ یعلم ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَکْمامِها یعنی من أجوافها یعنی الطلع وَ یعلم ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثی ذکرا أو أنثی «سویا و غیر سوی» «3» یقول وَ لا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ یقول لا تحمل المرأة الولد و لا تضعه إلا بعلمه وَ یَوْمَ یُنادِیهِمْ أَیْنَ شُرَکائِی قالُوا آذَنَّاکَ یقول أسمعناک کقوله: «وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها ...» «4» یقول سمعت لربها ما مِنَّا مِنْ شَهِیدٍ- 47- [137 أ] یشهد بأن لک شریکا فتبرءوا یومئذ من أن یکون مع اللّه شریک، یقول وَ ضَلَّ عَنْهُمْ فی الآخرة ما کانُوا یَدْعُونَ یقول یعبدون یقول «ما عبدوا فی الدنیا مِنْ قَبْلُ» وَ ظَنُّوا «5» یعنی و علموا ما لَهُمْ مِنْ مَحِیصٍ 48- یعنی من فرار من
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» من ف: و لیس فی أ.
(2) فی أ: «ردت».
(3) فی أ، ف: «سوی و غیر سوی».
(4) سورة الانشقاق: 2.
(5) من ف، و فی أ: «ما عبدوا (من قبل) فی الدنیا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 748
النار لا یَسْأَمُ الْإِنْسانُ یقول لا یمل الکافر مِنْ دُعاءِ الْخَیْرِ یقول لا یزال یدعو ربه الخیر و العافیة وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ یعنی البلاء و شدة فَیَؤُسٌ من الخیر قَنُوطٌ- 49- من الرحمة، ثم قال: وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا یقول و لئن آتیناه خیر و عافیة مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ یعنی بعد بلاء و شدة أصابته لَیَقُولَنَّ هذا لِی یقول أنا أحق بهذا، یقول:
وَ ما أَظُنُ یقول ما أحسب السَّاعَةَ قائِمَةً یعنی القیامة کائنة، ثم قال الکافر: وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلی رَبِّی فی الآخرة إن کانت آخرة إِنَّ لِی عِنْدَهُ لَلْحُسْنی یعنی الجنة کما أعطیت فی الدنیا یقول اللّه- تعالی- فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِما عَمِلُوا من أعمالهم الخبیثة وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِیظٍ- 50- یعنی شدید لا یقتر عنهم، و هم فیه مبلسون، ثم قال: وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَی الْإِنْسانِ بالخیر و العافیة أَعْرَضَ عن الدعاء فلا یدعو ربه وَ نَأی بِجانِبِهِ یقول و تباعد بجانبه عن الدعاء فی الرخاء وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ بلاء أو شدة أصابته فَذُو دُعاءٍ عَرِیضٍ 51- یعنی دعاء کبیر یسأل ربه أن یکشف ما به من الشدة فی الدعاء و یعرض عن الدعاء فی الرخاء قُلْ یا محمد لکفار مکة:
أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کانَ هذا القرآن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ کَفَرْتُمْ بِهِ و ذلک أنهم قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- ما هذا القرآن إلا شی‌ء ابتدعته من تلقاء نفسک أما وجد اللّه رسولا غیرک و أنت أحقرنا و أنت أضعفنا رکنا و أقلنا جندا، أو یرسل ملکا، إن هذا الذی جئت به لأمر عظیم، یقول اللّه: مَنْ أَضَلُ یقول فلا أحد أضل مِمَّنْ هُوَ فِی شِقاقٍ بَعِیدٍ- 52- یعنی فی ضلال طویل، ثم خوفهم فقال: سَنُرِیهِمْ آیاتِنا یعنی عذابنا فِی الْآفاقِ یعنی فی البلاد ما بین الیمن و الشام، عذاب قوم عاد، و ثمود، و قوم لوط کانوا
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 749
تمرون علیهم، ثم قال: وَ نریهم العذاب فِی أَنْفُسِهِمْ فهو القتل ببدر حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ یعنی أن هذا القرآن «الحق» «1» من اللّه- عز و جل- أَ وَ لَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ «شاهدا» «2» أن هذا القرآن جاء من اللّه- عز و جل- أَنَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ شَهِیدٌ- 53- کقوله فی الأنعام:
«... قُلِ اللَّهُ شَهِیدٌ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ «3» ...» أَلا إِنَّهُمْ فِی [137 ب مِرْیَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ یعنی فی شک من البعث و غیره أَلا إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ مُحِیطٌ- 54-.
______________________________
(1) فی أ: «لحق»، و فی ف: «الحق».
(2) فی أ: «شاهد»، و فی ف: «شاهدا».
(3) سورة الأنعام: 19.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 751

سورة الشّوری‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 753
(42) سورة الشّوری مکّیّة و آیاتها ثلاث و خمسون‌

[سورة الشوری (42): الآیات 1 الی 53]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
حم (1) عسق (2) کَذلِکَ یُوحِی إِلَیْکَ وَ إِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ اللَّهُ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (3) لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ (4)
تَکادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَ الْمَلائِکَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (5) وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ اللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیْهِمْ وَ ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَکِیلٍ (6) وَ کَذلِکَ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ قُرْآناً عَرَبِیًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُری وَ مَنْ حَوْلَها وَ تُنْذِرَ یَوْمَ الْجَمْعِ لا رَیْبَ فِیهِ فَرِیقٌ فِی الْجَنَّةِ وَ فَرِیقٌ فِی السَّعِیرِ (7) وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لکِنْ یُدْخِلُ مَنْ یَشاءُ فِی رَحْمَتِهِ وَ الظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا نَصِیرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِیُّ وَ هُوَ یُحْیِ الْمَوْتی وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (9)
وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِیهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَحُکْمُهُ إِلَی اللَّهِ ذلِکُمُ اللَّهُ رَبِّی عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ (10) فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً یَذْرَؤُکُمْ فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْ‌ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (11) لَهُ مَقالِیدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ (12) شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ ما وَصَّی بِهِ نُوحاً وَ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ وَ ما وَصَّیْنا بِهِ إِبْراهِیمَ وَ مُوسی وَ عِیسی أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَی الْمُشْرِکِینَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ اللَّهُ یَجْتَبِی إِلَیْهِ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی إِلَیْهِ مَنْ یُنِیبُ (13) وَ ما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِینَ أُورِثُوا الْکِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیبٍ (14)
فَلِذلِکَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ کَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ کِتابٍ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَیْنَکُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَ رَبُّکُمْ لَنا أَعْمالُنا وَ لَکُمْ أَعْمالُکُمْ لا حُجَّةَ بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمُ اللَّهُ یَجْمَعُ بَیْنَنا وَ إِلَیْهِ الْمَصِیرُ (15) وَ الَّذِینَ یُحَاجُّونَ فِی اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِیبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَیْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ (16) اللَّهُ الَّذِی أَنْزَلَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ وَ الْمِیزانَ وَ ما یُدْرِیکَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِیبٌ (17) یَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِینَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ یَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِینَ یُمارُونَ فِی السَّاعَةِ لَفِی ضَلالٍ بَعِیدٍ (18) اللَّهُ لَطِیفٌ بِعِبادِهِ یَرْزُقُ مَنْ یَشاءُ وَ هُوَ الْقَوِیُّ الْعَزِیزُ (19)
مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَ مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ نَصِیبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَکاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّینِ ما لَمْ یَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَ لَوْ لا کَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (21) تَرَی الظَّالِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا کَسَبُوا وَ هُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِی رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما یَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ (22) ذلِکَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی وَ مَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ (23) أَمْ یَقُولُونَ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً فَإِنْ یَشَإِ اللَّهُ یَخْتِمْ عَلی قَلْبِکَ وَ یَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَ یُحِقُّ الْحَقَّ بِکَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24)
وَ هُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ یَعْفُوا عَنِ السَّیِّئاتِ وَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَ یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ یَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ الْکافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ (26) وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِی الْأَرْضِ وَ لکِنْ یُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما یَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِیرٌ بَصِیرٌ (27) وَ هُوَ الَّذِی یُنَزِّلُ الْغَیْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَ یَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَ هُوَ الْوَلِیُّ الْحَمِیدُ (28) وَ مِنْ آیاتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِیهِما مِنْ دابَّةٍ وَ هُوَ عَلی جَمْعِهِمْ إِذا یَشاءُ قَدِیرٌ (29)
وَ ما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَ یَعْفُوا عَنْ کَثِیرٍ (30) وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ فِی الْأَرْضِ وَ ما لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا نَصِیرٍ (31) وَ مِنْ آیاتِهِ الْجَوارِ فِی الْبَحْرِ کَالْأَعْلامِ (32) إِنْ یَشَأْ یُسْکِنِ الرِّیحَ فَیَظْلَلْنَ رَواکِدَ عَلی ظَهْرِهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِکُلِّ صَبَّارٍ شَکُورٍ (33) أَوْ یُوبِقْهُنَّ بِما کَسَبُوا وَ یَعْفُ عَنْ کَثِیرٍ (34)
وَ یَعْلَمَ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِیصٍ (35) فَما أُوتِیتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَمَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَیْرٌ وَ أَبْقی لِلَّذِینَ آمَنُوا وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ (36) وَ الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ یَغْفِرُونَ (37) وَ الَّذِینَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُوری بَیْنَهُمْ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ (38) وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ (39)
وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ (40) وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِکَ ما عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِیلُ عَلَی الَّذِینَ یَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ یَبْغُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (42) وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِکَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِیٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَ تَرَی الظَّالِمِینَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ یَقُولُونَ هَلْ إِلی مَرَدٍّ مِنْ سَبِیلٍ (44)
وَ تَراهُمْ یُعْرَضُونَ عَلَیْها خاشِعِینَ مِنَ الذُّلِّ یَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِیٍّ وَ قالَ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِیهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِینَ فِی عَذابٍ مُقِیمٍ (45) وَ ما کانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِیاءَ یَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِیلٍ (46) اسْتَجِیبُوا لِرَبِّکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَکُمْ مِنْ مَلْجَإٍ یَوْمَئِذٍ وَ ما لَکُمْ مِنْ نَکِیرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً إِنْ عَلَیْکَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَ إِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ کَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَخْلُقُ ما یَشاءُ یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ إِناثاً وَ یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ الذُّکُورَ (49)
أَوْ یُزَوِّجُهُمْ ذُکْراناً وَ إِناثاً وَ یَجْعَلُ مَنْ یَشاءُ عَقِیماً إِنَّهُ عَلِیمٌ قَدِیرٌ (50) وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْیاً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ یُرْسِلَ رَسُولاً فَیُوحِیَ بِإِذْنِهِ ما یَشاءُ إِنَّهُ عَلِیٌّ حَکِیمٌ (51) وَ کَذلِکَ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتابُ وَ لا الْإِیمانُ وَ لکِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَ إِنَّکَ لَتَهْدِی إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ أَلا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ (53)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 761
سورة الشوری «1» سورة حم عسق مکیة عددها خمسون و ثلاث آیات کوفی «2».
______________________________
(1) معظم مقصود السورة:
بیان حجة التوحید، و تقریر نبوة الرسول: و تأکید شریعة الإسلام، و التهدید بظهور آثار القیامة، و بیان ثواب العاملین دنیا و أخری، و ذل الظالمین فی عرصات القیامة، و استدعاء الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- من الأمة محبة أهل البیت، العترة الطاهرة، و وعد التائبین بالقبول، و بیان الحکمة فی تقدیر الأرزاق و قسمتها، و الإخبار عن شؤم الآثام و الذنوب، و ذل الکفار فی مقام الحساب و المنة علی الخلق بما منحوا من الأولاد، و بیان کیفیة نزول الوحی علی الأنبیاء، و المنة علی الرسول بعطیة الإیمان، و القرآن، و بیان أن مرجع الأمور إلی اللّه الدیان فی قوله: «... إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ» سورة الشوری: 53.
(2) فی المصحف (42) سورة الشوری مکیة إلا الآیات 23، 24، 25، 27 فمدنیة و آیاتها 53 و نزلت بعد سورة فصلت.
و تسمی سورة: «عسق» لابتدائها بها، و سورة الشوری، لقوله فیها «... وَ أَمْرُهُمْ شُوری بَیْنَهُمْ ...» سورة الشوری: 38.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 763
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ «حم 1- عسق «1»»- 2- فی أمر العذاب یا محمد فیها تقدیم إلیک و إلی الأنبیاء من قبلک، فمن ثم قال: کَذلِکَ یُوحِی إِلَیْکَ یا محمد وَ إِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ من الأنبیاء أنه نازل بقومهم إذا کذبوا الرسل، ثم عظم نفسه فقال له یا محمد: «إنما» «2» ذلک یوحی اللَّهُ الْعَزِیزُ فی ملکه الْحَکِیمُ 3- فی أمره لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَلِیُ یعنی الرفیع فوق خلقه الْعَظِیمُ 4- فلا أکبر منه تَکادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ یعنی یتشققن من عظمة الرب الذی هو فوقهن، ثم قال: وَ الْمَلائِکَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ یعنی یصلون بأمر ربهم وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الْأَرْضِ ثم بین فی «حم» المؤمن أی الملائکة هم فقال: «الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ ...» ثم بین لمن یستغفرون فقال: «... وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا «3» ...» یعنی
______________________________
(1) فی ل، ف: و فیها من المدنی «ذلِکَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ ...» إلی آخر الآیات، «... إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» (و هو یشیر إلی آیتی 23، 24).
و قوله: «وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ، وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِکَ ما عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ» آیات 39، 40، 41.
(2) «إنما»: ساقطة من أ، ف، و هی من ل.
(3) سورة غافر: 7، و تمامها: «الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِیمِ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 764
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌3 829
المؤمنین فصارت هذه الآیة منسوخة نسختها الآیة التی فی «حم» المؤمن «1».
ثم قال: أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ لذنوبهم الرَّحِیمُ 5- بهم، قوله وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ یعبدونها من دون اللّه اللَّهُ حَفِیظٌ عَلَیْهِمْ یعنی رقیب علیهم وَ ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ یا محمد بِوَکِیلٍ 6- یعنی بمسیطر.
وَ کَذلِکَ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ قُرْآناً عَرَبِیًّا لیفقهوا ما فیه و لِتُنْذِرَ یعنی و لکی تنذر بالقرآن یا محمد أُمَّ الْقُری و هی مکة، و إنما سمیت أم القری لأن الأرض کلها دحیت من تحت الکعبة قال: وَ لتنذر یا محمد بالقرآن مَنْ حَوْلَها یعنی حول مکة من القری یعنی قری الأرض کلها وَ لکی تُنْذِرَ بالقرآن یَوْمَ الْجَمْعِ یعنی جمع أهل السموات و جمع أهل الأرض لا رَیْبَ فِیهِ یعنی لا شک فیه فی البعث أنه کائن، ثم بعد الجمع یتفرقون فَرِیقٌ فِی الْجَنَّةِ وَ فَرِیقٌ فِی السَّعِیرِ- 7- یعنی الوقود، ثم لا یجتمعون أبدا، قال: وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ یعنی کفار مکة أُمَّةً واحِدَةً یعنی علی ملة الإسلام وحدها وَ لکِنْ یُدْخِلُ مَنْ یَشاءُ فِی رَحْمَتِهِ یعنی فی دینه الإسلام وَ الظَّالِمُونَ یعنی مشرکی مکة ما لَهُمْ مِنْ وَلِیٍ یعنی من قریب ینفعهم فی الاخرة وَ لا نَصِیرٍ- 8- یعنی و لا مانع یمنعهم من العذاب عذاب النار.
قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ من الملائکة أَوْلِیاءَ یعنی آلهة و هم خزاعة و غیرهم یعبدونها فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِیُ یعنی الرب وَ هُوَ یُحْیِ الْمَوْتی فی الآخرة وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من البعث و غیره قَدِیرٌ- 9- قوله:
______________________________
(1) لیس هذا من النسخ و لکنه من تخصیص العام.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 765
وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِیهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَحُکْمُهُ إِلَی اللَّهِ و ذلک أن أهل مکة کفر بعضهم بالقرآن، و آمن بعضهم فقال اللّه- تعالی-: إن الذی اختلفتم فیه فإنی أرد قضاءه إلی و أنا أحکم فیه، ثم دل علی نفسه بصنعه، فقال: ذلِکُمُ اللَّهُ الذی یحیی الموتی و یمیت الأحیاء هو أحیاکم و هو اللّه رَبِّی عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ یعنی به أثق وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ 10- یقول إلیه أرجع، قوله:
فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یعنی خالق السموات و الأرض جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً یقول جعل بعضکم من بعض أزواجا یعنی الحلائل لتسکنوا إلیهن وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً یعنی ذکورا و إناثا یَذْرَؤُکُمْ فِیهِ یقول یعیشکم فیه فیما جعل من الذکور و الإناث من الأنعام، ثم عظم نفسه، فقال:
لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْ‌ءٌ فی القدرة وَ هُوَ السَّمِیعُ لقول کفار مکة الْبَصِیرُ- 11- بما خلق لَهُ مَقالِیدُ السَّماواتِ یعنی مفاتیح بلغة النبط «مَقالِیدُ السَّماواتِ» المطر وَ الْأَرْضِ یعنی النبات یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ یقول یوسع الرزق علی من یشاء من عباده و یقتر علی من یشاء إِنَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ من البسط و القتر عَلِیمٌ 12-، قوله: شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ یقول بین لکم، و یقال سن لکم آثار الإسلام و المن ها هنا صلة ک ما وَصَّی بِهِ نُوحاً وَ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ فیه تقدیم وَ ما وَصَّیْنا بِهِ إِبْراهِیمَ وَ مُوسی وَ عِیسی أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ یعنی التوحید وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَی الْمُشْرِکِینَ یقول عظم علی مشرکی مکة ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ یا محمد لقولهم: «أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ عُجابٌ «1»» یعنی التوحید، ثم اختص أولیاءه فقال: اللَّهُ یَجْتَبِی إِلَیْهِ
______________________________
(1) سورة ص: 5.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 766
یقول یستخلص لدینه مَنْ یَشاءُ وَ هو یَهْدِی إِلَیْهِ إلی دینه مَنْ یُنِیبُ 13- یعنی من یراجع التوبة، ثم قال: وَ ما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ یعنی البیان بَغْیاً بَیْنَهُمْ «وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ» «1» «و لو لا کلمة الفصل التی سبقت من ربک» «2» فی الآخرة یا محمد، فی تأخیر العذاب عنهم إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی یعنی به القیامة لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ بین من آمن و بین من کفر و لو لا ذلک لنزل بهم العذاب فی الدنیا حین کذبوا و اختلفوا، ثم قال: وَ إِنَّ الَّذِینَ أُورِثُوا الْکِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ قوم نوح و إبراهیم و موسی و عیسی أورثوا الکتاب من بعدهم: الیهود و النصاری من بعد أنبیائهم لَفِی شَکٍّ مِنْهُ یعنی من الکتاب الذی عندهم [138 ب مُرِیبٍ 14، قوله: فَلِذلِکَ فَادْعُ یعنی إلی التوحید یقول اللّه لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم-: ادع أهل الکتاب إلی معرفة ربک، إلی هذا التوحید «3» وَ اسْتَقِمْ یقول و امض کَما أُمِرْتَ بالتوحید، کقوله فی الزمر- «... فاعبد الله ...» «4» وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ فی ترک الدعاء، و ذلک حین
______________________________
(1) فی أ: «و لو لا کلمة الفصل التی سبقت من ربک» و هذا النص محرف أیضا فی ف، ل.
(2) کذا فی أ، ل، ف، و فیها جمیعا اختلط القرآن بغیره مع تحریفه، فذکرت القرآن مستقلا و جعلت ما فی النسخ تفسیرا.
(3) تفسیر (فلذلک فادع)، من ف و لیس فی أ.
(4) سورة الزمر: 2، و تمامها: «إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ»، و بالنص محرف فی أ ففیها «... و اعبد اللّه ...» و فی الزمر آیات فی هذا المعنی منها الآیة 11 «قُلْ إِنِّی أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ» و فی الآیة 14: «قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِینِی» و فی الآیة: 66 «بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَ کُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 767
دعاه أهل الکتاب إلی دینهم، ثم قال: وَ قُلْ لأهل الکتاب: آمَنْتُ یقول صدقت بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ کِتابٍ یعنی القرآن و التوراة و الإنجیل و الزبور وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَیْنَکُمُ بین أهل الکتاب فی القول، یقول أعدل بما آتانی اللّه فی کتابه و العدل أنه دعاهم الی دینه، قوله: اللَّهُ رَبُّنا وَ رَبُّکُمْ لَنا أَعْمالُنا وَ لَکُمْ أَعْمالُکُمْ یقول لنا دیننا الذی نحن علیه و لکم دینکم الذی أنتم علیه لا حُجَّةَ یقول لا خصومة بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمُ فی الدین یعنی أهل الکتاب، نسختها آیة القتال فی براءة «1».
اللَّهُ یَجْمَعُ بَیْنَنا فی الآخرة فیجازینا بأعمالنا و یجازیکم وَ إِلَیْهِ الْمَصِیرُ- 15- وَ الَّذِینَ یُحَاجُّونَ یعنی یخاصمون فِی اللَّهِ فهم الیهود قدموا علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بمکة، فقالوا للمسلمین: دیننا أفضل من دینکم، و نبینا أفضل من نبیکم، یقول: مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِیبَ لَهُ یعنی للّه فی الإیمان حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ یقول خصومتهم باطلة حین زعموا أن دینهم أفضل من دین الإسلام وَ عَلَیْهِمْ غَضَبٌ من اللّه وَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ- 16- اللَّهُ الَّذِی أَنْزَلَ الْکِتابَ بِالْحَقِ یقول لم ینزله باطلا لغیر شی‌ء وَ الْمِیزانَ یعنی العدل وَ ما یُدْرِیکَ یا محمد لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِیبٌ 17- و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- ذکر الساعة و عنده أبو فاطمة ابن البختری، و فرقد بن ثمامة، و صفوان بن أمیة، فقالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: متی تکون الساعة؟ تکذیبها بها. فقال اللّه- تعالی-: «وَ ما یُدْرِیکَ
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة الخامسة من سورة التوبة و هی: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ کُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ فَخَلُّوا سَبِیلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 768
لعل الساعة» یعنی القیامة «قریب» یَسْتَعْجِلُ بِهَا بالساعة الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِها یعنی لا یصدقون بها، هؤلاء الثلاثة نفر، أنها کائنة لأنهم لا یخافون ما فیها وَ الَّذِینَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها یعنی بلال و أصحابه صدقوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بها یعنی بالساعة لأنهم لا یدرون علی ما یهجمون منها وَ یَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ الساعة أنها کائنة، ثم ذکر الذین لا یؤمنون بالساعة فقال: أَلا إِنَّ الَّذِینَ یُمارُونَ فِی السَّاعَةِ یعنی هؤلاء الثلاثة یعنی یشکون فی القیامة لَفِی ضَلالٍ بَعِیدٍ- 18- یعنی طویل اللَّهُ لَطِیفٌ بِعِبادِهِ البر منهم و الفاجر لا یهلکهم جوعا حین قال: «إِنَّا کاشِفُوا الْعَذابِ قَلِیلًا ...» «1» یَرْزُقُ مَنْ یَشاءُ وَ هُوَ الْقَوِیُ فی هلاکهم ببدر الْعَزِیزُ- 19- فی نقمته منهم مَنْ کانَ یُرِیدُ بعمله الحسن حَرْثَ الْآخِرَةِ یقول من کان من الأبرار یرید بعمله الحسن الثواب [139 أ] الآخرة نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ یعنی بلالا و أصحابه حتی یضاعف له فی حرثه یقول فی عمله وَ مَنْ کانَ من الفجار یُرِیدُ بعمله حَرْثَ الدُّنْیا یعنی ثواب الدنیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ یعنی الجنة لهولاء الثلاثة مِنْ نَصِیبٍ 20- یعنی من حظ، ثم نسختها «مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ ...» «2»، قوله: أَمْ لَهُمْ شُرَکاءُ شَرَعُوا یقول سنوا لَهُمْ مِنَ الدِّینِ ما لَمْ یَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ یعنی کفار مکة یقول أ لهم آلهة بینوا لهم من الدین ما لم یأذن به اللّه، ثم قال: وَ لَوْ لا کَلِمَةُ الْفَصْلِ التی سبقت من اللّه فی الآخرة أنه معذبهم یقول لو لا ذلک الأجل لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ قول لنزل
______________________________
(1) سورة الدخان: 15.
(2) سورة الإسراء: 18.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 769
بهم العذاب فی الدنیا وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ یعنی المشرکین لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 21- یعنی وجیع، ثم أخبر بمستقر المؤمنین و الکافرین فی الآخرة فقال: تَرَی الظَّالِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا کَسَبُوا من الشرک وَ هُوَ واقِعٌ بِهِمْ یعنی العذاب فی التقدیم، ثم قال: وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِی رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ یعنی بساتین الجنة لَهُمْ ما یَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِکَ الذی ذکر من الجنة هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ- 22-، ثم قال: ذلِکَ الَّذِی ذکر من الجنة «یُبَشِّرُ اللَّهُ» «1» عِبادَهُ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً یعنی علی الإیمان جزاء إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی یقول إلا أن تصلوا قرابتی و تتبعونی و تکفوا عنی الأذی ثم نسختها «2» «قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ «3» ...»، قوله وَ مَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً یقول و من یکتسب حسنة واحدة نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً یقول فضاعف له الحسنة الواحدة عشرا فصاعدا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوب هؤلاء شَکُورٌ- 23- لمحاسنهم القلیلة حین یضاعف الواحدة عشرا فصاعدا. قوله: أَمْ یَقُولُونَ کفار مکة إن محمدا افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً حین زعم أن القرآن من عند اللّه نشق علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- تکذیبهم إیاه، یقول اللّه- تعالی-: فَإِنْ یَشَإِ اللَّهُ یَخْتِمْ عَلی قَلْبِکَ یقول یربط علی قلبک فلا یدخل فی قلبک المشقة من قولهم بأن محمدا کذاب مفتر
______________________________
(1) فی أ: «یبشر اللّه به».
(2) لا تعارض بین الآیتین و لا نسخ فیهما عند الأصولین.
(3) سورة نبأ: 47 و تمامها: «قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلَّا عَلَی اللَّهِ وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ شَهِیدٌ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 770
«وَ یَمْحُ» «1» اللَّهُ إن شاء الْباطِلَ الذی یقولون بأنک کذاب مفتر، من قلبک، وَ یُحِقُ اللّه الْحَقَ و هو الإسلام بِکَلِماتِهِ یعنی القرآن الذی أنزل علیه إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 24- یعنی القلوب یعلم ما فی قلب محمد- صلی اللّه علیه و سلم- من الحزن من قولهم بتکذیبهم إیاه، قوله:
وَ هُوَ الَّذِی [139 ب یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ یَعْفُوا عَنِ السَّیِّئاتِ یقول و یتجاوز عن الشرک الذی تابوا وَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ 25- من خیر أو شر وَ یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ یَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ الْکافِرُونَ من أهل مکة لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ- 26- لا یفتر عنهم، قوله:
وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ یعنی و لو وسع اللّه الرزق لِعِبادِهِ فی ساعة واحدة لَبَغَوْا یعنی لعصوا فِی الْأَرْضِ «2» فیها تقدیم وَ لکِنْ یُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما یَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِیرٌ بَصِیرٌ- 27- بهم وَ هُوَ الَّذِی یُنَزِّلُ الْغَیْثَ یعنی المطر الذی حبس عنهم بمکة سبع سنین مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا یعنی من بعد الإیاسة وَ یَنْشُرُ رَحْمَتَهُ یعنی نعمته ببسط المطر «وَ هُوَ الْوَلِیُّ» «3» ولی المؤمنین الْحَمِیدُ- 28- عند خلقه فی نزول الغیث علیهم وَ مِنْ آیاتِهِ أن تعرفوا توحید الرب و صنعه و إن لم تروه خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِیهِما مِنْ دابَّةٍ یعنی الملائکة فی السموات و الخلائق فی الأرض وَ هُوَ عَلی جَمْعِهِمْ فی الآخرة إِذا یَشاءُ قَدِیرٌ- 29-، قوله: وَ ما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ یعنی
______________________________
(1) فی أ: و یمحو، و فی رسم المصحف، و یمح.
(2) فی أ: کررت مرتین جملة (و لو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا فی الأرض)
(3) فی أ: (و هو ولی) المؤمنین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 771
المؤمنین من بلاء فی الدنیا و عقوبة من اختلاج عرق أو خدش عود أو نکبة حجر أو عثرة قدم فصاعدا إلا بذنب، فذلک قوله: «وَ ما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ» فَبِما کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ من المعاصی وَ یَعْفُوا عَنْ کَثِیرٍ- 30- یعنی و یتجاوز عن کثیر من الذنوب فلا یعاقب بها فی الدنیا.
حدثنا عبد اللّه قال: حدثنی أبی، قال: قال أبو صالح: بلغنا أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قال: ما عفا اللّه عنه فهو أکثر، و قال: بلغنی أنه قال یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: ما عفا اللّه عنه فلم یعاقب به فی الآخرة ثم تلا هذه الآیة «... مَنْ یَعْمَلْ سُوءاً یُجْزَ بِهِ «1» ...» قال هاتان الآیتان فی الدنیا للمؤمنین،
قوله- تعالی-: وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ یعنی بسابقی اللّه هربا فِی الْأَرْضِ بأعمالکم الخبیثة حتی یجزیکم بها وَ ما لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِیٍ یعنی قریب ینفعکم وَ لا نَصِیرٍ- 31- یقول و لا مانع یمنعکم من اللّه- جل و عز- وَ مِنْ آیاتِهِ أن تعرفوا توحیده بصنعه و إن لم تروه الْجَوارِ فِی الْبَحْرِ کَالْأَعْلامِ 32- یعنی السفن تجری فی البحر بالریاح کالأعلام شبه السفن فی البحر کالجبال فی البر، «2» و قال: إِنْ یَشَأْ یُسْکِنِ الرِّیحَ فَیَظْلَلْنَ رَواکِدَ عَلی ظَهْرِهِ قائمات علی ظهر الماء فلا تجری إِنَّ فِی ذلِکَ الذی ترون یعنی السفن، إذا جرین و إذا رکدن لَآیاتٍ یعنی لعبرة لِکُلِّ صَبَّارٍ یقول کل صبور علی أمر اللّه شَکُورٍ- 33- للّه- تعالی- فی هذه النعمة، ثم قال: أَوْ یُوبِقْهُنَ یقول و إن یشأ یهلکهن یعنی السفن بِما کَسَبُوا یعنی بما عملوا من الشرک وَ یَعْفُ یعنی یتجاوز عَنْ کَثِیرٍ
______________________________
(1) سورة النساء: 123.
(2) فی أ: البحر، ف: البر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 772
- 34- من الذنوب فینجیهم من الغرق و الهلکة، قال: وَ یَعْلَمَ الَّذِینَ یُجادِلُونَ فِی آیاتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِیصٍ 35- قال و یعنی من فرار «فَما» «1» أُوتِیتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَمَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا تتمتعون بها قلیلا وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَیْرٌ مما أوتیتم فی الدنیا وَ أَبْقی و أدوم لِلَّذِینَ آمَنُوا وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ 36- یعنی و بربهم یثقون، ثم نعتهم فقال: وَ الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ یقول کل ذنب یختم بنار وَ الْفَواحِشَ ما یقام فیه الحد فی الدنیا وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ یَغْفِرُونَ 37- یعنی یتجاوزون عن ظلمهم فیکظمون الغیظ و یعفون، نزلت فی عمر بن الخطاب بن نفیل بن عبد العزی بن فرط بن رازح بن عدی بن لؤی حین شتم بمکة، فذلک قوله: «قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا» یعنی یتجاوزوا عن الذین «لا یرجون أیام اللّه ...» «2». و قال: وَ الَّذِینَ اسْتَجابُوا لربهم فی الإیمان وَ أَقامُوا الصَّلاةَ یقول و أتموا الصلوات الخمس نزلت فی الأنصار، «داوموا» «3» علیها، وَ أَمْرُهُمْ شُوری بَیْنَهُمْ قال کانت قبل الإسلام و قبل قدوم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- المدینة إذا کان بینهم أمر، أو أرادوا أمرا اجتمعوا فتشاوروا بینهم فأخذوا به، فأثنی اللّه علیهم خیرا، ثم قال: وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال یُنْفِقُونَ 38- فی طاعة اللّه، قال: وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ یعنی الظلم هُمْ یَنْتَصِرُونَ 39- یعنی المجروح ینتصر من الظالم فیقتص منه وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها أن یقتص منه المجروح کما أساء
______________________________
(1) فی أ: و ما.
(2) سورة الجاثیة: 13 و تمامها: «قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ لِیَجْزِیَ قَوْماً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ».
