جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 38

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج 38، ص: 1

اشارة

ج 38، ص: 2

ج 38، ص: 3

ج 38، ص: 4

ج 38، ص: 5

ج 38، ص: 6

ج 38، ص: 7

[تتمة القسم الرابع في الأحكام]

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين الغر الميامين.

[كتاب إحياء الموات]

اشاره

كتاب إحياء الموات من الأرض بفتح الميم و ضمها الذي اتفقت الأمة على جوازه بل استحبابه، و المرجع فيه العرف كغيره مما ليس له حقيقة شرعية.

و الأصل فيه

قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح (1): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أحيا مواتا فهو له».

و قوله (عليه السلام) أيضا و قول أبي عبد الله (عليه السلام) في الحسن كالصحيح(2): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

من أحيا أرضا مواتا فهي له».


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 5.

ج 38، ص: 8

و قول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر السكوني (1): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من غرس شجرا أو حفر واديا بديا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له، قضاء من الله و رسوله».

و قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن مسلم (2): «أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحق بها، و هي لهم».

كقوله (عليه السلام) أيضا في الصحيح الآخر(3): «أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق بها».

و في النبوي (4): «من أحاط حائطا على أرض فهي له».

و في آخر(5): «عادي الأرض لله و لرسوله ثم هي لكم مني».

و في ثالث (6): «موتان الأرض لله و لرسوله ثم هي لكم مني أيها المسلمون».

إلى غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك بعضها إنشاء الله.

و كيف كان ف النظر في أطراف أربعة:

[الطرف الأول في الأرضين]

اشاره

الأول في الأرضين بفتح الراء و هي إما عامرة و إما موات، فالعامر ملك لمالكه الذي هو في يده إذا كان على الوجه الشرعي الذي ستعرفه، مسلما كان أو كافرا، مباح المال كالحربي أم لا كالذمي

و إن جاز أخذه قهرا من الحربي، فإن ذلك لا ينافي الملك كباقي أمواله.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.
4- 4 المستدرك- الباب- 21- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.
5- 5 المستدرك- الباب- 21- من كتاب إحياء الموات- الحديث 5.
6- 6 سنن البيهقي- ج 6 ص 143 مع اختلاف في ذيله.

ج 38، ص: 9

و حينئذ فالمراد من قول المصنف و لو بقرينة ما يأتي له لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه عدا ما يجوز للمسلمين تملكه من مال الحربي.

و كذا ما به صلاح العامر كالطريق و الشرب نهرا و غيره و القناة و نحوها، فان ذلك كله من العامر الذي هو ملك لمالكه.

و يستوي في ذلك ما كان من بلاد الإسلام و ما كان من بلاد الشرك، غير أن ما في بلاد الإسلام لا يغنم، و ما في (ما كان من خ ل) بلاد الشرك يملك بالغلبة عليه و ستعرف البحث في العامر في يد الكافر إذا كان بإحياء منه بعد أن صار للإمام (عليه السلام).

و أما الموات فهو الذي لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء

الماء عليه أو لاستئجامه أو غير ذلك من موانع الانتفاع على وجه يكون به ميتا فهو للإمام (عليه السلام) لا يملكه أحد و إن أحياه ما لم يأذن له الامام (عليه السلام) و إذنه شرط، فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما، و لا يملكه الكافر، و لو قيل: يملكه مع إذن الامام (عليه السلام) كان حسنا.

و تفصيل البحث في ذلك أن ما ذكره من الموات هو المطابق للعرف و عرفه به في النافع و جامع الشرائع و التحرير و الدروس و اللمعة و المسالك و الروضة و الكفاية على ما حكي عن بعضهم.

و لعله لا ينافيه ما في الصحاح و محكي المصباح من أنه الأرض التي لا مالك لها و لا ينتفع بها أحد. بل عن القاموس أنه اقتصر على الأول و عن النهاية أنها الأرض التي لم تزرع و لم تعمر و لا جرى عليها ملك أحد، بل و ما في التذكرة من أن الموات هي الأرض الخراب التي باد أهلها و اندرس رسمها، ضرورة كون مراد الجميع من الموات العطلة المزبورة سواء كان لها مالك سابقا أو لم يكن، فان ذلك لا مدخل له في صدق اسم الموات

ج 38، ص: 10

كما أنه لا مدخل لبقاء رسوم العمارة و آثار الأنهار فيه أيضا.

و احتمال منع بقاء الآثار عن الاحياء كالتحجير مدفوع بالنص و الفتوى بعد حرمة القياس على التحجير المقارن لقصد العمارة.

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح الكابلي(1): «وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (2)أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الله تعالى الأرض، و نحن المتقون، و الأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و يؤد خراجها إلى الامام (عليه السلام) من أهل بيتي، و له ما أكل منها، و إن تركها أو خربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها، فليؤد خراجها الى الامام (عليه السلام) من أهل بيتي، و له ما أكل حتى يظهر القائم (عليه السلام) من أهل بيتي بالسيف، فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها، كما حواها رسول الله (صلى الله عليه و آله) و منعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم على ما في أيديهم، و يترك الأرض في أيديهم»

و نحوه غيره في تحقق الاحياء مع العطلة و إن بقيت الآثار السابقة، لصدق الموات عليه، فإنه كالحي لا حقيقة لهما شرعا، و مرجعهما إلى العرف الذي ستسمع تعرض

المصنف لما يصدق به عرفا، فأحدهما حينئذ مقابل للآخر.

نعم لا يكفي مطلق استيلاء الماء أو انقطاعه أو الاستئجام، بل لا بد من أن يكون ذلك على وجه يعد مواتا عرفا، و إلا فقد يتفق بعض ذلك في الأرض العامرة عرفا، كما هو واضح.

و أما أن الموات أصلا أو عارضا بعد أن باد أهله للإمام (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
2- 2 سورة الأعراف: 7- الآية 28.

ج 38، ص: 11

فما لا خلاف فيه، بل الإجماع محصلا عليه، فضلا عن المنقول في الخلاف و الغنية و جامع المقاصد و المسالك صريحا، و ظاهرا في المبسوط و التذكرة و التنقيح و الكفاية على ما حكي عن بعضها عليه.

مضافا إلى النصوص التي يمكن دعوى تواترها(1)و فيها الدال على أنه من الأنفال (2)فتدل عليه حينئذ الآية(3)بل في جملة من النصوص (4)أن الأرض كلها للإمام (عليه السلام) و ذهب إليه بعض الرواة إلا أن التحقيق خلافه، كما حررنا ذلك في كتاب الخمس (5).

و أما أن إذنه شرط في تملك المحيا فظاهر التذكرة الإجماع، بل عن الخلاف دعواه صريحا، بل في جامع المقاصد «لا يجوز لأحد الاحياء من دون إذن الامام (عليه السلام) و أنه إجماعي عندنا» و في التنقيح الإجماع على أنها تملك إذا كان الإحياء بإذن الإمام (عليه السلام) و في المسالك «لا شبهة في اشتراط إذنه في إحياء الموات، فلا يملك بدونه اتفاقا».

مضافا إلى قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، و في

النبوي(6)«ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه»

بل تقدم في كتاب الخمس (7)ما يدل على ذلك أيضا فلاحظ.

إنما الكلام في اعتبار كون المحيي مسلما كما هو ظاهر أول المتن، فلا يملكه الكافر بذلك و إن أذن له الامام (عليه السلام) بل ظاهر التذكرة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
3- 3 سورة الأنفال: 8- الآية 1.
4- 4 الكافي- ج 1 ص 407.
5- 5 راجع ج 16 ص 117- 119.
6- 6 كنوز الحقائق المطبوع على هامش الجامع الصغير- ج 2 ص 77- 78.
7- 7 راجع ج 16 ص 134.

ج 38، ص: 12

الإجماع عليه، قال فيها: «إذا أذن الامام (عليه السلام) لشخص في إحياء الأرض ملكها المحيي إذا كان مسلما، و لا يملكها الكافر بالاحياء و لا بإذن الإمام (عليه

السلام) له في الاحياء، فان أذن له الامام (عليه السلام) فأحياها لم يملك عند علمائنا».

و في جامع المقاصد «يشترط كون المحيي مسلما، فلو أحياه الكافر لم يملك عند علمائنا و إن كان الإحياء بإذن الإمام (عليه السلام)».

لكن في الدروس «الشرط الثاني- أي للملك بالإحياء- أن يكون المحيي مسلما، فلو أحياها الذمي بإذن الإمام (عليه السلام) ففي تملكه نظر، من توهم اختصاص ذلك بالمسلمين، و النظر في الحقيقة في صحة إذن الامام له في الاحياء للتملك، إذ لو أذن كذلك لم يكن بد من القول بملكه و إليه ذهب الشيخ نجم الدين».

و في جامع المقاصد «و الحق أن الامام (عليه السلام) لو أذن له بالتملك قطعنا بحصول الملك له، و إنما البحث في أن الامام (عليه السلام) هل يفعل ذلك نظرا إلى أن الكافر أهل أم لا؟ و الذي يفهم من الأخبار و كلام الأصحاب العدم».

و في الروضة «و في ملك الكافر مع الاذن قولان، و لا إشكال فيه لو حصل، إنما الإشكال في جواز إذنه (عليه السلام) له نظرا إلى أن الكافر هل له أهلية ذلك أم لا؟» و نحوه في المسالك.

قلت: لا إشكال- بعد عصمة الامام (عليه السلام)- في حصول الملك له بالاذن له في التملك. ضرورة أنه لو لم يكن أهلا لذلك لم يأذن له، إلا أنه يمكن تحصيل الإجماع فضلا عن النصوص (1)على عدم اعتبار الاذن من الامام في التملك بالاحياء، بل يكفي الإذن منه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات.

ج 38، ص: 13

بالإحياء الذي هو سبب حصول الملك مع فرض وقوعه على الوجه المعتبر.

إنما الكلام في اعتبار الإسلام مع الاذن و عدمه، فهو على تقديره شرط آخر لترتب الملك على الاحياء، و لا مانع عقلا و لا شرعا في عدم ترتب الملك على الاحياء للكافر و إن أذن في الاحياء الإمام (عليه السلام) إذ الاذن في أصل إيجاده غير الاذن في تملكه به، و ما أدري من أين أخذ ذلك الشهيد في الدروس؟! حتى أنه أوقع غيره في الوهم.

و قد سمعت دعوى الإجماع من الفاضل في التذكرة على عدم ترتب الملك على إحياء الكافر و إن أذن له الامام (عليه السلام) فيه. بل و في أثناء كلام الكركي أيضا، و إن كان التحقيق خلافه، لظهور النص (1)و الفتوى في كونه سببا شرعيا لحصول الملك

مع حصول شرائطه التي منها الاذن أيضا، سواء كان المحيي مسلما أو كافرا.

بل هو صريح

صحيح محمد بن مسلم (2)«سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى، فقال: ليس به بأس، و قد ظهر رسول الله (صلى الله عليه و آله) على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملون بها و يعمرونها، و ما بها بأس إذا اشتريت منها شيئا، و أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق بها، و هي لهم».

و صحيح أبي بصير(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شراء الأرضين من أهل الذمة، فقال: لا بأس بأن يشترى منهم إذا عملوها و أحيوها، فهي لهم، و قد كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين ظهر على خيبر و فيها اليهود خارجهم على أمر، و ترك الأرضين في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب إحياء الموت.
2- 2 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الجهاد- الحديث 2 من كتاب الجهاد.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.

ج 38، ص: 14

أيديهم يعملونها و يعمرونها»

إلى غير ذلك من النصوص (1).

بل لو لا الإجماع على اعتبار الاذن لكان مقتضاها الملك بالاحياء مطلقا، نعم قد سمعت ما في المرسل (2)و صحيح الكابلي (3)إلا أن الأول غير حجة و الثاني لا ينافي ما دل على الأعم.

و أما الإجماع المزبور فلم نتحققه، بل لعل المحقق خلافه، فإن المحكي عن صريح المبسوط و الخلاف و السرائر و جامع الشرائع و ظاهر المهذب و اللمعة و النافع عدم اعتبار الإسلام.

قال في المبسوط: «الموات عندنا للإمام (عليه السلام) لا يملكها أحد بالاحياء إلا أن يأذن له الامام (عليه السلام)، و أما الذمي فلا يملك إذا أحيا أرضا في بلاد الإسلام إلا أن يأذن له الامام (عليه السلام)» و بعينه عبارة محكي السرائر.

بل عنه في الخلاف نسبة الخلاف في ذلك إلى الشافعي و أنه قال:

«لا يجوز للإمام (عليه السلام) أن يأذن له، فان أذن له فيه فأحياها لم يملك».

فمن الغريب دعوى الإجماع المزبور، و أغرب منه ما سمعته من جامع المقاصد من أن الذي يفهم من الأخبار و كلام الأصحاب أن الامام (عليه السلام) لا يأذن.

و قد عرفت أن هذا الخلاف غير محرر في كلام الأصحاب، بل لا وجه له، ضرورة كون الامام (عليه السلام) مع وجوده أعرف بالمصالح المقتضية لذلك و عدمها.


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 4- من كتاب إحياء الموات.
2- 2 المتقدم في ص 11.
3- 3 المتقدم في ص 10.

ج 38، ص: 15

كل ذلك مضافا إلى ما يمكن القطع به من ملك المسلمين ما يفتحونه عنوة من العامر في أيدي الكفار و إن كان قد ملكوه بالاحياء، و لو أن أحياءهم فاسد لعدم الاذن لوجب أن يكون على ملك الامام (عليه السلام) و لا أظن أحدا يلتزم به.

و مضافا إلى قوله بتملك الكافر حال الغيبة، مع أنه لا تفصيل في النصوص، قال: «لا يخفى أن اشتراط إذن الامام (عليه السلام) إنما هو مع ظهوره، أما مع غيبته فلا، و إلا لامتنع الاحياء، و هل يملك الكافر بالإحياء في حال الغيبة؟ وجدت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد على القواعد في بحث الأنفال من الخمس أنه يملك به، و يحرم انتزاعه منه، و هو محتمل، و يدل عليه أن المخالف و الكافر يملكان في زمن الغيبة حقهم من الغنيمة، و لا يجوز انتزاعه من يد من هو بيده إلا برضاه، و كذا القول في حقهم (عليهم السلام) من الخمس عند من لا يرى إخراجه، بل حق باقي أصناف المستحقين للخمس لشبهة اعتقاد حل ذلك، فالأرض الموات أولى، و من ثم لا يجوز انتزاع أرض الخراج من يد المخالف و الكافر، و لا يجوز أخذ الخراج و المقاسمة إلا بأمر سلطان الجور، و هذه الأمور متفق عليها، و لو باع أحد أرضى الخراج صح باعتبار ما ملك فيها و إن كان كافرا، و حينئذ فتجري العمومات- مثل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «من أحيا أرضا ميتة فهي له»

- على ظاهرها في حال الغيبة، و يقصر التخصيص على حال ظهور الامام (عليه السلام) فيكون أقرب للحمل على ظاهرها، و هذا متجه قوي متين».

قلت: لكن بعد الإغضاء عن البحث في جملة مما ذكره يقتضي


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.

ج 38، ص: 16

عدم الفرق بين حالي الحضور و الغيبة، لإطلاق النصوص المزبورة، و لا معارض لها بعد كون المرسل (1)غير حجة، و لا دلالة فيه على التخصيص بل لا ظهور يعتد به في صحيح الكابلي (2)على وجه يقاوم ما عرفت.

فالمتجه الملك بالاحياء مطلقا و لو لحصول الاذن منهم (عليهم السلام) في ذلك حال الحضور، و لعل المصلحة فيه إرادة تعمير الأراضي.

و احتمال أن جميع النصوص لبيان السبب الشرعي- الذي لا ينافيه توقفه بعد ذلك على شرائط أخر- يدفعه أنه لا منافاة فيه بين إرادة الإذن منه مع ذلك و لو بطريق من طرق الدلالة، مضافا إلى ظهور بعضها في الاذن كما أومأ إليه في التذكرة، قال في موات المفتوحة عنوة و ميت الغيبة: «و إن كان الاحياء حال الغيبة ملكها المحيي لما تضمنه كتاب علي (عليه السلام)(3)فكأن الاذن هنا محقق».

و حينئذ فلا وجه لدعوى سقوط الاشتراط في زمن الغيبة بدعوى أن دليله الإجماع و المسلم منه ما كان في زمن الحضور.

على أن مقتضى السقوط ملكهم حينئذ بالاحياء حقيقة، لا من باب الإقرار، لشبهة اعتقاد الحل.

و أيضا إن كان مقتضى العمومات المزبورة سقوط الشرطية فلا ريب في ظهورها في حال الحضور أيضا، بل لعله أظهر من حال الغيبة.

على أن دليل الشرطية غير منحصر في الإجماع، بل يكفي فيه قبح التصرف في مال

الغير بغير إذن، و الشك في الملك بالإحياء بإذنه إن لم يكن ذلك معلوما مما ذكروه من الإجماع على اعتبارها فيه من غير إشارة


1- 1 المتقدم في ص 11.
2- 2 المتقدم في ص 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.

ج 38، ص: 17

إلى زمن الحضور و الغيبة التي لا فرق بينهما أيضا لو فرض حصول الاذن من هذه العمومات، و لكن الأمر سهل حيث لا فائدة تترتب على ذلك.

نعم لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في المسالك و غيرها من تحرير أصل المسألة، و الله العالم و الهادي.

و لا فرق فيما ذكرنا بين الموات في بلاد الإسلام و غيره، لإطلاق الأدلة، خلافا لما يظهر من بعض، و لا بين الذمي و غيره من أقسام الكفار و إن كان لنا تملك ما يحييه الحزبي كباقي أمواله.

و كيف كان فلا خلاف أجده في أن عامر الأرض المفتوحة عنوة و قهرا وقت الفتح للمسلمين قاطبة بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، و لو من يتولد أو يدخل فيه إلى آخر الأمر، على معنى أنها لمجموعهم لا لكل واحد منهم، ف لا يملك أحد منهم بالخصوص رقبتها بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1).

و حينئذ ف لا يصح لأحد بخصوصه منهم فضلا عن غيرهم بيعها و لا رهنها و لا هبتها و لا غير ذلك مما يتوقف صحته على الملك، كما ذكرنا ذلك كله مفصلا في كتاب البيع (2)و منه ما وقع من بعض من ملكها تبعا لآثار التصرف أو أنها تنفذ التصرفات المزبورة فيها زمن الغيبة.

و ذكرنا أيضا في كتاب المكاسب (3)البحث في الخراج المتعلق بها


1- 1 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الجهاد- الحديث 1 من كتاب الجهاد و الباب- 21- من أبواب عقد البيع- الحديث 4 و 5 و 9 من كتاب التجارة.
2- 2 راجع ج 22 ص 347- 349.
3- 3 راجع ج 22 ص 180- 201.

ج 38، ص: 18

و بغيرها، فلا حظ و تأمل.

و حينئذ ف لو ماتت لم يصح إحياؤها على وجه يترتب عليه الملك للمحيي لأن المالك لها بغير الاحياء معروف، و هو المسلمون قاطبة المغتنمون لها، و ستعرف اشتراط عدمه في الملك بالاحياء، للاستصحاب و غيره.

و ما كان منها مواتا (موات خ ل) وقت الفتح فهو للإمام (عليه السلام) بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلا عن محكيه مستفيضا أو متواترا،

مضافا إلى النصوص (1)التي أشرنا إليها آنفا، و مر كثير منها في كتاب الخمس(2).

و منه يعلم أنها ليست من الغنيمة، لأنها قد كانت مالا للإمام (عليه السلام) قبل الفتح، نعم في المسالك «يعلم كونها مواتا حينئذ بالنقل و القرائن و بوجودها ميتة الآن مع الشك في كونها عامرة وقت الفتح لأصالة عدم العمارة أصلا، بخلاف ما علم كونه معمورا قبل الفتح ثم خرب و شك في وقت خرابه، فإنه يحكم بعمارته فيه استصحابا بالحكم الموجود و عدم تقدم الحادث».

و قال فيها أيضا قبل ذلك: «و أنه يعلم- أي العامر وقت الفتح- بنقل من يوثق به و دلالة القرائن الكثيرة المفيدة للعلم أو الظن المتآخم له».

و في الروضة: «و يرجع الآن في المحيا منها و الميت في تلك الحال إلى القرائن، و منها ضرب الخراج و المقاسمة، فإن انتفت فالأصل يقتضي عدم العمارة، فيحكم لمن بيده منها شي ء بالملك لو ادعاه».

قلت: لا يخفى أن واقع الأمر عدم قرائن تفيد ما ذكر في هذا


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب الأنفال- من كتاب الخمس.
2- 2 راجع ج 16 ص 117- 121.

ج 38، ص: 19

الزمان الذي اشتبه الحال فيه، فلم يعلم المعمور منه وقت الفتح و مواته، فلا بد من تأصيل أصل يرجع إليه.

و قد يقال: إن الأصل الموات، فيكون كل ما لم يعلم كونه معمورا وقت الفتح للإمام (عليه السلام) من غير فرق بين ما لا يوجد فيه أثر عمارة و بين ما يوجد و لكن لم يعلم أنها وقت الفتح أو متجددة بعده، خصوصا بعد ملاحظة ما دل (1)على أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام) فتأمل جيدا، و خصوصا بعد ظهور النصوص في كون الاحياء سببا للملك، خرج ما علم كونه مملوكا للغير بغير الاحياء، فيبقى ما عداه على مقتضى السببية المزبورة، و الله العالم.

و كذا له (عليه السلام) كل أرض لم يجر عليها ملك مسلم (لمسلم خ ل) بلا خلاف أجده فيه، بل قيل: إنه طفحت به عباراتهم، و في التذكرة الإجماع عليه، نعم في التحرير و عن غيره فرضه في موات أرض الإسلام.

و فيه أن إطلاق الأدلة و عمومها يقتضي أن الموتان جميعه للإمام (عليه السلام) من غير فرق بين بلاد الإسلام و غيره، على أنه منقوض بالذمي الذي ملك أرضا في بلاد الإسلام معمورة فماتت، كما أنه ينقض به

من اقتصر على تقييدها بالموات من غير ذكر بلاد الإسلام.

و بالجملة هذه الكلية المزبورة مع تقييدها بما عرفت منقوضة بما سمعت و غيره فضلا عما لو بقيت على إطلاق المتن، مع أنه لا داعي لها من تعبير في نص و غيره، فالأولى إيكال التفصيل إلى المستفاد من الأدلة.

نعم الظاهر عدم الفرق بين الموات و بين المعدة للانتفاع في كونها معا للإمام (عليه السلام)، كما صرح به في المسالك و غيرها، لا لاندراجها


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث- 12- من كتاب الخمس.

ج 38، ص: 20

في اسم الموات، فإنك قد عرفت عدمه عرفا، بل للنصوص (1)الواردة في تعداد الأنفال المصرحة بأن منها- مضافا إلى الموات- كل أرض لا رب لها، و لا ريب في شمولها للفرض الذي يمكن أن يكون منه شطوط الأنهار، و الله العالم.

و كل أرض جرى عليها ملك المسلم فما دامت عامرة فهي له أو لورثته بعده و ان ترك الانتفاع بها، بلا خلاف و لا إشكال، بل في المسالك الإجماع عليه، و هو كذلك، بل إن لم يكن لها مالك معروف كانت من

مجهول المالك، بل في المسالك «و إن خربت فان كان انتقالها بالقهر كالمفتوحة عنوة بالنسبة إلى المسلمين أو بالشراء و العطية و نحوها لم يزل ملكه عنها أيضا إجماعا على ما نقله في التذكرة عن جميع أهل العلم».

قلت: الموجود فيما حضرني من نسخة التذكرة «لو لم تكن الأرض التي من بلاد الإسلام معمورة في الحال و لكنها كانت قبل ذلك معمورة و جرى عليها ملك مسلم فلا يخلو إما أن يكون المالك معينا أو غير معين، فان كان معينا فاما أن تنتقل إليه بالشراء أو العطية و شبهها أو بالإحياء، فإن ملكها بالشراء و شبهه لم تملك بالاحياء بلا خلاف، قال ابن عبد البر:

أجمع الفقهاء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه» إلى آخره.

و هو كما ترى إنما حكى الإجماع عمن لا نعرفه، و إنما اقتصر هو على نفي الخلاف، فان تم إجماعا كان هو الحجة، و إلا فقد يشكل ما كان ملك البائع له مثلا بالاحياء

بما دل (2)على أن موتان الأرض لله


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.

ج 38، ص: 21

و لرسوله،

فضلا

عما دل (1)على أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام).

و لا يشكل ذلك باستصحاب الملك الذي لا يعارض الأدلة، خصوصا ما دل (2)منها على ملك المحيي الأرض الميتة بالاحياء و إن كان صاحبها موجودا من غير تفصيل بين كون ملكه لها بالإحياء أو غيره.

بل مقتضى ما ذكره أن من كان بيده أرض معمورة ثم ماتت و لم يعلم كيفية ملكه لها تبقى ملكا له، و لا يجوز إحياؤها بدون إذنه.

و بالجملة المسلم من الإجماع المزبور إذا ملكه بغير الاحياء كالشراء من الامام (عليه السلام) مثلا، أما إذا كان أصل الملك بالاحياء ثم باعه من آخر أو ورثه منه آخر فالظاهر جريان البحث في بقاء الملك لمن هو له على نحو الملك بالاحياء، إلا أنه يسهل الخطب بقاء الملك للمحيي الأول و إن ماتت الأرض كما ستعرف.

و على كل حال فان ماتت بعد أن كانت معمورة في يد مالكها و علم أن ملكه لها بالاحياء فضلا عمن لم يعلم و هو أو وارثه معلوم فالمحكي عن المبسوط و المهذب و السرائر و الجامع و التحرير و الدروس و جامع المقاصد أنها باقية على ملكه أو ملك وارثه، بل قيل: إنه لم يعرف الخلاف في ذلك قبل الفاضل في التذكرة، فإنه حكى نحو مالك ملك المحيي الثاني، ثم قال: «لا بأس بهذا القول عندي».

نعم قيل: ربما أشعرت به عبارة الوسيلة، و اختاره في المسالك و الروضة بعد أن حكاه عن جماعة منهم العلامة في بعض فتاواه، و مال إليه في التذكرة، و في الكفاية «أنه أقرب» و في المفاتيح «أنه أوفق بالجمع بين الأخبار» بل في جامع المقاصد «أن هذا القول مشهور بين الأصحاب».


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 12- من كتاب الخمس.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 5.

ج 38، ص: 22

و كيف كان فالعمدة للقول الأخير بعد العمومات السابقة و صحيح الكابلي (1)السابق خصوص

صحيح معاوية بن وهب (2)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها

فان عليه الصدقة، فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله و لمن عمرها».

و زاد في المسالك «أن هذه الأرض أصلها مباح، فإذا تركها حتى عادت إلى ما كانت عليه صارت مباحة، كما لو أخذ من ماء دجلة ثم رده إليها، و أن العلة في تملك هذه الأرض الاحياء و العمارة، فإذا زالت العلة زال المعلول، و هو الملك، فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب الملك، فيثبت الملك له، كما لو التقط شيئا ثم سقط من يده و ضاع عنه ثم التقطه غيره، فإن الثاني يكون أحق».

إلا أنهما معا كما ترى لا يطابقان أصول الإمامية، و إنما ذكرهما الفاضل في التذكرة دليلا لمالك على أصوله.

بل قد يناقش في دلالة الصحيح المزبور باحتمال كون المراد أنها للأول الذي عمرها، خصوصا مع عدم فرض السؤال فيه عن وجود شخص آخر عمرها.

و أما العمومات فلا دلالة فيها على ذلك، بل لعل ظاهر التمليك المستفاد من ظاهر اللام فيها عدم انقطاعه بموتها بعد إحيائها، كما هي قاعدة الأملاك و مقتضى الاستصحاب الذي لا ينافيه سببية الإحياء للتمليك في الجملة، إذ من المحتمل كونه سببا للابتداء و الاستدامة و إن ماتت،


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.

ج 38، ص: 23

فانحصر الدليل حينئذ في صحيح الكابلي (1)الذي هو من جملة النصوص الدالة على أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام) التي قد عرفت الحال فيها في الخمس (2).

على أنه يمكن أن يكون من المتشابه الذي ينبغي أن يرد علمه إليهم (عليهم السلام) ضرورة أنه إن كان المراد وجوب دفع الخراج على المحيي للأرض الميتة في زمن الغيبة التي لا إمام فيها من أهل البيت إلا القائم روحي له الفداء الذي ذكره الصحيح المزبور فهو لا يرجع إلى حاصل، خصوصا بعد استفاضة

النصوص (3)منهم (عليهم السلام) على أن من أحيا أرضا ميتة فهي له

الظاهرة في الملك للمحيي، فلا يستحق عليه الطسق الذي هو بمنزلة الأجرة، و إن كان المراد في مقام ظهور الأمر فهو أشد إشكالا من الأول.

كل ذلك مضافا إلى ما ذكروه من الإشكال في آخره من انتزاع الأرض من يد مالكها، و إلى ما عرفته من إعراض المشهور عنه.

و حينئذ فيكفي دليلا للمشهور أصالة بقاء الملك المستفاد من العموم الذي منه يعلم فساد الاستدلال به للثاني، مؤيدا بقاعدة دوام الملك و عدم معلومية كون الخراب مزيلا له.

و ب

خبر سليمان بن خالد(4)المنجبر بما سمعت أنه سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها فما ذا عليه؟ قال: الصدقة، قلت:

فان كان يعرف صاحبها، قال: فليؤد إليه حقه»

بناء على إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
2- 2 راجع ج 16 ص 116- 123.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.

ج 38، ص: 24

ما ينافي ملك الثاني من الحق فيها من أداء نفس الأرض أو الأجرة.

و بالنبوي (1)«ليس لعرق ظالم حق»

بناء على ما قيل في تفسيره بأن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها و إن كان قد يناقش بمنع كون الفرض ميتة للغير، فإنه محل البحث بعد تسليم

التفسير المزبور الذي هو عن هشام بن عروة الذي لا حجة في قوله. إلا أنك قد عرفت الغنية عن ذلك كله باستصحاب الملك و غيره مما سمعت.

ثم إن مقتضى ذلك عدم جواز الاحياء بدون الاذن، و عدم ترتب الملك عليه لو فعل كما عن جماعة.

لكن في المسالك «عن المبسوط و المصنف في كتاب الجهاد و الأكثر جواز الاحياء، و صيرورة الثاني أحق بها، لكن لا يملكها بذلك، بل عليه أن يؤدي طسقها إلى الأول أو وارثه، و لم يفرقوا في ذلك بين المنتقلة بالاحياء و غيره من الأسباب المملكة حيث يعرض لها الخراب و تصير مواتا» و لعل مستندهم ما سمعت من خبر سليمان بن خالد(2)بناء على إرادة الطسق من الحق فيه.

و أوجب في الدروس على المالك أحد الأمرين: إما الاذن لغيره أو الانتفاع، فلو امتنع فللحاكم الاذن، و للمالك طسقها على المأذون، و لو تعذر الحاكم فالظاهر جواز الاحياء مع الامتناع من الأمرين، و عليه طسقها.

و في المسالك «إنما حاولوا في هذين القولين الجمع بين الأخبار بحمل أحقية الثاني في الأخبار الصحيحة على أحقية الانتفاع بها بسبب الاحياء و إن لم يكن

مالكا و وجوب الطسق من خبر سليمان بن خالد(3)- إلى


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.

ج 38، ص: 25

أن قال:- و في قيود الشهيد مراعاة لحق المالك و حق الأخبار (الاحياء خ ل) و أما القول الأول ففيه اطراح الأخبار الصحيحة جملة، فكان ساقطا».

قلت: قد عرفت أنه لا نصوص دالة إلا صحيح الكابلي (1)الذي سمعت البحث فيه، مع أنه مشتمل على الطسق للإمام (عليه السلام) لا المحيي الأول، ك

صحيح عمر بن يزيد(2)«سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخذ أرضا مما تركها أهلها فعمرها و أكرى أنهارها و بنى فيها بيوتا و غرس شجرا و نخلا، قال (عليه السلام) كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤديه إلى الامام في حال الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه».

و صحيح معاوية بن عمار(3)الذي هو مجمل أو كالمجمل، و خبر سليمان بن خالد(4)

الذي يمكن بل قيل: إن الظاهر إرادة نفس الأرض من حقه منها، فلا مخرج عن قاعدة قبح التصرف في مال الغير، فضلا عن أن يترتب له أحقية بذلك على وجه لا يجوز للمالك انتزاعها منه، فالمتجه حينئذ ذلك، خصوصا بعد أن لم يكن شاهد على الجمع المزبور، سيما ما ذكره في الدروس.

بقي الكلام في وجه التقييد بالمسلم مع أن مثله جار في الذمي أيضا، لاشتراكهما معا في الأدلة المزبورة، و من ذلك يعلم ما في الكلية المزبورة كما أنه من التأمل فيما ذكرنا يعلم ما في غيرها من الكليات المذكورة في المقام و غيره، حتى ما في أول الكتاب، نحو قولهم الأرض قسمان:

عامر و موات، فالعامر ملك لأربابه، و الموات للإمام (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 13 من كتاب الخمس.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.

ج 38، ص: 26

ضرورة احتياج ذلك إلى تفصيل، لا أنه كذلك مطلقا.

فكان الأولى ترك الكليات المزبورة و الاقتصار على تفصيل الأحكام المستفادة من المدارك المخصوصة مع عدم استقصاء أقسام الأرضين هنا التي منها ما صولحوا أهلها عليها، و منها ما انجلى أهلها عنها، و منها ما باد أهلها و غير ذلك مما هو مذكور في الجهاد.

و لكن على كل حال ينبغي أن يعلم أن الأدلة و خصوصا ما تقدم منها في كتاب الخمس (1)ظاهرة في الاذن منهم (عليهم السلام) للشيعة أو مطلقا بالتصرف في الأرض التي لهم من الأنفال، بل ظاهرة في ملك المحيي لها، و أنه لا شي ء عليه غير الصدقة، أي الزكاة.

بل قد يستفاد الاذن منهم (عليهم السلام) أيضا فيما لهم الولاية عليه، كأرض الخراج فضلا عن غيره، و قد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في كتاب البيع (2)و في كتاب الخمس (3).

بل قد تقدم في كتاب الجهاد(4)ما يدل على صحة كلية كل أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام (عليه السلام) تقبيلها ممن يقوم بها و عليها طسقها لأربابها، و كلية كل أرض موات سبق إليها سابق فأحياها كان أحق بها، و إن كان لها مالك معروف فعليه طسقها، بل ستسمع في الإقطاع انتزاع الحاكم ما أقطعه إذا ترك المقطع العمارة، و هو مع بعض النصوص هناك مؤيد لذلك في الجملة، و الله العالم.

هذا و لا يخفى عليك أن ذلك كله إن كان للأرض


1- 1 راجع ج 16 ص 134- 141.
2- 2 راجع ج 22 ص 186- 189.
3- 3 راجع ج 16 ص 156- 159.
4- 4 راجع ج 21 ص 176- 185.

ج 38، ص: 27

المزبورة مالك معروف. و أما إذا لم يكن لها مالك معروف للجهل به أو لهلاكه و كانت ميتة فهي للإمام (عليه السلام) إجماعا محكيا عن ظاهر السرائر و التذكرة و جامع المقاصد و صريح المفاتيح في الثاني، و الخلاف في الأول.

إلا أن الجميع لم أتحققه، بل لم أعرف وجهه، ضرورة كونها من مجهول المالك مع فرض عدم زوال ملك الأول بالموات و عدم هلاكه. نعم لو مات هو و وارثه كانت للإمام (عليه السلام) باعتبار أنه وارث من لا وارث له.

و أولى من ذلك بذلك ما لو كانت حية، و إن أطلق في بعض العبارات كونها للإمام (عليه السلام) حتى المتن لو لا إشعار قوله و لا يجوز إحياؤها إلا باذنه. و لو بادر مبادر فأحياها من دون إذنه (عليه السلام) مع حضوره لم تملك في كون الأرض ميتة.

اللهم إلا أن يثبت من الأدلة إخراج خصوص الأرض من بين مجهول المالك في كونها للإمام (عليه السلام) و لو لاندراجها في الخربة التي ورد في النصوص (1)أنها من الأنفال أو فيما لا رب لها، خصوصا مع عدم العلم بوجود المالك، أو قلنا بخروجها عن ملك الأول بالموت إذا فرض أن ملكه لها بالاحياء، و لكن قد عرفت ما في الأخير.

كل ذلك مع أنك قد عرفت سابقا أن العمومات المزبورة تقتضي الاذن في الاحياء، فلا يكون حينئذ مورد لما ذكره المصنف إلا في الزمان السابق على صدورها أو بمنع دلالتها على الاذن، و فيه البحث السابق.

و مما ذكرنا يظهر لك ما في المسالك من الفرق بين الحية و الميتة مع


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب الأنفال- من كتاب الخمس.

ج 38، ص: 28

جهل المالك، فأخرج الأولى عن ملك الامام (عليه السلام) بالخصوص بخلاف الثانية، هذا كله مع الحضور.

و أما مع الغيبة ففي المتن و بعض كتب الفاضل أنه إن كان الامام (عليه السلام) غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها، فلو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره ملكها، و مع ظهور الامام (عليه السلام) يكون له رفع يده عنها.

و لكن- مع أنه لا دليل له على ذلك- لا يخلو من تناف بين قوله أولا: «أحق» مشعرا بعدم الملك و بين قوله ثانيا: «ملكها» و لعله لذا فسرها في المسالك بأنه لم يملكها المحيي ملكا تاما، لأن للإمام (عليه السلام) بعد ظهوره رفع يده عنها، و لو ملكها ملكا تاما لم يكن له ذلك.

قلت: بل عن التذكرة التصريح بالأحقية و أنه لا يملكها، و مقتضاه عدم جواز التصرف فيها ببيع و نحوه مما يمكن القطع بخلافه و لو من السيرة القطعية فضلا عن النص و الفتوى.

فمع فرض إرادة نحو ذلك من عدم تمامية الملك التي سمعتها من ثاني الشهيدين كان واضح الفساد، و إن أريد بها ما لا ينافي انتزاع الامام (عليه السلام) لها بعد ظهوره خاصة و إلا فقبله يتصرف فيها تصرف الملاك فهو نزاع قليل الجدوى، إذ هو مع ظهوره أعلم بما يفعله.

و على كل حال فالمتجه بناء على ما ذكرناه سابقا ملك المحيي لها أولا، و بقاؤها على ملكه و إن تركها و بادت آثارها ما لم تكن على جهة الإعراض عنها بحيث يملكها غيره إن قلنا به، إما لحصول الاذن منهم (عليهم السلام) بالعمومات السابقة أو لسقوط اشتراط الاذن في زمن الغيبة.

و ربما قيل: إن مستند التفصيل المزبور النصوص المزبورة، و فيه

ج 38، ص: 29

أنه ليس في شي ء منها ما يدل على ذلك في الجملة إلا صحيح الكابلي (1)المشتمل على الطسق المؤدي للإمام (عليه السلام) من أهل البيت.

و لذا قال في المسالك: «إنه ظاهر في حال وجود الامام (عليه السلام)» و إن كان فيه أن

قوله (عليه السلام) بعد ذلك فيه: «إلى أن يظهر القائم»

إلى آخره ظاهر في زمن الغيبة، بل قد يدعى ظهوره في عدم الطسق حينئذ، نعم هو ظاهر في إبقائها في يد الشيعة بعد الظهور مع المقاطعة، و لم يشر إليه المصنف.

نعم في المسالك عن التحرير أنه اشترط ذلك، فقال: «إن للإمام (عليه السلام) رفع يده عنها إذا لم يتقبلها بما يتقبلها غيره».

و فيه أن ذلك غير مستفاد من الصحيح المزبور، نعم هو دال على خصوص لطف و

إكرام للشيعة في المقاطعة المزبورة، لكن قد عرفت حال الصحيح المزبور.

بل يزيد ما ذكرنا أن مقتضاه عدم الفرق فيما ذكره بين الأراضي جميعها و بين حالي الحضور و الغيبة في عدم الملك أصلا، فالتحقيق ما ذكرناه.

كل ذلك مضافا إلى ما في ذلك من المنافاة لما ذكره أولا من أنه متى جرى عليها ملك مسلم كانت له و لورثته مع فرض كونه معينا، فكيف يملكها الثاني و لو ملكا تاما؟

و من هنا يظهر أن إرجاع الملكية في كلامه إلى الأحقية أولى، حتى يكون موافقا لأحد الأقوال السابقة و إلا كان خارجا، لكن المتجه دفع الأجرة للمحيي الأول، كما سمعته من القائل به.

و لعل هذا من جملة التشويش الذي أشرنا إليه في كلمات بعضهم،


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب إحياء الموات.

ج 38، ص: 30

و مثله ما في القواعد، فإنه بعد أن ذكر أن الميت من الأراضي يملك بالأحياء، و أن المراد بالميت ما خلا عن الاختصاص و لا ينتفع به إما لعطلته أو لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو لغير ذلك، و أنه للإمام (عليه السلام) خاصة لا يملكه الآخذ و إن أحياه ما لم يأذن له الامام (عليه السلام) فيملكه إن كان مسلما بالاحياء و إلا فلا قال: «و أسباب الاختصاص ستة: الأول العمارة، فلا يملك معمور، بل هو لمالكه و إن اندرست العمارة، فإنها ملك المعين أو للمسلمين إلا أن يكون عمارة جاهلية و لم يظهر أنها دخلت في أيدي المسلمين بطريق الغنيمة فإنه يصح تملكها بالاحياء، و لا فرق في ذلك بين الدارين، إلا أن المعمور الحرب يملك بما يملك به سائر أموالهم، و مواتها الذي لا يذب المسلمون عنه فإنها تملك بالاحياء، و لو استولى طائفة من المسلمين على بعض مواتهم ففي اختصاصهم بها من دون الاحياء نظر، ينشأ من انتفاء أثر الاستيلاء فيما ليس بمملوك».

مع أنه لا يخفى عليك ما في توقفه الأخير، ضرورة أن استيلاء الطائفة إن كان بإذن الإمام (عليه السلام) فهو من المفتوح عنوة و مواته للإمام (عليه السلام) إجماعا، و إلا فهو غنيمة بغير إذنه للإمام (عليه السلام) أيضا إجماعا.

و من هنا قال في الدروس: «موات الشرك كموات الإسلام، فلا يملك الموات بالاستيلاء و إن ذب عنه الكفار، بل و لا تحصل به الأولوية، و ربما احتمل الملك أو الأولوية تنزيلا للاستيلاء كالأحياء أو كالتحجر، و الأقرب المنع، لأن الاستيلاء سبب في تملك المباحات المنقولة و الأرضين المعمورة، و الأمران منتفيان هنا» إلى آخره.

ج 38، ص: 31

نعم عن أحد وجوه الشافعية الملك كالمعمور، و عن آخر الاختصاص به كالتحجير، و الثالث كما قلناه من عدم الملك بذلك و عدم التحجير، بل قد يقال بعدم كونه من الغنيمة، ضرورة كونه ملكا للإمام (عليه السلام) و هو في أيدي الكفار، و أقصى ما حصل باستيلاء الطائفة المزبورة استخلاص المغصوب و رده إلى أهله.

و كذلك قوله قبل ذلك: «و مواتها» إلى آخره الصريح في الفرق بين موات الإسلام و الكفر بالنسبة للكافر، إذ فيه أنه لا دليل على ذلك.

بل المحكي عن الخلاف أنه قال: «الأرضون العامرة في بلاد الشرك التي لم يجز عليها ملك أحد للإمام (عليه السلام) خاصة لا يملكها أحد بالاحياء إلا أن يأذن له» ثم ادعى إجماع الفرقة و أخبارهم، و نحوه عن المبسوط.

بل في محكي التذكرة «و إن لم تكن- أي أرض بلاد الكفر- معمورة فهي للإمام (عليه السلام) لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه عند علمائنا» بل في الدروس إن ما لم يذبوا عنه كموات الإسلام قطعا.

كل ذلك مضافا إلى ما تقتضيه الأدلة السابقة التي لا فرق فيها بين موات الإسلام و موات الكفر و بين من بلغه الدعوى منهم و لم من تبلغه.

هذا مع ما في كلامه السابق أيضا من عدم الملك مع العمارة و إن اندرست، ضرورة عدم تماميته إذا باد المالك الأول و انتقل إلى الامام (عليه السلام) و كذا لو جهل أو لم يعلم حاله إن قلنا بأن مثله يكون للإمام (عليه السلام) أيضا.

كما أنه لا فرق فيها بين ما هو بقرب العامر من الموات و غيره، ف يصح حينئذ إحياؤه بلا خلاف أجده فيه بيننا،

ج 38، ص: 32

و لا إشكال، لإطلاق الأدلة إذا لم يكن مرفقا للعامر و لا حريما له كما ستعرفه في الشرط الأول.

خلافا لأبي حنيفة و الليث، فمنعنا من إحيائه، لأنه قد يحتاجه العامر، و هو اجتهاد فاسد في مقابل إطلاق الأدلة، مضافا إلى ما

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)(1)من أنه أقطع بلال بن الحارث المزني العقيق

الذي هو قريب من عمارة المدينة.

و المدار في القرب و البعد العرف، لكن عن أبي حنيفة تحديده بأنه الذي إذا وقف الرجل في أدناه و صاح بأعلى صوته لم يسمع المصغي إليه، و عن الليث تحديده بغلوة. و هو كما ترى اجتهاد في اجتهاد.

و المرفق كمسجد و مقعد و منبر من جملة الحريم الذي عرفه الشهيد كما قيل بأنه الموضع القريب من موضع معمور يتوقف انتفاع ذلك المعمور عليه و لا يد لغير مالك المعمور عليه ظاهرا حينئذ، فعطفه عليه من عطف العام على الخاص، و ربما قيل باختصاص الحريم و عموم المرفق، و الله العالم.

[يشترط في التملك بالإحياء شروط خمسة]
اشاره

و يشترط في التملك بالإحياء زيادة على ما عرفته من اعتبار الاذن و ما تعرفه من انتفاء الحمى و من كيفية الإحياء شروط خمسة نعم زاد في الدروس على ذلك كله قصد التملك، و في المسالك أن المصنف أشار إليه بذكر الشرائط المزبورة للتملك الذي هو إرادة الملك، فيستلزم القصد بخلاف ما لو جعلها شرطا للملك.

و فيه أنه لا دليل على اشتراط ذلك، بل ظاهر الأدلة خلافه، و الإجماع مظنة عدمه لا العكس، كما أن دعوى الانسياق من النصوص و لا أقل من الشك واضحة المنع و إن مال إليه في الرياض لذلك.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 149.

ج 38، ص: 33

و عدم ملك الوكيل و الأجير الخاص لا لعدم قصد تملكها و قصد تملك غيرهما، بل لصيرورة الاحياء الذي هو سبب الملك لغيرهما بقصد الوكالة و الإجارة، فيكون الملك له، فلا يستفاد من ذلك اشتراط قصد التملك كما توهم.

بل لا يستفاد منه اعتبار عدم قصد العدم فضلا عن القصد، ضرورة ظهور الأدلة في أنه متى وجد مصداق إحياء ترتب الملك عليه و إن قصد العدم، لأن ترتب المسبب على السبب قهري و إن كان إيجاد السبب اختياريا، اللهم إلا أن يشك في السبب حينئذ.

و فيه منع، لإطلاق الأدلة، بل لعل ما سمعته من ملك الموكل و المستأجر بفعل الوكيل و الأجير الخاص و إن لم يقصد الاحياء دليل على ما قلنا، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا، فالمتجه حينئذ إرادة الملك من التملك و إنكار ذلك شرطا، و الله العالم.

[الشرط الأول أن لا يكون عليها يد]

و كيف كان ف الأول أن لا يكون عليها يد تعرف لمسلم أو ما لم يعلم فسادها كي تكون محترمة فإن ذلك يمنع من مباشرة الإحياء لغير المتصرف بلا خلاف أجده بين من تعرض له.

نعم عن بعضهم ترك هذا الشرط معللا بأن اليد إن لم ترجع إلى أحد هذه الأمور لا أثر لها.

و فيه أن فائدتها تظهر مع اشتباه الحال، فإنها محكوم باحترامها ما لم يعلم فسادها و إن لم يعرف خصوص الموجب لها.

و عن حواشي الشهيد أن المراد باليد اليد المصاحبة للإحياء أو العمارة و لو بالتلقي ممن فعل ذلك أو أرض أسلم عليها أهلها طوعا لا مطلق اليد.

و فيه عدم انحصار جهة الاحترام بهما، إذ لعله بالحمى و نحوه.

نعم قيل: إن هذا الشرط مبنى على ما سبق من عدم بطلان الملك

ج 38، ص: 34

بالموت مطلقا، أي في زمن الغيبة و الحضور، سواء كان الملك بالشراء أو الاحياء.

و فيه أنه على البطلان تكون حينئذ من اليد المعلوم فسادها كما صرح به في المسالك، و على عدمه هي ملك للأول و إن اندرست آثاره و لم يبق له يد عليها.

نعم ربما أبدل اليد في الشرط المزبور بالملك كما وقع في بعض كتب الفاضل، و كأنه من اقتضاء اليد ذلك مع عدم العلم بالفساد، و ربما كان حينئذ لبناء الشرط المزبور على المسألة وجه.

و لكن فيه أن الدليل كما ستعرف يقتضي عدم ترتب الملك بإحياء ما كان في اليد المحترمة و إن لم يعلم الملك بها، بل كانت محتملة له و للحق.

بل يمكن دعوى ذلك حتى مع العلم بعدم كونها مالكة و لكن محتملة للحقية التي هي غير الملكية، لأصالة احترام اليد، و للشك في ترتب الملك بالاحياء معه إن لم يكن ظاهر الأدلة عدمه، خصوصا بعد ملاحظة الفتوى و مفهوم

المرسل (1)«من أحيا ميتة في غير حق مسلم فهي له»

و إن لم يكن موجودا في طرقنا، و لكنه منجبر بالعمل، فيمكن أخذه دليلا مستقلا، فضلا عن حصول الشك به، مضافا إلى فحوى ما تسمعه في التحجير و الحمى و نحوهما و صدق الظلم و نحوه، و الله العالم.

[الشرط الثاني أن لا يكون الموات حريما لعامر]
اشاره

الشرط الثاني أن لا يكون الموات حريما لعامر: بستان أو دار أو قرية أو بلد أو مزرع أو غير ذلك مما يتوقف الانتفاع بالعامر عليه كالطريق و الشرب و حريم البئر و العين و الحائط بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل في التذكرة «لا نعلم خلافا بين علماء الأمصار أن كل ما يتعلق بمصالح العامر كالطريق و الشرب و مسيل


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 142.

ج 38، ص: 35

ماء العامر و مطرح قمامته و ملقى ترابه و آلاته، أو لمصالح القرية كقناتها و مرعى ماشيتها و محتطبها و مسيل مياهها لا يصح لأحد إحياؤه، و لا يملك بالاحياء، و كذا حريم الآبار و الأنهار و الحائط و كل مملوك لا يجوز إحياء ما يتعلق بمصالحه، لمفهوم المرسل المزبور(1)و لأنه لو جاز إحياؤه أبطل الملك في العامر على أهله، و هذا مما لا خلاف فيه» بل عن جامع المقاصد الإجماع عليه.

و هو الحجة بعد قاعدة الضرر و المرسل المزبور و

صحيح أحمد بن عبد الله (2)على الظاهر «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل تكون له الضيعة و يكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا و أقل و أكثر يأتيه الرجل فيقول له: أعطني من مراعي ضيعتك و أعطيك كذا و كذا درهما فقال: إذا كانت الضيعة له فلا بأس»

و نحوه صحيح إدريس بن يزيد أو خبره (3).

بل ربما كان ظاهرهما الملكية بناء على إرادة البيع و نحوه من الإعطاء فيهما، كما عن الشيخ و بني البراج و حمزة و إدريس و سعيد و الفاضل و ولده و غيرهم، بل في المسالك أنه الأشهر.

مضافا إلى أنه مكان استحقه بالاحياء فملك كالمحيي، و لأن معنى الملك موجود فيه، لدخوله مع المعمور في بيعه، و ليس لغيره إحياؤه و لا التصرف فيه بغير إذن

المحيي، و لأن الشفعة تثبت في الدار بالشركة في الطريق المشترك المصرح في النصوص المزبورة(4)ببيعه معها، و لإمكان


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 142.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب عقد البيع- الحديث 1 عن إدريس بن زيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة.

ج 38، ص: 36

دعوى كونه محيا باعتبار أن إحياء كل شي ء بحسب حاله.

خلافا لظاهر جماعة أو صريحهم من عدم الملك، بل هي من الحقوق لعدم الاحياء الذي يملك به مثلها.

و فيه ما عرفت من منع عدم حصول الإحياء الذي لا يعتبر فيه مباشرته كل جزء جزء، فان عرصة الدار تملك ببناء الدار دونها، و منع توقف الملك على الاحياء، بل يكفي فيه التبعية للمحيا، و تظهر الثمرة في بيعها منفردة.

إلا أنه ينبغي أن يعلم أن السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار تقتضي عدم اجتناب بعض ما هو حريم للقرية مثلا.

بل لعلها تقتضي في ابتداء حدوث القرية أن لكل أحد النزول قريب الآخر و ان اقتضى ذلك بعدا في مرمى قمامته مثلا، كما إذا اتفق نزول أحد في مرعى ماشية البلد أو القرية أو محطبهم لم يكن عليه

اعتراض بعد استبعاد نزول أهل البلد و القرية المتجاورين، و حقوق بلدهم و قريتهم خارج عنهم دفعة، فليس هو إلا لما ذكرنا من عدم التسلط على منع التنازل و ان استلزم بعد بعض الحقوق، و إلا لكان بين كل واحد أو جماعة مسافة بعيدة. اللهم إلا أن يقال بعدم العلم بالحال مع كون المدار على الضرر، و الله العالم.

و على كل حال ف حد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه أي الطريق في الأرض المباحة خمس أذرع بمعنى على المحيي بعد الأول التباعد عنه بذلك، كما يومئ إليه قوله بعد ذلك:

«فالثاني يتباعد».

لكن فيه أن التحديد المزبور للأعم من ذلك، حتى لو أراد المحيي الأول أن يحيي بعد ما أحياه أولا شيئا آخر يحتاج معه إلى الطريق، أو

ج 38، ص: 37

كان الاحياء من الاثنين مثلا دفعة، بل و من مباح كان يستطرق أو لا و لكن بإحيائه يستعد للاستطراق.

و بالجملة متى احتيج إلى الطريق في الأرض المباحة التي يراد إحياؤها فحده خمس أو سبع. و يمكن حمل عبارة المتن على ذلك أيضا.

و في النافع وصف الطريق بالمبتكر، و لعله يريد ما ذكرناه من وضع طريق لما هو معد للاستطراق لما يريد إحياؤه من الموات و إن لم يكن في السابق هذا الموات مستطرقا، نعم فيه أيضا أن الأمر أعم من ذلك مع إمكان إرادته له أيضا.

و في الرياض تفسير المبتكر بالملك المحدث في المباح من الأرض إذا تشاح أهله، فحده خمس أذرع.

و فيه أن المسألة غير خاصة في صور التشاح، بل لو اتفق المالكان على الأقل لم يجز لهم ذلك في الطريق العام.

و على كل حال فظاهر المصنف اختيار الخمس، كالفاضل في بعض كتبه و محكي المقتصر خاصة. لكن عن الفخر نسبته إلى كثير، بل الحواشي و الإرشاد نسبته إلى الأكثر و إن كنا لم نتحققه،

للموثق (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا تشاح قوم في طريق فقال بعضهم:

سبع أذرع و قال بعضهم: أربع أذرع، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):

بل خمس أذرع»

مؤيدا بما في المسالك من أصالة البراءة من الزائد، و الظاهر إرادته براءة ذمة المحيي الثاني عن وجوب اجتناب الأزيد من الخمس، و حينئذ فيوافقه إطلاق الاذن في الاحياء المقتصر في المنع منه على المتيقن، و هو الخمس.

لكن فيه أنه يمكن معارضته بأصالة حل المنع من الأول عن مقدار


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من كتاب الصلح.

ج 38، ص: 38

السبع التي هي المتيقن في جواز إحياء ما تعلق به حق الغير، و من هنا جعل ذلك في الرياض دليلا للتحديد بالسبع و إن كان هو لا يخلو من شي ء.

و قيل و القائل الشيخ و القاضي و التقي و الحلي و يحيي بن سعيد و الفاضل في جملة أخرى من كتبه و ولده و الشهيدان و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم سبع أذرع و حينئذ فالثاني يتباعد هذا المقدار

لخبر مسمع (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الطريق إذا تشاح عليه أهله فحده سبع أذرع»

و نحوه

خبر السكوني (2)و النبوي (3)«إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبع أذرع».

و في جامع المقاصد «و قد ينزل خبر البقباق (4)على ما إذا لم تدع الحاجة إلى أزيد من الخمس إن لم يلزم من ذلك إحداث قول ثالث، فان لزم فالعمل على السبع».

و لكن في المسالك «و يمكن حمل اختلاف الروايات على اختلاف الطرق، فان منها ما يكفي فيه الخمس، كطرق الأملاك و التي لا تمر عليها القوافل و نحوه غالبا، و منها ما يحتاج إلى السبع؛ و قد يعرض احتياج بعضها إلى أزيد من السبع، كالطريق التي يمر عليها الحاج بالكنائس و نحوها، فيجب مراعاة قدر الحاجة بالنسبة إلى الزائد على المقدر، أما النقصان فلا».

و هو أولى بكونه إحداث قول ثالث و إن نفى عنه البعد في الكفاية و مال إليه في المفاتيح، بل هو كأنه من الاجتهاد في مقابل إطلاق الأدلة،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات- الحديث 5.
3- 3 سنن البيهقي- ج 6 ص 154.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من كتاب الصلح- الحديث 1.

ج 38، ص: 39

مضافا إلى ما فيه من منع عدم جواز النقصان مع فرض الانحصار فيهما فان الحق لهما.

لكن في الدروس «لا فرق بين الطريق العام أو ما يختص به أهل قرى أو قرية في ذلك، نعم لو انحصر أهل الطريق فاتفقوا على اختصاره أو تغييره أمكن الجواز، و الوجه المنع، لأنه لا ينفك من مرور غيرهم و لو نادرا».

و فيه أن الملك أو الحق لهم دون غيرهم، و الناس مسلطون على أموالهم، نعم لا يجوز ذلك في الطريق العام، فيلزموا به أجمع مع التساوي و إلا فالمحيي الثاني، بل إن لم يكن حاكم يلزمه بذلك وجب على المكلفين من باب الحسبة، و لو أدى نظر الحاكم إلى تغييره أو تبديله فالظاهر الجواز.

و لو زادوها على السبع و استطرقت ففي الدروس جواز إحياء ما زاد على السبع.

و فيه- مع منافاته لقاعدة تعلق حق الغير بإحيائه- أنه مناف

للموثق (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت له: الطريق الواسع هل يؤخذ منه شي ء إذا لم يضر بالطريق؟ قال: لا».

و احتمال حمله على ما إذا كان سبعا لا داعي له، و لعله لذا جزم في المسالك بعدم جواز إحداث ما يمنع المارة في الزائد.

و الظاهر زوال حرمة الطريق باستئجامها و انقطاع المرور عليها و إن توقع عودها، خلافا للدروس و المسالك فضلا عما لو استطرق الناس غيرها و أدى ذلك إلى الأعراض عن الأول رأسا لكون الثانية أسهل و أخصر الذي وافق في المسالك على أن الظاهر لحوق حكم الموات للأول مع شهادة القرائن على


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب عقد البيع- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 40

استمرار الأول على الهجران و إن كان فيه أنه لا حاجة إلى شهادة القرائن، و الله العالم.

و حريم الشرب بكسر أوله الذي هو هنا النهر و القناة و نحوهما بمقدار مطرح ترابه و المجاز على حافتيه للانتفاع به و لإصلاحه على قدر ما يحتاج إليه عادة بلا خلاف أجده فيه، و يومئ إليه- مضافا إلى أنه المحتاج إليه في تنقيته لإجراء مائه-

مرفوع إبراهيم بن هاشم (1)«حريم النهر حافتاه و ما يليهما».

و لو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم قضي له به مع يمينه في وجه لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر من الحريم الذي لا ينفك عن النهر غالبا.

و لكن فيه تردد لأن يد مالك الأرض على ملكه الذي من جملته موضع التحريم، و هو مانع من إثباته، و من ثم لم يثبت الحريم للأملاك المتجاورة، و لأن ثبوت الحريم موقوف على التقدم في الاحياء أو المقارنة، و كلاهما غير معلوم، فسبب استحقاق الحريم حينئذ غير متحقق، و لا يد لصاحب النهر إلا على النهر، و إنما اليد لصاحب الأرض، و هي أقوى من اقتضاء النهر الحريم على بعض الأحوال، فلا يترك المعلوم بالمحتمل، و لعله الأقوى.

و لا ينافي ذلك تبعية الحقوق لإطلاق البيع مثلا، فان ذلك لا يقضي بتبعيتها لمطلق الملك الذي يمكن حصوله مجردا عن جميعها.

فمع فرض العلم بكون النهر في ملك الغير و يمكن كونه مملوكا بلا حريم كما لو باعه إياه كذلك يكون حينئذ هو المدعي، و صاحب الملك هو المنكر، لأنه الذي يدعي عليه استحقاق الزائد، و هو معنى فرض


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات- الحديث 4.

ج 38، ص: 41

النهر في ملك الغير بلا يد لذي النهر على حافتيه و لا تصرف، و إلا فلو فرض كونه كذلك خرج عن موضوع المسألة، و كذا لو فرض كون النهر مملوكا لشخص و ما جاوره من الأرض ملكا لآخر، إنما الكلام فيما لو علم كون النهر في ملك الغير خاصة، فتأمل جيدا، فإنه دقيق جدا، و الله العالم.

و حريم بئر المعطن بكسر الطاء التي يستقى منها لشرب الإبل أربعون ذراعا من كل جانب. و بئر الناضح و هو البئر الذي يستقى عليه للزرع و غيره ستون ذراعا، فلا يجوز لأحد إحياء المقدار المزبور بحفر بئر أخرى أو غيره كزرع أو شجر أو نحوهما و إن ظهر من بعض النصوص (1)و الفتاوى خصوص حفر بئر أخرى إلا أن المتجه الأعم، ضرورة اشتراك الجميع في الضرر على ذي البئر المزبورة، بلا خلاف معتد به أجده عندنا في التقدير المزبور و إن استفاض حكاية الشهرة عليه على وجه يظهر منه الاعتداد بالمخالف.

بل في التذكرة نسبة ذلك إلى علمائنا، مشعرا بالإجماع عليه كقوله في التنقيح:

«عليه عمل الأصحاب» بل عن الخلاف الإجماع على أن حريم البئر أربعون ذراعا.

و في الغنية «روى أصحابنا أن حد ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، و ما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا، و ما بين بئر العين إلى بئر العين في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع، و في الرخوة ألف ذراع، و على هذا لو أراد غيره حفر بئر إلى جانب بئره ليسرق منها الماء لم يكن له ذلك بلا خلاف، و لا يجوز له الحفر إلا أن يكون بينهما الحد الذي ذكرنا».


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات- الحديث 5.

ج 38، ص: 42

كل ذلك مضافا إلى

خبر عبد الله بن مقفل (1)المنجبر بما سمعت عن النبي (صلى الله عليه و آله) «من احتفر بئرا فله أربعون ذراعا حولها لعطن ماشيته».

و قوي السكوني (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، و ما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا، و ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع».

و عن قرب الاسناد(3)أنه روي مثل ذلك إلا أنه زاد «و حريم البئر المحدثة خمسة و عشرون ذراعا».

و في الفقيه (4)«قضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن البئر حريمها أربعون ذراعا لا يحفر إلى جنبها بئر أخرى لعطن أو غنم».

و حينئذ فما في

صحيح حماد بن عثمان (5)المروي في الكافي «سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: حريم البئر العادية أربعون ذراعا حولها».

قال: «و في رواية أخرى (6)خمسون ذراعا إلا أن تكون إلى عطن أو طريق، فيكون أقل من ذلك إلى خمسة و عشرين ذراعا».

لا عامل به.

و كأنه أشار إلى

خبر وهب بن وهب (7)عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول:

حريم البئر العادية خمسون ذراعا إلا أن تكون إلى عطن أو إلى طريق، فيكون أقل من ذلك خمسة و عشرين ذراعا».

و على كل حال هو غير واضح المعنى و إن قال في المسالك: «و نسبة


1- 1 كنز العمال- ج 3 ص 517 ط عام 1370.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات الحديث 8.

ج 38، ص: 43

البئر إلى العادية إشارة إلى إحداث الموات، لأن ما كان في زمن عاد و ما شابهه فهو موات غالبا، و خص عادا بالذكر لأنها في الزمن الأول كان لها آثار في الأرض فنسب إليها كل قديم- ثم قال-: و بسبب اختلاف الروايات و عدم صحتها جعل بعضهم حريم البئر ما يحتاج إليه في السقي منها، و موضع وقوف النازح و الدولاب، و تردد البهائم، و مصب الماء، و الموضع الذي تجتمع فيه لسقي الماشية و الزرع من حوض و غيره، و الموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه بحسب العادة».

و كأنه مال إليه و تبعه عليه في المفاتيح إلا أنا لم نجد ذلك لأحد منا و إن حكاه في الكفاية عن أبي علي، لكن في المختلف عنه أنه «لو كان بقرب المكان الذي يريد الحافر حفر البئر فيه بئر عادية محفورة قبل الإسلام و ماؤها نابع يمكن شربه بالنزع فقد

روي عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)(1)أنه قال: حريم البئر إذا كانت حفرت في الجاهلية خمسون ذراعا، و إن كانت حفرت في الإسلام فحريمها خمس و عشرون ذراعا- ثم قال-: و لو كان البلاد مما لا يسقى الماء فيها إلا بالناضح كان حريم بئر الناضح قدر عمقها من الناضح،

و قد جاء في الحديث (2)عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن حريم بئر الناضح ستون،

و قد يحتمل أن ذلك قدر عمق الآبار في تلك البلاد التي حكم بذلك فيها».

و هو كما ترى أجنبي عن ذلك، بل في المسالك حكى عن ابن الجنيد في الناضح ما سمعته أيضا، نعم هو محكي عن الشافعي.

و دعوى أنه المتجه جمعا بين النصوص يدفعها عدم التكافؤ، و بعد تسليم الانتقال إلى الجمع المزبور و عدم الاحتياج إلى الشاهد فلا محيص حينئذ عما عليه الأصحاب المحتمل كون حكمة تعبد التقدير فيه رفع النزاع الذي ربما


1- 1 المستدرك- الباب- 8- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 8- من كتاب إحياء الموات- الحديث 4.

ج 38، ص: 44

يؤدي إلى تلف النفوس و غيرها، و لو لا ذلك لأمكن الجمع بوجوب الأقل و أولوية الزائد أو بغير ذلك، إلا أن ذلك بعد النص و الفتوى لا وجه له خصوصا بعد ظهور حكمة التعبد الرافع للاختلاف.

و منه تحديد حريم العين ب ألف ذراع في الأرض الرخوة و في الصلبة خمسمائة ذراع الذي في محكي الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، و التذكرة عند علمائنا، و في التنقيح عليه عمل الأصحاب، و في جامع المقاصد إطباق الأصحاب.

و في

خبر عقبة بن خالد(1)المنجبر بما عرفت و برواية المشايخ الثلاثة له عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يكون بين البئرين إذا كانت أرضا صلبة خمسمائة ذراع و إن كانت أرضا رخوة ألف ذراع».

و به يقيد ما في

مرسل حفص (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) المروي في الكافي «يكون بين العينين ألف ذراع»

و ما في

خبر مسمع (3)عنه (عليه السلام) أيضا «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع»

و ما في

خبر السكوني (4)عنه (عليه السلام) أيضا: «ما بين العين إلى العين يعني القناة خمسمائة ذراع».

و لكن مع ذلك قيل و القائل الإسكافي حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأول و نفى عنه البأس في المختلف، و في المسالك أنه أظهر و إن كان الأول أشهر و مال إليه بعض أتباعه.

و ربما يشهد له

صحيح محمد بن الحسين (5)قال: «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.

ج 38، ص: 45

يحفر قناة أخرى إلى قرية أخرى كم يكون بينهما في البعد حتى لا يضر بالأخرى في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟ فوقع

(عليه السلام) على حسب أن لا تضر إحداهما بالأخرى إنشاء الله تعالى».

و نحوه

خبر محمد بن علي بن محبوب (1)قال: «كتب رجل إلى الفقيه (عليه السلام).»

بأدنى تفاوت في الألفاظ، و ما فيه من جهالة الكاتب بعد نقل الثقة المكتوب اليه غير قادح.

مؤيدا ذلك كله ب

خبر عقبة بن خالد(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل أتى جبلا فشق فيه (منه خ ل) قناة جرى ماؤها سنة، ثم إن رجلا أتى ذلك الجبل فشق منه قناة أخرى فذهبت قناة الآخر بماء قناة الأول، قال: فقال: يتقايسان (يتقاسمان خ ل) بحقائب البئر ليلة ليلة، فينظر أيهما أضرت بصاحبتها، فإن رأيت الأخيرة أضرت بالأولى فلتعور».

و في الوسائل و رواه الصدوق بإسناده عن عقبة بن خالد(3)نحوه، و زاد «و قضى رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) بذلك، و

قال: إن كانت الأولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الأول سبيل».

و في

خبر عقبة(4)أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في


1- 1 أشار إليه في الوسائل- الباب- 14- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1 و ذكره في الفقيه- ج 3 ص 150 الرقم 659.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1 و هذا مروي بطريق الكليني قده و ليس في الوسائل و الكافي ج 5 ص 294 قوله عليه السلام: « جرى ماؤها سنة .. فشق منه قناة أخرى» و هذه القطعة مذكورة في رواية الصدوق قده التي أشار إليها قده بعد هذه الرواية.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.

ج 38، ص: 46

رجل احتفر قناة و أتى لذلك سنة، ثم إن رجلا احتفر إلى جانبها قناة فقضي أن يقاس الماء بحقائب (بجوانب خ ل) البئر ليلة هذه و ليلة هذه، فان كانت الأخيرة أخذت ماء الاولى عورت الأخيرة، و إن كانت الأولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الأول شي ء».

و بأن الموجود في خبر المشهور البئر، و هو غير محل النزاع، و لا ريب في قوته لو لا الشهرة العظيمة و الإجماع المزبوران الجابران للأخبار المذكورة سندا و دلالة، مضافا إلى غيرهما من القرائن على إرادة العين من البئر التي قد تطلق عليها.

و يمكن مراعاة التحديد المزبور عند عدم معرفة الضرر، و لو لاختلاف أهل الخبرة في

ذلك ان لم يكن ذلك إحداث قول على وجه يكون مخالفا للإجماع.

ثم إنه لا يخفى عليك ظهور النص فيما صرح به غير واحد من أن الحريم هنا يمنع إحداث عين اخرى، فلا يضر حينئذ إحياء ما زاد على ما تحتاج إليه العين من نزح و نحوه، بخلاف بئر المعطن التي قد عرفت الحال فيها، و الله العالم.

و حريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه و آلاته بلا خلاف أجده فيه، بل في التذكرة عندنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه نظرا إلى إمساس الحاجة إليه لو استهدم.

و قيل و القائل المشهور على ما في المسالك و غيرها للدار حريم هو مقدار مطرح ترابها و قمامتها و رمادها و ثلجها و مصب مائها و مسلك الدخول و الخروج و نحو ذلك مما يحتاج إليه عادة.

و لكن ظاهر نسبة المصنف إلى القيل التردد فيه، بل في المسالك و غيرها عن بعضهم التصريح بعدم حريم لها، و إن كنا لم نتحققه لأحد منا

ج 38، ص: 47

و إنما هو لبعض الشافعية.

و لعل وجهه عدم الدليل عليه، بل فعل الناس في سائر البلدان على خلافه، لاستبعاد اتفاق أحيائهم دفعة.

و فيه (أولا) أن مثله جار في الحائط الذي اعترف بثبوت الحريم له. و (ثانيا) بعدم معلومية حال الواقع في البلدان الجاري في الحيطان أيضا من التراضي أو الإحياء دفعة أو غير ذلك.

فالمتجه ثبوت الحريم لها الذي يرجع في أصل ثبوته و مقداره إلى العرف و لو بمراعاة قاعدة الضرر و الضرار، فلا يحتاج إلى دليل خاص سيما بعد ما ورد من الحريم لما عرفت المشعر بأن ذلك حق لكل ما يحتاجه و منه ما

ورد(1)«أن حريم المسجد أربعون ذراعا من كل ناحية، و حريم المؤمن في الصيف باع، و روي عظم الذراع»

و حريم النخلة طول سعفها(2).

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك كله يقتضي ثبوت الحريم لما أحدثه في المباح كالجدار و النخلة و نحوهما، لا مثل الدار التي مرجع الحريم المفروض الى الساكن فيها لا نفسها، إذ ليس المراد جدرانها التي لا إشكال في ثبوت الحريم لها، ضرورة كونها من الحائط، بل المراد

ما يكون من القمامة و نحوها التي تكون من الساكن لا مما أحدثه في المباح.

و لعله لذا توقف المصنف فيه.

نعم ينبغي على هذا تخصيص محل التوقف بالحريم لما يحتاج إليه الساكن مما لا يعد من حقوق الدار، بخلاف ما كان كذلك كالتراب الصائر منها و نحوه مما يرجع إليها.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب إحياء الموات الحديث 10.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب إحياء الموات الحديث 2.

ج 38، ص: 48

على أن ما يحتاجه الساكن فيها راجع إليها أيضا، نحو بئر المعطن المحتاجة إلى الحريم باعتبار الإبل و الماشية التي تسقى منها، فتأمل جيدا.

و ربما يؤيده ما في الدروس من «أن حريم القرية مطرح القمامة و التراب و الوحل و مناخ الإبل و مرابض الخيل و النادي و ملعب الصبيان و مسيل المياه و مرعى الماشية و محتطب أهلها مما جرت العادة بوصولهم إليه، و ليس لهم المنع فيما بعد من المرعى و المحتطب بحيث لا يطرقونه إلا نادرا، و لا المنع مما لا يضر بهم مما يطرقونه، و لا يتقدر حريم القرية بالصيحة من كل جانب، و لا فرق بين قرى المسلمين و أهل الذمة» إذ هو كما ترى كثير منه مما يرجع إلى الساكن، بل هو نحو ما يذكر للدار.

هذا و في المسالك «و المراد بمسلك الدخول و الخروج في الصوب الذي يفتح فيه الباب، لا بمعنى امتداد الممر في قبالة الباب على امتداد الموات، بل إيصاله إلى الطريق السالك و لو بازورار و انعطاف، لأن الحاجة تمس إلى ذلك».

و هو معنى ما في جامع المقاصد قال: «ليس المراد من استحقاق الممر في صوب الباب استحقاق الممر في قبالة الباب على امتداد الموات بل يجوز لغيره إحياؤها في قبالة الباب إذا أبقي له الممر، فان احتاج إلى ازورار و انعطاف جاز، لأن الحاجة تمس إلى ذلك، ذكره في التذكرة.

لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يحصل ضرر كثير عادة، لاستدعائه إفراط طول الطريق و نحوه».

قلت: قد يتوقف في إحياء ذلك بعد فرض اعتياد استطراقه الذي هو من الاحياء أو بحكمه.

ثم إن الظاهر اعتبار التحديد المزبور فيه، لإطلاق الأدلة، و إن كان هو للسلوك إلى داره لا طريقا عاما، و الله العالم.

ج 38، ص: 49

و كيف كان ف كل ما ذكرنا من ثبوت ذلك الحريم له إنما يثبت له حريم إذا ابتكر في الموات، أما ما يعمل في الأملاك المعمورة فلا بلا خلاف أجده فيه، كما عن الشيخ و ابني زهرة و إدريس الاعتراف به، بل في الكفاية نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، و لعله لقاعدة تسلط الناس على أموالهم و غيرها، و لأنها متعارضة باعتبار عدم أولوية أحدهما من الآخر به، و لذا كان المشاهد في البلدان عدم الحريم لأحدهم و إن كان يمكن أن يكون لتساويهم في الاحياء أو لغيره.

و من هنا صرح في القواعد و غيرها بأن لكل منهم التصرف في ملكه بما شاء و إن تضرر صاحبه، و أنه لا ضمان عليه لو جعل ملكه بيت حداد أو قصار أو حمام على خلاف العادة.

نعم في التذكرة «هذا إذا احتاط و أحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده، فان فعل ما يغلب على الظن فيه أنه يؤدي إلى خلل في حيطان جاره فأظهر الوجهين عند الشافعية الجواز، و ذلك كما إذا يدق الشي ء في داره دقا عنيفا ينزعج منه الحيطان، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنتشر منه النداوة إلى حيطان الجار، و لو اتخذ داره مدبغة أو حانوته مخبزة حيث لا يعتاد فان قلنا لا يمنع في الصورة السابقة فهنا أولى، و إن قلنا بالمنع فهنا يحتمل عدمه، لأن الضرر من حيث التأذي بالدخان و الرائحة الكريهة، و أنه أهون، و كذا البحث في إطالة البناء و منع الشمس و القمر، و الأقوى أن لأرباب الأملاك التصرف في أملاكهم كيف شاؤوا، إذ لو حفر في ملكه بئر بالوعة و فسد بها ماء بئر الجار لم يمنع منه، و لا ضمان، و لكنه قد يكون فعل مكروها، و به قال الشافعي، و قال مالك: يمنع، فان فعل و تلف شي ء ضمنه».

و تبعه في الدروس و المسالك في جميع ذلك، لكن قال في الأخير

ج 38، ص: 50

«نعم له منع ما يضر بحائطه من البئر و الشجر و لو ببروز أصلها إليه و الضرب المؤدي إلى ضرر الحائط و نحوه».

و فيما حضرني من نسخة جامع المقاصد «قال في التذكرة: هذا إذا احتاط و أحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده، فان فعل ما يغلب على الظن أنه يؤدي إلى خلل في حيطان جاره ففي منعه تردد، فلو دق دقا عنيفا أحدث به نقصا في جدران جاره أو حبس الماء بحيث انتشرت منه النداوة إليها أو حصل ذلك من ماء الحمام ففي الضمان تردد».

و ظاهره حكاية ذلك عن التذكرة التي سمعت ما فيها، إلا أن المحكي عن الجامع المزبور التردد، و لعل النسخة غير صحيحة.

و على كل حال فالتردد المزبور في المسألة حاصل، بل في الكفاية «يشكل هذا الحكم في صورة تضرر الجار تضررا فاحشا نظرا إلى تضمن الأخبار نفي الضرر و الإضرار(1)و هو الحديث المعمول به بين الخاصة و العامة المستفيض بينهم، خصوصا ما تضمن الأخبار المذكورة من نفي الضرر الواقع في ملك المضار».

و قد يناقش بأن حديث نفي الضرر المستفيض معارض بمثله من الحديث (2)الدال على ثبوت السلطنة على الإطلاق لرب المال، و هو أيضا معمول به بين الفريقين، و التعارض بينهما تعارض العموم من وجه، و الترجيح للثاني بعمل الأصحاب كما اعترف به، و لا سيما إذا استلزم منع المالك عن التصرف ضررا عليه أشد من ضرر الجار أو مساويا أو أقل بحيث لم يتفاحش معه ضرره.

بل في الرياض «و ينبغي القطع في هذه الصورة بما عليه الأصحاب


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات.
2- 2 البحار- ج 2 ص 272- الطبع الحديث.

ج 38، ص: 51

قال-: و أما فيما عداها فالظاهر أيضا ذلك، لما ذكر و إن كان الأحوط عدم الإضرار على الإطلاق، و أما الأخبار الدالة على نفي الإضرار في ملك المضار فمع قصور سند بعضها و عدم مكافئته لما مضى يمكن حملها على ما إذا قصد المالك بالتصرف الإضرار دون دفع الحاجة، كما يشعر به بعض تلك الأخبار(1)ثم على تقدير تسليم ترجيح نفي الضرر فلا وجه لتخصيصه بصورة تفاحش الضرر مع عمومه و شموله للغير».

قلت: لا يخفى عليك ما في المسالك من الجزم بالمنع فيما يضر الحائط مع ذكره سابقا جواز حفر البالوعة التي تفسد بئر الغير.

كما أنه لا يخفى عليك ما في التذكرة من اعتباره أولا إحكام البناء لما يقصده و إطلاقه جواز التصرف للمالك في ملكه ثانيا مع التردد في بعض الصور.

بل قد سمعت ما في جامع المقاصد مما هو ظاهر في عدم كون المسألة إجماعية، بحيث يكون التفصيل مخالفا للإجماع، على أن المنساق من العامين المزبورين تحكيم قاعدة الضرر، كما في جميع نظائره و إن كان بينهما تعارض العموم من وجه.

و ربما يشهد له نصوص سمرة بن جندب (2)و

قول الصادق (عليه السلام)(3): «إن الجار كالنفس غير مضار و لا آثم»

على أن باب المقدمة يقتضي وجوب ترك التصرف تحصيلا لامتثال النهي عن إضرار الغير، إذ لا تعارض بين الإباحة و الحرمة.

بل قد ذكرنا في كتاب الغصب (4)في مسألة من أجج نارا في


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1 و 3 و 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
4- 4 راجع ج 37 ص 59- 62.

ج 38، ص: 52

ملكه أو أرسل ماء كذلك فأتلف مال الغير ما يعلم منه عدم الإجماع على جميع صور المسألة.

بل قد تقدم أيضا مسألة تدلي أغصان الشجرة في ملك الغير، و تلفت بفعل المالك.

و بالجملة فالغرض أن المسألة لم يكن فيها إجماع محقق على جهة الإطلاق فيمكن أن يقال بمنع التصرف في ماله على وجه يترتب عليه الضرر في مال الغير مثلا بتوليدية فعله، بحيث يكون له فعل و تصرف في مال الغير و إتلاف له يتولد من

فعله فعل في مال الغير، لا تلف خاصة بلا فعل منه، و خصوصا مع زيادته بفعله عما يحتاج إليه و غلبة ظنه بالسراية، و قاعدة التسلط على المال لا تقتضي جواز ذلك و لا رفع الضمان الحاصل بتوليد فعله.

نعم لو كان تصرفه في ماله لا توليد فيه على الوجه المزبور و إن حصل الضرر مقارنا لذلك لم يمنع منه، و ربما كان فيما ذكرنا سابقا من مسألة الضمان بتأجيج النار في ملكه إشارة إلى ذلك، فلا حظ و تأمل، بل مر لنا في غير ذلك ماله نفع في المقام، و الله العالم.

[فرع لو أحيا أرضا و غرس في جانبها غرسا تبرز أغصانه لم يكن لغيره إحياؤه]

فرع:

لو أحيا أرضا و غرس في جانبها غرسا تبرز أغصانه لو بقي إلى المباح أو تسري عروقه إليه كذلك لم يكن لغيره إحياؤه لأنه من الحريم التابع للملك الذي يرجع في مثله إلى العرف.

و حينئذ ف لو حاول الاحياء كان للغارس منعه

ج 38، ص: 53

و إن لم يكن بعد برزت الأغصان أو سرت العروق، فان الاستعداد كاف بلا خلاف أجده بين من تعرض له.

و لعل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «حريم النخل طول سعفها»

ظاهر في ذلك، بل هو صريح

خبر عقبة بن خالد(2)«إن النبي (صلى الله عليه و آله) قضى في هوار النخل أن تكون النخلة و النخلتان للرجل في حائط الآخر فيختلفون في حقوق ذلك، فقضى فيها أن لكل نخلة من أولئك من الأرض مبلغ جريدة من جرائدها حين بعدها».

و كذلك لو باع البستان و استثنى شجرة، فإنه يتبع مدى أغصانها في الهواء و المدخل و المخرج و غيرهما من الحقوق التي تتبع الإطلاق المزبور.

نعم ظاهر المصنف و غيره ثبوت الحريم المزبور للغرس، أما لو أعد الأرض لها و هيأها لذلك أو غرس جملة منها فهل يكفي ذلك في ثبوت الحريم للغرس الذي بعد لم يغرس أو يبقى على أصل الموات؟ وجهان، أولهما لا يخلو من قوة، و الله العالم.

[الشرط الثالث أن لا يسميه الشرع مشعرا للعبادة كعرفة و منى و المشعر]

الشرط الثالث: أن لا يسميه الشرع مشعرا للعبادة، كعرفة و منى و المشعر و غيرها من الأماكن المشرفة و المواضع المحترمة التي جعلها الله تعالى شأنه مناسك للعبادة و شرفها كما شرف بعض الأزمنة الخاصة، فهي في الحقيقة ليست من الموات الذي هو بمعنى المعطل عن الانتفاع فضلا عن وضع يد سائر المسلمين عليها و تعلق حقوقهم بها، بل هي أعظم من الوقف الذي يتعلق به حق الموقوف عليهم بجريان الصيغة من الواقف فان الشرع الذي هو المالك الحقيقي قد دل على اختصاصها موطنا للعبادة من دون إجراء صيغة، و منها ما جعله الله


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.

ج 38، ص: 54

مسجدا كمسجد الحرام و مسجد الكوفة و نحوهما من مراقد الأئمة (عليهم السلام) التي أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه.

فالتعرض لتملكها حينئذ مناف للجعل المزبور من رب العزة، بل فيه تفويت لتلك المصلحة من غير فرق بين جميع أجزائها في ذلك، و بين زيادة سعتها لذلك و عدمه، ضرورة أن الله تعالى شأنه جعل كل جزء جزء منها كذلك.

فمن الغريب ما وقع من المصنف من قوله أما لو عمر فيها ما لا يضر و لا يؤدي إلى ضيقها عما يحتاج إليه المتعبدون كاليسير لم أمنع منه بل كاد يكون كالمنافي للضروري، بل فتح هذا الباب فيها يؤدي إلى إخراجها عن وضعها.

و أغرب منه موافقة بعض من تأخر عنه على ذلك بتخيل أن المنع من جهة مزاحمة الناسكين، فمع فرض عدمها كاليسير يتجه الجواز حينئذ لانتفاء العلة المزبورة. و فيه ما لا يخفى بعد ما ذكرناه.

و أعجب من ذلك تفريعهم على التقدير المزبور الذي هو معلوم الفساد أنه هل يجوز للناسك الوقوف بها مع عدم الاذن أو مع النهي أو لا يجوز مطلقا أو مع وجود غيره من المكان بخلاف ما لو تضيق؟! مع أن القول بالملك يأبى القول بالجواز مطلقا إلا أن يجعله مراعى بعدم الإضرار، فيتجه التفصيل حينئذ إلا أن ذلك كله كما ترى لا ينبغي أن يسطر، و الله العالم.

[الشرط الرابع أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل]

الشرط الرابع: أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل و لو كان مواتا خاليا من تحجير الذي لا خلاف في أن له ذلك، كما عن المبسوط بل و لا إشكال، ضرورة كون الموات من ماله الذي هو مسلط عليه، مع أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

ج 38، ص: 55

كما أقطع النبي (صلى الله عليه و آله) عبد الله بن مسعود الدور(1)و هي اسم موضع بالمدينة بين ظهراني عمارة الأنصار و يقال: المعني أنه أقطعه ذلك ليتخذها دورا.

و أقطع وابل بن حجر أرضا بحضرموت (2).

و أقطع الزبير حضر فرس ه أي عدوه، بل قيل: إن الزبير أجرى فرسه حتى قام الفرس رمى بسوطه طلبا للزيادة،

فقال (صلى الله عليه و آله) «أعطوه من حيث بلغ السوط»(3).

