جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 43

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج43، ص: 1

[تتمة القسم الرابع في الأحكام]

اشاره

ج43، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[كتاب الديات]

اشاره

كتاب الديات جمع دية بالكسر و بتخفيف الياء، بل التشديد لحن، و الهاء فيها عوض عن فاء الكلمة إذ الأصل ودية كوعدة، لأنها مأخوذة من الودي و هو دفع الدية، يقال: «وديت القتيل أديه دية» و قد تسمى لغة عقلا لمنعها من الجرأة على الدم، فإن من معاني العقل المنع، و ربما تسمى دما تسمية للمسبب باسم سببه، و المراد بها هنا المال الواجب بالجناية على الحر في النفس أو ما دونها سواء كان له مقدر أولا و إن كان ربما اختصت بالأول و الثاني بالأرش و الحكومة(1) فهي حينئذ تسمية بالمصدر.

و الأصل في مشروعيتها الكتاب العزيز(2)و الإجماع و السنة القطعية.

و كيف كان ف النظر في هذا الكتاب يتم في أمور أربعة.


1- 1 الحكومة تستعمل في قبال المقدر.
2- 2 سورة النساء 4- الآية 92.

ج 43، ص: 3

[النظر الأول في أقسام القتل و مقادير الديات]

اشاره

الأول في أقسام القتل و مقادير الديات

[أقسام القتل]

فنقول القتل إما عمد و قد سلف مثاله في أول كتاب القصاص، بل تقدم هناك أيضا ما يستفاد منه غيره و إما شبيه العمد، مثل أن يضرب للتأديب فيموت و إما خطاء محض، مثل أن يرمى طائرا فيصيب إنسانا أو لم يقصد الفعل أصلا، كمن تزلق رجله فيقع على غيره فيقتله، أو ينقلب في النوم على غيره كذلك.

و حينئذ ف ضابط العمد أن يكون عامدا في فعله و قصده بمعنى أن يقصد الفعل و القتل، أو يقصد الفعل الذي يقتل مثله غالبا و إن لم يقصد القتل، كما مر تحقيقه في كتاب القصاص مع زيادة قيد العدوان فيما ترتب عليه منه، ضرورة عدم وجوب القصاص بالضابط المزبور الشامل للقتل بحق و غيره مما لا قصاص فيه.

و ضابط شبيه العمد أن يكون عامدا في فعله و هو الضرب للتأديب أو المزح أو نحوهما مما لم يرد به القتل، و منه علاج الطبيب فيتفق الموت به، بل و منه الضرب بما لا يقتل غالبا بقصد العدوان فيتفق الموت به، على الكلام السابق في القصاص فيه و فيما لو قصد القتل بما لا يقتل غالبا، و الغرض هنا بيان كون المراد بشبيه العمد أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده (11) الذي هو القتل بمعنى عدم قصده القتل.

و (12) أما ضابط الخطأ المحض (13) المعبر عنه في النصوص بالخطإ الذي

ج 43، ص: 4

لا شبهة فيه هو أن يكون مخطئا فيهما أي الفعل و القصد، كالمثال الذي سمعته الذي لم يقصد به رمي الإنسان و لا قتله، سواء كان بما يقتل غالبا أولا.

و يلحق به تعمد الطفل و المجنون شرعا كما يلحق بشبه العمد قصد الفعل و القتل لمن ظنه مستحقا لذلك بكفر أو قصاص فبان خلافه، بل و من ظنه صيدا مباحا فبان إنسانا، و ربما يتكلف لإدراجهما بأنه قصد الفعل و أخطأ في قصد القتل المخصوص.

و على كل حال فلا خلاف عندنا في أن الأقسام ثلاثة، لكل منها حكم يخصه خلافا لمالك فجعلها قسمين بإدراج شبيه العمد في العمد، و أوجب به القود، و هو و إن كان يوهمه بعض نصوصنا المحتمل كونها تقية منه، لكن الإجماع و السنة بل و الكتاب على خلافه، ضرورة عدم صدق القتل المؤمن متعمدا عليه كما هو واضح.

و قد تقدم في أول القصاص جملة من النصوص المشتملة على تقسيم القتل و الجمع بينها جميعا يقتضي التثليث الذي ذكره الأصحاب فلاحظ و تأمل.

و كذا الكلام في الجناية على الأطراف فإنها تنقسم أيضا هذه الأقسام الثلاثة بلا خلاف أجده بيننا، بل الإجماع محصل عليه، بل يمكن استفادته من النصوص أيضا.

هذا كله في أقسام القتل

[مقادير الديات]
اشاره

و أما مقادير الديات، فمقدار دية العمد مائة بعير من مسان الإبل أو مأتا بقرة أو مأتا حلة كل حلة ثوبان من برود اليمن أو ألف دينار أو ألف شاة أو عشرة آلاف درهم بلا خلاف أجده في شي ء من الستة المزبورة، كما عن بعض الاعتراف به، بل عن الغنية الإجماع عليه أيضا و على التخيير بينها، بل يمكن استفادتها من النصوص كما ستعرفه في أثناء البحث إن شاء الله.

إنما الكلام في كل واحد واحد منها، أما الأول فقد سمعت ما في المتن الذي هو معنى ما في القواعد مائة من مسان الإبل، بل في الغنية و ظاهر المبسوط و السرائر و المفاتيح و كشف اللثام الإجماع عليه على ما حكى عن بعضها.

ج 43، ص: 5

و المراد بالمسان الكبار كما في القاموس، و عن الأزهري و الزمخشري «إذا أثنت فقد أسنت»، قالا: «أول الأسنان الأثناء و هو أن تنبت ثنيتاها و أقصاه في الإبل البزول، و في البقر و الغنم الصلوغ» و عن المغرب: «الثني من الإبل الذي أثنى أي نبتت ثنيته (1)و هو ما استكمل السنة الخامسة و دخل في السادسة» و عن حواشي الشهيد: «المسنة من الثنية إلى بازل عامها» و في النبوي المروي عن زكاة المبسوط: «المسنة هي الثنية فصاعدا»(2)و عن المهذب البارع و غيره:

«المسان جمع مسنة و هي من الإبل ما دخل في السادسة و تسمى الثنية أيضا، فإن دخلت في السابعة فهي الرباع و الرباعية، فإن دخلت في الثامنة فهي السديس بكسر الدال، فإن دخلت في التاسعة فهي بازل (3)أي طلع نابه، فإن دخلت في العاشرة فهي بازل عام ثم بازل عامين»(4)إلى غير ذلك من كلماتهم المتفقة على ما ذكرنا.

فمن الغريب ما تسمعه في خبر الحكم بن عتيبة(5).

و كيف كان فعن الجامع مائة من فحولة مسان الإبل و كأن وجهه ما في

خبر معاوية بن وهب (6)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دية العمد، فقال: مائة من فحولة الإبل المسان، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم».


1- 1 كذا في الأصل، و لكن في« المغرب في ترتيب المعرب» هكذا:« أثنى أي ألقى ثنيته.» فراجع.
2- 2 المبسوط ج 1 ص 198.
3- 3 بازغ ن ل.
4- 4 مفتاح الكرامة ج 10 ص 353.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس، الحديث 8.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

ج 43، ص: 6

و نحوه مضمر أبي بصير.(1)و

خبر الحكم بن عتيبة(2)عن أبي جعفر عليه السلام «قلت له: فما أسنان المائة بعير؟ فقال: ما حال عليه الحول، ذكر ان كلها».

بل و ظاهر

خبر زيد الشحام (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «في العبد يقتل حرا عمدا قال: مائة من الإبل المسان، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم».

فإن الجمل اسم للفحل.

إلا أن الأكثر كما في الرياض الإطلاق، بل لم أجد من حكى عنه اعتبار الفحولة غيره، إذ المصنف و إن عبر بالبعير إلا أنه- كما في الصحاح- من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس، يقال للجمل بعير و للناقة بعير. و من هنا يشكل تقييد إطلاق غيرها من النصوص (4)بها، و إن كان فيها الصحيح و الموثق و غيرهما، خصوصا بعد ما قيل من موافقتها للعامة- و لذا حكى عن الشيخ حملها على التقية- و اشتمالها على ما لا يقول به من الترتيب، و كون الأخير منها في العبد، و اشتمال سابقه على حول الحول في أسنان المائة بعير الذي لا يكون به البعير مسنا، و غير ذلك. و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.

كما أنه لا ينبغي تركه في اعتبار المسنة في البقر خروجا عن خلاف محكي النهاية و المهذب و الجامع و إن لم أجد ما يشهد له فضلا عن كونه صالحا لتقييد إطلاق غيره الشامل للفحل و غيره من النصوص، و معقد المحكي من إجماع الغنية و ظاهر المبسوط و السرائر و التحرير و غيرها، و لذا لم أجد من اعتبر الفحولة هنا


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس، الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس، الحديث 8 و له صدر.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس، الحديث 5.
4- 4 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس.

ج 43، ص: 7

و لا الأنوثة. إذ التاء في البقرة للوحدة الجنسية لا التأنيث كتمر و تمرة كما هو واضح.

و أما الثالث أي مأتا حلة فلا أجد فيه خلافا معتدا به، بل عن بعض الأصحاب نفيه عنه، بل عن الغنية و ظاهر المبسوط و السرائر و التحرير و غيرها الإجماع عليه، إلا أني لم أجد في النصوص ما يدل عليه سوى

صحيح عبد الرحمن (1)«سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل، فأقرها رسول الله صلى الله عليه و آله، ثم إنه فرض على أهل البقرة مأتي بقرة و على أهل الشياة ألف شاة ثنية، و على أهل الذهب ألف دينار،

و على أهل الورق عشرة آلاف درهم، و على أهل (2)الحلل مأتا حلة، قال العجلي (3): فسألت أبا عبد الله عليه السلام عما روى ابن أبي ليلى، فقال: كان علي عليه السلام يقول: الدية ألف دينار، و قيمة الدينار عشرة دراهم، و عشرة آلاف لأهل الأمصار، و على أهل البوادي الدية مائة من الإبل، و لأهل السواد مأتا بقرة أو ألف شاة».

إلا أنه مع كون الراوي ابن أبي ليلي المعلوم حاله، و ترك الصادق عليه السلام ذكر الحلل لما سأله عما رواه الموجود فيه- على ما عن الكافي و الفقيه و الاستبصار (4)- مائة حلة، و من هنا يحكى عن الصدوق في المقنع (5)الفتوى بها، و إن كان هو شاذا لم نعرف من وافقه عليه، مضافا إلى ضعف مستنده، نعم عن التهذيب (6)روايتها مأتا حلة، و لا بأس بالعمل بها بعد الانجبار بما


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
2- 2 كذا في الفقيه و لكن في الكافي و التهذيب و الاستبصار و الوسائل هكذا:« و على أهل اليمن الحلل».
3- 3 البجلي خ ل.
4- 4 الفقيه ج 4 ص 107 و الكافي ج 7 ص 280 و الاستبصار ج 4 ص 259.
5- 5 المقنع ص 182.
6- 6 التهذيب ج 10 ص 160.

ج 43، ص: 8

عرفت، و إن كان الراوي من عرفت. و خلو كلام الصادق عليه السلام عن ذلك لا يدل على كذبه.

و أما ما في

صحيح جميل بن دراج (1)«في الدية قال: ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، و يؤخذ من أصحاب الحلل الحلل، و من أصحاب الإبل الإبل، و من أصحاب الغنم الغنم، و من أصحاب البقر البقر».

فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل الحلة دون عددها، مع أن عن بعض نسخ التهذيب (2)«الخيل» بدل «الحلل» و إن كانت نسخة الكافي (3)أرجح سيما بعد ما في نسخة أخرى للتهذيب الموافقة لها، فحينئذ تحمل على إرادة المأتين بقرينة ما عرفت، و المناسبة في القيمة لغيرها.

بل قد يشعر

صحيح ابن عتيبة(4)عن الباقر عليه السلام في حديث. بكون مدار الدية في كل أرض على ما يوجد فيها غالبا «قال: قلت له: إن الديات إنما كانت تؤخذ قبل اليوم من الإبل و البقر و الغنم، قال: فقال: إنما كان ذلك في البوادي قبل الإسلام فلما ظهر الإسلام و كثرت الورق في الناس قسمها أمير المؤمنين عليه السلام على الورق، قال: قلت: أ رأيت من كان اليوم من أهل البوادي ما الذي يؤخذ منهم في الدية اليوم؟ إبل أو ورق؟ فقال: الإبل اليوم مثل الورق، بل هي أفضل من الورق في الدية».

و في

صحيح عبد الله بن سنان (5)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من قتل


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 4.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 159، و فيه،« الحلل» و عندنا نسخة مخطوطة مصححة منه و فيه لفظة« الخيل» بعنوان خ ل.
3- 3 الكافي ج 7 ص 281.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث 8.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 9.

ج 43، ص: 9

مؤمنا متعمدا قيد منه (1)إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية و أحب ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألفا، أو ألف دينار، أو مائة من الإبل و إن كان في أرض فيها الدنانير ففيها ألف دينار، و إن كان في أرض فيها الإبل فمائة من الإبل، و إن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب اثني عشر ألفا».

و على كل حال فالحكم مفروغ منه، كالمفروغية عن كون كل حلة ثوبين، على ما نص عليه أكثر الأصحاب و أهل اللغة، بل في المتن كالقواعد و غيرها من برود اليمن، نعم في محكي السرائر: «أو نجران».

قال أبو عبيد كما في الصحاح و غيره: «الحلل برود اليمن، و الحلة إزار و رداء لا تسمى حلة حتى يكون ثوبين» و عن النهاية الأثيرية «الحلة واحدة الحلل، و هي برود اليمن، و لا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد» و عن المصباح المنير «الحلة بالضم لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد».

و لكن عن العين «الحلة إزار و رداء بردا أو غيره لا يقال لها حلة حتى تكون ثوبين» و عن القاموس «لا تكون حلة إلا أن تكون ثوبين أو ثوب له بطانة».

بل عن الأزهري في التهذيب: «قال شمر: و قال خالد بن جنبة: الحلة رداء و قميص تمامها العمامة، قال: و لا يزال الثوب الجيد يقال له في الثياب حلة، فإذا وقع على الإنسان ذهبت حلته حتى يجمعن له إما اثنان و إما ثلاثة، و أنكر أن تكون الحلة إزار و رداء وحدة، قال: و الحلل الوشي و الحبرة و الخز و القز و القوهي و المردى و الحرير، قال: و سمعت اليمامي يقول: الحلة كل ثوب جيد جديد تلبسه غليظ أو رقيق، و لا يكون إلا ذا ثوبين، و قال ابن شميل:

الحلة القميص و الإزار و الرداء لا أقل من هذه الثلاثة، و قال شمر: الحلة عند الأعراب ثلاثة أثواب، قال: و قال ابن الأعرابي: يقال للإزار و الرداء حلة


1- 1 في الأصل:« أقيد به».

ج 43، ص: 10

و كل واحد منهما على انفراده حلة، قلت: و أما أبو عبيد فإنه جعل الحلة ثوبين، و

روى شمر عن القعنبي عن هشام بن سعد، عن حاتم بن أبي نضرة، عن عبادة ابن نسي ء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: خير الكفن الحلة و خير الضحية الكبش الأقرن،

و قال أبو عبيد: الحلل برود اليمن من مواضع مختلفة منها، قال:

و الحلة إزار و رداء، و لا تسمى حلة حتى تكون ثوبين، قال: و مما يبين ذلك حديث عمر، إنه رأى رجلا عليه حلة قد ائتزر بإحداهما و ارتدى بالأخرى فهذان ثوبان، و بعث عمر إلى معاذ بن عفراء بحلة فباعها و اشتري بها أرؤس من الرقيق فأعتقهم، ثم قال: إن رجلا آثر قشرتين يلبسهما على عتق هؤلاء لغبين الرأي، أراد بالقشرتين الثوبين، قلت: و الصحيح في تفسير الحلة ما قال أبو عبيد لأن أحاديث السلف تدل على ما قال»(1).

مضافا إلى شهادة ما سمعته من الأصحاب له، بل ينبغي الاقتصار فيها على برود اليمن، لأنه المتيقن، و نص عليه الفاضلان و الشهيدان و أبو العباس و غيرهم، على ما حكى عن بعضهم، و إن كان بعض كلمات أهل اللغة تقتضي الأعم من ذلك، و أما إلحاق خصوص نجران باليمن، فلم أجد له شاهدا، نعم الظاهر اعتبار ما يسمى ثوبا عرفا لا مجرد ما يستر العورة.

و أما الرابع فلا أجد فيه خلافا بل عن الغنية و ظاهر المبسوط و السرائر و التحرير و غيرها الإجماع عليه، و النصوص (2)مستفيضة فيه حد الاستفاضة و هو معروف.

و لكن في الرياض: «أي مثقال من الذهب خالص كما في صريح الخبر» أي

موثق أبي بصير(3)قال: «دية المسلم عشرة آلاف درهم من الفضة، أو ألف


1- 1 تهذيب اللغة للأزهري ج 3 ص 441- 442، و كانت عبارة الأصل كعبارة كشف اللثام- المنقولة عنه ظاهرا- مغلوطة و صححناها على طبق المصدر.
2- 2 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 2 و له ذيل.

ج 43، ص: 11

مثقال من الذهب، أو ألف شاة على أسنانها».

و فيه أن الظاهر إرادته الإشارة إلى ما في غيره من النصوص (1)من الدينار المعروف و وزنه أنه مثقال، لا أن المراد كفاية ألف مثقال و إن لم تكن مسكوكة، إلا بناء على إجزاء ذلك عنها.

و كذا الكلام في الدراهم التي لا خلاف أجده في عددها للمعتبرة المستفيضة(2)نعم في خبري عبد الله بن سنان (3)و

عبيد بن زرارة(4)«أنها اثنا عشر ألف درهم»

إلا اني لم أجد عاملا بهما و عن الغنية و ظاهر المبسوط و السرائر و التحرير و غيرها الإجماع على خلافه، فينبغي حملهما على التقية، أو على ما ذكره

الشيخ (5)عن الحسين بن سعيد و أحمد بن محمد بن عيسى «أنه روى أصحابنا، أن ذلك من وزن ستة»

قال: و إذا كان كذلك فهو يرجع إلى عشرة آلاف.

و أما الألف شاة فلا خلاف أجده في عددها أيضا نصا و فتوى، بل عن الغنية و ظاهر الكتب السالفة الإجماع عليه كما لا خلاف أجده في إجزاء مسماها من غير فرق بين الذكر و الأنثى. نعم قد سمعت ما في النصوص السابقة من أن مكان كل جمل عشرين من فحولة الغنم، إلا اني لم أجد عاملا به بل عن الغنية الإجماع على خلافه، فالمتجه حمله على التقية.

و عن الشيخ حمله على أحد وجهين: الأول: أن الإبل تلزم أهل الإبل فمن امتنع من بذلها ألزمه الولي قيمتها و قد كانت قيمة كل جمل عشرين من فحولة الغنم، كما

قال الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (6)«و من الغنم قيمة


1- 1 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس.
2- 2 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 10.
5- 5 ذكره في التهذيب ج 10 ص 162.
6- 6 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 3.

ج 43، ص: 12

كل ناب من الإبل عشرون شاة.»

و الثاني: اختصاص ذلك بالعبد إذا قتل حرا كما في خبر زيد الشحام (1)عن الصادق عليه السلام.

و الأول لا يرجع إلى قول، و الثاني يمكن أن يكون ذكره جمعا و إلا فلا فرق في دية العمد بين كون القاتل حرا أو عبدا كما هو واضح.

و بذلك كله ظهر لك الدليل على الستة أجمع من النصوص و الفتاوى و معقد الإجماعات و إن لم تكن مجموعة جميعها في خبر واحد، بل ليس في شي ء منها التعرض لعدد الحلل إلا ما سمعته من صحيح عبد الرحمن (2)عن ابن أبي ليلى. و لكن ضم بعضها إلى بعض بعد حمل «الواو» في بعضها على «أو» بقرينة غيره من الأخبار و معاقد الإجماعات يقتضي ما ذكره الأصحاب.

فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في ذلك في غير محلها، و كأنه لم يحط بالنصوص و كلمات الأصحاب الظاهرة أيضا في أنها على التخيير الموافق للأصل- لا التنويع- كما هو المعروف بين الأصحاب، بل المجمع عليه من المتأخرين، بل عن صريح الغنية و ظاهر السرائر و المفاتيح الإجماع على ذلك،

فليس حينئذ للولي الامتناع من قبول أحدها مع بذله، و إن لم يكن الباذل من أهل المبذول.

نعم عن ظاهر المقنع و المقنعة و النهاية و الخلاف و المبسوط و المراسم و الوسيلة و القاضي أنها على التنويع، بل في كشف اللثام نسبته إلى عبارات كثير من الأصحاب، لما في عدة من الأخبار(3)من أن الإبل على أهلها و البقر على أهلها و هكذا، و لكن بقرينة غيرها من النصوص (4)و الفتاوى يمكن حملها على إرادة التسهيل على القاتل، كما أومى إليه ما سمعته من قول الباقر عليه السلام في صحيح ابن عتيبة(5)، و حينئذ تتفق النصوص جميعا، بل عدم تحرير هذا الخلاف


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
3- 3 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس.
4- 4 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث 8.

ج 43، ص: 13

ممن عادته ذلك، كابن إدريس و الفاضل في المختلف و غيره يشعر بعدم فهم الخلاف منهم في ذلك، و الأمر سهل إذ على تقديره واضح الضعف.

و على كل حال فهي تستأدى في سنة واحدة عندنا كما في كشف اللثام و محكي المبسوط و صحيح أبي ولاد(1)و حسنه(2) ، بل عن غير واحد نفي الخلاف فيه، بل عن الغنية الإجماع عليه، و هو كذلك على معنى عدم التأجيل زائدا على السنة كما تسمعه في غيرها، خلافا لأبي حنيفة فأجلها ثلاث سنين، بل لعله كذلك أيضا على معنى عدم وجوب المبادرة عليه إلى أدائها قبل تمام السنة، و إن حكى عن الشيخ في الخلاف حلولها مدعيا عليه إجماع الفرقة و أخبارها، إلا أنا لم نجد من وافقه عليه و لا خبرا صريحا يقتضيه، بل ظاهر الصحيح المزبور و معقد صريح الإجماع و ظاهره و نفي الخلاف، خلافه، و به يخرج عما يقتضي الحلول من إطلاق النصوص، نعم لا يجوز له تأخيرها عنها إلا مع التراضي بعقد صلح أو غيره.

و مبدء السنة مع إطلاق ثبوتها من حين التراضي لا من حين الجناية، و إن قيل إنه مقتضي قول أبي على بالتخيير، لكنك عرفت ضعفه في محله.

و كيف كان فهي حيث تجب ابتداء كما في قتل الوالد الولد و نحوه من مال الجاني لا العاقلة و لا بيت المال مع التراضي بالدية على الإطلاق بلا خلاف، كما عن الخلاف و الغنية الاعتراف به، بل ظاهرها كونه بين المسلمين كما أن ظاهر المحكي عن المبسوط الإجماع عليه عندنا، مؤيدا بشهادة التتبع له، مضافا إلى ما

في الخبرين (3)«لا يضمن العاقلة عمدا و لا إقرارا و لا صلحا»

و في المضمر(4)«فإن لم يكن له مال يؤدى سأل المسلمين حتى يؤدي ديته


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات النفس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات النفس الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب العاقلة الحديث 1 و 2.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب القصاص في النفس الحديث 5.

ج 43، ص: 14

على أهله»

على أن ضمان العاقلة على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن الذي هو الخطاء المحض.

و قيد التراضي في العبارة و غيرها محمول على صورة الإطلاق و إلا ففي غيرها على حسب ما يقع من الصلح مقدارا و أجلا و مستحقا عليه و غير ذلك مما هو جائز بعد التراضي عليه منهما، كما أنه في صورة وجوبها ابتداء في قتل الوالد الولد و العاقل المجنون و فوات المحل لا اعتبار بالتراضي، و بذلك و نحوه صح تقديرها بما عرفت، و إن كان المختار أن الواجب في العمد القصاص كما هو واضح، و الله العالم.

و هي أي دية العمد مغلظة بالنسبة إلى دية شبه العمد و الخطأ، و إن اتحدت معها في مقدار السنة في السن في الإبل و الاستيفاء إذ قد عرفت اعتبار كونها مسانا فيها و تستأدى في سنة واحدة دونهما كما ستعرف و له أن يبذل من إبل البلد أو من غيرها و أن يعطى من إبله أو إبل أدون أو أعلى إذا لم تكن مراضا لا تندرج في إطلاق الأدلة و كانت بالصفة المشترطة التي هي كونها مسنة بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن المبسوط من عدم إجزاء ما يشتريها إن كانت دون إبله، قال: «و هكذا لو طلب الولي غير إبله و هي أعلى من إبله لم يكن له» و لم أجد من وافقه عليه، بل و لا ما يصلح دليلا له يخرج به عن الأصل، و إطلاق الأدلة و

معاقد الإجماعات الصريحة و الظاهرة التي مقتضاها الاجتزاء بأي فرد منها كغيرها من أفراد الخمسة. و ما في الوسيلة «من اعتبار كونها سمانا جاعلا له من التغليظ فيها» لا أعرف له دليلا.

و هل يتعين على الولي أن يقبل القيمة السوقية عن الأصناف لو بذلها الجاني مع وجود الإبل مثلا فيه تردد من أنها واجبة أصالة فلا ينتقل إلى القيمة إلا بالتراضي، و من قيام القيمة مقامها، و الأشبه (11) بأصول المذهب و قواعده أنه لا (12) يتعين عليه القبول كما صرح به الفاضل و ولده و ثاني الشهيدين و أبو العباس و غيرهم على ما حكى عن بعضهم للأصل بعد

ج 43، ص: 15

ظهور الأدلة في وجوب أعيانها، كما لا يجب على الجاني ذلك لو اقترحها الولي نعم ربما احتمل وجوب القبول مع فقد القاتل لها لما عرفت مع أصالة البراءة، و هو أيضا ضعيف، ضرورة الانتقال حينئذ إلى غيرها من أفراد الميسورة له.

فما عن المبسوط- من أن «الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان من أهل الإبل و بذل القيمة قيمة مثله كان له ذلك، و إن قلنا ليس له ذلك كان أحوط. فأما إن كان من أهلها فطلب الولي القيمة لم يكن له ذلك»- واضح الضعف بعد ما عرفت من أن مقتضي المذهب وجوبها أجمع على التخيير، من غير فرق بين أهل الإبل و غيرهم، و على تقديره فلا دليل على إجزاء القيمة حتى مع التعذر، و الله العالم.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا من النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات الصريحة و الظاهرة على التخيير المزبور أن هذه الستة مقادير أصول في نفسها و ليس بعضها بدلا عن آخر فلا يعتبر التساوي في القيمة و لا التراضي و لا بعضها مشروطا بعدم بعض و حينئذ ف الجاني مخير في بذل أيها شاء كما صرح بذلك كله غير واحد، بل في ظاهر كشف اللثام و محكي المبسوط الإجماع عليه.

نعم قد سمعت ما في خبري معاوية بن وهب(1) ، و

الشحام (2)و غيرهما من أنه «إن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم»

بل في

خبر أبي بصير(3)«دية الرجل مائة من الإبل، فإن لم يكن فمن البقر بقيمة ذلك و إن لم يكن فألف كبش»

إلا أن ذلك مع احتماله التقية و رجحان غيره عليه من وجوه، ليس نصا في البدلية، لاحتمال أن يراد فإن لم تؤد الإبل فكذا، كما أنك سمعت الكلام فيها في

النصوص الأخر(4)من أن «الإبل على أهلها


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 12.
4- 4 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس.

ج 43، ص: 16

و البقر على أهلها و هكذا»

الذي عبر به واحد من قدماء الأصحاب و أن المراد منه التسهيل على القاتل لئلا يكلف تحصيل غيره.

و أما ما في

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق عليه السلام من قوله عليه السلام:

«قيمة كل بعير مائة و عشرون درهما أو عشرة دنانير، و من الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون شاة»

و صحيح ابن الحجاج (2)من قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«و قيمة الدنانير عشرة آلاف درهم»

فهو بيان للواقع في تلك الأزمان، أو إشارة إلى الحكمة في شروع التقادير أول مرة.

و لكن عن القاضي: «فدية العمد المحض إذا كان القاتل من أصحاب الذهب ألف دينار جياد، و إن كان من

أصحاب الفضة فعشرة آلاف درهم جياد، و إن كان من أصحاب الإبل فمائة مسنة، قيمة كل واحد منها عشرة دنانير، أو مأتا مسنة من البقر إن كان من أصحاب البقر، قيمة كل واحدة منها خمسة دنانير، أو ألف شاة إن كان من أصحاب الغنم، قيمة كل واحدة منها دينار واحد، أو مأتا حلة إن كان من أصحاب الحلل، قيمة كل حلة خمسة دنانير» و ظاهره اعتبار التساوي في القيم، إلا أن النصوص عدا ما سمعت و الفتاوى و معقد الإجماع المحكي صريحه و ظاهره على خلافه، بل إن كان الضابط اعتبار القيمة فلا مشاحة في العدد مع حفظ قدر القيمة و هي عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، ضرورة كون المدار عليها لا عليه، و هو مما يمكن القطع بعدمه. و من هنا يتجه حمله على إرادة بيان الحكمة في شرعها ابتداء و إلا كان واضح الفساد.

بل الظاهر عدم إجزاء التلفيق منها كما عن جماعة التصريح به ضرورة خروج الملفق عن اسم كل واحد منها، لكن في القواعد الإشكال فيه، مما عرفت، و من ثبوت الاختيار في كل جزء فيثبت في الكل، إذ لا فارق بين افتراقها


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

ج 43، ص: 17

و اجتماعها، و لكن الأخير كما ترى واضح المنع، لظهور كون التخيير بين المجموع كخصال الكفارة لا الملفق من الستة فما دون، و الله العالم.

هذا كله في دية العمد بغير الصلح الذي هو على حسب ما يقع عليه. و أما دية شبيه العمد فهي أيضا الأصناف الستة، كدية الخطاء كما صرح به غير واحد من غير نقل خلاف فيه، بل قيل قد يظهر من السرائر الإجماع، و لعله لفحوى الاجتزاء بها في العمد، إذ لا ريب في أولوية غيره منه بالاجتزاء بذلك، و لكون موضوع التخيير في جملة من النصوص الدية من غير تقييد بأحد الثلاثة.

قال الصادق عليه السلام في خبر زرارة(1): «الدية ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم، أو مائة من الإبل».

و في

مرسل يونس (2)«قالوا الدية عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار، أو مائة من الإبل».

و قد سمعت ما في صحيح عبد الرحمن (3)المشتمل على قضية ابن أبي ليلى و صحيح جميل (4)و غيرهما.

و في

خبر أبي بصير(5)قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «دية الخطاء إذا لم يرد الرجل القتل، مائة من الإبل أو عشرة آلاف من الورق، أو ألف من الشياة» و قال:

«دية المغلظة التي تشبه العمد و ليس بعمد أفضل من دية الخطاء بأسنان الإبل»

ثلاث و ثلاثون حقة و ثلاث و ثلاثون جذعة و أربع و ثلاثون ثنية كلها طروقة


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 10، و فيه و في التهذيب ج 10 ص 160 عبيد الله بن زرارة عن أبى عبد الله.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث 4.

ج 43، ص: 18

الفحل»(1).

قال: و سألته (2)عن الدية، فقال: «دية المسلم عشرة آلاف من الفضة أو ألف مثقال من الذهب أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا و من الإبل مائة على أسنانها، و من البقر مائتان».

و هو ظاهر في الاتحاد في مقدار الدية و أن الاختلاف إنما هو في مقادير الأسنان في الإبل، و بالجملة فالأمر مفروغ منه.

و أما

قول أحدهما عليهما السلام في صحيح محمد و زرارة و غيرهما(3)في الدية، قال: «هي مائة من الإبل و ليس فيها دنانير و لا دراهم و لا غير ذلك، قال ابن أبي عمير: فقلت لجميل: هل للإبل أسنان معروفة؟ فقال: نعم ثلاث و ثلاثون حقة و ثلاث و ثلاثون جذعة و أربع و ثلاثون ثنية إلى بازل عامها، كلها خلفة إلى

بازل عامها، قال: روى ذلك بعض أصحابنا عنهما، و زاد علي بن حديد في حديثه: إن ذلك في الخطأ»

فالمراد منه عدم زيادة دراهم أو دنانير على الإبل، لأن الدية لا تكون دراهم و لا دنانير.

و على كل حال فقد عرفت أن الإبل في دية العمد المسان، و أما فيها ففي القواعد و التبصرة و اللمعة و النافع و الروضة «أنها ثلاث و ثلاثون بنت لبون، و ثلاث و ثلاثون حقة، و أربع و ثلاثون ثنية طروقة الفحل». بل ربما نسب إلى النهاية و إن كنا لم نتحققه، و إنما المحكي عنها و عن الخلاف و الوسيلة و المهذب أن


1- 1 هنا تمت رواية أبي بصير و قد جعل الشارح جملا منها من المتن.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث السابع، و هذا سنده« محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن على بن حديد و ابن أبى عمير جميعا، عن جميل بن دراج، عن محمد بن مسلم و زرارة و غيرهما عن أحدهما.».

ج 43، ص: 19

الأربع و الثلاثين خلفة أى حامل كما هو المشهور و التي يتبعها ولدها كما عن المبسوط، و لا ريب في أنها غير الثنية التي هي طروقة الفحل، بمعنى البالغة ضرب الفحل، و احتمال إرادة ما طرقها الفحل فحملت، بقرينة أن الحقة ما بلغت أن يضربها الفحل، فيتوافق الجميع كما ترى.

و على كل حال لم نظفر له بمستند مما وصل إلينا من النصوص، و إن نسبه في محكي الخلاف إلى إجماع الفرقة و أخبارها، و في النافع «أنه أشهر الروايتين» و في المفاتيح «أنه المشهور و به روايتان» بل في المسالك و الروضة «أن به رواية أبي بصير و العلاء بن الفضيل، لكن لم نقف على شي ء من ذلك، كما اعترف به الآبي و أبو العباس و الأصبهاني و المقدس الأردبيلي و فاضل الرياض و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، و الموجود في

خبر أبي بصير(1)«ثلاث و ثلاثون حقة و ثلاث و ثلاثون جذعة و أربع و ثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل»

كما عن المقنعة و المراسم و الغنية و الإصباح، و الجذعة هي التي دخلت في الخامسة، و بنت اللبون هي التي كمل بها سنتان و دخلت في الثالثة، فلا يمكن إرادتها من الجذعة، و كذا في

خبر العلاء بن الفضيل(2)، إلا أن في آخره: «و أربع و ثلاثون ثنية كلها خلفة طروقة الفحل» كذا عن الكافي و الاستبصار و الفقيه، و في التهذيب، «أربع و ثلاثون خلفة كلها طروقة الفحل».

و في كشف اللثام (3)«و قوله: «كلها طروقة الفحل» أو «كلها خلفة طروقة


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث 13 و الكافي ج 7 ص 282 و الاستبصار ج 4 ص 258 و في التهذيب ج 10 ص 247 أيضا هكذا:« أربع و ثلاثون ثنية كلها خلفة طروقة الفحل» و لكن في ج 10 ص 158 منه هكذا:« و أربع و ثلاثون خلفة كلها طروقة الفحل» و لم نجده في الفقيه مسندا الى العلاء، نعم في كلام من الصدوق هكذا:« و في شبه العمد المغلظة. و ثلاث و ثلاثون ثنية خلفة طروقة الفحل» الفقيه ج 4 ص 108.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 315.

ج 43، ص: 20

الفحل» يحتمل أن يراد به كل من الأربع و الثلاثين و أن يراد كل منهما و مما قبلها، و لعله المتعين فيما في التهذيب. و ظاهر طروقة الفحل فيه المعنى المعروف من بلوغها ذلك لا الحمل، و في النهاية و الغنية و الإصباح، أنه روى ثلاثون بنت مخاض، و ثلاثون بنت لبون، و أربعون خلفة، قال في النهاية: كلها طروقة الفحل».

قلت: إلا أنه لم نجده فيما وصل إلينا من النصوص كما لم نجد عاملا به، بل خبر أبي بصير و العلاء غير جامعين لشرائط الحجية، و الفتوى بمضمونهما مشكل، بعد عدم الجابر، و إجماع الشيخ كأنه متبين الخلاف. و أشكل من ذلك القول الذي قد عرفت أنه لا دليل عليه من النصوص التي وصلت إلينا، و دليل مثل ذلك منحصر فيها، ضرورة عدم صلاحية غيره.

و حينئذ فالمتجه العمل بما في رواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام التي رواها المحمدون الثلاثة(1)صحيحا في بعض الطرق من أنها ثلاثون بنت لبون، و ثلاثون حقة، و أربعون خلفة و هي الحامل وفاقا للمحكي عن أبي علي و المقنع و الجامع و المقتصر و ظاهر الغنية و التحرير، بل قيل إنه عمل بها في المبسوط أيضا، غير أنه أثبت مكان ثلاثون بنت لبون، ثلاثون جذعة، و إن كان ذلك كافيا في الخلاف و الخروج عن الصحيح المزبور المتعين للعمل، كما جزم به في المسالك و غيرها، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف معتد به في أنه يضمن هذه الدية الجاني دون العاقلة بل عن الخلاف و التحرير و ظاهر المبسوط و السرائر أو صريحها الإجماع عليه للأصل و غيره، فما عن الحلبي من أنها على العاقلة واضح الفساد.

نعم إن لم يكن عنده مال فعن النهاية و المهذب و الغنية، بل في الأخير الإجماع عليه، «استسعى أو أمهل إلى السنة و إن مات أو هرب أخذ بها أولى الناس به،


1- 1 الفقيه ج 4 ص 105 و الكافي ج 7 ص 281 و التهذيب ج 10 ص 159 و الاستبصار ج 4 ص 259.

ج 43، ص: 21

و إن لم يكن له أحد أخذت من بيت المال» مع أنه لا يخلو من منع خصوصا بالنسبة إلى أخذ أولى الناس به بها، و لذا أنكرهما ابن إدريس، بل قال: «إنه خلاف الإجماع، فإنه لا ضمان عليهما في الخطأ المحض» و هو كذلك للأصل و غيره، اللهم إلا أن يقال باستفادته مما سمعته في المضمر السابق (1)الوارد في العمد، بناء على أولوية المفروض منه، مؤيدا بعدم بطلان دم المسلم و غيره مما يفهم منه الرجوع في مثله إلى بيت المال، مع معارضة إجماع ابن إدريس بإجماع ابن زهرة، و لعله لذا لم يستبعده في الرياض.

لكن ذلك كله محل بحث، خصوصا بعد عدم ظهور الخبر المزبور في بيت المال، و إنما هو سأل من المسلمين ليؤدى هو ديته كما هو المتعارف في زماننا.

نعم قد سمعت سابقا

خبر أبي بصير(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل، فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله و إلا فمن الأقرب فالأقرب. فإنه لا يبطل (يطل) دم امرؤ مسلم»

و نحوه

خبر أبي بصير(3)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل قتل رجلا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه و إلا أخذ من الأقرب فالأقرب»

و لعله تأتي للمسألة تتمة إن شاء الله في آخر الكتاب، و الله الموفق.

و كيف كان فقد قال المفيد ره تستأدى في سنتين فهي إذن مخففة عن العمد في السن في الإبل خاصة كما عرفت و في الاستيفاء كما هو المحكي عن المبسوط و المراسم و الغنية و السرائر و التقي و الفاضل في جملة من كتبه و الشهيد و أبي العباس و غيرهم. بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، بل ظاهر المبسوط الإجماع عليه، بل في الغنية نفي الخلاف فيه، مؤيدا بأنه المناسب لكون شبيه العمد


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب القصاص في النفس الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب العاقلة، الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب العاقلة، الحديث 3.

ج 43، ص: 22

الذي قد عرفت أنها فيه سنة و الخطأ الذي ستعرف إن شاء الله أنها فيه ثلاث سنين.

و أما احتمال أنها أقل من سنة فمقطوع بعدمه، و لو بملاحظة أغلظية العمد منه، كما أنها لا تزيد على الثلاثة قطعا لمعلومية سهولة الخطاء بالنسبة إليه، فهي ما بين السنة إلى الثلاث، و ربما يشهد للثاني، ما في خبر أبي بصير(1)السابق الظاهر في اختصاص غلظتها بالنسبة إلى الخطأ بأسنان الإبل دون غيرها.

و لكن الشهرة المزبورة المعتضدة بنفي الخلاف و ظهور الإجماع المزبور عينته في السنين و لا بأس به، و أما ما عن ابن حمزة من أنها تؤدي في سنة إن كان موسرا، و إلا في سنتين، فلم نعرف له موافقا و لا دليلا، و الله العالم.

و لو اختلف (2)أي الولي و من عليه الدية في الحوامل بناء على المختار، أو حيث نعتبر حوامل (ملا) رجع إلى أهل المعرفة و الأولى اعتبار العدالة و التعدد، و لو تبين الغلط بعد ذلك لزم الاستدراك لظهور عدم وصول الحق، و كذا أيضا لو أزلقت بعد الإحضار قبل التسليم لزم الإبدال و هو واضح.

نعم لو كان الإزلاق بعد القبض لا يلزم الإبدال، لأن الواجب إقباض الحوامل و قد حصل، لا الولادة.

و لو اختلف الولي و الدافع بعد القبض، فقال: لم تكن حوامل و قد أضمت أجوافها، فقال الغريم: بل ولدت عندك، فعن التحرير «إن قبضها بقول أهل الخبرة فالقول قول الغريم، عملا بظاهر إصابتهم، و إن قبضها بغير قولهم، فالقول قول الولي عملا بأصل عدم الحمل».

و فيه أن المتجه العمل بالأخير على كل حال لعدم ثبوت حجية الظاهر المزبور.

هذا كله في أسنان الإبل، أما غيرها فهي متساوية في دية العمد و الخطأ، لكن


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث 4.
2- 2 كذا في الشرائع و لكن في الأصل« و لو اختلفا».

ج 43، ص: 23

قد سمعت ما في

خبر أبي بصير(1)عن الصادق عليه السلام: «أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا و من الإبل مائة على أسنانها»

إلا أني لم أجد عاملا به، فيمكن حمله على إرادة أي شي ء كان. و ربما احتمل رجوع ضمير أسنانها إلى الإبل، أي الألف من الشاة يوافق أسنان الإبل أثلاثا في القيمة غالبا. و فيما حضرني من نسخة للتهذيب معتبرة: «أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا من الإبل قيمة على أسنانها» و الظاهر أنه تصحيف و إلا فالموجود في أكثر النسخ «مائة على أسنانها» و على كل حال فهو غير واضح الوجه.

و أما دية الخطاء المحض فالأكثر كما في كشف اللثام، و عن غيره، بل المشهور، بل عليه عامة المتأخرين، على أنها عشرون بنت مخاض و عشرون ابن لبون و ثلاثون بنت لبون و ثلاثون حقة

لخبر عبد الله بن سنان (2)الذي رواه المحمدون الثلاثة صحيحا في بعض الطرق عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام الذي تقدم بعضه في دية شبيه العمد، قال: «و الخطأ يكون فيه ثلاثون حقة، و ثلاثون ابنة لبون، و عشرون بنت مخاض، و عشرون ابن لبون ذكر».

و لكن في رواية

العلاء بن الفضيل عنه عليه السلام التي في طريقها العبيدي عن يونس عن محمد بن سنان (3)خمس و عشرون بنت مخاض، و خمس و عشرون بنت لبون، و خمس و عشرون حقة، و خمس و عشرون جذعة

إلا أنا لم نجد عاملا بها عدا ما يحكى عن ابن حمزة، نعم عن الخلاف إجماع الفرقة على العمل بالروايتين، و إن كنا لم نتحققه بالنسبة إلى هذه الرواية، فهو

حينئذ شاذ قاصر عن إثبات التخيير به بينه و بين ما في الصحيح السابق من وجوه.

و أما ما عن المبسوط و السرائر- عشرون بنت مخاض، و عشرون ابن لبون


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات النفس الحديث الثاني و التهذيب ج 10 ص 158 و فيه« و من الإبل مائة فإنها على أسنانها».
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
3- 3 التهذيب ج 10 ص 158.

ج 43، ص: 24

و عشرون بنت لبون، و عشرون حقة، و عشرون جذعة- فلم نجد له شاهدا فيما وصل إلينا من النصوص.

كما لم نجد عاملا بما سمعته في ذيل صحيح زرارة و محمد بن مسلم، من خبر علي ابن حديد(1)في الخطأ، فتعين العمل حينئذ بما سمعته من المشهور هنا، و إن أعرضوا عن الصحيح المزبور في دية العمد، و الله العالم.

و تستأدى دية الخطاء في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها بلا خلاف أجده فيه بل عن المهذب و غيره الإجماع عليه بل عن الخلاف «اتفاقا منا بل من الأمة، و خلاف ربيعة لا يعتد به»(2)و عن الغنية «بلا خلاف إلا من ربيعة فإنه قال في خمس» و

قال الصادق عليه السلام في صحيح أبي ولاد،(3)«كان علي عليه السلام يقول:

تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين و تستأدى دية العمد في سنة»

فالحكم حينئذ مفروغ منه سواء كانت الدية تامة كدية المسلم الحر أو ناقصة كدية المرأة و غيرها مما ستعرف إن شاء الله، لصدق الدية على الجميع، بل في المتن و القواعد و محكي المبسوط و المهذب أو دية طرف بل في كشف اللثام «لعموم الدليل و الفتاوى»، قلت: و لكن حكي عن الفاضل الخلاف فيه و لعله لأصالة الحلول بعد دعوى انسياق الصحيح المزبور و غيره إلى دية النفس و إن كان فيه منع خصوصا بعد تصريح من عرفت و ظهور غيره، إلا أن الظاهر كون الأجل المزبور متمما لها فيلحقه التوزيع أيضا بتوزيعها.

و حينئذ فالطرف إن كانت ديته قدر الثلث أخذ في سنة واحدة في الخطأ و إن كان أزيد حل الثلث بانسلاخ الحلول، و حل الزائد عند انسلاخ الثاني إن كان ثلثا آخر

فما دون، و إن كان أكثر، حل الثلث عند انسلاخ الثاني و الزائد عند انسلاخ الثالث.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث 7.
2- 2 الخلاف ج 2 ص 400.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

ج 43، ص: 25

و إن تعدد الجاني و المجني عليه حل عند كل حول ثلث.

و إن قلع عينيه و قطع يديه و رجليه حل له ثلث لكل جناية.

و كذا الكلام في الطرف، لو قطع عمدا أو شبه عمد بالنسبة إلى أجلهما، نعم قد يقال بالحلول فيما ليس له مقدر من الجراح مع احتمال إلحاقه بالدية المقدرة بعد ملاحظة النسبة.

و أما الجناية على العبد فيحتمل أيضا جريان حكم الدية عليها و إن كانت هي قيمة، و يحتمل كونه كالأموال. و أما العكس فالظاهر الحلول فيما يتعلق منها برقبته، نعم لو أراد المولى فداءه أمكن ملاحظة التأجيل، و الله العالم.

و كيف كان فهي مخففة في السن في الإبل خاصة و في الصفة بالنسبة إلى شبه العمد فلا يعتبر في شي ء منها أن تكون خلفة كما صرح به في الوسيلة، إلا أن المصنف لم يعتبر فيها ذلك كما عرفت، و إنما ذكره رواية. و يمكن أن يكون ذلك بناء عليها كما ذكر مسألة الاختلاف في الاستيفاء بالنسبة إليهما معا.

و على كل حال ف هي على العاقلة بلا خلاف أجده بيننا بل و بين غيرنا فيه كما اعترف به بعضهم إلا من الأصم منهم الذي لا يعتد بخلافه، و كذا الخوارج، بل عن الخلاف دعوى إجماع الأمة عليه، قال: «و خلاف الأصم لا يعتد به»(1)كل ذلك مضافا إلى النصوص (2)التي إن لم تكن متواترة فلا ريب في القطع بذلك منها، و لا ترجع العاقلة بذلك على القاتل، لأنه لا يضمن الجاني منها شيئا للأصل و غيره، خلافا للمحكي عن المفيد و سلار، فحكما بالرجوع و لا نجد لهما دليلا، بل في السرائر إجماع الأمة على خلافهما، و إن أنكر عليه الفاضل في المختلف و ادعى أنه جهل منه في تخطئة الشيخ الأعظم الذي


1- 1 الخلاف ج 2 ص 400.
2- 2 راجع الوسائل أبواب العاقلة من كتاب الديات.

ج 43، ص: 26

هو الأصل في إفشاء المذهب و تقريره، لكن ذلك كما ترى لا يصلح دليلا، نعم يأتي إن شاء الله، إن العاقلة إذا فقدت أو كانوا فقراء كانت في مال القاتل كما نص عليه هنا في كشف اللثام.

و لو قتل في الشهر الحرام رجب و ذي القعدة و ذي الحجة و المحرم، ألزم دية و ثلثا من أي الأجناس كان تغليظا بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما صريحا فضلا عن الظاهر مستفيض أو متواتر، بل في المسالك «أن به نصوصا كثيرة»، و في محكي الخلاف نسبته إلى إجماع الفرقة و أخبارها، و إن كنا لم نعثر إلا على

خبر كليب الأسدي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقتل في الشهر الحرام ما ديته؟ قال: دية و ثلث»

و خبره الآخر(2)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من قتل في شهر حرام فعليه دية و ثلث»

الحديث، اللهم إلا أن يكون قرء(3)ما تسمعه من النصوص (4)الآتية «في الحرم» بلفظ الجمع على إرادة الأشهر الحرم، بل ربما كان ذلك عذرا للمصنف و غيره ممن أنكر وجود دليل على إلحاق الحرم بالشهر الحرام، فإنه من المستبعد عدم رؤيتهم للنصوص المزبورة مع وجودها في المجامع العظام، و على كل حال ففيهما الكفاية لإثبات مثله بعد ما عرفت، و الله العالم.

و هل يلزم مثل ذلك في حرم مكة زاده الله شرفا؟ ففي المتن قال الشيخان أي في المقنعة و المبسوط و الخلاف و النهاية على ما حكي عن بعضها:

نعم يلزم مثل ذلك، و ظاهره التوقف بل هو صريحة في النكت، قال: «و نحن نطالب الشيخين بدليل ذلك» و كذا النافع و تبعه على ذلك الفاضل في التحرير و أبو العباس و المقداد و الشهيدان و الكاشاني على ما حكي عن بعضهم، مع اعتراف أكثرهم


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 215.
3- 3 قرءا بالتثنية. ن ل.
4- 4 راجع الوسائل الباب- 3- من أبواب ديات النفس.

ج 43، ص: 27

بعدم النص عليه.

نعم قال الكركي في حاشية الكتاب بعد حكاية ذلك عن الشيخين و الاعتراف بعدم النص: «و كفى بهما متبعا» إلا أن ذلك كله في غير محله إذ هو- مع أنه مذهب بني حمزة و زهرة و إدريس و الفاضل في القواعد و الإرشاد و الشهيد في اللمعة أيضا، بل مذهب الأكثر كما في كشف اللثام، بل المشهور كما في مجمع البرهان، بل في ظاهر المحكي عن موضعين من المبسوط و السرائر و غاية المراد، و كذا الغنية، الإجماع عليه، بل في محكي الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارها- يدل عليه

صحيح زرارة(1)المروي في الكافي و الفقيه «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قتل رجلا في الحرم، قال: عليه دية و ثلث»

و خبره الآخر(2)المروي في التهذيب «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل قتل رجلا في الحرم، قال عليه: دية و ثلث».

فلا وجه حينئذ للتوقف في المسألة خصوصا بعد التأييد بالاشتراك في الحرمة و تغليظ قتل الصيد فيه، المناسب لتغليظ غيره، بعد الاعتضاد بما عرفت، سيما الأخبار المرسلة في الخلاف.

نعم قد عرفت احتمال قراءة الخبرين الحرم بلفظ الجمع على أن يكون صفة للأشهر الحرم، و قد حضرني نسخة من الكافي معتبرة جدا و قد أعرب فيها «الحرم» بضمتين. و ربما يؤكد ذلك تتمة الخبر المزبور «قال و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، و يعتق رقبة و يطعم ستين مسكينا، قال: قلت: يدخل في هذا شي ء؟

قال: و ما يدخل؟ قلت: العيدان و أيام التشريق، قال: يصومه فإنه حق لزمه» و من المعلوم أن ذلك كفارة القاتل في الشهر الحرام بناء على القول به لا الحرم،


1- 1 الكافي ج 4 ص 140 و الفقيه ج 4 ص 110 و لكن فيه عن أبي عبد الله عليه السلام، الوسائل الباب- 8- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 216، الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات النفس الحديث 3.

ج 43، ص: 28

و إن كان الخبر المزبور فيه إشكال بدخول العيدين مع أنه ليس إلا عيد واحد في الأشهر الحرم كما أوضح عنه

صحيح زرارة الآخر(1)«قال: سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام، قال: تغلظ عليه الدية و عليه عتق رقبة أو صيام شهرين من أشهر الحرم، قلت: فإنه يدخل في هذا شي ء؟ فقال: و ما هو؟ قلت:

يوم العيد و أيام التشريق، قال: يصومه فإنه حق لزمه»

و الله العالم.

نعم قال في كشف اللثام: «الظاهر اختصاص ذلك بالعمد كما تشعر به عبارة النهاية و تعليل الأصحاب بالانتهاك، و يدل عليه الأصل فيقتصر في خلافه على اليقين».

قلت: هو و إن كان صريح الوسيلة أيضا لكن المحكي عن صريح المبسوط و السرائر العموم، بل هو ظاهر الغنية، بل قيل هو ظاهر المقنعة و ما تأخر عنها، بل ظاهر السرائر و كذا المبسوط و الغنية الإجماع عليه. بل قيل: إن العموم اللغوي في بعض النصوص السابقة يقطع الأصل، و التعليل يدفعه التصريح و الإطلاق الذي هو كالتصريح بمعونة السياق، مع احتمال كونه لبعض الأفراد خصوصا بعد كون العنوان بمن قتل و نحوه، بل لعل القاتل خطأ منتهك أيضا و إن لم يكن آثما، و لذا وجبت عليه الكفارة، و لعله لذا مال في الرياض إليه، بل حكي فيه عن بعض متأخري المتأخرين ذلك، مدعيا عليه النص و الإجماع.

قلت: لعل مراده من النص ما سمعته في صحيح زرارة(2)المصرح فيه بالخطإ، و إلا فلا صراحة في غيره من النصوص، ضرورة ظهور ذكر كفارة العمد فيه، مضافا إلى ظهور «قتل» في قصد القتل الذي لا يشمل الخطأ كما في كل فعل جعل عنوانا للحكم الشرعي، و حينئذ فعموم «من» لا يجدي بعد ظهور مدخولها في ذلك، إذ هو على حسبه، فالأصل حينئذ بحاله.

نعم الظاهر عدم الاختصاص بقتل المسلم، لعموم النص و الفتوى و معاقد


1- 1 الكافي ج 4 ص 139، الوسائل الباب- 8- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث الأول.
2- 2 الكافي ج 4 ص 139، الوسائل الباب- 8- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث الأول.

ج 43، ص: 29

الإجماعات، و إن احتمله بعض الناس، و لا بقتل الكبير و العاقل و لا غيرهم، فتغلظ الدية بقتل الجميع، و إن لم يكن قصاص بقتل العاقل المجنون، و كذا لو قتل الوالد الولد، بل لا فرق أيضا بين سليم الأعضاء و مفقودها كما صرح به في القواعد و غيرها للعمومات، نعم قد سمعت خبر سورة بن كليب (1)عن الصادق عليه السلام في أقطع اليد إذا قتل فلاحظ و تأمل.

هذا و لا يبعد إلحاق المراقد المنورة بذلك في التغليظ كما هو محتمل النهاية، بل فهمه منها غير واحد، و إن أنكره ابن إدريس حاملا لعبارة الشيخ على غيره لعدم الدليل على ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع. لكن فيه أن من المعلوم كون التغليظ المزبور لانتهاك الحرمة التي هي فيها أشد في الحرم قطعا، و لذا حكي عن المقداد ذلك مستدلا له بالتنقيح، و أن المنقح له العقل و الأولوية العرفية، لأن مراقدهم أفضل من مكة، فيكون أفضل من الحرم. قلت: و هو كذلك كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد في ذلك (2)و خصوصا مرقد النبي صلى الله عليه و آله و مشهد أمير المؤمنين عليه السلام و الحائر.

و على كل حال فالزائد لولي المقتول كما هو الظاهر من إطلاق النص و الفتوى، بل هو كصريح الأخير، نحو قوله في الخبر الأول، و إن كان السبب في ذلك انتهاك حرمة الزمان و المكان.

و لو اجتمع سببا التغليظ فالوجه تعدد الثلث لقاعدة عدم التداخل القاطعة لأصل البراءة، خلافا لبعض، منهم الشهيد الثاني، ترجيحا لأصل البراءة عليها و هو في غير محله.

نعم ظاهر النص و الفتوى و غيرهما، أن الزيادة المزبورة حيث تؤخذ الدية دون ما إذا اقتص، فما عن ثاني الشهيدين من وجوبها معه أيضا للتغليظ غير


1- 1 يعني في كتاب القصاص راجع الوسائل الباب- 50- من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول.
2- 2 راجع الوسائل أبواب المزار.

ج 43، ص: 30

واضح الوجه.

كما أن ظاهر هما اختصاص ذلك في القتل، و لذا قال المصنف و لا نعرف (1)التغليظ في الأطراف لأنه لم يذكره أصحابنا كما عن المبسوط و السرائر، بل عن الأخير زيادة «دون قطع الأطراف عندنا» بل في المسالك «لا قائل به من أصحابنا» و لا في قتل الأقارب للأصل و عدم الدليل، و به صرح الفاضل و غيره.

نعم هو مناسب لمذاق العامة القائلين بالقياس و الاستحسان، كما يحكى عن بعضهم القول به فيها، كما عن آخر التغليظ للقرابة أيضا،(2)و في اشتراط المحرمية لهم وجهان، و عن الشافعي منهم اختصاص التغليظ بأسنان الإبل، و الجميع كما ترى.

[فرع لو رمي و هو في الحل إلى الحرم فقتل فيه لزمه التغليظ]

فرع:

لو رمي و هو في الحل بسهم مثلا إلى من هو في الحرم فقتل فيه لزمه التغليظ كما صرح به الفاضل و غيره لصدق القتل فيه و إن خرج السبب و هل يغلظ مع العكس فيه تردد من الأصل و عدم صدق القتل في الحرم، و من حصول سببه في الحرم فهو كمن قتل فيه، و لذا تلزم الكفارة من رمى فيه صيدا في الحل، بل هو المناسب للتغليظ في الحرم و خصوصا في الإنسان الذي هو أعظم حرمة من الصيد المحلل قتله بالأصل. و لكن لا ريب في أن الأقوى الأول بعد عدم هذه الاعتبارات في قطع الأصل الشرعي، بل قد يحتمل ذلك في


1- 1 في الشرائع: و لا يعرف.
2- 2 قال في بداية المجتهد ج 2 ص 455:« و اختلفوا في تغليظ الدية في الشهر الحرام و البلد الحرام. و قال الشافعي: تغلظ فيهما في النفس و في الجراح. و كذلك عند الشافعي من قتل ذا رحم محرم.».

ج 43، ص: 31

الأول أيضا، و إن كان ظاهر المصنف و الفاضل و غيرهما اختصاص التردد في الثاني، لإمكان دعوى انسياق الظرفية من النص، و الله العالم.

و لا يقتص من الملتجئ إلى الحرم فيه بعد أن قتل خارجه ثم استجار به و لكن يضيق عليه في المطعم و المشرب حتى يخرج منه بلا خلاف أجده في أصل

الحكم كما اعترف به في المسالك، بل في التنقيح و محكي الخلاف و ظاهر المبسوط الإجماع عليه، لعموم آيات الأمن (1)و لفحوى

قول الصادق عليه السلام في صحيح هشام (2)«في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال: لا يقام عليه الحد و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلم و لا يبايع، فإذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد، و إن جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد فإنه لم ير للحرم حرمة»

و لو للإجماع المزبور على عدم الفرق بين الحد و القصاص.

و منه يعلم الوجه فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لو جنى في الحرم اقتص منه فيه لانتهاكه الحرمة بل لا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض، فيبقى حينئذ عموم أدلة القصاص و الحدود بحالها سليمة عن المعارض.

و هل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم السلام فضلا عن النبي صلى الله عليه و آله قال به في المقنعة و المهذب و النهاية و السرائر و حدود التحرير و غيرها، و استحسنه المصنف في النكت، و لعله لمعلومية زيادة شرفها على الحرم. و لذا قال في التنقيح بعد أن حكي عن الشيخين ذلك: «و هو قريب أما أولا فلما

ورد عنهم عليهم السلام «أن بيوتنا مساجد»(3)،

و أما ثانيا فلما تواتر من رفع العذاب الأخروي عمن


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 97 و غيرها.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامة الحديث الأول.
3- 3 راجع الوسائل الباب- 16- من أبواب الجنابة.

ج 43، ص: 32

يدفن بها(1)و العذاب الدنيوي أولى، و أما ثالثا فلأن ذلك مناسب لوجوب تعظيمها و استحباب المجاورة بها و القصد إليها»(2)بل عن ظاهر التحرير أن المشهد البلد، فضلا عن الصحن الشريف و الروضة المنورة، بل لا يخفى على من أحاط خبرا بما ورد(3)في الحائر و حرمه و أنه أربعة فراسخ بل أزيد و

غير ذلك مما جاء في قبر النبي صلى الله عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام و غيره من الأئمة عليهم السلام زيادة تعظيمها، و لكن مع ذلك قد تشعر عبارة المصنف بل صريح غيره بالتوقف بل المنع، و هو لا يخلو من جرأة، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال نصا و فتوى في أن دية المرأة الحرة المسلمة صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، سليمة الأعضاء أو غير سليمتها، على النصف من جميع الأجناس المذكورة في العمد و شبهه و الخطأ، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص (4)، بل هو كذلك من المسلمين كافة إلا من ابن عليه و الأصم، فقالا هي كالرجل، و قد سبقهما الإجماع و لحقهما، بل لم يعتد بخلافهما من حكي إجماع الأمة غير مشير إليهما، و لا بأس به. و حينئذ فمن الإبل خمسون، و من الدينار خمسمائة و هكذا كما هو واضح.

و كذا الجراحات و الأطراف منها على النصف من الرجل ما لم تقصر ديتها عن ثلث دية الرجل، فإن قصرت دية الجناية جراحة أو طرفا عن الثلث تساويا قصاصا


1- 1 راجع الوسائل الباب- 13- من أبواب الدفن و مستدرك الوسائل ج 1 ص 121.
2- 2 التنقيح للفاضل المقداد، كتاب القصاص ص 815 من نسخة مخطوطة منه عندنا.
3- 3 راجع الوسائل أبواب المزار و كامل الزيارات.
4- 4 راجع الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات النفس.

ج 43، ص: 33

و دية كما مر الكلام فيه مفصلا.

و لا تلحق بها الخنثى المشكل في ذلك، للأصل و غيره، و إن احتمل، و ديتها ثلاثة أرباع دية الرجل على ما صرح به بعضهم.

و جميع فرق الإسلام المحقة و المبطلة متساوية في الدية، و إن لم تكن غير الملحقة منهم كفارا في الآخرة(1)إجزاء لهم مجري المسلمين كاجراء حكم الإسلام على المنافقين استدراجا لهم و مصلحة للمؤمنين ما لم يجحدوا ما هو معلوم الثبوت من دين النبي صلى الله عليه و آله كالغلاة و النواصب و من أنكر ما اعترف بثبوته في دينه صلى الله عليه و آله، فإنهم كفار، كل ذلك لعموم الأدلة، بل في كشف اللثام الاتفاق على التساوي في الدية، و إن كان قد يشكل بأن

المتجه سقوطها على القول بكفرهم في الدنيا حتى دية الذمي ضرورة عدم كونهم منهم، و الله العالم.

و دية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام دية المسلم بلا خلاف أجده بين من تأخر عن المصنف، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر على الإطلاق، و آخر إلى المشهور، و ثالث إلى جمهور الأصحاب، لثبوت إسلامه بإظهاره الإسلام الذي من ضرورة المذهب، بل الدين، وجوب قبوله ممن يحصل منه ما لم يعلم خلافه، فيندرج حينئذ بذلك في المسلمين و المؤمنين في الديات و غيرها إلا ما ثبت خروجه من أحكامهم.

نعم إذا لم يصف الإسلام أو كان غير بالغ و لم يسبه مسلم أو لم نقل بتبعيته له فيه، يتجه عدم الدية له، للأصل بعد عدم الإسلام فعلا و لا شرعا حتى دية الذمي، ضرورة عدم كونه منه.

و دعوى- كونه بحكم المسلم ل

قوله عليه السلام: «كل مولود يولد على


1- 1 قال في كشف اللثام:« و جميع فرق الإسلام المحقة و المبطلة متساوية في الدية اتفاقا و ان لم يكن غير المحقة منهم كفارا في الحقيقة. فإنهم كفار.». أقول: الظاهر زيادة الواو في قوله و قول شارحنا:« و ان لم يكن» فراجع.

ج 43، ص: 34

الفطرة»(1)

كما في كشف اللثام- يدفعها عدم ثبوت العمل به على الوجه المزبور من الأصحاب و إلا لاقتضى إسلام ولد الزنا من الكافرين، و هو معلوم العدم، و لا يبعد كون المراد أنه خلق على اختيار الإسلام لو ترك و نفسه، لا أن المراد أنه مسلم فعلا، بل يمكن دعوى القطع بذلك خصوصا بعد ملاحظة قوله «حتى» و غيره.

كدعوى ثبوت الدية المزبورة لكل نفس ما لم تكن كافرة، ضرورة اتفاق النص و الفتوى على أنها دية المسلم، و لعله لذا قيد المصنف و غيره بما إذا أظهر

الإسلام و لعل من أطلق يريد ذلك أيضا، و من هنا يظهر لك النظر فيما في كشف اللثام من «أنه لا فرق على القولين أي قول المشهور و قول المرتضى بين البالغ منه و غيره، فان الطفل لا يتبع والده إلا أن يسبيه مسلم و قلنا بتبعيته له. و على المختار الوجه أيضا ذلك فإنه و إن لم يتبع أحدا إلا أن كل مولود يولد على الفطرة» و إن وافقه عليه بعض من تأخر عنه.

بل و ما في المحكي من حواشي الشهيد «من أن المنقول أنه إن أظهر الإسلام فديته دية مسلم و إلا فدية ذمي، قال: و هو جمع بين القولين» و أشار إليه المصنف بقوله: «إن أظهر الإسلام»، و الله العالم.

و كيف كان فقد قيل و القائل الصدوق و المرتضى ديته دية الذمي ثمانمائة درهم.

بل قال السيد: «و الحجة بعد الإجماع المتردد، أنا قد بينا أن مذهب الطائفة أن ولد الزنا لا يكون قط طاهرا و لا مؤمنا بإيثاره و اختياره و إن أظهر الإيمان و هم على ذلك قاطعون و به عاملون، فإذا كانت هذه صورته عندهم فيجب


1- 1 قال في سفينة البحار ج 2 ص 373: «قال النبي صلى الله عليه و آله: كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه و ينصرانه» و لكن في الوسائل ج 11 ص 96 هكذا: «عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال: ما من مولود يولد الا على الفطرة فأبواه اللذان يهودانه و ينصرانه و يمجسانه.» .

ج 43، ص: 35

أن تكون ديته دية الكفار من أهل الذمة للحوقه في الباطن بهم. قال: فان قيل:

كيف يجوز أن يقطع على مكلف أنه من أهل النار و في ذلك منافاة للتكليف، و ولد الزنا إذا علم أنه مخلوق من نطفة الزاني فقد قطع على أنه من أهل النار، فكيف يصح تكليفه؟ قلنا: لا سبيل لأحد في القطع على أنه مخلوق من نطفة الزنا لأنه يجوز أن يكون هناك عقد، أو شبهة عقد، أو أمر يخرج به عن أن يكون زانيا فلا يقطع أحد على أنه على الحقيقة ولد زنا، فأما غيره فإنه إذا علم أن أمه وقع عليها هذا الوطي (1)من غير عقد و لا ملك يمين و لا شبهة فالظاهر في الولد أنه ولد الزنا و الدية معمول فيها على ظاهر الأمور دون باطنها»(2).

و قال ابن إدريس: «و لم أجد لباقي أصحابنا فيه قولا فأحكيه، و الذي تقتضيه الأدلة التوقف في ذلك، و أن لا دية له لأن الأصل برأيه الذمة»(3).

قلت: و هو كذلك على ما اعترف به غيره عدا ما سمعته من الصدوق، و منه يعلم حينئذ ما في إجماع السيد المزبور بعد الإغضاء عما ذكره من تفريع وجوب دية الذمي على كونه كافرا، ضرورة عدم اقتضاء ذلك كونه ذميا كما اعترف به ابن إدريس و غيره، بل و بعد الإغضاء عما في جوابه عما سأله به نفسه، فإنه لا يرجع إلى حاصل، فتأمل.

نعم قد يستدل له ب

مرسل جعفر بن بشير(4)«قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دية ولد الزنا قال ثمانمائة درهم مثل دية اليهودي و النصراني و المجوسي»

و مرسل


1- 1 الواطى ن ل.
2- 2 الانتصار، كتاب الحدود و الديات و ما يتصل بذلك.
3- 3 السرائر كتاب الحدود ص 8 قال فيه:« و دية ولد الزنا مثل دية اليهودي على ما ذهب اليه السيد المرتضى رضى الله عنه و لم أجد لباقي.» فما في بعض النسخ« و لم أجد لنا في.» تصحيف.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب ديات النفس الحديث 2.

ج 43، ص: 36

عبد الرحمن بن عبد الحميد(1)«قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: دية ولد الزنا دية اليهودي ثمانمائة درهم»

و خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن جعفر عليه السلام (2)«قال: قال: دية ولد الزنا دية الذمي ثمانمائة درهم».

مؤيدة بما ورد من

النصوص (3)في المنع من غسالة الحمام، معللة «بأنه يغتسل فيه اليهودي و النصراني و ولد الزنا»

حيث ساقه مساق أهل النار.

إلا أنها جميعها ضعيفة، كما أشار إليه المصنف بقوله و في مستند ذلك ضعف و لا جابر لها بعد تبين حال الإجماع المحكي بما عرفت، كي تصلح للخروج بها عما دل على دية المسلم، بناء على إسلامه بما يظهره. و التأييد بما في النصوص المزبورة مبنى على كفره و إن أظهر الإسلام، و هو ممنوع.

و أطرف شي ء ما في الرياض، من أن «قول السيد ليس بذلك البعيد للأصل مع عدم معلومية دخول ولد الزنا في إطلاق أخبار الديات، حتى ما ذكر فيه لفظ المؤمن و المسلم، لإطلاقهما الغير المعلوم الانصراف إلى نحوه من حيث عدم تبادره منه مع انسياق سياقه إلى بيان مقدار الديات و غيره مما لا يتعلق بما نحن فيه فيصير بالنسبة إليه كالمجمل الذي لا يمكن التمسك به، و كذا شمول ما دل على جريان أحكام الإسلام على مظهره لنحو ما نحن فيه ليس بمقطوع به، فلا يخرج عن مقتضى الأصل بمثله، و إنما خرج عنه بالنسبة إلى دية الذمي لفحوى ما دل على ثبوتها به مع شرفه بإسلامه الظاهري و ليس وجوده كعدمه بالقطع حتى يلحق بالحربي، و يمكن أن يجعل ما ذكرناه جابرا للنصوص و الإجماع المحكي مع تأيد الأخير بعدم ظهور مخالف فيه من القدماء عدا الحلي المتأخر عن حاكيه، و أما الشهرة، فإنما هي من زمن المحقق و من بعده»(4).


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب ديات النفس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب ديات النفس الحديث 3.
3- 3 راجع الوسائل الباب- 11- أبواب الماء المضاف.
4- 4 رياض المسائل ج 2 ص 594.

ج 43، ص: 37

إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، إن أراد ذلك بعد تسليم كونه مسلما و جريان أحكام الإسلام و الإيمان في غير الدية عليه، ضرورة أن المرتضى لا يرضى بذلك إذ ما ذكره مبنى على كفره، و إن أراد بما ذكره موافقة المرتضى على كونه كافرا فهو مع منافاته لجملة ما سمعت من كلماته واضح الفساد أيضا.

و كذا ما ذكره فيه «من اعتبار سند الخبر الأول (1)بأنه صحيح إلى جعفر و هو ثقة و الإرسال بعده لعله غير ضائر لقول النجاشي (2): «يروى عن الثقات و رووا عنه» قاله في مدحه و لا يكون ذلك إلا بتقدير عدم روايته عن الضعفاء و إلا فالرواية عن الثقة و غيره ليس بمدح كما لا يخفى»(3)إذ هو كما ترى.

و أغرب من ذلك كله استدلاله ب

صحيح ابن سنان (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «قال سألته فقلت له: جعلت فداك كم دية ولد الزنا؟ قال: يعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه».

قال في الرياض: «و هو ظاهر في ثبوت الدية لا كما ذكره الحلي، و أنها ما أنفق عليه، و هو يشتمل ما قصر عن دية الحر المسلم بل و الذمي أيضا بل لعله

ظاهر فيه، إلا أن الأمر الخارج بالإجماع كخروج ما زاد عنه أيضا فتعين الثمانمائة جدا مع أن العدول بذلك الجواب عن لزوم دية الحر المسلم كالصريح، بل لعله صريح في عدم لزومها، فيضعف ما عليه المشهور جدا و يتعين قول السيد


1- 1 يعنى مرسل جعفر بن بشير المتقدم آنفا.
2- 2 رجال النجاشي ص 92.
3- 3 رياض المسائل ج 2 ص 595.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب ديات النفس الحديث 4 و أيضا الباب- 8- من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه الحديث 3.

ج 43، ص: 38

ظاهرا»(1).

إذ حمله على ولد الزنا قبل البلوغ خير من ذلك كله، و الله العالم.

و دية الذمي الحر ثمانمائة درهم بلا خلاف معتد به أجده بيننا، بل في الخلاف و الانتصار و الغنية و كنز العرفان الإجماع عليه على ما حكي عن بعضها، مضافا إلى النصوص (2)المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة، و فيها الصحيح و غيره، منها

صحيح ليث المرادي(3)، مضافا إلى ما تقدم «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دية اليهودي و النصراني و المجوسي، قال: ديتهم سواء، ثمانمائة درهم»

و منها

موثق سماعة(4)عنه أيضا «قال: بعث النبي صلى الله عليه و آله خالد بن وليد إلى البحرين، فأصاب به دماء قوم من اليهود و النصارى و المجوس، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه و آله إني أصبت دماء قوم من اليهود و النصارى، فوديتهم ثمانمائة درهم ثمانمائة، و أصبت دماء قوم من المجوس و لم تكن عهدت إلى فيهم عهدا، قال: فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه و آله، إن ديتهم مثل دية اليهود و النصارى، و قال: إنهم أهل كتاب»

إلى غير ذلك من النصوص.

يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا خلافا للعامة أجمع في الأولين، و إن اختلفوا على أربعة أقوال، فمن قائل بأن ديته ثلث دية المسلم، و قائل نصفها، و قائل تمامها، و قائل كذلك إن كان عمدا و إن كان خطأ نصفها. نعم عن الشافعي و

مالك موافقتنا في المجوس، بل عن الشيخ في الخلاف أن الصحابة مجمعون على أن دية المجوسي ثمانمائة درهم، و عن المبسوط و كنز العرفان نفي الخلاف في ذلك.


1- 1 رياض المسائل ج 2 ص 595.
2- 2 راجع الوسائل الباب- 13- من أبواب ديات النفس.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب ديات النفس الحديث 5 و فيه: ديتهم جميعا سواء ثمانمائة درهم، ثمانمائة درهم.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب ديات النفس الحديث 7.

ج 43، ص: 39

و دية نسائهم على النصف منهم كما صرح به الشيخ و الفاضلان و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهم، بل ظاهر هم المفروغية منه، بل قيل قد يظهر من المبسوط و الغنية الإجماع عليه، و لعله لعموم ما دل من نص (1)أو معقد إجماع على أن دية المرأة نصف الرجل، بل ظاهر أن دية أعضائهما و جراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم و جراحاته من ديته حتى على مساواة المرأة منهم للرجل حتى تبلغ الثلث أو تجاوزه فنصف كالمسلم كما صرح بذلك كله بعضهم، بل لا يبعد جريان حكم التغليظ بما يغلظ به على المسلم لعموم الأخبار، و قاعدة الاشتراك في التكليف، و إن توقف فيه الفاضل في المحكي من تحريره، و لعله من ذلك و من كونه على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع الوفاق منه.

و كيف كان ف في بعض الروايات من طرقنا أن دية اليهودي و النصراني و المجوسي دية المسلم قال الصادق عليه السلام في

صحيح أبان بن تغلب (2): «دية اليهودي و النصراني و المجوسي دية المسلم»

و قال أيضا في خبر زرارة(3): «من أعطاه رسول الله صلى الله عليه و آله ذمة فديته كاملة».

و في بعضها أيضا دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم و هي

رواية أبي بصير عنه (4)أيضا «دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم، و دية المجوسي ثمانمائة درهم»

و قد عرفت موافقة الأول لبعض أقوال العامة، بل و الثاني بناء على أنها اثنا عشر ألف من جهة اختلاف الوزن، فتكون حينئذ الأربعة ثلث الدية، كما عرفته عن آخر منهم، فلا بأس بحملهما على التقية و لكن الشيخ رحمه الله نزلهما في كتابي الأخبار(5)على من يعتاد قتلهم فيغلظ الإمام عليه الدية بما يراه مصلحة من (6)ذلك حسما


1- 1 راجع الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات النفس.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب ديات النفس الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب ديات النفس الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب ديات النفس الحديث 4.
5- 5 التهذيب ج 10 ص 187- الاستبصار ج 4 ص 269.
6- 6 في ن ل.

ج 43، ص: 40

للجرأة قال: «فإنه إذا كان كذلك فللإمام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة، و أربعة آلاف درهم أخرى، بحسب ما يراه أصلح و أردع، فأما من كان ذلك منه نادرا لم يكن عليه أكثر من ثمانمائة درهم».

و استدل عليه ب

موثق سماعة(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مسلم قتل ذميا فقال: هذا شي ء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد، و عن قتل الذمي، ثم قال: لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد أن يقتله و يأخذ أرضه و يؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم، إذن يكثر القتل في الذميين، و من قتل ذميا ظلما فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما ما آمن بالجزية و أداها و لم يجحدها».

ثم قال: «و أما رواية أبي بصير(2)خاصة فقد روى أن ديتهم ثمانمائة درهم مثل سائر الأخبار، و ما تضمنه خبره (3)من الفرق بين اليهودي و النصراني و المجوسي، فقد روى (4)هو أيضا أنه لا فرق، و أنهم سواء في الدية»(5).

و يمكن أن يكون مخالفا باعتبار كون ذلك ليس دية، و إنما هو تعزير من الحاكم أو كالتعزير، و لعله لذا نفى عنه البأس في محكي المختلف، و إلا فمن المعلوم عدم المكافئة من وجوه، و قد تقدم الكلام سابقا في ذلك في كتاب القصاص.

نعم ما في الفقيه (6)خلاف في المسألة، قال: «إن كان اليهودي و النصراني و المجوسي على ما عوهدوا عليه، من ترك إظهار شرب الخمور و إتيان الزنا و أكل


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب ديات النفس الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ديات النفس الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب ديات النفس الحديث 10.
5- 5 الى هنا كلام الشيخ في الاستبصار و التهذيب.
6- 6 الفقيه ج 4 ص 122- 124، و صححنا عبارة الأصل طبقا للمصدر.

ج 43، ص: 41

الربا و الميتة و لحم الخنزير و نكاح الأخوات، و إظهار الأكل و الشرب بالنهار في شهر رمضان، و اجتناب صعود مسجد المسلمين، و استعملوا الخروج بالليل عن ظهراني المسلمين و الدخول بالنهار للتسوق و قضاء الحوائج، فعلى من قتل واحدا منهم أربعة آلاف درهم، و مر المخالفون على ظاهر الحديث، فأخذوا به و لم يعتبروا(1)الحال، و متى آمنهم الإمام و جعلهم في عهده و عقده و جعل لهم ذمة و لم ينقضوا ما عاهدهم عليه من الشرائط التي ذكرناها، و أقروا بالجزية فأدوها فعلى من قتل واحدا منهم خطأ دية المسلم- إلى أن قال-: و متى لم يكن اليهود و النصارى و المجوس على ما عوهدوا عليه من الشرائط التي ذكرناها، فعلى من قتل واحدا منهم ثمانمائة درهم».

و هو- مع أنه مخالف لما عرفت- تفصيل لا يستفاد من النصوص. كالتفصيل المحكي عن أبي علي، قال: «أما أهل الكتاب الذين كانت لهم ذمة من رسول الله صلى الله عليه و آله، و لم يغيروا ما شرط عليهم رسول الله صلى الله عليه و آله، فدية الرجل منهم أربعمائة دينار أو أربعة آلاف درهم، و أما الذين ملكهم المسلمون عنوة و منوا عليهم باستحيائهم كمجوس السواد و غيرهم من أهل الكتاب و الجبال و أرض الشام فدية الرجل منهم ثمانمائة درهم» و الله العالم.

و لا دية لغير أهل الذمة من الكفار بلا خلاف أجده للأصل ذوي عهد كانوا أو أهل حرب، بلغتهم الدعوة أو لم تبلغ هم بل في محكي الخلاف (2)«من قتل من لم تبلغه الدعوة لم يجب عليه القود بلا خلاف و عندنا أيضا لا يجب عليه الدية» بل في

الموثق (3)«عن دماء المجوس و اليهود و النصارى، هل عليهم و على من قتلهم شي ء إن غشوا المسلمين و أظهروا العداوة لهم و الغش؟ قال: لا إلا أن يكون متعودا لقتلهم»،

بل ربما كان في بعض نصوص دية أهل الذمة إشعار باختصاص


1- 1« و لم يغيروا الحال» كذا في الأصل.
2- 2 الخلاف ج 2 ص 395.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

ج 43، ص: 42

شرعية الدية بهم.

و كذا لا دية لمن لا يقر على ديته لارتداده و انتقاله من دين إلى آخر و إن كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا.

و دية العبد قيمته نصا و فتوى نعم لو تجاوزت دية الحر ردت إليها فإن كان مسلما ردت إلى ديته و إن كان ذميا فإلى ديته (1)و الأمة كالحرة في ذلك كله كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

و تؤخذ من مال الجاني الحر إن كانت الجناية عمدا أو شبه عمد و من عاقلته إن كانت خطأ بلا خلاف معتد به بل و لا إشكال لإطلاق الأدلة، بل عن المبسوط و الخلاف الإجماع عليه، خلافا للمحكي عن أبي علي فجعلها في ماله في الخطأ أيضا لأنه مال، و استحسنه في محكي المختلف، بل ربما حكي عن ظاهر الإيضاح أو صريحه، و لكنه غير محقق.

و دية أعضائه و جراحاته مقيسة على دية الحر فما فيه ديته ففي العبد قيمته كاللسان و الذكر و ما فيه نصف ديته كاليد ففي العبد نصف قيمته، لكن لو جنى عليه جان بما فيه قيمته لم يكن لمولاه المطالبة إلا مع دفعه و لا بعضها مع العفو عن الزائد على إشكال، و خصوصا مع تعدد الجناية كقطع اليدين، دون قطع الأنف، كما تقدم الكلام في ذلك كله و في دليله من النص و غيره، بل و في أن كل ما فيه مقدر في الحر من ديته (2)فهو في العبد كذلك من قيمته من غير فرق بين قطع الأعضاء و بين الشجاج.

و لو جنى عليه جان بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد الذي هو باق على ملكه، و ليس له دفع العبد و المطالبة بقيمته للأصل و غيره كما ليس للمجنى عليه إيقاف الدفع


1- 1 في الأصل« إلى ديته ديته» و الظاهر زيادة الثانية.
2- 2 من دية ن ل.

ج 43، ص: 43

على ذلك.

و ما لا تقدير فيه من الحر ففيه الأرش و حينئذ يصير العبد أصلا للحر فيه كما صار أصلا له بما له مقدر.

و لو جنى العبد على الحر خطأ لم يضمنه المولى، و دفعه إن شاء، أو فداه بأرش الجناية، أو بأقل الأمرين، و الخيار في ذلك إليه، و لا يتخير المجني عليه بخلاف العمد، و كذا لو كانت جنايته لا تستوعب ديته أو قيمته، تخير مولاه في دفع الأرش(1) ، أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية، و يستوي في ذلك كله القن و المدبر ذكرا كان أو أنثى، و في أم الولد تردد على ما مضى و الأقرب أنها كالقن و إذا دفعها المالك في جنايتها استرقها المجني عليه أو ورثته، و

في رواية(2)«جنايتها على مولاها»

كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا بل قد تكرر جملة من ذلك في كتاب الغصب، و في كتاب الاستيلاد، و في كتاب القصاص، بل و في بحث بيع أم الولد فلاحظ و تأمل.

[النظر الثاني في موجبات الضمان]

اشاره

النظر الثاني في موجبات الضمان للدية و البحث إما في المباشرة المقتضية لذلك أو التسبيب كذلك أو تزاحم الموجبات.

[البحث الأول في المباشرة فضابطها الإتلاف لا مع القصد إليه]
اشاره

أما المباشرة فضابطها (11) صدق نسبة الإتلاف (12) إليه و لو بإيجاد علته لا مع القصد إليه (13) و إلا لاقتضت القصاص كما عرفت الكلام فيه سابقا و إنما هي هنا نحو أن يرمى غرضا


1- 1 في الأصل:« أرش الجناية».
2- 2 الوسائل الباب- 43- من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.

ج 43، ص: 44

فأصاب إنسانا أو كالضرب للتأديب فيتفق الموت منه الذي عن المشهور نفى الخلاف عن الضمان في ماله فيه للزوجة، لأنه مشروط بإسلامه، و إن توقف فيه بعض، باعتبار كونه من التعزير السائغ فلا يستعقب ضمانا كما تقدم في الحدود.

نعم لو كان من الأب أو الجد أو وصيهما للطفل، فظاهرهم الاتفاق على الضمان به، بل عن بعض الإجماع صريحا، كما عن ظاهر إجارة المبسوط الإجماع أيضا على ضمان المعلم للصبيان، بل عن غير واحد التصريح به، قيل لأنه أجير و الأجير يضمن بجنايته و إن لم يقصر، و لعل الأوفق بالعمومات الضمان في الجميع، من غير فرق بين الزوجة و الصبي و غيرهما مع حصول التلف بالفعل الذي لم يقصد به القتل و لا هو مما يقتل غالبا، و كأن ذكر المصنف للمثالين لبيان عدم اختصاص المباشرة الموجبة للدية بشبه العمد، بل هي تكون فيه و في الخطأ المحض الذي هو منه.

[تتبين هذه الجملة بمسائل]
اشاره

و كيف كان ف تتبين هذه الجملة بمسائل.

[المسألة الأولى الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا أو عالج طفلا أو مجنونا لا بإذن الولي أو بالغا لم يأذن]

الأولى:

الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا أو عالج طفلا أو مجنونا لا بإذن الولي أو بالغا لم يأذن بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في التنقيح «الطبيب القاصر المعرفة ضامن لما يتلفه بعلاجه إجماعا، و كذا العارف إذا عالج صبيا أو مجنونا أو مملوكا من غير إذن من الولي و المالك، أو عالج عاقلا حرا من غير إذن فيه»(1)و في مجمع البرهان «الطبيب ضامن لما يتلف بعلاجه إن قصر سواء كان حاذقا أم لا، بإذن المريض و وليه أم لا و الظاهر عدم الخلاف في ذلك

و كذا يضمن لو عالج طفلا أو مجنونا مع عدم إذن الولي،»(2)و في الرياض «هذا الحكم


1- 1 التنقيح ص 818 من مخلوط عندنا، و فيه« من غير اذن منه».
2- 2 مجمع البرهان كتاب الديات، ص 1.

ج 43، ص: 45

مما لم أجد خلافا فيه في صورة ما لو كان الطبيب قاصرا في المعرفة، أو عالج من غير إذن من يعتبر إذنه، و بنفي الخلاف هنا صرح المولى المقدس الأردبيلي، بل في التنقيح عليه الإجماع»(1).

قلت: قد سمعت ما وجدنا فيهما، و على كل حال فلا إشكال في شي ء من ذلك في صورة الإذن للقاصر المعلوم قصوره عند الإذن، فإنه قد يقال سقوط الضمان فيه بسبب الإذن، بناء على سقوطه بالإذن في الجناية أو في العلاج و إن ترتب التلف عليه، و إن كان الأقوى الضمان في الفرض، لقاعدة الضمان على كل متلف، و خصوصا في الدماء التي

ورد فيها «أنه لا يبطل دم امرء مسلم»(2)

و الإذن كعدمها بعد النهي عنه شرعا كما تقدم الكلام في نظيره سابقا، بل لو جوزنا المباشرة للحاذق بلا إذن لقاعدة الإحسان أو أجبناها عليه مقدمة لحفظ النفس المحترمة كما في خبر أبان بن تغلب (3)عن الصادق عليه السلام، لا ينافي ذلك الضمان الذي هو من باب الأسباب كما في تأديب الزوجة و الصبي و نحوهما، فتأمل.

و كيف كان ف لو كان الطبيب في العلم و العمل عارفا و أذن له المريض في العلاج و لم يقصر هو فيه ف عالج و آل علاجه إلى التلف في النفس أو الطرف قيل و القائل ابن إدريس لا يضمن للأصل و لأن الضمان يسقط بالإذن و لأنه فعل سائغ شرعا فلا يستعقب ضمانا.

قال في السرائر: «من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من ولي من يطيبه أو صاحب الدابة و إلا فهو ضامن إذا هلك بفعله شي ء من ذلك. هذا إذا كان الذي يجني عليه الطبيب غير بالغ أو مجنونا، و أما إذا كان عاقلا مكلفا و أمر الطبيب


1- 1 رياض المسائل ج 2 ص 596.
2- 2 الوسائل الباب- 46- من أبواب القصاص الحديث 2 و الباب- 10- من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 5.
3- 3 الكافي ج 8 ص 345.

ج 43، ص: 46

بفعل شي ء ففعله على ما أمر به فلا يضمن الطبيب، سواء أخذ البراءة من الولي أم لم يأخذها، و الدليل على ذلك أن الأصل براءة الذمة و الولي لا يكون إلا لغير المكلف، فأما إذا جنى على شي ء لم يؤمر بقطعه و لا بفعله فهو ضامن سواء أخذ البراءة من الولي أم لم يأخذها»(1).

و قيل و القائل الفاضل و الشهيدان و غيرهم، بل و الشيخان و ابن البراج و سلار و أبو الصلاح و ابن زهرة و الطبرسي و الكيدري و نجيب الدين على ما في غاية المراد يضمن لمباشرته الإتلاف و إن لم يصرحوا أو أكثرهم بالإذن و كيف كان ف هو أشبه بأصول المذهب و قواعده وفاقا لمن عرفت، بل قال المصنف في النكت: «الأصحاب متفقون على أن الطبيب يضمن ما يتلفه بعلاجه» و في الغنية الإجماع على ذلك أيضا، و هو الحجة بعد قاعدة الضمان على المتلف، و الإذن في العلاج ليس إذنا في الإتلاف، و الجواز الشرعي لا ينافي الضمان كما في الضرب للتأديب، نعم لما لم يكن ذلك عمدا له لم يقتص منه مضافا إلى خبر السكوني(2)الذي تسمعه إن شاء الله، بل قيل: و إلى ما حكي من تضمينه عليه السلام الختان القاطع لحشفة الغلام، بل عن ابن إدريس نفى الخلاف عن صحة مضمونه، و إن كان فيه أنه قضية في واقعة محتملة لتفريط الختان بقطع الحشفة الذي لم يؤمر به، و عدمه، و لكن ما ذكرناه كاف في إثبات المطلوب.

و على كل حال فإن قلنا لا يضمن فلا بحث و إن قلنا إنه يضمن فهو يضمن في ماله بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال للأصل، و ظاهر الخبر(3)الآتي، و لأنه من شبه العمد بقصده الفعل دون القتل، و قد عرفت أن الدية فيه على الجاني كما هو واضح.

و هل يبرء الطبيب بالإبراء قبل العلاج؟ قيل: نعم يبرء، و القائل الشيخان و أتباعهما و أبو الصلاح و ابن البراج في ظاهر المهذب أو صريحه في كتاب


1- 1 السرائر كتاب الحدود باب النفوس و غيرها.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.

ج 43، ص: 47

الإجارة، و الآبي و فخر المحققين و الشهيد و أبو العباس و المقداد و المقدس الأردبيلي و فاضل الرياض على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك أنه المشهور، و في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه

لرواية السكوني (1)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه و إلا فهو ضامن»

و لأن العلاج مما تمس الحاجة إليه، فلو لم يشرع الإبراء تعذر العلاج.

و قيل و لكن لم نتحقق القائل قبل المصنف و إن حكي عن ابن إدريس:

لا يبرء لأنه إسقاط الحق قبل ثبوته نعم يظهر من الفاضل التردد فيه كالمصنف هنا حيث اقتصر على نقل القولين، و لعله مما عرفت، مضافا إلى احتمال الخبر المزبور البراءة بعد الجناية مجانا أو على مال، احتمالا ظاهرا، و ربما يرشد إليه لفظ «وليه» على أنه ضعيف، و الحاجة بمجردها لا تصلح دليلا لشرع الحكم المخالف للأدلة، و من هنا قال في المسالك: «و هو الوجه» بعد أن حكى ترجيحه عن قواعد الفاضل و الميل إليه عن تحريره.

و لكنه كما ترى بعد الإغضاء عما في نقله عن الفاضل ضرورة عدم منافاة الاحتمال المزبور في الخبر الظاهر الذي هو الحجة في الأحكام الشرعية، كعدم منافاة ضعفه، بعد انجباره بما عرفت، و تأييده بمسيس الحاجة. و ذلك كله كاف للخروج به عن قاعدة عدم إسقاط الحق قبل ثبوته، على أنه ينبغي الجزم به إذا أخذ بعنوان الشرطية في عقد إجارة الطبيب مثلا إذ هو حينئذ يكون كاشتراط سقوط خيار الحيوان و المجلس و نحوهما مما يندرج تحت

قولهم عليهم السلام (2): «المؤمنون


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 3 و 5 و 7، و الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 و الباب- 32- من أبواب المتعة الحديث 9 و الباب- 6- من أبواب الخيار الحديث 1 و 2، و لفظ الرواية في غير الرابع هكذا: « المسلمون عند شروطهم» راجع رسالة« الشرط و آثاره» للمرحوم الحاج الميرزا أبى الفضل القمي الزاهدي طبع قم.

ج 43، ص: 48

عند شروطهم»

بل ربما ظهر من الأردبيلي الاكتفاء بالشرط مطلقا، و إن كان فيه أنه إن لم يكن في ضمن عقد وعدا أو كالوعد لا يجب الوفاء به.

كل ذلك مضافا إلى إمكان القطع به في مثل الأموال التي منها ما هو محل البيطرة ضرورة أنه إذن في الإتلاف على وجه يجري مجرى أفعال العقلاء نحو غيره من الإتلافات.

و منه يعلم الوجه في غير المال مما له الإذن فيه إذا كان جاريا مجرى أفعال العقلاء كما في العلاج. و ليس هذا من الإبراء قبل ثبوت الحق، بل من الإذن في الشي ء المقتضية(1)لعدم ثبوته، نحو الإذن في أكل المال مثلا، و الظاهر اعتبار إذن المريض في ذلك مع فرض كونه كامل العقل، و لا يكفي إذن الولي، إذ لا ولى له في هذا الحال، و إنما هو أولى بنفسه، و كون الولي هو المطالب بعد ذلك لا يرفع سلطنته الان على نفسه، و ما في الخبر المزبور(2)محمول على إرادة الولي في ذلك الشامل للمريض و رب المال.

و قول الشهيد في غاية المراد و غيره باعتبار إذن الولي أو المريض، محمول على التفصيل الذي ذكرناه، لا أن المراد، الاكتفاء بإذن الولي مع كمال عقل المريض.

و قال المصنف في النكت في الخبر: «و إنما عدل إلى الولي لأنه هو المطالب على تقدير التلف، فلما شرع الإبراء قبل الاستقرار لمكان الضرورة صرف إلى من يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما يبرء منه، و لا أستبعد الإبراء من المريض فإنه يكون فعلا مأذونا فيه و المجني عليه إذا أذن في الجناية سقط ضمانها، فكيف بإذنه في المباح المأذون في فعله»(3)و هو إن لم يرد ما ذكرناه فمحل للنظر


1- 1 كذا في الأصل.
2- 2 أي خبر السكوني الذي مر آنفا.
3- 3 نكت النهاية كتاب الديات.

ج 43، ص: 49

فتأمل جيدا.

هذا كله إذا تولي الطبيب العلاج بنفسه، أما إذا قال: «أظن أن هذا الدواء نافع لهذا الداء، أو لو كنت أنا لفعلت كذا» و نحو ذلك مما لم تكن فيه مباشرة منه و

إن فعل المريض العاقل المختار أو وليه ذلك اعتمادا على القول المزبور، فإن المتجه فيه عدم الضمان للأصل و غيره، كما أن المتجه عدم شي ء عليه حيث لم يعلم الحال لاحتمال الموت بغير العلاج.

و لعله على ذلك يحمل

خبر أحمد بن إسحاق المروي في الكافي (1)في باب النوادر في آخر كتاب العقيقة، «قال: كان لي ابن، و كان تصيبه الحصاة فقيل لي:

ليس له علاج إلا أن تبطه، فبططته فمات، فقالت الشيعة: شركت في دم ابنك، قال: فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر فوقع: يا أحمد ليس عليك فيما فعلت شي ء، إنما التمست الدواء و كان أجله فيما فعلت».

و منه يستفاد جواز العلاج بظن السلامة أو احتمالها.

ك

خبر إسماعيل بن الحسن المتطبب المروي في روضة الكافي (2)عن الصادق عليه السلام «إني رجل من العرب، و لي بالطب بصر، و طبي طب عربي، و لست آخذ عليه صفدا، فقال: لا بأس، قلت: إنا نبط الجرح و نكوي بالنار، قال:

لا بأس، قلت: و نسقي هذه السموم الأسمحيقون و الغاريقون، قال: لا بأس، قلت:

إنه ربما مات، قال: و إن مات».

و خبر يونس بن يعقوب (3)فيها أيضا عن الصادق عليه السلام «الرجل يشرب الدواء، و يقطع العرق، و ربما انتفع به و ربما قتله، قال يشرب و يقطع».

و خبر أبان بن تغلب (4)فيها أيضا عن الصادق عليه السلام «كان المسيح عليه السلام


1- 1 الكافي ج 6 ص 53، و فيه حمدان بن إسحاق.
2- 2 الكافي ج 8 ص 193.
3- 3 الكافي ج 8 ص 194.
4- 4 الكافي ج 8 ص 345.

ج 43، ص: 50

يقول: إن التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة، و ذلك أن الجارح أراد فساد المجروح و التارك لإشفائه لم يشأ صلاحه، فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطرارا، فكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا، و لا تمنعوها أهلها فتأثموا، و ليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوي إن رأي موضعا لدوائه و إلا أمسك».

و لا يخفى عليك ما في هذه النصوص من الفوائد، منها: ما أشرنا إليه سابقا من وجوب العلاج لمن كان له بصيرة فيه، و منها: عدم اعتبار الاجتهاد في علم الطب، بل يكفي للمداوى المداوي بالتجربيات العادية و نحوها مما جرت السيرة و الطريقة به، و خصوصا في العجائز للأطفال و غير ذلك.

و في التنقيح «يجوز العلاج للأمراض، أما أولا فلوجوب دفع الضرر عن النفس عقلا و شرعا، و أما ثانيا فل

قوله (1): «تداووا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء»،

و قوله (2): «شفاء أمتي في ثلاث، آية من كتاب الله، و لعقة من عسل، و شرطة من حجام،»

و أما ثالثا فللإجماع على ذلك» انتهى (3).

و في المرسل (4)ما حاصله: «إن موسى عليه السلام مرض فعاده بنو إسرائيل و وصفوا له دواء فامتنع منه، فأوحى الله إليه إن الله يأمره بذلك و إلا لم يشفه».

و قد ورد عنهم عليهم السلام في الطب نصوص كثيرة، و منه المعروف بطب الأئمة عليهم السلام،


1- 1 المستدرك ج 3 ص 123 و راجع الوسائل الباب- 134- من أبواب الأطعمة المباحة.
2- 2 لم أجده بهذا اللفظ.
3- 3 التنقيح ص 818 من مخطوط عندنا، و فيه« شراط حجام» مكان« شرطة من حجام».
4- 4 روى قريبا منها في الوسائل الباب- 4- من أبواب الاحتضار الحديث 7.

ج 43، ص: 51

نعم لا بد من ملاحظة مناسبة الدواء للداء على حسب ما يكون عند العقلاء، و الله العالم.

[المسألة الثانية النائم إذا أتلف نفسا بانقلابه أو بحركته يضمن الدية في ماله]

المسألة الثانية:

النائم غير الظئر التي تسمع الكلام فيها إن شاء الله إذا أتلف نفسا أو طرفا بانقلابه أو بحركته أو بغير ذلك من أحواله على وجه يستند الإتلاف إليه، قيل: يضمن الدية في ماله كما في المقنعة و النهاية و الجامع و التحرير و الإرشاد و التلخيص و مجمع البرهان، و كذا التبصرة، بل و النافع على ما حكي عن بعضها، بل هو الذي استقر عليه رأيه في السرائر بعد أن نسبه إلى الرواية، قال:

«و الذي يقتضيه مذهبنا أن الدية في جميع هذا- يعني النائم و مسألة الظئر- على العاقلة، لأن النائم غير عامد في فعله و لا عامد في قصده و هذا أحد قتل الخطاء المحض، و لا خلاف أن دية قتل الخطاء المحض على العاقلة، و إنما هذه أخبار آحاد لا يرجع بها عن الأدلة، و الذي ينبغي تحصيله في هذا أن الدية على النائم نفسه، لأن أصحابنا جميعهم يوردون ذلك في باب ضمان النفوس و ذلك لا تحتمله العاقلة بلا خلاف»(1)و قيل: في مال العاقلة كما في السرائر في أول كلامه، و القواعد و كشف الرموز و الإيضاح و اللمعة و التنقيح و الروضة و المسالك، على ما حكي عن بعضها، بل نسبه بعض إلى عامة المتأخرين و إن كان فيه ما فيه، نعم هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها ضمان العاقلة الخطأ المحض الصادق على الفرض عرفا باعتبار عدم القصد منه إلى الفعل و لا إلى القتل. و الرواية التي (2)أرسلها ابن


1- 1 السرائر باب النفوس و غيرها من كتاب الحدود و الديات و الجنايات.
2- 2 و هي هكذا « و روى أن من نام فانقلب على غيره فقتله كان ذلك شبيه العمد، يلزمه الدية في ماله خاصة، و ليس عليه القود» السرائر، باب النفوس و غيرها من كتاب الحدود و الديات و الجنايات.

ج 43، ص: 52

إدريس غير حجة.

و من هنا قال في كشف الرموز: «ينبغي للمحصل أن يتعجب من هذا الكلام، ذكر أولا أنه من أخبار الآحاد و لا يرجع بها عن الأدلة، ثم رجع عقيب كلامه مستدلا بأن الأصحاب يوردونه في ضمان النفوس. فأبصر الاستدلال و اقضى

العجب مما رأيت، على أن الدعوى غير مسلمة، فإيراد الاثنين و الثلاثة لا يكون حجة».

و هو في محله و إيراد الأصحاب لذلك في ضمان النفوس لم يبلغ حد الإجماع الكاشف.

و دعوى- أن قتل النائم باعتبار ارتفاع الاختيار من باب الأسباب التي ضمانها عليه دون العاقلة- كما ترى لا تستأهل جوابا. كدعوى أنه من شبيه العمد الذي قد عرفت تفسيره.

و ما

في بعض النصوص- «إنما الخطأ أن تريد شيئا و تصيب غيره (1)»

و في آخر «الخطأ من اعتمد شيئا و أصاب غيره»(2)

- محمول على الحصر الإضافي، ضرورة أولوية الفرض من ذلك في صدق الخطأ كما هو واضح.

و بذلك كله يظهر لك ما في الاستدلال بأصالة عدم ضمان العاقلة المقطوعة بما دل على ذلك في الخطأ المحض من نص (3)و إجماع، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
3- 3 راجع أبواب العاقلة من كتاب الديات من الوسائل.

ج 43، ص: 53

[المسألة الثالثة إذا أعنف بزوجته جماعا فماتت ضمن الدية]

المسألة الثالثة:

إذا أعنف الرجل بزوجته مثلا جماعا في قبل أو دبر أو ضما فماتت ضمن الدية في ماله و كذا الزوجة وفاقا للشيخين و سلار و ابن إدريس و القاضي و الفاضل و ولده و الآبي و المقداد و أبي العباس و ثاني الشهيدين و غيرهم، على ما حكي عن بعضهم، بل في المقنعة «أن عليه الدية مغلظة» و لعله يريد بها دية شبيه العمد، و إلا فلا دليل على التغليظ زائدا على ذلك.

نعم لا إشكال في أن عليه الدية للأصل، بعد تحقق ضابط شبه العمد الذي هو القصد إلى الفعل دون القتل، مع عدم كون الفعل مما يقتل غالبا، و

صحيح سليمان بن خالد(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «أنه سئل عن رجل أعنف على امرأته فزعم أنها ماتت من عنفه، قال: الدية كاملة، و لا يقتل الرجل»

بل قيل (2)إنه رواه الصدوق عن هشام بن سالم و غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام، و

خبر زيد(3)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل نكح امرأة في دبرها فألح عليها حتى ماتت من ذلك، قال: عليه الدية».

و في نكت النهاية «لا يقال: فعله سائغ، فلا يترتب عليه ضمان، لأنا نمنع و لا نجيز له العنف، أما لو كان بينهما تهمة و ادعى ورثة الميت منهما أن الأخر قصد القتل أمكن أن يقال بالقسامة و إلزام القاتل القود»(4)و عن ابن إدريس القطع به، و استحسنه في كشف الرموز.


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 القائل صاحب الوسائل، قاله في ذيل الحديث.
3- 3 الوسائل الباب- 31- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
4- 4 نكت النهاية، كتاب الديات.

ج 43، ص: 54

و لا بأس به بعد فرض قيام التهمة المحققة للوث(1)، و لكن لا مدخلية لعدم جواز العنف في الضمان الذي قد عرفت أنه من باب الأسباب التي لا فرق بين الجائز منها و غير الجائز. و لعله لذا لم يفرق بين الفرض و الأجنبية، و هو كذلك، مع فرض عدم قصد القتل و عدم كون الفعل مما يقتل غالبا.

و لكن مع ذلك كله في النهاية و محكي الجامع و ظاهر المقنع، إن كانا مأمونين لم يكن عليهما شي ء ل

مرسلة يونس (2)عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل أعنف على امرأته و امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر، فقال: لا شي ء عليهما إذا كانا مأمونين، فإن اتهما ألزما باليمين بالله أنهما لم يردا القتل»

و لكن الرواية ضعيفة بالإرسال و لا جابر، محتملة لإرادة نفي القود، بل لعله متعين بملاحظة قاعدة الإطلاق و التقييد، كما أنه يمكن حمل اليمين فيها على القسامة إثباتا للقود دون الدية، فيكون حينئذ فيها دلالة على ما سمعته سابقا من المصنف، و على كل حال فهي غير صالحة للخروج بها عن أدلة الضمان كما هو واضح.

[المسألة الرابعة من حمل على رأسه متاعا فكسره أو أصاب به إنسانا ضمن جنايته في ماله]

المسألة الرابعة:

من حمل على رأسه مثلا متاعا فكسره أو أصاب به إنسانا ضمن جنايته عليه و على المصاب في ماله كما صرح بالأول الشيخ و القاضي و ابن إدريس و يحيى بن سعيد و الفاضل و غيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل لا أجد خلافا فيه، بل عن إجارة جامع المقاصد «يدل عليه النص و الإجماع» بل تكرر ذلك من الواحد منهم هنا و في كتاب الإجارة.

نعم عن الشيخ و القاضي و ابن إدريس، تقييد ذلك بما إذا لم يدفعه غيره،


1- 1 في الأصل« للموت» و هو غلط ظاهرا.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب موجبات الضمان الحديث 4.

ج 43، ص: 55

و إلا كان ضمان ذلك عليه، بل لا خلاف أجده في الثاني الذي صرح به الشيخ و الحلي و الفاضلان و الشهيدان و غيرهم على ما حكى عن بعضهم.

و الأصل فيه الخبر الذي رواه المحمدون الثلاثة(1)، ففي الكافي و موضع من التهذيب بطريق فيه «سهل»، و في الفقيه و موضع آخر عن

التهذيب بطريق صحيح عن رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل حمل متاعا على رأسه، فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه، قال: هو ضامن».

لكن في المسالك «في طريق الرواية سهل بن زياد و هو ضعيف، و هي بإطلاقها مخالفة للقواعد، لأنه إنما يضمن المصدوم في ماله مع قصده إلى الفعل و خطأه في القصد، فلو لم يقصد الفعل كان خطأ محضا، و أما المتاع المحمول

فيعتبر في ضمانه لو كان لغيره التفريط إذا كان أمينا عليه كغيره من الأموال»(2).

و تبعه في كشف اللثام قال: «و الموافق للأصول انه إنما يضمن المتاع مع التفريط، أو كونه عارية مضمونة و نحو ذلك، و إنما يضمن المصدوم غير الإنسان في ماله، و الإنسان إذا تعمد الصدم دون الإتلاف و لم يكن متلفا غالبا و إلا فهو إما متعمد، عليه القصاص، أو مخطئ محض، على عاقلته الضمان»(3).

قلت: لا إشكال في أن ذلك هو الموافق للقواعد، بل في

الصحيح (4)


1- 1 الكافي ج 7 ص 350 التهذيب ج 10 ص 230 الفقيه ج 4 ص 111 و فيه:« هو مأمون» مكان« هو ضامن» و التهذيب ج 7 ص 222 و ليس في سند الأخيرين سهل.
2- 2 المسالك ج 2 ص 490.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 303.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 7 نقلا من الكافي و التهذيب و في الأول« الجمال» بالجيم و في الثاني« الحمال» بالحاء، فراجع الكافي ج 5 ص 244 و التهذيب ج 7 ص 216.

ج 43، ص: 56

«في الحمال يكسر الذي يحمل عليه أو يهريقه، قال: إن كان مأمونا فليس عليه شي ء، و إن كان غير مأمون فهو ضامن»

إلا أنه بعد أن كان الخبر جامعا لشرائط الحجية، و قد عمل به من عرفت، بل ظاهره في الروضة نسبة الإطلاق إليهم أجمع، فلا مانع من الخروج به عنها خصوصا بعد أن أيده بعض الناس «بإمكان القول بأنه من باب الأسباب، و أنه غير معلوم دخوله في الخطأ لما مر في تفسير الخطأ في بعض الروايات، و تضمين شخص جناية شخص غيره خلاف القواعد العقلية و النقلية فلا يصار إليه إلا في المنصوص و المجمع عليه»(1)و إن كان فيه ما لا يخفى.

و العمدة ما ذكرنا مؤيدا بالنسبة إلى ضمان المتاع

بالخبر(2)«أنه أتى بحمال كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها و ضمنها إياه، و كان عليه السلام يقول: كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن، فسألته من المشترك؟ فقال: الذي يعمل لي و لك و لذا»

و نحوه خبر آخر(3).

بل عن المرتضى الإجماع على ضمان الأجير ما يتلف بيده و لو بغير سببه و إن، كنا لم نتحققه، بل قيل إنه غلط عليه، و الصحيح المزبور، قيل (4)«لم نعلم به عاملا عدا الشيخ في التهذيب، فإنه جمع به بين الأخبار» بل في الرياض «هو شاذ غير معلوم العامل، و التفصيل بالتفريط و عدمه غير مذكور فيه، و حمل التفصيل عليه ليس بأولى من حمله على ما إذا ادعى كسر الحمل من دون علم صاحبه به، و يكون المراد أنه حينئذ يستحب أن لا يكلف البينة إذا كان مأمونا و إلا فهو ضامن، و يكون حينئذ سبيله كسبيل كثير من الأخبار(5)الدالة على التفصيل»(6)و إن كان هو كما ترى، و قد


1- 1 مجمع البرهان للأردبيلي كتاب الديات ص 2.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 13.
3- 3 راجع الباب المذكور.
4- 4 قاله السيد جواد العاملي في مفتاح الكرامة ج 10 ص 277.
5- 5 راجع الوسائل الباب- 29 و 30- من أبواب أحكام الإجارة.
6- 6 رياض المسائل ج 2 ص 597.

ج 43، ص: 57

تقدم في كتاب الإجارة ماله نفع في المقام.

[المسألة الخامسة من صاح ببالغ فمات فلا دية]

المسألة الخامسة:

من صاح ببالغ غير غافل فمات أو سقط فمات فلا دية كما عن المبسوط و المهذب و غيرهما، و هو كذلك مع العلم بعدم استناد الموت إلى الصيحة، بل و مع الشك للأصل، بعد فرض عدم الموت بمثله عادة. نعم لو قامت قرائن على استناد الموت إلى ذلك على وجه تفيد العلم، اتجه حينئذ الضمان، كما هو واضح. بل قد يتجه فيه القصاص مع قصد القتل به، و إن لم يكن مما يقتل غالبا، بناء عليه في مثله، كما تقدم تحقيقه سابقا.

و لكن مع ذلك في القواعد إشكال، و لعله مما عرفت، و من ظهور المقارنة في موته منها، و

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (1)«أي رجل فزع رجلا على الجدار، أو نفر به عن دابته فخر فمات فهو ضامن لديته، فإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه».

و لكن ذلك كله كما ترى، ضرورة أعمية المقارنة من ذلك، بل لعلها ظاهرة في خلافه مع فرض كون الشي ء مما لا يقتل في العادة، و الخبر إنما هو في السبب المقتضى لذلك.

و من الغريب ما في بعض شروحها من فرض الإشكال فيما لو علم موته بالصيحة، إذ من الواضح فيه حينئذ الضمان و لا وجه للإشكال فيه.

هذا كله في العاقل غير الغافل الذي لا يموت مثله في العادة بمثلها أما لو كان مريضا أو مجنونا أو طفلا أو اغتفل العاقل البالغ الكامل و فاجأه بالصيحة لزم الضمان كما صرح به الفاضل و ولده و الشهيدان و غيرهم، بل الظاهر القصاص مع إرادة القتل بها إذا كانت مما تقتل نادرا، بل و مع عدمها إذا


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.

ج 43، ص: 58

كانت مما يقتل مثله غالبا نعم تضمن الدية مع عدم ذلك و هو واضح، كوضوح الفرق بين هؤلاء و بين العاقل.

لكن في المتن و لو قيل بالتسوية في الضمان كان حسنا لأنه سبب الإتلاف ظاهرا و فيه منع الظهور فيه على وجه يترتب عليه قصاص، أو دية، بخلاف الطفل و نحوه، اللهم إلا أن يفرض جبانا على وجه يكون كالطفل فيتجه حينئذ فيه المساواة.

و بالجملة فالمدار على تحقق نسبة القتل إلى صيحته، و مطلق المقارنة لا يقتضي ذلك فيما لا يقتل بالعادة. نعم لعلها كذلك فيما يقتل و لو نادرا، و لكنه في الفرض مختلف بالنسبة إلى كيفية الصيحة و في سامعها و في زمانها و مكانها و غير ذلك من أحوالها. و بالتأمل في ذلك يظهر لك عدم تنقيح للمسألة في كلامهم كما لا يخفى على من لاحظه.

