جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 37

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج37، ص: 1

اشارة

ج37، ص: 2

ج37، ص: 3

ج37، ص: 4

ج37، ص: 5

ج37، ص: 6

ج37، ص: 7

[تتمة القسم الرابع في الأحكام]

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين الغر الميامين.

[كتاب الغصب]

اشاره

كتاب الغصب و النظر في السبب و الحكم و اللواحق

[النظر الأول في السبب]

[تعريف الغصب]

فالغصب هو لغة أخذ الشي ء ظلما، كما في القاموس و غيره قال في الأول: «غصبه يغصبه: أخذه ظلما كاغتصب، و فلانا على الشي ء:

قهره» و في الصحاح «الغصب: أخذ الشي ء ظلما، تقول: غصبه منه و غصبه عليه بمعنى، الاغتصاب مثله، و الشي ء غصب و مغصوب» نعم في الإسعاد لبعض الشافعية زيادة «جهارا» لتخرج السرقة و نحوها، و عن ابن الأثير أنه أخذ مال الغير ظلما و عدوانا.

ج 37، ص: 8

و إليه يرجع ما في الكتاب و القواعد و النافع و الإرشاد و الدروس و اللمعة و التنقيح من أنه الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، إذ ليس فيها إلا تبديل الأخذ بالاستقلال نظرا إلى صدق الغصب بذلك و إن لم يكن أخذا، كما لو كان المال في يده فغصبه، مع أنه يمكن إرادة ما يشمل ذلك من الأخذ الموافق ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «على اليد ما أخذت».

و أبدل الاستقلال في التحرير و الإيضاح بالاستيلاء على مال الغير بغير حق، كما أنه في التبصرة و الروضة و غيرهما من كتب متأخري المتأخرين تبديل المال بالحق، فقالوا: «الاستيلاء على حق الغير عدوانا» و في الكفاية و المفاتيح «الاستيلاء على حق الغير بغير حق» و ستعرف الوجه في ذلك كله. و عن الوسيلة «الاحتواء على مال الغير بغير تراض».

و في التنقيح «أن الفقهاء يطلقون الغصب على ما في التعريف الأول و على ما يشبهه من المفهومات إما بالإتلاف مباشرة أو تسبيبا، و إما بالقبض بالبيع الفاسد» و نحوه قول بعض الشافعية: «إن كل مضمون على ممسكه مغصوب» و في المسالك «أن الأظهر إطلاقه على ما يقتضي الإثم و غيره و الأغلب الأول».

قلت: الذي يحضرني من استعمال لفظ الغصب في الكتاب و السنة قوله تعالى(2)«يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً» و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي ولاد(3)في شأن البغل الذي استأجره حيث قال: «فلي


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
2- 2 سورة الكهف: 18- الآية 79.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب- الحديث 1.

ج 37، ص: 9

عليه علفه؟ قال: لا، لأنك غاصب»

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(1): «إذا اغتصب أمة فاقتضت فعليه عشر قيمتها»

و «الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها»(2)

و قول أبي الحسن (عليه السلام) في ذكر ما يختص بالإمام: «و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم على غير وجه الغصب، لأن الغصب كله مردود»

و في الخبر(3): «من غرس أو زرع في أرض مغصوبة فله الزرع و الغرس، و عليه الأجرة لصاحب الأرض».

و في آخر(4): «عن رجل اغتصب امرأة فرجها».

و في ثالث(5): «أول فرج غصبناه».

و في النبوي(6)«من غصب شبرا من أرض طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة».

و في آخرين(7)«من غصب أرضا»

و «غصب فدك»(8)

و «غصب على (عليه السلام) الخلافة»(9)

و «غصب أولاده حقوقهم»(10).

و على كل حال فليس للغصب حقيقة شرعية قطعا، كما أنه ليس له أحكام مخصوصة زائدة على المضمون بقاعدة اليد

و «من أتلف»

كي يحتاج


1- 1 الوسائل- الباب- 82- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الغصب و هو نقل بالمعنى.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 1 من كتاب النكاح.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 2 من كتاب النكاح، و فيه « إن ذلك فرج غصبناه».
7- 7 لم أعثر على مصدره من كتب الاخبار مع التتبع التام في مظانه، و إنما ذكره ابن قدامه في المغني ج 5 ص 378 و السرخسي في كتاب المبسوط ج 11- ص 49.
8- 8 كنز العمال ج 5 ص 328 الرقم 5741 و هو نبوي واحد، و فيه « من غصب رجلا أرضا».
9- 9 ورد في الزيارة المخصوصة لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير: « غصب الصديقة. فدكا».
10- 10 جاء في البحار- ج 8 ص 388 من طبعة الكمباني« الذين غصبوا آل محمد ص حقهم».

ج 37، ص: 10

إلى المتعبة في تنقيح معناه، و قولهم: «إن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال فيضمن القيمة و إن زادت عن دية الحر، و يكلف إذا أتلف المثلي بالمثل و إن تضاعفت قيمته» ستعرف تحقيق الحال فيه.

و على تقديره فالمتجه ملاحظة المعنى اللغوي لا الاصطلاحي بين الفقهاء الذي مبناه ملاحظة الضمان لا خصوص كونه غصبا، و إلا فليس المأخوذ غلطا أو نسيانا مغصوبا قطعا.

و من هنا يظهر لك الحال فيما أطنبوا فيه في المقام من المناقشة في التعريف الأول بعد أن ذكروا أن المراد بالاستقلال فيه الإقلال: أي الاستبداد به، و أنه احترز به عما لو أزعج المالك عن ماله و لم يستول عليه، فإنه لا يضمن لو تلف المال، و كذا لو هد مقود الدابة المركوبة لمالكها مع قوته على دفعه.

و بالمال عن إثبات اليد على ما ليس بمال كالحر، فإنه لا يضمن، نعم يشمل المال العين و المنفعة المجردة عنها، كما لو آجر داره ثم استولى عليها، فإنه يكون غاصبا للمنفعة، و يخرج منه منفعة البضع، فإنها و إن دخلت في المنفعة لكن لا تدخل في المال الذي ينقسم اليه العين و المنفعة، فالداخل هنا في المال منفعة خاصة، و هي منفعة المال لا مطلق المنفعة، كما أن المراد بالعين عين خاصة، و هي عين المال لا مطلق العين.

و بإضافة المال الى الغير عن مال نفسه، كما لو أثبت يده على ماله عدوانا، كالمرهون المشروط كونه في يد المرتهن مثلا، فإنه ليس بغاصب.

و بالعدوان عن إثبات يد المرتهن و الولي و الوكيل و المستأجر و غيرهم مما لا يكون عدوانا.

فأوردوا عليه- و إن كان لا يخفى عليك ما في بعضه أو جميعه- بأنه ينتقض في عكسه بما لو سكن مع المالك قهرا أو بغير إذنه و إن قدر

ج 37، ص: 11

المالك على دفعه فلم يفعل، فإنه غير مستقل بإثبات اليد، لمشاركة المالك له في اليد، بل ربما كان المستقل بها في الثاني هو المالك.

بل ينتقض بما لو اشترك اثنان في غصب مال بحيث يعجز كل واحد عن الاستقلال به منفردا، فإنه لا استقلال لكل واحد بالمال، و إنما هو مركب منهما، مع أن كل واحد منهما محكوم بكونه غاصبا، و من ثم تخير المالك في تضمين من شاء منهما. و إلى ذلك نظر من بدل الاستقلال بالاستيلاء.

و بما لو أذن غير المالك لغيره في سكنى داره و الساكن جاهل بالحال، فإنه ليس بغاصب، لأنه غير متعد، و الآذن و إن كان متعديا بالاذن إلا أنه غير مستقل بإثبات اليد، مع أنه الغاصب شرعا، و الضمان راجع عليه.

و بما لو استقل بإثبات اليد على حر صغير أو مجنون فتلف بسبب، كلدغ حية أو وقوع حائط عند الشيخ كما سيأتي.

و بأن منفعة البضع قد تضمن، كما لو تعمدت الرضاع المحرم، أو رجع الشاهدان بالطلاق عنه.

و بما لو استولى المالك على ماله المرهون عدوانا، فإنه يضمنه مع التلف بالمثل أو القيمة، و يكون رهنا، و حق المرتهن لا يسمى مالا.

و بما لو استقل باليد على حق الغير في نحو المدرسة و الرباط و المسجد و التحجير، فإنه في جميع ذلك غاصب مع أنه لم يستول على ماله.

و بما لو غصب الوقف العام، فإنه ليس ملكا للغير أو الخاص على القول بانتقال ملكه إلى الله تعالى، و إليه نظر من بدل المال بالحق.

و بما سيأتي من الصور التي يضمن فيها المال بالتسبيب من دون أن تستقل يده، كما لو فتح قفص الطائر أو حل قيد الدابة و نحو ذلك.

و بمن ترتبت يده على يد الغاصب جاهلا، فقد سموه غاصبا،

ج 37، ص: 12

و جوزوا الرجوع عليه، مع أنه غير عاد، و كذا من سكن دار غيره أو لبس ثوبه غلطا.

و من هنا عدلوا عن التعريف المزبور إلى ما سمعت، و إن اختلفت عباراتهم في المعدول إليه أيضا.

و في المسالك «و من تعريفاته أنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق، و هو أعم من الأول، و سالم من كثير مما يرد عليه، و متناول لهذه الأسباب الأخيرة الموجبة للضمان مع عدم العدوان، فان عدم الحق أعم من العدوان لأن المستولي على مال الغير جهلا أو غلطا غير عاد و إن كان ذلك بغير حق، كما لا يخفى- إلى أن قال-: و عذر الأول أن الثابت في هذه المواضع حكم الغصب، لا حقيقته التي لا تتم إلا بالتحريم، و يبقى فيه مشاركته للأول في الاستيلاء على حق الغير مما ليس بمال، فكان الأجود على هذا عبارة ثالثة، و هي الاستيلاء يتناول مشاركة المالك في الانتفاع بماله و إن لم يكن مستقلا، و كذا المشارك في الغصب لغيره من غير أن يكون أحدهما مستقلا، و الحق يشمل المال من عين أو منفعة و غيره، كما ذكر في الأمثلة و غيرها، و بغير حق يشمل باقي أفراد الضمان الذي لم يتحقق معه العدوان، و الأظهر في الاستعمال إطلاق الغصب على ما يشمل المقتضى للإثم و غيره و إن كان الأغلب الأول».

قلت: و منه ما في الدروس و غيرها من «أن تحريم الغصب عقلي و إجماعي و كتابي و سني، قال الله تعالى «وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ»(1). «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ»(2).


1- 1 سورة البقرة: 2 الآية 188.
2- 2 سورة المطففين: 83 الآية 1.

ج 37، ص: 13

«الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً»(1).

و قال النبي (صلى الله عليه و آله)(2): «إن دماءكم و أموالكم عليكم حرام. لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله إلا بطيب نفسه».

إلى آخره و نحوه غيره.

و منه يعلم عدم كون ما ذكر أخيرا من الجاهل و الناسي غاصبا، ضرورة عدم الإثم فيه، و إن ثبت له حكم الغصب الذي هو الضمان الناشئ من قاعدة «على اليد» الشاملة للغصب و غيره.

كما أنه من الجميع يعلم عدم الغصب في المتلف مباشرة أو تسبيبا من دون استيلاء و إن ضمنه بقاعدة الإتلاف أو الضرار.

بل مما ذكرنا يعلم الخبط في كثير، ضرورة عدم حقيقة شرعية للغصب، بل هو باق على المعنى اللغوي الموافق للعرفي

الذي يمكن عدم اندراج السرقة فيه، و إليه نظر من اعتبر الجهار فيه، بل لا بد فيه من قهر و استعلاء و نحوهما.

و كأن الأكثر لم يلحظوا فيما سمعته من تعريفهم إلا كشف المعنى المزبور من حيث كونه سببا للضمان الذي يتعلق بالمال، و إن ذكروا غيره من أسباب الضمان معه في كتاب الغصب، و لم يختلط عليهم المعنى المزبور و إن اختلفت عباراتهم في تأديته نحو اختلاف عبارات أهل اللغة في تأدية المعنى اللغوي التي ربما يكون بعضها أوضح من الأخرى.

و الذي يسهل الخطب عدم أحكام شرعية معلومة زائدة على الضمان عنوانها الغصب كي يحتاج إلى التعب في تحقيق معناه إلا نادرا، كتكليف الغاصب بالرد و إن استلزم المشقة الشديدة بتلف المال و غيره.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3 من كتاب القصاص.

ج 37، ص: 14

و حينئذ لا ريب في الرجوع فيه إلى المعنى اللغوي الموافق للعرفي دون الاصطلاحي الذي سمعت نسبته في التنقيح إلى الفقهاء بعد تسليمه كما هو واضح.

و على كل حال ف لا يكفي في تحقق كون المال مغصوبا رفع يد المالك ما لم يثبت الغاصب يده كما صرح به الفاضل و غيره، بل عن التذكرة نفي الشك فيه، لما عرفت من كونه الأخذ أو الاستقلال أو الاستيلاء، و الجميع غير صادق و إن أطلق على الشخص نفسه أنه مغصوب بمعنى كونه مقهورا.

و حينئذ فلو منع غيره من إمساك دابته المرسلة فتلفت لم يضمن.

و كذا لو منعه من القعود على بساطه أو منعه من بيع متاعه فنقصت قيمته السوقية أو تلفت عينه كما في النافع و محكي التحرير و التبصرة و شرح الإرشاد للفخر و إن لم يذكر في بعضها تمام الأمثلة، بل في المسالك و غيرها نسبته إلى المشهور، للأصل بعد عدم تحقق الغصب بعدم إثبات اليد.

لكن عن التذكرة بعد أن نفى الشك عن عدم تحقق الغصب في الدابة المزبورة قال: «و هل يضمن؟ قال بعض علمائنا: لا يضمن، و فيه إشكال».

و منه يعلم أنه لا يلزم من عدم كونه غاصبا عدم كونه ضامنا، لإمكان سبب آخر غير الغصب.

و لعله لذا قال في المسالك و تبعه عليه غيره: «إنه ينبغي أن يختص ما ذكروه بما لا يكون المانع سببا في تلف العين بذلك بأن اتفق تلفها مع كون السكنى غير معتبرة في حفظها و المالك غير معتبر في مراعاة الدابة، كما يتفق لكثير من الدور و الدواب، أما لو كان متوقفا على

ج 37، ص: 15

سكنى الدار و مراعاة الدابة لضعفها أو كون أرضها مسبعة مثلا فان المتجه الضمان، نظرا إلى كونه سببا قويا مع ضعف المباشر» و هو المحكي عن الشهيد في بعض فتاواه و الكركي، و استحسنه في الرياض،

لعموم «لا ضرر و لا ضرار»(1).

قال: «و من هنا يتوجه الحكم بضمان نقص القيمة السوقية للمتاع إذا حصل بمنع المالك عن بيعه و لو مع بقاء العين و صفاتها، و ذكر القائل المتقدم أنه لم يضمن قطعا، لأن الفائت ليس بمال بل اكتسابه، و هو كما ترى، لاتحاد وجه الحكم بالضمان هنا و فيما مضى، و هو صدق الإضرار المنفي شرعا، و ليس فيه ما يقتضي تخصيص الضرر المنفي بما يكون متعلقة مالا، و لعله لذا اختار الشهيد في بعض فتاواه الضمان هنا، و إن قوى في الدروس عدم الضمان مطلقا وفاقا للمشهور، كما في المسالك و الكفاية».

قلت: لا ينبغي التأمل في عدم ضمان نقصان القيمة السوقية، لعدم تفويت مال عليه بمباشرة أو تسبيب، و من هنا لم تضمن منافع الحر إجماعا، مع أن

قاعدة «لا ضرر و لا ضرار»

تأتي فيه.

على أن استفادة الضمان من القاعدة المزبورة متوقفة على الانجبار بفتوى الأصحاب، إذ لا اقتضاء لها إلا عدم مشروعية ما فيه الضرر و الضرار في الإسلام على معنى النهي عن إيجاده، و هو إنما يقتضي حرمة ذلك، لا الجبر بالضمان المتوقف على إرادة انتفاء وجوده في الدين المنزل على إرادة جبر ما يحصل منه فيه بالغرامة، لأنه أقرب المجازات إلى نفيه، بل يمكن دعوى إرادة ذلك حقيقة من النفي بلا تجوز.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا يصلح دليلا لذلك من دون انجبار


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات.

ج 37، ص: 16

بفتوى الأصحاب فضلا عن الفتوى بخلافه، بل في الدروس و جامع المقاصد و الروضة لم يضمن في الفرض قطعا، مع حكمهم بالضمان في الأول مع فرض التسبيب.

و ما يحكى عن الشهيد في بعض فتاواه مع أنه لم نتحققه من الفتاوى المهجورة، خصوصا بعد اتفاقهم ظاهرا في أسباب الضمان الثلاثة على انحصار اقتضائها الضمان في تلف المال عينا أو منفعة، كما هو واضح.

نعم ما استحسنه من الضمان في الأول تبعا لمن عرفت في محله، مع فرض تحقق معنى السببية المقتضية للضمان في الصورة المفروضة، و الأصل فيه ما سمعته من الفاضل في محكي التذكرة و إليه أشار في الدروس بقوله: «و للفاضل وجه بالضمان و إن لم يسم غاصبا» و لكن ظاهرهما احتمال الضمان مطلقا، لا في خصوص صورة التسبيب التي قيد بها كلامهم من عرفت.

على أنه إن كان منشأه قاعدة نفي الضرر كما سمعته من الرياض يتجه إطلاق الضمان حتى في صورة عدم كونه سببا، ضرورة حصول الضرر بمنع إمساكه الذي اتفق تلف الدابة معه بأكل سبع في أرض غير مسبعة على وجه يكون سببا، و لا أظن أنه يلتزمه سيد الرياض، و منه يظهر ضعف كلامه زيادة على ما سمعت.

و على كل حال فعلى القول بالضمان في صورة التسبيب خاصة فالظاهر عدم اندراجها في إطلاق المشهور عدم الضمان المراد منه- بقرينة التفريع على ما ذكروا في معنى الغصب- عدمه من حيث الغصب الذي هو سبب في ضمان المغصوب و إن تلف بآفة سماوية، لكون اليد يد ضمان، فالغرض أنه بمجرد رفع يد المالك لا يدخل في ضمانه دخول المغصوب الذي لا يتحقق إلا بإثبات اليد مع ذلك.

ج 37، ص: 17

بل يؤكد ذلك ما تسمعه من المشهور حتى المصنف من الجزم بالضمان أو التردد فيه فيما لو منعه من حراسة ماشيته حتى تلفت، فلا يتوجه ما وقع من هؤلاء الجماعة من دعوى تقييد المشهور بما ذكروه، فان مقتضاه قول المشهور بعدم الضمان في صورة الإتلاف التسبيبي المجمع على الضمان به كما ستعرف. و احتمال استثناء خصوص السبب المزبور منه واضح الفساد.

نعم قد يشك في حصول التسبيب في الصورة المزبورة و نظائرها من دعوى احتمال كون الثابت من السبب المقتضي للضمان ما لا يشمل الفرض المزبور، كما ستعرف تحقيق ذلك فيما يأتي إنشاء الله تعالى. هذا كله فيما إذا لم يحصل إلا منع المالك عن ماله.

أما لو قعد على بساط غيره أو ركب دابته ضمن لتحقق معنى الغصب الذي هو الاستقلال أو الاستيلاء أو الاحتواء بل أو الأخذ بذلك فيهما، بل في القواعد «و يتحقق إثبات اليد في المنقول بالنقل إلا في الدابة، فيكفي الركوب، و في الفراش الجلوس عليه» و هو صريح في استثنائهما من المنقول، و إن كان هو كما ترى.

فلا إشكال في تحقق الغصب مع الجلوس على البساط و ركوب الدابة، سواء قصده أم لا، و سواء كان المالك حاضرا و أزعجه أم لا، لتحقق الاستيلاء عليه على وجه العدوان حيث نعتبره، أو مطلقا حيث يكتفى به في الضمان.

و ربما قيل باشتراط نقل المنقول في ضمانه، فلا يكفي مجرد ركوب الدابة من غير أن تنتقل به و الجلوس على البساط كذلك، نظرا إلى أن ذلك هو القبض في البيع و غيره لأمثاله من المنقولات.

و جوابه منع عدم تحقق القبض مطلقا بذلك، فان القبض له حكمان:

ج 37، ص: 18

أحدهما دخوله في ضمانه، و هو حاصل بالركوب و الجلوس من غير نقل، و الثاني تمكينه من التصرف، و هذا يشترط في الركوب، و نحوه إذن المالك فيه، و لا فرق في هذا بين أن ينقله و عدمه، فلا وجه لإخراج التصرف بغير النقل من القبض على هذا التقدير.

و كأنه لا حاصل له، و إن كان الفاضل في محكي التذكرة قد ذكر أيضا «أن للقبض في البيع حكمين على ما سمعته من التفصيل إلا أن ذلك لا مدخل له في رد بعض الشافعية القائل بأن القبض هنا كالبيع لا يتحقق في المنقول إلا بنقله، حتى أن الكركي في باب تسليم المبيع أشكله بأنه لو أخذه المشتري بيده و لم ينقله بل تسلمه في موضعه الذي كان فيه ثم تلف لا يكون في ضمانه، مع أنه في يده، و خبر عقبة بن خالد(1)يدل على ذلك، إلا أن ما دل على ثبوت الضمان بإثبات اليد ينافيه، و الجواب يحتاج الى فضل تأمل، و تحقيق هذا موقوف على تحقيق معنى إثبات اليد» انتهى.

فكون القبض له حكمان لا مدخل له في ذلك، على أن مرجع الحكمين المزبورين إلى القبض و الإقباض، لا إلى اختلاف معنى القبض في المقام و في البيع.

فالتحقيق في الجواب عدم اعتبار النقل في قبض المنقول في المقامين بل في كل مقام اعتبر الشارع فيه القبض، لتحققه عرفا بإثبات اليد بتصرف بل و بدونه و إن لم يحصل فيه نقل، كما حققنا ذلك في كتاب البيع، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و من الغريب ما يظهر من الفاضل في المقام من التفصيل في المنقول بين الدابة و الفراش و بين غيرهما. فيتحقق القبض في الأولين بالركوب


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخيار- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 37، ص: 19

و الجلوس و إن لم يكن نقل، بخلاف غيرهما. و لا نعرف له وجها إلا دعوى العرف المردودة على مدعيها، ضرورة اتحاد الجميع فيه.

و أغرب منه دعوى كون القبض هنا كالقبض في البيع الذي ذكروا فيه أنه في المكيل و الموزون لا يحصل إلا بكيله و وزنه، فيقتضي حينئذ توقف الغصب على ذلك، و هو معلوم الفساد.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال عندنا في أنه يصح غصب العقار و يضمنه الغاصب بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص(1)و إلى صحة بيعه و غيره مما يتوقف على تحقق القبض.

فما عن أبي حنيفة و تلميذه أبي يوسف- من عدم تصور غصبه لعدم تصور إثبات اليد فيه- واضح الضعف، بل و الفساد، ضرورة كونه يتحقق عرفا غصبه بإثبات اليد عليه مستقلا من دون إذن المالك من غير فرق بين أن يزعج المالك فيخرجه و يدخلها

بقصد السكنى و عدمه بأن يستولي عليها و يتسلم مفاتيحها و إن لم يدخلها أصلا.

لكن في القواعد «أنه يتحقق الغصب في العقار بالدخول و إزعاج المالك، فإن أزعج و لم يدخل أو دخل لا بقصد الاستيلاء و لم يزعج لم يضمن».

و يمكن حمله على إرادة تحقق الغصب بذلك، خصوصا مع ملاحظة كلامه في التذكرة، لا توقفه عليه كما فهمه منه في المسالك، و أورد عليه بالساكن مع المالك، و بغصب العقار مع غيبة المالك.

ثم الظاهر أن تقييده بقصد الاستيلاء للاحتراز عن الداخل لا بقصده بل لينظر إليه ليتخذ مثله مثلا، فإنه ليس بغاصب عرفا قطعا.


1- 1 المتقدمة في ص 9.

ج 37، ص: 20

لكن لو انهدمت في تلك الحال فعن التذكرة في الضمان إشكال ينشأ من أنه قد حصل التلف في يده، كما لو أخذ منقولا من بين يدي مالكه لينظر إليه فتلف، فإنه يضمنه، و من الفرق بينهما بأن اليد على العقار حكمية لا حقيقة كاليد على المنقول، فلا بد في ثبوت اليد على العقار من أمر آخر، و هو قصد الاستيلاء.

و في جامع المقاصد بعد أن ذكر كلاما يوهم اعتبار الأمرين في غصب العقار، قال: «و ينبغي أن يقال: المزاحم للمالك في العقار إما أن يدخل عليه مستوليا أو لا، و على كل من التقديرين إما أن يزعجه أو لا، و على كل تقدير إما أن يكون الغير قويا و المالك ضعيفا أو بالعكس أو يكونان قويين، هذه عدة صور»:

من يدخل على المالك مستوليا و يزعجه أو لا يزعجه و لكل منهما قوة فيضمن النصف، لأن الإزعاج للمالك غير معتبر في الغصب للعقار كما ذكره في التذكرة.

و لا يعتبر قصد الاستيلاء إذا تحقق الاستيلاء و إن اعتبره هنا و في التحرير، لحصول اليد و الاستيلاء حقيقة، فهذه صورتان.

و لو دخل الضعيف على القوي بقصد الاستيلاء فليس بغاصب، إذ لا أثر لقصد شي ء لا يتمكن من تحقيقه، و لو دخل القوي على الضعيف مستوليا (بحيث خ) اضمحلت يده، فالمتجه كونه غاصبا للجميع، و لا فرق في هذين الموضعين بين الإزعاج و عدمه، فهذه أربع صور اخرى.

و لو أزعج القوي لمثله و لم يدخل أو القوي الضعيف كذلك ففي تحقق الغصب إشكال، ينشأ من أن قبض العقار يكفي فيه التمكن من التصرف و التخلية و تسليم المفتاح كما سبق في البيع، و بذلك يدخل تحت

ج 37، ص: 21

يد المشتري و في ضمانه، فيجب أن يكون هذا القدر كافيا في صدق الغصب، و من أن العرف قاض بأن الغصب إنما يتحقق بالدخول، لأن الاستيلاء به يحصل. و نحو ذلك قال في التذكرة هنا، و في التحرير جزم باشتراط الدخول، و المسألة موضع تردد، و لا يتصور إزعاج الضعيف القوي.

و لا أثر لانتفاء الدخول و الإزعاج إلا إذا كان المالك غائبا فأسكن غيره مع جهل الغير، فان في الدروس أن الآمر غاصب لأن يد المأمور كيده، و الساكن ليس بغاصب و إن ضمن المنفعة، و يشكل بما لو انهدمت الدار و هو فيها مثلا، فان عدم التضمين مع إثبات يده بغير حق و إن كان مغرورا بعيد، فان قال بثبوته و لم يسمه غاصبا فلا مشاحة في التسمية و هو ملخص ما ذكره في التذكرة كما أن ما فيها تلخيص ما في بعض كتب الشافعية.