و أقطع بلال بن الحارث العقيق (4)فإنه إن لم يفد الملك فلا ريب بل لا خلاف في أنه يفيد اختصاصا مانعا من المزاحمة، فلا يصح دفع هذا الاختصاص بالاحياء بل عن المبسوط نفيه كذلك بين المسلمين، و كذا ليس لأحد نقضه.

و ما

عن عمر من أنه لما تولى قال لبلال: «ما أقطعت العقيق لتحجبه، فأقطعه الناس»(5)

لا حجة فيه، و كم له من أخذ فدك و نحوها.

على أنه يمكن ذلك كما تسمعه في التحجير إذا لم يحي المحجر، كما صرح به في جامع المقاصد، و إن كان ذكر المصنف و غيره ذلك في التحجير دونه يشعر بالعدم، بل لو لا ظهور الاتفاق عليه هناك لأمكن إشكاله بتعلق الحق الذي يقتضي استصحابه عدم الزوال و إن عطل.

و كأن ما ذكر من الاختصاص المزبور مبني على عدم تملك الموات


1- 1 نيل الأوطار ج 6 ص 59.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 144.
3- 3 سنن البيهقي- ج 6 ص 144.
4- 4 سنن البيهقي- ج 6 ص 149.
5- 5 رواه ابن قدامة في الشرح الكبير المطبوع في ذيل مغني ابن قدامة ج 6 ص 169.

ج 38، ص: 56

بغير الاحياء، و لكن فيه منع واضح إن لم يكن إجماعا، و حينئذ فلا بد من تنزيل الإقطاع المزبور على وجه الاختصاص و الأحقية بالاحياء، و إلا فلو فرض كونه على جهة التمليك جاز إن لم يكن إجماعا، و ليس لأحد حينئذ الاعتراض عليه بتعطيله و إن تمادى الزمان على إشكال، لاحتمال جواز إحياء الغير له بأجرة على نحو ما

سمعته في الأرض التي ملكت بالاحياء فأهملها حتى ماتت.

هذا و يمكن الاستغناء عن هذين الشرطين بل و السابق و اللاحق بالأول، بناء على إرادة ما يشمل الحق الحاصل من الإقطاع و التحجير و كونه مشعرا من اليد فيه، و الأمر سهل.

[الشرط الخامس أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير]

الشرط الخامس: أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير، فان التحجير عندنا كما في التذكرة يفيد أولوية و اختصاصا لا ملكا للرقبة التي لا تملك إلا بالإحياء الذي هو غير التحجير و إن ملك به التصرف في المحجر و منع الغير حتى لو تهجم عليه من يروم الاحياء كان له منعه و دفعه عن ذلك، بل لو قاهره فأحياه لم يملك بلا خلاف، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما أنه يمكن تحصيله على غير ذلك مما سمعته.

بل في الرياض عليه الإجماع في كلام جماعة كالمسالك و غيرها، و إن كنا لم نتحققه في غير المفاتيح التي حكاه فيها على إفادته الأولوية دون الملك إلا أنه يمكن تحصيله.

و عدم ذكره في الدروس شرطا مستقلا لإدراجه إياه فيما ذكره من الشرط الرابع، و هو أن لا يكون مملوكا لمسلم أو معاهد، إلى أن قال:

«و المحجر كالمملوك على ما تقرر» بل ذكر سابقا أن التحجير يفيد الأولوية لا الملك، فلا يصح بيعه، نعم يورث عنه، و يصح الصلح

ج 38، ص: 57

عليه، نعم ستسمع في الطرف الثاني حكاية المصنف عن بعض فقهاء عصره أن التحجير إحياء، و يأتي البحث فيه إنشاء تعالى.

و على كل حال فهو غير مناف لتحصيل الإجماع على عدم تملك المحجر بالاحياء لغير المحجر، نعم يحكي عن جامع الشرائع أنه قال: «يملك الآخر، و يكون قد أساء» و لم أتحقق ذلك.

و كيف كان فلم نجد في شي ء مما وصل إلينا من النصوص هذا اللفظ فضلا عما ذكروه في تفسيره، و إنما الموجود في

خبر سمرة بن جندب (1)أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «من أحاط حائطا على أرض فهي له»

و مقتضاه الملك به، كما تسمعه من ابن نما، إلا أن يحمل على أرض يتحقق إحياؤها

بذلك أو يراد من اللام و لو بقرينة الشهرة أو الإجماع الأحقية المزبورة لا الملك.

و ربما يستفاد الأحقية به من صدق حيازة المباح به و إن كان لا يملك إلا بالاحياء، و من أنه سبق إليه نحو السبق إلى الوقف و السوق و المسجد و نحوها، و في

حديث أبي داود المروي من طرق العامة(2)و في الإسعاد أنه صححه الصابي «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له»

و في بعض كتب الأصحاب رواية «فهو أحق به»(3).

و لكن مع ذلك كله فالإنصاف أن العمدة الإجماع المزبور، و إلا فما في التذكرة و المسالك و بعض كتب الشافعية من الاستدلال عليه بأنه إذا أفاد الاحياء ملكا فلا بد أن يفيد التحجير الذي هو الشروع فيه أولوية نحو البيع و الاستيام- كما ترى، ضرورة عدم الملازمة، مع احتمال أن التحجير أعم من الشروع فيه و إن فسره به في القواعد و المسالك و غيرهما.


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3 و سنن البيهقي ج 6 ص 148.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 142.
3- 3 المستدرك- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 4.

ج 38، ص: 58

و في المتن و كذا الإرشاد التحجير هو أن ينصب عليها المروز أو يحوطها بحائط و

زاد في القواعد «أو بحفر ساقية أو إدارة تراب حول الأرض أو أحجار، و لا يفيد ملكا، فان الملك يحصل بالاحياء لا بالشروع، و التحجير و شروع في الاحياء، بل يفيد اختصاصا و أولوية».

و في محكي المبسوط التحجير ان يؤثر فيها أثرا لم يبلغ به حد الاحياء مثل أن ينصب فيه المروز أو يحوط عليها حائطا أو ما أشبه ذلك من آثار الاحياء» و عن جامع الشرائع الاقتصار على التمثيل بالحائط. و عن التحرير أنه يكون بنصب المروز و حفر الخندق.

لكن لا يخفى عليك أن ظاهر بعض الأمثلة الاكتفاء في حصوله بنصب ما يدل على إرادة الاحياء و إن لم يكن من آثاره، نحو ما ذكره العامة من حصوله بالإعلام، أي بنصب علامة تدل على ذلك، كوضع أحجار أو غرز خشب أو قصب أو حفر أساس أو جمع تراب أو نحو ذلك.

بل في بعض الكتب أو يخط خطة.

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك كله من الشروع في الاحياء كما في بعض كتب الشافعية، بل هو مقتضى ما سمعته من الفاضل، لكنه كما ترى و إن كان هو الموافق لما سمعته من تحقق الأولوية بالسبق المحقق بنصب العلامة المزبورة، مع احتمال القول بأن الأصل عدم ثبوت الأولوية المقتصر في الخروج منه على المتيقن، و هو التحجير بمعنى الشروع في الاحياء و فعل أثر من آثاره.

و بعض الأمثلة المزبورة من بعض إن لم تحمل على الاشتباه من الذاكر لها بأنها من الشروع في الاحياء يمكن حملها على موات تكون هي أثرا من آثاره، و لعل هذا لا يخلو من قوة.

و على كل حال فلا إشكال في عدم جواز بيعه، لعدم الملك، بل

ج 38، ص: 59

و لا هبته و إن قال في القواعد «لم يصح على إشكال» و في جامع المقاصد جوز نقله بالهبة كالصلح، و هما معا كما ترى.

و من الغريب ما عن التذكرة من احتمال صحة البيع، لأن الأرض المفتوحة عنوة تباع بمجرد الأولوية تبعا للآثار، و لأنه حق يقابل بالمال، فتجوز المعاوضة عليه. إذ هو كما ترى، بل قد يمنع ثبوت الأولوية هنا بيع الآثار التي يفرض كونها ملكا للمحجر و إن أفادت ذلك بالنسبة إليه باعتبار صدق كونه محجرا، نعم لو نقل الحق معها و لو بالشرط بناء على صلاحيته لمثل ذلك تثبت حينئذ لذلك، لا لبيع الآثار، و الله العالم.

هذا و لو اقتصر على التحجير و أهمل العمارة أجبره الامام على أحد أمرين: إما الأحياء و إما التخلية بينها و بين غيره، و لو امتنع أخرجها السلطان من يده لئلا يعطلها بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كالشيخ و ابن حمزة و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، معللين له بقبح تعطيل العمارة التي هي منفعة الإسلام.

نعم إن ذكر عذرا في التأخير كإصلاح آلاته (آلته خ ل) أو غيبة العمال أو إباق العبد و نحوه أمهله الامام بمقدار ما يزول معه العذر، و إن لم يذكر عذرا ألزمه بأحد الأمرين، و إن أبقى له مدة قريبة يستعد فيها للعمارة بحسب ما يراه- و لا يتقدر عندنا بقدر- فإذا مضت مدة الإمهال و لم يشتغل بالعمارة رفع يده و أذن للناس في عمارتها.

و نحو ذلك ذكر العامة أيضا، قال في الإسعاد الذي هو من أجل كتب الشافعية: «و ينبغي أن يشتغل بالعمارة عقيب الحجر، فإن أهمل الاحياء و أطال الإهمال بأن مضى زمن يعد مثله طويلا عرفا نوزع، فيقول له الحاكم: أحي أو ارفع يدك، لأنه ضيق على الناس في حق مشترك فيمنع منه، كما لو وقف في شارع، فان ذكر عذرا و استمهل أمهل

ج 38، ص: 60

مدة قريبة دفعا للضرر، و لا يتقدر بثلاثة أيام على الأصح، بل باجتهاد الحاكم، فإذا مضت و لم يشتغل بالعمارة بطل حقه، و إن استمهل و لم يذكر عذرا فمقتضى عبارة أصل الروضة أنه لا يمهل، و قال السبكي: ينبغي إذا عرف الامام أنه لا عذر له في المدة أن ينزعها منه في الحال، و كذا إذا لم تطل المدة و علم منه الاعراض».

و قال فيه أيضا سابقا: «و إنما يتحجر ما يطيق إحياؤه، بل ينبغي أن يقتصر على قدر كفايته لئلا يضيق على الناس، فان تحجر ما لا يطيق إحياؤه أو زائدا على قدر كفايته فلغيره أن يحيي الزائد على ما يطيقه و على قدر كفايته، كما قواه في الروضة بعد أن نقله فيها كأصلها عن المتولي».

إلى غير ذلك مما ذكروه مما يناسب أصولهم التي منها القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و مطلق الاجتهاد بخلاف أصولنا التي مقتضاها الوقوف على ما جاء من أهل بيت الوحي (عليهم السلام).

الذي عثرنا عليه مناسبا لذلك- مضافا إلى بعض القواعد التي يمكن تقريرها هنا-

خبر يونس (1)عن العبد الصالح (عليه السلام) «إن الأرض لله تعالى جعلها وقفا على عباده، فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده و دفعت إلى غيره».

و إن كان هو غير منطبق على تمام ما سمعت الذي مقتضاه الانتزاع من يده من دون دفع شي ء له عن حق تحجيره الذي لا ريب في جواز نقله بالصلح و نحوه و يورث، اللهم إلا أن يكون إجماع على ما ذكروه.

كما أن ما في جامع المقاصد و محكي التذكرة من تقييد ذلك بما إذا بقيت آثار التحجير و إلا عادت مواتا كذلك أيضا، و إلا فمقتضى الاستصحاب بقاء الحق و إن زالت الآثار، إذ هي- و إن كانت سببا في


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.

ج 38، ص: 61

ثبوت الحق- لا يقتضي زواله بزوالها للأصل، و خصوصا إذا أزاله الظالم أو غيره، لا ما إذا زالت بنفسها.

نعم لو كان ثبوت حق التحجير بها على نحو ما تسمعه في الرحل اتجه حينئذ زوال الحق، إلا أن ذلك مقطوع بخلافه، إذ من جملة أفراد التحجير أن لا يكون مملوكا للمحجر كالحفر و نحوه، فلا ريب في أن مقتضى القوانين الشرعية ثبوت الحق مطلقا، إلا أن يكون إجماعا كما عرفت، و الله العالم.

هذا و في القواعد و المسالك ما في المتن من أنه لو بادر إليها من أحياها بعد إهماله لها و مخاطبة الإمام له بأحد الأمرين لم يصح ما لم يرفع السلطان يده أو يأذن في الاحياء بل لا خلاف أجده بين من تعرض له، لأنه حينئذ أحيا ما هو باق في حق غيره، كما لو أحيا قبل طلب الامام منه أحد الأمرين.

نعم حكي في المسالك عن بعض العامة قولا ببطلان حق المحجر بالامتناع من أحد الأمرين و إن كان غيره ممنوعا، كما إذا دخل في سوم غيره و اشترى.

و في محكي التذكرة «لو لم يرفع أمرها إلى السلطان و لا خاطبه بشي ء و طالت المدة قيل: يبطل حذرا من التعطيل، و قيل: لا يبطل ما لم يرفع الأمر إليه، و يطالبه بالترك، و لعل ذلك إذا بقيت الآثار» و لا يخفى عليك الحال بعد ما ذكرنا، و الله العالم.

و للنبي (صلى الله عليه و آله) الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم أن يحمي بقعة من الأرض الموات لنفسه و لغيره من المصالح كالحمى لنعم الصدقة و الجزية و الضوال و نحوها، قال في محكي المبسوط: «للنبي (صلى الله عليه و آله) أن يحمي لنفسه و لعامة

ج 38، ص: 62

المسلمين بلا خلاف».

و كذا عندنا لإمام الأصل (عليه السلام) الذي هو بمنزلة النبي (صلى الله عليه و آله) في كل ما لم يثبت أنه من خواصه بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة كون الموات لهم (عليهم السلام) و

في النبوي (1)«لا حمى إلا لله و لرسوله». و زاد في آخر «و لأئمة المسلمين».

و الأصل فيه أن الأعزاء من العرب إذا انتجع أحد منهم بلدا مخصبا و أتى بكلب على جبل إن كان به أو على نشز إن لم يكن به جبل ثم استعوى الكلب و أوقف من

كل ناحية من يسمع صوته بالعوى فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه، و يرعى مع العامة في ما سواه، فنهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن ذلك لما فيه من التضييق على الناس (2).

و لا ينافي ذلك ما وقع منه (عليه السلام) كما في

الخبر(3)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن بيع الكلأ و المرعى، فقال:

لا بأس، قد حمى رسول الله (صلى الله عليه و آله) النقيع لخيل المسلمين»

فإنه ليس حمى لنفسه.

و لذا قال في التذكرة: «إنه (صلى الله عليه و آله) لم يحم لنفسه و إنما حمى النقيع لإبل الصدقة و نعم الجزية و خيل المجاهدين».

و بالجملة ذلك و إن كان جائزا له و لكن لم يفعله لنفسه إيثارا للغير و ما وقع منه (صلى الله عليه و آله) إنما هو للمسلمين، و لعل ذكر


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 146.
2- 2 ذكره ابن قدامة في المغني ج 6 ص 166 و في الشرح الكبير المطبوع في ذيل المغى ج 6 ص 182.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.

ج 38، ص: 63

المصنف الامام (عليه السلام) تنبيها على ما يحكى عن الشافعي من اختصاص ذلك بالنبي (صلى الله عليه و آله) و فيه أنه لا دليل على أنه من خواصه، بل الخبر المزبور المروي في طريقهم دال على خلافه.

نعم ليس لغيرهما من المسلمين أن يحمي بلا خلاف، كما عن المبسوط، بل إجماعا في المسالك و محكي التحرير، و ما وقع من عمر بن الخطاب من أنه قد حمى موضعا و ولى عليه رجلا(1)لا حجة فيه، بل هو مخالف لما عرفت، و ما في الخبر المزبور(2)الذي لا مطابقة فيه بين الجواب و السؤال ظاهرا إلا على تكلف محمول على ما إذا كان المرعى ملكا للحامي، لأن الأرض أرضه.

كما أومى إليه

في بعض (3)المعتبرة قال فيه: «إن لنا ضياعا و لها حدود و فيها مراعى و لرجل منا غنم و إبل يحتاج إلى تلك المراعي لإبله و غنمه أ يحل له أن يحمي المراعي لحاجته إليها؟ فقال: إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي و يصير ذلك إلى ما يحتاج إليه، فقلت: الرجل يبيع المراعى، فقال: إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس».

اللهم إلا أن يكون نائبا خاصا عنهما في ذلك، بل يقوى جوازه لنائب الغيبة أيضا إن لم نقل إنه من خواص الإمامة، أما غيره و سائر الناس فلا إشكال في عدم الجواز لما عرفت.

مضافا مفهوم الخبر المزبور(4)و غيره مما دل على اعتبار كون


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 146.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب عقد البيع- الحديث 1 من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب عقد البيع- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 64

الأرض أرضا له في جواز الحمى، لا إذا كانت مباحة مندرجة فيما دل (1)على اشتراك الناس في النار و الماء و الكلأ.

و على كل حال ف لا خلاف أجده في أنه لو أحياه محي لم يملكه ما دام الحمى مستمرا إذ المراد بالحمى هو منع الناس عن التعرض لبعض الأراضي التي لا تضيق على المسلمين برعي أو غيره لأجل كلأها، و لا ريب في اقتضاء ذلك عدم جواز الاحياء و عدم ترتب الملك لو فعل لعدم الاذن بل النهي، و لعله لذا تركه بعضهم في الشرائط و إن كان من ذكره شرطا قد لاحظ عدم تملكه بالاحياء، فيكون الجميع متفقين على الحكم المزبور.

بل لا يجوز نقض الحمى و لا تغييره لأحد غيرهم (عليهم السلام) من دون إذن منهم مع فرض بقاء المصلحة.

و إنما الكلام في أن ما حماه النبي (صلى الله عليه و آله) أو الإمام (عليه السلام) لمصلحة فزالت هل يجوز نقضه؟ ففي المتن جاز نقضه كما هو خيرة الفاضل و الشهيدين و الكركي، للأصل و غيره.

و قيل: ما يحميه النبي (صلى الله عليه و آله) خاصة لا يجوز نقضه، لأن حماه كالنص الذي لا يجوز الاجتهاد في مقابلته، و لعله أشار بذلك إلى ما في محكي المبسوط و الخلاف «فأما ما حماه رسول الله (صلى الله عليه و آله) فإنه لا يجوز للإمام القائم مقامه نقضه و حله، لأن فعله حجة يحب اتباعه فيه، و ما يفعله الإمام القائم مقامه لا يجوز لأحد تغييره، و إن غيره هو أو من بعده من الأئمة أو أذن أحد منهم


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب إحياء الموات.

ج 38، ص: 65

لغيره في إحياء ميت فأحياه فإنه يملكه» إلى آخره و إلا فلم نجده لغيره نعم هو قول للعامة مبني على مذهبهم في الامام، و لا ريب في بطلانه عندنا ضرورة عدم الفرق بين حماهما بعد أن كانا معصومين و لا يحكمان بالاجتهاد.

و هل ينتقض بمجرد زوال المصلحة أو لا بد من التصريح بالنقض؟

وجهان أو قولان، أقواهما الأول، لأن أصل وقوعه مبني على المصلحة فيكفي حينئذ زوالها في زواله، بل لا يبعد جواز تغيير الامام له لزيادة المصلحة في غيره فضلا عن زوالها، و الله العالم.

[الطرف الثاني في كيفية الإحياء]

الطرف الثاني في كيفية ما يحصل به صدق الإحياء و لا خلاف بين الأصحاب في أن المرجع فيه إلى العرف، لعدم التنصيص شرعا على كيفية خاصة له حتى تقدم عليه و لا لغة لو قلنا بتقدمها عليه، و ما كان كذلك فلا إشكال في الرجوع فيه إلى العرف.

و ما عن ابن نما- من أن التحجير إحياء- ليس خلافا في ذلك كما ستعرفه إنشاء الله، إلا أنه لما كان هو في بعض الأفراد محتاجا إلى تنقيح تعرض له الأصحاب.

و لذا قد عرف أنه إذا قصد سكنى أرض فأحاط جميع أجزاء الدار و لو بخشب أو قصب أو سقف بعضا مما

ج 38، ص: 66

يمكن سكناه منها يسمى إحياء بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كالشيخ و القاضي و يحيى بن سعيد و الفاضل و الشهيدين و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم إلا ما ستسمعه من الحلي.

و حينئذ فلا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب، خلافا لبعض العامة فاعتبره، و العرف شاهد على خلافه و إن اعتيد وضعها للحفظ لا لأصل السكنى.

كما أنه شاهد أيضا على خلاف ما يحكى عنهم أيضا من عدم اعتبار السقف، ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «من أحاط حائطا على أرض فهي له»

و لأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء، كما لو جعلها حظيرة للغنم، إذ القصد لا اعتبار به، فإنه لو أرادها حظيرة فبناها بجص و آجر و قسمها بيوتا فإنه يملكها و إن كان هذا العمل لا يعمل للغنم مثله، و لأنه لو بناها للغنم ملكها بمجرد الحائط، فإذا ملكها جاز له أن يبنيها دارا من غير اشتراط تسقيف و إن نفى عنه البأس في التذكرة، بل في المسالك وجهه واضح.

إلا أنه كما ترى مناف لصدق الاحياء عرفا على متخذ الأرض دارا و ملكه لها لو اتخذها حظيرة للصدق باعتبار أن إحياء كل شي ء بحسب حاله لا يقتضي صدقه مع عدم

قصدها و إن جاز العدول عن القصد في الأول و اتخاذها دارا، كما يجوز العدول عن قصد الدار بعد التحويط و اتخاذها حظيرة، فإنه يملكها بذلك، لصدق الاحياء عليها عرفا و لو باعتبار إخراجها عن التعطيل الأول و صيرورتها ذات منفعة تخرج بها عن اسم الموات.


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3 و سنن البيهقي ج 6 ص 148.

ج 38، ص: 67

و في التذكرة إشارة إلى ما ذكرنا، قال: «لو قصد نوعا و فعل إحياء يملك به نوعا آخر- كما إذا حوط بقعة بقصد السكنى، و هذا الاحياء إنما يتحقق في ملك حظيرة الغنم و شبهها- هل يفيد الملك؟ الوجه عندي ذلك، فإنه مما يملك به الحظيرة لو قصدها، و هو أحد وجهي الشافعية، و الثاني أنه لا يملك به و إلا لزم الاكتفاء بأدنى العمارات أبدا، و استحالة التالي ممنوعة» بناء على أن المراد ملكه حظيرة بالقصد و لو أخيرا.

نعم قد يقال فيمن قصد أصل الاحياء من دون أمر مخصوص بكفاية إخراج الأرض عن التعطيل إلى الانتفاع، فتأمل.

و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ما في محكي السرائر، فإنه بعد أن ذكر أن الرجوع في الاحياء إلى العرف هو الحق اليقين الذي يقتضيه أصل المذهب قال: «و لا يلتفت إلى قول المخالفين، فان لهم تعريفات و تقسيمات، فلا يظن ظان إذا وقف عليها أن يعتقدها قول أصحابنا و أنها مما ورد بها خبر و قال به مصنف من أصحابنا، و إنما أورد شيخنا أبو جعفر ذلك بعد أن حقق ما يقتضيه مذهبنا، و جملة ما عند المخالف في ذلك أن الأرض تحيي للدار و الحظيرة و الزراعة، فإحياؤها للدار عندهم بأن يحوط عليها بحائط و يسقف عليها، و أما عندنا فلو خص عليها خصا أو حجرها أو حوطها بغير الطين و الآجر و الجص ملك».

ثم ذكر تعريفهم لإحياء الحظيرة بما ذكره المصنف وفاقا لما عن المبسوط و غيره كما ستسمع، ثم قال: «و لا يتوهم من يقف عليها في المبسوط أنها مقالة أصحابنا، فإن هذا الكتاب أعني المبسوط قد ذكر فيه مذهبنا و مذهب المخالفين، و لم يميز أحد المذهبين تمييزا جليا، و إنما يحققه و يعرفه من اطلع على المذهبين و سبر قول أصحابنا و حصل خلافهم و إلا فالقارئ فيه يخبط خبط عشواء».

ج 38، ص: 68

و كأنه عرض بذلك بابن البراج الذي ذكر فيه ما عن المبسوط من التعريفات المزبورة التي ذكرها أيضا من تأخر عنه كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم.

و منه يعلم أنه هو وقع في خبط العشواء، ضرورة عدم مدخلية الموافق و المخالف في تحقيق الصدق العرفي المعلوم عدمه بالتحجير، كما توهمه و إن قلنا إنه الشروع في أثر الإحياء، إذ بناء بعض الحائط لا يسمى في العرف معه شي ء من المذكورات كما هو واضح.

نعم قد يقال بصدق اسم الدار مع الحائط المزبور و بناء بعض البيوت و لو بقصب و نحوه بل و خيمة و نحوها.

و كذا يتحقق الاحياء عرفا لو قصد الحظيرة للغنم أو لتجفيف الثمار أو لجمع الحطب و نحوه فاقتصر على الحائط و لو بقصب أو خشب أو نحوهما من دون السقف بلا خلاف أجده فيه بل و لا إشكال في ذلك و لا في أنه ليس تعليق الباب شرطا في الصدق المزبور، بل عن غير واحد الإجماع على عدم اشتراط السقف و إن كان هو لا وقع له في المسائل العرفية، و الله العالم.

و لو قصد بإحياء الأرض الزراعة كفى في تملكها التحجير بمرز أو مسناة و سوق الماء إليها بساقية أو ما شابهها كما في جملة من كتب الفاضل و محكي المبسوط و المهذب و إن أبدل التحجير بالترتب في بعضها.

و ظاهر ما حضرنا من نسخة الأصل اعتبار الأمرين، لكن في المسالك حكاية الاكتفاء بأحدهما عن المصنف في شرح العبارة ثم استحسن الجمع بينهما، و لعل نسخته كانت بأو.

نعم في التذكرة زيادة على ذلك قال في الفرض: «يعتبر فيه أمور

ج 38، ص: 69

الأول جمع التراب حواليه ليفصل المحيا عن غيره و يسمى المروز، و في معناه نصب قصب و حجر و شوك و شبهه، و لا حاجة إلى التحويط إجماعا، فإن معظم المزارع بارزة. الثاني تسوية الأرض بطم الحفر التي فيها و إزالة الارتفاع من المرتفع، و حراثتها، و تليين ترابها، فان لم يتيسر ذلك إلا بماء يساق إليها فلا بد منه لتهيأ الأرض للزراعة. الثالث ترتيب ماؤها إما بشق ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة و سقيها إن كانت عادتها أنها لا تكفي في زراعتها بماء السماء، و إن اكتفت به فلا حاجة إلى سقي و لا ترتب ماء، و إذا احتاجت في السقي إلى النهر وجب تهيأ ماء من عين أو نهر أو غيرهما، فإذا هيأه فإن حفر له الطريق و لم يبق إلا إجراء الماء فيه كفى، و لم يشترط إجراء الماء و لا سقي الأرض، و إن لم يحفر بعد فللشافعية وجهان، و بالجملة السقي نفسه غير محتاج إليه في تحقق الإحياء، إنما الحاجة إلى ترتب ما يمكن السقي منه، و أراضي الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليها و لا يصيبها إلا ماء السماء قال بعض الشافعية:

لا مدخل للاحياء فيها و بنى عليه، أما إذا وجدنا شيئا من تلك الأراضي في يد انسان لم يحكم بأنه ملكه، و لا يجوز بيعه و إجارته، و الوجه أنها تملك بالحراثة و جمع التراب على الحدود، و كثير من المزارع يستغنى عن سوق الماء إليه بالمطر» و فيه- مع أنه متدافع بالنسبة إلى اعتبار السقي كما في جامع المقاصد اللهم إلا أن يفرق بين السقي للتهيئة و السقي لغيرها، و كذا الكلام في الحرث- أن الأمر الثاني لم أجد من اعتبره.

نعم في جامع المقاصد حكايته عن بعض الشافعية، ثم قال: «و اعتبار تسوية الأرض و إزالة الارتفاع ليس ببعيد، لعدم صيرورتها مزرعا من دونه، أما الحرث و السقي فلا دليل على اعتبارهما، و لأنهما بمنزلة

ج 38، ص: 70

الزرع، و هو غير شرط».

قلت: اعترف هو به، بل في المتن و القواعد و التحرير و الدروس و محكي المبسوط و المهذب و غيرها أنه لا يشترط حراثتها و لا زراعتها، لأن ذلك انتفاع كالسكنى و ستسمع ما في الحكم الذي ذكره في أراضي الجبل التي تسقى بماء المطر كغيرها من الأراضي المهيأة بنفسها للانتفاع.

بل قد يقال بعدم اعتبار ما ذكره هو و غيره من المرز الذي فسر بجمع التراب حول ما يريد إحياءه أو المسناة المفسرة بأنها نحو المرز، و ربما كانت أزيد منه ترابا، فان التمييز لا يتوقف عليه صدق الاحياء عرفا، كالتحويط الذي سمعت في التذكرة الإجماع على عدم اعتباره، و التمييز يحصل بانتهاء قابلية الانتفاع لا بالمرز و نحوه.

بل قد يشك أيضا في سوق الماء إن أريد به حصوله فعلا كما فهمه في جامع المقاصد، قال: «و كلام الأصحاب في اشتراط سوق الماء يقتضي عدم الاكتفاء بالتهيئة» ضرورة عدم توقف الاحياء عليه، بل يكفي فيه تهيئة ذلك عند الاحتياج كما سمعته من التذكرة.

نعم ينبغي اعتبار عضد الأشجار و إن كان فيها و قطع المياه الغالبة كما صرح به في اللمعة، قال: «و المرجع أي في الاحياء إلى العرف، كعضد الشجر و قطع المياه الغالبة و التحجير بحائط أو مرز أو مسناة و سوق الماء إليها أو اعتياد الغيث لمن أراد الزرع و الغرس» و لكن ظاهر هذه العبارة كما اعترف به في الروضة أن الأرض التي يراد إحياؤها للزراعة لو كانت مشتملة على شجر و الماء مستولى عليها لا يتحقق إحياؤها إلا بعضد شجرها و قطع الماء عنها و نصب حائط و شبهه حولها و سوق ما تحتاج اليه من الماء إليها إن كانت مما يحتاج إلى السقي به،

ج 38، ص: 71

فلو أخل بأحد هذه لا يكون إحياء، بل تحجيرا، و إنما جمع بين قطع الماء و سوقه إليها لجواز أن يكون الماء الذي يحتاج إلى قطعه غير مناسب للسقي بأن يكون وصوله على وجه الرشح المضر بالأرض من غير أن ينفع بالسقي و نحو ذلك، و إلا فلو كان كثيرا يمكن السقي به كفى قطع القدر المضر منه و إبقاء الباقي للسقي، و حينئذ فيشكل بما ذكرناه.

و لو جعل الواو في هذه الأشياء بمعنى «أو» كان كل واحد منها كافيا في تحقق الاحياء، فهو أشد إشكالا، لعدم صحته في بعضها.

و في الدروس اقتصر على حصوله للزرع بعضد الأشجار و التهيئة للانتفاع و سوق الماء أو اعتياد الغيث و السيح، قال: «و يحصل الإحياء أيضا بقطع المياه الغالبة» و ظاهره الاكتفاء به عن الباقي أجمع كما في الروضة، و يمكن أن يريد أن ذلك مع فرض عدم احتياجها إلى غيره. نعم يرد عليه بعض ما ذكرناه.

و في الروضة أيضا «عبارات الأصحاب مختلفة في ذلك كثيرا، و الأقوى الاكتفاء بكل واحد من الأمور الثلاثة السابقة مع سوق الماء حيث يفتقر اليه، و إلا اكتفى بأحدها خاصة، هذا إذا لم يكن المانعان الأولان أو أحدهما موجودا و إلا لم يكتف بالباقي، فلو كان الشجر مستوليا عليها و الماء كذلك لم يكف الحائط و كذا أحدهما، و كذا لو كان الشجر لم يكف دفع الماء و بالعكس، لدلالة العرف على ذلك كله، أما الحرث و الزرع فغير شرط فيه قطعا، لأنه انتفاع بالمحيا كالسكنى لمحيي الدار، نعم لو كانت الأرض مهيأة للزراعة و الغرس لا تتوقف إلا على الماء كفى سوق الماء إليها مع غرسها أو زرعها، لأن ذلك يكون بمنزلة تمييزها بالمرز».

ج 38، ص: 72

و فيه منع الاكتفاء بالحائط خاصة عرفا، لمنع صدق الاحياء بسوق الماء مع الغرس و الزرع في الأخيرة، ضرورة كونها حية فملكها يكون بالاستيلاء عليها لمن أبيح له ذلك من الأنفال.

و في الدروس أيضا «و لا يشترط الحرث و لا الزرع و لا الغرس على الأقرب، نعم لو زرع أو غرس و ساق الماء فهو إحياء، و كذا لا يشترط الحائط و المناة في الزرع، نعم يشترط أن يبين الحد بمرز و شبهه، و أما الغرس فالظاهر اشتراط أحد الثلاثة مصيرا إلى العرف، و لو فعل دون ذلك و اقتصر كان تحجيرا يفيد أولوية لا ملكا» الى آخره.

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و اكتفى في المسالك في الزرع بالمرز أو المسناة أو نصب القصب و نحوه و ترتيب الماء إن لم يكن فيه أشجار أو مياه غالبة، و إلا اعتبر عضدها و قطعها أيضا.

و فيه ما عرفت من عدم اعتبار المرز عرفا، ضرورة كون الموات المعطلة، و الحية المهيأة للانتفاع الذي قد أشير إليه في بعض النصوص السابقة بكري الأنهار و نحوه.

و لعله إلى ما ذكرناه يرجع قول المصنف و لو غرس أرضا فنبت فيها الغرس و ساق إليها الماء تحقق الاحياء، و كذا لو كانت مستأجمة فعضد شجرها و أصلحها، و كذا لو قطع عنها المياه الغالبة و هيأها للعمارة، فإن العادة قاضية بتسمية ذلك كله إحياء، لأنه أخرجها بذلك إلى الانتفاع الذي هو ضد الموات.

لكن في المسالك في تفسير العبارة أنه اعتبر أحد أمور: إما غرسها بالفعل و نبات غرسها و سوق الماء إليها، و إما عضد شجرها و إصلاحها

ج 38، ص: 73

بإزالة الأصول و تسوية الأرض إن كانت مستأجمة، أو بقطع المياه الغالبة عليها و تهيئتها للعمارة.

و ظاهره أن كل واحد من هذه الثلاثة كاف في الاحياء، محتجا بدلالة العرف عليه، و إنما اعتبر غرس الأشجار و نباتها لأن اسم البستان لا يقع على الأرض المهيأة له قبل الغرس، بخلاف المزرعة، فإنها تقع على الأرض قبل الزراعة، و لأن الغرس يدوم فألحق ببناء الدار، و الزرع بخلافه.

و يشكل بأن قصد الغرس أعم من جعله بستانا، و لا يلزم من توقف اسم البستان على الشجر توقف غيره.

و لا يخفى عليك ما في ذلك كله، إذ المصنف لم يعتبر الغرس في الاحياء، بل ذكر تحققه بوقوع الغرس مع سوق الماء، و لا إشعار في شي ء من كلامه بتوقف صدق الاحياء على ذلك، بل و لا بكفاية أحدها و إن لم يتحقق معه اسم التهيئة، بل صريح كلامه الأخير الاكتفاء بالتهيئة للانتفاع.

ثم قال فيها: «و الأقوى عدم اشتراط الغرس مطلقا، و عدم الاكتفاء بكل واحد من الثلاثة على انفراده على تقدير الحاجة إليها أجمع بأن كانت الأرض مستأجمة و الماء غالبا عليها، بل لا بد حينئذ من الجمع بين قطع الأشجار و دفع الماء، و إن وجد أحدهما خاصة اكتفى بزواله، و إن خليت عنهما و احتاجت إلى الماء فلا بد من تهيئته للسقي كما ذكرناه في الزرع.

و لو خلت عن الجميع بأن كانت غير محتاجة إلى السقي و لا مستأجمة و لا مشغولة بالماء اعتبر في إحيائها التحجير عليها بحائط و نحوه، و في الاكتفاء بغرسها مع نبات الغرس وجه، و في كلام الفقهاء اختلاف كثير في اعتبار ما يعتبر من ذلك، و المحصل ما ذكرناه». و تبعه على ذلك كله في الكفاية.

ج 38، ص: 74

و فيه أن ما ذكره عين ما اختاره المصنف، و لعل ما ذكره من اختلاف الفقهاء هو نحو ما ذكره في كلام المصنف من إرادة الجميع التهيئة المزبورة و إن اقتصر بعضهم على ذكر بعض باعتبار حصولها معه، لفرض عدم مانع غيره لها، و حينئذ فلا فرق في صدق الاحياء بذلك بين الزرع و الغرس.

و أما ما ذكره أخيرا فقد عرفت أن الظاهر عدم تحقق إحياء فيها، لصدق كونها حية، فملكها إنما يكون كملك غيرها من الأنفال لمن أبيحت له، إذ قد ذكرنا سابقا أنها للإمام (عليه السلام) و إن كانت غير ميتة باعتبار اندراجها في الأرض التي لا رب لها، و الله العالم.

و كيف كان ففي المتن من فقهائنا الآن أي شيخه الفقيه نجيب الدين بن نما (رحمه الله) من يسمي التحجير إحياء مفيدا للملك، كما عن بعض الشافعية، لخروجه بالشروع في إحيائه عن حد الموات، و من ثم أفاد به حقا في الجملة إجماعا، و الاحياء كما تقدم غير منضبط شرعا و لا عرفا.

و زاد في المسالك أنه قد وافق الجماعة على أن الأرض إذا كانت غير مستأجمة و لا مشتملة على مانع و لا مفتقرة إلى السقي بالماء المجتلب يكفي تمييز المحيا عن غيره بتراب و نحوه في تحقق الاحياء، و هذا من أضعف أفراد التحجير.

و على كل حال ف هو بعيد جدا، ضرورة عدم تحقق الاحياء بالتحجير الذي هو الشروع فيه أو نصب ما يدل على إرادة الاحياء، و دعوى عدم انضباط الاحياء عرفا واضحة الفساد، كدعوى حصول الملك بالتحجير في الأرض المزبورة.

و من هنا حمل في الدروس كلامه على أرض ليس فيها استئجام

ج 38، ص: 75

و لا ماء غالبا و تسقيها الغيوث غالبا، فان فعل ذلك يعد إحياء و خصوصا عند من لا يشترط الحرث و الزرع، لأنهما انتفاع، و هو معلول الملك، فلا يكون علة له.

و فيه ما عرفت من منع صدق تحقق الاحياء بذلك، و منه يعلم ما في الزيادة التي سمعتها في المسالك.

بل و كذا قوله فيها أيضا: «و حيث كان المحكم في الاحياء العرف فان وافق التحجير في بعض الموارد كفى و إلا فلا» ضرورة أنه بناء على ما عرفت لا يمكن موافقته للاحياء أصلا، و لذا أطلقوا إفادته الحق دون التمليك، كما هو واضح.

و يمكن حمل كلام ابن نما- إن لم يكن قد صرح بالملك- على إرادة كون التحجير كالأحياء في إفادته الأولوية دون الملك، كما هو المحكي عن المبسوط و المهذب و السرائر.

قال في الأول: «إذا حجر أرضا و باعها لم يصح بيعها، و من الناس من قال يصح، و هو شاذ، فأما عندنا فلا يصح بيعه، لأنه لا يملك رقبة الأرض بالاحياء، و إنما يملك التصرف بشرط أن يؤدي للإمام (عليه السلام) ما يلزمه عليها، و عند المخالف لا يجوز، لأنه لا يملك بالتحجير قبل الاحياء، فكيف يبيع ما لا يملك» و نحوه عن المهذب و كذا السرائر.

و هو كالصريح في اتحاد مفاد التحجير و الاحياء و إن اختلف مسماهما.

و لو نزل منزلا فنصب فيه خيمة أو بيت شعر لم يكن إحياء، و كذا لو أحاط بشوك و نحوه، نعم ذكر غير واحد من الأساطين أنه يكون تحجيرا يفيد أولويته به إلى أن يرحل، بل في التذكرة و جامع المقاصد أنه يكون أولى أيضا بما حواليه مما يحتاج إليه للارتفاق، و لا يزاحم في

ج 38، ص: 76

الوادي الذي سرح فيه مواشيه إلا أن يفضل، و إذا ارتحل بطل الاختصاص و إن بقيت آثار الفساطيط و الخيم.

و هو و إن كان موافقا لما أشرنا إليه سابقا من ثبوت الحريم بالتحجير كالملك لكن ما ذكره أخيرا لا يخلو من نظر بل منع، بل قد يمنع كون مثله تحجيرا، لعدم كونه شروعا في إحياء، لعدم قصده، و إنما هو سبق إلى الموات، فيكون من قبيل ما تسمعه في.

[الطرف الثالث في المنافع المشتركة]

اشاره

الطرف الثالث الذي هو في المنافع المشتركة، و هي الطرق و المساجد و المشاهد و الوقوف المطلقة كالمدارس و الربط و الخانات و المقابر و المساكن و نحوها مما هو مشترك المنفعة بين الناس أجمع حتى الموات الذي لم يرد إحياؤه.

و في التذكرة كل رقبة أرض فاما أن تكون مملوكة و منافعها تتبع الرقبة فلمالكها الانتفاع بها دون غيره إلا بإذنه بالإجماع، و إما أن لا تكون مملوكة، فاما أن تكون محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع و المساجد و الربط أو تكون منفكة عن الحقوق الخاصة و العامة، و هي الموات» و نحوه في المسالك.

و مقتضاه عدم ملك المسلمين لها على نحو ملكهم للمفتوحة عنوة، و ربما يترتب على ذلك ثمرة، كالبيع و نحوه من الحاكم لو اقتضت مصلحة لذلك، كما أشرنا إليه سابقا.

و على كل حال ففي المتن و غيره

[أما الطرق]

أما الطرق ففائدتها الاستطراق

ج 38، ص: 77

و الناس فيها شرع، فلا يجوز الانتفاع فيها بغيره إلا ما لا يفوت به منفعة الاستطراق كالجلوس غير المضر بالمارة لإجماع الناس عليه في جميع الأمصار كما في التذكرة و جامع المقاصد و المسالك و الروضة.

بل قد يقال: إن السيرة تقتضي جواز الارتفاق بالطرق بغير الاستطراق كوضع الأحمال و وقوف الدواب فضلا عن وقوف الشخص نفسه لأغراض تتعلق له بذلك، فيتجه حينئذ عدم تسلط المستطرق على ما كان كذلك، لاشتراك الجميع في حق الارتفاق.

و حينئذ فما في المتن كقول الفاضل في الإرشاد: «لا يجوز الانتفاع بالطرق في غير الاستطراق إلا بما لا يفوت معه منفعة» لا يخلو من نظر.

و لعله لذا قال في المفاتيح: «قيل: لا يجوز الانتفاع في الطرق بغير الاستطراق إلا ما لا يضر به، كالوقوف و الجلوس للاستراحة و المعاملة و نحوهما إذا لم يتضيق على المارة- إلى أن قال-: و قيل: بالمنع من ذلك مطلقا، و الأول أشهر» إلى آخره. و إن كنا لم نعرف القول المزبور لأحد.

إنما الكلام في الأول الذي قد عرفت الاشكال فيه، بل قيل إنهم بنوا ضمان الواقف على الماشي فيما إذا تعثر بواقف غير مضر بالمارة و ماتا و قالوا: إن دم الماشي هدر، لأنه باشر تلف نفسه بلا تفريط من الواقف، مستندين إلى ما ذكر من أن الوقوف من موضوعات الطريق، لأن الماشي قد يحتاج إلى الوقوف، و مقتضى ذلك أن الوقوف في الطريق من موضوعاته أيضا.

لكن قيل: إنهم قالوا فيما إذا تعثر الماشي بالقاعد غير المضر بالمارة أن ضمان الماشي على القاعد، لأنه بجلوسه مفرط، لوضع الطريق للمشي و قالوا: إنه لو تلف القاعد أو شي ء منه كان الضمان على العاثر أو أنه هدر.

ج 38، ص: 78

قلت: قد يقال: إن ذلك كله منهم غير مناف لما هنا من كون المنفعة الأصلية من الطريق الاستطراق، و الضمان و عدمه يتبع موجباته لا مدخلية للجواز و عدمه فيه، كما تعرفه في محله إنشاء الله تعالى.

إنما الكلام فيما أشرنا إليه من تقديم حق الاستطراق على باقي المرافق عند التعارض، و لعل السيرة خصوصا في بعض الأفراد تقتضي خلافه، فيتجه أن يقال: إن جميع ما يعرض للمستطرق من الموافق التي يحتاجها في استطراقه من جلوس و وقوف و نحوهما لا فرق بينها و بين الاستطراق.

و منه ما يحتاج اليه من كانت باب داره إلى الطريق من إدخال الأحمال و الدواب و نحوها باعتبار أن ذلك كله من توابع استطراقه، أما إذا لم يكن كذلك بل كان مرفقا لا من حيث الاستطراق كالجلوس للبيع و نحوه فلا ريب في تقدم حق الاستطراق عليه عند التعارض، و الله العالم.

و كيف كان ف إذا قام الجالس غير المضر بالمار بعد استيفاء غرضه و عدم نية العود بطل حقه الذي لم يعلم ثبوته له زائدا على ذلك، بل لعل المعلوم عدمه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه.

و حينئذ ف لو عاد اليه بعد أن سبق الى مقعده غيره لم يكن له الدفع ضرورة ثبوت الحق حينئذ للسابق دونه.

أما لو قام قبل استيفاء غرضه لحاجة ينوي معها العود قيل و ان كنا لم نعرف القائل كان أحق بمكانه للأصل الذي يمكن منعة، و من هنا نسبه الى القيل مشعرا بضعفه، بل صرح الفاضل و غيره بعدم بقاء حقه.

ج 38، ص: 79

نعم لو كان له فيه رحل ففي محكي المبسوط و جملة من كتب الفاضل و الدروس و غيرها بقاء حقه، لفحوى ما ورد(1)من ذلك في المسجد، و عن التذكرة أنه أحق به الى الليل، ل

قول الصادق (عليه السلام)(2): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق الى مكان فهو أحق به الى الليل»

و لكن الجميع كما ترى.

و من هنا أطلق غير واحد عدم بقاء حقه، سواء استوفى غرضه أو لا، و سواء كان له رحل أو لا، و سواء كان مع نية العود أو لا، و سواء كان الزمان طويلا أو لا، و سواء أذن الامام أو لا.

و لعل الوجه في أصل المسألة أن حقية الطريق للجالس بالسبق و وضع الرحل و نحو ذلك ليست كحقية التحجير التي تنتقل بالصلح و الإرث و نحوهما، بل هي لا تزيد على حرمة الظلم بدفعه عن مكانه و بالتصرف برحله الموضوع في مكان كان يجوز له وضعه فيه.

و من هنا صرح في التذكرة بأنه لو دفعه عن مكانه أثم و جل له مكثه فيه و صار أحق من غيره به.

و بذلك يظهر أنه لا يدخل في موضوع الغصب و لا يترتب عليه ضمان، ضرورة عدم كونه من الأموال أو الحقوق المالية كما تقدم بعض الكلام فيه في الغصب.

و هذا و إن كان قد ينافيه لفظ الحق و الأحق في كلامهم بناء على


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة و الباب- 17- من أبواب آداب التجارة من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب آداب التجارة- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 80

انسياق المعنى الزائد على الظلم منه، لكن بمعونة عدم ذكر اللفظ المزبور هنا في شي ء من النصوص المعتبرة- و معلومية عدم انتقاله للغير بالصلح و نحوه على وجه يكون للمصالح و إن لم يجلس فيه، و عدم انتقاله بالإرث، و عدم الفتوى ببقاء حقه لو انتقل عنه بنية العود مع عدم استيفاء الغرض الذي هو مقتضى الأصل لو كان هو من الحقوق الزائدة على الظلم- يقوى إرادة عدم جواز دفع أحد له عن المكث فيه و ان كان هو بالأصل مشتركا بين الناس. و بهذا المعنى ملاحظا فيه الاشتراك المزبور أطلق عليه لفظ الأحق في عباراتهم.

بل لعله كذلك فيما ورد(1)فيه ذلك من حق المسجد و الوقف و نحوهما باعتبار عدم الجابر لتلك النصوص على وجه يحصل الوثوق بإرادة المعنى الزائد من الظلم منه، و الفرض قصورها أجمع عن درجة الحجية.

و بذلك يتضح أن وضع الرحل الذي صرحوا فيه بالحق معه في المقام و فيما يأتي من المساجد و نحوها إنما هو باعتبار حرمة التصرف بنقل الرحل من الموضع الذي كان يجوز له وضعه فيه، فهو من الاحتيال للاختصاص بالمكان، لا لأن وضعه يثبت حقا للشخص في المكان على نحو آثار التحجير، فإنه لم نجد في شي ء من النصوص إشارة الى ذلك.

و حينئذ فلو إطارة الريح أو نقله ظالم له أو غيره فالمكان على شركته الأصلية، للغير المكث فيه و الصلاة. و بالجملة وجود الشخص أو رحله السابق على مجيئه أو المتأخر عنه لا يرفع الاشتراك الأصلي

في ذاته و ان حرم الدفع و نقل المتاع و البساط و نحوه.

و بهذا التحقيق ينكشف لك الحال في المقام بل و غيره مما يأتي، الا أنه مع ذلك كله يمكن أن يقال: ان الأحقية تحصل أيضا ما دام


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب آداب التجارة- من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 81

يصدق كون الشي ء في يد المستحق و في تصرفه و تحت قبضته، فأخذه منه حينئذ كدفعه الحسي ظلم.

و لعله لذا اعتبروا الرحل مع نية العود في الطريق و المسجد، بخلاف ما إذا لم يكن له رحل، فإن نية العود لا تكفي في صدق كون الشي ء في اليد و تحت القبضة.

نعم هو كذلك في سكنى بيوت المدارس و الربط و نحوها، و لذا لم يعتبر أحد منهم بقاء الرحل في الاستحقاق لو خرج الخروج الذي لا ينافي صدق كونه في قبضته عرفا في مثل الخروج لقضاء حاجة و نحوها، و إن كان هو لا يخلو من نظر إن لم يكن إجماعا، كما ستعرف إنشاء الله فتأمل جيدا.

ثم إنه حيث يجوز له الجلوس يجوز له التظليل بما لا يضر بالمارة كما نص عليه غير واحد و على أنه لا يجوز له بناء دكة، بل في الدروس و لا تسقيف، و إن كان قد يشكل مع فرض عدم الإضرار بالمارة بأن مقتضى الأصل الجواز.

و في المسالك «و له أن يظلل عليه موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة من ثوب و بارية و نحوها، لا بناء دكة إلا مع سعة الطريق بحيث لا يتضرر به المارة أصلا، فيتجه الجواز». و فيه ما لا يخفى من عدم الفرق مع فرض عدم الضرر.

و منه يعلم ما في إطلاق المحكي عن المبسوط «إذا سبق إلى موضع كان أحق به من غيره، لأن بذلك جرت عادة أهل الأمصار، يفعلون ذلك و لا ينكره أحد، غير أنه لا يجوز أن يبني دكة و لا ينصب مستندا» و تحقيق ذلك هو أن الأصل و السيرة القطعية يقتضيان جواز سائر وجوه الانتفاع بالمنافع المشتركة إذا لم تعارض أصل المنفعة المقصودة منه

ج 38، ص: 82

الذي أعد لها بإحياء المحيي أو بوقف الواقف أو بتسبيل المسبل أو بغير ذلك من غير فرق بين ما يدوم أثر التصرف كالبناء و نحوه و بين ما لا يدوم مع فرض عدم إخراجه بذلك عما أعد له، فلو بنى بعض أرض الطريق بآجر مثلا على وجه لا يخرجه عن أصل الاستطراق لم يكن بذلك بأس و إن كان مراده بذلك الاستئثار به لو أراد الجلوس عليه غير المضر بالمارة، باعتبار أنه ملكه نحو وضع البساط و نحوه.

و كذلك الكلام في السقف، و لا ينافي ذلك ثبوت حق الاستطراق بعد ما سمعت من الإجماع على جواز الارتفاق بغير المضر به، فليس للمستطرق حينئذ اختيار هذه القطعة لاستطراقه بعد فرض وجود ما يصلح له غيرها، إذ الثابت له حق الاستطراق في المجموع لا في كل جزء، و من هنا لم يكن له إزعاج الجالس غير المضر، و استمرت الطريقة على وضع القمامة و غيرها في الطرقات إذا لم تكن مضرة بالمستطرق، لوجود ما يصلح لاستطراقه غيرها.

و لا ينافي ذلك اشتراك الناس فيها بعد أن كان الثابت من الاشتراك كونه على الوجه المزبور، بل هو مؤكد له، و من ذلك استمرار الناس على الانتفاع بالمساجد بغير العبادة مع عدم المزاحمة لأهل المنفعة المقصودة.

و دعوى حرمة الانتفاع بغيرها إلا ما جرت السيرة عليه لا حاصل لها بعد أن علم منها الجواز على وجه الكلية، لا خصوص أفراد من الارتفاق، بل صريح كلمات الأصحاب أن المدار على تضرر ذوي المنفعة المقصودة و عدمه، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو جلس للبيع أو الشراء في الطريق فالوجه عند المصنف المنع إلا في المواضع المتسعة كالرحاب نظرا إلى العادة و نحوه ما في التحرير، غير أنه قال: احتمل المنع. و في القواعد «و لو

ج 38، ص: 83

جلس للبيع و الشراء في الأماكن المتسعة فالأقرب الجواز» و في الإرشاد «و لو كان أي الجلوس للبيع أو الشراء في الرحاب فكذلك» لكن لا يخفى عليك ما في الجميع من الإجمال، ضرورة أنه إن أريد بالرحاب المتسعة الأماكن التي ليست طرقا فهو- مع أنه خارج عن مفروض البحث فلا يصح استثناؤه- أنه لا يناسبه ذكر الوجه و الأقرب و الاحتمال فيه، ضرورة عدم المانع من ذلك فيها.

و إن أريد خصوص ما زاد على النصاب مما هو مستطرق فكذلك أيضا بناء على عدم جريان حكم الطريق على الزائد المزبور، بل لو قلنا بكونه مثله أشكل الفرق حينئذ بينه و بين غيره مع فرض عدم الضرر، و ربما احتمل إرادة غير المضرة بالاستطراق من المتسعة كما عبر به جماعة، لكنه كما ترى.

و أوحش عنه ما في المسالك و أتباعها في شرح المتن المزبور من أنهم اختلفوا في جواز الجلوس للبيع و الشراء، فمنعه بعضهم مطلقا، لأنه انتفاع بالبقعة في غير ما أعدت له فكان كالانتفاع بالوقوفات الخاصة في غير ما عينت له من الجهة، و المشهور التفصيل، و هو المنع من ذلك في الطريق المسلوك الذي لا يؤمن تأذي المارة به غالبا، و جوازه في الرحاب المتسعة في خلاله بحيث يؤمن تأذي المارة به.

إذ هو- مع أن ما حكاه من القول الأول لم نعرفه لأحد من العامة و الخاصة، و قد نقل هو و غيره إجماع الناس في جميع الأعصار على فعل ذلك مع عدم التضرر من غير فرق بين الجلوس للبيع و غيره- أن التفصيل المزبور لم نعرفه أيضا لأحد إن لم يكن المراد به ما أشرنا إليه من ضرر المارة و عدمه.

كما أن ما ذكره من قوله: يؤمن و لا يؤمن لا حاصل له أيضا،

ج 38، ص: 84

ضرورة كون المدار في المنع على الضرر المزبور الذي يمكن معه القول بالجواز حتى يحصل، لا المنع حتى يعلم العدم و إن كان هو محتملا أيضا، إلا أن الأول أقوى.

و على كل حال فلا فرق بين الجلوس للبيع و الشراء و بين غيره حتى الجلوس للنزهة و نحوه، و لو على جهة اتخاذ ذلك موطنا مع فرض عدم تضرر المارة.

و من ذلك يعلم ما في المتن و القواعد من جعل حكم الجلوس للبيع مستقلا عما ذكره أولا من مطلق الجلوس الذي نسب القول فيه لبقاء حقه مع القيام و نية العود إلى القيل، و لم يشر إلى مسألة الرحل، ضرورة اتحاد الجميع في مدرك الجواز أو العدم.

و حينئذ فقوله هنا كالفاضل و لو كان كذلك أي جلس للبيع حيث يجوز له ذلك فقام و رحله باق فهو أحق به لا يختص بخصوص البيع، و لعله لذا حكى غير واحد ما هنا في المسألة السابقة فيما إذا كان الرحل باقيا، فلا حظ و تأمل فإنه قد قدمنا تحقيق الحال في ذلك، و الله العالم.

و لو رفعه ناويا للعود فعاد قيل و لم أعرف القائل به منا:

كان أحق به لئلا يتفرق معاملوه فيستضر.

نعم في التذكرة عن الجويني من العامة أنه إن مضى زمان ينقطع فيه الذين ألفوا المعاملة معه و يستفتحون المعاملة مع غيره بطل حقه، و إن كان دونه لم يبطل، لأن الغرض من تعيين الموضع أن يعرف فيعامل، فلا فرق بين أن تكون المعاملة لعذر كسفر أو مرض أو لغير عذر، و على هذا فلا يبطل حقه بأن يرجع بالليل إلى بيته، و ليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني، و كذلك الأسواق التي تقام في كل أسبوع أو في كل شهرة مرة

ج 38، ص: 85

إذا اتخذ منها مقعدا كان أحق به في النوبة الثانية و إن تخللت بينهما أيام.

و هو كما ترى مبني على استحسان و نحوه، ضرورة عدم مدخلية تضرره بثبوت الحق المشترك بين الناس أجمع من الذين يتضررون بذلك أيضا، و خصوصا من سبق إليه.

و من هنا قيل و القائل من عثرنا على كلامه من الأصحاب و إن تفاوتوا بالإطلاق و التصريح عدا الفاضل في التذكرة:

يبطل حقه، إذ لا سبب للاختصاص، و لا ريب في أنه هو أولى لأصالة الاشتراك السالمة عن المعارض و الخبر المزبور(1)الذي استند إليه الفاضل في التذكرة في كونه أحق به إلى الليل لا جابر له، مع أن مقتضاه و إن لم ينو العود، بل و إن نوى عدمه.

هذا و في التذكرة أيضا أنه حيث يختص الجالس بموضعه يختص أيضا بما حوله على قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه و وقوف المعاملين فيه، و ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه أو يضيق عليه الكيل و الوزن و الأخذ و العطاء، و تبعه عليه في المسالك.

و لكن الانصاف عدم دليل معتبر عليه على وجه ينطبق على أصول الإمامية، خصوصا على مختاره فيها المقتضي لعدم ثبوت حق للسابق زائد على الظلم الذي ذكرناه سابقا، و خصوصا بعد ما ذكرناه فيمن نصب خيمته، فلا حظ و تأمل.

اللهم إلا أن يقال: إن الدليل على ذلك صدق السبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم مع كون المسبوق إليه في يده و في قبضته و في تصرفه.

ثم قال فيها متصلا بذلك: «هذا في المستوطن، أما المتردد الجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق يبطل حقه إذا فارق المكان،


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب آداب التجارة- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 86

و ما تقدم من أولوية الجالس إنما هو مفروض في غيره» و فيه أن إطلاق الخبر الذي ذكره سندا له يقتضيه.

و في المسالك بعد أن ذكر ما سمعته من التذكرة قال: «هذا كله في المستوطن أما الجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق فلا إشكال في بطلان حقه إذا فارق المكان، بل هذا خارج بنية المفارقة فلا يدخل في قسم ناوي العود، و لا يفتقر إلى استثناء» و فيه أنه لا يستحيل فرض نية العود منه، و خصوصا في بعض اليوم، إذ الكلام أن نية عوده تقوم مقام مكثه في بقاء الحق أو لا، فيجري فيه حينئذ ما يجري في غيره، نعم لا يجي ء على كلام الجويني الذي جعل المدار على التضرر بمعرفة المكان، فتأمل فإن المقام في بعض الكتب غير نقي، و الله العالم و الهادي.

و كيف كان ف ليس للسلطان فضلا عن غيره أن يقطع ذلك أو بعضه كما لا يجوز إحياؤه و لا تحجيره بلا خلاف أجده فيه عدا ما تسمعه من التذكرة، و ذلك لأن مورد الثلاثة الموات لا ما تعلق به حق المسلمين.

خلافا لبعض العامة فجوز إقطاع الإمام، لأن له يدا و تصرفا فيما يصلح المسلمين، كما أن له إزعاج بعض الجالسين.

و هو مبني على أصولهم لا أصولنا التي منها عصمة الإمام الذي هو و إن كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، إلا أن تصرفه في ذلك يكون على القوانين الشرعية، نعم لو فعل كان هو القانون الشرعي.

هذا و لكن في التذكرة «يجوز أن يقطع إنسانا الجلوس في المواضع المتسعة في الشوارع، فيختص بالجلوس فيه، و إذا قام عنه لم يكن لغيره

ج 38، ص: 87

الجلوس فيه للاقطاع، و به فرق بينه و بين السابق الذي يزول حقه بانتقاله».

و لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا إذا أراد عدم جواز انتفاع غيره حتى وقت انتقاله عنه، و احتمال أن ما لا يتضرر به المارة يبقى حكمه حكم الموات للإمام (عليه السلام) يدفعه أن الطريق قد احيي طريقا و تعلق به حق المستطرقين بأجمعه و إن اتفق في بعض الأزمنة عدم الضرر على المارة و لكن ذلك لا يجعله موتا، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في استحقاق الاستطراق بين المسلمين و غيرهم من أهل الذمة، بل لهم الانتفاع به أيضا فيما لا يضر بالمارة على نحو المسلم، للسيرة المستمرة على ذلك.

و لو استبق اثنان على وجه تعلق حقهما به معا و لم يمكن الجمع فالأقرب القرعة، بناء على ما ذكرناه غير مرة من أنها لكل أمر مشكل لجهل به أو لغيره، و لا ريب في تحققه هنا بعد أن لم يكن معينا شرعيا.

فما عن بعض العامة من أن التعيين للإمام بحسب المصلحة من أحوجية و نحوها واضح الضعف و إن احتمل في المحكي عن حواشي الشهيد تقديم الأحوج قال: «لأن القرعة لتعيين المجهول عندنا إذا كان متعينا في نفس الأمر، و ليس كذلك هنا» لكنه كما ترى، على أنه ما ندري ما ذا يقول مع تساويهما في الاحتياج.

و لو اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي النهاية و محكي السرائر إذا لم يعلم المشتري ثم علم بعد ذلك لم يكن عليه شي ء إذا لم يتميز الطريق، فإذا تميز وجب عليه ردها إليه، و رجع على البائع بالدرك.

و لعله ل

موثق ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب عقد البيع- الحديث 3 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 88

عن رجل اشترى دارا فيها زيادة من الطريق، قال: إن كان ذلك في ما اشترى فلا بأس»

و خبر عبد الله بن أبي أمية(1)«سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن دار يشتريها يكون فيها زيادة من الطريق، قال:

إن كان ذلك دخل عليه في ما حدد له فلا بأس».

و فيه أن الخبر الثاني ضعيف لا جابر له، بل الظاهر تحقق الموهن.

و أما الأول و إن كان موثقا إلا أنه مخالف لما عرفت من عدم جواز تملك أحد للطريق.

و ما سمعته من الشيخ و الحلي من عدم التمييز لا يقتضي الحل، إذ أقصاه جهل المغصوب، و ذلك لا يقتضي حله، فالمتجه حينئذ بطلان البيع للجهالة. أما مع عدم جهالته و لكن لم يعلم بغصبه كذلك فللمشتري الخيار بتبعيض الصفقة.

و يمكن حمل الخبرين المزبورين على عدم تبين الغصب حملا لفعل المسلم على الوجه الصحيح، إذ يمكن كون الطريق مرفوعا و أخذه بإذن أربابه، و يمكن أن يكون مسلوكا و لكن كان فيه زيادة على المقدر الشرعي، بناء على بقاء مثله على الإباحة

أو أن للحاكم المصالحة عنه مصلحة للمسلمين.

و بالجملة لا صراحة فيهما بدخول الزيادة على الوجه الغصبي و إلا كانا مطرحين، لمخالفتهما للضوابط مع قلة العامل، بل عدمه صريحا على الوجه المزبور، و الله العالم.

[أما المسجد]

و أما المسجد ف لا إشكال و لا خلاف في أن من سبق إلى مكان منه فهو أحق به ما دام جالسا فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع أو الضرورة عليه، بل في المسالك و غيرها سواء كان جلوسه لصلاة أم


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب عقد البيع- الحديث 4 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 89

لمطلق العبادة أم لتدريس العلم و الإفتاء و نحو ذلك.

قلت: بل و إن لم يكن لشي ء من ذلك، بل لنفس الجلوس فضلا عن الاشتغال بأمر آخر، نعم ليس له ذلك مع مزاحمة المصلين على نحو ما سمعته في الطريق.

و هل الصلاة مقدمة على غيرها من العبادات كقراءة القرآن؟ وجهان، أقواهما ذلك، و لكن لم أجده في كلام أحد من الأصحاب، بل و لا غيره من صور التعارض المتصورة في المقام.

و على كل حال فلو قام مفارقا رافعا يده عنه بطل حقه بلا خلاف و لا إشكال حتى لو عاد و قد شغله غيره.

و إن قام ناويا للعود إليه فإن كان رحله باقيا فيه فهو أحق به، و إلا كان مع غيره سواء كما صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم، بل في جامع المقاصد أنه المشهور، بل في محكي المبسوط نفي الخلاف فيه، قال: «فمن سبق إلى مكان في المسجد كان أحق به، فان قام و ترك رحله فيه فحقه باق، و إن حول رحله منه انقطع حقه منه، و لا خلاف فيه، و فيه نص لنا عن الأئمة (عليهم السلام)».

بل ليس فيه نية العود كالإرشاد و الدروس، ففي الأول «و لو قام و رحله فيه فهو أولى عند العود و إلا فلا» و في الثاني «فإذا فارقه بطل حقه إلا أن يكون رحله باقيا» بل في الروضة «هذا الشرط- أي نية العود- لم يذكره كثير» و إن كنا لم نتحققه.

بل ربما مال إليه بعض مشايخنا، لنفي الخلاف و المرسل المزبورين في المبسوط المؤيدين

بالخبر(1)«إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 151 و فيه « إذا قام الرجل من مجلسه ثم عاد اليه فهو أحق به».

ج 38، ص: 90

أحق به إذا عاد إليه»

بل و

الخبر(1)السابق «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل».

لكن فيه أنه لا وجه لبقاء الأحقية مع الاعراض عنه، ضرورة معلومية اشتراك الناس فيه، و بقاء الرحل ليس تحجيرا، و نفي الخلاف في الفرض غير متحقق، بل لعل عكسه كذلك، فلا جابر للمرسل المزبور، بل و لا للخبرين المذكورين المقتضيين ثبوت الأولوية حتى مع عدم بقاء الرحل.

نعم قد يقال بالحكم بها مع بقاء الرحل في صورة الجهل بالحال اعتمادا على شاهد الحال الذي هو بقاء الرحل، أما مع العلم بالعدم فلا ريب في عدمها، بل لو علم تردده في المجي ء و عدمه لم يكن له حق و إن كان مقتضى إطلاق ما سمعت ذلك، لكن لا جابر له، فلا يكون حجة.

نعم مقتضى إطلاق النص عدم الفرق بين طول الزمان و قصره، لكن في المسالك عن

الذكرى تقييده بأن لا يطول زمان المفارقة، و إلا بطل حقه أيضا، قال: «و لا بأس به خصوصا مع حضور الجماعة و استلزام تجنب موضعه وجود فرجة في الصف، للنهي (2)عن ذلك، بل استثنى بعضهم ذلك مطلقا و حكم بسقوط حقه حينئذ، و لا بأس به».

و فيه أن ذلك مجرد اعتبار لا يقتضي سقوط الحق الثابت بالدليل.

نعم قد يقال: إن المراد بالأحقية تقدمه على غيره عند التعارض لا جواز الانتفاع بالمكان حال عدمه، فحينئذ يجوز لغيره الوقوف فيه، فإذا جاء تنحى عنه و لو في أثناء الصلاة مع فرض عدم اقتضاء ذلك التصرف برحله و إلا لم يجز له لذلك لا للأحقية المزبورة.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب آداب التجارة- الحديث 1 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة.

ج 38، ص: 91

و في المسالك متصلا بما حكيناه «ثم على تقدير سقوط حقه يجوز رفع رحله إن استلزم شغل موضعه التصرف فيه و توقف تسوية الصف عليه، و يضمن الرافع له إلى أن يوصله إلى صاحبه جمعا بين الحقين، مع احتمال عدم الضمان للاذن شرعا».

قلت: لا يخفى عليك ضعف الاحتمال المزبور، لما ذكرناه غير مرة من أصالة الضمان مطلقا، لقاعدة اليد و غيرها.

بل قد يقال: إن سقوط أحقيته لا يقتضي جواز التصرف في ماله بعد أن كان وضعه بحق و لم تنحصر الصلاة في الموضع المخصوص، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه أنه لا خلاف في سقوط حقه مع عدم الرحل و إن نوى العود و كان قيامه لضرورة من تجديد طهارة و نحوها.

لكن في المتن قيل: إن قام لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة و ما أشبهه لم يبطل حقه و لكن لم نعرف القائل ممن تقدمه، نعم هو للفاضل في التذكرة و الشافعي في أحد قوليه، لإطلاق الخبر(1)السابق الذي لا جابر له فيه، بل الموهن متحقق.

أما إذا كان قيامه لغير ضرورة فلا ريب و لا خلاف في سقوط حقه، لكن في المسالك نسبته إلى المشهور مشعرا بوجود الخلاف فيه، قال:

«و فرقوا بينه و بين مقاعد الأسواق بأن غرض المعاملة يختلف باختلاف المقاعد، و الصلاة في بقاع المسجد لا تختلف» ثم نظر فيه بمنع عدم اختلاف بقاع المسجد في الفضيلة، لأن ثواب الصلاة في الصف الأول


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 151.

ج 38، ص: 92

أكثر، و قد يألف الإنسان بقعة من المسجد و يتضرر بفواتها كتضرره بفوات المتعاملين.

قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت سابقا من أن أحد من أصحابنا لم يقل بذلك فضلا عن أن يكون هو المشهور كما هو مقتضى كلامه حتى يحتاج إلى الفرق المزبور، و النظر المذكور- مع أن فيه ما فيه- انما ذكر ذلك الجويني كما عرفت الكلام فيه سابقا.

و كذا الكلام في قوله متصلا بما سمعت: «و ظاهر الأصحاب عدم الفرق هنا بين من يألف بقعة ليقرأ عليه القرآن و يتعلم من الفقه و نحو ذلك و غيره، لعموم قوله تعالى (1)«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ» و فرق بعضهم فأوجب أولوية المذكورين، كمقاعد الأسواق خصوصا في الجوامع الكبيرة، لأن له غرضا في ذلك الموضع ليألفه الناس» فإنه لم نجد الفرق المزبور لأحد من أصحابنا، و إنما هو لبعض الشافعية الذين يناسب أصولهم الاعتبارات المزبورة.

و أغرب من ذلك قوله متصلا بما سمعت: «و إن كان قيامه لضرورة لتجديد طهارة أو

إزالة نجاسة و قضاء حاجة ففي بطلان حقه وجهان: أحدهما- و هو الذي قطع به المصنف- عدم البطلان، لمكان الضرورة و احتج له في التذكرة ب

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(2): «إذا قام»

إلى آخره.

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(3): «سوق»

إلى آخره. و يشكل مع قطع النظر عن السند بأنه أعم من المدعى و أنتم لا تقولون به على العموم، و المخصص لهما مع عدم الضرورة مخصص


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 25.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 151.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب آداب التجارة- الحديث 1 من كتاب التجارة- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 93

معها. و الوجه الثاني بطلان حقه، لحصول المفارقة» إذ هو كما ترى نسب إلى المصنف الأول و صريح كلامه خلافه، بل قد عرفت أنه لم نعرفه قولا لأحد من أصحابنا. و منه يعلم ما قوله: «وجهان» المشعر بالتردد.

ثم إن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في بطلان الحق مع عدم الرحل بمفارقة المكان

للعذر بين كونه قبل الصلاة أو في أثنائها، لكن في الدروس الفرق فحكم ببقاء الأولوية في الثاني إلا أن يجد مكانا مساويا للأول أو أولى منه، و سقوطها في الأول محتجا بأنها صلاة واحدة فلا يمنع من إتمامها.

و فيه أن حقه تابع لاستقراره بعد فرض عدم الرحل، و إتمامها لا يتوقف على مكان الشروع، و فرض كونه أقرب للعود لا يقتضي بقاء الأولوية المزبورة و إن أدى ذلك إلى بطلان صلاته، كما هو واضح.

ثم إن ظاهر الأصحاب هنا بيان حكم المفارقة مع بقاء الرحل الذي قيل إنه شي ء من أمتعته و إن قل.

أما السبق بذلك فهل يوجب الأحقية أو لا بد من وصوله إليه نفسه و استقراره عليه؟ قد يظهر الثاني من المحكي عن الشهيد، فإنه حكى عن الفاضل في التحرير في كتاب الصلاة أنه لا تحصل الأولوية بالرجل في المسجد، و جمع بين ذلك و بين كلامه هنا بحمل الأول على تقدم رحله من غير استقرار عليه و كلامه هنا على الاستقرار ثم الخروج بعد ذلك.

و لعل مراده من الاستقرار مطلق الكون، ضرورة عدم مدخليته في ثبوت الأحقية مع الوصول إليه.

و قد يقال بتحقق السبق بمثل ذلك عرفا و إن لم يصل إليه، لكنه محل شك، و الأصل عدمه خصوصا بعد ظهور كلمات الأصحاب في الثاني.

ج 38، ص: 94

لكن لا يخفي عليك أنه بناء على ما حققناه سابقا في الطريق يتجه عدم ثبوت الأحقية ببقاء المتاع إذا كان صغيرا بحيث لا يستلزم المكث في المكان التصرف فيه، نعم لو كان كبيرا مشغلا للمكان مثلا اتجه وجوب الاجتناب، لحرمة التصرف بمال الغير، لا لأن وضعه يفيد أحقية في المكان نحو التحجير و إن كان جملة من العبارات توهم ذلك، لكن قد عرفت عدم الدليل له.

و عليه لا فرق حينئذ بين الصغير و الكبير بعد صدق اسم الرحل لا غيره كالتربة و نحوها.

و بذلك يظهر لك النظر في بعض كلمات بعض، كما أنه ظهر لك أيضا مما ذكرناه سابقا في الاستباق للجلوس للبيع مثلا في الطريق مع عدم الضرر بالمارة الوجه فيما لو استبق اثنان هنا مثلا إلى موضع من المسجد فتوافيا إليه على حد سواء ف ان الحكم فيهما متحد إن أمكن الاجتماع جاز و إن تعاسرا أقرع بينهما فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

[أما المدارس و الربط]

و أما المدارس و الربط جمع رباط ككتاب و كتب فمن سكن بيتا منها مثلا ممن له السكنى بأن كان متصفا بالوصف المعتبر في الاستحقاق إما في أصله بأن يكون مشتغلا بالعلم في المدرسة أو بحسب الشرط بأن تكون موقوفة على قبيل مخصوص أو نوع من العلم يتصف به الساكن، و حينئذ فهو أحق به بمعنى عدم جواز إزعاج أحد له بلا خلاف أجده فيه، لأنه أحد المستحقين لذلك، فإزعاجه ظلم قبيح عقلا و نقلا و إن تطاولت المدة ما لم يشترط الواقف أمدا فليزمه الخروج عند انقضائه بلا فصل و إن لم يؤمر به.

نعم في الدروس «و يحتمل في المدرسة و دار القرآن الإزعاج إذا تم

ج 38، ص: 95

غرضه من ذلك، و يقوى الاحتمال إذا ترك التشاغل بالعلم و القرآن و إن لم يشترطهما الواقف، لأن موضوع المدرسة ذلك، أما الربط فلا غرض فيه، فيجوز الدوام فيه».

و فيه أنه إن خرج عن الموضوع بتمام الغرض أزعج قطعا، و إلا فلا وجه للاحتمال، بل و لا لما قواه فيه، ضرورة أنه إن لم يشترطها و لكن كانت هي المنفعة المقصودة فالمتجه حينئذ عدم معارضة لأهلها، كما سمعته في الطريق و المسجد، و إلا كان الناس فيها شرعا سواء.

نعم احتمل في التحرير جواز الإزعاج مع طول المكث على وجه يكون كالملك، قال: «و لو طال الاستيطان على هذه الانتفاعات المشتركة و صار كالملك الذي يبطل به أثر الاشتراك ففي الإزعاج إشكال».

و فيه أنه لا إشكال مع فرض منافاة مصلحة الوقف، أما مع عدمها لوجود ما يحترز به عن ذلك فالمتجه عدم جواز الإزعاج.

و منه يعلم ما في جامع المقاصد قال: «و لو أدى طول المدة إلى التباس الحال بحيث يمكن لو ادعى الملك أن يلتبس على الناس عدم صحة دعواه احتمل جواز الإزعاج أيضا لأنه مضر بالوقف». و على كل حال فهو أمر آخر.

نعم لو اشترط مع السكنى التشاغل بالعلم مثلا فأهمل ألزم الخروج إن لم يخرج بنفسه بلا خلاف و لا إشكال، إذ الوقوف على حسب ما يقفها أهلها المقتضي لعدم جواز سكنى المفروض و إن استمر على الشرط لم يجز إزعاجه لكونه حينئذ من المستحق.

و كيف كان ففي التذكرة «و لا يبطل حقه بالخروج لحاجة كشراء مأكول أو مشروب أو ثوب أو قضاء حاجة و ما أشبه ذلك، و لا يلزمه تخليف أحد في الموضع، و لا أن يترك متاعه فيه. لأنه قد لا يجد غيره

ج 38، ص: 96

و قد لا يأمن على متاعه سواه» و نحوه في المسالك و بعض أتباعها مع زيادة لفظ «قطعا» فيها.

لكن ستسمع من الكركي نوع تردد فيما يقرب منه، و لعله لإمكان منع صدق كونه في يده و قبضته مع فرض عدم دخل له فيه، و لأن منافع الوقف العام لا تستحق إلا بالاستيفاء التدريجي، بمعنى عدم مزاحمة الغير له، فهو في الحقيقة سبق استيفائه مقدم على غيره إلا أنه حصل له حق بالسبق على وجه يثبت له حق الاستيفاء المستقبل و إن لم يكن له رحل و إلا لثبت ذلك في المسجد و الطريق، فان الجميع من واد واحد من حيث الدليل.

اللهم إلا أن يقال بملاحظة ذلك للواقف، و فيه تأمل أو منع، أو يقال باختلاف أفراد المسبوق إليه بالسبق عرفا، ففي المدارس مثلا يصدق أنه في يده و في قبضته نحو باقي الأعيان الموقوفة كالكتاب و نحوه، فإنه إذا كان في يد شخص لا يستحقه آخر بمجرد وضعه من يده الحسية، بخلاف المسجد و الطريق.

و لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله تهجس، و إلا فالموافق لما عليه سيرة الناس و عملهم في جميع الأعصار أن المدرسة و الرباط و نحوهما إذا لم يشترط الواقف كيفية خاصة و حالا مخصوصا أو لم يعلم بحاله كالمسجد في جواز الانتفاع، و أنه أحق من غيره في استيفاء المنفعة المشتركة بينه و بين غيره بالسبق على الوجه الذي ذكرناه، و المنفعة المقصودة للواقف الملاحظة لا على جهة الشرطية فائدتها الترجيح عند المعارضة، لا عدم جواز الانتفاع بغيرها مع عدم المعارضة.

و حينئذ فقد يقال: إنه بعد أن كان المتعارف في العمل ذلك يمكن

ج 38، ص: 97

أن يكون الواقف مدرسة مثلا أو رباطا يكون مقصوده ذلك، نحو الوقف مسجدا الذي قد

ورد فيه أنه «بيت الله»

و أنه «منزل للغرباء و الضعفاء»

و نحو ذلك مما هو راجع إلى الشرع لا مدخلية للواقف في ملاحظته.

بل قد يحتمل أن ذلك إذن شرعية باعتبار خروج المال عن يد الواقف لا على جهة خاصة، فصار أمره إلى الشرع الذي مقتضاه ما عرفت.

و كون المراد من المسجد بيتا للعبادة مثلا بخلاف المدرسة- فإن المراد فيها السكنى- غير مجد، ضرورة أن التشاغل بها لا يقتضي ثبوت الحق له في مستقبل الزمان و في حال عدم قابليته لها، نعم لا يبعد إلحاق المفارقة لها في الأزمنة التي لا تنافي صدق التشاغل فيها بها، و لو للسيرة المستمرة على ذلك، فكل ما لا يكون كذلك سقط حقه حينئذ، كما يشهد له ما تسمعه منهم في صورة المفارقة، و الله العالم.

و كيف كان ف له أي السابق المستحق أن يمنع من يساكنه ما دام متصفا بما به يستحق السكنى إذا كانت العادة أو الشرط من الواقف يقتضي انفراد الواحد، أما لو فرض كون البيت الواحد معدا لجماعة باشتراط الواقف أو باقتضاء العادة لم يجز لأحد منع غيره إلا أن يبلغ العدد النصاب فلهم حينئذ منع الزائد، و الله العالم.

و لو فارق الساكن المسكن على وجه خارج عما عرفته من الأمور الضرورية للساكن، بل كان لعذر و غرض ناويا للعود إليه كسفر لزيادة مثلا قيل و لم نعرف القائل ممن تقدمه:

ج 38، ص: 98

هو أولى عند العود و إن لم يكن له فيه رحل، لصدق كونه سابقا، و أن ما سبق إليه في يده و في قبضته.

و لكن فيه تردد مما عرفت و مما ستعرف لا لصدق المفارقة التي هي ليست عنوانا في شي ء من الأدلة و لعل الأقرب سقوط الأولوية التي مقتضى الأصل عدمها في مثل الفرض، بل في القواعد و الإرشاد الجزم بذلك، بل في الروضة نسبته إلى الأكثر.

لكن في التذكرة «و لو فارق لعذر أياما قليلة فهو أحق إذا عاد، لأنه ألفه، و إن طالت غيبته بطل حقه» و استحسنه في المسالك، و قواه في الروضة، بل قد يظهر من اللمعة عدم البطلان مطلقا.

و في جامع المقاصد «و الظاهر أن مفارقته من غير أن يبقى رحله مسقط لأولويته و لو قصر الزمان جدا، كما لو خرج لغرض لا ينفك عن مثله عادة و لا يخرج في العادة عن كونه ساكنا، ففي بقاء حقه قوة».

و عن تعليق الإرشاد له أيضا فيما إذا لم يبق رحله و قصر الزمان وجهان، و عن التحرير «لا إشكال في بقاء حقه حيث فارق لعذر» و نحوه عن الكفاية.

و في الدروس «لو فارق ساكن المدرسة و الرباط ففيه أوجه، زوال حقه كالمسجد، و بقاؤه مطلقا، لأنه باستيلائه جرى مجرى الملك، و بقاؤه إن قصرت المدة دون ما إذا طالت لئلا يضر بالمستحقين، و بقاؤه إن خرج لضرورة كطلب تأدية مهمة و إن طالت المدة، و بقاؤه إن بقي رحله و خادمه، و الأقرب تفويض ذلك إلى ما يراه الناظر».

و قد يشكل بأن الناظر ليس له إخراج المستحق اقتراحا، فرأيه فرع الاستحقاق و عدمه، نعم لو فوض إليه الأمر مطلقا فلا إشكال.

أما إذا أبقى رحله ففي القواعد الاشكال فيه، قيل من أنه وضع بحق

ج 38، ص: 99

سابق اقتضى الأولوية على غيره فلا يزال، و من أن المدرسة للسكنى لا لوضع الرحل و إنما جاز وضعه تبعا لها و قد زالت فيزول التابع.

و رده الكركي بأن المتنازع فيه هو زوال السكنى بالخروج مع بقاء الرحل، و من خرج عن بيت مع بقاء متاعه فيه لغرض لا يخرج عن كونه ساكنا فيه عادة.

و من هنا قال في جامع المقاصد: «الأقرب بقاء الحق إن لم تطل المدة بحيث يؤدي إلى التعطيل» و نحوه عن تعليقه على الإرشاد و حواشي الشهيد، و في الروضة «الأقوى أنه مع بقاء الرحل و قصر المدة لا يبطل حقه، و بدون الرحل يبطل إلا أن يقصر الزمان بحيث لا يخرج عن الإقامة عرفا».

هذا كله في المفارقة لعذر، أما إذا كانت لغير عذر فظاهر المتن و غيره بطلان حقه مطلقا، بل هو صريح المسالك و الروضة و غيرهما، بل في الكفاية أنه الأشهر.

قلت: قد ذكرنا ما يظهر لك منه ما في كثير من هذه الكلمات و غيرها المنبئة عن عدم تحقيق الحال عندهم في ذلك، و المتجه ما عرفت من عدم ثبوت حق للسابق إلا على معنى عدم مزاحمة الغير في استيفائه على الوجه الذي ذكرناه.

و بقاء الرحل ليس هو من التحجير، و لذا لا يورث و لا يصالح عنه و لا غير ذلك مما يجرى على الحقوق المالية، و إنما هو طريق شرعي لحبس المكان باعتبار حرمة التصرف فيه للغير مع فرض عدم المعارضة لذي المنفعة المقصودة، و نحوه جار في المدارس و الربط أيضا ما لم يلزم التعطيل المنافي لغرض الواقف، و إلا فليس لأحد التصرف فيه بعد أن كان وضعه بحق.

ج 38، ص: 100

و الأصل في ذلك عدم أدلة شرعية يتضح منها الحال، إذ ليس إلا النصوص التي هي غير جامعة لشرائط الحجية حتى الجبر بشهرة و نحوها في محال الشك، لما عرفته من الاشكال و الاضطراب.

و من هنا لا وجه لدعوى استصحاب بقاء الحق و نحوه بعد أن لم يعلم كون الحق الثابت مما يستصحب أو لا، إذ المحتمل كونه ما ذكرناه، و كلمات الأصحاب و إن اشتملت على التعبير به أيضا إلا أنها أيضا غير منقحة بالنسبة إلى ذلك، كعدم تنقيحها في مفروض المسألة الذي جزموا بسقوط الحق بالمفارقة لغير عذر و إن قصر الزمان، بل و معه إلا من سمعت مع صدق السكنى العرفية التي يمكن أن يكون بناؤها على التسامح و معاملة الوقف معاملة الملك، و كذا كلامهم مع الرخل، فلا مناص حينئذ إلا ما ذكرناه، و الله العالم و الهادي.

[الطرف الرابع في المعادن]

اشاره

الطرف الرابع في المعادن جمع معدن، و قد تقدم الكلام فيه في كتاب الصلاة(1)و قيل:

إن المجتمع من كلمات (كلام خ ل) الفقهاء و اللغويين هو ما استخرج من الأرض مما كانت أصله و اشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها، و إليه يرجع ما في المسالك من أنها هي البقاع التي أودعها الله شيئا من الجواهر المطلوبة.


1- 1 راجع ج 8 ص 412.

ج 38، ص: 101

[المعادن الظاهرة]

و على كل حال ف الظاهرة منها و هي التي لا تفتقر إلى إظهار بمعنى عدم احتياج الوصول إليها إلى مئونة كالملح و النفط و القار و الكبريت و الموميا و الكحل و البرام و غيرها مما هي ظاهرة بلا عمل و إنما السعي و العمل لأخذه لا تملك بالاحياء معدنا، لعدم تصوره بعد أن كان هو الحفر و نحوه لاظهاره، كما ستعرفه في المعادن الباطنة، و الفرض هنا ظهوره.