و على كل حال فحيث يجب الدية فهي في ماله للأصل، و كونه من شبيه العمد الذي قد عرفت تفسيره، و ظاهر الحسن المزبور(1)و لكن في المتن و غيره

قال الشيخ: الدية على العاقلة و نحوه عن المهذب و في المسالك «جعلا له من باب الأسباب»(2)و فيه أن ذلك يقتضي كون الضمان عليه لا العاقلة كما سلف له سابقا نعم فيه إشكال كما في القواعد و غيرها من حيث قصد الصائح إلى الإخافة نحو الضرب للتأديب فهو من عمد الخطأ الذي ديته عليه دون العاقلة.

و كذا البحث لو شهر سيفه في وجه إنسان أو غير ذلك مما يحصل به الإخافة بلا خلاف، و لا إشكال في نظائر المقام، و من هنا قال في كشف اللثام


1- 1 أى حسنة الحلبي و هي التي عبر عنها بالصحيحة آنفا.
2- 2 قال في المسالك:« و قال الشيخ في المبسوط: ان ديته على العاقلة جعلا له من باب الأسباب و هو ضعيف.» ج 2 ص 491.

ج 43، ص: 59

«يمكن حمل كلامهما على من صاح لا بالمجني عليه بل اتفق كونه هناك و إن عبرا بالصيحة بهما»(1)قلت: لم تحك لنا عبارة المهذب، و أما عبارة المبسوط(2)، فقد قيل إنه ذكر أولا الصبي و المعتوه و الغافل و لم يتعرض للمريض، ثم قال في آخر كلامه: «ثم ينظر فإن كان فعله عمدا فالدية مغلظة في ماله عندنا، و عندهم على العاقلة بلا خلاف و إن كان إنما صاح خطأ فالدية مخففة على العاقلة بلا خلاف» و هو صريح في الموافقة مما ذكرنا فلا خلاف و لا إشكال.

هذا كله فيما إذا مات بفعل المخيف أما لو فر فألقى نفسه في بئر أو من أعلى سقف و كان بصيرا قال الشيخ: لا ضمان لأنه ألجأه إلى الهرب، لا إلى الوقوع في البئر الذي اختاره فهو المباشر لإهلاك نفسه و حينئذ إن كان المخيف مسببا لذلك لكنه غير ملجئ إليه فيسقط حكم التسبيب كالحافر و الدافع و كذا لو صادفه في هربه سبع فأكله في ترجيح المباشرة على التسبيب غير الملجئ، و قواه الشهيد، قال: «لأن الهارب إما مختار أو مكره، فإن كان مختارا فلا ضمان، و إن كان مكرها فغايته أن يكون مثل مسألة- أقتل نفسك و إلا قتلتك، فقتل نفسه- فإنه لا ضمان، إذ لا معنى للخلاص عن الهلاك بالهلاك»(3)و لأن المباشر فيه أقوى من السبب، و رد «بأن المكره هنا على تقديره من غير مباشر للقتل، فاعتبر السبب، بخلاف القاتل نفسه، فإنه يترجح فيه المباشر على السبب

فافترقا»(4)و فيه أن المفروض هنا إلقاء نفسه بالبئر فهو حينئذ كالمباشر لقتل نفسه.


1- 1 قوله كلامهما أى كلام المبسوط و المهذب، و قوله بهما أي الصبي و المعتوه ظاهرا، فراجع كشف اللثام ج 2 ص 303.
2- 2 راجع المبسوط ج 7 ص 158- 159.
3- 3 غاية المراد للشهيد الأول كتاب الديات ص 34 من مخطوط عندنا.
4- 4 مفتاح الكرامة ج 10 ص 281.

ج 43، ص: 60

و منه يعلم ما عن التحرير، من أنه، «لو قيل بالضمان كان وجها»(1)و ربما كان أيضا ظاهر نسبته في المتن إلى الشيخ، إذ لعل وجهه، أنه لو لا الإخافة لم يكن الهرب، غايته اختياره طريقا سقط فيه لمرجح أولا له، و هو كما ترى.

و احتمل في غاية المراد(2)«إنه إن تساوى الطريقان في العطب ضمن المخيف، إذ لا مندوحة، و إلا فلا، لأن له مندوحة في الطريق الأخر، و كذا احتمل الضمان في أكل السبع» و في كشف اللثام(3): «و يحتمل التفصيل».

و الجميع لا يخلو من نظر، ضرورة كون الفرض اختياره الوقوع في البئر و نحوه بسبب الإخافة، نعم لو فرض زوال عقله و اختياره بسبب الإخافة المفروضة، اتجه حينئذ الضمان باعتبار قوة التسبيب فيه على المباشرة بلا خلاف و لا إشكال.

و كذا لو كان المطلوب أعمى ضمن الطالب ديته كما عن المبسوط و المهذب لأنه ب سبب العمى صار ملجأ على معنى عدم بقاء حسن اختيار له، و إن كان له قصد و شعور، فيقوى حينئذ على المباشر، بل قالا:

و كذا لو كان مبصرا فوقع في بئر لا يعلمها أو انخسف به السقف لمساواته بالجهل للأعمى في عدم اختيار الوقوع أو أضطره إلى مضيق فافترسه الأسد لأنه يفترس في المضيق غالبا فيكون كما لو ربط يديه و رجليه و ألقاه إليه فهو حينئذ و إن كان مباشرا، إلا أنه فرق واضح بين الاضطرار إلى المضيق و عدمه.

نعم إن علم أن في الطريق سبعا و له طريق آخر فاختاره، توجه عدم الضمان، بل هو ليس من الاضطرار إلى المضيق في شي ء.

و لو خوف حاملا فأجهضت، ضمن دية الجنين، بلا خلاف أجده فيه،


1- 1 التحرير ج 2 ص 262.
2- 2 غاية المراد كتاب الديات ص 33 من مخطوط عندنا.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 304.

ج 43، ص: 61

بل عن المبسوط الإجماع عليه، مضافا إلى صدق الإتلاف، و

خبر يعقوب بن سالم المروي (1)في الكافي و التهذيب، عن الصادق عليه السلام «كانت امرأة بالمدينة تؤتى، فبلغ ذلك عمر، فبعث إليها فروعها و أمر أن يجاء بها، ففزعت المرأة و أخذها الطلق، فانطلقت إلى بعض الدور، فولدت غلاما و استهل ثم مات، فدخل عليه من روعة المرأة و موت الغلام ما شاء الله، فقال بعض جلسائه: ما عليك من هذا شي ء، و قال بعضهم: و ما هذا؟ قال: سلوا أبا الحسن عليه السلام، فقال لهم أبو الحسن: لئن كنتم اجتهدتم ما أصبتم، و لئن كنتم قلتم برأيكم لقد أخطأتم، عليك دية الصبي»

و مقتضاه كمعقد إجماع المبسوط، أنه بحكم شبه عمد، و لعله لأن الإخافة سبب في إسقاط حملها فهو جناية عليه، كوضع شي ء ثقيل على ظهرها و نحوه مما يقتضي سقوط الحمل.

و لا ينافيه ما

روى (2)من «أن طلحة و الزبير لما انهزما يوم الجمل فمرا بامرأة حامل، فخافت و ألقت جنينها و ماتا، فوداهما أمير المؤمنين عليه السلام من بيت مال البصرة»

إذ لعله كان ذلك من جهة خوفها من جيوش المسلمين.

نعم في

رواية أخرى (3)في نحو ذلك «أنه وزع الدية على العاقلة»،

و لعله لأن المقصود تخويفها دون سقوط الحمل، خصوصا مع عدم العلم بحملها، و ربما يأتي إن شاء الله تحقيق ذلك في الجناية على الجنين.

و على كل حال فلا إشكال في ضمان الجنين في الفرض، بل و لا في ضمانها أيضا لو ماتت في ماله مع تعمده الإخافة الغير المتلفة غالبا، و إلا كان عليه

القصاص، و لو لم يتعمدها كانت الدية على العاقلة، نعم لو كان تخويفها من الإمام بحق لم يضمن، و قضية عمر في ضمان الجنين الذي لا سبيل له عليه، و الله العالم.


1- 1 الكافي ج 7 ص 374، التهذيب ج 10 ص 312 و فيه« ما ساءه» مكان« ما شاء الله».
2- 2 البحار ج.
3- 3 البحار ج.

ج 43، ص: 62

[المسألة السادسة إذا صدمه فمات المصدوم فديته من مال الصادم]

المسألة السادسة:

إذا صدمه فمات المصدوم فديته من مال الصادم مع قصده الصدم دون القتل، و إن قصده أو كان الصدم مما يقتل غالبا فالقصاص، أما الصادم لو مات فهدر إذا كان المصدوم في ملكه أو في موضع مباح أو في طريق واسع أو نحو ذلك مما لا تفريط فيه من المصدوم، سواء كان الصادم قاصدا أم لا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بين من تعرض له، كالشيخ و الفاضل و الشهيدين و غيرهم، بل و لا إشكال.

نعم في الإرشاد «و الصادم هدر و يضمن دية المصدوم في ماله إذا لم يفرط بأن يقف في المضيق على إشكال» و هي مجملة محتملة وجوها.

منها: كون الإشكال راجعا إلى كيفية الضمان لا إلى أصله، على معنى أنه في ماله على إشكال، لاحتمال كونه على العاقلة باعتبار عدم العلم بقصده أو القتل، كما إذا اشتبه الحال، فهو خطأ محض يجب فيه الدية على العاقلة، و إن كان هو كما ترى، ضرورة كون الأصل ضمانة الجناية حتى يعلم عنوان الخطاء.

و منها: كونه عائدا إلى ضمان الصادم دية المصدوم إذا فرط التفريط المذكور، بأن وقف في المضيق، و منشأه حينئذ أنه متلف لنفسه بوقوعه في موضع يحرم عليه الوقوف فيه، فهو المعرض لإتلاف نفسه على وجه يكون أقوى من المباشر، و من أنه أزهق نفسا معصومة

و «لا يبطل دم امرء مسلم»(1)

و صدق أنه لم يقصد إتلاف نفسه، و عدم قصد الصادم، لا يزيل الضمان المطلق و إن أزال القصاص عنه، بل يجب على العاقلة، و هو المحكي عن ظاهر المبسوط.


1- 1 الوسائل الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2. و الباب- 10- من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به الحديث 5.

ج 43، ص: 63

و منها: عوده إلى ضمان المصدوم دية الصادم و الحال كونه مفرطا كما ستعرفه.

و على كل حال، فعلى تقدير رجوع الإشكال إلى شي ء مما سمعته واضح الضعف، ضرورة انطباقه على الضوابط السابقة كما هو واضح.

و لو كان واقفا في طريق المسلمين ضيق فصدمه بلا قصد قيل كما عن المبسوط يضمن المصدوم ديته لأنه فرط بوقوفه في موضع ليس له الوقوف فيه، كما إذا جلس في الطريق الضيق فعثر به إنسان مما كان السبب فيه أقوى من المباشر، و تبعه عليه الشهيدان.

و ربما أشكل بعدم إتلاف الصادم مباشرة و لا تسبيبا، و إنما حصل بفعل الصادم، و الوقوف من مرافق المشي فلا يستعقب ضمانا. و فيه أن الكلام في الوقوف غير السائغ الذي يكون كوضع الحجر في الطريق فيعثر به إنسان، و عدم المباشرة و التسبيب لا ينافي الضمان بالشرط.

هذا كله ما إذا كان لا عن قصد و أما لو كان قاصدا لذلك و له مندوحة فدمه هدر قطعا و عليه ضمان المصدوم نفسا أو دية على ما عرفت، و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا اصطدم حران فماتا فلورثة كل واحد منهما نصف ديته و يسقط النصف]

المسألة السابعة:

إذا اصطدم حران بالغان عاقلان قاصدان لذلك دون القتل و لم يكن مما يقتل غالبا فماتا ف (11) هو من شبه العمد، لكن يكون لورثة كل واحد منهما نصف ديته و يسقط النصف (12) الأخر و هو قدر نصيبه، لأن كل واحد منهما تلف بفعله و فعل غيره (13) فيهدر النصف مقابل فعله و يضمن شريكه النصف، بلا خلاف أجده، بيننا، بل و لا إشكال، نعم عن بعض العامة وجوب الدية تامة لكل منهما على الأخر،

ج 43، ص: 64

و لا ريب في ضعفه.

و لا فرق فيما ذكرنا بين المقبلين و المدبرين و المختلفين و البصيرين و الأعميين و المختلفين، و لا بين وقوعهما مستلقيين أو منكبين أو مختلفين، خلافا لأبي حنيفة فأوجب الضمان عليهما في الأول، أما إذا وقعا منكبين فدمهما هدر، لأن الانكباب يحصل بفعل المنكب لا بفعل الأخر، و لو وقع أحدهما منكبا و الأخر مستلقيا فالمنكب هدر و هو واضح الفساد بل يستوي في ذلك أيضا الفارسان و الراجلان بل و الفارس و الراجل إذا فرض طويلا مثلا. و إن كان على كل واحد منهما نصف قيمة فرس الأخر إن تلف بالتصادم بل لا فرق بين اتحاد جنس المركوب و اختلافه و إن تفاوتا في الشدة و الضعف، بل و لا في الراجلين بين أن يتفق سيرهما قوة و ضعفا أو يختلف، بأن كان أحدهما يعدو، و الأخر يمشي، لأن الاصطدام و الحركة المؤثرة إذا وجدت منهما جميعا، اكتفى به و لم ينظر إلى مقادير المؤثر و تفاوت الأثر كالجراحة الواحدة و الجراحات، نعم لو كانت إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركتها مع قوة الدابة الأخرى فلا يناط بحركتها حكم، كغرز الإبرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة.

و على كل حال يقع التقاص في الدية و القيمة، و يرجع صاحب الفضل إن كان فيهما أو في أحدهما على تركة الأخر.

نعم لو لم يعتمد الاصطدام بأن كان الطريق مظلما أو كانا أعميين أو غافلين، فالدية على عاقلة كل منهما، و لا تقاص إلا أن تكون عاقلة كل منهما ترثه، و إن تعمده أحدهما دون الأخر فلكل حكمه. و ضمان المركوب لا مدخلية للعاقلة فيه.

و فرق واضح بين المقام الذي اشتركا معا فيه في الجناية،- و لذا أهدر النصف- و بين ما إذا عثر إنسان بجالس فماتا معا، فإن الدية واجبة لا يهدر منها شي ء،

ج 43، ص: 65

و ذلك لأن كلا منهما قد مات بسبب انفرد به صاحبه، إذ الجالس قتل العاثر مباشرة، و العاثر مات بسبب كان من الجالس، فهو كما لو حفر بئرا في غير ملكه ثم جاء رجل فجرح الحاضر و سقط الجارح في البئر، فإن الجارح قتل الحافر مباشرة، و الحافر قتل الجارح بالتسبيب، فتأمل جيدا.

هذا كله مع عدم قصد القتل بالاصطدام و إن قصداه أي القتل أو أحدهما أو كان بحال يقتل مثله غالبا فهو عمد يجري عليه حكمه فيهما أو في العامد منهما خلافا لأبي حنيفة فجعله خطاء محض أو عن بعض الشافعية أنه شبيه عمد بناء على أن الاصطدام لا يقتل غالبا، و هو واضح الضعف.

و في معنى التصادم ما لو تجاذبا حبلا فانقطع و سقطا و ماتا، لكن عن أبي حنيفة عكس الحكم السابق هنا، فقال «إن كان وقعا منكبين فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الأخر، و إن وقعا مستلقيين فهما هدر، لأن انكباب كل واحد منهما يكون بفعل الأخر، و الاستلقاء يكون بفعله لا بفعل الأخر، نقيض ما سبق» و هو كما ترى، ضرورة عدم انضباط الأمر.

هذا إذا كان المتجاذبان مالكين للحبل أو غاصبين، أما لو كان أحدهما مالكا و الأخر غاصبا فدم الغاصب هدر كما هو واضح.

و لو قطعه ثالث عند تجاذبهما ضمنهما في ماله أو عاقلته، مالكين كانا أو غاصبين أو مختلفين، و إن تعدى الغاصب بالإمساك و الجذب، فإن المباشر هو القاطع.

نعم لو كان هو المالك و هما الغاصبان، أمكن عدم الضمان.

و لو علت الدابتان و جرى الاصطدام و الراكبان مقلوبان احتمل الهدر في الجميع الراكب و المركوب، لكونه من جناية الدواب غير الصائلة فهو كالتلف بالافة السماوية، و كونهما كغير المقلوبين لأن الركوب كان بالاختيار و هو لا يقصر عن حفر البئر في الضمان، خصوصا مع ملاحظة ضمان الراكب ما تتلفه الدابة، و الله العالم.

ج 43، ص: 66

أما لو كانا أي المصطدمان صبيين أو مجنونين أو بالتفريق و الركوب منهما فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة الأخر بلا خلاف، لأن عمدهما خطأ، و لا تقصير من الولي، و لذا لا يضمن ما يقع منه، للأصل و غيره، و ضمان الدابتين عليهما كغيرهما مما يتلفانه من الأموال.

و لو أركبهما وليهما لمصلحتهما فالضمان على عاقلة الصبيين أو المجنونين دون الولي لأن له ذلك فلا تقصير منه كما لو ركبا بأنفسهما، و كما لو حفر بئرا في ملكه فتردى فيه آخر. نعم مع عدم المصلحة يضمن الولي لعدوانه حينئذ كما لو أركبهما أجنبي فإن ضمان دية كل منهما بتمامها على المركب بلا خلاف، و كذا دابتيهما، لعدم قصور إركاب الطفل عدوانا عن حفر البئر كذلك، فيضمن ما يترتب عليه، و إن كان بعمد الصبي الذي جعله الشارع بحكم الخطأ، و حينئذ فإن كان واحدا ثبت عليه دية الصبيين و قيمة الدابتين، و إن كان اثنين مثلا ثبت على كل واحد نصف قيمة كل واحدة من الدابتين، لأن الذي أركبه متعديا أتلف النصفين فيضمنه، و يجب على كل واحد نصف دية الراكب.

لكن في كشف اللثام و عن المبسوط «أن دية الراكب على عاقلة المركب» و فيه أنه سبب، فيتجه عليه كما هو ظاهر.

و لو كانا أي المصطدمان عبدين بالغين عاقلين سقطت جنايتهما (11) بلا خلاف، بل و لا إشكال لأن نصيب كل واحد منهما هدر (12) باعتبار كونه الجاني على نفسه و ما على صاحبه (13) من النصف الأخر فات بتلفه (14) لأن جناية العبد تتعلق برقبته و (15) من هنا لا يضمن المولى (16) سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ، و لو كان أحدهما عبدا و الأخر حرا فلا شي ء لمولاه و لا عليه.

أما الثاني فلما عرفت من تعلق جنايته برقبته و قد فاتت، و أما الأول

ج 43، ص: 67

فلأنه كما جنى عليه الحر جنى هو على الحر، فيتقاصان و إن زاد نصف قيمته على نصف دية الحر، إذ لا عبرة بالزيادة عندنا، هذا.

و لكن و في المسالك «فإن ماتا وجب نصف قيمة العبد في تركة الحر، و يتعلق به نصف دية الحر، و ما تعلق برقبة العبد إذا فات يتعلق ببدلها، كما أن الجاني الذي تعلق الأرش برقبته إذا قتل انتقل إلى قيمته، ثم إن تساويا تقاصا بناء على أن نقد البلد الذي تجب فيه القيمة أحد أفراد الدية، و لو كان نصف القيمة أكثر و أوجبناها فللسيد أخذ الزيادة من تركة الأخر و إلا فلا، و إن كان نصف الدية أكثر فالزيادة مهدرة(1)لأنه لا محل يتعلق به»(2).

و فيه ما لا يخفى عليك في قوله «بناء» أولا و قوله «و أوجبناها» ثانيا.

نعم لو فرض كون الحر ذميا أو امرأة مثلا أمكن استحقاق الزيادة، و الله العالم.

و لو مات العبد خاصة فنصفه هدر و تجب نصف قيمته و تكون على الحر كقيمة الفرس، و إن مات الحر خاصة وجب نصف ديته و تتعلق برقبة العبد كما هو واضح.

و لو اصطدم حران فمات أحدهما فعلى ما قلناه يضمن الحر الباقي نصف دية التالف و النصف الأخر هدر لأنه من جنايته و لكن على رواية عن أبي الحسن موسى عليه السلام يضمن الباقي تمام دية الميت و هي

رواية موسى بن إبراهيم المروي (3)عنه، «قال: قضي أمير المؤمنين عليه السلام في فارسين اصطدما فمات أحدهما، فضمن الباقي دية الميت»

و لكن الرواية مع أنها شاذة لم نجد بها عاملا، و ضعيفة- محتملة لضعف صدمة الميت


1- 1 مهدور ن ل.
2- 2 المسالك، ج 2 ص 492.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

ج 43، ص: 68

بحيث علم عدم الأثر لها.

و لو تصادم حاملان فاسقطتا و ماتتا سقط نصف دية كل واحدة منهما بجنايتها على نفسها و ضمنت (1)نصف دية الأخرى كما لو تصادم الرجلان و أما الجنين فيثبت في مال كل واحدة نصف دية جنين كامل (2)مع القصد إلى الاصطدام و إلا فعلى العاقلة، و إن لم يعلم ذكورة الجنين و أنوثته فربع دية الذكر و ربع دية الأنثى.

و يجب أيضا في تركة كل واحدة أربع كفارات، كفارة لنفسها، و كفارة لجنينها، و ثالثة لصاحبتها، و الأربعة لجنينها، لأنهما اشتركتا في هلاك الأربعة، و سيأتي أن الكفارة تجب مع الاشتراك على كل واحد من الشريكين كملا، كما تجب على المنفرد، و كذلك تجب على قاتل نفسه، و الله العالم.

[المسألة الثامنة إذا مر بين الرماة فأصابه سهم فالدية على عاقلة الرامي]

المسألة الثامنة:

إذا مر بين الرماة في مكان مباح له المرور فيه فأصابه سهم أحدهم مثلا فالدية على عاقلة الرامي بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم، لكونه مخطئا في فعله و في قصده و إلا كان عليه القود أو الدية في ماله كما عرفته مكررا نعم لو ثبت أنه قال: حذار و سمع المار و كان متمكنا من العدول لم يضمن العاقلة بلا خلاف أجده أيضا لما روى أن صبيا دق رباعية صاحبه بخطره، فرفع إلى علي عليه السلام، فأقام بينة أنه قال:

حذار، فدرأ عنه القصاص، و قال: قد أعذر من حذر (11) و هو

خبر محمد بن الفضيل(3)


1- 1 و ثبت ن ل.
2- 2 كذا في الشرائع و لكن في الأصل هكذا:« نصف دية الجنين».
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 التهذيب ج 10 ص 207 الفقيه ج 4 ص 102 الكافي ج 7 ص 202.

ج 43، ص: 69

عن الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام الذي رواه المحمدون الثلاثة، بل هو في التهذيب و الكافي صحيح، أو حسن كالصحيح «قال كان صبيان في زمن علي بن أبي طالب يلعبون بأخطار لهم، فرمى أحدهم بخطره فدق رباعية صاحبه، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فأقام الرامي البينة بأنه قال: حذار، فدرأ عنه القصاص و قال:

قد أعذر من حذر».

و لعلهم فهموا نفى الدية على العاقلة من

قوله: «قد أعذر من حذر»

بناء على إرادته قبول عذر المحذر على وجه لا يترتب على فعله ضمان، لا عليه و لا على عاقلته، أو أن المراد من درء القصاص درء الضمان و لو بمعلومية عدم كون المقام محلا له، مضافا إلى كونه أقوى في التلف من الرامي في الفرض، و لذا قيد الفاضل و غيره قول «حذار» بسماع المقتول و تمكنه من العدول و إن أطلق المصنف و غيره، بل و الخبر، ضرورة عدم الإعذار مع

عدمهما. و لعل الرامي في الخبر كان بالغا بقرينة إقامة البينة و درء القصاص، أو المراد وليه.

و على كل حال فالحكم المزبور لا إشكال فيه بعد أن لم يكن خلاف، للخبر المزبور، أو لما أشرنا إليه، بل عن الوسيلة زيادة «و إن لم يحذره و كان في ملكه و قد دخل عليه بغير إذنه لم يضمن» و لا يخلو من وجه، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد من

قولهم: «من دخل دار غيره بغير إذنه فدمه هدر»(1)

و نحوه، من عدم ضمان المتردي في البئر المحفورة في ملكه مع الدخول بغير إذنه، و إن كان قد يقال بصدق القتل خطأ في الفرض و إن أثم بالدخول بغير إذن فتأمل جيدا.

و لو كان مع المار صبي مثلا غير مميز فقر به من طريق السهم لا قصدا فأصابه، فالضمان على من قربه كما عن القاضي و التحرير لا على الرامي لأنه عرضه للتلف تعريضا قويا شبيها بالمباشرة، بل عن التحرير أنه مباشر لأنه كالدافع في البئر و الرامي كالحافر و لكن فيه تردد كما في القواعد،


1- 1 راجع الوسائل الباب- 17- من أبواب موجبات الضمان.

ج 43، ص: 70

و محكي المبسوط، من أنه المباشر المقدم على السبب مع الاجتماع، و لذا كان خيرة الفخر فيما حكى عنه، «الضمان على عاقلة الرامي».

قلت: الظاهر كون الفرض من جزئيات مسألة المباشرة و التسبيب، و لا ريب في تقديم الأول مع فرض اتحادهما في الجهل و العلم لقوة المباشرة على غيرها، و احتمال الشركة ضعيف، فترتب حينئذ القصاص و الدية على عاقلة الرامي، أو عليه في صورة يكون شبيه عمد كما أنه لا ريب في تقديم العالم منهما على الجاهل.

و لعل ذكر المصنف الصبي كما في القواعد و محكي المبسوط لكونه أظهر الأفراد و إلا فلو فرض تقديم البالغ على وجه يكون كتقديم الصبي ترتب الحكم، و لعله لذا قال في محكي التحرير: «لو قدم إنسانا إلى هدف»(1).

و لو تقدم الصبي لنفسه و لم يقر به أحد فالضمان على الرامي مع التعمد قصاصا أو دية و على عاقلته بدونه، بل في كشف اللثام و غيره: «حذر أم لا» و هو كذلك مع فرض كونه غير مميز، أما إذا كان مميزا يعقل التحذير فقد يقال بكونه كالبالغ خصوصا بعد إطلاق الخبر المزبور.

و على كل حال فقد ذكر غير واحد أن المراد الضمان على عاقلة الرامي في صورة خطائه، و قال بعض الناس «يأتي مثله في المقرب» و فيه أنه فرق بينه و بين المباشرة، و لذا لم أجد من قال هنا الضمان على عاقلة المقرب فتأمل جيدا و الله العالم.


1- 1 التحرير ج 2 ص 262 البحث 12.

ج 43، ص: 71

[المسألة التاسعة في الرواية أن عليا عليه السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام]

المسألة التاسعة قد سمعت سابقا في مسألة الطبيب ما روا ه

السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام إن عليا عليه السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام (1)

و الرواية و إن كانت ضعيفة إلا أنها مع أن المحكي عن ابن إدريس نفي الخلاف عن صحتها مناسبة للمذهب لأصالة الضمان كما سمعته في الطبيب و إن كان حاذقا و مأذونا لأن فعله شبيه عمد إلا أن يأخذ البراءة على ما سمعته سابقا، و احتمال حمل الخبر المزبور على خصوص المفرط لا حاجة إليه كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة العاشرة لو وقع من علو على غيره فقتله فإن قصد فهو قاتل عمد]

المسألة العاشرة:

لو وقع من علو على غيره فقتله فإن قصد ذلك و كان الوقوع مما يقتل غالبا أو قصد القتل به فهو قاتل عمد يترتب عليه حكمه و إن كان لا يقتل غالبا و قصد الوقوع عليه دون قتله فهو شبيه عمد يلزمه الدية في ماله كغيره من أفراده و إن وقع مضطرا إلى الوقوع أو قصد الوقوع لغير ذلك ف في الكتاب و القواعد و

محكي التحرير و الإرشاد و التلخيص و غيرها هو خطاء محض و الدية فيه على العاقلة (11) و هو واضح في الثاني، أما (12) الأول ففي كشف اللثام «إن كان المراد به ما يزول معه القصد إلى الوقوع، أو الوقوع على الغير فهو كما لو ألقاه الهواء (13) و سيذكر أنه لا ضمان، و إن أراد الإلجاء لا إلى زوال القصد فلا فرق بينه و بين غيره في عدم كونه خطأ إلا إذا لم يقصد الوقوع على الغير فلا معنى للعطف بأو»(2).


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 303 مع اختصار.

ج 43، ص: 72

و نحوه عن الأردبيلي، بل أطنب في كشف اللثام حتى اعترف بالعجز عن فهم كلامهم.

و قد يدفع بأن المراد وقع مضطرا على وجه يسند الفعل إليه و إن لم يكن مختارا، بل لو كان كالمجنون و النائم ممن يكون له قصد يسند الفعل به إليه عرفا و إن لم يكن له اختيار قصد و هو من الخطأ المحض كما عرفته في النائم.

أما لو ألقته الريح أو زلق أو نحوهما مما لا يسند إليه فعل فلا ضمان عليه و لا على عاقلته، بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، و بذلك افترق عن الأول، ضرورة عدم صدق نسبة القتل (1)إليه مضافا إلى

صحيح محمد ابن مسلم (2)عن أحدهما عليهما السلام «في الرجل يسقط على الرجل فيقتله فقال: لا شي ء»

و صحيح عبيد بن زرارة(3)«سأل الصادق عليه السلام عن رجل وقع على رجل فقتله قال: ليس عليه شي ء»

و الخبر أو الحسن أو الموثق (4)«سأله عن رجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما فقال: ليس على الأعلى شي ء و لا على الأسفل شي ء»

بناء على كون المراد منها الوقوع على الوجه المزبور، و لو لظهورها في عدم ضمان العاقلة أيضا باعتبار استلزام تركه تأخير البيان، و لإمكان كون المراد من قوله «ليس عليه شي ء» أنه لا يترتب على ذلك شي ء.

و لكن مع ذلك احتمل في كشف اللثام في الفرض، كونه كمن انقلب على غيره في النوم فقتله في وجوب الدية عليه أو على عاقلته، و أن يكون كقتيل الزحام في وجوبها في بيت المال كما في السرائر لئلا يبطل دم امرء مسلم. و ثانيهما لا يخلو من وجه، بل حكي عن التحرير، و إن كان الأصح خلافه، ضرورة عدم قتل أحد له بناء على ما ذكرناه، بل هو شبه المقتول بصاعقة و نحوه. أما أولهما فلا وجه له


1- 1 الفعل ن ل.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب قصاص النفس الحديث 2 1.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب قصاص النفس الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 20- من أبواب قصاص النفس الحديث 3.

ج 43، ص: 73

بعد فرض عدم نسبة الفعل إليه و لو خطأ.

و على كل حال ف الواقع هدر على التقديرات كلها بلا خلاف، بل و لا إشكال لعدم نسبة قتله إلى أحد كي يرجع عليه أو على عاقلته إلا أن يفرض موته بوقوعه على الأسفل و كان عاديا فيكون (1)كذلك، ضرورة كونه حينئذ كحافر البئر في وجوب الضمان عليه، و الله العالم.

هذا كله لو وقع على الوجه المزبور و أما لو دفعه دافع فدية المدفوع لو مات أو القود على الدافع بلا خلاف نصا و فتوى بل و لا إشكال.

و أما دية الأسفل فالأصل أنها على الدافع أيضا كالقصاص له كما هو المشهور بل لا خلاف فيه بين المتأخرين إلا من نادر، ضرورة كونه كمن هدم عليه جدارا مثلا، و لكن في النهاية و محكي التهذيب و الاستبصار ديته على الواقع و يرجع بها على الدافع و هي

رواية عبد الله بن سنان (2)التي رواها المحمدون الثلاثة في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل دفع رجلا على رجل فقتله، قال: الدية على الذي وقع على الرجل لأولياء المقتول، و يرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه قال: و إن أصاب المدفوع شي ء فهو على الدافع أيضا».

و حملها في كشف اللثام على أن أولياء المقتول لم يعلموا دفع الغير له(3)، أو تطرح للإجماع كما قيل على عدم العمل بظاهرها المقتضى للقصاص على الدافع مع قصد القتل أو كون الشي ء مما يقتل غالبا فتأمل جيدا، و الله العالم.


1- 1 في الأصل: فيكونه.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2 الفقيه ج 4 ص 108 الكافي ج 7 ص 288 التهذيب ج 10 ص 211.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 261.

ج 43، ص: 74

[المسألة الحادية عشر في رواية أبي جميلة]

المسألة الحادية عشر

روى أبو جميلة(1)عن سعد الإسكاف عن الأصبغ قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في جارية ركبت أخرى فنخستها ثالثة، فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت، أن ديتها نصفان على الناخسة و المنخوسة،»

و أبو جميلة ضعيف باتفاق من تعرض له على ما قيل فلا استناد إلى نقله بل في سندها محمد بن عبد الله بن مهران، و عن النجاشي و الخلاصة «أنه من أبناء الأعاجم، غال كذاب فاسد المذهب و الحديث مشهور بذلك»(2)بل عن النجاشي «أن سعد الإسكاف يعرف و ينكر، و كان قاضيا»(3)و إن حكى عن الشيخ: «أنه صحيح الحديث بل

روى أنه قال له أبو جعفر: «وددت أن على كل ثلاثين ذراعا قاضيا مثلك»(4)

بل فيها أيضا أبو عبد الله الظاهر أنه كنية لمحمد بن خالد البرقي، و عن النجاشي «أنه ضعيف في الحديث»(5)و إن كان الظاهر أن المراد به روايته عن الضعفاء و المراسيل.

و بالجملة فالسند كما عرفت، و إن اقتصر المصنف و غيره على ضعف أبي جميلة للاتفاق عليه و معلوميته.

و أما المتن فهو- مع أنه قضية في واقعة- لا يطابق إطلاقه الأصول في صورة إلجاء القامصة إلى القمص، ضرورة كون المتجه حينئذ الضمان على الناخسة التي هي أقوى في التأثير من القامصة، و خصوصا مع كون الراكبة عادية في ركوبها لعبث أو غيره، بل و في صورة بقاء اختيارها، إذ المتجه كون الضمان عليها، لأنها


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 رجال النجاشي ص 270 خلاصة الأقوال ص 252.
3- 3 رجال النجاشي ص 135.
4- 4 مجمع الرجال ج 3 ص 100- 101 المتن و الهامش.
5- 5 رجال النجاشي ص 258.

ج 43، ص: 75

أقرب في التأثير من الناخسة مع فرض بقاء الاختيار بل و غير ذلك، و لعله لذا و غيره قال المصنف في النكت: «إن الرواية ساقطة عندي»(1)و دعوى- انجبار السند و الدلالة بالشهرة المحكية على لسان الفاضلين و الشهيد، و في المسالك «هذه الرواية مشهورة في هذا الباب، بل فيها و في غاية المراد و التنقيح أنه عمل بمضمونها الشيخ و أتباعه- يدفعها ما حكاه غير واحد من عدم العمل بها إلا من الشيخ و القاضي، فلا يبعد إرادة الشهرة في الرواية.

و في المقنعة و الغنية و محكي الإصباح و الكافي على الناخسة و القامصة ثلثا الدية ناسبين له إلى قضاء علي عليه السلام بذلك و في الأولى و يسقط الثلث لركوبها عبثا بل في الغنية و محكي الكافي ذلك أيضا مع زيادة أنها لو كانت راكبة بأجرة كانت كمال ديتها على الناخسة. و

عن المفيد في الإرشاد روايته مرسلا(2)«قال: إن عليا عليه السلام رفع إليه خبر جارية حملت جارية على عاتقها عبثا و لعبا، فجائت جارية أخرى فقرصت الحاملة، فقمصت لقرصتها فوقعت الراكبة، فاندق عنقها فهلكت، فقضى على القارصة بثلث الدية و على القامصة بثلثها و أسقط الثلث الباقي لركوب الواقعة، فبلغ النبي صلى الله عليه و آله فأمضاه».

و على كل حال ففي المتن و النافع و النكت و محكي المختلف هذا وجه حسن لقاعدة الاشتراك، و هو كذلك مع فرضه، بل ربما جمع بين الخبرين بإمكان إرادة ما يضمن من دية الراكبة في الخبر الأول كما لها أو ثلثيها(3).


1- 1 نكت النهاية، ستة صفحات قبل آخر الكتاب.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2 مع اختلاف في بعض الألفاظ. فراجع.
3- 3 قال في مفتاح الكرامة:« و يمكن أن يراد في الخبر الأول بدية الراكبة ما يضمن من ديتها سواء كان ثلثيها أو كلها فيوافق هذا الخبر» ج 10 ص 349.

ج 43، ص: 76

و خرج متأخر و هو ابن إدريس وجها ثالثا فأوجب الدية على الناخسة إن كانت ملجأه للقامصة، و إن لم تكن ملجأه للقامصة فالدية على القامصة و اختاره في الإرشاد و الإيضاح و الروضة، و استحسنه في التحرير و كشف الرموز، و في المتن هو وجه أيضا غير أن المشهور بين الأصحاب هو الأول و فيه ما عرفت إن أراد بالأول ما سمعته من مضمون خبر أبي جميلة(1)، بل و إن أراد ما

سمعته من المفيد(2)، ضرورة عدم شهرة عليهما، و خصوصا الثاني منهما الذي لم يدعها عليه أحد.

فلا ريب أن المتجه العمل بما ذكره ابن إدريس، لأن فعل المكروه الملجإ الذي هو كالآلة مستند إلى المكره، و لذا يضمن الدافع المقتول بوقوع المدفوع، بخلاف ما إذا لم تكن ملجأه فإنها مستقلة بالقتل حينئذ.

لكن أشكله الشهيد «بأن الإكراه على القتل لا يسقط الضمان، و بأن القموص ربما كان يقتل غالبا فيوجب القصاص» و فيه منع عدم إسقاطه مع وصوله إلى حد الإلجاء كما هو الفرض. و بأن القمص الذي هو النفرة لا يستلزم الوقوع بحسب ذاته فضلا عن كونه مما يقتل غالبا فيكون من باب الأسباب لا الجنايات.

نعم لو فرض على حال يكون كذلك أو قصد القتل به لو كان على حال يقتل نادرا اتجه القصاص.

و من هنا قال في الرياض: «هو قوى متين لو لا مخالفته للروايات المشهورة قطعا بين الأصحاب و إن اختلف بعضها مع بعض، إلا أنها متفقة في رد هذا الوجه و غيره من الوجوه».

و فيه ما عرفته من عدم العمل بالأولى إلا الشيخ و القاضي كما اعترف به سابقا، بل قال: «إن الاعتماد على هذه الشهرة المحكية مع عدم وجدان العامل غيرهما لعله ممنوع» و أما الثانية فقد عرفت أنها مرسلة و لا شهرة تجبر العمل بها أيضا فالمتجه حينئذ العمل بما تقتضيه القواعد، و تنزيل النصوص المزبورة على


1- 1 نقلنا مصدرهما آنفا.
2- 2 نقلنا مصدرهما آنفا.

ج 43، ص: 77

ما يوافقها، خصوصا بعد أن كانت قضايا في أعيان خاصة لا تنافي التنزيل المزبور، نعم ما عن الراوندي- من التفصيل بين بلوغ الراكبة و اختيارها فما عليه المفيد، و صغرها و كرهها فما عليه الشيخ- و كذا ما في التنقيح- من التفصيل بين ما إذا كان الركوب عبثا فالأول، أو لغرض صحيح فالثاني إن كانت القامصة غير ملجئة و إلا فعلى الناخسة- واضح الضعف فيما خالف القواعد منه، ضرورة عدم شاهد له لو أريد به الجمع بين النصوص المزبورة التي قد عرفت

فقدها لشرائط الحجية في نفسها، و احتمالها ما لا ينافي القواعد لكونها من قضايا الأعيان.

و من هنا قال في الرياض بعد أن حكاهما مضعفا لهما بعد ما سمعت: «و لو صح الجمع بدون الشاهد لكان ما عليه الحلبي و ابن زهرة في غاية القوة عملا بروايتهما المفصلة بين كون الركوب عبثا فما في المقنعة، و كونه بأجرة فما في النهاية، و روايتها و إن كانت مطلقة بنصف الدية، إلا أنها محمولة على صورة الثانية حمل المطلق على المقيد، فتأمل»(1).

و إن كان فيه أن ذلك فرع الحجة أولا، و عدم ظهور كون التفصيل من المروي و إنما هو منهما ثانيا و إلا لم يحتج إلى شاهد بعد فرض الحجة، و لعله إلى ذلك و غيره أشار بالأمر بالتأمل.

ثم قال: «هذا مع أن الوجوه المزبورة لا تفيد الحكم في شقوق المسألة بكليته و إنما غايتها إفادته في صورة العلم بحال الناخسة و المنخوسة، و أما صورة الجهل بهما فليست لحكمها مفيدة، فالمسألة محل تردد و شبهة، و إن كان مختار الحلبي (2)في الصورة الأولى لا يخلو عن قوة لإمكان الذب عن الروايات المشهورة بأنها قضية في واقعة، فيحتمل اختصاصها بالصورة الثانية، و المختار فيها خيرة المفيد و من تبعه للأصول المتقدمة، مضافا إلى أصل البراءة»(3)و هو كما


1- 1 رياض المسائل ج 2 ص 599.
2- 2 في الأصل:« الحلي».
3- 3 رياض المسائل ج 2 ص 599.

ج 43، ص: 78

ترى بعد الإغضاء عما فيه، لا يرجع إلى محصل في المسألة، خصوصا بعد ما عرفت من عدم حجية المرسل و غيره، فكيف يجعل مضمونه أصلا يرجع إليه في مخالف الضوابط.

و التحقيق ملاحظة القواعد في جميع الصور بعد تنزيل النصوص المزبورة على ما لا ينافيها لأنها قضايا في أعيان، و حال الجهل يرجع فيه إلى ما يرجع في نظائره من القرعة و غيرها، لا إلى المرسل المزبور أو الضعيف الآخر، و الله العالم.

[و من اللواحق مسائل]
اشاره

و من اللواحق مسائل:

[المسألة الأولى من دعى غيره فأخرجه من منزله ليلا فهو له ضامن حتى يرجع إليه]

الأولى:

من دعى غيره فأخرجه من منزله ليلا فهو له ضامن حتى يرجع إليه وفاقا للمشهور، بل عن ظاهر غير واحد الإجماع عليه، بل في الغنية و نكت النهاية و غاية المراد الإجماع عليه، و لعله كذلك، فإني لم أجد فيه مخالفا إلا ابن إدريس، ففصل بين المتهم عليه و غيره، فأثبت القسامة في الأول مع دعوى الأولياء القتل عمدا أو خطأ مقيما للعداوة و الإخراج بالليل فيه مقام اللوث، بخلاف الثاني فإنه لا شي ء عليه.

نعم قد تجشم بعض الناس فادعى الخلاف في بعض العبارات، بعد ما وسوس هو في الحكم.

و على كل حال فلا ريب في فساده، حتى لو قلنا بتحقق اللوث في مثله، إذ يمكن إخراج الفرض عن حكمه بما عرفت، مضافا إلى

قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الله بن ميمون (1)«إذا دعي الرجل أخاه بالليل فهو ضامن حتى يرجع إلى


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.

ج 43، ص: 79

بيته»

و إلى

حسن عمرو بن المقدام أو قويه (1)«قال: كنت شاهدا عند البيت الحرام و رجل ينادي بأبي جعفر المنصور و هو يطوف و يقول: يا أمير المؤمنين (2)إن هذين

الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فلم يرجع إلى، و و الله ما أدري ما صنعا به! فقال لهما أبو جعفر: و ما صنعتما به؟ فقالا: يا أمير المؤمنين (3)كلمناه ثم رجع إلى منزله، فقال لهما: وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان، فوافياه من الغد و حضرته، فقال لجعفر بن محمد عليهما السلام و هو قابض على يده: يا جعفر اقض بينهم، فقال: يا أمير المؤمنين (4)اقض بينهم أنت، فقال: بحقي عليك إلا قضيت بينهم، فقال: فخرج جعفر عليه السلام فطرح له مصلى من قصب فجلس عليه ثم جاء الخصماء، فجلسوا قدامه، فقال: ما تقول؟ فقال: يا ابن رسول الله صلى الله عليه و آله إن هذين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فو الله ما رجع إلى و و الله ما أدري ما صنعا به؟

فقال: ما تقولون؟ فقالا: يا ابن رسول الله كلمناه ثم رجع إلى منزله، فقال جعفر عليه السلام: يا غلام اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «كل من طرق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلا أن يقيم البينة أنه قد رده إلى منزله» يا غلام نح هذا و اضرب عنقه، فقال: يا ابن رسول الله و الله ما قتلته أنا و لكن أمسكته فجاء هذا فوجأه فقتله، فقال: أنا ابن رسول الله، يا غلام نح هذا و اضرب عنق الآخر، فقال: يا ابن رسول الله و الله ما عذبته و لكن قتلته بضربة واحدة فأمر أخاه فضرب عنقه، ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه و حبسه في السجن و وقع على رأسه يحبس عمره و يضرب في كل سنة خمسين جلدة»

و الضعف في السند لو سلم في الثانية منجبرة بما عرفت، فوسوسة بعض الناس في الحكم من جهة قاعدة عدم ضمان الحر في غير محلها بعد النص و الإجماع. بل الظاهر كون الرجل و الأخ فيهما مثال لمطلق الغير، فتدخل المرأة إذ لا قائل بالفرق كما في غاية المراد.


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب قصاص النفس الحديث 1 و الكافي ج 7 ص 287 و التهذيب ج 10 ص 221 و الفقيه ج 4 ص 117.
2- 2 في الأصل:« يا أمير المفسدين» و هو من الناسخ أو الشارح.
3- 3 في الأصل:« يا أمير المفسدين» و هو من الناسخ أو الشارح.
4- 4 في الأصل:« يا أمير المفسدين» و هو من الناسخ أو الشارح.

ج 43، ص: 80

بل الظاهر عدم الفرق بين الصغير و الكبير، بل الحر و العبد. نعم يختص الحكم بالليل لاختصاص النصوص و فتوى الأصحاب به اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن.

و كذا لو أخرجه بالتماسه كما عن غير واحد التصريح به للقاعدة المزبورة، و إن كان ربما احتمل عموم النص له، و أولى من ذلك ما لو دعى غيره فخرج هو، بل لعله كذلك أيضا لو أخرجه إلى متعين عليه، كما لو أوجب. أو خيره بين الخروج و عدمه كما عن الشهيد في الحواشي التصريح به. بل لا يضمن المستأجر لغيره، و لا المرسل كما صرح به في القواعد، و إن استأجره ليلا إذا اختار هو الخروج ليلا بنفسه. كل ذلك للقاعدة المزبورة إذ لم يصحبه في الخروج ليتهم بقتله، بل لعل المتبادر من دعائه و إخراجه ذلك، فلا يعمه الخبران و لا الفتاوى و لو للقاعدة المزبورة.

لكن في كشف اللثام «أما لو استأجره ليلا ليقود أو يسوق دابته مثلا فأخرجه لذلك من منزله فهو داخل في إخراجه ليلا» و فيه بحث.

نعم لو كان الداعي جماعة توزع الضمان، و لو كان المدعوون جماعة ضمن الداعي كل واحد باستقلاله لعدم الفرق في ذلك.

و كيف كان فإن عدم و لم يعرف حاله فهو ضامن لديته بلا خلاف أجده كما اعترف به في التنقيح و غيره، بل عن الغنية و غاية المرام الإجماع على ذلك، و لعله لثبوت الضمان، و الأصل البراءة من القود و برأيه العاقلة، بل ظاهر دليل الضمان من النص و غيره ذلك أيضا، و

قوله عليه السلام في خبر ابن أبي المقدام (1): «نح هذا و اضرب عنقه»

و إن كان ظاهرا في إرادة القود في الضمان في النبوي (2)، إلا


1- 1 قد مر آنفا.
2- 2 المراد بالنبوي هو الذي نقل عن أبي عبد الله عليه السلام عنه صلى الله عليه و آله في خبر أبى المقدام المتقدم.

ج 43، ص: 81

أنه- مع عدم الجابر له في ذلك بل الموهن متحقق- يمكن حمله على إرادة مصلحة التقرير و إيضاح الأمر و غير ذلك (1).

و من هنا كان الأصح عدم منعه من الإرث بذلك، و إن توقف فيه الفاضل لعدم ثبوت كونه قاتلا كي يكون مانعا من ترتب أثر النسب المقتضي للإرث و الضمان إنما يقتضي كونه بحكم القاتل بالنسبة إلى ذلك.

و إن وجد مقتولا و ادعى قتله على غيره و أقام بينة فقد بري ء بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه و إن عدم البينة ففي القود تردد من ظاهر خبر ابن أبي المقدام، و كونه أقرب إلى استيفاء المضمون من الدية التي هي بمنزلة القيمة، و نسبته في محكي السرائر إلى رواية، و من أصالة البراءة و الاحتياط في خطر الدماء، و أعمية الضمان منه، بل ظهوره في غيره، و خبر ابن أبي المقدام قد عرفت الحال فيه، و إلا لاقتضى القود حتى مع عدم العلم بالحال، و قد عرفت عدم الجابر له في ذلك بل الموهن متحقق.

و من هنا كان الأصح أن لا قود عليه بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له سوى ما يحكى عن المفيد و تبعه الفاضل في الإرشاد من ثبوت القود إذا لم تقم البينة مع أنه احتاط بإسقاطه أيضا، بل عن ظاهر الغنية و غيرها الإجماع عليه، بل عن النهاية نسبته إلى رواية، بل عن السرائر نسبته إلى روايات، فالحكم حينئذ مفروغ منه.

نعم عن السرائر و المختلف أنه يثبت اللوث مع العداوة بينهما، فلو حلف أولياء الفقيد القسامة أنه قتله اقتصوا منه إن ادعوا قتله عمدا و هو أيضا مخالف للنص و الفتوى أيضا إلا إذا أثبت مقتضى اللوث بأمر آخر زائد على ذلك، إذ لا دليل على أنه لوث شرعا و لا تشمله عموماته، إذ ليس هو مطلق الظن كما عرفته في محله، بل قد يظهر من بعض إخراج الفرض من حكم القسامة للنص و الفتوى و إن شملته أدلة اللوث كما أخرجاه من قاعدة عدم ضمان الحر، و إن كان لا يخلو


1- 1 راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 285.

ج 43، ص: 82

من بحث، بناء على اعتبار الأمارات المخصوصة في اللوث على وجه لا يشمل الفرض كما عرفت البحث فيه في محله.

و على كل حال فلا قود و لكن عليه الدية في ماله لما عرفته من اقتضاء الضمان عليه نصا و فتوى مضافا إلى أصالة برأيه العاقلة.

و لو لم يقر بقتله و لا ادعاه على غيره فعن المفيد و سلار و ابن حمزة أن عليه القود، و عن المختلف اشتراطه بالقسامة أنه قتله عمدا، و في كشف اللثام «و الوجه أنهم إن لم يحلفوا القسامة ألزم البيان فإن ادعى الخطأ قبل مع يمينه و ألزم الدية، و إن ادعى على الغير فما تقدم».

قلت: لا يخفى عليك ما في الجميع، ضرورة عدم دليل على شي ء من ذلك، و خبر ابن أبي المقدام الذي قد عرفت عدم الجابر له لا يدل على التفصيل المزبور، فالمتجه الضمان بالدية في ماله لما عرفت.

نعم لو فرض حصول أمارة زائدة على ذلك يتحقق بها اللوث أمكن حينئذ جريان حكمه عليه حملا للنص و الفتوى على خلاف حكمه (1)من حيث الاستدعاء و الإخراج ليلا لا مطلقا فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، و الله العالم.

و إن وجد ميتا ففي لزوم الدية تردد كما في القواعد و غيرها من أصل البراءة و قاعدة الاقتصار، و من إطلاق الضمان نصا و فتوى الظاهر في كونه بذلك يكون كضمان المال، بل عن ابن إدريس أن به رواية، مضافا إلى قاعدة عدم بطلان دم المسلم، و هو المحكي عن المقنعة و النهاية و المراسم و الوسيلة و النافع و كشف الرموز و تعليق النافع. بل قيل إنه أشهر، بل هو مقتضى إطلاق معقد المحكي من إجماع الغنية.

نعم قيده في الأربعة المتقدمة بما إذا ادعى الموت حتف أنفه و عجز عن


1- 1 كذا في الأصل، و في بعض النسخ حملا على حكمه.

ج 43، ص: 83

إثباته، بخلاف غيرها الذي أطلق فيه ذلك سواء ادعاه و عجز عن الإثبات أو سكت، و هو قوي مع احتمال القتل بأثر غير ظاهر. أما مع العلم بموته حتف أنفه فالمتجه عدم الضمان، إذ هو ليس كالمال المضمون، ضرورة كون المنساق من النص و الفتوى أن الضمان من احتمال القتل، و لذا لو أقام بينة على أن القاتل غيره لم يضمنه إجماعا كما عرفت، بل قد يقال بعدم ضمانه لو علم موته بلذع حية أو عقرب أو نحوهما مما هو كالموت حتف أنفه في عدم الضمان لعدم احتمال قتله. و فرق واضح بينه و بين الطفل المغصوب الذي لا يدفع الآفات عن نفسه.

و على كل حال فقول المصنف و لعل الأشبه أنه لا يضمن كما في محكي التحرير و المختلف للأصل المزبور مع قاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن، و لكن قد عرفت قوة الأول بإطلاق الضمان الذي به ينقطع الأصل المزبور، بل و قاعدة الاقتصار، ضرورة حجية الظاهر كالمتيقن، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا أعادت الظئر الولد فأنكره أهله صدقت]

المسألة الثانية:

إذا أعادت الظئر الولد فأنكره أهله صدقت بلا خلاف أجده فيه ل

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل استأجر ظئرا فدفع إليها ولده فغابت بالولد سنين، ثم جاءت بالولد و زعمت أمه أنها لا تعرفه و زعم أهلها أنهم لا يعرفونه، قال: ليس لهم ذلك، فليقبلوه فإنما الظئر مأمونة».

نعم عن السرائر اعتبار اليمين، و ربما كان أيضا ظاهر قول المصنف و غيره «صدقت» و لكن إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدمه، و لعل قوله فيه: «مأمونة» دون «مؤتمنة» كي يدل على استحقاق اليمين على الأمين إذا انهم بعد تسليم شموله لمثل ذلك و أنه غير مختص بالمال.

و على كل حال فهي مقبولة القول ما لم يثبت كذبها لصغر سن من


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.

ج 43، ص: 84

أتت به أو كبره، على وجه يعلم كونه غيره أو نحو ذلك. ف لا يقبل قولها حينئذ بل تلزمها الدية التي هي عوضه بعد أصالة البراءة من القصاص أو إحضاره بعينه أو من يحتمل أنه هو بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك.

و لا ينافي قبول قولها فيه أخيرا أنه هو، كذبها السابق حتى لو قالت إنه مات حتف أنفه و قد علم كذبها، نعم لو لم يعلم كذبها في ذلك كان القول قولها باليمين كما في غيرها من الأمناء أو مطلقا.

و كان أصل الضمان هنا حيث يضمن للاتفاق ظاهرا عليه، و عن الشهيد في حواشيه «إن من قواعد الفقهاء إن الحر لا يضمن بإثبات اليد، إذ لا أثر لليد في غير المال و استثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل: مسألة الظئر، و مسألة المنادي

غيره ليلا، و مسألة تلف الصبي المغصوب بتلف الغاصب كلدغ الحية و أشباه ذلك».

بل و يدل عليه أيضا فحوى صحيح سليمان بن خالد(1)الوارد فيما ذكره المصنف و غيره بل لا أجد فيه خلافا من أنه لو استأجرت أخرى و دفعته بغير إذن أهله فجهل خبره ضمنت الدية

قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل استأجر ظئرا فدفع إليها ولده فانطلقت الظئر فدفعت ولده إلى ظئر أخرى فغابت به حينا ثم إن الرجل طلب ولده من الظئر التي كان أعطاها إياه فأقرت أنها استوجرت و أقرت بقبضها ولده و أنها كانت دفعته إلى ظئر أخرى فقال: عليها الدية أو تأتي به»(2).

و عن التهذيب (3)و الفقيه (4)روايته بطرق أخر و متن آخر قد وافق الأولى


1- 1 الذي يأتي قريبا.
2- 2 الوسائل الباب- 80- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 التهذيب ج 10 ص 222.
4- 4 الفقيه ج 4 ص 106 و 161.

ج 43، ص: 85

إلى قوله: فغابت الظئر بالولد

«فلا يدري ما صنع به فقال: الدية كاملة».

بل لعله كذلك إذا لم يأذنوا بالتسليم و إن أذنوا بالاستيجار كما صرح به في كشف اللثام.

و لو علم موته حتف أنفه عند الثانية ففي الضمان كالمال للتفريط وجه، و هل للولي الرجوع على الثانية وجه أيضا و إن رجعت هي مع فرض الغرور، لم أجد ذلك محررا في كلامهم، و أصالة البراءة و قاعدة عدم ضمان الحر محكمة، و قد تقدم.

في كتاب الغصب بعض الكلام في ذلك.

[المسألة الثالثة لو انقلبت الظئر فقتلته لزمتها الدية في مالها]

المسألة الثالثة:

لو انقلبت الظئر فقتلته لزمتها الدية في مالها إن طلبت بالمظائرة الفخر و لو كان للضرورة فديته على عاقلتها وفاقا للصدوق في ظاهره أو صريحه: و الشيخ و الفاضل في الإرشاد، و الشهيد في اللمعة على ما حكي عن بعض ل

خبر محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر عليه السلام «أيما ظئر قوم قتلت صبيا لهم و هي نائمة فانقلبت عليه فقتلته فإن عليها الدية كاملة من مالها خاصة إن كانت إنما ظئرت طلبا للعز و الفخر، و إن كانت إنما ظئرت من الفقر فإن الضمان على عاقلتها».

و نحوه خبر عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام (2)و خبر الحسين بن خالد عن الرضا عليه السلام (3).

و هي و إن كانت ضعيفة و قلنا بأن الضعيف في الكتب الأربعة لا يعمل به، و لا يكفي تبين المحمدين له، أو لعدم ضمانهم صحته، لكنها متعاضدة مؤيدة بما سمعته من ضمان الظئر، و خصوصا إذا كانت مستأجرة و قلنا بضمان الأجير


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب موجبات الضمان هذا الحديث بإسناد متعددة نقلا من الكافي ج 7 ص 370 و التهذيب ج 10 ص 222- 223 و الفقيه ج 4 ص 161 و المحاسن للبرقي ج 2 ص 305.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب موجبات الضمان.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب موجبات الضمان.

ج 43، ص: 86

لمثل ذلك.

بل في نكت المصنف: «لا بأس أن يعمل الإنسان بها لاشتهارها و انتشارها بين الفضلاء من علمائنا، و يمكن الفرق بين الظئر و غيرها بأن الظئر بإضجاعها الصبي إلى جانبها مساعدة بالقصد إلى فعل له شركة في التلف، فتضمن لا مع الضرورة» و إن كان في قوله: «و يمكن الفرق إلى آخره» ما لا يخفى.

هذا و لكن خيرة الفاضل في بعض كتبه و ولده و ثاني الشهيدين الدية على العاقلة مطلقا.

بل في المسالك نسبه إلى أكثر المتأخرين- و إن كنا لم نتحققه- لأنه خطأ محض، و هو كذلك لو لا النصوص المزبورة.

و منه يعلم ضعف ما عن المفيد و سلار و ابني زهرة و إدريس، من أن دية الولد على الظئر مطلقا، و إن علل بأن إضجاعها الصبي إلى جنبها شبيه بالعامد، إلا

أنه كما ترى واضح الفساد، ضرورة كونه خطأ محضا كما عرفته في النائم، و لكن خرجت خصوص الظئر بما عرفت.

و من هنا كان المتجه عدم إلحاق الأم بها، و إن حكي عن الشهيد في الحواشي الإلحاق.

بل الظاهر ضمان العاقلة أيضا لها إذا كانت قد ظئرت للعز و الفخر(1)ضرورة خروجه عن النصوص المزبورة، فيبقى على قاعدة الخطأ المحض، و الله العالم.


1- 1 في الأصل:« الفقر».

ج 43، ص: 87

[المسألة الرابعة من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له و لا قود]

المسألة الرابعة روى عبد الله بن طلحة كما عن الكافي و التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام في لص دخل على امرأة فجمع الثياب فوطئها قهرا فثار ولدها فقتله اللص و حمل الثياب ليخرج، فحملت هي عليه فقتلته، فقال: يضمن مواليه دية الغلام، و عليهم فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها، و ليس عليها في قتله شي ء

و لفظها: «سألته عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها فلما جمع الثياب تابعته نفسه فكابرها على نفسها فواقعها فتحرك ابنها فقام فقتله بفأس كان معه فلما فرغ حمل الثياب و ذهب ليخرج حملت عليه بالفأس فقتلته فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد. فقال أبو عبد الله عليه السلام: اقض في هذا كما وصفت لك فقال: يضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دية الغلام، و يضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم بمكابرتها على فرجها إنه زان و هو في ماله غرامة و ليس عليها في قتلها إياه شي ء لأنه سارق» و زاد في الكافي قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له و لا قود»(1)و رواه في الفقيه عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام(2)

و عن العلامة: «طريقه إلى يونس صحيح على ما ذكره الشيخ في الفهرست و إن لم يذكره الصدوق في مشيخة الفقيه»(3)و حينئذ فالرواية صحيحة.

فما في المسالك «من أنها ليست من الصحيح فليس إلى تكلف ردها إلى الأصول


1- 1 الكافي ج 7 ص 293 التهذيب ج 10 ص 208 الوسائل الباب- 23- من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب القصاص في النفس الحديث 5، نقلا من الفقيه ج 4 ص 164.
3- 3 لم أجد هذه العبارة في الخلاصة و لكنها موجودة في جامع الرواة ج 2 ص 542.

ج 43، ص: 88

ضرورة» في غير محله.

نعم لم نجد عاملا بها على مخالفتها للأصول التي منها ما عرفته من أن قتل العمد لا تضمنه العاقلة و السارق المذكور قد قتل الولد عمدا فكيف يضمن العاقلة، و منها وجوب مهر المثل للوطي لا خصوص الأربعة آلاف درهم، و منها أن السارق عليه القطع لا القتل، و منها أن قتله وقع بعد قتله لابنها فلم لا يقع قصاصا.

و لذلك أو بعضه صرح ابن إدريس بأنها مخالفة للأصول.

و لكن قد يقال إن وجه الدية فوات محل القصاص بناء على أن فواته مع عدم تركة له تؤخذ منها الدية، يقتضي ثبوتها على الأقرب فالأقرب، كما سمعته سابقا من بعضهم، بل و بعض النصوص، و إن كان فيه البحث السابق، و ربما يشهد له في الجملة

خبر أبي حمزة الثمالي (1)عن أبي جعفر عليه السلام «قلت له:

دخل رجل على امرأة حامل فوقع عليها فقتل ما في بطنها فوثبت عليه فقتلته، قال: ذهب دم اللص هدرا و كانت دية ولدها على المعقلة».

كما أن وجه عدم وقوعه قصاصا عن ولدها لأنها قتلته دفعا عن المال فلم يقع قصاصا و منه يعلم الوجه في قتله دون قطعه و إيجاب المال دليل على أن مهر المثل في هذا لا يتقدر بخمسين دينارا بل بمهر مثلها بالغا ما بلغ كما عرفته في محله و حينئذ تنزل هذه الرواية على أن مهر أمثال هذه القاتلة هذا القدر.

ثم إن المصنف ذكر في نكت النهاية وجوها لذكر الشيخ مضمونها و نحوها بلفظ الرواية دون غيرها، لا فائدة في ذكرها و إن حكاها في المسالك على طولها.

و روى عنه أي عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا في


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العاقلة الحديث 3.

ج 43، ص: 89

الكافي و التهذيب بالسند الضعيف، و في الفقيه بالسند الذي عرفته في امرأة أدخلت ليلة البناء بها صديقا إلى حجلتها فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق فاقتتلا فقتله الزوج فقتلته هي قال: يضمن دية الصديق و تقتل (1)بالزوج و

لفظه «قلت له:

رجل تزوج امرأة فلما كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة فلما دخل الرجل يباضع أهله ثار الصديق و اقتتلا في البيت، فقتل الزوج الصديق و قامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته بالصديق، فقال: تضمن المرأة دية الصديق و تقتل بالزوج»(2).

و لكن لم أجد بها عاملا على ظاهرها، نعم ذكره الشيخ و غيره بعنوان الرواية و من هنا قال المصنف في تضمين دية الصديق تردد أقربه أن دمه هدر كما عن الحلبي و الفخر و الكركي التصريح به.

نعم في النكت «لعل ضمانها لأنها غرته» و عن التحرير «لأنها أخرجته من منزله ليلا» و الثاني كما ترى بعد معلومية قاتله، بل و الأول بعد استفاضة النصوص أو تواترها المتقدمة سابقا على هدر دم مثله، منها

خبر الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام (3)«في رجل دخل دار رجل للتلصص أو الفجور فقتله صاحب الدار، أ يقتل أم لا؟ قال: اعلم أن من دخل دار غيره فقد أهدر دمه و لا يجب عليه شي ء».

و ما في المسالك- من أنه يشكل بأن دخوله أعم من قصد الزنا فلا يدل عليه، و لو سلم منعنا الحكم بجواز قتل من يريده مطلقا- كما ترى، ضرورة كونه محاربا أو كالمحارب و إلا لكان الزوج ضامنا لا هي، فالأولى حمل الخبر


1- 1 في الأصل: تقاد و في الشرائع: تقتل.
2- 2 الكافي ج 7 ص 293، التهذيب ج 10 ص 209، الفقيه ج 4 ص 165، الوسائل الباب- 23- من أبواب قصاص النفس الحديث 3، و الباب- 21- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 27- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.

ج 43، ص: 90

المزبور على أنه قضية في واقعة لم تحك بتمامها فلا يتعدى منها إلى غيرها، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو تجارح اثنان فقتل أحدهما قضى بالدية على الثاني و وضع منها أرش الجناية عليه]

المسألة الخامسة روى محمد بن قيس الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه و كون المروي عنه الباقر عليه السلام، فالرواية صحيحة في الكافي و الفقيه و موضع من التهذيب (1)عن أبي جعفر عن علي عليهما السلام في أربعة شربوا المسكر فجرح اثنان و قتل اثنان، فقضى عليه السلام دية المقتولين على المجروحين بعد أن ترفع جراحة المجروحين من الدية و

لفظه: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة شربوا مسكرا فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان فجرح اثنان، فأمر بالمجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة، و قضى بدية المقتولين على المجروحين، و أمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الديات فإن مات المجروحان فليس على أحد من أولياء المقتولين شي ء».

بل رواه في موضع آخر من التهذيب بسند آخر متصل إلى

عبد الله بن الحكم (2)«قال: سألته عن أربعة نفر كانوا يشربون في بيت فقتل اثنان و جرح اثنان قال: يضرب المجروحان حد الخمر و يغرمان قيمة المقتولين و تقوم جراحتهما فيرد عليهما مما أديا من الدية».

بل عن المقنعة و النهاية و القاضي و ابني حمزة و زهرة أنهم غير قادحين فيها بشي ء، و إن كان ذلك ليس صريحا في الفتوى بها.


1- 1 الكافي ج 7 ص 284، التهذيب ج 10 ص 240 الوسائل الباب- 1- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 153- 154 و للحديث ذيل.

ج 43، ص: 91

لكن في المسالك «عمل بمضمونها كثير من الأصحاب» و في التنقيح «إن أكثر الأصحاب عملوا بها حتى أن أبا علي قال: لو تجارح اثنان فقتل أحدهما قضى بالدية على الثاني و وضع منها أرش الجناية عليه» و في كشف اللثام «إنه اشتهر بين الأصحاب و أفتى بمضمونه القاضي».

و الظاهر إرادة اشتهاره رواية لا عملا فإنه لم يحك العمل به إلا عن أبي علي و القاضي، خصوصا بعد معارضته بما في رواية السكوني المروية في التهذيب و الفقيه (1)عن أبي عبد الله عليه السلام إنه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة و أخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين

«قال: كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم فرفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسجنهم فمات منهم رجلان و بقي رجلان فقال أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين أقدهما بصاحبينا فقال علي عليه السلام للقوم: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تقيدهما قال علي عليه السلام:

فلعل ذينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه قالوا: لا ندري فقال علي عليه السلام: بل أجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة و آخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين،» و ذكر إسماعيل بن الحجاج بن أرطاة عن سماك بن حرب عن عبد الله بن أبي الجعد إنه قال: «كنت أنا رابعهم فقضى علي عليه السلام هذا القضية فينا»(2)

بل في كشف الرموز إن هذا الخبر أقرب إلى الصواب لأن القاتل غير معين، و اشتراكهم في القتل أيضا مجهول لجواز أن يكون حصل القتل من أحدهم فرجع إلى الدية لأن لا يبطل دم امرء مسلم و جعل على قبائل الأربعة لأن لكل منهم تأثيرا في القتل، و إن كان فيه أن تغريم العاقلة على خلاف الأصل، خصوصا بعد الاتفاق ظاهرا على أن عمد السكران موجب للقصاص أو شبه عمد موجب للدية من ماله و لا قائل بكونه خطأ محضا، على أنه إن علم أن لكل منهم أثرا في القتل كان لأولياء المقتولين قتل الباقين، و إن لم يعلم فلم جعلت الدية


1- 1 التهذيب ج 1 ص 240- الفقيه ج 4 ص 118.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 240.

ج 43، ص: 92

على قبائلهم.

و في كشف اللثام «إنه يمكن تنزيل الخبر على أن ولي كل قتيل ادعى على الباقين اشتراكهم و قد حصل اللوث و لم يحلف هو و لا الباقيان و لا أولياء القتيلين (1)» و فيه نظر.

فلا محيص عن مخالفة الخبر المزبور للقواعد و أولى منه في ذلك الأول ضرورة عدم اقتضاء الحال المزبور كون المجروحين القاتلين و لا كون المقتولين الجارحين إذ ربما قتل أحد المقتولين الآخر أو قتلهما أحد المجروحين و كذا في المجروحين، على أنه إذا حكم بأن المجروحين القاتلان فالمتجه ثبوت القود عليهما لا الدية بناء على أن السكران بحكم الصاحي، بل هو كذلك في المجروحين أيضا، إلا أنه لعله لفوات محله كما أنه لا وجه لإطلاق الحكم بأخذ دية الجرح و إهدار الدية لو ماتا، و إن قال في كشف اللثام: «و يندفع الكل بحمله على أن الواقع كان قتل الجارحين المقتولين أو لما كان اللوث و حلفهما القسامة فلم يحلفا و جرح المقتولين الجارحين و إنما لم يقدهما إما لصلح أو لوقوعه عند السكر فيكون خطأ، و أما قوله: فان مات أحد المجروحين- إلى آخره- فيحتمل لفظ المقتولين صيغة التثنية و الجمع، فان كان الأول جاز أن يراد بهما المجروح الذي مات مع من قتله من المقتولين، و إن كان الثاني جاز أن يراد أنه ليس على أحد من أوليائهم شي ء للباقين و إن كان عليهم دية جراحة الباقي إلا أن ذلك كله كما ترى، و خصوصا الأخير.

و نحوه ما في المسالك (2)خصوصا ما فيها من فرض الجرح في الرواية كونه غير قاتل، بل ادعى ظهورها في ذلك مع أنك قد سمعت ذيلها الصريح بخلافه كما هو واضح.


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 314.
2- 2 المسالك ج 2 ص 494.

ج 43، ص: 93

فلا مناص حينئذ عن مخالفة الخبرين للقواعد و من هنا قال المصنف في النكت (1)«و من المحتمل أن يكون علي عليه السلام قد اطلع في هذه الواقعة على ما يوجب هذا الحكم فلا يتعدى حينئذ منها إلى غيرها».

و في السرائر: «إن الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن القاتلين يقتلان بالمقتولين فإن اصطلح الجميع على أخذ الدية أخذت كملا من غير نقصان لأن في إبطال القود إبطال القرآن و أما نقصان الدية فذلك على مذهب من تخير بين القصاص و أخذ الدية و ذلك مخالف لمذهب أهل البيت عليهم السلام لأن عندهم ليس يستحق غير القصاص فحسب»(2).

و فيه أنه ليس شي ء من الأصول يقتضي ذلك في القضية المفروضة التي لا يعلم الحال فيها، نعم لو علم أن الباقين قتلا الهالكين عمدا اتجه القصاص حينئذ بناء على أن السكران بحكم الصاحي و لا يسقط إلا بالصلح على الدية أو أكثر منها أو أقل فلا يتعين نقص الدية جراحة المجروحين منها، على أن جراحتهما ربما وقعت دفاعا فهي هدر، نعم الذي يقتضيه الأصول في مثله جريان حكم اللوث فيها أو سقوط الدية و القصاص عن كل منهم لعدم العلم بالحال، و الله العالم.

[المسألة السادسة في ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد و شهد اثنان على الثلاثة بأنهم غرقوه و شهد الثلاثة على الاثنين فقضى عليه السلام بالدية]

المسألة السادسة

روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الكافي و التهذيب،(3)و محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام كما في التهذيب (4)بل هي فيه صحيحة عن علي عليه السلام «في ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد و شهد اثنان على الثلاثة


1- 1 نكت النهاية، كتاب الديات، خمسة صفحات قبل آخر الكتاب.
2- 2 السرائر باب الاشتراك في الجنايات من كتاب الحدود.
3- 3 الكافي ج 7 ص 284 التهذيب ج 10 ص 239.
4- 4 التهذيب ج 10 ص 240.

ج 43، ص: 94

بأنهم غرقوه و شهد الثلاثة على الاثنين فقضى عليه السلام بالدية أخماسا ثلاثة أخماس على الاثنين و خمسين على الثلاثة

و رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام(1) ، و رواه المفيد في المحكي من إرشاده مرسلا(2)، و كذا في المقنعة(3)، بل قيل و النهاية و الغنية و غيرها مما تأخر عنها، و حكيت روايتها عن التقي و الصهرشتي، كما حكي العمل بها عن القاضي، لكن في التحرير و نكت النهاية إنها قضية في واقعة عرف عليه السلام الحكم فيها بذلك لخصوصية لا تتعدى إلى غيرها، بل قال المصنف هنا و هذه الرواية متروكة بين الأصحاب فإن صح نقلها كانت حكما في واقعة فلا تتعدى لاحتمال ما يوجب الاختصاص و نحوه من

تلميذه الآبي و غيره و عن السرائر «الغلمان إن كانوا صبيانا و هو الظاهر فلا تقبل شهادتهم هنا» و في المسالك تبعا للمحكي عن أبي العباس «و الموافق للأصل من الحكم أن شهادة السابقين بها إن كانت مع استدعاء الولي و عدالتهم قبلت ثم لا تقبل شهادة الآخرين للتهمة، و إن كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تقبل شهادة أحدهما مطلقا و يكون ذلك لوثا يمكن إثباته بالقسامة»(4)و مقتضاه بلوغ الغلمان، مع أنهم استدلوا بهذا الخبر في كتاب الشهادات على قبول شهادة الصبيان في الجراح و القتل و في الروضة «أن الدية أخماس على كل واحد منهم خمس بنسبة الشهادة» و هو و إن ناسب توزيع الدية على الرؤوس، لكنه خلاف ما سمعته من الخبر، فالأولى تنزيله على أنه قضية في واقعة هو أعلم منا بحالها، و الله العالم.


1- 1 الفقيه ج 4 ص 116.
2- 2 الإرشاد ص 106.
3- 3 المقنعة باب الاشتراك في الجنايات ص 118.
4- 4 المسالك ج 2 ص 494.

ج 43، ص: 95

[البحث الثاني في الأسباب]
اشاره

البحث الثاني في الأسباب:

و ضابطها على ما في الكتاب هنا و القواعد و غيرها ما لولاه لما حصل التلف لكن علة التلف غيره كحفر البئر و نصب السكين و إلقاء الحجر فإن التلف عنده بسبب العثار و لكن قال في كتاب الغصب: «هو كل فعل يحصل التلف بسببه كحفر البئر في غير الملك و كطرح المعاثر في المسالك» و في كشف اللثام «هو هنا أعم من فعل السبب بالمعنى المتقدم في أوائل الكتاب و فعل الشرط»(1).

قلت: قد عرفت في أول كتاب القصاص أنه قد ذكر بعضهم في بيان أقسام المزهق أن العلة هي المباشرة و هي ما يسند إليها الموت، و أن الشرط ما يقف عليه تأثير المؤثر و لا مدخل له في الموت كحفر البئر في الطريق بالنسبة إلى الوقوع فيها إذ الوقوع مستند إلى علته و هو التخطي.

أو أن السبب ما له أثر ما في التوليد للموت كما للعلة لكنه يشبه الشرط من جهة أنه لا يولد الموت بنفسه بل يولد المولد له و لو بوسائط و قد يتخلف الموت عنه و لا يتخلف عن العلة كالإكراه فإنه يولد في المكره داعية القتل غالبا توليدا قويا، و كشهادة الزور المولدة في القاضي داعية القتل غالبا من حيث الشرع، و تقديم

الطعام المسموم إلى الضيف فإنه يولد القتل توليدا عرفيا لا حسيا و لا شرعيا، و من هنا كان السبب هنا أعم من فعل السبب بالمعنى المذكور و من


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 303.

ج 43، ص: 96

فعل الشرط.

و لا يخلو من نظر فإن دعوى التوليد في الإكراه الذي يبقى معه الاختيار و في شهادة الزور واضحة المنع، ضرورة عدم توليد فيها يقتضي التلف كالإحراق بالنار و الإغراق بالماء كما هو واضح.

فالتحقيق أن الضمان بذلك شرعي بعد فرض عدم تحقق السببية فيه، فتأمل جيدا.

هذا و في المسالك «الواجب في إهلاك النفس و ما دونها كما يجب بالمباشرة يجب بالتسبيب إليه حيث لا يجامع المباشرة، و إلا قدمت كما مر و سيأتي تفصيله، و قد تقدم في باب الغصب البحث عن السبب و اختلاف تعريف المصنف إياه ثم و هنا، و أن هذا التعريف أقرب إلى معناه لكن اختلف كلام المصنف في جعل حفر البئر سببا و عدمه، ففي الغصب جعله من جملة السبب و سيأتي أيضا ما يفيده، و هنا لم يجعله سببا و الأظهر أن كل واحد من الحفر و وضع الحجر و نصب السكين تصدق عليه السببية، لكن ما ينسب إليه التلف عرفا يختص بالعلة و الباقي بالسببية، ثم إن اتحد السبب مع فقد المباشر فالضمان منسوب إليه و إن تعدد فالحوالة بالضمان على السبب المتقدم في التأثير لا في العدوان، كوضع الحجر بالنسبة إلى التردي في البئر، و كالتردى مع وضع السكين في قعر البئر فإن العثار سابق الوقوع و الوقوع سابق على إصابة السكين و إن كان وضع الحجر متأخرا عن حفر البئر، هذا كله مع تساويهما في العدوان و إلا فالضمان على المتعدي»(1).

قلت: لا يبعد من إرادتهم السبب الموجب للدية هنا الشرط كالحفر الذي ذكره المصنف هنا و في كتاب الغصب سببا و لكن من المعلوم عدم إيجاب مطلق الشرط و إن كان بعيدا بل كان مقتضي الأصل و غيره عدم الضمان به مطلقا بعد عدم


1- 1 المسالك ج 2 ص 494.

ج 43، ص: 97

صدق نسبة التلف بل و لا الإتلاف، إلا أن الضمان جاء من النصوص التي تسمع جملة منها، فالمتجه حينئذ الاقتصار على ما فيها و ما يلحق به و لو بمعونة الفتاوى، و قد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الغصب، بل ذكرنا بعض الكلام في كتاب القصاص أيضا، و قلنا: إنه ليس في شي ء من النصوص جعل لفظ السبب و العلة و الشرط عنوانا للحكم فالاختلاف في تعريفها و تطويل الكلام في ذلك خال عن الفائدة و إنما المدار على صدق نسبة الفعل و هو «قتل» و نحوه أو نسبة المصدر و هو «القتل» و إن لم تتحقق نسبة القتل كما في قتل النائم و نحوه، و على ما ثبت من الشرع به الضمان به من هذه المسماة بالشرائط عندهم أو الأسباب، نعم ليس في النصوص استقصاء لها و لكن ذكر جملة منها فيها، و منه يظهر وجه إلحاق ما ماثلها به، و ظاهرهم أن السبب الموجب للدية الذي هو بمعنى الشرط الذي لا يوجب ضمانا إلا في مال المسبب و لا يكون على العاقلة منه شي ء، و لعله لإطلاق الضمان في النصوص على وجه ينسب إليه و لعدم صدق القتل خطأ عليه مع أصالة براءة ذمة العاقلة فتأمل جيدا و ربما يأتي مزيد تحقيق للمسألة إن شاء الله.

[مسائل]
اشاره

و كيف كان ف لنفرض لصورها أي الأسباب الموجبة للدية مسائل:

[المسألة الأولى لو وضع حجرا في ملكه أو مكان مباح لم يضمن دية العاثر]

الأولى:

لو وضع حجرا في ملكه أو مكان مباح له التصرف فيه بما أراد لم يضمن دية العاثر كما صرح به غير واحد للأصل و ما تسمعه من النصوص، بل

و النبوي «البئر جبار و القحماء جبار و المعدن جبار»(1)

بناء على كون المراد منه هدر دية الواقع في مثل البئر المحفورة في الأراضي المباحة، و كذا من يتلف بركوب دابة أو استخراج معدن.


1- 1 الوسائل الباب- 32- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.

ج 43، ص: 98

و عن نهاية الأثيرية «أن البئر هي العادية القديمة لا يعلم لها حافر و لا مالك فيقع فيها الإنسان و غيره فهو جبار أي هدر، و قيل هي الأجير الذي ينزل في البئر ينقيها أو يخرج شيئا وقع فيها فيموت»(1).

و أما القحماء فهي الدابة، و أما المعدن فهو ما إذا انهار على من يعمل فيه فهلك لم يؤخذ به مستأجره.

قلت: لعل حمل البئر على الأعم مما ذكره أولى.

و على كل حال فلا ضمان في الفرض و إن كان الحفر سببا بالمعنى الأعم إلا أنك قد عرفت أصالة عدم الضمان حتى يثبت من الشرع، و الفرض عدمه. نعم لو كان أدخل هو أعمى مثلا أو غيره في الظلمة و لم يعلم بالحال ضمن، كما تسمع نحوه في حفر البئر في ملكه، كما عن جماعة التصريح به، عملا بأدلة الضرر بعد الشك في تناول الإطلاق لمثل الفرض، بل قد يدعى انسياقه إلى غيره، بل قد يشعر الأمر بالتغطية في بعضها بذلك هذا.

و ربما يظهر من اقتصار بعضهم على الملك الضمان في المباح، و لعله لإطلاقه في الإحداث بما لا يملكه، لكن قد يقال: «إن المنساق منه غير المباح الملحق بالملك و لا أقل من الشك و الأصل البراءة» و لو كان في ملك غيره أو طريق مسلوك ضمن في ماله كما صرح به الفاضل و غيره، بل عن المبسوط «عندنا» مشعرا بالإجماع عليه ل

صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره و تعقر دابته رجلا آخر قال: هو ضامن لما كان من شي ء. و عن الشي ء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره فقال: كل شي ء مضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه»(2)

و صحيح الكناني «قال:


1- 1 نهاية اللغة ج 1 ص 89.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول و الباب- 9- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

ج 43، ص: 99

قال أبو عبد الله عليه السلام: من أضر بشي ء من طريق المسلمين فهو له ضامن»(1)

و غيرهما مما تسمعه في حفر البئر(2)و نحوه.

نعم قد يقال: بتقييد ذلك بما إذا لم يكن لمصلحة المسلمين كوضع حجر و نحوه في الطين ليطأ على الناس (3)عليه أو لمرمة القنطرة و سقف الساقية و وضع الحصى مثلا في حفيرة ليملأها، نحو ما تسمعه في الحفر في طريق المسلمين سواء أذن الإمام بذلك أم لا ما لم يمنع منه، كما في كشف اللثام و محكي التحرير، و لعله للأصل بعد عدم الاندراج في النصوص المزبورة.

و لو وضع حجرا و آخر ان آخر فعثر بهما إنسان فمات أو تلف منه عضو، احتمل تقسيط الضمان أثلاثا بعدد الجناة، و أن يكون النصف على الأول و النصف على الباقين، تقسيطا له على عدد السبب فإنه حجران أحدهما وضعه الأول فعليه النصف و الآخر وضعه اثنان فعليهما النصف، و لعل الأول أوفق بما تقدم سابقا من التوزيع على عدد الجناة دون الجناية في الجروح و نحوها و إن اتحد من أحدهم و تعدد من الآخر.

و كذا يجرى جميع ما ذكرنا فيما لو نصب سكينا فمات العاثر بها كما صرح به الفاضل و غيره حتى المبسوط فيما حكى عنه.

و لو جاء السيل بحجر فلا ضمان على أحد بلا خلاف و لا إشكال و إن تمكن من إزالته.

نعم إن نقله إلى موضع آخر من الشارع ضمن و لو كان مثل الأول أو أقل سلوكا منه كما في كشف اللثام و محكي الإيضاح، و استجوده الكركي فيما حكى عنه أيضا، بل عن حواشي الشهيد أنه المنقول، و لعله لإطلاق النصوص المزبورة.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
2- 2 راجع الوسائل الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان.
3- 3 كذا في الأصل، و الظاهر زيادة« على».

ج 43، ص: 100

لكن في القواعد ذلك على إشكال في الأخير، و كأنه مما عرفت، و من قاعدة الإحسان، و فيه أن الإحسان في رفعه لا في وضعه في مكان آخر و لو كان أقل سلوكا.

و لو وضع حجرا مع الحجر الذي جاء به السيل فعثر بهما إنسان فمات أو انكسر أمكن التقسيط فيضمن النصف حينئذ و يهدر النصف الآخر و أمكن ضمان الجميع على الواضع، إلا أن الأول أوفق بالعدل و أصل البراءة و غيرهما.

نعم لو حفر بئرا إلى جانب هذا الحجر الذي جاء به السيل فتعثر إنسان بذلك الحجر و سقط في البئر فالضمان جميعه على الحافر كما في القواعد، لتعديه بالحفر قرب الحجر المزبور مع تركه له، فكأنه هو الواضع له حينئذ، و إن قلنا بضمان الواضع دون الحافر فيما لو حفر أحدهما و وضع الآخر عدوانا كما عن المبسوط و المهذب و التحرير و غيرها لأنه حينئذ كالدافع و الأسبق في الجناية و إن تأخر وضعه عن الحفر، ضرورة الفرق بينهما لتحقق العدوان فيهما بخلاف المقام الذي لا عدوان فيه إلا للحافر نحو الحجر المزبور، فدليل الضمان مختص به كما لو لم يكن ثم حجر فعثر و وقع في البئر، على أنه يمكن القول بضمان المتأخر منهما من العاديين فان وضع الحجر قرب البئر بمنزلة الدفع لا مطلقا، بل لم يستبعده في كشف اللثام و إن كان ستعرف أن المشهور خلافه.

و لو تعدى أحدهما خاصة فالضمان عليه دون الآخر و هو واضح إلا إذا قلنا بالاشتراك فإن المتجه حينئذ ضمان النصف كما ستعرف تمام الكلام في ذلك إن شاء الله.

و كذا الكلام جميعه يجري فيما لو حفر بئرا أو حفر حفيرة ضرورة أنه كما لو ألقي حجرا فإن كان في ملكه أو في مكان مباح له التصرف فيه بذلك، و نحوه غير الطريق، لم يضمن و إلا ضمن على حسب ما سمعته سابقا في وضع الحجر بلا خلاف أجده فيه بينهم، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه.

ج 43، ص: 101

و في

خبر السكوني (1)الذي رواه المحمدون الثلاثة عن الصادق عليه السلام «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن».

و في

موثق سماعة(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحفر البئر في داره أو ملكه فقال ما كان حفره في داره أو ملكه فليس عليه ضمان، و ما حفر في الطريق أو في غير ملكه فهو ضامن لما يسقط فيها»

بل قيل: «إنه قد روى هذا المتن بأدنى تفاوت في الكتب الثلاثة مضمرا بعدة طرق»(3).

و في

خبر زرارة(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له: رجل حفر بئرا في غير ملكه فمر عليها رجل فوقع فيها قال: عليه الضمان لأن من حفر بئرا في غير ملكه كان عليه الضمان»

و خبره الآخر(5)عنه أيضا «لو أن رجلا حفرا بئرا في داره ثم دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شي ء و لكن ليغطها».

و موثق أبي بصير(6)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن غلام دخل دار قوم يلعب (7)فوقع في بئر هم هل يضمنون؟ قال: ليس يضمنون و إن كانوا متهمين ضمنوا».


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول، و فيه« شيئا» مكان« بئرا» و هو غلط ظاهرا راجع الكافي ج 7 ص 350 و الفقيه ج 4 ص 154 و التهذيب ج 10 ص 230.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان الحديث 3 مع اختلاف في بعض ألفاظه.
3- 3 قال في مفتاح الكرامة ج 10 ص 291:« و قد روى هذا المتن إلخ».
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان الحديث الرابع.
6- 6 الوسائل الباب- 18- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
7- 7 كان في الأصل« فتعثر» مكان« يلعب».

ج 43، ص: 102

و لعل المراد أن الضمان في الأخير ضمان القسامة لا مطلقا.

كل ذلك مضافا إلى النصوص السابقة.

بل ربما كان مقتضى إطلاق الضمان بالحفر عدوانا في ملك الغير نصا و فتوى عدم الفرق بين كون البئر مغطاة أو مكشوفة، و بين تردى المالك أو غيره حتى الداخل فيها بغير إذن منه، خلافا لما عن الفاضل في القواعد، فإنه صرح بعدم الضمان لو كانت مكشوفة و قد دخل بغير إذن المالك، و ربما احتمل تنزيل إطلاق النص و الفتوى عليه. و لكن فيه منع واضح ضرورة عدم داع إليه و تعديه بالدخول لا يسقط احترامه بالنسبة إلى غير من تعدى إليه و إلا لم يكن فرق

بين المكشوفة و المستورة بعد فرض عدم تفريطه بالحفظ على وجه يكون أقوى من الحافر تأثيرا فالمتجه حينئذ الضمان مطلقا إلا مع قوة غيره عليه في التأثير، نعم لو كان ذلك بإذن المالك لم يكن عليه ضمان بلا خلاف و لا إشكال للأصل و غيره إذ هو كما لو حفرها المالك بل لا يبعد إلحاق الإمام بالمالك في ذلك، بل هو أقوى من المالك في ولايته و حينئذ فلا ضمان مع إذنه بل صرح المصنف و الفاضل و غيرهما هنا بأنه لو حفر بئرا في ملك غيره عدوانا فرضي المالك سقط الضمان عن الحافر كما عن المبسوط لأن الإبقاء كالإحداث، لكن قد تقدم في كتاب الغصب الإشكال في ذلك كما في التحرير حتى لو صرح بالإبراء فضلا عما لو اقتصر على مجرد الرضا ببقاء الحفر للأصل و غيره فلاحظ و تأمل.

و لو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط و النهاية و الفاضل و ثاني الشهيدين و غيره لا يضمن لأن الحفر لذلك سائغ فلا يستعقب ضمانا و لقاعدة الإحسان و هو حسن مع إذن الإمام الذي قد عرفت أنه أقوى في ولايته من المالك في ملكه أما مع عدمه فالمتجه الضمان عملا بإطلاق النص و فتوى غير من عرفت، و كونه سائغا أو محسنا لا ينافي الضمان، و لعله لذا جزم الفخر به، قال: «لأن فعل ما فيه

ج 43، ص: 103

مصلحة إنما يجوز إذا لم يتضمن مفسدة و الحفر يعرض المسلمين للتردي فكان الحاصل أنه لا بد من خلو ما أساغه الشارع عن جميع المفاسد و وجوه القبح فيكون سائغا بشرط عدم الوقوع لسبق استحقاق الاستطراق، فالوقوع كاشف عن اشتماله على وجه قبح فيكون مضمونا»(1)و إن كان لا يخلو بعض ما ذكره من نظر.

و العمدة إطلاق الأدلة إلا مع إذن الإمام، بل لا يبعد سقوط الضمان معها لو حفر لغرض نفسه بل أو عبثا و فرض حصول الإذن له في ذلك لما أشرنا إليه غير مرة من كونه كإذن المالك أو أقوى، و الله العالم.

و لو كان الحفر في ملك مشترك ففي القواعد احتمل الضمان و نصفه إن كان الشريك واحدا و الثلثين إن كان اثنين و هكذا، و النصف مطلقا، و لكن لا يخفى عليك أن المتجه الأول كما عن الفخر و الكركي، بل و الفاضل في التحرير،

ضرورة كونه متعديا بالحفر كله بعد الإشاعة و احتمال- عدم تعديه مطلقا بل بالنسبة إلى حصة شريكه فيضمن ما قابل المتعدي فيه أو أن المتردي تلف بالحفر و بعضه غير متعد فيه فيكون قد تلف بسببين، أحدهما مباح و الآخر محرم فيكون عليه النصف إذ لا عبرة بتعدد أحد السببين و كثرته- كما ترى، و الله العالم.

[المسألة الثانية لو بنى مسجدا في الطريق إن كان بإذن الإمام عليه السلام لم يضمن ما يتلف بسببه]

المسألة الثانية:

لو بنى مسجدا في الطريق قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط:

إن كان واسعا و بإذن الإمام عليه السلام لم يضمن ما يتلف بسببه و كذا إن لم يأذن و بناه للمصلحة العامة، و إن بناه لنفسه ضمن و في المتن و الأقرب استبعاد الفرض.


1- 1 إيضاح الفوائد في شرح القواعد ج 4 ص 662 و لم ينقل المصنف عين عبارته فراجع.

ج 43، ص: 104

و في كشف اللثام «هو يعطى الضمان مطلقا لكن يحتمل أن لا يصد الزائد على ما يحتاج إليه المارة أو السبع أذرع من الطريق».

و فيه أن الظاهر عكس ذلك ضرورة ظهوره في عدم الضمان مع الإذن مطلقا إلا أن الفرض مستبعد باعتبار عدم تصور الإذن من الإمام في بناء المسجد بالطريق على وجه يضر بالمارة لضيقه أو لغير ذلك ضرورة تعلق حق المسلمين كافة به بإحيائه طريقا(1)بل لعله كذلك حتى لو زاد على السبع أذرع و لم يضر بالمارة باعتبار سبق الإحياء طريقا فلا يصح جعله مسجدا و إن كان قد يقال: «إن ولاية الإمام قوية و عامة فله جعله مسجدا و إن تعلق به حق المارة» و حينئذ فالمتجه عدم الضمان لعدم العدوان و لا أصل بعد عدم شمول دليل الضمان للفرض المزبور.

و لكن في قواعد الفاضل «و لو بنى مسجدا في الطريق ضمن ما يتلف بسببه».

و في كشف اللثام في شرحها «و لو بنى مسجدا لنفسه أو لمصلحة المسلمين في الطريق الضيق أو الواسع في موضع يضر بالمارة ضمن ما يتلف بسببه و إن بناه فيما زاد على الواجب في الطريق و هو سبع أذرع أو ما تفتقر إليه المارة لنفسه أو بناه للمصلحة العامة فيما لا يضر بالمارة كالزاوية فلا ضمان أذن الإمام فيه أولا ما لم يمنع»(2).

و كأنه أخذه مما في محكي التحرير قال: «و كذا أى يضمن لو بنى في الطريق الواسع و إن كان مسجدا ثم قال: أما لو كان البناء فيما زاد على القدر الواجب من الطريق و هو سبع أذرع فلا ضمان، و كذا لو بنى المسجد للمسلمين في


1- 1 في بعض النسخ هكذا:« باعتبار كونه حينئذ تعلق به حق المسلمين كافة بإحيائه طريقا» مكان« ضرورة.».
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 307.

ج 43، ص: 105

طريق واسع و موضع لا يضر كالزاوية فلا ضمان»(1).

قيل: و نحوه ما في الحواشي و الروضة، لكن قال في الأخير: «هو حسن مع عدم الحاجة إليه بحسب العادة في تلك الطريق و إلا فالمنع أحسن».

و في المسالك «حكم البناء في الطريق حكم الحفر في الضمان مطلقا لكن لو كان المبنى مسجدا بحيث لا يتضرر به المارة لكون الطريق واسعا بزيادة عما يحتاج إليه المارة أو عن المقدر شرعا فعثر به إنسان أو بهيمة أو سقط جداره عليه أو على مال فأهلكه ففي ضمانه وجهان من الشك في كون ذلك عدوانا و كون الفعل على تقدير جوازه مشروطا بالضمان و قيل إن كان بناؤه بإذن الإمام لم يضمن ما يتلف بسببه و إلا ضمن، و المصنف استبعد الفرض و هو كون الإمام يأذن في بناء المسجد في الطريق، و هذا الاستبعاد في محله إن فرض في موضع يضر بالمارة، أما في المتسع كما ذكرناه فلا بعد فيه و قد جوز جماعة منهم الشهيد في الدروس إحياء الزائد عن المقدر شرعا فجعله مسجدا لمصلحة المسلمين عامة أولا(2)فإن اتفق إذن الإمام له في ذلك لم يضمن كما قيل، و إلا فالضمان أقوى إن لم نجوز إحياء الزائد(3).

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا تخلو من تشويش في الجملة، ضرورة كون المدار في البحث على صحة إحياء الزائد على النصاب الشرعي أو على ما يحتاج إليه المارة، و قد عرفت التحقيق فيه في كتاب إحياء الموات، و أنه لا

يجوز، أو على جواز(4)إذن الإمام في ذلك في الطريق، و الحق أن له النظر في أمور المسلمين، و تظهر الثمرة في نائب الغيبة، و حينئذ يتجه عدم الضمان مع إذنه دون عدم الإذن كما أن المتجه عدمه أيضا بناء على جواز إحياء الزائد في غير


1- 1 التحرير ج 2 ص 264.
2- 2 أولى ن ل.
3- 3 المسالك ج 2 ص 494- 495.
4- 4 في الأصل:« و على جواز.».

ج 43، ص: 106

الاستطراق ضرورة كونه كغيره من أملاكه، و مما ذكرنا يظهر لك عدم الفرق بين المسجد و غيره.

[المسألة الثالثة لو سلم ولده لمعلم السباحة فغرق بالتفريط ضمنه في ماله لأنه تلف بسببه]

المسألة الثالثة:

لو سلم ولده مثلا لمعلم السباحة فغرق بالتفريط ضمنه في ماله لأنه تلف بسببه و كذا لو علمه الولي بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، ضرورة كونه كتلف الصبي بتأديب من له تأديبه في الضمان من ماله لأنه حينئذ من شبه العمد مضافا إلى فحوى ما ورد من ضمان الطبيب و إن كان حاذقا و من ضمان الصانع و إن اجتهد و كان حاذقا(1)بل ربما ظهر من إطلاق عبارتي الإرشاد و اللمعة ضمانه مطلقا، بل عن حواشي الشهيد أن المنقول الضمان سواء فرط أو لم يفرط، و لعله لأنه بتلفه ينكشف تفريطه بناء على عدم غرقه بدونه، و أولى من ذلك الضمان بدون إذن الولي لأنه حينئذ تفريط، هذا.

و في القواعد «و يضمن معلم السباحة الصغير إذا غرق و إن كان وليه أو من أذن له وليه على إشكال، لأنه إنما يتلف بتفريطه في حفظه و غفلته عنه» و كأنه مبني على ما ذكرنا، و حينئذ يكون وجه الإشكال إمكان تلفه بدون تفريطه، و يمكن أن يكون الإشكال في أصل الضمان باعتبار مسيس الحاجة إليه، و الأصل البراءة بعد مشروعية تعليمها فلا يستعقب ضمانا، لكنه كما ترى مع فرض التفريط.

و من هنا قال في كشف اللثام: «إلا إذا علم التفريط» فجعل الإشكال حينئذ في الحكم بضمانه مطلقا.

و التحقيق الضمان مطلقا و إن لم يكن بتفريط أى تقصير و لكنه تلف بتعليمه


1- 1 راجع الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة و الباب- 24- من أبواب موجبات الضمان.

ج 43، ص: 107

و لو للخطاء في طريق التعليم كالطبيب و البيطار و المؤدب و الصانع و نحوهم إلا أن ذلك يقتضي ضمانه و لو كان بالغا رشيدا عاقلا، لكن في المتن و القواعد و غيرهما لم يضمن لأن التفريط منه باعتبار كونه عاقلا و هو في يد نفسه و الفرض أنه أقدم على التعليم الذي قد يتعقبه ذلك، بل ظاهرهم ما هو صريح بعضهم من عدم الضمان حتى إذا فرط المعلم. نعم في كشف اللثام و محكي التحرير و مجمع البرهان تقييد ذلك بعدم التفريط و إلا كان كالطبيب إذا فرط، و منه علم اعتبار التفريط بمعنى التقصير في ضمان الطبيب، فالمتجه مع فرض مساواته له و لغيره ممن عرفت الضمان مع التلف بتعليمه مطلقا و إن لم يفرط، و إقدامه كإقدام المريض و الولي مثلا الذي لا يسقط الضمان. نعم لو أخذ البراءة سابقا أمكن فيه ذلك على البحث السابق في الطبيب، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لو رمى عشرة مثلا بالمنجنيق فقتل أحدهم الحجر يسقط نصيبه من الدية لمشاركته]

المسألة الرابعة:

لو رمى عشرة مثلا بالمنجنيق فقتل أحدهم مثلا بمعاودة الحجر يسقط نصيبه من الدية لمشاركته في قتل نفسه و ضمن الباقون أي عاقلتهم تسعة أعشار الدية ضرورة كونه من الخطأ المحض الذي لم يقصد به الفعل بالنسبة إلى المقتول و لا قتله، و إن كانوا ثلاثة فعلى عاقلة كل ثلث دية كل من الباقين و الثلث هدر، و إن كانوا أربعة فربعها و هكذا. نعم إن كانا اثنين فعلي عاقلة كل منهما نصف دية الباقي و النصف هدر، هذا.

و لكن في القواعد «و لو عاد الحجر عليهم فقتل واحدا منهم فهو شريك في قتل نفسه فإن كانوا ثلاثة فعلي عاقلة كل واحد ثلث الدية و يسقط ما قابل فعله و لو هلكوا جمع فعلي عاقلة كل واحد منهم نصف دية الباقين» و لعل المراد أن على عاقلة كل منهم نصف المضمون للباقين من الدية تنزيلا للهدر منزلة

ج 43، ص: 108

العدم، و الأصل في ذلك ما في محكي المبسوط قال: «إذا كانوا عشرة فرموا بالمنجنيق فقتل واحدا منهم فقد مات بجنايته على نفسه و جناية التسعة عليه فما قابل جنايته على نفسه هدر و ما قابل جناية التسعة مضمون، فعلى عاقلة كل واحد من التسعة عشر ديته فيكون لوارثه تسعة أعشار الدية، و لو قتل الحجر اثنين منهم فعلى عاقلة كل واحد من الباقين عشر دية كل واحد من الميتين (1)عشر دية صاحبه لأن الممات من جنايته على نفسه و جناية التسعة عليه و الميت أحد التسعة و على عاقلة كل واحد من الباقين عشر دية كل واحد من الميتين فتكون عاقلة كل واحد من الثمانية يعقل خمس الدية، العشر لوارث هذا الميت و العشر لوارث الميت الآخر، فيحصل لورثة كل واحد من الميتين تسعة أعشار الدية، و هكذا على هذا الحساب لو قتل الحجر ثلاثة أو أربعة أو تسعة، فأما إن رجع الحجر إلى العشرة فقتلهم أجمعين فعلي عاقلة كل واحد منهم تسعة أعشار الدية، لورثة كل ميت العشر لأن كل واحد منهم مات من جنايته على نفسه و جناية التسعة عليه فما قابل جنايته هدر و ما قابل جناية التسعة عليه مضمون، فيكون على عاقلة كل واحد من الباقين عشر ديته فيكون لورثة كل واحد تسعة أعشار الدية على تسع عواقل»(2).

و الأمر واضح كوضوح كونها تتعلق أي الجناية بمن يمد الحبال لأنه المباشر دون صاحب المنجنيق و دون من أمسك الخشب و دون واضع الحجر أو غيرهم ممن ساعد بغير المد و الجذب إذ هم شرائط، نحو من وضع السهم في القوس فنزعه آخر و لو قصدوا أي الجاذبون أن يقتلوا أجنبيا بالرمي عمدا أو رميه القاتل غالبا كان عمدا موجبا


1- 1 سقطت من العبارة هذه الجملة:« فيكون على عاقلة كل واحد من الميتين» راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 341.
2- 2 المبسوط ج 7 ص 166 و مفتاح الكرامة ج 10 ص 341 نقلا عن المبسوط و عبارة الكتاب موافق لما في مفتاح الكرامة لا المبسوط المطبوع حديثا فراجع.

ج 43، ص: 109

للقصاص من الجميع خلافا لأبي حنيفة فخطاء محض، و الشافعي فعمد الخطاء، بناء على أنه لا يمكن قصد رجل بعينه بالقتل به غالبا بل يتفق وقوعه عليه.

و فيه أنه يكفى في موجب القصاص قصد قتل واحد من الجماعة لا بعينه لصدق عنوانه عليه، على أن الحكم المزبور مبني على فرضه و إن كنا لم نعرف في هذا الزمان كيفية المنجنيق على التفصيل كما اعترف به الأردبيلي، و أظنه يقرب من الذي يسمى في زماننا بدولاب الهواء، يستعملونه في الأعياد للأطفال و نحوهم و حينئذ ف لو لم يقصدوه على الوجه الذي ذكرناه بل قصدوا شيئا آخر كان خطاء محضا نحو غيره و إن قصدوا رميه خاصة الذي لا يقتل غالبا كان من عمد الخطاء، هذا و لكن في النهاية على ما حضرني من نسخ المتن لو اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم ضمن الآخران ديته لأن كل واحد ضامن لصاحبه و لعله ل

خبر أبي بصير(1)عن الصادق عليه السلام «قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على أحدهم فمات، فضمن الباقين ديته لأن كل واحد ضامن لصاحبه»

و لكن في الرواية بعد باعتبار مخالفتها للأصول، بل لم نجد عاملا بها. نعم في النهاية(2)التعبير بلفظ روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام، كالصدوق في محكي الفقيه و المقنع (3)و إن قال في الأخير عقيبها: «ليس في ذلك إلا التسليم»، و لا يجدى قوة سندها في الفقيه باعتبار روايته لها في الصحيح إلى ابن أبي عمير عن علي بن حمزة البطائني المحكي، عن العدة «الإجماع على العمل بروايته»(4)


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 النهاية كتاب الديات باب ضمان النفوس و غيرها. السطر الأخر.
3- 3 الفقيه ج 4 ص 159 و المختلف للعلامة الجزء الخامس ص 246 نقلا عن المقنع. و لم نجده في المقنع المطبوع قديما و حديثا فراجع.
4- 4 عدة الأصول ج 1 ص 56.

ج 43، ص: 110

إذ هي على كل حال شاذة فالأشبه بأصول المذهب و قواعده الأول أي ضمان ثلثي الدية و هدر الثلث كغيره من أفراد الاشتراك، كما صرح به المتأخرون من غير خلاف فيه، بل هو المستفاد مما سمعته من الشيخ في مسألة المنجنيق، بل هو المحكي عن أبي علي أيضا، بل يمكن حمل الرواية عليه أيضا، إذ لا صراحة فيها، على أن عليهما كمال الدية، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو اصطدمت سفينتان فلكل منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلف صاحبه]

المسألة الخامسة:

لو اصطدمت سفينتان فهلك ما فيهما من النفس و المال الشامل للنفس التي تكون منه كالحيوان المملوك بل و الإنسان كذلك، فإن كان ذلك بتعمد المالكين الكاملين للاصطدام و كان مما يتلف غالبا أو قصد الإتلاف به فهو كاصطدام الراكبين كذلك ضرورة كون السفينة كالدابة و الملاح كالراكب فلا ريب في ترتب القصاص على فعلهما لورثة كل قبيل و على كل واحد منهما نصف قيمة سفينة صاحبه و نصف ما فيها من المال و نصف دية صاحبه لو تلفا، لاستناد التلف إلى فعلهما معا فيسقط ما قابل جنايته و هو النصف دون النصف الآخر، و إن لم يكن ذلك بتعمدهما و لكن بتفريط هما أي القيمين و الفرض أن هما مالكان كاملان إلا أنهما فرطا، بأن كان يمكنهما الصرف عن السمت و هو الحبس، و لم يفعلا، أو أجرياهما مع هبوب الرياح، أو طغيان الماء، أو نحو ذلك مما يعد تفريطا، أو قصد التصادم خاصة، و لم يكن مما يؤدي إلى التلف غالبا، أو علما أدائه إلى التلف بعد الإرسال و تعذر عليهما الضبط لخلل في الآلات و قلة في الرجال و نحو ذلك، فالحكم كما تقدم إلا في القصاص، و حينئذ فلكل منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلف صاحبه من المال سفينة أو غيرها، كما أن على كل منهما نصف الدية لو تلفا أو أتلفا نفسا إذ هو من شبيه العمد، أو هو من باب الأسباب الموجبة للدية.

ج 43، ص: 111

و كذا لو اصطدم الحمالان فأتلفا ما حملاه أو أتلف أحدهما فعلي كل منهما نصف قيمة ما أتلف من صاحبه، و لو صدم أحدهما الآخر فتلف ما حملاه ضمن الجميع، و مع تلفهما عمدا أو أحدهما فالقصاص بعد رد نصف الدية أو ضمان نصف الدية إذا كان من شبيه العمد على حسب ما عرفته سابقا كما هو واضح.

و لو كانا أي القيمان غير مالكين للسفينتين و لا لما فيهما بل الغاصبين أو آجرين لمالكهما ضمن كل منهما نصف السفينتين و ما فيهما لأن التلف منهما و المالك بالخيار بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من أمينه ثم هو يرجع بنصفها على أمين الآخر، و بين أن يأخذ نصفها منه و النصف الآخر من أمين الآخر، و على كل حال ف الضمان في أموالهما سواء كان التالف مالا أو نفوسا إن كان شبه عمد و إلا كان القصاص عليهما مع العمد على الوجه الذي عرفت إذ لا فرق في ذلك بين المالكين و غيرهما بعد فرض كونهما كاملين.

نعم لو كانا صغيرين أو مجنونين و في كشف اللثام «إن أجريا السفينة بأنفسهما لم يكن عليهما ضمان المال و على عاقلتهما ضمان النفوس و كذا إن أركبهما الولي لمصلحتهما و إن أركبهما الأجنبي و وكل إليهما السفينتين فالضمان عليه و على عاقلته كما مر»(1).

و لا يخلو إطلاقه من نظر ضرورة ضمانهما المال بإتلافهما حينئذ مال الغير من دون تسليط منه لهما عليه على وجه يكون هو أقوى في التلف من مباشرتهما كما تقدم نظيره فيمن أودع الطفل و المجنون ماله أو أعارهما إياه فأتلفاه، على أن ذلك يقتضي عدم ضمانه لو أتلفه أحدهما، أما إذا أتلفه غيرهما في يدهما ضمنه لصاحبه و إن كان المتلف طفلا أو مجنونا لم يعطه المالك إذ هو حينئذ كمن أتلف ابتداء، و بذلك بل و بغيره يظهر لك النظر في إطلاقه المزبور، و الله العالم.


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 312.

ج 43، ص: 112

و كيف كان ف لو لم يفرطا أي القيمان مثلا بأن غلبتهما الرياح فلا ضمان بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا هنا، للأصل بعد أن لم يكن فعل منهما، فهما كما لو غلبتهما دابتاهما، بل هو أقوى، لأن ضبط الدابة أسهل من إمساك السفينة في البحر إذا هاج، فهو مثل من ألقاه الريح على آخر و نحوه ممن لم يكن فعل منه و لا تسبيب، الذي صرحوا فيه بعدم الضمان.

نعم عن الشافعي قولان هنا، و في كشف اللثام «و يحتمل ضمان عاقلتهما ما تلف من الأنفس لأنهما سببان لتلفها كما احتمل في راكبي دابتين» قيل: و ربما يؤيده ما عن جماعة «من أنه إذا وقع شخص في البئر أو نزل إليها ثم وقع آخر فوقه بزلق أن على الزالق الضمان أو على عاقلته» و عن الشهيد الفرق، بأن المباشرة في الزالق حاصلة بخلاف ما هنا إذا التقدير استناده إلى الريح، قال: «و قضيته أنه لو أسقطت الريح شخصا أمكن مساواته للزالق في الضمان» و لكن لا يخفى عليك ما فيه، و التحقيق عدم الضمان مع عدم فعل منه و لا تسبيب و لا شرطية استفيد من الأدلة الضمان بها، للأصل و غيره، و الله العالم.

و لو اختلف حالهما بأن كان أحدهما عامدا أو مفرطا بخلاف الآخر لم يتغير حكم كل واحد منهما باختلاف صاحبه، بل لكل منهما حكمه، و لا يضمن صاحب السفينة الواقفة و السائرة شيئا من السفينتين و ما فيهما إذا وقعت عليها أخرى مع عدم تفريط منه بلا خلاف و لا إشكال، للأصل و غيره، إلا مع اختصاصه

بالتفريط، بأن اتفق هيجان البحر فلم يتمكن صاحب الواقفة ضبطها و علم صاحب الأخرى و أمكنه دفعها و الصرف عن جهتها و لم يفعل، كما لا خلاف و لا إشكال في أنه يضمن صاحب الواقفة لو فرط و إن فرط صاحب الأخرى أيضا، و الله العالم.

ج 43، ص: 113

[المسألة السادسة لو أصلح سفينة و هي سائرة فغرقت بفعله فهو ضامن في ماله]

المسألة السادسة:

لو أصلح سفينة و هي سائرة مثلا أو أبدل لوحا منها فغرقت بفعله مثل أن سمر مسمارا فقلع لوحا أو أراد رمم موضع أي سد فرجته فانهتك فهو ضامن في ماله ما يتلف من مال أو نفس بلا خلاف أجده في الثاني لأنه شبيه عمد باعتبار قصده الفعل دون القتل، بل و الأول مع فرض التفريط، بل و مع عدمه مع فرض استناد التلف إليه، و إن قال في المسالك: «هو مبني على ضمان الصانع و إن اجتهد و قد تقدم» و ربما فصل بين ما أوجب عليه أو كان لمصلحتهم خاصة فلا ضمان و إلا ضمن، كان لمصلحة أو بأجرة و نحوها، و هو كما ترى.

و لو خرقها عمدا في لجة البحر فغرقت فعليه القصاص لما غرق من الأنفس، لأنه تعمد إتلافها. و إن خرقها خطأ محضا كأن كان في يده فأس أو حجر فسقط فيها فانخرقت فغرق من فيها كانت الدية على العاقلة.

[المسألة السابعة لا يضمن صاحب الحائط ما يتلف بوقوعه]

المسألة السابعة:

لا يضمن صاحب الحائط ما يتلف بوقوعه على أحد إذا كان قد بناه أو مبنيا في ملكه أو مكان مباح على أساس يثبت مثله عادة فسقط من دون ميل و لا استهدام على خلاف العادة بلا خلاف و لا إشكال للأصل بعد عدم التعدي و التفريط لتسلطه على ماله و عدم ما يستفاد منه الضمان بمثله من النصوص.

و كذا لو وقع إلى الطريق فمات إنسان بغباره لما عرفت من عدم مقتضى الضمان فيه على وجه يقطع الأصل سواء وقع على ملك الغير أو الطريق، و سواء قتل بسقوطه أو بغباره أو بتطاير شي ء منه، بل في القواعد «لو بناه مائلا إلى ملكه فوقع

ج 43، ص: 114

إلى غير ملكه أو إلى ملكه إلا أنه ظفر(1)شي ء من الآخر و الخشب و آلات البناء إلى الشارع فأصاب إنسانا لم يضمن، لأنه ممكن من البناء في ملكه كيف شاء، و ما تطاير إلى الشارع لم يكن باختياره»(2)و هو الموافق لإطلاق المصنف، و محكي المبسوط و غيرهما، لكن قال متصلا بما سمعت: «و لو قيل بالضمان إن عرف حصول التطاير كان موجها»(3)و لعله لأنه لعلمه صار متعديا كما لو بناه مائلا إلى الشارع، و عن ولده أنه قواه، و الكركي استجوده، بل عن ثاني الشهيدين الجزم به، كما عن أولهما أنه المنقول(4) ، و لكن فيه منع واضح.

