تفسیر مقاتل بن سلیمان المجلد 2

اشارة

نام کتاب: تفسیر مقاتل بن سلیمان
نویسنده: بلخی مقاتل بن سلیمان
موضوع: کلامی زیدیه- روایی زیدیه
قرن: 2
زبان: عربی
مذهب: شیعی
ناشر: دار إحیاء التراث
مکان چاپ: بیروت
سال چاپ: 1423 ق
نوبت چاپ: اول
تحقیق: عبد الله محمود شحاته
توضیح: کامل‌

سورة الأعراف‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 5

[سورة الأعراف (7): الآیات 1 الی 206]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
المص (1) کِتابٌ أُنْزِلَ إِلَیْکَ فَلا یَکُنْ فِی صَدْرِکَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَ ذِکْری لِلْمُؤْمِنِینَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ قَلِیلاً ما تَذَکَّرُونَ (3) وَ کَمْ مِنْ قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَیاتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4)
فَما کانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا کُنَّا ظالِمِینَ (5) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِینَ أُرْسِلَ إِلَیْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِینَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَیْهِمْ بِعِلْمٍ وَ ما کُنَّا غائِبِینَ (7) وَ الْوَزْنُ یَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِینُهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِینُهُ فَأُولئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما کانُوا بِآیاتِنا یَظْلِمُونَ (9)
وَ لَقَدْ مَکَّنَّاکُمْ فِی الْأَرْضِ وَ جَعَلْنا لَکُمْ فِیها مَعایِشَ قَلِیلاً ما تَشْکُرُونَ (10) وَ لَقَدْ خَلَقْناکُمْ ثُمَّ صَوَّرْناکُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ لَمْ یَکُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ (11) قالَ ما مَنَعَکَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ قالَ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ (12) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیها فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصَّاغِرِینَ (13) قالَ أَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (14)
قالَ إِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ (15) قالَ فَبِما أَغْوَیْتَنِی لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَکَ الْمُسْتَقِیمَ (16) ثُمَّ لَآتِیَنَّهُمْ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَیْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَکْثَرَهُمْ شاکِرِینَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکُمْ أَجْمَعِینَ (18) وَ یا آدَمُ اسْکُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُکَ الْجَنَّةَ فَکُلا مِنْ حَیْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونا مِنَ الظَّالِمِینَ (19)
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّیْطانُ لِیُبْدِیَ لَهُما ما وُورِیَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَ قالَ ما نَهاکُما رَبُّکُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَکُونا مَلَکَیْنِ أَوْ تَکُونا مِنَ الْخالِدِینَ (20) وَ قاسَمَهُما إِنِّی لَکُما لَمِنَ النَّاصِحِینَ (21) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا یَخْصِفانِ عَلَیْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَکُما عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَکُما إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُما عَدُوٌّ مُبِینٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ (23) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلی حِینٍ (24)
قالَ فِیها تَحْیَوْنَ وَ فِیها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ (25) یا بَنِی آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَیْکُمْ لِباساً یُوارِی سَوْآتِکُمْ وَ رِیشاً وَ لِباسُ التَّقْوی ذلِکَ خَیْرٌ ذلِکَ مِنْ آیاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ (26) یا بَنِی آدَمَ لا یَفْتِنَنَّکُمُ الشَّیْطانُ کَما أَخْرَجَ أَبَوَیْکُمْ مِنَ الْجَنَّةِ یَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِیُرِیَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ یَراکُمْ هُوَ وَ قَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّیاطِینَ أَوْلِیاءَ لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ (27) وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَیْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَی اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ وَ أَقِیمُوا وُجُوهَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ کَما بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ (29)
فَرِیقاً هَدی وَ فَرِیقاً حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّیاطِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) یا بَنِی آدَمَ خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ وَ کُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللَّهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّیِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِیَ لِلَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا خالِصَةً یَوْمَ الْقِیامَةِ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْیَ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِکُوا بِاللَّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) وَ لِکُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ (34)
یا بَنِی آدَمَ إِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَقُصُّونَ عَلَیْکُمْ آیاتِی فَمَنِ اتَّقی وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ (35) وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْها أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً أَوْ کَذَّبَ بِآیاتِهِ أُولئِکَ یَنالُهُمْ نَصِیبُهُمْ مِنَ الْکِتابِ حَتَّی إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا یَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَیْنَ ما کُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَ شَهِدُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ کانُوا کافِرِینَ (37) قالَ ادْخُلُوا فِی أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِکُمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فِی النَّارِ کُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّی إِذَا ادَّارَکُوا فِیها جَمِیعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِکُلٍّ ضِعْفٌ وَ لکِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما کانَ لَکُمْ عَلَیْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ (39)
إِنَّ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّی یَلِجَ الْجَمَلُ فِی سَمِّ الْخِیاطِ وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُجْرِمِینَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَ کَذلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ (41) وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُکَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (42) وَ نَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی هَدانا لِهذا وَ ما کُنَّا لِنَهْتَدِیَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَ نُودُوا أَنْ تِلْکُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) وَ نادی أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّکُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَیْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الظَّالِمِینَ (44)
الَّذِینَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ یَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ کافِرُونَ (45) وَ بَیْنَهُما حِجابٌ وَ عَلَی الْأَعْرافِ رِجالٌ یَعْرِفُونَ کُلاًّ بِسِیماهُمْ وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَیْکُمْ لَمْ یَدْخُلُوها وَ هُمْ یَطْمَعُونَ (46) وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (47) وَ نادی أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً یَعْرِفُونَهُمْ بِسِیماهُمْ قالُوا ما أَغْنی عَنْکُمْ جَمْعُکُمْ وَ ما کُنْتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ (48) أَ هؤُلاءِ الَّذِینَ أَقْسَمْتُمْ لا یَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَیْکُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)
وَ نادی أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِیضُوا عَلَیْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَی الْکافِرِینَ (50) الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا فَالْیَوْمَ نَنْساهُمْ کَما نَسُوا لِقاءَ یَوْمِهِمْ هذا وَ ما کانُوا بِآیاتِنا یَجْحَدُونَ (51) وَ لَقَدْ جِئْناهُمْ بِکِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلی عِلْمٍ هُدیً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (52) هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِیلَهُ یَوْمَ یَأْتِی تَأْوِیلُهُ یَقُولُ الَّذِینَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَیَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ (53) إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثاً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ (54)
ادْعُوا رَبَّکُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْیَةً إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ (55) وَ لا تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِیبٌ مِنَ الْمُحْسِنِینَ (56) وَ هُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ حَتَّی إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَیِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ کَذلِکَ نُخْرِجُ الْمَوْتی لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ (57) وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِی خَبُثَ لا یَخْرُجُ إِلاَّ نَکِداً کَذلِکَ نُصَرِّفُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَشْکُرُونَ (58) لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ فَقالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ (59)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراکَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (60) قالَ یا قَوْمِ لَیْسَ بِی ضَلالَةٌ وَ لکِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ (61) أُبَلِّغُکُمْ رِسالاتِ رَبِّی وَ أَنْصَحُ لَکُمْ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَلی رَجُلٍ مِنْکُمْ لِیُنْذِرَکُمْ وَ لِتَتَّقُوا وَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَکَذَّبُوهُ فَأَنْجَیْناهُ وَ الَّذِینَ مَعَهُ فِی الْفُلْکِ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً عَمِینَ (64)
وَ إِلی عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراکَ فِی سَفاهَةٍ وَ إِنَّا لَنَظُنُّکَ مِنَ الْکاذِبِینَ (66) قالَ یا قَوْمِ لَیْسَ بِی سَفاهَةٌ وَ لکِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ (67) أُبَلِّغُکُمْ رِسالاتِ رَبِّی وَ أَنَا لَکُمْ ناصِحٌ أَمِینٌ (68) أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَلی رَجُلٍ مِنْکُمْ لِیُنْذِرَکُمْ وَ اذْکُرُوا إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَ زادَکُمْ فِی الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْکُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ (69)
قالُوا أَ جِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَ نَذَرَ ما کانَ یَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ أَ تُجادِلُونَنِی فِی أَسْماءٍ سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ (71) فَأَنْجَیْناهُ وَ الَّذِینَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ ما کانُوا مُؤْمِنِینَ (72) وَ إِلی ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ قَدْ جاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَکُمْ آیَةً فَذَرُوها تَأْکُلْ فِی أَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَیَأْخُذَکُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (73) وَ اذْکُرُوا إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَکُمْ فِی الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُیُوتاً فَاذْکُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ (74)
قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِی آمَنْتُمْ بِهِ کافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ قالُوا یا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دارِهِمْ جاثِمِینَ (78) فَتَوَلَّی عَنْهُمْ وَ قالَ یا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُکُمْ رِسالَةَ رَبِّی وَ نَصَحْتُ لَکُمْ وَ لکِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِینَ (79)
وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَکُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِینَ (80) إِنَّکُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَ ما کانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ یَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَیْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ کانَتْ مِنَ الْغابِرِینَ (83) وَ أَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِینَ (84)
وَ إِلی مَدْیَنَ أَخاهُمْ شُعَیْباً قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ قَدْ جاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ فَأَوْفُوا الْکَیْلَ وَ الْمِیزانَ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیاءَهُمْ وَ لا تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (85) وَ لا تَقْعُدُوا بِکُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ اذْکُرُوا إِذْ کُنْتُمْ قَلِیلاً فَکَثَّرَکُمْ وَ انْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ (86) وَ إِنْ کانَ طائِفَةٌ مِنْکُمْ آمَنُوا بِالَّذِی أُرْسِلْتُ بِهِ وَ طائِفَةٌ لَمْ یُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ بَیْنَنا وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ (87) قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّکَ یا شُعَیْبُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَکَ مِنْ قَرْیَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنا قالَ أَ وَ لَوْ کُنَّا کارِهِینَ (88) قَدِ افْتَرَیْنا عَلَی اللَّهِ کَذِباً إِنْ عُدْنا فِی مِلَّتِکُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِیها إِلاَّ أَنْ یَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا کُلَّ شَیْ‌ءٍ عِلْماً عَلَی اللَّهِ تَوَکَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنا وَ بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفاتِحِینَ (89)
وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَیْباً إِنَّکُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دارِهِمْ جاثِمِینَ (91) الَّذِینَ کَذَّبُوا شُعَیْباً کَأَنْ لَمْ یَغْنَوْا فِیهَا الَّذِینَ کَذَّبُوا شُعَیْباً کانُوا هُمُ الْخاسِرِینَ (92) فَتَوَلَّی عَنْهُمْ وَ قالَ یا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُکُمْ رِسالاتِ رَبِّی وَ نَصَحْتُ لَکُمْ فَکَیْفَ آسی عَلی قَوْمٍ کافِرِینَ (93) وَ ما أَرْسَلْنا فِی قَرْیَةٍ مِنْ نَبِیٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ یَضَّرَّعُونَ (94)
ثُمَّ بَدَّلْنا مَکانَ السَّیِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّی عَفَوْا وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَ السَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (95) وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ (96) أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُری أَنْ یَأْتِیَهُمْ بَأْسُنا بَیاتاً وَ هُمْ نائِمُونَ (97) أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُری أَنْ یَأْتِیَهُمْ بَأْسُنا ضُحًی وَ هُمْ یَلْعَبُونَ (98) أَ فَأَمِنُوا مَکْرَ اللَّهِ فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99)
أَ وَ لَمْ یَهْدِ لِلَّذِینَ یَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ نَطْبَعُ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ (100) تِلْکَ الْقُری نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْبائِها وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَما کانُوا لِیُؤْمِنُوا بِما کَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی قُلُوبِ الْکافِرِینَ (101) وَ ما وَجَدْنا لِأَکْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَ إِنْ وَجَدْنا أَکْثَرَهُمْ لَفاسِقِینَ (102) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسی بِآیاتِنا إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ (103) وَ قالَ مُوسی یا فِرْعَوْنُ إِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ (104)
حَقِیقٌ عَلی أَنْ لا أَقُولَ عَلَی اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُکُمْ بِبَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ فَأَرْسِلْ مَعِیَ بَنِی إِسْرائِیلَ (105) قالَ إِنْ کُنْتَ جِئْتَ بِآیَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (106) فَأَلْقی عَصاهُ فَإِذا هِیَ ثُعْبانٌ مُبِینٌ (107) وَ نَزَعَ یَدَهُ فَإِذا هِیَ بَیْضاءُ لِلنَّاظِرِینَ (108) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِیمٌ (109)
یُرِیدُ أَنْ یُخْرِجَکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (110) قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ أَرْسِلْ فِی الْمَدائِنِ حاشِرِینَ (111) یَأْتُوکَ بِکُلِّ ساحِرٍ عَلِیمٍ (112) وَ جاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ کُنَّا نَحْنُ الْغالِبِینَ (113) قالَ نَعَمْ وَ إِنَّکُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ (114)
قالُوا یا مُوسی إِمَّا أَنْ تُلْقِیَ وَ إِمَّا أَنْ نَکُونَ نَحْنُ الْمُلْقِینَ (115) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْیُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِیمٍ (116) وَ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی أَنْ أَلْقِ عَصاکَ فَإِذا هِیَ تَلْقَفُ ما یَأْفِکُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِکَ وَ انْقَلَبُوا صاغِرِینَ (119)
وَ أُلْقِیَ السَّحَرَةُ ساجِدِینَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِینَ (121) رَبِّ مُوسی وَ هارُونَ (122) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّ هذا لَمَکْرٌ مَکَرْتُمُوهُ فِی الْمَدِینَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ أَجْمَعِینَ (124)
قالُوا إِنَّا إِلی رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) وَ ما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآیاتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَیْنا صَبْراً وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِینَ (126) وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسی وَ قَوْمَهُ لِیُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَ یَذَرَکَ وَ آلِهَتَکَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْیِی نِساءَهُمْ وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (127) قالَ مُوسی لِقَوْمِهِ اسْتَعِینُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ یُورِثُها مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ (128) قالُوا أُوذِینا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِیَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسی رَبُّکُمْ أَنْ یُهْلِکَ عَدُوَّکُمْ وَ یَسْتَخْلِفَکُمْ فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ (129)
وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِینَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ (130) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ یَطَّیَّرُوا بِمُوسی وَ مَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (131) وَ قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آیَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ (132) فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آیاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَکْبَرُوا وَ کانُوا قَوْماً مُجْرِمِینَ (133) وَ لَمَّا وَقَعَ عَلَیْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا یا مُوسَی ادْعُ لَنا رَبَّکَ بِما عَهِدَ عِنْدَکَ لَئِنْ کَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَکَ وَ لَنُرْسِلَنَّ مَعَکَ بَنِی إِسْرائِیلَ (134)
فَلَمَّا کَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلی أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ یَنْکُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِی الْیَمِّ بِأَنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ کانُوا عَنْها غافِلِینَ (136) وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِینَ کانُوا یُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتِی بارَکْنا فِیها وَ تَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ الْحُسْنی عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ بِما صَبَرُوا وَ دَمَّرْنا ما کانَ یَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما کانُوا یَعْرِشُونَ (137) وَ جاوَزْنا بِبَنِی إِسْرائِیلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلی قَوْمٍ یَعْکُفُونَ عَلی أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا یا مُوسَی اجْعَلْ لَنا إِلهاً کَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِیهِ وَ باطِلٌ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (139)
قالَ أَ غَیْرَ اللَّهِ أَبْغِیکُمْ إِلهاً وَ هُوَ فَضَّلَکُمْ عَلَی الْعالَمِینَ (140) وَ إِذْ أَنْجَیْناکُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَسُومُونَکُمْ سُوءَ الْعَذابِ یُقَتِّلُونَ أَبْناءَکُمْ وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَکُمْ وَ فِی ذلِکُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ (141) وَ واعَدْنا مُوسی ثَلاثِینَ لَیْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِیقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِینَ لَیْلَةً وَ قالَ مُوسی لِأَخِیهِ هارُونَ اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِیلَ الْمُفْسِدِینَ (142) وَ لَمَّا جاءَ مُوسی لِمِیقاتِنا وَ کَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قالَ لَنْ تَرانِی وَ لکِنِ انْظُرْ إِلَی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکانَهُ فَسَوْفَ تَرانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَ خَرَّ مُوسی صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ (143) قالَ یا مُوسی إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَی النَّاسِ بِرِسالاتِی وَ بِکَلامِی فَخُذْ ما آتَیْتُکَ وَ کُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ (144)
وَ کَتَبْنا لَهُ فِی الْأَلْواحِ مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِیلاً لِکُلِّ شَیْ‌ءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَکَ یَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِیکُمْ دارَ الْفاسِقِینَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آیاتِیَ الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ إِنْ یَرَوْا کُلَّ آیَةٍ لا یُؤْمِنُوا بِها وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الرُّشْدِ لا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلاً وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الغَیِّ یَتَّخِذُوهُ سَبِیلاً ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ کانُوا عَنْها غافِلِینَ (146) وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ یُجْزَوْنَ إِلاَّ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (147) وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسی مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَ لَمْ یَرَوْا أَنَّهُ لا یُکَلِّمُهُمْ وَ لا یَهْدِیهِمْ سَبِیلاً اتَّخَذُوهُ وَ کانُوا ظالِمِینَ (148) وَ لَمَّا سُقِطَ فِی أَیْدِیهِمْ وَ رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ یَرْحَمْنا رَبُّنا وَ یَغْفِرْ لَنا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ (149)
وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسی إِلی قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِی مِنْ بَعْدِی أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّکُمْ وَ أَلْقَی الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُ إِلَیْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ کادُوا یَقْتُلُونَنِی فَلا تُشْمِتْ بِیَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِی مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَ لِأَخِی وَ أَدْخِلْنا فِی رَحْمَتِکَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ (151) إِنَّ الَّذِینَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَیَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُفْتَرِینَ (152) وَ الَّذِینَ عَمِلُوا السَّیِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَ آمَنُوا إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (153) وَ لَمَّا سَکَتَ عَنْ مُوسَی الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَ فِی نُسْخَتِها هُدیً وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِینَ هُمْ لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُونَ (154)
وَ اخْتارَ مُوسی قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلاً لِمِیقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَکْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِیَّایَ أَ تُهْلِکُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِیَ إِلاَّ فِتْنَتُکَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِی مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِیُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَیْرُ الْغافِرِینَ (155) وَ اکْتُبْ لَنا فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَةً وَ فِی الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَیْکَ قالَ عَذابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْ‌ءٍ فَسَأَکْتُبُها لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیاتِنا یُؤْمِنُونَ (156) الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبائِثَ وَ یَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِی کانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعاً الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ یُحیِی وَ یُمِیتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِیِّ الْأُمِّیِّ الَّذِی یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ کَلِماتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ (159)
وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَیْناً قَدْ عَلِمَ کُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَ ظَلَّلْنا عَلَیْهِمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَیْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوی کُلُوا مِنْ طَیِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (160) وَ إِذْ قِیلَ لَهُمُ اسْکُنُوا هذِهِ الْقَرْیَةَ وَ کُلُوا مِنْها حَیْثُ شِئْتُمْ وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَکُمْ خَطِیئاتِکُمْ سَنَزِیدُ الْمُحْسِنِینَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما کانُوا یَظْلِمُونَ (162) وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْیَةِ الَّتِی کانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ یَعْدُونَ فِی السَّبْتِ إِذْ تَأْتِیهِمْ حِیتانُهُمْ یَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ یَوْمَ لا یَسْبِتُونَ لا تَأْتِیهِمْ کَذلِکَ نَبْلُوهُمْ بِما کانُوا یَفْسُقُونَ (163) وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِکُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِیداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلی رَبِّکُمْ وَ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ (164)
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُکِّرُوا بِهِ أَنْجَیْنَا الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِیسٍ بِما کانُوا یَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ کُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ (166) وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکَ لَیَبْعَثَنَّ عَلَیْهِمْ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ مَنْ یَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّکَ لَسَرِیعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (167) وَ قَطَّعْناهُمْ فِی الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِکَ وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّیِّئاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْکِتابَ یَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنی وَ یَقُولُونَ سَیُغْفَرُ لَنا وَ إِنْ یَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ یَأْخُذُوهُ أَ لَمْ یُؤْخَذْ عَلَیْهِمْ مِیثاقُ الْکِتابِ أَنْ لا یَقُولُوا عَلَی اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَ دَرَسُوا ما فِیهِ وَ الدَّارُ الْآخِرَةُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (169)
وَ الَّذِینَ یُمَسِّکُونَ بِالْکِتابِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِینَ (170) وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ کَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَیْناکُمْ بِقُوَّةٍ وَ اذْکُرُوا ما فِیهِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ (171) وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَکَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ کُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِکُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ وَ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (174)
وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ الَّذِی آتَیْناهُ آیاتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّیْطانُ فَکانَ مِنَ الْغاوِینَ (175) وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَی الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَثْ ذلِکَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ أَنْفُسَهُمْ کانُوا یَظْلِمُونَ (177) مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِی وَ مَنْ یُضْلِلْ فَأُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178) وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْیُنٌ لا یُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا یَسْمَعُونَ بِها أُولئِکَ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِکَ هُمُ الْغافِلُونَ (179)
وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنی فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمائِهِ سَیُجْزَوْنَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (180) وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ (181) وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ (182) وَ أُمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِی مَتِینٌ (183) أَ وَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِیرٌ مُبِینٌ (184)
أَ وَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ‌ءٍ وَ أَنْ عَسی أَنْ یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ (185) مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِیَ لَهُ وَ یَذَرُهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ (186) یَسْئَلُونَکَ عَنِ السَّاعَةِ أَیَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی لا یُجَلِّیها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِیکُمْ إِلاَّ بَغْتَةً یَسْئَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (187) قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَ لَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لاسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ وَ ما مَسَّنِیَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِیرٌ وَ بَشِیرٌ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (188) هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِیَسْکُنَ إِلَیْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِیفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَیْتَنا صالِحاً لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ (189)
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَکاءَ فِیما آتاهُما فَتَعالَی اللَّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ (190) أَ یُشْرِکُونَ ما لا یَخْلُقُ شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ (191) وَ لا یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَ لا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ (192) وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَی الْهُدی لا یَتَّبِعُوکُمْ سَواءٌ عَلَیْکُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُکُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْیَسْتَجِیبُوا لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (194)
أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ یَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَیْدٍ یَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَکاءَکُمْ ثُمَّ کِیدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْکِتابَ وَ هُوَ یَتَوَلَّی الصَّالِحِینَ (196) وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَکُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ (197) وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَی الْهُدی لا یَسْمَعُوا وَ تَراهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ وَ هُمْ لا یُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ (199)
وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (200) إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَ إِخْوانُهُمْ یَمُدُّونَهُمْ فِی الغَیِّ ثُمَّ لا یُقْصِرُونَ (202) وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآیَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَیْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما یُوحی إِلَیَّ مِنْ رَبِّی هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ وَ هُدیً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (203) وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ (204)
وَ اذْکُرْ رَبَّکَ فِی نَفْسِکَ تَضَرُّعاً وَ خِیفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَکُنْ مِنَ الْغافِلِینَ (205) إِنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ یُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ یَسْجُدُونَ (206)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 27
سورة الأعراف «1» مکیة إلا قوله- تعالی-:
______________________________
(1) أهداف سورة الأعراف اشتملت سورة الأعراف مجملا علی: تسلیة النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی تکذیب الکفار إیاه و ذکر وزن الأعمال یوم القیامة، و ذکر خلق آدم و إباء إبلیس من السجدة لآدم، و وسوسته لهما للأکل من الشجرة، و تحذیر بنی آدم من قبول وسوسته، و الأمر باتخاذ الزینة، و ستر العورة وقت الصلاة و الرد علی المکذبین، و تحریم الفواحش ظاهرا و باطنا و بیان منزلة الکفار فی النار و مناظرة بعضهم بعضا و یأسهم من دخول الجنة و ذکر المنادی بین الجنة و النار، و نداء أصحاب الأعراف لکلا الفریقین و تمنیهم الرجوع إلی الدنیا و حجة التوحید و البرهان علی ذات اللّه- تعالی- و صفاته. و قصة نوح و الطوفان، و ذکر هود و هلاک عاد و حدیث صالح و قهر ثمود، و خبر لوط و قومه، و خبر شعیب و أهل مدین و تخویف الآمنین من مکر اللّه و تفصیل أحوال موسی و فرعون و استغاثة بنی إسرائیل، و ذکر الآیات المفصلات و حدیث خلافة هارون، و میقات موسی و قصة عجل السامری فی غیبة موسی و رجوع موسی إلی قومه و مخاطبته لأخیه هارون و ذکر النبی الأمی العربی- صلی اللّه علیه و سلم- و الإشارة إلی ذکر الأسباط و قصة أصحاب السبت، و أهل أیلة و ذم علماء أهل الکتاب، و حدیث المیثاق، و معاهدة اللّه- تعالی- الذریة و طرد بلعام بسبب میله إلی الدنیا.
و تخویف العباد بقرب القیامة، و ذم الأصنام و عبادها، و أمر الرسول بمکارم الأخلاق و أمر الخلائق بالإنصات و الاستماع لقراءة القرآن و خطبة الخطباء یوم الجمعة، و الإخبار عن خضوع الملائکة فی الملکوت و انقیادهم بحضرة الجلال فی قوله: وَ یُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ یَسْجُدُونَ الآیة 206.
و کلماتها 3325 ثلاثة آلاف و ثلاثمائة و خمس و عشرون کلمة.
و مجموع فواصل آیاتها (م ن د ل).
(انظر بصائر ذوی التمییز فی لطائف الکتاب العزیز للفیروزآبادی: 203)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 28
وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْیَةِ الَّتِی کانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ ... «1» إلی قوله «2»: ... وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ «3»، هذه الآیات «4» مدنیات، و هی مائتان و ست آیات «5».
______________________________
(1) الآیة: 163.
(2) فی أ: فی قوله، ل: إلی قوله.
و فی کتاب تاریخ القرآن لأبی عبد اللّه الزنجانی: سورة الأعراف مکیة إلا من آیة 163 إلی آیة 170 فمدنیة، و هو موافق لما فی رأس السورة فی المصحف.
(3) الآیة: 173.
(4) أی أن بها إحدی عشر آیة مدنیة من آیة 163 إلی آیة 173، و فی کتاب بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی: هذه السورة نزلت بمکة إجماعا.
(5) هذا العدد موافق لما فی کتاب تاریخ القرآن لأبی عبد اللّه الزنجانی و لما فی رأس السورة فی المصحف الشریف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 29
المص 1- کِتابٌ أُنْزِلَ إِلَیْکَ یعنی القرآن فَلا یَکُنْ فِی صَدْرِکَ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم حَرَجٌ مِنْهُ یقول فلا یکن فی قلبک شک من القرآن بأنه من اللّه لِتُنْذِرَ بِهِ «1» بما فی القرآن من الوعید وَ ذِکْری لِلْمُؤْمِنِینَ 2- یعنی تذکرة للمصدقین بالقرآن بأنه من اللّه- عز و جل- ثم قال لأهل مکة: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ یعنی القرآن وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ یعنی أربابا، ثم أخبر عنهم فقال: قَلِیلًا ما تَذَکَّرُونَ 3- یعنی بالقلیل أنهم لا یعقلون فیعتبرون، ثم وعظهم فقال: وَ کَمْ مِنْ قَرْیَةٍ أَهْلَکْناها بالعذاب فَجاءَها بَأْسُنا بَیاتاً و هم نائمون یعنی لیلا أَوْ جاءهم العذاب هُمْ قائِلُونَ 4- یعنی بالنهار فَما کانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا یقول فما کان قولهم عند نزول العذاب بهم إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا کُنَّا ظالِمِینَ 5- لقولهم فی حم المؤمن «آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ» «2». ثم قال: فَلَنَسْئَلَنَ فی الآخرة الَّذِینَ أُرْسِلَ إِلَیْهِمْ یعنی الأمم الخالیة الذین أهلکوا فی الدنیا: ما «3» أجابوا الرسل فی التوحید؟ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِینَ 6- ما ذا أجیبوا فی التوحید؟
______________________________
(1) به: ساقطة من أ.
(2) یشیر إلی الآیة 84 من سورة غافر و هی فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ کَفَرْنا بِما کُنَّا بِهِ مُشْرِکِینَ
(3) هکذا فی: أ، ل. و المراد: بم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 30
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَیْهِمْ أعمالهم بِعِلْمٍ وَ ما کُنَّا غائِبِینَ 7- عن أعمالهم یعنی عنهم فی الدنیا وَ الْوَزْنُ یَوْمَئِذٍ الْحَقُ «یقول وزن الأعمال یومئذ العدل فی الآخرة «1»» فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِینُهُ من المؤمنین وزن ذرة علی سیئاته فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 8- وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِینُهُ یعنی الکفار فَأُولئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ [128 أ] یعنی غبنوا أنفسهم فصاروا إلی النار بِما کانُوا بِآیاتِنا یَظْلِمُونَ 9- یعنی بالقرآن یجحدون بأنه لیس من اللّه وَ لَقَدْ مَکَّنَّاکُمْ فِی الْأَرْضِ یقول و لقد أعطیناکم یا أهل مکة من الخیر و التمکین فی الأرض وَ جَعَلْنا لَکُمْ فِیها مَعایِشَ من الرزق لتشکروه فتوحدوه «2» فلم تفعلوا، فأخبر عنهم فقال: قَلِیلًا ما تَشْکُرُونَ 10- یعنی بالقلیل أنهم لا یشکرون رب هذه النعم فیوحدونه وَ لَقَدْ خَلَقْناکُمْ یعنی آدم- علیه السلام ثُمَّ صَوَّرْناکُمْ یعنی ذریة آدم ذکرا و أنثی و أبیض و أسود سویا و غیر سوی ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ الذین هم فی الأرض و منهم إبلیس عدو اللّه اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا له، ثم استثنی فقال: إِلَّا إِبْلِیسَ لَمْ یَکُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ 11- لآدم مع الملائکة قالَ ما مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ قالَ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ 12- و النار تغلب الطین قالَ فَاهْبِطْ مِنْها قال: اخرج من صورة الملائکة إلی صورة الدمامة. فأخرج من الجنة یا إبلیس فَما یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیها فما ینبغی لک أن تتعظم فیها یعنی فی الجنة فَاخْرُجْ منها إِنَّکَ مِنَ الصَّاغِرِینَ 13- یعنی من المذلین قالَ إبلیس لربه أَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ
______________________________
(1) ما بین الأقواس «...» من ل، و فی أ: «یقول العدل وزن أعمال یومئذ فی الآخرة».
(2) فی أ: فتوحده.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 31
- 14- یعنی النفخة الآخرة یوم یبعث آدم- علیه السلام- و ذریته قالَ اللّه: إِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ 15- فلا تموت إلی یوم الوقت المعلوم یعنی أجلا معلوما و هی النفخة الأولی قالَ فَبِما أَغْوَیْتَنِی قال أما إذ أضللتنی لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَکَ الْمُسْتَقِیمَ 16- یعنی لأصدنهم عن دینک المستقیم یعنی الإسلام ثُمَّ لَآتِیَنَّهُمْ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ من قبل الآخرة فأزین لهم التکذیب بالبعث و بالجنة و بالنار وَ مِنْ خَلْفِهِمْ یعنی من قبل الدنیا فأزینها فی أعینهم و أرغبهم فیها و لا یعطون فیها حقا وَ عَنْ أَیْمانِهِمْ یعنی من قبل دینهم فإن کانوا علی هدی شبهته علیهم حتی یشکوا فیها «1» و إن کانوا علی ضلالة زینتها لهم وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ یعنی من قبل الشهوات و اللذات من المعاصی و أشهاها إلیهم وَ لا تَجِدُ أَکْثَرَهُمْ شاکِرِینَ 17- لنعمتک فلا یوحدونک قالَ له اخْرُجْ مِنْها یعنی من الجنة مَذْؤُماً منفیا مَدْحُوراً یعنی مطرودا لَمَنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ علی دینک لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکُمْ أَجْمَعِینَ 18- یعنی إبلیس و ذریته و کفار ذریة آدم، منهم جمیعا.
وَ یا آدَمُ اسْکُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُکَ الْجَنَّةَ فی التقدیم فَکُلا مِنْ حَیْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ و هی السنبلة الحنطة، و قالوا هی الشجرة التی تحتک «2» بها الملائکة للخلود فَتَکُونا مِنَ الظَّالِمِینَ 19- لأنفسکم فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّیْطانُ یعنی إبلیس وحده لِیُبْدِیَ لَهُما ما وُورِیَ عَنْهُما یعنی ما غطی عنهما مِنْ سَوْآتِهِما [128 ب یعنی لیظهر لهما عورتهما وَ قالَ إبلیس لهما: إنی
______________________________
(1) الأنسب فیه: أی فی الهدی. و لکنه أعاد الضمیر علی الإیمان.
(2) فی أ: تحتل، و فی حاشیة أ: فی الأصل تحتک. و هی غیر واضحة فی ل. و فی م: تحتل.
و هو دلیل علی أن «م» ناقلة «عن أ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 32
خلقت قبلکما و إنی أعلم منکما فأطیعانی ترشدا، و قال لهما: ما نَهاکُما رَبُّکُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَکُونا مَلَکَیْنِ أَوْ تَکُونا مِنَ الْخالِدِینَ 20- یقول إن لم تکونا ملکین کنتما من الخالدین لا تموتان وَ قاسَمَهُما یعنی حلف باللّه لهما إِنِّی لَکُما لَمِنَ النَّاصِحِینَ 21- إنها شجرة الخلد من أکل منها لم یمت فکان إبلیس أول من یحلف باللّه کاذبا فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ یعنی زین لهما الباطل لقوله تکونا ملکین أو تکونا من الخالدین و حلف علی قوله فغرهما بهذه الیمین فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما یعنی ظهرت لهما عوراتهما وَ طَفِقا یَخْصِفانِ عَلَیْهِما یقول أخذا یغطیان عوراتهما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ یعنی ورق التین الذی فی الجنة وَ ناداهُما رَبُّهُما یقول: و قال لهما ربهما یوحی إلیهما: أَ لَمْ أَنْهَکُما عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَکُما یعنی آدم و حواء إِنَّ الشَّیْطانَ یعنی إبلیس لَکُما عَدُوٌّ مُبِینٌ 22- قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا ذنوبنا وَ تَرْحَمْنا و تتجاوز عنا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ 23- فی العقوبة فتاب آدم- علیه السلام- یوم عاشوراء یوم الجمعة فتاب اللّه علیه، و أوحی إلیهما: قالَ اهْبِطُوا من الجنة آدم و حواء و إبلیس و الحیة بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ یقول إبلیس لهما عدو و هما لإبلیس عدو وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلی حِینٍ 24- یعنی إلی منتهی آجالکم و إبلیس فی النفخة الأولی قالَ فِیها تَحْیَوْنَ یعنی فی الأرض وَ فِیها تَمُوتُونَ عند منتهی آجالکم وَ مِنْها تُخْرَجُونَ 25- یوم القیامة.
یا بَنِی آدَمَ نزلت فی ثقیف، و بنی عامر بن صعصعة، و خزاعة، و بنی مدلج، و عامر و الحارث ابنی عبد مناة، قالوا: لا نطوف بالبیت الحرام فی الثیاب التی نقارف فیها الذنوب. و لا یضربون علی أنفسهم خباء من وبر و لا صوف و لا شعر و لا أدم، فکانوا یطوفون بالبیت عراة، و نساءهم یطفن باللیل فأنزل اللّه
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 33
یا بَنِی آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَیْکُمْ لِباساً یقول من أمری کان اللباس فی الأرض یُوارِی سَوْآتِکُمْ یعنی یغطی عوراتکم وَ رِیشاً یعنی المال وَ لِباسُ التَّقْوی یعنی من العمل الصالح ذلِکَ خَیْرٌ یقول العمل الصالح خیر من الثیاب و المال ثم قال: ذلِکَ الثیاب و المال مِنْ آیاتِ اللَّهِ و من صنعه لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَذَّکَّرُونَ 26- فیعتبروا فی صنعه فیوحدوه، ثم قال: یا بَنِی آدَمَ یعنیهم لا یَفْتِنَنَّکُمُ الشَّیْطانُ فی دینکم أمر الثیاب فیدعها عنکم فتبدی عوراتکم کَما «أَخْرَجَ «1»» أَبَوَیْکُمْ یعنی کما فعل بأبویکم آدم و حواء فأخرجهما مِنَ الْجَنَّةِ و بدت عورتهما، فذلک قوله: یَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما یعنی ثیابهما لِیُرِیَهُما سَوْآتِهِما یعنی عوراتهما إِنَّهُ یَراکُمْ هُوَ وَ قَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لا تَرَوْنَهُمْ یقول یراکم إبلیس و جنوده [129 أ] من الشیاطین من حیث لا ترونهم إِنَّا جَعَلْنَا الشَّیاطِینَ أَوْلِیاءَ لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ 27- یعنی لا یصدقون، ثم قال: وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً یعنی معصیة فیما حرموا من الحرث، و الأنعام، و الثیاب، و الألبان، فنهوا عن تحریم ذلک قالُوا وَجَدْنا عَلَیْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها یعنی بتحریم ذلک، ثم قال: قُلْ یا محمد: إِنَّ اللَّهَ لا یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ یعنی بالمعاصی فیحرم ذلک، و قل لهم: أَ تَقُولُونَ عَلَی اللَّهِ ربکم إنه حرم علیکم ما لا تَعْلَمُونَ 28- إنه حرمه و قُلْ لهم: أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ یعنی بالعدل وَ أَقِیمُوا وُجُوهَکُمْ یعنی و أمر ربی أن تقیموا وجوهکم یعنی إلی القبلة عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ فی بیعة أو کنیسة، أو غیرها فصلوا قبل الکعبة و أمرهم بالصلاة و التوحید فذلک قوله: وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِینَ یعنی
______________________________
(1) أخرج: ساقطة من أ، و من حاشیة أ، التلاوة «أخرج».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 34
موحدین لَهُ الدِّینَ کَما بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ 29- یعنی کما خلقکم سعداء و أشقیاء کذلک تعودون فَرِیقاً هَدی لدینه وَ فَرِیقاً حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّیاطِینَ أَوْلِیاءَ یعنی أربابا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ 30- أنهم علی الهدی، ثم قال یعنیهم: یا بَنِی آدَمَ خُذُوا زِینَتَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ فی کنیسة، أو بیعة، أو غیرها وَ کُلُوا من الحرث و الأنعام وَ اشْرَبُوا من الألبان وَ لا تُسْرِفُوا یقول: و لا تشرکوا الآلهة فی تحریم الحرث، و الأنعام، و الثیاب، و الألبان، مما «1» هو حل لکم إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ 31- یعنی المشرکین قُلْ لهم: مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللَّهِ یعنی الثیاب الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّیِّباتِ یعنی الحلال مِنَ الرِّزْقِ یعنی الحرث، و الأنعام و الألبان، قُلْ هِیَ لِلَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا خالِصَةً یَوْمَ الْقِیامَةِ یقول أشرک فی الطیبات فی الدنیا المؤمن، و الکافر، و هی خالصة للمؤمنین یوم القیامة کَذلِکَ نُفَصِّلُ یقول هکذا نبین الْآیاتِ یعنی أمور ما ذکر فی هذه الآیة لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ 32- بتوحید اللّه، ثم أخبرهم بما حرم اللّه فقال: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ یعنی الزنا ما ظَهَرَ مِنْها یعنی العلانیة وَ ما بَطَنَ فی السر و کانوا یتکرمون «عن الزنا فی «2»» العلانیة و یفعلوه فی السر، و حرم شرب الخمر وَ الْإِثْمَ و المعاصی وَ الْبَغْیَ یعنی ظلم الناس بِغَیْرِ الْحَقِ إلا أن یقتص منه بحق وَ حرم أَنْ تُشْرِکُوا بِاللَّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً یعنی کتابا فیه حجتکم بأن معه شریکا وَ حرم أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللَّهِ بأنه حرم الحرث و الأنعام و الألبان و الثیاب ما لا تَعْلَمُونَ
______________________________
(1) فی أ: ما.
(2) ما بین الأقواس «...» ساقط من: أ، و المثبت فی: ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 35
- 33- أنه حرمه ثم خوفهم بالعذاب فقال: وَ لِکُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ العذاب فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ 34- یقول لا یتأخرون و لا یتقدمون حتی یعذبوا و ذلک حین سألوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عن العذاب، ثم قال: یا بَنِی آدَمَ یعنی مشرکی العرب إِمَّا فإن یَأْتِیَنَّکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ محمد- صلی اللّه علیه و سلم- وحده یَقُصُّونَ عَلَیْکُمْ آیاتِی [129 ب یعنی یتلون علیکم القرآن فَمَنِ اتَّقی الشرک وَ أَصْلَحَ العمل و آمن باللّه فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ 35- من الموت وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی بالقرآن أنه لیس من اللّه وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْها و تکبروا عن الإیمان «1» بآیات القرآن أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ 36- فَمَنْ أَظْلَمُ یعنی فلا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً بأن معه شریکا و أنه أمر بتحریم الحرث، و الأنعام، و الألبان، و الثیاب، أَوْ کَذَّبَ بِآیاتِهِ یعنی بآیات القرآن أُولئِکَ یَنالُهُمْ نَصِیبُهُمْ یعنی حظهم مِنَ الْکِتابِ و ذلک أن اللّه قال فی الکتب کلها: إنه من افتری علی اللّه کذبا فإنه یسود وجهه، فهذا ینالهم فی الآخرة- نظیرها فی الزمر- تَرَی الَّذِینَ کَذَبُوا عَلَی اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ «2» و قال: حَتَّی إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا یَتَوَفَّوْنَهُمْ یعنی ملک الموت وحده، ثم قالت لهم خزنة جهنم قبل دخول النار فی الآخرة: قالُوا «3» أَیْنَ ما کُنْتُمْ تَدْعُونَ یعنی تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة هل یمنعونکم «4»
______________________________
(1) فی الأصل: إیمان.
(2) سورة الزمر آیة 60 و تمامها: وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ تَرَی الَّذِینَ کَذَبُوا عَلَی اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْمُتَکَبِّرِینَ
(3) قالوا: ساقطة من أ.
(4) فی أ: یمنعوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 36
من النار قالُوا ضَلُّوا عَنَّا یعنی ضلت الآلهة عنا یقول اللّه: وَ شَهِدُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ کانُوا کافِرِینَ 37- و ذلک حین قالوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ما کُنَّا مُشْرِکِینَ فشهدت علیهم الجوارح بما کتمت الألسن من الشرک و الکفر- نظیرها فی الأنعام «1» قالَ أی قالت الخزنة «2»: ادْخُلُوا النار فِی أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِکُمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فِی النَّارِ کُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ النار لَعَنَتْ أُخْتَها لعنت أهل ملتهم یلعن المشرکون المشرکین، و یلعن الیهود الیهود، و یلعن النصاری النصاری، و یلعن المجوس المجوس، و یلعن الصابئون الصابئین، و یلعن الأتباع القادة یقولون:
لعنکم اللّه أنتم ألقیتمونا فی هذا «3» الملقی حین أطعناکم یقولون: حَتَّی إِذَا ادَّارَکُوا فِیها یعنی حتی إذا اجتمعوا فی النار جَمِیعاً القادة، و الأتباع و قد دخلت القادة و الأتباع قالَتْ أُخْراهُمْ دخولا النار و هم الأتباع لِأُولاهُمْ دخولا النار و هم القادة رَبَّنا هؤُلاءِ القادة أَضَلُّونا عن الهدی فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً یعنی أعطهم عذابا مضاعفا مِنَ النَّارِ «4» قالَ یقول اللّه: لِکُلٍ یعنی الأتباع و القادة ضِعْفٌ یضاعف العذاب وَ لکِنْ لا تَعْلَمُونَ 38- وَ قالَتْ أُولاهُمْ دخولا النار و هم القادة لِأُخْراهُمْ دخولا النار و هم الأتباع فَما کانَ لَکُمْ عَلَیْنا مِنْ فَضْلٍ فی شی‌ء فقد ضللتم کما ضللنا فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ 39- یعنی تقولون من الشرک و التکذیب
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 23 من سورة الأنعام و هی: ثُمَّ لَمْ تَکُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ما کُنَّا مُشْرِکِینَ
(2) فی أ: (و قالت) الخزنة.
(3) فی أ: هذه، ل: هذا.
(4) فی أ: فی النار.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 37
إِنَّ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی القرآن وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْها یعنی و تکبروا عن الإیمان بآیات القرآن لا تُفَتَّحُ لَهُمْ یعنی لأرواحهم و لا لأعمالهم أَبْوابُ السَّماءِ کما تفتح أبواب السماء لأرواح المؤمنین و لأعمالهم إذا ماتوا، ثم قال: وَ لا یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّی یَلِجَ الْجَمَلُ فِی سَمِّ الْخِیاطِ یقول [130 أ] حتی یدخل البعیر فی خرق الإبرة وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا نَجْزِی الْمُجْرِمِینَ 40- لا یدخلون الجنة، ثم ذکر ما أعد لهم فی النار فقال: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ یعنی فراش من نار وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ یعنی لحفا یعنی ظللا من النار، و ذلک قوله فی الزمر: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ «1» یقول وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا نَجْزِی الظَّالِمِینَ 41- جهنم «2» «و ما «3» فیها من العذاب، ثم ذکر المؤمنین فقال: وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُکَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها یقول لا نکلفها من العمل إلا ما تطیق أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ 42- لا یموتون. ثم أخبر «4» عنهم فقال: وَ نَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ یعنی ما کان فی الدنیا فی قلوبهم من غش، یعنی بعضهم لبعض و ذلک أن أهل الجنة، إذا هم بشجرة ینبع من ساقها عینان فیمیلون إلی أحدهما فیشربون منها فیخرج اللّه ما کان فی أجوافهم من غل أو قذار
______________________________
(1) سورة الزمر: 16.
(2) فی أ: سقط من الأصل ورقة، و فی حاشیة أ: کتب فی الجانب: سقط من الأصل ورقة و قد أحضرت نسخة من مکتبة کوبریلی بترکیا المرموز لها به (ل)، و سأنقل منها الورقة الساقطة من أ. أی من الآیة 42 من سورة الأعراف إلی منتصف الآیة 54 من سورة الأعراف.
(3) هذا أول الورقة الساقطة من أ، و سأنقلها من ل إن شاء اللّه.
(4) فی ل: خبر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 38
فیطهر اللّه أجوافهم «وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً» «1» ثم یمیلون إلی العین الأخری فیغتسلون فیها فیطیب اللّه أجسادهم من کل درن و جرت علیهم النظرة فلا تشعث رءوسهم، و لا تغبر وجوههم، و لا تشحب أجسادهم، ثم تتلقاهم خزنة الجنة قبل أن یدخلوا الجنة فینادونهم یعنی قالوا لهم: «أَنْ تِلْکُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها» یقول: هاکم الجنة: أورثتموها «بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» فلما استقروا فی منازلهم:
«تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ «2»» وَ قالُوا «3» الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی هَدانا لِهذا أی للإسلام و لهذا الخیر وَ ما کُنَّا لِنَهْتَدِیَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لدینه ما کنا لنهتدی فی التقدیم لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ بأن هذا الیوم حق فصدقناهم «وَ نُودُوا أَنْ تِلْکُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» «4»- 43- وَ نادی أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا من الخیر و الثواب فی الدنیا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّکُمْ حَقًّا فی الدنیا من العذاب قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَیْنَهُمْ و هو ملک ینادی أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الظَّالِمِینَ 44- یعنی عذاب اللّه علی المشرکین، ثم نعت أعمالهم الخبیثة فقال: الَّذِینَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یعنی دین الإسلام وَ یَبْغُونَها عِوَجاً و یریدون بملة الإسلام زیفا وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ یعنی بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال کافِرُونَ 45- ثم قال: وَ بَیْنَهُما حِجابٌ یقول بین الجنة و النار سور وَ عَلَی الْأَعْرافِ رِجالٌ
______________________________
(1) سورة الإنسان: 21.
(2) ساقطة من الأصل: ل.
(3) فی ل: قالوا.
(4) ما بین القوسین «...» ساقط من ل. و قد فسرها سابقا فی غیر مکانها و اکتفی بذلک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 39
یعنی علی السور رجال یَعْرِفُونَ کُلًّا «من «1»» الفریقین بِسِیماهُمْ یعرفون أهل الجنة ببیاض فی الوجوه، و أهل النار بسواد الوجوه وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَیْکُمْ یسلم أصحاب الأعراف علی أهل الجنة یقول اللّه: لَمْ یَدْخُلُوها یعنی أصحاب الأعراف لم یدخلوا الجنة وَ هُمْ یَطْمَعُونَ 46- فی دخولها و إنما طمعوا فی دخول الجنة من أجل النور الذی بین أیدیهم و علی أقدامهم مثل السراج ثم قال: وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ یعنی قلبت وجوههم تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ یقول و إذا نظر أصحاب الأعراف قبل أهل النار قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ 47- یعنی مع المشرکین فی النار وَ نادی أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا هم فی النار یَعْرِفُونَهُمْ بِسِیماهُمْ یعنی بسواد الوجوه من القادة و الکبراء قالُوا ما أَغْنی عَنْکُمْ جَمْعُکُمْ فی الدنیا وَ ما کُنْتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ «2»- 48- یعنی و ما أغنی عنکم ما کنتم تستکبرون عن الإیمان، فأقسم أهل النار أن أهل الأعراف سیدخلون «3» النار معهم قالت الملائکة الذین حبسوا أصحاب الأعراف علی الصراط أَ هؤُلاءِ یعنی أصحاب الأعراف الَّذِینَ أَقْسَمْتُمْ یا أهل النار أنهم لا یَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، ثم قالت الملائکة: یا أصحاب الأعراف ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَیْکُمْ من العذاب وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ 49- من الموت. فقال مقاتل: إن أصحاب الأعراف من أمة محمد- صلی اللّه علیه
______________________________
(1) فی ل: ( «یَعْرِفُونَ کُلًّا» الفریقین)، و التلاوة «کلا»، فزدت «من» لتصیر (یَعْرِفُونَ کُلًّا) من الفریقین.
(2) أول الصفحة الثانیة فی ل، و هی ورقة 569 للصورة.
(3) فی ل: داخلون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 40
و سلم- خاصة، و هم الذین استوت حسناتهم و سیئاتهم فحبسوا علی الصراط من أجل ذنوبهم ثم دخلوا الجنة بعد ذلک بشفاعة محمد- صلی اللّه علیه و سلم.
وَ نادی أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِیضُوا عَلَیْنا مِنَ الْماءِ یقول:
اسقونا من الماء نشرب أَوْ أطعمونا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ من الطعام نأکل فإن فینا معارفکم و فیکم معارفنا، فرد علیهم أهل الجنة قالُوا «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما» یعنی الطعام و الشراب «عَلَی الْکافِرِینَ» و ذلک أن اللّه- عز و جل- رفع أهل الجنة لأهل النار فرأوا ما فیهما من الخیر و الرزق فنادوا عند ذلک أن أفیضوا علینا من الماء أو مما رزقکم اللّه من الشراب و الطعام، قال لهم أهل الجنة:
إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَی الْکافِرِینَ 50- ثم نعتهم فقال: الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ الإسلام لَهْواً وَ لَعِباً یعنی لهوا عنه و لعبا یعنی باطلا و دخلوا فی غیر دین الإسلام وَ غَرَّتْهُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا عن دینهم الإسلام فَالْیَوْمَ فی الآخرة نَنْساهُمْ کَما نَسُوا یقول: فالیوم فی الآخرة نترکهم فی النار کما ترکوا الإیمان لِقاءَ یَوْمِهِمْ هذا یعنی بالبعث وَ ما کانُوا بِآیاتِنا یعنی بالقرآن یَجْحَدُونَ 51- بأنه لیس من اللّه وَ لَقَدْ جِئْناهُمْ بِکِتابٍ فَصَّلْناهُ یعنی بیناه عَلی عِلْمٍ و هو القرآن هُدیً من الضلالة وَ رَحْمَةً من العذاب لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 52- یعنی یصدقون. بالقرآن بأنه من اللّه، ثم رجع فی التقدیم إلی الذین جحدوا بالقرآن فقال: هَلْ یَنْظُرُونَ یخوفهم إِلَّا تَأْوِیلَهُ یَوْمَ یَأْتِی تَأْوِیلُهُ یعنی العاقبة: ما وعد اللّه فی القرآن من الوعد و الوعید، و الخیر و الشر، علی ألسنة الرسل یَقُولُ الَّذِینَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ یعنی یقول فی الآخرة: الذین ترکوا الإیمان فی الدنیا بالبعث، فإذا ذکروه و عاینوا قول الرسل قالوا: قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ بأن هذا الیوم کائن و هو حق فَهَلْ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 41
لَنا مِنْ شُفَعاءَ من الملائکة و النبیین و غیرها فَیَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ إلی الدنیا فَنَعْمَلَ من الخیر غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ من الشر یعنی الشرک و التکذیب یقول اللّه: قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ یقول قد غبنوا أنفسهم فساروا إلی النار وَ ضَلَّ عَنْهُمْ فی الآخرة ما کانُوا یَفْتَرُونَ 53- فی الدنیا من التکذیب إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ قبل ذلک «1»».
[131 أ «2»] یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ یقول یغشی ظلمة اللیل ضوء النهار یَطْلُبُهُ حَثِیثاً یعنی سریعا وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ لبنی آدم أَلا لَهُ الْخَلْقُ یعنی کل شی‌ء خلق وَ الْأَمْرُ یعنی قضاءه فی الخلق الذی فی اللوح المحفوظ فله المشیئة فی الخلق و الأمر تَبارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ 54- فیخبر بعظمته و قدرته ثم بین کیف یدعونه؟
فقال: ادْعُوا رَبَّکُمْ تَضَرُّعاً یعنی مستکینین وَ خُفْیَةً یعنی فی خفض و سکون کقوله: «وَ لا تُخافِتْ بِها» «3» یعنی تسر بها فادعوه فی حاجتکم و لا تدعوه فیما لا یحل لکم علی مؤمن أو مؤمنة: تقول اللهم اخزه و العنه اللهم أهلکه أو افعل به کذا و کذا فذلک عدوان إِنَّهُ اللّه «4» لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ 55-
______________________________
(1) هذه نهایة الورقة التی نقلتها من ل، (نسخة کوبریلی) لأنها ساقطة من أ: (نسخة أحمد الثالث)
(2) لیست هذه أول الورقة تماما إلا أن هذه الورقة ساقط منها أربعة أسطر من أولها، و هی السطور المکملة للورقة الساقطة.
(3) سورة الإسراء: 110.
(4) فی أ: و اللّه، و فی حاشیة أ: إنه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 42
وَ لا تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها و ذلک أن اللّه إذا بعث نبیا إلی الناس فأطاعوه صلحت الأرض و صلح أهلها و أن المعاصی فساد المعیشة و هلاک أهلها یقول لا تعملوا فی الأرض بالمعاصی بعد الطاعة وَ ادْعُوهُ خَوْفاً من عذابه وَ طَمَعاً فی رحمته فمن فعل ذلک و هو محسن فذلک قوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِیبٌ مِنَ الْمُحْسِنِینَ 56- یعنی بالرحمة المطر، یقول الرحمة لهم وَ هُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیاحَ بُشْراً «1» بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ یقول الریاح نشرا للسحاب کقوله: یُرْسِلُ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً «2» یسیر السحاب قدام الریاح حَتَّی إِذا أَقَلَّتْ یعنی إذا حملت الریح سَحاباً ثِقالًا من الماء سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَیِّتٍ لیس فیه نبات فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ بالماء من الأرض مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ کَذلِکَ یعنی هکذا نُخْرِجُ یخرج اللّه الْمَوْتی من الأرض بالماء کما أخرج النبات من الأرض بالماء لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تَذَکَّرُونَ 57- فتعتبروا فی البعث أنه کائن- نظیرها فی الروم «3» و الملائکة «4»-.
______________________________
(1) فی أ: نشرا. و قراءة حفص و عاصم بشرا و هو تخفیف بشر جمع بشیر و قد قرئ به. و بشرا بفتح الباء مصدر بشره بمعنی باشرات و البشارة و بشری.
أما نشرا فهو جمع نشور بمعنی ناشر و قرأ ابن عامر نشرا بالتخفیف حیث وقع و حمزة و الکسائی نشرا بفتح النون حیث وقع علی أنه مصدر فی موضع الحال بمعنی ناشرات أو مفعول مطلق فإن الإرسال و النشر متقاربان (انظر البیضاوی)
(2) سورة الروم: 48.
(3) یشیر إلی الآیة 24 من سورة الروم و هی: وَ مِنْ آیاتِهِ یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَیُحْیِی بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ
(4) الآیة 9 من سورة فاطر و هی: وَ اللَّهُ الَّذِی أَرْسَلَ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلی بَلَدٍ مَیِّتٍ فَأَحْیَیْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها کَذلِکَ النُّشُورُ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 43
ثم ضرب مثلا للمؤمنین و الکفار فقال: وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یعنی الأرض العذبة إذا مطرت یَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ فینتفع به کما ینفع المطر البلد الطیب فینبت، ثم ذکر مثل الکافر فقال: وَ الَّذِی خَبُثَ من البلد یعنی من الأرض السبخة أصابها المطر فلم ینبت لا یَخْرُجُ إِلَّا نَکِداً یعنی إلا عسرا رقیقا یبس مکانه فلم ینتفع به- فهکذا الکافر یسمع الإیمان و لا ینطق به و لا ینفعه [131 ب .
کما لا «1» ینفع هذا النبات الذی یخرج رقیقا فییبس مکانه کَذلِکَ یعنی هکذا نُصَرِّفُ الْآیاتِ فی أمور شتی لما ذکره فی هاتین الآیتین لِقَوْمٍ یَشْکُرُونَ 58- یعنی یوحدون ربهم لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ فَقالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ یقول لیس لکم رب غیره فإن لم تعبدوه إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ فی الدنیا عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ 59- لشدته قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ و هم القادة و الکبراء لنوح إِنَّا لَنَراکَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 60- قالَ یا قَوْمِ لَیْسَ بِی ضَلالَةٌ وَ لکِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ 61- إلیکم أُبَلِّغُکُمْ رِسالاتِ رَبِّی فی نزول العذاب بکم فی الدنیا وَ أَنْصَحُ لَکُمْ فیها و أحذرکم من عذابه فی الدنیا وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ فی نزول العذاب بکم ما لا تَعْلَمُونَ 62- أنتم و ذلک أن قوم نوح لم یسمعوا بقوم قط عذبوا و قد سمعت الأمم بعدهم بنزول العذاب علی قوم نوح.
ألا تری أن هودا قال لقومه: وَ اذْکُرُوا إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ «2»
______________________________
(1) فی ل: لم.
(2) سورة الأعراف: 69.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 44
و قال صالح لقومه: وَ اذْکُرُوا إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ هلاک عادٍ «1»، و حذر شعیب قومه فقال: أَنْ یُصِیبَکُمْ من العذاب مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْکُمْ بِبَعِیدٍ «2». فمن ثم قال نوح لقومه: أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ فقال بعضهم لبعض الکبراء للضعفاء: ما هذا إلا بشر مثلکم أ فتتبعونه «3»؟ فرد علیهم نوح أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ یعنی بیان من ربکم عَلی رَجُلٍ مِنْکُمْ یعنی نفسه لِیُنْذِرَکُمْ العذاب فی الدنیا وَ لِتَتَّقُوا الشرک و توحدوا ربکم وَ لَعَلَّکُمْ یعنی و لکی تُرْحَمُونَ 63- فلا تعذبوا «4» فَکَذَّبُوهُ فی العذاب أنه لیس بنازل بنا یقول اللّه: فَأَنْجَیْناهُ یعنی نوحا وَ الَّذِینَ مَعَهُ من المؤمنین فِی الْفُلْکِ یعنی السفینة من الغرق برحمة منا وَ أَغْرَقْنَا الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی نزول العذاب إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً عَمِینَ 64- عموا عن نزول العذاب بهم و هو الغرق وَ أرسلنا إِلی عادٍ أَخاهُمْ هُوداً لیس بأخیهم فی الدین و لکن أخوهم فی النسب قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ یقول ما لکم رب غیره أَ فَلا تَتَّقُونَ 65- یعنی الشرک أ فلا توحدون ربکم قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ و هم الکبراء لهود
______________________________
(1) سورة الأعراف: 74.
(2) الآیة 89 من سورة هود و هی وَ یا قَوْمِ لا یَجْرِمَنَّکُمْ شِقاقِی أَنْ یُصِیبَکُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْکُمْ بِبَعِیدٍ.
(3) فی أ: فنتبعونه.
(4) فی أ: أ فلا تعذبوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 45
و القادة: إِنَّا لَنَراکَ فِی سَفاهَةٍ یعنی فی حمق وَ إِنَّا لَنَظُنُّکَ یعنی لنحسبک مِنَ الْکاذِبِینَ 66- فیما تقول فی نزول العذاب بنا قالَ یا قَوْمِ لَیْسَ بِی سَفاهَةٌ یعنی حمق وَ لکِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ 67- إلیکم أُبَلِّغُکُمْ رِسالاتِ رَبِّی فی نزول العذاب بکم فی الدنیا وَ أَنَا لَکُمْ ناصِحٌ فیما أحذرکم من عذابه أَمِینٌ 68- فیما بینی و بینکم، فقال الکبراء: للضعفاء ما هذا إلا بشر مثلکم أ فتتبعونه «1»؟ فرد علیهم هود أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ [132 أ] یعنی بیان من ربکم عَلی رَجُلٍ مِنْکُمْ یعنی نفسه لِیُنْذِرَکُمْ العذاب فی الدنیا وَ اذْکُرُوا إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفاءَ فی الأرض «2» مِنْ بَعْدِ هلاک قَوْمِ نُوحٍ وَ زادَکُمْ فِی الْخَلْقِ بَصْطَةً علی غیرکم: کان طول کل رجل منهم «3» اثنی عشر ذراعا و نصفا فَاذْکُرُوا آلاءَ اللَّهِ یعنی نعم اللّه فوحدوه لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تُفْلِحُونَ 69- و لا تعبدوا غیره قالُوا أَ جِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَ نَذَرَ عبادة ما کانَ یَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 70- إن العذاب نازل بنا قالَ هود: قَدْ وَقَعَ عَلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ یعنی إثم و عذاب أَ تُجادِلُونَنِی فِی أَسْماءٍ سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ إنها آلهة ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ یعنی من کتاب لکم فیه حجة بأن معه شریکا فَانْتَظِرُوا العذاب إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ 71- بکم العذاب فَأَنْجَیْناهُ یعنی هودا وَ الَّذِینَ مَعَهُ من المؤمنین بِرَحْمَةٍ مِنَّا
______________________________
(1) فی أ: فتتبعونه.
(2) فی أ: الأرض، ل: فی الأرض.
(3) فی أ: منکم، ل: منهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 46
یعنی بنعمة منا من العذاب وَ قَطَعْنا دابِرَ یعنی أصل القوم الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی بنزول العذاب وَ ما کانُوا مُؤْمِنِینَ 72- یعنی مصدقین بالعذاب أنه نازل بهم و هی الریح.
ثم ذکر اللّه ثمود قوم صالح فقال: وَ أرسلنا إِلی ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً لیس بأخیهم فی الدین و لکن أخوهم فی النسب قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ یقول لیس لکم رب غیره قَدْ جاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ یعنی بالبینة الناقة فقال: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَکُمْ آیَةً لتعتبروا فتوحدوا ربکم و کانت «1» من غیر نسل و کان الفصیل من نسل فَذَرُوها تَأْکُلْ فِی أَرْضِ اللَّهِ یقول خلوا عنها فلتأکل حیث شاءت و لا تکلفکم مؤونة وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ لا تصیبوها بعقر فَیَأْخُذَکُمْ یعنی فیصیبکم عَذابٌ أَلِیمٌ 73- یعنی وجیع فی الدنیا وَ اذْکُرُوا إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ هلاک عادٍ وَ بَوَّأَکُمْ فِی الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُیُوتاً یعنی تبنون فی «2» الجبال من الحجارة بیوتا فَاذْکُرُوا آلاءَ اللَّهِ یعنی نعم اللّه فی القصور و البیوت فتوحدوه وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ 74- یعنی و لا تسعوا فیها بالمعاصی قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا یعنی الذین تکبروا عن الإیمان و هم الکبراء مِنْ قَوْمِهِ أی من قوم صالح «3» لِلَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ یعنی لمن صدق منهم بالتوحید أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ
______________________________
(1) و کانت: ساقطة من ل. و مثبتة فی أ.
(2) فی: ساقطة من أ و مثبته فی ل.
(3) فی أ: (مِنْ قَوْمِهِ) صالح، ل: (من قوم) صالح.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 47
- 75- قالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِی آمَنْتُمْ بِهِ یعنی صدقتم به من العذاب و التوحید کافِرُونَ 76- فَعَقَرُوا النَّاقَةَ لیلة الأربعاء وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ یعنی التوحید وَ قالُوا یا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ کُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ 77- الصادقین بأن العذاب نازل بنا فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ یعنی فأصابهم العذاب بکرة یوم السبت من صیحة جبریل [132 ب - علیه السلام- فَأَصْبَحُوا فِی دارِهِمْ جاثِمِینَ 78- یعنی فی منازلهم خامدین أمواتا فَتَوَلَّی عَنْهُمْ یعنی فأعرض عنهم حین کذبوا بالعذاب وَ قالَ یا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُکُمْ رِسالَةَ رَبِّی فی نزول العذاب بکم فی الدنیا وَ نَصَحْتُ لَکُمْ فیما حذرتکم من عذابه وَ لکِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِینَ 79- یعنی نفسه.
وَ أرسلنا لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ «1» أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ یعنی المعصیة یعنی إتیان الرجال و أنتم تبصرون أنها فاحشة ما سَبَقَکُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِینَ 80- فیما مضی قبلکم إِنَّکُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ 81- یعنی الذنب العظیم «2» وَ ما کانَ جَوابَ قَوْمِهِ أی قوم لوط «3» حین نهاهم عن الفاحشة إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ آل لوط مِنْ قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ یَتَطَهَّرُونَ 82- یعنی لوطا وحده یعنی یتنزهون عن إتیان الرجال فَأَنْجَیْناهُ وَ أَهْلَهُ من العذاب
______________________________
(1) فی أ: (و) أرسلنا (لوطا) إلی (قومه) فقال لقومه. و فی حاشیة أ: إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ
(2) هکذا فی أ، ل: و المراد أن الإسراف هو الذنب العظیم أی مسرفون فی اقتراف الذنب العظیم و هو اللوط.
(3) فی أ: (فما کان جواب قوم) لوط.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 48
إِلَّا امْرَأَتَهُ کانَتْ مِنَ الْغابِرِینَ 83- یعنی من الباقین فی العذاب وَ أَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ الحجارة من فوقهم مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِینَ «1» یعنی فبئس مطر الذین أنذروا العذاب فَانْظُرْ یا محمد کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِینَ 84- یعنی قوم لوط کان عاقبتهم الخسف و الحصب بالحجارة وَ أرسلنا إِلی مَدْیَنَ ابن إبراهیم لصلبه. و أرسلنا إلی مدین أَخاهُمْ شُعَیْباً لیس بأخیهم فی الدین و لکن أخوهم فی النسب قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ لیس لکم رب غیره قَدْ جاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ یعنی بیان من ربکم فَأَوْفُوا الْکَیْلَ وَ الْمِیزانَ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیاءَهُمْ یعنی لا تنقصوا الناس حقوقهم فی نقصان الکیل و المیزان وَ لا تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها بعد الطاعة فی نقصان الکیل و المیزان «2» فإن المعاصی فساد المعیشة و هلاک أهلها ذلِکُمْ یقول وفاء الکیل و المیزان خیر لکم من النقصان إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ 85- یقول إن کنتم آمنتم کان فی الآخرة خیر لکم من نقصان الکیل و المیزان فی الدنیا- نظیرها فی هود- «3».
وَ لا تَقْعُدُوا بِکُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ یعنی و لا ترصدوا بکل طریق توعدون أهل الإیمان بالقتل وَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یعنی عن دین الإسلام مَنْ آمَنَ بِهِ یعنی من صدق باللّه وحده لا شریک له وَ تَبْغُونَها عِوَجاً یعنی تریدون بملة الإسلام زیفا وَ اذْکُرُوا إِذْ کُنْتُمْ قَلِیلًا «4» عددکم بعد عذاب
______________________________
(1) سورة الشعراء: 173. و سورة النمل: 58.
(2) أی بعد أن أطعتم فلم تنقصوا المکیال و المیزان.
(3) یشیر إلی الآیة 85 من سورة هود و هی: وَ یا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِکْیالَ وَ الْمِیزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیاءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ
(4) یشیر إلی الآیة: 89 من سورة هود.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 49
الأمم الخالیة، ثم ذکرهم النعم فقال: فَکَثَّرَکُمْ یعنی فکثر عددکم ثم وعظهم و خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالیة فقال: وَ انْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ 86- فی الأرض بالمعاصی بعد عذاب قوم نوح، و عاد، و ثمود، و قوم لوط، [133 أ] فی الدنیا، نظیرها فی هود «1»، وَ إِنْ کانَ طائِفَةٌ مِنْکُمْ آمَنُوا بِالَّذِی أُرْسِلْتُ بِهِ من العذاب وَ طائِفَةٌ لَمْ یُؤْمِنُوا یعنی لم یصدقوا بالعذاب فَاصْبِرُوا حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ حتی یقضی اللّه بَیْنَنا فی أمر العذاب وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ 87- یعنی و هو خیر الفاصلین فکان قضاؤه نزول العذاب بهم قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ یعنی الذین تکبروا عن الإیمان و هم الکبراء لَنُخْرِجَنَّکَ یا شُعَیْبُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَکَ مِنْ قَرْیَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنا یعنون الشرک: أو لتدخلن فی ملتنا قالَ أَ وَ لَوْ کُنَّا کارِهِینَ 88- ثم قال لهم شعیب: قَدِ افْتَرَیْنا عَلَی اللَّهِ کَذِباً إِنْ عُدْنا فِی مِلَّتِکُمْ الشرک یعنی إن دخلنا فی دینکم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها یقول بعد إذ لم یجعلنا اللّه من أهل ملتکم الشرک وَ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِیها و ما ینبغی لنا أن ندخل فی ملتکم الشرک إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا فیدخلنا فی ملتکم وَسِعَ یعنی ملأ رَبُّنا کُلَّ شَیْ‌ءٍ عِلْماً فعلمه عَلَی اللَّهِ تَوَکَّلْنا لقولهم لشعیب: لَنُخْرِجَنَّکَ یا شُعَیْبُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَکَ مِنْ قَرْیَتِنا ثم قال شعیب: رَبَّنَا افْتَحْ یعنی اقض بَیْنَنا وَ بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ یعنی بالعدل فی نزول العذاب بهم وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفاتِحِینَ 89- یعنی القاضین.
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 89 من سورة هود: وَ یا قَوْمِ لا یَجْرِمَنَّکُمْ شِقاقِی أَنْ یُصِیبَکُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْکُمْ بِبَعِیدٍ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 50
وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ کَفَرُوا بالله مِنْ قَوْمِهِ و هم الکبراء للضعفاء لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَیْباً علی دینه إِنَّکُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ 90- یعنی لعجزة، نظیرها فی یوسف لَئِنْ أَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ «1» یعنی لعجزة ظالمون فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ یعنی العذاب فَأَصْبَحُوا من صیحة جبریل- علیه السلام فِی دارِهِمْ یعنی قریتهم جاثِمِینَ 91- یعنی أمواتا خامدین الَّذِینَ کَذَّبُوا شُعَیْباً کَأَنْ لَمْ یَغْنَوْا فِیهَا یعنی کأن لم یکونوا فیها قط الَّذِینَ کَذَّبُوا شُعَیْباً کانُوا هُمُ الْخاسِرِینَ 92- فَتَوَلَّی عَنْهُمْ یعنی فأعرض عنهم حین کذبوا بالعذاب، نظیرها فی هود «2»، وَ قالَ یا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُکُمْ رِسالاتِ رَبِّی فی نزول العذاب بکم فی الدنیا وَ نَصَحْتُ لَکُمْ فیما حذرتکم من عذابه فَکَیْفَ آسی یقول فکیف أحزن بعد الصیحة عَلی قَوْمٍ کافِرِینَ 93- إذا عذبوا وَ ما أَرْسَلْنا فِی قَرْیَةٍ مِنْ نَبِیٍ فکذبوه إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ یعنی قحط المطر فأصابهم البؤس و هو الشدة و الضر یعنی البلاء لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَضَّرَّعُونَ 94- إلی ربهم فیوحدونه فیرحمهم ثُمَّ بَدَّلْنا مَکانَ السَّیِّئَةِ الْحَسَنَةَ یقول حولنا مکان «3» الشدة الرخاء حَتَّی عَفَوْا یقول حموا «4» و سمتوا فلم یشکروا ربهم فقالوا من غیرتهم و جهلهم وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا یعنی
______________________________
(1) سورة یوسف: 14.
(2) یشیر إلی الآیتین 94، 95 من سورة هود و هما: وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّیْنا شُعَیْباً وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ أَخَذَتِ الَّذِینَ ظَلَمُوا الصَّیْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دِیارِهِمْ جاثِمِینَ، کَأَنْ لَمْ یَغْنَوْا فِیها أَلا بُعْداً لِمَدْیَنَ کَما بَعِدَتْ ثَمُودُ.
(3) فی أ: من.
(4) فی أ، ل، م: حموا، و فی البیضاوی: حَتَّی عَفَوْا حتی کثروا عددا و عددا یقال عفا النبات إذا کثر و منه أعفاء اللحیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 51
أصاب آباءنا الضَّرَّاءُ وَ السَّرَّاءُ یعنی الشدة و الرخاء مثل ما أصابنا فلم یک شیئا یقول: فَأَخَذْناهُمْ بالعذاب بَغْتَةً [133 ب فجأة وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 95- أعز ما کانوا حتی «1» نزل بهم و قد أنذرتهم رسلهم العذاب من قبل أن ینزل بهم فذلک قوله: ذلِکَ أَنْ لَمْ یَکُنْ رَبُّکَ مُهْلِکَ الْقُری بِظُلْمٍ بالشرک وَ أَهْلُها غافِلُونَ «2» ثم أخبر عنهم فقال: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری التی عذبت آمَنُوا بتوحید اللّه وَ اتَّقَوْا الشرک ما قحط علیهم المطر و لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ یعنی المطر وَ الْأَرْضِ یعنی النبات وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بالعذاب بِما کانُوا یَکْسِبُونَ 96- من الشرک و التکذیب أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُری أَنْ یَأْتِیَهُمْ بَأْسُنا بَیاتاً یعنی عذابنا لیلا «3» وَ هُمْ نائِمُونَ 97- أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُری أَنْ یَأْتِیَهُمْ بَأْسُنا ضُحًی یعنی عذابنا نهارا وَ هُمْ یَلْعَبُونَ 98- یعنی لاهون عنه، نظیرها فی طه وَ أَنْ یُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًی «4» یعنی نهارا أَ فَأَمِنُوا مَکْرَ اللَّهِ فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللَّهِ یعنی عذاب اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ 99- أَ وَ لَمْ یَهْدِ لِلَّذِینَ یَرِثُونَ الْأَرْضَ یعنی ورثوا الأرض مِنْ بَعْدِ هلاک أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بعذاب بِذُنُوبِهِمْ یخوف کفار مکة وَ نَطْبَعُ عَلی قُلُوبِهِمْ بالکفر فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ 100- بالإیمان. ثم رجع إلی القری الخالیة التی عذبت، فقال: تِلْکَ الْقُری نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْبائِها یعنی حدیثها
______________________________
(1) فی أ، ل: حتی. و لعل أصلها حین.
(2) سورة الأنعام: 131.
(3) فی أ: یعنی عذاب البلاء، ل: یعنی عذابنا لیلا.
(4) سورة طه الآیة 59 و هی: قالَ مَوْعِدُکُمْ یَوْمُ الزِّینَةِ وَ أَنْ یُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًی
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 52
وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ یعنی بیان العذاب فإنه نازل بهم فی الدنیا و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أخبر کفار مکة بأن العذاب نازل بهم فکذبوه بالعذاب فأنزل اللّه: فَما کانُوا لِیُؤْمِنُوا بِما کَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ یقول فما کان کفار مکة لیؤمنوا یعنی لیصدقوا أن العذاب نازل بهم فی الدنیا بما کذبت به أوائلهم من الأمم الخالیة من قبل کفار مکة حین أنذرتهم رسلهم العذاب یقول اللّه: کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ یعنی هکذا یختم اللّه بالکفر عَلی قُلُوبِ الْکافِرِینَ 101- وَ ما وَجَدْنا لِأَکْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ و ذلک أن اللّه أخذ میثاق ذریة آدم علی المعرفة فأقروا بذلک فلما بلغوا العمل نقضوا العهد وَ إِنْ وَجَدْنا أَکْثَرَهُمْ لَفاسِقِینَ 102- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ یعنی من بعد الرسل «1» مُوسی بِآیاتِنا إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ یعنی الید و العصا فَظَلَمُوا بِها یعنی فجحدوا بالآیات و قالوا لیست من اللّه فإنها سحر فَانْظُرْ یا محمد کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِینَ 103- فی الأرض بالمعاصی فکان عاقبتهم الغرق وَ قالَ مُوسی یا فِرْعَوْنُ إِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ 104- حَقِیقٌ عَلی أَنْ لا أَقُولَ عَلَی اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ فإنه بعثنی رسولا «2» قَدْ جِئْتُکُمْ بِبَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ یعنی الید و العصا بأنی رسول اللّه فَأَرْسِلْ مَعِیَ بَنِی إِسْرائِیلَ 105- إلی فلسطین قالَ فرعون: إِنْ کُنْتَ جِئْتَ بِآیَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 106- بأنک رسول رب العالمین و فی ید موسی عصا فزعم ابن عباس أن ملکا من الملائکة دفعها «3» إلیه حین توجه إلی مدین فقال
______________________________
(1) فی أ: یعنی بعد الرسل، ل: یعنی من بعد الرسل.
(2) فی أ: بأنه یعنی رسولا، ل: فإنه بعثنی رسولا.
(3) فی أ: أنها ملک من الملائکة دفعها إلیه، ل: أن ملکا من الملائکة دفعها إلیه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 53
موسی لفرعون: ما هذه بیدی؟ قال فرعون عصا: فَأَلْقی موسی عَصاهُ من یده «1» فَإِذا هِیَ ثُعْبانٌ مُبِینٌ 107- یعنی حیة بینة فقال فرعون: فهل من آیة غیرها. قال: نعم. فأخرج یده، و قال لفرعون «2»: ما هذه؟ قال: هذه یدک «3». فأدخل موسی یده فی جیبه و علیه مدرعة من صوف مضریة، ثم أخرجها، فذلک قوله: وَ نَزَعَ یَدَهُ یعنی أخرج یده من جیبه فَإِذا هِیَ بَیْضاءُ لِلنَّاظِرِینَ 108- لها شعاع کشعاع الشمس یغشی البصر من شدة بیاضها قالَ الْمَلَأُ و هم الکبراء مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا یعنی موسی لَساحِرٌ عَلِیمٌ 109- یعنی عالم بالسحر و ذلک أن فرعون بدأ بهذه المقالة فصدقه قومه، نظیرها فی الشعراء «4»، ثم قال لهم فرعون: یُرِیدُ أَنْ یُخْرِجَکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ و هی مصر فَما ذا تَأْمُرُونَ 110- یعنی تشیرون فرد علیه کبراء قومه: قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ یقول أرجئ «5» أمرهم یقول أوقف أمرهم حتی ننظر فی أمرهما وَ أَرْسِلْ فِی الْمَدائِنِ حاشِرِینَ 111- یَأْتُوکَ یحشرون علیک بِکُلِّ ساحِرٍ عَلِیمٍ 112- یعنون عالم بالسحر وَ جاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً یعنی جعلا إِنْ کُنَّا نَحْنُ الْغالِبِینَ 113- لموسی قالَ فرعون: نَعَمْ وَ إِنَّکُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ
______________________________
(1) فی أ: «فَأَلْقی مُوسی العصا من یده. و فی حاشیة أ: الآیة «عَصاهُ».
(2) فی أ: قال فرعون، ل: قال لفرعون.
(3) فی أ: یدی، ل: یدک.
(4) یشیر إلی الآیة 34 من سورة الشعراء و هی قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِیمٌ
(5) فی أ: أرج.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 54
- 114- فی المنزلة «1» سوی العظمة، «کان» هذا «2» یوم السبت فی المحرم، و السحرة اثنان و سبعون رجلا «قالُوا یا مُوسی «3» فقالت السحرة لموسی: إِمَّا أَنْ تُلْقِیَ ما فی یدک یعنی عصاه وَ إِمَّا أَنْ نَکُونَ نَحْنُ الْمُلْقِینَ 115- ما فی أیدینا من الحبال و العصی قالَ لهم موسی:
أَلْقُوا ما أنتم ملقون فَلَمَّا أَلْقَوْا الحبال و العصی سَحَرُوا أَعْیُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ یعنی و خوفوهم وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِیمٍ 116- وَ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی أَنْ أَلْقِ عَصاکَ فصارت حیة فَإِذا هِیَ تَلْقَفُ یعنی تلقم ما یَأْفِکُونَ 117- یعنی ما جاءوا به من الکذب فَوَقَعَ الْحَقُ یعنی فظهر الحق بأنه لیس بسحر وَ بَطَلَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ 118- یعنی بطل ما کانوا یعملون من السحر فَغُلِبُوا هُنالِکَ یعنی عند ذلک وَ انْقَلَبُوا صاغِرِینَ 119- یعنی فرجعوا إلی منازلهم مذلین وَ أُلْقِیَ السَّحَرَةُ ساجِدِینَ 120- للّه قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِینَ 121- قال السحرة: آمنا ب رَبِّ مُوسی وَ هارُونَ 122- فبهت فرعون لردهم علیه «4» و قالَ فِرْعَوْنُ للسحرة آمَنْتُمْ بِهِ یعنی صدقتم بموسی قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّ هذا لَمَکْرٌ مَکَرْتُمُوهُ فِی الْمَدِینَةِ یقول إن هذا الإیمان لقول قلتموه فی المدینة، یعنی فی أهل مصر فی متابعتکم إیاه، و ذلک أن موسی قال للساحر الأکبر و اسمه شمعون: أ تؤمن لی إن غلبتک؟ قال: لآتین بسحر لا یغلبه سحرک، و لئن
______________________________
(1) فی أ: المنزلة، ل: فی المنزلة.
(2) فی أ، ل: فهذا یوم السبت فی المحرم.
(3) «قالُوا یا مُوسی : ساقطة من أ، و مکتوبة فی حاشیتها.
(4) فی أ: لربدهم علیه، ل: لردهم علیه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 55
غلبتنی لأؤمن لک و فرعون ینظر. فمن ثم قال فرعون: لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها من أرض مصر یعنی موسی، و هارون، و شمعون، رئیس السحرة: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 123- فأوعدهم لَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ [134 ب یعنی الید الیمنی و الرجل الیسری، أو الرجل الیمنی و الید الیسری ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ أَجْمَعِینَ 124- فرد السحرة علی فرعون قالُوا إِنَّا إِلی رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ 125- یعنی راجعین وَ ما تَنْقِمُ یعنی و ما نقمت مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآیاتِ رَبِّنا یعنی صدقنا بالید و العصا آیتان من ربنا لَمَّا جاءَتْنا ثم قالوا: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَیْنا یعنی ألق علینا صَبْراً عند القطع و الصلب وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِینَ 126- یعنی مخلصین للّه حتی لا یردنا البلاء عن دیننا فصلبهم فرعون من یومه فکانوا أول النهار سحرة کفارا و آخر النهار شهداء مسلمین لما آمنت السحرة لموسی وَ قالَ الْمَلَأُ یعنی الأشراف مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسی وَ قَوْمَهُ بنی إسرائیل قد آمنوا بموسی لِیُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ یعنی مصر یعنی بالفساد: أن یقتل أبناءکم و یستحیی نساءکم، یعنی و یترک بناتکم کما فعلتم بقومه یفعله بکم، نظیرها فی حم المؤمن، وَ یَذَرَکَ وَ آلِهَتَکَ یعنی و یترک عبادتک قالَ فرعون عند ذلک سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْیِی نِساءَهُمْ یعنی بناتهم وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ 127- ثم أمرهم أن یقتلوا أبناء الذین معه و یستحیوا «1» نساءهم فمنعهم اللّه من قتل الأبناء حین أغرقهم «2» فی البحر «و کان فرعون قد «3»» کلفهم من العمل
______________________________
(1) فی أ: و استحیوا.
(2) فی أ: غرقهم.
(3) زیادة لتصحیح الکلام.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 56
ما لم یطیقوا فمر بهم موسی- علیه السلام- ف قالَ «1» لهم: مُوسی لِقَوْمِهِ فی التقدیم: اسْتَعِینُوا بِاللَّهِ علی فرعون و قومه وَ اصْبِرُوا علی البلاء إِنَّ الْأَرْضَ أرض مصر لِلَّهِ یُورِثُها مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ یعنی الجنة لِلْمُتَّقِینَ 128- یعنی للموحدین. ف قالُوا أُوذِینا فی سببک مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِیَنا بالرسالة یعنون الأذی قتل الأبناء و ترک البنات وَ أوذینا مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا بالرسالة یعنون حین کلفهم فرعون من العمل ما لم یطیقوا مضارة باتباعهم موسی- علیه السلام.
قال موسی: عَسی رَبُّکُمْ أَنْ یُهْلِکَ عَدُوَّکُمْ یعنی فرعون و قومه وَ یَسْتَخْلِفَکُمْ من بعد هلاکهم فِی الْأَرْضِ یعنی أرض مصر فَیَنْظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ 129- فإنما قال لهم موسی- علیه السلام- ذلک من قول اللّه- تعالی- فی القصص: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ ...
إلی آیتین «2» ففعل اللّه ذلک بهم فأهلک عدوهم و استخلفهم فی الأرض فاتخذوا العجل وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ یعنی أهل مصر بِالسِّنِینَ یعنی قحط المطر وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ فأصابهم الجوع لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ 130- یعنی لعلهم یتذکرون فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ یعنی الخیر و الخصب قالُوا لَنا هذِهِ
______________________________
(1) فی أ: فسر جزآ من الآیة 129 الأعراف قبل الآیة 128 ففسر قالُوا أُوذِینا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِیَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا ... الآیة (129) قبل قالَ مُوسی لِقَوْمِهِ اسْتَعِینُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا ... الآیة 128.
و قد أصلحت ذلک: حسب ترتیب المصحف الشریف.
(2) یشیر إلی الآیتین 5، 6 من سورة القصص و هما: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ. وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 57
یعنون نحن أحق بهذا وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ یعنی الجوع و البلاء و قحط المطر، و هلاک الثمار، و المواشی، یَطَّیَّرُوا بِمُوسی وَ مَنْ مَعَهُ علی دینه تسألوا أصابنا هذا الشر من سحر موسی یقول اللّه: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ یقول إن الذی أصابهم هو من اللّه وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ [135 أ] یعنی أهل مصر لا یَعْلَمُونَ 131- أنه من اللّه الذی أصابهم «1» وَ قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آیَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها یعنی الآیات التسع فَما نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ 132- یعنی بمصدقین یعنی بأنک رسول من رب العالمین. فَأَرْسَلْنا فلما قالوا ذلک أرسل اللّه عَلَیْهِمُ السنین، و نقص من الثمرات، و النبات و الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آیاتٍ مُفَصَّلاتٍ یعنی باینات «2» بعضها من بعض بین کل آیتین ثلاثین یوما فَاسْتَکْبَرُوا یعنی فتکبروا عن الإیمان وَ کانُوا قَوْماً مُجْرِمِینَ 133- فأما الطوفان فهو الماء طغی فوق حروثهم و زروعهم مطردا ثمانیة أیام فی ظلمة شدیدة لا یرون فیها شمسا و لا قمرا و لا یخرج منهم أحد إلی صنعته فخافوا الغرق فصرخوا إلی فرعون فأرسل إلی موسی فقال: یا أیها الساحر، ادع لنا ربک أن یکشف عنا هذا المطر فإن یکشفه لنؤمنن لک و لنرسلن معک بنی إسرائیل. فقال:
لا أفعل ما زعمتم أنی ساحر. فقالوا: یا موسی، ادع لنا ربک. فدعا ربه فکشف عنهم المطر، فنبت من الزرع و العشب ما لم یر مثله قط. فقالوا:
لقد جزعنا من أمر کان خیرا لنا. فنکثوا العهد فأرسل اللّه علیهم الجراد ثمانیة أیام، و ملئت الأرض حتی کانوا لا یرون الأرض من کثرته، قدر ذراع فأکل
______________________________
(1) الأنسب: أن الذی أصابهم من اللّه.
(2) باینات: من البین و هو البعد أی کل آیة بعیدة عن الثانیة، بمقدار ثلاثین یوما.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 58
النبات حتی خافوا ألا یبقی لهم شی‌ء. فقال فرعون: یا موسی، ادع لنا ربک أن یکشف عنا، فنؤمن لک. فدعا موسی ربه، فبعث اللّه ریحا فاحتملت الجراد فألقته فی البحر. قالوا: قد بقی لنا ما نتبلغ به حتی یدرکنا الغیث فنکثوا فأرسل اللّه علیهم القمل، و هو الدبی، فغشی کل شی‌ء منهم، فلم یبق عودا اخضر من الزرع و النبات إلا أکله. قال فرعون لموسی: ادع لنا ربک أن یکشفه عنا، و نؤمن لک. فدعا ربه فأمات القمل و بقی لهم ما یتبلغون. فنکثوا، قالوا:
یا موسی، هل یستطیع ربک أن یفعل بنا أشد من هذا؟ فأرسل اللّه علیهم الضفادع فدبت فی بیوتهم و علی ظهورهم فکان یستیقظ الرجل من نومه و علیه منهم کثرة. فقال فرعون لموسی: ادع لنا ربک فیهلکه، فإنه لم یعذب أحد قط بالضفادع. فدعا موسی ربه فأمات الضفادع، فأرسل اللّه مطرا جوادا فجری بهم الماء حتی قذفهم فی البحر. فقالوا: إنما کان هذا الضفادع من المطر الذی کان أصابنا فلن یعود إلینا أبدا، فنکثوا فأرسل اللّه علیهم الدم حتی صارت أنهارهم و رکاباهم دما، و أنهار بنی إسرائیل ماء عذبا، فإذا دخل القبطی لیستقی من ماء بنی إسرائیل صار دما ما بین یدیه و ما خلفه صاف، إذا تحول لیأخذ من الصافی صار دما و خلفه صاف، فمکثوا ثلاثة أیام لا یذوقون ماء صافیا، فقالوا لفرعون: هلکنا، و هلکت مواشینا [135 ب و ذرارینا من العطش. فقال لموسی: ادع لنا ربک لیکشف عنا، و نعطیک میثاقا لنؤمنن لک و لنرسلن معک بنی إسرائیل، فدعا موسی ربه فکشفه عنهم، و لما شربوا الماء نکثوا العهد فذلک قوله: وَ لَمَّا وَقَعَ عَلَیْهِمُ الرِّجْزُ یعنی العذاب الذی کان نزل بهم قالُوا یا مُوسَی ادْعُ لَنا رَبَّکَ بِما عَهِدَ عِنْدَکَ لَئِنْ کَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ یعنی هذا العذاب کله لَنُؤْمِنَنَّ لَکَ وَ لَنُرْسِلَنَّ مَعَکَ بَنِی إِسْرائِیلَ 134-
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 59
إلی فلسطین، یقول اللّه «1»: فَلَمَّا کَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلی أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ یعنی الغرق إِذا هُمْ یَنْکُثُونَ 135- العهد الذی عاهدوا علیه موسی- علیه السلام- لقولهم لئن کشفت عنا الرجز لنؤمنن لک و لنرسلن معک بنی إسرائیل إلی فلسطین، یقول اللّه: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِی الْیَمِ بلسان العبرانیة یعنی به البحر و هو نهر بمصر بِأَنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی الآیات التسع قالوا: یا أیها الساحر، أنت الذی تعمل هذه الآیات، و إنها سحر، و لیست من اللّه. وَ کانُوا عَنْها غافِلِینَ 136- یعنی معرضین فلم یتفکروا فیها فیعتبرون. قال فرعون لموسی فی حم الزخرف: یا أَیُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّکَ «2» فقال: لا أدعو و أنتم تزعمون أنی ساحر، فقال فی الأعراف یا مُوسَی ادْعُ لَنا رَبَّکَ «3» یعنی سل لنا ربک. ثم قال: وَ أَوْرَثْنَا الأرض الْقَوْمَ الَّذِینَ کانُوا یُسْتَضْعَفُونَ یعنی بنی إسرائیل یعنی بالاستضعاف قتل الأبناء و استحیاء النساء بأرض مصر، و ورثهم مَشارِقَ الْأَرْضِ المقدسة وَ مَغارِبَهَا و هی الأردن، و فلسطین الَّتِی بارَکْنا فِیها یعنی بالبرکة الماء، و الثمار الکثیرة وَ تَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ الْحُسْنی و هی النعمة عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ بِما صَبَرُوا حین کلفوا بأرض مصر ما لا یطیقون من استعبادهم إیاهم یعنی بالکلمة التی فی القصص من قوله: وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ ... إلی آیتین «4».
______________________________
(1) فی أ: بقول اللّه لموسی- علیه السلام.
(2) سورة الزخرف: 49.
(3) یشیر إلی الآیة السابقة و هی الآیة: 134 سورة الأعراف.
(4) یشیر إلی الآیتین 5، 6 من سورة القصص.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 60
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 119
و أهلک اللّه عدوهم و مکن لهم فی الأرض فهی الکلمة و هی النعمة التی تمت علی بنی إسرائیل.
وَ دَمَّرْنا ما کانَ یَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ یعنی و أهلکنا عمل فرعون و قومه القبط فی مصر و أهلکنا ما کانُوا یَعْرِشُونَ 137- یعنی یبنون من البیوت و المنازل وَ جاوَزْنا بِبَنِی إِسْرائِیلَ الْبَحْرَ یعنی النیل: نهر مصر فَأَتَوْا عَلی قَوْمٍ یَعْکُفُونَ یعنی فمروا علی العمالقة یقیمون عَلی أَصْنامٍ لَهُمْ یعبدونها فقالت بنو إسرائیل: قالُوا یا مُوسَی اجْعَلْ لَنا إِلهاً نعبده کَما لَهُمْ آلِهَةٌ یعبدونها قالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ 138- إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ یعنی مدمر ما هُمْ فِیهِ وَ باطِلٌ ما کانُوا یَعْمَلُونَ 139- قالَ لهم موسی: أَ غَیْرَ اللَّهِ أَبْغِیکُمْ إِلهاً یعنی ربا وَ هُوَ فَضَّلَکُمْ عَلَی الْعالَمِینَ 140- یعنی عالمی أهل مصر حین أنجاکم و أهلکهم وَ إِذْ أَنْجَیْناکُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یعنی بنی إسرائیل یَسُومُونَکُمْ سُوءَ الْعَذابِ یعنی یعذبونکم أشد العذاب یُقَتِّلُونَ أَبْناءَکُمْ وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَکُمْ [136 أ] یعنی قتل الأبناء و ترک البنات وَ فِی ذلِکُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ 141- یعنی بالعظم شدة ما نزل بهم من البلاء وَ واعَدْنا مُوسی ثَلاثِینَ لَیْلَةً من ذی القعدة «واعدناه» الجبل «1» وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ من ذی الحجة فَتَمَّ مِیقاتُ رَبِّهِ یعنی ربه أَرْبَعِینَ لَیْلَةً و کان موسی و من معه قد قطعوا البحر فی عشر «2» من المحرم یوم عاشوراء ثم أعطی التوراة یوم النحر بینهما أحد عشر شهرا وَ قالَ مُوسی لِأَخِیهِ هارُونَ اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی
______________________________
(1) أی کان مکان المیعاد الجبل، و قد زدت کلمة «واعدناه» لتوضیح الکلام.
(2) فی أ: و عشر، ل: فی عشر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 61
بنی إسرائیل بخیر حین خرج إلی الجبل وَ أَصْلِحْ یعنی و أرفق بهم- نظیرها فی القصص وَ ما أُرِیدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَیْکَ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِینَ «1» یعنی الرافقین بک وَ لا تَتَّبِعْ سَبِیلَ الْمُفْسِدِینَ 142- منهم وَ لَمَّا جاءَ مُوسی الجبل لِمِیقاتِنا یعنی لمیعادنا لتمام الأربعین یوما وَ کَلَّمَهُ رَبُّهُ فلما سمع کلام ربه استحلاه و اشتاق إلی رؤیة ربه قالَ یا رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قالَ له ربه إنک لَنْ تَرانِی وَ لکِنِ اجعل بینی و بینک علما هو أقوی منک یعنی الجبل انْظُرْ إِلَی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکانَهُ فَسَوْفَ تَرانِی و إن لم یستقر الجبل مکانه فإنک لن تطیق رؤیتی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا یعنی قطعا فصار الجبل دکا «یعنی قطعا علی» «2» ستة فرق فوقع ثلاثة بأجبل مکة: بثیر، و غار ثور، و حزن. و وقع بالمدینة:
رضوی، و ورقان، و جبل أحد، فذلک قوله جَعَلَهُ دَکًّا «3» وَ خَرَّ مُوسی صَعِقاً
______________________________
(1) سورة القصص: 27.
(2) زیادة من: ل.
(3) لیس فی نص الآیة ما یفید أن الجبل صار قطعا و أنه کون ستة جبال.
و خلاصة الآیة: أن اللّه لما تجلی بعظمته و جلاله للجبل صار ترابا و صعق موسی من هول ما رأی، قال فی تفسیر المنار: (و أحسن ما ورد فی التفسیر المأثور لهذه الآیة مطابقا لمتن اللغة ما رواه ابن جریر و ابن أبی حاتم و أبو الشیخ و البیهقی فی الرؤیة عن ابن عباس فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا قال ترابا وَ خَرَّ مُوسی صَعِقاً قال مغشیا علیه ... و قد ورد فی بعض الآثار و الأحادیث المرفوعة أیضا أن الجبل ساخ أی غاص فی الأرض، و هو یتفق مع المعنی الأول، أی أنه رج بالتجلی رجا، و بست حجارته بسا، و ساخ فی الأرض کله أو بعضه فی أثناء ذلک حتی صار کما قال بعضهم ربوة دکاء کالرمل المتلبد.
و المعنی فلما تجلی ربه للجبل أقل التجلی و أدناه انهد و هبط من شدته و عظمته و صار کالأرض المدکوکة أو الناقة الدکاء (و هی التی لا سنام لها).
*** قال فی الأساس: دککته دققته، و دک الرکبة کبسها، و جمل أدک و ناقة دکاء: لا سنام لهما، و اندک السنام: افترش علی الظهر و نزلنا بدکداک: رمل متلبد بالأرض.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 62
یعنی میتا فَلَمَّا أَفاقَ یعنی رد علیه نفسه قالَ موسی: سُبْحانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ من قولی: رب أرنی أنظر إلیک وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ 143- یعنی أول المصدقین بأنک لن تری فی الدنیا قالَ له ربه: یا مُوسی إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَی النَّاسِ بِرِسالاتِی وَ بِکَلامِی یقول اخترتک من بنی إسرائیل بالرسالة و بالکلام من غیر وحی فَخُذْ ما آتَیْتُکَ بقوة یقول: ما أعطیتک من التوراة بالجد، و المواظبة علیه وَ کُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ 144- للّه فی هذه النعم یعنی الرسالة، و الکلام من غیر وحی. وَ کَتَبْنا لَهُ فِی الْأَلْواحِ نقرا کنقش الخاتم و هی تسعة ألواح مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ فقال: مَوْعِظَةً من الجهل وَ تَفْصِیلًا یعنی بیانا لِکُلِّ شَیْ‌ءٍ من الأمر، و النهی، و الحد، و کتبه اللّه- عز و جل- بیده «1» فکتب فیها: إنی أنا اللّه الذی لا إله إلا أنا الرحمن الرحیم،
______________________________
و قرا حمزة و الکسائی: «جعله دکاء» بالمد و التشدید غیر منون أی أرضا مستویة کالناقة التی لا سنام لها و الجمهور «جَعَلَهُ دَکًّا» بالمصدر أی مدکوکا، و مثله فی المد من سورة الکهف.
***- و قد سقط موسی مغشیا علیه کمن أخذته الصاعقة و التجلی إنما کان للجبل دونه فکیف لو کان له.
ثم قال السید رشید رضا: «و قد روی فی تفسیر هذه الآیات من الأخبار و الآثار الواهیة و الموضوعة غرائب و عجائب أکثرها من الإسرائیلیات، و من أنکر هذه الروایات و أوهاها ما روی عن أنس مرفوعا «لما تجلی اللّه للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدینة و ثلاثة بمکة ...».
و ذکر أسماءها. قال الحافظ ابن کثیر و هذا حدیث غریب بل منکر. أقول و لا یدخل من ألفاظ الآیة و لا معناها فی شی‌ء». تفسیر المنار: 9/ 124- 126.
(1) عیب علی مقاتل أنه أسرف فی التجسیم حتی جعل اللّه مثل خلقه.
ففی قوله: «و کتب اللّه- عز و جل- بیده» إسراف فی التجسیم یتنزه اللّه عن مثله.
قال صاحب المنار «إسناد الکتابة إلیه- تعالی- إما علی معنی أن ذلک کان بقدرته- تعالی- و صنعه لا کسب لأحد فیه.
و إما علی معنی أنها کتبت بأمره و وحیه سواء کان الکاتب لها موسی أو الملک- علیهما السلام.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 63
لا تشرکوا بی شیئا، و لا تقتلوا النفس، و لا تزنوا، و لا تقطعوا السبیل، و لا تسبوا الوالدین، و وعظهم فی ذلک، و الألواح من زمرد، و یاقوت «1»». یقول:
فَخُذْها بِقُوَّةٍ یعنی التوراة بالجد و المواظبة علیه وَ أْمُرْ قَوْمَکَ بنی إسرائیل:
یَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها یعنی بأحسن ما فیها، ثم قال قبل ذلک لبنی إسرائیل:
سَأُرِیکُمْ دارَ الْفاسِقِینَ 145- سنة أهل مصر، فزعم ابن عباس أن اللّه حین أغرق فرعون [136 ب و قومه أوحی إلی البحر أن یقذف أجسادهم علی الساحل ففعل البحر ذلک فنظر إلیهم بنو إسرائیل فأراهم سنة الفاسقین، ثم قال: سَأَصْرِفُ عَنْ آیاتِیَ الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِ یعنی یعملون فیها بالمعاصی: الکبریاء و العظمة، یعنی أهل مصر یقول: سأصرف عن التفکیر فی خلق السموات و الأرض، و ما بینهما من الآیات: الشمس، و القمر، و النجوم، و السحاب، و الریاح، و الجبال، و الفلک، و البحور، و الشجر، و الثمار، و النبات، عام بعام «2». یعنی المتکبرین فلا یتفکرون فتکون لهم عبرة تعنی لأهل مصر، ثم قال یعنیهم: وَ إِنْ یَرَوْا کُلَّ آیَةٍ یعنی یروا مرة الید، و مرة العصا، ثم یرون الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع،
______________________________
(1) قال صاحب المنار و أما تلک الروایات الکثیرة فی جوهر الألواح و مقدارها و طولها و عرضها و کتابتها و ما کتب فیها فکلها من الإسرائیلیات الباطلة التی بثها فی المسلمین أمثال کعب الأحبار و وهب ابن منبه فاغتر بها بعض الصحابة و التابعین إن صحت الروایة عنهم و قد لخص السیوطی منها فی الدر المنثور ثلاث ورقات- أی ست صفحات واسعات من القطع الکبیر و لیس منها شی‌ء یصح أن یسمی درة إن کان منها أن الألواح من الیاقوت أو من الزمرد أو من الزبرجد کما أنها من الحجر و من الخشب و قد أعجبنی من الحافظ ابن کثیر أنه لم یذکر من تلک الروایات شیئا علی سعة اطلاعه، و قد تبع فی هذا عمدته فی التفسیر ابن جریر- رحمهما اللّه تعالی- 10. ه" تفسیر المنار: 9/ 190.
(2) هکذا فی أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 64
ثم الدم، ثم السنین، ثم الطمس، فرأوا کل آیة علی حدة فلم یؤمنوا لا یُؤْمِنُوا بِها یعنی لا یصدقون بأنها من اللّه وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الرُّشْدِ یعنی طریق الهدی لا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلًا یعنی لا یتخذوه دینا فیتبعونه وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الغَیِ یعنی طریق الضلالة یَتَّخِذُوهُ سَبِیلًا یقول اتخذوه دینا فیتبعونه ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی بالآیات التسع وَ کانُوا عَنْها غافِلِینَ 146- یعنی معرضین و لم یتفکروا فیها وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی القرآن وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ و کذبوا بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التی أرادوا بها وجه اللّه لأنها کانت فی غیر إیمان هَلْ یُجْزَوْنَ إِلَّا ما کانُوا یَعْمَلُونَ 147- وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسی بنی إسرائیل مِنْ بَعْدِهِ حین انطلقوا إلی الطور مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً یعنی صورة عجل جسد یقول لیس فیه روح: لَهُ خُوارٌ یعنی له صوت البهائم ثم لم یصوت غیر مرة واحدة أَ لَمْ یَرَوْا یعنی بنی إسرائیل أَنَّهُ لا یُکَلِّمُهُمْ یعنی لا یقدر علی أن یکلمهم وَ لا یَهْدِیهِمْ سَبِیلًا یعنی طریقا إلی الهدی یعنی العجل اتَّخَذُوهُ العجل إلها وَ کانُوا ظالِمِینَ 148- یعنی مشرکین وَ لَمَّا سُقِطَ فِی أَیْدِیهِمْ ندامة و ندموا وَ رَأَوْا و علموا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا عن الهدی قالُوا لَئِنْ لَمْ یَرْحَمْنا رَبُّنا وَ یَغْفِرْ لَنا یعنی و یتجاوز عنا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ 149- فی العقوبة فلم یقبل اللّه توبتهم إلا بالقتل وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسی إِلی قَوْمِهِ من الجبل غَضْبانَ أَسِفاً یعنی حزینا فی صنع قومه، فی عبادة العجل، و کان أخبره اللّه علی الطور بأمر العجل، ثم قال: بِئْسَما خَلَفْتُمُونِی مِنْ بَعْدِی أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّکُمْ یقول استعجلتم
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 65
میقات ربکم أربعین یوما وَ أَلْقَی الْأَلْواحَ من عاتقه فذهب منها خمس و بقیت أربعة وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِیهِ هارون یَجُرُّهُ إِلَیْهِ یعنی إلی نفسه قالَ هارون لموسی: ابْنَ أُمَ «1» إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ کادُوا یَقْتُلُونَنِی فَلا تُشْمِتْ بِیَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِی مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ 150- قالَ موسی رَبِّ اغْفِرْ لِی یعنی تجاوز عنی وَ لِأَخِی هارون وَ أَدْخِلْنا فِی رَحْمَتِکَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ 151- إِنَّ الَّذِینَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ [137 أ] إلها سَیَنالُهُمْ غَضَبٌ یعنی عذاب مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ یعنی مذلة فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا فصاروا مقهورین إلی یوم القیامة. ثم قال: وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا نَجْزِی الْمُفْتَرِینَ 152- یعنی الذین افتروا فزعموا أن هذا إلهکم: یعنی العجل، و إله موسی، و کان السامری جمع الحلی بعد خمسة و ثلاثین یوما من یوم فارقهم موسی- علیه السلام. و کان السامری صائغا فصاغ لهم العجل فی ثلاثة أیام، و قد علم السامری أنهم یعبدونه لقولهم لموسی- علیه السلام- قبل ذلک: اجعل لنا إلها کما لهم آلهة، فعبدوا العجل لتمام تسعة و ثلاثین یوما ثم أتاهم موسی من الغد لتمام الأربعین یوما وَ الَّذِینَ عَمِلُوا السَّیِّئاتِ یعنی الشرک الذین عبدوا العجل ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها أی بعد الشرک «2» وَ آمَنُوا یعنی صدقوا باللّه، أنه واحد لا شریک له إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها یعنی من بعد الشرک لَغَفُورٌ رَحِیمٌ 153- بهم، قوله: وَ لَمَّا سَکَتَ عَنْ مُوسَی الْغَضَبُ یعنی مکن أَخَذَ الْأَلْواحَ بعد ما ألقاها وَ فِی نُسْخَتِها فیما بقی منها هُدیً من الضلالة وَ رَحْمَةٌ من العذاب
______________________________
(1) فی أ: زیادة إلی قوله «الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ» و لم یذکر بقیة الآیة.
(2) فی أ: «ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ» الشرک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 66
لِلَّذِینَ هُمْ لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُونَ 154- یعنی یخافون اللّه، و أعطی «1» موسی التوراة یوم النحر یوم الجمعة فلم یطق حملها، فسجد للّه و جعل یدعو ربه و یتضرع حتی خففت علیه فحملها علی عاتقه وَ اخْتارَ مُوسی قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلًا لِمِیقاتِنا من اثنی عشر سبطا ستة ستة فصاروا اثنین و سبعین رجلا، قال موسی: إنما أمرنی ربی بسبعین رجلا فمن قعد عنی فلم یجی‌ء فله الجنة فقعد یوشع بن نون، و کالب بن یوقنا «لِمِیقاتِنا» یعنی لمیعادنا یعنی الأربعین یوما فانطلق بهم فترکهم فی أصل الجبل، فلما نزل موسی إلیهم قالوا: أرنا اللّه جهرة، فأخذتهم الرجفة، یعنی الموت عقوبة لما قالوا، و بقی موسی وحده یبکی فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِ ما أقول لبنی إسرائیل إذا رجعت إلیهم و قد أهلکت خیارهم رب: لَوْ شِئْتَ أَهْلَکْتَهُمْ یعنی أمتهم «مِنْ قَبْلُ «2»» وَ إِیَّایَ معهم من قبل أن یصحبونی أَ تُهْلِکُنا «3» عقوبة بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا و ظن موسی- علیه السلام- أنما عوقبوا باتخاذ بنی إسرائیل العجل: فهم السفهاء «4»، فقال موسی: إِنْ هِیَ إِلَّا فِتْنَتُکَ یعنی ما هی إلا بلاؤک تُضِلُّ بِها بالفتنة مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِی من الفتنة مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِیُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَیْرُ الْغافِرِینَ 155- قال فلم یعبد العجل منهم إلا اثنا عشر ألفا وَ اکْتُبْ لَنا فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَةً یعنی المغفرة وَ فِی الْآخِرَةِ حسنة یعنی الجنة إِنَّا هُدْنا إِلَیْکَ
______________________________
(1) فی أ: أعطی.
(2) ما بین القوسین «...» ساقطة من أ.
(3) فی أ: أ فتهلکنا.
(4) هکذا فی أ، ل، و المراد بقوله: فهم السفهاء، أن من اتخذ العجل إلها من بنی إسرائیل هم السفهاء.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 67
یعنی تبنا إلیک قالَ اللّه: عَذابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْ‌ءٍ یعنی ملأت کل شی‌ء، قال إبلیس: فأنا من کل شی‌ء.
قال اللّه- تعالی-: فَسَأَکْتُبُها یعنی الرحمة لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ فعزل إبلیس یعنی للذین یوحدون ربهم وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ [137 ب یعنی أمة محمد- صلی اللّه علیه و سلم- وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیاتِنا یُؤْمِنُونَ 156- یعنی بالقرآن، یصدقون أنه من اللّه، قالت الیهود: فنحن نتقی اللّه، و نؤتی الزکاة، فعزل إبلیس و الیهود، ثم نعتهم فقال: الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَ علی دینه یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- یعنی بالأمی الذی لا یقرأ الکتب، و لا یخطها بیمینه الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ یعنی بالإیمان وَ یَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ یعنی الشرک وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ یعنی ما حرم اللّه من اللحوم، و الشحوم، وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ محمد- صلی اللّه علیه و سلم- الْخَبائِثَ یعنی المیتة، و الدم، و لحم الخنزیر وَ یَضَعُ محمد- صلی اللّه علیه و سلم- عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ یعنی مما عهد اللّه إلیهم من تحریم اللحوم، و الشحوم، و لحم کل ذی ظفر وَ یضع محمد- صلی اللّه علیه و سلم- الْأَغْلالَ الَّتِی کانَتْ عَلَیْهِمْ واجبة من التغلیظ و التشدید، الذی منه أن یقتل قاتل العمد البتة، و لا یعفی عنه، و لا یؤخذ منه الدیة، و یقتل قاتل الخطأ إلا أن یشاء ولی المقتول فیعفو عنه و نحوه، و لو صدقوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لوضع ذلک کله عنهم فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ یعنی صدقوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وَ عَزَّرُوهُ یعنی أعانوه علی أمره وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ یعنی القرآن الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ فمن فعل هذا ف أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 157- فقال موسی عند ذلک: اللهم اجعلنی
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 68
من أمة محمد- صلی اللّه علیه و سلم- قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعاً الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ یُحیِی الأموات وَ یُمِیتُ الأحیاء فَآمِنُوا یعنی فصدقوا بِاللَّهِ أنه واحد لا شریک له وَ رَسُولِهِ «1»- علیه السلام- النَّبِیِّ الْأُمِّیِّ الَّذِی یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ کَلِماتِهِ یعنی الذی یصدق باللّه بأنه واحد لا شریک له، و بآیاته، یعنی القرآن وَ اتَّبِعُوهُ یعنی محمدا- علیه السلام- لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تَهْتَدُونَ 158- من الضلالة وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی یعنی بنی إسرائیل أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِ یعنی عصابة یدعون إلی الحق وَ بِهِ یَعْدِلُونَ 159- یعنی الذین من وراء الصین الیوم «الْقَوْمَ الَّذِینَ» «2» أسری بهم تحت الأرض، و أخرج لهم نهرا، من الأردن، من رمل یسمی أردق، من وراء الصین یجری کجری الماء أسری اللّه بهم تحت الأرض سنة و نصفا. فإذا نزول عیسی بن مریم کان معه یوشع بن نون و هم من «3» آمن من أهل الکتاب.
وَ قَطَّعْناهُمُ یعنی فرقناهم اثْنَتَیْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً یعنی فرقا وَ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ فی التیه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْحَجَرَ ففعل و کان من الطور فَانْبَجَسَتْ یعنی فانفجرت من الحجر مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَیْناً ماء باردا فراتا رواء بإذن اللّه و کان الحجر خفیفا، کل «4» سبط من بنی إسرائیل لهم عین تجری لا یخالطهم غیرهم فیها، فذلک قوله: قَدْ عَلِمَ کُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ
______________________________
(1) فی أ: و برسوله.
(2) فی أ: الذی، ل: القوم الذین.
(3) الأنسب: ممن، و الکلام السابق من الإسرائیلیات.
(4) فی أ: لکل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 69
[138 ا] یعنی کل سبط مشربهم وَ ظَلَّلْنا عَلَیْهِمُ الْغَمامَ بالنهار یعنی سحابة بیضاء لیس فیها ماء، تقیهم من حر الشمس و هم فی التیه وَ أَنْزَلْنا عَلَیْهِمُ الْمَنَ یعنی الترنجبین وَ السَّلْوی طیر أحمر یشبه السمان کُلُوا مِنْ طَیِّباتِ یعنی من حلال ما رَزَقْناکُمْ من المن و السلوی و لا تطغوا فیه یعنی لا ترفعوا منه لغد فرفعوا و قدّدوا فدوّد علیهم، یقول اللّه وَ ما ظَلَمُونا یعنی و ما ضرونا یعنی و ما نقصونا حین رفعوا و قدّدوا ودود علیهم وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ 160- یعنی یضرون و ینقصون «1».
« «2» وَ اذکر إِذْ قِیلَ لَهُمُ اسْکُنُوا هذِهِ الْقَرْیَةَ بیت المقدس وَ کُلُوا مِنْها حَیْثُ شِئْتُمْ وَ قُولُوا أمرنا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ أی باب القریة سُجَّداً سجود انحناء نَغْفِرْ بالنون و التاء مبنیا للمفعول لَکُمْ خَطِیئاتِکُمْ سَنَزِیدُ الْمُحْسِنِینَ 161- بالطاعة ثوابا.
فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ فقالوا حبة فی شعرة و دخلوا یزحفون علی استاهم فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِجْزاً عذابا مِنَ السَّماءِ بِما کانُوا یَظْلِمُونَ 162- «3»».
______________________________
(1) سقط فی التفسیر آیتان بعد هذه الآیة: هما آیة 161، 162، و فی حاشیة أ، و اسألهم إلی آخر الآیة ساقط و لا أعلم سببه و أظنه أحاله علی ما فی سورة البقرة. للکاتب.
و فی الحاشیة خطأ هو أن الآیة الساقطة لیست «وَ سْئَلْهُمْ» و إنما الساقطة هی: «وَ إِذْ قِیلَ لَهُمُ اسْکُنُوا هذِهِ الْقَرْیَةَ ...» آیة 161 «فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا ... یَظْلِمُونَ.» آیة 162.
و سبب السقوط هو أن آخر آیة 160 کلمة «یظلمون» آخر آیة 162 کلمة «یظلمون» فحدث سبق نظر للناقل فترک آیة 161، 162 و بدأ من آیة «وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْیَةِ ...» 163.
(2) هذه الآیة 161، و الآیة التی بعدها 162 ساقطتان من تفسیر مقاتل و قد نقلتهما من تفسیر الجلالین.
(3) نهایة آیة: 161، 162. الساقطتین من تفسیر مقاتل. و قد نقلتهما من تفسیر الجلالین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 70
وَ سْئَلْهُمْ «1» عَنِ الْقَرْیَةِ اسمها أیلة، علی مسیرة یومین من البحر بین المدینة و الشام مسخوا علی عهد داود- علیه السلام- قردة، یعنی الیهود و إنما أمر اللّه النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن یسألهم أ مسخ اللّه منکم قردة و خنازیر؟
لأنهم قالوا: إنا أبناء اللّه و أحباؤه و إن اللّه لا یعذبنا فی الدنیا و لا فی الآخرة لأنا من سبط خلیله إبراهیم و من سبط إسرائیل و هو بکر نبیه و من سبط کلیم اللّه موسی، و من سبط ولده «2» عزیز فنحن من أولادهم، فقال اللّه لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم-: «وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْیَةِ» الَّتِی کانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إما عذبهم اللّه بذنوبهم، ثم أخبر عن ذنوبهم فقال: إِذْ یَعْدُونَ فِی السَّبْتِ یعنی یعتدون إِذْ تَأْتِیهِمْ حِیتانُهُمْ یعنی السمک یَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً یعنی شارعة من غمرة الماء إلی قریب من الحذاء یعنی الشط أمنت أن یصدن «3» وَ یَوْمَ لا یَسْبِتُونَ یعنی حین لا یکون یوم السبت لا تَأْتِیهِمْ کَذلِکَ یعنی هکذا نَبْلُوهُمْ یعنی نبتلیهم بتحریم السمک فی السبت بِما کانُوا یَفْسُقُونَ 163- جزاء منا یعنی بما کانوا یعصون وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ یعنی عصابة منهم و هی الظلمة للواعظة لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِکُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِیداً و ذلک أن الواعظة نهوهم عن الحیتان و خوفوهم فلم ینتبهوا فردت علیهم الواعظة قالُوا مَعْذِرَةً إِلی رَبِّکُمْ و لعلهم- یعنی و لکی ینتهوا فیؤخروا أو یعذبوا فینجوا «4» وَ لَعَلَّهُمْ یعنی و لکی یَتَّقُونَ 164- المعاصی فَلَمَّا نَسُوا ما ذُکِّرُوا بِهِ
______________________________
(1) عود إلی تفسیر مقاتل.
(2) الضمیر راجع إلی الله لأن الیهود یقولون عزیر ابن الله. قاتلهم الله.
(3) أی أمنت الحیتان أن یصدن، فلا تخاف الصید.
(4) هکذا فی أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 71
یعنی فلما ترکوا ما وعظوا به من أمر الحیتان أَنْجَیْنَا من العذاب الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ یعنی المعاصی وَ أَخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی و أصبنا الذین ظلموا بِعَذابٍ یعنی المسخ بَئِیسٍ یعنی شدید بِما کانُوا یَفْسُقُونَ 165- یعنی یعصون فَلَمَّا عَتَوْا یعنی عصوا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ من الحیتان قُلْنا لَهُمْ لیلا کُونُوا قِرَدَةً خاسِئِینَ 166- یعنی صاغرین بعد ما أصابوا الحیتان سنین ثم مسخوا قردة فعاشوا سبعة أیام ثم ماتوا یوم الثامن وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکَ یعنی قال ربک: لَیَبْعَثَنَّ عَلَیْهِمْ یعنی بنی إسرائیل من یسومهم سوء العذاب فبعث اللّه المسلمین علیهم إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ ما دامت الدنیا مَنْ یَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ [138 ب یعنی یعذبهم شدة العذاب یعنی القتل و الجزیة إِنَّ رَبَّکَ لَسَرِیعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ 167- وَ قَطَّعْناهُمْ یعنی و فرقناهم فِی الْأَرْضِ أُمَماً یعنی فرقا یعنی بنی إسرائیل مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ یعنی المؤمنین وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِکَ یعنی دون الصالحین فهم الکفار وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّیِّئاتِ یقول ابتلیناهم بالخصب و الشدة لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَرْجِعُونَ 168- إلی التوبة فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ یعنی من بعد بنی إسرائیل فَخَلَفَ السوء و هم الیهود وَرِثُوا الْکِتابَ یعنی ورثوا التوراة عن أوائلهم و آبائهم یَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنی و هی الدنیا لأنها أدنی من الآخرة یعنی الرشوة فی الحکم وَ یَقُولُونَ سَیُغْفَرُ لَنا فکانوا یرشون بالنهار و یقولون یغفر لنا باللیل وَ إِنْ یَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ یعنی رشوة مثله لیلا یَأْخُذُوهُ و یقولون یغفر لنا بالنهار یقول اللّه: أَ لَمْ یُؤْخَذْ عَلَیْهِمْ مِیثاقُ الْکِتابِ یعنی بغیر ما یقولون لقد أخذ علیهم فی التوراة أن لا یستحلوا محرما
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 72
و أَنْ لا یَقُولُوا عَلَی اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ فی التوراة وَ دَرَسُوا یعنی و قرءوا ما فِیهِ ما فی التوراة وَ الدَّارُ الْآخِرَةُ یعنی الجنة خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ استحلال المحارم أَ فَلا تَعْقِلُونَ 169- ثم ذکر مؤمنیهم فقال: وَ الَّذِینَ یُمَسِّکُونَ بِالْکِتابِ یعنی یتمسکون بالتوراة و لا یحرفونه عن مواضعه و لا یستحلون محرما وَ أَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِینَ 170- نزلت فی ابن سلام و أصحابه.
وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ یعنی و إذ رفعنا الجبل فَوْقَهُمْ کَأَنَّهُ ظُلَّةٌ و ذلک أن موسی- علیه السلام- حین أتاهم بالتوراة وجدوا فیها القتل، و الرجم، و الحدود، و التغلیظ، أبوا أن یقبلوا التوراة، فأمر اللّه الجبل عند بیت المقدس فانقطع من مکانه فقام فوق رؤوسهم، فأوحی اللّه إلی موسی أن قل لهم: إن لم یقروا بالتوراة طرحت علیهم الجبل و أرضخ به رءوسهم، فلما رأوا ذلک أقروا بالتوراة و رجع الجبل إلی مکانه، فذلک قوله: وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ یعنی و أیقنوا أن الجبل واقع بهم یعنی علیهم خُذُوا ما آتَیْناکُمْ بِقُوَّةٍ ما أعطیناکم من التوراة بالجد و المواظبة وَ اذْکُرُوا ما فِیهِ یقول و احفظوا ما فیه من أمره و نهیه لَعَلَّکُمْ یعنی لکم تَتَّقُونَ 171- المعاصی وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ یقول و قد أخذ ربک من بنی آدم بنعمان عند عرفات من ظهورهم ذُرِّیَّتَهُمْ «1» وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ بإقرارهم أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی «2» أنت ربنا و ذلک أن اللّه- عز و جل- مسح صفحة ظهر آدم الیمنی
______________________________
(1) فی أ 4 ذریاتهم، و قراءة حفص ذریتهم.
(2) فی أ: قدم جزءا من الآیة متأخرا ففسرها هکذا «ذریتهم أ لست بربکم و أشهدهم علی أنفسهم».
و صوابها «ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 73
فأخرج منه ذریة بیضاء کهیئة الذر یتحرکون ثم مسح صفحة ظهره الیسری فأخرج منه ذریة سوداء کهیئة الذر و هم ألف أمة قال: یا آدم هؤلاء ذریتک أخذنا «1» میثاقهم [139 ا] علی أن یعبدونی، و لا یشرکوا بی شیئا، و علی رزقهم. قال آدم: «نعم» «2» یا رب «فلما أخرجهم» «3» قال اللّه «أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ. قالُوا: «بَلی شَهِدْنا أنک ربنا، قال اللّه للملائکة: اشهدوا علیهم بالإقرار قالت الملائکة قد شهدنا «4». یقول اللّه فی الدنیا لکفار العرب من هذه الأمة: أَنْ تَقُولُوا «5» یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هذا المیثاق الذی أخذ علینا غافِلِینَ 172- و أشهدهم علی أنفسهم أَوْ «6» تَقُولُوا لئلا تقولوا إِنَّما أَشْرَکَ آباؤُنا و نقضوا المیثاق مِنْ قَبْلُ شرکنا، و لئلا تقولوا وَ کُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ فاقتدینا بهم و بهداهم، لئلا تقولوا أَ فَتُهْلِکُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ 173- یعنی أ فتعذبنا بما فعل المبطلون یعنی المکذبین بالتوحید یعنون آباءهم کقوله «7»: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلی آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ «8» ثم أفاضهم إفاضة القدح فقال
______________________________
(1) فی أ: أخذ، ل: أخذنا.
(2) من: ل.
(3) من: ل، و لیست فی أ.
(4) «شهدنا» هذه فوقها خط فی أ. و معناها أنها قرآن، و یترتب علی ذلک أن کلمة شهدنا فی الآیة من شهادة الملائکة- و هو خطأ.
و قد أصلحت الخطأ و وضعت کلمة شهدنا العائدة علی ذریة آدم بین قوسین، فتکون هی القرآن.
و تکون الشهادة شهادة الذریة لا شهادة الملائکة.
(5) فی أ: لأن لا تقولوا.
(6) فی أ: لئلا و فوقها أو.
(7) فی أ: و قوله، ل: کقوله.
(8) سورة الزخرف: 23.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 74
للبیض: هؤلاء فی الجنة برحمتی فهم أصحاب الیمین و أصحاب المیمنة. و قال للسود: هؤلاء للنار و لا أبالی فهم أصحاب الشمال و أصحاب المشأمة ثم أعادهم جمیعا فی صلب آدم- علیه السلام. فأهل القبور محبوسون حتی یخرج اللّه أهل المیثاق کلهم من أصلاب الرجال و أرحام النساء ثم تقوم الساعة فذلک قوله:
لَقَدْ أَحْصاهُمْ یوم القیامة وَ عَدَّهُمْ عَدًّا «1» فمن مات منهم صغیرا فله الجنة بمعرفته بربه و من بلغ منهم العقل أخذ أیضا میثاقه بمعرفته «لِرَبِّهِ» «2» و الطاعة له فمن لم یؤمن إذا بلغ العقل لم یغن عنه «3» المیثاق الأول شیئا و کان العهد و المیثاق الأول حجة علیهم. و قال فیمن نقض العهد الأول: وَ ما وَجَدْنا لِأَکْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ یعنی من وفاء یعنی أکثر ولد آدم علیه السلام وَ إِنْ وَجَدْنا أَکْثَرَهُمْ لَفاسِقِینَ «4» یعنی لعاصین. وَ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ یعنی هکذا نبین الآیات فی أمر المیثاق وَ لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَرْجِعُونَ 174- إلی التوبة وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ یعنی أهل مکة نَبَأَ یعنی حدیث الَّذِی آتَیْناهُ «آیاتِنا» «5» یعنی أعطیناه الاسم الأعظم یعنی بلعام بن باعورا «6» بن ماث ابن حراز بن آزر من أهل عمان و هی البلقاء التی کان فیها الجبارون بالشام فإنما سمیت البلقاء من أجل أن «7» أن ملکها رجل اسمه بالق و ذلک أن الملک و اسمه بانوس
______________________________
(1) سورة مریم: 94، و هی لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا.
(2) «لربه» من ل.
(3) فی أ: علیه، ل: عنه.
(4) سورة الأعراف: 102.
(5) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
(6) فی أ: بعون، و فی حاشیة أ: باعورا.
(7) فی الأصل: أنه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 75
ابن ستشروث قال لبلعام: ادع علی موسی. فقال بلعام: إنه من أهل دین لا ینبغی أن یدعی علیه. فأمر الملک أن تنحت «1» خشبة لیصلبه «2» علیها فلما رأی ذلک خرج علی أنان له لیدعو علی موسی- علیه السلام- فلما عاین عسکره قامت به الأتان فضربها، فقالت الأتان: لم تضربنی، و هذه نار تتوقد قد منعتنی، أن أمشی فارجع. فرجع، فأخبر الملک، فقال له الملک: إما أن تدعو «3»، و إما أن أصلبک فدعا علی موسی- علیه السلام- باسم اللّه الأعظم ألا یدخل المدینة، فاستجاب اللّه له فبلغ موسی- علیه السلام- فدعا اللّه أن ینزع ذلک الاسم منه «4» فنزع منه الاسم الأعظم، فذلک قوله [139 ب : فَانْسَلَخَ مِنْها فنزعها اللّه منه یعنی الآیات فَأَتْبَعَهُ الشَّیْطانُ فَکانَ مِنَ الْغاوِینَ 175- یعنی من الضالین وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ فی الآخرة بِها بما علمناه من آیاتنا یعنی الاسم الأعظم فی الدنیا وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَی الْأَرْضِ یعنی رضی بالدنیا و رکن إلیها وَ اتَّبَعَ هَواهُ أی هوی الملک مع هواه فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ بنفسک و دابتک «5» تطرده یَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْهُ فلا تحمل علیه شی‌ء یَلْهَثْ إذا أصابه الحر. فهذا مثل الکافر إن وعظته، فهو ضال، و إن ترکته، فهو ضال، مثل بلعام و الکفار یعنی کفار مکة «ذلِکَ» «6» مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی القرآن فَاقْصُصِ الْقَصَصَ یعنی القرآن علیهم لَعَلَّهُمْ
______________________________
(1) فی أ: ینحت.
(2) فی أ: یصلبه.
(3) أی علی موسی.
(4) فی أ: عنه.
(5) فی أ: و دابتک، و فی الجلالین «إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ» بالطرد و الزجر (یلهث) یدلع لسانه.
(6) «ذلک» ساقطة من: ا، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 76
یعنی لکی یَتَفَکَّرُونَ 176- فی أمثال اللّه فیعتبروا فیؤمنوا، ثم قال:
ساءَ یعنی بئس مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی القرآن یعنی کفارة مکة وَ أَنْفُسَهُمْ کانُوا یَظْلِمُونَ 177- یعنی أنفسهم ضروا بتکذیبهم القرآن مَنْ یَهْدِ اللَّهُ لدینه فَهُوَ الْمُهْتَدِی وَ مَنْ یُضْلِلْ عن دینه فَأُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ 178- یعنیهم، ثم قال: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ «1» لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْیُنٌ لا یُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا یَسْمَعُونَ بِها لقول اللّه: خَتَمَ «اللَّهُ» «2» عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ وَ عَلی أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ «3» فلم تفقه قلوبهم، و لم تبصر أعینهم، و لم تسمع آذانهم الإیمان، ثم ضرب مثلا فقال: أُولئِکَ کَالْأَنْعامِ یأکلون، و یشربون، و لا یلتفتون إلی الآخرة. کما تأکل الأنعام لیس للأنعام همة غیر الأکل و الشرب و السفاد «4» فهی لا تسمع، و لا تعقل، کذلک الکفار، ثم قال: بَلْ هُمْ یعنی کفار مکة أَضَلُ یعنی أضل سبیلا یعنی الطریق من الأنعام، ثم قال: أُولئِکَ هُمُ الْغافِلُونَ 179- لأن «5» الأنعام تعرف ربها، و تذکره، و هم لا یعرفون ربهم، و لا یوحدونه وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنی و ذلک أن رجلا دعا اللّه فی الصلاة و دعا الرحمن، فقال رجل من مشرکی مکة و هو أبو جهل: ألیس یزعم محمد و أصحابه أنهم یعبدون ربا واحدا، فما بال هذا یدعو ربین اثنین. فأنزل اللّه:
وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنی یعنی الرحمن، الرحیم، الملک، القدوس، السلام، المؤمن،
______________________________
(1) فی أ: إلی قوله: آذانٌ لا یَسْمَعُونَ بِها.
(2) «اللّه» ساقط من: ا، ل.
(3) سورة البقرة الآیة: 7 و تمامها وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ
(4) فی أ: السعار.
(5) فی أ: أن، و فی حاشیة أ: إذ، محمد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 77
المهیمن، العزیز، الجبار، المتکبر، الخالق، البارئ، المصور، و نحوها.
یقول: فَادْعُوهُ بِها
فدعا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- الرجل فقال:
ادع اللّه، و ادع الرحمن، و رغما «1» لأنف المشرکین فإنک ما دعوت من هذه الأسماء فله «2» الأسماء الحسنی.
قال «3»: وَ ذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمائِهِ یعنی یمیلون فی أسمائه عن الحق فیسمون الآلهة: اللات، و العزی، و هبل، و نحوها.
و أساف، و نائلة، فمنعهم اللّه أن یسموا شیئا من آلهتهم باسم اللّه ثم قال:
سَیُجْزَوْنَ العذاب فی الآخرة ما کانُوا «4» یَعْمَلُونَ 180- وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِ یعنی عصبة یدعون إلی الحق وَ بِهِ یَعْدِلُونَ 181-
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: هذه لکم و قد أعطی اللّه موسی- علیه السلام- [140 ا] مثلها
وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی بالقرآن سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ 182- یعنی سنأخذهم بالعذاب من حیث یجهلون نزلت فی المستهزئین من قریش وَ أُمْلِی لَهُمْ یعنی لا أعجل علیهم بالعذاب إِنَّ کَیْدِی مَتِینٌ 183- یعنی إن أخذی شدید قتلهم اللّه فی لیلة واحدة.
أَ وَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یعنی من جنون، و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- صعد الصفا لیلا فدعا قریشا إلی عبادة اللّه- عز و جل- قال: أَ وَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ
______________________________
(1) فی أ: و رغم، ل: و رغما.
(2) فی أ: فلله، ل: فله.
(3) فی أ: فقال، ل: قال.
(4) فی أ: بما کانوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 78
إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِیرٌ مُبِینٌ 184- یعنی ما محمد إلا رسول بین، ثم وعظهم لیعتبروا فی صنیعه فیوحدوه، فقال: أَ وَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إلی ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ‌ءٍ من الآیات التی فیها، فیعتبروا أن الذی خلق ما ترون لرب واحد لا شریک له وَ أَنْ عَسی أَنْ یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ یعنی یکون قد دنا هلاکهم ببدر فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ أی بعد هذا القرآن یُؤْمِنُونَ 185- یعنی یصدقون مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ عن الهدی فَلا هادِیَ لَهُ وَ یَذَرُهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ 186- یعنی فی ضلالتهم یترددون یَسْئَلُونَکَ عَنِ السَّاعَةِ و ذلک أن کفار قریش سألوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عن الساعة أَیَّانَ مُرْساها یعنی متی حینها قُلْ لهم إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی و ما لی بها من علم لا یُجَلِّیها لِوَقْتِها یعنی لا یکشفها إِلَّا هُوَ إذا جاءت ثم أخبر عن شأنها فقال:
ثَقُلَتْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یقول ثقل علی من فیهما علمها لا تَأْتِیکُمْ إِلَّا بَغْتَةً یعنی فجأة ثم قال: یَسْئَلُونَکَ عنها «1» فی التقدیم کَأَنَّکَ حَفِیٌّ عَنْها یقول کأنک قد استحفیت عنها السؤال حتی علمتها قُلْ و ما لی بها من علم إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ 187- یعنی أکثر أهل مکة لا یعلمون أنها کائنة قُلْ لهم یا محمد: لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَ لا ضَرًّا یقول لا أقدر علی أن أسوق إلیها خیرا، و لا أدفع عنها ضرا، یعنی سوءا حین ینزل بی فکیف أملک علم الساعة، ثم قال: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ فیصیبنی ذلک وَ لَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ یعنی أعلم غیب الضر و النفع
______________________________
(1) فی أ: «یسألونک عنها» و لیس فی المصحف «عنها»، فجعلتها أ: قرآنا. و قد نقلتها إلی التفسیر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 79
إذا جاء لَاسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ یعنی من النفع وَ ما مَسَّنِیَ السُّوءُ یعنی ما أصابنی الضر إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِیرٌ من النار وَ بَشِیرٌ بالجنة لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 188- یعنی یصدقون قوله: هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ یعنی من نفس آدم- علیه السلام- وحده وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها «لِیَسْکُنَ إِلَیْها» «1» یعنی خلق من ضلع آدم زوجه «2» حواء، یوم الجمعة و هو نائم، فاستیقظ آدم و هی عند رأسه فقال لها: من أنت؟ فقالت بالسریانیة: أنا امرأة. فقال آدم: فلم خلقت؟
قالت: لتسکن إلی. و کان وحده فی الجنة، قالت الملائکة: یا آدم ما اسمها؟
قال: حواء، لأنها خلقت من حی، و سمی آدم، لأنه خلق من أدیم الأرض کلها، من العذبة، و السبخة من الطینة السوداء، و البیضاء، و الحمراء، کذلک نسله طیب و خبیث، و أبیض، و أسود، و أحمر، فذلک قوله: فَلَمَّا تَغَشَّاها یعنی جامعها آدم حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِیفاً هان علیها الحمل فَمَرَّتْ بِهِ یعنی استمرت به بالولد یقول: تقوم، و تقعد، و تلعب «3»، و لا تکترث، فأتاها إبلیس و غیر صورته و اسمه الحارث فقال: یا حواء لعل الذی فی بطنک بهیمة فقالت:
ما أدری ثم انصرف عنها فَلَمَّا أَثْقَلَتْ یقول: فلما أثقل الولد فی بطنها رجع إبلیس إلیها الثانیة فقال: کیف نجدک یا حواء؟ و هی لا تعرفه قالت: إنی أخاف أن یکون فی جوفی الذی خوفتنی به. ما أستطیع القیام إذا قعدت. قال:
أ فرأیت إن دعوت اللّه فجعله إنسانا مثلک و مثل آدم. أ تسمینه بی؟ قالت: نعم ثم انصرف عنها. فقالت لآدم- علیه السلام-: لقد أتانی آت فزعم أن الذی فی بطنی بهیمة و إنی لأجد له ثقلا و قد خفت أن یکون مثل ما قال: فلم یکن
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
(2) فی أ: زوجها.
(3) فی أ، ل، م: تعلب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 80
لآدم و حواء هم غیر الذی فی بطنها فجعلا یدعوان اللّه «دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما» «1» لَئِنْ آتَیْتَنا صالِحاً یقولان: لئن أعطیتنا هذا الولد سویا صالح الخلق لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ 189- فی هذه النعمة فولدت سویا صالحا فجاءها إبلیس و هی لا تعرفه فقال: لم لا تسمیه بی کما وعدتنی. قالت: عبد الحرث فکذبها. فسمته عبد الحارث فرضی به آدم، فمات الولد. فذلک قوله: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً یعنی أعطاهما الولد صالح الخلق جَعَلا لَهُ شُرَکاءَ یعنی إبلیس شریکا فی الاسم سمته عبد الحارث «2» فکان الشرک فی الطاعة من غیر عبادة و لم یکن شرکا فی عبادة ربهم ثم انقطع الکلام، فذکر کفار مکة فرجع إلی أول الآیة فقال اللّه:
فَتَعالَی اللَّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ 190- یقول ارتفع عظمة اللّه عما یشرک مشرکو مکة ثم قال: أَ یُشْرِکُونَ الآلهة مع اللّه یعنی: اللات، و العزی، و مناة، و الآلهة. ما لا یَخْلُقُ شَیْئاً ذبابا و لا غیره وَ هُمْ یُخْلَقُونَ 191- یعنی الآلهة یعنی یصنعونها بأیدیهم، و ینحتونها فهی لا تخلق شیئا ثم قال: وَ لا یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْراً یقول لا تقدر الآلهة منع السوء إذا نزل بمن یعبدها من کفار مکة وَ لا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ 192- یقول و لا تمنع الآلهة من أراد بها سوءا فکیف تعبدون من هذه منزلته و تترکون عبادة ربکم ثم قال- للنبی صلی اللّه علیه و سلم-: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ یعنی کفار مکة إِلَی الْهُدی لا یَتَّبِعُوکُمْ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وحده سَواءٌ عَلَیْکُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ إلی الهدی أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ 193- یعنی ساکتون یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لأنهم لا یتبعوکم ثم أخبر عن الآلهة [141 ا] فقال قل لکفار مکة:
______________________________
(1) ما بین الأقواس «...» ساقط من أ، ل.
(2) فی ا عبد الحرث.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 81
إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ یعنی تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة إنهم عِبادٌ أَمْثالُکُمْ و لیسوا بآلهة فَادْعُوهُمْ یعنی فاسألوهم فَلْیَسْتَجِیبُوا لَکُمْ بأنهم آلهة إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 194- بأنها آلهة ثم أخبر عن الآلهة فقال:
أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ «1» یَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَیْدٍ یَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بِها ثم قال لکفار مکة: قُلِ ادْعُوا شُرَکاءَکُمْ یعنی الآلهة ثُمَّ کِیدُونِ أنتم الآلهة جمیعا «2» بشر فَلا تُنْظِرُونِ 195- إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْکِتابَ یعنی القرآن وَ هُوَ یَتَوَلَّی الصَّالِحِینَ 196- ثم قال لکفار مکة: وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ یعنی یعبدون مِنْ دُونِهِ من الآلهة لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَکُمْ یقدر الآلهة منع السوء إذا نزل بکم وَ لا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ 197- یقول و لا تمنع الآلهة من أرادها بسوء ثم قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَی الْهُدی یعنی کفار مکة لا یَسْمَعُوا الهدی وَ تَراهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ وَ هُمْ لا یُبْصِرُونَ 198- الهدی قوله: خُذِ الْعَفْوَ یقول للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-:
خذ ما أعطوک من الصدقة وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ یعنی بالمعروف وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ 199- یعنی أبا جهل حین جهل علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فنسخت العفو «3» الآیة التی فی براءة آیة الصدقات «4».
______________________________
(1) فی أ: «أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ ...» إلی قوله: «... یَسْمَعُونَ بِها».
(2) فی: (جمیعا) علی أنها قرآن.
(3) المراد بالعفو الصدقة.
(4) المراد بالصدقات هنا الزکاة، و هو یشیر الی الآیة 60 من سورة التوبة و تمامها:
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکِینِ وَ الْعامِلِینَ عَلَیْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِی الرِّقابِ وَ الْغارِمِینَ وَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ فَرِیضَةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ
و لا نسخ هنا فالزکاة فریضة و الصدقة سنة و لا تعارض بینهما.
و یحتمل أن یکون الإشارة إلی الآیة 103 من سورة التوبة و هی خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَکِّیهِمْ بِها ... الآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 82
و نسخ الإعراض آیة السیف «1» قوله: وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ یعنی و إما یفتننک من الشیطان فتنة فی أمر أبی جهل فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ بالاستعاذة عَلِیمٌ 200- بها- نظیرها فی حم السجدة «2»-.
ثم وعظ النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی أمر أبی جهل فأخبر عن مصیر المؤمنین و الکفار فقال: إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا الشرک إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ 201- یقول إن المتقین إذا أصابهم نزغ من الشیطان تذکروا و عرفوا أنها معصیة ففزعوا منها من مخافة اللّه ثم ذکر الکافر فقال: وَ إِخْوانُهُمْ یعنی و أصحابهم یعنی إخوان کفار مکة هم الشیاطین فی التقدیم یَمُدُّونَهُمْ یعنی یلجونهم فِی الغَیِ یعنی الشرک و الضلالة و المعاصی ثُمَّ لا یُقْصِرُونَ 202- عنها و لا یبصرونها کما قصر المتقون عنها حین أبصروها وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآیَةٍ یعنی بحدیث من القرآن، و ذلک حین أبطأ التنزیل بمکة قالُوا «3» قال «4» کفار مکة: لَوْ لا اجْتَبَیْتَها یعنی هلا
______________________________
(1) مفهوم النسخ کما هو عند الأصولیین غیر متحقق هنا أیضا، فقد کان الإعراض فی مرحلة و السیف فی مرحلة أخری.
لکن مقاتلا فی ذلک صنو عصره فقد کانوا یطلقون النسخ علی کل تقیید أو تخصیص .. حتی سمی الاستثناء نسخا. کان آیة السیف حددت الإعراض بوقت معین، فنسخته فی إطلاق القدماء.
أما النسخ عند الأصولیین فهو إزالة الشارع حکما شرعیا سابقا بحکم شرعی لاحق بحیث لا یمکن الجمع بینهما.
و هو غیر منطبق علی ما ذکره مقاتل.
(2) یشیر الآیة 26 من سورة حم السجدة (فصلت) و تمامها: وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ
(3) (قالوا) لیست فی ا.
(4) فی أ: فقال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 83
ابتدعتها من تلقاء نفسک یا محمد لقولهم:- ائت بقرآن غیر هذا أو بدله- من تلقاء نفسک قُلْ لکفار مکة: إِنَّما أَتَّبِعُ ما یُوحی إِلَیَّ مِنْ رَبِّی إذا أمرت بأمر اتبعته هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ یعنی برهان یعنی هذا القرآن بیان من ربکم وَ القرآن هُدیً من الضلالة وَ رَحْمَةٌ من العذاب لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 203- یعنی یصدقون بأن القرآن من اللّه وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ «1» فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ 204- وَ اذْکُرْ رَبَّکَ یعنی بالذکر القراءة [141 ب فی الصلاة فِی نَفْسِکَ تَضَرُّعاً مستکینا وَ خِیفَةً یعنی و خوفا من عذابه وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ یعنی دون العلانیة بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ یعنی بالغداة و العشی وَ لا تَکُنْ مِنَ الْغافِلِینَ 205- عن القراءة فی الصلاة إِنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ من الملائکة، و ذلک حین قال کفار مکة: «وَ مَا الرَّحْمنُ أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا» «2» و استکبروا عن السجود، فأخبر اللّه أن الملائکة لا یَسْتَکْبِرُونَ یعنی لا یتکبرون عَنْ عِبادَتِهِ کفعل کفار مکة و أخبر عن الملائکة فقال: وَ یُسَبِّحُونَهُ یعنی یذکرون ربهم وَ لَهُ یَسْجُدُونَ 206- یقول یصلون.
______________________________
(1) أ: «وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ...» إلی قوله: «... تُرْحَمُونَ».
(2) سورة الفرقان الآیة 60 و تمامها:
«وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَ زادَهُمْ نُفُوراً».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 85