نعم لو أراد إحياؤها دارا مثلا أو غيرها مما لا ينافي كونها معدنا أمكن القول بصحته، فيملكه حينئذ إن لم يكن إجماعا على خلافه و لو لإطلاقهم عدم إحيائها و لكن لم أجد ذلك محررا في كلامهم.

و عليه ف لا يختص بها المحجر الذي هو الشارع في الاحياء الذي عرفت انتفاؤه.

و في جواز إقطاع السلطان المعادن المزبورة و المياه تردد من عموم ولايته المستفادة من قوله تعالى (1)«أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» و غيره، و كونها من الأنفال في

خبر إسحاق بن عمار المروي عن تفسير علي بن إبراهيم (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال فقال: هي التي خربت- إلى أن قال-: و المعادن منها»

و في المرسل (3)عن الصادق (عليه السلام) «أنه سئل عن الأنفال، فقال: منها المعادن و الآجام».

و «الناس مسلطون على أموالهم»(4)


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 20 من كتاب الخمس.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 28 من كتاب الخمس. و هو خبر أبي بصير عن الباقر عليه السلام كما نقله قده في كتاب الخمس راجع ج 16 ص 121.
4- 4 البحار- ج 2 ص 272- الطبعة الحديثة.

ج 38، ص: 102

خصوصا بعد ما في بعض

نصوص (1)الأنفال «أن ما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء و كذلك الامام بعده».

و من أن مورد الإقطاع الموات باعتبار كونه كالتحجير، و قد عرفت أنه لا تندرج فيه المعادن، و لو لما ستسمع من أن المشهور كون الناس فيها شرعا فلا وجه لاقطاعها حينئذ.

و عن حنان (2)قال: «استقطعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) معدنا من الملح بمازن فأقطعنيه، فقلت: يا رسول الله إنه بمنزلة الماء العد،- يعني أنها لا تنقطع و لا تحتاج إلى عمل- فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فلا آذن».

لكن في المسالك «هذه الرواية على تقدير صحتها محتملة للقولين، لكنها قد تشكل على أصول أصحابنا، لتغيير رأيه في الحكم بسبب اختلاف النظر في المعدن، و هي نظير ما

روي عنه (صلى الله عليه و آله)(3)«لو بلغني هذه الأبيات قبل قتله لما قتلته»

يعني النظر بن الحارث لما بلغه أبيات أخته ترثيه بها، و الجواب عنهما واحد».

قلت: لعله هو من تغير الحكمة التي يدور معها الحكم الشرعي، كما أنه قد يجاب عن رواية المقام بأن ظاهر استقطاع السائل كون المعدن مواتا يحتاج إلى إحياء، فلما أظهر للنبي (صلى الله عليه و آله)

كون المعدن ظاهرا حيا منع من إقطاعه، فلا دلالة فيها حينئذ إلا على منع


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 1 و 10 و 12.
2- 2 نقله ابن قدامة في المغني ج 6 ص 156 عن أبيض بن حمال و فيه« بمأرب» بدل« بمازن» و رواه البيهقي باختلاف يسير في سننه ج 6 ص 149.
3- 3 سيرة ابن هشام ج 3 ص 45 ط مصر عام 1355.

ج 38، ص: 103

إقطاع الظاهرة منها التي هي محل البحث، إذ لا كلام في جواز إقطاع الباطنة كما ستعرفه.

و بالجملة هذه المسألة كنظائرها المذكورة في هذا الكتاب قد ذكرها العامة بناء على أصولهم في أئمتهم الذين يجوز عليهم- إن لم يكن قد وقع منهم- كل قبيح، لأن الأحكام الصادرة منهم عن اجتهاد و رأي و غير ذلك من الأمور الفاسدة، كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بأحوالهم بخلاف الامام (عليه السلام) عندنا الذي لا ينطق عن الهوى، و إن هو إلا وحي يوحي، و لاطلاعه على المصالح الواقعية و كونه معصوما عن ترك الأولى فضلا عن غيره صار أولى من المؤمنين بأنفسهم. فالمتجه حينئذ سقوط هذا البحث، ضرورة أن له الفعل و إن لم يسم إقطاعا عرفا.

نعم لا يجوز ذلك و نحوه عما هو متوقف على المصالح الواقعية للنائب العام، لعدم عموم لنيابته على وجه يشمل مثل ذلك مما هو مبني على معرفة المصالح الواقعية، و ليس له ميزان ظاهر أذنوا (عليهم السلام) فيه فهو من خواص الإمامة لا يندرج في إطلاق ما دل (1)على نيابة الغيبة المنصرف إلى ما كان منطبقا على الموازين الشرعية الظاهرة، كالقضاء و الولاية على الأطفال و نحو ذلك لا نحو الفرض.

و كذا التردد في جواز اختصاص السلطان المقطع بها مما سمعت من كونه أولى و غيره، و من أن الناس فيها شرع سواء، و لكن قد عرفت تحقيق الحال.

و كيف كان فكل من سبق إليها فله أخذ حاجته بلا خلاف و لا إشكال بل و لو تسابق اثنان مثلا فالسابق أولى بلا خلاف و لا إشكال،

لعموم (2)«من سبق


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صفات القاضي- الحديث 9 من كتاب القضاء.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 142.

ج 38، ص: 104

إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به»

و لغيره مما تقتضيه من حرمة الظلم و نحوه بعد أن كان الشي ء مشتركا بين الجميع و سبق إليه أحدهم، فيأخذ حينئذ بغيته و إن زاد على ما يعتاد لمثله، وفاقا للفاضل و الشهيدين و الكركي و

محكي المبسوط و غيرهم خلافا للمحكي عن بعض، فلا يجوز له إلا ما يعتاد لمثله، و لا ريب في ضعفه، لإطلاق الأحقية.

لكن في المسالك «و عليه فلو أراد الزيادة على ما يقتضيه حق السبق ففي إجابته وجهان من تحقق الأولوية بالسبق، و من أن عكوف غيره يفيد أولوية في الجملة، و الأصح الأول» و فيه أن ما ذكر من الوجه الأول لا يوافق ما فرضه، و منه يعلم ما في قوله: «الأصح».

و الأولى من ذلك ما ذكرناه إلا مع وصول الأمر إلى حد المضارة بالغير، و لعله إلى ذلك يرجع ما في جامع المقاصد من التقييد بما إذا لم يصر مقيما.

كما أن مرجع قول بعض الأصحاب: أخذ بغيته و حاجته و نحوهما إلى شي ء واحد، و هو جواز الأخذ و لو زائدا على الحاجة ما لم تحصل المضارة، و الله العالم.

و كيف كان ف لو توافيا على وجه لم يسبق أحدهما الآخر و لكنهما بالنسبة إلى غيرهما سابق فإن أمكن أن يأخذ كل منهما بغيته دفعة أو تدريجا برضاهما فلا بحث، و إلا أقرع بينهما مع التعاسر و لو بالنسبة إلى تقديم أحدهما إذا فرض وفاء المعدن بحاجتهما معا و لكنه ضيق عن اجتماعهما في الأخذ.

كما أومأ إليه في المحكي عن جامع الشرائع بقوله: «فان ضاق أقرع» كقوله في القواعد و غيرها: «فان تسابق اثنان أقرع مع تعذر الجميع» بل و كذا قوله في الإرشاد: «أقرع مع تعذر الاجتماع».

ج 38، ص: 105

و عليه ينزل إطلاق ما عن الخلاف و المبسوط و السرائر: فإن تسابق اثنان أقرع بينهما الامام (عليه السلام) كما ينزل إقراع الامام مع فرض رجوعهما إليه و إلا رجعا بأنفسهما إلى القرعة، لأن ذلك حكمهما في الواقع.

و على كل حال فقد قيل: إن الوجه في ذلك استوائهما في الأولوية و عدم إمكان الاشتراك و استحالة الترجيح، فأشكل المستحق فيقرع لذلك، و قد يناقش بمنع عدم إمكان الاشتراك بعد استوائهما في السبب المقتضي له.

و لعله لذا قال في المتن و قيل: يقسم، و هو حسن و عن الإيضاح أنه قواه و إن كنا لم نتحقق القائل المزبور منا ممن تقدم عليه، و إنما هو بعض وجوه الشافعية، و في التذكرة عن بعض علمائنا أن الحاكم ينصب من يقسم بينهما، نعم في الدروس و اللمعة إن تعذرت القسمة أقرع، و إليه يرجع ما في المسالك من أن القول بالقسمة جيد مع قبوله لها، أما مع عدمه فالقرعة أحسن.

و لعل المراد بما في الأولين من عدم قبول القسمة كونه واسعا، لا كما في الروضة من حيث القلة و نحوها.

و حينئذ فيرجع إلى ما أطنب فيه في جامع المقاصد، فإنه بعد أن ذكر وجه القسمة قال: «و هذا إنما يكون في غير المعدن الواسع جدا بحيث يزيد على مطلوب كل واحد منهما، إذ لا معنى للقسمة حينئذ، نعم ما قل عن مطلوبهما لا يبعد القول فيه بالقسمة، لإمكانها و استوائهما في سبب الاستحقاق، و القرعة إنما هي في الأمور المشكلة التي لا طريق إلى معرفة حكمها، أما ما ثبت حكمها بدليل شرعي فلا وجه لإجراء القرعة فيها، فان تشاحا في التقدم في النيل لضيق المكان فليس ببعيد القول بالقرعة حينئذ، فمن أخرجته أخذ حقه من المقسوم، فتلخص من هذا أنه مع السعة لمطلوبهما المرجع في القرعة في التقديم، و مع عدمه فالقسمة

ج 38، ص: 106

فإن تشاحا في التقديم أقرع، و لو أن أحدهما قهر الآخر و أخذ مطلوبه أثم قطعا، ثم إن كان المعدن واسعا ملك ما أخذه، لأنه لم يأخذ ما استحقه الآخر و إلا لم يملك إلا ما تقتضي القسمة استحقاقه إياه، و مثله ما لو ازدحم اثنان على الفرات مثلا فقهر أحدهما صاحبه و حاز ماء، فان الظاهر أنه يملكه، بخلاف ما لو ازدحما على ماء غدير و نحوه مما لا يقطع بكونه وافيا بغرضهما، فلان الأولوية لهما، فلا يملك القاهر ما أخذه إلا بعد القسمة».

و تبعه على ذلك في الروضة بل و المسالك، و لكن زاد عليه العمل بالقرعة مع عدم إمكان القسمة لقلة المطلوب أو لعدم قبوله لها.

و لكن لا يخفى عليك عدم جريان ذلك على ما قلناه من أن الأحق في هذه المقامات لا يزيد على ما يقتضيه الظلم، ضرورة عدم حصول الملك إلا بالحيازة التي هي النيل، و إنما السبق في الفرض قد أفاد عدم جواز مزاحمة الغير لهما من حيث إنه ظلم، و حيث أشكل الحال في استحقاق كل منهما إيجاد السبب الذي يحصل به الملك فلا طريق لترجيح أحدهما على الآخر إلا القرعة، لا قسمة الباقي على الإباحة و لم يتعلق لأحدهما في عينه حق، و كونهما سابقين مشمولين

لعموم «من سبق»(1)

لا يقتضي إلا ما ذكرناه، لا أزيد منه من تعلق حق بالعين نفسها فضلا عن الملك.

و لا فرق في ذلك بين الواسع و الضيق.

و من الغريب دعوى القرعة بينهما في التقديم للنيل مع ضيق المكان و عدم الزيادة على الحاجة، ثم إن من خرجت القرعة له يأخذ حقه من المقسوم.

و أغرب منه دعوى عدم ملك الظالم في غير الواسع ما زاد على القسمة


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب آداب التجارة- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 107

أو ما أخرجه إن لم يكن قابلا لها، بناء على إرادة ذلك من عدم قبولها مع فرض حصول السبب المملك منه الذي ليس في شي ء من الأدلة ما يقتضي منع تعلق الحق المزبور عن الملك به، بخلاف ما لو كان المعدن أو الماء زائدا على الحاجة، فإنه يملك الظالم و إن أثم مع إمكان أن يقال بسبقهما ملكا أيضا مقدار حاجتهما أو مقدار ما ينالان منه أو غير ذلك.

و بالجملة كل ذلك مجرد تهجس لا تطابق عليه الأدلة التي مقتضاها ما ذكرناه، مضافا إلى منع عدم قبول القسمة للقلة و نحوها على ما فسره به في الروضة، للاشتراك و إن قل، إذ أقصاه البقاء على الإشاعة في مثل الياقوتة و نحوها.

و بذلك كله ظهر أن الأولى القرعة في التقديم مع فرض ضيق المكان سواء كان المعدن واسعا أو ضيقا، فيملك حينئذ من أخرجته القرعة و لا يشاركه الآخر.

بل المتجه أيضا ترتب الملك على الحيازة المزبورة لو قهر صاحبه فمنعه منها و إن كان ظالما.

نعم لو كان المعدن لا يفي بحاجتهما و مكان النيل غير ضيق فكل من حصل منه النيل ملك به ما ملكه، و نحو ذلك في ماء الفرات و الغدير.

و لعله لذا قال في الكفاية: «المشهور أنه إذا تغلب أحدهما على الآخر أثم» و فيه إشكال، و لعله لما سمعته من تعلق الحق الذي لم يثبت كونه مانعا عن الملك بالسبب، بل مقتضي إطلاق الأدلة ترتبه عليه و إن أثم في مقدماته أولا.

هذا و عن بعض الشافعية احتمال أن الامام يجتهد و يقدم من يراه أحوج و أحق. لأن سبب الاستحقاق الحاجة، و متى كان سببه أقوى استحق التقديم، و احتمله بعض أصحابنا أيضا.

ج 38، ص: 108

لكنه واضح الضعف، ضرورة عدم أثر في شي ء من الأدلة يقتضي ترجيح الأحوج على غيره. نعم قد تقدم في المباحث السابقة وجوب بذل الماء مثلا في إحياء النفس المحترمة، و هو أمر آخر غير ما نحن فيه كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف من فقهائنا و هو المفيد و سلار بل حكي عن الكليني و شيخه علي بن إبراهيم و عن الشيخ أيضا من يخص المعادن مطلقا بالإمام (عليه السلام) فهي عنده حينئذ من الأنفال للخبر المزبور(1)أو لأنها من الأرض التي لا رب لها.

و على هذا لا يملك ما ظهر منها و لا ما بطن إلا بتمليك منه و لو صح تملكها بالاحياء بفرضه فيما تصور حصوله فيها لزم من قوله اشتراط إذن الامام (عليه السلام) حال حضوره أو مطلقا على الكلام السابق.

و لكن كل ذلك لم يثبت (11) لعدم جابر للخبر المزبور(2)بل الموهن متحقق، فان المشهور نقلا و تحصيلا على أن الناس فيها شرع سواء. بل قيل: قد يلوح من محكي المبسوط و السرائر نفي الخلاف فيه.

مضافا إلى السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار في زمن تسلطهم و غيره

على الأخذ منها بلا إذن، حتى ما كان في الموات الذي قد عرفت أنه لهم منها، أو في المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين، فإنه و إن كان ينبغي أن يتبعهما، فيكون ملكا للإمام (ع) في الأول و للمسلمين في الثاني- لكونه من أجزاء الأرض المفروض كونها ملكا لهما، بل لو تجدد فيهما فكذلك أيضا-


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 20 من كتاب الخمس.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 20 من كتاب الخمس.

ج 38، ص: 109

إلا أن السيرة المزبورة العاضدة للشهرة المذكورة و لقوله تعالى (1):

«خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ» و لشدة حاجة الناس إلى بعضها على وجه يتوقف عليه معاشهم نحو الماء و النار و الكلأ و في

خبر أبي البختري (2)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «لا يحل منع الملح و النار»

و غير ذلك مما لا يخفى على السارد لأخبارهم يوجب الخروج عن ذلك.

فما عن بعضهم من التفصيل فيها بين ما كان في مواته (عليه السلام) و بين غيره واضح الضعف.

و من الغريب ما في الدروس من أنه قال: «و بعض علمائنا يخص المعادن بالإمام، سواء كانت ظاهرة أو باطنة، فتوقف الإصابة منها على إذن في حضوره لا مع غيبته، و قيل باختصاصه في الأرض المملوكة له، و الأول يوافق فتواهم بأن موات الأرض للإمام، فإنه يلزم من ملكها ملك ما فيها، و المتأخرون على أن المعادن للناس شرع، إما لأصالة الإباحة، و إما لطعنهم في أن الموات للإمام، و إما لاعترافهم به و تخصيص المعادن بالخروج عن ملكه، و الكل ضعيف» إذ هو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ثم إنه قال في المسالك تفريعا على الأول: «ما كان منها ظاهرا لا يتوقف على الاحياء يجوز في حال الغيبة أخذه كالأنفال، و ما يتوقف على الاحياء فان كان الامام (ع) ظاهرا فلا إشكال في عدم تملكه بدون إذنه و مع غيبته يحتمل كونه كذلك عملا بالأصل و إن جاز الأخذ منه كغيره من الأنفال، لأن تملك مال الغير يتوقف على إذنه، و هو مفقود و إنما الموجود الاذن في أخذه».


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 29.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.

ج 38، ص: 110

و فيه (أولا) مع فرض شمول دليل التملك بالاحياء له لا ينبغي التوقف في ملكه، ضرورة كونه حينئذ كالموات من الأرض إن لم يكن منها. و (ثانيا) أن الاذن منهم في الأنفال لمن هي له ظاهرة أو صريحة في لوازم الملك كالبيع و النكاح و نحوهما، فلا محيص عن القول بالملك فيما يؤخذ منها لمن أذنوا له فيها، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو كان إلى جانب المملحة أرض موات إذا حفر بها بئر و سيق إليها الماء صار ملحا ضح تملكها بالإحياء الذي منه حفرها لذلك و اختص بها المحجر الذي شرع في حفرها. و لو أقطعها الإمام (عليه السلام) صح بلا خلاف أجده في شي ء من الثلاثة، بل و لا إشكال، ضرورة كون الأرض حينئذ من الموات الذي عرفت صحة الثلاثة فيه و صيرورة الماء فيها ملحا لا يجعلها معدنا، كما أن كونها بجنب المملحة كذلك أيضا، فان كلا منهما حينئذ على حكمه، كما هو واضح و الله العالم. هذا كله في المعادن الظاهرة.

[أما المعادن الباطنة]
اشارة

و أما المعادن الباطنة التي لا تظهر إلا بالعمل و المعالجة كمعادن الذهب و الفضة و النحاس و الرصاص و نحوها حيث تكون كذلك، و إلا فلو فرض احتياج بعضها إلى كشف تراب يسير أو كانت على وجه الأرض لسيل و نحوه فلها حكم المعادن الظاهرة، و هو الملك بالحيازة لا غيره على حسب ما عرفت، كما أن ما كان من الظاهرة لو فرض كونه في طبقات الأرض على وجه يحتاج إلى حفر و عمل كان له حكم ما تسمعه من حكم الباطنة.

و على كل حال فهي أي الباطنة تملك بالإحياء الذي هو العمل حتى يبلغ نيلها بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ و ابني البراج و إدريس و الفاضل و الشهيدين و الكركي و غيرهم على ما حكي

ج 38، ص: 111

عن بعضهم، بل عن ظاهر المبسوط و المهذب و السرائر الإجماع على ذلك.

بل الظاهر أن الحكم كذلك سواء قلنا إنها للإمام أو للناس، و لعله لصدق الاحياء الذي هو سبب الملك، و لو بملاحظة ما سمعته من فتوى الأصحاب، فإن إحياء كل شي ء بحسبه، و من هنا يملك البئر ببلوغه الماء الذي فيها، إذ هو كالجوهر الكائن فيها و يبلغه بحفرها. و حينئذ فلو قهره ظالم و أخرج منه شيئا كان ملكا للمحيي، بل و لا اجرة للظالم.

و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في أنه يجوز للإمام إقطاعها قبل أن تملك بل ربما ظهر من التذكرة الإجماع عليه، لأنه إن لم يكن مواتا داخلا في ملكه فهو بحكم الموات المندرج في عموم ولايته و للخبر(1)السابق الدال على جواز إقطاع المعدن الباطن.

نعم عن الشافعي أنه لا يقطع إلا بقدر ما يتمكن المقطع من العمل عليه و الأخذ منه حذرا من التعطيل و التضييق على الناس.

مع أنه في التذكرة مقابلا لذلك «و قال علماؤنا: للإمام أن يقطعه الزائد» بل قيل: إنه ظاهر إطلاق المبسوط أو صريحه و ظاهر إطلاق الباقين، و إن كان قد يقال بأن ما ذكره الشافعي مناسب لما تسمعه من المصنف و الشيخ و ابن البراج و الفاضل و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم من أنه إذا أهمل المحجر له بعض العمل أجبره الامام على إتمامه أو الترك، فان اعتذر بعذر ينتظر أنظره، ثم يلزمه أحد الأمرين نحو ما سمعته سابقا، إذ ليس ذلك إلا لما سمعته من الشافعي من التعطيل و الضيق. و لعله لذا اختار في التحرير مذهب الشافعي.

بل لو اعتذر بالإعسار أمكن عدم إجابته كما في جامع المقاصد، لعدم الأمد الذي يخشى منه التطويل المفضي إلى التعطيل، هذا.


1- 1 راجع التعليقة 2 من ص 102.

ج 38، ص: 112

و قد عرفت أن حقيقة إحيائها أن يبلغ نيلها بلا خلاف أجده، نعم زاد بعضهم مع ذلك قصد التملك، و هو جيد مع فرض اشتراطه في مطلق الاحياء و إن كان قد عرفت البحث فيه، ضرورة أن المقام كغيره، و إلا فلا وجه له قطعا، لعدم احتمال ما يخصه من بين أفراد الاحياء.

و على كل حال ف لو حجرها و هو أن يعمل فيها عملا لا يبلغ به نيلها كان أحق بها و لم يملكها على حسب ما سمعته في التحجير الذي ما نحن فيه فرد منه، إذ هو شروع في إحيائها.

و من هنا قد عرفت عدم الخلاف في أنه يجرى فيه ما تقدم في التحجير من أنه لو أهمل أجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنها، و لو ذكر عذرا أنظره السلطان بقدر زواله ثم ألزمه أحد الأمرين كما عرفت الكلام في ذلك كله مفصلا.

ثم قد عرفت سابقا أيضا أن من ملك مواتا بإحيائه ملك حريمه معه، و هو مرافق ذلك العامر التي يرجع فيها إلى العرف المختلف باختلاف الأحوال و الأمكنة، و هو معنى ما عن المبسوط و المهذب من أنه إذا أحيا المعدن فهو أحق به و بمرافقه التي لا بد منها على حسب الحاجة إليه إن كان يخرج منه ما يخرج بالأيدي، و إن كان يخرج بالأعمال فكما ذكرناه في الموات، و قد ذكرا هناك أن المدار على الحاجة مما يتوقف عليه الدواب و الدولاب و المستقي و نحو ذلك.

لكن في القواعد «لا يقتصر ملك المحيي على محل النيل، بل الحفر التي حواليه و تليق بحريمه يملكها أيضا» و قيل: إن مراده بها ما يريد أن يحفرها، فهي الحفر بالقوة لا بالفعل، و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك.

ج 38، ص: 113

و نحوه ما في المسالك «و إذا اتسع الحفر و لم يوجد المطلوب إلا في بعض جهاته لم يقتصر الملك على محله، بل كما يملكه يملك ما حواليه مما يليق بحريمه، و هو قدر ما يقف فيه الأعوان و الدواب، و من جاوز ذلك و حفر (بئرا خ) لم يمنع و إن وصل إلى العرق» و لا يخفى عليك ما فيه من الإجمال أيضا.

و كذا ما في الدروس و غيرها «من ملك معدنا ملك حريمه، و هو منتهى عروقه و مطرح ترابه و طريقه و ما يتوقف عليه عمله إن عمله عنده» فإنه إن لم يحمل على إرادة ما لا يزيد على حريمه من منتهى عروقه أشكل بما هو المعلوم المصرح به في كلام غير واحد من أنه لو حفر فبلغ المعدن لم يكن له منع غيره من الحفر في ناحية أخرى، فإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه، لأنه يملك المكان الذي حفره و حريمه.

و ما في التحرير من أنه «إن وصل الأول إلى العرق فهل للثاني الأخذ منه من جهة أخرى؟ الوجه المنع، فإن الأول يملك حريم المعدن» محمول بقرينة التعليل و غير ذلك من كلامه على ما إذا كان موضع الآخر حريما للأول، و الله العالم.

[فروع]
[الأول لو أحيا أرضا و ظهر فيها معدن ملكه تبعا لها]

الأول:

لو أحيا أرضا و ظهر فيها معدن باطن ملكه تبعا لها بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط و السرائر الاعتراف به، بل قيل

ج 38، ص: 114

إن ظاهر الأول بل الثاني نفيه بين المسلمين لأنه جزء من أجزائها و إن استحال إلى حقيقة أخرى غيرها، إلا أن ذلك لا يخرجه عن ملكه فيها، سواء كان عالما به حين أحياها أو لا، خلافا للشافعي فملك الثاني دون الأول.

و فيه ما لا يخفى من أنه على الحالين من أجزاء الأرض التي ملكها بالاحياء. و من هنا افترق عن الكنز المدفون فيها الذي هو إن كان ركازا لا أثر للإسلام عليه جاز تملكه كالمعادن الظاهرة بعد إخراج خمسه، و إلا كان لقطة. و كذا لو اشترى أرضا فظهر فيها معدن.

و كيف كان فلا ينافي ذلك ما تقدم سابقا من عدم ملك الامام (ع) المعدن في مواته المملوك له، بل و كذا المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين و إن كان مقتضى ذلك كونه تابعا للملك.

لكن قد عرفت سابقا ما يقتضي خلافه، و لعله للفرق بين ملك الامام (عليه السلام) و المسلمين و بين ملك المحيي المخصوص، بل لا يتم ذلك إلا بذلك، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[الثاني لو حفر أرضا فوصل إلى معدن ثم فتحها المسلمون فهو غنيمة للغانمين]

الثاني:

لو حفر أرضا فوصل إلى معدن ثم فتحها المسلمون فعن المبسوط و المهذب و التذكرة و التحرير أنه غنيمة للغانمين لا أنه للمسلمين كالأرض، و عن الفخر أنه قواه، و الكركي استظهره.

لكن في القواعد الإشكال في ذلك، و لعله من كونه بحكم المنقول و غير مندرج في الأرض التي دلت الأدلة أنها للمسلمين، و لعدم علم قصد التملك للحافر له، فيكون حينئذ على أصل الإباحة، نحو من حفر بئرا

ج 38، ص: 115

في البادية ثم ارتحل عنها، و من أنه جزء من الأرض التي لا تنقل أو مشابه لها في ذلك.

و لكن لا يخفى عليك ضعف الأخير، بل و لا بعض ما ذكر للأول الذي لا يقدح في قوته ذلك، و الله العالم.

[الثالث لو قال رب المعدن لآخر اعمل فيه و لك نصف الخارج فهو باطل لجهالة العوض]

الثالث:

لو قال رب المعدن لآخر: «اعمل فيه و لك نصف الخارج» ففي القواعد و جامع المقاصد و محكي المبسوط و التذكرة بطل، لجهالة العوض إجارة كان أو جعالة، و هو كذلك في الأول، أما الثاني فقد تقدم في كتاب الجعالة ما يعلم منه صحة ذلك و عدمه بعد فرض كون المعدن مملوكا للجاعل بالإحياء أو بغيره.

و لو قال له: «اعمل فما أخرجته فهو لك» ففي محكي المبسوط «لا يصح، لأنه هبة مجهول، فكل ما يخرجه حينئذ فهو لصاحب المعدن إلا أن يستأنف له هبة، و لا اجرة للعامل، لأنه عمل لنفسه» إلى آخره و نحوه عن المهذب، بل عن التذكرة اختياره.

لكن قد يشكل ذلك- بعد توجيهه بإرادة المعدوم حال الهبة من الجهل، فان ما يخرجه لم يكن حاصلا قبله- بأنه إباحة تملك، كما أومأ إليه في محكي التحرير قال: «يكون ذلك إباحة للإخراج و التملك، و إن كان للمالك الرجوع في العين مع بقائها و لا اجرة له» إلى آخره.

و بعد التسليم قد يمنع عدم استحقاق الأجرة مع جهالته بالحكم، لأصالة احترام عمل المسلم الذي صار في الواقع لصاحب المعدن و إن زعم أنه له، كما أومأ إليه في الدروس، اللهم إلا أن يمنع جعل الجهل بالحكم

ج 38، ص: 116

عذرا لعدم تحقق الإغراء.

[أما الماء]
اشاره

و أما الماء الذي هو أحد المشتركات للأصل و الإجماع بقسميه و

النبوي (1)«الناس شركاء في ثلاثة: النار و الماء و الكلأ»

و الكاظمي (2)«إن المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلأ»

ف قد يعرض له الملك بالاحراز في آنية أو مصنع أو حوض أو نحوها بلا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله ضروري، و إن حكي عن بعض العامة عدم الملك بذلك، و إنما يفيد الأولوية، لإطلاق النص المزبور إلا أن مثل ذلك لا ينافي الضرورة المزبورة، كما أن الخبر المزبور لا ينافي عروض الملك بالحيازة التي هي أحد أسبابه.

مضافا إلى

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له»

و غير ذلك من السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار على تملك ذلك و بيعه و جريان جميع أحكام الملك، من غير فرق بين المسلمين و غيرهم.

و لا يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته من هذا الماء المحوز بلا خلاف، كما عن الشيخ و غيره الاعتراف به، إذ ليس هو كالبئر التي ستسمع الكلام فيها مع أن المشهور

أن من حفر بئرا في ملكه أو (في خ) مباح ليملكها فقد اختص بها كالمحجر، فإذا بلغ الماء فقد ملك الماء و البئر بل لا أجد خلافا في التحجير المزبور و إن كان هو غير واضح.

الوجه في الملك، و إن قيل: المراد به أنه يختص بمائها فلو أن أحدا


1- 1 المستدرك- الباب- 4- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 142.

ج 38، ص: 117

غلبه عليها و تمم حفرها لم يملك ماءها.

و لا كذلك لو حفرها غاصب في ملكه ابتداء، فإنه يملكه أو يكون أولى، إلا أنه كما ترى، ضرورة كونه كذلك قبل الحفر، و دعوى ملك الغاصب الماء أو كونه أحق لو حفر ابتداء في غاية الفساد، كما تقدم في كتاب الغصب (1)و على كل حال فالأمر سهل بعد وضوح الأمر.

نعم قد يقال بظهور الفائدة في ذلك بالنسبة للحريم لمن أراد حفر بئر أخرى في المباح المجاور لملكه، فإنه إذا كان حافرا فيها له منعه مع فرض تضرره، بخلاف ما إذا لم يكن حافرا.

و أما ملك الماء ببلوغه الذي نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، بل لعله كذلك نظرا إلى السيرة المستمرة

فقد يقال إن الوجه فيه إمكان دعوى أنه نماء ملكه، كثمرة الشجرة و لبن الدابة مثلا، أو دعوى أن ذلك حيازة له أو سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فيكون له، و فحوى ما تسمعه من نصوص (2)بيع الشرب، أو أنه إحياء للأرض بالسراية على نحو ما سمعته في المعدن، أو أن ملك الأرض يقتضي ملك الماء الكامن فيها و إن لم يكن من أجزائها، أو غير ذلك.

لكن عن الشيخ في المبسوط بعد أن ذكر الملكية على نحو ما ذكرها الأصحاب أنه قال: «كل موضع قلنا فيه بملك البئر فإنه أحق بمائها بقدر حاجته لشربه و شرب ماشيته و سقى زرعه، فإذا فضل بعد ذلك شي ء وجب بذله بلا عوض لمن احتاج إليه لشربه و شرب ماشيته- إلى أن قال-: أما لسقي زرعه فلا يجب عليه لكنه يستحب» و استدل على


1- 1 راجع ج 37 ص 206- 207.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب عقد البيع- من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 118

ذلك ب

خبر ابن عباس (1)«الناس شركاء»

إلى آخره، و ب

خبر جابر(2)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «أنه نهى عن بيع فضل الماء».

و نحوه عن الخلاف مع زيادة الاستدلال ب

خبر أبي هريرة(3)عنه (صلى الله عليه و آله) «من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته».

و في المختلف حكايته أيضا عن أبي علي، بل و عن الغنية، لقوله:

«إذا كانت البئر في البادية فعليه بذل الفاضل لغيره لنفسه و ماشيته» لكن يمكن أن يريد السابق لها لا حافرها، فلا يكون مخالفا.

هذا و في المسالك «أن الفرق بين سقي الحيوان و الزرع حيث منع من منعه للأول دون الثاني أن الحيوان محترم لروحه بخلاف الزرع».

و فيه أن ذلك غير مجد بعد فرض كون أحقيته بقدر حاجته، كما هو ظاهر ما سمعته منه.

ثم قال في جوابه فيها أيضا: «إن هذه الأخبار كلها عامية، و هي مع ذلك أعم من المدعى، و مدلولها من النهي عن منع فضله مطلقا لا يقول به و لا غيره ممن يعتمد هذه الأحاديث، و هي ظاهرة في إرادة الماء المباح الذي لم يعرض له وجه تملك، كمياه الأنهار العامة و العيون الخارجة في المباح و السابقة

على إحياء الأرض الموات و مياه العيون و الآبار المباحة، فإن الناس في هذا شرع حتى لو دخل شي ء منه في أملاك الناس لم يملكوه إلا بنية الحيازة، كما لو نزل مطر و اجتمع في ملكهم، لكن ليس لأحد أن يدخل الملك لأخذه من حيث التصرف في الملك لا من


1- 1 المستدرك- الباب- 4- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 15.
3- 3 كنز العمال- ج 3 ص 518- الرقم 3975 ط عام 1370 عن أبي قلابة.

ج 38، ص: 119

حيث الماء، و لو فرض دخوله أساء و ملك ما أخذه من الماء».

و فيه أن الأخبار المزبورة كما هي موجودة في طرق العامة موجودة في طرق الخاصة(1)بسند معتبر كما ستعرف، و ما دل (2)على الاشتراك منها غير مانع من الملك بسببه كحيازة أو أحياء أو نحو ذلك، كما أن ما دل منها على منع الفضل منزل على منع مباح الماء و بيعه بالتغلب و نحوه أو على الكراهة.

ك

موثق أبي بصير(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن بيع النطاف و الأربعاء، قال:

و الأربعاء أن تسنى مسناة لتحمل الماء و تسقي به الأرض ثم يستغنى عنه، قال: فلا تبعه، و لكن أعره جارك، و النطاف أن يكون له الشرب فيستغني عنه، فقال: لا تبعه أعره أخاك و جارك».

و موثق عبد الرحمن (4)عنه (عليه السلام) «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن المحاقلة- إلى أن قال-: و النطاف شرب الماء ليس لك إذا استغنيت عنه أن تبيعه جارك تدعه له، و الأربعاء المسناة تكون بين القوم فيستغني عنها صاحبها، قال: يدعها لجاره و لا يبيعها إياه»

لقصورهما عن معارضة ما يقتضي صحة البيع من إطلاق الأدلة و الإجماع و خصوص

صحيح سعيد الأعرج (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة له فيها


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 13- من أبواب بيع الثمار- الحديث 1 و ذيله في الباب- 24- من أبواب عقد البيع- الحديث 4 من كتاب التجارة.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب عقد البيع-- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 120

شركاء فيستغني بعضهم عن شربه أ يبيع شربه؟ قال: نعم إن شاء باعه بورق، و إن شاء بكيل حنطة»

و نحوه رواية سعيد بن يسار(1)و في

حسن الكاهلي أو صحيحه (2)«سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا عنده عن قناة بين قوم لكل منهم شرب معلوم فاستغنى رجل منهم عن شربه أ يبيعه بحنطة أو شعير؟ قال يبيعه بما شاء، هذا مما ليس فيه شي ء»

و في المروي عن قرب الاسناد(3)«عن قوم كانت بينهم قناة لكل إنسان منهم شرب معلوم، فباع أحدهم شربه بدراهم أو بطعام هل يصلح؟ قال: نعم»

و غير ذلك مما دل على بيع الشرب.

فظهر لك من ذلك كله أنه لا إشكال في ملك الماء المستبطن (4)و حينئذ لم يجز لغيره التخطي إليه إلا بإذنه كغيره من الأموال المحترمة و لو أخذ منه شيئا من دون إذنه أعاده.

و يجوز بيعه كيلا و وزنا بلا خلاف و لا إشكال، بل و مشاهدة إذا كان محصورا على وجه لا يتعذر تسليمه باختلاطه بما يتجدد من غيره و إلا ف لا يجوز بيعه أجمع، لتعذر تسليمه، لاختلاطه بما يستخلف فيتعذر تسليمه، نعم قد يقوى جواز بيعه

على الدوام، لما سمعته من النصوص المزبورة.

و لعله لذا قال في الدروس: «يباع كيلا و وزنا و مشاهدة إذا كان محصورا، أما ماء البئر و العين فلا إلا أن يريد على الدوام، فالأقرب الصحة، سواء كان منفردا أو تابعا للأرض».

و لا يقدح عدم معلومية المتجدد التي يكفي فيها معرفة حالها في الزمان


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب عقد البيع- الحديث 1 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب عقد البيع- الحديث 3 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب عقد البيع- الحديث 5 من كتاب التجارة.
4- 4 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، و في المسودة بقلمه الشريف« المياه المستبطنة».

ج 38، ص: 121

السابق على حال البيع، و إشكاله بالجهالة بعدم العلم بقدر ما يسلم إليه كأنه من الاجتهاد في مقابلة النص، مع إمكان منع تحققها عرفا في مثله، فان العلم المزبور كاف، إذ لا دليل على اشتراط أزيد من ذلك.

و دعوى أن الشهرة هنا محكية على عدم جواز البيع- فتكون عاضدة لما دل على النهي عن بيع الغرر. مضافا إلى إمكان إرادة غير البيع من البيع في النصوص المزبورة، فإنه مجاز شائع، و إلى أنها غير مساقة لبيان ذلك، و إنما هي لبيان جواز بيعه بما يشاء- يدفعها منع تحقق الشهرة في الفرض المزبور.

بل ظاهرهم في صورة الاختلاط التي لولاها لأمكن القول بالجواز فيها أيضا بعد مشاهدته و معلوميته و الإقباض بالتخلية بينه و بينه، و إن اقتضى ذلك اختلاطه بما يتجدد من الماء فإن أقصاه حينئذ للشركة المقتضية للصلح بينه و بين البائع، لا بطلان البيع الذي مقتضى إطلاق الأدلة صحته على وجه لم يثبت مثل ذلك مانعا لها، بل يمكن منع الشهرة في مثل ذلك، كما لا يخفى على من لاحظ و تأمل.

و أولى من ذلك نقله بالصلح أو الهبة أو غير ذلك مما هو أوسع دائرة من البيع.

ثم إن ظاهر المتن التقييد بقصد الملك في المباح دون الحفر في الملك الذي لا يحتاج إليه، بل هو ملكه حتى لو قصد العدم، لكونه من نماء ملكه.

لكن في المسالك «يفهم من قيد التملك الاحتياج إليه في ملكه و في المباح، لجعله علة لهما، و هو يتم في المباح، أما المملوك فالأظهر أن ما يخرج منه من الماء مملوك تبعا له، كما تملك الثمرة الخارجة، و ربما قيل

ج 38، ص: 122

بعدم تملكه و إن كان أولى به، و مثله القول في الكلأ النابت فيه بغير قصد».

و فيه منع كونه علة لهما، بل هو للمباح المتصل به، كما هو المحكي عن صريح المبسوط و السرائر، بل قد يناقش في أصل اعتبار ذلك في المباح، خصوصا بعد عدم ذكره في شرائط الإحياء كما ذكرنا الكلام فيه مفصلا.

و احتمال اختصاص البئر بالشرط المزبور واضح الفساد.

نعم قد يقال: إن نظر المصنف إلى الحفر المقصود به عدم التملك الذي سيذكره، فلا دلالة فيه على اشتراط القصد، بل يكفي عنده عدم قصد العدم الذي قد عرفت البحث فيه أيضا إن لم يكن المنساق و المتيقن من الإطلاق المزبور الظاهر في تسبيب الاحياء الملك من غير اشتراط أمر آخر كما عرفت سابقا، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

و لو حفرها في المباح مثلا لا للتملك بل للانتفاع بها ما دام في ذلك المكان فهو أحق بها مدة مقامه عليها كما صرح به الشيخ و ابن إدريس و الفاضل و الشهيدان و الكركي على ما حكي عن بعضهم، معللين له بأنه لا ينقص عن التحجير بعد انتفاء الملك بعدم قصده للمحيي، و حينئذ فإذا تركها حل لغيره الانتفاع بها.

بل لو عاد الأول بعد المفارقة ساوى غيره على ما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له.

لكن قد يناقش في الأول بمنع كونه كالتحجير الذي هو الشروع في الاحياء المملك في الأحقية المزبورة بعد فرض عدم قصده التملك بالاحياء بناء على اعتباره فيه، نعم قد يكون مندرجا في «من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به» فلا يكون كحق التحجير الذي قد عرفت مخالفته لغيره في كثير من الأحكام.

ج 38، ص: 123

و كيف كان ف قيل و لكن لم نتحقق القائل، و لعله الشيخ باعتبار لزوم ذلك، لقوله السابق إن لم يكن أولى يجب عليه بذل الفاضل من مائها عن حاجته نعم عن موضع من التذكرة لو حفر البئر و لم يقصد التملك و لا غيره فالأقوى اختصاصه به، لأنه قصد بالحفر أخذ الماء فيكون أحق، و هذا ليس له منع المحتاج عن الفاضل عنه، لا في شرب الماشية و لا الزرع.

و على كل حال ففيه أن مقتضى الأصل عدم وجوب بذله أيضا بعد أن كان له فيه حق نحو حق التحجير، ضرورة كونه حينئذ كالمملوك بالنسبة إلى ذلك.

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك لا يزيد على السبق إلى الماء المباح الذي لا يجوز له المنع عما زاد على حاجته، لإطلاق ما دل (1)على أن الناس فيه شرع سواء و غيره مما سمعته سابقا، و لعله لذا ذكر في التذكرة ما سمعته، بل عنها أيضا أن الأقرب الوجوب دفعا لحاجة الغير، لكنه كما ترى، ضرورة الفرق بينهما.

و كذا قيل في ماء العين و النهر لما سمعته من الأدلة السابقة، و فيه ما عرفت.

و من هنا قال المصنف لو قيل: لا يجب بذل الزائد مطلقا مع قصد التملك كان حسنا

لعموم «الناس مسلطون على أموالهم»(2)

و غيره، بل قد عرفت ندرة المخالف، و أما مع عدم قصد التملك فقد يشكل عدم الوجوب بما عرفت بناء على أن ذلك كالسبق إلى المباح.


1- 1 المستدرك- الباب- 4- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
2- 2 البحار- ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 38، ص: 124

و دعوى معلومية خلاف ذلك شرعا يمكن شهادتها على حصول الملك بذلك و إن لم يقصد الدوام، كما سمعته سابقا في الاحياء الذي ما نحن فيه فرد منه عندهم على ما هو الظاهر من كلماتهم بل هو صريح بعضهم.

و على كل حال ف إذا فارق مفارقة إعراض فمن يسبق إليها فهو أحق بالانتفاع بها بلا خلاف بين من تعرض له و لا إشكال، بناء على سقوطه بمثل الاعراض المزبور، و إلا كان مشكلا، و أولى منه بذلك إذا لم يكن مفارقة إعراض، ضرورة أنه لو كان كحق التحجير لم يسقط بمطلق المفارقة، كما هو مقتضى المتن و غيره، نعم لو كان كحق السبق إلى الماء المباح اتجه حينئذ ذلك، و لكن كان عليه وجوب بذل الزائد نحو غيره من المياه المباحة التي يكون للسابق حق فيها بقدر حاجته.

و من ذلك يظهر لك أن كلامهم في ذلك غير منقح، لأن مقتضى السقوط بمطلق المفارقة كونه كالسبق إلى المباح، و مقتضى عدم وجوب بذل الزائد أن يكون له فيه حق كحق التحجير، و لكن قد عرفت عدم الدليل عليه، فالمتجه إن لم نقل بالملك قهرا بالحفر الذي هو فرد من الاحياء الذي سمعت البحث فيه سابقا حتى مع قصد العدم أن يكون ذلك كالسبق إلى المباح، و الله العالم.

و أما ما كان منها مباح الأصل ك مياه العيون و الآبار غير المملوكة لأحد و الغيوث فالناس فيها سواء كما تقدم سابقا.

و حينئذ ف من اغترف منها شيئا بإناء أو حازه قاصدا لتملكه في حوضه أو مصنعه فقد ملكه بلا خلاف و لا إشكال كما عرفت الكلام فيه سابقا.

و البئر العادية إذا طمت و ذهب ماؤها فاستخرجه انسان ملكها،

ج 38، ص: 125

كما صرح به في القواعد، و هو كذلك مع فرض كونها من الموات الذي يملك بالإحياء، أما إذا كانت لمسلم فينبغي أن يكون فيها البحث السابق في الأرض الميتة بعد إحياء المسلم لها.

و منه ينقدح البحث في ملك ماء البئر في المملوك للمسلمين من الأرض المفتوحة عنوة، و يتجه فيه عدم ملكه لها، لما عرفته من اشتراط الملك به أن لا يتعلق به حق مسلم.

بل لعل الأمر كذلك في المعدن الباطن فيها أيضا بناء على أن إخراجه من الاحياء.

لكن قد سمعت ظهور كلام الأصحاب إن لم يكن صريحه ملكه لمحييه مطلقا، اللهم إلا أن يريدوا مع إحراز ما ذكروه سابقا من شروط الاحياء.

و أما حفر البئر في الأرض الموقوفة للمسلمين مثلا فالمتجه عدم الملك أيضا، بل تكون لهم أيضا.

و لكن لم أجد شيئا من ذلك محررا في كلامهم هنا، و قد تقدم جملة منه في كتاب الغصب و غيره من الكتب السابقة.

إلا أنه ينبغي أن يعلم أن من أراد أن يسبل بئرا في أرض مملوكة للغير أن ينقل مقدار أرضها إليه ليكون الماء له فيسبله، و في الأرض المباحة ينوي تملكها ثم يسبله، و الله العالم.

ج 38، ص: 126

و هنا مسائل:

[المسألة الأولى ما يقبضه النهر المملوك من الماء المباح لا يملكه الحافر]

الأولى:

ما يقبضه النهر المملوك و لو بإحيائه نهرا من الماء المباح كشط الفرات و دجلة قال الشيخ في المبسوط لا يملكه الحافر للأصل كما إذا جرى السيل إلى أرض مملوكة؛ بل الحافر أولى بمائه من غيره، لأن يده عليه و سابق إليه إلا أنه لم نجد له موافقا على ذلك إلا ما يحكى عن بعض العامة.

نعم عن أبي علي اعتبار عمل ما يصلح لسده و فتحه في تملك الماء، و لعله لتوقف صدق الحيازة التي هي فعل من أفعال المكلف المقدور له فعلا و تركا على ذلك.

لكن فيه منع واضح، ضرورة صدقها بدونه، كوضوح الفرق بين الفرض و بين ماء السيل في ملك الغير الذي لم يقصد حيازته و لو بجعل آلة معدة لذلك، و إنما هو نحو شبكة مثلا لصيد، و من هنا اتفق من عداه من الأصحاب ممن تعرض لذلك على الملك بذلك.

مضافا إلى

خبر إسماعيل بن الفضل (1)المروي في الكافي و الفقيه «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بيع الكلأ إذا كان سيحا يعمد الرجل إلى مائه فيسوقه إلى الأرض فيسقيه الحشيش و هو الذي حفر النهر و له الماء يزرع به ما شاء، فقال: إذا كان الماء له فليزرع به ما شاء و ليبعه بما أحب»

بل و إلى غيره من النصوص السابقة في القناة.

و حينئذ فإذا كان الحافر واحدا فلا بحث، و أما إذا كان


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.

ج 38، ص: 127

فيه جماعة فان وسعهم على وجه لا يقع بينهم تعاسر أو لم يسعهم و لكن تراضوا على المهاياة فيه ف كذلك لا بحث، و إن تعاسروا قسم بينهم بالأجزاء بأن توضع خشبة صلبة لا يحصل فيها التفاوت بمرور الأزمنة، أو صخرة ذات ثقب متساوية على قدر حقوقهم في صدر الماء على وجه لا يكون دخول الماء في تلك الثقوب متفاوتا، و يجري كل منهم ساقية لثقوبه، و يجعل الثقوب على أقلهم سهما فإذا كان لأحدهم نصفه و للآخر ثلثه و لثالث سدسه جعلت الثقوب ستة، ثلاثة منها لذي النصف، و اثنان لذي الثلث، و واحد لذي السدس، و هكذا. فيصنع كل منهم حينئذ بمائه ما شاء و لو بأن يسقي به ما لم يكن له شرب من هذا النهر، لقاعدة تسلط الناس على أموالها بعد كون القسمة قسمة عدل.

بل الظاهر عدم جواز رجوع أحدهم بعد استيفاء الآخر، نعم له ذلك في المهاياة التي لا إشكال في صحتها مع الاتفاق منهم عليها، إلا أنها غير لازمة، للأصل و غيره، فلأحدهم الرجوع قبل استيفاء الآخر نوبته و إن كان الراجع قد استوفى سابقا تمام نوبته.

و لكن قيل: يضمن له اجرة مثل نصيبه من النهر للمدة التي أجرى الماء فيها، لأنه لما تعذر ضبط الماء المستوفي بالكيل و الوزن امتنع إيجاب مثله و إن كان مثليا، و أولى منه قيمته فلم يبق إلا الرجوع إلى الزمان الذي استوفى فيه، فوجبت الأجرة على حسبه.

إلا أنه كما ترى لا يصلح مخصصا لما دل على ضمان المثلي بمثله، و مع التعذر فقيمته و إن أدى ذلك هنا إلى الرجوع للصلح و نحوه، و الله العالم.

ج 38، ص: 128

و كيف كان فعن الشيخ مع التعاسر قسم بينهم على سعة الضياع التي هي لهم لا على قدر عملهم و لا نفقاتهم، لعدم ملكهم الماء و إنما هم أحق به لأجل ملكهم، فلو كان لبعضهم حينئذ مأة جريب من الأرض و لآخرين ألف جريب جعل للأول جزء من أحد عشر جزء و للباقين عشرة أجزاء، و قد عرفت فساد الأصل الذي بنى عليه هذا التفريع.

و من هنا قال المصنف و لو قيل: يقسم بينهم على قدر أنصبائهم من النهر الذي ستعرف أنه قدر النفقة على العمل كان حسنا بل هو الموافق للقوانين الشرعية كما عرفت.

ثم إنه قد يظهر من قول المصنف و غيره: «ما يقبضه النهر» عدم ملك ما لو فاض ماء من هذا النهر طغيانا إلى ملك انسان على وجه يدخل في النهر طاغيا، بل صرح الفاضل بأنه مباح مشبها له بالطائر يعشش في ملك انسان مثلا.

و لعله لعدم ملك ذي النهر له لخروجه عن نهره، و لا لذي الملك لعدم حيازة منه له تقتضي ملكه، فهو بالنسبة إليهما خصوصا الثاني كالطائر المزبور، إذ مجرد الدخول في الملك لا يقتضي كونه حيازة مع عدم الاستيلاء، كما هو واضح. و الله العالم.

ج 38، ص: 129

[المسألة الثانية إذا استجد جماعة نهرا فبالحفر يصيرون أولى به]

المسألة الثانية:

إذا استجد جماعة نهرا ليملكوه فبالحفر يصيرون أولى به لأنه تحجير فإذا وصلوا منتزع الماء و مجراه على وجه إذا أريد إجراؤه فيه جرى ملكوه سواء جرى فيه الماء أو لا بعد أن تهيأ له، فان ذلك إحياؤه و كان بينهم على قدر النفقة على عمله إذا كان قد استأجروا غيرهم على عمله فأدوا أجرتهم على السوية أو التفاوت، فإنه يكون النهر ملكا لهم على حسب نسبة النفقة، ضرورة مساواتها للعمل حينئذ، و إلا فلو فرض تفاوتها كما إذا كان أجير أحدهم أزيد اجرة من الآخر و لكن العمل متفقا كان المدار على العمل لا عليها و لعل إطلاق ما في محكي المبسوط من أن ملكية النهر على قدر النفقة منزل على ذلك أيضا، ضرورة عدم مدخلية زيادتها بعد اتفاق العمل في التفاوت في الملكية.

نعم هذا كله مع الاشتراك في الحفر على وجه يكون جميع أجزاء الحفر مشتركا. أما إذا حفر كل منهم بعضه مستقلا عن الآخر فالمتجه ملك كل واحد مقدار حفره إلا أن يتعاوضوا فيجعل كل منهم من حفره قدر ما له في حفر الآخر بعد مراعاة النسبة بين الجميع، فيكون ملك النهر حينئذ على حسبها، و يتبعه الماء الجاري فيه عندنا في الملكية على الأصح و في الأحقية على ما سمعته من الشيخ.

و كذا ما في قواعد الفاضل «لو حفرها جماعة ملكوها على نسبة الخرج» خصوصا بعد ملاحظة كلامه في غيرها.

بل في محكي الحواشي عن إملائه «أن هذا مختص بما إذا اشتركوا

ج 38، ص: 130

في الحفر، أما لو حفر بعضهم شيئا و الآخر بعضا آخر ملك كل واحد بقدر عمله لا خرجه إذا لم يكن لصعوبة الأرض بل لتفاوت سعر الأجرة» فإن مرجعه أيضا إلى ما ذكرنا، كما هو واضح.

و لو كان لإنسان رحى مثلا على هذا النهر المملوك لغير ذيها ففي النافع «لم يجز لصاحب النهر أن يعدل بالماء و يصرفه عنها إلا برضا صاحبها».

و لعله

للصحيح (1)«كتب رجل إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل كانت له رحى على نهر قرية و القرية لرجل أو رجلين فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحى و يعطل هذه الرحى إله ذلك أم لا؟ فوقع

(عليه السلام) يتقي الله عز و جل، و يعمل بالمعروف، و لا يضار أخاه المؤمن».

مؤيد(2)بقاعدة نفي الضرر و الضرار.

و لكن فيه أنه مناف لقاعدة تسلط الناس على أموالهم، و دعوى ترجيحها عليها واضحة المنع، فلا بد من حمل الصحيح المزبور على صورة وضع الرحى بحق واجب على صاحب النهر مراعاته، كما عن ابن إدريس التصريح بتقييده بذلك جمعا بينه و بين القاعدة المزبورة المعتضدة بعمل الأصحاب على وجه ترجح على قاعدة نفي الضرر و الضرار، و الله العالم.


1- 1 أشار إليه في الوسائل- الباب- 15- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1 و ذكره في التهذيب- ج 7 ص 146 الرقم 647.
2- 2 هكذا في النسختين الأصليتين: المبيضة و المسودة، و الصحيح «مؤيدا».

ج 38، ص: 131

[المسألة الثالثة إذا لم يف النهر المباح أو سيل الوادي بسقي ما عليه دفعة بدئ بالأول]

المسألة الثالثة:

إذا اجتمعت أملاك على ماء واحد مباح و لم يف ذلك النهر المباح مثلا أو سيل الوادي بسقي ما عليه دفعة و وقع في التقدم و التأخر تشاح بدئ بالأول، و هو الذي يلي فوهته أي أصله فأطلق الماء إليه على قدر حاجته ف للزرع إلى الشراك، و للشجر إلى القدم، و للنخل إلى الساق، ثم يرسل إلى من دونه، و لا يجب إرساله قبل ذلك و لو أدى إلى تلف الأخير بلا خلاف أجده في أصل الحكم، بل لعل الإجماع بقسميه عليه.

مضافا إلى النصوص من الطرفين، ف

من طريق العامة(1)«أن النبي (صلى الله عليه و آله) قضى في شرب نهر في سيل أن للأعلى أن يسقي قبل الأسفل ثم يرسله إلى الأسفل».

و في آخر(2)«أنه (صلى الله عليه و آله) قضى في السيل أن يمسك حتى يبلغ إلى الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل».

و في ثالث (3)«أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج (4)الحرة التي يسقون بها، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك،.


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 154.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 154.
3- 3 سنن البيهقي- ج 6 ص 153 و 154.
4- 4 بالشين المعجمة و الجيم: جمع شرج بالإسكان، قال في الصحاح: هو مسيل مياه الحرة إلى السهل، و الحرة أرض ذات حجارة سود و نخرة كأنها أحرقت بالنار منه رحمه الله.

ج 38، ص: 132

فتلون وجه رسول الله (صلى الله عليه و آله) ثم قال: يا زبير اسق و احبس الماء حتى يصل إلى الجدر ثم أرسله».

و من طرق الخاصة خبر غياث بن إبراهيم (1)عن الصادق (عليه السلام) الذي رواه المشايخ الثلاثة و في سنده ابن أبي عمير الذي هو من أصحاب الإجماع و مراسيله كالصحيح فضلا عن مسنده قال: «قضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) في سيل وادي مهزور الزرع إلى الشراك و النخل إلى الكعب، ثم يرسل الماء إلى أسفل من ذلك».

و كأنه إليه أشار

في النهاية «قضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلى على الذي هو أسفل منه للنخل إلى الكعب، و للزرع إلى الشراك، ثم يرسل الماء إلى من هو دونه، ثم كذلك يعمل من هو دونه».

و في الغنية «قضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن الأقرب إلى الوادي يحبس الماء للنخل إلى أن يبلغ في أرضه إلى أول الساق، و إلى الزرع إلى أن يبلغ الشراك».

و في محكي المبسوط «روى أصحابنا أن الأعلى يحبس إلى الساق للنخل، و للشجر

إلى القدم، و للزرع إلى الشراك» و مثله في محكي السرائر.

و عن الفقيه بعد أن روى خبر غياث كما سمعت

قال: و في خبر آخر(2)«أن للزرع إلى الشراكين و للنخل إلى الساقين».

و في

خبر عقبة بن خالد(3)عن الصادق (عليه السلام) «قضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) في شرب النخل بالسيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل، يترك الماء إلى الكعبين، ثم يسرح الماء إلى الأسفل الذي يليه، و كذلك حتى تنقضي الحوائط و يفنى الماء».


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من كتاب إحياء الموات- الحديث 5.

ج 38، ص: 133

إلا أن جميعها كما ترى متفقة على إطلاق تقديم الأعلى على الأسفل نحو إطلاق المتن و الفاضل في جملة من كتبه، بل و المحكي عن المبسوط و السرائر و الغنية و غيرها.

نعم قيده الشهيد في الدروس بما إذا لم يعلم السابق في الاحياء و إلا قدم، و تبعه عليه الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهما.

بل في الكفاية تعليله بأن النصوص لا عموم فيها بحيث تشمل هذا القسم، و فيه منع واضح، و الأولى التعليل بأن السابق في الاحياء قد تعلق حقه بالماء قبل غيره و إن كان في آخر النهر،

لعموم «من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به»(1).

و دعوى التعارض بينهما من وجه يدفعها أن الرجحان لتقديم الأخير بالشهرة، و لو بملاحظة كلامهم الآتي في من أحيا أرضا على هذا الوادي بعد تعلق حق الأملاك و إن تردد فيه المصنف كما ستعرف، إلا أن المحكي عن غيره عدم مشاركته للسابقين.

و منهم من أطلق هنا، و كذا صرح أيضا بأنه لو سبق إنسان إلى مسيل ماء أو نهر فأحيا في أسفله مواتا ثم أحيا فوقه مواتا آخر كان للأول السقي ثم الثاني ثم الثالث، إلى غير ذلك من كلماتهم التي تشهد على إرادة ما إذا لم يعلم السابق من الإطلاق المزبور، فتأمل جيدا.

بقي الكلام في خلو نصوصنا المروية في الكتب الأربعة عن الشجر بعد اتفاقها أجمع كالفتاوى على التحديد بالشراك للزرع، فلا إشكال فيه، و لكن يكفي فيه مرسل المبسوط و السرائر بعد عمل المشهور.

و أما اختلاف التحديد بالساق و الكعب للنخل فقد نزله الصدوق


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 142.

ج 38، ص: 134

على قوة الوادي و ضعفه، و أولى منه تنزيله على إرادة العظمين الناتيين المتصلين بالساق، فيكون الوصول إليه هو الوصول إلى مبتدأ الساق، كما سمعته من الغنية، أو على أن وصوله إلى الكعب الذي هو العظم الناتي في ظهر القدم يستلزم وصوله إلى ذلك.

على أن التعبير بالكعب قد وقع في النافع و النهاية التي هي متون أخبار، و إلا فالمشهور التعبير بالساق الذي هو منطبق على ما في أخبار العامة من التحديد بالجدر.

بل لعل خبر الزبير(1)مبني على ذلك، أي أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان متنزلا له عن حقه، فلما وقع من الأنصاري ما وقع أمره باستيفاء تمام حقه.

بل قد يؤيد ذلك أن ظاهر المسالك و غيرها أن ذلك ليس محلا للخلاف، و لذا استدل له بنصوص الكعب (2)نعم جعل محل الخلاف عدم تعرضها للشجر و إن قال في الرياض: «إني لم أفهمه بعد وضوح الفرق

بين الكعب و الساق، و أنه أعلى منه بكثير، سيما إذا أريد من الساق منتهاه أو أوسطه».

لكن فيه أنه لا مجال لاحتمال إرادة منتهى الساق أو أوسطه، لصدق اسمه على ابتدائه الذي هو متصل بالكعب العرفي الذي هو و إن كان خلاف ما ذكرناه من معناه في كتاب الطهارة(3)إلا أنه لا بأس بإرادته هنا لقرائن كثيرة في النصوص و الفتاوى تقتضي الجمع بذلك.

و كذا ما فيه من أنه «لم يتضح الفرق- أي على القول المزبور-


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 153.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من كتاب إحياء الموات.
3- 3 راجع ج 2 ص 215- 224.

ج 38، ص: 135

بين تحديد الشجر إلى القدم و النخل إلى الساق، لتقاربهما على ذلك التقدير قربا لم يكن معه الفضل محسوسا بحيث كاد يكون أحدهما عين الآخر، و عليه بنى التوجيه في دفع الاختلاف، فلا بد من تصحيح وجه الفرق بين التحديدين بأن يراد من الساق غير مبدئه، و معها لم يرتفع الاختلاف لمخالفة الكعب على أي تفسير للساق على هذا التقدير» إلى آخره، فإنه لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا بعد وضوح الفرق

بينهما بتحقق صدق القدم قبل الوصول إلى منتهى الكعب المتصل بالساق.

فلا محيص حينئذ عن العمل بمرسلي الساق المعتضدين بشهرة الأصحاب و بأصالتي بقاء الحق و عدم سلطنة الأسفل على الأعلى في منعه عن القدر الزائد على المجمع عليه.

و على كل حال فالظاهر بناء الإطلاق المزبور نصا و فتوى على استواء الأرض، و إلا فلو فرض اختلافها هبوطا و علوا ففي القواعد و جامع المقاصد و المسالك سقي كلا على حدته، و لعله لما في الكفاية من أنهما لو سقيا معا لزاد الماء في المنخفضة عن الحد السائغ شرعا، فيخرج عن المنصوص، فوجب إفراد كل بالسقي توصلا إلى متابعة النص بحسب الإمكان.

و لو كانت كلها منحدرة لم يقف فيها الماء كذلك ففي المسالك «سقيت بما تقتضيه العادة. و سقط اعتبار التقدير الشرعي لتعذره» و استحسنه في الكفاية.

قلت: قد يقال باعتبار الغاية لجميع ما فيها و إن استلزم الزيادة في بعضها، نحو ما لو فرض اشتمال الأرض على زرع و شجر و نخل، و يلاحظ التقدير بالنسبة إلى المنحدرة، نعم لو احتيج سقي الأرض لغير ذلك اعتبرت الحاجة عادة، فإن الظاهر كون التحديد المزبور في النصوص

ج 38، ص: 136

مراعاة لها، لا أنه تحديد تعبدي حتى لو علم زيادته على الحاجة، و لكن لا حق للثاني إلا بعد استيفاء الأول تمام حاجته و إن أدى ذلك إلى ضرر الغير، بل إن لم يفضل لا شي ء له بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لأنه أحق بمقدار حاجته، بل لا حق للثاني إلا بعدها.

نعم لو تساويا في التحاذي عن يمين النهر و شماله فالذي صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي القسمة بينهما، فان تعذرت فالقرعة. نعم ذكر الشهيدان المهاياة مع الضيق، فان تعاسرا فالقرعة، و لعل ترك غيرهما المهاياة باعتبار عدم لزومها عليهما مع التعاسر، فلا يجبران عليها.

و لكن قد يناقش بأن المتجه في المقام ما سمعته من السابق في المعدن الذي هو باق على الإباحة أيضا كالماء هنا، و قد أطلق الأكثر هناك القرعة، و ظاهرهم تقديم من خرجت القرعة له في أخذ تمام حاجته.

نعم قد سمعت ما سمعت من الكركي و غيره، و تقدم الكلام معهم هناك، و المقام مثله، ضرورة أن ذلك ليس إلا لكونهما متساويين في الأحقية المزبورة، إما باعتبار كونهما معا في فوهة النهر، أو لعدم العلم بتقدم أحدهما على الآخر، و مع فرضه و جهله فليس إلا القرعة، لاستيفاء تمام حاجته قطعا.

و من ذلك يظهر لك النظر فيما ذكروه هنا من القسمة، و مع تعذرها فالقرعة في التقديم خاصة بعد فرض النقص عليهما، و فرض تعذرها يكون لعدم تمكن كل منهما من ساقية تصل إلى ملكه أو لغير ذلك.

قال في القواعد بعد أن ذكرها «فان لم يفضل عن أحدهما سقى من أخرجته القرعة بقدر حقه ثم يتركه للآخر، و ليس له السقي بجميع الماء، لمساواة الآخر له في الاستحقاق، و القرعة تفيد التقديم بخلاف الأعلى مع الأسفل».

ج 38، ص: 137

و معناه كما في جامع المقاصد «أن القرعة إذا أخرجت أحدهما قدم في السقي، و ليس له أن يسقي مقدار حاجته، لأنه يفسد زرع الآخر كله أو بعضه، بل ينظر إلى مقدار زمان السقي لهما و مقدار صبر الزرعين و عدم تطرق الفساد إليهما، و المفروض أن زمان الثاني قاصر عن زمان الأول، لأن المفروض أن الفاضل عن سقي الأول غير كاف في سقي الثاني، فمقدار ما قصر به الزمان الثاني يوزع على كل من المالك الأول و الثاني، فيسقي الأول مقدار حقه، و هو ما يبقى بعد إسقاط حصته من التوزيع لا مقدار حاجته ثم يرسله إلى الثاني، مثاله لو كان زمان سقي الأول أعني الذي أخرجته القرعة ستة أيام و الآخر مثلها و الباقي ثمانية أيام، فلكل منهما أربعة، و لو تفاوتا في ذلك بأن كان زمان سقي الأول ستة أيام و الآخر أربعة و مجموع المدة التي لا يبقى الزرعان بعدها ثمانية أيام فللأول ثلاثة أخماس ثمانية أيام و للآخر خمساها، فإذا انقضت ثلاثة أخماس الثمانية أرسل الماء الأول، و هو من أخرجته القرعة إلى الثاني، لمساواتهما في أصل الاستحقاق، و أما قوله: و القرعة إلى آخره، فهو جواب عن سؤال مقدر، و هو أنه لا فائدة في القرعة بعد الحكم باستوائهما في السقي، و جوابه أن فائدتها تقديم أحدهما على الآخر، و لولاها لم تتحقق ذلك، لعدم الأولوية».

قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله، ضرورة اقتضاء تساويهما في الاستحقاق قسمة الماء بينهما، كما لو كانا مالكين، فيأخذ كل منهما نصيبه و إن لم يكف لحاجته، لا القرعة التي هي بعد تعذر القسمة ليتحقق الاشكال.

كما لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا و لاحقا من تساويهما في حق الأولوية التي لا ترجع إلى حق في الماء نفسه، فلا يتصور فيه القسمة، على أنه قد يفرض التضرر بابتداء أحدهما على وجه لا يمكن

ج 38، ص: 138

فيه مراعاة التوزيع، كما أنه يمكن كون أحدهما مقدما على الآخر في تمام حاجته و قد أخرجته القرعة، كما هو مقتضى إطلاق الأكثر في المتسابقين إلى المعدن فضلا عن المقام الذي من صورة التقدم في الاحياء مع الاشتباه.

و لو كانت أرض أحدهم أكثر قسم على قدرها، لأن الزائد مساو في القرب، فيستحق جزء من الماء، إذ المعتبر في قرب الأرض من الماء جزء منها و إن قل، حتى لو اتسعت إحداهما على جانب النهر و ضاقت الأخرى و امتدت إلى خارج فهما متساويان، لصدق القرب بذلك.

و لو أراد أحد أن يستجد بناء رحى على النهر المزبور فان عارض الاملاك على وجه يحصل ضرر عليهم أو بعضهم لم يكن له ذلك إلا برضاهم، سواء بناها في ملكه أم في الموات، و إن لم يعارض أحدا جاز و إن كانت أعلى من الجميع، لأن لهم حق الانتفاع لا حق الملك، فلا يتوقف على إذنهم ما لا ينافي انتفاعهم.

و لو كان على النهر أرحية متعارضة فهي كالأملاك في تقديم ما كان منها ما يلي الفوهة إن لم يكن غيرها السابق في الاحياء، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لو أحيا إنسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي لم يشارك السابقين]

المسألة الرابعة:

لو أحيا إنسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي الذي تعلق به حق الأملاك السابقة فان لم يكن فيه تضييق فلا منع لما عرفت و إلا لم يشارك السابقين الذين هم أولى منه بإحياء أرضهم الذي به استحقوا مرافقها، و الماء من أعظم المرافق، فلا يستحق إلا بعد استيفاء الأولين، فان لم يفضل عن كفايتهم شي ء بأن احتاج الأول إلى السقي عند فراغ المتأخر رجع الحق إليه، و هكذا، و لا شي ء لهذا المحيي أخيرا

ج 38، ص: 139

و إن كان الأرض التي أحياها أقرب من غيرها إلى فوهة الوادي.

نعم لو لم يحتج أحد منهم قسم له مما يفضل عن كفايتهم و من ذلك يعلم الوجه في تقييد النص و الفتوى سابقا، لأن لم أجد خلافا فيه بين من تعرض له كالشيخ و الفاضل و الكركي و غيرهم.

لكن في المتن و فيه تردد و لم نجده لغيره، و احتمل فيه أمران:

أحدهما أن يكون الاحتمال الآخر مشاركة هذا المحيي للسابقين، بمعنى استحقاقه نوبة بعد نوبتهم كالذي قبله و إن احتاج السابق قبل أخذه النوبة، لأن النهر مباح بالأصل، و انما استحقه من سبق بسبب الاحياء، و قد شاركهم المتأخر في ذلك، كما يشارك من قبله السابق عليه.

و في المسالك «هذا الاحتمال يتوجه إذا قلنا بأن الأعلى يجب عليه الإرسال لمن بعده بعد سقيه و إن احتاج إليه مرة أخرى، و هو وجه في المسألة، أما إذا قلنا بأنه أولى من اللاحق مطلقا و لا حق للآخر إلا مع استغنائه فلا يظهر للاحتمال المذكور وجه، لأنه مع غناء السابقين لا إشكال في استحقاقه، و مع حاجتهم يقدمون عليه، و في التذكرة نقل الخلاف فيما لو احتاج الأعلى بعد استيفاء حقه إلى السقي مرة أخرى هل يمكن أم لا؟

ثم قوى عدم التمكين، و أنه يجب عليه الإرسال لمن بعده، محتجا ب

قول النبي (صلى الله عليه و آله) في خبر عبادة بن الصامت (1): «و يرسل الماء إلى الأسفل حتى تنتهي الأراضي»

و قوله (صلى الله عليه و آله) في رواية الصادق (عليه السلام)(2): «ثم يرسل الماء إلى الأسفل»

و غيرهما من الأحاديث».

قلت: قد يقال بانسياق تلك النصوص إلى الإرسال مع استغناء


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 154 مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من كتاب إحياء الموات- الحديث 1.

ج 38، ص: 140

الأول و إلا فمع فرض حاجته فهو مقدم كما في أول الدور، لاستمرار سبب التقديم و هو كونه في الفوهة مثلا، و حينئذ فيسقط الاحتمال المزبور الذي جعل وجها للتردد، و لذا لم نره لغيره ممن تقدمه أو تأخر عنه.

و أما الاحتمال الثاني- فهو أنه لا يصلح لهذا المتأخر مع ضيق الماء الاحياء إلا بإذن السابقين لئلا يصير ذريعة إلى منع حقهم من النهر على طول الأزمنة و اشتباه الحال، خصوصا إذا كان أقرب إلى فوهته من غيره- فهو مع أنه بعيد عن العبارة واضح الفساد منطبق على أصول العامة

التي منها اعتبار أمثال هذه الخرافات دون أصولنا، ضرورة أن حقهم في النهر لا في الموات، و عليهم ضبط الأمر على وجه لا يكون اشتباها فيما يأتي من الأزمنة، لا منع المستحق عن الأخذ بحقه مخافة حصول ذلك، كما هو واضح.

و لو احتاج هذا النهر إلى حفر و إصلاح و سد خرق و نحو ذلك فالظاهر كونه كالنهر المملوك الذي صرح في القواعد بأنه عليهم على حسب ملكهم، فهنا أيضا على حسب استحقاقهم، نعم قد تقدم في تزاحم الحقوق أنه لو امتنع بعض الشركاء من الإصلاح لم يجبر و إن كان لا يخلو من نظر، خصوصا مع ملاحظة قاعدة نفي الضرر و الضرار، و قاعدة حفظ المال، و النهي عن ضياعه.

و على كل حال ففي القواعد في النهر المملوك أنه يشترك الكل إلى أن يصلوا إلى الأدنى من أوله أي الذي هو في فم النهر، ثم لا شي ء عليه، و يشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى الثاني و هكذا، و يحتمل التشريك.

و لعل وجه الأول أن نفعه ينتهي بانتهاء ملكه، و لا ملك له فيما وراء أرضه، فيختص الباقون بمئونة ما بقي على حسب استحقاقهم، نعم لو كان الماء يفضل عن جميعهم و احتاج الفاضل إلى مصرف ينصب

ج 38، ص: 141

إليه فمئونة ذلك المصرف على جميعهم، لأنهم يشتركون في الحاجة و الانتفاع به، فكانت مئونته عليهم كأوله، و لا ينافي ذلك انتهاء حق الأدنى عند أرضه، فاما أن يجب عليه حصة من المئونة في الجميع أو لا يجب شي ء لما بعد ملكه على حال، فان المراد عدم لزوم مئونة الحفر لما يزيد عن ملكه عليه بعد فرض عدم توقف الحفر إلى ملكه على ذلك، أما مصرف الفاضل عن الجميع الذي يعود نفعه إليهم أجمع فلا وجه، لعدم لزومه له مع وصول النفع و الضرر إليه و عليه، كحفر أول النهر.

و لو فرض عدم ضرر و لا نفع له فيه اتجه حينئذ عدم التزامه بشي ء، اللهم إلا أن يقال به باعتبار الشركة معه، فيستحق الثاني عليه من جهتها مقدار ما يقتضيه التقسيط من جهتها و إن لم يكن لذلك دخل في ملكه.

و لعل من ذلك يظهر لك وجه التشريك باعتبار أن ما بعد ملكه و إن لم يكن مملوكا إلا أنه من ضروريات ملكه، لأنه مصب لمائه، و هو جيد مع الفرض المزبور. و لعله لذا حكي عن الشهيد في الحواشي اختياره.

لكن في جامع المقاصد «أن الأول أصح، لأنه لا حق له بعد ذلك الموضع، لانحصار الاستحقاق في الباقين».

و فيه أنه كذلك إلا أن الاشتراك المزبور يوجب عليه ذلك، كما أوجب عليه في مصرف الماء الفاضل. اللهم إلا أن يفرض أن وضع شركته معه إلى الحد المزبور، و أنه لا مدخل له بعده في شي ء أصلا، و لم يكن عليه ضرر و لا نفع، و هو خروج عن الفرض، فتأمل جيدا.

ثم إنه لا يتوهم من إطلاق الفاضل و غيره هنا الالتزام بالمئونة المنافاة لما تقدم من عدم إجبار أحد الشريكين الآخر على العمارة باعتبار منافاة الوجوب لعدم الإجبار، إذ احتمال كون المراد منه الإثم إن لم يفعل و إن لم يجبر كما قوى، ضرورة أنه متى تحقق الوجوب اتجه الإجبار، و احتمال

ج 38، ص: 142

منعه على كل واجب واضح الضعف، إلا أن المراد هنا اللزوم بعد البناء منهم على التعمير و أداء المئونة، أو كان أحدهما غائبا و تولى أمره الحاكم مثلا أو غير ذلك، لا اللزوم الذي يجبر عليه الشريك مع الامتناع، أو يقال المراد أنه حيث يتحقق الوجوب بأحد أسبابه.

و حينئذ فإذا امتنع ففي جامع المقاصد «كان للحاكم التسلط على إجباره على واحد من أمور متعددة: إما الإصلاح أو البيع أو الإجارة أو القسمة إن أمكنت إلى آخر الأمور المتعددة، فكان له إجباره في الجملة، و متعلقة واحد غير معين من متعدد، و كل واحد لا يجبر عليه بخصوصه و إن أجبر على واحد غير معين» و هو جيد، إذ المدار حينئذ على رفع ضرر الشريك، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا كان الإنسان في يده دار أو أرض ورثها عن أبيه و يعلم أنها لم تكن ملكا و لم يعرف المالك لا يبع أصلها على حال بل فليبع تصرفه فيها]

المسألة الخامسة التي قد ذكرها المصنف في النافع و لكن لا تعلق لها في هذا الكتاب و هي ما رواه الشيخ في التهذيب في باب بيع الغرر في

الموثق عن إسحاق ابن عمار(1)عن عبد صالح (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل في يده دار ليست له و لم تزل في يده و يد آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه أنها ليست لهم و لا يدرون لمن هي فيبيعها و يأخذ ثمنها، قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت: فإنه ليس يعرف صاحبها و لا يدري لمن هي، و لا أظنه يجي ء

لها رب أبدا، قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت: فيبيع سكناها و مكانها فيقول لصاحبه أبيعك سكناي و تكون في يدك كما هي في يدي؟ قال: نعم يبيعها على هذا».


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب عقد البيع- الحديث 5 من كتاب التجارة.

ج 38، ص: 143

و إليه أشار في النهاية «إذا كان الإنسان في يده دار أو أرض ورثها عن أبيه عن جده غير أنه يعلم أنها لم تكن ملكا و إنما كانت للغير و لم يعرف المالك لم يجز له بيعها، بل ينبغي له أن يتركها بحالها، و إن أراد بيعها فليبع تصرفه فيها، و لا يبيع أصلها على حال».

و قال ابن إدريس «يمكن أن يقال: إنما كان الأمر على ما ذكر في هذا الحديث، و الوجه في ذلك، و كيف يجوز له تركها في يده و بيع ما جاز له بيعه و هو يعلم أنه لم يكن لمورثه؟! و من كان بيده شي ء و لم يعلم لمن هو فسبيله سبيل اللقطة، فبعد التعريف المشروع يملك المتصرف، فجاز أن يبيع ما له فيها، و هو التصرف الذي ذكر في الخبر دون رقبة الأرض إذا كانت في الأرض المفتوحة عنوة، فهذا وجه تأويل في الخبر، و بعد هذا كله فهذه أخبار آحاد أوردها شيخنا في نهايته لئلا يشذ من الأخبار شي ء».

و فيه أولا منع كونها من اللقطة، ضرورة تعاقب الأيدي فيها على التصرف المحمول على الوجه الصحيح شرعا، و كونها لغيرهم أعم من كونها غصبا أو نحوه.

و لذا قال الفاضل بعد أن حكى ذلك عنه: «أقول: ليس بعيدا من الصواب أن يكون المراد بقوله: «فليبع تصرفه فيها» أي الآثار الموجودة من الأبنية و السقوف، و لا يلزم من كون الدار ليست له كونها غصبا، بل جاز أن تكون عارية، و هو الظاهر، إذ تصرف المسلم إنما يبنى في الظاهر على المشروع» و إن كان هو غير نقي أيضا.

و في النافع أنه يمكن تنزيله على أرض عاطلة مملوكة أحياها غير المالك بإذنه، إلا أنه مع ذلك كله لا بد من تنزيل البيع فيه على بيع الآثار، أو إرادة الصلح الذي يقع مثله على حق السكنى الذي يقضي به تعاقب

ج 38، ص: 144

الأيدي بعد عدم منافاة اعتراف كونها للغير المحتمل وجوها لذلك.

نعم قد يظهر من قول: «لا أحب» فيه بجواز(1)بيع الرقبة و لكن على الكراهة، و لا ريب في منافاته للقواعد. اللهم إلا أن يريد بذلك الاستئذان منه (عليه السلام) في البيع باعتبار كونها مجهول المالك فأجابه (عليه السلام) بذلك. لعدم إظهار الراوي الوصول إلى حد اليأس بقوله: «و لا أظن يجيئها أحد».

أما بيع السكنى المستحقة بتعاقب الأيدي بمعنى نقلها بما ينقل مثلها إن لم تحمل على الآثار التي له فيها فلا بأس به، و لعل تنزيل الخبر المزبور عليه أولى من ذلك كله، و خصوصا ما ذكره ابن إدريس من التنزيل على دار في المفتوحة عنوة أو ما سمعته من المصنف.

و الغرض أنه لا ينبغي الجرأة على مخالفة القوانين الشرعية بالخبر المزبور خصوصا مع عدم العلم بإرادة الإمام من قوله: «عبد صالح» فيه، و إن كان المتعارف منه الكاظم (عليه السلام) لكن بغير هذه التأدية، و وجود (عليه السلام) في التهذيب لم يعلم كونها من الراوي، بل من المحتمل كونها من الكاتب، و الله العالم بحقيقة الحال.

و يتلوه كتاب اللقطة


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة و المسودة، و الصحيح« جواز».

ج 38، ص: 145

بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين الغر الميامين.

[كتاب اللقطة]

اشاره

كتاب اللقطة بضم اللام و فتح القاف و إسكانها: المال المخصوص على ما هو المعروف بين أهل اللغة كالأصمعي و ابن الأعرابي و الفراء و أبي عبيدة.

بل عن الأخير أن التحريك عليه عامة أهل العلم. بل عن الأزهري انه قول جميع أهل اللغة و حذاق النحويين. و في الإيضاح «أجمعت الرواة على رواية خبر زيد الجهني (1)بالتحريك».

و لكن مع ذلك كله ففي التذكرة «عن الخليل بن أحمد أنها بالسكون للمال، و بالفتح للملتقط، كما هو في كل ما كان على وزن «فعلة» نحو «همزة» «و لمزة» و غيرهما» و من الغريب اختياره في التنقيح مع ندرته، بل عن الأزهري عن الليث السكون، و لم أسمعه لغيره.


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 185.

ج 38، ص: 146

بل عن بعضهم عد السكون من لحن العوام، و ذلك لأن الأصل «لقاطة» فثقلت عليهم، لكثرة ما يلتقطون في النهب و الغارات و غير ذلك فتلعبت بها ألسنتهم اهتماما بالتخفيف فحذفوا الهاء تارة و قالوا:

«لقاط» و الألف أخرى فقالوا: «لقطة» فلو اسكن مع ذلك اجتمع على الكلمة إعلالان، و هو مفقود في فصيح الكلام، و إن كان هو كما ترى من إثبات اللغة بالاجتهاد، على أنه في مقابلة تصريح الأعاظم منهم بها و إن اقتصر على الفتح جماعة منهم، لكن ذلك لا يدل على نفي السكون.

و على كل حال فهي لغة و عرفا المال، إلا أن الفقهاء تجوزوا و أطلقوها على ما يشمل الآدمي الحر، و منهم من خصها بالأول، و أفرد للقيط كتابا آخر، و أما احتمال أنها حقيقة شرعية للأعم فهو واضح الضعف، و الإطلاق في بعض النصوص لا يقتضيه.

و الأصل فيها بعد الإجماع أو الضرورة على مشروعيتها في الجملة النصوص من الطرفين التي ستمر عليك جملة منها في الأثناء، ك

خبر زيد ابن خالد الجهني (1)«جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فسأله عن اللقطة، فقال: اعرف عقاصها و وكاءها ثم عرفها سنة، فان جاء صاحبها و إلا فشأنك بها، قال: فضالة الغنم، قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب، قال: فضالة الإبل، قال: مالك و لها، معها سقاؤها و حذاؤها،

فإنها تشرب الماء و تأكل الشجر حتى يلقاها ربها».

و صحيح الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: يا رسول الله إني وجدت


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 185.
2- 2 أشار إليه في الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 6 ص 394- الرقم 1184.

ج 38، ص: 147

شاة، فقال: هي لك أو لأخيك أو للذئب، فقال: إني وجدت بعيرا، فقال: خفه حذاؤه و كرشه سقاؤه فلا تهجه».

و العقاض: الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة و غير ذلك، و الأصل فيه الجلد الذي يلبسه رأس القارورة.

و الوكاء: الخيط الذي يشد به المال، و الله العالم.

و كيف كان ف الملقوط إما إنسان و إما حيوان أو غيرهما و لكل من الثلاثة أحكام تخصه.

[القسم الأول فيما إذا كان الملقوط إنسانا]

اشاره

فالقسم الأول يسمى لقيطا و ملقوطا و إن كانا هما بمعنى واحد، لأن فعيل كجريح بمعنى مفعول و منبوذا بمعنى مطروحا، فترجع الأسماء الثلاثة إلى الأمرين باعتبار حالتيه، فإنه ينبذ أولا ثم يلتقط.

و ينحصر النظر في هذا القسم في ثلاثة مقاصد:

[المقصد الأول في اللقيط]

الأول في اللقيط و هو كما في النافع و القواعد و التذكرة و التحرير كل صبي ضائع لا كافل له حال الالتقاط، بل لا أجد خلافا في غير المميز

ج 38، ص: 148

منه، بل الإجماع بقسميه عليه.

مضافا إلى أنه المنساق مما في النهاية «اللقيط: الطفل الذي يؤخذ مرميا». و في القاموس «أنه المولود ينبذ» و عن المصباح المنير «أنه غلب على المولود المنبوذ». و في الصحاح «أنه المنبوذ».

و ربما كان هو المراد مما في محكي الحواشي للشهيد «اللقيط: كل صبي طرحه أهله عجزا عن الصلة أو خوفا من التهمة».

و على كل حال فلا يشمل شي ء منها- نحو ما سمعته من النصوص أيضا- المجنون كما في الدروس، و إن وافقه عليه الشهيد الثاني و الكركي و بعض متأخري المتأخرين، بل لعل العرف أيضا يساعد عليه.

و وجوب حفظه عن التلف و إنقاذه من الهلكة كالعاقل لا يثبت له حكم الالتقاط، فيكفي فيه حينئذ إيصاله إلى الحاكم المتولي لأمره و أمر غيره ينصب له من يحفظه، فأصالة عدم جريان حكم الالتقاط حينئذ بحالها.

و حينئذ فزيادة المجنون في تعريف المصنف كما في المسالك في غير محله، نعم لا بأس بزيادة الصبية المعبر عنها في النصوص (1)باللقيطة في مقابل اللقيط، لكن قد يريد المثال لها و للخنثى من الصبي في المتن و غيره.