نعم لو بناه مائلا إلى غير ملكه و لو الشارع ضمن بلا خلاف أجده فيه بيننا للتعدي و قاعدة نفي الضرر و لأنه كما لو بناه في غير ملكه الذي قد عرفت اتفاق النص و الفتوى على الضمان به، ضرورة كون العدوان في الفرض بالميل كالعدوان بالبناء، و عن أبي حنيفة اعتبار منازعة الجار و إشهاده مع ذلك في الضمان، و لا ريب في ضعفه، بل لو بناه في ملكه مستويا فمال إلى الطريق أو إلى غير ملكه ضمن إن تمكن من الإزالة و لم يزله أما لو وقع قبل التمكن لم يضمن ما يتلف به لعدم التعدي بخلاف الأول الذي فيه العدوان بشغل فضاء الغير، كما لو بناه من أول الأمر كذلك، من غير فرق بين المطالبة بذلك من الحاكم أو الجائر و عدمها، خلافا للمحكي عن موضع من المبسوط(5)فأطلق عدم الضمان لأنه قد بناه في ملكه و مال بغير فعله، و عن آخر التفصيل بين المطالبة بنقضه و الإشهاد عليه فوقع بعد القدرة على نقضه فالضمان، و إن وقع قبل القدرة فلا ضمان، و نحوه عن القاضي و هو كما ترى، و إن علل بأنه حق للغير فمع عدم المطالبة يسقط للأصل، لكنه واضح الضعف، ضرورة عدم توقف الحق على المطالبة بعد إطلاق ما يستفاد منه ذلك من النصوص و لو بمعونة الفتوى كالمحكي عن بعض العامة


1- 1 طفر، كذا في القواعد المطبوع حديثا.
2- 2 مفتاح الكرامة ج 10 ص 297.
3- 3 مفتاح الكرامة ج 10 ص 297.
4- 4 مفتاح الكرامة ج 10 ص 297.
5- 5 مفتاح الكرامة ج 10 ص 297.

ج 43، ص: 115

من عدم الضمان و إن تمكن من الإزالة.

و لو مال بعضه دون بعض ثم سقط جميعه قيل: ضمن ما تلف بما مال دون غيره، و لو شك فلا ضمان. و فيه بحث مع فرض اقتضاء ميل البعض سقوط الجميع عادة.

و لو كان الحائط لصبي كان الضمان على الولي مع التفريط كما عن التحرير، بل قيل: و كذا الحاكم بالنسبة إلى جدار الغائب مع العلم بميله و تمكنه لأنه ولي له، و فيه منع ثبوت ولايته عنه على وجه يقتضي ذلك، للأصل و غيره.

و لو مال الحائط إلى ملك الغير فأبرأه الغير سقط الضمان كما إذا باعه فإنه حينئذ على المشتري. بخلاف ما إذا وهبه و لم يقبضه فإنه لم يزل الضمان عنه كما عن التحرير التصريح بذلك كله(1).

بقي الكلام فيما في القواعد و بعض ما تأخر عنها من إلحاق بنائها على أساس لا يثبت مثله عليه ببنائه مائلا في الضمان أيضا معللين بالتعدي و التفريط، و فيه أنه لا تعدي فيه بعد فرض كونه في ملكه مثلا(2)بل هو كوضع إناء على ملكه فسقط فأتلف الغير، الذي ستسمع تصريح المصنف و غيره بعدم الضمان فيه للأصل و غيره. اللهم إلا أن يستفاد من فحوى النصوص السابقة(3)، و فيه بحث، ضرورة الفرق بين البناء في ملك الغير و الميل إليه المشغل فضائه، و بين الفرض الذي لم يشغل غير ملكه فلا تعدي فيه، و لعله لذا أطلق غير واحد عدم الضمان بالبناء في الملك، و يمكن أن يكون وجهه عدم وجوب إزالة الضرر عن الغير بما يحصل من التصرف في الملك و إنما على الغير دفع الضرر عن نفسه فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لعل نحو ذلك لو استهدم الحائط من غير ميل ففي القواعد «هو كالميل»


1- 1 التحرير ج 2 ص 265.
2- 2 كذا في الأصل و يحتمل كونه« مائلا».
3- 3 راجع الوسائل الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان و غيره.

ج 43، ص: 116

و في المسالك «في مطالبته بنقضه وجهان من أنه لم يتجاوز ملكه، و من لحوق الضرر به كالميل» و هذا أظهر، و إلى ذلك يرجع ما عن التحرير «من أنه لو

لم يمل الحائط و لكنه تشقق، فان لم يظن سقوطه لكون الشقوق بالطول لم يجب نقضه و كان حكمه حكم الصحيح، و إن خيف سقوطه بأن تكون الشقوق بالعرض وجب الضمان كالمائل»(1)نحو المحكي عن ابن أبي ليلى «من أنه إن تشقق بالطول فلا ضمان، و إن كان بالعرض ففيه الضمان»(2)إذ مرجع الجميع إلى خوف السقوط، لكن في محكي المبسوط «إذا كان حائطا بين دارين تشقق و تقطع و خيف عليه الوقوع غير أنه مستو لم يمل إلى دار أحدهما لم يملك أحدهما مطالبة جاره بنقضه، لأنه ما حصل في ملك واحد منهما في هواء و لا غيره، فان مال إلى دار أحدهما كان لمن مال إلى داره مطالبة شريكه بنقضه، لأن الحائط إذا مال إلى هواء الجار فقد حصل في ملكه و له المطالبة بإزالته، كما لو عبر غصن من شجرته إلى دار جاره فإنه يطالب بإزالته بتعريج أو قطع»(3)، و نحوه عن المهذب، و هو كالصريح في كون المدار على التعدي بشغل فضاء الغير، و هو موافق لما ذكرنا سابقا، و الله العالم.


1- 1 التحرير ج 2 ص 265.
2- 2 مفتاح الكرامة ج 10 ص 298.
3- 3 المبسوط ج 7 ص 187 و مفتاح الكرامة ج 10 ص 298 نقلا عن المبسوط و عبارة المبسوط المطبوع مغلوطة فلا تغفل.

ج 43، ص: 117

[المسألة الثامنة نصب الميازيب إلى الطرق جائز]

المسألة الثامنة:

نصب الميازيب إلى الطرق النافذة جائز و عليه عمل الناس في جميع الأعصار و الأمصار، بل حكي الإجماع عليه جماعة منهم المصنف في النافع، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه بين المسلمين، و في المروي مشهورا إنه كان للعباس ميزاب إلى المسجد و كان رخص له النبي صلى الله عليه و آله فقلعه عمر يوما لما قطر عليه منه فخرج العباس فقال له: أ تقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى الله عليه و آله بيده؟ فقال عمر:

و الله لا ينصبه إلا من رقى على ظهري فرقى العباس على ظهره فنصبه في الجدار(1)، و عن الخلاف «و هذا إجماع فإن أحدا لم ينكره، قال: و لأن هذه الأجنحة و الساباطات و السقائف- سقيفة بني ساعدة و سقيفة بني النجار و غير ذلك- إلى يومنا هذا لم ينقل أن أحدا اعترض فيها و لا أزيلت باعتراض معترض

عليها ثبت إن إقرارها جائز إجماعا»(2)و في المروي من طرقنا أنه نصبه أمير المؤمنين عليه السلام من دون رضا عمر(3)، و على كل حال فهو دال على المطلوب، مضافا إلى الأصل و غيره، بعد فرض عدم الضرر فيه على المارة، لكن مع ذلك عن الوسيلة «أنه يجوز للمسلمين المنع منه» و في النهاية عده مما ليس له إحداثه، و في كشف اللثام و تبعه غيره «يمكن تخصيصه بالمضر منه»، و لا بأس به فإنه لا سيرة لنا به تقتضي جواز نصبه على وجه يكون متهيئا للضرر.

نعم لو كان الطريق مرفوعا لم يجز إلا بإذن الشريك و إلا ضمن و إن لم يكن مضرا، إلا القدر الداخل في ملكه لأنه سائغ. و كيف كان ف هل


1- 1 الخلاف ج 2 ص 407، مفتاح الكرامة ج 10 ص 299.
2- 2 الخلاف ج 2 ص 407. و كانت عبارة الأصل مغلوطة فصححناها طبقا للمصدر.
3- 3 مفتاح الكرامة ج 10 ص 300.

ج 43، ص: 118

يضمن أي الأول لو وقعت و أتلفت مثلا قال المفيد و سلار على ما حكي عنهما لا يضمن ما أحدثه في الطريق مما أباحه الله تعالى إياه و جعله و غيره من الناس فيه سواء، لأنه لم يتعد واجبا بذلك، بل هو صريح الحلي و الفاضل في بعض كتبه، و الشهيدين في اللمعة و الروضة، و المقداد و الأردبيلي على ما حكي عن بعضهم، و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف يضمن لأن نصبها مشروط بالسلامة بل في الأخير إجماع الأمة عليه، بل قد قيل: يظهر ذلك من الغنية أيضا، بل هو خيرة المهذب و الجامع على ما حكي عنهما، و الفاضل في بعض كتبه، و ولده، بل و الوسيلة، إلا أن فيها «من نصب ميزابا جاز للمسلمين المنع فإن نصب و وقع على شي ء ضمن»(1)فيحتمل الضمان مع المنع الذي عرفت اختصاصه بالمضر، بل و النهاية إلا أن فيها «و من أحدث في طريق المسلمين حدثا ليس له أو في ملك لغيره بغير إذنه من حفر بئر أو بناء حائط أو نصب خشبة أو إقامة جذع أو إخراج ميزاب أو كنيف و ما أشبه ذلك فوقع فيه شي ء أو زلق به أو أصابه منه شي ء من هلاك أو تلف شي ء من الأعضاء أو كسر شي ء من الأمتعة كان ضامنا لما يصيبه قليلا كان أو كثيرا، فإن أحدث في الطريق ماله

إحداثه لم يكن عليه شي ء»(2)فعلق الضمان بحرمة الإحداث و عد من المحرمات الميزاب، فإما أن يريد مطلقة أو المضر منه و لا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصل البراءة بعد الإذن شرعا في النصب فهو كمن بني في دار الغير بإذنه ثم ترتب عليه ضرر، إذ قد عرفت مكررا أن الإذن الشرعية أقوى من الإذن المالكية بالنسبة إلى ذلك و ليس ذا من الإباحة الشرعية الصرفة، بل هو ذلك، مع الإذن من الولي العام فيما للمسلمين فيه حق، كما أنك قد عرفت مكررا عدم الضمان


1- 1 الوسيلة فصل في بيان من يفعل فعلا يهلك بسببه إنسان أو حيوان أو يتلف بسببه شي ء.
2- 2 النهاية ص 784.

ج 43، ص: 119

بالشرائط إلا ما استفيد من النصوص، و المتيقن منها إن لم يكن المنساق غير المفروض، كما سمعته سابقا في الحفر و وضع الحجر و نحوهما.

و لعله إلى هذا يرجع ما وقع من غير واحد من تعليل عدم الضمان بأنه مأذون فيه فلا يستعقب ضمانا فلا وجه لرده بأنه لا منافاة بين الجواز شرعا و الضمان كما في الطبيب و المؤدب و نحوهما، إذ قد عرفت أن المراد اختصاص الضمان بغير المأذون فيه باعتبار الأدلة، سيما مع إمكان تأييده بما عرفت من عدم الضمان في بناء الحائط في ملكه مستويا ثم وقع على خلاف العادة، إذ الفرض هنا أن الوضع قد كان على وجه لا يضر بالمارة فاتفق وقوعه، و من المعلوم جواز كل ما لا يضر بالمارة في الطريق الباقية على أصل الإباحة بالنسبة إلى ذلك فهو حينئذ كالبناء في مباح أو في ملكه، ضرورة أن له التملك بالحيازة و الإحياء لما لم يحيه المسلمون بالاستطراق.

و إجماع الخلاف إن كان المراد به ما يشمل الفرض، واضح المنع، بل يمكن دعواه بالعكس.

و صحيحة أبي الصباح (1)عن الصادق عليه السلام «من أضر بشي ء من طريق المسلمين فهو له ضامن»

كقوله في صحيح الحلبي(2): «كل شي ء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن»

إنما هو في المضر لا في محل البحث المفروض كونه غير مضر و لكن اتفق ترتب الضرر عليه كالبناء المستوي إلى الشارع.

و دعوى الفرق بين الخبرين بإمكان ذلك في الأول دون الثاني المشتمل على صيغة المضارعة الشاملة للحال و المآل واضحة الفساد، ضرورة إرادة التهيؤ للضرر فعلا منهما كما هو واضح.

و أما

خبر السكوني أو قويه أو موثقه (3)عن الصادق عليه السلام «قال


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

ج 43، ص: 120

رسول الله صلى الله عليه و آله: من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فهو له ضامن».

فهو و إن قال جماعة إنه نص في الباب و منجبر إن كان محتاجا إلى الانجبار بما سمعته من إجماع الخلاف، لكنه ليس كذلك ضرورة احتماله التخصيص بالمضر خصوصا مع ملاحظة قوله: «فأصاب» الظاهر في الضرر به و هو مثبت في الحائط، لا أنه سقط فأضر، و خصوصا مع ملاحظة مفهوم الصحيحين (1)و لو بمعونة الاعتضاد بما عرفت من فتوى المشهور القاضي بعدم الضمان في غير المضر، و قد عرفت أن إجماع الخلاف إنما يتم في المضر لا في غيره الذي هو مظنة العكس، بل قد سمعت مخالفة نفسه له في النهاية التي جعل مدار الضمان فيها على الجواز و عدمه.

و كذا الكلام لو أخرج الرواشن و الأجنحة و السباطات و نحوها في الطريق المسلوكة إذا لم يضر بالمارة فإنه لا فرق بين الميزاب و غيره و لذا قال المصنف في المتن لو قتلت خشبة مثلا بسقوطها قال الشيخ:

يضمن نصف الدية لأنه هلك عن مباح و هو ما كان منها في ملكه و محظور و هو ما كان منها في الهواء من غير فرق بين كثرة الداخل و الخارج، كمن قتل بجرح من شخص و جروح من آخر، بل قال الشيخ فيما حكي عنه: «لا فرق بين

ان يقع الطرف الخارج عليه و بين أن يقع ما كان في ملكه عليه لأن الخشبة إنما تقتل بثقلها و إذا وقع أحد طرفيها عليه ناله ثقل الطرفين»(2).

نعم لو كان الساقط بأجمعه في الهواء بأن انكسر الميزاب أو الخشبة مثلا فوقع منها ما هو في الهواء فأتلف، ضمن الجميع لتلفه حينئذ بسبب مضمون. و ربما احتمل ضمان الجميع على كل حال لإطلاق النصوص.

و لا بين سقوط ما في الملك بتبعية الخارج بل في المسالك احتمال التوزيع على


1- 1 أى صحيحة أبي الصباح الكناني و صحيحة الحلبي.
2- 2 المبسوط ج 7 ص 188.

ج 43، ص: 121

الداخل و الخارج فبحسب قسط الخارج، ثم قال: «و عليه فهل يوزع باعتبار الوزن أو المساحة وجهان»(1).

و لكن ذلك كله ساقط بناء على ما هو الأقرب وفاقا لمن عرفت من أنه لا يضمن مع (2)القول بالجواز للأصل بعد عدم ما يدل على الضمان به معه كما عرفت الكلام فيه مفصلا، و منه يعلم النظر في كثير من الكلمات في المقام المبنية على عدم تحرير المسألة كتعليل الضمان بصدق أنه سبب و قد عرفت غير مرة أن ذلك ليس عنوانا للضمان كي يثبت بثبوته عرفا، و كتعليل عدم الضمان بالضرورة إلى نصب الميازيب الذي رده غير واحد بأنه لا ضرورة إلى ذلك لإمكان وضعه في غير المفروض، و نحو ذلك من الكلمات التي لا دخل لها في المسألة بعد ما عرفت فلاحظ و تأمل.

و حينئذ ف ضابطه أي الضمان في ذلك و نحوه أن كلما للإنسان إحداثه في الطريق لا يضمن ما يتلف بسببه لا لعدم استتباع الجواز الضمان، ضرورة عدم المنافاة عقلا و لا شرعا، بل للأصل بعد عدم ما يدل على الضمان به مطلقا حتى مع الإذن من المالك الحقيقي، و ذلك لظهور ما عرفت من النص و الفتوى في أنه يضمن ما ليس له إحداثه كوضع الحجر و حفر البئر و نحو ذلك مما هو متأهل للضرر في الطريق على وجه لا يجوز له فعله فيه، و يلحق به فعل الساهي و الغافل و غير المكلف كما في غير المقام من الأسباب التي لا فرق فيها بين المكلف و غيره.

و من هنا يتجه عدم اختصاص السبب بالعدواني، نعم يخرج منه المأذون فيه شرعا و يمكن إرادة ذلك من العدواني فتأمل جيدا.

و على كل حال فالمراد عدم الضمان فيما جاز له إحداثه في الطريق الذي هو كالإحداث في الملك أو في المكان المباح و حينئذ فلو أجج نارا مثلا في ملكه مع عدم احتمال التعدي لم يضمن و لو (11) اتفق أنها سرت إلى


1- 1 المسالك ج 2 ص 496.
2- 2 على ن ل.

ج 43، ص: 122

غيره بطيران شراره مع سكون الهواء أو وجود حائل مانع من الريح و لم يتجاوز قدر الحاجة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه للأصل و غيره، بل و إن تجاوزها إلا أن تزيد على قدر الحاجة مع غلبة الظن بالتعدي كما في أيام الأهوية و عدم الحائل بلا خلاف و لا إشكال مع إرادة العلم من غلبة الظن لقاعدة نفي الضرر و الضرار و صدق الإتلاف عليه، بل الظاهر ذلك مع الفرض المزبور و إن لم يزد على قدر حاجته. و إطلاق المقنعة و النهاية و السرائر عدم الضمان بالإشعال في ملكه منزل على غير الفرض. بل الظاهر الضمان به مع قضاء العادة بالتعدي و إن غفل هو عن ذلك.

إنما الكلام فيما يفهم من المصنف و غيره من عدم الضمان مع عدم الزيادة على قدر الحاجة و إن غلب على ظنه التعدي بناء على إرادة العلم منه بل و مطلق الرجحان بل و مع الشك لصدق الإتلاف عليه و لو بتوليد فعله و إن لم يصدق عليه «أتلف» فإنه فرق بين نسبة الفعل و بين نسبة الإتلاف، نعم لعله كذلك مع عدم ظن التعدي و إن زاد على حاجته للأصل بعد الإذن شرعا في فعل المالك في ملكه ما شاء في الحال المزبور كما سمعته في الحفر و وضع الحجر و البناء و نحوها، مع أنه قد يتوقف فيه مما عرفت و من النسبة المزبورة التي مقتضاها الضمان مطلقا إلا أن النص و الفتوى على عدمه بما جرى منها مجرى أفعال العقلاء في العادة و إن اتفق تخلف ذلك و حصل التلف به على نحو التلف بباقي الشرائط، بخلاف الإتلاف بها على جهة التوليد بحيث يسند التلف إلى فعله عادة، نعم ليس الزيادة على قدر الحاجة مطلقا كذلك. و لعل الأقوى الثاني مع فرض تحقق النسبة عرفا كما أن الأقوى الأول مع عدمه.

و بذلك يظهر لك ما في كشف اللثام قال: «و لو لم يتجاوز قدر الحاجة مع ظن التعدي أو تجاوزها مع عدم ظنه فتعدت فأتلفت ففي الضمان قولان أقربهما العدم، كما يظهر من الكتاب و الشرائع، و الضمان فتوى

ج 43، ص: 123

التحرير»(1).

و الموجود عندنا في التحرير هنا «و إن أضرم النار في مكان له التصرف فيه بحق الملك أو إجارة فإن تعدى في ذلك بأن زاد على قدر الحاجة مع غلبة ظنه بالتعدي كما في أيام الأهوية ضمن، و إن لم يتعد بأن أضرم قدر الحاجة من غير اتصال بملك الغير أو تخطيه (2)و كان على الوجه المعتاد فحملتها الريح أو سرت إلى ملك غيره أو عصفت الأهوية بغتة فحملتها فأتلفت فلا ضمان، و كذا البحث في فتح المياه»(3).

و ظاهر اعتبار الأمرين معا في الضمان كالمصنف، نعم ظاهر الشهيد في ديات اللمعة الاكتفاء بأحدهما، و قيل كما في الروضة: يكفي ظن التعدي إلى ملك الغير مطلقا، و حينئذ فالأقوال ثلاثة، لكن لا يخفى تشويش كلماتهم في كتاب الغصب و في المقام، و لعل التحقيق ما أشرنا إليه من عدم الضمان بما يترتب على فعله إذا كان جاريا على وفق المعتاد في مثل ذلك، ضرورة كونه حينئذ كالتلف بباقي الشرائط بخلاف ما إذا كان التلف على جهة التوليد التابع للفعل بالنسبة إلى الفاعل عرفا فإن الأقوى الضمان به حينئذ، و قد تقدم جملة من الكلام في كتاب الغصب فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فقد عرفت أنه لو أججها فاتفق أنها عصفت بغتة لم يضمن بلا خلاف و لا إشكال للأصل بعد إطلاق الإذن له في ذلك و عدم خروجه عن المعتاد فيه نعم لو أججها في ملك غيره بدون إذنه أو في الشارع لا لمصلحة المارة ضمن ما يتلف بها من الأموال و الأنفس و إن لم يقصد ذلك بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالمفيد و الفاضل و الشهيدين و غيرهما ما لم يعارض مباشر قوي كان ألقى فيها غيره نفسا أو مالا و لعل منه ترك التخلص


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 307.
2- 2 في التحرير:« أو بحطبه» و هو الصحيح كما لا يخفى.
3- 3 التحرير ج 2 ص 265.

ج 43، ص: 124

مع إمكانه بل الظاهر كون الضمان في ماله كما عن المفيد و غيره التصريح به لأنه عدوان مقصود كحفر البئر في ملك الغير عدوانا و نحوه مما عرفت من كون الضمان فيه على الفاعل لظاهر الأدلة، و من هنا اشتهر فيما بينهم أن الضمان بالشرط على الفاعل دون العاقلة.

لكن في محكي السرائر: «إن قصد بالإشكال القتل فهو قتل عمد و إن لم يقصد كان خطأ محضا و الدية على العاقلة و حكم بضمانه الأموال»(1)و في التحرير: «و إن قصد بإضرام النار إحراق المنزل و المال الخاصة و تعدى الإتلاف إلى النفس من غير قصد ضمن المال في ماله و كانت دية الأنفس على عاقلته»(2).

و لا يخفى عليك ما في إطلاقه بعد الإحاطة بما ذكرناه و لعل التحقيق كون الضمان في ماله مع فرض كون التلف بإشعال النار على نحو التلف بحفر البئر و غيره من الشرائط بخلاف ماذا كان بتوليد فعله على وجه سبب إليه ما يترتب عليه فإن ذلك تجري فيه حينئذ الأقسام الثلاثة العمد و شبهه و الخطأ المحض، ضرورة كونه كغيره من أفعال المباشرة، بل لعل ما في النهاية و محكي المهذب يرجع إليه.

قال في الأول: «و من رمى في دار غيره متعمدا نارا فاحترقت و ما فيها كان ضامنا لجميع ما في الدار من النفوس و الأثاث و الأمتعة و غير ذلك ثم يجب عليه بعد ذلك القتل»(3)ضرورة ظهور الضمان في كلامه فيما سمعته من الدية و أعواض الأموال، و أما ما ذكره من القتل فيمكن أن يكون دليله

خبر السكوني(4)


1- 1 السرائر كتاب الحدود، باب ضمان النفوس و غيرها، و المنقول هنا مضمون كلامه لا عينه فراجع.
2- 2 التحرير ج 2 ص 265.
3- 3 النهاية ج 2 ص 785.
4- 4 الوسائل الباب- 41- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول الفقيه ج 4 ص 162.

ج 43، ص: 125

عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «أن عليا عليه السلام قضى في رجل أقبل بنار أشعلها في دار قوم فاحترقت الدار و احترق أهلها و احترق متاعهم، قال: يغرم قيمة الدار و ما فيها ثم يقتل».

بل عن الفاضل في المختلف أنه استوجه ما في النهاية مستدلا عليه بالخبر، بل عن حواشي الشهيد أن عليه أكثر الأصحاب، و يمكن أن يكون وجهه أنه مفسد مع فرض اعتياده لذلك على وجه يكون به محاربا أو مطلقا.

و بذلك يظهر لك النظر فيما ذكره المصنف في النكت، قال: «يقتل قودا لا حدا و لا يلزم من قوله: «ثم يجب عليه بعد ذلك القتل» أن يكون ضمان النفوس شيئا غير ذلك» ثم ذكر الخبر المزبور و قال: «إنه ضعيف: فلا يمكن التمسك بظاهره»(1)إذ لا يخفى عليك ظهور عبارة النهاية في خلاف ما ذكره إن لم يكن صراحتها، و القتل المزبور قد عرفت وجهه، بل هو لم يستبعده فإنه بعد أن ذكر ما سمعت قال: «و الوجه أنه إن قصد إتلاف الأنفس و لم يكن طريق إلى الفرار وجب في الأنفس القصاص و في المال الضمان و أما الدار فيلزم قيمة ما تلف من آلتها و أرش ما نقص من طولها و عرضها(2)و آلتها و لا يجب مع سلامة الأنفس القتل لكن إن اعتاد ذلك قصدا للفساد و رأى الإمام قتله حسما لفساده لم أستبعده»(3).

قلت: فالمتجه حينئذ حمل كلام الشيخ على ذلك إذ محل البحث العدوان في وضع النار من دون قصد لقتل الأنفس أو معه لكن على نحو القصد بباقي الشرائط لا ما سمعته منه.

بل و كذا ما في كشف اللثام فإنه بعد أن ذكر ما سمعته من النهاية


1- 1 نكت النهاية، خمسة صفحات قبل تمام الكتاب.
2- 2 في النكت:« من طوبها و أرضها» و هو الصحيح.
3- 3 نكت النهاية، في تلك الصفحة أيضا.

ج 43، ص: 126

و المهذب قال: «و لعلهما أرادا بالنفوس ما لا يكافيه من الحيوانات و الأناسي و يحتمل بعيدا أن يريدا بقولهما: «ثم يجب عليه بعد ذلك القتل» فردا(1)من

ضمان النفوس، صرح به دون الضمان بالدية أو القيمة لأنه أخفى و أخف بالتنصيص»(2)إذ هما معا كما ترى.

و كذا ما في محكي السرائر قال: «من أحرق دار قوم فهلك فيها أنفس و أموال كان عليه القود بمن قتله و غرم ما أهلكه بالإحراق من الأموال، هذا إذا تعمد قتل الأنفس فأما إذا لم يتعمد قتل الأنفس لكن تعمد إحراق الأموال و الدار فحسب فإنه يجب عليه ضمان الأموال و الأنفس فدياتها على عاقلته- إلى أن قال- و ذكر شيخنا في نهايته إلى آخر ما سمعته.

ثم قال: و هو غير واضح لأنه إن كان القتل عمدا فليس عليه إلا القود فحسب، و إن كان شبه عمد أو الخطأ المحض فلا يجب عليه القود بحال»(3)فإنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه و التحقيق ما عرفت.

نعم لو قصد إتلاف الأنفس بالإحراق على وجه يتحقق فيه عنوان القصاص و لو بأن يكون بإضرامها فيها مع تعذر الفرار لمن أراد قتله كان عمدا موجبا للقصاص بلا خلاف و لا إشكال كما عرفته فيها و في الماء في كتاب القصاص، و الله أعلم.

و لو بالت دابته في الطريق قال الشيخ: يضمن إن زلق فيه إنسان مثلا سواء كان راكبها أو قائدها أو سائقها لأنها في جميع التقادير في يده فهو كما لو رش أو بال هو، و نحوه عن ظاهر الوسيلة، بل هو صريح موضع من


1- 1 كشف اللثام: قودا.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 308.
3- 3 السرائر، كتاب الحدود، باب ضمان النفوس و غيرها، و كان في عبارة الأصل سقطا فأصلحناه طبقا للمصدر.

ج 43، ص: 127

القواعد، لكن قال بعد ذلك بفاصلة قليلة: «و لو بالت الدابة أو راثت فزلق إنسان فلا ضمان إلا مع الوقوف على إشكال»(1).

فإن كان الإشكال راجعا للوقوف خاصة فهو منه رجوع، و إن عاد إلى أصل المسألة فهو توقف بعد جزم في الأمرين معا.

أما في الأول فمن السبب مع ضعف المباشرة فهو كما لو رش أو ألقى في الطريق مزلقا، و من الأصل و عدم الاختيار في ذلك مع كون السير بالدابة من ضروريات الاستطراق و موضوعات الطرق.

و أما الثاني فلذلك، و يؤكد الضمان فيه خروج الوقوف بها عن وضع الطرق، و عن المحقق في حواشيه على هامش القواعد «لا يضمن إلا مع الوقوف لغير ضرورة و عدم علم الزالق بالروث و البول أو علم و لم يتمكن من التحرز»(2)كما عن الشهيد و الفاضل في التحرير ترجيح الضمان مع الوقوف(3).

قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد ما ذكرناه سابقا من أصالة عدم الضمان بذلك بعد جعل الشارع عنوان الضمان صدق كونه سببا عرفا على أن ذلك ليس من أفعاله و كونها في يده لا يقتضي نسبة ذلك إليه، و دعوى استفادته مما ورد في حفر البئر في الطريق و نحوه مما يضر به كما ترى، مضافا إلى السيرة المستمرة على عدم التحرز عن ذلك و عدم وجوب إزالته و عدم الضمان لما يترتب عليه من غير فرق بين الماشية و الواقفة إذ الوقوف جائز له أيضا مع عدم تضرر المارة به و حينئذ فالأصل بحاله، و لعل اقتصار المصنف و غيره على نسبة ذلك للشيخ مشعر بعدم الموافقة عليه.

و كذا قال الشيخ يضمن أيضا لو ألقى قمامة المنزل المزلقة كقشور البطيخ أو رش الدرب بالماء فزلق به إنسان مثلا، و وافقه على إطلاقه غيره و لكن في المتن و الوجه اختصاص ذلك بمن لم ير الرش أو لم يشاهد القمامة و لعله إليه يرجع ما في القواعد، فإنه بعد أن أطلق الضمان بذلك قال: «و لو تعمد


1- 1 مفتاح الكرامة ج 10 ص 304.
2- 2 مفتاح الكرامة ج 10 ص 304.
3- 3 مفتاح الكرامة ج 10 ص 304.

ج 43، ص: 128

المار وضع الرجل عليه و أمكنه العدول فلا ضمان» و لعله لقوة المباشر.

و على كل حال فقد استدلوا بالتسبيب و عموم صحيحي (1)الكناني و الحلبي، بل في كشف اللثام احتمال الضمان ببل الطين في الطريق و لو كان لمصلحة المارة، و فيه ما عرفته سابقا من ظهور النصوص في اعتبار العدوان بذلك في الضمان لا لأن الإذن الشرعية لا تستعقب ضمانا، بل لظهور نصوص الضمان بمثل ذلك فيه، فإن الصحيحين المزبورين ظاهران في المضر بالطريق و لا ريب في حرمة المعد لترتب الضرر منه و حينئذ فالمتجه في مثل الفرض تنقيح

جواز ذلك في الطريق و عدمه، و لعل السيرة في جميع الأعصار و الأمصار مع الأصل تقتضي الجواز، و اتفاق الضرر نادرا لا ينافي ذلك، فيتجه حينئذ عدم الضمان للأصل بعد الإذن الشرعية فيه التي قد عرفت غير مرة أنها أقوى من المالكية في دفع ذلك، بل لعل المنساق من الإذن في نحو ذلك مما تعلق به حق الغير عدم الضمان، نعم لو قلنا بعدم جوازه اتجه الضمان فيه و إن تعمد المشي فيه و كان له مندوحة عنه، لإطلاق أدلة الضمان به إلا إذا صار على وجه يكون أقوى منه في حصول التلف، فتأمل جيدا.

أما لو تلف به حيوان أو مجنون أو صبي غير مميز فلا إشكال في الضمان مطلقا.

و لو بنى دكة على باب داره في الطريق المسلوك أو غرس شجرة فعثر به إنسان مثلا فمات ضمن لما تقدم من النصوص، و فيما كان منه للمصلحة العامة البحث السابق.

و كذا الكلام في كل ما يصنعه في الطريق من حفر و بناء و غيرهما، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2- 1.

ج 43، ص: 129

[المسألة التاسعة لو وضع إناء على حائطه فتلف بسقوطه نفس أو مال لم يضمن]

المسألة التاسعة:

لو وضع إناء مثلا على حائطه أو حائط يباح له التصرف فيه أو شجرة كذلك فتلف بسقوطه نفس أو مال لم يضمن بلا خلاف و لا إشكال لأنه تصرف في ملكه من غير عدوان كما سمعته فيما لو بنى في ملكه، نعم لو وضعه مائلا إلى الطريق ضمن كما في القواعد و غيرها نحو الحائط المائل، بل لو وضعه على وجه يسقط مثله، ففيه البحث السابق في الحائط المبنى في ملكه بغير أساس.

[المسألة العاشرة تجب حفظ الدابة الصائلة كالكلب العقور و لو أهمل ضمن جنايتها]

المسألة العاشرة:

تجب حفظ دابته الصائلة كالبعير المغتلم و الكلب العقور الذي اقتناه و الفرس العضوض و البغل الرامح و نحو ذلك، بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، لقاعدة الضرر و غيرها، بل لو أهمل ضمن جنايتها بلا خلاف و لا إشكال، ل

صحيح الحلبي أو حسنه عن الصادق عليه السلام «إنه سئل عن بختي اغتلم فقتل رجلا فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف فعقر فقال: صاحب البختي ضامن للدية و يقتص ثمن بختيه»(1)

و خبر علي بن جعفر «سأل أخاه عليه السلام عن بختي اغتلم فقتل رجلا ما على صاحبه؟ قال: عليه الدية»(2).

و لا يعارض ذلك

النبوي «العجحماء جبار»(3)

بعد قصوره من وجوه، فيجب حمله على غير المفروض أو غير المملوك أو التي لم يفرط في حفظها أو التي فرط التالف بالتعرض بها، ك

قول الصادق عليه السلام في مرسل يونس: «بهيمة الأنعام


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب موجبات الضمان الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 32- من أبواب موجبات الضمان.

ج 43، ص: 130

لا يغرم أهلها شيئا ما دامت مرسلة»(1)

بل لعل المراد من الإرسال كونها غير صائلة أو مجهولة الحال أو المراد ما دامت من شأنها الإرسال بأن لا تكون صائلة، بل قد يحتمل كون «لا يغرم» من باب الإفعال أو التفعيل أى يغرم من جنى عليها للدفع شيئا.

و كذا لو جنت عليها دابة أخرى نعم لو جهل حالها أو علم و لم يفرط فلا ضمان بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالحلي و الفاضلين و غيرهم، و لعله

للأصل و النبوي (2)» بل و المرسل(3)بعد الشك في تناول الإطلاق المزبور له و لو للشهرة.

و خبر مسمع بن عبد الملك (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا صال الفحل أول مرة لم يضمن صاحبه فإذا ثنى ضمن صاحبه»

بناء على أن المراد منه الإشارة إلى التفصيل المزبور باعتبار أنه أول مرة لا يعلمه المالك بخلاف المرة الثانية بل و الأولى مع طولها بحيث علم به و استمر كذلك بعد العلم قادرا على حفظه.

و لو جنى على صائلة جان للدفع عن نفسه أو نفس محترمة أو مال كذلك لم يضمن بلا خلاف ضرورة أولويته من هدر النفس له، نعم ينبغي الاقتصار على مقدار ما يحصل به الدفع كما مر مفصلا في الدفاع و لو كان ما جناه عليه لغيره أى الدفاع ضمن بلا خلاف أيضا حتى لو كان انتقاما، بل و لا إشكال لعموم أدلة الضمان، و خصوص حسن الحلبي السابق أو صحيحه(5)


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 32- من أبواب موجبات الضمان.
3- 3 أى مرسل يونس الذي مر آنفا.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

ج 43، ص: 131

و هو مراد الشيخ من قوله في النهاية: «فإن كان الذي جنى عليه البعير ضرب البعير فقتله أو جرحه كان عليه بمقدار ما جنى مما ينقص من ثمنه يطرح من ديته ما كان جنى عليه البعير»(1)فلا وجه لما عن السرائر من مناقشته «بأنه غير واضح لأن الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن لا ضمان بضرب البعير لأنه بفعله محسن» إذ قد عرفت أن المراد ضربه بعد الجناية عليه لا للدفع أو مع اندفاعه بدونه، و الله العالم.

و في ضمان جناية الهرة المملوكة تردد قال الشيخ: يضمن بالتفريط مع الضراوة و تبعه ابن حمزة و ابن إدريس و الفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهم إلحاقا له بالبعير المغتلم و الكلب العقور و غيرهما من الدواب التي قد عرفت الضمان بها مع التفريط.

و لكن في المتن هو بعيد إذ لم تجر العادة بربطها و حفظها بخلاف الدواب إلا أنه كما ترى ضرورة ندرة الضراوة في هرة مملوكة لمعين فلا وجه للاستناد إلى العادة في ذلك، و من هنا لم أجد قولا بعدم الضمان و إن أرسله بعض الناس.

نعم للعامة في ضمانها أربعة أوجه: الضمان مطلقا، و عدم الضمان مطلقا(2)و الضمان بالليل دون النهار، لأن انتشارها غالبا فيه، و العكس، لقضاء العادة بحفظ ما تقصده الهرة بالليل، بل ظاهرهم البحث في ضمان ما تتلفه الهرة مطلقا ضارية أولا و هو مقام آخر يجرى مثله في الدواب، نعم لم نجد هنا محررا في كلامهم، بل ربما أشعر تقييدهم البعير هنا بالمغتلم و نحوه باختصاص الضمان فيه إلا أن المتجه القول فيه بالضمان مع التفريط أيضا بما جرت العادة فيه من حفظها، بل لعل قوله في

المرسل السابق (3)«ما دامت مرسلة»

مشعر بذلك في الجملة، كما أن ما تسمعه من النص و الفتوى في المسألة الحادية عشر دال عليه أيضا، أما مع عدمه فلا ضمان قطعا للأصل و غيره و النبوي (4)و المرسل(5)


1- 1 النهاية ج 2 ص 785.
2- 2 كانت عبارة الأصل هنا ناقصة فأتممناه.
3- 3 أشرنا إلى مصادرها آنفا فراجع.
4- 4 أشرنا إلى مصادرها آنفا فراجع.
5- 5 أشرنا إلى مصادرها آنفا فراجع.

ج 43، ص: 132

و غير ذلك.

نعم في المتن و القواعد و غيرهما يجوز قتلها بل في المسالك ظاهر هم الاتفاق عليه كغيره من المؤذيات.

و في كشف اللثام «لعله لا شبهة في ذلك كغيره من المؤذيات» و ظاهرهم الهدرية مع ذلك، و هو كذلك في مقام الدفاع، أما مع عدمه فقد عرفت تصريح النص و الفتوى بضمانه، بل قد يشكل أصل جواز القتل، و إن جاز في الحيوان المؤذي غير المملوك، و ما سمعته من ابن إدريس إن كان المراد به ما نحن فيه ففي اقتضاء قاعدة الإحسان جواز قتله منع واضح، لأن له مالكا يجب عليه حفظه

فلا إحسان في قتله، و مع التسليم فالمتجه الضمان جمعا بين الحقين، و لحسن الحلبي المزبور(1)و غيره من أدلة الضمان.

[المسألة الحادية عشر لو هجمت دابة على أخرى فجنت الداخلة ضمن مالكها]

المسألة الحادية عشر:

لو هجمت دابة على أخرى فجنت الدابة الداخلة فعن الشيخين و الديلمي و القاضي و ابن حمزة ضمن مالكها، و إن جنت المدخول عليها كان هدرا بلا خلاف و لا إشكال للأصل و غيره، أما الأول فل

خبر معصب بن سلام التميمي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام «إن ثورا قتل حمارا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله فرفع إليه و هو في أناس من أصحابه فيهم أبو بكر و عمر فقال: يا أبا بكر اقض بينهم، فقال: يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شي ء، فقال: يا عمر اقض بينهم، فقال مثل قول أبي بكر، فقال: يا علي اقض بينهم فقال: نعم، يا رسول الله، إن كان الثور دخل الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور و إن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليهم، فرفع رسول الله صلى الله عليه و آله يده إلى السماء و قال: الحمد لله الذي جعل لي من يقضي بقضاء النبيين»(2)

و نحوه خبر سعد بن طريف


1- 1 أشرنا إلى مصدرها آنفا فراجع.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.

ج 43، ص: 133

الإسكاف (1)عن أبي جعفر عليه السلام مع اختلاف، إلا أن ضعف سندهما مع عدم الجابر يمنع من العمل بهما على الإطلاق.

و لذا قال المصنف و غيره من المتأخرين ينبغي تقييد الأول بتفريط المالك في الاحتفاظ بل يمكن إرادة ذلك من الخبرين، بل و من الشيخ و من تبعه خصوصا

بعد ملاحظة ما ذكره في البعير المغتلم من اعتبار التفريط في الضمان أما مع عدمه فلا ضمان للأصل و النبوي (2)و

مرسل الحلبي «بعث رسول الله صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى اليمن فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن و مر يعد و فمر برجل فنفحه (3)برجله فقتله فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى على عليه السلام فأقام صاحب الفرس البينة عند علي عليه السلام أن فرسه أفلت في داره و نفح (4)الرجل فأبطل علي عليه السلام دم صاحبهم، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فقالوا: يا رسول الله إن عليا عليه السلام ظلمنا و أبطل دم صاحبنا فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: إن عليا عليه السلام ليس بظلام (5)و لم يخلق للظلم إن الولاية لعلي عليه السلام من بعدي و الحكم حكمه و القول قوله، و لا يرد ولايته و قوله و حكمه إلا كافر، و لا يرضى ولايته و قوله و حكمه إلا مؤمن، فلما سمع اليمانيون قول رسول الله صلى الله عليه و آله في علي عليه السلام، قالوا: يا رسول الله رضينا بحكم علي عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: هو توبتكم مما قلتم»(6).


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
2- 2 أى قوله صلى الله عليه و آله: العجماء جبار.
3- 3 في الأصل:« فبعجه» و لكن في التهذيب و الكافي و الأمالي و الوسائل كما أثبتناه فراجع.
4- 4 في الأصل:« بعج» و لكن في مصادر الحديث:« نفح».
5- 5 في الأصل:« ليس مبطلا له» و لكن في مصادر الحديث كما أثبتناه.
6- 6 الكافي ج 7 ص 352 التهذيب ج 10 ص 228، الأمالي للصدوق ص 211 المجلس 55، الوسائل الباب- 20- من أبواب الضمان الحديث الأول.

ج 43، ص: 134

و منه يستفاد الضمان مع التفريط الذي قد عرفت إجماع المتأخرين عليه، بل قد يستفاد منه أيضا الحكم بالضمان بجناية الدابة ما لم يثبت المالك عدم التفريط، و لعله لذا أطلق في الخبر المتضمن قضاء علي عليه السلام بل و من أفتى بمضمونه، و إن كان الذي يظهر من المصنف و غيره اعتبار ثبوت التفريط في الضمان و إلا فلا ضمان، للأصل و إطلاق «جبار القحماء» و غير ذلك، و المسألة غير محررة و إن كان الأخير لا يخلو من قوة لعدم جابر للحجية للخبرين بالنسبة إلى ذلك كما أنه قد يشهد للأول إطلاق النص (1)في ضمان البختي المغتلم من دون اعتبار للعلم بتفريطه، و لكن ظاهر الفتاوى خلافه. و الله العالم.

[المسألة الثانية عشر من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم]

المسألة الثانية عشر:

من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم و إلا فلا ضمان بلا خلاف أجده بل قيل قد يظهر من المبسوط الإجماع عليه، لكونه كمن وقع في البئر مع الإذن في الدخول، بخلاف ما إذا لم يأذن فإنه متعد كما لو وقع في البئر، و ل

خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم فقال: لا ضمان عليهم فإن دخل بإذنهم ضمنوا»(2).

و خبر زيد بن علي عن آبائه، عن علي عليهم السلام «انه كان يضمن صاحب الكلب إذا عقر نهارا و لا يضمنه إذا عقر بالليل و إذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك كلبهم فهم ضامنون و إذا دخلت بغير إذنهم فلا ضمان عليهم»(3).

و لعل التفصيل الأول فيما إذا عقر خارج الدار و قد فرطوا في حفظه و الثاني فيما إذا عقر داخلها، فلا منافاة.


1- 1 راجع الوسائل الباب- 14- من أبواب موجبات الضمان.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب موجبات الضمان الحديث 3.

ج 43، ص: 135

و

المرسل عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له: جعلت فداك رجل دخل دار قوم فوثب كلبهم عليه في الدار فعقره فقال: إن كان دعى فعلى أهل الدار أرش الخدش و إن لم يدع فلا شي ء عليهم»(1).

بل إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الكلب حاضرا في الدار عند الدخول و عدمه، و لا بين علمهم بكونه يعقر الداخل و عدمه، و لو أذن بعض من في الدار دون بعض فإن كان ممن يجوز الدخول بإذنه اختص الضمان به و إلا فكما لو لم يأذن، و لو اختلفا في الإذن و عدمه فالقول قول منكره للأصل.

ثم إن المنساق بل كاد يكون صريح قوله عليه السلام «دعى» اعتبار الإذن الخاصة دون العامة، و يؤيده الأصل و غيره، و الله العالم.

[المسألة الثالثة عشر راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها]

المسألة الثالثة عشر:

راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل عن الخلاف و الغنية و غاية المرام و ظاهر المبسوط الإجماع عليه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، ك

خبر علاء بن الفضيل (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «إنه سأل عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها فقال: ليس عليه ما أصابت برجلها و عليه ما أصابت بيدها و إذا وقفت فعليه ما أصابت بيدها و رجلها و إن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها و رجلها أيضا».

و صحيح الحلبي (3)عنه عليه السلام أيضا «انه سئل عن الرجل يمر على طريق


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
3- 3 الكافي ج 7 ص 351، الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 3.

ج 43، ص: 136

من طرق المسلمين فتصيب دابته إنسانا برجلها فقال: ليس عليه ما أصابت برجلها و لكن عليه ما أصابت بيدها لأن رجلها خلفه إن ركب و إن كان قائدها فإنه يملك بإذن الله يدها يضعها حيث يشاء».

و نحوه صحيح سليمان بن خالد(1)عنه عليه السلام أيضا بأدنى تفاوت.

و خبر أبي مريم (2)عن أبي جعفر عليه السلام «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في صاحب الدابة أنه يضمن ما وطأت بيدها و رجلها، و ما بعجت برجلها فلا ضمان عليه، إلا أن يضربها إنسان».

و نحوه خبر غياث (3)عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليه السلام- المحمولين على الراكب جمعا بينهما و بين غيرهما.

و

خبر السكوني (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «أنه ضمن القائد و السائق و الراكب، فقال: ما أصابت الرجل فعلى السائق و ما أصابت اليد فعلى الراكب و القائد»

المحمول عليه ما في

خبره أيضا(5)«إن عليا عليه السلام كان يضمن القائد و السائق و الراكب»

إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما عرفت، بل مقتضي إطلاق الجميع الضمان و إن لم يكن عن تفريط.

نعم فيما تجنيه برأسها فيه تردد للأصل، و قاعدة الاقتصار على المتيقن فيما خالفه من الضمان مع عدم التفريط، و إطلاق النبوي (6)و لكن


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 9.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 227، الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 4 الكافي ج 7 ص 353 و فيه نفحت مكان بعجت.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 4- الفقيه ج 4 ص 156- التهذيب ج 10 ص 224.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 11.
6- 6 الذي مر سابقا و هو: « العجماء جبار».

ج 43، ص: 137

أقربه الضمان لتمكنه من مراعاته المستفاد من التعليل في صحيحي الحلبي و سليمان (1)وفاقا للشيخين و الحلي و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل ما في الرياض نسبته إلى الأكثر بل ظاهر محكي المبسوط الإجماع عليه و إن اقتصر فيه كالمقنعة على ذكر الفم إلا أن الظاهر إرادته الأعم من ذلك بل الظاهر ضمان بجميع مقاديم البدن للتعليل المزبور، بل لم أجد قائلا صريحا بعدم الضمان و إن استظهر من اقتصار المراسم و الغنية و الخلاف و

النافع على ضمان اليدين، إلا أنه كما ترى ليس خلافا صريحا. و الأصل مقطوع بما عرفت و النبوي مقيد به.

بل عن ظاهر الوسيلة أو صريحها ضمان ما تجنيه برجلها أيضا و إن لم نجد له موافقا، بل عن الخلاف الإجماع على خلافه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص و غيرها، بل و لا دليلا إلا

خبر إسحاق بن عمار عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام «إن عليا عليه السلام كان يضمن الراكب ما وطئت الدابة بيدها و رجلها إلا أن يعبث بها أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها»(2)

لكنه قاصر عن معارضة ما سمعت من وجوه، فالمتجه حينئذ حمله على صورة التفريط، أو على ما إذا كانت واقفة دون السائرة، على أن أقصاه الإطلاق المحمول على التقييد المستفاد من خبر العلاء بن الفضيل(3).

هذا كله مع فرض الركوب على المعتاد أما مع فرضه على خلافه بأن كان وجهه إلى خلف الدابة احتمل قويا العكس في الضمان، لمفهوم التعليل المزبور، و كونه كالسائق في ضمان الجميع إن لم يضطر إلى الركوب كذلك،


1- 1 و هما المذكوران آنفا.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 10- التهذيب ج 10 ص 226- الاستبصار ج 4 ص 284 و في الأول:« بيدها أو رجلها» و في الأخيرين« بيدها و رجلها» فراجع.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.

ج 43، ص: 138

أما اليدان فلإطلاق النص و الفتوى، و أما الرجلان فلأنه حينئذ يملكهما، إلا أنه كما ترى بعد انسياق غير ذلك من الركوب.

نعم قد يقال باندراج الركوب و كلا رجليه إلى ناحية واحدة فيه، بل لعل التعليل أيضا منطبق عليه، و يحتمل اعتبار التفريط و عدمه اقتصارا على المتيقن فيما خالف الأصل.

و من ذلك قد يقوى الاقتصار في الضمان المزبور على المباشرة دون التسبيب بمعنى أنه لو أصاب شي ء من موقع السنابك عين إنسان مثلا فأبطل ضوءها، أو أتلفت برشاش ماء خاضه لم يضمن و إن استشكل فيه في القواعد، مما عرفت و من تناول الإطلاق لمثله، بل لم يرجح أحد الطرفين في كشف اللثام و محكي

الإيضاح، بل عن الشهيد أن الضمان قوي إلا أن الأقوى الأول، نعم قد يقال بالضمان بمثل ذلك مع التفريط كما عن الكركي، فتأمل جيدا.

و كذا الكلام في القائد بمعنى ضمانه ما تجنيه بيدها و رأسها دون رجليها ما لم يكن عن تفريط فإن البحث فيه على حسب ما سمعته في الراكب دليلا و قائلا أو إجماعا(1)محكيا و نفي خلاف و غير ذلك مما عرفته حتى الإجماع المحكي عن الخلاف على عدم ضمان ما تجنيه برجلها مع زيادة حكايته عن الغنية أيضا، فلا حاجة إلى إعادة الكلام.

و لو وقف بها ضمن ما تجنيه بيديها و رجليها بلا خلاف أجده فيه لخبر العلاء بن الفضيل السابق، بل الظاهر ضمان ما تجنيه مطلقا و لو برأسها و غيره، و إن اقتصر المصنف كالمحكي عن المبسوط على اليدين و الرجلين اعتمادا على ما ذكره في الراكب، بل الظاهر أيضا عدم الفرق في ذلك بين الطريق الضيق و الواسع و المفرط و غيره و الراكب و القائد و السائق عملا بإطلاق النص و الفتوى الذي لا ينافيه عدم العدوان في الوقوف مع الحاجة أو الضرورة و إن كان قد يناقش في صورة عدم التفريط و عدم التعدي بالوقوف بالنسبة إلى ضمان جنايتها برجلها


1- 1 و إجماعا ظ.

ج 43، ص: 139

بمنافاته للأصل و ظهور التعليل بخلافه، بل لعل إطلاق عدم ضمان الراكب و القائد جناية الرجل شامل للواقف و غيره، اللهم إلا أن يكون إجماعا أو شهرة يرجح بها(1)ظاهر خبر العلاء المزبور عنه، و الله العالم.

و كذا لا خلاف أجده في ضمانه إذا ضربها فجنت بيدها أو رجليها بل أو غيرهما، سائقا كان أو راكبا، و قائدا لحاجة أو غيرها، مع التفريط و بدونه، و لعله لتحقق نسبة الجناية إليه فتشمله العمومات، مضافا إلى فحوى ما تسمعه من النصوص الآتية في ضرب الغير الذي أشار إليه المصنف بقوله و كذا لو ضربها غيره ضمن الضارب ما تجنيه مطلقا و لو على الراكب و غيره، بل لا أجد فيه خلافا، بل عن الغنية الإجماع عليه، لما عرفت من تحقق النسبة إليه، و

صحيح الحلبي أو حسنه (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره و يعقر دابته رجل آخر قال هو ضامن لما كان من شي ء»

و قوله عليه السلام أيضا في حسنه (3)«أي رجل فزع رجلا على الجدار أو نفر به عن دابته فخر و مات فهو ضامن لديته و إن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه»

و خبر أبي مريم السابق (4)و غيره.

نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يكن للدفع لها عن نفسه كما عن الوسيلة و الغنية و السرائر و غيرهما التصريح به للأصل بعد الشك في اندراجه في إطلاق الأدلة خصوصا مع ملاحظة

خبر أبي بصير(5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كان


1- 1 في بعض النسخ: يرجع مكان يرجح.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
3- 3 الكافي ج 7 ص 353، التهذيب ج 10 ص 227، الوسائل الباب- 15- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 21- من أبواب قصاص النفس الحديث 3.

ج 43، ص: 140

راكبا على دابته فغشي رجلا ماشيا حتى كاد يوطئه فزجر الماشي الدابة عنه فخر عنها فأصابه به موت أو جرح قال: ليس الذي زجر بضامن إنما زجر عن نفسه»

و نحوه

خبره الآخر(1)عنه عليه السلام أيضا على اختلاف في ألفاظه و زيادة «و هي الجبار»

كخبر معلى بن عثمان (2)عنه عليه السلام أيضا على اختلاف في ألفاظه مع الزيادة، لكن قد يقال: «إن ذلك كذلك بالنسبة إلى الراكب المفرط في غشيانه».

أما ما جنته على غيره ممن كان خلفه فقد يشكل عدم ضمانه باعتبار كون التلف مستندا إليه و لو بالتوليد من فعله، فتأمل جيدا فإن التعليل قد يفهم منه من العموم لغيره، و الله العالم.

و كذا السائق يضمن ما تجنيه إجماعا عن الغنية و لعله كذلك إذ لا خلاف أجده فيه بين من تعرض له منا كالشيخ و ابن حمزة و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم بل عن الخلاف نفيه بين المسلمين عن ضمان ما تجنيه بيديها و رجليها مضافا إلى ما سمعته في خبر العلاء بن الفضيل (3)و ما يفهم من التعليل السابق باعتبار كون جميعها قدامه، و التفصيل في خبر السكوني (4)السابق المشعر باختصاص الضمان بالرجل محمول على إرادة بيان مجرد الفرق في الجملة بين السائق و غيره، خصوصا بعد عدم القائل به، بل مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق بين المفرط و عدمه.

و لو كان لها سائق و قائد و راكب، فالظاهر الاشتراك فيما فيه الاشتراك و الانفراد فيما فيه الانفراد،(5)و كذا السائق و القائد أو الراكب، و هو مع القائد، و لو كان المقود و المسوق قطارا ففي إلحاق الجميع بالواحد حكما وجهان،


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 5.
5- 5 كانت عبارة بعض النسخ هكذا: الاشتراك فيما فيه الاشتراك و الانفراد، و الانفراد فيما فيه.

ج 43، ص: 141

من صدق القود و السوق كما عن الوسيلة، و من فقد علة الضمان و هي القدرة على حفظ ما ضمن جنايته، فإن القائد لا يقدر على حفظ يدي ما تأخر عن الأول، و كذا السائق بالنسبة إلى غير المتأخر(1)و لعل هذا أقوى، نعم قد يقال بضمان سائق المتعدد غير القطار لكن الأولى اعتبار التفريط في الضمان في غير المنساق من النصوص، و الظاهر الاشتراك في الضمان مع تعدد السائق و القائد، و منه يعلم الحال فيما لو ركب واحدا و قاد الباقي أو قطرة فإنه يتعلق به حكم المركوب و أول المقطور بخلاف الثالث الذي لا يتمكن من حفظه، و لو ساق واحدا أو أكثر مع كونه راكبا قائدا للبعض تعلق به ضمان مركوبه و مقودة و مسوقة، و بالجملة فالمدار على ما عرفت من ضمان كل ما هو منساق من النصوص و إن لم يكن بتفريط، أما غيره فالظاهر اعتباره فيها.

و لو ركبها رديفان تساويا في الضمان كما صرح به غير واحد بل لا أجد فيه خلافا، بل في كشف اللثام «الأصحاب قاطعون به» قلت: لعله لصدق الراكب على كل منهما، و ل

خبر سلمة بن تمام (2)المنجبر بما عرفت «عن علي عليه السلام في دابة عليها رديفان فقتلت الدابة رجلا أو جرحت فقضى في الغرامة بين الرديفين بالسوية»

لكن مع ذلك قال في كشف اللثام: «فيه تردد» و هو على إطلاقه في غير محله نعم لو كان أحدهما ضعيفا لمرض أو غيره مكتوفا اختص الضمان بالآخر الذي هو المالك لأمرها، و كذا المراد فان على خلاف المعتاد.

و على كل حال فراكبا المحمل أولى بالضمان من المترادفين.

و لو كان صاحب الدابة معها ضمن دون الراكب كما في النافع و القواعد


1- 1 كانت عبارة الأصل مغلوطة فصححناه طبقا لعبارة مفتاح الكرامة ج 10 ص 216 فراجع.
2- 2 الوسائل الباب- 43- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

ج 43، ص: 142

و اللمعة و غيرها، و لعله لإطلاق خبر أبي مريم (1)السابق و غياث- الذين قد عرفت حملهما على الراكب- و من هنا قيده غير واحد بما إذا كانت المراعاة موكولة إليه بأن لم يكن الراكب من أهلها كالطفل و المجنون و المريض و نحوهم ممن لا إشكال في ضمانه حينئذ دونهم، بل عن الغنية الإجماع على ضمانه إذا كان حاملا عليها من لا يعقل، بل في كشف اللثام «أو شرط عليه ذلك» و لكن ذلك لا يخص المالك كما أنه لا يخص الراكب، بل لا ضمان على القائد مع فرض كون المراعاة موكولة إلى المالك دونه، فالمتجه حينئذ كون المالك كغيره في الضمان باعتبار كونه سائقا أو قائدا أو راكبا و لو رديفا أو موكولا إليه حفظ الجميع، فقد ينفرد، و قد يشترك مع غيره كما عرفته في الصور السابقة. و ضمان المالك مع التفريط في حفظ دابته لا ينافي ضمان الراكب أيضا و إن لم يفرط لإطلاق الأدلة السابقة، نعم يختص هو بضمان ما يتلفه من حيث التفريط بحفظها في غير حال الركوب دون راكبها و لعل هذا مراد من أطلق فتأمل جيدا.

و على كل حال لو ألقت الراكب لم يضمنه المالك كما صرح به الفاضل و غيره، للأصل و غيره إلا أن يكون بتنفيره فيضمن حينئذ لما عرفت أو يكون الراكب صغيرا أو مريضا لا يتمكن من الاستقلال عليها فصحبه المالك لحفظه فيضمن، كما لو فرط في حفظ متاع حمله عليها، و كذا لو كان من عادتها الإلقاء و كان المالك عالما و لم يخبر الراكب ضمن أيضا.

و لو أركب مملوكه دابة ضمن المولى جناية الراكب كما عن الشيخ و القاضي ل

صحيح ابن رئاب (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل حمل عبده على دابته فوطئت رجلا قال: الغرم على مولاه»

و لكن من الأصحاب و هو ابن إدريس من شرط صغر المملوك لتفريطه حينئذ بإركابه مع صغره و هو


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب موجبات الضمان الحديث 4 و خبر غياث أشير إليه في ذيل خبر أبي مريم فراجع ص 136.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

ج 43، ص: 143

حسن و ذلك لأن الموافق للضوابط المتقدمة في غير المقام أنه لو كان بالغا كانت الجناية في رقبته إن كانت على نفس آدمي أو طرفه و لو كانت على مال لم يضمن المولى، و هل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا أعتق كما في القواعد و غيرها على حسب غير المقام لإطلاق الأدلة و معلومية عدم ضمان المولى شيئا من جناياته، لا في نفس و لا في مال، نصا و فتوى، بل يمكن حمل كلام الشيخ و القاضي على الصغير خاصة باعتبار تعبيرهما بالإركاب الظاهر كالحمل الموجود في الصحيح (1)في عدم كماله، على أن التعلق برقبته من الغرم على المولى، و حينئذ فلا خلاف في المسألة و إن كان ظاهر المتن ذلك، بل في كشف الرموز نسبة التفصيل المزبور إلى ابن إدريس، قال: و باقي الأصحاب أطلقوا، كما أنه في المسالك نسب الإطلاق إلى الشيخ و أتباعه، و في التنقيح إلى الأكثر. نعم ربما استظهر من ابن إدريس اختصاص ضمان المولى للصغير في خصوص ما إذا كانت الجناية على آدمي دون المال، و لعله اقتصار على ظاهر الصحيح المزبور، لكن قد عرفت أنه مؤكد لما يقتضيه التفريط

بإركابه و إهمال الدابة الواجب عليه حفظهما، و هذا لا تفاوت فيه بين النفس و المال، و من هنا أطلق المصنف و غيره ضمان المولى جنايته، بل ظاهرهم أن القول بالتفصيل منزل على ذلك أيضا، و لعلهم حملوا ما في محكي السرائر من عدم ضمان المال على خصوص الكبير بمعنى أن جنايته على نفس تتعلق برقبته دون المال لا بالنسبة إلى الصغير الذي جنايته في المقام على مولاه من غير فرق بين النفس و المال، و الخبر(2)إنما ذكر فيه وطء الرجل فلا ينفى غيره المستفاد من قاعدة التفريط.

و لو دخلت دابته زرعه المحفوف بزرع الغير لم يجز له إخراجها إليه مع أدائه إلى إتلاف زرع الغير بل يصبر و إن أتلفت زرعه أجمع، فإن لم يصبر


1- 1 أى صحيح ابن رئاب الذي مر آنفا.
2- 2 أى خبر ابن رئاب.

ج 43، ص: 144

و أخرجها أثم و ضمن ما يتلف من زرع الغير، كما أنه يضمن ما يتلفه بالخروج و الدخول مع تفريطه، و كذا لو كانت الدابة لغيره، بل الظاهر عدم ضمان المالك لها ما تتلفه من الزرع مع الصبر إذا لم يكن قد فرط، و إن توقف فيه الفاضل في القواعد، قال: «و لو دخلت زرعه المحفوف بزرع الغير لم يكن له إخراجها إليه مع الإتلاف بل يصبر و يضمن المالك مع التفريط، و مع عدمه إشكال» لكن لم يظهر لنا وجه معتد به لإشكاله و إن ذكر ولده و غيره من شراحه أنه إن استند التلف إلى دابته فيضمن كما لو أدخلت رأسها في قدر و لم يمكن التخلص إلا بالكسر، إلا أنه كما ترى لا يرجع إلى حاصل معتد به.

نعم لو فرض الأمر على حال يكون كما لو دخلت الدابة دار الغير من غير تفريط من المالك و لا من صاحب الدار و توقف خروجها على هدم بعض الدار مثلا و نحو ذلك، كان مما تزاحمت فيه الحقوق الذي تقدم بعض الكلام فيه في محله، و ليس الصبر على إتلافها لما في إخراجها من إتلاف مال الغير مع عدم تفريط المالك من هذا القبيل، ضرورة كونه كالضرر بآفة سماوية و نحوها مما لا مدخلية للمالك فيه، كما هو واضح.

ج 43، ص: 145

[البحث الثالث في تزاحم الموجبات]
اشاره

البحث الثالث في تزاحم الموجبات و قد تكرر غير مرة في كتاب الغصب و كتاب القصاص و غيرهما.

أنه إذا اتفق المباشر و السبب و تساويا أو كان المباشر أقوى ضمن المباشر بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه كالدافع مع الحافر، و الممسك مع الذابح، و واضع الحجر في الكفة مع جاذب المنجنيق إلا مع ضعف المباشر بالغرور و نحو، كما لو جهل المباشر حال السبب فإنه متى كان كذلك ضمن المسبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه و نحوه مما يجوز له الحفر فيه فدفع غيره ثالثا و لم يعلم بالبئر، ف إن الضمان فيه على الحافر (11) لكونه أقوى من المباشر، و كالفار من مخفية إذا وقع في بئر (12) محفورة عدوانا لا يعلمها (13) و إن لم يلجئه إلى سكوك هذا الطريق بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه و هو كذلك.

نعم تردد المصنف في ضمان الحافر في الأول (1)لعموم تقديم المباشر على السبب مع أنه جزم به هنا كغيره من الأصحاب، و العموم المزبور لم نجده في خبر كي يستند إليه و إنما الأصل فيه الاتفاق المفقود في المقام، فلا وجه للتردد المزبور كما لا وجه للمناقشة في أصل القاعدة التي قد عرفت الإجماع عليها مضافا إلى صدق نسبة التلف إليه دونه فقد تقدم البحث في ذلك كله في كتاب الغصب فلاحظ و تأمل.


1- 1 في بعض النسخ بعد هذه الجملة هكذا: «فلا وجه للتردد» و الظاهر زيادتها.

ج 43، ص: 146

و لو حفر في ملك نفسه بئرا و سترها و دعى غيره فالأقرب الضمان كما في القواعد و غيرها، بل في المسالك أنه المشهور لأن المباشرة يسقط أثرها مع الغرور بعدم الإخبار عمدا أو نسيانا، و لأنه

«لا يبطل دم امرء مسلم»(1)

و لفحوى ضمان الداخل بالإذن فعقره كلبهم.

و يحتمل عدم الضمان مع عدم تعمد الغرور للأصل و إطلاق عدم الضمان في الحفر في الملك في النصوص السابقة، بل ربما قواه بعض الناس.

و لكن فيه عدم اعتبار قصد الغرور بما يترتب على فعل الغار الذي هو في الوجدان أقوى في حصول التلف من المباشرة فتأمل جيدا فإنه تقدم فيمن ناول إناء فيه سم لغيره و لم يعلم به ماله نفع في المقام، و إن كان المشابه له فرض وضعه السم في الإناء و قد نساه فناوله للغير و الظاهر الضمان فيه بخلاف ما لو كان الواضع غيره و الله العالم.

و لو اجتمع سببان ضمن من سبقت الجناية بسببه، و إن كان حدوثه متأخرا أو مصاحبا كما لو ألقى حجرا في غير ملكه و حفر الآخر بئرا فلو سقط العاثر بالحجر في البئر فالضمان على الواضع الذي سبقت الجناية بسببه المقتضى لضمانه، فيستصحب حكم أثر السبب الأول و به رجح على السبب الثاني الذي قد صار بالنسبة إلى الأول كالشرط للمباشر.

و كذا لو حفر بئرا عدوانا و نصب آخر سكينا و وضع آخر حجرا فعثر بالحجر ثم وقع في البئر فأصابته السكين فإن الواضع حينئذ كالدافع في البئر المزبورة.

هذا مع تساويهما في العدوان و لو كان أحدهما عاديا كان الضمان عليه خاصة كما لو حفر بئرا مثلا في ملكه و وضع المتعدي حجرا فتعثر به إنسان أو


1- 1 هذه الجملة منقولة عن على عليه السلام كما تقدم. راجع الوسائل الباب- 10- من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 5.

ج 43، ص: 147

العكس فإن الضمان على المتعدي منهما في الصورتين، أما الأولى التي اجتمع فيها السبق و العدوان، فواضح، و أما الثانية فلانتفاء الضمان عن المالك بانتفاء العدوان فيختص بالسبب الآخر.

نعم يجي ء على ضمان الاشتراك وجوب نصف الجناية على المتعدي و سقوط النصف الآخر كما لو هلك بالتعدي و السبع مثلا، و كذا لو نصب سكينا في بئر محفورة في غير ملكه عدوانا فتردى إنسان على تلك السكين فإن الضمان على الحافر ترجيحا للأول الذي سبقت الجناية بسببه و إن كان لو لا السكين ما قتل، و ربما خطر في البال التساوي في الضمان لأن التلف لم يتمحض من أحدهما و الفرض أن كلا منهما متعد و لا دليل على الترجيح بالسبق، أو الضمان على ذي السبب الأقوى و إن كان متأخرا في الجناية، كما لو كان السكين قاطعا موجبا.

و لكن الأول مع أنه أشهر أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها استصحاب ضمانه السابق جناية، بل لا حاصل للثاني منهما فإن السكين و إن كان قاطعا لكن لا يضمن إلا أن يوقعه عليه، و الفرض أنه لم يقع عليه إلا بالتردي في البئر الذي كان سببه وضع الحجر مثلا فصار حينئذ كالدافع في البئر.

و لو سقط الحجر بالسيل على طرف البئر المحفورة عدوانا فالمتجه بناء على ما ذكرنا ضمان الحافر لاختصاصه بالعدوان، و لكن في القواعد الإشكال فيه من ذلك و من استناد التردي إلى الحجر، و فيه أنه لا استناد عرفي في الشرائط و إنما العمد إطلاق أدلة الضمان و الفرض عدمه في غير العدوان، و الله العالم.

و لو حفر بئرا قريب العمق فعمقها غيره كان الضمان على الأول للسبق.

و في القواعد احتمال الاشتراك لاستناد التلف إلى سبب واحد اشتركا فيه فإن المتلف إنما هو التردي في البئر بمالها من العمق، بل عن الفخر و الكركي اختياره، و عن الشهيد أنه المنقول، و عن الأردبيلي احتمال اختصاص الضمان بالثاني لكنه

ج 43، ص: 148

كما ترى، بل و الأول لما عرفت من اختصاص الضمان بالسابق أثرا ضرورة عدم الفرق بين الفرض و بين الأول فإن الحفر المتأخر أثرا كالسكين الموضوعة في البئر مثلا و التسامح العرفي في اتحاد السبب غير مجد، نعم لو اشتركا في الحفر نفسه جميعه اتجه ذلك، و الله العالم.

ثم على الاشتراك فالظاهر التسوية، و في كشف اللثام احتمال التوزيع على القدر الذي أحدثه كل منهما، و هو مناف لقواعد الاشتراك، ثم قال: «و الظاهر أن احتمال الاشتراك إنما يجري إذا كان ما أحدثه الثاني مما يستند إليه التلف عادة بأن لا يكون قليلا جدا و أما الأول فلا بد من حفره حتى يبلغ ما يسمى بئرا فإنه المفروض»(1).

قلت المدار على حصول التلف بهما و إن تفاوتا كالجروح المتعددة من شخص و الجرح الواحد من آخر.

و لو تعثر بحجر في الطريق فالضمان على واضعه لضعف المباشرة بعدم العلم، و لو تعثر به رجل فدحرجه ثم تعثر به آخر فالضمان على المدحرج لأنه هو الذي وضعه موضعه هذا. نعم لو لم يشعر به ففي كشف اللثام «الدية على العاقلة

لأنه خطاء محض» و فيه بحث يعرف مما قدمناه من أن الشرائط جميعها ضمانها على المسبب دون العاقلة لإطلاق الأدلة فتأمل.

و منه حينئذ يتجه الضمان على الصبي و المجنون في مقام يفرض حصوله منهما على وجه يقتضي الضمان كالحفر في ملك الغير دون عاقلتها، بل قد يقال بالضمان على الحافر عدوانا مثلا و لو بعد موته فضلا عن جنونه المتأخر عن ذلك لإطلاق ما يدل على التسبيب الذي لا تفاوت فيه بين المكلف و غيره كما في نظائر المقام فتأمل جيدا فإني لم أجده منقحا في كلامهم، و الله العالم.

و لو سقط في حفرة عدوانا اثنان مثلا فهلك كل منهما بوقوع الآخر فإن الضمان على الحافر الذي هو أقوى لأنه


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 309.

ج 43، ص: 149

بحفره العدواني الموجب للضمان صار كالملقي لهما فيها فيضمنهما و إن مات كل منهما بوقوع الآخر كما هو واضح، لكن في القواعد: «و لو تردى في بئر فسقط عليه آخر فضمانهما على الحافر و هل لورثة الأول الرجوع على عاقلة الثاني بنصف الدية حتى يرجعوا به على الحافر، إشكال»(1)و لعله لاستناد موت الأول إلى سببين، التردي، و سقوط الآخر عليه، فله الدية على الفاعلين بالسوية، و لما كان السقوط خطأ محضا كان النصف على عاقلته و يرجعون به على الحافر لأنه السبب للسقوط.

و فيه أن الوقوع المزبور لم يكن من فعله حتى يوصف بالخطاء، على أن السبب إن كان أقوى لم يضمن المباشر أصلا لا أنه يضمن و يرجع به على السبب كما هو واضح. و من هنا لم يتوقف فيه في محكي التحرير كما أن المحكي عن الفخر و الكركي اختيار الضمان على الحافر ابتداء، و الله العالم.

و لو قال ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة، فألقاه فلا ضمان سلمت أو لم تسلم، بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخين و الفاضلين و ثاني الشهيدين و غيرهم للأصل، كما لو قال أعتق عبدك فأعتقه أو طلق زوجتك فطلقها، و خصوصا إذا كان النفع مختصا بالمأمور.

و في المسالك: «و الفرق بينه و بين قوله أد ديني فأداه حيث يرجع عليه أن أداه دينه منفعة لا محالة و إلقاء المتاع قد يقضى إلى النجاة و قد لا يقضى فلا يضمن إلا مع التصريح به»(2)و هو كما ترى. نعم قد يقال الفارق الإجماع و أن المفهوم من الأمر بالأداء التوكيل في ذلك، فيكون حينئذ بالأداء كالقرض عليه، كما أن المفهوم من الأمر بالضمان عنه الرجوع به عليه بخلاف المفروض و قد تقدم في كتاب الضمان ماله نفع في المقام.

نعم لو قال مع ذلك و علي ضمانه ضمنه دفعا لضرورة الخوف


1- 1 مفتاح الكرامة ج 10 ص 321.
2- 2 المسالك ج 2 ص 497.

ج 43، ص: 150

التي شرع فيها ذلك بلا خلاف أجده فيه بيننا بل و بين غيرنا إلا من أبي ثور و هو شاذ لا يعتد به كما في محكي الخلاف، بل فيه أن عليه إجماع الأمة عداه، كما عن المبسوط نفي الخلاف فيه من غيره، و كفى بذلك دليلا للمسألة، فلا وجه للتأمل فيه من حيث كونه ضمان ما لم يجب فهو وعد لا يجب الوفاء به إذ هو كالاجتهاد في مقابلة الإجماع. على أن الفاضل في محكي التذكرة قال:

«لو قلنا: إنه جعالة خلصنا من الإلزام» قلت: يمكن كونه توكيلا في استقراضه أو شيئا مشروعا في نفسه مؤيدا بعموم المؤمنون عند شروطهم و قاعدة الغرور و غيرهما.

و على كل حال فيعتبر حينئذ قيمته لو كان قيميا حين الإلقاء لأنه وقت الضمان، و ربما احتمل اعتبارها قبل هيجان الأمواج لأن المال لا قيمة له في تلك الحالة. و فيه أن المراد قيمته في نفسه.

و لو لم يكن خوف و إن كان فيه نفع من خفة السفينة و نحوها فقال: ألقه و علي ضمانه، ففي الضمان تردد من الأصل، و عدم دفع ضرورة الخوف، و نفي الخلاف الآتي، و من عموم المؤمنون عند شروطهم، و قاعدة الغرور، و عموم الوفاء بالعقود، بناء على أن المفروض منه أقربه أنه لا يضمن وفاقا للشيخ و القاضي و الفاضل و ولده و الكركي و غيرهم، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه، أو حكايته كما في كشف اللثام، بل في المسالك عنه الإجماع عليه.

و كذا لو قال مزق ثوبك و علي ضمانه أو اجرح نفسك و على أرشه لأنه ضمان ما لم يجب و لا ضرورة فيه يشرع الضمان لهما و المباشر أقوى من السبب، بل

المبسوط قيل لا خلاف فيه أو نفي الخلاف لاختلاف النسخ (1)، كما عن الإيضاح و جامع المقاصد القطع بعدم الضمان مع الخلو عن النفع


1- 1 في المبسوط المطبوع حديثا: فاما إذا لم يخافوا الغرق و قال لغيره ألق متاعك في البحر ففعل لا يلزمه بلا خلاف و كذلك إذا قال له حرق ثيابك و على ضمانه لا يلزمه بلا خلاف المبسوط ج 7 ص 171.

ج 43، ص: 151

بالكلية.

بل في القواعد و كشف اللثام و محكي الإيضاح اعتبار عدم اختصاص فائدة الإلقاء بصاحب المتاع في الضمان على القول المزبور و إلا بطل لأنه فعل ما هو واجب عليه لمصلحة نفسه فلا يستحق به عوضا، كما لو قال للمضطر: كل طعامك و أنا ضامن.

و لكن احتمل غير واحد الضمان عملا بإطلاق الفتاوى و معقد الإجماع أو نفي الخلاف و غير ذلك مما عرفت و هو قوى جدا.

و في التحرير بنى الاحتمالين عليهما فيما إذا اشترك الخوف بينه و بين غيره فقال: «يحل له الأخذ إن لم نسقط الضمان هناك بالنسبة و لا يحل إن أسقطناه».

و في كشف اللثام «قد يمكن الفرق و القول بالسقوط هنا و ان لم يسقط هناك لشركة الغير في الخوف فتكون الشركة مصححة لعقد الضمان و إذا صح لزم مقتضاه» و فيه انه إن كان المانع من الصحة وجوب مثل ذلك عليه فهو في المقامين، و إن كان المقتضى لها مشروعية ذلك فقد عرفت إطلاق دليل المشروعية، و حينئذ فيختص الضامن بضمان الجميع و إن اشترك المالك مع الخوف، و ربما احتمل التقسيط بنسبة المالك إلى الخائفين فإن كانوا عشرة سقط العشرة لأنه ساع في تخليص نفسه و إن تضمن تخليص الغير، و لكنه واضح الضعف كما اعترف به غير واحد.

و حينئذ فلا فرق في الضمان على القول المزبور في الحال المذكور بين اختصاص صاحب المتاع به أو اشتراك غيره عدا الآمر، و بين اختصاص الآمر به أو مع اشتراكه مع غيره و لو المأمور أو غيره أو مع اختصاصه بغيرهما. و سواء كان الخوف على النفس، آدمي أو حيوان أو على المال، لعموم مقتضى الصحة في الجميع.

و أولى منه ما لو باشر الضامن إلقاء مال غيره بعد ضمانه له.

ج 43، ص: 152

و بذلك ظهر لك الحال في الأقسام الخمسة التي ذكرها في المسالك (1)و غيره.

نعم لو ألقى المالك بنفسه متاعه لخوفه على نفسه أو غيره لم يضمنه أحد للأصل و غيره.

قيل (2)«و الفرق بينه و بين إيجار المضطر في حلقه الذي يرجع عليه بقيمة الطعام بأن ملقى المتاع إن شمله الخوف فهو ساع في تخليص نفسه مؤد واجبا عليه و إن حصل بذلك تخليص غيره من الغرق فلا رجوع، بخلاف إيجار المضطر.

و إن لم يشمله الخوف بأن كان على شط أو في زورق و لا خوف عليه، فالفرق أن المطعم مخلص لا محالة و دافع للتلف الذي يقضى إليه الجوع، و ملقى المتاع غير دافع لخطر الغرق، بل احتمال الغرق قائم على تقدير الإلقاء و إن كان أضعف منه بدونه.

و إن كان هو كما ترى لا يرجع إلى حاصل يعتد به، مع أنه يمكن فرض احتمال عدم النجاة في المؤجر في حلقه كما يمكن فرض القطع بالنجاة حينئذ في الإلقاء، فالعمدة حينئذ الإجماع أو مباشرة الإتلاف في المضطر و لو بالإيجار ممن جعله الشارع وليا له في تلك الحال بخلاف من في السفينة.

و لو ألقى متاع غيره لخوفه عليه أو على نفسه أو غيرهما ضمن إذا لم يأذن له المالك بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، لقاعدة من أتلف و غيرها، و إن كان في حال وجوب الإلقاء على صاحب المتاع، إذ ليس هو وليا له بل هو في حال الدافع عن نفسه كالمضطر الآكل لطعام الغير الذي لا إشكال في ضمانه، لقاعدة احترام مال المسلم الذي لم يلجأه إلى إتلافه و ليس هو كدفع الدابة الصائلة المفرط فيها صاحبها أو المنصوص عليه من حيث كونه من باب الدفاع المعلوم عدم اندراج الفرض فيه.


1- 1 المسالك ج 2 ص 498.
2- 2 قاله في مفتاح الكرامة راجع ج 10 ص 343.

ج 43، ص: 153

و على كل حال فإذا قصر من لزمه الإلقاء فلم يلق حتى غرقت السفينة فعليه الإثم لا الضمان كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى هلك و إن طلبه منه. و كذا كل من تمكن من خلاص إنسان من مهلكة فلم يفعل أثم و لا ضمان للأصل و غيره كما نص عليه في المسالك و غيرها.

لكن عن التحرير «أنه لو اضطر إلى طعام غيره أو شرابه فطلبه منه فمنعه إياه مع غنائه عنه في تلك الحال فمات ضمن المطلوب منه لأنه باضطراره إليه صار أحق من المالك و له أخذه قهرا، فمنعه إياه عند طلبه سبب هلاكه».

و لم أجده فيما حضرني من نسخته في المقام (1)و في كتاب الأطعمة، و هو مشكل ضرورة عدم مقتض للضمان من مباشرة أو تسبيب أو غيرهما من الأفعال التي رتب الشارع عليها الضمان، و ليس ترك حفظه من الآفات منها و إن وجب عليه ذلك، لكنه وجوب شرعي يترتب عليه الإثم دون الضمان.

و منه ترك إنقاذ الغريق و إطفاء الحريق و نحوهما و إن كان مقدورا عليه، بل التروك جميعها لا يترتب عليها ضمان إذا كان علة التلف غيرها و هي شرائط، و منه ما نحن فيه. بخلاف الحبس عن الطعام مثلا حتى مات جوعا و نحوه من الأفعال كما تقدمت الإشارة إليه في كتاب الغصب، و المفروض في المقام ليس إلا تركا لما وجب عليه من إلقاء المال الصامت أو الحيوان غير الإنسان مقدمة لحفظ الإنسان فلا يترتب عليه ضمان فتأمل جيدا.

و كيف كان ف لو قال عند الخوف ألق متاعك و علي ضمانه مع ركبان السفينة على معنى ضمان كل منا له و هو المسمى بضمان الانفراد فهو ضامن الجميع و كذا غيره ان إذن له أو رضى بذلك كما هو صريح جماعة، و ظاهر


1- 1 حكاه في مفتاح الكرامة ج 10 ص 343 عن التحرير، و هو موجود في كتاب الجنايات من التحرير المطبوع ج 2 ص 266 و هذه عبارته« ك لو أخذ طعام انسان. و لو اضطر الى طعام و شراب لغيره فطلبه منه.».

ج 43، ص: 154

آخرين، بل لا أجد فيه خلافا بينهم هنا، و إن لم يحك القول به في ضمان الدية إلا عن ابن حمزة(1)و حينئذ فالإجماع إن تم هو الدليل له كأصل المسألة، و يكون كرجوع المغصوب منه على ذي الأيدي المتعاقبة على المغصوب عدوانا، فلا

وجه للمناقشة بأنه لا يعقل اشتغال ذمم متعددة بمال واحد إذ هو كالاجتهاد في مقابلة الإجماع بعد فرض تمامه.

و إن قال ذلك على معنى ضمان كل منا ما يخصه على حسب التقسيط، ضمن قسطه و هو المسمى بضمان الاشتراك.

و لو أطلق فامتنعوا من الضمان قبل الإلقاء أو بعده فإن قال:

أردت التساوي بينى و بينهم قبل منه لأنه أعرف بنيته بل لعل ظاهر اللفظ المزبور ذلك و إن لم يقل، تظهر الثمرة بموته قبل قوله و على كل حال لزمه ألزم من الضمان بحصته و اما الركبان فإذا رضوا لزمهم الضمان أيضا كذلك و إلا فلا للأصل بعد فرض قبول قوله في عدم الجميع أو كون اللفظ ظاهرا فيه و بعد معلومية عدم الالتزام بشي ء بالفضولية فلا يلزم القائل ضمان الجميع كما عن بعض العامة للأصل و استناد التفريط إلى المالك حيث اكتفى باللفظ المزبور.

نعم إن ألقاه هو و قال: إني و الركبان ضمنا ضمن الكل مع امتناعهم عليه للمباشرة، خلافا لبعض العامة فلم يضمنه إلا بالحصة.

و لو قال: إني و كل من الركبان ضامن، ففي كشف اللثام: «هو ضمان اشتراك و انفراد فهو يضمن الكل» و لعل المراد بضمان الاشتراك صيرورة كل منهم ضامنا مع الإذن أو الرضا لا الضمان بالحصة على وجه لا يستحق المضمون له على الضامن غيرها، أن المراد استحقاق المضمون له المطالبة لهم أجمع بالجميع و مطالبته لكل منهم بالكل، أو غير ذلك، و الأمر سهل بعد وضوح


1- 1 راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 345.

ج 43، ص: 155

المقصود، و الله العالم.

و لو قال مع القول المزبور قد أذنوا لي في الضمان عنهم ضمان اشتراك بالحصص فأنكروا بعد الإلقاء و لا بينة صدقوا مع اليمين كما في كل منكر و ضمن هو الجميع كما في القواعد و التحرير و إن لم يكن قد ضمن إلا ضمان التحاص لأنه غر المالك بكذبه عنهم.

و فيه أن التفريط من المالك في عدم استبانة الحال و الأصل البراءة، و من هنا قيل لا يضمن إلا حصته كما عن كفالة الإيضاح و جامع المقاصد، بل في المسالك «هو متجه» بل عن المبسوط و المهذب «أنه يضمن دونهم»، و هو محتمل للضمان بالحصة أيضا، و لو كان قبل الإلقاء فلا إشكال في ضمان حصته خاصة إذ التقصير من المالك حيث لم يستوثق، و الله العالم.

هذا و في المسالك «أن المتاع الملقى لا يخرج عن ملك مالكه حتى لو لفظه البحر على الساحل أو اتفق الظفر به فهو لمالكه و يسترد الضامن المبذول إن لم ينقص قيمة المتاع، و إن نقصت لزمه من المبذول بنسبة النقص، و هل للمالك أن يمسك ما أخذ و يرد بدله؟ فيه وجهان تقدم مثلهما في المغصوب إذا رد الغاصب بدله لتعذر العين ثم وجدت، و أولى بلزوم المعاوضة هنا»(1).

قلت: قد تقدم تحقيق الحال في ملك قيمته للحيلولة و أنه مراعي بوجود العين فمتى حصلت انفسخ الملك و إلا فلا، لكن قد يقال: هنا يملك الضامن للعين بناء على أنه من باب القرض، على معنى أن أمره بالإلقاء مضمونا عليه ينحل إلى توكليه في إدخاله في ملكه بقيمته في ذمة الموكل.

ثم لا يخفى عليك ما في دعوى بقاء العين على ملك المالك لو ظهرت مع عدم وجوب رد عين العوض الذي قبضه بدلها و أن له رد مثله أو قيمته، ضرورة عدم انطباقه على شي ء من القواعد و قد تقدم في الغصب ماله نفع في المقام.


1- 1 المسالك ج 2 ص 498.

ج 43، ص: 156

[مسائل الزبية]

و من لواحق هذا الباب مسائل الزبية بضم الزاء حفيرة تحفر للأسد و أصلها الأرض المرتفعة فوق الأكمه (1)و منه المثل السائر «بلغ السيل الزبا» و انما سميت بذلك الحفيرة المزبورة لأنهم كانوا يحفرون للأسد في موضع عال.

و كيف كان فلو وقع أخذ في زبية الأسد فتعلق بثان و تعلق الثاني بثالث و تعلق الثالث برابع فافترسهم الأسد. ففيه روايتان إحداهما رواية محمد بن قيس الثقة بقرينة عاصم و روايته عن أبي جعفر عليه السلام التي رواها المحمدون الثلاثة(2)صحيحا كما اعترف به غير واحد، فما في المسالك (3)من كونها ضعيفة باشتراك محمد بن قيس بن الثقة و غيره في غير محله قال قضى أمير

المؤمنين عليه السلام في الأول فريسة الأسد، و غرم أهله ثلث الدية للثاني، و غرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، و غرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة.

و

لفظه: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة اطلعوا في زبية الأسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني، فاستمسك الثاني بالثالث، فاستمسك الثالث بالرابع،


1- 1 كذا في النسخ الثلاثة التي عندنا.
2- 2 الكافي ج 7 ص 286- التهذيب ج 10 ص 239- الفقيه ج 4 ص 116- الوسائل الباب- 4- من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2. و اللفظ مطابق لما في الفقيه.
3- 3 المسالك ج 2 ص 498.

ج 43، ص: 157

حتى أسقط بعضهم بعضا على الأسد فقضى بالأول أنه فريسة الأسد و غرم أهله ثلث الدية لأهل الثاني، و غرم أهل الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية و غرم أهل الثالث لأهل الرابع الدية كاملة».

و أما الثانية فهي

رواية مسمع (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «ان عليا عليه السلام قضى» في قوم احتفروا زبية الأسد فوقع فيها الأسد فازدحم الناس ينظرون، فوقع فيها رجل، فتعلق بآخر، فتعلق الآخر بآخر، و الآخر بآخر، فجرحهم الأسد، فمنهم من مات بجراحته، و منهم من أخرج فمات أن للأول ربع الدية و للثاني ثلث الدية و للثالث نصف الدية و للرابع الدية كاملة و جعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا و كان ذلك في حياة النبي صلى الله عليه و آله فأمضاه.

و لكن الأخيرة ضعيفة الطريق إلى مسمع بسهل بن زياد و محمد بن الحسن بن شمون الغالي الملعون و بعبد الله بن عبد الرحمن الأصم الضعيف الغالي أيضا الذي هو من كذابة أهل البصرة فهي إذن ساقطة.

و ربما وجهت بفرض العدوان في حفر الزبية و استناد الافتراس إلى الازدحام المانع من التخلص فحينئذ، الأول مات بسبب الوقوع في الزبية و وقوع الثلاثة عليه، إلا أنه لما كان وقوعهم نتيجة فعله لم يتعلق به ضمان تنزيلا لما يتولد من المباشرة منزلتها و هو ثلاثة أرباع السبب فيبقى الربع على الحافر، و لكنه مبني أيضا على توزيع الضمان على عدد الجنايات دون الجناة فإن الجاني حينئذ اثنان

الحافر و نفسه، و على اعتبار السبب و إدخاله في الضمان مع المباشرة الصورية(2). لكن لغير ما هو سبب له، و موت الثاني بسبب جذب


1- 1 الوسائل، الباب- 4- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 كذا في ثلاث نسخ عندنا و لكن في مفتاح الكرامة« القوية» مكان« الصورية».

ج 43، ص: 158

الأول و هو ثلث السبب، و وقوع الاثنين فوقه و هو ثلثاه، إلا أن وقوعهما فوقه من فعله، أحدهما مباشرة و الآخر توليدا، فوجب ثلث الدية و سقط ثلثاها، و موت الثالث من جذب الثاني له و هو نصف السبب، و وقوع الرابع عليه و هو فعله فوجب نصف الدية، و الرابع له كمال الدية، لأن سبب هلاكه جذب الثالث له خاصة و لا فعل له يسقط بإزائه شي ء.

و يحتمل قوله «و جعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا» و جعل ما عدا الربع الذي هو على الحافر المتعمد للحفر، على عاقلة الثلاثة المزدحمين، فجعل الثلث على عاقلة الأول و النصف على عاقلة الثاني و الجميع على عاقلة الثالث لا على أنفسهم لأن ما صدر منهم الجذب إنما صدر بغير شعور للدهشة فهو كانقلاب النائم فليس هو عمد و لا شبيهه.

و عن بعض كتب (1)الإسماعيلية، «أنه جعل ذلك على جميع من حفر الزبية».

و عن مسند أحمد بن حنبل (2)عن سماك، عن حنش «أنه صلى الله عليه و آله قال:

اجمعوا من قبائل الذين حفروا الزبية ربع الدية و ثلثها و نصفها و الدية كاملة».

و الكل كما ترى، بل لعل إيكالها إليه مع فرض صحتها أولى من ذلك كله لندرة العمل بها.

نعم الأولى مشهورة كما اعترف به غير واحد بل في المسالك و غيرها من


1- 1 قال في الدعائم: « و روينا عنه عليه السلام من طريق اخرى. و جعل ذلك على جميع من حضر بالضاد الزبية» الى ان قال و أوجبها على من حضر لأنهم لما ازدحموا اشتركوا كلهم في دفع من سقط. راجع ج 2 ص 416، و لكن في نسخ الكتاب« حفر» بالفاء.
2- 2 مسند أحمد ج 1 ص 77 و فيه:« حضروا» بالضاد و لكن في الأصل« حفروا» بالفاء كما أثبتناه. و راجع أيضا مسند أحمد ج 1 ص 128 و ص 152.

ج 43، ص: 159

كتب الخاصة و العامة، بل في الروضة «نسبة العمل بها إلى الأكثر»، بل في النافع «عليها فتوى الأصحاب»، و في نكت النهاية «هي أظهر بين الأصحاب و عملهم عليها»، بل في التنقيح و غيره «لم يتأولها المتأخرون لشهرتها بين الأصحاب و عملهم عليها» و هي مجبورة بذلك و ظاهر ذلك كله العمل بها لو وقع موردها و نحوه في زماننا هذا.

إلا أن المصنف هنا بعد أن اعترف بشهرتها قال لكنها حكم في واقعة مخصوصة يمكن اقترانها بما أوجب الحكم المزبور(1)و المخالف لمقتضي الأصول، و تبعه عليه الفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهما، مع أنه في النافع و النكت قد اعترف بما سمعت.

بل قال في الأخير بعد الاعتراف بأن عمل الأصحاب عليها: «قال ابن أبي عقيل في كتابه المستمسك: و غرم أهل الثالث لأهل الرابع الدية كاملة و كان الثلاثة قتلوا الرابع بجرهم إياه فعلي كل واحد ثلث الدية، و لم يكن على الرابع شي ء، لأنه لم يجر أحدا هذا كلامه إذا عرفت هذا فأقول أن الثاني و الثالث قتلا و قتلا فلا دية لهما و الرابع قتله الثلاثة فعلي كل واحد ثلث الدية- إلى أن قال بعد أن جزم بأنه من شبيه العمد-: و إنما قسط الدية للوجه الذي ذكرناه من النقل و التعليل النظري، و إنما لم يلزم الأول زيادة عن ثلث الدية لأن المجذوب كما قتل قتل فسقطت الجنايتان و من عداه لم يمسكه الأول و إنما أمسكه من بعده و كما قتل قتل عدا الرابع و قد أيد هذا الاعتبار الرواية عن أهل البيت»(2).

و ان كان هو كما ترى إن أراد تنزيل الخبر على ذلك، ضرورة مخالفته لظاهرة أو صريحه من وجوه، مع أنه لا يلزم من قتله شخصا آخر سقوط حقه عن قاتله.


1- 1 الظاهر زيادة الواو.
2- 2 نكت النهاية، كتاب الديات، أربعة صفحات قبل آخر الكتاب.

ج 43، ص: 160

و الأضعف منه توجيهه بأن دية الرابع على الثلاثة بالسوية لاشتراكهم في سببية قتله و إنما نسبها إلى الثالث لأنه استحق على من قتله ثلثي الدية فيضيفا إليها ثلثا آخر و يدفعها إلى أولياء الرابع، كما أن الثاني استحق على الأول ثلثا فأضاف إليه ثلثا آخر و دفعه إلى أولياء الثالث، بل هو واضح الفساد ضرورة استلزامه كون دية الثالث على الأولين و دية الثاني على الأول، إذ لا مدخل لقتله من بعده في إسقاط حقه كما عرفت.

و بالجملة لا إشكال في مخالفة الخبر المزبور للأصول لأنه لا يخلوا إما أن لا يسند الضمان إلا إلى المباشرة أو يشترك معها السبب و على الأول فاما ان يكون ما يتولد من المباشرة بحكمها أو لا و على كل حال فإما أن يكون قد وقع بعضهم على بعض و كان ذلك سببا للافتراق فالحكم ما تسمعه في المسألة الآتية و إلا فكل سابق يضمن دية اللاحق أو يشركه سابقه أو يضمن الأول الجميع.

لكن لا بأس بالعمل بها على مخالفتها للأصول بعد صحة سندها و اشتهارها رواية و عملا، بل قد عرفت دعوى عمل الجميع بها، و المراد به الحكم بمضمونها لو وقع موردها و ما شابهه في هذا الزمان.

و من الغريب ما في كشف اللثام «من أن الصواب أن يقال إن الثاني و الثالث كانا مملوكين و كانت قيمة الثاني بقدر ثلث دية الحر و قيمة الثالث بقدر ثلثيها و لم يقع أحد منهم على أحد أو وقع و لم يكن لذلك مدخل في الافتراس، فعلي كل جميع دية من باشر جذبه، بناء على اختصاص المباشر بالضمان»(1).

ضرورة إمكان القطع بأنه خلاف مضمون الخبر المزبور المشتمل على ما ينافي ذلك من وجوه خصوصا دفع الدية للرابع.

فليس حينئذ إلا العمل بالخبر المزبور على ظاهره أو طرحه و الرجوع


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 311.

ج 43، ص: 161

إلى ما تقتضيه الأصول و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و يمكن أن يقال على الأول الدية للثاني لاستقلاله بإتلافه و على الثاني دية الثالث لذلك أيضا و على الثالث دية الرابع لهذا المعنى أيضا و هو كذلك مع فرض كون الوقوع على الوجه المزبور و لم نقل بمشاركة الجاذب للممسك و إن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك و المشارك في الجذب لأن لكل فعلا كان على الأول تمام دية الثاني لاستقلاله بإتلافه و نصف دية الثالث الذي اشترك فيه هو مع الأول و ثلث دية الرابع و كان على الثالث ثلث دية الرابع لا غير لأنه اشترك فيه هو مع الأولين.

إلا أنه واضح الضعف ضرورة قوة تأثير الممسك على وجه لا يشاركه الجاذب، ضرورة كونه كالمباشر و السبب بعد عدم الإلجاء له في الإمساك على وجه يكون متولدا من فعله، و إلا لكان الضمان عليه خاصة، فتعين العمل بالوجه

الأول مع فرض طرح الخبر المزبور، لكن قد عرفت عدم داع إلى طرحه بعد صحة سنده و اعتراف غير واحد بعمل الأصحاب به، فليس إلا المخالفة للأصول التي لا تقتضي الطرح كما في نظائر ذلك، و الله العالم.

و لو جذب إنسان غيره إلى بئر فوقع المجذوب فمات الجاذب بوقوعه عليه، فالجاذب هدر (11) لاستناد موته إلى فعل نفسه، و لو مات المجذوب ضمن الجاذب لاستقلاله بإتلافه، و لو ماتا فالأول هدر و عليه دية الثاني في ماله (12) بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، سواء كانت البئر محفورة عدوانا أو لا مع فرض تعمد الجاذب ذلك، ضرورة تقديم المباشرة على السبب، بل الواجب عليه القصاص حينئذ مع فرض بقاء الجاذب حيا إذا كان ذلك مما يقتل غالبا أو قصد به القتل، و لو مات كان عليه الدية في ماله بناء على ثبوتها في مال الجاني بموته المتعذر معه القصاص.

و لو جذب الثاني ثالثا فماتوا بوقوع كل منهم على صاحبه فالأول مات بفعله و فعل الثاني (13) الذي هو جذبه الثالث، و ليس للحافر هنا فعل لأن

ج 43، ص: 162

الفرض تعمد الوقوع، فيسقط نصف ديته بإزاء فعله و يضمن الثاني النصف بإزاء فعله و الثاني مات بجذبه الثالث عليه و جذب الأول إياه فيضمن الأول نصف ديته و يسقط النصف الآخر بإزاء فعل نفسه، إذ لا ضمان على الثالث الذي جذبه هو و للثالث الدية تامة لعدم هلاكه إلا بفعل غيره، و لكن هل هي على الثاني، كما في كشف اللثام و عن المفيد و القاضي و الفخر و الكركي، أو على الأول و الثاني كل منهما نصف، كما عن ابن إدريس لأنهما جذباه، بل قال: «هو الذي تطابق ما رواه أصحابنا»- يعني خبر الزبية المتقدم- و مبناهما على أنه إذا قوي السبب بان يكون ملجأ إلى المباشرة فهل يشترك مع المباشرة في الضمان أو الرجحان للمباشرة القوية، فإن رجحنا المباشرة كما هو الأقوى فديته على الثاني لأنه المباشر للجذب و إن شركنا بين القابض و للجاذب الملجئ له إلى الجذب و الجاذب (11) المباشر فالدية على الأول و الثاني نصفين.

(12) و هو المراد مما سمعته من تعليل ابن إدريس، فإن قوة القابض على الجاذب و إلجائه إليه ينزله منزلة المباشر. لكنه كما ترى، ضرورة عدم الإلجاء في شي ء من ذلك على وجه يكون من توليد فعل الأول فهو حينئذ مستقل في جذبه غير مضطر إليه فيختص بالدية.

نعم لو فرض إلجائه إلى ذلك على وجه يسند الفعل إلى الأول اتجه عدم غرامته حينئذ شيئا.

و بذلك اتضح لك عدم اشتراك السبب مع المباشرة في الضمان بحال، بل الضمان بها خاصة إلا مع قوة السبب فيختص حينئذ بالضمان لا أنه يشترك معها كما لو اجتمع المباشران أو السببان.

و لو جذب الثالث رابعا فمات بعض على بعض فللأول ثلثا الدية لأنه مات بجذبه الثاني عليه (13) و هو فعله و بجذب الثاني الثالث عليه و بجذب الثالث

ج 43، ص: 163

الرابع، فيسقط ما قابل فعله و هو الثلث و يبقى الثلثان على الثاني و الثالث نصفين و لا ضمان على الرابع الذي لم يفعل شيئا، و حفر الحافر سبب لا يعتبر مع المباشرة القوية فلا ضمان عليه أيضا و كذلك جذب الأول سبب في جذب الثاني الثالث، و الثالث الرابع، و كل من جذب الثاني الثالث و الثالث الرابع مباشرة، فلا يعتبر معها السبب بالنسبة إلى تلف الأول، حتى يسقط لذلك من ديته شي ء سوى ما سقط لمباشرته جذب الثاني، إلا أن يكون على الوجه الذي سمعته سابقا. فصار التلف حاصلا بفعل الأول نفسه و هو مباشرته جذب الثاني و بفعل الثاني و الثالث فيسقط ما قابل فعله و يثبت له الثلثان كما هو واضح.

و للثاني ثلثا الدية أيضا لأنه مات بجذب الأول و بجذبه الثالث عليه، و هو فعل نفسه، و بجذب الثالث الرابع عليه، فيسقط ما قابل فعله و هو الثلث، و يجب له الثلثان على الأول و الثالث بالتنصيف.

و للثالث ثلثا الدية أيضا لأنه مات بجذبه الرابع عليه و بجذب الثاني و الأول له بناء على تشريك السبب مع المباشرة، و إلا فله نصف الدية بجذبه الرابع و بجذب الثاني له كما عن المبسوط حكايته قولا، بل هو الموافق لما أسلفناه، بل و لا وجه لجزم المصنف و الفاضل هنا بالتشريك و احتماله في الرابع كما اعترف به في كشف اللثام: قال:

«و كما لم يظهر لي الفرق بين الثالث و الرابع في أن ضمان الأول مبني على تشريك المسبب و المباشر، لم يظهر لي الفرق بين نسبة السبب إلى تلف نفس المسبب و نسبته إلى الثالث أو الرابع حتى احتمل هنا الشركة مع المباشرة في الضمان و لم يحتمل هناك»(1)و أراد بنسبته السبب إلى تلف المسبب ما تقدم من أنه لا يعتبر السبب بالنسبة إلى تلف الأول حتى يسقط لذلك من ديته شي ء سوى ما سقط لمباشرته كما عرفت الكلام فيه سابقا، هذا كله في الثالث.

أما الرابع فليس عليه شي ء قطعا لعدم فعل منه و له الدية كاملة


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 310.

ج 43، ص: 164

فإن رجحنا المباشرة فديته عليه أي المباشر و هو الثالث و إن شركنا المسبب و المباشر في الضمان كانت ديته أثلاثا بين الأول و الثاني و الثالث، و قد عرفت أن المختار، الأول، و إن كان ظاهر المصنف و الفاضل التوقف لكنه في غير محله هذا.

و عن المختلف و الإرشاد احتمال أن يكون الأول هدرا و عليه دية الثاني و على الثاني دية الثالث و على الثالث دية الرابع، و كأنه بناء على عدم اعتبار السبب و الإلجاء، فالأول إنما تلف بفعل نفسه الذي هو جذبه الثاني، و أما جذب الثاني الثالث فقد ألجئ إليه، و كذا الثالث في جذبه الرابع، و عليه دية الثاني جميعها لأنه الذي باشر جذبه من غير إلجاء، و أما جذب الثاني و الثالث فإنما صدر عنهما عن إلجاء و على الثاني دية الثالث لأنه المباشر بجذبه، و أما الأول فهو مسبب و أما جذب الثالث الرابع فعن إلجاء، و كذا الباقي.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و منه يعلم أيضا عدم اعتبار صدمة البئر لأن الفرض كون الفعل مباشرة عمدا فلا أثر للسبب معه و إن كان عدوانا فما في المسالك- تبعا للقواعد من ذكره وجها «فتكون الأسباب حينئذ أربعة و يهدر ربع دية الأول لجذبه الثاني و يجب الربع على الحافر إن كان عاديا و إلا هدر أيضا و الربع على الثاني بجذبه الثالث و الربع على الثالث لجذبه الرابع، و أما الثاني فلا أثر للحفر في حقه و قد مات بجذب الأول إياه و بجذبه الثالث هو فعل نفسه و بجذب الثالث الرابع، فيهدر ثلث

ديته، و يجب ثلثها على الأول و ثلثها على الثالث، و أما الثالث فقد مات بجذب الثاني له و بجذبه الرابع، فتهدر نصف ديته، و يجب نصفها على الثاني» (1)- في غير محله لما عرفت، و إلا لم يكن فيه مخالفة لما تقدم إلا في التالف الأول.

كالوجه الثالث الذي ذكره أيضا(2)و هو وجوب الديات بحسب ما روى


1- 1 المسالك ج 2 ص 499.
2- 2 المسالك ج 2 ص 499.

ج 43، ص: 165

في واقعة الزبية، ضرورة كون المفروض غيرها إذ لو قلنا بالتعدية فهي فيما كان مثل موردها لا مطلقا.

و كذا ما في القواعد «من احتمال هدرية الأول بتمامها لأنه جذب الثاني على نفسه و هو مباشرة و هو السبب أيضا في جذب الثاني الثالث و الثالث الرابع فهما تولدا من مباشرته التي لا ضمان لها إلا على المباشر، و الحفر سبب لا ضمان فيه مع المباشرة فكأنه أتلف نفسه بجذبه الثاني و ما تولد منه، و دية الثاني نصفها هدر و نصفها على الأول، لأنه مات بسبب جذبه الثالث على نفسه و جذب الثالث الرابع إنما تولد منه و بسبب جذب الأول له، و دية الثالث كذلك لإنه مات بجذبه الرابع و جذب الثاني له، و لا عبرة بتسبيب الأول، و دية الرابع على الثالث لأنه إنما هلك بسبب فعله لأن من قبله سبب»(1).

إذ هو كما ترى لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما أسلفناه فيتعين حينئذ الأول في مفروض المسألة، و الله العالم.

و لو زلق إنسان على طرف البئر مثلا المحفورة عدوانا فتعلق بآخر لإرادة الاستمساك به و جذبه و تعلق الآخر بثالث كذلك و وقع بعضهم على بعض فماتوا فالأول مات بثلاثة أسباب، صدمة البئر، و ثقل الثاني و الثالث، فيسقط ما قابل فعله و هو جذبه الثاني المقابل بثلث الدية، و يبقى على الحافر ثلث، و على الثاني ثلث، لأنه جذب الثالث.

و في المسالك «احتمال هدر صدمة البئر لأن الحفر سبب و جذبه للثاني مباشرة فصار كمن رمي نفسه في بئر محفورة عدوانا في عدم وجوب الضمان على الحافر». و فيه أن ابتداء السقوط لم يكن بفعله إذ الفرض أنه زلق و الجذب و جد بعد ذلك هذا كله في الأول.

أما الثاني فقد هلك بسببين أحدهما منه و هو جذبه الثالث و الآخر جذب


1- 1 راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 329.

ج 43، ص: 166

الأول له فهدر نصف ديته المقابل بفعله، و يبقى له النصف على الأول الذي جذبه، و لا شي ء على الحافر لقوة المباشر على وجه صار الجاذب كالدافع.

و أما الثالث فيجب تمام ديته على الثاني أو عليه و على الأول على البحث السابق.

و لو فرض اتساع البئر فوقع كل واحد في زاوية لا بعضهم على بعض كانت دية الأول على الحافر إن كان عدوانا و هدر لا معه (1)إلا أن يدفعه غيره، و الثاني على الأول، و الثالث على الثاني إلا أن يشترك السبب مع المباشرة فتكون دية الثالث على الأولين.

و لو وقع إنسان في بئر ثم وقع الثاني عليه من غير جذب منه ثم مات الأول فالضمان على الثاني كما في القواعد و محكي المبسوط و السرائر و الجامع، قصاصا إن أوقع نفسه عليه متعمدا فقتله لو كان مما يقتله غالبا أو دية إن كان شبيه عمد، فإن كان خطأ محضا فعلي عاقلته. و إن دفعه غيره فعليه الضمان و أن الثاني (2)هدر إن لم يوقعه غيره و لم تكن البئر حفرت عدوانا. و يحتمل أن لا يكون على الثاني إلا النصف لأن الوقوع في البئر سبب الهلاك فالتلف إنما حصل بسبب الفعلين فإن كان الحافر متعديا بالحفر و لم يتعمد الأول الوقوع و لا دفعه غيره ضمن الحافر النصف و ان لم يكن متعديا سقط لكون الوقوع فعل نفسه. نعم لو فرض وقوعه فيه على وجه لا يقتل اختص الضمان بالثاني.

و إن مات الثاني فإن تعمد إلقاء نفسه أو لم يكن الحفر عدوانا فهو هدر، و إن لم يتعمد إلقاء نفسه و كان حفر البئر عدوانا تعلق الضمان بالحافر.

و إن مات معا فالحكم في كل واحد على ما عرفت.

و إن وقع فوقهم ثالث فماتوا كلهم فإن كان الأول قد نزل إليها و لم يقع فيها على وجه يكون فعل نفسه مهلكا فديته على الثاني و الثالث أو عاقلتهما


1- 1 في بعض النسخ هكذا: ان كان غير عدوان و هدر معه.
2- 2 كذا في الأصل و لعل الصحيح« و دية الثاني».

ج 43، ص: 167

أو دافعهما نصفين، تعدى الحافر بالحفر أولا، لأنه إنما مات بوقوعهما عليه و إن كان قد وقع فيها فكان فعله مهلكا فعلي الأول الضمان عليهما أيضا أو على عاقلتهما أو دافعهما، و على الاحتمال عليهما ثلثان و الثلث الآخر على الحافر.

إن كان متعديا بالحفر و لم يتعمد الأول الوقوع و لا دفعه غيره، و هدر إن تعمد الوقوع لأنه مقابل فعل نفسه.

و جميع دية الثاني على الثالث أو عاقلته أو دافعه على الأول، و على الاحتمال نصفه عليه و النصف الآخر إما على الحافر أو هدر.

و الثالث حكمه حكم من وقع في البئر ابتداء و لم يقع عليه غيره، فهو إما هدر أو ضمانه على الحافر.

و لو وقعوا من غير جذب لأحد منهم وقوعا مهلكا بدون وقوع بعضهم على بعض لبعد القعر جدا أو وجود ماء مغرق أو أسد مفترس فلا ضمان لأحد منهم على أحد لأن وقوعه مما لا أثر له، و كذا إن شككنا في ذلك للأصل، و أما ضمان الحافر فعلي ما عرفت من العدوان و عدمه، و الله العالم.

ج 43، ص: 168

[النظر الثالث في الجناية على الأطراف]

اشاره

النظر الثالث في الجناية على الأطراف و المقاصد ثلاثة:

[المقصد الأول في ديات الأعضاء]
اشاره

الأول في ديات الأعضاء و قد تقدم في كتاب القصاص أن كل ما لا تقدير فيه ففيه الأرش المسمى بالحكومة و فيه يكون العبد أصلا للحر كما هو أصل له فيما فيه مقدر بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى إمكان استفادته من النصوص بالخصوص فضلا عن استفادة عدم بطلان الجناية و كونها هدرا حتى أرش الخدش من الكتاب و السنة، فليس مع عدم التقدير إلا الحكومة و إلا كانت جناية لا استيفاء لها و لا قصاص و لا دية، و هو مناف لما يمكن القطع به من الأدلة كتابا و سنة و إجماعا

قال الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير: «إن عندنا الجامعة قلت: و ما الجامعة؟ قال: الجامعة صحيفة فيها كل حلال و كل حرام و كل ما يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش و ضرب بيده إلى فقال: تأذن يا أبا محمد! فقلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت. فغمزني بيده و قال:

حتى أرش هذا»(1)

بل مقتضاه أن لكل شي ء مقدرا إلا أنه لم يصل إلينا، فالمناسب الصلح حينئذ، و لعل المراد بالحكومة ما يشمله إذا كان المراد الصلح القهري القاطع للخصومة.


1- 1 الكافي ج 1 ص 239 و الحديث طويل اختصره المؤلف.

ج 43، ص: 169

[التقدير في ثمانية عشر]
اشاره

و على كل حال فالمشهور كما في كشف اللثام و غيره أن التقدير في ثمانية عشر من الأعيان لا المنافع التي ستعرفها في المقصد الثاني إن شاء الله.

الشعر، و العينين، و منها الأجفان، و الأنف، و الأذنين، و الشفتين و اللسان، و الأسنان، و العنق، و اللحيين و اليدين، و الرجلين، و الأصابع، و الظهر و النخاع، و الثديين، و الذكر، و الخصيتين، و الشفرين (1).

[الأول الشعر]

الأول الشعر و في شعر الرأس من الذكر، صغيرا أو كبيرا، كثيفا أو خفيا الدية إن لم ينبت كما هو المشهور نقلا و تحصيلا بل لم أجد فيه خلافا يعتد به عدا ما تسمعه من المفيد، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه، بل في الرياض نسبته أيضا إلى صريح الغنية و إن كنا لم نتحققه(2).