و لعل الأولى من ذلك إيكال الأمر في صدق الغصب و صدق أخذ اليد إلى العرف الذي هو المرجع في نحو ذلك، ضرورة عدم حصول كشف العرف بما ذكره في صورة دخول الضعيف على القوي و استيلائه على ما تصرف فيه و ثبت يده عليه، فان عدم تحقق الغصب به بناء على أنه الاستيلاء ممنوع، إذ قوة المالك لا تنافي صدق الاستيلاء و إثبات اليد من الضعيف، و أوضح من ذلك استيلاء الضعيف دار المالك القوي الخالية عنه.

على أنه لو سلم عدم تحقق الغصب بناء على اعتبار القهر فيه أو الاستقلال المفقود في الصورة الأولى فلا ريب في الضمان من حيث قاعدة اليد و ان لم يكن غصبا.

و كذا ما ذكروه في صورة دخول القوي على الضعيف مستوليا من

ج 37، ص: 22

اضمحلال يد المالك و كونه غاصبا للجميع، إذ يمكن منعه مع فرض بقاء تصرف المالك و عدم رفع يده، و قدرة القوي على رفع يده لا يقتضي استقلاله بإثبات اليد، و حينئذ فلا يتجه ضمانه الجميع على التقدير المزبور، و دعوى اختصاصه باليد ممنوعة كل المنع، اللهم إلا أن يفرض دخوله على وجه لم يبق له يد أصلا و كان الجميع في يد القوي و استيلائه، و ربما يشهد لذلك ما عن بعض النسخ من فرضه على هذا الوجه.

و كذا ما ذكروه في صورة الإشكال الذي لا ينبغي حصوله مع فرض كون الإزعاج لتحقق الاستيلاء الذي يكفي مثله في قبض العقار و صيرورته تحت يده، كما في غصب الملك دار بعض رعيته، فان احتمال توقف صدقه على دخوله واضح المنع في العرف.

كما أنه لا ينبغي حصوله بالازعاج الذي لم يقصد به الاستيلاء على الدار، فان هرب المالك و إزعاجه خوفا من الملك على نفسه لا يقتضي غصب الدار مع فرض عدم إرادة الاستيلاء عليها.

و بالجملة إيكال الأمر إلى العرف في صدق الغصب و القبض و إثبات اليد أولى من الإطناب في ذكر الأفراد المختلفة باعتبار خصوصياتها.

و من هنا لم يمكن كشف المعاني العرفية باعتبار عدم الإحاطة بخصوصياتها التي تدرك بالذوق و حسن الانتقاد في كل موضع بخصوصه، و لعل إلى هذا المعنى أشار المصنف بقوله: «و يتحقق» إلى آخره، ضرورة عدم ذكره زيادة على ما سمعته من التعريف، فليس المراد منه إلا الإيكال إلى العرف الذي لا ريب في تحققه بإزعاج المالك من داره و استيلائه عليها بأخذ المفاتيح مثلا و نحوه و إن لم يدخل إليها كما عرفت.

و كذا لو أسكن غيره فيها بعنوان الاذن منه و الرخصة، من غير فرق بين جهل الساكن بالحال و علمه، و إن كان في الثاني يكون

ج 37، ص: 23

كل منهما غاصبا، كما أن كلا منهما ضامن في الأول و إن لم يكن الجاهل غاصبا، لعدم علمه بالحال إلا أنه ضامن بإثبات اليد و استيلائه على مال الغير بغير حق في الواقع، فهو كالغاصب في ضمان العين و المنفعة و إن لم يسم غاصبا اصطلاحا، لأن ضمان المأخوذ باليد بعد فرض تحقق صدقه عرفا لا يتوقف مع ذلك على صدق الغصب معه، لعموم قاعدة اليد، فنفي الضمان من بعضهم هنا عما لم يتحقق فيه الغصب و إن تحقق فيه إثبات اليد لا وجه له، أو يراد منه نفيه من حيث الغصب.

و على كل حال فلو سكن الدار مع مالكها قهرا لم يضمن الأصل أي جميع الدار، لعدم استقلاله لإثبات اليد، بل مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين ضعف المالك و قوته، لأن الفرض عدم رفع يده، بل هي باقية على نحو ما لو كان قويا.

و من هنا قال الشيخ: يضمن النصف مع فرض تساوى يديهما على الدار، و تبعه الأكثر بل المشهور، بل لا نجد فيه خلافا محققا.

و لكن في المتن و تبعه بعض من تأخر عنه فيه تردد، منشأه عدم الاستقلال من دون المالك فلا يتحقق الغصب الذي هو الاستقلال بإثبات اليد، و لم نجده لأحد ممن تقدمه فضلا عن الجزم بعدمه، و إن حكاه المصنف في النافع قولا، بل عن التنقيح نسبته إلى المبسوط إلا أنا لم نتحققه، و على تقديره فهو واضح الفساد، ضرورة صدق الغصب بذلك عرفا المقتضي لاعتبار الاستيلاء فيه دون الاستقلال أو للقول بتحققه هنا و لو بالنسبة إلى النصف.

و دعوى اعتباره فيه على معنى رفع يد المالك و لو على جهة المشاركة واضحة الفساد، لأن العرف أعدل شاهد بخلافها، بل مقتضى ذلك عدم

ج 37، ص: 24

الضمان على الشخصين المشتركين في غصب شي ء واحد على وجه الاستقلال لكل منهما، و هو معلوم الفساد اللهم إلا أن يفرق بين شركة المالك و غيره، و لكن العرف على خلافه قطعا.

و دعوى كون الغاصب حينئذ مجموعهما الذي حصل له وصف الاستقلال و تضمينه يقتضي التوزيع بينهما يدفعها إمكان القول بمثله في الفرض و إن سقط الضمان بالنسبة إلى المالك، باعتبار عدم تصور ضمان ماله لنفسه، بل إن لم يكن إجماعا أمكن القول بضمان الغاصب لجميع عين الدار مع فرض إثبات يده عليها جميعها بالتصرف و الانتفاع و نحوهما، و إن كان المالك أيضا متصرفا بها أجمع، فإن اجتماع اليدين على الكل بالمعنى المزبور غير ممتنع، و الحكم بالتنصيف في الملكية في مثله باعتبار عدم تعقل الحكم بملكية الجميع الذي هو مقتضى اليد لكل منهما، فليس حينئذ إلا التنصيف بينهما كالبينتين، لا لأن يد كل منهما على النصف كما أوضحنا ذلك في كتاب القضاء. أما في المقام فلا مانع من الحكم بضمان الغاصب لجميع العين باستيلائه على جميعها الذي لا ينافيه استيلاء المالك أيضا على جميعها، هذا بالنسبة إلى العين.

أما بالنسبة إلى المنفعة فيضمن الغاصب كل منفعة للعين التي صارت في يده و استيلائه، سواء استوفاها أو لا، نعم ما استوفاها المالك منها تسقط عن ضمانه باعتبار استيفاء المالك لها، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

هذا و في الرياض تبعا للكفاية لا بد من التقييد بكونه متصرفا في النصف مثلا بحيث يمنع المالك من أنواع التصرفات فيه، كالبيع و الهبة و أمثالهما، لا مجرد السكنى.

و فيه أنه يكفي في ضمانه النصف إثبات يده بالسكنى على الإشاعة

ج 37، ص: 25

و إن لم يمنعه عن التصرفات المزبورة، لصدق

«على اليد»(1).

و عن مجمع البرهان أن ذلك- أي ضمان النصف- إذا شاركه في كل موضع من البيوت، بحيث ما يزاحمه و لا يزعجه إلا عن النصف، ثم قال: «و يمكن أن يكون الحكم كذلك إذا شاركه في البيوت من غير تعيين نصف، بل يقول له: أنا و أنت نكون في هذه الدار مع إثبات يده على الكل و عدم منعه من شي ء، مثل الشريكين بالنصف و أحدهما يأذن للآخر».

و استجوده بعض من تأخر عنه، و قال: «لا فرق بعد فرض تصرفه في قدر النصف أو أقل أو أكثر، لأن المتصرف في جميع الدار مثلا اثنان، فيحال الضمان عليهما كالجنايات، فلو جنيا عليه و مات من جنايتهما كانت الدية عليهما نصفين و إن كان أحدهما جرحه ألف جرح و الآخر جرحا واحدا».

قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه، و أنه لا يقاص

المقام الذي بناء الضمان فيه على قاعدة اليد على الجناية التي يصدق أنهما معا قتلاه و إن تعددت جناية أحدهما دون الآخر، بخلاف المقام الذي فرض فيه صدق الاستيلاء على الجميع و اليد على كل منهما، فيضمن الجميع من كانت يده يد ضمان دون الآخر، إذ ليس يد كل منهما على النصف حتى يختص ضمانه به.

و كذا لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في المحكي عن أبي العباس في كتابيه من أن الغاصب لا يضمن من الأجرة إلا قدر ما ينتفع به من السكنى، إذ قد عرفت أن المتجه ضمانه لكل منفعة عدا


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4. و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 26

ما استوفاها المالك، من غير فرق بين ما استوفاها و ما لم يستوفها، لأن يده يد ضمان على العين و على المنفعة، بل القائل بالتنصيف يضمنه منفعة النصف و إن لم يستوفها.

بل قد يظهر لك بالتأمل فيما ذكرناه ما ذكره غير واحد من التفريع على القول بالتنصيف- منهم الفاضل المقداد في التنقيح- أنه لو كان المالك أكثر من واحد هل يلزم الغاصب النصف أيضا أو بالنسبة فلو كان اثنين لزمه الثلث، و ثلاثة لزمه الربع؟ الأقرب الأخير كما لو تعدد الغاصب. و التحقيق يقتضي الضمان على نسبة ما استولى عليه و استقل به إن نصفا فنصف و إن ثلثا فثلث، و إن ربعا فربع، و هكذا.

و ظاهره كون التحقيق غير ما جعله الأقرب أولا.

و في الرياض أن ظاهر العبارة و نحوها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في ضمانه النصف بين وحدة المالك و تعدده، و يحتمل تخصيصها بالصورة الأولى و الرجوع في الثانية إلى الضمان بالنسبة، ثم حكى ما سمعته من التنقيح، و قال: هو جيد.

قلت: قد عرفت أن ضمان العين يتبع اليد و الاستيلاء، فمع فرض صيرورتها أجمع تحت يده على وجه لا ينافي كونها مع ذلك تحت يد المالك يتجه ضمان الجميع، نعم لو فرض تصور كون الداخل تحت يده النصف مشاعا أو الثلث كذلك من دون تصرف في الجميع اتجه حينئذ ضمان ذلك عليه خاصة.

و أما المنفعة فيضمن منها منفعة ما كان في يده من غير فرق بين ما استوفاه و غيره عدا ما استوفاه المالك، نعم لو فرض كون ما في يده النصف و لكن نسبة انتفاعه بها إلى انتفاع المالك ثلثان و ثلث اتجه حينئذ ضمان النصف للعين و الثلثين للانتفاع.

ج 37، ص: 27

و بالجملة فالمسألة في غاية الغموض و محتاجة إلى التأمل التام. و الله العالم.

هذا كله في قهر الغاصب المالك لقوته بالنسبة إليه.

و أما لو كان الساكن ضعيفا عن مقاومة المالك لم يضمن من حيث الغصب قطعا بناء على اعتبار القهر في مفهومه الذي لا يتصور في الفرض، و أما ضمانه من حيث اليد فقد عرفت الحال فيه، و أن المتجه فيه الضمان.

و في الدروس «لو سكن الضعيف مع المالك القوي فهو ضامن للمنفعة، و في كونه غاصبا الوجهان» قلت: قد عرفت ضمانه العين أيضا لو تلفت، لقاعدة «على اليد» و إن لم نقل بكونه غاصبا.

و لو كان المالك غائبا ضمن بلا خلاف أجده فيه بيننا و إن كان الساكن ضعيفا، معللين له بأنه غاصب، لأن الاستيلاء حاصل في الحال، و أثر قوة المالك سهولة انتزاعه من يده و ليس بمتحقق.

و لكن لا يخفى عليك أن مثله آت في الحاضر القوي، ضرورة عدم الفرق في سكناه مع عيال المالك بين حضور المالك و غيبته، و كذا سكناه في دار المالك القوي الخالية التي صرح في التحرير بضمانها، إذ القهرية منتفية على كل حال، كما أن الاستيلاء حاصل على كل حال.

و لا يراد بالأخذ المستفاد من

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «على اليد ما أخذت»

أزيد من هذا، بل الظاهر عدم اعتبار قصد الغصبية فيه، و منه يعلم الوجه في ضمان المأخوذ للنظر و نحوه و ان استشكل فيه من عرفت.

بل في الدروس «لو رفع كتابا بين يدي المالك فان قصد الغصب


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4. و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 28

فهو غاصب، و إن قصد النظر إليه ففي كونه غاصبا الوجهان» مع أن منشأ الوجهين المذكورين في كلامه سابقا الشك في أن الغصب الاستقلال أو الاستيلاء، و هما معا في الفرض حاصلان.

نعم يمكن الشك في كون المراد بالأخذ المستفاد من

قوله (صلى الله عليه و آله): «على اليد ما أخذت»

الاستبداد بالشي ء كالمالك أو الأعم منه و مما يشمل الأخذ للنظر و نحوه، الظاهر الثاني، بل لعله الموافق لكلمات الأصحاب في غير المقام التي لا تخلوا من تشويش نشأ من إطناب الشافعية في تنقيح أفراد الغصب عرفا، و لعله لأنه من حيث كون الغصب سببا للضمان عندهم. و أما نحن فقاعدة اليد أعم عندنا منه، و مساوية له في كيفية الضمان بالآفة السماوية و غيرها و إن كان هو أيضا سببا ل

قوله (عليه السلام) في الخبر السابق(1): «كل مغصوب مردود».

نعم ينبغي تنقيح قاعدة اليد، و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه تحقيق القول فيها، و أنه لا بد في الضمان من إثباتها، لأنه هو معنى الأخذ، لكن يكفي فيه الأخذ المشترك و لو مع المالك، كما عرفت البحث فيه، و الأولى من ذلك إيكاله إلى العرف، و التمسك في محال الشك فيه بأصل البراءة و نحوه كما سمعته في الغصب و القبض، و الله العالم.

و كذا لو مد بمقود دابة فقادها بقصد الاستيلاء عليها أو ساقها كذلك ضمن و إن كان مالكها حاضرا لكن غير مثبت يده عليها، لأنه حينئذ غاصب بمعنى مستقل بإثبات يده و مستول و محتو و آخذ.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 من كتاب الخمس و فيه « الغصب كله مردود».

ج 37، ص: 29

نعم في المتن لا يضمن لو كان صاحبها راكبا لها كما في محكي المبسوط، و مرادهما على الظاهر كونه مع ذلك قادرا على منع الغاصب، كما في القواعد و جامع المقاصد و المسالك و غيرها، لعدم صدق الاستيلاء فضلا عن الاستقلال و الأخذ.

و إليه يرجع ما في الإرشاد إلا أن يكون المالك راكبا إلا مع الإلجاء، بمعنى كونه ملجأ غير قادر على دفعه، كقوله في غيره: «و لو يمد بمقود دابة و صاحبها راكبها فلا استقلال إلا مع ضعفه عن المقاومة».

و لعل وجهه حينئذ صيرورة يده بمنزلة العدم في جنب القائد المفروض كونه قاهرا مستوليا نحو ما سمعته في الداخل القوي على مالك الدار الذي يده معه- لضعفه و ان لم يزعجه- بمنزلة العدم، فيضمن الجميع حينئذ، مع أنك قد عرفت الاشكال فيه سابقا مع صدق بقاء يده و تصرفه و إن كان الغاصب قادرا على رفعهما إلا أنه ما لم يتحقق لا يصدق الاستقلال و الاستيلاء للجميع، و مثله يأتي في المقام، و لعله لذا تأمل فيه المقدس الأردبيلي، خصوصا مع ملاحظة الحكم له باليد في مقام التنازع.

كما أنه قد يشكل ما ذكروه من عدم الضمان لو كان المالك الراكب قادرا بما تقدم لهم من ضمان النصف بدخول الساكن قهرا مع المالك، و لعله لذا لم يفرق بعضهم بين المسألتين، بل لعل حكاية العدم قولا في المسألة السابقة كما في النافع مأخوذ من هذه المسألة.

و ربما فرق بأن القائد لا استيلاء له مع المالك الراكب على نصف و لا ربع، لأنه أقوى يدا و أكثر تصرفا، و لهذا يحكم له بها عند التنازع.

و فيه أنه لا يتم على القول بالتنصيف عند التداعي، كما عن الخلاف و السرائر و ثاني المحققين و الشهيدين، بل عن ثاني الشهيدين التصريح في

ج 37، ص: 30

باب الديات بأن جنايتها بيدها على القائد و الراكب بالتنصيف، فيضمن النصف أيضا هنا باعتبار إثبات يده مع يد المالك. كما لو ركبها معه.

بل قد يقال بضمانه الكل في الفرض باعتبار صدق الاستيلاء و الأخذ الذي لا ينافيه قدرة المالك على الدفع إذا لم يدفع، كما إذا لم يكن راكبا لها و كان حاضرا قادرا على الدفع، أقصاه إثبات يده، و لا ينافي ذلك يد الغاصب، بل و لا استقلاله و استيلاؤه و أخذه و احتواؤه، بل هو بقوده لها و عدم ممانعة المالك له استولى عليه و عليها، نحو ما سمعته في الساكن المتصرف بجميع الدار مع عدم إزعاج المالك، و لعل إيكال الأمر في ذلك إلى العرف المختلف باختلاف الأحوال و الخصوصيات أولى.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في ضمانه لها لو اتفق تلفها بقوده لها و إن كان الراكب قويا على الدفع، بل لا يبعد ضمانه لمنفعتها التي فاتت على المالك بقوده، و كذا لو ساق الدابة و كان لها جماح فشردت بسوقه فوقعت في بئر ضمن، و الله العالم.

و غصب الأمة الحامل مثلا غصب لحملها (لولدها خ ل) أيضا بلا خلاف و لا إشكال لثبوت يده بل استقلاله و استيلائه عليهما فيضمنهما حينئذ معا، و لو بضمان تفاوت قيمتها حاملا و حائلا لو أسقطت.

و إن تلفت و تلف بعد الوضع ففي المسالك ألزم بالأكثر من قيمة الولد و قيمتها حاملا إن اعتبرنا الأكثر و إلا فقيمته يوم التلف، و لعل المراد قيمة الولد يوم التلف فيكون المعنى أنه إذا تلف الولد بعد الوضع غرم الأكثر من قيمة الولد إلى يوم التلف، مضافا إلى الأكثر من تفاوت قيمتها حاملا و حائلا، و على القول باعتبار وقت التلف كان عليه قيمة الولد حينه و قيمة التفاوت كذلك إن كان.

ج 37، ص: 31

و كأن ما في المسالك مأخوذ مما في التحرير، قال فيه: «لو غصب الأمة الحامل كان غاصبا للحمل، فلو تلف الحمل ألزم بقيمته، بأن يقوم الأمة حاملا و غير حامل، و يلزم بالتفاوت، و لو تلف بعد الوضع ألزم بالأكثر من قيمته وقت الولادة إلى يوم التلف، و كذا البحث في الدابة الحاملة.

و على كل حال فلا إشكال في ضمان الحمل و الحامل في الفرض.

بل في التذكرة و التحرير و كذا يضمن حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد

لعموم «على اليد»(1)

لكن في القواعد و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها عدم الضمان، لعدم كونه مبيعا حتى يضمن بقاعدة ما يضمن بصحيحه، فهو حينئذ أمانة في يد المشتري.

و فيه أنه مع فرض عدم إذن من المالك إلا الاذن البيعية التي فرض عدمها يتبين الفساد، فيتجه الضمان حينئذ لعدم الاذن، و الأصل الضمان، و قاعدة ما يضمن بناء الضمان فيها على ذلك، و إلا فهي ليست من أسبابه من حيث نفسها، و حينئذ فلا حاجة إلى ما في الدروس من حمل القول بالضمان على إرادة اشتراط دخول الحمل.

نعم لا وجه للقول بضمان حمل المقبوض بالسوم مع فرض كون السوم على الحامل دون الحمل كما صرح به غير واحد، لكونه أمانة صرفة في يده، و ضمان الحامل على خلاف مقتضى القواعد، فيقتصر عليه.

لكن عن التذكرة التصريح بضمانه أيضا. و يمكن حمله على المفروض دخوله في السوم مع الحامل أو يقال بأنه مقتضى

عموم «على اليد»

الذي


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 32

لا ينافيه كونه بالاذن بعد انصراف الأمانة المنفي عنها الضمان إلى غير الفرض، فتأمل جيدا.

هذا و قال في الدروس: «و لو أثبت يده على مسجد أو رباط أو مدرسة على وجه التغلب و منع المستحق فالظاهر ضمان العين و المنفعة».

و قد يشكل الضمان في المسجد و نحوه من المشاعر مما لم تكن المنفعة فيه ملكا للناس و إن ملكوا الانتفاع به، إذ هو غير المنفعة، فلا مالية حينئذ حتى يتجه الضمان و إن تحقق الغصب في مثله.

و لعله لذا صرح بعض الشافعية بتحقق الغصب و الإثم بإقامة من قعد في مسجد أو موات أو استحق سكنى بيت برباط، و يجب الرد في الأعيان الاختصاصية، و في المنافع الاختصاصية بتعلق الإثم، ثم قال: «و لا ضمان في شي ء من متعلقات الاختصاص». و هو جيد فيما ليس هو بمال كالمسجد.

أما ما كان ملكا للمسلمين أجمع كالطرق و نحوها فلا بأس بالقول بالضمان عينا و منفعة، بل المسجد الموقوف، لا المخلوق مشعرا كذلك أيضا إن قلنا بكونه ملكا للمسلمين عينا و منفعة، و إن كان هو لا يخلو من نظر، لقوة احتمال كونه كالتحرير في الخروج عن المالية.

و قد تقدم ما في المسالك من انتقاض التقييد في التعريف بمال الغير بما لو استولى المالك على ماله المرهون عدوانا، فإنه يضمنه مع التلف بالمثل أو القيمة، و يكون رهنا، و حق المرتهن لا يسمى مالا و إن نزل منزلته.

و بما لو استقل باليد على حق الغير في نحو المدرسة و الرباط و المسجد و التحجير، فإنه في جميع ذلك غاصب مع أنه لم يستول على ماله.

و بما لو غصب الوقف العام فإنه ليس ملكا للغير، أو الخاص على القول بانتقال ملكه إلى الله إلا أن يراد من الغير ما يشمل الله تعالى،

ج 37، ص: 33

و هو بعيد.

و في الدروس «و إضافة المال إلى الغير- أي في التعريف- ليخرج به مال نفسه، فإنه لو أثبت يده على مال نفسه عدوانا كالمرهون في يد المرتهن فليس بغاصب، إلا أن ينزل استحقاق المرتهن منزلة المال، مع أنه لو تلف بعد التعدي ضمن قيمته أو مثله، و يكون رهنا».

قلت: لا إشكال في تحقق الغصب بمعنى القهر على غير الحق الذي هو نوع من الظلم في مثل ذلك، و أما الضمان فلا يكون إلا للمال، و وجوب دفع المثل أو القيمة لتكون رهنا لو أتلفه ليس ضمانا لحق الارتهان. بل هو حكم شرعي لدليله، و الله العالم.

و لو تعاقبت الأيدي الغاصبة على المغصوب تخير المالك في إلزام أيهم شاء أو إلزام الجميع أو البعض بدلا واحدا على حد سواء أو مختلفا بلا خلاف و لا إشكال، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل في مجمع البرهان دعواه، لأن كلا منهم غاصب مخاطب برد العين أو القيمة، ل

قوله (عليه السلام)(1): «كل مغصوب مردود».

و «على اليد ما أخذت»(2)

و قوله تعالى(3)«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ» و «جَزاءُ سَيِّئَةٍ»(4)و غيرهما مما دل على العقاب بمثل ما عوقب(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 من كتاب الخمس و فيه « الغصب كله مردود».
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4. و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 194.
4- 4 سورة يونس: 10- الآية 27.
5- 5 سورة النحل: 16- الآية 126.

ج 37، ص: 34

و أن الْحُرُماتُ قِصاصٌ(1)و نحوه.

و لا فرق في تعاقب أيديهم بين كونه بصورة الضمان ببيع فاسد و نحوه و عدمه، نعم قرار الضمان على من تلف المغصوب في يده منهم، بمعنى أنه لو رجع المالك على غيره رجع هو عليه مع فرض عدم زيادة في

العين يختص الأول بضمانها بخلاف ما لو رجع عليه نفسه، فإنه لا رجوع له على غيره، لأن ذمته المشغولة للمالك بالبدل و إن جاز له إلزام غيره باعتبار الغصب بأداء ما اشتغلت ذمته به، فيملك حينئذ من أدى بأدائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية.

و بذلك اتضح الفرق بين من تلف المال في يده و بين غيره الذي خطابه بالأداء شرعي لا ذمي، إذ لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد، فحينئذ يرجع عليه و لا يرجع هو.

كما أنه اتضح لك أيضا جواز مطالبة الكل ببدل واحد على السواء و مختلفا، لأنه إذا جاز له مطالبة كل منهم بالجميع فالبعض بطريق أولى، و يرجع حينئذ غير من تلف المال في يده على من تلف المال في يده بمقدار ما أدى.

بل ظاهر عدم تقييد الأيدي بكونها غاصبة في النافع و اللمعة يقتضي عدم الفرق في الضمان بين الجاهل و العالم و إن افترقا في الإثم و عدمه و الغرور و عدمه. بل هو صريح المحكي عن المبسوط و التذكرة و التحرير و جامع المقاصد و المسالك و الروضة و الكفاية، بل لم يرد المصنف من التقييد المزبور إخراج الجاهل، لتصريحه بعد ذلك بالرجوع على الجاهل.

نعم ما تقدم في الدروس سابقا- من أن الساكن في البيت بأمر الغاصب جاهلا يضمن المنفعة- ظاهر في ضمانها خاصة، و من هنا نشأت


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 194.

ج 37، ص: 35

الشبهة على المقدس الأردبيلي، فتردد أو مال إلى عدم الرجوع على الجاهل المغرور الذي لم يعلم اندراجه في

قوله (صلى الله عليه و آله) في خبر سمرة بن جندب(1): «على اليد»

الذي لم تثبت صحته و لا تواتره بعد معلومية عدم كونه غاصبا، و إلا لكان آثما.

و فيه- بعد إمكان تحصيل الإجماع على خلافه- أن عدم تواتره بل و عدم صحته لا يقدح بعد العمل به الجابر له سندا و دلالة، بل نصوص المغصوب التي منها

قوله (عليه السلام)(2): «كل مغصوب مردود»

شاملة له، ضرورة صدق المغصوبية على ما في يده و إن لم يكن هو الغاصب.

و عدم كونه مخاطبا بالخطاب التكليفي لجهله لا يقتضي عدم كونه مخاطبا بالخطاب الوضعي، و قاعدة الغرور ظاهرة في الرجوع عليه و إن رجع هو على من غره فيما إذا لم تكن يده يد ضمان و لم يكن التلف مباشرة منه بغير غرور، كما لو أعاره الغاصب إياه عارية غير مضمونة أو أدعه إياه فتلف بآفة سماوية مثلا. أما إذا كانت يده يد ضمان أو باشر هو إتلافه بغير غرور فلا رجوع له، كما ستسمع تفصيله إنشاء الله تعالى عند تعرض المصنف له.