سورة الأنفال‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 87

[سورة الأنفال (8): الآیات 1 الی 75]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ وَ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آیاتُهُ زادَتْهُمْ إِیماناً وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ (2) الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ (3) أُولئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ (4)
کَما أَخْرَجَکَ رَبُّکَ مِنْ بَیْتِکَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِیقاً مِنَ الْمُؤْمِنِینَ لَکارِهُونَ (5) یُجادِلُونَکَ فِی الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَیَّنَ کَأَنَّما یُساقُونَ إِلَی الْمَوْتِ وَ هُمْ یَنْظُرُونَ (6) وَ إِذْ یَعِدُکُمُ اللَّهُ إِحْدَی الطَّائِفَتَیْنِ أَنَّها لَکُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَیْرَ ذاتِ الشَّوْکَةِ تَکُونُ لَکُمْ وَ یُرِیدُ اللَّهُ أَنْ یُحِقَّ الْحَقَّ بِکَلِماتِهِ وَ یَقْطَعَ دابِرَ الْکافِرِینَ (7) لِیُحِقَّ الْحَقَّ وَ یُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ فَاسْتَجابَ لَکُمْ أَنِّی مُمِدُّکُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِکَةِ مُرْدِفِینَ (9)
وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْری وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُکُمْ وَ مَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ (10) إِذْ یُغَشِّیکُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ یُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ وَ یُذْهِبَ عَنْکُمْ رِجْزَ الشَّیْطانِ وَ لِیَرْبِطَ عَلی قُلُوبِکُمْ وَ یُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ یُوحِی رَبُّکَ إِلَی الْمَلائِکَةِ أَنِّی مَعَکُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِینَ آمَنُوا سَأُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ کَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ کُلَّ بَنانٍ (12) ذلِکَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ یُشاقِقِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ (13) ذلِکُمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنَّ لِلْکافِرِینَ عَذابَ النَّارِ (14)
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ رَمی وَ لِیُبْلِیَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (17) ذلِکُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ کَیْدِ الْکافِرِینَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَکُمُ الْفَتْحُ وَ إِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَ إِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَ لَنْ تُغْنِیَ عَنْکُمْ فِئَتُکُمْ شَیْئاً وَ لَوْ کَثُرَتْ وَ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِینَ (19)
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا یَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ (22) وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِیهِمْ خَیْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (23) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاکُمْ لِما یُحْیِیکُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَحُولُ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ (24)
وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ (25) وَ اذْکُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَکُمُ النَّاسُ فَآواکُمْ وَ أَیَّدَکُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (26) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِکُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ وَ أَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ (28) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً وَ یُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ (29)
وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِیُثْبِتُوکَ أَوْ یَقْتُلُوکَ أَوْ یُخْرِجُوکَ وَ یَمْکُرُونَ وَ یَمْکُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ (30) وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ (31) وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ کانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ (32) وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ وَ ما کانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ (33) وَ ما لَهُمْ أَلاَّ یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَ هُمْ یَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما کانُوا أَوْلِیاءَهُ إِنْ أَوْلِیاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (34)
وَ ما کانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَیْتِ إِلاَّ مُکاءً وَ تَصْدِیَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ فَسَیُنْفِقُونَها ثُمَّ تَکُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ یُغْلَبُونَ وَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِلی جَهَنَّمَ یُحْشَرُونَ (36) لِیَمِیزَ اللَّهُ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ وَ یَجْعَلَ الْخَبِیثَ بَعْضَهُ عَلی بَعْضٍ فَیَرْکُمَهُ جَمِیعاً فَیَجْعَلَهُ فِی جَهَنَّمَ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ یَنْتَهُوا یُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ یَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِینَ (38) وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَ یَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما یَعْمَلُونَ بَصِیرٌ (39)
وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاکُمْ نِعْمَ الْمَوْلی وَ نِعْمَ النَّصِیرُ (40) وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلی عَبْدِنا یَوْمَ الْفُرْقانِ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ وَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْیا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوی وَ الرَّکْبُ أَسْفَلَ مِنْکُمْ وَ لَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِی الْمِیعادِ وَ لکِنْ لِیَقْضِیَ اللَّهُ أَمْراً کانَ مَفْعُولاً لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَ یَحْیی مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ وَ إِنَّ اللَّهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ (42) إِذْ یُرِیکَهُمُ اللَّهُ فِی مَنامِکَ قَلِیلاً وَ لَوْ أَراکَهُمْ کَثِیراً لَفَشِلْتُمْ وَ لَتَنازَعْتُمْ فِی الْأَمْرِ وَ لکِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَ إِذْ یُرِیکُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَیْتُمْ فِی أَعْیُنِکُمْ قَلِیلاً وَ یُقَلِّلُکُمْ فِی أَعْیُنِهِمْ لِیَقْضِیَ اللَّهُ أَمْراً کانَ مَفْعُولاً وَ إِلَی اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا لَقِیتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَ اذْکُرُوا اللَّهَ کَثِیراً لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ (46) وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ اللَّهُ بِما یَعْمَلُونَ مُحِیطٌ (47) وَ إِذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَکُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّی جارٌ لَکُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَکَصَ عَلی عَقِبَیْهِ وَ قالَ إِنِّی بَرِی‌ءٌ مِنْکُمْ إِنِّی أَری ما لا تَرَوْنَ إِنِّی أَخافُ اللَّهَ وَ اللَّهُ شَدِیدُ الْعِقابِ (48) إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِینُهُمْ وَ مَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ (49)
وَ لَوْ تَری إِذْ یَتَوَفَّی الَّذِینَ کَفَرُوا الْمَلائِکَةُ یَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِیقِ (50) ذلِکَ بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیکُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِیدِ (51) کَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کَفَرُوا بِآیاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِیٌّ شَدِیدُ الْعِقابِ (52) ذلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ یَکُ مُغَیِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلی قَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (53) کَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کَذَّبُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَکْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ کُلٌّ کانُوا ظالِمِینَ (54)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِینَ کَفَرُوا فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ (55) الَّذِینَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ یَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِی کُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا یَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِی الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ (57) وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِیانَةً فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلی سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْخائِنِینَ (58) وَ لا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا یُعْجِزُونَ (59)
وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّکُمْ وَ آخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ یَعْلَمُهُمْ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَیْ‌ءٍ فِی سَبِیلِ اللَّهِ یُوَفَّ إِلَیْکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَ تَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (61) وَ إِنْ یُرِیدُوا أَنْ یَخْدَعُوکَ فَإِنَّ حَسْبَکَ اللَّهُ هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِینَ (62) وَ أَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ما أَلَّفْتَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ (63) یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (64)
یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الْقِتالِ إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ وَ إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ مِائَةٌ یَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْکُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِیکُمْ ضَعْفاً فَإِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ وَ إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ أَلْفٌ یَغْلِبُوا أَلْفَیْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِینَ (66) ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْری حَتَّی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا وَ اللَّهُ یُرِیدُ الْآخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ (67) لَوْ لا کِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِیما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (68) فَکُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَیِّباً وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (69)
یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِمَنْ فِی أَیْدِیکُمْ مِنَ الْأَسْری إِنْ یَعْلَمِ اللَّهُ فِی قُلُوبِکُمْ خَیْراً یُؤْتِکُمْ خَیْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْکُمْ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ (70) وَ إِنْ یُرِیدُوا خِیانَتَکَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْکَنَ مِنْهُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (71) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ الَّذِینَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِکَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یُهاجِرُوا ما لَکُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ حَتَّی یُهاجِرُوا وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوکُمْ فِی الدِّینِ فَعَلَیْکُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلی قَوْمٍ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ (72) وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَکُنْ فِتْنَةٌ فِی الْأَرْضِ وَ فَسادٌ کَبِیرٌ (73) وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ الَّذِینَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ (74)
وَ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَکُمْ فَأُولئِکَ مِنْکُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ (75)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 97
[سورة الأنفال مدنیة کلها غیر آیة واحدة «وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا ...» الآیة «1».
و هی خمس و سبعون آیة کوفیة «2»***
______________________________
(1) الآیة 30 من سورة الأنفال و تمامها: «وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِیُثْبِتُوکَ أَوْ یَقْتُلُوکَ أَوْ یُخْرِجُوکَ وَ یَمْکُرُونَ وَ یَمْکُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ».
*** و فی المصحف: سورة الأنفال مدنیة إلا من آیة 30 إلی آیة 36 فمکیة و آیاتها 75 آیة نزلت بعد سورة البقرة.
*** و فی کتاب بصائر ذوی التمییز فی لطائف الکتاب العزیز للفیروزآبادی ص 222: اعلم أن هذه السورة مدنیة بالإجماع و عدد آیاتها خمس و سبعون عند الکوفیین.
و عدد کلماتها (1195) کلمة.
(2) أهداف سورة الأنفال و مقاصدها مقصود سورة الأنفال مجملا هو: قطع الأطماع الفاسدة من الغنیمة التی هی حق للّه و رسوله و مدح الخائفین وقت سماع القرآن و الإشارة إلی ابتداء حرب بدر و إمداد اللّه- تعالی- صحابة نبیه بالملائکة المقربین و النهی عن الفرار عند الزحف، و وصیة اللّه المؤمنین بالثبات فی صف القتال، و أمر المؤمنین بإجابة اللّه و رسوله، و التحذیر من الفتنة و النهی عن خیانة اللّه و رسوله، و ذکر مکر کفار مکة فی حق النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و تجاسر قوم منهم باستعجال العذاب، و ذکر إضاعة نفقاتهم فی الضلال و الباطل، و بیان قسمة الغنائم و تلاقی عسکر الإسلام و عسکر المشرکین.
و ذم المنافقین فی خذلانهم لأهل الإیمان و نکال ناقضی العهد، لیعتبر بهم آخرون، و المیل إلی الصلح عند الدعوة إلیه، و المن علی المؤمنین بتألیف قلوبهم و بیان عدد عسکر الإسلام، و عسکر الشرک و حکم أسری بدر و نصرة المعاهدین لأهل الإسلام و تخصیص الأقارب و ذوی الأرحام بالمیراث فی قوله: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ ...» إلی آخر السورة.
*** فواصل آیات سورة الأنفال: (ن د م ق ط ر ب).
یجمعها ندم قطرب.
تفسیر مقاتل- 7
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 99
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ و ذلک
أن رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- قال یوم بدر: إن اللّه وعدنی النصر أو الغنیمة، فمن قتل قتیلا، أو أسر أسیرا» فله من عسکرهم کذا و کذا، إن شاء اللّه، و من جاء برأس فله غرة فلما تواقعوا «1» انهزم المشرکون و أتباعهم «2» سرعان الناس فجاءوا بسبعین أسیرا و قتلوا سبعین رجلا، فقال أبو الیسر الأنصاری: أعطنا ما وعدتنا من الغنیمة. و کان قتل رجلین و أسر رجلین العباس بن عبد المطلب، و أبا عزة بن عمیر بن هشام بن عبد الدار، و کان معه لواء المشرکین یوم بدر، قال سعد بن عبادة الأنصاری- من بنی ساعدة- للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: ما منعنا أن نطلب المشرکین کما طلب هؤلاء زهادة فی الآخرة و لا جبنا عن العدو «3» و لکن خفنا أن نعری «4» صفک فتعطف علیک خیل المشرکین أو رجالاتهم فتصاب «5» بمصیبة، فإن تعط «6» هؤلاء ما ذکرت لهم لم یبق لسائر أصحابک کبیر شی‌ء، فأنزل اللّه- عز و جل-: «یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ»
یعنی النافلة التی وعدتهم یعنی أبا الیسر اسمه کعب بن عمرو-
______________________________
(1) فی أ: توافقوا، ل: تواقعوا.
(2) فی أ: و اتبعوهم.
(3) فی أ: عدوه، ل: العدو.
(4) فی أ: نغرر، ل: نعری.
(5) فی أ: فنصاب، ل: فتصاب.
(6) فی أ: تعطی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 100
الأنصاری من بنی سلمة بن جشم بن مالک، و مالک بن دخشم الأنصاری- من بنی عوف بن الخزرج، فأنزل اللّه- عز و جل-: قُلِ لهم یا محمد:
الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ «1» یقول: لیرد بعضکم علی بعض الغنیمة وَ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فی أمر الصلح إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ 1- یعنی مصدقین بالتوحید، فأصلحوا، ثم نعتهم فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آیاتُهُ فی أمر الصلح زادَتْهُمْ إِیماناً یعنی تصدیقا مع إیمانهم مع تصدیقهم بما أنزل اللّه علیهم قبل ذلک من القرآن وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ 2- یعنی و به یثقون [142 أ]، ثم نعتهم فقال: الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ یعنی یتمون الصلاة:
رکوعها، و سجودها فی مواقیتها. وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال یُنْفِقُونَ 3- فی طاعة ربهم أُولئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لا شک فی إیمانهم کشک المنافقین لَهُمْ بذلک دَرَجاتٌ یعنی فضائل عِنْدَ رَبِّهِمْ فی الآخرة فی الجنة وَ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ 4- یعنی حسن فی الجنة.
فلما نزلت هؤلاء الآیات قالوا: سمعنا و أطعنا لرسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- فلم تقسم الغنیمة حتی رجع رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- إلی المدینة فقسم بینهم بالسویة و رفع الخمس منه، قوله: کَما أَخْرَجَکَ رَبُّکَ مِنْ بَیْتِکَ بِالْحَقِ و ذلک
أن عیر کفار قریش جاءت من الشام ترید مکة فیها أبو سفیان بن حرب، و عمرو بن العاص، و عمرو بن هشام، و مخرمة بن نوفل الزهری، فی العیر فبلغهم أن رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- یریدهم
______________________________
(1) ورد ذلک فی أسباب النزول للسیوطی: 104، 105، کما ورد فی أسباب النزول للواحدی: 132. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 101
فبعثوا عمرو بن ضمضم الغفاری إلی مکة مستغیثا فخرجت قریش، و بعث «1» النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- عدی بن أبی الزغفاء عینا علی العیر لیعلم أمرهم، و نزل جبریل- علیه السلام- فأخبر النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بعیر أهل مکة فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- لأصحابه: «إن اللّه یعدکم إحدی الطائفتین: إما العیر، و إما النصر و الغنیمة، فما ترون؟» فأشاروا علیه بل نسیر إلی العیر و کرهوا القتال، و قالوا: إنا لم نأخذ أهبة القتال و إنما نفرنا إلی العیر. ثم أعاد النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- المشورة: فأشاروا علیه بالعیر. فقال سعد بن عبادة الأنصاری: یا رسول اللّه، انظر أمرک فامض له فو اللّه لو سرت بنا إلی عدن ما تخلف عنک رجل من الأنصار. ففرح النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- حتی عرف السرور فی وجهه فقال المقداد بن الأسود الکندی: إنا معک. فضحک النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-، و قال لهم: معروفا. فأنزل اللّه- عز و جل- «کَما أَخْرَجَکَ رَبُّکَ مِنْ بَیْتِکَ بِالْحَقِّ» «2»
وَ إِنَّ فَرِیقاً مِنَ الْمُؤْمِنِینَ لَکارِهُونَ 5- للقتال، فلذلک «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ» فی أمر الغنیمة، فیها تقدیم، ثم قال: یُجادِلُونَکَ فِی الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَیَّنَ لهم أنک لا تصنع إلا ما أمرک اللّه کَأَنَّما یُساقُونَ إِلَی الْمَوْتِ وَ هُمْ یَنْظُرُونَ 6- وَ إِذْ یَعِدُکُمُ اللَّهُ إِحْدَی الطَّائِفَتَیْنِ العیر أو هزیمة المشرکین و عسکرهم «3» «أَنَّها لَکُمْ» وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَیْرَ ذاتِ الشَّوْکَةِ
______________________________
(1) فی أ: فبعث.
(2) فی أ: «کَما أَخْرَجَکَ رَبُّکَ ...» إلی قوله «... لَکارِهُونَ»، و قد ورد ما ذکره مقاتل فی أسباب النزول للسیوطی: 105.
(3) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 102
یعنی العیر «تَکُونُ لَکُمْ «1»» وَ یُرِیدُ اللَّهُ أَنْ یُحِقَّ الْحَقَّ بِکَلِماتِهِ یقول یحقق الإسلام بما أنزل إلیک وَ یَقْطَعَ دابِرَ الْکافِرِینَ 7- یعنی أصل الکافرین ببدر لِیُحِقَّ الْحَقَ یعنی الإسلام وَ یُبْطِلَ الْباطِلَ یعنی الشرک یعنی عبادة الشیطان «وَ لَوْ «2»» کَرِهَ الْمُجْرِمُونَ 8- یعنی کفار مکة، قوله: إِذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ و ذلک
أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- لما رأی «3» المشرکین یوم بدر و علم أنه لا قوة له بهم إلا باللّه «4» دعا ربه [142 ب فقال: اللهم إنک أمرتنی بالقتال و وعدتنی النصر و إنک لا تخلف المیعاد. فاستجاب له ربه، فأنزل اللّه «إذ یستغیثون»
فی النصر فَاسْتَجابَ لَکُمْ أَنِّی مُمِدُّکُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِکَةِ یوم بدر مُرْدِفِینَ 9- یعنی متتابعین کقوله فی المؤمنین: «رُسُلَنا تَتْرا» «5» و قوله: «طَیْراً أَبابِیلَ» «6» و قوله:
«یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُمْ مِدْراراً» «7» یعنی متتابع قطرها، فنزل جبریل- علیه السلام- فی ألف من الملائکة، فقام جبریل- علیه السلام- فی خمسمائة ملک عن میمنة الناس معهم أبو بکر، و نزل میکائیل- علیه السلام- فی خمسمائة علی میسرة
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
(2) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
(3) فی أ: زرا.
(4) ورد ذلک فی لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی: 106.
(5) سورة المؤمنون: 44.
(6) سورة الفیل: 3.
(7) سورة هود: 52.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 103
الناس، معهم عمر فی صور الرجال علیهم البیاض و عمائم البیض قد أرخوا أطرافها بین أکتافهم فقاتلت الملائکة یوم بدر «1».
و لم یقاتلوا یوم الأحزاب، و لا یوم خیبر، ثم قال: وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ یعنی مدد الملائکة إِلَّا بُشْری وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُکُمْ یعنی لتسکن إلیه قلوبکم وَ مَا النَّصْرُ و لیس النصر إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ و لیس النصر بقلة العدد و لا بکثرته.
و لکن النصر من عند اللّه إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ «2»- 10- «عزیز» یعنی منیع «حکیم» فی أمره حکم النصر. و قوله: إِذْ یُغَشِّیکُمُ «3» النُّعاسَ و ذلک أن کفار مکة سبقوا النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- إلی ماء بدر، فخلفوا «4» الماء وراء ظهورهم، و نزل المسلمون حیالهم علی غیر ماء، و بینهم و بین عدوهم بطن واد فیه رمل، فمکث المسلمون یوما و لیلة یصلون محدثین مجنبین، فأتاهم إبلیس- لعنه اللّه- فقال لهم: ألیس قد زعمتم أنکم أولیاء اللّه علی دینه، و قد غلبتم علی الماء تصلون علی غیر طهور و ما یمنع القوم من قتالکم إلا ما أنتم فیه من العطش و البلاء، حتی إذا انقطعت رقابکم من العطش قاموا إلیکم فلا یبصر بعضکم بعضا، فیقرنونکم بالحبال فیقتلون منکم من شاءوا، ثم ینطلقون بکم إلی مکة، فحزن المسلمون و خافوا «5» و امتنع منهم النوم، فعلم اللّه ما فی قلوب المؤمنین من الحزن،
______________________________
(1) ذهب أستاذنا الدکتور مصطفی زید فی کتابه «تفسیر سورة الأنفال» إلی أن نزول الملائکة فی غزوة بدر کان لتثبیت المؤمنین و تکثیر سوادهم، و إرهاب الکافرین و إلقاء الرعب فی قلوبهم و استبعد أن یکون قتالهم قتالا حسیا.
(2) فی أ: العزیز الحکیم. و فی حاشیة أ: الآیة التی هنا «إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ».
(3) فی أ: إذ یغشاکم.
(4) خلفوا الماء وراء ظهورهم: أی جعل الکفار الماء خلفهم حتی لا یستطیع المسلمون الوصول إلیه، و بذلک یهلکهم العطش.
(5) فی أ: فخافوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 104
فألقی اللّه علیهم النعاس أمنة من اللّه لیذهب همهم، و أرسل السماء علیهم لیلا فامطرت مطرا جوادا حتی سالت الأودیة، و ملؤوا الأسقیة، و سقوا الإبل، و اتخذوا الحیاض، و اشتدت الرملة، و کانت تأخذ إلی کعبی الرجال و کانت «بماعة» «1» المؤمنین رجال لم یکن معهم إلا فارسان: المقداد بن الأسود، و أبو مرثد الغنوی، و کان معهم ستة أدرع «2»، فأنزل اللّه «إِذْ یُغَشِّیکُمُ النُّعاسَ» أَمَنَةً مِنْهُ وَ یُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ من الأحداث، و الجنابة وَ یُذْهِبَ عَنْکُمْ رِجْزَ الشَّیْطانِ یعنی الوسوسة التی ألقاها فی قلوبکم و الحزن وَ لِیَرْبِطَ عَلی قُلُوبِکُمْ بالإیمان من تخویف الشیطان وَ یُثَبِّتَ بِهِ یعنی بالمطر الْأَقْدامَ 11- «إِذْ یُوحِی رَبُّکَ» «3» و لما صف القوم أوحی اللّه- عز و جل- إِلَی الْمَلائِکَةِ أَنِّی مَعَکُمْ فَثَبِّتُوا فبشروا الَّذِینَ آمَنُوا بالنصر فکان الملک فی صورة بشر فی الصف الأول فیقول أبشروا فإنکم کثیر و عددهم قلیل فاللّه ناصرکم [143 أ]. فیری الناس أنه منهم، ثم قال: سَأُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ کَفَرُوا الرُّعْبَ بتوحید اللّه- عز و جل- یوم بدر، ثم علمهم کیف یصنعون فقال: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ یعنی الرقاب تقول العرب لأضربن فوق رأسک یعنی الرقاب وَ اضْرِبُوا بالسیف مِنْهُمْ کُلَّ بَنانٍ 12- یعنی الأطراف ذلِکَ الذی نزل بهم بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ یعنی عادوا اللّه و رسوله وَ مَنْ یُشاقِقِ اللَّهَ یعنی و من یعاد اللّه
______________________________
(1) فی أ: و کانت المؤمنین رجال، و بما أن المؤمنین اسم کان فیجب أن یکون مرفوعا فوجوده منصوبا أو مخفوضا دلیل علی أن مضافا کان هنا و سقط فزدت کلمة «جماعة» لیستقیم الکلام.
(2) فی أ: أدع، أ ه: و أدرع جمع درع.
(3) ساقطة من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 105
وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ 13- إذا عاقب ذلِکُمْ القتل فَذُوقُوهُ یوم بدر فی الدنیا ثم قال: وَ أَنَّ لِلْکافِرِینَ بتوحید اللّه- عز و جل- مع القتل، و ضرب الملائکة الوجوه، و الأدبار أیضا- لهم فی الآخرة عَذابَ النَّارِ- 14- یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه- عز و جل- یوم بدر زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ- 15- وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ یعنی مستطردا یرید الکرة للقتال أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ یقول أو ینحاز إلی صف «1» النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ یقول فقد استوجب من اللّه الغضب وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ یعنی و مصیره جهنم وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ- 16- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ یعنی ما قتلتموهم و ذلک أن الرجل من المؤمنین کان یقول: فعلت و قتلت فنزلت «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ» وَ لکِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ رَمی و ذلک
أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- حین صاف «2» المشرکین، دعا بثلاث قبضات من حصی الوادی، و رمله، فناوله علی بن أبی طالب فرمی بها فی وجوه العدو «3» و قال: اللهم ارعب «4» قلوبهم، و زلزل أقدامهم، فملأ اللّه وجوههم و أبصارهم من الرمیة فانهزموا عند الرمیة «5» الثالثة و تبعهم المسلمون یقتلونهم و یأسرونهم «6»،
فذلک قوله:
______________________________
(1) فی أ: الصف.
(2) هکذا فی أ، ل، م: و المواد وقف أمام صفوف المشرکین.
(3) فی أ: العدو، ل: القوم.
(4) فی أ: ارعب، ل: أرعد.
(5) فی أ: فانهزموا من الرمیة، و فی ل: فانهزموا عند الرمیة.
(6) ورد ذلک فی أسباب النزول للواحدی: 133، و فی لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی: 106.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 106
وَ لِیُبْلِیَ الْمُؤْمِنِینَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً یعنی القتل و الأسر إِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ لدعاء النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- عَلِیمٌ 17- به ذلِکُمْ النصر وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ یعنی مضعف کَیْدِ الْکافِرِینَ 18- إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَکُمُ الْفَتْحُ و ذلک أن عاتکة بنت عبد المطلب رأت فی المنام، کأن فارسا دخل المسجد الحرام، فنادی: یا آل فهو من قریش انفروا فی لیلة أو لیلتین، ثم صعد فوق الکعبة، فنادی «1» مثلها، ثم صعد أبا قبیس فنادی مثلها. ثم نقض صخرة من الجبل فرفعها المنادی فضرب بها الجبل فانفلقت فلم یبق بیت «2» بمکة إلا دخلت قطعة منه فیه فلما أصبحت أخبرت أخاها العباس وجلا «3» و عنده أبو جهل بن هشام فقال أبو جهل: یا آل قریش ألا تعذرونا من بنی عبد المطلب، إنهم لا یرضون أن تنبأ رجالهم حتی تنبأت نساؤهم، ثم قال أبو جهل للعباس: تنبأت رجالکم و تنبأت «4» نساؤکم و اللّه لتنتهن، و أوعدهم «5»، فقال العباس: إن شئتم ناجزناکم الساعة [143 ب . فلما قدم ضمضم بن عمرو الغفاری قال: أدرکوا العیر أولا، تدرکوا. فعمد أبو جهل و أصحابه فأخذوا بأستار الکعبة، ثم قال أبو جهل:
اللهم أنصر أعلی الجندین «6» و أکرم القبیلتین. ثم خرجوا علی کل صعب و ذلول لیعینوا
______________________________
(1) فی أ: ثم صعد فوق الکعبة فنادی، و فی ل: ثم صعد فوق الکعبة فنادی مثلها.
(2) فی أ: بیتا، ل: بیت.
(3) فی ل: رجلا، أ، م: و جلا.
(4) فی أ: حتی تنبأت، ل: و تنبأت.
(5) فی أ: ما وعده، ل: فأوعدهم.
(6) فی أ: اللهم انصرنا علی الجندین، و قد أصلحته من کتاب أسباب النزول للواحدی:
134. و قد ورد نحوه فی کتاب لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 107
أبا سفیان فترک أبو سفیان الطریق و أغز «1» علی ساحل البحر فقدم مکة و سبق أبو جهل النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و من معه من المشرکین إلی ماء بدر، فلما التقوا قال أبو جهل: اللهم اقض بیننا و بین محمد «2»، اللهم أینا کان أحب إلیک، و أرضی عندک؛ فانصره. ففعل اللّه- عز و جل- ذلک، و هزم المشرکین، و قتلهم، و نصر المؤمنین فأنزل اللّه فی قول أبی جهل: «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَکُمُ الْفَتْحُ» یقول إن تستنصروا فقد جاءکم النصر فقد نصرت من قلتم «3» وَ إِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ من القتال وَ إِنْ تَعُودُوا لقتالهم نَعُدْ علیکم بالقتل و الهزیمة بما فعلنا ببدر وَ لَنْ تُغْنِیَ عَنْکُمْ فِئَتُکُمْ شَیْئاً یعنی جماعتکم شیئا وَ لَوْ کَثُرَتْ فئتکم وَ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِینَ 19- فی النصر لهم قوله: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بتوحید اللّه- عز و جل- أَطِیعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فی أمر الغنیمة وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ یعنی و لا تعرضوا عنه یعنی أمر الرسول- صلّی اللّه علیه و سلّم- وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ 20- المواعظ ثم وعظ المؤمنین فقال: وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ قالُوا سَمِعْنا الإیمان وَ هُمْ لا یَسْمَعُونَ 21- یعنی المنافقین ثم قال:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُ عن الإیمان الْبُکْمُ یعنی الخرس لا یتکلمون بالإیمان و لا یعقلون الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ 22- یعنی ابن عبد الدار بن قصی، و أبو الحارث «4» بن علقمة، و طلحة بن عثمان، و عثمان، و شافع، و أبو الجلاس،
______________________________
(1) فی أ: و أخذ، ل: و أحز: أی أمعن السیر و أسرع فیه من علی ساحل البحر، و أغز علی ساحل البحر بمعنی أسرع السیر أیضا.
(2) فی أ: زیادة (صلّی اللّه علیه و سلّم) و لیس ذلک فی: ل.
(3) فی أ: قاتلتم، ل: قلتم.
(4) فی أ: الحرث.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 108
و أبو سعد، و الحارث «1»، و القاسط بن شریح، و أرطاة بن شرحبیل، ثم أخبر عنهم فقال: وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِیهِمْ خَیْراً لَأَسْمَعَهُمْ یعنی لأعطاهم الإیمان وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ یقول و لو أعطاهم الإیمان لَتَوَلَّوْا یقول لأعرضوا عنه وَ هُمْ مُعْرِضُونَ 23- لما سبق لهم فی علم اللّه من الشقاء و فیهم نزلت «وَ ما کانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَیْتِ إِلَّا مُکاءً وَ تَصْدِیَةً ...» إلی آخر الآیة «2» یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ فی الطاعة فی أمر القتال إِذا دَعاکُمْ لِما یُحْیِیکُمْ یعنی الحرب التی وعدکم اللّه یقول: أحیاکم بعد الذل، و قواکم بعد الضعف فکان ذلک لکم حیاة وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَحُولُ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ یقول یحول بین قلب المؤمن، و بین الکفر و بین قلب الکافر و بین الإیمان «وَ أَنَّهُ» «3» إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ 24- فی الآخرة فیجزیکم بأعمالکم وَ اتَّقُوا فِتْنَةً تکون من بعدکم، یحذرکم «اللّه» «4»، تکون مع علی بن أبی طالب لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّةً فقد أصابتهم یوم الجمل منهم طلحة، و الزبیر، ثم حذرهم فقال:
وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ 25- [144 أ] إذا عاقب ثم ذکرهم النعم فقال: وَ اذْکُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِیلٌ یعنی المهاجرین خاصة مُسْتَضْعَفُونَ فِی الْأَرْضِ یعنی أهل مکة تَخافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَکُمُ النَّاسُ یعنی کفار مکة نزلت هذه الآیة بعد قتال بدر یقول فَآواکُمْ إلی المدینة و الأنصار وَ أَیَّدَکُمْ بِنَصْرِهِ یعنی و قواکم بنصره یوم بدر وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ
______________________________
(1) فی أ: و الحرث.
(2) الآیة 35 من سورة الأنفال و تمامها: «وَ ما کانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَیْتِ إِلَّا مُکاءً وَ تَصْدِیَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ، بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ».
(3) فی أ: «وَ أَنَّکُمْ».
(4) من ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 109
یعنی الحلال من الرزق و غنیمة بدر لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تَشْکُرُونَ 26- ربکم فی هذه النعم التی ذکرها فی هذه الآیة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ یعنی أبا لبابة و فیه نزلت هذه الآیة «1» نظیرها فی المتحرم «2» «فَخانَتاهُما» یعنی فخالفتاهما فی الدین و لم یکن فی الفرج، و اسمه «3» مروان ابن عبد المنذر الأنصاری من بنی عمرو بن عوف و ذلک أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- حاصر یهود قریظة، إحدی و عشرین لیلة، فسألوا الصلح علی مثل صلح أهل النضیر علی أن یسیروا إلی إخوتهم إلی أذرعات، و أریحا فی أرض الشام، و أبی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أن ینزلوا إلا علی الحکم فأبوا، و قالوا «4» أرسل إلینا أبا لبابة و کان مناصحهم و هو حلیف لهم فبعثه النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- إلیهم فلما أتاهم قالوا: یا أبا لبابة أ ننزل علی حکم محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- فأشار أبو لبابة بیده إلی حلقه: إنه الذبح فلا تنزلوا علی الحکم. فأطاعوه، و کان أبو لبابة و ولده معهم فغش المسلمین، و خان فنزلت فی أبی لبابة «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ» وَ تَخُونُوا أَماناتِکُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 27- أنها خیانة، ثم حذرهم فقال: وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ
______________________________
(1) وردت قصة هذه الآیة فی أسباب النزول للواحدی، و فی لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی، و کلاهما متفق مع ما أورده مقاتل هنا.
(2) یقصد سورة التحریم الآیة 10 و تمامها «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِینَ کَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ کانَتا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَیْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ یُغْنِیا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَیْئاً وَ قِیلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِینَ».
(3) أی اسم أبی لبابة.
(4) فی أ: فقالوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 110
یعنی بلاء لأنه ما نصحهم إلا من أجل «1» ماله و ولده لأنه کان فی أیدیهم «2» وَ أَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ یعنی جزاء عَظِیمٌ 28- یعنی الجنة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ فلا تعصوه یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً یعنی مخرجا من الشبهات وَ یُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ یعنی و یمحو «3» عنکم خطایاکم وَ یَغْفِرْ لَکُمْ یقول و یتجاوز عنکم وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ 29- وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا و ذلک أن نفرا من قریش منهم أبو جهل بن هشام، و عتبة بن ربیعة، و هشام بن عمرو و أبو البختری بن هشام، و أمیة بن خلف، و عقبة بن أبی معیط، عیینة بن حصن الفزاری، و الولید بن المغیرة، و النضر بن الحارث، و أبی بن خلف، اجتمعوا فی دار الندوة بمکة یوم و هو یوم السبت لیمکروا بالنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فأتاهم إبلیس فی صورة رجل شیخ کبیر فجلس معهم. فقالوا: ما أدخلک فی جماعتنا بغیر إذننا.
قال: إنما أنا رجل من أهل نجد، و لست من أهل تهامة، قدمت مکة فرأیتکم حسنة وجوهکم، طیبة ریحکم، نقیة ثیابکم، فأحببت أن أسمع من حدیثکم، و أستر علیکم، فإن کرهتم مجلسی [144 ب خرجت من عندکم. فقالوا: هذا رجل من أهل نجد، و لیس من أهل تهامة فلا بأس علیکم منه، فتعملوا بالمکر بمحمد «4» فقال أبو البختری بن هشام من بنی أسد بن عبد العزی: أما أنا «فرأیی» «5»
______________________________
(1) فی أ: من أجل، و فی حاشیة أ: یحتمل: ما تصحهم إلا من أجل.
(2) ورد فی أسباب النزول للواحدی: 134 و فی لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی:
107. سبب نزول هذه الآیة و هو کما ذکره مقاتل.
(3) فی أ: و یمحا.
(4) فی أ: زیادة صلّی اللّه علیه و سلّم، و لیس ذلک فی ل.
(5) ساقطة من أ، و مثبتة فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 111
أن تأخذوا محمدا؛ فتجعلوه فی بیت، و تسدوا بابه، و تدعوا له، کوة، یدخل منها طعامه و شرابه حتی یموت، قال إبلیس: بئس و اللّه الرأی رأیتم تعمدون إلی رجل له فیکم صغو قد سمع به من حولکم فتحبسونه، فتطعمونه، و تسقونه، فیوشک الصغو الذی له فیکم أن یقاتلکم علیه فیفسد جماعتکم و یسفک دماءکم فقالوا: صدق و اللّه الشیخ.
فقال هشام بن عمرو من بنی عامر بن لؤی: أما أنا فرأیی أن تحملوا محمدا «1» علی بعیر فیخرج من أرضکم فیذهب حیث شاء و یلیه غیرکم قال: إبلیس بئس و اللّه الرأی رأیتم تعمدون إلی رجل قد شتت و أفسد جماعتکم و اتبعه منکم طائفة فتخرجوه إلی غیرکم فیفسدهم کما أفسدکم فیوشک و اللّه أن یقبل بهم علیکم و یتولی الصغو «2» الذی له فیکم، قالوا صدق و اللّه الشیخ.
فقال أبو جهل بن هشام المخزومی: أما أنا فرأیی أن تعمدوا إلی کل بطن من قریش فتأخذوا من کل بطن رجلا ثم تعطوا کل رجل منهم سیفا فیضربونه جمیعا بأسیافهم فلا یدری قومه من یأخذون به و تؤدی قریش دیته «3» قال: إبلیس صدق و اللّه الشاب، إن الأمر لکما قال فتفرقوا علی قول أبی جهل فنزل جبریل- علیه السلام- فأخبره بما ائتمر به القوم و أمره بالخروج فخروج النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- من لیلته إلی الغار و أنزل اللّه- عز و جل- «وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا» «4» من قریش لِیُثْبِتُوکَ یعنی لیحبسوک فی بیت یعنی أبا البختری
______________________________
(1) فی أ: محمدا صلّی اللّه علیه و سلّم، فی ل: محمدا.
(2) المراد به من یصغون إلی کلامه و یتبعون دینه و هم المسلمون بمکة.
(3) أی أن قریشا تشترک جمیعها فی دفع دیة محمد إلی بنی عبد مناف.
(4) جاء فی کتاب لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی: 108 اما ذکوه مقاتل بتمامه فی قوله- تعالی-: «وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا ...» الآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 112
ابن هشام أَوْ یَقْتُلُوکَ یعنی أبا جهل أَوْ یُخْرِجُوکَ من مکة یعنی به هشام ابن عمرو وَ یَمْکُرُونَ بالنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- الشر وَ یَمْکُرُ اللَّهُ بهم حین أخرجهم من مکة فقتلهم ببدر فذلک قوله: وَ اللَّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ 30- أفضل مکرا منهم و أنزل اللّه «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً» یقول أم أجمعوا علی أمر «فَإِنَّا مُبْرِمُونَ» «1» یقول لنخرجنهم إلی بدر فنقتلهم أو نعجل أرواحهم إلی النار قوله:
وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا یعنی القرآن قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا القرآن، قال ذلک النضر بن الحارث بن علقمة من بنی عبد الدار بن قصی. ثم قال: إِنْ هذا الذی یقول محمد من القرآن: إِلَّا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ 31- یعنی أحادیث الأولین یعنی محمدا- صلّی اللّه علیه و سلّم- یحدث عن الأمم الخالیة، و أنا أحدثکم عن رستم، و أسفندباز، کما یحدث محمد «2» فقال: عثمان ابن مظعون الجمحی: اتق اللّه یا نضر فإن محمدا یقول الحق، قال: و أنا أقول الحق، قال عثمان: فإن محمدا یقول: لا إله إلا اللّه. قال: و أنا أقول لا إله إلا اللّه. [145 أ] و لکن الملائکة بنات الرحمن «3» فأنزل اللّه عز و جل فی- حم الزخرف- فقال: «قل» یا محمد «إِنْ کانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ» «4» أول الموحدین من أهل مکة فقال عند ذلک: ألا ترون قد صدقنی «5»- إِنْ کانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ قال الولید بن المغیرة: لا و اللّه ما صدقک و لکنه قال:
______________________________
(1) سورة الزخرف: 79.
(2) فی أ: محمد صلّی اللّه علیه و سلّم، ل. محمد.
(3) ورد ذلک لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی، 109.
(4) سورة الزخرف آیة: 81.
(5) فی أ: صدقتم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 113
ما کان للرحمن «1» ولد ففطن لها النضر فقال: «وَ إِذْ قالُوا» «2» اللَّهُمَّ إِنْ کانَ هذا ما یقول محمد هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ یعنی القرآن فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ 32- یعنی وجیع فأنزل اللّه وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ یعنی أن یعذبهم وَ أَنْتَ فِیهِمْ بین أظهرهم حتی یخرجک عنهم کما أخرجت الأنبیاء عن قومهم وَ ما کانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ 33- یعنی یصلون للّه کقوله: «وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ» «3» یعنی یصلون، و ذلک أن نفرا من بنی عبد الدار قالوا: إنا نصلی عند البیت فلم یکن اللّه؛ لیعذبنا و نحن نصلی، له ثم قال: وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ إذ لم یکن نبی و لا مؤمن بعد ما خرج النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- إلی المدینة من أهل مکة وَ هُمْ یَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ المؤمنین وَ ما کانُوا أَوْلِیاءَهُ یعنی أولیاء اللّه إِنْ أَوْلِیاؤُهُ یعنی ما أولیاء اللّه إِلَّا الْمُتَّقُونَ الشرک یعنی المؤمنین أصحاب النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ 34- یقول أکثر أهل مکة لا یعلمون توحید اللّه- عز و جل- و أنزل اللّه- عز و جل- فی قول النضر أیضا حین قال: «اللَّهُمَّ إِنْ کانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ» یعنی وجیع. «أنزل «4»»
______________________________
(1) أراد النضر أن یجعل إن شرطیة. فقال له الولید بن المغیرة إنها نافیة بمعن «ما کان للرحمن ولد فأنا أول العابدین للّه».
(2) «وَ إِذْ قالُوا»: ساقطة من أ، ل.
(3) سورة الذاریات: 18.
(4) زیارة لتوضیح المعنی: لأن المعنی أنزل اللّه فی قول النضر: «اللهم ...»، «سَأَلَ سائِلٌ ...».
تفسیر مقاتل-
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 114
«سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ...» إلی آیات منها «1». ثم أخبر عن صلاتهم عند البیت فقال: وَ ما کانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَیْتِ یعنی عند الکعبة الحرام إِلَّا مُکاءً وَ تَصْدِیَةً یعنی بالتصدیة الصفیر و التصفیة، و ذلک أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- کان إذا صلی فی المسجد الحرام قام رجلان من بنی عبد الدار ابن قصی من المشرکین عن یمین النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فیصفران کما یصفر المکاء، یعنی به طیرا اسمه المکاء، و رجلان عن یسار النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فیصفقان بأیدیهما لیخلطا علی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- صلاته و قراءته فقتلهم اللّه ببدر هؤلاء الأربعة و لهم یقول اللّه و لبقیة بنی عبد الدار:
فَذُوقُوا الْعَذابَ یعنی القتل ببدر بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ 35- بتوحید اللّه- عز و جل- إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ و ذلک أن رؤوس کفار قریش استأجروا رجالا من قبائل العرب أعوانا لهم علی قتال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فأطعموا أصحابهم کل یوم عشر جزائر «2» و یوما تسعة «3». فنزلت:
«إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ» لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یعنی عن دین اللّه فَسَیُنْفِقُونَها ثُمَّ تَکُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَةً یعنی ندامة ثُمَّ یُغْلَبُونَ یقول تکون علیهم أموالهم التی أنفقوها ندامة علی إنفاقهم ثم یهزمون [145 ب ثم أخبر بمنزلتهم فی الآخرة فقال: وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه إِلی جَهَنَّمَ
______________________________
(1) یشیر إلی الآیات الأولی من سورة المعارج و هی «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْکافِرینَ لَیْسَ لَهُ دافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذِی الْمَعارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلائِکَةُ وَ الرُّوحُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلًا، إِنَّهُمْ یَرَوْنَهُ بَعِیداً وَ نَراهُ قَرِیباً» الآیات من 1- 7 سورة المعارج.
(2) جمع جزور، و یجمع جزور علی جزر أیضا.
(3) و فی أ: و یوم تسعة، ل: و یوما تسعة، و المقصود أن کفار مکة کانوا یطعمون الجیش یوما عشر جزر و یوما تسعة جزر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 115
فی الآخرة یُحْشَرُونَ 36- لِیَمِیزَ اللَّهُ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ یعنی یمیز الکافر من المؤمن ثم قال: وَ یَجْعَلَ فی الآخرة الْخَبِیثَ أنفسهم بَعْضَهُ عَلی بَعْضٍ فَیَرْکُمَهُ جَمِیعاً فَیَجْعَلَهُ فِی جَهَنَّمَ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ 37- یعنی المطعمین فی غزوة بدر أبا جهل و الحارث ابنا هشام، و عتبة و شیبة ابنا ربیعة، و منبه و نبیه ابنا الحجاج، و أبا البختری بن هشام، و النضر بن الحارث، و الحکم بن حزام «1»، و أبی بن خلف، و زمعة بن الأسود، و الحارث «2» ابن عامر بن نوفل. کلهم من قریش قُلْ یا محمد: لِلَّذِینَ کَفَرُوا بالتوحید إِنْ یَنْتَهُوا عن الشرک و یتوبوا یُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ من شرکهم قبل الإسلام وَ إِنْ یَعُودُوا لقتال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و لم یتوبوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِینَ 38- یعنی القتل ببدر فحذرهم العقوبة لئلا یعودوا فیصیبهم مثل ما أصابهم ببدر، ثم قال للمؤمنین: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَکُونَ فِتْنَةٌ یعنی شرکا و یوحدوا ربهم وَ یَکُونَ یعنی و یقوم الدِّینُ کُلُّهُ لِلَّهِ و لا یعبد غیره فَإِنِ انْتَهَوْا عن الشرک فوحدوا ربهم فَإِنَّ اللَّهَ بِما یَعْمَلُونَ بَصِیرٌ- 39- وَ إِنْ تَوَلَّوْا یقول و إن أبوا أن یتوبوا من الشرک فَاعْلَمُوا یا معشر المؤمنین أَنَّ اللَّهَ مَوْلاکُمْ یعنی ولیکم نِعْمَ الْمَوْلی حین نصرکم وَ نِعْمَ النَّصِیرُ- 40- یعنی و نعم النصیر لکم.
کما نصرکم ببدر و کانت وقعة بدر لیلة الجمعة فی سبع عشرة لیلة «3» خلت من
______________________________
(1) فی أ: و حکم بن حزام.
(2) فی أ: و الحرث.
(3) فی أ: فی سبعة عشر لیلة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 116
رمضان. و کانت وقعة أحد فی عشر لیال «1» خلت من شوال یوم السبت بینهما سنة. وَ اعْلَمُوا یخبر المؤمنین أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ یوم بدر فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی یعنی قرابة النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ یعنی الضیف نازل علیک إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ «بِاللَّهِ» «2» یعنی «3» صدقتم بتوحید اللّه و صدقتم ب «وَ ما «4»» أَنْزَلْنا عَلی عَبْدِنا من القرآن یَوْمَ الْفُرْقانِ یعنی یوم النصر فرق بین الحق و الباطل فنصر النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و هزم المشرکین ببدر یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ یعنی جمع النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- ببدر و جمع المشرکین فأقروا الحکم للّه فی أمر الغنیمة و الخمس و أصلحوا ذات بینکم وَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ- 41- یعنی قادر فیما حکم من الغنیمة و الخمس ثم أخبر المؤمنین عن حالهم التی کانوا علیها فقال: أرأیتم معشر المؤمنین إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْیا یعنی من دون الوادی علی شاطئ «5» مما یلی المدینة وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوی من الجانب الآخر مما یلی مکة یعنی مشرکی مکة فقال: وَ الرَّکْبُ أَسْفَلَ مِنْکُمْ یعنی علی ساحل البحر أصحاب العیر أربعین راکبا أقبلوا من الشام إلی مکة فیهم أبو سفیان، و عمرو بن العاص، و مخرمة بن نوفل، و عمرو بن هشام: وَ لَوْ تَواعَدْتُمْ [146 أ] أنتم و المشرکون لَاخْتَلَفْتُمْ فِی الْمِیعادِ وَ لکِنْ اللّه
______________________________
(1) فی أ: عشرة لیلة، ل: عشر لیلة.
(2) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
(3) فی أ: زیادة یعنی.
(4) فی أ: بما.
(5) هکذا: أ، ل. و لعل أصلها علی شاطئ الماء.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 117
جمع بینکم و بین عدوکم علی غیر میعاد أنتم و مشرکو مکة لِیَقْضِیَ اللَّهُ أَمْراً فی علمه کانَ مَفْعُولًا یقول: أمرا لا بد کائنا لیعز الإسلام و أهله، و یذل الشرک و أهله لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَ یَحْیی بالإیمان مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَةٍ وَ إِنَّ اللَّهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ 42- إِذْ یُرِیکَهُمُ اللَّهُ یا محمد فی التقدیم فِی مَنامِکَ قَلِیلًا و ذلک أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- رأی فی المنام أن العدو قلیل قبل أن یلتقوا فأخبر النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أصحابه بما رأی، فقالوا «1»:
رؤیا النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- حق و القوم قلیل فلما التقوا ببدر قلل اللّه المشرکین فی أعین الناس، لتصدیق رؤیا النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- ثم قال: وَ لَوْ أَراکَهُمْ کَثِیراً حین عاینتموهم لَفَشِلْتُمْ یعنی لجبنتم و ترکتم الصف وَ لَتَنازَعْتُمْ یعنی و اختلفتم فِی الْأَمْرِ وَ لکِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ یقول أتم المسلمون أمرهم علی عدوهم فهزموهم ببدر إِنَّهُ اللّه عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 43- علیم بما فی قلوب المؤمنین من أمر عدوهم وَ إِذْ یُرِیکُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَیْتُمْ فِی أَعْیُنِکُمْ قَلِیلًا وَ یُقَلِّلُکُمْ یا معشر المسلمین فِی أَعْیُنِهِمْ یعنی فی أعین المشرکین و ذلک حین التقوا ببدر قلل اللّه العدو فی أعین المؤمنین و قلل المؤمنین فی أعین المشرکین لیجترئ بعضهم علی بعض فی القتال لِیَقْضِیَ اللَّهُ أَمْراً فی علمه کانَ مَفْعُولًا لیقضی اللّه أمرا لا بد کائنا لیعز الإسلام بالنصر و یذل أهل الشرک بالقتل و الهزیمة وَ إِلَی اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ- 44- یقول مصیر الخلائق إلی اللّه- عز و جل- فلما رأی عدو اللّه- أبو جهل- قلة المؤمنین ببدر قال: و اللّه لا یعبد اللّه بعد الیوم فکذبه اللّه- عز و جل-
______________________________
(1) فی أ: قالوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 118
و قتله یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بتوحید اللّه- عز و جل- إِذا لَقِیتُمْ فِئَةً یعنی کفار مکة ببدر فَاثْبُتُوا لهم وَ اذْکُرُوا اللَّهَ کَثِیراً لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تُفْلِحُونَ 45- وَ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فیما أمرکم به فی أمر القتال وَ لا تَنازَعُوا یقول و لا تختلفوا عند القتال فَتَفْشَلُوا یعنی فتجبنوا وَ تَذْهَبَ رِیحُکُمْ یعنی الصبا
لأن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قال: «نصرت بالصبا و أهلکت عاد بالدبور»
وَ اصْبِرُوا لقتال عدوکم إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ 46- یعنی فی النصر للمؤمنین علی الکافرین بذنوبهم و بعملهم، ثم وعظ المؤمنین فقال: وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ لیذکروا بمسیرهم یعنی ابن أمیة، و ابن المغیرة المخزومی، و ذلک أنهم کانوا رءوس المشرکین فی غزوهم بدر فقال أبو جهل حین نجت العیر و سارت إلی مکة فأشاروا علیه بالرجعة قال «1»: لا نرجع حتی ننزل علی بدر فننحر الجزر، و نشرب الخمر، و تعزف علینا القیان «2»، فتسمع العرب بمسیرنا.
فذلک قوله [146 ب «بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ» لیذکروا بمسیرهم وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یقول و یمنعون أهل مکة عن دین الإسلام وَ اللَّهُ بِما یَعْمَلُونَ مُحِیطٌ- 47- أحاط علمه بأعمالهم وَ إِذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَکُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ و ذلک أنه بلغهم أن العیر قد نجت فأرادوا الرجوع إلی مکة فأتاهم إبلیس فی صورة سراقة بن مالک بن جشعم الکنانی من بنی مدلج بن الحارث «3». فقال: لا ترجعوا حتی تستأصلوهم فإنکم کثیر و عدوکم
______________________________
(1) فی أ: فقال.
(2) فی أ: القبائل، ل: القیان.
(3) فی أ: الحرث، ل: الحارث.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 119
قلیل فتأمن عیرکم و یسیر «1» ضعیفکم وَ إِنِّی جارٌ لَکُمْ علی بنی کنانة أنکم لا تمرون بحی منهم إلا أمدکم بالخیل، و السلاح، و الرجال، فأطاعوه و مضوا إلی بدر لما أراد اللّه من هلاکهم فلما التقوا نزلت ملائکة ببدر مدد للمؤمنین علیهم جبریل- علیه السلام- و لما رأی إبلیس ذلک نکص علی عقبیه یقول استأخر وراءه، فذلک قوله فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ فئة المشرکین نَکَصَ عَلی عَقِبَیْهِ یقول استأخر وراءه و علم أنه لا طاقة له بالملائکة فأخذ الحارث بن هشام بیده، فقال: یا سراقة علی هذا الحال تخذلنا؟ وَ قالَ «2» إبلیس: إِنِّی بَرِی‌ءٌ مِنْکُمْ إِنِّی أَری ما لا تَرَوْنَ فقال الحارث: و اللّه ما نری إلا خفافیش یثرب. فقال إبلیس: إِنِّی أَخافُ اللَّهَ وَ اللَّهُ شَدِیدُ الْعِقابِ 48- و کذب عدو اللّه ما کان به الخوف و لکن خذلهم عند الشدة فقال الحارث لإبلیس، و هو فی صورة سراقة: فهلا کان هذا أمس. فدفع إبلیس فی صدر الحارث فوقع الحارث و ذهب إبلیس هاربا فلما انهزم المشرکون قالوا: انهزم بالناس سراقة و هو بعض الصف. فلما بلغ سراقة سار إلی مکة، فقال: بلغنی أنکم تزعمون بأنی انهزمت بالناس فو الذی یحلف به ما شعرت بمسیرکم حتی بلغنی هزیمتکم. قالوا له:
ما أتیتنا یوم کذا و کذا و یوم کذا و کذا. فحلف باللّه لهم أنه لم یفعل فلما أسلموا علموا أنما ذلک الشیطان إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یعنی الکفر نزلت فی قیس بن الفاکه و لم یتجمع جمع قط منذ یوم کانت الهزیمة أکثر من یوم بدر و ذلک أن إبلیس جاء بنفسه و جاء کل شیطان موکل بالدنیا إلا شیطان موکل بآدمی، و کفار الجن کلهم، و سبعمائة من المشرکین علیهم
______________________________
(1) فی أ: و یسسل، ل: و سبیل، م: و یسأل.
(2) فی أ: فقال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 120
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 159
أبو جهل بن هشام و کان قبل ذلک فی ألف رجل فرد منهم أبی بن شریق ثلاثمائة من بنی زهرة، و ذلک أن أبی بن شریق خلا بأبی جهل فقال: یا أبا الحکم أکذاب محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم-؟ فقال: و اللّه ما یکذب محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- علی الناس، فکیف یکذب علی اللّه و کان یسمی قبل النبوة الأمین لأنه لم یکذب قط. فقال أبو جهل: و لکن إذا کانت السقایة فی بنی عبد مناف و الحجابة و المشورة و الولایة حتی النبوة أیضا. فلما سمع أبی بن شریق قول أبی جهل [147 أ]: إن محمدا لم یکذب، رد أصحابه عن قتال محمد- علیه السلام- فخنس فسمی الأخنس بن شریق لأنه خنس بثلاثمائة «1» رجل من بنی زهرة یوم بدر عن قتال محمد- علیه السلام- و بقی سبعمائة «2» علیهم أبو جهل ابن هشام، و النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- یومئذ فی ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و سبعین من مؤمنی الجن و ألف من الملائکة علیهم جبریل- علیه السلام-، فکان جبریل علی خمسمائة علی میمنة الناس و میکائیل علی خمسمائة فی میسرة الناس و لم تقاتل الملائکة قتالا قط إلا یوم بدر و کانوا یومئذ علی صور الرجال و علی قوة الرجال علی خیول بلق و کان جبریل- علیه السلام- یسیر أمام صف المسلمین، و یقول: أبشروا فإن النصر لکم و ما یری المسلمون إلا أنه رجل منهم «إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» یعنی الکفر نزلت فی قیس بن الفاکه بن المغیرة، و الولید بن الولید بن المغیرة، و قیس بن الولید بن المغیرة، و الولید بن عتبة بن ربیعة، و العلاء بن أمیة بن خلف الجمحی، و عمرو بن أمیة ابن سفیان بن أمیة، کان هؤلاء المسلمون بمکة ثم أقاموا بمکة مع المشرکین
______________________________
(1) فی ل: بثلاثمائة.
(2) فی أ، ل: سبع مائة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 121
فلم یهاجروا إلی المدینة فلما خرج کفار مکة إلی قتال بدر خرج هؤلاء النفر معهم فلما عاینوا قلة المؤمنین شکوا فی دینهم و ارتابوا فقالوا: غَرَّ هؤُلاءِ دِینُهُمْ یعنون أصحاب محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- یقول اللّه- عز و جل-:
وَ مَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ یعنی المؤمنین، یعنی یثق به فی النصر فَإِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ یعنی منیع فی ملکه حَکِیمٌ 49- فی أمره حکم النصر فلما قتل هؤلاء النفر من المشرکین ضربت الملائکة وجوههم و أدبارهم، فذلک قوله- عز و جل-:
وَ لَوْ تَری یا محمد إِذْ یَتَوَفَّی الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه الْمَلائِکَةُ یعنی ملک الموت وحده یَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ فی الدنیا، ثم انقطع الکلام فلما کان یوم القیامة دخلوا النار، تقول لهم خزنة جهنم وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِیقِ 50- ذلِکَ العذاب بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیکُمْ من الکفر و التکذیب وَ أَنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ- 51- یقول لیس یعذبهم علی غیر ذنب ثم نعتهم فقال: کَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ یقول کأشباه آل فرعون فی التکذیب و الجحود وَ کأشباه الَّذِینَ «مِنْ قَبْلِهِمْ» «1» أی من قبل فرعون و قومه من الأمم الخالیة قوم نوح، و عاد، و ثمود، و إبراهیم، و قوم شعیب، کَفَرُوا بِآیاتِ اللَّهِ یعنی بعذاب اللّه بأنه لیس بنازل بهم فی الدنیا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ یعنی فأهلکهم اللّه بِذُنُوبِهِمْ یعنی بالکفر و التکذیب إِنَّ اللَّهَ قَوِیٌ فی أمره حین عذبهم شَدِیدُ الْعِقابِ 52- إذا عاقب ذلِکَ العذاب بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ یَکُ مُغَیِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلی قَوْمٍ علی أهل مکة أطعمهم من جوع، و آمنهم من خوف، ثم بعث فیهم محمدا رسوله [147 ب - صلّی اللّه علیه و سلّم-، فهذه النعمة التی غیروها فلم یعرفوا ربها فغیر اللّه ما بهم من النعم
______________________________
(1) فی أ: «من قبل»، و فی حاشیة أ: الآیة «قبلهم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 122
فذلک قوله: حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ 53- ثم قال:
کَدَأْبِ یعنی کأشباه آلِ فِرْعَوْنَ و قومه فی الهلاک ببدر وَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی الذین قبل آل فرعون من الأمم الخالیة کَذَّبُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ یعنی بعذاب ربهم فی الدنیا بأنه غیر نازل بهم فَأَهْلَکْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ یقول:
فعذبناهم بذنوبهم فی الدنیا و بکفرهم و بتکذیبهم وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ کُلٌ یعنی آل فرعون و الأمم الخالیة الذین کذبوا فی الدنیا کانُوا ظالِمِینَ 54- یعنی مشرکین إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِینَ کَفَرُوا یعنی بتوحید اللّه فَهُمْ یعنی بأنهم لا یُؤْمِنُونَ 55- و هم یهود قریظة فمنهم حیی ابن أخطب الیهودی، و إخوته، و مالک بن الضیف، ثم أخبر عنهم فقال:
الَّذِینَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ یا محمد ثُمَّ یَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِی کُلِّ مَرَّةٍ و ذلک أن الیهود نقضوا العهد الذی کان بینهم و بین النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و أعانوا مشرکی مکة بالسلاح علی قتال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و أصحابه ثم یقولون نسینا و أخطأنا، ثم یعاهدهم الثانیة فینقضون العهد فذلک قوله:
«ثُمَّ یَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِی کُلِّ مَرَّةٍ» یعنی «فِی کُلِ «1»» عام مرة وَ هُمْ لا یَتَّقُونَ 56- نقض العهد فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِی الْحَرْبِ یقول فإن أدرکتهم فی الحرب یعنی القتال فأسرتهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ یقول نکل بهم لمن بعدهم من العدو و أهل عهدک لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ 57- یقول لکی یذکروا النکال فلا ینقضون العهد، ثم قال: وَ إِمَّا تَخافَنَ یقول و إن تخافن «2» مِنْ قَوْمٍ خِیانَةً یعنی بالخیانة نقض العهد فَانْبِذْ إِلَیْهِمْ عَلی سَواءٍ
______________________________
(1) «فِی کُلِّ»: زیادة من ل، و لیست فی أ.
(2) فی ل: «و إن ما تخافن»، أ: «و إن تخافن».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 123
یقول علی أمر بین فارم إلیهم بعهدهم إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْخائِنِینَ 58- یعنی الیهود وَ لا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه یعنی کفار العرب سَبَقُوا سابقی اللّه بأعمالهم الخبیثة إِنَّهُمْ لا یُعْجِزُونَ 59- یقول إنهم لن یفوقوا اللّه بأعمالهم الخبیثة حتی یعاقبهم اللّه بما یقولون، ثم قال: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ یعنی السلاح و هو الرمی وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّکُمْ یعنی کفار العرب وَ آخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ یقول لا تعرفهم یا محمد، یقول و ترهبون فیما استعددتم «1» به آخرین من دون کفار العرب یعنی الیهود لا تعرفهم یا محمد اللَّهُ یَعْلَمُهُمْ یقول اللّه یعرفهم یعنی الیهود، ثم قال: وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَیْ‌ءٍ من أمر السلاح و الخیل «فِی سَبِیلِ اللَّهِ «2»» یُوَفَّ إِلَیْکُمْ یقول یوفر لکم ثواب النفقة وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ 60- یقول و أنتم لا تنقصون یوم القیامة، ثم ذکر یهود قریظة، فقال: وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ «لَها» «3» [148 أ] یقول إن أرادوا الصلح فأرده، ثم نسختها الآیة التی فی سورة محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم-: فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَی السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ «4» ثم قال للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: وَ تَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ یقول وثق باللّه فإنه معک فی النصر إن نقضوا الصلح إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ لما أرادوا من الصلح الْعَلِیمُ 61- به، ثم قال وَ إِنْ یُرِیدُوا أَنْ یَخْدَعُوکَ
______________________________
(1) فی أ: استعدتم.
(2) ما بین القوسین «...» من الأصل.
(3) «لها»: ساقطة من الأصل.
(4) سورة محمد: 35، و تمامها «... وَ اللَّهُ مَعَکُمْ وَ لَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمالَکُمْ» و الحق أن القول بالنسخ هنا تجن علی روح القرآن و دعواته المتکررة إلی الصلح و إجارة المستجیر و قبول السلم عند الدعوة إلیه.
و علی هذا فآیة «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها» محکمة و لیست بمنسوخة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 124
یا محمد بالصلح لتکف عنهم حتی إذا «جاء «1»» مشرکو العرب أعانوهم علیک یعنی یهود قریظة فَإِنَّ حَسْبَکَ اللَّهُ هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ یعنی هو الذی قواک بِنَصْرِهِ یعنی بجبریل «2»- علیه السلام- و بمن معه وَ بِالْمُؤْمِنِینَ 62- من الأنصار یوم بدر و هو فاعل ذلک أیضا و أیدک علی یهود قریظة، ثم ذکر الأنصار فقال: وَ أَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ بعد العداوة التی کانت بینهم فی أمر شمیر، و حاطب، فقال: لَوْ أَنْفَقْتَ یا محمد علی أن تؤلف بین قلوبهم ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ما أَلَّفْتَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ بعد العداوة فی دم شمیر، و حاطب بالإسلام إِنَّهُ عَزِیزٌ یعنی منیع فی ملکه حَکِیمٌ 63- فی أمره حکم الألفة بین الأنصار بعد العداوة یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللَّهُ وَ و حسب مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 64- باللّه- عز و جل-، نزلت بالبیداء فی غزاة بدر قبل القتال و فیها تقدیم یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الْقِتالِ یعنی حضض المؤمنین علی القتال ببدر إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ یَغْلِبُوا یعنی یقاتلوا مِائَتَیْنِ وَ إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ مِائَةٌ یَغْلِبُوا یعنی یقاتلوا أَلْفاً مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا بالتوحید کفار مکة ببدر بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ 65- الخبر فجعل الرجل من المؤمنین یقاتل عشرة من المشرکین، فلم یکن فرضه اللّه لا بد منه و لکن تحریض من اللّه لیقاتل الواحد عشرة فلم یطق المؤمنون ذلک فخفف اللّه عنهم بعد قتال بدر فأنزل اللّه الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْکُمْ یعنی بعد قتال بدر وَ عَلِمَ أَنَّ فِیکُمْ ضَعْفاً فَإِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ عدة مِائَةٌ رجل صابِرَةٌ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ یعنی یقاتلوا مائتین
______________________________
(1) من: ل، و ساقطة من أ.
(2) فی أ: جبریل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 125
وَ إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ أَلْفٌ رجل یَغْلِبُوا أَلْفَیْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِینَ 66- فی النصر لهم علی عدوهم فأمر اللّه أن یقاتل الرجل المسلم وحده رجلین من المشرکین فمن أسره المشرکون بعد التخفیف فإنه لا یفادی من بیت المال إذا کان المشرکون مثل المؤمنین، و إن کان المشرکون أکثر من الضعف فإنه یفادی من بیت المال. فینبغی للمسلمین أن یقاتلوا الضعف من المشرکین إلی أن تقوم الساعة «1»، و کانت المنزلة قبل التخفیف، لا یفتدی الأسیر إلا علی نحو ذلک.
ما کانَ لِنَبِیٍ من قبلک یا محمد أَنْ یَکُونَ «2» لَهُ أَسْری حَتَّی یُثْخِنَ عدوه فِی الْأَرْضِ و یظهر علیهم تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا یعنی المال و هو الفداء من المشرکین نزلت بعد قتال بدر وَ اللَّهُ یُرِیدُ لکم الْآخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِیزٌ یعنی منیع فی ملکه حَکِیمٌ 67- فی أمره و ذلک [148 ب
______________________________
(1) أری أن هذا یکون عند المساواة فی السلاح أو تقارب المساواة عند الفئتین أما إذا کان سلاح العدو أقوی من سلاح المسلمین فلا یجب علی المسلمین أن یقاتلوا الضعف، هذا لأن الشریعة معقولة المعنی،- و لأن فحوی الآیة وجوب قتال الضعف عند تعادل الأسلحة أو قربها من التعادل، قارن بتفسیر المنار: 10/ 89 ط 2 مطبعة دار المنار، حیث یقول: «و الآیة تدل علی أن من شأن المؤمنین أن یکونوا أعلم من الکافرین و أفقه بکل علم و فن یتعلق بحیاة البشر و ارتقاء الأمم و إن حرمان الکفار من هذا العلم- علم الحقائق المتعلقة بالحرب من مادیة و روحیة- هو السبب فی کون المائة منهم دون العشرة من المؤمنین الصابرین.
و هکذا کان المسلمون فی قرونهم الأولی و الوسطی یعملون بهدایة دینهم علی تفاوت علمائهم و حکامهم فی ذلک حتی إذا ما فسدوا- بترک هذه الهدایة التی سعدوا بها فی دنیاهم فکانوا أصحاب ملک واسع و سیادة عظیمة دانث لهم بها الشعوب الکثیرة- زال ذلک المجد و السؤدد، و نزع منهم أکثر ذلک الملک، و ما بقی منه فهو علی شفا جرف هار.
(2) فی أ: تکون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 126
أن الغنائم لم تحل لأحد من الأنبیاء و لا المؤمنین قبل محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم «1»-، و أخبر اللّه الأمم «إنی أحللت الغنائم للمجاهدین من أمة «2»» محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و کان «3» المؤمنون إذا أصابوا الغنائم جمعوها ثم أحرقوها «4» بالنیران و قتلوا «الناس «5»» و الأساری و الدواب و هذا «6» فی الأمم الخالیة، فذلک قوله:
لَوْ لا کِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ فی تحلیل الغنائم لأمة محمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- فی علمه فی اللوح المحفوظ، ثم خالفتم المؤمنین من قبلکم لَمَسَّکُمْ یعنی لأصابکم فِیما أَخَذْتُمْ من الغنیمة عَذابٌ عَظِیمٌ 68- ثم طیبها لهم «7» و أحلها فقال: فَکُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ ببدر حَلالًا طَیِّباً وَ اتَّقُوا اللَّهَ و لا تعصوه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ذو تجاوز لما أخذتم من الغنیمة قبل حلها رَحِیمٌ 69- بکم إذ أحلها لکم و کان النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- جعل عمر بن الخطاب، و خباب بن الأرت، أولیاء القبض یوم بدر و قسمها النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بالمدینة و انطلق بالأساری فیهم العباس بن عبد المطلب، و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، و ذلک
أن العباس بن عبد المطلب یوم أسر أخذ منه عشرین أوقیة من ذهب فلم تحسب له من الفداء «8» و کان
______________________________
(1) فی أ: علیه السلام، ل: صلّی اللّه علیه و سلّم.
(2) بیاض فی أ، و فی ل: أنی أحللت الغنائم للمجاهدین لأمة.
(3) فی أ: فکان، ل: و کان.
(4) فی أ، ل: جمعوه ثم أحرقوه.
(5) «الناس»: زیادة من: ل.
(6) فی أ: ل: و هذه.
(7) فی أ: لکم.
(8) فی أ: الفدی. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 127
فداء کل أسیر من المشرکین أربعین أوقیة من ذهب و کان أول من فدی نفسه أبو ودیعة ضمرة بن صبیرة «1» السهمی، و سهیل بن عمرو «2»- من بنی عامر بن لؤی القرشیان-. فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: أضعفوا الفداء «3» علی العباس و کلف أن یفتدی ابنی «4» أخیه فأدی عنهما ثمانین أوقیة من ذهب و کان فداء العباس بثمانین أوقیة، و أخذ منه عشرون أوقیة، فأخذ منه یومئذ مائة أوقیة و ثمانون «5» أوقیة، فقال العباس للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: لقد ترکتنی ما حییت أسأل قریشا بکفی. و قال له- صلّی اللّه علیه و سلّم- أین الذهب الذی ترکته عند امرأتک أم الفضل فقال العباس: أی الذهب؟ فقال له رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم-: إنک قلت لها إنی لا أدری ما یصیبنی فی وجهی هذا فإن حدث بی ما حدث فهو لک و لولدک فقال: یا بن أخی من أخبرک؟ قال: اللّه أخبرنی. قال العباس: أشهد أنک صادق و ما علمت أنک رسول قط قبل الیوم قد علمت أنه لم یطلعک علیه إلا عالم السرائر، و أشهد ألا إله إلا اللّه، و أنک عبده و رسوله و کفرت بما سواه «و أمر ابنی أخیه فأسلما ففیهما «6»» نزلت یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِمَنْ فِی أَیْدِیکُمْ مِنَ الْأَسْری «7»
یعنی العباس و ابنی أخیه إِنْ یَعْلَمِ اللَّهُ فِی قُلُوبِکُمْ خَیْراً یعنی إیمانا کقوله: «لَنْ یُؤْتِیَهُمُ اللَّهُ خَیْراً» یعنی إیمانا
______________________________
(1) فی أ: ضمرة، ل: ضمرة أو صبیرة السهمی.
(2) فی أ: عمر، ل: عمرو.
(3) فی أ: الفدی، ل: الفداء.
(4) فی أ: ابن، ل: ابنی.
(5) فی أ: و ثمانین، ل: و ثمانین أوقیة. و السطور السابقة من ل، و هی فی أ بتقدیم و تأخیر.
(6) فی أ: «و أمر ابن أخیه فأسلم ففیهما».
(7) فی أ: الأساری.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 128
و هذا فی هود «1» یُؤْتِکُمْ خَیْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْکُمْ من الفداء فوعدهم اللّه أن یخلف لهم أفضل ما أخذ منهم وَ یَغْفِرْ «لَکُمْ» «2» ذنوبکم «3» وَ اللَّهُ غَفُورٌ «لما کان منهم «4»» من الشرک من ذنوبهم ذو تجاوز رَحِیمٌ 70- بهم فی الإسلام وَ إِنْ یُرِیدُوا خِیانَتَکَ یعنی الکفر بعد إسلامهم و استحیائک «5» إیاهم فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ [149 أ] یقول فقد کفروا باللّه من قبل هذا الذی نزل بهم ببدر فَأَمْکَنَ اللّه مِنْهُمْ النبی- علیه السلام- یقول: إن خانوا أمکنتک منهم فقتلتهم و أسرتهم کما فعلت بهم ببدر وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بخلقه حَکِیمٌ 71- فی أمره حکم أن یمکنه «6» منهم.
فقال العباس بعد ذلک: لقد أعطانی اللّه خصلتین ما من شی‌ء هو أفضل منهما أما أحدهما فالذهب الذی أخذ منی فاتانی اللّه «خَیْراً «7» مِنْهُ» عشرین عبدا، و أما الثانیة فتنجیز «8» موعود «9» اللّه الصادق و هو المغفرة، فلیس أحد أفضل من هذا،
______________________________
(1) سورة هود الآیة 31: «وَ لا أَقُولُ لَکُمْ عِنْدِی خَزائِنُ اللَّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَیْبَ وَ لا أَقُولُ إِنِّی مَلَکٌ وَ لا أَقُولُ لِلَّذِینَ تَزْدَرِی أَعْیُنُکُمْ لَنْ یُؤْتِیَهُمُ اللَّهُ خَیْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِی أَنْفُسِهِمْ إِنِّی إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِینَ قالُوا یا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَکْثَرْتَ جِدالَنا».
(2) فی أ: لهم. و فی حاشیة أ: الآیة «لکم».
(3) فی أ: ذنوبهم.
(4) «لما کان منهم»: زیادة من: ل، و لیست فی: أ.
(5) فی ل: و استحیابک، أ: و استحبائک.
(6) هکذا فی أ، ل: «یمکنه» و الضمیر عائد إلی رسوله أی حکم أن یمکن رسوله منهم.
(7) فی أ: منها.
(8) فی أ: فینجز.
(9) فی أ: موعد، ل: موعود.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 129
و من کان من أساری بدر و لیس له فدی فإنه یدفع إلیه عشرة غلمان یعلمهم الکتاب «1» فإذا حذقوا برئ الأسیر من الفداء و کان أهل مکة یکتبون و أهل المدینة لا یکتبون. و
کان النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قد استشار أصحابه فی أساری بدر فقال عمر بن الخطاب للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: اقتلهم فإنهم رءوس الکفر و أئمة الضلال. و قال أبو بکر: لا تقتلهم فقد شفی اللّه الصدور و قتل المشرکین و هزمهم فآدهم «2» أنفسهم و لیکن «3» ما نأخذ منهم فی قوة المسلمین و عونا «4» علی حرب المشرکین و عسی اللّه أن یجعلهم أعوانا لأهل الإسلام فیسلموا. فأعجب النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بقول أبی بکر الصدیق «و کان النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- رحیما، و أبو بکر أیضا رحیما، و کان عمر ماضیا «5»» فأخذ النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بقول أبی بکر: ففاداهم فأنزل اللّه- عز و جل- «توفیقا «6»» لقول عمر «ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْری حَتَّی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ» فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- لعمر: أحمد اللّه إن ربک و أتاک علی قولک. فقال عمر: الحمد للّه الذی واتانی علی قولی «7» فی أساری بدر.
و قال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: لو نزل عذاب من السماء ما نجا منا أحد
______________________________
(1) المراد: الکتابة.
(2) فی أ: فآدهم، ل: و أدی. و معنی فآدهم اقبل منهم دیة أنفسهم.
(3) فی أ: و لیکون، ل: و لیکن.
(4) فی أ: و عون، ل: و عونا.
(5) ما بین القوسین «...» زیادة من: ل، و لیست فی: أ.
(6) «توفیقا»: زیادة من: ل، و لیست فی: أ.
(7) فی السطرین السابقین اضطراب فی أ، ل. و القصة فی کتب السیرة، و هی فی کتاب أسباب النزول للواحدی بعدة روایات طوال فی: 136، 137، 138. و فی لباب النقول للسیوطی. تفسیر مقاتل- 9 تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 130
إلا عمر بن الخطاب إنه نهانی فأبیت
إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بتوحید اللّه وَ هاجَرُوا إلی المدینة وَ جاهَدُوا العدو بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فهؤلاء المهاجرون، ثم ذکر الأنصار، فقال: وَ الَّذِینَ آوَوْا النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- وَ نَصَرُوا النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- ثم جمع المهاجرین و الأنصار فقال: أُولئِکَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ فی المیراث لیرغبهم بذلک فی الهجرة فقال الزبیر بن العوام و نفر معه:
کیف یرثنا غیر أولیائنا، و أولیاؤنا علی دیننا فمن أجل أنهم لم یهاجروا لا میراث بیننا، فقال اللّه بعد ذلک وَ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بتوحید اللّه وَ لَمْ یُهاجِرُوا إلی المدینة ما لَکُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فی المیراث حَتَّی یُهاجِرُوا إلی المدینة، ثم قال: وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوکُمْ فِی الدِّینِ یا معشر المهاجرین إخوانکم الذین لم یهاجروا إلیکم، فأتاهم عدوهم من المشرکین فقاتلوهم لیردوهم عن الإسلام فَعَلَیْکُمُ النَّصْرُ فانصروهم، ثم استثنی فقال: إِلَّا عَلی قَوْمٍ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ یقول إن استنصر الذین لم یهاجروا إلی المدینة علی أهل عهدکم فلا تنصروهم وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ- 72- [149 ب .
وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ فی المیراث «و النصرة «1»» إِلَّا تَفْعَلُوهُ «2» أی إن لم تنصروهم علی غیر أهل عهدکم من المشرکین فی الدین تَکُنْ فِتْنَةٌ یعنی کفر فِی الْأَرْضِ وَ یکن
______________________________
(1) «و النصرة»: زیادة من الجلالین.
(2) «إِلَّا تَفْعَلُوهُ»: ساقطة من: أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 131
فَسادٌ کَبِیرٌ- 73- فی الأرض «1». وَ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بتوحید اللّه وَ هاجَرُوا من مکة إلی المدینة وَ جاهَدُوا العدو فِی سَبِیلِ اللَّهِ یعنی فی طاعة اللّه فهؤلاء المهاجرون و إنما سموا «2» المهاجرین لأنهم هجروا قومهم من المشرکین و فارقوهم إذ لم یکونوا علی دینهم، قال وَ الَّذِینَ آوَوْا یعنی ضموا النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- إلی أنفسهم بالمدینة وَ نَصَرُوا النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فهؤلاء الأنصار.
ثم جمع المهاجرین و الأنصار فقال: أُولئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ یعنی المصدقین حَقًّا لَهُمْ بذلک مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَ رِزْقٌ کَرِیمٌ 74- یعنی رزقا حسنا فی الآخرة و هی الجنة، ثم قال بعد ذلک: وَ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ هؤلاء المهاجرین و الأنصار وَ هاجَرُوا من دیارهم إلی المدینة وَ جاهَدُوا العدو مَعَکُمْ فَأُولئِکَ مِنْکُمْ فی المیراث.
ثم نسخ هؤلاء الآیات بعد هذه الآیة: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فی المیراث فورث المسلمون بعضهم بعضا من هاجر و من لم یهاجر فی الرحم و القرابة فِی کِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ 75- فی أمر المواریث حین حرمهم «3» المیراث و حین أشرکهم بعد ذلک «4».
______________________________
(1) فی الجلالین «إِلَّا تَفْعَلُوهُ» أی تولی المسلمین و قمع الکفار «تَکُنْ فِتْنَةٌ فِی الْأَرْضِ وَ فَسادٌ کَبِیرٌ» بقوة الکفر و ضعف الإسلام.
(2) سموا: أنسب و لکنها فی: أ، ل: سمی.
(3) فی أ: أحرمهم، ل: حرمهم.
(4) فی أ: زیادة «قال من بعد» و لیس ذلک فی: ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 132
حدّثنا «1» عبید اللّه قال: حدّثنی أبی قال: حدّثنا الهذیل، عن أبی یوسف، عن الکلبی، عن أبی صالح، قال: إن الخمس: کان یقسم علی عهد النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- خمسة أسهم: للّه و لرسوله سهم، و لذی القربی سهم، و للیتامی سهم، و للمساکین سهم، و لابن السبیل سهم. قال: و قسمه عمر، و أبو بکر و عثمان، و علی، علی ثلاثة أسهم أسقطوا «2» سهم ذی القربی، و قسم علی ثلاثة أسهم، و إنما یوضع من أولئک فی أهل الحاجة و المسکنة لیس یعطی الأغنیاء شیئا فهذا علی موضع الصدقة.
حدّثنا عبید اللّه قال: حدّثنی أبی قال: حدّثنا الهذیل، عن محمد بن عبد الحق عن أبی جعفر محمد بن علی- علیه السلام- قال: قلت له: ما کان رأی علی- علیه السلام- فی الخمس. قال: رأی أهل بیته. قال: قلت: فکیف لم یمضه علی ذلک حین ولی؟ قال: کره أن یخالف أبا بکر و عمر.
حدّثنا «3» عبید اللّه قال: حدّثنی أبی قال: حدّثنا الهذیل، عن مقاتل قال: کان النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- یأخذ من الغنیمة قبل أن تقسم صفیا لنفسه، و یأخذ مع ذوی القربی، و یأخذ سهم اللّه- تعالی- و رسوله ثم یأخذ مع المقاتلة فکان یأخذ من أربعة وجوه- صلّی اللّه علیه و سلّم «4»-.
***______________________________
(1) «حدثنا» ساقطة من أ، و هی فی: ل.
(2) فی أ: استقلوا، ل: اسقطوا.
(3) من: ل، و لیست فی: أ.
(4) فی ل: صلّی اللّه علیه و سلّم، أ: علیه السلام.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 133

سورة التّوبة

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 135

[سورة التوبة (9): الآیات 1 الی 129]

بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (1) فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِی الْکافِرِینَ (2) وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَکْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِی‌ءٌ مِنَ الْمُشْرِکِینَ وَ رَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّکُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ وَ بَشِّرِ الَّذِینَ کَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِیمٍ (3) إِلاَّ الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ ثُمَّ لَمْ یَنْقُصُوکُمْ شَیْئاً وَ لَمْ یُظاهِرُوا عَلَیْکُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلی مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ کُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ فَخَلُّوا سَبِیلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (5)
وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِکِینَ اسْتَجارَکَ فَأَجِرْهُ حَتَّی یَسْمَعَ کَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْلَمُونَ (6) کَیْفَ یَکُونُ لِلْمُشْرِکِینَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِینَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَکُمْ فَاسْتَقِیمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ (7) کَیْفَ وَ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ لا یَرْقُبُوا فِیکُمْ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً یُرْضُونَکُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبی قُلُوبُهُمْ وَ أَکْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآیاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِیلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (9) لا یَرْقُبُونَ فِی مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)
فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ فَإِخْوانُکُمْ فِی الدِّینِ وَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ (11) وَ إِنْ نَکَثُوا أَیْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِی دِینِکُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْکُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَیْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَنْتَهُونَ (12) أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَکَثُوا أَیْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (13) قاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَیْدِیکُمْ وَ یُخْزِهِمْ وَ یَنْصُرْکُمْ عَلَیْهِمْ وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ (14) وَ یُذْهِبْ غَیْظَ قُلُوبِهِمْ وَ یَتُوبُ اللَّهُ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (15)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَکُوا وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِینَ جاهَدُوا مِنْکُمْ وَ لَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لا الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) ما کانَ لِلْمُشْرِکِینَ أَنْ یَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِینَ عَلی أَنْفُسِهِمْ بِالْکُفْرِ أُولئِکَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِی النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّما یَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَی الزَّکاةَ وَ لَمْ یَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسی أُولئِکَ أَنْ یَکُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِینَ (18) أَ جَعَلْتُمْ سِقایَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ کَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ لا یَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ (19) الَّذِینَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ (20)
یُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ وَ جَنَّاتٍ لَهُمْ فِیها نَعِیمٌ مُقِیمٌ (21) خالِدِینَ فِیها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ (22) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَکُمْ وَ إِخْوانَکُمْ أَوْلِیاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْکُفْرَ عَلَی الْإِیمانِ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ کانَ آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ وَ إِخْوانُکُمْ وَ أَزْواجُکُمْ وَ عَشِیرَتُکُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ کَسادَها وَ مَساکِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَیْکُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِی سَبِیلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّی یَأْتِیَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ (24) لَقَدْ نَصَرَکُمُ اللَّهُ فِی مَواطِنَ کَثِیرَةٍ وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْکُمْ شَیْئاً وَ ضاقَتْ عَلَیْکُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ (25)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَکِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ عَذَّبَ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ ذلِکَ جَزاءُ الْکافِرِینَ (26) ثُمَّ یَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ (27) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَیْلَةً فَسَوْفَ یُغْنِیکُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (28) قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ وَ لا یُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا یَدِینُونَ دِینَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (29) وَ قالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصاری الْمَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِکَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ یُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّی یُؤْفَکُونَ (30)
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ (31) یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ یَأْبَی اللَّهُ إِلاَّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (33) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ کَثِیراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَیَأْکُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا یُنْفِقُونَها فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ (34) یَوْمَ یُحْمی عَلَیْها فِی نارِ جَهَنَّمَ فَتُکْوی بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما کَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ فَذُوقُوا ما کُنْتُمْ تَکْنِزُونَ (35)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِی کِتابِ اللَّهِ یَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِیهِنَّ أَنْفُسَکُمْ وَ قاتِلُوا الْمُشْرِکِینَ کَافَّةً کَما یُقاتِلُونَکُمْ کَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ (36) إِنَّمَا النَّسِی‌ءُ زِیادَةٌ فِی الْکُفْرِ یُضَلُّ بِهِ الَّذِینَ کَفَرُوا یُحِلُّونَهُ عاماً وَ یُحَرِّمُونَهُ عاماً لِیُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَیُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُیِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ (37) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ما لَکُمْ إِذا قِیلَ لَکُمُ انْفِرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَی الْأَرْضِ أَ رَضِیتُمْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا فِی الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِیلٌ (38) إِلاَّ تَنْفِرُوا یُعَذِّبْکُمْ عَذاباً أَلِیماً وَ یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَیْئاً وَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (39) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِینَ کَفَرُوا ثانِیَ اثْنَیْنِ إِذْ هُما فِی الْغارِ إِذْ یَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَکِینَتَهُ عَلَیْهِ وَ أَیَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَ جَعَلَ کَلِمَةَ الَّذِینَ کَفَرُوا السُّفْلی وَ کَلِمَةُ اللَّهِ هِیَ الْعُلْیا وَ اللَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ (40)
انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ کانَ عَرَضاً قَرِیباً وَ سَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوکَ وَ لکِنْ بَعُدَتْ عَلَیْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَکُمْ یُهْلِکُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَکَ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْکاذِبِینَ (43) لا یَسْتَأْذِنُکَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ أَنْ یُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِالْمُتَّقِینَ (44) إِنَّما یَسْتَأْذِنُکَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِی رَیْبِهِمْ یَتَرَدَّدُونَ (45)
وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لکِنْ کَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِیلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِینَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِیکُمْ ما زادُوکُمْ إِلاَّ خَبالاً وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَکُمْ یَبْغُونَکُمُ الْفِتْنَةَ وَ فِیکُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَکَ الْأُمُورَ حَتَّی جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ کارِهُونَ (48) وَ مِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ ائْذَنْ لِی وَ لا تَفْتِنِّی أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْکافِرِینَ (49) إِنْ تُصِبْکَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْکَ مُصِیبَةٌ یَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ یَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ (50)
قُلْ لَنْ یُصِیبَنا إِلاَّ ما کَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَی الْحُسْنَیَیْنِ وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِکُمْ أَنْ یُصِیبَکُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَیْدِینا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَکُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً لَنْ یُتَقَبَّلَ مِنْکُمْ إِنَّکُمْ کُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِینَ (53) وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لا یَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَ هُمْ کُسالی وَ لا یُنْفِقُونَ إِلاَّ وَ هُمْ کارِهُونَ (54) فَلا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ کافِرُونَ (55)
وَ یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْکُمْ وَ ما هُمْ مِنْکُمْ وَ لکِنَّهُمْ قَوْمٌ یَفْرَقُونَ (56) لَوْ یَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَیْهِ وَ هُمْ یَجْمَحُونَ (57) وَ مِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ یَسْخَطُونَ (58) وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَیُؤْتِینَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنَّا إِلَی اللَّهِ راغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکِینِ وَ الْعامِلِینَ عَلَیْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِی الرِّقابِ وَ الْغارِمِینَ وَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ فَرِیضَةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (60)
وَ مِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ وَ یَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَیْرٍ لَکُمْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ یُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (61) یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَکُمْ لِیُرْضُوکُمْ وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ یُرْضُوهُ إِنْ کانُوا مُؤْمِنِینَ (62) أَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ یُحادِدِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِیها ذلِکَ الْخِزْیُ الْعَظِیمُ (63) یَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِی قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما کُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آیاتِهِ وَ رَسُولِهِ کُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65)
لا تَعْتَذِرُوا قَدْ کَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِکُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْکُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ کانُوا مُجْرِمِینَ (66) الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمُنْکَرِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَ یَقْبِضُونَ أَیْدِیَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِیَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِینَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِینَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْکُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها هِیَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِیمٌ (68) کَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ کانُوا أَشَدَّ مِنْکُمْ قُوَّةً وَ أَکْثَرَ أَمْوالاً وَ أَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِکُمْ کَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ بِخَلاقِهِمْ وَ خُضْتُمْ کَالَّذِی خاضُوا أُولئِکَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) أَ لَمْ یَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْراهِیمَ وَ أَصْحابِ مَدْیَنَ وَ الْمُؤْتَفِکاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَما کانَ اللَّهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (70)
وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ یُطِیعُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها وَ مَساکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَکْبَرُ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (72) یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْکُفَّارَ وَ الْمُنافِقِینَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ (73) یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا کَلِمَةَ الْکُفْرِ وَ کَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ یَتُوبُوا یَکُ خَیْراً لَهُمْ وَ إِنْ یَتَوَلَّوْا یُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِیماً فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِی الْأَرْضِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا نَصِیرٍ (74) وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَکُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِینَ (75)
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِی قُلُوبِهِمْ إِلی یَوْمِ یَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما کانُوا یَکْذِبُونَ (77) أَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُیُوبِ (78) الَّذِینَ یَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فِی الصَّدَقاتِ وَ الَّذِینَ لا یَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَیَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ (80)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ کَرِهُوا أَنْ یُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِی الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ کانُوا یَفْقَهُونَ (81) فَلْیَضْحَکُوا قَلِیلاً وَ لْیَبْکُوا کَثِیراً جَزاءً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَکَ اللَّهُ إِلی طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوکَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا إِنَّکُمْ رَضِیتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِینَ (83) وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلی قَبْرِهِ إِنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ (84) وَ لا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ أَنْ یُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الدُّنْیا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ کافِرُونَ (85)
وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَکَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَ قالُوا ذَرْنا نَکُنْ مَعَ الْقاعِدِینَ (86) رَضُوا بِأَنْ یَکُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَفْقَهُونَ (87) لکِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ أُولئِکَ لَهُمُ الْخَیْراتُ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها ذلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (89) وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِیُؤْذَنَ لَهُمْ وَ قَعَدَ الَّذِینَ کَذَبُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ سَیُصِیبُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (90)
لَیْسَ عَلَی الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَی الْمَرْضی وَ لا عَلَی الَّذِینَ لا یَجِدُونَ ما یُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ (91) وَ لا عَلَی الَّذِینَ إِذا ما أَتَوْکَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُکُمْ عَلَیْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْیُنُهُمْ تَفِیضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ یَجِدُوا ما یُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِیلُ عَلَی الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَکَ وَ هُمْ أَغْنِیاءُ رَضُوا بِأَنْ یَکُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (93) یَعْتَذِرُونَ إِلَیْکُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَیْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِکُمْ وَ سَیَرَی اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلی عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَکُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَیْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ (95)
یَحْلِفُونَ لَکُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یَرْضی عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِینَ (96) الْأَعْرابُ أَشَدُّ کُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاَّ یَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (97) وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ یَتَّخِذُ ما یُنْفِقُ مَغْرَماً وَ یَتَرَبَّصُ بِکُمُ الدَّوائِرَ عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (98) وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ یَتَّخِذُ ما یُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَیُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِی رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (99) وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً ذلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (100)
وَ مِمَّنْ حَوْلَکُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِینَةِ مَرَدُوا عَلَی النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَیْنِ ثُمَّ یُرَدُّونَ إِلی عَذابٍ عَظِیمٍ (101) وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَیِّئاً عَسَی اللَّهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَکِّیهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (103) أَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ یَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ (104) وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلی عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا یُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (106) وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ کُفْراً وَ تَفْرِیقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنی وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِیهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَی التَّقْوی مِنْ أَوَّلِ یَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِیهِ فِیهِ رِجالٌ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُطَّهِّرِینَ (108) أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی تَقْوی مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَیْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِی نارِ جَهَنَّمَ وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ (109) لا یَزالُ بُنْیانُهُمُ الَّذِی بَنَوْا رِیبَةً فِی قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (110)
إِنَّ اللَّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفی بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بایَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاکِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ (112) ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ (113) وَ ما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِیمَ لَأَوَّاهٌ حَلِیمٌ (114) وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ (115)
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یُحْیِی وَ یُمِیتُ وَ ما لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا نَصِیرٍ (116) لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَی النَّبِیِّ وَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ فِی ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما کادَ یَزِیغُ قُلُوبُ فَرِیقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِیمٌ (117) وَ عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا حَتَّی إِذا ضاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَیْهِ ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ لِیَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ (118) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ کُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ (119) ما کانَ لِأَهْلِ الْمَدِینَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ یَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ لا یَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ لا یُصِیبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لا یَطَؤُنَ مَوْطِئاً یَغِیظُ الْکُفَّارَ وَ لا یَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَیْلاً إِلاَّ کُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ (120)
وَ لا یُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِیرَةً وَ لا کَبِیرَةً وَ لا یَقْطَعُونَ وادِیاً إِلاَّ کُتِبَ لَهُمْ لِیَجْزِیَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (121) وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ (122) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِینَ یَلُونَکُمْ مِنَ الْکُفَّارِ وَ لْیَجِدُوا فِیکُمْ غِلْظَةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ (123) وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ أَیُّکُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِیماناً فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِیماناً وَ هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ (124) وَ أَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَی رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ کافِرُونَ (125)
أَ وَ لا یَرَوْنَ أَنَّهُمْ یُفْتَنُونَ فِی کُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَیْنِ ثُمَّ لا یَتُوبُونَ وَ لا هُمْ یَذَّکَّرُونَ (126) وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلی بَعْضٍ هَلْ یَراکُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ (127) لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ (129)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 153
سورة التوبة «1» [150 أ] سورة براءة مدنیة کلها غیر آیتین هما قوله تعالی: «لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ ...»
______________________________
(1) «مقصود السورة إجمالا» و سم قلوب الکافرین بالبراءة من اللّه و رسوله، و رد العهد علیهم و أمان مستمع القرآن، و قهر أئمة الکفر و قتلهم، و منع الأجانب من عمارة المسجد الحرام، و تخصیصها بأهل الإسلام، و النهی عن موالاة الکفار، و الإشارة إلی وقعة حرب حنین و منع المشرکین من دخول الکعبة، و الحرم، و حضور الموسم، و الأمر بقتل کفرة أهل الکتاب، و ضرب الجز علیهم و تقبیح قول الیهود و النصاری فی حق عزیز و عیسی- علیهما السلام، و تأکید رسالة الرسول الصادق المحق و عیب أحبار الیهود فی أکلهم الأموال بالباطل، و عذاب مانعی الزکاة، و تخصیص الأشهر الحرم من أشهر السنة، و تقدیم الکفار شهر المحرم، و تأخیرهم إیاه، و الأمر بغزوة تبوک، و ذم المتخلفین عن الغزو، و خروج النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- مع الصدیق- رضی اللّه عنه- من مکة إلی الغار بجبل ثور، و احتراز المنافقین من غزوة تبوک، و ترصدهم و انتظارهم نکبة المسلمین، و رد نفقاتهم علیهم، و قسم الصدقات علی المستحقین، و استهزاء المنافقین بالنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-، و بالقرآن، و موافقة المؤمنین بعضهم بعضا، و نیلهم الرضوان الأکثر بسبب موافقتهم، و تکذیب الحق للمنافقین فی أیمانهم، و نهی النبی عن الاستغفار لأحیائهم، و عن الصلاة علی أمواتهم.
و عیب المقصرین علی اعتذارهم بالأعذار الباطلة، و ذم الأعراب فی صلابتهم و تمسکهم بالباطل، و مدح بعضهم بصلابتهم فی دین الحق، و ذکر السابقین من المهاجرین و الأنصار، و ذکر المعترفین بتقصیرهم و قبول الصدقات من الفقراء، و قبول توبة التائبین، و ذکر بناء مسجد ضرار للغرض الفاسد، و بناء مسجد قباء علی الطاعة و التقوی، و مبایعة الحق- تعالی- عبیده باشتراء أنفسهم و أموالهم و معاوضتهم علی ذلک بالجنة، و نهی إبراهیم الخلیل من استغفار المشرکین، و قبول توبة المتخلف المخلص عن غزوة تبوک، و أمر ناس بطلب العلم و الفقه فی الدین، و فضیحة المنافقین، و فتنتهم فی کل وقت، و رأفة الرسول- صلّی اللّه علیه و سلّم- و رحمته لأمته، و أمر اللّه نبیه بالتوکل علیه فی جمیع أحواله بقوله: «فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 154
إلی آخر السورة «1»، فإنهما مکیتان و هی مائة و سبع «2» و عشرون آیة «3» کوفیة «4».
لما نزلت براءة بعث النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أبا بکر الصدیق علی حج الناس و بعث معه ببراءة، من أول السورة «5» إلی تسع آیات. فنزل جبریل فقال:
______________________________
و مجموع فواصل آیات سورة التوبة هی (ل م ن ر ب) یجمعها (لم نرب) و کل آیة منها آخرها راء فما قبل الراء یاء.
*** و لهذه السورة عدة أسماء:
الأول: براءة لافتتاحها بها.
الثانی: سورة التوبة لکثرة ذکر التوبة فیها «ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ لِیَتُوبُوا»، «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَی النَّبِیِّ».
الثالث: الفاضحة، لأن المنافقین افتضحوا عند نزولها.
الرابع: المبعثرة، لأنها تبعثر أسرار المنافقین، و هذان رویا عن ابن عباس.
«مقتبس من کتاب بصائر ذوی التمییز فی لطائف الکتاب العزیز، للفیروزآبادی، تحقیق الأستاذ محمد علی النجار: 227- 237.
*** (1) یشیر إلی الآیتین: 128، 129 من سورة التوبة و تمامها «لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ».
و فی المصحف: سورة التوبة مدنیة إلا الآیتین الأخیرتین فمکیتان.
(2) فی أ: و سبعة.
(3) فی المصحف: و آیاتها 129 نزلت بعد المائدة.
(4) فی کتاب بصائر ذوی التمییز فی لطائف الکتاب العزیز للفیروزآبادی تحقیق الأستاذ محمد علی النجار: 227: و عدد آیاتها مائة و تسع و عشرون عند الکوفیین و ثلاثون عند الباقین و لیس فی ل: بیان لعدد الآیات.
و أری أن فی: أ تحریف بدل أن یکتب «مائة و تسع و عشرون» کتب: «مائة و سبع و عشرون».
(5) فی أ: من أول سورة براءة. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 155
یا محمد، إنه لا یؤدی عنک إلا رجل منک، ثم اتبعه علی بن أبی طالب فأدرکه بذی الحلیفة علی ناقة رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و سلّم- فأخذها منه، ثم رجع أبو بکر إلی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-، فقال له «1»: بأبی أنت، و أمی هل أنزل اللّه فی من شی‌ء؟ قال: لا، و لکن لا یبلغ عنی إلا رجل منی، أما ترضی یا أبا بکر أنک صاحبی فی الغار و أنک أخی فی الإسلام و أنک ترد علی الحوض یوم القیامة. قال:
بلی یا رسول اللّه. فمضی أبو بکر علی الناس و مضی علی ببراءة من أول السورة إلی تسع آیات فقام علی یوم النحر بمنی فقرأها «2» علی الناس.
***______________________________
(1) فی أ: فقال للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم.
(2) فی الأصل: فقرأ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 156
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ من العهد غیر أربعة أشهر إِلَی الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ 1- نزلت فی ثلاثة أحیاء من العرب منهم خزاعة و منهم هلال بن عویمر، و فی مدلج منهم سراقة بن مالک «1» بن خثعم الکنانی، و فی بنی خزیمة بن عامر و هما حیان من کنانة. کان النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- عاهدهم «2» بالحدیبیة سنتین صالح علیهم المخش بن خویلد ابن عمارة بن المخش، فجعل اللّه- عز و جل- للذین کانوا فی العهد أجلهم أربعة أشهر من یوم النحر إلی عشر من ربیع الآخر فقال: فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ یقول سیروا فی الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ آمنین حیث شئتم ثم خوفهم فقال: وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِی الْکافِرِینَ 2- فلم یعاهد النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بعد هذه الآیة أحدا «3» من الناس ثم ذکر مشرکی مکة الذین لا عهد لهم، فقال: وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَکْبَرِ یعنی یوم النحر و إنما سمی الحج الأکبر لأن العمرة هی الحج الأصغر، و قال: أَنَّ اللَّهَ بَرِی‌ءٌ مِنَ الْمُشْرِکِینَ وَ رَسُولُهُ من العهد فَإِنْ تُبْتُمْ یا معشر المشرکین من الشرک فَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ من الشرک وَ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ یقول إن أبیتم التوبة فلم تتوبوا فَاعْلَمُوا أَنَّکُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ
______________________________
(1) فی أ: ملک.
(2) فی أ: عاهد، ل: عاهدهم.
(3) فی أ: أحد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 157
خوفهم کما خوف أهل العهد: أنکم أیضا غیر سابقی اللّه بأعمالکم:
الخبیثة حتی یجزیکم بها. ثم قال: وَ بَشِّرِ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه [150 ب بِعَذابٍ أَلِیمٍ 3- یعنی وجیع ثم جعل من لا عهد له أجله خمسین یوما من یوم النحر إلی انسلاخ المحرم، ثم رجع إلی خزاعة، و بنی مدلج، و بنی خزیمة- فی التقدیم- فاستثنی فقال: إِلَّا الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ فلم «1» یبین اللّه و رسوله من عهدهم فی الأشهر الأربعة ثُمَّ لَمْ یَنْقُصُوکُمْ شَیْئاً فی الأشهر الأربعة وَ لَمْ یُظاهِرُوا عَلَیْکُمْ أَحَداً یعنی و لم یعینوا علی قتالکم أحدا من المشرکین یقول اللّه إن لم یفعلوا ذلک فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلی مُدَّتِهِمْ یعنی الأشهر الأربعة إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ 4- الذین یتقون نقض العهد، ثم ذکر من لم یکن له عهد غیر خمسین یوما فقال: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ یعنی عشرین من ذی الحجة و ثلاثین یوما من المحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ یعنی هؤلاء- الذین لا عهد لهم إلا خمسین یوما- أین أدرکتموهم فی الحل و الحرم وَ خُذُوهُمْ یعنی و أسروهم وَ احْصُرُوهُمْ یعنی و التمسوهم «2» وَ اقْعُدُوا لَهُمْ کُلَّ مَرْصَدٍ یقول و أرصدوهم بکل طریق و هم کفار فَإِنْ تابُوا من الشرک وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ فَخَلُّوا سَبِیلَهُمْ یقول فاترکوا طریقهم فلا تظلموهم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذنوب ما کان فی الشرک رَحِیمٌ 5- بهم فی الإسلام.
ثم قال یعنی هؤلاء الکفار من أهل مکة وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِکِینَ اسْتَجارَکَ فَأَجِرْهُ یقول فإن استأمنک أحد من المشرکین بعد خمسین یوما فأمنه من القتل
______________________________
(1) أی: فلم یبرأ، و فی أ: یبین.
(2) فی أ: و التمسوهم، و فی حاشیة أ: و احبسوهم محمد. و فی ل و التمسوهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 158
حَتَّی یَسْمَعَ کَلامَ اللَّهِ یعنی القرآن فإن کره أن یقبل ما فی القرآن ثُمَّ أَبْلِغْهُ «1» مَأْمَنَهُ یقول رده من حیث أتاک فإن قاتلک بعد ذلک فقدرت علیه فاقتله ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْلَمُونَ 6- بتوحید اللّه، ثم ذکرهم أیضا مشرکی مکة فقال: کَیْفَ یَکُونُ لِلْمُشْرِکِینَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ ثم استثنی خزاعة، و بنی مدلج، و بنی خزیمة «2»، الذین أجلهم أربعة أشهر. فقال: إِلَّا الَّذِینَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بالحدیبیة فلهم العهد فَمَا اسْتَقامُوا لَکُمْ بالوفاء إلی مدتهم یعنی تمام هذه أربعة الأشهر من یوم النحر فَاسْتَقِیمُوا لَهُمْ بالوفاء إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ 7- ثم حرض المؤمنین علی قتال کفار مکة الذین لا عهد لهم لأنهم نقضوا العهد فقال: کَیْفَ لا تقاتلونهم وَ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ لا یَرْقُبُوا فِیکُمْ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً یقول لا یحفظوا فیکم قرابة «3» و لا عهدا یُرْضُونَکُمْ بِأَفْواهِهِمْ یعنی بألسنتهم وَ تَأْبی قُلُوبُهُمْ و کانوا یحسنون القول للمؤمنین فیرضونهم و فی قلوبهم غیر ذلک فأخبر عن قولهم فذلک قوله:
«یُرْضُونَکُمْ بِأَفْواهِهِمْ» یعنی بألسنتهم «وَ تَأْبی قُلُوبُهُمْ» وَ أَکْثَرُهُمْ فاسِقُونَ 8-، ثم أخبر عنهم فقال: اشْتَرَوْا بِآیاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلًا یعنی باعوا إیمانا بالقرآن بعرض من الدنیا یسیرا و ذلک أن أبا سفیان کان یعطی الناقة و الطعام و الشی‌ء لیصد «4» بذلک الناس [151 أ] عن متابعة النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فذلک قوله: فَصَدُّوا «5» الناس عَنْ سَبِیلِهِ «6» أی عن سبیل اللّه
______________________________
(1) فی أ: بأبلغه، و فی حاشیة أ: التلاوة: ثم أبلغه.
(2) فی أ: جذیمة، ل: تقرأ جذیمة و یمکن أن تقرأ خزیمة.
(3) إلا: قرابة. (الجلالین)
(4) فی أ، ل: لیصدوا.
(5) فی أ: و صدوا.
(6) فی أ: «عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 159
یعنی عن دین اللّه و هو الإسلام إِنَّهُمْ ساءَ یعنی بئس ما کانُوا یَعْمَلُونَ 9- یعنی بئس ما عملوا بصدهم عن الإسلام، ثم أخبر أیضا عنهم فقال:
لا یَرْقُبُونَ فِی مُؤْمِنٍ إِلًّا «1» وَ لا ذِمَّةً یعنی لا یحفظون فی مؤمن قرابة و لا عهدا وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ 10- یقول: فَإِنْ تابُوا من الشرک وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ أی أقروا بإقام الصلاة و إیتاء الزکاة فَإِخْوانُکُمْ فِی الدِّینِ وَ نُفَصِّلُ و نبین الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ 11- بتوحید اللّه وَ إِنْ نَکَثُوا أَیْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ یعنی نقضوا عهدهم و ذلک أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- واعد کفار مکة سنتین، و أنهم عمدوا فأعانوا کنانة بالسلاح علی قتال خزاعة، و خزاعة صلح النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فکان فی ذلک نکث للعهد فاستحل النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قتالهم فذلک قوله «وَ إِنْ نَکَثُوا أَیْمانَهُمْ» وَ طَعَنُوا فِی دِینِکُمْ فقالوا: لیس دین محمد بشی‌ء فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْکُفْرِ یعنی قادة الکفر کفار قریش: أبا سفیان «2» بن حرب، و الحارث بن هشام، و سهیل بن عمرو «3»، و عکرمة بن أبی جهل، و غیرهم إِنَّهُمْ لا أَیْمانَ لَهُمْ لأنهم نقضوا العهد الذی کان بالحدیبیة، یقول: لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَنْتَهُونَ 12- عن نقض العهد، و لا ینقضون «4»، ثم حرض المؤمنین علی قتالهم فقال: أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَکَثُوا أَیْمانَهُمْ یعنی نقضوا عهدهم حین أعانوا کنانة بالسلاح علی خزاعة و هم صلح النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- من
______________________________
(1) إلا: قرابة.
(2) فی أ: أبو سفیان، و هی مفعول به یجب أن تکون منصوبة.
(3) فی أ: عمر، ل: عمرو.
(4) المراد: و لا ینقضون عهودهم مع المسلمین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 160
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 209
مکة حین هموا فی دار الندوة بقتل النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أو بوثاقه «1» أو بإخراجه وَ هُمْ بَدَؤُکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بالقتال حین ساروا إلی قتالکم ببدر أَ تَخْشَوْنَهُمْ فلا تقاتلونهم فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فی ترک أمره إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ 13- به یعنی إن کنتم مصدقین بتوحید اللّه- عز و جل-، ثم وعدهم النصر فقال: قاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَیْدِیکُمْ بالقتل وَ یُخْزِهِمْ وَ یَنْصُرْکُمْ عَلَیْهِمْ وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ 14- «و ذلک أن بنی کعب قاتلوا خزاعة» «2» فهزموهم و قتلوا منهم و خزاعة صلح النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-، و أعانهم کفار مکة بالسلاح علی خزاعة فاستحل النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قتال کفار مکة بذلک. «و قد «3»» رکب عمرو بن عبد مناة الخزاعی إلی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- بالمدینة «4» مستعینا به فقال «5» له:
اللهم إنی ناشد محمداحلف أبینا و أبیه الأتلدا
کان لنا أبا و کنا ولدانحن ولدناکم فکنتم ولدا
ثمت أسلمنا و لم ننزع یدافانصر رسول اللّه نصرا أیدا
و ادع عباد اللّه یأتوا مددافیهم رسول اللّه قد تجردا
فی فیلق کالبحر یجری مزیداإن قریشا أخلفوک الموعدا
و نقضوا میثاقک المؤکدو نصبوا لی فی الطریق مرصدا «6»
______________________________
(1) أی: أن یلبسوه الوثائق و هو القید و المراد حبسه.
(2) ما بین القوسین «...» زیادة، لتصحیح الکلام و لیست فی: أ، و لا فی: ل.
(3) و قد: زیادة لتصحیح الکلام.
(4) فی أ: إلی المدینة و هی ساقطة من: ل و مثبتة فی أ.
(5) فی ل: فقال مستغیثا.
(6) فی أ: مرصدا، ل: رصدا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 161 [151 ب و بیتونا بالوتین هجداو قتلونا رکعا و سجدا
و زعموا أن لست أدعو أحداو هم أذل و أقل عددا
قال: فدمعت عینا «1» النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و نظر إلی سحابة قد بعثها اللّه- عز و جل- فقال: و الذی نفسی بیده، إن هذه السحابة لتستهل بنصر خزاعة علی بنی لیث بن بکر ثم خرج النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- من المدینة فعسکر- و کتب حاطب إلی أهل مکة بالعسکر، و سار النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- إلی مکة فافتتحها و قال لأصحابه: کفوا السلاح إلا عن بنی بکر إلی صلاة العصر،
«و قال لخزاعة أیضا کفوا إلا عن بنی بکر» «2» فأنزل اللّه تعالی «وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ» یعنی قلوب قوم مؤمنین یعنی خزاعة «3» وَ یُذْهِبْ غَیْظَ قُلُوبِهِمْ و شفی اللّه قلوب خزاعة من بنی لیث بن بکر و أذهب غیظ قلوبهم، ثم قال: وَ یَتُوبُ اللَّهُ عَلی مَنْ یَشاءُ فیهدیهم لدینه «4» وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بخلقه حَکِیمٌ 15- فی أمره.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَکُوا علی الإیمان و لا تبتلوا بالقتل وَ لَمَّا یَعْلَمِ اللَّهُ یعنی و لما یری اللّه الَّذِینَ جاهَدُوا العدو مِنْکُمْ فی سبیله یقول لا یری
______________________________
(1) فی أ: عینی.
(2) ما بین القوسین «...»: ساقط من ل.
(3) سبعة الأسطر السابقة مضطربة فی أ. و قد قومت الاضطراب اعتمادا علی کتب السیرة.
(4) فی أ: زیادة (مِنْ بَعْدِ ذلِکَ) یعنی من بعد القتل و الهزیمة و لیس فی هذه الآیة (من بعد ذلک)، و إنما هی فی الآیة 27 من سورة التوبة و هی «ثُمَّ یَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ».
أما الآیة 15 من سورة التوبة فلیس فیها مِنْ بَعْدِ ذلِکَ ... و تمامها وَ یُذْهِبْ غَیْظَ قُلُوبِهِمْ وَ یَتُوبُ اللَّهُ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ
تفسیر مقاتل- 11
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 162
جهادکم حتی «1» تجاهدوا وَ لَمْ یَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا من دون رَسُولِهِ وَ لَا من دون الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً یتولجها یعنی البطانة من الولایة للمشرکین وَ اللَّهُ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ 16- ما کانَ لِلْمُشْرِکِینَ یعنی مشرکی مکة أَنْ یَعْمُرُوا مَساجِدَ «2» اللَّهِ یعنی المسجد الحرام شاهِدِینَ عَلی أَنْفُسِهِمْ بِالْکُفْرِ نزلت فی العباس بن عبد المطلب، و فی بنی أبی طلحة، منهم شیبة بن عثمان صاحب الکعبة، و ذلک أن العباس و شیبة و غیرهم أسروا یوم بدر فأقبل علیهم نفر من المهاجرین فیهم علی بن أبی طالب و الأنصار و غیرهم فسبوهم و عیروهم بالشرک و جعل علی بن أبی طالب یونج العباس بقتال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و بقطیعته «3» الرحم و أغلظ له القول، فقال له العباس: ما لکم تذکرون مساوئنا و تکتمون محاسننا. قالوا: و هل لکم محاسن؟ قال: نعم لنحن أفضل منکم أجرا، إنا لنعمر المسجد الحرام و نحجب «4» الکعبة و نسقی الحجیج و نفک العانی- یعنی الأسیر-، فافتخروا علی المسلمین بذلک، فأنزل اللّه «ما کانَ لِلْمُشْرِکِینَ أَنْ یَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِینَ عَلی أَنْفُسِهِمْ بِالْکُفْرِ» أُولئِکَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ [152 أ] یعنی ما ذکروا من محاسنهم یعنی بطلت أعمالهم فی الدنیا و الآخرة یقول لیس لهم ثواب فی الدنیا و لا فی الآخرة لأنها کانت فی غیر إیمان و لو آمنوا لأصابوا الثواب فی الدنیا و الآخرة کما قال نوح، و هود، لقومه:
______________________________
(1) هکذا فی: أ، ل.
(2) فی أ: مسجد اللّه.
(3) فی أ: و یقطعه، و هی تحریف ل (و بقطعه) و فی ل: و بقطیعته.
(4) أی: نکون حجابا لها، کالحاجب علی باب مدیر أو وزیر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 163
«اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُمْ» بالمطر «مِدْراراً «1»» یعنی متتابعا «وَ یُمْدِدْکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ وَ یَجْعَلْ لَکُمْ جَنَّاتٍ وَ یَجْعَلْ لَکُمْ أَنْهاراً «2»» فهذا فی الدنیا لو آمنوا. ثم قال: وَ فِی النَّارِ هُمْ خالِدُونَ 17- لا یموتون إِنَّما یَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ یعنی صدق باللّه وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یعنی من صدق بتوحید اللّه و البعث الذی فیه جزاء الأعمال وَ أَقامَ الصَّلاةَ لوقتها: أتم رکوعها و سجودها وَ آتَی الزَّکاةَ یعنی و أعطی زکاة ماله وَ لَمْ یَخْشَ إِلَّا اللَّهَ یعنی و لم یعبد إلا اللّه فَعَسی أُولئِکَ أَنْ یَکُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِینَ 18- من الضلالة، ثم قال یعنیهم: أَ جَعَلْتُمْ سِقایَةَ الْحاجِ یعنی العباس وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ یعنی شیبة کَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یعنی صدق بتوحید اللّه و الیوم الآخر و صدق بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال یعنی علیا و من معه وَ جاهَدَ العدو فِی سَبِیلِ اللَّهِ لا یَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ فی الفضل هؤلاء أفضل وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ 19- یعنی المشرکین إلی الحجة فما لهم حجة ثم نعت المهاجرین علیا و أصحابه فقال: الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بتوحید اللّه وَ هاجَرُوا إلی المدینة وَ جاهَدُوا العدو فِی سَبِیلِ اللَّهِ یعنی طاعة اللّه بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أولئک أَعْظَمُ دَرَجَةً یعنی فضیلة عِنْدَ اللَّهِ من الذین افتخروا فی عمران
______________________________
(1) هذه مقالة هود لقومه: فی الآیة 52 من سورة هود.
(2) و هذه من سورة نوح: الآیة 12، و هی مقالة نوح. و قد جمعهما علی أنهما آیة واحدة و لکنی وضحت أن الجزء الأول من سورة هود و الجزء الآخر من سورة نوح و جمع بینهما وحدة المعنی و وحدة الموقف، فخلط الناسخ بینهما.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 164
البیت و سقایة الحاج و هم کفار، ثم أخبر عن ثواب المهاجرین فقال: وَ أُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ 20- یعنی الناجون من النار یوم القیامة یُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ و هی الجنة وَ رِضْوانٍ یعنی و رضی الرب عنهم وَ جَنَّاتٍ لَهُمْ فِیها نَعِیمٌ مُقِیمٌ 21- یعنی لا یزول خالِدِینَ فِیها أَبَداً لا یموتون إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ یعنی عند اللّه أَجْرٌ یعنی جزاء عَظِیمٌ 22- و هی الجنة.
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَکُمْ وَ إِخْوانَکُمْ أَوْلِیاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْکُفْرَ عَلَی الْإِیمانِ یعنی اختاروا الکفر علی الإیمان یعنی التوحید، نزلت فی السبعة الذین ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بمکة من المدینة فنهی اللّه عن ولایتهم فقال: وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ یا معشر المؤمنین فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ 23- و هو منهم قُلْ إِنْ کانَ آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ وَ إِخْوانُکُمْ وَ أَزْواجُکُمْ وَ عَشِیرَتُکُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها یعنی کسبتموها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ کَسادَها وَ مَساکِنُ تَرْضَوْنَها یعنی و منازل ترضونها یعنی تفرحون بها أَحَبَّ إِلَیْکُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِی سَبِیلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّی یَأْتِیَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [152 ب فی فتح مکة وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ 24- لَقَدْ نَصَرَکُمُ اللَّهُ فِی مَواطِنَ کَثِیرَةٍ یعنی یوم بدر، و یوم قریظة، و یوم النضیر «1»، و یوم خیبر، و یوم الحدیبیة، و یوم فتح مکة، ثم قال: وَ نصرکم یَوْمَ حُنَیْنٍ و هو واد بین الطائف و مکة إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْکُمْ شَیْئاً وَ ضاقَتْ عَلَیْکُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ یعنی برحبها وسعتها ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ 25-
______________________________
(1) فی أ: النضر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 165
لا تلوون علی شی‌ء و ذلک أن المسلمین کانوا یومئذ أحد عشر ألفا و خمس مائة و المشرکون أربعة آلاف، و هوازن، و ثقیف، و مالک بن عوف النضری علی هوازن، و علی ثقیف کنانة بن عبد یالیل بن عمرو بن عمیر الثقفی، فلما التقوا قال رجل من المسلمین: لن نغلب الیوم من کثرتنا علی عدونا و لم یستثن فی قوله، فکره النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قوله؛ لأنه کان قال «1» و لم یستثن فی قوله فاقتتلوا قتالا شدیدا و انهزم المشرکون و جلوا عن الذراری، ثم نادی المشرکون تجاه النساء اذکروا الفضائح فتراجعوا و انکشف المسلمون فنادی العباس بن عبد المطلب، و کان رجلا صبیا ثباتا: یا أنصار اللّه و أنصار رسوله الذین آووا و نصروا، یا معشر المهاجرین الذین بایعوا تحت الشجرة هذا رسول اللّه (ص) فمن کان له فیه حاجة فلیأته فتراجع المسلمون و نزلت الملائکة- علیهم البیاض علی خیول بلق- فوقفوا و لم یقاتلوا فانهزم المشرکون، فذلک قوله: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَکِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها یعنی الملائکة وَ عَذَّبَ الَّذِینَ کَفَرُوا بالقتل و الهزیمة وَ ذلِکَ العذاب جَزاءُ الْکافِرِینَ 26- ثُمَّ یَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ عَلی مَنْ یَشاءُ یعنی بعد القتل و الهزیمة فیهدیه لدینه وَ اللَّهُ غَفُورٌ لما کان فی الشرک رَحِیمٌ 27- بهم فی الإسلام یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ یعنی مشرکی العرب و النجس الذی لیس بطاهر، الأنجاس: الأخباث فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ یعنی أرض مکة بَعْدَ عامِهِمْ هذا یعنی بعد عام کان أبو بکر علی الموسم. قال ابن ثابت «2»: قال أبی: فی السنة التاسعة من هجرة
______________________________
(1) فی أ: یتعالی، ل: قال.
(2) هو عبد اللّه بن ثابت.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 166
النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم «1»- ثم قال: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَیْلَةً، و ذلک أن اللّه- عز و جل- أنزل بعد غزاة تبوک: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ ...» إلی قوله:
«... کُلَّ مَرْصَدٍ «2»» فوسوس الشیطان إلی أهل مکة فقال: من أین تجدون ما تأکلون، و قد أمر أنه من لم یکن مسلما «3» أن یقتل و یؤخذ الغنم و یقتل من فیها «4» فقال اللّه تعالی، امضوا «5» لأمری و أمر رسولی فَسَوْفَ یُغْنِیکُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ ففرحوا بذلک فکفاهم اللّه ما کانوا یتخوفون «6» فأسلم أهل نجد، و جرش «7»، و أهل صنعاء، فحملوا الطعام إلی مکة علی الظهر فذلک قوله [153 أ] «وَ إِنْ خِفْتُمْ عَیْلَةً» یعنی الفقر «فَسَوْفَ یُغْنِیکُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ» إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 28- قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ یعنی الذین لا یصدقون بتوحید اللّه، و لا بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال وَ لا یُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ یعنی الخمر، و لحم الخنزیر و قد بین أمرهما فی القرآن «8».
______________________________
(1) أی أن النهی عن حج المشرکین إلی البیت الحرام کان فی السنة التاسعة من الهجرة، فأبیح لهم الحج فی السنة التی کان فیها أبو بکر علی الموسم، و بلغهم علی أنه لا یحج بعد العام مشرک.
(2) الآیة 5 من سورة التوبة: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ کُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ فَخَلُّوا سَبِیلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ».
(3) فی ل: مسلما، أ: مسلم.
(4) فی أ: و من فیها، ل: و یقتل من فیها.
(5) فی أ: لمضوا، و هو تحریف (لیمضوا)
(6) أی: یتخوفون منه.
(7) فی أ: جرش، ل: حرس.
(8) فی أ: یعنی الخمر و الخمر بین فی القرآن. ل: یعنی الخمر و لحم الخنزیر فی القرآن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 167
وَ لا یَدِینُونَ دِینَ الْحَقِ الإسلام لان غیر دین الإسلام باطل مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ یعنی الیهود، و النصاری حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ یعنی عن أنفسهم وَ هُمْ صاغِرُونَ 29- یعنی مذلون إن أعطوا عفوا لم یؤجروا و إن أخذوا منهم کرها لم یثابوا وَ قالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللَّهِ و ذلک أن الیهود قتلوا الأنبیاء بعد موسی، فرفع اللّه عنهم التوراة، و محاها من قلوبهم، فخرج عزیر یسیح فی الأرض، فأتاه جبریل- علیه السلام- فقال له: أین تذهب؟ قال: لطلب العلم، فعلمه جبریل التوراة کلها فجاء عزیر بالتوراة غضا «1» إلی بنی إسرائیل فعلمهم، فقالوا: لم یعلم عزیر هذا العلم إلا لأنّه «2» ابن اللّه. فذلک قوله: «وَ قالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللَّهِ».
ثم قال: وَ قالَتِ النَّصاری الْمَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ یعنون عیسی بن مریم ذلِکَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ یقول هم یقولون بألسنتهم من غیر علم یعلمونه یُضاهِؤُنَ یعنی یشبهون قَوْلَ الَّذِینَ کَفَرُوا یعنی قول الیهود مِنْ قَبْلُ قول النصاری لعیسی إنه ابن اللّه- کما قالت الیهود عزیر ابن اللّه فضاهأت «3» یعنی أشبه قول النصاری فی عیسی قول الیهود فی عزیر «4» قاتَلَهُمُ اللَّهُ یعنی لعنهم اللّه أَنَّی یُؤْفَکُونَ 30- یعنی النصاری من أین یکذّبون بتوحید اللّه، ثم أخبر عن النصاری فقال: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ یعنی علماءهم وَ رُهْبانَهُمْ یعنی المجتهدین فی دینهم: أصحاب الصوامع أَرْباباً یعنی
______________________________
(1) هکذا: غضا علی أنه حال من عزیر- و لو کان من التوراة لقال غضة.
(2) فی أ: أنه.
(3) فی أ: فضاهت، ل: فضاهأت.
(4) فی أ: فضاهت: شبهت قول النصاری فی عیسی کقول الیهود فی عزیر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 168
أطاعوهم مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ اتخذوا الْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ ربا یقول وَ ما أُمِرُوا یعنی و ما أمرهم عیسی إِلَّا لِیَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً. و ذلک أن عیسی قال لبنی إسرائیل- فی سورة مریم «1»- و فی حم الزخرف «2»-: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ» «3».
فهذا قول عیسی لبنی إسرائیل، ثم قال: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ 31- نزه نفسه عما قالوا من البهتان، ثم أخبر عنهم فقال: یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ یعنی دین الإسلام بألسنتهم بالکتمان وَ یَأْبَی اللَّهُ إِلَّا أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ یعنی یظهر دینه الإسلام وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ 32- أهل الکتاب: بالتوحید هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ یعنی محمدا- صلّی اللّه علیه و سلّم- بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِ یعنی دین الإسلام لأن غیر دین الإسلام باطل لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ یقول لیعلو بدین الإسلام علی کل دین [153 ب وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ 33- یعنی مشرکی العرب یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ کَثِیراً مِنَ الْأَحْبارِ یعنی الیهود وَ الرُّهْبانِ یعنی مجتهدی النصاری لَیَأْکُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ یعنی أهل ملتهم و ذلک أنهم
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة 36 من سورة مریم و تمامها «وَ إِنَّ اللَّهَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ».
(2) یشیر إلی الآیة 64 من سورة الزخرف و تمامها «إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ».
(3) هذه الآیة 64 من سورة الزخرف- أما آیة مریم: 36 فتبدأ بقوله «وَ إِنَّ اللَّهَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ» و الثابت فی أ: «اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّی وَ رَبَّکُمْ» إن اللّه ربی و ربکم فاعبدوه هذا صراط مستقیم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 169
کانت لهم مأکلة کل عام من سفلتهم من الطعام و الثمار علی تکذیبهم بمحمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- و لو أنهم آمنوا بمحمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- لذهبت تلک المأکلة، ثم قال: وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یقول یمنعون أهل دینهم عن دین الإسلام وَ الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ یعنی بالکنز منع الزکاة وَ لا یُنْفِقُونَها یعنی الکنوز فِی سَبِیلِ اللَّهِ یعنی فی طاعة اللّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِیمٍ 34- یعنی وجیع فی الآخرة، ثم قال: «یَوْمَ یُحْمی عَلَیْها فِی نارِ جَهَنَّمَ «1»» فَتُکْوی بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما کَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ فَذُوقُوا ما کُنْتُمْ تَکْنِزُونَ 35- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ و ذلک أن المؤمنین ساروا من المدینة إلی مکة قبل أن یفتح اللّه علی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فقالوا: إنا نخاف أن یقاتلنا کفار مکة فی الشهر الحرام فأنزل اللّه عز و جل:
«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ» اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِی کِتابِ «اللَّهِ» «2» یعنی اللوح المحفوظ یَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ المحرم، و رجب، و ذو القعدة، و ذو الحجة، ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ یعنی الحساب فَلا تَظْلِمُوا فِیهِنَّ أَنْفُسَکُمْ یعنی فی الأشهر الحرام یعنی بالظلم ألا تقتلوا فیهن أحدا «3» من مشرکی العرب إلا أن یبدءوا بالقتل «ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ» یعنی بالدین الحساب المستقیم «4»، ثم قال: قاتِلُوا الْمُشْرِکِینَ یعنی کفار مکة کَافَّةً یعنی جمیعا کَما یُقاتِلُونَکُمْ کَافَّةً یقول إن قاتلوکم فی الشهر الحرام فاقتلوهم جمیعا
______________________________
(1) فی أ: زیادة إلی قوله: «... یکنزون».
(2) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
(3) فی أ: أحد.
(4) الأنسب یعنی بالدین: الحساب و القیم: و المستقیم، أو یعنی بالدین القیم: الحساب المستقیم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 170
وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ فی النصر مَعَ الْمُتَّقِینَ 36- الشرک إِنَّمَا النَّسِی‌ءُ زِیادَةٌ یعنی به فی المحرم زیادة فِی الْکُفْرِ و ذلک أن أبا ثمامة الکنانی:
اسمه جبارة بن عوف بن أمیة بن فقیم بن الحارث «1» و هو أول من ذبح لغیر اللّه الصفرة فی رجب، کان یقف بالموسم ثم ینادی إن آلهتکم قد حرمت صفر العام «2» فیحرمون فیه الدماء و الأموال و یستحلون ذلک فی المحرم، فإذا کان من قابل نادی إن آلهتکم قد حرمت المحرم العام فیحرمون فیه الدماء و الأموال فیأخذ «3» به هوازن، و غطفان، و سلیم، و ثقیف، و کنانة، فذلک قوله «إِنَّمَا النَّسِی‌ءُ» یعنی ترک المحرم «زِیادَةٌ فِی الْکُفْرِ» یُضَلُّ بِهِ الَّذِینَ کَفَرُوا یُحِلُّونَهُ عاماً وَ یُحَرِّمُونَهُ عاماً یقول «یستحلون المحرم «4»» عاما فیصیبون فیه الدماء و الأموال «وَ یُحَرِّمُونَهُ عاماً» فلا یصیبون فیه الدماء و الأموال «و لا یستحلونها فیه «5»» لِیُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَیُحِلُّوا فی المحرم ما حَرَّمَ اللَّهُ فیه من الدماء و الأموال زُیِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ 37- یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ما لَکُمْ إِذا قِیلَ لَکُمُ انْفِرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ نزلت فی المؤمنین و ذلک أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أمر الناس بالسیر إلی غزوة تبوک فی حر شدید اثَّاقَلْتُمْ إِلَی الْأَرْضِ [154 أ] فتثاقلوا عنها أَ رَضِیتُمْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا فِی الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِیلٌ 38- یعنی إلا ساعة من ساعات
______________________________
(1) فی أ: الحرث.
(2) فی أ: الحام. ل: العام.
(3) فی أ: فأخذ، و فی ل: فیأخذ.
(4) زیادة من: ل.
(5) فی أ: و لا یستحلون عاما.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 171
الدنیا، ثم خوفهم إِلَّا تَنْفِرُوا فی غزاة تبوک إلی عدوکم یُعَذِّبْکُمْ عَذاباً أَلِیماً یعنی وجیعا وَ یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ أمثل منکم، و أطوع للّه منکم، وَ لا تَضُرُّوهُ شَیْئاً یعنی و لا تنقصوا من ملکه شیئا بمعصیتکم إیاه إنما تنقصون أنفسکم وَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ أراده قَدِیرٌ- 39- إن شاء عذبکم «و استبدل بکم قوما غیرکم «1»».
ثم قال للمؤمنین: إِلَّا تَنْصُرُوهُ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ هذه أول آیة نزلت من براءة، و کانت تسمی الفاضحة لما ذکر اللّه «فیها» «2» من عیوب المنافقین إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه من مکة ثانِیَ اثْنَیْنِ فهو النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- و أبو بکر إِذْ هُما فِی الْغارِ إِذْ یَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ و ذلک أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قال لأبی بکر «لا تَحْزَنْ» إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فی الدفع عنا و ذلک
حین خاف «3» القافة حول الغار، فقال أبو بکر: أتینا یا نبی اللّه. و حزن «4» أبو بکر فقال: إنما أنا رجل واحد، و إن قتلت أنت تهلک هذه الأمة. فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-:
لا تحزن. ثم قال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: اللهم أعم أبصارهم عنا.
ففعل اللّه ذلک بهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَکِینَتَهُ عَلَیْهِ یعنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- وَ أَیَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها یعنی الملائکة یوم بدر، و یوم الأحزاب، و یوم خیبر، وَ جَعَلَ کَلِمَةَ الَّذِینَ کَفَرُوا یعنی دعوة الشرک السُّفْلی وَ کَلِمَةُ اللَّهِ
______________________________
(1) فی أ: کتب هذه الجملة علی أنها قرآن.
(2) زیادة: لتوضیح الکلام.
(3) فی أ: حات، ل: خاف.
(4) فی أ: فحزن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 172
یعنی دعوة الإخلاص هِیَ الْعُلْیا یعنی العالیة وَ اللَّهُ عَزِیزٌ فی ملکه حَکِیمٌ 40- حکم إطفاء دعوة المشرکین و إظهار التوحید انْفِرُوا إلی غزاة تبوک خِفافاً وَ ثِقالًا یعنی نشاطا و غیر نشاط وَ جاهِدُوا العدو بِأَمْوالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ یعنی الجهاد ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ من القعود إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 41- لَوْ کانَ عَرَضاً قَرِیباً یعنی غنیمة قریبة وَ سَفَراً قاصِداً یعنی هینا لَاتَّبَعُوکَ فی غزاتک وَ لکِنْ بَعُدَتْ عَلَیْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا یعنی لو وجدنا سعة فی المال لَخَرَجْنا مَعَکُمْ فی غزاتکم یُهْلِکُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ 42- بأن لهم سعة فی الخروج و لکنهم لم یریدوا الخروج منهم جد بن قیس، و معتب ابن قشیر، و هما من الأنصار، ثم قال للنبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: عَفَا اللَّهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فی القعود یعنی فی التخلف حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَکَ الَّذِینَ صَدَقُوا فی قولهم یعنی أهل العذر منهم المقداد بن الأسود الکندی و کان سمینا وَ تَعْلَمَ الْکاذِبِینَ 43- فی قولهم یعنی من لا قدر لهم لا یَسْتَأْذِنُکَ فی القعود الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یعنی الذین یصدقون بتوحید اللّه، و بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال أنه کائن أَنْ یُجاهِدُوا العدو من غیر عذر بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ [154 ب کراهیة الجهاد وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِالْمُتَّقِینَ 44- الشرک، ثم ذکر المنافقین فقال: إِنَّما یَسْتَأْذِنُکَ فی الجهاد و بعد الشقة الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ لا یصدقون باللّه، و لا بالیوم الآخر یعنی لا یصدقون باللّه، و لا بتوحیده، و لا بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال وَ ارْتابَتْ یعنی شکت قُلُوبُهُمْ فی الدین فَهُمْ فِی رَیْبِهِمْ یعنی فی شکهم یَتَرَدَّدُونَ 45- و هم تسعة و ثلاثون رجلا، ثم أخبر عن المنافقین فقال:
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 173
وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ إلی العدو لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً یعنی به النیة وَ لکِنْ کَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ یعنی خروجهم فَثَبَّطَهُمْ عن غزاة تبوک وَ قِیلَ اقْعُدُوا وحیا إلی قلوبهم مَعَ الْقاعِدِینَ 46- ألهموا ذلک، یعنی مع المتخلفین لَوْ خَرَجُوا فِیکُمْ «1» یعنی معکم إلی العدو ما زادُوکُمْ إِلَّا خَبالًا یعنی عیا وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَکُمْ یتخلل الراکب الرجلین حتی یدخل بینهما «2» فیقول ما لا ینبغی یَبْغُونَکُمُ الْفِتْنَةَ یعنی الکفر وَ فِیکُمْ معشر المؤمنین سَمَّاعُونَ لَهُمْ من غیر المنافقین «اتخذهم المنافقون «3»» عیونا لهم یحدّثونهم وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینَ 47- منهم عبد اللّه بن أبی، و عبد اللّه بن نبیل، وجد بن قیس» و رفاعة بن التابوت، و أو لیس بن قیظی، ثم أخبر عن المنافقین فقال: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ یعنی الکفر فی غزوة تبوک وَ قَلَّبُوا لَکَ الْأُمُورَ ظهرا لبطن کیف یصنعون حَتَّی جاءَ الْحَقُ یعنی الإسلام وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ یعنی دین الإسلام وَ هُمْ کارِهُونَ 48- للإسلام وَ مِنْهُمْ یعنی من المنافقین مَنْ یَقُولُ ائْذَنْ لِی وَ لا تَفْتِنِّی و ذلک أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- أمر الناس بالجهاد إلی غزاة تبوک و ذکر بنات الأصفر لقوم و قال: لعلکم تصیبون منهن. قال «4» ذلک لیرغبهم فی الغزو، و کان الأصفر رجلا من الحبش، فقضی اللّه له أن ملک الروم، فاتخذ من نسائهم لنفسه، و ولدن له نساء کن مثلا فی الحسن «5»، فقال جد بن قیس الأنماری
______________________________
(1) فی أ: و لو خرجوا فیکم.
(2) فی أ: بینهم.
(3) فی أ: هم المنافقین.
(4) فی أ: فقال.
(5) فی أ: الحسن، و فی حاشیة أ: فی الأصل الحبشی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 174
- من بنی سلمة بن جشم-: یا رسول اللّه قد علمت الأنصار حرصی علی النساء و إعجابی بهن و إنی أخاف أن أفتتن بهن فأذن لی و لا تفتنی ببنات الأصفر و إنما اعتل بذلک کراهیة الغزو فأنزل اللّه- عز و جل «وَ مِنْهُمْ» یعنی من المنافقین «مَنْ یَقُولُ ائْذَنْ لِی وَ لا تَفْتِنِّی» یقول اللّه: أَلا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا یقول ألا فی الکفر وقعوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْکافِرِینَ 49- ثم أخبر عنهم و عن المتخلفین بغیر عذر فقال: إِنْ تُصِبْکَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ یعنی: الغنیمة فی غزاتک یوم بدر تسوءهم وَ إِنْ تُصِبْکَ مُصِیبَةٌ بلاء من العدو یوم أحد، و هزیمة، و شدة، یَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا فی القعود مِنْ قَبْلُ أن تصبک «1» مصیبة وَ یَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ 50- لما أصابک من شدة یقول اللّه لنبیه- صلّی اللّه علیه و سلّم-: قُلْ لَنْ یُصِیبَنا إِلَّا ما کَتَبَ اللَّهُ لَنا من شدة أو رخاء هُوَ مَوْلانا یعنی ولینا وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ 51- یعنی و باللّه [155 أ] فلیثق الواثقون قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَی الْحُسْنَیَیْنِ إما الفتح و الغنیمة فی الدنیا، و إما شهادة فیها الجنة فی الآخرة و الرزق وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِکُمْ العذاب و القتل أَنْ یُصِیبَکُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ عذاب بِأَیْدِینا فنقتلکم فَتَرَبَّصُوا بنا الشر إِنَّا مَعَکُمْ مُتَرَبِّصُونَ 52- بکم العذاب قُلْ یا محمد للمنافقین أَنْفِقُوا طَوْعاً من قبل أنفسکم أَوْ کَرْهاً مخافة القتل لَنْ یُتَقَبَّلَ مِنْکُمْ النفقة إِنَّکُمْ کُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِینَ 53- یعنی عصاة وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللَّهِ بالتوحید وَ کفروا «بِرَسُولِهِ» «2»
______________________________
(1) فی أ: تصبیک.
(2) ساقطة من أ و مثبتة فی حاشیة أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 175
بمحمد- صلّی اللّه علیه و سلّم- أنه لیس برسول وَ لا یَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ کُسالی یعنی متناقلین و لا یرونها واجبة علیهم وَ لا یُنْفِقُونَ یعنی المنافقین الأموال إِلَّا وَ هُمْ کارِهُونَ 54- غیر محتسبین فَلا تُعْجِبْکَ یا محمد أَمْوالُهُمْ «وَ لا أَوْلادُهُمْ یعنی المنافقین إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا» «1» بما یلقون فی جمعها من المشقة و فیها من المصائب «2»» وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ یعنی و یرید أن تذهب أنفسهم علی الکفر فیمیتهم کفارا فذلک قوله: وَ هُمْ کافِرُونَ 55- بتوحید اللّه و مصیرهم إلی النار وَ یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ یعنیهم إِنَّهُمْ لَمِنْکُمْ معشر المؤمنین علی دینکم یقول اللّه:
وَ ما هُمْ مِنْکُمْ علی دینکم وَ لکِنَّهُمْ قَوْمٌ یَفْرَقُونَ 56- القتل فیظهرون الإیمان، ثم أخبر عنهم فقال: لَوْ یَجِدُونَ مَلْجَأً یعنی حرزا «3» یلجأون إلیه أَوْ مَغاراتٍ یعنی الغیران فی الجبال أَوْ مُدَّخَلًا یعنی سربا فی الأرض لَوَلَّوْا إِلَیْهِ و ترکوک یا محمد وَ هُمْ یَجْمَحُونَ 57- یعنی یستبقون إلی الحرز وَ مِنْهُمْ یعنی المنافقین مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقاتِ یعنی یطعن علیک- نظیرها «وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ» «4» و ذلک
أن النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم- قسم الصدقة و أعطی بعض المنافقین و منع بعضا و تعرض له أبو الخواص فلم یعطه شیئا فقال أبو الخواص: ألا ترون إلی صاحبکم إنما یقسم صدقاتکم فی رعاء الغنم و هو یزعم أنه یعدل فقال النبی- صلّی اللّه علیه و سلّم-: لا أبالک، أما کان
______________________________
(1) فی أ: «وَ لا أَوْلادُهُمْ» یعنی المنافقین «فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا» فیها تقدیم «إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِها» یعنی أن یعذبهم بها فی الآخرة «وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ».
(2) ما بین الأقواس «...» زیادة من الجلالین.
(3) فی أ: حورا، ل: حرزا.
(4) سورة الهمزة: الآیة الأولی. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 176
موسی راعیا، أما کان داود راعیا. فذهب أبو الخواص فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلّم-: احذروا هذا و أصحابه فإنهم منافقون، فأنزل اللّه «وَ مِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقاتِ»
یعنی یطعن علیک بأنک لم تعدل فی القسمة فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ یَسْخَطُونَ 58- وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ یعنی ما أعطاهم اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَیُؤْتِینَا اللَّهُ یعنی سیغنینا اللّه مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ فیها تقدیم إِنَّا إِلَی اللَّهِ راغِبُونَ 59- ثم أخبر عن أبی الخواص أن غیر أبی الخواص أحق منه بالصدقة و بین أهلها فقال:
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ الذین [155 ب لا یسألون الناس وَ الْمَساکِینِ الذین یسألون الناس وَ الْعامِلِینَ عَلَیْها یعطون مما جبوا من الصدقات علی قدر ما جبوا من الصدقات و علی قدر ما شغلوا به أنفسهم عن حاجتهم وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ یتألفهم بالصدقة یعطیهم منها منهم أبو سفیان، و عیینة بن حصن، و سهل ابن عمرو، و قد انقطع حتی المؤلفة الیوم إلا أن ینزل قوم منزلة أولئک فإن أسلموا أعطوا من الصدقات تتألفهم «1» بذلک لیکونوا دعاة إلی الدین وَ فِی الرِّقابِ یعنی و فی فک الرقاب یعنی أعطوا المکاتبین وَ الْغارِمِینَ و هو الرجل یصیبه غرم فی ماله من غیر فساد و لا معصیة وَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ یعنی فی الجهاد یعطی علی قدر ما یبلغه فی غزاته وَ ابْنِ السَّبِیلِ یعنی المسافر المجتاز و به حاجة یقول: فَرِیضَةً مِنَ اللَّهِ لهم هذه القسمة لأنهم أهلها وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بأهلها حَکِیمٌ 60- حکم قسمتها و
قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لا تحل الصدقة لمحمد، و لا لأهله، و لا تحل الصدقة لغنی، و لا لذی مرة سوی: یعنی القوی الصحیح.
و کان المؤلفة قلوبهم: ثلاثة عشر رجلا، منهم أبو سیفان بن حرب بن أمیة،
______________________________
(1) فی أ: تألفهم. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 177
و الأقرع بن حابس المجاشعی، و عیینة بن حصن الفزاری، و حویطب بن عبد العزی القرشی من بنی عامر بن لؤی، و الحارث بن هشام المخزومی، و حکیم ابن حزام من بنی أسد بن عبد العزی، و مالک بن عوف النضری، و صفوان ابن أمیة القرشی، و عبد الرحمن بن یربوع، و قیس بن عدی السهمی، و عمرو ابن مرداس، و العلاء بن الحارث الثقفی، أعطی کل رجل منهم مائة من الإبل لیرغبهم فی الإسلام و یناصحون اللّه و رسوله غیر أنه أعطی عبد الرحمن بن یربوع خمسین من الإبل، و أعطی حویطب بن عبد العزی القرشی خمسین من الإبل، و کان أعطی حکیم بن حزام سبعین من الإبل، فقال: یا نبی اللّه، ما کانت أری أن أحدا من المسلمین أحق بعطائک منی فزاده النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فکره ثم زاده عشرة فکره «1» فأتمها له مائة من الإبل فقال حکیم: یا رسول اللّه، عطیتک الأولی التی رغبت عنها أ هی خیر أم التی قنعت بها؟ فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- الإبل التی رغبت عنها. فقال: و اللّه لا آخذ غیرها. فأخذ السبعین فمات و هو أکثر قریش مالا، فشق «2» النبی- صلی اللّه علیه و سلم- تلک العطایا، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: إنی لأعطی رجلا و أترک آخر، و إن الذی أترک أحب إلی من الذی أعطی، و لکن أتألف هؤلاء بالعطیة و أوکل «3» المؤمن إلی إیمانه
______________________________
(1) فی أ، ل زیادة: فزاده النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عشرة فکر.
و هو خطا سببه سبق النظر: فقد أخذ سبعین ثم زاده النبی عشرة ثم عشرة فصارت تسعین، ثم أتمها مائة. أما لو سرنا علی ما هو مکتوب لکان معناه أعطاه سبعین ثم زاده عشرة ثم زاده عشرة فکره- أی أذکره 3+ 7 100 فلا بد أن هناک جملة من ثم زاده عشرة فکره زائدة بسبب سبق النظر.
(2) هکذا فی: أ، ل و الأنسب: و قد شق.
(3) فی أ: و أوکل، ل: و أکل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 178
وَ مِنْهُمُ یعنی من المنافقین الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَ صلی اللّه علیه و سلم- منهم الجلاس بن سوید، و شماس بن قیس، و المخش بن حمیر، و سماک بن یزید، و عبید بن الحارث، و رفاعة بن زید، و رفاعة بن عبد المنذر، قالوا: ما لا ینبغی. فقال «1» رجل منهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن یبلغ محمدا، فیقع بنا. فقال الجلاس: نقول ما شئنا فإنما محمد أذن «2» [156 أ] سامعة فنأتیه بما نقول فنزلت فی الجلاس وَ یَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قُلْ أُذُنُ خَیْرٍ لَکُمْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ یُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِینَ یعنی یصدق باللّه، و یصدق المؤمنین وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ یقول محمد رحمة للمؤمنین کقوله: «رَؤُفٌ رَحِیمٌ» «3» یعنی للمصدقین بتوحید اللّه رءوف رحیم وَ الَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 61- یعنی وجیع یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَکُمْ لِیُرْضُوکُمْ بعد الیوم منهم عبد اللّه ابن أبی حلف «4» ألا نتخلف عنک و لنکونن معک علی عدوک وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ یُرْضُوهُ فیها تقدیم إِنْ کانُوا مُؤْمِنِینَ 62- یعنی مصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- أَ لَمْ یَعْلَمُوا یعنی المنافقین أَنَّهُ مَنْ یُحادِدِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ یعنی یعادی اللّه و رسوله فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِیها لا یموت ذلِکَ العذاب الْخِزْیُ الْعَظِیمُ 63- قوله: یَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ نزلت فی الجلاس ابن سوید، و سماک بن عمر، و وداعة بن ثابت، و المخش بن حمیر الأشجعی، و ذلک أن المخش قال لهم: و اللّه لا أدری إنی أشر خلیفة اللّه و اللّه لوددت أنی جلدت مائة جلدة
______________________________
(1) فی أ: قال.
(2) فی أ: فإنما محمد أذن، ل: فإنما محمدا أذن.
(3) سورة التوبة: 128.
(4) فی أ: بن خلف أن لا یتخلف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 179
و أنه لا ینزل فینا ما یفضحنا فنزل «یَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ» أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ یعنی براءة تُنَبِّئُهُمْ بِما فِی قُلُوبِهِمْ من النفاق و کانت تسمی الفاضحة قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مبین ما تَحْذَرُونَ 64- وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما کُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ و ذلک
حین انصرف النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من غزاة تبوک إلی المدینة و بین یدیه هؤلاء النفر الأربعة یسیرون و یقولون إن محمدا یقول إنه نزل فی إخواننا الذین تخلفوا فی المدینة کذا و کذا و هم یضحکون و یستهزءون. فأتاه جبریل فأخبره بقولهم، فبعث النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عمار بن یاسر و أخبر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عمارا أنهم یستهزءون و یضحکون من کتاب اللّه و رسوله- صلی اللّه علیه و سلم و إنک إذا سألتهم لیقولن لک إنما کنا «1» نخوض و نلعب فیما یخوض فیه الرکب إذا ساروا قال: فأدرکهم قبل أن یحترقوا فأدرکهم فقال: ما تقولون؟ قالوا: فیما یخوض فیه الرکب إذا ساروا. قال عمار: صدق اللّه و رسوله، و بلغ الرسول- علیه السلام- علیکم غضب اللّه هلکتم أهلککم اللّه. ثم انصرف إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فجاء القوم إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یعتذرون إلیه، فقال المخش: کنت أسایرهم و الذی أنزل علیک الکتاب ما تکلمت بشی‌ء مما قالوا.
فقال «2» النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و لم ینههم عن شی‌ء مما قالوا و قبل العذر، فأنزل اللّه- عز و جل- «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّما کُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ»
یعنی و نتلهی قُلْ یا محمد أَ بِاللَّهِ وَ آیاتِهِ وَ رَسُولِهِ کُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ 65- [156 ب إذا استهزءوا بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- و بالقرآن فقد
______________________________
(1) فی أ: کن.
(2) فی أ، ل: فقال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 180
استهزءوا باللّه لأنهما من اللّه- عز و جل- لا تَعْتَذِرُوا قَدْ کَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمانِکُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْکُمْ یعنی المخش الذی لم یخض معهم نُعَذِّبْ طائِفَةً یعنی الثلاثة الذین خاضوا و استهزءوا بِأَنَّهُمْ کانُوا مُجْرِمِینَ 66-
«فقال المخش للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- و کیف لا أکون منافقا و اسمی و أسمائی أخبث الأسماء، فقال له النبی- صلی اللّه علیه و سلم- ما اسمک «1»» قال:
المخش بن حمیر الأشجعی حلیف الأنصار لبنی سلمة بن جشم فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أنت عبد اللّه بن عبد الرحمن فقتل یوم الیمامة، ثم أخبر عن المنافقین فقال: الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
یعنی أولیاء بعض فی النفاق یَأْمُرُونَ بِالْمُنْکَرِ یعنی بالتکذیب بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ یعنی الإیمان بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- و بما جاء به وَ یَقْبِضُونَ أَیْدِیَهُمْ یعنی یمسکون عن النفقة فی خیر نَسُوا اللَّهَ فَنَسِیَهُمْ یقول ترکوا العمل بأمر اللّه فترکهم اللّه- عز و جل- من ذکره إِنَّ الْمُنافِقِینَ هُمُ الْفاسِقُونَ 67- وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِینَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْکُفَّارَ یعنی مشرکی العرب نارَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها لا یموتون هِیَ حَسْبُهُمْ یقول حسبهم بجهنم شدة العذاب وَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِیمٌ 68- یعنی دائم، هؤلاء المنافقون و الکفار کَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ یعنی من الأمم الخالیة کانُوا أَشَدَّ مِنْکُمْ قُوَّةً یعنی بطشا وَ أَکْثَرَ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ یعنی بنصیبهم من الدنیا فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِکُمْ یعنی بنصیبکم من الدنیا کقوله:
«لا خَلاقَ لَهُمْ» «2» یعنی لا نصیب لهم ثم قال: کَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ
______________________________
(1) ما بین الأقواس «...» ساقط من أ، و مثبت من ل.
(2) سورة آل عمران: 77، و تمامها: «إِنَّ الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلًا أُولئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ وَ لا یُکَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا یَنْظُرُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَکِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 181
من الأمم الخالیة بِخَلاقِهِمْ یعنی بنصیبهم وَ خُضْتُمْ أنتم فی الباطل و التکذیب کَالَّذِی خاضُوا أُولئِکَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ یعنی بطلت أعمالهم فلا ثواب لهم فِی الدُّنْیا وَ و لا فی الْآخِرَةِ لأنها کانت فی غیر إیمان وَ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ 69- ثم خوفهم فقال: أَ لَمْ یَأْتِهِمْ نَبَأُ یعنی حدیث الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی عذاب قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْراهِیمَ وَ أَصْحابِ مَدْیَنَ یعنی قوم شعیب وَ الْمُؤْتَفِکاتِ یعنی المکذبات یعنی قوم لوط القری الأربعة أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ تخبرهم أن العذاب نازل بهم فی الدنیا فکذبوهم فأهلکوا «1» فَما کانَ اللَّهُ لِیَظْلِمَهُمْ یعنی أن یعذبهم علی غیر ذنب وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ 70- ثم ذکر المؤمنین و تقاهم، فقال:
وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ یعنی المصدقین بتوحید اللّه «الْمُؤْمِناتُ» یعنی المصدقات بالتوحید، یعنی أصحاب رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- منهم علی بن أبی طالب- رضی اللّه عنه- «2» بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ فی الدین یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ یعنی الإیمان بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- «وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ» «3» وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ یعنی و یتمون الصلوات «4» الخمس وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ یعنی و یعطون الزکاة وَ یُطِیعُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ [157 أ] فی ملکه حَکِیمٌ 71- فی أمره قوله: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ «خالِدِینَ فِیها وَ مَساکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ»
______________________________
(1) فی أ، ل: یعنی بخبر العذاب فی الدنیا بأنه نازل بهم فکذبوهم فأهلکوا.
(2) فی ل: یعنی المصدقات، یعنی علی بن أبی طالب، و المثبت من أ.
(3) ما بین القوسین «...» ساقطة من: أ، ل.
(4) فی أ: الصلاة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 182
«1» یعنی قصور الیاقوت و الدر فتهب ریح طیبة من تحت العرش بکثبان المسک الأبیض- نظیرها فی «هل أتی»: «نَعِیماً وَ مُلْکاً کَبِیراً» «2» عالیهم «3» کثبان المسک الأبیض، ثم قال: وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ یعنی و رضوان اللّه عنهم أَکْبَرُ یعنی أعظم مما أعطوا فی الجنة من الخیر ذلِکَ الثواب هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ 72- و ذلک أن الملک من الملائکة یأتی باب ولی اللّه فلا یدخل علیه إلا بإذنه و القصة فی «هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ» قوله:
یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْکُفَّارَ وَ الْمُنافِقِینَ یعنی کفار العرب بالسیف وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ علی المنافقین باللسان ثم ذکر مستقرهم فی الآخرة فقال:
وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ یعنی مصیرهم جهنم یعنی کلا الفریقین وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ- 73- یعنی حین یصیرون إلیها یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أقام فی غزاة تبوک شهرین ینزل علیه القرآن، و یعیب المنافقین المتخلفین، جعلهم رجسا فسمع من غزا مع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من المنافقین، فغضبوا لإخوانهم المتخلفین فقال جلاس بن سوید بن الصامت «4»:
و قد سمع عامر بن قیس الأنصاری من بنی عمرو بن عوف، الجلاس یقول:
و اللّه لئن کان ما یقول محمد حقا لإخواننا الذین خلفناهم و هم سراتنا و أشرافنا لنحن أشر من الحمیر. فقال عامر بن قیس للجلاس: اجل و اللّه، إن محمدا لصادق
______________________________
(1) «خالِدِینَ فِیها وَ مَساکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ»: ساقطة من أ، ل.
(2) سورة الإنسان: 20.
(3) فی ل: علیهم، أ: عالیهم.
(4) ورد ذلک فی لباب النقول للسیوطی: 119، کما ورد فی أسباب النزول للواحدی: 144. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 183
مصدق، و لأنت أشر من الحمار. فلما قدم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- المدینة أخبر عاصم بن عدی الأنصاری عن قول عامر بما قال الجلاس. فأرسل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلی عامر و الجلاس، فذکر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- للجلاس ما قال، فحلف الجلاس باللّه ما قال ذلک، فقال عامر: لقد قاله و أعظم منه فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: ما هو؟ قال: أرادوا قتلک فنفر الجلاس و أصحابه من ذلک، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-:
قوما فأحلفا فقاما عند المنبر فحلف الجلاس ما قال ذلک، و أن عامرا کذب ثم حلف عامر باللّه إنه لصادق و لقد سمع قوله «1». ثم رفع عامر یده فقال: اللهم أنزل علی عبدک و نبیک تکذیب الکاذب و صدق الصادق فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: آمین، فأنزل فی الجلاس «یَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا»
وَ لَقَدْ قالُوا کَلِمَةَ الْکُفْرِ وَ کَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ یعنی بعد إقرارهم بالإیمان وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا من قتل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بالعقبة وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ یَتُوبُوا یَکُ خَیْراً لَهُمْ فقال الجلاس:
فقد عرض اللّه علی التوبة، أجل و اللّه لقد قلته فصدق عامرا و تاب «2» الجلاس.
و حسنت توبته، ثم قال: «وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا» من قتل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یعنی المنافقین أصحاب العقبة لیلة هموا بقتل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بالعقبة بغزوة تبوک منهم عبد اللّه بن أبی [157 ب ، رأس «3» المنافقین، و عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح، و طعمة بن أبیرق، و الجلاس بن سوید، و مجمع
______________________________
(1) أی: سمع قول الجلاس.
(2) فی أ: فتاب.
(3) فی أ: أشر، ل: رأس.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 184
ابن حارثة «1»، و أبو عامر بن النعمان، و أبو الخواص، و مرارة بن ربیعة، و عامر ابن الطفیل، و عبد اللّه بن عتیبة، و ملیح التمیمی، و حصن بن نمیر، و رجل آخر، هؤلاء اثنا عشر رجلا. و تاب أبو لبابة بن عبد المنذر، و هلال بن أمیة، و کعب بن مالک الشاعر، و کانوا خمسة عشر رجلا.
«وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ یَتُوبُوا یَکُ خَیْراً لَهُمْ» وَ إِنْ یَتَوَلَّوْا عن التوبة یُعَذِّبْهُمُ «اللَّهُ» «2» عَذاباً أَلِیماً یعنی شدیدا فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِی الْأَرْضِ مِنْ وَلِیٍ یمنعهم وَ لا نَصِیرٍ- 74- یعنی مانع من العذاب وَ مِنْهُمْ یعنی من المنافقین مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ « «3»» و لنصلن رحمی وَ لَنَکُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِینَ «4»- 75- یعنی من المؤمنین بتوحید اللّه لأن المنافقین لا یخلصون بتوحید اللّه- عز و جل- فأتاه اللّه برزقه و ذلک أن مولی لعمر بن الخطاب قتل رجلا من المنافقین خطأ و کان حمیما لحاطب فدفع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- دینه إلی ثعلبة بن حاطب «فبخل و منع حق اللّه و کان المقتول قرابة «5» بن ثعلبة بن حاطب «6»» یقول اللّه:
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ یعنی أعطاهم من فضله «7» بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا «وَ هُمْ «8»» مُعْرِضُونَ
______________________________
(1) فی أ: جاریة، ل: حارثة.
(2، 3) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
(4) فی أ: «لأصدقن» و لأصلن رحمی و لأکونن ... و فی حاشیة أ: التلاوة «لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَکُونَنَّ».
(5) فی أ: من.
(6) ما بین الأقواس «...» ساقط من: ل، مثبت من: أ.
(7) فی أ: إلی قوله «... یَوْمِ یَلْقَوْنَهُ» فذکرت نص القرآن.
(8) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 185
- 76- فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِی قُلُوبِهِمْ إِلی یَوْمِ یَلْقَوْنَهُ یعنی إلی یوم القیامة بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما کانُوا یَکْذِبُونَ 77- لقوله «لئن آتانا اللّه» یعنی أعطانی اللّه، لأصدقن و لأفعلن، ثم لم یفعل «1». ثم ذکر أصحاب العقبة فقال: أَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ یعنی الذی أجمعوا علیه من قتل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وَ أَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُیُوبِ 78- ثم نعت المنافقین فقال: الَّذِینَ یَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فِی الصَّدَقاتِ و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أمر الناس بالصدقة و هو یرید غزاة تبوک و هی غزاة العسرة فجاء عبد الرحمن بن عوف الزهری بأربعة آلاف درهم کل درهم مثقال، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أکثرت یا عبد الرحمن بن عوف، هل ترکت لأهلک شیئا؟ قال: یا رسول اللّه مالی ثمانیة آلاف أما أربعة آلاف فأقرضتها ربی، و أما أربعة آلاف «2» الأخری فأمسکتها لنفسی، فقال له النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: بارک اللّه لک فیما أعطیت و فیما أمسکت، فبارک اللّه فی مال عبد الرحمن حتی أنه یوم مات بلغ ثمن ماله لامرأتیه ثمانین و مائة ألف، لکل امرأة تسعون ألفا،
و جاء أصم بن عدی الأنصاری من بنی عمرو بن عوف بسبعین وسقا من تمر و هو حمل بعیر فنثره فی الصدقة و اعتذر إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من قلته و جاء أبو عقیل [158 أ] بن قیس الأنصاری من بنی عمرو «3» بصاع فنثره فی الصدقة، فقال: یا نبی اللّه، بت لیلتی أعمل
______________________________
(1) ورد ذلک فی لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی: 120- 121، کما ورد فی أسباب النزول للواحدی: 145- 146.
(2) فی أ: الألف.
(3) فی أ: عمر، ل: عمرو.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 186
فی النخل أجر بالجرین علی صاعین، فصاع أقرضته ربی، و صاع ترکته لأهلی، فأحببت أن یکون لی نصیب فی الصدقة، و نفر من المنافقین جلوس فمن جاء بشی‌ء کثیر، قالوا: مراء «1». و من جاء بقلیل، قالوا: کان هذا أفقر إلی ماله. و قالوا لعبد الرحمن، و عاصم: ما أنفقتم إلا ریاء و سمعة. و قالوا لأبی عقیل: لقد کان اللّه و رسوله غنیین عن صاع أبی عقیل. فسخروا و ضحکوا منهم فأنزل اللّه- عز و جل- «الَّذِینَ یَلْمِزُونَ» یعنی یطعنون، یعنی معتب بن قیس، و حکیم بن زید «2» «الْمُطَّوِّعِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فِی الصَّدَقاتِ» یعنی عبد الرحمن بن عوف، و عاصم وَ الَّذِینَ لا یَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ یعنی أبا عقیل فَیَسْخَرُونَ مِنْهُمْ یعنی من المؤمنین سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ یعنی سخر اللّه من المنافقین فی الآخرة وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 79- یعنی وجیع نظیرها «إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْکُمْ» «3» یعنی سخر اللّه من المنافقین «4»، اسْتَغْفِرْ لَهُمْ یعنی المنافقین أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ 80-
قال عمر بن الخطاب:
لا تستغفر لهم بعد ما نهاک اللّه عنه. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-:
یا عمر أ فلا أستغفر لهم إحدی و سبعین مرة، فأنزل اللّه- عز و جل- سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ «5»
من شدة غضبه علیهم فصارت الآیة التی
______________________________
(1) فی أ: مرأی.
(2) ورد ذلک فی أسباب النزول للواحدی: 146- 147 کما ورد فی لباب النقول للسیوطی: 121.
(3) سورة هود: 38.
(4) فی أ: کرر هذه الجملة مرتین و لعل أحدهما زائدة.
(5) سورة المنافقون: 6.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 187
فی براءة «1» منسوخة نسختها التی فی المنافقین: «أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ «2»» فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ عن غزاة تبوک خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ و هم بضع و ثمانون رجلا منهم من اعتل بالعسرة و بغیر ذلک وَ کَرِهُوا أَنْ یُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ قالُوا «3» بعضهم لبعض لا تَنْفِرُوا فِی الْحَرِّ مع محمد- صلی اللّه علیه و سلم- إلی غزاة تبوک فی سبعة نفر أبو لبابة و أصحابه، قالوا: بأن الحر شدید و السفر بعید «4» قُلْ یا محمد نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ کانُوا یَفْقَهُونَ 81- فی قراءة ابن مسعود «لو کانوا یعلمون» فَلْیَضْحَکُوا فی الدنیا قَلِیلًا یعنی بالقلیل الاستهزاء فإن ضحکهم ینقطع وَ لْیَبْکُوا کَثِیراً فی الآخرة فی النار ندامة و الکثیر الذی لا ینقطع جَزاءً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ 82- فَإِنْ رَجَعَکَ اللَّهُ من غزاة تبوک إلی المدینة إِلی طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوکَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِیَ أَبَداً فی غزاة وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِیَ عَدُوًّا إِنَّکُمْ رَضِیتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ یعنی من تخلف من المنافقین و هی طائفة «5» و لیس کل من تخلف عن غزاة تبوک منافق فَاقْعُدُوا عن الغزو مَعَ الْخالِفِینَ 83- [158 ب منهم عبد اللّه بن أبی، و جد بن قیس، و معتب بن قشیر، و ذلک أن عبد اللّه بن أبی رأس المنافقین توفی فجاء ابنه إلی
______________________________
(1) یشیر إلی الآیة: 80 من سورة التوبة.
(2) لیس هنا نسخ کما تری فکلتا الآیتین تفیدان معنی واحدا هو عدم المغفرة للمنافقین، و إن تنوع الأسلوب.
(3) فی أ: و قال. و فی حاشیة أ: التلاوة: و قالوا.
(4) ورد فی لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی: 121.
(5) الأنسب: و هم طائفة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 188
النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقال: أنشدک باللّه أن تشمت بی الأعداء «1».
فطلب إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- ان یصلی علی أبیه فأراد النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن یفعل فنزلت فیه وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ یعنی من المنافقین ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلی قَبْرِهِ إِنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللَّهِ یعنی بتوحید اللّه وَ کفروا ب رَسُولِهِ بأنه لیس برسول وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ 84- فانصرف النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فلم یصل علیه «2» و أمر أصحابه فصلوا علیه وَ لا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ أَنْ یُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الدُّنْیا «3»» وَ تَزْهَقَ یقول و تذهب أَنْفُسُهُمْ کفارا یعنی یموتون علی الکفر فذلک قوله: وَ هُمْ کافِرُونَ 85- وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ یعنی براءة فیها أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ یعنی أن صدقوا باللّه و بتوحیده وَ جاهِدُوا العدو مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَکَ یا محمد أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ یعنی أهل السعة من المال منهم یعنی من المنافقین وَ قالُوا ذَرْنا نَکُنْ مَعَ الْقاعِدِینَ 86- یعنی مع المتخلفین عن الغزو منهم جد بن قیس، و معتب بن قشیر، یقول اللّه: رَضُوا بِأَنْ یَکُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ یعنی مع النساء وَ طُبِعَ یعنی و ختم عَلی قُلُوبِهِمْ بالکفر فَهُمْ لا یَفْقَهُونَ 87- التوحید ثم نعت المؤمنین فقال:
لکِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا العدو بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ
______________________________
(1) هکذا فی: أ، ل. و الأنسب: ألا تشمت بی الأعداء.
(2) ورد ذلک فی لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی: 122 کما ورد فی أسباب النزول للواحدی: 147.
(3) فی أ: «و أولادهم فی الدنیا إنما یرید اللّه أن یعذبهم بها» فی الآخرة فیها تقدیم، و قد صوبت الآیة کما وردت.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 189
فی سبیل اللّه یعنی فی طاعة اللّه وَ أُولئِکَ لَهُمُ الْخَیْراتُ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 88- أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فی الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها لا یموتون ذلِکَ الثواب الذی ذکر هو الْفَوْزُ الْعَظِیمُ 89- وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لِیُؤْذَنَ لَهُمْ «القعود» «1» و هم خمسون رجلا منهم أبو الخواص الأعرابی وَ قَعَدَ عن الغزو الَّذِینَ کَذَبُوا اللَّهَ یعنی بتوحید اللّه وَ کذبوا ب رَسُولَهُ أنه لیس برسول سَیُصِیبُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْهُمْ یعنی المنافقین عَذابٌ أَلِیمٌ 90- یعنی وجیع، ثم رخص فقال: لَیْسَ عَلَی الضُّعَفاءِ یعنی الزمنی و الشیخ الکبیر وَ لا عَلَی الْمَرْضی وَ لا عَلَی الَّذِینَ لا یَجِدُونَ ما یُنْفِقُونَ حَرَجٌ فی القعود إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ لتخلفهم عن الغزو رَحِیمٌ 91- بهم یعنی جهینة، و مزینة، و بنی عذرة وَ لا حرج عَلَی الَّذِینَ إِذا ما أَتَوْکَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لهم، یا محمد:
لا أَجِدُ ما أَحْمِلُکُمْ عَلَیْهِ تَوَلَّوْا یعنی انصرفوا عنک وَ أَعْیُنُهُمْ تَفِیضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا یَجِدُوا ما یُنْفِقُونَ 92- فی غزاتهم نزلت فی سبع نفر منهم عمرو بن عبسة «2» من بنی عمرو بن یزید بن عوف، و علقمة بن یزید «3»، و الحارث «4» من بنی وافد «5»، و عمرو «6» بن حزام من بنی سلمة، و سالم بن عمیر من عمرو بن عوف، [159 أ]
______________________________
(1) بیاض فی أ، و فی ل: القعود.
(2) فی أ: غنمة، ل: عبسة.
(3) فی أ: یزید، ل: زید.
(4) فی أ: و الحرث، ل: و الحارث.
(5) فی أ: واقف، ل: وافد.
(6) فی أ: و عمر، ل: و عمرو.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 190
و عبد الرحمن بن کعب من بنی النجار «1»، هؤلاء الستة «2» من الأنصار و عبد اللّه بن معقل «3» المزنی و یکنی أبا لیلی «4» عبد اللّه. و ذلک
أنهم أتوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقالوا: احملنا فإنا لا نجد ما نخرج علیه. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لا أجد ما أحملکم علیه «تولوا» انصرفوا من عنده و أعینهم تفیض من الدمع حزنا ألا یجدوا ما ینفقون، ثم عاب أهل السعة فقال: إِنَّمَا السَّبِیلُ عَلَی الَّذِینَ یَسْتَأْذِنُونَکَ وَ هُمْ أَغْنِیاءُ رَضُوا بِأَنْ یَکُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ
یعنی مع النساء بالمدینة و هم المنافقون وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ یعنی و ختم علی قلوبهم بالکفر یعنی المنافقین فَهُمْ لا یَعْلَمُونَ 93- ثم أخبر عنهم فقال:
یَعْتَذِرُونَ إِلَیْکُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَیْهِمْ من غزاتکم یعنی عبد اللّه بن أبی قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکُمْ یعنی لن نصدقکم بما تعتذرون قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِکُمْ یقول قد أخبرنا اللّه عنکم و عن ما قلتم حین قال لنا: «لَوْ خَرَجُوا فِیکُمْ ما زادُوکُمْ إِلَّا خَبالًا» یعنی إلا عیا «وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَکُمْ یَبْغُونَکُمُ الْفِتْنَةَ» «5» فهذا الذی نبأنا اللّه من أخبارکم، ثم قال: وَ سَیَرَی اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ فیما تستأذنون ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلی عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ یعنی شهادة کل نجوی فَیُنَبِّئُکُمْ فی الآخرة بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 94- فی الدنیا سَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَکُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ یعنی إذا رجعتم إِلَیْهِمْ إلی المدینة
______________________________
(1) فی أ: الحارث، ل: النجار.
(2) فی أ: سبعة، و المذکور سنة فقط غیر أنه فی ل ذکر مع الستة کلمة، و الحارثة، بدون إعجام.
(3) فی أ: مفضل، ل: معقل.
(4) فی أ: أبا اللیل، ل: أبا لیلی.
(5) سورة التوبة: 47.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 191
لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فی التخلف فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ 95- فحلف منهم بضع و ثمانون رجلا منهم جد بن قیس، و معتب بن قشیر، و أبو لبابة، و أصحابه یَحْلِفُونَ لَکُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ و ذلک أن عبد اللّه بن أبی حلف للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- باللّه الذی لا إله إلا هو: لا نتخلف عنک و لنکونن معک علی عدوک و طلب إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- «بأن یرضی عنه «1»» و أصحابه یقول اللّه: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ یعنی عن المنافقین المتخلفین «2» فَإِنَّ اللَّهَ لا یَرْضی عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِینَ 96- یعنی العاصین، و
قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم حین قدموا المدینة: لا تجالسوهم و لا تکلموهم. ثم قال: الْأَعْرابُ أَشَدُّ کُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلَّا یَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ
یعنی سنن ما أنزل اللّه علی رسوله فی کتابه یقول: هم أقل فهما بالسنن «3» من غیرهم وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 97- وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ یَتَّخِذُ ما یُنْفِقُ فی سبیل اللّه مَغْرَماً لا یحتسبها: کأن «4» نفقته غرم یغرمها وَ یَتَرَبَّصُ بِکُمُ الدَّوائِرَ یعنی یتربص بمحمد الموت یقول یموت فنستریح منه و لا نعطیه أموالنا، ثم قال: عَلَیْهِمْ بمقالتهم دائِرَةُ السَّوْءِ نزلت فی أعراب مزینة وَ اللَّهُ سَمِیعٌ لمقالتهم عَلِیمٌ 98- بها وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ [159 ب وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یعنی یصدق باللّه أنه واحد لا شریک له و الیوم الآخر یعنی یصدق بالتوحید و بالبعث
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» ساقطة من: أ و مثبتة فی: ل.
(2) فی أ: المخلفین، ل: المتخلفین.
(3) هکذا فی: أ، ل: و الأنسب: السنن.
(4) فی ل: لکأن، أ: کأن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 192
الذی فیه جزاء الأعمال وَ یَتَّخِذُ ما یُنْفِقُ فی سبیل اللّه قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ یعنی و استغفار النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، و یتخذ النفقة و الاستغفار قربات یعنی زلفی «1» عند اللّه فیها تقدیم یقول أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ عند اللّه، ثم أخبر بثوابهم فقال: سَیُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِی رَحْمَتِهِ یعنی جنته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوبهم رَحِیمٌ 99- بهم. نزلت فی مقرن المزنی «2»، ثم قال:
وَ السَّابِقُونَ إلی الإسلام الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ الذین صلوا إلی القبلتین علی بن أبی طالب- علیه السلام- و عشر نفر من أهل بدر وَ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ علی دینهم الإسلام بِإِحْسانٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ بالطاعة وَ رَضُوا عَنْهُ بالثواب وَ أَعَدَّ لَهُمْ فی الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِی من تَحْتَهَا الْأَنْهارُ یعنی بساتین تجری تحتها الأنهار خالِدِینَ فِیها أَبَداً لا یموتون ذلِکَ الثواب الْفَوْزُ الْعَظِیمُ 100- وَ مِمَّنْ حَوْلَکُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ یعنی جهینة، مزینة، و أسلم، و غفار، و أشجع، کانت منازلهم حول المدینة و هم منافقون، ثم قال: وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِینَةِ منافقون مَرَدُوا عَلَی النِّفاقِ یعنی حذقوا منهم عبد اللّه بن أبی، و جد بن قیس، و الجلاس، و معتب بن قشیر «3»، و وحوج بن الأسلت، و أبو عامر بن النعمان الراهب- الذی سماه النبی- صلی اللّه علیه و سلم- الفاسق «4» و هو أبو حنظلة غسیل الملائکة- لا تَعْلَمُهُمْ یا محمد نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ یقول
______________________________
(1) فی أ: زلفة.
(2) ورد ذلک أیضا فی لباب النقول للسیوطی: 123.
(3) فی أ: قیس، ل: قشیر.
(4) فی أ: الراهب، ل: الفاسق.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 193
للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- لا تعرف نفاقهم نحن نعرف نفاقهم سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَیْنِ عند الموت تضرب الملائکة الوجوه و الأدبار و فی القبر منکر و نکیر ثُمَّ یُرَدُّونَ إِلی عَذابٍ عَظِیمٍ 101- یعنی عذاب جهنم وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً یعنی غزاة قبل غزاة تبوک مع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وَ آخَرَ سَیِّئاً تخلفهم عن غزاة تبوک نزلت فی أبی لبابة: اسمه مروان بن عبد المنذر، و أوس بن حزام «1»، و ودیعة بن ثعلبة، کلهم من الأنصار و ذلک حین بلغهم أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قد أقبل راجعا من غزاة تبوک و بلغهم ما أنزل اللّه- عز و جل- فی المتخلفین أوثقوا أنفسهم هؤلاء الثلاثة إلی سواری المسجد «2» و
کان النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إذا قدم من غزاة صلی فی المسجد رکعتین قبل أن یدخل إلی أهله و إذا خرج إلی غزاة صلی رکعتین فلما رآهم موثقین سأل عنهم قیل هذا أبو لبابة و أصحابه ندموا علی التخلف و أقسموا ألا یحلوا «3» أنفسهم حتی یحلهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: و أنا أحلف لا أطلق «4» عنهم حتی أومر و لا أعذرهم حتی یعذرهم اللّه- عز و جل- فأنزل اللّه فی أبی لبابة [160 أ] و أصحابه وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً
یعنی غزوتهم قبل ذلک وَ آخَرَ سَیِّئاً یعنی تخلفهم بغیر إذن عَسَی اللَّهُ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
______________________________
(1) فی أ: حزام، ل: حزام.
(2) ورد ذلک فی لباب النقول للسیوطی: 123، کما ورد فی أسباب النزول للواحدی: 148- 149.
(3) فی أ: أن لا یحلوا.
(4) فی أ: لأطلق.
تفسیر مقاتل- 13
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 194
لتخلفهم رَحِیمٌ 102- بهم. قال مقاتل: العسی من اللّه واجب فلما نزلت هذه الآیة حلهم النبی- علیه السلام- فرجعوا إلی منازلهم ثم جاءوا بأموالهم إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقالوا: هذه أموالنا التی تخلفنا من أجلها عنک فتصدق بها فکره النبی- صلی اللّه علیه و سلم- «أن «1» یأخذها» فأنزل اللّه خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ من تخلقهم وَ تُزَکِّیهِمْ یعنی و تصلحهم بِها وَ صَلِ «2» عَلَیْهِمْ یعنی و استغفر لهم إِنَّ صَلاتَکَ «3» سَکَنٌ لَهُمْ یعنی إن استغفارک لهم، سکن لقلوبهم و طمأنینة لهم وَ اللَّهُ سَمِیعٌ لقولهم خذ أموالنا فتصدق بها عَلِیمٌ 103- بما قالوا «4».
أَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ یَأْخُذُ یعنی و یقبل الصَّدَقاتِ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ 104- فأخذ النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من أموالهم التی جاءوا بها للثلث، و ترک الثلثین لأن اللّه- عز و جل- قال: خذ من أموالهم، و لم یقل خذ أموالهم. فلذلک لم یأخذها کلها، فتصدق بها عنهم وَ قُلِ لهم یا محمد اعْمَلُوا فیما تستأنفون فَسَیَرَی اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ «5» وَ سَتُرَدُّونَ إِلی عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
______________________________
(1) أن یأخذها من: ل و لیست فی: أ.
(2) فی أ: «تطهرهم بها و تزکیهم،» و الآیة تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَکِّیهِمْ بِها.
(3) فی أ: صلواتک و هی کذلک فی المصحف و تنطق صلاتک.
(4) وردت قصة الآیتین السابقین: 102، 103 فی کتاب لباب النقول فی أسباب النزول للسیوطی: 123، 124، و فی کتاب أسباب النزول للواحدی: 149.
(5) فی أ: إلی قوله: «تعملون».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 195
- 105- وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ یعنی التوبة عن أمر اللّه نظیرها «أَرْجِهْ وَ أَخاهُ» «1» یعنی أوقفه «2» و أخاه حتی ننظر فی أمرهما، «وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ» یعنی موقوفون للتوبة عن أمر اللّه مرارة بن ربیعة من بنی زید، و هلال بن أمیة من الأنصار من أهل قباء من بنی واقب، «3» و کعب بن مالک الشاعر من بنی سلمة کلهم من الأنصار من أهل قباء، لم یفعلوا کفعل أبی لبابة لم یذکروا بالتوبة و لا بالعقوبة فذلک قوله: إِمَّا یُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ فیتجاوز عنهم وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 106- فی قراءة ابن مسعود «و اللّه غفور رحیم» ثم قال: وَ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً یعنی مسجد المنافقین وَ کُفْراً فی قلوبهم یعنی النفاق وَ تَفْرِیقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ نزلت فی اثنی عشر رجلا من المنافقین و هم من الأنصار کلهم من بنی عمرو «4» بن عوف منهم: حرح «5» بن خشف، و حارثة بن عمرو «6»، و ابنه زید بن حارثة، و نفیل بن الحرث «7»، و ودیعة بن ثابت، و حزام «8» بن خالد «9»، و مجمع بن حارثة، قالوا: نبنی مسجدا نتحدث فیه و تخلوا فیه فإذا رجع أبو عامر الراهب «10»
______________________________
(1) سورة الأعراف: 111، سورة الشعراء: 36.
(2) فی أ: قفه، ل: أ وقفه.
(3) فی أ: واقف و فی ل: من بنی واقد ثم أصلحها فصارت واقب.
(4) فی أ: عمر، ل: عمرو.
(5) هکذا فی: أ، ل: بدون إعجام.
(6) فی أ: عمر، ل: عمرو.
(7) هکذا: الحرث فی: أ، ل.
(8) فی أ: حزام، ل: حرام.
(9) فی ل: خلد.
(10) فی ل: الزاهد، و لیست فی: أ، و فی السیوطی: الراهب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 196
الیهودی من الشام أبو حنظلة- غسیل الملائکة، قلنا له: بنیناه لتکون إمامنا فیه فذلک قوله: وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ یعنی أبا عامر الذی کان یسمی الراهب لأنه کان یتعبد و یلتمس العلم فمات کافرا بقنسرین لدعوة النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، و
أنهم أتوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقالوا: یبعد علینا المشی [160 ب إلی الصلاة «فأذن لنا فی بناء مسجد فأذن لهم «1» ففرغوا» منه یوم الجمعة فقالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: من یؤمهم؟
قال رجل منهم. فأمر مجمع بن حارثة أن یؤمهم فنزلت هذه الآیة
و حلف مجمع ما أردنا ببناء المسجد إلا الخیر فأنزل اللّه- عز و جل- فی مجمع وَ لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنی وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ 107- فیما یحلفون لا تَقُمْ فِیهِ أَبَداً یعنی فی مسجد المنافقین، إلی الصلاة أبدا فکان النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لا یصلی فیه و لا یمر علیه و یأخذ غیر ذلک الطریق و کان قبل ذلک یصلی فیه ثم قال: لَمَسْجِدٌ یعنی مسجد قباء و هو أول مسجد بنی بالمدینة أُسِّسَ یعنی بنی عَلَی التَّقْوی مِنْ أَوَّلِ یَوْمٍ یعنی أول مرة أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِیهِ إلی الصلاة لأنه کان بنی من قبل مسجد المنافقین، ثم قال: فِیهِ رِجالٌ یعنی فی مسجد قباء یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا من الأحداث و الجنابة وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُطَّهِّرِینَ 108- نزلت فی الأنصار
فلما نزلت هذه الآیة انطلق النبی- صلی اللّه علیه و سلم- حتی قام علی باب مسجد قباء و فیه المهاجرون و الأنصار. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لأهل المسجد:
أ مؤمنون أنتم؟ فسکتوا فلم یجیبوه. ثم قال ثانیة: أ مؤمنون أنتم؟ قال عمر
______________________________
(1) فی أ: «إلی الصلاة فأذن لنا فأذن لهم فی بناء المسجد»، ل: «إلی الصلاة فأذن لنا فی بناء مسجد، ففرغوا ...». تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 197
ابن الخطاب: نعم. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أ تؤمنون بالقضاء؟
قال عمر: نعم. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أ تصبرون علی البلاء؟
قال عمر: نعم. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أ تشکرون علی الرخاء؟
فقال عمر: نعم. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أنتم مؤمنون و رب الکعبة. و قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- للأنصار: إن اللّه- عز و جل- قد أثنی علیکم فی أمر الطهور. فما ذا تصنعون؟ قالوا: نمر الماء علی أثر البول و الغائط فقرأ النبی- صلی اللّه علیه و سلم- هذه الآیة: فِیهِ رِجالٌ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُطَّهِّرِینَ
ثم إن مجمع بن حارثة «1» حسن إسلامه فبعثه عمر بن الخطاب إلی الکوفة یعلمهم القرآن و هو علم عبد اللّه بن مسعود لقنه «2» القرآن أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ یعنی مسجد قباء عَلی تَقْوی مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ یقول مما یراد فیه من الخیر و رضی الرب خَیْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ أصل بنیانه عَلی شَفا جُرُفٍ یعنی علی حرف لیس له أصل هارٍ یعنی وقع فَانْهارَ بِهِ فجر به القواعد فِی نارِ جَهَنَّمَ یقول صار البناء إلی نار جهنم وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ 109- فلما فرغ القوم من بناء المسجد استأذنوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی القیام فی ذلک المسجد، و جاء أهل مسجد قباء. فقالوا: یا رسول اللّه، إنا نحب أن تأتی مسجدنا فتصلی فیه حتی نقتدی بصلاتک فمشی رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- فی نفر من أصحابه و هو یرید مسجد قباء فبلغ ذلک المنافقون فخرجوا یتلقونه فلما بلغ المنتصف «3»
______________________________
(1) فی أ: جاریة.
(2) فی ل: و هو علم ابن مسعود.
(3) فی أ، ل: المنصف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 198
نزل جبریل بهذه الآیة أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی تَقْوی مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَیْرٌ [161 أ] یعنی أهل مسجد قباء أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی شَفا جُرُفٍ فلما قالها جرف نظر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلی المسجد «حتی تهور «1»» فی السابعة فکاد یغشی علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و أسرع الرجوع إلی موضعه و جاء المنافقون یعتذرون بعد ذلک فقبل علانیتهم و وکل سر أثرهم إلی اللّه- عز و جل- فقال اللّه: لا یَزالُ بُنْیانُهُمُ الَّذِی بَنَوْا رِیبَةً فِی قُلُوبِهِمْ یعنی حسرة و حزازة فی قلوبهم لأنهم ندموا علی بنائه إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ یعنی حتی الممات وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 110- فبعث النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عمار بن یاسر، و وحشی مولی المطعم بن عدی فخرفاه فخسف به فی نار جهنم و أمر أن یتخذ کناسة و یلقی فیه الجیف، و کان مسجد قباء فی بنی سالم، و بنی بعد هجرة النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بأیام، ثم رغب اللّه فی الجهاد فقال: إِنَّ اللَّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ یعنی بقیة آجالهم وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَیَقْتُلُونَ العدو وَ یُقْتَلُونَ ثم یقتلهم العدو وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا حتی ینجز لهم ما وعدهم یعنی ما ذکر من وعدهم فی هذه الآیة و ذلک أن اللّه عهد إلی عباده أن من قتل فی سبیل اللّه فله الجنة ثم قال: فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفی بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فلیس أحدا أوفی منه عهدا، ثم قال: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بایَعْتُمْ بِهِ الرب بإقرارکم وَ ذلِکَ الثواب هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ 111- یعنی النجاء العظیم یعنی الجنة، ثم نعت أعمالهم فقال: التَّائِبُونَ من الذنوب
______________________________
(1) فی ل، حتی یلوی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 199
الْعابِدُونَ یعنی الموحدین الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ یعنی الصائمین الرَّاکِعُونَ السَّاجِدُونَ فی الصلاة المکتوبة الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ یعنی بالإیمان بتوحید اللّه وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْکَرِ یعنی عن الشرک وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ یعنی ما ذکر فی هذه الآیة لأهل الجهاد وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ 112- یعنی الصادقین بهذا الشرط بالجنة ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ إلی آخر الآیة، و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- سأل بعد ما افتتح مکة: أی أبویه أحدث به عهدا؟ قیل له: أمک آمنة بنت وهب بن عبد مناف. قال: حتی أستغفر لها فقد استغفر إبراهیم لأبیه و هو مشرک. فهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بذلک فأنزل اللّه- عز و جل-:
«ما کانَ لِلنَّبِیِّ»
یعنی ما ینبغی للنبی «وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ» وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی مِنْ بَعْدِ ما کانوا «1» کافرین ف تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِیمِ 113- حین ماتوا علی الکفر نزلت فی محمد- صلی اللّه علیه و سلم-، و علی بن أبی طالب- علیه السّلام «2»- فقد استغفر إبراهیم لأبیه و کان کافرا فبین اللّه کیف کانت هذه الآیة فقال: وَ ما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیَّاهُ و ذلک أنه کان [161 ب وعد أباه أن یستغفر له فلذلک استغفر له فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ لإبراهیم أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ حین مات کافرا لم یستغفر له و تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِیمَ لَأَوَّاهٌ یعنی لموقن بلغة الحبشة
______________________________
(1) فی أ: ما کانوا.
(2) وردت عدة روایات فی أسباب نزول هذه الآیة فی کتاب لباب النقول للسیوطی: 127.
و فی أسباب النزول الواحدی: 150.
و من بین الروایات ما ذکره مقاتل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 200
حَلِیمٌ 114- یعنی تقی زکی وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ و ذلک أن اللّه أنزل فرائض فعمل بها المؤمنون ثم نزل بعد ما نسخ به الأمر الأول فحولهم إلیه، و قد غاب أناس لم یبلغهم ذلک فیعملوا بالناسخ بعد النسخ و ذکروا ذلک للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقالوا: یا نبی اللّه، کنا عندک و الخمر حلال و القبلة إلی بیت المقدس ثم غبنا عنک فحولت القبلة و لم نشعر بها فصلینا إلیها بعد التحویل و التحریم. و قالوا «1»: ما تری یا رسول اللّه. فأنزل اللّه- عز و جل- «وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّی یُبَیِّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ» المعاصی. یقول ما کان اللّه لیترک قوما حتی یبین لهم ما یتقون حین رجعوا من الغیبة و ما یتقون من المعاصی إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ 115- من أمرهم بنسخ ما یشاء من القرآن فیجعله منسوخا و یقر ما یشاء فلا ینسخه.
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یُحْیِی وَ یُمِیتُ الأحیاء وَ ما لَکُمْ معشر الکفار مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِیٍ یعنی من قریب بنفسکم وَ لا نَصِیرٍ- 116- یعنی و لا مانع لقول الکفار إن القرآن لیس من عند اللّه إنما یقوله محمد من تلقاء نفسه نظیرها فی البقرة «ما نَنْسَخْ مِنْ آیَةٍ ...» إلی آخر الآیة-: «أَنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ «2»» لَقَدْ تابَ اللَّهُ یعنی تجاوز اللّه عنهم عَلَی النَّبِیِ صلی اللّه علیه و سلم- وَ الْمُهاجِرِینَ وَ الْأَنْصارِ ثم نعتهم فقال: الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ فِی ساعَةِ الْعُسْرَةِ یعنی غزاة تبوک و أصاب
______________________________
(1) فی أ: فقالوا.
(2) سورة البقرة: 106.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 201
المسلمین جهد و جوع شدید فکان الرجلان و الثلاثة یعتقبون بعیرا سوی ما علیه «1» من الزاد، و تکون التمرة بین الرجلین و الثلاثة یعمد أحدهم إلی التمرة فیلوکها ثم یعطیها الآخر فیلوکها ثم یراها آخر فیناشده أن یجهدها ثم یعطیها إیاه مِنْ بَعْدِ ما کادَ یَزِیغُ «2» یعنی تمیل قُلُوبُ فَرِیقٍ مِنْهُمْ یعنی طائفة منهم إلی المعصیة ألا ینفروا مع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلی غزاة تبوک فهذا التجاوز الذی قال اللّه: «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَی النَّبِیِّ وَ الْمُهاجِرِینَ «3» وَ الْأَنْصارِ» ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ یعنی تجاوز عنهم إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِیمٌ 117- یعنی یرق لهم حین تاب علیهم، یعنی أبا لبابة و أصحابه ثم ذکر الذین خلفوا عن التوبة. فقال «4»: وَ تاب اللّه عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا عن التّوبة بعد أبی لبابة و أصحابه و هم ثلاثة «5» مرارة بن ربیعة، و هلال بن أمیة، و کعب بن مالک، و لم یذکر توبتهم و لا عقوبتهم و ذلک أنهم «6» لم یفعلوا کفعل أبی لبابة و أصحابه فلم ینزل فیهم شی‌ء شهرا فکان الناس لا یکلمونهم، و لا یخالطونهم [162 أ]، و لا یبایعونهم، و لا یشترون منهم، و لا یکلمهم أهلهم، فضاقت علیهم الأرض فأنزل اللّه- عز و جل- فیهم بعد شهور أو شهر وَ تاب أیضا «عَلَی الثَّلاثَةِ الَّذِینَ خُلِّفُوا»
______________________________
(1) فی ل: ما أسوأ علیه، أ: سواء ما علیه.
(2) فی أ: تزیغ، و قد قرأ حمزة و حفص یزیغ بالیاء لأن تأنیث القلوب غیر حقیقی، و انظر:
تفسیر البیضاوی.
(3) فی أ: علی المؤمنین و الأنصار. و المثبت من: ل.
(4) فی أ: ثم قال، ل: فقال.
(5) فی أ: بثلاثة و هو، ل: و هو.
(6) الأنسب: و ذلک لأنهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 202
عن التوبة یعنی بعد أبی لبابة، و هم «1» مرارة بن ربیعة، و هلال بن أمیة، و کعب بن مالک حَتَّی إِذا ضاقَتْ عَلَیْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ یقول ضاقت الأرض بسعتها لأنه لم یخالطهم أحد وَ ضاقَتْ عَلَیْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ یعنی و أیقنوا ألا حرز من اللّه إِلَّا إِلَیْهِ ثُمَّ تابَ عَلَیْهِمْ لِیَتُوبُوا یعنی تجاوز عنهم لکی یتوبوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ علی من تاب الرَّحِیمُ 118- بهم یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بتوحید اللّه- عز و جل- اتَّقُوا اللَّهَ و لا تعصوه فی الهجرة وَ کُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ 119- فی إیمانهم و قد «2» أخبر عن الصادقین فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ یَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أُولئِکَ هُمُ الصَّادِقُونَ «3».
ثم ذکر المؤمنین الذین لم یتخلفوا عن غزاة تبوک فقال: ما کانَ لِأَهْلِ الْمَدِینَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ یَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عن غزاة تبوک وَ لا یَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ لا یُصِیبُهُمْ ظَمَأٌ یعنی عطشا «4» وَ لا نَصَبٌ یعنی و لا مشقة فی أجسادهم وَ لا مَخْمَصَةٌ یعنی الجوع و الشدة فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لا یَطَؤُنَ مَوْطِئاً من سهل و لا جبل
______________________________
(1) فی أ: و هو.
(2) فی أ: ثم أخبر عن الصادقین فقال: «أنما المؤمنین ...» و مقتضی کلامه أن هذه الآیة من سورة التوبة و ترتیبها: 120 التوبة و لکن الواقع أن هذه الآیة: 15 من الحجرات.
لهذا بدلت ثم أخبرت بقولی، و قد أخبر،
(3) سورة الحجرات: 15.
(4) هکذا فی أ، ل: عطشا، علی تضمن یعنی معنی یقصد، و تکون عطشا مفعول.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 203
یَغِیظُ الْکُفَّارَ وَ لا یَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ «1» من عدوهم نَیْلًا من قتل فیهم أو غارة علیهم إِلَّا کُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ 120- یعنی جزاء «المحسنین «2»» و لکن یجزیهم بإحسانهم وَ لا یُنْفِقُونَ نَفَقَةً فی سبیل اللّه صَغِیرَةً وَ لا کَبِیرَةً یعنی قلیلا و لا کثیرا وَ لا یَقْطَعُونَ وادِیاً من الأودیة مقبلین و مدبرین إِلَّا کُتِبَ لَهُمْ لِیَجْزِیَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما یعنی الذی کانُوا یَعْمَلُونَ 121- وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً و ذلک أن اللّه عاب فی القرآن من تخلف عن غزاة تبوک فقالوا: لا یرانا اللّه أن نتخلف عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی غزاته، و لا فی بعث «3» سریة، فکان النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إذا بعث سریة رغبوا فیها رغبة فی الأجر فأنزل اللّه- عز و جل- وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ یعنی ما ینبغی لهم لِیَنْفِرُوا إلی عدوهم کَافَّةً یعنی جمیعا فَلَوْ لا نَفَرَ یعنی فهلا نفر مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ یعنی من کل عصبة منهم طائِفَةٌ و تقیم طائفة مع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فیتعلمون ما یحدث اللّه- عز و جل- علی نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- من أمر، أو نهی، أو سنة، فإذا رجع هؤلاء الغیب تعلموا من إخوانهم المقیمین فذلک قوله: لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ یعنی المقیمین وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ یعنی و لیحذروا [162 ب إخوانهم إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ من غزاتهم لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ 122- یعنی لکی یحذروا المعاصی التی عملوا بها قبل النهی. یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا باللّه- عز و جل- قاتِلُوا الَّذِینَ یَلُونَکُمْ مِنَ الْکُفَّارِ
______________________________
(1) فی أ: من عدوهم.
(2) من ل، و لیست فی أ.
(3) فی أ: «و فی بعث»، ل: «و لا فی بعث».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 204
یعنی الأقرب فالأقرب وَ لْیَجِدُوا فِیکُمْ غِلْظَةً یعنی شدة علیهم بالقول وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ 123- فی النصر لهم علی عدوهم وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فَمِنْهُمْ من المنافقین مَنْ یَقُولُ أَیُّکُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِیماناً یعنی تصدیقا، مع تصدیقهم بما أنزل اللّه- عز و جل- من القرآن من قبل هذه السورة فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِیماناً وَ هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ 124- بنزولها وَ أَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یعنی الشک فی القرآن و هم المنافقون فَزادَتْهُمْ السورة رِجْساً إِلَی رِجْسِهِمْ یعنی إثما إلی إثمهم یعنی نفاقا مع نفاقهم الذی هم علیه قبل ذلک وَ ماتُوا وَ هُمْ کافِرُونَ 125- ثم أخبر عن المنافقین فقال: أَ وَ لا یَرَوْنَ أَنَّهُمْ یُفْتَنُونَ فِی کُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَیْنِ و ذلک أنهم کانوا إذا خلوا تکلموا فیما لا یحل لهم و إذا أتوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أخبرهم بما تکلموا به فی الخلاء فیعلمون أنه نبی رسول ثم یأتیهم الشیطان فیحدثهم أن محمدا إنما أخبرکم بما قلتم لأنه بلغه عنکم فیشکون فیه فذلک قوله:
یُفْتَنُونَ فِی کُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَیْنِ فیعرفون أنه نبی، و ینکرون أخری یقول اللّه: ثُمَّ لا یَتُوبُونَ وَ لا هُمْ یَذَّکَّرُونَ 126- فیما أخبرهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بما تکلموا به فیعرفوا و لا یعتبروا.
وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ المنافقون بَعْضُهُمْ إِلی بَعْضٍ یسخرون بینهم «1» یعنی یتغامزون فقالوا: هَلْ یَراکُمْ مِنْ أَحَدٍ یعنی أصحاب محمد- صلی اللّه علیه و سلم- ثُمَّ انْصَرَفُوا عن الإیمان بالسورة، یقول: أعرضوا عن الإیمان بها صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الإیمان بالقرآن بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ
______________________________
(1) فی أ: منهم، و فی ل: بینهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 205
- 127- لَقَدْ جاءَکُمْ یا أهل مکة رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ تعرفونه و لا تنکرونه عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ یقول یعز «1» علیه ما أثمتم «فی دینکم «2»» حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بالرشد و الهدی بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ 128- یعنی یرق لهم رحیم بهم یعنی حین یودهم: کقوله «3» الرأفة یعنی الرقة و الرحمة یعنی مودة بعضکم لبعض، کقوله رُحَماءُ بَیْنَهُمْ «4» یعنی متوادین.
فَإِنْ تَوَلَّوْا عنک یعنی فإن لم یتبعوک علی الإیمان یا محمد فَقُلْ حَسْبِیَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ یعنی به واثق وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ 129- یعنی بالعظیم العرش نزلت هاتان الآیتان بمکة، و سائرها بالمدینة.
***______________________________
(1) فی أ: یعنی، ل: یعز.
(2) من: ل و لیست فی: أ.
(3) هکذا فی: أ، ل، و الأنسب: حذف کقوله، حتی لا یظن أن ما بعدها کلام اللّه.
(4) سورة الفتح: 29.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 207

سورة یونس‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 209
(10) سورة یونس مکّیّة و آیاتها تسع و مائة

[سورة یونس (10): الآیات 1 الی 109]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْحَکِیمِ (1) أَ کانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَیْنا إِلی رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَ بَشِّرِ الَّذِینَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْکافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِینٌ (2) إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ یُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِیعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ أَ فَلا تَذَکَّرُونَ (3) إِلَیْهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ لِیَجْزِیَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِیمٍ وَ عَذابٌ أَلِیمٌ بِما کانُوا یَکْفُرُونَ (4)
هُوَ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیاءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِکَ إِلاَّ بِالْحَقِّ یُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِی اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَّقُونَ (6) إِنَّ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَیاةِ الدُّنْیا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِینَ هُمْ عَنْ آیاتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِکَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ یَهْدِیهِمْ رَبُّهُمْ بِإِیمانِهِمْ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ (9)
دَعْواهُمْ فِیها سُبْحانَکَ اللَّهُمَّ وَ تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ (10) وَ لَوْ یُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَیْرِ لَقُضِیَ إِلَیْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ (11) وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا کَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ کَأَنْ لَمْ یَدْعُنا إِلی ضُرٍّ مَسَّهُ کَذلِکَ زُیِّنَ لِلْمُسْرِفِینَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (12) وَ لَقَدْ أَهْلَکْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ وَ ما کانُوا لِیُؤْمِنُوا کَذلِکَ نَجْزِی الْقَوْمَ الْمُجْرِمِینَ (13) ثُمَّ جَعَلْناکُمْ خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ (14)
وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما یَکُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما یُوحی إِلَیَّ إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ (15) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَیْکُمْ وَ لا أَدْراکُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِیکُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً أَوْ کَذَّبَ بِآیاتِهِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَضُرُّهُمْ وَ لا یَنْفَعُهُمْ وَ یَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا یَعْلَمُ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ (18) وَ ما کانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ فِیما فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (19)
وَ یَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْهِ آیَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَیْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ (20) وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَکْرٌ فِی آیاتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَکْراً إِنَّ رُسُلَنا یَکْتُبُونَ ما تَمْکُرُونَ (21) هُوَ الَّذِی یُسَیِّرُکُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتَّی إِذا کُنْتُمْ فِی الْفُلْکِ وَ جَرَیْنَ بِهِمْ بِرِیحٍ طَیِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِیحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ کُلِّ مَکانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِیطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ لَئِنْ أَنْجَیْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ یَبْغُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْیُکُمْ عَلی أَنْفُسِکُمْ مَتاعَ الْحَیاةِ الدُّنْیا ثُمَّ إِلَیْنا مَرْجِعُکُمْ فَنُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّما مَثَلُ الْحَیاةِ الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا یَأْکُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتَّی إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّیَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَیْها أَتاها أَمْرُنا لَیْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِیداً کَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (24)
وَ اللَّهُ یَدْعُوا إِلی دارِ السَّلامِ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (25) لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا الْحُسْنی وَ زِیادَةٌ وَ لا یَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (26) وَ الَّذِینَ کَسَبُوا السَّیِّئاتِ جَزاءُ سَیِّئَةٍ بِمِثْلِها وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ کَأَنَّما أُغْشِیَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّیْلِ مُظْلِماً أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (27) وَ یَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشْرَکُوا مَکانَکُمْ أَنْتُمْ وَ شُرَکاؤُکُمْ فَزَیَّلْنا بَیْنَهُمْ وَ قالَ شُرَکاؤُهُمْ ما کُنْتُمْ إِیَّانا تَعْبُدُونَ (28) فَکَفی بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمْ إِنْ کُنَّا عَنْ عِبادَتِکُمْ لَغافِلِینَ (29)
هُنالِکَ تَبْلُوا کُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَی اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَمَّنْ یَمْلِکُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ مَنْ یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ یُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ وَ مَنْ یُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَیَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ (31) فَذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّی تُصْرَفُونَ (32) کَذلِکَ حَقَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ عَلَی الَّذِینَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا یُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَکائِکُمْ مَنْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ قُلِ اللَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ (34)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَکائِکُمْ مَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ یَهْدِی لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلاَّ أَنْ یُهْدی فَما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ (35) وَ ما یَتَّبِعُ أَکْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَفْعَلُونَ (36) وَ ما کانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَری مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَفْصِیلَ الْکِتابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ (37) أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (38) بَلْ کَذَّبُوا بِما لَمْ یُحِیطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا یَأْتِهِمْ تَأْوِیلُهُ کَذلِکَ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِینَ (39)
وَ مِنْهُمْ مَنْ یُؤْمِنُ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ لا یُؤْمِنُ بِهِ وَ رَبُّکَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِینَ (40) وَ إِنْ کَذَّبُوکَ فَقُلْ لِی عَمَلِی وَ لَکُمْ عَمَلُکُمْ أَنْتُمْ بَرِیئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِی‌ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَ مِنْهُمْ مَنْ یَسْتَمِعُونَ إِلَیْکَ أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ کانُوا لا یَعْقِلُونَ (42) وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْظُرُ إِلَیْکَ أَ فَأَنْتَ تَهْدِی الْعُمْیَ وَ لَوْ کانُوا لا یُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لا یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئاً وَ لکِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (44)
وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ کَأَنْ لَمْ یَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ یَتَعارَفُونَ بَیْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَ ما کانُوا مُهْتَدِینَ (45) وَ إِمَّا نُرِیَنَّکَ بَعْضَ الَّذِی نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّیَنَّکَ فَإِلَیْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِیدٌ عَلی ما یَفْعَلُونَ (46) وَ لِکُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (47) وَ یَقُولُونَ مَتی هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (48) قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی ضَرًّا وَ لا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ لِکُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ (49)
قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ أَتاکُمْ عَذابُهُ بَیاتاً أَوْ نَهاراً ما ذا یَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَ قَدْ کُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِیلَ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ (52) وَ یَسْتَنْبِئُونَکَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِی وَ رَبِّی إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ (53) وَ لَوْ أَنَّ لِکُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِی الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (54)
أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ (55) هُوَ یُحیِی وَ یُمِیتُ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (56) یا أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْکُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِی الصُّدُورِ وَ هُدیً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِکَ فَلْیَفْرَحُوا هُوَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ (58) قُلْ أَ رَأَیْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَکُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)
وَ ما ظَنُّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَشْکُرُونَ (60) وَ ما تَکُونُ فِی شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ کُنَّا عَلَیْکُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِیضُونَ فِیهِ وَ ما یَعْزُبُ عَنْ رَبِّکَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْبَرَ إِلاَّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (61) أَلا إِنَّ أَوْلِیاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ (62) الَّذِینَ آمَنُوا وَ کانُوا یَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ لا تَبْدِیلَ لِکَلِماتِ اللَّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ (64)
وَ لا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعاً هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (65) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ وَ ما یَتَّبِعُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَکاءَ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاَّ یَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ (67) قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِیُّ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَکُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَ تَقُولُونَ عَلَی اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ لا یُفْلِحُونَ (69)
مَتاعٌ فِی الدُّنْیا ثُمَّ إِلَیْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِیقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِیدَ بِما کانُوا یَکْفُرُونَ (70) وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ یا قَوْمِ إِنْ کانَ کَبُرَ عَلَیْکُمْ مَقامِی وَ تَذْکِیرِی بِآیاتِ اللَّهِ فَعَلَی اللَّهِ تَوَکَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَکُمْ وَ شُرَکاءَکُمْ ثُمَّ لا یَکُنْ أَمْرُکُمْ عَلَیْکُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَیَّ وَ لا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی اللَّهِ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ (72) فَکَذَّبُوهُ فَنَجَّیْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِی الْفُلْکِ وَ جَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِینَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلی قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَما کانُوا لِیُؤْمِنُوا بِما کَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ کَذلِکَ نَطْبَعُ عَلی قُلُوبِ الْمُعْتَدِینَ (74)
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسی وَ هارُونَ إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ بِآیاتِنا فَاسْتَکْبَرُوا وَ کانُوا قَوْماً مُجْرِمِینَ (75) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِینٌ (76) قالَ مُوسی أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَکُمْ أَ سِحْرٌ هذا وَ لا یُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَیْهِ آباءَنا وَ تَکُونَ لَکُمَا الْکِبْرِیاءُ فِی الْأَرْضِ وَ ما نَحْنُ لَکُما بِمُؤْمِنِینَ (78) وَ قالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِی بِکُلِّ ساحِرٍ عَلِیمٍ (79)
فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسی أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسی ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَیُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا یُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِینَ (81) وَ یُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِکَلِماتِهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَما آمَنَ لِمُوسی إِلاَّ ذُرِّیَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلی خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِمْ أَنْ یَفْتِنَهُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِی الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِینَ (83) وَ قالَ مُوسی یا قَوْمِ إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَیْهِ تَوَکَّلُوا إِنْ کُنْتُمْ مُسْلِمِینَ (84)
فَقالُوا عَلَی اللَّهِ تَوَکَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (85) وَ نَجِّنا بِرَحْمَتِکَ مِنَ الْقَوْمِ الْکافِرِینَ (86) وَ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی وَ أَخِیهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِکُما بِمِصْرَ بُیُوتاً وَ اجْعَلُوا بُیُوتَکُمْ قِبْلَةً وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ (87) وَ قالَ مُوسی رَبَّنا إِنَّکَ آتَیْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِینَةً وَ أَمْوالاً فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا رَبَّنا لِیُضِلُّوا عَنْ سَبِیلِکَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلی أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلی قُلُوبِهِمْ فَلا یُؤْمِنُوا حَتَّی یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ (88) قالَ قَدْ أُجِیبَتْ دَعْوَتُکُما فَاسْتَقِیما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِیلَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ (89)
وَ جاوَزْنا بِبَنِی إِسْرائِیلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْیاً وَ عَدْواً حَتَّی إِذا أَدْرَکَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِیلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ (90) آلْآنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَ کُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ (91) فَالْیَوْمَ نُنَجِّیکَ بِبَدَنِکَ لِتَکُونَ لِمَنْ خَلْفَکَ آیَةً وَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آیاتِنا لَغافِلُونَ (92) وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِی إِسْرائِیلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّی جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ کُنْتَ فِی شَکٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ فَسْئَلِ الَّذِینَ یَقْرَؤُنَ الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکَ لَقَدْ جاءَکَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَلا تَکُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِینَ (94)
وَ لا تَکُونَنَّ مِنَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِ اللَّهِ فَتَکُونَ مِنَ الْخاسِرِینَ (95) إِنَّ الَّذِینَ حَقَّتْ عَلَیْهِمْ کَلِمَتُ رَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ (96) وَ لَوْ جاءَتْهُمْ کُلُّ آیَةٍ حَتَّی یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ (97) فَلَوْ لا کانَتْ قَرْیَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِیمانُها إِلاَّ قَوْمَ یُونُسَ لَمَّا آمَنُوا کَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْیِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلی حِینٍ (98) وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَآمَنَ مَنْ فِی الْأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعاً أَ فَأَنْتَ تُکْرِهُ النَّاسَ حَتَّی یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ (99)
وَ ما کانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ یَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما تُغْنِی الْآیاتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ یَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَیَّامِ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ (102) ثُمَّ نُنَجِّی رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا کَذلِکَ حَقًّا عَلَیْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِینَ (103) قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنْ کُنْتُمْ فِی شَکٍّ مِنْ دِینِی فَلا أَعْبُدُ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لکِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِی یَتَوَفَّاکُمْ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (104)
وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً وَ لا تَکُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (105) وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَنْفَعُکَ وَ لا یَضُرُّکَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّکَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِینَ (106) وَ إِنْ یَمْسَسْکَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا کاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَ إِنْ یُرِدْکَ بِخَیْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ یُصِیبُ بِهِ مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (107) قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَکُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها وَ ما أَنَا عَلَیْکُمْ بِوَکِیلٍ (108) وَ اتَّبِعْ ما یُوحی إِلَیْکَ وَ اصْبِرْ حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ (109)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 223
سورة یونس «1»
______________________________
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 279
______________________________
(1) مقصود سورة یونس إثبات النبوة، و بیان فساد اعتقاد الکفار فی حق النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و القرآن، و ذکر جزائهم علی ذلک فی الدار الآخرة، و تقدیر منازل الشمس و القمر لمصالح الخلق و ذم القانعین بالدنیا الفانیة عن النعیم الباقی، و مدح أهل الإیمان فی طلب الجنان، و استعجال الکفار بالعذاب، و امتحان الحق- تعالی- خلقه باستخلافهم فی الأرض و ذکر عدم تعقل الکفار کلام اللّه، و نسبته إلی الافتراء و الاختلاف و الإشارة إلی بطلان الأصنام و عبادها، و بیان المنة علی العباد بالنجاة من الهلاک فی البر و البحر و تمثیل الدنیا بنزول المطر، و ظهور ألوان النبات و الأزهار و دعوة الخلق إلی دار السلام، و بیان ذل الکفار فی القیامة و مشاهدة الخلق فی العقبی ما قدموه من طاعة و معصیة و بیان أن الحق واحد، و ما سواه باطل و إثبات البعث و القیامة بالبرهان و الحجة الواضحة، و بیان فائدة نزول القرآن و الأمر بإظهار السرور و الفرح بالصلاة و القرآن، و تمییز أهل الولایة من أهل الجنایة، و تسلیة النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بذکر شی‌ء من قصة موسی، و واقعة بنی إسرائیل مع قوم فرعون، و ذکر طمس أموال القبطیین، و نجاة الإسرائیلیین من البحر، و هلاک أعدائهم من الفرعونیین، و نجاة قوم یونس بإخلاص الإیمان فی وقت الیأس، و تأکید نبوة النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و أمره بالصبر علی جفاء المشرکین و أذاهم فی قوله: حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ بَیْنَنا وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ .... و کل آیة علی المیم قبل المیم یاء. و مجموع فواصلها (مین).
و سمیت سورة یونس لما فی آخرها من ذکر کشف العذاب عن قوم یونس ببرکة الإیمان عند الیأس فی قوله فَلَوْ لا کانَتْ قَرْیَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِیمانُها إِلَّا قَوْمَ یُونُسَ الآیة 98 یونس.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 224
سورة یونس کلها مکیة غیر آیتین و هما «1» قوله- تعالی-: فَإِنْ کُنْتَ فِی شَکٍّ ... إلی قوله: ... فَتَکُونَ مِنَ الْخاسِرِینَ «2»، فإنهما مدنیتان «3»، و جملتها مائة و تسع آیات فی عدد الکوفی «4».
______________________________
(1) فی أ: و هی، ل: و هو.
(2) یشیر إلی الآیتین 94، 95 من سورة یونس و تمامهما:
فَإِنْ کُنْتَ فِی شَکٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ فَسْئَلِ الَّذِینَ یَقْرَؤُنَ الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکَ، لَقَدْ جاءَکَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَلا تَکُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِینَ- 94-، وَ لا تَکُونَنَّ مِنَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِ اللَّهِ فَتَکُونَ مِنَ الْخاسِرِینَ- 95-.
(3) و فی المصحف: سورة یونس مکیة إلا الآیات 40، 94، 95، 96 فمدنیة. و آیاتها 109 و نزلت بعد الإسراء.
(4) فی أ: و جملتها مائة و سبع آیات، و هو تصحیف و فی ل: مائة و تسع آیات، و هو موافق للمنقول.
و فی کتاب بصائر ذوی التمییز فی لطائف الکتاب العزیز للفیروزآبادی: 238، سورة یونس مکیة بالاتفاق عدد آیاتها مائة و عشر آیات عند الشامیین، و تسع عند الباقین.
و عدد کلماتها (1499) کلمة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 225
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْحَکِیمِ 1- یعنی المحکم یقال الألف و اللام و الراء، فهن آیات الکتاب یعنی علامات الکتاب یعنی القرآن الحکیم یعنی المحکم من الباطل، و لا کذب فیه، و لا اختلاف. أَ کانَ لِلنَّاسِ عَجَباً یعنی بالناس کفار أهل مکة عجبا أَنْ أَوْحَیْنا إِلی رَجُلٍ مِنْهُمْ یعنی بالرجل محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- یعرفونه و لا ینکرونه أَنْ أَنْذِرِ یعنی حذر النَّاسَ عقوبة اللّه- عز و جل- و نقمته إذا عصوه وَ بَشِّرِ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- و بما فی القرآن من الثواب أَنَّ لَهُمْ بأعمالهم «1» التی قدموها بین أیدیهم قَدَمَ صِدْقٍ یعنی سلف خیر عِنْدَ رَبِّهِمْ یعنی ثواب صدق یقدمون علیه و هو الجنة قالَ الْکافِرُونَ من أهل مکة یعنی أبا جهل بن هشام، و الولید بن المغیرة، و العاص بن وائل السهمی، و عتبة و شیبة ابنا ربیعة، و أهل مکة قالَ الْکافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- مُبِینٌ 2- یعنی بین قوله:
إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ یوم الأحد، و یوم الإثنین وَ خلق الْأَرْضَ یوم الثلاثاء، و یوم الأربعاء، و ما بینهما یوم الخمیس، و یوم الجمعة فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ فیها تقدیم ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ
______________________________
(1) فی أ: بأن أعمالهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 226
«1» ثم خلق السموات و الأرض. یُدَبِّرُ الْأَمْرَ یقضی القضاء وحده لا یدبره غیره ما مِنْ شَفِیعٍ من الملائکة لبنی آدم إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ یعنی لا یشفع أحد إلا بإذنه (و لا یشفعون إلا لأهل التوحید فذلک قوله:
«إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَرْضی ... «2»») فرضی اللّه للملائکة أن یشفعوا للموحدین ثم قال: ذلِکُمُ اللَّهُ یعنی هکذا رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ یعنی فوحدوه، و لا تشرکوا به شیئا أَ فَلا یعنی فهلا تَذَکَّرُونَ 3- فی ربوبیته، و وحدانیته ثم قال: إِلَیْهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً بعد الموت وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ و لم یک شیئا کذلک یعیده من بعد الموت لِیَجْزِیَ یعنی لکی یثیب فی البعث الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ یعنی و أقاموا الفرائض بِالْقِسْطِ یعنی بالحق و بالعدل «3» و ثوابهم الجنة وَ یجزی الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِیمٍ و ذلک الشراب قد أوقد علیه «4» منذ یوم خلقها اللّه- عز و جل- إلی یوم یدخلها أهلها فقد انتهی حرها وَ عَذابٌ أَلِیمٌ یعنی وجیع نظیرها فی الواقعة فَنُزُلٌ مِنْ حَمِیمٍ «5» بِما کانُوا یَکْفُرُونَ 4- بتوحید اللّه- عز و جل- هُوَ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیاءً بالنهار لأهل الأرض یستضیئون بها وَ الْقَمَرَ نُوراً باللیل [163 ب وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ یزید و ینقص یعنی
______________________________
(1) من: ل، و لیست فی: أ.
(2) ما بین الأقواس (...) من: ل. و هو مضطرب فی: أ.
(3) فی أ: (بالقسط) و بالحق یعنی بالعدل.
(4) فی أ علیها.
(5) سورة الواقعة: 93.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 227
الشمس سراجا و القمر نورا لِتَعْلَمُوا باللیل و النهار عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ و قدره منازل لتعلموا بذلک عدد السنین، و الحساب، و رمضان، و الحج، و الطلاق، و ما یریدون بین العباد ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِکَ یعنی الشمس و القمر إِلَّا بِالْحَقِ لم یخلقهما عبثا خلقهما لأمر هو کائن یُفَصِّلُ یبین الْآیاتِ یعنی العلامات لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ 5- بتوحید اللّه- عز و جل- أن اللّه واحد لما یرون من صنعه ثم قال: إِنَّ فِی اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ علیکم وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَّقُونَ 6- عقوبة اللّه- عز و جل-، قوله: إِنَّ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا یعنی لا یخشون لقاءنا یعنی البعث و الحساب وَ رَضُوا بِالْحَیاةِ الدُّنْیا وَ اطْمَأَنُّوا بِها فعملوا لها وَ الَّذِینَ هُمْ عَنْ آیاتِنا یعنی ما أخبر فی أول هذه السورة غافِلُونَ 7- یعنی ما ذکر من صنیعه فی هؤلاء الآیات لمعرضون فلا یؤمنون «1»، ثم أخبر بما أعد لهم فی الآخرة فقال: أُولئِکَ مَأْواهُمُ النَّارُ یعنی مصیرهم النار بِما کانُوا یَکْسِبُونَ 8- من الکفر و التکذیب ثم أخبر بما أعد للمؤمنین فقال: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا باللّه وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ و أقاموا فرائض اللّه یَهْدِیهِمْ رَبُّهُمْ بِإِیمانِهِمْ یعنی بتصدیقهم و توحیدهم کما صدقوا و وحدوا کذلک یهدیهم ربهم إلی الفرائض و یثیبهم الجنة تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ یعنی تحت قصورهم نور فی نور قصور الدر و الیاقوت، و أنها تجری من غرفهم جَنَّاتِ النَّعِیمِ 9- لا یکلفون فیها عملا أبدا و لا یصیبهم فیها مشقة أبدا دَعْواهُمْ فِیها سُبْحانَکَ اللَّهُمَ فهذا
______________________________
(1) فی أ: فلا یموتون، ل: فلا یؤمنون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 228
علم بین أهل الجنة و بین الخدم إذا أرادوا الطعام و الشراب دعواهم أن یقولوا فی الجنة «سُبْحانَکَ اللَّهُمَّ» فإذا الموائد قد جاءت فوضعت میلا فی میل قوائمها اللؤلؤ و دخل علیهم الخدم من أربعة آلاف باب معهم صحاف الذهب سبعون ألف صحفة فی کل صحفة لون من الطعام لیس فی صاحبتها مثله، کلما شبع ألقی اللّه علیه ألف باب من الشهوة کلما شبع أتی بشربة تهضم ما قبلها بمقدار أربعین عاما و یؤتون بألوان الثمار و تجی‌ء الطیر أمثال البخت مناقیرها لون و أجنحتها لون و ظهورها لون، و بطونها لون، و قوائمها لون، تتلألأ نورا حتی تقف بین یدیه فی بیت طوله فرسخ فی فرسخ فی غرفة فیها سرر موضونة، و الوضن مشبک «1» وسطه بقضبان الیاقوت و الزمرد الرطب، ألین من الحریر قوائمها «2» اللؤلؤ حافتاه «3» ذهب و فضة علیه من الفرش مقدار سبعین غرفة فی دار الدنیا لو أن رجلا وقع من تلک «4» الغرف لم یبلغ قرار الأرض [164 أ] سبعین عاما فیأکلون و یشربون و تقوم «5» الطیر و تصطف بین یدیه و تقول یا ولی اللّه رعیت فی روضة کذا و کذا و شربت من عین کذا و کذا فأیتهن أعجبه وصفها وقعت علی مائدته نصفها قدید «6» سبعون ألف لون من الطیر الواحد و النصف شواء فیأکل منها ما أحب ثم یطیر فینطلق إلی الجنة لأنه لیس فی الجنة من یموت «7» وَ تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ و ذلک
______________________________
(1) فی أ: یشک، ل: مشبک.
(2) فی أ، ل: قوائمها.
(3) فی أ: حافاته، ل: حافتاه.
(4) فی أ: ذلک، ل: تلک.
(5) فی أ، ل: و تقول.
(6) فی أ: قدیر.
(7) هذا من الإسرائیلیات التی نقلها مقاتل فی التفسیر، و ما کان أغنی کتاب اللّه عن هذه الأقاویل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 229
أن یأتیه ملک من عند رب العزة فلا یصل إلیه حتّی یستأذن له حاجب فیقوم بین یدیه فیقول: یا ولی اللّه، ربک یقرأ علیک السلام. و ذلک قوله تعالی: وَ تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ من عند الرب- تعالی-، فإذا فرغوا من الطعام و الشراب. قالوا:
الحمد للّه رب العالمین، و ذلک قوله- عز و جل-: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ یعنی قولهم حین فرغوا من الطعام و الشراب أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ 10- وَ لَوْ یُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَیْرِ و ذلک حین قال النضر بن الحارث: «1» فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ «2» فیصیبنا، فأنزل اللّه- عز و جل-: وَ لَوْ یُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَیْرِ إذا أرادوه فأصابوه یقول اللّه: و لو استجیب لهم فی الشر «کما یحبون أن «3»» یستجاب لهم فی الخیر لَقُضِیَ إِلَیْهِمْ أَجَلُهُمْ فی الدنیا بالهلاک إذا.
«فَنَذَرُ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا» «4» فنذرهم لا یخرجون أبدا فذلک قوله: فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ 11- یعنی فی ضلالتهم یترددون لا یخرجون منها إلا أن یخرجهم اللّه- عز و جل-، و أیضا و لو یعجل اللّه للناس: یقول ابن آدم یدعو لنفسه بالخیر و یحب أن یعجل اللّه ذلک، و یدعو علی نفسه بالشر، یقول: اللهم إن کنت صادقا فافعل کذا و کذا. فلو یعجل اللّه ذلک لقضی «5» إلیهم أجلهم: یعنی العذاب «فَنَذَرُ» یعنی فنترک الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا یعنی
______________________________
(1) فی أ: الحرث.
(2) سورة الأنفال: 32.
(3) فی أ: کما أن، ل: کما یحبون أن.
(4) ساقط من أ، ل. و مکتوب بدل منها «فنذرهم» علی أنها قرآن و لیست الآیة فنذرهم بل:
فَنَذَرُ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا.
(5) فی ل: لنعی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 230
لا یخشون لقاءنا فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ یعنی فی ضلالتهم یترددون لا یخرجون منها وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ یعنی المرض «1» بلاء أو شدة «2» نزلت فی أبی حذیفة اسمه هاشم بن المغیرة بن عبد اللّه المخزومی دَعانا لِجَنْبِهِ یعنی لمضجعه فی مرضه أَوْ دعانا قاعِداً أَوْ قائِماً کل ذلک لما کان «3» فَلَمَّا کَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ و عوفی من مرضه مَرَّ یعنی استمر أی أعرض عن الدعاء کَأَنْ لَمْ یَدْعُنا إِلی ضُرٍّ مَسَّهُ و لا یزال یدعونا ما احتاج إلی ربه «4» فإذا أعطی حاجته أمسک عن الدعاء قال اللّه- تعالی- عند ذلک استغنی عبدی کَذلِکَ یعنی هکذا زُیِّنَ لِلْمُسْرِفِینَ یعنی المشرکین ما کانُوا یَعْمَلُونَ 12- من أعمالهم السیئة یعنی الدعاء فی الشدة وَ لَقَدْ أَهْلَکْنَا الْقُرُونَ بالعذاب فی الدنیا مِنْ قَبْلِکُمْ یا أهل مکة لَمَّا ظَلَمُوا یعنی حین أشرکوا یخوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة لکی لا یکذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ یقول أخبرتهم رسلهم بالعذاب أنه نازل بهم فی الدنیا، ثم قال: وَ ما کانُوا لِیُؤْمِنُوا یقول ما کان کفار مکة لیصدقوا بنزول العذاب بهم فی الدنیا کَذلِکَ یعنی هکذا نَجْزِی بالعذاب الْقَوْمَ الْمُجْرِمِینَ 13- یعنی مشرکی الأمم الخالیة، ثم قال لهذه الأمة:
ثُمَّ جَعَلْناکُمْ یا أمة محمد خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ 14- وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ یعنی القرآن
______________________________
(1) فی أ: الضر، ل: المرض.
(2) فی أ: بلاء و شدة، ل: بلاء أو شدة.
(3) فی أ: ما کان، ل: لما کان.
(4) فی أ: ربه، و فی حاشیة أ: حاجته: محمد، و فی ل: ربه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 231
قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنَا یعنی لا یحسبون «1» لقاءنا یعنی البعث ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیْرِ هذا لیس فیه قتال أَوْ بَدِّلْهُ فأنزل اللّه- عز و جل- قُلْ یا محمد: ما یَکُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما یُوحی إِلَیَّ إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ 15- و ذلک أن الولید بن المغیرة و أصحابه أربعین رجلا أحدقوا بالنبی- صلی اللّه علیه و سلم- لیلة حتی أصبح فقالوا: یا محمد، اعبد اللات و العزی و لا ترغب عن دین آبائک فإن کنت فقیرا جمعنا لک من أموالنا، و إن کنت خشیت أن تلومک العرب، فقل: إن اللّه أمرنی بذلک، فأنزل اللّه- عز و جل-: «قل» یا محمد أَ فَغَیْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّی أَعْبُدُ ... إلی قوله: ... بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ یعنی فوحد وَ کُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ «2» علی الرسالة و النبوة، و أنزل اللّه- عز و جل- وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنا بَعْضَ الْأَقاوِیلِ یعنی محمد فزعم أنی أمرته بعبادة اللات و العزی لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْیَمِینِ یعنی بالحق ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِینَ «3» و هو الحبل المعلق به القلب، و أنزل اللّه- تعالی- قُلْ إِنِّی أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ «4» ثم قال لکفار مکة: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ یعنی ما قرأت هذا القرآن عَلَیْکُمْ وَ لا أَدْراکُمْ بِهِ یقول و لا أشعرکم بهذا القرآن فَقَدْ لَبِثْتُ فِیکُمْ عُمُراً طویلا أربعین سنة مِنْ قَبْلِهِ من قبل هذا القرآن فهل سمعتمونی أقرأ شیئا علیکم أَ فَلا یعنی فهلا تَعْقِلُونَ 16- أنه لیس منقول منی و لکنه وحی من اللّه إلی فَمَنْ أَظْلَمُ
______________________________
(1) أی لا یحسبون لقاءنا واقعا. أی لا یؤمنون بالبعث.
(2) سورة الزمر: 64، 65، 66.
(3) سورة الحاقة: 44، 45، 46.
(4) سورة الأنعام: 15، سورة الزمر: 13.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 232
یعنی فمن أشدّ ظلما لنفسه مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً فزعم أن مع اللّه آلهة أخری أَوْ کَذَّبَ بِآیاتِهِ یعنی بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- و بدینه إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ 17- یعنی إنه لا ینجّی «1» الکافرون من عذاب اللّه- عز و جل- وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَضُرُّهُمْ إن ترکوا عبادتهم وَ لا یَنْفَعُهُمْ إن عبدوها، و ذلک أن أهل الطائف عبدوا اللات، و عبد أهل مکة العزی، و مناة، و هبل، و أساف و نائلة لقبائل قریش، و ود لکلب بدومة الجندل، و سواع لهذیل، و یغوث لبنی غطیف من مراد بالجرف من سبأ، و یعوق لهمذان ببلخع «2»، و نسر لذی الکلاع من حمیر. قالوا: نعبدها لتشفع لنا یوم القیامة [165 ا] فذلک قوله: وَ یَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا یَعْلَمُ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ 18- وَ ما کانَ النَّاسُ فی زمان آدم- علیه السلام- إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً یعنی ملة واحدة مؤمنین لا یعرفون الأصنام و الأوثان ثم اتخذوها «3» بعد ذلک فذلک قوله: فَاخْتَلَفُوا بعد الإیمان وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ قبل الغضب لأخذناهم عند کل ذنب، فذلک قوله: لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ فِیما فِیهِ یَخْتَلِفُونَ 19- یعنی فی اختلافاتهم بعد الإیمان.
وَ یَقُولُونَ لَوْ لا یعنی هلا أُنْزِلَ عَلَیْهِ آیَةٌ مِنْ رَبِّهِ مما سألوا یعنی فی بنی إسرائیل.
______________________________
(1) فی أ: لا ینجو، ل: لا ینجی.
(2) فی أ: ببلخع، ل: ببلخع، م: ببلح.
(3) فی أ: اتخذوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 233
وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً «1» یعنی لن نصدقک حتی تخرج لنا نهرا فقد أعیینا من میح الدلاء من زمزم و من رءوس الجبال، و إن أبیت هذا فلتکن لک خاصة جَنَّةٌ مِنْ نَخِیلٍ ... إلی قوله ... کِسَفاً حین قال إن نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَیْهِمْ کِسَفاً مِنَ السَّماءِ «2» یعنی قطعا أَوْ تَأْتِیَ بِاللَّهِ عیانا فننظر إلیه وَ الْمَلائِکَةِ قَبِیلًا، أَوْ یَکُونَ لَکَ بَیْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ یعنی من الذهب أَوْ تَرْقی فِی السَّماءِ یعنی أو تضع سلما فتصعد إلی السماء وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِیِّکَ حَتَّی تُنَزِّلَ عَلَیْنا کِتاباً نَقْرَؤُهُ یقول، و لسنا نصدقک حتی تأتی بأربعة أملاک یشهدون أن هذا الکتاب من رب العزة، و هذا قول عبد اللّه بن أبی أمیة بن المغیرة، فأنزل اللّه فی قوله: أَوْ تَأْتِیَ بِاللَّهِ عیانا فننظر إلیه.
أَمْ تُرِیدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَکُمْ کَما سُئِلَ مُوسی مِنْ قَبْلُ «3» إذ قالوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً «4» و أنزل اللّه فیها «5»: بَلْ یُرِیدُ کُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ یُؤْتی صُحُفاً مُنَشَّرَةً «6».
لقوله: کِتاباً نَقْرَؤُهُ «7». و أنزل اللّه:
______________________________
(1) یشیر إلی الآیات 90، 91، 92، 93 من سورة الإسراء و تمامها:
وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً، أَوْ تَکُونَ لَکَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِیلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِیراً، أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ کَما زَعَمْتَ عَلَیْنا کِسَفاً أَوْ تَأْتِیَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ قَبِیلًا، أَوْ یَکُونَ لَکَ بَیْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقی فِی السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِیِّکَ حَتَّی تُنَزِّلَ عَلَیْنا کِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّی هَلْ کُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا.
(2) سورة سبأ: 9.
(3) سورة البقرة: 108.
(4) سورة النساء: 103.
(5) أی: فی مقالة عبد اللّه بن المغیرة:- أو تأتی باللّه.
(6) سورة المدثر: 52.
(7) أی لقول عبد اللّه بن المغیرة وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِیِّکَ حَتَّی تُنَزِّلَ عَلَیْنا کِتاباً نَقْرَؤُهُ الإسراء: 93.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 234
وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآیاتِ إِلَّا أَنْ کَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ «1» لأنی إذا أرسلت إلی قوم آیة ثم کذبوا لم أناظرهم «2» بالعذاب.
و إن شئت یا محمد أعطیت قومک ما سألوا ثم لم أناظرهم بالعذاب قال: یا رب لا، رقة لقومه، لعلهم یتقون.
ثم قال: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَیْبُ لِلَّهِ و هو قوله: إِنَّما یَأْتِیکُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ «3» فَانْتَظِرُوا بی الموت إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ 20- بکم العذاب القتل ببدر. وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ یعنی آتینا الناس یعنی کفار مکة رَحْمَةً یعنی المطر مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ یعنی القحط و ذهاب الثمار مَسَّتْهُمْ یعنی المجاعة سبع سنین إِذا لَهُمْ مَکْرٌ فِی آیاتِنا یعنی تکذیبا یقول إذ لهم قول فی التکذیب بالقرآن و استهزاء قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَکْراً یعنی اللّه أشد إخزاء إِنَّ رُسُلَنا من الحفظة یَکْتُبُونَ ما تَمْکُرُونَ 21- یعنی ما تعلمون هُوَ الَّذِی یُسَیِّرُکُمْ فِی الْبَرِّ علی ظهور الدواب و الإبل و یهدیکم لمسالک الطرق و السبل هُوَ یحملکم فی الْبَحْرِ فی السفن فی الماء و یدلکم فیه بالنجوم. حَتَّی إِذا کُنْتُمْ فِی الْفُلْکِ یعنی فی السفن وَ جَرَیْنَ بِهِمْ [165 ب یعنی بأهلها بِرِیحٍ طَیِّبَةٍ یعنی غیر عاصف و لا قاصف و لا بطیئة وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها یعنی السفینة رِیحٌ عاصِفٌ قاصف یعنی غیر لین یعنی ریحا شدیدة وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ کُلِّ مَکانٍ یعنی من بین أیدیهم و من خلفهم و من فوقهم وَ ظَنُّوا یعنی و أیقنوا أَنَّهُمْ أُحِیطَ بِهِمْ یعنی أنهم مهلکون یعنی مغرقون دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ و ضلت عنهم آلهتهم التی
______________________________
(1) سورة الإسراء: 59.
(2) أی: لا أنظر عذابی و لا أؤجله عنهم بل أعجله لهم.
(3) سورة هود: 33.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 235
یدعون من دون اللّه فذلک قوله وَ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِیَّاهُ «1».
لَئِنْ أَنْجَیْتَنا مِنْ هذِهِ المرة لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ 22- لا ندعو معک غیرک فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ یَبْغُونَ فِی الْأَرْضِ یعنی یعبدون مع اللّه غیره بِغَیْرِ الْحَقِ إذ عبدوا مع اللّه غیره یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْیُکُمْ عَلی أَنْفُسِکُمْ ضرره «2» فی الآخرة مَتاعَ الْحَیاةِ الدُّنْیا تمتعون فیها قلیلا إلی منتهی آجالکم ثُمَّ إِلَیْنا مَرْجِعُکُمْ فی الآخرة فَنُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 23- إِنَّما مَثَلُ الْحَیاةِ الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا یَأْکُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ یقول مثل الدنیا کمثل النبت بینا هو أخضر إذا هو قد یبس فکذلک الدنیا إذا جاءت الآخرة.
یقول أنزل الماء من السماء فأنبت به ألوان الثمار لبنی آدم و ألوان النبات للبهائم حَتَّی إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها یعنی حسنها و زینتها وَ ازَّیَّنَتْ بالنبات و حسنت وَ ظَنَّ أَهْلُها یعنی و أیقن أهلها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَیْها فی أنفسهم أَتاها أَمْرُنا یعنی عذابنا لَیْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِیداً یعنی ذاهبا کَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ یعنی تنعم بالأمس کَذلِکَ یعنی هکذا تجی‌ء الآخرة فتذهب الدنیا و نعیمها و تنقطع عن أهلها نُفَصِّلُ الْآیاتِ یعنی نبین العلامات لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ 24- فی عجائب اللّه و ربوبیته.
______________________________
(1) سورة الإسراء: 67.
(2) فی أ: ضرورة، و فی م: ضرورة، و فی ل: ضرره.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 236
وَ اللَّهُ یَدْعُوا إِلی دارِ السَّلامِ یعنی دار نفسه و هی الجنة و اللّه هو السلام وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ یعنی من أهل التوحید إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 25- یعنی دین الإسلام. لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا یعنی وحدوا اللّه الْحُسْنی یعنی الجنة وَ زِیادَةٌ یعنی فضل علی الجنة النظر إلی وجه اللّه الکریم وَ لا یَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ یعنی و لا یصیب وجوههم قتر یعنی سواد و یقال کسوف و یقال هو السواد وَ لا ذِلَّةٌ یعنی و لا مذلة فی أبدانهم عند معاینة النار أُولئِکَ الذین هم بهذه المنزلة أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ 26- لا یموتون وَ الَّذِینَ کَسَبُوا السَّیِّئاتِ یعنی عملوا الشرک جَزاءُ سَیِّئَةٍ بِمِثْلِها یعنی جزاء الشرک جهنم وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ یعنی مذلة فی أبدانهم ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ یعنی مانع یمنعهم من العذاب کَأَنَّما أُغْشِیَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّیْلِ مُظْلِماً یعنی سواد اللیل أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ 27- لا یموتون، قوله: وَ یَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً [166 ا] یعنی الکفار و ما عبدوا من دون اللّه ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِینَ أَشْرَکُوا مَکانَکُمْ أَنْتُمْ وَ شُرَکاؤُکُمْ یعنی الالهة فَزَیَّلْنا بَیْنَهُمْ یعنی فمیزنا بین الجزاءین وَ قالَ شُرَکاؤُهُمْ یعنی الالهة و هم الأصنام ما کُنْتُمْ إِیَّانا تَعْبُدُونَ 28- فَکَفی بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمْ إِنْ کُنَّا یعنی لقد کنا عَنْ عِبادَتِکُمْ إیانا لَغافِلِینَ 29- و قد عبدتمونا و ما نشعر بکم، ثم قال:
هُنالِکَ یعنی عند ذلک تَبْلُوا یعنی تختبر کُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ یعنی ما قدمت وَ رُدُّوا إِلَی اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ 30- یعنی یعبدون فی الدنیا من الآلهة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 237
قُلْ لکفار قریش مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ یعنی المطر وَ من الْأَرْضِ یعنی النبات و الثمار أَمَّنْ یَمْلِکُ السَّمْعَ فیسمعها المواعظ وَ الْأَبْصارَ فیریها العظمة وَ مَنْ یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ یعنی النسمة الحیة من النطفة وَ یُخْرِجُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ وَ مَنْ یُدَبِّرُ الْأَمْرَ یعنی أمر الدنیا یعنی القضاء وحده فَسَیَقُولُونَ «1» فسیقول مشرکو قریش اللَّهُ یفعل ذلک فإذا أقروا بذلک فَقُلْ یا محمد أَ فَلا یعنی أ فهلا تَتَّقُونَ 31- الشرک یعنی فهلا تحذرون العقوبة و النقمة.
فَذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فما ذا بعد عبادة الحق و الإیمان إلا الباطل فَأَنَّی تُصْرَفُونَ 32- کَذلِکَ حَقَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ عَلَی الَّذِینَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا یُؤْمِنُونَ 33- فأخبر بعلمه السابق فیهم أنهم لا یؤمنون، ثم قال: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَکائِکُمْ یعنی الآلهة التی عبدوا من دون اللّه مَنْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ یقول هل من خالق غیر اللّه یخلق خلقا من النطفة علی غیر مثال و لا مشورة، أمن یعید خلقا من بعد الموت سَیَقُولُونَ فی قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ لِلَّهِ «2».
قُلْ أنت یا محمد اللَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ 34- یقول فمن أین تکذبون بتوحید اللّه إذا زعمتم أن مع اللّه إلها آخر قُلْ للکفار یا محمد: هَلْ مِنْ شُرَکائِکُمْ یعنی اللات، و العزی، و مناة، آلهتهم التی یعبدون مَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِ یقول هل منهم أحد إلی الحق یهدی یعنی
______________________________
(1) فی أ: فسیقول، و فی حاشیة أ: التلاوة فَسَیَقُولُونَ
(2) سورة المؤمنون: 85.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 238
إلی دین الإسلام قُلِ اللَّهُ یا محمد یَهْدِی لِلْحَقِ و هو الإسلام أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی و هی الأصنام و الأوثان إِلَّا أَنْ یُهْدی و بیان ذلک فی النحل وَ هُوَ کَلٌّ عَلی مَوْلاهُ «1»، ثم عابهم فقال:
فَما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ 35- یقول ما لکم کیف تقضون الجور و نظیرها فی ن وَ الْقَلَمِ «2»: حین زعمتم أن معی شریکا، یقول: وَ ما یَتَّبِعُ أَکْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا یعنی الالهة یقول إن هذه الآلهة تمنعهم من العذاب یقول اللّه إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی عنهم مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً یعنی من العذاب شیئا إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَفْعَلُونَ 36- وَ ما کانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَری مِنْ دُونِ اللَّهِ و ذلک لأن الولید بن المغیرة و أصحابه قالوا: یا محمد هذا القرآن [166 ب هو منک و لیس هو من ربک فأنزل اللّه تعالی: وَ ما کانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَری مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ یقول القرآن یصدق التوراة، و الزبور، و الإنجیل، وَ تَفْصِیلَ الْکِتابِ لا رَیْبَ فِیهِ یعنی تفصیل الحلال و الحرام لا شک فیه مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ 37- أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ یا محمد علی اللّه قُلْ إن زعمتم أنی افتریته و تقولته فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ مثل هذا القرآن وَ ادْعُوا یقول استعینوا علیه مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ یعنی الآلهة إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 38- أن الآلهة تمنعهم من العذاب یقول اللّه:
بَلْ کَذَّبُوا بِما لَمْ یُحِیطُوا بِعِلْمِهِ إذ زعموا أن لا جنة، و لا نار، و لا بعث، وَ لَمَّا یَأْتِهِمْ تَأْوِیلُهُ یعنی بیانه کَذلِکَ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ من
______________________________
(1) سورة النحل الآیة 76 و تمامها: وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَیْنِ أَحَدُهُما أَبْکَمُ لا یَقْدِرُ عَلی شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ کَلٌّ عَلی مَوْلاهُ أَیْنَما یُوَجِّهْهُ لا یَأْتِ بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَ مَنْ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ
(2) یشیر إلی الآیة 36 من سورة القلم و هی قوله تعالی: ما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 239
الأمم الخالیة فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِینَ 39- یعنی المکذبین بالبعث وَ مِنْهُمْ مَنْ یُؤْمِنُ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ لا یُؤْمِنُ بِهِ یعنی لا یصدق بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- و دینه ثم أخبر اللّه أنه قد علم من یؤمن به و من لا یؤمن به من قبل أن یخلقهم، فذلک قوله: وَ رَبُّکَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِینَ 40- وَ إِنْ کَذَّبُوکَ بالقرآن و قالوا: إنه من تلقاء نفسک فَقُلْ للمستهزئین من قریش عبد اللّه بن أبی أمیة و أصحابه لِی عَمَلِی وَ لَکُمْ عَمَلُکُمْ یقول دین اللّه أنا علیه، و لکم دینکم الذی أنتم علیه أَنْتُمْ بَرِیئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِی‌ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ 41- یقول أنتم بریئون من دینی، و أنا بری‌ء من دینکم یعنی من کفرکم مثلها فی هود قالَ إِنِّی أُشْهِدُ اللَّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّی بَرِی‌ءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ، مِنْ دُونِهِ «1».
وَ مِنْهُمْ یعنی مشرکی قریش مَنْ یَسْتَمِعُونَ إِلَیْکَ یعنی یستمعون قولک أَ فَأَنْتَ یا محمد تُسْمِعُ الصُّمَ یقول کما لا یسمع الصم لا یسمع المواعظ من قد سبقت له الشقاوة فی علم اللّه- تعالی- وَ لَوْ یعنی إذ کانُوا لا یَعْقِلُونَ 42- الإیمان وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْظُرُ إِلَیْکَ یا محمد أَ فَأَنْتَ تَهْدِی الْعُمْیَ وَ لَوْ یعنی إذ کانُوا لا یُبْصِرُونَ 43- الهدی إِنَّ اللَّهَ لا یَظْلِمُ النَّاسَ شَیْئاً وَ لکِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ 44- یقول نصیبهم ینقصون بأعمالهم إذا حرموا أنفسهم ثواب المؤمنین وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ من قبورهم إلی القیامة کَأَنْ لَمْ یَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ یعنی یوما
______________________________
(1) سورة هود الآیة 54، 55 و تمامها:
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراکَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ، قالَ إِنِّی أُشْهِدُ اللَّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّی بَرِی‌ءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ، مِنْ دُونِهِ فَکِیدُونِی جَمِیعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 240
واحدا من أیام الدنیا یَتَعارَفُونَ بَیْنَهُمْ یعنی یعرفون بعضهم بعضا و تبیان ذلک فی الفصل فی سَأَلَ سائِلٌ «1» یُبَصَّرُونَهُمْ «2» یعنی یعرفونهم قَدْ خَسِرَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ یعنی البعث وَ ما کانُوا مُهْتَدِینَ 45- وَ إِمَّا نُرِیَنَّکَ بَعْضَ الَّذِی نَعِدُهُمْ یوم بدر أَوْ نَتَوَفَّیَنَّکَ قبل یوم بدر فَإِلَیْنا مَرْجِعُهُمْ فی الآخرة فأنتقم منهم ثُمَّ اللَّهُ شَهِیدٌ عَلی ما یَفْعَلُونَ 46- من الکفر و التکذیب وَ لِکُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ یعنی بالحق [167 ا] و هو العدل وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ 47- و ذلک أن اللّه بعث الرسل إلی أممهم یدعون إلی «عبادة «3»» اللّه و ترک عبادة الأصنام و الأوثان فمن أجابهم إلی ذلک أثابه اللّه الجنة، و من أبی جعل ثوابه النار فذلک قوله: قُضِیَ «4» بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ و ذلک عند وقت العذاب وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ یعنی و هم لا ینقصون من محاسنهم و لا یزادون علی مساوئهم ما لم یعملوها وَ یَقُولُونَ یعنی الکفار لنبیهم مَتی هذَا الْوَعْدُ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 48- و ذلک قوله: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ «5».
______________________________
(1) سورة المعارج و هی السورة رقم 70 فی ترتیب المصحف، و أولها سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْکافِرینَ لَیْسَ لَهُ دافِعٌ».
(2) یشیر إلی الآیة 11 من سورة المعارج و تمامها: یُبَصَّرُونَهُمْ یَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ یَفْتَدِی مِنْ عَذابِ یَوْمِئِذٍ بِبَنِیهِ
(3) زیادة لیست فی: أ، و لیست فی: ل.
(4) فی أ، ل: و قضی.
(5) سورة العنکبوت: 29.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 241
قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی ضَرًّا یعنی سوءا وَ لا نَفْعاً یعنی فی الآخرة إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِکُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ وقت یقول: لکل أجل وقت لأنه سبقت الرحمة الغضب إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ یعنی وقت العذاب فَلا «1» یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ 49- یقول لا یؤخر عنهم ساعة و لا یصیبهم قبل الوقت قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ أَتاکُمْ عَذابُهُ بَیاتاً یعنی صباحا أَوْ نَهاراً ما ذا یَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ 50- أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ یعنی قول القرآن آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ حین لم تنفعکم وَ قَدْ کُنْتُمْ بِهِ یعنی بالعذاب تَسْتَعْجِلُونَ 51- ثُمَّ قِیلَ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی کفروا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ 52- من الشرک یقول: جزاء الشرک جهنم «2».
وَ یَسْتَنْبِئُونَکَ یقول یسألونک أَ حَقٌّ هُوَ؟ یعنی العذاب الذی تعدنا به، و یقال القرآن الذی أنزل إلیک أحق هو؟ قُلْ إِی وَ رَبِّی یعنی نعم و إلهی إِنَّهُ یعنی العذاب لَحَقٌ یعنی لکائن وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ 53- یعنی بسابقیّ بأعمالکم الخبیثة فی الدنیا قبل الآخرة، قوله: وَ لَوْ أَنَّ لِکُلِّ نَفْسٍ کافرة ظَلَمَتْ ما فِی الْأَرْضِ مالا لَافْتَدَتْ بِهِ نفسها یوم القیامة من عذاب جهنم وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ یعنی حین رأوا العذاب وَ قُضِیَ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ یعنی بالعدل و صاروا إلی جهنم بشرکهم و صار المؤمنون إلی الجنة بإیمانهم وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ 54- قوله: أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یقول هو رب من فیهما أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ أن من وحده أثابه الجنة و من کفر به عاقبه بالنار وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ 55- یعنی من کل ألف تسعمائة و تسعة و تسعین إلی النار و واحد
______________________________
(1) «فَلا»: فی الأصل «لا».
(2) فی أ: یقول الشرک جهنم، ل: یقول جزاء الشرک جهنم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 242
إلی الجنة، ثم أخبر بصنیعه لیوحد، فقال: هُوَ یُحیِی من النطف وَ یُمِیتُ من بعد الحیاة فاعبدوا من یحیی و یمیت وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 56- من بعد الموت فیجزیکم فی الآخرة یا أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْکُمْ مَوْعِظَةٌ یعنی بینة مِنْ رَبِّکُمْ و هو ما بین اللّه فی القرآن وَ شِفاءٌ لِما فِی الصُّدُورِ من الکفر و الشرک وَ هذا القرآن هُدیً من الضلالة وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ 57- لمن أحل حلاله، و حرم حرامه قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ یعنی القرآن وَ بِرَحْمَتِهِ الإسلام فَبِذلِکَ فَلْیَفْرَحُوا معشر المسلمین [167 ا] هُوَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ 58- من الأموال. فلما نزلت هذه الآیة قرأها النبی- صلی اللّه علیه و سلم- مرات.
قُلْ لکفار قریش، و خزاعة، و ثقیف، و عامر بن صعصعة، و بنی مدلج، و الحارث «1» ابنی عبد مناة، قل لهم: أَ رَأَیْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَکُمْ مِنْ رِزْقٍ یعنی البحیرة، و السائبة، و الوصیلة، و الحام، فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالًا یعنی حرمتم منه ما شئتم وَ حَلالًا یعنی و حللتم منه ما شئتم قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللَّهِ تَفْتَرُونَ 59- وَ ما ظَنُّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ فی الدنیا عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ فزعموا أن له شریکا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاسِ حین لا یؤاخذهم عند کل ذنب وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَشْکُرُونَ 60- هذه النعم وَ ما تَکُونُ فِی شَأْنٍ «2» وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا کُنَّا عَلَیْکُمْ شُهُوداً یعنی إلا و قد علمته قبل أن تعملوه
______________________________
(1) فی أ: و الحرث.
(2) فی أ: وَ ما تَکُونُ فِی شَأْنٍ ... إلی قوله ... عَلَیْکُمْ شُهُوداً.
و فی ل: ذکر نص الآیة، فالمثبت من آیة 61 من: ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 243
إِذْ تُفِیضُونَ فِیهِ و أنا شاهدکم یعنی إذ تعملونه وَ ما یَعْزُبُ یعنی و ما یغیب عَنْ رَبِّکَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ یعنی و زن ذرة فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْبَرَ إِلَّا فِی کِتابٍ مُبِینٍ 61- یعنی اللوح المحفوظ أَلا إِنَّ أَوْلِیاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ أن یدخلوا جهنم وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ 62- أن یخرجوا من الجنة أبدا الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا وَ کانُوا یَتَّقُونَ 63- الکبائر لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا الرؤیا الصالحات وَ فِی الْآخِرَةِ إذا خرجوا من قبورهم لا تَبْدِیلَ لِکَلِماتِ اللَّهِ یعنی لوعد اللّه أن من اتقاه ثوابه الجنة و من عصاه عقابه النار ذلِکَ البشری «1» هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ 64- وَ لا یَحْزُنْکَ قَوْلُهُمْ یا محمد یعنی أذاهم إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ یعنی إن القوة للّه جَمِیعاً فی الدنیا و الآخرة هُوَ السَّمِیعُ لقولهم الْعَلِیمُ 65- بهم أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ یقول هو ربهم و هم عباده، ثم قال: وَ ما یَتَّبِعُ الَّذِینَ یَدْعُونَ یعنی یعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَکاءَ یعنی الملائکة إِنْ یَتَّبِعُونَ یعنی ما یتبعون إِلَّا الظَّنَ یعنی ما یستیقنون بذلک وَ إِنْ هُمْ إِلَّا یَخْرُصُونَ 66- الکذب ثم دل علی نفسه بصنعه لیعتبروا فیوحدوه، فقال: هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ یعنی لتأووا فیه من نصب النهار وَ النَّهارَ مُبْصِراً ضیاء و نورا لتتغلبوا فیه لمعایشکم إِنَّ فِی ذلِکَ یعنی فی هذا لَآیاتٍ یعنی لعلامات لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ 67- المواعظ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً فنزه نفسه عن ذلک «2»، فقال: سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِیُ أن یتخذ ولدا لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَکُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا
______________________________
(1) هکذا فی: أ، ل، ذلک اسم إشارة للمذکر، البشری مؤنثة فلعله ضمنها معنی التبشیر.
(2) فی أ: فنزه عن ذلک، ل: فنزه نفسه عن ذلک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 244
یقول فعندکم حجة بما تزعمون أنه له ولد أَ تَقُولُونَ عَلَی اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ 68- قُلْ یا محمد إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ لا یُفْلِحُونَ 69- یعنی لا یفوزون إذا صاروا إلی النار مَتاعٌ فِی الدُّنْیا یعنی بلاغ فی الحیاة الدنیا ثُمَّ إِلَیْنا مَرْجِعُهُمْ [168 أ] فی الآخرة ثُمَّ نُذِیقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِیدَ بِما کانُوا یَکْفُرُونَ 70- بقولهم إن الملائکة ولد اللّه. وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ یعنی و اقرأ علیهم نَبَأَ نُوحٍ یعنی حدیث نوح إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ یا قَوْمِ إِنْ کانَ کَبُرَ عَلَیْکُمْ یعنی عظم علیکم مَقامِی یعنی طول مکثی فیکم وَ تَذْکِیرِی بِآیاتِ اللَّهِ یعنی تحذیری إیاکم عقوبة اللّه فَعَلَی اللَّهِ تَوَکَّلْتُ یعنی باللّه احترزت فَأَجْمِعُوا أَمْرَکُمْ وَ شُرَکاءَکُمْ و آلهتکم ثُمَّ لا یَکُنْ أَمْرُکُمْ عَلَیْکُمْ غُمَّةً یعنی سوءا ثُمَّ اقْضُوا إِلَیَ یعنی میلوا إلی وَ لا تُنْظِرُونِ 71- یعنی و لا تمهلون فَإِنْ تَوَلَّیْتُمْ یعنی عصیتم فَما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ یعنی من جعل إِنْ أَجْرِیَ یعنی ثوابی إِلَّا عَلَی اللَّهِ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ 72- یعنی من الموحدین فَکَذَّبُوهُ فَنَجَّیْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ من المؤمنین فِی الْفُلْکِ یعنی السفینة وَ جَعَلْناهُمْ خَلائِفَ فی الأرض من بعد نوح وَ أَغْرَقْنَا الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا یعنی بنوح و ما جاء به فَانْظُرْ یا محمد کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِینَ 73- یعنی المحذرین ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ یعنی من بعد نوح رُسُلًا إِلی قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَیِّناتِ ثم أخبر بعلمه فیهم، فقال:
فَما کانُوا لِیُؤْمِنُوا یعنی لیصدقوا بِما کَذَّبُوا بِهِ یعنی العذاب مِنْ قَبْلُ نزول العذاب کَذلِکَ نَطْبَعُ یعنی هکذا نختم عَلی قُلُوبِ الْمُعْتَدِینَ 74- یعنی الکافرین ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد الأمم مُوسی وَ هارُونَ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 245
إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ بِآیاتِنا یعنی بعلاماتنا: الید و العصا فَاسْتَکْبَرُوا یعنی فتکبروا عن الإیمان وَ کانُوا قَوْماً مُجْرِمِینَ 75- یعنی کافرین فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا یعنی موسی و ما جاء به من الآیات قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِینٌ «1»- 76- یعنی بین قالَ مُوسی أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِ الید و العصا لَمَّا جاءَکُمْ أَ سِحْرٌ هذا وَ لا یُفْلِحُ السَّاحِرُونَ 77- فی الدنیا و الآخرة قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَنا یعنی لتصدنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَیْهِ آباءَنا یعنی عما کانت آباؤنا تعبد وَ تَکُونَ لَکُمَا الْکِبْرِیاءُ یعنی موسی و هارون: الکبریاء یعنی الملک فِی الْأَرْضِ وَ ما نَحْنُ لَکُما بِمُؤْمِنِینَ 78- یعنی بمصدقین وَ قالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِی بِکُلِّ ساحِرٍ عَلِیمٍ 79- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسی أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ 80- یعنی الحبال و العصی فَلَمَّا أَلْقَوْا الحبال و العصی سحروا أعین الناس قالَ مُوسی ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَیُبْطِلُهُ یعنی إن اللّه سیدحضه و یقهره إِنَّ اللَّهَ لا یُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِینَ 81- یعنی إن اللّه لا یعطی أهل الکفر و المعاصی الظفر وَ یُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِکَلِماتِهِ یقول یحق اللّه الدین بالتوحید و الظفر لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم- وَ لَوْ کَرِهَ الْمُجْرِمُونَ 82- فَما آمَنَ لِمُوسی یعنی فما صدق لموسی إِلَّا ذُرِّیَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ یعنی أهل بیت أمهاتهم من بنی إسرائیل و آباؤهم من القبط [168 ب عَلی خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِمْ «یعنی و من معه الأشراف من قومه «2»» الأبناء «3» أَنْ یَفْتِنَهُمْ یعنی أن یقتلهم
______________________________
(1) فی أ: «ما هذا» إلا «لَسِحْرٌ مُبِینٌ».
(2) ما بین الأقواس «...» ساقط من: ل.
(3) تطلق الأبناء علی الرؤساء و السادة و کان الفرس یلقبون بأبناء الأبناء أی أبناء الأحرار و السادة قال الشاعر یمدح سیف بن ذی یزن: حتی أتی ببنی الأبناء یقدمهم‌تخالهم فوق متن الأرض أجبالا تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 246
وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِی الْأَرْضِ یعنی جبارا فی الأرض وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِینَ 83- یعنی المشرکین.
وَ قالَ مُوسی یا قَوْمِ إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَیْهِ تَوَکَّلُوا یعنی احترزوا إِنْ کُنْتُمْ مُسْلِمِینَ 84- یعنی إن کنتم مقرین بالتوحید فَقالُوا عَلَی اللَّهِ تَوَکَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ 85- یعنی الذین کفروا یقول و لا تعذبهم من أجلنا، یقول إن عذبتهم فلا تجعلنا لهم فتنة وَ نَجِّنا بِرَحْمَتِکَ مِنَ الْقَوْمِ الْکافِرِینَ 86-.
( «حدثنا «1»» عبید اللّه قال: سمعت أبی عن الهذیل فی قوله: «رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ» قال: سمعت أبا صالح «2» یقول: ربنا لا تظفرهم بنا فیظنوا أنهم علی حق و أنا علی باطل. قال: سمعته مرة أخری یقول: لا تختبرنا ببلاء فیشمت بنا أعداؤنا من ذلک و عافنا منه. قال: و سمعته «3» مرة أخری یقول:
لا تبسط لهم فی الرزق و تفتنا بالفقر فنحتاج إلیهم فیکون ذلک فتنة لنا و لهم «4»).
وَ أَوْحَیْنا إِلی مُوسی وَ أَخِیهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِکُما بنی إسرائیل بِمِصْرَ بُیُوتاً یعنی مساجد وَ اجْعَلُوا بُیُوتَکُمْ قِبْلَةً یقول اجعلوا مساجدکم قبل المسجد الحرام وَ أَقِیمُوا فی تلک البیوت الصَّلاةَ لمواقیتها وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ 87- وَ قالَ مُوسی رَبَّنا إِنَّکَ آتَیْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِینَةً یعنی الملک وَ أَمْوالًا یعنی أنواع الأموال فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا رَبَّنا لِیُضِلُّوا عَنْ سَبِیلِکَ
______________________________
(1) زیادة لیست فی: أ، و الأثر الاتی کل ساقط من: ل.
(2) أبا صالح: هو الهذیل فالأثر یرویه عبید الله بن ثابت عن أبیه عن الهذیل.
(3) فی أ: و سمعت.
(4) الأثر السابق بین القوسین (...): ساقط من: ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 247
یعنی إنما أعطیتهم لیشکروا و لا یکفروا بدینک «1». قال موسی:
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلی أَمْوالِهِمْ قال هارون: آمین وَ اشْدُدْ یعنی اختم عَلی قُلُوبِهِمْ قال هارون: آمین فَلا یُؤْمِنُوا یعنی فلا یصدقوا حَتَّی یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ 88- فإذا رأوا العذاب الألیم آمنوا و لم یغن عنهم «2» شیئا قالَ قَدْ أُجِیبَتْ دَعْوَتُکُما فَاسْتَقِیما إلی اللّه فصار الداعی و المؤمن شریکین وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِیلَ یعنی طریق الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ 89- بأن اللّه وحده لا شریک له- یعنی أهل مصر وَ جاوَزْنا بِبَنِی إِسْرائِیلَ الْبَحْرَ بیان ذلک فی طه فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِیقاً فِی الْبَحْرِ یَبَساً لا تَخافُ دَرَکاً وَ لا تَخْشی «3» لا تخاف أن یدرکک فرعون، و لا تخشی أن تغرق فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْیاً ظلما وَ عَدْواً یعنی اعتداء حَتَّی إِذا أَدْرَکَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ یعنی صدقت و ذلک حین غشیه الموت أَنَّهُ «4» لا إِلهَ إِلَّا الَّذِی آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِیلَ یعنی بالذی صدقت به بنو إسرائیل من التوحید وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ 90- فأخذ جبریل- علیه السلام- کفا من حصباء البحر فجعلها فی فیه «5»، فقال: آلْآنَ عند الموت تؤمن وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ
______________________________
(1) و فی الجلالین لِیُضِلُّوا فی عاقبته عَنْ سَبِیلِکَ دینک.
(2) فی أ، ل: لم یغن.
(3) سورة طه: 77.
«فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ» تفسیرها مضطرب فی أ، ل.
(4) فی أ: یعنی صدقت أَنَّهُ و ذلک حین غشیه الموت لا إِلهَ إِلَّا ...، و المثبت من: ل.
(5) فی حاشیة أ: عاب فی الکشاف هذا الرأی و قال کلاما حاصله: کیف یلیق أن یمنع السید جبریل شخصا یرید الإیمان من الإیمان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 248
[169 ا] أی قبل نزول العذاب وَ کُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ 91- یعنی من العاصین فَالْیَوْمَ نُنَجِّیکَ بِبَدَنِکَ و ذلک أنه لما غرق القوم قالت بنو إسرائیل: إنهم لم یغرقوا فأوحی اللّه إلی البحر فطفا بهم علی وجهه فنظروا إلی فرعون علی الماء فمنذ یومئذ إلی یوم القیامة تطفوا الغرقی علی «1» الماء، فذلک قوله: لِتَکُونَ لِمَنْ خَلْفَکَ آیَةً یعنی لمن بعدک إلی یوم القیامة آیة یعنی علما وَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آیاتِنا یعنی عجائبنا و سلطاننا لَغافِلُونَ 92- یعنی لاهون وَ لَقَدْ بَوَّأْنا یعنی أنزلنا بَنِی إِسْرائِیلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ منزل صدق و هو بیت المقدس وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ یعنی المطر و النبت فَمَا اخْتَلَفُوا یعنی أهل التوراة و الإنجیل فی نبوة محمد- صلی اللّه علیه و سلم- حَتَّی جاءَهُمُ الْعِلْمُ حتی بعثه اللّه- عز و جل- فلما بعث کفروا به و حسدوه إِنَّ رَبَّکَ یَقْضِی بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ «2» فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ 93- فَإِنْ کُنْتَ فِی شَکٍ یا محمد مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ فَسْئَلِ الَّذِینَ یَقْرَؤُنَ الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکَ عبد اللّه بن سلام و أصحابه،
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عند ذلک لا أشک و لا أسأل بعد، أشهد أنه الحق من عند اللّه
لَقَدْ جاءَکَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَلا تَکُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِینَ 94- یعنی من المشرکین فی القرآن بأنه جاء من اللّه- تعالی.
ثم حذر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و أوعز إلیه حین قالوا: إنما یلقنه الری «3» علی لسانه، فقال: وَ لا تَکُونَنَّ مِنَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِ اللَّهِ یعنی
______________________________
(1) مرد ذلک إلی تفاعلات فسیولوجیة فی جسم الغریق یطفو بسببها علی وجه الماء بعد فترة من زمن الغرق و لا یمنع أن یکون اللّه هو الذی أحکم تدبیر هذه التفاعلات الفسیولوجیة حتی یعثر الناس علی جثة الغریق.
(2) فی أ: القیامة القیامة.
(3) الری: الشیطان، و فی أ: الرویا، و فی ل: الری.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 249
القرآن کما کذب به کفار مکة فَتَکُونَ مِنَ الْخاسِرِینَ 95- ثم قال «1»:
إِنَّ الَّذِینَ حَقَّتْ عَلَیْهِمْ کَلِمَتُ رَبِّکَ یعنی وجبت علیهم کلمة العذاب یقول: أی سبقت لهم الشقاوة من اللّه- عز و جل- فی علمه لا یُؤْمِنُونَ 96- یعنی لا یصدقون وَ لَوْ جاءَتْهُمْ کُلُّ آیَةٍ حَتَّی یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ 97- کما سألوا «فی» «2» بنی إسرائیل حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً ...
إلی آخر الآیات «3».
و کقوله «4» فَلَوْ لا کانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِکُمْ «5» قال: کل شی‌ء فی القرآن فلولا: فهلا «6» إلا ما فی یونس «7» و هود «8».
______________________________
(1) فی أ: و فی ل:
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عند ذلک لا أشک و لا أسأل بل أشهد أنه الحق فقال: إِنَّ الَّذِینَ حَقَّتْ عَلَیْهِمْ ....
(2) ساقطة من: أ، و مثبتة فی: ل.
(3) فی أ، ل: إلی آخر الآیة.
و السیاق یقتضی إلی آخر الآیات، و هی الآیات 90، 91، 92، 93 من سورة الإسراء و تمامها: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً، أَوْ تَکُونَ لَکَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِیلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِیراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ کَما زَعَمْتَ عَلَیْنا کِسَفاً أَوْ تَأْتِیَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ قَبِیلًا، أَوْ یَکُونَ لَکَ بَیْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقی فِی السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِیِّکَ حَتَّی تُنَزِّلَ عَلَیْنا کِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّی هَلْ کُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا».
(4) فی أ: کقوله.
(5) سورة هود: 116.
(6) أی معنا فهلا.
(7) یشیر إلی الآیة 98 من سورة یونس: فَلَوْ لا کانَتْ قَرْیَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِیمانُها إِلَّا قَوْمَ یُونُسَ
(8) یشیر إلی الآیة 116 من هود: فَلَوْ لا کانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِکُمْ أُولُوا بَقِیَّةٍ یَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِی الْأَرْضِ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 250
فَلَوْ لا کانَتْ «1» قَرْیَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِیمانُها: الإیمان عند نزول العذاب إِلَّا قَوْمَ یُونُسَ لَمَّا آمَنُوا یعنی صدقوا و تابوا و ذلک أن قوم یونس- علیه السلام- لما نظروا إلی العذاب فوق رءوسهم علی قدر میل و هم فی قریة تسمی نینوی «2» من أرض الموصل تابوا، فلبس «3» المسوح بعضهم، و نثروا الرماد علی رءوسهم و عزلوا الأمهات من الأولاد و النساء من الزواج ثم عجوا إلی اللّه فکشف اللّه عنهم العذاب کَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْیِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلی حِینٍ 98- إلی منتهی آجالهم فأخبرهم یا محمد، أن التوبة لا تنفعهم عند نزول العذاب وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَآمَنَ «4» مَنْ فِی الْأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعاً أَ فَأَنْتَ تُکْرِهُ النَّاسَ حَتَّی یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ 99- هذا منسوخ نسختها آیة السیف فی براءة «5».
ثم دل علی نفسه بصنعه لیعتبروا فیوحدوه فقال: وَ ما کانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ یعنی أن تصدق بتوحید اللّه حتی بأذن اللّه فی ذلک وَ یَجْعَلُ الرِّجْسَ یعنی الإثم عَلَی الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ 100- ثم وعظ کفار مکة فقال: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِی السَّماواتِ یعنی الشمس، و القمر، و النجوم، و السحاب، و المطر وَ الْأَرْضِ و الجبال، و الأشجار، و الأنهار، و الثمار، و العیون، ثم أخبر عن علمه فیهم فقال: وَ ما تُغْنِی الْآیاتُ یعنی العلامات
______________________________
(1) فی أ: «فلو کانت». و فی حاشیة أ: التلاوة «فَلَوْ لا».
(2) فی أ: نینون، م: نینوی، ل: نینون.
(3) فی أ: فلبسوا، ل: فلبس.
(4) فی أ: إلی قوله «... مؤمنین».
(5) لیس معنی آیة السیف الإکراه علی الدین، فلا تعارض بینها و بین هذه الآیة، و بالتالی فلیست ناسخة لها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 251
وَ النُّذُرُ یعنی الرسل عَنْ قَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ 101- ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالیة فقال: فَهَلْ یَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَیَّامِ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی قوم نوح، و عاد، و ثمود، و القرون المعذبة، قُلْ فَانْتَظِرُوا الموت إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ 102- بکم العذاب ثُمَّ نُنَجِّی رُسُلَنا وَ الَّذِینَ آمَنُوا معهم کَذلِکَ یعنی هکذا حَقًّا عَلَیْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِینَ 103- فی الآخرة من النار و فی الدنیا بالظفر قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنْ کُنْتُمْ فِی شَکٍّ مِنْ دِینِی الإسلام فَلا أَعْبُدُ الَّذِینَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة وَ لکِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ یعنی أوحد اللّه الَّذِی یَتَوَفَّاکُمْ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 104- یعنی المصدقین وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً یعنی مخلصا وَ لا تَکُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِکِینَ 105- باللّه وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ یعنی و لا تعبد مع اللّه إلها غیره ما لا یَنْفَعُکَ یقول ما إن احتجت إلیه لم ینفعک وَ لا یَضُرُّکَ یعنی فإن ترکت عبادته فی الدنیا لا یضرک و إن لم تعبده فَإِنْ فَعَلْتَ فعبدت غیر اللّه فَإِنَّکَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِینَ 106- یعنی من المشرکین، ثم خوفه لیتمسک بدین اللّه وَ إِنْ یَمْسَسْکَ اللَّهُ بِضُرٍّ یعنی بمرض فَلا کاشِفَ لَهُ لذلک الضر إِلَّا هُوَ یعنی الرب نفسه وَ إِنْ یُرِدْکَ بِخَیْرٍ بعافیة و فضل فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ یعنی فلا دافع لقضائه یُصِیبُ بِهِ بذلک الفضل مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ 107- قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَکُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ یعنی القرآن فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَ عن إیمان بالقرآن فَإِنَّما
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 252
یَضِلُّ عَلَیْها وَ ما أَنَا عَلَیْکُمْ بِوَکِیلٍ 108- نسختها آیة السیف «1» وَ اتَّبِعْ ما یُوحی إِلَیْکَ یعنی الحلال و الحرام ثم أوعز إلی نبیه- علیه السلام- لیصبر علی تکذیبهم إیاه و علی الأذی فقال: وَ اصْبِرْ یا محمد علی الأذی حَتَّی یَحْکُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ 109- فحکم اللّه علیها بالسیف فقتلهم ببدر. و عجل اللّه أرواحهم إلی النار فصارت منسوخة نسختها آیة السیف « «2»».
***______________________________
(1، 2) لا نسخ فی الآیة 108 و لا فی الآیة 109.
*** فقد أمر- علیه السلام- بتبلیغ دعوته لأهل مکة بالحکمة و الموعظة الحسنة کما أمر بالصبر و التحمل.
و هذه مرحلة من مراحل الدعوة ناسبها التبلیغ و الاحتمال.
و فی مرحلة المدینة: أمر المسلمون بالدفاع عن أنفسهم.
فلما وقف مشرکو العرب فی طریق الدعوة و کونوا قوة لصد الناس عنها أمر المسلمون بقتال مشرکی العرب خاصة.
فالأمر إما تدرج فی التشریع، أو تخصیص للعام، لا نسخا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 253