و بذلك كله ظهر لك أن قول المصنف و لا ريب في تعلق الحكم بالتقاط الطفل غير المميز في محله، لأنه المتيقن من النصوص (2)و كلام أهل اللغة و جرت السيرة به.

و كذا لا ريب في سقوطه في طرف البالغ العاقل بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل و غيره و إن وجب استنقاذه من الهلكة و حفظ نفسه.

نعم في الطفل المميز تردد من أنه مستقل بالامتناع خصوصا.


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 4.

ج 38، ص: 149

إذا كان مراهقا، فلا يتولى أمره إلا الحاكم، و من حاجته إلى التربية و التعهد و إن كان محفوظا في نفسه.

أشبهه وفاقا لصريح الفاضل و الشهيدين و الكركي و ظاهر محكي الوسيلة و الغنية جواز التقاطه، لصغره و عجزه عن دفع ضرورته و صدق كونه لقيطا بعد أن يكون ضائعا و مرميا و منبوذا، بل لعل إطلاق الالتقاط على يوسف (عليه السلام)(1)أقوى شاهد على ذلك، ضرورة أنه كان مميزا كما يشهد له رؤياه التي قصها على أبيه قبل أن يرمى في البئر.

بل لعل منه ينقدح النظر في استثناء الكركي و ثاني الشهيدين المراهق منه تبعا للمحكي عن المبسوط، بل مال إليه في الدروس، لأنه مستغن عن التعهد و التربية، فكان كالبالغ في حفظ نفسه.

مضافا إلى عدم منافاة ذلك لصدق اللقيط الذي به ينقطع أصالة عدم جواز التقاطه، ضرورة ظهور فحوى النصوص في جواز الالتقاط، بل في التذكرة المفروغية من

وجوبه كفاية، و ستسمع الكلام فيه عند تعرض المصنف.

و إنما الكلام في مشروعية أصل الالتقاط،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة(2): «اللقيط لا يشترى و لا يباع».

و قال (عليه السلام) في خبر إسماعيل المدائني (3): «المنبوذ حر، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه و والاه، فان طلب منه الذي رباه النفقة و كان موسرا رد عليه، و إن كان معسرا كان ما أنفقه عليه صدقة».

و عنه (عليه السلام) أيضا في خبر عبد الرحمن العرزمي (4)عن


1- 1 سورة يوسف: 12- الآية 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 3 عن عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام كما في الكافي ج 5 ص 225.

ج 38، ص: 150

أبيه عن الباقر (عليه السلام) «المنبوذ حر، فإذا كبر فان شاء توالى الذي التقطه و إلا فليرد عليه النفقة، و ليذهب فليوال من شاء».

و قال محمد بن أحمد(1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اللقيطة فقال: لا

تباع و لا تشترى، و لكن تستخدمها بما أنفقت عليها».

و في

صحيح ابن مسلم أو حسنه (2)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن اللقيطة، فقال: حرة، لا تباع و لا توهب».

إلى غير ذلك من النصوص الدالة بفحواها على جواز التقاط غير الكبير الشامل للمراهق بعد فرض صدق كونه ضائعا و لا كافل له.

بل لعل ظاهر ما في بعضها- من بقائه على حكم الالتقاط حتى يكبر فيتوالى من شاء- يقتضي ذلك بعد معلومية إرادة البلوغ من الكبير فيه و لو بقرينة المطالبة بالنفقة، و لو أن المراهق لا يلتقط لكان المناسب خروج الملتقط عن حكم الالتقاط بوصول الصبي إلى الحد المزبور لا إلى البلوغ، اللهم إلا أن يفرق بين الابتداء و الاستدامة، و هو كما ترى.

نعم لا بد من تحقق وصف كونه ضائعا في جواز التقاطه، لكن في المسالك «أن المصنف احترز بالضائع عن غير المنبوذ و إن لم يكن له كافل، فإنه لا يصدق عليه اسم اللقيط و إن كانت كفالته واجبة

كالضائع إلا أنه لا يسمى لقيطا» و ظاهره عدم صدق الضائع على غير المنبوذ.

و فيه منع، خصوصا بعد فتواه بجواز التقاط المميز غير المراهق.

و كأنه أخذه مما في التذكرة قال: «و قولنا: ضائع نريد به المنبوذ فان غير المنبوذ يحفظه أبوه و جده لأبيه أو وصيهما، فإذا فقد أقام القاضي


1- 1 الوسائل الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 5 و فيه « عن اللقيط فقال: حر.» كما في الكافي ج 5 ص 225.

ج 38، ص: 151

مقامها، أما المنبوذ فيشبه اللقطة، و لهذا سمى لقيطا، نعم يختص حفظه بالقاضي».

و كأنه يريد بغير المنبوذ من كان له كافل معروف، لا تخصيص اللقيط بكونه منبوذا و إن كان هو مقتضى ما سمعته في كتب أهل اللغة إلا أن العرف يقتضي خلافه، ضرورة صدقه على الضائع من أهله و إن لم ينبذوه، و النصوص و إن وجد فيها المنبوذ لكن وجد فيها اللقيط و هو أعم منه، فلا منافاة بينهما.

و على كل حال ففي المسالك أيضا «و بقوله: لا كافل له عن الضائع المعروف النسب، فإن أباه و جده و من يجب عليه حضانته مختصون بحكمه، و لا يلحقه حكم الالتقاط و إن كان ضائعا، نعم يجب على من وجده أخذه و تسليمه إلى من تجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة، و يجوز الاحتراز بقوله: «لا كافل له» عن الصبي الملقوط، فإنه في يد الملتقط يصدق أن له كافلا، و مع ذلك لا يخرج عن اسم الضائع بالنسبة إلى أهله».

قلت: لعل الثاني أولى، لإمكان منع صدق الضائع على الإطلاق على معروف الأهل، فإن أول مراتب الضياع الذي يتحقق به الالتقاط كونه ضائعا على الملتقط و إن لم يكن ضائعا على أهله، كالمنبوذ الذي لا ريب في كونه من اللقيط مع أنه غير ضائع على أهله، و إنما هو ضائع على الملتقط.

بل عن الشهيد في الحواشي «أن اللقيط كل صبي طرحه أهله عجزا عن النفقة أو خوفا من التهمة».

و في الإسعاد لبعض الأفاضل من الشافعية «اللقيط عند الفقهاء اسم للطفل المنبوذ في شارع أو مسجد و نحوهما ضائعا» و إن كان في حصر

ج 38، ص: 152

اللقيط بذلك ما عرفته سابقا، فلا حظ و تأمل، و ربما تسمع لذلك مؤيدا إنشاء الله تعالى، و الله العالم.

و كيف كان ف لو كان له أي الطفل و لو غير المميز أب أو جد أو أم أو غيرهم ممن يجب عليه حضانته كما في المسالك أجبر الموجود منهم على أخذه لعدم كونه لقيطا حينئذ، ضرورة وجود الكافل له، و عدم صدق كونه ضائعا عليه عرفا.

و كذا لو سبق إليه ملتقط ثم نبذه فأخذه آخر ألزم الأول أخذه لتعلق الحكم به بأخذه، و لا دليل على سقوطه عنه بنبذه.

و على كل حال فظاهر المصنف التنبيه بذلك على وجه اعتبار عدم الكفيل في التعريف المزبور، إلا أنهم اختلفت عباراتهم في تأدية ذلك.

ففي المتن و السالك ما عرفت، و في التحرير كالمتن بدون ذكر الملتقط، و في الإرشاد و اللمعة ترك الأم و زيادة الوصي.

و في الدروس «يجبر الأب و إن علا و الأم و إن تصاعدت و الملتقط» و نحوه في الروضة مع زيادة الوصي.

و في محكي المبسوط «أن التربية و الحضانة ولاية، و كذلك الإنفاق، و ذلك لا يكون إلا للوالد أو الجد أو الوصي أو أمين الحاكم».

و في التذكرة «قولنا: لا كافل له نريد أن لا أب له و لا جد للأب و من يقوم مقامهما، فالملتقط ممن هو في حضانته أحد هؤلاء لا معنى لالتقاطه، نعم لو وجد في مضيعة أخذ ليرده إلى حاضنه».

و في القواعد «فان كان له من يجبر على نفقته أجبر على أخذه».

و في الدروس «و لو كان له أب و إن علا أو أم و إن تصاعدت أو ملتقط سابق أجبر على أخذه».

ج 38، ص: 153

و في الإرشاد «و شرط الأول- أي اللقيط- الصغر و انتفاء الأب أو الجد أو الملتقط».

إلى غير ذلك من العبارات التي لا تخلو من تشويش و إيهام لحصر الحضانة و الكفالة في خصوص ما ذكروه، و هو مناف لما سمعته في النكاح .

بل قد يشكل عد الوصي مع عدم المال للولد ممن له الحضانة أو عليه، كما أنه قد يشكل عدم اعتبار المتبرع بالكفالة و الحضانة و إن كان بعيدا، فإنه لا يسمى من له مثله ضائعا و لقيطا، و أولى من ذلك الأعمام و الأخوال و الأخوات و الخالات و نحوهم، و إن كان بعض العبارات المزبورة تقتضي كونه لقيطا، لعدم الكافل الشرعي، و هو كما ترى.

و من ذلك كله يظهر لك أن إيكال اللقيط إلى العرف لعدم الحقيقة الشرعية له أولى من هذه الكلمات التي لا يخفى عليك ما فيها بعد الإحاطة بما ذكرناه، و خصوصا عبارة التذكرة التي أطنب في مجمع البرهان في بيان إشكالها، و كذا عبارة الإرشاد.

و التجشم لدفع بعض ما ذكرناه بإرادة المثال مما ذكروه في المقام يمكن القطع بعدمه بملاحظة إرادة التقييد من المعبر بها، كقوله: «الجد للأب» مع أن الجد للأم من الحاضنين أيضا و إن لم يكن وليا، بل الأصل في الحضانة للأم التي تركها بعضهم هنا.

و الحاصل أن التعريف المزبور و ما ذكروه في بيان وجه الاحتراز في قيوده في غاية التشويش، و الله العالم.

و لو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا مع

ج 38، ص: 154

تحقق وصف الضياع فيه جاز، لإطلاق ما دل (1)على جواز التقاط كل مال ضائع صامت أو ناطق، و خصوص الصحيح الآتي (2)فهو حينئذ لقطة لا لقيط، لما سمعته من نصوص

الثاني (3)التي هي صريحة في ما لا يشمله، فليس حينئذ إلا لقطة لا لقيطا و إن كان صغيرا منبوذا، مضافا إلى وجود حكمة مشروعية الالتقاط فيه من خوف التلف و نحوه.

خلافا للمحكي عن المبسوط و غيره، فمنع من التقاط الكبير، للأصل و فحوى ما ورد في منع التقاط البعير(4)من عدم الخوف عليه.

و فيه- مع أنه غير تام في مثل الكبير الذي لا يستقل بحفظ نفسه لجنون أو خبل أو قصور أو نحو ذلك- أن الكلام مع فرض صدق اسم الضياع الذي يندرج به تحت موضوع لقطة المال التي أشير إليها في

صحيح علي بن جعفر(5)عن أخيه موسى «سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحل فرجها لمن التقطها؟ قال: لا، إنما يحل له بيعها بما أنفق عليها».

الظاهر أو الصريح في جواز التقاطها كبيرة قابلة لأن يستحل فرجها، أو أنها التقطت صغيرة حتى كبرت عنده، و لكن لم تخرج بذلك عن حكم اللقطة، و القياس على البعير ليس من مذهبنا مع إمكان الفرق بينهما أيضا.

كما أن الاستدلال على المختار بالمعاونة و الإحسان عند خوف التلف- حتى أنه قال في الروضة: «ينبغي القطع بالجواز مع ذلك»- لا يخلو من نظر، ضرورة عدم ثبوت الالتقاط الذي له أحكام مخصوصة بذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 2- و غيره من كتاب اللقطة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 8.

ج 38، ص: 155

و إلا فنصوص رد الآبق (1)كثيرة.

فالعمدة حينئذ ما ذكرناه في قطع الأصل المزبور.

و منه يستفاد أولوية مشروعية الالتقاط في الصغير منه و لو كان مراهقا بعد فرض تحقق وصف الضياع، و إن كان المحكي عن الشيخ أيضا و خيرة الفاضل و الشهيد في اللمعة العدم، للعلة المزبورة، لكنه واضح الضعف.

و دعوى أنه يعلم مالكه فلا يكون ضائعا يدفعها خروجها عن محل البحث، لما قد تكرر منا من أن البحث فيما تحقق فيه وصف الضياع.

كما أنه أيضا بعد تحقق كونه مملوكا يفرض ما يدل على ذلك أو العلم به، نعم لا عبرة باللون و نحوه، كما هو واضح، و الله العالم.

إنما الكلام في تملكه بعد التعريف سنة الذي قد يظهر من قول المصنف لزمه حفظه و إيصاله إلى صاحبه العدم مطلقا، كالفاضل في الإرشاد.

و في التحرير «و يجوز أخذ الآبق لمن وجده، فان وجد صاحبه دفعه إليه، و لو لم يجد سيده دفعه إلى إمام أو نائبه، فيحفظه لسيده أو يبيعه مع المصلحة، و ليس للملتقط بيعه و لا تملكه بعد تعريفه، لأن العبد يحفظ نفسه بنفسه، فهو كضوال الإبل».

و ظاهره العدم في الكبير خاصة، بل صرح في القواعد يتملك الصغير بعد التعريف، كما عن المبسوط، و قواه في المسالك.

لكن قد يقال: إن ظاهر نفي الحل في الصحيح (2)المزبور و حصره في جواز البيع بالإنفاق يقتضي عدم مشروعية التملك مطلقا، كما صرح به في الدروس، و لا بأس به مقيدا لما دل (3)على أن من حكم اللقطة


1- 1 الوسائل- الباب- 49 و 50- من كتاب العتق.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 8.

ج 38، ص: 156

بعد التعريف التملك لو سلم شمولها للمفروض و عدم انسياقها في المال الصامت، من غير فرق في المملوك بين

الصغير و الكبير، لما عرفت من شمول الصحيح المزبور لالتقاط الكبير و الصغير حتى يكبر مضافا إلى الأصل.

و من الغريب احتمال بعض تملكه من غير تعريف كالضالة، ضرورة عدم دليل عليه يخرج به عن الأصل.

و قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح زرارة(1)«في لقيطة أخذت فقال: حرة لا تباع و لا تشترى، و إن كان ولد مملوك لكن من الزنا فأمسك أو بع إن أحببت، هو مملوك لك»

لا دلالة فيه على اللقيط المملوك، و إنما هو دال على ملك ولد الزنا من المملوك، و هو غير ما نحن فيه، و الله العالم.

و على كل حال ف لو أبق منه أو ضاع من غير تفريط مع عدم نية التملك حيث تكون له لم يضمن بلا خلاف كغيره من ملتقط المال.

و لو كان بتفريط ضمن بلا خلاف و لا إشكال.

و كذا لو اختلفا في التفريط و لا بينة ف ان القول قول الملتقط مع يمينه للأصل و غيره.

و لو أنفق عليه باعه في النفقة إذا تعذر عليه استيفاؤها من المالك، للصحيح المزبور(2)الظاهر في جواز الإنفاق و البيع فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 96- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 من كتاب التجارة و فيه« ولد مملوك لك من الزنا» كما في الفقيه ج 3 ص 86- الرقم 320 و التهذيب ج 8 ص 228- الرقم 822.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 8.

ج 38، ص: 157

من دون استئذان الحاكم، و لعله كذلك، لأنه بجواز الالتقاط له صار أمينا شرعيا.

لكن في المسالك «إذا التقط العبد و لم يوجد له من ينفق عليه تبرعا رفع أمره إلى الحاكم لينفق عليه أو يبيع شيئا منه فيها أو يأمره بها ليرجع، فان تعذر أنفق عليه الملتقط بنية الرجوع إلى أن يستغرق قيمته ثم باعه فيها، و لو أمكن أن يبيعه تدريجا وجب مقدما على بيعه جملة، و حينئذ يتعذر بيعه أجمع في النفقة، لأن الجزء الأخير لا يمكن إنفاق ثمنه عليه لصيرورته حينئذ ملكا للغير، فلا ينفق عليه الثمن الذي هو ملك الأول، بل يحفظ ثمنه لصاحبه الأصلي».

و لا يخفى عليك ما فيه من مخالفته مقتضى الصحيح المزبور(1)بلا داع، اللهم إلا أن يكون ما تسمعه إنشاء الله في الضالة.

على أنه قد يناقش في ولايته على البيع للجزء الأخير مع أنه ليس في النفقة، فينبغي أن يرجع أمره إلى الحاكم.

ثم إن الظاهر من بعضهم أن من تعذر الاستيفاء إذا لم يكن للمولى غير العبد.

و فيه إمكان منع جواز بيعه حينئذ إذا كان من مستثنيات الدين بعد عدم دليل على تعلق الدين في رقبة العبد، بل هو من جملة ديون المولى.

و إن اعترف المولى بعتقه ففي القواعد «الوجه القبول فيرجع الملتقط عليه بما أنفق إن كان العتق بعده قبل البيع» و لعله

لعموم «إقرار العقلاء»(2)

و حق الإنفاق إنما هو في ذمة المولى لا في رقبة العبد حتى يكون إقرارا في حق الغير.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.

ج 38، ص: 158

نعم لو كان إقراره بذلك بعد البيع لم يقبل، لكونه حينئذ إقرارا في حق الغير، بل و كذا لو أقر بالعتق مسندا له إلى ما قبل الإنفاق، فتكون النفقة على

العبد، لأنه حال الإنفاق حر، كما صرح به في جامع المقاصد.

و لكن لا يخلو من نظر، بل لا يخلو منه الرجوع بها عليه مع فرض ثبوت العتق كذلك و إن كان هو الأقوى كما أوضحناه في رجوع الوكيل على الإنفاق إذا بان أنه أنفق بعد موت الموكل على الزوجة المباشرة لإتلاف المال، فتأمل.

هذا و في الدروس «ليس للسيد المطالبة بثمنه، أي بعد الاعتراف بعتقه إلا أن ينكر العتق بعد ذلك، و لو ادعى رقه فصدق اللقيط المدعي فالأقرب القبول إذا كان أهلا للتصديق».

قلت: قد تقدم في كتاب الإقرار ما يعلم منه النظر في ذلك، و الله العالم.

[المقصد الثاني في الملتقط]

المقصد الثاني في الملتقط و يراعى فيه البلوغ و العقل و الحرية بلا خلاف أجده في الأولين بين العامة و الخاصة، بل و لا إشكال، لقصورهما عن ولاية الالتقاط.

ج 38، ص: 159

و حينئذ فلا حكم لالتقاط الصبي و إن كان مميزا مراهقا و لا المجنون و لو أدوارا حال جنونه.

و ما في التذكرة «لو كان الجنون يعتوره أدوارا أخذه الحاكم من عنده، كما لو التقطه المجنون المطبق أو الصبي» يمكن حمله على إرادة أن للحاكم أخذه، لا أنه مخصوص به و إلا كان مطالبا بدليله، كما هو واضح، و عدم صدق المنبوذ عليه مع أنه لا يقتضي اختصاص الحاكم به لا ينافي صدق اللقيط، و الله العالم.

بل و لا العبد على المشهور، بل لم أتحقق فيه خلافا و إن اقتصر المصنف على اعتبار التكليف، بل في الكفاية «أنه مما قطع به الأصحاب» بل في مجمع البرهان «الظاهر الإجماع على ذلك» بل في جامع المقاصد نفي الريب فيه، للأصل و لانه لا يقد على شي ء إذ هو مشغول باستيلاء المولى على منافعه حتى أنه ورد(1)في التقاطه المال: أينه و أين اللقطة، و هو مشغول بخدمة سيده و اللقطة تحتاج الى تعريف سنة.

نعم لو أذن له المولى صح، كما لو أخذه المولى و دفعه إليه كما صرح به غير واحد، بل لا أجد خلافا فيه، بل و لا في الصحة مع الإجازة أيضا، نعم في الدروس و المسالك «فيكون في الحقيقة هو الملتقط و العبد نائبه، فيلحقه أحكامها دون العبد».

قلت: قد يحتمل كون الولاية حينئذ للعبد بعد رفع الحجر عنه بالاذن، بل لعله أقوى و ألصق بالأدلة مع كونه مأذونا لا نائبا عن السيد.

و على كل حال لا يجوز للمولى الرجوع على ما صرح به الفاضل


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و فيه « و ما للمملوك و اللقطة، و المملوك لا يملك من نفسه شيئا.».

ج 38، ص: 160

و الكركي و ثاني الشهيدين.

كما أنه لا فرق بين القن و المدبر و المكاتب و لو تحرر بعضه و أم ولد، لما عرفت.

و المهاياة للمبعض بعد عدم لزومها لا تجدي كما في جامع المقاصد و الروضة و المسالك، و إن كان قد يناقش في ذلك و خصوصا مع فرض لزومها بصلح و نحوه، هذا كله في الالتقاط.

أما الإنقاذ فواجب عليه بلا خلاف و لا إشكال، إلا أن ذلك لا يثبت حكم الالتقاط و إن عبر به في الدروس و غيرها، و حينئذ فلمن كان له أهلية الالتقاط انتزاعه منه، و منهم سيده، كما هو واضح.

ثم إن ظاهر المتن و غيره، بل نسب إلى الأكثر ما صرح به الفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهما من عدم اعتبار الرشد، فيصح التقاط السفيه، لعدم كونه تصرفا ماليا محجورا عليه فيه، فيندرج في إطلاق الأدلة.

لكن في القواعد و الدروس استقربه، بل في التذكرة الجزم به، قال: «إنه ليس بمؤتمن عليه شرعا و إن كان عدلا» و في جامع المقاصد «أنه لا يخلو من قوة».

قلت: لا ينبغي التأمل في الجواز مع عدم اشتراط العدالة لما عرفت، و عدم ائتمانه على ماله لا يمنع ائتمانه على حضانة الطفل الذي إن فرض وجود مال له لم يمكن منه و لا من الإنفاق عليه، و دعوى حصول الضرر على الطفل بالتفريق المزبور واضحة الفساد.

نعم لو قلنا باعتبار العدالة اتجه عدم جواز التقاطه بناء على استلزام سفهه الفسق، لحرمة التبذير، و ستعرف الكلام فيها.

و على تقدير عدم اعتبارها ف هل يراعى الإسلام في التقاط المحكوم بإسلامه؟ قيل و القائل الشيخ و جميع من تأخر

ج 38، ص: 161

منه نعم يشترط، بل في مجمع البرهان «يمكن دعوى الإجماع عليه» و لعله كذلك، إذا لم أجد فيه خلافا و إن أشعرت عبارة المصنف هنا و النافع بالتردد فيه، بل و منه تسرى إلى تلميذه الآبي.

و من الغريب ما في التنقيح من أن الأصحاب أطلقوا جواز الالتقاط من غير تقييد، ضرورة عدم معرفة من أطلق هنا، و إنما هو كذلك في المال، و الفرق بينهما في كمال الوضوح، كوضوح الفرق بين محل البحث هنا و بين اللقيط المحكوم بكفره الذي لا خلاف- كما اعترف به غير واحد- في جواز التقاط الكافر له، بل عن المهذب البارع جواز ذلك قولا واحدا، و إن كان ظاهر التنقيح أيضا اتحاد المقامين، و هو غفلة.

و ما عن الكركي في حاشية الإرشاد- من اشتراط الإسلام و إن لم يكن الولد محكوما بإسلامه- يمكن حمله على إرادة غير المحكوم بكفره، كولد الزنا من الكافرين أو المسلمين و إلا كان مخالفا للإجماع.

بل قد يناقش في اشتراطه أيضا على التنزيل المزبور بإطلاق الأدلة السالم عن معارضة نفي السبيل (1)الذي هو دليل المنع في الأول في المتن و غيره. قال لأنه لا سبيل للكافر على الملقوط المحكوم بإسلامه ظاهرا، و لأنه لا يؤمن مخادعته عن الدين.

و دعوى أنه مولود على الفطرة فيكون مسلما واضحة المنع، لعدم عامل بما دل عليها على هذا الوجه، بل ظاهر حكمهم بإسلام الطفل بالتبعية يقتضي خلافه، و ربما ردت باقتضائها المنع من التقاط ولد الكافر، و فيه أن التبعية شرعا محققة بالفراش الشرعي، لأن لكل قوم نكاحا، فالأولى ردها بما ذكرناه.

و أما التعليل الثاني فهو مناسبة لا تصلح دليلا، إذ عدم أمن المخادعة


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 141.

ج 38، ص: 162

لا يمنع من ذلك و إن ورد نحوه في تزويج العارفة غير العارف (1)لكن قد عرفت في محله أنه حكمة لا علة.

و هل اختلاف مذاهب المسلمين يقتضي بمنع التقاط ولد العارف لغير أهل مذهبه؟ لا أجد فيه تصريحا، و لكنه محتمل، و إن كان الأقوى خلافه، لما عرفت من أن احتمال الخدع حكمة لا علة و إلا لمنعت في الفسق الذي مقتضي إطلاق الأكثر جواز الالتقاط معه.

بل لم نعرف القائل بخلافه الذي أشار إليه المصنف بقوله و لو كان الملتقط فاسقا قيل: ينتزعه الحاكم من يده و

يدفعه إلى عدل، لأن حضانته استئمان و لا أمانة للفاسق إلا ما يحكى عن المبسوط مع أن المحكي عنه و الخلاف في التنقيح عدم الاشتراط على كراهة، نعم هو خيرة الفاضل في بعض كتبه و ولده.

و من هنا كان الأشبه أنه لا ينتزع وفاقا لصريح جماعة و ظاهر آخرين، بل في كشف الرموز أن الفاسق يجوز له أخذه بلا خلاف عندنا، و يترك عنده من غير انضمام يد آخر إليه. خلافا لبعضهم، مع أنه لم نتحقق البعض المزبور، إذ الشيخ قد سمعت ما حكي عنه و إن كان هو أنسب منه، إذ لا معنى لانتزاع خصوص الحاكم بعد أن لم يكن له ولاية الالتقاط كالصبي و المجنون و الكافر، فكل من هو أهل لذلك يجوز التقاطه منه.

و يمكن تحصيل القطع بخلاف ذلك من السيرة، مضافا إلى إطلاق الأدلة الذي لا يعارضه الأصل المزبور، خصوصا بعد الاعتضاد بما عرفت على وجه لا يقدح فيه عدم عموم في الأدلة، ضرورة الاكتفاء بالاندراج تحت اسم اللقيط الذي هو عنوان الحكم الشرعي، و الأصل عدم اشتراط


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 38، ص: 163

شي ء آخر حتى ضم يد اخرى معه.

مؤيدا ذلك كله بعدم الخلاف في عدم اعتبار العدالة في لقطة المال الذي هو محل الخيانة، و بأن الأصل في المسلم الائتمان و عدم فعل المحرم و إن كان فاسقا، و لذا ائتمنه الشارع في أمور كثيرة كالطهارة و التذكية و غيرهما.

و ما في التذكرة- من الفرق بين المال و الطفل بأن لقطة الأول تكسب، لأنه يرد المال إليه بعد التعريف، لإمكان نية التملك، و بأن المقصود في المال حفظه، و يمكن الاستظهار بنصب الحاكم من يعرف، بخلاف لقطة الطفل المطلوب فيها حفظ النفس و كونه حرا، و لا يؤمن عليهما، لإمكان ترك مراعاته أو استعماله في الأمور التي يخشى منها التلف أو يسافر به إلى بلد لا يعرف فيه فيدعى رقيته و يبيعه- لا حاصل له، إذ هو مجرد اعتبار يمكن الجواب عنه و لو بفرض عدم ما يخشى منه ذلك.

على أن ائتمان الكافر على الكافر ليس أولى من ائتمان المسلم على المسلم، فان كلا منهم ولي لصنفه، نعم لو علم من قرائن الأحوال أو ظن ظنا معتدا به عدم ائتمان ملتقطة عليه- لكونه جنديا من أهل الفساد و نحو ذلك- اتجه المنع، هذا كله في معلوم الفسق.

أما مستور الحال فلا يرد فيه شي ء من ذلك و إن لم يكن الأصل فيه العدالة، كما هو محرر في محله.

و دعوى لزوم توكيل الحاكم من يراقبه معه أيضا لا دليل عليها، و إن كان لا بأس بذلك إذا رأى الحاكم مراقبته ليعرف أمانته، لكن بحيث لا يؤذيه كما في الدروس.

كدعوى انتزاعه منه لو أراد السفر به مخافة دعوى استرقاقه، ضرورة أن ذلك كله مجرد اعتبار لا يوافق أصول الإمامية، فضلا عن

ج 38، ص: 164

أن يخرج به عن إطلاق الأدلة الذي يمكن دعوى ندرة العادل معه، و الله العالم.

و لو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه أو حضري يريد السفر به قيل و القائل الشيخ في المبسوط- و إن كنا لم نتحققه و خصوصا الثاني- ينتزع من يده، لما لا يؤمن من ضياع نسبه فإنه إنما يطلب في موضع التقاطه، و الوجه الجواز وفاقا للفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين، بل و ظاهر أولهما و لو اقتضى التقاطهما له استصحابهما إياه، لإطلاق الأدلة الذي لا يفيد بالاعتبار المزبور، مع أنه يمكن ظهور نسبه بذلك، لاحتمال كونه من بلدة بعيدة، فالإطلاق المزبور حينئذ بحاله، و لا معارض له إلا اعتبارات تناسب مذاق العامة، و إلا فالمتجه على أصولنا العمل بالإطلاق المزبور المقتضي جواز السفر به إذا كان مصلحة له، و جواز استيطان بلد غير بلد التقاطه بل و قطر غير قطرة، و جواز التقاطه مسافرا إلى غير بلد الالتقاط، بل أو إلى غير قطرة أيضا، لصيرورة الملتقط وليا كغيره من الأولياء من غير حجر عليه بشي ء بعد عدم ثبوت ما يقتضيه، كعدم ثبوت وجوب التعريف عليه و تطلب ما يعرف به اللقيط و نحو ذلك مما ذكروه من دون ذكر لمستنده.

و حينئذ فما عن المبسوط- من «أنه إن أراد السفر به فان كان أمينا ظاهرا و باطنا ترك في يده، و إن كان أمينا في الظاهر منع منه و لا يترك أن يحمله، لأنه يخاف أن يسترقه» و نحوه عن الإيضاح، بل في جامع المقاصد ذلك أيضا غير أنه أبدل الأمين بالعدل- لا يخلو من نظر، ضرورة اقتضاء السيرة و إطلاق الأدلة تبعية اللقيط للملتقط على نحو ما يتبعه من له حضانته من أولاده.

و بذلك كله يظهر لك ما في جملة من العبارات من التشويش،

ج 38، ص: 165

كالمبسوط و التذكرة و غيرهما حتى الكركي الذي لم يشترط العدالة في التقاط منشئ السفر أو المسافر مثلا و لو مع إرادة التوجه إلى مقصده المسافر إليه و لو كان قطرا غير قطر التقاطه فضلا عن كونه بلدا غير بلده، مضافا إلى الإجمال في اعتبار العدالة ظاهرا و باطنا، و إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك حاله بعد الإحاطة بما ذكرناه، و الله العالم.

و لا ولاء للملتقط عليه، بل هو سائبة يتولى من شاء بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المسالك نسبته إلى الأصحاب و أكثر أهل العلم، للأصل و النصوص السابقة(1)و حصر الولاء في المعتق ب

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «إنما الولاء لمن أعتق»

فما عن بعض العامة من ثبوت الولاء له واضح الفساد، و الله العالم.

و إذا وجد الملتقط سلطانا ينفق عليه استعان به وجوبا مع عدم مال للقيط و لا متبرع بلا خلاف أجده فيه بين القدماء و المتأخرين.

و ما في المقنعة و النهاية من التعبير بلفظ «ينبغي» يراد منه الوجوب كما أنه المراد مما في محكي المبسوط «أنفق عليه السلطان من بيت المال بلا خلاف».

قلت: و إن حكى عن أحد وجهي الشافعي عدم الإنفاق منه، لأنه معد لما لا وجه له سواه، و اللقيط يجوز أن يكون رقيقا نفقته على سيده أو حرا له مال، فالمتجه حينئذ إنفاق السلطان عليه منه بعنوان القرض فإن بان أنه حر لا مال له قضاه من سهم الغارمين أو غيره مما ينطبق عليه، لكنه كما ترى بعد الحكم بحريته و إسلامه و فقره في ظاهر الشرع و إعداد بيت المال لمصالح المسلمين.


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة.
2- 2 سنن البيهقي ج 10 ص 295.

ج 38، ص: 166

و هل يلحق بالسلطان نائب الغيبة على وجه يجب على الملتقط رفع الأمر إليه؟ لم أجد به تصريحا و لكنه محتمل.

و على كل حال ف الا يكن سلطان كذلك و لم يوجد من ينفق عليه من الزكاة أو ما أعد لمثله أو ما كان يصح صرفه فيه استعان بالمسلمين الذين منهم الملتقط بلا خلاف أجده فيه أيضا.

و لعله لأن بذل النفقة لمثله عليهم واجب على الكفاية، لأنه دفع ضرورة مع التمكن على المشهور، كما في المسالك.

قال: «و إنما جاز الاستعانة بهم مع كونه كأحدهم لرحاء أن يوجد فيهم متبرع، إذ لا يجب عليه التبرع، فإن أنفق المتبرع و إلا كان الملتقط و غيره سواء في الوجوب، لأنه من باب إعانة المضطر الواجبة كفاية في جميع الأبواب».

و لكن في المتن فيه تردد و في المسالك «مما ذكر و من أصالة عدم الوجوب، لإمكان تأدية بالاقتراض عليه و الرجوع به مع قدرته» و في الدروس «و توقف المحقق هنا ضعيف».

قلت: لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الغبار، ضرورة أنه إن كان المراد منه وجوب الإنفاق على المسلمين تبرعا أو قرضا- كما حكاه في جامع المقاصد عن التذكرة، بل في جامع المقاصد «هو ظاهر فان الواجب على الكفاية رفع حاجة المحتاج لا التبرع»- أشكل الترتيب المزبور مع أن الملتقط من جملتهم، فلا وجه لترتب إنفاقه على التعذر.

اللهم إلا أن يقال: إنه و إن كان من جملتهم، لكن لما لم يجب عليه التبرع كما لا يجب على المسلمين و قد رجى وجود متبرع أو متصدق لم يجز له الإنفاق بقصد الرجوع قبل اليأس، كما جزم به في جامع المقاصد

ج 38، ص: 167

إلا أنه كما ترى مناف لظاهر كلماتهم، خصوصا عبارة المتن و ما شابهها الظاهرة في إرادة التبرع.

بل ما حكاه عن التذكرة لم نتحققه، و إن حكاه في أثناء بعض وجوه الشافعية و لم يرتضه.

بل قال فيها: «فان لم يكن في بيت المال شي ء- إلى أن قال-:

وجب على المسلمين القيام بكفايته، و لم يجز لهم تضييعه، ثم طريقه طريق النفقة، لأنه محتاج عاجز، فأشبه الفقير الزمن و المجنون و الميت إذا لم يكن له كفن، فعلى هذا إذا قام به البعض سقط عن الباقين، فحصل الغرض به، و إن امتنعوا بأسرهم استحقوا العقاب و طالبهم الإمام، فإن امتنعوا قاتلهم، فان تعذر استقرض الامام على بيت المال و أنفق عليه، و هو قول الشافعية، و الثاني أن طريقه طريق القرض حتى يثبت الرجوع، لأن هذا يجب دفعه لاحيائه، فأشبه المضطر يدفع إليه بالعوض، كما يبذل الطعام للمضطر بالعوض، لما تقدم من أنه يجوز أن يكون رقيقا أو يكون له مال أقرب كما تقدم، فعلى هذا إن تيسر الاقتراض استقرض و إلا قسط الامام نفقته على الموسرين من أهل البلد- إلى أن قال-: و لو احتاج الإمام إلى التقسيط على الأغنياء قسط مع إمكان الاستيعاب، و لو كثروا و تعذر التوزيع يضربها السلطان على من يراه بحسب اجتهاده، فان استووا في نظره تخير، و المراد أغنياء تلك البلدة أو القرية، و لو احتاج إلى الاستعانة بغيرهم استعان، و لو رأى المصلحة في التناوب عليه في الإنفاق منهم فعله».

و هو كما ترى ظاهر في اختياره الأول مع أنه قد اشتمل على مسألة التقسيط التي أشار إليها في الدروس.

قال: «لو احتاج الملتقط إلى الاستعانة بالمسلمين في الإنفاق عليه

ج 38، ص: 168

رفع أمره إلى الحاكم ليعين من يراه، إذ التوزيع غير ممكن، و القرعة إنما تكون في المنحصر، و لا رجوع لمن يعين عليه الإنفاق، لأنه يؤدى فرضا، و ربما احتمل ذلك جمعا بين صلاحه في الحال و حفظ مال الغير في المال، و قد أومأ إليه الشيخ في المبسوط، و يتوجه على قول المحقق بالاستحباب الرجوع، و يؤيده أن من يطعم الغير في المخمصة يرجع إليه إذا أيسر، و لو قلنا بالرجوع فمحله بيت المال أو مال المنفق عليه، أيهما سبق أخذ منه».

و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من المنافاة للترتيب المزبور، و من عدم الانطباق على أصول الإمامية التي منها عدم القول بغير دليل، و كثير من الأحكام المزبورة لا دليل عليها، بل فيها ما ينافيه.

مضافا إلى ظهور كثير منها إن لم تكن صريحة في كونها على مذاق العامة، كمقاتلة الامام للمسلمين مع امتناعهم، و وجوب الكفن على الناس و الرجوع بها على القريب الذي لم تجب عليه إلا من حيث الصلة، فلا تكون دينا إلا أن يجعلها الحاكم كذلك، إلى غير ذلك مما هو مناف لأصولنا.

هذا كله إن أريد وجوب الإنفاق على الوجه المزبور، و حينئذ ما ذكره في الدروس من ضعف التردد فيه في محله، ضرورة اقتضاء عدم وجوبه تلف النفس المحترمة. و إن أريد به البذل التبرعي كان التردد فيه في محله، و دعوى ضعفه ضعيفة، لعدم دليل يقتضي وجوب الإنفاق على جهة عدم الرجوع في غير الأرحام على الوجه الذي سمعته في كتاب النكاح.

لكن عليه ينبغي حينئذ تقييد رجوع إنفاق الملتقط بما ينفقه بما إذا لم يتمكن من التبرع و إلا وجب، لأنه من المسلمين، و لم نجد في كلام

ج 38، ص: 169

أحد منهم إشارة إلى ذلك، و هو من جملة الغبار في كلامهم.

مضافا إلى الإجمال في ما ذكروه من الاستعانة بالمسلمين، فإذا آيس جاز له الإنفاق الذي يرجع به، إذ لا يعلم إرادة المسلمين أجمعهم أو بعضهم في خصوص القرية و البلد أو مطلقا.

بل فيه شي ء آخر: و هو أنه مع فرض وجوب ذلك عليهم يتجه إجبار الإمام لهم و لو الملتقط.

بل لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه أن ما سمعته من المسالك أشده غبارا، حيث لم يبين الحال أن الواجب على المسلمين التبرع في النفقة أو الإقراض، فإن كلامه مختلف في ذلك و إن تبعه عليه في الرياض.

و خلاصة الكلام أنه لا يتم ما ذكروه من وجوب الاستعانة بالسلطان ثم بالمسلمين إلا على دعوى وجوب ذلك تبرعا عليهم، و هما معا محل منع؛ إذ لا دليل على وجوب الإنفاق على مجهول الحال على جهة التبرع، و وجوب حفظ النفس أعم من ذلك، كما أنه لا دليل على وجوب السعي في تحصيل المتبرع على الملتقط حتى يتجه ما ذكروه من الرجوع إلى المسلمين، لاحتمال حصول متبرع.

و لعله لذلك عبر في المقنعة و النهاية بلفظ «ينبغي» مشعرا بالندب.

قال في الأول: «إذا لقط المسلم لقيطا فهو حر غير مملوك، و ينبغي له أن يرفع خبره إلى سلطان الإسلام ليطلق النفقة عليه من بيت المال، فان لم يوجد سلطان ينفق عليه استعان واجده بالمسلمين في النفقة، فان لم يجد من يعينه على ذلك أنفق عليه، و كان له الرجوع بنفقته عليه إذا بلغ و أيسر إلا أن يتبرع بما أنفقه عليه» إلى آخره، و بعين هذه العبارة عبر في النهاية.

و في الوسيلة «إذا التقط حرا صغيرا رفع خبره إلى الحاكم لينفق

ج 38، ص: 170

عليه. فان لم يجد أنفق هو عليه إن لم يعنه أحد، فإذا بلغ و أيسر رجع عليه إن شاء».

و في الغنية «و إذا تبرع ملتقطة بالإنفاق عليه لم يرجع بشي ء إذا بلغ و أيسر، و إذا لم يرد التبرع و لم يجد من يعينه على الإنفاق من سلطان أو غيره فأنفق للضرورة جاز له الرجوع».

و بالجملة كلماتهم في تأدية هذا المعنى في غاية التشويش. فإن عبارة المتن غير ظاهرة في وجوب الرفع إلى السلطان، نعم يمكن دعوى الإجماع على أنه لا رجوع للملتقط بما أنفق و إن نوى الرجوع مع وجود المتبرع من سلطان أو غيره، لا أنه يجب على الملتقط تحصيله حتى ييأس، و لا أنه يجب على الإمام أو على المسلمين الإنفاق التبرعي، و على فرضه كانوا مطالبين بدليله.

بل ظاهر خبر المدائني (1)و خبر محمد بن أحمد(2)جواز إنفاق الملتقط و الرجوع بما أنفق إن شاء من دون رجوع إلى سلطان أو مسلمين، و هو الموافق للضوابط بعد عدم دليل يدل على وجوب الإنفاق التبرعي على أحد، و هذا هو التحقيق في المسألة، و الله العالم و الهادي.

و كيف كان فقد قالوا تفريعا على ما سمعته منهم فان تعذر الأمران أنفق عليه الملتقط، و رجع بما أنفق إذا أيسر اللقيط إذا نوى الرجوع بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن الحلي، للأصل المقطوع بما سمعته من الخبرين (3)المعتضدين بعمل الأصحاب و قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» المقتضية لوجوب ذلك عليه، لكن لا على وجه المجانية.


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة الحديث 2 و 4.

ج 38، ص: 171

بل ليس في الخبرين المزبورين اعتبار نية الرجوع، نعم الإجماع و السيرة القطعية بل الضرورة على عدم الرجوع مع نية التبرع، أما إذا لم ينو شيئا منهما فقاعدة اليد و الإتلاف و إطلاق الخبرين يقضي بجواز رجوعه أيضا، بل هو مقتضى ما سمعته من المقنعة و غيرها من اعتبار التبرع في عدم الرجوع، و لعله مراد الجميع و إن قصرت العبارة.

هذا و في المسالك «لو أنفق عليه حينئذ غير الملتقط بنية الرجوع فكذلك على الأقوى، لاشتراك الجميع في المقتضي».

و كأنه أخذه مما في جامع المقاصد، قال في شرح نحو عبارة المتن:

«ينبغي أن يراد أنه إذا تعذرت إعانة المسلمين تبرعا، لأنهم إذا بذلوا النفقة قرضا لم يكن بينهم و بين الملتقط فرق بالنسبة إلى مصلحة اللقيط، فلا وجه لتوقف إنفاقه قرضا» و هو مبنى على ما ذكروه سابقا من كون وجوب الإنفاق على المسلمين تبرعا أو قرضا، و قد عرفت ما فيه بخلاف ما سمعته من المسالك الظاهر في إرادة الإنفاق التبرعي.

و حينئذ يمكن أن يقال: إن الملتقط باعتبار ولايته عليه جاز له الإنفاق بنية الرجوع، للخبرين المزبورين، أما غيره فلا دليل على ذلك في حقه، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر عدم اعتبار الاجتهاد كما صرح به غير واحد، لإطلاق الخبرين و إن توقف إثبات ذلك من دون يمين عليه.

خلافا للمحكي عن التذكرة أو ظاهرها فاعتبره، لأنه مع عدم الحاكم قائم مقام إذنه، و هو كما ترى اجتهاد في مقابلة الإطلاق المزبور، و كذا ما في جامع المقاصد من أن ذلك- أي الاكتفاء بنية الرجوع- إذا تعذر عليه الاستئذان، و إلا تعين، إذ هو كما ترى أيضا.

و على كل حال فلا خلاف أجده في أنه لو أنفق مع

ج 38، ص: 172

إمكان الاستعانة بغيره تبرعا أو تبرع هو لم يرجع بل قد عرفت كونه في الأخير من القطعيات، أما الأول فإنه و إن كان منافيا للإطلاق المزبور إلا أنه بعد انسياقه إلى غيره و فتوى الأصحاب يضعف الاعتماد عليه.

ثم إن ظاهر الفاضل في القواعد إتيان التفصيل المزبور بتمامه في العبد الملتقط، بل في جامع المقاصد أنه هو مقتضى كلامهم.

و فيه أن كلامهم ظاهر أو صريح في نفقة الحر لا العبد الذي هو مال، كالدابة التي يمكن الإنفاق عليها منها، كما عساه يشهد له في الجملة ما تقدم في الوديعة.

ثم إن ظاهر خبر المدائني (1)كون النفقة صدقة مع الإعسار، إلا أني لم أجد عاملا به، فيمكن أن يراد به جواز جعل ذلك صدقة، لا أنه يكون كذلك قهرا، أو يراد به جواز احتسابه صدقة، أي زكاة من سهم الفقراء أو الغارمين، كما صرح به في القواعد.

لكن في جامع المقاصد بعد أن فهم من عبارة الفاضل ثبوت ذلك جزما قال: «و يشكل في سهم الفقراء بأن قبض الفقير الزكاة مما يتوقف عليه الملك، و هو نوع اكتساب، فلا يجب لما قلناه، و يبعد جواز أخذ المنفق ذلك بدون قبض اللقيط، لتوقف ملكه له على قبضه، نعم يتصور ذلك في سهم الغارمين، لأن صيرورته ملكا للمديون غير شرط، فيجوز الدفع إلى صاحب الدين و إن لم يقبضه المديون».

و فيه أنه لا يتم لو كانت الزكاة له، ضرورة جواز احتسابها عليه من سهم الفقراء و إن لم يرض، لكونه أحد أموال المالك، و الفرض


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 173

أنه مقبوض كما تقدم في كتاب الزكاة(1).

بل من التأمل فيما ذكرنا هناك و هنا يظهر لك النظر فيما فيه أيضا قال: «و لا يخفى أن هذا الحكم إنما هو بعد بلوغه، أما قبله فلا يمكن الرجوع عليه، نعم يمكن الأخذ من ماله باذن الحاكم و من سهم الغارمين».

ضرورة إمكان الاحتساب عليه أيضا بعد أن كان مديونا، و الله العالم و الهادي.

[المقصد الثالث في أحكامه]
[مسائل]
[المسألة الأولى أخذ اللقيط واجب على الكفاية]

المسألة الأولى قال الشيخ (رحمه الله): أخذ اللقيط واجب على الكفاية و تبعه الفاضل و الشهيد و غيرهما، بل في المسالك و غيرها نسبته إلى الأكثر، بل في الأول نسبته أيضا إلى معظم الأصحاب، بل في غيره نسبته إلى الشهرة و إن كنا لم نتحققه لأنه تعاون على البر، و لأنه دفع لضرورة المضطر و لكن في الأول «أن الأمر

به للندب و إلا لزم أكثرية الخارج من الداخل لو قيل بالتخصيص».


1- 1 راجع ج 15 ص 466.

ج 38، ص: 174

و في الثاني «منع كون الالتقاط كذلك مطلقا على أن البحث في التقاطه لا في حفظه من التلف الذي هو أعم من الالتقاط، نعم هو راجح عقلا و نقلا، لكونه إحسانا».

و لعله من ذلك قال المصنف هنا و في النافع الوجه الاستحباب للأصل، و في اللمعة التفصيل بالوجوب مع الخوف على النفس و الاستحباب مع عدمه، و استوجهه في المسالك و غيرها.

و ربما نوقش بعدم تحقق صورة للندب، لكون الطفل في محل التلف، و منه يظهر الإشكال في الأول أيضا.

و لكن فيه أنه يمكن خصوصا في الطفل المميز بناء على صحة التقاطه.

نعم قد يناقش بأن الكلام في الالتقاط من حيث كونه كذلك، لا فيما إذا توقف عليه حفظ النفس، فإنه لا كلام في وجوبه حينئذ مقدمة لحفظ النفس المحترمة المعلوم وجوبه ضرورة.

فالتحقيق وجوبه في صورة التوقف خاصة، و إلا فقد يجب الحفظ من دون التقاط، كما أنه قد لا يخشى التلف عليه على وجه يجب عليه الحفظ، فلا يجبان معا حينئذ و لكن لا بأس برجحانهما للإحسان.

ثم إنه يجب على الملتقط الحضانة بالمعروف، و هو القيام بتعهده على وجه المصلحة بنفسه أو زوجته أو غيرهما على حسب ما يجب عليه لولده مثلا، فقد يكون إخراجه من البلد أصلح من بقائه و بالعكس، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، و ربما كان في النصوص المزبورة نوع إشعار به نعم إن عجز سلمه إلى القاضي الذي هو و لي مثله بلا خلاف أجده فيه.

و هل له ذلك مع عدم العجز؟ في القواعد نظر ينشأ من شروعه في فرض كفاية، فلزمه أي الإتمام، للنهي عن إبطال العمل (1).


1- 1 سورة محمد ص: 37- الآية 33.

ج 38، ص: 175

و فيه منع ذلك على وجه الكلية، و الآية قدمنا في كتاب الصلاة(1)عدم سوقها لبيان ذلك، نعم استصحاب حق الحفظ ثابت عليه، و لذا كان خيرة الفخر و الكركي الوجوب.

خلافا للفاضل في التذكرة، فالجواز للأصل المقطوع بما عرفت، و لأنه ولي الضائع، و هو ممنوع بعد ولاية الملتقط عليه، و الله العالم.

[المسألة الثانية اللقيط يملك كالكبير]

المسألة الثانية:

اللقيط بعد الحكم بحريته يملك كالكبير، و يده دالة على الملك كيد البالغ، لأن له أهلية الملك و التملك كما صرح به الشيخ و الفاضلان و الشهيدان و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه.

و حينئذ فإذا وجد عليه حال الالتقاط أو علم أنه كان عليه ثم زال بريح أو نحوها ثوب مثلا قضى له به، و كذا ما يوجد تحته أو فوقه من فراش أو غطاء أو غيرهما و كذا ما يكون مشدودا في ثيابه أو في جيبه أو مشدودا عليه.

بل و كذا لو كان على دابة أو على جمل أو وجد في خيمة أو فسطاط قضى له بذلك و بما في الخيمة و الفسطاط فان يد كل شي ء بحسب حاله و كذا لو وجد في دار لا مالك لها (11) غيره ظاهرا.

إلا أن ذلك لا يخلو من نظر إن لم يكن إجماعا- سيما إذا كان


1- 1 راجع ج 11 ص 123- 124.

ج 38، ص: 176

الطفل غير مميز و لا فعل اختياري له، و كان الفعل لغيره- بأنه لا دليل يدل على الحكم بالملك بمثل اليد المزبورة بعد سلب الشارع أفعال الصبي و المجنون و أقوالهما فضلا عما علم أنه من فعل الغير و أن الاستيلاء المزبور للطفل كان بواسطة فعل آخر، و احتمال الاستناد في الملك إلى يد الواضع على وجه يقتضي كونه ملكا له يدفعها منع دلالته على الملك عرفا و شرعا بعد احتمال البذل له.

نعم إن تم ذلك إجماعا على وجه يكون الحكم بالملك تعبدا فذاك و إلا كان محلا للنظر.

و أولى من ذلك النظر فيما يوجد بين يديه أو إلى جانبيه الذي قال المصنف فيه تردد، أشبهه أنه لا يقضى له به و تبعه الفاضل و الكركي و الشهيدان.

و في محكي المبسوط «و أما ما كان قريبا منه مثل أن يكون بين يديه صرة فهل يحكم بأن يده عليها أم لا؟ قيل: فيه وجهان: أحدهما لا تكون يده عليه، لأن اليد يدان يد مشاهدة و يد حكمية، و هي ما يكون في بيته و بتصرفه، و هذا ليس بأحدهما، و الوجه الثاني أن تكون يده عليه، لأن العادة جرت بأن ما بين يديه يكون له، مثل الإناء بين يدي الصراف و الميزان و غيرهما».

قلت: كأن الشيخ أشار بذلك إلى مساواة يد الصغير ليد الكبير التي صرح بها في أول كلامه كالمصنف، و لا ريب في الحكم بأن الأمتعة الموضوعة في السوق قرب الشخص البالغ له، فكذا هنا، خصوصا مع انضمام قرينة أخرى إلى ذلك، كما لو وجدت رقعة معه أو في ثيابه فيها أن ذلك له.

بل عن الفاضل في التذكرة أنه استقرب الحكم بأنه له معها،

ج 38، ص: 177

لأنها في الدلالة على ذلك أقوى من الوضع تحته، بل و كذا لو أرشدت الرقعة إلى دفين تحته.

و في المسالك «الأقوى عدم الحكم به له بذلك إلا مع القرينة القوية الموجبة للظن الغالب، بأن كانت الرقعة بخط مسكون إليه و نحو ذلك».

و قد سبقه إلى ذلك الكركي، فإنه قال في شرح قول الفاضل في القواعد: «و لا يحكم له بما يوجد قريبا منه أو ما بين يديه أو على دكة هو عليها و لا بالكنز تحته، و إن كان معه رقعة أنه له على إشكال» بعد أن استظهر رجوع الإشكال إلى الجميع قال: «الأصح أنه إن أثمرت الكتابة ظنا قويا كالصك الذي تشهد القرائن بصحته خصوصا إن عرف فيه خط من يوثق به عمل بها، فانا نجوز العمل بالأمور الدينية بخط الفقيه إذا أمن تزويره، و إنما يستمر الظن القوي، هذا إذا لم يكن له معارض من يد أخرى و لا دعوى مدع و لا قرينة أخرى تشهد بخلاف ذلك، و إلا فلا».

بل قال أيضا: «لا يشترط في الحكم كون الرقعة معه، بل لو كانت في المتاع أو كان مكتوبا عليه لا تفاوت».

و سبقهما معا الشهيد في الدروس قال: «لا يقضى بما قاربه مما لا يد له عليه، و لا هو بحكم يده، إلا أن تكون هناك أمارة قوية كالكتابة عليه، فان العمل بها قوي».

قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الإشكال، ضرورة عدم اعتبار مثل هذه الأمارات بعد أن لم يكن صاحب يد يحكم بها له تعبدا، و دعوى إثبات اليد أو الملكية بمثل هذه الأمارات الظنية لا نعرف لها وجها على أن دعوى المدعي بعد فرض ثبوت اليد أو الملك بنحو ذلك لا تجدي، و لا إجماع في المقام قطعا، و قياس ما نحن فيه على الأحكام الدينية المنحصر طريقها الآن بالكتابات كما ترى، و قد ذكرنا في كتاب القضاء حكم الكتابة

ج 38، ص: 178

في مثله، فلا حظ و تأمل، و الله العالم و الهادي.

و كذا يظهر لك البحث لو كان اللقيط على دكة مثلا و عليها متاع و نحوه، بل في المتن عدم القضاء له هنا أوضح و إن لم يتضح لنا وجه الأوضحية مما كان بين يديه و في جنبه، اللهم إلا أن يفرض كون الدكة له لا في أرض مباحة.

و أما قوله خصوصا إذا كان هناك يد متصرفة فإنه لا يخص ذلك، بل هو كذلك فيما تقدمه أيضا، كما هو واضح.

و أما الكنز تحت الأرض الملقى عليها فلا إشكال في عدم يد له عليه إذا كانت مباحة، نعم لو كانت ملكه اتجه الحكم بكونه له بناء على ما عرفت.

و لو كان الصبي مميزا فادعى أن ما بجانبيه و بين يديه أو الكنز الذي تحته أو على الدكة ملكه فالمتجه بمقتضى الضوابط الشرعية عدم ثبوت ذلك بقوله الذي لا دليل على صحته، و لعل من اعتبر الامارات السابقة يعتمد مثل ذلك.

هذا و في القواعد «نفقته في ماله، و هو ما وقف على اللقطاء أو وهب لهم أو أوصى لهم، و يقبله القاضي» و نحوه في الدروس. و في التحرير التعبير بما وقف عليه أو أوصى له به، و قبله الحاكم أو وهب له.

لكن في التذكرة «ينقسم مال اللقيط إلى ما يستحقه لعموم كونه لقيطا و إلى ما يستحقه بخصوصه، فالأول مثل الحاصل من الوقوف على اللقطاء أو الوصية، و قال بعض الشافعية أو ما وهب لهم ثم اعترض عليه بأن الهبة لا تصح لغير معين- و قال آخرون:، يجوز أن تنزل الجهة العامة منزلة المسجد حتى يكون تمليكها بالهبة كما يجوز الوقف، و حينئذ و يقبله القاضي، و ليس بشي ء، نعم تصح الوصية لهم».

ج 38، ص: 179

و من هنا قال في جامع المقاصد: «ما ذكره في التذكرة حق، و هو المعتمد، و ما ذكره هنا إن أراد جواز الهبة للجهة فليس بجيد، و إن أراد لمعينين من اللقطاء و من جملتهم لقيط مخصوص فلا شبهة في الحكم، لكن المتبادر غير هذا».

قلت: قد ينافيه ما حكى عنه في كتاب الهبة من أنه لا مانع من العموم مع قبول الحاكم، كالوقف على الجهات العامة، و إن كان فيه منع التشبيه المزبور بعد ثبوت العموم فيه و في الوصية دون الهبة، و الأصل يقتضي العدم بعد الشك إن لم يكن الظن أو القطع بعدم تناول إطلاقها لمثل ذلك، كإطلاق البيع و الصلح و الإجارة و نحوها من العقود الظاهر في غير الفرض.

نعم لو كان مال موصى به مثلا للتجارة به لهم أو نماء وقف كذلك صح، لكونه من توابع الوقف و الوصية المعلوم جوازهما كذلك، بخلاف تمليك الجهة ابتداء، و يمكن حمل عبارة الفاضل في القواعد و غيره على إرادة إباحة الصرف للقطاء من الهبة، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لا يجب عندنا الاشهاد عند أخذ اللقيط]

المسألة الثالثة:

لا يجب عندنا الاشهاد عند أخذ اللقيط كما في جامع المقاصد مشعرا بالإجماع عليه، كنسبته إلى الأصحاب في الكفاية، بل في المسالك هذا موضع وفاق عندنا، للأصل و لأنه أمانة، فهو كالاستيداع الذي لا يجب فيه الاشهاد.

خلافا لبعض العامة فأوجبه للاحتياج إليه في حفظ الحرية و النسب كالنكاح، و هو كما ترى في جهة الشبه و في حكم المشبه به.

ج 38، ص: 180

نعم في الدروس و جامع المقاصد و المسالك «أنه مستحب، لأنه أقرب إلى حفظه و حريته، فإن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف، و لا تعريف في اللقيط» و لا بأس به بعد التسامح به.

بل في الأخير «و يتأكد استحبابه في جانب الفاسق و المعسر» و لا بأس به أيضا لما عرفت.

و إذا أشهد فليشهد على اللقيط و ما معه، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا كان للمنبوذ مال افتقر الملتقط في الإنفاق عليه إلى إذن الحاكم]

المسألة الرابعة:

إذا كان للمنبوذ مال افتقر الملتقط في الإنفاق عليه إلى إذن الحاكم بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، كالشيخ و الفاضلين و الشهيدين على ما حكي عن الأول منهم، بل في الكفاية هو المعروف من مذهبهم لأنه لا ولاية له في ماله للأصل و غيره و إن كان له حضانته و تربيته.

و حينئذ فإن بادر فأنفق عليه منه ضمن كما صرح به غير واحد أيضا لأنه تصرف في مال الغير لا لضرورة لأن الفرض إمكان الاستئذان من الحاكم الذي هو الولي و من هنا لم تكن ضرورة.

نعم لو تعذر الحاكم و وكيله جاز الإنفاق و لا ضمان كما عن الشيخ و غيره التصريح به أيضا لتحقق الضرورة حينئذ.

لكن قد يناقش بمنافاته لما ذكروه سابقا في الأولياء الذين منهم عدول المؤمنين مع تعذر الحاكم، فيتجه حينئذ مراعاة تعذرهم كالحاكم و إن كان الملتقط منهم أيضا.

ج 38، ص: 181

هذا و في القواعد «و لا يفتقر في احتفاظه أي المال إلى الاذن» و فيه منع ذلك بعد عدم الولاية له على المال، و دعوى تنزيل ذلك على ولاية التصرف دون الحفظ الذي هو دون حفظ النفس المعلوم ولايته عليه فكان أولى من الحاكم لا ترجع إلى حاصل ينطبق على أصولنا.

و من هنا قال في التذكرة: «الأقرب عندي أن الملتقط لا يستولي حفظه، بل يحتاج إلى إذن الحاكم، لأن إثبات اليد على المال إنما يكون بولاية أما خاصة أو عامة، و لا ولاية للملتقط، و لهذا أوجبنا الرجوع إلى الحاكم في الإنفاق» و الله العالم.

[المسألة الخامسة الملقوط في دار الإسلام يحكم بإسلامه]

المسألة الخامسة:

الملقوط في دار الإسلام يحكم بإسلامه و لو ملكها أهل الكفر إذا كان فيها مسلم، نظرا إلى الاحتمال و إن بعد، تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلو و لا يعلى عليه.

و إن لم يكن فيها مسلم فهو رق، و كذا إن وجد في دار الحرب (الشرك خ ل) و لا مستوطن هناك من المسلمين و ذلك لأن الإسلام إما أن يحصل مباشرة أو تبعا، فالأول من البالغ العاقل بأن يظهره بالشهادتين إن لم يكن أخرس و إلا فبالاشارة المفهمة.

و ما عن خلاف الشيخ- من الحكم بإسلام المراهق، فان ارتد بعد ذلك حكم بارتداده، و إن لم يتب قتل، بل في الدروس أنه قريب- مناف لمعلومية اعتبار البلوغ في التكليف نصا(1)و فتوى، و سلب عبارته و فعله قبله إلا ما خرج بالدليل كوصيته.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 38، ص: 182

و ما أرسله في الخلاف- من رواية أصحابنا

(1)أن الصبي إذا بلغ عشرا أقيمت عليه الحدود التامة و اقتص منه و تنفذ وصيته و عتقه

- لا جابر له، بل أعرض عنه الأصحاب،

كالمرسل (2)عنه «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه و ينصرانه و يمجسانه حتى يعبر عنه بلسانه فاما شاكرا و إما كفورا»

مضافا إلى إجمال دلالته.

و أما قبول إسلام علي (عليه السلام) قبل البلوغ فهو من خواصه و خواص أولاده المعصومين (عليهم السلام) و أمثالهم، كيحيى و عيسى (عليهما السلام) و الحجة صاحب الأمر روحي له الفداء.

و من الغريب ما في مجمع البرهان «من أن الحكم بإسلام غير المراهق غير بعيد،

لعموم «من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم»

و «قاتلوهم حتى يقولوا: لا إله إلا الله»

و أمثاله كثيرة، و أنهم إذا قدروا على الاستدلال و فهموا أدلة وجود الواجب و التوحيد و ما يتوقف عليه وجوب المعرفة و النظر يمكن أن يجب عليهم ذلك، لأن دليل وجوب المعرفة عقلي، و لا استثناء

في الأدلة العقلية، فلا يبعد تكليفهم، بل يمكن أن يجب ذلك، و إذا وجب صح، كما أنه يلزم من صحته وجوبه- ثم حكى عن بعض العلماء التصريح بأن الواجبات الأصولية العقلية تجب على الطفل قبل بلوغه دون الفرعية- و الظاهر أن ضابطه القدرة على الفهم و الاستدلال على وجه مقنع».

إذ لا يخفى عليك ما فيه من كونه كالاجتهاد في مقابلة المقطوع به


1- 1 الخلاف ج 2 ص 27.
2- 2 الخلاف ج 2 ص 27.

ج 38، ص: 183

نصا(1)و فتوى من رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، و لعلنا نقول بلزوم الإقرار عليه مع فرض وصوله إلى الواقع، إلا أن ذلك لا ينافي عدم جريان الأحكام عليه، و ليس فيه تخصيص للدليل العقلي، كما هو واضح.

نعم جزم الفاضل و الكركي بأنه يفرق بينه و بين أبويه وجوبا مخافة الاستزلال مع أن الوجوب المزبور لا يخلو من نظر، لعدم دليل عليه.

و على كل حال فغير المميز و المجنون لا إسلام لهما إلا بالتبعية التي تحصل بإسلام الأب أصالة- كمسلم يتزوج بكتابية مثلا، فان ولدها منه مسلم بلا خلاف، كما عن

المبسوط- أو عارضا، كما إذا أسلم الأب و هو حمل أو ولد منفصل، فإنه يتبع الأب أيضا بلا خلاف كما عن المبسوط أيضا.

و في

الخبر(2)عن علي (عليه السلام) «إذا أسلم الأب جر الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فان أبى قتل»

مضافا إلى السيرة القطعية في أولاد المسلمين و مجانينهم المتصل جنونهم بالبلوغ.

بل عن المبسوط و الخلاف أيضا إجماع الفرقة على إسلام الحمل أو الولد بإسلام الأم، مضافا إلى قوله تعالى (3)«وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ».

بل الظاهر عدم الفرق في التبعية المزبورة بين إسلام الأب و إسلام الجد و إن علا، و الجدات للأب أو الأم مع فرض عدم وجود الأقرب، أما معه فقد استشكل فيه الفاضل و ولده، و الأقوى فيه التبعية تغليبا


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المرتد- الحديث 7 من كتاب الحدود.
3- 3 سورة الطور: 52- الآية 21.

ج 38، ص: 184

للإسلام و لصدق القرابة المقتضية مع حياة الأقرب و موته، و كذا الذرية و الولد و

غير ذلك مما هو دليل للتبعية مع موت الأقرب، و لا ينافيها أحقية الأبوين من غيرهما من الأجداد و الجدات في بعض الأحوال.

و تحصل أيضا بالسبي للطفل منفردا عن أبويه، كما عن الإسكافي و الشيخ و القاضي و الشهيد و غيرهم للسيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار على إجراء حكم المسلم عليه حيا و ميتا في طهارة و غيرها.

و من الغريب ما عن بعض الناس من تسليم الاتفاق على طهارته دون إسلامه، فهو حينئذ طاهر و إن لم يكن محكوما بإسلامه، بل مقتضى بقاء تبعيته لأبويه أنه كذلك و إن كان محكوما بكفره، بل قد تقدم في كتاب الكفارات عند البحث في الاجتزاء بعتقه عن الرقبة المؤمنة(1)ما يدل على ذلك أيضا.

نعم لو كان معه أحد أبويه الكافرين لم يحكم بإسلامه بلا خلاف أجده فيه، للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي انقطاعه بتبعية السابي، خلافا للمحكي عن أحمد بن حنبل، و لا ريب في ضعفه.

كضعف المحكي عن أحد وجهي الشافعية من الحكم بإسلام مسبي الذمي الذي لا حظ له في الإسلام و إن كان في داره أو باعه من

مسلم، فان ملكه له طرأ عليه و هو كافر، فلا يجدي ملك المسلم حينئذ له بالشراء، كما هو واضح، و قد تقدم تمام الكلام في المسألة في الجهاد .

و يحصل أيضا بتبعية الدار التي تعرض لها المصنف هنا خاصة، لعدم مدخلية غيرها في لقيط دار الإسلام الذي لا خلاف بين الأصحاب في الحكم بإسلامه فيها.


1- 1 راجع ج 33 ص 202.

ج 38، ص: 185

و المراد بها كما في الدروس ما ينفذ فيها حكم الإسلام، فلا يكون بها كافر إلا معاهدا قال: «فلقيطها حر مسلم، و حكم دار الكفر التي تنفذ فيها أحكام الإسلام كذلك إذا كان فيها مسلم صالح للاستيلاد و لو واجدا، و أما دار كانت للمسلمين فاستولى عليها الكفار فان علم فيها مسلم فهي كدار الإسلام و إلا فلا، و تجويز كون المسلم فيها مخفيا نفسه غير كاف في إسلام اللقيط، و أما دار الكفر فهي ما ينفذ فيها أحكام الكفار فلا يسكن فيها مسلم إلا مسالما، و لقيطها محكوم بكفره و رقه، إلا أن يكون فيها مسلم و لو كان تاجرا إذا كان مقيما، و كذا لو كان أسيرا أو محبوسا، و لا تكفي المارة من المسلمين».

و في محكي المبسوط «دار الإسلام على ثلاثة أضرب: بلد بنى في الإسلام لم يقربه المشركون كبغداد و البصرة، فلقيطها يحكم بإسلامه و إن جاز أن يكون لذمي، لأن الإسلام يعلو و لا يعلى عليه، و الثاني كان دار كفر فغلب عليها المسلمون، أو أخذوها صلحا و أقروهم على ما كانوا عليه على أن يؤدوا الجزية، فإن وجد فيها لقيط نظرت، فان كان هناك مسلم مستوطن فإنه يحكم بإسلامه، لما ذكرنا، و إن لم يكن هناك مسلم أصلا حكم بكفره، لأن الدار دار كفر، و الثالث دار كانت للمسلمين و غلب عليها المشركون مثل طرشوش، فإذا وجد فيها لقيط نظرت، فان كان هناك مسلم مستوطن حكم بإسلامه، و إلا فلا- قال-: و دار الحرب مثل الروم، فان وجد فيها لقيط نظرت، فان كان هناك أسارى فإنه يحكم بإسلامه، و إن لم يكن أسارى و يدخلهم التجار قيل: فيه وجهان: أحدهما الحكم بإسلامه، و الآخر الحكم بكفره».

و في التذكرة جعل دار الإسلام دارين: و هما الضرب الأول و الثاني اللذان في المبسوط، و جعل الثالث المذكور أخيرا في المبسوط دار كفر،

ج 38، ص: 186

فدار الإسلام عنده داران، و دار الكفر عنده داران.

و في القواعد «الثالث تبعية الدار، و هي المراد- أي في اللقيط، فيحكم بإسلام كل لقيط في دار الإسلام إلا أن يملكها الكفار و لم يوجد فيها مسلم واحد، فيحكم بكفره، و بكفر كل لقيط في دار الحرب إلا إذا كان فيها مسلم ساكن و لو واحدا تاجرا أو أسيرا».

و في جامع المقاصد «أن المراد بدار الإسلام في عبارة الكتاب إما دار خطها المسلمون كبغداد أو دار فتحها المسلمون كالشام- ثم حكى عن الدروس تعريفها بما سمعت و قال:- إنه أضبط».

و في المسالك بعد أن ذكر ما في الدروس و التذكرة قال: «و ظاهر هذه التعريفات أن المراد من دار الإسلام هنا غير المراد بها في حكمهم بأن سوق المسلمين يحكم على لحومه و جلوده بالطهارة كما سبق في أبوابه، لأن المسلم الواحد لا يكفي في ذلك إذا كان أصل البلد للمسلمين، و لا يصدق عليه سوق المسلمين».

قلت: لا أعرف ثمرة في الإطناب في ذلك بعد خلو النصوص عن تعليق الحكم على دار الإسلام و دار الكفر، و إن جعلهما في الرياض و غيره العنوان لذلك.

لكن فيه أنه بعد اعتبار وجود المسلم في الإلحاق لم يفرق بينهما و بين دار الكفر، و احتمال الاكتفاء بدار الإسلام و إن لم يوجد فيها مسلم صالح للتولد منه لا وجه له، بل لا معنى لدار الإسلام معه إلا بإرادة نفوذ أحكام الإسلام فيها و إن كان أهلها كفارا، و قد عرفت التصريح في الدروس باعتبار وجود المسلم فيها في الحكم بالإسلام.

ثم لا يخفى عليك أن التغليب المزبور للإسلام و لو بوجود واحد أسير أو محبوس في بلاد الكفر يمكن كون الولد منه مناف لمقتضى قاعدة إلحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب، مع أنهم لم يعتبروه في المارين

ج 38، ص: 187

و المستطرقين الذين يمكن احتمال التولد من أحدهم الذي هو أولى من المحبوسين.

و ما أدري ما الذي دعاهم إلى ذلك مع اقتضاء الأصول العقلية عدم الحكم بإسلامه و كفره؟! لأن الأصل كما يقتضي عدم تولده من الكافر يقتضي أيضا عدم تولده من المسلم، و لا أصل آخر يقتضي الحكم بكون المشكوك فيه على الوجه المزبور الإسلام، و الولادة على الفطرة قد عرفت إعراض الأصحاب عن العمل بمقتضاها، و لذا أوله بعضهم بإرادة أنه يولد ليكون على الفطرة، أي بعد البلوغ.

نعم قد يقال: إن السيرة تقتضي ذلك في بلاد الإسلام الغالب فيها المسلمون، و أما الحكم في النصوص (1)بالحرية فهو أعم من الإسلام، فلا ملازمة بينهما، مع أن تناولها لبعض الأفراد المذكورة في كلامهم محل شك أو منع، فليس حينئذ إلا الإجماع إن تم على سائر ما ذكروه، و لعله محل شك في المحبوس في طامورة مثلا.

أو يقال: إن دليل ذلك كله

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»

و لو بملاحظة الانجبار بفتوى الأصحاب، على معنى ما يقتضي تغلب احتمال الإسلام على احتمال غيره، و لا يقدح في ذلك عدم اعتبار الاحتمال الناشئ من غير الساكن في البلاد كالمستطرقين و نحوهم، لعدم الانجبار فيه، فتأمل جيدا.

و على كل حال فان بلغ و أعرب عن نفسه الكفر لم يحكم بردته على الأقوى، كما في الدروس و محكي التذكرة و الإيضاح.

و لعله إليه يرجع ما عن المبسوط من «أن الأقوى أنه لا يقتل،


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب موانع الإرث- الحديث 11 من كتاب الفرائض.

ج 38، ص: 188

بل يفزع و يهدد و يقال: حكمنا بإسلامك قبل، ارجع إلى الإسلام» إلى آخره. لأن الحكم بإسلامه وقع ظاهرا لا باطنا.

و لذا لو ادعى ذمي بنوته و أقام بينة على دعواه سلم إليه، و نقض الحكم بإسلامه، و ليس إلا لأنها أمارة إنية تفيد الظن، باعتبار الاستدلال بالمعلول على شي ء آخر، بخلاف مباشرة الإسلام و تبعية أحد الأبوين أو السابي، فإنه برهان لمي يفيد العلم، و يستدل فيه بالعلة على المعلول.

لكن في القواعد التردد في ذلك، و لعله مما عرفت و من حيث سبق الحكم بإسلامه، فهو مسلم كفر بعد إسلام، فيندرج في تعريف المرتد.

بل في التحرير الجزم بأنه مرتد يستتاب و إلا قتل، بل نفي البعد في جامع المقاصد عن الحكم بكونه مرتدا، لسبق الحكم بطهارته و إجراء أحكام أولاد المسلمين عليه، و لأن الإسلام هو الأصل، لأن كل مولود يولد على الفطرة.

و فيه منع الأصل المزبور، كمنع اقتضاء الأول الحكم بكونه مرتدا ضرورة عدم صدقه عليه لغة بل و شرعا، فالتحقيق عدم جريان حكم المرتد عليه، و الله العالم.

[المسألة السادسة عاقلة اللقيط الإمام عليه السلام]

المسألة السادسة:

عاقلة اللقيط عندنا كما في التذكرة و المسالك الامام (عليه السلام) الذي هو وارث من لا وارث له قولا واحدا إذا لم يظهر له نسب و لم يكبر ف يتولى أحدا على وجه يكون ضامنا لجريرته.

خلافا للمحكي عن العامة من أن عاقلته بيت المال، لأن ميراثه له،

ج 38، ص: 189

و ربما كان في عبارة الشيخين إيهام لذلك.

قال في المقنعة: «فان لم يتوال أحدا حتى مات كان ولاؤه للمسلمين و إن ترك مالا كان ماله لبيت مال المسلمين» و نحوه في النهاية.

و في محكي المبسوط «فان كان عمدا فإنه للإمام، فإن رأى المصلحة أن يقتص اقتص، و إن رأى العفو على مال و يدعه في بيت المال لمصالح المسلمين فعل، و إن كان خطأ فإنه يوجب المال، فيؤخذ و يترك في بيت المال بلا خلاف».

و في محكي الخلاف «اللقيط إذا مات و لم يخلف وارثا فميراثه لبيت المال، و به قال جميع الفقهاء، دليلنا إجماع الفرقة».

إلا أنه يمكن إرادتهما بيت مال الامام (عليه السلام) الذي هو للمسلمين في الحقيقة، لأن جميع أنفاله يصرفها عليهم، و عن الشيخ في المبسوط أنه قال: «إذا قلت: بيت المال فمقصودي بيت مال الامام (عليه السلام)».

قلت: و يؤيد ذلك اتفاق الأصحاب قديما و حديثا على أن ميراث من لا وارث له للإمام (عليه السلام)، كاتفاق النصوص (1)على أنه من الأنفال.

عن الخلاف بعد ما سمعته بفاصلة يسيرة «ميراث من لا وارث له لإمام المسلمين، و قال جميع الفقهاء: لبيت المال، و هو لجميع المسلمين، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم».

و لا ريب في أن اللقيط المزبور مع الفرض المذكور ممن لا وارث له، فيكون للإمام

الذي هو عاقلته، فإن الذي يعقله هو الذي يرثه سواء جنى عمدا أو خطأ ما دام صغيرا لأن عمد الصبي خطأ


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- من كتاب الخمس.

ج 38، ص: 190

بلا خلاف و لا إشكال.

فإذا بلغ و عقل و لم يتوال أحدا ففي عمده القصاص كغيره و في خطائه المحض الدية على الامام (عليه السلام) الذي هو عاقلته و في شبيه العمد الدية في ماله كجنايته على المال عمدا أو خطأ، فان لم يكن بيده مال انتظر يساره.

و لو جني عليه و هو صغير فان كانت على النفس فالدية للإمام (عليه السلام) إن كانت خطأ و القصاص إن كانت عمدا لما عرفت من أنه هو الوارث له مالا و قصاصا، فله العفو حينئذ على مال بلا خلاف و لا إشكال مع رضا المجني عليه كغيره على حسب ما سمعته في محله.

و إن كانت الجناية على الطرف قال الشيخ في المبسوط لا يقتص له و لا تؤخذ الدية لأن القصاص للتشفي، و هو ليس من أهله و لأنه لا يدري مراده عند بلوغه فهو (11) حينئذ كالصبي (12) غير اللقيط المجني على طرفه لا يقتص له أبوه (13) و لا جده و لا الحاكم و (14) لا تؤخذ له الدية، بل يؤخر حقه إلى بلوغه.

و لو قيل بجواز استيفاء الولي (15) هنا و في الصبي الدية مع الغبطة إن كانت خطأ و القصاص إن كانت عمدا كان حسنا، إذ لا معني للتأخير مع وجود السبب (16) بل لا خلاف فيه و لا إشكال في الخطأ، لعموم ولايته، بل لا يجوز له التأخير المنافي لمصلحته كباقي حقوقه التي هي كذلك، و وفاقا للأكثر كما في المسالك في العمد، لعموم ولايته، بل لعل تأخيره إلى وقت البلوغ مع احتمال فوات المحل تفريط في حق الطفل.

ج 38، ص: 191

نعم عن التذكرة منع استيفاء الدية بدلا عنه، و فيه منع أيضا، لعموم الولاية.

و في القواعد «لو أخذ الحاكم الأرش في العمد فبلغ فطلب القصاص فإشكال، ينشأ من أن أخذ المال للحيلولة أو لإسقاط القصاص».

و كأنه عرض بذلك إلى ما عن المبسوط قال: «فأما إذا كان الوارث واحدا مثل من قتلت أمه و قد طلقها أبوه فالقود له وحده، فليس لأبيه أن يستوفيه، بل يصبر حتى إذا بلغ كان ذلك إليه، سواء كان ذلك طرفا أو نفسا، و سواء كان الولي أبا أو جدا أو الوصي، الباب واحد، فإذا ثبت أنه ليس للوالد أن يقتص لولده الطفل أو المجنون، فان القاتل يحبس حتى يبلغ الصبي و يفيق المجنون، لأن في الحبس منفعتهما معا: للقاتل بالعيش و لهذا بالاستيثاق، فإذا ثبت هذا فأراد الولي أن يعفو على مال فان كان الطفل في كفاية لم يكن له ذلك، لأنه يفوت عليه التشفي، و عندنا له ذلك لأن له القصاص على ما قلنا إذا بلغ، فلا يبطل التشفي» ثم نقل الخلاف بين العامة فيما إذا كان معسرا و أراد أن يعفو الولي على مال، و اختار أن له العفو أيضا، و للصبي القصاص إذا بلغ.

و فيه ما لا يخفى من أنه لا تسلط للولي على أخذ المال من الجاني بغير رضاه، و الصحة معه إذا كان على جهة إسقاط الحق يقتضي ترتب الأثر الذي هو السقوط الممتنع معه تسلط الصبي عليه.

و دعوى أن المشروع للولي تناول المال على الوجه المزبور، أو أنه كذلك و إن دفع المال بعنوان الاسقاط و قبضه الولي كذلك لا شاهد لها، بل الشواهد على خلافها.

و ثبوت قيمة الحيلولة في المغصوب على وجه يملكها المالك إلى زمان

ج 38، ص: 192

حصول العين لا يقتضي الثبوت هنا إلا بالقياس الممنوع عندنا، حتى لو تراضيا على ذلك، إلا أن يكون بعقد مثلا يشترط فيه الخيار مثلا إلى مدة يتحقق فيها بلوغ الطفل، فينتقل الخيار إليه، و إلا فالفضولي لا يتحقق فيه ملك الدية فعلا، كما هو واضح.

ثم إن الحبس في المجنون الذي لا غاية له تنتظر لا وجه له، بل في التحرير «لو بلغ فاسد العقل تولى الامام (عليه السلام) استيفاء حقه إجماعا» بل لعل مطلق الحبس كذلك أيضا، لأنه تعجيل عقوبة للمجني عليه بلا داع و لا مقتض، فالتحقيق أن للولي ذلك كله بعد حصول المصلحة أو عدم المفسدة على ما عرفته في محله، لعموم الولاية، و الله العالم.

و كيف كان ف لا يتولى شيئا من ذلك في المقام الملتقط، إذ لا ولاية له في غير الحضانة خلافا للمحكي عن الإسكافي من أنه لو أنفق عليه و تولى غيره رد عليه النفقة، فان أبى فله ولاؤه و ميراثه، و لا نعرف له شاهدا، بل ظاهر الأدلة خلافه، بل يمكن تحصيل الإجماع على ذلك، و لعله لذا حمله الفاضل على أخذ قدر النفقة من ميراثه.

ثم إن ما تقدم من تبعية الدار في الإسلام، و اما الحكم بحريته حتى يتحقق رقيته بالطريق الشرعي فلا أجد فيه خلافا، بل عن ابن المنذر أجمع عامة أهل العلم على أن اللقيط حر، و روينا ذلك عن علي (عليه السلام)(1)مضافا إلى النصوص (2)المزبورة و إلى أصالة الحرية المستفادة من النص(3)


1- 1 المستدرك- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من كتاب العتق- الحديث 1.

ج 38، ص: 193

و الفتوى بل و العقل، ضرورة احتياج الرقية إلى سبب مقتضى الأصل عدمه.

بل عن التذكرة «إذا التقط في دار الحرب و لا مسلم فيها أصلا فالأقرب عندي الحكم بحريته، لكن تتجدد الرقية بالاستيلاء عليه، و إن قال علماؤنا: إنه يكون رقا».

و فيه أن علماءنا يقولون باسترقاقه بالتقاطه الذي هو استيلاء على المحكوم بكفره شرعا، لا أنه رق بدونه، نعم هو كافر تبعا للدار بعد السلامة عما يقتضي التغلب على الإسلام.

و على كل حال فمقتضى ما ذكرناه من الحرية شرعا جريان جميع أحكامها له و عليه في القصاص و غيره، كما هو ظاهر كلامهم في المسألة.

لكن في القواعد بعد الحكم بحريته للأصل قال: «فيحكم بها في كل ما لا يلزم غيره شيئا، فنملكه المال و نغرم من أتلف

عليه شيئا، و ميراثه لبيت المال، و إن قتله عبد قتل به، و إن قتله حر فالأقرب سقوط القود، للشبهة و احتمال الرق، فحينئذ تجب الدية أو أقل الأمرين منها و من القيمة على إشكال».

و إن وجه بانتفاء شرط القصاص، و بأن فارط الدماء لا يستدرك، فيجب فيها رعاية الاحتياط و بنحو ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد ثبوت حريته شرعا على وجه تجري عليه المناكحة المطلوب فيها الاحتياط أيضا و غيرها من أحكام الحر الجارية على كل من كان ظاهره الحرية شرعا و إن احتمل فيه غيرها، و على فرض الخطأ فهو على بيت المال، لأنه من خطأ الحكام و أصل البراءة و نحوه لا يعارض القاعدة الشرعية الثابتة نصا(1)و فتوى، و لا دليل على سقوط القصاص الثابت بإطلاق قوله تعالى (2)«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و غيره بمجرد الاحتمال المزبور، كما هو


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من كتاب العتق- الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 38، ص: 194

واضح. بل في المسالك نفي الخلاف فيه.

و كذا الكلام فيما ذكره من الاشكال و إن قيل: إنه نشأ من أنه حر في نظر الشارع، و قد حكمنا بسقوط القود للشبهة، فيجب الانتقال إلى الدية، و من الشك في

الحرية و الرقية فيجب أقل الأمرين، لأنه المتيقن و الزائد مشكوك فيه، للشك في سببه.

لكنه كما ترى، ضرورة عدم أثر للشك بعد الحكم شرعا بحريته و إن منع من القصاص مانع، و هو الشبهة المفروض كونها في مثله أو الدية، فلا مانع منها، فهو حينئذ كحر تعذر استيفاء القصاص منه في الانتقال إلى الدية، إذ لو كان الاحتمال ساريا إليها لاحتمل أيضا دية ذمي، إذ الإسلام كالحرية أيضا، بل هي أقوى دليلا منه، كما عرفته.

بل ربما نوقش أيضا بأنه لقائل أن يقول: إن الواقع لا يخلو من رقية أو حرية، فلا بد من إحداهما، و على أي تقدير كان فلا يكون الواجب أحد الأمرين، لأنه إن كان حرا فالواجب القصاص لا الدية، و الاحتياط المذكور معارض باحتياط مثله، فإن الجاني ربما رضي بالقصاص، فقهره على الدية إلزام له بما لم يثبت عليه، فيكون باطلا، و إن كان رقا فالواجب هو القيمة لا الدية، فيبطل احتمال كون الواجب هو الدية على كل من التقديرين اللذين انحصر الواقع فيهما.

و كذا يمتنع أن يكون الواجب هو أقل الأمرين مطلقا على كل من تقديري الحرية و الرقية، على أنه يؤدي إلى إسقاط حق معلوم الثبوت قطعا، و ذلك إذا قطع منه طرفان: أحدهما أكثر قيمة و الآخر أكثر دية، و حيث بطلت اللوازم كلها تعين الحكم بالقصاص و إن كان في بعضه ما فيه، و الله العالم.

ج 38، ص: 195

و مما ذكرنا يظهر لك الحال في

[المسألة السابعة إذا بلغ فقذفه قاذف كان عليه الحد]

المسألة السابعة: التي هي إذا بلغ فقذفه قاذف كان عليه الحد بلا خلاف و لا إشكال إن لم يدع القاذف الرقية، كما اعترف به في المسالك، لحصول مقتضية، و لا شبهة.