و المراد من عبارة الدروس ما ذكرناه سابقا من أن الضمان للمنفعة مستقر على الساكن بخلاف العين، فإنه يرجع به على الغار، كما صرح به في المقام، قال: «و تعاقب الأيدي العادية على العين يوجب تضمين كل واحد منهم، و قرار الضمان على من تلفت في يده، فيرجع غيره عليه لو رجع عليه، و لو كان فيهم يد غير عادية فقرار الضمان على الغار».


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 95.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 من كتاب الخمس و فيه « الغصب كله مردود».

ج 37، ص: 36

و إن كان لا يتم إطلاقه فيما لو كانت اليد الأولى عادية غارة و الثانية مغرورة و الثالثة عادية لعلمها بالغصب مثلا، فلو رجع المالك على الثانية المغرورة لم يكن قرار الضمان على الغار الذي هو الأول، فالمتجه تقييد ذلك بما إذا كان التلف في يد المغرور لا مطلقا. حتى في مثل الفرض الذي لم يكن التلف في يده.

أو يقال باختصاص قاعدة الغرور بما إذا كان التلف في يده، و حينئذ يتجه في المثال الرجوع على من تلف المال في يده خاصة دون الأول، بخلافه على السابق، فان المتجه فيه التخيير بين الرجوع على الغار و إن رجع هو على من تلف المال في يده و بين الرجوع على من تلف المال في يده ابتداء جمعا بين القاعدتين، لعدم تنافيهما، هذا.

و مرادنا بما ذكرنا من رجوع الجاهل على غيره لو رجع عليه إذا كان مغرورا، أما مع عدم الغرور فلا رجوع له، بل هو حينئذ كالعالم في ذلك، بل مرادنا أيضا بالجاهل غير العالم بالغصب، من غير فرق بين الغافل و الناسي و غيرهما، و الله العالم.

و الحر لا يضمن بالغصب و لو كان صغيرا لا عينا و لا منفعة بلا خلاف محقق أجده فيه، على معنى كونه كغصب المال الموجب للضمان و إن مات حتف أنفه، بل و لا إشكال، ضرورة عدم كونه مالا حتى يتحقق فيه الضمان، و ما في النافع- من أنه لو كان أي التلف لا بسببه كالموت و لدغ الحية فقولان- لم نتحققه، و نحوه ما عن المفاتيح من نسبة ما في المتن إلى القيل و الكفاية إلى المشهور. و لذا قال في محكي المهذب و المقتصر: «إن الأصحاب على خلافه» أي القول المحكي في النافع كما عن التنقيح الاعتذار عنه بالمسامحة، بل فيه و في الروضة الإجماع على عدم ضمان الصغير إذا كان تلفه بالموت الطبيعي، و من هنا طفحت عباراتهم

ج 37، ص: 37

بعدم ضمان الحر بالغصب، و أنه إنما يضمن عينا بالجناية عليه مباشرة أو تسبيبا و منفعة بالاستيفاء أو تسبيبا على الوجه الذي سيأتي إنشاء الله.

بل لو أصابه غرق أو حرق أو غيرهما فضلا من أن يصيبه موت في يد الغاصب من غير تسبيبه لم يضمنه للأصل، كما عن مبسوط الشيخ و إيضاح الفخر و غيرهما، بل في المسالك نسبته إلى الأشهر بل عن الكفاية إلى المشهور و ان كنا لم نتحققه.

بل قال الشيخ في كتاب الجراح من المبسوط:

يضمنه الغاصب إذا كان صغيرا أو مجنونا و تلف بسبب، كلدغ الحية و العقرب و وقوع الحائط.

بل في الدروس و محكي الخلاف و المختلف هو قوي، و عن المقتصر هو حسن، بل عن التبصرة و تعليق الإرشاد و غيرهما اختياره، و هو المحكي عن أبي حنيفة أيضا، و لا ترجيح في النافع و كشف الرموز و التحرير و الإرشاد و التذكرة في موضع منها. و غاية المراد و التنقيح و المهذب البارع و الروضة على ما حكي عن بعضها.

نعم لا وجه ظاهر يقتضي الضمان، إذ دعوى كونه بغصبه صار سببا شرعا لتلفه كحفر البئر واضحة المنع. و

الخبر(1)«من استعار حرا صغيرا فعيب ضمن»

لا جابر له و لا عامل به، و مناسبة الضمان للعدوان- بل عدمه يفضي إلى الاحتيال في قتل الأطفال- مجرد اعتبار، و الضمان في نقل المملوك الصغير و المجنون إلى المسبعة أو المضيعة كما عن التذكرة لا يقتضي الضمان في الفرض، لظهور التسبيب فيه بخلافه.

و من الغريب ما عن الفاضل من الجزم في موضع من محكي التذكرة


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 2 من كتاب الديات.

ج 37، ص: 38

بعدم الضمان في مثله و تردده في المقام، فالمتجه عدم الضمان مع فرض عدم تقصير منه في حفظه بالإهمال و نحوه، و ربما يحمل القول بالضمان على ما لو أهمل، بحيث يكون سببا في تلفه، لكونه غير قابل لحفظ نفسه، بخلاف ما إذا لم يهمل فاتفق تلفه بأمر لا مدخل لإهماله فيه، و حينئذ يكون النزاع لفظيا.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين الصغير و المجنون، كما صرح به جماعة.

بل في مجمع البرهان أن الظاهر عدم الفرق بينهما و بين الكبير إذا حبس بحيث لا يقدر على الخلاص منه ثم حصل في الحبس شي ء أهلكه، لظلمته و عدم قدرته على الفرار من أذيته، إذ هو حينئذ كالطفل، بل كالحيوانات التي لا شعور لها، فعلة الضمان فيهما سواء.

و ربما كان في ذلك نوع إيماء إلى ما ذكرنا إذا كان المراد منه أن لحبسه على الوجه المزبور مدخلا في تلفه على وجه يكون سببا و إن كان كبيرا قابلا للدفع عن نفسه إلا أنه منعه عن ذلك على وجه صار كالصغير الغير القابل للدفع عن نفسه.

و كذا ما في جامع المقاصد و الروضة من أنه لو كان بالكبير خبل أو بلغ رتبة الصغير لمرض أو كبر ففي إلحاقه وجهان، ضرورة كون الوجه في الضمان ما عرفت، إذ لا خصوصية للصغير من حيث كونه كذلك، بل ليس إلا لعدم قابليته للدفع عن نفسه، فغيره مما كان كذلك في القصور مثله في الضمان مع الإهمال على الوجه المزبور، و الله العالم.

و لو استخدم الحر فعليه (لزمه خ ل) الأجرة بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، لأن منفعته متقومة حينئذ، فهو كمن أخذ مال

ج 37، ص: 39

غيره و لو لأن منفعته المزبورة تقابل بمال.

أما لو حبس صانعا لم يضمن أجرته ما لم ينتفع به فضلا عن غير الصانع بلا خلاف أجده فيه، بل في الكفاية هو مقطوع به في كلام الأصحاب، و إن عبر في التذكرة بلفظ الأقوى مشعرا باحتمال الضمان فيه، بل في مجمع البرهان قوة ذلك، لقاعدة نفي الضرر مع كونه ظالما و عاديا، فيندرج في قوله تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ»(1)و «جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ»(2)و غيرهما مما دل على المقاصة و العقاب بمثل ما عوقب(3)فالضمان حينئذ لذلك لا للغصب الذي لا يقتضيه، باعتبار عدم كون المغصوب مالا تتبعه منافعه و لو شرعا في الدخول تحت اليد و اسم الغصب و غيرهما.

و حكاه في الرياض عن خاله العلامة في حواشيه عليه، حيث قال:

«إن ثبت إجماع على ما ذكره الأصحاب و إلا فالأمر كما ذكره الشارح».

و مال إليه في الرياض حيث يكون الحابس سببا مفوتا لمنافع المحبوس.

ثم قال: «يحتمل قويا اختصاص ما ذكره الأصحاب بصورة عدم استلزام الحبس التفويت كما فرضناه بل الفوات، و ربما يستفاد ذلك من التذكرة حيث إنه مع تصريحه بما ذكره الأصحاب قال في عنوان البحث: منفعة بدن الحر تضمن بالتفويت لا بالفوات، انتهى. و يظهر الفرق بين المقامين فيما لو حبسه مدة لها اجرة في العادة، فإن كان لو لم يحبس لحصلها كان حبسه سببا لتفويتها. فيضمن هنا كما ذكراه، و إن كان لو لم يحبس لم يحصلها أيضا لم يكن حبسه سببا لتفويتها، و هذا هو مراد


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 194.
2- 2 سورة الشورى: 42- الآية 40.
3- 3 سورة النحل: 16- الآية 126.

ج 37، ص: 40

الأصحاب في حكمهم بنفي الضمان فيه كما احتملناه من كلامهم، و لا شبهة فيه».

قلت: لا يخفى فساد الاحتمال المزبور على من لاحظ كلمات الأصحاب، بل فرضهم المسألة في حبس الصانع كالصريح في عدم الضمان و إن كان سببا.

و المراد بالتفويت في عبارة التذكرة الاستيفاء، كما يشعر به تفريع ذلك عليها فيها، قال: «منفعة بدن الحر تضمن بالتفويت لا بالفوات فلو قهر حرا و استعمله في شغل ضمن أجرته، لأنه استوفى منافعه، و هي متقومة، فلزمه ضمانها، كما لو استوفى منافع العبد، و لو حبسه مدة لمثلها اجرة و عطل منافعه فالأقوى أنه لا يضمن الأجرة، لأن منافعه تابعة لما لا يصح غصبه، فأشبهت ثيابه و أطرافه، و لأن منافعه في يده، لأن الحر لا يدخل تحت اليد، فمنافعه تفوت تحت يده فلم يجب ضمانها، بخلاف الأموال، و هو أصح وجهي الشافعية، و الثاني أنه يضمنها، لأن منافعه تتقوم بالعقد الفاسد. فأشبهت منافع الأموال، فقد فوتها بحسبه فضمنها كمنافع العبد، أما لو منعه من العمل من غير حبس فإنه لا يضمن منافعه وجها واحدا، لأنه لو فعل ذلك بالعبد لم يضمن منافعه، فالحر أولى».

و هو كالصريح فيما ذكرناه، على أن التسبيب الذي ذكره إنما يقتضي الضمان إذا تعلق بتلف الأموال، و منفعة الحر معدومة، فلا يتصور التسبيب لتلفها، كما أن قاعدة نفي الضرر و الضرار و غيرها مما ذكره من الآيات لو اقتضت الضمان على وجه تشمل الفرض لا تثبت فقها جديدا، ضرورة اقتضائها الضمان بالمنع عن العمل أو الانتفاع بماله و غير ذلك مما عرفت عدم القول به من العامة الذين مبنى فقههم على القياس

ج 37، ص: 41

و الاستحسان فضلا عن الإمامية الذين مبنى فقههم على القواعد المقررة الثابتة عن أهل بيت العصمة، فلا وجه للضمان في الفرض كما قطع به الأصحاب لأن الحر لا يدخل تحت اليد على وجه تدخل منافعه معه كالمال و لو شرعا. بل منافعه في قبضته كثيابه باقية على أصالة عدم الضمان و إن ظلم و أثم بحبسه أو منعه عن العمل.

نعم لو استأجره لعمل في زمان معين فاعتقله و لم يستعمله فيه استقرت الأجرة عليه قولا واحدا كما عن المهذب البارع، و لا نزاع فيه كما في جامع المقاصد، و لعله- بعد إرادة الإجماع منه- الحجة بعد اقتضاء عقد الإجارة ملك الثمن، و عدم الاستيفاء إنما كان لتقصير من المستأجر، و قد فات الزمان، و الأصل عدم بطلانها، كما أن الأصل عدم قيام غير الزمان الذي هو متعلق العقد مقامه.

و لعل مثله ما قيل من أنهم ذكروا قرارها أيضا فيما لو استأجره لقلع ضرسه فبرأ بعد أن مضت مدة يمكنه القلع فيها باذلا الأجير نفسه فيها، و إنما كان التأخير من جانب المستأجر، و ذلك لما عرفت من اقتضاء العقد ملك الأجرة على الوجه الذي سمعته، و الفرض لم يبق محل للعمل.

و الأصل عدم الانفساخ و عدم قيام غير متعلق العقد مقامه، فهو حينئذ كالأجير الخاص، و كذا ما كان مثله، إذ ليس لقلع الضرس خصوصية.

أما لو استأجره على عمل فاعتقله مدة يمكن فيها استيفاء العمل و لم يستوفه و بدل الأجير نفسه للعمل كذلك و لم يستوفه منه ففي استقرار الأجرة تردد كما في التذكرة و القواعد و الإرشاد و غاية المراد و لكن الأقرب أن الأجرة لا تستقر كما في التحرير و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و المسالك و الروضة و الرياض و غيرها على ما حكي عن بعضها لمثل ما قلناه من أن منافع الحر تضمن

ج 37، ص: 42

بالاستيفاء لا بالفوات، فمنفعته في المدة المزبورة غير مضمونة على الحابس و إن بذلت له، فالعمل باق على استحقاقه عليه بالعقد الذي يقتضي ملك الأجرة بملك العمل عليه و تسليمها بتسليمه الذي لم يحصل، و لا دليل على الاكتفاء عن تسليمه بالحبس المدة المزبورة و لا بالبذل فيها.

و لا كذلك لو استأجر دابة مثلا لنقل متاع مثلا فحبسها بقدر الانتفاع أو بذلك له كذلك فتسلمها و لم يستوف، لأن منفعتها حينئذ مضمونة عليه، فتقوم مقام المنفعة المستحقة له بعقد الإجارة و لو بالتهاتر القهري باعتبار كونه مستحقا عليه من منفعة الدابة المزبورة، لأنها مضمونة عليه في يده مقدار ما هو مستحق له، و هو أقرب من أجرة المثل التي هي بدل ما يفوت من المنفعة لو لم يكن له مقدار ما فات في يده مما هو مضمون عليه، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا.

و ربما كان في عبارة الأصحاب شهادة على ذلك، حتى عبارة المصنف و مع قطع النظر عن ذلك فالإجماع بقسميه على قيام تسليم العين المملوكة مقام تسلم المنفعة المستحقة بعقد الإجارة، بخلاف الحر.

فما عن إجارة التذكرة و المسالك من الاستقرار في الحر بذلك أيضا واضح الضعف و إن قواه الأردبيلي هنا، لما سمعته مما ذكروه في الاستئجار على القلع للضرس الذي قد عرفت الفرق بينه و بين المقام بعد تسليم الحكم فيه.

و لأن العقد موجب للعوضين، و قد بدل هذا عوضه، فيلزمه العوض الآخر. كما في نفقة الزوجة و المهر، فإنها لها إذا مكنت نفسها و إن لم يستمتع بها، و يجب عليها تسليم نفسها إذا تسلمت المهر الذي هو قياس لا يأتي في نحو المقام الذي هو من عقود المعاوضة المقتضية ملكا بملك و تسليما بتسليم. بخلاف التمكين الموجب للنفقة الذي هو من الأحكام،

ج 37، ص: 43

و كذا تسليم نفسها بالمهر.

على أنه يكفي في الفرق ثبوت الدليل على وجوب التمكين بالنفقة و تسلم المهر، و لا دليل في المقام على الاكتفاء عن حصول العمل الذي هو مقتضى عقد الإجارة بالمدة المزبورة، خصوصا إذا لم ينو المحبوس و لا الحابس الوفاء و الاستيفاء عما عليه من العمل.

و في الإيضاح «و التحقيق إن هذا هل هو تمليك للمنافع، فإذا أهمل استعمالها حتى تلفت لم يضمن، أو هو كالدين في ذمة الحر، فلا يسقط إلا بالاستيفاء أو الإبراء؟ و الأشبه الثاني، لأن الحر يستحق عليه في ذمته و لا يملك عينه و لا منافعه، و لأنها معدومة، فيتبع الأصل في الملك أو اليد، و هما منفيان في الحر، و يرد استحقاق المستأجر الأول أجرة المثل على من استعمل الأجير الخاص».

و هما كما ترى ليس من التحقيق في شي ء، خصوصا بعد أن أشكله بما ذكره أخيرا.

و من هنا قال في جامع المقاصد: «في هذا البناء نظر، إذ لا يلزم من ملك المنافع استقرار الأجرة بالحبس في المدة المذكورة، لأن العقد المملك إذا لم يوجب الاستقرار فلا دليل على ثبوته بمضي المدة المذكورة».

و مرجعه إلى ما ذكرناه من عدم الدليل على قيام الحبس أو البذل المدة المزبورة مقام تسلم العمل، بخلافه في المال و في الأجير الخاص.

لكن قال متصلا بما سمعت: «و وجه شيخنا الشهيد الاستقرار في بعض حواشيه بأن المنافع ملكها المستأجر و تلفها مستند الى فعله، و يؤيده الحكم باستقرار الأجرة على قلع الضرس مع البرء و سبق التمكين من قلعه».

قلت: هو كما ترى راجع إلى ما سمعته من الفخر، و يرد عليه

ج 37، ص: 44

ما عرفت، و الله العالم.

و لا يضمن الخمر مع تلفها إذا غصبت من مسلم و كان الغاصب مسلما على الأشهر في محكي المختلف، بل المشهور في المسالك، بل بلا خلاف- أي بين المسلمين- في محكي الخلاف، بل إجماعا في التذكرة، فما عن أبي علي- من إطلاق ضمان الخمر المغصوبة بقيمتها خلا- واضح الضعف، و إن نزل على الخمر المتخذة للتخليل إلا أنه مناف لإطلاق معقد الإجماع و نفي الخلاف المزبورين، بل صريح الشهيدين و الكركي عدم ضمان المتخذة للتخليل و إن أثم، بل قيل يغرر، بل في المسالك أنه المشهور، لأنها على كل حال غير مملوكة للمسلم و إن سبق ملكه قبل الخمرية، فلا وجه لضمانها.

و ما عن المقدس الأردبيلي- من التأمل في أصل الخروج عن الملكية بذلك و في عدم ضمانها بالمثل أو بالخل- من الوسوسة، و كذا ما عن ظاهر المفاتيح أو صريحها من ضمان المتلف لها، ضرورة ظهور النصوص و الفتاوى في عدم ملكية المسلم للخمر مطلقا و إن كان المتخذ للتخليل منها محترما، بمعنى الإثم في غصبه و وجوب رد عينها و إن انقلبت خلا عند الغاصب.

و كذا لو غصبها الكافر من المسلم، كما صرح به غير واحد، بل عن الخلاف نفي الخلاف أيضا، لما عرفت مما هو مشترك بين الكافر و المسلم.

نعم تضمن إذا غصبت من الذمي متسترا و لو كان الذي غصبها منه المسلم بإجماع الفرقة و أخبارها في محكي الخلاف بل قيل: إن الإجماع أيضا ظاهر المبسوط و السرائر و التذكرة. أما المتظاهر فلا ضمان و إن كان الغاصب كافرا قولا واحدا.

ج 37، ص: 45

و كذا الكلام في الخنزير بالنسبة إلى ضمانه و عدمه في المسلم و المتستر و المتظاهر و غير ذلك مما عرفت.

و ضمانه بالقيمة عند مستحيلة بلا خلاف و لا إشكال، و كذا الخمر يضمنها المسلم للذمي المتستر بها بالقيمة عند مستحليها بإجماع الفرقة و أخبارها في محكي الخلاف و التذكرة، و لا بحث فيه كما في جامع المقاصد، لاستحالة ثبوت الخمر في ذمة المسلم و إن كانت مثلية.

بل عن المبسوط و السرائر و التحرير و المختلف و غيرها ذلك أيضا إذا كان الغاصب كافرا، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه، بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة و أخبارها عليه أيضا.

خلافا للمحكي عن القاضي في أحد قوليه من القول بضمان مثلها، و في جامع المقاصد و المسالك تقييد ضمان القيمة مما إذا ترافعوا إلينا، و في القواعد الإشكال في ذلك، كقول المصنف و يضمن الخمر بالقيمة عند المستحل لا بالمثل و لو كان المتلف ذميا على ذمي، و في هذا تردد.

و لعل منشأه أنها مال مملوك و هو مثلي، فيضمن بمثله، و قد أمرنا بإقرارهم على ما عندهم(1)و من أنه يمتنع في شرع الإسلام الحكم باستحقاق الخمر و إن كنا لا نعترضهم إذا لم يتظاهروا بها، فامتنع الحكم بالمثل للعارض، فيجب الانتقال إلى القيمة، كما إذا تعذر المثل في المثلي. و لعل هذا أقوى، خصوصا مع ملاحظة اشتراط التستر في احترامها، فمتى حكم لهم بها ظاهرا زال احترامها.

و ما عساه يقال- من أنه لا يلزم من الحكم باستحقاقها إظهارها- يدفعه أن الحكم باستحقاقها ظاهر في ذلك، خصوصا إذا الجر إلى الإظهار عند الامتناع من الأداء فحبس حتى يؤدي، و خصوصا مع ملاحظة


1- 1 الوسائل- الباب- 68- من أبواب الجهاد- من كتاب الجهاد.

ج 37، ص: 46

ما سمعت من الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة بقسميها، و الله العالم.

[هنا أسباب أخر يجب معها الضمان]
اشاره

و هنا أسباب أخر يجب معها الضمان غير الغصب جرت؟ ادتهم في البحث عنها في كتابه.

[السبب الأول مباشرة الإتلاف]

الأول: مباشرة الإتلاف بلا خلاف فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل الإجماع بقسميه عليه إن لم يكن ضروريا سواء كان المتلف عينا، كقتل الحيوان المملوك و تخريق الثوب، أو منفعة كسكنى الدار و ركوب الدابة و إن لم يكن هناك غصب أي استقلال يد على أنه عدوان.

[السبب الثاني التسبيب]
اشاره

الثاني: التسبيب، و هو كل فعل يحصل التلف بسببه كحفر البئر في غير الملك، و كطرح المعاثر في المسالك بلا خلاف أجده في أصل الضمان به، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه.

مضافا إلى

خبر السكوني(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد

وتدا أو أوثق دابة أو حفر شيئا في طريق المسلمين فأصاب فعطب فهو له ضامن».

و صحيح الحلبي(2)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الشي ء يوضع على الطريق فتمر به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره، فقال: كل شي ء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه».

و خبر أبي الصباح الكناني(3)عنه (عليه السلام) أيضا «من أضر بشي ء من طريق المسلمين فهو له ضامن».


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 1 من كتاب الديات.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 2 من كتاب الديات.

ج 37، ص: 47

و صحيح زرارة(1)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: رجل حفر بئرا في غير ملكه فمر عليها رجل فوقع فيها، فقال: عليه الضمان، لأن كل من حفر بئرا في غير ملكه كان عليه الضمان».

و موثق سماعة(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يحفر البئر في داره أو في ملكه، فقال: ما كان حفر في داره أو ملكه فليس عليه ضمان. و ما حفر في

الطريق أو غير ملكه فهو ضامن لما يسقط فيها».

إلى غير ذلك من النصوص التي منها المعتبرة المستفيضة الدالة على غرامة الشاهد إذا رجع عن شهادته بعد ما قضي بها للأول قدر ما أتلفه من مال الرجل(3)و على أنه يقتل إذا قتل بشهادته، و قال الشاهد:

تعمدت الشهادة عليه زورا(4)و على غرامة دية اليد مثلا لو شهد عليه بالسرقة و رجع و قال: إني اشتبهت(5)و على غرامة المهر لو شهد بطلاق زوجة ثم تزوجت، أو بموت زوجها ثم جاء زوجها، أو رجع الشاهد عن شهادته بالطلاق(6)و منها دل على رجوع المغرور(7)و منها ما دل على


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 3 من كتاب الديات.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الشهادات.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من كتاب الشهادات.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من كتاب الشهادات.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من كتاب الشهادات.
7- 7 الوسائل- الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- الحديث 5 و الباب- 2- من أبواب العيوب و التدليس. و الباب- 7- منها- من كتاب النكاح.

ج 37، ص: 48

تسبيب الإكراه و غير ذلك المعلوم عدم خصوصية الطريق فيها، كمعلومية عدم خصوصية لما ذكر فيها من الأفراد، خصوصا بعد ملاحظة العموم في صحيح الحلبي منها و غيره.

نعم عبر الأصحاب عما فيها بالسبب و اختلفوا في تعريفه، فعرفه المصنف هنا بما سمعت، و في الديات بما لولاه لما حصل التلف عنده لكن علة التلف غيره، كحفر البئر و نصب السكين و إلقاء الحجر، فان التلف عنده بسبب العثار.

و في القواعد هنا «السبب إيجاد ما يحصل التلف عنده إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة، كالحافر و فاتح رأس الظرف. و المكره على الإتلاف، و المباشرة هي إيجاد علة التلف، كالقتل و الإحراق».

و قال في قصاصها: «أقسام المزهق ثلاثة: شرط و علة و سبب، فالشرط ما يقف عليه تأثير المؤثر و لا مدخل له في العلية، كحفر البئر بالنسبة إلى الوقوع، إذ الوقوع مستند إلى علته، و هي التخطي، و لا يجب به قصاص، و أما السبب فهو ما له أثر ما في التوليد، كما للعلة، لكنه يشبه الشرط من وجه، و مراتبه ثلاثة: الأول: الإكراه- و ذكر تفصيل الحال فيه- الثاني: شهادة الزور- ثم ذكر تفصيل الحال فيها- الثالث:

نحو تقديم الطعام المسموم إلى الضيف- و ذكر تفصيل الحال فيه-».

و قال في دياتها: «السبب هو كل ما يحصل التلف عنده بعلة غيره، إلا أنه لولاه لما حصل من العلة تأثير كالحفر مع التردي».

و قال في الإيضاح في وجه التردد في ضمان الولد بموته جوعا «لو حبس الشاة أو حبس المالك عن حراسة ماشيته فاتفق تلفها أو غصب دابة فتبعها ولدها: «ينشأ في الأول من أنه مات بسببه، لصحة إسناده

ج 37، ص: 49

إليه عرفا، و لأن للسبب هو فعل ما يحصل الهلاك عنده لعلة سواه، و هذا تفسير بعض الفقهاء، و زاد آخرون: و لولاه لما أثرت العلة، و هذا التفسير أولى، فعلى هذا ليس هو السبب، و لأنه يمكن اعتياضه بغيره فهو أعم، فليس بسبب و لا يد له عليه، و لا مباشرة و لا ضمان، و هذا منشأ النظر في الباقيين، و أيضا ينشأ في الثاني من أنه تصرف في المالك لا في المال، و من حيث إنه سبب عرفا، و أما في الثالث فمن حيث إنه سبب لحدوث ميل يشبه القسري لوجود ميل الولد إلى امه طبعا فهو سبب، و من الشك في كونه سببا شرعيا في الضمان، و الأصل البراءة».