سورة هود

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 255
(11) سورة هود مکّیّة و آیاتها ثلاث و عشرون و مائة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ‌

[سورة هود (11): الآیات 1 الی 123]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الر کِتابٌ أُحْکِمَتْ آیاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ خَبِیرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِی لَکُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ وَ بَشِیرٌ (2) وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ یُمَتِّعْکُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی وَ یُؤْتِ کُلَّ ذِی فَضْلٍ فَضْلَهُ وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ کَبِیرٍ (3) إِلَی اللَّهِ مَرْجِعُکُمْ وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (4)
أَلا إِنَّهُمْ یَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِیَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِینَ یَسْتَغْشُونَ ثِیابَهُمْ یَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ وَ ما یُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5) وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَی اللَّهِ رِزْقُها وَ یَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها کُلٌّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (6) وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ کانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّکُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَیَقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِینٌ (7) وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلی أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَیَقُولُنَّ ما یَحْبِسُهُ أَلا یَوْمَ یَأْتِیهِمْ لَیْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (8) وَ لَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَیَؤُسٌ کَفُورٌ (9)
وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَیَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّیِّئاتُ عَنِّی إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِینَ صَبَرُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِکَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ کَبِیرٌ (11) فَلَعَلَّکَ تارِکٌ بَعْضَ ما یُوحی إِلَیْکَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُکَ أَنْ یَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْهِ کَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَکٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِیرٌ وَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَکِیلٌ (12) أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَیاتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (13) فَإِلَّمْ یَسْتَجِیبُوا لَکُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)
مَنْ کانَ یُرِیدُ الْحَیاةَ الدُّنْیا وَ زِینَتَها نُوَفِّ إِلَیْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِیها وَ هُمْ فِیها لا یُبْخَسُونَ (15) أُولئِکَ الَّذِینَ لَیْسَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِیها وَ باطِلٌ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (16) أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ کِتابُ مُوسی إِماماً وَ رَحْمَةً أُولئِکَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ یَکْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَکُ فِی مِرْیَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یُؤْمِنُونَ (17) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً أُولئِکَ یُعْرَضُونَ عَلی رَبِّهِمْ وَ یَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِینَ کَذَبُوا عَلی رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الظَّالِمِینَ (18) الَّذِینَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ یَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ (19)
أُولئِکَ لَمْ یَکُونُوا مُعْجِزِینَ فِی الْأَرْضِ وَ ما کانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِیاءَ یُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما کانُوا یَسْتَطِیعُونَ السَّمْعَ وَ ما کانُوا یُبْصِرُونَ (20) أُولئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلی رَبِّهِمْ أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِیقَیْنِ کَالْأَعْمی وَ الْأَصَمِّ وَ الْبَصِیرِ وَ السَّمِیعِ هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلاً أَ فَلا تَذَکَّرُونَ (24)
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ إِنِّی لَکُمْ نَذِیرٌ مُبِینٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ أَلِیمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراکَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَ ما نَراکَ اتَّبَعَکَ إِلاَّ الَّذِینَ هُمْ أَراذِلُنا بادِیَ الرَّأْیِ وَ ما نَری لَکُمْ عَلَیْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّکُمْ کاذِبِینَ (27) قالَ یا قَوْمِ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کُنْتُ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَ آتانِی رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّیَتْ عَلَیْکُمْ أَ نُلْزِمُکُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها کارِهُونَ (28) وَ یا قَوْمِ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مالاً إِنْ أَجرِیَ إِلاَّ عَلَی اللَّهِ وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ لکِنِّی أَراکُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29)
وَ یا قَوْمِ مَنْ یَنْصُرُنِی مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَ فَلا تَذَکَّرُونَ (30) وَ لا أَقُولُ لَکُمْ عِنْدِی خَزائِنُ اللَّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَیْبَ وَ لا أَقُولُ إِنِّی مَلَکٌ وَ لا أَقُولُ لِلَّذِینَ تَزْدَرِی أَعْیُنُکُمْ لَنْ یُؤْتِیَهُمُ اللَّهُ خَیْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِی أَنْفُسِهِمْ إِنِّی إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِینَ (31) قالُوا یا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَکْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (32) قالَ إِنَّما یَأْتِیکُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ (33) وَ لا یَنْفَعُکُمْ نُصْحِی إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَکُمْ إِنْ کانَ اللَّهُ یُرِیدُ أَنْ یُغْوِیَکُمْ هُوَ رَبُّکُمْ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (34)
أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَیْتُهُ فَعَلَیَّ إِجْرامِی وَ أَنَا بَرِی‌ءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَ أُوحِیَ إِلی نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ یُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِکَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما کانُوا یَفْعَلُونَ (36) وَ اصْنَعِ الْفُلْکَ بِأَعْیُنِنا وَ وَحْیِنا وَ لا تُخاطِبْنِی فِی الَّذِینَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَ یَصْنَعُ الْفُلْکَ وَ کُلَّما مَرَّ عَلَیْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْکُمْ کَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ یَأْتِیهِ عَذابٌ یُخْزِیهِ وَ یَحِلُّ عَلَیْهِ عَذابٌ مُقِیمٌ (39)
حَتَّی إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِیها مِنْ کُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ وَ أَهْلَکَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِیلٌ (40) وَ قالَ ارْکَبُوا فِیها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّی لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (41) وَ هِیَ تَجْرِی بِهِمْ فِی مَوْجٍ کَالْجِبالِ وَ نادی نُوحٌ ابْنَهُ وَ کانَ فِی مَعْزِلٍ یا بُنَیَّ ارْکَبْ مَعَنا وَ لا تَکُنْ مَعَ الْکافِرِینَ (42) قالَ سَآوِی إِلی جَبَلٍ یَعْصِمُنِی مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْیَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَ حالَ بَیْنَهُمَا الْمَوْجُ فَکانَ مِنَ الْمُغْرَقِینَ (43) وَ قِیلَ یا أَرْضُ ابْلَعِی ماءَکِ وَ یا سَماءُ أَقْلِعِی وَ غِیضَ الْماءُ وَ قُضِیَ الْأَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَی الْجُودِیِّ وَ قِیلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (44)
وَ نادی نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی وَ إِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْکَمُ الْحاکِمِینَ (45) قالَ یا نُوحُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجاهِلِینَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَسْئَلَکَ ما لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَ إِلاَّ تَغْفِرْ لِی وَ تَرْحَمْنِی أَکُنْ مِنَ الْخاسِرِینَ (47) قِیلَ یا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَ بَرَکاتٍ عَلَیْکَ وَ عَلی أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَکَ وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ یَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِیمٌ (48) تِلْکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ نُوحِیها إِلَیْکَ ما کُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُکَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ (49)
وَ إِلی عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50) یا قَوْمِ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی أَ فَلا تَعْقِلُونَ (51) وَ یا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُمْ مِدْراراً وَ یَزِدْکُمْ قُوَّةً إِلی قُوَّتِکُمْ وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِینَ (52) قالُوا یا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَیِّنَةٍ وَ ما نَحْنُ بِتارِکِی آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِکَ وَ ما نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراکَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّی أُشْهِدُ اللَّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّی بَرِی‌ءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ (54)
مِنْ دُونِهِ فَکِیدُونِی جَمِیعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّی تَوَکَّلْتُ عَلَی اللَّهِ رَبِّی وَ رَبِّکُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها إِنَّ رَبِّی عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُکُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَیْکُمْ وَ یَسْتَخْلِفُ رَبِّی قَوْماً غَیْرَکُمْ وَ لا تَضُرُّونَهُ شَیْئاً إِنَّ رَبِّی عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ حَفِیظٌ (57) وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّیْنا هُوداً وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ نَجَّیْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِیظٍ (58) وَ تِلْکَ عادٌ جَحَدُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ کُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ (59)
وَ أُتْبِعُوا فِی هذِهِ الدُّنْیا لَعْنَةً وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَلا إِنَّ عاداً کَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) وَ إِلی ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَکُمْ فِیها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ إِنَّ رَبِّی قَرِیبٌ مُجِیبٌ (61) قالُوا یا صالِحُ قَدْ کُنْتَ فِینا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما یَعْبُدُ آباؤُنا وَ إِنَّنا لَفِی شَکٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْهِ مُرِیبٍ (62) قالَ یا قَوْمِ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کُنْتُ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَ آتانِی مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ یَنْصُرُنِی مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَیْتُهُ فَما تَزِیدُونَنِی غَیْرَ تَخْسِیرٍ (63) وَ یا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَکُمْ آیَةً فَذَرُوها تَأْکُلْ فِی أَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَیَأْخُذَکُمْ عَذابٌ قَرِیبٌ (64)
فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِی دارِکُمْ ثَلاثَةَ أَیَّامٍ ذلِکَ وَعْدٌ غَیْرُ مَکْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّیْنا صالِحاً وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ مِنْ خِزْیِ یَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الْقَوِیُّ الْعَزِیزُ (66) وَ أَخَذَ الَّذِینَ ظَلَمُوا الصَّیْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دِیارِهِمْ جاثِمِینَ (67) کَأَنْ لَمْ یَغْنَوْا فِیها أَلا إِنَّ ثَمُودَ کَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِیمَ بِالْبُشْری قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِیذٍ (69)
فَلَمَّا رَأی أَیْدِیَهُمْ لا تَصِلُ إِلَیْهِ نَکِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلی قَوْمِ لُوطٍ (70) وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِکَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ یَعْقُوبَ (71) قالَتْ یا وَیْلَتی أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِی شَیْخاً إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ عَجِیبٌ (72) قالُوا أَ تَعْجَبِینَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَکاتُهُ عَلَیْکُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ إِنَّهُ حَمِیدٌ مَجِیدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِیمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْری یُجادِلُنا فِی قَوْمِ لُوطٍ (74)
إِنَّ إِبْراهِیمَ لَحَلِیمٌ أَوَّاهٌ مُنِیبٌ (75) یا إِبْراهِیمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّکَ وَ إِنَّهُمْ آتِیهِمْ عَذابٌ غَیْرُ مَرْدُودٍ (76) وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِی‌ءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالَ هذا یَوْمٌ عَصِیبٌ (77) وَ جاءَهُ قَوْمُهُ یُهْرَعُونَ إِلَیْهِ وَ مِنْ قَبْلُ کانُوا یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ قالَ یا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِی هُنَّ أَطْهَرُ لَکُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِی ضَیْفِی أَ لَیْسَ مِنْکُمْ رَجُلٌ رَشِیدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِی بَناتِکَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ ما نُرِیدُ (79)
قالَ لَوْ أَنَّ لِی بِکُمْ قُوَّةً أَوْ آوِی إِلی رُکْنٍ شَدِیدٍ (80) قالُوا یا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّکَ لَنْ یَصِلُوا إِلَیْکَ فَأَسْرِ بِأَهْلِکَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّیْلِ وَ لا یَلْتَفِتْ مِنْکُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَکَ إِنَّهُ مُصِیبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَیْسَ الصُّبْحُ بِقَرِیبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِیَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَیْها حِجارَةً مِنْ سِجِّیلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّکَ وَ ما هِیَ مِنَ الظَّالِمِینَ بِبَعِیدٍ (83) وَ إِلی مَدْیَنَ أَخاهُمْ شُعَیْباً قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِکْیالَ وَ الْمِیزانَ إِنِّی أَراکُمْ بِخَیْرٍ وَ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ مُحِیطٍ (84)
وَ یا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِکْیالَ وَ الْمِیزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیاءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ (85) بَقِیَّتُ اللَّهِ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ وَ ما أَنَا عَلَیْکُمْ بِحَفِیظٍ (86) قالُوا یا شُعَیْبُ أَ صَلاتُکَ تَأْمُرُکَ أَنْ نَتْرُکَ ما یَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِی أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّکَ لَأَنْتَ الْحَلِیمُ الرَّشِیدُ (87) قالَ یا قَوْمِ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کُنْتُ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَ رَزَقَنِی مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَ ما أُرِیدُ أَنْ أُخالِفَکُمْ إِلی ما أَنْهاکُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِیدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِیقِی إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ (88) وَ یا قَوْمِ لا یَجْرِمَنَّکُمْ شِقاقِی أَنْ یُصِیبَکُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْکُمْ بِبَعِیدٍ (89)
وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ إِنَّ رَبِّی رَحِیمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا یا شُعَیْبُ ما نَفْقَهُ کَثِیراً مِمَّا تَقُولُ وَ إِنَّا لَنَراکَ فِینا ضَعِیفاً وَ لَوْ لا رَهْطُکَ لَرَجَمْناکَ وَ ما أَنْتَ عَلَیْنا بِعَزِیزٍ (91) قالَ یا قَوْمِ أَ رَهْطِی أَعَزُّ عَلَیْکُمْ مِنَ اللَّهِ وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَکُمْ ظِهْرِیًّا إِنَّ رَبِّی بِما تَعْمَلُونَ مُحِیطٌ (92) وَ یا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلی مَکانَتِکُمْ إِنِّی عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ یَأْتِیهِ عَذابٌ یُخْزِیهِ وَ مَنْ هُوَ کاذِبٌ وَ ارْتَقِبُوا إِنِّی مَعَکُمْ رَقِیبٌ (93) وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّیْنا شُعَیْباً وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ أَخَذَتِ الَّذِینَ ظَلَمُوا الصَّیْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دِیارِهِمْ جاثِمِینَ (94)
کَأَنْ لَمْ یَغْنَوْا فِیها أَلا بُعْداً لِمَدْیَنَ کَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِینٍ (96) إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ (97) یَقْدُمُ قَوْمَهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَ أُتْبِعُوا فِی هذِهِ لَعْنَةً وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
ذلِکَ مِنْ أَنْباءِ الْقُری نَقُصُّهُ عَلَیْکَ مِنْها قائِمٌ وَ حَصِیدٌ (100) وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لکِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِی یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّکَ وَ ما زادُوهُمْ غَیْرَ تَتْبِیبٍ (101) وَ کَذلِکَ أَخْذُ رَبِّکَ إِذا أَخَذَ الْقُری وَ هِیَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِیمٌ شَدِیدٌ (102) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِکَ یَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِکَ یَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)
یَوْمَ یَأْتِ لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَ سَعِیدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِیها زَفِیرٌ وَ شَهِیقٌ (106) خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّکَ إِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِما یُرِیدُ (107) وَ أَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا فَفِی الْجَنَّةِ خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّکَ عَطاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلا تَکُ فِی مِرْیَةٍ مِمَّا یَعْبُدُ هؤُلاءِ ما یَعْبُدُونَ إِلاَّ کَما یَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِیبَهُمْ غَیْرَ مَنْقُوصٍ (109)
وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ فَاخْتُلِفَ فِیهِ وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ مُرِیبٍ (110) وَ إِنَّ کُلاًّ لَمَّا لَیُوَفِّیَنَّهُمْ رَبُّکَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما یَعْمَلُونَ خَبِیرٌ (111) فَاسْتَقِمْ کَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَکَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ (112) وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ وَ ما لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِیاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَیِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّیْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ ذلِکَ ذِکْری لِلذَّاکِرِینَ (114)
وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ (115) فَلَوْ لا کانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِکُمْ أُولُوا بَقِیَّةٍ یَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِی الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِیلاً مِمَّنْ أَنْجَیْنا مِنْهُمْ وَ اتَّبَعَ الَّذِینَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِیهِ وَ کانُوا مُجْرِمِینَ (116) وَ ما کانَ رَبُّکَ لِیُهْلِکَ الْقُری بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا یَزالُونَ مُخْتَلِفِینَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَ لِذلِکَ خَلَقَهُمْ وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ (119)
وَ کُلاًّ نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَکَ وَ جاءَکَ فِی هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِکْری لِلْمُؤْمِنِینَ (120) وَ قُلْ لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلی مَکانَتِکُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَ لِلَّهِ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَیْهِ یُرْجَعُ الْأَمْرُ کُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَ تَوَکَّلْ عَلَیْهِ وَ ما رَبُّکَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 269
سورة هود «1» مکیة کلها غیر هذه الآیات الثلاث: فإنهن نزلن بالمدینة فالأولی قوله
______________________________
(1) المقصود الإجمالی من سورة هود*** بیان حقیقة القرآن، و اطلاع الحق سبحانه علی سائر الخلق و ضمائرهم، و ضمانه تعالی لأرزاق الحیوانات، و الإشارة إلی خلق العرش و ابتداء حاله، و تفاوت أحوال الکفار و أقوالهم، و تحدی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- العرب بالإتیان بمثل القرآن، و ذم طلاب الدنیا المعرضین عن العقبی، و لعن الظالمین، و طردهم، و قصة أهل الکفر و الإیمان، و تفصیل قصة نوح، و ذکر الطوفان، و حدیث هود، و إهلاک عاد، و قصة صالح، و ثمود، و بشارة الملائکة لإبراهیم و سارة بإسحاق، و حدیث لوط و إهلاک قومه، و ذکر شعیب، و مناظرة قومه إیاه، و الإشارة إلی قصة موسی و فرعون یکون مقدم قومه إلی جهنم، و ذکر جمیع أحوال القیامة و تفصیل الفریقین و الطریقین، و أمر الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- بالاستقامة، و التجنب من أهل الظلم و الضلال و المحافظة علی الصلوات الخمس، و الطهارة]، و ذکر الرحمة فی اختلاف الأمة، و بیان القصص، و أنباء الرسل لتثبیت قلب النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و الأمر بالتوکل علی اللّه فی کل حال.
مجموع فواصل سورة هود: (ق ص د ت ل ن ظ م ط ب ر ز د).
یجمعها قولک (قصدت لنظم طبرزد) و الطبرزی السکر.
و سمیت سورة هود لاشتمالها علی قصة هود- علیه السلام- و تفاصیلها.
(انظر بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی: 246)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 270
تعالی: فَلَعَلَّکَ تارِکٌ بَعْضَ ما یُوحی إِلَیْکَ «1» و قوله تعالی: أُولئِکَ یُؤْمِنُونَ بِهِ ... «2» نزلت فی ابن سلام و أصحابه، و قوله: إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ ... «3» نزلت فی رهبان النصاری، و اللّه أعلم.
و هی مائة و ثلاث و عشرون آیة «4».
***______________________________
(1) الآیة 12 من سورة هود و تمامها: فَلَعَلَّکَ تارِکٌ بَعْضَ ما یُوحی إِلَیْکَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُکَ أَنْ یَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْهِ کَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَکٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِیرٌ وَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَکِیلٌ
(2) الآیة 17 من سورة هود و تمامها: أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ کِتابُ مُوسی إِماماً وَ رَحْمَةً أُولئِکَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ یَکْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَکُ فِی مِرْیَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یُؤْمِنُونَ
(3) الآیة 114 من سورة هود و تمامها: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَیِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّیْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ ذلِکَ ذِکْری لِلذَّاکِرِینَ
(4) هذا موافق لما فی المصحف و فیه ما یأتی:
سورة هود مکیة إلا الآیات 12، 17، 114، فمدنیة و آیاتها 123 نزلت بعد سورة یونس.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 271
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الر کِتابٌ أُحْکِمَتْ آیاتُهُ من الباطل یعنی آیات القرآن ثُمَّ فُصِّلَتْ یعنی بینت: أمره، و نهیه، و حدوده، و أمر ما کان، و ما یکون مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ یقول من عند حکیم لأمره خَبِیرٍ- 1- بأعمال الخلائق، أَلَّا تَعْبُدُوا یعنی ألا توحدوا إِلَّا اللَّهَ یعنی کفار مکة إِنَّنِی لَکُمْ مِنْهُ یعنی من اللّه نَذِیرٌ من عذابه وَ بَشِیرٌ- 2- بالجنة وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ من الشرک ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ منه «1» یُمَتِّعْکُمْ مَتاعاً حَسَناً یعنی یعیشکم عیشا حسنا فی الدنیا فی عافیة و لا یعاقبکم بالسنین و لا بغیرها إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی یعنی إلی منتهی آجالکم وَ یُؤْتِ فی الآخرة کُلَّ ذِی فَضْلٍ فی العمل فی الدنیا فَضْلَهُ فی الدرجات وَ إِنْ تَوَلَّوْا یعنی تعرضوا عن الإیمان فَإِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ کَبِیرٍ- 3- یعنی عظیم فلم یتوبوا فحبس اللّه عنهم المطر سبع سنین حتی أکلوا العظام، و الموتی، و الکلاب، و الجیف، إِلَی اللَّهِ مَرْجِعُکُمْ فی الآخرة لا یغادر منکم أحد وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من البعث و غیره قَدِیرٌ- 4- أَلا إِنَّهُمْ یَثْنُونَ صُدُورَهُمْ یعنی یلوون و ذلک أن کفار مکة کانوا إذا سمعوا القرآن نکسوا رءوسهم علی صدورهم کراهیة استماع القرآن لِیَسْتَخْفُوا مِنْهُ یعنی من النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فاللّه قد علم ذلک منهم، ثم قال: أَلا حِینَ یَسْتَغْشُونَ ثِیابَهُمْ یعنی یعلم ذلک
______________________________
(1) فی أ: منها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 272
یَعْلَمُ اللّه حین یغطون رءوسهم بالثیاب ما یُسِرُّونَ فی قلوبهم، و ذلک الخفی وَ ما یُعْلِنُونَ بألسنتهم إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ- 5- یعنی بما فی القلوب من الکفر و غیره وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ إِلَّا عَلَی اللَّهِ رِزْقُها حیثما توجهت وَ یَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها باللیل وَ مُسْتَوْدَعَها حیث تموت کُلٌ نفس کل المستقر و المستودع فِی کِتابٍ مُبِینٍ 6- یقول هو بین فی اللوح المحفوظ وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ و ما بینهما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثم استوی علی العرش: یعنی استقر علی العرش «1» وَ کانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ قبل خلق السموات و الأرض و قبل أن یخلق شیئا لِیَبْلُوَکُمْ یعنی خلقهما لأمر هو کائن. خلقهما و ما فیهما من الآیات، لیختبرکم. [170 ب أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا لربه وَ لَئِنْ قُلْتَ یا محمد لکفار مکة إِنَّکُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَیَقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِینٌ 7- یقول ما هذا الذی یقول محمد- صلی اللّه علیه و سلم- إلا سحر بین. حین «2» یخبرنا «3» أنه یکون البعث بعد الموت وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ یعنی کفار مکة إِلی أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ یعنی إلی سنین معلومة. نظیرها فی یوسف
______________________________
(1) هذا من تجسیم مقاتل، لأن الاستقرار إنما یکون بعد حرکة سابقة، و الحرکة و السکون من صفات الحوادث، و اللّه لا یوصف بصفة من صفات الحوادث. فالحدوث نقص، و النقص علی اللّه- تعالی- محال.
(2) فی أ: خبر، ل: حین.
(3) فی أ: غیر واضحة، م: أنه، ل: یخبر أنه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 273
وَ ادَّکَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ «1» یعنی بعد سنین، یعنی القتل ببدر «2» لَیَقُولُنَ یا محمد ما یَحْبِسُهُ عنا یعنون العذاب تکذیبا یقول اللّه أَلا یَوْمَ یَأْتِیهِمْ العذاب لَیْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ یقول لیس أحد یصرف العذاب عنهم وَ حاقَ یعنی و دار بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یعنی بالعذاب یَسْتَهْزِؤُنَ 8- بأنه لیس بنازل بهم وَ لَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ یعنی آتینا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً یعنی نعمة یقول أعطینا الإنسان خیرا و عافیة ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَیَؤُسٌ عند الشدة من الخیر کَفُورٌ- 9- للّه فی نعمة الرخاء وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ یقول و لئن آتیناه خیرا و عافیة بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ یقول بعد شدة و بلاء أصابه یعنی الکافر «3» لَیَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّیِّئاتُ عَنِّی الضراء الذی کان نزل به إِنَّهُ لَفَرِحٌ یعنی لبطر فی حال الرخاء و العافیة، ثم قال: فَخُورٌ- 10- فی نعم اللّه- عز و جل- إذ لا یأخذها بالشکر، ثم استثنی فقال: إِلَّا الَّذِینَ صَبَرُوا علی الضر وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لیسوا کذلک «أُولئِکَ «4»» لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَ أَجْرٌ کَبِیرٌ- 11- یعنی و أجر عظیم فی الجنة فَلَعَلَّکَ تارِکٌ بَعْضَ ما یُوحی إِلَیْکَ و ذلک أن کفار قریش قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی یونس: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیْرِ هذا لیس فیه ترک عبادة آلهتنا و لا عیبها أَوْ بَدِّلْهُ «5»
______________________________
(1) سورة یوسف الآیة 45 و تمامها: وَ قالَ الَّذِی نَجا مِنْهُما وَ ادَّکَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُکُمْ بِتَأْوِیلِهِ فَأَرْسِلُونِ
(2) أی: إذا أجلنا عنهم العذاب إلی سنین معلومة و هی سنی قتلی بدر و ما بعدها.
(3) فی أ: لیعنی الکافر، ل: یعنی الکافر.
(4) «أولئک» ساقطة من: أ.
(5) سورة یونس: 15.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 274
أنت من تلقاء نفسک، فهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن لا یسمعهم عیبها رجاء أن یتبعوه فأنزل اللّه- تعالی- فَلَعَلَّکَ تارِکٌ بَعْضَ ما یُوحی إِلَیْکَ یعنی ترک ما أنزل إلیک من أمر الآلهة وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُکَ فی البلاغ «1» أراد أن یحرضه علی البلاغ أَنْ یَقُولُوا لَوْ لا یعنی هلا أُنْزِلَ عَلَیْهِ کَنْزٌ یعنی المال من السماء فیقسمه بیننا أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَکٌ یعینه و یصدقه بقوله «2»: إن کان محمد صادقا فی أنه رسول ثم رجع إلی أول هذه الآیة فقال: «3» بلغ یا محمد إِنَّما أَنْتَ نَذِیرٌ وَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَکِیلٌ 12- یعنی شهید بأنک رسول اللّه- تعالی- أَمْ یعنی بل یَقُولُونَ إن محمدا افْتَراهُ قالوا: إنما یقول محمد هذا القرآن من تلقاء نفسه قُلْ لکفار مکة فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَیاتٍ یعنی مختلقات مثله یعنی مثل القرآن وَ ادْعُوا یعنی و استعینوا علیه مَنِ اسْتَطَعْتُمْ من الآلهة التی تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 13- بأن محمدا تقوله من تلقاء نفسه قال فی هذه السورة فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فلم یأتوا، ثم قال فی سورة یونس: فَأْتُوا بِسُورَةٍ «4» واحدة، و فی البقرة أیضا: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ «5» فقال اللّه فی التقدیم و لن
______________________________
(1) فی أ: لمن البلاغ، و فی ل: فی البلاغ.
(2) فی أ: بقوله یقول، ل: بقوله.
(3) فی أ: فبلغ، ل: بلغ.
(4) سورة یونس: 38 و تمامها أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ
(5) سورة البقرة: 23 و تمامها وَ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلی عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 275
تفعلوا البتة أن تجیئوا بسورة: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا «1» یعنی فإذا لم تفعلوا وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتِی أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ فَإِلَّمْ یَسْتَجِیبُوا لَکُمْ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وحده یقول فإن لم یفعلوا ذلک یا محمد فقل لهم یا معشر کفار مکة:
فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ هذا القرآن بِعِلْمِ اللَّهِ یعنی بإذن اللّه، و قراءة ابن مسعود «أنما أنزل بإذن اللّه» وَ اعلموا أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ بأنه لیس له شریک إن لم یجیئوا بمثل هذا القرآن قل لهم: فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 14- یعنی مخلصین بالتوحید مَنْ کانَ من الفجار یُرِیدُ بعمله الحسن الْحَیاةَ الدُّنْیا وَ زِینَتَها لا یرید وجه اللّه نُوَفِ یعنی نوفی إِلَیْهِمْ ثواب أَعْمالَهُمْ فِیها یعنی فی الدنیا من الخیر و الرزق نظیرها فی «حم عسق «2»» ثم قال: وَ هُمْ فِیها لا یُبْخَسُونَ 15- نسختها الآیة التی فی بنی إسرائیل- عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ «3» یقول و هم فی الدنیا لا ینقصون من ثواب أعمالهم «4» ثم أخبر بمنزلتهم فی الآخرة فقال: أُولئِکَ الَّذِینَ لَیْسَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِیها یقول بطل فی الآخرة ما عملوا فی الدنیا وَ باطِلٌ ما کانُوا یَعْمَلُونَ 16- فلم یقبل منهم أعمالهم لأنهم عملوها للدنیا فلم تنفعهم «5» أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ یعنی القرآن شاهِدٌ مِنْهُ یقول
______________________________
(1) فی أ: إنها من الآیة التی معنا، و الواقع أنها جزء من الآیة 24 من سورة البقرة.
(2) یشیر إلی الآیة 20 من سورة الشوری و هی: مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَ مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ نَصِیبٍ
(3) سورة الإسراء: 18 و تمامها مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ یَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً.
(4) فی أ، ل: ل ینقصون ثواب أعمالهم.
(5) فی أ: أنهم عملوه للدنیا فلم ینفهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 276
یقرؤه جبریل- علیه السلام- علی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و هو شاهد لمحمد أن الذی یتلوه محمد من القرآن أنه جاء من اللّه- تعالی «1»- ثم قال: وَ مِنْ قَبْلِهِ کِتابُ مُوسی یقول و من قبل کتابک یا محمد قد تلاه جبریل علی موسی یعنی التوراة. إِماماً یقتدی به یعنی التوراة وَ رَحْمَةً لهم من العذاب لمن آمن به أُولئِکَ یُؤْمِنُونَ بِهِ یعنی أهل التوراة یصدقون بالقرآن کقوله فی الرعد: فَالَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یُؤْمِنُونَ «2» بِهِ یعنی بقرآن محمد- صلی اللّه علیه و سلم- أنه من اللّه- عز و جل- وَ مَنْ یَکْفُرْ بِهِ بالقرآن مِنَ الْأَحْزابِ یعنی ابن أمیة، و ابن المغیرة، و ابن عبد اللّه المخزومی، و آل أبی طلحة ابن عبد العزی فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ یقول لیس الذی عمل علی بیان من ربه کالکافر بالقرآن موعده النار لیسوا بسواء فَلا تَکُ فِی مِرْیَةٍ «مِنْهُ» «3» و ذلک أن کفار قریش قالوا: لیس القرآن من اللّه. إنما تقوله محمد و إنما یلقیه الری «4»، و هو شیطان یقال له الری، علی لسان محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فأنزل اللّه:
فَلا تَکُ فِی مِرْیَةٍ مِنْهُ یقول فی شک من القرآن إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ إنه من
______________________________
(1) هکذا فی أ، ل، و فی العبارة رکاکة.
(2) یشیر إلی الآیة 36 من سورة الرعد و ضبطها: وَ الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ یُنْکِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَ لا أُشْرِکَ بِهِ إِلَیْهِ أَدْعُوا وَ إِلَیْهِ مَآبِ
و فی سورة البقرة: 121 الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ
و فی سورة البقرة: 146 الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ
و فی سورة البقرة: 146 الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یَعْرِفُونَهُ کَما یَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ کما ورد مثل ذلک فی سورة الأنعام: 20 الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یَعْرِفُونَهُ کَما یَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ
و فی سورة القصص: 52 الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ یُؤْمِنُونَ
(3) «منه»: ساقطة من الأصل.
(4) فی أ: الریا، م: الریا، ل: الری.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 277
اللّه- عز و جل- و أن القرآن حق من ربک وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یُؤْمِنُونَ 17- یعنی و لکن أکثر أهل مکة لا یصدقون بالقرآن أنه من عند اللّه- تعالی. ثم ذکرهم فقال: وَ مَنْ أَظْلَمُ یقول [171 ب فلا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَری یعنی تقول «1» عَلَی اللَّهِ کَذِباً بأن معه شریکا أُولئِکَ الکذبة یُعْرَضُونَ عَلی رَبِّهِمْ وَ یَقُولُ الْأَشْهادُ یعنی الأنبیاء و یقال الحفظة و یقال الناس مثل قول الرجل: علی رءوس الأشهاد هؤُلاءِ الَّذِینَ کَذَبُوا عَلی رَبِّهِمْ یعنی بالأشهاد یعنی الأنبیاء فإذا عرضوا علی ربهم قالت الأنبیاء: نحن نشهد علیکم أنا شهدنا بالحق فکذبونا و نشهد أنهم کذبوا علی ربهم. و قالوا: إن مع اللّه شریکا أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الظَّالِمِینَ 18- یعنی المشرکین نظیرها فی الأعراف: أَنْ «2» لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الظَّالِمِینَ «3» ثم أخبر عنهم فقال: الَّذِینَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یعنی دین الإسلام وَ یَبْغُونَها عِوَجاً یقول و یریدون بملة الإسلام زیفا وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ یعنی بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال هُمْ کافِرُونَ 19- یعنی بأنه لیس بکائن ثم نعتهم فقال:
أُولئِکَ لَمْ یَکُونُوا مُعْجِزِینَ یعنی بسابقی اللّه فِی الْأَرْضِ هربا حتی یجزیهم «4» بأعمالهم الخبیثة وَ ما کانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِیاءَ یعنی أقرباء یمنعونهم من اللّه، یُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما کانُوا یَسْتَطِیعُونَ السَّمْعَ یعنی ما کانوا علی سمع إیمان بالقرآن وَ ما کانُوا یُبْصِرُونَ 20- الإیمان بالقرآن لأن اللّه جعل فی آذانهم وقرا، و علی أبصارهم غشاوة. ثم نعتهم فقال:
______________________________
(1) فی أ: یقول.
(2) «أن»: وردت فی أ، م، ل: «ألا».
(3) سورة الأعراف 44.
(4) غیر معجمة فی، أ: فتحتمل: یخزیهم أو یجزیهم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 278
أُولئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ یعنی غبنوا أنفسهم وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ 21- لا جَرَمَ حقا أَنَّهُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ 22- ثم أخبر عن المؤمنین و ما أعد لهم فقال: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلی رَبِّهِمْ یعنی و أخلصوا إلی ربهم أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیها خالِدُونَ 23- لا یموتون ثم ضرب مثلا للمؤمنین و الکافرین فقال: مَثَلُ الْفَرِیقَیْنِ المؤمن و الکافر کَالْأَعْمی عن الإیمان لا یبصر وَ الْأَصَمِ عن الإیمان فلا یسمعه یعنی الکافر ثم ذکر المؤمن فقال: وَ الْبَصِیرِ وَ السَّمِیعِ للإیمان «1» هَلْ یَسْتَوِیانِ مَثَلًا یقول هل یستویان فی الشبه فقالوا: لا. فقال:
أَ فَلا تَذَکَّرُونَ 24- أنهما لا یستویان فتعتبروا و لما کذب کفار مکة محمدا بالرسالة أخبر اللّه محمدا- علیه السلام- أنه أرسله رسولا کما أرسل نوحا، و هودا، و صالحا، و لوطا، و شعیبا، فی هذه السورة فقال: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ فقال لهم: إِنِّی لَکُمْ نَذِیرٌ من العذاب فی الدنیا مُبِینٌ 25- یعنی بین نظیرها فی- سورة نوح «2»- ثم قال: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ فی الدنیا عَذابَ یَوْمٍ أَلِیمٍ 26- یعنی وجیع فَقالَ الْمَلَأُ الأشراف الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراکَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا [172 ا] یعنی إلا آدمیا مثلنا لا تفضلنا بشی‌ء وَ ما نَراکَ اتَّبَعَکَ إِلَّا الَّذِینَ هُمْ أَراذِلُنا یعنی الرذالة من الناس السفلة بادِیَ الرَّأْیِ یعنی بدا لنا أنهم سفلتنا وَ ما نَری لَکُمْ عَلَیْنا مِنْ فَضْلٍ فی ملک و لا مال و لا شی‌ء فنتبعک یعنون نوحا بَلْ نَظُنُّکُمْ یعنی نحسبک من ال کاذِبِینَ 27- حین
______________________________
(1) فی أ: وَ السَّمِیعِ للإیمان وَ الْبَصِیرِ.
(2) یشیر إلی الآیة الثانیة من سورة نوح و هی قالَ یا قَوْمِ إِنِّی لَکُمْ نَذِیرٌ مُبِینٌ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 279
تزعم أنک رسول نبی قالَ یا قَوْمِ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کُنْتُ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی یعنی بیان من ربی وَ آتانِی رَحْمَةً یعنی و أعطانی نعمة مِنْ عِنْدِهِ و هو الهدی فَعُمِّیَتْ عَلَیْکُمْ یعنی فخفیت علیکم الرحمة أَ نُلْزِمُکُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها یعنی الرحمة و هی النعمة و الهدی کارِهُونَ 28- وَ یا قَوْمِ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مالًا یعنی جعلا علی الایمان إِنْ أَجرِیَ یعنی ما جزائی إِلَّا عَلَی اللَّهِ فی الآخرة وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی و ما أنا بالذی لا أقبل الإیمان من السفلة عندکم، ثم قال: إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فیجزیهم بإیمانهم کقوله إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلی رَبِّی لَوْ تَشْعُرُونَ «1» یعنی لو تعلمون إذا لقوه وَ لکِنِّی أَراکُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ 29- ما آمرکم به و ما جئت به وَ یا قَوْمِ مَنْ یَنْصُرُنِی یمنعنی مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ یعنی إن لم أقبل منهم الإیمان أی من السفلة «2» أَ فَلا یعنی أ فهلا تَذَکَّرُونَ 30- أنه لا مانع لأحد من اللّه وَ لا أَقُولُ لَکُمْ عِنْدِی خَزائِنُ اللَّهِ یعنی مفاتیح اللّه بأنه یهدی السفلة دونکم وَ لا أَعْلَمُ الْغَیْبَ یقول: و لا أقول لکم عندی غیب ذلک إن اللّه یهدیهم، و ذلک قول نوح فی الشعراء: وَ ما عِلْمِی بِما کانُوا یَعْمَلُونَ «3» ثم قال لهم نوح: وَ لا أَقُولُ لکم إِنِّی مَلَکٌ من الملائکة إنما أنا بشر لقولهم ما نَراکَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ... إلی آخر الآیة «4» وَ لا أَقُولُ لِلَّذِینَ تَزْدَرِی أَعْیُنُکُمْ یعنی السفلة لَنْ یُؤْتِیَهُمُ اللَّهُ خَیْراً یعنی إیمانا و إن کانوا عندکم سفلة اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِی أَنْفُسِهِمْ
______________________________
(1) سورة الشعراء: 113.
(2) فی الأصل السلفة.
(3) سورة الشعراء: 112.
(4) یشیر إلی الآیة 27 من سورة هود و تمامها: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراکَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَ ما نَراکَ اتَّبَعَکَ إِلَّا الَّذِینَ هُمْ أَراذِلُنا بادِیَ الرَّأْیِ وَ ما نَری لَکُمْ عَلَیْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّکُمْ کاذِبِینَ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 280
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 317
یعنی بما فی قلوبهم یعنی السفلة من الإیمان قال نوح: إِنِّی إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِینَ 31- إن لم أقبل منهم الإیمان قالُوا یا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا یعنی ماریتنا «1» فَأَکْثَرْتَ جِدالَنا یعنی مراءنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 32- بأن العذاب نازل بنا لقوله فی هذه الآیة الأولی: إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ أَلِیمٍ «2» و ذلک أن اللّه أمر نوحا أن ینذرهم العذاب فی سورة نوح فکذبوه فقالوا: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ بأن العذاب نازل بنا فرد علیهم نوح: قالَ إِنَّما یَأْتِیکُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ و لیس ذلک بیدی وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ 33- یعنی بسابقی اللّه بأعمالکم الخبیثة حتی یجزیکم بها وَ لا یَنْفَعُکُمْ نُصْحِی فیما أحذرکم من العذاب إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَکُمْ إِنْ کانَ اللَّهُ یُرِیدُ أَنْ یُغْوِیَکُمْ یعنی یضلکم عن الهدی [172 ب ف هُوَ رَبُّکُمْ لیس له شریک وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ 34- بعد الموت فیجزیکم بأعمالکم ثم ذکر اللّه- تعالی- کفار أمة «3» محمد- صلی اللّه
______________________________
(1) من المراء و هو الجدال، و
فی الحدیث عن أبی أمامة الباهلی- رضی اللّه عنه- قال: خرج علینا رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- و نحن نتماری فی شی‌ء من أمر الدین فغضب غضبا شدیدا لم یغضب مثله ثم قال: یا أمة محمد ذروا المراء فإن المراء لا یأتی بخیر، ذروا المراء فإن المماری قد تمت خسارته، ذروا المراء فکفی إثما ألا تزال مماریا، ذروا المراء فإن أول ما نهانی عنه ربی بعد عبادة الأوثان المراء.
(2) الآیة 26: من سورة هود، و معنی الآیة الأولی أنها أول آیة فی حدیث نوح مع قومه.
(3) فی أ: کفار مکة، م: کفار مکة، ل: کفار أمة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 281
علیه و سلم- من أهل مکة، فقال: أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ نظیرها فی «حم» الزخرف: «أَمْ أَنَا خَیْرٌ» یعنی بل أنا خیر مِنْ هذَا الَّذِی هُوَ مَهِینٌ «1».
«افْتَراهُ» قالوا: محمد یقول هذا القرآن من تلقاء نفسه و لیس من اللّه قُلْ إِنِ افْتَرَیْتُهُ یعنی تقولته من تلقاء نفسی فَعَلَیَّ إِجْرامِی فعلی خطیئتی بافترائی علی اللّه وَ أَنَا بَرِی‌ءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ 35- یعنی برئ من خطایاکم یعنی کفرکم باللّه- عز و جل-، ثم ذکر نوحا فقال: وَ أُوحِیَ إِلی نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ یُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِکَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ یعنی إلا من صدق بتوحید اللّه فَلا تَبْتَئِسْ یعنی فلا تحزن بِما کانُوا یَفْعَلُونَ 36- یعنی بکفرهم باللّه- عز و جل- وَ اصْنَعِ الْفُلْکَ یعنی السفینة و اعمل فیها بِأَعْیُنِنا یعنی بعلمنا وَ وَحْیِنا کما نأمرک فعملها نوح فی أربعمائة سنة و کانت السفینة من ساج وَ لا تُخاطِبْنِی یقول و لا تراجعنی فِی الَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی الذین أشرکوا و هو ابنه کنعان بن نوح فإنه من الذین ظلموا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ 37- لقول نوح رَبِّ إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی وَ إِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْکَمُ الْحاکِمِینَ «2» وَ یَصْنَعُ الْفُلْکَ یعنی یعمل فیها وَ کُلَّما مَرَّ عَلَیْهِ یعنی کلما أتی علیه مَلَأٌ یعنی أشراف مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ حین یزعم أنه یصنع بیتا یسیر علی الماء و لم یکونوا رأوا سفینة قط قالَ لهم نوح: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا لصنعنا «3» السفینة فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْکُمْ
______________________________
(1) سورة الزخرف: 52.
(2) فی أ: یقول نوح: رَبِّ إِنَّ ابْنِی ... إلی ... الْحاکِمِینَ و هی الآیة 45 من سورة هود.
(3) فی أ: لصنعتنا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 282
إذا نزل بکم الغرق کَما تَسْخَرُونَ 38- فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا وعید مَنْ یَأْتِیهِ عَذابٌ یُخْزِیهِ یعنی یذله یعنی الغرق وَ یَحِلُّ عَلَیْهِ و یجب علیه عَذابٌ مُقِیمٌ 39- یعنی فی الآخرة دائما لا یزول عن أهله حَتَّی إِذا جاءَ أَمْرُنا یعنی قولنا فی نزول العذاب بهم وَ فارَ التَّنُّورُ فار الماء من التنور الذی یخبز فیه و کان بأقصی دار نوح بالشام بعین وردة «1» قُلْنَا احْمِلْ فِیها مِنْ کُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ یعنی صنفین اثنین ذکرا و أنثی فهو زوجان و لولا أنه قال: اثنین لکان الزوجان «2» أربعة. وَ احمل أَهْلَکَ و اسمها والغة، و اسم امرأة لوط والهة فی السفینة إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ یعنی العذاب فی اللوح المحفوظ من أهلک، یعنی کنعان بن نوح فلا تحملهم معک فاستثنی من «3» أهله ابنه و امرأته وَ مَنْ آمَنَ یعنی و من صدق بتوحید اللّه فاحمله فی السفینة، یقول اللّه تعالی: وَ ما آمَنَ مَعَهُ مع نوح إِلَّا قَلِیلٌ 40- یقال بأنهم أربعون رجلا و أربعون امرأة عددهم ثمانون نفسا و اسم القریة الیوم قریة الثمانین و هی بالجزیرة قریبة من الموصل «4» و هی بافردی «5».
وَ قالَ ارْکَبُوا فِیها فی السفینة بِسْمِ اللَّهِ إذا رکبتموها فقولوا باسم اللّه مَجْراها حین تجری وَ مُرْساها حین تحبس إِنَّ رَبِّی لَغَفُورٌ
______________________________
(1) هکذا فی: أ، ل، م: و المراد أن التنور کان فی آخر مکان فی دار نوح، و کانت دار نوح بالشام فی منطقة تسمی عین وردة.
(2) فی أ: الزوجین، ل: الزوجان.
(3) فی أ: منهم، م: من، ل: من.
(4) الموصل مدینة بشمال العراق و تلتقی أطرافها بأطراف مدینة حلب إحدی مدن الشام.
(5) فی أ، م: بأفردی، ل: بأفردا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 283
للذنوب رَحِیمٌ 41- بنا حین نجانا من العذاب «وَ هِیَ تَجْرِی «1»» بِهِمْ فِی مَوْجٍ کَالْجِبالِ وَ نادی نُوحٌ ابْنَهُ کنعان سبع مرات و کان ابنه من صلبه وَ کانَ فِی مَعْزِلٍ کان معتزلا عنه یا بُنَیَّ ارْکَبْ مَعَنا وَ لا تَکُنْ مَعَ الْکافِرِینَ 42- فتغرق معهم قالَ ابنه سَآوِی یعنی سأنضم إِلی جَبَلٍ أصعده یَعْصِمُنِی یعنی یمنعنی مِنَ غرق الْماءِ قالَ نوح:
لا عاصِمَ الْیَوْمَ یعنی لا مانع الیوم «مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» «2» یعنی به الغرق ثم استثنی فقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ ربی. یقول من عصم من المؤمنین فرکب معی فی السفینة فإنه لن یغرق یقول اللّه- تعالی-: وَ حالَ یعنی و حجز بَیْنَهُمَا الْمَوْجُ یعنی بین نوح و ابنه کنعان «فَکانَ مِنَ الْمُغْرَقِینَ 43- و غضب اللّه علی کنعان «3»» حین ظن أن الجبل یمنعه من اللّه فلا یغرق وَ قِیلَ یا أَرْضُ ابْلَعِی ماءَکِ بعد ما غرقتهم «4» أجمعین. فابتلعت الأرض ما خرج منها من الماء وَ یا سَماءُ أَقْلِعِی یعنی أمسکی قال: فلم تقع قطرة.
وَ غِیضَ الْماءُ یعنی و نقص الماء و طهرت الجبال وَ قُضِیَ الْأَمْرُ یعنی العذاب بالغرق علی الکافرین فغرقوا وَ اسْتَوَتْ السفینة عَلَی الْجُودِیِ شهرا و هو جبل قریب من الموصل، لأن الجبال تطاولت و تواضع الجودی وَ قِیلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ 44- یعنی المشرکین یعنی بالبعد الهلاک وَ نادی نُوحٌ رَبَّهُ یعنی دعا نوح ربه فیها تقدیم «5» فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی
______________________________
(1) فی أ: وَ هِیَ تَجْرِی ... إلی قوله ... نُوحٌ ابْنَهُ
(2) فی أ: «من عذاب اللّه». و فی حاشیة أ: التلاوة «مِنْ أَمْرِ اللَّهِ».
(3) ما بین کنعان الأولی و کنعان الثانیة ساقط من: أ، و مثبت فی: ل.
(4) فی أ: غرقها، ل: غرقتهم.
(5) تقدم ذکر هذه الآیة فیما سبق.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 284
الذین «1» وعدتنی أن تنجیهم من الغرق وَ إِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُ یعنی الصدق و لا خلف له فی النجاة «2» وَ أَنْتَ أَحْکَمُ الْحاکِمِینَ 45- یعنی خیر الحاکمین لا تجور فی القضاء قالَ اللّه- تعالی-: یا نُوحُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ الذین «3» وعدتک أن أنجیهم إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صالِحٍ یعنی عمل شرکا «4» فَلا تَسْئَلْنِ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ یعنی أؤدبک «5» أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجاهِلِینَ 46- لسؤالک إیای قالَ رَبِّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَسْئَلَکَ بعد النهی ما لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَ إِلَّا تَغْفِرْ لِی ذنبی یعنی مقالی وَ تَرْحَمْنِی فلا تعذبنی «6» أَکُنْ مِنَ الْخاسِرِینَ 47- فی العقوبة قِیلَ یا نُوحُ اهْبِطْ من السفینة بِسَلامٍ مِنَّا فسلمه اللّه و من معه من الغرق ثم قال: وَ بَرَکاتٍ عَلَیْکَ وَ عَلی أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَکَ فی السفینة یعنی بالبرکة أنهم توالدوا و کثروا بعد ما خرجوا من السفینة ثم قال: وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ فی الدنیا إلی آجالهم ثُمَّ یَمَسُّهُمْ مِنَّا یقول یصیبهم منا عَذابٌ أَلِیمٌ 48- یعنی وجیع یعنی بالأمم قوم هود، و صالح، و إبراهیم، و لوط، و شعیب، الذین أهلکهم اللّه فی
______________________________
(1) فی أ، ل: الذی و هی مصحفة عن الذین.
(2) فی أ: النجا، ل: النجاة.
(3) فی أ: الذی.
(4) قرأ الکسائی، و یعقوب «إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صالِحٍ» أی عمل عملا غیر صالح. و قراءة حفص «إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صالِحٍ و أصله أنه ذو عمل فاسد. فجعل ذاته ذات العمل کقول الخنساء تصف ناقة ترتع: ترعی إذا غفلت حتی إذا ادکرت‌فإنما هی إقبال و إدبار
(البیضاوی: 297)
(5) فی أ: أوریک، ل: أؤدبک.
(6) فی أ: فلا تهدنی، ل: فلا تعذبنی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 285
الدنیا بالعذاب بعد قوم نوح ثم قال: تِلْکَ القصة مِنْ أَنْباءِ یعنی من أحادیث الْغَیْبِ غاب عنک. لم تشهدها یا محمد و لم تعلمها إلا بوحینا [173 ب «نُوحِیها «1»» إِلَیْکَ ما کُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ یا محمد وَ لا قَوْمُکَ مِنْ قَبْلِ هذا القرآن حتی أعلمناک أمرهم فی القرآن یعنی الأمم الخالیة قوم نوح، و هود، و صالح، و غیرهم فَاصْبِرْ علی تکذیب کفار مکة و علی أذاهم إِنَّ الْعاقِبَةَ یعنی الجنة لِلْمُتَّقِینَ 49- الشرک.
وَ إِلی عادٍ أرسلنا أَخاهُمْ هُوداً قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ یعنی لیس لکم رب غیره إِنْ أَنْتُمْ یعنی ما أنتم إِلَّا مُفْتَرُونَ 50- الکذب حین تقولون إن للّه شریکا و ذلک أنهم قالوا لأنبیائهم تریدون أن تملکوا علینا فی أموالنا، فذلک قول الأنبیاء لهم یا قَوْمِ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً «2» یعنی ما جزائی إِلَّا عَلَی اللَّهِ
و ذلک قول قوم هود: یا قَوْمِ «3» لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِیَ یعنی ما جزائی إِلَّا عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی یعنی خلقنی أَ فَلا تَعْقِلُونَ 51- أنه لیس مع اللّه شریک وَ یا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ من الشرک ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ یُرْسِلِ السَّماءَ عَلَیْکُمْ مِدْراراً یعنی المطر متتابعا و قد کان اللّه- تعالی- حبس عنهم المطر ثلاث سنین و حبس عنهم الولد، فمن ثم قال: وَ یَزِدْکُمْ قُوَّةً إِلی قُوَّتِکُمْ یعنی عددا إلی عددکم و تتوالدون «4» و تکثرون، ثم قال لهم هود:
______________________________
(1) «نُوحِیها»: ساقطة من أ، ل، و هی فی حاشیة أ.
(2) سورة الشعراء: 127.
(3) فی أ: و یا قوم.
(4) فی أ: فتوالدون، ل: و توالدون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 286
وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِینَ 52- یقول و لا تعرضوا عن التوحید مشرکین قالُوا یا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَیِّنَةٍ یعنی ببیان أنک رسول إلینا من اللّه وَ ما نَحْنُ بِتارِکِی آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِکَ یعنون عبادة الأوثان وَ ما نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ 53- یعنی بمصدقین بأنک رسول إِنْ یعنی ما نَقُولُ إِلَّا اعْتَراکَ یعنون جنونا أصابک به بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ یعنون أنه یعتریک من آلهتنا الأوثان بجنون أو بخبل. و لا نحب أن یصیبک أو یعتریک ذلک فاجتنبها سالما.
«قال عبد اللّه قال الفراء الخبل مسکّنة الباء العلة المانعة من الحرکة المعطلة للبدن. و الخبل: الجنون محرکة الباء «1»». فرد علیهم هود: قالَ إِنِّی أُشْهِدُ اللَّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّی بَرِی‌ءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ 54- مِنْ دُونِهِ من الآلهة فَکِیدُونِی جَمِیعاً أنتم و الآلهة ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ 55- یعنی ثم لا تناظرون یعنی لا تمهلون.
إِنِّی تَوَکَّلْتُ عَلَی اللَّهِ یعنی وثقت باللّه رَبِّی وَ رَبِّکُمْ حین «2» خوفوه آلهتهم أنها تصیبه ما مِنْ دَابَّةٍ یعنی ما من شی‌ء إِلَّا و هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها یقول إلا اللّه یمیتها إِنَّ رَبِّی عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 56- یعنی علی الحق المستقیم فَإِنْ تَوَلَّوْا یعنی «فإن تعرضوا عن الإیمان «3»» فَقَدْ أَبْلَغْتُکُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَیْکُمْ
______________________________
(1) ما نقله عبد اللّه عن الفراء زیادة منه و لیس من کلام مقاتل. فإن الفراء هو أبو زکریاء یحیی بن زیاد الفراء المتوفی سنة 207 ه و له کتاب معانی القرآن. و قد طبع منه الجزء الأول سنة 1955 ثم طبع منه الجزء الثانی حدیثا- أما مقاتل صاحب هذا التفسیر فقد توفی سنة 150 ه.
و هذه الزیادة فی: أ. و لیست فی: ل لأن ل اقتصرت علی تفسیر مقاتل، أما أ: ففیها إضافات من الرواة.
(2) فی ل: حین، أ، م: حتی.
(3) فی أ، ل: فإن تعرضوا عن الإیمان: و فی البیضاوی فَإِنْ تَوَلَّوْا فإن تتولوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 287
من نزول العذاب بکم فی الدنیا وَ یَسْتَخْلِفُ رَبِّی بعد هلاککم قَوْماً غَیْرَکُمْ أمثل و أطوع للّه منکم وَ لا تَضُرُّونَهُ شَیْئاً یقول و لا تنقصونه من ملکه شیئا إنما تنقصون أنفسکم إِنَّ رَبِّی عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ [174 ا] من أعمالکم حَفِیظٌ «1»- 57- وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا یعنی قولنا فی نزول العذاب نَجَّیْنا هُوداً وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ من العذاب بِرَحْمَةٍ مِنَّا یعنی بنعمة منا علیهم «2» وَ نَجَّیْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِیظٍ- 58- یعنی شدید و هی الریح الباردة لم تفتر عنهم حتی أهلکتهم وَ تِلْکَ عادٌ جَحَدُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ یعنی کفروا بعذاب اللّه بأنه غیر نازل بهم فی الدنیا وَ عَصَوْا رُسُلَهُ یعنی هودا وحده وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ کُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ- 59- یعنی متعظما عن التوحید، فهم الأتباع اتبعوا قول الکبراء فی تکذیب هود «عنید» یعنی معرضا عن الحق، و کان هذا القول من الکبراء للسفلة فی سورة المؤمنین «3» «ما هذا» یعنی هودا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یَأْکُلُ مِمَّا تَأْکُلُونَ مِنْهُ وَ یَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ «4» من الشراب.
و قال للأتباع «5» وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَکُمْ إِنَّکُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ «6» یعنی لعجزة فهذا قول الکبراء للسفلة. فاتبعوهم علی قولهم: وَ أُتْبِعُوا فِی هذِهِ الدُّنْیا لَعْنَةً
______________________________
(1) فی أ: محیط، و فی ل: حفوظ.
(2) فی ل: منا علیهم، أ: علیکم.
(3) اضطراب فی: أ، ل.
(4) یشیر إلی الآیة 33 من سورة المؤمنون و صوابها ما هذا إِلَّا بَشَرٌ و تمامها: وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَ أَتْرَفْناهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یَأْکُلُ مِمَّا تَأْکُلُونَ مِنْهُ وَ یَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ
(5) فی أ: و قال الأتباع، ل: و قالوا للأتباع.
(6) سورة المؤمنون: 34.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 288
یعنی العذاب و هی الریح التی أهلکتهم وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ یعنی عذاب النار أَلا إِنَّ عاداً کَفَرُوا رَبَّهُمْ یعنی بتوحید ربهم أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ- 60- فی الهلاک وَ إِلی ثَمُودَ أرسلنا أَخاهُمْ صالِحاً لیس بأخیهم فی الدین و لکنه أخوهم فی النسب و هو صالح بن آسف «1» قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ یعنی هو خلقکم من الأرض وَ اسْتَعْمَرَکُمْ فِیها یعنی و عمرکم فی الأرض فَاسْتَغْفِرُوهُ من الشرک ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ منه «2» إِنَّ رَبِّی قَرِیبٌ منکم فی الاستجابة مُجِیبٌ 61- للدعاء کقوله: فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ «3» قالُوا یا صالِحُ قَدْ کُنْتَ فِینا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا یعنی مأمولا قبل هذا کنا نرجو أن ترجع إلی دیننا، فما هذا الذی تدعونا إلیه؟
أَ تَنْهانا «4» أَنْ نَعْبُدَ ما یَعْبُدُ آباؤُنا من الآلهة وَ إِنَّنا لَفِی شَکٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْهِ من التوحید مُرِیبٍ 62- یعنی بالمریب أنهم لا یعرفون شکهم قالَ صالح یا قَوْمِ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کُنْتُ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی یعنی علی بیان من ربی وَ آتانِی مِنْهُ رَحْمَةً یقول أعطانی نعمة من عنده و هو الهدی فَمَنْ یَنْصُرُنِی یعنی فمن یمنعنی مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَیْتُهُ یعنی إن رجعت إلی دینکم لقولهم صالح «قد کنت فینا مرجو قبل هذا الذی تدعونا إلیه» فَما تَزِیدُونَنِی غَیْرَ تَخْسِیرٍ- 63- یقول فما تزیدوننی إلا خسارا.
______________________________
(1) فی أ، ل: أسف.
(2) فی أ، ل: منها.
(3) سورة البقرة الآیة 186 و تمامها وَ إِذا سَأَلَکَ عِبادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْیَسْتَجِیبُوا لِی وَ لْیُؤْمِنُوا بِی لَعَلَّهُمْ یَرْشُدُونَ
(4) فی أ: و تنهانا، و فی حاشیة أ: التلاوة أَ تَنْهانا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 289
قال عبد اللّه: قال الفراء: المعنی کلما دعوتکم زدتمونی تباعدا منی فأنتم بذلک تخسرون یعنی تهلکون «1».
وَ یا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَکُمْ آیَةً یعنی عبرة فَذَرُوها تَأْکُلْ فِی أَرْضِ اللَّهِ لا تکلفکم مؤنة و لا علفا وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ یقول و لا تصیبوها بعقر فَیَأْخُذَکُمْ فی الدنیا عَذابٌ قَرِیبٌ 64- منکم لا تمهلون حتی تعذبوا فَعَقَرُوها [174 ب لیلة الأربعاء بالسیف فماتت فَقالَ لهم صالح: تَمَتَّعُوا فِی دارِکُمْ یعنی محلتکم فی الدنیا ثَلاثَةَ أَیَّامٍ ذلِکَ العذاب وَعْدٌ من اللّه غَیْرُ مَکْذُوبٍ 65- لیس فیه کذب. بأن العذاب نازل بهم بعد ثلاثة الأیام «2» فأهلکهم اللّه صبیحة یوم الرابع یوم السبت فذلک قوله: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا یعنی قولنا فی العذاب «نَجَّیْنا صالِحاً «3»» وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا یعنی بنعمة علیهم منا وَ مِنْ خِزْیِ یَوْمِئِذٍ یعنی و نجیناهم من عذاب یومئذ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الْقَوِیُ فی نصر أولیائه الْعَزِیزُ- 66- یعنی المنیع فی ملکه و سلطانه حین أهلکهم وَ أَخَذَ الَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی الذین أشرکوا الصَّیْحَةُ صیحة جبریل- علیه السلام- فَأَصْبَحُوا فِی دِیارِهِمْ جاثِمِینَ 67- یعنی فی منازلهم خامدین کَأَنْ لَمْ یَغْنَوْا فِیها یقول کأنهم لم یکونوا فی الدنیا قط أَلا إِنَّ ثَمُودَ کَفَرُوا بتوحید رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ- 68- فی الهلاک وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا
______________________________
(1) هذه زیادة من عبد اللّه نقلها عن الفراء. و لیست من کلام مقاتل. و ما نقله عبد اللّه عن الفراء فی: أ، و لیس فی: ل.
(2) فی الأصل: الثلاثة أیام.
(3) «نَجَّیْنا صالِحاً»: ساقطة من: أ، و مثبتة فی: ل
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 290
و هو جبریل و معه ملکان و هما ملک الموت و میکائیل «1» إِبْراهِیمَ بِالْبُشْری فی الدنیا الولد: بإسحاق و یعقوب «2».
قالُوا سَلاماً قالوا تحیة «3» لإبراهیم فسلموا علی إبراهیم فرد إبراهیم علیهم ف قالَ سَلامٌ یقول رد إبراهیم خیرا «4» و هو یری أنهم من البشر فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ إبراهیم بِعِجْلٍ حَنِیذٍ- 69- یعنی الحنیذ النضیج لأنه کان البقر أکثر أموالهم و الحنیذ الشواء الذی أنضج بحر النار من غیر أن تمسه النار بالحجارة تحمی و تجعل فی سرب فتشوی فَلَمَّا رَأی أَیْدِیَهُمْ لا تَصِلُ إِلَیْهِ أی إلی العجل نَکِرَهُمْ یعنی أنکرهم و خاف شرهم وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَةً یقول فوقع علیه الخوف منهم فرعد قالُوا «5» أی قالت الملائکة: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلی قَوْمِ لُوطٍ- 70- بهلاکهم و لوط بن حازان «6» و امرأة سارة بنت حازان «7» أخت لوط و إبراهیم عم لوط و ختنه علی أخته «وَ امْرَأَتُهُ» «8» و هی سارة قائِمَةٌ و إبراهیم جالس فَضَحِکَتْ من خوف إبراهیم و رعدته من ثلاثة نفر و إبراهیم فی حشمه و خدمه فقال جبریل- علیه السلام- لسارة: إنک ستلدین غلاما
______________________________
(1) فی أ: و هو میکائیل و ملک آخر- علیهم السلام. و فی ل: و هو ملک الموت و میکائیل.
(2) فی أ: بالولد الصالح بإسحاق و یعقوب. ثم شطب علی الصالح، و فی م: بالولد الصالح.
و فی ل: الولد: بإسحاق و یعقوب.
(3) فی أ: جبرا، ل: حیوا لإبراهیم.
(4) فی ل: و حیوا، أ: خیرا، أی خیرا من تحیتهم و أحسن منها.
(5) فی أ: قالت الملائکة، و فی حاشیة أ: التلاوة: «قالوا».
(6) فی أ: بحران، ل: حازان.
(7) فی أ: حران، ل: حازان.
(8) «وَ امْرَأَتُهُ»: ساقطة من أ، ل، و مثبتة فی حاشیة: أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 291
فذلک قوله: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ یَعْقُوبَ 71- قالَتْ سارة: یا وَیْلَتی أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِی شَیْخاً و هو ابن سبعین سنة إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ عَجِیبٌ 72- یعنی لأمر عجیب أن یکون الولد من الشیخین الکبیرین «قالُوا» «1» قال جبریل لها: أَ تَعْجَبِینَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أن یخلق ولدا من الشیخین رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَکاتُهُ یعنی نعمة اللّه و برکاته عَلَیْکُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ یعنی بالبرکة ما جعل اللّه منهم من الذریة إِنَّهُ حَمِیدٌ فی خلقه مَجِیدٌ- 73- یعنی کریم فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِیمَ الرَّوْعُ یعنی الخوف وَ جاءَتْهُ الْبُشْری فی الولد یُجادِلُنا [175 ا] یعنی یخاصمنا إبراهیم فِی قَوْمِ لُوطٍ- 74- کقوله فی الرعد:
یُجادِلُونَ فِی اللَّهِ «2» و مثل قوله: قالُوا یا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَکْثَرْتَ جِدالَنا «3».
و خصومة إبراهیم- علیه السلام- أنه قال: یا رب أ تهلکهم إن کان فی «4» قوم لوط خمسون «5» رجلا مؤمنین؟ قال جبریل- علیه السلام-: لا فما زال إبراهیم- علیه السلام- ینقص خمسة خمسة حتی انتهی إلی خمسة أبیات قال- تعالی-: إِنَّ إِبْراهِیمَ لَحَلِیمٌ یعنی لعلیم أَوَّاهٌ یعنی موقن مُنِیبٌ 75- مخلص «6».
______________________________
(1) «قالوا»: ساقطة من: أ، ل.
(2) سورة الرعد: 13.
(3) فی أ: جدالنا و مراءنا، و یشیر إلی الآیة 32 من سورة هود.
(4) فی: ساقطة من أ، و هی فی ل.
(5) فی أ: خمسین.
(6) هذه الآیة: 75، فسرت بعد الآیة 76. فأعدتها إلی مکانها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 292
و قال جبریل لإبراهیم: یا إِبْراهِیمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا الجدال حین قال: أ تهلکهم إن کان فیهم کذا و کذا. ثم قال جبریل- علیه السلام-:
إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّکَ یعنی قول ربک فی نزول العذاب بهم وَ إِنَّهُمْ آتِیهِمْ عَذابٌ غَیْرُ مَرْدُودٍ- 76- یعنی غیر مدفوع عنهم یعنی الخسف و الحصب بالحجارة.
قوله: وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا جبریل، و میکائیل، و إسرافیل، و ملک الموت لُوطاً سِی‌ءَ بِهِمْ یعنی کرههم لصنیع قومه بالرجال مخافة أن یفضحوهم وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالَ جبریل «1» هذا یَوْمٌ عَصِیبٌ 77- یعنی فظیع فاش شره علیهم وَ جاءَهُ قَوْمُهُ یُهْرَعُونَ إِلَیْهِ یعنی یسرعون إلیه مشاة إلی لوط وَ مِنْ قَبْلُ أن نبعث لوطا کانُوا یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ یعنی نکاح الرجال و قالَ لوط یا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِی ریثا، و زعوثا فتزوجوهما هُنَّ أَطْهَرُ لَکُمْ یعنی أحل لکم من إتیان الرجال. فَاتَّقُوا اللَّهَ فی معصیته وَ لا تُخْزُونِ فِی ضَیْفِی أَ لَیْسَ مِنْکُمْ رَجُلٌ رَشِیدٌ- 78- یقول ما منکم رجل مرشد قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِی بَناتِکَ مِنْ حَقٍ یعنون من حاجة وَ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ ما نُرِیدُ- 79- أنهم یریدون الأضیاف قالَ لَوْ أَنَّ لِی بِکُمْ قُوَّةً یعنی بطشا أَوْ آوِی إِلی رُکْنٍ شَدِیدٍ- 80- یعنی منیع یعنی رهط یعنی عشیرة لمنعتکم مما تریدون.
قالُوا یا لُوطُ قال جبریل للوط: إِنَّا رُسُلُ رَبِّکَ لَنْ یَصِلُوا إِلَیْکَ بسوء «لأنهم قالوا للوط إنا نری معک رجالا سحروا أبصارنا فستعلم غدا
______________________________
(1) الأنسب أن هذا قول لوط لا جبریل. (انظر البیضاوی)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 293
ما تلقی أنت فی أهلک «1»» فقال جبریل- علیه السلام-: إِنَّا رُسُلُ رَبِّکَ لَنْ یَصِلُوا إِلَیْکَ فَأَسْرِ بِأَهْلِکَ یعنی امرأته و ابنتیه بِقِطْعٍ مِنَ اللَّیْلِ یعنی ببعض اللیل وَ لا یَلْتَفِتْ مِنْکُمْ أَحَدٌ البتة إِلَّا امْرَأَتَکَ فإنها تلتفت، یقول لا ینظر منکم أحد وراءه ثم استثنی إلا امرأتک تلتفت إِنَّهُ مُصِیبُها من العذاب ما أَصابَهُمْ یعنی قوم لوط فالتفتت فأصابها حجر فقتلها، ثم قال:
إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ثم یهلکون قال لوط لجبریل: عجل علی بهلاکهم الآن فرد علیه جبریل أَ لَیْسَ الصُّبْحُ بِقَرِیبٍ - 81- یقول اللّه فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا یعنی قولنا فی نزول العذاب جَعَلْنا عالِیَها سافِلَها یعنی الخسف وَ أَمْطَرْنا عَلَیْها یعنی علی أهلها من کان خارجا من المدائن الأربع حِجارَةً مِنْ سِجِّیلٍ یعنی حجارة خالطها الطین [175 ب مَنْضُودٍ- 82- یعنی ملزق الحجر بالطین مُسَوَّمَةً یعنی معلمة عِنْدَ رَبِّکَ یعنی جاءت من عند اللّه- عز و جل- ثم قال: وَ ما هِیَ مِنَ الظَّالِمِینَ بِبَعِیدٍ- 83- لأنها قریب من الظالمین یعنی من مشرکی مکة فإنها تکون قریبا، یخوفهم منها. و سیکون ذلک فی آخر الزمان یعنی ما هی ببعید لأنها قریب منهم و البعید ما لیس بکائن «2» فذلک قوله: إِنَّهُمْ یَرَوْنَهُ بَعِیداً وَ نَراهُ قَرِیباً «3» یعنی کائنا.
قوله: وَ إِلی مَدْیَنَ و هو ابن إبراهیم خلیل الرحمن «4»، و شعیب بن نویب ابن مدین بن إبراهیم «وَ إِلی مَدْیَنَ أَخاهُمْ» یعنی أرسلنا أَخاهُمْ شُعَیْباً
______________________________
(1) ما بین الأقواس «...»: زیادة من أ، و لیست فی ل.
(2) فی أ، ل: و البعید لیس بکائن.
(3) سورة المعارج: 6- 7.
(4) فی ل زیادة: لصلبه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 294
و لیس بأخیهم فی الدین و لکن فی النسب قالَ یا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی وحدوا اللّه ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ یقول لیس لکم رب غیره وَ لا تَنْقُصُوا الْمِکْیالَ وَ الْمِیزانَ إذا کلتم و وزنتم إِنِّی أَراکُمْ بِخَیْرٍ یعنی موسرین فی نعمة وَ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ فی الدنیا عَذابَ یَوْمٍ مُحِیطٍ- 84- یعنی «1» أحاط بهم العذاب فلم ینج منهم أحد وَ یا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِکْیالَ وَ الْمِیزانَ بِالْقِسْطِ یعنی بالعدل وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیاءَهُمْ یعنی و لا تنقصوا الناس حقوقهم وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ 85- یقول لا تعملوا فیها المعاصی، یعنی بالفساد نقصان الکیل و المیزان. بَقِیَّتُ اللَّهِ یعنی ثواب اللّه فی الآخرة خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ یعنی لو کنتم مؤمنین باللّه- عز و جل- لکان ثوابه خیر لکم من نقصان الکیل و المیزان کقوله: ما عِنْدَکُمْ یَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ «2» یعنی ثوابه باق. وَ ما أَنَا عَلَیْکُمْ یعنی علی أعمالکم بِحَفِیظٍ- 86- یعنی برقیب و اللّه الحافظ لأعمالکم قالُوا یا شُعَیْبُ أَ صَلاتُکَ تَأْمُرُکَ أَنْ نَتْرُکَ یعنی أن نعتزل ما کان یَعْبُدُ آباؤُنا و کانوا یعبدون الأوثان أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِی أَمْوالِنا ما نَشؤُا یعنون إن شئنا نقصنا الکیل و المیزان و إن شئنا وفینا إِنَّکَ لَأَنْتَ الْحَلِیمُ یعنون السفیه الرَّشِیدُ- 87- یعنون الضال، قالوا ذلک لشعیب استهزاء. قالَ یا قَوْمِ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کُنْتُ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَ رَزَقَنِی مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً یعنی الإیمان و هو الهدی وَ ما أُرِیدُ أَنْ أُخالِفَکُمْ إِلی ما أَنْهاکُمْ عَنْهُ یعنی و ما أرید أن أنهاکم عن أمر ثم أرکبه، لقولهم لشعیب فی الأعراف: «أَوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنا
______________________________
(1) فی أ: قال، ل: یعنی.
(2) سورة النحل: 96.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 295
«1»» ثم قال: إِنْ أُرِیدُ یعنی ما أرید إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِیقِی فی الإصلاح بالخیر إِلَّا بِاللَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ یقول به وثقت لقولهم لنخرجنک یا شعیب و الذین آمنوا معک من قریتنا وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ 88- و إلیه المرجع بعد الموت وَ یا قَوْمِ لا یَجْرِمَنَّکُمْ شِقاقِی یقول لا تحملنکم عداوتی أَنْ یُصِیبَکُمْ من العذاب فی الدنیا مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ من الغرق أَوْ قَوْمَ هُودٍ من الریح أَوْ قَوْمَ صالِحٍ [176 ا] من الصیحة وَ ما قَوْمُ لُوطٍ «أی ما أصابهم من «2»» الخسف و الحصب «3» مِنْکُمْ بِبَعِیدٍ- 89- کان عذاب قوم لوط أقرب العذاب إلی قوم شعیب من غیرهم وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ من الشرک ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ منها «4» إِنَّ رَبِّی رَحِیمٌ لمن تاب و أطاعه وَدُودٌ- 90- یعنی مجیب قالُوا یا شُعَیْبُ ما نَفْقَهُ یعنی ما نعقل کَثِیراً مِمَّا تَقُولُ لنا من التوحید و من وفاء الکیل و المیزان وَ إِنَّا لَنَراکَ فِینا ضَعِیفاً یعنی ذلیلا لا قوة لک و لا حیلة وَ لَوْ لا رَهْطُکَ لَرَجَمْناکَ یعنی عشیرتک و أقرباءک لقتلناک وَ ما أَنْتَ عَلَیْنا یعنی عندنا بِعَزِیزٍ- 91- یعنی بعظیم مثل قول السحرة «بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ «5»» یعنون بعظمة
______________________________
(1) سورة الأعراف 88، و تمامها: قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّکَ یا شُعَیْبُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَکَ مِنْ قَرْیَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنا قالَ أَ وَ لَوْ کُنَّا کارِهِینَ
(2) ما بین الأقواس «...» زیادة من المحقق اقتضاها السیاق.
(3) فی: (وَ ما قَوْمُ لُوطٍ) الحصب و الخسف. أ: الخسف و الحصب.
(4) فی حاشیة أ: هنا و فی باقی ما تقدم قدر بعد قوله- تعالی-: تُوبُوا إِلَیْهِ قوله منها و بتأنیث الضمیر العلة بتأویله توبوا إلیه من معصیة الشرک، ظهر الکاتب.
(5) سورة الشعراء: 44.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 296
فرعون یقولون أنت علینا هین قالَ یا قَوْمِ أَ رَهْطِی أَعَزُّ عَلَیْکُمْ مِنَ اللَّهِ یعنی أعظم عندکم من اللّه- عز و جل- وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَکُمْ ظِهْرِیًّا یقول أطعتم قومکم و نبذتم اللّه وراء ظهورکم فلم تعظموه فمن لم یوحده لم یعظمه إِنَّ رَبِّی بِما تَعْمَلُونَ مُحِیطٌ- 92- یعنی من نقصان الکیل و المیزان یعنی أحاط علمه بأعمالکم وَ یا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلی مَکانَتِکُمْ هذا وعید یعنی علی جدیلتکم التی أنتم علیها «إِنِّی عامِلٌ «1»» سَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا وعید مَنْ یَأْتِیهِ عَذابٌ یُخْزِیهِ یعنی یذله وَ مَنْ هُوَ کاذِبٌ بنزول العذاب بکم أنا أو أنتم لقولهم لیس بنازل بنا وَ ارْتَقِبُوا إِنِّی مَعَکُمْ رَقِیبٌ 93- یعنی انتظروا العذاب فإنی منتظر بکم العذاب فی الدنیا وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا یعنی قولنا فی العذاب نَجَّیْنا شُعَیْباً وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا یعنی بنعمة منا علیهم وَ أَخَذَتِ الَّذِینَ ظَلَمُوا الصَّیْحَةُ یعنی صیحة جبریل- علیه السلام- فَأَصْبَحُوا فِی دِیارِهِمْ جاثِمِینَ 94- یعنی فی منازلهم موتی «2» کَأَنْ لَمْ یَغْنَوْا فِیها یعنی کأن لم یکونوا فی الدنیا قط أَلا بُعْداً لِمَدْیَنَ فی الهلاک کَما بَعِدَتْ ثَمُودُ- 95- یعنی کما هلکت ثمود لأن کل واحدة منهما هلکت بالصیحة فمن ثم اختص ذکر ثمود من بین الأمم. وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا یعنی الید و العصی وَ سُلْطانٍ مُبِینٍ 96- إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ یعنی أشراف قومه فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ فی
______________________________
(1) «إِنِّی عامِلٌ»: ساقطة من النسخ.
(2) فی أ: یعنی منازلهم موتی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 297
المؤمن «1» حین قال: ما أُرِیکُمْ إِلَّا ما أَری «2» فأطاعوا فرعون فی قوله، یقول اللّه- عز و جل- وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ- 97- لهم یعنی بهدی «3» یَقْدُمُ قَوْمَهُ القبط یَوْمَ الْقِیامَةِ یعنی فرعون قائدهم إلی النار و یتبعونه کما یتبعونه فی الدنیا فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ فأدخلهم وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ- 98- المدخل المدخول وَ أُتْبِعُوا فِی هذِهِ لَعْنَةً یعنی العذاب و هو الغرق وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ لعنة أخری فی النار «4» بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ- 99- فکأن اللعنتین أردفت «5» إحداهما الأخری ذلِکَ یعنی هذا الخبر الذی أخبرت مِنْ أَنْباءِ یعنی من حدیث الْقُری نَقُصُّهُ عَلَیْکَ فحذر قومک مثل عذاب الأمم الخالیة مِنْها قائِمٌ وَ حَصِیدٌ- 100- یقول من القری ما ینظر إلیها ظاهرة [176 ب و منها خامدة قد ذهبت و درست وَ ما ظَلَمْناهُمْ فنعذبهم علی غیر ذنب وَ لکِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِی یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ یعنی التی یعبدون من دون اللّه مِنْ شَیْ‌ءٍ حین عذبوا لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّکَ یعنی حینما جاء قول ربک فی العذاب وَ ما زادُوهُمْ یعنی الآلهة غَیْرَ تَتْبِیبٍ 101- یعنی غیر تخسیر حیث لم ینفعوهم عند اللّه.
______________________________
(1) یعنی فی سورة المؤمن و تسمی سورة غافر أیضا.
(2) سورة غافر: 29.
(3) فی ل: (بِرَشِیدٍ) لهم: بهدی، أ: (بِرَشِیدٍ) یعنی بهدی.
(4) فی أ: و هو النار، فی ل: فی النار.
(5) فی أ: أردف، ل: أردفت،
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 298
قال عبد اللّه «1»: قال الفراء: نحن أعز من أن نظلم «وَ ما ظَلَمْناهُمْ» نحن أعدل من أن نظلم وَ کَذلِکَ أَخْذُ رَبِّکَ إِذا أَخَذَ الْقُری وَ هِیَ ظالِمَةٌ أی مشرکة إِنَّ أَخْذَهُ یعنی بطشه أَلِیمٌ یعنی وجیع شَدِیدٌ- 102- إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یعنی إن فی هلاک القری لعبرة لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِکَ یَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِکَ یَوْمٌ مَشْهُودٌ- 103- شهد الرب و الملائکة لعرض الخلائق و حسابهم وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ- 104- یعنی و ما نؤخر یوم القیامة إلا لأجل موقوت. یَوْمَ یَأْتِ ذلک الیوم لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ بإذن اللّه- تعالی- فَمِنْهُمْ یقول اللّه- تعالی- فمن الناس شَقِیٌّ وَ سَعِیدٌ- 105- ثم بین ثوابهم فقال: فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِیها فی الخلود زَفِیرٌ یعنی آخر نهیق الحمار قال: وَ شَهِیقٌ 106- فی الصدور یعنی أول نهیق الحمار.
«قال أبو محمد یعنی عبد اللّه بن ثابت: قال أبو العباس ثعلب: الزفیر من البدن کله و الشهیق من الصدر «2»».
خالِدِینَ فِیها لا یموتون ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ یقول کما تدوم السموات و الأرض لأهل الدنیا، و لا یخرجون
______________________________
(1) عبد اللّه: ساقطة من أ- و الإسناد و متنه ساقط من: ل.
(2) من: ل. و فی أ: قال عبد اللّه بن ثابت: قال أبو العباس أحمد بن یحیی: الزفیر من البدن کله و الشهیق من الصدر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 299
منها «1» فکذلک یدوم الأشقیاء فی النار ثم قال: إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ فاستثنی الموحدین الذین یخرجون من النار لا یخلدون یعنی الموحدین إِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِما یُرِیدُ- 107- قال عبد اللّه بن ثابت: قال الفراء: إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ یعنی سوی ما شاء ربک من زیادة الخلق فی النار وَ أَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا فَفِی الْجَنَّةِ خالِدِینَ فِیها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ کما تدومان لأهل الدنیا ثم لا یخرجون منها «2». و کذلک السعداء فی الجنة، ثم استثنی فقال:
إِلَّا ما شاءَ رَبُّکَ یعنی الموحدین الذین یخرجون من النار «3» ثم قال: عَطاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ- 108- یعنی غیر مقطوع عنهم أبدا فَلا تَکُ یا محمد فِی مِرْیَةٍ یعنی فی شک مِمَّا یَعْبُدُ هؤُلاءِ یعنی کفار مکة أنها ضلال «4» ما یَعْبُدُونَ إِلَّا کَما یَعْبُدُ آباؤُهُمْ الأولون مِنْ قَبْلُ یعنی من قبلهم وَ إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِیبَهُمْ یقول إنا لموفون لهم حظهم من العذاب غَیْرَ مَنْقُوصٍ 109- عنهم وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ یعنی أعطینا
______________________________
(1) فی أ، ل. و یخرجون منها، و فی حاشیة الجمل علی الجلالین ما یؤید أن المراد ثم لا یخرجون منها، قال الجمل: و هو وجه حسن لأن فیه التأبید بما یعلمه المخاطبون بالمشاهدة و یعترفون به و هو دوام الدنیا. ثم نقل الجمل أن فی الآیة ثلاثة عشر وجها للمفسرین، و ذکر بعض هذه الوجوه و منها ما نقل عن ابن تیمیة و ابن عمر و ابن عمرو و ابن مسعود من القول بفناء النار قال الجمل: و هو مذهب متروک و قول مهجور لا یصار إلیه و لا یعول علیه و قد أوّل ذلک کله الجمهور.
(2) فی الأصل: ثم لا یخرجون منها و فی ل: ثم یخرجون.
(3) فی ل: فاستثنی الموحدین الذین یخرجون من النار.
و المثبت من: أ. و هو شبیه بما فی: البیضاوی، حیث ذکر أن الاستثناء هنا من الخلود فی النار لأن بعض فساق الموحدین یخرجون منها و ذلک کاف فی صحة الاستثناء .. إلخ.
(4) فی أ، ل: إنهم ضلال. و فی البیضاوی: من حال ما یعبدونه فی أنه یضر و لا تنفع.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 300
موسی التوراة فَاخْتُلِفَ فِیهِ یعنی من بعد موسی یقول آمن بالتوراة بعضهم و کفر بها بعضهم وَ لَوْ لا کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ یا محمد فی تأخیر العذاب عنهم إلی وقت لَقُضِیَ بَیْنَهُمْ فی الدنیا بالهلاک حین اختلفوا فی الدین وَ إِنَّهُمْ لَفِی شَکٍّ مِنْهُ [177 ا] یعنی من الکتاب الذی أوتوه مُرِیبٍ 110- یعنی بالمریب الذین لا یعرفون شکهم ثم رجع إلی أول الآیة فقال:
وَ إِنَّ کُلًّا لَمَّا لَیُوَفِّیَنَّهُمْ رَبُّکَ أَعْمالَهُمْ و لما هاهنا صلة یقول یوفر لهم ربک جزاء أعمالهم إِنَّهُ بِما یَعْمَلُونَ خَبِیرٌ- 111- فَاسْتَقِمْ یعنی فامض یا محمد بالتوحید کَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَکَ من الشرک فلیستقیموا معک فامضوا علی التوحید وَ لا تَطْغَوْا فیه یقول و لا تعصوا اللّه فی التوحید فتخلطوه بشک إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ- 112- وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی و لا تمیلوا إلی أهل الشرک یقول و لا تلحقوا بهم «1» فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ یعنی فتصیبکم النار وَ ما لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِیاءَ یعنی من أقرباء یمنعونکم یقول لا یمنعونکم من النار ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ 113- وَ أَقِمِ الصَّلاةَ یعنی و أتم الصلاة یعنی رکوعها و سجودها طَرَفَیِ النَّهارِ یعنی صلاة الغداة، و صلاة الأولی و العصر ثم قال: وَ زُلَفاً مِنَ اللَّیْلِ یعنی صلاة المغرب و العشاء إِنَّ الْحَسَناتِ یعنی الصلوات الخمس یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ یعنی یکفرن الذنوب ما اجتنبت الکبائر.
نزلت فی أبی مقبل و اسمه عامر بن قیس الأنصاری من بنی النجار أتته امرأة تشتری منه تمرا فراودها ثم أنی النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- فقال: إنی خلوت بامرأة
______________________________
(1) فی أ: و لا تحلفوا بهم، ل: و لا تلحقوا بهم، و فی حاشیة أ: و لا تحلفوا لهم: محمد. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 301
فما شی‌ء یفعل بالمرأة إلا و فعلته بها إلا أنی لم أجامعها فنزلت «وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَیِ النَّهارِ ...» إلی آخر الآیة. ثم عمد الرجل فصلی المکتوبة وراء النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فلما انصرف النبی- صلّی اللّه علیه و سلم- قال له: ألیس قد توضأت و صلیت معنا. قال: بلی. قال: فإنها کفارة لما صنعت ثم قال:
ذلِکَ الذی ذکره من الصلاة طرفی النهار، و زلفی من اللیل من الصلاة ذِکْری لِلذَّاکِرِینَ
- 114- کقوله لموسی: «وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی «1»» وَ اصْبِرْ یا محمد علی الصلاة فَإِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ 115- یعنی جزاء المخلصین فَلَوْ لا کانَ یعنی لم یکن مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِکُمْ أُولُوا بَقِیَّةٍ یَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ یعنی الشرک فِی الْأَرْضِ یقول لم یکن من القرون من ینهی عن المعاصی فی الأرض بعد الشرک، ثم استثنی فقال:
إِلَّا قَلِیلًا مِمَّنْ أَنْجَیْنا مِنْهُمْ یعنی مع الرسل من العذاب، مع الأنبیاء. فهم الذین کانوا ینهون عن الفساد فی الأرض وَ اتَّبَعَ الَّذِینَ ظَلَمُوا یقول و آثر الذین ظلموا دنیاهم ما أُتْرِفُوا فِیهِ یعنی ما أعطوا فیه من دنیاهم علی آخرتهم وَ کانُوا مُجْرِمِینَ 116- یعنی الأمم الذین کذبوا فی الدنیا وَ ما کانَ رَبُّکَ لِیُهْلِکَ یعنی لیعذب فی الدنیا الْقُری بِظُلْمٍ یعنی علی غیر ذنب یعنی القری التی ذکر اللّه- تعالی- فی هذه السورة الذین عذبهم اللّه و هم قوم نوح، و عاد، [177 ب و ثمود، و قوم إبراهیم، و قوم لوط، و قوم شعیب، ثم قال:
وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ 117- یعنی مؤمنون یقول لو کانوا مؤمنین ما عذبوا وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً یعنی علی ملة الإسلام وحدها، ثم قال وَ لا یَزالُونَ مُخْتَلِفِینَ 118- یقول لا یزال أهل الأدیان مختلفین
______________________________
(1) سورة طه: 14 و تمامها «إِنَّنِی أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِی وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 302
فی الدین غیر دین الإسلام، ثم استثنی بعضهم إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ أهل التوحید «1» لا یختلفون فی الدین وَ لِذلِکَ خَلَقَهُمْ یعنی للرحمة خلقهم یعنی الإسلام وَ تَمَّتْ یقول و حقت کَلِمَةُ رَبِّکَ العذاب علی المختلفین و الکلمة التی تمت قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ 119- یعنی الفریقین جمیعا وَ کُلًّا نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ و أممهم و ما یذکر فی هذه السورة ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَکَ یعنی قلبک أنه حق، فذلک قوله: وَ جاءَکَ فِی هذِهِ السورة الْحَقُ مما ذکر من أمر الرسل و أمر قومهم وَ مَوْعِظَةٌ یعنی ما عذب اللّه به الأمم الخالیة و ما ذکر فی هذه السورة فهو موعظة یعنی مأدبة «2» لهذه الأمة وَ ذِکْری یعنی و تذکرة لِلْمُؤْمِنِینَ 120- یعنی للمصدقین بتوحید اللّه وَ قُلْ لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ یعنی لا یصدقون بما فی القرآن اعْمَلُوا عَلی مَکانَتِکُمْ هذا وعید یقول اعملوا علی جدیلتکم التی أنتم علیها إِنَّا عامِلُونَ 121- علی جدیلتنا التی نحن علیها وَ انْتَظِرُوا العذاب إِنَّا مُنْتَظِرُونَ 122- بکم العذاب یعنی القتل ببدر و ضرب الملائکة وجوههم و أدبارهم و تعجیل أرواحهم إلی النار وَ لِلَّهِ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یقول و للّه غیب نزول العذاب و غیب ما فی الأرض وَ إِلَیْهِ یُرْجَعُ الْأَمْرُ کُلُّهُ یعنی أمر العباد یرجع إلی اللّه یوم القیامة و ذلک قوله «وَ إِلَی اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» یعنی أمور العباد فَاعْبُدْهُ یعنی وحده وَ تَوَکَّلْ عَلَیْهِ یقول وثق باللّه وَ ما رَبُّکَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ 123- هذا وعید.
______________________________
(1) هکذا فی أ، ل. و الأنسب: من أهل التوحید.
(2) هکذا فی: أ، ل، أی: تأدیبا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 303