(3) فی الأصل: «داموا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 773
إلیه و لا یزید شیئا فَمَنْ عَفا یعنی فمن ترک الجارح و لم یقتص وَ أَصْلَحَ العمل کان العفو من الأعمال الصالحة فَأَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ قال جزاؤه علی اللّه إِنَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ 40- یعنی من بدأ بالظلم و الجراءة ثم قال: وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ یقول إذا انتصر المجروح، فاقتص من الجارح فَأُولئِکَ ما عَلَیْهِمْ یعنی علی الجارح مِنْ سَبِیلٍ 41- یعنی العدوان حین انتصر من الجارح إِنَّمَا السَّبِیلُ یعنی العدوان عَلَی الَّذِینَ یَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ یَبْغُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِ یقول یعملون فیها بالمعاصی أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 42- یعنی وجیع، ثم بین [140 ب أن الصبر و التجاوز أحب إلی اللّه و أنفع لهم من غیره، ثم رجع الی المجروح فقال: وَ لَمَنْ صَبَرَ و لم یقتص وَ غَفَرَ و تجاوز ف إِنَّ ذلِکَ الصبر و التجاوز لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ- 43- یقول من حق الأمور التی أمر اللّه- عز و جل- بها، قوله- تعالی-: وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدی فَما لَهُ مِنْ وَلِیٍ یقول و من یضلل اللّه عن الهدی فما له من قریب یهدیه إلی دینه مِنْ بَعْدِهِ مثلها فی الجائیة قال: وَ تَرَی الظَّالِمِینَ یعنی المشرکین لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ فی الآخرة یَقُولُونَ هَلْ إِلی مَرَدٍّ مِنْ سَبِیلٍ 44- یقول هل إلی الرجعة إلی الدنیا من سبیل وَ تَراهُمْ یُعْرَضُونَ عَلَیْها یعنی علی النار واقفین علیها خاشِعِینَ یعنی خاضعین مِنَ الذُّلِ الذی نزل بهم یَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِیٍ یعنی یستخفون بالنظر إلیها یسارقون النظر وَ قالَ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وحده و قالها فی الزمر «1» إِنَّ الْخاسِرِینَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
______________________________
(1) فی أ: قالها فی الزمر، و فی ف: یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- هو قالها فی الزمر، و قد کررت الجملة مرتین فیها، و فی ل: و قالها فی الزمر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 774
یعنی غبنوا أنفسهم فصاروا إلی النار وَ خسروا أَهْلِیهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ یقول و غبنوا أهلیهم فی الجنة فصاروا لغیرهم، و لو دخلوا الجنة أصابوا الأهل، فلما دخلوا النار حرموا فصار ما فی الجنة و الأهلین لغیرهم «1» أَلا إِنَّ الظَّالِمِینَ یعنی المشرکین فِی عَذابٍ مُقِیمٍ 45- یعنی دائم لا یزول عنهم مثلها فی الروم وَ ما کانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِیاءَ یَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ یقول و ما کان لهم من أقرباء یمنعونهم من اللّه وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدی فَما لَهُ مِنْ سَبِیلٍ 46- إلی الهدی، قوله اسْتَجِیبُوا لِرَبِّکُمْ بالإیمان یعنی التوحید مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ یعنی لا رجعة لهم إذا جاء یوم القیامة لا یقدر أحد علی دفعه مِنَ اللَّهِ ثم أخبر عنهم یومئذ فقال: ما لَکُمْ مِنْ مَلْجَإٍ یَوْمَئِذٍ یعنی حرزا یحرزکم من العذاب وَ ما لَکُمْ مِنْ نَکِیرٍ- 47- من العذاب فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الهدی فَما أَرْسَلْناکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً یعنی رقیبا إِنْ عَلَیْکَ إِلَّا الْبَلاغُ یا محمد وَ إِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ یقول إذا مسسنا و فی قراءة ابن مسعود «و إنا إذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها» یعنی المطر «مِنَّا «2» رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ یعنی کفار مکة یعنی قحط فی المطر بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ من الکفر فَإِنَّ الْإِنْسانَ کَفُورٌ- 48- فیها تقدیم لنعم ربه فی کشف الضر عنه یعنی الجوع و قحط المطر نظیرها فی الروم، «3» ثم عظم نفسه فقال: لِلَّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَخْلُقُ ما یَشاءُ
______________________________
(1) فی أ نقص، و فی جمیع النسخ نقص، فقد سقطت کلمة «یوم القیامة» و هی جزء من الآیة، سقطت من جمیع النسخ، و قد ذکرت تفسیر الآیة من کل النسخ علی طریقة النص المختار.
(2) «منا رحمة»: ساقطة من أ.
(3) یشیر إلی الآیة 36 من سورة الروم و هی «وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ إِذا هُمْ یَقْنَطُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 775
فی الرحم [141 أ] یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ إِناثاً یعنی البنات وَ یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ الذُّکُورَ- 49- یعنی البنین لیس فیهم أنثی أَوْ یُزَوِّجُهُمْ یقول و إن یشأ نصفهم ذُکْراناً وَ إِناثاً یعنی یولد له مرة بنین و بنات ذکورا و إناثا فنجعلهم له وَ یَجْعَلُ مَنْ یَشاءُ عَقِیماً لا یولد له إِنَّهُ عَلِیمٌ بخلقه قَدِیرٌ- 50- فی أمر الولد و العقم و غیره، قوله: وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْیاً و ذلک أن الیهود قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- ألا تکلم اللّه، و تنظر إلیه إن کنت صادقا، کما کلمة موسی و نظر إلیه، فإنا لن نؤمن لک حتی یعمل اللّه ذلک بک. فقال اللّه لهم: لم أفعل ذلک بموسی، و أنزل اللّه- تعالی- «وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللَّهُ» یقول لیس لنبی من الأنبیاء أن یکلمه اللّه «إلا وحیا» فیسمع الصوت فیفقه أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ کما کان بینه و بین موسی أَوْ یُرْسِلَ رَسُولًا فَیُوحِیَ بِإِذْنِهِ یقول أو یأتیه منی بوحی: یقول أو یأمره فیوحی ما یَشاءُ إِنَّهُ عَلِیٌ یعنی رفیع فوق خلقه حَکِیمٌ 51- فی أمره.
«فقالوا للنبی من أول المرسلین» «1» فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أول المرسلین آدم- علیه السلام- «2». فقالوا: کم المرسلین؟ قال: ثلاثمائة و خمسة عشر
______________________________
(1) ما بین الأقواس «...» زیادة اقتضاها السیاق، ففی أ: ل، ف، ح بدأ الکلام:
بالجواب و هو
«فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أول المرسلین آدم»
و هذا الجواب لا بد له من سؤال، و قد سقط السؤال من جمیع النسخ فأضفته.
(2) فی أ زیادة: نسل، و فی ح: نسل، و فی ف: فسئل و فی ل: مسیل. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 776
جماء الغفیر «1» و من الأنبیاء من یسمع الصوت فیفقه، و من الأنبیاء من یوحی إلیه فی المنام، و إن جبریل لیأتی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- کما یأتی الرجل صاحبه فی ثیاب البیاض مکفوفة بالدر و الیاقوت و رجلاه مغموستان «2» فی الخضرة «3»،
قوله- تعالی- وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا أَوْحَیْنا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا یعنی الوحی بأمرنا کما أوحینا إلی الأنبیاء من قبلک حین ذکر الأنبیاء من قبله فقال «وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْیاً» إلی آخر الآیة «4».
قوله: ما کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتابُ یا محمد قبل الوحی ما الکتاب وَ لَا الْإِیمانُ وَ لکِنْ جَعَلْناهُ یعنی القرآن نُوراً یعنی ضیاء من العمی نَهْدِی بِهِ یعنی بالقرآن من الضلالة إلی الهدی مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَ إِنَّکَ لَتَهْدِی إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 52- یعنی إنک لتدعو إلی دین مستقیم یعنی الإسلام صِراطِ اللَّهِ یقول دین اللّه الَّذِی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ خلقه و عبیده و فی قبضته أَلا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ- 53- یعنی
______________________________
(1) فی أ، ف: «جم الغفیر» و فی ح: «جم الفقیر».
أقول: الثابت فی علم التوحید أن علی المؤمن أن یعتقد أن اللّه أرسل رسلا و أنبیاء کثیرین لهدایة البشر و علیه أن یفوض معرفة عددهم إلی اللّه- تعالی-، لأن اللّه یقول: «مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَیْکَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَیْکَ» سورة غافر: 78.
و تحدید الرسل بهذا العدد الصغیر مرفوض عقلا و شرعا و جمیع النسج مضطربة فی هذا الموضع.
(2) فی أ، ل: «و رجلاء مغموستان» و فی ف: «و رجلاه مطموستان»
(3) فی أ، ف، ح: «الخضرة»، و فی ل: «الحضرة».
(4) الآیة 51 من سورة الشوری و تمامها «وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْیاً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ یُرْسِلَ رَسُولًا فَیُوحِیَ بِإِذْنِهِ ما یَشاءُ إِنَّهُ عَلِیٌّ حَکِیمٌ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 777
أمور الخلائق فی الآخرة تصیر إلیه فیجزیهم بأعمالهم و اللّه غفور لذنوب العباد رحیم بهم. [141 ب قال مقاتل: سید الملائکة إسرافیل و هو صاحب الصور، و سید الأنبیاء محمد- صلی اللّه علیه و سلم-، و سید الشهداء هابیل بن آدم، و سید المؤذنین بلال بن رباح، و سید الشهور شهر رمضان، و سید الأیام یوم الجمعة، و سید السباع الأسد، و سید الطیر النسر، و سید الأنعام الثور، و سید الوحش الأیل، و سید البلاد مکة، و سید البقاع بکة، و سید البیوت الکعبة، و سید البحور بحر موسی، و سید الجبال طور سیناء، و سید المجالس ما استقبل به القبلة، و سید الصلاة صلاة المغرب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 779

سورة الزخرف‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 781
(43) سورة الزخرف مکّیّة و آیاتها تسع و ثمانون‌

[سورة الزخرف (43): الآیات 1 الی 89]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
حم (1) وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْکِتابِ لَدَیْنا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ (4)
أَ فَنَضْرِبُ عَنْکُمُ الذِّکْرَ صَفْحاً أَنْ کُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِینَ (5) وَ کَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِیٍّ فِی الْأَوَّلِینَ (6) وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ نَبِیٍّ إِلاَّ کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَکْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَ مَضی مَثَلُ الْأَوَّلِینَ (8) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِیزُ الْعَلِیمُ (9)
الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ جَعَلَ لَکُمْ فِیها سُبُلاً لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَ الَّذِی نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً کَذلِکَ تُخْرَجُونَ (11) وَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْفُلْکِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْکَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلی ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْکُرُوا نِعْمَةَ رَبِّکُمْ إِذَا اسْتَوَیْتُمْ عَلَیْهِ وَ تَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما کُنَّا لَهُ مُقْرِنِینَ (13) وَ إِنَّا إِلی رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَکَفُورٌ مُبِینٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا یَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاکُمْ بِالْبَنِینَ (16) وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ (17) أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ (18) وَ جَعَلُوا الْمَلائِکَةَ الَّذِینَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُکْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ یُسْئَلُونَ (19)
وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ یَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَیْناهُمْ کِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِکُونَ (21) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلی آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَ کَذلِکَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ فِی قَرْیَةٍ مِنْ نَذِیرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلی آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُکُمْ بِأَهْدی مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَیْهِ آباءَکُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ کافِرُونَ (24)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ (25) وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ لِأَبِیهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِی بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِی فَطَرَنِی فَإِنَّهُ سَیَهْدِینِ (27) وَ جَعَلَها کَلِمَةً باقِیَةً فِی عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتَّی جاءَهُمُ الْحَقُّ وَ رَسُولٌ مُبِینٌ (29)
وَ لَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ کافِرُونَ (30) وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلی رَجُلٍ مِنَ الْقَرْیَتَیْنِ عَظِیمٍ (31) أَ هُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّکَ نَحْنُ قَسَمْنا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِیًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّکَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ (32) وَ لَوْ لا أَنْ یَکُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ یَکْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَیْها یَظْهَرُونَ (33) وَ لِبُیُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَیْها یَتَّکِؤُنَ (34)
وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ کُلُّ ذلِکَ لَمَّا مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّکَ لِلْمُتَّقِینَ (35) وَ مَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِینٌ (36) وَ إِنَّهُمْ لَیَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِیلِ وَ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّی إِذا جاءَنا قالَ یا لَیْتَ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ بُعْدَ الْمَشْرِقَیْنِ فَبِئْسَ الْقَرِینُ (38) وَ لَنْ یَنْفَعَکُمُ الْیَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّکُمْ فِی الْعَذابِ مُشْتَرِکُونَ (39)
أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِی الْعُمْیَ وَ مَنْ کانَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِیَنَّکَ الَّذِی وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَیْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِکْ بِالَّذِی أُوحِیَ إِلَیْکَ إِنَّکَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (43) وَ إِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَ لِقَوْمِکَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ (44)
وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً یُعْبَدُونَ (45) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ فَقالَ إِنِّی رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِینَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآیاتِنا إِذا هُمْ مِنْها یَضْحَکُونَ (47) وَ ما نُرِیهِمْ مِنْ آیَةٍ إِلاَّ هِیَ أَکْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (48) وَ قالُوا یا أَیُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّکَ بِما عَهِدَ عِنْدَکَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49)
فَلَمَّا کَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ یَنْکُثُونَ (50) وَ نادی فِرْعَوْنُ فِی قَوْمِهِ قالَ یا قَوْمِ أَ لَیْسَ لِی مُلْکُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِی مِنْ تَحْتِی أَ فَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَیْرٌ مِنْ هذَا الَّذِی هُوَ مَهِینٌ وَ لا یَکادُ یُبِینُ (52) فَلَوْ لا أُلْقِیَ عَلَیْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِکَةُ مُقْتَرِنِینَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ (54)
فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِینَ (55) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَ مَثَلاً لِلْآخِرِینَ (56) وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْیَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُکَ مِنْهُ یَصِدُّونَ (57) وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَیْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَکَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَیْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِی إِسْرائِیلَ (59)
وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْکُمْ مَلائِکَةً فِی الْأَرْضِ یَخْلُفُونَ (60) وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ (61) وَ لا یَصُدَّنَّکُمُ الشَّیْطانُ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ (62) وَ لَمَّا جاءَ عِیسی بِالْبَیِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُکُمْ بِالْحِکْمَةِ وَ لِأُبَیِّنَ لَکُمْ بَعْضَ الَّذِی تَخْتَلِفُونَ فِیهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ (64)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَیْنِهِمْ فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ یَوْمٍ أَلِیمٍ (65) هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِیَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلاَّءُ یَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِینَ (67) یا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِینَ آمَنُوا بِآیاتِنا وَ کانُوا مُسْلِمِینَ (69)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُکُمْ تُحْبَرُونَ (70) یُطافُ عَلَیْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَکْوابٍ وَ فِیها ما تَشْتَهِیهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْیُنُ وَ أَنْتُمْ فِیها خالِدُونَ (71) وَ تِلْکَ الْجَنَّةُ الَّتِی أُورِثْتُمُوها بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَکُمْ فِیها فاکِهَةٌ کَثِیرَةٌ مِنْها تَأْکُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74)
لا یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ (75) وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لکِنْ کانُوا هُمُ الظَّالِمِینَ (76) وَ نادَوْا یا مالِکُ لِیَقْضِ عَلَیْنا رَبُّکَ قالَ إِنَّکُمْ ماکِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْناکُمْ بِالْحَقِّ وَ لکِنَّ أَکْثَرَکُمْ لِلْحَقِّ کارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلی وَ رُسُلُنا لَدَیْهِمْ یَکْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ کانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ یَخُوضُوا وَ یَلْعَبُوا حَتَّی یُلاقُوا یَوْمَهُمُ الَّذِی یُوعَدُونَ (83) وَ هُوَ الَّذِی فِی السَّماءِ إِلهٌ وَ فِی الْأَرْضِ إِلهٌ وَ هُوَ الْحَکِیمُ الْعَلِیمُ (84)
وَ تَبارَکَ الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَ لا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ (86) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّی یُؤْفَکُونَ (87) وَ قِیلِهِ یا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا یُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ (89)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 787
سورة الزخرف «1» سورة الزخرف مکیة عددها تسع و ثمانون آیة کوفیة «2».
______________________________
(1) معظم مقصود السورة:
بیان إثبات القرآن فی اللوح المحفوظ، و إثبات الحجة و البرهان علی وجود الصانع، و الرد علی عباد الأصنام الذین قالوا: الملائکة بنات اللّه، و المنة علی الخلیل- صلی اللّه علیه و سلم- بإبقاء کلمة التوحید فی عقبة، و بیان قسمة الأرزاق، و الإخبار عن حسرة الکفار، و ندامتهم یوم القیامة، و مناظرة فرعون و موسی، و مجادلة المؤمنین مع عبد اللّه بن الزبعری بحدث عیسی فی قوله: «وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْیَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُکَ مِنْهُ یَصِدُّونَ» سورة الزخرف: 57، و بیان شرف الموحدین فی القیامة، و عجز الکفار فی جهنم و اثبات الهبة الحق فی السماء و أمر الرسول بالإعراض عن مکافأة الکفار فی قوله:
«فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ ...» سورة الزخرف: 89.