و قال في غاية المراد في بيان الوجه في سببية دلالة السارق: «إن السبب على ما فسره الفقهاء هو إيجاد ملزوم العلة قاصدا لتوقع تلك العلة، و منهم من يفسره بأنه فعل ما يحصل عنده التلف لكن لعلة غيره، فهو أعم من الأول، لا مكان سبب آخر بدل منه».

و قال في جامع المقاصد: «عرف في الدروس السبب بأنه فعل ملزوم العلة، و قريب منه ما ذكره الشارح الفاضل، و المعنى قريب، و قول المصنف: إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة غير محتاج إليه، بل هو مضر، إذ حفر البئر قد لا يقصد الحافر به توقع العلة الموجبة للتلف و لا قصدها أكثري، مع الضمان قطعا للسببية، و كأنه أراد الاحتراز عما إذا كان حدوث المقتضي للتلف على تقدير ذلك الفعل نادرا، فإنه لا يعد سببا، و لعله أراد بقصده كون شأنه ذلك، و كان الأولى أن يقول: هو إيجاد ما يحصل التلف عنده لكن بعلة أخرى إذا كان السبب مما يتوقع معه علة التلف، بأن يكون وجودها معه أكثريا. و اعلم أن شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد فسر السبب بتفسيرين- ثم حكى عبارته السابقة و قال-: في الأول نظر، لأنه إنما يصدق في الغاصب إذا قدم

ج 37، ص: 50

طعام الغير لآكل مبيحا له، لأنه قاصد حينئذ بالتقديم الأكل، و لا ريب أن حفر البئر سبب و طرح ما يتعثر به سبب بغير خلاف، و الظاهر أن مراد الجماعة كونه يقصد توقع العلة باعتبار الشأن، فيكون تقديره هكذا:

السبب إيجاد ملزوم العلة الذي شأنه أن يقصد معه توقع تلك العلة».

و قال في مجمع البرهان بعد أن حكى عن بعض زيادة قصد توقع تلك العلة على تعريفه بأنه إيجاد ملزوم العلة المتلفة: «نحن ما نقدر على فهم المذكور من دون زيادة فكيف مع الزيادة» و ذلك لأنه ذكر سابقا أن الملزومية غير ظاهرة، و إنما الظاهر كونه موقوفا عليه علية العلة، و أنها لم تتحقق إلا بعد تحققه، لا أنه لازمة لوجوده، فإنه معلوم عدم استلزام الحفر للتردي و الإلقاء. و لعل المراد بالملزومية ذلك المقدار فقط، إذ لا يحتاج إلى شي ء بعد وجوده إلا المباشرة».

و قال في المسالك: «إن ما له مدخل في هلاك الشي ء إما أن يكون بحيث يضاف إليه الهلاك في العادة إضافة حقيقية له أو لا يكون كذلك، و ما لا يكون كذلك إما أن يكون من شأنه القصد به ما يضاف إليه الهلاك أو لا يكون كذلك، و ما يضاف إليه الهلاك يسمى علة، و الإتيان به مباشرة. و ما لا يضاف إليه الهلاك و لكن يكون من شأنه أن يقصد بتحصيله ما يضاف إليه سمي سببا، و الإتيان به تسبيبا».

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لم نعرف الداعي لهم إلى صدورها بعد خلو نصوصهم عن اللفظ المزبور عنوانا للحكم، و إنما الموجود في النصوص ما عرفت، و منه يتعدى إلى أمثاله بعد العلم بعدم الخصوصية للمذكور فيها، أو يستند إلى ما سمعته من العموم في بعضها، و الأصل البراءة فيما لا يضاف إليه الإتلاف حقيقة، و لا يندرج في الأمثال المزبورة بل مع الشك فيه كذلك أيضا.

ج 37، ص: 51

و لعل المحصل منها الضمان على وجه يجعل ضابطا هو إيجاد ما يصلح أن يقصد حصول التلف به في بعض الأحيان و لو بواسطة غيره معه، سواء كان له مدخلية في علية العلة كالحفر أو في وجودها كالغرور و الإكراه، و مع فرض قصور العبارة عن تأديته لا يلتفت إليها.

و دعوى أن المحصل منها الضمان بمفهوم السبب الذي قد عرفت الخلاف في تعريفه على وجه بنوا الضمان و عدمه في بعض الفروع عليه واضحة الفساد، ضرورة كون الثابت خصوص بعض المصاديق التي لا ينتقل منها إلى جعل عنوان الحكم مفهوم السبب الذي ذكروه، خصوصا بعد العلم بأن ما سمعته من التعريف له من الأمور الاصطلاحية، لا أنه مفهوم عرفي.

بل لا يبعد كون المراد لهم ضبط ما استفادوا الضمان به من النصوص المزبورة، لا أن المراد كون المدار على صدق اسم السبب، خصوصا بعد أن لم يكن له معنى منقح عرفا.

بل ربما أطلق اسمه على المعلوم عدم الضمان به، و ليس في شي ء من النصوص ما يقتضي جعل مفهومه عنوانا، بل السبب المذكور هنا غير موافق لمعنى السبب بمعنى العلة التامة و لا السبب الاصطلاحي الذي هو ما يلزم من وجوده الوجود و من عدمه العدم لذاته، بل ليس هو إلا من الشرائط كما سمعت الاعتراف به من الفاضل.

فالتحقيق حينئذ كون المدار على المستفاد من النصوص المزبورة و غيرها مما صرح فيها بالضمان به، و التعدية منه إلى مشابهة في ذلك بالإجماع أو بفهم عرفي ينتقل منه إلى كون المذكور مثالا لما كان من سنخه، و لعل ذلك وجه التردد فيما سمعته من الأمثلة، و إلا فتعريف السبب المزبور صادق عليه، كصدق التسبيب بالمعنى العرفي.

ج 37، ص: 52

و الظاهر عدم كون التعدي و التفريط الموجبين للضمان في الأمين من ذلك حتى يصح التعدي منها إلى ما ماثله في غير الأمين، فيكون دلالة السارق و فتح الباب و منع المالك حراسة ماشيته موجبا للضمان، باعتبار إيجاب مثله في الأمين الذي مدار ضمانه على التعدي و التفريط الصادق ثانيهما في المفروض إذا كان من الأمين دون غيره، فتأمل جيدا في جميع ما ذكرناه، فإنه دقيق نافع لم أجده محررا في كلامهم.

و منه يعلم عدم اعتبار قصد توقع العلة فيه و لا أكثرية ترتب التلف به و لا منشأيته، ضرورة إطلاق النصوص المزبورة الضمان بالأمور المذكورة من غير تقييد لشي ء منها بشي ء من ذلك، كضرورة كون مراد الأصحاب بما ذكروه من موجبات التضمين بالتسبيب هنا أن الضمان يكون به، لا أن المراد متى صدق السبب حصل الضمان، ضرورة وقوع حفر البئر الذي لا إشكال في كونه سببا نصا(1)و فتوى على وجوه عديدة لا ضمان فيها.

و لعله لذا و غيره قيد ما حكاه بعضهم من الإجماع على التضمين بالسبب بقوله: «في الجملة».

و قال في المسالك: «و اعلم أيضا أن تمثيل المصنف السبب بحفر البئر في غير الملك تخصيص للسبب الموجب للضمان، فإن حفره- و إن كان في ملك الحافر- يكون سببا في الهلاك لكنه غير مضمون، فالسبب المعرف سبب خاص، و هو الموجب للضمان و إن كان التعريف صادقا على ما هو أعم» و إن كان آخر كلامه لا يخلو من نظر في الجملة.

و على كل حال فقد أطلق المصنف و غيره كون حفر البئر في غير الملك سببا للضمان، و هو أعم من الحفر في طريق مسلوك أو في ملك الغير


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان- من كتاب الديات.

ج 37، ص: 53

أو في ملك مشترك، بل عن ظاهر الغنية الإجماع على ذلك.

و مقتضى إطلاقهم عدم الفرق في المتردي بين أن يكون المالك أو غيره، و بين الداخل بإذنه أو غيره، و بين كون البئر مكشوفة أو مغطاة، بل مقتضى إطلاق غير واحد عدم الفرق بين كون ذلك لمصلحة المسلمين و غيره، بل عن الفخر التصريح بالأخير.

لكن عن الشيخ و الفاضل و ثاني الشهيدين و الأردبيلي عدم الضمان إذا كان الحفر في الطريق لمصلحة المسلمين، كالحفر للبالوعة و الاستقاء و نحو ذلك، و استحسنه المصنف.

إلا أن ما سمعته من النصوص المشتمل على العموم اللغوي. و ترك الاستفصال يقتضي الضمان مطلقا، بل قيل: إن المستفاد منها كون التعدي موجبا للضمان، فيشمل الحفر في الملك المشترك، مؤيدا بما حكي من إطلاق الفتاوى ضمان المتعدي بالحفر.

اللهم إلا أن يقال: إن المنساق من ذلك التعدي في جميع الحفر لا في مثل الفرض و إن وجب عليه الاجتناب فيه من باب المقدمة، فيبقى على أصالة البراءة، و ربما احتمل ضمان النصف مطلقا أو إن كان الشريك واحدا، و إلا فثلثان إن كانوا ثلاثة و هكذا.

و يأتي تمام الكلام في المسألة إنشاء الله تعالى في الديات. كما أنه يأتي إنشاء الله تعالى تمامه في الضمان بالمعاثر المصرح به في جملة من الكتب، و هي شاملة للدكة و القمامات كقشور البطيخ و نحوها.

بل عن المبسوط التصريح بالضمان في الأخير، نعم قيده المصنف و الفاضل في المحكي من تحريره و إرشاده بمن لم ير القمامة، و الأصل فيه ما سمعته من الصحيح(1) بل لا يبعد القول بالضمان فيما فعله لضرورته،


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات.

ج 37، ص: 54

إذ لا تنافي بين الجواز و الضمان. و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في التضمين بالتسبيب في الجملة.

لكن إذا اجتمع السبب و المباشر قدم المباشر في الضمان على ذي السبب، كمن حفر بئرا في ملك غيره عدوانا فدفع غيره فيها إنسانا فضمان ما يجنيه الدفع على الدافع لما عرفته من تقديم المباشرة على التسبيب الذي لم أجد فيه خلافا بينهم، بل أرسلوه إرسال المسلمات في المقام و في القصاص و الديات، بل عن كشف اللثام الإجماع عليه، بل في مجمع البرهان «إن من المعلوم عقلا و نقلا إسناد الفعل إلى القريب دون البعيد الذي هو سبب السبب و له مدخلية ما في ذلك الشي ء، و هو ظاهر، و كأنه مجمع عليه».

قلت: و هو كذلك، بل لعل التضمين بما ذكروه من السبب الذي قد عرفت كونه من الشروط باعتبار قربه إلى علة التلف، فهو أقوى من غيره من الشرائط التي لها مدخلية في التلف أيضا، إلا أن القريب منها سموه بالسبب و جعلوا التضمين به، و لا ريب في أن المباشرة أقرب منه، بل السبب في الحقيقة قد صار من آلات المباشر في مباشرته، كقتله بالسيف و الدفع في البئر و إلقائه على السكين المغصوب مثلا، و اغراقه في الماء الذي وضعه الغير و هكذا.

إلا أنه مع ذلك كله قد ناقش فيه في الرياض بأن القوة لا تدفع الضمان عن السبب بعد وجود ما يقتضي ضمانه أيضا، و هو ما مر من حديث نفي الضرر(1)و لا امتناع في الحكم بضمانهما معا و تخير المالك في الرجوع إلى أيهما شاء كالغصب، فلولا الإجماع الظاهر المعتضد بالأصل لكان القول بضمانهما كترتب الأيدي في الغصب في غاية الحسن.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات.

ج 37، ص: 55

ثم قال: «و على هذا نبه خالي العلامة دام ظله في حاشيته على شرح الإرشاد، إلا أن ظاهره سلمه الله المصير اليه أو بقاؤه في شباك التردد من دون أن يقطع بما ذكره الأصحاب، و لعله لتوقفه في فهم الإجماع و تردده في قبول حكايته من ناقله، لعدم قطعه به، و هو حسن، و لكن

الإجماع ظاهر، فالمصير إلى ما ذكروه متعين».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد التأمل فيما ذكرناه، ضرورة أن القوة إذا كانت على وجه لا يسند الفعل إلا إلى ذيها تدفع الضمان عن السبب الذي ظاهر ما دل على التضمين به انما هو فيما إذا لم يكن معه مباشر قوي.

نعم قد يشك في صورة ما لو قصدا الاشتراك في الإتلاف، بأن فعل ذو السبب سببه لإرادة مباشرة الإتلاف من المتلف، كما لو نصب سكينا في الأرض ليدفعه الآخر عليها مثلا، مع أن التحقيق فيها أيضا كون الضمان على المباشر الذي يسند الفعل إليه و إن كان ذلك معينا له و صار فعله من المعدات، كما هو واضح بأدنى تأمل في الفرق بين المعدات القريبة و البعيدة، و لعله لذا قالوا في القصاص: إنه يحبس ذو السبب الى أن يموت، و القصاص على المباشر، هذا كله في اجتماع المباشرة و التسبيب.

أما اجتماع السببين بأن يحفر واحد بئرا و يضع آخر عنده حجرا فيعثر به إنسان فيقع في البئر ففي المسالك «إن اتفقا في وقت واحد اشتركا في الضمان، لعدم الترجيح، و إن تعاقبا فالضمان على المتقدم في التأثير، لاستقلاله بالضمان أولا، فكان أولى، و هو سبب السبب، فيجب وجود المسبب عنده».

و كأنه أراد ما في التذكرة، قال: «و لو تعدد السبب فالضمان على المتقدم منهما إن ترتبا، كما لو حفر شخص بئرا في محل عدوانا

ج 37، ص: 56

و وضع آخر حجرا فيه فعثر إنسان بالحجر فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر، لأنه السبب المؤدي إلى سبب الإتلاف، فكان أولى بالضمان، لأن المسبب يجب مع حصول سببه فيه، فوضع الحجر يوجب التردي، أما لو انتفى الترتيب فالضمان عليهما، كما لو حفر و وضع الحجر فان الضمان عليهما».

قلت: لا يخلو كلامهما من خفاء في الجملة، و الذي ذكره غيرهما أنه يقدم الأول في الجناية و إن تأخر حدوثه عن الآخر، و ربما احتمل ترجيح الأقوى، كما لو نصب سكينا في البئر المذكور، و قد يحتمل قويا تساوي السببين، لاشتراكهما في التلف الحاصل خارجا، و أنه لولا الحجر لم يحصل التردي في البئر، كما أنه لولا البئر لم يؤثر العثور بالحجر تلفا، بل لو فرض كون كل من السببين متلفا لو استقل إلا أنهما اشتركا فيما تحقق في الخارج من التلف يتجه أيضا فيه الاشتراك في الضمان. و تمام الكلام في ذلك في الديات إنشاء الله تعالى.

و كيف كان فقد استثنى غير واحد من الأصحاب من قاعدة تقديم المباشر ما إذا ضعف المباشر، و في الدروس و اللمعة الاقتصار على استثناء الغرور و الإكراه، بل في القواعد الاقتصار على الثاني منهما، كما في الإرشاد الاقتصار على الأول منهما، إلا أن الظاهر إرادة المثال، ضرورة ضعف الريح و الشمس و النار و السبع و غيرها مما لا عقل له و لا اختيار.

و لعله لذا قال في المسالك: «و له صور كثيرة تأتي جملة منها و قد تقدم منها مسألة الغرور بتقديم الطعام اليه جاهلا، فان الضمان يستقر على الآمر».

قلت: بل لو لم يكن منه أمر بل مجرد تقديمه له ضيافة و إن قال في التذكرة: من قال: كله و لم يقل إنه ملكي و لا طعام فلان غصبته

ج 37، ص: 57

بل أطلق فوجهان، أقواهما الضمان، لأنه غره أيضا، بل لو كان الطعام ملك المأمور المغرور ضمنه له أيضا، لأنه و إن كان قد سلطه عليه و صيره بين يديه إلا أنه باعتقاده أنه ملك الغير و أنه مسلط على إتلافه بغير عوض، فليس تسليمه له تسليما تاما يتصرف فيه تصرف الملاك، فلذلك ضعف مباشرته بالغرور، و ما اشتهر من أن قرار الضمان على من تلف في يده المال انما هو في غير الفرض.

و أما المكره فهو الذي أشار إليه المصنف بقوله و لا يضمن المكره المال و إن باشر الإتلاف، و الضمان على من أكرهه، لأن المباشرة ضعفت مع الإكراه، فكان ذو السبب هنا أقوى بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، نعم قد تقدم في كتاب الطلاق(1)تفصيل ما يتحقق به الإكراه.

و في المسالك «ربما قيل هنا باشتراط زيادة خوف ضرر لا يمكن تحمله، و الأشهر الأول» قلت: و لعله لصدق الإكراه الذي هو عنوان الحكم نصا(2)و فتوى و إن كان الضرر يسيرا.

ثم إن ظاهر الأصحاب في المقام عدم رجوع المالك على المكره بشي ء بخلاف الجاهل المغرور، فان له الرجوع عليه و إن رجع هو على الغار، و لعله لعدم صدق «أخذت» الظاهر في الاختيارية عليه بخلاف المغرور، مضافا إلى ظهور رجوع المغرور في ضمانه و إن رجع هو، و حينئذ يكون المراد من قولهم: «الضمان على المباشر

إلا مع قوة ذي السبب» أنه يستقل السبب بالضمان مع قوته، و لا يشاركه المباشر إلا في الغرور، كما أنه يستقل المباشر بالضمان و لا يشاركه السبب.


1- 1 راجع ج 32 ص 11- 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس- من كتاب الجهاد.

ج 37، ص: 58

و لكن مع ذلك- إن لم يكن إجماعا- لا يخلو من نظر، خصوصا مع عود النفع إلى المباشر باعتبار مباشرته الإتلاف و إن رجع هو على المكره.

بل قد يقال: إن القاعدة تقتضي اختصاص الضمان بالمباشر الذي هو المكره و المغرور و إن أثم المكره و الغار، لاستقلال المباشر بالإتلاف و لكن ضمنا للدليل لا لقوة السبب على المباشر المخصوصة بما إذا كان الإسناد حقيقة للسبب دون المباشر الذي هو كالريح و الشمس.

بل قد يقال بشمول

قوله (عليه السلام)(1): «كل مغصوب مردود»

له و إن كان مكرها على تناول المغصوب و التصرف فيه.

بل ينبغي الجزم به فيما لو كان مغصوبا في يده قبل الإكراه فأكره على إتلافه، بل هو كذلك في كل مضمون في يده ثم أكره على إتلافه، لأن رجوع المالك حينئذ عليه باعتبار حكم الضمان السابق، بل لا ينافيه كلام الأصحاب المراد منه عدم الرجوع من حيث الإتلاف الإكراهي خاصة، باعتبار ضعف حكم المباشرة بالإكراه، و لذا رفع الشارع حكم الإكراه عن المكره(2)الذي يمكن إرادة ما يشمل الوضع منه أيضا و إن لم يكن كذلك في الخطأ و النسيان للدليل.

أما إذا كان مضمونا في يده سابقا فإنه يبقى على حكم ضمانه و إن أكره على إتلافه، حتى لو كان الإكراه بالحكم الظاهري من حاكم الشرع، نعم هو يرجع على المكره الذي قد صار بمنزلة من تلف المال في يده بالنسبة إلى قرار الضمان بعد أن رفع الشارع حكم التلف في يد المكره عنه، و كذا الكلام في المغرور و الغار بالنسبة إلى ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 من كتاب الخمس و فيه « الغصب كله مردود».
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس- من كتاب الجهاد.

ج 37، ص: 59

و منه يعلم الوجه حينئذ في تخير المالك في الرجوع عليهما، فان رجع على المكره بالكسر لم يرجع على المكره بالفتح، بخلاف العكس على نحو ما سمعته في قرار

الضمان على من تلف المال في يده في الأيادي المتعاقبة.

كما أنه مما ذكرنا يعلم الفرق بين المضمون في يد المكره و بين غيره كالوديعة، و إن كان فيه البحث السابق، فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع في أطراف المسألة.

هذا و كان المصنف أشار بالاقتصار على المال الى الاحتراز عن النفس فإن الإكراه على إتلافها لا يوجب سقوط الضمان عن المكره، نعم في الجرح إشكال من حيث تناول

قوله (عليه السلام)(1): «لا تقية في الدماء»

له و عدمه، و قد تقدم لنا بعض الكلام في ذلك، و يأتي إنشاء الله تعالى، و الله العالم.

و لو أرسل في ملكه ماء فأغرق مال غيره أو أجج نارا فيه فأحرق لم يضمن ما لم يتجاوز قدر حاجته اختيارا و لا علم و لا ظن التعدي فضلا عما لو علم أو ظن عدم التعدي بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك

الاتفاق، للأصل بعد عدم التفريط و عموم تسلط الناس على أموالهم(2).

و زاد في المسالك بأن سببيته في الإتلاف ضعيفة بالاذن له من قبل الشارع في فعل ذلك في ملكه، فلا يتعقبه ضمان.

و إن كان لا يخلو من نظر إن لم يكن إجماعا مع فرض إسناد الإتلاف إلى فعله، لظهور خطأ ظنه أو قطعه و قدرته على المنع، لصدق الإتلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 1 من كتاب الأمر بالمعروف و فيه « فإذا بلغ الدم فليس تقية».
2- 2 البحار- ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 37، ص: 60

عليه حقيقة، فيكون من المباشرة، و الاذن الشرعية لا تنافي حكم الوضع الذي هو الضمان الحاصل بإتلاف النائم و الغافل و المجنون و الصبي، اللهم إلا أن يمنع إطلاق سببية الإتلاف للضمان على وجه يشمل الفرض، لعدم ثبوت «من أتلف مال غيره فهو له ضامن» رواية من طرقنا و لا قاعدة و ثبوت الضمان في المذكورين للإجماع.

إلا أن الانصاف عدم خلو ذلك عن النظر، ضرورة المفروغية من قاعدة «من أتلف» التي لهجت بها ألسنة الفقهاء في كل مقام، و ربما كان في بعض النصوص(1)

إشعار بها، بل قد عرفت أن المقام من المباشرة باعتبار كونه من توليد فعله كالقتل بنحو ذلك خطأ، و اعتقاد عدم التعدي بعد ظهور خطأه لا أثر له.

نعم قد يقوى عدم الضمان في الفرض إذا اتفق عصف الهواء بغتة بعد إشعال النار مثلا، فإنه يمكن منع إسناد الإتلاف إليه حينئذ، بل هو من السبب الجائز له نحو حفر البئر في ملكه فألقت الريح فيها شيئا، و لعله عليه ينزل إطلاق محكي المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر عدم الضمان إذا أشعلها في ملكه فحملتها الريح إلى غيره.

و على كل حال فمما ذكرنا يعلم أنه لا إشكال في الضمان مع التجاوز عن قدر الحاجة و العلم أو الظن بالتعدي، بل في المسالك «لا شبهة في الضمان، لتحقق التفريط المقتضي له مع وجود السببية الموجبة للضمان» و في الكفاية أنه مقطوع به في كلامهم، و لا أعرف فيه خلافا.


1- 1 راجع الوسائل- الباب- 10 و 11 و 14- من كتاب الشهادات و الباب- 5 و 7- من كتاب الرهن- الحديث 2 منهما و الباب- 29- من كتاب الإجارة و الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 1 و 5 و 9 و الباب- 22- من أبواب حد الزنا- الحديث 4 و الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 4 من كتاب الحدود.

ج 37، ص: 61

بل منه يعلم أيضا قوة القول بالضمان مع انتفاء أحد الأمرين، كما هو مقتضى اشتراط عدمه بهما في بعض العبارات، بل هو صريح المحكي عن التحرير و اللمعة، بل و الكفاية و إن اعتبر الظن القوي فيها. بل و الدروس و إن اعتبر العلم و لم يكتف بالظن.

و كأنه مال إليه في المسالك فيما لو علم التعدي و تركه اختيارا و إن كان فعله بقدر حاجته، قال: «لأن ترك قطعه مع علم التعدي إلى الغير و قدرته على قطعه تعد محض، نعم مع عدم العلم و لا الظن قد يشكل الضمان على تقدير تجاوز الحاجة، لأن فعله مأذون فيه على التقدير، و لا تفريط». قلت: قد عرفت صدق الإتلاف عليه و إن كان مأذونا غير مفرط.

و حينئذ فظاهر قول المصنف مع علمه أو غلبة ظنه أن ذلك موجب للتعدي إلى الإضرار كالفاضل في القواعد و الإرشاد لا يخلو من نظر، و لعل المراد بالظن في كلامهم ما يشمل قضاء العادة بسريانه، كما لو كان الهواء شديدا بحيث يحمله الى ملك الغير و إن اتفق عدم شعوره بذلك لبلادة أو غيرها.

و في القواعد في كتاب الديات «و إن كان الهواء عاصفا و لا حائل أو أجج أكثر من قدر الحاجة مع غلبة الظن بالتجاوز ضمن» و نحو ذلك ما عن غصب التذكرة. و ظاهره الاكتفاء بعصف الهواء عن غلبة الظن.

و التحقيق ما عرفت من كون المدار على صدق الإتلاف حقيقة و لو بالتوليد إن لم يكن إجماع على خلافه، من غير فرق بين التجاوز في الحاجة و عدمه، و بين العلم أو الظن بالتعدي و عدمه، نعم لو كان ذلك من التسبب لم يكن عليه ضمان ما لم يعلم التعدي أو يغلب على ظنه و لو

ج 37، ص: 62

لكونه من شأنه ذلك.

و بما ذكرنا يفرق بين تأجيج النار في العاصف و بين تأجيجها بلا ريح ثم يعرض الريح في الأثناء كما أشرنا إليه سابقا.

هذا و في المسالك «و لو اتفق جفاف شجر جاره بالنار بسبب المجاورة.

فالحكم كما لو سرت إليها، إلا أن يكون أغصان الشجرة في هواء أرض توقد النار، فلا ضمان إذا كان عطفها غير ممكن، و إلا اتجه الضمان، لأنه ليس له إتلافها مطلقا كما تقرر في موضعه. و في التذكرة أطلق عدم ضمانها متى كانت في هواء موقد النار، و ضمانها إن لم يكن كذلك من غير تقييد بعلم التعدي أو تجاوز الحاجة، محتجا بأن ذلك لا يكون إلا من نار كثيرة، و لا يخفى ما فيه».

قلت: قد تقدم تحقيق الحال في المسألة سابقا، و الله العالم.

[يتفرع على السبب فروع]
[الأول لو ألقى صبيا في مسبعة أو حيوانا يضعف عن الفرار]

الأول لو ألقى صبيا في مسبعة أو حيوانا يضعف عن الفرار ضمن لو قتله السبع و إن لم نقل بأن موت الصبي المغصوب سبب يوجب ضمان لغاصب مطلقا، لأنه أقوى من المباشر الذي لا يحال عليه الضمان.

خلافا للمحكي عن مبسوط الشيخ من عدم الضمان، لأن الحر لا يدخل تحت اليد، و فيه عدم انحصار الضمان بذلك، ضرورة ضمانه بمباشرة الإتلاف و تسبيبه على الوجه الذي قدمناه و إن لم يكن غصبا، بل لا فرق بين الصغير و غيره كالمجنون و نحوه ممن لا يتمكن من التخلص.