سورة یوسف‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 305

[سورة یوسف (12): الآیات 1 الی 111]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ (1) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَیْنا إِلَیْکَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ کُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِینَ (3) إِذْ قالَ یُوسُفُ لِأَبِیهِ یا أَبَتِ إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ کَوْکَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَیْتُهُمْ لِی ساجِدِینَ (4)
قالَ یا بُنَیَّ لا تَقْصُصْ رُؤْیاکَ عَلی إِخْوَتِکَ فَیَکِیدُوا لَکَ کَیْداً إِنَّ الشَّیْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِینٌ (5) وَ کَذلِکَ یَجْتَبِیکَ رَبُّکَ وَ یُعَلِّمُکَ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ وَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَ عَلی آلِ یَعْقُوبَ کَما أَتَمَّها عَلی أَبَوَیْکَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِیمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّکَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (6) لَقَدْ کانَ فِی یُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آیاتٌ لِلسَّائِلِینَ (7) إِذْ قالُوا لَیُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلی أَبِینا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ (8) اقْتُلُوا یُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً یَخْلُ لَکُمْ وَجْهُ أَبِیکُمْ وَ تَکُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِینَ (9)
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا یُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِّ یَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّیَّارَةِ إِنْ کُنْتُمْ فاعِلِینَ (10) قالُوا یا أَبانا ما لَکَ لا تَأْمَنَّا عَلی یُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً یَرْتَعْ وَ یَلْعَبْ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12) قالَ إِنِّی لَیَحْزُنُنِی أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ یَأْکُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) قالُوا لَئِنْ أَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (14)
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ یَجْعَلُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِّ وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (15) وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً یَبْکُونَ (16) قالُوا یا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَکْنا یُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ کُنَّا صادِقِینَ (17) وَ جاؤُ عَلی قَمِیصِهِ بِدَمٍ کَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ (18) وَ جاءَتْ سَیَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلی دَلْوَهُ قالَ یا بُشْری هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِما یَعْمَلُونَ (19)
وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ کانُوا فِیهِ مِنَ الزَّاهِدِینَ (20) وَ قالَ الَّذِی اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَکْرِمِی مَثْواهُ عَسی أَنْ یَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ کَذلِکَ مَکَّنَّا لِیُوسُفَ فِی الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلی أَمْرِهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (21) وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَیْناهُ حُکْماً وَ عِلْماً وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ (22) وَ راوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَ قالَتْ هَیْتَ لَکَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّی أَحْسَنَ مَثْوایَ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأی بُرْهانَ رَبِّهِ کَذلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِینَ (24)
وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وَ قَدَّتْ قَمِیصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَ أَلْفَیا سَیِّدَها لَدَی الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِکَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ یُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِیمٌ (25) قالَ هِیَ راوَدَتْنِی عَنْ نَفْسِی وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ کانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ الْکاذِبِینَ (26) وَ إِنْ کانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَکَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقِینَ (27) فَلَمَّا رَأی قَمِیصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ کَیْدِکُنَّ إِنَّ کَیْدَکُنَّ عَظِیمٌ (28) یُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَ اسْتَغْفِرِی لِذَنْبِکِ إِنَّکِ کُنْتِ مِنَ الْخاطِئِینَ (29)
وَ قالَ نِسْوَةٌ فِی الْمَدِینَةِ امْرَأَتُ الْعَزِیزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَکْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَیْهِنَّ وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّکَأً وَ آتَتْ کُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِکِّیناً وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَیْهِنَّ فَلَمَّا رَأَیْنَهُ أَکْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ وَ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَکٌ کَرِیمٌ (31) قالَتْ فَذلِکُنَّ الَّذِی لُمْتُنَّنِی فِیهِ وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَ لَئِنْ لَمْ یَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَیُسْجَنَنَّ وَ لَیَکُوناً مِنَ الصَّاغِرِینَ (32) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِمَّا یَدْعُونَنِی إِلَیْهِ وَ إِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَیْهِنَّ وَ أَکُنْ مِنَ الْجاهِلِینَ (33) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ کَیْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (34)
ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآیاتِ لَیَسْجُنُنَّهُ حَتَّی حِینٍ (35) وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَیانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّی أَرانِی أَعْصِرُ خَمْراً وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّی أَرانِی أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِی خُبْزاً تَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِیلِهِ إِنَّا نَراکَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ (36) قالَ لا یَأْتِیکُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُکُما بِتَأْوِیلِهِ قَبْلَ أَنْ یَأْتِیَکُما ذلِکُما مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّی إِنِّی تَرَکْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ (37) وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِی إِبْراهِیمَ وَ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ ما کانَ لَنا أَنْ نُشْرِکَ بِاللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ ذلِکَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَیْنا وَ عَلَی النَّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُونَ (38) یا صاحِبَیِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39)
ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (40) یا صاحِبَیِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُکُما فَیَسْقِی رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَیُصْلَبُ فَتَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِیَ الْأَمْرُ الَّذِی فِیهِ تَسْتَفْتِیانِ (41) وَ قالَ لِلَّذِی ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْکُرْنِی عِنْدَ رَبِّکَ فَأَنْساهُ الشَّیْطانُ ذِکْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِی السِّجْنِ بِضْعَ سِنِینَ (42) وَ قالَ الْمَلِکُ إِنِّی أَری سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ یابِساتٍ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی رُءْیایَ إِنْ کُنْتُمْ لِلرُّءْیا تَعْبُرُونَ (43) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِیلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِینَ (44)
وَ قالَ الَّذِی نَجا مِنْهُما وَ ادَّکَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُکُمْ بِتَأْوِیلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) یُوسُفُ أَیُّهَا الصِّدِّیقُ أَفْتِنا فِی سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ یابِساتٍ لَعَلِّی أَرْجِعُ إِلَی النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَعْلَمُونَ (46) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِیلاً مِمَّا تَأْکُلُونَ (47) ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذلِکَ سَبْعٌ شِدادٌ یَأْکُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِیلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذلِکَ عامٌ فِیهِ یُغاثُ النَّاسُ وَ فِیهِ یَعْصِرُونَ (49)
وَ قالَ الْمَلِکُ ائْتُونِی بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلی رَبِّکَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِی قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ إِنَّ رَبِّی بِکَیْدِهِنَّ عَلِیمٌ (50) قالَ ما خَطْبُکُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ یُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَیْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِیزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِینَ (51) ذلِکَ لِیَعْلَمَ أَنِّی لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَیْبِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی کَیْدَ الْخائِنِینَ (52) وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِی إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّی إِنَّ رَبِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ (53) وَ قالَ الْمَلِکُ ائْتُونِی بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِی فَلَمَّا کَلَّمَهُ قالَ إِنَّکَ الْیَوْمَ لَدَیْنا مَکِینٌ أَمِینٌ (54)
قالَ اجْعَلْنِی عَلی خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ (55) وَ کَذلِکَ مَکَّنَّا لِیُوسُفَ فِی الْأَرْضِ یَتَبَوَّأُ مِنْها حَیْثُ یَشاءُ نُصِیبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ (56) وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَیْرٌ لِلَّذِینَ آمَنُوا وَ کانُوا یَتَّقُونَ (57) وَ جاءَ إِخْوَةُ یُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْکِرُونَ (58) وَ لَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِی بِأَخٍ لَکُمْ مِنْ أَبِیکُمْ أَ لا تَرَوْنَ أَنِّی أُوفِی الْکَیْلَ وَ أَنَا خَیْرُ الْمُنْزِلِینَ (59)
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِی بِهِ فَلا کَیْلَ لَکُمْ عِنْدِی وَ لا تَقْرَبُونِ (60) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَ إِنَّا لَفاعِلُونَ (61) وَ قالَ لِفِتْیانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِی رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ یَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلی أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلی أَبِیهِمْ قالُوا یا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْکَیْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَکْتَلْ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) قالَ هَلْ آمَنُکُمْ عَلَیْهِ إِلاَّ کَما أَمِنْتُکُمْ عَلی أَخِیهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَیْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ (64)
وَ لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَیْهِمْ قالُوا یا أَبانا ما نَبْغِی هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَیْنا وَ نَمِیرُ أَهْلَنا وَ نَحْفَظُ أَخانا وَ نَزْدادُ کَیْلَ بَعِیرٍ ذلِکَ کَیْلٌ یَسِیرٌ (65) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَکُمْ حَتَّی تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِی بِهِ إِلاَّ أَنْ یُحاطَ بِکُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلی ما نَقُولُ وَکِیلٌ (66) وَ قالَ یا بَنِیَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَ ما أُغْنِی عَنْکُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ عَلَیْهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُتَوَکِّلُونَ (67) وَ لَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَیْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما کانَ یُغْنِی عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِلاَّ حاجَةً فِی نَفْسِ یَعْقُوبَ قَضاها وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (68) وَ لَمَّا دَخَلُوا عَلی یُوسُفَ آوی إِلَیْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّی أَنَا أَخُوکَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (69)
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقایَةَ فِی رَحْلِ أَخِیهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّکُمْ لَسارِقُونَ (70) قالُوا وَ أَقْبَلُوا عَلَیْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (71) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِکِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِیرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِیمٌ (72) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِی الْأَرْضِ وَ ما کُنَّا سارِقِینَ (73) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ کُنْتُمْ کاذِبِینَ (74)
قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِی رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ کَذلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِیَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِیهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِیهِ کَذلِکَ کِدْنا لِیُوسُفَ ما کانَ لِیَأْخُذَ أَخاهُ فِی دِینِ الْمَلِکِ إِلاَّ أَنْ یَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَ فَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ (76) قالُوا إِنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها یُوسُفُ فِی نَفْسِهِ وَ لَمْ یُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَکاناً وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) قالُوا یا أَیُّهَا الْعَزِیزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَیْخاً کَبِیراً فَخُذْ أَحَدَنا مَکانَهُ إِنَّا نَراکَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79)
فَلَمَّا اسْتَیْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِیًّا قالَ کَبِیرُهُمْ أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباکُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَیْکُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِی یُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّی یَأْذَنَ لِی أَبِی أَوْ یَحْکُمَ اللَّهُ لِی وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ (80) ارْجِعُوا إِلی أَبِیکُمْ فَقُولُوا یا أَبانا إِنَّ ابْنَکَ سَرَقَ وَ ما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَ ما کُنَّا لِلْغَیْبِ حافِظِینَ (81) وَ سْئَلِ الْقَرْیَةَ الَّتِی کُنَّا فِیها وَ الْعِیرَ الَّتِی أَقْبَلْنا فِیها وَ إِنَّا لَصادِقُونَ (82) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ عَسَی اللَّهُ أَنْ یَأْتِیَنِی بِهِمْ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ (83) وَ تَوَلَّی عَنْهُمْ وَ قالَ یا أَسَفی عَلی یُوسُفَ وَ ابْیَضَّتْ عَیْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِیمٌ (84)
قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتَّی تَکُونَ حَرَضاً أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهالِکِینَ (85) قالَ إِنَّما أَشْکُوا بَثِّی وَ حُزْنِی إِلَی اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (86) یا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یُوسُفَ وَ أَخِیهِ وَ لا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَیْهِ قالُوا یا أَیُّهَا الْعَزِیزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْکَیْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَیْنا إِنَّ اللَّهَ یَجْزِی الْمُتَصَدِّقِینَ (88) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ وَ أَخِیهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89)
قالُوا أَ إِنَّکَ لَأَنْتَ یُوسُفُ قالَ أَنَا یُوسُفُ وَ هذا أَخِی قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْنا إِنَّهُ مَنْ یَتَّقِ وَ یَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ (90) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَکَ اللَّهُ عَلَیْنا وَ إِنْ کُنَّا لَخاطِئِینَ (91) قالَ لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللَّهُ لَکُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِیصِی هذا فَأَلْقُوهُ عَلی وَجْهِ أَبِی یَأْتِ بَصِیراً وَ أْتُونِی بِأَهْلِکُمْ أَجْمَعِینَ (93) وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِیرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّی لَأَجِدُ رِیحَ یُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)
قالُوا تَاللَّهِ إِنَّکَ لَفِی ضَلالِکَ الْقَدِیمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِیرُ أَلْقاهُ عَلی وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِیراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (96) قالُوا یا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا کُنَّا خاطِئِینَ (97) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (98) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلی یُوسُفَ آوی إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ (99)
وَ رَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَی الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قالَ یا أَبَتِ هذا تَأْوِیلُ رُءْیایَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّی حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِی إِذْ أَخْرَجَنِی مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِکُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّیْطانُ بَیْنِی وَ بَیْنَ إِخْوَتِی إِنَّ رَبِّی لَطِیفٌ لِما یَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وَ عَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِی مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ (101) ذلِکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ نُوحِیهِ إِلَیْکَ وَ ما کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ یَمْکُرُونَ (102) وَ ما أَکْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِینَ (103) وَ ما تَسْئَلُهُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ لِلْعالَمِینَ (104)
وَ کَأَیِّنْ مِنْ آیَةٍ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَمُرُّونَ عَلَیْها وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (105) وَ ما یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَ هُمْ مُشْرِکُونَ (106) أَ فَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِیَهُمْ غاشِیَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِیَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (107) قُلْ هذِهِ سَبِیلِی أَدْعُوا إِلَی اللَّهِ عَلی بَصِیرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِی وَ سُبْحانَ اللَّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ (108) وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُری أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَیْرٌ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا أَ فَلا تَعْقِلُونَ (109)
حَتَّی إِذَا اسْتَیْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ کُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّیَ مَنْ نَشاءُ وَ لا یُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِینَ (110) لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِی الْأَلْبابِ ما کانَ حَدِیثاً یُفْتَری وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَفْصِیلَ کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ هُدیً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (111)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 317
سورة یوسف مکیة کلها و هی مائة و إحدی عشرة آیة کوفی و حسبنا اللّه و نعم الوکیل «1»
______________________________
(1) المقصود الإجمالی من سورة یوسف ما یأتی:
عرض العجائب التی تتضمنها: من حدیث یوسف، و یعقوب، و الوقائع التی فی هذه القصة: من تعبیر الرؤیا، و حسد الإخوة، و حیلهم فی التفریق بین یوسف و أبیه. و تفصیل الصبر الجمیل من جهة یعقوب، و بشارة مالک بن دعر بوجدان یوسف. و بیع الإخوة أخاهم بثمن بخس، و عرضه علی البیع و الشراء، بسوق مصر، و رغبة زلیخا و عزیز مصر فی شرائه، و نظر زلیخا إلی یوسف، و احتراز یوسف منها، و حدیث رؤیة البرهان، و شهادة الشاهد، و تعبیر النسوة زلیخا، و تحیرهن فی حسن یوسف، و جماله، و حبسه فی السجن، و دخول الساقی و الطباخ إلیه، و سؤالهما إیاه و دعوته إیاهما إلی التوحید و نجاة الساقی، و هلاک الطباخ، و وصیة یوسف للساقی بأن یذکره عند ربه. و حدیث رؤیا مالک بن الریان، و عجز العابرین عن تعبیر رؤیاه. و تذکر الساقی یوسف، و تعبیره لرؤیاه فی السجن، و طلب مالک یوسف، و إخراجه من السجن، و تسلیم مقالید الخزائن إلیه، و مقدم إخوته لطلب المیرة، و عهد یعقوب مع أولاده، و وصیتهم فی کیفیة الدخول إلی مصر و قاعدة تعریف یوسف نفسه لبنیامین، و قضائه حاجة الإخوة، و تغییبه الصاع فی أحمالهم، و توقیف بنیامین بعلة السرقة، و استدعائهم منه توقیف غیره من الإخوة مکانه، ورده الإخوة إلی أبیهم، و شکوی یعقوب من جور الهجران، و ألم الفراق و إرسال یعقوب إیاهم فی طلب یوسف و أخیه، و تضرع الإخوة بین یدی یوسف، و إظهار یوسف لهم ما فعلوه معه من الإساءة و عفوه عنهم، و إرساله بقمیصه صحبتهم إلی یعقوب، و توجه یعقوب من کنعان إلی مصر، و حوالة یوسف ذنب إخوته علی مکاید الشیطان، و شکره للّه- تعالی- علی ما خوله من الملک، و دعائه و سؤاله حسن الخاتمة، و جمیل العاقبة، و طلب السعادة، و الشهادة، و تعبیر الکفار علی الإعراض عن الحجة، و الإشارة إلی أن فی قصة یوسف عبرة للعالمین فی قوله: «لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِی الْأَلْبابِ».
(بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی: 257)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 318
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 387
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ 1- یعنی بین ما فیه إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ یعنی لکی تَعْقِلُونَ 2- ما فیه لو کان القرآن غیر عربی ما فهموه و لا عقلوه نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ یعنی القرآن بِما أَوْحَیْنا إِلَیْکَ بالذی أوحینا إلیک نظیرها فی یس «بِما غَفَرَ لِی رَبِّی «1»» هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ کُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ یعنی من قبل نزول القرآن علیک لَمِنَ الْغافِلِینَ 3- عنه إِذْ قالَ یُوسُفُ لِأَبِیهِ یعقوب یا أَبَتِ إِنِّی رَأَیْتُ فی المنام أَحَدَ عَشَرَ کَوْکَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ [178 ا] هبطوا إلی الأرض من السماء ف رَأَیْتُهُمْ لِی ساجِدِینَ 4- فالکواکب الأحد عشر إخوته و الشمس أم یوسف و هی راحیل بنت لاتان، و لاتان هو خال یعقوب، و القمر أبوه یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم، و قد علم تعبیر ما رأی یوسف قالَ یا بُنَیَّ لا تَقْصُصْ رُؤْیاکَ عَلی إِخْوَتِکَ فیحسدوک إضمار فَیَکِیدُوا لَکَ کَیْداً فیعلموا بک شرا إِنَّ الشَّیْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِینٌ 5- یعنی بین. و قال «2» یعقوب لیوسف: وَ کَذلِکَ یَجْتَبِیکَ رَبُّکَ یقول و هکذا یستخلصک ربک بالسجود وَ یُعَلِّمُکَ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ یعنی و یعلمک تعبیر الرؤیا: وَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَ عَلی آلِ یَعْقُوبَ یعنی بآل
______________________________
(1) سورة یس: 27 و تمامها «بِما غَفَرَ لِی رَبِّی وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُکْرَمِینَ».
(2) فی أ: قال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 319
یعقوب: هو و امرأته و إخوته الأحد عشر بالسجود لک کَما أَتَمَّها یعنی النعمة عَلی أَبَوَیْکَ مِنْ قَبْلُ یعنی بأبویه إِبْراهِیمَ حین رأی فی المنام أن یذبح ابنه إسحاق، و ألقی إبراهیم فی النار فنجاه اللّه- تعالی- منها و أراد ذبح ابنه فخلصه اللّه بالسجود «1» وَ إِسْحاقَ فی رؤیا إبراهیم فی ذبح إسحاق إِنَّ رَبَّکَ عَلِیمٌ بتمامها حَکِیمٌ 6- یعنی القاضی لها لَقَدْ کانَ فِی یُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آیاتٌ یعنی علامات لِلسَّائِلِینَ 7- و ذلک أن الیهود لما سمعوا ذکر یوسف- علیه السّلام- من النبی- صلی اللّه علیه و سلم- منهم کعب بن الأشرف، و حیی و جدی ابنا أخطب، و النعمان بن أوفی، و عمرو، و بحیرا، و غزال «2» بن السموأل، و مالک بن الضیف، فلم یؤمن بالنبی- صلی اللّه علیه و سلم- منهم غیر جبر غلام بن الحضرمی، و یسار أبو فکیهة «3»، و عداس، فکان ما سمعوا من النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من ذکر یوسف و أمره «آیاتٌ لِلسَّائِلِینَ» و ذلک أن الیهود سألوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عن أمر یوسف فکان ما سمعوا علامة لهم و هم السائلون عن أمر یوسف- علیه السلام- و کان یوسف قد فضل فی زمانه بحسنه علی الناس کفضل القمر لیلة البدر علی سائر الکواکب إِذْ قالُوا إخوة یوسف و هو روبیل أکبرهم سنا، و یهوذا أکبرهم فی العقل و هو الذی قال اللّه «قالَ کَبِیرُهُمْ «4»» فی العقل و لم یکن کبیرهم فی السن، و شمعون، و لاوی، و نفتولن،
______________________________
(1) هکذا فی: ا، ل، و لا أری له معنی.
(2) فی ل، عرال، ا: غزال.
(3) فی أ: و یسار فکیهة، ل: و یسار أبو فکیهة.
(4) سورة:
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 320
و ربولن «1»، و آشر «2»، و استاخر، و جاب «3» و دان، و یوسف، و بنیامین «4»، بعضهم لبعض لَیُوسُفُ وَ أَخُوهُ و هو بنیامین أَحَبُّ إِلی أَبِینا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ یعنی عشرة إِنَّ أَبانا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ 8- یعنی خسران مبین یعنی فی شقاء بین نظیرها فی سورة القمر «إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی ضَلالٍ «5»» یعنی فی شقاء، من حب یعقوب لابنه یوسف و ذکره ثم قال بعضهم لبعض: اقْتُلُوا یُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً بعیدة: یَخْلُ لَکُمْ وَجْهُ أَبِیکُمْ فیقبل علیکم بوجهه وَ تَکُونُوا یعنی و تصیروا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِینَ 9- یعنی یصلح أمرکم و حالکم عند أبیکم قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ و هو یهوذا بن یعقوب [178 ب لا تَقْتُلُوا یُوسُفَ فإن قتله عظیم وَ لکن أَلْقُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِ علی طریق الناس فیأخذونه فیکفونکم أمره. یعنی الزائغة «6» من البئر ما یتواری عن العین و لا یراه أحد فهو غیابت الجب «7» یَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّیَّارَةِ فیذهبوا به فیکفونکم أمره إِنْ کُنْتُمْ لا بد فاعِلِینَ 10- من الشر الذی تریدون به فأتوا یعقوب ف قالُوا یا أَبانا ما لَکَ لا تَأْمَنَّا عَلی یُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ 11- أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً یَرْتَعْ وَ یَلْعَبْ یعنی ینشط و یفرح و العرب تقول: رتعت لک یعنی فرحت لک وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 12-
______________________________
(1) فی أ: و ربولن، ل: و ربوان.
(2) فی ل: و آسر، ا: و آشر.
(3) فی ل: و جاد، ا: و جاب.
(4) أی تمام الاثنی عشر، و لم یشترک یوسف و بنیامین فی مقالة الإخوة.
(5) سورة القمر: 47.
(6) فی ل: البراتقه، ا: الزائغة.
(7) فی الجلالین: غیابت الجب: مظلم البئر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 321
من الضیعة قال یعقوب لهم: إنی أخاف علیه فقالوا لأبیهم «ما لَکَ لا تَأْمَنَّا عَلی یُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ» فی الحفظ له قالَ أبوهم: إِنِّی لَیَحْزُنُنِی أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ یَأْکُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ 13- لا تشعرون به، و کانت أرضا مذئبة فمن ثم قال یعقوب: «أَخافُ أَنْ یَأْکُلَهُ الذِّئْبُ» قالُوا أی العشرة «1» لَئِنْ أَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ یعنی و نحن جماعة إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ 14- یعنی لعجزة فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ بیوسف وَ أَجْمَعُوا أمرهم أَنْ یَجْعَلُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِ علی رأس ثلاثة «2» فراسخ فألقوه فی الجب و الماء یومئذ کدر غلیظ فعذب الماء وصفا حین ألقی فیه و قام علی صخرة فی قاصیة البئر فوکل اللّه به ملکا یحرسه فی الجب و یطعمه وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 15- و ذلک أن اللّه أوحی إلی یوسف- علیه السلام- بعد ما انصرف إخوته إنک ستخبر «3» إخوتک بأمرهم هذا الذی رکبوا «4» منک ثم قال: «وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ» أنک یوسف حین تخبرهم فأنبأهم یوسف بعد ذلک حین قال لهم: و ضرب «5» الإناء. فقال: إن الإناء لیخبرنی بما فعلتم «6» بیوسف من الشر و نزع الثیاب.
______________________________
(1) فی أ: قال العشرة.
(2) فی أ: ثلاث.
(3) فی أ: تخبر.
(4) هکذا فی: ا، ل.
(5) الأنسب: و قد ضرب، و الواو فی و ضرب واو الحال أی کلمهم حال کونه قد ضرب الإناء بیده.
(6) فی أ، ل: ما فعلتم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 322
«قال أبو محمد عبد اللّه بن ثابت «1»» و سمعت أبی یحدثنی عن الهذیل عن مقاتل فی قوله: «وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ» «قال لا یشعرون «2»» أنک یوسف.
قال: و ذلک أن یوسف لما استخرج الصاع من وعاء «3» أخیه بنیامین قطع بالقوم و تحیروا فأحضرهم و أخذ بنیامین مکان سرقته ثم تقدم إلی أمینه. فقال له: أحضر الصاع إذا حضروا و انقره ثلاث نقرات و استمع طنین کل نقرة حتی تسکن ثم قل فی النقرة الأولی کذا، و فی الثانیة کذا، و فی الثالثة کذا، و أوهمهم «4» أنک إنما تخبرنی عن شی‌ء تفهمه من طنین الصاع قال: فأمر بهم فجمعوا. ثم قال یوسف للذی استخرج الصاع: و هو أمینه أحضر الصاع الذی سرقوه و تقدم إلیه ألا یکتمنا من أخبارهم شیئا فإنه غضبان علیهم و یوشک أن یصدق عنهم، قال: «فأحضره و القوم «5»» و قال له الأمین: أیها الصاع، إن الملک یأمرک [179 أ] أن تبین له أمر هؤلاء القوم و لا تکتمه شیئا من أمرهم ثم نقره نقرة شدیدة و أصغی إلیه یسمعه کأنه یستمع منه شیئا فقال: أیها الملک، إن الصاع یقول لک: إنهم أخبروک أنهم لأم واحدة، و أنهم لأمهات شتی و لذلک وقع بینهم ما یقع بین الأولاد العتاة.
______________________________
(1) ما بین القوسین «...»: من ل. و فی أ: عبد اللّه.
(2) «قال لا یشعرون»: ساقطة من أ، و هی فی: ل.
(3) فی أ: رحل، ل: وعاء.
(4) فی أ: و وهمهم، ل: و أهمهم.
(5) من ل. و فی أ: فأحضره القوم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 323
قال: قل له لا یکتمنا من أخبارهم شیئا، ثم نقره الثانیة و أصغی إلیه یسمعه. فلما سکن قال: أیها الملک، إنهم أخبروک أن لهم أخا مفقودا و لن تنصرم الأیام و اللیالی حتی یأتی ذلک الغلام فیتبین الناس أخبارهم.
قال: مره ألا یکتمنا من أخبارهم شیئا، قال: فطن الثالثة فلما سکن قال:
أیها الملک «1» إنه ما دخل علی أبیهم غم و لا هم و لا حزن إلا بسببهم و جرائرهم، قال:
أوعز «2» إلیه ألا یکتمنا من أخبارهم شیئا.
قال: فنظر بعضهم إلی بعض و خافوا أن یظهر علیهم ما کتموه من أمر یوسف- علیه السّلام- فقاموا إلیه بجمعهم یقبلون رأسه و عینیه و یقولون:
بالذی أشبهک بالنبیین و فضلک علی العالمین ألا أقلت العثرة و سترت العورة و حفظتنا فی أبینا یعقوب فرق لهم، و قال: لو لا حفاظی لکم فی أبیکم لنکلت بکم و لألحقتکم بالسراق و اللصوص اعزبوا عنی فلا حاجة لی فیکم.
قال: فلما قدموا علی أبیهم أخبروه بأخبارهم، قال فردهم بالبضاعة المزجاة «3» و کتب معهم کتابا إلیه فیه بسم اللّه الرحمن الرحیم من یعقوب إسرائیل اللّه ابن إسحاق ذبیح اللّه ابن إبراهیم خلیل اللّه إلی عزیز مصر سلام علی من اتبع الهدی، أما بعد: فإنی ما سرقت و لا ولدت سارقا و لکنا أهل بیت البلاء موکل بنا، أما جدی فألقی فی النار فجعلها اللّه علیه بردا و سلاما.
______________________________
(1) من: ل. و فی أ: إن.
(2) من: ا. و فی ل: أوح.
(3) قال فی الجلالین: بضاعة مزجاة: مدفوعة یدفعها کل من رآها لرداءتها، و کانت دراهم زیوفا أو غیرها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 324
و أما أبی فأضجع للذبح ففداه اللّه بذبح عظیم، و أما أنا فبلیت بفقد حبیبی و قرة عینی یوسف.
قال: فلما وصلوا إلیه أوصلوا کتابه فلما قرأ کتابه انتحب، فقیل له: کأنک صاحب الکتاب. قال: أجل، فذلک قوله «لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ» ثم تعرف إلیهم فعرفوه.
وَ جاؤُ أَباهُمْ یعقوب عِشاءً یَبْکُونَ 16- صلاة العتمة قالُوا یا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ یعنی نتصید وَ تَرَکْنا یُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا لیحفظه فَأَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا یعنی بمصدق لنا وَ لَوْ کُنَّا صادِقِینَ 17- بما تقول وَ جاؤُ عَلی قَمِیصِهِ یعنی علی قمیص یوسف بِدَمٍ کَذِبٍ و ذلک أنهم حین ألقوه فی البئر انتزعوا ثیابه و هو قمیصه ثم عمدوا إلی سخلة فذبحوها علی القمیص لیروا أباهم یعقوب، فلما رأی أباهم القمیص صحیحا اتهمهم و کان لبیبا عاقلا فقال: ما أحلم «1» هذا السبع حین خلع القمیص [179 ب کراهیة أن یتمزق «2» ثم بکی ف قالَ بَلْ سَوَّلَتْ یقول بل زینت لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً و کان الذی أردتم هو منکم فَصَبْرٌ جَمِیلٌ یعنی صبری صبرا حسنا لا جزع فیه وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلی ما تَصِفُونَ 18- یقول باللّه أستعین علی ما تقولون حین تزعمون أن الذئب أکله. فبکی علیه یعقوب- علیه السّلام- حتی امتنع عن النوم و من أهل بیته «3» فکان یبکی و یئود
______________________________
(1) من: ل، و فی أ: هلا حلم.
(2) من: ل، و فی أ: یتخرق.
(3) هکذا فی: ا، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 325
فمن هناک تئود الیهود إذا قرءوا التوراة وَ جاءَتْ سَیَّارَةٌ و هی العیر و قالوا:
رفقة من العرب فنزلوا علی البئر یریدون مصر فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فبعثوا رجلین مالک بن دعر، و عود بن عامر، إلی الماء فَأَدْلی أحدهم دَلْوَهُ و اسمه مالک بن دعر بن مدین بن إبراهیم خلیل الرحمن فتعلق یوسف بالدلو فصاح مالک قالَ فقال: یا عود للذی یسقی «1»، و هو عود بن عامر بن الدرة «2» ابن حزام یا بُشْری یقول: یا مالک أبشر «3» هذا غُلامٌ و الجب بواد فی أرض الأردن یسمی ادنان «4».
فبکی یوسف- علیه السّلام- و بکی الجب لبکائه و بکی مد صوته من الشجر، و المدر، و الحجارة، و کان إخوته لما دلوه فی البئر «5» تعلق یوسف فی شفة البئر فعمدوا إلیه فخلصوا قمیصه و أوثقوا یده فقال: یا إخوتاه ردوا علی القمیص أتواری به فی البئر. فقالوا «6» له: ادع الأحد عشر کوکبا و الشمس و القمر یؤنسونک. فلما انتصف فی الجب ألقوه حتی وقع فی البئر فأدلوه فی قعرها فأراد أن یموت فدفع اللّه عنه. و دعا یوسف ربه حین أخرجه مالک أن یهب لمالک ولدا فولد له أربعة و عشرون ولدا قوله: وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً یعنی أخفوه من أصحابهم الذین مروا علی الماء فی الرفقة و قالوا: هو بضاعة لأهل الماء نبیعه لهم
______________________________
(1) من ا، و فی ل: الذی یستقی.
(2) فی أ: المدرة، ل: الدرة.
(3) من: ل، و فی أ: یقول ما البشری.
(4) فی ل: و الجب بأرض الأردن فی واد یسمی إدمان.
(5) من: ل، ا.
(6) فی ا: فقال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 326
بمصر لأنهما لو قالا: إنا وجدناه أو اشتریناه سألوهما الشرکة فیه وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِما یَعْمَلُونَ 19- یعنی بما یقولون من الکذب «1».
یقول اللّه تعالی: وَ شَرَوْهُ یعنی و باعوه بِثَمَنٍ بَخْسٍ بثمن حرام لا یحل لهم بیعه لأنه حر و ثمن الحر حرام و بیعه حرام «2» دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ و هی عشرون درهما و کانت العرب تبایع بالأقل فإذا کانت أربعین فهی أوقیة و ما کان دون الأربعین فهی دراهم معدودة وَ کانُوا فِیهِ یعنی الذین باعوه کانوا فی یوسف مِنَ الزَّاهِدِینَ 20- حین باعوه و لم یعلموا منزلة یوسف عند اللّه. و من أبوه. و لو علموا ذلک ما باعوه فانطلق القوم حتی أتوا به مصر فبینا هو قریب منها إذ مر براکب منها یقال له: مالک بن دعر اللخمی «3»، قال له یوسف: أین ترید أیها الراکب؟ قال: أرید أرض کنعان. قال: إذا أتیت کنعان فأت الشیخ یعقوب [180 ا] فأقرئه السلام، وصفنی له و قل له: إنی لقیت غلاما بأرض مصر. و وصفه له، و هو یقرئک السلام، فبکی یعقوب- علیه السّلام- ثم قال: هل لک إلی اللّه حاجة. قال: نعم عندی امرأة و هی من أحب الخلائق إلی لم تلد منی ولدا قط، فوقع یعقوب ساجدا فدعا اللّه فولد له أربعة و عشرون ذکرا و کان یوسف- علیه السّلام- بأرض مصر فأنزل اللّه علیهم البرکة ثم باعه
______________________________
(1) من ل. و فی أ: «و اللّه علیم بما یقولون» من الکذب.
(2) فی حاشیة أ: یقال إنه لم یکن فیما تقدم أحد من بنی آدم یباع إلا البهائم.
(3) الذی أدلی الدلو فتعلق به یوسف هو مالک بن دعر بن مدین بن إبراهیم.
و لعله بعد أن باع یوسف توجه راکبا إلی أرض کنعان فحمله یوسف السلام إلی والده یعقوب.
و الدلیل أنهما شخص واحد: البائع و من بلغ السلام، أن دعوة یوسف لمالک کانت أن یرزقه اللّه ولدا. و کذلک کانت دعوة یعقوب له.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 327
المشتری من قطفیر بن میشا، فقال یوسف: من یشتری «1» و یبشر فاشتراه قطفیر ابن میشا بعشرین دینارا و زیادة حلة و نعلین و أخذ البائع قیمة الدنانیر دراهم «2» وَ قالَ الَّذِی اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ و هو قطفیر بن میشا لِامْرَأَتِهِ زلیخا بنت یملیخا أَکْرِمِی مَثْواهُ یعنی أحسنی منزلته و ولایته عَسی أَنْ یَنْفَعَنا أو نصیب منه خیرا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ کَذلِکَ مَکَّنَّا لِیُوسُفَ فِی الْأَرْضِ الملک و السلطان فی أرض مصر وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ یعنی من تعبیر الرؤیا وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلی أَمْرِهِ یعنی و اللّه متم لیوسف أمره الذی هو کائن مما لا یعلمه الناس فذلک قوله: وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ 21- ذلک وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ یعنی ثمانی عشرة سنة آتَیْناهُ حُکْماً یقول أعطیناه فهما وَ عِلْماً وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ 22- یعنی و هکذا نجزی المخلصین بالفهم و العلم وَ راوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ علی نفسها و علی یوسف فی أمر الجماع وَ قالَتْ هَیْتَ لَکَ یعنی هلم لک نفسی ترید المرأة الجماع فغلبته «3» بالکلام قالَ مَعاذَ اللَّهِ یعنی أعوذ باللّه إِنَّهُ رَبِّی أَحْسَنَ مَثْوایَ یقول إنه سیدی یعنی زوجها أکرم مثوای یعنی منزلتی إِنَّهُ لا یُفْلِحُ یعنی لا یفوز الظَّالِمُونَ 23- إن ظلمته فی أهله و ألقی علیها شهوة أربعین إنسانا وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ یقول همت المرأة
______________________________
(1) فی ل: من یشترینی، أ: من یشتری.
(2) هکذا فی: أ، ل.
(3) هکذا فی أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 328
بیوسف حتی استلقت «1» للجماع وَ هَمَّ بِها «2» یوسف حین حل سراویله و جلس
______________________________
(1) من ل، و فی أ: استقلت.
(2) أورد ابن الطبری آثارا متعددة عن السلف خلاصتها أن زلیخا همت بیوسف ترید منه الزنا و أن یوسف هم بها و استعد لتلبیة طلبها حتی خلع سراویله، لو لا أن رأی صورة أبیه أو رأی صورة زوجها أو رأی آیات من القرآن تنهی عن الزنا و بعد أن ساق الطبری نصوصا و آثارا و آراء، مع أسانیدها فی تفسیر الآیة فی ست صفحات من تفسیره عقب علیها بقوله:
«و أولی الأقوال فی ذلک بالصواب أن یقال: إن اللّه- جل ثناؤه- أخبر عن هم یوسف و امرأة العزیز کل واحد منهما بصاحبه لو لا أن رأی یوسف برهان ربه و ذلک آیة من آیات اللّه زجرته عن رکوب ما هم به یوسف من الفاحشة و جائز أن تکون تلک الآیة صورة یعقوب و جائز أن تکون صورة الملک و جائز أن یکون الوعید فی الآیات التی ذکرها اللّه فی القرآن علی الزنا، و الصواب أن یقال ما قاله اللّه- تبارک و تعالی- و الإیمان به و ترک ما عدا ذلک إلی عالمه «10 ه تفسیر الطبری: 12/ 113 طبعة بولاق الطبعة الأولی 1328 ه.
و عند تأمل الآیات نجد أن اللّه قد أخبرنا عن رغبة المرأة فی یوسف و أخبرنا عن عصمة یوسف و نفوره من الزنا.
قال تعالی: «وَ راوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَ قالَتْ هَیْتَ لَکَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّی أَحْسَنَ مَثْوایَ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ».
و قد أخبر القرآن عن عفة یوسف و نزاهته، قال تعالی: «کَذلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِینَ» سورة یوسف: 24. و أخبر عن زلیخا أنها قالت «وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ» سورة یوسف: 32. و قالت أیضا «الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِینَ» سورة یوسف: 61.
و لکن بعض الروایات نسبت إلی یوسف أنه هم بالزنا و ذلک لا یتفق مع عصمة الأنبیاء. قال فی تفسیر المنار (و نقل رواة الإسرائیلیات عن زلیخا و عن یوسف من الوقاحة ما یعلم بالضرورة أنه کذب فإن مثله لا یعلم إلا من اللّه- تعالی- أو بالروایة الصحیحة عنها أو عنه و لا یستطیع أن یدعی هذا أحد) تفسیر المنار: 12/ 276.
و قد فسر صاحب المنار الآیات بما یفید أن زلیخا عرضت نفسها علی یوسف فلم یلتفت إلیها فصرحت له یقصدها و قالت هیت لک فاستعاذ یوسف باللّه و ذکرها بحق زوجها و نفرها من الظلم فاستبدت بها الثورة و همت به لتنتقم منه، و هم بها لیفر بها أو یدفعها عن نفسه لو لا أن رأی برهان
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 329
بین رجلیها لَوْ لا أَنْ رَأی بُرْهانَ رَبِّهِ یعنی آیة ربه لواقعها و البرهان مثل له یعقوب عاض علی إصبعه فلما رأی ذلک ولی دبرا و اتبعته المرأة کَذلِکَ یعنی
______________________________
ربه بأن فتحت له الأبواب أمامه فأسرع منها و أسرعت خلفه و أمسکت بقمیصه فانقطع فی یدها و قد ساق صاحب المنار العدید من الأدلة علی نزاهة یوسف کما انتقد الروایات التی تنسب إلیه الاستعداد الزنا أو أنه جلس بین رجلیها فقال:
(رأی الجمهور فی همت به و هم بها و بیان بطلانه) ذهب الجمهور المخدوعون بالروایات إلی أن المعنی أنها همت بفعل الفاحشة و لم یکن لها معارض و لا مانع منها، و هم هو بمثل ذلک و لو لا أنه رأی برهان ربه لاقترفها، و لم یستح بعضهم أن یروی من أخبار اهتیاجه و نهوکه فیه و وصف انهماکه و إسرافه فی تنفیذه و تهتک المرأة فی تبذلها بین یدیه مالا یقع مثله إلا من أوقع الفساق المسرفین المستهترین، الذین طال علیهم عهد استباحة الفواحش و ألفتها حتی خلعوا العذار، و تجردوا من جلابیب الحیاء، و أمسوا عراة من لباس التقوی و حال الأدب ...
فإن مثل هذا الذی افتروه فی قصة هذا النبی الکریم لا یقع مثله ممن ابتلی بالمعصیة أول مرة من سلیمی الفطرة، و لا من سذج الأعراب الذین لم تغلبهم سورة الشهوة الجامحة علی حیائهم الفطری و إیمانهم و حیائهم من نظر ربهم إلیهم فضلا عن نبی عصمه اللّه و وصفه بما وصف و شهد له بما شهد، و قد بلغ ببعضهم الجهل بالدین و الوقاحة و قلة الأدب أن یزعموا أن یوسف- علیه السّلام- لم یر برهانا واحدا بل رأی عدة براهین من رؤیة والده متمثلا له منکرا علیه، و تکرار وعظه له، و من رؤیة بعض الملائکة و نزولهم علیه بأشد زواجر القرآن بآیات من سورة فلم تنهنه من سبقه، و لم تنهه عن غیه، حتی کان أن خرجت شهوته من أظافره، و معنی هذا أنه لم یکف إلا عجزا عن الإمضاء، أ فبهذا صرف اللّه عنه السوء و الفحشاء و کان من عباد اللّه المخلصین، و أنبیائه المصطفین الأخیار؟
*** و لئن کان عقلاء المفسرین أنکروا هذه الروایات الإسرائیلیة الحمقاء، حمایة لعقیدة عصمة الأنبیاء فإنه لم یکد یسلم أحد من تأثیر بعضها فی أنفسهم، و تسلیمهم أن الهمم من الجانبین کان بمعنی العزم علی الفاحشة تفسیر المنار: 12/ 280، 281.
و قد ساق صاحب المنار قصة لمصور سوری هاجر إلی أمریکا و دفع جعلا لفتاة و جعل یصورها فی أوضاع مختلفة ثم راودها عن نفسها فأبت و امتنعت فسألها عن سبب هذا الامتناع؟
فقالت سببه أننی عاهدت رجلا یحبنی و أحبه علی أن یکون کل منا للآخر لا یشرک فی الاستمتاع به أحدا، و لا یبتغی به بدلا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 330
هکذا لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ یعنی الإثم وَ الْفَحْشاءَ یعنی المعاصی إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِینَ 24- بالنبوة و الرسالة نظیرها «إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِکْرَی الدَّارِ «1»» یعنی بالنبوة وَ اسْتَبَقَا الْبابَ و یوسف أمامها هارب منها و هی ورائه تتبعه لتحبسه علی نفسها فأدرکته قبل أن ینتهی إلی الباب وَ قَدَّتْ قَمِیصَهُ مِنْ دُبُرٍ یقول فمزقت قمیصه من ورائه حتی سقط القمیص عن یوسف وَ أَلْفَیا یقول وجدا کقوله «أَلْفَیْنا عَلَیْهِ آباءَنا «2»» یعنی وجدا سَیِّدَها [180 ب یعنی زوجها لَدَی الْبابِ یعنی عند الباب و معه ابن عمها یملیخا بن زلیخا «3» قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِکَ سُوءاً یعنی الزنا إِلَّا أَنْ یُسْجَنَ حبسا فی نصب «4» أَوْ عَذابٌ أَلِیمٌ 25- یعنی ضربا وجیعا قالَ یوسف للزوج: هِیَ راوَدَتْنِی عَنْ نَفْسِی وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها و هو یملیخا ابن عم المرأة فتکلم بعقل و لب قال: إِنْ کانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ الْکاذِبِینَ 26- أی إن کان یوسف هو الذی راودها، فقدت- یعنی فمزقت قمیصه من قبل یعنی من قدامه- فصدقت- علی یوسف، و یوسف من الکاذبین فی قوله. وَ إِنْ کانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَکَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقِینَ 27- أی و إن کان یوسف هو الهارب منها فأدرکته فقدت قمیصه من دبر فکذبت علی یوسف، و یوسف من الصادقین فی قوله و قد سمعا جلبتهما و تمزیق القمیص من وراء الباب فَلَمَّا رَأی الزوج
______________________________
(1) سورة ص: 46.
(2) سورة البقرة: 17.
(3) من: ل. و فی أ: زلیخا.
(4) هکذا فی: أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 331
قَمِیصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ یقول مزق من ورائه قالَ لها: إِنَّهُ مِنْ کَیْدِکُنَ یقول تمزیق القمیص من فعلکن یعنی امرأته ثم قال: إِنَّ کَیْدَکُنَ یعنی فعلکن عَظِیمٌ 28- لأن المرأة لا تزال بالرجل حتی یقع فی الخطیئة العظیمة ثم قال الشاهد لیوسف: یُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا الأمر الذی فعلت بک و لا تذکره لأحد ثم أقبل الشاهد علی المرأة فقال: وَ اسْتَغْفِرِی لِذَنْبِکِ یعنی و اعتذری إلی زوجک و أستعفیه ألا یعاقبک إِنَّکِ کُنْتِ مِنَ الْخاطِئِینَ 29- وَ قالَ نِسْوَةٌ فِی الْمَدِینَةِ و هن خمس نسوة. امرأة الخباز، و امرأة الساقی، و امرأة صاحب السجن، و امرأة صاحب الدواب، و امرأة صاحب الإذن، قلن: امْرَأَتُ الْعَزِیزِ تُراوِدُ فَتاها العبرانی یعنی عبدها الکنعانی عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا یعنی غلبها حبا شدیدا هلکت علیه إِنَّا لَنَراها فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 30- یعنی فی خسران بین یعنی شقاء من حب یوسف- علیه السّلام- حتی فشا علیها فَلَمَّا سَمِعَتْ زلیخا بِمَکْرِهِنَ یعنی بقولهن لها أَرْسَلَتْ إِلَیْهِنَ فجئنها وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّکَأً و هو الأترج و کل شی‌ء یحز بالسکین فهو متکأ وَ آتَتْ یعنی و أعطت کُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِکِّیناً و أمرت یوسف- علیه السّلام- فتزین و ترجل، و کان أعطی یوسف فی زمانه ثلث الحسن و آتاه الحسن من قبل جده إسحاق من قبل أمه سارة، و ورثت سارة «حسنها «1»» من قبل حواء امرأة آدم- علیه السّلام- و حسن حواء من آدم لأنها خلقت منه.
و قال مقاتل: کل ذکر أحسن من الأنثی، من الأشیاء کلها «2»، و فضل یوسف فی زمانه بحسنه علی الناس کفضل القمر لیلة البدر علی الکواکب.
______________________________
(1) من: ل. و هی ساقطة من أ:.
(2) هکذا فی: أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 332
وَ قالَتِ أی ثم قالت: یا یوسف اخْرُجْ عَلَیْهِنَ من البیت فَلَمَّا رَأَیْنَهُ أَکْبَرْنَهُ یعنی أعظمنه وَ قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَ یعنی و حززن أصابعهن [181 ا] بالسکین حین نظرن إلیه وَ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ یعنی معاذ اللّه ما هذا بَشَراً إنسانا إِنْ هذا إِلَّا مَلَکٌ کَرِیمٌ 31- یعنی حسن فأعجبها ما صنعن و ما قلن قالَتْ زلیخا: فَذلِکُنَّ الَّذِی لُمْتُنَّنِی فِیهِ الذی افتتنتن به وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ یعنی فامتنع عن الجماع وَ لَئِنْ لَمْ یَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَیُسْجَنَنَّ وَ لَیَکُوناً مِنَ الصَّاغِرِینَ 32- یعنی المذلین. قالت النسوة «1»: یا یوسف ما یمنعک أن تقضی لها حاجتها فدعی یوسف ربه: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِمَّا یَدْعُونَنِی إِلَیْهِ من الزنا حین قلن لیوسف ما یحملک علی ألا تقضی لها حاجتها وَ إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَیْهِنَ یقول أفضی إلیهن وَ أَکُنْ مِنَ الْجاهِلِینَ 33- یعنی من المذنبین فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ کَیْدَهُنَ یعنی مکرهن و شرهن إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ لدعاء یوسف الْعَلِیمُ 34- به ثُمَّ بَدا لَهُمْ یعنی ثم بدا للزوج مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآیاتِ یعنی من بعد ما رأوا العلامات فی تمزیق القمیص من دبر أنه بری‌ء لَیَسْجُنُنَّهُ حَتَّی حِینٍ 35- و ذلک أنها قالت لزوجها حین لم یطاوعها یوسف: احبس یوسف فی السجن لا یلج «2» علی فصدقها فحبسته. فقال له صاحب السجن: من أنت؟ قال: و لم تسألنی من أنا؟ قال: لأنی أحبک. قال: أعوذ باللّه من حبک، أحبنی والدی
______________________________
(1) فی أ: قلن.
(2) من: ل، و فی أ: یولج.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 333
فلقیت من إخوتی ما لقیت، و أحبتنی امرأة العزیز فلقیت من حبها ما لقیت فلا حاجة لی فی حب أحد إلا فی إلهی الذی فی السماء. قال: أخبرنی من أنت؟
قال: أنا یوسف- نبی اللّه- ابن یعقوب- صفی اللّه- ابن إسحاق- ذبیح اللّه- ابن إبراهیم خلیل اللّه. و کان یوسف فی السجن یؤنس الحزین و یطمئن الخائف و یقوم علی المریض و یعبر لهم الرؤیا و رقی إلی الملک أن غلامه الخباز یرید أن یجعل فی طعامه سما و رقی إلیه فی غلامه الساقی مثل ذلک فذلک قوله: وَ دَخَلَ مَعَهُ «السِّجْنَ «1»» فَتَیانِ الخباز و الساقی اسم أحدهما شرهم أقم «2» و هو الساقی، و اسم الخباز شرهم أشم قالَ أَحَدُهُما إِنِّی أَرانِی فی المنام کأنی أَعْصِرُ خَمْراً یعنی عنبا قال کأنی دخلت البستان فإذا فیه أصل کرم و علیه ثلاث عناقید فکأنی أعصرهن و أسقی الملک وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّی أَرانِی رأیت فی المنام «3» کأنی أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِی خُبْزاً ثلاث سلال و أعلاهن جفنة من خبز فوق رأسی مثل قوله: «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ «4»» و مثل قوله: «اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ» «5» یعنی أعلی الأرض تَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِیلِهِ یقول أخبرنا بتفسیر ما رأینا فی المنام إِنَّا نَراکَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ 36- و کان إحسانه فی السجن أنه کان یعود مرضاهم [181 ب و یداویهم و یعزی مکروبهم و رآه متعبدا لربه فهذا إحسانه قالَ
______________________________
(1) ساقط من الأصل.
(2) هکذا فی أ، ل.
(3) مکررة فی: أ.
(4) سورة الأنفال: 12.
(5) سورة إبراهیم: 26.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 334
یوسف ألا أخبرکما بأعجب من الرؤیا التی رأیتما قال: لا یَأْتِیکُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُکُما بِتَأْوِیلِهِ إلا أخبرتکما بألوانه قَبْلَ أَنْ یَأْتِیَکُما الطعام فقالوا لیوسف: إنما یعلم هذا «1» الکهنة، و السحرة، و أنت لست فی هیئة ذلک فقال یوسف لهما: ذلِکُما مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّی إِنِّی تَرَکْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ أولئک الکهنة، و السحرة، یعنی أهل مصر لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ یعنی لا یصدقون بتوحید اللّه و لا بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ کافِرُونَ 37- وَ اتَّبَعْتُ «2» مِلَّةَ آبائِی إِبْراهِیمَ وَ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ ما کانَ لَنا أَنْ نُشْرِکَ بِاللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ ذلِکَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَیْنا وَ عَلَی النَّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُونَ 38- ثم دعاهما إلی الإسلام و هما کافران فقال:
یا صاحِبَیِ السِّجْنِ یعنی الخباز و الساقی أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أ آلهة شتی تعبدون خیر یعنی أفضل أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ- 39- لخلقه لأن الآلهة مقهورة کقوله فی النمل «3»: «آللَّهُ خَیْرٌ أَمَّا یُشْرِکُونَ «4»» من الآلهة ثم قال یوسف- علیه السّلام-: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ من الآلهة إِلَّا أَسْماءً سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ أنها آلهة «ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ «5»» إِنِ الْحُکْمُ یعنی القضاء إِلَّا لِلَّهِ فی التوحید أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ یقول أمر اللّه أن یوحد، و یعبد وحده، له التوحید ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ
______________________________
(1) فی ل: هذا، ا: هذه.
(2) الآیة 38 ساقطة من الأصل هی و تفسیرها.
(3) من: ل، و فی أ: النحل.
(4) سورة النمل: 59.
(5) ما بین القوسین «...» ساقط من الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 335
یعنی المستقیم و غیره من الأدیان لیس بمستقیم وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ یعنی أهل مصر لا یَعْلَمُونَ 40- بتوحید ربهم یا صاحِبَیِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُکُما فَیَسْقِی رَبَّهُ خَمْراً و هو الساقی قال له یوسف: تکون فی السجن ثلاثة أیام ثم تخرج فتکون علی عملک فتسقی سیدک خمرا وَ أَمَّا الْآخَرُ و هو الخباز فَیُصْلَبُ فَتَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْ رَأْسِهِ و اسمه شرهم أشم، قال له یوسف:
تکون فی السجن ثلاثة أیام ثم تخرج فتصلب فتأکل الطیر من رأسک فکره الخباز تعبیر رؤیاه، فقال: ما رأیت شیئا إنما کنت ألعب. فقال له یوسف:
قُضِیَ الْأَمْرُ الَّذِی فِیهِ تَسْتَفْتِیانِ 41- یقول رأیتما أو لم تریا فقد وقع بکما ما عبرت لکما وَ قالَ یوسف: لِلَّذِی ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا من القتل إضمار و هو الساقی اذْکُرْنِی عِنْدَ رَبِّکَ یعنی سیدک فإنه یسرنی أن یخرجنی من السجن، یقول اللّه: فَأَنْساهُ الشَّیْطانُ ذِکْرَ رَبِّهِ یعنی یوسف دعاء ربه «فلم یدع یوسف ربه الذی فی السماء «1»» لیخرجه من السجن و استغاث بعبد مثله یعنی الملک فأقره اللّه فی السجن عقوبة حین رجا أن یخرجه غیر اللّه- عز و جل- فذلک قوله: فَلَبِثَ فِی السِّجْنِ بِضْعَ سِنِینَ 42- یعنی خمس سنین حتی رأی الملک الرؤیا و کان فی السجن قبل ذلک سبع سنین و عوقب ببضع سنین یعنی خمس سنین فکان فی السجن اثنتا عشرة سنة فذلک قوله [182 ا]: «ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآیاتِ لَیَسْجُنُنَّهُ حَتَّی حِینٍ «2»» و
قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لو أن یوسف ذکر ربه و لم یستغث بالملک لم یلبث فی السجن بضع
______________________________
(1) من: ل.
(2) سورة یوسف: 35. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 336
سنین و لخرج من یومه ذاک «1». قال: و أتی جبریل یوسف حین استغاث بالملک «2» و ترک دعاء ربه، فقال له: إن اللّه یقول لک: یا بن یعقوب من حببک إلی أبیک و أنت أصغرهم «3»؟. قال: أنت یا إلهی. قال: إن اللّه یقول: من عصمک من الخطیئة و قد هممت بها؟ قال: أنت یا إلهی. قال: فکیف ترکتنی، و استغثت بعبد مثلک؟ فلما سمع یوسف ذکر الخطیئة قال: یا إلهی إن کان خلق وجهی عندک من أجل خطیئتی فأسألک بوجه أبی و جدی أن تغفر لی خطیئتی.
وَ قالَ الْمَلِکُ و هو الریان بن الولید، للملأ من قومه: إِنِّی أَری فی المنام سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ أی بقرات عِجافٌ وَ رأیت سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ یابِساتٍ ثم قال: یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی رُءْیایَ و هم علماء أهل الأرض و کان أهل مصر «من أمهر «4»» الکهنة و العرافین إِنْ کُنْتُمْ لِلرُّءْیا تَعْبُرُونَ 43- و لم یعلموا تأویل رؤیاه ف قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ یعنی أحلام مختلطة کاذبة، ثم علموا أن لها تعبیرا و أنها لیست من الأحلام المختلطة، فمن ثم قالوا: وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِیلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِینَ 44- و جاءه «5» جبریل- علیه السّلام- فأخبره أنه
______________________________
(1) من ل، و فی أ: و یخرج من یومه ذلک.
(2) فی أ، ل: و أتاه جبریل- علیه السّلام- حین استغاث یوسف بالملک.
(3) هکذا فی: ا، ل.
(4) فی أ: و کان أهل مصر الکهنة و العرافین، و فی ل: و کانت أهل مصر و الکهنة و العرافین.
(5) من ل، و فی أ: و جاء.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 337
یخرج من السجن غدا و أن الملک قد رأی رؤیا فلما نظر یوسف إلی جبریل علیه «1» البیاض مکلل باللؤلؤ.
قال مقاتل: قال له: أیها الملک الحسن وجهه، الطیب ریحه، الطاهر ثیابه، الکریم علی ربه. أی رسل ربی أنت؟ قال: أنا جبریل. قال: ما أتی بک؟ قال: أبشرک «2» بخروجک. قال: أ لک علم بیعقوب أبی ما فعل؟ قال:
نعم، ذهب بصره من الحزن علیک.
قال: أیها الملک الحسن وجهه، الطیب ریحه، الطاهر ثیابه، الکریم علی ربه، ما بلغ من حزنة؟ قال: بلغ حزنه حزن سبعین مثکلة بولدها. قال: أیها الملک الحسن وجهه، الطیب ریحه، الطاهر ثیابه، الکریم علی ربه، فما له من الأجر؟ قال أجر مائة شهید «3» و ألف مثکلة «4» موجعة «5». قال: أیها الملک الحسن وجهه، الطیب ریحه، الطاهر ثیابه، الکریم علی ربه، هل رأیت «6» یعقوب؟
قال: نعم. قال: أیها الملک من ضم إلیه بعدی؟ قال: أخاک بنیامین. قال یوسف: یا لیت السباع تقسمت لحمی، و لم یلق یعقوب فی سببی ما لقی، فلما سمع الساقی رؤیا الملک ذکر تصدیق عبارة «7» یوسف- علیه السّلام- فی نفسه و فی الخباز فذلک قوله: وَ قالَ الَّذِی نَجا مِنْهُما من القتل وَ ادَّکَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ
______________________________
(1) علیه: ساقطة من أ، و هی فی: ل.
(2) فی أ: أبشر، ل: أبشرک.
(3) من ل. و فی ا تصحیف إلی: أجر مر شهید.
(4) فی حاشیة أ: الثکلی هی التی لیس لها إلا ولد واحد و یموت.
(5) فی أ: مرجعه، و فی حاشیة ا. تقول إنا للّه و إنا إلیه راجعون، و فی ل: موجعه.
(6) من ل. و فی أ: برئ.
(7) أی: تعبیره الرؤیا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 338
یعنی و ذکر بعد حین أَنَا أُنَبِّئُکُمْ بِتَأْوِیلِهِ [182 ب یعنی بتعبیره فَأَرْسِلُونِ 45- إلی یوسف فلما أتی یوسف قال له الساقی: یُوسُفُ أَیُّهَا الصِّدِّیقُ یعنی أیها الصادق فیما عبرت لی و لصاحبی أَفْتِنا فِی سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ یابِساتٍ قال: أما البقرات السبع السمان، و السنبلات الخضر، فهن «1» سبع سنین مخصبات.
و أما البقرات العجاف السبع، و السنبلات السبع الأخر الیابسات، فهن المجدبات.
ثم قال الساقی: لَعَلِّی أَرْجِعُ إِلَی النَّاسِ یعنی أهل مصر لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَعْلَمُونَ 46- تعبیرها یعنی تعبیر هذه الرؤیا، ثم علمهم کیف یصنعون؟ قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأَباً یعنی دائبین فی الزرع ثم علمهم یوسف ما یصنعون فقال: فَما حَصَدْتُمْ من حب فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ «2» فإنه أبقی له لئلا یأکله السوس «3» إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تَأْکُلُونَ 47- فتشقونه «4» ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذلِکَ یعنی من بعد السنین المخصبات سَبْعٌ شِدادٌ یعنی مجدبات یَأْکُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ یعنی ما ذخرتم لهن فی هذه السنین الماضیة «5» إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ 48- یعنی مما تدخرون فتحرزونه ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذلِکَ یعنی من بعد السنین المجدبات عامٌ فِیهِ یُغاثُ النَّاسُ یعنی أهل مصر بالمطر وَ فِیهِ یَعْصِرُونَ 49- العنب، و الزیت من
______________________________
(1) من ل، و فی أ: فهو.
(2) فی ا، ل: یعنی فی کعبره.
(3) فی أ، ل: یعنی فی کعبره فإنه أبقی له لا یتکل. و فی القرطبی: لئلا یأکله السوس.
(4) فی الجلالین: فادرسوه، و فی أ. فتشقونه، و هی ساقطة من: ل.
(5) من: ل، و فی أ: الماضیات.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 339
الخصب. هذا من قول یوسف و لیس من رؤیا الملک فرجع الرسول فأخبره فعجب وَ قالَ الْمَلِکُ و اسمه الریان بن الولید: ائْتُونِی بِهِ یعنی بیوسف فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ یعنی رسول الملک و هو الساقی قالَ له ارْجِعْ إِلی رَبِّکَ یعنی سیدک فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ الخمس اللَّاتِی قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَ یعنی حززن أصابعهن بالسکین إِنَّ رَبِّی بِکَیْدِهِنَ یعنی بقولهن عَلِیمٌ 50- حین قلن ما یمنعک أن تقضی لها حاجتها، أراد یوسف- علیه السّلام- أن یستبین عذره عند الملک قبل أن یخرج من السجن و لو خرج یوسف حین أرسل إلیه الملک قبل أن یبرئ نفسه لم یزل متهما فی نفس الملک فمن ثم «قالَ ارْجِعْ إِلی رَبِّکَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِی قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ إِنَّ رَبِّی بِکَیْدِهِنَّ عَلِیمٌ» فیشهدن أن امرأة العزیز قالت: «لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ «1»» فلما سألهن الملک قالَ لهن: ما خَطْبُکُنَ یعنی ما أمرکن کقوله: «فَما خَطْبُکُمْ أَیُّهَا الْمُرْسَلُونَ «2»» یعنی ما أمرکم إِذْ راوَدْتُنَّ یُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ و ذلک أنهن قلن حین خرج علیهن یوسف من البیت «3» ما علیک أن تقضی لها حاجتها فأبی علیهن فرددن علی الملک قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ یعنی معاذ اللّه ما عَلِمْنا عَلَیْهِ مِنْ سُوءٍ یعنی الزنا فلما سمعت زلیخا قول النسوة. قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِیزِ عند ذلک الْآنَ حَصْحَصَ یعنی الآن تبین الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ یوسف لَمِنَ الصَّادِقِینَ 51- [183 ا] فی قوله فأتاه الرسول فی السجن فأخبره بقول النسوة عند الملک قال یوسف:
______________________________
(1) سورة یوسف: 32.
(2) سورة الحجر: 57، و سورة الذاریات: 31.
(3) فی ل زیادة: فی الفیطور و هی الخزانة. و فی ا زیادة: یعنی القیطون و هی الخزانة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 340
ذلِکَ لِیَعْلَمَ یقول هذا لیعلم سیده أَنِّی لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَیْبِ فی أهله و لم أخالفه فیهن «1» وَ أَنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی کَیْدَ الْخائِنِینَ 52- یعنی لا یصلح عمل الزناة یقول یخذلهم فلا یعصمهم من الزنا، فأتاه الملک- و هو جبریل- بالبرهان الذی رأی فقال لیوسف: أین ما هممت به أولا حین حللت سراویلک و جلست بین رجلیها؟ فلما ذکر الملک ذلک قال عند ذلک: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِی یعنی قلبی من الهم لقد هممت بها إِنَّ النَّفْسَ یعنی القلب لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ للجسد «2» یعنی بالإثم، ثم استثنی فقال: إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّی یعنی إلا ما عصم ربی فلا تأمر بالسوء إِنَّ رَبِّی غَفُورٌ لما هم به من المعصیة رَحِیمٌ 53- به حین عصمه وَ قالَ الْمَلِکُ ائْتُونِی بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِی یعنی أتخذه فَلَمَّا أتاه یوسف و کَلَّمَهُ «3» أی کلم الملک قالَ لیوسف: إِنَّکَ الْیَوْمَ لَدَیْنا مَکِینٌ یقول عندنا وجیه أَمِینٌ 54- علی ما وکلت به کقوله: عِنْدَ ذِی الْعَرْشِ مَکِینٍ «4» ثم قالَ یوسف للملک: اجْعَلْنِی عَلی خَزائِنِ الْأَرْضِ بمصر إِنِّی حَفِیظٌ لما وکلتنی به عَلِیمٌ 55- یعنی عالم بلغة الناس کلها.
قال مقاتل: قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لو قال: «إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ» إن شاء اللّه- لملک من یومه ذلک.
و قال ابن عباس: لبث بعد ذلک سنة و نصفا ثم ملک أرض مصر. و
قال مقاتل:
قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عجبت من صبر یوسف، و کرمه، و اللّه یغفر
______________________________
(1) فی ل: فیهن، ا: فیهم.
(2) فی ل: الجسد، ا: للجسد.
(3) «کَلَّمَهُ»: ساقطة من: ا: ل.
(4) سورة التکویر: 20 و تمامها «ذِی قُوَّةٍ عِنْدَ ذِی الْعَرْشِ مَکِینٍ». تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 341
له، لو کنت أنا لبادرت الباب «1». حین بعث إلیه الملک یدعوه.
وَ کَذلِکَ مَکَّنَّا لِیُوسُفَ یعنی و هکذا مکنا لیوسف الملک فِی الْأَرْضِ فی أرض مصر ل یَتَبَوَّأُ یقول ینزل مِنْها حَیْثُ یَشاءُ نُصِیبُ بِرَحْمَتِنا یعنی سعتنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ 56- یعنی نوفیه جزاءه، فجزاه اللّه بالصبر علی البلاء و الصبر عن المعصیة بأن ملکه علی مصر، ثم قال: وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَیْرٌ یعنی أکبر یعنی جزاء الآخرة أفضل مما أعطی فی الدنیا من الملک لِلَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بالتوحید وَ کانُوا یَتَّقُونَ 57- الشرک مثل الذی اتقی یوسف- علیه السّلام- وَ جاءَ إِخْوَةُ یُوسُفَ من أرض کنعان فَدَخَلُوا عَلَیْهِ أی علی یوسف بمصر «2» فَعَرَفَهُمْ یوسف وَ هُمْ لَهُ مُنْکِرُونَ 58- یقول و هم لا یعرفون یوسف. فقال: من أنتم؟ قالوا:
نحن بنو یعقوب، نحن من أهل کنعان: قال: کم أنتم؟ قالوا: نحن أحد عشر. قال: ما لی لا أری الأحد عشر: قالوا واحد منا عند أبینا. قال: و لم ذلک؟ قالوا: إن أخاه لأمه أکله الذئب، فلذلک ترکناه عند أبینا فهو یستریح إلیه «3» وَ لَمَّا جَهَّزَهُمْ یوسف بِجَهازِهِمْ یعنی فی أمر الطعام قالَ ائْتُونِی بِأَخٍ لَکُمْ مِنْ أَبِیکُمْ یعنی بنیامین و کان أخاهم من أبیهم و کان أخا یوسف «4» [183 ب لأبیه و أمه أَ لا تَرَوْنَ أَنِّی أُوفِی یعنی أوفی لکم
______________________________
(1) هذا جزءا من حدیث فی صحیح البخاری.
(2) فی أ، ل: (فدخلوا علی) یوسف بمصر.
(3) فی أ، ل: «قالوا: إن أخاه أکله الذئب لأم الذی ترکناه عند أبینا فلذلک ترکناه عنده فهو یستریح إلیه.
(4) فی أ: و کان أخوهم من أبیهم، و کان أخو یوسف. و فی ل: بالنصب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 342
الْکَیْلَ وَ أَنَا خَیْرُ الْمُنْزِلِینَ 59- و أنا أفضل من یضیف بمصر فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِی بِهِ فَلا کَیْلَ لَکُمْ یعنی فلا بیع لکم عِنْدِی من الطعام وَ لا تَقْرَبُونِ 60- بلادی قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ یعقوب وَ إِنَّا لَفاعِلُونَ 61- ذلک بأبیه وَ قالَ یوسف: لِفِتْیانِهِ یعنی لخدامه و هم یکیلون لهم الطعام اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ یعنی دراهمهم فِی رِحالِهِمْ یعنی فی أوعیتهم «لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلی أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ «1»» یعنی لکی یَرْجِعُونَ 62- إلینا فلا یحبسهم عنا حبس الدراهم إذا ردت إلیهم «2»، لأنهم کانوا أهل ماشیة فَلَمَّا رَجَعُوا إِلی أَبِیهِمْ قالُوا یا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْکَیْلُ یعنی منع کیل الطعام فیه إضمار فیما یستأنف فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا بنیامین نَکْتَلْ الطعام بثمن وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 63- من الضیعة قالَ أبوهم: هَلْ آمَنُکُمْ عَلَیْهِ إِلَّا کَما أَمِنْتُکُمْ عَلی أَخِیهِ مِنْ قَبْلُ فی قراءة ابن مسعود: «هل تحفظونه إلا کما حفظتم أخاه یوسف من قبل» بنیامین فَاللَّهُ خَیْرٌ حافِظاً یعنی فاللّه خیر حفظا منکم وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ 64- یعنی أفضل الراحمین وَ لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ یعنی حلوا أوعیتهم وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ یعنی دراهمهم فیها إضمار رُدَّتْ إِلَیْهِمْ قالُوا یا أَبانا ما نَبْغِی بعد هذِهِ إضمار فإنهم قد ردوا علینا الدراهم. هذه بِضاعَتُنا یعنی دراهمنا رُدَّتْ إِلَیْنا وَ نَمِیرُ أَهْلَنا الطعام وَ نَحْفَظُ أَخانا بنیامین من الضیعة «3» وَ نَزْدادُ من أجله کَیْلَ بَعِیرٍ
______________________________
(1) «لَعَلَّهُمْ ...» إلی ... لَعَلَّهُمْ»: ساقطة من: أ. و هی من: ل.
(2) هکذا فی: أ، ل.
(3) مکررة مرتین فی: أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 343
و کان أهل مصر یبیعون الطعام علی عدة الرجال و لا یبیعون علی عدة الدواب و کان الطعام عزیزا «1» فذلک قوله «وَ نَزْدادُ کَیْلَ بَعِیرٍ» من أجله ذلِکَ کَیْلٌ یَسِیرٌ- 65- سریع لا حبس فیه قالَ أبوهم: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَکُمْ حَتَّی تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ یعنی تعطونی عهدا من اللّه لَتَأْتُنَّنِی بِهِ یعنی بنیامین و لا تضیعوه کما ضیعتم أخاه یوسف إِلَّا أَنْ یُحاطَ بِکُمْ یعنی یحیط بکم الهلاک فتهلکوا جمیعا فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ یعنی عهدهم قالَ یعقوب:
اللَّهُ عَلی ما نَقُولُ وَکِیلٌ 66- یعنی شهیدا بینی و بینکم نظیرها فی القصص «وَ اللَّهُ عَلی ما نَقُولُ وَکِیلٌ «2»» فلما سرح بنیامین معهم خشی علیهم العین و کان بنوه لهم جمال و حسن وَ قالَ یا بَنِیَّ لا تَدْخُلُوا مصر مِنْ بابٍ واحِدٍ یعنی من طریق واحد وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ من طرق شتی ثم قال:
وَ ما أُغْنِی عَنْکُمْ إذا جاء قضاء اللّه مِنَ اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلَّا لِلَّهِ یعنی ما القضاء إلا للّه عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ یقول به أثق وَ عَلَیْهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُتَوَکِّلُونَ 67- یعنی به فلیثق الواثقون وَ لَمَّا دَخَلُوا مصر مِنْ حَیْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ من طرق شتی أخذ کل واحد منهم فی طریق علی حدة «3».
یقول اللّه تعالی: ما کانَ یعقوب یُغْنِی عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِلَّا حاجَةً فِی نَفْسِ یَعْقُوبَ قَضاها [184 ا] کقوله
______________________________
(1) فی الأصل: عزیز.
(2) سورة القصص: 28 و تمامها «قالَ ذلِکَ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ أَیَّمَا الْأَجَلَیْنِ قَضَیْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَیَّ وَ اللَّهُ عَلی ما نَقُولُ وَکِیلٌ».
(3) علی حدة: فی أ، و لیست فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 344
«وَ لا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ حاجَةً «1»» و هذا من کلام العرب یعنی إلا أمرا شجر فی نفس یعقوب وَ إِنَّهُ یعنی أباهم لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ لأن اللّه- تعالی- علمه أنه لا یصیب بنیه إلا ما قضی اللّه علیهم وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ 68- وَ لَمَّا دَخَلُوا عَلی یُوسُفَ آوی إِلَیْهِ أَخاهُ یعنی ضم إلیه أخاه قالَ إِنِّی أَنَا أَخُوکَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ 69- یقول فلا تحزن بما سرقوک، و جاءوا بالدراهم التی کانت فی أوعیتهم فردوها إلی یوسف- علیه السلام- فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ یقول فلما قضی فی أمر الطعام حاجتهم جَعَلَ السِّقایَةَ و هی الإناء الذی یشرب به الملک فِی رَحْلِ أَخِیهِ بنیامین ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ یعنی نادی مناد، اسمه بعرایم بن بربری، من فتیان یوسف:
أَیَّتُهَا الْعِیرُ یعنی الرفقة إِنَّکُمْ لَسارِقُونَ 70- فانقطعت ظهورهم و ساء ظنهم ف قالُوا وَ أَقْبَلُوا عَلَیْهِمْ فیها تقدیم «2» یقول و أقبلوا علی المنادی ثم قالوا: ما ذا تَفْقِدُونَ 71- قالُوا «3» المنادی «و من معه» لإخوة یوسف: نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِکِ یعنی إناء الملک و کان یکال به کفعل أهل العساکر وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِیرٍ یعنی وقر بعیر وَ أَنَا بِهِ زَعِیمٌ 72- یعنی به کفیل، فرد الإخوة القول علی المنادی قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِی الْأَرْضِ یعنی أرض مصر بالمعاصی وَ ما کُنَّا سارِقِینَ
______________________________
(1) سورة الحشر: 9 و تمامها «وَ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِیمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ یُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَیْهِمْ وَ لا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ یُؤْثِرُونَ عَلی أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
(2) أی أن الإقبال علی المنادی کان مقدما علی القول، و هذا معنی فیها تقدیم.
(3) فی أ: «قال» المنادی. و فی حاشیة أ: قالوا. و فی ل. قال. ثم صلحت إلی «قالوا» المنادی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 345
- 73- و قد رددنا «1» علیکم الدراهم التی کانت فی أوعیتنا و لو کنا سارقین ما رددناها علیکم قالُوا «2» أی المنادی «و من معه»: فَما جَزاؤُهُ أی السارق إِنْ کُنْتُمْ کاذِبِینَ 74- قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِی رَحْلِهِ یعنی فی وعائه یعنی المتاع فَهُوَ جَزاؤُهُ یعنی هو مکان سرقته کَذلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ 75- یعنی هکذا نجزی السارقین کقوله فی المائدة «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ «3»» یعنی بعد سرقته و کان الحکم بأرض مصر أن یغرم السارق عبدا یستخدم علی قدر ضعف ما سرق و یترک «4»، و کان الحکم بأرض کنعان أن یتخذ السارق عبدا یستخدم علی قدر سرقته ثم یخلی سبیله فیذهب حیث شاء فحکموا بأرض مصر بقضاء أرضهم.
فَبَدَأَ المنادی بِأَوْعِیَتِهِمْ فنظر فیها فلم یر شیئا قَبْلَ وِعاءِ أَخِیهِ ثم انصرف و لم ینظر فی وعاء بنیامین فقال: ما کان هذا الغلام لیأخذ الإناء قال إخوته لا ندعک حتی تنظر فی وعائه فیکون أطیب لنفسک فنظر فإذا هو بالإناء ثُمَّ «اسْتَخْرَجَها «5»» مِنْ وِعاءِ أَخِیهِ یعنی من متاع أخیه و هو أخو یوسف لأبیه و أمه کَذلِکَ کِدْنا یعنی هکذا صنعنا لِیُوسُفَ أن یأخذ أخاه خادما بسرقته فی دین الملک یعنی فی سلطان الملک، فذلک قوله:
______________________________
(1) فی أ: ردنا، و علیها علامة تمریض. و فی ل: رددنا.
(2) فی أ: «قال» المنادی، و فی حاشیة أ، الآیة: «قالوا».
(3) سورة المائدة: 39.
(4) فی ل: أن یغرم السارق ضعف ما سرک و یترک.
و فی البیضاوی (فِی دِینِ الْمَلِکِ) ملک مصر لأن عینه الضرب و تغریم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق و هو بیان للکید: 320.
(5) فی أ، ل: فاستخرجها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 346
ما کانَ لِیَأْخُذَ أَخاهُ یعنی لیحبس أخاه فِی دِینِ الْمَلِکِ یعنی حکم الملک، لأن حکم الملک أن یغرم السارق ضعف ما سرق [184 ب ثم یترک «1» إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ ذلک لیوسف نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ یعنی فضائل یوسف حین أخذ أخاه، ثم قال: وَ فَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ 76- یقول الرب- تعالی- عالم «وَ فَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ» یقول یوسف أعلم إخوته. ثم قال إخوة یوسف:
قالُوا «2» إِنْ یَسْرِقْ بنیامین فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ بنیامین یعنون یوسف- علیه السّلام- و ذلک أن جد یوسف أبا أمه کان اسمه لاتان کان یعبد الأصنام، فقالت راحیل لابنها یوسف- علیه السّلام-: خذ الصنم ففر به من البیت لعله یترک عبادة الأوثان و کان من ذهب ففعل ذلک یوسف- علیه السّلام- فتلک سرقة یوسف التی قالوا. فلما سمع یوسف مقالتهم «3» فَأَسَرَّها یُوسُفُ فِی نَفْسِهِ وَ لَمْ یُبْدِها لَهُمْ و لم یظهرها لهم قالَ فی نفسه أَنْتُمْ شَرٌّ مَکاناً و لم یسمعهم قال أنتم أسوأ صنعا فیما صنعتم بیوسف وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ 77- یعنی بما تقولون من الکذب أن یوسف سرق، فعندها قالوا: ما لقینا من ابنی راحیل یوسف و أخیه؟ فقال بنیامین: ما لقی ابنا راحیل منکم؟ أما یوسف فقد فعلتم به ما فعلتم، و أما أنا فسرّقتمونی. قالوا: فمن جعل الإناء فی متاعک؟
قال: جعله فی متاعی الذی جعل الدراهم فی أمتعتکم. فلما ذکر الدراهم شتموه و قالوا: لا تذکر الدراهم مخافة أن یؤخذوا «4» بها.
______________________________
(1) من ل. و فی أ: ثم یبرأ.
(2) «قالوا»: ساقطة من ا. و هی فی ل: قال.
(3) فی أ، ل: قولهم، ثم تغیر فی ترتیب الآیة و تفسیر للجزء الأخیر قبل الوسط. ففسرها هکذا- «قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَکاناً». «فَأَسَرَّها یُوسُفُ فِی نَفْسِهِ وَ لَمْ یُبْدِها لَهُمْ».
(4) فی ل: یأخذوا، أ: یأخذ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 347
قالُوا «1» أی إخوة یوسف لیوسف یا أَیُّهَا الْعَزِیزُ و ذلک أن أرض مصر صارت إلیه و هو خازن الملک إِنَّ لَهُ یعنی لبنیامین أَباً شَیْخاً کَبِیراً حزینا علی ابن مفقود فَخُذْ أَحَدَنا مَکانَهُ إِنَّا نَراکَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ 78- إلینا إن فعلت بنا ذلک قالَ یوسف: مَعاذَ اللَّهِ یقول نعوذ باللّه أَنْ نَأْخُذَ یعنی أن نحبس بالسرقة إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ 79- أن نأخذ البری‌ء مکان السقیم «2» فَلَمَّا اسْتَیْأَسُوا مِنْهُ یقول یئسوا من بنیامین خَلَصُوا نَجِیًّا یعنی خلوا یتناجون بینهم علی حدة و قال بعضهم لبعض: قالَ کَبِیرُهُمْ یعنی عظیمهم فی أنفسهم و أعلمهم، و هو یهوذا، و لم یکن أکبرهم فی السن أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباکُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَیْکُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ یعنی فی أمر بنیامین لتأتینه به وَ مِنْ قَبْلُ بنیامین ما فَرَّطْتُمْ فِی یُوسُفَ یعنی ضیعتم فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ یعنی أرض مصر حَتَّی یَأْذَنَ لِی أَبِی فی الرجعة أَوْ یَحْکُمَ اللَّهُ لِی فیرد علی بنیامین وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ 80- یعنی أفضل القاضین ارْجِعُوا إِلی أَبِیکُمْ فَقُولُوا یا أَبانا إِنَّ ابْنَکَ سَرَقَ یعنی بنیامین وَ ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا یعنی رأینا، الصواع حین أخرج من متاعه «3».
وَ ما کُنَّا لِلْغَیْبِ حافِظِینَ 81- یعنی و ما کنا نری أنه یسرق [185 ا] و لو علمنا ما ذهبنا به معنا وَ سْئَلِ الْقَرْیَةَ یعنی مصر الَّتِی کُنَّا فِیها أنه سرق وَ الْعِیرَ الَّتِی أَقْبَلْنا فِیها وَ إِنَّا لَصادِقُونَ 82-
______________________________
(1) فی أ، ل: «و قال».
(2) هکذا فی: أ، ل، و المراد: المذنب.
(3) من ل. و فی أ: لما رأینا، الصواع أخرج من متاعه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 348
فیما نقول. قال لهم یعقوب کلما ذهبتم نقص منکم واحد و کان یوسف- علیه السلام- حبس بنیامین و أقام شمعون و یهوذا فاتهمهم یعقوب- علیه السلام- ف قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ یعنی و لکن زینت لکم أَنْفُسُکُمْ أَمْراً کان هو منکم هذا فَصَبْرٌ جَمِیلٌ یعنی صبرا حسنا لا جزع فیه عَسَی اللَّهُ أَنْ یَأْتِیَنِی بِهِمْ جَمِیعاً یعنی بنیه الأربعة إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ بخلقه الْحَکِیمُ 83- یعنی الحاکم فیهم و لم یخبر اللّه یعقوب بأمر یوسف لیختبر صبره وَ تَوَلَّی عَنْهُمْ یعنی و أعرض یعقوب عن بنیه ثم أقبل علی نفسه وَ قالَ یا أَسَفی یعنی یا حزناه عَلی یُوسُفَ وَ ابْیَضَّتْ عَیْناهُ ست سنین لم یبصر بهما مِنَ الْحُزْنِ علی یوسف فَهُوَ کَظِیمٌ 84- یعنی مکروب یتردد الحزن فی قلبه قالُوا أی قال بنوه یعیرونه تَاللَّهِ تَفْتَؤُا یعنی و اللّه ما تزال تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتَّی تَکُونَ حَرَضاً یعنی الدنف أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهالِکِینَ 85- یعنی المیتین قالَ لهم أبوهم: إِنَّما أَشْکُوا بَثِّی یعنی ما بثه فی الناس وَ حُزْنِی یعنی ما بطن إِلَی اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ یعنی من تحقیق رؤیا یوسف أنه کائن ما لا تَعْلَمُونَ 86- یا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یعنی فابحثوا عن یُوسُفَ وَ أَخِیهِ بنیامین وَ لا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ یعنی من رحمة اللّه إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ یعنی من رحمة اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْکافِرُونَ 87- و ذلک أن یعقوب- علیه السّلام- رأی ملک الموت فی المنام فقال له: هل قبضت روح یوسف؟ قال: لا، و بشره.
فلما أصبح قال: «یا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا» فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَیْهِ یوسف قالُوا یا أَیُّهَا الْعَزِیزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ یعنی الشدة و البلاء من الجوع
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 349
وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ یعنی دراهم «1» نفایة فجوزها «2» عنا فَأَوْفِ یعنی فوفر لَنَا الْکَیْلَ بسعر «3» الجیاد وَ تَصَدَّقْ عَلَیْنا یقول: تکون هذه صدقة منک یعنون معروفا أن تأخذ النفایة و تکیل لنا الطعام بسعر الجیاد إِنَّ اللَّهَ یَجْزِی الْمُتَصَدِّقِینَ 88- لمن کان علی دیننا إضمار و لو علموا أنه مسلم لقالوا: إن اللّه یجزیک بصدقتک فلما سمع ما ذکروا من الضر قالَ لهم:
هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ وَ أَخِیهِ یعنی بی و بأخی بنیامین إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ 89- یعنی مذنبین قالُوا أَ إِنَّکَ لَأَنْتَ یُوسُفُ قالَ أَنَا یُوسُفُ وَ هذا أَخِی قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْنا یقول قد أنعم اللّه علینا إِنَّهُ مَنْ یَتَّقِ الزنا وَ یَصْبِرْ علی الأذی فَإِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ 90- یعنی جزاء من أحسن حتی یوفیه جزاءه قالُوا تَاللَّهِ یعنی و اللّه لَقَدْ آثَرَکَ اللَّهُ عَلَیْنا یعنی اختارک کقوله فی طه: «لَنْ نُؤْثِرَکَ «4»» [185 ب یعنی لن نختارک، علینا عند یعقوب و أعطاک و ملکک الملک وَ إِنْ کُنَّا لَخاطِئِینَ 91- فی أمرک فأقروا بخطیئتهم قالَ یوسف: لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یقول لا تعییر علیکم، لم یثرب علیهم بفعلهم القبیح یَغْفِرُ اللَّهُ لَکُمْ ما فعلتم وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ 92- من غیره اذْهَبُوا بِقَمِیصِی هذا فَأَلْقُوهُ عَلی وَجْهِ أَبِی یَأْتِ بَصِیراً بعد البیاض وَ أْتُونِی بِأَهْلِکُمْ أَجْمَعِینَ 93- فلا یبقی منکم أحد وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِیرُ من مصر إلی کنعان ثمانین فرسخا
______________________________
(1) فی ل: جزاهم، أ: دراهم.
(2) فی أ: تجوزها، ل: فجوزها.
(3) فی أ: سعر، ل: بسعر.
(4) سورة طه: 72.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 350
قالَ أَبُوهُمْ یعقوب لبنی بنیه: إِنِّی لَأَجِدُ رِیحَ یُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ 94- یعنی لو لا أن تجهلون قالُوا بنو بنیه: تَاللَّهِ و اللّه إِنَّکَ لَفِی ضَلالِکَ الْقَدِیمِ 95- مثل قوله «إِنَّا إِذاً لَفِی ضَلالٍ وَ سُعُرٍ» «1» یقول فی شقاء «2» و عناء، یعنی فی شقاء من حب یوسف و ذکره فما تنساه و قد أتی علیه أربعون سنة «فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِیرُ أَلْقاهُ عَلی وَجْهِهِ» «3» فلما أتاه البشیر و هو الذی ذهب بالقمیص الأول الذی کان علیه الدم، و ألقی القمیص علی وجه یعقوب فَارْتَدَّ یعنی فرجع بَصِیراً بعد البیاض قالَ یعقوب:
یا بنی أَ لَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ 96- و ذلک أن یعقوب قال لهم: «إِنَّما أَشْکُوا بَثِّی وَ حُزْنِی إِلَی اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ «4»» من تحقیق رؤیا یوسف قالُوا یا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا کُنَّا خاطِئِینَ 97- فی أمر یوسف قالَ أبوهم: إنی سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی سحرا من اللیل إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ للذنوب الرَّحِیمُ 98- بالمؤمنین فَلَمَّا دَخَلُوا «5» یعنی یعقوب و أهله أرض مصر عَلی یُوسُفَ آوی یعنی ضم إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ وَ قالَ لهم: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ 99- من الخوف فدخل منهم اثنان و سبعون إنسانا من ذکر و أنثی وَ رَفَعَ یوسف أَبَوَیْهِ عَلَی الْعَرْشِ یعنی علی السریر و جعل أحدهما عن یمینه،
______________________________
(1) سورة القمر: 24.
(2) فی أ: شقاق، ل: شقاء.
(3) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ، ل، و مکثوبة بالمعنی و لیس بنص الآیة.
(4) سورة یوسف: 86.
(5) فی أ زیادة: علیه، و لیست فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 351
و الآخر عن یساره، و کانت أمه راحیل قد ماتت و خالته تحت یعقوب «1»- علیه السلام- و هی التی رفعها علی السریر وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً أبوه، و خالته، و إخوته قبل أن یرفعهما علی السریر فی التقدیم «2». قال أبو صالح: هذه سجدة التحیة لا سجدة العبادة، وَ قالَ یوسف: یا أَبَتِ هذا السجود تَأْوِیلُ یعنی تحقیق رُءْیایَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّی حَقًّا یعنی صدقا و کان بین رؤیا یوسف و بین تصدیقها أربعون «3» سنة وَ قَدْ أَحْسَنَ بِی إِذْ أَخْرَجَنِی مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِکُمْ مِنَ الْبَدْوِ کانوا أهل عمود و مواشی مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ «4» یعنی أزاغ الشَّیْطانُ بَیْنِی وَ بَیْنَ إِخْوَتِی إِنَّ رَبِّی لَطِیفٌ لِما یَشاءُ حین أخرجه من السجن و من البئر و جمع بینه و بین أهل بیته [186 ا] بعد التفریق فنزع من قلبه نزع الشیطان علی أخوته بلطفه إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ 100- مات یعقوب قبل یوسف بسنتین، و دفن یعقوب و العیص بن إسحاق فی قبر واحد و خرجا من بطن واحد فی ساعة واحدة، فلما جمع اللّه لیوسف شمله فأقر بعینه و هو مغموس فی الملک و النعمة اشتاق إلی اللّه و إلی آیاته فتمنی الموت.
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی قال: سمعت أبا صالح قال «5»: قال مقاتل عن الضحاک عن ابن عباس قال «6»: لم یتمن الموت نبی قط غیر یوسف-
______________________________
(1) فی حاشیة ل: لا حاجة إلی هذه الروایة لأن النصوص الظاهرة تدل علی أن أمه حیة مثل قوله: «آوی إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ»، «وَ رَفَعَ أَبَوَیْهِ» و الرؤیا تدل علیه و حمله علی التغلیب إنما یمکن بدلیل قوی یدل علی أن أمه ماتت فلم یوجد، و اللّه أعلم. ظهر لی.
(2) أی: أن معنی الجملة مقدم علی التی قبلها: فقد سجد له أبواه قبل أن یرفعهما علی السریر.
(3) فی ل: أربعین سنة، ا: أربعون سنة.
(4) فی أ، ل: أزاغوا.
(5) السند السابق: ساقط من ل. و یبدأ فی ل: قال مقاتل.
(6) قال: ساقطة من أ، و هی من ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 352
علیه السّلام- قال: رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی یعنی قد أعطیتنی مِنَ الْمُلْکِ علی أهل مصر ثمانین سنة وَ عَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ من «1» هاهنا صلة، یعنی تعبیر الرؤیا فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یعنی خالق السموات و الأرض کن أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِی مُسْلِماً یعنی مخلصا بتوحیدک وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ 101- یعنی أباه یعقوب، و إسحاق، و إبراهیم، ذلِکَ الخبر مِنْ أَنْباءِ یعنی من أحادیث الْغَیْبِ غاب یا محمد أمر یوسف، و یعقوب، و بنیه، عنک حتی أعلمناک نُوحِیهِ إِلَیْکَ لم تشهده و لم تعلمه وَ ما کُنْتَ لَدَیْهِمْ یعنی عند إخوة یوسف إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ یَمْکُرُونَ 102- بیوسف- علیه السّلام- وَ ما أَکْثَرُ النَّاسِ یعنی کفار مکة وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِینَ 103- یعنی بمصدقین.
فیها تقدیم. وَ ما تَسْئَلُهُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ یعنی علی الإیمان من جعل إِنْ هُوَ یعنی القرآن إِلَّا ذِکْرٌ لِلْعالَمِینَ 104- وَ کَأَیِّنْ یعنی و کم مِنْ آیَةٍ فِی السَّماواتِ الشمس، و القمر، و النجوم، و السحاب، و الریاح، و المطر، وَ الْأَرْضِ الجبال «2»، و البحور، و الشجر، و النبات، عاما بعد عام یَمُرُّونَ عَلَیْها یعنی یرونها وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ 105- أ فلا یتفکرون فیما یرون من صنع اللّه فیوحدونه وَ ما یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ أی أکثر «3» أهل مکة بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِکُونَ 106- فی إیمانهم فإذا سئلوا: من خلقهم و خلق الأشیاء کلها؟ قالوا: اللّه. و هم فی ذلک یعبدون الأصنام فخوفهم فقال: أَ فَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِیَهُمْ غاشِیَةٌ
______________________________
(1) فی أ، ل: المن.
(2) فی ل: الجبال، ا: و الجبال.
(3) فی أ، ل: أکثر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 353
یعنی أن تغشاهم عقوبة مِنْ عَذابِ اللَّهِ فی الدنیا أَوْ تَأْتِیَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً یعنی فجأة وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 107- بإتیانها هذا وعید قُلْ هذِهِ ملة الإسلام سَبِیلِی یعنی سنتی أَدْعُوا إِلَی اللَّهِ یعنی إلی معرفة اللّه و هو التوحید عَلی بَصِیرَةٍ یعنی علی بیان أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِی علی دینی «1» وَ سُبْحانَ اللَّهِ نزه الرب نفسه عن شرکهم وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ 108- وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلَّا رِجالًا نُوحِی إِلَیْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُری لأن أهل الریف أعقل و أعلم من أهل العمود «2» و ذلک [186 ب حین قال کفار مکة بألا بعث اللّه ملکا رسولا أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی من قبل أهل مکة کان عاقبتهم الهلاک فی الدنیا یعنی قوم عاد، و ثمود، و الأمم الخالیة وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَیْرٌ یعنی أفضل من الدنیا لِلَّذِینَ اتَّقَوْا الشرک أَ فَلا تَعْقِلُونَ 109- أن الآخرة أفضل من الدنیا حَتَّی إِذَا اسْتَیْأَسَ الرُّسُلُ من إیمان «3» قومهم، أوعدتهم رسلهم العذاب فی الدنیا، بأنه «4» نازل بهم وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ کُذِبُوا حسب قوم الرسل قد کذبوهم العذاب فی الدنیا بأنه نازل بهم یقول: جاءَهُمْ یعنی الرسل نَصْرُنا فَنُجِّیَ «5» مَنْ نَشاءُ
______________________________
(1) فی أ، ل: «أنا و من اتبعنی علی بصیرة» فقدم جزءا من الآیة علی مکانه.
(2) هکذا فی: أ، ل. و المراد: أهل الحضر.
(3) فی أ: إیمان إیمان.
(4) فی أ: أنه، ل: بأنه.
(5) فی أ: فننجی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 354
من المؤمنین من العذاب مع رسلهم فهذه مشیئته وَ لا یُرَدُّ بَأْسُنا یقول لا یقدر أحد أن یرد عذابنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِینَ 110- لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ یعنی فی خبرهم یعنی نصر الرسل و هلاک قومهم حین خبر اللّه عنهم فی کتابه فی- طسم- الشعراء «1»، و فی- اقتربت الساعة «2»-، و فی سورة هود «3»، و فی الأعراف «4»، ماذا لقوا من الهلاک عِبْرَةٌ لِأُولِی الْأَلْبابِ یعنی لأهل اللب و العقل ما کانَ هذا القرآن حَدِیثاً یُفْتَری یعنی یتقول لقول کفار مکة إن محمدا تقوله من تلقاء نفسه وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الکتاب الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ یقول: یصدق «5» القرآن الذی أنزل علی محمد «6» الکتب التی قبله کلها أنها من اللّه وَ تَفْصِیلَ یقول فیه بیان کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ هو هُدیً من الضلالة وَ رَحْمَةً من العذاب لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 111- یعنی یصدقون بالقرآن أنه من اللّه- عز و جل.
***______________________________
(1) اشتملت سورة الشعراء علی: قصة موسی من الآیة 10- 68، و قصة إبراهیم من الآیة 69- 104، و قصة نوح 105- 122، و قصة عاد 123- 140، و قصة ثمود 141- 159، و قصة لوط 160- 175، و قصة شعیب 176- 191.
(2) انظر سورة القمر و فیها حدیث عن: نوح، و عاد قوم هود، و ثمود قوم صالح، و عن قوم لوط.
(3) تحدثت سورة هود عن قصة نوح من الآیة 25: 49، و عن قصة عاد قوم هود من الآیة 50- 60، و عن قصة ثمود قوم صالح من الآیة 61: 68، و عن قصة إبراهیم خلیل اللّه من الآیة 69- 76، و عن لوط من الآیة 77- 82، و عن قصة مدین قوم شعیب من الآیة 84- 95، و عن قصة موسی و فرعون من الآیة 96- 100.
(4) فی سورة الأعراف: قصة آدم من الآیة 19- 25، و قصة هود مع قومه من الآیة 65- 72، و قصة صالح من الآیة 73- 79، و قصة لوط من الآیة 80- 84، و قصة شعیب من الآیة 85- 102، و قصة موسی من الآیة 103- 171.
(5) ا: الصدق، ل: یصدق.
(6) فی أ، ل زیادة: یعنی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 355

سورة الرّعد

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 357
(13) سورة الرّعد مدنیّة و آیاتها ثلاث و أربعون
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 358

[سورة الرعد (13): الآیات 1 الی 113]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
المر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ وَ الَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ الْحَقُّ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِی رَفَعَ السَّماواتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّی یُدَبِّرُ الْأَمْرَ یُفَصِّلُ الْآیاتِ لَعَلَّکُمْ بِلِقاءِ رَبِّکُمْ تُوقِنُونَ (2) وَ هُوَ الَّذِی مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ وَ أَنْهاراً وَ مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِیها زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (3) وَ فِی الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِیلٌ صِنْوانٌ وَ غَیْرُ صِنْوانٍ یُسْقی بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلی بَعْضٍ فِی الْأُکُلِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (4)
وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا کُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَ أُولئِکَ الْأَغْلالُ فِی أَعْناقِهِمْ وَ أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (5) وَ یَسْتَعْجِلُونَکَ بِالسَّیِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَ إِنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلی ظُلْمِهِمْ وَ إِنَّ رَبَّکَ لَشَدِیدُ الْعِقابِ (6) وَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْهِ آیَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) اللَّهُ یَعْلَمُ ما تَحْمِلُ کُلُّ أُنْثی وَ ما تَغِیضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ وَ کُلُّ شَیْ‌ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ الْکَبِیرُ الْمُتَعالِ (9)
سَواءٌ مِنْکُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّیْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) هُوَ الَّذِی یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ یُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَ یُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِکَةُ مِنْ خِیفَتِهِ وَ یُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَیُصِیبُ بِها مَنْ یَشاءُ وَ هُمْ یُجادِلُونَ فِی اللَّهِ وَ هُوَ شَدِیدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بِشَیْ‌ءٍ إِلاَّ کَباسِطِ کَفَّیْهِ إِلَی الْماءِ لِیَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْکافِرِینَ إِلاَّ فِی ضَلالٍ (14)
وَ لِلَّهِ یَسْجُدُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ کَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءَ لا یَمْلِکُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصِیرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ وَ النُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَکاءَ خَلَقُوا کَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَیْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِیَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّیْلُ زَبَداً رابِیاً وَ مِمَّا یُوقِدُونَ عَلَیْهِ فِی النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْیَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ کَذلِکَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَیَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما یَنْفَعُ النَّاسَ فَیَمْکُثُ فِی الْأَرْضِ کَذلِکَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (17) لِلَّذِینَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنی وَ الَّذِینَ لَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِکَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ (18) أَ فَمَنْ یَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ الْحَقُّ کَمَنْ هُوَ أَعْمی إِنَّما یَتَذَکَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19)
الَّذِینَ یُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ لا یَنْقُضُونَ الْمِیثاقَ (20) وَ الَّذِینَ یَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ یَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَ الَّذِینَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِیَةً وَ یَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ أُولئِکَ لَهُمْ عُقْبَی الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّیَّاتِهِمْ وَ الْمَلائِکَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِمْ مِنْ کُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَیْکُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ (24)
وَ الَّذِینَ یَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِیثاقِهِ وَ یَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ أُولئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ وَ فَرِحُوا بِالْحَیاةِ الدُّنْیا وَ مَا الْحَیاةُ الدُّنْیا فِی الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (26) وَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْهِ آیَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی إِلَیْهِ مَنْ أَنابَ (27) الَّذِینَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللَّهِ أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبی لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ (29)
کَذلِکَ أَرْسَلْناکَ فِی أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَیْهِمُ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ وَ هُمْ یَکْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّی لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ مَتابِ (30) وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ کُلِّمَ بِهِ الْمَوْتی بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِیعاً أَ فَلَمْ یَیْأَسِ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ لَهَدَی النَّاسَ جَمِیعاً وَ لا یَزالُ الَّذِینَ کَفَرُوا تُصِیبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِیباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّی یَأْتِیَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا یُخْلِفُ الْمِیعادَ (31) وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِکَ فَأَمْلَیْتُ لِلَّذِینَ کَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَکَیْفَ کانَ عِقابِ (32) أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلی کُلِّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَکاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا یَعْلَمُ فِی الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُیِّنَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مَکْرُهُمْ وَ صُدُّوا عَنِ السَّبِیلِ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُکُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها تِلْکَ عُقْبَی الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ عُقْبَی الْکافِرِینَ النَّارُ (35) وَ الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ یُنْکِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَ لا أُشْرِکَ بِهِ إِلَیْهِ أَدْعُوا وَ إِلَیْهِ مَآبِ (36) وَ کَذلِکَ أَنْزَلْناهُ حُکْماً عَرَبِیًّا وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَکَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا واقٍ (37) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِکَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّیَّةً وَ ما کانَ لِرَسُولٍ أَنْ یَأْتِیَ بِآیَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِکُلِّ أَجَلٍ کِتابٌ (38) یَمْحُوا اللَّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ (39)
وَ إِنْ ما نُرِیَنَّکَ بَعْضَ الَّذِی نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّیَنَّکَ فَإِنَّما عَلَیْکَ الْبَلاغُ وَ عَلَیْنَا الْحِسابُ (40) أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَ اللَّهُ یَحْکُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُکْمِهِ وَ هُوَ سَرِیعُ الْحِسابِ (41) وَ قَدْ مَکَرَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَکْرُ جَمِیعاً یَعْلَمُ ما تَکْسِبُ کُلُّ نَفْسٍ وَ سَیَعْلَمُ الْکُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَی الدَّارِ (42) وَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ کَفی بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ (43) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الر کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلی صِراطِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ (1) اللَّهِ الَّذِی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ وَیْلٌ لِلْکافِرِینَ مِنْ عَذابٍ شَدِیدٍ (2) الَّذِینَ یَسْتَحِبُّونَ الْحَیاةَ الدُّنْیا عَلَی الْآخِرَةِ وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ یَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِکَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ (3) وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِیُبَیِّنَ لَهُمْ فَیُضِلُّ اللَّهُ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (4) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَکَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ وَ ذَکِّرْهُمْ بِأَیَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِکُلِّ صَبَّارٍ شَکُورٍ (5)
وَ إِذْ قالَ مُوسی لِقَوْمِهِ اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ أَنْجاکُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَسُومُونَکُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ یُذَبِّحُونَ أَبْناءَکُمْ وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَکُمْ وَ فِی ذلِکُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ (6) وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ وَ لَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِی لَشَدِیدٌ (7) وَ قالَ مُوسی إِنْ تَکْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ (8) أَ لَمْ یَأْتِکُمْ نَبَؤُا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا یَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَرَدُّوا أَیْدِیَهُمْ فِی أَفْواهِهِمْ وَ قالُوا إِنَّا کَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَ إِنَّا لَفِی شَکٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَیْهِ مُرِیبٍ (9) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِی اللَّهِ شَکٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَدْعُوکُمْ لِیَغْفِرَ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَ یُؤَخِّرَکُمْ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِیدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا کانَ یَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِینٍ (10)
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُکُمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَمُنُّ عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ ما کانَ لَنا أَنْ نَأْتِیَکُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَ ما لَنا أَلاَّ نَتَوَکَّلَ عَلَی اللَّهِ وَ قَدْ هَدانا سُبُلَنا وَ لَنَصْبِرَنَّ عَلی ما آذَیْتُمُونا وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُتَوَکِّلُونَ (12) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّکُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنا فَأَوْحی إِلَیْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِکَنَّ الظَّالِمِینَ (13) وَ لَنُسْکِنَنَّکُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِکَ لِمَنْ خافَ مَقامِی وَ خافَ وَعِیدِ (14) وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ کُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ (15)
مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ یُسْقی مِنْ ماءٍ صَدِیدٍ (16) یَتَجَرَّعُهُ وَ لا یَکادُ یُسِیغُهُ وَ یَأْتِیهِ الْمَوْتُ مِنْ کُلِّ مَکانٍ وَ ما هُوَ بِمَیِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِیظٌ (17) مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ کَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْمٍ عاصِفٍ لا یَقْدِرُونَ مِمَّا کَسَبُوا عَلی شَیْ‌ءٍ ذلِکَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِیدُ (18) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ (19) وَ ما ذلِکَ عَلَی اللَّهِ بِعَزِیزٍ (20)
وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِیعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا کُنَّا لَکُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَیْناکُمْ سَواءٌ عَلَیْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِیصٍ (21) وَ قالَ الشَّیْطانُ لَمَّا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَ ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلا تَلُومُونِی وَ لُومُوا أَنْفُسَکُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَّ إِنِّی کَفَرْتُ بِما أَشْرَکْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (22) وَ أُدْخِلَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ (23) أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ (24) تُؤْتِی أُکُلَها کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (25)
وَ مَثَلُ کَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ کَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ وَ یُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِینَ وَ یَفْعَلُ اللَّهُ ما یَشاءُ (27) أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ (29) وَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِیُضِلُّوا عَنْ سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِیرَکُمْ إِلَی النَّارِ (30)
قُلْ لِعِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا یُقِیمُوا الصَّلاةَ وَ یُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِیَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ لا بَیْعٌ فِیهِ وَ لا خِلالٌ (31) اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَکُمْ وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْفُلْکَ لِتَجْرِیَ فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْأَنْهارَ (32) وَ سَخَّرَ لَکُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَیْنِ وَ سَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ (33) وَ آتاکُمْ مِنْ کُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ کَفَّارٌ (34) وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِی وَ بَنِیَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35)
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ کَثِیراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِی فَإِنَّهُ مِنِّی وَ مَنْ عَصانِی فَإِنَّکَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (36) رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِیُقِیمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّکَ تَعْلَمُ ما نُخْفِی وَ ما نُعْلِنُ وَ ما یَخْفی عَلَی اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی وَهَبَ لِی عَلَی الْکِبَرِ إِسْماعِیلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِی مُقِیمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ (40)
رَبَّنَا اغْفِرْ لِی وَ لِوالِدَیَّ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ یَقُومُ الْحِسابُ (41) وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا یَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما یُؤَخِّرُهُمْ لِیَوْمٍ تَشْخَصُ فِیهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِینَ مُقْنِعِی رُؤُسِهِمْ لا یَرْتَدُّ إِلَیْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَ أَنْذِرِ النَّاسَ یَوْمَ یَأْتِیهِمُ الْعَذابُ فَیَقُولُ الَّذِینَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلی أَجَلٍ قَرِیبٍ نُجِبْ دَعْوَتَکَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَ وَ لَمْ تَکُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَکُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَ سَکَنْتُمْ فِی مَساکِنِ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَیَّنَ لَکُمْ کَیْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَ ضَرَبْنا لَکُمُ الْأَمْثالَ (45)
وَ قَدْ مَکَرُوا مَکْرَهُمْ وَ عِنْدَ اللَّهِ مَکْرُهُمْ وَ إِنْ کانَ مَکْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ ذُو انتِقامٍ (47) یَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَ تَرَی الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِینَ فِی الْأَصْفادِ (49) سَرابِیلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَ تَغْشی وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
لِیَجْزِیَ اللَّهُ کُلَّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسابِ (51) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِیُنْذَرُوا بِهِ وَ لِیَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِیَذَّکَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِینٍ (1) رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کانُوا مُسْلِمِینَ (2)
ذَرْهُمْ یَأْکُلُوا وَ یَتَمَتَّعُوا وَ یُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ (3) وَ ما أَهْلَکْنا مِنْ قَرْیَةٍ إِلاَّ وَ لَها کِتابٌ مَعْلُومٌ (4) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما یَسْتَأْخِرُونَ (5) وَ قالُوا یا أَیُّهَا الَّذِی نُزِّلَ عَلَیْهِ الذِّکْرُ إِنَّکَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ ما تَأْتِینا بِالْمَلائِکَةِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (7)
ما نُنَزِّلُ الْمَلائِکَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ ما کانُوا إِذاً مُنْظَرِینَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ فِی شِیَعِ الْأَوَّلِینَ (10) وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (11) کَذلِکَ نَسْلُکُهُ فِی قُلُوبِ الْمُجْرِمِینَ (12)
لا یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ قَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِینَ (13) وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِیهِ یَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُکِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِی السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَیَّنَّاها لِلنَّاظِرِینَ (16)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 365
سورة الرعد «1» مکیة و یقال مدنیة «2» و هی ثلاث و أربعون آیة. کوفیة
______________________________
(1) «مقصود سورة الرعد» المقصود الإجمالی لهذه السورة ما یأتی:
بیان حجة التوحید فی خلق السموات، و الأرض، و استخراج الأنهار، و الأشجار و الثمار، و تهدید الکفار و وعیدهم، و ذکر خلق الأولاد فی أرحام الأمهات، علی تباین الدرجات و مع النقصان و الزیادات، الأیام و الساعات. و اطلاع الحق- تعالی- علی بواطن الأسرار، و ضمائر الأخیار و الأشرار، و ذکر السحاب و الرعد، و البرق، و الصواعق. و الرد علی عبادة الأصنام. و قصة نزول القرآن من السماء، و الوفاء بالعهد و نقض المیثاق، و دخول الملائکة بالتسلیم علی أهل الجنان. و أنس أهل الإیمان بذکر الرحمة و بیان تأثیر القرآن فی الآثار و الأعیان و کون عاقبة أهل الإیمان إلی الجنان.
و مرجع الکفار إلی النیران، و المحو و الإثبات فی اللوح بحسب مشیئة الدیان، و تقدیر الحق فی أطراف الأرض بالزیادة و النقصان، و تقریر نبوة المصطفی بنزول الکتاب و بیان القرآن فی قوله: «وَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا، قُلْ کَفی بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ».
و فواصل آیات سورة الرعد (ن ق ر د ع ب ل) (نقر دعبل).
و معظم الآیات التی علی الباء تسبقها ألف، نحو مآب مناب.
*** (2) فی المصحف المتداول سورة الرعد مدنیة و آیاتها 43 نزلت بعد سورة محمد.
و فی کتاب بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی: السورة مکیة، و تسمی سورة الرعد لقوله فیها:
یُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَ الْمَلائِکَةُ مِنْ خِیفَتِهِ الآیة 13.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 366
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ المر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ وَ الَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ الْحَقُ لقول کفار مکة: إن محمدا تقول القرآن من تلقاء نفسه وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ یعنی أکثر کفار لا یُؤْمِنُونَ 1- بالقرآن أنه من اللّه اللَّهُ الَّذِی رَفَعَ السَّماواتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فیها تقدیم ثُمَّ اسْتَوی عَلَی الْعَرْشِ قبل خلقهما وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّی یعنی إلی یوم القیامة یُدَبِّرُ الْأَمْرَ یقضی القضاء یُفَصِّلُ الْآیاتِ یعنی یبین صنعه الذی ذکره «1» فی هذه الآیة لَعَلَّکُمْ بِلِقاءِ رَبِّکُمْ تُوقِنُونَ 2- بالبعث إذا رأیتم صنعه فی الدنیا فتعتبروا فی البعث وَ هُوَ الَّذِی مَدَّ الْأَرْضَ یعنی بسط الأرض من تحت الکعبة فبسطها بعد الکعبة بقدر ألفی سنة [187 أ] فجعل طولها مسیرة «2» خمسمائة عام و عرضها مسیرة خمسمائة عام وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ یعنی الجبال أثبت بهن الأرض لئلا تزول بمن علیها وَ أَنْهاراً وَ مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِیها من کل زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ یعنی ظلمة اللیل و ضوء النهار إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یعنی فیما ذکر من صنعه عبرة لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ 3- فی صنع اللّه فیوحدونه وَ فِی الْأَرْضِ قِطَعٌ یعنی بالقطع الأرض السبخة، و الأرض
______________________________
(1) فی أ، ل: ذکر.
(2) مسیرة: ساقطة من: ا، و هی من ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 367
العذبة مُتَجاوِراتٌ یعنی قریب بعضها «1» من بعض وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ یعنی الکرم وَ زَرْعٌ وَ نَخِیلٌ صِنْوانٌ یعنی النخیل التی رءوسها متفرقة و أصلها فی الأرض واحد وَ غَیْرُ صِنْوانٍ و هی «2» النخلة أصلها و فرعها واحد یُسْقی هذا کله بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلی بَعْضٍ فِی الْأُکُلِ یعنی فی الحمل فبعضها أکبر حملا «3» من بعض إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یعنی ما ذکر من صنعه لعبرة لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ 4- فیوحدون ربهم وَ إِنْ تَعْجَبْ یا محمد بما أوحینا إلیک من القرآن کقوله فی الصافات: «بَلْ عَجِبْتَ وَ یَسْخَرُونَ «4»» ثم قال: فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ یعنی کفار مکة یقول لقولهم عجب فعجبه «5» من قولهم یعنی و من تکذیبهم بالبعث حین قالوا: أَ إِذا کُنَّا تُراباً أَ إِنَّا لَفِی خَلْقٍ جَدِیدٍ تکذیبا بالبعث ثم نعتهم فقال: أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَ أُولئِکَ الْأَغْلالُ فِی أَعْناقِهِمْ وَ أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ 5- لا یموتون وَ یَسْتَعْجِلُونَکَ و ذلک أن النضر بن الحارث قال اللهم: «إِنْ کانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ «6»» فقال اللّه- عز و جل:
«وَ یَسْتَعْجِلُونَکَ» یعنی النضر بن الحارث بِالسَّیِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ یعنی
______________________________
(1) فی ل: بعضها، أ: بعضهم.
(2) فی ل: فهی، ا: و هی.
(3) حملا: ساقطة من أ، و هی من ل.
(4) سورة الصافات: 12.
(5) من ل، و فی أ: أ فعجبت.
(6) سورة الأنفال: 32 و تمامها وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ کانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 368
بالعذاب قبل العافیة کقول صالح لقومه: «لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّیِّئَةِ» یعنی بالعذاب «قَبْلَ الْحَسَنَةِ «1»» یعنی العافیة وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ یعنی أهل مکة الْمَثُلاتُ یعنی العقوبات فی کفار الأمم الخالیة فسینزل بهم ما نزل بأوائلهم، ثم قال: وَ إِنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغْفِرَةٍ یعنی ذو تجاوز لِلنَّاسِ عَلی ظُلْمِهِمْ یعنی علی شرکهم «2» باللّه «3» فی تأخیر العذاب عنهم إلی وقت، یعنی الکفار فإذا جاء الوقت عذبناهم بالنار، فذلک قوله: وَ إِنَّ رَبَّکَ لَشَدِیدُ الْعِقابِ 6- إذا عذب و جاء الوقت، نظیرها فی حم- السجدة «4» وَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه لَوْ لا یعنی هلا أُنْزِلَ عَلَیْهِ علی محمد «5» آیَةٌ مِنْ رَبِّهِ محمد یقول اللّه: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ یا محمد هذه الأمة و لیست الآیة «6» بیدک وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ- 7- یعنی لکل قوم فیما خلا داع مثلک یدعو إلی دین اللّه یعنی الأنبیاء. اللَّهُ یَعْلَمُ ما تَحْمِلُ کُلُّ أُنْثی من ذکر و أنثی کقوله فی لقمان:
«وَ یَعْلَمُ ما فِی الْأَرْحامِ «7»» سویا أو غیر سوی ذکرا أو أنثی ثم قال [187 ب :
وَ ما تَغِیضُ یعنی و ما تنقص الْأَرْحامُ کقوله «وَ غِیضَ الْماءُ «8»»
______________________________
(1) سورة النمل: 46.
(2) فی أ: یعنی شرکهم، ل: یعنی علی شرکهم.
(3) «باللّه»: ساقطة من أ، و هی من ل.
(4) هی سورة فصلت، و یشیر إلی ما جاء فی الآیات: 40، 50، 53، 54.
(5) فی أ، ل «أنزل علی» محمد.
(6) من ل، و فی أ: و لیست هذه الأمة.
(7) سورة لقمان: 34.
(8) سورة هود: 44.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 369
یعنی و نقص الماء، یعنی و ما تنقص الأرحام من الأشهر التسعة وَ ما تَزْدادُ وَ کُلُّ شَیْ‌ءٍ من تمام الولد و الزیادة فی بطن أمه عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ- 8- یعنی قدر خروج الولد من بطن أمه و قد مکنه فی بطنها إلی خروجه فإنه یعلم ذلک کله ثم قال: عالِمُ الْغَیْبِ یعنی غیب الولد فی بطن أمه «و یعلم غیب کل شی‌ء «1»» وَ الشَّهادَةِ یعنی شاهد الولد و غیره یقول اللّه إذا علمت هذا فأنا:
الْکَبِیرُ الْمُتَعالِ 9- یعنی العظیم لا أعظم منه الرفیع فوق خلقه سَواءٌ مِنْکُمْ عند اللّه مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ یعنی بالقول «2» وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّیْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ- 10- یقول من هو مستخف بالمعصیة فی ظلمة اللیل، و منتشر بتلک المعصیة بالنهار معلن بها «3» فعلم ذلک کله عند اللّه- تعالی- سواء، ثم قال لهذا الإنسان المستخفی «4» باللیل، السارب «5» بالنهار مع علمی بعمله لَهُ مُعَقِّباتٌ من الملائکة مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ یعنی بأمر اللّه من الإنس و الجن مما لم یقدر أن یصیبه حتی تسلمه المقادیر فإذا أراد اللّه أن یغیر ما به لم «6» تغن عنه المعقبات شیئا. ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ من النعمة حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ یعنی کفار مکة نظیرها من الأنفال «ذلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ ...» إلی آخر الآیة «7». و النعمة أنه بعث فیهم رسولا
______________________________
(1) فی أ زیادة: «قال و یعلم ...».
(2) فی أ زیادة: «من أعلن بالسر و أسره منکم» و لیست فی ل.
(3) فی أ: فعلن بها، ل: معلن بها.
(4) فی أ: المستخف، ل: المستخفی.
(5) هکذا فی: أ، ل. و الأنسب: و السارب.
(6) هکذا فی: أ، ل.
(7) سورة الأنفال: 53. و تمامها «ذلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ یَکُ مُغَیِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلی قَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ».
تفسیر مقاتل- 24
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 370
من أنفسهم، و أطعمهم من جوع، و آمنهم من خوف، فغیروا هذه النعمة فغیر اللّه ما بهم، فذلک قوله: وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً یعنی بالسوء العذاب فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ 11- یعنی ولی یرد عنهم العذاب هُوَ الَّذِی یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً للمسافر من الصواعق وَ طَمَعاً للمزارع «1» المقیم فی رحمته یعنی المطر وَ یُنْشِئُ یعنی و یخلق مثل قوله: «وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ «2»» یعنی المخلوقات السَّحابَ الثِّقالَ 12- من الماء وَ یُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ یقول و یذکر الرعد بأمره یحمده «3» و الرعد ملک من الملائکة اسمه الرعد و هو موکل بالسحاب صوته تسبیحة، یزجر السحاب و یؤلف بعضه إلی بعض و یسوقه بتسبیحه إلی الأرض التی أمر اللّه- تعالی- أن تمطر فیها، ثم قال: «وَ» تسبح الْمَلائِکَةُ بزجرته مِنْ خِیفَتِهِ یعنی من مخافة اللّه- تعالی- فمیز بین الملائکة و بین الرعد و هما سواء کما میز بین جبریل، و میکائیل فی البقرة «4» و کما میز بین الفاکهة، و بین النخل، و الرمان، و هما سواء ثم قال: وَ یُرْسِلُ الصَّواعِقَ هذا أنزل «5» فی أمر عامر، و الأربد بن قیس حین أراد «6» قتل النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و ذلک
أن عامر بن الطفیل العامری دخل علی رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- فقال: «أسلم علی أن ذلک المدر و لی الوبر» فقال
______________________________
(1) محذوفة من ل. هکذا (و طمعا) للمقیم.
(2) سورة الرحمن الآیة: 24.
(3) من ل، و الجملة ساقطة من أ: «یحمده ... إلی ... یجمده».
(4) یشیر إلی الآیة: 98 من سورة البقرة و تمامها: «مَنْ کانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِکَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِیلَ وَ مِیکالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْکافِرِینَ».
(5) فی ل: هذا أنزل، أ: هذا نزل.
(6) فی ل: أراد، أ: أرادوا. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 371
له النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: «إنما أنت امرؤ [188 أ] من المسلمین لک ما لهم و علیک ما علیهم». قال: «فلک الوبر ولی المدر» «1» فقال له النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: مثل ذلک. قال: «فلی الأمرین من بعدک» قال له النبی صلی اللّه علیه و سلم-: مثل قوله الأول «لک ما لهم و علیک ما علیهم». فغضب عامر فقال: «لأملأنها علیک خیلا، و رجالا، ألف أشقر علیها ألف أمرد» ثم خرج مغضبا فلقی ابن عمه أربد بن قیس العامری، فقال عامر لأربد:
«ادخل بنا علی محمد فألهیه فی الکلام و أنا أقتله، و إن شئت ألهیته بالکلام و قتلته أنت» قال أربد: «ألهه أنت و أنا أقتله». فدخلا علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فأقبل عامر علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یحدثه و هو ینظر «2» إلی أربد متی یحمل علیه فیقتله، ثم طال مجلسه فقام عامر و أربد فخرجا فقال عامر لأربد: «ما منعک من قتله؟» قال: «کلما أردت قتله وجدتک تحول بینی و بینه» و أتی جبریل النبی- صلی اللّه علیه و سلم «3»- فأخبره بما أرادا فدعا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- علیهما فقال: «اللهم اکفنی عامرا و أربدا و اهد بنی عامر «4»»
فأما أربد فأصابته صاعقة فمات، فذلک قوله- تعالی-:
«وَ یُرْسِلُ الصَّواعِقَ» فَیُصِیبُ بِها مَنْ یَشاءُ یعنی أربد بن قیس وَ هُمْ یُجادِلُونَ فِی اللَّهِ یعنی یخاصمون فی اللّه. و ذلک أن عامرا قال للنبی- صلی اللّه
______________________________
(1) من: ل، و فی أ: و المدر.
(2) من: ل، و فی أ: و ینظر.
(3) فی ل: و أتی جبریل- علیه السّلام- النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و فی أ: و أتی جبریل النبی- علیهما السلام.
(4) فی أ: عامر، ل: عامرا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 372
علیه و سلم-: «أخبرنی عن ربک أهو من ذهب «1»، أو من فضة، أو من نحاس «2»، أو من حدید، أو ما هو؟» فهذا القول خصومته فأنزل اللّه- تعالی-:
«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ یَلِدْ، وَ لَمْ یُولَدْ، وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ «3»» یقول لیس هو من نحاس و لا من غیره. و سلط اللّه علیه الطاعون فی بیت امرأة من بنی سلول فجعل یقول عامر قتیل بغیر سلاح غدة کغدة البعیر و موت فی بیت سلولیة ابرز یا ملک الموت «4» حتی أقاتلک، فذلک قوله: وَ هُوَ شَدِیدُ الْمِحالِ 13- یعنی الرب- تعالی- نفسه. یعنی شدید الأخذ إذا أخذ نزلت فی عامر بن الطفیل، و أربد بن قیس لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ یعنی کلمة الإخلاص وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ یعنی و الذین یعبدون من دون اللّه من الآلهة و هی الأصنام لا یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بِشَیْ‌ءٍ إِلَّا کَباسِطِ کَفَّیْهِ إِلَی الْماءِ یقول لا تجیب الآلهة من یعبدها و لا تنفعهم کما لا ینفع العطشان الماء «یبسط یده إلی الماء و هو علی شفیر بئر یدعوه أن یرتفع إلی فیه «5»» لِیَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ حتی یموت من العطش فکذلک لا تجیب «6» الأصنام، ثم قال: فادعوا یعنی فادعوا الأصنام وَ ما دُعاءُ الْکافِرِینَ یعنی و ما عبادة الکافرین إِلَّا فِی ضَلالٍ 14- یعنی خسران و باطل وَ لِلَّهِ یَسْجُدُ مَنْ فِی السَّماواتِ
______________________________
(1) فی أ: أمن ذهب، ل: أهو من ذهب.
(2) فی أ: أو من نحاس، ل: أو نحاس.
(3) سورة الإخلاص.
(4) الموت: ساقطة من أ، و هی من ل.
(5) ما بین القوسین «...» زیادة من الجلالین و البیضاوی لتصحیح المعنی.
و فی أ، ل: حین یرفع الماء بیده إلی فیه. ا ه و تلاحظ أنه تفسیر غیر المراد من الآیة.
(6) من ل. و فی أ: لا یجیبون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 373
یعنی الملائکة وَ الْأَرْضِ طَوْعاً یعنی المؤمنین ثم قال: وَ کَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ یعنی ظل الکافر کرها یسجد للّه و هو بِالْغُدُوِّ حین تطلع الشمس وَ الْآصالِ 15- یعنی بالعشی إذا زالت الشمس یسجد ظل الکفار للّه و إن کرهوا قُلْ یا محمد لکفار مکة [188 ب مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ فی قراءة أبی بن کعب، و ابن مسعود «قالوا اللّه»: قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ اللّه «1» أَوْلِیاءَ تعبدونهم یعنی الأصنام لا یَمْلِکُونَ لِأَنْفُسِهِمْ یعنی الأصنام لا یقدرون لأنفسهم نَفْعاً وَ لا ضَرًّا قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْأَعْمی عن الهدی وَ الْبَصِیرُ بالهدی یعنی الکافر و المؤمن أَمْ هَلْ تَسْتَوِی الظُّلُماتُ یعنی الشرک وَ النُّورُ یعنی الإیمان و لا یستوی من کان فی الظلمة کمن کان فی النور ثم قال یعنیهم: أَمْ جَعَلُوا یعنی وصفوا لِلَّهِ شُرَکاءَ من الآلهة خَلَقُوا کَخَلْقِهِ یقول خلقوا کما خلق اللّه فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَیْهِمْ یقول فتشابه ما خلقت الآلهة و الأصنام و ما خلق اللّه علیهم، فإنهم لا یقدرون أن یخلقوا، فکیف یعبدون ما لا یخلق شیئا، و لا یملک، و لا یفعل، کفعل اللّه- عز و جل- قُلْ لهم یا محمد: اللَّهُ خالِقُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ الْواحِدُ لا شریک له الْقَهَّارُ- 16- و الآلهة مقهورة و ذلیلة. ثم ضرب اللّه- تعالی- مثل الکفر و الإیمان، و مثل الحق و الباطل فقال: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِیَةٌ بِقَدَرِها و هذا مثل القرآن الذی علمه المؤمنون و ترکه الکفار «2» فسال الوادی الکبیر علی قدر کبره «منهم من حمل منهم کبیرا «3»» و الوادی الصغیر علی قدره
______________________________
(1) فی أ، ل: من دون اللّه.
(2) فی أ، ل: علمه المؤمنین و ترکه الکفار.
(3) هکذا فی أ، ل. و الأنسب حذف هذه الجملة أو یقال (منهم من حمل منه کبیرا)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 374
فَاحْتَمَلَ السَّیْلُ یعنی سیل الماء زَبَداً رابِیاً یعنی عالیا وَ مِمَّا یُوقِدُونَ عَلَیْهِ فِی النَّارِ أیضا ابْتِغاءَ حِلْیَةٍ یعنی الذهب، و الفضة ثم قال: أَوْ مَتاعٍ یعنی المشبه «1»، و الصفر، و الحدید، و الرصاص، له أیضا زَبَدٌ مِثْلُهُ فالسیل زبد لا ینتفع به، و الحلی، و المتاع له أیضا زبد، إذا أدخل النار أخرج خبثه، و لا ینتفع به، و الحلی، و المتاع له أیضا زبد، إذا أدخل النار أخرج خبثه، و لا ینتفع به، و الذهب و الفضة و المتاع ینتفع به، و مثل الماء مثل القرآن و هو الحق، و مثل الأودیة مثل القلوب، و مثل السیل مثل الأهواء. فمثل الماء، و الحلی، و المتاع، الذی ینتفع به مثل الحق الذی فی القرآن، و مثل زبد الماء، و حیث المتاع، الذی لا ینتفع به مثل الباطل فکما ینتفع بالماء و ما خلص من الحلی و المتاع الذی ینتفع به أهله فی الدنیا فکذلک الحق ینتفع به أهله فی الآخرة. و کما لا ینتفع بالزبد و خبث الحلی و المتاع أهله فی الدنیا فکذلک الباطل لا ینتفع أهله فی الآخرة کَذلِکَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَیَذْهَبُ جُفاءً یعنی یابسا لا ینتفع به الناس کما لا ینتفع بالسیل وَ أَمَّا ما یَنْفَعُ النَّاسَ فَیَمْکُثُ فِی الْأَرْضِ فیستقون و یزرعون علیه و ینتفعون به یقول: کَذلِکَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ 17- یعنی الأشباه فهذه الثلاثة الأمثال ضربها «2» اللّه فی مثل واحد لِلَّذِینَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنی لهم فی الآخرة و هی الجنة وَ الَّذِینَ لَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُ [189 أ] بالإیمان و هم الکفار لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ فقدروا علی أن یفتدوا به أنفسهم من العذاب لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِکَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ یعنی شدة الحساب حین لا یتجاوز عن شی‌ء من ذنوبهم وَ مَأْواهُمْ یعنی مصیرهم
______________________________
(1) هکذا فی: أ، ل. و لعل المراد ما یشبه الحلیة.
(2) هکذا فی: أ، ل. و الأولی فهذه الأمثال الثلاثة أو ثلاثة الأمثال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 375
جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ- 18- یعنی بئس ما مهدوا لأنفسهم ثم ضرب مثلا آخر فقال: أَ فَمَنْ یَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ الْحَقُ یعنی القرآن نزل فی عمار ابن یاسر کَمَنْ هُوَ أَعْمی عن القرآن لا یؤمن بما أنزل من القرآن فهو أبو حذیفة بن المغیرة المخزومی لا یستویان هذان «1» و لیسا بسواء ثم قال: إِنَّما یَتَذَکَّرُ فی هذا الأمر أُولُوا الْأَلْبابِ 19- یعنی عمار بن یاسر، یعنی أهل اللب و العقل نظیرها فی الزمر «هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ «2»» نزلت فی عمار و أبی حذیفة «3» بن المغیرة الاثنین جمیعا ثم نعت اللّه أهل اللب فقال:
الَّذِینَ یُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ فی التوحید وَ لا یَنْقُضُونَ الْمِیثاقَ 20- الذی أخذ اللّه علیهم علی عهد آدم- علیه السّلام- و یقال: هم مؤمنو أهل الکتاب وَ الَّذِینَ یَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ «أَنْ یُوصَلَ «4»» من إیمان بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- و النبیین و الکتب کلها وَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ فی ترک الصلة وَ یَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ 21- یعنی شدة الحساب حین لا یتجاوز عن شی‌ء من ذنوبهم وَ الَّذِینَ صَبَرُوا علی ما أمر اللّه نزلت فی المهاجرین و الأنصار ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال سِرًّا وَ عَلانِیَةً وَ یَدْرَؤُنَ یعنی و یدفعون بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ إذا أذاهم کفار مکة فیردون علیهم معروفا أُولئِکَ لَهُمْ عُقْبَی الدَّارِ- 22-
______________________________
(1) فی أ: هذا مثلا، ل: هذه و تشبه هذان.
(2) سورة الزمر: أ.
(3) فی ل: و حذیفة، أ: و أبی حذیفة.
(4) «أن یوصل»: ساقطة من أ، و هی فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 376
یعنی عاقبة الدار فقال: جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ یعنی و من آمن «1» بالتوحید بعد هؤلاء مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّیَّاتِهِمْ یدخلون علیهم أیضا معهم جنات عدن نظیرها فی «حم» المؤمن ثم «2» قال: وَ الْمَلائِکَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِمْ مِنْ کُلِّ بابٍ 23- علی مقدار أیام الدنیا ثلاث عشرة مرة، معهم التحف من اللّه- تعالی-، من جنة عدن ما لیس فی جناتهم، من کل باب، فقالوا لهم: سَلامٌ عَلَیْکُمْ بِما صَبَرْتُمْ فی الدنیا علی أمر اللّه فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ- 24- یثنی اللّه علی الجنة عقبی الدار. عاقبة حسناهم دار الجنة، ثم قال: وَ الَّذِینَ یَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ یعنی کفار أهل الکتاب مِنْ بَعْدِ مِیثاقِهِ یعنی من بعد إقرارهم بالتوحید یوم آدم- علیه السّلام- وَ یَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ من الإیمان بالنبیین و بالتوحید و بالکتاب وَ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ هؤلاء، یعنی یعملون فیها بالمعاص «3» أُولئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ- 25- یعنی شر الدار جهنم، اللَّهُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ یعنی یوسع الرزق علی من یشاء وَ یَقْدِرُ یعنی و یقتر علی من یشاء [189 ب وَ فَرِحُوا یعنی و رضوا بِالْحَیاةِ الدُّنْیا وَ مَا الْحَیاةُ الدُّنْیا فِی الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ 26- یعنی إلا قلیل وَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة و هم القادة لَوْ لا أُنْزِلَ یعنی هلا أنزل عَلَیْهِ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- آیَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ عن
______________________________
(1) فی أ: أمر، ل: آمن.
(2) یشیر إلی الآیة 8 من سورة غافر و تمامها: «رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِی وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّیَّاتِهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ».
(3) هکذا فی أ، ل، و الأنسب بالمعاصی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 377
الهدی وَ یَهْدِی إِلَیْهِ «1» إلی دینه مَنْ أَنابَ 27- یعنی من راجع التوبة «2» ثم نعتهم فقال: الَّذِینَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللَّهِ یقول و تسکن قلوبهم بالقرآن یعنی بما فی القرآن من الثواب و العقاب یقول اللّه تعالی: أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ 28- یقول ألا بالقرآن تسکن القلوب ثم أخبر بثوابهم فقال: الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبی لَهُمْ یعنی حسنی لهم و هی بلغة العرب «3»، وَ حُسْنُ مَآبٍ 29- یعنی و حسن مرجع و طوبی شجرة فی الجنة لو أن رجلا رکب فرسا أو نجیبة و طاف علی ساقها لم یبلغ المکان الذی رکب منه حتی یقتله الهرم، و لو أن طائرا طار من ساقها لم یبلغ فرعها حتی یقتله الهرم، کل ورقة منها تظل أمة من الأمم علی کل ورقة منها ملک یذکر اللّه- تعالی- و لو أن ورقة منها وضعت فی الأرض لأضاءت الأرض نورا کما تضی‌ء الشمس تحمل هذه الشجرة لهم ما یشاءون من ألوان الحلی، و الثمار غیر الشراب «4» کَذلِکَ یعنی هکذا أَرْسَلْناکَ فِی أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ یعنی قد مضت قبل أهل مکة، یعنی الأمم الخالیة «5»، لِتَتْلُوَا عَلَیْهِمُ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ یعنی لتقرأ علیهم القرآن وَ هُمْ یَکْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ
نزلت یوم الحدیبیة حین صالح النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أهل مکة فکتبوا «6» بینهم کتابا و ولی
______________________________
(1) فی أ: «و یهدی إلی دینه».
(2) هکذا فی أ، ل.
(3) هکذا فی أ، ل.
(4) هذا الوصف من الإسرائیلیات التی وضعها مقاتل فی تفسیره، و لینه لم یفعل.
(5) من ل. و فی أ: قیل کفار مکة، أمة یعنی الأمم الخالیة.
(6) فی أ: و کتبوا، و فی ل: فکتبوا. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 378
الکتاب علی بن أبی طالب فکتب بسم اللّه الرحمن الرحیم. فقال سهیل بن عمرو القرشی: ما نعرف الرحمن «1» إلا مسیلمة و لکن اکتب باسمک اللهم. فأمره النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، أن «2» یکتب باسمک اللّهم. ثم قال له النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: اکتب هذا ما صالح «3» علیه محمد رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- أهل مکة. فقالوا: ما نعرف أنک رسول اللّه، لقد ظلمناک إذا إن کنت رسول اللّه ثم نمنعک عن دخول المسجد الحرام. و لکن اکتب هذا ما صالح علیه محمد بن عبد اللّه. فغضب أصحاب النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: دعنا نقاتلهم. فقال: لا. ثم قال لعلی: اکتب الذی یریدون أما أن لک یوما مثله، و قال «4» النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أنا محمد بن عبد اللّه، و أشهد أنی رسول اللّه فکتب هذا صالح علیه محمد بن عبد اللّه أهل مکة علی أن ینصرف محمد من عامه هذا، فإذا کان القابل «5» دخل مکة فقضی عمرته و خلی «6» أهل مکة [190 أ] بینه و بین مکة ثلاث لیال.
فأنزل اللّه- تعالی- فی قول «7» سهیل و صاحبیه مکرز بن حفص بن الأحنف، و حویطب بن عبد العزی، کلهم من قریش حین قالوا: ما نعرف الرحمن- إلا مسیلمة فقال تعالی: «وَ هُمْ یَکْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ» قُلْ هُوَ رَبِّی یا محمد قل: الرحمن، الذی یکفرون به هو ربی
______________________________
(1) فی ل: الرحمن الرحیم،: الرحمن.
(2) من ل، و هی ساقطة من أ.
(3) من ل، و فی أ: هذا کتابا صالح علیه.
(4) فی أ، ل: فقال.
(5) هکذا فی أ، ل. و المراد: العام القابل.
(6) فی، ل: و خلا.
(7) فی ل: فی، أ: من.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 379
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ یقول به أثق وَ إِلَیْهِ مَتابِ 30- یعنی التوبة نظیرها فی الفرقان «فَإِنَّهُ یَتُوبُ إِلَی اللَّهِ مَتاباً» «1» وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ و ذلک
أن أبا جهل بن هشام «2» المخزومی قال لمحمد- صلی اللّه علیه و سلم-: سیر لنا بقرآنک هذا الجبل عن مکة فإنها أرض ضیقة فنتسع فیها و نتخذ فیها المزارع و المصانع کما سخرت لداود- علیه السّلام- إن کنت نبیا کما تزعم. قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لا أطیق ذلک. قال أبو جهل:
فلا علیک فسخر لنا هذه الریح فنرکبها إلی الشام فنقضی میرتنا ثم نرجع من یومنا فقد شق علینا طول السفر کما سخرت لسلیمان کما زعمت، فلست بأهون علی اللّه من سلیمان إن کنت نبیا کما تزعم و کان یرکبها سلیمان و قومه غدوة فیسیر مسیرة شهر. قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لا أطیق ذلک، قال أبو جهل:
فلا علیک ابعث لنا رجلین أو ثلاثة ممن مات من آبائنا منهم قصی بن کلاب فإنه کان شیخا صدوقا، فنسأله عما أمامنا مما تخبرنا «3» أنه کائن «4» بعد الموت أ حق ما تقول أم باطل. فقد کان «5» عیسی یفعل ذلک بقومه، کما زعمت، فلست بأهون علی اللّه من عیسی إن کنت نبیا کما تزعم. قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-:
لیس إلی ذلک. قال أبو جهل: فإن کنت غیر فاعل فلا ألفینک تذکر آلهتنا بسوء، فأنزل اللّه- تعالی-: «وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ»
______________________________
(1) سورة الفرقان: 71.
(2) ابن هشام: ساقطة من أ، و هی فی ل.
(3) فی أ: عن أمامنا عما تخبرنا.
(4) فی أ: کائن، ل: کان.
(5) فی أ: فکان، حاشیة أ: فقد کان، ص. م: فکان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 380
أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ کُلِّمَ بِهِ الْمَوْتی یقول لو أن قرآنا فعل ذلک به قبل هذا القرآن لفعلناه بقرآن محمد- علیه السّلام- و لکنه «1» شی‌ء أعطیه رسلی فذلک قوله: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِیعاً یقول بل جمیع ذلک الأمر کان من اللّه لیس من قبل القرآن أَ فَلَمْ یَیْأَسِ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ لَهَدَی النَّاسَ جَمِیعاً وَ لا یَزالُ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة تُصِیبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ یقول تصیبهم بما کفروا باللّه بائقة و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- کان لا یزال یبعث سرایاه «2» فیغیرون حول مکة فیصیبون من أنفسهم، و مواشیهم، و أنعامهم، فیها تقدیم، ثم قال: أَوْ تَحُلُّ قَرِیباً مِنْ دارِهِمْ یقول أو تنزل یا محمد بحضرتهم یوم الحدیبیة قریبین «3» حَتَّی یَأْتِیَ وَعْدُ اللَّهِ فی فتح «4» مکة و کان اللّه- تعالی- وعد النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن یفتح علیه مکة فذلک قوله: إِنَّ اللَّهَ لا یُخْلِفُ الْمِیعادَ- 31- [190 ب وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِکَ من الرسل قبل محمد- صلی اللّه علیه و سلم- أخبروا قومهم بنزول العذاب علیهم فی الدنیا فکذبوهم و استهزءوا منهم بأن العذاب لیس بنازل بهم «5» فلما أخبر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- کفار مکة استهزءوا منه فأنزل اللّه- تعالی- یعزی نبیه- علیه السّلام- لیصبر علی تکذیبهم إیاه بالعذاب «وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِکَ» فَأَمْلَیْتُ یعنی فأمهلت
______________________________
(1) مکررة فی أ.
(2) فی أ، ل: سریة.
(3) فی أ: مرتین، ل: قریبین.
(4) فی أ: و فتح، و فی حاشیة أ: و هو فتح محمد.، ل: فی فتح.
(5) فی أ: لهم، ل: بهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 381
لِلَّذِینَ کَفَرُوا فلم أعجل علیهم بالعقوبة ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بالعذاب فَکَیْفَ کانَ عِقابِ 32- یعنی عذاب. ألیس وجدوه حقا؟ أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلی کُلِّ نَفْسٍ بِما کَسَبَتْ من خیر و شر یقول اللّه قائم علی کل بر و فاجر، علی اللّه رزقهم و طعامهم وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَکاءَ یعنی و صنعوا للّه شبها و هو أحق أن یعبد من غیره قُلْ لهم یا محمد: سَمُّوهُمْ یقول ما أسماء هؤلاء الشرکاء و أین مستقرهم یعنی الملائکة لأنهم عبدوهم، و یقال الأوثان. و لو سموهم لکذبوا. ثم قال: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا یَعْلَمُ فِی الْأَرْضِ بأن معه شریکا أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ یقول: بل «1» بأمر باطل کذب کقوله.
فی الزخرف «2»: «أَمْ أَنَا خَیْرٌ مِنْ هذَا الَّذِی» یقول بل أنا خیر، ثم قال:
بَلْ یعنی لکن «3» زُیِّنَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة مَکْرُهُمْ یعنی قول الشرک وَ صُدُّوا عَنِ السَّبِیلِ یعنی و صدوا الناس عن السبیل یعنی دین اللّه الإسلام «4» وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ یقول و من یضله اللّه فَما لَهُ مِنْ هادٍ- 33- إلی دینه لَهُمْ عَذابٌ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا یعنی القتل ببدر وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ مما أصابهم من القتل ببدر و ضرب الملائکة الوجوه و الأدبار و تعجیل أرواحهم النار وَ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ 34- یعنی بقی العذاب عنهم مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ یعنی شبه الجنة فی الفضل و الخیر کشبه النار
______________________________
(1) بل: ساقطة من ل.
(2) فی أ: کقوله فی قوله، و الآیة رقم 52: من سورة الزخرف و تمامها: «أَمْ أَنَا خَیْرٌ مِنْ هذَا الَّذِی هُوَ مَهِینٌ وَ لا یَکادُ یُبِینُ».
(3) فی أ: لکی، ل: لکن.
(4) هکذا فی: أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 382
فی شدة العذاب. ثم نعت الجنة فقال: «تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» «1» أُکُلُها دائِمٌ یعنی طعامها لا یزول و لا ینقطع و هکذا وَ ظِلُّها ثم قال: تِلْکَ الجنة عُقْبَی الَّذِینَ اتَّقَوْا عاقبة حسناهم الجنة وَ عُقْبَی الْکافِرِینَ النَّارُ- 35- یعنی و عاقبة الذین کفروا بتوحید اللّه النار وَ الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یقول أعطیناهم التوراة، و هم «2» عبد اللّه بن سلام و أصحابه مؤمنو أهل التوراة یَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ من القرآن ثم قال: وَ مِنَ الْأَحْزابِ یعنی ابن أمیة، و ابن المغیرة، و آل أبی طلحة بن عبد العزی بن قصی، مَنْ یُنْکِرُ بَعْضَهُ أنکروا الرحمن، و البعث، و محمدا- علیه السّلام- قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ یعنی أوحد اللّه وَ لا أُشْرِکَ بِهِ شیئا إِلَیْهِ أَدْعُوا یعنی إلی معرفته و هو التوحید أدعو وَ إِلَیْهِ مَآبِ 36- یعنی و إلیه المرجع وَ کَذلِکَ أَنْزَلْناهُ حُکْماً عَرَبِیًّا وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ [191 أ] یعنی حین دعی إلی ملة آبائه بَعْدَ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ یعنی من البیان ما لَکَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِیٍ یعنی قریبا «3» ینفعک وَ لا واقٍ 37- یعنی یقی العذاب عنک وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِکَ یعنی الأنبیاء قبلک وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّیَّةً یعنی النساء و الأولاد وَ ما کانَ لِرَسُولٍ أَنْ یَأْتِیَ بِآیَةٍ و ذلک أن کفار مکة سألوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن یأتیهم بآیة فقال اللّه- تعالی-: «وَ ما کانَ لِرَسُولٍ أَنْ یَأْتِیَ بِآیَةٍ» إلی قومه إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ یعنی إلا بأمر اللّه لِکُلِّ أَجَلٍ کِتابٌ 38-
______________________________
(1) «تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ»: ساقطة من الأصل.
(2) فی أ: فهم، ل: فهو، و الأنسب هنا: و هم.
(3) فی أ: قریب، ل: قریبا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 383
یقول لا ینزل من السماء کتاب إلا بأجل یَمْحُوا اللَّهُ ما یَشاءُ یقول ینسخ «1» اللّه ما یشاء من القرآن وَ یُثْبِتُ یقول و یقر من حکم الناسخ ما یشاء فلا ینسخه وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ 39- یعنی أصل الکتاب یقول الناسخ من الکتاب و المنسوخ فهو «2» فی أم الکتاب یعنی بأم الکتاب اللوح المحفوظ.
وَ إِنْ ما نُرِیَنَّکَ یعنی و إن نرینک یا محمد فی حیاتک بَعْضَ الَّذِی نَعِدُهُمْ من العذاب فی الدنیا یعنی القتل ببدر و سائر بهم العذاب بعد الموت «3».
ثم قال: أَوْ نَتَوَفَّیَنَّکَ یقول أو نمیتک یا محمد قبل أن نعذبهم فی الدنیا، یعنی کفار مکة فَإِنَّما عَلَیْکَ یا محمد الْبَلاغُ من اللّه إلی عباده وَ عَلَیْنَا الْحِسابُ 40- یقول و علینا الجزاء الأوفی فی الآخرة کقوله- عز و جل- فی الشعراء «إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلی رَبِّی «4»» یعنی ما جزاءهم إلا علی ربی أَ وَ لَمْ یَرَوْا یعنی کفار مکة أَنَّا نَأْتِی الْأَرْضَ یعنی أرض مکة نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها یعنی ما حولها یقول لا یزال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و المؤمنون یغلبون علی ما حول مکة من الأرض فکیف لا یعتبرون بما یرون أنه ینقص من أهل الکفر و یزاد فی المسلمین «5» وَ اللَّهُ یَحْکُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُکْمِهِ یقول و اللّه یقضی لا راد لقضائه فی نقصان ما حول مکة و نصر محمد- صلی اللّه علیه و سلم- وَ هُوَ سَرِیعُ الْحِسابِ 41- یقول کأنه قد جاء فحاسبهم وَ قَدْ مَکَرَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ
______________________________
(1) فی أ: ینسئ. و فی حاشیة أ: ینسخ محمد. و فی ل: ینسخ، و فی م: ینسئ.
(2) هکذا فی أ، ل.
(3) من ل. و فی أ: و سائر العرب ینزل بهم بعد الموت.
(4) سورة الشعراء: 113.
(5) هکذا فی أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 384
یعنی قبل کفار مکة من الأمم الخالیة یعنی قوم صالح- علیه السّلام- حین أرادوا قتل صالح- علیه السّلام- فهکذا کفار مکة حین أجمع أمرهم علی قتل محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فی دار الندوة یقول اللّه- عز و جل-: فَلِلَّهِ الْمَکْرُ جَمِیعاً یقول جمیع ما یمکرون بإذن اللّه- عز و جل- و اللّه یَعْلَمُ ما تَکْسِبُ کُلُّ نَفْسٍ یعنی ما تعمل کل نفس بر و فاجر من خیر أو شر وَ سَیَعْلَمُ الْکُفَّارُ: کفار مکة فی الآخرة لِمَنْ عُقْبَی الدَّارِ- 42- یعنی دار الجنة ألهم أم للمؤمنین وَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا یقول قالت الیهود: لَسْتَ مُرْسَلًا یا محمد «1» لم یبعثک اللّه رسولا فأنزل اللّه- عز و جل- قُلْ للیهود: کَفی بِاللَّهِ شَهِیداً فلا شاهد أفضل من اللّه- عز و جل- بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ بأنی نبی رسول [191 ب وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ 43- یقول و یشهد من عنده التوراة «2» عبد اللّه بن سلام فهو یشهد أنی نبی رسول مکتوب فی التوراة.
***______________________________
(1) فی أ زیادة: صلی اللّه علیه و سلم. و لیست فی ل.
(2) هکذا فی: أ، ل. و المراد من عنده علم التوراة، أو معرفة أحکام التوراة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 385

سورة ابراهیم‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 387
(14) سورة إبراهیم مکّیّة و آیاتها ثنتان و خمسون‌