و إن قال القاذف أنت رق فقال المقذوف:

بل أنا حر ف للشيخ فيها قولان: أحدهما في محكي الخلاف لا حد و تبعه عليه المصنف في حدود الكتاب، و الفاضل في حدود التحرير و المختلف و القواعد و لقطتها، و الأصبهاني في المحكي عن كشفه لأن الحكم بالحرية غير متيقن، بل على الظاهر و هو محتمل، فيتحقق الاشتباه الموجب لسقوط الحد (11) الذي يدرأ بالشبهات نعم يثبت التعزير الذي هو متيقن على التقديرين.

و الثاني (12) في محكي المبسوط في الحدود و اللقطة عليه الحد، تعويلا على الحكم بحريته ظاهرا، و الأمور الشرعية منوطة بالظاهر، فيثبت الحد كثبوت القصاص (13) و تبعه الفاضل في لقطة التحرير و التذكرة و الإرشاد و الشهيدان و الكركي.

بل في المتن و الأخير أشبه (14) بأصول المذهب و قواعده، نعم عليه اليمين كما صرح به في الدروس، و لعله ظاهر غيره أيضا.

لكن فيه أنه مناف لدرء الحدود بالشبهات التي لا ريب في كون الفرض منها، لعدم القطع بفساد دعوى الرقية، و لا يلزم من ذلك كون الاحتمال نفسه من دون دعوى المحدود شبهة، كما أنه لا وجه لاحتمال عدم الشبهة في ذلك حتى مع الدعوى التي لم يعلم بطلانها و إن لم يتمكن من

ج 38، ص: 196

إثباتها، و ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق في الحدود إنشاء الله.

و بذلك يفرق بين المقام و بين القصاص الذي ليس من الحدود التي ورد(1)فيها الدرء بالشبهة.

و لعله إلى ذلك أشار الفاضل في القواعد بقوله: «تقابل أصل البراءة و الحرية،

فيثبت التعزير، و لو قطع حر يده تقابلا أيضا، و لكن الأقرب القصاص هنا، لأن العدول إلى القيمة مشكوك بخلاف التعزير المعدول إليه، فإنه متيقن» إذ من المعلوم انقطاع أصل البراءة بقاعدة الحرية لا مقابلته له.

إلا أن يقال: إن المراد من ذلك تحقق الشبهة المسقطة للأول بخلاف الثاني و إن كان تعليله المزبور قاصرا عن تأدية ذلك.

بل لا يخلو كلامه من منافاة لما سبق منه في النفس، إذ احتمال الفرق بينهما في غاية البعد، خصوصا بعد ملاحظة احتمال سراية قصاص الطرف إلى النفس.

و كذا الكلام لو قال القاذف: أنا رق ليثبت نصف الحد عليه و قال المقذوف هو حر.

و من الغريب ما عن مجمع البرهان من فرض المسألة في قذف اللقيط الصغير الذي يتولى حد القاذف فيه الحاكم، لأنه وليه، و تفسير عبارة الإرشاد بذلك؛ مع أن قذف الصغير لا حد فيه، و إنما فيه التعزير.

و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4 من كتاب لحدود.

ج 38، ص: 197

[المسألة الثامنة يقبل إقرار اللقيط على نفسه بالرق]

المسألة الثامنة:

يقبل إقرار اللقيط كغيره من مجهولي النسب على نفسه بالرق إذا كان بالغا رشيدا و لم تعرف حريته على وجه يعلم بطلان إقراره و لا كان مدعيا لها قبل إقراره، و لا كان متعلقا بحق غيره كما صرح به غير واحد، بل في محكي المبسوط و غيره ما يشعر بالإجماع.

و لعله كذلك، إذ لم أجد فيه خلافا إلا من الحلي، فلم يقبله، ناسبا له إلى محصلي أصحابنا، لحكم الشارع عليه بالجرية.

و فيه أن حكمه بذلك لا ينافي جريان حكم الإقرار المستفاد من

قوله (صلى الله عليه و آله)(1)«إقرار العقلاء»

مضافا إلى

قوله (عليه السلام)(2): «الناس كلهم على الحرية، إلا من أقر على نفسه بالعبودية».

بل في قواعد الفاضل و إيضاح ولده و جامع المقاصد «أن الأقرب القبول لو أقر أولا بالحرية ثم بالعبودية، للعموم المزبور، و لأنه كما لو ادعى ملكية شي ء ثم أقر به لآخر».

خلافا للمحكي عن المبسوط و التذكرة من عدم القبول، لمنافاته للحكم الأول بحريته التي تترتب عليه أحكامها من الجهاد و الحج و غيرهما، فلا يقبل إقراره بما يقتضي سقوطها، و لأنه بتأكيده لأصل الحرية بالإقرار المزبور صار كمن أعرب عن نفسه بالإسلام الذي اقتضته الدار ثم كفر، فإنه لا يقبل منه، و يجعل مرتدا، و لأن الحرية حق لله تعالى، فلا يقبل


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من كتاب العتق- الحديث 1 و فيه « الناس كلهم أحرار.».

ج 38، ص: 198

رجوعه في إبطالها، إلا أن الجميع كما ترى.

و نحوه ما عن المبسوط أيضا من أنه «لو أقر بالعبودية أولا لواحد فأنكر فأقر لغيره لم يقبل، لأن إقراره الأول تضمن نفي الملك لغيره، فإذا رد المقر له خرج عن كونه مملوكا له أيضا، فكان حرا بالأصل، فليس له إبطالها بإقراره بها لآخر».

إذ لا يخفى عليك أن إقراره الأول تضمن ثبوت الرقية، و أنها لزيد، و لا يلزم من بطلان الثاني بطلان الأول، و رده لا يقتضي الحرية، بل كون الرقية ليست له، قيل: و لهذا لو رجع عن الإنكار إلى الإقرار قبل، إذ ربما لم يكن عالما بالحال، أو نحو ذلك مما لا ينافي احتمال الصدق، و من هنا كان خيرة الفاضل في التذكرة و التحرير و جامع المقاصد القبول،

لعموم «إقرار العقلاء»(1)

و قد تقدم في كتاب الإقرار تحقيق المسألة بما لا مزيد عليه، فلا حظ و تأمل.

و لو سبق من اللقيط قبل الإقرار تصرف متعلق بالغير فمع البينة يكون كالتصرف الواقع من العبد بغير إذن سيده، و لو لم يكن إلا بالإقرار لم ينفذ فيما يكون في حق الغير.

فلو كانت امرأة مثلا و نكحت زوجا ثم أقرت بالرق استمر نكاحها و ثبت للسيد أقل الأمرين من المسمى و مهر المثل، أو من المسمى و العشر أو نصفه على الخلاف في المسألة التي قد تقدم تحقيقها في كتاب النكاح (2)إن لم يكن قد سلم المهر إليها، و إلا لم يكن للسيد مطالبته، و

الأولاد أحرار، و عدتها من الطلاق ثلاثة قروء، لأنها حق الزوج، بل قيل:


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.
2- 2 راجع ج 30 ص 222 و 366- 368.

ج 38، ص: 199

و من الوفاة أربعة أشهر و عشرة أيام، لأن الحداد حق الزوج، و فيه نظر أو منع.

و في المسالك «و حيث حكم برقه على أحد الوجوه ففي بطلان تصرفاته السابقة على الإقرار أوجه، من ظهور وقوعها حال الحرية، و من وقوعها حال الحكم بالحرية، ثالثها الفرق بين ما لم يبق أثره كالبيع و الشراء و ما يبقى كالنكاح، فينفذ الأول و يفسد النكاح إن كان قبل الدخول و عليه نصف المهر، و إن كان بعده فسد و عليه المهر، فيستوفي مما في يده و إلا يتبع به بعد العتق» و لعله لا يخلو من نظر في الجملة، و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا ادعى أجنبي بنوته قبل]

المسألة التاسعة:

إذا ادعى أجنبي أو الملتقط عندنا بنوته قبل على وجه يثبت به النسب إذا كان المدعي أبا و إن لم يقم بينة، لأنه مجهول النسب، فكان أحق به، حرا كان المدعي أو عبدا، مسلما كان أو كافرا بلا خلاف أجده فيه، بل في الإيضاح و جامع المقاصد الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

عموم «إقرار العقلاء»(1)

و خصوص قوله (عليه السلام) في القوي (2)

و المرسل(3): «إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينف عنه أبدا».

فما عن الأردبيلي- من التشكيك في ذلك لبعض الأمور الاعتبارية كاحتمال كون الإقرار طمعا في مال الولد لو كان له مال و نحو ذلك-


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة- الحديث 4 من كتاب الفرائض.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة- الحديث 3 من كتاب الفرائض.

ج 38، ص: 200

في غير محله، كما تقدم تحقيق المسألة في كتاب الإقرار، بل قيل:

لو قتله ثم استلحقه قبل و سقط القصاص.

و ما عن بعض العامة- من عدم اللحوق بالكافر و العبد للحكم بإسلامه و حريته- يدفعه أنه يلحق بهما في النسب خاصة دونهما مطلقا أو إلا مع البينة مع فرض وجوده في دار يحكم بإسلامه، فلا حضانة حينئذ لهما، كما ستعرف.

هذا و في محكي الخلاف و المبسوط و كذا تقبل الدعوى على وجه يثبت النسب لو كان المدعي أما كالأب، بل قيل: هو خيرة مجمع البرهان و قضية إطلاق إقرار السرائر و الكتاب و النافع و الإرشاد و التذكرة و التحرير و اللمعة و غيرها، بل عن ظاهر الأول الإجماع على ذلك،

للصحيحين (1)«عن المرأة تسبى من أرضها و معها الولد الصغير فتقول هو ابني و الرجل يسبى فيلقى أخاه و يتعارفان و ليس لهما على ذلك بينة إلا إقرارهما، فقال: ما يقول من قبلكم؟ قلت:

لا يورثونهم، لأنهم لم يكن لهم على ذلك بينة، إنما كانت ولادة في الشرك، فقال: سبحان الله إذا جاءت بابنها أو بنتها و لم تزل مقرة و إذا عرف أخاه و كان ذلك في صحة من عقلهما و لم يزالا مقرين ورث بعضهم من بعض».

و لكن حيث لم يكونا بتلك الصراحة على وجه يفيدان ثبوت النسب مطلقا الذي مقتضى الأصل عدمه في غير المقر قال المصنف و لو قيل: لا يثبت نسبه إلا مع التصديق بعد البلوغ و الرشد كان حسنا بل هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه و ولده و الكركي


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة- من كتاب الفرائض.

ج 38، ص: 201

و ثاني الشهيدين، و قد تقدم تحقيق المسألة في كتاب الإقرار.

و كيف كان ف لا يحكم برقه و لا بكفره بمجرد الإقرار بالبنوة إذا وجد في دار الإسلام و إن ثبت النسب بذلك إلا أنه لا تلازم بينه و بينهما.

خلافا للمحكي عن الشافعي من احتمال ذلك أو القول به، كما احتمله بعض منا، بل في الروضة أنه الأقوى، لدعوى التلازم، و هو واضح الضعف.

نعم لو ادعى المسلم بنوة من حكم بكفره تبعا للدار و استرق ألحق به، و حكم بإسلامه، لأن الإسلام يعلو و لا يعلى عليه، و للتلازم لعدم ولد محكوم بكفره مع إسلام الأب، بل و يحكم بحريته أيضا مع فرض عدم احتمال تصور استرقاقه، لقدم آبائه مثلا في الإسلام بخلاف الأول.

و احتمال القول بأن الحكم بإسلامه تبعا باعتبار أنه مجهول النسب أما الآن فقد علم يدفعه منع تناول ما دل على تبعية الأبوين في الحال المزبور، و لا أقل من الشك، فيأتي أن الإسلام يعلو و لا يعلى عليه، و لو بملاحظة الشهرة، و التلازم ممنوع، لإمكان كونه مسلما- و إن كان ابن كافر- لإسلام جده أو أمه أو غيرهما مما يكون به مسلما، كما أنه يمكن حريته لإطلاق الأدلة و إن كان أبوه رقا لحرية أمه مثلا.

فاتضح حينئذ أن إلحاق نسبه به من حيث الإقرار لا يقتضي الحكم بكفره، بل و لا بالبينة على ذلك، لاحتمال إسلام أحد أجداده أو جداته، كما في صورة الإقرار الذي لا فرق بينه و بينها بعد فرض كل منهما طريقا شرعيا ظاهرا لثبوت النسب الذي قد عرفت عدم الدليل على التبعية بمثله، و لا أقل من التعارض و الترجيح لما عرفت، و الله العالم.

ج 38، ص: 202

و قيل و القائل الشيخ في المبسوط يحكم بكفره إن أقام الكافر بينة ببنوته، و إلا حكم الحاكم بإسلامه لمكان الدار و إن لحق نسبه بالكافر و تبعه الفاضل في القواعد و التحرير، لأن البينة أقوى من تبعية الدار، و لكن فيه ما عرفت. و لذا كان الأول أولى و الله العالم.

[مسائل خمس في أحكام النزاع]
اشاره

و يلحق بذلك أحكام النزاع و مسائله خمس:

[المسألة الأولى لو اختلفا في الإنفاق فالقول قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف]

الأولى: الملتقط و اللقيط لو اختلفا في قدر الإنفاق فادعاه الملتقط و أنكره اللقيط فالقول قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف كما في القواعد و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و محكي المبسوط معللا له في الجامع بأن الظاهر يساعد الملتقط، و لم يلتفتوا إلى أن الأصل العدم فيما زاد على قدر الضرورة، فيقدم قول اللقيط في نفي الزائد.

و زاد في المسالك «و لأنه أمين و مأمور بالإنفاق لدفع ضرورة الطفل، فلو لم يقبل قوله في قدره كذلك أدى إلى الإضرار به إن أنفق و بالملقوط إن تقاعد عنها حذرا من ذلك، و لهذا لا يلتفت إلى الأصل و إن كان موافقا لدعوى الملقوط».

قلت: قد عرفت سابقا أنهم قالوا: لا ولاية للملتقط في الإنفاق

ج 38، ص: 203

و لو من ماله إلا مع إذن الحاكم أو مع تعذره، فالمتجه حينئذ توقف أمانته على ثبوت الاذن أو تعذر الحاكم، و مجرد دعواه الاذن أو التعذر لا يجدي في ثبوت أمانته، نعم يتجه ذلك بناء على ما قلناه من دلالة فحوى النصوص (1)المزبورة أن له ولاية الإنفاق من ماله عليه و يرجع به عليه مع اليسار.

و لا يقال: إن النزاع هنا في أصل الإنفاق لا في صحته و فساده، لأنا نقول: هو لا يكون نزاعا إلا بإرادة شغل ذمة اللقيط به و إلا فلا نزاع.

اللهم إلا أن يقال: إنه مع فرض ثبوت وقوعه بيمينه الأصل فيه الصحة المقتضية للرجوع به. و فيه منع واضح، ضرورة اقتضاء ذلك عدم الفرق بين الملتقط و غيره، و هو واضح الفساد، لأن الأصل البراءة.

و حينئذ يتجه فرض المقام بعد معلومية ائتمان الملتقط على ذلك باذن من الحاكم أو بتعذره، بناء على ثبوت الولاية له حينئذ، و لا ريب في أن القول قوله حينئذ في أصل الإنفاق و في قدره بالمعروف كغيره من الأمناء على ذلك، كالوصي و القيم الشرعي و نحوهما.

بل الظاهر أن القول قوله أيضا في الزائد على المعروف مع دعوى الحاجة إليه أيضا، لأنه أمين و ولي.

و إليه يرجع ما في جامع المقاصد قال: «أما ما زاد على المعروف فلا يلتفت إليه في دعواه، لأنه إن صح كان مفرطا، و لا يحلف إلا أن يدعى الحاجة و ينكرها اللقيط، نعم لو وقع النزاع في عين مال أنه أنفقها صدق باليمين، لتنقطع المطالبة بالعين، ثم يضمن كالغاصب».

لكن في المسالك «و لو كان دعواه زائدة على المعروف فان لم يدع


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 204

مع ذلك حاجة الملقوط إليها فهو مقر بالتفريط في الزائد فيضمنه، و لا وجه للتحليف، و إن ادعى حاجته إلى الزيادة و أنكرها الملقوط فالقول قوله عملا بالأصل مع عدم معارضة الظاهر هنا، نعم لو وقع النزاع في عين مال» إلى آخر ما سمعته من جامع المقاصد.

و ظاهره أنه أخذه منه، لكن قد عرفت التفاوت بينهما، و الأصح ما فيه.

بل قد يقال بعدم الضمان مع فرض الزيادة من مال الطفل، لأصالة براءة ذمة المنفق إذا لم يقر بالتفريط، أو فرض موته أو جنونه، لأنه أمين، و الأصل في تصرفه الصحة، بل و كذا لو كان من مال نفسه و علم منه إرادة الرجوع به و لم يعترف بالتفريط.

نعم لو لم يعلم ذلك لم يضمنه الطفل، لاحتمال تبرعه بالزيادة مع احتماله إذا فرض عدم دعوى منه بموت أو جنون.

و من ذلك كله ظهر لك أن المسألة غير منقحة في كلامهم حتى قول المصنف فان ادعى زيادة فالقول قول الملقوط في الزيادة أي نفيها، ضرورة عدم تماميته على الإطلاق و إن كان الظاهر إرادته أن تقديم قول الملتقط للظهور المستفاد من العادة، و هو مفقود في الزيادة.

و فيه أنها غير مطردة، ضرورة اعتياد الاحتياج إلى الزيادة بمرض و غيره، فمع فرض كونه وليا و أمينا مأذونا من الحاكم فالقول قوله إلا أن يعلم التفريط، و الله العالم.

و مما ذكرنا يعلم الوجه فيما لو أنكر اللقيط أصل الإنفاق ف ان القول قول الملتقط مع يمينه، لما عرفت.

و كذا لو كان له أي الملقوط مال فأنكر اللقيط إنفاقه عليه، ف ان القول قول الملتقط أيضا مع يمينه، لأنه

ج 38، ص: 205

أمينه سواء كان المنفق مال الملتقط الذي يرجع به عليه أو مال اللقيط، نعم بناء على ما عرفت يعتبر إذن الحاكم في إنفاقه، و إلا كان مضمونا عليه و إن أنفقه عليه، لأن السبب أقوى من المباشر، نحو من قدم طعام الغير له بعنوان أنه ماله فأتلفه.

و على كل حال فقد ظهر لك أن القول قول الملتقط في أصل الإنفاق و في قدره بالمعروف و في الزائد مع الحاجة، سواء كان للقيط مال أو لا، و سواء ادعى اللقيط أن الإنفاق عليه كان من ماله أو لا، كل ذلك لما عرفت.

إلا أنه ينبغي مراعاة ما ذكرناه بناء على كلامهم السابق الذي يعلم منه أنه لو كان للطفل مال و قد أذن له الحاكم في إنفاقه عليه و تركه لا لعذر و أنفق من ماله لم يكن له رجوع، لأنه بحكم المتبرع مع عدم الاذن على الوجه المزبور، و الله العالم.

[المسألة الثانية لو تشاح ملتقطان مع تساويهما في الشرائط أقرع بينهما]

المسألة الثانية:

لو تشاح ملتقطان فلم يترك أحدهما للآخر مع تساويهما في الشرائط المعتبرة في الالتقاط على وجه لا ترجيح لأحدهما على الآخر أقرع بينهما، إذ الفرض أن لا رجحان وفاقا للشيخ و الفاضل و الشهيدين و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، للضرر عليهما و على الطفل باجتماعهما على الحضانة التي لا يمكن أن يكون عندهما في ساعة واحدة، و في التناوب و اختلاف الأيدي و الأغذية و الأخلاق و غير ذلك ضرر على الطفل، مضافا إلى تضررهما. و من هنا قال الله تعالى(1):


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 44.

ج 38، ص: 206

«وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ».

و عن التذكرة «أن الاشتراك متعسر أو متعذر اجتماعا أو مهاياة» إلى آخره.

و تبعه في الدروس قال: «و التشريك بينهما في الحضانة بعيد، لأنهما إن كلفا الاجتماع تعسر و إن تهايئا قطعا ألفه الطفل فيشق عليه» إلى آخره، فليس حينئذ إلا القرعة بعد عدم إمكان الانتزاع منهما و عدم الترجيح لأحدهما.

و لكن مع ذلك ربما انقدح الاشتراك فيها، بل هو خيرة التحرير و إن احتمل القرعة فيه أيضا، لتساويهما في مقتضاها، و إمكان اشتراكهما فيها، فلا إشكال كي يقرع، و كفالة مريم (ع) إنما كانت لتبرع لا لحضانة شرعية.

و منه يعلم ضعف ما عن الشهيد في تفسير قول الفاضل في القواعد:

«فان تساويا أقرع أو يشتركان في الحضانة» من أن المراد من الترديد

التخيير، ضرورة كون القرعة للإشكال، و مع التشريك لا اشكال، فلا معنى للتخيير.

و لعل الأولى إرادته الإشارة إلى الاحتمال الذي ذكره المصنف، و لا ريب في كونه متجها مع فرض التحرز عما يقتضي ضرر الطفل، و هما معا مكلفان بدفعه، ضرورة عدم اعتبار الاتحاد في الالتقاط الذي يجري في الحيوان و الإنسان و المال، فهما معا حينئذ ملتقط يجب عليهما الحضانة على وجه لا ضرر فيها على الطفل، بأن يجعلاه في مكان واحد و يتعاهداه و يحسنا تربيته، و كذا لو اشترك الرحم في الحضانة.

نعم لو قلنا باعتبار الاتحاد على معنى أنهما بالتقاطهما جعل الشارع الحاضن أحدهما لا هما و تشاحا اتجهت القرعة حينئذ، كما أنه لو فرض

ج 38، ص: 207

تعذر حضانتهما معا على وجه لا يكون فيها ضرر على الطفل يأتي احتمال القرعة، و إلا فليس إلا الاشتراك، كما هو واضح. و الله العالم.

و كيف كان ف لو ترك أحدهما للآخر حقه من الحضانة صح بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كالشيخ و الفاضل في التحرير الذي اختار الشركة فيه فضلا عن غيره، و الشهيدين و الكركي و غيرهم.

نعم قيده جماعة بكون ذلك قبل القرعة لا بعدها، معللين له بأنهما قبلها يملكانها على نحو ملك الشفيعين مثلا، بناء على اختصاص أحدهما بتمام الشفعة مع إسقاط الآخر.

و لم يفتقر الترك المزبور إلى إذن الحاكم، لأن ملك الحضانة لا يعدوهما بخلاف ما بعدها، فإنه بها يتعين على وجه يكون كالمنفرد، و مقتضاه أن المنفرد لا يجوز له ترك الحضانة لآخر برضاهما، و هو مناف لمقتضى الأصول، بل و لحضانة الرحم التي لا إشكال في جواز تركها لغيره على وجه النيابة، اللهم إلا أن يريد نفس الحق الذي لا دليل على انتقاله على وجه يسقط بحيث لو طلبه بعد ذلك لا يجاب إليه.

و فيه أن ذلك على الوجه المزبور لا يخلو من إشكال أو منع قبلها أيضا، خصوصا بعد ظهور ما ذكروه من التعليل بالاشتراك في الحق قبلها، و الفرض أنه حق تكليفي، و لهذا لا يمكن إسقاطه للمنفرد الذي لا فرق بينه و بين المشترك بالنسبة إلى هذا المعنى، بل لعل إطلاق كلامهم جواز ترك أحدهما للآخر ينافي ما ذكروه من احتمال الاشتراك.

و أما على احتمال القرعة بناء على أن الحق لأحدهما المطلق لا المبهم فقد يشكل إسقاطه قبل تعيينه بالفرعة بعد فرض الاحتياج إليها في تعيينه بعدم ثبوت حق له كي يسقطه، و مع الثبوت لا يصح له الاسقاط.

ج 38، ص: 208

و ذلك كله مؤيد لما ذكرنا من أن المتجه ثبوت الاشتراك بينهما، و لكل منهما الترك على وجه الإيكال، نحو حضانة الرحم.

و كأنه حام حول بعض ما ذكرناه الكركي في حاشية الكتاب، قال بعد قول المصنف: «و لو ترك» إلى آخره: «ليس على إطلاقه، بل هو مشروط بأن لا يضعا أيديهما عليه، أو على القول بالقرعة، أما على القول بالتشريك فلا، لأنه قد لزم كلا منهما نصيبه من الحضانة» و إن كان لا يخفى عليك ما في بعضه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

هذا و في القواعد «و لو ترك أحدهما للآخر صح، سواء كانا موسرين أو أحدهما، حاضرين أو أحدهما، أو كان أحدهما كافرا مع كفر اللقيط» و مقتضاه جواز ترك الموسر للمعسر و الحاضر للمسافر و المسلم للكافر، بل هو مقتضى قول المصنف في

[المسألة الثالثة إذا التقطه اثنان و كل واحد منهما لو انفرد أقر في يده]

المسألة الثالثة التي هي عين سابقتها، و إنما أعادها لبيان عدم الفرق بين الملتقطين مع تساويهما و عدمه.

فقال إذا التقطه اثنان و كانا جامعين لشرائط الالتقاط بحيث كل واحد منهما لو انفرد أقر في يده لصلاحيته فتشاحا فيه أقرع بينهما و يحتمل التشريك كما سمعته سواء كانا موسرين أو أحدهما، حاضرين أو أحدهما بل و كذا إن كان أحد الملتقطين كافرا إذا كان الملقوط كافرا.

و فرض بقائه عليه بعد الالتقاط لعدم كونه ممن يملك به، لعدم كونهم حربين و إن كانت دار كفر و ليس فيها مسلم، و إلا فلو فرض

ج 38، ص: 209

أنه يسترق بالالتقاط جاء فيه حينئذ احتمال تغليب المسلم، فيحكم بإسلام اللقيط تبعا للسابي، فلا يصلح للكافر استدامة حكم الالتقاط، نعم يمكن بقاؤه على الملكية بينهما، و لم أجد ذلك محررا فيما حضرني في المقام.

و كيف كان فالوجه في عدم الترجيح بشي ء من هذه الأمور إطلاق الأدلة المقتضي لتساويهما في الحق المزبور على كل حال مع فرض صلاحيتهما للالتقاط.

لكن في القواعد سابقا «و لو ازدحم ملتقطان قدم السابق، فان تساويا ففي تقديم البلدي على القروي، و القروي على البلدي، و الموسر على المعسر، و ظاهر العدالة على المستور نظر، فان تساويا أقرع أو يشتركان في الحضانة، و لو ترك أحدهما للآخر» إلى آخر ما سمعته سابقا عنها.

و مراده على الظاهر أنهما تساويا في أخذه و لم يكن أحدهما سابقا على الآخر، و هو المراد من موضوع المسألة في الكتاب، لا أنهما ازدحما على إرادة التقاطه، فالنظر و عدم الترجيح في ذلك حينئذ، كما عن الإيضاح و الحواشي.

بل في التذكرة «إن تساويا في الصفات فان ترجح أحد الملتقطين بوصف يوجب تخصيصه به دون الآخر و كانا معا ممن يثبت لهما جواز الالتقاط أقر في يده و انتزع من يد الآخر».

و جزم بالترجيح بما سمعته في القواعد و زاد تقديم الحر على العبد و المكاتب و إن كان التقاطه باذن سيده، لأنه في نفسه ناقص، و ليست يد المكاتب يد السيد.

بل عن الكركي موافقته أيضا على تقديم معلوم العدالة على المستور و إن كنت لم أتحققه، قال: «لأن الأحوط اشتراط العدالة، فيكون

ج 38، ص: 210

الترجيح بهذا الاعتبار، و أما الباقون فالأصح عدم ترجيح أحدهم على مقابله، لأن كلا منهم أهل للالتقاط، و تأثير واحد من الأوصاف المذكورة في الترجيح غير معلوم، و الأصل عدمه».

و عن المبسوط التفصيل بتقديم الأمين على الفاسق، و أنه حكى عن قوم تقديم الأيسر مع التساوي في الأمانة، فإن تساويا في اليسار أقرع، و لم يرجح هو، و قدم القروي على البدوي إن وجداه في قرية أو حضر قال: «و إن وجداه في البادية و كان البدوي ممن له حلة قريبة فإنه يقرع بينهما، و إن كان متنقلا فوجهان» و لم يرجح.

و في الدروس «و إنما تتحقق القرعة مع تساويهما في الصلاحية، فيرجح المسلم على الكافر و لو كان الملقوط محكوما بكفره في احتمال، و الحر على العبد، و العدل على الفاسق على الأقوى، و يشكل ترجيح الموسر على المعسر و البلدي على القروي و القروي على البدوي و القار على المسافر و ظاهر العدالة على المستور و الأعدل على الأنقص نظرا إلى مصلحة اللقيط في إيثار الأكمل نعم لا يقدم الغني على المتوسط، إذ لا ضبط لمراتب اليسار، و لا المرأة على الرجل، و لا من يختاره اللقيط و إن كان مميزا» إلى غير ذلك من كلماتهم.

و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد خلوص النصوص و الفتاوى عدا ما عرفت عن ملاحظة هذه الأمور التي لم يصل العقل إلى اعتبارها شرعا و إن كان فيها صلاح للطفل على وجه يقتضي رفع اليد عما يقتضيه إطلاق الأدلة و الأصول العقلية، و ينتزع من يد من يثبت له حق فيه، بل مقتضى ذلك حتى مع الاستقلال المجمع على خلافه، و على تقديره فلا ينبغي حصرها في الأمور المذكورة، بل هي إلى عدم الحصر أقرب منه.

بل فتح هذا الباب يقتضي فقها جديدا لا ينطبق على أصول الإمامية

ج 38، ص: 211

إذ منه تقديم الأنثى في التقاط الأنثى، بل و الصبي المحتاج إلى الحضانة، و منها التقاط ذي الشرف و العز و الوقار و نحو ذلك ثم لو تعارضت المرجحات بعضها مع بعض و غير ذلك مما لا أثر له فيما وصلنا من نصوص أهل العصمة الذين كل ما خرج عنهم فهو زخرف و لعله لعدم التعارض المحتاج إلى الترجيح الذي يراعى فيه هذه الأوصاف، لاتحادهما في الالتقاط الموجب للحق كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف لو وصف أحدهما أي المتنازعين فيه أي اللقيط علامة كالخال في رأسه و نحوه لم يحكم له به كما في القواعد و جامع المقاصد و المسالك، لعدم ثبوت اعتبار ذلك شرعا في ثبوت الولاية عليه، كعدم ثبوت اعتباره في النسب أيضا.

خلافا لأبي حنيفة، بل عن الفاضل في التحرير احتمال الحكم به كاللقطة، إلا أنه كما ترى.

ثم لا يخفى عليك أن هذا فيما إذا تنازعا في الاستقلال بالولاية، بمعنى دعوى كل منهما الاستقلال بالتقاطه، فذكر أحدهما وصفا فيه لإرادة الاستظهار به على خصمه، و فرض المسألة السابقة معلومية اشتراكهما في الالتقاط بأن اشتركا معا في تناوله، و لا مدخلية في ذلك لذكر الوصف قطعا، و لعل مقصود المصنف بيان عدم الأثر لذلك لو كان تنازعهما في سبق الالتقاط.

و حينئذ قد يقال لو كان في يد أحدهما رجح على الآخر و إذا كان في يديهما معا و لا بينة لأحدهما أقرع كما إذا أقاما بينتين و تساويتا، و في ترجيح بينة الداخل و الخارج على نحو الأملاك وجه.

و كأنه إلى ما ذكرنا أشار في التحرير، قال: «لو اختلفا في سبق التقاطه حكم لمن هو في يده مع اليمين، و لو كان في يدهما أقرع بينهما،

ج 38، ص: 212

فيحلف من خرجت له، و يحتمل عدم اليمين، و كذا لو لم يكن في يدهما مع احتمال أن يسلمه الحاكم إلى من شاء من الأمناء، و لو وصف أحدهما شيئا مستورا فيه كشامة في جسده لم يكن أولى، كما لو وصف مدعي المتاع، و يحتمل تقديمه، كما لو وصف اللقطة، و لو اختص أحدهما بالبينة حكم له، و لو أقاما بينة قدم سابق التأريخ، و لو تعارضا أقرع، و لو كانت يد أحدهما عليه و أقاما بينة حكم للخارج» و هو عين ما ذكرناه، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا ادعى بنوته اثنان فإن كان لأحدهما بينة حكم بها]

المسألة الرابعة:

إذا ادعى بنوته اثنان أجنبيان أو ملتقطان فان كان لأحدهما بينة حكم بها.

و إن أقام كل واحد منهما بينة أقرع بينهما بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخ و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم على ما حكي عن بعض. و كذا لو لم يكن لأحدهما بينة.

و لو كان الملتقط أحدهما فلا ترجيح باليد، إذ لا حكم لها في النسب بخلاف المال، لأن لليد فيه أثرا بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل و لا إشكال بعد عدم ثبوت اعتبارها شرعا في ذلك.

نعم في القواعد في كتاب القضاء «لو تداعيا صبيا و هو في يد أحدهما لحق بصاحب اليد خاصة على إشكال».

و عن الفخر و الأصبهاني تقييده بما إذا لم يعلم أن اليد يد التقاط، بل عن الأخير لا ترجيح في يد الالتقاط قطعا.

و في الدروس «إذا لم يعلم كونه لقيطا و لا صرح ببنوته فان ادعاه

ج 38، ص: 213

غيره فنازعه فان قال: هو لقيط و هو ابني فهما سواء، و إن قال: هو ابني و اقتصر و لم يكن هناك بينة على أنه التقطه فالأقرب ترجيح دعواه عملا بظاهر اليد».

إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت من عدم ثبوت اعتبار اليد في النسب شرعا، و لذا لا يحكم ببنوة من كان في يده صبي لم يعترف بنسبته إليه، نعم لو سبق أحدهما في دعوى الولدية و حكم له بذلك كان مقدما على الآخر، لثبوت نسبه شرعا، فيكون الآخر مدعيا صرفا يطالب بالبينة، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا اختلف كافر و مسلم أو حر و عبد في دعوى بنوته يرجح المسلم على الكافر و الحر على العبد]

المسألة الخامسة:

إذا اختلف كافر و مسلم أو حر و عبد في دعوى بنوته قال الشيخ في المبسوط يرجح المسلم على الكافر و الحر على العبد لقاعدة التغليب فيهما، و تبعه الفخر و الشهيدان إلا إذا كان اللقيط محكوما بكفره أو رقه، فيتجه التوقف أو ترجح الكافر أو الرق كما في الدروس، أو يشكل الترجيح، كما في الروضة.

بل عن الأردبيلي الميل إلى ترجيح المسلم و الحر مطلقا، و عن أبي علي ترجيح الحر، فان قامت بينة أنه ولد العبد ألحقنا به نسبه و أقررناه على الحرية، إلا أن تقوم البينة أنه ولد من أمة.

و لكن فيه تردد بل عن الخلاف و التذكرة الجزم بعدم الترجيح و الرجوع إلى القرعة.

و في جامع المقاصد «أنه الظاهر، سواء كان الالتقاط في دار الكفر أو الإسلام».

ج 38، ص: 214

و في المسالك «الأظهر عدم الترجيح مطلقا إلا أن يحكم بكفره و رقه على تقدير إلحاقه بالناقصين، فيكون ترجيح الأولين أقوى، لظهور المرجح».

بل عن المختلف أن المشهور عدم الترجيح مطلقا، و لعله أخذها مما ذكروه في كتاب القضاء من أنه إذا وطأها اثنان شبهة ثم أتت بولد فإنه يقرع بينهما، سواء كانا مسلمين أو أحدهما أو حرين أو أحدهما، بل عن كشف اللثام الإجماع على ذلك. خلافا للقطة المبسوط، و به صحيح الحلبي (1)بناء على أنهما من سنخ واحد، كما هو الظاهر.

و قاعدة التغليب على وجه تشتمل المقام ممنوعة، و ترجيح المسلم و الحر

بموافقتهما للحكم بإسلامه و حريته لو كان في بلاد الإسلام لا أثر له في ثبوت النسب المستند إلى الفراش أو الإلحاق أو البينة، مع أنه لا يتم في المحكوم بكفره و استرقاقه.

مضافا إلى ما سمعته سابقا من بقاء الحكم بإسلامه و حريته مع إمكانهما و إن حكم بكفر أبيه و رقيته، بل لو قلنا بالتبعية فيهما أيضا تبعا لاقتضاء الأدلة لم يكن بذلك بأس، و لا ترجيح فيه لدعوى المسلم.

فالتحقيق مساواتهما و إن أطنب في الإيضاح و مجمع البرهان و غيرهما في بيان الترجيح، لكنه ليس بشي ء، إذ هو مجرد اعتبارات لا ترجع إلى دليل معتبر شرعا، كدعوى العار في العبودية و حفظ الدين في الإسلام و تغليبه و نحو ذلك مما لا يرجع إلى محصل.

و لو ادعاه رجل و امرأة فلا تعارض و ألحق بهما، لاحتمال حصوله منهما عن نكاح.

و لو قال الرجل: ابني من زوجتي و صدقته الزوجة و قالت امرأة


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ميراث ولد الملاعنة- الحديث 1 من كتاب الفرائض.

ج 38، ص: 215

أخرى: إنه ابني ففي التحرير هو ابن الرجل، و لا ترجح دعوى الزوجة، و هو كذلك مع فرض عدم سبقها على الأخرى في الإلحاق، و الله العالم.

[القسم الثاني في الملتقط من الحيوان]

اشاره

القسم الثاني في الملتقط من الحيوان و تمام النظر فيه في ثلاثة المأخوذ و الآخذ و الحكم.

[الأول في المأخوذ]

أما الأول فهو كل حيوان مملوك لا مثل الخنزير و نحوه ضائع في الفلاة عن مالكه لا غير الضائع عنه أخذ و لا يد لملتقط عليه إلا ما ستعرف. و يسمى الحيوان المأخوذ ضالة.

و لا خلاف بيننا في أن أخذه في صورة الجواز مكروه بل عن المبسوط و الخلاف نسبة ذلك إلى رواية أصحابنا، و في التذكرة نسبة كراهة الالتقاط إلى علمائنا في موضعين.

و في محكي السرائر «أخذ اللقطة عند أصحابنا على الجملة مكروه، لأنه قد

روي في الأخبار(1)أنه لا يأخذ الضالة إلا الضالون».


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 5 و 7 و 10.

ج 38، ص: 216

و في الصحيح (1)في الضالة «ما أحب أن أمسها»

و في النبوي المروي من طرق العامة(2)«لا يأوي الضالة إلا ضال»

و في آخر(3)«ضالة المؤمن من حريق جهنم»

أي لهبها، و

في الخبر(4)أيضا «إياكم و اللقطة، فإنها ضالة المؤمن، و هو حريق من حريق جهنم».

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مطلق اللقطة أو في الصامت إلا أنه بفحواها يفهم منها أيضا ما نحن فيه.

بل ربما استدل أيضا بما

ورد(5)من أن «الضالة لا يأكلها إلا الضالون»

بناء على إرادة النهي عن الأخذ الذي هو مقدمة للأكل من ذلك و إن زاد

في بعضها(6)«إذا لم يعرفوها».

و كيف كان فالحكم مفروغ منه، مضافا إلى ما في التعريض بفعلها لأحكام كثيرة يصعب التخلص منها على حسب ما أراده الشارع، بل لعلها من الأمانة التي حملها الإنسان لجهله.

و من ذلك كله يعلم عدم وجوب حفظ مال الغير ما لم يكن تحت يده، كما ذكرناه في المباحث السابقة.

لكن عن أبي حنيفة في وجه وجوب أخذ اللقطة لكون المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فيكون كولي الأيتام، و أن حرمة مال المسلم كدمه.

و هو كالاجتهاد في مقابلة ما عرفت، و كم له، و ما أبعد ما بينه و بين الشيخين في المقنعة و النهاية من ظهور التحريم في الحيوان كما حكاه عنهما في الدروس، و لكن لا يبعد إرادة الكراهة من نفي الجواز فيهما


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 190.
3- 3 سنن البيهقي- ج 6 ص 190.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 4.

ج 38، ص: 217

كما هو المتعارف في كلاميهما.

و على كل حال فلا إشكال في الكراهة إلا بحيث يتحقق التلف إذا لم يلتقطه فإنه حينئذ طلق بلا كراهة، كما صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم، و لعله لعدم تناول أدلة الكراهة الملاحظ فيها فائدة المالك المفروض انتفاؤها، فالعقل حينئذ يقضي بعدمها.

و لا ينافيه

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «هي لك أو لأخيك أو للذئب»

بعد ظهوره في غير تحقق التلف الذي هو عنوان عدم الكراهة.

بل ربما قيل: الظاهر منه الترغيب في أخذ الضالة التي هي في معرض التلف، على معنى أنك إن أخذتها و لم تعرف مالكها بعد التعريف تكون لك، و إن عرفته فقد حفظت مال أخيك المؤمن، و إن لم تأخذها أكلها الذئب أو أخذها غير الأمين الذي هو بمنزلة الذئب أيضا.

و لعله لذلك كان المحكي عن المبسوط استحباب أخذها إذا كان أمينا في مفازة أو في خراب أو في عمران، و عن أبي علي لو أخذها لصاحبها حفظا عن أخذ من لا أمانة له رجوت أن يؤجر، بل في الروضة «يجب كفاية إذا عرف صاحبها».

و لكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم الدليل على ذلك على ما أشرنا إليه في الوديعة(2)و غيرها من الكتب السابقة.

كما أنه لا يخفى عليك منافاة

قوله (صلى الله عليه و آله) متصلا بالخبر المزبور: «و ما أحب أن أمسها»

للمعنى المذكور المقتضي للندب، فلا يبعد إرادة بيان الجواز فيه، بل الكراهة أيضا، فتأمل.

و كيف كان ف الاشهاد مستحب عندنا لما


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 راجع ج 27 ص 28.

ج 38، ص: 218

فيه من التحرز عن الطمع، و عما لا يؤمن من تجدده على الملتقط من موت أو فلس أو غيرهما و لنفي التهمة بإرادة تملكها. و في

النبوي (1)«من التقط لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل، و لا يكتم و لا يغيب»

خلافا لبعض العامة فأوجبه، لظاهر الأمر القاصر عن إفادته كما هو واضح.

و لا بد فيه من التعدد المتوقف عليه ما عرفت دون شهادة الواحد و إن كان ظاهر الخبر المزبور ذلك، لكن لا عامل به منا، و الله العالم.

و على كل حال فالبعير لا يؤخذ إذا وجد في كلأ و ماء يتمكن من التناول منهما و إن لم يكن صحيحا بلا خلاف أجده بين القدماء و المتأخرين منا، بل في

الكفاية نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه و لعله كذلك.

بل في غاية المرام ذلك صريحا قال: «وقع الإجماع على عدم جواز أخذ البعير إذا ترك من غير جهد مطلقا، سواء كان في كلأ أو ماء أو لم يكن، و كذا إذا ترك من جهد في كلأ أو ماء» بل مقتضاه أن أحدهما كاف في عدم الجواز، و إن كان هو كما ترى يمكن دعوى الإجماع بخلافه فضلا عن النصوص(2).

و في الغنية «من وجد ضالة الإبل لا يجوز له أخذها بإجماع الطائفة».

أو كان صحيحا و إن لم يكن في كلأ و ماء بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل في الكفاية و غاية المرام نحو ما سمعته في الأول، كدعوى الإجماع في الرياض عليهما معا و لقوله (صلى الله عليه و آله) فيما تقدم من النصوص السابقة.


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 187.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 219

كصحيح الحلبي (1)و

حسن هشام بن سالم بإبراهيم (2)عن الصادق (عليه السلام) «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال:

يا رسول الله إني وجدت شاة، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

هي لك أو لأخيك أو للذئب، فقال: يا رسول الله إني وجدت بعيرا فقال

خفه حذاؤه و كرشه سقاؤه فلا تهجه

». و في

صحيح معاوية بن عمار(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سأل رجل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الشاة الضالة بالفلاة، فقال للسائل: هي لك أو لأخيك أو للذئب، قال: و ما أحب أن أمسها، و سأل عن البعير الضال، فقال للسائل: مالك و له، خفه حذاؤه و كرشه سقاؤه، خل عنه»

و نحوه مرسل الفقيه (4).

على أن مقتضى مصلحة المالك بعد أن لم يخش عليه التلف لامتناعه عن السباع و استقامته بالرعي عدم التعرض له، لأن العادة جرت بطلب مالكه له حيث يفقده.

و حينئذ فقد يقال: إن وجه التفصيل المزبور- مضافا إلى ما سمعته من نفي الخلاف فيه و غيره، و إلى ظهور فحوى قوله (صلى الله عليه و آله):

«كرشه» إلى آخره أن ذلك لمصلحة المالك، فمع فرض كونه فاقد الأمرين لا يكون له مصلحة-

خبر السكوني (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في رجل ترك دابته من


1- 1 أشار إليه في الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 6 ص 394- الرقم 1184.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
4- 4 أشار إليه في الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 188- الرقم 848.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 4.

ج 38، ص: 220

جهد، قال: إن تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له يأخذها حيث أصابها، و إن تركها في خوف و على غير ماء و لا كلأ فهي لمن أصابها».

و خبر مسمع (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الدابة إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها، قال: و قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ترك دابته في مضيعة، فقال: إن كان تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له، يأخذها متى شاء، و إن تركها في غير كلأ و ماء فهي للذي أحياها».

و في

صحيح عبد الله بن سنان (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت و قامت و سيبها صاحبها لما لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقة حتى أحياها من الكلال أو من الموت فهي له، و لا سبيل له عليها، و إنما هي مثل الشي ء المباح».

بناء على إرادة ما يشمل الضائع من الترك في النصوص السابقة، لا خصوص الاعراض و لا خصوص الترك الذي هو غير موضوع اللقطة، خصوصا بعد ملاحظة ما هو المعتاد من أنه يراها متروكة و لم يعلم قصد صاحبها الاعراض عنها أو أنه تركها لخوف و نحوه أو أنها ضائعة منه أو يقال: إن موردها و إن كان المعرض عنه إلا أن المفهوم منه كون المدار على مطلق المتروكية على الوجه المزبور.

إلا أن الأخير كما ترى، ضرورة معلومية الفرق بين الأعراض و اللقطة، لمعلومية الفرق بينهما و بين ما قصد تركه و يعلم به صاحبه، كما هو ظاهر لفظ «تركه» و حينئذ فلا مدخلية لهذه النصوص فيما نحن فيه من الضالة، خصوصا الصحيح الذي قد صرح فيه بلفظ التسييب و كونه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 221

كالمباح، و منه يعلم حينئذ صحة نسخة «سيبها» بالياء لا «نسيها» من النسيان.

و حينئذ يكون الضالة المجهودة في غير كلأ و ماء على حكم غيرها من الضوال، فيكون وجه التفصيل ما أشرنا إليه و نحوه مما يظهر منه ذلك مع ملاحظة إطلاق بعض النصوص السابقة الذي يمكن دعوى انسياقه من فحواه.

هذا و في اللمعة و المفاتيح «إذا وجد البعير في كلأ و ماء صحيحا» و ظاهرهما اعتبار الأمرين معا، و هو مخالف لما عرفت.

و على كل حال فلو أخذه في صورة عدم جواز أخذه ضمنه بلا خلاف أجده، بل و لا إشكال،

لعموم «على اليد»(1)

مع عدم الاذن لا شرعا و لا مالكا.

بل في الروضة «لا يجوز أخذه حينئذ بنية التملك مطلقا، و في جوازه بنية الحفظ لمالكه قولان: من إطلاق الأخبار بالنهي و الإحسان، و على التقديرين يضمن بالأحد حتى يصل إلى مالكه أو إلى الحاكم مع تعذره».

و ظاهره الضمان حتى مع قصد الإحسان، و لعله كذلك، للعموم المزبور الذي لا ينافيه قاعدة الإحسان المراد منها ما حصل فيه الإحسان لا ما قصد و لم يحصل.

نعم في

خبر الحسين بن يزيد(2)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الضالة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلا فنفقت، قال: هو ضامن، فان لم ينو أن يأخذ لها جعلا فتنفق فلا ضمان عليه».


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي- ج 6 ص 95.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 222

إلا أنه مع عدم جامعيته لشرائط الحجية لم أجد عاملا به من الأصحاب، ضرورة إطلاقهم الضمان في صورة عدم الجواز، و عدمه في صورة عكسه.

و كذا ما في

صحيح صفوان (1)أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من وجد ضالة فلم يعرفها ثم وجدت عنده فإنها لربها أو مثلها من مال الذي كتمها».

و رواه في الكافي و الفقيه بالواو، و كأنه بمعنى «أو» على إرادة صورة التلف،

أو المراد أنه يدفع العين إلى مالكها بانضمام مثلها كفارة للكتمان أو تغريرا أو استحبابا، و على كل حال فهو غير ما نحن فيه.

و أما القول بجواز أخذ ما يحرم التقاطه بعنوان الحفظ فقد اختاره في التذكرة منزلا النصوص على ما إذا نوى بالالتقاط التملك قبل التعريف أو بعده، بل قال فيها: «أنه يجوز للإمام أو نائبه أخذ ما لا يجوز أخذه على وجه التملك».

و فيه أن ذلك كله مناف لظاهر النهي عن الاهاجة و للأمر بالتخلية و

قول الامام (عليه السلام)(2): «لا أحب أن أمسها»

الدال على أنه كغيره في ذلك و نحوه.

ثم لا يبرأ الضامن للبعير المزبور لو أرسله إلى محله الذي أخذه بلا خلاف و لا إشكال.

خلافا لعمر و أبي حنيفة و مالك، فقد قال الأول منهم للملتقط المزبور: أرسله في الموضع الذي أصبته فيه».


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.

ج 38، ص: 223

و فيه أن ذلك ليس أداء كما في غيره من المال المضمون بسرقة و نحوها.

نعم يبرأ لو سلمه إلى صاحبه قطعا و لو فقده سلمه إلى الحاكم بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، كالشيخ و الحلي و الفاضل و الشهيدين و الكركي و المقداد على ما حكي عن بعضهم لأنه منصوب للمصالح التي منها قبض نحو ذلك.

فان كان له حمى أرسله فيه و إلا باعه و حفظ ثمنه لصاحبه كما صرح به غير واحد، لكن الظاهر إرادة الجميع ما في التذكرة و الدروس من تقييد تركه في الحمى- بما إذا رأى المصلحة في ذلك، و إلا باعه- كما إذا لم يكن له حمى- بعد أن يصفها و يحفظ صفاتها، و لذا استحسنه في جامع المقاصد و المسالك.

نعم قد يناقش في وجوب دفعه إلى الحاكم- بناء على ظهور عبارة المتن و نحوها في ذلك- بأنه مع عدم اليأس من صاحبه مخاطب بالفحص، و مكلف بالحفظ حتى يرده إليه، إذ هو مغصوب أو كالمغصوب بالنسبة إلى ذلك، و مع اليأس له الصدقة به كغيره من مجهول المالك.

و ولاية الحاكم عن صاحبه على وجه يكون كولاية الطفل لا دليل عليها و إن قلنا بوجوب الحفظ عليه لو دفع إليه باعتبار كونه منصوبا لأمثال هذه المصالح.

و منه ينقدح الشك في براءة ذمته من الضمان لو دفعه إليه، بل يبقى في ضمانه إلى أن يصل إلى يد المالك، فان الحاكم على ما ذكرنا ولي حفظ لا ولي قبض على وجه يحصل معه البراءة كالمالك أو وكيله، و إلا لوجب دفعه إليه، و قد عرفت ما فيه. و قد تنبه لبعض ما ذكرناه المقدس الأردبيلي.

ج 38، ص: 224

اللهم إلا أن يقال: إن مراد الأصحاب جواز التسليم لا وجوبه، و دعوى أنه متى جاز وجب لا حاصل لها هنا.

و كذا قد يناقش فيما قيل من أنه لو لم يجد الحاكم هل يجوز له بيعه أم لا؟ الظاهر الثاني، و على تقدير عدم البيع يبقى في يده مضمونا عليه إلى أن يجد المالك أو الحاكم، و يجب عليه الإنفاق عليه، و في رجوعه به مع نيته وجهان، من دخوله على التعدي الموجب لعدم الرجوع، و من أمره بالإنفاق شرعا حين يتعذر عليه أحد الأمرين، فلا يتعقب الضمان.

إذ لا يخفى عليك ما في جواز بيعه أولا مع عدم الولاية له، بل يده يد عدوان، و ما في احتمال الرجوع بنفقته مع النية ثانيا، مع أن ذلك واجب عليه، و ليس هو من الأمناء شرعا و لا مالكا، و الأمر الشرعي مقدمة للحفظ الواجب عليه حتى يرده إلى مالكه. فمن الغريب تردد بعضهم في الحاكم من غير ترجيح.

و أغرب من ذلك ما في التذكرة من أن الأقرب الرجوع ثم قال:

«و لا يبعد من الصواب التفصيل، فان كان قد نوى التملك قبل التعريف أو بعده أنفق من ماله و لا رجوع، لأنه فعل ذلك لنفعه، و إن نوى الحفظ دائما رجع مع الاشهاد إن تمكن و إلا فمع نيته».

و كذا حكم الدابة التي هي الفرس في كلامهم بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما أشعر به بعض العبارات، قيل لخبري مسمع (1)و السكوني (2)السابقين، بل و الصحيح (3)بناء على إرادة الضالة من المال فيه، بقرينة «قامت» و نحوه فيه.

و على كل حال فقد ألحق البغل في كشف الرموز و المسالك و محكي


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 225

الخلاف و المبسوط، بل لعل لفظ الدابة في النصوص (1)المزبورة شامل له و لغيره من ذات القوائم الأربع و لو المتعارف منها

الذي يدخل هو فيه، بل لو سلم إرادة خصوص الفرس منها فيها أمكن إلحاقه بها أيضا، خصوصا بعد ملاحظة تحقق حكمة الجواز و عدمه أو علته المستفادة من فحوى النصوص.

و كيف كان ففي جريان الحكم المزبور في البقرة و الحمار تردد ينشأ مما عرفت أظهره المساواة في الأول، وفاقا للشيخ و الآبي و الفاضل و الشهيدين و الكركي و المقداد و ظاهر الحلي على ما حكي عن بعض لأن ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير باعتبار استغنائه بالرعي و الشرب، و كونه محفوظا من صغار السباع. نعم لو فرض تحقق التلف لبعد الماء و الكلأ على وجه لا يصل إليه و لا يهتدي إليه لم يحرم الأخذ.

لكن في الكفاية قرب العدم، و لعله للفرق بينها و بين البعير و الدابة، باعتبار عدم العدو و عدم الامتناع عن الذئب و نحوه و عدم الصبر على العطش كالبعير، و لعل ذلك و نحوه وجه التردد فيها.

و أولى من ذلك التردد في الثاني، و إن ألحقه الشيخ و الفاضل و الآبي و الكركي و المقداد و فاضل الرياض على ما حكي عن بعض بالبعير.

لكن في التحرير و المسالك و الكفاية قد قرب الجواز، بل قيل: إنه يقتضيه كلام الجماعة، إذ لا ريب في عدم امتناع الحمار من الذئب، و من هنا استوجه بعض الناس التفصيل بين الأرض ذات الذئاب و غيرها، فيؤخذ في الأولى دون الثانية.

بل قيل: إن الحمار شابه البعير في الصورة و فارقه في العلة، لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 226

لا صبر له على الماء، و ساوى الشاة في العلة لأنه لا يمتنع من الذئب، و إلحاق الشي ء بما ساواه في العلة و إن فارقه في الصورة أولى من العكس، و إن كان فيه ما لا يخفى.

هذا و لكن قد يقال: إنه لا دلالة في النصوص على عدم جواز أخذ الدابة- فضلا عن غيرها- إذا كانت صحيحة و إن لم تكن في كلأ و لا ماء، بل لعل ظاهر بعض النصوص (1)خلافها، فلا وجه للإلحاق بالبعير الذي

ورد فيه «لا تهجه»(2)

و «خل عنه»(3)

و نحو ذلك و قياس غير البعير عليه خصوصا مثل البقرة و الحمار كما ترى.

اللهم إلا أن يقال: إن صحيح الجميع بعد إمكان بقائه و لو بالنسبة إلى حاله كصحيح البعير و إن اختلفا في الصبر و نحوه، فالمتجه جعل المدار في الدواب المزبورة جميعها على وجود المعنى المستفاد من

«خفّه حذاؤه و كرشه سقاؤه»(4)

فيها، فلا يجوز التعرض لها، و عدمه فيجوز التقاطها، و يجري عليه حكمها، لا أنها بقول مطلق، كالبعير المعلوم تفاوت ما بينه و بين الجاموس مثلا و الحمار في الصبر عن الماء و سرعة العدو و غير ذلك كما هو واضح، بل التفاوت بينه و بين الفرس ظاهر في ذلك و غيره فضلا عن غير الفرس.

بل في التذكرة لا حظ الفحوى المزبورة في المال الصامت قال: «إن الأحجار الكبار كأحجار الطواحين و الحباب الكبيرة و قدور النحاس العظيمة و شبهها مما ينحفظ بنفسه ملحقة بالإبل في تحريم أخذه، بل هو أولى منه، لأن الإبل في معرض التلف، إما بالأسد أو بالجوع أو العطش أو غير ذلك، و هذه بخلاف تلك، و لأن هذه الأشياء لا تكاد تضيع عن صاحبها و لا تخرج من

مكانها بخلاف الحيوان، فإذا حرم أخذ الحيوان فهذه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.

ج 38، ص: 227

أولى، و كذا السفن المربوطة في الشرائع المعهودة لا يجوز أخذها، و الأخشاب الموضوعة على الأرض، أما السفن المحلولة الرباط السائرة في الفرات و شبهها بغير ملاح فإنها لقطة إذا لم يعرف مالكها».

قلت: هو لا يخلو من وجه، و إن كان يقوى أن جميع ما ذكره مع فرض صدق اسم الضائع عليه و لو لنسيان مالكه أو غير ذلك لقطة، إذ لا يعتبر في صدقه سقوطه من المالك، و قد سمعت سابقا جريان اسم اللقطة على الدار في كلام بعض الأفاضل.

هذا و قد سمعت ما في النصوص (1)المزبورة من اعتبار الأمن، لكن لم أجد تصريحا به من الأصحاب، و لعله لا يخلو من وجه، ضرورة مراعاة مصلحة المالك في ذلك، و لا ريب في عدمها مع فرض الخوف الذي لا تبقى معه البهيمة في مرعاها، فلا يبعد جواز أخذها حفظا لمالكها.

بل لا يبعد جواز التقاطها مع فرض صدق اسم الضياع عليها.

بل إن كان الخوف خوفا يخشى منه تلفها على وجه لا ينتفع بها المالك كقتل أسد و نحوه يتأكد ذلك، إذ هي حينئذ كالشاة التي هي لك أو لأخيك أو للذئب، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد ظهر لك الحال من ذلك كله في البعير و ما ألحق به إذا كان صحيحا أو في ماء و كلأ.

أما لو ترك البعير من جهد في غير كلأ و ماء جاز أخذه، لأنه كالتالف، و يملكه (ملكه خ ل) الآخذ، و لا ضمان، لأنه كالمباح، و كذا حكم الدابة و البقرة و الحمار إذا ترك من جهد في غير كلأ و ماء بلا خلاف صريح أجده بين القدماء و المتأخرين إلا ما في الوسيلة.

قال: «و إن تركه صاحبه من جهد و كلال في غير كلأ و ماء لم يجز أخذه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 228

بحال» و لعله لإطلاق الأدلة السابقة المقيد بما سمعته من النصوص (1)اللاحقة، خصوصا صحيح ابن سنان (2)منها المشتمل على الفلاة المفسرة بالأرض التي لا ماء فيها أو القفر المفسر بالخلاء من الأرض، كما فسر المفازة بالقفر.

نعم قد يقال: إن ظاهر النص و الفتوى في صورة الاعراض لا الضائع في غير الكلأ و الماء، و أما هو فلا يجوز أن يتملكه، بل يدفعه إلى السلطان أو يستعين به في نفقته، فان تعذر أنفق و رجع إذا نواه، و حينئذ فالأقرب وجوب تعريفه سنة و جواز التملك بعد.

بل ربما كان في التذكرة بعض ذلك أيضا قال: «لو ترك دابة بمهلكة فأخذها انسان فأطعمها و سقاها و خلصها تملكها، و به قال الليث و الحسن بن صالح و أحمد و إسحاق إلا أن يكون تركها بنية العود إليها و أخذها، أو كانت قد ضلت منه- إلى أن قال في الاستدلال على ذلك-:

لأن مالكه نبذه رغبة عنه و عجزا عن أخذه، فيملكه آخذه، كالساقط من السنبل و سائر ما ينبذه الناس رغبة عنه و زهدا فيه».

فان قوله: «أو كانت قد ضلت» يدل على عدم جواز تملكها بإحيائها إذا كانت قد ضلت منه و إن وجدت في غير كلأ و لا ماء، و لعله لأن النص (3)و الفتوى بلفظ «ترك» الظاهر في غير الضائع.

نعم هي ظاهرة في كون المراد أن إحياء الحيوان الذي هو في غير كلأ و لا ماء و قد أصابه الجهد و الكلال سبب لتملك الحيوان المزبور، سواء كان قد تركه أو

أعرض، و إن كان ظاهر الصحيح (4)منها التعرض لصورة الاعراض، إلا أنه غير مناف لغيره مما ذكر فيه الترك الشامل له و لغيره مما يترك لحصول مزعج أو لأمر آخر من الأمور.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 229

نعم في نسخة من الصحيح المزبور «نسيها» و لكن لا يناسب ما فيه من كونه كالشي ء المباح الظاهر في إعراض المالك و جعله كالمباح، و إن كان قد يحتمل كون المراد كالمباح شرعا لا مالكا، إلا أن الأول أولى، لموافقته للنسخة المشهورة. نعم

قوله (عليه السلام): «من أصاب بعيرا في فلاة»

قد يشعر بالالتقاط أو بما هو أعم منه.

بل أطلق في الدروس على الآخذ في مفروض المسألة اسم الملتقط، كما أنه في التنقيح جعل الصور الأربعة من صور الالتقاط.

و لكن يمكن إرادتهما معا من الالتقاط مطلق الأخذ، لا المعروف منه، خصوصا بعد اشتمال كلاميهما على ما هو كالصريح في عدم الالتقاط المصطلح. كما أن المراد من

الإصابة إصابة البعير الموصوف بما وصف به المال.

إلا أن الانصاف مع ذلك كله وجود التشويش في كلامهم، ضرورة أن معقد البحث في لقطة الحيوان التي لا تدخل فيها مسألة الإعراض الذي لا يشترط فيه الشرطان المزبوران، و دعوى شهادة الحال بحصوله معهما بخلاف الفاقد لهما ينافيهما اتحاد موضوع الترك المفروض في خبري مسمع (1)و السكوني(2).

و أما الصحيح (3)المزبور فالمعروف من نسخته «سيبها» و هو صريح في الاعراض الخارج عما نحن فيه، بل لا يناسبه البحث في الضمان و عدمه الذي ذكر بعض الناس أن فيه قولين، ضرورة عدم الضمان معه في التلف قطعا.

بل لا يناسبه الاشكال من العلامة في خصوص رد العين لو جاء المالك، و ذكر منشئه من الصحيح المزبور و الاستصحاب و مما دل عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 230

في نصوص اللقطة التي قد فرض البحث في غيرها، فكلامهم هنا غير منقح، و لا يبعد

أن يقال: إن الترك الموجب للتملك في خبري السكوني و مسمع أعم من الاعراض.

إنما الكلام في شموله للقطة، و قد ذكرنا احتماله سابقا إلا أنه لا ظن بإرادة الأصحاب ذلك حتى يكون جابرا، لأن تعبير المعظم «لو تركه من جهد» و نحوه مما هو ظاهر في غير اللقطة. بل قد سمعت تصريح الفاضل في التذكرة.

بل في الوسيلة أيضا مقابلة الضال للمتروك، و ذكر الحكم لكل منهما، فلا يبعد حينئذ بقاء حكم الضال على التعريف و نحوه.

بل لعله كذلك أيضا لو كان ضالا صحيحا أو مجهودا في كلأ و ماء، و لكنه مشرف على التلف لا يبقى لصاحبه، نعم لو لم يكن ضالا لم يجز توليه إلا من قاعدة الإحسان و الحسبة إن قلنا بجوازهما لغير الحاكم، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير منقحة، و لكن ظني أن من أحاط بجميع ما ذكرناه مع التأمل يقف فيها على حاصل.

و كذلك الكلام في المجهود في غير كلأ و لا ماء و لكن لا يستطيع واجده إحياءه حتى يملكه به، و لم يكن الترك ترك إعراض، فان تملكه بأخذه حينئذ مشكل، كما يشكل تملك المتروك في كلأ و ماء غير ضال و كان مشرفا على الهلاك، أو كان صحيحا في غير كلأ و ماء و صار كذلك، فتأمل جيدا، فإنه مما ذكرنا يمكن معرفة جميع الصور في المسألة.

و أما اعتبار الأمرين في التملك ففي الرياض أن ظاهر الصحيح كالعبارة و نحوها من عبائر جماعة و صريح آخرين اشتراطهما، أي الترك في جهد و في غير كلأ و لا ماء معا، فلو انتفى أحدهما بأن ترك من جهد في كلأ و ماء أو من غير جهد في غيرهما أو انتفى من كل منهما بأن ترك

ج 38، ص: 231

من غير جهد فيهما لم يجز الأخذ، و عليه الإجماع في ظاهر التنقيح و صريح الصيمري.

و ربما يستفاد من بعض متأخري المتأخرين ما يعرب عن كفاية أحدهما و لا ريب في ضعفه مع عدم وضوح دليله.

قلت: قد سمعت ما يعلم منه الحال في ذلك بناء على أن المسألة من باب الاعراض و على غيره، كما أنك قد سمعت معقد إجماع الصيمري سابقا.

و أما التنقيح فقد ذكر الصور الأربعة و نسب الرابعة إلى المشهور، ثم حكى خلاف ابن حمزة فيها، و ظاهره أن الثلاثة لا خلاف فيها.

كما أنه لم أعرف ما حكاه عن بعض متأخري المتأخرين المكتفي بأحدهما، نعم قد سمعت معقد إجماع الصيمري الذي مقتضاه الاكتفاء بالكلأ أو الماء.

و قد ذكرنا هناك أنه يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، ضرورة عدم الفرق بين الأرض الفاقدة لهما معا و بين المشتملة على أحدهما خاصة، بل و المشتملة عليهما مع عدم تمكن البعير- مثلا لمرضه- من الانتفاع بهما أو بأحدهما و إن أطنب بعض الناس في ذلك و جعل لكل حكما، لكن لا يخفى عليك ظهور النص و الفتوى في إرادة ما يتحقق به التلف إن لم يؤخذ.

و أما عدم الضمان فلا خلاف فيه و لا إشكال، ضرورة ظهور الأدلة في تملكه المنافي للضمان معه، فما عن المفاتيح و الرياض من أن في الضمان هنا قولين في غير محله.

بل في التنقيح الإجماع عليه، قال: «لو أخذ الجائز أخذه فهو له، و لا يجب عليه دفع القيمة مع التلف للمالك لو ظهر و إن أقام بينة و صدقه

ج 38، ص: 232

الملتقط إجماعا».

نعم في القواعد «في رد العين مع طلب المالك إشكال» بل في الإيضاح أنه الأقوى.

و لكن لا يخفى عليك أن الأصح عدم الرد، لأصالة بقاء الملك المتفق على حصوله للآخذ، و إنما الكلام في انفساخه بالطلب المزبور.

مضافا إلى ظهور الصحيح (1)المزبور و غيره في الملك اللازم في صورة الاعراض و غيره، و به يخص

قول أبي جعفر (عليه السلام)(2): «من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه رده إليه»

بناء على شموله لمثل المقام، إذ أقصاه كون التعارض بينهما من وجه، و لا ريب في أن الترجيح للأول من وجوه، منها: الاستصحاب، و منها: التشبيه بالمباح، و منها: الصحة في السند، و منها: استفادة الملك الاحيائي و غير ذلك.

ثم إنه على القول برد العين فلا إشكال في عدم جواز المطالبة بما حصل منها من النماء كالولد و الصوف و اللبن و نحوها مما هو نماء ملكه و إن وجد عينه كما صرح به في التنقيح، لأنه إن كان له تسلط فعلي فسخ العين خاصة، كالمبيع بالخيار.

و كيف كان فما نحن فيه غير مسألة اللقطة، إذ قد عرفت أن مضمون النصوص المزبورة منه ما هو إعراض كالصحيح (3)المراد منه وصف البعير بما وصف به غيره، و منه الترك الذي هو أعم من الاعراض، إلا أنه غير الضلال، و لعله لذا اتفقوا على عدم الضمان هنا إلا النادر بخلافه في الشاة الضالة كما تسمعه إنشاء الله تعالى، هذا كله في الحيوان


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 233

الممتنع عن صغار السباع.

و أما الشاة الضالة فلا خلاف في أنها إن وجدت في الفلاة التي يخشى عليها فيها من التلف إن شاء أخذها الواجد، لأنها لا تمتنع من صغير السباع فهي معرضة للتلف فكانت بحكم التالفة، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن المهذب البارع و المقتصر و غاية المرام الإجماع عليه، بل عن ابن عبد البر إجماع العامة على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف له أكلها مضافا إلى ما سمعته من النصوص (1)الصحيحة و الحسنة.

و كذا لا خلاف أجده في أن الآخذ بالخيار إن شاء ملكها و يضمن مطلقا حين النية على وجه يكون دينا من ديونه كما هو

المشهور، أو إذا جاء صاحبها و طالب، أو أنه يغرم له غرامة إذا جاء و طالب على تردد و خلاف ستعرفه إنشاء الله تعالى و إن شاء احتسبها أمانة في يده لصاحبها و لا ضمان، و إن شاء دفعها إلى الحاكم الذي هو ولي الغائب و منصوب للمصالح ل يفعل فيها ما يراه من المصلحة بأن يحفظها أو بيعها و يوصل ثمنها إلى المالك و إن نسبه بعض الناس إلى الأكثر مشعرا بالخلاف فيه، لكن لم أتحققه.

على أنه موافق للقواعد العامة في الأخيرين، ضرورة الإحسان إليه و الإيصال إلى نائبه، و كون ذلك حكم مطلق اللقطة حتى الأول الذي حكى الإجماع عليه في المحكي عن المهذب، قال: «يجوز تملكها في الحال من غير تعريف بإجماع العلماء» كالمحكي في التحرير من إجماعهم أيضا على جواز أكلها في الحال.

نعم في المقنعة و النهاية و محكي المراسم «أنه يأخذها، و هو ضامن


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 234

لقيمتها من غير تصريح بالمطالبة و لا بالملك» و عن المبسوط و السرائر بل و الوسيلة «له أن يأكلها على أن تكون القيمة في ذمته إذا جاء صاحبها ردها إليه» و عن الإيضاح «أنه يغرم إذا وجد و طلب».

و لعل مراد الجميع الملك أيضا لما سمعته من النصوص المقتضية له من

قول: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»(1)

مضافا إلى ما سمعته من نصوص مطلق اللقطة(2).

و أما عدم الضمان عليه في الثاني و الثالث فمع أنه مقتضى قاعدة الأمانة و الإيصال إلى الولي قد حكي عليه الإجماع هنا في الإيضاح و المسالك و غاية المرام، لكن الظاهر اعتبار مصلحة المالك في ذلك، فمع فرض عدمها يتجه بيعها و حفظ ثمنها، و يتولى الحاكم ذلك، لعدم ثبوت ولاية للملتقط عليه، مع احتماله، بل جزم به في التحرير، لأنه أولى من أكلها.

و حيث تكون المصلحة في بقائها ينفق عليها بنية الرجوع إن شاء مع تعذر الحاكم و إلا رفع أمره إليه على نحو ما سمعته في نفقة اللقيط، لاحترام النفس في كل منهما.

هذا و الأشهر بل المشهور الضمان في الأول، بل لم أجد مصرحا بعدمه، بل و لا

من يظهر منه ذلك عدا ما عن مقنع الصدوق و رسالة والده من التعبير بمضمون

النصوص (3)«إذا وجدت الشاة فخذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب».

و عن المقتصر أنه قواه، و في الكفاية و لعله أقرب، لمكان اللام في الروايات الصحيحة، و نحوه في المفاتيح، و قد سمعت ما عن الإيضاح


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و 5 و 7.

ج 38، ص: 235

من الغرامة إذا وجد و طلب، و عنه و عن أبي العباس أن الفرق بين الضمان و الغرامة الثبوت في الذمة في الأول قبل مجي ء المالك و مطالبته، و أما الغرامة فتطلق على معنى شامل لها و للضمان و على معنى خاص، و هو ما يتجدد عند المطالبة، و تظهر الثمرة في وجوب الوصية به، و تعلقه بالتركة إن لم يجي ء المالك.

و الحاصل أنه يكون مديونا على الأول، و على الغرامة تتوقف هذه الأحكام على مطالبته، فلو مات قبلها لم تجب في تركته، و لا يكون مديونا.

و كأن الذي ألجأه إلى ذلك ظنه عدم اجتماع الضمان مع كون الشي ء مملوكا له، و تعليق الضمان في بعض النصوص (1)و الفتاوى على مجي ء المالك و مطالبته مع أنه ليس من أسباب الضمان، فلا وجه حينئذ إلا الغرامة.

و فيه أنه لا مانع من تملكه بقيمته، على معنى الولاية له على إدخاله في ملكه بالنية على نحو ما يقع من الولي في مال المولى عليه، فيكون حينئذ شبه القرض الذي يملك عينه بعوض في ذمته، بل هو كاد يكون صريح ما ورد(2)في السفرة الملتقطة من الأمر بأكلها مقوما لها على نفسه.

و من ذلك يظهر لك عدم المنافاة بين كونه ملكا له و انفساخه إذا طلب المالك مع وجود العين، للنصوص (3)المصرحة بذلك، و إلا فالقيمة في ذمته.

و ربما احتمل انكشاف عدم التملك بمجي ء الصاحب و مطالبته، لكنه خلاف ظاهر النصوص و الفتاوى. و على كل حال فلا منافاة.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 236

بل لا منافاة أيضا بين الضمان على الوجه المزبور و بين مفاد اللام في

قوله (صلى الله عليه و آله): «هي لك»

كما أومأ إليه

الصحيح المروي عن قرب الاسناد(1)«عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له؟

قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): هي لك أو لأخيك أو للذئب، فخذها و عرفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردها إلى صاحبها، و إن لم تعرف فكلها و أنت لها ضامن إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردها».

و الظاهر إرادة ضمان ردها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها، فالشرط للرد، لا لأصل الضمان حتى يكون من قبيل الغرامة.

بل الظاهر سوق الشرط المزبور مساق الغالب، لا أنه يراد منه مفهومه فيقضى بعدم الرد إن لم يجي ء المالك، مع احتماله في

صحيح علي ابن جعفر(2)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال: يعرفها سنة، فان لم تعرفها جعلها في عرض ماله حتى يجي ء طالبها فيعطيها

إياه، و إن مات أوصى بها، و هو لها ضامن».

و لعل المراد منه ضمانها مع نية التملك لها أو التصرف بها. و المراد بالوصية بها الوصية بقيمتها، نحو ما سمعته من قوله: «يردها» في الصحيح الأول، فيكون حينئذ شاهدا أيضا لما عرفته من الضمان، و أنه على معنى شغل الذمة به، نحو القرض. و لكن يؤديه للمالك إذا جاء، و إن آيس منه كان له حكم مجهول المالك.

بل يمكن القطع بإرادة المعنى المزبور من الصحيح بملاحظة غيره من


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 237

نصوص اللقطة(1)المعبر فيه بنحو ذلك على إرادة المعنى الذي ذكرنا كما لا يخفى على من لاحظها، فالمسألة حينئذ خالية عن الاشكال.

مضافا إلى ما قيل من أنه مال الغير، و لم يوجد دليل ناقل عن ضمانه، و إنما المتفق عليه جواز التصرف فيه، فيبقى

عموم «على اليد»(2)

و نصوص أدلة رد المال الملقوط إلى صاحبه، نحو

«من وجد شيئا فهو له، فليتمتع به حتى يجي ء طالبه، فإذا جاء طالبه رده إليه بحاله»(3).

و لا ينافي ذلك

قوله (صلى الله عليه و آله): «لك»(4)

إلى آخره المراد به الانتفاع به، نحو

قوله (صلى الله عليه و آله): «للذئب»

أو أنه ملك غير مستقر و لا لازم، كسائر الأموال الملقوطة التي ورد فيها في

الصحيح (5)«فان جاء له طالب و إلا فهي كسبيل مالك»

مع الإجماع على وجوب رده أو قيمته إلى مالكه.

بل لعل الشاة من المال الملقوط الذي هو معقد الإجماع و إن كان ذلك كله أو أكثره محلا للنظر، إلا أن فيما تقدم الكفاية، سيما مع عدم دليل معتد به على عدم الضمان، سوى الأصل المقطوع بما مر، و ظهور اللام في التمليك المنافي له الذي

قد سبق جوابه، و صحيح ابن سنان (6)المتقدم الذي هو في الاعراض.

و ما في الرياض- من دفعه بعدم القول بالفرق بين الأصحاب- واضح الفساد، ضرورة معلومية الفرق بين الاعراض و بين اللقطة، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 238

و بينها و بين ملك المتروك من جهده في غير كلأ و لا ماء الذي هو غير ضال.

و لذلك قد عرفت ندرة القول بالضمان فيه، بل حكي الإجماع على عدمه، بخلاف المقام الذي إن لم يكن الإجماع على ضمانه، فلا ريب في كونه المشهور، بل الإجماع محصل على وجوب رد ثمنه لو جاء المالك، بخلاف الأول و إن تردد فيه العلامة، لكن قد عرفت ضعفه.

كما إنك قد عرفت ما يعلم منه ضعف الاستدلال بمفهوم

صحيح صفوان (1)السابق «من وجد ضالة فلم يعرفها فهي لربها»

ضرورة كونه بعد تسليم إرادة كونها لغير ربها بعد التعريف- مع أنه فاسد من وجوه- لا ينافي كونها مضمونة عليه و إن

صارت ملكا له، كما عرفته مفصلا، بل الظاهر عدم جواز فسخه نفسه الملك بعد أن نواه بقيمته و إرجاعه أمانة، لعدم الدليل القاطع للاستصحاب.

ثم إن الظاهر مما سمعته من النصوص (2)السابقة وجوب تعريفها، بل في بعض (3)تعريف سنة، مضافا إلى

قوله (عليه السلام) في خبر المدائني (4): «لا يأكل الضالة إلا الضالون إذا لم يعرفوها»

و الشاة أظهر أفرادها إن لم ينحصر المصداق فيها، كالدابة في الصحيح السابق (5)الذي يمكن استفادة حكم الشاة منه، حتى إذا قلنا بكون المراد منها غيرها، لعدم الفرق بين أفراد الضالة، بل لعل ذلك هو الأصل في كل لقطة.

و لا ينافي ذلك تملكها في الحال و التصرف فيها بإتلاف عينها، لأن


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث- 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث- 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث- 13.

ج 38، ص: 239

ثمرة التعريف حينئذ غرامة القيمة، و الأوصاف يمكن حفظها و الشهادة عليها.

و لعله لذلك و غيره جعل في التحرير الوجه وجوب التعريف كغيرها و تبعه غير واحد ممن تأخر عنه.

لكن يحتمل في كلامه اختصاص ذلك بما إذا أراد حفظها لا الأعم منه و من التملك و التصرف فيها، إلا أنه خلاف الظاهر بل و الدليل، ضرورة أنه مقتضى الجمع بين ما دل على تعريفها و بين ما دل على التصرف فيها و التملك في الحال من النص و الإجماع.

هذا و لكن في جامع المقاصد «و هل يجب تعريف الشاة المأخوذة من الفلاة؟ قال في التذكرة: الأقرب العدم، لظاهر

قوله (صلى الله عليه و آله): «هي لك»

فان المتبادر منه تملكها من غير تعريف؛ و ليس تقييده بالتعريف أولى من تقييد دليل التعريف بما عدا الشاة، و هذا قوي متين».

قلت: بل هو المحكي عن بعضهم في صغار الإبل، إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم توقف التمليك عليه، للإجماع في محكي المهذب و غيره الذي يشهد له التتبع.

و من الغريب ما في الرياض من تحرير محل النزاع في التملك قبل التعريف، قال: «و هل له التملك قبل التعريف سنة؟ قيل: لا، للاستصحاب و عموم الأمر بالتعريف في اللقطات، و قوى جماعة العدم، لإطلاق الصحاح بالملك من دون تقييد له به مع ورودها في مقام الحاجة، و به يخص عموم الأمر المتقدم مع الاستصحاب، مع أنه لا عموم له، بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر و سياق جل من النصوص المشتملة عليه إلا إلى لقطة الأموال غير الضوال» إلى آخر ما ذكره.

ج 38، ص: 240

و فيه ما عرفت من الإجماع بقسميه على التملك و التصرف فيها في الحال.

و خبر قرب (1)الاسناد- مع أنه ظاهر في غير تعريف اللقطة الذي لا يختص بموضع الالتقاط المفروض كونه في موضع البحث الفلاة- محمول على ضرب من الندب و الاحتياط و كذلك الصحيح الآخر(2)لمعارضتهما بما هو أقوى منهما من إجماعي المهذب و التحرير المؤيدين بالتتبع لكلام الأصحاب و بظهور قوله (صلى الله عليه و آله): «هي لك» و نحوه و ظهور قولهم بالتخيير حين الالتقاط، لا بعد تعريف سنة المقتضي لكون الشاة كغيرها من المال الصامت، فلا ينبغي أن يجعل قسما مستقلا عنه، على أنه مناف لمصلحة المالك لو أراد الإنفاق عليها و الرجوع

عليه، فإنه قد يستغرق أضعاف قيمتها، و الله العالم.

و كيف كان فالمشهور كما في المسالك و غيرها أن في حكمها أي الشاة كل ما لا يمتنع من صغير السباع كأطفال الإبل و البقر و الخيل و الحمير و غيرها حتى الدجاج و الإوز، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، و إن كان ما عثرنا عليه من عبارتها ليس بتلك الصراحة، لكن يؤيده أن أساطين الأصحاب كالشيخ و سلار و الحلي و الفاضلين و الشهيدين قد صرحوا بذلك.

نعم جزم بالعدم في الكفاية و المفاتيح، و عن الآبي و أبي العباس الاقتصار على جواز الأخذ، بل قال ثاني الشهيدين و المقدس الأردبيلي و الخراساني: إن الإلحاق قياس.

و لكن فيه منع واضح، ضرورة ظهور

قوله (صلى الله عليه و آله)(3):


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.

ج 38، ص: 241

«خفه حذاؤه و كرشه سقاؤه»

مع

قوله (صلى الله عليه و آله): «هي لك أو لأخيك أو للذئب»

في كون المدار على الامتناع و الاستغناء حتى يأتي صاحبه و عدمهما، فليس هو قياسا ممنوعا.

و لعله مما عرفت قال المصنف على تردد خصوصا بعد معلومية مذهبه من عدم حجية منصوص العلة، فلا يلحق حينئذ، و يكون حكمه حكم لقطة المال الصامت، و لم نره لأحد ممن تقدمه، نعم تبعه عليه بعض من تأخر عنه.

و التحقيق خلافه في المقام، خصوصا بعد اعتضاد ذلك بفتوى المعظم، و خصوصا بعد اعتباره الفحوى المزبورة في الدابة و غيرها.

بقي شي ء: و هو أنه في الإرشاد بعد أن ذكر الشاة كما ذكر الأصحاب و ألحق بها صغار الممتنعات قال: «و لو أخذ غير الممتنع في الفلاة استعان بالسلطان، فان تعذر أنفق و رجع مع نيته على رأي».

و مقتضاه أنه قسم آخر غير الشاة و ما ألحق بها، و لم نعرفه لغيره كما اعترف به شارحه المقدس الأردبيلي. و عن بعض المحشين تفسيره بنحو البعير المريض و الأعرج لكن صاحبه لم يتركه بل ضل عنه.

و فيه أن ذلك بحكم الشاة أيضا مع فرض عدم امتناعه كما أوضحناه سابقا، و الله العالم.

و لا يؤخذ الغزلان و اليحامير و ما شابهها إذا ملكا ثم ضلا بلا خلاف أجده فيه التفاتا إلى عصمة مال المسلم، و لأنهما يمتنعان عن السباع بسرعة العدو و يستغنيان بالرعي في الفلاة، فأشبهت البعير الذي خفه حذاؤه و كرشه سقاؤه في ذلك، فألحقت بالحكم، للفحوى المزبورة التي ألحق بها غير ذلك مما عرفت من الدواب.

نعم قيده الفاضل في التذكرة بما إذا لم يخف الواجد لها عجز مالكها

ج 38، ص: 242

عن استرجاعها أو ضياعها عن مالكها و إلا جاز التقاطها، معللا له بأن تركه أضيع له منه، و المقصود حفظها لصاحبها لا حفظها في نفسها، و إلا لم يجز التقاط الدينار مثلا، فإنه محفوظ حيث كان.

و مقتضاه حينئذ جواز التقاط البعير الضال إذا خيف تلفه على مالكه و إن كان صحيحا أو في كلأ و ماء مجهودا، فضلا عما إذا تحقق التلف عليه لو بقي، كما أومأنا إليه سابقا.

لكن في الدروس اقتصر على الأخير، قال: «و لا يجوز التقاط الممتنع بعدوه كالظباء و الطيور، سواء كانت في الصحراء أو العمران، إلا أن يخاف ضياعها، فالأقرب الجواز، لأن الغرض حفظها لمالكها لا حفظها في نفسها، و إلا لما جاز التقاط الأثمان، لأنها محفوظة في نفسها حيث كانت، و ينسحب الاحتمال في الضوال الممتنعة، كالإبل و غيرها، و جوز الفاضل التقاط ذلك كله بنية الحفظ، و حمل الأخبار الناهية عن ذلك على الأخذ بنية التملك، و في المبسوط جعل الأخذ للحفظ من وظائف الحكام، و على الجواز فالظاهر أنه يرجع بالنفقة إذا نوى الرجوع و تعذر الحاكم، و حينئذ الأقرب وجوب تعريفه سنة و جواز التملك بعده، و هو ظاهر ابن إدريس و المحقق، و لم أقف على قول بالمنع من التعريف و التملك، و على هذا يتجه جواز الأخذ إذا كان بنية التعريف و التملك بعد الحول، و يحرم إذا كان بنية التملك في الحال، و عن علي (عليه السلام)(1)في واجد الضالة إن نوى الآخذ الجعل فنفقت ضمنها، و إلا فلا ضمان عليه، و فيه دليل على جواز أخذها، و قال الفاضل بجواز أخذ الآبق لمن وجده، و لا نعلم فيه خلافا، و لا يضمن لو تلف بغير تفريط، و منع من تملكه بعد التعريف، لأنه يتحفظ بنفسه كضوال الإبل، و فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 243

إشعار بعدم جواز تملك الضالة، و هو حسن في موضع المنع من أخذها» إلى آخره.

و نقلناه بطوله لاشتماله على ما هو محل للنظر، كما ستعرف.

قال في التذكرة: «الأقرب عندي أنه يجوز لكل أحد أخذ الضالة، صغيرة كانت أو كبيرة، ممتنعة عن السباع أو غير ممتنعة بقصد الحفظ لمالكها، و الأحاديث الواردة في النهي عن ذلك محمولة على ما إذا نوى بالالتقاط التملك إما قبل التعريف أو بعده، أما مع نية الاحتفاظ فالأولى الجواز، كما أنه لا يجوز للإمام (ع) و لا لنائبه أخذ ما لا يجوز أخذه على وجه التملك».