ج 37، ص: 63

نعم لا يضمن الكبير الذي يمكنه التحرز عادة باتفاق إتلاف السبع له، لأن ذلك لا يعد سببا في حقه، و إنما وقع بالاتفاق، كما لو وضع الصبي في غير المسبعة فافترسه السبع اتفاقا، فإنه لا يضمنه على المشهور خلافا للشيخ و من عرفت، و عنه احترز المصنف بقوله: «مسبعة».

لكن في القواعد «لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فافترسه سبع ففي الضمان إشكال».

بل في التذكرة «لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فاتفق سبع فافترسه فلا ضمان عليه، إحالة للهلاك على اختيار الحيوان و مباشرته، و لم يقصد الناقل بالنقل ذلك، و فيه إشكال، أما لو نقله إلى مسبعة فافترسه سبع وجب الضمان، و به قال أبو حنيفة، لأنه قصد الإتلاف بالنقل، و للشافعية وجهان، أشهرهما أنه لا ضمان».

و في جامع المقاصد بعد أن جعل منشأ الاشكال عدم دخول الحر تحت اليد و حصول السبب قال: «و هذا الاشكال ليس بشي ء بعد ما سبق في كلامه من أن الصبي إذا ألقاه في مسبعة فافترسه السبع ضمنه، و كذا ضمانه لو تلف بسبب لدغ الحية و وقوع الحائط على الرأي. فإن إلقاؤه في مضيعة أقرب إلى توقع علة الهلاك من هذه الأخيرة، و الأصح الضمان فيه و في المجنون كما سبق».

قلت: لعل الفرق أنه لا تسبيب باتفاق افتراس الأسد له في المضيعة باعتبار عدم اعتياده فيها، بخلاف أرض المسبعة، فيكون الأول كضمانه لو تلف بلدغ حية أو عقرب الذي توقف هو فيه، و نسب الضمان إلى رأي، بخلاف أرض المسبعة، بل كاد يكون ما ذكرناه صريح ما حكيناه عنه في التذكرة، و الله العالم.

ج 37، ص: 64

[الثاني لو غصب شاة فمات ولدها جوعا ففي الضمان تردد]

الثاني لو غصب شاة فمات ولدها جوعا ففي الضمان تردد، و كذا لو حبس مالك الماشية عن حراستها فاتفق تلفها، و كذا التردد لو غصب دابة فتبعها الولد كما في القواعد و الإرشاد و الكفاية، بل و الإيضاح باعتبار عدم الترجيح فيه، بل و التذكرة و إن اقتصر على الثاني، بل و اللمعة و إن اقتصر على الأخير.

نعم قرب في الدروس فيه الضمان، و في الروضة أنه أقوى، و جعل منشأ النظر في غاية المراد في الثلاثة عدم الاستقلال، فلا يتحقق غصب و من أنه سبب في الإتلاف، إذ لولاه لم يتحقق التلف و إن كان لعلة اخرى خارجة.

و في جامع المقاصد و المسالك الأولى أن يقال: إن منشأ النظر الشك في كونه سببا في التلف و عدمه، لانتفاء المباشرة للإتلاف و الغصب. ثم قال في الأول: «و التحقيق أن يقال: إن قصد توقع العلة في التلف بغصب الشاة و الدابة و حبس المالك عن حراسة الماشية حيث يكون التلف متوقعا ثابت، و معه فالضمان لازم، لضعف المباشرة، و مثله ما لو منع المالك من إمساك دابته المرسلة حيث يتوقع تلفها مع بقائها مرسلة، و يختلف الأمر في ذلك باختلاف الأحوال، فربما كان بقاء الدابة المرسلة أياما و شهرا لا يتوقع معه التلف، فلا ضمان لو حبس المالك فاتفق على سبيل الندرة- إلى أن قال-: و لو منعه من بيعه فاتفق تلفه فلا ضمان، لعدم تحقق معنى السببية في التلف بالمنع من البيع، إذ ليس مما يقصد بمنع البيع توقع حدوث علة التلف، و لو كان مشرفا على الموت فمنعه من

ج 37، ص: 65

بيعه ليذكيه المشتري أو منعه من تذكيته فهنا يحتمل الضمان احتمالا لا يخلو من وجه، لوجود معنى السببية» إلى آخره.

و كأنه إليه عرض في المسالك، حيث قال في المسائل الثلاث:

«و الحق أن منشأ التردد انما يكون من الشك في السببية هنا، إذ لو سلمت لم يبق إشكال في الضمان، و منشأ الشك فيها مبني على تعريف السبب، فعلى ما ذكره المصنف من تعريفه إذا مات الولد جوعا بحيث لولا غصب الام لما مات عادة فالسببية متحققة فيه، لكن اتفاق تلف الماشية بعد حبس المالك عن حراستها قد يكون بسبب حبسه و قد لا يكون، فان فرض فهو سبب أيضا، و إن فسر السبب بإيجاد ما يحصل التلف عنده لعلة أخرى إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة كما عرفه جماعة فيتوقف ثبوت سببيته على قصد الغاصب للشاة و الحابس للمالك إلى إتلاف الولد و الماشية، و الأصح الضمان مع استناد التلف الى فعل الغاصب، بمعنى أنه لولا الغصب و الحبس لما تلفت عادة، فإن الواقع في العبارة أعم منه لتحقق السببية حينئذ، و القصد غير معتبر في تحققها و ترتب أثرها كما اقتضاه التعريف الذي اخترناه» انتهى.

و في الإيضاح «منشأ النظر في الأول من أنه مات بسببه، لصحة إسناده إليه عرفا، و لأن السبب هو فعل ما يحصل الهلاك عنده لعلة سواه، و هذا تفسير بعض الفقهاء» إلى آخر ما حكيناه عنه سابقا في شرح قول المصنف:

«الثاني التسبيب».

و مما ذكرناه في ذلك المقام و غيره يظهر لك النظر في جملة من هذه الكلمات، ضرورة أنك قد عرفت كون السبب هو ما دلت عليه النصوص المزبورة أو

ألحق به بإجماع و نحوه، و ما عداه فالأصل براءة الذمة من الضمان به، فالمتجه عدم الضمان حينئذ في المسائل المفروضة بعد فرض

ج 37، ص: 66

الشك في السببية الشرعية بالمعنى الذي ذكرناه، و لا يجدي كونها أسباب عرفية أو مشابهة لما في النصوص مما ذكر فيها الضمان به بعد حرمة القياس عندنا و عدم الإجماع على الإلحاق و عدم دلالة عرفية على وجه يندرج فيها، فتأمل جيدا فان تحقيق المقام و نظائره مبني على ما قدمناه سابقا، و الله العالم.

[الثالث لو فك القيد عن الدابة فشردت أو عن العبد المجنون فأبق ضمن]

الثالث لو فك القيد عن الدابة فشردت أو عن العبد المجنون فأبق ضمن، لأنه فعل يقصد به الإتلاف فيندرج في السبب المنتزع من النصوص السابقة(1)و كذا لو فتح قفصا عن طائر فطار مبادرا أو بعد مكث بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن الكفاية أنه المعروف من مذهب الأصحاب، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع في الأخير أو في الثلاثة كما عن المبسوط و الغنية نفي الخلاف فيها، و كذا عن المبسوط أنه لو أهاج الدابة فشردت أو الطائر فطار بلا خلاف أي منا و من العامة، و عن التذكرة لو أهاج الطائر ضمن قولا واحدا.

بل صرح غير واحد بأنه لو أفسد الطائر مثلا بخروجه ضمنه، لأن فعل الطائر منسوب اليه، و إن كان لا يخلو من نظر. خصوصا في مثل إتلاف الدابة بعد الفك بعض الأحوال، ضرورة إمكان منع السببية الشرعية، و لو تلفت هذه الثلاثة بغير الجهة التي هي فعل السبب كأن مات الطائر مثلا فلا ضمان، لعدم مدخلية السبب و عدم وضع اليد الموجب للضمان.

و احترز بالمجنون عن العاقل الذي صرح غير واحد بعدم ضمانه،


1- 1 الوسائل- الباب- 8 و 9 و 11- من أبواب موجبات الضمان- من كتاب الديات.

ج 37، ص: 67

لقوة المباشر على السبب كفتح الباب، و قد أشار إليهما المصنف بقوله:

و لا كذلك الحكم لو فتح بابا على مال فسرق أو أزال قيدا عن عبد عاقل فأبق بل لم أجد خلافا في الأول منهما و إن أشعر به نسبته إلى المشهور في الكفاية إلا أنا لم نتحققه، بل لعل الثاني أيضا كذلك لأن التلف بالمباشرة لا بالسبب.

نعم قيد الأخير في محكي التذكرة و جامع المقاصد و الكفاية بما إذا لم يكن آبقا، لكن في التذكرة في الضمان حينئذ إشكال، من حيث استناد فعله اليه، فكان مباشرا، و مباشرته معتبرة، لأنه عاقل، و من حيث أن المالك قد اعتمد ضبطه، فإطلاقه إتلاف عليه، فكان كحل المجنون و الدابة، فلا شك في صدق السببية، و ليس هناك مباشر يمكن أخذ الحق منه، و كونه قادرا على التحفظ مع عدمه لا ينفع، و هذا أقوى لمكان التسبيب، كما يأتي في غصب الحر مع صدق التصرف في مال الغير، و لأنه بهذه العادة قد أشبه الدابة و نحوها، و فيه أنه مناف لقاعدة تقديم المباشر على السبب.

هذا و في الدروس «و لو فتح بابا على عبد محبوس فذهب في الحال ضمنه عند الشيخ، و نقل عن كل العامة عدم الضمان، و لا فرق بين كونه عاقلا أو مجنونا، آبقا أو غير آبق، بالغا أو صبيا».

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، و قد يستأنس للضمان بما ورد من الضمان بإطلاق الغريم(1).


1- 1 لم أعثر على ما ادعاه مما ورد من الضمان بإطلاق الغريم، و قد تعرض هو قده لهذه المسألة في ج 26 ص 197- 198 و لم يستدل بما ذكره هنا، و انما استند في الحكم بالضمان إلى قاعدة« لا ضرر و لا ضرار» و فحوى ما ورد في القاتل الذي رواه في الوسائل- الباب- 15- من كتاب الضمان- الحديث 1 و لو كان بذلك المضمون رواية خاصة لتعرض لها هناك بطريق اولى.

ج 37، ص: 68

و على كل حال فقد أشار المصنف و غيره بقوله: «فطار مبادرا» الى آخره إلى خلاف بعض الشافعية، حيث حكم بالضمان في الأول دون الثاني لبعض الوجوه الاعتبارية.

و كذا لا ضمان لو دل السارق لما عرفت، لكن الفاضل في الإرشاد هنا قال بالضمان، و نسبه غير واحد ممن تأخر عنه إلى

مخالفة جميع الأصحاب، و في غاية المراد «قد تصفحت كتب أصحابنا فلم أجد أحدا قال بالضمان».

قلت: و إن لم ينص على عدمه من تقدمه غير المصنف إلا أن قاعدة تقديم المباشر على السبب المعلومة عندهم تقتضي كون الضمان على السارق، و ربما نزل ما في الإرشاد على ما إذا كان مستأمنا فدل السارق على أمانته، و لا بأس به و إن كان خروجا عما نحن فيه. فاتضح بذلك كله أن الضمان على المباشر الذي هو أقوى من السبب.

بل الظاهر عدم الضمان على ذي السبب مع عدم العلم بكون التلف به مجردا عن مباشر أقوى منه، فلو حصل التلف بمباشرة غيره و لم يعلم كونه ممن يقدم على السبب أو لا لم يضمن، للأصل و ظهور النصوص السابقة(1)في اعتبار التلف به في التضمين به.

و أولى من ذلك بعدم الضمان ما إذا لم يعلم أصل كون التلف به، كما لو وجد دابة- مثلا- ميتة في البئر المحفورة عدوانا و لم يعلم أنها ماتت في الخارج ثم رميت به أو بترديها به. أما لو علم مدخليته في التلف و لكن لم يعلم مباشرة غيره معه على وجه يرتفع الضمان معها

فقد يتوهم الحكم بضمان ذي السبب حينئذ، لأصالة عدم الغير.

لكن لا يخفى عليك أنه من الأصول المثبتة بعد ما عرفت من ظهور


1- 1 الوسائل- الباب- 8 و 9 و 11- من أبواب موجبات الضمان- من كتاب الديات.

ج 37، ص: 69

النصوص(1)في اعتبار كون العطب به خاصة في الضمان، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و لو أزال وكاء الظرف فسال ما فيه ضمن إذا لم يكن يحبسه إلا الوكاء بلا خلاف كما عن المبسوط و السرائر، بل و لا إشكال مع فرض كونه مطروحا على الأرض، ضرورة كونه مباشرا للإتلاف أو بحكمه.

و كذا لو سقط بفعله أو بما يستند الى فعله، كما لو سال منه ما ألان الأرض تحته فاندفع ما فيه ضمن بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له لأن فعله سبب مستقل بالإتلاف إذ السقوط بالميلان الناشئ من الابتلال الناشئ من الفتح، و هو مما قد يقصد به ذلك، و لعله بمعونة فتوى الأصحاب ملحق بالمستفاد من النصوص السابقة(2)أو يندرج فيها.

أما لو فتح رأس الظرف فقلبته الريح الحادثة أو زلزلة أو وقوع طائر أو ذاب

بالشمس ففي الضمان تردد كما في التحرير و الإرشاد.

و لعل الأشبه أنه لا يضمن لا لأن الريح و الشمس كالمباشر، فيبطل حكم السبب ضرورة قوة السبب بالنسبة إليهما بعد عدم قابليتهما للضمان، بل للشك في السببية المزبورة شرعا على وجه يترتب عليها الضمان، خصوصا بعد عدم تعارف قصد الإتلاف بالفتح بتوقع الهبوب، و الأصل البراءة.

خلافا للفخر في المحكي من شرح الإرشاد و غاية المراد و الدروس و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و المسالك من الحكم بالضمان، لأن فعله سبب تلفه، إذ لولا الفتح لما ضاع ما فيه، و لم يتخلل بينهما ما يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 8 و 9 و 11- من أبواب موجبات الضمان- من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 8 و 9 و 11- من أبواب موجبات الضمان- من كتاب الديات.

ج 37، ص: 70

إحالة الحكم عليه، فوجب الضمان، إذ هو كما لو جرح إنسانا فأصابه الحر أو البرد فسرت الجراحة، فإنه يضمن فكذا هنا، بل عن مجمع البرهان لا إشكال في الضمان إذا علم كون فعله سببا فقط لا غير و لم يعلم استناده إلى غيره بالكلية.

و لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه من كون المدار على السبب الشرعي المستفاد من النصوص المزبورة أو ما يلحق به بإجماع و نحوه، و المقام ليس كذلك، خصوصا في مثل حدوث الريح الذي جزم بعدم الضمان فيه في محكي المبسوط فارقا بينه و بين إشراق الشمس، بل عنه و عن الغنية نفي الخلاف في عدم الضمان به، و في الكفاية أن عدم الضمان به أقرب.

و عن التذكرة التوقف في الضمان به بخلاف الشمس، فاستوجه الضمان بها، قال: «لأنها مما يعلم طلوعها، فيكون الفاتح له معرضا ما فيه للشمس، بخلاف هبوب الريح الذي هو غير منتظر و لا متوقع، فالهلاك حينئذ لم يحصل بفعله، و ليس فعله مما يقصد به تحصيل ذلك العارض، ففعله غير ملجئ، و الأمر الحادث مباشر، فلم يتعلق الضمان بفعله، فكان كما لو فتح الحرز فسرق غيره أو دل سارقا فسرق».

قلت: لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة صدق السببية على مذاقهم فيهما، بل في جامع المقاصد أن وجود الريح كثير موجب لتوقع القلب و الانقلاب، نعم يتوجه عدم الضمان بناء على ما ذكرناه من كون سبب الضمان شرعيا، و هو ما تضمنته النصوص المزبورة أو ألحق به بإجماع و نحوه و لو على وجه تنجبر به الدلالة، كما هو واضح.

ج 37، ص: 71

و كذا الكلام فيما إذا أزال أوراق الكرم و جرد عناقيدها للشمس حتى أفسدتها، اللهم إلا أن يقال فيه و في أمثاله بصدق إسناد التلف إليه حقيقة، فيخرج حينئذ عما نحن فيه.

و لو فرض مجي ء إنسان فأسقطه فلا شبهة في كون الضمان عليه، لأنه مباشر أو كالمباشر في القوة من الأول، بل الظاهر ضمان الأخير فيما لو فتح رأسه و أخذ ما فيه في الخروج ثم جاء آخر و نكسه، و إن احتمل اشتراكهما في ضمان الخارج بعد النكس، إلا أن الأول أصح، ضرورة كون الثاني المباشر أو بحكمه.

و لو فرض في الجامد مجي ء آخر بعد الفتح فقرب منه نارا حتى ذاب و ضاع فالضمان على الثاني، لكونه مباشرا أو بحكمه، و ربما احتمل عدم ضمانهما معا، لأن مجرد الفتح لا يقتضي الضمان فيه، و عدم تصرف الثاني في الظرف و لا في المظروف، إلا أنه كما ترى.

و أولى من ذلك ما لو كان رأس الزق مفتوحا من المالك فجاء إنسان فقرب منه النار.

هذا و لا يخفى عليك الحال فيما لو حل رباط سفينة فغرقت بالحل أو غرقت بسبب حادث من هبوب ريح أو غيره، و في المسالك الجزم بالضمان في الأول، و في الثاني الوجهان، و الله العالم.

[و من الأسباب الموجبة للضمان على نحو ضمان الغصب القبض بالعقد الفاسد]

و من الأسباب الموجبة للضمان على نحو ضمان الغصب القبض بالعقد الفاسد كعقد البيع و نحوه من العقود الموجبة لانتقال الضمان إلى القابض، بلا خلاف أجده فيه، بل هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في المسالك هو موضع وفاق،

لعموم «على اليد»(1)

و لأن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، كما تقدم الكلام في ذلك مستوفى


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 72

في كتاب البيع(1)و غيره، و لم نجد من تأمل في ذلك سوى المقدس الأردبيلي، و هو في غير محله.

نعم قد يتأمل في وجه القاعدة المزبورة في صورة العكس، و هي كل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده و إن كانت مسلمة بينهم أيضا كالأولى، كما أوضحنا ذلك كله في محله.

و نزيد هنا بأن نقول: لعل الوجه في الإجماع المزبور في الصورتين أما الضمان في الأولى فلعموم «على اليد» و لأن الإقدام منهما قد وقع بعنوان المعاملة التي مقتضاها الضمان من دون نظر إلى صحتها و فسادها، بل لاحظا مسماها المشترك بين الصحيح و الفاسد، و الفرض أن مقتضاها الضمان الذي هو مضمون «على اليد» و لا فرق في ذلك بين العلم بالفساد و الجهل به.

و أما الثانية فقد لاحظا مسماها المشترك بين الصحيح و الفاسد الذي مقتضاه عدم الضمان، فمع فرض كونه العنوان يترتب عدم الضمان على تقديري الصحة و الفساد مع العلم و الجهل به، إذ عدم الضمان ليس من أحكام الصحيح منه، و لا أن الاذن مقيدة بالصحيح منه، ضرورة عدم ملاحظة ذلك لهما، و إن زعما أو أحدهما الصحة لكنه لا على وجه تقيد الاذن بها، بل ليس الصادر منهما و لا العنوان لهما إلا المسمى المشترك بين الصحيح و الفاسد الذي مقتضاه عدم الضمان، لعدم كونه من أحكام الصحيح منه فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، بل يمكن الجزم بأنه وجه الإجماع، و الله العالم.

و منها أيضا القبض بالسوم، فان القابض يضمن


1- 1 راجع ج 22 ص 257- 260.

ج 37، ص: 73

عند الأكثر بل المشهور، كما في المسالك و غيرها،

لعموم «على اليد ما أخذت»(1)

المقتصر في الخروج منها على غير الفرض من الأمانة.

خلافا للمحكي عن موضع من السرائر و المختلف و الإيضاح و مجمع البرهان بل في المسالك و الكفاية، و هو متجه للأصل بعد كون القبض المزبور باذن المالك، فيكون أمانة كالوديعة.

و فيه منع اقتضاء ذلك عدم الضمان حتى في مثل الفرض، خصوصا بعد الشهرة على الضمان فيه، بل ربما أرسلوه إرسال المسلمات، بل المحكي عن كثير- حتى المختلف و الإيضاح و المسالك و مجمع البرهان- التصريح بالضمان فيما إذا دفع البائع لعبد كلي موصوف عبدين للمشتري ليتخير فأبق أحدهما إلحاقا له بالمقبوض بالسوم إن لم يكن منه،

لعموم «على اليد»(2)

و قد تقدم الكلام في ذلك كله أيضا.

و منه يعلم عدم اختصاص الحكم بالمقبوض للشراء المعبر عنه بالسوم، بل المراد منه الأعم من ذلك، و هو كل مقبوض، ليكون مضمونا عليه حينئذ، فيندرج فيه قبض المرأة المال ليكون مهرا و الرجل ليكون عوض خلع و نحو ذلك، لاتحاد المدرك في الجميع، و الله العالم.

و كذا استيفاء المنفعة بالإجارة الفاسدة سبب لضمان اجرة المثل أو الأقل منها و من المسمى بلا خلاف أجده فيه، لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و

عموم «على اليد»(3)

و «من أتلف»(4)

و أصالة احترام مال المسلم.

نعم في المسالك أن ضمان ذلك من باب المباشرة للإتلاف، لا من


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
3- 3 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
4- 4 راجع التعليقة في ص 60.

ج 37، ص: 74

باب الأسباب، و إدخالها في السبب تجوز قال: «و من حكم إتلاف مال الغير مع عدم تسليط المالك أن يلزمه العوض إما بعين إذا كان أو قيمة المثل أو أجرته عينا كان أو منفعة».

و فيه أن المراد هنا بالسبب كون ذلك من أسباب الضمان، لا أن المراد الضمان بالتلف السببي، و فرق واضح بينهما.

و هل العين مضمونة بالاستيفاء؟ قال في جامع المقاصد: «الذي يلوح من كلامهم العدم، و الذي ينساق اليه النظر كونها مضمونة، لأن التصرف في العين غير جائز، فهو بغير حق، فيكون في حال التصرف استيلاؤه عليها بغير حق، و ذلك معنى الغصب، إلا أن كون الإجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بالصحيحة مناف لذلك، فيقال: إنه دخل معه على عدم الضمان بهذا الاستيلاء و إن لم يكن مستحقا، و الأصل براءة الذمة من الضمان، فلا تكون العين بذلك مضمونة، و إنما

تضمن المنفعة خاصة، و لولا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن، لأن استيلاءه بغير حق، و هو باطل».

قلت: قد قدمنا الكلام مستوفى على وجه يعلم منه عدم المنافاة بين ضمان العين و بين القاعدة المزبورة، و يعلم منه أيضا الفرق بين الرهن و بينهما، فلاحظ و تأمل. فإنه مع ذلك قد يقوى عدم ضمانها أيضا، و الله العالم.

ج 37، ص: 75

[النظر الثاني في الحكم]

اشاره

النظر الثاني في الحكم لا خلاف بيننا في أنه يجب رد المغصوب ما دام باقيا بل الإجماع بقسميه عليه إن لم يكن ضرورة من المذهب، مضافا إلى

قوله (عليه السلام)(1)في النصوص السابقة: «كل مغصوب مردود».

بل الظاهر كون الحكم كذلك و لو تعسر و اقتضى هدم البناء أو خراب السفينة كالخشبة تستدخل (المستدخلة خ ل) في البناء و (أو خ ل) اللوح في السفينة ضرورة بقائها على ملكه و وجوب ردها اليه فورا، و قد سمعت

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(2): «إن الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها».

و حينئذ ف لا يلزم المالك أخذ القيمة خلافا لأبي حنيفة و تلميذه الشيباني، فإنهما قالا بملك الغاصب لهما، فلا يجب عليه ردها و لكن يلزمه قيمتها، و لا ريب في مخالفة ذلك قواعد الإسلام بل الواجب عليه مع استخراجها رد أجرتها من حين الغصب الى حين الرد و الأرش إن نقصت.

و كذا الكلام فيما لو مزجه مزجا يشق تمييزه كمزج الحنطة بالشعير أو الدخن بالذرة و حينئذ يكلف تمييزه و إعادته


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 من كتاب الخمس، و فيه « الغصب كله مردود».
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 5.

ج 37، ص: 76

نعم لو بلغت حد الفساد على تقدير الإخراج بحيث لا يبقى لها قيمة فلا خلاف و لا إشكال في وجوب تمام القيمة عليه.

و لكن هل يجبر على إخراجها؟ ظاهر الدروس العدم، قال فيها:

«يجب رد المغصوب إلى مالكه إجماعا، و ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «على اليد ما أخذت حتى تؤديه»

و إن تعسر، كالساجة في البناء و اللوح في السفينة و إن أدى إلى خراب ملكه، لأن البناء على المغصوب لا حرمة له، و يضمن أرش نقصانهما و أجرتهما، و لو علم تعيبهما و أنه لا ينتفع باخراجهما ضمنهما الغاصب بقيمتهما» بل عن صريح المبسوط ذلك أيضا.

بل في المسالك «ظاهرهم عدم وجوب ردها و أنها تنزل منزلة المعدومة» و إن قال بعد ذلك: «و لو قيل بوجوب إعطائها المالك إذا طلبها كان حسنا و إن جمع بين القيمة و العين».

قلت: لكنه مناف

لقاعدة «لا ضرر و لا ضرار»

و مناف أيضا لملك القيمة التي هي عوض شرعي يقتضي ملك معوضه للدافع، اللهم إلا أن يقال: إنها عوض مالية و إن بقي هو مملوكا، لكنه كما ترى، و ستسمع إنشاء الله تحقيق الحال في المسألة الآتية.

و لعل احتمال وجوب بقائها و أخذ الأجرة عنها خاصة أو مع القيمة للعين للحيلولة لتعذر إيصالها كما هي لكن مع ملاحظة سلب المنفعة الخاصة أيضا أولى و إن لم أجد من احتمله هنا.

و على كل حال فقد ظهر لك أنه لو أدرج لوحا مغصوبا في سفينة وجب قلعه إن لم يخف من نزعه هلاك نفس محترمة أو مال كذلك، بأن كانت على وجه الأرض مثلا أو أدرجه في أعلاها على وجه لم يخش من


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4. و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 77

نزعه الغرق، و خلاف أبي حنيفة آت هنا.

و إن كانت في اللجة و خيف من النزع غرق حيوان محترم- آدمي أو غيره- أو مال كذلك لغير الغاصب الجاهل بالغصب ففي القواعد و التذكرة و جامع المقاصد و المسالك و الروضة و ظاهر غيرها عدم وجوب النزع، بل في مجمع البرهان لا خلاف فيه، جمعا بين الحقين، و لاحترام روح الحيوان، سواء كان الغاصب أو للغاصب أو غيره.

و فيه إمكان إلزام الغاصب و من بحكمه بذبح الحيوان مقدمة لإيصال مال الغير الواجب عليه فورا، و دعوى حرمة ذبحه لغير الأكل ممنوعة.