[سورة إبراهیم (14): الآیات 1 الی 52]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الر کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلی صِراطِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ (1) اللَّهِ الَّذِی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ وَیْلٌ لِلْکافِرِینَ مِنْ عَذابٍ شَدِیدٍ (2) الَّذِینَ یَسْتَحِبُّونَ الْحَیاةَ الدُّنْیا عَلَی الْآخِرَةِ وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ یَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِکَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ (3) وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِیُبَیِّنَ لَهُمْ فَیُضِلُّ اللَّهُ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (4)
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَکَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ وَ ذَکِّرْهُمْ بِأَیَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِکُلِّ صَبَّارٍ شَکُورٍ (5) وَ إِذْ قالَ مُوسی لِقَوْمِهِ اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ أَنْجاکُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَسُومُونَکُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ یُذَبِّحُونَ أَبْناءَکُمْ وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَکُمْ وَ فِی ذلِکُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ (6) وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ وَ لَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِی لَشَدِیدٌ (7) وَ قالَ مُوسی إِنْ تَکْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ (8) أَ لَمْ یَأْتِکُمْ نَبَؤُا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا یَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ فَرَدُّوا أَیْدِیَهُمْ فِی أَفْواهِهِمْ وَ قالُوا إِنَّا کَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَ إِنَّا لَفِی شَکٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَیْهِ مُرِیبٍ (9)
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِی اللَّهِ شَکٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَدْعُوکُمْ لِیَغْفِرَ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَ یُؤَخِّرَکُمْ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِیدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا کانَ یَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِینٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُکُمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَمُنُّ عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ ما کانَ لَنا أَنْ نَأْتِیَکُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَ ما لَنا أَلاَّ نَتَوَکَّلَ عَلَی اللَّهِ وَ قَدْ هَدانا سُبُلَنا وَ لَنَصْبِرَنَّ عَلی ما آذَیْتُمُونا وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُتَوَکِّلُونَ (12) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّکُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنا فَأَوْحی إِلَیْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِکَنَّ الظَّالِمِینَ (13) وَ لَنُسْکِنَنَّکُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِکَ لِمَنْ خافَ مَقامِی وَ خافَ وَعِیدِ (14)
وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ کُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ یُسْقی مِنْ ماءٍ صَدِیدٍ (16) یَتَجَرَّعُهُ وَ لا یَکادُ یُسِیغُهُ وَ یَأْتِیهِ الْمَوْتُ مِنْ کُلِّ مَکانٍ وَ ما هُوَ بِمَیِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِیظٌ (17) مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ کَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْمٍ عاصِفٍ لا یَقْدِرُونَ مِمَّا کَسَبُوا عَلی شَیْ‌ءٍ ذلِکَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِیدُ (18) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ (19)
وَ ما ذلِکَ عَلَی اللَّهِ بِعَزِیزٍ (20) وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِیعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا کُنَّا لَکُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَیْناکُمْ سَواءٌ عَلَیْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِیصٍ (21) وَ قالَ الشَّیْطانُ لَمَّا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَ ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلا تَلُومُونِی وَ لُومُوا أَنْفُسَکُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَّ إِنِّی کَفَرْتُ بِما أَشْرَکْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (22) وَ أُدْخِلَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ (23) أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ (24)
تُؤْتِی أُکُلَها کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (25) وَ مَثَلُ کَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ کَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ وَ یُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِینَ وَ یَفْعَلُ اللَّهُ ما یَشاءُ (27) أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ (29)
وَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِیُضِلُّوا عَنْ سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِیرَکُمْ إِلَی النَّارِ (30) قُلْ لِعِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا یُقِیمُوا الصَّلاةَ وَ یُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِیَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ لا بَیْعٌ فِیهِ وَ لا خِلالٌ (31) اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَکُمْ وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْفُلْکَ لِتَجْرِیَ فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْأَنْهارَ (32) وَ سَخَّرَ لَکُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَیْنِ وَ سَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ (33) وَ آتاکُمْ مِنْ کُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ کَفَّارٌ (34)
وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِی وَ بَنِیَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ کَثِیراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِی فَإِنَّهُ مِنِّی وَ مَنْ عَصانِی فَإِنَّکَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (36) رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِیُقِیمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّکَ تَعْلَمُ ما نُخْفِی وَ ما نُعْلِنُ وَ ما یَخْفی عَلَی اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی وَهَبَ لِی عَلَی الْکِبَرِ إِسْماعِیلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ الدُّعاءِ (39)
رَبِّ اجْعَلْنِی مُقِیمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِی وَ لِوالِدَیَّ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ یَقُومُ الْحِسابُ (41) وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا یَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما یُؤَخِّرُهُمْ لِیَوْمٍ تَشْخَصُ فِیهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِینَ مُقْنِعِی رُؤُسِهِمْ لا یَرْتَدُّ إِلَیْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَ أَنْذِرِ النَّاسَ یَوْمَ یَأْتِیهِمُ الْعَذابُ فَیَقُولُ الَّذِینَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلی أَجَلٍ قَرِیبٍ نُجِبْ دَعْوَتَکَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَ وَ لَمْ تَکُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَکُمْ مِنْ زَوالٍ (44)
وَ سَکَنْتُمْ فِی مَساکِنِ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَیَّنَ لَکُمْ کَیْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَ ضَرَبْنا لَکُمُ الْأَمْثالَ (45) وَ قَدْ مَکَرُوا مَکْرَهُمْ وَ عِنْدَ اللَّهِ مَکْرُهُمْ وَ إِنْ کانَ مَکْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ ذُو انتِقامٍ (47) یَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَ تَرَی الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِینَ فِی الْأَصْفادِ (49)
سَرابِیلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَ تَغْشی وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِیَجْزِیَ اللَّهُ کُلَّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسابِ (51) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِیُنْذَرُوا بِهِ وَ لِیَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِیَذَّکَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 440
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 395
سورة إبراهیم «1» «علیه السّلام «2»» مکیة «3» کلها غیر قوله تعالی: «أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً ...»
______________________________
(1) مقصود سورة إبراهیم من مقاصد سورة إبراهیم ما یأتی:
بیان حقیقة الإیمان، و برهان النبوّة، و أن اللّه- تعالی- أرسل کل رسول بلغة قومه، و ذکر الامتنان علی بنی إسرائیل بنجاتهم من فرعون، و أن القیام بشکر النعم یوجب المزید، و کفرانها یوجب الزوال، و ذکر معاملة القرون الماضیة مع الأنبیاء، و الرسل الغابرین، و أمر الأنبیاء بالتوکل علی اللّه عند تهدید الکفار إیاهم، و بیان مذلة الکفار فی العذاب، و العقوبة و بطلان أعمالهم، و کمال إذلالهم فی القیامة، و بیان جزعهم من العقوبة، و إلزام الحجة علیهم، و إحالة إبلیس اللائمة علیهم، و بیان سلامة أهل الجنة، و کرامتهم، و تشبیه الإیمان و التوحید بالشجرة الطیبة و هی النخلة، و تمثیل الکفر بالشجرة الخبیثة و هی الحنطة. و تثبیت أهل الإیمان علی کلمة الصواب عند سؤال منکر و نکیر.
و الشکوی من الکفار بکفران النعمة، و أمر المؤمنین بإقامة الصلوات، و ذکر المنة علی المؤمنین بالنعم السابقات و دعاء إبراهیم بالأمن للحرم المکی، و تسلیمه إسماعیل إلی کرم الحق- تعالی- و لطفه، ثم شکره اللّه علی إعطائه الولد.
و فی آخر السورة نجد التهدید العظیم للظالمین بمذلتهم فی القیامة، و أن الکفار قرناء الشیاطین فی العذاب و الإشارة إلی أن القرآن أبلغ واعظ و أعظم ذکری للعقلاء فی قوله- تعالی-:
«هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِیُنْذَرُوا بِهِ وَ لِیَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِیَذَّکَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ».
*** (2) فی أ: صلی اللّه علیه و سلم، ل: علیه السّلام.
(3) «مکیة»: ساقطة من ل، و هی من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 396
الآیتین مدنیتین «1»، و هی اثنتان و خمسون آیة کوفیة «2».
***______________________________
(1) یقصد الآیتین 28، 29 من سورة إبراهیم و هما قوله- تعالی-: «أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ».
و فی ل: کلها غیر قوله: «أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ».
و فی بدایة المصحف:
(14) سورة إبراهیم مکیة إلا آیتی 28، 29 فمدنیتان و آیاتها 52 نزلت بعد سورة نوح.
(2) و فی کتاب بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی سورة إبراهیم مکیة إجماعا غیر آیة واحدة «أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً ...» الآیة.
و عدد آیاتها 55 عند الشامیین، 52 عند الکوفیین.
و مجموع فواصل آیاتها (آدم نظر. صب ذل)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 397
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الر کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ یعنی من الشرک إلی الإیمان بِإِذْنِ رَبِّهِمْ یعنی بأمر ربهم إِلی صِراطِ یعنی إلی دین الْعَزِیزِ فی ملکه الْحَمِیدِ- 1- فی أمره عند خلقه. ثم دل علی نفسه- تعالی ذکره- فقال: الَّذِی لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ وَیْلٌ لِلْکافِرِینَ من أهل مکة بتوحید اللّه «1» مِنْ عَذابٍ شَدِیدٍ- 2- ثم أخبر عنهم فقال تعالی: الَّذِینَ یَسْتَحِبُّونَ الْحَیاةَ الدُّنْیا الفانیة عَلَی الْآخِرَةِ الباقیة وَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یعنی عن دین الإسلام وَ یَبْغُونَها عِوَجاً یعنی سبیل اللّه عوجا یقول و یریدون بملة الإسلام زیغا و هو المیل أُولئِکَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ- 3- یعنی فی خسران طویل و ذلک أن رءوس کفار مکة کانوا ینهون الناس عن اتباع محمد- صلی اللّه علیه و سلم- «و عن اتباع دینه «2»» ثم قال- سبحانه: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ یعنی بلغة قومه لیفهموا قول رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- فذلک قوله- سبحانه: لِیُبَیِّنَ لَهُمْ فَیُضِلُّ اللَّهُ مَنْ یَشاءُ علی ألسنة الرسل عن دینه الهدی وَ یَهْدِی إلی دینه الهدی علی ألسنة الرسل مَنْ یَشاءُ ثم رد- تعالی ذکره- المشیئة إلی نفسه فقال: وَ هُوَ الْعَزِیزُ
______________________________
(1) أی: الکافرین بتوحید اللّه.
(2) فی أ، ل: و عن دینه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 398
فی ملکه الْحَکِیمُ 4- حکم الضلالة و الهدی لمن یشاء وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا الید و العصا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَکَ یعنی أن ادع قومک بنی إسرائیل مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ یعنی من الشرک إلی الإیمان وَ ذَکِّرْهُمْ بِأَیَّامِ اللَّهِ یقول عظهم و خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالیة فیحذروا فیؤمنوا إِنَّ فِی ذلِکَ یقول إن فی هلاک الأمم الخالیة لَآیاتٍ یعنی لعبرة لِکُلِّ صَبَّارٍ شَکُورٍ- 5- یعنی المؤمن صبور علی أمر اللّه- عز و جل- عند البلاء الشدید شکور للّه- تعالی- فی نعمه وَ إِذْ قالَ مُوسی لِقَوْمِهِ بنی إسرائیل اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ أَنْجاکُمْ یعنی أنقذکم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یعنی أهل مصر یَسُومُونَکُمْ یعنی یعذبونکم سُوءَ یعنی شدة الْعَذابِ ثم بین العذاب فقال: وَ یُذَبِّحُونَ أَبْناءَکُمْ فی حجور [192 أ] أمهاتهم وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَکُمْ یعنی قتل البنین و ترک البنات قتل فرعون منهم ثمانیة عشر طفلا وَ فِی ذلِکُمْ یعنی فیما أخبرکم من قتل الأبناء و ترک البنات بَلاءٌ یعنی نقمة مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ 6- کقوله سبحانه «إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِینُ «1»» یعنی النعمة «2» البینة، و کقوله: «وَ آتَیْناهُمْ مِنَ الْآیاتِ ما فِیهِ بَلؤُا مُبِینٌ «3»» یعنی نعمة بینة «4» وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ نظیرها فی الأعراف «وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکَ لَیَبْعَثَنَّ عَلَیْهِمْ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ «5»» و إذ قال ربکم:
______________________________
(1) سورة الصافات: 106.
(2) فی البیضاوی: المراد، بالبلاء النعمة. و فی الجلالین (بلاء) أنعام أو ابتلاء.
(3) سورة الدخان: 33.
(4) نعمة بینة: من ل. و فی أ: نقمة بین.
(5) سورة الأعراف: 167.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 399
لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ یعنی لئن وحدتم اللّه- عز و جل- کقوله سبحانه:
«وَ سَیَجْزِی اللَّهُ الشَّاکِرِینَ» «1» یعنی الموحدین، لأزیدنکم خیرا فی الدنیا وَ لَئِنْ کَفَرْتُمْ بتوحید اللّه إِنَّ عَذابِی لَشَدِیدٌ- 7- لمن کفر باللّه- عز و جل- فی الآخرة وَ قالَ مُوسی إِنْ تَکْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌ عن عبادة خلقه حَمِیدٌ- 8- عن خلقه فی سلطانه ثم خوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة لئلا یکذبوا بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- فقال سبحانه: أَ لَمْ یَأْتِکُمْ نَبَؤُا یعنی حدیث الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ من الأمم حدیث قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ من الأمم التی عذبت عاد، و ثمود، و قوم إبراهیم، و قوم لوط، و غیرهم لا یَعْلَمُهُمْ یعنی لا یعلم عدتهم أحد إِلَّا اللَّهُ عز و جل- جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ یعنی أخبرت الرسل قومهم بنزول العذاب بهم نظیرها فی الروم «وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ «2»» یعنی بنزول العذاب بهم فی الدنیا فَرَدُّوا أَیْدِیَهُمْ فِی أَفْواهِهِمْ یقول وضع الکفار أیدیهم فی أفواههم، ثم «3» قالوا للرسل: اسکتوا فإنکم کذبة یعنون الرسل و أن العذاب لیس بنازل بنا فی الدنیا وَ قالُوا للرسل: إِنَّا کَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ یعنی بالتوحید وَ إِنَّا لَفِی شَکٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَیْهِ مُرِیبٍ 9- یعنی بالریبة أنهم لا یعرفون شکهم قالَتْ لهم رُسُلُهُمْ أَ فِی اللَّهِ شَکٌ یقول أ فی التوحید للّه شک فاطِرِ یعنی خالق السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَدْعُوکُمْ إلی معرفته لِیَغْفِرَ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ و المن هاهنا
______________________________
(1) سورة آل عمران: 144.
(2) سورة الروم: 9.
(3) ثم: ساقطة من أ، و هی من ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 400
صلة کقوله سبحانه: «شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ «1»» وَ یُؤَخِّرَکُمْ فی عافیة إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی یقول إلی منتهی آجالکم فلا یعاقبکم بالسنین «2» فردوا علی الرسل قالُوا لهم: إِنْ أَنْتُمْ یعنی ما أنتم إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا تفضلونا فی شی‌ء تُرِیدُونَ أَنْ تَصُدُّونا یعنی تمنعونا عَمَّا کانَ یَعْبُدُ آباؤُنا یعنی دین آبائهم فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِینٍ 10- یعنی بحجة بینة قالوا للرسل ائتونا من عند اللّه بکتاب فیه حجة بأنکم رسله، فإن أتیتمونا کان لکم حجة بأنکم رسله «3». قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ یعنی ما نحن إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَمُنُ یعنی ینعم عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فیخصه بالنبوة و الرسالة وَ ما کانَ لَنا أَنْ نَأْتِیَکُمْ بِسُلْطانٍ [192 ب یعنی بکتاب من اللّه بالرسالة إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ یعنی إلا بأمر اللّه وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ یقول و باللّه فلیثق الْمُؤْمِنُونَ 11- لقولهم للرسل لنخرجنکم من أرضنا ثم قال سبحانه: وَ ما لَنا أَلَّا نَتَوَکَّلَ عَلَی اللَّهِ یعنی و ما لنا ألا نثق باللّه وَ قَدْ هَدانا سُبُلَنا یعنی لدینا «4» وَ لَنَصْبِرَنَّ عَلی ما آذَیْتُمُونا وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُتَوَکِّلُونَ 12- یعنی و باللّه فلیثق الواثقون و کان أذاهم للرسل أن قالوا: «وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ «5»» لَنُخْرِجَنَّکُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنا یعنی دینهم الکفر فهذا الأذی الذی صبروا علیه فَأَوْحی إِلَیْهِمْ رَبُّهُمْ
______________________________
(1) سورة الشوری: 13.
(2) فی أ، ل: فلا یعاقبکم بالسنین و لا بغیرها إلی آجالکم.
(3) فی أ: إن کانت لکم حجة بأنکم رسله فأتوا بها، ل: فإن آتیتمونا کان لکم حجة بأنکم رسله.
(4) هکذا فی: أ، ل.
(5) ما بین القوسین «...»: ساقط س: أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 401
یعنی إلی الرسل لَنُهْلِکَنَّ الظَّالِمِینَ 13- یعنی المشرکین فی الدنیا و لننصرنکم یعنی وَ لَنُسْکِنَنَّکُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ یعنی هلاکهم ذلِکَ الإنسان فی الدنیا لِمَنْ خافَ مَقامِی یعنی مقام ربه- عز و جل- فی الآخرة وَ لمن خافَ وَعِیدِ- 14- فی الآخرة. وَ اسْتَفْتَحُوا یعنی دعوا ربهم و استنصروا و ذلک أن الرسل أنذروا قومهم العذاب فی الدنیا فردوا علیهم أنکم کذبة. ثم قالوا: اللهم إن کانت رسلنا صادقین فعذبنا، فذلک قوله تعالی: «فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ «1»» فذلک قوله سبحانه:
«و استفتحوا» یعنی مشرکی مکة و فیهم أبو جهل یعنی و دعوا ربهم یقول اللّه- تعالی- لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم- وَ خابَ کُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ- 15- یعنی و خسر عند نزول العذاب کل متکبر عن توحید اللّه- عز و جل- نزلت فی أبی جهل «عنید» یعنی معرض عن الإیمان مجانبا له. ثم قال لهذا الجبار و هو فی الدنیا: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ من بعدهم یعنی من بعد موته وَ یُسْقی مِنْ ماءٍ صَدِیدٍ- 16- یعنی خلیطة القیح و الدم الذی یخرج من أجداث الکفار یسقی الأشقیاء «2» یَتَجَرَّعُهُ تجرعا وَ لا یَکادُ یُسِیغُهُ البتة نظیرها «إِذا أَخْرَجَ یَدَهُ لَمْ یَکَدْ یَراها «3»» یقول لا یراها البتة وَ یَأْتِیهِ الْمَوْتُ فی النار مِنْ کُلِّ مَکانٍ وَ ما هُوَ بِمَیِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ هذا یعنی و من بعد إحدی و عشرین ألف سنة یفتح علیهم باب یقال له الهیهات فتأکل ناره نار جهنم، و أهلها، کما تأکل نار الدنیا القطن المندوف و یأتیه الموت فی النار من کل
______________________________
(1) سورة الأعراف: 70، و سورة هود: 32، و سورة الأحقاف: 22.
(2) هکذا فی أ، ل.
(3) سورة النور: 40.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 402
مکان و ما هو بمیت. و من ورائه عَذابٌ غَلِیظٌ- 17- یعنی شدید لا یفتر عنهم مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ یعنی بتوحید ربهم مثل أَعْمالُهُمْ الخبیثة فی غیر إیمان کَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْمٍ عاصِفٍ فی یوم [193 أ] شدید الریح فلم یر منه شی‌ء فکذلک أعمال الکفار لا یَقْدِرُونَ مِمَّا کَسَبُوا عَلی شَیْ‌ءٍ یقول لا یقدرون علی ثواب شی‌ء مما عملوا فی الدنیا و لا تنفعهم أعمالهم لأنها لم تکن فی إیمان. ثم قال: ذلِکَ الکفر هُوَ الضَّلالُ الْبَعِیدُ- 18- یعنی الطویل أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ لم یخلقهما باطلا لغیر شی‌ء و لکن خلقهما لأمر هو کائن، ثم قال- سبحانه- لکفار هذه الأمة: إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ بالهلاک إن عصیتموه وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ- 19- یعنی بخلق غیرکم أمثل و أطوع للّه منکم وَ ما ذلِکَ عَلَی اللَّهِ بِعَزِیزٍ- 20- یقول هذا علی اللّه هین یسیر «إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ» نظیرها فی الملائکة «1»، ثم قال- سبحانه-: وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِیعاً یقول و خرجوا من قبورهم إلی اللّه جمیعا یعنی بالجمیع أنه لم یغادر منهم أحد إلا بعث بعد موته فَقالَ الضُّعَفاءُ و هم الأتباع من کفار بنی آدم لِلَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا یعنی للذین تکبروا عن الإیمان باللّه- عز و جل- و هو التوحید و هم الکبراء فی الشرف و الغنی القادة إِنَّا کُنَّا لَکُمْ تَبَعاً لدینکم فی الدنیا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا معشر الکبراء مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ باتباعنا إیاکم قالُوا یعنی قالت الکبراء للضعفاء: لَوْ هَدانَا اللَّهُ لدینه لَهَدَیْناکُمْ سَواءٌ عَلَیْنا ذلک أن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا نجزع
______________________________
(1) سورة فاطر الآیات: 15، 16، 17 و هی: «یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ، إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ، وَ ما ذلِکَ عَلَی اللَّهِ بِعَزِیزٍ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 403
من العذاب لعل ربنا یرحمنا، فجزعوا مقدار خمسمائة عام فلم یغن عنهم الجزع شیئا.
ثم قالوا: تعالوا نصبر لعل اللّه یرحمنا فصبروا مقدار خمسمائة عام فلم یغن عنهم الصبر شیئا. فقالوا عند ذلک: «سَواءٌ عَلَیْنا» أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِیصٍ 21- من مهرب عنها وَ قالَ الشَّیْطانُ یعنی إبلیس لَمَّا قُضِیَ الْأَمْرُ یعنی حین قضی العذاب و ذلک أن إبلیس لما دخل هو و من معه علی أثره «1» النار «2». قام خطیبا فی النار فقال: یا أهل النار: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ علی ألسنة الرسل وَعْدَ الْحَقِ یعنی وعد الصدق أن هذا الیوم کائن وَ وَعَدْتُکُمْ أنه لیس بکائن فَأَخْلَفْتُکُمْ الوعد وَ ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ یعنی من ملک فی الشرک فأکرهکم علی متابعتی یعنی علی دینی إلا فی الدعاء فذلک قوله- عز و جل-: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُکُمْ یعنی إلا أن زینت لکم فَاسْتَجَبْتُمْ لِی بالطاعة و ترکتم طاعة ربکم فَلا تَلُومُونِی باتباعکم إیای وَ لُومُوا أَنْفُسَکُمْ بترککم أمر ربکم ما أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَ یقول ما أنا بمغیثکم و ما أنتم بمغیثی إِنِّی کَفَرْتُ یقول تبرأت الیوم بِما أَشْرَکْتُمُونِ مع اللّه فی الطاعة مِنْ قَبْلُ فی الدنیا إِنَّ الظَّالِمِینَ یعنی إن المشرکین لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 22- یعنی وجیع وَ أُدْخِلَ الَّذِینَ آمَنُوا [193 ب یعنی صدقوا بتوحید اللّه- عز و جل- وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ و أدوا الفرائض جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ یعنی تجری العیون من تحت بساتینها خالِدِینَ فِیها لا یموتون بِإِذْنِ رَبِّهِمْ یعنی بأمر ربهم ادخلوا الجنة تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ 23- یقول تسلم الملائکة علیهم فی الجنة
______________________________
(1) فی أ: علی أثر، ل: علی أثره.
(2) النار: ساقطة من ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 404
أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا کَلِمَةً طَیِّبَةً یعنی حسنة یعنی کلمة الإخلاص و هی التوحید کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ یعنی بالطیبة الحسنة کما أنه لیس فی الکلام شی‌ء أحسن و لا أطیب من الإخلاص قول لا إله إلا اللّه وحده لا شریک له «1» فکذلک لیس فی الثمار شی‌ء أحلی و لا أطیب من الرطبة و هی النخلة أَصْلُها ثابِتٌ فی الأرض وَ فَرْعُها یعنی رأسها فِی السَّماءِ- 24- یقول هکذا الإخلاص ینبت «2» فی قلب المؤمن کما تنبت النخلة فی الأرض إذا تکلم بها المؤمن فإنها تصعد إلی السماء کما أن النخلة رأسها فی السماء، کما أن النخلة لها فضل علی الشجرة فی الطول، و الطیب، و الحلاوة، فکذلک کلمة الإخلاص لها فضل علی سائر الکلام تُؤْتِی أُکُلَها کُلَّ حِینٍ یقول إن النخلة تؤتی ثمرها کل ستة أشهر بِإِذْنِ رَبِّها یعنی بأمر ربها فهکذا المؤمن یتکلم «3» بالتوحید و یعمل الخیر لیلا، و نهارا، غدوة، و عشیا بمنزلة النخلة و هذا مثل المؤمن ثم قال- سبحانه-: وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ یعنی و یصف اللّه الأشیاء للناس لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ 25- أی یتفکرون فی أمثال اللّه- تعالی- فیوحدونه ثم ضرب مثلا آخر للکافرین فقال- سبحانه-: وَ مَثَلُ کَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ یعنی دعوة الشرک کَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ فی المرارة یعنی الحنظل اجْتُثَّتْ یعنی انتزعت مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ- 26- یقول ما لها من أصل فهکذا کلمة الکافر لیس لها أصل کما أن الحنظل أخبث الطعام فکذلک کلمة الکفر أخبث
______________________________
(1) ما بین القوسین «...»: ساقط من: ل، و هی من: أ.
(2) فی ل: ینبت، أ: یثبت.
(3) المؤمن یتکلم: فی ل. و فی حاشیة: أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 405
الدعوة و کما أن الحنظل لیس فیه ثمر و لیس لها برکة و لا منفعة فکذلک الکافر لا خیر فیه، و لا فرع له فی السماء یصعد فیه عمله، و لا أصل له فی الأرض، بمنزلة الحنظلة یذهب بها «1» الریح، و کذلک الکافر، فذلک قوله- سبحانه-:
«کَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ «2»» هاجت یمینا و شمالا مرة هاهنا و مرة هاهنا. ثم ذکر المؤمنین بالتوحید فی حیاتهم و بعد موتهم فقال- سبحانه-: یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ و هو التوحید فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا ثم قال: وَ یثبتهم فِی الْآخِرَةِ یعنی فی قبره «3» فی أمر منکر و نکیر بالتوحید و ذلک أن المؤمن یدخل علیه ملکان أحدهما منکر و الآخر نکیر فیجلسانه فی القبر فیسألانه «4»: من ربک؟ و ما دینک؟ و من رسولک؟ [194 أ] فیقول: ربی اللّه- عز و جل-، و دینی الإسلام، و محمد- صلی اللّه علیه و سلم- رسولی، فیقولان له: وقیت و هدیت. ثم یقولان: اللهم إن عبدک أرضاک فأرضه، فذلک قوله- سبحانه-: «وَ فِی الْآخِرَةِ» أی «5» یثبت اللّه قول الذین آمنوا، ثم ذکر الکافر فی قبره حین یدخل علیه منکر و نکیر یطئان «6» فی أشعارهما و یحفران الأرض بأنیابهما و ینالان الأرض بأیدیهما، أعینهما کالبرق الخاطف و أصواتهما کالرعد القاصف، و معهما مرزبة من حدید لو اجتمع علیها أهل منی أن یقلوها ما أقلوها، فیقولان
______________________________
(1) فی ل: بها، أ: به.
(2) سورة إبراهیم: 18.
(3) هکذا فی أ، ل.
(4) فی أ: فیسلانه.
(5) أی: لیست فی أ، و لا فی ل.
(6) فی أ: یطیان، ل: یطیران.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 406
له: من ربک؟ و ما دینک؟ و من نبیک؟ فیقول: لا أدری. فیقولان له: لا دریت و لا تلیت. ثم یقولان: اللهم إن عبدک قد أسخطک فأسخط علیه، فیضربانه بتلک المرزبة ضربة ینهشم کل عضو فی جسده، و یلتهب قبره نارا، و یصیح صیحة یسمعها کل شی‌ء غیر الثقلین، فیلعنونه، فذلک قوله- عز و جل-:
«وَ یَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ «1»» حتی إن شاة القصاب و الشفرة علی حلقها لا یهمها ما بها، فتقول: لعن اللّه هذا، کان یحبس عنا الرزق بسببه، هذا لمن یضله اللّه- عز و جل- عن التوحید. فذلک قوله: وَ یُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِینَ یعنی المشرکین حیث لا یوفق لهم ذلک حین یسأل فی قبره من ربک؟ و ما دینک؟
و من نبیک؟ وَ یَفْعَلُ اللَّهُ ما یَشاءُ- 27- فیهما فمشیئته أن یثیب المؤمنین و یضل الکافرین أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً هذه مدنیة إلی آخر الآیتین و بقیة السورة مکیة «أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً» و هم بنو أمیة، و بنو المغیرة المخزومی، و کانت النعمة أن اللّه أطعمهم من جوع «2»، و آمنهم من خوف، یعنی القتل و السبی، ثم بعث فیهم رسولا یدعوهم إلی معرفة رب هذه النعمة- عز و جل-، فکفروا بهذه النعمة، و بدّلوها، ثم قال اللّه- عز و جل-: وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ- 28- یعنی دار الهلاک بلغة عمان، فأهلکوا قومهم ببدر، ثم یصیرون بعد القتل إلی جهنم یوم القیامة، فذلک قوله- عز و جل-: جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ- 29- یعنی و بئس المستقر، ثم ذکر کفار قریش فقال- تعالی-: وَ جَعَلُوا
______________________________
(1) سورة البقرة: 159.
(2) من جوع: من ل، و لیست فی أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 407
یعنی و وصفوا لِلَّهِ أَنْداداً یعنی شرکاء لِیُضِلُّوا عَنْ سَبِیلِهِ یعنی لیستنزلوا عن دینه الإسلام قُلْ تَمَتَّعُوا فی دارکم قلیلا فَإِنَّ مَصِیرَکُمْ إِلَی النَّارِ- 30- قُلْ لِعِبادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا یُقِیمُوا الصَّلاةَ وَ یُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال سِرًّا وَ عَلانِیَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ یَوْمٌ لا بَیْعٌ فِیهِ یعنی لا فداء «1» وَ لا خِلالٌ 31- یعنی و لا خلة، لأن الرجل إذا نزل به ما یکره فی الدنیا قبل موته قبل منه الفداء أو یشفع له خلیله، و الخلیل المحب. و لیس فی الآخرة من ذلک شی‌ء و إنما هی أعمالهم [194 ب یثابون علیها، اللَّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً یعنی المطر فَأَخْرَجَ بِهِ یعنی بالمطر مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَکُمْ وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْفُلْکَ یعنی السفن لِتَجْرِیَ فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْأَنْهارَ- 32- وَ سَخَّرَ لَکُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَیْنِ إلی یوم القیامة وَ سَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ- 33- فی هذه «2» منفعة لبنی آدم وَ آتاکُمْ یقول و أعطاکم مِنْ کُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ یعنی ما لم تسألوه و لا طلبتموه و لکن أعطیتکم من رحمتی یعنی ما ذکر مما سخر للناس فی هؤلاء الآیات فهذا کله من النعم، ثم قال- سبحانه-: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ لنفسه فی خطیئته کَفَّارٌ- 34- یعنی کافر فی نعمته التی ذکر فلم یعبده.
______________________________
(1) فی أ: فداء، ل: لا فداء.
(2) هکذا فی أ، ل. و الأنسب: و فی هذه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 408
«حدثنا «1» عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: سمعت أبا صالح فی قوله- عز و جل-: «مِنْ کُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» قال أعطاکم «2» ما لم تسألوه. و من قراءة «کُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» بدون من یقول استجاب لکم فأعطاکم ما سألتموه. و اللّه أعلم «3»».
وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً یعنی مکة فکان أمنا لهم فی الجاهلیة وَ اجْنُبْنِی وَ بَنِیَ یعنی و ولدی أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ 35- و قد «4» علم أن ذریته مختلفون فی التوحید قال: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ یعنی الأصنام کَثِیراً مِنَ النَّاسِ یعنی أضللن بعبادتهن کثیرا من الناس فَمَنْ تَبِعَنِی علی دینی فَإِنَّهُ مِنِّی علی ملتی وَ مَنْ عَصانِی فکفر فَإِنَّکَ غَفُورٌ رَحِیمٌ 36- أن تتوب علیه فتهدیه إلی التوحید نظیرها- فی الأحزاب «وَ یُعَذِّبَ الْمُنافِقِینَ إِنْ شاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ کانَ غَفُوراً رَحِیماً «5»» رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی یعنی إسماعیل ابنی خاصة بِوادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ یعنی لا حرث فیها و لا ماء یعنی مکة عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ حرمه لئلا یستحل فیه ما لا یحل، فیها تقدیم رَبَّنا لِیُقِیمُوا الصَّلاةَ یعنی اجنبنی و بنی أن نعبد الأصنام لکی یصلوا لک عند بیتک المحرم و یعبدونک فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ یقول اجعل قوما من الناس تهوی إلیهم یعنی إلی إسماعیل و ذریته وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ 37-
______________________________
(1) «حدثنا ...» و ما بعدها ساقط من: ل، و هو من: أ
(2) فی أ: ما أعطاکم.
(3) و فی القرطبی: أی أعطاکم من غیر سؤال أی کلما سألتموه أعطاکم سؤلکم و استجاب لکم.
(4) فی ل: و قد، أ: قد.
(5) سورة الأحزاب: 24.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 409
و لو قال اجعل أفئدة الناس تهوی إلیهم لازدحم علیهم الحرز «1» و الدیلم و لکنه قال: اجعل أفئدة من الناس رَبَّنا إِنَّکَ تَعْلَمُ ما نُخْفِی یعنی ما نسر من أمر إسماعیل فی نفسی من الجزع علیه أنه فی غیر معیشة، و لا ماء فی أرض غربة، ثم قال: وَ ما نُعْلِنُ یعنی من قوله: «رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ «2»» یعنی مکة فهذی الذی أعلن وَ ما یَخْفی عَلَی اللَّهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ- 38- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی وَهَبَ لِی عَلَی الْکِبَرِ بالأرض «3» المقدسة بعد ما هاجر إلیها إِسْماعِیلَ وَ إِسْحاقَ و وهب لی إسماعیل من هاجر جاریته و إبراهیم یومئذ [195 أ] ابن ستین سنة و وهب له إسحاق و هو ابن سبعین سنة فالأنبیاء کلهم من إسحاق غیر نبینا محمد «4»- صلی اللّه علیه و سلم- فإنه من ذریة إسماعیل «5»، ثم قال إبراهیم: إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ الدُّعاءِ- 39- رَبِّ اجْعَلْنِی مُقِیمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی فاجعلهم أیضا مقیمین الصلاة رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ- 40- یقول ربنا و استجب دعائی فی إقامة الصلاة لنفسه و لذریته رَبَّنَا اغْفِرْ لِی وَ لِوالِدَیَ یعنی أبویه وَ لِلْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ یَقُومُ الْحِسابُ 41- وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ یا محمد «6» غافِلًا عَمَّا یَعْمَلُ «7» الظَّالِمُونَ یعنی مشرکی مکة إِنَّما یُؤَخِّرُهُمْ عن
______________________________
(1) فی ل: الحزر، أ: الخزر.
(2) سورة إبراهیم: 37.
(3) فی الأصل: بأرض.
(4) فی ل: غیر محمد، أ: غیر نبینا محمد.
(5) فی أ: إسماعیل- صلی اللّه علیه و سلم، ل: إسماعیل.
(6) فی أ: یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم، ل: یا محمد.
(7) فی أ: یقول، و فی حاشیة أ: الآیة «بعمل». و فی ل: یعمل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 410
العذاب فی الدنیا لِیَوْمٍ تَشْخَصُ فِیهِ الْأَبْصارُ- 42- یعنی فاتحة شاخصة أعینهم و ذلک أنهم إذا عاینوا النار فیها تقدیم فی الآخرة شخصت أبصارهم فی یطرفون. فیها تقدیم، و ذلک قوله- سبحانه: لا یَرْتَدُّ إِلَیْهِمْ طَرْفُهُمْ یعنی لا یطرفون، ثم قال: مُهْطِعِینَ یعنی مقبلین إلی النار ینظرون إلیها، ینظرون فی غیر طرف مُقْنِعِی یعنی رافعی رُؤُسِهِمْ إلیها لا یَرْتَدُّ إِلَیْهِمْ طَرْفُهُمْ «1» و أفئدتهم هواء- 43- و ذلک أن الکفار إذا عاینوا النار شهقوا شهقة زالت منها قلوبهم عن أماکنها فتنشب فی حلوقهم، فصارت قلوبهم «هواء» «2» بین الصدور و الحناجر فلا تخرج من أفواههم و لا ترجع إلی أماکنها فذلک قوله- سبحانه-: فی «حم» المؤمن إِذِ الْقُلُوبُ لَدَی الْحَناجِرِ کاظِمِینَ «3» یعنی مکروبین فلما بلغت القلوب الحناجر و نشبت فی حلوقهم انقطعت أصواتهم و غصت «4» ألسنتهم وَ أَنْذِرِ یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- النَّاسَ یعنی کفار مکة یَوْمَ یَأْتِیهِمُ الْعَذابُ فی الآخرة فَیَقُولُ الَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی مشرکی مکة فیسألون الرجعة إلی الدنیا فیقولون فی الآخرة رَبَّنا أَخِّرْنا إِلی أَجَلٍ قَرِیبٍ لأن الخروج من الدنیا إلی قریب «5» نُجِبْ دَعْوَتَکَ إلی التوحید وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقال لهم: أَ وَ لَمْ تَکُونُوا أَقْسَمْتُمْ یعنی حلفتم مِنْ قَبْلُ فی الدنیا إذا
______________________________
(1) ما بین القوسین «...» ساقطة من: أ، ل. اعتمادا علی ذکرها قبل. الآیة.
(2) من ل، و لیست فی: ا.
(3) سورة غافر: 18.
(4) فی ل: و عصت، أ: و غصت.
(5) هکذا فی أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 411
متم ما لَکُمْ مِنْ زَوالٍ 44- إلی البعث بعد الموت و ذلک قوله- سبحانه- فی النحل: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ یَمُوتُ «1» وَ سَکَنْتُمْ فِی مَساکِنِ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ یعنی ضروا بأنفسهم یعنی الأمم الخالیة الذین عذبوا فی الدنیا یعنی قوم هود و غیرهم وَ تَبَیَّنَ لَکُمْ کَیْفَ فَعَلْنا بِهِمْ یقول کیف عذبناهم وَ ضَرَبْنا لَکُمُ الْأَمْثالَ 45- یعنی و وصفنا لکم الأشیاء یقول و بینا لکم العذاب لتوحدوا ربکم- عز و جل- یخوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة لئلا یکذبوا بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- ثم أخبر عن فعل نمروذ بن کنعان الجبار فقال: وَ قَدْ مَکَرُوا مَکْرَهُمْ [195 ب یقول فعلهم. یعنی التابوت فیها الرجلان اللذان کانا فی التابوت و النسور الأربعة وَ عِنْدَ اللَّهِ مَکْرُهُمْ «2» یقول عند اللّه مکرهم یعنی فعلهم وَ إِنْ کانَ مَکْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ 46- نظیرها فی بنی إسرائیل وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ «3» یعنی و قد کادوا. و قد کان «4» نمروذ بن کنعان الذی حاج إبراهیم فی ربه و هو أول من ملک الأرض کلها و ذلک أنه بنی صرحا ببابل زعم لیتناول إله السماء فخر علیهم السقف و هو البناء من فوقهم.
حدثنا عبید اللّه «5»، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل عن مقاتل عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن دانیال عن علی بن أبی طالب- رضی اللّه عنه-
______________________________
(1) سورة النحل: 38.
(2) فی أ: «وَ إِنْ کانَ مَکْرُهُمْ».
(3) سورة الإسراء: 73.
(4) فی ل: یعنی و قد کان نمروذ، أ: یعنی و قد کادوا و هو نمروذ.
(5) فی ل: عبد اللّه. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 412
فی قوله- سبحانه-: وَ إِنْ کانَ مَکْرُهُمْ قال: أمر «1» نمروذ بن کنعان عدو اللّه فنحت التابوت و جعل له بابا من أعلاه و بابا من أسفله ثم صعد إلی أربع نسور ثم أوثق «2» کل نسر بقائمة التابوت ثم جعل فی أعلی التابوت لحما شدید الحمرة فی «أربعة نواحی التابوت» «3» حیال النسور ثم جعل رجلین فی التابوت فنهضت النسور ترید اللحم فارتفع التابوت إلی السماء، فلما ارتفع ما شاء اللّه، قال: أحد الرجلین لصاحبه: افتح باب التابوت الأسفل، فانظر، کیف تری الأرض؟
نفتح فنظر. قال: أراها کالعروة البیضاء. ثم قال له: افتح الباب الأعلی فانظر إلی السماء، هل ازددنا منها قربا؟ قال: ففتح الباب الأعلی، فإذا هی کهیئتها، و ارتفعت النسور ترید اللحم، فلما ارتفعا جدا لم تدعهما الریح أن یصعدا. فقال أحدهما لصاحبه: افتح الباب الأسفل فانظر، کیف تری الأرض؟ قال ففتح قال: إنها سوداء مظلمة، و لا أری منها شیئا. قال: اردد الباب الأسفل، و افتح الباب الأعلی، فانظر إلی السماء، هل ازددنا منها قربا؟ ففتح الباب الأعلی فقال «4»: أراها کهیئتها قال لصاحبه: نکس التابوت فنکسه فتصوب «5» اللحم و صارت النسور فوق التابوت و اللحم أسفل ثم هوت النسور منصبة ترید اللحم فسمعت الجبال حفیف التابوت و حفیف أجنحة النسور ففزعت و ظنت أنه أمر نزل من السماء فکادت أن تزول من أماکنها من مخافة اللّه- عز و جل-
______________________________
(1) أمر: ساقطة من أ، و هی من: ل.
(2) فی أ: وثق.
(3) الأنسب: فی نواحی التابوت الأربعة.
(4) هکذا فی أ، ل. و الأنسب: فقال.
(5) فی ل: فتصوب، أ، فصوب. أ هو المراد صار اللحم صوب الأرض أی إلی أسفل. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 413
فذلک قوله: وَ إِنْ کانَ مَکْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ
ثم خوف کفار مکة، فقال- سبحانه-: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ یا محمد مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ فی نزول العذاب بکفار مکة فی الدنیا إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ یعنی منیع فی مکة ذُو انتِقامٍ 47- من أهل معصیته یَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَیْرَ الْأَرْضِ یقول تبدل صورة الأرض التی علیها بنو آدم بأرض بیضاء نقیة [196 أ] لم یسفک علیها دم و لم یعمل علیها معصیة و هی أرض الصراط و عمق الصراط خمسمائة عام وَ تبدل السَّماواتُ فلا تکون «1» شیئا وَ بَرَزُوا لِلَّهِ یقول و خرجوا من قبورهم، و لا یستترون من اللّه بشی‌ء فی أرض مستویة مثل الأدم ممدودة لیس علیها جبل، و لا بناء، و لا نبت و لا شی‌ء الْواحِدِ لا شریک له الْقَهَّارِ- 48- یعنی القاهر لخلقه وَ تَرَی الْمُجْرِمِینَ یعنی کفار مکة یَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِینَ فِی الْأَصْفادِ- 49- یعنی موثقین فی السلاسل و الأغلال صفدت أیدیهم إلی أعناقهم فی الحدید سَرابِیلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ یعنی قمصهم من نحاس ذائب «2» وَ تَغْشی وُجُوهَهُمُ النَّارُ- 50- لأنهم یتقون النار بوجوههم لِیَجْزِیَ «3» أی لیجزیهم اللَّهُ فیها تقدیم یقول و برزوا من قبورهم لکی یجزی اللّه کُلَّ نَفْسٍ ما کَسَبَتْ یقول کل نفس بر و فاجر ما کسبت یعنی ما عملت من خیر أو شر إِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسابِ 51- یقول کأنه قد جاء الحساب یخوفهم فإذا أخذ اللّه- عز و جل- فی حسابهم فرغ من حساب
______________________________
(1) فی أ: فلا تکن، ل: فلا تکون.
(2) هکذا فی: أ: ل، و فی حاشیة أ: الظاهر و اللّه أعلم أن قوله من نحاس ذائب إنما هو علی قراءة من قرأ «قطر» أی من نحاس آن، ظهر للکاتب.
(3) فی أ، ل: «لیجزیهم».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 414
الخلائق علی مقدار نصف یوم من أیام الدنیا هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ یعنی کفار مکة وَ لِیُنْذَرُوا بِهِ یعنی لینذروا بما فی القرآن. وَ لِیَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ «1» لا شریک له «2» وَ لِیَذَّکَّرَ فیما یسمع من مواعظ القرآن أُولُوا الْأَلْبابِ 52- یعنی أهل اللب و العقل.
______________________________
(1) ساقطة من: أ.
(2) ساقطة من: أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 415

سورة الحجر

[سورة الحجر (15): الآیات 1 الی 99]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِینٍ (1) رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کانُوا مُسْلِمِینَ (2) ذَرْهُمْ یَأْکُلُوا وَ یَتَمَتَّعُوا وَ یُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ (3) وَ ما أَهْلَکْنا مِنْ قَرْیَةٍ إِلاَّ وَ لَها کِتابٌ مَعْلُومٌ (4)
ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما یَسْتَأْخِرُونَ (5) وَ قالُوا یا أَیُّهَا الَّذِی نُزِّلَ عَلَیْهِ الذِّکْرُ إِنَّکَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ ما تَأْتِینا بِالْمَلائِکَةِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (7) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِکَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ ما کانُوا إِذاً مُنْظَرِینَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9)
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ فِی شِیَعِ الْأَوَّلِینَ (10) وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (11) کَذلِکَ نَسْلُکُهُ فِی قُلُوبِ الْمُجْرِمِینَ (12) لا یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ قَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِینَ (13) وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَیْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِیهِ یَعْرُجُونَ (14)
لَقالُوا إِنَّما سُکِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِی السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَیَّنَّاها لِلنَّاظِرِینَ (16) وَ حَفِظْناها مِنْ کُلِّ شَیْطانٍ رَجِیمٍ (17) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِینٌ (18) وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَیْنا فِیها رَواسِیَ وَ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ مَوْزُونٍ (19)
وَ جَعَلْنا لَکُمْ فِیها مَعایِشَ وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِینَ (20) وَ إِنْ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَ أَرْسَلْنَا الرِّیاحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَیْناکُمُوهُ وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِینَ (22) وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْیِی وَ نُمِیتُ وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ (23) وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِینَ مِنْکُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِینَ (24)
وَ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ یَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَکِیمٌ عَلِیمٌ (25) وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (27) وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ (29)
فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِیسَ أَبی أَنْ یَکُونَ مَعَ السَّاجِدِینَ (31) قالَ یا إِبْلِیسُ ما لَکَ أَلاَّ تَکُونَ مَعَ السَّاجِدِینَ (32) قالَ لَمْ أَکُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّکَ رَجِیمٌ (34)
وَ إِنَّ عَلَیْکَ اللَّعْنَةَ إِلی یَوْمِ الدِّینِ (35) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ (37) إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَیْتَنِی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (39)
إِلاَّ عِبادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ (40) قالَ هذا صِراطٌ عَلَیَّ مُسْتَقِیمٌ (41) إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغاوِینَ (42) وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِینَ (43) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِکُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)
إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِینَ (46) وَ نَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ (47) لا یَمَسُّهُمْ فِیها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِینَ (48) نَبِّئْ عِبادِی أَنِّی أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (49)
وَ أَنَّ عَذابِی هُوَ الْعَذابُ الْأَلِیمُ (50) وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَیْفِ إِبْراهِیمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَیْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْکُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُکَ بِغُلامٍ عَلِیمٍ (53) قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِی عَلی أَنْ مَسَّنِیَ الْکِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
قالُوا بَشَّرْناکَ بِالْحَقِّ فَلا تَکُنْ مِنَ الْقانِطِینَ (55) قالَ وَ مَنْ یَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (56) قالَ فَما خَطْبُکُمْ أَیُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلی قَوْمٍ مُجْرِمِینَ (58) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِینَ (59)
إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِینَ (60) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّکُمْ قَوْمٌ مُنْکَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناکَ بِما کانُوا فِیهِ یَمْتَرُونَ (63) وَ أَتَیْناکَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّا لَصادِقُونَ (64)
فَأَسْرِ بِأَهْلِکَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّیْلِ وَ اتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَ لا یَلْتَفِتْ مِنْکُمْ أَحَدٌ وَ امْضُوا حَیْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَ قَضَیْنا إِلَیْهِ ذلِکَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِینَ (66) وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِینَةِ یَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَیْفِی فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ (69)
قالُوا أَ وَ لَمْ نَنْهَکَ عَنِ الْعالَمِینَ (70) قالَ هؤُلاءِ بَناتِی إِنْ کُنْتُمْ فاعِلِینَ (71) لَعَمْرُکَ إِنَّهُمْ لَفِی سَکْرَتِهِمْ یَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّیْحَةُ مُشْرِقِینَ (73) فَجَعَلْنا عالِیَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّیلٍ (74)
إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِینَ (75) وَ إِنَّها لَبِسَبِیلٍ مُقِیمٍ (76) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِلْمُؤْمِنِینَ (77) وَ إِنْ کانَ أَصْحابُ الْأَیْکَةِ لَظالِمِینَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِینٍ (79)
وَ لَقَدْ کَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِینَ (80) وَ آتَیْناهُمْ آیاتِنا فَکانُوا عَنْها مُعْرِضِینَ (81) وَ کانُوا یَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً آمِنِینَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّیْحَةُ مُصْبِحِینَ (83) فَما أَغْنی عَنْهُمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ (84)
وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِیَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ (85) إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِیمُ (86) وَ لَقَدْ آتَیْناکَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِی وَ الْقُرْآنَ الْعَظِیمَ (87) لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَکَ لِلْمُؤْمِنِینَ (88) وَ قُلْ إِنِّی أَنَا النَّذِیرُ الْمُبِینُ (89)
کَما أَنْزَلْنا عَلَی الْمُقْتَسِمِینَ (90) الَّذِینَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِینَ (91) فَوَ رَبِّکَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (92) عَمَّا کانُوا یَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ (94)
إِنَّا کَفَیْناکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ (95) الَّذِینَ یَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ (96) وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّکَ یَضِیقُ صَدْرُکَ بِما یَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَ کُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ (98) وَ اعْبُدْ رَبَّکَ حَتَّی یَأْتِیَکَ الْیَقِینُ (99)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 423
[سورة الحجر] «1» مکیة کلها «2» و هی تسع و تسعون آیة باتفاق
______________________________
(1) مقصود السورة إجمالا:
بیان حقیقة القرآن، و برهان النبوة، و حفظ الحق کتابه العزیز من التغییر و التبدیل، و تزیین السموات بمواکب الکواکب، و حفظها برجوم النجوم من استراق الشیاطین السمع، و تقدیره- تعالی- الماء و السحاب من خزائن بره و لطفه، و علمه- تعالی- بأحوال المتقدمین فی الطاعة و المتأخرین عنها و بیان الحکمة فی تخلیق آدم، و أمر الملائکة و المقربین بالسجود له، و تعبیر إبلیس و ملامته علی تأبیه و استکباره و جحوده، و استحقاقه اللعنة من اللّه بعصیانه، و جرأته بالمناظرة لخالقه و معبوده. و إخبار اللّه- تعالی- عباده بالرحمن و الغفران، و تهدیدهم بالعذاب و العقاب، و الإشارة إلی ذکر أضیاف الخلیل- علیه السّلام، و النهی عن القنوط من الرحمة، و ذکر آل لوط، و سکرتهم فی طریق العمایة و الضلالة، و تسلیة النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عن جفاء الکفار.
و بذی أقوالهم، و المن علیه- صلی اللّه علیه و سلم- بنزول السبع المثانی، و سور القرآن العظیم، و الشکوی من الطاعنین فی القرآن، و ذکر القسم بوقوع السؤال فی القیامة، و أمر الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- بإظهار الدعوة، و المن علیه بإهلاک أعداء دینه، و وصیته بالعبادة إلی یوم الحق و الیقین فی قوله: «وَ اعْبُدْ رَبَّکَ حَتَّی یَأْتِیَکَ الْیَقِینُ».
(2) فی المصحف: سورة الحجر مکیة إلا آیة 87 فمدنیة و آیاتها 99 نزلت بعد سورة یوسف، و فی کتاب بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی:
السورة مکیة إجماعا و عدد آیاتها تسع و تسعون بلا خلاف. و تسمی سورة الحجر لاشتمالها علی قصتهم و قوله: «وَ لَقَدْ کَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِینَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 424
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِینٍ 1- یعنی بین ما فیه رُبَما یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة فی الآخرة لَوْ کانُوا مُسْلِمِینَ 2- یعنی مخلصین فی الدنیا بالتوحید، و ذلک قوله- سبحانه: ذَرْهُمْ یَأْکُلُوا یقول خل یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- عن کفار مکة إذا کذبوک یأکلوا وَ یَتَمَتَّعُوا فی دنیاهم وَ یُلْهِهِمُ الْأَمَلُ یعنی طول الأمل عن الآخرة فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ 3- هذا وعید، ثم خوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة فقال- سبحانه: وَ ما أَهْلَکْنا مِنْ قَرْیَةٍ یقول و ما عذبنا من قریة إِلَّا وَ لَها بهلاکها کِتابٌ مَعْلُومٌ 4- یعنی موقوت «1» فی اللوح المحفوظ إلی أجل و کذلک کفار مکة عذابهم إلی أجل معلوم یعنی القتل ببدر ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ عذبت أَجَلَها وَ ما یَسْتَأْخِرُونَ 5- یقول ما یتقدمون من أجلهم و لا یتأخرون عنه «2» وَ قالُوا یا أَیُّهَا الَّذِی نُزِّلَ عَلَیْهِ الذِّکْرُ یعنی القرآن إِنَّکَ لَمَجْنُونٌ 6- یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- نزلت فی عبد اللّه بن أمیة بن المغیرة المخزومی، و النضر بن الحارث هو ابن علقمة من بنی عبد الدار [196 ب بن قصی و نوفل بن خویلد بن أسد بن عبد العزی، کلهم من قریش و الولید بن المغیرة، قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: إنک
______________________________
(1) فی أ: موقوف.
(2) فی ل: عنه، أ: عنها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 425
لمجنون. و قالوا له: لَوْ ما تَأْتِینا یعنی أ فلا تجیئنا بِالْمَلائِکَةِ فتخبرنا بأنک نبی مرسل إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 7- بأنک نبی مرسل و لو نزلت الملائکة لنزلت إلیهم بالعذاب ما نُنَزِّلُ الْمَلائِکَةَ إِلَّا بِالْحَقِ «1» وَ ما کانُوا إِذاً مُنْظَرِینَ 8- یقول لو نزلت الملائکة بالعذاب إذا لم یناظروا حتی یعذبوا یعنی کفار مکة، یقول اللّه- عز و جل-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ یعنی القرآن علی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 9- لأن الشیاطین لا یصلون إلیه لقولهم للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- إنک لمجنون یعلمک الری «2» وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- الرسل فِی شِیَعِ یعنی فی فرق الْأَوَّلِینَ 10- یعنی الأمم الخالیة وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ رَسُولٍ ینذرهم بالعذاب فی الدنیا إِلَّا کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ 11- بأن العذاب لیس بنازل بهم کَذلِکَ نَسْلُکُهُ یعنی هکذا نجعله یعنی الکفر بالعذاب فِی قُلُوبِ الْمُجْرِمِینَ 12- یعنی کفار مکة لا یُؤْمِنُونَ بِهِ یعنی بالعذاب، ثم قال- سبحانه: وَ قَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِینَ 13- بالتکذیب لرسلهم بالعذاب یعنی الأمم الخالیة الذین أهلکوا بالعذاب فی الدنیا وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَیْهِمْ یعنی علی کفار مکة باباً مِنَ السَّماءِ فینظرون إلی الملائکة عیانا کیف یصعدون إلی السماء فَظَلُّوا فِیهِ یَعْرُجُونَ 14- یقول فمالوا فی الباب یصعدون، و لو عاینوا ذلک لَقالُوا من کفرهم: إِنَّما سُکِّرَتْ أَبْصارُنا مخففة یعنی سدت و لقالوا «3»: بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ 15- یقول إذا لقالوا قد سحرنا.
______________________________
(1) ساقط من أ، ل.
(2) فی ل: الری، أ: الدنی.
(3) فی أ، ل: لقالوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 426
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی، قال: حدثنی الهذیل، قال: حدثنا مقاتل عن عبد الکریم عن حسان عن جابر عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أنه:
سئل عن السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ «1» فقال: الکواکب، و سئل عن «2» «الَّذِی جَعَلَ فِی السَّماءِ بُرُوجاً» «3» قال: الکواکب، مثل البروج مشیدة «4»
قال القصور وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِی السَّماءِ بُرُوجاً قال الکواکب وَ زَیَّنَّاها یعنی السماء بالکواکب لِلنَّاظِرِینَ 16- إلیها یعنی أهل الأرض وَ حَفِظْناها یعنی السماء بالکواکب مِنْ کُلِّ شَیْطانٍ رَجِیمٍ 17- یعنی ملعون لئلا یستمعوا إلی کلام الملائکة ثم استثنی من الشیاطین فقال سبحانه: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ یعنی من اختطف السمع من کلام الملائکة فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِینٌ 18- یعنی الکوکب المضی‌ء و هو الثاقب و نظیرها فی الصافات: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ «5» ثاقب یعنی مضی‌ء «6» وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها یعنی بسطناها یعنی مسیرة خمسمائة عام طولها و عرضها و غلظها مثله فبسطها من تحت الکعبة، ثم قال- عز و جل-:
وَ أَلْقَیْنا فِیها رَواسِیَ یعنی الجبال [197 أ] الراسیات فی الأرض الطوال أَنْ تَمِیدَ بِکُمْ «7» یقول لئلا تزول بکم الأرض و تمور بمن علیها وَ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ مَوْزُونٍ 19- یقول و أخرجنا من الأرض کل شی‌ء موزون یعنی من کل ألوان النبات معلوم وَ جَعَلْنا لَکُمْ فِیها یعنی فی الأرض مَعایِشَ مما علیها من النبات، ثم قال سبحانه: وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِینَ 20-
______________________________
(1) سورة البروج: 1.
(2) عن: ساقطة من أ، و هی من ل.
(3) سورة الفرقان: 61.
(4) سورة النساء: 178.
(5) سورة الصافات: 10.
(6) فی أ، ل: المضی‌ء.
(7) أَنْ تَمِیدَ بِکُمْ جزء من 15: النحل، 31: الأنبیاء، 10: لقمان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 427
یقول لستم أنتم ترزقونهم و لکن أنا أرزقهم یعنی الدواب، و الطیر معایشهم مما فی الأرض من رزقی، ثم قال سبحانه: وَ إِنْ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ یقول ما من شی‌ء من الرزق إلا عندنا مفاتیحه و هو بأیدینا لیس بأیدیکم وَ ما نُنَزِّلُهُ یعنی الرزق و هو المطر وحده إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ 21- یعنی موقوت وَ أَرْسَلْنَا الرِّیاحَ لَواقِحَ و ذلک أن اللّه یرسل الریح فتأخذ الماء بکیل معلوم من سماء الدنیا ثم تثیر الریاح و السحاب فتلقی الریح السحاب بالماء الذی فیها من ماء النبت ثم تسوق تلک الریاح السحاب إلی الأرض التی أمر الرعد أن یمطرها، فذلک قوله سبحانه: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً یعنی المطر فَأَسْقَیْناکُمُوهُ وَ ما أَنْتُمْ یعنی یا بنی آدم لَهُ بِخازِنِینَ 22- یقول لستم أنتم بخازنیها فتکون مفاتیحها بأیدیکم و لکنها بیدی «1» وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْیِی وَ نُمِیتُ یقول اللّه- تعالی-: أنا أحی الموتی، و أمیت الأحیاء وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ 23- یعنی و نمیت الخلق و یبقی الرب- تعالی- و یرثهم وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِینَ مِنْکُمْ یعنی من بنی آدم من مات منکم وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِینَ 24- یقول من بقی منکم فلم یمت و نظیرها فی «ق و القرآن»: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ «2» وَ إِنَّ رَبَّکَ یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- هُوَ یَحْشُرُهُمْ یعنی من تقدم منهم و من تأخر یقول و هو یجمعهم فی الآخرة إِنَّهُ حَکِیمٌ حکم البعث، ثم قال: عَلِیمٌ 25- ببعثهم وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ یعنی آدم مِنْ صَلْصالٍ
______________________________
(1) من ل، و فی أ: بخازنیه فیکون مفاتیحه بأیدیکم و لکنه بیدی.
(2) سورة ق: 4.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 428
حدثنا عبید اللّه، حدثنی أبی، حدثنی الهذیل عن مقاتل، و الضحاک عن ابن عباس: الصلصال الطین الجید یعنی الحر إذا ذهب عنه الماء تشقق، فإذا «حرّک» «1» تقعقع مِنْ حَمَإٍ یعنی الأسود مَسْنُونٍ 26- یعنی المنتن فکان التراب مبتلا «2» فصار أسود منتنا، ثم قال: وَ الْجَانَ یعنی إبلیس خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ آدم مِنْ نارِ السَّمُومِ 27- یعنی صافی «3» لیس فیه دخان و هو المارج من نار یعنی الجان و إنما سمی إبلیس الجان لأنه من حی من الملائکة یقال لهم الجن، و الجن جماعة و الجان «4» واحد. وَ إِذْ قالَ یعنی و قد قال: رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ الذین فی الأرض منهم إبلیس قال لهم قبل أن یخلق آدم- علیه السّلام-: إِنِّی خالِقٌ بَشَراً یعنی آدم مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ یعنی أسود مَسْنُونٍ 28- یعنی منتن فَإِذا سَوَّیْتُهُ یعنی سویت خلقه [197 ب وَ نَفَخْتُ فِیهِ یعنی آدم مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ 29- یقول فاسجدوا لآدم فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ الذین هم فی الأرض کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 30- ثم استثنی من الملائکة إبلیس، فقال سبحانه: إِلَّا إِبْلِیسَ أَبی أَنْ یَکُونَ مَعَ السَّاجِدِینَ 31- لآدم- علیه السّلام- قالَ یا إِبْلِیسُ ما لَکَ أَلَّا تَکُونَ فی السجود مَعَ السَّاجِدِینَ 32- یعنی الملائکة الذین سجدوا لآدم- علیه السّلام- قالَ لَمْ أَکُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ یعنی آدم خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ یعنی
______________________________
(1) «حرک» من ل. و هی ساقطة من أ
(2) فی ل: مبتلا، أ: مبتل.
(3) هکذا فی: أ، ل، و الأنسب: صاف.
(4) فی أ: و الجن، ل: و الجان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 429
الطین مِنْ حَمَإٍ یعنی أسود مَسْنُونٍ 33- یعنی منتن فأول ما خلق من آدم- علیه السّلام- عجب الذنب ثم رکب فیه سائر خلقه، و آخر ما خلق من آدم- علیه السّلام- أظفاره و تأکل الأرض عظام المیت کلها غیر عجب الذنب- غیر عظام «1» الأنبیاء- علیهم السلام- فإنها لا تأکلها الأرض. و فی العجب یرکب بنو آدم یوم القیامة ثم: قالَ فَاخْرُجْ مِنْها یعنی من ملکوت السماء فَإِنَّکَ رَجِیمٌ 34- یعنی ملعون و هو إبلیس وَ إِنَّ عَلَیْکَ اللَّعْنَةَ إِلی یَوْمِ الدِّینِ 35- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ 36- یعنی یبعث الناس بعد الموت یقول أجلنی إلی یوم النفخة الثانیة کقوله سبحانه: فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ «2» یعنی فأجله إلی میسرة قالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ 37- لا تموت إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 38- یعنی إلی اجل موقوت و هی النفخة الأولی و إنما أراد عدو اللّه الأجل إلی یوم یبعثون لئلا یذوق الموت لأنه قد علم أنه لا یموت بعد البعث قالَ إبلیس: رَبِّ بِما أَغْوَیْتَنِی یقول أما إذ أضللتنی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ 39- یعنی و لأضلنهم عن الهدی أجمعین، ثم استثنی عدوّ اللّه إبلیس فقال: إِلَّا عِبادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ 40- یعنی أهل التوحید و قد علم إبلیس أن اللّه استخلص عبادا لدینه لیس له علیهم سلطان، فذلک قوله سبحانه: إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ یعنی ملک أن تضلهم عن الهدی وَ کَفی بِرَبِّکَ وَکِیلًا «3» یعنی حرزا و مانعا لعباده قالَ
______________________________
(1) هکذا فی: أ، ل: و الأنسب: و غیر عظام.
(2) سورة البقرة: 280.
(3) سورة الإسراء: 65.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 430
اللّه- تعالی: هذا صِراطٌ عَلَیَ یقول هذا طریق الحق الهدی إلی مُسْتَقِیمٌ 41- یعنی الحق «1» کقوله: لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النَّاسِ «2» یعنی للناس. نظیرها فی هود قوله: إِنَّ رَبِّی عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ «3» یعنی المستقیم الحق المبین «4». ثم قال سبحانه: إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْغاوِینَ 42- یعنی من المضلین وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِینَ 43- یعنی کفار الجن و الإنس و إبلیس و ذریته لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ بعضها أسفل من بعض کل باب أشد حرا من الذی فوقه بسبعین جزءا بین کل بابین سبعین سنة أولها جهنم، ثم لظی، ثم الحطمة، ثم السعیر، ثم الجحیم، ثم الهاویة، ثم سقر. لِکُلِّ بابٍ مِنْهُمْ [198 أ] جُزْءٌ مَقْسُومٌ 44- یعنی عدد معلوم من کفار الجن و الإنس یعنی الباب الثانی یضعف علی الباب الأعلی «5» فی شدة العذاب سبعین ضعفا إِنَّ الْمُتَّقِینَ الشرک فِی جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ 45- یعنی بساتین و أنهار جاریة ادْخُلُوها بِسَلامٍ سلم «6» اللّه- عز و جل- لهم أمرهم و تجاوز عنهم نظیرها- فی الواقعة- ثم قال: آمِنِینَ 46- من الخوف وَ نَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ یقول أخرجنا ما فی قلوبهم من الغش الذی کان فی الدنیا بعضهم لبعض فصاروا متحابین إِخْواناً عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ 47- فی الزیارة یری بعضهم بعضا
______________________________
(1) یعنی الحق: ساقطة من أ، و هی من ل.
(2) سورة البقرة: 143.
(3) سورة هود: 56.
(4) من ل، و فی أ: یعنی علی الحق المستقیم.
(5) فی أ: علی الباب الأعلی، ل: علی الأعلی.
(6) فی أ: یسلم، ل: سلم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 431
متقابلین علی الأسرة یتحدثون ثم أخبر عنهم- سبحانه- فقال: لا یَمَسُّهُمْ فِیها نَصَبٌ یقول لا تصیبهم فیها مشقة فی أجسادهم کما کان فی الدنیا وَ ما هُمْ مِنْها من الجنة بِمُخْرَجِینَ 48- أبدا و لا بمیتین أبدا قال اللّه- تعالی- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: نَبِّئْ عِبادِی یقول أخبر عبادی أَنِّی أَنَا الْغَفُورُ لذنوب المؤمنین الرَّحِیمُ 49- لمن تاب منهم وَ أخبرهم أَنَّ عَذابِی هُوَ الْعَذابُ الْأَلِیمُ 50- یعنی الوجیع لمن عصانی وَ نَبِّئْهُمْ یعنی و أخبرهم عَنْ ضَیْفِ إِبْراهِیمَ 51- ملکان أحدهما جبریل، و الآخر میکائیل إِذْ دَخَلُوا عَلَیْهِ علی إبراهیم «1» فَقالُوا سَلاماً «2» فسلموا علیه و سلم علیهما قالَ إِنَّا مِنْکُمْ وَجِلُونَ 52- یعنی خائفین و ذلک أن إبراهیم- علیه السّلام- قرب إلیهم العجل فلم یأکلوا منه فخاف إبراهیم- علیه السّلام- و کان فی زمان إبراهیم- علیه السّلام- إذا أکل الرجل عند الرجل طعاما أمن من شره، فلما رأی إبراهیم- علیه السّلام- أیدیهم لا تصل إلی العجل خاف شرهم قالُوا «3» قال له جبریل- علیه السّلام-: لا تَوْجَلْ یقول لا تخف إِنَّا نُبَشِّرُکَ بِغُلامٍ عَلِیمٍ 53- و هو إسحاق- علیه السّلام- قالَ لهم إبراهیم- علیه السّلام-: أَ بَشَّرْتُمُونِی بالولد عَلی أَنْ مَسَّنِیَ الْکِبَرُ علی کبر سنی فَبِمَ تُبَشِّرُونَ 54- قال ذلک إبراهیم- علیه السّلام- تعجبا لکبره و کبر امرأته قالُوا «4» قال جبریل- علیه السّلام-: بَشَّرْناکَ یعنی نبشرک
______________________________
(1) فی أ، ل: (إذ دخلوا) علی إبراهیم.
(2) «فَقالُوا سَلاماً»: ساقطة من أ، ل.
(3) «قالوا»: ساقطة من أ، ل.
(4) «قالوا»: ساقطة من: أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 432
بِالْحَقِ یعنی بالصدق أن الولد لکائن فَلا تَکُنْ بإبراهیم مِنَ الْقانِطِینَ 55- یعنی لا تیأس «1» قالَ «2» إبراهیم- علیه السّلام-: وَ مَنْ یَقْنَطُ یعنی و من ییئس مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ 56- یعنی المشرکین قالَ إبراهیم: فَما خَطْبُکُمْ یعنی فما أمرکم أَیُّهَا الْمُرْسَلُونَ 57- قالُوا «3» أی قال جبریل- علیه السّلام-: إِنَّا أُرْسِلْنا بالعذاب إِلی قَوْمٍ مُجْرِمِینَ 58- إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِینَ 59- ثم استثنی جبریل- علیه السّلام- امرأة لوط، فقال: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِینَ 60- یعنی الباقین فی العذاب فخرجوا من عند إبراهیم- علیه السلام- بالأرض المقدسة «4» فأتوا لوطا بأرض سدوم من ساعتهم فلم یعرفهم لوط- علیه السّلام- [198 ب و ظن أنهم رجال، فذلک قوله- سبحانه-:
فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ 61- فیها تقدیم یقول جاء المرسلون إلی لوط قالَ لهم لوط: إِنَّکُمْ قَوْمٌ مُنْکَرُونَ 62- أنکرهم و لم یعلم أنهم ملائکة لأنهم کانوا فی صورة الرجال قالُوا بَلْ «5» قال جبریل- علیه السلام-: قد «6» جِئْناکَ یا لوط بِما کانُوا فِیهِ یَمْتَرُونَ 63- یعنی بما کان «7» قومک بالعذاب یمترون یعنی یشکون فی العذاب أنه لیس بنازل بهم
______________________________
(1) فی أ: لا تأیس، ل: لا یبئس.
(2) فی أ، ل: «یقول».
(3) فی أ، ل: قال جبریل- علیه السّلام.
(4) فی أ، ل: بأرض المقدسة.
(5) «قالوا بل»: ساقطة من: أ، ل.
(6) فی حاشیة أ: بل.
(7) فی أ: بما کانوا. و علیها علامة تمریض. و فی ل: بما کان.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 433
فی الدنیا وَ أَتَیْناکَ بِالْحَقِ جئناک بالصدق وَ إِنَّا لَصادِقُونَ 64- بما تقول إنا جئناهم بالعذاب فقالوا للوط: فَأَسْرِ بِأَهْلِکَ یعنی امرأته و ابنته ریثا و زعوثا «1» بِقِطْعٍ یعنی بعض و هو السحر مِنَ اللَّیْلِ وَ اتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ یعنی سر من وراء أهلک تسوقهم وَ لا یَلْتَفِتْ مِنْکُمْ أَحَدٌ البتة یقول و لا ینظر أحد منکم وراءه وَ امْضُوا حَیْثُ تُؤْمَرُونَ 65- إلی الشام وَ قَضَیْنا إِلَیْهِ یقول و عهدنا إلی لوط ذلِکَ الْأَمْرَ یعنی أمر العذاب أَنَّ دابِرَ یعنی أصل هؤُلاءِ القوم مَقْطُوعٌ مُصْبِحِینَ 66- یقول إذا أصبحوا نزل بهم العذاب وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِینَةِ یَسْتَبْشِرُونَ 67- بدخول الرجال منزل لوط. ثم قالَ لهم لوط: إِنَّ هؤُلاءِ ضَیْفِی فَلا تَفْضَحُونِ 68- فیهم و لوط- علیه السّلام- یری أنهم رجال وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ 69- فیهم قالُوا أَ وَ لَمْ نَنْهَکَ عَنِ الْعالَمِینَ 70- أن تضیف منهم أحدا لأن لوطا کان یحذرهم «2» لئلا یؤتون فی أدبارهم فعرض علیهم ابنتیه من الحیاء تزویجا و اسم إحداهما ریثا و الأخری زعوثا فذلک قوله:
«قالَ» «3» هؤُلاءِ بَناتِی إِنْ کُنْتُمْ فاعِلِینَ 71- لا بد فتزوجوهن یقول اللّه- عز و جل-: لَعَمْرُکَ کلمة من کلام العرب إِنَّهُمْ لَفِی سَکْرَتِهِمْ یَعْمَهُونَ 72- یعنی لفی ضلالتهم یترددون فَأَخَذَتْهُمُ الصَّیْحَةُ یعنی صیحة جبریل- علیه السّلام- مُشْرِقِینَ 73- یعنی
______________________________
(1) من أ، و فی ل: ریثاوز عرثا.
(2) فی أ: یحرر، ل: یحذرهم.
(3) «قال»: ساقطة من أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 434
حین طلعت الشمس فَجَعَلْنا المدائن الأربع عالِیَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ سدوم، و دامورا، و عاموا، و صابورا، و أمطرنا علی من کان خارجا من المدینة حِجارَةً مِنْ سِجِّیلٍ 74- و لعل الرجل منهم یکون فی قریة أخری فیأتیه الحجر فیقتله «مِنْ سِجِّیلٍ» یعنی الحجارة خلطها الطین إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یقول إن فی هلاک قوم لوط لعبرة لِلْمُتَوَسِّمِینَ 75- یقول للناظرین من بعدهم فیحذرون مثل عقوبتهم وَ إِنَّها لَبِسَبِیلٍ مُقِیمٍ 76- یعنی قری لوط التی أهلکت بطریق مستقیم یعنی واضح مقیم یمر علیها أهل مکة و غیرهم و هی بین مکة و الشام إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یعنی إن فی هلاک قوم لوط لعبرة لِلْمُؤْمِنِینَ 77- یعنی للمصدقین بتوحید اللّه- عز و جل- لمن بعدهم فیحذرون عقوبتهم یخوف کفار مکة بمثل عذاب [199 أ] الأمم الخالیة وَ إِنْ کانَ أَصْحابُ الْأَیْکَةِ لَظالِمِینَ 78- یعنی لمشرکین فهم قوم شعیب- علیه السّلام- و الأیکة الغیضة «1» من الشجر و کان أکثر الشجر «2» الدوم و هو المقل فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالعذاب وَ إِنَّهُما یعنی قوم لوط، و قوم شعیب لَبِإِمامٍ یعنی طریق مُبِینٍ 79- یعنی مستقیم و کان عذاب قوم شعیب- علیه السّلام- أن اللّه- عز و جل- حبس عنهم الریاح فأصابهم حر شدید لم ینفعهم من الحر شی‌ء و هم فی منازلهم، فلما أصابهم ذلک الحر خرجوا من منازلهم إلی الغیضة لیستظلوا «3» بها من الحر فأصابهم من الحر أشد مما أصابهم فی منازلهم ثم بعث اللّه- عز و جل- لهم سحابة فیها عذاب فنادی بعضهم بعضا
______________________________
(1) فی أ: الغبطة، ل: الغبضة.
(2) من ل، و فی أ: من الشجر و هو الدوم و هو المقل.
(3) من: ل، و فی أ: یستظلوا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 435
لیخرجوا من الغیضة فیستظلون «1» تحت السحابة لشدة حر الشمس یلتمسون بها «2» الروح فلما لجئوا إلیها أهلکهم اللّه- عز و جل- فیها حرا و غما تحت السحابة.
قال: حدثنا عبید اللّه، سمعت أبی، قال: سمعت أبا صالح «3»، یقول: غلت أدمغتهم فی رءوسهم، کما یغلی الماء فی المرجل علی النار من شدة الحر تحت السحابة «4» فذلک قوله سبحانه: فَأَخَذَهُمْ عَذابُ یَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ کانَ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ «5».
وَ لَقَدْ کَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِینَ 80- یعنی قوم صالح و اسم القریة الحجر و هو بوادی القری، یعنی بالمرسلین صالحا «6» وحده- علیه السّلام- یقول کذبوا صالحا وَ آتَیْناهُمْ آیاتِنا یعنی الناقة آیة لهم فکانت ترویهم من اللبن فی یوم شربها من غیر أن یکلفوا مؤنة فَکانُوا عَنْها مُعْرِضِینَ 81- حین لم یتفکروا فی أمر الناقة و ابنها فیعتبروا، فأخبر عنهم، فقال سبحانه: وَ کانُوا یَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً آمِنِینَ 82- من أن تقع علیهم الجبال إذا نحتوها و جوفوها فَأَخَذَتْهُمُ الصَّیْحَةُ یعنی صیحة جبریل- علیه السّلام- مُصْبِحِینَ 83- یوم السبت فخمدوا أجمعون «7» یقول اللّه- عز و جل-:
______________________________
(1) فی ل: لیستظلوا، أ: فیستظلون.
(2) فی ل: بها، أ: فیها.
(3) فی أ: قال أبا صالح.
(4) من «حدثنا عبید اللّه ...» إلی هنا: ساقط من ل، و هو: من أ.
(5) سورة الشعراء: 189.
(6) فی أ: صالح، ل: صالحا.
(7) هکذا فی أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 436
فَما أَغْنی عَنْهُمْ من العذاب الذی نزل بهم ما کانُوا یَکْسِبُونَ 84- من الکفر و التکذیب فعقروا الناقة یوم الأربعاء فأهلکهم اللّه یوم السبت وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ یقول لم یخلفهما اللّه- عز و جل- باطلا خلقهما «1» لأمر هو کائن وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِیَةٌ یقول القیامة کائنة فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ 85- یقول للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فأعرض عن کفار مکة الإعراض الحسن فنسخ السیف الإعراض و الصفح «2» إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الْخَلَّاقُ لخلقه فی الآخرة بعد الموت الْعَلِیمُ 86- ببعثهم وَ لَقَدْ آتَیْناکَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِی یعنی و لقد أعطیناک فاتحة الکتاب و هی سبع آیات وَ الْقُرْآنَ کله مثانی ثم قال: الْعَظِیمَ 87- یعنی سائر القرآن کله [199 ب لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ یعنی أصنافا منهم من المال وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ إن تولوا عنک وَ اخْفِضْ جَناحَکَ لِلْمُؤْمِنِینَ 88- یقول لین جناحک للمؤمنین فلا تغلظ لهم وَ قُلْ لکفار مکة: إِنِّی أَنَا النَّذِیرُ الْمُبِینُ 89- من العذاب قال سبحانه: کَما أَنْزَلْنا عَلَی الْمُقْتَسِمِینَ 90- فیها تقدیم یقول أنزلنا المثانی و القرآن العظیم کما أنزلنا التوراة و الإنجیل علی النصاری و الیهود فهم المقتسمون فاقتسموا الکتاب فآمنت الیهود بالتوراة و کفروا بالإنجیل و القرآن و آمنت النصاری بالإنجیل و کفروا بالقرآن و التوراة هذا الذی اقتسموا آمنوا ببعض ما أنزل إلیهم من الکتاب و کفروا ببعض ثم نعت الیهود و النصاری فقال
______________________________
(1) هکذا فی أ، ل. و فی غیر هذا الموضوع کثیرا ما عبر بقوله «بل خلقهما».
(2) لیس نسخا و لکنه من المنسأ و هو ما تأخر نزوله لحکمة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 437
- سبحانه-: الَّذِینَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِینَ 91- جعلوا القرآن أعضاء کأعضاء الجزور. فرقوا الکتاب و لم یجتمعوا علی الإیمان بالکتب کلها فأقسم اللّه- تعالی- بنفسه للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- قال- سبحانه:
فَوَ رَبِّکَ یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ 92- عَمَّا کانُوا یَعْمَلُونَ 93- من الکفر و التکذیب فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أسر النبوة و کتمها سنتین فقال اللّه- عز و جل- لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ» یقول امض لما تؤمر من تبلیغ الرسالة فلما بلغ عن ربه- عز و جل- استقبله کفار مکة بالأذی و التکذیب فی وجهه فقال تعالی: وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ 94- یعنی عن أذی المشرکین إیاک فأمره اللّه- عز و جل- بالإعراض و الصبر علی الأذی ثم نسختها آیة السیف. ثم قال- سبحانه-: إِنَّا کَفَیْناکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ 95- و ذلک
أن الولید بن المغیرة المخزومی حین حضر الموسم قال، یا معشر قریش إن محمدا «1» قد علا أمره فی البلاد و ما أری الناس براجعین حتی یلقونه و هو رجل حلو الکلام إذا کلم الرجل ذهب بعقله و إنی لا آمن أن یصدقه بعضهم فابعثوا رهطا من ذوی الحجی و الرأی فلیجلسوا علی طریق مکة مسیرة لیلة أو لیلتین فمن سأل عن محمد فلیقل «2» بعضهم: إنه ساحر یفرق بین الاثنین.
و یقول «3» بعضهم: إنه کاهن یخبر بما یکون فی غد لئلا تروه خیر من أن
______________________________
(1) فی ل: محمدا، أ: محمدا صلی اللّه علیه و سلم.
(2) فی أ: فلیقل بعضهم، ل: فلیقل.
(3) هکذا فی أ، ل. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 438
تروه فبعثوا فی کل طریق بأربعة من قریش و أقام الولید بن المغیرة بمکة فمن دخل مکة فی غیر طریق سالک یرید النبی- صلی اللّه علیه و سلم- تلقاهم «1» الولید فیقول هو ساحر کذاب. و من دخل من طریق لقیه الستة عشر فقالوا:
هو شاعر [200 أ]، و کذاب، و مجنون. ففعلوا ذلک و انصدع الناس عن قولهم فشق ذلک علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و کان یرجو أن یلقاه الناس فیعرض علیهم أمره فمنعه هؤلاء المستهزءون من قریش ففرحت قریش حین تفرق الناس عن قولهم و قالوا: ما عند صاحبکم إلا غرورا. یعنون النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقالت «2» قریش: هذا دأبنا و دأبک فذلک قوله- سبحانه:
«وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ» «3» و کان منهم من یقول: بئس وافد القوم أنا إن انصرفت قبل أن ألقی صاحبی فیدخل مکة فیلقی المؤمنین.
فیقول: ما هذا الأمر؟ فیقولون: خیرا أنزل اللّه- عز و جل- کتابا و بعث رسولا، فذلک قوله سبحانه: «ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا خَیْراً» «4» فنزل جبریل- علیه السّلام- و النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عند الکعبة فمر به الولید بن المغیرة بن عبد اللّه.
فقال جبریل- علیه السّلام- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- کیف تجد هذا؟ فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بئس «5» عبد اللّه هذا فأهوی جبریل بیده إلی فوق کعبه، فقال: قد کفیتک، فمر الولید فی حائط فیه نبل لبنی المصطلق و هی حی من خزاعة
______________________________
(1) هکذا فی أ، ل.
(2) فی أ، ل: فقالت. و الأنسب: و قالت.
(3) سورة النحل: 24
(4) سورة النحل: 30
(5) بئس: ساقطة من أ، و هی من ل. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 439
یتبختر فیهما فتعلق السهم بردائه قبل أن یبلغ منزله فنفض السهم و هو یمشی برجله فأصاب السهم أکحله «1» فقطعه فلما بات تلک اللیلة انتفضت به جراحته، و مر به العاص بن وائل، فقال جبریل «2»: کیف تجد هذا؟ قال: بئس عبد اللّه «3» هذا.
فأهوی جبریل بیده إلی باطن قدمه، فقال: قد کفیتک. و رکب العاص حمارا من مکة یرید الطائف، فاضطجع الحمار به علی شبرقة «4» ذات شوک، فدخلت شوکة فی باطن قدمه، فانتفخت فقتله اللّه- عز و جل- تلک اللیلة. و مر به الحارث بن قیس بن عمرو بن ربیعة بن سهم. فقال جبریل- علیه السّلام-:
کیف تجد هذا؟ فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بئس عبد اللّه «5» هذا. فأهوی جبریل- علیه السّلام- إلی رأسه، فانتفخ رأسه فمات منها، و مر به الأسود ابن عبد العزی بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، فقال جبریل- علیه السّلام- کیف تجد هذا؟ فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم: بئس عبد اللّه «6» هذا إلا أنه ابن خالی. فأهوی جبریل- علیه السّلام- بیده إلی بطنه، فقال: قد کفیتک «7».
فعطش فلم یروا من الشراب حتی مات. و مر الأسود بن عبد المطلب بن المنذر ابن عبد العزی بن قصی فقال جبریل «8»: کیف تجد هذا؟ قال النبی- صلی اللّه
______________________________
(1) فی أ: أبجله و هو الأکحل، و فی ل: الأکحل. و فی حاشیة ل: أکحله و هو الأکحل.
(2) فی ل: جبریل، أ: جبریل علیه السّلام.
(3) فی ل: عبد اللّه، أ: لعبد اللّه
(4) هکذا فی أ، ل و علیها فی أ علامة تمریض. و الشبرق نبات به شوک.
(5) فی أ: لعبد اللّه.
(6) فی أ: العبد للّه، ل: عبد اللّه.
(7) فی أ: کفیتک، ل: قد کفیتک.
(8) فی أ: جبریل- علیه السّلام، ل: جبریل. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 440
علیه و سلم- بئس عبد اللّه «1» هذا- قال: قد کفیتک أمره. ثم ضرب ضربة بحبل «2» من تراب، رمی فی وجهه فعمی فمات منها. و أما بعکک، و أحرم فهما أخوان [200 ب ابنا الحجاج بن السیاق بن عبد الدار بن قصی. فأما أحدهما فأخذته الدبیلة، و أما الآخر فذات الجنب فماتا کلاهما فأنزل اللّه- عز و جل-:
«إِنَّا کَفَیْناکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ»
یعنی هؤلاء السبعة من قریش «3»، ثم نعتهم، فقال سبحانه: الَّذِینَ یَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ 96- هذا وعید لهم بعد القتل «4».
وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّکَ یَضِیقُ صَدْرُکَ بِما یَقُولُونَ 97- حین قالوا: إنک ساحر، و مجنون، و کاهن، و حین قالوا: هذا دأبنا و دأبک. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ یقول فصل بأمر ربک وَ کُنْ مِنَ السَّاجِدِینَ 98- یعنی المصلین وَ اعْبُدْ رَبَّکَ حَتَّی یَأْتِیَکَ الْیَقِینُ 99- فإن عند الموت یعاین الخیر و الشر «5».
______________________________
(1) فی أ: العبد للّه، ل: عبد اللّه.
(2) فی ل: فضربه بحر ل، أ: بحبل.
(3) ورد هذا الکلام مجملا فی لباب النقول للسیوطی: 133.
(4) من ل، و فی أ: هذا وعیدهم بالقتل.
(5) هکذا فی أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 441

سورة النّحل‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 443

[سورة النحل (16): الآیات 1 الی 128]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیم تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 511
أَتی أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ (1) یُنَزِّلُ الْمَلائِکَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالی عَمَّا یُشْرِکُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِیمٌ مُبِینٌ (4)
وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَکُمْ فِیها دِفْ‌ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْکُلُونَ (5) وَ لَکُمْ فِیها جَمالٌ حِینَ تُرِیحُونَ وَ حِینَ تَسْرَحُونَ (6) وَ تَحْمِلُ أَثْقالَکُمْ إِلی بَلَدٍ لَمْ تَکُونُوا بالِغِیهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّکُمْ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ (7) وَ الْخَیْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِیرَ لِتَرْکَبُوها وَ زِینَةً وَ یَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) وَ عَلَی اللَّهِ قَصْدُ السَّبِیلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ (9)
هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَکُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِیهِ تُسِیمُونَ (10) یُنْبِتُ لَکُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّیْتُونَ وَ النَّخِیلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (11) وَ سَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (12) وَ ما ذَرَأَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَذَّکَّرُونَ (13) وَ هُوَ الَّذِی سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْکُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِیًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْیَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَی الْفُلْکَ مَواخِرَ فِیهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (14)
وَ أَلْقی فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِکُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلاً لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ (16) أَ فَمَنْ یَخْلُقُ کَمَنْ لا یَخْلُقُ أَ فَلا تَذَکَّرُونَ (17) وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (18) وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ (19)
وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَخْلُقُونَ شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَیْرُ أَحْیاءٍ وَ ما یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ (21) إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْکِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ (22) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ وَ ما یُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْتَکْبِرِینَ (23) وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ (24)
لِیَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ کامِلَةً یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِینَ یُضِلُّونَهُمْ بِغَیْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما یَزِرُونَ (25) قَدْ مَکَرَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَی اللَّهُ بُنْیانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَیْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ یُخْزِیهِمْ وَ یَقُولُ أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِیهِمْ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْیَ الْیَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَی الْکافِرِینَ (27) الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما کُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلی إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها فَلَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ (29)
وَ قِیلَ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا خَیْراً لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَیْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِینَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِیها ما یَشاؤُنَ کَذلِکَ یَجْزِی اللَّهُ الْمُتَّقِینَ (31) الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ طَیِّبِینَ یَقُولُونَ سَلامٌ عَلَیْکُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَةُ أَوْ یَأْتِیَ أَمْرُ رَبِّکَ کَذلِکَ فَعَلَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَیِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (34)
وَ قالَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ نَحْنُ وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ کَذلِکَ فَعَلَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَی الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِینُ (35) وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَی اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلالَةُ فَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلی هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی مَنْ یُضِلُّ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِینَ (37) وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ یَمُوتُ بَلی وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (38) لِیُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی یَخْتَلِفُونَ فِیهِ وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ کانُوا کاذِبِینَ (39)
إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْ‌ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (40) وَ الَّذِینَ هاجَرُوا فِی اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِی الدُّنْیا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَکْبَرُ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ (41) الَّذِینَ صَبَرُوا وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ (42) وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَیِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الذِّکْرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَیْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ (44)
أَ فَأَمِنَ الَّذِینَ مَکَرُوا السَّیِّئاتِ أَنْ یَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ یَأْتِیَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ (45) أَوْ یَأْخُذَهُمْ فِی تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِینَ (46) أَوْ یَأْخُذَهُمْ عَلی تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّکُمْ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ (47) أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلی ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ‌ءٍ یَتَفَیَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْیَمِینِ وَ الشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَ هُمْ داخِرُونَ (48) وَ لِلَّهِ یَسْجُدُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَ الْمَلائِکَةُ وَ هُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ (49)
یَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ (50) وَ قالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَیْنِ اثْنَیْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِیَّایَ فَارْهَبُونِ (51) وَ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَهُ الدِّینُ واصِباً أَ فَغَیْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَ ما بِکُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فَإِلَیْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا کَشَفَ الضُّرَّ عَنْکُمْ إِذا فَرِیقٌ مِنْکُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ (54)
لِیَکْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَ یَجْعَلُونَ لِما لا یَعْلَمُونَ نَصِیباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا کُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَ یَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما یَشْتَهُونَ (57) وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثی ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ (58) یَتَواری مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ یُمْسِکُهُ عَلی هُونٍ أَمْ یَدُسُّهُ فِی التُّرابِ أَلا ساءَ ما یَحْکُمُونَ (59)
لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلی وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (60) وَ لَوْ یُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَکَ عَلَیْها مِنْ دَابَّةٍ وَ لکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ (61) وَ یَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما یَکْرَهُونَ وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْکَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنی لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِیُّهُمُ الْیَوْمَ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (63) وَ ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ إِلاَّ لِتُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی اخْتَلَفُوا فِیهِ وَ هُدیً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (64)
وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ (65) وَ إِنَّ لَکُمْ فِی الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِیکُمْ مِمَّا فِی بُطُونِهِ مِنْ بَیْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِینَ (66) وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَکَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (67) وَ أَوْحی رَبُّکَ إِلَی النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِی مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا یَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ کُلِی مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُکِی سُبُلَ رَبِّکِ ذُلُلاً یَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِیهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (69)
وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ ثُمَّ یَتَوَفَّاکُمْ وَ مِنْکُمْ مَنْ یُرَدُّ إِلی أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِکَیْ لا یَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَیْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ قَدِیرٌ (70) وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَکُمْ عَلی بَعْضٍ فِی الرِّزْقِ فَمَا الَّذِینَ فُضِّلُوا بِرَادِّی رِزْقِهِمْ عَلی ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَهُمْ فِیهِ سَواءٌ أَ فَبِنِعْمَةِ اللَّهِ یَجْحَدُونَ (71) وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَزْواجِکُمْ بَنِینَ وَ حَفَدَةً وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ یَکْفُرُونَ (72) وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَمْلِکُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ شَیْئاً وَ لا یَسْتَطِیعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْ‌ءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ یُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ یَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (75) وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَیْنِ أَحَدُهُما أَبْکَمُ لا یَقْدِرُ عَلی شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ کَلٌّ عَلی مَوْلاهُ أَیْنَما یُوَجِّهْهُ لا یَأْتِ بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَ مَنْ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (76) وَ لِلَّهِ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ کَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (77) وَ اللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً وَ جَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (78) أَ لَمْ یَرَوْا إِلَی الطَّیْرِ مُسَخَّراتٍ فِی جَوِّ السَّماءِ ما یُمْسِکُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (79)
وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ بُیُوتِکُمْ سَکَناً وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُیُوتاً تَسْتَخِفُّونَها یَوْمَ ظَعْنِکُمْ وَ یَوْمَ إِقامَتِکُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ (80) وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْجِبالِ أَکْناناً وَ جَعَلَ لَکُمْ سَرابِیلَ تَقِیکُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِیلَ تَقِیکُمْ بَأْسَکُمْ کَذلِکَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَیْکَ الْبَلاغُ الْمُبِینُ (82) یَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ یُنْکِرُونَها وَ أَکْثَرُهُمُ الْکافِرُونَ (83) وَ یَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیداً ثُمَّ لا یُؤْذَنُ لِلَّذِینَ کَفَرُوا وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ (84)
وَ إِذا رَأَی الَّذِینَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ (85) وَ إِذا رَأَی الَّذِینَ أَشْرَکُوا شُرَکاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَکاؤُنَا الَّذِینَ کُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِکَ فَأَلْقَوْا إِلَیْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّکُمْ لَکاذِبُونَ (86) وَ أَلْقَوْا إِلَی اللَّهِ یَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ (87) الَّذِینَ کَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما کانُوا یُفْسِدُونَ (88) وَ یَوْمَ نَبْعَثُ فِی کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیداً عَلَیْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِکَ شَهِیداً عَلی هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ‌ءٍ وَ هُدیً وَ رَحْمَةً وَ بُشْری لِلْمُسْلِمِینَ (89)
إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِیتاءِ ذِی الْقُرْبی وَ یَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ الْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ (90) وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَیْمانَ بَعْدَ تَوْکِیدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَیْکُمْ کَفِیلاً إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91) وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْکاثاً تَتَّخِذُونَ أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما یَبْلُوکُمُ اللَّهُ بِهِ وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ ما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لکِنْ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَ لا تَتَّخِذُوا أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ لَکُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (94)
وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلاً إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) ما عِنْدَکُمْ یَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِیَنَّ الَّذِینَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (97) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ (98) إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ (99)
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَی الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ (100) وَ إِذا بَدَّلْنا آیَةً مَکانَ آیَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّکَ بِالْحَقِّ لِیُثَبِّتَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ هُدیً وَ بُشْری لِلْمُسْلِمِینَ (102) وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّما یُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِی یُلْحِدُونَ إِلَیْهِ أَعْجَمِیٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِیٌّ مُبِینٌ (103) إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللَّهِ لا یَهْدِیهِمُ اللَّهُ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (104)
إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللَّهِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْکاذِبُونَ (105) مَنْ کَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ وَ لکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْراً فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (106) ذلِکَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَیاةَ الدُّنْیا عَلَی الْآخِرَةِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ (107) أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ وَ أُولئِکَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (110) یَوْمَ تَأْتِی کُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَ تُوَفَّی کُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (111) وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْیَةً کانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً یَأْتِیها رِزْقُها رَغَداً مِنْ کُلِّ مَکانٍ فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما کانُوا یَصْنَعُونَ (112) وَ لَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَکَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَ هُمْ ظالِمُونَ (113) فَکُلُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ حَلالاً طَیِّباً وَ اشْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِیرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَیْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (115) وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُکُمُ الْکَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ لا یُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِیلٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (117) وَ عَلَی الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَیْکَ مِنْ قَبْلُ وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِکَ وَ أَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (119)
إِنَّ إِبْراهِیمَ کانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِیفاً وَ لَمْ یَکُ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (120) شاکِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (121) وَ آتَیْناهُ فِی الدُّنْیا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِی الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِینَ (122) ثُمَّ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً وَ ما کانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (123) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَی الَّذِینَ اخْتَلَفُوا فِیهِ وَ إِنَّ رَبَّکَ لَیَحْکُمُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (124)
ادْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ (125) وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ (126) وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُکَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَ لا تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 457
سورة النحل «1» مکیة کلها
______________________________
(1) مقاصد سورة النحل من مقاصد سورة النحل ما یأتی:
تخویف العباد بمجی‌ء القیامة، و إقامة حجة الوحدانیة و ذکر ما فی الأنعام من المنافع و النعم، و ما فی المراکب من التجمل و الزینة، و تسخیر الشمس و القمر، و تثبیت الأرض و الجبال، و هدایة الکواکب فی السفر و الحضر. و النعم الزائدة عن العد و الإحصاء. و الإنکار علی أهل الإنکار، و جزاء مکر الکافرین، و لعنة الملائکة للظالمین. و سلامهم علی المؤمنین عند الوفاة. و بیان أحوال الأنبیاء و المرسلین مع الأمم الماضیة، و ذکر التوحید، و تعریف المنعم و نعمه السابقات. و مذمة المشرکین بوأد البنات، و بیان فوائد النحل و ذکر ما اشتمل علیه: من عجیب الحالات، و بیان حال المؤمن و الکافر، و تسخیر الطیور فی الجو صافات، و المنة بالمساکن و الظلال و الثیاب، و ذم المتکبرین و ذکر ما أعد لهم من العقوبة، و الأمر بالعدل و الإحسان، و النهی عن نقض العهد و الخیانة. و الأمر بالاستعاذة باللّه عند تلاوة القرآن، و رد سلطان الشیطان عن المؤمنین و المؤمنات، و تبدیل الآیات بالآیات لمصالح المسلمین و المسلمات. و الرخصة بالتکلم بکلمة الکفر عند الإکراه و الضرورة. و بیان التحریم و التحلیل و ذکر إبراهیم الخلیل و ما منح من الدرجات. و ذکر السبت، و الدعاء إلی سبیل اللّه بالحکمة و الموعظة الحسنة. و الأمر بالعدل فی المکافأة و العقوبة، و الدعوة إلی الصبر علی البلاء. و وعد المتقین و المحسنین بأعظم المثوبة فی قوله تعالی: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ» سورة النحل.
(بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 458
غیر قوله تعالی: «وَ إِنْ عاقَبْتُمْ ...» إلی آخر السورة «1».
و قوله تعالی: «ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ هاجَرُوا ...» الآیة «2».
و قوله تعالی: مَنْ کَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ ... الآیة «3».
و قوله تعالی: وَ الَّذِینَ هاجَرُوا ... الآیة «4».
و قوله تعالی: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْیَةً ... الآیة «5».
فإن هذه الآیات مدنیات.
و هی مائة و ثمان «6» و عشرون آیة کوفیة.
______________________________
(1) الآیات 126، 127، 128.
(2) الآیة: 110.
(3) الآیة: 106.
(4) الآیة: 41.
(5) الآیة: 75.
(6) فی أ: و ثمانیة و المعروف ثمان لأن العدد مؤنث.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 459
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ أَتی أَمْرُ اللَّهِ و ذلک أن کفار مکة لما أخبرهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- الساعة فخوفهم بها أنها کائنة فقالوا: متی تکون تکذیبا بها؟ فأنزل اللّه- عز و جل- یا عبادی: «أَتی أَمْرُ اللَّهِ» فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ «1» أی فلا تستعجلوا وعیدی أنزل اللّه- عز و جل- أیضا فی قولهم «حم عسق» یَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِها «2» فلما سمع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- من جبریل- علیه السّلام- «أَتی أَمْرُ اللَّهِ» وثب قائما و کان جالسا مخافة الساعة فقال جبریل- علیه السّلام-: «فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ» فاطمأن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- عند ذلک، ثم قال: سُبْحانَهُ نزه الرب- تعالی- نفسه عن شرک أهل مکة، ثم عظم نفسه- جل جلاله- فقال: وَ تَعالی یعنی و ارتفع عَمَّا یُشْرِکُونَ 1- یُنَزِّلُ الْمَلائِکَةَ یعنی جبریل- علیه السّلام- بِالرُّوحِ یقول بالوحی مِنْ أَمْرِهِ یعنی بأمره عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ من الأنبیاء- علیهم السلام- ثم أمرهم اللّه- عز و جل- أن ینذروا «3» الناس فقال: أَنْ أَنْذِرُوا «4») أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ 2- یعنی فاعبدون خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ یقول لم یخلقهما باطلا لغیر شی‌ء و لکن
______________________________
(1) فی أ، ل: (فلا تستعجلوا) وعیدی.
(2) سورة الشوری: 18.
(3) فی الأصل: ینذر.
(4) فقال «أَنْ أَنْذِرُوا»: زیادة لیست فی أ، و لا فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 460
خلقهما لأمر هو کائن تَعالی یعنی ارتفع عَمَّا یُشْرِکُونَ 3- به خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ یعنی أبی بن خلف الجمحی قتله النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یوم أحد فَإِذا هُوَ خَصِیمٌ مُبِینٌ 4- قال للنبی [201 أ]- صلی اللّه علیه و سلم-: کیف یبعث اللّه هذه العظام و جعل یفتها و یذریها فی الریح نظیرها فی آخر- یس-: «قالَ مَنْ یُحْیِ الْعِظامَ وَ هِیَ رَمِیمٌ» «1» ثم قال- تعالی-: وَ الْأَنْعامَ یعنی الإبل، و البقر، و الغنم. خَلَقَها لَکُمْ فِیها دِفْ‌ءٌ یعنی ما تستدفئون به من أصوافها، و أوبارها، و أشعارها أثاثا وَ مَنافِعُ فی ظهورها، و ألبانها وَ مِنْها تَأْکُلُونَ 5- یعنی من لحم الغنم وَ لَکُمْ فِیها یعنی فی الأنعام جَمالٌ حِینَ تُرِیحُونَ یعنی حین تروح من مراعیها إلیکم عند المساء وَ حِینَ تَسْرَحُونَ 6- من عندکم بکرة إلی الرعی وَ تَحْمِلُ أَثْقالَکُمْ یعنی الإبل، و البقر إِلی بَلَدٍ لَمْ تَکُونُوا بالِغِیهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ یعنی بجهد الأنفس إِنَّ رَبَّکُمْ لَرَؤُفٌ یعنی لرفیق رَحِیمٌ 7- بکم فیما جعل لکم من الأنعام من المنافع، ثم ذکرهم النعم: وَ الْخَیْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِیرَ لِتَرْکَبُوها وَ زِینَةً یقول لکم فی رکوبها جمال و زینة یعنی الشارة الحسنة وَ یَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ 8- من الخلق کقوله- تعالی: فَخَرَجَ عَلی قَوْمِهِ فِی زِینَتِهِ «2» یعنی فی شارته، قال سبحانه: وَ عَلَی اللَّهِ قَصْدُ السَّبِیلِ یعنی بیان الهدی وَ مِنْها جائِرٌ یقول و من السبیل ما تکون «3» جائرة علی الهدی
______________________________
(1) سورة یس: 87.
(2) سورة القصص: 79.
(3) فی أ، ل: یکون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 461
وَ لَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ 9- إلی دینه هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَکُمْ مِنْهُ شَرابٌ یعنی المطر لکم منه شراب وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِیهِ تُسِیمُونَ 10- یعنی و فیه ترعون أنعامکم یُنْبِتُ لَکُمْ بِهِ بالمطر الزَّرْعَ وَ الزَّیْتُونَ وَ النَّخِیلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً فیما ذکر لکم من النبات لعبرة لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ 11- فی توحید اللّه- عز و جل- وَ سَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یقول فیما سخر لکم فی هذه الآیات «1» لعبرة لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ 12- فی توحید اللّه- عز و جل- وَ ما ذَرَأَ لَکُمْ یعنی و ما خلق لکم فِی الْأَرْضِ من الدواب، و الطیر، و الشجر مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِی ذلِکَ یعنی فیما ذکر من الخلق فی الأرض لَآیَةً لِقَوْمٍ یَذَّکَّرُونَ 13- فی توحید اللّه- عز و جل- و ما ترون من صنعه و عجائبه وَ هُوَ الَّذِی سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْکُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِیًّا و هو السمک ما أصید «2» أو ألقاه الماء و هو حی وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْیَةً تَلْبَسُونَها یعنی اللؤلؤ وَ تَرَی الْفُلْکَ یعنی السفن مَواخِرَ فِیهِ یعنی فی البحر مقبلة و مدبرة بریح واحد وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ یعنی سخر لکم الفلک لتبتغوا من فضله وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ 14- ربکم فی نعمه- عز و جل- وَ أَلْقی فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ یعنی الجبال أَنْ تَمِیدَ بِکُمْ یعنی لئلا تزول بکم الأرض فتمیل بمن علیها وَ أَنْهاراً تجری وَ سُبُلًا یعنی و طرقا لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ 15- یعنی تعرفون طرقها
______________________________
(1) یقول: فیما ذکر لکم فی هذه البینات.
(2) هکذا فی الأصل، و الأنسب: ما صید.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 462
وَ عَلاماتٍ یعنی الجبال [201 ب کقوله سبحانه: «کَالْأَعْلامِ» «1» یعنی الجبال وَ بِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ 16-.
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل، قال مقاتل: هی بنات نعش، و الجدی، و الفرقدان، و القطب قال: بعینها لأنهن لا یزلن عن أماکنهن شتاء و لا صیفا یعنی بالجبال و الکواکب یهتدون و بها یعرفون الطرق فی البر و البحر، کقوله سبحانه: لا یَهْتَدُونَ سَبِیلًا «2» یعنی لا یعرفون، ثم قال- عز و جل-: أَ فَمَنْ یَخْلُقُ هذه الأشیاء من أول السورة إلی هذه الآیة کَمَنْ لا یَخْلُقُ شیئا من الآلهة اللات، و العزی، و مناة، و هبل، التی تعبد من دون اللّه- عز و جل- أَ فَلا تَذَکَّرُونَ 17- یعنی أ فلا تعتبرون فی صنعه فتوحدونه- عز و جل- وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ فی تأخیر العذاب عنهم رَحِیمٌ 18- بهم حین لا یعجل علیهم بالعقوبة وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ فی قلوبکم یعنی الخراصین الذی أسروا «الکید» بالبعثة «3» فی طریق مکة ممن «4» یصد الناس عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بالموسم وَ یعلم ما تُعْلِنُونَ 19- یعنی یعلم ما تظهرون بألسنتکم حین قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: هذا دأبنا و دأبک. ثم ذکر الآلهة فقال- سبحانه- لکفار مکة: وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یعنی
______________________________
(1) سورة الرحمن: 24.
(2) سورة النساء: 98.
(3) فی أ: بالبعثة، ل: بالنعمة.
(4) فی ل: ممن، أ: من.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 463
یعبدون «1» مِنْ دُونِ اللَّهِ یعنی اللات، و العزی، و مناة، و هبل، لا یَخْلُقُونَ شَیْئاً ذبابا و لا غیرها وَ هُمْ یُخْلَقُونَ 20- و هم ینحتونها بأیدیهم ثم وصفهم فقال تعالی: أَمْواتٌ لا تتکلم، و لا تسمع، و لا تبصر «2»، و لا تنفع، و لا تضر غَیْرُ أَحْیاءٍ لا أرواح فیها، ثم نعت کفار مکة فقال: وَ ما یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ 21- یعنی متی یبعثون نظیرها فی سورة النمل لا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَیْبَ إِلَّا اللَّهُ وَ ما یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ «3» و هم الخراصون ثم قال سبحانه: إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فلا تعبدوا غیره ثم نعتهم- تعالی- فقال: فَالَّذِینَ «4» لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ یعنی لا یصدقون بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال، ثم نعتهم فقال- سبحانه: قُلُوبُهُمْ مُنْکِرَةٌ لتوحید اللّه- عز و جل- أنه واحد وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ 22- عن التوحید لا جَرَمَ قسما أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ فی قلوبهم حین أسروا و بعثوا فی کل طریق من الطرق رهطا لیصدوا الناس عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وَ ما یُعْلِنُونَ حین أظهروا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- و قالوا: هذا دأبنا و دأبک إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْتَکْبِرِینَ 23- یعنی المتکبرین عن التوحید، ثم وصفهم فقال سبحانه: وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ یعنی الخراصین «5» ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ 24- و ذلک أن الولید بن المغیرة المخزومی قال لکفار
______________________________
(1) فی أ: «و الذین تدعون» یعنی تعبدون.
(2) فی أ: و لا تنصر، ل: و لا تبصر.
(3) سورة النمل: 65.
(4) فی أ: «و الذین».
(5) فی أ: الخراصون، ل: الخراصین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 464
قریش: إن محمدا- صلی اللّه علیه و سلم-: حلو اللسان، إذا کلم الرجل ذهب بعقله، فابعثوا رهطا من ذوی الرأی منکم و الحجا فی طریق مکة [202 أ] علی مسیرة لیلة أو لیلتین، إنی لا آمن أن یصدقه بعضهم فمن سأل عن محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فلیقل بعضهم: إنه ساحر یفرق بین الاثنین، و لیقل بعضهم: إنه لمجنون یهذی فی جنونه، و لیقل «1» بعضهم: إنه شاعر لم یضبط الروی، و لیقل بعضهم: إنه کاهن یخبر بما یکون فی غد.
و إن لم تروه خیرا «2» من أن تروه، لم «3» یتبعه علی دینه إلا العبید و السفهاء، یحدث عن حدیث الأولین، و قد فارقه خیار قومه و شیوخهم، فبعثوا ستة عشر رجلا من قریش فی أربع طرق علی کل طریق أربعة نفر، و أقام الولید بن المغیرة بمکة علی الطریق فمن جاء یسأل عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لقیه الولید فقال له: مثل مقالة الآخرین فیصدع «4» الناس عن قولهم، و شق ذلک علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، و کان یرجو أن یتلقاه الناس فیعرض علیهم أمره، ففرحت «5» قریش حین تفرق الناس عن قولهم و هم یقولون: ما عند صاحبکم خیر «6». یعنون النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و ما بلغنا عنه إلا الغرور، و فیهم المستهزءون «7» من قریش، فأنزل اللّه- عز و جل- فیهم:
______________________________
(1) فی ل: و لیقل، أ: و یقول.
(2) فی ل: خیرا، أ: خیر.
(3) فی أ: لم، ل: و إن لم.
(4) فی أ: فیصد، ل: فیصدع.
(5) هکذا فی أ، ل، و الأنسب: و فرحت.
(6) فی أ، ل: حبر.
(7) فی أ: المستهزئین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 465
«وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ» یعنی حدیث الأولین و کذبهم یقول اللّه- تعالی- قالوا ذلک: لِیَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ کامِلَةً یَوْمَ الْقِیامَةِ یعنی یحملوا خطیئتهم کاملة یوم القیامة وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِینَ یعنی من خطایا الذین یُضِلُّونَهُمْ یعنی یستنزلونهم بِغَیْرِ عِلْمٍ یعلمونه فیها تقدیم قال- عز و جل- أَلا ساءَ ما یَزِرُونَ 25- یعنی ألا بئس ما یحملون یعنی یعملون، ثم قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قَدْ مَکَرَ الَّذِینَ یعنی قد فعل الذین مِنْ قَبْلِهِمْ یعنی قبل «1» کفار مکة: یعنی نمروذ بن کنعان الجبار الذی ملک الأرض، و بنی الصرح ببابل، لیتناول فیما زعم إله السماء- تبارک و تعالی. و هو الذی حاج إبراهیم فی ربه- عز و جل- و هو أول من ملک الأرض کلها. و ملک الأرض «2» کلها ثلاثة نفر، نمروذ بن کنعان، و ذو القرنین و اسمه الإسکندر قیصر ثم تبع بن أبی شراحیل الحمیری «3»، فلما بنی نمروذ الصرح طوله فی السماء فرسخین فأتاه جبریل- علیه السّلام- فی صورة شیخ کبیر «فقال: ما ترید» «4» أن تصنع؟
قال: أرید أن أصعد إلی السماء، فأغلب أهلها، کما غلبت أهل الأرض. فقال له جبریل- علیه السّلام-: إن بینک و بین السماء مسیرة خمسمائة عام، و التی تلیها مثل ذلک، و غلظها مثل ذلک، و هی سبع سموات، ثم کل سماء کذلک. فأبی إلا أن یبنی، فصاح جبریل- علیه السّلام-: صیحة فطار رأس الصرح فوقع فی البحر و وقع البقیة علیهم، فذلک قوله- عز و جل: فَأَتَی اللَّهُ بُنْیانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ
______________________________
(1) قبل: من ل، و هی ساقطة من أ.
(2) الأرض: من ل. و هی ساقطة من أ.
(3) فی ل زیادة: و سلیمان بن داود، و یلاحظ أنه ذکر أن ثلاثة ملکوا الأرض ثم ذکر أربعة فی ل.
(4) هکذا فی أ، ل، و الأنسب: «فقال له: ما ترید».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 466
یعنی من الأصل فَخَرَّ عَلَیْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ یعنی فوقع علیهم البناء الأعلی من فوق رءوسهم [202 ب وَ أَتاهُمُ یعنی و جاءهم الْعَذابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ 26- من بعد ذلک و بعد ما اتخذ النسور و هی الصیحة من جبریل- علیه السّلام- ثم رجع إلی الخراصین فی التقدیم، فقال سبحانه:
ثُمَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ یُخْزِیهِمْ یعنی یعذبهم کقوله سبحانه: یَوْمَ لا یُخْزِی اللَّهُ النَّبِیَّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ «1» یعنی لا یعذب اللّه النبی و المؤمنین وَ یَقُولُ أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تُشَاقُّونَ یعنی تحاجون فیهم قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ و هم الحفظة من الملائکة إِنَّ الْخِزْیَ الْیَوْمَ یعنی الهوان وَ السُّوءَ یعنی العذاب عَلَی الْکافِرِینَ 27- ثم نعتهم فقال: الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ یعنی ملک الموت و أعوانه ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ و هم ستة، ثلاثة یلون أرواح المؤمنین، و ثلاثة یلون أرواح الکافرین فَأَلْقَوُا السَّلَمَ یعنی الخضوع و الاستسلام، ثم قالوا: ما کُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ یعنی من شرک لقولهم فی الأنعام: وَ اللَّهِ رَبِّنا ما کُنَّا مُشْرِکِینَ «2» فکذبهم اللّه- عز و جل-، فردت «3» علیهم خزنة جهنم من الملائکة فقالوا: بَلی قد عملتم السوء إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 28- یعنی بما کنتم مشرکین، قالت الخزنة لهم:
فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها من الموت فَلَبِئْسَ مَثْوَی یعنی مأوی الْمُتَکَبِّرِینَ 29- عن التوحید فأخبر اللّه عنهم فی الدنیا، و أخبر بمصیرهم فی الآخرة، ثم قال تعالی: وَ قِیلَ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا یعنی الذین عبدوا ربهم
______________________________
(1) سورة التحریم: 8.
(2) سورة الأنعام: 23.
(3) فی أ، ل: فرد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 467
ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا أنزل خَیْراً و ذلک أن الرجل کان یبعثه قومه وافدا إلی مکة، لیأتیهم بخبر محمد- صلی اللّه علیه و سلم، فیأتی الموسم فیمر علی هؤلاء الرهط من قریش الذین علی طریق مکة، فیسألهم عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: فیصدونه عنه لئلا یلقاه. فیقول: بئس الرجل الوافد أنا لقومی أن أرجع قبل أن ألقی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- و أنا منه علی مسیرة لیلة أو لیلتین و أسمع منه فیسیر حتی یدخل مکة فیلقی المؤمنین فیسألهم عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، و عن قولهم «1»، فیقولون للوافد: أنزل اللّه- عز و جل- خیرا بعث رسولا- صلی اللّه علیه و سلم- و أنزل کتابا یأمر فیه بالخیر و ینهی عن الشر ففیهم نزلت «وَ قِیلَ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا خَیْراً» ثم انقطع الکلام. یقول اللّه سبحانه: لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا العمل فِی هذِهِ الدُّنْیا لهم حَسَنَةٌ فی الآخرة یعنی الجنة وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَیْرٌ یعنی الجنة أفضل من ثواب المشرکین فی الدنیا الذی ذکر فی هذه الآیة الأولی «2» یقول اللّه- تعالی:
وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِینَ 30- الشرک یثنی علی الجنة، ثم بین لهم الدار فقال سبحانه: جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ یعنی الأنهار تجری تحت البساتین لَهُمْ فِیها ما یَشاؤُنَ یعنی فی الجنان کَذلِکَ یَجْزِی اللَّهُ الْمُتَّقِینَ 31- الشرک، ثم أخبر عنهم، فقال جل ثناؤه: الَّذِینَ [203 أ] تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ طَیِّبِینَ فی الدنیا یعنی ملک الموت وحده، ثم انقطع الکلام، ثم أخبر سبحانه عن قول خزنة الجنة من الملائکة فی الآخرة لهم:
یَقُولُونَ سَلامٌ عَلَیْکُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 32- فی دار الدنیا
______________________________
(1) هکذا فی: أ، ل.
(2) هکذا فی: أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 468
ثم رجع إلی کفار مکة فقال: هَلْ یعنی ما یَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَةُ بالموت یعنی ملک الموت وحده- علیه السّلام- أَوْ یَأْتِیَ أَمْرُ رَبِّکَ یعنی العذاب فی الدنیا کَذلِکَ یعنی هکذا فَعَلَ الَّذِینَ یعنی لعن الذین مِنْ قَبْلِهِمْ و نزل العذاب بهم قبل کفار مکة من الأمم الحالیة وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ فعذبهم علی غیر ذنب وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ 33- فَأَصابَهُمْ سَیِّئاتُ یعنی عذاب ما عَمِلُوا یعنی فی الدنیا وَ حاقَ بِهِمْ یعنی و دار بهم العذاب ما کانُوا بِهِ بالعذاب یَسْتَهْزِؤُنَ 34- بأنه غیر نازل بهم فی الدنیا وَ قالَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا مع اللّه غیره یعنی کفار مکة لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ من الآلهة نَحْنُ وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْ‌ءٍ من الحرث و الأنعام و لکن اللّه أمرنا بتحریم ذلک، یقول اللّه- عز و جل-: کَذلِکَ یعنی هکذا فَعَلَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الخالیة برسلهم کما کذبت کفار مکة، و تحریم ما أحل اللّه من الحرث و الأنعام، فلما کذبوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قال اللّه- عز و جل-: فَهَلْ عَلَی الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِینُ 35- یقول ما علی الرسول إلا أن یبلغ و یبین لکم أن اللّه- عز و جل- لم یحرم الحرث و الأنعام، ثم قال- عز و جل-: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ یعنی أن وحدوا اللّه وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ یعنی عبادة الأوثان فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَی اللَّهُ إلی دینه وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ یعنی وجبت الضَّلالَةُ فَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ 36- رسلهم بالعذاب الذین حقت علیهم الضلالة فی الدنیا یخوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة لیحذروا عقوبته و لا یکذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- و قال
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 469
سبحانه-: إِنْ تَحْرِصْ عَلی هُداهُمْ یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فَإِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی إلی دینه مَنْ یُضِلُ یقول من أضله اللّه فلا هادی له وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِینَ 37- یعنی ما نعین من العذاب وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ یقول جهدوا فی أیمانهم حین حلفوا باللّه- عز و جل- یقول اللّه سبحانه. إن القسم باللّه لجهد «1» أیمانهم یعنی کفار مکة لا یَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ یَمُوتُ فکذبهم اللّه- عز و جل- فقال: بَلی یبعثهم اللّه- عز و جل- وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا نظیرها فی الأنبیاء کَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ «2» یقول اللّه تعالی کما بدأتهم فخلقتهم و لم یکونوا شیئا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ یعنی أهل مکة [203 ب لا یَعْلَمُونَ 38- أنهم مبعوثون من بعد الموت، یبعثهم اللّه لِیُبَیِّنَ لَهُمُ یعنی لیحکم اللّه بینهم فی الآخرة الَّذِی یَخْتَلِفُونَ فِیهِ یعنی البعث وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا بالبعث أَنَّهُمْ کانُوا کاذِبِینَ 39- بأن اللّه لا یبعث الموتی، ثم قال سبحانه: إِنَّما قَوْلُنا یعنی أمرنا فی البعث لِشَیْ‌ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ مرة واحدة کُنْ فَیَکُونُ 40- لا یثنی قوله مرتین، ثم قال سبحانه: وَ الَّذِینَ هاجَرُوا قومهم إلی المدینة و اعتزلوا بدینهم من المشرکین فِی اللَّهِ و فروا إلی اللّه- عز و جل- مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا یعنی من بعد ما عذبوا علی الإیمان بمکة نزلت فی خمسة نفر:
عمار بن یاسر مولی أبی حذیفة بن المغیرة المخزومی، و بلال بن أبی رباح المؤذن، و صهیب بن سنان مولی عبد اللّه بن جدعان بن النمر بن قاسط، و خباب بن الأرت
______________________________
(1) من ل، و فی أ: إن المقسم باللّه یجهد.
(2) سورة الأنبیاء: 104.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 470
و هو عبد اللّه «1» بن سعد بن خزیمة بن کعب مولی لأم أنمار امرأة الأخنس بن شریق.
لَنُبَوِّئَنَّهُمْ یعنی لنعطینهم فِی الدُّنْیا حَسَنَةً یعنی بالحسنة الرزق الواسع وَ لَأَجْرُ یعنی جزاء الْآخِرَةِ یعنی الجنة أَکْبَرُ یعنی أعظم مما أعطوه فی الدنیا من الرزق لَوْ کانُوا یعنی أن لو کانوا یَعْلَمُونَ 41-، ثم نعتهم فقال سبحانه: الَّذِینَ صَبَرُوا علی العذاب فی الدنیا وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ 42- یعنی و به یثقون وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلَّا رِجالًا نُوحِی إِلَیْهِمْ نزلت فی أبی جهل بن هشام، و الولید بن المغیرة، و عقبة بن أبی معیط، و ذلک أنهم قالوا فی سبحان: أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا «2» یأکل، و یشرب، و ترک الملائکة فأنزل اللّه- عز و جل: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم «إِلَّا رِجالًا نُوحِی إِلَیْهِمْ» ثم قال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ یعنی التوراة إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 43- بأن الرسل کانوا من البشر فسیخبرونکم أن اللّه- عز و جل- لم یبعث رسولا إلا من الإنس یعنی بِالْبَیِّناتِ بالآیات «3» وَ الزُّبُرِ یعنی حدیث الکتب وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الذِّکْرَ یعنی القرآن لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَیْهِمْ من ربهم وَ لَعَلَّهُمْ یعنی لکی یَتَفَکَّرُونَ 44- فیؤمنوا ثم خوف کفار مکة فقال سبحانه: أَ فَأَمِنَ الَّذِینَ مَکَرُوا السَّیِّئاتِ یعنی الذین قالوا الشرک
______________________________
(1) فی ل: و هو ابن عبد اللّه، أ: و هو عبد اللّه.
(2) سورة الإسراء: 94.
(3) فی أ، ل: فسر بِالْبَیِّناتِ وَ الزُّبُرِ آیة 44 قبل فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ آیة 43.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 471
أَنْ یَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ یعنی جانبا منها أَوْ یَأْتِیَهُمُ غیر الخسف الْعَذابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ 45- یعنی لا یعلمون أنه یأتیهم منه أَوْ یَأْخُذَهُمْ العذاب فِی تَقَلُّبِهِمْ فی اللیل و النهار فَما هُمْ بِمُعْجِزِینَ 46- یعنی سابقی اللّه- عز و جل- بأعمالهم الخبیثة حتی یجزیهم بها أَوْ یَأْخُذَهُمْ عَلی تَخَوُّفٍ یقول یأخذ أهل هذه القریة بالعذاب و یترک الأخری قریبا منها لکی یخافوا فیعتبروا، یخوّفهم بمثل ذلک فَإِنَّ رَبَّکُمْ لَرَؤُفٌ یعنی یرق لهم رَحِیمٌ 47- بهم حین لا یعجل علیهم بالعقوبة، ثم وعظ [204 أ] کفار مکة لیعتبروا فی صنعه، فقال سبحانه: أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلی ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْ‌ءٍ فی الأرض یَتَفَیَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْیَمِینِ وَ الشَّمائِلِ سُجَّداً و ذلک أن الشجر، و البنیان، و الجبال، و الدواب، و کل شی‌ء، إذا طلعت علیه الشمس یتحول ظل کل شی‌ء عن الیمین قبل المغرب، فذلک قوله سبحانه: «یَتَفَیَّؤُا ظِلالُهُ» یعنی یتحول الظل فإذا زالت الشمس، تحول الظل عن الشمال قبل المشرق کسجود کل شی‌ء فی الأرض للّه- تعالی- ظله فی النهار سجدا اللَّهُ یقول وَ هُمْ داخِرُونَ 48- یعنی صاغرون وَ لِلَّهِ یَسْجُدُ ما فِی السَّماواتِ من الملائکة وَ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ أیضا یسجدون.
«قال: قال مقاتل- رحمه اللّه-: إذا قال: «ما فِی السَّماواتِ» یعنی من لملائکة و غیرهم و کل شی‌ء فی السماء، و الأرض «1»، و الجبال، و الأشجار، و کل شی‌ء فی الأرض. و إذا قال: «من فی السموات» یعنی کل ذی روح من
______________________________
(1) هکذا فی أ، و القول کله لیس فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 472
الملائکة، و الآدمیین، و الطیر، و الوحوش، و الدواب، و السباع، و الهوام، و الحیتان. فی الماء، و کل ذی روح أیضا» «1» یسجدون.
ثم نعت اللّه الملائکة فقال: «وَ الْمَلائِکَةُ» «2» وَ هُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ 49- یعنی لا یتکبرون عن السجود یَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ الذی هو فوقهم لأن اللّه- تعالی- فوق کل شی‌ء، خلق العرش «3»، و العرش فوق کل شی‌ء وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ 50- وَ قالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَیْنِ اثْنَیْنِ و ذلک أن رجلا من المسلمین، دعا اللّه- عز و جل- فی صلاته، و دعا الرحمن.
فقال رجل من المشرکین: ألیس یزعم محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و أصحابه أنهم یعبدون ربا واحدا، فما بال هذا یدعو ربین اثنین. فأنزل اللّه- عز و جل- فی قوله: «لا تَتَّخِذُوا إِلهَیْنِ اثْنَیْنِ» إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِیَّایَ فَارْهَبُونِ 51- یعنی إیای فخافون فی ترک التوحید فمن لم یوحد فله النار ثم عظم الرب- تبارک و تعالی- نفسه من أن یکون معه إله آخر. فقال- عز و جل- وَ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ من الخلق عبیده و فی ملکه وَ لَهُ الدِّینُ واصِباً یعنی الإسلام دائما أَ فَغَیْرَ اللَّهِ من الآلهة تَتَّقُونَ 52- یعنی تعبدون یعنی کفار مکة ثم ذکرهم النعم. فقال سبحانه: وَ ما بِکُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ لیوحدوا رب هذه النعم یعنی بالنعم الخیر، و العافیة ثُمَّ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ
______________________________
(1) النص من أ، و هو ساقط من ل.
(2) ساقطة من أ، ل
(3) هکذا فی أ. و فی ل: لأن الله فوق کل خلق علی العرش.
و قد اتهم مقاتل بالتشبیه و التجسیم، و انظر ما کتبته فی الدراسة عن مقاتل و علم الکلام.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 473
یعنی الشدة و هو الجوع، و البلاء و هو قحط المطر بمکة سبع سنین فَإِلَیْهِ تَجْئَرُونَ 53- یعنی تضرعون بالدعاء لا تدعون غیره أن یکشف عنکم ما نزل بکم من البلاء و الدعاء حین قالوا فی حم الدخان: رَبَّنَا اکْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ «1» یعنی مصدقین «2» بالتوحید ثُمَّ إِذا کَشَفَ الضُّرَّ عَنْکُمْ یعنی الشدة و هو الجوع، و أرسل السماء بالمطر مدرارا إِذا فَرِیقٌ مِنْکُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ 54- یعنی یترکون التوحید للّه- تعالی- [204 ب فی الرخاء فیعبدون غیره و قد وحدوه فی الضر لِیَکْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ یعنی لئلا یکفروا بالذی أعطیناهم من الخیر و الخصب فی کشف الضر عنهم و هو الجوع فَتَمَتَّعُوا إلی آجالکم قلیلا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 55- هذا وعید نظیرها فی الروم «3»، و إبراهیم «4»، و العنکبوت «5».
وَ یَجْعَلُونَ یعنی و یصفون لِما لا یَعْلَمُونَ من الآلهة أنها آلهة نَصِیباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الحرث و الأنعام تَاللَّهِ قل لهم یا محمد «6»: و اللّه لَتُسْئَلُنَ فی الآخرة عَمَّا کُنْتُمْ تَفْتَرُونَ 56- حین زعمتم أن اللّه أمرکم بتحریم الحرث و الأنعام، ثم قال یعنیهم: وَ یَجْعَلُونَ یعنی و یصفون
______________________________
(1) سورة الدخان: 12.
(2) فی أ: مصدقون، ل: مصدقین.
(3) یشیر إلی 34 من سورة الروم و هی: لِیَکْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
(4) یشیر إلی الآیات الأخیرة من سورة إبراهیم من 42 إلی 52 فی ختام السورة حیث یقول سبحانه: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِیُنْذَرُوا بِهِ وَ لِیَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِیَذَّکَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ
(5) یشیر إلی 66 من سورة العنکبوت و هی لِیَکْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ وَ لِیَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ
کما ورد هذا الوعید فی سورة المائدة 14، و الأنعام: 135 و الحجر: 2، 96، و النحل: 55، و الفرقان: 42. و الصافات: 170. و التکاثر: 3، 4.
(6) فی أ: یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم، ل: یا محمد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 474
لِلَّهِ الْبَناتِ حین زعموا أن الملائکة بنات اللّه- تعالی سُبْحانَهُ نزه نفسه عن قولهم ثم قال- عز و جل-: وَ لَهُمْ ما یَشْتَهُونَ 57- من البنین، ثم أخبر عنهم فقال سبحانه: وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثی فقیل له ولدت لک ابنة ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا یعنی متغیرا وَ هُوَ کَظِیمٌ 58- یعنی مکروبا «1» یَتَواری من القوم مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ یعنی لا یرید أن یسمع تلک البشری أحدا، ثم أخبر عن صنیعه بولده فقال سبحانه: أَ یُمْسِکُهُ عَلی هُونٍ فأما اللّه فقد علم أنه صانع أحدهما لا محالة «2» أَمْ یَدُسُّهُ و هی حیة فِی التُّرابِ أَلا ساءَ ما یَحْکُمُونَ 59- یعنی ألا بئس ما یقضون حین یزعمون أن لی البنات و هم یکرهونها لأنفسهم، ثم أخبر عنهم فقال سبحانه:
لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ یعنی لا یصدقون بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال مَثَلُ السَّوْءِ یعنی شبه السوء وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلی لأنه- تبارک و تعالی- ربا واحد، لا شریک له، و لا ولد وَ هُوَ الْعَزِیزُ فی ملکه جل جلاله، لقولهم إن اللّه لا یقدر علی البعث، الْحَکِیمُ 60- فی أمره حکم البعث، ثم قال- عز و جل-: وَ لَوْ یُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ یعنی کفار مکة بِظُلْمِهِمْ یعنی بما عملوا من الکفر و التکذیب، لعجل لهم العقوبة، ما تَرَکَ عَلَیْها مِنْ دَابَّةٍ یعنی فوق الأرض من دابة یعنی یقحط المطر فتموت الدواب وَ لکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی الذی وقت لهم فی اللوح المحفوظ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ یعنی وقت عذابهم فی الدنیا
______________________________
(1) فی أ: مکروب.
(2) هکذا فی أ، ل. و الأنسب: تأخیرها إلی ختام الآیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 475
لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ 61- یعنی لا یتأخرون عن أجلهم حتی یعذبوا فی الدنیا وَ یَجْعَلُونَ یعنی و یصفون لِلَّهِ ما یَکْرَهُونَ من البنات یقولون للّه البنات، وَ تَصِفُ یعنی و تقول، أَلْسِنَتُهُمُ الْکَذِبَ ب أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنی البنین و له البنات، لا جَرَمَ قسما حقا، أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ 62- یعنی متروکون فی النار لقولهم للّه البنات، تَاللَّهِ یعنی و اللّه لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فکذبوهم فَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ الکفر و التکذیب [205 أ] فَهُوَ وَلِیُّهُمُ الْیَوْمَ یعنی الشیطان ولیهم فی الآخرة وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 63- یعنی وجیع وَ ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- الْکِتابَ یعنی القرآن إِلَّا لِتُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی اخْتَلَفُوا فِیهِ و ذلک أن أهل مکة اختلفوا فی القرآن فآمن به بعضهم و کفر بعضهم وَ هُدیً من الضلالة وَ رَحْمَةً من العذاب لمن آمن بالقرآن فذلک قوله: لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 64- یعنی یصدقون بالقرآن أنه جاء من اللّه- عز و جل- ثم ذکر صنعه لیعرف توحیده فقال تعالی:
وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً یعنی المطر فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بالنبات إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یقول إن فی المطر و النبات لعبرة و آیة، لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ 65- المواعظ وَ إِنَّ لَکُمْ فِی الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً یعنی التفکر نُسْقِیکُمْ مِمَّا فِی بُطُونِهِ مِنْ بَیْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً من القذر سائِغاً لِلشَّارِبِینَ 66- یسیغ من یشربه و هو لا یسیغ الفرث و الدم، ثم قال سبحانه: وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَکَراً یعنی
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 476
بالثمرات لأنها جماعة ثمر «1» یعنی بالسکر ما حرم من الشراب مما یسکرون من ثمره یعنی النخیل و الأعناب وَ رِزْقاً حَسَناً یعنی طیبا نسختها الآیة التی فی المائدة «2» کقوله- عز و جل-: قَرْضاً حَسَناً «3» یعنی طیبة بها «4» أنفسهم، بما لا یسکر منها من الشراب و ثمرتها فهذا الرزق الحسن، ثم قال سبحانه: إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ 67- یعنی فیما ذکر من اللبن و الثمار «5» لعبرة لقوم یعقلون بتوحید اللّه- عز و جل- ثم قال: وَ أَوْحی رَبُّکَ إِلَی النَّحْلِ إلهاما «6» من اللّه- عز و جل- یقول قذف فیها «7» أَنِ اتَّخِذِی مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا یَعْرِشُونَ 68- یعنی و مما یبنون من البیوت ثُمَّ کُلِی مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُکِی یقول فادخلی سُبُلَ رَبِّکِ فی الجبال و خلل الشجر ذُلُلًا لأن اللّه- تعالی- ذلل لها طرقها حیثما توجهت یَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ یعنی عملا مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ أبیض و أصفر، و أحمر فِیهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ یعنی العسل شفاء لبعض الأوجاع إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً یعنی فیما ذکر من أمر
______________________________
(1) من أ، و فی ل: یعنی بالثمرات لأنها جماعة، فکلمة «ثمر» فی أ، لیست فی ل.
(2) یشیر إلی قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِی الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ وَ یَصُدَّکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ سورة المائدة: 90، 91.
و الآیتان تفیدان تحریم الخمر تحریما قاطعا لأنهما ذکرا أن الخمر رجس من عمل الشیطان و أمر اللّه باجتنابها و نهی عن شربها، و سلک أبلغ الأسالیب فی الزجر عنها و بیان تحریمها.
(3) سورة البقرة: 245، المائدة: 12، الحدید: 18، التغابن: 17، المزمل: 20.
(4) فی أ، ل: بها، و الأنسب: به.
(5) من ل، و فی أ: من الثمار و اللبن.
(6) فی ل: إلهام، أ: إلهاما.
(7) من ل، و فی أ: یقول فیها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 477
النحل و ما یخرج من بطونها لعبرة لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ 69- فی توحید اللّه- عز و جل- ثم قال سبحانه: وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ و لم تکونوا شیئا لتعتبروا فی البعث ثُمَّ یَتَوَفَّاکُمْ عند آجالکم وَ مِنْکُمْ مَنْ یُرَدُّ إِلی أَرْذَلِ الْعُمُرِ یعنی الهرم لِکَیْ لا یَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَیْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بالبعث أنه کائن قَدِیرٌ- 70- یعنی قادرا «1» علیه وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَکُمْ عَلی بَعْضٍ فِی الرِّزْقِ یعنی جعل بعضکم أحرارا، و بعضکم عبیدا فوسع علی بعض الناس و قتر علی بعض فَمَا الَّذِینَ فُضِّلُوا یعنی الرزق من الأموال «2» بِرَادِّی رِزْقِهِمْ [205 ب یقول برادی أموالهم عَلی ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ یعنی عبیدهم یقول أ فیشرکونهم و عبیدهم فی أموالهم فَهُمْ فِیهِ سَواءٌ فیکونون فیه سواء «3»، بأنهم قوم لا یعقلون شیئا أَ فَبِنِعْمَةِ اللَّهِ یَجْحَدُونَ 71- یعنی ینکرون بأن اللّه یکون واحدا لا شریک له و هو رب هذه النعم، یقول: کیف أشرک الملائکة و غیرهم فی ملکی و أنتم لا ترضون الشرکة من عبیدکم فی أموال فکما لا تدخلون عبیدکم فی أموالکم فکذلک لا أدخل معی شریکا فی ملکی و هم عبادی، و ذلک حین قال کفار مکة فی إحرامهم: لبیک لا شریک لک إلا شریکا «4» هو لک تملکه، و ما ملک. نظیرها فی الروم: «ضَرَبَ لَکُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِکُمْ ...» إلی آخر الآیة «5» وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً یقول بعضکم من بعض وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَزْواجِکُمْ بَنِینَ وَ حَفَدَةً یعنی بالبنین الصغار و الحفدة الکفار یحفدون أباهم بالخدمة و ذلک أنهم کانوا فی الجاهلیة یخدمهم أولادهم قال- عز و جل-:
______________________________
(1) فی أ: قادر، ل: قادرا.
(2) هکذا فی أ، ل. و الأنسب: یعنی فی الرزق من الأموال.
(3) فی أ: سواء، ل: سوا.
(4) من ل، و فی أ: إلا شریک.
(5) سورة الروم: 28.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 478
وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ یعنی الحب و العسل و نحوه و جعل رزق غیرکم من الدواب و الطیر لا یشبه أرزاقکم فی الطیب و الحسن أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ یعنی أ فبالشیطان یصدقون بأن مع اللّه- عز و جل- شریکا وَ بِنِعْمَتِ اللَّهِ الذی أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف هُمْ یَکْفُرُونَ 72- بتوحید اللّه أ فلا یؤمنون برب هذه النعم فیوحدونه ثم رجع إلی کفار مکة ثم ذکر عبادتهم الملائکة، فقال سبحانه: وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَمْلِکُ یعنی ما لا یقدر لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ یعنی المطر وَ الْأَرْضِ یعنی النبات شَیْئاً منه وَ لا یَسْتَطِیعُونَ 73- ذلک فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ یعنی الأشباه فلا تصفوا مع اللّه شریکا فإنه لا إله غیره إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ أن لیس له شریک وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 74- أن للّه شریکا، ثم ضرب للکفار مثلا لیعتبروا فقال: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْ‌ءٍ» «1» من الخیر و المنفعة فی طاعة اللّه- عز و جل- نزلت فی أبی الحواجر مولی هشام بن عمرو «2» ابن الحارث بن ربیعة القرشی من بنی عامر بن لؤی یقول فکذلک الکفار لا یقدر أن ینفق خیرا لمعاده، ثم قال- عز و جل-: وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً یعنی واسعا و هو المؤمن هشام فَهُوَ یُنْفِقُ مِنْهُ فیما ینفعه فی آخرته سِرًّا وَ جَهْراً یعنی علانیة هَلْ یَسْتَوُونَ الکافر الذی لا ینفق خیرا
______________________________
(1) «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوکاً»: ساقط من أ.
(2) فی أ: عمر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 479
لمعاده، و المؤمن الذی ینفق فی خیر لمعاده «1» ثم جمعهم فقال تعالی: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ 75- بتوحید اللّه- عز و جل- ثم قال سبحانه:
وَ ضَرَبَ اللَّهُ یعنی وصف اللّه مثلا آخر لنفسه- عز و جل- و الصنم لیعتبروا فقال [206 أ]: «وَ ضَرَبَ اللَّهُ» مَثَلًا یعنی شبها رَجُلَیْنِ أَحَدُهُما أَبْکَمُ یعنی الأخرس الذی لا یتکلم و هو الصنم لا یَقْدِرُ عَلی شَیْ‌ءٍ من المنفعة و الخیر وَ هُوَ کَلٌّ عَلی مَوْلاهُ یعنی الصنم عیال علی مولاه الذی یعبده ینفق علیه و یکنه من الحر و الشمس و یکنفه أَیْنَما یُوَجِّهْهُ یقول أینما یدعوه من شرق أو غرب من لیل أو نهار لا یَأْتِ بِخَیْرٍ یقول لا یجیئه بخیر هَلْ یَسْتَوِی هُوَ یعنی هذا الصنم وَ مَنْ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ یعنی الرب نفسه- عز و جل- یأمر بالتوحید وَ هُوَ عَلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 76- یعنی الرب نفسه- عز و جل- یقول أنا علی الحق المستقیم و یقال أحد الرجلین عثمان بن عفان- رضوان اللّه علیه- و الآخر أبو العاص بن أمیة بن عبد شمس بن عبد مناف بن زهرة وَ لِلَّهِ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و ذلک أن کفار مکة سألوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- متی الساعة؟ فأنزل اللّه- عز و جل- «وَ لِلَّهِ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» و غیب الساعة لیس ذلک إلی أحد من العباد ثم قال سبحانه: وَ ما أَمْرُ السَّاعَةِ یعنی أمر تأتی یعنی البعث إِلَّا کَلَمْحِ الْبَصَرِ یعنی کرجوع الطرف أَوْ هُوَ أَقْرَبُ یقول بل هو
______________________________
(1) و فی البیضاوی: (مثل ما یشرک به بالمملوک العاجز عن التصرف رأسا و مثل نفسه بالحر المالک الذی رزقه اللّه ما لا کثیرا فهو یتصرف و ینفق منه کیف شاء و احتج بامتناع الإشراک و التسویة بینهما مع تشارکهما فی الجنسیة و المخلوقیة علی امتناع التسویة بین الأصنام التی هی أعجز المخلوقات و بین اللّه الغنی القادر علی الإطلاق و قیل هو تمثیل للکافر المخذول و المؤمن الموفق). (و هذا قول مقاتل)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 480
أسرع من لمح البصر إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من البعث و غیره قَدِیرٌ- 77- وَ اللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً فعلمکم بعد ذلک الجهل وَ جَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ یعنی القلوب لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ 78- رب هذه النعم- تعالی ذکره- فی حسن خلقکم فتوحدونه ثم وعظ کفار مکة لیعتبروا فقال- عز و جل:- أَ لَمْ یَرَوْا یعنی ألا ینظروا إِلَی الطَّیْرِ مُسَخَّراتٍ فِی جَوِّ السَّماءِ یعنی فی کید السماء ما یُمْسِکُهُنَ عند بسط الأجنحة و عند قبضها أحد إِلَّا اللَّهُ تبارک و تعالی إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ یعنی إن فی هذه لعبرة لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ 79- یعنی یصدقون بتوحید اللّه- عز و جل- ثم ذکرهم النعم فقال سبحانه: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ بُیُوتِکُمْ سَکَناً تسکنون فیه وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُیُوتاً یعنی مما علی جلودها من أصوافها، و أوبارها، و أشعارها تتخذون منها بیوتا یعنی الأبنیة و الخیم، و الفساطیط، و غیرها تَسْتَخِفُّونَها فی الحمل یَوْمَ ظَعْنِکُمْ یعنی حین رحلتکم و أسفارکم و تستخفونها وَ یَوْمَ إِقامَتِکُمْ حین تقیمون فی الأسفار و تستخفونها یعنی الأبیات التی تتخذونها و لا یشق علیکم ضرب الأبنیة، ثم قال سبحانه: وَ مِنْ أَصْوافِها یعنی الضأن وَ أَوْبارِها یعنی الإبل وَ أَشْعارِها یعنی المعز أَثاثاً یعنی الثیاب التی تتخذ منها وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ 80- یعنی بلاغا إلی أن تبلی، ثم قال: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا یعنی البیوت و الأبنیة وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْجِبالِ أَکْناناً لتسکنوا فیها یعنی البیوت و الأبنیة [206 ب وَ جَعَلَ لَکُمْ سَرابِیلَ تَقِیکُمُ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 481
یعنی القمص تقیکم الْحَرَّ یعنی من الکتان، و القطن «1»، و الصوف وَ سَرابِیلَ تَقِیکُمْ بَأْسَکُمْ من القتل و الجراحات یعنی درع الحدید بإذن اللّه- عز و جل- کَذلِکَ یعنی هکذا یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْلِمُونَ 81- یعنی لکی تسلموا نظیرها فی سبأ «2»، و الأنبیاء «وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَکُمْ لِتُحْصِنَکُمْ مِنْ بَأْسِکُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاکِرُونَ» «3» یعنی فهل أنتم مخلصون لکی تخلصوا إلیه بالتوحید فَإِنْ تَوَلَّوْا یقول فإن أعرضوا عن التوحید فَإِنَّما عَلَیْکَ الْبَلاغُ الْمُبِینُ 82- یقول علیک یا محمد- صلی اللّه علیه و سلم- أن تبلغ و تبین لهم أن اللّه- عز و جل- واحد لا شریک له.
یَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ التی ذکرهم فی هؤلاء الآیات من قوله- عز و جل-: «جَعَلَ لَکُمْ مِنْ بُیُوتِکُمْ سَکَناً ...» إلی أن قال «... لَعَلَّکُمْ تُسْلِمُونَ» «4» فتعرفون هذه النعم أنها کلها من اللّه- عز و جل- و ذلک أن کفار مکة کانوا إذا سئلوا من أعطاکم هذا الخیر، قالوا: اللّه أعطانا. فإن دعوا إلی التوحید
______________________________
(1) فی حاشیة أ ما یأتی: فی القطن ثلاث لغات ضم الطاء و إسکانها و تشدید النون مع الضم للطاء أیضا و شبهه الجبن و البدن.
(2) یشیر إلی الآیات: 15، 16، 17، 18، 19 من سورة سبأ.
(3) سورة الأنبیاء الآیة: 80. و لیس فی سورة سبأ ما یماثل هذه الآیة فی اللفظ. و إن کانت الآیات 15- 19 تقرب منها فی المعنی.
(4) الآیتان 80، 81 من سورة النحل و هما:
وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ بُیُوتِکُمْ سَکَناً، وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُیُوتاً تَسْتَخِفُّونَها یَوْمَ ظَعْنِکُمْ وَ یَوْمَ إِقامَتِکُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ. وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْجِبالِ أَکْناناً وَ جَعَلَ لَکُمْ سَرابِیلَ تَقِیکُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِیلَ تَقِیکُمْ بَأْسَکُمْ کَذلِکَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْلِمُونَ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 482
للذی أعطاهم، قالوا إنما ورثناه عن آبائنا، فذلک قوله- عز و جل-:
ثُمَّ یُنْکِرُونَها وَ أَکْثَرُهُمُ الْکافِرُونَ 83- بتوحید رب هذه النعم- تعالی ذکره- ثم قال- جل اسمه: وَ یَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیداً یعنی نبیها شاهدا علی أمته بالرسالة أنه بلغهم «1» ثُمَّ لا یُؤْذَنُ لِلَّذِینَ کَفَرُوا فی الاعتذار وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ 84- نظیرها «یَوْمَ لا یَنْفَعُ الظَّالِمِینَ مَعْذِرَتُهُمْ» «2» وَ إِذا رَأَی یعنی و إذا عاین الَّذِینَ ظَلَمُوا یعنی کفروا الْعَذابَ یعنی النار فَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ یعنی العذاب وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ 85- یعنی و لا یناظر بهم فذلک قوله- سبحانه:
یَوْمَ لا یَنْفَعُ الظَّالِمِینَ مَعْذِرَتُهُمْ « «3»» وَ إِذا رَأَی الَّذِینَ أَشْرَکُوا شُرَکاءَهُمْ من الأصنام اللات، و العزی، و مناة، قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَکاؤُنَا الَّذِینَ کُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِکَ یعنی نعبد من دونک فَأَلْقَوْا إِلَیْهِمُ الْقَوْلَ فردت شرکاؤهم علیهم القول إِنَّکُمْ لَکاذِبُونَ 86- ما کنا لکم آلهة وَ أَلْقَوْا إِلَی اللَّهِ یَوْمَئِذٍ السَّلَمَ یعنی کفار مکة استسلموا له و خضعوا له وَ ضَلَّ عَنْهُمْ فی الآخرة ما کانُوا یَفْتَرُونَ 87- یعنی یشرکون من الکذب فی الدنیا بأن مع اللّه شریکا الَّذِینَ کَفَرُوا بتوحید اللّه وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یعنی منعوا الناس من دین اللّه الإسلام و هم القادة فی الکفر یعنی کفار مکة زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما کانُوا یُفْسِدُونَ 88- یعنی یعملون فی الأرض بالمعاصی و ذلک أنه یجری من تحت العرش علی رءوس أهل النار خمسة أنهار من نحاس ذائب. و لهب من نار.
______________________________
(1) فی أ: ثم قال.
(2- 3) سورة غافر الآیة 52 و تمامها: «یَوْمَ لا یَنْفَعُ الظَّالِمِینَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 483
نهران یجریان علی مقدار نهار الدنیا و ثلاثة أنهار علی مقدار لیل الدنیا فتلک الزیادة [207 أ] فذلک قوله سبحانه: «یُرْسَلُ عَلَیْکُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ» «1» وَ یَوْمَ نَبْعَثُ فِی کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیداً عَلَیْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ یعنی نبیهم و هو شاهد علی أمته أنه بلغهم الرسالة وَ جِئْنا بِکَ یا محمد شَهِیداً عَلی هؤُلاءِ یعنی أمة محمد- صلی اللّه علیه و سلم- أنه بلغهم الرسالة وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ‌ءٍ من أمره، و نهیه، و وعده، و وعیده، و خبر الأمم الخالیة و هذا القرآن وَ هُدیً «2» من الضلالة وَ رَحْمَةً من العذاب لمن عمل به وَ بُشْری یعنی ما فیه من الثواب لِلْمُسْلِمِینَ 89- یعنی المخلصین. إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ بالتوحید وَ الْإِحْسانِ یعنی العفو عن الناس وَ إِیتاءِ یعنی و إعطاء ذِی الْقُرْبی المال یعنی صلة «3» قرابة الرجل کقوله: وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ «4» یعنی صلته، ثم قال سبحانه: وَ یَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ یعنی المعاصی وَ الْمُنْکَرِ یعنی الشرک و ما لا یعرف من القول وَ الْبَغْیِ یعنی ظلم الناس یَعِظُکُمْ یعنی یؤدبکم لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ 90- یعنی لکی تذکروا فتتأدبوا «5». لما نزلت هذه الآیة بمکة قال أبو طالب ابن عبد المطلب: یا آل غالب «6» اتبعوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- تفلحوا
______________________________
(1) سورة الرحمن: 35.
(2) فی أ: «هدی».
(3) فی أ: صلته.
(4) سورة الإسراء: 26.
(5) فی أ: فیتأدبوا.
(6) فی أ، ل: غالب. و لعلها محرفة عن طالب.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 484
و ترشدوا و اللّه إن ابن أخی لیأمر بمکارم الأخلاق، و بالأمر الحسن، و لا یأمر إلا بحسن الأخلاق، و اللّه لئن کان محمد- صلی اللّه علیه و سلم- صادقا أو کاذبا ما یدعوکم إلا إلی الخیر، فبلغ ذلک الولید بن المغیرة فقال: إن کان محمد- صلی اللّه علیه و سلم- قاله، فنعم ما قال، و إن إلهه قاله، فنعم ما قال، فأتنا بلسانه و لم یصدق محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- بما جاء به و لم یتبعه، فنزلت «أَ فَرَأَیْتَ الَّذِی تَوَلَّی وَ أَعْطی قَلِیلًا» بلسانه «وَ أَکْدی «1» یعنی و قطع ذلک، ثم قال- عز و جل-: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَیْمانَ بَعْدَ تَوْکِیدِها یقول لا تنقضوا الأیمان بعد تشدیدها و تغلیظها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَیْکُمْ کَفِیلًا یعنی شهیدا فی وفاء العهد إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ 91- فی الوفاء و النقض، ثم ضرب مثلا لمن ینقض العهد، فقال سبحانه: وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها یعنی امرأة من قریش حمقاء مصاحبة «2» أسلمت بمکة تسمی ریطة بنت عمرو بن کعب بن سعد بن تیم ابن مرة، و سمیت جعرانة لحماقتها، و کانت إذا غزلت الشعر أو الکتان نقضته قال اللّه- عز و جل-: لا تنقضوا العهود بعد توکیدها کما نقضت المرأة الحمقاء غزلها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ من بعد ما أبرمته أَنْکاثاً یعنی نقضا، فلا هی ترکت الغزل فینتفع به، و لا هی کفت عن العمل. فذلک الذی یعطی العهد، ثم ینقضه، لا هو حین أعطی العهد و فی به، و لا هو ترک العهد فلم یعطه- من بعد قوة- یعنی [207 ب من بعد جده و لم یأثم بربه، ثم قال سبحانه: تَتَّخِذُونَ أَیْمانَکُمْ
______________________________
(1) سورة النجم: 33- 34.
(2) ورد فی لباب النقول للسیوطی: 134. أنها کانت مجنونة تجمع الشعر و اللیف، فنزلت هذه، و فی أ، ل: مصاحبة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 485
یعنی العهد دَخَلًا بَیْنَکُمْ یعنی مکرا و خدیعة یستحل به نقض «1» العهد أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبی مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما یَبْلُوکُمُ اللَّهُ بِهِ یعنی إنما یبتلیکم اللّه بالکثرة وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَکُمْ یعنی من لا یفی منکم بالعهد یعنی و لیحکمن بینکم یَوْمَ الْقِیامَةِ «ما کُنْتُمْ» «2» فِیهِ من الدین تَخْتَلِفُونَ 92- ثم قال سبحانه:
وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً واحِدَةً یعنی علی ملة الإسلام وَ لکِنْ یُضِلُ عن الإسلام مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی إلی الإسلام مَنْ یَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَ یوم القیامة عَمَّا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 93- فی الدنیا، ثم قال سبحانه: وَ لا تَتَّخِذُوا أَیْمانَکُمْ یعنی العهد دَخَلًا بَیْنَکُمْ بالمکر و الخدیعة فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها یقول إن ناقض العهد یزل فی دینه کما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة وَ تَذُوقُوا السُّوءَ یعنی العقوبة بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ یعنی بما منعتم الناس عن دین اللّه الإسلام وَ لَکُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ 94- فی الآخرة. ثم وعظهم فقال سبحانه: وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلًا یقول و لا تبیعوا الوفاء بالعهد فتنقضونه بعرض یسیر من الدنیا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب لمن و فی منکم بالعهد هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ من العاجل إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 95- ثم زهدهم فی الأموال فقال سبحانه: ما عِنْدَکُمْ من الأموال إضمار یَنْفَدُ یعنی یفنی وَ ما عِنْدَ اللَّهِ فی الآخرة من الثواب باقٍ یعنی دائم لا یزول عن أهله وَ لَنَجْزِیَنَّ الَّذِینَ صَبَرُوا علی أمر اللّه- عز و جل- فی وفاء العهد فی الآخرة أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یعنی بأحسن الذی کانوا یَعْمَلُونَ
______________________________
(1) فی أ: بعض.
(2) فی أ: (فیما کنتم)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 486
- 96- فی الدنیا و یعفو عن سیئاتهم فلا یجزیهم بها أبدا. نزلت فی امرئ القیس بن عباس الکندی، حین حکم عبدان بن أشرع الحضرمی فی أرضه و راده علی حقه. ثم قال تعالی: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ یعنی مصدق بتوحید اللّه- عز و جل- فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً یعنی حیاة حسنة فی الدنیا وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ یعنی جزاءهم فی «1» الآخرة بأحسن ما کانُوا بأحسن الذی کانوا یَعْمَلُونَ 97- فی الدنیا، و لهم مساوئ لا یجزیهم بها أبدا، فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فی الصلاة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ 98- یعنی إبلیس الملعون إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطانٌ یعنی ملک عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا فی علم اللّه فی الشرک فیضلهم عن الهدی وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ 99- یقول باللّه یتقون إِنَّما سُلْطانُهُ یعنی ملکه عَلَی الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ یعنی یتبعونه علی أمره فیضلهم عن دینهم الإسلام وَ الَّذِینَ هُمْ بِهِ یعنی باللّه مُشْرِکُونَ 100- کقوله سبحانه: وَ ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ «2» [208 أ] من ملک یعنی إبلیس علی أمره. قوله- عز و جل: وَ إِذا بَدَّلْنا آیَةً مَکانَ آیَةٍ یعنی و إذا حولنا آیة فیها شدة «3» فنسخناها و جئنا مکانها بغیرها ألین منها وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یُنَزِّلُ من التبدیل من غیره قالُوا «4» قال کفار مکة للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ یعنی متقول علی اللّه الکذب من تلقاء نفسک قلت
______________________________
(1) فی أ: یعنی جزاؤهم.
(2) سورة إبراهیم: 22.
(3) فی أ: تقدیم، ل: شدة.
(4) فی أ، ل: (قال)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 487
کذا و کذا ثم نقضته و جئت بغیره «1» بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ 101- أن اللّه أنزله فإنک لا تقول إلا ما قد قیل لک قُلْ یا محمد لکفار مکة هذا القرآن نَزَّلَهُ علی رُوحُ الْقُدُسِ یعنی جبریل- علیه السّلام- مِنْ رَبِّکَ بِالْحَقِ لم ینزله باطلا لِیُثَبِّتَ یعنی لیستیقن «2» الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا بما فی القرآن من الثواب وَ هُدیً من الضلالة وَ بُشْری لما فیه من الرحمة لِلْمُسْلِمِینَ 102- یعنی المخلصین بالتوحید و أنزل اللّه- عز و جل «یَمْحُوا اللَّهُ ما یَشاءُ» من القرآن «وَ یُثْبِتُ» فینسخه و یثبت الناسخ «وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ» «3» وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّما یُعَلِّمُهُ بَشَرٌ و ذلک أن غلاما لعامر بن الحضرمی القرشی یهودیا أعجمیا کان یتکلم بالرومیة یسمی یسار و یکنی أبا فکیهة کان کفار مکة إذا رأوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یحدثه قالوا: إنما یعلمه یسار، أبو فکیهة «4»، فأنزل اللّه- تعالی «وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّما یُعَلِّمُهُ بَشَرٌ»، ثم أخبر عن کذبهم فقال سبحانه: لِسانُ الَّذِی یُلْحِدُونَ إِلَیْهِ یعنی یمیلون کقوله- سبحانه: وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ «5» یعنی یمیل أَعْجَمِیٌ رومی یعنی أبا فکیهة وَ هذا القرآن لِسانٌ عَرَبِیٌّ مُبِینٌ 103- یعنی بین یعقلونه نظیرها فی «حم السجدة» قوله- سبحانه:
وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِیًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آیاتُهُ ءَ أَعْجَمِیٌّ وَ عَرَبِیٌ «6» لقالوا محمد
______________________________
(1) فی أ، ل زیادة: «وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یُنَزِّلُ» من التبدیل و غیره. و لیس هذا مکانها، فأرجعتها إلی مکانها.
(2) فی أ: لیستعین.
(3) سورة الرعد: 39.
(4) هکذا فی أ، ل.
(5) سورة الحج: 25.
(6) سورة فصلت: 44.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 488
- صلی اللّه علیه و سلم- عربی و القرآن أعجمی فذلک قوله سبحانه: قُرْآناً أَعْجَمِیًّا ...
إلی آخر الآیة. فضربه سیده فقال: إنک تعلم محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- فقال أبو فکیهة: بل هو یعلمنی. فأنزل اللّه- عز و جل- فی قولهم: وَ إِنَّهُ لَتَنْزِیلُ رَبِّ الْعالَمِینَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ «1» لقولهم إنما یعلم محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- یسار أبو فکیهة. ثم قال: إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ «بِآیاتِ اللَّهِ» «2» یعنی لا یصدقون بالقرآن أنه جاء من اللّه- عز و جل- و یزعمون أن محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- یتعلم من أبی فکیهة لا یَهْدِیهِمُ اللَّهُ لدینه وَ لَهُمْ فی الآخرة عَذابٌ أَلِیمٌ 104- یعنی وجیع، ثم رجع إلی قول المشرکین حین قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- إنما أنت مفتر تقول هذا القرآن من تلقاء نفسک، فأنزل اللّه تعالی: إِنَّما یَفْتَرِی یعنی یتقول الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللَّهِ یعنی لا یصدقون بالقرآن أنه جاء من اللّه- عز و جل- وَ أُولئِکَ هُمُ الْکاذِبُونَ 105- [208 ب فی قولهم للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- إنه مفتر مَنْ کَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ نزلت فی عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح القرشی، و مقیس ابن ضبابة اللیثی، و عبد اللّه بن أنس بن حنظل من بنی تمیم بن مرة، و طعمة بن أبیرق الأنصاری من بنی ظفر بن الحارث، و قیس بن الولید بن المغیرة المخزومی، و قیس بن الفاکه بن المغیرة المخزومی، قتلا ببدر، ثم استثنی فقال: إِلَّا مَنْ أُکْرِهَ علی الکفر وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ یعنی راض بِالْإِیمانِ کقوله-
______________________________
(1) سورة الشعراء: 192، 193.
(2) ساقطة من أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 489
عز و جل-: فَإِنْ أَصابَهُ خَیْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ «1» نزلت فی جبر غلام عامر بن الحضرمی کان یهودیا فأسلم حین سمع أمر یوسف و إخوته فضربه سیده حتی یرجع إلی الیهودیة، ثم قال- عز و جل-: وَ لکِنْ مَنْ شَرَحَ من وسع بِالْکُفْرِ صَدْراً إلی أربع آیات یعنی عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح و هؤلاء المسلمین فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ 106- فی الآخرة ذلِکَ الغضب و العذاب بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا یعنی اختاروا الْحَیاةَ الدُّنْیا الفانیة، عَلَی الْآخِرَةِ الباقیة وَ أَنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی إلی دینه الْقَوْمَ الْکافِرِینَ 107- ثم أخبر عنهم فقال سبحانه: أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ یعنی ختم اللّه عَلی قُلُوبِهِمْ بالکفر وَ علی سَمْعِهِمْ وَ علی أَبْصارِهِمْ فهم لا یسمعون الهدی و لا یبصرونه وَ أُولئِکَ هُمُ الْغافِلُونَ 108- عن الآخرة، لا جَرَمَ قسما حقا أَنَّهُمْ فِی الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ 109- ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ هاجَرُوا من مکة إلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بالمدینة مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا یعنی من بعد ما عذبوا علی الإیمان بمکة ثُمَّ جاهَدُوا مع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها یعنی من بعد الفتنة لَغَفُورٌ لما سلف من ذنوبهم رَحِیمٌ 110- بهم فیها. نزلت فی عیاش بن أبی ربیعة المخزومی، و أبی جندل بن سهیل بن عمرو القرشی من بنی عامر بن لؤی، و سلمة بن هشام ابن المغیرة، و الولید بن المغیرة المخزومی، و عبد اللّه بن أسید الثقفی، یَوْمَ تَأْتِی کُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ یعنی تخاصم عَنْ نَفْسِها وَ تُوَفَّی یعنی و توفر «2» کُلُّ نَفْسٍ
______________________________
(1) سورة الحج: 11
(2) فی أ: و توفر و تنبا، ل: و توفی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 490
بر و فاجر ما عَمِلَتْ فی الدنیا من خیر أو شر وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ 111- فی أعمالهم و لا تسأل الرجعة کل نفس فی القرآن إلا کافرة وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا یعنی وصف اللّه شبها قَرْیَةً یعنی مکة کانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً أهلها من القتل و السبی یَأْتِیها رِزْقُها رَغَداً یعنی ما شاءوا «1» مِنْ کُلِّ مَکانٍ یعنی من کل النواحی من الیمن، و الشام، و الحبش ثم بعث فیهم محمد- صلی اللّه علیه و سلم- رسولا یدعوهم إلی معرفة رب هذه النعم و توحیده- جل ثناؤه- فإنه من لم یوحده لا یعرفه فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ حین لم یوحدوه [209 أ] و قد جعل اللّه لهم «2» الرزق، و الأمن فی الجاهلیة نظیرها فی القصص و العنکبوت قوله سبحانه:
یُجْبی إِلَیْهِ ثَمَراتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ «3» و قوله- عز و جل- فی العنکبوت أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ یُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ «4» فَأَذاقَهَا اللَّهُ فی الإسلام ما کان دفع عنها فی الجاهلیة لِباسَ الْجُوعِ سبع سنین وَ الْخَوْفِ یعنی القتل بِما کانُوا یَصْنَعُونَ 112- یعنی بما کانوا یعملون من الکفر و التکذیب وَ لَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- مِنْهُمْ یعرفونه و لا ینکرونه فَکَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ یعنی الجوع سبع سنین وَ هُمْ ظالِمُونَ 113- فَکُلُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ یا معشر المسلمین ما حرمت «5» قریش، و ثقیف، و خزاعة، و بنو مدلج، «و عامر بن
______________________________
(1) فی أ: ما یشاءوا، ل: ما شاءوا.
(2) فی أ: لکم، ل: لهم.
(3) سورة القصص: 57.
(4) سورة العنکبوت: 67.
(5) فی أ، ل: ما حرمت.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 491
صعصعة، و الحارث، و عامر بن عبد مناة، للآلهة من الحرث» «1» و الأنعام حَلالًا طَیِّباً وَ اشْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ فیما رزقکم من تحلیل الحرث و الأنعام إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ 114- و لا تحرموا ما أحل اللّه لکم من الحرث و الأنعام ثم بین ما حرم قال- عز و جل-: إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِیرِ وَ ما أُهِلَ یعنی و ما ذبح لِغَیْرِ اللَّهِ بِهِ من الآلهة فَمَنِ اضْطُرَّ إلی شی‌ء مما حرم اللّه- عز و جل- فی هذه الآیة غَیْرَ باغٍ یستحلها فی دینه وَ لا عادٍ یعنی و لا معتد «2» لم یضطر إلیه فأکله فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لما أصاب من الحرام رَحِیمٌ 115- بهم حین أحل لهم عند الاضطرار ثم عاب من حرم ما أحل اللّه- عز و جل- فقال سبحانه: وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ یعنی لما تقول أَلْسِنَتُکُمُ الْکَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ یعنی ما حرموا للآلهة من الحرث و الأنعام و ما أحلوا منها لِتَفْتَرُوا عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ یعنی یزعمون أن اللّه- عز و جل- أمرهم بتحریم الحرث و الأنعام، ثم خوفهم فقال سبحانه:
إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ بأنه أمر بتحریمه لا یُفْلِحُونَ 116- فی الآخرة یعنی لا یفوزون ثم استأنف فقال سبحانه: مَتاعٌ قَلِیلٌ یتمتعون فی الدنیا وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ 117- یقول فی الآخرة یصیرون إلی عذاب وجیع، ثم بین ما حرم علی الیهود فقال سبحانه: وَ عَلَی الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَیْکَ مِنْ قَبْلُ فی سورة الأنعام قبل سورة النحل قال سبحانه-
______________________________
(1) ما بین الأقواس من ل. و هو ساقط من: أ.
(2) فی أ، ل: و لا معتدی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 492
«وَ عَلَی الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا کُلَ «1» ذِی ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَیْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوایا» یعنی المبعر «أَوْ مَا اخْتَلَطَ» من الشحم «بِعَظْمٍ» «2» فهو لهم حلال من قبل سورة النحل وَ ما ظَلَمْناهُمْ بتحریمنا علیهم الشحوم و اللحوم و کل ذی ظفر وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ 118- بقتلهم الأنبیاء و استحلال الربا و الأموال و بصدهم الناس عن دین اللّه- عز و جل- ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ نزلت [209 ب فی جبر غلام ابن الحضرمی أکره علی الکفر بعد إسلامه و قلبه مطمئن بالإیمان یقول راض بالإیمان فعمد النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فاشتراه و حل وثاقه. و تاب من الکفر و زوجه مولاة لبنی عبد الدار فأنزل اللّه- عز و جل- فیه «ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ» فکل ذنب من المؤمن فهو جهل منه ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِکَ السوء وَ أَصْلَحُوا العمل إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ یعنی من بعد الفتنة لغفور لما سلف من ذنوبهم رَحِیمٌ 119- بهم فیما بقی إِنَّ إِبْراهِیمَ کانَ أُمَّةً یعنی معلما یعنی إماما یقتدی به فی الخیر قانِتاً مطیعا لِلَّهِ حَنِیفاً یعنی مخلصا وَ لَمْ یَکُ مِنَ الْمُشْرِکِینَ 120- یهودیا و لا نصرانیا شاکِراً لِأَنْعُمِهِ یعنی لأنعم اللّه- عز و جل- اجْتَباهُ یعنی استخلصه للرسالة و النبوة وَ هَداهُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 121- یعنی إلی دین مستقیم و هو الإسلام وَ آتَیْناهُ فِی الدُّنْیا حَسَنَةً
______________________________
(1) فی أ: علی.
(2) سورة الأنعام الآیة 146 و تمامها: «وَ عَلَی الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا کُلَّ ذِی ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَیْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوایا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِکَ جَزَیْناهُمْ بِبَغْیِهِمْ وَ إِنَّا لَصادِقُونَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 493
یقول و أعطینا إبراهیم فی الدنیا مقالة حسنة بمضیته و صبره علی رضا ربه «1»- عز و جل- حین ألقی فی النار و کسر الأصنام و أراد ذبح ابنه إسحاق، و الثناء الحسن «2» من أهل الأدیان کلهم یتولونه جمیعا «و لا یتبرأ منه أحد منهم» «3» وَ إِنَّهُ فِی الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِینَ 122- ثُمَّ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ یا محمد أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً یعنی الإسلام حنیفا یعنی مخلصا وَ ما کانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ 123- إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَی الَّذِینَ اخْتَلَفُوا فِیهِ یوم السبت و ذلک أن موسی- علیه السلام- أمر بنی إسرائیل أن یتفرغوا کل سبعة أیام للعبادة، یعنی یوم الجمعة، و أن یترکوا فیه عمل دنیاهم. فقالوا لموسی- علیه السلام-:
نتفرغ یوم السبت، فإن اللّه- تعالی- لم یخلق یوم السبت شیئا فاجعل لنا السبت عیدا نتعبد فیه. فقال موسی- علیه السلام-: إنما أمرت بیوم الجمعة. فقال أحبارهم: انظروا إلی ما یأمرکم به نبیکم فانتهوا «4» إلیه، و خذوا به.
فأبوا إلا یوم السبت فلما رأی موسی- علیه السلام- حرصهم علی یوم السبت و اجتماعهم علیه أمرهم به، فاستحلوا فیه المعاصی، فذلک قوله- عز و جل-:
«إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَی الَّذِینَ اخْتَلَفُوا فِیهِ» یقول إنما أمر بالسبت علی الذین کان اختلافهم فیه حین قال بعضهم: یوم السبت. و قال بعضهم: اتبعوا أمر نبیکم فی الجمعة. ثم قال- سبحانه-: وَ إِنَّ رَبَّکَ لَیَحْکُمُ یعنی لیقضی بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ فِیما کانُوا فِیهِ یعنی فی السبت یَخْتَلِفُونَ
______________________________
(1) فی أ: رضا به، ل: رضا ربه.
(2) فی أ: فی، ل: من.
(3) من ل، و فی أ: و لا یبرأ منه أحد.
(4) فانتهوا: ساقطة من ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 494
- 124- ثم إن اللّه- عز و جل- قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-:
ادْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّکَ یعنی دین ربک و هو الإسلام بِالْحِکْمَةِ یعنی بالقرآن وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ یعنی بما فیه من الأمر و النهی [210 أ] وَ جادِلْهُمْ یعنی أهل الکتاب بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ بما فی القرآن من الأمر و النهی إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ یعنی دینه الإسلام وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ 125- یعنی بمن قدر اللّه له الهدی من غیره وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ و ذلک أن کفار مکة قتلوا یوم أحد طائفة من المؤمنین و مثلوا بهم منهم حمزة بن عبد المطلب، عم رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- بقروا بطنه و قطعوا مذاکیره و أدخلوها فی فیه، و حنظلة ابن أبی عامر غسیل الملائکة فحلف المسلمون للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- «لئن دالنا اللّه- عز و جل- منهم «1»» لنمثان بهم أحیاء فأنزل اللّه- عز و جل: «فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ» یقول مثلوا هم بموتاکم لا تمثلوا بالأحیاء منهم وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ عن المثلة لَهُوَ «2» خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ 126- من المثلة نزلت فی الأنصار ثم قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: و کانوا مثلوا بعمه حمزة ابن عبد المطلب- علیه السلام- وَ اصْبِرْ علی المثلة البتة وَ ما صَبْرُکَ إِلَّا بِاللَّهِ یقول أنا ألهمک حتی تصبر
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- للأنصار: إنی قد أمرت بالصبر البتة أ فتصبرون؟ قالوا: یا رسول اللّه، أما إذ صبرت و أمرت بالصبر فإنا نصبر
یقول اللّه تعالی: وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ إن تولوا عنک
______________________________
(1) فی ل: لئن أدالنا اللّه عز و جل علیهم. أ: دالنا اللّه عز و جل.
(2) فی أ: فهو.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 495
فلم یجیبوک إلی الإیمان وَ لا تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ 127- یقول لا یضیقن صدرک مما یمکرون یعنی مما یقولون یعنی کفار مکة حین قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أیام الموسم هذا دأبنا و دأبک و هم الخراصون و هم المستهزءون. فضاق صدر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بما قالوا. یقول اللّه- عز و جل-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا الشرک فی العون و النصر لهم وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ 128- یعنی فی إیمانهم.
***
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 497