(2) فی المصحف (43) سورة الزخرف مکیة إلا آیة 54 فمدنیة و آیاتها 89 نزلت بعد سورة الشوری.
و تسمی سورة الزخرف لقوله «... عَلَیْها یَتَّکِؤُنَ، وَ زُخْرُفاً ...» سورة الزخرف: 34- 35.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 789
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ حم 1- وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ 2- یعنی البین ما فیه إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لیفقهوا ما فیه و لو کان غیر عربی ما عقلوه لَعَلَّکُمْ یقول لکی تَعْقِلُونَ 3- ما فیه، ثم قال: وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْکِتابِ یقول لأهل مکة إن کذبتم بهذا القرآن فإن نسخته فی أصل الکتاب یعنی اللوح المحفوظ لَدَیْنا لَعَلِیٌ یقول عندنا مرفوع حَکِیمٌ 4- یعنی محکم من الباطل قوله: أَ فَنَضْرِبُ عَنْکُمُ الذِّکْرَ صَفْحاً یقول لأهل مکة أ فنذهب عنکم هذا القرآن سدی لا تسألون عن تکذیب به أَنْ کُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِینَ 5- یعنی مشرکین وَ کَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِیٍّ فِی الْأَوَّلِینَ 6- وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ نَبِیٍ ینذرهم العذاب إِلَّا کانُوا بِهِ یعنی بالعذاب یَسْتَهْزِؤُنَ 7- بأنه غیر نازل بهم فَأَهْلَکْنا بالعذاب أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً یعنی قوة وَ مَضی مَثَلُ یعنی شبه الْأَوَّلِینَ 8- فی العقوبة حین کذبوا رسلهم یقول هکذا أمتک یا محمد فی سنة من مضی من الأمم الخالیة فی الهلاک «1».
وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ یقول لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم- لئن سألت کفار مکة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِیزُ
______________________________
(1) فی أ: ذکرت الآیة 8 مع تفسیرها قبل الآیة 6، 7 و قد أعدت ترتیب الآیات کما فی المصحف الشریف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 790
فی ملکه الْعَلِیمُ 9- بخلقه، ثم دل علی نفسه بصنعه لیوحد فقال:
الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ مَهْداً یعنی فرشا «1» وَ جَعَلَ لَکُمْ فِیها سُبُلًا یعنی طرقا تسلکونها لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ 10- یقول لکی تعرفوا طرقها وَ الَّذِی نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ و هو المطر فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً یقول فأحیینا به، یعنی بالماء بلدة میتا لا نبت فیها، فلما أصابها الماء أنبتت کَذلِکَ [142 أ] یقول هکذا تُخْرَجُونَ 11- من الأرض بالماء کما یخرج النبت، ثم قال: وَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها یعنی الأصناف کلها وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْفُلْکِ یعنی السفن وَ من وَ الْأَنْعامِ یعنی الإبل و البقر ما تَرْکَبُونَ 12- یعنی الذی ترکبون لِتَسْتَوُوا یعنی لکی تستووا عَلی ظُهُورِهِ یعنی ذکورا و إناثا من الإبل ثُمَ قال: لکی تَذْکُرُوا نِعْمَةَ رَبِّکُمْ إِذَا اسْتَوَیْتُمْ عَلَیْهِ علی ظهورها یعنی یقولون الحمد للّه وَ لکی تَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنا هذا یعنی ذلل لنا هذا المرکب وَ ما کُنَّا لَهُ مُقْرِنِینَ 13- یعنی مطیقین وَ لکی تقولوا إِنَّا إِلی رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ 14- یعنی لراجعون، قوله:
وَ جَعَلُوا لَهُ یقول وصفوا له مِنْ عِبادِهِ من الملائکة جُزْءاً یعنی عدلا هو الولد فقالوا: إن الملائکة بنات اللّه- تعالی- یقول اللّه:
إِنَّ الْإِنْسانَ فی قوله لَکَفُورٌ مُبِینٌ 15- یقول بین الکفر یقول اللّه- تعالی- ردا علیهم: أَمِ یقول «2»: اتَّخَذَ الرب لنفسه مِمَّا یَخْلُقُ بَناتٍ
______________________________
(1) فی أ، ل، ف: «مهادا» یعنی فراشا، قال البیضاوی، و قد قرأ غیر الکوفیین «مهادا» بالألف.
(2) کذا فی أ: ف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 791
فیها تقدیم و استفهام اتخذ مما یخلق من «... مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ» «1» بنات؟ وَ أَصْفاکُمْ بِالْبَنِینَ 16- یقول و اختصکم بالبنین، ثم أخبر عنهم فی التقدیم، فقال: وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا یعنی شبها و المثل زعموا أن الملائکة بنات اللّه- تعالی-، «و إذا بشر أحدهم بالأنثی ...» «2» ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا یعنی متغیرا وَ هُوَ کَظِیمٌ 17- یعنی مکروب أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ یعنی ینبت فی الزینة یعنی الحلی مع النساء یعنی البنات وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ 18- یقول هذا الولد الأنثی ضعیف قلیل الحیلة «و هو» «3» عند الخصومة و المحاربة غیر بین ضعیف عنها، ثم أخبر عنهم فقال: وَ جَعَلُوا یقول و وصفوا الْمَلائِکَةَ الَّذِینَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً
لقولهم إن الملائکة بنات اللّه، یقول اللّه- تعالی- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ فسئلوا فقالوا: لا.
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: فما یدریکم أنها إناث؟ قالوا: سمعنا من آبائنا، و شهدوا أنهم لم یکذبوا،
«و أنهم» «4» إناث؟ قال اللّه- تعالی-:
سَتُکْتَبُ شَهادَتُهُمْ بأن الملائکة بنات اللّه، فی الدنیا، وَ یُسْئَلُونَ 19- عنهما فی الآخرة، «حین شهدوا» «5» ان الملائکة بنات اللّه وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ
______________________________
(1) سورة الزخرف: 18.
(2) سورة النحل: 58.
(3) فی أ: «و هی»، و فی ف: «و هو».
(4) فی أ، ف: «أنهم».
(5) فی ف: «حین یشهدون»، و کلمة «و یسألون» مع تفسیرها ساقط من أ، و مثبت من ف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 792
یعنی الملائکة یقول اللّه- تعالی- ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ یقول ما یقولون إلا الکذب: إن الملائکة إناث «إِنْ هُمْ إِلَّا یَخْرُصُونَ» «1»- 20- «یکذبون» «2» أَمْ آتَیْناهُمْ یقول أعطیناهم کِتاباً مِنْ قَبْلِهِ من قبل هذا القرآن بأن یعبدوا غیره فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِکُونَ 21- فإنا لم نعطهم «بَلْ قالُوا» «3» و لکنهم قالوا:
إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلی آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ 22- نزلت فی الولید بن المغیرة، و صخر بن حرب، و أبی جهل بن هشام، و عتبة «و شیبة» «4» ابنی ربیعة، کلهم من قریش وَ کَذلِکَ یقول و هکذا ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ فِی [142 ب قَرْیَةٍ مِنْ نَذِیرٍ یعنی من رسول فیما خلا إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها یعنی جباریها و کبراءها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ یعنی علی ملة وَ إِنَّا عَلی آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ 23- بأعمالهم کما قال کفار مکة «قالَ» «5» أَ وَ لَوْ جِئْتُکُمْ» بِأَهْدی مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَیْهِ آباءَکُمْ من الدین ألا تتبعونی، فردوا علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- ف قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ کافِرُونَ
______________________________
(1) «إِنْ هُمْ إِلَّا یَخْرُصُونَ»: ساقطة من أ، ف، ح، و هی فی ل بدون تفسیر.
(2) «یکذبون»: زیادة من الجلالین.
(3) «بل قالوا»: ساقط من أ.
(4) «و شیبة»: ساقطة من أ و هی من ف.
(5) فی أ: «قل» لهم یا محمد «أو لو جئتکم». و قراءة حفص و ابن عامر «قال».
و لکنها تکتب «قل» فی المصحف و قرأ غیرهم «قل» و هو خطاب لرسول الله- صلی الله علیه و سلم-. و أما قراءة حفص و ابن عامر «قال» فهی حکایة أمر ماض أوحی إلی النذیر. و انظر تفسیر البیضاوی: 649.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 793
- 24- یعنی بالتوحید کافرون ثم رجع إلی الأمم الخالیة فیها تقدیم ثم قال: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالعذاب فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ 25- بالعذاب یخوف کفار مکة بعذاب الأمم الخالیة لئلا یکذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ لِأَبِیهِ آزر وَ قَوْمِهِ إِنَّنِی بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ 26- ثم استثنی الرب نفسه لأنهم یعلمون أن اللّه ربهم فقال: إِلَّا الَّذِی فَطَرَنِی یقول خلقنی فإنی لا أتبرأ منه فَإِنَّهُ سَیَهْدِینِ 27- لدینه، قوله- تعالی-: وَ جَعَلَها کَلِمَةً باقِیَةً لا تزال ببقاء التوحید فِی عَقِبِهِ یعنی ذریته یعنی ذریة إبراهیم لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَرْجِعُونَ 28- من الکفر إلی الإیمان یقول التوحید إلی یوم القیامة یبقی فی ذریة إبراهیم- علیه السلام- «لعلهم یرجعون» یقول لکی یرجعوا من الکفر إلی الإیمان، قوله بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ یعنی کفار مکة وَ آباءَهُمْ حَتَّی جاءَهُمُ الْحَقُ یعنی القرآن وَ رَسُولٌ مُبِینٌ 29- یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- بین أمره «وَ لَمَّا» «1» جاءَهُمُ الْحَقُ یعنی القرآن قالُوا هذا القرآن سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ کافِرُونَ 30- لا نؤمن به نزلت فی سفیان بن حرب و أبی جهل بن هشام و عتبة و شیبة، ثم قال الولید بن المغیرة- لو کان هذا القرآن «حقا» «2» أنزل علی أو علی أبی مسعود الثقفی و اسمه عمرو بن عمیر ابن عوف جد المختار، فأنزل اللّه- تعالی- فی قول الولید بن المغیرة وَ قالُوا لَوْ لا یعنی هلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلی رَجُلٍ مِنَ الْقَرْیَتَیْنِ عَظِیمٍ
______________________________
(1) فی أ: «فلما».
(2) «حقا»: من ف و لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 794
- 31-: القریتان «1» مکة و الطائف و کان عظمة أن الولید عظیم أهل مکة فی الشرف، و أبا مسعود عظیم أهل الطائف فی الشرف، یقول اللّه- تعالی- أَ هُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّکَ یقول أ بأیدیهم مفاتیح الرسالة فیضعونها حیث شاءوا و لکنها بیدی أختار من أشاء من عبادی للرسالة، ثم قال: نَحْنُ قَسَمْنا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا یقول لم نعط الولید «و أبا مسعود» «2» الذی أعطیناهما من الغنی لکرامتهما علی اللّه و لکنه قسم من اللّه بینهم، ثم قال:
وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ یعنی فضائل [143 أ] فی الغنی لِیَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ یعنی الأحرار بَعْضاً یعنی الخدم سُخْرِیًّا یعنی العبید و الخدم سخرة اللّه لهم وَ رَحْمَتُ رَبِّکَ یعنی الجنة خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ 32- یعنی الأموال یعنی الکفار «ثم ذکرهم هوان الدنیا علیه» «3» فقال:
وَ لَوْ لا أَنْ یَکُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً یعنی ملة واحدة یعنی علی الکفر یقول: لو لا أن ترغب الناس فی الکفر إذا رأوا الکفار فی سعة من الخیر و الرزق لَجَعَلْنا لِمَنْ یَکْفُرُ بِالرَّحْمنِ لهوان الدنیا علیه لِبُیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ یعنی بالسقف سماء البیت وَ مَعارِجَ عَلَیْها یَظْهَرُونَ 33- یقول «درجا» «4» علی ظهور بیوتهم یرتقون.
______________________________
(1) فی أ: «القریتین»، و فی ف: «القریتان».
(2) فی أ: «و أبو سعید»، ف: «و أبو مسعود»، و صوابها: «و أبا مسعود»
(3) فی أ: «ثم ذکر هوان الدنیا علیه فقال».
(4) فی أ: «درجا»، و فی ف: «درجة».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 795
وَ لجعلنا لِبُیُوتِهِمْ أَبْواباً من فضة وَ سُرُراً عَلَیْها یَتَّکِؤُنَ 34- یعنی ینامون وَ زُخْرُفاً یقول و جعلنا کل شی‌ء لهم من ذهب إِنْ کُلُّ ذلِکَ یقول و ما کل الذی ذکر لَمَّا إلا مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا یتمتعون فیها قلیلا وَ الْآخِرَةُ یعنی دار الجنة عِنْدَ رَبِّکَ لِلْمُتَّقِینَ 35- خاصة لهم، قوله: وَ مَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ یقول و من یعم بصره عن ذکر الرَّحْمنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِینٌ 36- فی الدنیا یقول صاحب بزین لهم الغی. وَ إِنَّهُمْ و إن الشیاطین لَیَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِیلِ یعنی سبیل الهدی وَ یَحْسَبُونَ و یحسب بنو آدم أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ 37- یعنی علی هدی حَتَّی إِذا جاءَنا ابن آدم و قرینه فی الآخرة جعلا فی سلسلة واحدة قالَ ابن آدم لقرینه یعنی شیطانه یا لَیْتَ یتمنی بَیْنِی وَ بَیْنَکَ بُعْدَ الْمَشْرِقَیْنِ یعنی ما بین «مشرق» «1» الصیف إلی «مشرق» «2» الشتاء أطول «یوم» «3» فی السنة و أقصر «یوم» «4» فی السنة فَبِئْسَ الْقَرِینُ 38- یقول فبئس الصاحب معه فی النار فی سلسلة واحدة یقول اللّه- تعالی-: وَ لَنْ یَنْفَعَکُمُ الْیَوْمَ فی الآخرة الاعتذار إِذْ ظَلَمْتُمْ یقول إذ أشرکتم فی الدنیا «أَنَّکُمْ» «5» و قرناءکم من الشیاطین فِی الْعَذابِ مُشْتَرِکُونَ 39- یقول: أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ الذین لا یسمعون الإیمان یعنی
______________________________
(1) فی أ: «مشرقی»، ف: «مشرق».
(2) فی أ: «مشرقی»، ف: «مشرق».
(3) فی أ، ف: «یوما».
(4) فی أ، ف: «یوما».
(5) فی أ: «فإنکم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 796
الکفار أَوْ تَهْدِی الْعُمْیَ الذین لا یبصرون الإیمان وَ مَنْ کانَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 40- نزلت فی رجل من کفار مکة، یعنی بین الضلالة، قوله:
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ یقول فنمیتک یا محمد فَإِنَّا مِنْهُمْ یعنی کفار مکة مُنْتَقِمُونَ 41- بعدک بالقتل یوم بدر أَوْ نُرِیَنَّکَ فی حیاتک الَّذِی وَعَدْناهُمْ من العذاب ببدر فَإِنَّا عَلَیْهِمْ مُقْتَدِرُونَ 42- فَاسْتَمْسِکْ بِالَّذِی أُوحِیَ إِلَیْکَ من القرآن إِنَّکَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 43- یعنی دین مستقیم وَ إِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ یقول القرآن لشرف لک وَ لِقَوْمِکَ و لمن آمن منهم وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ 44- فی الآخرة عن من [143 ب یکذب به، ثم قال: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا یعنی الذین أرسلنا إلیهم مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً یُعْبَدُونَ 45- یقول سل یا محمد مؤمنی أهل الکتاب هل جاءهم رسول یدعوهم إلی غیر عبادة اللّه، قوله: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا الید و العصا إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ «فَقالَ إِنِّی رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِینَ» «1»- 46- فَلَمَّا جاءَهُمْ «بِآیاتِنا» «2» إِذا هُمْ مِنْها یَضْحَکُونَ 47- استهزاء و تکذیبا، یقول اللّه- تعالی-: وَ ما نُرِیهِمْ مِنْ آیَةٍ إِلَّا هِیَ أَکْبَرُ مِنْ أُخْتِها یعنی الید بیضاء لها شعاع مثل شعاع الشمس، یغشی البصر فکانت الید أکبر من العصا، و کان موسی- علیه السلام- بدأ بالعصا فأنقاها و أخرج یده فلم یؤمنوا، یقول اللّه- تعالی-: وَ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ یعنی الطوفان و الجراد
______________________________
(1) «فَقالَ إِنِّی رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِینَ»: ساقط من أ.