ل

صحيح سليمان بن خالد المروي في الفقيه (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام:


1- 1 لا يخفى أن الثمانية عشر التي قالها في الشرائع تخالف قليلا مع هذه فراجع و راجع أيضا مفتاح الكرامة ج 10 ص 377.
2- 2 في مفتاح الكرامة ج 10 ص 377: «و في شعر الرأس الدية ان لم ينبت، هذا هو الأظهر الذي يقتضيه أصل مذهبنا لأنه شي ء واحد في الإنسان و قد أجمعنا على أن كل ما يكون في بدن الإنسان منه واحد ففيه الدية كاملة كما في السرائر، و ظاهر المبسوط في باب القصاص الإجماع عليه، و يحتمل ان يكون ظاهر الغنية على بعد، و نسبه في الرياض الى صريحها.» أقول: هذه عبارة الغنية فتأملها: «و اعلم أن في ذهاب العقل الدية الكاملة و في شعر الرأس و اللحية إذا لم ينبت الدية الكاملة فإن نبت في شعر الرأس الرجل أو لحيته عشر الدية و في شعر المرأة مهر مثلها بدليل إجماع الطائفة».
3- 3 الفقيه ج 4 ص 149.

ج 43، ص: 170

رجل صب ماءا حارا على رأس رجل، فامتعط شعره فلا ينبت أبدا قال: عليه الدية».

المعتضدة بما تسمعه من النصوص (1)في المرأة، بناء على عدم الفرق، و بمرسل علي بن حديد(2)الذي هو مثله، و ب

خبر سلمة بن تمام (3)«قال اهراق رجل على رأس رجل قدرا فيها مرق فذهب شعره، فاختصما في ذلك إلى علي عليه السلام فأجله سنة فلم ينبت شعره، فقضى عليه بالدية»

، و بما قيل من أنه شي ء واحد في البدن فيشمله ما دل على الدية في مثله (4)، و إن كان لا يخلو من نظر.

و على كل حال فما في المسالك (5)و بعض أتباعها- من التأمل في الحكم المزبور مقتصرا على الاستدلال له ب

صحيح سليمان المزبور المروي في التهذيب (6)المشتمل على السؤال «عن رجل دخل الحمام فصب عليه ماء حار فأسقط شعر رأسه و لحيته فلا ينبت أبدا قال عليه الدية»

و نظر فيه بدلالته على وجوب الدية لهما معا لا لكل واحد الذي هو المدعي- في غير محله. إذ عرفت خلوه في رواية الفقيه التي هي أضبط من التهذيب، مع النصوص المزبورة، عن اللحية، فلا يبعد إرادة معنى «أو» من «الواو» فيه و لو بقرينة ما سمعت.

و كذا الكلام في شعر اللحية وفاقا للأكثر كما في كشف اللثام، بل المشهور كما في المسالك و غيرها، بل عن ظاهر قصاص المبسوط الإجماع، بل عن صريح قصاص الخلاف ذلك أيضا، بل حكى عن الغنية أيضا و إن كنا لم


1- 1 راجع الوسائل الباب- 30- من أبواب ديات الأعضاء.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 37- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
4- 4 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء.
5- 5 المسالك ج 2 ص 499.
6- 6 التهذيب ج 10 ص 250.

ج 43، ص: 171

نتحققه(1).

لخبري (2)مسمع و السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية»

بل و صحيح سليمان (3)المتقدم بناء على إرادة «أو» من «الواو» فيه، و الضعف منجبر بما سمعت فاتجه العمل بها حينئذ.

فإن نبتا فقد قيل و القائل أبو علي و الصدوق و الشيخ في اللحية ثلث الدية بل عن ظاهر قصاص المبسوط الإجماع عليه، بل عن صريح الخلاف ذلك، لروايتي (4)مسمع و السكوني السابقتين و لكن الرواية ضعيفة و لا جابر لها بعد وهن الإجماع المزبور بمصير من تأخر عنه إلى خلافه، و كذا ما عن الكافي (5)و الغنية و الإصباح من عشر الدية الذي لم نجد له أيضا ما يدل عليه عدا ما يحكى من الإجماع عن الثاني الذي لم نتحقق ذلك منه (6)مع أنه على فرضه موهون بمصير من تقدم و تأخر إلى خلافه.

و حينئذ ف الأشبه بأصول المذهب فيه و في شعر الرأس الأرش إن نبت وفاقا للشيخ في النهاية و بني حمزة و إدريس و سعيد و الفاضل و الشهيدين و غيرهم في شعر الرأس، بل عليه عامة المتأخرين، و للفاضل و من تأخر عنه في شعر اللحية، لأنه الأصل في كل ما لا مقدر له.

نعم عن النهاية و الوسيلة أنه على ما يراه الإمام.

و في محكي السرائر «يقوم لو كان عبدا كم كانت قيمته قبل أن يذهب


1- 1 قد نقلنا عبارة الغنية آنفا فراجع.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول و ذيله.
3- 3 التهذيب ج 10 ص 250.
4- 4 مر مصدرهما آنفا.
5- 5 الكافي لأبي الصلاح الحلبي. لا تغفل.
6- 6 قد نقلنا عبارة الغنية في التعليقة فراجع.

ج 43، ص: 172

شعره، و كم تكون قيمته بعد ذهاب شعره، و يؤخذ من ذلك الحساب دية الحر».

قلت: قد عرفت الكلام في الأرش إذا عادت سن المثغر(1)، إذ المقام أحد أفراده فلاحظ و تأمل.

و عن الوسيلة «إن نبت بعضه أو كله ففيه الأرش»، و في كشف اللثام

عن الرضا عليه السلام (2)«ان نبت بعضه أخذ من الدية بالحساب»

قال: «و هو أقرب إن أمكنت معرفة قدر النابت و غيره».

قلت: ستعرف اتفاقهم ظاهرا على اعتبار النسبة في أبعاض كل ماله مقدر، و أما الأرش فهو بالنسبة إلى العائد من حيث زواله ثم عوده، و لا يعتبر نسبته إلى أرش الجميع، و حينئذ فما في الوسيلة يمكن اتفاق الجميع عليه، و إن كان ربما يتوهم من قولهم: «فان نبت ففيه الأرش» الجميع، إلا أنه غير مراد قطعا، ضرورة عدم التفاوت في الأرش على الوجه المزبور بين الكل و البعض.

و أما الذي لم ينبت فتعتبر مساحته كما ستعرف.

ثم إن الظاهر اعتبار عدم النبات بحكم أهل الخبرة، كما في نظائره لا إلى خصوص سنة كما عن التحرير و الجامع، للخبر المزبور(3)الذي يمكن حمله على ما ذكرنا، و لذا قال في الأول: «و لو طلب الدية قبل انقضائها دفعت إليه إن حكم أهل الخبرة بعدم النبات و إلا فلا، و إن طلب الأرش و إبقاء الباقي إلى استبانة الحال دفع إليه».

و قال أيضا: «و لو نبت بعد السنة فالأقرب رد ما فضل من الدية عن الأرش، و كذا لو نبت بعد حكم أهل المعرفة بعدم رجوعه».


1- 1 في كتاب القصاص في بحث قصاص سن المثغر.
2- 2 الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 43.
3- 3 يعني رواية سلمة بن تمام، راجع الوسائل الباب- 37- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

ج 43، ص: 173

قلت: إن الظاهر ذلك، و المحتمل أنه هبة جديدة، اللهم إلا أن يفرض العلم بذلك، و الله العالم.

و كيف كان فقد قال المفيد رحمه الله و عن الصدوق في موضع من المقنع، بل عن ظاهر المختلف أنه مذهب ابن البراج في شعر الرأس و اللحية إن لم ينبت مأة دينار و لكن لا أعلم المستند و إن حكى عن المفيد و القاضي و الديلمي و ظاهر الصدوق أن به رواية(1).

و

في كشف اللثام: «قد روى في بعض الكتب عن الرضا عليه السلام من حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مأة دينار، فإن حلق لحيته فلم تنبت فعليه الدية، و إن نبتت فطالت بعد نباتها فلا شي ء له»(2).

إلا أن ذلك كله غير صالح لذلك، مع اشتمال الأخير على الدية في اللحية، و كذا محكي في المسالك عن النهاية «من أن في شعر الرأس إذا أنبت مأة دينار» مع أنا لم نتحققه عنها(3).


1- 1 راجع المقنعة للمفيد ص 120 و المراسم للسلار الديلمي باب ذكر أحكام الجناية على ما هو دون النفس. و هذه عبارته:« و أما ما في الإنسان منه واحد و ليس بعضو كاللحية و شعر الرأس ففي إذهابه حتى لا ينبت الدية الكاملة و إذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية و قد روى أيضا أن فيهما إذا لم ينبت مأة دينار» و ليس فيهما ما حكى عنه. و لكن قال في المختلف في الفصل الخامس من كتاب القصاص و الديات ص 249: « قال سلار في شعر اللحية أو الرأس إذا لم ينبت الدية و روى أن فيهما إذا لم ينبتا مأة دينار. و نحوه ذهب ابن البراج». و راجع المقنع للصدوق ص 190.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 318- الفقه المنسوب الى الرضا ص 43.
3- 3 المسالك ج 2 ص 499 و قال في النهاية ج 2 ص 792: و في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة فإن نبتت كان فيها ثلث الدية.

ج 43، ص: 174

هذا كله في شعر الرجل أما شعر المرأة ففيه ديتها و لو نبت ففيه مهر نسائ ها بلا خلاف أجده فيه إلا من الإسكافي في الثاني خاصة فجعل فيه ثلث الدية، و هو مع شذوذه لا دليل له، بل على خلافه الإجماع عن الغنية كالأول لا خلاف فيه أيضا حتى منه، التي لا ريب في أولويتها من الرجل بذلك.

مضافا إلى

خبر عبد الله بن سنان (1)الذي رواه المحمدون الثلاثة المنجبر بما عرفت بناء على أن في سنده محمد بن سليمان و هو مجهول، و لكن عن الوافي (2)إبداله سليمان بن داود المنقري، فهو حسن أو صحيح، و على كل حال «قال:

قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟


1- 1 الكافي ج 7 ص 261 و لها صدر. الفقيه ج 4 ص 48 و فيه صدر الرواية فقط. التهذيب ج 10 ص 64 و في سند هذه الثلاثة محمد بن سليمان و أيضا التهذيب ج 10 ص 262 و في سندها سليمان المنقري فراجع.
2- 2 الوافي ج 9 ص 54 عن الكافي و التهذيب و الفقيه و في سندها أيضا محمد ابن سليمان. نعم نقلها في الجزء التاسع ص 103 من التهذيب و في سندها المنقري و قال في ذيله: «بيان قد مضى تمامه في أبواب الحدود بإسناد آخر». أقول: و في نسخة مصححة من التهذيب عندنا، «إبراهيم بن سليمان المنقري» مكان «سليمان المنقري» و هو غلط ظاهرا راجع «معجم رجال الحديث» المجلد الأول. و أيضا راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 379 فإنه قال: «في سند التهذيب في كلا الموضعين محمد بن سليمان، على ما في نسخة منه عندنا». كما أن ما في الوسائل من وصف «محمد بن سليمان» بالمنقرى تصحيف «البصري» ظاهرا، راجع الوسائل، الباب- 30- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول و الباب- 5- من أبواب حد السحق و القيادة، الحديث الأول.

ج 43، ص: 175

قال: يضرب ضربا وجيعا و يحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها فإن نبت أخذ منه مهر نسائها و إن لم ينبت أخذ منه الدية كاملة.

قلت: فكيف صار مهر نسائها إن نبت شعرها؟ فقال يا ابن سنان إن شعر المرأة و عذرتها شريكان في الجمال فإذا ذهب بأحدهما وجب له المهر كاملا».

و لعل ما فيه من الحبس و الضرب على الوجه المزبور محمول على ضرب من التعزير الذي هو على حسب ما يراه الحاكم.

و لو زاد مهر نسائها على مهر السنة أخذته لإطلاق النص و الفتوى، نعم لو زاد على ديتها لم يكن لها إلا الدية للإجماع كما في كشف اللثام على أنه لا يزيد دية عضو من إنسان على دية نفسه. و لا تضر تساوى عود النبات و عدمه حينئذ، و الله العالم.

و في شعر الحاجبين معا خمسمائة دينار و في كل واحد نصف ذلك وفاقا للأكثر، بل المشهور، بل عن ظاهر قصاص المبسوط و صريح السرائر الإجماع عليه، ل

خبر أبي عمرو المتطبب (1)المنجبر بما عرفت، عن أبي عبد الله عليه السلام من إفتاء أمير المؤمنين «و إن أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين مأتا دينار و خمسون دينارا و ما أصيب منه فعلي حساب ذلك،»

و في كشف اللثام و روى عن الرضا عليه السلام»(2).

فما في المسالك من أن «مستنده غير معلوم و الإجماع ممنوع»(3)في غير محله، كالمحكي عن الغنية و الإصباح من الدية تامة و في كل واحد نصفها، بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه، بل في كشف اللثام حكايته عن المبسوط


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 318- فقه الرضا، ص 42 و هذه عبارته: إذا أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين فان نقص من شعره شي ء حسب على هذا القياس».
3- 3 المسالك ج 2 ص 499.

ج 43، ص: 176

و أن في ظاهره الإجماع عليه، و لعله غير ما سمعته عنه في القصاص، أو أن النسخة فيها غلط (1)، و كيف كان فقد أيد بالنصوص(2)على أن فيما كان في الجسد اثنان الدية.

إلا أن أقصاه- بناء على شمولها لمثل الفرض الذي ليس قطعا و لا جرحا- العموم المخصص بما عرفت، و ظاهر الإجماع المزبور موهون بما عرفت. فالأصح حينئذ الأول.

بل في كشف اللثام «لم يظهر في الخبرين و كلام الشيخين و ابني إدريس و البراج و ابني سعيد فرق بين عود نباتهما و عدمه»(3)لكن عن الغنية «أن ذلك إذا لم ينبت شعرهما و إلا فالأرش»، و كذا عن الإصباح و التقى، بل عن المختلف «أنه الوجه»، و في المسالك «أنه الأصح» بل عن الغنية الإجماع عليه.

و لعله الأقوى للأصل بعد انسياق غير العامد من النص و الفتوى و لو بملاحظة غير الفرض من الفرق بينهما الموافق للعدل و الاعتبار.

و عن السلار «إذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية و قد روى أيضا أن


1- 1 قال في مفتاح الكرامة بعد نقل كلام الشيخ من قصاص المبسوط:« و لم أجده تعرض لشعر الحاجبين في غير هذا الموضع. و لعل صاحب كشف اللثام ظفر بما حكاه عن المبسوط في موضع لم نظفر به فيكون للشيخ فيه مذهبان». أقول: نعم ان الشيخ تعرض لهذه المسألة في الموضعين: أحدهما كتاب القصاص و فيه قال:« و عندنا. و شعر الحاجبين بنصف الدية» ثانيهما كتاب الديات و فيه قال: « فأما اللحية و شعر الرأس و الحاجبين فإنه يجب فيه عندنا الدية.» راجع المبسوط ج 7 ص 83 و 153.
2- 2 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 318.

ج 43، ص: 177

فيهما إذا لم ينبت مأة دينار»(1)و لكن لم تثبت الرواية، كما أنا لم نقف له على دليل.

و كيف كان ف ما أصيب منه فعلي هذا الحساب بلا خلاف و لا إشكال للخبر المزبور(2) ، بل لعله المستفاد من الحكم الثابت للكل، و من هنا لم يخص ذلك المقام، بل هو ثابت في شعر الرأس و اللحية كما صرح به الفاضل و غيره.

قال في القواعد: «و في الأبعاض بالنسبة إلى الجميع بالمساحة».

و في كشف اللثام «في الأبعاض من شعر الرأس أو اللحية بالنسبة لمحل الفائت منها إلى الجميع بالمساحة فيؤخذ من الدية بالحساب كسائر ما فيه تقدير من الأعضاء، و كذا إن وجب بالكل ثلث الدية أو عشرها أو المهر، و أما على القول بالأرش ففي البعض أيضا إذا عاد الأرش من غير نسبة»(3).

و في محكي التحرير «و لو ذهب بعض شعر الرأس أو بعض اللحية على وجه لا ينبت، ففيه من الدية بحساب الباقي، و يعتبر بنسبة المحل المقلوع منه إلى الجميع بالأجزاء، و لو نبت ففيه الأرش، و لا يعتبر نسبته إلى أرش الجميع بالجزء»(4).

بل قيل: «يدل عليه الإجماع على الظاهر»(5)و بالجملة الحكم مفروغ منه و الله العالم.


1- 1 المراسم، باب ذكر أحكام الجناية على ما هو دون النفس.
2- 2 يعنى خبر أبي عمر و المتطبب و خبر فقه الرضا.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 318، فقه الرضا ص 42 و هذه عبارته:« إذا أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين فان نقص من شعره شي ء حسب على هذا القياس».
4- 4 التحرير ج 2 ص 271.
5- 5 قال في مفتاح الكرامة:« و يدل على الحكم المذكور بعد الإجماع على الظاهر، النص الوارد في الحاجب.».

ج 43، ص: 178

و في الأهداب الأربعة و هي الشعور النابتة على الأجفان تردد قال في المبسوط و الخلاف الدية إن لم ينبت، و فيها مع الأجفان ديتان بل في الثاني الاستدلال له بإجماع الفرقة و أخبارها، و في الأول أنه الذي يقتضيه مذهبنا، و لعله أراد ما مر من أن فيما كان من الأعضاء اثنان ففيهما الدية و فيما كان أربعة ففيها الدية و هكذا، بل في الروضة نسبته إلى الأكثر.

و في المسالك نسبته إلى ابن حمزة و الفاضل في القواعد و إن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك (1)، نعم عن الوسيلة نسبته إلى رواية، بل لم يحك القول به إلا ممن عرفت(2) ، كما أن إرادة نحو ذلك من النصوص المزبورة لا يخلو من نظر أو منع، خصوصا بعد عدم الجابر.

و في المسالك و غيرهما(3)عن القاضي أن فيهما نصف الدية. قيل (4)«و المنقول في المختلف من عبارته أن ذلك في الأشفار، و الشفر بالضم، أصل


1- 1 يعنى شيئا مما في الروضة و المسالك. قال في مفتاح الكرامة:« و في الروضة إلى الأكثر و لو صحت هذه الشهرة لجبرت الخلاف. لكن التتبع يشهد بخلافها.» و قال العلامة في القواعد:« و في الأهداب الدية على رأى». و قال ابن حمزة في الوسيلة:« و تلزم دية النفس كاملة في أحد سبعة و ثلاثين عضوا العقل إذا ذهب به و لم يرجع و شعر رأس الرجل. و في الأهداب جميعا إذا ذهب بها و لم تنبت على رواية.».
2- 2 يعني الشيخ في الخلاف و المبسوط، و قال في مفتاح الكرامة:« بل لم يحك القول بالدية أحد عن غير الخلاف و المبسوط.».
3- 3 كذا في الأصل، و لكن في مفتاح الكرامة هكذا:« و عن القاضي أن فيهما نصف الدية كالحاجبين حكاه عنه الشهيدان و غيرهما» فراجع ج 10 ص 382.
4- 4 قاله في مفتاح الكرامة ج 10 ص 382 و لكن لا يوافق ما في المختلف فراجع كتاب القصاص منه ص 249.

ج 43، ص: 179

منبت الشعر في الجفن، و هو غير الهدب بالضم و الذال المعجمة أو المهملة، إذ هو الشعر النابت في ذلك».

قلت: هو على كل حال لا موافق له و لا دليل، لا من عموم و لا من خصوص.

و من ذلك كله ظهر لك أن الأقرب السقوط حال الاجتماع أي قطع الأجفان معها لكونها حينئذ تابعة كشعر اليدين للأصل و غيره و الأرش حالة الانفراد وفاقا للحلي و من تأخر عنه، بل في غاية المراد إجماع الأصحاب على أن في الأجفان الدية من غير تفصيل، كما عن السرائر «أنه الذي تقتضيه الأدلة و الإجماع لأن أصحابنا جميعهم لم يذكروا في الشعور مقدرا سوى شعر الرأس و اللحية و

الحاجبين، و إلحاق غير ذلك به قياس- إلى آخره-»(1)بل قيل «(2)هو ظاهر كل من لم يذكر فيها دية، كالمقنعة و المراسم و الغنية و غيرهما» و هو الأقوى بعد عدم دليل معتبر على التقدير المزبور.

و كيف كان ف ما عدا ذلك من الشعر كالنابت على الساعدين أو الساقين لا تقدير فيه استنادا إلى البراءة الأصلية لكن ثبت فيه الأرش إن قلع منفردا، عاد أو لا، و لا شي ء مع الانضمام إلى العضو إذا قطع، أو إلى الجلد إذا كشط، بلا خلاف أجده فيه، بل عن المهذب البارع الإجماع، مضافا إلى ما سمعته من السرائر، بل في المسالك و بعض أتباعها «أنه لو قيل بذلك في جميع الشعور لضعف المستند فيها لكان حسنا»(3)و إن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا.

نعم لو كانت اللحية للمرأة فالواجب الأرش إن نقصت بها القيمة للأصل


1- 1 السرائر باب ديات الأعضاء و الجوارح و القصاص فيها.
2- 2 قاله في مفتاح الكرامة ج 10 ص 382.
3- 3 المسالك ج 2 ص 500 و المراد ببعض أتباع المسالك مفاتيح الفيض الكاشاني ظاهرا.

ج 43، ص: 180

بعد انسياق التقدير منها في النصوص و الفتاوى إلى لحية الرجل دونها، فتعتبر حينئذ بأمة تنقص قيمتها بذلك إن كانت. و عن المبسوط اعتبارها بعبد تنقص قيمته بذلك كالذي له خمسون سنة فصاعدا. و فيه نظر.

و كذا يثبت الأرش في لحية الخنثى المشكل، بل و في لحية الأمة أيضا مع فرض زيادة القيمة بها كما عن غير واحد التصريح به و منه ما في القواعد «و لو كانت للأمة فزادت قيمتها فالأقرب التعزير خاصة» إذ المراد فزادت بزوالها لقوله: «و كذا لو حلق شعر العانة منها أو من الحرة أو قلعهما بحيث لا ينبت فزادت القيمة فلا شي ء» و ذلك لأن الضمان إنما يكون للنقص و الفرض عدمه.

خلافا للمحكي عن المبسوط فالحكومة، و الاعتبار بعبد إذا أزيلت لحيته نقصت قيمته، و فيه ما لا يخفى.

نعم لو فرض التعيب بإفساد منبت العانة مثلا على وجه تنقص به القيمة اتجه حينئذ مراعاة الأرش أما مع عدمه فلا، و لا ينافي ذلك ما ورد(1)«من أن فقدان الأمة شعر العانة عيب ترد به، باعتبار كونه نقصا في الخلقة»، ضرورة كون المراد هنا الحكومة التي مدارها على القيمة لا صدق التعيب، بل هو كذلك

أيضا في حلق الرأس الرجل المعتاد حلقه، و إطلاق الفتوى أن فيه الأرش أو التقدير المزبور، منزل على ما إذا حصل النقص به كما في الشعر الطويل لبعض الشبان فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام العيوب، الحديث الأول.

ج 43، ص: 181

[الثاني العينان]

الثاني العينان و فيهما معا الدية و في كل واحدة نصف الدية بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل و بين غيرنا كما عن الشيخ و ابن زهرة الاعتراف به، بل في المسالك إجماع المسلمين عليه، و هو كذلك فضلا عن إجماع المؤمنين المحكي مستفيضا.

أو متواترا، كالنصوص عموما مثل

«ما في الإنسان منه اثنان ففيه نصف الدية»(1)

و خصوصا مثل حسن الحلبي (2)و صحيح ابن سنان (3).

بل مقتضى إطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع أنها تستوي الصحيحة و العمشاء و الحولاء و الجاحظة خارجة المقلة أو عظيمتها، خلافا لما عن الوسيلة فجعل دية العمشاء ثلث دية النفس، و لم نعرف له دليلا صالحا لمعارضته ما عرفت، المقتضى لكون الأخفش و الأعشى و الأرمد و الأجهر كالصحيح.

أما من كان على سواد عينه أو بياضها أو عليهما بياض مثلا، فإن كان الإبصار باقيا بأن لا يكون ذلك على الناظر فالدية تامة لبقاء العضو و فائدته، فتشمله الأدلة كاليد ذات الشلول، و إن لم يكن كذلك أسقط الحاكم من الدية بمقدار الذاهب إن عرف، و إلا كانت فيه الحكومة.

و في الأجفان الأربعة الدية بلا خلاف مطلقا أو في الجملة كما ستعرف، بل الإجماع بقسميه عليه كذلك، بل المحكي منهما مستفيض، و لكن في تقدير كل جفن خلاف قال في المبسوط في كل واحد ربع الدية و تبعه الفاضل في جملة من كتبه، و ولده و الشهيدان و أبو العباس و غيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل هو المحكي عن العماني أيضا، ل

صحيح هشام المضمر


1- 1 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.

ج 43، ص: 182

في التهذيب (1)، المسند إلى الصادق عليه السلام في الفقيه،(2)«قال كل ما كان في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية و في أحدهما نصف الدية»

و نحوه حسن عبد الله ابن سنان(3)عنه أيضا، بتقريب كون كل جفنين بمنزلة واحد فيكونان كالعين، إلا أنه كما ترى، و لذا قال في المسالك «هو مجرد عناية»، و في كشف اللثام «لا دلالة فيه».

نعم قد يقال: بإمكان استفادة توزيع الدية على المتعدد الذي تثبت فيه الدية، و الغرض الإجماع على ثبوتها للأربع فتتوزع عليها، لأن الأصل عدم الزيادة، مضافا إلى دعوى انسياق التوزيع للتساوي في مثله، و لعله لذا قال في المسالك: «هو الأظهر» بعد أن اعترف بضعف دلالة الخبرين عليه، و الله العالم.

و قال في الخلاف و محكي السرائر في الأعلى ثلثا الدية و في الأسفل الثلث من دية العين، بل عن الأول عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، بل في كشف اللثام حكايته عن المبسوط و إن كنا لم نتحققه، بل الذي حكاه عنه المصنف و غيره الأول، نعم و قيل نسبه إلى رواية أصحابنا بعد أن اختار الأول (4).

و على كل حال فلم نقف له على دليل سوى الدعوى المزبورة التي لم نقف فيها على خبر، كما اعترف به غيرنا أيضا، بل و لا مفت غيره ممن تقدمه، بل هو قد خالف نفسه فيما سمعته من المبسوط، بل و في الخلاف أيضا ما حكى المصنف عنه قال و في موضع آخر في الأعلى ثلث الدية و في الأسفل النصف


1- 1 التهذيب ج 10 ص 258.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 133.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1- الكافي ج 7 ص 351، و فيه:« ففي الواحد نصف الدية» و في الوسائل:« ففيه نصف الدية» و كلاهما بمعنى.
4- 4 كشف اللثام ج 2 ص 319- المبسوط ج 7 ص 130.

ج 43، ص: 183

منها كما في المقنعة و النهاية و المراسم و الوسيلة و عن الغنية و عن القاضي و أبي الصلاح و الطبرسي و الصهرشتي و الكيدري، بل و أبي علي و حينئذ ف ينقص على هذا التقدير سدس الدية بل في المتن و غيره و القول بهذا كثير.

بل في كشف اللثام و عن غيره هو المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، لما في كتاب ظريف بن ناصح عن الصادق عليه السلام المشهور في الديات كما في المسالك عن إفتاء

أمير المؤمنين عليه السلام الذي رواه المحمدون الثلاثة بطرق عديدة(1).

المنجبر مع ذلك في المقام بما عرفت «قال و إن أصيب شفر العين الأعلى فشتر فديته ثلث دية العين مأة دينار و ستة و ستون دينارا و ثلثا دينار، و إن أصيب شفر العين الأسفل فشتر فديته نصف دية العين مأتا دينار و خمسون دينارا،.

فما أصيب منه فعلي حساب ذلك».

و في كشف اللثام و كذا روى عن الرضا عليه السلام (2)و في المراسم نسبه إلى رسم النبوي العلوي.

و في المقنعة اختصاص هذا العضو من بين الأعضاء بذلك، و من هنا كان العمل به متعينا.

لكن فيه أنه مخالف لما سمعته من الإجماع و نفي الخلاف على وجوب تمام الدية الأربع، اللهم إلا أن يقال بما عن المهذب البارع: إن هذا النقص إنما هو على تقدير كون الجناية من اثنين أو من واحد بعد دفع أرش الجناية الأولى و إلا وجب دية كاملة إجماعا، بل في الروضة «هذا هو الظاهر من الرواية، لكن فتوى الأصحاب مطلقة».

قلت: و لعله لذلك توقف غير واحد من الترجيح كالمصنف و غيره، لكن


1- 1 الكافي ج 7 ص 330- التهذيب ج 10 ص 298- الفقيه ج 4 ص 80- الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3 و 4 و 5.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 42.

ج 43، ص: 184

يمكن منع الإجماع المزبور مطلقا كما لا يخفى على من لاحظ كلام المشهور.

نعم قد يقال: إن الشفر بالضم كما في الصحاح و غيره طرف الجفن، و به عبر في المقنعة و المراسم و الغنية، كالخبر المزبور، لا بالجفن، فيمكن أن يقال:

ان ذلك في أشفار الأجفان لا فيها نفسها لأنها فيها أجمع الدية كاملة أرباعا فتأمل.

و كيف كان ف في الجناية على بعضها بحساب ديتها بلا خلاف أجده فيه لما سمعته من الخبر المعتضد بما عرفته سابقا و حينئذ فإن قطع نصف الجفن كان ديته الثمن بناء على أن فيه الربع و لو قلعت الأجفان مع العينين لم تتداخل ديتاهما كما صرح به غير واحد للأصل بخلاف الأهداب التي عرفت الحال فيها، و لا يعتبر وجودها في تمام الدية للأجفان قطعا كما صرح به الفاضل و غيره بل لا يعتبر في ديتها أيضا الإبصار، فالأعمى فضلا عن غيره بل لا يعتبر في ديتها أيضا الإبصار، فالأعمى فضلا عن غيره لو قطعت أجفانه الأربعة وجبت الدية لإطلاق الأدلة.

نعم في القواعد و كشف اللثام الحكومة في الأجفان المستحشفة اليابسة المقلية، لأنها لا تكن العين و تغطيها، و لعله (1)لانسياق غيرها من الإطلاق، و الله العالم.

و في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إذا كان العور خلفة أو بآفة من الله تعالى شأنه بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به في المسالك بل في الخلاف و الغنية و المختلف و الغاية المراد و التنقيح و المهذب البارع الإجماع عليه على ما حكى عن بعضها.

و في

خبر محمد بن قيس (2)«قال أبو جعفر عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة ففقأت، أن تفقأ إحدى عيني صاحبه و يعقل


1- 1 كذا في الأصل، و في بعض النسخ هكذا:« قلت و لانسياق غيرها».
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.

ج 43، ص: 185

له نصف الدية و إن شاء أخذ دية كاملة و يعفو(1)عن عين صاحبه»

و في خبر الحلبي (2)و

أبي بصير(3)عن الصادق عليه السلام «في عين الأعور الدية»

مع زيادة «كاملة» في أولهما إلى غير ذلك من النصوص التي قدمناها في استحقاقه نصف الدية لو جنى عمدا على الصحيح فاقتص منه فلاحظ و تذكر، مؤيدا ذلك كله بأن العين الواحد له حينئذ بمنزلة عينين بالنسبة إلى الإبصار بل هو مثل ما لم يكن فيه إلا واحد كالأنف.

نعم لو استحق ديتها بجناية جان عليه و إن لم يكن قد أخذها كان في الصحيحة نصف الدية خمسمائة دينار بلا خلاف أجده فيه، بل عن الغنية و الخلاف الإجماع عليه، بل هو كذلك على الظاهر، كما اعترف به في كشف اللثام، و كذلك لو كان عورها قصاصا و إن لم يصرح به جماعة، بل في كشف اللثام الأكثر، لكنه مندرج في معقد إجماعي الخلاف و الغنية على ذهابها بغير الخلقة و الآفة السماوية، و على كل حال بذلك تقيد النصوص المزبورة، مضافا إلى النصوص و الإجماع على أن في إحدى العينين النصف المستثنى منهما ما عرفت خاصة، بل قد يدعى أنه المراد من الأخبار المزبورة و لو بملاحظة أن أخذه العوض أو استحقاقه أو الذهاب قصاصا لا ينزل عينه الموجودة منزلة العين الواحدة، بل ينزلها منزلة أحد العينين، و الله العالم.

و أما العوراء ففي خسفها روايتان إحداهما ربع الدية كما في

رواية عبد الله بن سليمان (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل فقأ عين رجل ذاهبة و هي قائمة قال عليه ربع دية العين».

و رواية عبد الله بن أبي جعفر عنه (5)أيضا «في العين العوراء تكون قائمة فتخسف قال: قضى فيها علي بن أبي طالب عليه السلام بنصف الدية في العين الصحيحة»

و لكن هي متروكة و إن حكى العمل بها عن المفيد و سلار، إلا


1- 1 في الكافي:« يعفى».
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1.

ج 43، ص: 186

أنها ضعيفة و لا جابر لها، بل في المسالك لم يعمل بمضمون الثانية أحد من الأصحاب و الرواية الأخرى ثلث الدية و هي

صحيحة بريد أو حسنته (1)عن الباقر عليه السلام «في لسان الأخرس و عين الأعور و ذكر الخصي الحر و أنثييه ثلث الدية»

و غيرها و هي مشهورة في العمل كما اعترف به غير واحد، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه.

و على كلا القولين فالحكم هنا كذلك سواء كانت عوراء خلقة أو بجناية جان لكن في

صحيح أبي بصير(2)عنه أيضا «و قد سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان أخرس فقال: إن كان ولدته أمه و هو أخرس فعليه ثلث الدية و إن كان ذهب بوجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإن على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه، قال: و كذلك القضاء في العينين و الجوارح، و قال: هكذا وجدنا في كتاب علي عليه السلام»

و لم نجد عاملا به كما اعترف به بعض الأساطين مضافا إلى ما فيه من عدم الفرق المزبور في اللسان الذي فيه الدية كاملة- نعم ربما يظهر الفرق في نحو العين و غيرها من الجوارح المتعددة- و إلى ما فيه من الاضطراب فإن في

الكافي و التهذيب (3)كما سمعت، و عن الفقيه (4)«إن كان ولدته أمه و هو أخرس فعليه الدية»

و لعله يوافق في الجملة ما تسمعه من ابن إدريس من «أنه لا خلاف في أن العين إن كانت عوراء خلقة ففيها نصف الدية خمسمائة دينار و ثلث ديتها إنما يجب في التي جنى عليها»(5)لكن ليس في الفقيه


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول نقلا عن الكافي و التهذيب و الفقيه و ليس في الكافي و الوسائل لفظة« الحر» راجع الفقيه ج 4 ص 131 و التهذيب ج 10 ص 270 و الكافي ج 7 ص 318.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الثاني.
3- 3 الكافي ج 7 ص 318 و التهذيب ج 10 ص 270.
4- 4 الفقيه ج 4 ص 148.
5- 5 السرائر باب ديات الأعضاء و الجوارح و القصاص فيها.

ج 43، ص: 187

قوله: «و كذلك القضاء في العينين و الجوارح».

ثم إن المصنف و الفاضل اقتصرا على الخسف كالمحكي عن الشيخ و ابن سعيد نحو ما سمعته في خبر عبد الله بن أبي جعفر(1)، و عن سلار، التعبير بالإذهاب، و قال المفيد: «و من كانت عينه ذاهبة و هي قائمة غير مخسوفة فلطمه إنسان فانخسفت بذلك أو كانت مفتوحة فانطبقت أو كان سوادها باقيا فذهب فعليه ربع الدية العين الصحيحة لذهابه بجمالها»(2).

و في

خبر عبد الله بن سليمان (3)ما سمعته، و عن الحلبي «و في خسف العين الواقفة العمياء ثلث ديتها و في طبق المفتوحة أو ذهاب سوادهما مع تقدم العمي ربع ديتها».

و كذا عن الغنية و الإصباح، بل عن أولهما الإجماع عليه، و إن كان هو كما ترى ضرورة عدم مظنة الإجماع المزبور، بل لعل الأمر بالعكس، إذ رواية الثلث المشهورة عملا لا فرق فيها بين الخسف و القلع و غيرهما، و من ذلك يعلم ما في التفصيل المزبور و غيره.

و عن ابن إدريس «و في العين القائمة إذا خسف بها ثلث ديتها صحيحة و كذلك في العين العوراء التي أخذت ديتها أو استحقها صاحبها و لم يأخذها ثلث ديتها صحيحة على ما قلناه أولا و حررناه، و شيخنا أبو جعفر فرق في نهايته بينهما، قال: إذا قلع العين العوراء التي أخذت ديتها أو استحقت الدية و لم يأخذها فنصف الدية يعنى ديتها فإن خسف بها و لم يقلعها ثلث ديتها، و الأولى عندي أن في القلع و الخسف ثلث ديتها، فأما إذا كانت عوراء و العور من الله تعالى فلا خلاف بين أصحابنا أن فيها ديتها كاملة خمسمائة دينار انتهى»(4).


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
2- 2 المقنعة ص 120.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
4- 4 السرائر باب ديات الأعضاء.

ج 43، ص: 188

و الظاهر سقوط لفظ القلع من قلمه أو أقلام النساخ في قوله «و كذلك في العين العوراء» و الصحيح «و كذلك في قلع العين العوراء إلى آخره».

و على كل حال فهو كما ترى و إليه أشار المصنف بقوله و وهم هنا واهم فتوق زلله بل ما نسبه إلى النهاية وهم أيضا و إن كانت عبارتها موهمة لذلك، قال: «و في العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد ذهبت في آفة من جهة الله تعالى فإن كانت قد ذهبت و أخذ ديتها أو استحق الدية و إن لم يأخذها كان فيها نصف الدية، و الأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه و إن عمي فإن الحق أعماه فإن قلعت عينه كان مخيرا بين أن يأخذ الدية كاملة أو يقلع إحدى عيني صاحبه و يأخذ نصف الدية، و في العين القائمة إذا خسفت بها ثلث ديتها صحيحة انتهت»(1)و هي صريحة أو كالصريحة في خلاف ما حكاه عنها و لو بقرينة قوله أخيرا: و «في العين القائمة إلى آخره».

لكن في كشف اللثام بعد أن حكى عبارة النهاية المزبورة قال: «ففهم من العين العوراء، الذاهبة من عيني الأعور لا الصحيحة كما في نحو عبارة الكتاب و يقويه قوله «ذهبت» مرتين «و أخذ ديتها» فحمل قوله: «الدية كاملة» على دية العين الواحدة، أي نصف الدية خمسمائة دينار و نصف الدية على نصف ديتها و هو ربع الدية.

ثم لما قال في آخر الكلام: «إن في خسف العين القائمة ثلث ديتها» حمل ما قبله على القلع، و جعل في قوة أن قال: في العين الذاهبة من عيني الأعور ديتها كاملة و هي خمسمائة دينار قلعت أو خسفت إذا كانت ذهبت خلقة أو في آفة من الله فإن كانت ذهبت و أخذ ديتها أو استحق ديتها كان في قلعها نصف ديتها مأتان و خمسون دينارا، و إذا فقأ الأعور عين صحيح قلعت عينه الصحيحة و إن عمى فإن الحق أعماه، فإن قلع قالع عينه الصحيحة كان مخيرا بين أن يأخذ


1- 1 النهاية ج 2 ص 789.

ج 43، ص: 189

الدية دية النفس كاملة ألف دينار أو يقلع إحدى عيني الجاني و يأخذ نصف الدية، و في عينه الذاهبة القائمة إذا خسف بها و كان ذهابها بالجناية عليها ففيها ثلث ديتها صحيحة»(1).

قلت: و لكنه كما ترى، بل المراد(2)ما ذكره المصنف في النكت- و تبعه عليه الفاضل و الشهيد و غيرهما- العين الصحيحة من العوراء من عين الأعور، قال: «و يوشك أن يكون سماها عوراء لأنه ليس لها أخت من صنفها و في الحديث إن

أبا لهب اعترض على النبي صلى الله عليه و آله عند إظهاره الدعوة فقال له أبو طالب يا أعور ما أنت و هذا، قال ابن الأعرابي: و لم يكن أبو لهب أعور، و لكن العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه و أمه أعور، و كأن الشيخ استعمل ذلك اتساعا، و تبعا للفظ رواية رواها

محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن سنان، عن العلاء ابن الفضيل (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «قال في أنف الرجل الدية تامة، و ذكر الرجل الدية تامة و لسانه الدية تامة، و أذناه الدية تامة، و الرجلان بتلك المنزلة، و العينان كذلك، و العين العوراء الدية تامة»

و لم يرد بالعوراء هنا الفاسدة لأن ديتها ليست تامة إذ هو يريد بالتامة دية النفس لأنه عدد ما فيه دية النفس و لم يرد بالدية التامة خمسمائة على ما ظنه بعض المتأخرين، ثم لم يذهب أحد إلى أن القائمة و لا المطبوقة فيها خمسمائة بحيث ينزل ذلك على هذا التأويل، و أما قول الشيخ ره «إذا كانت خلقة أو ذهبت في آفة» يريد الذاهبة، أضمرها و لم يجر لها ذكرا اتساعا و لدلالة اللفظ عليها انتهى»(4).

و حينئذ قوله فإن قلعت عينه مع جزائه تكرير لما قدمه من إذهاب عينه الصحيحة و إنما كرره للتصريح بالتخيير.


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 318- 319.
2- 2 كذا في الأصل، و لعل الصحيح:« كما ذكره المصنف».
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 11.
4- 4 نكت النهاية كتاب الديات ورقين قبل آخر الكتاب.

ج 43، ص: 190

على أنه لو سلمنا دلالة عبارة النهاية على ذلك كيف يسوغ له موافقتها بلا دليل بل ظاهر الأدلة خلافها، بل و الاعتبار، فإن مساواة الصحيحة للعوراء في الدية أمر منكر و كأن الذي أوقعه في هذا الوهم الشنيع استمراره على الجرأة على العلماء و خصوصا الشيخ الذي هو أس هذا المذهب و قوامه نسأل الله العصمة من الخطأ و غيره، و الله العالم.

[الثالث الأنف]

الثالث الأنف و فيه الدية كاملة إذا استوصل كله و كذا إذا قطع مارنه و هو ما لان منه وفاقا للشيخ في النهاية و ابن إدريس و يحيى بن سعيد و الفاضلين و

الشهيد، بل و الغنية و الإصباح و غيرهم على ما حكى عن بعض، لأنه مما في الإنسان منه واحد و فيه الدية نصا و فتوى و ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (1)«في الأنف إذا استوصل جدعه الدية».

و في الموثق «في الأنف إذا قطع الدية كاملة»

و في حسن الحلبي (2)و موثق سماعة(3)و خبري زرارة(4)و

العلاء بن الفضيل (5)«في الأنف إذا قطع المارن الدية»

و مقتضاه وجوب الدية لا غير في قطعه أجمع و في قطع المارن منه.

لكن في المبسوط «و في الأنف الدية بلا خلاف ل

قوله عليه السلام: و في الأنف الدية

و في الأنف إذا اوعى أي استوعب جدعا مأة من الإبل،

و عن علي عليه السلام في الأنف


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 8.

ج 43، ص: 191

مأة من الإبل، فإذا ثبت أن فيه الدية فإنما الدية في المارن و هو ما لان منه و هو دون قصبة الأنف و ذلك المنخران و الحاجز إلى القصبة. فإن كان قطع كل المارن ففيه الدية كاملة فإن قطع بعضه ففيه بالحصة مساحة»(1).

و ذكر «أنه إن قطع المارن مع القصبة كان في المارن الدية و في القصبة حكومة»(2)و هو خيرة المهذب و الوسيلة و التحرير و الروضة على ما حكي

عن بعضها، بل عن حواشي الشهيد أنه المنقول، و لعل وجهه بعد الاتفاق على ثبوت الدية في المارن نصا و فتوى أنه لا بد للجناية على القصبة معه من عوض.

و فيه أنه كذلك مع تعددها بأن قطع القصبة بعد قطع المارن لعدم تقدير فيها بالخصوص فتجب الحكومة، أما لو كانت جناية واحدة قد استوعبت الأنف كله أو المارن مع بعض القصبة فليس إلا الدية لما سمعته من النصوص صريحها و ظاهرها المذكورة لبيان تمام ما في ذلك، مضافا إلى الأصل، و لا استبعاد في التداخل في الفرض المزبور.

و يمكن تنزيل كلام الشيخ و من وافقه على ذلك فيرتفع الخلاف حينئذ الذي قد بان لك ثمرته مما ذكرناه و الا كان محجوجا بما عرفت.

كذا تجب الدية لو كسر ففسد كما صرح به الشيخان و الحلبي و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان و غيرهم على ما حكي عن بعضهم بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض لأنه كالإبانة خصوصا على ما عن الروض من كون المراد من فساده سقوطه لا صيرورته أشل الذي يأتي حكمه و دليله، و إن كان قد يناقش بأعمية الفساد في كلام الأصحاب من ذلك. فالتحقيق أن يقال و لو بمعونة


1- 1 المبسوط ج 7 ص 131 و كانت عبارة الأصل ناقصة و أصلحناه طبعا للمصدر. و لا يخفى أن عبارة مفتاح الكرامة هنا ناقصة أيضا.
2- 2 المبسوط ج 7 ص 131 و ليست العبارة عين عبارة الشيخ فراجع.

ج 43، ص: 192

فهم الأصحاب: إن

قوله (1): «فيما كان فيه في البدن واحد الدية»

كالأنف شامل للقطع و للإفساد المزبور.

نعم لو جبر على غير عيب فمأة دينار كما صرح به من عرفت و غيرهم، بل في الرياض نفي الخلاف فيه، بل عن الغنية على الإجماع عليه، و هو الحجة بعد تبينه مضافا إلى ما عساه يفهم مما في خبر ظريف (2)من ثبوت المأة في كسر الظهر إذا جبر على غير عيب، من أن ذلك كذلك في كل ما كان في كسره الدية،

و منه ما نحن فيه. فوسوسة بعض الأفاضل (3)في دليل الحكم المزبور حينئذ في غير محله.

و لو نفذت فيه نافذة فخرقت المنخرين و الوترة جميعا على وجه لا تنسد فثلث الدية بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب، بل قيل قد يظهر من الغنية الإجماع عليه، لما

في كتاب ظريف (4)«فان نفذت فيه نافذة لا تنسد بسهم أو رمح فديته ثلاثمائة و ثلاث و ثلاثون دينارا و ثلث دينار»

بل في كشف اللثام و روى عن الرضا عليه السلام (5)و إن كان المظنون إرادته ما في الفقه


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 12 و غيره.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
3- 3 و هو المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
5- 5 كشف اللثام ج 2 ص 319- الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 42 و عبارته هكذا: « فان نفذت منه نافذة فثلثا دية الأرنبة» و راجع المستدرك ج 3 ص 274.

ج 43، ص: 193

المنسوب إلى الرضا عليه السلام الذي لم يثبت حجيته عندنا(1)، و

خبر مسمع (2)عن الصادق عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام «في النافذة تكون في العضو بثلث الدية دية ذلك العضو»،

و نحو ذلك من الأخبار.

و كذا لو خرمه ل

قول الصادق عليه السلام في خبر مسمع (3)أيضا «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في خرم الأنف ثلث دية الأنف»

نعم الظاهر إرادة شق وترة الأنف التي بين المنخرين، من الخرم.

و لو جبرت و صلحت ففيه خمس الدية مأتا دينار كما صرح به الشيخان و الديلمي و ابنا زهرة و إدريس و الفاضلان و الشهيدان و التقي و القاضي و الكيدري على ما حكي عن بعضهم، بل قيل قد يظهر من الغنية الإجماع عليه، إلا أني لم أجد له دليلا، بل الموجود

في كتاب ظريف (4)«و إن كانت نافذة فبرئت و التأمت فديتها خمس دية روثة الأنف مأة دينار فما أصيب منه فعلى حساب ذلك»

كالمحكي عن أبي علي و الشيخ في الخلاف، بل و السرائر و إن حكي عنها الأول أيضا،(5)و لعله لا يخلوا من قوة فإن المشهور أيضا على ما قيل عشر، للأصل و الخبر المزبور، بل لعله متعين بعد فرض الإجماع على انحصار الأمر في القدرين ضرورة


1- 1 راجع رسالة« الفصل القضاء في الكتاب المشتهر بفقه الرضا» تأليف السيد حسن الصدر الكاظمي ره المطبوع أخيرا بقم في مجموعة تسمى به« آشنائى با چند نسخه خطى» ص 389- 442.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 293- الكافي ج 7 ص 328- الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 7. و لكن في غير الأول« الناقلة» مكان« النافذة» فراجع.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
5- 5 قال في السرائر في باب ديات الشجاج و الجراح:« و في الأنف. فان عولجت فصلحت و انسدت فديتها خمس دية الأنف مأتا دينار».

ج 43، ص: 194

كون المقام على هذا التقدير من جزئيات مسألة الترديد بين الأقل و الأكثر المعلوم كون الحكم فيه الاقتصار على الأول و نفي الزائد بالأصل بعد فرض عدم دليل عليه غير الشهرة المزبورة، و هي مع تحققها غير حجة.

نعم يمكن منع الإجماع على الانحصار المزبور، و المتجه فيه بعد عدم حجية الشهرة و الخبر المزبور الذي لا جابر له، الحكومة التي هي مقتضي الأصل أيضا بعد الإجماع على عدم خلو الجناية عن عوض هذا كله و لكن الاحتياط مع إمكانه لا ينبغي تركه بل يمكن تصحيح الخبر المزبور فلا يحتاج إلى جابر و لكن الشهرة هنا موهنة له.

و كذا الكلام فيما كانت النافذة نفذت في أحد المنخرين إلى الحاجز عشر الدية، لكن مع تقييد كثير منهم ذلك بما إذا صلحت و برئت، بل عن جماعة منهم التصريح بأن فيها السدس إن لم تبرأ، بل قيل: قد يظهر من الغنية الإجماع عليه، و على كل حال لم أجد له دليلا أيضا و إن نسبه في كشف اللثام إلى الرواية(1)عن الرضا عليه السلام من دون نص إلى البرء، و عن أبي علي «أن فيه عشر دية الروثة خمسون دينارا» و يوافقه ما

في كتاب ظريف قال متصلا بما سمعته: «و إن كانت النافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم و هو الحاجز بين المنخرين فديتها عشر دية روثة الأنف خمسون دينارا»(2)

و لكن البحث فيه كما تقدم ضرورة عدم دليل للمشهور، و عدم جابر للخبر المزبور أو موهون بالشهرة، فالتحقيق الاقتصار على الأقل مع فرض الإجماع على الانحصار و إلا فالحكومة و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

و كيف كان ف في شلله ثلثا ديته بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن ظاهر المبسوط و صريح الخلاف الإجماع عليه، نحو شلل


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 319- فقه الرضا عليه السلام ص 42.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 195

سائر الأعضاء التي وضع الأصحاب- كما في كشف اللثام- ضابطا لشللها و هو ثلثا دية ذلك العضو المشلول، بل عن الخلاف و الغنية إجماع الفرقة عليه مع زيادة «و اخبارهم» في الأول و لعل منها

صحيح الفضيل بن يسار(1)عن الصادق عليه السلام «إن في شلل كل الأصابع ثلثي دية اليد أو القدم و في شلل بعضها ثلثي ديتها»

مؤيدا ذلك بما ذكروه أيضا من غير خلاف يعرف فيه بينهم كما اعترف به غير واحد، من أن في قطع الأشل أنف أو غيره ثلث الدية، ل

خبر الحكم (2)عن أبي جعفر عليه السلام «كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح»

فتتم بذلك الدية حينئذ و إن كان الظاهر الثلث أيضا في الأشل خلقة كما صرح به بعضهم لإطلاق النص و الفتوى إلا أنه لا ينافي ظهور ذلك في ثبوت ثلثي الدية بالجناية الموجبة للشلل.

و الله العالم.

و في الروثة إذا استوصلت كما هو صريح بعض و ظاهر آخر و هي الحاجز بين المنخرين كما في جملة من كتب الفاضل و محكي النهاية و الجامع و غيرها نصف الدية وفاقا للشيخين و الديلمي و ابني حمزة و سعيد و الفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، و لذا نسبه في كشف اللثام إلى الأكثر، بل في المسالك إلى المشهور لما

في كتاب ظريف- الذي روى صحيحا-(3)«أنه عرض على الرضا عليه السلام فقال: هو حق»، «فإن قطعت روث الأنف فديتها خمسمائة دينار نصف الدية(4)».

و لكن عن الكافي (5)زيادة «و هي طرفه» فإن كانت من الخبر نافت التفسير


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5، و ليس المنقول عين ألفاظ الرواية.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
3- 3 راجع الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الأعضاء.
4- 4 الفقيه ج 4 ص 81.
5- 5 الكافي ج 7 ص 331.

ج 43، ص: 196

المزبور، بل و إن لم تكن منه، لأن الموجود فيما حضرني من كتب اللغة أنها «الأرنبة» أي طرف الأنف أو طرفيها، بل في كشف اللثام بعد أن حكاه عن بعض من عرفت قال: «و لم أعرف لهم موافقا من أهل اللغة فإن المعروف عندهم أنها الأرنبة أو طرفها حيث يقطر الرعاف، و الأرنبة عندهم طرف الأنف و يسمون الحاجز بالوترة، و في كتاب ظريف بالخيشوم، و كذا روى عن الرضا عليه السلام»،(1)بل في المتن بعد أن ذكر ما سمعت و قال ابن بابويه (2)هي مجمع المارن، و قال أهل اللغة هي طرف المارن و عن الكنز و الإيضاح أنها مجمع المارن و الأنف، و في كشف اللثام «و مراد الصدوق بمجمعه إما رأسه فيوافق كتب اللغة، أو الحاجز فإنه موصل كما أنه مفصل».

و قد تكلف بعض الناس (3)للجمع بين كلام أهل اللغة و بين ما سمعته من الأصحاب بما لا يرجع إلى حاصل، بل و لا يرضى به الأصحاب الذين اعترفوا بأن ما ذكروه غير ما عند أهل اللغة كما هو ظاهر المصنف و غيره.

و من هنا يشكل الحكم بأن في قطعها بالمعنى المزبور النصف فإن خبر ظريف ليس فيه إلا النصف فيها من دون تفسير لها، فيتجه حينئذ بناء على العمل به ثبوت النصف بقطع الأرنبة كما عن الغنية و الإصباح و أبي علي المفسرة بها في أكثر كتب أهل اللغة، و في بعضها بطرفيها، إلا أن الأول أشهر و أوفق بالأصل، بل قيل إنه قد يظهر من الغنية الإجماع فتأمل جيدا، فإنه يمكن أن يقال بحصول الظن بما ذكره الأصحاب دون أهل اللغة مع إمكان كون المراد منها هنا ذلك و إن كان معناها لغة الأرنبة أو طرفها كما هو مقتضى اعترافهم بأنها لغة


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 319- الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 42.
2- 2 قال في الفقيه ج 4 ص 81:« قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: الروثة من الأنف مجتمع مارنه».
3- 3 راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 389- 390.

ج 43، ص: 197

كذلك مع تفسيرهم لها بما عرفت، و بذلك يظهر قوة للقول المشهور و الاحتياط لا ينبغي تركه.

و قيل- و إن قال في كشف اللثام لم نعرف القائل- بل هو كذلك قبل (1)الشهيد في اللمعة: إن في الروثة بالمعنى المزبور الثلث، و تبعه بعض من تأخر عنه و لعله بعد أصل البراءة من الزائد، لقاعدة تقسيط الدية على أجزاء العضو الذي ثبت فيه الدية بالنسبة، لأن المارن الذي قد عرفت وجوبها بقطعه مشتمل عليها و على المنخرين، بل في الرياض «يمكن أن يكون القائل به ابن إدريس فإنه قال بعد حكمه بأن في الأنف الدية، و في مارنه الدية، ما لفظه: «و ما نقص منه بحساب ذلك» و هو ظاهر في رجوعه إلى القاعدة» و إن كان قد يناقش بأن مقتضى ذلك ثبوت الثلث في أحد المنخرين مع إن المحكي عن ابن إدريس و غيره النصف كما ستسمع، بل مقتضى ذلك ثبوت الربع بناء على أنه أربعة: المنخران و الحاجز و الروثة، كما ستسمعه من جماعة، بل و يمنعه القاعدة المزبورة ضرورة أعمية ثبوت الدية في المارن من ذلك كما هو واضح.

و في أحد المنخرين نصف الدية لأنه إذهاب نصف الجمال و المنفعة و هو اختياره في المبسوط معللا له بما عرفت كالمحكي عن السرائر، بل قال فيه «هو مذهبنا» مشعرا بالإجماع عليه و تبعه ابن إدريس و المصنف في النافع و الفاضل في بعض كتبه و قد أيد بأنهما اثنان فيعمهما ما مر من الحكم العام فيما كان اثنين و إن كان قد يناقش بمنع شموله لمثل ذلك و إلا لاقتضى قطعهما من دون قطع الحاجز و غيره من الأنف تمام الدية، كما أنه يقتضي ثبوتها أيضا

بقطع إحداهما مع الحاجز بناء على ما سمعته من أنه الروثة، و هو مناف لثبوتها بقطعه أجمع.

و قيل كما عن الكيدري و التقي و ابن زهرة فيه ربع الدية، بل ربما استظهر من الأخير الإجماع عليه، و لعله- كما عن الشهيد- لأن المارن الذي فيه الدية


1- 1 كان في الأصل« قيل» مكان« قبل» و صححناه بعد مراجعة مفتاح الكرامة فراجع ج 10 ص 390.

ج 43، ص: 198

أربعة أجزاء المنخران و الحاجز و الروثة فتقسط الدية عليها، مضافا إلى أصالة البراءة من الزائد، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه و لذا كان المشهور كما اعترف به غير واحد على أن فيه الثلث.

و في رواية غياث (1)المنجبرة بالشهرة المزبورة عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام «أنه قضى في كل جانب من الأنف ثلث الدية»

و كذا ثلث الدية

في رواية عبد الرحمن (2)العزرمي عن جعفر عن أبيه عليه السلام «أنه جعل في خشاش الأنف ثلث الدية»

و الخشاش- بكسر الخاء المعجمة- عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع (3)و لانقياده، كشف اللثام «الحشاش- بإهمال الحاء و فتحها أو كسرها- الجانب»، و على كل حال فهي ظاهرة في المطلوب و لكن في كل من الروايت ين ضعف غير أن العمل بمضمونها أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها العمل بمثلها بعد انجبارهما بالشهرة المزبورة و اعتضادهما بالأصل.

و لكن في القواعد «فتقسط الدية على الحاجزة و المنخرين أثلاثا» و فيه أنه مناف لما ذكرناه سابقا من النصف في الحاجز، و لا يرد مثله على المصنف و إن كان مقتضى ما ذكره لزوم دية و سدس في الثلاثة لكن لا بأس بالتزام ذلك مع تعدد الجناية أو الجاني.

نعم لو قطع المارن دفعة لم يكن فيه إلا الدية فتأمل جيدا، و الله العالم.


1- 1 التهذيب ج 10 ص 261- الوسائل الباب- 43- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 127.
3- 3 في مفتاح الكرامة هكذا:« ليكون أسرع لانقياده» بدون الواو.

ج 43، ص: 199

و لو قطع مع المارن لحما تحته متصلا بالشفتين فعليه الدية مع زيادة حكومة للحم إذ لا مقدر له.

و لو قطع أحد المنخرين و الحاجز فثلثا الدية بناء على التوزيع أثلاثا. و لو قطع أحدهما مع نصف حاجز أو بالعكس فنصف الدية بناء عليه أيضا.

و في كشف اللثام «و على القول بأن في الحاجز نصف الدية كان في كل من المنخرين ربعها، و على القول بأن في كل من المنخرين نصف الدية كان الحاجز.

حكومة، و على قول الحلبيين و الكيدري كان في كل منهما و من الحاجز و الروثة ربع الدية، و قطع أحد المنخرين مع تمام الحاجز يوجب قطع الروثة».

و فيه أن مبنى ذلك عدم لزوم أزيد من الدية، و فيه منع، لما عرفت من إمكان التزام ذلك في التفصيل بتعدد الجناية أو الجاني أو نحو ذلك، و إن لم يكن في قطع الجملة دفعة إلا الدية.

و في قطع بعض المنخر جزء من الثلث أو الربع أو النصف بنسبة المقطوع إلى الجميع، و كذا في قطع بعض الحاجز و إن لم نقل إن فيه حكومة.

لو ضربه فعوجه أو تغير لونه فالحكومة صلح بعد ذلك أولا إلا أن الحكومة في الأخير أكثر.

فإن قطعه بعد الاعوجاج أو تغير اللون آخر أو الأول فالدية كاملة، إذ لا تنقص بنقصانه شكلا أو لونا كما لو كان كذلك خلقة.

و لو شق ما بين المنخرين ففيه حكومة كما عن المبسوط و السرائر، بقي منفرجا أو التأم، إلا إن الحكومة في الأول أكثر، و عن الوسيلة أن في شقه خمسين دينارا فإن بقي منفرجا ففيه زيادة حكومة، و لم نقف له على ما يدل عليه.

و لو قطعه إلا جلده و بقي معلقا بها فإن احتيج إلى الإبانة بأن لم يمكن

ج 43، ص: 200

الرد و الالزاق فعليه الدية كاملة، لأنه قطع الأنف بعضه بالمباشرة و بعضه بالتسبيب أو كله به، و لو أبانه فرده هو أو المجني عليه فالتحم، احتمل الحكومة، لأنه بمنزلة عدم الإبانة لبقائه الآن كما كان، و احتمل الدية كما عن المبسوط و التحرير لصدق الإبانة، و الالتحام ثانيا نعمة متجددة، قيل: و لإنه يجبر على الإبانة لأنه نجس لا تصح الصلاة معه و لو لم يبنه فرده فالتحم فالحكومة قطعا لأنه يبنه و لا أضطره إلى الإبانة للالتحام و الطهارة. و الله العالم.

[الرابع الأذنان]

الرابع الأذنان و فيهما الدية و في كل واحدة نصف الدية بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا نصا و فتوى، عموما كالضابط المزبور المحكي عليه الاتفاق و

المروي عن الصادق عليه السلام (1)«قال: كل ما كان في الإنسان اثنين ففيهما الدية و في أحدهما نصف الدية و ما كان واحدا ففيه الدية»،

و خصوصا كصحيح الحلبي أو حسنته (2)و حسنة العلاء بن الفضيل (3)و صحيحة عبد الله بن سنان (4)و خبري سماعة(5)و خبر مسمع (6)، بل الإجماع بقسميه عليه، بل و المحكي منه مستفيض.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 12.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 و 9 و 10.
6- 6 قال في كشف اللثام ج 2 ص 320:« و في بعضها أي الأذنان بحساب ديتها كما قال الصادق عليه السلام في خبر مسمع:« و ما قطع منها فبحساب ذلك». أقول: لم أجده في كتاب الديات من الوسائل.

ج 43، ص: 201

نعم عن مالك «أن فيها الحكومة لأنها جمال بلا منفعة» و هو اجتهاد في مقابلة النص.

و في بعضها بحساب ديتها بلا خلاف أجده فيه أيضا ل

قول الصادق عليه السلام في خبر مسمع (1)«و ما قطع منها غير الشحمة فبحساب ذلك»

و نحوه في كتاب ظريف (2)بل يرجع إليه ما في

خبر سماعة(3)عن الصادق عليه السلام و مضمره (4)«و إذا قطع طرفها ففيها قيمة عدل»

على معنى إرادة اعتبار الحساب فيه بالمساحة من قيمة العدل، فإن كان المقطوع نصفها فعليه نصف دية الأذن الواحدة، و إن كان الثلث فالثلث و هكذا.

نعم في خصوص شحمتيها مقدر و هو ثلث ديتها على رواية

مسمع (5)عن الصادق عليه السلام «أن عليا عليه السلام قضى في شحمة الأذن بثلث دية الأذن»

و هي و إن كان في طريق ها ضعف و لكن تؤيدها الشهرة العظيمة، بل لا أجد فيه خلافا، بل عن الخلاف و الغنية إجماع الفرقة عليه، مع زيادة «و أخبارها» في الأول، و حينئذ ففي قطع بعض الشحمة بحساب ديتها كأصل الأذن، و الله العالم.

و قال بعض الأصحاب و هو الشيخ في النهاية «و في شحمة الأذن ثلث دية الأذن و كذلك في خرمها ثلث ديتها (6)»، و في محكي الخلاف(7)في شحمة الأذن ثلث دية الأذن و كذلك في خرمها، بدليل إجماع


1- 1 راجع ص 200 ج 42.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 و 10.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 و 10.
5- 5 الوسائل الباب- 7- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
6- 6 النهاية ج 2 ص 790.
7- 7 الخلاف ج 2 ص 381.

ج 43، ص: 202

الفرقة و أخبارها، و ظاهرهما خصوصا الثاني إرادة دية الأذن كما صرح به ابن حمزة و الفاضل في محكي الوسيلة و التبصرة، و لكن فسره واحد و هو ابن

إدريس (1)بجزم الشحمة و بثلث دية الشحمة، و في النافع «في شحمتها ثلث ديتها و في خرم الشحمة ثلث ديتها» و نحوه عن الجامع، و في محكي المختلف (2)«هو تأويل بلا دليل».

قلت كذلك إذ معقد الإجماع كما سمعت، و

قول الصادق عليه السلام في خبر معاوية بن عمار(3)«في كل فتق ثلث الدية»

ظاهر في خلافه، ك

قول أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب ظريف (4)«و في قرحة لا تبرأ ثلث دية ذلك العضو»

مؤيدا بما في

الخبر(5)«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في خرم الأنف ثلث دية الأنف»

بناء على عدم الفرق بينه و بين الأذن في ذلك لكن في الرياض «و هو أي ما عليه الحلي الأجود لإجمال العبارات و النصوص المتقدمة و عدم ظهور يعتد به في شي ء منها فينبغي الأخذ بالأقل المتيقن منها و يدفع الزائد بأصل البراءة، مضافا إلى التأييد بأن مع اعتباره لم يبق فرق بين قطع الشحمة و خرمها في مقدار الدية أصلا و هو مستبعد جدا، و بهذا يقرب تنزيل العبارات عليه إلا ما صرح فيه بثلث دية الأذن(6)».

و لا يخفى عليك ما فيه من دعوى الإجمال و الاستبعاد بعد الإحاطة بما ذكرناه و الله العالم.


1- 1 السرائر، باب ديات الأعضاء و الجوارح و هذه عبارته:« و في شحمة الأذن ثلث دية الاذن و في خرمها ثلث ديتها و في خرم الشحمة ثلث دية الشحمة و هو ثلث الثلث الذي هو دية الشحمة».
2- 2 المختلف كتاب الحدود ص 250.
3- 3 الوسائل الباب- 32- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
6- 6 رياض المسائل ج 2 ص 608 مع اختلاف يسير.

ج 43، ص: 203

و أذن الأصم كالصحيح بلا خلاف بل و لا إشكال، إذ الصمم ليس نقصا في الأذن بل في السماع، و لو ضربها فاستحشفت فهو كشلل العضو الذي فيه ثلثا

ديته بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارها، و إن لم نظفر بخبر خاص أو عام يدل عليه زائدا على ما عرفت سابقا في الأنف من الضابط و غيره.

و حينئذ فإن قطعها قاطع بعد الشلل فثلث ديتها لما عرفته في الأنف، و لو قطع الأذن فأوضح العظم وجب عليه مع دية الأذن دية الموضحة، و كذا إن سرى إلى السمع فأفسده أو نقص منه، لم يتداخل ديتا العين و المنفعة للأصل و غيره كما هو واضح.

[الخامس الشفتان]

الخامس الشفتان و فيهما الدية بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به غير واحد بل بين المسلمين بل إجماعا بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض، بل في كشف اللثام منا و من العامة، مضافا إلى ما سمعته من الضابط، فلا إشكال حينئذ في شي ء من ذلك.

و لكن في تقدير دية كل واحدة لو قطعها المتعدد مثلا خلاف قتل في المبسوط: في العليا الثلث و في السفلى الثلثان و هو خيرة المفيد و الديلمي و أبي الصلاح و ابني زهرة و إدريس في أول كلامه و الكيدري و ابن سعيد على ما حكي عن بعضهم، بل عن ظاهر المبسوط و الغنية الإجماع عليه، بل عن المفيد «لأنها تمسك الطعام و الشراب و شينها أقبح من شين العليا و بهذا ثبتت الآثار

ج 43، ص: 204

عن أئمة الهدى عليهم السلام (1).

و قال في الخلاف في العليا أربعمائة دينار و في السفلى ستمأة دينار أي خمسان في الأولى و ثلاثة في الثانية، و هو خيرة المقنع و الهداية و النهاية و التهذيب و الاستبصار و الوسيلة و المهذب و المختلف و الطبرسي و الصهرشتي على ما حكي عن بعضهم، بل هو الذي استقر عليه رأيه أخيرا في السرائر، فإنه بعد أن قوى قول ابن أبي عقيل قال: «إلا أن يكون إجماع على خلافه و لا شك، أن الإجماع منعقد على تفضيل السفلى، و الاتفاق حاصل على الستمائة دينار، و

الأصل برأيه الذمة مما زاد عليه قال و بهذا القول الأخير أعمل و افتي و هو قول شيخنا في الاستبصار»(2).

يعني القول بالأربعمأة و الستمائة، و قد كان أولا اختار القول بالثلث و الثلثين، بل في محكي الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم و هي

رواية أبي جميلة عن أبان بن تغليب (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «قال في الشفة السفلى ستة آلاف و في العليا أربعة آلاف لأن السفلى تمسك الماء»

و في المتن و محكي التحرير، ذكره الظريف (4)في كتابه أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام، و في الوافي (5)بعد أن ذكر خبر أبي جميلة، قال: «و تأتي رواية أخرى في هذا المعنى و أن أمير المؤمنين عليه السلام فضل السفلى لأنها تمسك الماء و الطعام مع الأسنان (6)» و لكن في أبي الجميلة ضعف فلا يصلح معارضا لغيره،


1- 1 قال في مفتاح الكرامة ج 10 ص 397:« و بهذا ثبتت الآثار عن أئمة الهدى عليهم السلام كما في المقنعة و هذه شهادة منه على ثبوت ذلك و هو أبلغ و أثبت مما يرويه و يسنده».
2- 2 السرائر، باب ديات الأعضاء و الجوارح.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
5- 5 الوافي الجزء التاسع ص 101.
6- 6 الوافي الجزء التاسع ص 115.

ج 43، ص: 205

اللهم إلا أن يجبر بما عرفت كما ستسمع.

و قال ابن بابويه (1)و هو مأثور عن ظريف أيضا في الكتب المشهورة و مروي بعدة طرق في العليا نصف الدية و في السفلى الثلثان، بل حكي عن أبي علي و لكن هو قول نادر لم نعرفه لغيرهما و فيه مع ندوره زيادة على الدية لا معنى لها بل اتفاق النص و الفتوى على أن فيهما الدية، إلا أن يختص بما إذا جنى عليهما المتحد دفعة دون المتعدد نحو ما سمعته من المصنف و غيره في المنخرين و الروثة و غير ذلك مما فيه زيادة في التفصيل على الجملة دفعة كما تقدم.

و قال ابن أبي عقيل هما سواء في الدية استنادا إلى قولهم عليهم السلام في الصحيح (2)و الحسن كلما في الجسد من اثنان ففيه نصف الدية بل و إلى

قول الصادق عليه السلام في خبر سماعة كما في الاستبصار(3)و إن كان مضمرا في التهذيب (4)«الشفتان العليا و السفلى سواء في الدية»

فإن حمله على التساوي في وجوب الدية لا قدرها بعيد، بل و

خبر زرارة(5)عنه أيضا «في الشفتين الدية و في العينين الدية و في أحدهما نصف الدية»

بناء على إرادة كل منها لا العينين خاصة، بل و إلى أصلي البراءة و التساوي، بل لعل الأصل لا يوافق تمام غيره من الأقوال و إن استدل به له بعض، لكنه في غير محله و هذا حسن كما في القواعد، و قوى كما في النافع، بل هو خيرة التحرير و الإرشاد و التبصرة و اللمعة و المقتصر


1- 1 قال في مفتاح الكرامة:« حكاه المحقق و العلامة عن ابن بابويه و قيل أنهما أرادا عليا» أى الصدوق الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
3- 3 الإستبصار ج 4 ص 288.
4- 4 التهذيب ج 10 ص 246.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 6.

ج 43، ص: 206

و التنقيح و المسالك و مجمع البرهان و المفاتيح، و كذا الروضة على ما حكي عن بعضها، لكن قد يناقش بالخروج عن العام بما عرفت، و عدم صراحة خبر زرارة، بل و ظهوره، بل و احتمال خبر سماعة ما سمعت، مع أنه كغيره مما دل على التسوية موافق للمحكي عن أبي بكر و ابن مسعود و أبي حنيفة و الشافعي و مالك، و بذلك يظهر لك قوة الثاني.

و على كل حال ف في قطع بعضها أي الشفة بعض ديتها بنسبة مساحتها إلى المقطوع منها، ففي النصف ديتها و هكذا، لما عرفته في نظائرها، و المساحة تعتبر طولا و عرضا، فلو قطع نصفها طولا و عرضا كان عليه النصف، أما لو قطع نصفها طولا و ربعها عرضا فليس عليه إلا مضروب طول المقطوع في عرضه و هو الثمن، و لكن في القواعد «فعليه ثلاثة أثمان ديتها» و هو غير متجة ظاهرا، و لذا تكلف بعض شراحه توجيهه بأن المراد أنه قطع من إحدى الشفتين نصفها و القطع من جهة الطول لأن (1)النصفية من جهة خاصة، بل من الجهتين، و من الأخرى ربعها، و القطع عرضا، فعليه للأول نصف دية كله و هو ربع دية الشفتين، و للثاني ربع دية كله و هو ثمن ديتها، فتلك ثلاثة أثمان ديتهما، و هو مبني على تساويهما في الدية. و لو فرض أنه قطع من شفة واحدة قطعة يكون نصفا لها طولا و عرضا أي طولها نصف طولها و عرضها نصف

عرضها، و قطعة أخرى يكون طولها نصف طولها و عرضها ربع عرضها أو بالعكس كانت عليه ثلاثة أثمان دية تلك الشفة، لكن لا يمكن تنزيل العبارة عليه.

و حد الشفة السفلى عرضا كما في القواعد و محكي المبسوط و المراسم أي عرفا هو ما تجافى عن اللثة مع طول الفم و حد العليا كذلك هو ما تجافى عن اللثة متصلا بالمنخرين و الحاجز مع طول الفم و ليس حاشية الشدقين منهما قطعا و كأن المراد بذلك الرد على من قال من العامة بعدم القصاص فيهما لعدم حد لهما، و من قال منهم إن حد هما ما ينبو عند طباق الفم، و من قال منهم


1- 1 كذا في الأصل، و لكن في كشف اللثام:« لا أن النصفية.».

ج 43، ص: 207

إنه ما إذا قطع لم ينطبق الباقي على الشفة الأخرى، و من قال منهم إنه من حروف الفم إلى ما يستر اللثة أو العمور- و هو ما بين الأسنان من اللحم- ضرورة منافاة ذلك كله للعرف الذي هو المرجع في مثله.

و لو جنى عليها حتى تقلصت فلا تنطبق على الأسنان فلا ينتفع بها بحال قال الشيخ في المبسوط فيه ديتها لأنه كالإتلاف و الأقرب الحكومة لأنه ليس إتلافا قطعا بل هو عيب لا مقدر له شرعا ففيه الحكومة، و ربما احتمل كونه كالاسترخاء الذي هو الشلل، و فيه منع كونه منه إما لأنه مقابل للتقلص بإحداثه الاسترخاء أو لأن المراد به عدم الإحساس كما قال الجوهري «أن الشلل فساد العضو».

و لو لم تحصل التقلص و اليبس كذلك بل تقلصت بعض التقلص، فعن الشيخ الاعتراف هنا بأن فيه الحكومة، قال: «و قال بعضهم فيه الدية بالحصة» و الأول أقوى لأن هذا متعذر الوصول إليه.

و لو استرختا بالجناية على وجه لا ينفصلان عن الأسنان إذا كشر أو ضحك فثلثا الدية لأنه شللهما و عن المبسوط الدية أيضا لأنه كالإتلاف أيضا و فيه ما عرفت و لو قطعت بعد الشلل فثلث الدية لما عرفته في قطع المشلول غيرها، و في كشف اللثام «و على قول المبسوط ينبغي أن يكون فيه حكومة لأن فيه شيئا».

و لو شق الشفتين حتى بدت الأسنان و لم يبن شيئا منهما فعليه ثلث الدية إن لم تبرأ و لم تلتئم، فإن برئت فخمس الدية. و في أحدهما إذا شقت ثلث ديتها إن لم تبرأ و لم تلتئم، فإن برئت فخمس ديتها بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك. و في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن الغنية الإجماع عليه، و

في كتاب ظريف (1)«فإن


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول. و التهذيب ج 10 ص 299 و الكافي ج 7 ص 331 و الفقيه ج 4 ص 81، و لا يخفى أن في متن الحديث في المصادر الثلاثة اختلافا يغير المعنى فراجع.

ج 43، ص: 208

انشقت أي العليا فبدا منها الأسنان ثم دوويت فبرئت و التأمت فدية جرحها و الحكومة فيه خمس دية الشفة مأة دينار و إن شترت و شينت شيئا قبيحا فديتها مأة دينار و ستة و ستون دينارا و ثلثا دينار- إلى أن قال- فإن انشقت أي السفلى حتى تبدوا منه الأسنان ثم برئت و التأمت مأة دينار و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار، و إن أصيبت فشينت شيئا فاحشا فديتها ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار و ذلك [ثلث ن خ] ديتها.»

و لا يخفى عليك أن ذلك لا يوافق ما ذكرناه بناء على إرادة عدم الالتئام من الشين الفاحش، ضرورة كون ما فيه ثلث الدية لا ثلث دية الشفة بل هو نصفها كما هو صريح الموافق للقول بأن فيها الثلثين، و على كل حال فعند العامة فيه الحكومة إلا أنها إذا لم تبرأ كانت الحكومة أكثر، و ربما يتوهم ذلك مما عن المبسوط(1)لكن الظاهر إرادته حكاية ذلك عنهم، لأنه قال بعده: «و قد روى أصحابنا المقدر في الحالين» و قال «إنه شرحه في التهذيب (2)».


1- 1 المبسوط ج 7 ص 132 و هذه عبارته:« فان شق الشفة فاندمل ملتاما أو غير ملتام ففيه حكومة الا أنه إذا لم يندمل ملتاما كانت الحكومة أكثر، و قد روى أصحابنا فيه المقدر في حالين».
2- 2 التهذيب ج 10 ص 299.

ج 43، ص: 209

[السادس اللسان]

السادس اللسان و لا خلاف كما اعترف به غير واحد في اقتضاء استيصال الصحيح جسما و نطقا الدية بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، كالنصوص التي منها

صحيح (1)العلاء بن فضيل «في لسانه الدية كاملة»

و موثق (2)سماعة «في اللسان إذا قطع الدية كاملة»

مضافا إلى ما دل على وجوبها فيما كان في الإنسان منه واحد، و لا خلاف أيضا في أن في لسان الأخرس ثلث الدية، بل عن ظاهر المبسوط و السرائر الإجماع عليه، بل هو المحكي عن الغنية، بل عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارها، و هو الحجة بعد تبينه، و بعد

صحيح بريد أو حسنه (3).

«في لسان الأخرس و عين الأعمى ثلث الدية»

، بل مقتضى الإطلاق المزبور نصا و فتوى عدم الفرق بين الأخرس خلقة أو عرضا، لكن في

صحيح أبي بصير(4)عن أبي جعفر عليه السلام «إن كان ولدته أمه و هو أخرس فعليه الدية(5)و إن كان لسانه ذهب لوجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإن على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه»

إلا أني لم أجد عاملا به فهو شاذ قاصر عن تقييد غيره، فما عن بعض متأخري المتأخرين من احتمال ذلك في غير محله.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 31- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
4- 4 الوسائل الباب- 31- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الثاني.
5- 5 في الفقيه ج 4 ص 148:« فعليه الدية» و في الكافي ج 7 ص 318 و التهذيب ج 10 ص 270:« فعليه ثلث الدية».

ج 43، ص: 210

و حينئذ ف فيما قطع من لسانه أي الأخرس بحسابه مساحة لما عرفته في نظائره، بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال.

و لو ادعى الجاني البكم، في كشف اللثام «القول قوله لأصل البراءة و إمكان قيام البينة على النطق لأنه من الأمور الظاهرة» و لكن قد يناقش بمنافاته لأصالة السلامة و لإطلاق النصوص السابقة المقتصر في تقييدها على لسان الأخرس بناء على ما حققناه في الأصول في نظائره فتأمل.

و لو ادعى حدوثه مع تسليمه النطق فالقول قول المجني عليه للأصل.

أما الصحيح فيعتبر قطعه بحروف المعجم مع فرض ذهابها بذلك لا بالمساحة على ما نص عليه الشيخان في المقنعة و النهاية و الديلمي و ابن حمزة و الفاضلان و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل نسبه بعض إلى الأكثر، بل في المسالك إلى المشهور، بل عن المبسوط و السرائر ظاهر الإجماع عليه، بل عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارها عليه، و في

موثق سماعة أو خبر(1)«قلت للصادق عليه السلام: رجل ضرب غلامه ضربة(2)فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض و لم يفصح بآخر فقال: يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية و ما لم يفصح به ألزم الدية، قال: قلت كيف هو؟ قال: على حساب الجمل ألف ديته واحد و الباء اثنان و الجيم ثلاثة و الدال أربعة و الهاء خمسة و الواو ستة و الزاء سبعة و الحاء ثمانية و الطاء تسعة و الياء عشرة و الكاف عشرون و اللام ثلاثون و الميم أربعون و النون خمسون و السين ستون و العين سبعون و الفاء ثمانون و الصاد تسعون و القاف مأة و الراء مأتان و الشين ثلاثمائة و التاء أربعمائة و كل حرف يزيد بعدها من «ا ب ت ث» زدت له مأة درهم»

و هو كالصريح فيما ذكرناه مؤيدا ذلك بما في كشف اللثام من أن فيه


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب ديات المنافع، الحديث 7 التهذيب ج 10 ص 263.
2- 2 كذا في التهذيب و الوسائل، و لكن في الأصل طرف طرق ن ل ضرب ن ل لغلامه طرفة طرقة ن ل ضربة ن ل.

ج 43، ص: 211

رواية عن الرضا عليه السلام (1).

نعم هو نادر بالنسبة إلى اعتبار الحروف بما فيه، بل إن أريد بالعدد المذكور الدراهم كما صرح به في الخبر لا يبلغ المجموع الدية، و إن أريد الدنانير فهو مع أنه خلاف مقتضي الخبر، يزيد على الدية أضعافا مضاعفة، مضافا إلى استبعاد الفرق بين الألف مثلا و بين العين مع أن كلا منهما حرف، مضافا إلى ما عن الشيخ «من أن ما فيه من تفصيل دية الحروف يجوز أن يكون من كلام الرواة من حيث سمعوا أنه قال: يفرق ذلك على حساب الجمل ظنوا انه على ما يتعارفه الحساب من ذلك و لم يكن القصد ذلك، و إنما كان المراد أن يقسم على الحروف كلها أجزاء متساوية و يجعل لكل حرف جزء من جملتها على ما فصل السكوني في روايته و غيره، قال و لو كان الأمر على ما تضمنته هذه الرواية

لما استكملت الحروف كلها الدية على الكمال، لأن ذلك لا يبلغ الدية إن حسبناها على الدراهم و إن حسبناها على الدنانير تضاعفت الدية و كل ذلك فاسد» انتهى(2).

و لا ينافي ذلك أيضا ما عن كتاب

فقه الرضا عليه السلام (3)يقرأ حروف المعجم فما أفصح به طرح من الدية و ما لم يفصح به ألزم الدية: و قيل: كيف ذلك؟ قال بحساب الجمل و هو حروف أبي جاد من واحد إلى الألف، و عدد حروفه ثمانية و عشرون حرفا، فيقسم لكل حرف جزء من الدية الكاملة ثم يحط من ذلك ما يبين عنه و يلزم الباقي»

إذ هو مع أنه غير ثابت النسبة إليه، لا تصريح فيه على أن التقسيم عليه على وفق ما يتضمنه كل حرف من العدد، فيمكن أن يكون على السوية كما هو المفتي به.


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 321- الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 43.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 264.
3- 3 فقه الرضا ص 43.

ج 43، ص: 212

و معنى سؤال السائل كيف ذلك سؤالا عن العلة في تقسيم الألف دينار على الحروف، فأجاب عليه السلام بما أقنعه من أن الحروف أيضا تتضمن من الأعداد الواحد إلى الألف، ثم نص عليه السلام على اعتبار عدد أنفسها و هو ثمانية و عشرون حرفا.

و كيف كان فما عن الكافي و الإصباح و الغنية من أنه إذا قطع بعض اللسان ففيه بحساب الواجب في جميعه، و يعتبر بالميل، إذا ذهب بعض اللسان- و يعنون الكلام- اعتبر بحروف المعجم، يمكن حمله على ما إذا لم يذهب من الكلام شي ء و إلا اعتبر به فلا يكون مخالفا.

نعم إن أرادوا اعتبار مساحة اللسان مطلقا حتى أنه إذا ذهب مع ذلك الكلام أو بعضه كان على الجاني (1)دية أو بعضها لجسم اللسان و أخرى أو بعضها الكلام، كان مخالفا لما عرفت و محجوجا بما سمعت، و إن كان يؤيده أنه الموافق لوجوب الدية بذهاب النطق و باستيصال اللسان، إذ الأصل عدم التداخل، بل في مجمع البرهان «أن الأخبار إنما دلت على كون المدار على المنفعة فيما إذا ذهبت المنفعة فقط و لم يذهب من الجرم شي ء، و ليس في الأدلة ما يشتمل على

قطع بعض اللسان مع كون المدار على نقصان الحروف و الحال أنه قد يسقط من اللسان و لا يحصل قصوره في صدور الحروف فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة إذا كان النقص فيها فقط، و على المساحة و المقدار على تقدير النقص فيه فقط، و على تقدير الاجتماع يحتمل جعل المدار على المساحة فإنها المدار فيما له مقدر و ليس للنقص مقدر و يبعد جعل المدار على المنفعة كما هو ظاهر المتن و الأكثر، و يحتمل أكثر الأمرين للاحتياط و العمل بدليل المساحة و المنفعة، و يحتمل عدم وجوب ذلك لاختصاص دليل المنفعة بما إذا لم يسقط من الجرم شي ء فلا دليل للأكثر إلا القياس»(2).


1- 1 في الأصل« ديته».
2- 2 شرح الإرشاد للأردبيلي كتاب الديات، المقصد الرابع مع اختلاف في بعض الألفاظ.

ج 43، ص: 213

و إن كان فيه أن الموثق (1)المزبور المؤيد بالمرسل عن الرضا عليه السلام و المعتضد بما سمعت من محكي الإجماع الذي يشهد له التتبع كاف في إثبات ذلك، اللهم إلا أن يناقش في دلالة الموثق باحتمال حمل قطع بعض اللسان فيه على النطق و الكلام لإطلاق اللسان عليه كثيرا و هو و إن كان مجازا إلا أن القرينة قائمة عليه فيه و هو عطف «فقطع» على «طرف» و الطرف في الأصل الضرب على طرف العين، ثم نقل إلى الضرب على الرأس، كما عن النهاية الأثيرية(2).

و ظاهر أن الضرب على الرأس لا يوجب قطع اللسان الحقيقي بل المجازي، و حينئذ يكون الموثق كغيره من الأخبار في الاختصاص بجناية المنفعة لا الجارحة، و فيه أن ذلك كان ينافي الظهور المستفاد منها، و خصوصا بعد الاعتضاد بما عرفت، و سيما بعد إمكان قطع لسانه بالضرب على رأسه فيما لو كان لسانه بين أسنانه.

فالمتجه حينئذ العمل به مع فرض مقارنته لقطع النطق أو بعضه من دون اعتبار مساحة الجرم كما إذا لم يذهب إلا النطق خاصة الذي ستعرف اتفاق النص و الفتوى حينئذ على اعتبار الحروف فيه.

أما إذا قطع شي ء منه و لم يذهب شي ء من الحروف فالمتجه الحكومة كما جزم به الفاضل في القواعد، بل هو ظاهر المحكي عن أول الشهيدين حاكيا له عن

السيد لعدم استفادة تقدير له من النصوص بعد ظهور ما دل منها على أن فيه الدية كاملة في استيصاله المقتضى لذهاب النطق معه عادة، كظهور الموثق في المقطوع من بعض الجرم مع بعض النطق أو جميعه.

أما ذهاب شي ء منه مع بقاء النطق تاما فلا دلالة في شي ء من النصوص عليه


1- 1 أى موثق سماعة و خبر فقه الرضا عليه السلام و قد تقدما آنفا.
2- 2 نهاية اللغة ج 3 ص 121.

ج 43، ص: 214

فليس إلا الحكومة. و دعوى استفادة تقديره مما دل على الدية في الجميع الذي قد عرفت ذهاب النطق معه عادة كما ترى.

و حينئذ فما عن المختلف و التحرير «من أنه إذا قطع نصفه و لم يذهب من الحروف شي ء فعليه نصف الدية» بل جزم به في كشف اللثام أيضا لا يخلو من نظر أو منع بعد حرمة القياس عندنا على غيره، خصوصا بعد عدم اعتبار الشارع الجرم حال ذهاب النطق معه، بل لو لا الإجماع و الضرورة لأمكن القول بعدم شي ء فيه في الفرض غير التعزير في حال العمد، بدعوى ظهور الموثق و غيره في دوران الغرامة فيه على ذهاب النطق، و بذلك اتضح لك أن المدار في صورة قطع بعض الجرم و بعض الكلام أو كله على الحروف لا الجرم خاصة و لا أكثر الأمرين كما ستعرف الحال فيه إن شاء الله.

و كيف كان ف هي أي حروف المعجم ثمانية و عشرون حرفا على المشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل المروي عن الخليل أيضا، بل عن ظاهر المبسوط و الخلاف و السرائر الإجماع عليه، بل قيل: إنه ظاهر جماعة حتى المصنف هنا و في النافع لقوله و في رواية تسعة و عشرون حرفا و هي مطرحة و حينئذ فالهمزة و الألف حرف واحد لا اثنين كما هو مقتضى الرواية المطرحة و ينص عليه- مضافا إلى ما عرفت و إلى ما في كشف اللثام من أنه روى عن الرضا عليه السلام (1).

خبر السكوني (2)عن الصادق عليه السلام «قال: أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل ضرب فذهب بعض كلامه و بقي بعض كلامه فجعل ديته على حروف المعجم كلها ثم قال: تكلم بالمعجم فما نقص من كلامه فبحساب ذلك و المعجم ثمانية و عشرون حرفا فجعل ثمانية و عشرين جزا فما نقص من ذلك فبحساب ذلك»

و احتمال أن العدد المزبور من غير الإمام بعيد أو ممتنع، بل في كشف اللثام و ينص


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 321.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات المنافع الحديث 6.

ج 43، ص: 215

عليه

صريح ابن سنان (1)عن الصادق عليه السلام «في رجل ضرب رجلا بعصا على رأسه فثقل لسانه فقال يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح منها فلا شي ء فيه و ما لم يفصح به كان عليه الدية و هي ثمانية و عشرون حرفا»

و تبعه عليه غيره (2)، و لكن الموجود عندنا في النسخ المعتبرة من الكافي (3)و التهذيب (4).

بل و المحكي منها لنا تسعة و عشرون حرفا» و هي الرواية التي أشار إليها المصنف و غيره، و ذكروا أنها مطرحة و إن كانت صحيحة، بل حكي العمل بها عن يحيى بن سعيد، بل عن الأردبيلي «أنه مقتضى الوجدان»، بل في كشف اللثام «أنه المشهور عند أهل العربية، ثم حكى منهم الاختلاف في اتحاد مخرج الهمزة و الألف و تعدده، فعلى الثاني لا مجال لاتحادهما و على الأول يحتمل الأمران» و لكن ذلك لا يصلح معارضا لما عرفت، خصوصا بعد احتمال أنه من الراوي أيضا، و التعدد في الوجدان لا يقتضي التقسيط في الدية.

و حينئذ فلا بأس بالقول بكونها تسعة و عشرين نطقا و ثمانية و عشرون دية، و بذلك يجمع بين كلام أهل العربية و الفقهاء، و بما عن الكشاف «من أن حروف المعجم تسعة و عشرون حرفا و اسمها ثمانية و عشرون»، و فسروه «بأن اسم الألف و الهمزة إنما هو الألف يسقط و لا يكتب في بسم الله و لا في الابن إذا وقع بين علمين و نحو ذلك»(5)و لا يخفى عليك عدم الحاصل لذلك فيما نحن فيه من توزيع الدية.


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 321.
2- 2 كصاحب الرياض ره.
3- 3 الكافي ج 7 ص 322 و فيه« تسعة و عشرون».
4- 4 التهذيب ج 10 ص 263 و فيه تسعة و عشرون و لكن في الفقيه ج 4 ص 112« ثمانية و عشرون» فراجع.
5- 5 راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 402.

ج 43، ص: 216

نعم المتجه بناء على ما ذكرناه أن تقسم الدية على ثمانية و عشرين جزءا مع فرض ذهابها أجمع، أما إذا بقي بين النطق بالهمزة منها دون الألف أو بالعكس فيمكن أن يقال بالحكومة فيه أو بتوزيع ما يخص هذا الحرف بينهما فتأمل جيدا.

و على كل حال فلا يعد «لا» حرفا واحدا منها كما نص عليه غير واحد ضرورة ذكر الألف و اللام فيها و هو واضح.

و حينئذ ف تبسط الدية على الحروف الثمانية و العشرين بالسوية و يأخذ المجني عليه نصيب ما يعدم منها بالجناية بعد توزيع الدية عليها بلا خلاف أجده فيه بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه، و في كشف اللثام «هو فتوى الأصحاب» و يدل عليه خبر السكوني (1)و غيره من النصوص على وجه لا يعارضه ما سمعته في خبر سماعة(2)من اعتبار حساب الجمل الذي لم نجد به قائلا كما اعترف غير واحد، مضافا إلى ما مضى من الكلام فيه.

و تتساوى اللينة و غيرها ثقليها و خفيفها بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن الخلاف نسبته إلى إجماع الفرقة و أخبارهم، بل قيل إن الإجماع ظاهر المبسوط و السرائر، و في كشف اللثام «عليه فتوى الأصحاب»، و يدل عليه مضافا إلى ذلك ما سمعته من النصوص و غيرها.

نعم عن بعض العامة اعتبار اللينة خاصة بناء على إنه لاحظ للسان في غيرها، و هو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص قد أجيب عنه بأن غيرها و إن لم يكن من حروفه لكن لا ينتفع بها بدون اللسان و الله العالم.

و حيث قد عرفت أن الاعتبار بها ف لو ذهبت أجمع وجبت الدية كاملة و إن كان المقطوع بعض اللسان و لو صار بالجناية سريع


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات المنافع، الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات المنافع، الحديث 7.

ج 43، ص: 217

المنطق (1)سرعة يكون عيبا أو ازداد سرعة، أو كان ثقيلا فزاد بها ثقلا أو صار ثقيلا بها فلا تقدير فيه و حينئذ ف فيه الحكومة كما في القواعد و غيرها من كتب الفاضل و محكي المبسوط و غيره.

و كذا لو نقص بأن كان يأتي بالحرف صحيحا فصار يأتي ناقصا أو صار ينقل الحرف الفاسد إلى الصحيح كما لو كان يأتي بالراء شبيهة بالغين فصار يأتي بها غنيا صحيحة أو ازداد فساده، و إن لم يبلغ الحد المزبور ضررورة اتحاد الجميع في كونه نقصا غير مقدر، و ربما احتمل لزوم دية الحرف في صورة بقائه غير صحيح، و فيه أن الحكومة أعدل منه كما أنها كذلك لو صار بالجناية ناقصا عن الإتيان بالمرتبة العليا منها هذا.

و في كشف اللثام «و يحتمل قصر الحكم على ما إذا جنى بغير قطع اللسان فأما إذا قطع منه فحصل النقص بأحد ما ذكر كان عليه أرش القطع باعتبار المساحة خاصة أو أرشه و الحكومة قصرا لاعتبار الحروف على اليقين، و خصوصا في السرعة و الثقل (2) قلت: لعل الحكومة في كلامهم تشمل ذلك كله، و الله العالم.

و كيف كان فقد عرفت مما ذكرناه أنه لا اعتبار بقدر المقطوع من اللسان الصحيح بل الاعتبار بما يذهب من الحروف، فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية و كذا لو قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه فنصف الدية (11) وفاقا للمشهور نقلا و تحصيلا، بل عن الإيضاح نسبته إلى إطلاق الأصحاب، مشعرا بالإجماع عليه لإطلاق النصوص السابقة المقتضى كما عرفت عدم اعتبار غير الحروف في الفرض و نحوه حتى الحكومة في الجسم و إن اعتبرت في قطعة مع عدم ذهاب شي ء من الحروف أو الدية كما تقدم الكلام فيه.

خلافا للشيخ و الفاضل و ثاني الشهيدين و فاضل الرياض، فاعتبروا أكثر


1- 1 في الأصل:« النطق».
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 322.

ج 43، ص: 218

الأمرين مع الاختلاف، بل هو المحكي عن ابن فهد و الكركي، و قد سمعت احتماله في كلام الشيخ و ابن زهرة و الكيدري، بل عن الشيخ نفى الخلاف فيه و إن كان الظاهر إرادته بين العامة، لقوله متصلا به: «و اختلفوا في تعلية فمنهم

من قال: الجناية إذا كانت على عضو ذي منفعة أوجبت الدية في أغلظ الأمرين فإن كانت دية المنفعة أكثر أوجبتها و إن كانت دية ما تلف أكثر أوجبتها، قال: و قال بعضهم: إن قطع ربع لسانه و ذهب نصف كلامه أوجبت نصف الدية اعتبارا باللسان و ذلك أنه قطع الربع اللسان و شل الربع الآخر بعد قطعه لأنا اعتبرنا ذلك بالحروف و وجدناها نصف الكلام فعلمنا انه قطع الربع و شل الربع الآخر فأوجبنا نصف الدية، ربعها بقطع ربعه، و ربعها بشلل ربعه(1)».

و زيد له في محكي التحرير و المختلف «أن الدية تجب باستيصال اللسان وحده و إن لم يذهب شي ء من الحروف، و كذا تجب الدية إذا ذهب الكلام كله و إن لم يقطع شي ء من اللسان، و تجب نصف الدية بذهاب نصف الكلام وحده فلم لا يجب النصف لنصف اللسان أو لنصف الكلام مع انضمام ذهاب الربع الآخر؟»(2).

و زاد في الرياض الاستدلال بالأصل المقتضي للزوم ديتي الجارحة و المنفعة و أبعاضهما بالنسبة، خرج منهما القدر المتداخل فيه بشبهه الإجماع و الأولوية المستفاد من ثبوت التداخل باستيصال الجارحة اتفاقا و فتوى و رواية ففي البعض أولى، فتأمل جيدا. و يبقى الزائد عنه مندرجا تحته، مضافا إلى التأيد بعدم نقل (3)الخلاف المتقدم إلى آخره (4).


1- 1 المبسوط ج 7 ص 134- 135.
2- 2 التحرير ج 2 ص 270 في الهامش، المختلف الجزء السابع ص 252- 253، و لم ينقل المؤلف عين عبارتهما بل معناها.
3- 3 كذا في الأصل و لكن في الرياض:« بنقل عدم الخلاف المتقدم».
4- 4 رياض المسائل، ج 2 ص 610.

ج 43، ص: 219

و لكن الجميع كما ترى بعد ظهور الموثق و محكي الإجماع و غير ذلك مما عرفته سابقا، ضرورة عدم حاصل معتد به للأول و الأخير، كظهور منع زيادة التحرير، و ذلك لأن المساحة إنما تعتبر حكومة أو دية إذا لم يذهب شي ء من الكلام، و أما إذ أذهب فلا عبرة بها مع أصل البراءة، و من ذلك يعلم ما في الأصل الذي سمعته من الرياض، مع أنه يكفي في قطعه ما عرفت. و نفى الخلاف المحكي بعد الإغضاء عما في دعواه، قد عرفت ظهور كون المراد نفيه من العامة.

و أغرب من ذلك كله ما عن أبي العباس من زيادة «أن في اللسان منفعة غير النطق و هي جمع الطعام و دفعه من الثنايا إلى مطاحنه و هي الأضراس ثم جمعه بعد طحنه من الأضراس و تلويثه بالرطوبة اللعابية اللزجة ليسهل دفعه و جريانه في المري ء»(1)إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص، خصوصا بعد المفروغية من تداخل الديتين في استيصاله، بل و منه في المقام و إن اختلفوا في وجوب الأكثر أو اعتبار النطق، و خصوصا بعد ملاحظتها في لسان الأخرس الذي قد عرفت وجوب ثلث الدية فيه و ستعرف أن المقطوع منه بحسابه أيضا المقتضى ذلك لوجوب سدس الدية بفوات نصفه مع أن الفائت على ما ذكره نصف هذه المنافع، فالمدار حينئذ على الكلام ففي صورة ذهاب ربع الحروف و نصف اللسان ينبغي الاقتصار على الربع لأنه أكثر من السدس فكيف يجب النصف. و بذلك كله ظهر لك أن الأقوى اعتبار الحروف في المفروض، و الله العالم.

فحينئذ ف لو أذهب بعض كلامه فعل (2)جان فجنى عليه آخر اعتبر بما بقي من الحروف و أخذ بنسبته ما ذهب بعد جناية الأول إلى ما بقي بعدها، فلو أذهب الأول نصف الحروف مثلا و الثاني نصف الباقي وجب عليه الربع بناء على المختار. نعم القول الآخر يعتبر أكثر الأمرين من المقطوع و الذاهب


1- 1 مفتاح الكرامة ج 10 ص 404- 405 و ليس عندي كتاب مهذب البارع.
2- 2 في الأصل« فعلا».

ج 43، ص: 220

من الكلام مع اختلافهما، فلو قطع الأول ربع اللسان فذهب نصف الكلام كان عليه نصف الدية فإن قطع آخر بقيته فذهب ربع الكلام فعليه ثلاثة أرباعها و هكذا.

و لو أعدم واحد مثلا كلامه كله من غير قطع ثم قطعه آخر كان على الأول الدية تامة عوضا عن الكلام و على الثاني الثلث لأنه قطع لسان أخرس يجب فيه ذلك كما عرفت بلا خلاف أجده في شي ء منهما، و من هنا

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام بست ديات للمضروب بعصا فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه»(1)

مضافا إلى ما سمعته سابقا من بعض النصوص الدالة على وجوب الدية بذهاب النطق و إن لم يقطع شي ء من لسانه، بل في القواعد و غيرها ذلك و إن بقيت في اللسان فائدة الذوق و الحروف الشفوية و الحلقية فإنها ليست من منفعة اللسان و إن اعتبرت في قطعه للنص و الإجماع كما عرفته سابقا.

نعم لو نقص الكلام و لم يذهب رأسا وزعت الدية على ثمانية و عشرين حرفا كما عرفته في قطع بعض اللسان و تدخل الشفوية و الحلقية في التوزيع للنصوص، قال الصادق عليه السلام في

صحيح الحلبي(2): «إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرض عليه حروف المعجم فما لم يفصح به الكلام كانت الدية بالقصاص من ذلك»

و في

صحيح ابن سنان (3): «إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم فما لم يفصح به منها يؤدي بقدر ذلك من المعجم يقام أصل الدية على المعجم كله يعطي بحساب ما لم يفصح به منها»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب.

لكن قد يشكل ذلك بأنه مناقض للحكم بالدية كاملة إذا ذهب النطق و إن


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ديات المنافع، الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات المنافع الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات المنافع الحديث 5.

ج 43، ص: 221

بقيت الحروف الشفوية و الحلقية، و ربما دفع بأن بقائها مع ذهاب النطق إنما معناه بقاء إمكان تأديتها أو تأدية بعضها مع تعذر تأدية كلام مفهوم، فذهاب النطق بمعنى ذهاب الكلام.

و محصل الكلامين أنه لو جنى على لسانه فلم يكن له كلام مفهوم فالدية و إن أمكنه النطق ببعض الحروف بحيث لا يتألف كلام مفهوم. و إن نقص كلامه فلا يقدر على بعضه وزعت الدية على جميع الحروف. فلو قدر على كلام مفهوم مؤلف من الحلقية أو الشفوية أو منهما خاصة كان كالقادر على كلام مفهوم من اللينة، لكن فيه لا اختصاص على هذا للشفوية و الحلقية بالذكر فإنه ينبغي لزوم الدية و إن أمكنه تأدية بعض السينة أيضا لا بحيث يتألف كلام مفهوم، و أيضا لا

إشارة في شي ء من النصوص إلى اعتبار الكلام المفهوم بل ظاهرها أو صريحها خلافه، و أن المدار على نفس الحروف، فالمتجه جعل المدار على ذلك و أنه لا تجب الدية كاملة إلا مع ذهاب النطق بها من رأس.

بل الظاهر مراعاتها أيضا لو كان قبل الجناية لا ينطق ببعض الحروف فلما جنى عليه ذهب نطقه رأسا فتنقص الدية حينئذ بالحساب، لظاهر النصوص المزبورة و إن استشكل فيه الفاضل في القواعد، من ذلك و من صدق ذهاب النطق بتمامه و هو منفعة كسائر المنافع، و لأنه كضعف السمع و البصر و اليد و نحوها، و فيه وضوح الفرق ضرورة ورود النصوص هنا بالتوزيع على الحروف بخلافها، على أنه يمكن منع صدق ذهاب النطق بالجناية مع فرض ذهاب بعضه سابقا، و ربما احتمل الفرق بين الذهاب بآفة سماوية و بين الذهاب بجناية جان فتجب الدية في الأول و توزع في الثاني.

و فيه أنه خلاف ظاهر النصوص أيضا، بل و الفتاوى، و في الإرشاد ما يشهد بما ذكرنا في الجملة قال: «و في النطق كمال الدية و إن بقي في اللسان فائدة الذوق، و لو بقت الشفوية و الحلقية يسقط من الدية بنسبتها و كذا لو بقي غيرها»(1)بل


1- 1 الإرشاد للعلامة، باب ديات المنافع، صفحتان قبل آخر الكتاب من نسخة مخطوطة عندنا.

ج 43، ص: 222

في مجمع البرهان «إن دليل ذلك ظاهر لأنه ما أذهب إلا بعض النطق فلا يلزم إلا ما ذهب بجنايته»(1).

و من ذلك كله يظهر لك النظر في ما في القواعد و كشف اللثام، فلاحظ و تأمل.

و لو قطع لسان الطفل كان فيه الدية لأن الأصل السلامة و لإطلاق ما دل على وجوبها باستيصاله، و لفظ «الرجل» في بعض الأخبار مع عدم منافاته لغيره لا يراد منه إخراج غير البالغ قطعا، و من هنا لم أجد فيه خلافا بين من تعرض له كالشيخ و ابني حمزة و إدريس و الفاضلين و غيرهم على ما حكى عن بعضهم.

نعم عن الشيخ و ابني حمزة و إدريس و الفاضل في التحرير تقييد ذلك بما إذا كان يحرك لسانه لبكاء أو غيره لأنه أمارة صحة اللسان. و فيه أنه لا حاجة إلى

الإمارة المزبورة بعد الأصل و الإطلاق المزبورين، و لذا قال في محكي التحرير:

«و لو كان صغيرا جدا و لم يظهر عليه أثر القدرة و لا عدمها لطفوليته فالأقرب الدية لأن الأصل السلامة، و يحتمل الثلث لأنه لسان لا كلام فيه فكان كالأخرس مع عدم تيقن السلامة»(2)و في كشف اللثام مع أصل البراءة.

و فيه أنه لا يعارض ما عرفت كما أن عدم الكلام فيه لا يقتضي اندراجه في عنوان الأخرس، و القياس باطل عندنا.

و لو قطع بعضه فالظاهر اعتبار النسبة فيه كغيره و إن قلنا بالحكومة في لسان الكبير مع فرض عدم ذهاب شي ء من الحروف لما عرفته، و منه يعلم الفرق بين المقامين.


1- 1 شرح الإرشاد للأردبيلي، و هذه عبارته:« و لزوم دية ما ذهب على الجاني ظاهر فإنه ما أذهب.».
2- 2 التحرير ج 2 ص 269- 270.

ج 43، ص: 223

هذا كله في الطفل قبل بلوغه حد النطق أما لو بلغ حدا ينطق مثله عادة و لم ينطق ففيه ثلث الدية بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه لغلبة الظن و اطمينان النفس الذي هو كالعلم بالآفة التي تلحقه بالأخرس، مضافا إلى أصل البراءة و لكن لو اتفق تخلف ذلك ف نطق بعد ذلك فيما بقي من لسانه أو بالحروف التي لا تحتاج إلى لسان تبينا الصحيحة حينئذ و اعتبر بعد ذلك بالحروف لاندراجه في دليله السابق و ألزم الجاني دية ما نقص عن الجميع منها فإن كان (11) ديته بقدر ما أخذ (12) منه قولا فذاك و إلا تمم له (13) و لو نقص ديته عنه استعيد من المجني عليه الزائد منها على المأخوذ أولا، و الله العالم.

و لو ادعى الصحيح ذهاب نطقه (14) كلا أو بعضا عند الجناية صدق مع القسامة (15) بالإشارة مع فرض دعوى ذهاب الكل و إن أنكر الجاني، بلا خلاف أجده بين من تعرض له من الشيخ و الفاضلين و الشهيدين بل هو الموجود في كتاب ظريف (1)و لعله لتعذر البينة (16) عليه و حصول اللوث بحصول الظن المستند إلى السبب، و هو الجناية بصدقه، لكن إن ادعى الكل حلف خمسين، و إن ادعى النصف فنصفها و هكذا، و على كل حال فلا شي ء منها

على قومه بعد فرض تعذر اطلاعهم على ذلك، و ربما احتمل الإمهال و التأجيل و امتحانه و ترصده و إغفاله إلى سنة، و فيه تأخير الحق عن صاحبه الطالب له بلا دليل إلا القياس على ما تسمعه في السمع و البصر و (17) هو باطل عندنا.

نعم في رواية (18)

الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام التي رواها المحمدون الثلاثة(2)يضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود صدق و إن خرج أحمر كذب

(19) إلا أنها ضعيفة جدا لأن في سندها محمد بن فرات، و هو


1- 1 راجع الفقيه ج 4 ص 78- 79.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 268 و الفقه ج 3 ص 19- 20 و الكافي ج 7 ص 323.

ج 43، ص: 224

غال لا يكتب حديثه، بل نقل أنه ادعى النبوة(1)، لكن مع رواية المحمدين الثلاثة لها قد حكى العمل بها عن الشيخ في الخلاف و ابن حمزة و أبي الصلاح، بل عن الأول منهم نسبته إلى رواية أصحابنا، بل دعوى إجماع الفرقة و أخبارهم عليه، فيمكن أن يكون ذلك جابرا لها، و لعله لذا قال في محكي المختلف:

«الوجه أن تقول إن أفادت العلامة للحاكم ما يوجب الحكم اعتبرها و إلا فالإيمان»(2)و على كل حال فالاحتياط مع إمكانه لا ينبغي أن يترك، و الله العالم.

و لو جنى على لسانه بغير قطع كما عن التحرير فذهب كلامه ثم عاد هل تستعاد الدية قال: في المبسوط: «نعم لأنه لما نطق بعد أن لم ينطق علمنا أن كلامه ما كان ذهب إذ لو كان ذهب لما عاد لأن انقطاعه بالشلل، و الشلل لا يزول، قال: و لا كذلك إذا نبت لسانه لأنا نعلم أنه هبة مجددة من الله تعالى، فلهذا لم يرد الدية»(3).

و عن الفاضل في المختلف أنه قربه، و قال في الخلاف «لا تستعاد لأن الأخذ كان بحق و الاستعادة تفتقر إلى دليل»(4)و هو أشبه عند المصنف، و عن التحرير أنه استحسنه، لكن فيه أن المنساق من النصوص كون الدية على الذاهب

دائما دون الذاهب مدة كما هو الفرض، و دعوى أن العائد هبة جديدة لا شاهد لها خصوصا بعد حكم أهل الخبرة بعوده أو عدم علمهم بالحال، بل لو حكموا بعدم عوده فعاد، تبين الخطأ في حكمهم لا أنه تبين بذلك كونه


1- 1 راجع قاموس الرجال ج 8 ص 334 فان فيه احتمال تعدد محمد بن الفرات و كون المذموم المتأخر، لا المتقدم و هو راوي هذا الخبر.
2- 2 المختلف، الجزء السابع ص 266.
3- 3 المبسوط ج 7 ص 136.
4- 4 الخلاف ج 2 ص 384.

ج 43، ص: 225

هبة جديدة، ظهور النطق ثانيا بالعود كما سمعته من الشيخ (1)، بل قد عرفت في كتاب القصاص ما يقتضي سقوط الدية في السن حتى لو كان العود على خلاف العادة فلاحظ و تأمل فإن له نفعا في المقام.

هذا و في القواعد و لو ذهب الكلام بقطع البعض ثم عاد، قيل: يستعاد لأنه لو ذهب لما عاد و قيل لا و الأقرب الاستعادة إن علم أن الذهاب أولا ليس بدائم و إلا فلا و هو صريح في فرض المسألة في قطع البعض و هو خلاف ما سمعته من المبسوط و محكي التحرير، اللهم إلا أن يقال إن عود الكلام مع قطع البعض بدون نبات للبعض المقطوع كعوده من دون قطع أصلا.

و في كشف اللثام بعد أن حكى عن المبسوط تعليل الاستعادة بما سمعت قال: «و هو إن تم في الجناية بغير القطع كما هو نص المبسوط و التحرير يستعاد(2)جميع ما أخذ و على فرض الكتاب إنما يستعاد ما زاد على أرش القطع من دية الكلام كما نص عليه في المختلف»(3)و فيه أن المتجه ذلك أيضا في صورة عدم القطع لثبوت الأرش فيهما للجناية التي أورثت عدم الكلام مدة و إن لم يكن معها قطع، فيرد من الدية حينئذ ما زاد على ذلك و إن لم يكن قطع.

و أما سمعته من خيرة الفاضل التي مرجعها إلى أنه إن علم بحكم أهل الخبرة عدم الذهاب الدائم استعيد ما زاد من الدية على الأرش لأن الدية على الذهاب الدائم و الفرض عدمه، و إن لم يعلم أو علم الدوام عادة بحكمهم لم يستعد بشي ء منها لكون الأخذ بحق و لم يظهر قاطع و لاستعادة هبة مجددة


1- 1 هذه الجملة:« ظهور النطق ثانيا بالعود كما سمعته من الشيخ» ناقصة ظاهرا و كذا كانت في ثلاث نسخ راجعناها.
2- 2 في الأصل« ليستعاد».
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 322.

ج 43، ص: 226

قطعا أو احتمالا(1)، و وافقه عليه في كشف اللثام لما عرفت ثم قال: «و يرشد إلى هذا التفصيل ما سيأتي في ذهاب السمع و البصر من التأجيل سنة و أنه إن أبصر بعدها كان نعمة متجددة»(2)فقد يشكل بعدم أثر لحكم أهل الخبرة بعد أن وجد العود، ضرورة ظهور خطائهم في الحكم المزبور، على أن مبني الاستعادة في الأول كون الدية على الذهاب الدائم كما اعترف به في كشف اللثام، فلا وجه لعدم الاستعادة مع العود، و خصوصا في صورة الشك و خصوصا مع عدم عادة مستقرة معلومة في نحو ذلك.

و أما ما ذكره في الكشف من التفصيل في السمع و البصر فإنما هو في خبر سليمان (3)في البصر و قد قيل: إنه لا عامل به، و بذلك يتضح لك أن القول باستعادة ما زاد عن الأرش من الدية أقوى من غير فرق بين صورتي قطع البعض و عدمه لما سمعته من انسياق ثبوتها بالذهاب الدائم من النصوص.

نعم لو علم تجدد ذلك هبة من الله بأن نبت اللسان المقطوع كلا أو بعضا فقد قطع هنا غير واحد بعدم الاستعادة فإن تم إجماعا و إلا كان فيه نظر يعلم مما ذكرنا في القصاص، و الله العالم.