و هو كالصريح في خلاف ما فرعه عليه في الدروس من التفصيل بين نية التملك في الحال أو بعد التعريف، بل هو ظاهر في أن ذلك قسم آخر غير الالتقاط، و هو الاستيلاء على مال الغير بقصد الحفظ.

و لعل هذا هو الذي قوى في محكي المبسوط و السرائر عدم جوازه لغير الامام (عليه السلام) و نائبه، بل لعله لا يخلو من قوة، لأنه المتيقن مما دل في الشرع على كونه ولي الحفظ عن الغائب دون غيره، و آية الإحسان (1)لو أخذ بظاهرها لاقتضت فقها جديدا لا ينطبق على مذهب الإمامية، فالمتجه جعل الميزان لها ما اعتضد بفتوى الأصحاب، و على تقدير الجواز فهو أمر آخر غير اللقطة لا تعريف له و لا تملك بعده و لا قبله.

و منه يعلم ما في تفريعه و ما في حكايته عن ظاهر ابن إدريس و المحقق، و أنه لم يقف على قول بالمنع من التعريف و التملك، مع أن الفاضل في التحرير قال: «لو وجدها في موضع يخاف عليها منه مثل أن يجدها في


1- 1 سورة النحل: 16- الآية 90.

ج 38، ص: 244

أرض مسبعة يغلب على ظنه افتراس الأسد لها إن تركها على حالها أو قريبا من دار الحرب يخاف عليها منهم أو في برية لا ماء لها و لا مرعى فالوجه جواز أخذها للحفظ و لا ضمان، فإذا حصلت في يده دفعها إلى الامام (عليه السلام) و نائبه، و لا يملكها بالتعريف، نعم ورد الشرع بذلك فيها» إلى آخره. و إن كان هو لا يخلو من نظر أشرنا إليه سابقا، و هو قوة جريان حكم الالتقاط عليها، لفحوى ما هو كالتعليل للمنع في البعير المقتضى لجواز الالتقاط مع انتفائه، فيجري عليه

حينئذ حكم لقطة الضال الذي عرفته في الشاة.

و منه يعلم ما في الدروس من النظر في التفصيل المزبور إن كان مراده في هذا القسم، ضرورة كونه حينئذ من لقطة الضال الجائزة كالشاة و ما ألحق بها، و قد عرفت أن له تملكها و التصرف فيها في الحال و إن وجب التعريف كما سمعته مفصلا.

أما ما رواه (1)عن علي (عليه السلام) فقد عرفت عدم عامل به ليكون جابرا له.

و أما ما دل عليه من جواز الأخذ فهو مفروغ منه في غير مقام المنع الذي قد عرفته مفصلا.

كما أن ما ذكره في الآبق لا مدخلية له في الالتقاط، ضرورة عدم ضياعه، و إنما هو هارب عن سيده و جواز أخذه و عدم ضمانه قد استفيدا من النصوص التي لا مدخل لها هنا. و كذا الجعل عليه كما قدمناه في محله، فأي مدخلية للتعريف فيه.

فتلخص من ذلك كله أنه لا إشكال في عدم جواز التقاط ما دل على المنع كالبعير و ما ألحق به في الحالين السابقين.


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 245

و هل يجوز فيها أخذه لا بعنوان الالتقاط؟ الأقوى عدم جوازه، لإطلاق أدلة المنع من النهي عن الهيجان (1)و الأمر بالتخلية عنه (2)و على تقديره فليس لقطة قطعا، نعم لو فرض كونه بحال لا يبقى لصاحبه و لا يجديه خفه و حذاؤه زائدا على الاحتمال المتعارف في المال الضائع لم يبعد جواز التقاطه و جريان حكم اللقطة عليه، و هو ما سمعته في الشاة، لمفهوم فحوى التعليل.

و منه يعلم صحة تقييد الفاضل موضوع مسألة المقام بالوجهين، و لعل اقتصاره في الدروس على الأخير منهما للاكتفاء به مثالا لا لإرادة خصوصه.

هذا كله في الضالة في الفلاة التي قد سمعت بعض الكلام في تفسيرها.

و في التنقيح «ما ليس بعامر، أي الذي فيه قرى مسكونة أو أهل طنب قاطنون».

و في جامع المقاصد «العمران ما بين البيوت سواء كانت بيوت أهل الأمصار و القرى و أهل البادية- إلى أن قال-: و أهل المزارع و البساتين المتصلة بالبلد، و لا تنفك غالبا من الناس من العمران، و حينئذ فالفلاة ما عداه».

و في الوسيلة و محكي المبسوط إلحاق ما يتصل بالعمران بنصف فرسخ به في الحكم.

و عن الصحاح و القاموس و مجمع البحرين الخراب ضد العمران، و العمارة ضد الخراب، و أن المعمور هو المأهول.

و حينئذ فالمراد بالفلاة المقابلة به هو غير المأهول، و لذا قابلها


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.

ج 38، ص: 246

المصنف بقوله و لو وجد الضوال في العمران الذي هو المأهول- و مرجعه إلى العرف لا إلى نصف فرسخ، فإنه ربما يكون كذلك و ربما يكون أزيد أو أنقص. و بالجملة هي ليست في فلاة يخشى عليها التلف من صغار السباع، بل هي مأمونة من هذه الجهة، فمتى كانت كذلك- لم يحل أخذها ممتنعة كانت كالإبل أو لم تكن كالصغير من الإبل و البقر كما في المتن و غيره.

بل حكى غير واحد الشهرة عليه، بل عن التذكرة نفي الخلاف فيه إلا مع خوف التلف و النهب.

بل ينبغي القطع به في الممتنع، ضرورة أولويته من الفلاة الممنوع إهاجته فيها، و لذا نفى الشبهة فيه في المسالك.

أما غير الممتنع فهو محفوظ لمالكه، لأن الفرض عدم الأمن عليه فيها، بل لعل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «خفه حذاؤه»

- إلى آخره- الذي هو تعليل لعدم الجواز أو كالتعليل يقتضي ذلك أيضا.

مضافا إلى إشعار

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «لك أو لأخيك أو للذئب»

به أيضا، ضرورة عدم الذئب غالبا في العمران، بل و إلى أصالة عدم جواز الاستيلاء على مال الغير الذي لا يقطعه استفادة الاذن من نصوص اللقطة المنصرفة لغير الضالة.

و أما

قوله (عليه السلام)(3): «الضوال لا يأكلها إلا الضالون إذا لم يعرفوها»

فليس مساقا لبيان جواز التقاط كل ضالة، فيمكن كون المراد منه بيان حكم جواز ما يلتقط منها.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 4.

ج 38، ص: 247

و كذا صحيح صفوان (1)و صحيح علي بن جعفر(2)المتقدمان سابقا المشتملان على بيان وجوب تعريف الضالة، لا على بيان جواز التقاط كل ضالة في عمران و غيره.

بل و كذا

خبر البزنطي (3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين و هو يعرف صاحبه أ يحل له إمساكه؟ قال: إذا عرف صاحبه رده عليه، و إن لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له، و إن جاءه طالب لا يتهمه رده عليه».

بل هو ظاهر في الحكم بكون الصيد مباحا مع عدم معرفة مالك له، فلا لقطة فيه أصلا.

و حينئذ فما في محكي المبسوط- من أنه إذا كان في العمران و ما يتصل به إلى نصف فرسخ أو أقل له أخذه سواء كان

ممتنعة أو غير ممتنع و مثله في الوسيلة- لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي منه يفهم ما عساه يستدل به له، و قد عرفت جوابه.

و حينئذ فالمتجه على هذا ضمان الآخذ له، و عدم الرجوع بالنفقة على نحو ما سمعته فيمن أخذ البعير الضال، حيث لا يجوز له أخذه، إذ هو كالغاصب، لعدم الإذن الشرعية و المالكية، فلا يجري عليه حكم الالتقاط.

لكن في المسالك بعد أن جزم بعدم جواز أخذ غير الشاة قال:

«يجب مع أخذه كذلك تعريفه سنة، كغيره من الأموال عملا بالعموم


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 248

و يحفظه لمالكه أو يدفعه إلى الحاكم من غير تعريف».

و فيه أن أدلة التعريف في غير المفروض الذي هو مغصوب أو كالمغصوب، سيما بعد كون التعريف مقدمة لجواز تملكه المعلوم عدمه هنا، و لذا لم أجد أحدا ذكره في من التقط البعير و ما ألحق به مما عرفت عدم جواز التقاطه.

نعم يتجه جريان حكم الضالة عليها في صورة الجواز التي أشار إليها الفاضل في التذكرة، و هي حالة الخوف عليها من التلف زائدا على احتماله في اللقطة من حيث كونها كذلك، لحصول ما يقتضي ذلك من مرض أو غيره، فإنه حينئذ يجوز التقاطها، نحو ما سمعته في البعير لفحوى

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «خفه حذاؤه»

إلى آخره

و قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «لك أو لأخيك أو للذئب».

و الظاهر حينئذ تخييره بين الأمور الثلاثة المتقدمة في التقاط الشاة في الفلاة، و يجب التعريف و إن تصرف فيها في الحال، كما سمعته هناك.

و من ذلك يعلم ما في دعوى جواز أخذه في الفرض من كونه على وجه الحسبة، ضرورة أنك قد عرفت كونه لقطة لا حسبة، نعم أخذه في مقام المنع بنية الحفظ إن قلنا بجوازه فيها كذلك، لكن قد عرفت أن الأقوى عدم جوازه لغير الحاكم، و على تقديره فلا يجري عليه شي ء من حكم اللقطة، كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

و من ذلك- مضافا إلى ما تقدم فيمن أخذ البعير حيث لا يجوز أخذه- يظهر لك أنه

لو أخذها أي الضوال في العمران كان بالخيار بين إمساكها لصاحبها أمانة مضمونة و عليه نفقتها من غير رجوع بها نحو العين المغصوبة و بين دفعها إلى الحاكم


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 5.

ج 38، ص: 249

الذي هو ولي الحفظ للغائب، كما صرح به الفاضل و أبو العباس و ثاني الشهيدين و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، و هو شاهد على ما ذكرناه سابقا من عدم وجوب الدفع إلى الحاكم على من أخذ البعير في مقام المنع و إن كان ظاهرهم هناك ذلك.

و ربما علل بأنه ولي، و فيه ما عرفت من أنه يجوز له تولي حفظ مال الغائب لا ولي ذاته.

و من هنا يتجه عدم وجوب القبول عليه، خصوصا إذا لم تكن مصلحة للغائب في ذلك باعتبار تعلق خطاب الرد بالآخذ، و ربما احتاج إلى مئونة و خطاب الإنفاق و غير ذلك مما يكون قيام الآخذ به مصلحة للغائب، اللهم إلا أن يفرض المصلحة للغائب بقبض المال من الآخذ و تكليفه بالأحكام المزبورة.

ثم إن قول المصنف كالتذكرة و غيرها: «أمانة» قد يشعر بعدم الضمان، و فيه منع واضح، بعد اتفاقهم عليه في من أخذ البعير في صورة المنع، على أنه مقتضى

عموم «على اليد»(1)

و غيره.

بل قد ذكرناه هنا قوة احتمال عدم براءته منه مع التسليم للحاكم الذي هو ولي الحفظ و إن كان ظاهرهم هناك ذلك.

بل لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في المتن و التحرير من أنه لو لم يجد حاكما أنفق و رجع بالنفقة و إن علل بأنه حينئذ محسن، و قد تعذر عليه المالك و وليه، فصار مأمورا من الشارع الذي به يزول التبرع.

و لكن فيه أنه غاصب لا محسن مكلف بالحفظ الذي يتوقف على الإنفاق.


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي- ج 6 ص 95.

ج 38، ص: 250

بل في المسالك «يرد مثله في النفقة قبل الوصول إلى الحاكم و المالك، فإنه مأمور بها أيضا شرعا و جانب العدوان مشترك» إلى آخره.

و قوله في الوسيلة و محكي المبسوط: «هو بالخيار بين أن ينفق عليها تبرعا أو

يرفع خبرها إلى الحاكم» مع أنه غير ما نحن فيه مبني على ما ذهبنا إليه من جواز الالتقاط، فيتجه فيه حينئذ نحو ما سمعته منهم في نفقة اللقيط.

و كذا ما في النهاية «من وجد شيئا مما يحتاج إلى النفقة عليه فسبيله أن يرفع خبره إلى السلطان لينفق عليه من بيت المال، فان لم يجد و أنفق هو عليه كان له الرجوع على صاحبه بما أنفق هو عليه». و نحوه في المقنعة فإنه إن لم يفرض في مقام الجواز كانا مطالبين بدليله، بل الأدلة على خلافه.

بل قد عرفت في اللقيط ما يعلم منه النظر في اعتبار الرفع إلى الحاكم في الرجوع، خصوصا بعد عدم جواز الإنفاق عليه من بيت المال المعد للمصالح التي ليس منها ذلك بعد أن كانت النفقة على المالك، فلا حظ و تأمل جيدا كي تعرف ضعف ما حكيناه هناك عن ابن إدريس من عدم الرجوع بالنفقة في صورة الجواز و تعذر الحاكم، و ستسمع مثله فيما يأتي.

لكنه على كل حال هو غير ما نحن فيه من عدم جواز الالتقاط كما ستعرف إنشاء الله تعالى.

و ليس في الدروس هنا بعد أن ذكر حكم الشاة في العمران إلا قوله:

«و هل يلحق بها غيرها؟ قال في المبسوط: ما كان في العمران و ما يتصل به على نصف فرسخ من الحيوان يجوز أخذه ممتنعا أو لا، و يتخير الآخذ بين الإنفاق تطوعا أو الدفع إلى الحاكم، و ليس له أكلها، و منع الفاضل من أخذها في العمران عدا الشاة، إلا أن يخاف عليه النهب أو

ج 38، ص: 251

التلف. و قال في النهاية: إذا أخذ شيئا يحتاج إلى النفقة رفع خبره إلى السلطان لينفق عليه من بيت المال، فان تعذر أنفق و رجع، و إن كان له ظهر أو در أو خدمة كان بإزاء ما أنفق، و أنكر ابن إدريس رجوعه إذا كان النفقة في الحول لتبرعه، و جوز الفاضلان الرجوع، و أوجبا المقاصة» إلى آخره.

و لم يختر شيئا فيما نحن فيه و إن حكي عنه ذلك، نعم كلامه غير محرر، حيث إنه لم يفرق بين ما جاز التقاطه و لم يجز، كما سمعت الكلام فيه، و ما حكاه عن ابن إدريس و غيره إنما هو في الجائز مطلقا، هذا كله في غير الشاة.

و أما إن كان الضال في العمران شاة ففي

خبر ابن أبي يعفور(1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «جاء رجل من أهل المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة قال: فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيام و يسأل عن صاحبها، فان جاء صاحبها و إلا باعها و تصدق بثمنها»

و إليه أشار المصنف بقوله و إن كان شاة حبسها ثلاثة أيام، فان لم يأت صاحبها باعها الواجد و تصدق بثمنها.

و هو و إن كان ضعيفا و غير خاص بالعمران إلا أنه منجبر بفتوى الأساطين كالشيخ و الحلي الذي لا يعمل إلا بالقطعيات و الفاضلين و الفخر و الشهيدين و أبي العباس و المقداد و الكركي على ما حكي عن بعض، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، بل إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع.

بل في الرياض «قد حمله الأصحاب على المأخوذ من العمران» و ظاهرهم الإطباق على العمل بها، و إطلاقه مقيد بالنصوص المعتبرة المشتملة على حكمها في الفلاة المقابلة للعمران، فتعين المراد بها فيه، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 6.

ج 38، ص: 252

فوسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه حينئذ في غير محلها، بل الظاهر عدم اعتبار الحاكم و إن استشكل فيه الفاضل في القواعد، إلا أن النص و الفتوى خاليان عن ذلك، و احتمال أن ما وقع من الصادق (عليه السلام) من الاذن خلاف الظاهر.

نعم الظاهر عدم وجوب البيع إذا أراد حفظها، و عدم وجوب التصدق بثمنها لو أراد حفظه لصاحبه فرارا من الضمان الذي صرح به الفاضل و أبو العباس و المقداد و ثاني الشهيدين و غيرهم على ما حكي عن بعضهم و إن تردد فيه في الكفاية.

لكن فيه أنه لا إشعار في الخبر المزبور و لا في الفتاوى بجواز الأخذ فبقي حينئذ على الحرمة، كما صرح به الفاضل و غيره.

و حينئذ فالعين في ضمانه على تقديري البيع و عدمه، و إن كان ضمانه الثمن مع فرض عدم إجازة المالك الصدقة، و إلا فمع رضاه بها لا ضمان، كما صرح به غير واحد، منهم الشهيد في الدروس.

لكن قال فيها متصلا بذلك: «و هل له تملكها مع الضمان؟ جوزه ابن إدريس و له إبقاؤها بغير بيع. فيكون أمانة و كذا ثمنها».

و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من كونه عاديا لا يجوز له الأخذ.

و كذا ما في القواعد من الصدقة بالثمن مع ضمانه، أو حفظه و لا ضمان و إن حكي أيضا عن أبي العباس و ثاني الشهيدين، لأن البيع جائز، فيكون مأذونا شرعا في قبض الثمن.

و لكن فيه أن جواز البيع لا ينافي حرمة الأخذ التي هي السبب في الضمان، نعم لو قلنا بجواز الأخذ اتجه عدم الضمان للعين و للثمن مع عدم التصرف به.

و على كل حال فلا وجه للتعريف، لعدم تناول أدلة التعريف لمثلها

ج 38، ص: 253

كغيرها من اللقطة الغير الجائزة، و على تقديره فظاهر الخبر(1)المزبور كون التعريف على الوجه المذكور.

فما عن أبي العباس من التعريف طول الحول في غير محله و إن قال ليس له تملكه بعد الحول، بل و كذا ما في القواعد من أن في الصدقة بعينها أو قبل الحول إشكالا، بل عن الفخر و أبي العباس اختيار عدم الصدقة بعينها وقوفا على النص.

و لكن الذي يقوى الجواز، لعدم ظهور الفرق خصوصا مع عدم وجود المشتري.

و أما الصدقة بالثمن قبل الحول فان كان مراده هل يجوز بيعها قبل الحول و التصدق بثمنها أو يجب تعريفها سنة ثم يبيعها و يتصدق بثمنها فلا ريب في أن الأصح الأول، ضرورة عدم إشارة في النص و الفتوى إلى التعريف المزبور، بل ظاهرهما أو صريحهما خلافه، و خصوصا بعد أن قلنا بعدم جواز الالتقاط، فلا يجري عليه حكمه، و احتمال أنه و إن كان محرما يجري عليه حكمه، لإطلاق ما دل عليه يدفعه منع شمول الإطلاق للغرض كما لا يخفى على من لاحظه.

و كذا إن كان المراد هل تجوز الصدقة بالثمن قبل التعريف حولا، لعين ما عرفته أيضا، بل لو كان مشروطا بالتعريف حولا كان تركه في النص المزبور كتأخير البيان عن وقت الحاجة.

و دعوى أنه أقرب إلى وصول المال إلى مستحقه و إلى الاحتياط يدفعها أنها كالاجتهاد في مقابلة النص، و كذا دعوى وجوبه لو أراد بقاءها عنده كما عن أبي العباس.

نعم ظاهر

قوله (عليه السلام)(2)فيه: «و يسأل عن صاحبها»


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 6.

ج 38، ص: 254

وجوب التعريف ثلاثة أيام، مع أنه ربما يظهر من الأكثر عدم وجوبه أيضا، و على تقدير التعريف فالظاهر ضمان العين عليه، لأن يده عادية.

فما في التحرير و المسالك و الروضة و محكي المهذب و المقتصر من كونها أمانة في غير محله، و ليس له التملك بعده لما عرفت.

ثم إن الضالة حيث يجب تعريفها يعتبر فيها زيادة قيمتها على الدرهم و إلا لم يجب، أو يجب التعريف مطلقا؟ قد استظهر بعض الناس الثاني و يأتي إنشاء الله تعالى ما يعرف منه حقيقة الحال، و الله العالم.

و كيف كان فظاهر المبسوط أنه يجوز التقاط كلب الصيد، و يلزم تعريفه سنة ثم ينتفع به إذا شاء، و يضمن قيمته قال فيه: «إذا وجد رجل كلبا فإنه يعرفه سنة، فان لم يجي ء صاحبه بعد السنة فله أن يصطاد به، فان تلف في يده ضمنه، لأن كلب الصيد له قيمة» فإن الاذن في الانتفاع مع ضمانه دليل على جوازه، و إلا كان عاديا لا يجوز له التملك مع الضمان.

كما أن قوله: «لأن له قيمة» يقتضي عدم الفرق بينه و بين غيره من الكلاب و إن كان هو متفقا على جواز بيعه المقتضي لكونه مالا بخلاف غيره، كما تقدم الكلام فيه في محله.

و من هنا قال الفاضل في قواعده: «يجوز التقاط الكلاب المملوكة و يلزم تعريفها سنة ثم ينتفع به إن شاء، و يضمن القيمة السوقية».

نعم قد يناقش فيه بأن المتجه عدم جواز التقاطه في الفلاة فضلا عن العمران، لكونه من الممتنع المستفاد من الفحوى المزبورة، بل هو أولى من غيره بذلك. و لعله لذا منعه في التذكرة و التحرير.

اللهم إلا أن يفرض تحقق تلفه أو خوفه زائدا على الاحتمال الحاصل في الضائع من حيث كونه كذلك، فيجوز حينئذ التقاطه كما احتمله في

ج 38، ص: 255

الدروس، للفحوى المزبورة أيضا، بل يتجه جريان حكم الشاة فيها كما عرفت الكلام فيه مفصلا، و الله العالم.

[الثاني في الواجد]

الثاني في الواجد و يصح أخذ الضالة في مقام الجواز لكل بالغ عاقل حر مسلم عدل إجماعا أو ضرورة.

أما الصبي و المجنون فقطع الشيخ (رحمه الله) فيهما بالجواز أيضا في لقطة المال الذي هو كالضالة لأنه على كل حال اكتساب يصح وقوعه منهما. و لكن ينتزع ذلك الولي منهما كغيره مما هو في أيديهما من المال و يتولى هو التعريف عنهما سنة إذ لا وجه لتأخيره إلى البلوغ و الإفاقة، لاقتضائه ضياع المال على مالكه بعد معلومية عدم اعتبار المباشرة منه، و لأنه من توابع اكتسابهما.

فان لم يأت مالك ف في القواعد «تخير مع الغبطة في إبقائها أمانة و تملكه مع التضمين» و لم أجده لغيره، فيمكن تنزيله على ما لا ينافي المشهور من أنه إن كان الغبطة (11) لهما في تملكه و تضمينه إياها فعل (12) ذلك الولي و إلا أبقاها أمانة (13) و هو يتولى حفظها أو يدفعها إلى الحاكم.

و على كل حال فلا خلاف أجده في شي ء من ذلك و إن كان نسبة جواز التقاطهما إلى الأكثر في المسالك و غيرها مشعرا به، نعم قد تشعر نسبته في المتن إلى الشيخ بذلك.

ج 38، ص: 256

فما في المفاتيح من أنه يشترط في الملتقط أهلية الاكتساب عند قوم، و أهلية الحفظ عند آخرين و إحداهما عند الثالث في غير محله.

و كأنه استعذب التعبير بذلك عما ذكره أولا في المسالك من أن «مبنى الخلاف في هذه المسألة و ما بعدها على أصل، و هو أن اللقطة فيها معنى الأمانة و الولاية و الاكتساب، أما الأمانة و الولاية ففي الابتداء فان سبيل الملتقط سبيل الأمناء في مدة التعريف لا يضمن المال إلا بتفريطه، و الشرع فوض إليه حفظه، كالولي يحفظ مال الصبي، و أما الاكتساب ففي الانتهاء، حيث إن له التملك بعد التعريف، و أما المغلب منهما ففيه وجهان: أحدهما معنى الأمانة و الولاية، لأنهما ناجزان و الملك منتظر، فيناط الحكم بالحاضر و يبنى الآخر على الأول، و الثاني معنى الاكتساب، لأنه مآل الآمر و مقصوده، فالنظر إليه أولى، و لأن الملتقط مستقل بالالتقاط، و آحاد الناس لا يستقلون بالأمانات إلا بائتمان المالك و يستقلون بالاكتساب، فإذا اجتمع في الشخص أربع صفات: الإسلام و الحرية و التكليف و العدالة فله أن يلتقط و يتملك إجماعا، لأنه أهل الأمانة و الولاية و الاكتساب، و إن تخلف بعضها بنى على اعتبار ما ذا، و جاء فيه الوجهان» إلى آخره.

لكن لا يخفى عليك أنه على طوله لا حاصل له، ضرورة اعترافه هنا و في الكافر بعدم نقل خلاف فيه في الجواز، و أولى منه عدم اعتبار العدالة، و كذا في العبد الذي لم يحك فيه الخلاف إلا عن أبي علي لخبر أبي خديجة(1)كما ستعرفه، فما أدري موقع هذه المقدمة التي ذكرها.

على أن اللقطة منها ما لا تعريف فيها، بل يملكها الواجد لها، و منها ما فيه ذلك إلا أنه لم يعتبر أحد فيه المباشرة.


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 257

كما أنه لا إشعار في شي ء من النصوص بتوقف التملك بعد الحول على كون الملتقط أهلا للأمانة و الولاية، بل و لا صحة الالتقاط، خصوصا بعد ملاحظة طر الجنون مثلا على الملتقط.

و كان هذا هو السر في الاتفاق ظاهرا على جواز التقاطهما و إن كان ظاهر نصوص اللقطة في الملتقط القابل للتصدق و التعريف و الحفظ، إلا أنه ليس ظهور اشتراط في صحة الالتقاط على وجه يتوقف جريان أحكامه على كونه كذلك ابتداء أو و استدامة، بل في لقطة الخربة و نحوها الذي وجد المال أحق به، و لا ريب في اندراجهما فيه، و لا قائل بالفصل، بل و لا وجه له، ضرورة عدم الفرق بعد

صلاحيتهما للالتقاط و عدم اعتبار المباشرة في الأمانة و التعريف.

كل ذلك مضافا إلى عدم اكتساب في الالتقاط قابلان له، ضرورة عدم كونه كالاحتطاب و الاحتشاش و نحوهما مما هو سبب للحيازة الموجبة للملك من كل من حصلت منه، بخلاف الالتقاط الموقوف تكسبه على نية التملك بالقيمة، شبه القرض الذي لا يحصل فيهما، و لا عموم في الالتقاط على وجه يشملهما إلا ما ذكرناه في قسم مخصوص، بل ظاهر سوق نصوصه في خصوص المكلفين.

و بذلك يظهر لك ما في المسالك من الاستدلال على الجواز بالعموم و التشبيه بالاحتطاب، كما أنه ظهر لك عدم وقع لما ذكره من المقدمة التي في آخرها أيضا ما فيه، بل و غير ذلك.

بل و عدم حاصل لما سمعته من المفاتيح إلا عذوبة عبارة، و إلا فلم نجد في المقام أقوالا ثلاثة مبنية على ما ذكر.

فالتحقيق حينئذ الجواز، لما عرفت مع ضميمة عدم الخلاف في المسألة الذي لولاه لأمكن المناقشة في صحة التقاطهما ما فيه التعريف و نحوه مما لا

ج 38، ص: 258

ينكر ظهور النصوص في كونه مكلفا، و لا أقل من أن يكون ذلك هو المذكور فيها، فيبقى غيره على أصالة المنع، نحو ما سمعته في التقاطهما الإنسان.

على أنه لا ينكر ظهور النصوص في أن خطاب التعريف على الملتقط و إن جاز له الاستنابة، لا أن الملتقط شخص و المخاطب بالتعريف شخص آخر، كما في المقام الذي ذكروا فيه أن الخطاب به للولي، و أن نية تمليكهما بالقيمة في ذمتهما منه، و أنه المخاطب بالحفظ على وجه إن لم ينتزع المال من يدها يكون ضامنا، لأنه مفرط، إلى غير ذلك مما لا ينطبق على القواعد العامة، و لا إشعار في نصوص اللقطة به، بل ظاهرها خلافه، فليس حينئذ إلا ما سمعت.

و كأنه إلى بعض ما ذكرنا أشار في الرياض، فإنه بعد أن ذكر أنه لا معنى لإرادة ما يقابل الحرمة من الجواز المعلوم أنه من صفات المكلفين قال: «و يتعين الثاني، أي تترتب أحكام اللقطة عليه من الملك و الصدقة بها بعد التعريف و غيرهما، و لا دليل عليه، لاختصاص النصوص المثبتة لأحكام اللقطة المزبورة بالمكلف بحكم التبادر و تضمنها الأمر بالحفظ أو التصدق أو التملك، و لا يتوجه إلى غيره، فالحكم بالجواز مشكل بعد اقتضاء الأصل العدم- ثم قال-: و يمكن أن يقال: إن وجه الاشكال المزبور مقتض لاعتبار الأهليتين معا، و ليس هو لأحد قولا، فيكون الإجماع مخالفا، فينبغي ترجيح أحد الأقوال الثلاثة على تقدير ثبوتها، و لا ريب أن المشهور منها أولى، لما عرفت من عدم مخالف صريح فيه أو كونه نادرا» إلى آخره.

و إن كان لا يخفى عليك بعض ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه أيضا مما يصلح دليلا غير الشهرة المزبورة، و الله العالم.

ج 38، ص: 259

و في التقاط العبد من دون إذن مولاه تردد ينشأ من الأصل بعد ظهور مساق النصوص في غيره و خبر أبي خديجة(1)الذي هو هنا سالم بن مكرم كما في الفقيه و بقرينة رواية أحمد بن عائذ عنه إلا أن في عدالته بحثا

عن الصادق (عليه السلام) «سأله المحاربي عن المملوك يأخذ اللقطة، فقال: ما للمملوك و اللقطة، لا يملك من نفسه شيئا فلا يتعرض لها المملوك، ينبغي للحر أن يعرفها سنة في مجمع، فان جاء طالبها دفعها إليه و إلا كانت في ماله، فان مات كان ميراثا لولده و لمن ورثه، فان لم

يجي ء لها طالب كانت في أموالهم هي لهم، إن جاء طالبها دفعوها إليه»

إلى آخره، و عدم قابلية العبد للتملك الذي تضمنته النصوص و الفتاوى.

و من أنه أهل للأمانة و عدم ظهور النصوص في اعتبار الحرية و إن اشتملت على ما لا ينطبق إلا عليها من التملك و نحوه، إلا أنه يمكن تنزيله على ما إذا كان الملتقط كذلك لا أنه معتبر في أصل الالتقاط، إذ هي أحكام تعذر بعضها أو كتعذر بعض أفراد التخيير.

و لعله لذا قال المصنف أشبهه الجواز وفاقا للمشهور، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه، بل لم يحك فيه الخلاف إلا من أبي علي، كما اعترف به غير واحد، بل لم يتردد فيه أحد قبل المصنف، نعم تبعه عليه في الدروس، و لا ريب في ضعفه لأن له أهلية الحفظ و الائتمان شرعا بل و الاكتساب و إن كان لسيده، بل له أهلية سائر الخطابات الشرعية.

و خبر أبي خديجة(2)لو قلنا بصحته موهون بمصير ما عدا ابن الجنيد إلى خلافه، و رواية الفقيه له أعم من العمل به، بل في كشف الرموز


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 260

حكاية الجواز عنه فيه، فلا بأس بحمله على ضرب من الكراهة التي صرح بها غير واحد، هذا خلاصة ما ذكروه في المقام.

إلا أن التأمل هنا و فيما تقدم لهم في اللقيط يقتضي جواز التقاطه مع إذن مولاه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا.

لكن ذكر غير واحد منهم هناك أنه يكون السيد حينئذ هو الملتقط، فيلزمه حكم الالتقاط، و هو كذلك لو كان إذن استنابة، أما إذا كانت رفع حجر فالمتجه كونه هنا هو الملتقط، و يلزم حينئذ بالحفظ و التعريف نحو الاذن له في قبول الوديعة، و عدم قابليته للتملك لا يرفع غيره من أحكام اللقطة، و لا وجه لرجوع ذلك إلى السيد بعد أن كان الملتقط غيره.

اللهم إلا أن يثبت أن كل ما يكون للعبد لو كان حرا يكون للسيد على وجه يشمل المقام، و لم يحضرني الآن ما يقتضي ذلك.

ثم إنه ذكر أيضا غير واحد هناك أن تعقب الاذن كابتدائها، و لنا فيه نظر. نعم لو كان المال باقيا في يده فأذن له على الوجه الذي عرفت يجري عليه حكم الالتقاط من حين الاذن على الوجه الذي عرفت.

أما لو صرح بعدم الاذن له بعد التقاطه فالمتجه حينئذ دفعه إلى الحاكم بعد تعذر التعريف عليه و الحفظ بتصريح السيد بعدم الاذن، و الفرض تقدم حقه على حق غيره، و ليس التقاط العبد فاسدا حتى يكون المال في يده كما كان في الأرض، بل التقاطه صحيح و لكن تعذر عليه التعريف و الحفظ، فيكون كحر تعذر عليه ذلك و لو الاستنابة، فليس إلا الدفع إلى الحاكم.

نعم لو نهاه من أول الأمر عن الالتقاط أمكن فساد التقاطه على وجه لا يكون ليده احترام، فحينئذ يكون فيها كما هو على الأرض مع

ج 38، ص: 261

احتمال الإثم في الالتقاط، و وجوب الدفع إلى الحاكم، و ليس لأحد انتزاعه من يده.

و بذلك ظهر لك أن التقاط العبد يكون على وجوه: مع الاذن سابقا أو لاحقا، إذن استنابة أو رفع الحجر، و مع النهي، و لكن لم يحرروا موضع الخلاف مع أبي علي في أي حال، إلا أن الأمر سهل بعد وضوح الحال.

و سيأتي في لقطة المال ما له مزيد تحقيق لذلك إنشاء الله تعالى، كما أنه يأتي هناك بيان حكم المبعض.

أما المكاتب فالظاهر عدم وقع للخلاف فيه، ضرورة قابليته للائتمان و التملك و إن كان يأتي أيضا تحقيق ما لو عاد إلى الرق في الأثناء.

نعم لا فرق بين القن و المدبر و أم الولد فيما ذكرناه من الحكم، لكن في كشف الرموز جواز التقاط الأخيرين كالمكاتب بلا تردد، و هو كما ترى، و الله العالم.

و هل يشترط الإسلام؟ الأشبه بأصول المذهب و قواعده أنه لا يشترط وفاقا لجميع من تعرض له من الأصحاب، بل اعترف في المسالك بأنه لم ينقل فيه خلاف، و لعله لاندراجه في نصوص اللقطة لكونه أهلا لجميع ما تضمنته من التعريف و الإبقاء أمانة و التملك بالقيمة و غير ذلك.

و أولى منه بعدم الاشتراط العدالة للأصل و غيره، كما تقدم في اللقيط فضلا عن المقام، و ما تسمعه من اعتبار الائتمان على التعريف في لقطة الحرم محمول على ضرب من الندب.

نعم الظاهر عدم جوازه للمرتد عن فطرة، لعدم قابليته للتملك، و في جامع المقاصد «لو التقط بني على أنه لو حاز المباحات هل تنتقل إلى

ج 38، ص: 262

ورثته أم لا؟ فيجوز انتزاعها من يده لكل أحد، فمهما حكم به هناك يأتي مثله هنا».

قلت: قد تقدم في محله أولوية عدم قابليته لابتداء التملك من الاستدامة، و الله العالم.

[الثالث في الأحكام]
اشاره

الثالث في الأحكام و هي مسائل:

[المسألة الأولى إذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق على الضالة أنفق من نفسه]

الأولى:

إذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق على الضالة من بيت المال أو يأذن له في ذلك و كان هو قد اختار حفظها للمالك و لو لعدم مشتر بالقيمة مثلا أو غير ذلك أنفق من نفسه بلا خلاف أجده فيه، بل قال بعضهم. إنه طفحت به عباراتهم من دون تأمل و لا خلاف.

بل في جامع المقاصد «لا ريب فيه لوجوب الحفظ، و لا يتم إلا به، بل قيل أيضا: إنه طفحت عباراتهم بأن السلطان إذا وجد رفع أمره إليه، و أنفق عليه من بيت المال، و صرح به في المقنعة و النهاية و السرائر و النافع و التحرير و اللمعة و المهذب و المقتصر و المسالك و الروضة».

قلت: قد تقدم في اللقيط ما يعلم منه النظر في المقام الذي لم يذكروا فيه الاستعانة بالمسلمين مع فقد الحاكم المنفق التي ذكروها هناك.

كما أنه لم يذكروا فيهما استئذان عدول المؤمنين مع فقد الحاكم، بل

ج 38، ص: 263

لم يحرروا أن الواجب على الحاكم أو المسلمين التبرع بذلك أو الإنفاق و لو مع نية الرجوع.

و قد عرفت عدم الدليل على الأول، بل ظاهر الأدلة خلافه، و الثاني لا يقتضي وجوب رفع أمره إلى الحاكم بعد أن كان هو أمينا على الحفظ الذي لا يتم إلا بذلك كالودعي.

و لعل خلو نصوص (1)الرجوع بالنفقة في ملتقط الطفل عليه من الحاكم و غيره شاهد على ما ذكرناه، إذ الظاهر عدم الفرق بين نفقة الضالة و اللقيط بعد أن كان كل منهما نفسا محترمة و الملتقط مكلف بحفظهما معا.

و في

صحيح أبي ولاد(2)«جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفه، فقال (عليه السلام): لا، لأنك غاصب».

و مقتضاه رجوع غير الغاصب بما ينفق.

و على كل حال ففي المتن و غيره أنفق و رجع به بل هو المشهور، لكن مع نية الرجوع أو مع عدم قصد التبرع به، كما حققنا ذلك في اللقيط.

لكن عن الفخر هنا أنه متى أوجب الشارع النفقة أو أمره المالك أو الحاكم فشرط رجوعه عدم قصد التبرع، و يكفي فيه البناء على الأصل و إن لم توجد هذه الثلاثة و لا واحد منها و جازت النفقة شرعا و لم تكن من إذن المالك أو الحاكم فلا بد فيه من قصد نية الرجوع، و إلا فلا رجوع له.

و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا.


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من كتاب الإجارة- الحديث 1.

ج 38، ص: 264

و كيف كان فقد قيل و القائل ابن إدريس:

لا يرجع لأن عليه الحفظ، و هو لا يتم إلا بالإنفاق و لفظه المحكي عنه «الذي ينبغي

تحصيله في ذلك أنه إن كان انتفع بذلك قبل التعريف و الحول وجب عليه أجرة ذلك، و إن كان انتفع بلبنه وجب عليه رد مثله، و الذي أنفقه عليه يذهب ضياعا، لأنه بغير إذن من صاحبه، و الأصل براءة الذمة، و إذا كان بعد التعريف و الحول لا يجب عليه شي ء، لأنه ماله».

و لم أجد من وافقه على ذلك، بل فيه ما لا يخفى من محال النظر، خصوصا الحكم بكونه ماله بعد التعريف و الحول، مع أن المعلوم عدم دخوله في ملكه قهرا، بل إن شاء تملكه بقيمته فعل، فيأتي البحث حينئذ مع عدم الاختيار. بل و كذا قوله: «يذهب ضياعا» إلى آخره، ضرورة منافاته لقاعدة الضرر و الضرار و قاعدة الإحسان.

و من هنا كان الوجه الرجوع دفعا لتوجه الضرر بالالتقاط المقتضي للتقاعد عن الالتقاط المضر باللقطة و مالكها، و الوجوب مسلم لكنه مجانا ممنوع، بل لعل الإذن المستفادة من أمر المالك الحقيقي بالحفظ أولى منها في الوديعة و نحوها مما صرحوا بوجوب الرجوع مع نيته أو مع عدم نية التبرع.

كل ذلك مضافا إلى النصوص (1)المتقدمة في اللقيط التي منها يستفاد الحكم في المقام، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 265

[المسألة الثانية إذا كان للقطة نفع كاللبن كان ذلك بإزاء ما أنفق]

المسألة الثانية:

إذا كان للقطة نفع كالظهر و اللبن و الخدمة قال الشيخ في النهاية: كان ذلك بإزاء ما أنفق و لعله لخبر السكوني (1)المتقدم في كتاب الرهن في العين المرهونة

عن الصادق (عليه السلام) «إن الظهر يركب، و الدر يشرب، و على الذي يركب و يشرب النفقة إذا كان مرهونا».

و صحيح أبي ولاد(2)عنه (عليه السلام) أيضا «و إن كان الذي يعلفها فله أن يركبها».

و صحيح ابن محبوب (3)المتقدم سابقا في اللقيطة «و لكن استخدمها بما أنفقت عليها».

إلا أن الأول في المرهون الذي هو غير ما نحن فيه، و لا دلالة فيه على المعاوضة التي ذكرها الشيخ- كالصحيحين- على وجه

ترفع به اليد عن القواعد المعلومة المقررة المستفادة من العقل و الكتاب و السنة و الإجماع.

و من هنا قيل: ينظر في النفقة و قيمة المنفعة و يتقاصان فلا يظلم أحدهما الآخر.

و لا ريب في أنه هو أشبه بأصول المذهب و قواعده و لذلك كان هو خيرة جميع من تأخر عن المصنف.

نعم فيه أن المقاصة مشروطة بشروط ذكرناها مفصلة في كتاب القضاء، و لكن لم نر أحدا اعتبر شيئا منها هنا، بل في الروضة ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب الرهن- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من كتاب الرهن- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 4.

ج 38، ص: 266

النص و الفتوى جواز الانتفاع لأجل الإنفاق سواء قاص أم جعله عوضا، بل في الروضة نفي الخلاف عنه، و هو كذلك، و لعله لظاهر النصوص المزبورة، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لا تضمن الضالة بعد الحول]

المسألة الثالثة:

لا تضمن الضالة بعد الحول على وجه تكون ملكا له بقيمتها إلا مع قصد التملك بالقيمة و حينئذ ف لو قصد حفظها لا تملكها لم يضمن إلا مع التفريط أو التعدي بلا خلاف و لا إشكال، لأنها حينئذ أمانة و حكمها كذلك.

نعم لو قصد التملك بالقيمة ثم نوى الاحتفاظ لم يزل الضمان للأصل، فهي حينئذ باقية على ملكه و عليه قيمتها، للاقتصار على فسخ ذلك بمجي ء المالك و طلبه لها.

و لكن لو قصد الحفظ ثم نوى التملك لزم الضمان الذي هو بمعنى كون قيمتها في ذمته و صيرورة العين ملكا له، لإطلاق ما دل على جواز ذلك، و ليس اختياره إذا الحفظ أولا مقتضيا لعدم جواز التملك له، كما هو واضح.

هذا و في التذكرة «لو قصد الملك ضمن، فان نوى الحفظ بعد ذلك لم يبرأ من الضمان، لأنه قد تعلق الضمان بذمته، كما لو تعدى في الوديعة، و لو قصد الحفظ ثم نوى التملك لزمه الضمان من حين نية التملك».

و كأن ما في المسالك هنا مأخوذ منه، قال: «حيث جاز الالتقاط فالعين في يد الملتقط أمانة مع قصد التعريف، فلو قصد التملك بدونه

ج 38، ص: 267

ضمن لعدوانه، كما لو نواه بالوديعة، و كذلك لو نوى التملك بعد التعريف المعين، لانتقالها إلى ملكه حينئذ على وجه الضمان بناء عليه، و لا يزول الضمان مع التملك بنية عدمه، سواء كان قبل تمام التعريف أم بعده، أما الأول فلأن نية العدوان لا تزول إلا برده إلى مالكه، كما لو تعدى بالوديعة ثم نوى الحفظ، و أما الثاني فلأن ملكه لا يزول عن العين بذلك، فيستمر ضمان العوض».

قلت: بعد تسليم كونه نية التملك في غير محلها توجب الضمان، باعتبار كونها خيانة مقتضية لانقطاع الإذن الشرعية على نحو اقتضائها انقطاع الاذن المالكية في الوديعة، لا يتم فيما نحن فيه بناء على ما ذكرناه من عدم ضالة عندنا لا يجوز تملكها إلا بعد الحول حتى الكلاب الأربعة، فلا يتصور فيه حينئذ ضمان الخيانة، ضرورة أن له نية التملك في أثناء الحول و إن وجب عليه التعريف لغرامة القيمة لو كان قد أتلف العين، نعم يتصور ذلك فيما لا يجوز تملكه إلا بعد الحول، فلو قصده قبله كان خيانة على نحو الوديعة، و لعلهما بنيا ذلك على القول به أو في خصوص الكلاب عند القائل، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ و كان كالضالة الممتنعة]

المسألة الرابعة قال الشيخ في المحكي من مبسوطه إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ و كان كالضالة الممتنعة المحفوظة لصاحبها التي قد عرفت عدم جواز التقاطها، فمن فحوى دليلها يستفاد العدم، بل لعله أولى.

و من هنا لو كان صغيرا لا يمنع الآفات عن نفسه

ج 38، ص: 268

جاز أخذه كما يجوز أخذ الصغير الممتنع.

و في المتن هذا حسن، لأنه مال معرض للتلف لكن قد سلف له سابقا إطلاق جواز التقاط المملوك ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا.

و في المسالك «تفصيل الشيخ بالفرق بين الكبير و الصغير إنما يحسن إذا لم يخف على الكبير الذهاب على مالكه بالإباق، و إلا اتجه جواز أخذه إن لم نوجبه، لأنه و إن كان منحفظا بنفسه لكنه غير منحفظ على مالكه، فكان كالمال الضائع الذي يخاف تلفه في نفسه، و أما الصغير فان كان غير مستقل بدفع المؤذيات عن نفسه فلا إشكال في جواز التقاطه، بل وجوبه، و إن كان مميزا يقدر على الدفع عن نفسه فالأظهر إلحاقه بالكبير، و قد أطلق المصنف كالشيخ جواز أخذه من غير أن يتعرض لجواز تملكه و عدمه، و فيما سبق صرح بعدم تملكه، و قد تقدم البحث في ذلك».

قلت: قد ذكرنا الكلام في ذلك، لكن نقول هنا: إن العمدة في عدم جواز التقاط الكبير الفحوى المزبورة التي لها قد ألحقوا بالبعير غيره كما عرفته مفصلا، إلا أنه مع عدم تماميته في الكبير الذي لا يدفع الآفات عن نفسه لجنون أو خبل أو نحوهما كما أومأنا إليه سابقا قد يفرق بينهما بالاختيار الذي يخشى من سوئه إتلاف نفسه على سيده بخلاف البعير و نحوه.

نعم لو فرض كون العبد مثلا عاقلا عالما بتكليفه عاملا به مسارع في إيصال نفسه إلى سيده قد يشكل التقاطه، لما هو أولى من الفحوى المزبورة، أما إذا لم يكن كذلك فلا مانع من ملاحظة جهة المالية فيه، فيلتقط و إن كان لا يتملك كتمليك اللقطة، بل يجب حفظه و تعريفه أو إيصاله إلى الحاكم.

ج 38، ص: 269

لكن كل ذلك بعد تحقق وصف الضياع فيه على وجه يدخل في موضوع اللقطة. و ربما كان في الصحيح (1)المزبور شهادة على ما

ذكرناه، بل منه يمكن أن يخرج عن مقتضى الفحوى المزبورة حتى في العاقل المزبور، فلا حظ و تأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة الخامسة من وجد عبده في غير مصره لم يدفع إليه]

المسألة الخامسة:

من وجد عبده أو دابته مثلا في غير مصره في يد آخر ملتقط أو غيره فأحضر فيه من شهد على شهوده بصفته فان فرض إمكان انطباقها على وجه يقتضي التشخيص دفع إليه و إلا لم يدفع إليه، لاحتمال التساوي في الأوصاف و حينئذ يكلف إحضار الشهود إن أراد أخذه ليشهدوا بالعين كي يستحق انتزاعها.

و لو تعذر إحضارهم لم يجب على من في يده حمل العبد إلى بلدهم خصوصا إذا كان على ظاهر الملكية له و لا بيعه على من يحمله إليها، لعدم ثبوت حق عليه. و (11) لكن لو رأى الحاكم ذلك صلاحا (12) في مثل العبد الملتقط و نحوه إذا رجع أمره إليه جاز (13) حينئذ.

و في المسالك التعبير عن المعنى المزبور «و لا يجب حمل العبد إلى بلد الشهود على وصفه ليشهدوا على عينه، لأن الحق لم يثبت بعد على المتشبث، فلا يكلف نقل ماله بغير إذنه، و لا على بيعه على المدعي أو غيره ليحمله إلى الشهود، لتوقف البيع على رضا البائع إلا ما استثنى،


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب اللقطة- الحديث 4.

ج 38، ص: 270

إلا أن يرى الحاكم صلاحا في أحد الأمرين، و يرى جوازه كذلك، فله حينئذ أن يأمر به، و خالف في ذلك بعض الشافعية، فجوز للحاكم بيعه من المدعي، و يقبض الثمن و يضعه عند ثقة أو يكفله، فان حكم للمدعى به بطل ورد الثمن إليه، و إلا فالبيع صحيح».

قلت: لا سبيل للحاكم في التكليف فيهما مع فرض كون العبد على ظاهر ملكية المتشبث، و ما حكاه عن بعض الشافعية إن كان المراد منه فعل الحاكم ذلك قهرا على المالك فهو من الغرائب، و أغرب منه لو كان مراده ذلك في صورة الصلاح، ضرورة اعتبار مراعاة القوانين الشرعية في ما للحاكم فعله.

و كيف كان ف لو تلف قبل الوصول أو بعده و لم تثبت دعواه ضمن المدعي قيمة العبد و أجرته إذا كان قد قبضه على وجه يكون مضمونا عليه كذلك، و إلا فلا وجه للضمان، كما هو مقتضى إطلاق المصنف بل و المسالك.

قال: «و حيث يرى الحاكم صلاحا في حمله فهو مضمون على المدعي، فان تلف قبل الوصول أو بين يدي الحاكم و لم تثبت دعواه لزمه القيمة و الأجرة، و حينئذ فللمتشبث الامتناع إلا بكفيل على العين أو القيمة و الأجرة».

قلت: و فيه أيضا أن الامتناع المزبور مشروط بما إذا لم يكن من رأي الحاكم عدم ذلك، اللهم إلا أن يقال: إن وجه الضمان بعد إرادة الحمل بيد المدعي

عموم «على اليد»(1)

نحو ضمان المقبوض بالسوم، فتأمل جيدا.

و على كل حال فالذي تقتضيه القواعد العامة ما ذكرناه، دون


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 38، ص: 271

ما قيل من احتمال جواز الحكم بالصفات و إن لم يشخص، لدعاء الضرورة إلى ذلك، أو احتمال ذكر القيمة دون الصفات؛ أو احتمال سماع البينة و لا يحكم عاجلا، بل ينتظر اتفاق اجتماع الشهود على عينه، و فائدته نفوذ الحكم معجلا موقوفا تمامه على شهادة الشهود بالعين، بخلاف الأول الذي يتوقف الحكم على شهود العين.

و تظهر الفائدة فيما لو تعذر الحكم بموت أو غيره قبل وقوف شهود العين عليه، فإنه لا يقدح في الحكم على الأخير، و لا أثر له على الأول.

إلا أن الجميع كما ترى لا يستأهل ردا، كما هو واضح، و الله العالم.

[القسم الثالث في اللقطة]

اشاره

القسم الثالث في اللقطة بالمعنى الأخص التي هي قسم منها بالمعنى الأعم و هو يعتمد على بيان أمور ثلاثة:

[الأول اللقطة كل مال ضائع أخذ و لا يد عليه]
اشاره

الأول اللقطة لغة و عرفا كل مال غير الحيوان الذي هو القسم الثاني ضائع أخذ و لا يد عليه و لو يد ملتقط سابق، فإنه و إن صدق عليه أنه مال ضائع إلا أنه سبقت عليه يد الالتقاط.

ج 38، ص: 272

و بذلك يظهر لك وجه الحاجة إلى القيد الثاني الذي هو لا يغني عن الأول، ضرورة صدقه بدونه على مجهول المالك الذي لا يد عليه، و لكنه غير ضائع من مالكه.

و حينئذ فالفرق بين موضوعي مجهول المالك و اللقطة هو اعتبار صدق اسم الضياع من المالك في الثاني دون الأول؛ بل الأصل عدم ترتب أحكام اللقطة مع عدم تحقق اسم الضياع.

و لذا قال في جامع المقاصد: لا بد منه فيها، فليس منها حينئذ ما يؤخذ من يد السارق و الغاصب و نحوهما، لعدم صدق اسم الضياع من المالك، كما ستسمع تحقيق الحال فيه عند تعرض المصنف له.

نعم الظاهر كفاية شاهد الحال فيها، فمتى لم يكن لم يحكم بأنه لقطة، و لعله لذا أمر بالصدقة بمثله في

موثق إسحاق بن عمار(1)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحو سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: فاسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها، قلت: فان لم يعرفوها، قال: يتصدق بها».

و أما دعوى أصالة الحكم باللقطة في كل مال لا يد عليه و إن لم يعلم تحقق وصف الضياع فيه و لو بشاهد الحال فلا أجد لها شاهدا، بل لعل ظاهر الأدلة خلافها، ضرورة كون العنوان فيها اللقطة و هي عرفا و لغة المال الضائع لا مطلق ما لا يد عليه من المال و إن لم يعلم كونه ضائعا.

بل الظاهر عدم جواز أخذ المال المزبور مع عدم مظنة تلفه، لأصالة حرمة الاستيلاء على مال الغير بعد عدم اندراجه في عنوان المأذون شرعا في تناوله، فإذا قبضه كان له ضامنا.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 38، ص: 273

و كذا لا يدخل فيها كل مال وقع في اليد لشخص مثلا ثم ضاع مالكه على وجه لا يعرفه، و لعل من ذلك ما في

خبر العبيدي عن يونس (1)«سألت عبدا صالحا (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك كنا مرافقين لقوم بمكة و ارتحلنا عنهم، و حملنا بعض متاعهم بغير علم، و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم، و قد بقي المتاع عندنا فما نصنع به؟ قال: فقال: تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة، قال يونس: فقلت له: لست أعرفهم و لا ندري كيف نسأل عنهم؟ قال: فقال: بعه و اعط ثمنه أصحابك، قال: فقلت: جعلت فداك أهل الولاية، قال:

نعم».

إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة حكم ما لا يدخل تحت اسم اللقطة من المفقود و المجهول الذين يلحق بهما ما يتعذر

وصوله إلى مالكه، و قد عقد لبعضها في الوافي بابا متصلا بباب اللقطة عنوانه «باب المال المفقود صاحبه».

و البحث هنا في ما كان مندرجا تحت اسم اللقطة التي قد عرفتها لغة و عرفا، و أنه مما يعتبر فيها الالتقاط و الأخذ، فلو رآها و أخبر غيره بها فالتقطها كان حكمها على الآخذ دون من رأى و إن تسبب منه، ضرورة صدقه عليه كالاحتطاب و الاصطياد دونه بلا خلاف و لا إشكال، بل لو قال له: ناولنيها فنوى المأمور الأخذ لنفسه كان هو الملتقط دونه أيضا.

بل قد يشكل جريان الحكم على الآمر لو لم ينو و ناولها إياه بناء على عدم ثبوت مشروعية التوكيل في نحو ذلك، فيجري الحكم حينئذ على


1- 1 ذكر قريبا منه في الوسائل- الباب- 7- من كتاب اللقطة- الحديث 2 بإسناده عن الشيخ قده و رواه الكليني قده بعينه في الكافي ج 5 ص 309.

ج 38، ص: 274

الآخذ دون الآمر و إن نوى أنه له.

و لعله لذا قال في القواعد: «و لو قال: ناولنيها فان نوى الآخذ لنفسه فهي له، و إلا فللآمر على إشكال» إذ ليس هو إلا من حيث صدق الالتقاط على الآخذ و إن نواه لغيره، فان ذلك لا يخرجه عن كونه آخذا و ملتقطا، إلا إذا ثبت مشروعية التوكيل فيه كي يكون فعله فعله شرعا، فيكون الآخذ هو الآمر مع نية أنه له، و قد سلف لنا في كتاب الوكالة(1)ما يعلم منه تحقيق الحال.

كما أنه قد ذكرنا في كتاب إحياء الموات (2)أن حيازة المباحات توجب الملك بمجرد تحقق مسماها و إن لم يقصده، بل و إن قصد عدمه.

و لا يرد عدم تملك الصائد الدرة في جوف السمكة مع الجهل بها في النصوص الكثيرة(3)لإمكان منع صدق الحيازة فيه، لأن المحوز السمكة دون ما في بطنها الذي استيلاؤه عليه شبه استيلاء النائم و نحوه على الشي ء فإذا الحيازة لا بد من قصدها، و هي غير قصد التملك.

نعم في جامع المقاصد «لا بد من أن لا يقصد الآخذ عدم التملك، فلو حول شجرا أو حجرا مباحا في الطريق من جانب إلى آخر قاصدا بذلك تخلية الطريق و نحو ذلك فدخوله في ملكه بمجرد هذا مستبعد جدا و مثله ما لو نحى المال الضائع من جانب إلى آخر، فإنه ينبغي أن لا يكون ملتقطا و إن ضمن مال الغير، لإثبات اليد عليه على إشكال في هذا».

قلت: بل ينبغي القطع بعدمه، للصدق لغة و شرعا و عرفا، بل


1- 1 راجع ج 27 ص 380- 381.
2- 2 راجع ص 65- 76.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 275

لعل

قوله (عليه السلام)(1): «لا تمسها»

مشعر بذلك أيضا، بل هو كذلك حتى لو وافقناه على ما ذكره في تحويل الشجر و الحجر و إن كان التحقيق خلافه.

نعم لو رأى شيئا مطروحا على الأرض فدفعه برجله ليتعرفه لم يكن ملتقطا على الظاهر بل و لا ضامنا، لعدم صدق «على اليد» فيه، لا أقل من الشك، و الأصل البراءة.

و ما في بعض النصوص (2)من النهي عن المس باليد و الرجل محمول على إرادة بيان شدة النهي عنها، لا أنه بالمس بالرجل يكون ملتقطا، نعم لو تحقق الأخذ بذلك تعلق به حكم الالتقاط، و لا يسقط عنه بطرحه.

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة(3): «كان الناس في الزمن الأول إذا وجدوا شيئا فأخذوه احتبس، فلم يستطع أن يخطو حتى يرمي به، فيجي ء صاحبه من بعده

فيأخذه، و الناس قد اجترؤوا على ما هو أكبر من ذلك، و سيعود كما كان»

محمول على إرادة رميه و انتظاره حتى يجي ء صاحبه أو على نحو ذلك مما لا ينافي ما ذكرنا.

هذا و قد يشك أيضا في جريان حكم اللقطة على ما يوجد من الثياب المشتبهة و النعال كذلك في حمام أو مسجد أو غيرهما إذا لم يكن قرينة على الضياع فضلا عما لو كانت بعكسه، كأخذ الجيد و ترك الردي.

لكن في القواعد «و لو وجد عوض ثيابه أو مداسه لم يكن له أخذه، فإن أخذه عرفه سنة إن شاء، إلا أن يعلم بشاهد الحال أنه تركه عوضا فيجوز أخذه من دون تعريف». و نحوه في التحرير و إن ذكر الأخير احتمالا.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و فيه« لا تمسوها».
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 6.

ج 38، ص: 276

و في الدروس «و لو وجد عوض ثيابه أو مداسه فليس له أخذه إلا مع القرينة الدالة على أن صاحبه هو آخذ ثيابه بكونها أدون و انحصار المشتبهين، و مع عدم القرينة فهي لقطة».

و الأصل في ذلك كله ما في التذكرة «لو أخذت ثيابه في الحمام و وجد بدلها أو أخذ مداسه و ترك بدله لم يملكه بذلك، و لا بأس باستعماله إن علم أن صاحبه تركه عوضا، و يعرفه سنة، أي إذا لم يعلم أن صاحبه تركه عوضا- إلى أن قال-: إلا أن يعلم أن السارق قصد المعاوضة بأن يكون الذي تركه أردأ من الذي سرقه، و كان لا يشتبه على الآخذ بالذي له، فلا يحتاج إلى التعريف، لأن مالكها تركها قصدا و التعريف إنما جعل للضائع عن صاحبه ليعلم به و يأخذه، و تارك هذا عالم به و راض ببدله عوضا عما أخذه، فصار كالمبيح له أخذه بلسانه، و هو أحد وجهي الحنابلة، و لهم آخران: أحدهما الصدقة، و الثاني الدفع إلى الحاكم ليبيعها و يدفع ثمنها إليه عوضا عن ماله، و ما قلنا أولى، لأنه أوفق بالناس، لأن فيه نفعا لمن سرقت ثيابه، لحصول عوضها له، و للسارق بالتخفيف عنه من الإثم و حفظ هذه الثياب المتروكة من الضياع، و قد أبيح لمن له على انسان حق من دين أو غصب أو غير ذلك أن يأخذ من مال من عليه الحق بقدر ما عليه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك».

بل في جامع المقاصد القطع بذلك، قال في شرح المستثنى منه من عبارة القواعد: «لو كان في الحمام أو المسجد أو نحوهما فلم يجد ثيابه أو مداسه أو فراشه و لكن وجد مثل المفقود لم يكن له تملكه عوضا عما ذهب له، لأنه مال الغير، فلا يحل من دون طيب نفسه، و قول المصنف (رحمه الله): و لو وجد عوض ثيابه إلى آخره لا يريد به على قصد العوض، أما أخذه لقطة فجائز قطعا، فإن أخذه لم يكن إلا لقطة،

ج 38، ص: 277

فيجب تعريفه سنة إن كان درهما فصاعدا، فإذا عرفه تملكه إن شاء، فان جاء المالك قاصه بماله و ترادا الفضل إن أوجبنا العوض و رضي الملتقط بجعل ماله عوضا، و إلا ترادا و كان للملتقط المطالبة بالأجرة و النقص دون الآخر».

ثم قال في شرح المستثنى بعد أن حكي عن التذكرة ما يناسبه:

«و لقائل أن يقول: إن تم ما ذكره من الدلالة على المعاوضة لم يكن للمأخوذ ما له التصرف في هذه الحالة إلا إذا رضي بتلك المعاوضة، و من الممكن أن لا يرضى، لأن الفرض أن ماله أجود، فكيف يستقيم إطلاق جواز التصرف على ذلك التقدير، ثم إنه لا يجوز أن يتصرف بها مطلقا، سواء شهد الحال بأخذ الآخذ على قصد المعاوضة أو غلطا، لأن الآخذ غاصب، فيجوز للمأخوذ ماله التصرف في مقداره للحيلولة، فإن أمكنه إثبات ذلك عند الحاكم رفع الأمر إليه ليأذن له في الأخذ على الوجه المذكور، و إلا استقل به على وجه المقاصة».

ثم اعترض على ما ذكره أخيرا من كونه أرفق بالناس بأن «ما ذكرناه أنفع و أرفق، لأنه شامل لجميع صور الأخذ كما لا يخفى.

ثم إن الأخذ على جهة المقاصة لا يتوقف على رضا من عليه الحق، فلا يشترط شهادة الحال بقصد المعاوضة كما ذكره، و ما استشهد به من أخذ من له على انسان دين أو حق إنما ينطبق على ما ذكرناه، نعم إن جوز أن يكون الآخذ غير صاحب المتروك فالمتروك لقطة قطعا، إلا أن مقتضى كلامه التعويل على القرينة الدالة على أن الآخذ هو المتروك ماله، و ما أحسن عبارة الدروس بالنسبة إلى هذا» ثم حكاها كما سمعتها.

قلت: لا يخفى عليك (أولا) ما في الحكم باللقطة مع عدم القرينة على تعمد الترك، ضرورة عدم تحقق الضياع مع فرض احتمال ذلك احتمالا مساويا.

ج 38، ص: 278

و (ثانيا) ما في الحكم بالمقاصة معها إذا لم يحصل منها العلم باشتغال ذمته، بل قد يقال باعتبار تحقق ذلك حال المقاصة، أما مع احتمال عدم العدوان و دفع ما في يده إلى الحاكم الذي هو الولي المقتضي للبراءة عندهم فلا يخلو من إشكال، خصوصا مع النظر إلى مخالفتها للقواعد المقتضي للاقتصار فيها على المتيقن، فتأمل جيدا.

و (ثالثا) ما في أخذ قيمة الحيلولة مع احتمال الغلط بناء على مخالفتها للأصول، و المتيقن منها في صورة العدوان، كالغصب و السرقة، و لعله لذا فرضها في ذلك في التذكرة.

و (رابعا) ما في دعوى كونه معاوضة مع التراضي، اللهم إلا أن يكون من الإباحة بالعوض، إلى غير ذلك مما يظهر لك بالتأمل فيما ذكرنا، و الله العالم.

و كيف كان فما كان قيمته دون الدرهم (درهم خ ل) من اللقطة في غير الحرم جاز أخذه و الانتفاع به على وجه الملك بغير تعريف بلا خلاف أجده فيه.

بل في التذكرة «لا يجب تعريفه، و يجوز تملكه في الحال عند علمائنا أجمع» بل في موضع آخر منها «لا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة أخذ القليل و الانتفاع به من غير تعريف».

و في الغنية الإجماع على جواز التصرف فيه من غير تعريف.

و في محكي الخلاف إجماع الفرقة على أنه لا يجب تعريفه، و في كشف الرموز نفي الخلاف عن ذلك إلى غير ذلك مما يراد من التعبير بالانتفاع به و حل التصرف و نحوهما التملك.

لكن في القواعد «لو تملك ما دون ثم وجد صاحبه فالأقرب وجوب دفعه إليه، لأصالة بقاء ملكية صاحبه عليه، و تجويز التصرف

ج 38، ص: 279

للملتقط لا ينافي وجوب رده».

إلا أنه قد حمل كلامه على إرادة حدوث الفسخ جمعا بين قوله:

«تملك» و قوله أخيرا ما سمعت، و حينئذ فالاستدلال بالأصل في غير محله.

و في مرسل الفقيه (1)

قال الصادق (عليه السلام): «أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها و لا يتعرض لها، فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه، و إن كانت اللقطة دون الدرهم فهي لك لا تعرفها، فان وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفها، فان وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله، فان جاء صاحبه فرد عليه القيمة، و إن وجدت لقطة في دار و كانت عامرة فهي لأهلها، و إن كانت خرابا فهي لمن وجدها».

و في

مرسل محمد بن أبي حمزة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن اللقطة، قال: تعرف سنة قليلا أو كثيرا، قال: فما كان دون الدرهم فلا يعرف».

مضافا إلى ما عساه يفهم من فحوى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(3): «لا بأس بلقطة العصا و الشظاظ و الوتد و الحبل و العقال و أشباهه، قال: و قال أبو جعفر (عليه السلام): ليس لهذا طالب».

إنما الكلام في تملكه بمجرد الالتقاط كما هو مقتضى قوله (صلى الله عليه و آله): «هي لك» بل و جملة من الفتاوى، بل هو المناسب


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 280

لما قلناه في حيازة المباح، بناء على أن ذلك مثله في التملك بحصول الالتقاط كالحيازة، أو هو متوقف على قصد التملك، أو على عدم قصد العدم وجوه.

و في موضع من القواعد «الأقرب وجوب دفع العين مع وجود صاحبها، و يحتمل القيمة مطلقا كالكثير إذا ملكه بعد التعريف، و

القيمة إن نوى التملك و إلا فالعين، و هو أقرب».

و هو صريح في اعتبار نية التملك، و لعله الأقوى، لأصالة عدم الملك بدونه بعد عدم الجابر للمرسل المزبور، إذ المتيقن من الإجماع ما سمعته من التذكرة من أن له تملكه في الحال، مضافا إلى ظهور الأدلة في عدم الفرق بين القليل و الكثير إلا بالتعريف، و من المعلوم اعتبار النية في الثاني.

و احتمال الفرق بينه و بين الكثير- باحتياجه إلى التعريف المقتضي لإحداث سبب للملك بعده، لامتناع انتقال ملك الغير إلى آخر بدونه، بخلافه فإنه لا حاجة فيه إلى التعريف- واضح الفساد، ضرورة كون المتبع الدليل فيهما، و الأصل عدم الملك حتى يثبت.

و من هنا يتجه القول بتوقفه على ضمان القيمة مع نية التملك، كما في الكثير، و لعله لذلك كان خيرة الفاضل في جملة من كتبه و ولده و المقداد الضمان عند مجي ء المالك، لأن تملكه على حسب تملك الكثير بالقيمة.

بل في الإيضاح و التنقيح و ل

قوله (عليه السلام)(1): «من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه رده إليه»

بعد الإجماع على عدم وجوب رد العين، فليس إلا القيمة، كما أنه ليس المراد إلا دون الدرهم، لأن غيره يحتاج إلى التعريف سنة مع النية


1- 1 الوسائل الباب- 4- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 281

و هو تراخى، و إن كان لا يخلو من نظر.

خلافا لظاهر المتن و الإرشاد و التبصرة و المحكي عن الشيخين و سلار و ابن حمزة فلا يضمن، بل في النهاية و الغنية التصريح بذلك، بل في المختلف أنه المشهور، بل في الغنية الإجماع عليه، للأصل و ظاهر

قوله (عليه السلام): «لك» في المرسل (1)

المنجبر بالشهرة المزبورة و الإجماع المحكي.

و لا ريب أن الأول أحوط و أولى، بل يتجه عليه وجوب رد العين لو جاء الطالب كالكثير، و إجماع الفخر و التنقيح لم نتحققه، بل لعل المتحقق خلافه، لإطلاق الخبر المزبور.

هذا و في الرياض بعد أن نفى الخلاف عن جواز التقاطه و الانتفاع به و حكى الإجماع على ذلك عن التنقيح و أرسله عن التذكرة قال: «و هل يجب ضمانه مع ظهور المالك؟ قولان: أحوطهما ذلك، وفاقا للقواعد و التنقيح و غيرهما، للأصل و عدم صراحة النصوص في التملك بناء على عدم صراحة اللام فيه، مع أن بعضها الذي هو المعتبر سندا- دون ما تضمن اللام، لإرساله مع عدم جابر له فيه- لم يتضمن عدا نفي وجوب التعريف في هذا المقدار، و هو لا يستلزم التملك، لاجتماعه مع جواز التصرف فيه» إلى آخره، و ظاهره عدم التملك و أن المراد من ضمانه رد عينه.

و لا يخفى عليك ما فيه من عدم تحرير المسألة التي قد عرفت أن حاصلها يقع في أمرين: أحدهما في وجوب رد العين مع وجودها و طلبه، و ثانيهما في ضمان المثل و القيمة مع التلف و الحق فيهما معا ذلك إن لم يثبت إجماع الغنية المعتضد بالشهرة المحكية، و كأن الذي أوقعه في ذلك عبارة التنقيح و نحوها، فإنها غير منقحة.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.

ج 38، ص: 282

هذا و ظاهر المحكي عن ابن إدريس التفصيل، فأوجب رد العين مع وجودها، و نفى الضمان عنه مع تلفها، فلا تناقض في كلامه إلا مع ثبوت استلزام وجوب الرد الضمان مع التلف و بالعكس، و له منعه و إن كان التحقيق خلافه بعد أن استظهرنا كونه كالكثير الذي حكمه ذلك.

و أما الدرهم فالأقوى كونه كالزائد في وجوب التعريف، وفاقا لظاهر الصدوق و المفيد و النهاية و الحلي، بل صريح الخلاف و ابن زهرة و الفاضل و الشهيدين و أبي العباس و المقداد و غيرهم. بل في محكي الخلاف إجماع الفرقة و أخبارهم، بل هو من معقد عموم إجماع الغنية أيضا، لإطلاق ما دل عليه، و خصوص مفهوم الخبرين (1)السابقين و

الصحيح (2)«عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة، قال (عليه السلام): يعرفه سنة».

خلافا للمحكي عن سلار و ابن حمزة و التقي، فجعلوه كدون الدرهم، و لم نقف لهم على دليل و إن قال في النافع: «فيه روايتان» إلا أنا لم نتحقق الرواية الدالة على عدم تعريفه، و يمكن تنزيله على إرادة روايتين دالتين على التعريف و إن كان هو كما ترى.

و الظاهر أن المدار على حال الالتقاط، فلو كان دون الدرهم حينه ثم بلغ قيمته

أزيد بعد ذلك أو بالعكس لم يتغير الحكم، لأنه المنساق من الأدلة.

هذا كله في غير الحرم، أما فيه فظاهر إطلاق جماعة الحرمة، بل في الروضة نسبة الإطلاق المزبور إلى الأكثر، بل في غيرها مستفيضا حد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9 و الباب- 4- منه الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 283

الاستفاضة نسبته إلى الشهرة.

بل مقتضاه عدم الفرق بين نية التملك و عدمها، و نية الإنشاد و عدمها، لكن في اللمعة حرمة الالتقاط بنية التملك قليلا أو كثيرا، و جوازه بنية الإنشاد، بل قيل: إنه خيرة الخلاف.

بل عنه و عن المبسوط إجماع الفرقة و أخبارهم على عدم الجواز بنية التملك، و نفي الخلاف- بل قيل: أي بين المسلمين- عن الجواز، للتعريف و الحفظ لصاحبها.

و ظاهر الغنية عدم الفرق بين لقطة الحرم و غيره إلا بعدم جواز التملك في الأول و عدم لزوم ضمانها إذا تصدق بها، بل لعل ذلك من معقد إجماعه، بل لعله الظاهر من المقنعة، بل قيل: و نحوه في المراسم إلا أن ظاهره كما هو المحكي عن القاضي الانتفاع بما دون الدرهم من دون تعريف.

بل ظاهر المتن عدم الخلاف فيه، لأنه جعل مورد الخلاف غيره، قال بعد ما سمعت و ما كان أزيد من ذلك فان وجد في الحرم قيل و القائل من عرفت يحرم أخذه، و قيل: يكره، و هو أشبه بل ظاهره عدم الكراهة فيه، كما هو المحكي عن موضع من المبسوط و الخلاف، بل و عن ظاهر لقطة السرائر، بل هو ظاهر لقطة النافع و كشف الرموز، بل هو صريح الدروس و كذا الروضة، بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة و اخبارهم.

و أما القائل بكراهة الأزيد فهو الصدوق و والده و أبو علي و التقي و المفيد و الشيخ و بنوا حمزة و زهرة و إدريس و الآبي و الفاضل في بعض كتبه و الشهيدان و الخراساني و الكاشاني على ما حكي عن بعضهم، بل عن السرائر هو الحق اليقين، بل قد سمعت ما عن الخلاف و المبسوط و الغنية، إلى

ج 38، ص: 284

غير ذلك من كلماتهم المختلفة حتى من المصنف الواحد في الكتاب الواحد في الحج بشي ء و في اللقطة بآخر.

و محصل الجميع الحرمة مطلقا من غير فرق بين الدرهم و أقل منه و أزيد.، و بنية الإنشاد و عدمها، و بنية التملك و عدمها، و الكراهة كذلك، و التفصيل بين الأقل من الدرهم و غيره، فيجوز الأول بلا كراهة و الثاني معها أو مع الحرمة، و بين نية التملك، فلا يجوز مطلقا، و بنية الإنشاد فيجوز كذلك، و بين الفاسق و العدل، فيحرم على الأول و يحل الثاني.

و أما التملك ففي المختلف «لا يجوز تملك لقطة الحرم إجماعا، بل يجب تعريفها» و في التذكرة «لا يجوز تملكها عند أحد من علمائنا أجمع» لكن عن التقي القول بجواز تملكها بعد التعريف، و ربما مال إليه بعض من تأخر عنه.

و التحقيق الجواز في الأقل من الدرهم و لو بنية التملك و إن كان لا يخلو من كراهة في الجملة، لإطلاق ما دل على جوازه مما عرفت الذي لا يعارضه إلا إطلاق ما سمعته من النهي (1)المحمول على الكراهة، بل حتى لو قيل على الحرمة، ضرورة كون التعارض من وجه، و لا ريب في ترجيح الأول و لو لما سمعته من إجماع الخلاف المؤيد بما سمعته من ابن إدريس و إشعار المتن و غيره، بل قد يدعى انصراف الإطلاق المزبور إلى غيره.

و أما الأزيد فلا إشكال في الحرمة مع نية التملك قبل التعريف أو بعده بناء على عدمه فيها مطلقا، فالالتقاط معها حينئذ خيانة محرمة نحو الالتقاط معه قبله في غير الحرم.

أما لا معه فالظاهر شدة الكراهة، و خصوصا إذا كان فاسقا لا يثق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 285

من نفسه بتعريفها، لما سمعته من نفي الخلاف في محكي المبسوط و الخلاف عن الجواز بنية الإنشاد و إجماع الغنية، و قوله في السرائر أنه الحق اليقين، و عن التذكرة نفي الخلاف عن جوازها للمنشد لأنه أمانة.

بل لعله على ذلك تجتمع النصوص من الطرفين، ففي

النبوي (1)«لا تحل لقطتها- أي مكة زادها الله شرفا- إلا لمنشد»

أي معرف،

و في آخر(2)«لا يحل ساقطها إلا لمنشد».

و في حسن الفضيل بن يسار(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجد اللقطة في الحرم، قال: لا يمسها، و أما أنت فلا بأس لأنك تعرفها».

و خبره الآخر(4)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن لقطة الحرم، فقال: لا تمس

أبدا حتى يجي ء صاحبها فيأخذها، قلت: فان كان مالا كثيرا، قال: فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها».

و إليهما نظر من اعتبر العدالة، و لكن لا دلالة فيهما على ذلك، كما ستعرفه إنشاء الله تعالى عند تعرض المصنف لذلك.

و خبر علي بن حمزة(5)عن العبد الصالح موسى بن جعفر (عليه السلام) «سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه قال: بئس ما صنع، ما كان ينبغي أن يأخذه، قلت: قد ابتلى بذلك، قال: يعرفه، قلت: فإنه قد عرفه فلم يجد له باغيا، قال: يرجع به إلى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين، فان جاء طالبه فهو له ضامن».


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 199.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 199.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 5 من كتاب الحج.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2 من كتاب الحج.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللقطة- الحديث 2 عن علي بن أبي حمزة.

ج 38، ص: 286

و مرسل إبراهيم بن أبي البلاد(1)قال الماضي أي العسكري (عليه السلام): «لقطة الحرم لا تمس بيد و لا برجل، و لو أن الناس تركوها لجاء صاحبها و أخذها»

الذي هو مع ضعفه قد ورد مثله في لقطة غير الحرم (2)المعلوم أن المراد به الكراهة.

و خبر يعقوب بن شعيب بن ميثم التمار(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اللقطة و نحن يومئذ بمنى، فقال: أما بأرضنا فلا تصلح، و أما عندكم فان صاحبها الذي يجدها يعرفها سنة في كل مجمع، ثم هي كسبيل ماله».

و خبر اليماني (4)قال أبو عبد الله (عليه السلام): «اللقطة لقطتان: لقطة الحرم تعرف فان وجدت صاحبها و إلا تصدق بها، و لقطة غيرها تعرف سنة، فان وجد صاحبها، و إلا فهي كسبيل مالك».

و خبر سعيد بن عمر الجعفي (5)قال: «خرجت إلى مكة و أنا من أشد الناس حالا، فشكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فلما خرجت من عنده وجدت على بابه سبعمائة دينارا، فرجعت إليه من فوري ذلك فأخبرته، فقال: يا سعيد اتق الله عز و جل، و عرفه في المشاهد، و كنت رجوت أن يرخص لي، فخرجت و أنا مغتم، فأتيت منى، فتنحيت عن الناس، ثم تقصيت حتى أتيت المأفوقة، فنزلت في بيت متنحيا عن الناس، ثم تقصيت حتى أتيت المأفوقة، فنزلت في بيت متنحيا عن الناس، ثم قلت: من يعرف الكيس؟ قال: فأول صوت صوته إذا رجل على رأسي يقول: أنا صاحب الكيس، قال: فقلت في نفسي:


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1. من كتاب الحج.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 4. من كتاب الحج.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 287

أنت فلا كنت، قلت: ما علامة الكيس؟ فأخبرني بعلامته فدفعته إليه، قال: فتنحى ناحية فعدها فإذا الدنانير على حالها، ثم عد منها سبعين دينارا، فقال: خذها حلالا خير لك من سبعمائة حراما فأخذتها، ثم دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته كيف تنحيت و كيف صنعت، فقال: أما أنك حيث شكوت إلى أمرنا بثلاثين دينارا، فيا جارية هاتيها، فأخذتها و أنا من أحسن الناس حالا»

بناء على أن ذلك قد كان في مكة.

و خبر الفضيل بن غزوان (1)قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له الطيار: إن حمزة ابني وجد دينارا في الطواف قد انسحق كتابته، قال: هو له».

و قد تقدم ما في

مرسل الفقيه(2): «إن وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك، لا تعرفها».

و خبر محمد بن رجاء الخياط(3)قال: «كتبت إلى الطيب (عليه السلام) إني كنت

في المسجد الحرام فرأيت دينارا فأهويت إليه لآخذه فإذا بآخر، ثم نحيت الحصى فإذا أنا بثالث فأخذتها و عرفتها و لم يعرفها أحد، فما ترى في ذلك؟ فكتب (عليه السلام): إني فهمت ما ذكرت من أمر الدنانير، فان كنت محتاجا فتصدق بثلثها، و إن كنت غنيا فتصدق بالكل».

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بالجواز من النظر فيها و ترك التعرض في جملة منها للنهي عن ذلك، و التعبير بلفظ


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 7- من كتاب الحج.

ج 38، ص: 288

«لا يصلح» و «لا ينبغي» و التعليل بالتعريف و التفصيل بأنه «لا يأخذها إلا مثلك» و اتحاد التعبير عنها مع التعبير عن لقطة غير الحرم المعلوم كون ذلك منه للكراهة، لعدم القائل بالحرمة أو ندرته، بل يمكن دعوى القطع بفساده أو الضرورة فضلا عن الإجماع و غير ذلك مما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسانهم و رموزهم الذي

ذكروا فيه أنه «لا يكون الفقيه فقيها حتى نلحن له في القول فيعرف ما نلحن له»(1)

فان سردها أجمع يشرف الفقيه المزبور على القطع بجواز الالتقاط، و لكنه مكروه أشد من الكراهة في غير الحرم، إلا إذا كان مأمونا فلا كراهة أو هي أخف.

و من الغريب ما في الرياض من إتعاب نفسه و شدة أطنابه في بيان تنقيح دلالتها على الحرمة بعد دعوى انجبار أسانيدها بالشهرة الظاهرة و المحكية و الاعتضاد بالأصل قال: «و لا ينبغي و إن أشعر بالكراهة إلا أن «بئس ما صنع» أظهر دلالة على الحرمة منه على الكراهة، على أن استعمالها في الحرمة أو الأعم شائع، لا أنها صريحة فيها، و دلالة «إن لا يأخذها إلا مثلك» غير نافعة للقائلين بالكراهة، لعدم تفصيلهم بين الفاسق و العدل، نعم ربما يوجد هذا التفصيل في كلام بعض القائلين بالحرمة، فتكون ضارة لهم لا نافعة، و نصوص النهي عن مطلق اللقطة تؤيد الحرمة التي هي الأصل في النهي، و الخروج عنه في لقطة غير الحرم للإجماع و غيره لا يقتضي الخروج عنه فيه، و لو سلم إرادة غير الحرم منه لندرة الحرم بالنسبة إلى غيره التي تمنع من حمل الإطلاق عليها فلا يقتضي الخروج عن

حقيقة النهي هنا، و خبر «لا يصلح» ظاهر في


1- 1 المستدرك- الباب- 15- من أبواب صفات القاضي- الحديث 5 من كتاب القضاء، مع اختلاف في اللفظ.

ج 38، ص: 289

أرض منى خاصة و لا قائل به، فليطرح أو يؤل بحمل «لا يصلح» على الحرمة، و يلحق مكة و ما في الحرم بمنى بعدم القائل بالفرق بين الطائفة، و لا محذور، و لا كذلك لو بقي على ظاهرها من الكراهة، إذ عدم القول بالفرق المزبور إنما يتم به الكراهة في لقطة جميعه، و لا يدفع محذور اختصاصها به، فان مقتضاه عدم الكراهة في لقطة غيره، و لا قائل به، و حمل «لا يصلح» على تأكد الكراهة و إن أمكن و يندفع به هذا المحذور إلا أنه مجاز كالحمل على الحرمة لا يمكن اختياره خاصة إلا بعد قرينة معينة هي في الرواية مفقودة، اللهم إلا أن يقال: إنه أقرب المجازين إلى أصل الكراهة الذي هو الحقيقة، لكنه معارض بظهور الروايات السابقة في الحرمة مع اشتهارها بين الطائفة، كما اعترف به هو و غيره و أخبارهم (عليهم السلام) يكشف بعضها عن بعض، فان لم يكن الحمل بهذا راجحا على الحمل الآخر فلا أقل من التساوي بينهما، و هو يوجب الإجمال المنافي للاستدلال».

إلا أن الجميع كما ترى، و لعل الذي دعاه إلى هذا التجشم تخيله الشهرة، و قد عرفت أنها غير محققة، بل عرفت دعوى الإجماع من الشيخ و غيره على عدم الحرمة على الوجه الذي ذكره.

و المناقشات المزبورة- مع أن فيها ما فيها بل الأخير منها واضح الفساد بعد ما عرفت من أن الخبر سأله و هو بمنى، لا أن اللقطة بخصوص منى- لا تنافي انسياق الجواز من مجموعها على وجه لا ترفعه المناقشات المزبورة، و الله العالم.

و كيف كان فبناء على جواز الالتقاط في الحرم لا يحل إلا مع نية الإنشاد لظاهر النبويين السابقين (1)المستفاد منهما أيضا


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 199.

ج 38، ص: 290

خصوصية الحرم بالنسبة إلى ذلك.

و لكن قد يقال: إن المراد عدم جواز التملك، و إلا فلا فرق بين الحرم و غيره في عدم جواز الالتقاط مع عدم نية التعريف، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير المقتصر في الخروج منها على المنساق المتيقن، و هو المجامع لنية الإنشاد.

اللهم إلا أن يقال: بإطلاق الإذن بالالتقاط و إطلاق وجوب التعريف من دون تقييد الأول بالثاني و إن وجب العزم عليه باعتبار كونه من أحكام الإيمان، فيفرق حينئذ بين لقطة الحرم و غيره بذلك، و لذا اقتصر المصنف عليه فيه دون غيره.

و لكن فيه أنه يمكن التزام ذلك فيهما معا بعد ما عرفت من كون المراد بالنبويين عدم التملك لا ما نحن فيه، خصوصا بعد إشعار خبر الكيس بذلك في الجملة.

و على كل حال فلا خلاف في أنه يجب تعريفها حولا (كاملا خ) بل في الغنية الإجماع عليه، بل قيل: لعله الظاهر من الخلاف أيضا، مضافا إلى ما سمعته من النصوص و إلى ما جاء في التعريف في مطلق اللقطة، بل لعل في التعريف إشعارا بجواز الالتقاط و إلا لم يقيد بالسنة، و ليس هو تعريف اللقطة، لما عرفته من كون المحرمة من قسم العدوان، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك للنصوص المزبورة، و فيه أن حملها على الجواز مع التعريف أولى من حملها على الحرمة معه، كما هو واضح.

و على كل حال فان جاء صاحبها دفعها إليه و إلا تصدق بها أو استبقاها أمانة، و ليس له تملكها بلا خلاف أجده في الأخير إلا ما سمعته من المحكي عن التقي الذي قد تقدم الإجماع من الفاضل على خلافه.

ج 38، ص: 291

مضافا إلى الأصل المعتضد بخلو كثير من النصوص المزبورة، بل ظاهر بعضها(1)أو صريحه ذلك و أنه الفارق بين الحرم و غيره.

و مكاتبة ابن رجاء(2)يمكن حملها على أن ذلك إذن منه بعد العلم باليأس عن معرفة المالك.