سورة الإسراء

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 499

[سورة الإسراء (17): الآیات 1 الی 111]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
سُبْحانَ الَّذِی أَسْری بِعَبْدِهِ لَیْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَی الْمَسْجِدِ الْأَقْصَی الَّذِی بارَکْنا حَوْلَهُ لِنُرِیَهُ مِنْ آیاتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (1) وَ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ وَ جَعَلْناهُ هُدیً لِبَنِی إِسْرائِیلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِی وَکِیلاً (2) ذُرِّیَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ کانَ عَبْداً شَکُوراً (3) وَ قَضَیْنا إِلی بَنِی إِسْرائِیلَ فِی الْکِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِی الْأَرْضِ مَرَّتَیْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا کَبِیراً (4)
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَیْکُمْ عِباداً لَنا أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّیارِ وَ کانَ وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِیَسُوؤُا وُجُوهَکُمْ وَ لِیَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ کَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِیُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِیراً (7) عَسی رَبُّکُمْ أَنْ یَرْحَمَکُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْکافِرِینَ حَصِیراً (8) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ وَ یُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً کَبِیراً (9)
وَ أَنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً (10) وَ یَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَیْرِ وَ کانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (11) وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ وَ النَّهارَ آیَتَیْنِ فَمَحَوْنا آیَةَ اللَّیْلِ وَ جَعَلْنا آیَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّکُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ وَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِیلاً (12) وَ کُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ کِتاباً یَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ کِتابَکَ کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً (14)
مَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولاً (15) وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنا مُتْرَفِیها فَفَسَقُوا فِیها فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِیراً (16) وَ کَمْ أَهْلَکْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَ کَفی بِرَبِّکَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِیراً بَصِیراً (17) مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ یَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعی لَها سَعْیَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ کانَ سَعْیُهُمْ مَشْکُوراً (19)
کُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّکَ وَ ما کانَ عَطاءُ رَبِّکَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَکْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَکْبَرُ تَفْضِیلاً (21) لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) وَ قَضی رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ کِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً کَرِیماً (23) وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً (24)
رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما فِی نُفُوسِکُمْ إِنْ تَکُونُوا صالِحِینَ فَإِنَّهُ کانَ لِلْأَوَّابِینَ غَفُوراً (25) وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ وَ الْمِسْکِینَ وَ ابْنَ السَّبِیلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِیراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِینَ کانُوا إِخْوانَ الشَّیاطِینِ وَ کانَ الشَّیْطانُ لِرَبِّهِ کَفُوراً (27) وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّکَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَیْسُوراً (28) وَ لا تَجْعَلْ یَدَکَ مَغْلُولَةً إِلی عُنُقِکَ وَ لا تَبْسُطْها کُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29)
إِنَّ رَبَّکَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ إِنَّهُ کانَ بِعِبادِهِ خَبِیراً بَصِیراً (30) وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ خَشْیَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِیَّاکُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ کانَ خِطْأً کَبِیراً (31) وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنی إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِیلاً (32) وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ کانَ مَنْصُوراً (33) وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتَّی یَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کانَ مَسْؤُلاً (34)
وَ أَوْفُوا الْکَیْلَ إِذا کِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِیمِ ذلِکَ خَیْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِیلاً (35) وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (36) وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (37) کُلُّ ذلِکَ کانَ سَیِّئُهُ عِنْدَ رَبِّکَ مَکْرُوهاً (38) ذلِکَ مِمَّا أَوْحی إِلَیْکَ رَبُّکَ مِنَ الْحِکْمَةِ وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقی فِی جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39)
أَ فَأَصْفاکُمْ رَبُّکُمْ بِالْبَنِینَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِکَةِ إِناثاً إِنَّکُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِیماً (40) وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِی هذَا الْقُرْآنِ لِیَذَّکَّرُوا وَ ما یَزِیدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ کانَ مَعَهُ آلِهَةٌ کَما یَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلی ذِی الْعَرْشِ سَبِیلاً (42) سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یَقُولُونَ عُلُوًّا کَبِیراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ إِنَّهُ کانَ حَلِیماً غَفُوراً (44)
وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَ جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِذا ذَکَرْتَ رَبَّکَ فِی الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلی أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ یَسْتَمِعُونَ إِلَیْکَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوی إِذْ یَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47) انْظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلاً (48) وَ قالُوا أَ إِذا کُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً (49)
قُلْ کُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِیداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا یَکْبُرُ فِی صُدُورِکُمْ فَسَیَقُولُونَ مَنْ یُعِیدُنا قُلِ الَّذِی فَطَرَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْکَ رُؤُسَهُمْ وَ یَقُولُونَ مَتی هُوَ قُلْ عَسی أَنْ یَکُونَ قَرِیباً (51) یَوْمَ یَدْعُوکُمْ فَتَسْتَجِیبُونَ بِحَمْدِهِ وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِیلاً (52) وَ قُلْ لِعِبادِی یَقُولُوا الَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّیْطانَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْ إِنَّ الشَّیْطانَ کانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِیناً (53) رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِکُمْ إِنْ یَشَأْ یَرْحَمْکُمْ أَوْ إِنْ یَشَأْ یُعَذِّبْکُمْ وَ ما أَرْسَلْناکَ عَلَیْهِمْ وَکِیلاً (54)
وَ رَبُّکَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلی بَعْضٍ وَ آتَیْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنْکُمْ وَ لا تَحْوِیلاً (56) أُولئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ وَ یَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ یَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّکَ کانَ مَحْذُوراً (57) وَ إِنْ مِنْ قَرْیَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِکُوها قَبْلَ یَوْمِ الْقِیامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِیداً کانَ ذلِکَ فِی الْکِتابِ مَسْطُوراً (58) وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآیاتِ إِلاَّ أَنْ کَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَ آتَیْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآیاتِ إِلاَّ تَخْوِیفاً (59)
وَ إِذْ قُلْنا لَکَ إِنَّ رَبَّکَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما یَزِیدُهُمْ إِلاَّ طُغْیاناً کَبِیراً (60) وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیناً (61) قالَ أَ رَأَیْتَکَ هذَا الَّذِی کَرَّمْتَ عَلَیَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ لَأَحْتَنِکَنَّ ذُرِّیَّتَهُ إِلاَّ قَلِیلاً (62) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُکُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (63) وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ وَ أَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ وَ رَجِلِکَ وَ شارِکْهُمْ فِی الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما یَعِدُهُمُ الشَّیْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (64)
إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ وَ کَفی بِرَبِّکَ وَکِیلاً (65) رَبُّکُمُ الَّذِی یُزْجِی لَکُمُ الْفُلْکَ فِی الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ کانَ بِکُمْ رَحِیماً (66) وَ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِیَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاکُمْ إِلَی الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَ کانَ الْإِنْسانُ کَفُوراً (67) أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ یَخْسِفَ بِکُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ یُرْسِلَ عَلَیْکُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ وَکِیلاً (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ یُعِیدَکُمْ فِیهِ تارَةً أُخْری فَیُرْسِلَ عَلَیْکُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّیحِ فَیُغْرِقَکُمْ بِما کَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ عَلَیْنا بِهِ تَبِیعاً (69)
وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلی کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِیلاً (70) یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِیَ کِتابَهُ بِیَمِینِهِ فَأُولئِکَ یَقْرَؤُنَ کِتابَهُمْ وَ لا یُظْلَمُونَ فَتِیلاً (71) وَ مَنْ کانَ فِی هذِهِ أَعْمی فَهُوَ فِی الْآخِرَةِ أَعْمی وَ أَضَلُّ سَبِیلاً (72) وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ لِتَفْتَرِیَ عَلَیْنا غَیْرَهُ وَ إِذاً لاتَّخَذُوکَ خَلِیلاً (73) وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلاً (74)
إِذاً لَأَذَقْناکَ ضِعْفَ الْحَیاةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ عَلَیْنا نَصِیراً (75) وَ إِنْ کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ لِیُخْرِجُوکَ مِنْها وَ إِذاً لا یَلْبَثُونَ خِلافَکَ إِلاَّ قَلِیلاً (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِیلاً (77) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کانَ مَشْهُوداً (78) وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ عَسی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)
وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْکَ سُلْطاناً نَصِیراً (80) وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً (81) وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ لا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إِلاَّ خَساراً (82) وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَی الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأی بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ کانَ یَؤُساً (83) قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلی شاکِلَتِهِ فَرَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدی سَبِیلاً (84)
وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِیلاً (85) وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ بِهِ عَلَیْنا وَکِیلاً (86) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ إِنَّ فَضْلَهُ کانَ عَلَیْکَ کَبِیراً (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلی أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ کانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیراً (88) وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ فَأَبی أَکْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ کُفُوراً (89)
وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً (90) أَوْ تَکُونَ لَکَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِیلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِیراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ کَما زَعَمْتَ عَلَیْنا کِسَفاً أَوْ تَأْتِیَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ قَبِیلاً (92) أَوْ یَکُونَ لَکَ بَیْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقی فِی السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِیِّکَ حَتَّی تُنَزِّلَ عَلَیْنا کِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّی هَلْ کُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93) وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدی إِلاَّ أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94)
قُلْ لَوْ کانَ فِی الْأَرْضِ مَلائِکَةٌ یَمْشُونَ مُطْمَئِنِّینَ لَنَزَّلْنا عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَکاً رَسُولاً (95) قُلْ کَفی بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ إِنَّهُ کانَ بِعِبادِهِ خَبِیراً بَصِیراً (96) وَ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِهِ وَ نَحْشُرُهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ عَلی وُجُوهِهِمْ عُمْیاً وَ بُکْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ کُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِیراً (97) ذلِکَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ کَفَرُوا بِآیاتِنا وَ قالُوا أَ إِذا کُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً (98) أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قادِرٌ عَلی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَیْبَ فِیهِ فَأَبَی الظَّالِمُونَ إِلاَّ کُفُوراً (99)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِکُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّی إِذاً لَأَمْسَکْتُمْ خَشْیَةَ الْإِنْفاقِ وَ کانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسی تِسْعَ آیاتٍ بَیِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِی إِسْرائِیلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّی لَأَظُنُّکَ یا مُوسی مَسْحُوراً (101) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّی لَأَظُنُّکَ یا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102) فَأَرادَ أَنْ یَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِیعاً (103) وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِی إِسْرائِیلَ اسْکُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِکُمْ لَفِیفاً (104)
وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً (105) وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَی النَّاسِ عَلی مُکْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا یُتْلی عَلَیْهِمْ یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَ یَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ کانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (108) وَ یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ یَبْکُونَ وَ یَزِیدُهُمْ خُشُوعاً (109)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَیًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنی وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَیْنَ ذلِکَ سَبِیلاً (110) وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ وَلِیٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ کَبِّرْهُ تَکْبِیراً (111)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 511
سورة الإسراء «1» «2»
______________________________
(1) أهداف السورة و مقاصدها یمکن أن نجمل مقاصد سورة الإسراء فیما یأتی:
تنزیه الحق- تعالی- و الإسراء بالنبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلی المسجد الأقصی، شکر نوح- علیه السلام-، و فساد حال بنی إسرائیل، و مکافأة الإحسان و الإساءة، و تقویم القرآن الخلائق، و تخلیق اللیل و النهار، و بیان الحکمة فی سیر الشمس و القمر و دورهما، و قراءة الکتب فی القیامة، و بیان الحکمة فی إرسال الرسل، و الشکوی من القرون الماضیة، و ذکر طلب الدنیا و الآخرة، و تفضیل بعض الخلق علی بعض، و جعل بر الوالدین بعد التوحید، و الأمر بالإحسان إلی الأقارب، و ترک الإسراف، و ذم البخل و النهی عن قتل الأولاد و عن الزنا، و عن قتل النفس ظلما، و عن أکل مال الیتیم، و عن التکبر، و کراهیة جمیع ذلک، و السؤال عن المقول و المسموع، و الرد علی المشرکین، و تسبیح الموجودات و تعبیر الکفار بطعنهم فی القرآن، و دعوة الحق الخلق، و إجابتهم له- تعالی- و تفضیل بعض الأنبیاء علی بعض، و تقرب المقربین إلی حضرة الحلال، و إهلاک القری قبیل القیامة، و فتنة الناس برؤیا النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، و إباء إبلیس من السجدة لآدم، و تسلیط اللّه إیاه علی الخلق، و تعدید النعم علی العباد، و إکرام بنی آدم، بیان أن قل أحد یدعی فی القیامة بکتابه، و دینه، و إمامه، و قصد المشرکین إلی إضلال الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- و إذلاله، و الأمر بإقامة الصلوات الخمس فی أوقاتها، و أمر الرسول- صلی اللّه علیه و سلم- بقیام اللیل، و وعده بالمقام المحمود، و تخصیصه بمدخل صدق، و مخرج صدق، و نزول القرآن بالشفاء و الرحمة، و بیان أن کل أحد یصدر منه ما یلیق به، و الإشارة إلی جواب مسألة الروح، و عجز الخلق عن الإتیان بمثل القرآن، و اقتراحات المشرکین علی رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم- و تفضیل حالهم فی عقوبات الآخرة: و بیان معجزات موسی، و مناظرة فرعون إیاه، و بیان الحکمة فی تفرقة القرآن، و تنزیه الحق- تعالی- عن الشریک و الولد فی: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ وَلِیٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ کَبِّرْهُ تَکْبِیراً».
(بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی: 288)***
(2) فی المصحف «سورة الإسراء» و لکنها فی النسخ «سورة بنی إسرائیل».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 512
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 571
سورة بنی إسرائیل مکیة کلها إلا هذه الآیات فإنهن مدنیات و هی قوله- تعالی:
«وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ ...» «1» الآیة.
و قوله- تعالی-: «إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ...» إلی قوله «... خُشُوعاً «2»».
و قوله- تعالی-: «إِنَّ رَبَّکَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ... «3»» الآیة.
و قوله- تعالی-: «وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ ... «4»» الآیة.
و قوله- تعالی-: «وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ ... «5»» الآیتین.
و قوله- تعالی-: «وَ إِنْ کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ ....» «6» الآیة.
عددها مائة و إحدی عشرة آیة کوفیة.
______________________________
(1) الآیة 80 من سورة الإسراء.
(2) الآیات 107، 108، 109.
(3) الآیة 60.
(4) الآیة 73.
(5) آیة 74، 75.
(6) آیة 71.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 513
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ سُبْحانَ یعنی عجب الَّذِی أَسْری بِعَبْدِهِ فی رجب یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لَیْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَی الْمَسْجِدِ الْأَقْصَی یعنی بیت المقدس «1» قبل الهجرة بسنة و فرضت علیه الصلوات الخمس تلک اللیلة و عرضت
______________________________
(1) فی أ زیادة کالآتی:
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل، قال: قال مقاتل: قال رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم: (لا تشد الرحال إلا لثلاث: المسجد الحرام و مسجدی هذا و المسجد الأقصی) یعنی مسجد بیت المقدس. قال و إن أول بقعة یبست من الأرض موضع صخرة بیت المقدس و هی أقرب إلی السماء بثمانیة عشر میلا، و ضحرة بیت المقدس موصولة بالصخرة التی ذکر اللّه- عز و جل- فی القرآن و قال إن اللّه- عز و جل- تکفل لمن سکن بیت المقدس إن فاته المال لم یفته الرزق. و من مات مقیما محتسبا بیت المقدس فکأنما مات فی السماء و من مات حول بیت المقدس فکأنما مات فی بیت المقدس. و ما نقص من الأرضین زید فی الأرض التی حول بیت المقدس و المیاه العذبة کلها تخرج من تحت صخرة بیت المقدس. و أول أرض بارک اللّه فیها أرض بیت المقدس و جعل الرب- تبارک و تعالی- مقامه یوم القیامة فی أرض بیت المقدس (کذا) و جعل صفوته من الأرضین کلها أرض بیت المقدس، و أرض بیت المقدس الأرض التی ذکرها اللّه- عز و جل- فی القرآن، فقال- سبحانه: «إِلَی الْأَرْضِ الَّتِی بارَکْنا فِیها لِلْعالَمِینَ» و قال اللّه- عز و جل- لموسی بن عمران- علیه السلام- «انطلق إلی أرض بیت المقدس فإن فیها ناری و نوری و تنوری» یعنی و فار التنور، و کلم اللّه تعالی موسی فی أرض بیت المقدس، و رأی موسی- علیه السلام- نور رب العالمین- جل جلاله- فی أرض بیت المقدس و تجلی للجبل فی أرض بیت المقدس- و الصخرة التی فی بیت المقدس هی أوسط الأرضین کلها فإذا قال الرجل للرجل انطلق بنا إلی بیت المقدس ففعلا یقول اللّه- عز و جل- طوبی للقائل و المقول له. و تاب اللّه- عز و جل- علی داود، و سلیمان- علیهما السلام- و غفر ذنوبهما ببیت المقدس، و غفر اللّه- عز و جل- خطایا بنی إسرائیل ببیت تفسیر مقاتل- 33 تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 514
______________________________
المقدس و بشر اللّه- عز و جل- إبراهیم، و سارة، بإسحاق ببیت المقدس، و فهم اللّه- تبارک و تعالی- سلیمان الحکم، و العلم، و أعطاه ملکا لا ینبغی لأحد من بعده ببیت المقدس، و سخر اللّه- عز و جل- الریح، و الشیاطین لسلیمان ببیت المقدس، و تسورت الملائکة علی داود- علیه السلام- ببیت المقدس و کانت الأنبیاء تقرب إلی اللّه- عز و جل- القربان ببیت المقدس و تهبط الملائکة کل لیلة إلی بیت المقدس، و أوتیت مریم- علیها السلام- فاکهة الصیف فی الشتاء و فاکهة الشتاء فی الصیف ببیت المقدس، و أجری اللّه- عز و جل- لها نهرا من الأردن إلی بیت المقدس و أثبت اللّه- عز و جل- لها النخلة ببیت المقدس و کلم عیسی- علیه السلام- الناس فی [221 أ] المهد ببیت المقدس و ولد عیسی- علیه السلام- فی بیت المقدس و رفع إلی السماء ببیت المقدس و ینزل عیسی- علیه السلام- من السماء فی أرض بیت المقدس، و نزلت علیه المائدة فی أرض بیت المقدس، و تغلب یأجوج و مأجوج علی الأرض کلها غیر بیت المقدس، و یهلک اللّه- عز و جل- یأجوج و مأجوج ببیت المقدس و ینظر اللّه- عز و جل- کل یوم بخیر إلی بیت المقدس، و أعطی اللّه- عز و جل- البراق سلیمان بأرض بیت المقدس.
و أوصی آدم- علیه السلام حین مات بأرض الهند أن یدفن ببیت المقدس، و أوصی إبراهیم و إسحاق و یعقوب- علیهم السلام- حین ماتوا أن یدفنوا ببیت المقدس، و أوصی یوسف- علیه السلام- حین مات بمصر أن یدفن ببیت المقدس، و هاجر إبراهیم- علیه السلام- من کوثی؟؟؟ إلی بیت المقدس و تکون الهجرة فی آخر الزمان إلی بیت المقدس، و رفع التابوت و السکینة من أرض بیت المقدس و صلی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و المسلمون زمانا إلی بیت المقدس، و رأی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- مالکا خارن النار ببیت المقدس، و رکب النبی- صلی اللّه علیه و سلم- البراق إلی بیت المقدس و أسری به من مکة إلی بیت المقدس و صلی بالنبیین کلهم حین مثلوا له ببیت المقدس و بأرض بیت المقدس المحشر و المنشر و یأتی اللّه- عز و جل- فی ظلل من الغمام مع الملائکة بأرض بیت المقدس و ینصب الصراط من أرض بیت المقدس إلی الجنة و النار، و توضع الموازین ببیت المقدس، إلی الجنة و النار، و توضع الموازین ببیت المقدس و صفوف الملائکة یوم القیامة ببیت المقدس. و تصیر الخلائق ترابا غیر الثقلین ببیت المقدس، و العرض و الحساب ببیت المقدس و طوبی لمن أتی بیت المقدس متعمدا لیصلی فیه رکعتین فإن سلیمان بن داود- علیه السلام- سأل ربه أن یغفر لمن أتی بیت المقدس لیصلی فیه محتسبا، و یزف البیت الحرام و الحجر الأسود إلی بیت تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 515
علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- [211 ب ثلاثة أنهار: نهر من لبن، و نهر من عسل، و نهر من خمر، فلم یشرب النبی- صلی اللّه علیه و سلم- الخمر فقال «جبریل» (جبریل: ساقطة أ، ل): أما إن اللّه حرمها علی أمتک الَّذِی بارَکْنا حَوْلَهُ یعنی
______________________________
المقدس و یشهد لمن استلمه (فی أ: استخلصه، و فیها تشطیب. و فی نسخة حمیدیة: استخلصه.) مخلصا بالوفاء و یخرج المحرمون (فی أ: المحرمون، و فی حمیدیة: المجرمون.) من قبورهم یلبون نحو بیت المقدس، و ینفخ إسرافیل- علیه السلام- فی الصور من صخرة بیت المقدس، و قوله «أیتها العظام البالیة، و اللحوم المتمزقة و الأشعار الساقطة و الجلود المتمزقة و العروق المتقطعة اخرجوا إلی حساب ربکم لینفخ أرواحکم و تجازون بأعمالکم» و یتفرق الناس من بیت المقدس إلی الجنة و النار، فذلک قوله- سبحانه:
«یَوْمَئِذٍ یَتَفَرَّقُونَ» (سورة الروم: 13)، «یَوْمَئِذٍ یَصَّدَّعُونَ» (سورة الروم: 43) فریق فی الجنة و فریق فی السعیر.
أ ه*** أقول ورد هذا الوصف فی نسخة أحمد الثالث (أ) و فی نسخة حمیدیة و أمانة، و لم یرد فی نسخة کوبریلی (ل).
و هو فی جملته مأخوذ من الإسرائیلیات.
و لا یصح لنا منه سوی حدیث أخرجه البخاری. و هو «لا تشد الرحال إلا لثلاث ...» الحدیث.
و لهذا آثرت أن ینقل فی الهامش لا فی أصل التفسیر.
***
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 516
بالبرکة الماء، و الشجر و الخیر لِنُرِیَهُ مِنْ آیاتِنا فکان مما رأی من الآیات «1» البراق و الرجال «2» و الملائکة و صلی بالنبیین تلک إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ- 1- و ذلک
أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أصبح بمکة لیلة أسری به من مکة، فقال لأم هانئ بنة أبی طالب و زوجها هبیرة بن أبی وهب المخزومی. لقد رأیت اللیلة عجبا. قالت: و ما ذلک؟ بأبی أنت و أمی. قال:
لقد صلیت فی مصلای هذا صلاة العشاء، و صلاة الفجر، و صلیت فیما بینهما فی بیت المقدس. فقالت: و کیف فعلت؟ قال أتانی جبریل- علیه السلام-: و قد أخذت مضجعی من الفراش قبل أن أنام و أخذ بیدی و أخرجنی من الباب، و میکائیل- علیه السلام- بالباب و معه دابة فوق الحمار و دون البغل و وجهها کوجه الإنسان و خدها کخد الفرس و عرفها کعرف الفرس بلقاء سیلاء مضطربة الخلق لها جناحان ذنبها کذنب البقر و حافرها کأظلاف البقر خطوها عند منتهی بصرها کان سلیمان بن داود- علیه السلام- یغدو علیها مسیرة شهر فحملانی علیها ثم أخذا یزفان «3» بی حتی أتیت بیت المقدس، و مثل لی النبیون فصلیت بهم و رأیت و رأیت. فلما أراد النبی- صلی اللّه علیه و سلم-
______________________________
(1) فی ل: فکان مما رأی من الآیات، و فی أ: فکان أدنی الآیات.
(2) فی ل: الرجال، أ: الدجال.
(3) فی ل: یرفان. و فی أ، و حمیدیة: یدقان بی، و علیها علامة تمریض فی أ.
و لعل الأصل «یزفان بی» أی یسرعان بی و یمسکان برکابی- و قد ورد فی الحدیث- أن جبریل کان فی رکاب النبی لیلة الإسراء. و فی المصباح: 1/ 272 [زف الرجل یزف من باب ضرب:
أسرع، و الاسم الزفیف، [و زفت العروس إلی زوجها زفا] من باب قتل، و الاسم [الزفاف مثل کتاب و هو إهداؤها إلیه. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 517
أن یقوم فیخرج أخذت أم هانئ بحبرته قالت: أین تخرج؟ قال: أخرج إلی قریش، فأخبرهم بالذی رأیت فقالت: لا تفعل فواللّه لیجتران «1» علیک المکذب و لیمترین «2» فیک المصدق. قال: و إن کذبونی لأخرجن و نزع یدها من حبرته فخرج إلی المسجد، فإذا فیه شیوخ من شیوخ قریش جلوس فی الحجر. فقام علیهم فقال: ألا أحدثکم بالعجب. قالوا: أخبرنا فإن أمرک کله عجب.
قال: لقد صلیت فی هذا الوادی صلاة العشاء، و صلاة الفجر، و صلیت فیما بینهما ببیت المقدس، و مثل لی النبیون فصلیت بهم و کلمت بعضهم، فصدقه المؤمنون، و کذبه المشرکون. فقال المطعم بن عدی بن نوفل بن عبد مناف:
ما ثکلتنی یدی «3» علی هذا الکذاب ألا لن أکون ذلک الیوم جزعا «4» فآخذک بیدی أخذا، تخبرنا أنک صلیت ببیت المقدس و رجعت من لیلتک و نحن لا نبلغه إلا فی أربعین لیلة بعد شق الأنفس، أشهد أنک کذاب ساحر، فبینما هم کذلک إذ جاء أبو بکر الصدیق- رضوان اللّه علیه- فقالت قریش: یا أبا بکر ألا تسمع ما یقول صاحبک، یزعم أنه صلی العشاء الآخرة و الفجر بمکة، و صلی فیما بینهما ببیت المقدس، قال أبو بکر الصدیق- رضی اللّه عنه-: إن کان قال ذلک فقد صدق [212 أ] «5» و قال أبو بکر- رضی اللّه عنه- للنبی- صلی
______________________________
(1) فی أ، ل: لیجترین.
(2) من ل، و فی أ: و لیجترین.
(3) فی أ: ما ثکلثنی، ل: یا ثکلثی. و هی غیر واضحة فیهما. و فی المصباح: 1/ 91 «ثکلت المرأة ولدها فقدته» فالمعنی ما فقدتنی یدی.
(4) فی أ: جزعا، ل: جدعا، و المقصود أل؟؟؟ سأستغل یدی فی إیذاء محمد و التشهیر به.
و فی المصباح: جزع فهو جزع إذا ضعفت منته عن حمل ما نزل به و لم یجد صبرا.
(5) فی أ: فقال، ل: و قال. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 518
اللّه علیه و سلم-: بأبی أنت و أمی حدثنی عن باب بیت المقدس، و عن البیت و عن سواریه و عن الصخرة و عن هذا کله. فأخبره النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فالتزمه أبو بکر «1» فقال: أشهد أنک صادق. فسمی یومئذ الصدیق اسمه عتیق ابن عثمان بن عمرو بن کعب بن سعد بن مرة فقال المسلمون: یا رسول اللّه، کیف رأیت الأنبیاء- علیهم السلام-؟ قال: رأیت عیسی بن مریم- صلی اللّه علیه و سلم- رجلا «2» أبیض فوق الربعة و دون الطویل ظاهر الدم عریض الصدر جعد الرأس یعلوه صهوبة «3»، أشبه الناس بعروة بن معتب الثقفی.
و رأیت موسی- علیه السلام- رجلا طویلا آدم شدید الأدمة ضرب اللحم سبط الشعر أشعر کأنه من رجال أزد شنوءة لو لبس قمیصین لرؤی «4» شعره منهما.
و رأیت إبراهیم- علیه السلام- أشبه الناس بی خلقا و خلقا فبدأنی بالسلام و المصافحة و الترحم.
و رأیت الدجال رجلا جسیما لحیما آدم جعد الرأس کث اللحیة ممسوح العین أحلی الجبهة «5» براق الثنایا مکتوب بین عینیه کافر، شبیه بفطن «6» بن عبد العزی.
______________________________
(1) من ل، و فی أ: فالتزمه الصدیق أبو بکر- صلی اللّه علیه.
(2) فی أ: رجل، و فی ل: رجلا.
(3) فی أ: صهوبة، و فی ل صهوبه، بدون إعجام الباء، و الصهوبة: إحمرار الشعر.
(4) فی أ: لرأی، ل: لرؤی.
(5) هکذا فی أ، ل.
(6) فی أ: قطن، ل قطن بدون إعجام. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 519
و رأیت عمرو بن ربیعة بن یحیی بن قمعة بن خندف الخزاعی، و الحارث ابن کعب بن عمرو و علیهما و فرة یجران قصبهما فی النار یعنی أمعاء هما «1». قیل للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: و لم؟ قال: لأنهما أول من سیبا «2» السائبة، و اتخذا البحیرة و الوصیلة و الحام، و أول من سمیا اللات و العزی، و أمرا بعبادتهما، و غیرا دین الحنیفیة ملة إبراهیم- علیه السلام- و نصبا الأوثان حول الکعبة، فأما عمرو بن ربیعة فهو رجل قصیر أشبه الناس به هذا یعنی أکثم بن الجون الخزاعی. فقال أکثم: یا رسول اللّه أ یضرنی شبهه؟ قال: لا أنت مؤمن و هو کافر، فقال رجل من کفار قریش للمطعم بن عدی: عجلت علی ابن أخیک، ثم قال کهیئة المستهزئ: رویدک یا محمد حتی نسألک عن عیرنا: هل رأیتها فی الطریق؟ قال: نعم. قال: فأین رأیتها؟ قال: رأیت عیر بنی فلان بالروحاء نزولا قد ضلت لهم ناقة و هم فی طلبها فمررت علی رجالهم و لیس بها أحد منهم، فوجدت فی إناء لهم ماء فشربت منه و توضأت، فاسألوهم إذا أتوکم، هل کان ذلک؟ قالوا: هذه آیة. قال و مررت علی عیر بنی فلان، فی وادی کذا و کذا، فی ساعة کذا و کذا من اللیل، و معی جبریل و میکائیل- علیهما السلام- فنفرت منا إبلهم فوقعت ناقة حمراء فانکسرت فهم یجبرونها، فاسألوهم إذا أتوکم. هل کان ذلک؟ قالوا: نعم، هذه آیة. قال رجل منهم [212 ب :
فأین ترکت عیرنا؟ قال: ترکتها بالتنعیم قبیل «3»، قال: فإن کنت صادقا فهی
______________________________
(1) فی أ، ل: أمعاهما.
(2) فی ل: سیب.
(3) فی أ: قبل، و فی ل: قبیل. [و قیل خلاف بعد ظرف مبهم لا یفهم معناه إلا بالإضافة لفظا أو تقدیرا. المصباح. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 520
قادمة الآن. قال: نعم. قال: فأخبرنا بعدتها و أحمالها و ما فیها. قال: کنت عن ذلک مشغولا غیر أن برنسا کان لهم علی البعیر الذی یقدم الرکب فسقط البرنس فرجع حبشی من القوم فأصابه فوضعه علی آخر الرکاب. فاسألوهم، إذا أتوکم هل کان ذلک فبینا هو- صلی اللّه علیه و سلم- یحدثهم إذ مثل اللّه- عز و جل- له کل شی‌ء حتی نظر إلی عدتها و أحمالها و من فیها، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أین السائل آنفا عن إبله فإن عدتها و أحمالها و من فیها کذا و کذا و یقدمها جمل أورق و هی قادمة الآن فانطلقوا یسعون فإذا هی منحدرة من عتبة التنعیم، و إذا «1» هی و أحمالها و عدتها و ما فیها کما قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم.
فقال المشرکون: لقد صدق الولید بن المغیرة، إن هذا لساحر مبین. و ما یدری محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و هو بین أظهرنا متی تقدم عیرنا و ما حالها و أحمالها و من فیها فکفوا بعض الأذی سنة، ثم قال سبحانه:
وَ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ یقول أعطینا موسی التوراة وَ جَعَلْناهُ هُدیً یعنی التوراة هدی لِبَنِی إِسْرائِیلَ من الضلالة أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِی وَکِیلًا- 2- یعنی ولیا فیها تقدیم یا ذُرِّیَّةَ آدم مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ فی السفینة ألا تتخذوا من دونی وکیلا یعنی الأهل یعنی ولیا ثم أثنی علی نوح بن لمک النبی- صلی اللّه علیه و سلم «2»- فقال سبحانه: إِنَّهُ کانَ عَبْداً شَکُوراً- 3- فکان من شکره أنه کان یذکر اللّه- عز و جل- حین یأکل، و یشرب، و یحمد اللّه- تعالی- حین یفرغ، و یذکر اللّه- سبحانه-
______________________________
(1) فی أ: فإذا.
(2) هکذا فی أ، ل. و المراد أن نوحا نبیا- صلی اللّه علیه و سلم-.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 521
حین یقوم، و یقعد، و یذکر اللّه- جل ثناؤه- حین یستجد الثوب الجدید، و حین یخلق، و یذکر اللّه- عز و جل- حین یدخل، و یخرج، و ینام، و یستیقظ، و یذکر اللّه- جل ثناؤه- بکل خطوة یخطوها، و بکل عمل یعمله، فسماه اللّه- عز و جل- عبدا شکورا. ثم قال سبحانه:
وَ قَضَیْنا إِلی بَنِی إِسْرائِیلَ فِی الْکِتابِ یقول و عهدنا إلیهم فی التوراة لَتُفْسِدُنَ لتهلکن فِی الْأَرْضِ مَرَّتَیْنِ فکان بین الهلاکین مائتا سنة و عشر سنین وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا کَبِیراً- 4- یقول و لتقهرن قهرا شدیدا حتی تذلوا و ذلک بمعصیتهم «1» اللّه- عز و جل-. فذلک قوله- تعالی «2»: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما یعنی وقت أول الهلاکین بَعَثْنا عَلَیْکُمْ عِباداً لَنا أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ بختنصر المجوسی ملک بابل و أصحابه فَجاسُوا خِلالَ الدِّیارِ یعنی فقتل «3» الناس فی الأزقة و سبی ذراریهم و خرب بیت المقدس و ألقی فیه الجیف و حرق التوراة و رجع بالسبی إلی بابل، فذلک قوله سبحانه: وَ کانَ وَعْداً مَفْعُولًا- 5- یعنی وعدا کائنا لا بد منه فکانوا ببابل سبعین سنة ثم إن اللّه- عز و جل- استنقذهم [213 أ] علی ید کروس «4» بن مزدک «5» الفارس فردهم إلی بیت المقدس، فذلک قوله- عز و جل-:
______________________________
(1) أ: بمعاصیهم، ل: بمعصیتهم.
(2) من ل، و فی أ: فقال سبحانه.
(3) فی أ، ل: فقتلوا.
(4) من ل، و فی أ: زیادة و یقال کرووس و علی الواو الأولی علامة تمریض؟؟؟، أقول و الصواب أنه کورش أو قورش. انظر خطر الیهودیة: 24.
(5) فی أ: مدرک، ل: مزدک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 522
ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّةَ عَلَیْهِمْ وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ حتی کثروا، فذلک قوله- عز و جل-: وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً- 6- یعنی أکثر رجالا منکم قبل ذلک فکانوا بها مائتی سنة و عشر سنین، فیهم أنبیاء «1»، ثم قال سبحانه: إِنْ أَحْسَنْتُمْ العمل للّه بعد هذه المرة أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ فلا تهلکوا وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها یعنی و إن عصیتم فعلی أنفسکم فعادوا إلی المعاصی الثانیة فسلط اللّه علیهم أیضا انطباخوس بن سیس «2» الرومی ملک أرض نینوی، فذلک قوله- عز و جل-:
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ یعنی وقت آخر الهلاکین لِیَسُوؤُا وُجُوهَکُمْ یعنی لیقبح وجوهکم، فقتلهم و سبی ذراریهم و خرب بیت المقدس و ألقی فیه الجیف و قتل علماءهم و حرق التوراة، فذلک قوله- عز و جل-: وَ لِیَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ یعنی بیت المقدس أنطیاخوس بن سیس «3» و من معه بیت المقدس کَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ یقول کما دخله بختنصر المجوسی و أصحابه قبل ذلک، قال سبحانه: وَ لِیُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِیراً- 7- یقول- عز و جل- و لیدمروا ما علوا یقول ما ظهروا علیه تدمیرا، کقوله سبحانه فی الفرقان:
وَ کُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِیراً «4» یعنی و کلا دمرنا تدمیرا ثم قال: عَسی رَبُّکُمْ أَنْ یَرْحَمَکُمْ فلا یسلط علیکم القتل و السبی. ثم إن اللّه- عز و جل- استنقذهم علی یدی المقیاس «5» فردهم إلی بیت المقدس فعمروه، ورد اللّه- عز و جل-
______________________________
(1) هکذا فی أ، ل.
(2) فی أ: تسنس، ل بیس. و الکلمة فی کلاهما غیر واضحة و علیها علامة تمریض فی أ.
(3) فی ل: سیس، أ: سس بدون إعجام و تشبه سیس.
(4) سورة الفرقان: 39.
(5) فی أ، ل: المقیاس.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 523
إلیهم ألفتهم و بعث فیهم أنبیاء ثم قال لهم: وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا یقول و إن عدتم إلی المعاصی عدنا علیکم بأشد مما أصابکم یعنی من القتل و السبی فعادوا إلی الکفر و قتلوا یحیی بن زکریا فسلط اللّه علیهم ططس بن استاتوس «1» الرومی، و یقال اصطفابوس «2» فقتل علی دم یحیی بن زکریا مائة ألف و ثمانین ألفا «3» من الیهود فهم الذین قتلوا الرقیب علی عیسی الذی کان شبه لهم و سبی ذراریهم و أحرق التوراة و خرب بیت المقدس و ألقی فیه الجیف و ذبح فیه الخنازیر فلم یزل خرابا حتی جاء الإسلام فعمره «4» المسلمون وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْکافِرِینَ حَصِیراً- 8- یعنی محبسا لا یخرجون منها أبدا کقوله- عز و جل-: «لِلْفُقَراءِ الَّذِینَ أُحْصِرُوا» «5» یعنی حبسوا فی سبیل اللّه إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی یعنی یدعو لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ یعنی أصوب وَ یُبَشِّرُ القرآن الْمُؤْمِنِینَ یعنی المصدقین الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ من الأعمال بما فیه «6» من الثواب، فذلک قوله سبحانه: أَنَّ لَهُمْ أَجْراً کَبِیراً- 9- یعنی جزاء عظیما فی الآخرة «وَ أَنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» «7» یعنی بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً [213 ب - 10- یعنی عذابا
______________________________
(1) فی أ: اشبانوس، ل: استنانوس.
(2) فی أ: اصطفابوس، ل: افطنابوس.
(3) فی أ: ألف، ل: ألفا.
(4) فی أ: فعمروه.
(5) سورة البقرة: 273.
(6) هکذا فی أ، ل. و المراد بما فیه أی بما فی العمل من الثواب و الأنسب بما فیها.
(7) ما بین الأقواس «...»: ساقط من أ، هو موجود فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 524
وجیعا وَ یَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ علی نفسه یعنی النضر بن الحارث حین قال:
«ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ» «1» دُعاءَهُ بِالْخَیْرِ کدعائه بالخیر لنفسه وَ کانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا- 11- یعنی دم- علیه السلام- حین نفخ فیه الروح من قبل رأسه فلما بلغت الروح وسطه عجل فأراد أن یجلس قیل أن تتم الروح و تبلغ إلی قدمیه، فقال اللّه- عز و جل-: «وَ کانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا» و کذلک النضر یستعجل بالدعاء علی نفسه کعجلة آدم- علیه السلام- فی خلق نفسه، إذ أراد أن یجلس قبل أن یتم دخول الروح فیه فتبلغ الروح إلی قدمیه، فعجلة «2» الناس کلهم ورثوها عن أبیهم آدم- علیه السلام- فذلک قوله سبحانه:
«وَ کانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا» وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ وَ النَّهارَ آیَتَیْنِ یعنی علامتین مضیئتین فکان ضوء القمر مثل ضوء الشمس، فلم یعرف اللیل من النهار، یقول «3» اللّه- تعالی: فَمَحَوْنا آیَةَ اللَّیْلِ یعنی علامة القمر فالمحو السواد الذی فی وسط القمر، فمحی من القمر تسعة و ستین «4» جزءا فهو جزء واحد من سبعین جزءا «5» من الشمس فعرف «6» اللیل من النهار وَ جَعَلْنا آیَةَ یعنی علامة النَّهارَ و هی الشمس مُبْصِرَةً یعنی أقررنا «7» ضوءها فیها لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّکُمْ یعنی رزقا وَ لِتَعْلَمُوا بها عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ وَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِیلًا- 12- یعنی بیناه تبیانا وَ کُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ یعنی عمله
______________________________
(1) سورة الأنفال: 32.
(2) فی أ: فعجلت.
(3) فی أ: لقول.
(4) فی أ، ل: و ستون.
(5) فی ل: فمحی من القمر تسعة و ستون حروا فهو علی حرو واحد من سبعین حروا.
(6) فی ل: فعرف، أ: یعرف.
(7) فی أ: قررنا، ل: أقررنا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 525
الذی عمل خیرا کان أو شرا فهو فِی عُنُقِهِ لا یفارقه حتی یحاسب علیه وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ کِتاباً یَلْقاهُ مَنْشُوراً- 13- و ذلک أن ابن آدم إذا ما طویت صحیفته التی فیها عمله فإذا کان یوم القیامة نشر کتابه فدفع إلیه منشورا، ثم یقال له: اقْرَأْ کِتابَکَ کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً- 14- یعنی شهیدا فلا شاهد علیک أفضل من نفسک و ذلک حین قالوا: وَ اللَّهِ رَبِّنا ما کُنَّا مُشْرِکِینَ «1» ختم اللّه علی ألسنتهم، ثم أمر الجوارح فشهدت علیه «2» بشرکه و تکذیبه، و ذلک قوله سبحانه: کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً، و ذلک قوله- عز و جل-: بَلِ الْإِنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ «3» یعنی جوارحهم حین شهدت علیهم أنفسهم و ألسنتهم و أیدیهم و أرجلهم مَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ الخیر وَ مَنْ ضَلَ عن الهدی فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها «4» أی علی نفسه، یقول فعلی نفسه إثم ضلالته وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری یقول لا تحمل نفس خطیئة نفس أخری وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ فی الدنیا أحدا حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا- 15- لینذرهم بالعذاب فی الدنیا بأنه نازل بهم، کقوله سبحانه: وَ ما أَهْلَکْنا فی الدنیا مِنْ قَرْیَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ «5» وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً بالعذاب فی الدنیا أَمَرْنا مُتْرَفِیها [214 أ] یقوله أکثرنا جبابرتها فیطروا فی المعیشة فَفَسَقُوا فِیها یقول فعصوا فی القریة
______________________________
(1) سورة الأنعام: 23.
(2) هکذا فی: أ، ل فشهدت علیه بشرکه و تکذیبه فأعاد الضمیر علی المفرد.
(3) سورة القیامة: 14.
(4) فی أ: (علی) نفسه.
(5) سورة الشعراء: 208.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 526
فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ یعنی فوجب علیهم الذی سبق لهم فی علم اللّه- عز و جل- فَدَمَّرْناها تَدْمِیراً- 16- یقول فأهلکناها بالعذاب هلاکا یخوف کفار مکة بمثل عذاب الأمم الخالیة، فقال سبحانه: وَ کَمْ أَهْلَکْنا بالعذاب فی الدنیا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَ کَفی بِرَبِّکَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ یقول کفار مکة خَبِیراً بَصِیراً- 17- یقول اللّه- عز و جل- فلا أحد أخبر بذنوب العباد من اللّه- عز و جل- یعنی کفار مکة مَنْ کانَ یُرِیدُ فی الدنیا الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها یعنی فی الدنیا ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ من المال ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ یقول ثم نصیره إلی جهنم یَصْلاها مَذْمُوماً عند اللّه مَدْحُوراً- 18- یعنی مطرودا فی النار نزلت فی ثلاثة نفر من ثقیف فی: فرقد بن یمامة، و أبی «1» فاطمة بن البختری، و صفوان، و فلان، و فلان وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ من الأبرار بعمله الحسن و هو مؤمن یعنی بالدار الآخرة «2» وَ سَعی لَها سَعْیَها یقول عمل للآخرة عملها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ یعنی مصدق بتوحید اللّه- عز و جل- فَأُولئِکَ کانَ سَعْیُهُمْ مَشْکُوراً- 19- فشکر اللّه- عز و جل- سعیهم فجزاهم بعملهم الجنة نزلت فی بلال المؤذن و غیره. ثم قال- سبحانه: کُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ البر و الفاجر یعنی هؤلاء النفر من المسلمین و هؤلاء النفر من ثقیف مِنْ عَطاءِ رَبِّکَ یعنی رزق ربک وَ ما کانَ عَطاءُ رَبِّکَ یعنی رزق ربک مَحْظُوراً- 20- یعنی ممسکا یعنی ممنوعا انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ یعنی الفجار
______________________________
(1) فی ل: و أبی، أ: و أبو.
(2) فی أ: الآخرة، ل: یعنی الدار الآخرة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 527
یعنی من کفار ثقیف علی بعض فی الرزق فی الدنیا یعنی الأبرار بلال بن رباح و من معه وَ لَلْآخِرَةُ أَکْبَرُ دَرَجاتٍ فی الآخرة یعنی أعظم فضائل وَ أَکْبَرُ یعنی و أعظم تَفْضِیلًا- 21- من فضائل الدنیا فلما صار «1» هؤلاء إلی الآخرة أعطی هؤلاء المؤمنون بلال و من معه أعطوا فی الآخرة فضلا کبیرا أکثر مما أعطی «2» الفجار فی الدنیا یعنی ثقیفا لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ یقول للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- لا تضف مع اللّه إلها و ذلک حین دعی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلی ملة آبائه فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً ملوما تلام عند الناس مَخْذُولًا- 22- فی عذاب اللّه- تعالی.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی عن الهذیل، عن مقاتل، عن الضحاک، عن ابن مسعود، أنه کان فی المصحف و وصی ربک فالتزق الواو بالصاد «3»، فقال: وَ قَضی رَبُّکَ یعنی و عهد ربک أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ یعنی ألا توحدوا غیره وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً برا بهما إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ یعنی أبویه [214 أ] یعنی سعد بن أبی وقاص أَحَدُهُما یعنی أحد الأبوین أَوْ کِلاهُما فبرهما فَلا «4» تَقُلْ لَهُما أُفٍ یعنی الکلام الردی‌ء أن تقول: اللهم أرحنی منهما أو تغلظ علیهما فی القول عند کبرهما و معالجتک إیاهما و عند میط القذر عنهما وَ لا تَنْهَرْهُما عند المعالجة یعنی تغلظ لهما القول وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا کَرِیماً- 23- یعنی حسنا لینا
______________________________
(1) فی أ: صاروا، ل: صار.
(2) فی أ: أعطو، ل: أعطی.
(3) فی أ: الضاد، ل: الصاد.
(4) فی أ: (و لا)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 528
وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ یقول تلین جناحک لهما رحمة بهما وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما عند ما تعالج منهما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً- 24- یعنی کما عالجا ذلک منی صغیرا فالطف بهما، و اعصهما فی الشرک فإنه لیس معصیتک إیاهما فی الشرک قطیعة لهما، ثم نسخت رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً، ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی «1» ثم قال تعالی:
رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما فِی نُفُوسِکُمْ یقول هو أعلم بما فی نفوسکم منکم من البر للوالدین عند کبرهما، فذلک قوله تعالی: إِنْ تَکُونُوا صالِحِینَ یعنی محتسبین مما تعالجون منهما أو لا تحتسبون «2» فَإِنَّهُ کانَ لِلْأَوَّابِینَ غَفُوراً- 25- یعنی المتراجعین «3» من الذنوب إلی طاعة الوالدین غفورا. وَ آتِ یعنی فأعط ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ یعنی صلته ثم قال تعالی: وَ الْمِسْکِینَ یعنی السائل فتصدق علیه وَ حق ابْنَ السَّبِیلِ أن تحسن «4» إلیه و هو الضیف نازل علیه، قوله سبحانه: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِیراً- 26- یعنی المنفقین فی غیر حق، ثم قال: إِنَّ الْمُبَذِّرِینَ یعنی المنفقین- یعنی کفار مکة- فی غیر حق کانُوا إِخْوانَ الشَّیاطِینِ فی المعاصی وَ کانَ الشَّیْطانُ یعنی إبلیس وحده لِرَبِّهِ کَفُوراً- 27- یعنی عاص ثم رجع
______________________________
(1) سورة التوبة: 113.
(2) فی أ زیادة: نسخت «رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً»، «ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَ لَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی . أ ه أقول و هی مکررة فقد سبق أن ذکرت قبل سطرین.
(3) فی ل: الراجعین، أ: المتراجعین، و الأنسب: للمتراجعین.
(4) لیست فی ل، و هی من أ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 529
إلی المسکین و ابن السبیل فقال: وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ نزلت فی خباب، و بلال، و مهجع، و عمار، و نحوهم من الفقراء کانوا یسألون النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فلا یجد ما یعطیهم فیعرض عنهم، فیسکت، ثم قال- عز و جل-:
ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّکَ تَرْجُوها یعنی انتظار رزق من ربک «تَرْجُوها» من اللّه أن یأتیک فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَیْسُوراً- 28- یقول اردد علیهم معروفا یعنی العدة الحسنة: أنه سیکون فأعطیکم، ثم علمه کیف یعمل فی النفقة؟ فقال- سبحانه: وَ لا تَجْعَلْ یَدَکَ مَغْلُولَةً إِلی عُنُقِکَ یقول و لا تمسک یدک من البخل عن النفقة فی حق وَ لا تَبْسُطْها یعنی فی العطیة کُلَّ الْبَسْطِ فلا تبقی عندک فإن سئلت لم تجد ما تعطیهم کقوله: یَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ «1».
فَتَقْعُدَ مَلُوماً یلومک الناس مَحْسُوراً- 29- یعنی منقطعا بک کقوله- سبحانه- «فی تبارک الملک»: [215 أ] وَ هُوَ حَسِیرٌ «2» یعنی منقطع به إِنَّ رَبَّکَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ یعنی یوسع الرزق لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ یعنی و یقتر علی من یشاء إِنَّهُ کانَ بِعِبادِهِ خَبِیراً بأمر الرزق بالسعة و التقتیر بَصِیراً- 30- به وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ یعنی دفن البنات و هن أحیاء خَشْیَةَ إِمْلاقٍ یعنی مخافة للفقر نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِیَّاکُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ کانَ خِطْأً یعنی إثما کَبِیراً- 31- قوله- سبحانه:
وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنی إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً یعنی معصیة وَ ساءَ سَبِیلًا
______________________________
(1) سورة المائدة آیة 64، و أولها: وَ قالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ یَداهُ، مَبْسُوطَتانِ یُنْفِقُ کَیْفَ یَشاءُ ....
(2) سورة الملک: 4.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 530
- 32- یعنی المسلک لم یکن یومئذ فی الزنا حد حتی نزل الحد بالمدینة فی سورة النور. وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ قتلها یعنی باغیا «1» إِلَّا بِالْحَقِ الذی یقتل فیقتل به وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ یعنی ولی المقتول سُلْطاناً یعنی مسلطا علی القتلی إن شاء قتله، و إن شاء عفا عنه، و إن شاء أخذ الدیة، ثم قال لولی المقتول: فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ کانَ مَنْصُوراً- 33- من أمر اللّه- عز و جل- فی کتابه جعل الأمر إلیه و لا تقتلن غیر القاتل فإن من قتل غیر القاتل فقد أسرف لقوله سبحانه: إِنَّهُ کانَ مَنْصُوراً وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إلا لتنمی ماله بالأرباح نسختها إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُکُمْ «2» حَتَّی یَبْلُغَ أَشُدَّهُ یعنی ثمانی عشرة سنة «3» وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ فیما بینکم و بین الناس إِنَّ الْعَهْدَ إذا نقض کانَ مَسْؤُلًا- 34- یقول اللّه سائلکم عنه فی الآخرة وَ أَوْفُوا الْکَیْلَ إِذا کِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ یعنی بالمیزان بلغة الروم الْمُسْتَقِیمِ ذلِکَ الوفاء خَیْرٌ من النقصان وَ أَحْسَنُ تَأْوِیلًا- 35- یعنی و خیر عاقبة فی الآخرة وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ یقول و لا ترم «4» بالشرک فإنه لیس لک به علم إن لی شریکا ثم حذرهم إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ یعنی
______________________________
(1) فی ل: عیا، و فی أ: باغیا. أ ه. و المراد لا تقتل النفس باغیا معتدیا.
(2) سورة البقرة: 220. بینا فی دراستنا عن تفسیر مقاتل أن هذا لیس نسخا. فالآیتان یلتقیان علی معنی واحد و هو الأمر برعایة الیتیم و استثمار ماله بأحسن الطرق.
(3) فی أ: ثمانیة عشر سنة، ل: ثمانی عشرة سنة.
(4) فی أ، ل: و لا ترم. و المراد و لا تقل بالشرک و لا تذهب فیذهب المشرکون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 531
القلب کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا- 36- یعنی عن الشرک مسئولا فی الآخرة وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً یعنی بالعظمة، و الخیلاء، و الکبریاء إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ إذا مشیت بالخیلاء، و الکبریاء وَ لَنْ تَبْلُغَ رأسک الْجِبالَ طُولًا- 37- إذا تکبرت کُلُّ ذلِکَ یعنی کل ما «1» أمر اللّه- عز و جل- به و نهی عنه فی هؤلاء الآیات کانَ سَیِّئُهُ یعنی ترک ما أمر اللّه- عز و جل- به و نهی عنه فی هؤلاء الآیات. أی «و رکوب ما نهی عنه کان عِنْدَ رَبِّکَ مَکْرُوهاً- 38- ذلِکَ مِمَّا أَوْحی إِلَیْکَ رَبُّکَ أی ذلک الذی أمر اللّه به و نهی عنه فی هؤلاء الآیات مِنَ الْحِکْمَةِ «2»» التی أوحاها إلیک یا محمد، ثم قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فإن فعلت فَتُلْقی فِی جَهَنَّمَ مَلُوماً تلوم نفسک یومئذ مَدْحُوراً- 39- یعنی مطرودا فی النار کقوله سبحانه: وَ یُقْذَفُونَ مِنْ کُلِّ جانِبٍ دُحُوراً «3» یعنی طردا، قل یا محمد لکفار مکة أَ فَأَصْفاکُمْ رَبُّکُمْ بِالْبَنِینَ نزلت هذه الآیة بعد قوله: قُلْ لَوْ کانَ مَعَهُ آلِهَةٌ کَما یَقُولُونَ «4» إلی آیات [215 ب یعنی مشرکی العرب حین قالوا الملائکة بنات الرحمن. وَ اتَّخَذَ لنفسه مِنَ الْمَلائِکَةِ إِناثاً یعنی البنات إِنَّکُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِیماً- 40- حین تقولون إن الملائکة
______________________________
(1) فی أ: کلما.
(2) ما بین الأقواس «...» من ل، و هو ساقط من أ. کما أن (مِمَّا أَوْحی إِلَیْکَ رَبُّکَ) ساقطة من ل أیضا.
(3) سورة الصافات: 8- 9.
(4) سورة الإسراء: 42.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 532
بنات اللّه- عز و جل- وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِی هذَا الْقُرْآنِ فی أمور شتی «1» لِیَذَّکَّرُوا فیعتبروا وَ ما یَزِیدُهُمْ القرآن إِلَّا نُفُوراً- 41- یعنی إلا تباعدا عن الإیمان بالقرآن کقوله تعالی: بَلْ لَجُّوا فِی عُتُوٍّ وَ نُفُورٍ «2» یعنی تباعدا «3» قُلْ لکفار مکة لَوْ کانَ مَعَهُ آلِهَةٌ کَما یَقُولُونَ حین یزعمون أن الملائکة بنات الرحمن فیعبدونهم لیشفعوا لهم عند اللّه- عز و جل- فی الآخرة «4» إِذاً لَابْتَغَوْا إِلی ذِی الْعَرْشِ سَبِیلًا- 42- لیغلبوه و یقهروه کفعل ملوک الأرض بعضهم ببعض یلتمس بعضهم أن یقهر صاحبه و یعلوه، ثم قال: سُبْحانَهُ نزه نفسه- تعالی- عن قول البهتان فقال: وَ تَعالی یعنی و ارتفع عَمَّا یَقُولُونَ من البهتان عُلُوًّا کَبِیراً- 43- نظیرها فی المؤمنین «5» ثم عظم نفسه- جل جلاله- فقال سبحانه: تُسَبِّحُ لَهُ یعنی تذکره السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَیْ‌ءٍ یعنی و ما من شی‌ء إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ یقول إلا یذکر اللّه بأمره یعنی من نبت «6» إذا کان فی معدنه یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ «7» کقوله سبحانه:
______________________________
(1) فی أ، زیادة حسبها من القرآن هنا و لیست منه، و نص الزیادة: (من کل) شی‌ء (مثل) یعنی من کل شبه.
و هذه الزیادة جزء من الآیة 54 من سورة الکهف و هی: وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِی هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ وَ کانَ الْإِنْسانُ أَکْثَرَ شَیْ‌ءٍ جَدَلًا.
(2) سورة الملک: 21.
(3) فی ل: تباعدا، أ: تباعد.
(4) فی ل: حین زعموا أن الملائکة بنات الرحمن فیعبدوا ربهم لیشفعوا لهم عند اللّه فی الآخرة.
(5) یشیر إلی الآیة 91 من سورة المؤمنون: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ... الآیة.
(6) هکذا فی أ، ل.
(7) الزمر: 75، غافر: 7، الشوری: 5 و کلها (یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) بدون الواو.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 533
وَ یُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ «1» یعنی بأمره، من نبت، أو دابة، أو خلق «2» وَ لکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ یقول و لکن لا تسمعون ذکرهم اللّه- عز و جل- إِنَّهُ کانَ حَلِیماً عنهم یعنی عن شرکهم غَفُوراً- 44- یعنی ذو تجاوز عن قولهم لقوله: لَوْ کانَ مَعَهُ آلِهَةٌ کما یزعمون إِذاً لَابْتَغَوْا إِلی ذِی الْعَرْشِ سَبِیلًا بأن الملائکة بنات اللّه حین لا یعجل علیهم بالعقوبة، «غفورا» فی تأخیر العذاب عنهم إلی المدة «3» مثلها فی سورة الملائکة قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ... «4» آخر الآیة.
«إِنَّهُ کانَ حَلِیماً» یعنی ذو تجاوز عن شرکهم «غفورا» فی تأخیر العذاب عنهم إلی المدة «5».
وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فی الصلاة أو غیر الصلاة جَعَلْنا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ یعنی لا یصدقون بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال حِجاباً مَسْتُوراً- 45- نزلت فی أبی لهب و امرأته، و أبی البختری، و زمعة اسمه عمرو بن الأسود، و سهیل، و حویطب، کلهم من قریش یعنی بالحجاب المستور، قوله- تعالی: وَ جَعَلْنا «6» عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً یعنی الغطاء علی القلوب أَنْ یَفْقَهُوهُ لئلا یفقهوا القرآن وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً یعنی
______________________________
(1) سورة الرعد: 13.
(2) أو خلق: فی أ، ل، و علیها علامة تمریض فی أ.
(3) فی أ، ل: المدة- أ ه و المعنی إلی المدة المحددة لنزوله.
(4) سورة فاطر: 41.
(5) تکرر تفسیر «إِنَّهُ کانَ حَلِیماً غَفُوراً» فی أ، ل، أی فسرت مرتین.
(6) فی أ، ل: «إنا جعلنا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 534
ثقلا لئلا یسمعوا «1» القرآن وَ إِذا ذَکَرْتَ رَبَّکَ فِی الْقُرْآنِ وَحْدَهُ فقلت لا إله إلا اللّه وَلَّوْا عَلی أَدْبارِهِمْ نُفُوراً- 46- یعنی أعرضوا عن التوحید و نفروا عنه «2» [216 أ] کراهیة التوحید و ذلک حین
قال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یوم دخلوا علی أبی طالب و هم الملأ فقال: قولوا لا إله إلا اللّه تملکون بها العرب و تدین لکم العجم
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ یَسْتَمِعُونَ إِلَیْکَ یا محمد و أنت تقرأ القرآن وَ إِذْ هُمْ نَجْوی فبین نجواهم فی سورة الأنبیاء: «وَ أَسَرُّوا النَّجْوَی الَّذِینَ ظَلَمُوا» یعنی فیما بینهم هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ «3». فذلک قوله سبحانه: إِذْ یَقُولُ الظَّالِمُونَ یعنی الولید بن المغیرة و أصحابه إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً- 47- یعنی بالمسحور المغلوب علی عقله نظیرها فی الفرقان:
وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً «4» انْظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الْأَمْثالَ یعنی کیف وصفوا لک الأنبیاء حین قالوا إنک ساحر فَضَلُّوا عن الهدی فَلا یَسْتَطِیعُونَ یعنی فلا یجدون سَبِیلًا- 48- یعنی لا یقدرون علی مخرج مما قالوا لک بأنک ساحر وَ قالُوا أَ إِذا کُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً یعنی ترابا أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ بعد الموت خَلْقاً جَدِیداً- 49- یعنی البعث و قُلْ لهم یا محمد: کُونُوا حِجارَةً فی القوة أَوْ حَدِیداً- 50- فی الشدة فسوف یمیتکم ثم یبعثکم ثم تحیون من الموت أَوْ خَلْقاً مِمَّا یَکْبُرُ فِی صُدُورِکُمْ
______________________________
(1) فی أ: یستمعوا، ل: یسمعوا.
(2) فی أ، ل: نفروا عنه أ ه. فضمن نفر معنی ابتعد.
(3) سورة الأنبیاء: 3.
(4) سورة الفرقان: 8.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 535
یعنی مما یعظم فی قلوبکم، قل لو کنتم أنتم الموت لأمتکم ثم بعثتکم فی الآخرة فَسَیَقُولُونَ مَنْ یُعِیدُنا یعنی من یبعثنا أحیاء من بعد الموت قُلِ الَّذِی فَطَرَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ یعنی خلقکم أول مرة فی الدنیا و لم تکونوا شیئا فهو الذی یبعثکم فی الآخرة فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْکَ یعنی یهزون إلیک رُؤُسَهُمْ استهزاء و تکذیبا بالبعث وَ یَقُولُونَ مَتی هُوَ یعنون البعث قُلْ عَسی أَنْ یَکُونَ البعث قَرِیباً- 51- ثم أخبر عنهم، فقال- سبحانه-: یَوْمَ یَدْعُوکُمْ من قبورکم فی الآخرة فَتَسْتَجِیبُونَ بِحَمْدِهِ یعنی تجیبون الداعی بأمره وَ تَظُنُّونَ یعنی و تحسبون إِنْ یعنی ما لَبِثْتُمْ فی القبور إِلَّا قَلِیلًا- 52- و ذلک أن إسرافیل قائم علی صخرة بیت المقدس یدعو أهل القبور فی قرن: فیقول أیتها اللحوم المتفرقة، و أیتها العروق المتقطعة، و أیتها الشعور المتفرقة، اخرجوا إلی فصل القضاء لتنفخ فیکم أرواحکم و تجازون بأعمالکم فیخرجون و یدیم المنادی الصوت، فیخرجون من قبورهم و یسمعون الصوت فیسعون إلیه، فذلک قوله- سبحانه-: فَإِذا هُمْ جَمِیعٌ لَدَیْنا مُحْضَرُونَ «1» وَ قُلْ لِعِبادِی یعنی عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- یَقُولُوا الَّتِی هِیَ أَحْسَنُ لیرد خیرا علی من شتمه و ذلک أن رجلا من کفار مکة شتمه فهم به عمر- رضی اللّه عنه- فأمره اللّه- عز و جل- بالصفح و المغفرة نظیرها فی الجاثیة: قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا ... إلی آخر الآیة «2» [216 ب إِنَّ الشَّیْطانَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْ یعنی یغری بینهم
______________________________
(1) سورة یس: 53.
(2) سورة الجاثیة 14 و تمامها: قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ لِیَجْزِیَ قَوْماً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 536
إِنَّ الشَّیْطانَ کانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِیناً- 53- رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِکُمْ من غیره إِنْ یَشَأْ یَرْحَمْکُمْ فیتوب علیکم أَوْ إِنْ یَشَأْ یُعَذِّبْکُمْ فیمیتکم علی الکفر نظیرها فی الأحزاب: لِیُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِینَ وَ الْمُنافِقاتِ «1» وَ ما أَرْسَلْناکَ عَلَیْهِمْ وَکِیلًا- 54- یعنی مسیطرا علیهم وَ رَبُّکَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلی بَعْضٍ منهم من کلم اللّه، و منهم من اتخذه اللّه خلیلا، و منهم من سخر اللّه له الطیر، و الجبال، و منهم من أعطی ملکا عظیما، و منهم من یحیی الموتی، و یبرئ الأکمه و الأبرص، و منهم من رفعه اللّه- عز و جل- إلی السماء، فکل واحد منهم فضل بأمر لم یعطه غیره فهذا تفضیل بعضهم علی بعض، ثم قال سبحانه: وَ آتَیْنا یعنی و أعطینا داوُدَ زَبُوراً- 55- مائة و خمسین سورة لیس فیها حکم، و لا حد، و لا فریضة، و لا حلال، و لا حرام، و إنما هو شاء علی اللّه- عز و جل- و تمجید، و تحمید «2» قُلِ لکفار مکة ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أنهم آلهة مِنْ دُونِهِ من دون اللّه یعنی الملائکة فلیکشفوا الضر عنکم یعنی الجوع سبع سنین إذا نزل بکم، ثم أخبر عن الملائکة الذین عبدوهم، فقال- سبحانه-:
فَلا یَمْلِکُونَ یعنی لا یقدرون علی کَشْفَ الضُّرِّ عَنْکُمْ یعنی الجوع الذی أصابهم بمکة سبع سنین حتی أکلوا المیتة، و الکلاب، و الجیف، فیرفعونه عنکم وَ لا تَحْوِیلًا- 56- یقول و لا تقدر الملائکة علی تحویل هذا الضر عنکم إلی غیره فکیف تعبدونهم. مثلها فی سورة سبأ: قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَمْلِکُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ
______________________________
(1) سورة الأحزاب: 73.
(2) فی: و تمجیدا و تحمیدا، ل: و تمجید و تحمید.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 537
«1» یعنی أصغر النمل التی لا تکاد أن تری من الصغر و هی النملة الحمراء. ثم قال یعظهم: أُولئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یقول أولئک الملائکة الذین تعدونهم یَبْتَغُونَ إِلی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ یعنی الزلفة و هی القربة بطاعتهم أَیُّهُمْ أَقْرَبُ إلی اللّه درجة مثل قوله سبحانه: وَ ابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ «2» یعنی القربة إلی اللّه- عز و جل- وَ یَرْجُونَ رَحْمَتَهُ یعنی جنته نظیرها فی البقرة أُولئِکَ یَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ «3» یعنی جنة اللّه- عز و جل- وَ یَخافُونَ عَذابَهُ یعنی الملائکة إِنَّ عَذابَ رَبِّکَ کانَ مَحْذُوراً- 57- یقول یحذره الخائفون له. فابتغوا إلیه الزلفة کما تبتغی الملائکة و خافوا أنتم عذابه کما یخافون و ارجوا أنتم رحمته کما یرجون إِنَّ عَذابَ رَبِّکَ «4» کانَ مَحْذُوراً وَ إِنْ مِنْ قَرْیَةٍ یقول و ما من قریة طالحة أو صالحة إِلَّا نَحْنُ مُهْلِکُوها قَبْلَ یَوْمِ الْقِیامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِیداً فأما الصالحة فهلاکها بالموت و أما الطالحة فیأخذها العذاب فی الدنیا کانَ ذلِکَ یعنی هلاک الصالحة بالموت و عذاب الطالحة فی الدنیا فِی الْکِتابِ مَسْطُوراً- 58- یعنی فی أم الکتاب مکتوبا «5» [217 أ] یعنی اللوح المحفوظ فتموت أو ینزل بها ذلک وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآیاتِ مع محمد- صلی اللّه علیه و سلم- و ذلک أن عبد اللّه بن أبی أمیة بن المغیرة و الحارث بن هشام بن المغیرة المخزومیین
______________________________
(1) سورة سبأ: 22.
(2) سورة المائدة: 35.
(3) سورة البقرة: 218.
(4) ربک: ساقطة من أ.
(5) فی أ: یعنی أم الکتاب مکتوب. ل: یعنی فی الکتاب مکتوبا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 538
سألا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أن یریهم اللّه الآیات کما فعل بالقرون الأولی و سؤالهما «1» النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أنهما قالا فی هذه السورة: «وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً ...» إلی آخر الآیات «2» فأنزل اللّه- عز و جل-: «وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآیاتِ» إلی قومک کما سألوا إِلَّا أَنْ کَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ یعنی الأمم الخالیة فعذبتهم و لو جئتهم بآیة فردوها و کذبوا بها أهلکناهم، کما فعلنا بالقرون الأولی، فلذلک أخرنا الآیات عنهم، ثم قال سبحانه: وَ آتَیْنا یعنی و أعطینا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً یعنی معاینة یبصرونها فَظَلَمُوا بِها یعنی فجحدوا بها أنها لیست من اللّه- عز و جل- ثم عقروها، ثم قال- عز و جل-: وَ ما نُرْسِلُ بِالْآیاتِ إِلَّا تَخْوِیفاً- 59- للناس فإن لم یؤمنوا بها عذبوا فی الدنیا وَ إِذْ یعنی و قد قُلْنا لَکَ إِنَّ رَبَّکَ أَحاطَ بِالنَّاسِ یعنی حین أحاط علمه بأهل مکة أن یفتحها علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم-، ثم قال سبحانه: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ یعنی الإسراء لیلة أسری به إلی بیت المقدس فکانت لأهل مکة فتنة، ثم قال سبحانه: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ یعنی شجرة الزقوم، ثم قال سبحانه: وَ نُخَوِّفُهُمْ بها یعنی بالنار و الزقوم فَما یَزِیدُهُمْ التخویف إِلَّا طُغْیاناً یعنی إلا ضلالا کَبِیراً- 60- یعنی شدیدا، و قال أیضا فی الصافات «3» لقولهم الزقوم: التمر
______________________________
(1) فی أ: فی سؤالهما، ل: و سؤالهم.
(2) سورة الإسراء: 90- 93.
(3) فی أ: و الصافات، ل: الصافات و الآیة من سورة الصافات: 62- 63.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 539
و الزبد «إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِی أَصْلِ الْجَحِیمِ، طَلْعُها کَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّیاطِینِ» و لا یشبه طلع النخل و ذلک أن اللّه- عز و جل- ذکر شجرة الزقوم فی القرآن فقال أبو جهل: یا معشر قریش إن محمدا «1» یخوفکم بشجرة الزقوم ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر و محمد «2» یزعم أن النار تنبت الشجرة. فهل تدرون ما الزقوم؟
فقال عبد اللّه بن الزبعری السهمی: إن الزقوم بلسان بربر التمر و الزبد. قال أبو الجهل: یا جاریة ابغنا «3» تمرا فجاءته. فقال لقریش و هم حوله تزقموا من هذا الزقوم الذی یخوفکم به محمد «4» فأنزل اللّه تبارک- و تعالی «وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما یَزِیدُهُمْ إِلَّا طُغْیاناً کَبِیراً» یعنی شدیدا.
وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ منهم إبلیس فَسَجَدُوا ثم استثنی فقال: إِلَّا إِبْلِیسَ قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیناً- 61- و أنا خلقتنی من نار یقول ذلک تکبرا، ثم قالَ إبلیس لربه- عز و جل- أَ رَأَیْتَکَ هذَا الَّذِی کَرَّمْتَ عَلَیَ یعنی فضلته علی بالسجود یعنی آدم. أنا ناری [217 ب و هو طینی لَئِنْ أَخَّرْتَنِ یقول لئن متعتنی إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ لَأَحْتَنِکَنَ یعنی لأحتوین ذُرِّیَّتَهُ ذریة آدم إِلَّا قَلِیلًا- 62- حتی یطیعونی یعنی بالقلیل الذی أراد اللّه- عز و جل- فقال: إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ «5» یعنی ملکا. ثم قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ علی دینک یعنی من
______________________________
(1) فی أ: إن محمدا صلی اللّه علیه و سلم، ل: إن محمدا.
(2) فی ل: و محمد، أ: و محمد- صلی اللّه علیه و سلم.
(3) فی ل: أبغینا، أ: ابعثی.
(4) فی أ: محمد- صلی اللّه علیه و سلم.
(5) سورة الحجر: 42.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 540
ذریة آدم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُکُمْ بأعمالکم الخبیثة جَزاءً یعنی الکفر جزاء مَوْفُوراً- 63- یعنی وافرا لا یفتر عنهم من عذابها شی‌ء. ثم قال- سبحانه: وَ اسْتَفْزِزْ یقول و استزل مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ یعنی بدعائک وَ أَجْلِبْ یعنی و استعن عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ یعنی کل راکب یسیر فی معصیته وَ رَجِلِکَ یعنی کل راجل «1» یمشی فی معصیة اللّه- عز و جل «2»- من الجن و الإنس من یطیعک منهم وَ شارِکْهُمْ فِی الْأَمْوالِ یقول زین لهم فی الأموال یعنی کل مال حرام، و ما حرموا من الحرث و الأنعام وَ الْأَوْلادِ.
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنا أبی عن الهذیل، عن مقاتل، عن الضحاک، عن ابن عباس، قال: إن الزنا، و الغصب «3»، و الأولاد، یعنی کل ولد من حرام، فهذا کله من طاعة إبلیس و شرکته.
ثم قال سبحانه: وَ عِدْهُمْ یعنی و منیهم الغرور ألا بعث وَ ما یَعِدُهُمُ الشَّیْطانُ إِلَّا غُرُوراً- 64- یعنی باطلا الذی لیس بشی‌ء إِنَّ عِبادِی المخلصین لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ ملک فی الکفر و الشرک أن تضلهم عن الهدی وَ کَفی بِرَبِّکَ وَکِیلًا- 65- یعنی حرزا و مانعا فلا أحد أمنع من اللّه- عز و جل- فلا یخلص إلیهم إبلیس رَبُّکُمُ الَّذِی یُزْجِی لَکُمُ یعنی یسوق لکم الْفُلْکَ فِی الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الرزق إنّه «کان» «4»
______________________________
(1) فی ل: راجل، أ: رجل.
(2) فی ل: اللّه، أ: اللّه- عز و جل.
(3) فی أ: الغضب، ل: الغضب، و فی الحدیث (... فإن الغضب من الشیطان)
(4) «کان»: ساقطة من الأصل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 541
بِکُمْ رَحِیماً- 66- وَ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ یقول إذا أصابکم «1» فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ یعنی بطل مثل قوله- عز و جل: أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ «2» یعنی أبطل، من تدعون من الآلهة یعنی تعبدون فلا تدعونهم إنما تدعون اللّه- عز و جل-، فذلک قوله سبحانه: إِلَّا إِیَّاهُ یعنی نفسه- عز و جل- فَلَمَّا نَجَّاکُمْ الرب- جل جلاله- من البحر إِلَی الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن الدعاء فی الرخاء فلا تدعون اللّه- عز و جل- وَ کانَ الْإِنْسانُ کَفُوراً- 67- للنعم حین أنجاه اللّه- تعالی- من أهوال البحر إلی البر فلم یعبده، ثم خوفهم فقال سبحانه: أَ فَأَمِنْتُمْ إذ أخرجتم من البحر إلی الساحل أَنْ یَخْسِفَ بِکُمْ جانِبَ الْبَرِّ یعنی ناحیة من البر أَوْ یُرْسِلَ عَلَیْکُمْ فی البر حاصِباً یعنی الحجارة ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ وَکِیلًا- 68- یقول ثم لا تجدوا مانعا یمنعکم من اللّه- عز و جل-، ثم قال سبحانه: أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ یُعِیدَکُمْ فِیهِ فی البحر تارَةً أُخْری یعنی مرة أخری نظیرها فی طه: وَ فِیها «3» نُعِیدُکُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُکُمْ تارَةً أُخْری «4» فَیُرْسِلَ عَلَیْکُمْ قاصِفاً یعنی عاصفا مِنَ الرِّیحِ و هی الشدة فَیُغْرِقَکُمْ بِما کَفَرْتُمْ النعم حین أنجاکم [218 ا] من الغرق و نقضتم العهد و أنتم فی البر ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ عَلَیْنا بِهِ تَبِیعاً- 69- یقول لا تجدوا علینا به تبعة مما أصبناکم به من العذاب، ثم ذکرهم النعم فقال- سبحانه: وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ یقول فضلناهم علی غیرهم من الحیوان غیر الملائکة حین أکلوا
______________________________
(1) فی أ: أصابکم، ل: أصابتکم.
(2) سورة محمد: 1.
(3) فی أ، ل: فیها.
(4) سورة طه: 55.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 542
و شربوا بأیدیهم و سائر الطیر و الدواب یأکلون بأفواههم، ثم قال- عز و جل-:
وَ حَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ علی الرطب «1» یعنی الدواب وَ حملناهم فی الْبَحْرِ علی الیابس یعنی السفن وَ رَزَقْناهُمْ من غیر رزق الدواب مِنَ الطَّیِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلی کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا من الحیوان تَفْضِیلًا- 70- یعنی بالتفضیل أکلهم بأیدیهم «2» یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ «3» یعنی کل أمة بکتابهم الذی عملوا فی الدنیا من الخیر و الشر، مثل قوله- عز و جل- فی یس: وَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ أَحْصَیْناهُ فِی إِمامٍ مُبِینٍ «4» و هو اللوح المحفوظ فَمَنْ أُوتِیَ کِتابَهُ بِیَمِینِهِ فَأُولئِکَ یَقْرَؤُنَ کِتابَهُمْ الذی عملوه فی الدنیا وَ لا یُظْلَمُونَ فَتِیلًا- 71- یعنی بالفتیل القشر الذی یکون فی شق النواة وَ مَنْ کانَ فِی هذِهِ النعم أَعْمی یعنی الکافر، عمی عنها و هو معاینها فلم یعرف أنها من اللّه- عز و جل- فیشکو ربها فیعرفه فیوحده- تبارک و تعالی- فَهُوَ فِی الْآخِرَةِ أَعْمی یقول فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث و الحساب و الجنة و النار أعمی وَ أَضَلُّ سَبِیلًا- 72- یعنی و أخطأ طریقا.
وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ یعنی ثقیفا یقول و قد کادوا أن یفتنوک یعنی قد هموا أن یصدوک عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ کقوله- سبحانه- فی المائدة
______________________________
(1) فی أ: الرکب ثم أصلحها الرطب، و فی ل: الرطب، و فی م: الرطب.
(2) فی أ، ل: فسر هذه الآیة بعد أن خالف ترتیبها فقدم آخرها علی وسطها هکذا: «و لقد کرمنا بنی آدم و حملناهم فی البر و البحر و فضلناهم علی کثیر مما خلقنا تفضیلا، و رزقناهم» و قد أعدت ترتیب الآیة کما وردت فی المصحف.
(3) فی أ، ل: فسر الآیة اللاحقة قیل هذه الآیة أی فسر آیة 72 من سورة الإسراء قبل الآیة 71. و قد أعدت ترتیب الآیات و التفسیر.
(4) سورة یس: 12.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 543
وَ احْذَرْهُمْ أَنْ یَفْتِنُوکَ یعنی یصدوک عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَیْکَ «1» و ذلک
أن ثقیفا أتوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقالوا: نحن إخوانک، و أصهارک، و جیرانک و نحن خیر أهل نجد لک سلما، و أضره علیک حربا فإن نسلم تسلم نجد کلها و إن نحاربک یحاربک من وراءنا، فأعطنا الذی نرید. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: و ما تریدون؟ قالوا: نسلم علی ألا نجش «2» و لا نعش «3» و لا نحنی. یقولون: علی ألا نصلی، و لا نکسر أصنامنا «4» بأیدینا، و کل ربا لنا علی الناس فهو لنا، و کل ربا للناس فهو عنا موضوع و من وجدناه فی وادی وج یقطع شجرها انتزعنا عنه ثیابه، و ضربنا ظهره و بطنه، و حرمته کحرمة مکة و صید، و طیره و شجره، و تستعمل علی بنی مالک رجلا و علی الأحلاف «5» رجلا و أن تمتعنا باللات، و العزی سنة و لا نکسرها بأیدینا من غیر أن نعبدها لیعرف الناس کرامتنا علیک و فضلنا علیهم. فقال لهم رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم-:
أما قولکم لا تجشی و لا نعشی و الربا فلکم [218 ب ، و أما قولکم لا نحنی فإنه لا خیر فی دین لیس فیه رکوع و لا سجود. قالوا: نفعل ذلک و إن کان علینا فیه دناءة. و أما قولکم لا نکسر أصنامنا بأیدینا فإنا سنأمر من یکسرها غیرکم.
ثم سکت النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقالوا تمتعنا باللات سنة فأعرض عنهم و جعل یکره أن یقول لا فیأبون الإسلام. فقالت ثقیف للنبی- صلی اللّه علیه
______________________________
(1) سورة المائدة الآیة 49، و قد وردت هکذا: «و احذرهم أن یفتنوک عن بعض ما أوحینا إلیک».
(2) فی ل: علی ألا نحمس، ا: نجش.
(3) فی ل: و لا نعشر، ا: نعش.
(4) فی أ: أصناما، ل: أصنامنا.
(5) فی أ: الأحلاف، ل: الأخلاف. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 544
و سلم-: إن کان بک ملامة العرب فی کسر أصنامهم و ترک أصنامنا، فقل لهم:
إن ربی أمرنی أن أقر «1» اللات بأرضهم سنة. فقال عمر بن الخطاب- رضی اللّه عنه- عند ذلک أحرقتم قلب النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بذکر اللات أحرق اللّه أکبادکم، لا، و لا نعمة، غیر أن اللّه- عز و جل- لا یدع الشرک فی أرض یعبد اللّه- تعالی- فیها، فإما أن تسلموا کما یسلم الناس و إما أن تلحقوا بأرضکم فأنزل اللّه- عز و جل-: وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ
یقول و إن کادوا لیصدونک عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ لِتَفْتَرِیَ عَلَیْنا غَیْرَهُ یقول سبحانه لتقول علینا غیره ما لم نقل لقولهم للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- قل:
إن اللّه أمرنی أن أقرها. وَ إِذاً لَاتَّخَذُوکَ خَلِیلًا- 73- یعنی محبا نظیرها فی الفرقان فُلاناً خَلِیلًا «2» یعنی محبا «لطواعیتکم إیاهم علی ما أرادوک علیه، إذا لأحبوک» «3» وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ یا محمد بالسکوت، فأمرت بکسر «4» الآلهة إذا لرکنت إلی المعصیة لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ یقول لقد هممت سویعة أن تمیل إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا- 74- یعنی أمرا یسیرا، یقول: لقد هممت سویعة کقوله «5» فَتَوَلَّی بِرُکْنِهِ «6» یعنی بمیله أمرا یسیرا یقول لقد هممت سویعة أن تمیل إلیهم و لو أطعتهم فیما سألوک إِذاً لَأَذَقْناکَ العذاب فی الدنیا و الآخرة
______________________________
(1) هکذا فی أ، ل، أی اترک.
(2) سورة الفرقان: 28.
(3) من: ل، و فی أ: لو أطعتهم علی ما أرادوا علیه لأحبوک.
(4) هکذا فی أ، ل، و قد یکون أصلها بعدم کسر.
(5) کقوله: ساقطة من أ، و هی من ل.
(6) سورة الذاریات: 39.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 545
فذلک قوله- سبحانه: إِذاً لَأَذَقْناکَ ضِعْفَ الْحَیاةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ یقول سبحانه: إذا لأذقناک ضعف «1» العذاب فی الدنیا فی حیاتک، و فی مماتک بعد «2» ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ عَلَیْنا نَصِیراً- 75- یعنی مانعا یمنعک منا وَ إِنْ یعنی و قد کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ یعنی لیستزلونک مِنَ الْأَرْضِ یعنی أرض المدینة نزلت فی حیی بن أخطب و الیهود و ذلک أنهم کرهوا قدوم النبی- صلی اللّه علیه و سلم- المدینة و حسدوه و قالوا: یا محمد إنک لتعلم أن هذه الأرض لیست بأرض الأنبیاء إنما أرض الأنبیاء و الرسل أرض المحشر أرض الشام و متی رأیت اللّه بعث «3» الأنبیاء فی أرض تهامة فإن کنت نبیا فاخرج إلیها فإنما یمنعک منها مخافة أن یغلبک الروم، فإن کنت نبیا فسیمنعک اللّه کما منع الأنبیاء قبلک فخرج النبی- صلی اللّه علیه و سلم- متوجها إلی الشام فعسکر علی رأس ثلاثة أمیال بذی الحلیفة لتنضم «4» إلیه أصحابه فأتاه جبریل [219 ا]- علیه السّلام- بهذه الآیة وَ إِنْ کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ لِیُخْرِجُوکَ مِنْها وَ إِذاً لا یَلْبَثُونَ خِلافَکَ إِلَّا قَلِیلًا- 76- یقول- سبحانه- لو فعلوا ذلک لم ینظروا من بعدک إلا یسیرا حتی یعذبوا فی الدنیا فرجع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنْ رُسُلِنا یقول اللّه- سبحانه- کذلک سنة اللّه- عز و جل- فی أهل المعاصی یعنی الأمم الخالیة إن کذبوا رسلهم أن یعذبوا وَ لا «5» تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِیلًا- 77- إن قوله حق فی أمر العذاب یقول السنة واحدة فیما مضی
______________________________
(1) ضعف: ساقطة أ، و هی من ل.
(2) هکذا فی: ا، ل، و المراد و فی مماتک بعد حیاتک.
(3) من ل، و فی أ: و متی رأیت بعث اللّه- عز و جل-.
(4) فی ل: لینام، ا: لتعلم.
(5) فی حاشیة أ: فی الأصل: و لن، و فی ل: و لن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 546
و فیما بقی أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ یعنی إذا زالث الشمس عن بطن السماء یعنی عند صلاة الأولی و العصر إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ یعنی ظلمة اللیل إذا ذهب الشفق یعنی صلاة المغرب و العشاء وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ یعنی قرآن صلاة الغداة إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کانَ مَشْهُوداً- 78- تشهده ملائکة اللیل و ملائکة النهار، جمع صلاة «1» الخمس فی هذه الآیة کلها «2». ثم قال- عز و جل-:
وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ بعد المغفرة لأن اللّه- عز و جل- قد غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، فما کان من عمل فهو نافلة، مثل قوله سبحانه:
وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ حین سأل الولد وَ یَعْقُوبَ نافِلَةً «3» یعنی فضلا علی مسألته عَسی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً- 79- یعنی مقام الشفاعة فی أصحاب الأعراف یحمده الخلق کلهم و العسی من اللّه- عز و جل- واجب. فرجع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و قال له جبریل- علیه السّلام-: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی المدینة مُدْخَلَ صِدْقٍ یعنی آمنا علی رغم أنف الیهود وَ أَخْرِجْنِی من المدینة إلی مکة مُخْرَجَ صِدْقٍ یعنی آمنا علی رغم أنف کفار مکة ظاهرا علیهم وَ اجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْکَ یعنی من عندک سُلْطاناً نَصِیراً- 80- یعنی النصر علی أهل مکة ففعل اللّه- تعالی- ذلک به فافتتحها فلما افتتحها رأی ثلاثمائة و ستین صنما حول الکعبة و أساف، و نائلة، أحدهما عند الرکن، و الآخر عند الحجر الأسود و فی یدی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- قضیب فجعل
______________________________
(1) فی أ، ل: صلاة و الأنسب الصلوات.
(2) کلها راجعة إلی الصلاة: أی جمع الصلوات الخمس کلها فی هذه.
(3) سورة الأنبیاء: 73.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 547
النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یضرب رؤوسهم و یقول: «وَ قُلْ» «1» جاءَ الْحَقُ یعنی الإسلام وَ زَهَقَ الْباطِلُ یعنی و ذهب عبادة الشیطان یعنی الأوثان إِنَّ الْباطِلَ یعنی إن عبادة الشیطان یعنی عبادة الأصنام کانَ زَهُوقاً- 81- یعنی ذاهبا مثل قوله سبحانه: فَإِذا هُوَ زاهِقٌ «2» یعنی ذاهب وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ للقلوب یعنی بیانا «3» للحلال و الحرام وَ رَحْمَةٌ من العذاب لمن آمن بالقرآن، قوله «4»- سبحانه-: «و رحمة» لِلْمُؤْمِنِینَ وَ لا یَزِیدُ القرآن الظَّالِمِینَ إِلَّا خَساراً- 82- یعنی خسرانا وَ إِذا أَنْعَمْنا [219 ب عَلَی الْإِنْسانِ یعنی الکافر بالخیر یعنی الرزق أَعْرَضَ عن الدعاء وَ نَأی بِجانِبِهِ یقول و تباعد بجانبه وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ یعنی و إذا أصابه الفقر کانَ یَؤُساً- 83- یعنی آیسا من الخیر قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلی شاکِلَتِهِ المحسن و المسی‌ء علی شاکلته علی جدیلته التی هو علیها فَرَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدی سَبِیلًا- 84- وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ نزلت فی أبی جهل و أصحابه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی و هو ملک عظیم علی صورة إنسان أعظم من کل مخلوق غیر العرش فهو حافظ علی الملائکة وجهه کوجه الإنسان، ثم قال سبحانه: وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا- 85- عندی کثیرا عندکم و ذلک أن الیهود قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- إن فی التوراة علم کل شی‌ء و قال اللّه- تبارک و تعالی- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- قل للیهود
______________________________
(1) لیست فی أ، و لا فی ل.
(2) سورة الأنبیاء: 18.
(3) فی أ: بیان، ل: بیانا.
(4) فی أ، ل: قوله، و الأنسب: فذاک قوله.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 548
وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا عندی کثیرا عندکم و علم التوراة عندکم کثیر،
فقالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: من قال هذا؟ فو اللّه ما قاله لک إلا عدو لنا یعنون جبریل- علیه السلام-، ثم قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-:
خاصة لنا إنا لم نؤت من العلم إلا قلیلا. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم:
بل الناس کلهم عامة. فقالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: و لا أنت و لا أصحابک. فقال: نعم. فقالوا: کیف تجمع بین هاتین؟ تزعم أنک أوتیت الحکمة و من یؤت الحکمة فقد أوتی خیرا کثیرا و تزعم أنک لم نؤت من العلم إلا قلیلا. فنزلت وَ لَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ... إلی آخر الآیة «1»،
و نزلت قُلْ لَوْ کانَ الْبَحْرُ مِداداً ... إلی آخر الآیة «2». ثم قال سبحانه: وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ من القرآن و ذلک حین دعی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- إلی دین آبائه ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ بِهِ عَلَیْنا وَکِیلًا- 86- یعنی مانعا یمنعک منا فاستثنی- عز و جل- إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ یعنی القرآن کان رحمة من ربک اختصک بها إِنَّ فَضْلَهُ کانَ عَلَیْکَ کَبِیراً- 87- یعنی عظیما حین اختصک بذلک قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُ و ذلک أن اللّه- عز و جل- أنزل فی سورة هود: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَیاتٍ «3» فلم یطیقوا ذلک. فقال اللّه- تبارک و تعالی- لهم فی سورة یونس فَأْتُوا بِسُورَةٍ «4»
______________________________
(1) سورة لقمان؛ 27.
(2) سورة الکهف: 109.
(3) سورة هود: 13.
(4) سورة یونس 38، و النص فیها .. قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 549
واحدة مثله، فلم یطیقوا ذلک، و أخبر اللّه- تبارک و تعالی- النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُ فعان بعضهم بعضا عَلی أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ یقول لا یقدرون علی أن یأتوا بمثله وَ لَوْ کانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیراً- 88- یعنی معینا وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ یعنی ضربنا فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ یعنی من کل شبه فی أمور شتی فَأَبی أَکْثَرُ النَّاسِ إِلَّا کُفُوراً- 89- یعنی إلا کفرا بالقرآن وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً [220 أ]- 90- یعنی من أرض مکة ینبوعا یعنی عینا تجری و ذلک
أن أبا جهل قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: سیر «1» لنا الجبال، أو ابعث لنا الموتی فنکلمهم، أو سخر لنا الریح، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم:- لا أطیق ذلک
، فقال عبد اللّه بن أبی أمیة «2» بن المغیرة المخزومی، و هو ابن عم أبی جهل، و الحارث بن هشام، و هما ابنا عم فقالا: یا محمد، إن کنت لست «3» فاعلا لقومک شیئا مما سألوک فأرنا کرامتک علی اللّه بأمر تعرفه «4» فجر لبنی أبیک، ینبوعا بمکة مکان زمزم فقد شق علینا المیح أَوْ تَکُونَ لَکَ جَنَّةٌ یعنی بستانا مِنْ نَخِیلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِیراً- 91- یقول تجری العیون فی وسط النخیل و الأعناب و الشجر أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ کَما زَعَمْتَ عَلَیْنا کِسَفاً أَوْ تَأْتِیَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ قَبِیلًا- 92- أَوْ یَکُونَ لَکَ بَیْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ
______________________________
(1) فی أ: تسیر، ل: سیر.
(2) فی أ: بن أمیة، ل: بن أبی أمیة.
(3) لست: من ل، و لیست فی ا.
(4) فی ل: بأمر نعرفه، ا: بأمر نعرفه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 550
یعنی من ذهب فإن لم تستطع شیئا من هذا فأسقط السماء کما زعمت «1» علینا کسفا یعنی جانبا من السماء کما زعمت فی سورة سبأ: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَیْهِمْ کِسَفاً یعنی جانبا مِنَ السَّماءِ «2»، ثم قال: و الذی یحلف به عبد اللّه لا أصدقک و لا أؤمن بک حتی تسند سلما فترقی فیها «3» إلی السماء و أنا أنظر إلیک فتأتی بکتاب من عند اللّه- عز و جل- بأنک رسوله أو یأمرنا باتباعک و تجی‌ء الملائکة یشهدون أن اللّه کتبه «4». ثم قال:
و اللّه ما أدری إن فعلت ذلک أؤمن بک أم لا «5». فذلک قوله سبحانه: «أَوْ تَأْتِیَ بِاللَّهِ معاینة فیخبرنا أنک نبی رسول أو تأتی وَ الْمَلائِکَةِ قَبِیلًا یعنی کفیلا یشهدون بأنک رسول اللّه- عز و جل-، فذلک قوله: «أَوْ تَرْقی فِی السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِیِّکَ حَتَّی» «6» تُنَزِّلَ «7» عَلَیْنا یعنی من السماء کِتاباً نَقْرَؤُهُ من اللّه- عز و جل- بأنک رسوله خاصة، فأنزل اللّه- تعالی قُلْ لکفار مکة سُبْحانَ رَبِّی هَلْ کُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا- 93- نزه نفسه- جل جلاله- عن تکذیبهم إیاه لقولهم لم یبعث محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- رسولا، یقول ما أنا إلا رسول من البشر وَ ما مَنَعَ النَّاسَ یعنی رءوس کفار مکة أَنْ یُؤْمِنُوا یعنی أن یصدقوا بالقرآن إِذْ جاءَهُمُ الْهُدی
______________________________
(1) کما زعمت: من ل، و لیست: فی ا.
(2) سورة سبأ: 9.
(3) فی أ، ل: فیها، و الأنسب: فیه.
(4) من ل، و فی ا: أن کتبه الله.
(5) أم لا: ساقطة من أ، و هی من ل.
(6) ما بین القوسین «...»: ساقط من: ا، ل، و ترتیب الآیات مضطرب فیهما فکلاهما قدمت جزءا من 93 علی 92.
(7) فی أ: «أو تنزل علینا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 551
یعنی البیان و هو القرآن لأن القرآن هدی من الضلالة إِلَّا أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا- 94- نزلت فی المستهزئین و المطعمین ببدر فأنزل- تبارک و تعالی- قُلْ لَوْ کانَ فِی الْأَرْضِ مَلائِکَةٌ یَمْشُونَ مُطْمَئِنِّینَ یعنی مقیمین بها، مثل قوله- سبحانه- فی النساء: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ یقول فإذا أقمتم فَأَقِیمُوا الصَّلاةَ «1». لَنَزَّلْنا عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَکاً رَسُولًا- 95- قُلْ کَفی بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ یقول فلا أحد أفضل من اللّه شاهدا بأنی رسول اللّه إلیکم إِنَّهُ کانَ بِعِبادِهِ خَبِیراً بَصِیراً- 96- حین اختص محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- بالرسالة وَ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ لدینه فَهُوَ الْمُهْتَدِ «2» وَ مَنْ یُضْلِلْ عن دینه فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِهِ یعنی أصحابا من دون اللّه [220 ب یهدونهم إلی الإسلام من الضلالة وَ نَحْشُرُهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ بعد الحساب عَلی وُجُوهِهِمْ
قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: «کیف یمشون علی وجوههم؟ قال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: من أمشاهم علی أقدامهم؟ قالوا: اللّه أمشاهم. قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: فإن الذی أمشاهم علی أقدامهم هو الذی یمشیهم علی وجوههم،
ثم قال- سبحانه: عُمْیاً وَ بُکْماً وَ صُمًّا و ذلک إذا قیل لهم اخْسَؤُا فِیها وَ لا تُکَلِّمُونِ «3» فصاروا فیها «4» عمیا لا یبصرون أبدا، و صما لا یسمعون أبدا، ثم قال: مَأْواهُمْ یعنی مصیرهم جَهَنَّمُ قوله سبحانه:
______________________________
(1) سورة النساء: 103
(2) فی أ: المهتدی.
(3) سورة المؤمنون: 108.
(4) فی أ: فیه، ل: فیها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 552
کُلَّما خَبَتْ و ذلک إذا أکلتهم النار فلم یبق منهم غیر العظام و صاروا فحما سکنت النار هو الخبت «1» زِدْناهُمْ سَعِیراً- 97- و ذلک أن النار إذا أکلتهم بدلوا جلودا غیرها جددا «فی «2»» النار، فتسعر علیهم، فذلک قوله- سبحانه-:
«زِدْناهُمْ سَعِیراً» یعنی وقودا فهذا أمرهم أبدا، و ذلِکَ العذاب و النار «جَزاؤُهُمْ» «3» بِأَنَّهُمْ کَفَرُوا بِآیاتِنا یعنی بآیات القرآن وَ قالُوا أَ إِذا کُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً یعنی ترابا أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً- 98- یعنون البعث سیرة الخلق الأول «4» منهم أبی بن خلف، و أبو الأشدین، یقول اللّه لیعتبروا: أَ وَ لَمْ یَرَوْا یقول أو لم یعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قادِرٌ عَلی أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ یعنی مثل خلقهم فی الآخرة. یقول لأنهم مقرون بأن اللّه خلقهم وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ «5». و لا یقدرون أن یقولوا غیر ذلک و هم مع «6» ذلک یعبدون غیر اللّه- عز و جل- کما خلقهم فی الدنیا، فخلق السموات و الأرض أعظم و أکبر من خلق الإنسان؛ لأنهم مقرون بأن اللّه خلقهم و خلق السموات و الأرض وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا مسمی یبعثون فیه لا رَیْبَ فِیهِ یعنی لا شک فیه فی البعث أنه کائن فَأَبَی الظَّالِمُونَ إِلَّا کُفُوراً- 99- یعنی إلا کفرا بالبعث یعنی مشرکی
______________________________
(1) الأنسب: و هو الخبت.
(2) فی أ، ل: جدد النار، فجعلتها جددا فی النار.
(3) جزاؤهم: ساقطة من أ، ل.
(4) هکذا فی أ، ل.
(5) سورة لقمان: 25.
(6) فی أ، ل: فی، و قد جعلتها: مع.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 553
مکة قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِکُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّی یعنی مفاتیح الرزق یعنی مقالید السموات یقول لو کان الرزق بأیدیکم و کنتم تقسمونه إِذاً لَأَمْسَکْتُمْ خَشْیَةَ الْإِنْفاقِ لأمسکتموه مخافة الفقر و الفاقة وَ کانَ الْإِنْسانُ یعنی الکافر قَتُوراً- 100- یعنی بخیلا ممسکا عن نفسه وَ لَقَدْ آتَیْنا یعنی أعطینا مُوسی تِسْعَ آیاتٍ بَیِّناتٍ یعنی واضحات الید، و العصا بالأرض المقدسة و سبع آیات بأرض مصر الطوفان، و الجراد، و القمل، و الضفادع، و الدم، و السنین و الطمس علی الدنانیر، و الدراهم، أولها العصا و آخرها الطمس فَسْئَلْ بَنِی إِسْرائِیلَ عن ذلک إِذْ جاءَهُمْ موسی بالهدی فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّی لَأَظُنُّکَ [221 أ] یقول إنی لأحسبک یا مُوسی مَسْحُوراً- 101- یعنی مغلوبا علی عقله قالَ موسی لفرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ یا فرعون ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ هؤلاء الآیات التسع إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ یعنی تبصرة و تذکرة و لن یقدر أحد علی أن یأتی أحد بایة واحدة مثل هذه وَ إِنِّی لَأَظُنُّکَ یعنی لأحسبک یا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً- 102- یعنی ملعونا اسمه فیطوس فَأَرادَ أَنْ یَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ یعنی أن یخرجهم من أرض مصر مثل قوله سبحانه: وَ إِنْ کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ لِیُخْرِجُوکَ مِنْها «1» یعنی أرض المدینة فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِیعاً- 103- من الجنود وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ یعنی من بعد فرعون لِبَنِی إِسْرائِیلَ و هم سبعون ألفا من وراء نهر الصین معهم التوراة اسْکُنُوا الْأَرْضَ و ذلک من بعد موسی و من بعد «2» یوشع
______________________________
(1) سورة الإسراء: 76.
(2) فی ل: و من بعد، ا: و بعد.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 554
ابن نون فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ یعنی میقات الآخرة یعنی یوم القیامة جِئْنا بِکُمْ و بقوم موسی لَفِیفاً- 104- یعنی جمیعا فهم وراء الصین «1» فساروا من بیت المقدس فی سنة و نصف سنة ستة آلاف فرسخ و بینهم و بین الناس نهر من رمل یجری اسمه أردف، یجمد کل سبت و ذلک أن بنی إسرائیل قتلوا الأنبیاء و عبدوا الأوثان، فقال المؤمنون منهم: اللهم «2» فرق بیننا و بینهم فضرب اللّه- عز و جل- سربا فی الأرض من بیت المقدس إلی وراء «3» الصین فجعلوا یسیرون فیه یفتح أمامهم و یسد خلفهم و جعل لهم عمودا من نار فأنزل اللّه- عز و جل- علیهم المن و السلوی کل ذلک فی المسیر و هم الذین ذکرهم «4» اللّه- عز و جل- فی الأعراف: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ «5» فلما أسری بالنبی- صلی اللّه علیه و سلم- تلک اللیلة أتاهم فعلمهم الأذان و الصلاة و سورا من القرآن فأسلموا فهم القوم المؤمنون لیست لهم ذنوب و هم یجامعون نساءهم باللیل و أتاهم جبریل- علیه السّلام- مع النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فسلموا علیه قبل أن یسلم علیهم، فقالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لولا الخطایا التی فی أمتک لصافحتهم الملائکة وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ لما کذب کفار مکة یقول اللّه- تبارک و تعالی-: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ من اللوح المحفوظ یعنی القرآن علی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ به جبریل- علیه السلام- لم ینزله باطلا لغیر شی‌ء وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلَّا مُبَشِّراً بالجنة وَ نَذِیراً
______________________________
(1) فی أ، ل: الصین.
(2) فی أ: اللّه، ل: اللهم.
(3) فی أ، ل: وراء، و الأنسب: ما وراء.
(4) فی أ: ذکر.
(5) سورة الأعراف: 159.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 555
- 105- من النار وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ یعنی قطعناه یعنی فرقناه بین أوله و آخره عشرون سنة تتری «1» لم ننزله جملة واحدة مثلها فی الفرقان [221 ب لَوْ لا نُزِّلَ عَلَیْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً «2» ل کی لِتَقْرَأَهُ عَلَی النَّاسِ عَلی مُکْثٍ یعنی علی ترتیل للحفظة وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلًا- 106- فی ترسل آیات ثم بعد آیات «3» یعنی القرآن قُلْ لکفار مکة: آمِنُوا بِهِ یعنی القرآن أَوْ لا تُؤْمِنُوا یقول صدقوا بالقرآن أو لا تصدقوا به إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالتوراة مِنْ قَبْلِهِ یعنی من قبل هذا القرآن إِذا یُتْلی عَلَیْهِمْ یعنی القرآن یعنی عبد اللّه بن سلام و أصحابه یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ یعنی یقعون لوجوههم سُجَّداً- 107- وَ یَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا الذی أنزله یعنی القرآن إنه من اللّه- عز و جل- إِنْ کانَ یعنی لقد کان «4» وَعْدُ رَبِّنا فی التوراة لَمَفْعُولًا- 108- أنه «5» منزله علی محمد- صلی اللّه علیه و سلم- فکان فاعلا «6» وَ یَخِرُّونَ یعنی و یقعون «لِلْأَذْقانِ» «7» لوجوههم سجدا یَبْکُونَ وَ یَزِیدُهُمْ خُشُوعاً- 109- یقول یزیدهم القرآن تواضعا، لما فی القرآن من الوعد و الوعید قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ و ذلک أن رجلا من المسلمین دعا اللّه- عز و جل- و دعا الرحمن فی صلاته فقال أبو جهل بن هشام: ألیس یزعم محمد و أصحابه أنهم یعبدون ربا واحدا فما بال هذا یدعو ربین اثنین أو لستم تعلمون أن اللّه اسم، و الرحمن اسم. قالوا:
بلی، فأنزل اللّه- تبارک و تعالی قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ
فدعا النبی-
______________________________
(1) فی أ: تعری، ل تتری.
(2) سورة الفرقان: 32.
(3) من ل، و فی أ: آیات ثم آیات.
(4) من أ، و فی ل: لو کان.
(5) من ا، و فی ل: أنه له.
(6) السطور السابقة مضطربة فی: ل، و هی من ا وحدها.
(7) «للأذقان»: ساقطة من أ، ل، و هی فی حاشیة ا. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 556
صلی اللّه علیه و سلم- الرجل فقال: یا فلان ادع اللّه أو ادع الرحمن و رغم لآناف «1» المشرکین
أَیًّا «2» ما تَدْعُوا یقول فأیهما تدعو فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنی یعنی الأسماء الحسنی التی فی آخر الحشر و سائر ما فی القرآن وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ و ذلک أن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- کان بمکة یصلی إلی جانب دار أبی سفیان «3» عند الصفا فجهر بالقرآن فی صلاة الغداة فقال أبو جهل: لم تفتری علی اللّه، فإذا سمع ذلک منه خفض صوته فلا یسمع أصحابه القرآن. فقال أبو جهل:
ألم تروا یا معشر قریش، ما فعلت بابن أبی کبشة حتی خفض صوته فأنزل اللّه- تعالی ذکره-: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ یعنی بقراءتک فی صلاتک فیسمع المشرکون فیؤذوک «4» وَ لا تُخافِتْ بِها یقول و لا تسر بها یعنی بالقرآن فلا یسمع أصحابک وَ ابْتَغِ بَیْنَ ذلِکَ سَبِیلًا- 110- یعنی مسلکا یعنی بین الخفض و الرفع وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ و ذلک أن الیهود قالوا عزیر ابن اللّه، و قالت النصاری المسیح ابن اللّه، و قالت العرب إن للّه- عز و جل- شریکا من الملائکة فأکذبهم اللّه- عز و جل- فیها فنزه نفسه- تبارک و تعالی- مما قالوا فأنزل اللّه جل جلاله: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذی علمک هذه الآیة الَّذِی لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً عزیرا و عیسی وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ من الملائکة فِی الْمُلْکِ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ وَلِیٌ یعنی صاحبا ینتصر به مِنَ الذُّلِ کما یلتمس الناس النصر إن فاجأهم أمر یکرهونه وَ کَبِّرْهُ تَکْبِیراً- 111- یقول و عظمه یا محمد تعظیما فإنه من قال إن للّه- عز و جل- ولدا أو شریکا لم یعظمه. یقول: نزهة عن هذه الخصال التی قالت النصاری و الیهود و العرب «5».
______________________________
(1) فی أ: لأنف، ل: لآناف.
(2) فی أ: «فأیما».
(3) هکذا فی: أ، ل.
(4) فی أ: فیؤذوک، ل: فیؤذونک.
(5) النصاری و الیهود و العرب: ساقطة من أ، و هی من ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 557