هذا كله في الكلام الذي قد عرفت عدم عادة معلومة فيه أما لو قلع سن المثغر فأخذ ديتها و عادت فقد وقع المصنف و غيره بأنه لم تستعد ديتها لأن الثانية غير الأولى قطعا و الفرض تحقق عادة عدم عود فيه، فيعلم من


1- 1 العبارة هكذا في ثلاث نسخ راجعناها و لكنها ناقصة على الظاهر، و نحن ننقل عبارة كشف اللثام حتى يتضح المراد:« و الأقرب الاستعادة ان علم أن الذهاب أولا ليس بدائم عادة بحكم أهل الخبرة- الى ان قال- و الا يعلم ذلك بل عدم الدوام عادة أو شك فيه فلا استعادة فإنه هبة مجددة قطعا أو احتمالا و قد أخذ ما أخذ بحق و لم يظهر قاطع بالاستعادة.» كشف اللثام ج 2 ص 322.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 322.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات المنافع الحديث 5.

ج 43، ص: 227

ذلك أن العائدة هبة من الله جديدة و كذا لو اتفق أنه قطع لسانه فأنبته الله تعالى لأن العادة لم تقض بعوده فيكون هبة من الله تعالى شأنه لكن قد عرفت في كتاب القصاص منافاة ذلك لما ذكروه في سن المثغر إذا عادت كما كانت من عدم القصاص و الدية، و قد قدمنا هناك تحقيق الحال فلاحظ و تأمل.

و لو كان للسان طرفان فأذهب الجاني أحدهما اعتبر بالحروف فإن نطق بالجميع فلا دية و فيه الأرش لأنه حينئذ زيادة أو كالزيادة باعتبار ما سمعته سابقا من كون المدار على الحروف كما صرح بذلك الفاضل و غيره هنا لكن في المبسوط «إذا خلق للسان طرفان فإن قطع أحدهما فإن ذهب كل الكلام ففيه كمال الدية و إن ذهب نصف الكلام ففيه نصف الدية لأن الظاهر أن هذا هو اللسان فإن قطع أحدهما فلم يذهب من الكلام شي ء نظرت فإن كان مخرج الطرفين لا يرجح أحدهما على الآخر أوجبنا فيه ما يخصه من الدية من كل اللسان لأن الكل لسان واحد، غير أنه مشقوق و إن كان مخرجهما مختلفا كأن أحد الطرفين كان في جانب، ففيه حكومة كالإصبع الواحدة إلا أنه لا يبلغ بهذه الحكومة بقدر قياس اللسان لأنها زيادة فلا يوجب فيها ما يوجب في الأصل فإن كان قطع الطرفين معا فذهب الكلام فإن كان الطرفان سواء فلا كلام و إن كان أحدهما في حكم الزائد وجبت الحكومة و الدية معا كما لو قطع إصبعا عليها إصبع زائدة»(1).

و لا عليك ما فيه بعد أن عرفت سابقا أن المدار في جناية اللسان على الحروف فمع فرض عدم ذهاب شي ء منها فليس إلا الحكومة و إن تساوى مخرج الطرفين، و الله العالم.

و لو تعذر بعض الحروف بقطع بعض اللسان أو جناية غير القطع و لم يتعذر الباقي لكن لم يبق له كلام مفهوم لبقاء حرف أو حرفين خاصة مثلا لم يلزم الجاني إلا قدر ما يخص الحروف الفائتة لا تمام الدية كما صرح به الفاضل و غيره


1- 1 المبسوط ج 7 ص 136.

ج 43، ص: 228

بل هو المحكي عن المبسوط أيضا للأصل و لما عرفته سابقا من أن الدية مبسوطة عليها، و الفرض فوات البعض خاصة و إن كان قد تعطلت منفعة الثاني إلا أنه غير ثابت.

قال الشيخ: «أ لا ترى أنه لو قصم ظهره فشلت رجلاه فعليه ديتان دية في الظهر و دية في الرجلين و عندنا ثلثاها، و لو ذهب مشيه مع سلامة الرجلين لم يكن عليه إلا دية الظهر وحده»(1).

و لو صار يبدل حرفا بحرف لزمه ما يخص الحرف الفائت من الدية لأن الواجب دية الفائت و الحرف الذي صار عوضه كان موجودا، و لو أذهب آخر الحرف الذي صار بدله لم يلزمه إلا ما يخص الحرف الواحد البدل، لكونه أصليا و لا يثبت له بسبب قيامه مقام غيره زيادة، و لو كان الحرف البدل غير الحروف الثمانية و العشرين أو التسعة و العشرين لم يخصه بشي ء من الدية ففي تفويته الحكومة.

و لو كان في لسانه خلل و ما كان يمكنه النطق بجميع الحروف أو بعضها فصيحا إلا أنه كان له مع ذلك كلام مفهوم و نطق بالحروف كلها من غير إبدال، فضرب لسانه فذهب نطقه فعليه دية كاملة لا حكومة، ضرورة كونه كالجناية على العين العمشاء. نعم قد يقال باستثناء الحكومة إن كان ذلك قد حدث بجناية جان استحقها به بخلاف ما إذا كان لخلقة أو آفة سماوية، بل في محكي التحرير «و لو حصل في كلامه تمتمة أو فأفأة أو سرعة فعليه حكومة فإن جنى عليه آخر فأذهب كلامه فعليه الدية كمن جنى على عين فعمشت ثم جنى آخر فذهب ضوئها»(2)و ظاهره استثناء الحكومة فتأمل.

و لو كان الخلل بإسقاط بعض الحروف أو إبداله فجنى عليه فذهب كلامه رأسا فعليه ما يوازي الحروف التي كان ينطق بها إلا أن يكون الخلل مرجو


1- 1 المبسوط ج 7 ص 134.
2- 2 التحرير ج 2 ص 270.

ج 43، ص: 229

الزوال لصغر و نحوه، فالدية كاملة، و لذا لو كان ألثغ من غير جناية فذهب إنسان بكلامه أجمع فتقسط الدية على ما ذهب من الحروف مع اليأس عن زوال لثغته و إلا كالصبي و نحوه كان في الدية كاملة.

و لو ضرب شفته فأزال الحروف الشفوية أو ضرب رقبته فأزال الحروف الحلقية ففي القواعد الحكومة، و لعله لأن توزيع الدية على الحروف بعض الجناية على اللسان، و لكن فيه منع خصوصا بعد إطلاقه كغيره و في غير المقام أن في بعض الكلام بعض الدية.

و لذا قال في كشف اللثام: «و الوجه ما في التحرير من أن فيه من الدية بقدر ذلك فإن الأخبار إنما نطقت بالضرب أو الضرب على الرأس لا الجناية على

اللسان»(1)بل قد يحتمل إرادته الحكومة في الضربين زيادة على ما بإزاء الفائت من الحروف من الدية فلا يكون مخالفا.

[السابع الأسنان]

السابع الأسنان بفتح الهمزة و في إذهاب ها أجمع الدية كاملة بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في كشف اللثام و محكي الخلاف و الغنية، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه، بل هو صريح محكي التحرير، مضافا إلى ما سمعته من النصوص بل، في المسالك لا خلاف في ثبوت الدية بجملة الأسنان سواء زادت أو نقصت، و إن كان فيه أنه مناف لما في المتن و غيره من أنها تقسم على ثمانية و عشرين سنا بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة و أخبارها، و لعله كذلك فإني لم أجد فيه خلافا بين من تعرض لذلك من الصدوق و الشيخين و الديلمي


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 323.

ج 43، ص: 230

و ابني زهرة و إدريس و غيرهم من المتأخرين.

بل في المسالك أنه المعروف من مذهب الأصحاب، فما عساه يشعر به نسبته إلى المشهور في بعض كتب متأخري المتأخرين في غير محله، كما أن ما في المسالك من التأمل فيه كذلك أيضا، فإنه بعد أن نسبه إلى المعروف من مذهب الأصحاب قال:

«و به رواية ضعيفة لكنها مشهورة مجبورة بذلك على قاعدتهم مع أنهم

رووا في الصحيح (1)عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: الأسنان كلها سواء في كل سن خمسمائة درهم».

و في كتاب ظريف بن ناصح (2)عن أمير المؤمنين عليه السلام «قال: و جعل الأسنان سواء».

و رواه العامة عن النبي صلى الله عليه و آله أنه كتبه لعمرو بن حزم (3)«و في السن خمس من الإبل».

و روى أصحابنا مثل ذلك، و على التقسيم المشهور بين الأصحاب فما زاد على الثمانية و العشرين يجعل بمنزلة السن الزائدة، فيها ثلث الدية الأصلية بحسب محلها، لكن ذلك مع تميزها عن الأصلية، أما مع اشتباهها بها كما هو الغالب من بلوغ الأسنان اثنين و ثلاثين من غير أن يتميز بعضها عن بعض أشكل الحكم»(4).

و فيه ما عرفت من كون التقسيم المزبور مجمعا عليه بيننا، نعم خالف الشافعي فقسمها إلى اثنين و ثلاثين سنا و هي أضراس العقل المسماة بالنواجد و هو محجوج بما عرفت من الإجماع بقسميه على قسمتها ثمانية و عشرين سنا اثنا


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
2- 2 مستدرك الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1.
3- 3 نيل الأوطار للشوكانى ج 7 ص 212- 213 نقلا عن النسائي و البيهقي و غيرهما.
4- 4 الى هنا كلام المسالك ج 2 ص 502.

ج 43، ص: 231

عشر في مقدم الفم و هي ثنيتان من فوق و هما وسطها و رباعيتان خلفهما و نابان خلفهما و مثلها من أسفل، و ستة عشر في مؤخر و هي ضاحك و ثلاثة أضراس من كل جانب و مثلها من أسفل فتكون اثني عشر رحى و أربع ضواحك.

ففي المقاديم ستمأة دينار حصة كل سن خمسون دينارا و في المآخير أربعمائة دينار حصة كل ضرس خمسة و عشرون دينار و ذلك تمام الدية.

و هو مضمون الخبر الذي رواه

الشيخ و الصدوق عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زياد بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة(1)«قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:

أصلحك الله إن بعض الناس له في فيه اثنان و ثلاثون سنا و بعضهم له ثمانية و عشرون سنا اثنا عشر في مقاديم الفم و ستة عشر في مآخيره فعلي هذا قسمت دية الأسنان فدية كل سن في المقاديم إذا كسر حتى يذهب خمسمائة درهم، و هي اثنا عشر سنا فديتها ستة آلاف درهم، و دية كل سن من الأضراس إذا كسر حتى

يذهب مأتان و خمسون درهما، و هي ستة عشر ضرسا فديتها كلها أربعة آلاف درهم، فجميع دية المقاديم و المآخير من الأسنان عشرة آلاف درهم، و إنما وضعت الدية على هذا، فما زاد على ثمانية و عشرين فلا دية له و ما نقص فلا دية له هكذا وجدناه في كتاب علي عليه السلام»

و ضعفه منجبر بما سمعت و معتضد بما في

الفقيه (2)«و قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الأسنان التي تقسم عليها الدية انها ثمانية و عشرون سنا ستة عشر في مآخير الفم و اثنا عشر في مقاديمه فدية كل سن من المقاديم إذا كسر حتى يذهب خمسون دينارا فيكون ذلك ستمأة دينار


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2، نقلا عن الكافي ج 7 ص 329 و التهذيب ج 10 ص 254 و الفقيه ج 4 ص 137 و المنقول هنا مطابق لما في الفقيه فراجع.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 136.

ج 43، ص: 232

و دية كل سن من المآخير إذا كسر حتى يذهب على النصف من دية المقاديم خمسة و عشرون دينارا فيكون ذلك أربعمائة دينارا فذلك ألف دينار فما نقص فلا دية له و ما زاد فلا دية له»

بل استظهر الأردبيلي أن قوله: «و قضى» من تتمة ما رواه صحيحا سابقا عن

عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام «في أصابع الرجلين و اليدين»(1)

، و على كل حال فهو مؤيد للخبر المزبور، مضافا إلى ما في كشف اللثام عن

الرضا عليه السلام «و أضراس العقل لا دية فيها إنما هو على من أصابها الأرش كأرش الخدش»(2).

و أما ما ذكره من الصحيح المزبور الدال على التسوية بين الأسنان كلها و أن دية كل سن خمسمائة درهم كغيره من النصوص أيضا، ففيه أولا أن ذلك يزيد على الدية الكاملة- و لعله لذا حمله الشيخ على الثنايا و المقاديم التي هي أقرب إلى التلف بالجناية- و يمكن حمله على التقية لاتفاق العامة كما قيل على أن في كل سن خمسا من الإبل من غير فرق بين المقادم و المآخر، و الموجود في

كتاب ظريف (3)«و جعل في الأسنان في كل سن خمسين دينارا و جعل الأسنان سواء و كان قبل ذلك يجعل في الثنية خمسين دينارا و في ما سوى ذلك من الأسنان في الرباعية أربعين دينارا و في الناب ثلاثين دينارا و في الضرس خمسة و عشرون دينارا»

لكنه كما ترى لا يصلح معارضا لما عرفت، و إن قال في الوافي(4):

«إن المستفاد منه أن التسوية هي الصواب و إن التفاوت محمول على التقية» إذ هو أيضا كما ترى.

و أما القوى

«الأسنان واحد و ثلاثون ثغرة و في كل ثغرة ثلاثة أبعرة و خمس


1- 1 الفقيه ج 4 ص 135.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 323 و الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 43.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
4- 4 الوافي الجزء التاسع ص 104.

ج 43، ص: 233

بعير»(1)

في حمله الشيخ على التقية لأنه موافق لمذهب بعض العامة و لسنا نعمل به.

و كيف كان ف تستوي السن البيضاء و السوداء خلقة نصا و فتوى بل و كذا الصفراء لذلك أيضا بل قال المصنف فيها و إن جني عليها و ظاهره الفرق بينها و بين السوداء، و نحوه ما في محكي التحرير «لا فرق بين البيضاء و السوداء و الصفراء و إن كانت الصفرة بجناية بخلاف السوداء»، بل و المبسوط فإنه على ما حكى في كشف اللثام قيد السوداء بالخلقة و قال: «في الصفراء و إن كانت الصفرة بجناية جان» و لعل الفرق بينهما ما ذكره في المبسوط أيضا «من أنه إذا ضرب سنه فصارت صفراء ففيها الحكومة قال: فإن قلعها قالع بعد هذا فعليه الدية لأنها سن بحالها و قد لحقها شين فهي كالإصبع إذا لحقها شين فقطعت فإن فيها ديتها أيضا»، لكن ذلك كله كما ترى ضرورة أن جميع ما يجري في الصفرة يجري في السوداء. نعم يمكن الفرق بينهن بما تسمعه من النص و الله العالم.

و ليس للزائدة إن فعلت منضمة إلى البواقي دية و فيها ثلث دية الأصلية إن قطعت منفردة أي التي يجنيها كما عن الوسيلة و التحرير التصريح به، فإن كانت في المقاديم فثلث الخمسين و إن كانت في المآخير فثلث الخمسة و عشرين و إن كانت بينهما فالأقل كما في كشف اللثام للأصل، و على كل حال فالقول المزبور هو المحكي عن الغنية و النهاية و السرائر و الجامع.

و قيل كما في المقنعة و نكت النهاية و الغنية و الكافي و الإصباح و كشف اللثام و الرياض على ما حكى عن بعضها فيها الحكومة و الأول أظهر عند المصنف هنا و في النافع، بل في المسالك أنه أشهر، بل في مجمع البرهان أنه المشهور، بل عن ابن إدريس «أن هذا المذهب قوى و به أخبار كثيرة معتمدة»، بل قد ينزل عليه إطلاق الخلاف و الوسيلة و المهذب «ان في الزائد ثلث دية


1- 1 الوسائل الباب- 38- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5، و هو قوي السكوني.

ج 43، ص: 234

الأصلية» مدعيا في الأول منها الإجماع عليه كما نزل إطلاق القول بالحكومة على التفصيل المزبور، بناء على المفروغية من عدم ثبوت شي ء فيها لو تلفت منضمة، و إن كان محل (1)نظر أو منع خصوصا بعد ما في المختلف «من أن إيجاب الأرش في الحالين لا بأس به» مضافا إلى ما سمعته عن الرضا عليه السلام (2)مؤيدا ذلك بالاعتبار لأنه إيلام و نقص، بل الظاهر أنه الأقوى ضرورة عدم ثبوت ما يدل بإطلاقه على ثبوت ثلث دية الأصلي في كل زائد، نعم ورد في خصوص الإصبع، و القياس باطل. اللهم إلا أن يدعى ظهور ذلك من كونه قاعدة كما عساه يظهر من المسالك و مجمع البرهان، لكنه محل للنظر خصوصا بعد ما في نكت النهاية للمصنف في الرد على ما سمعته عن ابن إدريس «لا ندري قوته من أين عرفها و لا الأخبار التي أشار إليها أين وجدها و لا الكثرة من أين حصلها و نحن مطالبوه بدعواه»(3)و هو كذلك بل هو قول نادر قبل ابن إدريس فإنه لم يحك عن أحد ممن تقدمه غير الفقيه و النهاية إلا على التنزيل المزبور فيزيد الخلاف و المهذب و الوسيلة، بل يكون حينئذ إجماع الخلاف حجة له إلا أن ذلك جميعه كما ترى شك في شك، بل لا وثوق بالإجماع المزبور على وجه يصلح دليلا.

كما أنه لا دليل يعتد به على التفصيل المزبور بعدم ثبوت إطلاق أن في الأسنان الدية، و على فرضه فالمنساق منه الأصلية، فالمتجه حينئذ الحكومة مطلقا، و لا ينافيه قوله في خبر الحكم (4)السابق: فما زاد على ثمانية و عشرين فلا دية له» بعد ظهوره في إرادة نفي الدية المقدرة لا الأرش، و لعله على ذلك يحمل ما عن المقنع (5)من إطلاق «لا شي ء فيه» نعم لعله مناف للقول بثبوت ثلث


1- 1 زدنا كلمة« محل» لتتميم العبارة و ليست في النسخ التي راجعناها.
2- 2 الفقه المنسوب الى الرضا ص 43.
3- 3 نكت النهاية، كتاب الديات، أربع صفحات قبل تمام الكتاب.
4- 4 الوسائل الباب- 38- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
5- 5 المقنع ص 190.

ج 43، ص: 235

دية الأصلية فيه، ضرورة تحقق الدية المقدرة له على الفرض المزبور، و إن كان يمكن القول بإرادة دية مشخصة مقدرة لا نحو ذلك.

فتلخص مما ذكرنا أن الأقوال في المسألة: التفصيل، و الثلث مطلقا، و الحكومة كذلك، أو مع الانفراد، و عدم شي ء مطلقا كما سمعته عن المقنع، و الأقوى منها الحكومة مطلقا لكن من المعلوم أن ذلك مع تميزها عن الأصلية كالنواجد و الخارج عن سمت الأسنان داخل أو خارج، أما مع الاشتباه فالمتجه.

الاقتصار على المتيقن و نفي الزائد بالأصل، بل الظاهر أن ذلك حتى مع الاشتباه لموت المقلوع منه مثلا بعد العلم بأن في أسنانه زائدة و أصلية أما إذا لم يعلم فقد يقال: إن الأصل عدم الزيادة و استواء الخلقة و غير ذلك فتجري على المقلوعة حكم الأصلية على حسب غيرها من الأعضاء، اللهم إلا أن يفرق بكون المعتاد و الغالب زيادة الأسنان على الثمانية و العشرين فتأمل، و الله العالم.

هذا كله فيما لو زادت على الثمانية و العشرين أما لو نقصت خلقة أو بجناية جان أو بسقوط، نقص من الدية بإزائه بلا خلاف أجده فيه و لا ينافيه ما في الحكم السابق (1)من عدم الدية لو نقصت المراد به عدم كما لها في الناقص، و من ذلك يعلم ما في نفي الخلاف في المسالك عن ثبوتها كاملة فيها، ضرورة اقتضائه كمال الدية للثابت له سن واحد و هو معلوم الفساد، اللهم إلا أن يريد زادت على المعتاد من كونها ثلاثين أو اثنين و ثلاثين و نقصت عن ذلك، لا أن المراد نقصانها عن الثمانية و العشرين.

و لو اسودت بالجناية و لم تسقط فثلثاه ديتها بلا خلاف محقق أجده، كما اعترف به في الرياض، بل ربما ظهر من الغنية الإجماع عليه، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب.


1- 1 مر آنفا.

ج 43، ص: 236

و في المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارها، و لعل منها

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق عليه السلام «السن إذا ضربت انتظر بها سنة فإن وقعت اغرم الضارب خمسمائة درهم، و إن لم تقع و اسودت أغرم ثلثي ديتها»

مؤيدا بأنه في حكم الشلل الذي فيه ذلك، و لفحوى

ما سمعته (2)«من أن فيها الثلث إذا قلعت سوداء»

لكن في

مرسل أبان (3)عنه عليه السلام أيضا «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا اسودت الثنية جعل فيها الدية»

و ربما حمل على دية الاسوداد.

و في كتاب ظريف (4)«فإذا اسودت السن إلى الحول و لم تسقط فديتها دية الساقطة خمسون دينارا».

و في كشف اللثام «و نحوه عن الرضا عليه السلام»(5)إلا أنه شاذ ضعيف لا عامل به، و كذا ما في

بعض الأخبار(6)«إذا تغير السن إلى السواد ديته ستة دنانير، و إذا تغيرت إلى الحمرة فثلاثة دنانير، و إذا تغيرت إلى الخضرة فدينار و نصف».


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
2- 2 كخبر العزرمي، راجع الوسائل الباب- 43- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3. و فيه كذا: « جعل فيها[ ثلث] الدية» و لكن في الكافي و التهذيب و الاستبصار:« جعل فيها الدية» نعم قال في الاستبصار:« فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على التفصيل الذي ذكرناه في الرواية الاولى من إيجاب ثلثي الدية فيها دون الدية الكاملة».
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
5- 5 كشف اللثام ج 2 ص 324- الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 43.
6- 6 راجع الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 43 و كشف اللثام ج 2 ص 324 و مفتاح الكرامة ج 10 ص 417.

ج 43، ص: 237

نعم في المبسوط: «إذا ضرب سن الرجل فلم يتغير إلا لونها فإن كان التغيير سوادا مع بقاء منافعها و قوتها ففيها حكومة و قد روى أصحابنا فيها مقدرا ذكرناه في النهاية يعني ثلثي ديتها، فإن كان خضرة دون السواد ففيها حكومة، و إن صارت صفراء ففيها حكومة دون الخضرة، لأن السن يصفر من دون علة فإن قلعها قالع بعد هذا فعليه الدية، لأنها سن بحالها و إنما لحقها شين فهي كالإصبع إذا لحقها شين فقطعت فإن فيها ديتها، فإن ذهب مع هذا التغيير بعض منافعها كان ضعفت عن القوة التي كانت عليها في عض المأكول و نحو ذلك ففيها حكومة لأجل الشين و الضعف معا، فإن ذهب مع هذا التغيير كل منافعها حتى لا تقوى على أن يمضغ (1)بها شيئا فهذه بمنزلة اليد الشلاء فعليه ثلثا الدية لأن كل ما كان في إتلافه الدية كان في الشلل منه ثلثا الدية، فإن قلعها قالع بعد ذلك فعليه»(2).

و في كشف اللثام «فكأنه عند بقاء المنافع شبه متردد في ثلثي ديتها و الحكومة»(3)قلت لعل ظاهره الحكومة مع بقاء المنافع، و إن نسب (4)الثلثين إلى الرواية. نعم هو جازم بالثلثين مع ذهاب المنافع مدرجا له بالشلل، و قد عرفت أن ظاهر الأصحاب بل و النص على عدم الفرق، كما أن ظاهرهم اختصاص التقدير المزبور بالسواد دون غيره من الألوان التي فيها الحكومة سواء بقيت منافعها أو ذهبت كلا أو بعضا لعدم اندراج مثله في مسمى الشلل


1- 1 في المبسوط:« يعض».
2- 2 المبسوط ج 7 ص 141- 142 و فيه هكذا: فهذه بمنزلة اليد الشلاء فعليه الدية لأن كل ما كان في إتلافه الدية كان في الشلل منه الدية» و فيه سقط كما لا يخفى فراجع.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 324.
4- 4 في الأصل:« نسبته».

ج 43، ص: 238

فتأمل جيدا.

و مما ذكرنا يظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف و غيره من أن فيها بعد الاسوداد الثلث على الأشهر بل عن الخلاف و ظاهر الغنية الإجماع عليه، مضافا إلى

قول أبي جعفر في خبر العزرمي (1)المنجبر بما عرفت: «إن في السن السوداء ثلث ديتها»

بل و إلى

خبر الحكم (2)«و كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح»

بناء على أنه شلل، أو حيث يتحقق فيه الشلل، كما سمعته من المبسوط.

خلافا لما عن النهاية و القاضي و يحيى بن سعيد، فربع ديتها، لخبر عجلان (3)عن الصادق عليه السلام القاصر عن مقاومة ما عرفت بعد ضعفه و ندرة القائل به و اقتضائه نقصان ديتها عن دية إتلافها بالجناية بادئ بدئ دفعة المستلزم لكونها دية جناية واحدة في محل واحد أزيد من دية جنايتين، و لا ريب في بعده.

اللهم إلا أن يقال: إن النقص عن ذلك إنما حصل بذهابها في وقتين و لعله لبقاء الانتفاع بها بعد الجناية الأولى مع أنه لا يتم في صورة قصر الزمان على وجه لم ينتفع بها أصلا.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه كدعوى الحكومة التي سمعتها من المبسوط، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة ما عرفت من إطلاق النص و معقد الإجماع و الفتاوى، و إن مال إليه بعض الناس للاختلال في الطريقة، و ربما أيد بأن الثلثين فيه للشلل و هو لا يكون إلا مع ذهاب المنافع، و فيه أن ذلك و إن علل به بعض الناس لكنه لا يصلح مقيدا لما عرفت، فلا ريب في ضعف القول بالحكومة.


1- 1 الوسائل الباب- 43- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 40- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.

ج 43، ص: 239

و كذا في كتاب ظريف على ما

في الكافي (1)و التهذيب «فإن سقطت بعد و هي سوداء فديتها اثنا عشر دينارا و نصف» و على ما في الفقيه (2)«فان سقطت بعد و هي سوداء فديتها خمسة و عشرون دينارا فإن انصدعت و هي سوداء فديتها اثنا عشر دينارا و نصف»

لم نجد عاملا بشي ء منهما.

و في انصداعها و لم تسقط ثلثا ديتها كما قطع به الشيخان و ابن حمزة و الفاضل، بل في الروضة و غيرها نسبته إلى المشهور و لعله لأولويته من الاسواد و كونه شللا أو بحكمه، بل ذكره في المقنعة و النهاية و الوسيلة كالظاهر في وجود رواية به خصوصا بعد استقراء أحوالها في ذلك بل في المتن و في الرواية ضعف و هو صريح في عثوره عليها لكن قد اعترف غير واحد ممن تأخر عنه بعدم العثور عليها، بل توقف بعد الناس في العمل بها لذلك و لعدم تحقق شهرة جابرة و إن حكيت، و مع تسليمها فإنما هي تجبر الخبر بعد وضوح دلالة و هو غير معلوم بعد عدم ظهور متن الرواية.

و من ذلك و نحوه قال المصنف الأشبه الحكومة(3)أي أشبه بأصول المذهب بعد عدم ثبوت التقدير، و تبعه بعض من تأخر عنه و إن كان قد يناقش بأن الأصح جبرها للسند و للدلالة على أنه لا يكفي (4)في ثبوت وضوح متنها حكاية المحقق له و إن لم يعمل بها. لكن الإنصاف مع ذلك عدم ترك الاحتياط مع إمكانه.

و في

كتاب ظريف (5)«ان فيه نصف ديتها»

و في كشف اللثام


1- 1 الكافي ج 7 ص 333، و التهذيب ج 10 ص 300.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 83.
3- 3 كذا في الأصل، و لكن في الشرائع هكذا:« الحكومة أشبه».
4- 4 كذا في ثلاث نسخ راجعناها، و يحتمل زيادة كلمة« لا» كما لا يخفى.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 240

«و روى نحوه عن الرضا عليه السلام»(1)إلا انا لم نجد عاملا به كما عن ابن فهد الاعتراف به.

و كيف كان فثبوت الدية في السن المقلوعة مع سنخها و هو الثابت منها الذي هو أصلها في اللثة لا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى إطلاق النص و الفتوى، و لو كسر ما برز عن اللثة خاصة ففي ثبوت الدية ل ه تردد من صدق السن لغة و عرفا و عن المبسوط «السن ما شاهدته زائدا على اللثة و السنخ أصلها المدفون في اللثة»(2)و قال أهل اللغة: «السنخ أصل السن» و

من أصل البراءة و اتحاد العضو و شمول اللفظ للكل و لذا يقال قلع سنه و انكشفت اللثة عن سنه و نحو ذلك.

و لكن الأقرب أن فيه دية السن وفاقا للشيخ و الحلي و الفاضل و الشهيدين و غيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى ظاهر الأكثر لأنه المنساق من النص و الفتوى، بل لا يمكن فيه معرفة المساحة كي تكون الدية بقدرها.

و حينئذ فل و كسر (11) شخص الظاهر عن اللثة ثم قلع الآخر السنخ فعلى الأول دية (12) للسن المكسور و على الثاني حكومة (13) للسنخ الذي لا مقدر له بخصوصه، و على الاحتمال المزبور تكون الدية على الجانبين (3)بنسبة المساحة، إلا أن الأصح الأول، بل و كذا لو كان الجاني شخصا واحدا دفعتين. نعم الظاهر الدية خاصة في الجناية المتحدة التي انقلع بها السن مع سنخها كما عرفت، و الله العالم.

و ينتظر بسن الصغير (14) لو قلع أو كسر فإن نبت لزم الأرش و إن


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 324 و الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام.
2- 2 المبسوط ج 7 ص 136.
3- 3 في الأصل:« على الجانبين».

ج 43، ص: 241

لم ينبت فدية سن المثغر و من الأصحاب من قال فيها بعير و لم يفصل كما عن المبسوط و المهذب و الكافي و الغنية و الوسيلة و الإصباح، للرواية، و لكن في الرواية ضعف لا جابر كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا(1)، و في التقدير بسنة(2)الواقع من الفاضل، بل و في المحكي عن أبي على من أنها إن لم تنبت ففيها ديتها و إن نبتت ففيها بعير، فلاحظ و تأمل.

و لو أثبت الإنسان في موضع المقلوعة عظما ظاهرا مثلا مما يؤكل لحمه فثبت فقلعه قالع قال الشيخ في محكي الخلاف و المبسوط لا دية و لا شي ء فيه للأصل، و لكن يقوى أن فيه الأرش وفاقا للفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهما، لأنه يستصحب ألما و شينا، و لحصول منافع السن به و إن لم يكن سنا، و لذا أوجبنا فيه الحكومة لا دية السن، بل مقتضى إطلاق المصنف و الفاضل في القواعد

ذلك، و إن كان نجسا لما سمعته. نعم قيده بذلك في محكي التحرير مصرحا بأنه لا شي ء عليه في النجس، و نحوه عن حواشي الشهيد، و لعله لوجوب الإزالة عليه، بل و كذا لو كان من طاهر غير مأكول اللحم، بناء على وجوب إزالته للصلاة، و لكن فرضهما فيمن لا تجب عليه لطفولية أو جنون مع حصول الألم و الشين، فتأمل.

و لو أثبت السن المقلوعة بعينها فثبتت كما كانت فقلعها آخر فدية كاملة، كما في القواعد و محكي الخلاف، و لعله لإطلاق الأدلة، لكن عن المبسوط و التحرير فيه الحكومة، و لعل الأولى ما عن المختلف من الحكومة إن لم تثبت صحيحة و إلا فالدية، و لا شي ء عليه عند الشافعي بناء على أنها نجست بالانقلاع فتجب الإزالة، و عندنا لا ينجس العظم بالانقلاع، بل عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارها على أن السن لا يلحقها حكم الميتة، و الله العالم.


1- 1 يعني في كتاب القصاص.
2- 2 في جميع النسخ التي راجعناها« بنسبته» و الصحيح ما أثبتناه كما لا يخفى على من راجع هذا البحث من كتاب القصاص.

ج 43، ص: 242

و لو كانت السن المقلوعة طويلة بالنسبة إلى أخواتها أو بالنسبة إلى النوع أو جثة الشخص، أو عريضة كذلك لم تزد بذلك ديتها كسائر الأعضاء، لإطلاق الأدلة، كما أنه لو كان بعضها أقصر من بعض و لكن ينتفع بها كالطويلة فدية كاملة للعمومات، و إلا فالحكومة لعيب المخرج لها عن حكم السن المنساق من النص و الفتوى، من غير فرق بين كون الاختلاف في صنف واحد منها كأن تكون ثنية أقصر من أخرى أو رباعية أقصر من أخرى، أو في صنفين كأن تكون رباعية أقصر من الناب، و عن الشيخ إطلاق الحكم بالدية مع القصر كإطلاق بعض العامة النقص من الدية بقدر القصر، و الأقوى ما عرفت.

و لو اضطربت لكبر أو مرض لكن يمكن المضغ بها و حفظ الطعام و الريق، و كان فيها الجمال، فعن المبسوط فيها الدية، سواء ربطها بالذهب أو الفضة أولا، و لعله للعموم. و لكن المتجه بناء على ما ذكرنا الحكومة مع عدم بقاء منافعها، و عن التحرير وجوب الدية مع بقاء بعض منافعها و إلا فثلث الدية كالأشل، و عن الشهيد أنه المنقول و لا يخلو من نظر، فتأمل.

و لو ذهب بعض السن لعلة أو جناية أو لتطاول المدة ففيها بعض الدية بحساب المساحة، و كذا لو كسر طرفا من سنه فتقسط الدية حينئذ على الظاهر دون السنخ كما عرفته سابقا، حتى إن كان المكسور نصف الظاهر وجب نصف دية السن.

و لو انكشفت اللثة عن بعض السنخ فظهر، فقال الجاني: المكسور ربع الظاهر، و قال المجني عليه: نصفه، ففي كشف اللثام اعتبر بأخواتها، فإن فقدن رجع إلى أهل الخبرة، فإن فقدوا قدم قول الجاني لأصل البراءة، و أطلق في القواعد تقديم قول الجاني، و لعله أولى.

و لو كسر بعض السن و قلع آخر الباقي مع السنخ فإن كان الأول قد

ج 43، ص: 243

كسر عرضا و بقي أصلها صحيحا مع تمام السنخ فالسنخ تابع لجناية الثاني، و لا شي ء فيه عندنا، و لو كسر بعضها طولا لكن دون شي ء من السنخ فعلى الثاني دية الباقي من السن و يتبعه ما تحته من السنخ فلا شي ء فيه و عليه حكومة للسنخ الذي كسر ظاهره الأول، فإن قال المجني عليه: الفائت بجناية الأول الربع، و قال الثاني:

بل النصف، ففي القواعد و محكي المبسوط قدم قول المجني عليه لأصالة السلامة، و يحتمل تقديم قول الجاني لأصل البراءة، و الله سبحانه العالم.

[الثامن العنق]

الثامن: العنق و فيه إذا كسر فصار الإنسان أصور(1)مائل العنق أو جنى عليه حتى صار كذلك و إن لم يكن كسر الدية كاملة، فلا خلاف أجده بيننا، بل عن الخلاف الإجماع عليه ل قول رسول الله صلى الله عليه و آله في خبر مسمع في الصعر(2)و الصعر أن يثنى عنقه في ناحية، و الضعف منجبر بما عرفت. هذا و لكن في

كتاب ظريف (3)«إن فيه نصف الدية» و فيه أيضا «في صدع الرجل إذا أصيب فلم يستطع أن يلتفت إلا ما انحرف الرجل نصف الدية خمسمائة دينار»

إلا أني لم أجد عاملا به منا، كالقول بالحكومة المحكي عن الشافعي، مضافا إلى الإجمال في الثاني باعتبار احتمال إعجام عين الصدغ و ضم جيم الرجل في

الموضعين و إهمال العين و تسكين الجيم مع كسر الراء، أي إذا صدعت الرجل فلم يستطع أن يلتفت


1- 1 في الأصل: أصغر، و الصحيح أصعر أو الأصور بقرينة قوله: في خبر مسمع في الصعر و قوله: و لو زال الصور.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب ديات المنافع، الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 244

ما لم يحول رجله.

و كذا تجب الدية لو جنى عليها بما يمنع الازدراد رأسا، مات بذلك أو عاش و إن بعد، لأن هذه المنفعة أعظم من الذوق الذي ستعرف وجوب الدية في ذهابه، و لا شي ء عند العامة إن عاش، و عن المبسوط و ينبغي أن نقول: إن عليه حكومة، و عن ابن حمزة موافقته و هو لا يخلو من وجه.

و لو زال الصور أو بطلان الازدراد فلا دية و فيه الأرش و كذا إذا صور لكن يمكنه الإقامة و الالتفات بعسر أو أمكنه الازدراد.

[التاسع اللحيان]

التاسع: اللحيان و هما العظمان اللذان يقال لملتقاهما الذقن و يتصل طرف كل واحد منهما بالأذن من جانبي الوجه، و عليهما نبات الأسنان و فيهما الدية لو قلعا منفردين عن الأسنان كلحيي الطفل و إن منعه الإنبات أو من لا أسنان له لكبر أو آفة، و في كل واحد منهما نصف الدية و لو قلعا مع الأسنان فديتان لهما و للأسنان بالحساب، و لا يدخل شي ء منهما تحت الآخر، للأصل و إن حكى عن أحد وجهي العامة.

و في نقصان المضغ مع الجناية عليهما أو تصلبهما على وجه يعسر تحريكهما الأرش لعدم ثبوت تقدير في هذا الحال.

ج 43، ص: 245

[العاشر اليدان]

العاشر: اليدان و فيهما الدية و في كل واحدة نصف الدية بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بين المسلمين، فضلا عن المؤمنين، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص العامة و الخاصة(1)، و يتساوي اليمنى و اليسرى و إن كانت اليمنى أقوى و أنفع، كما يتساوى من له يدان و من ليس له إلا يد واحدة

خلقة أو بآفة أو بجناية أو في سبيل الله، خلافا للأوزاعي في الأخيرة، فأوجب في الباقية دية اليدين، و هو اجتهاد و قياس على العين في الجملة، في مقابلة ما سمعت.

و حدهما المعصم أي الكوع و المفصل الذي بين الكف و الذراع، موضع السوار، بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام عندنا، خلافا لبعض العامة، مشعرا بل ظاهرا إن لم يكن صريحا في الإجماع الذي يشهد له التتبع، فلا يقدح حينئذ إجمالها كما عن علم الهدى و انصرافها إلى العضو الذي هو من المنكب إلى رؤوس الأصابع إن سلم، ضرورة احتمال الصدق على البعض كالكل.

و على كل حال فلو قطعت منه مع الأصابع ف ليس فيه إلا دية اليد خمسمائة دينار خاصة بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى إطلاق النصوص و الفتاوى و أن في كل واحد نصف الدية.

نعم لو قطعت الأصابع منفردة فدية الأصابع خمسمائة دينار بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض،


1- 1 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء.

ج 43، ص: 246

كالنصوص(1).

و لو قطع آخر الكف ففيه الحكومة، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لعدم التقدير له حينئذ.

و كذا لو قطع كفا لا أصابع لها خلقة أو بآفة.

و لو قطع معها أي الكف شي ء من الزند الذي هو موصل طرف الذراع في الكف كما نص عليه غير واحد ففي اليد خمسمائة دينار و في الزائد حكومة وفاقا للشيخ و القاضي و الفاضل و الشهيدين على ما حكي عن بعضهم، بل عن المختلف أنه الأشهر، و هو الموافق لما نص عليه الشيخ أيضا و ابن حمزة و الفاضلان و غيرهم في كتاب القصاص من أنه لو قطع مع الكف بعض الذراع اقتص في الكف و كان له في الزائد الحكومة، إذ بعض الزائد هو بعض الذراع، و من هنا نص في كشف اللثام على عدم الفرق بين بعض الزند و بعض الذراع، و لكن قد يشكل أصل الحكومة بناء على أن في الذراع الدية بأن المتجه اعتبار

المساحة كما عرفته في كل ما له مقدر، و لذا كان المحكي عن ابن إدريس اعتبارها.

نعم قد قلنا في كتاب القصاص: يمكن إرادة الأصحاب من الحكومة ما لا ينافي اعتبار المساحة لأن الغرض بيان عدم الإجزاء بالقصاص في الكف أو الدية عن الزائد، باعتبار صدق اسم اليد فيدخل الزائد قصاصا و دية في الكف، كما عن الكاشاني اختياره هنا لإطلاق النصوص نصف الدية في اليد الصادقة على المفروض.

و يؤيده ما ذكره غير واحد، بل في الروضة نسبه إلى المشهور أنه لو قطعت من المرفق أو المنكب لم يكن له إلا دية اليد، خمسمائة دينار، و لعله المراد مما قال في المبسوط: «اليد التي يجب هذا فيها هي الكف إلى الكوع و هو أن يقطعها من المفصل الذي بينها و بين الذراع، فإن قطع أكثر من ذلك


1- 1 راجع الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء.

ج 43، ص: 247

كان فيه دية و حكومة بقدر ما يقطع، فان كان في نصف الذراع أو المرفق أو العضد أو المنكب ففي الزيادة حكومة و كلما كانت الزيادة أكثر كانت الحكومة أكثر و عندنا أن جميع ذلك فيه مقدر ذكرناه في تهذيب الأحكام (1)».

و إليه أشار المصنف بقوله محيلا له على التهذيب إذ ليس في التهذيب حكم مخصوص للفرض، و إنما فيه أن ما في الإنسان منه اثنان في كل واحد نصف الدية.

اللهم إلا أن يفرق بوجود المفصل و عدمه، بمعنى أن اليد تتناول الكل و الأبعاض ذوات المفاصل، فإذا قطع بعض ذو مفصل كالكف مع بعض آخر، لا من مفصله كبعض الزند أو الذراع، فكأنه قطع اليد و شيئا آخر لا مقدر فيه، ففيه الحكومة، بخلاف ما لو قطعها من مفصل المرفق أو المنكب فإنها يد بلا زيادة، إلا أن ذلك كما ترى، و لذا قال في كشف اللثام: «عليه منع ظاهر».

نعم قد يقال إن العمدة الإجماع على وجوب شي ء زائد على الدية لنصف الذراع مثلا حكومة أو قسطا، و ما سمعته من الكاشاني غير قادح في الإجماع المزبور، و لعل وجهه أنه حيث تكون الجناية عمدا لا ريب و لا خلاف معتد به في كون القصاص من الكف كما عرفته في كتاب القصاص، فلو لم يكن للزيادة شي ء

كانت جناية غير مستوفاة، و لم يصل تمام الحق إلى صاحبه، بخلاف ما إذا كانت من المرفق أو المنكب، فإن محل القصاص حينئذ متحقق في العضو الواحد عرفا، فليس له إلا القطع أو دية ذلك العضو، و هو دية اليد، فيدخل حينئذ الساعد و العضد كما تدخل الأصابع في قطع الكف، لعدم دليل يدل على تقدير لهما في الفرض زائد على دية اليد، فأصل البراءة بحاله حينئذ، و لا ينافي ذلك ثبوت دية


1- 1 المبسوط ج 7 ص 143.

ج 43، ص: 248

لهما لو قطعا مستقلين كما لو كان له ساعد بلا كف و قطعه قاطع من المرفق مثلا، فإن العموم الدال على وجوب الدية لكل ما كان في الإنسان منه اثنان و في الواحد النصف شامل له، بل الظاهر اعتبار المساحة هنا، لو فرض قطع البعض لا الحكومة بخلاف من لو قطع نصف الذراع مع الكف فإنه لا يستفاد من الأدلة هنا أن له مقدرا في الفرض فليس إلا الحكومة، و لذا كان المشهور ذلك لا اعتبار المساحة.

و بذلك يظهر لك النظر فيما عن ابني حمزة و البراج من النص على أنه لو قطع يده من المرفق أو المنكب كانت عليه دية اليد و حكومة في الساعد أو فيها و في العضد بناء على أن حد اليد كما عرفت من المعصم، ففيما زاد عليها الحكومة، بل في كشف اللثام، و كذا الشيخ في جراح المبسوط، ضرورة عدم وجه للحكومة بعد صدق اسم اليد، و التحديد المزبور إنما هو لمنتهاها الموجب للدية كما أفصح عنه كلام المشهور، الذين لم يوجبوا الدية في الجميع، لا أن المراد منه اختصاص اسم اليد بها الذي لا يوافقه شرع و لا لغة و لا عرف.

بل و كذا يظهر لك النظر فيما يعطيه كلام ابن إدريس، حيث اعتبر المساحة و قسط الدية عليها في المقطوع من نصف ذراعه مع كفه و أوجب الدية في الكف و أخرى في الساعد و ثالثة في العضد لو كان القطع من المنكب مثلا، بل قيل هو ظاهر أبي علي و المفيد و سلار و الحلبيين حيث أطلقوا أن في الساعدين الدية و في أحدهما نصفها.

و كذا في العضدين و أحدهما، بل لعل ظاهر آخر العبارة التي سمعتها من المبسوط، بناء على أن المراد بما أحاله على التهذيب هو النصوص المزبورة الدالة على الدية في الاثنين و نصفها في الواحد، إذ قد عرفت عدم ظهور في الأدلة للتقدير لهما في الفرض، بل ظاهر الأدلة دخولهما في اليد كدخول الأصابع فيها، و يمكن حمل عبارة المبسوط على ذلك بإرادة المقدر في اليد فيوافق المشهور حينئذ.

فقد تلخص لك من ذلك كله أنه لو قطعت اليد من نصف الساعد كان فيها دية الكف و الحكومة من غير اعتبار المساحة خلافا لابن إدريس، و خلافا لما سمعته

ج 43، ص: 249

من الكاشاني من عدم شي ء زائد على الدية لو قطعت من المرفق مثلا، فلا شي ء فيها لا دية اليد و لا الحكومة مع ذلك كما سمعته من ابني حمزة و البراج و لا ديتين أو ديات كما هو ظاهر من سمعت الذين يمكن حمل إطلاقهم المزبور على قطع خصوص الساعد، كما إذا لم يكن له كف أو المنكب، كما إذا لم يكن له غير العضد، فلا خلاف حينئذ، و الله العالم.

و لو كان له يدان على زند ففيهما الدية و حكومة لو قطعا كما صرح به الفاضل و الشهيدان و غيرهم لأن إحداهما زائدة على المتعارف في خلقة الإنسان، فلا تندرج في إطلاق الأدلة المعتضد بالأصل، فتعين الحكومة حينئذ بعد عدم التقدير شرعا، بل ربما يؤيده

قول أبي جعفر عليه السلام للحكم بن عيينة(1)«في الأصابع فما زادوا و نقص فلا دية له» و كذا في الأسنان «فما زاد على ثمانية و عشرين سنا فلا دية له»

و حينئذ فلو قطع إحداهما فإن كانت الأصلية فالدية و الحكومة إن كانت الزائدة.

و يتميز الأصلية بانفرادها بالبطش أو كونها أشد بطشا و بالخروج عن السمت و نقص أصابعها و المساواة لليد الأخرى قدرا و نحو ذلك مما يتشخص فيه الموضوع المزبور عرفا و لو مع تعارض الأمارات، و عن الإرشاد «أن المدار على البطش و قوته و إن كانت منحرفة».

و كيف كان فإن تساويا على وجه لا يتميز الأصلية من الزائدة فإحداهما زائدة في الجملة قطعا لما عرفت، و حينئذ فإن قطع إحداهما كان عليه الحكومة للأصل، إلا أن تزيد على الأكثر من نصف الدية فترد إليها كما في غيرها.

و عن المبسوط و التحرير و الإرشاد أن عليه نصف دية و نصف حكومة أو


1- 1 الوسائل الباب- 38- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و الباب- 39- منها الحديث الأول.

ج 43، ص: 250

نصف الثلث بناء على ما سمعته من المبسوط، لأنه قطع نصف يد و زيادة، و لتكافؤ الاحتمالين، فيكون كجنين قتل بعد و لوج الروح فيه و لم يعلم كونه ذكرا أو أنثى، و لأن الكفين لو قطعتا كان على الجاني دية كف و ثلثها مثلا، بناء على ما سمعته من المبسوط، فعند الاشتباه يقسط المجموع عليهما، و يؤخذ النصف و هو ثلثا دية كف، لأن نصف الثلث سدس، فإذا أضيف إلى نصف الكف صار المجموع ثلثي دية كف.

بل قال الشيخ أيضا فيما حكى عنه: «فإن قطع إصبعا من إحداهما ففيه نصف دية إصبع خمس من الإبل و حكومة على ما فصلناه إذا قطع إحداهما، و في أناملهما كذلك نصف دية أنملة و حكومة»(1)و فيه أن ذلك لا يرجع إلى قاعدة شرعية تنطبق على مذهب الإمامية إلا أن يفرض حصول القطع من النظائر المنصوصة بكون الحكم في المقام و نحوه كذلك، هذا و في محكي التحرير(2)«انهما كذلك لو تساويا في البطش و التمام و السمت فإن كانا غير باطشتين ففيهما ثلث دية اليد و حكومة، و لا تجب فيهما دية اليد الكاملة لأنه لا نفع فيهما كاليد الشلاء» و لا يخلو من نظر مع عدم صدق الشلل، و الله العالم.

و لو قطعهما معا ففي الأصلية واقعا دية، و في الزائدة كذلك حكومة كما لو كانتا متميزتين من غير إشكال مع اتحاد القاطع و القطع، أما مع تعددهما فقد يقال: إن المتجه الحكومة في كل منهما للأصل، بل و كذا مع تعدد القطع و كان الثاني بعد دفع الحكومة للأول، إذ ذلك لا يشخص كون الباقية أصلية لا بالنسبة إليه و لا بالنسبة إلى غيره فتأمل جيدا، إذ يمكن أن يقال: إن برأيه الأول من قطعه الأول إنما كانت في الظاهر دون الواقع الذي تحقق شغل ذمته به بقطعه الثاني.

و كيف كان فقد قال في المبسوط: «عندنا في الزائدة ثلث


1- 1 المبسوط ج 7 ص 145.
2- 2 التحرير ج 2 ص 272.

ج 43، ص: 251

دية الأصلية»(1)و لكن لم نجد ما يدل عليه صريحا و لعله تشبيه بالسن و الإصبع لما سمعته و تسمعه من أن في الزائدة منهما ثلث دية الأصلية، إلا أن القياس باطل عندنا، و التنقيح بعد فرض شهرة الحكومة لا منقح له، و لذا كان الأقرب الأرش وفاقا للمشهور، للضابط المزبور، و الله العالم.

و الذي يظهر لي ما ظهر لغيري من المفيد و سلار و ابن إدريس.

و أبي الصلاح و الكيدري و الفاضل و ولده و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، إن في الذراعين لو قطعا متميزتين عن قطع الكفين الدية كاملة و كذا في العضدين و في كل واحدة نصف الدية، لعموم الضابط و دليله.

لكن في محكي الخلاف «أن مع قطع ذراع رجل و كان قطع كفه آخر و كان للقاطع ذراع بلا كف كان له القصاص، و إن أراد ديته كان له نصف الدية إلا قدر حكومة ذراع لا كف له (2)» و فيه ما لا يخفى.

كاحتمال الحكومة في القواعد و المسالك و غيرهما، بناء على أنه لا نص فيهما بخصوصهما مع أصل البراءة، و نقص المنفعة فيهما، و عدم استقلال شي ء منهما، و كونه عضوا برأسه، إذ الجميع كما ترى خصوصا بعد ما عرفته من اتفاق الأصحاب ظاهرا على ثبوت الدية و نصفها فيهما.

نعم لو قطع كفا لا إصبع لها كان عليه الحكومة بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام الاتفاق ظاهرا عليه، بل يجوز أن يزاد بحكومتها على دية الإصبع و أكثر مع قضاء أهل الخبرة به لو كان عبدا. نعم لا يجوز أن يبلغ بها دية الأصابع أجمع و إلا لزم أن يكون في الواحدة من رؤوس الأصابع إلى المعصم دية نفس كاملة.


1- 1 المبسوط ج 7 ص 145.
2- 2 الخلاف ج 2 ص 361.

ج 43، ص: 252

و لو كان عليها إصبع واحدة فمنبت تلك الإصبع تابع لها في الضمان، لا أنه يدخل في حكومة الكف، و لكن عليه في الباقي حكومة أربعة أخماس الكف لأن الخمس الآخر منبع (1)الإصبع المفروضة، و الله العالم.

[الحادي عشر الأصابع]

الحادي عشر: الأصابع و في أصابع اليدين العشر الدية و كذا في أصابع الرجلين بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص، و المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا، بل عليه المتأخرون كافة، أن في كل واحدة منهما عشر الدية لأصالة التساوي، أو عدم التفاوت، إن لم نقل بظهور ما دل على ثبوتها فيها في ذلك، و ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان(2).

«أصابع اليدين و الرجلين سواء في الدية في كل إصبع عشر من الإبل»

و في

حسن الحلبي (3)«في الإصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلت قال:

و سألته عن الأصابع أسواء هن في الدية؟ قال: نعم»

و في

خبر أبي بصير(4)«في كل إصبع عشر من الإبل»

و قول أبي جعفر عليه السلام في خبر الحكم (5)«في


1- 1 منبت ظ.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 و فيه:« و في الإصبع عشر من الإبل».
5- 5 الكافي ج 7 ص 330 و التهذيب ج 10 ص 254 و الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول و في الأخير سقطت الجملة الأولى فراجع.

ج 43، ص: 253

كل إصبع من أصابع اليدين ألف درهم و في كل إصبع من أصابع الرجلين ألف درهم».

و قيل كما عن الخلاف و الوسيلة في الإبهام ثلث دية اليد الواحدة و في الأربع البواقي الثلثان بالسوية في كل منهما سدس، بل عن الخلاف الإجماع عليه، كما

عن المبسوط نسبته إلى رواية أكثر أصحابنا، عكس ما عن السرائر من نسبته الرواية بذلك إلى الشذوذ، لما في

كتاب ظريف (1)من قوله عليه السلام «في الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مأة دينار و ستة و ستون دينارا و ثلثا دينار. و في الأصابع في كل إصبع سدس دية اليد ثلاثة و ثمانون دينارا و ثلث دينار و دية الأصابع و القصب التي في القدم ثلث دية الرجلين ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا- إلى أن قال-: و دية كل إصبع منها سدس دية الرجل ثلاثة و ثمانون و ثلث دينار».

و في كشف اللثام: «و روى نحو منه

عن الرضا عليه السلام (2)» و عن التهذيب و الاستبصار(3)احتمال أخبار التساوي، تساوى الأربع غير الإبهام، بل عن الاستبصار(4)«و أما ما تضمن رواية أبي بصير و عبد الله بن سنان أن كل إصبع عشرا من الإبل، يجوز أن يكون من كلام الراوي، و هو أنه لما سمع أن الأصابع سواء في الدية ففسر هو لكل إصبع عشر من الإبل، و لم يعلم أن الحكم يختص بالأصابع الأربعة».

و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد معلومية الرجحان في الأول، ضرورة


1- 1 الفقيه ج 4 ص 85- 90.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 235، و راجع الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 43- 44.
3- 3 التهذيب ج 10 ص 259 و الاستبصار ج 4 ص 292.
4- 4 الاستبصار ج 4 ص 292.

ج 43، ص: 254

موهونية الإجماع المزبور بمصير معظم من تقدم و تأخر إلى خلافه، و كتاب ظريف و إن أمكن تصحيح بعض طرقه، إلا أنه قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه، و نحوه المرسل عن الرضا عليه السلام، مع احتمال إرادة الكتاب المنسوب إلى الرضا عليه السلام الذي لم يثبت نسبته عندنا، فالقول المزبور حينئذ واضح الضعف، كالمحكي عن الكافي من «أن في كل إصبع عشر الدية إلا الإبهام فديتها ثلث دية اليد و قال في الرجلين: في كل إصبع من أصابعهما عشر دية».

و نحوه عن الغنية و الإصباح إلا أنهما سويا بين أصابع اليدين و الرجلين، بل عن ظاهر الأول و محتمل الثاني الإجماع عليه، بل هو أوضح ضعفا من الأول

و لذا قال في محكي المختلف: «و قول أبي الصلاح مشكل فإنه جعل في الإبهام ثلث دية اليد، و في البواقي في كل واحدة عشر دية اليد، و هو يقتضي نقصا لا موجب له، ثم إن كلامه يقتضي الفرق بين أصابع اليدين و الرجلين مع أن أحدا من علمائنا لم يفصل بينهما ».

و في كشف اللثام «قلت: بل هو موافق لما سمعته من الخلاف، و إنما أوجب في كل من الأربع عشر دية النفس لا عشر دية اليد الواحدة أو الرجل الواحدة، و أما في أصابع الرجلين فلعله لم يتعرض للاستثناء اكتفاء بما قدمه في اليدين ».

و فيه أنك قد عرفت وجوب سدس دية اليد في كل واحد من الأربع و هو أنقص من عشر دية اليد، بل بناء على ما ذكره تزيد دية اليدين حينئذ على دية النفس، فكلام أبي الصلاح لا يخلو من نقص أو زيادة كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف دية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية عدا الإبهام فإن ديتها مقسومة بالسوية على اثنين بلا خلاف أجده فيه بل عن

ج 43، ص: 255

محتمل الغنية و صريح الخلاف الإجماع عليه و هو الحجة بعد شهادة التتبع له، و بعد

قوي السكوني(1)- المعتضد بما سمعت عن الصادق عليه السلام- «كان يقضي في كل مفصل من الإصبع بثلث عقل تلك الإصبع إلا الإبهام فإنه كان يقضي في مفصلها بنصف عقل تلك الإبهام لأن لها مفصلين».

و لا يعارض ذلك ما في

كتاب ظريف (2)على ما عن الكافي «و دية المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة و خمسون دينارا و ثلث دينار، و في المفصل الأعلى من الأصابع الأربع إذا قطع سبعة و عشرون دينار و نصف و ربع و نصف عشر دينار».

و عن الفقيه و التهذيب (3)و الجامع «سبعة و عشرون دينارا و نصف دينار و ربع عشر دينار»

و في كشف اللثام «و كذا

روى عن الرضا عليه السلام (4)» «و في الرجل في المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة و خمسون دينارا و ثلثا دينار، و في المفصل الأعلى من الأصابع الأربع التي منها الظفر إذا قطع فديته سبعة و عشرون دينارا أو أربعة أخماس دينار(5)»

كذا في الكافي و التهذيب و الفقيه و الجامع، و لكن لا عامل به، فهو غير صالح للمعارضة و إن أمكن تصحيح بعض طرقه، بعد ما عرفت من الإجماع المحكي إن لم يكن المحصل على التفصيل الذي تقدم.

لكن عن بعض العامة وجوب ثلث دية الإبهام في كل أنملة بناء على أن


1- 1 الوسائل الباب- 42- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول.
2- 2 الكافي ج 7 ص 337.
3- 3 الفقيه ج 4 ص 86 و التهذيب ج 10 ص 303.
4- 4 كشف اللثام ج 2 ص 326، الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 43 و فيه «سبعة و عشرون دينارا و نصف ربع عشرون دينارا» و هو من غلط النسخة راجع المستدرك ج 3 ص 276.
5- 5 الكافي ج 7 ص 341 و التهذيب ج 10 ص 307 و الفقيه ج 4 ص 91.

ج 43، ص: 256

لها أيضا ثلاث أنامل ظاهرتين و باطنة هي المتصلة بالكوع، و فيه أن ذلك من جملة الكف لا من جملة الإبهام، و إلا لزم اعتبار مثله في سائر الأصابع، فكان لكل منها أربع أنامل و لم يقل به أحد.

نعم قد تقدم في كتاب القصاص أنه لو كان للإصبع أربع أنامل ففي كل أنملة ربع دية الإصبع مع تساوي الأربع أو القرب منه و تساوي الأصابع في الطول مع حكم باقي الصور فلاحظ و تأمل كي تعرف الفرق بين الأنامل و غيرها في الزيادة و النقيصة و إن كان الغالب في خلقة الإنسان ثلاث أنامل لكن على وجه تكون واحدة من الأربع زائدة مع فرض التساوي كما سمعته في الكفين.

و في الإصبع الزائدة ثلث الأصلية بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في كشف اللثام، بل عن ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع، و لعله كذلك بشهادة التتبع له، ل

خبر غياث (1)بن إبراهيم الذي هو صحيح أو موثق و قد رواه المشايخ الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام «في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة»

مضافا إلى اعتضاده بما سمعت، فما عن الأردبيلي من التأمل في الحكم المزبور في غير محله.

و لا يعارضه ما في

خبر الحكم (2)من «أن الخلقة التي قسمت عليها الدية في عشر أصابع في اليدين فما زاد أو نقص فلا دية له»

بعد ضعف سنده، و إمكان حمله على إرادة الدية المقدرة، أو غير ذلك، و إلا كان مرجوحا بالنسبة إلى ما عرفت كما هو واضح.

و كذا الكلام في الأنملة المعلوم زيادتها بالخروج عن السمت و نحوه فإن فيها ثلث دية الأنملة الأصلية كما صرح به في الإرشاد و عن غيره و لعله لفحوى الخبر المزبور(3).


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول.
3- 3 يعني خبر غياث.

ج 43، ص: 257

و في شلل كل واحدة منها ثلثا ديتها بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف الإجماع عليه في خصوص اليد إذا شلت و الأنف إذا شل و الرجل و غيرها، مضافا إلى إجماعه و إجماع محكي الغنية، و ظاهر المبسوط على أن كل عضو فيه مقدار إذا جنى عليه فصار أشل وجبت فيه ثلثا ديته، بل عن الأول إرسال أخبار الفرقة عليه مضافا إلى الإجماع، كما عن المبسوط و السرائر أنهما ضبطا ضابطا و هو كل ما كان في إتلافه الدية كان في الشلل منه ثلثا الدية.

و في

صحيح الفضيل (1)بن يسار «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذراع إذا ضرب فانكسر من الزند فقال: إذا يبست منه (2)الكف فشلت أصابع الكف كلها

فإن فيها ثلثي الدية دية اليد، و إن شلت بعض الأصابع و بقي بعض فإن في كل إصبع شلت ثلثي ديتها، و كذا الحكم في الساق و القدم إذا شلت أصابع القدم»

بل يرشد إلى ما ذكرناه سابقا من أن في قطع الأشل الثلث، و لا يعارض ذلك ما في

حسن (3)زرارة عن الصادق عليه السلام «في الإصبع عشر من الإبل إذا قطعت من أصلها أو شلت».

ما في

حسن (4)الحلبي عنه أيضا «في الإصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلت»

و ما في

كتاب ظريف (5)من «إن في شلل اليدين ألف دينار و شلل الرجلين ألف دينار»

بعد عدم عامل به و موافقته للشافعي و بعده عن الاعتبار ضرورة التفاوت الواضح بين القطع و الشلل و احتمال إرادة شلها أولا ثم قطعها أو قرائتها


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.
2- 2 في الأصل:« معه».
3- 3 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
5- 5 الفقيه ج 4 ص 78 و فيه الجملة الأولى فقط. و التهذيب ج 10 ص 297. و فيه هكذا:« و شلل اليدين ألف دينار و الرجلين ألف دينار» و أيضا ج 10 ص 245 و الكافي ج 7 ص 311، و الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

ج 43، ص: 258

سلت بالسين المهملة أو غير ذلك.

و في قطعها بعد الشلل الثلث بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب، و

قال الباقر عليه السلام للحكم (1)بن عيينة «في كل إصبع من أصابع اليدين ألف درهم و كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح»

كقول الصادق عليه السلام للحسن بن (2)صالح «فيمن قطع يد رجل ثلاث أصابع من يده شلل و قيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكف له ألف درهم فإنه على الثلث من دية الصحاح»

بل من خبر ابن عيينة يستفاد الضابط المزبور المفروغ منه عندهم في كل عضو له مقدر جنى عليه فصار فيه شلل، و حينئذ فلا يختص الشلل باليد كما عساه يتوهم مما في الصحاح «الشلل فساد في اليد» بل في القاموس «اليبس في اليد أو ذهابها».

و كذا يجب الثلث لو كان الشلل خلقة لإطلاق النص (3)و الفتوى و معقد الإجماع و غيره.

و في الظفر إذا لم تنبت عشرة دنانير و كذا لو نبت أسود، و لو نبت أبيض كان فيه خمسة دنانير كما صرح بذلك كله الشيخ و ابن حمزة و القاضي و الفاضلان و الشهيدان و المقداد و الكركي و غيرهم ما حكى عن بعضهم، و لذا نسبه غير واحد إلى الشهرة ل

رواية مسمع (4)بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام «قضي أمير المؤمنين عليه السلام في الظفر إذا قطع و لم ينبت أو خرج أسود فاسدا عشرة دنانير و إن خرج أبيض فخمسة دنانير».


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول و سقطت منه الجملة الأولى فراجع.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
3- 3 يعنى النصوص المذكورة آنفا.
4- 4 الوسائل الباب- 41- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 259

و لكن في الرواية ضعف غير أنها مشهورة عملا كما عرفت بل عن التنقيح «إن عليها عمل الأصحاب» فتنجبر حينئذ بذلك و تكون مقيدة لما في رواية عبد الله بن سنان (1)الصحيحة عن الصادق عليه السلام أيضا في الظفر خمسة دنانير و ل

قول أمير المؤمنين عليه السلام المروي في كتاب ظريف (2)«في كل ظفر من أظفار اليد خمسة دنانير و من أظفار الرجل عشرة دنانير»

خصوصا بعد عدم عامل بالإطلاق المزبور كالتفصيل الذي سمعته في المروي عن كتاب ظريف.

فمن الغريب استغرابه لذلك في الروضة، بل الغريب ما استحسنه من المحكي عن ابن إدريس، و هو «إن لم تخرج فعشرة دنانير و إن خرج أسود فثلثا ديته» و إن حكى عن المختلف نفى البأس عنه، بل عن أبي العباس أنه استحسنه أيضا، بل عن الإيضاح أنه الأصح، لأن خروجه أسود في معنى الشلل، و للأصل و استبعاد مساواة عوده لعدمه، إلا أن ذلك كله كما ترى.

بل هو كالاجتهاد في مقابلة النص الذي هو مستنده في العشر، المتجه مع ذلك العمل بما فيه من الخمسة، و إلا فلا دليل له إلا أن يكون إجماعا و هو في محل المنع، خصوصا على طريقة ثاني الشهيدين في تحصيله، و خصوصا بعد أن كان المحكي عن أبي على «أن في ظفر إبهام اليد عشرة دنانير، و في كل من الأظفار الباقية خمسة، و في ظفر إبهام الرجل ثلاثون، و في كل من الباقية عشرة، كل ذلك إذا لم ينبت أو نبت أسود معيبا و إلا فالنصف من ذلك» و إن كان هو واضح الضعف أيضا إذ لم نجد ما يشهد له فضلا عن مخالفته لما عرفت، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الثاني.
2- 2 الكافي ج 7 ص 337 و 342.

ج 43، ص: 260

[الثاني عشر الظهر]

الثاني عشر: الظهر و فيه إذا كسر و لم يصلح الدية كاملة و كذا لو أصيب فاحدودب كسر أو لم يكسر أو صار بحيث لا يقدر على القعود بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عليه الإجماع عن الغنية في الأول، و عن الخلاف في الأخيرين، مضافا إلى

قول الصادق عليه السلام (1)«في الرجل يكسر ظهره فقال: فيه الدية كاملة»

و قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر السكوني (2)«في الصلب الدية»

و في

كتاب يونس (3)الذي عرضه على الرضا عليه السلام «و الظهر إذا أحدب ألف دينار»

و في كتاب ظريف (4)«فإن أحدب منها الظهر فحينئذ تمت ديته ألف دينار»

و خبر بريد(5)العجلي عن أبي جعفر عليه السلام «قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل كسر صلبه فلا يستطيع أن يجلس أن فيه الدية».

بل و إلى ما دل على وجوبها فيما كان منه في البدن واحد، بناء على شموله للقطع و غيره الذي منه محل الفرض.

و لعله لذا و غيره قال في كشف اللثام «و كذا إن صار بحيث لا يقدر على المشي أصلا أو يقدر عليه راكعا أو بعكاز بيديه، أو بإحداهما أو ذهب بذلك جماعه أو


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
3- 3 التهذيب ج 10 ص 297.
4- 4 أورده كشف اللثام ج 2 ص 326 و مفتاح الكرامة ج 10 ص 434.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 261

ماؤه أو إحباله أو حدث به سلس البول و نحوه (1)» لكن عن التحرير «الحكومة إذا ذهب ماؤه دون جماعة، لأنه لم تذهب المنفعة» و لعله الأقوى، بل لا يخفى عليك أن المدار على كل ما انساق من قوله عليه السلام: «في الصلب» «و فيما كان منه في البدن واحد» من الجناية عليه نفسه، و الله العالم.

و لو صلح بعد الكسر أو التحديب بحيث يقدر على المشي أو القعود كما كان يقدر عليهما و لم يبق عليه من أثر الجناية شي ء كان فيه ثلث الدية كما عن النهاية و السرائر و الجامع و غيرها، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، و لكن لم أعرف مستنده بالخصوص، اللهم إلا أن يكون الحمل على اللحية إذا نبتت أو الساعد إذا صلح.

ففي

كتاب ظريف (2)«إن فيه إذا كسر و جبر على غير عثم و لا عيب ثلث دية النفس»

بناء على أن المراد به الساعدان معا كما أن ما عن الوسيلة من أن فيه خمس الدية حمل على المرفق و العضد و الرسغ، و في كتاب ظريف (3)في كل منها إذا كسر فجبر على غير عثم خمس دية اليد، بل فيه أيضا في قصبة الإبهام إن كسرت فجبرت كذلك خمس دية الإبهام، بل فيه أيضا في الساق و الركبة و الورك و الفخذ، في كل منها إذا كسرت فجبرت كذلك ففيها خمس الدية، إلا أن ذلك كما ترى بعد حرمة القياس عندنا، و لعله لذا كان المحكي عن المبسوط أن فيه الحكومة بناء منه على عدم تقدير له شرعا.

و لكن فيه أن الموجود في رواية ظريف (4)التي قد عرفت صحتها في بعض الطرق إن كسر الصلب فجبر على غير عيب فمأة دينار و إن عثم إن لم


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 326.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول نقلا عن التهذيب و الفقيه.
3- 3 راجع الوسائل الباب- 10 و 11 و 12 و 15 و 16- من أبواب ديات الأعضاء.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 262

ينجبر على استواء فألف دينار، بل عن المقنعة و الغنية و الإصباح و موضع من السرائر الفتوى به، بل عن الغنية الإجماع عليه، فالمتجه العمل به، لكن في الإرشاد الفتوى بمضمونه متصلا بالحكم بالثلث لو صلح الظهر، و لعله للفرق بين الصلب و الظهر، كما عن التحرير إلا أنه خلاف ظاهر الأصحاب، بل صريح بعضهم تفسير الصلب بالظهر كما عن مجمع البحرين و غيره، و في الصحاح «الصلب من الظهر و كل شي ء من الظهر فيه فقار فذلك الصلب» و في مختصر النهاية «الصلب الظهر» و في القاموس «عظم متصل من لدن الكاهل إلى العجب»، و الله العالم و لو كسر فشلت الرجلان فدية له أي كسر الظهر و ثلثا دية ل شلل الرجلين بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارها عليه، مضافا إلى أنهما جنايتان فتجب فيهما ما أوجبه النص لعمومه، نعم عن الشافعي دية للشلل و حكومة لكسر الصلب و لا وجه له، هذا.

و في الخلاف لو كسر الصلب فذهب مشيه و جماعه فديتان بإجماع الفرقة و أخبارها لأنهما منفعتان يوجب الدية ذهاب كل منهما، و حينئذ فما عساه يظهر من نسبة المصنف له إلى الخلاف من نوع تردد فيه في غير محله مع أني لم أجده لغيره، و الله العالم.

ج 43، ص: 263

[الثالث عشر النخاع]

الثالث عشر: النخاع و في قطعه الدية كاملة و إن عاش الإنسان، بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، لأنه عضو واحد في البدن فيعمه الضابط، و في بعضه الحساب بنسبة المساحة.

[الرابع عشر الثديان]

الرابع عشر: الثديان و فيهما من المرأة ديتها كاملة، و في كل واحدة نصف ديتها بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، للضابط المزبور، و خصوص قول أمير المؤمنين عليه السلام في

صحيح أبي بصير(1)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل قطع ثدي امرأته، إذا أغرمه لها نصف الدية»

و لو انقطع لبنهما الذي هو فيهما بالجناية مع بقائهما ففيه الحكومة كما صرح به الشيخ في محكي المبسوط و الفاضلان و غيرهما، لعدم مقدر له.

و كذا لو كان اللبن فيهما و تعذر نزوله بسبب الجناية، بل في كشف اللثام مفسرا به عبارة القواعد «و كذا لو لم يكن فيهما لبن لكن تعذر بالجناية نزوله في وقته بأن قال أهل الخبرة: إن التعذر من الجناية فالحكومة أيضا، و وقته إذا حملت فمضى للحمل أربعون ثم إذا وضعت فسقت اللبأ در اللبن


1- 1 الوسائل الباب- 46- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 264

لثلاث أو بعد مدة النفاس، و كذا إذا قل لبنها بالجناية فحكومة دون ذلك»(1)و لا بأس به ضرورة اشتراك الجميع في أنها جناية لا مقدر لها فليس إلا الحكومة.

و لو قطعهما مع شي ء من جلد الصدر ففيهما ديتها لما عرفت و في الزائد من الجلد حكومة فلو أجاف مع ذلك الصدر لزمه دية الثديين و الحكومة للجلد و دية الجائفة كما في القواعد و غيرها.

و لو قطع الحملتين من الثديين قال في المبسوط: فيهما الدية و تبعه الفاضل و ابنا حمزة و إدريس في محكي الوسيلة و السرائر للضابط المزبور و لكن فيه إشكال من حيث إن الدية في الثديين و الحلمتان بعضهما و هو مغاير للكل المعلق عليه الحكم الذي يقتضي التوزيع على أجزائه، فلو وجب فيهما الدية لزم مساواة الجزء للكل، و الحمل على اليد و الرجل و الأنف و الذكر قياس مع الفارق بالنص و الإجماع فيها دون الفرض، بل و بإطلاق اليد و الرجل على الأبعاض كثيرا كما في آية السرقة و الوضوء(2)و كذا الأنف و الذكر بخلافه، فإنه لا يطلق الثدي على الحلمة. اللهم إلا أن يدعى دخول الفرض في الضابط المزبور المخرج له عن القياس، لكن فيه شك أو منع، و الأصل البراءة، و الأولى الحكومة، هذا كله في حلمتي ثديي المرأة.

و أما حلمتا ثديي الرجل ففي المبسوط و الخلاف و محكي السرائر فيهما الدية، (11) بل في الأخيرين أنه مذهبنا، و اختاره الفاضل في جملة من كتبه، للضابط المزبور الذي قيل لا يجري فيه الإشكال المذكور، لعدم ثديين له يكونان بعضا منهما و قال ابن بابويه (3)رحمه الله: «في حلمتي ثديي الرجل ثمن الدية مأة و خمسة و عشرون دينارا (12) و فيهما معا ربع الدية».


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 327.
2- 2 المائدة 5: 38 و 6.
3- 3 الفقيه ج 4 ص 91 في ضمن خبر ظريف لا قول الصدوق نفسه، فراجع.

ج 43، ص: 265

و نحوه عن الوسيلة و الجامع، بل و كذا ذكره الشيخ في التهذيب (1)عن كتاب ظريف الذي قد عرفت صحته في بعض الطرق، و حينئذ فالمتجه تخصيص العموم المزبور بل في إيجاب الدية كاملة فيهما بعد خصوصا مع القول بعدم وجوبها في حلمتي ثديي المرأة لقلة منفعتهما فيه و مدخليتهما في الجمال فيه بخلافها، بل قد يشك في شمول العموم لهما.

و من الغريب أن الشيخ رحمه الله أضرب عن رواية ظريف التي عمل بها في غير المقام و تمسك بالحديث الذي مر في فصل الشفتين و هو

«ما كان في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية(2)»

مع أنه بعد فرض شموله لمثل الفرض مخصص برواية ظريف التي قد عرفت اعتبارها.

و أغرب منه ما في الرياض من الميل إلى الحكومة قال: «وفاقا لجماعة للشك في شمول القاعدة لمفروض المسألة، مع عدم دليل معتد به على مقدر لتعارض كتاب ظريف إن قلنا باعتبار سنده مع الإجماع المستظهر من عبارة الشيخ و الحلي، و لا مرجح تطمئن إليه، فيرجع إلى الضابط فيما لا مقدر له مضافا إلى أصل البراءة»(3)نعم لو لم يكن رواية ظريف معتبرة السند كما هو مبني من حكى عنهم موافقته كثاني الشهيدين و غيره كان ذلك متجها.


1- 1 التهذيب ج 10 ص 307.
2- 2 راجع الخلاف ج 2 ص 391 و المبسوط ج 7 ص 148.
3- 3 رياض المسائل ج 2 ص 613.

ج 43، ص: 266

[الخامس عشر الذكر]

الخامس عشر: الذكر و في الحشفة فما زاد الدية و إن استوصل إجماعا بقسميه و نصوصا عامة و خاصة ففي

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق عليه السلام «و في الذكر إذا قطع من موضع الحشفة الدية»

و في حسن الحلبي (2)عنه أيضا «و في الذكر إذا قطعت الحشفة و ما فوق الدية»

و في الموثقين (3)و الصحيح (4)«في الذكر إذا قطع الدية كاملة»

و في

ما عرضه يونس (5)على الرضا عليه السلام من قوله: «و الذكر إذا استوصل ألف دينار»

إلى غير ذلك من النصوص.

و حينئذ فالقضيب كالكف و الحشفة كالإصبع لا يتفاوت الحال في وجوب كمال الدية بقطع الحشفة خاصة أو مع القضيب أو بعضه من غير وجوب دية أخرى أو حكومة لما زاد عليها، و في كشف اللثام «كما قطع بذلك الأكثر(6)» قلت: لم أجد فيه خلافا بل و لا إشكالا للنصوص السابقة.

سواء كان لشاب أو شيخ أو صبي لم يبلغ أو من سلت خصيتاه على وجه لا يؤدى إلى شلل في ذكره، لإطلاق النصوص و الفتاوى و معقد الإجماع، بل في


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7 و 10.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
6- 6 كشف اللثام ج 2 ص 328.

ج 43، ص: 267

الصحيح (1)عن أبي جعفر عليه السلام «في ذكر الغلام الدية كاملة»

و في القوي (2)عن أمير المؤمنين عليه السلام «في ذكر الصبي الدية»

بل الظاهر الاتفاق عليه بيننا كما اعترف به بعض الأفاضل. نعم عن أبي حنيفة الحكومة في ذكر الخصي.

و ما في بعض النصوص من كون الدية بذكر الرجل، لا يراد منه إخراج الصغير بعد ما عرفت، فيمكن أن لا يراد منه القيدية أو تراد لإخراج ذكر الخنثى المشكل أو المعلوم كونها أنثى كما أن ما في

صحيح (3)بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام «في ذكر الخصي الحر و أنثييه ثلث الدية»

محمول على من شلل ذكره بالإخصاء.

و لو قطع بعض الحشفة كانت دية المقطوع بنسبة الدية من مساحة الكمرة(4)حسب لا جميع الذكر خلافا لبعض العامة ضرورة كون المقدر لها، و قد عرفت سابقا اتفاق النص و الفتوى على اعتبار المساحة في كل عضو له (5)مقدر له

إذا قطع بعضه، و حينئذ فإن كان المقطوع نصفها فنصف الدية أو ثلثها فثلث الدية و هكذا.

هذا إذا لم ينخرم مجرى البول و إلا احتمل وجوب الجزء المقسط و الحكومة معا لأنهما جنايتان لا مقدر لأحدهما، و لأنه لو اقتصر الجاني على خرم المجرى خاصة كانت فيه الحكومة، و لو اقتصر على قطع الجزء من الحشفة كان عليه الجزء


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 35- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
3- 3 التهذيب ج 10 ص 270 و الفقيه ج 4 ص 131 و الكافي ج 7 ص 318 و الوسائل الباب- 31- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 و ليس في الأخيرين لفظة« الحر» فراجع.
4- 4 الكمرة بالتحريك حشفة الذكر، و ربما أطلقت على جملة الذكر مجازا. مجمع البحرين.
5- 5 كذا في الأصل و الظاهر زيادة« له».

ج 43، ص: 268

من الدية، فمع اجتماعهما يجبان معا. و يحتمل وجوب أكثرهما كما سمعته في اللسان و الكلام إذا قطع نصفه (1)مثلا فذهب ربع الحروف أو بالعكس كما عن المبسوط، لأنه جناية واحدة تضمنت ذهاب العين و المنفعة، و لعل الأول أقوى.

و لو قطع الحشفة و قطع آخر أو هو ما بقي كان على الأول الدية و على الثاني الأرش كما لو قطع الأصابع ثم قطع هو أو غيره الكف إذ المقدر المستفاد من النصوص السابقة إنما هو في قطع الحشفة فما فوق، و الفرض تحققه بالقطع الأول، فيبقى الثاني بلا مقدر فتجب فيه الحكومة.

و في ذكر العنين ثلث الدية وفاقا للمشهور، بل كافة المتأخرين، بل عن الخلاف (2)الإجماع عليه و إن حكى الخلاف فيه في محكي كتاب القصاص منه (3)، إلحاقا- بعد انسياق النصوص السابقة إلى غيره- بالأشل الذي فيه ثلث الدية. كما عرفته في كل عضو أشل، بل منه يعلم أنه لو جنى عليه حتى صار أشل وجب ثلثا الدية كما تقدم سابقا، بل و كذا لو صار عنينا على ما صرح به في كشف اللثام. و المراد بالأشل هنا الذي يكون منبسطا أبدا فلا ينقبض و لو في


1- 1 كانت عبارة الأصل مغلوطة فصححناها بمعونة عبارة كشف اللثام ج 2 ص 328.
2- 2 قال في ديات الخلاف:« العين القائمة. و ذكر الأشل كل هذا و ما في معناه فيه ثلث دية صحيحة. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم» ج 2 ص 393.
3- 3 قال في قصاص الخلاف:« في ذكر العنين ثلث دية الذكر الصحيح. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم» ج 2 ص 367. و لم أجد فيه ما يشعر بالخلاف نعم قال في رياض المسائل:« و في ذكر العنين ثلث الدية. و مر نقل الإجماع عليه عن الخلاف مع نقل الخلاف فيه في كتاب القصاص في القسم الثاني منه في قصاص الأطراف» ج 2 ص 604 و 588 و لكن ضمير منه يرجع الى قصاص رياض المسائل لا قصاص الخلاف فراجع فإنه منشأ الاشتباه ظاهرا.

ج 43، ص: 269

الماء البارد، أو يكون منقبضا أبدا فلا ينبسط و لو في الماء الحار، و إن التذ صاحبه و أمنى بالمساحقة و أولد.

خلافا للمحكي عن القاضي و أبي علي فأوجبا في ذكر العنين الدية كالصحيح لإطلاق بعض النصوص السابقة، و خصوص

قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر السكوني (1)«في ذكر العنين الدية»

إلا أنه بعد إعراض المشهور عنه و معارضته بالإجماع المحكي الذي يشهد له التتبع، يمكن إرادة ديته منه.

و على كل حال فيما قطع منه أو من الأشل بحسابه بالنسبة إلى مجموع الذكر لا الحشفة كما سمعته في الصحيح، للفرق بينهما بأن الحشفة في الصحيح هي الركن الأعظم في لذة الجماع، و ورد بخصوصها الدية، بخلافهما لاستواء الجميع في عدم المنفعة و عدم ورود الدية منهما لخصوص الحشفة، مع كونه عضوا ينسب بعضه إلى مجموعه بناء على الأصل السابق، لكن في كشف اللثام بعد أن جزم بذلك في ذكر العنين، قال في الأشل «و هل يعتبر بالنسبة إلى الحشفة أو الجميع وجهان(2)» و لا يخفى ما فيه بناء على عدم تقدير للحشفة فيه، بل و عليه أيضا، فإن المتجه حينئذ كونه كالصحيح في اعتبار الحشفة، لا مجموع الذكر كما سمعته في الصحيح من دون احتمال آخر، و الله العالم.

و لو قطع نصف الذكر طولا و لم يحصل في النصف الآخر خلل من شلل و نحوه فنصف الدية، و إلا فإن ذهب بذلك الجماع فالدية كملا لما تعرفه في الجناية على المنافع، و إن حدث شلل في الباقي فخمسة أسداس الدية التي هي نصف الدية لما قطعه و ثلثا دية النصف الآخر لأنه أشله.

و في ذكر الخنثى إذا علم أنها امرأة أو استمر الاشتباه حكومة كما في غيره من الزوائد، و عن أبي علي ثلث ديتها، و لم نجد له ما يدل عليه كالمحكي عن


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 328.

ج 43، ص: 270

المقنع (1)«في ذكر الخنثى و أنثييه الدية»(2)لو علم أنها رجل ففي مفروضه ديتان إحداهما للذكر و الأخرى للأنثيين، و إلا فالحكومة كما هو واضح.

و في الخصيتين معا الدية إجماعا بقسميه و نصوصا عموما و خصوصا، منها ما

في الصحيح (3)«في البيضتين الدية»

و حينئذ ف في كل واحدة نصف الدية وفاقا للمشهور، بل في الرياض كافة المتأخرين، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، لانسياق التوزيع بالسوية التي هي مقتضى الأصل كما عرفته سابقا، و

لعموم (4)ما دل على أن كل ما كان منه في الإنسان اثنان ففي كل واحد نصف الدية،

بل

في كتاب ظريف (5)«و في خصيتي الرجل خمسمائة دينار».

و لكن في رواية صحيحة(6)عن الصادق عليه السلام و أخرى

مرفوعه (7)إليه

في اليسرى ثلثا الدية لأن الولد يخلق منها

(8)

- قال في الأول: «ما كان في الجسد منه اثنان ففيه الدية(8)، قلت: رجل فقأت عينه، قال: نصف الدية، قلت: قطعت يده، قال: نصفها، قلت: فرجل ذهبت أحدا بيضتيه، قال: إن كانت اليسار ففيها ثلثا الدية، قلت: أ ليس قلت: ما كان في


1- 1 المقنع ص 180.
2- 2 كأنه سقطت من العبارة هذه الجملة:« و الوجه أنه» راجع كشف اللثام ج 2 ص 328.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 4.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
5- 5 الوسائل الباب- 18- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
6- 6 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
7- 7 الوسائل الباب- 18- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
8- 8 كذا في ثلاث نسخ راجعناها و لكن في الوسائل و الكافي و التهذيب هكذا: « ففيه نصف الدية مثل اليدين و العينين قلت.».

ج 43، ص: 271

الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية؟! قال: لأن الولد من البيضة اليسرى»

و قال في الثاني: «الولد يكون من البيضة اليسرى فإذا قطعت ففيها ثلثا الدية و في اليمنى ثلث الدية».

و عن الصدوق في الهداية و الشيخ في الخلاف و القاضي في المهذب و سلار و ابني حمزة و سعيد العمل بها، بل هو خيرة الفاضل في محكي المختلف، مستدلا عليه مضافا إلى الخبرين، بما يفهم منهما من تفاوتهما في المنفعة المقتضى للتفاوت في الدية و إلا فهو بمجرده لا تقتضي التفاوت كما في تفاوت اليدين و العينين، و على كل حال فهو الأقوى تحكيما للخاص الجامع لشرائط الحجية على العام.

و ما في المتن من أن الرواية حسنة لكن تتضمن عدولا عن عموم الروايات المشهورة يدفعه أنه لا بأس بذلك خصوصا بعد تعرض الصحيح للعام المزبور و الحكم بتخصيصه، و كذا ما عن السرائر «من أنه لا دليل يعضد هذه الرواية»(1)، ضرورة عدم اشتراط مثل ذلك في الحجية عندنا، على أنك قد عرفت اعتبار التفاوت في المقنعة في النص، و نحوهما ما عن المقنعة(2)قال: «و قد روى أن في اليسرى منهما ثلثي الدية و في اليمنى ثلث الدية و اعتل من قال ذلك بأن اليسرى من الأنثيين يكون منها الولد و بفسادها يكون العقم و لم أتحقق ذلك برواية صحت عندي» بل ظاهره أن عدم القول بذلك لعدم عثوره على الصحيح المزبور لا إعراضا عنه، و لعل غيره كذلك. و منه يظهر حينئذ زيادة قوة القول المذكور. و ما عن بعض الأطباء من إنكار انحصار التولد في الخصية اليسرى، بل عن الجاحظ نسبته في حيوة الحيوان (3)إلى العامة لا يلتفت


1- 1 السرائر باب ديات الأعضاء.
2- 2 المقنعة ص 119 و فيه:« و قد قيل» مكان« و قد روى».
3- 3 الظاهر زيادة كلمة« حيوة» كما في غاية المراد للشهيد الأول و هو على ما علمناه أول من نقل هذا عن بعض الأطباء و الجاحظ ثم قال: و لا عبرة بذلك مع صحة النقل عن المعصومين عليهم السلام.

ج 43، ص: 272

إليه في مقابلة قول الصادق عليه السلام.

و كيف كان فما عن الراوندي من التفصيل بين الشيخ الآيس من الجماع فالنصف، و بين الشاب فالثلثين جمعا بين النصوص واضح الضعف، بعد عدم الشاهد له. و أضعف منه ما عن أبي علي من أن فيهما الدية و في اليسرى أيضا الدية، لأن الولد منها و في اليمنى نصفها، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى، و لا فرق في الحكم المزبور بين أن يكون الذكر سليما أو مقطوعا أو أشل لأن النقص في عضو آخر، بل و كذا العنين و غيره للعموم، و دعوى أن منشأ التعنن في الأنثيين ممنوعة. و الله العالم.

و في أدرة الخصيتين أى انتفاخهما أربعمائة دينار بلا خلاف أجده.

و في كشف اللثام نسبه إلى قطع الأصحاب فإن فحج بسبب ذلك و هو معروف في العرف، و في كشف اللثام «أى تباعد رجلاه عقبا و تدانتا صدرا أو تباعد فخذاه أو وسط ساقيه فلم يقدر على المشي أصلا أو ما لا ينتفع به»(1)فثمانمأة دينار كما عن الأكثر القطع به و مستنده كتاب ظريف قال فيه على ما

في التهذيب (2)«و في خصية الرجل خمسمائة دينار و قال:


1- 1 كذا في الأصل. و في كشف اللثام هكذا:« أى تباعد رجلاه عقبا و تدانتا صدرا أو تباعدا فخذاه أو وسط ساقيه فلم يقدر على المشي أو مشى مشيا لا ينتفع به». و في مفتاح الكرامة:« و الفحج بفتح الفاء فالحاء المهملة فالجيم ما إذا تباعدت رجلاه أعقابا مع تقارب صدور قدميه أو تباعد فخذاه عن أواسط ساقيه». و في نهاية اللغة:« الفحج تباعد ما بين الفخذين». و في مجمع البحرين:« الفحج تباعد ما بين الرجلين في الأعقاب مع تقارب صدور القدمين».
2- 2 التهذيب ج 10 ص 307- 308.

ج 43، ص: 273

و إن أصيب رجل فأدر خصيتاه كلتاهما فديته أربعمائة دينار فإن فحج فلم يقدر على المشي إلا مشيا لا ينفعه فديته أربعة أخماس دية النفس ثمانمائة دينار» لكن فيه على ما في الكافي (1)«و دية البجرة إذا كانت فوق العانة عشر دية النفس مأة دينار فإن كانت في العانة فخرقت الصفاق فصارت أدرة في إحدى البيضتين فديتها مأتا دينار خمس الدية»

و يمكن حملها على أن دية البجرة مأة فإن تسببت للأدرة أضيف إليها أخرى للأدرة خاصة فيتم لها مأتان، و لا يعارض ذلك ما

عن معاوية(2)«قال: تزوج جار لي امرأة فلما أراد مواقعتها رفسته برجلها ففتقت بيضته فصار أدر فكان بعد ذلك ينكح و لا يولد له، فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك و عن رجل أصاب صرة(3)رجل ففتقها، فقال: في كل فتق ثلث الدية»

بعد قصور سنده و شذوذه و عدم عامل به فليطرح أو يحمل على إرادة أن في الفتق ثلث الدية فإن استلزم الأدرة لزم خمساها.

كما لا يناقش في خبر ظريف (4)بضعف سنده كما وقع من بعض، بل هو ظاهر قول المصنف غير أن الشهرة تؤيده ضرورة تسليمه ضعفه إلا أن الشهرة جابرة، لكن قد عرفت أنه مروي بعدة طرق فيها الصحيح و غيره، فلا محيص حينئذ عن العمل به فما عساه يظهر من بعض من الوسوسة في الحكم المزبور و الإشكال فيه في غير محله، و الله العالم.


1- 1 الكافي ج 7 ص 342.
2- 2 الوسائل الباب- 32- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
3- 3 في الوسائل بالسين و في الوافي بالضاد المعجمة و قال في مرآت العقول: في بعض النسخ بالصاد المهملة.
4- 4 التهذيب ج 10 ص 307.

ج 43، ص: 274

[السادس عشر الشفران]

السادس عشر: الشفران و هما عرفا اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل هو كذلك أيضا عن مجمع البحرين، بل عن المبسوط أنهما و الأسكتان شي ء واحد، لكن قال: «و هما عند أهل اللغة عبارة عن شيئين، قال بعضهم: الأسكتان هو اللحم المحيط بشق الفرج و الشفران حاشيتا الأسكتين كما أن للعينين جفنين ينطبقان عليهما و شفرهما هي الحاشية التي ينبت فيها أهداب العينين، فالإسكتان كالأجفان و الشفران كشفري العينين»(1)بل عن السرائر و موضع آخر من المبسوط تفسيرهما بذلك، بل في كشف اللثام «الفرق بين الأسكتين و الشفرين بما سمعت هو المعروف عند اللغويين» قلت: إلا أن العرف على ما ذكره الأصحاب و عليه المدار بعد أن لم يعلم حدوثه كما حقق في محله.

على أن الموجود في النصوص قطع الفرج لا الشفرين،

قال الصادق عليه السلام في خبر عبد الرحمن بن سيابة(2)في كتاب علي عليه السلام: «لو أن رجلا قطع فرج امرأة لأغرمنه لها ديتها فان لم تؤد إليها الدية قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك»

و في آخر(3)«رجل قطع فرج امرأة فقال: أغرمه لها نصف ديتها»

و هو محمول على قطع أحدهما كما أن الأول محمول على قطعهما معا، و ليس فيهما الشفر، و لكن الأصحاب عبروا به لتبادره من الفرج عرفا بالمعنى الذي ذكرناه دونه


1- 1 المبسوط ج 7 ص 149.
2- 2 الكافي ج 7 ص 313- الوسائل الباب- 36- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول و لكن أورد صدره فقط.
3- 3 الوسائل الباب- 36- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.

ج 43، ص: 275

بالمعنى الآخر. و حينئذ فتجب الدية في الأسكتين لا في حرفيهما(1)الذين فيهما من الدية بالحساب إن أمكنت النسبة بالمساحة و إلا فالحكومة كما في كشف اللثام و الرياض، و أولى منه الصلح و كذا في غيره.

و احتمال (2)ثبوت الدية لهما أيضا باعتبار كونهما عضوين في البدن فيندرجان في العموم السابق واضح الضعف للأصل بعد ظهور العموم في غيره لعدم تميزه عضوا مستقلا بل هو كطرف الشفتين.

و على كل حال ف فيهما معا ديتها و في كل واحدة نصف ديتها بلا خلاف أجده فيه للقاعدة التي سمعتها غير مرة و تستوي في الدية و نصفها السليمة و الرتقاء و القرناء و الصغيرة و الكبيرة و البكر و الثيب للعموم الذي لا مدخلية في تناوله للأمور الداخلة. نعم لو كان بهما استحشاف أو شلل كان فيهما ثلث الدية بناء على إلحاق الاستحشاف بالشلل الذي قد عرفت الضابط فيه.

و في الركب حكومة لعدم المقدر له و هو في المرأة مثل موضع العانة من الرجل الذي فيه الحكومة أيضا لعدم التقدير له سواء قطعه منفردا أو منضما إلى الفرج منه أو منها لعدم الدليل على التبعية نحو تبعية الراحة للأصابع فليس إلا الحكومة كما هو واضح.

و في إفضاء المرأة ديتها بلا خلاف معتد به بل و لا إشكال و لكن تسقط (11) ذلك في طرف الزوج إن كان بالوطي (12) لا بالإصبع و نحوه بعد بلوغها و (13) أما لو كان قبل البلوغ ضمن الزوج مع مهرها ديتها و الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما، و لو لم يكن زوجا و كان مكرها فلها المهر و الدية و إن كانت (14) حرة مطاوعة فلا مهر (15) لأنها بغي و (16) لكن لها الدية (17) كما تقدم تحقيق ذلك و غيره موضوعا و حكما بما لا مزيد عليه في كتاب النكاح.


1- 1 في مفتاح الكرامة« جوفيهما».
2- 2 في الأصل هكذا:« و كذا في غير احتمال.» فصححناها.

ج 43، ص: 276

و الحمد لله فلاحظ و تأمل.

و لو كانت المكرهة بكرا هل يجب لها أرش البكارة زائدا عن المهر فيه تردد و الأشبه عند المصنف و الفاضل وجوبه، بل عن المبسوط أنه مذهبنا، لأصالة تعدد المسببات بتعدد الأسباب فتفرض حينئذ أمة و تقوم بكرا تارة و ثيبا أخرى فيأخذ التفاوت مع مهر المثل و دية الإفضاء.

و لكن قد يقوى دخوله في المهر الذي اعتبر البكارة فيه، للأصل بعد خلو النصوص الواردة في مقام البيان عنه، بل ظاهر اقتصارها على غيره عدمه، و ل

قول الصادق عليه السلام لعبد الله بن سنان المتقدم (1)في دية الشعر «إن شعر المرأة و عذرتها شريكان في الجمال فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كملا».

أما المطاوعة فظاهر العبارة عدمه لها كالمهر لكنه لا يخلو من نظر بناء على أن الإذن في الجناية من المجني عليه لا يسقط أرشها.

هذا كله في الحرة أما الأمة فقد قيل إن عليه أرش البكارة مطلقا مطاوعة أو مكرهة، و قدر في الأخبار(2)بنصف عشر قيمتها. قلت: هو مبني على أن مطاوعة الأمة لا يسقط حق عوض البضع الذي هو للسيد و إن كانت هي بغيا كما تقدم تحقيق ذلك في محله.

و كيف كان ف يلزم ذلك في ماله أما المهر و الأرش إن قلنا به فظاهر و أما الدية ف لأن الجناية إما عمد أو شبيه العمد بذلك غالبا و كل منهما يقتضي التعلق

بالمال، و عن المبسوط(3)«و إنما يكون عمدا محضا إذا كانت صغيرة و بدنه كبير و يعلم أن مثلها لا يطيق ذلك فمتى فعل ذلك فقد أفضاها عمدا محضا فالدية مغلظة حالة في ماله و إن وجبت عن عمد الخطاء فالدية


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول.
2- 2 راجع الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب من كتاب التجارة، و قال في مفتاح الكرامة: و قدر في بعض الاخبار بعشر قيمتها ج 10 ص 452.
3- 3 المبسوط ج 7 ص 150- 151.

ج 43، ص: 277

مغلظة مؤجلة عندنا في ماله و عندهم على العاقلة قال: و عمد الخطأ أن تكون كبيرة قد يفضى مثلها و قد لا يفضي، فإن وجد الإفضاء علمنا أنه عامد في فعله مخطئ في قصده فلهذا كان عمد الخطاء قال: و أحال بعضهم أن يتصور في الإفضاء خطأ محض» قلت: يتصور في الصغير و المجنون و النائم بل و فيما إذا كان له زوجة قد وطأها و يعلم أن وطيها لا يفضيها فأصاب على فراشه امرأة فأفضاها و يعتقدها زوجته فإنه أيضا خطأ محض، و الله العالم.

[السابع عشر الأليتان]

السابع عشر:

قال في المبسوط في الأليتين الدية و في كل واحدة منهما نصف الدية و من المرأة ديتها و في كل واحدة منهما نصف ديتها و وافقه عليه غير واحد ممن تأخر عنه و هو حسن تعويلا على الرواية(1)التي مرت في فصل الشفتين التي

هي «كلما كان في الإنسان منه اثنان ففيها الدية و في أحدهما نصفها»

ضرورة كونهما عضوين متميزين، فيهما الجمال و المنفعة، إذ المراد بهما اللحم الناتي بين الظهر و الفخذين، نعم الظاهر كما عن المبسوط و الوسيلة و التحرير و غيرها اعتبار الوصول إلى العظم في وجوبها لأنهما اسم لمجموع ذلك عرفا، و إلا فبعض الدية بالحساب إن أمكن و إلا فالحكومة كما قيل، أو الصلح الممكن إرادته من الحكومة هنا، فإن لم يمكن الصلح فليس إلا الأقل للأصل، لكن في قواعد الفاضل بعد أن فسرهما بما سمعت قال: «فإذا قطع ما أشرف منهما على البدن فالدية و إن لم يقرع العظم»(2)و ظاهره الاكتفاء بقطع المشرف منهما حتى ينتهي إلى مساواة الظهر و الفخذ، بل لعل فيما زاد على ذلك الحكومة


1- 1 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء.
2- 2 مفتاح الكرامة ج 10 ص 455.

ج 43، ص: 278

مع الدية، و هو مبني على خروج الباقي عن مسماها عرفا، و فيه منع إذ الظاهر أنهما عرفا اسم لمجموع هذا اللحم إلى العظم، و الله العالم.

[الثامن عشر الرجلان]

الثامن عشر: الرجلان و فيهما الدية و في كل واحدة نصف الدية إجماعا بقسميه و نصوصا عموما و خصوصا من غير فرق بين اليمنى و اليسرى كما سمعته في اليدين و حدهما مفصل الساق بلا خلاف أجده فيه، لأنه الذي يدل عليه العرف و اللغة فإن قطعتا معا من الأصابع فدية كاملة، و في الرجل الواحدة نصفها و البحث في قطع بعض الساق معها كالبحث في قطع بعض الساعد و كذا الكلام في القطع من مفصل الركبة أو من أصل الفخذين على حسب ما سمعته في اليد.

و في الأصابع منفردة دية كاملة بلا خلاف أجده فيه، بل ربما ظهر من بعض نفيه بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه بل و على أنه في كل إصبع عشر الدية نحو ما سمعته في أصابع اليدين نصا و فتوى حتى في الخلاف في الإبهام هنا بالسوية أو بالتفاوت كما سمعته مفصلا في اليدين إذ الحكم فيهما متحد نصا و فتوى في ذلك كله و في أن دية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية و في الإبهام على اثنين، (11) بل و في حكم الرجل الزائدة، إذ هي كاليد الزائدة التي قد عرفت الحال فيها مفصلا.

و لكن عن المبسوط و التحرير هنا في الرجلين تفصيلا، و هو «أن إحدى الرجلين إذا كانت أطول من الأخرى و لا يمكنه المشي على القصيرة لمنع الطويلة من وصولها إلى الأرض، فإذا قطع قاطع الطويلة فإن لم يقدر على المشي على القصيرة حينئذ فعليه القود أو الدية لظهور أنها أصلية، و إن قدر على المشي على القصيرة فعليه دية الزائدة و هو ثلث الأصلية أو الحكومة على ما اخترناه، لظهور

ج 43، ص: 279

أن القصيرة هي الأصلية و إنما تعذر المشي عليها لطول الزائدة، فإن قطعت القصيرة بعد الطويلة ففيها القود أو دية الأصلية»(1)إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ضرورة ظهور منع ذلك كله مع أنه ينبغي أن يأتي مثله في اليدين.

ثم قال: «و لو جنى على الطويلة فشلت ففيها ثلث الدية لأن الظاهر أصالتها و لا يمكن الصبر لينظر هل يمشى على القصيرة أولا فإن قطعها آخر بعد الشلل ففيه ثلث دية الرجل فإن لم يقدر على المشي على القصيرة استقر الحكم و إن قدر ظهر زيادة الطويلة فيسترد من الدية الباقي» و فيه المنع السابق أيضا إذ إمكان المشي عليها لا يقتضي أصالتها التي يرجع فيها إلى مستوي الخلقة، فربما يتمكن من ذلك مع أنها زائدة و ربما لا يتمكن مع كونها أصلية كما هو واضح، و الله العالم.

و في الساقين الدية و كذا في الفخذين و في كل واحدة نصف الدية نحو ما سمعته في الساعد و العضد بالنسبة إلى قطعهما مستقلين أو منضمين و حينئذ ففي قطع الساق أو الفخذ أو بعضها مع ما تحته ما تقدم في قطع الذراع أو العضد أو بعضها و ما تحته، من الكلام و عبارة المبسوط المحكية عنه كعبارته هناك قال «و حد ما يجب فيه نصف الدية أن يقطع مفصل الساق و القدم و هو الذي يقطع من السارق عندهم و إن قطعها من نصف الساق ففيها دية و حكومة و إن قطعها من الركبة فكذلك و إن قطعها من الفخذ فكذلك لأنه كل ما قطع معها أكثر كانت


1- 1 العبارة مطابقة لما في التحرير ج 2 ص 273 الا أن فيه« الفاضل» مكان« الباقي» و لكن في المبسوط ج 7 ص 145 هكذا:« فان جنى على الطويلة فشلت ففيها

ج 43، ص: 280

الحكومة أكثر و عندنا في جميع ذلك مقدر كلما قلناه في اليد ذكرناه في الكتاب المتقدم ذكره إلى آخره»(1)و حينئذ فيجري فيها ما سمعته في اليد، و بالجملة الرجل كاليد و أصابعها، فلاحظ و تأمل.

[مسائل]
اشاره

مسائل

[المسألة الأولى في الأضلاع مما خالط القلب لكل ضلع إذا كسرت خمسة و عشرون دينارا]

الأولى:

في الأضلاع مما خالط القلب لكل ضلع إذا كسرت خمسة و عشرون دينارا، و فيها مما يلي العضدين لكل ضلع إذا كسرت عشرة دنانير كما صرح به ابنا حمزة و إدريس و الفاضل و الشهيدان و غيرهم بل لا أجد فيه خلافا. نعم عن ابن إدريس أنه أطلق المقدار الأول في مطلق الضلع و لم يفصل، و فيه على تقدير خلافه أنه لا مستند للحكم المزبور إلا ما في

كتاب الظريف (2)الذي قد عرفت اعتباره في بعض طرقه، و هو صريح في التفصيل، قال: «و في الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا كسر منها الضلع فديته خمسة و عشرون دينارا، و في صدعه اثنا عشر دينارا و نصف، و دية نقل عظامه سبعة دنانير و نصف، و موضحته على ربع كسره، و نقبه مثل ذلك، و في الأضلاع مما يلي العضدين دية كل ضلع عشرة دنانير إذا كسر، و دية صدعه سبعة دنانير، و دية نقل عظامه خمسة دنانير، و موضحة كل ضلع منها ربع دية كسره ديناران و نصف، فإن نقب ضلع منها فديتها ديناران و نصف».


1- 1 المبسوط ج 7 ص 143.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب ديات الصدر و الأضلاع الحديث الأول.

ج 43، ص: 281

و في كشف اللثام (1)«و نحوه عن الرضا عليه السلام». ثم إن ظاهره كظاهر المتن و غيره، بل هو المحكي عن صريح التحرير، أن الأضلاع قسمان، منها ما يخالط القلب ففيه خمسة و عشرون دينارا و منها ما لا يخالطه و يلي العضدين و هي الأعالي منها ففيه عشرة، لكن في التنقيح «يريد بالمخالطة الجانب الذي عند القلب و بعدم المخالطة خلاف ذلك فالضلع الواحد إن كسر من الجهة الأولى ففيه أعلى الديتين و إن كسر من الجهة الثانية ففيه أدناهما»(2)و تبعه ثاني الشهيدين، و هو كما ترى غير ظاهر الوجه.

[المسألة الثانية إذا كسر بعصوصه فلم يملك غائطه كان فيه الدية]

المسألة الثانية:

إذا كسر بعصوصه و هو على ما في القاموس و كشف اللثام عظم الورك، و قيل: هو العصعص بضم عينيه، و هو عجب الذنب بفتح عينه، أعنى عظمه الذي يجلس عليه، و يقال: إنه أول ما يخلق و آخر ما يبلى، و ربما قيل: إنه تصحيف و لذا لم يذكره أهل اللغة، و لكن قد سمعت ما في القاموس، و في كشف اللثام قد ذكره ابن عباد في المحيط بالمعنيين، و عن الراوندي البعصوص عظم رقيق حول الدبر.

و على كل حال لو كسره كاسر على وجه لا يملك غائطه كان فيه الدية كما في القواعد و النافع و محكي الوسيلة و السرائر و الجامع و غيرها و هي رواية سليمان بن خالد(3)

«سأل الصادق عليه السلام عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك استه فما فيه من الدية؟ قال: الدية كاملة».

و كذا من ضرب عجانه بكسر العين و هو ما بين الخصيتين و الفقحة


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 328، الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 44.
2- 2 التنقيح ص 835 من مخطوط عندنا.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات المنافع، الحديث الأول.

ج 43، ص: 282

فلم يملك بوله و لا غائطه ففيه الدية كما في الكتب السابقة و هي رواية إسحاق بن عمار(1)

سمع الصادق عليه السلام يقول: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام بذلك».

و في المسالك «أن العمل بهما أي الروايتين مشهور و كثير من الأصحاب لم يذكروا في ذلك خلافا»(2)قلت: و هو كذلك كما اعترف به في الرياض، بل صرح به الصيمري و زاد «بل فتاوى الأصحاب مطابقة» و حينئذ فيجبر الخبران المزبوران بذلك، فما عساه يشعر به ما في المتن من النسبة إلى الرواية من التردد فيه في غير محله، و الله العالم.

[المسألة الثالثة في كسر كل عظم من عضو خمس دية ذلك العضو]

المسألة الثالثة:

في كسر كل عظم من عضو له مقدر خمس دية ذلك العضو فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره كما نص عليه الشيخان و الديلمي و الحلي و أبو المكارم و الكيدري و الفاضلان و غيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل هو المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، نعم عن الخلاف (3)«إذا كسرت يده فجبرت فإن انجبرت على الاستقامة كان عليه خمس دية اليد و إن انجبرت على عثم كان عليه دية كسره» مستدلا عليه بالإجماع و الأخبار، و ربما يوافقه في الجملة ما

في كتاب ظريف (4)على ما عن الكافي «إن في كسر كل من المنكب و العضد


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
2- 2 المسالك ج 2 ص 504.
3- 3 الخلاف ج 2 ص 388 و فيه هكذا: «و ان انجبرت على عثم كان عليه ثلاثة أرباع دية كسره»
4- . 4 الكافي ج 7 ص 334- 336 و ليس فيه قيد «إذا جبرت على غير عثم» للمنكب نعم هو موجود في غير المنكب فراجع.

ج 43، ص: 283

و المرفق و الكف إذا جبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية اليد، و كذا الساعد إذا كسر قصبتاه جميعا، فإن كسرت إحدى الزندين فخمسون دينارا».

و عن الفقيه و التهذيب و الجامع (1)«أن فيه إذا كسر فجبر على غير عثم و لا عيب ثلث دية النفس ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار فإن كسر إحدى القصبتين من الساعد فديته خمس دية اليد مأة دينار و في أحدهما أيضا في الكسر لأحد الزندين خمسون دينارا و في كليهما مأة دينار» انتهى.

و في الكتاب أيضا «إن في كسر قصبة الإبهام من اليد أو الرجل قصبتها التي تلي الكف أو القدم خمس دية الإبهام إن جبرت من غير عثم و لا عيب و في كسر المفصل الأعلى منها ستة عشر دينارا و ثلثي دينار إن انجبرت كذلك و في كسر المفصل الأسفل الذي يلي الكف من كل من الأصابع الأربع ستة عشر دينارا و ثلثي دينار و هو يزيد على خمس دية الإصبع بدينار و ثلث، و في كسر مثله من أصابع الرجل الأربع ستة عشر دينارا و ثلثا، و في كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع للكف أحد عشر دينارا و ثلثا و من أصابع الرجل أحد عشر دينارا و ثلثي دينار، و في كسر المفصل الأعلى في كل من أصابعهما

خمسة دنانير و أربعة أخماس دينار، و لم يقيد الكسر في الأصابع بالانجبار على غير عثم و عيب، و في الكف إذا كسرت فانجبرت على غير عثم و لا عيب أربعين دينارا، و في كل من الورك و الفخذ و الركبة و الساق و القدم إذا كسر فانجبر على غير عثم و لا عيب خمس دية الرجل و لعل المراد في كل من الوركين و الفخذين و كذا البواقي و نص فيه على أن كلا من الفخذ و الساق إن عثمت ففيها ثلث دية النفس، و قد ذكر في صدع أكثر هذه الأعضاء أن فيه أربعة أخماس دية كسرها»(2)

و في الوسيلة «إن في


1- 1 الفقيه ج 4 ص 84- التهذيب ج 10 ص 300 و الجامع لابن سعيد مخطوط ليس عندي.
2- 2 هذه عبارة كشف اللثام ج 2 ص 327 حكاها المصنف بطولها و هي من كتاب ظريف ملخصا، راجع الفقيه ص 84.

ج 43، ص: 284

كل كسر كل من العضد و المنكب و المرفق و قصبة الساعد و أحد الزندين أو الكفين خمس دية اليد، و في كسر الأنملة الأولى من الإبهام ثلث دية كسر الكف و في الثانية نصف دية كسر الكف، و في كسر المفصل الثاني من الأصابع سوى الإبهام أحد عشر دينارا و ثلثا، و في كسر الأول نصفه و في صدع العضو أربعة أخماس دية الكسر»(1)إلا أنه كما ترى لم نجد ما يدل على تمام ما ذكره.

و كيف كان المشهور أيضا في موضحته ربع دية كسره، بل عن الشيخ في الخلاف الموافقة هنا مدعيا عليه الإجماع، كالمحكي عن الغنية، و هما الحجة حينئذ بعد ما في

الذي عرضه (2)يونس و ابن فضال علي أبى الحسن عليه السلام من قوله: «و دية موضحته ربع دية كسره»

و بعد ما

في كتاب ظريف (3)أيضا في أكثر الأعضاء،(4)بل و في نقبه أيضا.

لكن فيه «أن في كسر الكف أربعين دينارا و في موضحتها خمسة و عشرين دينارا و في كسر قصبة إبهام الرجل ستة و ستين دينارا و ثلثي دينار و في موضحتها و نقبها خمس ذلك ثمانية دنانير و ثلث دينار و إن في كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع للرجل أحد عشر دينارا و ثلثي دينار و في موضحته دينارين و في المفصل الأعلى منها خمسة دنانير و أربعة أخماس دينار و في موضحته و نقبه دينارا و ثلثا».

و في خبر إسحاق (5)بن عمار عن الصادق عليه السلام «إن في الأصابع إذا


1- 1 الوسيلة كتاب الديات ص 3 من فصل في بيان أحكام الشجاج.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج و الجراح الحديث 3.
3- 3 راجع كتاب ظريف في الفقيه ج 4 ص 75- 92.
4- 4 كذا في الأصل و في كشف اللثام و في بعض النسخ:« في كسره» مكان« في أكثر الأعضاء».
5- 5 الكافي ج 7 ص 327 و الفقيه ج 4 ص 137 و الوسائل الباب- 13- من أبواب قصاص الطرف الحديث 2 و ليست في أحد من هذه الثلاثة كلمة« نصف» نعم هي موجودة في كشف اللثام ج 2 ص 328 فراجع.

ج 43، ص: 285

وضح العظم نصف عشر دية الإصبع»

إلا أن ذلك كله قاصر عن معارضة ما سمعته مما يدل على المشهور.