و كذا خبر الفضيل بن غزوان (3)و مرسل الفقيه (4)اللذين لم نجد بهما عاملا على غير الوجه المزبور إلا ما حكي عن نادر.

و إطلاق ما دل على التملك في مطلق اللقطة مع أن المنساق منه في غير الحرم مقيد بما عرفت.

و أما التخيير المزبور فقد صرح به الشيخ و ابنا زهرة و إدريس و الفاضلان و الشهيدان و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك أنه المشهور، بل في الغنية الإجماع عليه، لكن لم أجده في شي ء مما وصل إلى من النصوص.

نعم في الخبرين (5)السابقين الأمر بالتصدق الظاهر في التعيين كالمحكي عن

اقتصار المقنع و المقنعة و النهاية و المراسم، اللهم إلا أن يقال بقرينة الإجماع المزبور يحمل الأمر على الوجوب التخييري، خصوصا مع ملاحظة ما سمعته في الشاة.

و لعل التخيير المزبور المحكي عن بعض القائلين بالحرمة أيضا ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 7 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللقطة- الحديث 2 و الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 4 من كتاب الحج.

ج 38، ص: 292

أو صريح في جواز الالتقاط، ضرورة المنافاة بين حرمته و إبقائها أمانة التي اعترف غير واحد بالتعبير بها من القائلين بالكراهة و التحريم، و الله العالم.

و لو تصدق بعد الحول فكره المالك فيه قولان، أرجحهما عند المصنف أنه لا يضمن للأصل، و لأنها في يده أمانة و قد دفعها دفعا مشروعا فلا يتعقبه ضمان، وفاقا للشيخين في المقنعة و النهاية و ابني حمزة و زهرة و سلار و الآبي و الفاضل و أبي العباس و غيرهم على ما حكي عن بعضهم بل في النافع أنه الأشهر، بل في الغنية و محكي الخلاف الإجماع عليه و إن كنا لم نتحقق الثاني منهما.

لكن في الكفاية أن الأشهر الضمان، بل في المسالك أنه المشهور، بل في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل في محكي السرائر أنه الحق اليقين، و لعله لخبر ابن حمزة(1)المنجبر بما عرفت، و

عموم «على اليد»(2)

و أولويته منه في لقطة غير الحرم، بل ينبغي القطع به بناء على الحرمة في صورة العمد، ضرورة كون يده حينئذ عادية، و يتم بعدم القول بالفصل في غير صورة العمد.

و من ذلك يعرف ما في إطلاق القائل بالتحريم أن العين أمانة، و احتمال إرادته حرمة نفس الالتقاط و إن صارت أمانة بعد ذلك كما صرح به الفخر كما ترى، إذ هو استيلاء على مال الغير بلا إذن شرعية و لا مالكية، و ليس العدوان إلا هذا، و لا ينافيه الأمر بالصدقة به مع الضمان و إن كان ذلك كله مؤيدا للقول بالكراهة، كما أومأنا إليه سابقا، و عدم تعقب المأمور به شرعا الضمان لو سلم كون الأصل كذلك يدفعه الخبر(3)المزبور


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللقطة- الحديث 2 و هو خبر ابن أبي حمزة.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللقطة- الحديث 2 و هو خبر ابن أبي حمزة.

ج 38، ص: 293

المنجبر بما عرفت، فيكون كلقطة غير الحرم.

و من الغريب ما في جامع المقاصد، فإنه بعد أن ذكر القولين و اختار الضمان منهما قال: «هذا إن أخذ المال على قصد الالتقاط- يعني التملك و الاكتساب- فإن أخذه على قصد الحفظ للمالك فالذي يحضرني أن المصنف في التذكرة قال: إن أخذها على هذا القصد جائز، و ادعى الإجماع، فعلى هذا يضمن أم لا؟ ينبغي الضمان» ضرورة ظهور بعض كلام الأصحاب أو جميعه في بناء الضمان و عدمه على قولي الحرمة و الكراهة.

قال في التحرير الذي هو غالبا محط نظره بعد أن ذكر القول بالحرمة و الكراهة: «و على التقديرين إن أخذه وجب عليه الأخذ بنية الإنشاد، و لا يجوز أخذه بنية التملك لا قبل الحول و لا بعده، فإن أخذه على هذا الوجه كان ضامنا، و إن أخذ بنية الإنشاد وجب عليه التعريف سنة، فان جاء صاحبه و إلا تخير بين احتفاظه دائما و بين الصدقة، فإن تصدق به ففي الضمان قولان، أقربهما يضمن» و بذلك كله بان لك أن الضمان أقوى.

نعم لو اختار حفظها فتلفت بلا تعد و لا تفريط اتجه عدم الضمان على المختار، لكونها حينئذ أمانة كغيرها، بل صرح غير واحد من القائلين بالتحريم بذلك أيضا، معللين له بأنها أمانة و أنه محسن، فلا سبيل عليه، و قد عرفت ما فيه من الاشكال.

و في جامع المقاصد في شرح قول الفاضل: «لا ضمان مع اختيار الاحتفاظ»: «أي بعد التعريف، لأنه محسن، هذا إن كان أخذه لها على قصد الحفظ واضح، فأما إن أخذها على قصد الالتقاط فكيف تكون يده يد أمانة مع أنه عاد بأخذها، و يمكن أن يقال: إن الالتقاط لا يقتضي التملك جزما، و لهذا لا يملك لقطة غير الحرم بعد التعريف إلا بالنية

ج 38، ص: 294

و اللفظ على الخلاف، فلا يدخل في ضمانه من أول الأمر، لأن مجرد أخذ اللقطة لا ينافي الحفظ دائما، فحينئذ يكون أخذ لقطة الحرم غير مناف للحفظ و الأمانة و إن حرم من حيث إن الالتقاط اكتساب، و يشكل على هذا كون الأخذ محرما، فكيف يكون أمانة».

و لكنه كما ترى، و لا يبعد كون العبارة غلطا، و إلا فشأنه أجل من ذلك، إذ قد عرفت ضمان لقطة الحرم بنية التملك من أول الأمر.

و إنما الكلام فيما إذا التقطها بنية الإنشاد و قد عرفها حولا و لم يتصدق بها بل اختار احتفاظها، فان قلنا بالحرمة اتجه الضمان للعدوان، و إلا فالمتجه عدمه، للأمانة و الإحسان، فالكلام المزبور أجنبي عن ذلك.

ثم إنه لم أجد من ذكر هنا أن من التخيير له أن يدفعها إلى الحاكم الذي جعلوه بحكم ولي الذات، فيتجه حينئذ براءته من الضمان مع فرض العدوان بالتقاطها، نحو ما سمعته منهم في التقاط البعير الممنوع عن التقاطه، و لعلهم تركوه اتكالا على ما ذكروه هناك، و إن كان قدمنا الكلام معهم فيه، و الله العالم.

هذا كله في لقطة الحرم.

و إن وجدها أي لقطة الأزيد مما دون الدرهم في غير الحرم عرفها حولا مع إرادة التملك بعده أو مطلقا كما ستعرف البحث فيه إن كان الملتقط مما يبقى كالثياب و الأمتعة و الأثمان و نحوها مما لا يفسد ببقائه في الحول المزبور، بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في كشف الرموز، بل عن الخلاف و المبسوط و الغنية و ظاهر التذكرة الإجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة(1)التي فيها الصحيح و غيره و قد مر جملة منها في تضاعيف

المباحث السابقة و تأتي أخرى إنشاء الله تعالى،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 295

بل يمكن دعوى القطع بذلك منها و إن لم يكن على جهة التواتر المصطلح.

ثم هو مخير بين تملكها و عليه ضمانها، و بين الصدقة بها عن مالكها و لكن لو حضر المالك و كره الصدقة لزم الملتقط ضمانها إما مثلا أو (و إما خ ل) قيمة، و بين إبقائها في يد الملتقط أمانة لمالكها من غير ضمان إلا بتعد أو تفريط و نحوهما في مدة الحول، كما صرح بذلك الشيخ و ابن زهرة و الفاضل و الشهيدان و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في الغنية و محكي الخلاف الإجماع عليه.

نعم عن المقنع الاقتصار على جعلها كسبيل المال بعد التعريف، و عن المقنعة و المراسم الاقتصار على ذكر التصرف المراد به الملك، و عن الوسيلة التخيير بين التصرف و الحفظ لصاحبها لا غير، و في النهاية و محكي السرائر الاقتصار على التملك و الصدقة، بل في الأخير إجماع أصحابنا على ذلك، و أنه الحق اليقين، بل منع من الإبقاء أمانة، و قال: «إنه مذهب الشافعي- إلى أن قال-: إن التخيير بين الثلاثة خلاف مذهبنا و قول أصحابنا و رواياتهم».

بل مقتضى ما حكاه في الدروس عنه الانحصار في التملك، قال فيها: «و قيل: يملكها بعد الحول بغير نية و لا اختيار و يضمن» و هو ظاهر النهاية و المقنعة و خيرة الصدوقين و ابن إدريس ناقلا فيه الإجماع.

و في الخلاف «لا بد من النية و اللفظ فيقول: قد اخترت تملكها».

و في المبسوط «تكفي النية، و الروايات محتملة للقولين، و إن كان الملك بغير اختياره أشهر، و تظهر الفائدة في اختيار الصدقة و النماء المتجدد و الجريان في الحول و الضمان، ثم هل يملكها بعوض يثبت في ذمته أو

ج 38، ص: 296

بغير عوض ثم يتجدد بمجي ء مالكها؟ في الروايات احتمال الأمرين، و الأقرب الأول، فيلحق بسائر الديون» انتهى.

و لا ريب في حصول الملك القهري بتمام التعريف حولا بناء على ما حكاه عنه، فلا صدقة عن المالك بها و لا أمانة، لكنه خلاف ما حكاه غيره عنها، كما أن ما حكاه من الأشهر لم أتحققه.

بل في المختلف و التذكرة و المسالك و الروضة و غيرها حكاية الشهرة بخلافه، بل في الغنية الإجماع على ذلك، و ستسمع تحقيق الحال فيه إنشاء الله عند تعرض المصنف له.

و كيف كان فلا إشكال في استفادة الفرد الأول منها من النصوص، مضافا إلى عدم الخلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه.

ففي

خبر أبي خديجة(1)السابق المتقدم في المملوك «ينبغي للحر أن يعرفها سنة في مجمع، فإذا جاء طالبها دفعها إليه و إلا كانت في ماله، فان مات كانت ميراثا لولده و لمن ورثه، فان لم يجي ء لها طالب كانت في أموالهم هي لهم، إن جاء لها طالب دفعوها له».

بل قيل بإرادة الملك من كل خبر اشتمل على كونها بعد التعريف «كسبيل المال» نحو

خبر داود بن سرحان (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في اللقطة يعرفها سنة ثم هي كسائر ماله»

و خبر حنان بن سدير(3)«سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن اللقطة و أنا أسمع، قال: تعرفها سنة، فان وجدت صاحبها و إلا

فأنت أحق بها، و قال: هي كسبيل مالك، و قال: خيره إذا جاء بعد سنة بين أجرها و بين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها».


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 5.

ج 38، ص: 297

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى تواترها بالنسبة إلى ذلك و إن كان لا يخلو من نظر، كما ستعرفه في ما يأتي إنشاء الله تعالى في المسألة الرابعة.

و أما الثاني فكذلك أيضا، ففي

خبر حفص بن غياث (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرده عليه؟ فقال: لا يرده عليه، فان أمكنه أن يرده على أصحابه فعل، و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها، فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه و إلا تصدق بها، فان جاء صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم، فان اختار الأجر فله الأجر و إن اختار الغرم فله الغرم».

و في

خبر كثير(2)«سأل رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن اللقطة، فقال: يعرفها،

فان جاء صاحبها دفعها إليه و إلا حبسها حولا، فان لم يجي ء صاحبها أو من يطلبها تصدق بها، فان جاء صاحبها بعد ما تصدق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده و كان الأجر له، و إن كره ذلك احتسبها و الأجر له»

إلى غير ذلك.

و أما الثالث فيدل عليه- مضافا إلى الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة-

صحيح ابن مسلم (3)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عن اللقطة فقال:

تعرفها سنة، فان جاء طالبها و إلا فاجعلها في عرض مالك، يجري عليها ما يجري على مالك حتى يجي ء لها طالب، فان لم يجي ء لها طالب فأوص بها في وصيتك»

بناء على أن المراد بجعلها عرض المال حفظها فيه من غير عزل لها عنه.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 10.

ج 38، ص: 298

قال الكاشاني: «أي في جملته و في ما بينه، من غير مبالاة بترك عزلها عنه، فان مثل هذه اللقطة تستعمل في مثل هذا المعنى، يقال: يضربون الناس عن عرض: أي لا يبالون من ضربوا، و

في حديث ابن الحنيفة(1)«كل الجبن عرضا: أي اعترضه و اشتره و لا تسأل عمن عمله».

و صحيح علي بن جعفر(2)«سأل أخاه موسى (عليه السلام) عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال: يعرفها سنة، فان لم يعرف جعلها في عرض ماله حتى يجي ء لها طالب فيعطيها إياه، و إن مات أوصى بها، و هو لها ضامن»

بناء على إرادة أن ردها إذا جاء الطالب في عهدته من الضمان، لا أن المراد قيمتها في ذمته و هي ملك له، فإنه لا يناسب ما سبق من الحديث.

كل ذلك مضافا إلى انسياق الإباحة من الأمر بالصدقة و التملك باعتبار ورودهما في مقام توهم الحظر.

و إلى معلومية عدم وجوب التملك عليه بالقيمة و الصدقة مع الضمان، بل لعل الإبقاء أمانة من الإحسان الذي لا اعتراض عليه فيه، بل قد يدعى أن ذلك هو الأصل فيها.

و إلى ما تقدم في الضالة و الإنفاق عليها التي يمكن دعوى كون المقام أولى منها بذلك.

هذا و لكن في الرياض «أن الثالث لم يرد به نص، كأصل التخيير بينه و بين أحد

الأمرين، لظهور النصوص الواردة فيها في تعين أحدهما لا التخيير مطلقا، إلا أنه قيل: يفهم الإجماع عليه في التذكرة، فإن تم و إلا كان مشكلا، لما يأتي من الخلاف في توقف التملك على النية أو


1- 1 الوافي المجلد الثالث- ج 10 ص 47.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 299

حصوله قهرا، و عليه لا معنى للإبقاء أمانة».

قلت: و لا الصدقة عن المالك بعنوان أنه ماله، على أنك ستعرف إنشاء الله تعالى ما في القول المزبور، و الله العالم.

هذا كله إذا كانت اللقطة مما تبقى حولا.

و أما لو كانت مما لا يبقى كالطعام و الرطب الذي لا يثمر و البقول و نحوها قومه على نفسه و انتفع به بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، ل

خبر السكوني (1)بل قوية «عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين، قال: تقوم ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد و ليس له بقاء»

إلى آخره.

و في آخر(2)«فان وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله، فان جاء صاحبه فرد عليه القيمة».

نعم قد يقال بعدم اعتبار التقويم على النفس و إن كان هو المذكور في كلام الأكثر- بل لم يذكر أحد قبل الفاضل بيعه على غيره- و اشتمل عليه ما في الخبرين الذي يمكن تنزيل أولهما عليه.

لكن معقد إجماع الغنية التصرف فيه و التعليل في الأول و احتمال جريان التقييد مجرى الغالب من عدم وجود غيره في المفازة و القطع بعدم الفرق بينه و بين غيره يؤيد الأول.

و لذا صرح الفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهم بجواز بيعه و حفظ ثمنه، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع على التخيير بين البيع و تعريف الثمن و بين التقويم و التملك و التعريف حولا.


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.

ج 38، ص: 300

و كأنه فهم ممن تقدمه إرادة المثال من التقويم على النفس، إلا أن مقتضى ذلك عدم اعتبار كون البيع من الحاكم.

لكن فيها «لا يجوز له بيعه بنفسه مع وجود الحاكم لأنه مال الغير، و لا ولاية

له عليه و لا على مالكه، فلم يجز بيعه إلا له كغير الملتقط» بل قال فيها: «إذا باع بدون إذنه مع وجوده كان البيع باطلا».

و هو و إن كان أحوط إلا أن مقتضى إرادة المثالية في النص و الفتوى جواز تولي ذلك مطلقا، كما يقومه على نفسه من غير إذن الحاكم، بل لعل ثبوت ولاية التملك له و الصدقة بعد التعريف يومئ إلى ذلك.

بل لعل ثبوتها له مع تعذر الحاكم يومئ إليه أيضا، ضرورة عدم ثبوتها في غير المقام لغير الحاكم مع تعذره، بل يبقى الشي ء معطلا، إلا إذا حصل عدول المؤمنين و قلنا بثبوت ولايتهم حينئذ.

بل قد عرفت سابقا منا قوة القول بما يستفاد من صحيح الجارية(1)المشتمل على حل بيعها لمن التقطها بما أنفق عليها.

و دعوى أن التقويم على النفس يحتاج إلى الحاكم أيضا مع وجوده فلا يتم الاستظهار المزبور يدفعها ظهور النص و الفتوى في خلافه، حتى من التذكرة التي هي العمدة في الخلاف قد أطلق فيها جواز الأكل له مع التقويم، و اعتبر الحاكم في البيع.

و لذا أشكله الكركي بعدم الفرق بينهما في الاشتراط و عدمه و إن قال:

إن مراجعة الحاكم فيهما أوجه لكن فيه ما لا يخفى. و منه يعرف النظر فيما في الرياض من انسحاب الخلاف إليه.

و على كل حال فلا ريب أن الثمن حينئذ أمانة مع قبضه لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، و له عدم إفرازه عما في ذمته، لإطلاق النص


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 8.

ج 38، ص: 301

و الفتوى، بل ربما يكون في بعض الأحوال أولى من جهة عدم خشية التلف عليه.

و المدار في القيمة على يوم الأكل لا يوم الأخذ و لا أعلى القيم، و هل له ذلك من أول الأمر أو لا بد من التأخير إلى آخر زمان الخوف من الفساد؟ وجهان، أحوطهما بل أقواهما الثاني، و عن جماعة الجزم بأنه لا يجوز له إبقاء ذلك حتى يتلف، فان فعل ضمن، بل نفى الريب عنه الكركي.

و هو متجه مع إمكان الدفع إلى الحاكم أو البيع على الغير، أما مع فرض انحصار الأمر في التقويم على نفسه فقد يشكل بأن الأصل يقتضي عدم وجوبه، و الأمر في الخبرين (1)للرخصة، لأنه في مقام توهم الحظر، فلا يراد منه الإلزام، خصوصا مع التضرر بذلك.

هذا كله مع اختياره البقاء عنده و إن شاء دفعه إلى الحاكم كما صرح به الشيخ و المصنف و من تأخر عنه، بل ربما ظهر من التذكرة عدم المخالف فيه إلا أحمد و لا ينافي ذلك توجه الخطاب إليه في الخبرين (2)ضرورة ثبوت ولاية الحاكم على مثل ذلك. بل صرح أكثر من عرفت بأنه لا ضمان معه.

أما التعريف فهو كغيره من اللقطة يقوى عدم سقوطه عنه، كما صرح به الفاضل، لإطلاق دليله و استصحابه، مع احتمال العدم، بناء على أنه كولي الذات الذي لا تعريف مع الوصول إليه.

و على كل حال فظاهر الأصحاب بقاء التعريف في مفروض المسألة، بل صرح به بعضهم، لإطلاق دليله الذي لا ينافيه التصرف المزبور فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9 و الباب- 23- منه الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9 و الباب- 23- منه الحديث 1.

ج 38، ص: 302

قبله، و هو المراد مما في معقد إجماع الغنية السابق لا سقوط التعريف، كما هو واضح، فيعرفه حينئذ نفسه دون الثمن الذي هو عوض الملتقط، و الله العالم.

و لو كان بقاؤها أي اللقطة يفتقر إلى العلاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف يرفع

خبرها إلى الحاكم الذي هو الولي ليبيع بعضا و ينفقه في إصلاح الباقي، و إن رأى الحاكم الحظ في بيعه أجمع و تعريف ثمنه جاز كما عن الشيخ و الفاضل التصريح بذلك كله.

لكن قد يناقش في تعيين ذلك بما عرفت من ثبوت الولاية للملتقط على فعل ذلك، و لعله لذا خيره في محكي التحرير و الدروس بين ذلك و بين فعله، بل عن موضع من التذكرة ذلك أيضا، بل في المسالك هو حسن.

و كيف كان فمن هذا القسم الثوب الذي لا يبقى إلى آخر الحول إلا مع مراعاته بالهواء و نحوه كالصوف، فيجب حينئذ مراعاته، إلا أن ما لا يبذل في مقابله أجرة في العادة من العمل يجب على الملتقط تبرعا إن لم يدفعه إلى الحاكم، و الله العالم.

و في جواز التقاط النعلين و الإداوة و السوط خلاف، أظهره الجواز مع كراهية وفاقا للمشهور، بل لم يحك الخلاف في الثلاثة إلا عن صريح الحلبي و ظاهر الصدوقين و ابن حمزة و ظاهر سلار في الإداوة و زيادة المخصرة.

و على كل حال فلا دليل لهم إلا

خبر عبد الرحمن (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النعلين و الإداوة و السوط يجده الرجل في الطريق أ ينتفع به؟ قال: لا يمسه»

و نحوه آخر(2).


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 38، ص: 303

و هما و إن أمكن تصحيح سنديهما إلا أنهما مع ذلك قاصران عن إفادتها على وجه يخرج به عن إطلاق ما دل على الجواز مما هو أولى من ذلك مما تكثر قيمته، ك

قوله (عليه السلام) في مرسل الصدوق (1)«أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها و لا يتعرض لها»

و غيره المعتضد بعمل الأصحاب عدا من عرفت.

بل و خصوص

حسن حريز(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا بأس بلقطة العصا و الشظاظ و الوتد و الحبل و العقال و أشباهه، قال:

و قال أبو جعفر (عليه السلام): ليس لهذا طالب»

بناء على دخول الثلاثة في

قوله (عليه السلام): «و أشباهه»

فضلا عما هو كالتعليل له من

قوله (عليه السلام): «ليس لهذا طالب»

و إن كان فيه ما فيه كما تسمعه.

و لكن عليه يستفاد منه عدم الكراهة أو عدم شدتها فيها، و هو مناف لفتوى المشهور، اللهم إلا أن يكون وجهه أن فتوى من عرفت بالحرمة يوجب مزيد مرجوحية لالتقاطها و إن لم نقل بها.

بل ربما كان في التقاطها مرجوحية أخرى إذا كانت من الجلود، بناء على ما ذكره غير واحد من الحكم بكونه ميتة حينئذ و إن لم نقل به نحن إذا كان في أرض الإسلام.

قال في المسالك هنا: «و لا يخفى عليك أن الأغلب على النعل أن يكون من الجلد، و الإداوة بالكسر: هي المطهرة، و هي تكون من الجلد أيضا، و كذا السوط أيضا، و

إطلاق الحكم بجواز التقاطها إما محمول على ما لا يكون منها من الجلد، لأن المطروح منه مجهولا ميتة،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 304

لأصالة عدم التذكية، أو محمول على ظهور أمارات تدل على ذكاته، فقد ذهب بعض الأصحاب إلى جواز التعويل عليها، و إطلاق النهي عن مسها يجوز أن يستند إلى ذلك، إلا أن الأصحاب فهموا منه خلافه».

قلت: و كفى بفهمهم حجة على أن ما يوجد في أرض الإسلام و فيه أثر الاستعمال محكوم بكونه مذكى، و منه خبر السفرة(1)و في الرياض هنا نسبته إلى اتفاق النص و الفتوى، و حينئذ يتجه عدم الاختصاص بالثلاثة، بل هو في كل جلد و شبهه.

و قد يقال: إن شدة الكراهة في الثلاثة لاختصاصها بالنهي و إن كان هو جوابا للسؤال عنه، خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن.

بل قد يقال: إن مراد المصنف و نحوه بيان أصل الكراهة في مقابل القول بالحرمة لا شدتها، نعم يرد ذلك على من صرح بها.

و كذا الكلام في قوله: يكره التقاط العصا و الشظاظ و الوتد و الحبل و العقال و أشباه هذه من الآلات التي يعظم نفعها و تصغر قيمتها بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك إلا ما يحكى عن الحلبي أيضا من حرمة الشظاظ الذي لم نجد له ما يدل عليه.

بل في الحسنة(2)المزبورة ما يدل على خلافه، بل و على عدم الكراهة أو شدتها في نحو ذلك بناء على إرادة عدم الاعتناء بها من

قوله (عليه السلام) فيها: «ليس لهذا طالب».

اللهم إلا أن يكون المراد منه أن الناس الملتقطين لا يطلبونه، لأنه لا اكتساب فيه مع قلة قيمته و كثرة نفعه، فيكون كلاما مستقلا، لا أنه كالتعليل.


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 305

و ربما يؤيده ما يظهر من المحكي عن المفيد من أن الوجه فيها أن فقدها قد يؤدي إلى هلاك صاحبها، لأن الإداوة يحفظ ما يقوم به الرمق و الحذاء يحفظ رجل الماشي من الزمانة و الآفات، و السوط

يسير البعير، فإذا تلف خيف عليه من العطب.

و منه حينئذ يتجه الكراهة في العنوان المزبور الذي ذكره المصنف و غيره و إن كان هو كما ترى، و لعل الأولى الاكتفاء بفتوى من صرح بالشدة للتسامح، و أما ما أرسله في المسالك من النهي فلم نتحققه.

هذا و من الغريب ما في التنقيح من أن تحقيق المقام في هذه أجمع الحرمة مع بلوغ النصاب، و الكراهة الزائدة على كراهة أصل الالتقاط مع عدمه، إذ هو كما ترى يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، و الله العالم.

و كيف كان فقد عرفت سابقا ما يدل على أنه يكره أخذ اللقطة مطلقا بل في المتن و غيره خصوصا للفاسق الذي لا يأمن على نفسه القيام بحدودها، و ربما كان في بعض نصوص لقطة الحرم (1)نوع إيماء إليه و إن كان ستعرف ما فيه.

و أما لو علم الخيانة ففي القواعد و الدروس و غيرهما الحرمة، لأن الأخذ الذي يكون وسيلة إلى الحرام حرام.

لكن في التذكرة «إذا علم الخيانة من نفسه حرم، و أما الأمين في الحال إذا علم أنه إذا أخذها خان فيها و فسق

فالأقرب الكراهة الشديدة دون التحريم» و نحوه ما في التحرير من أنه «لو علم الخيانة من نفسه فالأقرب شدة الكراهة لا التحريم».

و هو كما ترى، بل في القواعد و لو خان ففي الجواز نظر، بل في الإيضاح أن الأصح التحريم.


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2 و 5 من كتاب الحج.

ج 38، ص: 306

و في جامع المقاصد أنه أولى، لأن الخوف من الوقوع في المحرم الموجب للنار يجب دفعه باجتناب ما يقتضيه، و لأن الأمانة لا تليق لمن لا يثق بنفسه، و إن كان فيه ما لا يخفى من عدم الحرمة، و لذا جزم بالكراهة في الدروس، للأصل و عدم معلومية تحقق المانع.

اللهم إلا أن يثبت من دليل خارج في كل ما علم ترتبها عليه بسوء اختياره أو يخاف من ذلك، كما ذكروه في وجوب النكاح على من يخاف على نفسه الوقوع في المحرم باختياره مع للترك.

بل ذكروه في غير ذلك من قبول الولاية من الجائر و في تولي القضاء و نحوه، بل لعل جملة من النصوص تشعر بذلك، بل ربما كانت ظاهرة فيه أو صريحة.

هذا كله فضلا عن احتمال انسياق إطلاق أدلة الاذن بالالتقاط لغيره، فيحرم حينئذ للأصل.

و بذلك كله ظهر لك الحال في جميع صور المسألة، و هي الخيانة حال الالتقاط، و لا ريب في الحرمة، و العلم بها بعد ذلك، و الخوف منها بعد ذلك أيضا، و غيرها.

و كيف كان فقد ذكر غير واحد أنها يتأكد أيضا فيه مع العسر الذي قد يكون سببا لعدم وصولها إلى مالكها لو ظهر، بل صرح بعض بتأكدها فيه أيضا و إن لم يكن فاسقا، و الأمر في ذلك كله سهل بعد التسامح، و إلا فقد يشكل إثبات الحكم الشرعي بمثل ذلك، خصوصا بعد

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) «عن اللقطة يجدها الفقير هو فيها بمنزلة الغني، فقال: نعم، قال:

و كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول لأهله: لا تمسوها»

و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.

ج 38، ص: 307

و يستحب الاشهاد عليها إجماعا في محكي الخلاف و عند علمائنا في محكي التذكرة،

و هو كذلك؛ فاني لم أجد خلافا بيننا في عدم الوجوب.

نعم عن أبي حنيفة و الشافعي في أحد قوليه ذلك، و لعله للأمر في

المروي من طرقهم (1)«من التقط لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل، و لا يكتم و لا يغيب»

الذي لو لا التسامح في الندب و فتوى الأصحاب به- مؤيدا معه بأن فيه صيانة للنفس عن الطمع فيها و حفظا لها عن الخلط بماله لو عرض له عارض- لكان قاصرا عن إثباته فضلا عن الوجوب.

و ينبغي له أن يعرف الشهود بعض الصفات دون الجميع مخافة شياع أمرها، و ربما احتمل ذكر جميع الصفات حتى يخلص من احتمال تملك الوارث مثلا لو مات، و الأمر في ذلك سهل و إن أطنب فيه بعض العامة، و الله العالم.

مسائل خمس:

[المسألة الأولى ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده]

الأولى:

ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده ينتفع به بلا تعريف، و كذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها سواء كان عليه أثر الإسلام أو لا.

و في النافع «ما يوجد في خربة أو فلاة أو تحت الأرض فهو لواجده».

و مزجه في الرياض «ما يوجد في أرض خربة قد جلا عنها أهلها


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 187.

ج 38، ص: 308

بحيث لم يعرفوا أصلا، أو في فلاة: أي أرض قفرة غير معمورة من أصلها، أو تحت الأرض التي لا مالك لها ظاهرا فهو لواجده، فيملكه من غير تعريف إجماعا إذا لم يكن عليه أثر الإسلام من الشهادتين أو اسم سلطان من سلاطينه، و على الأقوى مطلقا وفاقا للنهاية و الحلي و غيرهما».

و في الكفاية بعد أن ذكر الثلاثة التي في المتن قال: «و المشهور عدم الفرق بين أن يكون عليه أثر الإسلام أو لم يكن».

قلت: لم أتحقق الشهرة المزبورة فضلا عن الإجماع، إذا المحكي عن المقنع «و إن وجدت لقطة في دار و كانت عامرة فهي لأهلها، و إن كانت خرابا فهي لك».

و في النهاية «اللقطة على ضربين: ضرب منها يجوز أخذه، و لا يكون على من أخذه ضمانه و لا تعريفه، و هو كل ما كان دون الدرهم، أو يكون ما يجده في موضع خرب قد باد أهله و استنكر رسمه» و نحوه في التحرير و محكي السرائر.

و قال فيها أيضا: «و إن وجد كنز في دار انتقلت إليه بميراث عن أهله كان له و لشركائه في الميراث إن كان له شريك، فان كانت الدار انتقلت إليه بابتياع من قوم عرف البائع إن عرفه، و إلا أخرج خمسه إلى مستحقه، و كان له الباقي، و كذلك من ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة فذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا له قيمة عرفه ممن ابتاع ذلك الحيوان منه، فان عرفه أعطاه و إن لم يعرفه أخرج منه الخمس، و كان له الباقي، فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة أو ما أشبه ذلك أخرج منها الخمس، و كان له الباقي».

و في المقنعة «و من وجد كنزا في دار» إلى آخر ما سمعته من النهاية.

ج 38، ص: 309

و في الوسيلة «و إن وجد خافيا تحت الأرض في خراب لم يعرف له صاحب أخرج منه الخمس، و الباقي له، و إن عرف له مالك عرف، فان عرف رد عليه، و إن لم يعرف أخرج منه الخمس على ما ذكرنا» إلى آخر ما ذكره.

و عن الغنية «و كذا إن وجد فيما لا يعرف له مالك من الديار الدارسة» و إن كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسختها.

و عن فقه الراوندي «و ما يوجد في موضع خرب مدفونا لا من أثر أهل هذا الزمان».

و ليس في شي ء منها ذكر الثلاثة، و الأصل في ذلك

صحيح محمد ابن مسلم (1)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم، و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به».

و صحيحه الآخر(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن الورق يوجد في دار، فقال: إن كانت الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها، و إن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت».

و في

مرسل الفقيه (3)«و إن وجدت لقطة في دار و كانت عامرة فهي لأهلها، و إن كانت خرابا فهي لمن وجدها».

و قد تقدم موثق إسحاق بن عمار(4)المشتمل على قضية السبعين درهما التي وجدها في بعض منازل أهل مكة.

و ليس في شي ء منها ذكر المفازة، بل لم أعثر عليه في شي ء من النصوص سوى ما سمعته من مرسل الفقيه (5)أيضا «فإن وجدت طعاما


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.

ج 38، ص: 310

في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله، فان جاء صاحبه فرد عليه القيمة» و به عبر في المقنعة و النهاية.

و هو غير ما نحن فيه قطعا، فليس حينئذ إلا إلحاق القسمين بالخربة التي يمكن دعوى استفادة التعليل من تعليق الحكم عليها على وجه يشمل غيرها مما كان نحوها.

و من هنا قال في الكفاية: «و الرواية مختصة بالدار، لكن لا يبعد استفادة التعليل منها، فيلزم العموم، و فيه

أيضا تخصيص بالورق و لم أجد أحدا من الأصحاب قال بأحد القيدين».

و في الرياض بعد ذكرهما «و أخصيتهما من المدعى- باختصاصهما بالورق و الموجود في الدار الخربة، فلا يعمان مطلق اللقطة، و لا الموجود منها تحت الأرض و في المفاوز- مدفوعة بالإجماع المركب، مع إمكان اندفاع الأخصية باعتبار الاختصاص بالأرض الخربة باستلزام ثبوت الحكم في لقطتها إياها فيما عداها بطريق أولى».

و كأنه أخذه من المقدس الأردبيلي، فإنه بعد أن ذكرهما قال:

«و الظاهر أن لا خصوصية للورق، و كأنه إجماع».

هذا في الخربة، و كأنه حمل عليه المفاوز، فإن العلة هي كونها خربة و عدم أهلها فيها كما هو الظاهر منها، بل المفازة أولى، إذ الخربة كانت معمورة مسكونة في بعض المدة إلا أنه هلك و انجلى عنها بخلاف المفازة، فإنها دائما بلا أهل، و كذا الأرض التي لا مالك لها.

و معلوم أن هذا الحكم فيما إذا لم يعلم له مالك بالفعل معين و لا غير معين، و إلا فمع التعيين يجب دفعه إليه، و مع عدمه لقطة أو مال موجود بيد شخص تعذر صاحبه، فيتصدق به مثل المال المجهول صاحبه، و يسمى برد المظالم، و قد مر مثله مرارا فتذكر.

ج 38، ص: 311

و معلوم أيضا أن المراد عدم ملكية الخرابة و إلا فيعرف المالك فالمالك إلى أن ينتهي إلى العارف فيأخذه، و إلا فهو لواجده، و في بعض العبارات «يتصدق به».

و من ذلك كله يظهر لك أنه ليس الحكم كما اشتهر في عصرنا لفتوى بعض أجلائه أن جميع ما يوجد في المفازة أي البرية قفرا أو غيرها و في الدار الخربة و في الأرض التي لا مالك لها مدفونا لواجده بلا تعريف حتى لو علم مالكه.

بل حكى بعض من أثق به أنه سقط منه في السفر بعض أسبابه فعثر عليه بعض خدامه فجاء به إليه فامتنع منه لصيرورته ملكا لواجده، بل حكى لي أيضا أنه إذا سقط منه شي ء و هو واقف عليه فجاء به آخر إليه لا يأخذه منه حتى يستوهبه.

و لا ريب في أن ذلك كله من تخريب الفقه، بل يمكن دعوى كون الضرورة على خلافه، و ظني أن من ادعى الإجماع في المقام حكاه على مضمون عبارة المتن من غير تحقيق لها إلا أنه لما رأى بعض الناس كالمقداد في التنقيح و ثاني الشهيدين في المسالك جعلا الخلاف في مقابلة التقييد بأثر الإسلام و عدمه فظن الإجماع على الفاقد لأثر الإسلام، و أن الخلاف منحصر فيما كان عليه أثره، ثم اختار الإطلاق، و جعل كل معلوم أنه لأهل ذلك الزمان ضائع منهم في المفازة و الديار الدارسة لواجده، و كذا المدفون في الأرض التي لا مالك لها ظاهرا.

و هذا كله من عدم إعطاء التأمل حقه فيما ذكروه سابقا في السفرة الموجودة في المفازة التي صرحوا بتقويمها على نفسه و أنه يعرف الثمن، و قد سمعت حكمهم بكراهة التقاط الثلاثة و الخبر(1)الوارد فيها، و أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 312

يجدها في الطريق الظاهر في طريق الصحاري كما سمعته من عبارة المقنعة.

و قال الفاضل في القواعد: «و لو التقط في الصحراء عرف في أي بلد شاء» و نحوه في التحرير و محكي المبسوط.

و في جامع المقاصد تعليله بعدم أولوية بلد على آخر «و لا يجب أن يغير قصده و يعدل إلى أقرب البلاد إلى ذلك الموضع أو يرجع إلى مكانه الذي أنشأ السفر منه، نعم إن اجتازت قافلة عرفها فيهم، صرح

بذلك كله المصنف في التذكرة، و قال بعض الشافعية: يعرفها في أقرب البلدان».

و قال في التذكرة: «و لو التقط في الصحراء فان اجتازت به قافلة تبعهم و عرفها فيهم، و إلا فلا فائدة في التعريف في المواضع الخالية، و لكن يعرف عند الوصول إليها، و لا يلزمه أن يغير قصده و يعدل إلى أقرب البلاد إلى ذلك الموضع أو يرجع إلى مكانه الذي أنشأ السفر منه، و قال بعض الشافعية: يعرفها في أقرب البلدان إليه، نعم لو التقطها في منزل قوم رجع إليه و عرفها، فان عرفوها فهي لهم، و إلا فلا، لما

روى إسحاق بن عمار(1)«أنه سأل الكاظم (عليه السلام) عن رجل نزل بعض بيوت مكة»

إلى آخره.

و في الدروس «فان التقط في برية عرف من يجده فيها، و أتم إذا حضر في بلده» إلى غير ذلك من كلماتهم التي ظاهرها المفروغية من ذلك لإطلاق أدلة اللقطة.

و احتمال كون المراد من الصحراء غير المفاوز و الأماكن الخربة كما ترى، فإنه و إن قيل: إن المفازة الأرض المهلكة، و أنها سميت بذلك تفؤلا بالنجاة، بل قيل: إن الفلاة كذلك. لكن قد عرفت تعليق حكم


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 38، ص: 313

الطعام عليها في المرسل (1)و المقنعة و النهاية، و من المعلوم إرادة مطلق البرية منها، كما أنه علق حكم الشاة و نحوها على وجودها في الفلاة و ليس المراد منها إلا البرية المقابلة للمعمور، لا خصوص مكان مخصوص من البرية.

على أن من الطرق المستعملة للناس ما هو مفاوز لا كلأ و لا ماء فيها و مهلكة لغير المستعد من غيرها و قد سمعت تصريحهم بوجوب التعريف لما سقط فيها.

بل الظاهر أن كثير من الأراضي كانت مسكونة في الأعصار السابقة كما تشهد به الآثار، و مقتضى ذلك كون جميع ما يسقط فيها من الناس يحل لواجده، لأنه الموجود في الخربة و في المفازة، و هو شي ء من الغرائب نسأل الله تعالى شأنه الإقالة من هذه العثرات.

هذا كله مضافا إلى اختلاف كلماتهم في محل البحث، فمنها ما سمعته.

و منها ما في قواعد الفاضل «و ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد باد أهلها فهو لواجده من غير تعريف إن لم يكن

عليه أثر الإسلام، و إلا فلقطة على إشكال، و كذا المدفون في أرض لا مالك لها».

و في التذكرة «ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد باد أهلها فهو لواحدة من غير تعريف إن لم يكن عليه أثر الإسلام، و إلا فهو لقطة، و كذا المدفون في أرض لا مالك لها، و لو كان لها مالك فهو له قضاء لليد- إلى أن ذكر الصحيحين (2)دليلا على ذلك ثم قال-: و لا ينافي هذا ما رواه

محمد بن قيس (3)عن الباقر (عليه السلام) «قضى


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة الحديث 5.

ج 38، ص: 314

علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها، فان وجد من يعرفها و إلا تمتع بها»

لأنه محمول على ما إذا كان لها مالك معروف أو كان على الورق أثر الإسلام».

و مقتضاه أن الموضوع في الأول ما لم يكن له مالك معروف، و هو مما يعلم أنه لأهل الزمان القديم.

و في التحرير «و كذا- مشيرا به إلى ما دون الدرهم- ما يجده في موضع خرب قد باد أهله و استنكر رسمه».

و في التبصرة «و ما يوجد في فلاة أو خربة فلواجده، و لو كان في مملوكة عرف المالك، فان عرفه فهو له، و إلا فللواجد».

و في الإرشاد «المدفون في الأرض التي لا مالك لها أو المفاوز أو الخربة فهو لواجده».

و عن المبسوط أنه فصل فقال: «إن كان مدفونا عليه سكة الإسلام فلقطة، و إلا أخرج خمسه و الباقي له» و عن المختلف أنه استحسنه.

و في الإيضاح بعد أن حكى عن النهاية و ابن إدريس عدم التعريف بما يوجد في موضع خرب لصحيح ابن مسلم (1)قال: «و أجاب المصنف بحمله على انتفاء سكة الإسلام أو بعد التعريف حولا، و ذهب في المبسوط إلى أنه لقطة مع أثر الإسلام عليه، لدلالته على سبق ملك المسلمين، و هو الأقوى عندي».

و قال في التنقيح في شرح ما سمعته من عبارة النافع: «هذا قول الشيخ في النهاية، و تبعه ابن إدريس، و المستند رواية محمد مسلم (2)- إلى أن قال-: و قال

في المبسوط و اختاره العلامة: إن كان عليه سكة الإسلام فلقطة، و إلا أخرج خمسه و الباقي له، و عليه الفتوى، لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 315

مع وجود الأثر يثبت يد مسلم، فلا يحل إلا عن طيب نفسه أما مع عدمه فالأصل الإباحة، و عليه تحمل الرواية».

و قال أيضا: «في ما يوجد مدفونا في الأرض المملوكة بشراء مثلا أنه يعرف المالك الأول، فإن عرفه فهو له من غير بينة و لا وصف، و إلا فاما أن يكون عليه أثر الإسلام أو لا، و الأول لقطة إجماعا، و يجب تعريفه، و لا يحل تملكه إلا بعد التعريف، و الثاني للشيخ فيه قولان:

أحدهما أنه لقطة، لانطباق تعريفها عليه، فيراعى فيه أحكامها من غير اعتبار الدرهم و التعريف فيه، و ثانيهما أنه لواجده، و عليه الخمس، و الفتوى على ذلك، لصدق الكنز عليه، و قد تقدم أن الكنز فيه الخمس، و هذا تحقيق هذه المسألة».

و قال في اللمعة: «و الموجود في المفازة و الخربة و مدفونا في أرض لا مالك لها ظاهرا يملك من غير تعريف إذا لم يكن عليه أثر الإسلام، و إلا وجب التعريف» و نسبه في الروضة إلى الأشهر.

و في الدروس «و كذا- أي دون الدرهم- ما يوجد في أرض لا مالك لها أو خربة باد أهلها و إن تجاوز الدرهم، و قيده في المبسوط ببقاء أثر الإسلام و إلا وجب تعريفه، و

صحيحة محمد بن مسلم (1)مطلقة، حيث قال: «و إن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت»

و يمكن حملها على الاستحقاق بعد التعريف فيما عليه أثر الإسلام».

و في جامع المقاصد في شرح ما سمعته من عبارة القواعد «أي و إن كان عليه أثر الإسلام فإشكال ينشأ من عموم صحيح محمد بن مسلم (2)و من أن أثر الإسلام يقتضي سبق يد للمسلمين، فيكون لقطة يجب تعريفه، و يشكل بأن أثر الإسلام قد يصدر من غير المسلمين، إلا أن يقال: إن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 316

ضميمة الدار إليه يؤيد كونه للمسلمين، و لأنه أشهر و أقرب إلى يقين البراءة، و عليه تنزل رواية محمد بن قيس (1)عن الباقر (عليه السلام) و هو الأقرب، و يتحقق أثر الإسلام بإحدى الشهادتين إذا كانت مكتوبة عليه، و كذا اسم سلطان من

سلاطين الإسلام و نحو ذلك، و هذا إذا كان في بلاد الإسلام، كما سبق في الخمس».

إلى غير ذلك من عباراتهم التي هي على اختلافها أجنبية عما سمعته من أجلاء بعض أهل العصر، خصوصا ما اشتمل منها على التفصيل بأثر الإسلام الذي منه يعلم عدم تملك اللقطة التي تكون من أموال أهل هذا الزمن في المفازة و الخربة، ضرورة أولويتها مما عليه أثر الإسلام القديم.

بل ظاهرهم إقعاد قاعدة و هي احترام مال المسلم، و أنه لا يكون كالمباح نحو مال غيره، لعموم ما دل (2)على احترام ماله إلا ما كان بعنوان الالتقاط المعروف.

و لذا اعتبروا في الذي يكون لواجده أن لا يكون عليه أثر الإسلام، ليستدل به على عدم الاحترام و إن كان في أرض الإسلام، بخلاف ما كان عليه أثره، أو فاقد الأمرين و لكن كان في أرضهم الملحق ما فيها أيضا بهم، فإنه يبقى على الاحترام الذي يناسبه التعريف اللفظي أو غيره مما يخرج به عن كونه مباحا لمن وجده، نحو الموجود في دار أهل الحرب الذي صرح غير واحد بأنه لواجده و إن كان فيه أثر الإسلام، تغليبا للأرض على الأثر و إن كان قد يشكل الفرق بينهما بالنسبة إلى ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 152- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 9 من كتاب الحج و الباب- 3- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3 و المستدرك- الباب- 1- منه- الحديث 17 من كتاب الحدود.

ج 38، ص: 317

كما أنه قد يشكل أصل القول بالتفصيل المزبور بعدم دليل عليه يعارض ما عرفت سوى ما قيل من دلالة الأثر على سبق يد المسلم فيستصحب، و من الجمع بين الصحيحين (1)السابقين و

الموثق (2)«قضى علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها، فان وجد من يعرفها، و إلا تمتع بها»

بحمل الأولين على ما لا أثر عليه، و الأخير على ما عليه الأثر.

و فيه- مع أن الأثر المزبور قد يصدر من غير المسلم، و فقد التكافؤ عددا و سندا، و كون الموثق قضية في واقعة و اقتضائه حمل الصحيحين على الفرد النادر- أنه لا شاهد عليه.

و من ذلك يظهر لك أن الجمع بحمل ما في الأولين على ما يوجد في تلك الأماكن مما هو معلوم أو ظاهر في أنه للأعصر السالفة و الموثق على الموجود فيها مما هو معلوم أو ظاهر لأهل ذلك الزمان، ضرورة كونه المناسب للأمر بتعريفها دون الأول الذي يمكن دعوى كونه من غير اللقطة، لعدم تحقق وصف الضياع فيه، و إنما هو

شي ء جعله الشارع لواجده و إن كان عليه أثر الإسلام، بل لو علم كونه للمسلمين المنقرضين، و لذا كان العنوان في أكثر كلام الأصحاب «ما يجده» من دون وصف كونه لقطة بالمعنى المتعارف.

و بذلك يظهر لك وجه إلحاق المفاوز و الأرض التي لا مالك لها بالخربة التي لا مالك لها، ضرورة اتحاد الجميع في الحكم المزبور، بل العامر كذلك أيضا، و لعل وجه التخصيص غلبة ذلك فيها دونه.

نعم لا فرق بين المدفون و غيره بل يتجه فيما دخل تحت اسم الكنز


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 5.

ج 38، ص: 318

من المدفون التفصيل بأثر الإسلام و عدمه، فالأول لا يملكه واجده، و الثاني لواجده، و عليه الخمس إن ثبت الإجماع الذي سمعته من التنقيح الذي يشهد له كلامهم في كتاب الخمس حتى ممن أطلق هنا، كالمصنف و غيره، فيكون المراد هنا حينئذ ما لا يدخل تحت اسم الكنز، و إن كان دون ذلك خرط القتاد، بل لعل الظاهر خلافه كما هو المستفاد من الروضة و المسالك.

بل تقدم لنا في كتاب الخمس (1)تحقيق الحال في ذلك، و أن القاعدة المزبورة لا

تعارض إطلاق الدليل، نحو الموجود في جوف الدابة و السمكة الذي مقتضى إطلاق ما دل عليهما كونه للواجد، و أنه من رزق الله تعالى بعد إنكار البائع كونه له في الأول (2)و مطلقا في الثاني (3)كما ستعرف.

بل مقتضاه أنه كذلك حتى لو علم كون ما فيها من أموال أهل زمن الواجد إلا أنه غير معين، بل هو من موضوع اللقطة فضلا عن موضوع المسألة الذي هو معلوم أنه من مال أهل الأعصار السابقة الذي لا يعقل لزوم التعريف فيه بعد القطع بعدم مالك له يعرفه.

و على كل حال فما أدري أن المعاصر المزبور من أين أخذ الحكم المذكور مدعيا عليه الإجماع، حتى اشتهر في البلدان و استباحوا به كثيرا من الأموال التي يجدونها في الفلاة و لو طريق و غيره، مع أنك قد عرفت الاقتصار على الموضع الخرب في كلام القدماء، بل وصفهم بكونه قد


1- 1 راجع ج 16 ص 29- 32.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللقطة.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 319

اندرس أهله و استنكر رسمه، كالصريح في إرادة الموجود فيها مما كان تابعا لها لساكنها.

بل قد عرفت تصريح الراوندي بذلك، كما أنك قد سمعت ما في مجمع البرهان من كون ذلك من المعلوم، بل سمعت ما جمع فيه الفاضل في التذكرة بين الصحيحين و الموثق.

بل قد عرفت أن أول من زاد المفاوز و الفلاة المصنف و تبعه بعض من تأخر عنه، و أن ذلك لإشعار تعليق الحكم على الخربة بالتعليل المقتضي للتعميم فيما هو كالخربة من المال الذي يعلم عدم كونه لأهل زمن الواجد أو يشهد به الحال، لا أن المراد ما يكون فيها من أموال الناس الموجودين الذي هو باق على أصل الاحترام و عمومات الالتقاط أو حكم مجهول المالك أو غير ذلك.

نعم ربما تكون مناقشة في الإلحاق المزبور و في التفصيل بين المدفون و غيره في الأرض التي لا مالك لها أو مطلقا، كما سمعته من الإرشاد و غيره، و إن ذكر بعض الوجوه الاعتبارية له، مثل عدم العلم بكونه من القديم مع فرض كونه على وجه الأرض، بخلاف ما إذا كان مدفونا و نحو ذلك مما يمكن منعه.

إلا أن ذلك كله لا مدخلية له فيما ذكرناه من تحقيق المقام الذي هو كون المراد من ذلك بيان كون المال الموجود في أمثال هذه الأماكن مما كان مملوكا لأهل الأعصار السالفة لواجده، كما هو السيرة و الطريقة في نقل الآجر و غيره مما يجدونه في خرابات الأوائل و الأراضي التي لا مالك لها مخصوص يعتاد الادخار فيها، و لعل هذه المسألة ليست من اللقطة و إنما هي مسألة مستقلة ذكرت فيها لمناسبة ما.

و ليس المراد كل ما يوجد من أموال أهل عصر الواجد ساقطا أو

ج 38، ص: 320

ضائعا في هذه الأراضي أو في المفاوز أو مدفونا في مسجد أو خان أو أرض مفتوحة عنوة أو موات لواجده؛ ضرورة عدم دليل صالح لقطع ما دل (1)على احترام مال المسلم و أنه كدمه و عرضه، بل لعل الضرورة على خلافه، فإنه لم يسمع أن من جملة أسباب الإباحة لأموال الناس المحترمة ذلك.

و ما أبعد ما بين ذلك و بين الاقتصار في حل ما دون الدرهم من ماله الضائع منه.

و أطرف شي ء ما يحكى من الاستدلال

بالصحيح (2)الذي تقدم في الضالة و هو «من أصاب بعيرا أو مالا في فلاة قد كلت و سيبها صاحبها لما لم تتبعه»

إلى آخره الذي قد عرفت إرادة الدابة من المال فيه بقرينة التأنيث، و الإجماع على عدم حل المال بمجرد وجوده في الفلاة، على أنه ظاهر في الاعراض.

نعم غيره من الخبرين (3)السابقين ظاهر في ملك من وجد دابة قد تركت من جهد في غير كلأ و لا ماء فأحياها، و قد ذكرنا أنه أعم من الاعراض، إلا أنه مخصوص بالحيوان، فلا يشمل المال الصامت الموجود في فلاة إلا بالقياس الممنوع، خصوصا مع الفارق بالإحياء الذي أشير إليه في النصوص (4)المفقود في الفرض.

و بالجملة فالمدار على ما عرفت من حل ما يوجد من المال الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 152- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 9 من كتاب الحج و الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3 و المستدرك- الباب- 1- منه- الحديث 17 من كتاب الحدود.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 321

اندرس أهله لواجده، دون غيره الذي يكون الاستيلاء عليه بعنوان الالتقاط أو مجهول المالك أو غير ذلك مما لا يحل به لواجده بمجرد وجدانه بل بالتعريف على الوجه

المزبور أو بالصدقة به عن صاحبه أو نحو ذلك.

و لعل الأصل في كل ما شك فيه و لم يكن ثم شاهد حال يقتضي كونه لمن اندرس أو أهل العصر الاحترام، فلا بد من تعريفه إن كان لقطة، و الفحص إن كان مجهول المالك، ثم الصدقة به بعد اليأس أو الدفع إلى الحاكم.

و قد يقال: إن الأصل في الموجود في الخربة أن يكون من توابع سكانها حتى يعلم أنه لغيرهم، كما عساه يومئ إليه الحكم في الصحيحين (1)بكون الموجود في المعمورة لأهلها، و إن كان هو مقيدا بما في موثق إسحاق (2)بما إذا لم ينكروه.

و فيه أن الظاهر تقييده بما إذا عرفوه، و الفرض انعدام الشرط بانعدام أهله، فينعدم المشروط، فلا يحكم بكونه لهم، و يبقى على أصل الاحترام.

و دعوى اشتراطه بمعلومية سبب الاحترام يدفعها أن الظاهر كفاية وجوده في أرض الإسلام مع عدم شاهد حال يقتضي كونه لمن اندرس.

نعم لو كانت اللقطة في دار الحرب لم يكن لها احترام، و كانت لواجدها على ما صرح به غير واحد، و وجهه واضح، و لكن

في الدروس تقييد ذلك بما إذا لم يكن فيها مسلم، و كأنه أخذه مما سمعته في حكم اللقيط، و فيه نظر.

و على كل حال فهو أمر آخر، كما أن ما ذكرناه في كتاب الخمس.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 38، ص: 322

في تحرير مسألة الكنز(1)كذلك، و ربما اقتضى ما سمعته هنا ملك الواجد له بعد العلم بكونه لمن اندرس و لو من المسلمين، و يجب عليه فيه الخمس إن لم يكن إجماعا منهم على عدم ملك الواجد له بعد العلم بكونه من كنوز أهل الإسلام، كما هو الظاهر من كلامهم في كتاب الخمس.

و عليه يتجه حينئذ تقييد كلامهم هنا بغير الكنز الإسلامي أو على أن المراد من الدفن ما لا يتحقق به اسم الكنز، كالدفن بالانهدام و نحوه و إن كان الآن لنا شك في تحقق الإجماع المزبور على وجه يخرج به عن إطلاق الصحيحين القاطع لقاعدة احترام مال المسلم مؤيدا بالسيرة المستمرة على ذلك.

و قد تقدم لنا بعض الكلام في كتاب الخمس جريا منا على ما ذكروه هناك الذي لا

يخلو من مخالفة لما هنا في الجملة، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

هذا كله فيما ذكروه من الثلاثة.

و أما لو كان لها أي الأرض مالك معروف أو بائع عرفه، فان عرفه فهو أحق به، و إلا فهو لواجده كما صرح به غير واحد، بل قيل: لا خلاف فيه، بل في الغنية الإجماع عليه إذا لم يكن عليه أثر الإسلام للصحيحين (2)في الحكم الأول، بل و موثق إسحاق بن عمار(3)المشتمل على السبعين دينارا.

بل ظاهرهم عدم اشتراط البينة و الوصف، بل مقتضى الصحيحين الحكم بكونه له و إن لم يعرفه، بل لعل ذلك مقتضى اليد أيضا، إلا أنه لم أجد عاملا بهما على الوجه، كما اعترف به في الرياض.


1- 1 راجع ج 16 ص 27- 35.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 38، ص: 323

و لعله لما في الموثق من سؤال أهل المنزل لعلهم يعرفونها، قلت:

«فان لم يعرفوها قال: تصدق» إلا أنه كما ترى مشتمل على الأمر بالتصدق به، لا أنه يكون لواجده كما أفتى به الجماعة.

و ربما حمل على الاستحباب أو غيره جمعا، و فيه أنه لا معارض له، ضرورة عدم دليل على كونه للواجد كي يجمع بينهما، و إرساله له في المسالك لم نتحققه، بل الظاهر أنه توهم دلالة الصحيحين المعلوم خلوهما عن الحكم بكونه للواجد مع عدم معرفة المالك له.

بل لعل مقتضى الأصل عدمه أيضا إذا كان من المعلوم أنه لأهل زمان الواجد أو مشكوكا فيه، و لعله لذا حكي عن التحرير الاشكال.

بكونه للواجد.

نعم لو علم أنه للقديم أمكن حينئذ القول بكونه لواجده بناء على ما ذكرناه في الموجود في الخربات و نحوها من التعليل الشامل لنحو الفرض.

أو يقال يدل عليه صحيح (1)الدابة الآتي بناء على حصول القطع بعدم الفرق بينهما و بين الأرض و إن كان هو محلا للنظر، بل إن لم يكن إجماعا أمكن منعه في الدابة إذا كان المال معلوما أنه لأهل زمان الواجد ضرورة كونه مالا ضائعا، فيندرج تحت موضوع اللقطة، و الأصل احترام مال المسلم، بل لعله كذلك في المشكوك فيه للأصل المزبور.

نعم لو علم كونه من القديم اتفق أكل الدابة له بالرعي في المباح و نحوه اندرج حينئذ فيما قلناه في الخربات.

بل ربما يؤيد ذلك ما في التنقيح من الإجماع على أن ما في الأرض المملوكة لقطة إذا كان عليه أثر الإسلام و أنكره المالك، و ليس هو إلا للأصل المزبور، مع أن الأثر المفروض لا يقتضي كونه لأهل زمان الواجد


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 324

فيرد عليه حينئذ نحو ما سمعته سابقا في الموجود في الخربة مما كان عليه أثر الإسلام السابق. بل في الرياض استظهر عدم تمامية الإجماع ناسبا له إلى الظاهر المستفاد من الروضة و المسالك حيث أجريا الخلاف السابق فيه في المسألة، ثم قال: «فالإطلاق أصح».

قلت: قد يقال: إن المتجه- مع عدم هذا الإجماع و الإجماع على كونه للواجد مطلقا- ما قلناه سابقا من كونه له إذا كان من المال القديم، و إلا كان لقطة مع تحقق وصف الضياع و لو بشاهد الحال، و إلا كان من مجهول المالك أو بحكمه يدفع إلى الحاكم أو يتصدق به.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره كما اعترف به غير واحد عدم الفرق في ابتداء التعريف بين القليل و الكثير، للأصل و اختصاص ما دل على تملك الأول من غير تعريف باللقطة، و هذا ليس منها.

لكن في الرياض «إنما يصح هذا على المختار من عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام و غيره، و لا يصح على غيره، لكون ما عليه الأثر منها عند القائل بالفرق بينهما، و حكى في التنقيح قولا عن الشيخ بكون ما لا أثر فيه لقطة إذا لم يعرفه المالك و لا البائع أيضا، و يدفعه النص جدا».

قلت: إنما الكلام في التعريف ابتداء لمالك الأرض، و لا ريب في عدم الحكم بكونه لقطة حينئذ، نعم لو أنكره ففيه البحث السابق.

و يتجه حينئذ تملك القليل منه إذا كان عليه أثر الإسلام و تحقق فيه وصف الضياع من أهل زمان الواجد، و يعرف الكثير منه.

أما مع عدم تحققه فيه للدفن و نحوه مما يقتضي عدم كونه ضائعا فهو من مجهول المالك أو بحكمه على حسب ما عرفته سابقا.

و أما ما لا أثر عليه فان شهد الحال بكونه لمن تقدم من الأعصار السالفة فهو لواجده حتى لو كان مستعيرا للأرض أو مستأجرا.

ج 38، ص: 325

و ما عن الخلاف من أنه «إذا وجد ركازا في دار ملك لمسلم أو ذمي فليس له التعرض إجماعا» محمول على غير المعلوم عدم تملكه له بوجه من الوجوه، كما هو واضح.

و إن لم يشهد الحال بذلك، بل علم كونه من مال أهل زمن الواجد و لو لعثور أحد قبله عليه أو كونه مالا له بشراء و نحوه يدا عن يد فان تحقق فيه وصف الضياع كان لقطة، و إلا فيحكم مجهول المالك.

و أما مع الشك في أنه من أهل زمن الواجد أو غيرهم ففيه البحث السابق، و لعله يختلف الحكم باختلاف فرض موضوعه.

و قد تقدم في كتاب الخمس (1)كثير من الفروع المتعلقة في المقام بالنسبة إلى ترتب الملاك و تعددهم و اتفاقهم و اختلافهم، فلا حظ و تأمل.

نعم بقي شي ء: و هو إن ظاهر عبارة المتن و غيره فرض موضوع المسألة في المدفون، بل في الروضة التصريح بأنه «لو وجده في المملوكة غير مدفون كان لقطة إلا أنه

يجب تعريف المالك فان ادعاه فهو له و إلا عرفه» و ربما يؤيده ما تسمعه من الخبر(2)المشتمل على الحكم بكون ما يجده صاحب الدار في داره مما هو ليس له و يدخلها غيره لقطة يجب تعريفها.

لكن في الرياض مازجا عبارة النافع قال: «و لو وجده في أرض لها مالك أو بائع و لو كان ما وجد فيها مدفونا عرفه المالك أو البائع، فإن عرفه و إلا فهو للواجد».

و مقتضاه عدم الفرق في الحكم المزبور بين كونه مدفونا أو ظاهرا بل أولوية الثاني من الأول بذلك، و لا ينافي ذلك تصريحه في أثناء المسألة


1- 1 راجع ج 16 ص 28- 35.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 326

بكونه ليس من اللقطة، لأن مراده باعتبار كونه محكوما بأنه لواجده لا أنه ليس من موضوعها.

و هو كما ترى في غاية الإشكال، بل لعله من المنكرات بين المتشرعة و إن كان قد يشهد له أن الحكم في ما نحن فيه بأنه للواجد إنما جاء من صحيح الدابة(1)الذي لا ريب في كون موضوعه مندرجا تحت موضوع اللقطة بعد إنكار البائع له و كون المال من أهل هذا الزمن.

إلا أن الانصاف عدم الجرأة على الحكم المزبور بمثل ذلك، خصوصا بعد الصحيح (2)الآتي في الدار و الصندوق المؤيد بأصالة احترام مال المسلم.

و مما ذكرنا يظهر لك النظر في كثير من الكلمات في المقام مع خلع حبل التقليد و النظر بعين الانصاف و عدم الالتفات إلى دعوى الإجماع بفتوى ثلاثة من الفقهاء أو أربعة، و خصوصا مع تعدد الكتب منهم، فان في ذلك إفسادا للفقه، و الله الهادي و الموفق و المسدد.

و كذا يعرفه المالك أو البائع لو وجده في جوف دابة و لم يعرفه البائع فإنه يكون للواجد، كما صرح بذلك كله غير واحد، بل يظهر من جماعة الإجماع عليه، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، كما عن المهذب البارع و المقتصر الإجماع على تعريف البائع.

و الأصل في ذلك

صحيح عبد الله بن جعفر(3)«كتبت إليه أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهر لمن يكون ذلك؟ قال: فوقع (عليه السلام): عرفها البائع، فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك، رزقك الله


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 327

إياه»

و إن أيد بأنه مع معرفة البائع يقتضي سبق اليد و ظهور اعتلافها له من ماله، لبعد كونه في الصحراء.

بل في الروضة أن ظاهر النص و الفتوى عدم الفرق فيه بين ما عليه أثر الإسلام و غيره، و في المدارك أطلق الأصحاب من غير فرق بين ما عليه أثره و غيره، بل الظاهر كون الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة الإسلام.

لكن في جامع المقاصد «ينبغي أن يقال مع وجود أثر الإسلام يكون لقطة، لكن الصحيحة على خلافه» بل هو الذي استقر عليه رأيه في مسألة السمكة، و قال: «هو الذي يقتضيه النظر، بل قيل: هو خيرة المختلف و المسالك في الخمس و الروضة في البابين، بل عن الأول نفي البعد عن القول بوجوب التعريف لما يجده في بطن الدابة مطلقا، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا».

قلت: قد ذكرنا ذلك كله و غيره في كتاب الخمس (1)و يتجه أيضا إن لم يكن إجماعا ما ذكرناه من التفصيل، و يحمل حينئذ

قوله (عليه السلام): «هو لك رزقك الله إياه»

على ما بعد التعريف إذا كان لقطة، كل ذلك للأصل الذي عرفته.

إلا أن الانصاف ظهور الصحيح المزبور في خلاف ذلك كله، و لا يبعد الجمود عليه من غير تعدية، و الله العالم.

أما لو وجده في جوف سمكة فهو لواجده كما صرح به جماعة، بل نسبه غير واحد إلى إطلاق الأصحاب، و لعله للنصوص (2)


1- 1 راجع ج 16 ص 35- 36.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 328

التي ذكرناها في كتاب الخمس (1)المشتملة على ملك المشتري لما وجده في جوفها من الدرتين، إلا أنها نصوص ضعيفة و خاصة بما يوجد في جوفها مما هو مخلوق في البحر و يعلم عدم كونه من مال البائع.

نعم هناك احتمال ملك الصائد له بالحيازة بناء على عدم اشتراط النية الذي يشهد له هذه النصوص، و لعله إلى ذلك أشار الفاضل هنا بعد الحكم بكون ما في جوفها لواجده بقوله: «و تحتها دقيقة».

لكن قد يمنع هنا صدق الحيازة باعتبار عدم علمه به و عدم كونه من أجزاء السمكة فاشتمال يده حينئذ عليه كاشتمال يد النائم لا يوجب ملكا، لعدم حصول الحيازة، و هذا أمر آخر غير اشتراط النية، كما أشرنا إليه سابقا، و حينئذ يتجه ملك الواجد له إذا كان الموجود من هذا القبيل كما تضمنته النصوص المزبورة.

أما إذا كان من أموال الناس فيتجه فيه ما ذكرناه من التفصيل بأنه لواجده مع العلم بكونه من القديم، و كونه لقطة مع العلم بكونه من مال أهل زمن الواجد، و مع الشك يجري فيه الكلام السابق.

و لا ريب في أن الأحوط عدم ملك الواجد له، للأصل الذي عرفته، و لكن هل يكون لقطة؟ وجهان أشرنا إليهما سابقا.

و على كل حال فلا وجه لتعريف البائع بعد العلم بعدم كونه من أمواله، بل لعله كذلك في الدابة إذا فرض انتقالها عن ملكه حين انتقالها إليه فلم تأكل من ماله شيئا.

نعم لو فرضت السمكة في ماء محصور للبائع يمكن التقاطها لما يسقط من ماله اتجه حينئذ تعريفه، و إلا كان مالا ضائعا بعد العلم بكونه من مال أهل زمن الواجد.


1- 1 راجع ج 16 ص 38.

ج 38، ص: 329

و لكن في محكي المراسم إطلاق التعريف قال: «إن ما يوجد في بطون ما يذبح للأكل و السموك إن انتقل إليه بميراث أو من بحر أخرج خمسه و الباقي ملكه، فان انتقل إليه بالشراء عرف ذلك البائع، فإن عرفه رده إليه و إلا أخرج خمسه و الباقي له».

بل في محكي السرائر «لا فرق بين الحيوان المذبوح و السمكة إذا وجد في جوفها شيئا في أنه يجب تعريفه للبائع قل عن الدرهم أو كثر، فان عرفه و إلا أخرج خمسه و كان له الباقي، لأن البائع باع هذه الأشياء و لم يبع ما وجده المشتري، فلذلك وجب تعريف البائع».

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل و ما في تحقيق الفاضل في المحكي من مختلفه من «أن الموجود إما أن يكون عليه أثر الإسلام أو لا، فان كان وجب تعريفه من البائع و غيره، لسبق ملك المسلم عليه، و يكون حكمه حكم اللقطة، لأنه مال مسلم ضائع، فوجب التعريف حولا، إذ الحيوان هنا كالآلة، و إن لم يكن عليه أثره فليس ببعيد من الصواب القول بوجوب التعريف لما يجده في بطن السمكة مما ليس البحر أصله، أما إذا كان أصله البحر فلا بأس».

بل عن أبي العباس اختياره في كتابيه، بل عن المهذب منهما «أن المستند إجماع علمائنا و إطلاق سلار يحمل على التفصيل، و لا عبرة بندور ابن إدريس».

و عن التذكرة نفي البأس عنه، و لكن قال: «ما كان أصله البحر للصياد».

بل و كذا ما عن موضع من التحرير من أنه «لو اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي له، فان باعها الصياد و لم يعلم فيه قولان: أحدهما أنه يعرفها البائع، فإن طلبها كان له أخذها، و هو الوجه عندي، و الثاني

ج 38، ص: 330

للمشتري، و كذا لو وجد فيها غيرها أو شيئا مما يخلق في البحر، و لو وجد دراهم أو دنانير فالوجه أنها لقطة، فإن وجدها الصياد لزمه التعريف، و إن وجدها المشتري فعليه التعريف- ثم قال-: و أطلق علماؤنا القول في ذلك، فأوجبوا تعريف البائع، فإن عرفها فهي له، و إلا أخرج خمسه و حل له الباقي».

و لم أتحقق ما ذكره من النسبة المزبورة إلى العلماء، بل لعل المحقق خلافها، بل و كذا ما في التنقيح من أن ما عليه أثر الإسلام في بطن السمكة يجب تعريفه، و ما ليس عليه أثره فإن اشترطنا في تملك المباحات النية فهو للواجد، و إن لم نشترط نظرنا في الغالب من حال الحيوان، و الغالب من الدابة تبتلع من دار البائع و السمكة من البحر، و قد تنعكس لكنه نادر- إلى أن قال-: فالفتوى إذن على ما ذكره الشيخان».

بل و كذا ما في جامع المقاصد «من أن الذي يقتضيه النظر أن ما في جوف السمكة المأخوذة من غير المياه المحصورة و ليس عليه أثر ملك مالك للواجد على ظاهر مذهب الأصحاب، و ما عداه لقطة».

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا توافق تمام ما ذكرناه، حتى ما في الرياض، فإنه بعد أن حكى عن المتأخرين كافة أنه لواجده و خص الخلاف بالديلمي و الحلي خاصة قال: «و مبنى الخلاف على الاختلاف في اشتراط النية في تملك المباحات و عدمه، فعلى الأول يقوى الأول، و على الثاني يقوى الثاني- ثم مال إلى الأول مستظهرا من المختلف الإجماع عليه- لكون المأخوذ مباحا في الأصل، فإذا حيز مع النية ملك. هذا مضافا إلى اعتضاده بالنصوص (1)المستفيضة المروية في الوسائل في الباب

عن الكافي و قصص الأنبياء و الأمالي و تفسير مولانا العسكري (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 331

لتضمنها تقريرهم لكثير في تصرفهم فيما وجدوه في جوفها بعد الشراء من دون تعريف على ما هو الظاهر منها، و أسانيدها و إن كانت قاصرة إلا أنها بالشهرة منجبرة، فلا وجه للقول الثاني».

إذ هو كما ترى، ضرورة عدم اختصاص ما يوجد في جوف السمكة بالمباح حتى يكون بناء الحكم في المسألة على الخلاف المزبور الذي قد عرفت الترجيح فيه، و أنه و إن لم يشترط النية إلا أنه لا بد من قصد الحيازة للمباح، و هو مفقود في الصائد دون الواجد، إذ الدرة ليس من أجزاء السمكة.

و أما النصوص فظاهرها الاختصاص بالمباح، و هي شاهدة على ما ذكرنا.

(فمنها)

خبر أبي حمزة(1)المروي في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «إن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا فأخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم، فجاء

سائل فدق الباب، فقال له الرجل: ادخل فدخل، فقال له:

خذ أحد الكيسين، فأخذ أحدهما و انطلق، فلم يكن بأسرع من أن دق السائل الباب، فقال له الرجل: أدخل فدخل، فوضع الكيس في مكانه، ثم قال: كل هنيئا مريئا أنا ملك من ملائكة ربك، إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا، ثم ذهب».

و (منها)

خبر حفص بن غياث (2)المروي عن قصص الأنبياء للراوندي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «كان في بني إسرائيل رجل و كان محتاجا، فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى الله في الرزق فرأى في النوم أيما أحب إليك درهمان من حل أو ألفان من حرام،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 332

فقال: درهمان من حل، فقال: تحت رأسك فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه، فأخذهما و اشترى بدرهم سمكة و أقبل فلما رأته المرأة أقبلت عليه كاللائمة و أقسمت أن لا تمسها، فقام الرجل إليها

فلما شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم».

و خبر أبي حمزة(1)المروي عنه أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) ما يقرب من الأول، و حاصله أنه «كان في بني إسرائيل عابد محارف تنفق عليه امرأته، فدفعت إليه يوما غزلا ليشتري به شيئا، فجاء إلى البحر فإذا هو بصياد قد اصطاد سمكا كثيرا، فأعطاه الغزل، و قال له:

انتفع به في شبكتك، فدفع إليه سمكة فأخذها و جاء إلى زوجته، فلما شقتها بدت من جوفها لؤلؤة، فباعها بعشرين ألف درهم».

و (منها)

خبر الزهري (2)المروي عن الأمالي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث «إن رجلا شكا إليه الدين و العيال فبكى، و قال: أي مصيبة أعظم على حر من أن يرى على أخيه المؤمن خلة فلا يمكنه سدها- إلى أن قال-: قال علي بن الحسين (عليهما السلام) قد أذن الله في فرجك يا جارية احملي إليه سحوري و فطوري، فحملت قرصتين فقال للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما، فان الله يكشف بهما عنك و يريك خيرا واسعا فيهما، ثم ذكر أنه اشترى سمكة بإحداهما و بالأخرى ملحا، فلما شق

بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين، فحمد الله عليهما، فقرع بابه فإذا صاحب السمكة و صاحب الملح يقولون جهدنا أن نأكل من هذا الخبز فلم تعمل فيه أسناننا فقد رددنا إليك هذا الخبز و طيبنا ما أخذته منا، فما استقر حتى جاء رسول على بن الحسين (عليهما السلام) و قال: إنه يقول: إن الله قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة- الحديث 4.

ج 38، ص: 333

فإنه لا يأكله غيرنا، و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله».

و (منها)

المروي في تفسير العسكري (عليه السلام) في حديث طويل (1)«إن رجلا فقيرا اشترى سمكة فوجد فيها أربعة جواهر، ثم جاء بها إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و جاء تجار غرباء فاشتروها منه بأربعمائة ألف درهم، فقال الرجل: ما كان أعظم بركة سوقي اليوم يا رسول الله، فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله):

هذا بتوقيرك محمدا و توقيرك عليا أخاه و وصيه، و هو عاجل ثواب الله لك، و ربح عملك الذي عملته».

و جميعها مع أنه في مقام الاعجاز ظاهرة في المباح، إذ احتمال كون اللؤلؤة مملوكة سابقا مقطوع بعدمه.

و على كل حال فالتحقيق ما عرفت، و نحوه يجري فيما يوجد في جوف الدابة من هذا القبيل، كما أن ما يوجد في جوف السمكة من المال المملوك حكمه ما عرفت.

هذا و قد تقدم لنا في كتاب الخمس (2)جملة من الكلام في هذه المسائل قد جرينا بها على ما عند الأصحاب هناك، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 راجع ج 16 ص 35- 39.

ج 38، ص: 334

[المسألة الثانية من أودعه لص مثلا مالا و هو يعلم أنه ليس للمودع لم يرده عليه]

المسألة الثانية:

من أودعه لص مثلا مالا و هو يعلم أنه ليس للمودع بعد أن قبضه أو قبله- بناء على جواز الاستيلاء عليه بعنوان الحفظ لصاحبه و رده عليه، أو أثم و فعل- لم يجز له

أن يرده عليه مع اختياره مسلما كان اللص أو كافرا بلا خلاف و لا إشكال، لكونه حينئذ مخاطبا برده إلى مالكه أو من يقوم مقامه، و لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه الذي منه الرد إلى اللص، و لا ينافي ذلك سبق خطاب الرد للص بعد تعلق الخطاب بمن قبض أيضا.

ف المتجه حينئذ أنه إن عرف مالكه دفعه إليه و إلا كان حكمه حكم اللقطة عند المصنف و جماعة، ل

خبر حفص بن غياث (1)عن الصادق (عليه السلام) «سأله رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ قال: لا يرده، فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل، و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه و إلا تصدق بها، فان جاء صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم، فان اختار الأجر فله، و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له».

و في المسالك «أن مضمونه موافق للأصول الشرعية، فإنه بعد التعريف يصير مالا مجهول المالك، و قد تقدم أنه يجوز الصدقة به عن مالكه، و لا يقدح زيادة التعريف هنا، لأنه زيادة في الاستظهار و التفحص على (عن خ ل) المالك».


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 335

و فيه أن مجهول المالك لا يحد بتعريف السنة، و ليس هو زيادة استظهار، إذ الظاهر وجوب التعريف عليه حتى يحصل اليأس من مالكه، و هو قد يحصل بأقل من السنة و بأكثر.

قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن وهب (1): «في رجل كان له على رجل حق ففقد و لا يدري أين يطلبه؟ و لا يدري أ حي هو أم ميت؟ و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا، قال: اطلب، قال: إن ذلك قد طال فأتصدق به، قال: اطلبه»

و في الكافي و قد روي في هذا

خبر آخر(2)«إن لم تجد له وارثا و علم الله منك الجهد فتصدق به».

على أن مقتضى إطلاق المصنف جواز تملكه لها بعد التعريف، لعموم المنزلة، و لا ريب في كونه غير حكم مجهول المالك، و إن كان قد يناقش بمنع العموم المزبور بعد تعيينه بالتعريف حولا ثم الصدقة بها المشعر أو الظاهر بكون المراد من التنزيل ذلك.

و لعله لذا ذكرها المصنف في كتاب الوديعة مقتصرا على الصدقة بها من دون قوله كاللقطة، و قد تقدم الكلام هناك في المسألة.

و نبه بقوله: «مسلما كان أو كافرا» على عدم اختصاص الحكم بالأول و إن كان هو المورد في الرواية، إلا أن الظاهر كونه على المثال، بل لا فرق بين محترم المال و عدمه بعد العلم بعدم كونه مالا له، و الأصل احترام مال بلد الإسلام حتى يعلم.

و كيف كان فما عن المفيد و سلار- أنه يتصدق بخمسها على مستحق


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ميراث الخنثى- الحديث 2 من كتاب الفرائض.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ميراث الخنثى- الحديث 11 من كتاب الفرائض و هو مرسل الفقيه لا الكافي، فإن الكليني قده لم يذكر ذلك ابدا راجع الكافي ج 7 ص 153- 155.

ج 38، ص: 336

الخمس و الباقي على فقراء المؤمنين- غير واضح الوجه.

نعم ما عن ابن إدريس- من دفعها لإمام المسلمين، و لا يجوز له التصدق بها، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، و هو منهي عنه (1)- لا يخلو من وجه بناء على مذهبه من عدم العمل بأخبار الآحاد، بل قد يناقش بإطلاق ما دل على الأمر بالصدقة بمجهول المالك على وجه يظهر منه أن ذلك حكمه، لا أنه إذن من الامام (عليه السلام) في ذلك.

و لكن مع ذلك لا ريب في كون الأحوط الدفع إليه خصوصا بعد ظهور كلماتهم في كونه الولي في ذلك.

بل في

خبر داود بن أبي يزيد(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال له رجل: إني أصبت مالا و إني خفت فيه على نفسي، فلو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلصت منه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):

لو أصبته كنت دفعته إليه؟ فقال: إي و الله، قال: فلا و الله ما له صاحب غيري، فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، قال: فاذهب و قسمه في إخوانك، و لك الأمن عما خفت منه، قال:

فقسمه بين إخوانه»

بناء على أن المراد لا ولاية لأحد عليه إلا لي من حيث كونه مجهول المالك، فتأمل جيدا.

بقي شي ء: و هو أن ظاهر الخبر المزبور بل و غيره من أخبار اللقطة يقتضي عدم تسلط المالك بعد عدم الرضا بالصدقة على نفس العين لو كانت موجودة في يد من تصدق عليه، و إنما له الغرم على الفاعل دونه، و هو مناف لقاعدة الفضولي، و لعله لكونه وليا على ذلك مأمورا به شرعا، و مقتضاه حينئذ عدم التخيير له،

و لكن ثبت بالنصوص فتأمل جيد، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 6 من كتاب الخمس.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 337

[المسألة الثالثة من وجد في داره أو في صندوقه مالا فهو له]

المسألة الثالثة:

من وجد في داره أو في صندوقه مالا و لا يعرفه أنه له أو لغيره فان كان يدخل الدار غيره أو يتصرف في الصندوق سواه فهو لقطة و إلا فهو له بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، كالشيخ و الفاضلين و الشهيدين و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في جامع المقاصد نسبته إلى إطلاق الأصحاب، و في الرياض نفي ظهور الخلاف فيه.

و الأصل فيه

صحيح جميل (1)عن الصادق (عليه السلام) «قلت له: رجل وجد في بيته دينارا، قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال: هذه لقطة، قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا، قال:

فيدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت: لا، قال:

فهو له»

المؤيد بالظاهر مع عدم مشاركة الغير، فإنه قد يعرض له النسيان.

نعم لو قطع بانتفائه عنه لم يحكم بكونه له، إذ احتمال أنه رزق جعله الله في ماله لا يعول عليه في مثل ذلك، بل يمكن منع دلالة الخبر عليه كالفتاوى بعد كون المتيقن منهما حال عدم العلم الذي ليس وراءه شي ء، و عليه المدار في جميع الأحكام.

لكن في الرياض «قد يشكل بعد إطلاق النص و الفتوى مع عدم صدق اللقطة على مثله ظاهرا، فمتابعة الإطلاق لعلها أولى، و لا ينافيه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 338

القطع بالانتفاء، فقد يكون شيئا بعثه الله تعالى و رزقه إياه» و فيه ما لا يخفى.

هذا و في المسالك «و إطلاق الحكم بكونه لقطة مع المشاركة يقتضي عدم الفرق بين المشارك في التصرف و غيره، فيجب تعريفه حولا، و هو يتم مع عدم انحصاره، أما معه فيحتمل جواز الاقتصار عليه، لانحصار اليد و وجوب البدأة بتعريفه للمشارك، فان عرفه دفعه إليه، و إلا وجب تعريفه حينئذ تمام الحول كاللقطة».

بل في الرياض بعد أن حكى عن بعض أنه احتمل الأول قويا- لأنه بعدم اعتراف المشارك يصير كما لا مشارك له فيه- قال: «و هو حسن يمكن تنزيل إطلاق النص و الفتوى عليه».

و الأصل في ذلك الكركي، قال: «و ينبغي أن يقيد بما إذا كان المشارك غير محصور، فان كان محصورا وجب تعريف المشارك خاصة، لكن يشكل كونه ملكا له إذا لم يعرفوه مع كونه لا يعرفه، و لذلك أطلق الأصحاب».

قلت: قد يقال: إن الأصل بمعنى الظاهر في كل ما كان في بيته و داره أن يكون له حتى يعلم عدمه، كما يقتضي به صحيحا(1)الخربة الظاهران في أن المال مع كونها معمورة لهم، و الموثق (2)يقيدهما بما إذا لم ينكروه بناء على إرادته من

قوله (عليه السلام) فيه: «إذا لم يعرفوه»

بل لو لا ظهور اتفاق الأصحاب على كونه لقطة مع مشاركة غير المحصور شركة لا تنافي كون اليد له أشكل ذلك بعدم تحقق وصف الضياع فيه، فلا يجب تعريفه عليه.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 38، ص: 339

و لعله لذا قال الأردبيلي: «و أيضا ظاهر أن التعريف للمشركين، و منه يحتمل كونه لهم على وجه الاعلام لا تعريف اللقطة» و إن كان هو خلاف ظاهر النص و الفتوى، بل و ما ذكرناه من الأصل الذي مقتضاه الحكم بكونه له مع فرض كون المشاركة إنما هي في الدخول و الخروج، و إلا فالدار داره و اليد يده و كذا الصندوق.

و في الروضة «لا فرق في وجوب تعريف المشارك هنا بين ما نقص عن الدرهم و ما زاد، لاشتراكهم في اليد بسبب التصرف- قال-:

و لا يفتقر مدعيه منهم إلى البينة و لا الوصف، لأنه مال لا يدعيه أحد، و لو جهلوه جميعا فلم يعترفوا به و لم ينفوه فان كان الاشتراك في التصرف خاصة فهو للمالك منهم، و إن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك، و إن كان الاشتراك في الملك و التصرف فهم فيه سواء». و لعله للأصل الذي ذكرناه، فيتجه حينئذ الاقتصار في الخروج منه على الدار التي يدخلها كثير دون غيرها.

نعم يتجه مع ثبوت اليد الاشتراك، إلا أن تزيد يد أحدهما على الآخر قوة، كما أومأ إليه ثاني الشهيدين بما سمعت، فتأمل جيدا، فإن المسألة في غاية الغموض، و كلامهم فيها غير محرر، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لا يملك الملتقط اللقطة قبل الحول]

المسألة الرابعة:

لا يملك الملتقط اللقطة التي هي مما تبقى قبل تعريف الحول و لو نوى ذلك إجماعا بقسميه، للأصل و غيره، بل يمكن دعوى القطع بدلالة النصوص (1)المستفيضة أو المتواترة، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 340

الظاهر ضمانه حينئذ بالنية المزبورة، بناء على أن مثلها خيانة كالوديعة، أو مقتضية لانتفاء الاذن شرعا في قبضها و لو الاستدامي، فتكون مضمونة و إن كان له تملكها مع ذلك إذا عرفها التعريف المعتبر مصاحبا للنية المزبورة، كما ستعرفه إنشاء الله تعالى في الأحكام.

و كذا لا يملكها أيضا بعد تعريف الحول ما لم يقصد التملك بل و يتلفظ بقول: «تملكت» في قول، بل و يتصرف معها في آخر على ما في المسالك حاكيا له عن الشيخ، و إن كنا لم نتحققه، نعم هو محكي عن بعض العامة.

و على كل حال فالمراد توقف تملكها بعد تعريف الحول على القصد كما هو خيرة الشيخ في محكي المبسوط و موضعين من الخلاف و ابني حمزة و زهرة و التقي و الفاضلين و الآبي و الفخر و الشهيدين و الكركي و أبي العباس و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك و غيرها نسبته إلى الأشهر كنسبته إلى الأكثر في المختلف، بل في الروضة نسبته إلى المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، بل هو لازم ما سمعته من التخيير بين الثلاثة الذي قد عرفت ما يدل عليه من الإجماع المحكي و النصوص (1)و غيرهما.