(2) فی أ: بالآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 797
و القمل و الضفادع و الدم و الطمس و السنین لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ 48- یعنی لکی یرجعوا من الکفر إلی الإیمان وَ قالُوا لموسی یا أَیُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ یقول سل لَنا رَبَّکَ فلم یفعل، و قال تسمونی ساحرا، و قال فی سورة الأعراف «... ادْعُ لَنا رَبَّکَ «1» ...» بِما عَهِدَ عِنْدَکَ أن یکشف عنا العذاب، إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ 49- یعنی مؤمنین لک، و کان اللّه- تعالی- عهد إلی موسی- علیه السلام- لئن آمنوا «کشف» «2» عنهم فذلک قوله:
«بما عهد عندک» إن آمنا کشف عنا العذاب، فلما دعا موسی ربه کشف عنهم فلم یؤمنوا، فذلک قوله: فَلَمَّا کَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ یَنْکُثُونَ 50- الذی عاهدوا علیه موسی- علیه السلام-: «... لَئِنْ کَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَ «3» ...» فلم یؤمنوا، قوله: وَ نادی فِرْعَوْنُ القبطی فِی قَوْمِهِ القبط و کان نداوة أنه: قالَ یا قَوْمِ أَ لَیْسَ لِی مُلْکُ مِصْرَ أربعین فرسخا فی أربعین فرسخا وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِی مِنْ تَحْتِی من أسفل منی أَ فَلا یعنی فهلا تُبْصِرُونَ 51- أ لهم جنان و أنهار مثلها، ثم قال فرعون: أَمْ أَنَا خَیْرٌ یقول أنا خیر مِنْ هذَا یعنی موسی الَّذِی هُوَ مَهِینٌ یعنی ضعیف ذلیل وَ لا یَکادُ یُبِینُ 52- حجته یعنی لسانه لأن اللّه- تعالی- کان أذهب عقدة لسانه فی طه حین قال: «وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِی» «4» قال اللّه- تعالی-: «... قَدْ أُوتِیتَ سُؤْلَکَ یا مُوسی «5»،
______________________________
(1) سورة الأعراف: 134.
(2) فی أ: کشف، ف: کشفت.
(3) سورة الأعراف: 134.
(4) سورة طه: 27.
(5) سورة طه: 36.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 798
ثم قال فرعون: فَلَوْ لا أُلْقِیَ عَلَیْهِ «أَسْوِرَةٌ» «1» مِنْ ذَهَبٍ یقول فهلا ألقی علیه ربه الذی أرسله «أسورة من ذهب» إن کان صادقا أنه رسول أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِکَةُ مُقْتَرِنِینَ 53- یعنی متعاونین یعینونه علی أمره الذی بعث إلیه فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ یقول استفز قومه القبط فَأَطاعُوهُ فی الذی قال لهم [144 أ] علی التکذیب، حین قال لهم: «... ما أُرِیکُمْ إِلَّا ما أَری وَ ما أَهْدِیکُمْ إِلَّا سَبِیلَ الرَّشادِ» «2» فأطاعوه فی الذی قال لهم: إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ 54- یعنی عاصین فَلَمَّا آسَفُونا یعنی أغضبونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِینَ 55- لم ینج منهم أحد فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً یعنی مضوا فی العذاب وَ مَثَلًا لِلْآخِرِینَ 56- یعنی عبرة لمن بعدهم، قوله: وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْیَمَ مَثَلًا و المثل حین زعموا أن الملائکة بنات اللّه، و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- دخل المسجد و حول الکعبة ثلاثمائة و ستون صنما، و فی المسجد العاص بن وائل السهمی، و الحارث و عدی ابنا قیس، کلهم من قریش من بنی سهم فقال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- «إِنَّکُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» «3» إلی آیتین. ثم خرج إلی باب الصفا فخاض المشرکون فی ذلک، فدخل عبد اللّه ابن الزبعری السهمی، فقال: تخوضون فی ذکر الالهة، فذکروا له ما قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لهم و لآلهتهم، فقال عبد اللّه بن الزبعری یا محمد أ خاصة لنا و لآلهتنا أم لنا و لآلهتنا و لجمیع الأمم و آلهتهم «فقال النبی- صلی
______________________________
(1) فی أ: أساورة.
(2) سورة غافر: 29.
(3) سورة الأنبیاء: 98. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 799
اللّه علیه و سلم- بل هی لکم و لآلهتکم و لجمیع الأمم و لآلهتهم» «1» فقال عبد اللّه خصمتک و رب الکعبة أ لست تزعم أن عیسی بن مریم «نبی» «2» و تثنی علیه و علی أمه خیرا و قد علمت أن النصاری یعبدونهما، و عزیر یعبد و الملائکة تعبد فإن کان هؤلاء فی النار فقد رضینا أن نکون معهم فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لا. فقال عبد اللّه ألیس قد زعمت أنها لنا و لآلهتنا و لجمیع الأمم و آلهتهم؟ خصمتک و رب الکعبة. فضجوا من ذلک فأنزل اللّه- تعالی- «إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی
یعنی الملائکة و عزیز و عیسی و مریم «أُولئِکَ عَنْها مُبْعَدُونَ» «3» و أنزل «وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْیَمَ مَثَلًا» إِذا قَوْمُکَ مِنْهُ یَصِدُّونَ 57- یعنی یضجون تعجبا لذکر عیسی- علیه السلام-، عبد اللّه بن الزبعری و أصحابه هم هؤلاء النفر وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَیْرٌ أَمْ هُوَ یعنی عیسی؟ و قالوا لیس آلهتنا إن عذبت «خیرا» «4» من عیسی بأنه یعبد «5» یقول اللّه- تعالی- «بل هو» ما ضَرَبُوهُ لَکَ إِلَّا جَدَلًا یقول ما ذکروا لک عیسی إلا لیجادلونک به بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 58- إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ یعنی عیسی- علیه السلام- یقول ما هو إلا عبد أَنْعَمْنا عَلَیْهِ بالنبوة وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِی إِسْرائِیلَ 59- یقول اللّه- تعالی- حین ولد من
______________________________
(1) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ، و هو من ف.
(2) «بنی»: ساقطة من أ.
(3) سورة الأنبیاء: 101.
(4) فی أ، ف: «خیر».
(5) کذا فی أ، ف: و الجملة رکیکة و بها أخطاء.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 800
غیر أب یعنی آیة و عبرة لیعتبروا قوله: وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْکُمْ مَلائِکَةً فِی الْأَرْضِ یَخْلُفُونَ 60- مکانکم فکانوا خلفا منکم، ثم رجع فی التقدیم إلی عیسی فقال: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ [144 ب «لِلسَّاعَةِ» «1» یقول نزوله من السماء علامة «للساعة» ینزل علی ثنیة أفیق: و هو جبل بیت المقدس یقال له أفیق، علیه ممصرتان دهین الرأس معه حربة، یقتل بها الدجال یقول نزول عیسی من السماء علامة للساعة فَلا تَمْتَرُنَّ بِها یقول لا تشکوا فی الساعة و لا فی القیامة أنها کائنة، قوله: «وَ اتَّبِعُونِ» «2» هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ 61-، ثم قال: وَ لا یَصُدَّنَّکُمُ الشَّیْطانُ عن الهدی إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ 62- یعنی بین وَ لَمَّا جاءَ عِیسی یعنی بنی إسرائیل «3» بِالْبَیِّناتِ یعنی الإنجیل قالَ لهم: قَدْ جِئْتُکُمْ بِالْحِکْمَةِ یعنی الإنجیل فیه بیان الحلال و الحرام وَ لِأُبَیِّنَ لَکُمْ بَعْضَ الَّذِی تَخْتَلِفُونَ فِیهِ من الحلال و الحرام فبین لهم ما کان حرم علیهم من الشحوم و اللحوم و کل ذی ظفر فأخبرهم أنه لهم حلال فی الإنجیل غیر أنهم یقیمون علی السبت فَاتَّقُوا اللَّهَ و لا تعبدوا غیره وَ أَطِیعُونِ 63- فیما آمرکم به من النصیحة فإنه لیس له شریک إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ یعنی وحدوه هذا یعنی هذا التوحید صِراطٌ یعنی دین مُسْتَقِیمٌ 64- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَیْنِهِمْ فی الدین و الأحزاب هم: النسطوریة و المار یعقوبیة و الملکانیة تحازبوا من بینهم فی عیسی- علیه السلام- فقالت النسطوریة: عیسی ابن اللّه. و قالت
______________________________
(1) فی أ: الساعة «علامة».
(2) فی أ: «و اتبعونی».
(3) کذا فی أ، ف، و المراد و لما جاء عیسی إلی بنی إسرائیل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 801
المار یعقوبیة: إن اللّه هو المسیح بن مریم، و قالت الملکانیة: إن اللّه ثالث ثلاثة فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی النصاری الذین قالوا فی عیسی ما قالوا مِنْ عَذابِ یَوْمٍ أَلِیمٍ 65- یعنی یوم القیامة و إنما سماه ألیما لشدته، ثم رجع إلی کفار قریش فقال: هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ یعنی یوم القیامة أَنْ تَأْتِیَهُمْ بَغْتَةً فجأة وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 66- بجیئتها، ثم قال:
الْأَخِلَّاءُ فی الدنیا یَوْمَئِذٍ فی الآخرة بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِینَ 67- یعنی الموحدین نزلت فی أمیة بن خلف الجمحی، و عقبة ابن أبی معیط قتلا جمیعا و ذلک
أن عقبة کان یجالس النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و یستمع إلی حدیثه، فقالت قریش: قد صبأ عقبة و فارقنا. فقال له أمیة بن خلف: وجهی من وجهک حرام إن لقیت محمدا «فلم تنقل» «1» فی وجهه، حتی یعلم قومک أنک غیر مفارقهم، ففعل عقبة ذلک فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أما أنا للّه علی لئن أخذتک خارجا من الحرم لأهریقن دمک. فقال له: یا بن أبی کبشة، [145 أ] و من أین تقدر علیّ خارجا من الحرم، فتکون لک منی «السوء» «2». فلما کان یوم بدر أسر، فلما عاینه النبی- صلی اللّه علیه و سلم- ذکر نذره فأمر علی بن أبی طالب- رضی اللّه عنه- فضرب عنقه فقال عقبة: یا معشر قریش، ما بالی أقتل من بینکم؟ فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بتکذیبک اللّه و رسوله. فقال: من لأولادی. فقال النبی
______________________________
(1) فی أ، ف: «إن لم تنقل». و ما أثبته قریب مما ورد فی کتب السیرة و أنسب إلی سیاق الکلام.
(2) فی ف: «السوء» و فی أ: «السواء». تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 802
- صلی اللّه علیه و سلم- لهم النار.
«و لما» «1» کان یوم القیامة وقع الخوف، فقال: یا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَیْکُمُ یقول رفع اللّه الخوف عن المؤمنین الْیَوْمَ یعنی یوم القیامة وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ 68- فإذا سمعوا النداء رفعوا رءوسهم، فلما قال: الَّذِینَ آمَنُوا بِآیاتِنا وَ کانُوا مُسْلِمِینَ 69- یقول الذین صدقوا بالقرآن و کانوا مخلصین بالتوحید، نکس أهل الأوثان و الکفر رءوسهم، ثم نادی الذین آمنوا و کانوا یتقون المعاصی فلم یبق صاحب کبیرة إلا نکس رأسه، ثم قال: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ یا أهل التوحید أَنْتُمْ وَ أَزْواجُکُمْ یعنی و حلائلکم تُحْبَرُونَ 70- یعنی تکرمون و تنعمون یُطافُ عَلَیْهِمْ بأیدی الغلمان بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَکْوابٍ من فضة یعنی الأکواب التی لیس لها عری مدورة الرأس فی صفاء القواریر، ثم قال:
وَ فِیها «ما تَشْتَهِیهِ» «2» الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْیُنُ وَ أَنْتُمْ فِیها خالِدُونَ 71- لا تموتون وَ تِلْکَ الْجَنَّةُ الَّتِی أُورِثْتُمُوها بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 72- لَکُمْ فِیها فاکِهَةٌ کَثِیرَةٌ مِنْها تَأْکُلُونَ 73- ثم قال: إِنَّ الْمُجْرِمِینَ یعنی المشرکین المسرفین فِی عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ 74- یعنی لا یموتون لا یُفَتَّرُ عَنْهُمْ العذاب طرفة عین وَ هُمْ فِیهِ یعنی فی العذاب مُبْلِسُونَ 75- یعنی آیسون من کل خیر مستیقنین بکل عذاب مبشرین بکل سوء زرق الأعین سود الوجوه، ثم قال: وَ ما ظَلَمْناهُمْ فنعذب علی غیر ذنب وَ لکِنْ کانُوا هُمُ الظَّالِمِینَ 76- وَ نادَوْا فی النار یا مالِکُ
______________________________
(1) فی أ، ف: فلما، و الأنسب «و لما».
(2) فی أ: «ما تشتهی»، و فی الآیة: «ما تشتهیه».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 803
و هو خازن جهنم، فقال: ما ذا تریدون؟ قالوا: لِیَقْضِ عَلَیْنا رَبُّکَ فیسکت عنهم مالک «فلا» «1» یجیبهم مقدار أربعین سنة، ثم «یوحی» «2» اللّه- تعالی- إلی مالک بعد أربعین «أن یجیبهم» «3»، فرد علیهم مالک: «قالَ» «4» إِنَّکُمْ ماکِثُونَ 77- فی العذاب یقول مقیمون فیها فقال مالک: لَقَدْ جِئْناکُمْ بِالْحَقِ فی الدنیا یعنی التوحید وَ لکِنَّ أَکْثَرَکُمْ لِلْحَقِّ کارِهُونَ 78-، قوله: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ 79- یقول أم أجمعوا أمرا.
و ذلک أن نفرا من قریش منهم أبو جهل بن هشام، و عتبة و شیبة ابنا ربیعة، و هشام بن عمرو [145 ب ، و أبو البختری بن هشام، و أمیة بن أبی معیط، و عیینة بن حصن الفزاری، و الولید بن المغیرة، و النضر بن الحارث، و أبی بن خلف،- بعد موت أبی طالب- اجتمعوا فی دار الندوة بمکة لیمکروا بالنبی- صلی اللّه علیه و سلم- سرا عند انقضاء المدة فأتاهم إبلیس فی صورة شیخ کبیر فجلس إلیهم، فقالوا له: ما أدخلک فی جماعتنا بغیر إذننا؟ قال عدو اللّه:
أنا رجل من أهل نجد، و قدمت مکة فرأیتکم حسنة وجوهکم، طیبة ریحکم، فأردت أن أسمع حدیثکم، و أشیر علیکم، فإن کرهتم مجلسی خرجت من بینکم.
فقال بعضهم لبعض: هذا رجل من أهل نجد لیس من أهل مکة فلا بأس علیکم منه. فتکلموا بالمکر بالنبی- صلی اللّه علیه و سلم-.
______________________________
(1) فی أ: «فلم».
(2) فی أ: «أوحی».
(3) فی أ: «أن أجبهم».
(4) «قال» ساقط من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 804
فقال أبو البختری بن هشام- من بنی أسد بن عبد العزی-: أما أنا فأری أن تأخذوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- فتجعلوه فی بیت و تسدوا علیه بابه، «و تجعلوا» «1» له کوة لطعامه و شرابه حتی یموت.
فقال إبلیس: بئس الرأی رأیتم تعمدون إلی رجل له فیکم صغو، قد سمع به من حولکم، تحبسونه فی بیت، و تطعمونه و تسقونه، فیوشک الصغو الذی له فیکم أن یقاتلکم عنه و یفسد جماعتکم و یسفک دماءکم. قالوا: صدق و اللّه الشیخ.
فقال هشام بن عمرو- من بنی عامر بن لوی-: أما أنا فأری أن تحملوه علی بعیر، فتخرجوه من أرضکم، فیذهب حیث شاء و یلیه غیرکم.
فقال إبلیس: بئس الرأی، رأیتم تعمدون إلی رجل قد أفسد علیکم جماعتکم، و تبعه طائفة منکم فتخرجونه إلی غیرکم فیفسدهم کما أفسدکم، فیوشک باللّه أن یمیل بهم علیکم. فقال أبو جهل: صدق و اللّه الشیخ.
فقال أبو جهل بن هشام: أما أنا فأری أن تعمدوا إلی کل بطن من قریش فتأخذون من کل بطن منهم رجلا، فتعطون کل رجل منهم سیفا فیضربونه جمیعا فلا یدری قومه من یأخذون به، و تؤدی قریش دیته، فقال إبلیس: صدق و اللّه الشاب. إن الأمر لکما.
قال: فتفرقوا عن قول أبی جهل فنزل جبریل- علیه السلام- فأخبر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- «بما ائتمروا به» «2» و أمره بالخروج فخرج النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من لیلته إلی الغار. و أنزل اللّه- تعالی- فی شرهم
______________________________
(1) فی أ: «و تجعلون».