و في رضه ثلث دية ذلك العضو إن لم يبرأ أو عثم فإن برأ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه كما نص عليه من عرفت أيضا، بل عن الغنية الإجماع عليه، نعم عن المراسم إطلاق الثلث من غير تفصيل بين البرء من غير عيب و عدمه، و في نكت المصنف «إن هاتين المسألتين أي الكسر و الرض ذكرهما الشيخان و تبعهما المتأخرون و لم يشيروا إلى المستند»(1)و هو كذلك إذ العمدة في هذه المقادير كتاب ظريف و الموجود فيه في رض كل من المنكب و المرفق و الورك و الركبة إذا انجبر على عثم ثلث دية النفس (2)و لعلهم حملوه على رض المنكبين و المرفقين و كذا الباقيان

و فيه أيضا «أن في رض الرسغ إذا انجبر على غير عثم و لا عيب ثلث دية اليد مأة و ستة و ستون دينارا و ثلثا دينار و في الكعب إذا رض فجبر على غير عثم و لا عيب ثلث دية الرجل ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار(3)».

و قال ابن حمزة: «فإن رض أحد خمسة أعضاء المنكب و العضد و المرفق و الرسغ و الكف (4)و انجبر على عثم ففيه ثلث دية اليد فإن جبر على غير عثم ففيه مأة دينار و قيل: مأة و ثلاثون دينارا و ثلث»(5)انتهى.

و في فكه من العضو بحيث يتعطل العضو ثلثا دية العضو فإن صلح على


1- 1 نكت النهاية كتاب الديات صفحتان قبل آخر الكتاب.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 83 و 84 و 88 و 89.
3- 3 الفقيه ج 4 ص 84 و 89.
4- 4 كذا في الوسيلة و كشف اللثام و ثلاث نسخ من الجواهر عندنا و لكن في مفتاح الكرامة« الكتف».
5- 5 الوسيلة كتاب الديات ص 4 من فصل في بيان أحكام الشجاج.

ج 43، ص: 286

غير عيب فأربعة أخماس دية فكه كما صرح به من عرفت عدا ابن زهرة منهم، و لعل وجه الأول اندراجه في الشلل، و لكن في

كتاب ظريف (1)«في فك كل من المنكب و المرفق و الورك و الركبة ثلاثون دينارا».

و في كشف اللثام «و نحوه

عن الرضا عليه السلام»(2)[22940] «و في فك الكف ثلث دية اليد مأة و ستة و ستون دينارا و ثلثا دينار» قال: «و كذا روى عن الرضا عليه السلام (3)«و في فك قصبة الإبهام من اليد أو الرجل التي تلي الكف أو القدم عشر دنانير، و في فك المفصل الأعلى من إبهام الرجل خمسة دنانير، و كذا في فك المفصل الثالث من سائر أصابع اليد أو الرجل، و في فك المفصل الأوسط و الأعلى من سائر أصابع اليد ثلاثين دينارا و ثلثا دينار و في فك الأوسط من أصابع الرجل ثلاثة دنانير، و في فك الأعلى من سائر أصابع الرجل ديناران و أربعة أخماس دينار»

كذا عن الكافي(4).

و في الفقيه و التهذيب و الجامع «في فك أوسط سائر أصابع الرجل أيضا ثلاث دنانير و ثلثا دينار، و في أعلى مفاصل سائر أصابع الرجل دينار و أربعة أخماس دينار»(5)

و قال ابن حمزة: «فإذا فك كفا و تعطلت ففيها ثلثا دية اليد، فإن صلحت و التأمت ففيها أربعة أخماس دية الفك، و في فك أنملة الإبهام عشرة دنانير، و في فك المفصل الثاني منها نصف دية فك الكف، و في فك كل مفصل من غير الإبهام ثلاثة دنانير و ثلث، و في فك العضد أو المرفق أو المنكب ثلاثون دينارا، فإن تعطل العضو بالفك ففيه ثلثا دية اليد فإن انجبر و التأم ففيه أربعة


1- 1 الكافي ج 7 ص 334- 339.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 328 الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 43.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 328 الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 44.
4- 4 الكافي ج 7 ص 334- 339.
5- 5 الفقيه ج 4 ص 86 و التهذيب ج 10 ص 303.

ج 43، ص: 287

أخماس دية الفك»(1).

و على كل حال فمن ذلك كله يظهر ما في المسالك من «أن مستند المشهور أي في الكسر و الإيضاح و الرض و الفك كتاب ظريف، و طريقه ضعيف، و لذا نسبه المصنف إلى الشيخين في النافع مشعرا بنوع تردد فيه» ضرورة أنك قد عرفت إمكان تصحيح بعض طرق الكتاب المزبور، لكنه كما عرفت غير مشتمل على جميع الأحكام المزبورة، فالعمدة الإجماع المزبور معتضدا بالشهرة و غيرها.

و أما الأخير فهو مع إمكان إدراج الجزء الأول منه في الشلل يمكن تحصيل الإجماع عليه أيضا إذ لم أجد فيه خلافا و لا حكاه أحد من الناس كما اعترف به بعض الأفاضل، مضافا إلى إمكان دعوى الإجماع المركب و إلى إمكان دلالة ما في كتاب ظريف عليه و لو في الجملة و يتم بعدم القول بالفصل، و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة الصلح و نحوه، و الله العالم.

[المسألة الرابعة في الترقوتين الدية]

المسألة الرابعة قال في المبسوط و الخلاف: في الترقوتين و هي العظمان اللذان بين ثغرة النحر و العانق الدية و في كل واحدة منهما مقدر عند أصحابنا و لعله إشارة إلى ما ذكره الجماعة عن ظريف (2)و هو في الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب أربعون دينارا و نحوه عن الرضا عليه السلام على ما في كشف اللثام (3)[22928]، بل في غاية المرام للصيمري نسبه إلى الشهرة، بل عن الخلاف الإجماع على التقدير فيهما، و كفى بذلك كله حجة لمثله، فما عساه يظهر من نحو العبارة من التردد فيه في غير محله خصوصا بعد أن عرفت اعتبار بعض طرق الكتاب المزبور نعم ليس في شي ء من النص


1- 1 الوسيلة ص 3 من فصل في بيان أحكام الشجاج.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
3- 3 الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام ص 43.

ج 43، ص: 288

حكمهما إذا لم يجبرا أو جبرا على عيب فيتجه فيه الحكومة حينئذ للضابط مراعيا لوجوب أكثر الأمرين منها و من المقدار المزبور لكن في الوسيلة و شرح الصيمري و عن المهذب الدية فيها و نصفها في إحداهما للعموم السابق، إلا أن في شموله لمثله نظرا هذا.

و في كتاب ظريف و الوسيلة في صدعها أربعة أخماس دية كسرها و في الأول منهما «فإن أوضحت فديتها خمسة و عشرون دينار و ذلك خمسة أجزاء من ثمانية من ديتها إذا انكسرت فإن نقل منها العظام فديتها نصف دية كسرها عشرون دينارا فإن نقبت فديتها ربع دية كسرها عشرة دنانير (1)»

و لكن المتجه الحكومة في ذلك بعد إعراض الأصحاب، و الله العالم.

[المسألة الخامسة من داس بطن إنسان حتى أحدث ديس بطنه أو يفتدي ذلك بثلث الدية]

المسألة الخامسة:

من داس بطن إنسان حتى أحدث بالبول أو الغائط ديس بطنه أو يفتدي من ذلك بثلث الدية كما عن الشيخين و ابن حمزة و هي رواية

النوفلي(2)عن السكوني عن الصادق عليه السلام «قال: رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام عن رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه فقضى عليه أن يداس بطنه حتى يحدث أو يغرم ثلث الدية»

و فيها ضعف مشهور يمنع من العمل به فيما خالف الأصول التي منها عدم القصاص مع التغرير بالنفس، على أنها قضية في واقعة، و لذا قال ابن إدريس فيما حكى عنه: «الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذه الرواية لأن فيه تغريرا بالنفس فلا قصاص بذلك بحال»(3)و تبعه جماعة ممن تأخر


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب قصاص الطرف الحديث الأول.
3- 3 السرائر كتاب الديات باب ديات الأعضاء و الجوارح ص 6.

ج 43، ص: 289

عنه مختارين الحكومة، بل لعله ظاهر المصنف و الفاضل و غيرهما ممن صرح بضعف الرواية و إن لم يصرحوا بالحكومة.

لكن فيه يقال بانجبار الرواية بفتوى الأكثر المحكي في الروضة، بل و بالإجماع المحكي عن الخلاف، مضافا إلى دعوى الشيخ الإجماع على قبول رواية السكوني (1)الذي لا ينفك عنه غالبا النوفلي، الذي يشهد له ملاحظة عمل الأصحاب بها في كثير من الأبواب، و اعتناء المحمدين الثلاثة في كتبهم الأربعة بها، و من هنا عد حديثه قويا. و كون الخبر قضية في واقعة لا ينافي فهمهم التعدية منه كما في نظائره. نعم ينبغي الاقتصار على البول و الغائط الظاهرين من الإحداث في الثياب دون الريح التي ألحقها بعضهم بهما، مع أن المتجه فيه الحكومة، بل قطع بها بعض الأفاضل و هو كذلك لما عرفت، و الله العالم.

[المسألة السادسة من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فعليه ثلث ديتها]

المسألة السادسة:

من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فعليه ثلث ديتها لخبر ظريف (2)بن ناصح المعتضد بما في

خبر معاوية(3)بن عمار من قوله عليه السلام:

«في كل فتق ثلث الدية»

و لكن

في رواية هشام بن إبراهيم (4)عن أبي الحسن عليه السلام أن في ذلك ديتها،

بل عن الفقيه (5)«إن أكثر روايات أصحابنا أن في ذلك الدية كاملة» و إن كنا لم نعثر على غير الرواية المزبورة، اللهم إلا أن يريد ما تسمعه في سلس البول (6)و لعله لذا قال المصنف و غيره:


1- 1 عدة الأصول ج 1 ص 56.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 92.
3- 3 الوسائل الباب- 32- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
5- 5 الفقيه ج 4 ص 92.
6- 6 راجع الباب- 9- من أبواب ديات المنافع.

ج 43، ص: 290

ف هي أولى مضافا إلى أن استمساك البول منفعة واحدة فتجب في تفويتها الدية كما ستعرفه في نظائره، و إلى عدم القائل بالرواية الأولى كما اعترف به بعضهم، فلا تصلح معارضة للأخيرة المعتضدة بالشهرة الظاهرة و المحكية التي بها يجبر ضعف الرواية.

و عليه أيضا مثل مهر نسائها لخبر أبي عمر الطبيب (1)أيضا عن الصادق عليه السلام، و ما مر من خبر عبد الله (2)بن سنان الوارد في الشعر و لعله إليهما أشار في محكي السرائر بقوله: «و في رواية أخرى مهر نسائها» و ل

خبر السكوني (3)«أن عليا عليه السلام رفع إليه جاريتان دخلت الحمام فافتضت إحداهما الأخرى بإصبعها فقضى على التي فعلت عقلها»

بناء على أن المراد من ذلك مهرها كما عن جماعة، و يحتمل إرادة ديتها، بل عن مجمع البحرين تفسير الخبر المزبور به (4)، و حينئذ يكون معاضدا للرواية المزبورة، و لا يقدح خلوهما عن المهر بعد تكفل غيرهما به و بعد الاتفاق- كما في الرياض- على ثبوته، بل و إلى قاعدة عدم التداخل بعد أن كانا جنايتين، بل قد يحتمل مع ذلك أرش البكارة المقدر في الأخبار بعشر القيمة إن كانت أمة فتفرض الحرة حينئذ أمة و تقوم، بل قيل: إنه يشعر به القوية المتقدمة(5)في إفضاء المرأة، إلا أنك قد عرفت هناك ما يقتضي قوة دخوله في المهر فلاحظ و تأمل.


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 45- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
4- 4 مجمع البحرين مادة عقل.
5- 5 الوسائل الباب- 30- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 291

[المقصد الثاني في الجناية على المنافع]
اشاره

المقصد الثاني في الجناية على المنافع و هي سبعة

[الأول العقل]

الأول: العقل و فيه الدية كاملة بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد منهم الشيخ و ابن زهرة في محكي المبسوط و الغنية، مضافا إلى النصوص التي منها

خبر إبراهيم (1)عن الصادق عليه السلام «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه و هو حي بست ديات»

بل و إلى ما دل (2)على وجوب الدية في كل ما كان في الإنسان منه واحد، بل ظاهر الفتوى و معقد نفى الخلاف و غيرهما عدم الفرق في ذلك بين الضرب على الرأس و غيره أو غيره مما ليس بجرح أو ضرب كما لو أفزعه حتى ذهب عقله و هو واضح و في بعضه الأرش في نظر الحاكم إذ لا طريق إلى تقدير النقصان كي توزع عليه الدية فيرجع إلى الحكومة كما في غيره.

و لكن في المبسوط و الوسيلة و قواعد الفاضل يقدر بالزمان فلو جن يوما و أفاق يوما كان الذاهب نصفه أو جن يوما و أفاق يومين كان الذاهب


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ديات المنافع الحديث 6.
2- 2 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء.

ج 43، ص: 292

ثلثه و هكذا، بل في مجمع البرهان «لا كلام إن علم نسبة الذاهب إلى الباقي، و لكن العلم به مشكل، و لا سبيل إليه إلا نظر الحاكم و من عاشره من الحذاق فيمكن امتحانه باليوم (1)و الأيام و بمعقولية كلامه و ضبط أحواله، فإن علم النسبة عمل بها و إلا فالحكومة (2)» قلت و لكن هو كما ترى مجرد تخمين بل يمكن القول بعدم أجزاء للعقل على وجه توزع عليها الدية فليس إلا الحكومة أو الصلح، بل يمكن القطع به فيما إذا لم يزل العقل و لا نقص نقصانا مقدرا و لكن اختل فصار مدهوشا يستوحش مع الانفراد و يفزع من غير شي ء يفزع في العادة، و الله العالم.

و كيف كان ف لا قصاص في ذهابه و لا في نقصانه بلا خلاف أجده فيه لعدم العلم بمحله المختلف فيه أنه القلب أو الدماغ أو غيرهما، بل و مع العلم به لما فيه

من التغرير و لو بسقي المجنن كما هو واضح و لو شجه مثلا أو قطع يده فذهب عقله لم تتداخل دية الجنايتين للأصل و الخبر المزبور(3).

و لكن في رواية (11) صحيحة إن كان بضربة واحدة تداخلتا (12) و هي

صحيحة أبي عبيدة الحذاء «سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ و ذهب عقله، قال: فإن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة(4)أو لا يعقل ما قال و لا ما قيل له، فإنه ينتظر به سنة، فإن مات فيما بينه و بين سنة أقيد به ضاربه، و إن لم يمت فيما بينه


1- 1 في مجمع البرهان هكذا:« باليوم فان كان نصف يوم عاقلا و نصفه مجنونا الدية أو بالأيام أو بمعقولية كلامه.».
2- 2 مجمع البرهان كتاب الديات المقصد الخامس.
3- 3 يعنى خبر إبراهيم الذي مر آنفا.
4- 4 كذا في الأصل و لكن في الكافي و الفقيه و التهذيب« و» بدل« أو».

ج 43، ص: 293

و بين سنة و لم يرجع إليه عقله اغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قال: فما ترى في الشجة شيئا؟ قال: لا إنما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين و هي الدية، و لو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائنة ما كانت إلا أن يكون فيهما الموت فيقاد به ضاربه (1)و لو ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات كائنة ما كانت ما لم يكن فيها الموت(2)».

بل عن الشيخ في النهاية و ابن سعيد في الجامع العمل بمضمونها، كما عن ابن إدريس إطلاق أن ليس في ذلك سوى الدية، على ما حكاه عنه في كشف اللثام (3)و في التنقيح (4)حكي عنه الموافقة لما في النهاية، و حكى غيرهما عنه أنه قال بعد الحكم بعدم التداخل:

«و قد قلنا من قبل (5)فإن كان أصابه مع ذهاب العقل موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة إلا أن يكون ضربه ضربتين أو ثلاثا فجنت كل ضربة جناية كان عليه حينئذ جنايتها، و أوردنا(6)


1- 1 كذا في كشف اللثام و لكن في مصادر الحديث هكذا:« فيقاد به ضاربه بواحدة و تطرح الأخرى قال: و ان ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه قال: فإن ضربه عشر.».
2- 2 الكافي ج 7 ص 325 الفقيه ج 4 ص 131 التهذيب ج 10 ص 253 و الوسائل الباب- 7- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول كشف اللثام ج 2 ص 330 مفتاح الكرامة ج 10 ص 457.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 330.
4- 4 التنقيح ص 836 من مخطوط عندنا.
5- 5 في السرائر هكذا:« و قد كنا قلنا من قبل قال شيخنا: فان كان أصابه.».
6- 6 في السرائر:« و أوردناها على ما أورد شيخنا في نهايته».

ج 43، ص: 294

ما أورده شيخنا في نهايته إلا أن هذا أظهر من ذلك، و شيخنا قد رجع عما أورده في نهايته، و قال بما اخترناه الآن في مسائل خلافه و هو الصحيح، لأن تداخل الديات إذا لم يمت المجني عليه يحتاج إلى دليل (1) و صريحه موافقة المشهور هنا كما أن الشيخ رجع عما في النهاية إلى موافقته أيضا في محكي الخلاف و المبسوط، بل قيل إن الشيخ لم يعمل بالخبر المزبور في مسألة تداخل جناية الطرف في النفس في صورة الافتراق التي حكم هو فيها بعدم التداخل، فكيف يصح استناده إليها هنا؟

و على كل حال فالصحيحة المزبورة قاصرة عن معارضة ما سمعت من وجوه و من هنا كان الأول مع كونه أشهر بل المشهور أشبه بأصول المذهب و قواعده، بل عليه عامة المتأخرين، بل عن الخلاف و ظاهر المبسوط الإجماع عليه.

و كيف كان ف في رواية لو ضرب على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة فإن مات فيها قيد به و إن بقي و لم يرجع عقله ففيه الدية و هي حسنة بل صحيحة إن كان المراد الرواية المزبورة (2) المتضمنة للحكم المزبور، و يمكن أن يريد

رواية أبي حمزة الثمالي (3) «قال لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في رجل ضرب رأس رجل بعمود فسطاط فأمه- يعني ذهب عقله-؟ قال: عليه الدية، قال: فإنه عاش عشرة أيام أو أقل أو أكثر فرجع إليه عقله، إله أن يأخذ الدية؟ قال: لا، قد مضت الدية بما فيها، قال: فإنه مات بعد شهرين أو ثلاثة، قال أصحابه: نريد أن نقتل الرجل الضارب، قال: إن أرادوا أن يقتلوه(4)و يردوا الدية ما بينهم


1- 1 السرائر كتاب الديات، باب ديات الشجاج و الجراح ص 4. و أيضا راجع باب ديات الأعضاء منه ص 5 فإنه تعرض للمسألة في موضعين.
2- 2 يعني رواية الحذاء.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
4- 4 كذا في الأصل و في كشف اللثام و لكن في الوسائل و التهذيب« يردوا الدية» بدون الواو.

ج 43، ص: 295

و بين سنة فإذا مضت السنة فليس لهم أن يقتلوه و مضت الدية بما فيها».

و على كل حال فقد حكي العمل بها عن الشيخ و ابني إدريس و البراج و سعيد و الصهرشتي و الطبرسي و غيرهم، بل في نكت الشهيد «ما علمت لها مخالفا»، و كذا في كشف اللثام، قال: «إلا أن الصدوق و المصنف و المحقق اقتصروا على ذكره رواية لأن الظاهر أن لا قود إلا مع تحقق الموت بالضربة و تحقق شروط العمد و عدم التقدير بالسنة و نحوها(1)» و فيه أن في ذلك كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به.

و من هنا قال الشهيد: «هذا كلام على النص و فتاوى الأصحاب» و الأصح حينئذ العمل بهذه الرواية، لكن في كشف اللثام (2)«و التهجم على الدم مشكل و يمكن تنزيل إطلاقهم و إطلاق الروايتين على تقدير تحقق شروط العمد، نعم يقوى التقدير بالسنة و أنه إن مات فيها تحقق موته بالضربة» و فيه أن التهجم على الدم بدليله، مع أن ذلك يأتي في مقابله، ضرورة أن القود بعد السنة تهجم على الدم إذ مقتضى النص و الفتوى عدم القود بعد السنة و إن مات بها و كانت الضربة مما تقتل غالبا أو قصد بها القتل و ثبوت القود بها قبل السنة مطلقا، لكن يمكن تقييد الأخير بما لا ينافي شرط القصاص بقرينة كون الضربة بعمود الفسطاط فهي مما تقتل غالبا أو مقصود بها ذلك حينئذ، فمخالفتها للأصول بسقوط القود بعد السنة مع اجتماع شروطه، و لا بأس به بعد النص و الفتوى، و الاحتياط في الدماء، فتأمل جيدا.

و إن جنى الجاني فأذهب العقل و دفع الدية ثم عاد العقل لم يرتجع الدية ل احتمال أنه هبة مجددة و للخبر المزبور(3)، و احتمال- أن المراد بقوله:

«إله أن يأخذ الدية» السؤال عن المجني عليه، بمعنى إله أن يأخذ الدية؟ فأجاب


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 331.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 331.
3- 3 يعني رواية أبي حمزة.

ج 43، ص: 296

عليه السلام: لا قد مضت الدية مع ما يتعلق بها من الأحكام أو مع ما فيها الدية من الجناية أي بطلت لظهور أن العقل لم يكن زال- في غاية البعد أو الفساد، ضرورة كونه سؤالا عن ارتجاع الجاني ما أداه من الدية، فقال: لا قد مضت

الدية و ما يتعلق بها أو ما فيها أو ما في الجناية، أي ثبتت و استقرت فلا تسترد أو أمضت (1)الدية أي أدائها ما في الجناية أي حكم الجناية أدائها فلما أداها فقد مضى حكمها فلا تسترد، و ما يرجع إليه هبة مجددة.

نعم قد يقال بضعف الخبر المزبور عن ثبوت الحكم على الإطلاق الذي منه لو حكم أهل الخبرة بأنه لم يكن قد ذهب و إنما عرض له شاغل، و من هنا قال الفاضل في القواعد: «هذا أي لزوم الدية إذا حكم أهل الخبرة بعدم زوال العارض و إن حكموا بزواله إلى مدة انتظر ظهور حاله فإن استمر فالدية و إن عاد قبل استيفاء الدية فلا يطالب بالدية بل يطالب بالأرش و إن عاد بعده أمر بالرد و يحتمل عدم الارتجاع لأنه هبة من الله تعالى مجددة و لو مات قبل اليأس من عوده ففي عدم وجوب الدية إشكال» و إن كان لا يخلو بعض كلامه من نظر، و التحقيق ثبوت الدية ما لم يعلم عدم زواله و لو بحكم أهل الخبرة لإطلاق الأدلة، و الله العالم.

و لو أنكر الجاني فوات العقل و ادعاه ولي المجني عليه اختبر في حال خلواته و في حال غفلته، فإن ظهر اختلال حاله و الاختلاف في أقواله و أفعاله ثبت جنونه بغير يمين منه، لأن الفرض جنونه و لا يمين من وليه، و إن لم يظهر الاختلاف المزبور فالقول قول الجاني مع اليمين، و كذا لو لم يمكن الاختبار لموت و نحوه، إلا أن يثبت لوث، و الله العالم.


1- 1 في مفتاح الكرامة هكذا:« أو مضت الدية أي أدائها مع ما في الجناية أي حكم الجناية إذ حكم الجناية أدائها.».

ج 43، ص: 297

[الثاني السمع]

الثاني: السمع و في إذهاب ه كملا من الأذنين باختلاف أصنافه حدة و ثقلا الدية إن علم ذلك و لو بأن شهد أهل المعرفة باليأس من عوده بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص عموما و خصوصا منها ما مر في خبر إبراهيم (1)بن عمرو و منها ما في (2)الذي عرضه

يونس على الرضا عليه السلام «في ذهاب السمع كله ألف دينار»

نعم إن أملوا أي أهل الخبرة العود بعد مدة معينة توقعنا انقضائها فإن لم يعد فيها فقد استقرت الدية بل لعله كذلك أيضا لو قال أهل الخبرة يرجى عوده لا إلى مدة معلومة، ضرورة اقتضاء اعتبار ذلك سقوط الدية- كما سيأتي إن شاء الله في الابصار- و لو رجع في أثناء المدة المعلومة فالأرش، بل و كذا لو رجع بعدها لظهور عدم ذهابه و إن أخطأ أهل الخبرة بالتحديد، بل و كذا بعد الاستيفاء.

و في

صحيح سليمان بن خالد(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «أنه قال في رجل ضرب رجلا في أذنه بعظم فادعى أنه لا يسمع، قال: يترصد و يستغفل و ينتظر به سنة، فإن سمع أو شهد عليه رجلان أنه سمع و إلا أحلفه و أعطاه الدية، قال: فإن عثر عليه بعد ذلك أنه يسمع، قال: إن كان الله تعالى رد عليه سمعه لم أر عليه شيئا»

لكنه لا يخلو من إجمال.

و على كل حال فلو مات قبل انتهاء المدة فالأقرب وجوب الدية كما في


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

ج 43، ص: 298

القواعد، و يحتمل العدم لعدم تحقق الذهاب الدائم خصوصا بعد إخبار أهل الخبرة بعوده.

و لو أكذب أي الجاني المجني عليه عند دعوى ذهابه، أو قال: لا أعلم، اعتبرت حاله عند الصوت العظيم و الرعد القوي و صحيح به بعد استغفاله فإن تحقق بعد ما ادعاه أعطي الدية و إلا أحلف القسامة للوث و حكم له و لعله على ذلك ينزل ما عن المبسوط من إطلاق تحليفه كصحيح سليمان بن خالد، بل و ما عن كافي أبي الصلاح من إطلاق أنه من ارتاع للصوت الرفيع من حيث لا يعلم فهو سميع و إلا فهو أصم، و الله العالم.

و لو ذهب سمع إحدى الأذنين ففيه نصف الدية من غير فرق بين كونها أحد من الأخرى أو لا، بل و بين أن يكون له سواها أولا، سواء كانت الذاهبة بآفة من الله تعالى شأنه أو بجناية جان، لإطلاق النص و الفتوى، خلافا لابن حمزة فأوجب

الدية كاملة إن كانت الأخرى ذهب بسبب من الله تعالى شأنه و لم أجد له دليلا سوى القياس على العين و هو باطل عندنا.

و لو ادعى نقص سمع أحدهما قيس إلى الأخرى بأن تسد الناقصة سدا جيدا و تطلق الصحيحة و يصاح به أو يضرب بجرس حيال وجهه و يتباعد عنه حتى يقول لا أسمع (11) فيعلم ذلك المكان ثم يعاد عليه ذلك مرة ثانية (12) من جهة أخرى يبعد المقايسة بينها و بين الجهة الأولى مسافة بالبصر فإن تساوت المسافتان صدق ثم تطلق الناقصة و تسد الصحيحة و يعتبر بالصوت (13) تباعدا عنه (1)حتى يقول لا أسمع ثم (14) و يكرر عليه الاعتبار فإن تساوت المقادير في سماعه فقد صدق و تمسح (15) حينئذ مسافة الصحيحة و الناقصة و يلزم من الدية بحساب التفاوت (16) إن نصفا فنصف الدية و إن ثلثا فثلث و (17) هكذا.

في رواية (18)

أبي بصير(2)عن أبي عبد الله عليه السلام يعتبر


1- 1 متباعدا عنه ظ.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب ديات المنافع الحديث 2.

ج 43، ص: 299

بالصوت من جوانبه الأربعة و هي «في رجل و جي ء في أذنه فادعى أن إحدى أذنيه نقص من سمعها شيئا فقال تسد التي ضربت سدا شديدا و يفتح الصحيحة و يضرب بها بالجرس حيال وجهه و يقال له: اسمع فإذا خفي عليه الصوت علم مكانه ثم يضرب له من خلفه و يقال له: اسمع فإذا خفي عليه الصوت علم مكانه ثم يقاس ما بينهما فإن كانا سواء علم أنه صدق، ثم يؤخذ به عن يمينه فيضرب به حتى يخفى عليه الصوت ثم يعلم مكانه، ثم يؤخذ به عن يساره فيضرب به حتى يخفى عنه الصوت ثم يعلم مكانه ثم يقاس فإن كان سواء علم أنه صدق، قال ثم يفتح أذنه المعتلة و يسد الأخرى جيدا ثم يضرب بالجرس من قدامه ثم يعلم

حيث يخفى عليه الصوت يصنع به كما صنع به أول مرة بأذنه الصحيحة ثم يقاس فضل ما بين الصحيحة و المعتلة(1)بحساب ذلك».

و لا ريب في أن ذلك أشد في الاستظهار لكنه غير لازم بعد فرض علم صدقه من أول مرة، و من هنا كان فتوى المصنف و غيره بما تسمعه أولى و لا ريب في ظهوره كالفتاوى في أنه يصدق مع التساوي في الاعتبار و يكذب مع الاختلاف ضرورة أنه فائدة ذلك كما هو واضح، و يؤيده أيضا في

كتاب ظريف (2)قوله- بعد ذكر المناسبة بين العينين- و إن أصاب سمعه شي ء فعلى نحو ذلك يضرب له شي ء كي يعلم منتهى سمعه ثم يقاس ذلك»

و نحوه فيما عرضه يونس (3)على الرضا عليه السلام، و غيرهما من الأخبار(4)الظاهرة جميعها كالفتاوى في استحقاق ذلك بالاختبار المزبور من غير يمين.

لكن في كشف اللثام «و يضم إلى ذلك الاستظهار بالأيمان كما في النهاية،


1- 1 فيعطى الأرش بحساب ذلك، كذا في التهذيب، و في الفقيه هكذا: فيقوم من حساب ذلك.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 298.
3- 3 الكافي ج 7 ص 324.
4- 4 راجع الوسائل الباب- 3- من أبواب ديات المنافع.

ج 43، ص: 300

إذ ربما كانت إحدى الأذنين أضعف من الأخرى قبل هذه الجناية(1)» و لا ريب أنه أحوط مع بذله إياها و إلا ففي إلزامه بها لو امتنع من ذلك نظر، و الله العالم.

و لو كان يدعى النقصان من الأذنين معا اعتبرناه بالتجربة بأن يوقف بالقريب منه إنسان يصيح على غفلة منه فإن ظهر فيه تغير يعلم به سماعه، أو قال قد سمعت تباعد عنه و صاح على غفلة إلى أن يصل إلى حد لا يظهر عليه تغير، فإن قال مع ذلك لم أسمع حلف القسامة على قدر ما يدعيه من النقص و علم على الموضع علامة، ثم يزيد في البعد حتى ينتهي إلى آخر موضع من البعد يسمع فيه مثل ذلك من هو سميع لا آفة به في مثل سن المجني عليه، فينظر كم بين المسافتين و يسقط الدية على المسافة الثانية فتوجب من الدية بقدر النقصان و يرشد إليه خبر القداح (2)الذي تسمعه إن شاء الله تعالى في دعوى نقصان

البصر، و في الاستظهار بالأيمان ما سمعته و تسمعه إن شاء الله في البصر. و كذا الكلام في الاعتبار بالصوت من جوانبه الأربعة الذي قد عرفت أنه أحوط و أولى كما يرشد إليه خبر أبي بصير(3)السابق، فإن تساوت الجوانب الأربع في انتهاء السمع أو الجانبان صدق و إلا كذب نحو ما سمعته في نقص سمع إحدى الأذنين.

و في ذهاب السمع بقطع الأذنين ديتان بلا خلاف و لا إشكال للأصل، و لو ذهب السمع كله بقطع أحد الأذنين فدية و نصف للأصل المزبور أيضا، و لو حكم أهل المعرفة ببقاء القوة السابقة إلا أنه قد وقع في الطريق ارتتاق حجبها عن السماع، احتمل الدية لمساواة تعطيل المنفعة زوالها في المعنى، بل لشمول الزوال له لغة، و احتمل الحكومة لأصل البراءة و بقاء القوة و إن تعطلت فهو كشلل العضو.


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 331.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات المنافع الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب ديات المنافع الحديث 2.

ج 43، ص: 301

و إذا ذهب سمع الصبي فتعطل نطقه فديتان، بناء على أن التعطيل كالزوال و إلا فالحكومة في النطق.

و كيف كان ف لا يقاس السمع في يوم هبوب الريح و لا في المواضع المختلفة ارتفاعا و انخفاضا لعدم الانضباط حينئذ بل يتوخى سكون الهواء و المواضع المعتدلة. و لو اشتبه الأمر بعد ذلك كله استظهر بامتحانه مرارا بل عن المفيد و استظهر عليه بالأيمان أيضا، و الله العالم.

[الثالث في ضوء العينين]

الثالث في ضوء العينين و فيه الدية كاملة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص عموما و خصوصا من غير فرق بين أفراده المختلفة شدة و ضعفا، حتى الأعشى، بل و الذي على عينيه بياض لا يمنعه من الإبصار، و إن استشكل به الفاضل للنقص الموجب لنقصان العوض، و فيه أن الفرض عدم النقص به و إلا فلا إشكال في مراعاته بمقداره من الدية إن علم، و إلا فالحكومة.

و لو قلع الحدقة فليس عليه إلا دية واحدة كما نص عليه في كشف اللثام من غير نقل خلاف فيه و إن استلزم ذلك إزالة البصر أيضا، لأن المنفعة تابعة للعين فيه كما هو ظاهر

قولهم عليهم السلام (1): «في العينين الدية»

مثلا بخلاف قطع الأذنين و إذهاب السمع فإنه ليس من منفعتهما.

و بالجملة ظاهر الأدلة وجوب الدية الواحدة للعينين بقلع حدقتهما المستلزم لإذهاب البصر، أو بإذهاب ضوئهما دون الحدقة، و لا ينافي ذلك ثبوت مقدر لحدقة عين الأعمى كما هو واضح. لكن في مجمع البرهان بعد أن ذكر ما قلناه قال:

«و يحتمل الدية و الحكومة للحدقة، و يحتمل تعدد الدية لضوء العين و الحدقة، و كذا


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4 و 6.

ج 43، ص: 302

الأجفان فتأمل (1)و فيه ما لا يخفى.

و كيف كان فإن ادعى المجني عليه ذهابه بالجناية و أنكره الجاني و شهد له شاهدان عدلان من أهل الخبرة ثبت القصاص مع العمد إلا أن يصطلحا أو رجل و امرأتان إن كانت خطاء أو شبيه عمد فقد ثبت المدعى فإن قالا: لا يرجى عوده فقد استقرت الدية، بل في محكي المبسوط و السرائر و كذا لو قالا: يرجى عوده لكن لا تقدير له لأنه لو اعتبرناه أدى إلى سقوط الضمان أو قالا: بعد مدة معينة فانقضت و لم يعد بلا خلاف و لا إشكال في الأخير، و

في الصحيح (2)أن سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السلام «عن العين يدعى صاحبها أنه لا يبصر بها قال: يؤجل سنة ثم يستحلف بعد السنة أنه لا يبصر ثم يعطي الدية قلت: فإن هو أبصر بعد قال هو شي ء أعطاه الله إياه».

نعم قد يشكل الأول بعدم تحقق الذهاب الدائم الذي هو المنساق من نصوص إثبات الدية فيه فيستظهر حينئذ مدة أو سنة ثم تدفع إليه الدية تامة أو دية بصر يرجى عوده، إلا أني لم أجد من احتمل ذلك، فتأمل.

و كذا تستقر الدية لو مات أو قلع آخر عينه قبل مضي المدة (11) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، لأن الأصل عدم عوده، فتثبت الدية بموجبها، و لكن

قد يحتمل العدم للأصل بعد حكم أهل الخبرة بعوده فلم يتحقق الذهاب الدائم الذي هو مناط ثبوت الدية، فيعطى حينئذ دية بصر حكم أهل الخبرة بعوده.

أما لو عاد فيها ففيه الأرش (12) عوض الجناية الذي أذهبته مدة، و احتمال العدم في مجمع البرهان لإمكان كونه عطاء، لا وجه له بعد حكم أهل الخبرة بعوده، نعم لو عاد بعدها قبل الاستيفاء للدية أو بعده فقد سمعت ما في الصحيح (3)السابق.


1- 1 مجمع البرهان كتاب الديات المقصد الخامس.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 134 و فيه قلت فإنه أبصر بعد ذلك؟.
3- 3 يعني رواية سليمان بن خالد. التي مرت آنفا.

ج 43، ص: 303

لكن قد تقدم الكلام في نحو ذلك، و لو عاد مرجو العود لا إلى مدة استعيد من الدية إن استوفاها الفاضل من الحكومة كما عن التحرير النص عليه.

و لو اختلفا في عوده فالقول قول المجني عليه مع يمينه واحدة للأصل، نعم إن شهد عدلان أو رجل و امرأتان من أهل الخبرة بالعود أو بعدمه قبل، و كذا لو مات فاختلف وليه الجاني في العود قبل الموت فالقول قول الولي مع يمينه إن لم تكن بينة كما هو واضح.

و إذا ادعى ذهاب بصره و عينه قائمة و ليس من أهل الخبرة من يشهد له حلف القسامة و قضى له بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، و إن نسبه بعض إلى الأشهر مشعرا بوجود خلاف فيه، و يدل عليه ما في كتاب ظريف (1)و ما عرضه

يونس (2)على الرضا عليه السلام المروي في الصحيح و غيره.

و لكن فيهما «أن القسامة على ستة أجزاء فإن ادعى ذهاب البصر كله حلف ستا أو حلف هو و خمسة رجال معه، و إن ادعى ذهاب سدس بصره حلف هو واحدة و إن ادعى ذهاب ثلثه حلف هو يمينين أو هو و آخر معه و هكذا»،

و هو خلاف ما سمعته في القسامة للوث الذي منه ما نحن فيه، ضرورة كون الدعوى عقيب الضرب الذي يحصل معه ذلك غالبا، كما قيده به الفاضل في القواعد و غيره، بل في مجمع البرهان «ينبغي أن يكون أيضا بعد عدم القدرة

على الإثبات و عدمه بالامتحان و التجربة»(3)و لعله مناف لإطلاق النص و الفتوى.

نعم في رواية الأصبغ (4)بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام الضعيفة سندا أنه يقابل بعينه بالشمس فإن كان كما قال بقيتا مفتوحتين و إلا أكذب «قال سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب ديات المنافع الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب ديات المنافع الحديث 1.
3- 3 مجمع البرهان كتاب الديات المقصد الخامس.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات المنافع، الحديث الأول.

ج 43، ص: 304

المضروب أنه لا يبصر شيئا و أنه لا يشم الرائحة و أنه قد ذهب لسانه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن صدق فله ثلاث ديات، فقيل: يا أمير المؤمنين فكيف يعلم أنه صادق؟ فقال: أما ما ادعاه أنه لا يشم رائحة فإنه يدنى له الحراق فإن كان كما يقول و إلا نحى رأسه و دمعت عينه، و أما ما ادعاه في عينيه فإنه يقابل بعينيه عين الشمس فإن كان كاذبا لم يتمالك حتى يغمض عينيه و إن كان صادقا بقيتا مفتوحتين، و أما ما ادعاه في لسانه فإنه يضرب على لسانه بالإبرة فإن خرج الدم أحمر فقد كذب و إن خرج أسود فقد صدق» بل عن الشيخ و سلار العمل بها هنا، بل عن الأول منهما دعوى الإجماع عليه، و لكن زاد الاستظهار بالأيمان، و ذكر أنه لا يمكن إقامة البينة عليه، و نسب الحكم بشهادة رجلين أو رجل و امرأة إلى الشافعي، بل عن المختلف نفي البأس عن العمل به إن أفاد الحاكم ظنا، إلا أن ذلك كله لا يكفى جابرا للخبر الضعيف بعد إعراض الأكثر الموهن للإجماع المزبور، كما أنه لا حاصل لما سمعته من المختلف، ضرورة عدم حجية كل ظن حاصل للحاكم كما هو واضح، فلا ريب في أن المتجه ما سمعته من المشهور، نعم لا بأس باعتبار الشق الأول من الخبر المزبور امتحانا مع الأيمان لزيادة الاستظهار، و الله العالم.

و لو زال الضوء و حكم العارفون بعوده إلى مدة معلومة فقلع آخر عينه قبل مضى المدة فإن اتفق المجني عليه و الجانيان على أن الضوء لم يكن قد عاد فقد عرفت سابقا أن على الأول الدية للأصل و على الثاني دية العين الفاقدة للضوء، و هي ثلث الدية الصحيحة، و يحتمل أن لا يكون على الأول إلا حكومة، و يكون على الثاني دية العين الصحيحة أو الحكومة لحكم العارفين بعود الضوء كما أشرنا إليه سابقا، و إن اتفقوا على عوده فعلى الثاني الدية و على الأول حكومة،

و إن اختلفوا فادعى الأول عود البصر لأن لا يكون عليه إلا الحكومة و أنكر الثاني لأن لا يكون عليه إلا ثلث دية الصحيحة فإن صدق المجني عليه الأول

ج 43، ص: 305

حكم عليه في حق الأول فلا يطالبه بأكثر من الحكومة مؤاخذة له بإقراره، و لا يقبل قوله على الثاني لأن الأصل عدم عود الضوء، و لأنه إقرار في حق الغير، و إن كذبه فالقول قوله مع اليمين، لأنه موافق للأصل، و يطالبه إذا حلف بالدية، و يأخذ من الثاني الحكومة، بل قيل سواء صدق الثاني الأول أو كذبه، لأنه مع التصديق و إن أقر على نفسه بالدية لكن لا يدعى المجني عليه إلا الحكومة، فلا يجوز أخذ الزائد منه، نعم قد يقال بجواز دفعه للأول لأنه مظلوم بزعمه فيأخذه منه مقاصة.

و لو ادعى نقصان إحداهما قيست إلى الأخرى و فعل كما فعل في السمع، و لو ادعى النقصان فيهما قيستا إلى عيني من هو من أبناء سنه و ألزم الجاني التفاوت بعد الاستظهار بالأيمان بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، كما اعترف به بعض ناسبا له إلى صريح الغنية أيضا، للمعتبرة المستفيضة كحسن ابن فضال (1)و

صحيح يونس (2)قضى أمير المؤمنين عليه السلام «إذا أصيب الرجل في إحدى عينيه بأنها تقاس ببيضة تربط على عينه المصابة، و ينظر ما منتهى بصر عينه الصحيحة، ثم تغطى عينه الصحيحة و ينظر ما منتهى عينه المصابة، فيعطى ديته على حساب ذلك، و القسامة مع ذلك من الستة الأجزاء على قدر ما أصيب من عينه، فإن كان سدس بصره حلف هو وحده و أعطى، و إن كان ثلث بصره حلف هو و معه رجل واحد، و إن كان نصف بصره حلف هو و حلف معه رجلان، و إن كان ثلثي بصره حلف هو و حلف معه ثلاثة نفر، و إن كان خمسة أسداس بصره (3)حلف هو و حلف معه أربعة نفر، و إن كان بصره كله حلف هو و حلف معه خمسة نفر.

و كذلك القسامة كلها في الجروح، فإن لم يكن للمصاب بصره من حلف معه ضوعف عليه الأيمان، إن كان سدس بصره حلف مرة واحدة، و إن كان ثلث


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
3- 3 في الكافي و الفقيه و الوسائل: « و ان كان أربعة أخماس بصره» و في التهذيب كما أثبتناه.

ج 43، ص: 306

بصره حلف مرتين و إن كان أكثر على هذا الحساب، و إنما القسامة على مبلغ منتهى بصره».

و صحيح محمد بن قيس (1)عن أبي جعفر عليه السلام «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أصيبت إحدى عينيه أن تؤخذ بيضة نعامة فيمشي بها و توثق عينه الصحيحة حتى لا يبصرها و ينتهى بصره، ثم يحسب ما بين منتهى بصر عينه التي أصيبت و منتهى عينه الصحيحة فيؤدى بحساب ذلك».

و صحيح معاوية(2)بن عمار «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يضرب (3)في أذنه فيذهب بعض بصره، فأي شي ء يعطى؟ قال: يربط إحداهما ثم توضع له بيضة ثم يقال له: انظر، ما دام يدعى أنه يبصر موضعها حتى إذا انتهى إلى موضع إن جازه قال: لا أبصر قربها حتى يبصر ثم يعلم ذلك الموضع ثم يقاس بذلك القياس من خلفه و عن يمينه و عن شماله، فإن جاء سواء و إلا قيل له: كذبت حتى يصدق، قال: قلت: أ ليس يؤمن؟ قال لا و لا كرامة و يصنع بالعين الأخرى مثل ذلك، ثم يقاس ذلك على دية العين».

و خبر كثير(4)عن علي عليه السلام «قال أصيبت عين رجل و هي قائمة فأمر علي عليه السلام فربطت عينه الصحيحة، و أقام رجلا بحذاه بيده بيضة، يقول هل تراها فإذا قال: نعم، تأخر قليلا حتى إذا خفيت عليه علم المكان، قال: و عصبت عينه المصابة فجعل الرجل يتباعد و هو ينظر بعينه الصحيحة إلى البيضة حتى إذا خفيت عليه ثم قيس ما بينهما و أعطى الأرش على ذلك».


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات المنافع الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
3- 3 كذا في التهذيب و لكن في الكافي و الوسائل هكذا: « عن الرجل يصاب في عينه فيذهب.».
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات المنافع الحديث 2.

ج 43، ص: 307

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن أن يكون المحصل منها اعتبار الامتحان في أصل دعوى حصول النقصان في العين مثلا، فإن حصل على وجه يعلم صدقه أو كذبه عمل عليه من غير حاجة إلى يمين، و إن حصل ظن من ذلك أو

من كون الضربة مما تؤثر ذلك غالبا أو نحو ذلك مما يكون أمارة على صحة الدعوى كان من اللوث الذي فيه القسامة، و الظاهر أنها القسامة التي تقدمت في النفس و هي الخمسون يمينا أو نصفها، لا ست أيمان كما سمعته في الخبر(1)، و لا يمين واحدة كما احتمل، و أما مقدار النقصان بعد العلم بتحققه، فالظاهر اعتبار الامتحان فيه حتى يصدق و إن اقتضى ذلك تكريره مرة بعد أخرى، فإن ظهور كذبه في المقدار بالامتحان لا يقتضي سقوط دعواه بعد العلم بحصول النقص.

نعم لو فرض عدم إمكان ظهوره بالامتحان فهل يثبت ذلك بالقسامة أو يمين واحدة أو يرجع إلى الصلح مع إمكانه و إن اقتصر على المتيقن؟ لا يبعد الأخير فإن ثبوت حكم اللوث في مثله مع عدم أمارة تشهد بصدقه أو ثبوته بيمينه و إن لم يكن لوث لا دليل عليه، بل قد يشكل إجراء حكم اللوث عليه مع فرض الأمارة التي تشهد بصدقه في المقدار، و إن ظهر من بعضهم ذلك حتى أنه جعل الامتحان مع ظهور صدقه فيه مقدمة لثبوت اللوث بأن المنساق من النص و الفتوى غير الفرض كما تسمعه في دعوى نقص الشم. و ما في بعض النصوص (2)السابقة من اعتبار الإيمان الستة فيه لم أجد عاملا به.

نعم قد يقال باعتبار يمين واحدة بعد ظهور حاله بالامتحان على ما يوافقه مع فرض احتمال المخالفة، و إلا كما في صورة تكرار الامتحان و مراعاته في الجهات الأربع على وجه ينفي الاحتمال المزبور و إن كان الظاهر عدم اعتبار الجهات الأربع كما عرفته في السمع جمعا بين النصوص، إلا أنه أولى في الاستظهار، كما أن الظاهر عدم اعتبار طريق مخصوص للامتحان و إن تضمنت النصوص بعض


1- 1 يعنى خبر ابن فضال و يونس الذي مر آنفا.
2- 2 كخبر ابن فضال و يونس.

ج 43، ص: 308

أفراده.

و لذا قال في المختلف (1)بعد أن حكى عن المفيد طريقا و عن غيره آخر «و لا طائل تحت هذه المسألة و الضابط فعل ما يحصل للحاكم معه صدق المدعى».

و ليس الامتحان خاصا بنقص إحدى العينين مثلا، بل يأتي أيضا في نقصهما بمراعاة عيني رجل آخر في سنه و مكانه و أحواله كما أشار إليه في

خبر القداح (2)عن الصادق عن أبيه عليهما السلام «قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد ضرب رجلا حتى نقص من بصره فدعا برجل من أسنانه ثم أراهم شيئا فنظر ما انتقص من بصره فأعطاه ما انتقص من بصره»

و من ذلك كله يظهر لك النظر في بعض الكلمات فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف لا تقاس عين في يوم غيم لعدم ظهور القياس فيه، و لخبر محمد بن (3)الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام و لا في أرض مختلفة الجهات حزونة و سهولة و علوا و هبوطا، و لا في نحو ذلك مما يمنع من معرفة الحال كما هو واضح، و لو ضرب عينه فصار أعشى لا يبصر بالليل، أو أجهر لا يبصر نهارا فالحكومة لأنه نقص لا يعرف قدره و لا مقدر له شرعا.

و لو قلع عينا و قال كانت قائمة لا تبصر و قال المجني عليه: كانت صحيحة، فالقول قول الجاني مع يمينه إذا لم يعترف بالصحة زمانا بل أطلق أو ادعى أنها خلقة كذلك، لأصالة البراءة، بعد عدم تعذر إقامة البينة على المدعى الذي لا يخفى مثله على المعاشرين له من الجيران و غيرهم، بل ربما احتمل أن القول قوله أيضا لو اعترف بأنها خلقت صحيحة و ادعى الذهاب و إن كان فيه أن الأصل مع المجني عليه، و لذا كان المحكي عن المبسوط و التحرير أن


1- 1 المختلف الجزء السابع ص 250.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات المنافع، الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات المنافع الحديث 2.

ج 43، ص: 309

القول قوله بل ربما خطر بالبال أن القول قول المجني عليه مع يمينه في الأول أيضا لأن الأصل الصحة و السلامة و لكن في المتن هو ضعيف لأن أصل الصحة معارض لأصل البراءة و استحقاق الدية أو القصاص منوط بتيقن السبب و لا يقين هنا، لأن الأصل ظن لا قطع و فيه أن أصل الصحة مع فرض حجيته لا يعارضه أصل البراءة بعد كونه كالوارد عليه، و الظن الشرعي كاليقين بالحكم، و الله العالم.

[الرابع الشم]

الرابع الشم و في إذهاب ه من المنخرين الدية كاملة و من أحدهما نصفها بلا خلاف أجده فيه، كما عن المبسوط و الخلاف و الغنية الاعتراف به، و في الرياض «و هو الحجة مضافا إلى ما مر في المسائل السابقة من القاعدة»(1)و فيه نظر ضرورة كونها في الأعضاء لا في المنافع، نعم يدل عليه مضافا إلى ما سمعته فيما تقدم خبر الأصبغ (2)بن نباتة و إذ ادعى المجني عليه ذهابه عقيب الجناية التي يترتب عليها مثله غالبا اعتبر بالأشياء الطيبة و المنتنة (11) من خلفه مثلا و هو غافل ثم (12) يعمل عليه إن تحقق حاله بذلك و إلا فال يستظهر عليه بالقسامة (13) الخمسين لا الست و لا الواحد، و إن احتمل هنا، و يقضى له لأنه لا طريق إلى البينة (14) و لأنه من اللوث، و ربما ظهر من المصنف و غيره اعتبار القسامة مع الامتحان، و لا بأس به مع فرض عدم ظهور حاله به، و إلا فلا وجه له.

و في رواية (15) الأصبغ (3)بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام المتقدمة


1- 1 رياض المسائل ج 2 ص 619.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

ج 43، ص: 310

يحرق له حراق كخرقة و نحوها، و يقرب منه فإن دمعت عيناه و نحى أنفه فهو كاذب و إلا فهو صادق، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك، بل أفتى به المصنف في النافع هنا، و إن طرحها في المسألة السابقة، و لا بأس بها مع فرض تحقق حاله بذلك، بل لا يحتاج حينئذ معه إلى يمين، لكن في القواعد «فيحلف الجاني في صورة كذبه» بل في كشف اللثام «و لا بد من الأيمان مع ذلك»، بل قد عرفت أنه ظاهر المصنف و غيره، بل في المسالك «الأشهر القسامة» و يمكن حمل الجميع على صورة عدم التحقق، و لكن ينبغي حينئذ ملاحظة حكم اللوث مع فرض تحقق موضوعه في المدعى و المنكر كما هو واضح.

و لو ادعى نقص الشم قيل كما المبسوط يحلف إذ لا طريق إلى البينة و الامتحان و يوجب له الحاكم بما يؤدي إليه اجتهاده لعدم التقدير له شرعا، و تبعه عليه الفاضل، بل ظاهره كما هو صريح شارحه الأصبهاني أنه من اللوث، فيعتبر فيه حينئذ الأيمان، و لكنه لا يخلو من نظر أشرنا إليه سابقا، و لذا نسبه المصنف إلى القيل، إذ الأصل براءة الذمة، و حلف المدعى مخالف للأصل المقتصر فيه على المتيقن، و هو غير الفرض، و لكن في كشف اللثام «حلف الجاني هنا أشكل إذ لا

طريق إلى العلم بالحال فيتعين تقديم قول المجني عليه» و فيه أن ذلك لا يقتضي شغل ذمة الجاني إذ أقصاه انحصار طريق قبوله بالعلم.

ثم إنه قد يناقش في دعوى الحكم بما يؤدي إليه اجتهاده بأن المتجه فيه الاقتصار على المتيقن إذ لم يحصل بينهما صلح، و لعل المراد من الحكم باجتهاده ذلك أو دفع ما يحصل به يقين البراءة كما عساه يتوهم.

و قد يقال هنا بالامتحان نحو ما سمعته في البصر و السمع بأن يقرب إليه ذو رائحة ثم يبعد عنه إلى أن يقول لا أدرك رائحته في جهتين أو جهات إلى آخر ما مر، و الله العالم.

ج 43، ص: 311

و لو أخذ دية الشم لحكم أهل الخبرة باليأس من عوده ثم عاد لم تعد الدية لأنه حينئذ هبة من الله تعالى شأنه، إلا أن يظهر خطاء أهل الخبرة بالحكم المزبور، و أما لو حكموا بعوده في مدة معينة فعاد فيها فالحكومة، و لو مات قبل انقضائها فالدية على حسب ما سمعته في نظائره، و لعل إطلاق المصنف كالمحكي عن المبسوط اتكالا على ما تقدم.

و لو قطع الأنف فذهب الشم فديتان بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال.

لأن الأصل عدم التداخل بعد أن كانا جنايتين ذاتا و محلا، و الله العالم.

[الخامس الذوق]

الخامس الذوق:

و يمكن أن يقال فيه الدية ل

قولهم (1)عليهم السلام: «كل ما في الإنسان منه واحد ففيه الدية»

بل جزم به الحلي و ابن حمزة و يحيى بن سعيد و الفاضل على ما حكى عن بعضهم، لكن قد يشكل بما أسلفناه سابقا من تبادر العضو الواحد منه لا المنفعة، و الأصل البراءة، فيتجه حينئذ فيه الحكومة و على كل حال ف يرجع فيه عقيب الجناية التي يترتب عليها مثله غالبا إلى دعوى المجني عليه مع الاستظهار

بالأيمان كما صرح به الفاضل و غيره، لأنه من اللوث فيجري عليه حكمه، نعم لو لم يكن ثمة لوث لعدم أمارة تقتضيه، و لا أمكن امتحانه بالأشياء المرة جدا كان القول قول الجاني في إنكاره للأصل، و مع تحقق النقصان يقضي الحاكم بما يحسم المنازعة تقريبا لعدم تقدير له شرعا و عدم إمكان معرفة النسبة فيه، و في الرجوع إليه في أصل ثبوت النقصان ما عرفته سابقا في الشم، و الله العالم.

و إذا أصيبت مغرس لحييه فلم يستطع المضغ فالحكومة على الأقوى،


1- 1 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء.

ج 43، ص: 312

لعدم النص، لكن في القواعد «عليه الدية على إشكال» و لعله من ذلك و من كونه منفعة واحدة، فيدخل في العموم كما سمعته في الذوق، و فيه ما عرفت.

[السادس لو أصيب فتعذر عليه الإنزال في حال الجماع كان فيه الدية]

السادس:

لو أصيب أحد بجناية فتعذر عليه الإنزال في حال الجماع، كان فيه الدية كما صرح به الشيخ و يحيى بن سعيد و الفاضلان و غيرهم على ما حكى عن الأولين، بل في الرياض نفي الخلاف فيه، للقاعدة التي قد عرفت النظر في شمولها لغير الأعضاء، و ل

قول الصادق عليه السلام في خبر سماعة(1)«في الظهر إذا كسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة»

إلا أنه لا يقتضي وجوبها لعدم الإنزال و إن لم يكسر ظهره، اللهم إلا أن يكون المراد ذلك بقرينة نفي الخلاف المزبور إن لم يتم إجماعا، و إلا كان حجة مستقلة، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه فيه.

و أولى منه بذلك فيمن أصيب فتعذر عليه الإحبال و إن كان ينزل، الذي أوجب الفاضل فيه الدية أيضا للقاعدة التي مر الكلام فيها.

و ل

خبر سليمان (2)بن خالد «سأل الصادق عليه السلام عن رجل وقع بجارية فأفضاها و كانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد، قال: الدية كاملة»

الذي لا يخفى عليك ما في الاستدلال به، ضرورة كونه غير المفروض، مع أنه

في الصحيح «سأل أبو بصير(3)أبا جعفر عليه السلام ما ترى في رجل ضرب امرأة شابة على بطنها فعقر رحمها فأفسد طمثها و ذكرت أنها قد ارتفع طمثها عنها لذلك و قد كان طمثها مستقيما، قال: ينظر بها سنة فإن رجع بها طمثها إلى ما كان و إلا استحلفت


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

ج 43، ص: 313

و غرم ضاربها ثلث ديتها لفساد رحمها و انقطاع طمثها»

كل ذلك مع أنه في الحبل لا الإحبال، و من هنا قلنا بأولويته في الاحتياط، خصوصا مع عدم تحقق شهرة فيه.

و أما ذهاب قوة الرضاع فقد وافق الفاضل في القواعد على الحكومة فيها لعدم التقدير مع أنها منفعة واحدة كقوة الإمناء، اللهم إلا أن يفرق بأن الأخيرة صفة لازمة للفحولة بخلاف الإرضاع فإنه يطرأ في بعض الأوقات، إلا أنه كما ترى.

و لو فرض بطلان الالتذاذ بالطعام أو بالجماع ففي القواعد الدية، بناء على القاعدة المزبورة، بل في كشف اللثام «الالتذاذ بالطعام ملازم للذوق و إبطاله ملازم لإبطاله» و فيه أن الفرض إذهاب الالتذاذ خاصة و المتجه الحكومة.

و لو جنى على عنقه فتعذر إنزال الطعام لارتتاق منفذه و بقي معه حياة مستقرة فقطع آخر رقبته، ففي القواعد «على الأول كمال الدية» لمثل ما مر و فيه ما عرفت، و قد يستدل له ب

خبر مسمع (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: في القلب إذا أرعد فطار الدية، و قال رسول الله صلى الله عليه و آله: في الصعر الدية، و الصعر أن يثنى عنقه فيصير في ناحية»

بل منه يستفاد وجوبها في الإرعاد المزبور، إلا أنه جابر له (2)في ذلك و في سابقه، نعم على الثاني القصاص أو الدية، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
2- 2 كذا في الأصل، و الصحيح « لا جابر له.».

ج 43، ص: 314

[السابع في سلس البول الدية]

السابع قيل و القائل المشهور على ما في المسالك في سلس البول الدية كاملة للقاعدة التي مضى البحث فيها و ل

خبر غياث بن إبراهيم (1)عن الصادق عن أبيه عليهما السلام «إن عليا عليه السلام قضى في رجل ضرب رجلا حتى سلس بوله بالدية كاملة»

و نحوه المروي عن قرب الاسناد(2)و هما و إن كان فيهما ضعف إلا أنه منجبران بما سمعت و مؤيدان بما تقدم من النصوص المشتملة على الدية في كسر(3)البعصوص فلا يملك استه، و ضرب (4)العجان فلا يستمسك بوله و غائطه.

و قيل و القائل الشيخ و بنو حمزة و سعيد و إدريس على ما حكى إن دام إلى الليل ففيه الدية و إن كان إلى الزوال فثلثا الدية و إن كان إلى ارتفاع النهار فثلث الدية، و عن بعضهم ثم على هذا الحساب، بل في الرياض الظاهر ثبوت الشهرة القديمة عليه، بل حكى عن الكركي حكايتها عليه، و اختاره من المتأخرين المقداد، و من متأخريهم فاضل الرياض، لخبر إسحاق المنجبر بما عرفت

«سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و أنا حاضر عن رجل ضرب رجلا فلم ينقطع بوله قال إن كان البول يمر إلى الليل فعليه الدية و إن كان إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية و إن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية»

كذا عن الفقيه و المقنع(5)، و

عن الكافي و التهذيب (6)«قال سأله رجل و أنا عنده عن رجل ضرب رجلا


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات المنافع الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات المنافع الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
5- 5 الفقيه ج 4 ص 142 و المقنع ص 188.
6- 6 الكافي ج 7 ص 315 و التهذيب ج 10 ص 251.

ج 43، ص: 315

فقطع بوله فقال: إن كان البول يمر إلى الليل فعليه الدية، لأنه قد منعه المعيشة، و إن كان إلى آخر النهار فعليه الدية، و إن كان إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية و إن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية».

و كأن قطع البول فيه بمعنى قطع مجراه أو شي ء منه حتى لا يستمسك، أو من التقطيع بمعنى التفريق الموجب للسلس و دوام الخروج شيئا فشيئا، و الشرطيتان الأولتان يحتملان الاتحاد معنى و التأكيد، و الاختلاف بأن يراد بالثانية الاستمرار إلى قريب من الليل لا إليه.

مؤيدا بالأصل، لأن لزوم الدية على الإطلاق مما ينفيه أصالة البراءة، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن الذي هو الصورة الأولى، و أما الصور الباقية فالأصل عدم لزومها فيها أيضا، و إثبات الثلث و الثلثين و إن كان خلاف الأصل حيث يزيدان عن الحكومة، إلا أنه جاء من قبل الإجماع و عدم قائل بها مطلقا فإن كل من نفى كمال الدية على الإطلاق قال بالقول الثاني المفصل على الإطلاق، و عليه فليطرح الخبران (1)المطلقان للدية مع كونهما قضية في واقعة، أو يحملان على الصورة الأولى خاصة التي هي أظهر الأفراد، بل لعل الأخيرتين نادرتان.

لكن قد يناقش بعدم إجماع محقق خصوصا بعد ما حكي الفاضل في القواعد و غيرها القول بالدية إلى الليل و نصفها إلى الظهر و ثلثها إلى الضحوة، و إن كنا لم نعرف قائله كما اعترف به غير واحد، بل لا شهرة محققة غير الخبر المزبور

في ذلك خصوصا مع ضعف سنده بصالح بن عقبة الذي قيل فيه إنه غال كذاب لا يلتفت إلى روايته(2) ، مضافا إلى ما فيها من الاغتشاش في المتن على رواية التهذيب و الكافي(3)


1- 1 يعني خبر غياث و قرب الاسناد.
2- 2 مجمع الرجال ج 3 ص 306 نقلا عن ابن الغضائري. و لكن قال في معجم رجال الحديث: هو من رواة كامل الزيارات و تفسير القمي و لا يعارض التضعيف المنسوب الى ابن الغضائري توثيق ابن قولويه و على بن إبراهيم، لان نسبة الكتاب الى ابن الغضائري لم تثبت فالرجل من الثقات ج 9 ص 82- 83.
3- 3 الكافي ج 7 ص 315 و التهذيب ج 10 ص 251.

ج 43، ص: 316

فالمتجه الحكومة فيما لا يندرج في الإطلاق المزبور، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلح و نحوه، و الله العالم.

ثم من المعلوم إن المراد بالدوام إلى الليل أو الظهر أو الضحوة في كل يوم لا في يوم أو أيام، لأن المعهود أن ثبوت الدية و بعضها المقدر إنما هو في ذهاب العضو أو المنفعة رأسا، و إلا فالحكومة، لأصالة البراءة من التقدير.

و لو دام إلى الليل فزائدا أو إلى الظهر فزائدا بحيث لا يدوم إلى الظهر ففي التنقيح «احتمل الحكومة، و الأولى نسبة ذلك الزائد إلى ما تقدم عليه و وجوب نسبته من دية ذلك»(1)قلت قد عرفت أن المختار دوران الحكم على صدق السلس عندنا إلا ما كان من الأفراد النادرة، و أما على القول الآخر فيأتي ما ذكره من احتمال عدم اعتبار الزيادة، و الله العالم.

و كيف كان فبما ذكرنا ظهر لك الحال في حكم المنافع التي لم يذكروا حكمها كالنوم و اللمس و الجوع و العطش و غيرها و إن كان المتجه بناء على القاعدة المزبورة ثبوت الدية لو ذهب بالجناية، إلا أنك قد عرفت النظر فيها أو منعها، فتجب الحكومة التي قد عرفت ثبوتها لكل ما لم يثبت له مقدر شرعي، و الله العالم.

و في الصوت الدية كاملة بلا خلاف أجده فيه كما

في كتاب ظريف و فيما عرضه يونس على الرضا عليه السلام و فيهما «أن في الغنن و البحح الدية(2)»

بل الظاهر ثبوت ديتين لو أدى ذلك إلى ذهاب نطقه، لأنهما منفعتان متباينتان ذاتا و محلا، فإن الصوت ينشأ من الهواء الخارج من الجوف لا مدخل فيه للسان، و لكل منهما نص على حكمه.

لكن في القواعد الإشكال فيه من ذلك، و من أن معظم منفعة الصوت النطق و إنما يجب في ذهابه الدية لذهاب النطق، إلا أنه كما ترى بعد ما عرفت من أن لكل


1- 1 التنقيح ص 837 من مخطوط عندنا.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.

ج 43، ص: 317

منهما نصا بخصوصه.

و أضعف منه ما عن التحرير «من أن في الصوت الدية فإن أبطل مع حركة اللسان فدية و ثلثا دية اللسان إن لحقه حكم الشلل (1)» ضرورة عدم اندراج ذلك في الشلل، بل هو مندرج في ذهاب النطق، فتكون الجناية في الفرض حينئذ كغيرها من الجنايات التي يترتب عليه أثران لكل منهما مقدر، و الله العالم.

[المقصد الثالث في الشجاج و الجراح]
اشاره

المقصد الثالث في الشجاج و الجراح و الشجاج بكسر الشين جمع شجة بفتحها، و هي الجرح المختص بالرأس و الوجه و يسمى في غيرها جرحا، و هي على المشهور ثمان: الحارصة و الدامية و المتلاحمة و السمحاق و الموضحة و الهاشمة و المنقلة و المأمومة نعم من الجامع نحو المحكي عن النهاية و الغنية و الإصباح، أن الحارصة هي الدامية، و لكن ذكر بعدها الباضعة.

و عن المقنعة و الناصريات و المراسم إبدال المتلاحمة بالباضعة، كما عن الفقيه و التهذيب و أدب الكاتب إبدال الدامية بها، و عن الكافي (2)إبدال الحارصة بها.

و عن فقه (3)الثعالبي أنها تسعة و التاسعة الجائفة، مفسرا لها بالتي وصلت إلى جوف الدماغ، و الثامنة الدامية، و لم يتعرض للأمة و وسط الباضعة بين القاشرة


1- 1 التحرير ج 2 ص 275.
2- 2 للكليني كما في كشف اللثام لا الحلبي كما قد يتوهم.
3- 3 فقه اللغة للثعالبي.

ج 43، ص: 318

التي هي الحارصة و الدامية، و عن نظام الغريب، التسعة أيضا، إلا أنه لم يتعرض للدامغة، و جعل التاسعة الأمة، و الباضعة بين الدامية و المتلاحمة.

و في الصحاح أنها عشرة تاسعها الأمة و عاشرها الدامغة(1)، و جعل الباضعة بين الحارصة و الدامية كالثعالبي، قال: و زاد أبو عبيد الدامعة بالعين المهملة بعد الدامية، و في القاموس أنه زادها قبلها(2).

و عن السامي «أنها ثلاثة عشر، فارقا بين القاشرة و الحارصة بأن الأولى هي التي تذهب بالجلد و الثانية التي تقطعه، و بعدها الدامية ثم الباضعة ثم المتلاحمة و العاشرة الأمة ثم الدامغة(3)و زاد المفروشة و هي الصادعة للعظم غير الهاشمة، و الجائفة التي تذهب بالجلد مع اللحم (4)، و عن الكامل (5)أنها سبعة بإسقاط الموضحة و أن الحارصة هي الدامية ثم الباضعة ثم المتلاحمة ثم كما في الكتاب.

و عن أبي علي «أولاها الحارصة و ثانيها الدامية و الثالثة الباضعة و الرابعة المتلاحمة و الخامسة السمحاق و السادسة الموضحة و السابعة الهاشمة و الثامنة المنقلة، ثم قال: و العود من الشجاج و هي التي تعود في العظم و لا تخرقه و فيها عشرون من الإبل، و الأمة و هي التي تخرق عظم الرأس و تصل إلى الدماغ، و فيها ثلث الدية، و في الجوف الجائفة، و هي التي تصل إلى جوف الرجل و لا تقتله، و فيها أيضا ثلث الدية و منه (6) النافذة و هي الجائفة إذا نفذت إلى الجانب الآخر من البدن و قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه في الديات: إن فيها أربعمائة و ثلاثة و ثلاثين دينار


1- 1 بالمعجمة كما في مختار الصحاح.
2- 2 قال في القاموس: و وهم الجوهري فقال بعد الدامية.
3- 3 بالمعجمة كما في السامي.
4- 4 راجع السامي في الأسامي للميداني ص 68 و فيه« الجالفة» مكان« الجائفة» و قال في مصباح المنير: الجالفة الشجة تقشر الجلد و لا تصل الى الجوف.
5- 5 الكامل في الفقه للقاضي ابن براج، راجع مفتاح الكرامة و الذريعة.
6- 6 في المختلف« فيه» مكان« منه».

ج 43، ص: 319

و ثلث دينار(1)» و في المختلف «و زاد ابن الجنيد على المشهور العود التي تعود في العظم و لا تخرقه و جعل ديتها عشرين من الإبل و لم يصل إلينا في ذلك حديث يعتمد عليه(2)».

قلت: و من ذلك يظهر لك أنه لا طائل لهم في الاختلاف المزبور، ضرورة أن المعتمد الدليل على اختلاف أحكامها، خصوصا في الألفاظ الأربعة التي هي الحارصة و الدامية و الباضعة و المتلاحمة التي اتفق الفقهاء- كما في المسالك- على أنها موضوعة لثلاث معان لا غير.

«و هي التي تقشر الجلد و تدخل في اللحم يسيرا و تدخل فيه كثيرا و لكن اختلفوا في أي الألفاظ المترادف فقيل: إن الدامية ترادف الحارصة، فتكون الباضعة غير المتلاحمة، فالباضعة هي التي تبضع اللحم بعد الجلد أي تقطعه، و هي الداخلة في اللحم يسيرا، و هي الدامية على القول الآخر، و المتلاحمة هي الداخلة فيه كثيرا بحيث لا تبلغ الجلدة التي بين اللحم و العظم، و قيل: إن الدامية تغاير الحارصة فتكون الباضعة مرادفة للمتلاحمة، و لا خلاف في مقادير الديات الثلاث، و لا في انحصارها فيها فالنزاع حينئذ في مجرد اللفظ(3)».

و لا يقال: إن تحت كل اسم منها أفراد مختلفة في العمق و غيره، فتناسبه الزيادة في الدية إذ هو كالاجتهاد في مقابلة الدليل على ديتها بأفرادها المختلفة التي يجمعها اسم واحد، و المدار عليه، و إلا فلا فائدة في زيادة الألفاظ، و هي الناشرة(4)و العامغة بالعين المهملة و الغين المعجمة و المفروشة و العود، كل ذلك مضافا إلى ذكر مثل الجائفة و النافذة التي لا تختص الرأس الذي هو محل البحث المسمى جرحه بالشجاج، و كيف كان فالكلام في تفاصيل أحكامها.


1- 1 المختلف الجزء السابع ص 259 ملخصا.
2- 2 المختلف الجزء السابع ص 259.
3- 3 الى هنا من المسالك ج 2 ص 505 ملخصا.
4- 4 كذا في الأصل و لعل الصحيح« القاشرة» بالقاف.

ج 43، ص: 320

فنقول:

[أما الحارصة]

أما الحارصة بإهمال الحروف فهي التي تقشر الجلد و تخدشه كما في القواعد و النافع و محكي المحيط و أدب الكاتب و نظام الغريب (1)، و عن الأزهري «أصل الحرص القشر و به سميت الشجة حارصة و قيل للشره حريص، لأنه يقشر بحرصه وجوه الناس بمسألتهم».

و في كشف اللثام «في أكثر الكتب أنها التي تشق الجلد من قولهم: حرص القصار الثوب إذا شقه، و في المحكم (2)هي التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا يقال حرص رأسه بفتح الراء يحرصه بكسرها حرصا بإسكانها أي شق و قشر جلده، و يظهر منه كون الشق و القشر بمعنى واحد، و قد عرفت أن الميداني في السامي فرق بينهما و سمي التي تقشر، القاشرة، و التي تشق، الحارصة و الثعالبي في فقه اللغة لم يذكر الحارصة و إنما جعل أول الشجاج القاشرة(3)».

الذي يظهر لي أن الحارصة هي التي تقشر الجلد من دون إدماء و إن كان لها أفراد مختلفة و لكن فيها أجمع بعير كما عن المشهور، بل عليه عامة المتأخرين بل لم أجد فيه خلافا، إلا ما يحكى عن الإسكافي، من أن فيها نصف بعير، و هو مع شذوذه لم نعرف له مستندا، فضلا عن كونه صالحا لمعارضة

خبر منصور(4)بن حازم عن الصادق عليه السلام- الذي هو إن لم يكن صحيحا


1- 1 لعيسى بن إبراهيم الربعي اليمنى في اللغة و أفرد فيها ذكر لغات الاشعار و اقتصر عليها كما في معجم المطبوعات ج 1 ص 927.
2- 2 كذا في الأصل و في كشف اللثام، و هو اسم كتاب ظاهرا و يحتمل تصحيفه.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 334.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 14.

ج 43، ص: 321

فقريب منه، و مع ذلك منجبر بما عرفت- «في الحرصة شبه الخدش بعير».

نعم في كشف اللثام و غيره، مقتضى إطلاقه كالفتاوى عدم الفرق في ذلك بين الذكر و الأنثى، لكن عن الغنية و الإصباح و الجامع، التعبير بأن فيه عشر عشر الدية، قال: و هو يقتضي الفرق بينهما، و فيه أن الظاهر اتحاد الجميع كما تسمع التصريح به في بعض

النصوص (1)في المنقلة التي فيها خمسة عشر من الإبل، قال: «عشر و نصف عشر»

فحينئذ المراد من الدية في كلامهم دية الذكر التي هي الأصل دون الأنثى التي هي نصفها، فيرتفع الخلاف حينئذ الموهون بعدم دليل عليه يحكم على الإطلاق المزبور.

مضافا إلى عدم مفارقة الأنثى للذكر في الجروح ما لم تبلغ الثلث فصاعدا كما عرفت الكلام فيه سابقا و تعرف إن شاء الله، و لعل إطلاق الأصحاب هنا اتكالا على ما ذكروه سابقا و يأتي من القاعدة المزبورة، بل هو صريح

خبر العلاء بن الفضيل (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الموضحة خمس من الإبل و السمحاق أربع من الإبل و الدامية صلح أو قصاص إذا كان عمدا كان دية أو قصاصا و إذا كان خطاء كان الدية و المنقلة خمسة عشر و الجائفة ثلث الدية و المأمومة ثلث الدية و جراحة المرأة و الرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية فإذا جاز ذلك فالرجل يضعف على المرأة ضعفين».

بل في كشف اللثام و غيره أيضا أن مقتضاهما أيضا عدم الفرق بين الحر و المملوك خلافا لابن حمزة ففرق بينهما بجعل الأرش في المملوك، و فيه أن الظاهر اتفاق الجميع على ما ذكره ابن حمزة و إن أطلقوا هنا لكنه اتكال أيضا على ما ذكروه سابقا من كون الحر أصلا للعبد في كل ماله مقدر و العبد أصلا للحر فيما ليس له مقدر و حينئذ يعتبر المقدر المزبور بالنسبة إلى الدية و يثبت في العبد مثله بالنسبة


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 18.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 16.

ج 43، ص: 322

إلى قيمته التي هي ديته ما لم يتجاوز دية الحر، و من هنا لم يستبعده في الرياض (1)و ستسمع ما في

خبر حريز(2)عن الصادق عليه السلام «فيمن شج عبدا موضحة قال:

عليه نصف عشر قيمة العبد»

و هو صريح في ما ذكرناه.

و على كل حال ف هل هي الدامية قال الشيخ في محكي النهاية و المبسوط و الخلاف و ابنا زهرة و حمزة و الكيدري و القاضي و يحيى بن سعيد على ما حكى عنهم نعم ل

قول الصادق عليه السلام في خبر السكوني (3)«أن رسول الله صلى الله عليه و آله قضي في الدامية بعيرا»

و قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر مسمع (4)مثله، مع ما عرفت من أن في الحارصة بعيرا، و هو و إن لم يدل إلا على التساوي حكما لا الترادف إلا أن ذلك كاف في المطلوب، بل لعله المراد، و لكن الرواية المزبورة ضعيفة و لا جابر لها على وجه تصلح معارضا لما سمعته.

و من هنا كان الأكثرون، بل المشهور كما حكاه جماعة، على أن الدامية غيرها و هي

رواية منصور بن (5)حازم عن الصادق عليه السلام التي ذكر فيها «إن في الحارصة بعيرا- كما سمعت- و في الدامية بعيرين»

مضافا إلى تغاير مبدأ اشتقاقهما، و إلى ما دل من النصوص (6)المعتبرة على أن في الباضعة ثلاثا من الإبل بضميمة أن كل من قال بذلك قال بتغايرهما كما ستعرف.

و حينئذ

[أما الدامية]

ففي الدامية إذن بعيران كما عن المفيد و السيد و الديلمي و الحلي و غيرهم و هي التي تدخل (7)في اللحم يسيرا (11) و في القواعد «تسمى


1- 1 رياض المسائل ج 2 ص 619.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 14.
6- 6 راجع الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج.
7- 7 في الشرائع« تأخذ» مكان« تدخل».

ج 43، ص: 323

بالدامعة بإهمال العين لأنها تخرج منها نقطة من الدم كما يخرج الدمع» لكن في كشف اللثام «المعروف المغايرة بينهما بسيلان الدم و عدمه، ففي العين (1)«الدامعة سائلة و الدامية التي تدمي و لم تدمع بعد» و نحوه في الصحاح عن أبي عبيد، و عليه الأكثر، و منهم ابن فارس في المجمل، و قال في المقاييس «الأصح أن التي تسيل دما هي الدامية فأما الدامعة فأمرها دون ذلك لأنها هي التي كأنها يخرج منها ماء أحمر رقيق»، و يوافقه في اعتبار السيلان في الدامية

كلام الكليني و أبي علي و المفيد و السيد في الانتصار و الناصريات، و سلار، و كذا كلام الحلبيين، مع أنهما جعلاها أول الأقسام (2)».

قلت: و لكن المنساق المناسب لترتبها على الحارصة أنها التي تخرج الدم مطلقا و إن كان الغالب حصول السيلان و لو في الجملة مع خروجه، إذ هي المرتبة التي تزيد على قشر الجلد بدون إدماء، و حينئذ ففيها بعيران بجميع أفرادها حتى تصل الشجة إلى المرتبة الثالثة التي أشار إليه المصنف بقوله:

[أما المتلاحمة]

و أما المتلاحمة و هي التي تدخل (3)في اللحم كثيرا و لكن لا تبلغ السمحاقة و تتلاحم أي تلتئم سريعا، و عن الأزهري «أن اللاحمة القاطعة إلا أنها سميت بذلك على ما يؤل إليه و على التفأل» و على كل حال ففيها ثلاثة أبعرة كما في محكي النهاية و الخلاف و المبسوط و السرائر و الكامل و الوسيلة و غيرها، بل لا أجد فيه خلافا، لقول الصادق عليه السلام في خبري المسمع (4)و

السكوني (5)«في المتلاحمة


1- 1 العين في اللغة لخليل بن أحمد الشيعي و هو أول من صنف في اللغة.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 334.
3- 3 في الشرائع« تأخذ».
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 8.

ج 43، ص: 324

ثلاثة أبعرة»

و هو المراد بما عن الكافي و الغنية و الإصباح و الجامع «إن فيها عشر عشر الدية و خمسه».

و هل هي غير الباضعة كما هو ظاهر من جعل الحارصة من الأصحاب الدامية، كالشيخ و القاضي و ابني زهرة و حمزة أو اقتصر على إحداهما كالمفيد و الصدوق و الحلبي، فإن الجميع يجعلون الباضعة مكان الدامية قبل المتلاحمة و يفرقون بينهما بقلة النفوذ في اللحم و بكثرته، بل قيل: نحوهم في الفرق الكليني و أكثر كتب أهل اللغة مثل أدب الكاتب و نظام الغريب و السامي، بل عن تهذيب الأزهري أن أبا عبيد حكاه عن الأصمعي و غيره، بل و الصحاح قال:

«الباضعة الشجة التي تقطع الجلد و تشق اللحم و تدمى إلا أنه لا يسيل الدم فإن سال فهي الدامية، و المتلاحمة التي أخذت في اللحم و لم تبلغ السمحاق ثم رتب الأقسام فقال: القاشرة و هي الحارصة ثم الباضعة ثم الدامية ثم المتلاحمة ثم السمحاق ثم الموضحة ثم الهاشمة ثم المنقلة ثم الأمة ثم الدامغة».

و نحوه عن فقه الثعالبي إلا في عدد الأقسام فقال: «إذا قشرت الشجة جلد البشرة فهي القاشرة فإذا بضعت اللحم و لم تسل الدم فهي الباضعة فإذا بضعت اللحم و سالت الدم فهي الدامية فإذا عملت في اللحم الذي يلي العظم فهي المتلاحمة فإذا بقي بينها و بين العظم جلد رقيق فهي السمحاق فإذا أوضحت العظم فهي الموضحة فإذا كسرت العظم فهي الهاشمة فإذا نقلت منها العظام فهي المنقلة فإذا بلغت أم الرأس حتى يبقى بينها و بين الدماغ جلد رقيق فهي الدامغة فإذا وصلت إلى جوف الدماغ فهي الجائفة» إلى غير ذلك من كلماتهم التي أطنب في كشف اللثام (1)في نقلها.

أو هي هي كما هو ظاهر من اكتفى بأحدهما من الأصحاب و من فسرهما بالتي تبلغ اللحم كما عن المجمل أو التي تأخذ فيه كما عن النهاية الأثيرية.


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 334- 335.

ج 43، ص: 325

قولان منشأهما اختلاف النصوص، فإن المراد من كونها هي أو غيرها اتحادها معها في الحكم و عدمه ففي

صحيح ابن سنان (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الباضعة ثلاث من الإبل»

و كذا في صحيح الحلبي (2)، و خبر زرارة(3).

و في

خبر منصور(4)«في الباضعة و هي دون السمحاق ثلاث من الإبل»

و في

خبر مسمع (5)بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: قضى رسول الله صلى الله عليه و آله- إلى أن قال-: في الباضعة بعيرين و في المتلاحمة ثلاثة أبعرة»

و نحوه.

في خبر السكوني (6)، و لعل الجمع بينهما بدعوى أن الباضعة فردين أحدهما يساوي الدامية و الآخر يساوي المتلاحمة و ربما كان في خبر منصور إشارة إلى ذلك فإنه فسر الباضعة التي توجب الثلاثة بما سمعته.

و كيف كان ففي المتن و غيره فمن قال: الدامية غير الحارصة فالباضعة و المتلاحمة واحدة و من قال: الدامية و الحارصة واحدة فالباضعة غير المتلاحمة و لكن قد يناقش بإمكان القول بالأول و مغايرة الباضعة للمتلاحمة، بأن يقال: الحارصة التي لا تدمى و الدامية التي تدمي من غير دخول في اللحم و الباضعة التي مع ذلك تدخل في اللحم قليلا و المتلاحمة التي تدخل في اللحم كثيرا، كما أنه يمكن القول باتحاد الأولين مع اتحاد الباضعة المتلاحمة.

نعم الظاهر اتحاد حكم الباضعة مع الدامية في البعيرين إذا كان الدخول في اللحم قليلا جدا، و فوق ذلك إلى أن تكون دون السمحاق تتحد مع المتلاحمة في الثلاثة، كما أشرنا إلى ذلك في الجمع بين النصوص، و هو المهم في المقام دون الاختلاف في اللفظ.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 14.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 8.

ج 43، ص: 326

[أما السمحاق]

و أما السمحاق فهي التي تبلغ السمحاقة و هي جلدة مغشية للعظم كما صرح به غير واحد، فما عن الكليني من أنها التي تبلغ العظم مسامحة، لنصه على أن السمحاق جلدة رقيقة على العظم و على كل حال ف فيها أربعة أبعرة، للإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض كالنصوص، ففي

خبر مسمع بن (1)عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام «قال أمير المؤمنين عليه السلام: قضي رسول الله صلى الله عليه و آله- إلى أن قال-: و في السمحاق أربع من الإبل»

و نحوه قوي السكوني (2)عن أبي عبد الله عليه السلام، و خبر أبي بصير(3)، و خبر زرارة(4)و خبر منصور بن (5)حازم و خبر أبي حمزة(6)عنه أيضا إلى غير ذلك من النصوص التي لا يعارضها

ما أرسله أبو علي عن أمير المؤمنين عليه السلام (7)من أن «فيها حقة و جذعة و ابنة مخاض»

كما لا ينافيه ما عن الكافي و الغنية و الإصباح و الجامع من أن فيها خمس عشر الدية، لأن المراد به خمس عشر دية الرجل و هي أربعة.

نعم عن المقنع (8)«أن فيها خمسمائة درهم» و يمكن أن يكون ذلك قيمة الأربعة، لكن قال: «و إذا كانت في الوجه فالدية على قدر الشين» و نحوه ما عن

الكافي (9)من أن «في السمحاقة و هي من دون الموضحة خمسمائة درهم و فيها إذا كانت


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 14.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 18.
7- 7 أورده في المختلف، الجزء السابع ص 259 عن أبى على. و فيه« و ابنة لبون» بعد« و ابنة مخاض» و كذا أيضا في كشف اللثام ج 2 ص 335 فراجع.
8- 8 المقنع للصدوق ص 181.
9- 9 الكافي ج 7 ص 328.

ج 43، ص: 327

في الوجه ضعف الدية على قدر الشين»

و لعله

للمرسل عن أبي بصير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في السمحاق التي هي دون الموضحة خمسمائة درهم و إذا كانت في الوجه ضعف الدية على قدر الشين»

و لكن ستعرف إن شاء الله أن حكم الشجاج في الرأس و في الوجه سواء.

[أما الموضحة]
اشاره

و أما الموضحة و هي التي تكشف عن وجه العظم بلا خلاف أجده في تفسيره و فيها خمسة أبعرة بلا خلاف أجده فيه أيضا، كما عن الخلاف و الغنية و غيرهما الاعتراف به، و النصوص به مستفيضة كخبر مسمع (2)و خبر أبي بصير(3)و خبر زرارة(4)و خبر معاوية(5)بن وهب و خبر أبي مريم (6)و خبر منصور(7)ابن حازم و خبر العلاء(8)بن الفضيل و خبر أبي حمزة(9)، و إليه يرجع

ما في كتاب ظريف (10)«في مواضح العظم خمسون دينارا»

كما أن ما في

خبر حريز(11)عن الصادق عليه السلام «فيمن شج عبدا موضحة قال: عليه نصف عشر قيمة العبد»

مؤيد لما ذكرناه سابقا، و أما مما عن الخلاف و الغنية و الإصباح و الكافي و الجامع، من أن فيها نصف عشر الدية فهو على ما ذكرناه سابقا.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 12.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 13.
7- 7 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 14.
8- 8 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 16.
9- 9 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 18.
10- 10 الفقيه ج 4 ص 82 و فيه« الرأس» مكان« العظم».
11- 11 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج الحديث 5.

ج 43، ص: 328

[فروع]

فروع لكن ينبغي أن يعلم أولا إنك قد عرفت في كتاب القصاص عدم اختلاف أرش الجروح بصغره و كبره في الطول و العرض، لصدق الاسم و التعليق عليه في النص و الفتوى، بل إنما يختلف باختلافه في النزول إذا خرج به عن الاسم إلى اسم آخر، كما إذا نزلت الحارصة إلى المتلاحمة و المتلاحمة إلى الموضحة، و أما إذا لم يخرج إلى اسم آخر فاختلافه نزولا كاختلافه أيضا طولا و عرضا و حينئذ ف لو أوضحه اثنتين ففي كل واحدة خمس من الإبل بلا خلاف و لا إشكال لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب.

و لو وصل الجاني بينهما ففي المتن و الإرشاد صارتا واحدة كما لو أوضحه ابتداء لصدق الاسم، و أصالة البراءة و بناء فعل الواحد بعضه على بعض، كما لو قطع يديه و رجليه ثم قتله فإن الدية واحدة لاتحاد الجاني و كذا لو سرتا أو سرت إحداهما فذهب ما بينهما من الحاجز لأن السراية من فعله فهي من تتمة الجنايتين الأولتين، و لا يستقر حكمهما ما لم تستقرا و إنما استقرتا بعد السراية مع أصل البراءة.

و لكن قد يشكل ذلك كله بزيادة الجناية و تعددها و أصل بقاء الشغل بديتي موضحتين و الجناية و السراية زيادة مضمونة على ذيها فكيف تقلل الدية، بل الظاهر ثبوت دية مستقلة لها لو كانت موضحة أو غيرها، كما جزم به في الإيضاح و مجمع البرهان، و قد استشكل فيه الفاضل في القواعد في الاتحاد في الأولى و لم يستشكل في السراية و الحق عدم الفرق بعد أن كانت السراية مضمونة أيضا فهي حينئذ كما لو وصل بينهما غيره إذ لا إشكال و لا خلاف في أنه متى كان كذلك لزم الأول ديتان بفعله و الواصل ثالثة لأن فعله لا يبنى على فعل غيره و

ج 43، ص: 329

هو واضح، نعم لو وصلها المجني عليه فعلى الأول ديتان و الواصلة هدر لأنه الجاني على نفسه.

و كيف كان فعلى الاتحاد لو تخالفا و تخاصما فقال الجاني أنا شققت بينهما أو سرتا أو إحداهما بعد أن اعترف أو ثبت أنه أوضحه موضحتين و أنكر المجني عليه فقال أنا أو ثالث وصل بينهما فالقول قول المجني عليه مع يمينه كما في القواعد و غيرها و محكي المبسوط لأن الأصل بل الظاهر أيضا من حدوثهما ثبوت الديتين و لم يثبت المسقط و هو وصل الجاني الأول بالسراية أو جناية ثالثة، بل الأصل عدم السراية أو جناية ثالثة من الجاني، و قد يقال بتقديم قول الجاني لأن الأصل البراءة و لا يستقر مقدار الدية إلا باستقرار الجناية، و الأصل عدم تخلل جناية جان آخر و عدم استقرارها قبل الاتصال، و لعل التحقيق اختلاف الحكم باختلاف الإبراز للدعوى و الإنكار.

و كذا لو قطع يديه و رجليه ثم مات بعد مدة يمكن فيها الاندمال و اختلفا فادعى الجاني موته بالسراية، فتدخل دية الطرف في النفس، فلا يكون عليه إلا دية واحدة، و أنكر المجني عليه فالقول قول الولي مع يمينه (11) لمثل ما عرفت، بل يضعف هذا الاحتمال المزبور لأن الأصل عدم السراية و عدم الدخول في النفس إلا أن يفرض إبراز الدعوى على وجه يقتضي ذلك، فإن المدار على ذلك كما أشرنا إليه سابقا.

و لو أوضحه موضحات متعددة زادت على عشرين و بينها حواجز، وجب عليه في كل موضحة خمس من الإبل، و لو زادت على دية النفس.

و لو أوضحه ثم اندمل فجاء آخر أو الجاني الأول فأوضحه في ذلك الموضع، كان عليه دية أخرى.

و لو أوضحه موضحة واسعة فاندمل جوانبه و بقي العظم ظاهرا دفع إليه دية موضحة. و لو اندمل الكل و التحم و ستر العظم لكن بقي الشين و الأثر فكذلك،

ج 43، ص: 330

لعموم النص و الفتوى، بل مقتضاه ذلك و إن لم يبق الأثر، و إن كان ظاهر الفاضل في القواعد خلافه، و لعله للحمل على الكسر الذي فرق بين انجباره على عيب و لا عليه، لكن هو كما ترى قياس لا نقول به، أو لعدم صدق الموضحة بعد البرء الذي هو محل استقرار الجناية، و هو أيضا مخالف لإطلاق النص و الفتوى.

و لو أوضحه في رأسه في موضعين فانخرق ما بينهما في الباطن خاصة إما بفعله أو بسرايته و بقي ظاهر البشرة سليما، فالأقرب كما في القواعد لزوم الديتين لبقاء التعدد اسما، فإن الإيضاح إنما تحقق بوضوح العظم و ظهوره، و يحتمل الاتحاد للاتصال باطنا و تفسير الإيضاح بوصول الجرح إلى العظم و قد وصل، بل عن التحرير التردد في ذلك كما عن ظاهر المبسوط لكن الأقوى ما عرفت. و لو وصل بينهما في الظاهر دون الباطن بأن قطع بعض اللحم الظاهر و لم يصل إلى العظم فهما موضحتان و ما بينهما متلاحمة أو دامية أو سمحاق، بل لعل الاتحاد هنا غير محتمل.

نعم لو ضربه ضربة واحدة فجرحه جراحة واحدة طرفاها موضحتان دون الوسط فالكل موضحة واحدة.

و لو شجه واحدة و اختلفت مقاديرها فأوضح بعضها مثلا دون بعض أخذ منه دية الأبلغ عمقا لأنها لو كانت كلها كذلك لم تزد على ديتها لصدق الاسم مع ما عرفت من عدم الاختلاف بالصغر و الكبر بعد اتحاد الجناية.

نعم لو شجه في عضوين اختلفت ديتاهما أو اتفقتا كاليدين مثلا كان لكل عضو دية على انفراده و لو كان بضربة واحدة فإن اختص الأبلغ كالموضحة بأحدهما كان فيه دية و في الآخر دية ما دون، و إن عمهما الموضحة مثلا كان له دية موضحتين لعضويه و لو شجه في رأسه و جبهته شجة واحدة متصلة كذلك فالأقرب أنها واحدة لأنهما عضو واحد عرفا إذ الرأس يشملهما، و الأصل البراءة، و إن استشكل فيه في القواعد و محكي المبسوط من ذلك و من

ج 43، ص: 331

تغايرهما عرفا و لانتفاء التكرار في قولهم له رأسه و وجهه، و فيه أن الأصل البراءة و لو مع الشك.

[أما الهاشمة]

و أما الهاشمة فهي التي تهشم العظم و تكسره و إن لم يكن جرح، و منه قيل للنبات المنكسر هشيما و ديتها عشر من الإبل عشر الدية، بلا خلاف أجده فيه كما عن الغنية، بل الظاهر الاتفاق عليه كما اعترف به في كشف اللثام، ل

خبر السكوني (1)المنجبر بذلك «قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في الهاشمة بعشر من الإبل»

إلا أنه كما ترى مطلق لكن في المتن و القواعد و محكي المبسوط أرباعا أى إن كان خطأ على حسبما توزع عليه الدية الكاملة فيكون في المقام إن كان خطأ بنتا مخاض و ابنا لبون و ثلاث بنات لبون و ثلاث حقق و أثلاثا إن كان شبيه العمد ثلاث بنات لبون و ثلاث حقق و أربع خلف على ما دلت عليه صحيحة ابن سنان (2)في التوزيع، بل عن ظاهر المبسوط الاتفاق عليه، و لا ريب في أنه أحوط و إن لم نقف على نص عليه هنا بالخصوص، و يمكن أن يكون حملوه على النفس.

و على كل حال ف لا قصاص فيها للتغرير، و عدم إمكان استيفائه كما عرفته سابقا في القصاص، و عرفت الخلاف فيه فلاحظ.

و يتعلق الحكم بالكسر الذي به يتحقق اسمها و إن لم يكن جرح خلافا للعامة فجعلوا فيها الحكومة مع عدمه في وجه، و خمسا من الإبل في آخر، و هما معا كما ترى.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 15.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

ج 43، ص: 332

و لو أوضحه اثنتين و هشمه فيهما و اتصل الهشم باطنا قال في المبسوط: هما هاشمتان لأن الهاشمة تابعة للموضحة و إلا لم تتأخر عنها في مراتب الشجاج فهي المشتملة على الإيضاح و انكسار العظم جميعا، و لا يكفى فيها الانكسار و الموضحة في الفرض متعددة و لكن فيه تردد لإمكان منع التبعية المزبورة لعدم الدخول في المفهوم لغة و لذا ثبت الحكم في الكسر و إن لم يكن جرح فهي حينئذ هاشمة متحدة باعتبار إيصالها و إن تعددت الموضحة.

[أما المنقلة]

و أما المنقلة فهي بصيغة اسم الفاعل مع تشديد القاف فهي كما في النهاية و القواعد و النافع و النزهة و محكي الجامع التي تحوج إلى نقل العظم من موضعه إلى غيره باعتبار حصول الهشم فيه، و حينئذ فيرجع إليه ما في المقنعة و المراسم و الناصريات من أنها «التي تكسر العظم كسرا يفسده فيحتاج معه الإنسان إلى نقله من مكانه» بل و ما في الوسيلة «ما تكسر العظم و تحوج إلى نقل العظم من موضع إلى موضع» بل و ما في الغنية و محكي الإصباح «التي تحوج مع كسر العظم إلى نقله من موضع إلى آخر»، بل و ما في المقنع من أنها «هي التي قد صارت قرحة تنقل منها العظام (1)» لكن عن التهذيب و الفقيه (2)عن الأصمعي هي التي يخرج منها فراش العظام و هو قشرة تكون على العظم دون اللحم، و منه قول النابغة:

«و يتبعها منهم فراش الحواجب»

و نحوه عن تهذيب الأزهري عن أبي عبيد عن الأصمعي، و لم يوافقه أحد من أهل اللغة على ذلك، بل ظاهرهم كالفقهاء خلافه الذي هو المنساق


1- 1 المقنع ص 181.
2- 2 التهذيب ج 10 ص 289 الفقيه ج 4 ص 166.

ج 43، ص: 333

أيضا(1).

نعم عن السرائر «أنها هي التي يخرج منها فراش العظام و فراش الرأس بفتح الفاء و الراء غير المعجمة المفتوحة و الشين المعجمة و هي عظام رقاق تلي القحف و تحوج إلى نقلها من موضع إلى موضع»(2)و عن العين و المحيط «أنها التي ينقل منها فراش العظام أي صغارها» و نحوه عن المغرب (3)و المعرب و النهاية الأثيرية، و عن المجمل و المقاييس و شمس العلوم «أنها التي ينقل منها فراش العظام و إن فراش الرأس طرائق تلي القحف» و في الصحاح «هي التي تنقل العظم أي تكسره حتى يخرج منها فراش العظام» «و إن فراش الرأس عظام رقاق تلي القحف» و

في الكافي (4)«هي التي تنقل العظم من الموضع الذي خلقه الله».

و التحقيق ما عرفته من أن المتبادر منها ما عن أدب الكاتب من أنها «التي يخرج منها العظام» و عن نظام الغريب «أنها التي خرجت منها عظام صغار» و لعله المراد مما في

خبر أبي بصير(5)عن أبي عبد الله عليه السلام على ما رواه في الكافي- إلى أن قال-: «و في المنقلة خمس عشرة من الإبل و هي التي قد صارت قرحة تنقل منها العظام».

و على كل حال ف ديتها خمسة عشر بعيرا بلا خلاف معتد به أجده فيه نصا و فتوى، بل عن الخلاف و المبسوط و الغنية الاعتراف به، نعم عن الحسن إيجاب عشرين بعيرا فيها و هو مع ندرته لا مستند له، فضلا عن أن يعارض المعتبرة المستفيضة


1- 1 كذا في الأصل.
2- 2 السرائر، باب القصاص و ديات الشجاج.
3- 3 المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي و فيه: فراش العظام و هو دقاقها في الرأس.
4- 4 الكافي ج 7 ص 329.
5- 5 الكافي ج 7 ص 327.

ج 43، ص: 334

المعتضدة بما سمعت، منها

خبر أبي حمزة «في الموضحة خمس من الإبل- إلى أن قال-: و في المنقلة خمس عشرة من الإبل عشر و نصف عشر(1)»

و منه يعلم الوجه فيما ذكرناه سابقا من عدم الخلاف في عبارات الأصحاب.

و على كل حال لا قصاص فيها أيضا كالهاشمة لتعذره غالبا، و للتغرير، و لما دل على عدم القصاص في كسر العظام كما تقدم الكلام في ذلك و الخلاف فيه مفصلا. بل و في أن للمجنى عليه أن يقتص في قدر الموضحة منها(2)فرض الإيضاح و يأخذ دية ما زاد و هو عشر من الإبل كما في القواعد و محكي المبسوط لوجود المقتضى و انتفاء المانع، أو ليس له ذلك لعدم صدق القصاص عرفا كما عن الشيخ في محكي الخلاف (3)مدعيا عليه الإجماع و الأخبار، و قد عرفت التحقيق فيه سابقا، فلاحظ و تأمل.

[أما المأمومة]

و أما المأمومة و الأمة على معنى ذات أم الرأس فهي التي تبلغ أم الرأس و هي الخريطة التي تجمع الدماغ و فيها ثلث الدية كما في أخبار(4)أبي بصير و معاوية بن وهب و مسمع و الشحام و أبي الصباح و العلاء بن الفضيل عن الصادق عليه السلام، و محكي الخلاف و المراسم و المقنع و الغنية و غيرها، أي ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج الحديث 18.
2- 2 كذا في الأصل و لعل الصحيح« منها مع فرض الإيضاح» راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 485.
3- 3 الخلاف ج 2 ص 363.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج، الحديث 9 و 10 و 12 و 6 و 5 و 16.

ج 43، ص: 335

كما في كتاب ظريف (1)، أو ثلاثة و ثلاثون بعيرا و ثلث بعير كما عن صريح المبسوط(2)، بل في الوسيلة ديتها على الثلث من دية النفس مغلظة في العمد و مخففة في الخطاء و بين بين في عمد الخطاء.

و لكن في المقنعة كما في المتن فيها ثلث الدية ثلاثة و ثلاثون بعيرا أو ثلث الدية من العين كالورق على السواء، لأن ذلك يحدد فيه الثلث و لا يحدد في الإبل و البقر و الغنم على السلامة في العدد، و نحوه في الناصريات، و في النهاية أيضا

فيها ثلث الدية ثلاثة و ثلاثون بعيرا أو ثلث الدية من الغنم أو البقر أو الفضة أو الحلة، و هؤلاء مع تصريحهم بالثلث لم يعتبروا ثلث البعير و لعله لحملهم أخبار الثلث على التقريب في الإبل كما عساه يشهد له

صحيح (3)الحلبي أو حسنه عن الصادق عليه السلام «قال: في المأمومة ثلاث و ثلاثون من الإبل».

و نحوه خبر زرارة(4)عنه عليه السلام، بل و

خبر أبي بصير(5)عنه أيضا «و في الجائفة ثلث الدية ثلاث و ثلاثون من الإبل و في المأمومة ثلث الدية»

و عن ابن إدريس (6)«في الثامنة ثلث الدية دية النفس و هي ثلاث و ثلاثون بعيرا فحسب بلا زيادة و نقصان إن كان من أصحاب الإبل، و لم يلزم أصحابنا ثلث البعير الذي يكمل به ثلث المأة بعير التي هي دية النفس لأن رواياتهم هكذا مطلقة، و كذلك مصنفاتهم و قول مشايخهم و فتاواهم، و إجماعهم منعقد على هذا الإطلاق، أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء لأن ذلك يحدد(7)فيه الثلث و لا يحدد في الإبل


1- 1 الفقيه ج 4 ص 82.
2- 2 راجع المبسوط ج 7 ص 122.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 10.
6- 6 السرائر باب القصاص و ديات الشجاج.
7- 7 في الأصل« يتحدد» في جميع الموارد، و في السرائر يتجدد بالجيم.

ج 43، ص: 336

و البقر و الغنم».

و قد يحتمل العكس بحمل ما دل على العدد من دون ذكر الثلث عليه تحقيقا في اللفظ و تجوزا في العدد بالاقتصار على الأعداد الصحيحة و الإيماء إلى كمال الثلث من إيجابه، بل هو خيرة الفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهما، و فيه أنه لا مرجح لهذا التجوز على الأول، و المناسبة لمراعاة النسبة إلى أصل الدية في المسائل السابقة في المسألة أيضا بالإضافة إلى النقدين و الحلة لا تصلح للترجيح، خصوصا مع ملاحظة ما عرفت من إجماع الحلي و غيره، بل لو سلم تكافؤ المرجحين كان المتجه عدم اعتبار ثلث البعير للأصل، و إن كان دفعه أو العدول إلى النقدين و نحوهما أحوط، و الله العالم.

[أما الدامغة]

و الدامغة هي التي تفتق الخريطة التي هي أم الدماغ فهي حينئذ بعد المأمومة كما عن الصحاح و المغرب (1)و المعرب و غيرهما بل هو معنى قول أهل اللغة أنها التي تبلغ الدماغ، بل لعل ذلك هو المنساق من مبدأ اشتقاقها عرفا، بل يرجع إليه ما عن العين و المحيط من «أن الدمغ كسر الصاقورة من الدماغ، و الصاقورة باطن القحف المشرف على الدماغ» نعم ما عن الثعالبي من ذكرها مكان الأمة و تفسيره بمعناها يقتضي الترادف معها.

و على كل حال فبناء على ما ذكرنا تكون السلامة معها بعيدة فهي حينئذ توجب القصاص أو الدية، و على تقديرها فتزيد على المأمومة حكومة لعدم التقدير لها شرعا و لا قصاص فيها لتعذر الاستيفاء و للتغرير، بل و لا


1- 1 كذا في الأصل و الصحيح« المغرب في ترتيب المعرب» و ضمير التثنية بعده يشهد لكونه كتابا واحدا.

ج 43، ص: 337

في المأمومة لأن السلامة معها غير غالبة فيتعذر القصاص للتغرير.

و لكن لو أراد المجني عليه بها أو بالدامغة أو بالمنقلة أو بالهاشمة أن يقتص في الموضحة مع فرض حصولها معها و يطالب بدية الزائد جاز كما في القواعد و محكي المبسوط، لعموم الأدلة، خلافا للمحكي عن الخلاف تمسكا بالأخبار و الإجماع كما عرفت الكلام فيه سابقا.

و الزيادة بعد إسقاط الخمسة للموضحة ثمانية و عشرون بعيرا لما عرفت من أن فيها ثلاثة و ثلاثين بعيرا و لكن قال في المبسوط(1)ثمانية و عشرون و ثلث بعير و هو بناء على أن في المأمومة ثلاثة و ثلاثين بعيرا و ثلثا لإطلاق النصوص أن فيها ثلث الدية، و هو ذلك و نحن (11) قد قدمنا الكلام فيه و قلنا إن الأقوى أن نقتصر على ثلاثة و ثلاثين (12) بعيرا تبعا للنقل (13) في الصحيح و غيره المصرح بأن فيها ذلك، و حمله على مجاز الحذف ليس بأولى من حمل الثلث على المجاز، بل هو أولى لما عرفت، بل مع فرض تعارض المرجحين يتجه العمل بأصل البراءة من الزائد.

و لو جنى عليه موضحة فأتمها آخرها شمة و ثالث منقلة و رابع مأمومة فعلى الأول خمسة (14) للإيضاح بلا خلاف و لا إشكال و على الثاني ما بين

الموضحة و الهاشمة خمسة أيضا (15) لا عشرة، فإنها إنما تجب بالهشم مع الإيضاح إذ لو أوضح ثم هشم لم يكن عليه إلا العشرة، فخمسة بإزاء الإيضاح، و فيه أنه مناف لما دل على أن في الهشم عشرة، الذي قد عرفت تعلق حكمه بالكسر و إن لم يكن جرح و (16) كذا الكلام في ما ذكره أيضا من أن على الثالث ما بين الهاشمة و المنقلة خمسة أيضا، و على الرابع تمام دية المأمومة ثمانية عشر بعيرا (17) الذي وجهه ما سمعت و فيه ما عرفت اللهم إلا أن يدعى أن المنساق من نصوص التقدير غير الفرض و الأصل البراءة، و الله العالم.


1- 1 المبسوط ج 7 ص 122.

ج 43، ص: 338

[و من لواحق هذا الباب مسائل]
اشاره

و من لواحق هذا الباب مسائل

[المسألة الأولى دية النافذة في الأنف ثلث الدية]

الأولى قد تقدم الكلام في الأنف في أن دية النافذة فيه أي في الأنف ثلث الدية فإن صلحت فخمس الدية مأتا دينار، و لو كانت في أحد المنخرين إلى الحاجز فعشر الدية فلاحظ و تأمل، و كذا قد تقدم الكلام في:

[المسألة الثانية في شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما]

المسألة الثانية: التي هي في شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما و لو برئتا فخمس ديتهما و لو كان في إحداهما فثلث ديتها و مع البرء خمس ديتها في بحث الشفتين فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثالثة الجائفة و هي التي تصل إلى الجوف من أي الجهات كان و لو من ثغرة النحر ففيها ثلث الدية]
اشاره

المسألة الثالثة:

الجائفة و هي التي تصل إلى الجوف من أي الجهات كان بطن أو ظهر أو صدر أو جنب أو غير ذلك و لو من ثغرة النحر بإبرة، و لذا كانت من الجراح لا الشجاج المختص بالرأس أو الوجه، نعم لو فرض حصولها في الرأس كانت دامغة، قال في محكي الفقيه: «و من الشجاج و الجراحات الجائفة، و هي التي تبلغ في الجسد الجوف و في الرأس الدماغ (1)».

و لكن في المقنع «إن المأمومة التي قد نفذت في العظم و لم تصل إلى الجوف


1- 1 الفقيه ج 4 ص 167.

ج 43، ص: 339

فهي ما بينهما و الجائفة هي التي قد بلغت جوف الدماغ (1)» و هو لفظ

خبر أبي بصير(2)عن الصادق عليه السلام «قال: و في المأمومة ثلث الدية و هي التي قد نفذت و لم تصل إلى الجوف فهي فيما بينهما و في الجائفة ثلث الدية و هي التي قد بلغت جوف الدماغ»

و قال الكليني: «و المأمومة و هي التي تبلغ أم الدماغ، ثم الجائفة و هي التي تصير في جوف الدماغ (3)» و ظاهرهما اختصاصها بالرأس كالمحكي عن ظاهر الثعالبي، إلا أنه يمكن حمل الجميع على إرادة ما إذا كانت في الرأس، فلا خلاف حينئذ، و ستسمع المراد بالجوف.

و على كل حال ف فيها ثلث الدية بلا خلاف أجده فيه، كما عن المبسوط و الخلاف و الغنية الاعتراف به، مضافا إلى النصوص، منها صحيح أبي بصير(4)السابق، و منها خبر ابن وهب (5)و خبر أبي مريم (6)و خبر العلاء(7)و خبر المفضل (8)بن صالح و زيد عنه عليه السلام أيضا، لكن في

حسن الحلبي(9)عن الصادق عليه السلام «فيها ثلاث و ثلاثون من الإبل»

و في

خبر أبي بصير(10)عنه عليه السلام أيضا «و في الجائفة ثلث الدية ثلاث و ثلاثون من الإبل»

بل في

مقطوع أبي حمزة(11)«و في الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلا الحكومة»

إلا أنه قاصر عن معارضة غيره من وجوه.

و يمكن حمله على إرادة ثلث الدية حكومة، كما أنه يمكن حمل الأولين على مجاز الحذف، و أما احتمال التجوز في الثلث هنا نحو ما سمعته في المأمومة


1- 1 المقنع ص 181.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 9.
3- 3 الكافي ج 7 ص 329.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 9.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 12.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 13.
7- 7 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 16.
8- 8 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 5.
9- 9 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 4.
10- 10 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 10.
11- 11 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 18.

ج 43، ص: 340

فكلام الأصحاب يأباه، بل لم أجد من احتمله هنا، بل صرح بعدمه بعضهم.

نعم ربما كان في تعليل بعضهم سقوطه في المأمومة لعدم التحديد و بالنص إيماء إلى احتماله هنا فيتجوز حينئذ بالثلث، إلا أنه كما ترى بعد عدم نص أحد منهم عليه مع إطلاقهم فيها الثلث، و الله العالم.

و كذا لم أجد من احتمل اختصاص الثلث بما إذا كانت في الرأس إلا الأردبيلي، و إن كان ربما يشهد له في الجملة ذكرها في النصوص مع الشجاج المختص بالرأس، بل قد يستبعد ثبوت ثلث الدية في ثقب الخد مثلا بالإبرة، اللهم إلا أن يمنع كون ذلك من الجائفة(1)كما صرح به في التحرير و القواعد و غيرهما و محكي الخلاف، قال في الأول: «و تتحقق الجائفة بالوصول إلى الجوف و لو بغرز إبرة، و لو خرق شدقه فوصل إلى باطن الفم فليس بجائفة، لأن داخل الفم كالظاهر، و كذا لو طعنه في و جنته فكسر العظم و وصل إلى فيه، و لو جرحه في ذكره فوصل إلى مجرى البول من الذكر فليس بجائفة(2)» و هو صريح فيما ذكرناه، و لعله لأن المنساق من نصوص الجائفة غير ذلك مع أن الأصل البراءة.

نعم قال في القواعد: لو جرح رقبته فأنفذها إلى حلقه فعليه دية الجائفة و كذا لو طعنه في عانته فوصل إلى المثانة(3)» و لكن لعله كما في كشف اللثام لصدق الاسم عليهما، و لعله لا يخلو من نظر في الجملة، كل ذلك مضافا إلى ما تسمعه في المسألة الرابعة في النافذة.

و كيف كان ف لا قصاص فيها بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام اتفاقا، كما هو الظاهر للتغرير، و للمقطوع (4)المنجبر بما عرفت، فلا يقدح إمكانه في بعض الأفراد، خصوصا في مثل الخد بناء على أنه من


1- 1 في بعض النسخ هكذا:« الا أن يدعى كون ذلك في الجائفة».
2- 2 التحرير ج 2 ص 277.
3- 3 مفتاح الكرامة ج 10 ص 502.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 18.

ج 43، ص: 341

الجائفة.

و لو جرح في عضو ثم أجاف لزمه دية الجرح ثم دية الجائفة و إن اتصلا مثل أن يشق الكتف حتى يحاذي الجنب ثم يجيفه من ذلك الشق أو من غيره، لإطلاق الأدلة، و أصالة تعدد المسبب بتعدد السبب، و قد يحتمل التداخل لو كان من الشق كما سمعته سابقا في نظيره، و لكن الأقوى خلافه، بل ينبغي القطع به مع تعدد الجاني، و الله العالم.

[فروع]

فروع لو أجافه واحد مثلا كان عليه دية الجائفة لما عرفت و لو أدخل آخر سكينه مثلا في ذلك الجرح و لم يزد على الأول بقطع شي ء فعليه التعزير حسب لأنه أذاه، و لا ضمان لعدم جرحه إياه و إن وسعها باطنا أو ظاهرا بأن قطع جزءا من أحدهما ففيه الحكومة لعدم التقدير له بعد أن لم يكن جائفة و (11) لا غيرها نعم لو وسعها فيهما فهي جائفة أخرى كما لو انفردت (12) مع فرض اتصال الجزء على وجه يتحقق به اسمها.