و لو كان المال للغاصب أو من بحكمه و هو العالم بأن فيها لوحا مغصوبا فالظاهر وجوب النزع، وفاقا للفاضل في القواعد و التحرير و ولده و الشهيد و الكركي، بل هو قضية إطلاق المصنف و غيره، بل في المسالك نسبته إلى صريح الأكثر، لأن دفع المغصوب واجب فورا، و لا يتم إلا به، و الضرر هو الذي أدخله على نفسه بعدوانه الذي لا يناسبه التخفيف.

و عن المبسوط و التذكرة و ظاهر السرائر عدم وجوب النزع، لأن السفينة لا تدوم في البحر، فيسهل الصبر إلى انتهائها إلى الشط، فتؤخذ القيمة للحيلولة إلى أن يتيسر الفصل و رد اللوح مع أرش النقص إن نقص جمعا بين الحقين، بخلاف الساجة في البناء الذي لا أمد له ينتظر.

و هو كما ترى مجرد اعتبار لا يرجع إلى محصل، و دعوى سقوط المقدمة لقاعدة الضرر و نفي الحرج واضحة السقوط بعد أن كان هو السبب في إدخالهما عليه.

بل لو اختلطت السفينة بسفن كثيرة للغاصب و لم يوقف على اللوح إلا بفصل الكل فالظاهر ذلك أيضا للمقدمة، و إن حكي عن الشافعية احتمال العدم، لكنه في غير محله، لما عرفت من تطابق النص و الفتوى

ج 37، ص: 78

على إلزام(1)الغاصب هنا بالأشق على وجه يقدم على نفي الضرر و الحرج، كما أومأ (عليه السلام) إليه ب

قوله(2): «الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها»

ضرورة اقتضائه رده على مالكه و إن استلزم خراب الدار أجمع، كما هو واضح.

بل قد يقال: إن للمالك أخذ ماله من الغاصب الممتنع عن دفعه في كل حال و إن استلزم ذلك تلف نفس الغاصب مع فرض عدم التمكن منه إلا في الحال المزبور، و خصوصا مع حاجة المالك له في تلك الحال لحفظ نفسه مثلا، فان احترام نفس الغاصب في الفرض غير معلوم، و لعل قوله تعالى(3)«فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ»* يشعر بذلك، ضرورة ظهوره في سقوط احترامه بالبغي و العدوان و إن كان في غير المفروض كما قدمنا الكلام فيه سابقا.

بل قد يشعر به في الجملة سقوط احترامه في الدفاع عن المال و لو يسيرا، اللهم إلا أن يفرق بينهما بأن ذلك حيث يمكن رفع الغاصب يده عن الغصب، فمع امتناعه يسقط احترامه، بخلاف الفرض الذي يجب فيه على الغاصب حفظ نفسه المفروض توقفه على بقاء العين المغصوبة في يده، بل له أخذ مال الغير قهرا ابتداء مقدمة للحفظ.

و فيه إمكان منع الرخصة له في بقاء المغصوب في يده حفظا لنفسه باعتبار كونه باغيا و عاديا قبل حال الاضطرار، فلا رخصة له، و فرق بينه و بين الاضطرار

ابتداء لأخذ مال الغير لحفظ نفسه، لعدم البغي


1- 1 في النسخة الأصلية المبيضة« التزام» و الصحيح ما أثبتناه كما هو كذلك في النسخة المخطوطة بقلمه الشريف.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 5.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 173.

ج 37، ص: 79

و العدوان قبل حال الضرورة، مع أنه يمكن منع الرخصة فيه إذا فرض توقف حياة المالك على بقائه، لأنه لا تقية في الدماء، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو خاط ثوبه مثلا بخيوط مغصوبة فإن أمكن نزعها على وجه تصل إلى مالكها الزم الغاصب ذلك و إن استلزم فساد الثوب و ضمن ما يحدث من نقص.

و لو خشي تلفها بانتزاعها لضعفها ضمن القيمة كما في القواعد و الدروس و غيرهما(1) لكونه كالمعدوم باعتبار تعذر رده، و ظاهرهم عدم وجوب الإخراج حينئذ، كما اعترف به في المسالك، و لكن في جامع المقاصد في شرح عبارة القواعد التي هي كعبارة المصنف «و لو طلب المالك نزعها و إن أفضى إلى التلف وجب، ثم يضمن الغاصب النقص، و لو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة، و لا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك، كما سبق من أن جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين و لو استوعبت القيمة أخذها و لم تدفع العين».

و نحوه في المسالك، قال: «الخيط المغصوب إن خيط به ثوب و نحوه فالحكم كما في البناء على الخشبة، فللمالك طلب نزعه و إن أفضى إلى التلف، و يضمن الغاصب النقص إن اتفق، و إن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة، و لا يخرج بذلك عن ملك المالك كما سبق، فيجمع بين العين و القيمة».

و هو كما ترى مناف لظاهرهم الذي اعترف به في المسالك سابقا، و من هنا جزم في مجمع البرهان بعدم وجوب النزع في مثل الفرض؛ بل قال: «يمكن أنه لا يجوز، و تتعين القيمة لأنه بمنزلة التلف، فتلزمه


1- 1 و في النسختين الأصليتين المسودة و المبيضة« و غيرها».

ج 37، ص: 80

القيمة فقط، و حينئذ يمكن جواز الصلاة في ذلك الثوب المخاط، إذ لا غصب فيه يجب رده، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة من الماء المغصوب الذي حصل العلم بحاله بعد الغسل و قبل المسح».

و هو جيد موافق لما قلناه سابقا من اقتضاء ملك المالك القيمة خروج المغصوب عن ملكه، لكونها عوضا شرعيا عنه، و قد تقدم سابقا في وطء حيوان الغير الموجب لدفع القيمة عنه ما يؤكد ذلك في الجملة.

بل قد تقدم أيضا أن من كان في يده المغصوب لو رجع المالك عليه و غرمه كان له الرجوع على من استقر التلف في يده، على وجه يملك ما كان في ذمته للمالك عوض ما أداه.

بل ستسمع ملك الغاصب المغصوب إذا أدى قيمته للحيلولة و إن كان متزلزلا، بل كان ذلك مفروغ منه عند التأمل في كلماتهم في مقامات متعددة ظاهرة أو صريحة في أن المؤدي عن المضمون عوض شرعي عنه على وجه يقتضي الملك للطرفين، من غير فرق بين الموجود من العين مما لا قيمة له و بينها إذا كانت كذلك لو انتزعت، كما في الفرض الذي يتعذر فيه الرد لنفس العين المغصوبة.

بل لعل قول المصنف و غيره و كذا لو خاط بها جرح حيوان له حرمة لم تنتزع إلا مع الأمن عليه تلفا و شينا، و إلا ضمنها مؤيد لذلك، ضرورة اقتضائه جواز التصرف للآدمي مثلا بما خيط به جرحه، و ليس ذلك إلا للخروج عن ملكه بضمان القيمة له بتعذر الرد لاحترام الحيوان، و إن كان لنا نظر و تأمل في أصل ما ذكروه هنا.

قالوا و اللفظ لثاني الشهيدين منهم في المسالك: «إن خيط به جرح حيوان فهو إما محترم أو غيره، و المحترم إما آدمي أو غيره، فالآدمي إن خيف من نزعه تلفه أو غيره من المحذور المجوز للعدول إلى التيمم

ج 37، ص: 81

من المرض و الشين لم ينزع، و على الغاصب قيمته، ثم إن خاط جرح نفسه فالضمان مستقر عليه، و إن خاط جرح غيره باذنه و هو عالم بالغصب قيل كان قرار الضمان عليه، و الأجود قراره على المباشر، و أما غير الآدمي فعلى ضربين: أحدهما غير المأكول، و الحكم فيه كالآدمي، لأنه لا ينتفع به مع ذبحه، و الثاني المأكول، فإن كان لغير الغاصب لم ينزع، لحرمة روحه، و إن كان للغاصب فوجهان: إنه يذبح و يرد الخيط، لإمكان الجمع بين الحقين، و هو جائز الذبح، و أظهرهما- و هو الذي يقتضيه إطلاق المصنف- المنع كما في غير المأكول، لأن للحيوان حرمة في نفسه، و لهذا يؤمر بالإنفاق عليه، و يمنع من إتلافه بغير الذبح للأكل، و قد

روي(1) أنه (صلى الله عليه و آله) نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله».

قلت: قد يناقش (أولا) بإمكان منع جعل مسوغ التيمم عذرا في عدم وجوب الرد هنا مطلقا، لما عرفته من تكليف الغاصب بأشق الأحوال في الرد و إن استلزم الضرر عليه و المشقة، فمع فرض أنه قد خاط به جرحه و كان في نزعه مشقة لا يخشى منها التلف و إن جاز التيمم لها أو يخشى الشين من نزعه يتجه تكليفه بذلك إلزاما له بأشق الأحوال، لأنه هو الذي أدخل الضرر عليه باختياره الغصب الذي مقتضاه ذلك، و احتمال الفرق بين الضرر المالي و غيره لا دليل عليه، نعم قد يتجه ذلك مع الخوف على النفس الذي يسقط معه خطاب الرد، فتأمل جيدا.

(و ثانيا) بإمكان إلزامه بشراء ما يجوز ذبحه من الحيوان إذا كان للغير، مأكولا أو غيره، مقدمة لذبحه و نزع الخيوط منه، و إن أدى ذلك الى ضرر عليه، فضلا عن إلزامه بذبح ما يجوز ذبحه من الحيوان الذي له، و دعوى حرمته لغير الأكل واضحة المنع.


1- 1 سنن النسائي ج 7 ص 211 و فيه قال ص:« حقها أن تذبحها فتأكلها و لا تقطع رأسها فيرمي بها».

ج 37، ص: 82

(و ثالثا) بمنع إطلاق قرار الضمان عليه حتى في صورة علم ذي الجرح بغصب الخيوط و طلبه التخييط بها.

و على كل حال فإذا مات الحيوان الذي خيط به جرحه فان كان غير الآدمي نزع منه الخيط، و في الآدمي وجهان: أصحهما كما في المسالك و غيرها العدم، لما فيه من المثلة، و الآدمي محترم حيا و ميتا، و لذلك

قال (صلى الله عليه و آله) (1): «كسر عظم الميت ككسر عظم الحي».

قلت: قد يقال باستثناء ذلك، كما ذكروه في النبش للتوصل الى المال، بل يمكن منع كون ذلك من المثلة المحرمة، خصوصا في بعض الأفراد.

و أما غير المحترم من الحيوان و هو ما يصح إتلافه بغير التذكية كالخنزير و الكلب العقور فلا يبالي بهلاكه و نزع الخيط منه.

و يلحق بهما الكافر الحربي بل و المرتد عن فطرة بل و الزاني المحصن و نحوهم ممن هو غير محترم النفس، و كذا لو عرض عدم احترامها بردة و نحوها بعد الخياطة.

و احتمال عدم الجواز باعتبار كون الحد وظيفة الامام و عدم جواز قتل المحارب في بعض الأحوال على بعض الأقوال كما ترى، ضرورة عدم كون ذلك من الحد، بل هو أخذ

ماله المستلزم لموت غير محترم النفس، و نحوه يجري في المحارب.

و الكلام هنا يجري نحوه في لوح السفينة في صورة ما إذا كان فيها حيوان و إن لم يذكر احتمال الذبح هناك، كما نبهنا عليه، و الله العالم.

و لو حدث في المغصوب عيب مستقر لا سراية له مثل تسويس التمر أو تخريق الثوب رده مع الأرش سواء كان بفعل


1- 1 سنن البيهقي- ج 4 ص 58.

ج 37، ص: 83

الغاصب أو غيره، و سواء زال معه الاسم أو غيره، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل هو مقتضى وجوب رد المغصوب و ضمان ما فات منه المستفادين من العقل و الكتاب و السنة(1)و الإجماع.

خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من أنه إذا غير الغاصب المغصوب تغييرا أزال به الاسم و المنفعة المقصودة منه- كما إذا قطع الثوب أو طحن الحنطة مثلا- ملكه و ضمن قيمته للمالك، بل عنه لو دخل لص دار رجل مثلا فوجد بغلا و طعاما و رحى فضمد(2)البغل و طحن الطعام ملك الدقيق،

فان انتبه صاحب الدار بعد ذلك كان للص قتاله عن دقيقة، فان أتى الدفع عليه فلا ضمان على اللص.

و هو كما ترى مناف لقاعدة بقاء الملك، بل و للمعلوم من الشرع، و الله العالم.

و لو كان العيب غير مستقر بل هو سار لا يزال يزداد الى الهلاك كعفن الحنطة قال الشيخ في المحكي من مبسوطة: الأقوى أنه يضمن قيمة المغصوب لأنه بشرفه على التلف صار كالمستهلك، فيضمن الغاصب حينئذ مثله أو قيمته، بل مقتضى ذلك بناء على ما قدمناه كون المغصوب ملكا للغاصب، و عن التذكرة أنه أظهر قولي الشافعية.

لكن قال المصنف و لو قيل برد العين مع أرش العيب الحاصل ثم كلما ازداد دفع أرش الزيادة حتى يهلك كان حسنا و إن فعل ذلك المالك عنادا، لعدم كونه تالفا حقيقة، بل جزم به كل


1- 1 راجع ص 33.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، و المسودة المخطوطة بقلمه الشريف غير مقروة، و من المحتمل« فحمل».

ج 37، ص: 84

من تأخر عنه.

نعم في قواعد الفاضل ذلك على إشكال ينشأ من حصول البراءة بدفع العين و أرش النقص، فيجوز أن يعانده المالك بعدم التصرف فيه إلى أن يتلف، و من استناد النقص إلى السبب الموجود في يد الغاصب.

و لا يخفى ما في الوجه الأول، ضرورة عدم اقتضاء دفع أرش الحاصل كونه كمال الحق الواجب، لعدم حدوث تلف شي ء يكون مضمونا بعد، فإذا حدث ضمنه، لأنه مستند إلى جنايته، و معاندة المالك بالطريق الشرعي الذي هو تسلط الإنسان على ماله لا تقتضي سقوط أرش الجناية المضمونة.

و في جامع المقاصد تقييد الحكم المزبور بما إذا لم يتمكن المالك من العلاج بسهولة، و إلا ففيه تردد، و تبعه في المسالك، قال: «هذا إذا لم يمكن إصلاحه، و إلا سقط أرش ما زاد على ذلك، لاستناد الفائت إلى تقصير المالك، كما لو جرحه فترك علاج الجرح مع قدرته عليه، فإنه لا يكون مضمونا».

قلت: يمكن منع عدم الضمان في الجرح، بل نفى الخلاف بعضهم عن الضمان لو جرحه فترك المداواة حتى مات، قال: «لأن السراية مع ترك المداواة من الجرح المضمون على الجارح» نعم لو فصده الفصاد مداواة لمرضه بأمر الطبيب فترك شده أو ترك كل منهما شده حتى نزف الدم فمات فخيرة الكتاب و التحرير و الإرشاد و التلخيص أنه لا ضمان على الفصاد، و استشكل فيه الفاضل في القصاص من استناد الموت إلى سراية الجرح، فهو كغيره من الجراحات التي يهمل المجروح مداواتها، و على كل حال فما نحن فيه من الأول.

لكن قد يقال: إن الأرش الذي دفعه الغاصب إنما هو أرش عيب

ج 37، ص: 85

سار، على معنى تقويم الحنطة صحيحة بكذا و معيبة بالعيب المزبور بكذا، فهو كمال حق المالك، فلا وجه لضمان ما تجدد بعده، إذ هو حينئذ كرجوع المشتري على البائع بمثل العيب المزبور لو فرض سبقه أو حدوثه في الثلاثة على وجه يكون ضمانه على البائع، و دعوى التزام ذلك فيه أيضا واضحة المنع، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو كان المغصوب باقيا بحاله رده، و لا يضمن تفاوت القيمة السوقية بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل في المسالك نسبته إلى أكثر أهل العلم، لأن الفائت رغبات الناس، لا شي ء من المغصوب.

خلافا لشذاذ من العامة. و خصوصا إذا فات القيمة ثم عادت إلى ما كانت وقت الغصب، نعم لو كان التفاوت بسبب نقصان في العين ضمن ذلك، كما ستعرف الكلام فيه و في غيره، و الله العالم.

و كيف كان فان تلف المغصوب ضمنه الغاصب بمثله إن كان مثليا بلا خلاف معتد به أجده فيه، كما اعترف به بعضهم، بل هو من قطعيات الفقه، كما يومئ إليه أخذه مسلما في سائر أبوابه، و في جامع المقاصد الإجماع عليه، بل في غاية المراد أطبق الأصحاب على ضمان المثلي بمثله إلا ما يظهر من ابن الجنيد، فإنه قال: «إن تلف المضمون ضمن قيمته أو مثله إن رضي صاحبه» و لعله يريد القيمي، و المراد من ضمانه بمثله عدم تسلط المالك على إلزامه بالقيمة لو أرادها، كما أنه لا تسلط للغاصب على إلزام المالك بقبول القيمة لو بذلها.

لكن لم نعثر في شي ء مما وصلنا من الأدلة عدا معقد الإجماع و الفتاوى على المثلي و القيمي عنوانا كي يرجع فيهما كغيرهما إلى العرف بعد انتفاء الشرع.

ج 37، ص: 86

نعم قال الله تعالى شأنه(1)«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» و «جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها»(2)و «إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ»(3)إلى غير ذلك مما ورد في المقاصة التي مقتضاها ضمان الشي ء بمثله العرفي لا الاصطلاحي.

نعم خرج الحيوان، لما في صحيح أبي ولاد(4)من ضمان قيمة البغل و غيره مما ورد فيه القيمة(5)بناء على إرادة الإلزام بها على وجه لا يجزئ غيرها من الخبر المزبور، فيتجه حينئذ احتمال كون الأصل الضمان بالمثل العرفي إلا ما خرج بالدليل.

و لعله لذا ذهب المصنف فيما تقدم من كتاب القرض(6)الى ضمان القيمي بمثله، لإطلاق ما دل على قرض الشي ء بمثله الصادق بالمثل العرفي، و قد تقدم الكلام فيه في محله.

و على كل حال فالآيات المزبورة لا دلالة في شي ء منها على المثلي المصطلح الذي ستسمع ما ذكروا له من التعاريف المتعددة.

بل قيل: إن المراد بالآية إن كان بيان التشبيه الخاص بمعنى عدم التجاوز في مقدار الاعتداء عما اعتدى به فهو حينئذ أجنبي عن المثلي المصطلح، ضرورة كون المراد حينئذ التساوي في مقدار الاعتداء في القتل و الجرح و أخذ المال من دون ملاحظة المثل أو القيمة، بل ليس فيها


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 194.
2- 2 سورة الشورى: 42- الآية 40.
3- 3 سورة النحل: 16- الآية 126.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- من كتاب النكاح.
6- 6 راجع ج 25 ص 20.

ج 37، ص: 87

حينئذ إلا حكم واحد، و هو الرخصة في الاعتداء بمقدار اعتداء المعتدي، و أن لا يتجاوز عنه، و المراد بالمقدار هو أن يحكم أهل العرف بأنهما سيان في المنفعة و الفائدة، و يرضى العقلاء بتملك كل منهما مقام الآخر من غير فرق بين المثل و القيمة.

و إن كان المراد التشبيه المطلق، يعني يجوز لكم الاعتداء على نحو يماثل اعتداء المعتدي في الاعتداء و المعتدى به فهذا إطلاق ينصرف الى العموم في كلام الحكيم، و حينئذ فهو يشتمل على حكمين: الأول الرخصة في الاعتداء، و الثاني أن ذلك على سبيل المثلية في كل شي ء، و هو يشمل المثلي و القيمي أيضا، ففي كل منهما يجب اعتبار المماثلة في الاعتداء و المعتدى به في كل شي ء إلا مع التعذر و هو يناسب مذهب ابن الجنيد بلزوم المثل في القيمي أيضا إلا مع التعذر، فلا تدل الآية على التفصيل المزبور.

فالمناص بأن يبنى تفسير الآية على الوجه الثاني، و يخص عمومه بدليل خارجي مثل صحيح أبي ولاد(1)أو يقال: إن حكم القيمي ليس داخلا في الآية أو يعترف بمذهب ابن الجنيد، فيندرج مسألة الرجوع الى المثل في المثلي تحت عموم الآية، لا لأن لفظ المثل فيهما (فيها ل ظ) بمعنى المثلي المصطلح، بل لأن

المماثل المصطلح من أفراد المماثلة المعتبرة في الآية بالمعنى و يخرج القيمي بالصحيحة المزبورة.

إلى آخر ما ذكره القائل المزبور، فإنه و إن كان كلامه لا يخلو من غشاوة و قبح تأدية و خلل في النقل عن ابن الجنيد الظاهر في ضمان مطلق المغصوب بقيمته، و توقف الاجتزاء بالمثل على رضا المالك، بناء على رجوع القيد في كلامه إلى الأخير، و إن كان راجعا إليهما كان مراده كون التخيير حينئذ بيد المالك بين المثل و القيمة مطلقا، كما هو المعروف


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب- الحديث 1.

ج 37، ص: 88

في النقل عنه، لكنه راجع إلى ما ذكرناه من عدم دلالة الآية على اعتبار المثلي المصطلح، بل إن كان و لا بد فيكفي المثل العرفي.

و لعله لذا قال المقدس الأردبيلي بعد أن أشكل ما ذكره من تعاريف المثلي ما حاصله من أن تحقيقه مشكل جدا، و هو مبنى أحكام كثيرة و الذي تقتضيه القواعد أنه لفظ عليه أحكام بالإجماع و الكتاب و السنة و ليس له تفسير في الشرع، و ما ذكر مجرد اصطلاح، فيمكن أن يحال الى العرف، و هو كل ما يقال إن لهذا مثلا عرفا يؤخذ به، فان تعذر أو لم يكن أصلا فالقيمة، بل ينبغي ملاحظة مثل المتلف، فلا يجزئ مطلق الحنطة عن الصنف الخاص المتلف، بل لا فرق بينها و بين الثوب بل و الفرس و غيرهما إذا كان لهما أمثال عرفية.

قلت: لكن ذلك كله كما ترى مخالف للإجماع بقسميه، بل و لما هو كضروري الفقه بين العامة و الخاصة، فيمكن أن يقال بملاحظة ذلك و ملاحظة الأمر بالقيمة في الحيوانات و المنافع(1)و السفرة المتلقطة في الطريق و كان فيها بيض و لحم و غيرهما(2)و غير ذلك مما ورد فيه الأمر(3)بالقيمة و له أمثال عرفية: إنه لا يراد المثل العرفي، بل هو شي ء فوق ذلك، و هو المماثلة في غالب ما له مدخلية في مالية الشي ء لا المماثلة من كل وجه المتعذرة، و لا مطلق المثل العرفي الذي يطلق مع وجود جهة الشبه في الجملة، و هذا لا يكون إلا في الأشياء المتساوية المتقاربة في الصفات و المنافع و المعلوم ظاهرها و باطنها.

و من هنا كان الحيوان قيميا باعتبار أنه و إن وجد له مثل عرفا


1- 1 الوسائل- الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب- الحديث 1.

ج 37، ص: 89

و لكن لم يعلم باطنه المختلف أشد اختلاف، و كذا الثوب بل و الأرض التي فيها قطع متجاورات و المنافع المختلفة كل الاختلاف باعتبار الاستيفاء، و فرض وجود المثل المنطبق على المعنى المصطلح في بعض الأفراد لا يوافق اطراد قواعد الشرع، فلذا كان المدار على النوع بل الصنف.

[تعريف المثلي و تعيين المراد منه]

و بذلك يتضح لك المراد في تعريف المشهور كما في المسالك و غيرها للمثلي بأنه هو ما يتساوى قيمة أجزائه و زاد بعضهم التمثيل بالحنطة و الشعير و غيرهما من الحبوب و الأدهان و ما أشبه ذلك.

و لعل المراد تساوي قيمة أجزاء الصنف من النوع منه، بل الأشخاص من الصنف، بل على أن يكون ذلك التساوي من حيث الذات لا الاتفاق، و حينئذ فالمن من شخص الحنطة الخاصة مثلا و الدهن الخاص مثلا قيمة أجزائه متساوية، ضرورة كون الرطل بدرهم مع فرض كون المن بدرهمين و هكذا.

و لا يرد النقض بالثوب أو الأرض الذي يمكن دفعه بعدم غلبة ذلك فيهما، و فرض بعض الأفراد كذلك لا يناسب اطراد قواعد الشرع.

بل مما ذكرنا يعلم اندفاع ما أورد في مجمع البرهان بأنه إن أريد التساوي بالكلية فالظاهر عدم صدقه على شي ء من المعرف، إذ ما من شي ء إلا و أجزاؤه مختلفة في القيمة في الجملة، مثل الحنطة و الشعير و جميع ما قيل إنه مثلي، فإن قفيزا من حنطة يساوي عشرة و آخر يساوي عشرين، و إن أريد التساوي في الجملة فهو في القيمي أيضا موجود، مثل الأرض و الثوب و نحوهما، و إن أريد مقدارا خاصا فهو حوالة على مجهول.

قلت: قد عرفت أن المراد المساواة في غالب ما له مدخلية في المالية، و تفاوت أفراد الحنطة و إن كان معلوما إلا أنك قد عرفت المساواة في أشخاص الأصناف، و لا يكفي الاتحاد في اسم النوع المنافي لقاعدة لا ضرر

ج 37، ص: 90

و لا ضرار و لغيرها.

و لعله أشار إلى ما ذكرنا الشهيد في الدروس بتعريفه المثلي بأنه المتساوي الأجزاء و المنفعة المتقارب الصفات، بل هو في الحقيقة كشف لتعريف المشهور، لا أنه تعريف آخر و إن توهمه غير واحد.

بل لعله المراد من تعريفه له في غاية المراد أيضا بأنه ما تتساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية، على معنى إرادة التساوي المزبور، لا أن المراد به الاتحاد في اسم القليل و الكثير منه كالماء و الحنطة كي يرد عليه الانتقاض بالأرض.

و إليه يرجع ما في التذكرة عن بعض من أنه ما لا يختلف أجزاء النوع الواحد منه في القيمة، و ربما يقال في الجرم و القيمة، و يقرب منه قول من قال: إنه الذي يتشاكل في الخلقة و معظم المنافع، أو ما تتساوى أجزاؤه في المنفعة و القيمة، و زاد بعض من حيث الذات لا من حيث الصفة.

بل لعله المراد أيضا من تعريفه بالمقدر بالكيل و الوزن على معنى غلبة التساوي في أجزائها على الوجه المزبور في كثير من أفرادها المتعارفة، فلا يرد النقض بالمعجونات.

و من هنا زيد فيه اشتراط جواز السلم فيه أو اشتراط جواز بيع بعضها ببعض بتشابه الأصلين في قضية التقابل.

فلا يرد ما في المسالك من أنه اعترض على العبارات الثلاثة بأن القماقم (و المغارف خ) و الملاعق المتخذة من الصفر موزونة، و يجوز السلم فيها، و بيع بعضها ببعض و ليست مثلية، مضافا إلى ما أورد هو عليه بمنع جواز السلم فيها، لاختلافها و عسر ضبطها. و إلى ما ذكرناه سابقا من أن المراد التساوي ذاتا لا اتفاقا بصنع صانع و نحوه.