(2) فی أ: «بما ائتمروا به القوم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 805
الذی أجمعوا علیه «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ» یقول أم أجمعوا أمرهم علی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- بالشر فإنا مجمعون أمرنا علی ما یکرهون فعندها قتل هؤلاء النفر ببدر، یقول: أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ الذی بینهم وَ نَجْواهُمْ الذی اجمعوا علیه «لیثبتوک» «1» فی بیت، أو یخرجوک من مکة، أو یقتلوک، بَلی نسمع ذلک منهم وَ رُسُلُنا الملائکة الحفظة لَدَیْهِمْ یعنی «عندهم» «2» یَکْتُبُونَ 80- قُلْ یا محمد [146 أ]:
إِنْ کانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ یعنی ما کان للرحمن ولد فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ 81- و ذلک أن النضر بن الحارث- من بنی عبد الدار بن قصی- قال:
إن الملائکة بنات اللّه. فأنزل اللّه- عز و جل- «قل» یا محمد «إن کان للرحمن» یقول ما کان للرحمن «ولد فأنا أول العابدین» یعنی الموحدین من أهل مکة بأن لا ولد، و نزه الرب نفسه عما کذبوا بالعذاب: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ 82- یعنی عما یقولون من الکفر بربهم، یعنی کفار مکة حین کذبوا بالعذاب فی الآخرة، و ذلک أن اللّه- تعالی- وعدهم فی الدنیا علی ألسنة الرسل أن العذاب کائن نازل بهم فَذَرْهُمْ یقول خل عنهم یَخُوضُوا فی باطلهم وَ یَلْعَبُوا یعنی یلهوا فی دنیاهم حَتَّی یُلاقُوا یَوْمَهُمُ فی الآخرة الَّذِی یُوعَدُونَ «3»- 83- العذاب فیه. ثم قال: وَ هُوَ الَّذِی فِی السَّماءِ إِلهٌ وَ فِی الْأَرْضِ إِلهٌ
______________________________
(1) لیثبتوک: لیحبسوک.
(2) فی أ: «عند ربهم»، و فی ف: «عندهم».
(3) فی أ: کتب تفسیر الآیة 83 قبل تفسیر الآیة 82. و قد أعدت ترتیب الآیات و تفسیرها کما وردت فی المصحف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 806
فعظم نفسه عما قالوا، فقال: و هو الذی یوحد فی السماء، و یوحد فی الأرض وَ هُوَ الْحَکِیمُ فی ملکه الخبیر بخلقه الْعَلِیمُ 84- بهم، ثم عظم نفسه عن شرکهم فقال: وَ تَبارَکَ الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ یعنی القیامة وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 85- یعنی تردون فی الآخرة فیجازیکم بأعمالکم وَ لا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ یقول لا تقدر الملائکة الذین یعبدونهم من دون اللّه الشفاعة، و ذلک أن النضر ابن الحارث و نفرا معه قالوا: إن کان ما یقول محمد حقا؛ فنحن نتولی الملائکة و هم أحق بالشفاعة من محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فأنزل اللّه «و لا یملک» یقول و لا یقدر «الذین یدعون من دونه» و هم الملائکة الشفاعة، یقول لا تقدر الملائکة الذین تعبدونهم من دون اللّه علی الشفاعة لأحد، ثم استثنی فقال:
إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ یعنی بالتوحید من بنی آدم، فذلک قوله: وَ هُمْ یَعْلَمُونَ 86- أن اللّه واحد لا شریک له فشفاعتهم لهؤلاء قوله: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ یعنی أهل مکة: کفارهم لَیَقُولُنَّ اللَّهُ و ذلک أنه لما «نزلت» «1» فی أول هذه السورة «خلق» «2» السموات و الأرض «3» نزلت فی آخرها «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ»
فقال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: من خلقکم و رزقکم و خلق السموات و الأرض؟ فقالوا: اللّه خالق الأشیاء کلها، و هو خلقنا.
قال اللّه- تعالی- لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم- قل لهم: فَأَنَّی یُؤْفَکُونَ 87- یقول من أین یکذبون بأنه
______________________________
(1) کذا فی أ، ف، و الأنسب «نزل».
(2) فی أ: «من خلق»، و فی ف: «خلق».
(3) ورد ذلک فی الآیة 4 و الآیة 11.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 807
واحد لا شریک له، و أنتم مقرون أن اللّه خالق الأشیاء و خلقکم، و لم یشارکه أحد فی ملکه فیما خلق؟ فکیف تعبدون غیره؟ فلما قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یا رب [146 ب وَ قِیلِهِ یا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ یعنی کفار مکة قَوْمٌ لا یُؤْمِنُونَ 88- یعنی لا یصدقون، و ذلک أنه لما قال أیضا فی الفرقان: «... إِنَّ قَوْمِی اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» «1» قال اللّه- تعالی- یسمع قوله «2»، فیها تقدیم «یا رب إن هؤلاء» یعنی کفار مکة «قوم لا یؤمنون» یعنی لا یصدقون بالقرآن أنه من اللّه- عز و جل- یقول اللّه- تعالی- لنهیه- صلی اللّه علیه و سلم-: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ یعنی فأعرض عنهم فیها تقدیم وَ قُلْ سَلامٌ أردد علیهم معروفا فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ 89- هذا و عید حین ینزل بهم العذاب فنسخ آیة السیف الإعراض و السلام، و ذکر وعیدهم و فی «حم» المؤمن فقال: «إِذِ الْأَغْلالُ فِی أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ یُسْحَبُونَ، فِی الْحَمِیمِ ثُمَّ فِی النَّارِ یُسْجَرُونَ» «3».
______________________________
(1) سورة الفرقان: 30.
(2) کذا فی أ، ف. و الجملة رکیکة.
(3) سورة غافر: 71، 72. و فی أ، ف خطأ قومه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 809

سورة الدّخان‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 811
سورة الدخان (44) سورة الدّخان مکّیّة و آیاتها تسع و خمسون‌

[سورة الدخان (44): الآیات 1 الی 59]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
حم (1) وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةٍ مُبارَکَةٍ إِنَّا کُنَّا مُنْذِرِینَ (3) فِیها یُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِیمٍ (4)
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا کُنَّا مُرْسِلِینَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (6) رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما إِنْ کُنْتُمْ مُوقِنِینَ (7) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ یُحْیِی وَ یُمِیتُ رَبُّکُمْ وَ رَبُّ آبائِکُمُ الْأَوَّلِینَ (8) بَلْ هُمْ فِی شَکٍّ یَلْعَبُونَ (9)
فَارْتَقِبْ یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ (10) یَغْشَی النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِیمٌ (11) رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّی لَهُمُ الذِّکْری وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِینٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)
إِنَّا کاشِفُوا الْعَذابِ قَلِیلاً إِنَّکُمْ عائِدُونَ (15) یَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْکُبْری إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) وَ لَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ کَرِیمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَیَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (18) وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَی اللَّهِ إِنِّی آتِیکُمْ بِسُلْطانٍ مُبِینٍ (19)
وَ إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِی فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبادِی لَیْلاً إِنَّکُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَ اتْرُکِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)
کَمْ تَرَکُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ (25) وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ کَرِیمٍ (26) وَ نَعْمَةٍ کانُوا فِیها فاکِهِینَ (27) کَذلِکَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِینَ (28) فَما بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما کانُوا مُنْظَرِینَ (29)
وَ لَقَدْ نَجَّیْنا بَنِی إِسْرائِیلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِینِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ کانَ عالِیاً مِنَ الْمُسْرِفِینَ (31) وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلی عِلْمٍ عَلَی الْعالَمِینَ (32) وَ آتَیْناهُمْ مِنَ الْآیاتِ ما فِیهِ بَلؤُا مُبِینٌ (33) إِنَّ هؤُلاءِ لَیَقُولُونَ (34)
إِنْ هِیَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولی وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِینَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (36) أَ هُمْ خَیْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَکْناهُمْ إِنَّهُمْ کانُوا مُجْرِمِینَ (37) وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما لاعِبِینَ (38) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (39)
إِنَّ یَوْمَ الْفَصْلِ مِیقاتُهُمْ أَجْمَعِینَ (40) یَوْمَ لا یُغْنِی مَوْلًی عَنْ مَوْلًی شَیْئاً وَ لا هُمْ یُنْصَرُونَ (41) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (42) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِیمِ (44)
کَالْمُهْلِ یَغْلِی فِی الْبُطُونِ (45) کَغَلْیِ الْحَمِیمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلی سَواءِ الْجَحِیمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِیمِ (48) ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْکَرِیمُ (49)
إِنَّ هذا ما کُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی مَقامٍ أَمِینٍ (51) فِی جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ (52) یَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِینَ (53) کَذلِکَ وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِینٍ (54)
یَدْعُونَ فِیها بِکُلِّ فاکِهَةٍ آمِنِینَ (55) لا یَذُوقُونَ فِیهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولی وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِیمِ (56) فَضْلاً مِنْ رَبِّکَ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (57) فَإِنَّما یَسَّرْناهُ بِلِسانِکَ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 815
سورة الدخان «1» سورة الدخان مکیة عددها تسع و خمسون آیة کوفی «2».
______________________________
(1) معظم مقصود السورة:
نزول القرآن فی لیلة القدر، و آیات التوحید و الشکایة من الکفار، و حدیث موسی و بنی إسرائیل و فرعون، و الرد علی منکری البعث و ذل الکفار فی العقوبة و عز المؤمنین فی الجنة، و المنة علی الرسول نتیسر القرآن علی لسانه فی قوله: «فَإِنَّما یَسَّرْناهُ بِلِسانِکَ ...» سورة الدخان: 58.
(2) فی المصحف: (44) سورة الدخان مکیة و آیاتها 59 نزلت بعد سورة الزخرف و سمیت سورة الدخان لقوله فیها: «فَارْتَقِبْ یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ» سورة الدخان: 10.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 817
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ حم 1- وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ 2- یعنی البین ما فیه إِنَّا أَنْزَلْناهُ یعنی القرآن من اللوح المحفوظ إلی سماء الدنیا، إلی السفرة من الملائکة و هم الکتبة، و کان ینزل من اللوح المحفوظ کل لیلة قدر فینزل اللّه- عز و جل- من القرآن إلی السماء الدنیا، علی قدر ما ینزل به جبریل- علیه السلام- فی السنة إلی مثلها من العام المقبل حتی نزل القرآن کله فی لیلة القدر «1»، «فِی لَیْلَةٍ مُبارَکَةٍ» «2»: و هی لیلة مبارکة، قال، و قال مقاتل:
نزل القرآن کله من اللوح المحفوظ إلی السفرة فی لیلة واحدة لیلة القدر فقبضه جبریل- صلی اللّه علیه و سلم- من السفرة فی عشرین شهرا، و أداه إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی عشرین سنة و سمیت لیلة القدر «لیلة مبارکة» «3» لما فیها من البرکة و الخیر، ثم قال: إِنَّا کُنَّا مُنْذِرِینَ 3- یعنی بالقرآن فِیها یُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِیمٍ 4- یقول یقضی اللّه فی لیلة القدر کل أمر محکم من الباطل ما یکون فی السنة کلها إلی مثلها من العام المقبل من الخیر و الشر و الشدة و الرخاء و المصائب، یقول اللّه- تعالی-: کان أَمْراً مِنْ عِنْدِنا یقول
______________________________
(1) المعنی فی لیالی القدر.
(2) «فِی لَیْلَةٍ مُبارَکَةٍ» ساقطة من أ، ف، ل، ح، م.
(3) «لیلة مبارکة» زیادة اقتضاها السیاق لیست فی الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 818
کان أمرا منا إِنَّا کُنَّا مُرْسِلِینَ 5- یعنی منزلین هذا القرآن أنزلناه رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ لمن آمن به إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ لقولهم الْعَلِیمُ 6- به رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما إِنْ کُنْتُمْ مُوقِنِینَ 7- بتوحید الرب- تعالی-،: وحد نفسه فقال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ یُحْیِی وَ یُمِیتُ یقول یحیی الموتی و یمیت الأحیاء، هو رَبُّکُمْ وَ رَبُّ آبائِکُمُ الْأَوَّلِینَ 8- بَلْ هُمْ لکن هم فِی شَکٍ من هذا القرآن یَلْعَبُونَ 9- یعنی لاهون عنه، قوله: فَارْتَقِبْ و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- دعا اللّه- عز و جل- علی کفار قریش فقال:
اللهم أعنی علیهم بسبع سنین کسی «1» یوسف، فأصابتهم شدة حتی أکلوا العظام و الکلاب و الجیف من شدة الجوع، فکان الرجل یری بینه و بین السماء الدخان من الجوع،
فذلک قوله: «فارتقب» یقول فانتظر یا محمد یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ 10- یَغْشَی النَّاسَ یعنی أهل مکة هذا الجوع عَذابٌ أَلِیمٌ 11- یعنی وجیع. ثم إن أبا سفیان بن حرب، و عتبة ابن ربیعة، و العاص بن وائل، و المطعم بن عدی، و سهیل بن عمرو، و شیبة ابن ربیعة، کلهم من قریش، أتوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقالوا: یا محمد، استسق لنا، فقالوا: رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ یعنی الجوع إِنَّا مُؤْمِنُونَ 12- یعنی إنا مصدقون بتوحید الرب و بالقرآن أَنَّی لَهُمُ «2» الذِّکْری
______________________________
(1) فی أ: کسنین.
(2) فی أ: فسرت الآیات 12، 15، 16، 13، 14 علی التوالی. و قد أعدت ترتیبا حسب ورودا فی المصحف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 819
یقول من أین لهم التذکرة یعنی الجوع الذی أصابهم بمکة وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- مُبِینٌ 13- یعنی هو بین أمره، جاءهم بالهدی ثُمَّ تَوَلَّوْا «عَنْهُ» «1» یقول ثم أعرضوا عن محمد- صلی اللّه علیه و سلم- إلی الضلالة وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ 14- قال ذلک عقبة بن أبی معیط إن محمدا مجنون، و قالوا إنما یعلمه جبر غلام عامر ابن الحضرمی، و قالوا: لئن لم ینته جبر غلام عامر بن الحضرمی «فأوعدوه» «2» لنشترینه من سیده، ثم لنصلینه حتی ینظر هل ینفعه محمد أو یغنی عنه شیئا، «بَلْ هُمْ فِی شَکٍّ یَلْعَبُونَ» «3» یقول بل هم من القرآن فی شک لاهون،
فدعا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقال: اللهم اسقنا غیثا مغیثا عاما طبقا مطبقا غدقا ممرعا مریا عاجلا غیر ریث نافعا غیر ضار، فکشف اللّه- تعالی- عنهم العذاب،
فذلک قوله: إِنَّا کاشِفُوا الْعَذابِ یعنی الجوع قَلِیلًا إلی یوم بدر إِنَّکُمْ عائِدُونَ 15- إلی الکفر فعادوا فانتقم اللّه منهم ببدر فقتلهم، فذلک قوله: یَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْکُبْری یعنی العظمی فکانت البطش فی المدینة یوم بدر أکثر مما أصابهم من الجوع بمکة، فذلک قوله:
إِنَّا مُنْتَقِمُونَ 16- بالقتل و ضرب الملائکة وجوههم و أدبارهم و عجل اللّه أرواحهم الی النار.
______________________________
(1) «عنه»: ساقطة من النسخ.
(2) «فأعدوه»: زیادة للتوضیح.
(3) فی أ: کرر تفسیر الآیة 9 مرتین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 820
وَ لَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ بموسی- صلی اللّه علیه- حتی ازدروه کما ازدری أهل مکة النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لأنه ولد فیهم فازدروه فکان النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فتنة لهم، کما کان موسی- صلی اللّه علیه- فتنة لفرعون و قومه، فقالت قریش: أنت أضعفنا و أقلنا حیلة فهذا حین ازدروه کما ازدروا موسی- علیه السلام- حین قالوا: «... أَ لَمْ نُرَبِّکَ فِینا» [147 ب «ولیدا ...» «1» فکانت فتنة لهم من أجل ذلک ذکر فرعون دون الأمم، نظیرها فی المزمل: «إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَیْکُمْ رَسُولًا ...» «2»، قوله: «وَ لَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ» کما فتنا قریشا بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم-، لأنهما ولدا فی قومهما وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ کَرِیمٌ 17- یعنی الخلق کان یتجاوز و یصفح یعنی موسی حین سأل ربه أن یکشف عن أهل مصر الجراد و القمل، فقال موسی لفرعون: أَنْ أَدُّوا إِلَیَّ عِبادَ اللَّهِ یعنی أرسلوا معی بنی إسرائیل یقول: و خل سبیلهم فإنهم أحرار و لا تستعبدهم إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ من اللّه أَمِینٌ 18- فیما بینی و بین ربکم وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَی اللَّهِ یعنی لا تعظموا علی اللّه أن توحدوه إِنِّی آتِیکُمْ بِسُلْطانٍ مُبِینٍ 19- یعنی حجة بینة کقوله: «ألا تعلوا علی (اللّه)» یقول ألا تعظموا علی اللّه «إنی آتیکم بسلطان مبین» یعنی حجة بینة و هی الید و العصا فکذبوه، فقال فرعون فی «حم» المؤمن: «... ذَرُونِی أَقْتُلْ مُوسی ...» «3» فاستعاذ موسی فقال: وَ إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ
______________________________
(1) سورة الشعراء: 18.