أما لو قطع جزء من الظاهر في جانب و جزء من الباطن في جانب آخر بحيث لم تتسع الجائفة بتمامها و إن اتسع ظاهرها من جانب و باطنها من آخر، فالحكومة، بل في القواعد «و كذا لو زاد في غوره» و في كشف اللثام «أي في غور الجراح أو العضو المجروح فالحكومة لأنه ليس من الجائفة فإنها الجرح من الظاهر بحيث يبلغ الجوف (1)» و فيه منع اعتبار ذلك في الجائفة كما عرفت الحكم منه و من غيره بتعدد الجائفة لو جرح في عضو ثم أجاف و إن اتصلا، بل قال هو هناك:

«و كذا إذا فعل ذلك في موضع واحد كأن ضرب على جنبه فأوضحه ثم ضربه


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 338.

ج 43، ص: 342

فأجافه فيلزمه مع دية الجائفة أرش الموضحة كما يقتضيه إطلاق الكتاب و المبسوط، و يحتمل التداخل، أما إذا تعدد الجاني فعليهما الديتان قطعا(1)» و هو صريح فيما قلناه، فالمتجه حمل عبارة الفاضل على إرادة(2)في غوره في الجوف نفسه فإن الإجافة حاصلة قبله و لم يحصل من فعله أجافه، و يمكن إرادة الأصبهاني ذلك أيضا، و إن اقتضى تأديته المعنى المزبور ما عرفت.

و لو ظهر عضو من الأعضاء الباطنة كالكبد و القلب و الطحال، فغرز السكين فيه، ففيه الحكومة، لعدم التقدير بعد أن لم يكن مثله جائفة، و إن لم يكن بارزا فغرز من الظاهر مثلا حتى وصل إليه تحققت الجائفة.

و لو أجافه ثم عاد الجاني فوسع الجائفة أو زاد في غوره ففي القواعد «فدية الجائفة الواحدة لا غير على إشكال» و في كشف اللثام «من تعدد الجناية و من كونها جائفة واحدة في الاسم و الأصل البراءة» و فيه إنه فرق واضح بين التوسعة و الزيادة في الغور، ضرورة تحقق الجائفة بالتوسعة ظاهرا و باطنا كما عرفته في تعدد الجاني، بخلاف زيادة الغور التي قد عرفت فيها الحكومة، و إن كانت من جان آخر، نعم قد يقال بالتداخل في الأول، و فيه منع واضح كما عرفته في نظائره.

و لو أبرز حشوته فالثاني قاتل دون الأول لعدم السلامة معه غالبا بخلاف مجرد الإجافة. و حينئذ فعلى الأول ثلث الدية و على الثاني القود أو الدية.

و لو خيطت ففتقها آخر فإن كانت قبل الفتق بحالها لم تلتئم و لم تحصل بالفتق جناية، قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: فلا أرش لعدم جرح فيه


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 336.
2- 2 كذا في الأصل و يحتمل كون« ارادة» تصحيف« زيادة» أو كون« في» زائدة.

ج 43، ص: 343

و لكن يعزر للإيذاء المحرم عليه و لكن في المتن و القواعد و التحرير الأقرب الأرش لأنه لا بد من أذى و لو تكلف في الخياطة ثانيا و فيه أن ذلك ما لم يوجب النقص لا يقتضي الأرش، نعم عليه أرش الخيوط إن نقص منها و أجرة الخياطة مرة أخرى و لو التحم البعض ففتقه ففيه الحكومة كما في القواعد لعدم صدق الجرح بجائفة، فليس إلا الحكومة بعد عدم التقدير هذا.

و في التحرير(1)بعد أن ذكر الحكم في الفتق قبل الالتئام قال: «و لو فعل ذلك بعد التئامها فعليه أرش الجائفة و ثمن الخيوط، و إن التحم بعضها ففتقه فعليه أرش جنايته (2)و لو فتق غير الملتحمة فعليه أرشه لا دية الجائفة، و لو فتق بعض ما التحم في الظاهر دون الباطن أو بالعكس فالحكومة» و لا يخلو من تشويش.

و في كشف اللثام في تفسير نحو عبارة المتن «أي الظاهر أو الباطن من الكل أو البعض كما يعطيه التحرير ففتقه فالحكومة(3)» و بالجملة فالمراد أن الفتق بعد الالتحام (4)يوجب الأرش لا الدية لأنه ليس اندمالا فيقوم حينئذ ملتحما و غير ملتحم و يغرم التفاوت.

نعم لو كان الفتق بعد الاندمال فهي جائفة مبتكرة فعليه ثلث الدية لتحقق اسمها حينئذ و لو أجافه اثنين (11) في موضعين فثلثا الدية (12) و لو كن ثلاثة فتمام الدية لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب.

و لو طعن في صدره (13) مثلا فخرج من ظهره قال في المبسوط(5)(14) جائفة واحدة (15) عرفا لاتحاد الجناية و أصل البراءة، و كون الجائفة ما نفذت


1- 1 التحرير ج 2 ص 277.
2- 2 في الأصل« جائفة» مكان« جنايته».
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 388.
4- 4 كذا في الأصل و في بعض النسخ« الالتئام».
5- 5 المبسوط ج 7 ص 125.

ج 43، ص: 344

إلى الجوف من ظاهر، أعم من أن تنفذ إلى الظاهر من جانب أخرى أولا و قال في الخلاف اثنتان و في المتن هو أشبه لأنهما عضوان متباينان تحقق في كل منهما جائفة و هي الجرح النافذ من الظاهر إلى الباطن، و لأنه لو انفرد كل منهما لأوجب حكما فعند الاجتماع لا يزول ما كان ثابتا حالة الانفراد، و لأنه لو طعنه من كل جانب طعنة فالتقتا كانتا جائفتين، فكذا هنا، إذ لا فارق إلا اتحاد الضربة و تعددها و هو غير صالح للفرق، إلا أن ذلك كما ترى مخالف للعرف، فالأشبه حينئذ الوحدة، و كذا الكلام لو أصابه من جنبه و خرج من الجنب الآخر أو طعنة من مقدم الرأس فأخرجه من مؤخره، بل عن الشهيد في ذلك أن الوحدة ظاهر فتوى علمائنا، و الله العالم.

[المسألة الرابعة قيل إذا نفذت نافذة في شي ء من أطراف الرجل ففيها مأة دينار]

المسألة الرابعة قيل كما عن الشيخ و أتباعه كما في المسالك، أو جماعة كما عن غيرها:

إذا نفذت نافذة في شي ء من أطراف الرجل ففيها مأة دينار كما في

كتاب ظريف (1)الذي قد عرفت صحته في بعض طرقه.

قال فيه: «و في النافذة إذا نفذت من رمح أو خنجر في شي ء من الرجل من أطرافه فديتها عشر دية الرجل مأة دينار».

و فيه أيضا «في الخد إذا كانت فيه نافذة و يرى منها جوف الفم فديتها مأة دينار فإن دووي فبرء و التأم و به أثر بين و شين فاحش فديته خمسون دينارا، فإن كانت نافذة في الخدين كلتيهما فديتها مأة دينار، و ذلك نصف الدية التي يرى منها الفم، و إن كانت رمية بنصل نشبت في العظم حتى تنفذ في الحنك فديتها مأة و خمسون دينارا جعل منها خمسون دينارا لموضحتها، و إن كانت ثاقبة و لم ينفذ فديتها مأة دينار».


1- 1 الفقيه ج 4 ص 92 و 82 و 84 و 85.

ج 43، ص: 345

و فيه أيضا «إن في نافذة الكف إن لم تنسد مأة دينار و إن في نافذة القدم لا تنسد خمس دية الرجل و إن في نافذة الساعد خمسين دينارا».

و قال الصادق عليه السلام في خبر مسمع (1): «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في النافذة تكون في العضو ثلث دية ذلك العضو».

إلا أنه لم أعثر على مفت بتمام ذلك، بل قد يشعر نسبة الأول في المتن و غيره إلى القيل بنوع توقف فيه، و لعله لما قيل من ضعف المستند، أو عدم الوقوف عليه، مع أنه يشكل بما لو كانت دية الطرف تقصر عن المأة كالأنملة، إذ يلزم

زيادة دية النافذة فيها على ديتها، بل على دية أنملتين حيث يشتمل الإصبع على ثلاث.

و فيه أن المستند ما عرفت من كتاب ظريف (2)، و نحوه ما عرضه ابن فضال (3)على أبي الحسن عليه السلام المروي في الصحيح أو الموثق، نعم عموم ذلك لا يلائم بما سمعته في كتاب ظريف بل و لا خبر مسمع المزبور، بل و لا ما سمعته في نافذة الأنف، اللهم إلا أن يقال إن خبر مسمع ضعيف، و لا جابر له، فلا يصلح معارضا للصحيح المعتضد بعمل من عرفت، بل لم يوجد مخالف لهم صريح.

بل ربما أجيب عن الإشكال المذكور أولا بالتزامه أو الذب عنه بتخصيص العموم بالمأة دينار مما فيه كمال الدية، كما حكاه قولا في الروضة و غيرها، أو ما كان ديته زائدة على المأة كما احتمله بعض الأجلة، و عما ذكرناه بتخصيصه أيضا بغير ما تضمنه من النوافذ المزبورة إذ التنافي بينها و بينه ليس تنافي تضاد بل عموم و خصوص يجري فيه التخصيص المذكور.

و فيه أن ذلك يتوقف على وجود قائل به و لم نجده، مع أن النص عام


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 2 و فيه« الناقلة» مكان« النافذة».
2- 2 الفقيه ج 4 ص 75- 92.
3- 3 التهذيب ج 10 ص 295- 308.

ج 43، ص: 346

كعبائر الجماعة، فالمتجه العمل به على عمومه و الاقتصار في تخصيصه على ما يصلح لذلك كما سمعته في نافذة الأنف، و لعل منه أيضا العضو الذي علم أن ديته أقل من ذلك، فيختص الحكم حينئذ في النافذة في العضو الذي مقدرة أزيد من ذلك و أما فيه ففيه الحكومة، و لو بملاحظة نسبته إلى المقدر.

كما أن ظاهر تقييد الحكم المزبور نصا و فتوى بأطراف الرجل يقتضي الحكومة أيضا في النافذة في أطراف المرأة، أو يقال: إنها على النصف من الرجل كالدية كما عن بعضهم التصريح به.

بل قيل و في المملوك بنسبة القيمة إلى دية الحر، و يؤيده

قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر السكوني (1)«جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن»

و عن بعض فتاوى الشهيد «أن الأنثى كالذكر في ذلك ففي نافذتها مأة دينار أيضا»، و هو مناسب للأصل المقرر الذي سمعته و تسمعه أيضا إن شاء الله من مساواتها للرجل في دية الأعضاء ما لم تبلغ الثلث، أو تتجاوزه، لكن التقييد بالرجل في النص و الفتوى لا يناسبه، و الاحتياط مهما أمكن لا ينبغي تركه، و الله العالم.

[المسألة الخامسة في احمرار الوجه بالجناية دينار و نصف و في اخضراره ثلاثة دنانير]

المسألة الخامسة لو اشتملت الجناية على غير جرح و لا كسر كالضرب بالرجل أو بالكف مفتوحة أو مضمومة بالسوط أو بالعصا و نحو ذلك فأحدثت انتفاخا فالحكومة، لعدم التقدير و إن أحدثت تغييرا ف في احمرار الوجه بالجناية بذلك دينار و نصف و في اخضراره ثلاثة دنانير بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج الحديث 2.

ج 43، ص: 347

بل المحكي منهما مستفيض، مضافا إلى

الموثق كالصحيح (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللطمة يسود أثرها في الوجه إن أرشها ستة دنانير، و إن لم تسود و اخضرت فإن أرشها ثلاثة دنانير، فإن احمرت و لم تخضر فإن أرشها دينار و نصف، و في البدن نصف ذلك»

بل و كذا في الاسوداد ثلاثة دنانير، عند قوم منهم السيدان مدعيين عليه الإجماع للأصل و لكن عند آخرين، بل قيل الأكثر، بل عن الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع عليه ستة دنانير و هو أولى لرواية إسحاق بن عمار(2)عن أبي عبد الله عليه السلام المتقدمة المعتضد بما عرفت، و لما فيه من زيادة النكاية، هذا كله في الوجه.

و أما في غيره فقد قال جماعة منا بل لا أجد فيه خلافا بينهم إن دية هذه الثلاث في البدن على النصف مما في كل منها، ففي الاحمرار ثلاثة أرباع الدينار، و في الاخضرار دينار و نصف، و كذا في الاسوداد أو ثلاثة، على الخلاف السابق، بل عن الانتصار و الخلاف و الغنية دعوى الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ما سمعته في الموثق المزبور على ما رواه في الفقيه (3)، و إن خلى عنه في التهذيب و الكافي (4)، فما عساه يشعر به نسبة المصنف له إلى قول جماعة من التوقف فيه في غير محله.

ثم إن مقتضى إطلاقه النص و الفتوى عدم الفرق في الحكم المزبور بين أجزاء البدن كلها، ماله دية مقدرة و ما ليست له، فلا ينسب العضو الذي ديته أقل من دية النفس كاليد الواحدة و الرجل بل و الإصبع كنسبة البدن ليكون في تغيير لون كل منها نصف ما في الوجه، و ربما احتمل اختصاص الحكم بما لا دية له مقدرة من أجزاء البدن، أما غيره فتنسب الأعضاء التي دياتها أقل إلى دية الرأس و هي دية


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.
3- 3 الفقيه ج 4 ص 158.
4- 4 الكافي ج 7 ص 333 التهذيب ج 10 ص 277.

ج 43، ص: 348

النفس، فيكون في اسوداد أنملتي الإبهام مثلا ثلاثة أعشار دينار، و في اخضرارها عشر و ربعه، و لكنه كما ترى لا مستند له.

بل هو خلاف ظاهر ما ذكرنا من الإطلاق نصا و فتوى، الذي مقتضاه أيضا ثبوت ذلك بوجود أثر اللطمة و نحوها في الوجه مثلا و إن لم يستوعبه، بل و إن لم تدم فيه، و ربما حكى قول باشتراط الدوام و إلا فالأرش، و هو مع عدم معروفية قائله ضعيف لمخالفته الإطلاق المزبور، نعم قد يقال بانسياق الحر منهما كما عن ظاهر الغنية، قيل فيرجع في العبد حينئذ إلى الحكومة، كما في كل لطمة أو وكزة لم تتضمن التغيرات المزبورة، و فيه إنك قد عرفت سابقا أن الحر أصل للعبد في كل ماله مقدر فيه، و العبد أصل للحر في كل ما لا مقدر له، فالمتجه حينئذ مراعاة نسبة القيمة كما عن بعضهم هذا.

و لا يخفى عليك أن مورد النص و الفتوى الوجه، لكن عن الخلاف و السرائر أن الرأس كالوجه، و لعله لمساواته له في الشجاج كما ستعرف، و لكنه كما ترى قياس لا نقول به، فالمتجه حينئذ الحكومة فيه لا إلحاقه بالبدن الذي لا يشمله، و الله العالم.

ثم إن الموثق المزبور مختص بالرجل، و لذا قيل إن كانت الجناية على المرأة فنصف المذكورات، و لكن الفتاوى مطلقة، فلا يبعد مساواة المرأة للرجل في ذلك إلحاقا لهذه بالجراح الذي لم يبلغ الثلث فيه، و الله العالم.

[المسألة السادسة كل عضو ديته مقدرة ففي شلله ثلثا ديته كاليدين و الرجلين و الأصابع و في قطعه بعد شلله ثلث ديته]

المسألة السادسة كل عضو ديته مقدرة ففي شلله ثلثا ديته كاليدين و الرجلين و الأصابع، و في قطعه بعد شلله ثلث ديته بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك كما تقدم الكلاه فيه، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه في الأول، بل الظاهر الإجماع- كما اعترف به بعض الأفاضل- في الثاني أيضا، كل ذلك مضافا إلى النصوص

ج 43، ص: 349

السابقة التي هي و إن كانت في أطراف مخصوصة إلا أنها متممة بعدم القول بالفصل.

مع أن في

الخبر(1)الوارد في الأصابع منها «و كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح»

و أما ما في كتاب ظريف (2)و

ما عرضه يونس (3)على الرضا عليه السلام «من أن في شلل اليدين ألف دينار و في شلل الرجلين ألف دينار»

فهو شاذ لا قائل به كالقوي (4)الوارد في ذكر العنين، و إن حكى القول به عن الصدوق و الإسكافي، و نحوهما في الشذوذ

الصحيح (5)«في الإصبع عشر الدية إذا قطعت أو شلت»

كما عرفت البحث في ذلك كله سابقا، فلاحظ فلو لم يكن له مقدر فالحكومة بلا خلاف و لا إشكال.

[المسألة السابعة دية الشجاج في الرأس و الوجه سواء]

المسألة السابعة دية الشجاج في الرأس و الوجه سواء بلا خلاف كما اعترف به بعض الأفاضل، لشمول الرأس له، و ل

قول الصادق عليه السلام في خبر السكوني (6)«قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إن الموضحة في الوجه و الرأس سواء»

المتمم بعدم القول بالفصل، و في

خبر الحسن (7)بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الموضحة في الرأس كما هي في الوجه؟ فقال: الموضحة و الشجاج في الوجه و الرأس سواء في


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
4- 4 الوسائل الباب- 35- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 39- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات الشجاج الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.

ج 43، ص: 350

الدية، لأن الوجه من الرأس و ليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس»

و هو صريح في العموم، فما في

خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في السمحاق و هي التي دون الموضحة خمسمائة درهم، و فيها إذا كانت في الوجه ضعف الدية على قدر الشين»

من الشواذ المطرحة.

و كذا لا خلاف أجده كما اعترف به بعض الأفاضل في أن مثلها أي الشجاج المزبورة في البدن بنسبة دية العضو الذي يتفق فيه من دية الرأس أي النفس، ففي حارصة اليد مثلا نصف بعير، أو خمسة دنانير، و في حارصة أنملتي

الإبهام نصف عشر بعير، أو نصف دينار، لأن ذلك مقتضى النسبة المزبورة، لما سمعته في خبر الثوري (2)الذي يفسره ما في

خبر إسحاق (3)بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام على ما في التهذيب «قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الجروح في الأصابع إذا أوضح العظم نصف عشر دية الإصبع إذا لم يرد المجروح أن يقتص»

بعد إتمامه بعدم القول بالفصل، نعم هو في

الكافي و الفقيه (4)«عشر دية الإصبع»

بإسقاط لفظ النصف، و حينئذ يكون من الشواذ.

كما أن ما

في كتاب ظريف (5)مما لا يوافق الضابط المزبور كذلك أيضا، قال فيه: «و لكل عظم كسر معلوم فديته و نقل عظامه نصف دية كسر و دية موضحته ربع دية كسره» و فيه في الترقوة «فإن أوضحت فديتها خمسة و عشرون دينارا، و ذلك خمسة أجزاء من ديتها إذا انكسرت، فإن نقل منها العظام فديتها نصف دية


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ديات الشجاج الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.
3- 3 التهذيب ج 10 ص 290 الوسائل الباب- 6- من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول. و ليست فيه كلمة« نصف» كما في الكافي و الفقيه.
4- 4 الكافي ج 7 ص 327 الفقيه ج 4 ص 137.
5- 5 الفقيه ج 4 ص 79 و 83 و 84 و 85.

ج 43، ص: 351

كسرها عشرون دينارا».

و في المنكب «إذا أوضح فديته ربع دية كسره خمسة و عشرون دينارا فإن نقلت منه العظام فديته مأة دينار و خمسة و سبعون دينارا منها مأة دينار دية كسره و خمسون دينارا لنقل العظام و خمسة و عشرون دينارا للموضحة»

، و نحوه في المرفق، و هو موافق- كما في كشف اللثام- لما سمعته من الضابط.

و في العضد، «دية موضحتها ربع دية كسرها خمسة و عشرون دينارا و دية نقل عظامها نصف دية كسرها خمسون دينارا».

و في الساعد، «دية موضحتها ربع دية كسرها خمسة و عشرون دينارا و دية نقل عظامها مأة دينار و ذلك خمس دية اليد» و في الكف، «في موضحتها ربع دية كسرها خمسة و عشرون دينارا و دية نقل عظامها مأة دينار و ثمانية و سبعون دينارا نصف دية كسرها».

و لعل المراد أن ذلك دية هذه الأمور حال اجتماعها على التوزيع المزبور.

و فيه أيضا على ما رواه في الكافي (1)«في موضحة القصبة السفلى من إبهام اليد ثمانية دنانير و ثلث دينار و دية نقل عظامها ستة و عشرون دينارا و ثلثا دينار و في موضحة المفصل الأعلى منها أربعة دنانير و سدس دينار و في نقل عظامه خمسة دنانير و في موضحة كل قصبة عليا من قصبات سائر الأصابع أربعة دنانير و سدس دينار و في نقل العظام كل فيها ثمانية دنانير و ثلث و في موضحة القصبة الوسطى منها دينار و ثلثا دينار و في نقل عظامها خمسة دنانير و ثلث و في موضحة الكف خمسة و عشرون دينارا و في نقل عظامها عشرون دينارا و نصف و في موضحة كل من الصدر و الظهر و الكتفين خمسة و عشرون دينارا»

- إلى آخر ما ذكر فيه- مما بعضه موافق للضابط المزبور و بعضه مخالف، إلا أنه يمكن الاستدلال بالموافق منه متمما بما عرفت، و لا ينافيه


1- 1 الكافي ج 7 ص 340- 341 و 336- 338 و لا يخفى أن الشارح أورد هنا عبارة كشف اللثام بطولها راجع ج 2 ص 336 و لا يوافق ما أورده مع ما في الكافي كاملا فراجع.

ج 43، ص: 352

البعض المخالف كما هو مقرر في محله.

هذا كله مع فرض وقوعها فيما له مقدر، أما ما لا مقدر له فالظاهر الحكومة، بل في القواعد «و في المقدر مما لا عظم له كالذكر و اللسان و الشفة و الثدي (1)» و إلا لزم تساوي الجراحات في الرأس و في الذكر و نحوه مما ديته دية النفس، و قد سمعت ما في

الخبر(2)المزبور من «أن الجراحات في الجسد ليست كما هي في الرأس»

و لأن العظم مناط تمايز الجراحات، و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت من الإطلاق، و الله العالم.

[المسألة الثامنة المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء و الجراح حتى تبلغ ثلث دية الرجل ثم تصير على النصف]

المسألة الثامنة قد تقدم الكلام في كتاب القصاص إن المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء و الجراح حتى تبلغ ثلث دية الرجل أو تتجاوزه ثم تصير على النصف بلا خلاف في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص، نعم في القواعد سواء كان الجاني رجلا أو امرأة على إشكال، و لعله من عموم الفتاوى و كثير من النصوص، و من أن الأصل في ديات أعضائها و جراحاتها أن تكون على النصف مطلقا قبل بلوغ الثلث و بعده، و إنما علم استثناء ما قبله إذا كان الجاني رجلا لاختصاص أكثر الأخبار به، بل في المسالك عن بعضهم اختياره، و لعل الأول أقوى و حينئذ ففي قطع الإصبع منها و إن كان القاطع امرأة مأة و في الاثنين مأتان و في الثلاث ثلاثمائة و في أربع مأتان إن كان قطعهن بضربة واحدة و إلا كان لكل ضربة حكمها و كذا يقتص من الرجل


1- 1 مفتاح الكرامة ج 10 ص 493 و الأمثلة غير الذكر من كشف اللثام لا القواعد فراجع.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.

ج 43، ص: 353

للمرأة في الأعضاء و الجراح من غير رد حتى تبلغ الثلث ثم تقتص مع الرد و لو جنت هي عليه و أراد القصاص منها اقتصر عليه من غير مطالبة بغيره كما تقدم الكلام في ذلك كله، بل و في:

[المسألة التاسعة كل ما فيه دية الرجل من الأعضاء و الجراح فيه من المرأة ديتها]

المسألة التاسعة و هي كل ما فيه دية الرجل من الأعضاء كالأنف و اليدين و الرجلين و المنافع، بل و الجراح كما عرفته سابقا ف فيه من المرأة ديتها و كذا من الذمي ديته و هي ثمانمائة درهم و من الذمية نصفه و من العبد قيمته و ما فيه مقدر من الحر فهو بنسبته من دية المرأة و الذمي و قيمة العبد إلا أن المرأة تساوي الرجل فيما نقص عن الثلث كما عرفته ذلك كله سابقا مفصلا بأدلته و جميع ما يتفرع عليه و الحمد لله، فلاحظ.

[المسألة العاشرة كل موضع قلنا فيه الأرش أو الحكومة فهما واحد]

المسألة العاشرة كل موضع قلنا فيه الأرش أو الحكومة فهما واحد اصطلاحا و المعنى أنه يقوم المجروح صحيحا لو كان مملوكا تارة و يقوم مع الجناية (11) أخرى و ينسب إلى القيمة (12) الأولى و يعرف التفاوت بينهما و يؤخذ من الدية (13) للنفس لا العضو بحسابه (14) أي التفاوت بين القيمتين خلافا لبعض العامة فيأخذ من دية العضو إن قدرت له دية، فالحكومة في إحدى الشفتين مثلا أن يقوم لو كان عبدا بالقيمتين فإن نقص عشر القيمة مثلا كان للمجنى عليه عشر الدية عندنا لا عشر نصفها كما عن بعضهم.

و كيف كان فهذا في الحر الذي يكون العبد أصلا له في هذا الحال، ضرورة توقف معرفة الفائت على ذلك بعد عدم التقدير من الشارع له و الفرض كون الجملة

ج 43، ص: 354

مضمونة بالدية فتضمن الأجزاء منها، فيستكشف بذلك كما يستكشف تفاوت المعيب و الصحيح، ثم يرجع بعد إلى الثمن الذي ضمن به المبيع، فكذلك هنا و هو واضح و إن كان المجني عليه مملوكا أخذ مولاه على قدر النقصان إن لم تزد قيمته على دية الحر و إلا رد إليها، لأن الحر أصل له في ذلك و في كل ما فيه مقدر من الأعضاء.

نعم لو لم تنقص قيمته بالجناية كقطع السلع احتمل السقوط للأصل، و يحتمل- بل في القواعد أنه الأقرب- أخذ أرش نقصه حين الجناية، لأنها حينها في معرض السراية، فإن كان مملوكا كان لمولاه الأرش و إلا فرض مملوكا، و ذلك لتحقق جناية أوجبت نقصا و لو حينا، و فيه أن دية الجناية إنما يستقر عند الاندمال أو تحقق الموت بها، و المفروض عدم الموت و عدم النقص بعده.

ثم إن مقتضى إطلاق المصنف و غيره ثبوت الأرش لو كانت الجناية على عضو له مقدر و إن ساوى المقدر أو زاد عليه، و لكن في المسالك «و لو قيل ينقص منه شيئا لئلا يساوي الجناية على العضو مع بقائه زواله رأسا كان وجها، لأن العضو مضمون بالدية المقدرة لو فات، فلا يجوز أن يكون الجناية عليه مضمونة مع بقائه(1)» و فيه أنه اجتهاد في مقابلة ما عرفت، و قد تقدم سابقا بعض الكلام في المسألة، فلاحظ و تأمل.


1- 1 المسالك ج 2 ص 506.

ج 43، ص: 355

[المسألة الحادية عشر من لا ولي له فالإمام ولي دمه]

المسألة الحادية عشر من لا ولي له فالإمام ولي دمه بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال ف يقتص حينئذ إن قتل عمدا أو يأخذ الدية لأنه الوارث، و ولي من لا ولي له، و أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و ل

قول الصادق عليه السلام في حسن أبي ولاد أو صحيحه(1): «في مسلم قتل و ليس له ولي مسلم، على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل الإسلام فمن أسلم فهو وليه، يدفع إليه القاتل، فإن شاء قتل و إن شاء عفى و إن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام ولي أمره، فإن شاء قتل و إن شاء أخذ الدية يجعلها في بيت مال المسلمين لأن جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين».

و هل له العفو مجانا؟ الأصح لا وفاقا للأكثر، بل كاد يكون إجماعا كما اعترف به غير واحد، إذ لا أجد فيه مخالفا إلا الحلي، للأصل المقطوع بما في الصحيح المزبور. قال فيه: «فإن عفى عنه الإمام قال: إنما هو حق لجميع المسلمين، و إنما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، و ليس له العفو» كانقطاع عموم تسلط الإنسان على ماله، بناء على أنه الوارث حقيقة كغيره من الورثة، و لكن لا يخفى عليك قلة الفائدة في البحث عن ذلك، اللهم إلا أن يكون جواز ذلك لنائب الغيبة و عدمه، و لا ريب في أن الأحوط العدم و كذا لو قتل خطأ أو شبيه عمد فله استيفاء الدية و ليس له العفو عنها لما عرفت و قد تقدم سابقا بعض الكلام في هذه المسألة.


1- 1 الوسائل الباب- 60- من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 و 2.

ج 43، ص: 356

[النظر الرابع في اللواحق]

اشاره

النظر الرابع في اللواحق و هي أربع

[الأولى في الجنين]
اشاره

الأولى في الجنين و المشهور أن دية الجنين إذا كان بحكم المسلم الحر مأة دينار إذا تم خلقه و لم تلجه الروح، بل في الانتصار و الغنية و محكي الخلاف و

السرائر و ظاهر المبسوط الإجماع عليه، بل لعله كذلك لما تسمعه من ندرة المخالف،

للمعتبرة المستفيضة كالصحيح (1)عن أبي عبد الله عليه السلام و أبي الحسن الرضا عليه السلام «ان أمير المؤمنين عليه السلام جعل دية الجنين مأة دينار، و جعل مني الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء، فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مأة دينار، و ذلك إن الله تعالى خلق الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ و هي النطفة فهذا جزء، ثم علقة فهو جزءان، ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثم عظما فهو أربعة أجزاء، ثم يكسى لحما فحينئذ تم جنينا فكملت له خمسة أجزاء مأة دينار، و المأة دينار خمسة أجزاء: للنطفة خمس المأة عشرين دينارا، و للعلقة خمسي المأة أربعين دينارا، و للمضغة ثلاثة أخماس المأة ستين دينارا، و للعظم أربعة أخماس الدية ثمانين دينارا، فإذا كسى اللحم كانت له مأة دينار كاملة، فإذا أنشأ فيه خلقا آخر و هو الروح فهو حينئذ نفس فيه ألف دينار دية كاملة إن كان ذكرا، و إن كان أنثى فخمسمأة دينار».

و مرسل ابن مسكان (2)عنه أيضا «دية الجنين خمسة أجزاء، خمس للنطفة


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

ج 43، ص: 357

عشرون دينارا، و للعلقة خمسان أربعون دينارا، و للمضغة ثلاثة أخماس ستون دينارا، فإذا تم الجنين كان له مأة دينار، فإذا أنشئ فيه الروح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكرا، و إن كان أنثى فخمسمأة دينار، و إن قتلت المرأة و هي حبلي فلم يدر أ ذكرا كان ولدها أو أنثى فدية الولد نصفان، نصف دية الذكر و نصف دية الأنثى، و ديتها كاملة».

و خبر سليمان بن صالح (1)عنه أيضا «في النطفة عشرون دينارا، و في العلقة أربعون دينارا، و في المضغة ستون دينارا، و في العظم ثمانون دينارا، فإذا كسي اللحم فمأة دينار، ثم هي مأة حتى يستهل، فإذا استهل فالدية كاملة».

و خبر أبي جرير القمي (2)«قال: سألت العبد الصالح عليه السلام عن النطفة ما فيها من الدية؟ و ما في العلقة؟ و ما في المضغة؟ و ما في المخلقة؟ و ما يقر في الأرحام؟

قال: إنه يخلق في بطن أمه خلقا من بعد خلق يكون نطفة أربعين يوما، ثم يكون علقة أربعين يوما، ثم يكون مضغة أربعين يوما، ففي النطفة أربعون دينارا، و في العلقة ستون دينارا، و في المضغة ثمانون دينارا(3)فإذا كسى العظام لحما ففيه مأة دينار، قال الله عز و جل ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (4)، فإن كان ذكرا ففيه الدية و إن كان أنثى ففيها ديتها».

إذ المراد من قراءة الآية بيان و لوج الروح فيه.

خلافا للعماني فأوجب فيه الدية كاملة ل

صحيح أبي عبيدة(5)عن الصادق


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 9. و التهذيب ج 10 ص 282 و بينهما اختلاف يسير فراجع.
3- 3 زدنا هذه الجملة من الوسائل.
4- 4 المؤمنون: 13.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب موانع الإرث الحديث الأول الكافي ج 7 ص 141 التهذيب ج 9 ص 379 الفقيه ج 4 ص 319 و 145.

ج 43، ص: 358

عليه السلام أو عن أبيه عليه السلام «في امرأة شربت دواء عمدا(1)و هي حامل لتطرح ولدها(2)و لم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها، فقال: إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم و شق له السمع و البصر فإن عليها دية تسلمها إلى أبيه و إن كان جنينا علقة أو مضغة فإن عليها أربعين دينارا أو غرة تسلمها إلى أبيه، قلت: فهي لا ترث من ولدها من ديته؟ قال: لا لأنها قتلته».

و

قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3)«إذا كان عظما شق له السمع و البصر و رتبت جوارحه فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة».

و هما مع قصورهما عن معارضة ما عرفت من وجوه يمكن حملهما على إرادة الدية الكاملة للجنين التي هي المأة دينار أو تقييدهما بما إذا و لجته الروح لأنهما مطلقان.

و للإسكافي فقال على ما حكى عنه: «إذا ألقى الجنين ميتا من غير أن تتبين حياته بعد الجناية على الأم كان فيه غرة عبدا أو أمة إذا كانت الأم حرة مسلمة و قدر قيمة الغرة قدر نصف عشر الدية»(4).

ل

قول الصادق عليه السلام في الصحيح(5): «قضى رسول الله صلى الله عليه و آله في جنين الهلالية حيث رميت بالحجر فألقت ما في بطنها غرة عبد أو أمة».

و في

خبر أبي بصير(6)«إن ضرب رجل بطن امرأة حبلي فألقت ما في بطنها ميتا فان عليه غرة عبد أو أمة يدفعها إليها».


1- 1 ليست في المصادر المذكورة كلمة« عمدا».
2- 2 ليست جملة:« لتطرح ولدها» إلا في الفقيه ج 4 ص 145.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
4- 4 كشف اللثام ج 2 ص 388.
5- 5 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

ج 43، ص: 359

و في

خبر داود بن فرقد(1)«جائت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنينا، فقال الأعرابي: لم يهل و لم يصح و مثله يطل، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اسكت سجاعة، عليك غرة عيد و وصيف عبد أو أمة».

و في

خبر سليمان بن خالد(2)«إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله و قد ضرب امرأة حبلي فأسقطت سقطا ميتا فأتى زوج المرأة إلى النبي صلى الله عليه

و آله فاستعدى عليه، فقال الضارب: يا رسول الله صلى الله عليه و آله ما أكل و لا شرب و لا استهل و لا صاح و لا استبشر(3)فقال النبي صلى الله عليه و آله: إنك رجل سجاعة فقضى فيه برقبة».

و سئل عليه السلام أيضا في صحيح أبي عبيدة و الحلبي (4)«عن رجل قتل امرأة خطأ و هي على رأس الولد تمخض قال: عليه خمسة آلاف درهم و عليه دية الذي في بطنها، غرة وصيف أو وصيفة أو أربعون دينارا».

و في خبر أبي مريم (5)عن أبي جعفر عليه السلام «أتى رسول الله صلى الله عليه و آله برجل قد ضرب امرأة حاملا بعمود الفسطاط فقتلها فخير رسول الله صلى الله عليه و آله أوليائها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف و غيره وصيف أو وصيفة للذي في بطنها أو يدفعوا إلى أولياء الرجل خمسة آلاف و يقتلوه»

إلى غير ذلك من النصوص.

و أما التقدير المزبور للغرة فيدل عليه

خبر عبيد بن زرارة(6)«قلت


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
3- 3 و لا استبش ن ل.
4- 4 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 6 التهذيب ج 10 ص 286 الكافي ج 7 ص 299 الاستبصار ج 4 ص 301 و سقطت في الوسائل كلمة« غرة» فراجع.
5- 5 الوسائل الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 التهذيب ج 10 ص 181 الكافي ج 7 ص 300.
6- 6 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7.

ج 43، ص: 360

لأبي عبد الله عليه السلام: «إن الغرة قد تكون بمأة دينار و تكون بعشرة دنانير فقال:

بخمسين»

و خبر السكوني (1)عنه عليه السلام أيضا «الغرة تزيد و تنقص و لكن قيمتها خمسمائة درهم».

إلا أن ظاهر الصحيح (2)السابق كون قيمتها أربعين، بل هو صريح

موثق إسحاق (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن الغرة تزيد و تنقص و لكن قيمتها أربعون دينارا»

و هو مما يوهن القول المزبور في الجملة، و لو لما في المختلف من تضمنها الحوالة على أمر غير منضبط لا تناط به الأحكام، مضافا إلى شذوذه و قصور أخباره عن المعارضة من وجوه، خصوصا بعد ضعف سند بعضها و لا جابر، و كون آخر قضية في واقعة لا عموم فيها، مع موافقتها أجمع لمذهب الجمهور و ما رووه في جنين الهلالية، و لذا حملها الشيخ على التقية تارة، و على ما إذا كان علقة أو مضغة أخرى، و إن كان لا يقبل الثاني جملة منها.

على كل حال فالأصح الأول ذكرا كان أو أنثى أو خنثى لإطلاق النصوص التي كاد يكون صريحها اختصاص التفصيل بين الذكر و الأنثى بما بعد ولوج الروح، مضافا إلى إطلاق الإجماعات، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه، و لعله كذلك، فإنه لم يحد إلا عن الشيخ في المبسوط فأوجب في الأنثى (الخنثى ن ل) الخمسين نصف ما في الذكر، بل عن ظاهره الاتفاق عليه إلا أنا لم نجد(4)دليلا صالحا لمعارضة لما عرفت (5)و خبر ابن مسكان(6)


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 9.
2- 2 يعنى صحيح أبي عبيده و الحلبي المذكور آنفا.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 8.
4- 4 في الأصل: انه لم نجد له.
5- 5 كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها.
6- 6 الوسائل الباب- 21- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

ج 43، ص: 361

السابق ظاهر في ما بعد ولوج الروح فلاحظ و تأمل.

هذا كله في الجنين المسلم و أما لو كان ذميا حكما ف ديته عشر دية أبيه كجنين المسلم بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف الإجماع عليه، بل الظاهر أنه كذلك كما اعترف به غير واحد، مؤيدا بما عساه يستفاد من النصوص و الفتوى من مساواة دية الذمي لدية المسلم في تعلق مثل هذه الأحكام بها على حسب النسبة، و لكن

في روايت ي مسمع و السكوني (1)عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام «أنه قضى في جنين اليهودية و النصرانية و المجوسية عشر دية أمه

» مؤيدين بمناسبته لجنين المملوكة باعتبار ما ورد(2)من كونهم مماليك الإمام، و إن كان هو كما ترى، ضرورة عدم إرادة الملك الذي يجوز(3)عليه مثل الحكم المزبور، فلا مؤيد للخبرين المزبورين كما لا جابر لهما، كي يصلح معارضا لما عرفت من الإجماع المحكي الذي يشهد له التتبع و المؤيد بما عرفت، بل في القواعد: و الأقرب حمله على ما لو كانت مسلمة أي كانت ذمية فأسلمت قبل الجناية و الإسقاط، و إن كان فيه أن المتجه حينئذ كون ديته تامة لكونه بحكم المسلم إلا على القول بأن دية الأنثى خمسون و ربما احتمل القول بالتفصيل هنا، و الفرق في جنين الذمي بين ذكره و أنثاه و حمل الخبر على الأنثى، و ربما احتمل الحمل على حربية الأب، و الأولى إراحها و الأنثى خمسون (4)و العمل على الأول لما عرفته من ضعفهما و إعراض الأصحاب عنهما أو حملهما على ما لا ينافي إطلاق الحكم المزبور،


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب ديات النفس الحديث 1 و 3.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد من كتاب النكاح الحديث 2 و أيضا الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه من كتاب النكاح الحديث الأول. و أيضا الباب- 45- من أبواب العدد من كتاب الطلاق الحديث الأول.
3- 3 يجري ن ل.
4- 4 كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها و الظاهر زيادتها.

ج 43، ص: 362

و الله العالم.

أما الجنين المملوك فعشر قيمة أمة المملوكة ذكرا كان أو أنثى وفاقا للمشهور، بل عليه عامة المتأخرين، بل عن الخلاف و السرائر الإجماع عليه، ل

قوي (1)السكوني عن الصادق عليه السلام «في جنين الأمة عشر ثمنها».

خلافا للمحكي عن المبسوط فعشر قيمة الأب إن كان ذكرا و عشر قيمة الأم إن كان أنثى، و هو مع شذوذه لم نعرف مستنده، بل المحكي عن موضع منه «و أما إن كان الجنين عبدا فعشر قيمته إن كان ذكرا و كذلك عشر قيمته إن كان أنثى و عندهم نصف عشر قيمة أمه»(2)و عن موضع آخر «إذا ضرب بطن أمة فألقت جنينا ميتا مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى و عند قوم غرة

تامة مثل جنين الحرة و هو الذي رواه أصحابنا»(3)و عن ابن إدريس أنه حكاه عنه كذلك، و قال: «هيهنا يحسن قول «اقلب تصب» بل و رواية أصحابنا ما قدمه (4)».

و في المختلف حكاية عبارة المبسوط «و عند قوم اعتباره بأبيه مثل جنين الحرة و هو الذي رواه أصحابنا»، ثم إنه حكي عن ابن إدريس ما سمعته و قال: هذا تجاهل من ابن إدريس، و شيخنا أعرف بالروايات منه، و قد أورد طرفا منها صالحا و تأولها على جاري عادته(5)».


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
2- 2 حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 339 عن المبسوط. و راجع المبسوط ج 7 ص 197 و 205 و فيه هكذا: ففيه عشر قيمة امه ذكرا كان أو أنثى عند قوم أو غرة تامة إلخ.
3- 3 حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 339 عن المبسوط. و راجع المبسوط ج 7 ص 197 و 205 و فيه هكذا: ففيه عشر قيمة امه ذكرا كان أو أنثى عند قوم أو غرة تامة إلخ.
4- 4 السرائر باب دية الجنين و فيه هكذا: و عند قوم غرة أمة مثل جنين الحرة إلخ.
5- 5 المختلف ج 7 ص 261 و فيه هكذا: و عند قوم غرة تامة إلخ و راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 507 فان السيد ره احتمل التصحيف في العبارة و هو غير بعيد.

ج 43، ص: 363

و لا يخفى عليك عدم إنصافه لابن إدريس في ذلك إذ لم نعرف شيئا من النصوص فيما ذكره، نعم قد روى هو روايات الغرة في مطلق الجنين كما سمعته سابقا و تأولها بما عرفت.

و على كل حال فلو كانت أمه حرة بأن أعتقت بعد الحمل أو اشترط الرقية و أجزناه، ففي القواعد «إن الأقرب عشر قيمة أبيه(1)» «لأن الأصل في الولد أن يتبع الأب و حكم الجنين الحر ذلك خرج ما إذا كانت أمه أمة بالنص و الإجماع (2)» و فيه ما لا يخفى من عدم موقع للأصل المزبور فيما نحن فيه. ثم قال: «و يحتمل عشر قيمة الأم على تقدير الرقية(3)» «و لعله لعموم النص و الفتوى باعتبار قيمتها(4)» و لكن فيه أنهما فيما إذا كانت الأم أمة لا مطلقا.

و في التحرير «الأقرب عشر دية أمه ما لم تزد على عشر قيمة أمه و لم أقف في ذلك على نص (5)».

و في كشف اللثام «جمعا بين عموم النص و الفتوى باعتبار قيمتها و رق الجنين الموجب لعدم زيادة ديته على قيمة أبيه الرقيق» و هو كما ترى.

و لعل المتجه فيما خرج عن مورد النص ملاحظة قيمة جنين المملوك غير الساقط بمعنى أنه يقوم جنينا قبل عروض الجناية و يغرم قيمته، و الله العالم.

و لو كان الحمل زائدا عن واحد فلكل واحد دية على حسب ما عرفته


1- 1 مفتاح الكرامة ج 10 ص 507.
2- 2 قوله: لأن الأصل إلخ من عبارة كشف اللثام لا القواعد.
3- 3 مفتاح الكرامة ج 10 ص 507.
4- 4 قوله: و لعله إلخ من عبارة كشف اللثام أيضا ج 2 ص 339.
5- 5 التحرير ج 2 ص 277.

ج 43، ص: 364

في المسلم الحر و الذمي و المملوك كما هو واضح.

و كيف كان ف لا كفارة على الجاني عندنا، بل الإجماع بقسميه عليه، لعدم صدق القتل بعد فرض عدم ولوج الروح، خلافا للمحكي عن الشافعي فأوجبها فيما وجب فيه غرة و منه الجنين التام خلقة قبل ولوج فيه عنده، و هو واضح الضعف، و ما عن أبي علي- من أنه إن حكم عليه بديات أجنة قتلهم كان عليهم من الكفارة لكل جنين رقبة مؤمنة- غير مخالف، لعدم صدق القتل في الفرض فالأصل حينئذ بحاله.

هذا كله في الجنين قبل ولوج الروح فيه و أما لو ولجت فيه الروح فدية كاملة للذكر و نصف للأنثى في الحر المسلم و الذمي بلا خلاف و لا إشكال، لما سمعته من النصوص (1)المعتضدة بالعمومات.

و لو كانت مملوكا فقيمته حين سقوطه، خلافا للعماني و الإسكافي فقالا إن مات الجنين في بطنها ففيه نصف عشر قيمة أمه و إن ألقته حيا ثم مات ففيه عشر قيمة أمه ل

خبر أبي سيار(2)كما في الكافي، و عبد الله بن سنان كما في الفقيه، و في التهذيب ابن سنان عن الصادق عليه السلام «في رجل قتل جنين أمة لقوم في بطنها فقال: إن كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر قيمة أمه، و إن كان ضربها فألقته حيا فمات فإن عليه عشر قيمة أمه»

و لكن ضعفه مع عدم الجابر يمنع من العمل به، مع احتماله التقويم بذلك.

فالأصح ما عرفته من غير فرق بين الموت في البطن و غيرها و بين المملوك و غيره،


1- 1 راجع الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء.
2- 2 الكافي ج 7 ص 344 الفقيه ج 4 ص 146 و فيه« الأمة» مكان« امه» في الموضعين التهذيب ج 10 ص 288 عن مسمع، و أما رواية التهذيب عن ابن سنان فلم أجده في كتاب الديات منه، و لكن أشار إليها في الوسائل الباب- 21- من أبواب ديات الأعضاء ذيل الحديث الأول.

ج 43، ص: 365

بل هو صريح بعض النصوص السابقة أو كصريحها. نعم ظاهر خبر سليمان (1)ابن صالح اعتبار استهلاله في وجوب الدية، و هو محمول على المثال، فما عن ابن زهرة و التقي من الفرق بينهما في غير المملوك بنصف الدية في الأول و تمامها في الثاني واضح الضعف، و إن حكى هو عليه الإجماع، إلا أنه موهون بعدم موافقة أحد لهما فيما أجد عليه إلا ما سمعته من القديمين في المملوك الخارج عن كلامه.

و ربما احتمل إرجاع كلامهما إلى كلام المشهور، لكنه في غاية البعد.

و كيف كان ف لا تجب الدية الكاملة إلا مع تيقن الحياة بالاستهلال و نحوه مما يعلم به ذلك للأصل و لا اعتبار بالسكون بعد الحركة لاحتمال كونها عن ريح و نحوه مما يكون به الاختلاج كما يتفق للحم إذا عصر شديدا، و المذبوح بعد زوال روحه، نعم لو فرض تحركه على وجه يمتاز عن ذلك بحيث يعلم منها حياته اعتبر و كان كغيره مما يدل على حياته.

فما عن الزهري من الاكتفاء بمطلق الحركة لا وجه له، بل عن ظاهر الأصحاب عدم اعتبار مضي الأربعة أشهر في الحكم بحياته على وجه يترتب عليه الدية، و إن

قال الصادق عليه السلام في خبر زرارة(2)«السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل»

و أفتى بمضمونه الأصحاب إلا أن ذلك لا يقتضي تحقق العنوان في المقام.

نعم ظاهر

خبر أبي شبل (3)الاكتفاء بالخمسة «قال: حضرت يونس الشيباني و أبو عبد الله عليه السلام يخبره بالديات قال: قلت: فإن النطفة خرجت متخضخضة(4)بالدم، قال: فقال لي: فقد علقت إن كان دما صافيا ففيها أربعون دينارا و إن كان


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب غسل الميت الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 6، و راجع الكافي ج 7 ص 246 و الفقيه ج 4 ص 144 و التهذيب ج 10 ص 284 و تفسير القمي ص 445.
4- 4 في هذه الكلمة احتمالات راجع المصادر المذكورة.

ج 43، ص: 366

دما أسود فلا شي ء عليه إلا التعزير، لأنه ما كان من دم صاف فذلك الولد، و ما كان من دم أسود فإن ذلك من الجوف.

قال أبو شبل: فإن العلقة صار فيها شبه العروق من اللحم، قال: فيها اثنان و أربعون دينارا العشر، قال: قلت: فإن عشر أربعين أربعة قال: لا إنما هو عشر المضغة، لأنه إنما ذهب عشرها فكلما زادت زيد حتى تبلغ الستين، قال: فإني رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا، قال: فذاك عظم كذلك أول ما يبتدأ العظم فيبتدأ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير فإن زاد فزد أربعة أربعة حتى يتم الثمانين، قال: قلت و كذلك إذا كسي العظم لحما، قال: كذلك. قلت: فإذا وكزها فسقط الصبي و لا يدري أ حي كان أم لا؟ قال: هيهات يا أبا شبل إذا مضت الخمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة و قد استوجب الدية».

إلا أني لم أجد عاملا به لا ما يحكي عن الصدوق، و يمكن حمله على العلم بحاله إذا مضت الخمسة، بالحركة الممتازة عن حركة الاختلاج.

و على كل حال ف تجب الكفارة هنا مع مباشرة الجناية بلا خلاف و لا إشكال، لتحقق موجبها و هو واضح.

هذا كله في الجنين لو تم أما لو لم يتم خلقته ففي ديته قولان أحدهما غرة عبد أو أمة ذكره الشيخ في المبسوط و موضع من الخلاف و في كتابي الأخبار جمعا بين نصوص (1)الغرة و بين غيرها المتقدمة جميعا سابقا، مستشهدا له بصحيح أبي عبيدة(2)السابق أيضا.

و لكن هو- مع أنه في خصوص العلقة و المضغة- مشتمل على التخيير بين الغرة و بين الأربعين دينارا، على أنك قد عرفت عدم مكافئة نصوص الغرة لغيرها بالموافقة للعامة و كون بعضها قضية في واقعة و غيره مما عرفته سابقا حتى يجمع بينهما


1- 1 راجع الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 367

بالجمع المزبور المقتضى لطرح الأخبار المزبورة المصرحة بالتفصيل المنافي لإطلاق الأخبار الغرة.

و احتمال إرادة غرة تساوي عشرين دينارا في النطفة و أربعين في العلقة و هكذا- مع أنه خلاف إطلاق القائل-، لا يوافق تصريح الصحيح بالتخيير بين الأربعين دينارا و بين الغرة في المضغة التي تجب فيها ستون دينارا في النصوص المزبورة. كل ذلك مضافا إلى ما سمعته من النصوص (1)في تعيين قيمة الغرة على وجه لا يوافق الاحتمال المزبور، بل الشيخ نفسه جعل قيمتها خمسين.

و بذلك كله ظهر لك ضعف القول المزبور الذي اختلف أهل اللغة في تفسير الغرة فيه، فبين قائل بأنها العبد و الأمة، و عن عمر(2)بن عبد العلاء أن المراد بها هنا الغلام الأبيض و الجارية البيضاء إذ لو أراد رسول الله صلى الله عليه و آله غير ذلك لقال عبد أو أمة، و بين مفسر لها بالنفيس المختار، و عن الشيخ اختياره. و لذا اشترط أن لا يكون معيبا حتى سل الأنثيين و قطع الذكر و أن لا يكون شيخا كبيرا و لا له أقل من سبع سنين أو ثمان فإنه حينئذ ليس من الخيار.

و أما على السن فإن كان جارية فما بين سبع إلى عشرين و إن كان غلاما فما بين سبع إلى خمس عشرة، و قيمتها نصف عشر دية الحر خمسون دينارا، و قد سمعت النصوص السابقة الدالة على ذلك و غيره.

و على كل حال فالقول الآخر و هو الأشهر، بل المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه توزيع الدية على مراتب النقل (التنقل ن ل) ففيه عظما قد اكتسى اللحم كما عن الانتصار أو مطلقا كما في غيره ثمانون و مضغة ستون و علقة أربعون كما سمعته مفصلا في النصوص السابقة و غيرها.

ك

صحيح محمد بن مسلم (3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يضرب المرأة


1- 1 راجع الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء.
2- 2 في كشف اللثام و مفتاح الكرامة: أبي عمرو بن العلاء.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.

ج 43، ص: 368

فتطرح النطفة فقال: عليه عشرون دينارا، قلت: فيضربها فتطرح العلقة قال:

عليه أربعون دينارا، قال: فيضربها فتطرح المضغة، قال: عليه ستون دينارا، قلت:

يضربها فتطرح و قد صار له عظم فقال: عليه الدية كاملة و بهذا قضى أمير المؤمنين عليه السلام، قلت: و ما صفة النطفة التي تعرف بها؟ قال: النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما، ثم تصير إلى العلقة، قلت: فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها؟ قال: هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوما ثم تصير مضغة، قلت: فما صفة خلقة المضغة التي تعرف بها؟ قال: هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشبكة، ثم تصير إلى عظم، قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظما؟ قال:

إذا كان عظما شق له السمع و البصر و رتبت جوارحه فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة».

و غيره من النصوص المعتضدة بما عرفت التي لا ريب في رجحانها على نصوص الغرة من وجوه قد عرفت جملة منها، فلا ريب في أنه الأصح.

بقي الكلام في اعتبار هذه المراتب في جنين الأمة كما عساه يقتضيه تعقيبهم الحكم المزبور لمطلق الجنين، لكن يبعده ثبوت المقدار المزبور في النطفة و العلقة كالجنين الحر إذا فرض زيادة ذلك على قدر عشر الأم الذي هو ديته تاما، كما أنه من المستبعد ثبوت عشر قيمة الأم فيه مطلقا في جميع المراتب. نعم قد يحتمل التوزيع خمسة أجزاء حتى يكون في النطفة خمس عشر قيمة الأم و في العلقة خمساه و هكذا. و نحو ذلك القول في جنين الذمي.

و كيف كان ف تتعلق بكل واحدة من هذه المراتب عدا النطفة أمور ثلاثة: وجوب الدية و انقضاء العدة للمطلقة، ضرورة صدق وضع الحمل بسقوطه و صيرورة الأمة أم ولد بناء على أن المراد من الولد فيها ما يشمل ذلك كما حققناه في محله و لو قيل: ما الفائدة في اتصافها بذلك و هي

ج 43، ص: 369

بموت الولد تخرج عن حكم المستولدة؟ قلنا: الفائدة هي التسلط على إبطال التصرفات السابقة التي يمنع منها الاستيلاد المراد منه ما يشمل الحمل كما حررناه في مقامه.

أما النطفة فلا يتعلق بها إلا الدية و هي عشرون دينارا بعد إلقائها في الرحم فجنى عليها الجاني و أسقطها دون العدة لعدم صدق وضع الحمل معها و دون الاستيلاد أيضا و لكن قال الشيخ في النهاية: تصير بذلك في حكم المستولدة و هو بعيد إن أراد مجرد وضعها في الرحم كما حققنا ذلك في كتاب الاستيلاد و غيره فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فقد قال بعض الأصحاب و هو الشيخ في النهاية:

و تجب الدية فيما بين كل مرتبة بحساب ذلك و لفظ عبارته: «الجنين أول ما يكون نطفة و فيه عشرون دينارا ثم يصير علقة و فيه أربعون دينارا و فيما بينهما بحساب ذلك، ثم يصير مضغة و فيها ستون دينارا و فيما بين ذلك بحسابه، ثم يصير عظما و فيه ثمانون دينارا و فيما بين ذلك بحسابه، ثم يصير مكسوا عليه خلقا سويا شق له العين و الأذن و الأنف قبل أن تلجه الروح و فيه مأة دينار، و فيما بين ذلك بحسابه، ثم تلجه الروح و فيه الدية كاملة(1)».

و فسره واحد (11) هو ابن إدريس ب (12) ما حاصله أن النطفة تمكث عشرين يوما ثم تصير علقة (13) في عشرين يوما أخرى فابتداء تحولها إلى العلقة من اليوم الحادي و العشرين و كذا ما بين العلقة و المضغة (14) و كذا بين العظم و الكمال فإذا مكثت النطفة أحد (أظ) و عشرين يوما كان فيها أحد و عشرون دينارا، و إذا مكثت اثنين و عشرين كان فيها اثنان و عشرون و إذا مكثت عشرة أيام بعد عشرين كان فيها ثلاثون و على هذا القياس، فيكون لكل يوم دينار.

(15) قال في محكي السرائر: «الجنين ما دام في البطن فأول ما يكون نطفة و فيها بعد وضعها في الرحم إلى عشرين يوما عشرون دينارا ثم بعد العشرين يوم لكل


1- 1 النهاية ج 2 ص 803.

ج 43، ص: 370

يوم دينار إلى أربعين يوما أربعون دينارا و هي دية العلقة، فهذا معنى قولهم: و فيما بينهما بحساب ذلك(1)».

و أورد عليه المصنف فقال و نحن نطالبه بصحة ما ادعاه الأول أي الشيخ فإنه لا دليل على ما ذكره ثم بالدلالة على أن تفسيره مراد الشيخ، إذ هو كما يحتمل ذلك يحتمل غيره مما ستعرف على أن المروي في المكث بين النطفة و العلقة أربعون يوما و كذا بين العلقة و المضغة. و روى ذلك سعيد بن (2)المسيب عن علي بن الحسين عليه السلام و محمد بن مسلم (3)عن أبي جعفر عليه السلام، و أبو جرير(4)القمي عن موسى عليه السلام و أما العشرون فلم نقف لها على رواية.

قال الأول: «سألت علي بن الحسين عليه السلام عن رجل ضرب امرأة حاملا برجله فطرحت ما في بطنها ميتا، فقال: إن كان نطفة فإن عليه عشرين دينارا، قلت: فما حد النطفة؟ قال: هي التي وقعت في الرحم فاستقرت فيه أربعين يوما، قال: و إن طرحته علقة فإن عليه أربعين دينارا، قلت: فما حد العلقة؟ قال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه ثمانين يوما، قال: فإن طرحت و هي مضغة فإن عليه ستين دينارا، قلت: فما حد المضغة؟ قال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه مأة و عشرين يوما، قال: فإن طرحته و هي نسمة مخلقة له عظم و لحم مرتب الجوارح قد نفخ فيه روح العقل فان عليه دية كاملة، قلت له: أ رأيت تحوله في بطنها من حال إلى حال أ بروح كان ذلك أم بغير روح؟ قال: بروح غذاء الحياة القديمة المنقولة في أصلاب الرجال و أرحام النساء، و لو لا أنه كان فيه روح غذاء الحياة ما تحول من حال بعد حال في الرحم، و ما كان إذن على قتله دية


1- 1 السرائر باب دية الجنين.
2- 2 الكافي ج 7 ص 347 التهذيب ج 10 ص 281 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 8 و لكن في الأخير لم يورد تماما.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 9.

ج 43، ص: 371

و هو في تلك الحال».

و قد سمعت صحيح محمد بن مسلم.

و أما

خبر أبي جرير فقال: «سألت العبد الصالح عليه السلام عن النطفة ما فيها من الدية و ما في العلقة و ما في المضغة و ما يقر في الأرحام؟ قال: إنه يخلق في بطن أمه خلقا بعد خلق يكون نطفة أربعين يوما، ثم يكون علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما، ففي النطفة أربعون دينارا، و في العلقة ستون دينارا، و في المضغة ثمانون دينارا، فإذا اكتسى العظام لحما ففيه مأة دينار، قال الله تعالى:

ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»(1).

و فيه أنه يمكن موافقة كلام ابن إدريس بناء على ما سمعته في ذكر حاصله للروايات المزبورة، في أن بين كل مرتبتين أربعين يوما. بل جزم به في كشف اللثام حتى قال: فما في الشرائع و نكت النهاية و التحرير و المختلف من مخالفة الروايات لا وجه له، و إن كان في جزمه بذلك ما لا يخفى.

نعم هو احتمال كما أشار إليه المصنف بقوله و لو سلمنا المكث الذي ذكره فمن أين استظهر أن الأخذ في المرتبة المتأخرة في اليوم الحادي و العشرين؟

بل و من أين استظهر أيضا أن التفاوت في الدية مقسوم على الأيام؟ غايته الاحتمال و ليس كل محتمل واقعا و هو كذلك مع أنه يحتمل أن يكون الإشارة بذلك إلى ما رواه

يونس الشيباني (2)عن الصادق عليه السلام «أن لكل قطرة تظهر في النطفة دينارين و كذا كل ما صار في العلقة شبه العروق من اللحم يزاد دينارين»،

بل في نكت النهاية للمصنف:

«الذي يغلب أنه لم يرد الأيام، بل يريد ما رواه

يونس الشيباني، قال:


1- 1 المؤمنون: 13.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.

ج 43، ص: 372

قلت: لأبي عبد الله عليه السلام فإن خرجت في النطفة قطرة دم، قال: القطرة عشر الدية(1)فيها اثنان و عشرون دينارا، و في القطرتين أربعة و عشرون دينارا، و في الثلاث ست و عشرون دينارا، و في الأربع ثمانية و عشرون دينارا، و في الخمس ثلاثون دينارا، و ما زاد على النصف فبحساب ذلك، حتى يصير علقة فإذا صار علقة ففيها أربعون دينارا، فقال له أبو شبل: فإن العلقة صار فيها شبه العروق من لحم فقال: اثنين و أربعين دينارا العشر، قلت: إن عشر أربعين أربعة، قال: إنما هو عشر المضغة، و كلما زادت زيد حتى يبلغ الستين، قلت:

فإن رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا قال: فذاك عظم أول ما يبتدئ فيه العظم فيبتدأ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير، فإن زاد فزد أربعة أربعة حتى تتم الثمانين، قال: قلت: و كذلك إذا كسي العظم لحما؟ قال: كذلك.»

و هذا القدر هو المنقول، و بعض المتأخرين قسم في كتابه ما لا يعلم أصله بأن قسم التفاوت على الأيام و زعم أن بين النطفة و العلقة عشرين يوما، و بين العلقة و المضغة عشرين يوما فتكلف ما لم تنطق به دلالة و لا أشار في دعواه إلى مستند، و قد نقل عن علماء أهل البيت عليهم السلام أن بين كل حالة من هذه الحال التي بعدها أربعين يوما انتهى»(2).

و عن الصدوق في المقنع الفتوى بما ذكره، و تبعه الفاضل في ذلك كله، و استحسنه في الرياض و لكن لا يخفى عليك أن الإنصاف يقتضي كون ما ذكره ابن إدريس أوفق بعبارة الشيخ من ذلك.

نعم هذه الأخبار و أن تعددت إلا أنه قد يتوقف فيها لاضطراب ها في النقل المزبور أو لضعف الناقل في بعضها، فالمتجه إيكال علمها


1- 1 في الوسائل: عشر النطفة.
2- 2 راجع نكت النهاية، آخر كتاب الديات. مفتاح الكرامة ج 10 ص 511- 512، الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5 و 6.

ج 43، ص: 373

إليهم عليهم السلام.

و كذا ينبغي أن يتوقف عن التفسير الذي مر بخيال ذلك القائل بعد أن عدم الدليل عليه و إن كان محتملا، فتثبت الدية المزبورة حينئذ في مسمى كل واحدة من

غير ملاحظة للمراتب المزبورة كما هو مقتضى ما سمعته من النص و الفتوى، و الله العالم.

و لو قتلت المرأة فمات معها أو قبلها أو بعدها ولدها الذي ولجه الروح فدية للمرئة بلا خلاف و لا إشكال و نصف الديتين أي دية الذكر و الأنثى للجنين إن جهل حاله و إن علم ذكرا فديته أو أنثى فديتها على المشهور بين الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الحلي الذي أشار إليه المصنف بقوله:

و قيل: مع الجهالة يستخرج بالقرعة لأنه مشكل و فيه أنه لا إشكال مع وجود ما يصار إليه من النقل المشهور من قضاء أمير المؤمنين عليه السلام بذلك الذي عرضه يونس و ابن فضال على أبي الحسن (1)عليه السلام، فهو من الصحيح معتضدا بالإجماع السابق.

و

بخبر عبد الله بن مسكان (2)عن الصادق عليه السلام المنجبر بالشهرة و الإجماع المزبورين. «قال: فإن قتلت المرأة و هي حبلى فلم يدر أ ذكرا كان ولدها أم أنثى فديته للولد نصفين، نصف دية الذكر و نصف دية الأنثى، و ديتها كاملة»

و مؤيدا بالنصوص (3)الحاكمة بمثل ذلك في ميراث الخنثى المشكل، فلا إشكال حينئذ بناء على العمل بمثل ذلك.

نعم قد يتجه الإشكال بناء على طريقته من عدم العمل بأخبار الآحاد و إن صحت، مع أنه قد يشكل أولا بإمكان إخراج المكان المقام (4)منها باعتبار


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب ديات النفس، الحديث الأول.
3- 3 راجع الوسائل الباب- 2- من أبواب ميراث الخنثى و ما أشبه.
4- 4 كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها و الظاهر زيادة كلمة« مكان».

ج 43، ص: 374

الإجماع المزبور المعتضد بالتتبع و تعدد النصوص و غير ذلك، فيكون الخبر حينئذ من المحفوف بالقرائن التي تعمل بمثلها، و ثانيا بأن المتجه العمل بأصل البراءة، فيقتصر على الأقل، و بذلك يظهر لك الحال فيما في المسالك (1)من

انتصاره لابن إدريس في مقابلة ما ذكره الفاضل من شدة النكير عليه، و الله العالم.

و لو ألقت المرأة حملها مباشرة أو تسبيبا فعليها دية ما ألقته و لا نصيب لها من هذه الدية بلا خلاف و لا إشكال في ثبوت الدية عليها، بل و في عدم إرثها أيضا مع العمد، و قد سمعت التصريح به في صحيح أبي عبيدة(2)عن الصادق عليه السلام فيمن شربت ما أسقطت به و نحوه غيره، مضافا إلى العمومات.

و أما الخطاء فقد عرفت الكلام فيه في كتاب المواريث.

و لو أفزعها مفزع فألقته أي الجنين فالدية على المفزع بلا خلاف و لا إشكال أيضا للعمومات و للنصوص المتقدمة المشتملة على غرامة الغرة، و منها

خبر ابن فرقد(3)عن الصادق عليه السلام «جائت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنينا، فقال الأعرابي: لم يهل و لم يصح و مثله يطل، فقال النبي صلى الله عليه و آله: اسكت سجاعة، عليك غرة عبد أو أمة».

و إن أخطأ فعلى العاقلة كما مر من الخبر(4)المشتمل على قضية امرأة أفزعها عمر فأسقطت و غيره.

و يرث دية الجنين من يرث المال منه لو كان حيا مالكا ثم مات الأقرب فالأقرب على حسب ما عرفت في كتاب المواريث من طبقات الإرث


1- 1 المسالك ج 2 ص 508.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2، و فيه: عليك غرة و صيف عبد أو أمة.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من أبواب موجبات الضمان الحديث الثاني.

ج 43، ص: 375

بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط و صريح الخلاف الإجماع عليه، مضافا إلى النصوص التي مر بعضها، خلافا لليث بن سعيد فلا ترثه إلا الأم لأنه بمنزلة عضو منها.

و دية أعضائه و جراحاته بنسبة ديته ففي يده خمسون، و في يديه كمال الدية، و في حارصته مثلا دينار عشر العشر، و هكذا بلا خلاف أجده فيه، و فيما عرضه

يونس و ابن فضال علي أبي الحسن عليه السلام من كتاب ظريف المشتمل على قضاء أمير المؤمنين عليه السلام «و قضى في دية جراح الجنين من حساب المأة على ما يكون من جراح الذكر و الأنثى الرجل و المرأة كاملة و جعل له في قصاص جراحته و معقلته على قدر ديته و هي مأة دينار»(1)

لكن هذا إذا كان تام الخلقة و له أعضاء متمايزة.

أما إذا كان قبل تمامها فجنى عليه الجاني فنقص منه شي ء حتى إذا تمت خلقته كان ناقصا عضوا مع فرض العلم بتسبب الجناية لذلك، فقد يقال: باعتبار النسبة إلى ديته أيضا، ففي يده إذا كان له عظم أربعون دينارا، و إن كان فرض العلم بذلك متعذرا أو متعسرا، مع أن الأصل البراءة، خصوصا بعد أن لم نجد فيه نصا و لا فتوى، فيمكن أن يكون نحو ما يشبه الجرح فيه من أنه لا حكم فيه، أو أن فيه الحكومة(2).

و من أفزع مجامعا فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير دية ضياع النطفة بلا خلاف أجده، بل عن الانتصار و الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و

في كتاب ظريف الذي عرضه يونس و ابن فضال علي أبي الحسن عليه السلام «أفتى- أي أمير المؤمنين عليه السلام- في منى الرجل يفرغ عن عرسه فعزل عنها الماء و لم يرد ذلك نصف خمس المأة عشر دنانير و إن أفزع فيها عشرين دينارا إلى آخره (3)».


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول. الكافي ج 7 ص 343.
2- 2 راجع كشف اللثام ج 2 ص 340.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.

ج 43، ص: 376

و لو عزل المجامع اختيارا عن الزوجة الحرة و لم تأذن قيل و القائل الشيخ و القاضي و أبو الصلاح و ابنا حمزة و زهرة و الكيدري على ما حكي عنهم، بل و المصنف في كتاب النكاح و الفاضل و غيره يلزمه عشرة دنانير، لكونه مفوتا كغيره، بل عن الغنية و ظاهر الخلاف الإجماع عليه، بل عن الجامع و السرائر نسبته إلى رواية و إن حكم الأخير بشذوذها و عدم الالتفات إليها للأصل و كراهة العزل لا حرمته، و من هنا قال المصنف فيه تردد أشبه أنه لا يجب و قد

سمعت في كتاب النكاح البحث عن حرمة العزل و كراهته، و عن بناء ثبوت الدية على ذلك و عدمه، فلاحظ و تأمل.

و أما العزل عن الأمة فجائز و لا دية و إن كرهت كالحرة الاذنة، بلا خلاف، بل الظاهر الإجماع عليه كما اعترف به بعض الأفاضل، و قد تقدم تحقيقه في كتاب النكاح أيضا.

و كيف كان ف يعتبر قيمة الأمة المجهضة إذا كانت أسقطت بالجناية حتى يلاحظ غيرها عند الجناية كما صرح به الفاضل و غيره، بل و الشيخ في محكي الخلاف و المبسوط، لأنها حال إثبات دية الجنين في الذمة لا وقت الإلقاء لأنه وقت الاستقرار، و إن احتمل لكنه بعيد جدا، و الله العالم.

[فروع]

فروع (11) لو خفي على القوابل و أهل المعرفة كون الساقط مبدأ نشو إنسان، ففي القواعد الأقرب أن للأم حكومة باعتبار الألم بالضرب، و هو جيد مع فرض حصول نقص فيها بذلك يوجب نقصا في القيمة لو كانت أمة، و إلا فلا، للأصل الذي مقتضاه أيضا عدم وجوب شي ء في الملقى الذي لم يعلم كونه مبدأ إنسان و لو بحكم أهل الخبرة

ج 43، ص: 377

و حينئذ فلا يجب بضرب المرأة شي ء غير القصاص على قول، و دية الجنين، إلا أن تموت هي بالضرب، أو يخرج شيئا من جسدها، أو يؤثر أثرا يوجب أرشا، كإحالة اللون، إذ قد عرفت أنه لا شي ء في الإيلام المجرد سوى التعزير، و خصوصا الألم الحاصل عند الإسقاط إن حصل، فإنه لا يمكن اقتصاصه كما هو واضح.

و لو ضرب النصرانية حاملا مثلا فأسلمت و ألقته بعد إسلامها لزم الجاني دية جنين مسلم، لأن الجناية وقعت مضمونة و الاعتبار بها حال الاستقرار لا وقت الضرب كما عرفت الكلام فيه في القصاص فيما إذا جرح النصراني فأسلم ثم مات.

و لو ضرب الحربية مثلا فأسلمت و ألقته لم يضمن لأن الجناية لم تقع مضمونة فلم تضمن سرايتها.

و لو كانت أمة فأعتقت و ألقته قبل أن تلجه الروح و قلنا بتبعية الحمل للعتق قال الشيخ في محكي المبسوط للمولى أقل الأمرين من عشر قيمتها وقت الجناية أو الدية، لأن عشر القيمة إن كانت أقل فالزيادة بالحرية فلا يستحقها المولى، فتكون لوارث الجنين، و إذا كانت دية الجنين أقل من عشر قيمة الأم كان له الدية لأن حقه نقص بالعتق الذي هو من فعله، نحو ما سمعته فيمن جرح عبدا فأعتق فسرى فمات.

و لكن أورد عليه المصنف و تبعه الفاضل بأن ما ذكره بناء على القول ب أن الواجب الغرة (11) مطلقا ليمكن كون قيمة الغرة أكثر من الدية أو على جواز أن تكون دية جنين الأمة أكثر من دية جنين الحرة و كلا التقديرين ممنوع، فإذن له عشر قيمة أمه يوم الجناية على التقديرين (12) مطلقا و الزائد بالحرية إن كان لورثة الجنين.

قلت: قد عرفت سابقا البحث فيما إذا جرح عبدا ثم أعتق فسرت فمات، و أن على القاتل دية الحر و يستحق منها السيد ما يساوي قيمة عبده حال الجناية،

ج 43، ص: 378

فإن استوعبت أخذها و إن زادت إلى دية الحر و إن كانت الدية زائدة فالزائد لوارث العبد الحر الذي لا مدخلية للملك فيه، لأنه شي ء جعل بسبب الحرية، و ما نحن فيه قريب من تلك المسألة، و مراد الشيخ بالأقل، ذلك خصوصا بعد أن كان ظاهر المحكي عن الشيخ عدم القول بأحد الأمرين.

قال في المبسوط:

«إذا ضرب بطن نصرانية ثم أسلمت ثم ألقت جنينا ميتا فكان الضرب هي نصرانية و هو نصراني، و الإسقاط و هي و جنينها مسلمان، أو ضرب بطن أمة ثم اعتقت ثم ألقت الجنين فكان الضرب و هما مملوكان، و الإسقاط و هما حران فالواجب فيه غرة عبد أو أمة قيمتها خمسون دينارا، و عندنا مأة دينار، لأن الجناية إذا وقعت مضمونة ثم سرت إلى النفس كان اعتبار الدية بحال الاستقرار، ثم قال: فإذا تقرر أن الواجب فيه غرة عبد أو أمة أو مأة دينار على مذهبنا كما يجب في المسلم الأصلي و الحر الأصلي فإن للسيد من ذلك أقل الأمرين من عشر قيمة أمه أو الغرة فإن كان عشر قيمة أمه أقل من الدية فليس له إلا عشر قيمة أمه، لأن الزيادة عليها بالعتق و الحرية و لا حق له فيما زاد بالحرية لأنها زيادة في غير ملكه، و إن كانت دية الجنين أقل من عشر القيمة كان له الدية كلها لأنه نقص حقه بالعتق فكأنه قد جنى بالعتق على حقه فنقص فلهذا كان له الدية(1)».

و هو كالصريح في اتحاد كلامه هنا و مسألة العبد المجروح، و إنما ذكر الأقل من العشر و الغرة تفريعا على قول المخالف.

و كيف كان فالتحقيق ما عرفت من أن للمولي عشر قيمة أمه يوم الجناية ما لم تزد على دية الحر و إلا ردت إليها و الزائد بالحرية لوارث الجنين إن زادت ديته بالحرية و إلا فلا شي ء للوارث نحو ما سمعته في القصاص في نظير المسألة،


1- 1 المبسوط ج 7 ص 197- 198. و صححنا العبارة طبقا للمصدر.

ج 43، ص: 379

فلاحظ و تأمل.

و منه يعلم أن الخلاف مع الشيخ هنا لفظي، ضرورة كون المراد من أقل الأمرين المعنى المزبور، فلا ينافي كون دية الجنين مأة لا تزيد و لا تنقص فلا يناسب التعبير عنها بأقل الأمرين، إذ المراد من أقليتها زيادة عشر قيمة الأم عليها إلا أنها هي تنقص، و إلا فالظاهر اتفاق الجميع على أن دية جنين المملوك عشر قيمة أمه ما لم تزد على دية الجنين الحر و إلا ردت إليها، لأن الحر أصل للمملوك بالنسبة إلى ذلك. و قول المصنف عشر قيمة الأم على التقديرين لا يراد به تقدير الزيادة على دية الحر و عدمه كما في بعض القيود، بل المراد أن له عشر قيمة الأم التي لا تزيد على دية الحر مطلقا، فتأمل جيدا.

و على كل حال فالتحقيق ما عرفت، و عن بعض الشافعية عدم استحقاق المولى من جهة الملك شيئا لأن الإجهاض وقع في حال الحرية، و ما يجب إنما تجب بالإجهاض، فأشبه ما إذا حفر بئرا فتردى فيه حر كان رقيقا حال الحفر فإنه لا يستحق السيد من الضمان شيئا.

و فيه إن من الواضح الفرق بين الأمرين بأن الحفر لا تأثير له في البدن قبل الوقوع بخلاف الضرب.

و لو لم تتم خلقة الجنين ففي كشف اللثام، «فإن كان فيه العشر أيضا كان على الجاني ما في جنين الحر، و هو قد يزيد على العشر و قد ينقص و ربما

يتساويان، فعلى الأولين للمولى أقل الأمرين من العشر أو عشرين دينارا مثلا، و إن وزعناه على المراتب الخمس فللمولى في النطفة مثلا خمس عشر قيمة أمه الأمة، و ما زاد من تتمة العشرين دينارا إن زادت عليه لورثة الجنين، و لا يصح القول بأقل الأمرين حينئذ إلا على القول بالغرة أو عدم رد القيمة إلى دية الحرة(1)».

قلت: قد عرفت إمكان القول بأقل الأمرين بدون ذلك، لكن على المعنى


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 341.

ج 43، ص: 380

الذي ذكرناه و الأمر سهل بعد وضوح الحال.

و لو كان أحد الأبوين ذميا و الآخر و ثنيا فإن كان الذمي هو الأب ففي القواعد و شرحها للأصبهاني: «هو مضمون لما(1)مر قطعا، و إلا فإشكال من أصل البراءة و انتساب الأولاد للآباء و كون الكفر ملة واحدة، و من احتمال تبعية الولد لأشرف الأبوين»(2)بل إن لم يكن الضمان في الأول قطعيا أمكن الإشكال فيه من الأصل و غيره.

و لو ضرب بطن مرتدة فألقت جنينا فإن كان الأب مسلما وجب الضمان كما يضمن الجنين المسلم حكما، لأنه كذلك، و كذا لو كان أحدهما مسلما حال خلقة نطفته أو بعدها و إن تجدد الحمل بعد ارتدادهما فلا ضمان إن كان الجاني مسلما، و إن كان حربيا أو ذميا ضمن لأنه محقون الدم بالنسبة إليه كما عرفت البحث فيه في القصاص.

و لو ضرب حاملا خطاء فألقت الجنين و قال الولي للدم كان حيا فاعترف الجاني بذلك ضمن العاقلة دية الجنين غير الحي، و ضمن المعترف ما زاد، لأن العاقلة لا تضمن إقرارا لأنه إقرار في حق الغير، و لأن الأصل عدم ولوج الروح فيه. و كذا لو أنكر الجاني ذلك كان القول قوله بيمينه.

و لو أقام كل واحد منهما بينة ففي القواعد و غيرها و محكي المبسوط قدمنا بينة الولي الوارث لأنها تتضمن زيادة (11) الحياة التي قد تخفى على بينة الضارب مع كونها بمنزلة بينة الخارج.

و لو اعترف الجاني بأنه انفصل حيا و ادعى موته بسبب آخر، فان كان الزمان قصيرا قدم قول الوارث للظاهر و أصل عدم جناية جان آخر، و إلا فعليه البينة بأنه بقي ضمنا حتى مات.

و لو اتفقا على انفصاله لدون ستة أشهر و لم يدع الجاني جناية جان آخر


1- 1 في كشف اللثام: هو مضمون بما مر قطعا.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 341.

ج 43، ص: 381

فعليه الضمان قصر الزمان أو طال، من غير حاجة إلى بينة أو يمين، لأنه لا يعيش مثله فيها.

و لو ضربها فألقته فمات عند سقوطه فالضارب قاتل على الظاهر نحو من ضرب شخصا بشي ء يقتل مثله فمات عقيب ذلك، فحينئذ يقتل إن كان عمدا لتحقق موضوع القصاص فيه و هو إزهاق الروح المحترمة، سواء كانت مستقرة أولا، خلافا لبعض العامة حيث حكم بأنه إذا لم يتوقع أن يعيش لا تكمل فيه الدية عن آخر(1)فأوجب فيه الغرة، و هو كما ترى مناف لإطلاق الأدلة التي مقتضاها القصاص مع تيقن حياته و إزهاقها بالجناية و يضمن الدية في ماله إن كان شبيها بالعمد و يضمنها العاقلة إن كان خطاء و كذا لو بقي ضامنا و مات أو وقع صحيحا و كان ممن لا يعيش مثله لدون الستة أشهر و تلزمه الكفارة في كل واحدة من هذه الحالات التي يتحقق بها موضوعها، و هو قتل الإنسان الكامل.

و لو ألقته حيا فقتله آخر فإن كانت حياته مستقرة فالثاني قاتل عمدا أو خطاء أو شبه عمد و لا ضمان على الأول لعدم إتلافه شيئا و لكن يعزر لأنه آثم بالجناية التي ترتب عليها الإلقاء و إن لم تكن حياته مستقرة (11) بسبب جناية الأول عليه فالأول قاتل (12) عرفا و الثاني آثم يعزر لخطائه، (13) بل لو قطع رأسه في الحال المزبور كان عليه دية قطع الرأس الميت.

و لو جهل حاله حال ولادته (14) فلم يعلم كونه مستقر الحياة أولا قال الشيخ: يسقط القود (15) عن كل منهما للاحتمال (16) الموجب شبهة يسقط القود بمثلها و (17) لكن عليه (18) أي الثاني الدية (19) تامة لأصالة بقاء الحياة، لا دية جنين ميت كما في المسالك، لأنه المتيقن، إذ ذلك لا يقتضي


1- 1 كذا في النسخ التي راجعناها و يحتمل زيادة« عن آخر» راجع كشف اللثام ج 2 ص 342 الفرع الثالث عشر.

ج 43، ص: 382

سقوط دية الجنين الحي الثابت بالأصل، و ربما كان في نسبة المصنف ذلك إلى الشيخ إشعار بالتردد فيه، و لعله في وجوب كمال الدية على الثاني لأصل البراءة بعد أصالة عدم الحياة الدافعة للقود، مع فرض التعمد، فكذلك الدية، اللهم إلا أن يقال بأن الشبهة تسقط القود الذي هو الحد، بخلاف الدية التي يكفي في ثبوتها الأصل الذي لا يكفي في نحو الفرض بالنسبة إلى تحقق القصاص، و لعله لذا جزم به الفاضل في القواعد من غير نسبة إلى الشيخ.

و لو وطأها ذمي و مسلم لشبهة في طهر واحد بحيث يمكن التولد منهما فسقط بالجناية، أقرع بين الواطئين لأنها لكل أمر مشكل و ألزم الجاني بنسبة دية من ألحق به الولد من الذمي و المسلم، بل أو القود إن تحققت شروطه، بناء على ما عرفته سابقا من أن الأقوى إثبات القود بها، و تجب عليه الكفارة أيضا مع الإلحاق بالمسلم و كان حيا، و الله العالم.

و لو ضربها فألقت عضوا كاليد و نحوها مما يعلم به تمام الخلقة الجنين فإن ماتت بذلك و لم ينفصل الجنين بكماله لزمه ديتها أو القود و دية الحمل التام خلقة، لأن موتها سبب لتلفه و إن لم ينفصل، و لو ألقت أربع أيد فدية جنين واحد، لاحتمال أن يكون ذلك لواحد و إن بعد، إلا أن الأصل البراءة، و كذا لو ألقت رأسين، بل و بدنين، مع احتمال كونهما على حقو واحد، نعم لو ألقت بعد العضو جنينا كامل الأطراف بحيث لا يحتمل أن يكون الساقط منه بحيث لا يكون فيه أثر لانقطاع العضو منه ثم مات وجب ديتان لجنينين مع ديتها إن ماتت بالجناية، لأنه ظهر بكمالية أطراف الساقط من غير ظهور سقوط عضو منه أن في البطن جنينا آخر فتجب ديته مع احتمال العدم، للأصل، بعد إمكان كون العضو من هذا الجنين و إن لم يظهر لنا الحال.

و لو ألقت العضو ثم ألقت الجنين ميتا من غير علم بسبق حياته، ناقص اليد، قبل زوال الألم الحاصل لها بالضرب، حكم بأن اليد يده، و إن احتمل غيره، لأصل البراءة، و لأن إلقاء الجنين بالجناية بشهادة الحال، فعليه حينئذ

ج 43، ص: 383

دية جنين كامل الخلقة قبل و لوج الروح فيه، و دخلت دية العضو في ديته كالإنسان الكامل و كذا لو ألقته حيا فمات إلا أن عليه دية نفس كاملة.

و لو سقط و حياته مستقرة ضمن دية اليد التي سقطت بجنايته حسب كالإنسان، مع فرض العلم بانتقال العضو منه حيا لتعقب سقوطه لسقوطها أو لغير ذلك. و أما لو تأخر سقوطه عن سقوطها على وجه لم يعلم سقوطها منه حال حياته أو طالب الولي بدية اليد قبل وقوعه، ففي القواعد و غيرها فإن شهد أهل المعرفة أنها يدحى، فنصف ديته و إلا فنصف المأة دينار، التي هي دية الجنين قبل و لوج الروح فيه، الذي قد عرفت أن دية أعضائه على حسب نسبة ديته، و ربما احتمل عدم اعتبار هذه الشهادة و العمل بأصل البراءة و عدم الحياة، و لكنه كما ترى، و الله العالم.

[مسألتان]
اشاره

مسألتان

[المسألة الأولى دية الجنين إن كان عمدا أو شبه العمد ففي مال الجاني]

الأولى دية الجنين إن كان عمدا أو شبه العمد ففي مال الجاني، و إن كان خطاء فعلى العاقلة، و تستأدى في ثلاث سنين بلا خلاف أجده بيننا، بل في كشف اللثام التصريح بعدم الفرق في ذلك بين دية الجنين قبل ولوج الروح بجميع مراتبه، و بين ولوج الروح فيه، و كأنهم جعلوا الجناية على الجنين مطلقا بحكم القتل بالنسبة إلى الأحكام المزبورة، و ظاهرهم الاتفاق عليه، مضافا إلى النصوص في بعض الأحكام المزبورة، و لولاه لأمكن الإشكال في ضمان العاقلة في صورة عدم تحقق القتل كما في الجناية عليه قبل ولوج الروح فيه، خصوصا بعد إطلاق النصوص الضمان على الجاني.

و على كل حال فما عن العامة من وجوب دية الجنين مطلقا على العاقلة بناء

ج 43، ص: 384

منهم على عدم تحقق العمد منه واضح الفساد، كالمحكي عن الشافعي منهم من استيدائها في السنة الأولى إن لم يكن ولجت الروح، بناء على قوله بأداء ثلث الدية الكامل في السنة الأولى و الباقي في الثانية.

[المسألة الثانية في قطع رأس الميت المسلم الحر مأة دينار]

المسألة الثانية:

في قطع رأس الميت المسلم الحر مأة دينار على المشهور بين الأصحاب، بل عن الخلاف و الانتصار و الغنية الإجماع عليه، مضافا إلى

حسن حسين (1)ابن خالد «سألت أبا الحسن عليه السلام فقال: إنا روينا عن أبي عبد الله عليه السلام حديثا أحب أن أسمعه منك قال: و ما هو؟ قلت: بلغني أنه قال: في رجل قطع رأس ميت قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إن الله حرم من المسلم ميتا ما حرم منه حيا، فمن فعل بميت ما يكون في ذلك احتياج نفس الحي فعليه الدية، فقال: صدق أبو عبد الله عليه السلام، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه و آله قلت: من قطع رأس رجل ميت أو شق بطنه أو فعل به ما يكون في ذلك الفعل احتياج النفس الحي، فعليه دية النفس كاملة؟ فقال:

لا، ثم أشار إلى بإصبعه الخنصر، فقال: أ ليس لهذه دية؟ قلت: بلى قال: فتراه دية نفس؟ قلت: لا: قال: صدقت قلت: و ما دية هذه إذا قطع رأسه و هو ميت؟

قال: ديته دية الجنين في بطن أمه قبل أن ينشأ فيه الروح و ذلك مأة دينار، قال:

فسكت و سرني ما أجابني به، فقال: لم لا تستوف مسألتك؟ فقلت: ما عندي فيها أكثر مما أجبتني به إلا أن يكون شي ء لا أعرفه، فقال: دية الجنين إذا ضربت أمه فسقط من بطنها قبل أن تنشأ فيه الروح مأة دينار و هي لورثته و أن دية هذا


1- 1 التهذيب ج 10 ص 273- 274 و غيرنا بعض كلماتها طبقا للمصدر و أغمضنا عن تغيير بعضها الآخر فراجع، و راوي الحديث حسين بن خالد لا سليمان بن الخالد كما في بعض النسخ.

ج 43، ص: 385

إذا قطع رأسه أو شق بطنه فليس هي لورثته، إنما هي له دون الورثة، قلت:

و ما الفرق بينهما؟ فقال: إن الجنين مستقبل مرجو نفعه و إن هذا قد مضى فذهبت منفعته فلما مثل به بعد موته صارت ديته بتلك المثلة له لا لغيره، يحج بها عنه أو يفعل بها من أبواب الخير و البر من صدقة أو غيرها، قلت: فإن أراد الرجل أن يحفر له بئرا ليغسله في الحفيرة فسدر الرجل فما يحفر بين يديه فمالت مسحاته في يده، فأصابت بطنه فشقته فما عليه؟ فقال: إن كان هكذا فهو خطاء فإنما عليك الكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو صدقة ستين مسكينا لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه و آله».

و إلى

مرسل محمد بن الصباح (1)عن الصادق عليه السلام، قال: «أتى الربيع أبا جعفر المنصور- و هو خليفة- في الطواف فقال: يا أمير المؤمنين مات فلان مولاك البارحة، فقطع فلان مولاك رأسه بعد موته فاستشاط و غضب قال فقال لابن شبرمة و ابن أبي ليلى و عدة من القضاة و الفقهاء: ما تقولون في هذا؟ فكل قال: ما عندنا في هذا شي ء، فجعل يردد المسألة و يقول: أقتله أم لا؟ فقالوا: ما عندنا في هذا شي ء قال: فقال له بعضهم: قد قدم رجل الساعة فإن كان عند أحد شي ء فعنده الجواب في هذا و هو جعفر بن محمد عليه السلام و قد دخل المسعى، فقال للربيع: اذهب إليه و قل له: لو لا معرفتنا بشغل ما أنت فيه لسألناك أن تأتينا و لكن أجبنا في كذا و كذا، قال: فأتاه الربيع و هو على المروة فأبلغه الرسالة.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: قد ترى شغل ما أنا فيه و قبلك الفقهاء و العلماء فاسألهم قال له: قد سألهم فلم يكن عندهم فيه شي ء، قال: فرده إليه فقال: أسألك إلا أجبتنا، فليس عند القوم في هذا شي ء، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: حتى أفرغ مما أنا فيه، فلما فرغ فجلس في جانب المسجد الحرام فقال للربيع: اذهب إليه فقل له: عليه مأة دينار قال: فأبلغه ذلك فقالوا له: فاسأله كيف صار عليه مأة دينار؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: في النطفة عشرون دينارا و في العلقة عشرون دينارا و في المضغة عشرون


1- 1 الكافي ج 7 ص 347- 348، التهذيب ج 10 ص 270- 271.

ج 43، ص: 386

دينارا و في العظم عشرون دينارا و في اللحم عشرون دينارا ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ و هذا هو ميت بمنزلته قبل أن ينفخ فيه الروح في بطن أمه جنينا، قال: فرجع إليه فأخبره بالجواب فأعجبهم ذلك، فقالوا: ارجع إليه و سله الدنانير لمن هي؟ لورثته أو لا؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليس لورثته فيها شي ء، إنما هذا شي ء صار إليه في بدنه بعد موته، يحج بها عنه أو يتصدق بها عنه أو يصير في سبيل من سبل الخير، الحديث».

و لكن مع ذلك كله قال في محكي المقنعة(1): «إن الجاني إن قطع رأس ميت كان يريد قتله في حياته فعليه ديته حيا و إلا فمأة دينار»(2)و لعله للجمع بين ما سمعت و بين

قول الصادق عليه السلام كما حكاه عن نوادر ابن أبي عمير(3)«قطع رأس الميت أشد من قطع رأس الحي»،

و في

خبر ابن مسكان (4)«و عليه ديته (5)لأن حرمته ميتا كحرمته و هو حي» و في التهذيب (6)«عليه الدية»

و نحوه أخبار أخر إلا أن المتجه حملها كما عن الشيخ على إرادة مأة دينار من الدية كما سمعت التصريح به في الخبر المزبور، و الأشدية لا توجب التساوي في الدية.

و حينئذ ف في قطع جوارحه بحساب ديته التي هي كدية الحي، لتنزيله منزلة الجنين الذي قد عرفت الحكم فيه، بل لعل المراد من الأرش في

خبر إسحاق ابن عمار(7)عن الصادق عليه السلام «و إن قطعت يمينه أو شي ء من جوارحه فعليه الأرش


1- 1 كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها و لكن الصحيح: الفقيه كما في كشف اللثام.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 158.
3- 3 الفقيه ج 4 ص 157.
4- 4 الفقيه ج 4 ص 157.
5- 5 في الفقيه هكذا: قال: عليه الدية.
6- 6 التهذيب ج 10 ص 273.
7- 7 الوسائل الباب- 24- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.

ج 43، ص: 387

للإمام».

بل و كذا الكلام في نسبة شجاجه و جراحه إلى ديته المزبورة على حسب ما سمعته في الحي، و ما في

خبر مسمع (1)المشتمل على سؤاله للصادق عليه السلام عن رجل كسر عظم ميت فقال: «حرمته أعظم من حرمته و هو حي»

لا ينافي ذلك كما سمعته سابقا و لو لم يكن في الجناية مقدر أخذ الأرش لو كان حيا و نسب إلى الدية فيؤخذ من ديته المأة دينار بتلك النسبة، بل لعل في خبر إسحاق المزبور إشعارا بذلك.

بقي الكلام فيما سمعته في الحسن (2)الأول من عدم وجوب غير الكفارة في قطع رأسه خطاء، و لم أجد عاملا به خصوصا بعد ما سمعته من كونه كالجنين قبل أن تلجه الروح، الذي عرفت عدم الكفارة في إسقاطه، بل قد عرفت ثبوت الدية في إسقاطه خطاء، و لعله لذا قال في الروضة: «و هل يفرق هنا بين العمد و الخطاء كغيره حتى الجنين؟ يحتمله لإطلاق التفصيل في الجناية على الآدمي و إن لم يكن حيا كالجنين، و عدمه بل يجب على الجاني مطلقا وقوفا فيما خالف الأصل على موضع اليقين، مؤيدا بإطلاق الأخبار و الفتوى بأن الدية على الجاني مع ترك الاستفصال في واقعة الحال السابقة الدالة على العموم» و ظاهره المفروغية من ثبوت الدية في الجملة فيه، و كأنه لم يلحظ الخبر المزبور فإن لم يكن إجماعا أمكن القول بعدم ثبوت شي ء فيه، و الفرق بينه و بين الجنين النص على ثبوتها في الثاني و لو خطاء و عدم ثبوتها في الأول الموافق لمقتضى الأصل.

و كيف كان ف لا يرث وارثه منها شيئا بل تصرف في وجوه القرب عنه عملا بالرواية المزبورة المعتضدة بما في

مرسل محمد بن الصباح (3)عن


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
2- 2 يعنى حسن حسين بن خالد.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول التهذيب ج 10 ص 270.

ج 43، ص: 388

الصادق عليه السلام «ليس لورثته فيها شي ء إنما هذا شي ء صار إليه في بدنه بعد موته، يحج بها عنه أو يتصدق بها عنه أو يصير في سبيل من سبل الخير»

و بالإجماع عن الخلاف و الغنية، بل لو كان الميت عبدا لم يكن لسيده شي ء من الدية المزبور، لما سمعته من النص و الفتوى و زال (1)ملكه عنه.

نعم لو كان عليه دين قضى منها وجوبا إذا اقترحه الوارث، أو إذا لم يخلف سواها، أو على التوزيع بينه و بين غيرها من تركته مع فرض امتناع الوارث، وجوه لا يخلو أخيرها من قوة، لأنها بحكم ما له و لا أهم من قضاء الدين، مع أنه استشكل فيه في القواعد من ذلك و من أنه إنما يجب أداء الدين من التركة و هي ليست منها و لذا لا تورث، و إن كان الأول أظهر كما في كشف اللثام، و مال إليه المصنف في النكت بعض الميل بعد أن اختار عدم قضاء دينه منها و عدم أداء وصيته منها، و قال:

«إن ذلك مقتضى الأصل» و إن كان فيه ما لا يخفى.

و كيف كان فصرفها(2)ما عرفت و لكن قال علم الهدى و الحلي فيما حكى عنهما تكون لبيت المال لأنها عقوبة جناية، و لا قاطع بوجوب الصرف في وجوه الخير عنه، و لأن

إسحاق (3)بن عمار قال الصادق عليه السلام: «فمن يأخذ ديته؟ قال: الامام، هذا لله».

و فيه ما لا يخفى فإن ما عرفت من النص و غيره كاف في القاطع، و خبر إسحاق يمكن أن يكون المراد منه إن الإمام و من نصبه يقبضها و يتصدق بها عنه فإنه الولي لمثل ذلك، كما أشار إليه المفيد، قال: «يقبضها إمام المسلمين أو من نصبه للحكم في الرعية و يتصدق عن الميت بها(4)» كما هو واضح.


1- 1 و زوال ظ.
2- 2 فمصرفها ظ.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
4- 4 المقنعة ص 120.

ج 43، ص: 389

ثم إنه على القول المزبور قال المصنف في النكت: «ينبغي أن يقضي الدين منها لأن الإمام يأخذها بالولاء، و الدين مقدم على الولاء» و فيه أنه يمكن عدم قضائه أيضا منها بناء على اختصاص القضاء بالتركة التي هي ليست منها، و احتمال عدم جعل القائل ذلك من باب الإرث، بل لعله الظاهر، و لذا لم يرثه من تقدم على الإمام من الطبقات.

نعم التحقيق قضاء الدين منها على كل حال ضرورة بقاء خطاب الوضع في ديته و إن سقط عنه خطاب التكليف كما أشرنا إليه سابقا.

و لو كان الميت عبدا أو ذميا ففي القواعد: «فيه عشر دية الحر الذمي و عشر قيمة العبد الحي»(1)و هو كذلك مع فرض وجوبها فيهما أيضا، فإن الأخبار و الفتاوى و إن كانت مطلقة لكن لو كان حكمها حكم الحر المسلم لزم زيادة الميت فيها على الحي في الدية.

نعم قد يقال بعدم وجوبها فيهما اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، و خصوصا في الذمي، لاختصاص النص و الفتوى في المسلم، بل و الحر و لو بقرينة ذكر المأة دينار دية، إلا أن يتساوى المرأة و الرجل و الصغير و الكبير في ذلك، للعموم المؤيد بالتعليل بأنه كالجنين التام الذي لم تلجه الروح، فيقتضي إلحاقهما به لكن على الوجه الذي عرفته.

و لو لم يبن الرأس بل قطع ما لو كان حيا لم يعش مثله فمأة دينار أيضا، لما سمعته من النص (2)على المأة في كل ما فعل به ما لو كان حيا لقتله.


1- 1 إيضاح الفوائد في شرح القواعد ج 4 ص 729 و فيه:« الذمي الحي» مكان« الحر الذمي».
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.

ج 43، ص: 390

[الثانية في الجناية على الحيوان]
اشاره

الثانية من اللواحق في الجناية على الحيوان

[و هي باعتبار المجني عليه تنقسم أقساما ثلاثة]
اشاره

و هي باعتبار المجني عليه تنقسم أقساما ثلاثة

[الأول ما يؤكل في العادة كالغنم و الإبل و البقر]

الأول ما يؤكل في العادة كالغنم و الإبل و البقر، فمن أتلف شيئا منها بالذكاة لزمه التفاوت بين كونه حيا و ذكيا إن كان، بلا خلاف أجده فيه مع اختيار المالك، لقاعدة الإتلاف مع أصالة براءة الذمة مما زاد على ذلك و هل للمالك دفعه و المطالبة بقيمته؟ قيل: نعم و هو اختيار الشيخين رحمهما الله في المقنعة و النهاية، و سلار و القاضي و ابني حمزة و سعيد، على ما حكي عن بعضهم:

نظرا إلى إتلاف أهم منافعه فهو حينئذ بحكم التالف. و قيل و القائل المتأخرون و الشيخ في محكي المبسوط لا لأنه إتلاف بعض منافعه فيضمن التلف و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها عدم خروج المال عن المالية و ملك مالكه بذلك.

نعم لا إشكال في الجواز مع التراضي بذلك مع مراعاة القواعد الشرعية، كما لا إشكال أيضا في لزوم القيمة لو فرض عدم القيمة له أصلا مع الذبح ضرورة كونه كالتالف.

و لو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم إتلافه كغيره من الأموال بلا خلاف و لا إشكال. نعم لو بقي فيه ما ينتفع به كالصوف و الشعر و الوبر و الريش و غير ذلك مما ينتفع به من الميتة و لو قيمة فهو (11) باق للمالك (12) للأصل و غيره،

ج 43، ص: 391

فينبغي أن يوضع من قيمته التي يغرمها المتلف.

و لو قطع بعض أعضائه أو كسر شيئا من عظامه فللمالك الأرش، و هو تفاوت ما بين قيمتيه، لكن في

صحيح ابن (1)أذينة «كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن علي عليه السلام في عين ذات القوائم الأربع إذا فقئت ربع ثمنها، فقال: صدق الحسن قد قال علي عليه السلام ذلك»

و في

خبر أبي العباس (2)عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا «من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها»

و في

صحيح محمد بن قيس (3)عن أبي جعفر عليه السلام «قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في عين فرس فقئت بربع ثمنها يوم فقئت عينها»

و في آخر(4)عنه عليه السلام أيضا «إن عليا عليه السلام قضى في عين دابة بربع الثمن».

إلى غير ذلك من النصوص، بل عن الشيخ و جماعة الفتوى بها في عين الدابة، بل عن المبسوط و الخلاف أنه حكى عن الأصحاب إن في عين الدابة نصف قيمتها، و كذا كل ما كان في البدن منه اثنان، و إن كنا لم نعرف مستنده سوى القياس على الإنسان الباطل عندنا، كما أنا لم نعرف أحدا من المتأخرين عاملا بروايات الربع عدا المصنف في النافع.

و المشهور إطلاق الأرش فيها و في غيرها من الأعضاء و الجراح و الكسر و نحوه مما فيه الأرش المزبور، بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، لما سمعته من القاعدة.

نعم في

قوى السكوني (5)عن أبي عبد الله عليه السلام «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: في


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 47- من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 47- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 47- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 18- من أبواب ديات النفس الحديث 2 و فيه: عشر قيمتها. الكافي ج 7 ص 368.

ج 43، ص: 392

جنين البهيمة إذا ضربت فأزلقت عشر ثمنها» و رواه في التهذيب (1)تارة أخرى هكذا «قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: في جنين البهيمة فألقت عشر ثمنها»

بل في النافع الفتوى بمضمونه، بل عن السرائر ذلك أيضا مدعيا عليه إجماع أصحابنا و تواتر أخبارنا، و إن كنت لم أتحقق شيئا منهما، بل في التحرير أيضا أرش ما نقص من الأم و تتقوم حاملا و حائلا و يلزم الجاني بالتفاوت، و هو حسن إن لم يثبت الإجماع المزبور، و يمكن حمل النص في العشر و الربع على ما ساوى الأرش بذلك.

[الثاني ما لا يؤكل و يصح ذكاته كالنمر و الأسد]

الثاني ما لا يؤكل و يصح ذكاته كالنمر و الأسد، بل و الفهد و إن جعله في النهاية مثالا لما لا يقع عليه الذكاة، لكن يمكن أن يريد الذكاة التامة المحللة للأكل و المطهرة، بناء على أنه لا يرى طهارة جلد غير مأكول اللحم ما لم يدبغ، لما عرفت من قبوله كغيره للتذكية في كتاب الذباحة.

و حينئذ فإن أتلفه بالذكاة ضمن الأرش لأن له فيه قيمة بعد التذكية و كذا يجب الأرش في قطع جوارحه و كسر عظامه مع استقرار حياته كما سمعته في المأكول بلا خلاف أجده فيه، نعم فيه القول المزبور، بل لعله لا يجري فيه ما تقدم في العين، بناء على عدم تناول الروايات المزبورة له، لانسياق غيره فيها و إن كان فيه ما لا يخفى.

و إن أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيا بلا خلاف و لا إشكال بعد وضع ما ينتفع به منه كعظم الفيل و نحوه.

و لعل من هذا القسم ما لا يؤكل عادة و إن حل أكله كالخيل و البغال و الحمير الأهلية، لكن عن المفيد أنه عد مما لا تقع عليه الذكاة و لا يحل أكله اختيارا البغال و الحمير الأهلية و الهجين من الدواب و السباع و الطير و غيره، و فيه ما لا يخفى.


1- 1 التهذيب ج 10 ص 288.

ج 43، ص: 393

نعم الظاهر عدم اعتبار ما يحل منها بالتذكية و بدونها، و في

خبر أبي الجارود(1)«قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كانت بغلة رسول الله صلى الله عليه و آله لا يردونها عن شي ء وقعت فيه قال: فأتاها رجل من بني مدلج و قد وقعت في قصب له ففوق لها سهما فقتلها، فقال له عليه السلام: و الله لا تفارقني حتى تديها قال: فوديها ستمأة درهم»

و هو و إن كان في غير التذكية، لكن من المعلوم عدم الفرق بينهما مع فرض عدم قيمة للمذكى من ذلك، اللهم إلا أن يفرض فيوضع من القيمة كما سمعته سابقا.

[الثالث ما لا يقع عليه الذكاة]

الثالث:

ما لا يقع عليه الذكاة ففي كلب الصيد أربعون درهما كما في النافع و غيره، و محكي المقنع و السرائر و المراسم و الجامع، بل هو الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر، نعم عن السرائر و المراسم اشتراط كونه معلما، و لعله الظاهر من نحو عبارة المتن، و على كل حال فهو الأقوى.

ل

مرسل ابن فضال (2)عن بعض أصحابه المنجبر بما عرفت، عن أبي عبد الله عليه السلام «دية كلب الصيد أربعون درهما، و دية الكلب الماشية عشرون درهما، و دية الكلب الذي ليس للصيد(3)زنبيل من تراب على القائل أن يعطي و عن صاحبه أن يقبل».

و خبر عبد الأعلى (4)بن أعين المروي في الخصال بطريق حسن عنه عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 4.
3- 3 في المصدر: ليس للصيد و لا للماشية.
4- 4 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 5 الخصال ص 539.

ج 43، ص: 394

أيضا «قال: في كتاب علي عليه السلام دية كلب الصيد أربعون درهما».

بل و

خبر الوليد(1)بن صبيح عنه عليه السلام أيضا «دية الكلب السلوقي أربعون درهما أمر رسول الله صلى الله عليه و آله بذلك أن يؤديه لبني خزيمة».

و خبر أبي بصير(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «دية الكلب السلوقي أربعون درهما، جعل ذلك له رسول الله صلى الله عليه و آله، و دية كلب الغنم كبش، و دية كلب الزرع جريب من بر، و دية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله»

بناء على غلبة كون السلوقي معلما للصيد كما اعترف به ابن إدريس، بل هو نسبة إلى سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلمة على ما قيل.

و على كل حال ف من الناس و هو المفيد و القاضي و ابن حمزة فيما حكي عنهم من خصه بالسلوقي مقيدا له الأول بالمعلم الذي هو مراد غيره، بناء على الغلبة المزبورة وقوفا على صورة الرواية التي سمعتها في السلوقي.

و لكن فيه مع احتمال إرادة مطلق كلب الصيد منه أنه لا يصلح مقيدا لغيره، ضرورة كونه- بعد إرادة الصيود منه كما هو الغالب- أحد أفراد كلب الصيد، فهو موافق حينئذ في الحكم، لا مناف كي يكون مقيدا.

نعم في

خبر الوليد(3)بن صبيح أو موثقه عن أبي عبد الله عليه السلام المروي عن الخصال «دية كلب الصيد السلوقي أربعون درهما»

و لعله الحجة للقول المزبور، بناء على حجية مثل هذا المفهوم، اللهم إلا أن يقال بقصوره عن المقاومة و لو للشهرة المزبورة، لا يراد منه المفهوم المزبور، إلا أن ظاهر المصنف و غيره عدم الوقوف على ما ذكرناه من النصوص، خصوصا الأخير كما لا يخفى على من لاحظ


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث الأول و فيه:« يديه» مكان« يؤديه».
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 6 الخصال ص 539.

ج 43، ص: 395

كلماتهم، و منه يضعف توهين الخبر المزبور الذي لم يتحقق فيه الاعراض، فالمتجه حينئذ اختصاص السلوقي من كلاب الصيد بالأربعين و أما غيره فيرجع فيه إلى التقويم. نعم قد يقال بأنه لا يتجاوز بقيمته الأربعين نظرا إلى أن السلوقي أعلى قيمة و أهم في نظر الشرع كما تسمعه من ابن الجنيد.

و كيف كان ف في

رواية السكوني (1)عن أبي عبد الله عليه السلام في كلب الصيد «قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: فيمن قتل كلب الصيد قال يقومه و كذلك البازي و كذلك كلب الغنم و كذلك كلب الحائط»

و لكن الأول أشهر رواية و أشهر عملا.

بل لم أجد من أفتى به سوى ما يحكى عن أبي علي، مع أنه قال: لا يتجاوز بقيمته أربعين درهما، و كأنه جمع به بين الأخبار، و استحسنه في محكي المختلف، و لكن فيه ما لا يخفى، ضرورة قصوره عن المعارضة من وجوه. فالمتجه حمله على إرادة التقويم بالأربعين و إن بعد أو طرحه كالمرسل (2)و

خبر ابن حصين (3)عن الرضا عليه السلام المرويين عن تفسير العياشي في تفسير قوله تعالى وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ (4)«البخس النقص و هي قيمة كلب الصيد إذا قتل كانت ديته عشرين درهما»

و إن قال في الوسائل: «حمل على غير المعلم» و فيه أنه لا تقدير فيه أيضا. نعم يمكن حمله على تفاوت الدراهم أو غير ذلك، و الله العالم.

و في كلب الغنم كبش عند الفاضلين و الشهيدين، بل نسبه ثانيهما إلى الأكثر لخبر أبي بصير(5)السابق و قيل و القائل المشهور على ما في كشف اللثام و غيره عشرون درهما و هي رواية ابن (6)فضال عن بعض أصحابه عن


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 8.
4- 4 يوسف: 20.
5- 5 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 4.

ج 43، ص: 396

أبي عبد الله عليه السلام المتقدمة أيضا، و في المتن و هذه مع شهرتها و لكن الأولى أصح طريقا لما في الثانية من الضعف و الإرسال، و إن كان قد يناقش باشتراكهما في الضعف، و غايته أن تكون الثانية أضعف لا أصح (1)، خصوصا بعد أن كان في سندها علي بن أبي حمزة البطائني المعلوم حاله، بل قد يقال بانجبار السند الثانية بالشهرة المحققة بخلاف الأولى.

كما أنه يمكن الجمع بين الخبرين بإرادة ذكر القيمة له في ذلك الوقت، بل ربما جمع بينهما بالتخيير بعد العلم بعدم إرادة الجمع، بل هو خيرة الفاضل في الإرشاد، و لا بأس به مع اجتماع شرائط الحجية في الخبرين و عدم الترجيح، و

لا يحتاج إلى شاهد، بل هو مقتضى حجية كل منهما، و لعله أولى من القول بطرح الخبرين المعمول بهما بين الأصحاب، و الرجوع إلى القيمة لخبر السكوني (2)السابق كما هو خيرة الفاضل في المختلف، و الله العالم.

و كذا قيل في كلب الحائط أي البستان عشرون درهما و لكن لا أعرف المستند و إن كان القول به مشهورا شهرة عظيمة، بل ربما احتمل بلوغها الإجماع، كما أن ذكره في النهاية و نحوها يقتضي وجود النص فيه، بل قيل كلام المفيد و سلار يعطي ذلك، إلا أن ذلك كله لا يصلح مدركا لحكم شرعي، فالمتجه حينئذ ما في خبر السكوني (3)من التقويم الموافق للأصل، كما عن ابن سعيد النص عليه، بل مال إليه جماعة من المتأخرين.

هذا و عن الصدوق في المقنع (4)بعد أن ذكر كلب الصيد و الماشية قال:

«و دية الكلب الذي ليس للصيد و لا للماشية زنبيل من تراب، على القاتل أن يعطي


1- 1 لا أن الاولى أصح ظ.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 3.
4- 4 المقنع ص 192.

ج 43، ص: 397

و على صاحب الكلب أن يقبله» و هو عبارة المرسل (1)المزبور، و قريب منه ما عن الإسكافي «من أن دية الكلب الأهلي زنبيل من تراب» بناء على أن كلب الحائط منه، خصوصا إذا قلنا بإرادة ما يشمل الدار من الحائط، إلا أنهما معا شاذان و المعروف ما سمعت، و الله العالم.

و في كلب الزرع قفيز من بر عند المشهور على ما اعترف به غير واحد، بل في التنقيح «لم أعرف قائلا بغيره» و إن كان فيه أنه خلاف ما سمعت من الصدوق، بل و ظاهر المفيد أيضا، بل في المسالك نسبة عدم وجوب شي ء به إلى جماعة، و على كل حال فلم نعرف مستنده، و إن قيل إنه خبر أبي بصير(2)السابق لكن قد سمعت ما فيه من الجريب لا القفيز، و عن الأزهري «أن الجريب أربعة أقفزة،» اللهم إلا أن يقال بدلالته على الأقل في ضمن الأكثر الذي لم نجد به عاملا، و القفيز كما عن الصحاح ثمانية مكاكيك و المكوك ثلاث كيلجات و الكيلجة من و سبعة أثمان من، و المن رطلان، و الله العالم.

و لا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب و غيرها مما لا يملكه المسلم و حينئذ ف لا يضمن قاتلها شيئا لعدم الضرر على من هي في يده، بعد أن لم تكن مملوكة، مضافا إلى أصل عدم الضمان و غيره، و الزنبيل من تراب في الخبر المزبور(3)كناية عن عدم شي ء فيه و إن كان ظاهر الصدوق و الإسكافي الغرامة.

و المراد بغيرها في المتن و نحوه ما لا يقع عليه الذكاة و لا يصح للمسلم تملكه و هو الحشرات و الخنزير، إلا أن يكون لذمي كما سيأتي. و في المسالك:

«و يدخل في ذلك كلب الدار و الجر و القابل للتعليم قال: و وجه عدم شي ء للجميع عدم


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 2.
3- 3 يعنى خبر ابن فضال.

ج 43، ص: 398

المقتضى له و عدم قيمة للكلب حيث لا يرد فيها مقدر(1)» و هو مشكل على القول بأنها مملوكة، فإن لها قيمة في الجملة.