ج 37، ص: 91

بل يرد عليه ما قيل من اقتضائه كون الشي ء مثليا في بلد قيميا في آخر، لمكان اختلافهما في الكيل و الوزن و عدمهما إذ قد عرفت أن المراد بذا المتعارف في الغالب باعتبار كشفه عن تساوي أجزائه، لا أن المراد مثليته من حيث الكيل و الوزن المختلفين باختلاف البلدان.

و بالجملة فالمراد من التعاريف واحد، و هو التساوي الذاتي في غالب ما له مدخلية في الرغبة و القيمة، و أن يكون ذلك غالبا في أفراد الأصناف لا اتفاقا.

بل لعله المراد أيضا مما في الإرشاد و شرحه الإسعاد لبعض الشافعية من تعريفه بأنه ما أمكن ضبطه بكيل أو وزن و جاز السلم فيه.

بل لعله المراد أيضا مما حكاه في الرياض عن خاله في دفع ما سمعته من المقدس الأردبيلي من أنه لعل المراد التقارب المتعارف المعتد به عند أهل العرف، أي ما يكون متساوي الأجزاء عرفا يكون مثليا، و غير المتساوي كذلك غير مثلي، و أيضا المثلي ما تعارف تحقق المثل له بحيث يساويه و يماثله في الطبيعة و المميز النوعي و الصنفي، و هو أقرب إليه من كل جنس و إن كان مثل الدرهم و الدينار.

بل يعلم مما ذكرنا أيضا أنه لا وقع لما اعتذر به الكركي عن التعريف المزبور بأن الظاهر منه إرادة ضبط المثلي بحيث يتميز فضل تميز، لا التعريف الحقيقي، أو يكون التمثيل بالحنطة و الشعير و غيرهما من الحبوب و الأدهان داخلا في التعريف، فيكون انكشافه بهذه الأمثلة، ضرورة أنك قد عرفت كون المراد بالتعريف المزبور ما لا يحتاج معه إلى الاعتذار المذكور.

و من الغريب ما في المسالك من أنه اعترض عليه بأنه إن أريد بالأجزاء كل ما تركب عنه الشي ء لزم أن لا تكون الحبوب مثلية، لأنها تركب من القشور و الألباب، و القشر و اللب مختلفان في القيمة،

ج 37، ص: 92

و كذلك التمر و الزبيب، لما فيهما من العجم و النوى، و إن أريد الأجزاء التي يقع عليها اسم الجملة لزم أن لا تكون الدراهم و الدنانير مثلية، لما يقع في الصحاح من الاختلاف في الوزن و الاستدارة و الاعوجاج و وضوح السكة و خفائها، و ذلك مما يؤثر في القيمة.

بل مما ذكرناه يظهر لك المناقشة فيما في الرياض و غيره من أنه «لا يذهب عليك عدم ظهور حجة لهذه التعاريف عدا العرف و اللغة، و هما بعد تسليم دلالتهما على تعيين معنى المثل المطلق و ترجيحهما أحد الآراء لا دلالة لهما عليه، إذ هي فرع تعليق الحكم بلفظ المثل في دليل، و ليس بموجود عدا قوله تعالى(1)«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» و فيه نظر، لاحتمال كون المراد بالمثل فيه أصل الاعتداء لا مثل المعتدى فيه الذي هو ما نحن فيه، فتأمل».

إذ قد عرفت أن المراد به ذلك و لو بمعونة ما سمعت من النص و الفتوى.

ثم قال: «هذا مع أنه لم يظهر حجة على أصل اعتبار المثل في المثلي و القيمة في القيمي عدا الإجماع و الاعتبار، و ليس فيهما ما يرجح أحد التعريفات، فليرجع في خصوص الأفراد إلى ما أجمع على كونه مثليا أو قيميا،

و لا إشكال فيما ظهر فيه، و يشكل الأمر فيما عداه، و ينبغي الاحتياط في مثله بالرجوع إلى الصلح و التراضي إن أمكن، و إلا فلا يبعد ترجيح مختار الأكثر، لرجحانه بالشهرة، و لولاها لكان العمل بالتخيير بين الآراء متجها، كما هو الحال في ترجيح الأقوال المختلفة التي لا مرجح لأحدها على الآخر من الأدلة، و ربما يرجح مختار الأكثر على أكثر ما عداه أيضا بسلامته عن النقض الذي يورد عليه من شموله


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 194.

ج 37، ص: 93

للثوب، لأن قيمة أجزائه متساوية مع أنه قيمي، و ذلك فإنه يمكن أن يقال: إن الثوب ليس بمتساوي الأجزاء، فان ذراعا منه قد يسوى عثمانيا و الآخر شاهيات، بل ربما لا يكون له قيمة أصلا» بل من التأمل فيما ذكرنا يظهر لك أنه من غرائب الكلام.

على أنه يمكن أن يقال بل قيل: إن الظاهر من الآية(1)رخصة المالك بأخذ المثل بالمماثلة العامة إرفاقا بالمالك، فلا يجوز للغاصب التجاوز عنه مع تقاضيه ذلك، لا أنه لا يجوز للمالك مطالبة الغاصب بالقيمة، فإن الظاهر أن

التالف في حكم المثمن، و العوض في حكم الثمن، و التخيير بيد البائع في التعيين، فيجوز للمالك مطالبته بالقيمة، و لا يرضى إلا بذلك في عوض ماله، و لا يمكن التمسك بأصالة براءة الغاصب عن لزوم القيمة، لاستصحاب شغل الذمة الموقوف براءتها بأداء حق المالك و إرضائه، لكونه مطلوبا.

بل ربما يقال: إن النقدين هما الأصل في الأعواض في الغرامات و غيرها، كما يشعر به بعض النصوص التي تقدمت في كتاب الزكاة(2)على ما يخطر في البال، و لعله اليه نظر الإسكافي في إطلاقه ضمان القيمة و تعليق المثل على التراضي.

و على كل حال فقد ظهر لك من جميع ما ذكرنا أن المثلي المصطلح هو الذي يمكن لعقلاء العرف الحكم بمثل له مساو فيما له مدخلية في ماليته في غالب صنفه، و ما ليس كذلك فهو قيمي، و لو لأن المغصوب مثلي معيب و لم يكن في غالب صنفه معيب كذلك، فيكون الحاصل أن


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 194.
2- 2 الظاهر أن نظره قده إلى موثقة إسحاق بن عمار التي ذكرها في ج 15 ص 204 و رواها في الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 7.

ج 37، ص: 94

المراد بالمثلي في كلامهم هو الذي له مثل بمعنى أنه مساو له في جميع ما له مدخلية في ماليته من صفاته الذاتية لا

العرضية كالمكان و الزمان على وجه يكون غالبا في صنفه، و ما عداه قيمي، فتأمل فإنه جيد.

و أما وجه تعيين الغرامة به مع فرض تحققه فللإجماع و الاعتبار و غيرهما، و الله العالم.

[تعيين القيمة]

فإن تعذر المثل المزبور بعد أن كان موجودا حين تلف المغصوب كما في التذكرة و المسالك و غيرهما ضمن قيمته أي المثل بلا خلاف أجده فيه، بل قيل: إنه إجماعي، لنفي الضرر و قبح التكليف بما لا يطاق، و الإضرار بتأخير الحق، فتعينت القيمة المزبورة جمعا بين الحقين.

لكن قد يناقش إن لم يكن إجماعا بأن ذلك لا يقتضي وجوب القبول على المالك لو دفع الغاصب، فان له التأخير الى حال التمكن من المثل.

اللهم إلا أن يكون ذلك ضررا على من عليه الحق و لو باعتبار بقاء ذمته مشغولة بناء على أن مثله ضرر منفي أيضا، و فيه تأمل.

أو يقال: إنه مقتضى

قوله (عليه السلام)(1): «المغصوب مردود»

بناء على إرادة ما يشمل رد المثل أو القيمة من الرد فيه، فيكون ذلك تكليفا للغاصب، فيجب القبول على من له الحق مع دفع الحق.

هذا و قد يظهر من بعض عبارات التذكرة و الإيضاح عدم وجوب القبول عليه و أن له التأخير إلى وجدان المثل، فيملك المطالبة، و حينئذ يرتفع الاشكال من أصله.

و على كل حال فالمراد قيمته يوم الإقباض أي حينه لا يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 من كتاب الخمس و فيه «الغصب كله مردود».

ج 37، ص: 95

الإعواز و لا أقصى القيم من يوم الغصب الى يوم التلف، و لا أقصى قيمته من وقت تلف المغصوب إلى الإعواز، و لا أقصى القيم من وقت الغصب إلى وقت الإعواز، و لا أقصاها من وقت الغصب إلى وقت دفع القيمة، و لا أقصاها من وقت انقطاعه و إعوازه إلى وقت المطالبة، و لا أقصاها من وقت تلف المغصوب الى وقت المطالبة، و لا قيمته يوم التلف، و لا قيمته يوم المطالبة، و لا أنه إن كان منقطعا في

جميع البلاد فالاعتبار بقيمته يوم الإعواز و إن كان في تلك البقعة فالاعتبار بقيمته يوم الحكم بالقيمة، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، و إنما بعضها وجوه و بعضها أقوال للعامة.

نعم في الإيضاح أن الأصح ضمانه أقصى القيم من وقت الغصب إلى وقت دفع القيمة، و لم نعرفه لغيره، بل هو مبني على وجوب ضمان أعلى القيم في المغصوب، و ستعرف ضعفه.

كما أن بعض الوجوه مبنية على ضمان المغصوب مع تجدد تعذر المثل بقيمته لا قيمة المثل.

و قيل: إنهم اختلفوا في باب القرض في وقت وجوب قيمة المثل في المثلي إذا تعذر على أقوال، فبعض على أنها تجب قيمة يوم المطالبة، و بعض وقت القرض، و بعض وقت التعذر، و لا فرق ظاهر بين المقامين، بل عن ابن إدريس التصريح بأن الحكم فيهما سواء.

و فيه منع تحقق خلاف معتد به، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، ضرورة كونه بعد ثبوت المثل في الذمة في القرض و الغصب يستصحب بقاؤه إلى حين أدائه، و تجدد تعذره لا يرفع الحكم الوضعي الذي هو ملكية المثل عليه، و لذا يجب عليه أداؤه مع فرض تجدد التمكن منه، فهو إلى حين الإقباض ليس له في ذمته إلا المثل الذي تؤدى القيمة بدلا عنه

ج 37، ص: 96

بطلب من المالك أو اختيار من الغاصب على الوجهين السابقين فتبرأ الذمة حينئذ على وجه لو تمكن من المثل بعد ذلك لم يجب عليه دفعه بلا خلاف أجده فيه بيننا.

و بذلك يفرق بينه و بين المالك و ملكه، فان المقام شبه أداء الدين بغير جنسه مع التراضي أو قلنا بأن ولاية ذلك بيد الغاصب، بخلاف ما يؤدى للحيلولة، فإنه ليس بدلا عن العين بنفسها، بل هو بدل عن حيلولتها.

و على كل حال فالغرض أن أداء قيمة المثل عند تعذر المثل ليس لثبوتها في الذمة، بل الثابت في الذمة المثل، و القيمة أداء عنه، فلا نعتبر إلا قيمته حين القبض. نعم لو قلنا بالتعذر تثبت في الذمة القيمة اتجه اعتبارها عنده، لا وقت الإقباض، لكونه حينئذ كتلف القيمي بناء على ذلك فيه، لكن لا دليل عليه، بل مقتضى استصحاب بقاء المثل في ذمته خلافه، و الإعواز لا يرفع الحكم الوضعي كما ذكرناه.

و من هنا مضافا إلى ما ستعرف من عدم ضمان أعلى القيم في المغصوب يظهر لك ضعف الوجوه المزبورة، بل و غيرها من الوجوه المحتملة في المقام غير العشرة المذكورة في كلام العامة.

هذا و في التذكرة «و المراد بالفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد و ما حواليه» و زاد في المسالك «مما ينقل منه إليه عادة، كما بين في انقطاع المسلم فيه» و نحوه عن الكفاية، و مرجعه إلى ما عن جامع المقاصد من أن المرجع فيه إلى العرف.

و فيه أنه ليس في شي ء من الأدلة العنوان بذلك حتى يرجع إليه، بل مقتضى تكليف الغاصب بالأشق لزوم تحصيل المثل و لو من البلاد؟ لنائية التي لا ينقل منها عادة إن لم يستلزم التكليف بالمحال.

ج 37، ص: 97

و لعله لذا قال في التحرير و غيره: «لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل فالوجه وجوب الشراء».

و فيه أنه مناف لما دل على نفي الضرار(1)و الحرج في الدين(2)و الخروج عنه في خصوص رد العين المغصوبة لا يقتضي

الخروج عنه في مثلها، فالمتجه جعل المدار على ذلك، و الله العالم.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لو أعوز فحكم الحاكم بالقيمة و لم يدفعها المحكوم عليه برضا من خصمه أو عدمه ف اتفق أنها زادت أو نقصت بعد الحكم المزبور لم يلزم ما حكم به الحاكم، و حكم بالقيمة وقت تسليمها ضرورة عدم اقتضاء الحكم المزبور تعينها، و إنما هو بيان قدر الاستحقاق في ذلك الوقت لو دفع، و ذلك ل ما عرفت من أن الثابت في الذمة ليس إلا المثل و انما تدفع القيمة بدلا عنه، فيكون المدار حينئذ على حين القبض، كما هو واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه.

هذا و لا يخفى عليك اقتضاء التقييد بما سمعت في أصل المسألة أنه لو لم يكن المثل موجودا وقت التلف تجب قيمة التالف، بل هو الذي استظهره في جامع المقاصد، لصيرورته بفقد المثل قيميا حين التلف.

و قد يناقش بعدم المنافاة بين ثبوته في الذمة و بين تعذر أدائه في ذلك الوقت، و دعوى صيرورته قيميا واضحة المنع، إذ المثلي لا يتعين كونه كذلك بتعذر المثل، و إلا لزم عدم وجوب دفعه لو تمكن منه بعد ذلك قبل الأداء، لثبوت القيمة حينئذ في الذمة، و لا أظن أن القائل المزبور يلتزمه، لوضوح ضعفه، فالمتجه ثبوت المثل في ذمته على كل حال،


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات.
2- 2 سورة الحج: 22- الآية 78.

ج 37، ص: 98

و تعذر أدائه حال التلف لا يقتضي عدم ثبوته في الذمة، فإن عدم التمكن من وفاء الذين لا يقتضي عدم ثبوته في الذمة، و حينئذ لم يكن للتقييد المزبور فائدة.

و لعله لذا تركه المصنف، بل قيل و المبسوط و التحرير و الإرشاد و الدروس، بل في الأخير ما هو كالصريح في ذلك، قال: «فان تلف فعليه ضمان المثل، فان تعذر فقيمته يوم الإقباض، سواء تراخى بتسليم المثل عن تلف العين أم لا» و الله العالم.

و لو أتلف الغاصب مثليا و ظفر به المالك في غير مكان الإتلاف فعن ابن إدريس أن له إلزامه به في ذلك المكان و إن كان هو أعلى قيمة من مكان الغصب و كان حمله يحتاج إلى مئونة، قال: «لأنه الذي يقتضيه عدل الإسلام و الأدلة و أصول المذهب» و وافقه الفاضل و ولده و الشهيد و الكركي لأن وجوب رد المظلمة فوري، و لا تراعي مصلحة من حقه أن يؤخذ بأشق الأحوال.

لكن عن المبسوط ما حاصله على طوله أنه إذا اختلفت القيمة فللمالك قيمته في بلد الغصب أو يصبر حتى يصل إليه ليستوفي ذلك للضرر المنفي، قيل: و هو المحكي عن القاضي و الشافعي.

و نوقش بمنافاته لفورية الحق، و بأن تأخير الأداء و رد المظلمة ضرر على المالك، و الضرر لا يزال بالضرر، بل قيل: إذا تعارض الضرران فالترجيح لنفي ضرر المالك، إذ الضرر المنفي إنما هو من شرع الحكم، و الغاصب هنا أدخله على نفسه، مضافا إلى أنه يؤخذ بأشق الأحوال، و إلى إطلاق ما دل على وجوب رد المظلمة(1)و على تسلط المظلوم على


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب جهاد النفس- من كتاب الجهاد.

ج 37، ص: 99

استيفائها متى تمكن منها(1)و الفرض أن الثابت في ذمته المثل، و دعوى اعتبار المكان في مثليته واضحة المنع لغة و شرعا و عرفا.

نعم يتجه بناء على ذلك أنه ليس للمالك الامتناع لو بذله الظالم في غير بلد الظلم و إن اقتضى ضررا على المالك لقلة القيمة مثلا، و إن تردد فيه في جامع المقاصد و لم يرجح.

بل قد ينقدح من ذلك أن على الغاصب ضمان المثل و إن خرج بالزمان أو المكان عن التقويم، كما لو أتلف عليه ماء في مفازة ثم اجتمعا على نهر، أو أتلف عليه جمدا في الصيف ثم اجتمعا في الشتاء، و إن ذكر فيه في القواعد احتمالين، ثانيهما أن عليه قيمة المثل في تلك المفازة أو الصيف من دون ترجيح، بل في الدروس قوة الاحتمال الثاني، بل لعله خيرة الفخر، بل هو خيرة الفاضل في التذكرة، بل في جامع المقاصد نسبته إلى اختيار الأصحاب و غيره و أنه لا محيد عنه، و إن كنا لم نعثر على من تعرض له بالخصوص غير من عرفت.

لكن قد عرفت أن الثابت في ذمته المثل، كما هو مقتضى إطلاق الفتاوى و معقد الإجماع، و المكان و الزمان لا مدخلية له في حقيقة المثلية، و قاعدة الضرار مشتركة بينه و بين المالك، و أخذه بأشق الأحوال إنما هو في رد العين المغصوبة لا المثل، و لذا صرح في جامع المقاصد بل لعله ظاهر غيره أيضا بعدم ضمانه غير المثل لو بقي له قيمة في الجملة في غير المكان المزبور، و إنما ذاك حيث لا يكون له قيمة.

على أن المتجه بناء على ذلك ضمانه المثل في أقرب الأماكن و الأزمنة إلى النهر و الشتاء، لا قيمته في ذلك المكان و الزمان.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب فعل المعروف- من كتاب الأمر بالمعروف و البحار ج 75 ص 17.

ج 37، ص: 100

و دعوى أنه لما كان مثله في الشط لا قيمة له فالعدول إلى قيمة مثله الآخر غير معقول، فتعين الرجوع إلى قيمة عين المغصوب في مكانه أو زمانه، خالية عن الدليل، بل ظاهر الدليل خلافها، ضرورة اشتغال الذمة بالمثل حال التلف و إن اختلف باختلاف الأمكنة و الأزمنة في القيمة، و لا دليل على عود اشتغال الذمة بالقيمة، بل مقتضى الأصل خلافه، و الله العالم.

هذا كله في المثلي.

و إن لم يكن المغصوب المتلف مثليا بل كان قيميا كالحيوان و نحوه مما لم يكن لعقلاء العرف طريق للحكم بالمساواة فيما له مدخلية في ماليته من صفاته الذاتية في الصنف ضمن قيمته بلا خلاف معتد به في ذلك هنا، نعم تقدم للمصنف في كتاب القرض(1)ضمان القيمي بمثله، و قد سمعت الكلام فيه هناك.

كما أنك سمعت الكلام في المحكي عن ابن الجنيد المحتمل لإرادة ما لا ينافي المشهور منه، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، لظهور صحيح أبي ولاد(2)و غيره مما

دل على ضمان الحيوان(3)عبد أو غيره في كون اللازم القيمة، و منه نصوص عتق الشريك(4)المقتضي للسراية المأمور فيها بالتقويم، فليس للمتلف دفع المثل العرفي إلا مع رضا المالك، كما أنه ليس للمالك اقتراحه عليه.

و ما في

بعض أخبار العامة- عن عائشة(5)قالت: «صنعت حفصة


1- 1 ج 25 ص 20.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 2 من كتاب الديات.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق.
5- 5 سنن أبي داود ج 2 ص 267- ط مصر عام 1371 و فيه« صفية» بدل« حفصة».

ج 37، ص: 101

طعاما فبعثت به إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأخذني الأفكل فكسرت الإناء، فقلت: يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ فقال:

إناء مثل الإناء و طعام مثل الطعام»

و عن أنس(1)«أن امرأة كسرت قصعة أخرى فدفع النبي (صلى الله عليه و آله) قصعة الكاسرة إلى صاحبة المكسورة، و حبس المكسورة في بيته»

- ليس حجة عندنا مع إمكان حمل الأخير منهما على علم النبي (صلى الله عليه و آله) بحصول الرضا منهما بذلك، بل و إمكان حمله و الأول على تحقق المثلية فيهما، و غير ذلك.

نعم للأصحاب خلاف في تعيين القيمة، فعن المقنعة و المراسم و موضع من المبسوط و النهاية و في النافع و كشف الرموز أنها يوم غصبه و كأنه مال إليه في الإرشاد، بل في التحرير هو اختيار الأكثر لأنه أول وقت دخول العين في ضمان الغاصب، و الضمان انما هو القيمة، فيضمن بالغصب حالة ابتدائه.

و فيه أن الحكم بضمان العين بمعنى أنه لو تلفت وجب القيمة بدلها، لا وجوب قيمتها حينئذ، فان الواجب ما دامت العين باقية ردها، و لا ينتقل إلى القيمة إلا مع التلف، فلا يلزم من الحكم بضمانها على هذا الوجه اعتبار ذلك الوقت.

نعم قد يستدل له بما في

صحيح أبي ولاد(2)المتضمن غصب البغل بمخالفته لما وقع بينه و بين صاحبه «أ رأيت لو عطب البغل أو أنفق أ ليس كان يلزمني؟ فقال الصادق (عليه السلام): نعم قيمة بغل يوم خالفته».

و فيه احتمال تعلق الظرف بالفعل المدلول عليه بقول: «نعم»


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 96.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب- الحديث 1.

ج 37، ص: 102

فيكون المراد يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل لو عطب، بمعنى أنها تتعلق بك ذلك اليوم، و حينئذ فحد القيمة غير مبين فيه، فلا ينافي ما دل على القيمة يوم التلف الذي ستعرف أنه الأصح.

و دعوى أن الأول أظهر ممنوعة، بل قيل: إن ما ذكرناه أظهر بشهادة قوله فيه بعد ذلك: «فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر، قال (عليه السلام): عليك قيمته ما بين وقت الصحة و العيب يوم ترده عليه، قلت: فمن يعرف ذلك؟ قال: أنت و هو، إما أن يحلف على القيمة فيلزمك، و إن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك». الظاهر في اعتبار القيمة يوم الرد لا الغصب.

و إن كان فيه (أولا) أن الموجود فيما حضرني من نسخة التهذيب الصحيحة المحشاة «ترده عليه» من دون لفظ «يوم» و معناه أنك ترد الأرش عليه مع البغل. (و ثانيا) أنه على التقدير المزبور كما يخالف يوم الغصب يخالف يوم التلف، ضرورة كونه غير يوم الرد، فلا يوافق المختار، بل و لا شيئا من الأقوال.

بل إن جعلت الظرف فيه متعلقا بقوله: «عليك» كان منافيا أيضا لما عرفت من أن الضمان المعلق ثابت بالمخالفة، و المحقق حال حصول العيب، فالمتجه أن يراد منه أن عليك رد الأرش حين ترد البغل، لا أن الأرش يتعلق وجوبه بك يوم رد البغل لا يوم حصول العيب، فيوافق حينئذ المراد من النسخة الساقط فيها لفظ اليوم.

و لقد أطنب بعض الفضلاء في بيان المعنى المزبور، لعدم وقوفه على النسخة التي ذكرناها، و حينئذ لا يكون منافيا للمختار و لا مؤيدا له.

نعم ربما قيل: إنه ظاهر فيه. باعتبار أن سؤال الراوي عن الضمان

ج 37، ص: 103

بسبب التلف لا بسبب المخالفة، فمطابقة الجواب للسؤال يقتضي أن يكون المراد منه: نعم يلزمك يوم خالفته هذا الحكم، يعني يصير حكمك في هذا اليوم لزوم قيمة البغل إن هلك، و المتبادر منه بعد معلومية أنه ليس المراد قيمته ميتا هو أقرب زمان حياته إلى الموت، و هو قبيل التلف، و هذا معنى قيمته يوم التلف.

بل لعل تنكير «بغل» يومئ إلى ذلك أيضا، إذ هو إشارة إلى أنه يفرض الميت حيا، و إلا فلا ريب أنه لا يكفي قيمة أي بغل يكون، و هو مناسب لكون الظرف لغوا متعلقا بيلزمك، و إلا فلا يناسب التنكير، إذ البغل يوم المخالفة حي بالفرض و الاستصحاب، فالأولى تعريفه.

ثم إن الظاهر بناء قوله (عليه السلام): «حين اكترى» على غلبة عدم التفاوت في هذه المدة القليلة و على الاستصحاب، و إلا فلم يقل أحد باعتبار القيمة حين الكري، كما هو واضح.

و كيف كان فلا دلالة في الصحيح المزبور على القول المذكور، و لعله لذا ترك أصحاب القول المزبور الاستدلال به و اقتصروا على الوجه الذي قد عرفت ضعفه، و من الغريب نسبة المصنف و الفاضل في التحرير إياه إلى الأكثر، مع أنه لم نعرفه لغير من عرفت، و الله العالم.

و قال في المبسوط و محكي النهاية في موضع منهما و الخلاف و الوسيلة و الغنية و السرائر و الإيضاح و اللمعة و المقتصر و التبصرة على إشكال و كذا شرح الإرشاد للفخر على ما حكي عن بعضها: إنه يضمن أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف بل في المختلف أنه أشهر، بل عن بيعه نسبته إلى علمائنا، و في المتن و هو حسن و كأنه قال به أو مال إليه في الكفاية، و كذا المسالك، بل فيها «أن في خبر أبي ولاد ما يدل على وجوب أعلى القيم بين الوقتين» و قواه في الروضة أيضا،

ج 37، ص: 104

لمكان هذا الخبر الصحيح، مع أنه ذكر الاستدلال به للقول السابق.

و لكن لا يخفي عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه عدم إشعار في الصحيح المزبور فضلا عن الدلالة، اللهم إلا أن يقال: إنه بناء على تعلق الظرف بالفعل المستفاد من قول: «نعم» يكون المراد أن ابتداء الضمان من ذلك اليوم إلى يوم التلف، فيضمن الأعلى منه حينئذ، بل إن جعل متعلقا بالقيمة يكون المراد منه ذلك أيضا، لعدم معقولية ضمان القيمة مع وجود العين، فيكون الحاصل أنه تلزمه القيمة مع العطب من يوم المخالفة.

إلا أن ذلك كله كما ترى تجشم و خلط بين الضمان التقديري المتحقق بالمخالفة و الضمان التحقيقي الحاصل يوم التلف كما هو واضح.