(2) سورة المزمل: 15.
(3) سورة غافر: 26.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 821
یعنی فرعون وحده أَنْ تَرْجُمُونِ 20- یعنی أن تقتلون وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِی فَاعْتَزِلُونِ 21- یقول و إن لم تصدقونی، یعنی فرعون وحده، «فاعتزلون» فلا تقتلون، فدعا موسی ربه فی یونس فقال: «وَ نَجِّنا بِرَحْمَتِکَ مِنَ الْقَوْمِ الْکافِرِینَ» «1» یعنی «نجنی» «2» و بنی إسرائیل «و أرسل» «3» العذاب علی أهل مصر، «قوله- تعالی-: فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ یعنی أهل مصر» «4» قَوْمٌ مُجْرِمُونَ 22- فلا یؤمنون فاستجاب اللّه له فأوحی اللّه- تعالی- إلیه: فَأَسْرِ بِعِبادِی لَیْلًا إِنَّکُمْ مُتَّبَعُونَ 23- یقول یتبعکم فرعون و قومه وَ اتْرُکِ الْبَحْرَ رَهْواً و ذلک أن بنی إسرائیل لما قطعوا البحر قالوا لموسی- صلی اللّه علیه- فرق لنا البحر کما کان فإنا نخشی أن یقطع فرعون و قومه آثارنا فأراد موسی- علیه السلام- أن یفعل ذلک کان اللّه- تعالی- أوحی إلی البحر أن یطیع موسی- علیه السلام- فقال اللّه لموسی: «و اترک البحر رهوا» یعنی صفوفا، و یقال ساکنا «إِنَّهُمْ» «5» إن فرعون و قومه جُنْدٌ مُغْرَقُونَ 24- فأغرقهم اللّه فی نهر مصر و کان عرضه یومئذ فرسخین، فقال اللّه- تعالی-: کَمْ تَرَکُوا من بعدهم یعنی فرعون و قومه مِنْ جَنَّاتٍ یعنی بساتین وَ عُیُونٍ 25- یعنی الأنهار الجاریة وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ کَرِیمٍ 26- یعنی و مساکن حسان وَ نَعْمَةٍ
______________________________
(1) سورة یونس: 86.
(2) فی أ: «هو».
(3) فی أ: «و أن یرسل».
(4) العبارة التی بین القوسین «...» مکررة مرتین فی الأصل.
(5) فی أ: «فإن».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 822
من العیش کانُوا فِیها فاکِهِینَ 27- یعنی أرض مصر معجبین کَذلِکَ یقول هکذا فعلنا بهم فی الخروج من مصر، ثم قال:
وَ أَوْرَثْناها یعنی أرض مصر قَوْماً آخَرِینَ 28- یعنی بنی إسرائیل فردهم اللّه إلیها بعد الخروج منها، ثم قال: فَما بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ و ذلک أن المؤمن إذا مات بکی علیه معالم سجوده من الأرض، و مصعد عمله من السماء أربعین یوما و لیلة، و یبکیان علی الأنبیاء ثمانین یوما و لیلة، و لا یبکیان علی الکافر [148 أ]، فذلک قوله: «فما بکت علیهم السماء و الأرض» لأنهم لم یصلوا للّه فی الأرض و لا کانت لهم أعمال صالحة تصعد إلی السماء لکفرهم وَ ما کانُوا مُنْظَرِینَ 29- لم یناظروا بعد الآیات التسع حتی عذبوا بالغرق وَ لَقَدْ نَجَّیْنا بَنِی إِسْرائِیلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِینِ 30- یعنی الهوان و ذلک أن بنی إسرائیل آمنت بموسی و هارون، فمن ثم قال فرعون: «... اقتلوا أبناء الذین آمنوا معه و استحیوا نساءهم ...» فلما هم بذلک قطع اللّه بهم البحر مع ذریاتهم و ذراریهم، و أغرق فرعون و من معه من القبط، «وَ لَقَدْ نَجَّیْنا بَنِی إِسْرائِیلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِینِ» یعنی الهوان من فرعون من قتل الأبناء، و استحیاء النساء یعنی البنات، قبل أن یبعث اللّه- عز و جل- موسی رسولا مخافة أن یکون هلاکهم فی سببه من فرعون، للذی أخبره به الکهنة أنه یکون، و أنه یغلبک علی ملکک، ثم قال: مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ کانَ عالِیاً عن التوحید مِنَ الْمُسْرِفِینَ 31- یعنی من المشرکین، ثم رجع إلی بنی إسرائیل فقال: وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلی عِلْمٍ علمه اللّه- عز و جل- منهم عَلَی الْعالَمِینَ 32- یعنی عالم ذلک الزمان وَ آتَیْناهُمْ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 823
یقول و أعطیناهم مِنَ الْآیاتِ حین فلق لهم البحر و أهلک عدوهم فرعون، و ظلل علیهم الغمام، و أنزل علیهم المن السلوی، و الحجر و العمود و التوراة، فیها بیان کل شی‌ء، فکل هذا الخیر ابتلاهم اللّه به فلم یشکروا ربهم، فذلک قوله:
«و آتیناهم من الآیات» ما فِیهِ بَلؤُا مُبِینٌ 33- یعنی النعم «البینة» «1».
کقوله: «إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِینُ» «2» یعنی النعم «البینة» «3». قوله:
إِنَّ هؤُلاءِ لَیَقُولُونَ 34- یعنی «کفار مکة» «4» إِنْ هِیَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولی و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قال لهم إنکم تبعثون من بعد الموت فکذبوه، فقالوا إن هی إلا حیاتنا الدنیا
وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِینَ 35- یعنی بمبعوثین من بعد الموت، ثم قال: فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 36- أنا نحیا من بعد الموت، و ذلک أن أبا جهل بن هشام قال فی الرعد یا محمد إن کنت نبیا فابعث لنا رجلین أو ثلاثة ممن مات من آبائنا منهم قصی بن کلاب فإنه کان صادقا، و کان إمامهم «5» فنسألهم فیخبرونا عن ما هو کائن بعد الموت أحق ما تقول أم باطل؟ إن کنت صادقا بأن البعث حق، نظیرها فی الجاثیة قوله: «وَ قالُوا ما هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا وَ ما یُهْلِکُنا إِلَّا الدَّهْرُ ...» «6» و ما البعث بحق. فخوفهم اللّه- تعالی- بمثل عذاب الأمم الخالیة
______________________________
(1) فی أ: البین، ف: البینة.
(2) سورة الصافات: 106.
(3) وردت فی أ، ف: «البین».
(4) فی الأصل: «کفار».
(5) کذا فی أ، ف، و المراد و کان امام قومه و رئیسهم.
(6) سورة الجاثیة: 24.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 824
فقال: أَ هُمْ خَیْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ لأن قوم تبع أقرب [148 ب فی الهلاک إلی کفار مکة وَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالیة أَهْلَکْناهُمْ بالعذاب إِنَّهُمْ کانُوا مُجْرِمِینَ 37- یعنی مذنبین مقیمین علی الشرک منهمکین علیه، قوله: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما لاعِبِینَ 38- یعنی عابثین لغیر شی‌ء یقول لم أخلقهما باطلا و لکن خلقتهما لأمر هو کائن «ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ» «1» وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ یعنی کفار مکة لا یَعْلَمُونَ 39- أنهما لم یخلقا باطلا، ثم خوفهم فقال: إِنَّ یَوْمَ الْفَصْلِ یعنی یوم «القضاء» «2» مِیقاتُهُمْ یعنی میعادهم أَجْمَعِینَ 40- یَوْمَ یعنی یوم القیامة یقول: یوافی یوم القیامة الأولون و الآخرون «و هم یوم الجمعة» هذه الأمة و سواهم من الأمم الخالیة، ثم نعت اللّه- تعالی- ذلک الیوم فقال: «یوم» لا یُغْنِی مَوْلًی عَنْ مَوْلًی شَیْئاً و هم الکفار یقول یوم لا یغنی ولی عن ولیه یقول لا یقدر قریب لقرابته الکافر شیئا من المنفعة وَ لا هُمْ یُنْصَرُونَ 41- یقول و لا هم یمنعون من العذاب ثم استثنی المؤمنین فقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ من المؤمنین فإنه یشفع لهم إِنَّهُ هُوَ الْعَزِیزُ فی نقمته من أعدائه الذین لا شفاعة لهم الرَّحِیمُ 42- بالمؤمنین الذین استثنی فی هذه الآیة، قوله: إِنَّ «شَجَرَةَ» «3» الزَّقُّومِ 43- طَعامُ الْأَثِیمِ 44- یعنی الآثم بربه فهو أبو جهل بن هشام و فی قراءة ابن مسعود «طعام الفاجر» کَالْمُهْلِ یعنی الزقوم أسود غلیظ کدردی
______________________________
(1) «ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ»: ساقطة من أ، ف.
(2) فی ف زیادة: «یعنی القیامة».
(3) فی أ: «سجرت»، و فی رسم المصحف: «شحرت».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 825
الزیت یَغْلِی فِی الْبُطُونِ 45- کَغَلْیِ الْحَمِیمِ 46- یعنی الماء الحار بلسان بربر و أفریقیة الزقوم یعنون التمر و الزبد، زعم ذلک عبد اللّه بن الزبعری السهمی، و ذلک أن أبا جهل قال لهم: إن محمدا یزعم أن النار تنهت الشجر و إنما النار تأکل الشجر، فما الزقوم عندکم؟ فقال عبد اللّه بن الزبعری:
التمر و الزبد. فقال أبو جهل بن هشام: یا جاریة، ابغنا تمرا و زیدا. فقال: تزقموا.
«یقول» «1» اللّه- عز و جل- للخزنة: خُذُوهُ یعنی أبا جهل فَاعْتِلُوهُ یقول فادفعوه علی وجهه إِلی سَواءِ الْجَحِیمِ 47- یعنی وسط الجحیم و هو الباب السادس من النار، ثم قال: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ أبی جهل و ذلک أن الملک من خزان جهنم یضربه علی رأسه بمقمعة من حدید فینقب عن دماغه فیجری دماغه علی جسده ثم یصب الملک فی النقب ماء حمیما قد انتهی حره فیقع فی بطنه، ثم یقول له الملک: ذُقْ العذاب أیها المتعزز المتکرم، یونجه و یصغره، بذلک فیقول: إِنَّکَ زعمت فی الدنیا أَنْتَ الْعَزِیزُ یعنی المنیع الْکَرِیمُ 49- یعنی المتکرم، قال: فکان أبو جهل یقول فی الدنیا أنا أعز قریش و أکرمها، فلما [149 أ] ذاق شدة العذاب فی الآخرة قال له الملک: إِنَّ هذا ما کُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ 50- یعنی تشکون فی الدنیا أنه غیر کائن فهذا مستقر الکفار، ثم ذکر مستقر المؤمنین فقال: إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی مَقامٍ أَمِینٍ 51- فی مساکن آمنین من الخوف و الموت فِی جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ 52- یعنی بساتین و أنهار جاریة یَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ یعنی الدیباج مُتَقابِلِینَ 53- فی الزیارة کَذلِکَ وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ
______________________________
(1) فی أ، ف: «فقال».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 826
یعنی بیض الوجوه عِینٍ 54- یعنی حسان العیون، ثم أخبر عنهم فقال:
یَدْعُونَ فِیها بِکُلِّ فاکِهَةٍ من ألوان الفاکهة آمِنِینَ 55- من الموت لا یَذُوقُونَ فِیهَا الْمَوْتَ أبدا إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولی التی کانت فی الدنیا وَ وَقاهُمْ یعنی الرب- تعالی- عَذابَ الْجَحِیمِ 56- ذلک الذی ذکر فی الجنة کان: فَضْلًا مِنْ رَبِّکَ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ 57- یعنی الکبیر یعنی النجاة «العظیمة» «1»، قوله: فَإِنَّما یَسَّرْناهُ بِلِسانِکَ یعنی القرآن یقول هوناه علی لسانک لَعَلَّهُمْ یقول لکی یَتَذَکَّرُونَ 58- فیؤمنوا بالقرآن فلم یؤمنوا به یقول اللّه- تعالی- فَارْتَقِبْ یقول انتظر بهم العذاب إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ 59- یعنی «منتظرون» «2» بهم العذاب.
______________________________
(1) فی أ: «العظیم».
(2) من ف: و فی أ: «إنا منتظرون».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 827

سورة الجاثیة

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 829

[سورة الجاثیة (45): الآیات 1 الی 37]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
حم (1) تَنْزِیلُ الْکِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ (2) إِنَّ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآیاتٍ لِلْمُؤْمِنِینَ (3) وَ فِی خَلْقِکُمْ وَ ما یَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آیاتٌ لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ (4)
وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِیفِ الرِّیاحِ آیاتٌ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (5) تِلْکَ آیاتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَیْکَ بِالْحَقِّ فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَ آیاتِهِ یُؤْمِنُونَ (6) وَیْلٌ لِکُلِّ أَفَّاکٍ أَثِیمٍ (7) یَسْمَعُ آیاتِ اللَّهِ تُتْلی عَلَیْهِ ثُمَّ یُصِرُّ مُسْتَکْبِراً کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِیمٍ (8) وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آیاتِنا شَیْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ (9)
مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَ لا یُغْنِی عَنْهُمْ ما کَسَبُوا شَیْئاً وَ لا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِیاءَ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (10) هذا هُدیً وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِیمٌ (11) اللَّهُ الَّذِی سَخَّرَ لَکُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِیَ الْفُلْکُ فِیهِ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (12) وَ سَخَّرَ لَکُمْ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً مِنْهُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ لِیَجْزِیَ قَوْماً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ (14)
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَیْها ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَ لَقَدْ آتَیْنا بَنِی إِسْرائِیلَ الْکِتابَ وَ الْحُکْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَی الْعالَمِینَ (16) وَ آتَیْناهُمْ بَیِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْناکَ عَلی شَرِیعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ یُغْنُوا عَنْکَ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ وَ اللَّهُ وَلِیُّ الْمُتَّقِینَ (19)
هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَ هُدیً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْیاهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما یَحْکُمُونَ (21) وَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ لِتُجْزی کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (22) أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلی عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلی سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلی بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ یَهْدِیهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَکَّرُونَ (23) وَ قالُوا ما هِیَ إِلاَّ حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا وَ ما یُهْلِکُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ یَظُنُّونَ (24)
وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ ما کانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (25) قُلِ اللَّهُ یُحْیِیکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُمْ ثُمَّ یَجْمَعُکُمْ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ لا رَیْبَ فِیهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (26) وَ لِلَّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یَوْمَئِذٍ یَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَ تَری کُلَّ أُمَّةٍ جاثِیَةً کُلُّ أُمَّةٍ تُدْعی إِلی کِتابِهَا الْیَوْمَ تُجْزَوْنَ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا کِتابُنا یَنْطِقُ عَلَیْکُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا کُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَیُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِی رَحْمَتِهِ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِینُ (30) وَ أَمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا أَ فَلَمْ تَکُنْ آیاتِی تُتْلی عَلَیْکُمْ فَاسْتَکْبَرْتُمْ وَ کُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِینَ (31) وَ إِذا قِیلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ السَّاعَةُ لا رَیْبَ فِیها قُلْتُمْ ما نَدْرِی مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَیْقِنِینَ (32) وَ بَدا لَهُمْ سَیِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَ قِیلَ الْیَوْمَ نَنْساکُمْ کَما نَسِیتُمْ لِقاءَ یَوْمِکُمْ هذا وَ مَأْواکُمُ النَّارُ وَ ما لَکُمْ مِنْ ناصِرِینَ (34)
ذلِکُمْ بِأَنَّکُمُ اتَّخَذْتُمْ آیاتِ اللَّهِ هُزُواً وَ غَرَّتْکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا فَالْیَوْمَ لا یُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِینَ (36) وَ لَهُ الْکِبْرِیاءُ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (37)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 833
سورة الجاثیة «1» سورة الجاثیة مکیة عددها سبع و ثلاثون آیة کوفی «2».
______________________________ تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌4 5
______________________________
(1) معظم مقصود السورة:
بیان حجة التوحید، و الشکایة من الکفار و المتکبرین و بیان النفع و الضر، و الإساءة و الإحسان و بیان شریعة الإسلام و الإیمان، و تهدید العصاة و الخائنین من أهل الإیمان، و ذم متابعی الهوی، و ذل الناس فی المحشر، و نسخ کتب الأعمال من اللوح المحفوظ و تأیید الکفار فی النار، و تحمید الرب المتعالی بأوجز لفظ و أفصح- مقال: فی قوله: «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ ...» سورة الجاثیة: 36- 37 إلی آخر السورة.