و في كشف اللثام في شرح نحو عبارة المتن قال: «و لما انحصر عنده ما لا يقع عليه الذكاة في الآدمي و الكلب و الخنزير و الحشرات أطلق نفي القيمة عنه، و لما انقسم عند الشيخين و من تبعهما إلى ما لا يملك و ما يملك فصلوا فضمنوا بتلف ما يملك من مثل الفهد و البازي و الصقر كما في النهاية و البغال و الحمير الأهلية و الهجن من الدواب و السباع من الطير و غيره كما في المقنعة»(2)قلت لا مدخلية لقبول التذكية و عدمها في التملك و عدمه و القيمة و عدمها، و حينئذ فالمتجه تملك كل ما لم يثبت من الشرع عدم قابليته للتملك للمسلم أو مطلقا، و لا أنه يعد مما لا يتمول في العرف، من غير فرق بين الحشرات و الطيور و الجر و المتخذ للتعليم و غيرها، كما أن المتجه الرجوع إلى القيمة في إتلافه كغيره من الأموال، بل يمكن القول بعدم اعتبار الملك في القيمة التي هي عوض الشي ء و بدله و إن لم يكن مملوكا خصوصا إذا كان فيه حق الاختصاص.

نعم لا يلحق الجر و المتخذ للتعليم بكلب الصيد و إن كان سلوقيا ضرورة ظهوره في الصائد بالقوة القريبة من الفعل و لو بالتعليم، بل ربما ظهر من بعض اعتبار الثاني و إن كان هو كما ترى و خبر السلوقي (3)و إن أطلقا إلا أنهما كما

اعترف محمولان على غلبة كونه صيودا كما عرفت. و حينئذ فما احتمل بعضهم- من عدم الاشتراط و الاكتفاء بكونه من ذلك الصنف و إن كان جروا لا يصيد لصدق كلب الصيد عليه عرفا- واضح الضعف.

و كيف كان فالظاهر أن التقديرات المزبورة ديات شرعية، لا أنها القيم في زمان الأخبار، و إن احتمل، لكنه ضعيف. نعم هي في حق الجاني الذي هو مورد


1- 1 المسالك ج 2 ص 510.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 344.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات النفس الحديث 1 و 2.

ج 43، ص: 399

النصوص و الفتاوى.

أما الغاصب إن تلف مغصوبة عنده (1)ففي القواعد «يضمن أكثر الأمرين من المقدر و القيمة السوقية لأخذه بالأشق، و لذا يضمن الغاصب قيمة العبد و إن زادت على دية الحر»(2)بخلاف المتلف غيره، و لكن ستسمع إطلاق المصنف أن عليه القيمة كالمحكي عن ابن إدريس، و ربما احتمل إرادته أكثر الأمرين أيضا، و عن التحرير «الوجه الضمان بالمقدر» و لعله لإطلاق التقدير المزبور، و لعل الأقوى وجوب أكثر الأمرين لو قتله الغاصب، لإجماع جهتي الضمان:

الغصب و الإتلاف، و الأولى تقتضي الضمان بالقيمة و الأخرى بالمقدر فللمالك المطالبة بأكثرهما اقتضاء.

أما لو مات من قبل نفسه عند الغاصب فليس للضمان إلا جهة واحدة و هي الغصب المقتضى لكونه بالقيمة زادت عن المقدر أو نقصت بعد تنزيل نصوص التقدير على المتلف.

و لو أتلفه أجنبي في يد الغاصب كان المالك مخيرا في الرجوع على كل منهما، و لكن إذا رجع على المتلف بالمقدر كان له الرجوع على الغاصب بزيادة القيمة إن كانت، كما أن له الرجوع على المتلف بزيادة المقدر لو فرض زيادته على القيمة التي أخذها من الغاصب، بل قد يقال: إن له مطالبة الغاصب بها و إن لم يكن متلفا، إلا أنها مضمونة عليه بما ضمنها المتلف و إن كان للغاصب الرجوع بها عليه، و يحتمل عدم ضمان الغاصب غير القيمة، لأنها التي هي مقتضى جهة ضمانه أي الغصب، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلو نقص الكلب المغصوب فالأرش بالنسبة إلى أكثر الأمرين بناء عليه أو إلى القيمة على القول الآخر أو على المقدر بناء على اعتباره فتأمل جيدا.


1- 1 ليست في بعض النسخ كلمة« عنده».
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 344.

ج 43، ص: 400

هذا كله فيما يملكه المسلم و أما ما يملكه الذمي كالخنزير فهو يضمن بقيمته عند مستحليه بلا خلاف أجده فيه إذا استجمع سائر شروط الذمة التي يحقن بها ماله و دمه.

و في الجناية على أطرافه و جراحاته الأرش عندهم أيضا، و في القواعد اعتبار التستر بذلك، قال: «و إن لم يكن متسترا به فلا شي ء(1)»، بل و في كشف اللثام «و إن كان الجاني ذميا أو حربيا لإخلاله بشروط الذمة»(2)و هو كذلك مع فرض اشتراط ذلك عليه في الذمة، إلا أن النصوص مطلقة.

ف

في أحدها(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن عليا أمير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجل قتل خنزيرا فضمنه قيمته، و رفع إليه رجل كسر بربطا فأبطله»

و في خبر غياث (4)عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام «أن عليا عليه السلام ضمن رجلا مسلما أصاب خنزير نصراني»

و لعل الوجه في إطلاق ضمان خنزير النصراني أن بنائه على عدم التستر به فلم يكن ذلك من شرائط الذمة عليه بخلاف غيره من الخمر و نحوه.

كما أنه يمكن التزام بعضهم لبعض في الضمان و إن أخل بالاستتار الذي أقصاه صيرورته بحكم الحربي الذي يمكن القول بالضمان فيه على مذهبهم، إلا أني لم أجد ذلك محررا في كلامهم.


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 344.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 344.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول، الكافي ج 7 ص 368.
4- 4 الوسائل الباب- 26- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.

ج 43، ص: 401

[مسائل]
اشاره

مسائل

[المسألة الأولى لو أتلف على الذمي خمرا أو آلة لهو ضمنها المتلف]

الأولى قد ظهر لك مما ذكرنا أنه لو أتلف على الذمي خمرا أو آلة لهو أو نحو ذلك مما يملكه في مذهبه ضمنها المتلف و لو كان مسلما، و لكن يشترط في الضمان قيامه بشرائط الذمة التي منها الاستتار بذلك، و حينئذ ف لو أظهرها الذمي لم يضمن المتلف المسلم لأنه حينئذ بحكم الحربي الذي لا يضمن ماله. و في ضمان غيره الكلام السابق. و لعل إطلاق المصنف الضمان في الخنزير و اشتراطه التستر في الخمر و نحوه مشعر بما ذكرناه من بناء استثناء(1)الخنزير على عدم التستر به.

و كيف كان ف لو كان شي ء من ذلك لمسلم لم يضمن الجاني على التقديرات لعدم ملكه إياها سواء كان متسترا أو متظاهرا، و سواء كان المتلف مسلما أو ذميا، لأنها ليست مالا بالنسبة إليه.

بل في كشف اللثام «و إن اقتنى الخمر للتخليل(2)» و إن كان فيه بحث خصوصا بناء على غلبة سبق الخمرية للخلية في أكثر أفراد العصير، و هي المسماة بالخمر المحترمة، كما أن فيه أيضا «يملك المسلم جوهر آلة اللهو، فإن أحرق الجاني عود آلة مثلا ضمن قيمة الخشب و سائر الأجزاء»(3)و فيه بحث أيضا، مع توقف إتلاف الهيئة عليه، و قد سمعت إبطال علي عليه السلام كسر البربط


1- 1 كذا في الأصل و لكن في بعض النسخ« اقتناء» و هو الصحيح ظاهرا.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 344.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 344.

ج 43، ص: 402

الذي هو من آلات اللهو على الظاهر، و إن كان يمكن إرادة الهيئة فيه بعد تنزيله على كونه لمسلم أو ذمي تجاهر به أو خرق شرائط الذمة، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا جنت الماشية على الزرع ليلا ضمن صاحبها]

المسألة الثانية المشهور بين قدماء الأصحاب، بل لعل عليه إجماعهم كما اعترف به بعضهم، بل عن ابن زهرة منهم دعواه عليه أنه إذا جنت الماشية على الزرع

ليلا ضمن صاحبها و لو كان نهارا لم يضمن و مستند ذلك مضمون رواية عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع عن

السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام «قال: كان لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا، و يقول: على صاحب الزرع حفظ زرعه، و كان يضمن ما أفسدت البهائم ليلا»

و لكن المصنف و غيره من المتأخرين قالوا فيه أي الخبر المزبور ضعف و الأقرب اعتبار(2)التفريط في موضع الضمان ليلا كان أو نهارا و عدمه مع عدمه كذلك أيضا.

و فيه أن ضعفه منجبر بما عرفت، و في كشف الرموز «قد عمل به الشيخ و أتباعه و المتأخرون و لا أعرف له رادا» على أن خبر السكوني من القوي في نفسه، و في خصوص المقام رواه عنه عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع، و قد قال بعض الأصحاب: إنه لا يقدح في صحة الخبر ضعف من بعده، و إن كان لنا فيه نظر قد ذكرناه غير مرة.

على أنه معتضد ب

خبر معاوية(3)بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث «أن داود عليه السلام ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم و الكرم فأوحى الله


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
2- 2 في الشرائع: اشتراط.
3- 3 الوسائل الباب- 40- من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.

ج 43، ص: 403

تعالى إلى داود عليه السلام أن اجمع ولدك فمن قضى منهم بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك، فجمع ولده فلما أن قص الخصمان، قال سليمان عليه السلام: يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل على كرمك؟ قال: دخلت ليلا، قال: قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك و أصوافها في عامك هذا، قال: كيف لم تقض برقاب الغنم و قد قوم ذلك علماء بني إسرائيل؟ و كان ثمن الكرم قيمة الغنم فقال سليمان: إن الكرم لم يجتث من أصله، و إنما أكل حمله

و هو عائد في قابل، فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن القضاء في هذه القضية ما قضى به سليمان عليه السلام».

و بخبر هارون (1)بن حمزة، «قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البقر و الغنم و الإبل تكون في المرعى فتفسد شيئا هل عليها ضمان؟ فقال: إن أفسدت نهارا فليس عليها ضمان من أجل أن أصحابه يحفظونه، و إن أفسدت ليلا فإن عليها ضمان».

و بخبر أبي بصير(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل:

وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ (3)إلى آخرها قال: النفش لا يكون إلا بالليل، و على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار، و ليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار، إنما رعيها بالنهار و أرزاقها، فما أفسدت فليس عليها، و على أصحاب الماشية حفظ الماشية في الليل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا و هو النفش، و أن داود عليه السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم فحكم سليمان الحديث».

و خبره الآخر عنه (4)أيضا «قلت له: إن قول الله عز و جل وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب موجبات الضمان الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب موجبات الضمان الحديث 4.
3- 3 الأنبياء 78.
4- 4 الوسائل الباب- 40- من أبواب موجبات الضمان الحديث 5.

ج 43، ص: 404

إلى آخرها قلت: حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة، فقال: كان أوحى الله عز و جل إلى النبيين قبل داود عليه السلام إلى أن بعث الله داود عليه السلام أي غنم نفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم و لا يكون النفش إلا بالليل، فإن على صاحب الزرع أن يحفظه بالنهار، و على أهل الغنم حفظ الغنم بالليل، فحكم داود بما حكمت به الأنبياء من قبله، و أوحى الله إلى سليمان أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها، و كذا جرت السنة بعد

سليمان عليه السلام و هو قول الله عز و جل «وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً»(1)فحكم كل واحد منهما بحكم الله عز و جل».

و بالنبوي الذي (2)رواه جماعة و منهم ابن زهرة «أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدته فقضى صلى الله عليه و آله أن على أهل الأموال حفظها نهارا و على أهل المواشي حفظها ليلا و أن على أهلها الضمان في الليل».

بل و

بالآخر(3)و هو «أن العجماء(4)جبار»

بناء على أن غالب جنايتها وقوعها في النهار.

و لكن مع ذلك كله قال الشهيد في غاية المراد: «لما كان الغالب حفظ الدابة ليلا و حفظ الزرع نهارا خرج الحكم عليه و ليس في حمل المتأخرين رد لقول القدماء، لأن القدماء اتبعوا عبارة النص و المراد هو التفريط، و لا ينبغي أن يكون خلاف هنا إلا في مجرد العبارة عن الضابط، و أما المعنى فلا خلاف فيه» و تبعه على ذلك في كشف اللثام، بل قال: أكثر عباراتهم تشعر بذلك.

و قد اعترضه غير واحد بأنه خلاف ظاهر عباراتهم التي لا يجب الجمع فيها


1- 1 الأنبياء: 79.
2- 2 الغنية، فصل في الجنايات، أواخر الفصل.
3- 3 راجع الوسائل الباب- 32- من أبواب موجبات الضمان.
4- 4 في بعض النسخ: القحماء.

ج 43، ص: 405

كالروايات و الآيات و الأدلة، خصوصا بعد أن علم أن عادة بعضهم اتباع النصوص التي لا ريب في ظهورها بعدم الضمان في النهار و لو مع التفريط به، و جزم في الرياض (1).

و لكن الإنصاف عدم صلاحية النصوص المزبورة التي منها قضية في واقعة المعبر عنها عن مضمونها بعبارات القدماء المعلوم عدم التحرير فيها، للخروج عن القواعد المحكمة المعتضدة بالعقل و النقل، فالتحقيق حملها على ما عرفت من كون ذلك مثالا للتفريط و عدمه. نعم ربما يقال: إن الأصل في إفسادها ليلا

الضمان حتى يعلم عدم التفريط و بالنهار بالعكس حتى يعلم التفريط، و إن كان هو أيضا كما ترى.

[المسألة الثالثة في عقال البعير و وقوعه في البئر]

المسألة الثالثة روى

محمد بن قيس (2)في الصحيح عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قضى في بعير بين الأربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر، ان على الشركاء حصته لأنه حفظ و ضيع الباقون

و لفظه

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة أنفس شركاء في بعير فعقله أحدهم فانطلق البعير فعبث بعقاله فتردى فانكسر فقال أصحابه للذي عقله: اغرم لنا بعيرنا، قال: فقضى أمير المؤمنين عليه السلام بينهم أن يغرموا له حظه من أجل أنه أوثق حظه فذهب حظهم بحظه»

إلا أن الأصحاب حكوه بلفظ الرواية مشعرين بعدم العمل به بل في نكت المصنف «إن


1- 1 قال في الرياض: اللازم المصير إلى رواية السكوني راجع ج 2 ص 627- 628.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأول، التهذيب ج 10 ص 231، الفقيه ج 4 ص 173، المقنعة ص 123 و في الأخير نقل بمعناه لا بلفظه فراجع.

ج 43، ص: 406

صحت هذه الرواية فهي حكاية في واقعة و لا عموم للوقائع فلعله عليه السلام عرف فيها ما يقتضي الحكم بذلك مثل أن يعقله و يسلمه إليهم فيفرطوا في الاحتفاظ به أو غير ذلك من الوجوه المقتضية للضمان، أما أن يطرد الحكم على ظاهر الواقعة فلا(1)» و هو كذلك.

بل ربما ظهر من بعض، أن الأصل يقتضي ضمانه من حيث إن عقله كان سببا لترديه و تصرف في مال الغير بغير إذنه، بل ربما كان ذلك باعتبار استيلائه عليه عدوانا مقتضيا لضمانه على كل حال، و إن كان قد يشكل بقاعدة الإحسان

التي قد سلف منا عدم اقتضائها ارتفاع الضمان. لكن قد يظهر من بعض النصوص هنا ذلك مثل

خبر السكوني (2)عن جعفر عن أبيه عليه السلام «أن رجلا شرد له بعيران فأخذهما رجل فقرنهما في حبل فاختنق أحدهما و مات فرفع ذلك إلى علي عليه السلام فلم يضمنه، و قال: إنما أراد الإصلاح».

[المسألة الرابعة دية الكلاب الثلاثة مقدرة على القاتل]

المسألة الرابعة قد عرفت أن دية الكلاب الثلاثة مقدرة على القاتل غير الغاصب أما لو غصب أحدها و تلف في يد الغاصب ضمن قيمته السوقية و لو زادت عن المقدر أو أكثر الأمرين على حسب ما سمعت الكلام فيه آنفا.


1- 1 نكت النهاية، و بهذه العبارة تم كتاب النكت و صححنا العبارة طبقا للمصدر.
2- 2 الوسائل الباب- 35- من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.

ج 43، ص: 407

[الثالثة في كفارة القتل]

الثالثة من اللواحق في كفارة القتل تجب كفارة الجمع بقتل العمد بلا خلاف أجده في ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص التي منها

صحيح (1)ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن عمدا له توبة؟ فقال: إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، و إن كان قتله لغضب أو سبب من أسباب الدنيا فإن توبته أن يقاد منه، و إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه و لم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستين مسكينا توبة إلى الله عز و جل»

و غيره من النصوص.

و المرتبة بقتل الخطاء و شبه العمد الذي صرح به غير واحد، لاندراجه في الخطاء الذي لا أجد فيه خلافا إلا من سلار و ابن زهرة فخيرا، و يوهمه كلام المفيد قال: «عليه عتق رقبة و إن أضاف إليه صيام شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا فهو أفضل و أحوط في كفارة ذنبه إن شاء الله»(2)و فيه أن

الكتاب و السنة متطابقان على الترتيب و إن كان لم يذكر خصوص الإطعام في الكتاب إلا أن النص و الفتوى على ثبوته مرتبا على انتفاء الأمرين.

نعم صرح الفاضل و الشهيدان و غيرهم بأن وجوبها فيهما مع كون القتل


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول مع اختلاف في بعض الكلمات.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 350.

ج 43، ص: 408

ب المباشرة لا مع التسبيب و حينئذ فلو طرح حجرا أو حفر بئرا أو نصب سكينا في غير ملكه فعثر عاثر فهلك بها ضمن الدية دون الكفارة و لعله لما عرفته في محله من عدم صدق نسبة القتل في قتل التسبيب المزبور الذي هو من الشرائط، و إنما يثبت الضمان فيه للنصوص و الإجماع كما حققنا الكلام فيه في محله، فما في الرياض من المناقشة في ذلك في غير محله، خصوصا بعد أن كان ظاهر غير واحد عدم الخلاف فيه بيننا، نعم حكاه في كشف اللثام عن الشافعي و لا ريب في فساده.

و كيف كان ف تجب كفارة الجمع عندنا بقتل المسلم ذكرا كان المقتول أو أنثى حرا أو عبدا للعموم، خلافا للمحكي عن مالك فلم يوجبها في العبد، و كذا تجب في قتل الصبي و المجنون المحكوم بإسلامهما، بل في التحرير هنا «و الجنين الذي لم تلجه الروح»، و إن كان فيه عدم صدق القتل في حقه كما عرفته سابقا، نعم لو ولجته الروح وجبت لصدق عنوانها.

و كذا تجب أيضا على المولى بقتل عبده كما في القواعد و محكي النهاية و السرائر للعموم، و خصوص

قول الصادق عليه السلام (1)«من قتل عبده متعمدا فعليه أن يعتق رقبة و يطعم ستين مسكينا و يصوم شهرين متتابعين»

و نحوه

الموثقان (2)و الحسنان «عن رجل قتل مملوكه متعمدا قال: يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين»

إلى غير ذلك من النصوص، خلافا للمحكي عن كفارات النهاية و المهذب، من استحباب الجمع ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (3)«يعجبني أن يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا ثم تكون التوبة بعد ذلك».


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
2- 2 راجع الوسائل الباب- 29- من أبواب الكفارات و الباب- 37- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب الكفارات الحديث الأول.

ج 43، ص: 409

و قوله في

خبر المعلى (1)و أبي بصير «من قتل عبده متعمدا فعليه أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا»

و لكن يمكن رجوع الفضل في الأول إلى الترتيب بين الكفارة و التوبة بتقديم الأولى على الثانية لا إلى أصل الكفارة، كما أنه يمكن حمل «أو» في الثاني على معنى الواو و إرادة التفصيل منهما لا التخيير، كل ذلك لقصورهما عن معارضة النصوص المزبورة المعتضدة بإطلاق غيرهما من السنة و معاقد الإجماعات.

نعم لا تجب الكفارة أصلا عندنا بقتل الكافر ذميا كان أو معاهدا و غيرهما عمدا أو خطاءا بلا خلاف أجده فيه استنادا إلى البراءة الأصلية خلافا للعامة.

و لو قتل مسلما في دار الحرب عمدا مع العلم بإسلامه و لا ضرورة فعليه القود و الكفارة عندنا إلا إذا أقيد منه على قول تسمعه إن شاء الله و الدية و الكفارة إن كان خطاءا لإطلاق الأدلة، سواء أسلم فيها و لم يهاجر، أو هاجر و عاد لحاجة، أو لغيرها، خلافا لمالك ففيه الكفارة و الدية على كل حال، و لأبي حنيفة إن كان أسلم فيها و لم يهاجر فالكفارة و لا قود و لا دية، ثم إن ظاهر اعتبار المصنف عدم الضرورة، يقتضي عدم القود و الدية مع الضرورة إلى قتله كما إذا تترس به الكفار، و به صرح بعضهم هنا و في باب الجهاد، و هو إن تم إجماعا فلا إشكال و إلا فللنظر فيه مجال كما سنشير إليه.

هذا كله مع العلم بإسلامه.

و أما لو ظنه كافرا ف لا قود اتفاقا و إن قتله عمدا بل و لا دية عند الأكثر و لكن عليه الكفارة بلا خلاف أجده في وجوبها، بل و لا إشكال لعموم الأدلة و

خصوص قوله تعالى «فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»(2)بناء على أن المراد إذا كان


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب الكفارات الحديث 2.
2- 2 النساء: 92.

ج 43، ص: 410

المقتول مؤمنا و هو في قوم بينكم و بينهم عداوة فعليكم الكفارة، بل ظاهر اقتصارها على ذلك خصوصا بعد قوله سابقا: «وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ»(1)و لاحقا «وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»(2)عدم الدية أيضا و إلا لم يظهر وجه للتفصيل بين المؤمن في قوم عدو، و في قوم بينكم و بينهم ميثاق، و بين مطلق المؤمن، و حينئذ فتكون الآية دالة على عدم وجوبها و لو بحسب السياق كما عن الأكثر بل في ظاهر المبسوط و غيره الاتفاق عليه، و به حينئذ يخص و يقيد إطلاق ما دل على وجوب الدية للنفس المؤمنة بناء على شموله لمثل الفرض.

خلافا لابن إدريس فأوجب الدية لأن لا يبطل دم المسلم، لإطلاق الأدلة الذي يكفي في الثبوت و إن لم تذكر في الآية، و لإجماع أصحابنا على ذلك، إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم صلاحية الأولين لمعارضة ما ذكرناه من دلالة الآية، و ليس تعرض فيها للدية بل دالة على العدم، فلا يصلح الإطلاق و نحوه معارضا حتى الإجماع المزبور بعد أن لم نعرف من وافقه عليه، بل الأصحاب صريحا و ظاهرا على خلافه، و لعل وجهه أنه أوفق بحكمة استيصال المحاربين بعد أن ظنه كافرا و لم تكن ضرورة تلجئه لمكثه في دار الحرب كما هو الفرض.

هذا. و لكن الإنصاف مع ذلك كله عدم خلو الحكم عن إشكال إن لم يكن إجماع، ضرورة معلومية أحكام قاعدة عدم بطلان دم المسلم.

و كيف كان ف لو كان أسيرا قال الشيخ في محكي الخلاف و المبسوط و الفاضل و الصيمري و غيرهم ضمن الدية و الكفارة لأنه لا قدرة للأسير على التخلص فلم يكن مفرطا في هدر دمه كالسابق، مضافا إلى إطلاق الأدلة و قاعدة عدم بطلان دم المسلم و غير ذلك، و لكن فيه تردد من


1- 1 النساء: 92.
2- 2 النساء: 92.

ج 43، ص: 411

ذلك، و من ظاهر الآية السابق المعتضد بإطلاق الفتوى و أصل البراءة، بل مال إليه في الرياض، إلا أن ذلك كله ترى لا يصلح للخروج عما عرفت، و الله العالم.

و لو اشترك جماعة في قتل واحد عمدا أو خطأ فعلى كل واحد كفارة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى عموم النص، بناء على صدق القتل بالنسبة إلى كل واحد منهم، خلافا للمحكي عن الشافعي و غيره من عدم وجوب التعدد، و لا تسقط الكفارة بأمر المقتول بقتل نفسه للأصل.

و إذا قبل من العامد الدية أو أقل أو أكثر صلحا أو عفى عنها وجبت الكفارة قطعا و إجماعا بقسميه، ضرورة عدم كون ذلك مسقطا لها بعد تحققها، خلافا للحنفية(1)و الثوري.

و لو قتل القاتل قودا هل تجب في ماله قال في المبسوط و محكي السرائر و ظاهر المقنعة و المهذب و الوسيلة لا تجب الكفارة في ماله للأصل، و لأنها شرعت لتكفير الذنب، فمع فرض تسليم نفسه و الاقتصاص منه فقد أعطى الحق فيكفي كفارة، و في

النبوي «القتل كفارة»

، بل

قال الصادق عليه السلام في خبر عبد الله (2)بن سنان: «كفارة الدم إذا قتل الرجل مؤمنا متعمدا فعليه أن يمكن نفسه من أوليائه فإن قتلوه فقد أدى ما عليه إذا كان نادما على ما كان منه عازما على ترك العود، و إن عفى عنه فعليه أن يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا و أن يندم على ما كان منه و يعزم على ترك العود و يستغفر الله تعالى أبدا ما بقي».

و لكن فيه إشكال ينشأ من كون الجناية سببا فيستصحب، و لأن الأصل عدم السقط، و لأن حقوق الله المتعلقة بالمال لا تسقط بالموت، بل عن الفاضل


1- 1 للحنيفة.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب الكفارات الحديث 2.

ج 43، ص: 412

في المختلف و التحرير أنه قوى الوجوب، بل عن الشيخ في الخلاف الفتوى به مدعيا عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، و لعله الأقوى في النظر للأصل و إطلاق الأدلة، و الله العالم.

و لو قتل صبي أو مجنون مسلما ففي المسالك: أن إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في الثبوت فيخرج العتق و الإطعام من مالهما كما يخرج غيرهما من الحقوق، و لا يصام عنهما و لا يجزى صومهما قبل التكليف، فإذا كملا خوطبا به، و لو ماتا قبله أخرجت الأجرة من مالهما، بل عن المبسوط التصريح بذلك أيضا لعموم النصوص و عدم اشتراطها بالإثم، لوجوبها على المخطئ، و لكن لا يخفى عليك النظر في ذلك كله كما اعترف به الفاضل، بل اختار العدم كالمحكي عن ابن إدريس و لعله الأقوى للأصل.

ثم على تقدير الثبوت فالمتجه كونها كفارة خطاء لأن عمدهما خطاء، بل ليس في مالهما إلا العتق و الإطعام و لا يكلفان بالصوم حين الجناية، و الأصل البراءة بعد الكمال.

نعم تجب على الذمي و الحربي لعموم النصوص مع تكليف الكافر عندنا بالفروع، و لكن يسقط بإسلامه فإنه يجب ما قبله، بل في القواعد الأقرب وجوبها على قاتل نفسه للعموم، و لكن فيه نظر، من عدم انسياق مثله من النصوص، و لأنها لا تجب ما لم يتحقق الموت، و إذا تحقق لم يكن من أهل التكليف، و لعله لذا كان خيرة التحرير العدم.

و لو قتل من أباح الشرع قتله كالزاني بعد الإحصان و قاطع الطريق، ففي القواعد و شرحها لا كفارة بقتله و إن حكم بإيمانه و لم يكن القاتل ممن له قتله، لانتفاء حرمته شرعا و خروجه عن النصوص قطعا، و الإثم بتصديه لما ليس له- لعدم إذن الامام- لا يوجب الكفارة، و لكن للنظر فيه مجال لإطلاق الأدلة.

و لو تصادمت الحاملان فماتا مع جنينهما، ضمنت كل واحدة أربع

ج 43، ص: 413

كفارات إن ولجت الروح الجنين و قلنا بوجوبها على القاتل نفسه، لاشتراك كل منهما مع الأخرى في قتل أربع أنفس و إن لا تلجه الروح فلا كفارة فيه و إنما عليهما كفارة قتل أنفسهما فعلى كل منهما كفارتان، و على ما سمعته من التحرير، لا فرق بين الولوج و عدمه، و الله العالم.

[الرابعة في العاقلة]
اشاره

الرابعة من اللواحق في العاقلة سميت بذلك لعقلها الإبل التي هي الدية بفناء ولي الدم، أو لعقلها أي منعها القاتل من القتل، أو لعقلهم عنه أي تحملهم العقل و هو الدية عنه و كيف كان ف النظر يقع فيها في تعيين المحل و كيفية التقسيط و بيان اللواحق.

[اما المحل]

اما المحل فهو العصبة على المشهور كما ستعرف و المعتق و ضامن الجريرة و الإمام مترتبين على حسب الترتيب في الإرث كما ستعرف إن شاء الله.

لكن ينبغي أن يعلم أولا أنك قد عرفت سابقا ثبوت دية القتل أو الجرح مع تراضي الجاني و الأولياء عليها و إذا لم يحصل بعض شروط القصاص في ذمة الجاني

ج 43، ص: 414

إجماعا بقسميه و نصوصا، فإن مات أخذت من التركة إن كانت، كما في خبري (1)البزنطي و أبي بصير، بل عن الغنية الإجماع عليه، خلافا للمحكي عن المبسوط فأسقطها فهو واضح الضعف كما تقدم الكلام فيه، بل و فيما إذا هرب، الذي حكى عن النهاية و الغنية و الوسيلة و الإصباح و الجامع أنه تؤخذ الدية حينئذ من عاقلته، فإن لم يكن له عاقلة فمن بيت المال، إلا أنهم ذكروا ذلك في شبه العمد الذي لا فرق بينه و بين العمد في ذلك، و لذا حكوا عنهم الخلاف فيه.

و عن الفاضل في المختلف اختياره لأن لا يبطل دم المسلم، و للإجماع في الغنية، إلا أنه كما ترى موهون بمصير غير من عرفت إلى خلافه، بل أجاد ابن إدريس فيما حكي عنه في رده «بأنه خلاف الإجماع و ضد ما تقتضيه أصول مذهبنا لأن الأصل براءة الذمة(2)مضافا إلى الإجماع على أنه لا عقل للأولياء و بيت المال إلا دية الخطاء المحض فأما الخطاء شبه العمد فلا تعقله العاقلة بغير

خلاف فيه بيننا، و إنما تجب على الجاني نفسه، و لا يرجع عن ذلك بأخبار آحاد لا توجب علما و لا عملا»(3).

بل في كشف اللثام «لم نظفر بخبر يفيد الانتقال إلى العاقلة أو بيت المال بمجرد الهرب (4)» و إن كان فيه أنه مضمون

خبر أبي بصير(5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله و إلا فمن الأقرب فالأقرب، و إن لم يكن له قرابة أداه الإمام


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العاقلة الحديث 3 و 1.
2- 2 في المصدر: فمن شغلها يحتاج الى دليل.
3- 3 السرائر، كتاب الحدود، باب في أقسام القتل و لم ينقل لفظ عبارته بل معناه فراجع.
4- 4 كشف اللثام ج 2 ص 346.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب العاقلة الحديث الأول.

ج 43، ص: 415

فإنه لا يبطل دم امرء مسلم».

و قد سمعت سابقا البحث فيما إذا هرب حتى مات في هربه و تعذر استيفائها من التركة، و ربما احتمل تأويل كلامهم بذلك، بل عن المصنف في النكت التوقف في أخذها من العاقلة في الحال المزبور و جواز أخذها من بيت المال المجعول للمصالح التي حسم المنازعة في الدماء من أهمها.

و أما شبه العمد فالدية من ماله عندنا، و عن العامة قول بأنها على العاقلة.

و حكى عن الحلبي منا، و لكن النص و الفتوى على خلافه، نعم هي على العاقلة في الخطأ المحض نصا و إجماعا بقسميه، بل لعله من المسلمين إلا من الأصم و الخوارج، و قد سبقهم الإجماع و لحقهم.

ما الكلام في تعيينها و المشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد أنها العصبة خاصة

لصحيح محمد بن قيس (1)عن جعفر عليه السلام «أن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في امرأة أعتقت رجلا و اشترطت ولائه و لها ابن فألحق ولائه بعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها»

و صحيحه (2)الآخر عنه أيضا «أنه عليه السلام قضى في رجل حرر رجلا فاشترط ولائه فتوفي الذي أعتق و ليس له ولد إلا البنات ثم توفي المولى و ترك مالا قال فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثا يكون فيه عقل»

و المرسل (3)«إن امرأة رمت أخرى حاملا فأسقطت ثم ماتت الرامية فقضى رسول الله صلى الله عليه و آله عليها بالغرة و قضى بأن ميراثها لبنيها و زوجها و العقل على عصبتها».

و ضابط العصبة على ما صرح به غير واحد من الأصحاب كالشيخين و القاضي و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل هو المشهور


1- 1 الوسائل الباب- 39- من كتاب العتق الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من كتاب العتق الحديث الأول و فيه« الا النساء» مكان« الا البنات».
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 346.

ج 43، ص: 416

أيضا، بل في المختلف الاستدلال بها عليه و ربما استفيد من ذلك بلوغها حد الإجماع بقرينة معلومية عدم حجيتها عنده، اللهم إلا أن يكون ذلك بالنسبة إلى تفسير العصبة الذي يمكن أن تكون فيه حجة و إن لم تكن هي كذلك بالنسبة إلى الحكم الشرعي، و على كل حال فهي عندهم من يتقرب بالأب كالإخوة و أولادهم و إن نزلوا و العمومة و أولادهم كذلك و لا يشترط كونه من أهل الإرث في الحال.

بل في كشف اللثام أنه المعروف من معناها، و في محكي السرائر «فهم العصبات من الرجال سواء كان وارثا أو غير وارث الأقرب فالأقرب و يدخل فيها الولد و الوالد- إلى أن قال-: و إجماعنا منعقد على أن العاقلة جماعة الوارث من الرجال دون من يتقرب بالأم»(1)و في الرياض «و ظاهره كما ترى دعوى الإجماع عليه، و إن زعم مخالفة قوله لقولهم فعد قولا آخر، و لم أفهم

الوجه فيه إلا من حيث إطلاق الرجال في صدر العبارة بحيث يتوهم الشمول فيه لمثل الإخوة من الأم و الأخوال، لكن تصريحه أخيرا باستثناء من يتقرب بالأم يدفع ذلك و يوجب اتحاد قوله مع قولهم، و لذا لم يجعله كثير مخالفا لهم، و عبارته صريحة في دعوى الإجماع و هو الحجة»(2).

قلت: الإنصاف أن عبارته غير نقية، خصوصا بعد إدراجه الولد و الوالد و فيهما ما تسمعه من الكلام، و قوله أخيرا الوارث مع تصريحه أولا بعدم الفرق بين الوارث و غيره، إلا أن التدبر فيها يقتضي موافقة الجماعة، و الله العالم.

و في مختصر النهاية الأثيرية «العصبة الأقارب من جهة الأب» و في الصحاح «عصبة الرجل بنوه و قرابته لأبيه و إنما سموا عصبة لأنهم عصبوا به أي أحاطوا فالأب طرف و الابن طرف و العم جانب و الأخ جانب» و عن مجمع البحرين


1- 1 السرائر كتاب الحدود، باب في أقسام القتل.
2- 2 الرياض ج 2 ص 629.

ج 43، ص: 417

«أن عصبة الرجل بنوه و قرابته لأبيه» و لكن مع ذلك كله قيل كما عن النهاية و الغنية و الإصباح هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل و الذي عثرنا عليه في النهاية «و أما دية قتل الخطاء فإنها تلزم العاقلة الذين يرثون دية القاتل لو قتل و لا تلزم من لا يرث من ديته شيئا»(1)و هي مع أنها غير صريحة لاحتمال كون الوصف للتعليل المصرح به في المقنعة دون التفسير، لا ذكر فيها للعصبة و تفسيرها. نعم في الغنية و محكي الإصباح «و عاقلة الحر المسلم عصبته الذين يرثون ديته» مع احتمال أو ظهور التعليل فيهما، و الاتكال في معنى العصبة على وضوحه، و أن المفهوم منهم المتقربون بالأب من الرجال، أو التوضيح و التنصيص على الاختصاص بالمتقربين بالأب.

و على كل حال فالمصنف و الفاضل و غيرهما قالوا في هذا الإطلاق و هم، فإن الدية يرثها الذكور و الإناث و الزوج و الزوجة و من يتقرب بالأم على أحد القولين بل أصحهما و يختص بها الأقرب فالأقرب كما تورث الأموال، و ليس كذلك العقل فإنه يختص به الذكور من العصبة دون من يتقرب بالأم أو بالأب من الإناث و دون الزوج و الزوجة كما عن الشيخ الاعتراف به و لذا نسبه المصنف إلى وهم الإطلاق.

نعم من الأصحاب من خص ب ه أي العقل الأقرب فالأقرب ممن يرث بالتسمية و مع عدمه يشترك في العقل بين من يتقرب بالأم مع من يتقرب بالأب أثلاثا (11) و في كشف اللثام «و بالجملة هم الورثة على ترتيب الإرث» ثم استدل له بخبري أبي بصير(2)و البزنطي السابقين اللذين هما في القاتل عمدا ثم هرب و بما في

مرسل يونس (3)«عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية أن الدية


1- 1 النهاية ج 2 ص 758.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب العاقلة الحديث 1 و 3.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب العاقلة الحديث الأول.

ج 43، ص: 418

على ورثته فان لم يكن له عاقلة فعلي الوالي من بيت المال»

و فيه أن مقتضي الإطلاق المزبور الشركة أثلاثا و إن كان المتقرب بالأم واحدا كالأخ الذي له السدس، بل مقتضاه اختصاص العقل بالبنت و الأخت، على أن الخبرين الأولين في العامد و لا ذكر فيهما للعاقلة، و الثالث محتمل لشبه العمد. و على كل حال فلم نعرف هذا القول لأحد و إن نسب إلى أبي على، لكن عبارته المحكية عنه «العاقلة هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء سواء كانوا من قبل أبيه أو أمه فإن تساوت القرابتان كالإخوة للأب و الإخوة للأم كان على الإخوة للأب الثلثان و على الإخوة للأم الثلث سواء كان المستحق للميراث واحدا أو جماعة و لا يلزم ولد الأب شي ء إلا بعد عدم الولد و الأب، و لا يلزم ولد الجد شي ء إلا بعد عدم الولد للأبوين»(1)و هو كما ترى لا توافق القول المزبور بل هو قول مستقل برأسه، كما أن ما ذكروه سندا له و منهم المصنف حيث قال:

و هو استناد إلى

رواية سلمة(2)بن كهيل عن أمير المؤمنين عليه السلام لا ينطبق على ذلك أيضا «قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد قتل رجلا خطأ فقال أمير

المؤمنين عليه السلام: من عشيرتك و قرابتك؟ فقال: ما لي بهذه البلدة عشيرة و لا قرابة قال: فمن أي أهل البلدان أنت؟ فقال: أنا رجل من أهل الموصل ولدت بها و لي بها قرابة و أهل بيت، قال: فسأل عنه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يجد له بالكوفة قرابة و لا عشيرة، قال: فكتب إلى عامله على الموصل: أما بعد فان فلان بن فلان و حليته كذا و كذا، قتل رجلا من المسلمين خطأ فذكر أنه رجل من أهل الموصل و أن له بها قرابة و أهل بيت و قد بعثت به إليك مع رسولي فلان بن فلان


1- 1 كشف اللثام ج 2 ص 347.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العاقلة الحديث الأول. و لا يخفى أن في الوسائل هنا سقط سطرين فراجع الكافي ج 7 ص 364 و التهذيب ج 10 ص 171 و الفقيه ج 4 ص 139.

ج 43، ص: 419

و حليته كذا و كذا فإذا ورد عليك إن شاء الله و قرأت كتابي فافحص عن أمره و اسأل عن قرابته من المسلمين، فإن كان من أهل الموصل ممن ولد بها و أصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك ثم انظر و إن كان منهم رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه من ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية و خذه بها نجوما في ثلاث سنين و إن لم يكن من قرابته أحد له سهم في الكتاب و كان قرابته سواء في النسب و كان له قرابة من قبل أبيه و أمه في النسب سواء ففض الدية على قرابته من قبل أبيه و قرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين، ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية و اجعل على قرابته من قبل أمه ثلث الدية و إن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ففض الدية على قرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين ثم خذهم بها و استأدهم الدية في ثلاث سنين فإن لم يكن له قرابة من قبل أمه و لا قرابة من قبل أبيه ففض الدية على أهل الموصل ممن ولد بها و نشأ و لا تدخلن غيرهم فيهم من أهل البلد ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجما حتى تستوفيه إن شاء الله، و إن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل و لا يكون من أهلها و كان مبطلا فرده إلى مع رسولي فلان بن فلان إن شاء الله فأنا وليه و المؤدى عنه و لا يبطل دم امرء مسلم»

و أيضا ف في سلمة ضعف لأنه بتري مذموم (1)، و مشتمل على غرامة أهل البلد، على أن الإخوة من الأبوين ممن يعقلون و لا سهم لهم مسمى في كتاب الله تعالى، و من هنا احتمل بعضهم إرادة كل من سمى الله في الكتاب و إن لم

يفرض له سهم، فيشمل الأبناء و الإخوة للأب أو للأبوين، فيكون عليه السلام أمر بأخذ الدية ممن يرثه بنص الكتاب إن كان، و إلا من يرثه بالقرابة و لم يسم في الكتاب كأبناء الإخوة و الأعمام و أبنائهم.

ثم لما كان أخذ الدية من العاقلة منوطا برأي الإمام عليه السلام رأى أن لا يؤخذ من أقرباء الأب من هؤلاء الثلثان و يؤخذ الثلث من بيت المال الذي


1- 1 راجع معجم رجال الحديث ج 8 ص 210.

ج 43، ص: 420

على أقرباء الأم، و إن لم يكن له قرابة أحال الدية على بيت المال الذي على أهل الموصل، و إن كان هو كما ترى.

و على كل حال فالتحقيق ما عليه المشهور لما عرفت و لكن هل يدخل الآباء و إن علوا و الأبناء(1)و إن نزلوا في العقل قال في المبسوط و الخلاف و الوسيلة و محكي المهذب لا يدخلون، بل نسبه ثاني الشهيدين إلى المشهور، بل في الخلاف دعوى إجماعنا عليه للأصل المقطوع بما تعرفه إن شاء الله، مضافا إلى اقتضاء التمسك به هنا شغل ذمة أخرى، مقتضى الأصل عدمها، و للإجماع المزبور المعتضد بالشهرة المذكورة الموهونين بما ستعرفه إن شاء الله، و لخروجهم عن مفهوم العصبة الذي فيه منع ظاهر بعد الإحاطة بما سمعته من كلام أهل اللغة و غيرهم، و لصحيح محمد بن قيس (2)المتقدم في أول البحث المحتمل لإرادة إخراج الولد من العصبة على نحو جهة الاستثناء المقتضى لكونهم منها فيكون دالا على المطلوب، و النبوي (3)العامي السابق الذي هو من غير طرقنا، كالآخر

عنه (4)أيضا «لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه و لا بجريرة ابنه»

المحتمل لإرادة العمد، و

الثالث (5)عنه أيضا «في امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى و كان لكل منهما زوج و ولد فبرأ النبي صلى الله عليه و آله الزوج و الولد، و جعل الدية على العاقلة»

المحتملة لإرادة الأنثى من الولد فيه و من هنا كان الأقرب دخولهما وفاقا للإسكافي و المفيد و الشيخ في النهاية و الحائريات و الحلي و يحيى بن سعيد و أبي العباس و الفاضلين و الصيمري و الشهيد في اللمعة و غيرهم، و ظاهر التنقيح على ما حكى عن بعضهم، و لذا نسبه


1- 1 في الشرائع: و الأولاد.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من كتاب العتق الحديث الأول.
3- 3 و هو الذي حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 346.
4- 4 حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 347 و في المسالك ج 2 ص 512.
5- 5 حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 347 و في المسالك ج 2 ص 512.

ج 43، ص: 421

في الإيضاح إلى الشهرة، بل عن الحلي الإجماع عليه، و نسبه إلى روايتنا و أن الشيخ تفرد بالعدم لأنهما أدنى قومه المفسر به العصبة، بل هو صريح من عرفت من أهل اللغة و غيرهم، كما أنه صريح خبر سلمة بن كهيل المنجبر هنا بما عرفت، و بذلك كله يظهر لك ضعف الشهرة و الإجماع المزبورين نعم لا يشتركهم القاتل في الضمان بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية كون الدية في الخطأ على العاقلة ضمانا أو أداء من المذهب أو الدين و إن خالف أبو حنيفة.

و لا تعقل المرأة و لا الصبي و لا المجنون و إن ورثوا من الدية بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط الاعتراف به، لا لما قيل من خروجهم عن مفهوم العصبة فإنه قد يمنع في الأخيرين و إن كان هو كذلك في الأمرية، و لا لأصل البراءة الذي قد عرفت الإشكال في الاستدلال به هنا، بل للشك في إرادة الأخيرين من إطلاقها هنا و إن كانا منها في الحقيقة، و لو لعدم الخلاف المزبور.

أما الشباب و الضعفاء و الزمنى و الشيوخ الذين لا قوة لهم و لا نهضة فعن الشيخ التصريح بأنهم من أهل العقل، لأنهم إن لم يكن لهم بصيرة(1)بالسيف فلهم بصيرة(2)بالرأي و المشورة و لا بأس به، و إن كان العمدة دخولهم تحت العصبة لغة و عرفا.

نعم لا يتحمل الفقير شيئا منها و لكن يعتبر فقره عند المطالبة و هو حول الحول فمن استغنى عنده عقل و إن كان فقيرا قبله و بالعكس، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في القواعد و شرحها للإصبهاني «و لا يعقل فقير لا يملك ما يؤدى بالفعل و إن كان مكتسبا يمكنه الأداء بعد الكسب خلافا للعامة في وجه فاكتفوا

بالاكتساب (3)» بل يظهر من غير واحد المفروغية من أصل الحكم، و هو إن تم إجماعا، أو كان لهم نص عليه فذلك و إلا أمكن


1- 1 في كشف اللثام:« النصرة» مكان« البصيرة».
2- 2 في كشف اللثام:« النصرة» مكان« البصيرة».
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 347.

ج 43، ص: 422

إشكاله بإطلاق الأدلة. و حينئذ فيصبر عليه حتى يجد كسائر ديونه، بل قد يقال بناء على اعتبار الوجدان، باعتباره حين الجناية كالتكليف لا حين حول الحول فتأمل جيدا فإنك ستسمع إن شاء الله ما يدفع ذلك، من احتمال عدم ضمان العاقلة قبل الحول على وجه الدين، بل هو خطاب تكليف، بل يمكن الجزم بذلك بعد التدبر في كلامهم هنا و في كتاب الرهن، و الله العالم.

و لا يدخل في العقل عندنا أهل الديوان الذين رتبهم الإمام عليه السلام للجهاد و أدر لهم أرزاقا و دونت أسمائهم، بعضهم عن بعض، خلافا لأبي حنيفة فقدم أهل الديوان على الأقارب لفعل عمر(1)المعلوم أنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله، بل هو مخالف لما هو المعهود منه من جعلها على العصبة، مع احتمال عقله خصوص العصبة من أهل الديوان.

و كذا لا يدخل في العقل عندنا أيضا أهل البلد إذا لم يكونوا عصبة و لكن في رواية سلمة السابقة ما يدل على إلزام أهل بلد القاتل مع فقد القرابة و لو قتل في غيره و هي مع ضعفها مطرحة لم نجد عاملا بها كما عرفت الكلام فيها.

و يقدم من يتقرب بالأبوين على من انفرد بالأب كما في القواعد و غيرها و محكي المبسوط، بل لا أجد فيه خلافا بينهم معللين له بأنه أقرب فالأقرب أحق بالإرث، و لما مر من خبري (2)البزنطي و أبي بصير في قاتل هرب فمات، و لكن إن لم يكن إجماع لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم مدخلية الأحق في الميراث هنا، كعدم مدخلية الخبرين بعد أن كان موردهما العمد الذي لم تعمل بهما فيه، فإطلاق العصبة حينئذ بحاله، و لعله لذا قال في التحرير:

«و لو قيل بعدم التقديم كان وجها لأن قرابة الأم لا مدخل لها في العقل» ثم


1- 1 راجع المسالك ج 2 ص 512.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب العاقلة الحديث 1 و 3.

ج 43، ص: 423

إنك ستعرف الكلام فيما لو زاد التوزيع على المتقربين بالأبوين.

و يعقل المولى الذي هو أحد أفراد العاقلة مع عدم العصبة أو زيادة التوزيع عليهم من أعلى إجماعا بقسميه عليه نصا و لا يعقل من أسفل بمعنى المعتق بالفتح، خلافا للشافعي في أحد قوليه.

و كيفية عقله على حسب ترتب الولاء الذي عرفته في الميراث، فيعقل مولى الجاني، فإن لم يكن فعصبات المعتق، ثم معتق المعتق، ثم عصباته، ثم معتق أبي المعتق، ثم عصباته، و هكذا كترتب الميراث، و يدخل ابن المعتق و إن نزل و أبوه و إن علا في العقل، كما يدخل في الولاء، و كما يدخل أبو القاتل و ابنه في عصبة القاتل على ما اخترناه. نعم بناء على عدم الدخول يحتمل الخروج هنا لخروجهما عن مفهوم عصبة المولى حينئذ كما سمعته في ظاهر صحيح محمد بن قيس (1)الذي تقدم الكلام فيه، و يحتمل الدخول لانتفاء العصبة بينهما و بين القاتل و تحقق الولاء و الإرث، و لو كان المعتق امرأة كان لها الولاء و لكن لا عقل عليها لما عرفت من عدم العقل على النساء، و يعقل حينئذ عصباتها و منهم أبوها و بنوها بناء على إرثهم الولاء.

و الشركاء في عتق عبد واحد كشخص واحد في العقل، لأن الولاء لجميعهم لا لكل واحد منهم، فهم حينئذ كمولى واحد فلا يلزمهم بأجمعهم أكثر من نصف دينار إن كانوا أغنياء أو ربعه إن كانوا فقراء و لو كان فيهم الفقير و الغني فبالنسبة، بمعنى أن على الغنى حصة من النصف لو كانوا أغنياء، و على الفقير حصة من الربع لو كانوا فقراء، بخلاف ما لو مات المعتق الواحد المنفرد بعتق العبد كله عن عصبات، فإنه يضرب على كل واحد منهم نصيب المعتق. فإما(2)من النصف أو الربع، و لا يوزع نصيبه عليهم بأجمعهم لأنه يرث العتيق بالولاء، لا أنه يرث الولاء من المعتق حتى يتوزع عليهم نصيبه خاصة، فعصبة


1- 1 الوسائل الباب- 39- من كتاب العتق الحديث الأول.
2- 2 في الأصل:« تاما» و في كشف اللثام:« فاما» و هو الصحيح ظاهرا.

ج 43، ص: 424

المولى بعده موالي للعتيق بأنفسهم كالمتقربين بالنسب إلى الميت المتأخرين في الإرث عن طبقة إذا فقدت الطبقة المتقدمة فإنهم يرثون بالقرابة، فهؤلاء العصبة إنما يرثون العتق و يعقلون عنه بولائهم لا بإرثهم الولاء عن المولى، فالولاء في حقهم كالنسب، و إذا اجتمع المنتسبون فعلي كل واحد منهم نصف دينار أو ربعه، نعم لو كانوا يرثون الولاء من المولى كانوا بمنزلة مولى واحد، نحو الجماعة إذا اشتركوا في عتق عبد واحد، كما تقدم تحقيق ذلك في المواريث.

و لو مات أحد هؤلاء الشركاء في عتق العبد الواحد فكل واحد من عصباته لا يحمل أكثر من حصة المعتق لو كان حيا، و هي جزء من نصف دينار أو ربعه، و لا يحمل النصف أو الربع كاملا فإنه لا ينزل منزلة المنفرد بالعتق، بل غايته أنه بمنزلة الشريك فيه، و عن بعض كتب العامة إنه ما دام المعتق حيا لا يرتقى بالعقل إلى عصباته و إن فضل عنه شي ء من الدية لعدم الولاء لهم في حياته، و التحقيق ما عرفت(1).

و معتق الأب أولى من معتق الأم لاختصاص الولاء به. نعم إن كان أبوه رقيقا و أمه معتقه عقل عنه معتق الأم، فإن جنى الولد في حال رقية أبيه عقل عنه معتق أمه، فإذا عتق الأب بعد ذلك انجر الولاء إلى معتقه، و لو حصلت سراية للجناية بعد ذلك لم يضمنها معتق الأب لأنها حصلت بجناية قبل الجر فلا يضمنها مولى الأب، بل و لا مولى الأم، و إن ضمن أصل الأرش، لأن الزيادة حصلت بعد الجر و خروج الولاء عن مولى الأم، و الضمان مشروط بتحقق العقل في الحالين، و إنما يتحقق هنا بتحقق الولاء فهو كالذمي إذا رمى ثم أسلم الذي ستعرف الكلام فيه إن شاء الله.

فالمتجه حينئذ كون الزيادة في مال الجاني دون بيت المال الذي يشترط الضمان فيه بالخلو عن الموالي، للأصل و إن احتمل ذلك أيضا، تنزيلا لبراءة الموالي منزلة


1- 1 راجع كشف اللثام ج 2 ص 348.

ج 43، ص: 425

عدمهم، و لو قطع يدين قبل الجر أو يدين و رجلين فسرى بعد الجر فعلى مولى الأم دية كاملة لوجوبها عليه بالجناية و لا زيادة بالسراية، و السراية إنما ظهر بها عدم الزيادة على الدية كما هو واضح.

و تحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد قطعا، بل إجماعا بقسميه لعموم الأدلة و هل تحمل ما نقص؟ قال في الخلاف و محكي المبسوط و السرائر نعم تحمله لعموم الأخبار بل عن الأخير الإجماع عليه و منع في غيره كالنهاية، و تبعه في محكي الكافي و الغنية و الإصباح و الوسيلة و الكامل و هو المروي

عن الباقر عليه السلام «قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا تحمل العاقلة إلا الموضحة فصاعدا و ما دون السمحاق أجر الطبيب سوى الدية(1)»

غير أن في الرواية ضعفا بابن فضال الذي هو فطحي، و نحوه في القواعد، و ظاهر هما الميل إلى الأول، و لكن فيه أن ذلك مع تقدير تسليمه يقتضي كونه موثقا، و هو حجة عندنا أيضا، خصوصا في المقام المعتضد فيه بالأصل و بالشهرة و بغيرهما، و لعله لذا اختاره الفاضل في جملة من كتبه و ولده و المقداد و الصيمري و ثاني الشهيدين و غيرهم، بل الظاهر أنه المشهور، كما اعترف به غير واحد منهم.

كل ذلك مضافا إلى ما روى (2)من رجوعه عن الفطحية عند موته، فيكون حينئذ صحيحا، فما في الإيضاح «من أني قد سألت والدي عن الخبر المزبور و نحن في الحجاز حين قرائتي عليه التهذيب المرة الثانية، فقلت: ضعفته في القواعد و وثقته في المختلف فقال: هو ضعيف»(3)محمول على إرادة الضعف الذي يشمل الموثق و إلا كان واضح المنع، فلا محيص حينئذ عن العمل به بعد أن لم يكن له معارض إلا عمومات مخصصة به، و الإجماع المزبور إنما المسلم منه ما يوافق العمومات دون محل البحث الذي مقتضى الأصل أيضا كونه على الجاني، ضرورة اقتضاء قوله


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب العاقلة الحديث الأول.
2- 2 راجع معجم رجال الحديث ج 5 ص 46.
3- 3 إيضاح الفوائد ج 4 ص 747.

ج 43، ص: 426

تعالى «وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى»*(1)و غيره كون جناية الجاني على نفسه دون غيره، خرج ما خرج و بقي الباقي.

على أن الغالب حصول الجنايات الكثيرة خطاء من الناس، فلو وجب كل جرح قل أو كثر على العاقلة لزم حصول المشقة لهم، بل ربما أدى ذلك إلى تساهل الناس في الجنايات، لانتفاء الضمان عنهم، بل لعل سيرة المسلمين في كل عصر و مصر على خلافه، بل ربما شك في تناول الإطلاقات للجراحات جميعها، و أنها في دية النفس خاصة، و ضمان الموضحة فصاعدا للإجماع و الموثق المزبور، فيبقى غيره على أصالة عدم الضمان.

و في كشف اللثام عن التبصرة «أنها لا تعقل موضحة فما دون و هو غريب (2)» و الموجود فيما حضرنا من نسختها «أنها لا تعقل ما دون الموضحة(3)» نعم في التحرير «أنها لا تعقل عن جراح المرأة إلا ما بلغ أرشه أرش الموضحة يعنى الموضحة في الرجال(4)» و فيه منع واضح.

ثم بناء على المختار ففي اشتراط اتحاد الجرح الناقص عنها حتى لو تعدد و كان أرش المجموع بقدر أرش موضحة أو أكثر حمل العاقلة، إشكال كما في القواعد، من الأصل و عدم ضمانه شيئا منها، فكذا الكل، و من التساوي في الأرش و ندرة الوقوع بالنسبة إلى واحد منها فلا مشقة و لا تساهل، و الدخول في قوله في الخبر(5)«فصاعدا» و إن كان ذلك كله كما ترى، و لذا قال في كشف اللثام: «و الأول أظهر».


1- 1 فاطر: 18.
2- 2 كشف اللثام ج 2 ص 349.
3- 3 التبصرة ص 808 طبع الإسلامية و ص 218 طبع قم.
4- 4 التحرير ج 2 ص 280 و لم ينقل لفظه بعينه فراجع.
5- 5 يعنى خبر ابن فضال المذكورة آنفا.

ج 43، ص: 427

و أما ما تضمنه

الخبر المزبور(1)من أن «على الجاني أجر الطبيب فيما دون السمحاق سوى الدية»

فلا أجد عاملا به، و لا ريب في أن الأحوط للجاني بذله.

و تضمن العاقلة دية الخطاء إلا أنها تستأدى في ثلاث سنين كما في خبر أبي ولاد(2)، بل عليه إجماع الأمة إلا من ربيعة كما عن الخلاف فأجلها خمسين، و عن بعض الناس أنها حالة غير مؤجلة، و الكل شاذ.

و مبدأها من حين الموت فيأخذ حينئذ ولي الدم كل سنة عند انسلاخها ثلثا تامة كانت الدية كدية الرجل الحر المسلم أو ناقصة كدية المرأة و دية الذمي و عن الشافعي في أحد وجهيه اعتبار الناقصة بالكاملة فما كان منها ثلثها كدية اليهودي و النصراني عنده أو نقصت عنه كدية المجوسي تحل في السنة الأولى، و ما زاد كدية المرأة تحل في سنتين، في الأولى بقدر الثلث و الباقي في الثانية. هذا كله في دية القتل.

و أما الأرش فقد قال في المبسوط و تبعه الفاضل في القواعد يستأدى في سنة واحدة عند انسلاخها إذا كان ثلث الدية فما دون، لأن العاقلة لا تعقل حالا للأصل، و فحوى ما ورد في القتل و لكن فيه إشكال ينشأ من احتمال تخصيص التأجيل بالدية للنفس لا بالأرش الباقي على مقتضى أصالة الحلول في المستحق، اللهم إلا أن يقال إن

خبر أبي ولاد(3)دال على تأجيل دية الخطاء مطلقا «قال: إن دية الخطاء تستأدى في ثلاث سنين فما دون»

بل، قال أيضا و لو كان دون الثلاثين حل الثلث الأول عند انسلاخ الحول، و الباقي عند


1- 1 يعنى خبر ابن فضال.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات النفس الحديث الأول و كلمة« فما دون» ليست فيه.

ج 43، ص: 428

انسلاخ الثاني، و لو كان أكثر من الدية كقطع اليدين و قلع عينين و كان لاثنين حل لكل واحد عند انسلاخ الحول ثلث الدية و إن كان لواحد حل له ثلث لكل جناية سدس الدية.

و في هذا كله ما عرفت من الإشكال الأول و دعوى وفاء خبر أبي ولاد في ذلك كله كما في ظاهر كشف اللثام كما ترى لا يتجشم (1)، خصوصا بعد انسياق دية القتل منه، و لو سلم العدم كان مقتضاه ما سمعته من التحرير و الإرشاد و هو التأجيل ثلاث سنين في الأرش مطلقا.

و دعوى تأييد الأول، بأن القتل مع أنه أعظم من نقص الأطراف إذا كانت ديته تؤجل فديات الأطراف و أروش الجنايات أولى به مع أصل البراءة، من الاجتهاد الذي لا يجوز العمل به في الأحكام الشرعية، و كذا دعوى أن العاقلة لا تعقل حالا بل لا بد من التأجيل و أنه على الوجه المزبور و لو من فحوى ما ورد في القتل، في عدم الرجوع إلى حاصل معتد به، و خصوصا دعوى تأجيل ما دون الثلث إلى سنة كالثلث، و دعوى تأجيل ما زاد عليه و لو يسيرا إلى ما دون الثلثين إلى سنتين، و دعوى ما زاد عليهما و لو يسيرا إلى الثلث.

فالإنصاف اختصاص خبر أبي ولاد(2)بدية القتل، و بقاء دية الأرش على أصالة الحلول قل أو كثر، ثم على التقدير المزبور فالغاية ما عرفت، و الله العالم.

و على كل حال لا رجوع للعاقلة بما تؤديه على الجاني على المشهور، كما تقدم سابقا، خلافا للمفيد و سلار، و لم نعرف له وجها بل و لا موافقا لهما، و الله العالم.

و لا تعقل العاقلة إقرارا و لا صلحا عن عمد أو شبهه أو خطأ لم تثبت


1- 1 لا ينجسم ظ.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب ديات النفس الحديث الأول.

ج 43، ص: 429

و لا جناية عمد مع وجود القاتل أما مع موته أو هربه فقد مر الكلام فيه و لو كانت موجبة للدية كقتل الأب ولده أو المسلم الذمي أو الحر المملوك و الهاشمة و المأمومة بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك، كما اعترف به بعضهم، بل في كشف اللثام الإجماع عليه.

بل و لا إشكال بعد معلومية أصالة عدم ضمان أحد جناية غيره لقوله تعالى:

«لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى»*(1)و غيره، خرج منه دية الخطأ المحض و بقي غيره، و في

النبوي (2)«لا تحمل العاقلة عمدا و لا اعترافا»،

و عن أمير المؤمنين عليه السلام (3)«لا تعقل العاقلة عمدا و لا عبدا و لا صلحا و لا اعترافا».

و في

خبر السكوني (4)عنه أيضا «لا تضمن العاقلة عمدا و لا إقرارا و لا صلحا»،

و في

خبر زيد(5)بن علي عن آبائه عليهم السلام «لا تعقل العاقلة إلا ما قامت عليه البينة، قال: و أتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصة و لم يجعل على العاقلة شيئا»، و رواه في الفقيه (6)عن أمير المؤمنين عليه السلام،

و في خبر أبي بصير(7)عن أبي جعفر عليه السلام «لا تضمن العاقلة عمدا و لا إقرارا و لا صلحا»،

إلى غير ذلك.

و حينئذ فلو ثبت أصل القتل بالبينة فادعي القاتل الخطاء و أنكرت العاقلة فالقول قولهم مع اليمين و لو على عدم العلم بالخطاء، و الإقرار المزبور إنما هو


1- 1 فاطر: 18.
2- 2 حكاه في المسالك ج 2 ص 512.
3- 3 حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 349 و رواه في المستدرك ج 3 ص 288 عن دعائم الإسلام و راجع دعائم الإسلام ج 2 ص 414.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب العاقلة الحديث الثاني.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب العاقلة الحديث الأول.
6- 6 الفقيه ج 4 ص 142.
7- 7 الوسائل الباب- 3- من أبواب العاقلة الحديث الأول.

ج 43، ص: 430

حجة على نفس المقر لا في حق غيره، و ثبوت الدية في ماله حيث يقر لأن لا يبطل دم المسلم، و لأن الأصل في الجناية أن تكون على الجاني، و قوله خطأ مجرد دعوى للرفع عن نفسه، فما عن العامة من عدم شي ء عليه و لا العاقلة بالإقرار واضح الفساد.

و لو جنى على نفسه خطأ قتلا أو جرحا طل و لم تضمنه العاقلة بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به بعض، بل ظاهر آخر الإجماع عليه، و لعله كذلك، للأصل المزبور، نعم عن الأوزاعي و أحمد و إسحاق ضمانها في النفس لورثته و في الطرف له، و لا ريب في فساده بعد الأصل المزبور و الاتفاق، بل و الاعتبار، ضرورة كون الدية عوض الجناية على المجني عليه لا جنايته على نفسه، و الله العالم.

و جناية الذمي في ماله و إن كانت خطأ دون عاقلته عندنا و مع عجزه عن الدية فعاقلته الإمام لأنه يؤدي إليه ضريبته بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل ظاهر بعض الإجماع عليه ل

صحيح (1)أبي ولاد عن أبي عبد الله عليه السلام «ليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة إنما يؤخذ ذلك من أموالهم فإن لم يكن له مال

رجعت الجناية على إمام المسلمين لأنهم يؤدون إليه الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده، قال: و هم مماليك للإمام فمن أسلم منهم فهو حر»

و كان ما وقع من المصنف و غيره من التعليل متابعة للصحيح، و إلا فالمولى لا يعقل عن العبد فتأدية الجزية كما يؤدي العبد الضريبة، لا يقتضي العقل عنه، و لعل الظاهر عدم إرادة الإشارة في الصحيح إلى شبهه بالعبد من هذه الجهة، بل المراد بيان الواقع و التقريب بأن من كان له الجزية فعليه العقل.

و على كل حال فما عن العامة من تضمين العاقلة و هم عصبة الذميون واضح


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العاقلة الحديث الأول.

ج 43، ص: 431

الفساد بعد ما عرفت.

و جناية الصبي و المجنون على العاقلة عندنا و إن تعمدا، لأن عمدهما خطاء خلافا للشافعي في قول ففي مالهما.

و لا يعقل مولى المملوك جنايته قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو مستولدة على الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي مرت الإشارة إلى بعضها، مضافا إلى بعض النصوص المزبورة، بل لعله لا خلاف فيه فيما عدا الأخيرة، و إن قال في الغنية(1): «و عاقلة الرقيق مالكه» و في النهاية(2)«و إذا قتل عبدا حرا خطاءا فأعتقه مولاه جاز عتقه و كان على مولاه دية المقتول، لأنه عاقلته» بل ربما يشهد له مفهوم التعليل في صحيح أبي ولاد المتقدم، و إن قصر عن معارضة النصوص الصريحة المستفاد منها أن جناية العبد عمدا أو خطاءا في رقبته المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك لشذوذ قوليهما.

بل يمكن إرادة أن جنايته في ماله إما رقبة الرقيق أو غيره من العقل، أو أن المولى عاقلته له لو جنى بعد العتق، أو مطلق الضمان الصادق على الأداء من رقبة العبد أو غيره، لا العقل بالمعنى المتعارف الذي هو ضمان تمام الدية و إن زادت على قيمة العبد، و نحو ذلك مما يرتفع به الخلاف، كما عساه يشهد له دعوى المقداد الإجماع على أن المولى لا يعقل عبده، في الاستدلال على أنه لا يعقل أم الولد باعتبار بقائها على الرقية.

و منه يعلم الحال في أم الولد أيضا، و إن حكى عن الشيخ في المبسوط و القاضي أن المولى يعقلها، لخبر مسمع (3)الدال على ذلك، الموافق للمحكي عن العامة من عقل مولاها لها إلا أبا ثور منهم، فجعل جنايتها عليها تتبع بها بعد العتق كما


1- 1 الغنية فصل في الديات.
2- 2 لم أجده في النهاية في كتاب الديات فراجع و لكن حكاه عنه في الرياض ج 2 ص 632.
3- 3 الوسائل الباب- 43- من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.

ج 43، ص: 432

مر الكلام فيه في المباحث السابقة.

بل و في أن الحر إذا قتل عبدا عمدا ضمنه في ماله، و إن كان خطاءا فعلى عاقلته، الموافق لإطلاق النص و الفتوى، بل عن المبسوط و الخلاف الإجماع عليه خلافا لأبي علي فجعله في ماله، لأنه مال، و هو اجتهاد، و إن استحسنه في محكي المختلف، و الله العالم.

و ضامن الجريرة يعقل إجماعا بقسميه و نصوصا(1)مستفيضة و فيها الصحيح و غيره التي تقدمت في

كتاب المواريث، منها(2)قوله: «إذا ولى الرجل الرجل فله ميراثه و عليه معقلته»

بل ربما ظهر منها تلازم الإرث و العقل و قد عرفت في كتاب المواريث إرث المعتق و الضامن و الإمام مترتبين فيعقلون حينئذ كذلك،

و في الصحيح (3)«من مات و ليس له وارث من قرابته و لا مولى عتاقه (4)أوقد ضمن جريرته فما له من الأنفال»

و في آخر(5)«السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا الله تعالى، فما كان ولاؤه لله سبحانه و تعالى فهو لرسول الله صلى الله عليه و آله، و ما كان لرسول الله صلى الله عليه و آله فإن ولاءه للإمام عليه السلام، و جنايته على الإمام و ميراثه للإمام عليه السلام».

و في المرسل (6)«الرجل إذا قتل رجلا خطأ قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية إن الدية على ورثته فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت


1- 1 راجع الوسائل الباب- 1- من أبواب ضمان الجريرة و الإمامة.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ضمان الجريرة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب ضمان الجريرة الحديث الأول.
4- 4 في الفقيه ج 4 ص 333 و التهذيب ج 9 ص 387« عتاقة» و في الكافي ج 7 ص 169 و الوسائل« عتاقه».
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب ضمان الجريرة الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 6- من أبواب العاقلة الحديث الأول.

ج 43، ص: 433

المال»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على عقل الضامن بل مطلق الوارث، بل لعل منها

قول الصادق عليه السلام في صحيح (1)ابن مسلم «من التجأ إلى قوم فأقروا بولايته كان لهم ميراثه و عليهم معقلته».

و لا يعقل عنه المضمون للأصل و غيره، إلا إذا دار الضمان فيعقل عنه حينئذ من حيث إنه ضامن لا من حيث إنه مضمون.

و على كل حال ف لا يجتمع ضمان ضامن الجريرة مع وجود عصبة و لا معتق بلا خلاف أجده فيه و إن اتسعت الدية لأن عقده كما عرفته في كتاب المواريث مشروط بجهالة النسب و عدم المولى فلا يصح عقد الضمان مع وجود أحدهم.

نعم لا يضمن الإمام عليه السلام مع وجوده و يسره على الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها اقتضاء صحة عقده- لإطلاق ما دل عليه- اختصاص الضمان به، فإن لم يكن هناك ضامن أو كان فقيرا ضمن الإمام مطلقا أو إن لم يكن للجاني مال على الخلاف الآتي، كما سمعته في خبر سلمة(2)، بل و

مرسل يونس (3)عن أحدهما عليهما السلام «فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال»

و الظاهر إرادة بيت مال المسلمين.

كما عن الشيخين و جماعة التصريح به، بل يدل عليه أيضا

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي ولاد(4)في من قتل و لا ولي له سوى الإمام عليه السلام «أنه ليس له العفو بل إنما له القتل أو أخذ الدية و جعلها في بيت مال المسلمين لأن جنايته عليه فكذا ديته»

و نحوه

خبر الآخر(5)و زاد «قلت: فإن عفى عنه الإمام قال: إنما


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب العاقلة الحديث الأول، و فيه« لجأ» مكان« التجأ».
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العاقلة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب العاقلة الحديث الأول.
4- 4 الوسائل الباب- 60- من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول.
5- 5 الوسائل الباب- 60- من أبواب القصاص في النفس الحديث الثاني.

ج 43، ص: 434

هو حق لجميع المسلمين و إنما على الإمام عليه السلام أن يقتل أو يأخذ الدية و ليس له أن يعفو»

بل و أخبار(1)قتيل الزحام الذي لا يرى قاتله، مضافا إلى وضع بيت المال للمصالح الذي هذه من أهلها، و إلى أصالة براءة ذمة الإمام عليه السلام، خلافا لابن إدريس فأوجبها في ذمته في ماله مدعيا عليه الإجماع، و قال: إنه ضامن جريرته و وارثه.

و عن المختلف أنه مال إليه، و لعله ظاهر خبر سلمة(2)السابق، و هو لا يخلو من وجه مناسب لإرث الإمام له، كما سمعته في النصوص السابقة، و في كتاب المواريث، و في كتاب الخمس في بحث تعداد الأنفال من أن الإمام عليه السلام هو الوارث له، و من تبعية العقل للإرث في مثله، بل يمكن إرادة بيت مال الإمام من بيت المال في مرسل يونس (3)، كما أنه يمكن القول باتحاد بيت مال الإمامة مع بيت مال المسلمين، كما أشرنا إليه في المباحث السابقة. هذا كله في المحل.

[أما كيفية التقسيط]

و اما كيفية التقسيط فقد عرفت سابقا أن الدية تجب ابتداء على العاقلة لظاهر النص و الفتوى و حينئذ ف لا يرجع بها على الجاني على الأصح الموافق للأصل و ظاهر النصوص و الفتاوى، و دعوى- أن الأصل في الضمان كونه

على المتلف فيكون العدول عنه محتملا و يتفرع عليه إذا لم تف العاقلة بالدية فإنه يرجع بها أو بباقيها على القاتل حينئذ- اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى.

و كذا كان الأصح عدم دخول القاتل في الضمان مطلقا على وجه يستحق


1- 1 راجع الوسائل الباب- 6- من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العاقلة الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب العاقلة الحديث الأول.

ج 43، ص: 435

عليه المطالبة و عدم الرجوع عليه كذلك كما تقدم الكلام فيه سابقا.

و على كل حال ف في كمية(1)التقسيط قولان أحدهما للشيخ في موضع من محكي المبسوط و الخلاف و القاضي، بل هو خيرة الفاضل في القواعد و الإرشاد و هو على الغني عشرة قراريط أي نصف دينار، و على الفقير بالنسبة إليه المعبر عنه في محكي الخلاف و الوسيلة بالمتوسط، الذي لا يعقل خمسة قراريط أي ربع دينار.

إلا أن في عباراتهم نوع اختلاف في المراد من التقدير المزبور، فعن المهذب المراد أن أكثر ما على الموسر نصف دينار و أكثر ما على المتوسط ربعه. و عن موضع من الخلاف و المبسوط أن المراد لزومهما عليهما لا أقل، للإجماع، و لا أكثر، للأصل مع عدم الدليل، و الفاضل أطلق و لم يذكر شيئا من ذلك، كما أن المصنف و غيره قالوا اقتصارا على المتفق في توجيه القول المزبور، و كأنه لا حاصل له بعد إطلاق الأدلة الضمان على العاقلة المقتضي للتساوي، و ليس دليله منحصرا بالإجماع و نحوه حتى يقال إن ذلك هو المتيقن.

على أنه موقوف على اتفاق القائلين على القدر المزبور و أن الخلاف في القدر الزائد عليه، و ليس كذلك، فإن القول الآخر كما في موضع آخر من الخلاف و المبسوط و السرائر و النافع و الجامع و المختلف و التحرير و التلخيص و التبصرة على ما حكي عن البعض، بل لعله المشهور كما في الرياض يقسطها الإمام أو نائبه الخاص أو العام على ما يراه بحسب أحوال العاقلة، بحيث لا يجحف بأحد منهم، معللين بأنه لا دليل على التقدير المزبور، حتى القياس الباطل عندنا، و الإجماع المزبور ممنوع، خصوصا بعد مخالفة مدعيه له في موضع آخر كما عرفت، و إن احتمل في كلامه الرجوع إلى نظر الإمام في الزائد على القدر المزبور الذي ادعى الإجماع عليه، إلا أنه تهجس و مناف لما حكي من ظاهر كلامه.


1- 1 في الشرائع: كيفية.

ج 43، ص: 436

و لعله لذا و غيره قال المصنف و هو أي القول الثاني أشبه بأصول المذهب و قواعده، بل في محكي المبسوط: «فمن قال يجب على الغني نصف دينار و على المتوسط ربعه فهل يجب عليه ذلك في كل سنة حتى يتكامل في ثلاث سنين دينار و نصف، أو يكون النصف عليه في ثلاث سنين في كل سنة دانق، و على المتوسط نصف دانق؟ قال قوم: هذا النصف على كل واحد في ثلاث سنين، و منهم من قال في كل سنة و سواء قيل يلزمه النصف في كل سنة أو كل ثلاث سنين نظرت فإن كانت الإبل موجودة فعليهم جميع ذلك و لا يقبل منهم سهم من حيوان، لأنه يشق على الدافع و يضيع على المدفوع إليه، فإن أعوزت الإبل انتقل مضى القول فيه من البدل على الخلاف فيه»(1).

قلت و كفى بالإجمال المزبور مع عدم دليل كاشف له مبطلا، و يشبه أن يكون هذه التهجسات للعامة، ضرورة عدم موافقتها لمذهبنا كما هو واضح.

و لكن لا يخفى عليك أن فساد القول بالتقدير لا يقتضي صحة القول الثاني، ضرورة أنه لا دليل أيضا على اعتبار توزيع الإمام أو نائبه أو عدول المؤمنين بعد إطلاق الأدلة أن الضمان على العاقلة المقتضي كونه عليهم دينا شرعيا، و الأصل عدم التفاوت بينهم.

بل جميع ما ذكر في رد القول المزبور يأتي مثله في هذا القول حتى المناقشة بالأصل بالمعارضة بالمثل، باعتبار اقتضائه شغل ذمة أخرى، و المناقشة أيضا بأن إطلاق الأدلة ضمان العاقلة نصا و فتوى يقتضي وجوبها عليه أجمع، حتى لو كان من العصبة واحدا تعين عليه الدية بتمامها مع قدرته عليها، و مع العدم يدفع ما قدر عليه منها و يجب الزائد على من بعده من مراتب العاقلة و درجاتها، لأن عجزه يصيره كالعدم إجماعا فيكون الجاني بالنسبة إلى هذه الزيادة كمن لا عاقلة له من القرابة، و هكذا الكلام بالنسبة إلى المرتبة الثانية ثم الثالثة.


1- 1 المبسوط ج 7 ص 178.

ج 43، ص: 437

و من الغريب ما في الرياض فإنه بعد أن اعترف بأن مقتضى الإطلاق ذلك ردا على القول الأول قال: «فعلى هذا فالوجه وقوف التقسيط على رأى الإمام عليه

السلام أو من نصبه للحكومة» مع أنه يجري فيه الكلام المزبور بعينه، لا أنه يكون دليلا على صحة القول الثاني، و دعوى الإجماع المركب بعد تسليمها، لا تشخص صحة الثاني أيضا كما هو واضح.

فالتحقيق إن لم يكن إجماعا العمل على مقتضى الإطلاق المذكور على حسب ما سمعت، و إن كان قد يرجع إلى الإمام أو نائبه في قطع الخصومة و التنازع مع فرضهما من باب السياسات و رفع الخصومات و المناظرات، لا من حيث إنه حكم شرعي بخصوصه، لعدم الدليل عليه كذلك.

و كيف كان ف هل يجمع بين القريب و البعيد في العقل فيه قولان أحدهما نعم، كما عن المبسوط و الجامع، لتناول اسم العاقلة التي تعلق الضمان بها نصا و فتوى للجميع و أشبههما، بل و أشهرهما، بل هو المشهور الترتيب في التوزيع فيؤخذ من الأقرب فإن لم يكن أو عجز فمن الأبعد من غيره، و هكذا على حسب ترتب الإرث، فالطبقة الأولى الآباء و الأولاد بناء على دخولهم في العصبة، ثم الأجداد و الإخوة و أولادهم و إن نزلوا، ثم الأعمام و أولادهم و إن نزلوا، و هكذا بالنسبة إلى أعمام الأب و غيرهم على نحو طبقات الإرث، حتى أنه ينتقل إلى المولى إن كان مع عدمهم أجمع، ثم إلى عصبته ثم إلى مولى المولى ثم إلى ما فوق.

و لعله لآية «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ»*(1)في بعض المدعي متمما بعدم القول بالفصل، و

للمرسل (2)السابق الدال على أن دية الخطاء على الوارث، المراد به العاقلة و لو بقرينة قوله بعده: «فإن لم يكن له عاقلة فعلى


1- 1 الأنفال: 75.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب العاقلة الحديث الأول.

ج 43، ص: 438

الوالي من بيت المال»،

بل و لغيره من النصوص السابقة الدالة على تبعية العقل للإرث و إن كان هو بالنسبة إلى وارث مخصوص، مع ملاحظة الانجبار بالشهرة المزبورة.

بل في محكي المبسوط «لا يخلو إما أن يكون على الأقرب وحده، أو على من قرب و بعد كما قالوا، أو على الأقرب فالأقرب كما قلنا، و بطل أن يكون كلها على الأقرب لأنه لا خلاف في ذلك، و بطل أن يقال على الكل لما قلناه في الآية(1)، فكان على الأقرب فالأقرب كالميراث و الولاية في النكاح»(2)و إن كان فيه ما لا يخفى.

و ربما يؤيد بخبري (3)البزنطي و أبي بصير المتقدمين فيمن هرب فمات و إن لم يكن مورد هما الخطاء.

و هل يؤخذ من الموالي مع وجود العصبة، الأشبه نعم مع زيادة الدية عن العصبة على وجه لا يمكن استيفائها منها على أحد الوجهين من النصف أو الربع أو عدمه و حينئذ ف لو اتسعت على الموالي أيضا على الوجه المزبور أخذت من عصبة المولى، فلو زادت فعلى مولى المولى ثم عصبة مولى المولى، لما عرفت من أنه بناء على ما ذكرناه من اعتبار الأقرب فالأقرب أنه مع عدمه أو عجزه يكون العاقلة غيره.

و أما على القول بكون الجميع في درجة واحدة فالأخذ من الجميع من دون اعتبار للقيد المزبور واضح، ضرورة كون الجميع عاقلة في الجملة.

و من هنا لو زادت الدية على العاقلة أجمع مع اعتبار التقدير و عدمه قال الشيخ بل و جماعة على ما في المسالك يؤخذ الزائد من الإمام


1- 1 في الأصل: في الدية و لكن في كشف اللثام كما أثبتناه.
2- 2 حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 349 عن الشيخ و لم أجده في باب العاقلة من كتاب المبسوط طبع المرتضوي فراجع.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب العاقلة الحديث 1 و 3.

ج 43، ص: 439

الذي هو العاقلة في هذا الحال حتى لو كانت الدية دينارا و له أخ و قلنا يضمن بضمان العاقلة دية الأقل من الموضحة أخذت منه عشرة قراريط بناء على اعتبار التقدير، بمعنى عدم إلزامه بأزيد من ذلك و الباقي من بيت المال لإمام المسلمين على البحث السابق.

و لكن في المتن تبعا للمحكي عن الخلاف و الأشبه إلزام الأخ بالجميع إن لم يكن له عاقلة سواه، لأن ضمان الإمام مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم عن الدية كما

في خبري (1)سلمة و يونس، مضافا إلى عموم أن الدية على العاقلة في غيرهما من النصوص، فمن نقلها إلى بيت المال يحتاج إلى الدليل.

و لكن فيه أولا أن الشيخ بنى ذلك على اعتبار التقدير على الوجه المزبور و لا ريب في كونه متجها عليه، ضرورة عدم عاقلة حينئذ غير الإمام، و ثانيا يرد عليه نحوه فيما صرح بجوازه من الأخذ من الموالي (2)مع وجود العصبة الذين شرط في عقلهم أيضا عدم العصبة، و ليس هو إلا لما ذكرناه، مع أنه مع عجزهم يكون كعدم العاقلة، و نحوه يجري في الإمام عليه السلام، فما أدري ما الذي دعاه إلى الاعتراض على الشيخ في خصوص ذلك الذي بناه على اعتبار التقدير بالنحو الذي ذكرناه؟. و إن كان هو خلاف المختار الذي يتجه فيه كون الإمام عليه السلام كغيره من أفراد العاقلة في أنه مع عدم الطبقة السابقة أو عجزها يكون العقل عليه.

و لو زادت العاقلة عن الدية لم يخص بها البعض كما في القواعد و محكي الخلاف و قال الشيخ في محكي المبسوط يخص الإمام بالعقل من شاء منهم لأن التوزيع بالحصص يشق و لا ريب أن الأول أي التقسيط أنسب بالعدل (11) و أوفق بإطلاق تعلقها بالجميع بعد عدم الدليل إلى التخصيص،


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العاقلة الحديث الأول، و الباب- 6- منها الحديث الأول.
2- 2 في الأصل: المولى.

ج 43، ص: 440

و المشقة غير صالحة لذلك.

و هنا لو غاب بعض العاقلة لم يخص بها الحاضر، خلافا لبعض العامة فخص بها الحاضر لاختصاصهم بقرب الدار كما يقدم المختصون بقرب القرابة، و لأن التحمل نوع نصرة(1)و هي إنما تتأتى الحاضرين، و هو كما ترى لا يستأهل أن يسطر، ضرورة الفرق بين قرب الدار و قرب القرابة و إلا لافترق الحاضرون، و وجه التحمل النص و الإجماع لا النصرة.

و من هنا تحمل من لم يصلح لها منهم كما هو واضح. و

خبر(2)الحكم بن عتيبة عن أبي جعفر عليه السلام «إذا كان الخطاء من القاتل أو الخطاء من الجارح و كان بدويا فدية ما جنى البدوي من الخطاء على أوليائه من البدويين و إذا كان القاتل أو الجارح قرويا فإن دية ما جنى من الخطاء على أوليائه القرويين»

مع ضعفه و عدم تعرضه للحاضر و الغائب لم أجد عاملا به.

و ابتداء زمان التأجيل في دية الخطاء من حين الموت و في الطرف من حين الجناية، لا من وقت الاندمال، و في السراية من وقت الاندمال، لأن موجبها لا يستقر بدونها، و لا يقف ضرب الأجل على حكم الحاكم كما ذكر ذلك كله في الإرشاد و القواعد و غيرهما.

بل لا خلاف و لا إشكال في الأول للانسياق سواء مات دفعة أو بالسراية، و لأن الابتداء من حين وجوب الدية و لا وجوب قبل الموت، و إذا سرى الجرح دخل في النفس و لم يعتبر إلا حال الدخول فيها.

و كذا الأخير عندنا لإطلاق الدليل المقتضي كونه دينا من الديون المؤجلة شرعا من غير حاجة إلى حاكم، خلافا لبعض العامة فجعل ابتداء الأجل من حين


1- 1 في الأصل: مضرة.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب العاقلة الحديث الأول الفقيه ج 4 ص 109 التهذيب ج 10 ص 174.

ج 43، ص: 441

المرافعة إلى الحاكم، و آخر فجعله من وقت حكم الحاكم بالدية حتى لو قضت ثلاث سنين ثم تحاكموا فسخ (1)الحاكم ضرب المدة محتجا بأن هذه مدة تناط بالاجتهاد فلا تتقدر بدون الحكم، و هو كما ترى اجتهاد في مقابل ظاهر النصوص و الفتاوى.

بل و لا في الثاني مع العلم بعدم السراية لأن الوجوب تعلق حينها و بالاندمال يتبين استقرارها، فلا يعتبر الاندمال و إن أوقفنا المطالبة بالدية عليه، لأن التوقف بالمطالبة على تقديره ليتبين منتهى الجراحة، و ابتداء المدة ليس وقت الطلب فلا تلازمه المطالبة. فإذا انقضت السنة و الجراحة باقية فالحكم في مطالبة العاقلة كالجاني إذا كان عامدا و نحوه. على أن التحقيق عدم توقف المطالبة عليه بعد العلم بعدم السراية لإطلاق الأدلة المقتضي للوجوب حين الجناية.

و أما مع السراية فقد يشكل اعتبار الاندمال- و إن قيل إنه المشهور- بعدم دليل على اعتباره، و لذا قيل لو قطع إصبعا منه مثلا و سرى إلى الكف فالابتداء من حين وقوع الكف، إذ لا فرق بين وقوعه بها أو ابتداء، و قد عرفت أنه في الثاني من حين الوقوع فكذا الأول، بل يمكن أن يقال: إن علم انتهاء السراية أو عدمها أصلا يكون هو ابتداء المدة حينئذ، و إلا حتى يعلم أنه يسري أو لا، أو يقال يكون موقوفا و مراعي فإن لم يسر و اندمل علم أن الابتداء من حين الوقوع، و إن سرى كان من حين انتهاء السراية لا الاندمال.

بل لعل هذا هو الأوفق بظاهر الأدلة. و منه يظهر لك ما في تعليل ذلك في كشف اللثام باختلاف وقتي الوجوب و الاستقرار حينئذ و لا يعلم الاستقرار إلا بالاندمال بخلاف ما إذا لم يسر فإن وقت الوجوب فيه هو وقت الاستقرار، و لكن مع ذلك كله الاحتياط مع إمكانه لا ينبغي تركه، و الله العالم.

و إذا حال الحول على موسر توجهت مطالبته بما دل عليه و لو مات لم يسقط ما لزمه و يثبت في تركته بلا خلاف أجده فيه بيننا، للأصل و ظهور النص


1- 1 كذا في النسخ التي راجعناها و في المسالك.

ج 43، ص: 442

و الفتوى في استقرار الوجوب عليه بحول الحول على وجه يكون ذلك كالدين، فلا يسقط بالموت حينئذ، خلافا لبعض العامة حيث حكم بسقوطه عنه لو مات قبل الأداء مطلقا، و لا ريب في ضعفه.

نعم لو مات في أثناء الحول ففي القواعد و غيرها سقط ما قسط عليه و أخذ من غيره لعدم استقراره عليه قبل انقضائه، بل ظاهرهم المفروغية من ذلك، فإن كان إجماعا أو منصوصا فذاك، و إلا كان للنظر مجال، اللهم إلا أن يكون بناء على ما ستعرف من عدم ضمان العاقلة على النحو المعهود، بل هو كالتكليف بالأداء الذي يسقط بالموت كغيره من التكاليف.

و ربما يؤيده ما تقدم في الرهن من عدم الخلاف بينهم في عدم جواز الرهن على القسط في دية الخطاء قبل حلول الحول، و ليس إلا لذلك أو نحوه، و إلا فعدم اللزوم لا ينافي الرهانة كما في ثمن ذي الخيار، و حينئذ فالتعبير بما يظهر منه أنه دين أو كالدين محمول على ضرب من التوسع، و الله العالم.

و لو كانت العاقلة في بلد آخر غير بلد الحاكم أو غير بلد القاتل كوتب حاكمه بصورة الواقعة ليوزعها كما لو كان القاتل هناك نحو ما فعله أمير المؤمنين عليه السلام في كتابته إلى عامله في الموصل، لما عرفت من تعلق الخطاب بهم و إن لم يكونوا حاضرين على ما تقتضيه إطلاق النص و الفتوى، و الله العالم.

و لو لم يكن له عاقلة أو عجزت من الدية أخذت من الجاني و لو لم يكن له مال أخذت من الإمام كما في النهاية و القواعد و محكي المقنعة و الإصباح و الغنية، بل عن الأخير الإجماع عليه و هو الحجة، مضافا إلى أصالة لزوم الجناية الجاني، المقتصر في الخروج عنها على غير الفرض.

و ما يشعر به

المرسل (1)«إذا قتل رجل رجلا خطاءا فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية، أن الدية على ورثته فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب العاقلة الحديث الأول.

ج 43، ص: 443

من بيت المال».

و صحيح (1)الحلبي «فيمن ضرب غيره فسالت عيناه و قام المضروب فقتل ضاربه أنه لا قود على الضارب و الدية على عاقلته، فإن لم تكن له عاقلة ففي ماله إلى ثلاث سنين».

و في الموثق (2)«إن عمد الأعمى مثل الخطاء هذا فيه الدية في ماله فإن لم يكن له مال فإن دية ذلك على الإمام».

و في

خبر البقباق (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الخطاء الذي فيه الدية و الكفارة أ هو أن يتعمد ضرب رجل و لا يتعمد قتله؟ قال: نعم قلت: رمى شاة فأصاب إنسانا قال: ذلك الخطاء الذي لا شك فيه عليه الدية و الكفارة».

و نحوه خبره (4)الآخر.

و قيل كما عن المبسوط و السرائر و المهذب مع فقر العاقلة أو عدمها يؤخذ من الإمام دون القاتل و الأول مروي كما عرفت، و لكن في محكي السرائر الإجماع على القول الثاني، و هو الحجة لهذا القول مضافا إلى ما في ذيل

خبر سلمة بن كهيل (5)المشتمل على إرسال أمير المؤمنين عليه السلام القاتل خطأ إلى عامله في الموصل لاستعلام عاقلته- إلى أن قال-: «فإن لم يكن له قرابة من أهل الموصل و لم يكن من أهلها و كان مبطلا فرده مع رسولي إلى فأنا وليه


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب العاقلة الحديث الأول و لم ينقل لفظه بعينه.
2- 2 الوسائل الباب- 35- من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس ذيل الحديث التاسع الفقيه ج 4 ص 105 و راجع الفقيه ج 4 ص 435 لتوضيح سنده.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب العاقلة الحديث الأول.

ج 43، ص: 444

و المؤدي عنه و لا يبطل دم امرء مسلم»

و إلى أن دية الخطاء تتعلق ابتداء بالعاقلة فالأصل براءة ذمة غيره حتى الجاني، و لأن الإمام عليه السلام من العاقلة اتفاقا نصا و فتوى، مع الاتفاق على أن الجاني لا يدخل فيهم.

لكن في الرياض «يمكن تقييد ذلك بما مر إلا أن يجاب عنه بضعف المرسل عن ذلك سندا و متنا لاشتماله على تقدم ضمانه على ضمان مطلق العاقلة حتى غير الإمام، و ظاهر الأصحاب و الروايتين (1)في الأعمى اللتين هما أحد تلك الأدلة خلافه، و الإجماع المنقول معارض بالمثل، و روايتا الأعمى بعد الإغماض عن احتياج إطلاقهما إلى تقييد ما تضمنتا كون جنايته خطاءا مطلقا و لم يرتضه المتأخرون كما مضى في محله، و الأصل يخرج عنه بالإطلاقات» ثم قال: «و ظاهر العبارة كغيرها و صريح جماعة كون الدية على الإمام في ماله، خلافا لآخرين ففي بيت مال المسلمين، و منشأ الاختلاف اختلاف النصوص، ففي جملة منها على الإمام و في أخرى على بيت المال، و المسألة كسابقتها محل نظر، و للتوقف فيهما مجال»(2).

قلت: قد سمعت ما عن ابن إدريس من الإجماع على أنها في ذمته من ماله، و قال: إنه ضامن جريرته و وارثه، و عن المختلف الميل إليه، بل قد سمعت ما

يؤيده و احتمال حمل المنافي على ما لا ينافيه، و الأمر سهل بعد كون بيت ماله من حيث الإمامة(3)بيت مال المسلمين كما حررناه في محله.

إنما الكلام في أصل المسألة، فنقول: إنه و إن كان المغروس في الذهن أن دية الخطاء على العاقلة ابتداء إلا أن التدبر في النصوص و قاعدة اختصاص الجناية بالجاني دون غيره، أنها عليه و إن أدت العاقلة عنه، إذ قد سمعت ما في خبري(4)


1- 1 يعني روايتي أبي العباس البقباق المذكورتان آنفا.
2- 2 رياض المسائل ج 2 ص 631.
3- 3 في الأصل: الامانة.
4- 4 المذكوران آنفا.

ج 43، ص: 445

البقباق و غيره، بل لعله المنساق من الآية(1)و لو بسبب جمع الكفارة التي لا إشكال في كونها عليه مع الدية، فالجمع حينئذ بينها و بين ما دل على أنها على العاقلة، أنها تؤدي عنه كما سمعت التصريح به من

أمير المؤمنين (2)عليه السلام يقول:

«أنا وليه و المؤدي عنه»

و لا فرق بينه و بين باقي أفراد العاقلة، و هو حينئذ يكون شاهد جمع إن لم نقل إنه المنساق على وجه لا يحتاج إلى شاهد، و لعله لذا مع فقر العاقلة أو عجزها يرجع إليه و إلا فلم نجد له في النصوص أثرا.

و بذلك يظهر لك النظر فيما في كشف اللثام من الاستدلال للقول الأول بأن «دية الخطاء تتعلق ابتداء بالعاقلة و الأصل براءة ذمة غيره و هو الجاني، و لأن الإمام من العاقلة اتفاقا مع الاتفاق على أن الجاني لا يدخل فيهم(3)» إذ لا يخفى عليك أن ذلك كله مصادرة محضة في محل البحث بعد ما عرفت.

نعم يمكن أن يقال: إنه لا ثمرة لهذا الاختلاف بالنسبة إلى هذا الزمان الذي لا يد فيه للإمام عليه السلام و لا بيت مال للمسلمين إذ الظاهر كون الخلاف المزبور مع فرض بسط يد الإمام، و أن للمسلمين بيت مال معد لمصالحهم كما هو

المنساق من النصوص، بل يمكن دعوى كونه المقطوع به منها، أما مع عدمه فلا ريب في أنه على الجاني، إذ القائل بكونه على الإمام عليه السلام لا يبطل دم المسلم بعدم التمكن من الوصول إليه و بقصور يده، و تكليف نائب الغيبة بأداء ذلك مما يرجع إلى الإمام أو المسلمين غير معلوم، و الأصول ينفيه، بل معلوم عدمه.

و لعله لذا كان البحث في تقدم ضمان الجاني على ضمان الإمام عليه السلام أو بالعكس كما هو صريح عبارة القواعد قال: «و لو فقدت العاقلة أو كانوا فقراء أو عجزوا عن الدية أخذت من مال الجاني، فإن لم يكن له مال فعلى الإمام،


1- 1 النساء: 92.
2- 2 يعني في خبر سلمة بن كهيل.
3- 3 كشف اللثام ج 2 ص 350.

ج 43، ص: 446

و قيل: ضمان الإمام مقدم على ضمان الجاني» و أصرح منها عبارة الرياض في تحرير الخلاف. و في التحرير: «الدية تجب ابتداء على العاقلة فلا يرجع العاقلة بها على الجاني على الأصح، بل و لا يشاركهم نعم لو لم يكن له عاقلة و لا شي ء في بيت المال أخذت الدية من ماله».

إلى غير ذلك من كلماتهم التي يمكن للفقيه بعد التأمل و التدبر القطع بأن مرادهم ذلك خصوصا بعد ما عرفت من كون العاقلة مؤدية عن الجاني لا مديونة في ذمتها فيكون حينئذ شبه التكليف الذي يسقط بالعجز عنه، و لذا رتبوا الحكم في المسألة على عدم العاقلة و عجزها و فقرها مع أنه لم نجد للأخيرين أثرا في النصوص، فليس هو إلا لما ذكرناه.

و أما احتمال كونه على الإمام مطلقا حتى في مثل هذا الزمان على وجه يبطل دم المسلم لعجز الإمام، أو أنه يقوم مقامه نائب الغيبة فيؤديه مما يتفق قبضه منه من مال الخمس أو من غيره من الأنفال، أو يؤديه من غير ذلك مما يرجع إلى المسلمين بناء على أن الأداء من بيت مالهم لا ماله، فهو شبه الخرافة في الفقه خصوصا على القول بكونها دينا في ذمة العاقلة المقتضي لكونها كذلك أيضا في ذمة الإمام عليه السلام الذي له بيت و لله في عنقه حق.

و لم يذكر أحد من المتعلمين في الفقه فضلا عن أكابرهم أن من مصرف حق الصاحب روحي له الفداء و غيره من الأنفال في زمن الغيبة ما يشتغل به ذمة الإمام من ديات الخطاء نفسا و جرحا و إن نائب الغيبة يقوم مقامه في ذلك، بل إن ذكره ذاكر كان من المضحكات فلا محيص حينئذ عن القول بكونه على الجاني و أن البحث في تقدم ضمانه على ضمان الإمام أو بالعكس إنما هو مع بسط اليد و جريان العدل لا مطلقا، مع أن القول بضمان الجاني على هذا التقدير أيضا لا يخلو من قوة، إلا إذا لم يكن له مال فيؤديه عنه الإمام من بيت مال المسلمين أو من ماله على القولين، خصوصا مع فقر العاقلة لا مع عدمها، و الله العالم بحقيقة الحال.

ج 43، ص: 447

و دية العمد و الخطاء شبه العمد في مال الجاني بلا خلاف و لا إشكال ف ان الأصل و النصوص و الفتاوى متفقة عليه كما عرفت الكلام فيه غير مرة.

نعم إن مات أو هرب مطلقا أو حتى مات أو قتل قيل كما عن النهاية و غيرها بل في المسالك هنا نسبته إلى الأكثر يؤخذ الدية من الأقرب إليه ممن يرث ديته إن لم يكن له مال فإن لم يكن فمن بيت المال.

للإمام أو للمسلمين على القولين السابقين.

و من الأصحاب و هو ابن إدريس من قصرها على الجاني و يتوقع مع فقره يسره كما في غيرها من الديون و قدومه مع غيبته، للأصل الذي لا تقطعه أخبار الآحاد و إن صحت، على أصله.

و (11) لكن الأول أظهر (12) عندنا لصحيح (1)البزنطي المعتضد بغيره، كما عرفت الكلام فيه مفصلا سابقا في كتاب القصاص فلاحظ و تأمل.

نعم لا بد من تقييده بما إذا لم يكن عند الجاني تركة كما ذكرناه و إلا أخذت منها، و قد يتوهم مما سمعت من ابن إدريس في القول الأول أنه إن كان فقيرا أخذت الدية من الأقرب إليه و إلا فمن بيت المال، و لم نظفر بهذا القول، فإن المحكي عن الشيخ و غيره التصريح بأنه إن لم يكن للجاني مال استسعى فيها أو تكون في ذمته إلى أن يوسع الله، عليه، و هو الموافق لأصول المذهب و قواعده، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العاقلة الحديث 3.

ج 43، ص: 448

[مسائل]
اشاره

و أما اللواحق فمسائل

[المسألة الأولى لا يعقل إلا من عرف كيفية انتسابه إلى القاتل]

الأولى:

لا يعقل إلا من عرف كيفية انتسابه إلى القاتل على وجه يتحقق أنه من العصبة التي هي عنوان العقل كما عرفت و حينئذ ف لا يكفي كونه من القبيلة التي منها القاتل لأن العلم بانتسابه مع القاتل إلى الأب لا يستلزم العلم بكيفية الانتساب الذي يتحقق فيه العنوان و ذلك لأن العقل مبني على التعصيب كما عرفت و ليس كل انتساب (1)مع أحد إلى أب من عصبته، و إلا فالناس كلهم منتسبون إلى آدم عليه السلام فلا عقل حينئذ مع عدم معرفة كيفية الانتساب خصوصا على القول بتقديم الأول ممن يرث بالتسمية فإنه لا يكفي في تحققه العلم المزبور كما هو واضح.

[المسألة الثانية لو أقر بنسب مجهول ألحقناه به]

المسألة الثانية:

لو أقر بنسب ولد صغير مثلا مجهول فقال هو ابني ألحقناه به (11) لما عرفت في محله من النصوص و الفتوى عليه فلو ادعاه آخر (12) و قال هو ابني و أقام البينة قضينا له بالنسب و أبطلنا الأول (13) تقديما للبينة على الإقرار المزبور الذي هو في الحقيقة مثبت للنسب مع عدم البينة المعارضة له، و إلا قدمت عليه فلو ادعاه ثالث (14) و قال هو ابني و أقام البينة أنه ولده على فراشه قضي


1- 1 منتسب ظ.

ج 43، ص: 449

له بالنسب لاختصاص بينت ه بالسبب فتقدم على البينة المطلقة كما حررنا ذلك في محله.

و حينئذ فإذا قتله الثالث عمدا لم يقتل به للحكم بأبوته له و غرم الدية لغيره من الوارث و لو الإمام، و إن كان خطاءا ألزمت العاقلة الدية، و إن أنكروا نسبه فإن إنكارهم لا يجدي، و لكن لا يرث الأب منها شيئا بناء على عدم إرث القاتل و لو خطأ للمقتول، بل لو قلنا بإرثه أمكن عدم إرثه هنا لأنه الجاني و لا يعقل ضمان

الغير له جناية جناها، فإن العاقلة إنما تضمن جنايته للغير، بل عن النهاية و جملة من كتب الفاضل حرمانه.

و يحتمل الإرث لإطلاق الأدلة الشامل لمثل الفرض مع منع عدم تعقل ضمان الغير له جنايته بعد حصول السبب شرعا و انتفاء المانع، و لعله الأقوى.

و لو لم يكن وارث إلا العاقلة، ففي القواعد و محكي السرائر و الجامع لا دية إذ لا ضمان على الإنسان لنفسه، و لكن قد يقال مع تعددها و اختلافهم بالغنى و الفقر بضمان الغني حصة الفقير، و كذا إذا اختلفوا بالغنى و التوسط، فيضمن الغني حصة المتوسط لاختلاف ما عليهما قدرا بما يراه الحاكم أو بالنصف و الربع، و لعل ذلك كله يجري أيضا في ثبوت النسب بالإقرار أيضا كما عرفته في محله. و كيف كان فمما ذكرنا يظهر لك الحال.

[المسألة الثالثة لو قتل الأب ولده عمدا دفعت الدية منه إلى الوارث]

المسألة الثالثة: التي هي لو قتل الأب ولده عمدا أو شبه عمد دفعت الدية منه إلى الوارث لما عرفت سابقا من أن عمده موجب للدية نصا و فتوى دون القصاص و لا نصيب للأب منها و لا من غيرها من تركته قطعا في العمد، بل و لا في شبهه لما تقدم في كتاب المواريث من عدم إرث القاتل للمقتول و لو لم يكن له وارث

ج 43، ص: 450

في جميع الطبقات فهي للإمام لإطلاق الأدلة و لو قتله خطأ فالدية على العاقلة و يرثها الوارث و في توريث الأب هنا قولان ينشئان مما عرفت، بل لو قلنا بكون القاتل خطاءا يرث أمكن المنع هنا لما عرفت أيضا، و إن كان الأصح خلافه.

و قد يظهر من المسالك هنا وجود قائل باستحقاقه الإرث من خصوص الدية و إن قلنا بمنعه من غيره، و لكن لم أعرف قائله، بل و لا وجها له معتدا به و لو لم يكن له وارث سوى العاقلة ف قد عرفت البحث فيه أيضا، و منه يعلم الوجه فيما في المتن من أنه إن قلنا الأب لا يرث فلا دية له و إن قلنا يرث ففي أخذه من العاقلة تردد ينشأ مما ذكرناه و كذا البحث لو قتل الولد أباه خطاءا فإن المدرك في الجميع واحد كما هو واضح. و قد عرفت أن الأصح الإرث، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لا يضمن العاقلة عبدا]

المسألة الرابعة قد عرفت فيما تقدم أنه لا يضمن العاقلة عبدا نصا و فتوى على معنى أنه لو جني العبد جناية توجب الدية على العاقلة لو كانت من الحر تعلقت برقبته دون العاقلة لما عرفته من النصوص و الفتاوى و كذا لا يضمن بهيمة (11) لو جنت بتفريط من المالك أو بدونه، بل يتعلق الضمان بمالكها في الأول، و لا ضمان في الثاني كما عرفته سابقا مفصلا.

و (12) كذا لا (13) تضمن إتلاف مال (14) بل ضمانه متعلق بالمتلف نصا و فتوى، كل ذلك مضافا إلى مخالفة ضمانها العمومات فيقتصر فيه على المتيقن و (15) من هنا يختص بضمان الجناية على الآدمي (16) من الآدمي حسب (17) و لو حر على عبد خطاء كما عرفته سابقا، خلافا لبعضهم فجعله على الجاني لأن

ج 43، ص: 451

العبد من الأموال، بل قال هو المراد مما في النص و الفتوى من أن العاقلة لا تضمن عبدا و إن كان هو كما ترى كما عرفته سابقا، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو رمى طائرا و هو ذمي ثم أسلم فقتل السهم مسلما لم يعقل عنه عصبته من أهل الذمة]

المسألة الخامسة:

لو رمى شخص طائرا مثلا و هو ذمي ثم أسلم بعد رميه فقتل السهم رجلا مثلا حال كون الرامي مسلما لم يعقل عنه عصبته من أهل الذمة لما بيناه و من أنه لا عقل بينهم و لأنه أصاب ه و هو مسلم لا ذمي فلا جهة لعقلهم عنه و كذا لا يعقل عنه عصبته المسلمون لأنه رمى و هو ذمي فلم يكونوا عاقلة له حال الرمي، و لا يجدي كونه عاقلة له وقت القتل، لأن تحمل العاقلة على خلاف الأصل الذي ذكرناه، و المتيقن من النص و الفتوى اعتبار كونهم عاقلة له في الحالين.

و (11) حينئذ ف يضمن الدية في ماله (12) و لعله لذا كان المحكي عن العامة الموافقة على الحكم المزبور مع قولهم بأن الكافر يعقل مثله و فرعوا على ذلك ما لو رمي و هو يهودي صيدا ثم تنصر ثم أصاب السهم إنسانا فإن قلنا إنه يقر على من انتقل إليه فالدية على عاقلته على أي دين كانوا لأن الكفر ملة واحدة، و إن قلنا لا يقر عليه فهو مرتد لا عاقلة له فتكون الدية في ماله، و إن كان التفريع المزبور لا يخلو من بحث في الجملة إلا أن الأمر فيه سهل بعد الاتفاق على الحكم المذكور.

و كذا (13) الكلام لو رمي مسلم طائرا ثم ارتد فأصاب مسلما قال الشيخ: لم يعقل عنه المسلمون من عصبته (14) لأنه قتل و هو كافر و لا الكفار (15) كما في القواعد و محكي المبسوط و غيرهما، لعدم العقل بينهم، و لأنه رمي و هو مسلم، و لعدم إرثهم إياه و أولويته من الذمي لعدم عقلهم له و (16) لكن في المتن:

ج 43، ص: 452

لو قيل يعقل عنه عصبته المسلمون كان حسنا لأن ميراثه لهم على الأصح و قد عرفت ظهور بعض النصوص في تبعية العقل للإرث، و فيه ما عرفت من أن تحمل العاقلة على خلاف الأصل الذي يجب فيه الاقتصار على المتيقن، و هو مراعاة الابتداء و الانتهاء في العقل.

نعم لو قلنا بعقل المسلم للمرتد اتجه حينئذ هنا العقل ضرورة أولوية المفروض بذلك نظرا إلى ابتداء الجناية حال الإسلام إلا أن التحقيق عدم عقل المسلم للكافر و بالعكس لانقطاع الموادة بينهم و الانتصار، و لما تقدم (1)من أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى عامله بالموصل أن يجمع قرابته المسلمين و يفض الدية عليهم، و ل

قوله عليه السلام في خبر السكوني (2)«في رجل أسلم ثم قتل رجلا خطأ أقسم الدية على نحوه من الناس ممن أسلم و ليس له مال(3)»

و إذا لم يعقل الكافر المسلم فالعكس أولى، و إن أمكن المناقشة بمنع الأولوية لأن المسلم يرث الكافر من غير عكس كما أنه لم نجد عاملا بمضمون الخبر المزبور من عقل من كان مثله ممن أسلم مع عدم كونها من عصبته، و الله العالم.

و حيث قد من الله تعالى شأنه علينا بقبول توسلنا بمحمد صلى الله عليه و آله و أهل بيته خصوصا أسد الله الغالب، باب مدينة العلم منهم، الذي كان استمدادنا و

إمدادنا من أنواره بأن وفقنا لأن أتينا بما قصدناه و وفينا بما وعدناه فلنحمد الله تعالى شأنه و نشكره على نعمه الوافرة و أياديه المتظافرة و آلائه المتكاثرة إذ هو الذي وفقنا و هدانا و جعلنا عند تبدد الأهواء و تعدد الآراء من المتمسكين ب عروته الوثقى و حبله المتين و ركنه القويم و صراطه المستقيم و التابعين ل مذهب أعظم العلماء


1- 1 في رواية سلمة بن كهيل الوسائل الباب- 2- من أبواب العاقلة الحديث الأول.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب العاقلة الحديث الثاني التهذيب ج 10 ص 174.
3- 3 في المصدر: و ليس له موال و هو الصحيح.

ج 43، ص: 453

استحقاقا للعلاء، و أكرم النجباء إغراقا(1)في شرف الأمهات و الآباء، المنتزعين من مشكاة الضياء، المتفرعين عن خاتم الأنبياء و سيد الأصفياء و أظهر عظماء الأنام فهما و بيانا و أكثر علماء الإسلام علما و عرفانا المخصوصين بالنبوة من منصب النبوة المختارين للإمامة من فروع صاحب الأخوة الذين أمر الله سبحانه بمودتهم و حث رسول الله صلى الله عليه و آله على التمسك بهم و العمل بسنتهم حتى قرنهم بالكتاب المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه تنزيل من حكيم حميد، و نسأله أن يقبضنا سالكين لمحجتهم متمسكين بحجتهم و أن يجعلنا من خلصاء شيعتهم الداخلين في شفاعتهم إنه ولي ذلك و القادر عليه و الأمر كله إليه تعالى شأنه.

تم كتاب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام في ليلة الثلثاء ثلاثة و عشرين في شهر رمضان المبارك، ليلة القدر التي كان من تقدير الله تعالى فيها أن يتفضل علينا بإتمام الكتاب المزبور و رجائنا منه قبوله و العفو عما وقع منا من تقصير فيه، و أن انتفعنا به في الدنيا و الآخرة، و أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، و أن يكتبه في حسناتنا، و أن يرفع به درجاتنا، من سنة الألف و المأتين و الأربع و الخمسين (2)من الهجرة النبوية على مهاجرها ألف ألف صلاة


1- 1 كذا في الأصل و في الشرائع و في بعض النسخ اعراقا.
2- 2 قال العلامة الطهراني رحمه الله في الذريعة ج 5 ص 276:« كتب رحمه الله مقدارا منه في حياة الشيخ الأكبر كاشف الغطاء الذي توفي في سنة 1227 أو 1228 لأنه في المجلد الثاني من كتاب الطهارة في باب أحكام الاستنجاء عند شرح قول المحقق: « و لا يستعمل الحجر المستعمل» ذكر الشيخ الأكبر و دعا له بقوله: سلمه الله راجع ج 2 ص 48 من الجواهر من هذه الطبعة. و بذل وسعه في تأليفه فيما يزيد على ثلاثين سنة لأن آخر ما خرج من قلمه الشريف من مجلداته هو كتاب الجهاد الى آخر النهي عن المنكر، و قد فرغ منه في سنة 1257 على ما في نسخة الأصل( و فرغ من كتاب الديات سنة 1254).

ج 43، ص: 454

و تحية، و الحمد لله أولا و آخرا و باطنا و ظاهرا. و كتب بيده مؤلفه العاثر المقصر القاصر محمد حسن بن الشيخ باقر تغمده الله تعالى برحمته و أسكنه مع أوليائه بجنته، إنه ذو الفضل العظيم و المن الجسيم و صلى الله على محمد و آله و الحمد لله رب العالمين.

و نسخة الأصل التي كتبت على نسخة خط المؤلف و نظر فيها المؤلف و صححها و كتب عليها التصحيحات بخطه خرجت في أربعة و أربعين مجلدا صغيرا و هي اليوم موجودة (في النجف) عند حفيده العالم الشيخ عبد الرسول.».

و الحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على محمد و آله أجمعين العبد رضا استادى الطهراني 26 شوال 1398 الى هنا انتهى كتاب الديات و هو الجزء الأخير من مجلدات (جواهر الكلام) و بتمامه تم الكتاب بعون الله الملك الوهاب، و تم تصحيحه و تهذيبه و ترتيبه بيد العبد:

السيد إبراهيم الميانجى عفى عنه و عن والديه 10- شهر صفر- 1399- و الحمد لله كما هو أهله

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.