و لكنه مع ذلك قيل و القائل ابن إدريس:

يملكها بعد التعريف حولا و إن لم يقصد مدعيا عليه إجماع الفرقة و أخبارهم و إن كنا لم نعرفه لغيره صريحا، نعم في الدروس نسبته إلى ظاهر المقنعة و النهاية و إلى الصدوقين، بل قال فيها: إنه الأشهر.

و لكن في المقنعة «و إن كان الموجود في غير الحرم عرفه سنة، فان جاء صاحبه و إلا تصرف فيه الذي وجده، و هو له ضامن» و نحوها المحكي من عبارة المراسم و لا ظهور فيهما بذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 341

كما أنه ليس في النهاية و المحكي عن الصدوقين إلا التعبير بما في النصوص من كونها كسبيل المال الذي لا صراحة فيه بل و لا ظهور، ضرورة احتماله أمانة كسبيل المال، خصوصا بعد ما سمعت من اشتمال بعض النصوص على ما يؤكد ذلك، ك

قول أحدهما (عليهما السلام) في الصحيح (1): «و إلا فاجعلها في عرض مالك يجري عليه ما يجري على مالك حتى يجي ء لها طالب، فان لم يجي ء لها طالب فأوص بها في وصيتك».

و خصوصا بعد ورود مثل ذلك في مجهول المالك المعلوم إرادة ذلك فيه، كما في

الموثق (2)«سأل حفص الأعور أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا عنده جالس، قال: إنه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه، و له عندنا دراهم، و ليس له وارث، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):

يدفع إلى المساكين، ثم قال: رأيك فيها، ثم أعاد عليه المسألة، فقال له مثل تلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):

تطلب له وارثا، فان وجدت وارثا و إلا فهو كسبيل مالك، ثم قال:

و ما عسى أن يصنع بها، ثم قال: توصي بها، فان جاء لها طالب و إلا فهي كسبيل مالك».

و رواه في

الفقيه عن هشام بن سالم (3)قال: «سأل حفص الأعور أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا حاضر فقال: كان لأبي أجير و كان له عنده شي ء، فهلك الأجير و لم يدع وارثا و لا قرابة و قد ضقت بذلك ذرعا فكيف أصنع؟ قال: رأيك المساكين رأيك المساكين، فقلت: جعلت فداك إني قد ضقت بذلك، فكيف أصنع؟ قال: هو


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ولاء ضمان الجريرة- الحديث 7 من كتاب الفرائض.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ميراث الخنثى- الحديث 10 من كتاب الفرائض.

ج 38، ص: 342

كسبيل مالك، و إن جاء طالب أعطيته».

بل الأمر بالجعل في الصحيح الأول أقل مراتبه الإباحة، و ذلك يستدعي أن يكون المأمور به مقدورا، و هو لا يجتمع مع الملك قهرا.

و في الرياض- من أنه إنما يتم لو كان المأمور به جعلها مالا و ليس، فان جعله في عرض المال غيره، كما صرح به في المختلف- لا حاصل له على وجه يبطل به

الاستدلال على المطلوب، ضرورة تماميته على تقدير الكناية بذلك عن جعلها أمانة بقرينة ما بعده أو التملك الاختياري.

اللهم إلا أن يراد من جعلها في عرض المال الكناية عن صيرورتها من أموالك، فلا يكون الأمر مرادا به شيئا من معانيه، و هو كما ترى.

و أوضح من ذلك

قوله (عليه السلام) في الصحيح (1)الذي قدمناه سابقا في مسألة التخيير: «يعرفها سنة، فان لم يعرف حفظها في عرض ماله حتى يجي ء صاحبها فيعطيها إياه، و إن مات أوصى بها، و هو ضامن»

ضرورة منافاة الأمر بحفظها للملك القهري.

و من الغريب ما في الرياض من رده بقوة احتمال أن يكون

قوله (عليه السلام): «فان لم يعرف»

بالتشديد، و لا كلام فيه، لا بالتخفيف المبتني عليه الاستدلال، فإنه يمكن الجزم بعدمه بملاحظة سياق غيره من النصوص، و إن كان قد ذكره بعض المحشين على التهذيب معترفا بكونه منافيا للظاهر، موجها به ما اشتمل عليه من الضمان لها، زاعما أن ترك التعريف يوجبه.

و هو كما ترى ليس بأولى من إبقائه على سياق غيره من النصوص مع حمل الضمان على إرادة تأدية العين أو إذا لم يوص بها أو غير ذلك مما لا ينافي الأول.


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 343

و بذلك كله ظهر لك ما في دعوى ظهور

«كسبيل مالك»(1)

في التملك القهري مؤيدا بما

في بعضها(2)مع ذلك «يجري عليها ما يجري على مالك»

الظاهر في جريان جميع أحكام ماله عليه، و من جملتها وجوب الزكاة بعد حؤل الحول إذا كانت نقدا، و هذه إحدى ثمرات النزاع التي تترتب عليه.

و بأن مقتضى التشبيه الاتفاق في جميع الأحكام إلا أن يكون منها فرد متبادر ينصرف إليه و ليس، و يكفي في التغاير المصحح للتشبيه غير الأحكام من نحو تغاير الماهية أو غيرها.

إذ لا يخفى عليك- بعد الإحاطة بما ذكرناه في مسألة التخيير و في المقام- ما في ذلك كله، بل لو سلم ظهورها في ذلك لأمكن أن يقال بوجوب تنزيلها على إرادة

الاختيار، جمعا بينها و بين غيرها مما دل على ذلك.

و أغرب شي ء دعوى صحة إجماع ابن إدريس و صحة النسبة إلى الأشهر في الدروس بعد ما عرفت، و لعله لذا قال المصنف و هو بعيد.

مضافا إلى الأصل و ظهور التخيير للمالك في الصدقة، إذ احتمال كونها بمال الملتقط خلاف الظاهر، كظهور

قوله (عليه السلام) في النبوي(3): «فشأنك فيها»

في ذلك أيضا، و إلى غير ذلك.

و دعواه الإجماع و تواتر الأخبار لم نتحققها، بل في المختلف الجزم بخطائها، قال: «فإن أكثر الأصحاب قالوا: إنه لا يملك إلا بالنية، بل أبو الصلاح جعل الاحتفاظ و عدم التملك أولى، و الأخبار إنما تنطق بما قلناه».

بقي الكلام فيما عن الخلاف من أنها لا تدخل في الملك إلا باختياره


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 10.
3- 3 سنن البيهقي ج 6 ص 185 و فيه« فشأنك بها».

ج 38، ص: 344

بأن يقول: «قد اخترت ملكها» قيل: و وافقه عليه التقي و أبو الصلاح و هو

ظاهر التذكرة في موضعين، فإنه و إن كان مقتضى الأصل ذلك، إذ القول بأن حصول الملك لا شك فيه- و توقفه على سبب لا يستدعي سببا معينا، و الأصل عدم التعيين، و ذلك دليل على الاكتفاء بالنية، فلا يستقيم نفي الدليل على ثبوت الملك بها، و ليس الدليل منحصرا في الإجماع- لا حاصل له إذا لم يرجع إلى دعوى ظهور النصوص في عدم اعتبار غير النية المستفادة من الجمع بين النصوص بالتخيير الذي مرجعه إن شاء تملك و إن شاء تصدق و إن شاء جعلها أمانة، بل و من

قوله (عليه السلام)(1): «اجعلها في عرض مالك»

بناء على إرادة التملك بذلك، و كذا

قوله (صلى الله عليه و آله) في النبوي(2): «فشأنك فيها»

و لأنه أقرب إلى

قوله (عليه السلام)(3): «من وجد شيئا فهو له، فليتمتع به حتى يجي ء طالبه»

إلى آخره و غيره بعد ما سمعت من الأدلة على عدم الملك القهري.

بل الظاهر كونه كذلك في كل ولي على نحو ذلك، كالأب و الجد و غيرهما ممن هو ولي عن الطفل أو المجنون، بل لعل

قوله (عليه السلام) في خبر السفرة(4): «قوّمه على نفسك»

مشعر أو ظاهر في ذلك و إن كان قبل التعريف، ضرورة اتحاد كيفية التملك قبله و بعده، كاشعار


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 10.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 185 و فيه« فشأنك بها».
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و الموجود فيه:« يقوم ما فيها» و الجملة التي ذكرها قده من مرسلة الصدوق قده المروية في الوسائل الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 9 و قد وردت في الطعام الذي وجده في المفازة.

ج 38، ص: 345

خلو النصوص عن ذكر أمر معتبر في التملك بعد تأديته بما يقتضي القهرية لو لا معارضة ما عرفت مما يقتضي عدمه، فينقطع حينئذ بذلك الأصل.

و دعوى أن الملك حصل بالعوض- و هو المثل أو القيمة، فافتقر إلى اختياره و اللفظ الدال عليه كالبيع و أخذ الشفيع- لا محصل لها بعد ما عرفت من ظهور النصوص في غير المقام من حصول الملك للولي بالتقويم، بل قد يدعى أنه قسم مستقل ثابت بالنصوص لا يدخل في البيع و لا في غيره، بل هو أشبه شي ء بالقرض.

و من ذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك، فإنه بعد أن حكى القولين المزبورين و حكى الثالث- و هو التوقف على التصرف، بمعنى كونه تمام السبب المركب من التعريف و نية التملك أو لفظه الدال عليه لأن مالكه لو ظهر و العين باقية كان أحق بها، و لو ملك الملتقط قبله لكان يرجع إلى المثل أو القيمة لا إلى العين، و هذا كالقرض عند الشيخ- قال: «و الأصل في الخلاف أن تملكها هل هو على سبيل المعاوضة أم لا؟

و على الأول هل هو على سبيل الاقتراض أم لا؟ و على الأول هل يتوقف تملك المقترض على التصرف أم لا؟ و الحق أن المعلوم شرعا ملك الملتقط لها مع قصده بعوض يثبت في ذمته، إما مطلقا أو مع ظهور المالك، أما كونه على وجه المعاوضة و كونها على جهة القرض فلا دليل عليه» إلى آخره.

إذ فيه- بعد الإغضاء عما في كلامه مما يشبه التناقض- أنه لا يبتني الخلاف على ذلك، ضرورة عدم لزوم القول بالتملك على سبيل المعاوضة لشي ء من ذلك، بل و على القول بأنها كالقرض، خصوصا بعد ما تقدم في محله من عدم توقف الملك به على التصرف.

ثم قال: «و أما ما ألزموه للقائل بتوقف الملك على التصرف بلزوم

ج 38، ص: 346

الدور- من حيث توقف جواز التصرف على الملك المتوقف على التصرف- فغير لازم، لمنع توقف جواز التصرف على الملك، بل على الاذن فيه من المالك أو الشارع، و هو هنا متحقق، و مثله ملك المشتري معاطاة بالتصرف المترتب جوازه على إذن المالك، و ما يقال من أن من التصرف ما يكون ناقلا للملك فكيف يحصله يندفع بتقدير الملك الضمني، كعتق العبد عن الآمر».

قلت: قد يناقش بأن ذلك يلتزم بعد ثبوت الدليل على نحوه، بخلاف المقام الذي لم يثبت دليل عليه، بل لم نعرف القول المزبور لأحد من أصحابنا و إن حكاه هو عن الشيخ، نعم هو أحد أقوال الشافعي.

هذا و في القواعد «و لو قدم قصد التملك بعد الحول ملك بعده و إن لم يجدد قصدا» و مقتضاه حينئذ كون التعريف شرطا.

و فيه أن الأدلة لا تساعد على ذلك، و الأصل عدم الملك، و صلاحيته للتملك بعد التعريف لظهور الأدلة لا يقتضي صلاحيته لها على الوجه المزبور، كما هو واضح.

بل قد يشكل التملك لو فرض بقاء عزمه الأول إلا أنه لم ينشأ نية جديدة، لما عرفته، و من هنا حكي عن التحرير التصريح باعتبار التجديد و أنه لا يكفي العزم الأول و إن بقي عليه، خلافا لبعضهم فاكتفى به، و لعله لأنه كابتداء النية عنده، و إن كان فيه أنه خلاف ما ذكرناه من الأصل، و الله العالم.

ج 38، ص: 347

[المسألة الخامسة اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك]

المسألة الخامسة قال الشيخ (رحمه الله): اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك و لفظه المحكي عنه في مبسوطه «قال قوم: يلزم الملتقط الضمان وقت مطالبة صاحبها بها، ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل، و لا يكتم و لا يغيب، فان جاء صاحبها فليردها، و إلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء»

و قال آخرون:

اللقطة بعد الحول تجري مجرى القرض، و القرض يلزم بنفس القرض لا بمطالبة المقرض، و الأول أقوى».

و أما في الخلاف فالمحكي عنه أنه «حكي إجماع الفرقة و أخبارهم على أنه إذا عرفها سنة و أكلها كان ضامنا» و لم يتعرض لمطالبة المالك، بل ظاهر قوله: «ضامنا» ثبوت المال في ذمته قبل ذلك، و لعله لذا نسبه في التحرير إليه في بعض كتبه: قال: «و في أكثر كتبه تعلقه به بالنية» و هو ظاهر المحكي عن الغنية و السرائر بل حكي عن التحرير و إن كنا لم نتحققه، و إنما الموجود فيه عدم الترجيح، نعم هو خيرة الكركي و ثاني الشهيدين.

بل في المسالك «الظاهر من الأخبار أن الضمان يحصل بظهور المالك و إن لم يطالب، لكن الشيخ اعتبر المطالبة» بل في الروضة التصريح باختياره، و جعل الضمان بالمطالبة احتمالا.

و على كل حال ف هو بعيد مناف للمحكي عن المشهور لأن المطالبة تترتب على الاستحقاق ضرورة عدم صحة


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 187.

ج 38، ص: 348

وقوعها منه بدونه، لا أنها توجب الحق، فما في النصوص (1)من مطالبة المالك بها يقتضي سبق استحقاقه لا توقفه عليها و إلا دار.

و ما في المسالك- من الجواب عنه بمنع توقفها على الاستحقاق، بل على إمكانه و هو حاصل- لا حاصل له.

و كذا ما في جامع المقاصد من الجواب عنه بأن «اقتضاء المطالبة سبق الاستحقاق صحيح، لكن لا يلزم منه ثبوت الضمان قبل مجي ء المالك، بل غايته أنه إذا جاء المالك استحق، فيطالب حينئذ» فإن مرجعه إلى دعوى تسبيب المجي ء الحق، و تتبعه المطالبة.

و فيه منع تسبيبه الحق، و المجي ء في النصوص إنما هو مقدمة للمطالبة التي مقتضاها سبق استحقاق المطالب بالمثل أو القيمة، و لا سبب صالح لتسبب سبق ذلك إلا الملك، ضرورة كون التلف إنما حصل على ملكه الذي لا يقتضي استحقاق الغير عليه شيئا، فتأمل جيدا.

ثم قال: «إن الذي يقتضيه النظر و يرشد إليه

النص (2)إن العين متى كانت باقية و ظهر المالك و طالب بها وجب رد العين، و لا بعد في ذلك، بأن يكون ملك الملتقط إياها متزلزلا، و إن جاء بعد تلفها و طالب وجب البدل من المثل أو القيمة يوم التلف أو يوم المطالبة على احتمال، و رجح في التحرير قيمته يوم التلف لوجوب رد العين حينئذ، و قد تعذر فيجب البدل،

لا يقال: لو لم يجب العوض قبل ذلك لم يكن له المطالبة به، لأن العين قد تلفت على وجه غير مضمون، لأنا نقول: لا يلزم من وجوب العوض قبل ذلك كون التلف غير مضمون، لإمكان أن يقال: المراد بضمان العين من حين تملكها كون المالك إذا جاء ترد عليه العين و مع تعذرها فالبدل، و هذا كاف في صدق معنى الضمان، و الحاصل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 349

أن الملتقط يملكها ملكا مراعى، فيزول بمجي ء صاحبها، و هذا أعدل الأقوال، لأن فيه جمعا بين الأدلة، و الأصل عدم أمر زائد عليه و قد اختار المصنف هذا في التحرير، و هو قوي متين».

و فيه أنه قريب إلى ما تفرد به الفخر مما سمعته سابقا في الضالة من عدم الضمان، و لكن إنما يستحق المالك الغرامة عليه إذا جاء و طالب، و قد عرفت ضعفه في محله.

على أن ما حكاه عن التحرير من تعليل الضمان يوم التلف كالصريح في ثبوت المثل وقت التلف، لقوله: «حينئذ» نحو المغصوب، و هو يقتضي سبق الاستحقاق.

بل قد يقال: إن التملك الذي قلنا بحصوله بالنية مقتض لذلك، لأصالة احترام مال المسلم على وجه لا يكون كالمباح، و لأصالة عدم الملك بدون ذلك، خصوصا بعد

قوله (عليه السلام) في السفرة(1)«قومها على نفسك»

نحو ما ورد(2)في تقويم الولي مال المولى عليه، و كون ذلك قبل التعريف غير مناف بعد ما عرفت من الاتحاد في الكيفية.

فيكون الحاصل أن الشك حاصل في حصول الملك بنية التملك خاصة، أو بها مع ثبوت العوض في الذمة، فالأصل عدم الملك بذلك، و ليس الملك متيقن الحصول و الشك في وجوب شي ء آخر معها كي يكون الأصل عدمه.

(و أما الاستدلال) ب

قوله (عليه السلام)(3): «من وجد شيئا فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه رده اليه».


1- 1 راجع التعليقة 4 من ص 344.
2- 2 الوسائل- الباب- 79- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 350

و قوله (عليه السلام)(1): «فان وجدت صاحبها و إلا فأنت أحق بها، و قال: هي

كسبيل مالك، و قال: خيره إذا جاءك بعد سنين بين أجرها و بين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها»

و قوله (عليه السلام)(2): «فان جاء طالبها و إلا فهي كسبيل مالك»

فان كلا من الغاية و التخيير و كونها كسبيل المال ينافي الضمان من حين التملك، بل قد سمعت

ما في صحيح قرب الاسناد(3)من قوله (عليه السلام): «فكلها و أنت لها ضامن إن جاء صاحبها أن تردها»

(ففيه) أنها أدل على الضمان المزبور من عدمه، ضرورة كون المراد وجوب الرد عند مجي ء المالك للعين أو البدل و نحو ذلك من أحكام الضمان، لا أن الضمان يحصل حينئذ.

نعم قد يقال باختصاص ذلك بالمالك و وارثه، لا أنها تكون من ديونه على وجه إن لم يظهر المالك و لا وارثه يتصدق بها عن صاحبها و تخرج من تركته و يشارك غرماؤه و غير ذلك، لخلو النصوص، بل لعلها ظاهرة في خلافه، مع إمكان أن يقال: إن ذلك فيها جريا على الغالب و إلا فهو في ذمته كالقرض.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه لا منافاة بين كونها مضمونة بالنية و وجوب الرد عليه إذا جاء المالك الذي ليس له الامتناع عن القبول، كما أنه ليس للملتقط اختيار رد المثل أو القيمة من دون رضا المالك بعد ظهور النصوص أو صراحتها في ذلك.

فما عن المشهور من عدم وجوب رد العين واضح الضعف، مع أنا لم نتحقق الشهرة المزبورة.

و أما احتمال كون التملك المزبور كالفضولي الذي ينكشف بمجي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 7.

ج 38، ص: 351

المالك أو طلبه إياها عدم ملكه له فيدفعه النص و الفتوى.

بل و في

المرسل عن أبي العلاء(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل وجد مالا فعرفه حتى إذا مضت السنة اشترى به خادما فجاء طالب المال فوجد الجارية التي اشتريت بالدراهم هي ابنته، قال:

ليس له أن يأخذ إلا دراهمه، و ليس (ليست خ ل) له الابنة، إنما له رأس ماله و إنما كانت ابنته مملوكة قوم»

و لو كان من الفضولي لكان له أخذ البنت، بل

قوله (عليه السلام): «و إنما كانت»

إلى آخره كالصريح في كون المراد أنها صارت ملكا لقوم، أي الواجد.

و في الدروس عن النهاية «لا يلزمه أخذها و إن أجاز شراعها عتقت» و فيه ما لا يخفى مع الشراء بعد التملك. و كذا ما عن ابن إدريس من منعه ذلك عليه، لبطلان عقد الفضولي، إذ قد عرفت خروجه عن ذلك، نعم لو اشتراها بعين المال قبل الحول أو بعده و قلنا بعدم الملك قهرا اتجه كلام الشيخ و كلامه.

و على كل حال فقد ظهر لك أنه يملك العين متزلزلا بالعوض ما دامت موجودة، فإن تلفت استقر، و هو معنى

قوله (عليه السلام) في الضالة(2): «فإنها لربها أو مثلها»

لا أن المراد ثبوت مثلها عند التلف نحو المضمون من الأموال الباقية على ملك مالكها بخلاف المقام (المخالف للمقام خ ل) الذي خرج الملك عن صاحبه بالنية مضمونا فليس حينئذ إلا ثبوت العوض في الذمة، إذ لا معنى لضمانه بعد خروجه عن الملك إلا هذا.

و احتمال كونه كالمبيع بالخيار الذي يضمن بالفسخ عند تلفه و إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 352

مملوكا للمشتري- فهذا أيضا ينفسخ التملك الذي حصل بالنية بمجي ء المالك أو مطالبته فينتقل إلى المثل أو القيمة، و هذا كاف في كونه مضمونا، نحو قولهم: «المبيع في زمن الخيار مضمون على المشتري»- يدفعه عدم وفاء الأدلة بذلك، إذ لا أقل من احتمالها الأمرين، و الشهرة و القواعد العامة تقتضي ما قلناه.

و من الغريب ما في جامع المقاصد من استبعاد ثبوت عوض في ذمة الغير على جهة القهر مع بقاء العين، إذ قد عرفت أنه ثبوت عوض عن ملك العين اختيارا بالنية، إنما المستبعد تملك مال الغير مجانا ثم الضمان بالمجي ء و المطالبة، كما هو واضح.

و قد تقدم في ضمان واجد الضالة ماله نفع في المقام، ضرورة عدم الفرق بينهما في الكيفية عند اختيار التملك، هذا كله في الضمان بنية التملك.

أما الضمان بالصدقة به فلا يبعد كون المراد به استحقاق عليه بمجي ء المالك و عدم إرادته الأجر، و الله العالم.

[الثاني في الملتقط]

الثاني في الملتقط و هو من له أهلية الاكتساب أو الحفظ، فلو التقط الصبي جاز، و يتولى الولي التعريف عنه و التملك و الحفظ و الصدقة و كذا المجنون.

و كذا يصح الالتقاط من الكافر مطلقا فضلا عن الفاسق، نعم قيل غير المرتد عن فطرة، و لا يخلو من نظر، كما تقدم في محله

ج 38، ص: 353

لأن له أهلية الاكتساب فيكفي في صحة الالتقاط- بناء على كون المعتبر فيه قابلية الملتقط لأحد أمرين- قابلية الاكتساب أو الائتمان على الحفظ، نعم لو فقد الجميع لم يصح، و إن كان هذا محل نظر أشرنا إليه سابقا، و ذلك لأنه إن كان هذا المذكور للملتقط المعبر عنه بلفظ «من» و نحوه من التملك و الحفظ يقتضي تخصيصه بالقابل فالمتجه اعتبارهما معا فيه لا أحدهما، و إن كان لا يقتضي ذلك و إنما هي أحكام لمن يقبلها من أفراده فلا يعتبر شي ء منهما.

و من هنا يتجه صحة التقاط الصبي و المجنون في الحرم و إن خليا عن الائتمان و الصدقة كما ستعرف، و قد تقدم الكلام في ذلك كله.

نعم في المسالك هنا «و هل تقر يدهما أي الكافر و الفاسق عليها إلى أن يتم الحول أم ينتزعها الحاكم من يدهما إلى أن يستحقا تملكها فيدفعها إليهما؟ وجهان من عدم كونهما من أهل الأمانة على مال الغير، و من عموم الاذن في الالتقاط، و لأنه يخلى بينهما و بين الوديعة؛ فكذا يخلى بينهما و بين اللقطة كالعدل، و فيه نظر، لأن الاذن في الوديعة جاء من قبل المالك بخلاف اللقطة، فإن إذنها من الشارع، و لم يستأمن غير العدل على مال الغير. و في التذكرة أوجب مع علم الحاكم خيانته ضم مشرف إليه و إلا استحب، و في التحرير لم أقف لعلمائنا على نص في انتزاع اللقطتين من يد الفاسق أو ضم حافظ إليه مدة التعريف».

و في القواعد «للعدل أن يحفظ بنفسه أو يدفع إلى الحاكم، و غيره يتخير الحاكم بين انتزاعه منه و بين نصب رقيب إلى أن تمضي مدة التعريف، ثم إن اختار الفاسق أو الكافر التملك دفعه الحاكم إليه و إلا فالخيار للملتقط إن شاء أبقاه أمانة في يد الحاكم أو غيره، و ليس للحاكم مطالبته بعد الحول بكفيل».

ج 38، ص: 354

و ظاهر المحكي عن المبسوط المفروغية من أحد الأمرين: الانتزاع أو ضم الرقيب، لأنه حكى في ذلك قولين و إن لم يرجح بينهما.

قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الاجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص المقتضي لجواز الالتقاط بأحكامه، و لذا كان خيرة الشهيد و الكركي الإقرار في أيديهما من دون ضم رقيب.

و على كل حال فلا كلام في جواز الالتقاط في غير الحرم.

إنما الكلام هنا في قوله و في أخذ لقطة الحرم لهؤلاء تردد ينشأ من كونهم ليسوا أهلا للاستئمان و الفرض لا تملك فيها كي يكون اكتسابا، فهي استئمان محض، و هم ليسوا من أهله، و من إطلاق الأدلة.

لكن صرح في القواعد باشتراط العدالة، و في الدروس «أربعة لا يجوز لهم أخذ لقطة الحرم: الصبي و المجنون و الكافر و الفاسق، لأنها أمانة محضة» و كذا المسالك، بل و التذكرة و إن لم يصرح فيها بالمجنون، بل و التحرير و إن تردد في الفاسق.

قلت: قد سمعت إطلاق النصوص فيما تقدم و أن الأقوى إرادة شدة الكراهة مما اشتمل على النهي فيها، نعم في خبري الفضيل بن يسار ما يدل على ذلك في الجملة.

قال في أحدهما(1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجد اللقطة في الحرم، قال: لا يمسها، و أما أنت فلا بأس، لأنك تعرفها».

و في الآخر(2): «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن لقطة الحرم، فقال: لا تمس أبدا حتى يجي ء صاحبها فيأخذها، قلت: فان كان مالا كثيرا قال: فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها».


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 355

و لا جابر لهما على تقدير إرادة ذلك منهما، بل لعل الموهن متحقق، ضرورة حدوث التفصيل للفاضل، بل الأول منهما مشتمل على التعليل القاضي بعدم الفرق بين الفاسق و العدل مع التعريف.

بل في المسالك «أن الثانية ظاهرة في الكراهة، و أن أخذ الثقة غير مكروه أو أقل كراهة، كمطلق اللقطة».

فالتحقيق حينئذ الجواز، و لكنه على شدة كراهة في المكلف منهم، بخلاف الصبي و المجنون الذي ينتقل حكم التقاطهما إلى وليهما، و عدم الاكتساب فيه لا يمنع من صحة التقاطهما بعد أن عرفت عدم ظهور الأدلة في اشتراط الصحة بذلك و إن ذكر فيها (ذلك لكن على وجه يكون حكما للقابل له لا قيدا خ)(1)ذكر حكم يكون على القابل له، فيبقى ما دل على الصحة من العموم و الإطلاق بحاله.

و بذلك يتضح لك الحال في كثير من أفراد المسألة التي يمكن أن يكون ذلك فيها من مسألة عدم تخصيص العام بذكر ما يرجع إلى بعض أفراده فتأمل جيدا.

و أما التعريف و الحفظ و الصدقة بها بعد ذلك فهي من التكليف الذي لا فرق فيه بين الفاسق و العدل، و ينتقل في الصبي و المجنون إلى وليهما.

و على كل حال فعلى تقدير عدم الجواز قد قالوا: أنه ينتزعها الحاكم، لعدم ولاية لهم على حفظها و لا أولوية.

و فيه أن المتجه على ذلك جواز أخذ العدل أيضا، لصدق اللقطة على ما في أيديهم بعد عدم الولاية و الأولوية، و هو واضح.

كما أن المتجه انتزاع الحاكم لها من يد العدل بناء على الحرمة، إذ


1- 1 ما بين القوسين ليس في النسخة الأصلية المخطوطة بقلمه الشريف قده و إنما أثبت في النسخة الأصلية المبيضة بعنوان نسخة.

ج 38، ص: 356

لا فرق بينه و بين الفاسق بعد عدم جواز الالتقاط، بل يخرج عن العدالة مع إصراره على بقائها في يده إن قلنا إنه صغيرة و إلا خرج بالالتقاط.

نعم قد يفرق بينهما بجواز إقرار الحاكم لها في يد العدل على أن تكون أمانة منه بخلاف الفاسق، و الله العالم.

و للعبد القن مع الاذن أو عدم النهي أخذ كل واحدة من اللقطتين الحل و الحرم، بل و الضالة و المال.

و لكن

في رواية أبي خديجة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام)، «لا يتعرض لها المملوك»

و مع ذلك قد اختار الشيخ الجواز و تبعه من تأخر عنه.

و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها العمل على إطلاق الأدلة و لأن له أهلية الاستئمان و الاكتساب اللذين تضمنهما اللقطة، فيحمل خبر أبي خديجة على ضرب من الكراهة أو غيرها، كما تقدم الكلام في ذلك و غيره مفصلا.

و كذا المدبر و أم الولد و غيرهما بل الجواز أظهر في طرف المكاتب بقسميه لأن له أهلية التملك أيضا، بل يمكن القول بجواز التقاطه و إن قلنا بعدمه في القن، و ليس للمولى انتزاعها من يده، لأنها من كسبه إذا لم تكن لقطة حرم، و من أمانته إن كانت، نعم لو عجز فاسترق كان للمولى انتزاعها كالقن، و بنى على تعريفه إن لم يعلم فساده.

و لو اشتغل المكاتب بالتعريف فأعتق أتمه و تملك، و لو مات قبل التعريف أو تمامه فكالقن إلا إذا كان قد أعتق بعضه، فإنه يقوم الوارث


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 357

مقامه في نصيب الحرية، ضرورة كونه حينئذ كالمبعض الذي أشرنا إليه سابقا.

و في القواعد هنا «من انعتق بعضه حكمه حكم الحر في قدر الحرية و حكم العبد في الباقي» و هو كذلك، فيكون حينئذ كرجلين التقطا معا.

نعم إن كانت بينه و بين سيده مهاياة فالظاهر كونها للمولى إن وقعت في نوبته، فيلحقها حكم لقطة العبد، و له إن وقعت في نوبته، و يلحقها حكم لقطة الحر، و أيهما وقعت له يعرفها و يتملكها، و الاعتبار بيوم الالتقاط لأنه يوم الكسب لا بوقت التملك، فلو وقع الالتقاط في نوبة العبد مثلا و كان انقضاء مدة التعريف في نوبة السيد فالمدار على نوبة الالتقاط و الحكم لها. أما مع عدم المهاياة فحكمها ما عرفت.

و منه يعلم حكم ما إذا التقط اثنان معا دفعة، فإنه يجب عليهما معا تعريفها حولا، و الأقرب الاكتفاء بتعريف أحدهما بإذن الآخر، بل و مع عدمه بناء على أنهما معا ملتقط لا كل منهما، فيكفي وقوعه من أحدهما، فإذا انقضت مدة التعريف و اتفقا على أحد الوجوه فلا إشكال، و لو اختار أحدهما التملك دون الآخر قيل ملك النصف و بقي الآخر أمانة.

و قد يقال: إنهما بالتقاطهما معا يكونان بمنزلة ملتقطين لكل نصف، فيجري حكم كل منهما على نفسه، فلا يجزئ تعريف أحدهما عن الآخر مع عدم الاستنابة له، و لو كان ما التقطاه معا درهم فما فوق و لكن قسط كل منهما دون الدرهم أمكن القول بملك كل منهما حصته من دون تعريف و يحتمل العدم، لأنها لقطة واحدة.

و من ذلك ينقدح لك فروع كثيرة لا يخفى عليك حكمها بأدنى

ج 38، ص: 358

التفات، منها لو التقط من يصح التقاطه و غيره كالعبد المنهي مثلا بناء على عدم جواز التقاطه اختص حكم الصحة بالنصف، و بقي النصف غير ملتقط إلا إذا اشتملت عليه يد.

و بالجملة الاشتراك في الالتقاط يجعلهما معا ملتقطا داخلا تحت عموم «من» مثلا أو يكون كل منهما ملتقطا، لكن على الأول ينبغي أن ينصف بينهما كل ما كان قابلا لذلك من أحكامها، كالتعريف و الحفظ و التملك و غيرها، للاشتراك في السبب الذي لا يقبل التقسيم، فيرجع إلى متعلقة، كحيازتهما معا الموجبة لتقسيم المحوز بينهما، و حينئذ فيقسم التعريف بينهما أيضا، فيعرف كل منهما نصف المدة، و كذا يحفظها كل منهما.

و هو متجه إن ثبتت القاعدة المزبورة في الاشتراك في السبب، أما على عدمه فيكون لقطة واحدة ليس لأحدهما تملك النصف دون الآخر لعدم كونه ملتقطا، و ليس لأحدهما قسمتها في الحفظ مثلا، نعم لو قلنا بأن كلا منهما ملتقط نصفا صارا لقطتين و ملتقطين، يجري على كل منهما حكمها، لكنه بعيد عن مذاق الفقه، بل الموافق له الأول.

هذا و ستعرف إنشاء الله تعالى جملة من أحكام العبد في المسألة الرابعة، و الله العالم و الهادي.

ج 38، ص: 359

[الثالث في الأحكام]
اشاره

الثالث في الأحكام و هي مسائل:

[المسألة الأولى يجب التعريف سنة]

الأولى: يجب التعريف سنة بلا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)مستفيضة أو متواترة فيه.

و ما في

خبر أبان بن تغلب (2)قال: «أصبت يوما ثلاثين دينارا فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك، فقال لي: أين أصبت ذلك؟ فقلت له: كنت منصرفا إلى منزلي فأصبتها، قال: فقال:

صر إلى المكان الذي أصبت فيه فعرفه، فان جاء طالبه بعد ثلاثة أيام فأعطه و إلا فتصدق به»

مطرح أو محمول على غير اللقطة أو على حصول اليأس بذلك أو ثلاثة أيام بعد السنة أو غير ذلك.

و المدار على صدق ذلك عرفا، كما في غيره مما علق عليه الحكم، و لكن صرح الشيخ و الفاضلان و الشهيدان و الكركي و غيرهم بأنه لا يجب فيه التوالي، بل في الكفاية نسبته إلى الأصحاب.

و في المتن ليس التوالي شرطا في التعريف، فلو فرقه (فرق خ ل) جاز و في المسالك و غيرها أن للتوالي المحكوم بعدم وجوبه تفسيرين: أحدهما استيعاب وقت الحول بالتعريف، و لا خلاف و لا إشكال في عدم وجوبه، بل في المسالك و غيرها الاتفاق عليه، لصدق العرف


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 7.

ج 38، ص: 360

بدونه، و الثاني توالي التعريف في الحول الواحد بحيث يقع التعريف المعتبر في اثني عشر شهرا متوالية، فإن ذلك أيضا غير لازم على ما صرح به غير واحد، فيجوز له أن يعرف شهرين و يترك شهرين، و هكذا حتى يتم له اثنا عشر شهرا، و عن التذكرة تشبيهه بما لو نذر صوم سنة، فإنه يجوز له التوالي و التفريق.

قلت: إن لم يكن إجماعا أمكن دعوى انسياق التوالي بالمعنى المزبور، خصوصا بعد تصريح الفاضل و الشهيدين و الكركي و غيرهم بكون مبتدئة حين الالتقاط مع الإمكان محتجين له ب

قوله (عليه السلام)(1): «فإذا ابتليت بها فعرفها سنة»

لظهور الفاء في ذلك، و إن كان فيه منع دلالة فاء الربط على ذلك، إلا أن مقتضى العرف الاتصال فيما عين مبتدؤه إلى تمام الحول، و لعله لذا كان المحكي عن بعض الشافعية عدم جواز التعريف على الوجه المزبور.

و كيف كان فقد قيل: إن المشهور التعريف في الابتداء في كل يوم إلى سبعة أيام، ثم في بقية الشهر في كل أسبوع، ثم في كل شهر إلى آخر الحول، بل عن الكفاية نسبته إلى الأصحاب.

و لعله إليه يرجع ما في القواعد «يعرف كل يوم في الابتداء، ثم كل أسبوع ثم كل شهر بحيث لا ينسى أنه تكرار لما مضى».

نعم عن التذكرة «أنه يعرف في الابتداء في كل يوم مرتين في طرفي النهار، ثم في كل يوم مرة، ثم في كل أسبوع مرة أو مرتين، ثم في كل شهر بحيث لا ينسى كونه تكرارا لما مضى». و هو زيادة استظهار و

إلا فالأول كاف، و مرجعه إلى بضع و عشرين مرة.

لكن فيه أنه لا دليل على أقل صدق التعريف حولا بذلك على


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 38، ص: 361

وجه لا يجزئ إذا لم يكن على هذا الترتيب و لا يجزئ الأقل منه بواحدة مثلا، و يمكن أن لا يريدوا اعتباره على وجه لا يجزئ غيره، كما يومئ إليه قوله: «بحيث لا ينسى» الذي لا وجه للتقييد به بعد النص على العدد، فلا بد من كون المراد به أن الضابط ذلك.

و لذا في الدروس بعد أن ذكر ما سمعت قال: «و الضابط أن يتابع بينهما بحيث لا ينسى اتصال الثاني بمتلوه» و في المسالك «اعتبر العلماء فيه أن يقع على وجه لا ينسى أن الثاني تكرار لما مضى». و في الروضة «أن المعتبر ظهور أن الثاني تكرار لما سبق» و في الكفاية «اعتبر الأصحاب أن يقع على وجه لا ينسى».

و إن كان قد يناقش بعدم صلاحية ذلك ضابطا لأقل مصداق التعريف حولا، فالتحقيق كون المدار على العرف الذي قد يشكل تحققه بنحو ذلك، و إن علل التوالي المزبور ابتداء بشدة اهتمام المالك بأمرها أولا، لكنه كما ترى، مع أن في

صحيح يعقوب (1)«يعرفها سنة في كل مجتمع».

و الأولى أن يقال: إنه بعد انتفاء إرادة الاستيعاب يتعين إرادة أول الأفراد التي لا يقطع بعدمها كالتعريف بكل أسبوع مرة إلى تمام الحول.

و أولى من ذلك إيكال الأمر إلى العرف، و لعله لذا ترك المصنف التعرض لذلك كله، فقال بعد أن صرح بعدم اشتراط التوالي فيه:

و إيقاعه عند اجتماع الناس و بروزهم كالغدوات و العشيات و غير ذلك مما يحصل به الاجتماع، و قد سمعت

قول الصادق (عليه السلام) لسعيد بن عمر الجعفي (2): «اتق الله و عرفه في المشاهد»

و قوله (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 362

في خبر أبي خديجة(1): «يعرفها سنة في مجمع»

مضافا إلى صحيح يعقوب بن شعيب (2)و وجهه أيضا من حيث الاعتبار واضح.

و لا فرق فيه بين الليل و النهار و إن قال في القواعد: «إن وقته النهار دون الليل» بل قيل: إنه المتبادر من الأخبار، و صرح به في المبسوط و غيره و لكنه كما ترى.

و كيفيته أن يقول: من ضاع له ذهب أو فضة أو ثوب و ما شاكل ذلك من الألفاظ المشتملة على الجنس التي يصدق بها اسم التعريف المأمور به.

و في

خبر سعيد بن عمر(3)الذي أمره الصادق (عليه السلام) بالتعريف في المشاهد «من يعرف الكيس»

و قد حكى ذلك له و أقره عليه، بل لا بأس بذكر بعض الأوصاف التي يتنبه منها المالك.

و لكنه مع ذلك لو أوغل في الإبهام كان أحوط، كأن يقول: من ضاع له مال أو شي ء فإنه أبعد أن يدخل عليه بالتخمين إلا أنه غير واجب، بل لا يبعد ذكر جملة الأوصاف إذا لم يكن يدفعها بها، بل بالبينة أو بما لم يذكره من الأوصاف، ضرورة صدق اسم التعريف المأمور به، بل

قد يشمل تمكينه من النظر إليها مع عدم الدفع إلا بالبينة.

اللهم إلا أن يقال: إن

قوله (صلى الله عليه و آله)(4): «اعرف عقاصها و وكاءها ثم عرفها سنة»

مشعر بوجوب الإخفاء، و ربما يؤيده أن ذلك هو المتعارف في كيفية التعريف لها، و يمكن تعسر إقامة البينة


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
4- 4 سنن البيهقي- ج 6 ص 185.

ج 38، ص: 363

على المالك، فلا يقطع الطريق عليه بحصر الأمر في البينة، و لا ريب في أنه أحوط، و الله العالم.

و زمانه أيام المواسم و المجتمعات، كالأعياد و أيام الجمع، و مواضعه مواطن الاجتماع، كالمشاهد و أبواب المساجد و الجوامع و الأسواق و قد سمعت ما يدل على ذلك أو بعضه من النصوص (1)التي يشهد لها الاعتبار، لأن الغرض إشاعة ذكرها و إظهارها ليظهر عليها مالكها.

بل لعل التعبير الذي سمعته في النصوص أولى مما في المتن الذي ذكر أولا أن

إيقاعه عند اجتماع الناس و بروزهم و ثانيا أن زمانه أيام المواسم إلى آخره.

و تبعه الفاضل في القواعد، و قال: «و إيقاعه عند اجتماع الناس و ظهورهم كالغدوات و العشيات و أيام المواسم و المجتمعات كالأعياد و أيام الجمع و دخول القوافل و مكان الأسواق و الجوامع و مجامع الناس».

و الأصل في ذلك ما عن المبسوط و السرائر من أن وقت التعريف الغداة و العشاء وقت بروز الناس بالليل لا عند الظهيرة و الهاجرة، و أما الزمان فالجماعات و الجمعات و أن يقف على أبواب الجوامع.

و الجميع كما ترى يغني عنها تعريفها في المشاهد و المجتمع حال اجتماع الناس فيها، على أن ذلك حيث يكون في البلد محل اجتماع، و إلا عرفها بما فيه و لو بأزقته على وجه يشيع أمرها فيه، و الأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام في موضع التعريف، ففي المسالك «و يجب إيقاعه عقيب الالتقاط مع الإمكان، و في مكانه إن كان بلدا أو مجتمعا، و لو عرف فيه و أكمله في غيره جاز، و لو كان في برية عرف من يجده فيها و أتمه في


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 38، ص: 364

غيرها من البلاد، و ينبغي تعريفها في أقرب البلدان إليها فالأقرب».

و في القواعد «و ينبغي أن يعرفها في موضع الالتقاط» و نحوه عن التحرير، قيل: لكن ظاهر التذكرة و الدروس الوجوب.

قلت: بل هو صريح ما سمعته من المسالك تبعا للكركي في جامعه محتجا عليه بموثق إسحاق بن عمار(1)السابق المشتمل على الدنانير المدفونة في بعض بيوت مكة، و فيه أنه غير تعريف اللقطة، نعم قد سمعت ما في خبر أبان (2)المتقدم في صدر المسألة.

و في القواعد أيضا بعد ما سمعت «و لا يجوز أن يسافر بها فيعرفها في بلد آخر» و فيها أيضا «و لو التقط في بلد الغربة جاز أن يسافر بها إلى بلده بعد التعريف في بلد اللقطة ثم يكمل الحول في بلده». و تبعه عليه الكركي أيضا، و قد سمعت ما في المسالك.

و فيه أن المتجه تمام الحول في موضع الالتقاط، للخبر المزبور(3)و لأنه المنساق من النصوص، فلو أراد السفر فوضه إلى غيره، كما عن التذكرة التصريح به، نعم في الصحراء تتساوى البلدان إذا لم يكن شاهد حال على خصوص بعضها، و

ربما جمع بين ما سمعته من الفاضل في القواعد بإرادة الوجوب من قوله: «ينبغي» و إرادة الإكمال في بلد آخر بعد الإعلان في بلد الالتقاط لا المرة و نحوها مما لا أثر لها، و لكن مع ذلك لا يخلو من نظر أو منع لما عرفت، و الله العالم.

و كيف كان فقد عرفت في أحكام المساجد(4)أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 7.
4- 4 راجع ج 14 ص 111 و 112.

ج 38، ص: 365

يكره تعريفها داخل المساجد حتى

ورد عن النبي (صلى الله عليه و آله)(1)أنه قال: «من سمع منشد ضالة في المسجد فليقل:

لا أداها الله إليك، فإنه لم يبن لهذا».

و لا خلاف في أنه يجوز أن يعرف بنفسه أو بمن يستنيبه أو من يستأجره بل الإجماع بقسميه عليه، و ما في النصوص (2)من أن صاحبها يعرفها لا يراد منه وجوب المباشرة قطعا، ضرورة عدم كونه عبادة، و المراد إشاعة ذكرها الحاصل بتعريفه و تعريف غيره و لو بأمر غير بالغ بالإنشاد أو مجنون كذلك.

بل قد ينقدح من ذلك الاجتزاء بالمتبرع إلا أن التملك له لا يخلو من إشكال، و هو أمر آخر غير اعتبار المباشرة في التعريف التي قد عرفت القطع بعدمها، خصوصا إذا كان الملتقط أرفع شأنا من ذلك.

و في

خبر زرارة(3)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن اللقطة، فأراني خاتما في يده من فضة، و قال: إن هذا مما جاء به السيل، و أنا أريد أن أتصدق به»

و لم يحك عنه مباشرة التعريف بنفسه و إن كان الخبر غير صريح في كونه الملتقط، خصوصا مع كراهة الالتقاط التي لا تصدر منه (عليه السلام) إلا أن يفرض ما يقتضي الرجحان بالعارض.

و على كل حال فالأمر سهل.

ثم إن الظاهر كون مئونة التعريف على الملتقط، لوجوبه عليه» نعم لو قلنا بعدم وجوبه إلا إذا قصد التملك و لم يقصده و أراد الحفظ لا تجب عليه الأجرة، كما عن التذكرة و جامع المقاصد.

نعم في أولهما «أنه يرفع الأمر إلى الحاكم ليبذل الأجرة من بيت


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 196.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 38، ص: 366

المال، أو يستقرض عليه أو يأمر الملتقط أو غير ذلك مما يراه مصلحة له، و لا ينافي ذلك تملك الملتقط له بعد ذلك» قلت: لا ريب في أن له ذلك.

هذا و عن التذكرة أيضا «ينبغي أن يتولى التعريف شخص أمين ثقة عاقل غير مشهور بالخلاعة و اللعب، و لا يتولاه الفاسق لئلا تفقد فائدة التعريف؛ و هذا على الكراهة دون التحريم».

و في جامع المقاصد «لكن لا يركن إلى مجرد قول غير العدل، بل لا بد من اطلاعه و اطلاع من يعتمد على خبره».

و في المسالك و الروضة «يشترط في النائب العدالة أو الاطلاع على تعريفه المعتبر شرعا» بل في الأخير «و في اشتراط شاهدين اجراء له مجرى الشهادة أو الاكتفاء بواحد جعلا له من باب الخبر وجهان، أحوطهما الأول».

و في القواعد «الأقرب الاكتفاء بقول العدل الواحد» و لعله لعموم قبول خبر العدل، و لعسر إقامة البينة، و لصيرورته أمينا على التعريف، فيقبل قوله.

ثم قال: «و في وجوب الأجرة نظر» و لعله ينشأ من أن الاكتفاء بقوله في التملك و سقوط التعريف يقتضي وقوع الفعل الذي هو متعلق الأجرة، لترتبها على وقوعه، لأنه معلول آخر، و الحكم بثبوت أحد.

المعلولين يستلزم الحكم بثبوت الآخر، و من أنه إيجاب مال على الغير بمجرد الدعوى و إن قبل قوله في سقوط التكليف بالنسبة إلى الملتقط الذي لولاه لزم الحرج.

و عن الفخر أنه قوى عدم وجوب الأجرة بل في جامع المقاصد أنه الأصح.

ج 38، ص: 367

ثم قال: «إذا تقرر هذا فهل يكون الاكتفاء بقول العدل على كل تقدير سواء كان بأجرة أم لا، بل يقتصر في قبوله على ما إذا كان متبرعا؟ يحتمل الثاني، لأنه متهم في خبره، إذ يلزم منه إثبات حق له على الغير، و لأنه إذا رد بالنسبة إلى الأجرة كان مردودا في نظر الشارع فلا يسمع حينئذ في سقوط التكليف بالتعريف، فيقتصر في الاكتفاء على قول العدل المتبرع، و يحتمل عدم الفرق، و عدم قبول خبره في بعض لا يقتضي رده و لا عدم قبوله مطلقا».

قلت: لا ينبغي التأمل- بناء على عدم قبوله- في استحقاقه الأجرة، ضرورة عدم التهمة حينئذ، إنما الكلام في أصل القبول على وجه يثبت التعريف الذي هو عنوان التملك و غيره من الأحكام، فإنه كغيره من الموضوعات التي يفتقر ثبوتها إلى البينة.

و دعوى عسر إقامة البينة على ذلك ممنوعة و صيرورته أمينا بالاستنابة يقتضي قبول خبر الفاسق، لعموم حكم الأمانة و إن كان لا يخلو من وجه، للسيرة و غيرها.

لكن يشكل التملك بدون البينة، بل الانصاف ثبوت الإشكال في غيره من الأحكام المعلقة على ثبوت التعريف الذي لا يحصل إلا باليقين أو الحجة الشرعية، فالأحوط إن لم يكن الأقوى مراعاتها، بل الأحوط عدم كونه أحد جزئيها، و الله العالم.

ج 38، ص: 368

[المسألة الثانية إذا دفع اللقطة إلى الحاكم فإنه جائز له]

المسألة الثانية:

إذا دفع اللقطة إلى الحاكم لأن يبيعها أو لا لذلك (أو لغير ذلك خ ل) فإنه جائز له، لأنه ولي الغائب في الحفظ، بل في المسالك «يجب عليه القبول، لأنه معد لمصالح المسلمين، و من أهمها حفظ أموالهم، و هذا بخلاف الوديعة، فإنه لا يجب عليه قبولها من الودعي، بل لا يجوز له دفعها إليه مع التمكن من المالك، لعموم الأمر برد الأمانات إلى أهلها» و إن كان فيه ما لا يخفى من اشتراك الدليل المقتضي لعدم الوجوب على الحاكم الموافق لمقتضى الأصل بعد أن كان المال بيد أمين يجب عليه الحفظ، فليس هو ضائعا كي يجب عليه حفظه.

و على كل حال ف إذا باعها فان وجد مالكها دفع الثمن إليه، و إلا ردها على (إلى خ ل) الملتقط إذا أراد تملكها أو الصدقة بها لأن له ولاية الصدقة أو التملك بلا إشكال و لا خلاف في الأخير، بل و في الأول الذي فيه نفع للمالك مع ذلك بالضمان إذا جاء و لم يرض بالصدقة.

بل قد يقال بعدم جواز التصدق بها للحاكم من دون الملتقط الذي هو المأمور بذلك.

إنما الكلام في وجوب ردها إليه للحفظ إذا أراده، فقد يظهر من المصنف و غيره عدم سقوط ولايته عليه بعد دفعه إلى ولي الحفظ الذي هو ولي أصلي لا عارضي بسبب الالتقاط، و لا فائدة فيه هنا بالضمان كالتملك و الصدقة.

ج 38، ص: 369

و فيه منع سقوطه بعد إطلاق التخيير له، و لعل ذلك مؤيد لما قلناه سابقا من عدم كون الحاكم ولي ذات كولي الصبي، و إلا لم يكن للملتقط تسلط على أخذها منه و لو للتملك، لوصولها إلى ولي المالك الذي هو كوكيله.

بل من ذلك ينقدح أيضا عدم سقوط خطاب التعريف عنه بالدفع إلى الحاكم، كما أشرنا إليه سابقا، و صرح به الفاضل في التذكرة.

هذا و الظاهر أن المراد من هذه المسألة بيان عدم خروج الثمن عن حكم الالتقاط لو باعها الحاكم لمصلحة اقتضت ذلك، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لا يجب التعريف إلا مع نية التملك]

المسألة الثالثة قيل و القائل الشيخ في المحكي عن موضع من مبسوطة:

لا يجب التعريف وجوبا شرطيا إلا مع نية التملك و لفظه «من وجد لقطة نظرت فإن أراد حفظها على صاحبها لا يلزمه أن يعرف لأن التعريف إنما يكون للتملك».

و فيه إشكال ينشأ من خفاء حالها عن المالك بعدم التعريف المأمور به في النصوص (1)على جهة الإطلاق.

بل عن الخلاف و المبسوط و الغنية و ظاهر التذكرة الإجماع عليه، كما عن السرائر و كشف الرموز نفي الخلاف فيه، و هو كذلك، فإن المحكي عن المقنع إلى الرياض إطلاق التصريح بوجوبه.

بل عنه في موضع آخر من مبسوطة التصريح بذلك أيضا قال: «من


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 370

وجد لقطة فإنها تكون في يده أمانة، و يلزم أن يعرفها سنة، فإذا عرفها سنة كان بعد ذلك بالخيار إن شاء حفظها على صاحبها و إن شاء تصدق بشرط الضمان و إن شاء تصرف فيها بالضمان».

كل ذلك مضافا إلى إطلاق الأمر به ما في بعض النصوص (1)المستفيضة التي فيها الصحيح و غيره المؤيد بأنه مقدمة لإيصال المال إلى صاحبه، بل لولاه لكان إبقاؤه في مكانه أصلح لمالكه من التقاطه، لكونه أقرب إلى الإيصال منه، لاحتمال رجوعه إليه. و من هنا وجب في لقطة الحرم و إن لم يكن فيها تملك.

و دعوى كونه بعدم قصد التملك يكون مجهول المالك واضحة الفساد، ضرورة صدق اسم اللقطة عليه باعتبار كونه مالا ضائعا لا يد عليه، سواء قصد التملك أو لا، بخلاف مجهول المالك الذي هو غير الضائع المزبور، لكن يشترط في التملك التعريف، و هو لا يقتضي اشتراط وجوبه بقصده بعد إطلاق الأمر كما عرفت، إذ هو شرط لحصوله لا شرط لوجوبه المطلق.

و لذا لا يجوز تملكها إلا بعد التعريف و لو بقيت في يده أحوالا لما عرفت من اتفاق النص (2)و الفتوى على اشتراطه به، نعم قد يقال: بناء على فورية التعريف بعد الالتقاط عدم مشروعية التملك له لو فرض عدم وقوعه منه و لو عصيانا، كما هو أحد القولين في المسألة على ما في المسالك و إن كنت لم أتحققه.

نعم في القواعد «و لو أخر الحول عرف في الثاني، و له التملك بعده على إشكال» بل عن إيضاح ولده عدم الترجيح.

لكن ظاهر المتن أو صريحه كالإرشاد التملك و إن أخره أحوالا و لو


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة.

ج 38، ص: 371

عصيانا، بل هو صريح الفاضل في التذكرة و التحرير و الشهيدين و الكركي و

الصيمري و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، لإطلاق النصوص الذي لا يقيده ما في

صحيح ابن مسلم (1)من قوله (عليه السلام): «فان ابتليت بها فعرفها سنة، فان جاء طالبها و إلا فاجعلها في عرض مالك»

بناء على إرادة الكناية به عن التملك، إذ أقصاه بعد التسليم الفورية لا اشتراط التملك بها، بل قد يمنع دلالته عليها أيضا، ضرورة كونها فاء ربط لا عطف.

مضافا إلى

قوله (صلى الله عليه و آله) في النبوي (2)المروي في طرق العامة: «اعرف عقاصها و وكاءها ثم عرفها سنة، فان جاء صاحبها و إلا فشأنك بها»

و إن لم أجده في شي ء من نصوصنا، نعم أكثرها «يعرفها» من دون فاء أو «ثم» إلا أنه لا ريب في كونه أحوط إن لم يكن هو المنساق من النصوص و لو على جهة الشرطية.

نعم قد يقال: إن التملك على خلاف الأصل، فإذا فرض كون الثابت منها حال الفورية يبقى غيره على مقتضى أصالة عدم التملك، بل إن لم يكن إجماعا لم يجب التعريف.

إلا أن الأخير كما ترى، خصوصا بعد ملاحظة كون التعريف وسيلة إلى إيصال المال إلى مالكه، فلا يسقط بالتأخير و لو عصيانا، و أما الأول فلا يصلح مقيدا لإطلاق الأدلة الذي منه

قوله (عليه السلام)(3): «من وجد شيئا فهو له، يتمتع به حتى يجي ء طالبه»

الذي لم يعلم تقييده بغير التعريف و لو المتأخر عن حول الالتقاط لعذر أو لغير عذر، بل ينبغي


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 3.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 185.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 372

القطع بالأول منهما.

نعم بقي شي ء: و هو أن الظاهر المستفاد من النص و الفتوى كون التعريف لرجاء حصول المالك، أما مع اليأس منه و لو للتأخير أحوالا عصيانا فالظاهر سقوطه، و لكن هل يجوز التملك حينئذ؟ وجهان، أقواهما ذلك أيضا، لإطلاق الصحيح (1)المزبور.

و كيف كان ف هي و لو كانت لقطة حرم عندنا أمانة شرعية في يد الملتقط في مدة الحول، لا يضمنها إلا بالتفريط أو التعدي، فتلفها من المالك و كذا بعد الحول إذا لم يقصد تملكها عندنا بلا خلاف

و لا إشكال في شي ء من ذلك، نعم من الأخير نية التملك بها قبله، لما عرفته مكررا من عدم الاذن شرعا و لا من المالك في هذا الحال.

اللهم إلا أن يقال: إن الاذن الشرعية الحاصلة من الاذن بالالتقاط لا ينافيها النهي عن التملك قبل التعريف، فمع فرض عدم تقصيره به يبقى وضع يده عليها بالإذن السابقة و إن أثم بالنية المزبورة لو قلنا به، إلا أن الحكم مفروغ منه بين الأصحاب، سواء قصد ذلك من أول الالتقاط أو في أثناء الحول. بل في الرياض الإجماع عليه، بل لا تعود الامانة بعدوله.

كالمفروغية من عدم ضمانها مع أخذها للحفظ أبدا و إن وجب عليه تعريفها عندنا كما عرفت، بل في المسالك يضمن بتركه لأنه عدوان و إن نوى الحفظ و يستمر الضمان حينئذ و إن ابتدأ بالتعريف فتلف في سنته لتحقق العدوان، فلا يزول إلا بقبض المالك أو ما يقوم مقامه كالوديعة، بل قد يظهر من الرياض الإجماع عليه.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 38، ص: 373

و لكن قد يشكل بمثله تحقق العدوان فيها، بمعنى فعل ما لا يجوز شرعا فيه و التفريط الذي هو إهمال حفظها و إن أثم بترك التعريف الذي كان يحتمل معه حصول المالك لو وقع منه.

و لعله لذا قال في الدروس: «و لو أخر التعريف عن الالتقاط فابتداء الحول من حين التعريف، و له التملك بعده على الأقوى، و لا ضمان بالتأخير إن كان لضرورة، و إن كان لا لها ففيه وجهان، أقربهما عدم الضمان».

ثم إنه حيث يضمنها للخيانة أو غيرها فهل يبرأ بالدفع إلى الحاكم؟

وجهان، و في المسالك أصحهما ذلك، و قد عرفت سابقا أن الأصح بقاء الضمان، للأصل و كونه ولي حفظ لا ولي ذات، كما تقدم الكلام فيه سابقا.

كما أن الظاهر بقاء حكم التملك له بعد التعريف حولا و إن أثم و خان في أثنائه بنية التملك، لإطلاق ما دل عليه من الالتقاط و التعريف، كما صرح به الفاضل و ولده و الشهيدان و الكركي و غيرهم، بل لا أجد فيه خلافا. نعم فيه احتمال باعتبار كون التملك على خلاف الأصل و المتيقن منه غير المفروض، و فيه أن ظاهر الدليل حجة شرعية.

و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرناه هنا و سابقا في نية التملك الحال في جميع الصور المذكورة في المقام، و هي أخذها بقصد الحفظ دائما، و بقصده في الحول، و التملك بعده، و بقصد الخيانة في الابتداء و في الأثناء، و أنه لو نوى التملك بعد تعريفها حولا من أول الأمر فهل يحتاج إلى تجديد النية أو تكفي النية الأولى، و قلنا إن الأحوط و الأقوى التجديد إلا مع استمرار العزم على وجه يقوم مقام تجديده.

و كيف كان ف زيادتها له أي المالك ما دامت

ج 38، ص: 374

على ملكه، لمعلومية تبعية النماء للملك متصلة كانت الزيادة كالسمن أو منفصلة كالولد، نعم في القواعد في تبعية اللقطة نظر، أقربه ذلك، و تبعه ولده و الكركي و ثاني الشهيدين، لأن الملتقط إذا استحق ملك العين استحق ملك النماء بالتبعية، لأن الفرع لا يزيد على أصله، و استحقاق التملك يحصل بمجرد الالتقاط و إن كان التعريف شرطا، فقد وجد النماء بعد الاستحقاق، فيتبع العين، بل لا يشترط لتملكه حول بانفراده إذا كمل حول الأصل.

و فيه منع التبعية في المنفصل بعد عدم صدق اسم الالتقاط عليه، فيبقى على حكم مجهول المالك، خصوصا بعد ما عرفت من كون التملك على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على المتيقن، و دعوى وجود النماء مستحقا فيه ذلك واضحة المنع، و لذا لو تملكها ثم حصل منها نماء فجاء المالك كان له العين دون النماء المنفصل الذي حصل في ملك الملتقط بلا خلاف أجده فيه و إن قلنا بانفساخ ملكه عن الأصل لكن من حينه كالمبيع بالخيار، أما المتصل فالظاهر تبعيته.

و كيف كان فقد ظهر لك أنه بعد التعريف يضمن الملتقط على الوجه السابق إن نوى التملك، و لا يضمن إن نوى الأمانة و الحفظ، كما هو واضح.

و لو نوى التملك بعد الحول مثلا فجاء المالك و العين قائمة بحالها لم يكن له الانتزاع، و طالب بالمثل أو القيمة إن لم تكن مثلية وفاقا للفاضل و ولده و أول الشهيدين، بل في المسالك أنه الأشهر، بل في موضع آخر أنه المشهور، بل قد سمعت إجماع الإيضاح و التنقيح على وجوب رد العوض فيما دون الدرهم دون العين، لأصالة اللزوم.

ج 38، ص: 375

لكن قد ذكرنا سابقا أن الأقوى خلافه، كما هو صريح الكركي و الأردبيلي و غيرهما، بل قيل: إنه ظاهر المبسوط و المراسم و السرائر بل و المقنعة و الوسيلة، و لذا قال في الدروس: «إنه قد يظهر من الروايات و كلام القدماء».

و في المسالك أنه لا يخلو من قرب و إن كان المشهور خلافه بعد أن ذكر الاستدلال عليه بظواهر النصوص، قال: «بل في بعضها تصريح به ك

قوله (صلى الله عليه و آله) في حديث الجهني (1): «اعرف وكاءها و عقاصها ثم عرفها سنة، فان جاء صاحبها و إلا فشأنك بها»

و في

رواية أخرى (2)«ثم عرفها سنة فان لم يعرف فاستنفع بها، و لتكن وديعة عندك، فان جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه»

و في

صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(3)«يعرفها سنة، فان جاء طالبها و إلا فهي كسبيل ماله»

و قريب منها

صحيح ابن مسلم (4)حيث قال (ع): «فان جاء طالبها و إلا فاجعلها في عرض مالك».

و نوقش بأن الأول و الأخيرين محتملان أو ظاهران فيما إذا جاء قبل التملك، و المرسل ليس من طرقنا.

و فيه أن تتمه

صحيح ابن مسلم «يجرى عليها ما يجري على مالك حتى يجي ء لها طالب، فان لم يجي ء لها طالب فأوص بها في وصيتك»

نعم قد يقال: إنه و ما شابهه ظاهر في الحفظ أمانة على ما عرفت الكلام فيه سابقا.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 185.
2- 2 سنن البيهقي ج 6 ص 186.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة- الحديث 2.

ج 38، ص: 376

فالأولى الاستدلال ب

قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح (1): «من وجد شيئا فهو له، فليتمتع به حتى يأتي طالبه، فإذا جاء طالبه رده إليه».

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة(2): «ينبغي له أن يعرفها سنة في مجمع فان جاء طالبها دفعها إليه، و إلا كانت في ماله، فان مات كانت مراثا لولده و لمن ورثه، فان لم يجي ء لها

طالب كانت في أموالهم، هي لهم إن جاء طالبوها دفعوها إليه (إليهم خ ل)»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك التي من أجلها قلنا إن الملك فيها متزلزل، كما تقدم الكلام فيه سابقا.

و لكن على الأول لو رد الملتقط العين جاز بل قيل: إنه يجب على المالك القبول، لأنها أولى من رد العوض مثلا أو قيمة.

و فيه إشكال باعتبار ثبوت القيمة له في ذمة الملتقط بنية التملك، و الأصل لزوم الملك، و ليست العين من أفراد الحق الذي اشتغلت به الذمة، نعم لو فرض ما في الذمة مثليا و كانت هي من أفراده و دفعها اتجه وجوب القبول.

بل من ذلك قد ينقدح إشكال في عبارة المتن التي ذكر فيها المطالبة بالمثل أو القيمة إن لم تكن مثلية، و ذلك لما عرفت من أن التحقيق الملك بنية التملك بالعوض في الذمة، فمع فرض كونها مثلية و نوى التملك بالقيمة لا يستحق المالك المثل، نعم يتم ما ذكره المصنف لو كان المقام من الغرامات أو نوى تملكها بعوضها مثلا أو قيمة و قلنا بصحته.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 377

و ربما يؤيد ذلك ما تقدم في القرض من عدم وجوب قبول المالك العين لو دفعها إذا كانت قيمة و استقرضها، كما عن الفخر و الكركي و المقداد التصريح به. خلافا للمحكي عن الخلاف و الشهيدين و غيرهم من وجوب القبول، بل عن الخلاف الإجماع عليه.

و قولهم: الواجب في القيمي القيمة، أي مع عدم دفع العين، و قد تقدم تحقيق الحال، فلا حظ و تأمل، فإن المقام شبيه بالقرض على المختار.

و على كل حال ف له أي الملتقط النماء المنفصل الذي هو نماء ملكه و إن كان متزلزلا كالمبيع بالخيار، لكنه لا يقتضي تزلزل النماء الذي سبب ملكه قاعدة تبعية النماء، كما عرفت الكلام فيه و في النماء المتصل أيضا، و الله العالم.

و لو عابت بعد التملك فأراد ردها مع الأرش جاز بل وجب على المالك القبول على المختار، لإطلاق ما دل على الرد المقتضي لتزلزل الملك و لا دليل على لزومه بطرو العيب الذي يمكن جبر الضرر الناشئ منه بالأرش.

نعم فيه إشكال على مختار المصنف لأن الحق تعلق بغير العين و هو العوض المترتب على ضمانها بنية التملك له سواء كان مثلا أو قيمة فلم يلزمه أخذها معيبة بل الأصح عدم وجوب القبول، كما عن الفخر، إذ هو أشبه شي ء بمن استقرض قيميا و أراد رد عينه معيبا مع الأرش الذي قد حكي عنهم التصريح بعدم وجوب القبول فيه، و الله العالم.

ج 38، ص: 378

[المسألة الرابعة إذا التقط العبد و لم يعلم المولى فعرف حولا ثم أتلفها تعلق الضمان برقبته]

المسألة الرابعة:

إذا التقط العبد و لم يعلم المولى و لا أذن له فيه فعرف حولا أو لم يعرف ثم أتلفها مع نية التملك الممتنع بالنسبة إليه و عدمها تعلق الضمان برقبته أي ذمته يتبع بذلك إذا أعتق كالقرض الفاسد بلا خلاف و لا إشكال فيه عندنا، سواء قلنا بجواز التقاطه و عدمه، بل الظاهر على التقديرين إثمه بالتصرف فيها.

لكن في القواعد «و لو نوى التملك دون المولى لم يملك، نعم له التصرف و يتبع به بعد العتق» و لم أجده لغيره.

و ربما وجه بأن له التصرف في المباحات إذا حازها كلحوم الصيود و أكل الأعشاب و نحو ذلك من غير توقفه على إذن السيد، و اللقطة مثلها، و رد بأنه لا يتم إلا فيما كان منها كالمباح، نحو دون الدرهم، بخلاف مفروض المسألة الذي هو فيما يعرف منها.

و فيه منع ذلك أيضا فيما دون الدرهم، ضرورة ظهور الأدلة في ملك الواجد له، و يتبعه التصرف، و الفرض استحالته في العبد، و لا دليل على جواز التصرف فيه بدون ذلك، و كذا الكلام فيما زاد بعد تعريف الحول.

و حمل العبارة على إذن السيد له في ذلك لا يجدي، إذ هو إن اقتضى تملك السيد له فالضمان حينئذ عليه، و إلا لم تفد إذنه في التصرف في مال الغير إباحة له.

كما أن حمل العبارة على إرادة إباحة الانتفاع الذي يجوز لكل ملتقط في مثل الدابة عوض النفقة التي قد عرفت أن الأصح المقاصة فيها لا يتم

ج 38، ص: 379

أيضا، كما هو واضح. و الله العالم.

و لو علم المولى قبل التعريف أو بعده و لم يكن قد أذن له في الالتقاط و لم ينتزعها منه و كان غير أمين ففي محكي المبسوط ضمن، لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا فصار كما لو وجدها و سلمها إلى فاسق، فإنه يضمنها.

و هو متجه مع إذنه له إذن استنابة، كما يومئ إليه قوله: «كما لو وجدها» إلى آخره، و الفرض تقصيره في الانتزاع و كونه غير أمين و إلا فمع فرض عدم الاذن له في الالتقاط ف فيه أي الضمان تردد كما اعترف به الفاضل و الشهيدان و الكركي، بل منع، كما في المسالك و غيرها، لأصالة براءة ذمته منه، بل و من وجوب انتزاع مال الغير الذي في يد العبد و إن رآه يتلفه.

بل قد يقال: بعدم ضمانه و إن أوجبنا عليه الانتزاع، إذ هو على تقدير وجوبه تعبدي لا يقتضي الضمان. نعم في الدروس «و لو كان العبد غير مميز اتجه ضمان السيد» و كأنه نزله منزلة دابته حيث يجب منعها من إتلاف مال الغير، مع أنه لا يخلو من نظر بناء على عدم وجوب حفظ مال الغير، و عدم دليل على التنزيل المزبور.

و لو قبضها المولى ثم ردها إليه و الفرض كونه غير أمين ففي التذكرة التصريح بضمانه، بل قيل: الظاهر أنه لا خلاف فيه، و قد يشكل بناء على جواز التقاطه، ضرورة كونه كالملتقط الفاسق، اللهم إلا أن يلتزم بالضمان فيه أيضا، نعم لو قلنا بعدم جواز التقاطه اتجه ذلك، لصيرورته في يده لقطة مكلفا بها، و لا فرق بين المولى و غيره على التقديرين.

و لو كان العبد أمينا فلا إشكال و لا خلاف في عدم الضمان حتى مع إذن الاستنابة.

ج 38، ص: 380

و لو أذن المولى للعبد في التملك بعد تعريف الحول ففي القواعد ضمن السيد، و ظاهره الضمان بذلك و إن لم يجر العبد صيغة التملك.

و عنه في التذكرة و إن تلفت بعد مدة التعريف فان أذن له السيد في التملك و أجرى التملك ضمن و إن لم يجر التملك بعد فالأقوى تعلق الضمان بالسيد، لأنه أذن في سبب الضمان، فأشبه ما إذا أذن له أن يسوم شيئا فأخذه و تلف في يده.

و على كل حال فهو متجه مع إرادة التملك للسيد، ضرورة كونه حينئذ مضمونا عليه، أما لو كان المراد الاذن له في تملكه و الفرض عدم ملكه فيشكل ضمان السيد بذلك.

و لعله لذا قال في محكي التحرير: «و من جوز تمليك العبد مع إذن المولى لو أذن له مولاه ملك العبد و ضمن السيد» اللهم إلا أن يكون ذلك منه إذنا في التصرف بمال الغير، فيكون ضمانه عليه، و الله العالم.

و لو عرفها العبد و هي في يد السيد أو العبد لكونه أمينا أو مطلقا ملكها المولى إن شاء و ضمن بناء على أن ثمرة التقاطه للمولى و إن كان بغير إذنه و قلنا بصحته، فحينئذ له التملك مع الضمان و الصدقة و الحفظ.

و لو نزعها المولى منه قبل التعريف أو قبل إكماله ففي المتن و غيره لزمه التعريف بتمامه أو ما بقي منه و له التملك أيضا بعد الحول أو الصدقة مع الضمان أو إبقاؤها (في يده خ) أمانة.

و لكن قد سلف منا ما يفهم منه الإشكال في ذلك إن لم يكن إجماعا كما عساه يظهر من المتن و القواعد و المسالك و غيرها، حيث أرسلوه إرسال المسلمات.

ج 38، ص: 381

قال في الأخير في شرح العبارة المزبورة: «إذا التقط العبد باذن المولى أو بغير إذنه إن جوزناه تخير المولى بين أن يتركها في يده ليعرفها إذا لم يكن خائنا ثم يتملكها إن شاء، و بين أن ينتزعها منه و يعرفها، فان اختار الأول تملكها المولى بعد الحول، و قبل قول العبد في التعريف إن كان ثقة و إلا اعتبر اطلاع المولى على تعريفه أو اطلاع من يعتمد على خبره، لأنه كالنائب، مع احتمال قبول قوله فيه مطلقا، لأنه ملتقط حقيقة، إذ هو الفرض، و إن انتزعها منه وجب عليه تعريفها و صارت بيده بمنزلة ما لو التقطها و تخير بعد التعريف بما شاء من الأمور الثلاثة».

و في القواعد «و لو أذن له المولى في التملك بعد التعريف أو انتزعها بعده للتملك ضمن السيد، و لو انتزعها السيد قبل مدة التعريف لزمه إكماله، فإن تملك أو تصدق ضمن، و إن حفظها لمالكها فلا ضمان».

إذ ذلك كله لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم دليل يقتضي أن ذلك للسيد بعد فرض جواز الالتقاط بدون إذنه، فان جوازه يقتضي تعلق الأحكام به، و عدم قابليته للتملك لا يرفع أصل حكم الالتقاط عنه، و كذا منع السيد له من التعريف أو الحفظ، فإن أقصى ذلك الانتظار إلى وقت التمكن بناء على تقديم حق السيد أو يدفعها إلى الحاكم أو غير ذلك.

و دعوى أن كل ما كان للعبد لو كان حرا يكون للسيد تحتاج إلى دليل، كاحتياج انتقال حكم اللقطة إلى السيد بانتزاعها منه على الوجه المزبور إليه أيضا بعد فرض جواز التقاطه بدون إذنه.

نعم لو قلنا بعدمه صار ما في يده كالموضوع في الأرض، فإذا أخذه السيد أو غيره كان حكم اللقطة عليه، و لا يجدي تعريف العبد سابقا، ضرورة كونه حينئذ كاللغو فتأمل جيدا.

ج 38، ص: 382

و لعل دليل ذلك كله أنه كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ، فكل شي ء تعلق به يكون لمولاه، و منه التقاطه و إن كان بغير إذنه، و نحوه حيازة المباحات إذ لا تقصر حيازته عن حيازة الأجير الخاص الذي لم يقصد الحيازة للمستأجر و لو لجنونه أو صغره و لكنه قد استأجره من وليه، فإنه يكفي في تملكه ملك المنفعة الخاصة بعقد الإجارة، و العبد مملوك عينا و منفعة، فما يحوزه أو يلتقطه يكون لسيده، مؤيدا ذلك كله بفتوى من عرفت و غيره على وجه المفروغية منه و قربه إلى الاعتبار.

و لعل من ذلك ما حكاه في القواعد عن الشيخ، قال: «و لو أعتقه قال الشيخ في المحكي من مبسوطة: للسيد أخذها، لأنه من كسبه».

و لفظه «عبد وجد لقطة و لم يعلم سيده فأعتقه فما الذي يفعل باللقطة؟

يبنى على القولين، فمن قال للعبد أخذها، فإن السيد يأخذها منه، لأنها من كسبه كالصيد، و قد سوغنا له أخذها قبل ذلك» و وافقه عليه الفاضل في المحكي من تذكرته و الكركي.

نعم في القواعد و محكي المختلف التفصيل في ذلك بين ما بعد الحول و قبله، فيأخذها المولى في الأول دون الثاني التي هي فيه أمانة.

لكن حكى في الدروس الاتفاق على أنها من كسبه من حين الأخذ، قال فيها: «و لو أعتق و بيده لقطة فللمولى انتزاعها منه عند الشيخ و الفاضل في التذكرة و قال في غيرها: للسيد أخذها إن عتق بعد الحول لا قبله، لأنها لا تسمى كسبا، و هذا مخالف لاتفاقهم على أنها كسب من حين الأخذ، نعم لو قلنا بعدم جواز التقاطه لم يكن للسيد أخذها مطلقا، لأنها قبل عتقه كالملقاة، و بعده تصير في يده صالحة للالتقاط، فيكون المعتق أولى بها من السيد، و فيه قوة».

و في محكي الإيضاح «أنه بني الأمر على أن الالتقاط هل هو للسيد

ج 38، ص: 383

ابتداء أو لا، بل هو ولاية و أمانة في يده؟ فعلى الأول للسيد أخذها مطلقا، أي قبل الحول و بعده، و على الثاني ليس له أخذها إذا كان العتق قبل الحول» و فيه إشعار بما ذكرناه سابقا، لكن قد سمعت ما في الدروس من الاتفاق، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لا يجب أن تدفع اللقطة إلا بالبينة]
اشاره

المسألة الخامسة: لا يجب أن تدفع اللقطة إلى من يدعيها الذي لا يعلم به الملتقط إلا بالبينة التي تقوم مقام العلم بأداء الأمانة إلى أهلها شرعا أو الشاهد و اليمين، فلا يكفي شهادة العدل، لعدم كونه بينة بلا خلاف أجده فيه.

نعم عن التذكرة احتمال جواز الدفع إذا حصل الظن من قوله، بل اختاره الشهيدان و الكركي، لفحوى الاكتفاء بالوصف الذي ستعرف الكلام فيه.

و على كل حال ف لا يكفي الوصف في وجوب الدفع و لو وصف صفات لا يطلع عليها إلا المالك غالبا، مثل أن يصف وكاءها و عقاصها و وزنها و نقدها و غير ذلك ما لم يحصل القطع بكونه المالك، كما صرح به الشيخ و الحلي و الفاضلان و الشهيدان و غيرهم على ما حكي عن بعضهم.

لكن في النافع «لا تدفع اللقطة إلا بالبينة، و لا يكفي الوصف، و قيل: يكفي في الأموال الباطنة كالذهب و الفضة، و هو حسن» و ظاهره الاكتفاء به في الوجوب. بل قيل: كأنه استحسنه أيضا المقداد و أبو العباس بل حكاه الأول عن الشيخ في المبسوط و الخلاف، و إن كان هو كما ترى

ج 38، ص: 384

لا نعرف القائل بالتفصيل المزبور في الجواز فضلا عن الوجوب.

و لقد أجاد في كشف الرموز بقوله: «لا أعرف منشأ هذا التفصيل و لا القائل به، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه إلا من أهل الظاهر من العامة، فأوجبوا الدفع بالوصف».

نعم الأشهر كما في المسالك بل المشهور كما في جامع المقاصد جواز الدفع به مع فرض حصول الظن به، بل هو المحكي عن العامة عدا أهل الظاهر منهم.

بل لا أجد فيه خلافا إلا من الحلي، للقاعدة التي يجب الخروج عنها ب

قول الرضا (عليه السلام) في صحيح البزنطي (1)المتقدم في الطير: «و إن جاءك طالب لا تتهمه رده عليه»

بعد حمل الأمر فيه على الإباحة، لما عرفت و لكونه في مقام توهم الحظر، و تقرير الصادق (عليه السلام) دفع سعيد بن عمر الخثعمي الكيس الذي فيه الدنانير

بالوصف (2)و النبوي (3)الذي أمر فيه بحفظ عقاصها و وكاءها الظاهر في ذلك.

مؤيدا بإفضاء عدم قبول الوصف المزبور و لو على جهة الجواز إلى تهمة الملتقط و عدم وصول المال إلى مالكه، لصعوبة إقامة البينة على بعض الأموال و خصوص النقد منه، بل قد يدعى أن ذلك هو المتعارف في تعرف مالك المال الضائع.

بل قيل: ربما ظهر من اللمعة و التحرير جواز الدفع به و إن لم


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللقطة- الحديث 1 عن سعيد بن عمرو الجعفي و قد تقدم هذا الحديث بعنوان الجعفي في ص 286 و 361، نعم في التهذيب ج 6 ص 391 الخثعمي.
3- 3 سنن البيهقي- ج 6 ص 185.

ج 38، ص: 385

يفد الظن، و إن كان الظاهر خلافه.

ف من ذلك كله ظهر لك أنه إن تبرع الملتقط بالتسليم بالوصف المزبور لم يمنع، و إن امتنع لم يجبر و الله العالم.

[فرعان]
[الأول لو ردها بالوصف ثم أقام آخر البينة بها انتزعها]

الأول:

لو ردها بالوصف ثم أقام آخر (الآخر خ ل) البينة بها انتزعها منه بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة عدم كون الوصف حجة شرعية على ملكية الواصف، فضلا عن أن يعارض البينة الشرعية.

فإن كانت تالفة بيد القابض كان له مطالبة الآخذ بالعوض ل

عموم «على اليد»(1)

بعد معلومية فساد القبض شرعا و له مطالبة الملتقط، لمكان الحيلولة بالدفع إلى غير المستحق و إن كان مرخصا في ذلك، لكنه لا ينافي الضمان.

و ما عن بعض- من عدم الرجوع عليه إذا حكم الحاكم عليه بالدفع به لكونه كالمأخوذ قهرا- لا يتم على مذهبنا من عدم إلزام الحاكم به، فلا إشكال في الرجوع على كل منهما عندنا.

لكن لو طالب الملتقط رجع على الآخذ الغار الذي استقر التلف في يده ما لم يكن (11) قد اعترف (12) الملتقط له بالملك (13) فإنه لا رجوع له حينئذ، لاعترافه بكذب البينة أو خطائها و كون الأخذ منه بغير حق.


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 38، ص: 386

و لو طالب الآخذ لم يرجع على الملتقط كما هو واضح، و الله العالم.

[الثاني لو أقام واحد بينة بها فدفعت إليه ثم أقام آخر بينة بها أيضا أقرع بينهما]

الثاني:

لو أقام واحد بينة بها فدفعت إليه بعينها ثم أقام آخر بينة بها أيضا فكلاهما خارجان بعد عدم تصديق الملتقط للسابق منهما فان لم يكن ترجيح بالعدالة أو العدد أقرع بينهما و حلف الخارج بها، فان امتنع من اليمين أحلف الآخر، فان امتنعا قسمت نصفين، و لكن ظاهر المصنف هنا الاكتفاء بالقرعة في الحكم لمن خرجت له، و قد ذكرنا البحث في ذلك مفصلا في كتاب القضاء.

و حينئذ فإن كان الترجيح للأول أو خرجت القرعة له و حلف فلا بحث، و إن كان ذلك للثاني انتزعت من الأول و سلمت إليه.

و لو تلفت و تعذر إغرام الثاني لم يضمن الملتقط إن كان قد دفعها بحكم الحاكم الذي به يكون كالمكره و (11) نحوه مما كان السبب فيه أقوى من المباشر.

نعم لو كان (12) قد دفعها باجتهاده ضمن (13) لأنه و إن قلنا بجواز الدفع له أقصاه الجواز دون الوجوب، فهو كالدفع بالوصف، فيتخير المالك حينئذ بين رجوعه عليه و على الآخذ. هذا كله مع دفع العين نفسها.

أما لو قامت البينة بعد الحول (14) مثلا و (15) كان قد تملك الملتقط (16) و أتلفها و دفع العوض إلى الأول ضمن الملتقط

ج 38، ص: 387

للثاني حيث يتبين أنها له على كل حال سواء كان العوض المدفوع إلى الأول باقيا أو لا لأن الحق ثابت في ذمته و لم يتعين بالدفع إلى الأول بعد ظهور عدم استحقاقه، و ليس له الرجوع على القابض، لأنه لم يقبض عين ماله.

و لكن يرجع الملتقط على الأول و إن كان قد دفعه إليه بحكم الحاكم فضلا عما لو كان بالوصف لتحقق بطلان الحكم الأول إذا لم يكن قد اعترف له بالملك، لا من حيث الحكم له به و إلا فلا رجوع له لكونه مأخوذا منه ظلما بزعمه، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة السادسة لو مات الملتقط عرف الوارث حولا]

المسألة السادسة:

لو مات الملتقط ففي القواعد و الدروس و محكي التذكرة عرف الوارث حولا و ملكها إن شاء أو قهرا على البحث السابق فيه و في وقت الضمان، بل في الأخيرين لو كان في الأثناء بنى، بخلاف الملتقط من الملتقط الذي يطلب المالك أو الملتقط، فاحتاج إلى استئناف، أما الوارث فلا يطلب إلا المالك، بل هو مقتضى ما في التحرير و غيره.

و لكن لا يخفى عليك أنه مبني على انتقال حق الالتقاط إلى الوارث و هو إن لم يكن إجماعا- كما عساه يظهر من إرسال من تعرض له إرسال المسلمات- لا يخلو من نظر.

نعم لو مات بعد الحول و نية التملك فهي موروثة بلا خلاف و لا إشكال و إن كان إذا جاء المالك أخذها بناء على المختار، بل قد سمعت النص فيه(1).


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 38، ص: 388

بل لو كانت تالفة عند الملتقط رجع بالعوض على التركة إن اتسعت، و إن ضاقت زاحم الغرماء، نعم لو تملكها الوارث و أتلفها كان هو الغريم دون الميت.

و لو فقدت من التركة في أثناء الحول أو بعده ففي القواعد احتمل الرجوع في مال

الميت و عدمه، بل في التحرير اختيار الرجوع.

لكن قد عرفت في كتاب الوديعة ما يقتضي عدم الرجوع بها ما لم يعلم التعدي و التفريط فيها، للأصل و غيره، كما حررنا الكلام في صورة مفصلا، فلا حظ و تأمل كي تعلم أن الأصح هنا كما في جامع المقاصد و محكي الإيضاح عدم الرجوع، و الله العالم.

و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا، و نسأله الإعانة على إتمام ما بقي، فإنه الرؤوف المنان، ذو الفضل و الإحسان، الذي قد عودنا الجميل و تفضل علينا بالجزيل، فالرجاء منه أن يشفع أوائل مننه بأواخرها بمحمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين الغر الميامين.

ج 38، ص: 389

إلى هنا و الحمد لله تم الجزء الثامن و الثلاثون، و قد بذلنا غاية الجهد في تنميقه و تحقيقه و التعليق عليه و تصحيحه، فنشكره تعالى على ما وفقنا لذلك، و نسأله أن يديم توفيقنا لإخراج بقية الأجزاء.

و يتلوه الجزء التاسع و الثلاثون في كتاب الفرائض إنشاء الله تعالى.

النجف الأشرف محمود القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.