(2) فی المصحف: (45) سورة الجاثیة مکیة، إلا آیة 14 فمدنیة و آیاتها 37 نزلت بعد سورة الدخان.
و لها اسمان سورة الجاثیة لقوله: «وَ تَری کُلَّ أُمَّةٍ جاثِیَةً»: 28 و سورة الشریعة لقوله: «ثُمَّ جَعَلْناکَ عَلی شَرِیعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ...» 18.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 835
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ حم 1- تَنْزِیلُ الْکِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ فی ملکه الْحَکِیمِ 2- فی أمره إِنَّ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و هما خلقان عظیمان لَآیاتٍ لِلْمُؤْمِنِینَ 3- یعنی المصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- «وَ فِی خَلْقِکُمْ یعنی و فی خلق أنفسکم إذ کنتم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما لحما، ثم الروح «1» وَ ما یَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ یقول و ما یخلق من دابة آیاتٌ لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ 4- «بتوحید اللّه» «2» وَ فی اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ و هما آیتان وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ یعنی المطر فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فأنبتت وَ تَصْرِیفِ الرِّیاحِ فی الرحمة و العذاب ففی هذا کله آیاتٌ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ 5- بتوحید اللّه- عز و جل- ثم رجع إلی أول السورة فی التقدیم فقال: تِلْکَ آیاتُ اللَّهِ یعنی تلک آیات القرآن نَتْلُوها عَلَیْکَ یا محمد بِالْحَقِ فإن لم یؤمنوا بهذا القرآن فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَ اللَّهِ یعنی بعد توحید اللّه وَ بعد آیاتِهِ یعنی بعد آیات القرآن یُؤْمِنُونَ 6- یعنی یصدقون.
وَیْلٌ لِکُلِّ أَفَّاکٍ یعنی کذاب أَثِیمٍ 7- یقول آثم بربه، و کذبه أنه قال إن القرآن أساطیر الأولین یعنی حدیث رستم و اسفندباز یعنی
______________________________
(1) کذا فی ف، و المراد: «ثم نفخ الروح».
(2) الآیة: ساقطة من أ، و هی من ف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 836
النضر بن الحارث القرشی [149 ب من بنی عبد الدار یَسْمَعُ آیاتِ اللَّهِ یعنی القرآن تُتْلی عَلَیْهِ ثُمَّ یُصِرُّ مُسْتَکْبِراً یعنی یصر یقیم علی الکفر بآیات القرآن فیعرض عنها متکبرا یعنی عن الإیمان بآیات القرآن کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها یعنی آیات القرآن و ما فیه فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِیمٍ 8- یعنی وجیع، فقتل ببدر، ثم أخبر عن النضر بن الحارث فقال: وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آیاتِنا شَیْئاً یقول إذا سمع من آیات القرآن شیئا اتَّخَذَها هُزُواً یعنی استهزاء بها، و ذلک أنه زعم أن حدیث القرآن مثل حدیث رستم و اسفندباز أُولئِکَ لَهُمْ یعنی النضر بن الحارث و أصحابه و هم قریش عَذابٌ مُهِینٌ 9- یعنی القرآن فی الدنیا یوم بدر، ثم قال: مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ یعنی النضر بن الحارث یقول لهم فی الدنیا القتل ببدر و من بعده أیضا لهم جهنم فی الآخرة وَ لا یُغْنِی عَنْهُمْ ما کَسَبُوا شَیْئاً یقول لا تغنی عنهم أموالهم التی جمعوها من جهنم شیئا وَ لا یغنی عنهم من جهنم مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِیاءَ یقول ما عبدوا من دون اللّه من الآلهة وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ 10- یعنی کبیر لشدته هذا هُدیً یقول هذا القرآن بیان یهدی من الضلالة وَ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة بِآیاتِ رَبِّهِمْ یعنی القرآن لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِیمٌ 11- یقول لهم عذاب من العذاب الوجیع فی جهنم، ثم ذکرهم النعم فقال: اللَّهُ الَّذِی سَخَّرَ لَکُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِیَ الْفُلْکُ فِیهِ یقول لکی تجری السفن فی البحر بِأَمْرِهِ یعنی بإذنه «وَ لِتَبْتَغُوا» «1» ما فی البحر مِنْ فَضْلِهِ یعنی الرزق وَ لَعَلَّکُمْ یعنی و لکی تَشْکُرُونَ 12- اللّه فی
______________________________
(1) فی أ: «و لکی تبتغوا»: و لکی تبتغوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 837
هذه النعم فتوحدوه وَ سَخَّرَ لَکُمْ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً مِنْهُ یعنی من اللّه إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ 13- فی صنع اللّه فیوحدونه قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا یعنی یتجاوزوا نزلت فی عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- و ذلک أن رجلا من کفار مکة شئتم عمر بمکة، فهم عمر أن یبطش به فأمره اللّه بالعفو و التجاوز فقال: «قل للذین آمنوا» یعنی عمر «یغفروا» یعنی یتجاوزوا «لِلَّذِینَ» «1» لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ یعنی لا یخشون عقوبات اللّه مثل عذاب الأمم الخالیة فمن عفا و أصلح فأجره علی اللّه، یقول جزاؤه علی اللّه، ثم نسخ العفو و التجاوز آیة السیف فی براءة «... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ «2» ...»، قوله: «3» لِیَجْزِیَ بالمغفرة قَوْماً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ 14- یعنی یعملون فی الخیر مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ العمل فَعَلَیْها یقول إساءته علی نفسه ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ [150 أ] تُرْجَعُونَ 15- فی الآخرة فیجزیکم بأعمالکم، قوله: وَ لَقَدْ آتَیْنا یعنی أعطینا بَنِی إِسْرائِیلَ الْکِتابَ یعنی التوراة وَ الْحُکْمَ یعنی الفهم الذی فی التوراة و العلم وَ النُّبُوَّةَ و ذلک أنه کان فیهم ألف نبی أولهم موسی، و آخرهم عیسی- علیهم السلام- وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ یعنی الحلال من الرزق: المن و السلوی وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَی الْعالَمِینَ 16- یعنی عالمی ذلک الزمان بما أعطاهم اللّه من التوراة فیها تفصیل کل شی‌ء، و المن و السلوی،
______________________________
(1) فی أ: «عن الذین»، و فی حاشیة أ: التلاوة، «للذین».
(2) فی أ: «اقتلوا المشرکین» فصوبتها و هی فی سورة التوبة: 5.
(3) فی أ: «فذلک قوله».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 838
و الحجر، و الغمام، و عمودا کان یضی‌ء لهم إذا ساروا باللیل، و أنبت معهم ثیابهم لا تبلی، و لا تخرق، و ظللنا علیهم الغمام و فضلناهم علی العالمین فی ذلک الزمان، ثم قال: وَ آتَیْناهُمْ آیات بَیِّناتٍ واضحات مِنَ الْأَمْرِ یعنی أبین لهم فی التوراة من الحلال و الحرام و السنة و بیان ما کان قبلهم، ثم اختلفوا فی الدین بعد یوشع بن نون فأمن بعضهم و کفر بعضهم «فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا» «1» مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ یعنی البیان بَغْیاً بَیْنَهُمْ إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ 17- یعنی فی الدین یختلفون، «قوله: ثُمَّ جَعَلْناکَ عَلی شَرِیعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ یعنی بینات من الأمر و ذلک أن کفار قریش قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- ارجع إلی ملة أبیک عبد اللّه، و جدک عبد المطلب، و سادة قومک، فأنزل اللّه «ثم جعلناک علی شریعة من الأمر» یعنی بینة من الأمر یعنی الإسلام فَاتَّبِعْها یقول اللّه- تعالی- لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم- اتبع هذه الشریعة وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ 18- توحید اللّه یعنی کفار قریش فیستزلونک عن أمر اللّه» «2» قوله- تعالی-: إِنَّهُمْ لَنْ یُغْنُوا عَنْکَ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ یوم القیامة یعنی مشرکی مکة بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ وَ اللَّهُ وَلِیُّ الْمُتَّقِینَ 19- الشرک هذا القرآن بَصائِرُ لِلنَّاسِ یقول هذا القرآن بصیرة للناس من الضلالة وَ هو هُدیً من الضلالة وَ رَحْمَةٌ من العذاب لمن آمن به لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ 20- بالقرآن أنه من اللّه- تعالی-
______________________________
(1) «فما اختلفوا إلا»: من ساقطة من أ.
(2) تفسیر الآیة (18) من ف، و هو مبتور فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 839
أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ و ذلک أن اللّه أنزل أن للمتقین عند ربهم فی الآخرة جنات النعیم، فقال کفار مکة بنو عبد شمس بن عبد مناف بمکة لبنی هاشم و لبنی عبد المطلب بن عبد مناف للمؤمنین منهم: إنا نعطی فی الآخرة من الخیر مثل ما تعطون، فقال اللّه- تعالی-: «أم حسب الذین اجترحوا السیئات» یعنی الذین عملوا الشرک یعنی کفار بنی عبد شمس أَنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ من بنی هاشم، و بنی المطلب، منهم حمزة، و علی بن أبی طالب، و عبیدة بن الحارث، و عمر بن الخطاب سَواءً مَحْیاهُمْ فی نعیم الدنیا وَ سواء مَماتُهُمْ فی نعیم الآخرة ساءَ ما یَحْکُمُونَ 21- یقول بئس ما یقضون من الجور «حین یرون» «1» أن لهم فی الآخرة ما للمؤمنین، فی الآخرة الدرجات فی الجنة و نعیمها «للمؤمنین» «2»، و الکافرون فی النار یعذبون «3» [150 ب .
قوله: وَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ یقول لم أخلقهما عبثا لغیر شی‌ء، و لکن خلقتهما لأمر هو کائن وَ لِتُجْزی یقول و لکی تجزی کُلُّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ یعنی بما عملت فی الدنیا من خیر أو شر وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ 22- فی أعمالهم یعنی لا ینقصون من حسناتهم، و لا یزاد فی سیئاتهم.
قوله أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ یعنی الحارث بن قیس السهمی اتخذ إلهه هوی، و کان من المستهزئین و ذلک أنه هوی الأوثان فعبدها وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلی عِلْمٍ
______________________________
(1) «حین یرون»: من ف، و لیس فی أ.
(2) «للمؤمنین»: زیادة اقتضاها السیاق.
(3) العبارة رکیکة فی أ، ف و جمیع النسخ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 840
علمه فیه وَ خَتَمَ یقول و طبع عَلی سَمْعِهِ فلا یسمع الهدی وَ علی قَلْبِهِ فلا یعقل الهدی وَ جَعَلَ عَلی بَصَرِهِ غِشاوَةً یعنی الغطاء فَمَنْ یَهْدِیهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ إذ أضله اللّه أَ فَلا یعنی أ فهلا تَذَکَّرُونَ 23- فتعتبروا فی صنع اللّه فتوحدونه وَ قالُوا ما هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا یعنی نموت نحن، و یحیا آخرون، فیخرجون من أصلابنا، فنحن کذلک فما نبعث أبدا وَ ما یُهْلِکُنا إِلَّا الدَّهْرُ یقول و ما یمیتنا إلا طول العمر، و طول اختلاف اللیل و النهار، و لا نبعث یقول اللّه- تعالی-:
وَ ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ بأنهم لا یبعثون إِنْ هُمْ یقول ما هم إِلَّا یَظُنُّونَ 24- ما یستیقنون و بالظن تکلموا علی غیرهم أنهم لا یبعثون وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا یعنی القرآن بَیِّناتٍ یعنی واضحات «من الحلال و الحرام» «1» ما کانَ حُجَّتَهُمْ حین خاصموا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی الرعد حین قالوا سیر لنا الجبال، و سخر لنا الریاح، و ابعث لنا رجلین أو ثلاثة من قریش من آبائنا، منهم قصی بن کلاب فإنه کان صدوقا و کان إمامهم، فنسألهم عما تخبرنا به أنه کائن بعد الموت، فذلک قوله- تعالی-: «ما کان حجتهم» إِلَّا أَنْ قالُوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 25- هذا قول أبی جهل للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- قال: ابعث لنا رجلین أو ثلاثة إن کنت من الصادقین بأن البعث حق، قال اللّه- تعالی- قُلِ لهم یا محمد اللَّهُ یُحْیِیکُمْ حین کانوا نطفة
______________________________
(1) فی أ: «من الحلال و الحرام».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 841
ثُمَّ یُمِیتُکُمْ عند آجالکم ثُمَّ یَجْمَعُکُمْ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ أولکم و آخرکم لا رَیْبَ فِیهِ یقول لا شک فیه یعنی البعث أنه کائن وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ 26- أنهم یبعثون فی الآخرة، ثم عظم الرب نفسه عما قالوا، أنه لا یقدر علی البعث، فقال: وَ لِلَّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ یَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یعنی یوم القیامة یَوْمَئِذٍ یَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ 27- یعنی المکذبین بالبعث وَ تَری کُلَّ أُمَّةٍ جاثِیَةً علی الرکب عند الحساب یعنی کل نفس کُلَّ أُمَّةٍ [151 أ] تُدْعی إِلی کِتابِهَا الذی عملت فی الدنیا من خیر أو شر، ثم یجزون بأعمالهم، فذلک قوله: الْیَوْمَ یعنی فی الآخرة تُجْزَوْنَ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 28- فی الدنیا هذا کِتابُنا یَنْطِقُ عَلَیْکُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا کُنَّا نَسْتَنْسِخُ من اللوح المحفوظ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 29- قبل أن تعملونها.
حدثنا عبد اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنی الهذیل عن مقاتل، قال:
قال ابن عباس: لا تکون نسخة إلا من کتاب فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَیُدْخِلُهُمْ «رَبُّهُمْ» «1» فِی رَحْمَتِهِ یعنی فی جنته ذلِکَ الدخول هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِینُ 30- وَ أَمَّا الَّذِینَ کَفَرُوا فیقول لهم الرب- تعالی: أَ فَلَمْ تَکُنْ آیاتِی یعنی القرآن تُتْلی عَلَیْکُمْ «یقول» «2» تقرأ علیکم فَاسْتَکْبَرْتُمْ یعنی تکبرتم عن الإیمان بالقرآن
______________________________
(1) «ربهم»: ساقطة من الأصل.
(2) فی أ: «یوم»، و فی ف: «یقول».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 842
وَ کُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِینَ 31- یعنی مذنبین مشرکین قوله: وَ إِذا قِیلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ قال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: إن البعث حق وَ السَّاعَةُ یعنی القیامة لا رَیْبَ فِیها یعنی لا شک فیها أنها کائنة قُلْتُمْ یا أهل مکة ما نَدْرِی مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُ یعنی ما نظن إِلَّا ظَنًّا علی غیر یقین «وَ ما نَحْنُ» «1» بِمُسْتَیْقِنِینَ 32- بالساعة أنها کائنة وَ بَدا لَهُمْ یقول و ظهر لهم فی الآخرة سَیِّئاتُ یعنی الشرک ما عَمِلُوا فی الدنیا حین شهدت علیهم الجوارح وَ حاقَ یقول و وجب العذاب بِهِمْ ما کانُوا بِهِ بالعذاب یَسْتَهْزِؤُنَ 33- أنه غیر کائن و قال لهم الخزنة فی الآخرة:
وَ قِیلَ «الْیَوْمَ» «2» نَنْساکُمْ یقول نترککم فی العذاب کَما نَسِیتُمْ لِقاءَ یَوْمِکُمْ هذا یقول کما ترکتم إیمانا بهذا الیوم یعنی البعث وَ مَأْواکُمُ النَّارُ وَ ما لَکُمْ مِنْ ناصِرِینَ 34- یعنی ما نعین من النار ذلِکُمْ بِأَنَّکُمُ یقول إنما نزل بکم العذاب فی الآخرة بأنکم اتَّخَذْتُمْ آیاتِ اللَّهِ یعنی کلام اللّه هُزُواً یعنی استهزاء حین قالوا ساحر، و شاعر، و أساطیر الأولین وَ غَرَّتْکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا عن الإسلام فَالْیَوْمَ فی الآخرة لا یُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ 35-.
قوله: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ یقول الشکر للّه رَبِّ السَّماواتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِینَ 36- یعنی «القیامة» «3» وَ لَهُ الْکِبْرِیاءُ یعنی العظمة
______________________________
(1) فی أ: «و ما هم»، و فی حاشیة أ الآیة: «و ما نحن».
(2) فی أ، ف: «فالیوم».
(3) فی أ: «ألف أمة»، و فی ف: «القیامة».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌3، ص: 843
فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ فی ملکه الْحَکِیمُ 37- فی أمره و له الکبریاء یعنی العظمة و السلطان، و القوة و القدرة فی السموات و الأرض و هو العزیز فی ملکه- الحکیم- فی أمره الذی حکم.
تم بحمد اللّه الجزء الثالث من تفسیر مقاتل بن سلیمان و یلیه الجزء الرابع و أوله تفسیر سورة الأحقاف

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.