سورة الکهف‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 559

[سورة الکهف (18): الآیات 1 الی 110]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَنْزَلَ عَلی عَبْدِهِ الْکِتابَ وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَیِّماً لِیُنْذِرَ بَأْساً شَدِیداً مِنْ لَدُنْهُ وَ یُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماکِثِینَ فِیهِ أَبَداً (3) وَ یُنْذِرَ الَّذِینَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4)
ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً (5) فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ عَلی آثارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً (6) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَی الْأَرْضِ زِینَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَیْها صَعِیداً جُرُزاً (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْکَهْفِ وَ الرَّقِیمِ کانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً (9)
إِذْ أَوَی الْفِتْیَةُ إِلَی الْکَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً وَ هَیِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَی آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصی لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدیً (13) وَ رَبَطْنا عَلی قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14)
هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا یَأْتُونَ عَلَیْهِمْ بِسُلْطانٍ بَیِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً (15) وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَی الْکَهْفِ یَنْشُرْ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ یُهَیِّئْ لَکُمْ مِنْ أَمْرِکُمْ مِرْفَقاً (16) وَ تَرَی الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِی فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِکَ مِنْ آیاتِ اللَّهِ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا مُرْشِداً (17) وَ تَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ ذاتَ الشِّمالِ وَ کَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَیْهِمْ لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) وَ کَذلِکَ بَعَثْناهُمْ لِیَتَساءَلُوا بَیْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَکُمْ بِوَرِقِکُمْ هذِهِ إِلَی الْمَدِینَةِ فَلْیَنْظُرْ أَیُّها أَزْکی طَعاماً فَلْیَأْتِکُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْیَتَلَطَّفْ وَ لا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَداً (19)
إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ أَوْ یُعِیدُوکُمْ فِی مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَیْبَ فِیها إِذْ یَتَنازَعُونَ بَیْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَیْهِمْ بُنْیاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِینَ غَلَبُوا عَلی أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَسْجِداً (21) سَیَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ کَلْبُهُمْ وَ یَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ کَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَیْبِ وَ یَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ کَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّی أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما یَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِیلٌ فَلا تُمارِ فِیهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِیهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) وَ لا تَقُولَنَّ لِشَیْ‌ءٍ إِنِّی فاعِلٌ ذلِکَ غَداً (23) إِلاَّ أَنْ یَشاءَ اللَّهُ وَ اذْکُرْ رَبَّکَ إِذا نَسِیتَ وَ قُلْ عَسی أَنْ یَهْدِیَنِ رَبِّی لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24)
وَ لَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِینَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا یُشْرِکُ فِی حُکْمِهِ أَحَداً (26) وَ اتْلُ ما أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنْ کِتابِ رَبِّکَ لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَیْناکَ عَنْهُمْ تُرِیدُ زِینَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ کانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِینَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَ إِنْ یَسْتَغِیثُوا یُغاثُوا بِماءٍ کَالْمُهْلِ یَشْوِی الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً (29)
إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُولئِکَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ یَلْبَسُونَ ثِیاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَّکِئِینَ فِیها عَلَی الْأَرائِکِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَیْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَیْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَیْنَهُما زَرْعاً (32) کِلْتَا الْجَنَّتَیْنِ آتَتْ أُکُلَها وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَیْئاً وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَ کانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ أَنَا أَکْثَرُ مِنْکَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً (34)
وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِیدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلی رَبِّی لَأَجِدَنَّ خَیْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ أَ کَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاکَ رَجُلاً (37) لکِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّی وَ لا أُشْرِکُ بِرَبِّی أَحَداً (38) وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَکَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْکَ مالاً وَ وَلَداً (39)
فَعَسی رَبِّی أَنْ یُؤْتِیَنِ خَیْراً مِنْ جَنَّتِکَ وَ یُرْسِلَ عَلَیْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِیداً زَلَقاً (40) أَوْ یُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِیعَ لَهُ طَلَباً (41) وَ أُحِیطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ یُقَلِّبُ کَفَّیْهِ عَلی ما أَنْفَقَ فِیها وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها وَ یَقُولُ یا لَیْتَنِی لَمْ أُشْرِکْ بِرَبِّی أَحَداً (42) وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ فِئَةٌ یَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما کانَ مُنْتَصِراً (43) هُنالِکَ الْوَلایَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَیْرٌ ثَواباً وَ خَیْرٌ عُقْباً (44)
وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَیاةِ الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِیماً تَذْرُوهُ الرِّیاحُ وَ کانَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ مُقْتَدِراً (45) الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِینَةُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ الْباقِیاتُ الصَّالِحاتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَ خَیْرٌ أَمَلاً (46) وَ یَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَی الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (47) وَ عُرِضُوا عَلی رَبِّکَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا کَما خَلَقْناکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَکُمْ مَوْعِداً (48) وَ وُضِعَ الْکِتابُ فَتَرَی الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَ یَقُولُونَ یا وَیْلَتَنا ما لِهذَا الْکِتابِ لا یُغادِرُ صَغِیرَةً وَ لا کَبِیرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَداً (49)
وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ کانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِی وَ هُمْ لَکُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلاً (50) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما کُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً (51) وَ یَوْمَ یَقُولُ نادُوا شُرَکائِیَ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُمْ وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ مَوْبِقاً (52) وَ رَأَی الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَ لَمْ یَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53) وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِی هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ وَ کانَ الْإِنْسانُ أَکْثَرَ شَیْ‌ءٍ جَدَلاً (54)
وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدی وَ یَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِیَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِینَ أَوْ یَأْتِیَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (55) وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِینَ إِلاَّ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ وَ یُجادِلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِالْباطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا آیاتِی وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُکِّرَ بِآیاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَ نَسِیَ ما قَدَّمَتْ یَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَی الْهُدی فَلَنْ یَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) وَ رَبُّکَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ یُؤاخِذُهُمْ بِما کَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ یَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) وَ تِلْکَ الْقُری أَهْلَکْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جَعَلْنا لِمَهْلِکِهِمْ مَوْعِداً (59)
وَ إِذْ قالَ مُوسی لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّی أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ أَوْ أَمْضِیَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَیْنِهِما نَسِیا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِینا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (62) قالَ أَ رَأَیْتَ إِذْ أَوَیْنا إِلَی الصَّخْرَةِ فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِیهُ إِلاَّ الشَّیْطانُ أَنْ أَذْکُرَهُ وَ اتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی الْبَحْرِ عَجَباً (63) قالَ ذلِکَ ما کُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلی آثارِهِما قَصَصاً (64)
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسی هَلْ أَتَّبِعُکَ عَلی أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً (67) وَ کَیْفَ تَصْبِرُ عَلی ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِی لَکَ أَمْراً (69)
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِی فَلا تَسْئَلْنِی عَنْ شَیْ‌ءٍ حَتَّی أُحْدِثَ لَکَ مِنْهُ ذِکْراً (70) فَانْطَلَقا حَتَّی إِذا رَکِبا فِی السَّفِینَةِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً (71) قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً (72) قالَ لا تُؤاخِذْنِی بِما نَسِیتُ وَ لا تُرْهِقْنِی مِنْ أَمْرِی عُسْراً (73) فَانْطَلَقا حَتَّی إِذا لَقِیا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَکِیَّةً بِغَیْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً نُکْراً (74)
قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَکَ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً (75) قالَ إِنْ سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْ‌ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِی قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّی عُذْراً (76) فَانْطَلَقا حَتَّی إِذا أَتَیا أَهْلَ قَرْیَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ یُضَیِّفُوهُما فَوَجَدا فِیها جِداراً یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أَجْراً (77) قالَ هذا فِراقُ بَیْنِی وَ بَیْنِکَ سَأُنَبِّئُکَ بِتَأْوِیلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً (78) أَمَّا السَّفِینَةُ فَکانَتْ لِمَساکِینَ یَعْمَلُونَ فِی الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِیبَها وَ کانَ وَراءَهُمْ مَلِکٌ یَأْخُذُ کُلَّ سَفِینَةٍ غَصْباً (79)
وَ أَمَّا الْغُلامُ فَکانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَیْنِ فَخَشِینا أَنْ یُرْهِقَهُما طُغْیاناً وَ کُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْهُ زَکاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً (81) وَ أَمَّا الْجِدارُ فَکانَ لِغُلامَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی الْمَدِینَةِ وَ کانَ تَحْتَهُ کَنْزٌ لَهُما وَ کانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّکَ أَنْ یَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ یَسْتَخْرِجا کَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِی ذلِکَ تَأْوِیلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً (82) وَ یَسْئَلُونَکَ عَنْ ذِی الْقَرْنَیْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَیْکُمْ مِنْهُ ذِکْراً (83) إِنَّا مَکَّنَّا لَهُ فِی الْأَرْضِ وَ آتَیْناهُ مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ سَبَباً (84)
فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتَّی إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِی عَیْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا یا ذَا الْقَرْنَیْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِیهِمْ حُسْناً (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ یُرَدُّ إِلی رَبِّهِ فَیُعَذِّبُهُ عَذاباً نُکْراً (87) وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنی وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا یُسْراً (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (89)
حَتَّی إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلی قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) کَذلِکَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَیْهِ خُبْراً (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) حَتَّی إِذا بَلَغَ بَیْنَ السَّدَّیْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قالُوا یا ذَا الْقَرْنَیْنِ إِنَّ یَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَکَ خَرْجاً عَلی أَنْ تَجْعَلَ بَیْنَنا وَ بَیْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالَ ما مَکَّنِّی فِیهِ رَبِّی خَیْرٌ فَأَعِینُونِی بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِی زُبَرَ الْحَدِیدِ حَتَّی إِذا ساوی بَیْنَ الصَّدَفَیْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّی إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِی أُفْرِغْ عَلَیْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ یَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّی فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّی جَعَلَهُ دَکَّاءَ وَ کانَ وَعْدُ رَبِّی حَقًّا (98) وَ تَرَکْنا بَعْضَهُمْ یَوْمَئِذٍ یَمُوجُ فِی بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99)
وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ یَوْمَئِذٍ لِلْکافِرِینَ عَرْضاً (100) الَّذِینَ کانَتْ أَعْیُنُهُمْ فِی غِطاءٍ عَنْ ذِکْرِی وَ کانُوا لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً (101) أَ فَحَسِبَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنْ یَتَّخِذُوا عِبادِی مِنْ دُونِی أَوْلِیاءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْکافِرِینَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمالاً (103) الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)
أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِیمُ لَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَزْناً (105) ذلِکَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما کَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آیاتِی وَ رُسُلِی هُزُواً (106) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ کانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خالِدِینَ فِیها لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (108) قُلْ لَوْ کانَ الْبَحْرُ مِداداً لِکَلِماتِ رَبِّی لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ کَلِماتُ رَبِّی وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 571
سورة الکهف «1» مکیة کلها و فیها من المدنی قوله تعالی: من أولها إلی قوله: ... أَحْسَنُ عَمَلًا «2».
عددها مائة و عشر آیات «3».
______________________________
(1) المقصود الإجمالی لسورة الکهف مقصود سورة الکهف ما یأتی:
بیان نزول القرآن علی سنن السداد، و تسلیة النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی تأخر الکفار عن الإیمان، و بیان عجائب حدیث الکهف، و أمر النبی- صلی اللّه علیه و سلم- بالصبر علی الفقراء و تهدید الکفار بالعذاب، و البلاء، و وعد المؤمنین بحسن الثواب، و تمثیل الدنیا بماء السماء و نبات الأرض، و بیان أن الباقی من الدنیا طاعة اللّه فقط، و ذکر أحوال القیامة و قراءة الکتب، و عرض الخلق علی الحق، و إباء إبلیس من السجود، و ذل الکفار ساعة دخولهم النار، و جدال أهل الباطل مع المحقین الأبرار، و التخویف بإهلاک الأمم الماضیة و إذلالهم، و حدیث موسی، و یوشع، و الخضر، و عجائب أحوالهم، و قصة ذی القرنین، و إتیانه إلی المشرقین و المغربین، و بنائه لسد یأجوج، و مأجوج، و ما یتفق لهم آخر الزمان من الخروج. و ذکر رحمة أهل القیامة، و ضیاع عمل الکفار، و ثمرات مساعی المؤمنین الأبرار، و بیان أن کلمات القرآن بحور علم لا نهایة لها و لا غایة لأمدها، و الأمر بالإخلاص فی العمل الصالح أبدا فی قوله: فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.
*** (2) من أول السورة إلی غایة الآیة السابعة أی 7 آیات من أول السورة مدنیة و الباقی مکی.
فی نسخة (ل) کوبریلی: «و فیها من المدنی» أولها إلی قوله: ... إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَی الْأَرْضِ زِینَةً لَها ... (الآیة 7).
و قوله ... ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ ... إلی آخر الآیة (آیة 5).
و قوله: إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ... إلی آخر الآیة (آیة 30).
هذه الآیات مدنیات.
و فی المصحف المتداول بأیدینا: «سورة الکهف مکیة إلا آیة 38، و من آیة 83 إلی غایة 101 فمدنیة و آیاتها 110 نزلت بعد الغاشیة».
و فی بصائر ذوی التمییز للفیروزآبادی: (سورة الکهف مکیة بالاتفاق)، و المختلف فیها- أی بین مکیة و مدنیة- إحدی عشرة آیة هی:
الآیة 13، 22، 23، 32، 35، 84، 85، 86، 89، 92، 103.
(3) من: أ، و هی: ساقطة من ل، و هی فی أ: مائة و عشرة آیات.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 572
تفسیر مقاتل بن سلیمان ج‌2 642
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ و ذلک أن الیهود قالوا: یزعم محمد «1» أنه لا ینزل علیه الکتاب مختلفا فإن کان صادقا بأنه من اللّه- عز و جل- «فلم یأت به مختلفا» «2» «فإن التوراة نزلت کل فصل علی ناحیة» «3» فأنزل اللّه فی قولهم «4» «الْحَمْدُ لِلَّهِ» الَّذِی أَنْزَلَ عَلی عَبْدِهِ الْکِتابَ یعنی القرآن وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً- 1- یعنی مختلفا، أنزله قَیِّماً مستقیما لِیُنْذِرَ محمد- صلی اللّه علیه و سلم- بما فی القرآن بَأْساً یعنی عذابا شَدِیداً مِنْ لَدُنْهُ یعنی من عنده،
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم- للیهود: أدعوکم إلی اللّه- عز و جل- و أنذرکم بأسه فإن تتوبوا یکفر عنکم سیئاتکم، و یؤتکم أجورکم مرتین.
فقال کعب ابن الأشرف، و کعب بن أسید، و حیی بن أخطب، و فنحاص الیهودی، من أهل قینقاع: ألیس عزیر ولد اللّه فأدعوه ولدا للّه؟
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: أعوذ باللّه أن أدعو للّه- تبارک و تعالی- ولدا.
و لکن عزیر عبد اللّه داخر: یعنی صاغرا «5»، قالوا فإنا «6» نجده فی کتابنا و حدثتنا به آباؤنا، فاعتزلهم النبی
______________________________
(1) فی أ: محمد- صلی اللّه علیه و سلم-، ل: محمد.
(2) زیادة اقتضاها السیاق، فإن جواب الشرط.
(3) ما بین القوسین «...» من ل، و لیس فی ا.
(4) قولهم: من ل، و لیست فی ا.
(5) صاغرا: من ل، و فی أ: و لکن عزیر عبد اللّه داخرا صاغرا.
(6) فی أ: فإنه، ل: فإنا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 573
- صلی اللّه علیه و سلم- حزینا، فقال أبو بکر، و عمر، و عثمان بن مظعون، و زید بن حارثة، رضی اللّه عنهم، للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لا یحزنک قولهم و کفرهم، إن اللّه معنا فأنزل اللّه- عز و جل- وَ یُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِینَ بثواب ما فی القرآن یعنی هؤلاء النفر الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً- 2- یعنی جزاء کریما یعنی الجنة ماکِثِینَ فِیهِ یعنی الجزاء فی الجنة یقول مقیمین فیها أَبَداً- 3- ثم ذکر الیهود فقال: وَ یُنْذِرَ محمد- صلی اللّه علیه و سلم- الَّذِینَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً- 4- یعنون عزیرا «1» یقول اللّه- تبارک و تعالی-: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ لقولهم نجده فی کتابنا، و حدثتنا به آباؤنا، قال اللّه- تعالی: کَبُرَتْ یعنی عظمت کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یعنی ما یَقُولُونَ إِلَّا کَذِباً- 5- لقولهم عزیز ابن اللّه- عز و جل- ثم قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- [222 ب حین أحزنه قولهم، قال- سبحانه-: فَلَعَلَّکَ یعنی فعساک باخِعٌ نَفْسَکَ عَلی آثارِهِمْ یعنی قاتلا نفسک علی آثارهم یعنی علیهم أسفا یعنی حزنا نظیرها فی الشعراء فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ «2» یقول قاتل نفسک حزنا فی التقدیم: إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِیثِ یعنی لم یصدقوا بالقرآن أَسَفاً- 6- إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَی الْأَرْضِ من النبت عاما «3» بعام زِینَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ یعنی لنختبرهم أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا- 7- وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ فی الآخرة ما عَلَیْها یعنی ما علی الأرض من شی‌ء صَعِیداً یعنی مستویا
______________________________
(1) فی أ: عزیر، ل: عزیرا.
(2) سورة الشعراء: 3.
(3) فی أ: عام، ل: عاما.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 574
جُرُزاً- 8- یعنی ملساء لیس علیها جبل و لا نبت کما خلقت أول مرة أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْکَهْفِ و الکهف نقب «1» یکون فی الجبل کهیئة الغار و اسمه بانجلوس وَ الرَّقِیمِ «2» کتاب کتبه رجلان قاضیان صالحان أحدهما ماتوس، و الآخر أسطوس کانا یکتمان إیمانهما و کانا فی منزل دقیوس الجبار و هو الملک الذی فر منه الفتیة و کتبا أمر الفتیة فی لوح من رصاص ثم جعلاه فی تابوت من نحاس ثم جعلاه فی البناء الذی سدوا به باب الکهف، فقالا: لعل اللّه- عز و جل- أن یطلع علی هؤلاء الفتیة لیعلموا إذا قرءوا الکتاب، قال- سبحانه: کانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً- 9- یقول- سبحانه- أوحینا إلیک من أمر الأمم الخالیة، و علمناک «3» من أمر الخلق، و أمر ما کان و أمر ما یکون قبل أصحاب الکهف، فهو أعجب من أصحاب الکهف و لیس أصحاب الکهف بأعجب مما أوحینا إلیک «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْکَهْفِ وَ الرَّقِیمِ» یعنی بالرقیم الکتاب الذی کتبه القاضیان مثل قوله- عز و جل-: کَلَّا إِنَّ کِتابَ الفُجَّارِ لَفِی سِجِّینٍ، وَ ما أَدْراکَ ما سِجِّینٌ، کِتابٌ مَرْقُومٌ «4» یعنی کتاب مکتوب کانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً یخبره به. و ذلک أن أبا جهل قال لقریش:
ابعثوا نفرا منکم إلی یهود یثرب فیسألونهم عن صاحبکم أ نبی هو أم کذاب؟ فإنا نری أن ننصرف عنه فبعثوا خمسة نفر منهم النضر بن الحارث، عقبة بن أبی معیط: فلما قدموا المدینة، قالوا للیهود: أتیناکم لأمر حدث فینا لا یزداد
______________________________
(1) فی أ: نقب، و فی ل: بدون إعجام فتحتمل: نقب أو ثقب.
(2) فی أ: کتابا، ل: کتاب.
(3) فی أ: و علمناکه.
(4) سورة المطففین الآیات 7، 8، 9.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 575
إلا نماء، و إنا له کارهون، و قد خفنا أن یفسد علینا دیننا، و یلبس علینا أمرنا، و هو حقیر فقیر یتیم یدعو إلی، الرحمن و لا نعرف الرحمن إلا مسیلمة الکذاب، و قد علمتم أنه لم یأمر قط إلا بالفساد و القتال، و یأتیه بذلک زعم جبریل- علیه السلام- و هو عدولکم، فأخبرونا هل تجدونه فی کتابکم؟ قالوا: نجد نعته کما تقولون؟ قالوا: إن فی قومه من هو أشرف منه، و أکبر سنا فلا نصدقه.
قالوا: نجد قومه أشد الناس علیه و هذا زمانه الذی یخرج فیه. قالوا: إنما یعلمه الکذاب مسیلمة، فحدثونا بأشیاء نسأله «عنها» «1» لا یعلمها مسیلمة و لا یعلمها إلا نبی. قالوا: «سلوه» «2» عن ثلاث خصال، فإن أصابهن فهو نبی، و إلا فهو کذاب، سلوه عن أصحاب الکهف، فقصوا علیهم أمرهم، و سلوه «3» من عن ذی القرنین، فإنه کان ملکا و کان أمره کذا و کذا، و سلوه عن الروح فإن أخبرکم عنه بقلیل أو کثیر فهو کذاب فقصوا علیهم، فرجعوا بذلک و أعجبهم.
فأتوا النبی- صلی اللّه علیه و سلم- فقال أبو جهل: یا بن عبد المطلب: إنا سائلوک عن ثلاث خصال، فإن علمتهن فأنت صادق و إلا فأنت کاذب فذر ذکر آلهتنا. فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: ما هن «4» سلونی عما شئتم، قالوا نسألک عن أصحاب الکهف فقد أخبرنا عنهم، و نسألک عن ذی القرنین فقد أخبرنا عنه بالعجب، و نسألک عن الروح فقد ذکر لنا من أمره عجب، فإن علمتهن فأنت معذور، و إن جهلتهن فأنت مغرور مسحور. فقال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم
______________________________
(1) عنها: من ل، و لیست فی ا.
(2) سلوه: من ل، و لیست فی ا.
(3) فی ا: و سألوا: و فی ل: و سلوه.
(4) فی أ: ما هو، ل: ما هن. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 576
- ارجعوا إلیّ غدا أخبرکم، و لم یستثن «1» فمکث النبی- صلی اللّه علیه و سلم- ثلاثة أیام، ثم أتاه جبرئیل- علیه السلام-، فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: یا جبریل، إن القوم سألونی عن ثلاث خصال. فقال جبریل- علیه السلام- بهن أتیتک، إن اللّه- عز و جل- یقول: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْکَهْفِ وَ الرَّقِیمِ کانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً»
ثم أخبر عنهم فقال- سبحانه-:
إِذْ أَوَی الْفِتْیَةُ إِلَی الْکَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً من عندک رحمة یعنی رزقا وَ هَیِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً- 10- یعنی تیسیرا فیها تقدیم فَضَرَبْنا عَلَی آذانِهِمْ رقودا فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً- 11- یعنی ثلاثمائة سنة و تسع سنین ثُمَّ بَعَثْناهُمْ من بعد نومهم «لِنَعْلَمَ» «2» أَیُّ الْحِزْبَیْنِ یعنی لنری مؤمنهم و مشرکهم أَحْصی لِما لَبِثُوا فی رقودهم أَمَداً- 12- یعنی أجلا فکان مؤمنوهم «3» الذین کتبوا أمر الفتیة هم أعلم بما لبثوا من کفّارهم، فلما بعثوا یعنی الفتیة من نومهم أتوا القریة فأسلم أهل القریة کلهم نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ یعنی صدقوا بتوحید ربهم وَ زِدْناهُمْ هُدیً 13- حین فارقوا قومهم وَ رَبَطْنا عَلی قُلُوبِهِمْ بالإیمان إِذْ قامُوا علی أرجلهم قیاما فَقالُوا رَبُّنا هو رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا یعنی لن نعبد مِنْ دُونِهِ إِلهاً یعنی ربا غیر اللّه- عز و جل- کفعل قومنا و لئن فعلنا [223 ب لَقَدْ قُلْنا إِذاً علی اللّه شَطَطاً- 14- یعنی جورا نظیرها
______________________________
(1) أی لم یقل إن شاء اللّه، أو إلا أن یشاء اللّه.
(2) فی أ: لنعلم.
(3) فی أ: مؤمنوهم، ل: مؤمنیهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 577
فی ص وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا «1» و فی سورة الجن وَ أَنَّهُ کانَ یَقُولُ سَفِیهُنا عَلَی اللَّهِ شَطَطاً «2»، ثم قال- سبحانه-: هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً یعبدونها لَوْ لا یعنی هلا یَأْتُونَ عَلَیْهِمْ بِسُلْطانٍ بَیِّنٍ یعنی علی الآلهة بحجة بینة بأنها آلهة فَمَنْ یعنی فلا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللَّهِ کَذِباً- 15- بأن معه آلهة، ثم قال الفتیة بعضهم لبعض: وَ إِذِ «3» اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ اعتزلتم ما یَعْبُدُونَ من دون اللّه من الآلهة، ثم استثنوا فقالوا: إِلَّا اللَّهَ فلا تعتزلوا معرفته لأنهم عرفوا أن اللّه- تعالی- ربهم، و هو خلقهم و خلق الأشیاء کلها، ثم قال بعضهم لبعض: فَأْوُوا إِلَی الْکَهْفِ یعنی انتهوا إلی الکهف، کقوله سبحانه: إِذْ أَوَیْنا إِلَی الصَّخْرَةِ «4» یَنْشُرْ لَکُمْ یعنی یبسط لکم رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ رزقا وَ یُهَیِّئْ لَکُمْ مِنْ أَمْرِکُمْ مِرْفَقاً- 16- یعنی ما یرفق بکم فهیأ «5» اللّه «6» لکم «7» الرقود فی الغار فکان هذا من قول الفتیة، یقول اللّه- تبارک و تعالی-: وَ تَرَی الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ یعنی تمیل عن کهفهم فتدعهم ذاتَ الْیَمِینِ وَ إِذا غَرَبَتْ الشمس تَقْرِضُهُمْ یعنی
______________________________
(1) سورة ص: 22.
(2) سورة الجن: 4.
(3) فی أ: و إذا.
(4) سورة الکهف: 63.
(5) فی أ: فیها، ل: فهیأ.
(6) فی أ: اللّه- عز و جل-، و فی ل: اللّه.
(7) فی أ: لهم، ل: لکم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 578
تدعهم ذاتَ الشِّمالِ «1» وَ هُمْ فِی فَجْوَةٍ مِنْهُ یعنی فی زاویة «2» من الکهف ذلِکَ یعنی هذا الذی ذکر من أمر الفتیة مِنْ آیاتِ اللَّهِ یعنی من علامات اللّه و صنعه مَنْ یَهْدِ اللَّهُ لدینه فَهُوَ الْمُهْتَدِ «3» وَ مَنْ یُضْلِلْ عن دینه الإسلام فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا یعنی صاحبا مُرْشِداً- 17- یعنی یرشده إلی الهدی لأن ولیه مثله فی الضلالة وَ تَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً حین یقلبون «4» و أعینهم مفتحة.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنا أبی عن الهذیل، قال: قال مقاتل عن الضحاک: کان یقلبهم جبریل- علیه السلام- کل عام مرتین، لئلا تأکل الأرض لحومهم، وَ هُمْ رُقُودٌ یعنی نیام وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ ذاتَ الشِّمالِ علی جنوبهم و هم وقود لا یشعرون وَ کَلْبُهُمْ اسمه قمطیر باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ یعنی الفضاء الذی علی باب الکهف و کان الکلب لمکسلمینا، و کان راعی غنم، فبسط الکلب ذراعیه علی باب الکهف لیحرسهم و أنام اللّه- عز و جل- الکلب فی تلک السنین کما أنام الفتیة. یقول للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَیْهِمْ حین نقلبهم لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً- 18- وَ کَذلِکَ یعنی و هکذا بَعَثْناهُمْ من نومهم فقاموا لِیَتَساءَلُوا بَیْنَهُمْ [224 أ] ف قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ
______________________________
(1) من ل، و فی ا: «تَقْرِضُهُمْ ذاتَ» یعنی تدعهم «الشمال».
(2) فی أ: زاویة، و فی حاشیة أ: فی الأصل رابعة، و فی ل: رابعة.
أقول: و قد تکون محرفة عن زاویة.
(3) فی أ: المهتدی.
(4) من ل، و فی أ: یعنی «یقلبون» بدون إعجام و هی أشبه ب یقلبون.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 579
و هو مکسلمینا و هو أکبرهم سنا کَمْ لَبِثْتُمْ رقودا قالُوا لَبِثْنا یَوْماً و کانوا دخلوا الغار غدوة و بعثوا من آخر النهار، فمن ثم قالوا: أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالُوا یعنی الأکبر و هو مکسلمینا وحده رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فی رقودکم منکم فردوا العلم إلی اللّه- عز و جل-، ثم قال مکسلمینا: فَابْعَثُوا أَحَدَکُمْ بِوَرِقِکُمْ یعنی الدراهم هذِهِ التی معکم إِلَی الْمَدِینَةِ فبعثوا یملیخا فَلْیَنْظُرْ أَیُّها أَزْکی طَعاماً یعنی أطیب طعاما فَلْیَأْتِکُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْیَتَلَطَّفْ یعنی «و لیترفق حتی لا یفطن «1» له» وَ لا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَداً- 19- یعنی و لا یعلمن بمکانکم أحدا من الناس إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ یعنی یقتلوکم أَوْ یُعِیدُوکُمْ فِی مِلَّتِهِمْ یعنی فی دینهم الکفر وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً- 20- «کان هذا» «2» من قول مکسلمینا یقوله «3» للفتیة، فلما ذهب یملیخا إلی القریة أنکروا دراهم دقیوس الجبار، الذی فر «4» منه الفتیة، فلما رأوا ذلک قالوا هذا رجل وجد کنزا فلما خاف أن یعذب أخبرهم «5» بأمر الفتیة فانطلقوا معه إلی الکهف فلما انتهی یملیخا إلی الکهف و دخل سد اللّه- عز و جل- باب الکهف علیهم فلم یخلص إلیهم أحد وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا یقول و هکذا أطلعنا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا یعنی لیعلم کفارهم و مکذبوهم بالبعث إذا نظروا إلیهم «6»
______________________________
(1) فی أ: و لیترفق لا یفطن له، ل: و لیترفق لا یفطن له.
(2) کان هذا: من ل، و هی ساقطة من ا.
(3) فی أ: لقوله. و فی حاشیة أ: یقوله محمد. و فی ل: یقوله.
(4) فی أ: فروا.
(5) فی ا. أمرهم، ل: أخبرهم.
(6) فی أ: فنظروا إلیهم، ل: إذا نظروا إلیهم.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 580
أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ فی البعث أنه کائن وَ لیعلموا أَنَّ السَّاعَةَ آتیة یعنی قائمة لا رَیْبَ فِیها یعنی لا شک فیها. فی القیامة بأنها کائنة إِذْ یَتَنازَعُونَ بَیْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَیْهِمْ بُنْیاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ یعنی إذ یخلفون فی القول فی أمرهم فکان التنازع بینهم أن قالوا: کیف نصنع بالفتیة؟ قال بعضهم:
«نبنی علیهم بنیانا و قال بعضهم» «1» و هم المؤمنون: «قالَ الَّذِینَ غَلَبُوا عَلی أَمْرِهِمْ» «2» لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَسْجِداً- 21- فبنوا مسجدا علی باب الکهف «3».
سَیَقُولُونَ یعنی نصاری نجران: الفتیة ثَلاثَةٌ نفر رابِعُهُمْ کَلْبُهُمْ وَ یَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ کَلْبُهُمْ یقول اللّه- عز و جل-: رَجْماً بِالْغَیْبِ یعنی قذفا بالظن لا یستیقنونه وَ یَقُولُونَ هم سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ کَلْبُهُمْ و إنما صاروا بالواو و او لأنه انقطع الکلام. «قال أبو العباس ثعلب» «4»:
ألفوا هذه الواو الحال، کان المعنی و هذه حالهم عند ذکر الکلب. هذا قول نصاری نجران السید، و العاقب و من معهما من المار یعقوبیین و هم حزب النصاری قُلْ للنصاری [224 ب رَبِّی أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ من غیره ما یَعْلَمُهُمْ یعنی عدتهم ثم استثنی إِلَّا قَلِیلٌ قل ما یعلم عدة الفتیة إلا قلیل من النسطوریة و هم حزب من النصاری «و أما الذین غلبوا علی أمرهم
______________________________
(1) زیادة لیست فی أ، و لا فی ل اقتضاها السیاق. و انظر البیضاوی.
(2) ما بین القوسین «...» ساقطة من أ، ل.
(3) فی ا زیادة: ربهم أعلم بهم فی التقدیم. و فی البیضاوی: «حکی أن المبعوث لما دخل السوق و أخرج الدراهم و کان علیها اسم دقیانوس» اتهموه بأنه وجد کنزا فذهبوا به إلی الملک و کان نصرانیا موحدا فقص علیه القصص، فقال بعضهم: إن آباءنا أخبرونا أن فتیة فروا بدینهم من دقیانوس فلعل هؤلاء منهم فانطلق الملک و أهل المدینة من مؤمن و کافر فأبصروهم و کلموهم، ثم ماتوا فدفنهم الملک فی الکهف: 289.
(4) فی الأصل: «قال أبو العباس ثعلب قال».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 581
فهم المؤمنون» «1» الذین کانوا یقولون ابنوا علیهم بنیانا بنداسیس الصلح و من معه «فَلا تُمارِ فِیهِمْ» «2» یعنی لا تمار یا محمد النصاری فی أمر الفتیة إِلَّا مِراءً ظاهِراً یعنی حقا بما فی القرآن، یقول- سبحانه- حسبک بما قصصنا علیک من أمرهم. وَ لا تَسْتَفْتِ فِیهِمْ «مِنْهُمْ» «3» أَحَداً- 22- یقول و لا تسأل عن أمر الفتیة أحدا من النصاری وَ لا تَقُولَنَّ لِشَیْ‌ءٍ إِنِّی فاعِلٌ ذلِکَ غَداً- 23- إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ و ذلک حین سأل أبو جهل و أصحابه عن أصحاب الکهف
فقال لهم النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: ارجعوا إلی غدا حتی أخبرکم و لم یستثن فأنزل اللّه- عز و جل- وَ لا تَقُولَنَّ لِشَیْ‌ءٍ إِنِّی فاعِلٌ ذلِکَ غَداً إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ
وَ اذْکُرْ رَبَّکَ إِذا نَسِیتَ یقول إذا ذکرت الاستثناء فاستثن یقول اللّه قل إِنْ شاءَ اللَّهُ قبل أن ینزل الوحی إلیک فی أصحاب الکهف وَ قُلْ عَسی أَنْ یَهْدِیَنِ «4» رَبِّی لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً- 24-
لقول النبی- صلی اللّه علیه و سلم- لهم ارجعوا إلی غدا حتی أخبرکم عما سألتم فقال- عز و جل- للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: «وَ قُلْ لَهُمْ» «5» عسی أن یرشدنی ربی لأسرع من هذا المیعاد رشدا.
ثم قالت النصاری أیضا: وَ لَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ رقودا «6» ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِینَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً- 25- فیها تقدیم لا تتغیر ألوانهم، و لا أشعارهم،
______________________________
(1) من ل، و لیس فی ا. و فی ل: «و أما الذین عملوا» أ ه. و لفظ القرآن غلبوا و یلاحظ أن هذه الجملة کانت ساقطة من أ، ل فی مکانها، ثم تدارکتها ل هنا.
(2) من ل، و فی أ: «فَلا تُمارِ» یا محمد «فیهم».
(3) «منهم»: ساقط من الأصل.
(4) فی أ: یهدینی.
(5) «وَ قُلْ لَهُمْ»: من ل، و لیست فی ا.
(6) فی ل: رقود، و لیست فی ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 582
و لا ثیابهم. قُلِ لنصاری نجران: یا محمد اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا فی رقودهم لَهُ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یعنی ما یکون فی السموات و الأرض أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ یقول لا أحد أبصر من اللّه- عز و جل- بما لبثوا فی رقودهم و لا أحد أسمع ما لَهُمْ یعنی النصاری مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍ یعنی قریبا ینفعهم وَ لا یُشْرِکُ اللّه فِی حُکْمِهِ أَحَداً- 26- وَ اتْلُ ما أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنْ کِتابِ رَبِّکَ یقول أخبر کفار مکة الذین سألوا عن أصحاب الکهف بما «1» أوحینا إلیک من أمرهم لا تنقص و لا تزید لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ یقول لا تحویل لقوله لأن قوله- تعالی ذکره- حق ثم حذر اللّه- عز و جل- نبیه- صلی اللّه علیه و سلم- إن زاد أو نقص، ثم قال- سبحانه: وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً- 27- یعنی مدخلا «2» یقول لا تقل «3» فی أصحاب الکهف إلا ما قد قیل لک فإن فعلت فإنک لن تجد من دون اللّه- عز و جل- ملجأ تلجأ إلیه لیمتعک منا وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ یعنی یعبدون ربهم یعنی بالصلاة له بِالْغَداةِ وَ الْعَشِیِ طرفی النهار یُرِیدُونَ وَجْهَهُ یعنی یبتغون بصلاتهم و صومهم وجه ربهم وَ لا تَعْدُ عَیْناکَ عَنْهُمْ تُرِیدُ زِینَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا نزلت فی عیینة بن حصن بن حذیفة بن بدر بن عمرو الفزاری و ذلک أنه دخل علی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- و عنده الموالی و فقراء العرب منهم بلال بن رباح المؤذن، و عمار بن یاسر، و صهیب بن سنان، و خباب
______________________________
(1) فی أ: مما.
(2) فی أ: مدخلا، ل: مرحلا.
(3) فی أ، ل: لا تقول، و الصواب: لا تقل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 583
ابن الأرت، و عامر بن فهیرة، و مهجع بن عبد اللّه مولی عمر بن الخطاب،- و هو أول شهید قتل یوم بدر- رضی اللّه عنهم-، و أیمن بن أم أیمن.
و من العرب أبو هریرة الدوسی، و عبد اللّه بن مسعود الهذلی، و غیرهم و کان علی بعضهم شملة قد عرق فیها فقال عیینة بن حصن للنبی- صلی اللّه علیه و سلم: إن لنا شرفا و حسبا، فإذا دخلنا علیک فاعرف لنا ذلک، فأخرج هذا و ضرباءه «1» عنا فو اللّه إنه لیؤذینا ریحه یعنی جبته «2» آنفا، فإذا خرجنا من عندک فأذن لهم إن بدا لک أن یدخلوا علیک، «فاجعل لنا مجلسا و لهم مجلس» «3».
فأنزل اللّه- عز و جل-: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا یعنی القرآن وَ اتَّبَعَ هَواهُ یعنی و آثر هواه وَ کانَ أَمْرُهُ الذی یذکر من شرفه و حسبه فُرُطاً- 28- یعنی ضائعا فی القیامة مثل قوله ما فَرَّطْنا فِی الْکِتابِ مِنْ شَیْ‌ءٍ «4» یعنی ما ضیعنا وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ یعنی القرآن فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ هذا وعید نظیرها فی حم السجدة اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ «5» یعنی من شاء فلیصدق بالقرآن و من شاء فلیکفر بما فیه ثم ذکر مصیر الکافر و المؤمن فقال: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِینَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها و ذلک أنه یخرج عنق من النار فیحیط بهم، فذلک
______________________________
(1) فی أ: و ضرباه و من شأنه أن یحذف الهمزة تخفیفا، و فی ل: و ضرباه، أیضا و کثیرا بل هائما ما تحذف الهمزة منهما فی مثل هذا الموضع.
(2) هکذا فی: ا، ل و المعنی؛ ریح جبته.
(3) «فاجعل لنا مجلسا و لهم مجلس»: من ل، و فی أ: «و اجعل لنا مجلسا».
(4) سورة الأنعام: 38.
(5) سورة فصلت: 45.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 584
السرادق، ثم قال- سبحانه: وَ إِنْ یَسْتَغِیثُوا یُغاثُوا بِماءٍ کَالْمُهْلِ یقول أسود غلیظ کدردی الزیت یَشْوِی الْوُجُوهَ و ذلک أنه إذا دنا من فیه اشتوی وجهه من شدة حر الشراب، ثم قال- سبحانه: بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً- 29- یقول و بئس المنزل، ثم ذکر مصیر المؤمنین فقال- سبحانه [225 ب : إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا- 30- یقول لا نضیع أجر من أحسن العمل و لکنا نجزیه بإحسانه أُولئِکَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ یقول تجری الأنهار من تحت البساتین یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ و أساور من لؤلؤ وَ یَلْبَسُونَ ثِیاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ یعنی الدیباج بلغة فارس مُتَّکِئِینَ فِیها فی الجنة عَلَی الْأَرائِکِ یعنی الحجال مضروبة علی السرر نِعْمَ الثَّوابُ الجنة یثنی علیها عمل الأبرار «1» وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً- 31- فیها تقدیم یقول إنا لا نضیع عمل الأبرار لا تضیع جزاء من أحسن عملا.
وَ اضْرِبْ لَهُمْ یعنی وصف لهم یعنی لأهل مکة مَثَلًا یعنی شبها رَجُلَیْنِ أحدهما مؤمن و اسمه یملیخا، و الآخر کافر و اسمه فرطس، و هما أخوان من بنی إسرائیل مات أبوهما، فورث کل واحد منهما عن أبیه أربعة آلاف دینار، فعمد المؤمن فأنفق ماله علی الفقراء، و الیتامی، و المساکین.
و عمد الکافر فاتخذ المنازل، و الحیوان، و البساتین، فذلک قوله سبحانه:
جَعَلْنا لِأَحَدِهِما یعنی الکافر جَنَّتَیْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَیْنَهُما زَرْعاً- 32- کِلْتَا الْجَنَّتَیْنِ آتَتْ أُکُلَها یعنی أعطت ثمراتها
______________________________
(1) هکذا فی: ا، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 585
کلها وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَیْئاً یعنی و لم تنقص من الثمر شیئا یعنی جمله «1» وافرا نظیرها فی البقرة وَ ما ظَلَمُونا «2» یعنی و ما نقصونا وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً- 33- یعنی أجرینا النهر وسط الجنتین وَ کانَ لَهُ ثَمَرٌ یقول و کان للکافر مال من الذهب، و الفضة و غیرها من أصناف الأموال فلما افتقر المؤمن أتی أخاه الکافر متعرضا لمعروفة فقال له المؤمن: إنی أخوک. و هو ضامر البطن رث الثیاب.
و الکافر ظاهر الدم غلیظ الرقبة جید المرکب و الکسوة. فقال الکافر للمؤمن:
إن کنت کما تزعم أنک أخی فأین مالک الذی ورثت من أبیک قال أقرضته إلهی الملی الوفی فقدمته لنفسی و لولدی «3» «فقال: و إنک لتصدق أن اللّه یرد دین العباد» «4». «هیهات هیهات ضیعت نفسک و أهلکت مالک» «5»، فذلک قوله سبحانه:
فَقالَ الکافر لِصاحِبِهِ و هو المؤمن «6» وَ هُوَ یُحاوِرُهُ یعنی یراجعه بقول:
أَنَا أَکْثَرُ مِنْکَ مالًا وَ أَعَزُّ نَفَراً- 34- یعنی و أکثر ولدا وَ دَخَلَ الکافر جَنَّتَهُ و هو بستانه وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُ یعنی ما أحسب أَنْ تَبِیدَ یعنی أن تهلک هذِهِ الجنة أَبَداً- 35- قال: وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً یعنی القیامة کائنة کما تقول [226 ا] وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلی رَبِّی
______________________________
(1) فی أ: جله، ل: جملة.
(2) سورة البقرة: 57.
(3) من ل، و لیست فی ا.
(4) هذه الجملة من أ، و لیست فی ل. و هی فی ا کما یأتی. «و إنک لا تصدق أن دین اللّه العباد». فیها تحریف کما تری.
(5) من أ، و لیست فی ل.
(6) کذا فی: ا، ل، و الأنسب: «لِصاحِبِهِ» المؤمن.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 586
فی الآخرة لَأَجِدَنَّ خَیْراً مِنْها یعنی أفضل منها من جنتی «1» مُنْقَلَباً- 36- یعنی مرجعا فرد علیه: قالَ لَهُ صاحِبُهُ المؤمن وَ هُوَ یُحاوِرُهُ یعنی یراجعه أَ کَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ مِنْ تُرابٍ یعنی آدم- علیه السلام- لأن أول خلقه التراب ثم قال: ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاکَ یعنی خلقک فجعلک رَجُلًا- 37- لکِنَّا أقول هُوَ اللَّهُ رَبِّی وَ لا أُشْرِکُ بِرَبِّی أَحَداً- 38- ثم قال المؤمن للکافر: وَ لَوْ لا یعنی هلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَکَ یعنی بستانک قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ یعنی فهلا قلت بمشیئة اللّه أعطیتها بغیر حول منی و لا قوة، ثم قال المؤمن للکافر یرد علیه: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْکَ مالًا «2» وَ وَلَداً- 39- فَعَسی رَبِّی أَنْ یُؤْتِیَنِ خَیْراً یعنی أفضل مِنْ جَنَّتِکَ وَ یُرْسِلَ عَلَیْها یعنی علی جنتک حُسْباناً یعنی عذابا مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ جنتک صَعِیداً یعنی مستویا لیس فیه شی‌ء زَلَقاً- 40- یعنی أملسا أَوْ یُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً یعنی یغور فی الأرض فیذهب فَلَنْ تَسْتَطِیعَ لَهُ طَلَباً- 41- یقول فلن تقدر «3» علی الماء ثم افترقا فأرسل اللّه- عز و جل- علی جنته باللیل عذابا من السماء فاحترقت و غار ماؤها بقوله و ما أظن أن تبید هذه أبدا، و ما أظن الساعة قائمة «4»
______________________________
(1) فی أ، ل: جنتی. ا ه و اللّه سماها جنتین فی الأول. و سماها جنة باعتبار الجنس، و أعاد الضمیر علیها، أی الجنة مفردة حیث قال: «لَأَجِدَنَّ خَیْراً مِنْها».
(2) سقط من ل من تفسیر هذه الآیة إلی آیة «وَ رَبُّکَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ» أی من تفسیر آیة 39 إلی نهایة 57 من سورة الکهف ساقط من ل. من کلمة «مالا» فی آیة/ 39 إلی بدایة «وَ رَبُّکَ الْغَفُورُ» آیة/ 57، ممسوح بعضه و محذوف بعضه.
(3) فی أ: یقدر.
(4) فی ا زیادة: «فلما أصبح»، و علیها خط یرجح أنه شطب علیها.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 587
وَ أُحِیطَ بِثَمَرِهِ الهلاک «فلما أصبح و رأی جنته هالکة ضرب» «1» بکفه علی الأخری ندامة علی ما أنفق فیها، فذلک قوله- سبحانه-: فَأَصْبَحَ یُقَلِّبُ کَفَّیْهِ یعنی یصفق بکفیه ندامة عَلی ما أَنْفَقَ فِیها وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها یقول ساقطة من فوقها «وَ یَقُولُ «2» یا لَیْتَنِی لَمْ أُشْرِکْ بِرَبِّی أَحَداً- 42- یقول اللّه- تعالی-: وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ فِئَةٌ یَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ یعنی جندا یمنعونه من عذاب اللّه الذی نزل بجنته وَ ما کانَ مُنْتَصِراً- 43- یعنی ممتنعا هُنالِکَ الْوَلایَةُ یعنی السلطان لیس فی ذلک الیوم سلطان غیره مثل قوله- عز و جل-: وَ الْأَمْرُ یَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «3» لیس فی ذلک الیوم أمر إلا للّه- عز و جل- و الأمر أیضا فی الدنیا لکن جعل فی الدنیا ملوکا یأمرون، و من قرأها بفتح الواو جعلها من الموالاة. هنالک الولایة للّه یعنی البعث الذی کفر به فرطس لِلَّهِ «الْحَقِّ» «4» وحده، لا یملکه أحد «5» و لا ینازعه أحد هُوَ خَیْرٌ ثَواباً یعنی أفضل ثوابا وَ خَیْرٌ عُقْباً- 44- یعنی أفضل عاقبة لهذا المؤمن من عاقبة هذا الکافر الذی جعل مرجعه إلی النار وَ اضْرِبْ لَهُمْ لکفار مکة مَثَلَ یعنی شبه الْحَیاةِ الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ یعنی بالماء نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ النبت هَشِیماً یعنی یابسا تَذْرُوهُ الرِّیاحُ یقول-
______________________________
(1) فی أ: فأصبح و رأی جنته هالکة ضرب.
(2) فی أ: فقال، و فی حاشیة أ: و یقول.
(3) سورة الانفطار: 19.
(4) «الحق»: ساقطة من ا.
(5) فی أ: لا یملکه وحده، و علی کلمة «یملکه» علامة تمریض و کذلک علی کلمة «وحده».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 588
- سبحانه- مثل الدنیا کمثل النبت [226 ب بینما هو أخضر إذ هو قد یبس و هلک فکذلک تهلک الدنیا إذا جاءت الآخرة. وَ کانَ اللَّهُ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ من البعث و غیره مُقْتَدِراً- 45- الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِینَةُ الْحَیاةِ الدُّنْیا یعنی حسنها وَ الْباقِیاتُ الصَّالِحاتُ یعنی سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أکبر خَیْرٌ یعنی أفضل عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً فی الآخرة وَ خَیْرٌ أَمَلًا- 46- یعنی و أفضل رجاء مما یرجو الکافر فإن ثواب الکافر من الدنیا النار و مرجعهم «1» إلیها.
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی عن الهذیل، عن مقاتل بن سلیمان، عن علقمة بن مرثد و غیره، عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أنه قال: الباقیات الصالحات: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أکبر.
وَ یَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبالَ من أماکنها وَ تَرَی الْأَرْضَ بارِزَةً من الجبال و البناء و الشجر و غیره «وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً» «2»- 47- فلم یبق منهم أحد إلا حشرناه وَ عُرِضُوا عَلی رَبِّکَ صَفًّا یعنی جمیعا نظیرها فی طه ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا «3» یعنی جمیعا لَقَدْ جِئْتُمُونا فرادی لیس معکم من دنیاکم شی‌ء کَما خَلَقْناکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ حین ولدوا و لیس لهم شی‌ء بَلْ زَعَمْتُمْ فی
______________________________
(1) هکذا فی أ: أعاد ضمیر الجمع علی جنس الکافر. و کان الأنسب هنا مرجعه بضمیر المفرد، و الآیات (39- 57): ساقطة من ل.
(2) ما بین القوسین «...»: ساقطة من ا.
(3) سورة طه: 64.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 589
الدنیا أَلَّنْ نَجْعَلَ لَکُمْ مَوْعِداً- 48- یعنی میقاتا فی الآخرة تبعثون فیه وَ وُضِعَ الْکِتابُ بما کانوا عملوا فی الدنیا بأیدیهم «1» فَتَرَی الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا فِیهِ من المعاصی وَ یَقُولُونَ یا وَیْلَتَنا دعوا بالویل ما لِهذَا «2» الْکِتابِ لا یُغادِرُ یعنی لا یبقی سیئة صَغِیرَةً وَ لا کَبِیرَةً إِلَّا أَحْصاها یعنی إلا أحصی الکتاب السیئات وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا یعنی تعجل له عمله کله حاضِراً لا یغادر منه شیئا وَ لا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَداً- 49- فی عمله الذی عمل حتی یجزیه به وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ یعنی و قد قلنا للملائکة اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ثم استثنی فقال: إِلَّا إِبْلِیسَ کانَ مِنَ الْجِنِ «3» و هو حی من الملائکة یقال لهم الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ یعنی فعصی تکبرا «4» عن أمر ربه حین أمره بالسجود لآدم قال اللّه- عز و جل-:
أَ فَتَتَّخِذُونَهُ یعنی إبلیس وَ ذُرِّیَّتَهُ یعنی الشیاطین أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِی یعنی آلهة من دونی وَ هُمْ لَکُمْ عَدُوٌّ یعنی إبلیس و الشیاطین لکم معشر بنی آدم عدو بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ یعنی المشرکین بَدَلًا- 50- یقول بئس ما استبدلوا بعبادة اللّه- عز و جل- عبادة إبلیس فبئس البدل هذا ما أَشْهَدْتُهُمْ یعنی ما أحضرتهم خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ یعنی إبلیس و ذریته ثم قال- تعالی: وَ ما کُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً- 51-
______________________________
(1) فی أ: فی أیدیهم.
(2) فی ل: «ما لهذا».
(3) فی أ: و هو. و فی کثیر من المواضع السابقة و اللاحقة قال: و هم.
(4) فی أ: تکبر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 590
الذین أضلوا بنی آدم [227 ا] و ذریته «1» «عضدا» یعنی عزا و عونا فیما خلقت من خلق السموات و الأرض و من خلقهم وَ یَوْمَ یَقُولُ للمشرکین نادُوا شُرَکائِیَ سلوا الآلهة الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أنهم معی شرکاء أهم آلهة؟ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُمْ یقول فسألوهم فلم یجیبوهم بأنها آلهة وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ و بین شرکائهم مَوْبِقاً- 52- یعنی وادیا عمیقا فی جهنم وَ رَأَی الْمُجْرِمُونَ النَّارَ «2» فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها یعنی فعلموا أنهم مواقعوها یعنی داخلوها نظیرها فی براءة وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَیْهِ «3» یعنی و علموا، وَ لَمْ یَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً- 53- یقول لم یقدر أحد من الآلهة أن یصرف النار عنهم وَ لَقَدْ صَرَّفْنا یعنی لونا یعنی وصفنا فِی هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ من کل شبه فی أمور شتی وَ کانَ الْإِنْسانُ أَکْثَرَ شَیْ‌ءٍ جَدَلًا «4»- 54- وَ ما مَنَعَ النَّاسَ یعنی المستهزئین و المطعمین فی غزاة بدر أَنْ یُؤْمِنُوا یعنی أن یصدقوا بالقرآن إِذْ جاءَهُمُ الْهُدی یعنی البیان و هو القرآن و هو هدی من الضلالة وَ یَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ من الشرک إِلَّا أَنْ تَأْتِیَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِینَ یعنی أن ینزل بهم مثل عذاب الأمم الخالیة فی الدنیا فنزل ذلک بهم فی الدنیا ببدر من القتل و ضرب الملائکة الوجوه و الأدبار
______________________________
(1) فی أ: بنی آدم و ذریته. و الأنسب: آدم و ذریته.
(2) «النار»: ساقطة من ا.
(3) سورة التوبة: 118.
(4) فی أ: جملة زائدة هنا و هی: أن یصدقوا بالقرآن. و قد ذکرت بعد سطر واحد أیضا مما یدل علی أن ذکرها هنا سبق نظر من الناسخ.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 591
و تعجیل أرواحهم إلی النار، ثم قال سبحانه: أَوْ یَأْتِیَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا- 55- یعنی عیانا وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِینَ إِلَّا مُبَشِّرِینَ بالجنة وَ مُنْذِرِینَ من النار لقول کفار مکة للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فی بنی إسرائیل أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا «1» وَ یُجادِلُ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة بِالْباطِلِ و جدالهم بالباطل قولهم للرسل ما أنتم إلا بشر مثلنا، و ما أنتم برسل اللّه «2» لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ یعنی لیبطلوا بقولهم الحق الذی جاءت به الرسل- علیهم السلام- و مثله قوله- سبحانه- فی حم المؤمن: لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ «3» یعنی لیبطلوا به الحق وَ اتَّخَذُوا آیاتِی وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً- 56- یعنی آیات القرآن و ما أنذروا فیه من الوعید استهزاء منهم أنه لیس من اللّه- عز و جل- یعنی القرآن و الوعید لیسا بشی‌ء وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُکِّرَ بِآیاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها یقول فلا أحد أظلم ممن وعظ بآیات ربه یعنی القرآن نزلت فی المطعمین و المستهزئین، فأعرض عن الإیمان بآیات اللّه القرآن فلم یؤمن بها وَ نَسِیَ ما قَدَّمَتْ یَداهُ یعنی ترک ما سلف من ذنوبه فلم یستغفر منها، من الشرک إِنَّا جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً یعنی الغطاء علی القلوب [227 ب أَنْ یَفْقَهُوهُ یعنی القرآن وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً لئلا یسمعوا القرآن وَ إِنْ تَدْعُهُمْ یا محمد إِلَی الْهُدی فَلَنْ یَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً- 57- من
______________________________
(1) سورة الإسراء: 94.
(2) فی أ: اللّه- عز و جل.
(3) سورة غافر: 5.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 592
أجل الأکنة و الوقر یعنی کفار مکة وَ رَبُّکَ الْغَفُورُ «1» یعنی إذا تجاوز عنهم فی تأخیر العذاب عنهم ذُو الرَّحْمَةِ یعنی ذا النعمة «2» حین لا یعجل بالعقوبة لَوْ یُؤاخِذُهُمْ بِما کَسَبُوا من الذنوب لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ فی الدنیا بَلْ العذاب لَهُمْ مَوْعِدٌ یعنی میقاتا یعذبون «3» فیه لَنْ یَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا- 58- یعنی ملجأ یلجئون «4» الیه وَ تِلْکَ الْقُری أَهْلَکْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا بالعذاب فی الدنیا یعنی أشرکوا وَ جَعَلْنا لِمَهْلِکِهِمْ بالعذاب مَوْعِداً- 59- یعنی میقاتا و هکذا وقت هلاک کفار مکة ببدر وَ إِذْ قالَ مُوسی لِفَتاهُ یوشع بن نون و هو ابن أخت موسی، من سبط یوسف بن یعقوب- علیهم السلام- لا أَبْرَحُ یعنی لا أزال أطلب الخضر و هو من ولد عامیل من بنی إسرائیل حَتَّی أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ یقال لأحدهما الرش و للآخر «5» الکر فیجتمعان فیصیران نهرا واحدا ثم یقع فی البحر من وراء أذربیجان أَوْ أَمْضِیَ حُقُباً- 60- یعنی دهرا و یقال الحقب ثمانون سنة فَلَمَّا بَلَغا یعنی موسی، و یوشع بن نون مَجْمَعَ بَیْنِهِما بین البحرین نَسِیا حُوتَهُما و ذلک أن موسی- علیه السلام- لما علم ما فی التوراة و فیها تفصیل کل شی‌ء قال له رجل من بنی إسرائیل: هل فی الأرض أحد أعلم منک؟ قال: لا، ما بقی أحد
______________________________
(1) ابتداء من هذه الآیة تشترک ل مع ا، و أما من آیة 39 إلی آیة 57: فغیر موجود فی ل، و یبدأ الموجود فی ل من آیة «وَ رَبُّکَ الْغَفُورُ ...» آیة 58.
(2) فی أ، ل: یعنی ذو الرحمة.
(3) فی أ: یعدون، ل: یعذبون.
(4) فی أ: یلجون.
(5) فی أ: و الآخر، ل: و للآخر.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 593
من عباد اللّه، هو أعلم منی. فأوحی اللّه- عز و جل- إلیه أن رجلا من عبادی یسکن جزائر «1» البحر، یقال له الخضر هو أعلم منک. قال: فکیف لی به؟
قال جبریل- علیک السلام-: احمل معک سمکة مالحة فحیث تنساها تجد الخضر هنالک فسار موسی و یوشع بن نون و معهما خبز و سمکة مالحة فی مکتل علی ساحل البحر فأوی إلی الصخرة لیلا، و الصخرة بأرض تسمی مروان علی ساحل بحر أیلة و عندها عین تسمی عین الحیاة فباتا عندها تلک اللیلة و قرب موسی المکتل من العین و فیها السمکة فأصابها الماء فعاشت و نام موسی فوقعت السمکة فی البحر فجعل لا یمس صفحتها شی‌ء من الماء إلا انفلق «2» عنه «3» فقام الماء من کل جانب و صار أثر الحوت فی الماء کهیئة السرب فی الأرض و اقتصد «4» الحوت فی مجراه لیلحقاه، فذلک قوله- سبحانه-: فَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی الْبَحْرِ سَرَباً- 61- یعنی الحوت اتخذ سبیله یعنی طریقه فی البحر سربا یقول کهیئة فم القربة فلما أصبحا و مشیا [228 ا] نسی یوشع بن نون أن یخبر موسی- علیه السلام- بالحوت حتی أصبحا و جاعا «فَلَمَّا جاوَزا» «5» قالَ موسی «لِفَتاهُ» «6» لیوشع آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِینا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً- 62- یعنی مشقة فی أبداننا، مثل قوله سبحانه: أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ «7» یعنی مشقة
______________________________
(1) فی أ: جزایر.
(2) فی أ: تفلق، ل: انفلق.
(3) فی ل: عندها، ا: عنه.
(4) فی ل: و اقتصد، و أ: و اقتصه.
(5) «فَلَمَّا جاوَزا»: ساقطة من ا.
(6) «لِفَتاهُ»: من المصحف و لیست فی النسخ.
(7) سورة ص: 41.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 594
قالَ یوشع لموسی أَ رَأَیْتَ إِذْ أَوَیْنا إِلَی الصَّخْرَةِ یعنی انتهینا إلی الصخرة و هی فی الماء فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ أن أذکر لک أمره وَ ما أَنْسانِیهُ إِلَّا الشَّیْطانُ أَنْ أَذْکُرَهُ وَ اتَّخَذَ سَبِیلَهُ یعنی موسی- علیه السلام- طریقه فِی الْبَحْرِ عَجَباً- 63- فعجب موسی من أمر الحوت فلما أخبر یوشع موسی- علیه السلام- بأمر الحوت قالَ موسی ذلِکَ ما کُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلی آثارِهِما قَصَصاً- 64- یقول فرجعا یقصان آثارهما کقوله سبحانه فی القصص قُصِّیهِ «1» یعنی اتبعی أثره، فأخذا یعنی موسی و یوشع فی البحر فی أثر الحوت حتی لقیا الخضر- علیه السلام- فی جزیرة «فی» «2» البحر، فذلک قوله سبحانه: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا قائما یصلی آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا یقول أعطیناه النعمة و هی النبوة وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً- 65- یقول من عندنا علما و علی الخضر- علیه السلام- جبة صوف و اسمه الیسع، و إنما سمی الیسع لأن علمه وسع ست سموات و ست أرضین فأتاه موسی و یوشع من خلفه فسلما علیه فأنکر الخضر «3» السلام بأرضه و انصرف «4» فرأی موسی فعرفه، فقال: و علیک السلام: یا نبی بنی إسرائیل فقال موسی: و ما یدریک أنی نبی بنی إسرائیل؟ قال: أدرانی الذی أرشدک إلی و أدراک بی. قالَ لَهُ مُوسی هَلْ أَتَّبِعُکَ عَلی أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً- 66- یعنی علما قال الخضر- علیه السلام- کفی بالتوراة علما و ببنی إسرائیل شغلا فأعاد موسی
______________________________
(1) سورة القصص 11 و تمامها: «وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّیهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ».
(2) «فی»: ساقطة من أ، و هی ل.
(3) فی أ: الخضر- علیه السلام-، ل: الخضر السلام.
(4) فی أ: و انصرف، ل: فانصرف.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 595
الکلام ف قالَ الخضر إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً- 67- قال موسی:
و لم؟ قال: لأنی أعمل أعمالا لا تعرفها و لا تصبر علی ما تری من العجائب «1» حتی تسألنی عنه وَ کَیْفَ تَصْبِرُ عَلی ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً- 68- یعنی علما قالَ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً قال مقاتل: فلم یصبر موسی و لم یأثم بقوله سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً علی ما أری من العجائب فلا أسألک عنها وَ لا أَعْصِی لَکَ أَمْراً- 69- فیما أمرتنی به أو نهیتنی عنه قالَ الخضر- علیه السلام-: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِی فَلا تَسْئَلْنِی عَنْ شَیْ‌ءٍ حَتَّی أُحْدِثَ لَکَ مِنْهُ ذِکْراً- 70- [228 ب یقول حتی أبین لک بیانه «فَانْطَلَقا حَتَّی إِذا رَکِبا فِی السَّفِینَةِ خَرَقَها» «2»: «فمرت سفینة» «3» فیها ناس فقال الخضر:
یا أهل السفینة احملونا معکم فی بحر أیلة. قال بعضهم: إن هؤلاء لصوص «4» فلا تحملوهم معنا. قال صاحب السفینة: أری وجوه أنبیاء و ما هم بلصوص فحملهم بأجر فعمد الخضر فضرب ناحیة السفینة بقدوم فخرقها فدخل الماء فیها فعمد موسی فأخذ ثیابا فدسها فی خرق السفینة فلم یدخل الماء و کان موسی- علیه السلام- ینکر الظلم، فقام موسی إلی الخضر- علیهما السلام- فأخذ بلحیته و قالَ له موسی: أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً- 71- یعنی لقد أتیت أمرا منکرا فالتزمه الخضر و ذکره الصحبة و ناشده باللّه و رکب الخضر علی الخرق لئلا یدخلها الماء قالَ له الخضر: أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً- 72-
______________________________
(1) فی أ: العجایب.
(2) ما بین القوسین «...»: ساقط من أ، ل.
(3) فی أ: فمرت به سفینة، ل: فمرت سفینة.
(4) فی أ: للصوص، ل: لصوص.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 596
علی ما تری من العجائب قال یوشع لموسی: اذکر العهد الذی أعطیته من نفسک قالَ موسی: لا تُؤاخِذْنِی بِما نَسِیتُ وَ لا تُرْهِقْنِی یعنی تغشینی مِنْ أَمْرِی عُسْراً- 73- یعنی من قولی عسرا ثم قعد موسی مهموما یقول فی نفسه لقد کنت غنیا عن اتباع هذا الرجل و أنا فی بنی إسرائیل أقرئهم کتاب اللّه- عز و جل- غدوة و عشیا، فعلم الخضر ما حدث به «1» موسی نفسه و جاء طیر یدور «2» یرون أنه خطاف حتی وقع علی ساحل البحر فنکث بمنقاره فی البحر ثم وقع علی صدر السفینة ثم صوّت، فقال الخضر لموسی: أ تدرک ما یقول هذا الطائر قال موسی: لا أدری «3». قال الخضر یقول: ما علم الخضر و علم موسی فی علم اللّه إلا کقدر ما رفعت بمنقاری «4» من ماء البحر فی قدر البحر «5» ثم خرجا من السفینة علی بحر أیلة «فَانْطَلَقا حَتَّی «إِذا» «6» لَقِیا «7» غُلاماً سداسیا فَقَتَلَهُ الخضر بحجر أسود و اسم الغلام حسین بن کازری و اسم أمه سهوی «8»، فلم یصبر موسی حین رأی المنکر ألا ینکره ف قالَ للخضر: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَکِیَّةً یعنی لا ذنب لها و لم یجب علیها القتل بِغَیْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً نُکْراً- 74- یقول أتیت أمرا فظیعا قال یوشع لموسی: اذکر العهد الذی
______________________________
(1) به: من ل، و لیست فی ا.
(2) یدور: من ل، و لیست فی ا.
(3) فی أ: لا أدری، ل: لا.
(4) فی أ: بمنقاری، ل: شعاری.
(5) فی أ: اضطراب، قدم سطورا من تفسیر الآیة القادمة فی هذه الآیة و ترتیب الکلام من ل.
(6) «فَانْطَلَقا حَتَّی إِذا»: ساقطة من أ، ل.
(7) فی أ، ل: فلقیا.
(8) فی أ: سهوی، ل: سهری.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 597
أعطیته عن نفسک قالَ الخضر لموسی- علیهما السلام: أَ لَمْ أَقُلْ لَکَ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً- 75- و إنما قال: أ لم أقل لک لأنه کان قد تقدم «1» إلیه قبل ذلک «بقوله» «2»: «إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً» علی ما تری من العجائب قالَ موسی: إِنْ سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْ‌ءٍ بَعْدَها یعنی [229 أ] بعد قتل النفس فَلا تُصاحِبْنِی قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّی عُذْراً- 76- یقول لقد أبلغت «3» فی العذر إلی فَانْطَلَقا حَتَّی إِذا أَتَیا أَهْلَ قَرْیَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها الطعام تسمی القریة «باجروان» «4» و یقال أنطاکیة.
قال مقاتل: قال قتادة: هی القریة «5» فَأَبَوْا أَنْ یُضَیِّفُوهُما یعنی أن یطعموهما فَوَجَدا فِیها جِداراً یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَ کانوا بلوا الطین «6» فَأَقامَهُ الخضر جدیدا فسواه قالَ موسی عمدت إلی قوم لم یطعمونا و لم یضیفونا فأقمت لهم جدارهم فسویته لهم بغیر أجر یعنی بغیر طعام و لا شی‌ء لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أَجْراً- 77- أی لو شئت أعطیت علیه شیئا قالَ الخضر: هذا فِراقُ بَیْنِی وَ بَیْنِکَ سَأُنَبِّئُکَ بِتَأْوِیلِ یعنی بعاقبة ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً- 78- کقوله سبحانه-: یَوْمَ یَأْتِی تَأْوِیلُهُ «7» یعنی عاقبته ثم قال الخضر لموسی- علیهما السلام: أَمَّا السَّفِینَةُ فَکانَتْ لِمَساکِینَ یَعْمَلُونَ فِی الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِیبَها
______________________________
(1) فی أ: یقدم، ل: قد تقدم، و هذا القول مکرر فی ا. فقد ذکر فی تفسیر الآیة السابقة.
(2) بقوله: زیادة اقتضاها المقام، لیست فی ا، ل.
(3) فی أ: بلغت، ل: أبلغت.
(4) فی أ: باجروان، ل: بدون إعجام.
(5) أی أنطاکیة.
(6) من ل، و فی أ: کانوا بلول الطین.
(7) سورة الأعراف: 53.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 598
یعنی أن أخرقها وَ کانَ وَراءَهُمْ مَلِکٌ یعنی أمامهم کقوله سبحانه: وَ یَذَرُونَ وَراءَهُمْ یَوْماً ثَقِیلًا «1» و اسم الملک مبدلة «2» بن جلندی الأزدی یَأْخُذُ کُلَّ سَفِینَةٍ صالحة صحیحة سویة غَصْباً- 79- کقوله سبحانه: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً «3» یعنی سویا، یعنی غصبا من أهلها یقول فعلت ذلک لئلا ینتزعها من أهلها ظلما و هم لا یضرهم خرقها وَ أَمَّا الْغُلامُ فَکانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَیْنِ و کان الغلام کافرا، یقطع الطریق، و یحدث الحدث، و یلجأ إلیهما و یجادلان عنه و یحلفان باللّه ما فعله و هم یحسبون أنه برئ من الشر قال الخضر: فَخَشِینا یعنی فعلمنا کقوله سبحانه: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً «4» یعنی علمت، و کقوله تعالی: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَیْنِهِما «5» یعنی علمتم أَنْ یُرْهِقَهُما یعنی یغشیهما طُغْیاناً یعنی ظلما وَ کُفْراً- 80- و فی قراءة أبی بن کعب «فخاف ربک» یعنی فعلم ربک فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما «6» رَبُّهُما یعنی لأبویه لقتل الغلام، و العرب تسمی الغلام غلاما ما لم تستو «7» لحیته فأردنا أن یبدلهما ربهما یعنی یبدل والدیه خَیْراً مِنْهُ زَکاةً یعنی عملا وَ أَقْرَبَ رُحْماً- 81- یعنی و أحسن منه برا بوالدیه و کان فی شرف وعده.
و
بلغنا عن النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أنه قال: إن اللّه- عز و جل-
______________________________
(1) سورة الإنسان: 27.
(2) من ل، و مکانها بیاض فی ا.
(3) سورة الأعراف: 190.
(4) سورة النساء: 128.
(5) سورة النساء: 35.
(6) فی أ: یبدلهما.
(7) فی أ: تستوی. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 599
أبدلهما غلاما مکان المقتول و لو عاش المقتول لهلکا فی سببه
وَ أَمَّا الْجِدارُ فَکانَ لِغُلامَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی الْمَدِینَةِ یعنی فی قریة تسمی باجروان و یقال هی أنطاکیة وَ کانَ تَحْتَهُ کَنْزٌ لَهُما.
حدثنا عبید اللّه قال [229 ب : حدثنا أبی عن الهذیل عن مقاتل عن الضحاک و مجاهد قال: صحفا فیها العلم و یقال المال وَ کانَ أَبُوهُما صالِحاً یعنی ذا أمانة اسم الأب کاشح و اسم الأم دهنا، و اسم أحد الغلامین أصرم، و الآخر صریم فَأَرادَ رَبُّکَ أَنْ یَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ یَسْتَخْرِجا کَنزَهُما و الأشد ثمانی «1» عشرة سنة رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ یقول نعمة من ربک للغلامین وَ ما فَعَلْتُهُ و ما فعلت هذا «2» عَنْ أَمْرِی و لکن اللّه أمرنی به ذلِکَ تَأْوِیلُ یعنی عاقبة ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً- 82- یعنی هذا عاقبة ما رأیت من العجائب نظیرها هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِیلَهُ «3» یعنی عاقبة ما ذکر اللّه- تعالی- فی القرآن من الوعید وَ یَسْئَلُونَکَ عَنْ ذِی الْقَرْنَیْنِ یعنی الإسکندر و قیصر و یسمی «4» الملک القابض علی قاف و هو جبل محیط بالعالم ذو القرنین «5»، و إنما سمی ذو القرنین «6» لأنه أتی قرنی الشمس المشرق و المغرب قُلْ سَأَتْلُوا عَلَیْکُمْ مِنْهُ یا أهل مکة ذِکْراً- 83- یعنی علما إِنَّا مَکَّنَّا لَهُ فِی الْأَرْضِ وَ آتَیْناهُ مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ سَبَباً- 84-
______________________________
(1) فی ل: ثمانی، ا: ثمان.
(2) فی أ: (و ما فعلت) هذا.
(3) سورة الأعراف: 53.
(4) فی أ: و سماء، و فی ل: و یسمی.
(5) هکذا فی أ، ل. و المراد أن اسم الملک القابض علی جبل ق ذو القرنین.
(6) فی أ: ذا القرنین، ل: ذو القرنین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 600
یعنی علم أسباب منازل الأرض و طرقها فَأَتْبَعَ سَبَباً- 85- حَتَّی إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِی عَیْنٍ حَمِئَةٍ یعنی حارة سوداء قال ابن عباس: إذا طلعت الشمس «1» أشد حرا منها إذا غربت وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا یا ذَا الْقَرْنَیْنِ أوحی اللّه- عز و جل- إلیه جاءه جبریل- علیه السلام- فخبره: «قلنا» «2» فقال: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِیهِمْ حُسْناً- 86- یقول: و إما «3» أن تعفو عنهم کل «4» هذا مما أمره اللّه- عز و جل- به «5» و خیره قالَ ذو القرنین: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ یعنی نقتله ثُمَّ یُرَدُّ إِلی رَبِّهِ فَیُعَذِّبُهُ فی الآخرة بالنار عَذاباً نُکْراً- 87- یعنی فظیعا وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ یعنی صدق بتوحید اللّه- عز و جل- وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنی یعنی الجنة وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا یُسْراً- 88- یقول سنعده معروفا فلم یؤمن منهم غیر رجل واحد ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً- 89- یعنی علم منازل الأرض و طرقها حَتَّی إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلی قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً- 90- یعنی من دون الشمس سترا کانوا یستقرون فی الأرض فی أسراب من شدة الحر و کانوا فی مکان لا یستقر علیهم البناء «6» فإذا زالت الشمس خرجوا إلی معایشهم ثم قال:
______________________________
(1) فی ل: هی إذا طلعت، ا: إذا طلعت الشمس.
(2) فی أ، ل: فقال.
(3) فی أ، ل: أما.
(4) فی أ: کان، و فی ل: کل.
(5) به: ساقطة من أ، و هی من ل.
(6) هکذا فی أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 601
کَذلِکَ یعنی هکذا بلغ مطلع الشمس کما بلغ مغربها «1»، ثم استأنف فقال «2»- سبحانه-: وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَیْهِ خُبْراً- 91- یعنی بما عنده علما ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً- 92- یعنی علم منازل الأرض و طرقها [230 أ] حَتَّی إِذا بَلَغَ بَیْنَ السَّدَّیْنِ یعنی بین الجبلین وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ قَوْلًا- 93- یعنی لم یکن أحد یعرف لغتهم قالُوا یا ذَا الْقَرْنَیْنِ إِنَّ یَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ و هما أخوان من «3» ولد یافث بن نوح مُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ یعنی بالفساد القتل، یعنی أرض «4» المسلمین فَهَلْ نَجْعَلُ لَکَ خَرْجاً یعنی جعلا عَلی أَنْ تَجْعَلَ بَیْنَنا وَ بَیْنَهُمْ سَدًّا- 94- لا یصلون إلینا قالَ ذو القرنین: ما مَکَّنِّی فِیهِ رَبِّی خَیْرٌ یقول ما أعطانی ربی من الخیر خیر من جعلکم یعنی أعطیتکم فَأَعِینُونِی بِقُوَّةٍ یعنی بعدد رحال «5» مثل قوله- عز و جل- فی سورة هود: وَ یَزِدْکُمْ قُوَّةً إِلی قُوَّتِکُمْ «6» یعنی عددا إلی عددکم أَجْعَلْ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ رَدْماً- 95- لا یصلون إلیکم آتُونِی زُبَرَ الْحَدِیدِ یعنی قطع الحدید حَتَّی إِذا ساوی بَیْنَ الصَّدَفَیْنِ یعنی حشی بین الجبلین بالحدید، و الصدفین الجبلین و بینهما واد عظیم ف قالَ انْفُخُوا علی الحدید حَتَّی إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِی أُفْرِغْ عَلَیْهِ قِطْراً- 96-
______________________________
(1) فی أ: مطلعها، ل: مغربها.
(2) فقال: من أ، و لیست فی ل.
(3) من: فی ل: و لیست فی ل.
(4) فی أ: بأرض، ل: یعنی أرض.
(5) هکذا فی أ، ل. و الأنسب بعدد من الرجال.
(6) سورة هود: 52.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 602
قال أعطونی الصفر المذاب أصبه «1» علیه لیلحمه فیکون «2» أشد له.
قال رجل للنبی- صلی اللّه علیه و سلم: قد رأیت سد یأجوج و مأجوج. قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: انعته لی. قال: هو کالبرد المحبّر طریقة سوداء و طریقة حمراء «3». قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم: نعم قد رأیته
یقول اللّه- عز و جل- فَمَا اسْطاعُوا یعنی فما قدروا أَنْ یَظْهَرُوهُ علی أن یعلوه من فوقه مثل قوله فی الزخرف مَعارِجَ عَلَیْها یَظْهَرُونَ «4» یعنی یرتقون وَ مَا اسْتَطاعُوا یعنی و ما قدروا لَهُ نَقْباً- 97-.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنا أبی، قال: حدثنا أبو صالح عن مقاتل، عن أبی إسحاق، قال: قال علی بن أبی طالب- علیه السلام-: أنهم خلف الردم لا یموت منهم رجل حتی یولد له ألف ذکر لصلبه، و هم یغدون إلیه کل یوم و یعالجون الردم، فإذا أمسوا یقولون نرجع فنفتحه غدا «5» و لا یستثنون حتی یولد فیهم رجل مسلم فإذا غدوا إلیه، قال لهم المسلم: قولوا باسم اللّه و یعالجون حتی یترکوه «6» رقیقا کقشر البیض، و یروا «7» ضوء الشمس، فإذا أصبحوا غدوا «8» علیه، فیقول لهم المسلم نرجع غدا- إن شاء اللّه- فنفتحه فإذا غدوا علیه،
______________________________
(1) فی أ: أصب، ل: أصبه.
(2) فی أ: فنکون.
(3) فی أ، ل: سودا و طریقة حمرا.
(4) سورة الزخرف: 33.
(5) فی أ: صبیحة غدا، ل: فنفتحه غدا.
(6) فی الأصل: یترکونه.
(7) فی أ: و مروا، ل: و یروا.
(8) فی أ: جدوا، ل: غدوا، و الجملة زائدة فیما أری و حذفها أنسب. تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 603
قال لهم المسلم: قولوا باسم اللّه فینقبونه فیخرجون منه فیطوفون «1» الأرض و یشربون ماء الفرات فیجی‌ء «2» آخرهم فیقول قد کان هاهنا مرة ماء و یأکلون کل شی‌ء حتی الشجر [230 ب و لا یأتون علی شی‌ء من غیرها إلا فاموه «3».
فلما فرغ ذو القرنین من بناء الردم
قالَ هذا یعنی هذا الردم رَحْمَةٌ یعنی نعمة مِنْ رَبِّی للمسلمین فلا یخرجون إلی أرض المسلمین فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّی فی الرد وقع الردم، فذلک قوله جَعَلَهُ دَکَّاءَ یعنی الردم وقع فیخرجون إلی أرض المسلمین «4» وَ کانَ وَعْدُ رَبِّی حَقًّا- 98- فی وقوع الردم یعنی صدقا فإذا خرجوا هرب ثلث أهل الشام، و یقاتلهم الثلث، و یستسلم لهم الثلث. ثم أخبر سبحانه فقال «5»: وَ تَرَکْنا بَعْضَهُمْ یَوْمَئِذٍ یَمُوجُ فِی بَعْضٍ یعنی یوم فرغ ذو القرنین من الردم «یَمُوجُ فِی بَعْضٍ» یعنی من وراء الردم لا یستطیعون الخروج منه وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً- 99- یعنی بالجمع لم یغادر منهم أحد إلا حشره وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ یَوْمَئِذٍ لِلْکافِرِینَ بالقرآن من أهل مکة عَرْضاً- 100- یعنی بالعرض کشف الغطاء عنهم الَّذِینَ کانَتْ أَعْیُنُهُمْ فِی غِطاءٍ عَنْ ذِکْرِی یعنی علیها غشاوة الإیمان بالقرآن لا یبصرون الهدی بالقرآن وَ کانُوا لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً- 101- یعنی الإیمان
______________________________
(1) من ل، و فی أ: فیطبقون.
(2) فی أ: فیمر، ل: فیجی‌ء.
(3) هکذا فی: ا، ل. و قد یکون أصلها إلا أکلوه.
(4) فی ا زیادة: قال اللّه- عز و جل- «وَ تَرَکْنا بَعْضَهُمْ یَوْمَئِذٍ» حین فراغ الردم «یموج فی بعضه» قال ذو القرنین، ا ه. و هی زیادة سابقة عن مکانها فأرجعتها إلی مکانها.
أما فی ل: فقد أسقط تفسیر باقی الآیة 98.
(5) فی أ: ثم أخبر فقال سبحانه، و فی ل: ثم أخبر فقال.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 604
بالقرآن سمعا، کقوله سبحانه: إِنَّا جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً «1» یعنی ثقلا أَ فَحَسِبَ الَّذِینَ کَفَرُوا من أهل مکة أَنْ یَتَّخِذُوا عِبادِی مِنْ دُونِی أَوْلِیاءَ یعنی بالآلهة بأن ذلک نافعهم و أنها تشفع لهم، ثم أخبر بمنزلتهم فی الاخرة، فقال- سبحانه: إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْکافِرِینَ نُزُلًا- 102- یعنی منزلا قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمالًا- 103- یعنی أصحاب الصوامع من النصاری، ثم نعتهم فقال: الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ یعنی حبطت أعمالهم التی عملوها «فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا» «2» وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً- 104- أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ یعنی القرآن وَ لِقائِهِ یعنی بالبعث الذی فیه جزاء الأعمال فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ یعنی فبطلت أعمالهم الحسنة فلا تقبل منهم لأنها کانت فی غیر إیمان فَلا نُقِیمُ لَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَزْناً- 105- من خیر قدر مثقال جناح بعوضة ذلِکَ جَزاؤُهُمْ یقول هذا جزاؤهم جَهَنَّمُ بِما کَفَرُوا بالقرآن وَ اتَّخَذُوا آیاتِی یعنی القرآن وَ رُسُلِی یعنی محمدا- صلی اللّه علیه و سلم- هُزُواً- 106- یعنی استهزاء بهما أنهما لیسا من اللّه- عز و جل- ثم ذکر المؤمنین و ما أعد لهم، فقال- سبحانه-: إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا یعنی صدقوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ من الأعمال کانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا- 107- بلغة الروم یعنی البساتین «3» علیها الحیطان خالِدِینَ فِیها لا یموتون لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا- 108- [231 ا] یعنی تحولا «4» إلی غیرها.
______________________________
(1) سورة الکهف: 57.
(2) فی أ: (فی دار الدنیا)، و فی حاشیة أ: الحیاة الدنیا.
(3) فی أ: بالبساتین، و فی ل: البساتین.
(4) فی أ: تحولا، ل: متحول.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 605
و ذلک «1» أن الیهود قالوا للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: تزعم أنک أوتیت الحکمة، و الحکمة العلم کله و تزعم أنه لا علم لک بالروح و تزعم أن الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی «2» فکیف یکون هذا فقال اللّه- تعالی- ذکره لنبیه- صلی اللّه علیه و سلم-:
إنک أوتیت علما و علمک فی علم اللّه قلیل. فقال- سبحانه- للیهود: قُلْ لَوْ کانَ الْبَحْرُ مِداداً لِکَلِماتِ رَبِّی یعنی علم ربی جل جلاله لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ کَلِماتُ رَبِّی یعنی علم ربی وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً- 109- بخبر الناس أنه لا یدرک أحد علم اللّه- عز و جل. قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحی إِلَیَّ أَنَّما إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ یقول ربکم رب واحد «3» فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ یقول من کان یخشی البعث فی الآخرة. نزلت فی جندب بن زهیر الأزدی،
ثم العامری قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-:
إنا لنعمل العمل «4» نرید به وجه اللّه- عز و جل- فیثنی به علینا، فیعجبنا ذلک.
فقال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: إن اللّه «5» لغنی «6» لا یقبل ما شورک فیه فأنزل اللّه- عز و جل- «فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ»
فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً- 110-.
______________________________
(1) فی أ: و له ذلک، ل: و ذلک
(2) سورة الإسراء 85 و تمامها: «وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا».
(3) من ل، و الجملة ساقطة من ا.
(4) العمل: ساقطة من أ، و هی من ل.
(5) فی أ: اللّه- عز و جل-، فی ل: اللّه.
(6) لغنی: من ل، و لیست فی ا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 606
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل عن مقاتل، قال: قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: یقول اللّه- عز و جل-: أنا خیر شریک «1» من أشرکنی فی عمل جعلت العمل کله لشریکی و لا أقبل إلا ما کان لی خالصا.
حدثنا «2» عبید اللّه، قال: حدثنی «3» أبی عن الهذیل، عن شیبان أبی معاویة التمیمی قال «4»: إن اللّه- عز و جل- لیحفظ الصالحین فی أبنائهم لقوله- عز و جل- و کان أبوهما صالحا.
قال: اسم الکهف بانجلوس، و اسم القریة اللوس و اسم المدینة أفسوس.
و اسم الکلب قطمیر و اسم القاضیین أحدهما مارنوس و الآخر اسطوس، و اسم الملک دقیوس، و أسماء أهل الکهف: دوانس «5»، و نواس، مارطونس، رسارنوس، و قاطلس، و طسططنوس «6»، و مکسلمینا و یملیخا.
و حدثنا عبید اللّه قال: و حدثنی أبی عن الهذیل، عن غیاث بن إبراهیم، عن عطاء بن السائب، عن سعید بن جبیر قال: ما فی الأرض لغة إلا أنزلها اللّه فی القرآن. و قال: اسم جبریل عبد اللّه و اسم میکائیل عبید اللّه.
______________________________
(1) فی أ: من، ل: فمن.
(2) فی أ: و حدثنا، ل: حدثنا.
(3) فی أ: و حدثنی، ل: حدثنی.
(4) قال: من ل، و هی ساقطة من ا.
(5) فی أ: داونس، ل: دوانس.
(6) فی ل: کسططنوس، فی أ: طسططنوس.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 607
قال: و حدثنی أبی عن الهذیل، عن اللیث بن سعد «1»، عن عطاء بن خالد، قال: یحج عیسی إذا نزل فی سبعین ألفا «2» فیهم أصحاب الکهف فإنهم لم یموتوا و لم یحجوا «3».
***______________________________
(1) هو الإمام المصری اللیث بن سعد فقیه أهل مصر. کان إمام وقته بلا مدافعة ولد سنة 92 ه و مات سنة 175 ه، انظر الإمام المصری اللیث بن سعد بقلم عبد اللّه محمود شحاتة، سلسلة مذاهب و شخصیات، العدد 124. طبع الدار القومیة للطباعة و النشر القاهرة.
(2) ألفا: من ل، و لیست فی ا
(3) فی أ: زیادة: علیهم السلام، و لیست فی ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 609

سورة مریم‌

اشارة

تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 611

[سورة مریم (19): الآیات 1 الی 98]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
کهیعص (1) ذِکْرُ رَحْمَتِ رَبِّکَ عَبْدَهُ زَکَرِیَّا (2) إِذْ نادی رَبَّهُ نِداءً خَفِیًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّی وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّی وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَیْباً وَ لَمْ أَکُنْ بِدُعائِکَ رَبِّ شَقِیًّا (4)
وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی وَ کانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا (5) یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا (6) یا زَکَرِیَّا إِنَّا نُبَشِّرُکَ بِغُلامٍ اسْمُهُ یَحْیی لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِیًّا (7) قالَ رَبِّ أَنَّی یَکُونُ لِی غُلامٌ وَ کانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْکِبَرِ عِتِیًّا (8) قالَ کَذلِکَ قالَ رَبُّکَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَ قَدْ خَلَقْتُکَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَکُ شَیْئاً (9)
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِی آیَةً قالَ آیَتُکَ أَلاَّ تُکَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَیالٍ سَوِیًّا (10) فَخَرَجَ عَلی قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحی إِلَیْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُکْرَةً وَ عَشِیًّا (11) یا یَحْیی خُذِ الْکِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَیْناهُ الْحُکْمَ صَبِیًّا (12) وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَکاةً وَ کانَ تَقِیًّا (13) وَ بَرًّا بِوالِدَیْهِ وَ لَمْ یَکُنْ جَبَّاراً عَصِیًّا (14)
وَ سَلامٌ عَلَیْهِ یَوْمَ وُلِدَ وَ یَوْمَ یَمُوتُ وَ یَوْمَ یُبْعَثُ حَیًّا (15) وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ مَرْیَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَکاناً شَرْقِیًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَیْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِیًّا (17) قالَتْ إِنِّی أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْکَ إِنْ کُنْتَ تَقِیًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّکِ لِأَهَبَ لَکِ غُلاماً زَکِیًّا (19)
قالَتْ أَنَّی یَکُونُ لِی غُلامٌ وَ لَمْ یَمْسَسْنِی بَشَرٌ وَ لَمْ أَکُ بَغِیًّا (20) قالَ کَذلِکِ قالَ رَبُّکِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَ لِنَجْعَلَهُ آیَةً لِلنَّاسِ وَ رَحْمَةً مِنَّا وَ کانَ أَمْراً مَقْضِیًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَکاناً قَصِیًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلی جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ یا لَیْتَنِی مِتُّ قَبْلَ هذا وَ کُنْتُ نَسْیاً مَنْسِیًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِی قَدْ جَعَلَ رَبُّکِ تَحْتَکِ سَرِیًّا (24)
وَ هُزِّی إِلَیْکِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَیْکِ رُطَباً جَنِیًّا (25) فَکُلِی وَ اشْرَبِی وَ قَرِّی عَیْناً فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِی إِنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُکَلِّمَ الْیَوْمَ إِنْسِیًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا یا مَرْیَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَیْئاً فَرِیًّا (27) یا أُخْتَ هارُونَ ما کانَ أَبُوکِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ ما کانَتْ أُمُّکِ بَغِیًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَیْهِ قالُوا کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا (29)
قالَ إِنِّی عَبْدُ اللَّهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَ جَعَلَنِی نَبِیًّا (30) وَ جَعَلَنِی مُبارَکاً أَیْنَ ما کُنْتُ وَ أَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا (31) وَ بَرًّا بِوالِدَتِی وَ لَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّاراً شَقِیًّا (32) وَ السَّلامُ عَلَیَّ یَوْمَ وُلِدْتُ وَ یَوْمَ أَمُوتُ وَ یَوْمَ أُبْعَثُ حَیًّا (33) ذلِکَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِی فِیهِ یَمْتَرُونَ (34)
ما کانَ لِلَّهِ أَنْ یَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (35) وَ إِنَّ اللَّهَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَیْنِهِمْ فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ یَوْمٍ عَظِیمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ یَوْمَ یَأْتُونَنا لکِنِ الظَّالِمُونَ الْیَوْمَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (38) وَ أَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِیَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِی غَفْلَةٍ وَ هُمْ لا یُؤْمِنُونَ (39)
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَیْها وَ إِلَیْنا یُرْجَعُونَ (40) وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ إِبْراهِیمَ إِنَّهُ کانَ صِدِّیقاً نَبِیًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِیهِ یا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا یَسْمَعُ وَ لا یُبْصِرُ وَ لا یُغْنِی عَنْکَ شَیْئاً (42) یا أَبَتِ إِنِّی قَدْ جاءَنِی مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ یَأْتِکَ فَاتَّبِعْنِی أَهْدِکَ صِراطاً سَوِیًّا (43) یا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّیْطانَ إِنَّ الشَّیْطانَ کانَ لِلرَّحْمنِ عَصِیًّا (44)
یا أَبَتِ إِنِّی أَخافُ أَنْ یَمَسَّکَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَکُونَ لِلشَّیْطانِ وَلِیًّا (45) قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِی یا إِبْراهِیمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّکَ وَ اهْجُرْنِی مَلِیًّا (46) قالَ سَلامٌ عَلَیْکَ سَأَسْتَغْفِرُ لَکَ رَبِّی إِنَّهُ کانَ بِی حَفِیًّا (47) وَ أَعْتَزِلُکُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّی عَسی أَلاَّ أَکُونَ بِدُعاءِ رَبِّی شَقِیًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ وَ کُلاًّ جَعَلْنا نَبِیًّا (49)
وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِیًّا (50) وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ مُوسی إِنَّهُ کانَ مُخْلَصاً وَ کانَ رَسُولاً نَبِیًّا (51) وَ نادَیْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَیْمَنِ وَ قَرَّبْناهُ نَجِیًّا (52) وَ وَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِیًّا (53) وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ إِسْماعِیلَ إِنَّهُ کانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ کانَ رَسُولاً نَبِیًّا (54)
وَ کانَ یَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ وَ کانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِیًّا (55) وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ إِدْرِیسَ إِنَّهُ کانَ صِدِّیقاً نَبِیًّا (56) وَ رَفَعْناهُ مَکاناً عَلِیًّا (57) أُولئِکَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ مِنْ ذُرِّیَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّیَّةِ إِبْراهِیمَ وَ إِسْرائِیلَ وَ مِمَّنْ هَدَیْنا وَ اجْتَبَیْنا إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُکِیًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیًّا (59)
إِلاَّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا یُظْلَمُونَ شَیْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِی وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّهُ کانَ وَعْدُهُ مَأْتِیًّا (61) لا یَسْمَعُونَ فِیها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِیها بُکْرَةً وَ عَشِیًّا (62) تِلْکَ الْجَنَّةُ الَّتِی نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ کانَ تَقِیًّا (63) وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّکَ لَهُ ما بَیْنَ أَیْدِینا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَیْنَ ذلِکَ وَ ما کانَ رَبُّکَ نَسِیًّا (64)
رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِیًّا (65) وَ یَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَیًّا (66) أَ وَ لا یَذْکُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ یَکُ شَیْئاً (67) فَوَ رَبِّکَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّیاطِینَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِیًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ کُلِّ شِیعَةٍ أَیُّهُمْ أَشَدُّ عَلَی الرَّحْمنِ عِتِیًّا (69)
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِینَ هُمْ أَوْلی بِها صِلِیًّا (70) وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلاَّ وارِدُها کانَ عَلی رَبِّکَ حَتْماً مَقْضِیًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِینَ فِیها جِثِیًّا (72) وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا أَیُّ الْفَرِیقَیْنِ خَیْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِیًّا (73) وَ کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْیاً (74)
قُلْ مَنْ کانَ فِی الضَّلالَةِ فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّی إِذا رَأَوْا ما یُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَ إِمَّا السَّاعَةَ فَسَیَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَکاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً (75) وَ یَزِیدُ اللَّهُ الَّذِینَ اهْتَدَوْا هُدیً وَ الْباقِیاتُ الصَّالِحاتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَ خَیْرٌ مَرَدًّا (76) أَ فَرَأَیْتَ الَّذِی کَفَرَ بِآیاتِنا وَ قالَ لَأُوتَیَنَّ مالاً وَ وَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَیْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) کَلاَّ سَنَکْتُبُ ما یَقُولُ وَ نَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79)
وَ نَرِثُهُ ما یَقُولُ وَ یَأْتِینا فَرْداً (80) وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِیَکُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) کَلاَّ سَیَکْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ یَکُونُونَ عَلَیْهِمْ ضِدًّا (82) أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّیاطِینَ عَلَی الْکافِرِینَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَیْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
یَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِینَ إِلَی الرَّحْمنِ وَفْداً (85) وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِینَ إِلی جَهَنَّمَ وِرْداً (86) لا یَمْلِکُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87) وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَیْئاً إِدًّا (89)
تَکادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَ ما یَنْبَغِی لِلرَّحْمنِ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ کُلُّ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلاَّ آتِی الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا (94)
وَ کُلُّهُمْ آتِیهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ فَرْداً (95) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما یَسَّرْناهُ بِلِسانِکَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِینَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَ کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِکْزاً (98)
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 619
سورة مریم «1» مکیة کلها. إلا آیة سجدتها فإنها مدنیة «2»، و هی ثمان و تسعون آیة کوفی «3»
______________________________
(1) مقصود السورة مقصود السورة إجمالا ما یأتی:
وعد اللّه العباد بالکفایة و الهدایة، و إجابة دعاء زکریا و المنة علیه بولده یحیی، و إعطائه علم الکتاب، و ذکر عجائب ولادة عیسی و أمه و الخبر عن أحوال القیامة و نصیحة إبراهیم لآزر و مناظرة آزر له و الإشارة إلی قربة موسی، و ذکر صدق إسماعیل، و بیان رفعة درجة إبلیس، و حکایة أهل الجنة، و ذل الکفار فی القیامة، و مرور الخلق علی عقبة الصراط، و ابتلاء بعضهم بالعذاب و الرد علی الکفار فی افتخارهم بالمال و ذل الأصنام، و عبادها فی القیامة، و بیان حال أهل الجنة و النار، و صعوبة قول الکفار فی جرأتهم علی إثبات الولد و الشریک للواحد القهار.
و المنة علی الرسول بتیسیر القرآن علی لسانه و تهدید الکفار بعقوبة مثل عقوبة القرون الماضیة فی قوله: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِکْزاً سورة مریم: 98.
مجموع فواصل آیاتها (مدن).
*** (2) هی الآیة 58 من سورة مریم، و تمامها قوله تعالی: أُولئِکَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ مِنْ ذُرِّیَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّیَّةِ إِبْراهِیمَ وَ إِسْرائِیلَ وَ مِمَّنْ هَدَیْنا وَ اجْتَبَیْنا إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُکِیًّا.
(3) و هو موافق لما فی مصحفنا علی قراءة حفص الکوفی.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 620
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ کهیعص 1- کاف «1» هاد «2» عالم صادق.
هذا ثناء الرب- تبارک و تعالی- علی نفسه یقول کافیا لخلقه هادیا لعباده، الیاء من الهادی «3»، عالم ببریته «4»، صادق فی قوله- عز و جل-، ثم قال سبحانه:
ذِکْرُ رَحْمَتِ رَبِّکَ یعنی نعمة ربک یا محمد عَبْدَهُ زَکَرِیَّا- 2- ابن برخیا و ذلک أن اللّه- تعالی- ذکر «5» عبده زکریا بالرحمة إِذْ نادی رَبَّهُ نِداءً خَفِیًّا- 3- یقول إذ دعا ربه دعاء سرا، و إنما دعا ربه- عز و جل- سرا لئلا یقول الناس انظروا إلی هذا الشیخ الکبیر یسأل الولد علی کبره قالَ رَبِّ إِنِّی وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّی یعنی ضعف العظم منی وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَیْباً یعنی بیاضا وَ لَمْ أَکُنْ بِدُعائِکَ رَبِّ شَقِیًّا- 4- یعنی خائبا فیما خلا، کنت تستجیب لی فلا تخیبنی فی دعائی إیاک بالولد وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی وَ کانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً یقول خفت الکلالة و هم العصبة من بعد موتی أن یرثوا مالی فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا- 5- یعنی من عندک ولدا «یَرِثُنِی» «6» یرث مالی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ ابن ماثان علمهم و ریاستهم فی الأحبار، و کان
______________________________
(1) فی أ: کافی، ل: کاف.
(2) فی أ: هادی، ل: هاد
(3) فی أ: هادی، ل: الهادی.
(4) فی أ: بریته، ل: ببریته.
(5) من أ، و فی ل: أنه ذکر.
(6) فی أ، ل: یرث.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 621
یعقوب و عمران «أبو مریم» «1» أخوین ابنا ماثان و مریم ابنة عمران بن ماثان وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا- 6- یعنی صالحا فاستجاب اللّه- عز و جل- لزکریا فی الولد، فأتاه جبریل «2» و هو یصلی فقال: یا زَکَرِیَّا إِنَّا نُبَشِّرُکَ بِغُلامٍ اسْمُهُ یَحْیی لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِیًّا- 7- لم یکن أحد من الناس فیما خلا یسمی یحیی، و إنما سماه یحیی لأنه «3» أحیاه من بین شیخ کبیر و عجوز عاقر فلما بشر میتین بالولد «4» قالَ رَبِّ أَنَّی یَکُونُ لِی غُلامٌ یعنی من أین یکون لی غلام وَ کانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً أیلیشفع لا تلد وَ قَدْ بَلَغْتُ أنا مِنَ الْکِبَرِ عِتِیًّا- 8- یعنی بؤسا و کان زکریا یومئذ ابن خمس و سبعین سنة قالَ له جبریل- علیه السلام-: کَذلِکَ یعنی هکذا قالَ رَبُّکَ إنه لیکون لک غلام «هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ «5»» وَ قَدْ خَلَقْتُکَ مِنْ قَبْلُ أن تسألنی الولد وَ لَمْ تَکُ شَیْئاً- 9- قالَ زکریا: رَبِّ اجْعَلْ لِی آیَةً یعنی علما للحبل «6» فسأل الآیة بعد مشافهة جبریل «7» قالَ جبریل- علیه السلام- آیَتُکَ «8» إذا جامعتها «9» علی طهر فحبلت فإنک تصبح تلک اللیلة لا تستنکر من
______________________________
(1) من ل، و لیس فی: ا.
(2) فی أ: جبریل- علیهما السلام، ل: جبریل.
(3) هکذا فی أ، ل. و الضمیر عائد علی اللّه- تعالی.
(4) هکذا فی أ، و فی ل: و إنما سمی یحیی لأنه أحیاه من بین میتین: شیخ کبیر و عجوز عاقر.
(5) «هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ»: ساقط من أ، ل. و هو فی حاشیة ا.
(6) قال: فی ا زیادة. و لیست فی ل.
(7) فی أ: جبریل- علیهما السلام، ل: جبریل.
(8) من ل. و فی أ: فقال «آیتک».
(9) الضمیر عائد علی غیر مذکور یفهم من سیاق الکلام. و التقدیر إذا جامعت زوجک.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 622
نفسک خرسا و لا مرضا و لکن لا تستطیع الکلام «أَلَّا تُکَلِّمَ النَّاسَ «1»» ثَلاثَ لَیالٍ سَوِیًّا- 10- أنت فیهن سوی صحیح فأخذ بلسانه عقوبة حین سأل الآیة بعد مشافهة جبریل- علیهما السلام- و لم یحبس اللّه- عز و جل- لسانه عن ذکره و لا عن الصلاة فَخَرَجَ زکریا عَلی قَوْمِهِ بنی إسرائیل مِنَ الْمِحْرابِ یعنی من المسجد فَأَوْحی إِلَیْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُکْرَةً وَ عَشِیًّا- 11- [222 ا] یقول کتب کتابا بیده و هو الوحی إلیهم أن صلوا بالغداة و العشی یا یَحْیی خُذِ الْکِتابَ یعنی التوراة بِقُوَّةٍ یعنی بجد و مواظبة علیه «2» وَ آتَیْناهُ الْحُکْمَ صَبِیًّا- 12- یعنی و أعطینا یحیی العلم و الفهم و هو ابن ثلاث سنین وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا یقول رحمة من عندنا وَ زَکاةً یعنی جعله صالحا و طهره «3» من الذنوب وَ کانَ تَقِیًّا- 13- یعنی مسلما وَ بَرًّا بِوالِدَیْهِ یقول و جعلناه مطیعا لوالدیه وَ لَمْ یَکُنْ جَبَّاراً یعنی متکبرا عن عبادة اللّه- عز و جل- عَصِیًّا- 14- یعنی و لا عاص لربه وَ سَلامٌ عَلَیْهِ یعنی علی یحیی- علیه السلام- یَوْمَ وُلِدَ یعنی حین ولد، مثل قوله سبحانه: فِی کِتابِ اللَّهِ یَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ «4» یعنی «حین» «5» خلق السموات، قال عیسی- صلی اللّه علیه و سلم- یَوْمَ وُلِدْتُ وَ یَوْمَ أَمُوتُ وَ یَوْمَ أُبْعَثُ حَیًّا «6»- یعنی حین أموت و حین أبعث «وَ سَلامٌ عَلَیْهِ یَوْمَ وُلِدَ»
______________________________
(1) «أَلَّا تُکَلِّمَ النَّاسَ»: لیس فی أ، و لا فی ل.
(2) هکذا فی أ، ل. و الضمیر عائد علی الکتاب.
(3) فی أ: و حوله، ل: و طهره. و فی حاشیة أ: طهره؛ محمد.
(4) سورة التوبة: 36.
(5) زیادة اقتضاها السیاق. و حین: لیست فی أ، و الجملة کلها: لیست فی ل.
(6) سورة مریم 33 و تمامها: «وَ السَّلامُ عَلَیَّ یَوْمَ وُلِدْتُ وَ یَوْمَ أَمُوتُ وَ یَوْمَ أُبْعَثُ حَیًّا».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 623
«وَ یَوْمَ یَمُوتُ وَ یَوْمَ یُبْعَثُ حَیًّا» «1»- 15- یعنی حین یبعث بعد الموت وَ اذْکُرْ لأهل مکة فِی الْکِتابِ مَرْیَمَ یعنی فی القرآن ابنة عمران بن ماثان و یعقوب بن ماثان من نسل سلیمان بن داود- علیهم السلام- إِذِ انْتَبَذَتْ یعنی إذ انفردت مِنْ أَهْلِها مَکاناً شَرْقِیًّا- 16- فجلست فی المشرقة لأنه کان الشتاء فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً یعنی جبلا فجعلت الجبل بینها و بینهم فلم یرها أحد منهم کقوله فی ص: حَتَّی تَوارَتْ بِالْحِجابِ «2» یعنی الجبل و هو دون ق بمسیرة سنة و الشمس تغرب من ورائه فَأَرْسَلْنا إِلَیْها رُوحَنا یعنی جبریل- علیه السلام- فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِیًّا- 17- یعنی إنسانا سویا یعنی سوی الخلق علی صورة شاب أمرد جعد الرأس فلما رأته حسبته إنسانا قالَتْ إِنِّی أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْکَ إِنْ کُنْتَ تَقِیًّا- 18- یعنی مخلصا للّه- عز و جل- تعبده قالَ جبریل- علیه السلام- إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّکِ لِأَهَبَ لَکِ بأمر اللّه- عز و جل- غُلاماً زَکِیًّا- 19- یعنی مخلصا یقول صالحا.
قالَتْ مریم أَنَّی من أین یَکُونُ لِی غُلامٌ «3» وَ لَمْ یَمْسَسْنِی بَشَرٌ یعنی و لم یکن لی زوج وَ لَمْ أَکُ بَغِیًّا- 20- یعنی و لم أرکب فاحشة قالَ جبریل- علیه السلام-: کَذلِکِ یعنی هکذا قالَ رَبُّکِ إنه یکون لک ولد من غیر زوج هُوَ عَلَیَ علی اللّه «4» هَیِّنٌ یعنی یسیر أن یخلق فی بطنک ولدا
______________________________
(1) ما بین القوسین (...): ساقط من أ، و هو: من ل.
(2) سورة ص: 32.
(3) فی حاشیة أ: فی الأصل ولد. و لعله تفسیر لغلام. و فی ل: ولد.
(4) فی أ، ل: «و هو علی» اللّه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 624
من غیر بشر وَ لِنَجْعَلَهُ آیَةً یقول و لکی نجعله عبرة لِلنَّاسِ یعنی فی بنی إسرائیل وَ رَحْمَةً یعنی و نعمة مِنَّا لمن تبعه علی دینه، مثل قوله- سبحانه-:
وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ «1» یعنی بالرحمة «2» نعمة لمن اتبعه «3» علی دینه وَ کانَ عیسی- صلی اللّه علیه- من غیر بشر أَمْراً مَقْضِیًّا- 21- قد قضی اللّه- عز و جل- فی اللوح المحفوظ أنه کائن لا بد «4» فَحَمَلَتْهُ [232 ب أمه مریم- علیها السلام- و هی ابنة ثلاث عشرة سنة «5» و مکثت مع عیسی- علیه السلام- ثلاثا و ثلاثین سنة و عاشت بعد ما رفع عیسی «6» ست سنین فماتت و لها اثنتان «7» و خمسون سنة فحملته أمه فی ساعة واحدة و صور فی ساعة واحدة و أرضعته فی ساعة حین زالت الشمس من یومها و قد کانت حاضت حیضتین قبل «8» حمله فَانْتَبَذَتْ بِهِ یعنی فانفردت بعیسی- صلی اللّه علیه و سلم- مَکاناً قَصِیًّا- 22- یعنی نائیا من أهلها من وراء الحیل فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلی جِذْعِ النَّخْلَةِ یعنی فألجأها و لم یکن لها سعف قالَتْ مریم: یا لَیْتَنِی مِتُّ قَبْلَ هذا الولد حیاء من الناس، ثم قالت: وَ کُنْتُ نَسْیاً مَنْسِیًّا- 23- یعنی کالشی‌ء الهالک الذی لا یذکر فینسی فَناداها جبریل- علیه السلام- مِنْ تَحْتِها یعنی من أسفل منها فی الأرض و هی فوقه علی رابیة «9» و جبریل
______________________________
(1) سورة الأنبیاء: 107.
(2) فی أ: بالترجمة، ل: بالرحمة.
(3) فی أ: تبعه، ل: اتبعه.
(4) هکذا فی أ، ل.
(5) فی أ، ل: ثلاثة عشر سنة.
(6) فی أ: عیسی- صلی اللّه علیه، ل: عیسی.
(7) فی أ، ل: اثنان.
(8) فی أ: قبله.
(9) فی أ: رأسه، ل: رابیة، حمیدیة: رابیة.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 625
- علیه السلام «1»- ینادیها بهذا «2» الکلام أَلَّا تَحْزَنِی ذلک حین تمنت الموت قَدْ جَعَلَ رَبُّکِ تَحْتَکِ سَرِیًّا- 24- یعنی الجدول الصغیر من الأنهار و قال جبریل- علیه السلام- لها: «وَ هُزِّی إِلَیْکِ» «3» یعنی و حرکی إلیک بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَیْکِ رُطَباً جَنِیًّا- 25- یعنی بالجنی ما ترطب به من البسر و کانت شجرة یابسة فاخضرت و هی تنظر، و حملت الرطب مکانها و هی تنظر، ثم نضجت و هی تنظر، ثم أجری اللّه- عز و جل- لها نهرا من الأردن حتی جاءها فکان بینهما و بین جبریل- علیه السلام- و هذا کلام جبریل لها و إنما جعل اللّه- عز و جل- ذلک لتؤمن بأمر عیسی- صلی اللّه علیه- و لا تعجب منه.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل، قال: قال مقاتل: و أخبرت عن لیث بن أبی سلیم عن عکرمة عن ابن عباس فی قوله:
«إِنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» یعنی صمتا. فَکُلِی من النخلة وَ اشْرَبِی من الماء العذب وَ قَرِّی عَیْناً بالولد فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِی إِنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً یعنی صمتا فَلَنْ أُکَلِّمَ الْیَوْمَ إِنْسِیًّا- 26- فی عیسی- صلی اللّه علیه- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها بالولد تَحْمِلُهُ إلی بنی إسرائیل فی حجرها ملفوفا فی خرق قالُوا یا مَرْیَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَیْئاً فَرِیًّا- 27- یقول أتیت أمرا منکرا یا أُخْتَ هارُونَ الذی هو أخو موسی.
______________________________
(1) فی أ، ل، حمیدیة: زیادة: علی هبطة. و فی حاشیة أ: علی هضبة. و فی البیضاوی:
«فَناداها مِنْ تَحْتِها» عیسی و قیل جبریل کان یقبل الولد. و قیل تحتها أسفل من مکانها.
(2) فی الأصل: بعد.
(3) فی أ، ل: «هزی».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 626
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی عن الهذیل، قال: قال مقاتل: قال رسول اللّه- صلی اللّه علیه و سلم-: إنما عنوا هارون أخا موسی لأنها کانت من نسله.
ما کانَ أَبُوکِ عمران امْرَأَ سَوْءٍ یعنی بزان کقوله [223 ا] سبحانه-: مَنْ أَرادَ بِأَهْلِکَ سُوءاً «1» یعنی الزنا، و کقوله- سبحانه-:
ما عَلِمْنا عَلَیْهِ مِنْ سُوءٍ «2» و کان عمران من عظماء بنی إسرائیل وَ ما کانَتْ أُمُّکِ حنة بَغِیًّا- 28- بزانیة فمن أین هذا الولد؟ فَأَشارَتْ إِلَیْهِ یعنی إلی ابنها عیسی- صلی اللّه علیه- أن کلموه «قالُوا» «3» قال قومها: کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کانَ یعنی من هو فِی الْمَهْدِ یعنی فی حجر أمه ملفوفا فی خرق صَبِیًّا- 29- فدنا زکریا من الصبی، فقال تکلم یا صبی بعذرک إن کان لک عذر ف قالَ الصبی و هو یومئذ ولد «4» إِنِّی عَبْدُ اللَّهِ و کذبت النصاری فیما یقولون فأول ما «5» تکلم به «6» الصبی أنه «7» أقر للّه «8» بالعبودیة آتانِیَ الْکِتابَ یعنی أعطانی الإنجیل فعلمنیه وَ جَعَلَنِی نَبِیًّا- 30- وَ جَعَلَنِی مُبارَکاً یعنی معلما مؤدبا فی الخیر أَیْنَ ما کُنْتُ من الأرض و أوصانی ب إقامة الصلاة و إیتاء الزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا- 31- وَ بَرًّا بِوالِدَتِی یقول و أوصانی أن
______________________________
(1) سورة یوسف: 25.
(2) سورة یوسف: 51.
(3) فی أ: (قال) و فی حاشیة أ: الآیة «قالوا».
(4) هکذا: فی أ، ل. و الأنسب: ولید.
(5) فی أ: من، و فی ل: ما.
(6) به: من أ، و لیست فی ل.
(7) أنه: من ل، و لیست فی ا.
(8) فی أ: للّه- عز و جل، ل: للّه.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 627
أکون برا بوالدتی یعنی مطیعا لأمی مریم وَ لَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّاراً یعنی متکبرا عن عبادة اللّه شَقِیًّا- 32- یعنی عاصیا للّه- عز و جل- وَ السَّلامُ عَلَیَّ یَوْمَ وُلِدْتُ فلما ذکر الوالدة و لم یذکر الوالد ضمه زکریا إلی صدره، و قال: أشهد أنک عبد اللّه و رسوله، «وَ السَّلامُ عَلَیَّ یَوْمَ وُلِدْتُ» یعنی حین ولدت وَ یَوْمَ أَمُوتُ یعنی و حین أموت وَ یَوْمَ أُبْعَثُ حَیًّا- 33- یعنی و حین أبعث حیا بعد الموت فی الآخرة، ثم لم یتکلم بعد ذلک حتی کان بمنزلة غیره من الصبیان فلما قال: «وَ بَرًّا بِوالِدَتِی» ضمه زکریا. یقول اللّه- عز و جل-: ذلِکَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ قَوْلَ الْحَقِ یعنی هذا عیسی بن مریم قول العدل یعنی الصدق الَّذِی فِیهِ یَمْتَرُونَ 34- یعنی الذی فیه یشکون فی أمر عیسی- صلی اللّه علیه- و هم النصاری ما کانَ لِلَّهِ أَنْ یَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ یعنی عیسی- صلی اللّه علیه- سُبْحانَهُ نزه نفسه- عز و جل- إِذا قَضی أَمْراً کان فی علمه یعنی عیسی- صلی اللّه علیه- فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ 35- مرة واحدة لا یثنی القول فیه مرتین.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی عن الهذیل، قال: حدثنی مقاتل عن الضحاک، عن ابن عباس أنه قال: کن فیکون بالفارسیة: لا یثنی القول مرتین، إذا قال مرة کان.
ثم قال عیسی- صلی اللّه علیه- لبنی إسرائیل: وَ إِنَّ اللَّهَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ یعنی فوحدوه هذا التوحید صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ 36- یعنی دین الإسلام مستقیم و غیر دین الإسلام أعوج لیس بمستقیم فَاخْتَلَفَ
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 628
الْأَحْزابُ [332 ب یعنی النصاری «مِنْ بَیْنِهِمْ» «1» تحزبوا فی عیسی- صلی اللّه علیه- ثلاث فرق؛ النسطوریة قالوا عیسی ابن اللّه- وَ تَعالی عَمَّا یَقُولُونَ عُلُوًّا کَبِیراً «2» و المار یعقوبیة قالوا عیسی هو اللّه- سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یَقُولُونَ «3» و الملکانیون قالوا: إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ «4».
یقول اللّه: «وحده لا شریک له «5»»: فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا یعنی تحزبوا فی عیسی- صلی اللّه علیه- مِنْ مَشْهَدِ یَوْمٍ عَظِیمٍ 37- لدیه، یعنی یوم القیامة «6» أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ یقول هم یوم القیامة «7» أسمع قوم «8» و أبصر بما کانوا فیه من الوعید و غیره یَوْمَ یَأْتُونَنا فی الآخرة، فذلک قوله- سبحانه-:
رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ «9»، ثم قال سبحانه: لکِنِ الظَّالِمُونَ الْیَوْمَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ 38- یعنی المشرکین الیوم فی الدنیا فی ضلال مبین فلا یسمعون الیوم، و لا یبصرون ما یکون فی الآخرة وَ أَنْذِرْهُمْ یعنی کفار مکة یَوْمَ الْحَسْرَةِ یوم یذبح الموت کأنه کبش أملح.
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی عن الهذیل، عن مقاتل، عن عثمان بن سلیم، عن عبد اللّه بن عباس أنه قال: یجعل الموت فی صورة کبش أملح،
______________________________
(1) «مِنْ بَیْنِهِمْ»: ساقطة من أ، ل.
(2) «تَعالی عَمَّا یَقُولُونَ عُلُوًّا کَبِیراً»: من أ، و لیس فی ل. و الآیة رقم 43 من سورة الإسراء.
(3) «سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمَّا یَقُولُونَ»: من أ، و لیس: فی ل، الآیة رقم 43 من سورة الإسراء.
(4) سورة المائدة: 73.
(5) فی أ: یقول اللّه- وحده لا شریک له-، ل: یقول اللّه.
(6) فی أ: یعنی لشدته یوم القیامة، ل: لدیه، یعنی یوم القیامة.
(7) من أ، و فی ل: هم یومئذ یوم القیامة.
(8) فی أ: قوما، ل: قوم.
(9) سورة السجدة: 12.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 629
فیذبحه جبریل بین الجنة و النار، و هم ینظرون إلیه فیقال لأهل الجنة خلود فلا موت فیها «1». و لأهل النار خلود فلا موت فیها «2»، فلو لا ما قضی اللّه- عز و جل- علی أهل النار من تعمیر «3» أرواحهم فی أبدانهم لماتوا من الحسرة- ثم قال سبحانه: إِذْ قُضِیَ الْأَمْرُ یعنی إذا قضی العذاب وَ هُمْ فِی غَفْلَةٍ الیوم وَ هُمْ لا یُؤْمِنُونَ 39- یعنی لا یصدقون بما یکون فی الآخرة إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَیْها یعنی نمیتهم و یبقی الرب- جل جلاله- و نرث أهل السماء و أهل الأرض، ثم قال- سبحانه-: وَ إِلَیْنا یُرْجَعُونَ 40- یعنی فی الآخرة بعد الموت وَ اذْکُرْ یا محمد لأهل مکة فِی الْکِتابِ یعنی فی القرآن أمر إِبْراهِیمَ إِنَّهُ کانَ صِدِّیقاً یعنی مؤمنا باللّه تعالی نَبِیًّا- 41- مثل قوله سبحانه: وَ أُمُّهُ صِدِّیقَةٌ «4» یعنی مؤمنة إِذْ قالَ لِأَبِیهِ آزر یا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا یَسْمَعُ الصوت وَ لا یُبْصِرُ شیئا یعنی الأصنام وَ لا یُغْنِی عَنْکَ شَیْئاً- 42- فی الآخرة یا أَبَتِ إِنِّی قَدْ جاءَنِی مِنَ الْعِلْمِ یعنی البیان ما لَمْ یَأْتِکَ یعنی ما یکون من بعد الموت فَاتَّبِعْنِی علی دینی أَهْدِکَ صِراطاً سَوِیًّا- 43- یعنی طریقا عدلا یعنی دین الإسلام یا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّیْطانَ یعنی لا تطع «5» الشیطان فی العبادة إِنَّ الشَّیْطانَ کانَ لِلرَّحْمنِ عَصِیًّا- 44- یعنی عاصیا ملعونا یا أَبَتِ إِنِّی أَخافُ أَنْ یَمَسَّکَ یعنی أن یصیبک عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فی الآخرة
______________________________
(1) فیها: ساقطة من أ، و من حمیدیة، و هی فی ل.
(2) فی ل: خلود لا موت فیها، ا، ح: فلا موت فیها.
(3) فی أ: تغمیم، ل: تعمیر.
(4) سورة المائدة: 75.
(5) فی أ: لا تطبع، ل: لا تطع.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 630
فَتَکُونَ لِلشَّیْطانِ وَلِیًّا- 45- یعنی قریبا فی [234 ا] الآخرة فرد علیه أبوه ف قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِی یا إِبْراهِیمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّکَ یعنی لئن لم تسکت لأشتمنک وَ اهْجُرْنِی مَلِیًّا- 46- یعنی أیام حیاتک و یقال طویلا و اعتزلنی و أطل هجرانی و کل شی‌ء فی القرآن لأرجمنک یعنی به القتل غیر هذا.
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی عن أبی صالح، عن مقاتل عن ابن عباس: و اعتزلنی سالم العرض لا یصیبک منی معرة قالَ إبراهیم: سَلامٌ عَلَیْکَ سَأَسْتَغْفِرُ لَکَ رَبِّی إِنَّهُ کانَ بِی حَفِیًّا- 47- یعنی لطیفا رحیما وَ أَعْتَزِلُکُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «و أعتزل ما تعبدون» «1» من دون اللّه «من» «2» الآلهة فکان اعتزاله إیاهم أنه فارقهم من کوثا فهاجر منها إلی الأرض المقدسة، ثم قال إبراهیم: وَ أَدْعُوا رَبِّی فی الاستغفار لک عَسی أَلَّا «3» أَکُونَ بِدُعاءِ رَبِّی شَقِیًّا- 48- یعنی خائبا بدعائی لک بالمغفرة فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ و اعتزل ما یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة و هی الأصنام و ذهب مهاجرا منها وَهَبْنا لَهُ بعد الهجرة إلی الأرض المقدسة إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ وَ کُلًّا جَعَلْنا نَبِیًّا- 49- یعنی إبراهیم، و إسحاق، یعقوب وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا یعنی من نعمتنا وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِیًّا- 50- یعنی ثناء حسنا رفیقا یثنی علیهم جمیع أهل الأدیان بعدهم وَ اذْکُرْ لأهل مکة فِی الْکِتابِ مُوسی إِنَّهُ کانَ مُخْلَصاً یعنی مسلما موحدا وَ کانَ رَسُولًا نَبِیًّا- 51-
______________________________
(1) فی أ، ل: و اعتزل قوما تعبدون.
(2) «من»: زیادة اقتضاها المقام لیست فی أ، ل.
(3) فی أ: أن لا.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 631
وَ نادَیْناهُ یعنی دعوناه لیلة الجمعة مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَیْمَنِ یعنی من ناحیة الجبل وَ قَرَّبْناهُ نَجِیًّا- 52- یعنی کلمناه من قرب و کان بینهما حجاب خفی سمع صریر القلم و یقال صریف القلم وَ وَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِیًّا- 53- فوهب اللّه- عز و جل- له أخاه هارون و ذلک حین «1» سأل موسی- علیه السلام- ربه- عز و جل- فقال- وَ اجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی هارُونَ أَخِی «2» و حین قال فَأَرْسِلْ إِلی هارُونَ «3» وَ اذْکُرْ فِی الْکِتابِ یعنی و اذکر لأهل مکة فی القرآن أمر إِسْماعِیلَ بن إبراهیم لصلبه إِنَّهُ کانَ صادِقَ الْوَعْدِ و ذلک أن إسماعیل- علیه السلام- وعد رجلا أن یقیم مکانه حتی یرجع إلیه. فأقام ثلاثة أیام للمیعاد حتی رجع الرجل إلیه وَ کانَ رَسُولًا نَبِیًّا- 54- وَ کانَ یَأْمُرُ أَهْلَهُ کقوله- سبحانه- فی طه: وَ أْمُرْ أَهْلَکَ «4» یعنی قومک بِالصَّلاةِ و فی قراءة ابن مسعود «و کان یأمر قومه بالصلاة» وَ الزَّکاةِ وَ کانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِیًّا- 55- وَ اذْکُرْ لأهل مکة فِی الْکِتابِ یعنی القرآن إِدْرِیسَ و هو جد أبی نوح و اسمه أخنوخ- علیه السلام- [234 ب إِنَّهُ کانَ صِدِّیقاً یعنی مؤمنا بتوحید اللّه- عز و جل- نَبِیًّا- 56- وَ رَفَعْناهُ مَکاناً عَلِیًّا- 57- یعنی فی السماء الرابعة، و فیها مات و ذلک حین دعا للملک الذی یسوق الشمس «5» أُولئِکَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ بالنبوة مِنَ النَّبِیِّینَ
______________________________
(1) فی أ: أن حین، ل: حین.
(2) سورة طه: 29- 30.
(3) سورة الشعراء: 13.
(4) سورة طه: 132.
(5) من ل، و فی أ: و ذلک حین دعا ربه الملک الذی یسوقه الشمس.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 632
یعنی هؤلاء «1» الذین سموا فی هؤلاء الآیات مِنْ ذُرِّیَّةِ آدَمَ «2» ثم إدریس وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ فی السفینة یقول و من ذریة من حملنا مع نوح فی السفینة و هو إبراهیم وَ مِنْ ذُرِّیَّةِ إِبْراهِیمَ و إسماعیل، و إسحاق، و یعقوب وَ من ذریة إِسْرائِیلَ و هو یعقوب، و موسی، و هارون، وَ مِمَّنْ هَدَیْنا للإسلام وَ اجْتَبَیْنا و استخلصنا للرسالة و النبوة إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُ الرَّحْمنِ یعنی إذا قرئ علیهم کلام الرحمن یعنی القرآن خَرُّوا سُجَّداً علی وجوههم وَ بُکِیًّا- 58- یعنی یبکون نزلت فی مؤمنی أهل التوراة عبد اللّه بن سلام و أصحابه نظیرها فی بنی إسرائیل یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً «3»، وَ یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ یَبْکُونَ «4» فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ یعنی من بعد النبیین خلف السوء یعنی الیهود، فهذا مثل ضربه اللّه- عز و جل- لأمة محمد- صلی اللّه علیه و سلم- یقول: و لا تکونوا خلف السوء مثل الیهود، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: أَضاعُوا الصَّلاةَ یعنی أخروها عن مواقیتها وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ یعنی الذین استحلوا تزویج بنت الأخت من الأب نظیرها فی النساء الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ «5» یعنی الزنا فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیًّا- 59- فی الآخرة و هو واد فی جهنم إِلَّا مَنْ تابَ من الشرک وَ آمَنَ بمحمد- صلی اللّه علیه و سلم- یعنی و صدق بتوحید اللّه- عز و جل- وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا یُظْلَمُونَ یعنی و لا ینقضون شَیْئاً- 60- من أعمالهم
______________________________
(1) فی ل: هؤلاء، ا: بهؤلاء.
(2) فی أ: فهو، ل: ثم.
(3) سورة الإسراء: 107.
(4) سورة الإسراء: 109.
(5) سورة النساء: 27.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 633
الحسنة حتی یجازوا بها فیجزیهم ربهم جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِی وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ المؤمنین علی ألسنة الرسل فی الدنیا بِالْغَیْبِ و لم یروه إِنَّهُ کانَ وَعْدُهُ مَأْتِیًّا- 61- یعنی جائیا لا خلف له لا یَسْمَعُونَ فِیها یعنی فی الجنة لَغْواً یعنی الحلف إذا شربوا الخمر یعنی لا یحلفون کما یحلف أهل الدنیا إذا شربوا.
نظیرها فی الواقعة «1»، و فی الصافات، ثم قال: إِلَّا سَلاماً یعنی سلام الملائکة علیهم فیها وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِیها بُکْرَةً وَ عَشِیًّا- 62- یعنی بالرزق الفاکهة علی مقدار طرفی النهار فی الدنیا، ثم أخبر عنهم فقال سبحانه: تِلْکَ الْجَنَّةُ الَّتِی نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ کانَ تَقِیًّا- 63- یعنی مخلصا للّه- عز و جل- وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّکَ و ذلک
أن جبریل- علیه السلام- احتبس علی «2» النبی- صلی اللّه علیه و سلم- أربعین یوما، و یقال ثلاثة أیام فقال مشرکو «3» مکة [235 أ]: قد ودعه ربه و قلاه. فلما نزل جبریل- علیه السلام- قال النبی- صلی اللّه علیه و سلم-: یا جبریل ما جئت حتی اشتقت إلیک.
قال: و أنا إلیک کنت أشد شوقا.
و نزل فی قولهم وَ الضُّحی وَ اللَّیْلِ إِذا سَجی أَ لَمْ نَشْرَحْ لَکَ ... جمیعا «4». و قال جبریل- علیه السلام-: «وَ ما نَتَنَزَّلُ» من السماء «إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّکَ»، لَهُ ما بَیْنَ أَیْدِینا من أمر الآخرة وَ ما خَلْفَنا من أمر الدنیا وَ ما بَیْنَ ذلِکَ یعنی ما بین الدنیا و الآخرة، یعنی ما بین النفختین وَ ما کانَ رَبُّکَ نَسِیًّا- 64- لقول کفار مکة نسیه ربه و قلاه، یقول: لم ینسک ربک یا محمد رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یعنی
______________________________
(1) سورة الواقعة: 25 و تمامها لا یَسْمَعُونَ فِیها لَغْواً وَ لا تَأْثِیماً.
(2) هکذا فی أ، ل، و الأنسب: عن.
(3) فی أ: مشرکی، مشرکو. و أمام الواو ألف.
(4) أی نزلت سورة الضحی، و ألم نشرح لک، جمیعهما، للرد علی المشرکین.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 634
و الأرضین وَ ما بَیْنَهُما من الخلق فَاعْبُدْهُ یعنی فوحده وَ اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ یقول و اصبر علی توحید اللّه- عز و جل- و لا تعجل حتی یأتیک أمری، ثم قال للنبی- صلی اللّه علیه و سلم-: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِیًّا- 65- یقول- جل جلاله- هل تعلم من الآلهة من شی‌ء «1» اسمه اللّه- عز و جل-، لأن اللّه- تعالی ذکره- یمنعهم من ذلک. «وَ یَقُولُ الْإِنْسانُ و هو أبی بن خلف الجمحی أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَیًّا- 66- من الأرض بعد الموت «2»» یقول ذلک تکذیبا بالبعث «3».
یقول اللّه- عز و جل- یعظه لیعتبر أَ وَ لا یَذْکُرُ الْإِنْسانُ یقول أو لا یتذکر الإنسان فی خلق نفسه أَنَّا خَلَقْناهُ أول مرة یعنی أول خلق خلقناه «مِنْ قَبْلُ «4»» وَ لَمْ یَکُ شَیْئاً- 67- فأقسم الرب- عز و جل- لیبعثنهم فی الآخرة فقال: فَوَ رَبِّکَ یا محمد لَنَحْشُرَنَّهُمْ یعنی لنجمعنهم وَ الشَّیاطِینَ معهم الذین أضلوهم فی الآخرة ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ یعنی فی جهنم جِثِیًّا- 68- یعنی جمیعا علی الرکب ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ کُلِّ شِیعَةٍ یقول لنخرجن ثم نبدأ بهم من کل ملة أَیُّهُمْ أَشَدُّ عَلَی الرَّحْمنِ عِتِیًّا- 69- یعنی عتوا فی الکفر یعنی القادة فیعذبهم فی النار ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِینَ هُمْ أَوْلی بِها صِلِیًّا- 70-
______________________________
(1) فی أ: شیئا، ل: شی‌ء، تعلم من أخوات ظن تنصب مفعولین أصلهما المبتدأ و الخبر، إذا کانت بمعنی اعلم فإن کانت بمعنی تعلم الحساب و نحوه تعدت لواحد (منهج السالک إلی ألفیة ابن مالک): 182.
(2) تفسیر الآیة 66: ساقط من أ، و هو من ل.
(3) فی ل: بالبعث، ا: بالبعث أنه لا یبعث.
(4) «من قبل»: ساقطة من أ، ل.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 635
یعنی من هو أولی بها یعنی القادة فی الکفر وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلَّا وارِدُها یعنی و ما منکم أحد إلا داخلها یعنی جهنم البر و الفاجر.
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل عن مقاتل، عن علقمة بن مرثد، عن نافع بن الأزرق: أنه سأل ابن عباس عن الورود فقال:
یا نافع، أما أنا و أنت فندخلها فانظر هل نخرج منها أم لا «1».
حدثنا عبید اللّه قال: حدثنی أبی، قال: حدثنا الهذیل عن مقاتل، عن الضحاک، عن ابن عباس قال: للورود «2». فی القرآن أربعة «3» مواضع یعنی به الدخول.
وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلَّا وارِدُها «4» یعنی داخلها.
فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ «5» یعنی فأدخلهم.
حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ «6» یعنی داخلون.
لَوْ کانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها «7» یعنی ما دخلوها.
______________________________
(1) فی حاشیة أ: و هذا کما أشار إلیه بعضهم فقال: إنّی خائف لأنه- تعالی- ذکر الورود و لم یذکر الصدور و هذا و إن لم یذکر فی الآیة هذه فهو مأخوذ من آیات أخر، و أحادیث کثیرة، بعدم خلود الموحدین و لو کانوا من أصحاب الکبائر.
و إنما قال هذا من قاله خوفا من سوء العاقبة، ظهر للکاتب.
(2) فی أ: للورود، ل: الورود.
(3) فی أ: أربع، ل: أربعة.
(4) سورة مریم: 71.
(5) سورة هود: 98.
(6) سورة الأنبیاء: 98.
(7) سورة الأنبیاء: 99.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 636
حدثنا عبید اللّه، قال: حدثنی أبی، قال: حدثنی الهذیل عن مقاتل، قال:
[234 ب یجعل اللّه النار علی المؤمنین یومئذ بردا و سلاما، کما جعلها علی إبراهیم- علیه السلام-، فذلک قوله- عز و جل- کانَ عَلی رَبِّکَ حَتْماً مَقْضِیًّا- 71- قال قضاء واجبا قد قضاه فی اللوح المحفوظ، أنه کائن لا بد غیر الأنبیاء- علیهم السلام- فتکون علی المؤمنین بردا و سلاما ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِینَ اتَّقَوْا الشرک منها یعنی أهل التوحید فنخرجهم منها وَ نَذَرُ الظَّالِمِینَ یعنی المشرکین فِیها یعنی فی جهنم جِثِیًّا- 72- علی الرکب وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا یعنی القرآن بَیِّناتٍ یعنی واضحات قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا و هم النضر بن الحارث بن علقمة و غیره لِلَّذِینَ آمَنُوا أَیُّ الْفَرِیقَیْنِ خَیْرٌ مَقاماً و ذلک أنهم لبسوا أحسن الثیاب، و دهنوا الرءوس، ثم قالوا للمؤمنین أی الفریقین نحن أو أنتم خیر یعنی أفضل مقاما للمساکن من مساکن «1» مکة و مثله فی حم الدخان وَ مَقامٍ کَرِیمٍ «2» یعنی و مساکن طیبة وَ أَحْسَنُ نَدِیًّا- 73- یعنی مجالسا، کقوله سبحانه: وَ تَأْتُونَ «3» فِی نادِیکُمُ الْمُنْکَرَ «4» یعنی فی مجالسکم یقول اللّه- عز و جل- یخوفهم: وَ کَمْ أَهْلَکْنا بالعذاب فی الدنیا قَبْلَهُمْ قبل أهل مکة مِنْ قَرْنٍ یعنی أمة کقوله- عز و جل-:
أَهْلَکْنَا الْقُرُونَ «5» یعنی الأمم الخالیة هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً یعنی ألین متاعا
______________________________
(1) فی أ، ل: للمساکین و هو تحریف.
(2) سورة الدخان: 26، و تمامها: «وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ کَرِیمٍ».
(3) فی أ: تأتون.
(4) سورة العنکبوت: 29.
(5) سورة یونس الآیة 13 و تمامها «وَ لَقَدْ أَهْلَکْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ وَ ما کانُوا لِیُؤْمِنُوا کَذلِکَ نَجْزِی الْقَوْمَ الْمُجْرِمِینَ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 637
وَ رِءْیاً- 74- و أحسن منظرا من أهل مکة فأهلک اللّه- عز و جل- أموالهم و صورهم قُلْ لهم مَنْ کانَ فِی الضَّلالَةِ یعنی من هو فی الشرک فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا فی الخیر لقولهم للمؤمنین «أَیُّ الْفَرِیقَیْنِ خَیْرٌ مَقاماً» حَتَّی إِذا رَأَوْا ما یُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ فی الدنیا یعنی القتل ببدر وَ إِمَّا السَّاعَةَ یعنی القیامة فَسَیَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَکاناً یعنی شر منزلا وَ أَضْعَفُ جُنْداً- 75- یعنی و أقل فئة هم أم المؤمنون وَ یَزِیدُ اللَّهُ الَّذِینَ اهْتَدَوْا هُدیً من الضلالة یعنی یزیدهم إیمانا وَ الْباقِیاتُ الصَّالِحاتُ و هی أربع کلمات: سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلا اللّه، و اللّه أکبر، من قالها فهو خَیْرٌ یعنی أفضل عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَ الآخرة خَیْرٌ مَرَدًّا- 76- یعنی أفضل مرجعا من ثواب الکافر «1» النار و مرجعهم إلیها. أَ فَرَأَیْتَ الَّذِی کَفَرَ بِآیاتِنا آیات القرآن نزلت فی العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سعید بن عمرو بن هصیص بن کعب ابن لؤی السهمی و ذلک أن خباب بن الأرت صاغ له شیئا «2» من الحلی. فلما طلب منه الأجر قال لخباب- و هو مسلم حین طلب أجر الصیاغة-: ألستم تزعمون أن فی الجنة الحریر و الذهب و الفضة و ولدان «3» [236 ا] مخلدون. قال خباب ابن الأرت: نعم. قال العاص: فمیعاد ما بیننا الجنة. وَ قالَ «4» لَأُوتَیَنَ فی الجنة یعنی فی الآخرة مالًا وَ وَلَداً- 77- أفضل مما أوتیت فی الدنیا،
______________________________
(1) فی أ، ل: الکافر. و الأنسب الکافرین.
(2) فی أ: شی‌ء، ل: شیئا.
(3) فی أ: الولدان، ل: و ولدان.
(4) فی أ، ل: ثم «قال».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 638
فأقضیک فی الآخرة یقول ذلک مستهزئا لأنه «1» لا یؤمن بما فی القرآن من الثواب و العقاب یقول اللّه- تعالی-: أَطَّلَعَ علی الْغَیْبَ یعنی العاص حین یقول إنه «2» یعطی فی الآخرة ما یعطی المؤمنون أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً- 78- یقول أم اعتقد عند الرحمن التوحید کَلَّا لا یعطی العاص ما یعطی المؤمنون، ثم استأنف فقال سبحانه: سَنَکْتُبُ ما یَقُولُ یعنی من الحفظة من الملائکة تکتب ما یقول العاص أنه یعطی ما یعطی المؤمنون فی الجنة، وَ نَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا- 79- یعنی الذی لا انقطاع له وَ نَرِثُهُ ما یَقُولُ أنه یعطی فی الجنة ما یعطی المؤمنون فنرثه عنه و یعطاه غیره، ثم قال- سبحانه-:
وَ یَأْتِینا فَرْداً- 80- العاص فی الآخرة لیس معه شی‌ء من دنیاه. ثم ذکر کفار مکة العاص، و النضر، و أبا جهل، و غیرهم فقال سبحانه: وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً یعنی اللات، و العزی، و مناة، و هبل، لِیَکُونُوا لَهُمْ عِزًّا- 81- یعنی منعا یمنعونهم من اللّه- عز و جل- نظیرها فی یس وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ یُنْصَرُونَ «3» یعنی یمنعون، یقول اللّه- عز و جل-: کَلَّا لا تمنعهم الآلهة من اللّه، ثم استأنف فقال: سَیَکْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ یقول ستبرأ الآلهة فی الآخرة من کل من کان یعبدها فی الدنیا وَ یَکُونُونَ عَلَیْهِمْ ضِدًّا- 82- یقول تکون آلهتهم یومئذ لهم أعداء، کقوله سبحانه: لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النَّاسِ «4» یعنی للناس، و کقوله
______________________________
(1) فی أ: بالآیة، ل: لأنه.
(2) فی أ: «یعطا»، بالألف.
(3) سورة یس: 74.
(4) سورة البقرة: 143.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 639
سبحانه: وَ ما ذُبِحَ عَلَی النُّصُبِ «1» یعنی للنصب أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّیاطِینَ عَلَی الْکافِرِینَ یعنی المستهزئین من قریش حین قال سبحانه لإبلیس و هو الشیطان وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ ... «2» یعنی بدعائک إلی آخر الآیة، ثم قال سبحانه: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا- 83- یعنی تزعجهم إزعاجا و تغریهم إغراء تزین لهم الذی هم علیه من الشرک و یقول إن الأمر الذی أنتم علیه لأمر حق فَلا تَعْجَلْ عَلَیْهِمْ یقول للنبی- صلی اللّه علیه و سلم- فلا تستعجل لهم بالعذاب إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ آجالهم عَدًّا- 84- یعنی الأنفاس ثم ننزل بهم العذاب یَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِینَ الشرک یعنی الموحدین إِلَی الرَّحْمنِ وَفْداً- 85- علی النجائب علی رحلاتها «3» منابر «4» الحضر وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِینَ إِلی جَهَنَّمَ وِرْداً- 86- یرونها فی الدخول [236 ب و هم عطاش لا یَمْلِکُونَ الشَّفاعَةَ یقول لا تقدر الملائکة «5» علی الشفاعة لأحد، ثم استثنی فقال: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً- 87- یعنی إلا من اعتقد التوحید عند الرحمن- جل جلاله- و هی شهادة ألا إله إلا اللّه وحده لا شریک له وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً- 88- من الملائکة حین قالوا إنهن بنات اللّه- تعالی- منهم النضر ابن الحارث، یقول اللّه- عز و جل-: لَقَدْ جِئْتُمْ شَیْئاً إِدًّا- 89- یقول قلتم قولا عظیما نظیرها فی بنی إسرائیل: إِنَّکُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِیماً «6» حین
______________________________
(1) سورة المائدة: 3.
(2) سورة الإسراء: 64.
(3) فی أ: رحالتها، ل: رحلاتها.
(4) فی أ: المیاثر الخضر، ل: منابر الحضر.
(5) فی أ، ل: الملیکة.
(6) سورة الإسراء: 40.
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 640
قالوا الملائکة بنات الرحمن- عز و جل- تَکادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْنَ یعنی مما قالوا إن الملائکة بنات الرحمن وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ من أطرفها وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا- 90- یعنی وقعا «1» و إنما ذکر السموات، و الأرض، و الجبال لعظمهن و شدتهن، مما قالوا من البهتان أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً- 91- أن قالوا للرحمن ولدا وَ ما یَنْبَغِی لِلرَّحْمنِ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَداً- 92- إِنْ کُلُّ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ من الملائکة و غیرهم و عزیر، و عیسی، و مریم، و غیرهم فهؤلاء فی الأرض إِلَّا آتِی الرَّحْمنِ عَبْداً- 93- یقول إلا و هو مقر له بالعبودیة لَقَدْ أَحْصاهُمْ یقول أحصی أسماءهم فی اللوح المحفوظ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا- 94- یقول- سبحانه- علم عددهم وَ کُلُّهُمْ آتِیهِ یقول و کل من فیهما «2» جائیة فی الآخرة یَوْمَ الْقِیامَةِ فَرْداً- 95- یعنی وحده لیس معه من دنیاه شی‌ء إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا- 96- یقول یجعل محبتهم فی قلوب المؤمنین فیحبونهم فَإِنَّما یَسَّرْناهُ بِلِسانِکَ یقول فإنما بیناه علی لسانک یا محمد یعنی القرآن لِتُبَشِّرَ بِهِ یعنی بما فی القرآن الْمُتَّقِینَ الشرک یعنی الموحدین وَ تُنْذِرَ بِهِ یعنی بما فی القرآن من الوعید قَوْماً لُدًّا- 97- یعنی جدلاء خصماء بالبطل نظیرها فی البقرة وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ «3» یعنی جدلا خصما بالباطل: الأخنس بن شریق ثم خوف کفار مکة فقال- سبحانه-:
______________________________
(1) فی أ، ل: وقعا. و الأنسب: وقوعا.
(2) فی أ، ل: فیها.
(3) سورة البقرة: 204 و تمامها: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُعْجِبُکَ قَوْلُهُ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یُشْهِدُ اللَّهَ عَلی ما فِی قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ».
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 641
وَ کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ یعنی بالعذاب فی الدنیا مِنْ قَرْنٍ یعنی قبل کفار مکة من أمة هَلْ تُحِسُ یعنی النبی- صلی اللّه علیه و سلم- یقول هل تری مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِکْزاً- 98- یعنی صوتا یحذر بمثل عذاب الأمم الخالیة لئلا یکذبوا محمدا- صلی اللّه علیه و سلم.
*** آخر الجزء الأول من تفسیر مقاتل بن سلیمان.
یلیه «1» فی أول الجزء الثانی أول سورة طه.
______________________________
(1) نسخة ل (کوبریلی) نسخة متصلة لیس فیها جزء أول و ثان.
أما نسخة ا (أحمد الثالث) فجزءان. جزء أول من أول القرآن إلی آخر سورة مریم. و الثانی من سورة طه إلی القرآن.
*** و قد جاء فی آخر الجزء الأول من نسخة أ (أحمد الثالث) فی الحاشیة ما یأتی:
و الحمد للّه رب العالمین. نقلت هذا الجزء من نسخة المحمودیة بالقاهرة المحروسة و لیس فیها بل و لا فی غیرها القرآن ممیزا بالأحمر، و إن وجد فنادر فرأیت تمیزه عن التفسیر لتسهل مراجعته، و ما کان فیه التقدیر بارز بین المعطوفات، کما فی قوله تعالی فی سورة مریم- و قد مر قریبا- «خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَ» الآخرة «خَیْرٌ مَرَدًّا» فإن کان صوابا فمن فضل اللّه، و إن کان غیر ذلک فلیصلح بالأسود، و فیه أیضا مواضع القرآن فیها متروک فربما ظن ظان أنه سقط من الکاتب. و قد کتبت بعض ذلک علی الهامش فلیعلم، و الحمد للّه وحده.
و کتبه العبد الفقیر محمد أحمد عمر السنبلاوینی الشافعی مذهبا. الأشعری معتقدا بالقاهرة المحروسة غفر اللّه له، و لوالدیه و لجمیع المسلمین آمین.
و کان الفراغ من تعلقته یوم الإثنین المبارک خامس عشر ذی الحجة الحرام سنة ست و ثمانمائة و حسبنا اللّه و نعم الوکیل.
أقول، و من هذا التعلیق نعرف أن کاتب نسخة أحمد الثالث محمد أحمد عمر. قد میز القرآن بالخط الأحمر.
تفسیر مقاتل- 41
تفسیر مقاتل بن سلیمان، ج‌2، ص: 642
______________________________
و نعرف کذلک أن النسخة الأصلیة- و هی نسخة المحمودیة- کانت خلوا من هذا التمییز.
و فی مواضع متعددة تجد القرآن قد أدمج فی التفسیر و سبک به من غیر تمیز للقرآن فکان الکاتب کتبه علی ذلک فی الحاشیة حینا و یترک التنبیه أحیانا. و قد وضحت کل هذا أثناء التحقیق و الحمد للّه.
کما نعرف أن القرآن کان یختلط بغیره فی النسخة الأصلیة- التی نقل عنها الناسخ. فعمد الناسخ إلی إظهار القرآن و تمیزه عن المقدر بین المعطوفات. مثل «خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَ» الآخرة «خَیْرٌ مَرَدًّا» فقد کانت کلمة الآخرة تختلط بالقرآن. فمیزها.
*** تم الجزء الثانی من تفسیر مقاتل بن سلیمان و یلیه الجزء الثالث و أوله تفسیر سورة طه

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.