نعم قد استدل له بأنه مضمون في جميع حالاته التي من جملتها حالة أعلى القيم، و لو تلف فيها لزمه ضمانه فكذا بعده، و أنه يناسب التغليظ على الغاصب الذي يؤخذ بأشق الأحوال.

و فيه أن الزيادة للسوق ما دامت العين باقية غير مضمونة إجماعا، و لا يلزم من ضمانها لو تلفت في تلك الحال ضمانها مع عدم تلفها فيها، لأن ضمانها على تقدير تلفها في الحالة العليا ما جاء من قبل الزيادة، بل من حيث الانتقال من ضمان العين إلى القيمة لفوات العين، و هو منتف على تقدير عدم تلفها في تلك الحالة العليا، و أخذه بأشق الأحوال إنما هو بالنسبة إلى رد العين نفسها لا مطلقا، لعدم الدليل، بل الأصول تقضى بخلافه.

و أضعف من ذلك ما عن المصنف في أحد قوليه من أنه يضمن الأعلى من حين الغصب إلى حين رد القيمة، إذ هو كما قيل مبني على أن القيمي يضمن بمثله كالمثلي، و إنما ينتقل إلى القيمة عند دفعها لتعذر

ج 37، ص: 105

المثل، فيجب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة، لأن الزائد في كل آن سابق على الدفع من حين التلف مضمون تحت يده، و لهذا لو دفع العين حال الزيادة كانت للمالك، فإذا تلفت في يده ضمنها.

و لعله إليه أشار المصنف بقوله و لا عبرة بزيادة القيمة و لا بنقصانها بعد ذلك على تردد إذ منشأ التردد في ذلك كون الواجب في القيمي المثل أو القيمة، و إلا فلا إشكال في عدم اعتبار زيادة القيمة و نقصانها بعد يوم التلف على جميع الأقوال عدا القول المزبور.

و هو كما ترى مع ضعف المبني عليه ينبغي تقييده بما إذا تعذر المثل، و حينئذ يتجه ضمان المثل يوم الإقباض كما عرفته في المثلي. على أنه لا يتم بالنسبة إلى ضمان العليا حال وجود العين.

و لعله لذا قيل: إن وجه القول قاعدة الضرر، و ذلك لأن عدم تمكينه منها حين ارتفاع القيمة ضرر عليه و تفويت لتلك المنفعة العليا، و من هنا كان هو خيرة العلامة الأكبر الآغا محمد باقر البهبهاني فيما حكي عنه، إلا أنك قد عرفت فيما تقدم اقتضاء القاعدة المزبورة ضمان الأعلى مع فواته و إن رد العين نفسها، و هو مخالف للإجماع بقسميه، بل قد عرفت عدم الضمان فيما لو منعه من بيع ماله بقيمة عالية، كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا.

و بذلك كله يظهر لك أن الأقوى وجوب القيمة حين التلف وفاقا للفاضل في جملة من كتبه و الشهيد و السوري و الكركي و الأردبيلي، بل هو المحكي عن القاضي، بل في الدروس و كذا الروضة نسبته إلى الأكثر، و ذلك لأنه وقت الانتقال إلى القيمة، و إلا فقبله مكلف برد العين من غير ضمان للنقص السوقي إجماعا، و احتمال منع الانتقال إلى القيمة حين

ج 37، ص: 106

التلف و إن كان هو وقت الانتقال إلا أنه ينتقل إلى الأعلى حينه يدفعه عدم الدليل.

و دعوى أنه قاعدة الاشتغال باعتبار اقتضاء التلف الانتقال إلى القيمة، و الفرض أنها ذات أفراد، فتتوقف البراءة على دفع أعلاها يدفعها ما تحقق في الأصول من أن مثله يجري فيه أصل البراءة، ضرورة رجوعه إلى الشك في التكليف بين الأقل و الأكثر.

و احتمال الإجمال في التأدية المجعول غاية لضمان ما في اليد واضح الفساد، ضرورة صدق التأدية على الأقل، و إنما الشك في التكليف في متعلق التأدية أنه قيمة يوم التلف أو الأعلى، و الأصل براءة الذمة من الثاني.

و احتمال ترجيحه بمناسبته لأخذ الغاصب بالأشق مع أنه لا دليل على اعتبار مثل هذا الظن الحاصل من مثله ليس بأولى من ترجيح الأول بانسياق بدلية قيمة يوم التلف عن العين التي لو ردها في ذلك اليوم لبرأ، إذ هو معنى البدلية لا القيمة السابقة.

و دعوى أن القيمة بدل شرعي و الفرض عدم العلم من الشارع أن البدل قيمة يوم التلف أو العليا يدفعها الانسياق المزبور من كل ما دل على الضمان.

و به يدفع ما عساه يقال من معارضة أصل البراءة الذي قدمناه بأصالة عدم وصول الحق إلى مستحقه، و عدم براءة الظالم من ظلامته.

بل و به يندفع ما يقال أيضا من أن أصل البراءة لا يشخص قيمة يوم التلف، إذ لعله يوافق قيمة يوم الغصب إذا فرض كونها أقل، اللهم إلا أن يمنع الانسياق المزبور على وجه يكون دليلا شرعيا، فيشكل الحال حينئذ.

ج 37، ص: 107

و لعله لذا كان المعروف بين الأصحاب ضمان الأعلى، بل لم يذكر بعضهم قيمة يوم التلف قولا بل و لا وجها، بل لم نتحققه ممن تقدم على الفاضل و إن حكي عن القاضي، بل سمعت نسبته في الدروس إلى الأكثر.

و لكن لا ريب في أن الاحتياط لا ينبغي تركه، بل الظاهر أنه لا بد من ملاحظة أعلى القيم في التقويم يوم التلف على معنى إلزام الغاصب بقيمة العين المعتورة عليها أوقات في يده قد اختلفت قيمتها فيها مع فرض مدخلية ذلك في القيمة.

هذا و لا يخفى عليك أن محل الخلاف كما صرح به غير واحد ما إذا كان نقصان القيمة مستندا إلى السوق، أما إذا استند إلى حدوث نقص في العين ثم تلفت فإن الأعلى مضمون إجماعا، كما في المسالك و الروضة و لو على معنى ضمان أرش النقصان و قيمة العين حال التلف، و الله العالم.

و كيف كان فقد عرفت مما ذكرناه في تحقيق المثلي أن الذهب و الفضة مضروبين أو غير مضروبين إذا لم يكن فيهما صنعة محللة يضمنان بمثلهما كما صرح به غير واحد، بل في المسالك نسبته إلى المشهور، ضرورة إمكان الحكم بالمساواة في الصنف على الوجه الذي ذكرناه، و دعوى أن الصحاح من الدراهم و الدنانير مختلفة في الوزن و الاستدارة و الاعوجاج و وضوح السكة و خفائها على وجه يؤثر في القيمة يدفعها بعد تسليمها ما عرفت من أن المدار على المساواة في الصنف، و الفرض حصوله، فلا يقدح اختلاف البعض.

و لكن مع ذلك قال الشيخ: هما قيميان ف يضمنان بنقد البلد، كما لو أتلف ما لا مثل له و في المسالك «و لعله نظر إلى الاختلاف، فإنه لا يجرى عليه تعريف المثلي بأنه ما تساوى أجزاؤه،

ج 37، ص: 108

لأنه اختار في المبسوط هذا التعريف من غير أن يعتبر تقاربها في الصفات و لا يدخل فيه بدونه، و لكن لا بد من مراعاة ذلك في التعريف، و إلا لم يدخل فيه شي ء من المثليات، لاختلاف صفات أصنافها الموجب لاختلاف قيمتها من الحبوب و الأدهان و غيرهما».

و فيه- مع إطلاق الشيخ قيمة الذهب و الفضة لا خصوص الدراهم و الدنانير منهما- أنه لا ريب في حصول التساوي في أجزاء أصنافهما على الوجه الذي ذكرناه. و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور، فيضمن بالمثل حينئذ.

نعم لو تعذر المثل ضمنه حينئذ بالنقد كما عرفته في كل مثلي تعذر مثله فان كان نقد البلد مخالفا للمضمون في الجنس بأن كان أحدهما ذهبا و الآخر فضة ضمنه بالنقد و إن اختلفا في الوزن، لعدم الربا فيه.

و كذا إن كان من جنسه و اتفق المضمون و النقد وزنا صح أيضا، لما عرفت.

و إن كان أحدهما أكثر قوم بغير جنسه و يؤخذ قيمته ليسلم من الربا فيأخذ كمال حقه، و رده ابن إدريس بمنع ثبوت الربا هنا، لأنه مختص بالبيع، فلا يضر اختلافهما في الوزن، و كذا لو غاب فرده مع أرش النقص من جنسه.

و إلى رده أشار المصنف بقوله. و لا يظن أن الربا يختص بالبيع، بل هو ثابت في كل معاوضة على ربويين متفقي الجنس وزنا و قد عرفت في كتاب البيع تحقيق الحال في ذلك.

نعم يمكن أن يمنع كون المقام من المعاوضات، بل هو من الغرامات

ج 37، ص: 109

التي لا تندرج في أدلة الربا المراد منها الإرباء الحاصل بفعل المتعاملين، بل لو سلم تناول أدلته لمثل ذلك كان بينه و بين ما دل على أداء القيمة العموم من وجه و يمكن الترجيح لما هنا بإطلاق الفتاوى.

اللهم إلا أن يقال: إن المقام من المعاوضة بعد فرض كونه مثليا، لما عرفت من كون الثابت في الذمة المثل، و القيمة عوض عنه مع التعذر، خصوصا إذا قلنا بتوقف ذلك على رضا المالك، و إنما يتجه ذلك على قول الشيخ بكونه قيميا. مع إمكان منع كونه معاوضة مصطلحة على التقدير المزبور، حتى مع اعتبار رضا المالك الذي لا ينافي كونه غرامة برضاه، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو كان في المغصوب صنعة محللة لها قيمة غالبا كان على الغاصب مثل الأصل و قيمة الصنعة و إن زاد بذلك عن الأصل ربويا كان أو غير ربوي، لأن للصنعة قيمة تظهر لو أزيلت عدوانا و لو من غير غصب فلا يكون من الربا الذي هو الزيادة في أحد العوضين، كما صرح بذلك كله في محكي المبسوط و السرائر و التحرير و الإرشاد و موضع من التذكرة.

لكن أشكله في الدروس بعموم الربا، و زاد في المسالك «أنه لم يخرج بالصنعة عن أصله، و إنما اشتمل على وصف زائد، و قد صرحوا في باب الربا بأنه لا فرق بين المصنوع و غيره في المنع من المعاوضة عليه بزيادة، و هذا أقوى، فضمانها بالقيمة أظهر، مع أنا نمنع من بقائه مثليا بعد الصنعة، لأن أجزاءه ليست متفقة القيمة، إذ لو انفصلت نقصت قيمتها عنها».

قلت: قد عرفت البحث في باب الربا عن الصفات الحاصلة للربوي بالعمل و نحوه، كما أنك عرفت هنا قوة احتمال منع الربا في الغرامات.

ج 37، ص: 110

بل مما ذكرنا يعلم الحال في المغصوب ذي الصنعة إذا كان من النقدين و كان نقد البلد الذي هو قيمة له موافقا له في الحس و مختلفا معه في الوزن، فان كونه قيميا لا يدفع احتمال الربا عنه، بل لا بد من تقويمه بغير الجنس حينئذ، إلا بناء على ما ذكرناه من عدم جريان الربا في الغرامات.

و على كل حال فقد ظهر لك أن المعروف بين من تعرض للمسألة كون المفروض مثلي الأصل قيمي الصنعة، و عن موضع من التذكرة أنه قيمي، و في المسالك أنه أظهر، للمنع من بقائه مثليا بعد الصنعة، لأن أجزاءه ليست متفقة القيمة، إذ لو انفصلت نقصت قيمتها متصلة كما لا يخفى.

و فيه أن ذلك ليس ضابطا للمثلي كما عرفته، بل هو تساوي الأجزاء على حالها بالمعنى الذي ذكرناه سابقا.

و منه ينقدح قوة احتمال كون المصنوع مثليا مع صنعته، كما احتمله في الدروس و إن استبعده في المسالك، بل لعل جزمهم به في الدراهم و الدنانير يؤيد ذلك، ضرورة اشتراك الجميع في أن لعقلاء العرف طريقا للحكم بالمساواة في الصنف، هذا كله لو تلف المغصوب المصنوع.

أما لو تلفت الصنعة فقط فإنه يضمنها، و لا حجر في كون ضمانها من جنس جوهر الإناء، لانتفاء الربا، إذ لا معاوضة بين جنسين لا حقيقية و لا حكمية كما هو واضح.

و ظاهرهم الاتفاق على كونها حينئذ قيمية، فليس للمالك الإلزام بعودها، كما أنه ليس عليه قبول ذلك لو بذله الجاني، و فرق واضح بين المقام و بين الإلزام بتسوية الحفر في الأرض الذي هو من قبيل رد المغصوب إلى محله، و الله العالم.

و إن كانت الصنعة محرمة كما في آنية الذهب و الفضة و الصنم

ج 37، ص: 111

و الصليب و غيرها لم يضمنها سواء أتلفها خاصة أو مع ذيها، بلا خلاف أجده فيه، بل في الكفاية نسبته إلى قطع الأصحاب، لأن الغصب لا يصير ما لا قيمة له شرعا ذا قيمة، و لا يجعل ما هو محرم- يجب إتلافه على جميع المكلفين من غير فرق بين الغاصب و غيره- قيميا محترما.

و هذا و لكن في القواعد «لو أتلف آنية الذهب ففي ضمان الزائد بالصنعة إشكال ينشأ من مساواة الغاصب غيره و عدمها» مع أنه قال فيها قبل ذلك: «و إذا كسرت آلات الملاهي فلا ضمان، فإن أحرقت ضمن قيمة الرضاض، و كذا الصليب» بل صرح به غيره، بل في الكفاية نسبة ذلك كله إلى قطع الأصحاب.

نعم للعامة خلاف في الحد المشروع لإبطالها على وجهين: أحدهما أنها تكسر حتى تنتهي إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة منها لا الأولى و لا غيرها، و عن الكركي أنه ليس ببعيد، لأنه أزجر لمن هي له.

و فيه أنه تعد عن الاذن في التصرف في مال الغير، و من هنا كان الأظهر عند العامة أنها لا تكسر الكسر الفاحش لكنها تفصل، و لكن في حد التفصيل عندهم وجهان: أحدهما أنها تفصل مقدارا لا تصلح لاستعمال الحرام، فإذا رفع وجه البربط و ترك على شكل قصعة كفى، و الثاني تفصل إلى حد لو فرض اتخاذ آلة محرمة من مفصلها لوصل إلى الصانع التعب، و لا ريب في أن الأظهر منهما الأول، اقتصارا في حرمة التصرف في مال الغير على مقدار الاذن، بل لا يبعد الضمان على من تجاوز الحد المزبور، فيضمن حينئذ التفاوت بين قيمتها مكسورة إلى الحد المشروع و بين قيمتها منتهية إلى الحد الذي أتى به.

كما أنه لا خلاف أجده هنا في ضمان قيمة الرضاض، و هو الذي

ج 37، ص: 112

يبقى بعد الكسر، بل الكفاية نسبته الى قطع الأصحاب، لأنه مال مملوك محترم، لكن عن ظاهر جماعة في باب المكاسب أن آلات اللهو لا تعد مالا، و أنها غير مملوكة، للخبر(1)و القاعدة، و قولهم بعدم ضمان المتلف لها قيمتها، بل قيل: إن الأمر في الصلبان و الأصنام واضح، و لا قائل بالفرق، و أنه ربما جمع بين كلامهم في المقامين بإرادة ملك المادة دون الصورة، و عدم ضمان المادة لو توقف إتلاف الصورة عليها، أو لا تملك مطلقا و لكنها غير الرضاض بعد الكسر.

قلت: قد تقدم ما عندنا في باب المكاسب(2)و منه يعلم الحال في المقام فلاحظ و تأمل، و على كل حال فإشكال الفاضل في غير محله، و الله العالم.

و لو كان المغصوب دابة فجنى عليها الغاصب أو غيره بما لا مقدر فيه في الإنسان أو عابت من قبل الله سبحانه ردها مع أرش النقصان بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى عموم الأدلة و خصوص صحيح أبي ولاد(3)السابق.

و تتساوى بهيمة القاضي و غيره في الأرش عندنا، لإطلاق الأدلة، و لأن المدار على تفاوت المال لا مالكه.

خلافا للمحكي عن مالك و احمد في إحدى الروايتين من أن في قطع ذنب بهيمة القاضي تمام القيمة، لأنها لا تصلح له بعد ذلك.

و فيه ما عرفت من أن النظر في الضمان الى نفس المال لا إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 و الباب- 103- منها الحديث 4.
2- 2 راجع ج 23 ص 25- 27.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب الحديث 1.

ج 37، ص: 113

غرض المالك، و لذا كان في وطء الولد جارية الأب بالشبهة مهر المثل كما في وطء الأجنبي، و إن حرمت بالأول على الأب، كما هو واضح.

لكن في التذكرة «لو غصب شيئا تتفاوت قيمته بالنسبة إلى أربابه كما لو غصب حجة إنسان بدين أو ملك فالأقرب ضمان التفاوت بالنسبة إلى ربه إن غصبه منه، و إن غصبه من غيره لم يضمن بالزيادة، بل بما يساوي قيمته بالنسبة الى ذلك الغير» و جعل الشأن في الخاتم و النعل بالنسبة إلى كبر الإصبع و غيره كذلك، و لم أجده لغيره كما أنه لا وجه له واضح، ضرورة عدم ثبوت مالية للشي ء في نفسه عرفا بذلك.

بل ظاهر كلام الأصحاب خلافه، بل في الدروس «أن مركوب القاضي كغيره و إن صيره أبتر» و كذا لو أتلف وثيقة خيال (جمال خ ل) أو خفا لا يصلح إلا لواحد، و الله العالم.

و كذا لو كان ذلك فيما له مقدر في الإنسان منها إذ لا تقدير في قيمة شي ء من أعضاء الدابة عند المشهور، بل لا أجد فيه خلافا إلا ممن ستعرفه بل نسبه بعض إلى الندرة، ف يرجع فيه إلى الأرش السوقي كغيره من الأموال من غير فرق بين الفرس و البقرة و غيرهما و بين ما ينتفع بظهرها و لحمها أو أحدهما أو بغيرهما و غيرها، خلافا لأحمد بن حنبل في الأولين و لأبي حنيفة في الثلاثة الأخيرة.

نعم روى عاصم بن حميد(1)عن الباقر (عليه السلام) و مسمع(2)عن الصادق (عليه السلام) «أن عليا (عليه السلام)


1- 1 لم نجد لعاصم بن حميد رواية بهذا اللفظ و انما روى في المقام عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام ما سيذكره قده في الجواهر.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 4 من كتاب الديات.

ج 37، ص: 114

قضى في عين الدابة ب ربع ثمنها» أي قيمتها كما

روى أبو العباس(1)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها».

و في

صحيح عمر بن أذينة(2)المروي في التهذيب «كتبت الى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن علي (عليه السلام) في عين ذات الأربع قوائم إذا فقئت ربع ثمنها؛ فقال: صدق الحسن، قال علي (عليه السلام) ذلك».

كما أنه

روى فيه صحيحا عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قضى علي (عليه السلام) في عين فرس فقئت ربع ثمنها».

قيل رواه في الكافي(4)حسنا بإبراهيم بل قيل هو صحيح في زيادات حدود الفقيه(5): و منه يعلم ما في المسالك و غيرها من

الطعن في السند، نعم لم نجد بها عاملا سوى ما عن النهاية و الوسيلة من أنه في فق ء عين البهيمة ربع قيمتها بعد الحكم فيهما أيضا أن الجناية على أعضائها بحسب قيمتها، و لولا ندرة القائل بذلك لكان العمل بها في خصوص العين متجها، بل يمكن القول بعدم العلم بالاعراض عنها بعد احتمال عدم العثور عليها فان الشهيد في غاية المراد مع سعة باعه قال: «لم أعثر على غير الأخبار الثلاثة».

نعم إن علم الاعراض عنها فلا محيص عن طرحها أو حملها على ما


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 2 من كتاب الديات.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 3 من كتاب الديات.
4- 4 أشار إليه في الوسائل في الباب- 47- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 3 و ذكره في الكافي ج 7 ص 367.
5- 5 الفقيه ج 4 ص 127 باب نوادر الديات.

ج 37، ص: 115

كان الأرش فيه ذلك، خصوصا و قد حكى الشيخ (رحمه الله) في المبسوط و الخلاف عن الأصحاب في عين الدابة نصف قيمتها، و في العينين كمال قيمتها، و كذا كل ما في البدن منه اثنان.

قال في الأول منهما بعد أن حكم بضمان الأرش في الأعضاء: «و روى أصحابنا في عين الدابة نصف قيمتها، و في العينين كمال قيمتها، و كذلك قالوا في سائر الأطراف مما في البدن منه اثنان ففيه كمال القيمة».

و قال في الثاني: «إذا قلع عين دابة كان عليه نصف قيمتها، و في العينين جميع قيمتها، و كذا كل ما كان في البدن منه اثنان ففي الاثنين جميع القيمة، و في الواحد نصف قيمتها، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارها» مع أن المحكي عنه فيه في آخر المسألة التاسعة من الغصب الحكم بالأرش، و الحكم أيضا به في ذنب حمار القاضي لا القيمة باعتبار كونه واحدا.

اللهم إلا أن يريد بالأرش هو ما ذكره فيه من النصف و الكل.

كما أنه لم نجد ما ذكره من الرواية، كما اعترف به في السرائر و غيرها، بل قد عرفت أنه نفسه روى في التهذيب ما سمعت.

و في المختلف «يمكن حمل الرواية و الإجماع الذي ادعاه الشيخ على غير الغاصب في إحدى العينين بشرط نقص المقدر عن الأرش».

و هو كما ترى انما يتم ذلك في العبد كما ستعرف من أن جناية غير الغاصب عليه مضمونة بالمقدر من قيمته، و إذا تجاوزت دية الحر ردت إليها، و كلام الشيخ و ما ادعاه من الأخبار و الإجماع في الدابة.

و من الغريب ما في الرياض حيث حكى عن الشيخ أولا القول المزبور في الغاصب، مع أن الشيخ لم يفرق بين الغاصب و غيره في المسألة.

و ثانيا قال في مسألة العبد: «و لذا حمل الفاضل في المختلف كلام الشيخ عليه» مع أن كلا من كلام الحامل و المحمول خال عن ذكر العبد،

ج 37، ص: 116

على أن قوله: «في إحدى العينين» لا وجه له اللهم إلا أن يكون عدم تصور نقص المقدر فيه عن الأرش بعد أن كان الواجب تمام القيمة، و بالجملة لا وجه للحمل المزبور.

و أغرب منه ما في المسالك، حيث إنه بعد أن روى الأخبار الثلاثة الأول و ذكر حمل المختلف قال: «و هذا الحمل حسن لو صحت الرواية، و مع ذلك فمدلولها خلاف ما ادعاه» ضرورة عدم الحسن فيه، بل قد عرفت صحة الرواية و لكن هجرها مع فرضه و معارضتها بما سمعت منع من العمل بها، كما أنه منع من العمل بما حكاه الشيخ من الإجماع و الأخبار أنه لم نعرف ذلك لأحد ممن تقدمه لا فتوى و لا رواية، بل فتواه نفسه و روايته بخلافه.

و بذلك كله ظهر لك أن ما عليه المشهور من الرجوع إلى الأرش السوقي مطلقا أشبه بأصول المذهب و قواعده، لأنه مال كغيره من الأموال، و لا يقاس على الإنسان في ذلك، كما لا يقاس على العبد في الرجوع إلى دية الحر مع التجاوز، فتؤخذ القيمة حينئذ مع تلفه و إن تجاوزت دية الحر، و الله العالم.

و لو غصب عبدا أو أمة فقتله أو قتله قاتل ضمن قيمته ما لم تتجاوز دية الحر، و لو تجاوزت لم يضمن الزيادة.

قال في الخلاف في باب الغصب: «إذا قتل عبدا كان عليه قيمته ما لم تتجاوز قيمته دية الحر عشرة آلاف درهم، و كذا إن كانت أمة ما لم تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم دية الحرة- إلى أن قال-: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم» و ظاهر ذكره ذلك في الباب المزبور أن الغاصب حكمه ذلك.

قيل: و أظهر منها في ذلك عبارة المبسوط قال: «و إن كان عبدا

ج 37، ص: 117

نظرت. فان قتله ففيه قيمته، و إن زادت على دية الحر لم يلزمه أكثر من ذلك».

بل قيل: إنه قد طفحت بذلك عباراتهم في باب القصاص و الديات فيما يكاد يزيد على عشرين موضعا من دون تعرض من أحد منهم لاستثناء الغاصب إلا الشهيد الثاني و كاشف اللثام، إلا أنه يمكن أن يقال: إن ذلك منهم من حيث الجناية لا الغصب، بل يمكن إرادة الشيخ ذلك فيما سمعته من خلافه.

بل في المختلف «الظاهر أن مراد الشيخ بقوله في المبسوط:

- إنه لا يلزم القاتل الزيادة عن دية الحر- الجاني دون الغاصب، لأنه أشار في المبسوط الى ما اخترناه من لزوم الزائد، لأنه قال: إذا غصب عبدا فقطع آخر يده فان رجع السيد على الغاصب رجع بأكثر الأمرين مما نقص و أرش الجناية، و إن رجع على القاطع رجع بالأرش، و هو نصف القيمة، و الزائد في مال الغاصب، لاختصاص ذلك بالجاني، فلا يتعدى إلى الغاصب، لما فيه من مخالفة الأصل، فإن العبد مال» و إن كان قد يقال بإمكان فرق الشيخ بين الطرف و النفس، بل هو مقتضى الجمع بين كلاميه.

و على كل حال ففي المتن و لو قيل: يضمن الغاصب الزائد بسبب الغصب كان حسنا بل عن ابن إدريس و الفاضل و ولده و الشهيدين و الكركي و غيرهم الجزم بذلك، و لذا نسبه في المسالك و غيرها إلى أكثر المتأخرين. بل فيها أنه «يرتفع الخلاف» بناء على ما سمعته من المختلف، بمعنى اتفاق الجميع على ضمان الغاصب تمام القيمة و إن تجاوزت دية الحر، و ذلك لأنه مال فيضمن بقيمته، و إنما اقتصرنا في غير الغاصب على الدية عملا بالاتفاق، فيبقى ما عداه على الأصل.

ج 37، ص: 118

على أن الرجوع إلى دية الحر مع التجاوز إنما هو من حيث الجناية التي لا تنافي وجود سبب آخر للضمان، و هو الغصب الذي لا رجوع فيه، كما لو مات في يده، فإنه يضمن قيمته و إن تجاوزت بلا خلاف محقق أجده فيه كما ستعرف، بل لعل غيره من أسباب الضمان كالقبض بالسوم و العارية المضمونة كذلك، كل ذلك مضافا الى تكليف الغاصب بأشق الأحوال.

هذا و لكن قد يناقش بإطلاق ما دل على الرجوع مع التجاوز، من غير فرق بين الغاصب و غيره، ففي

الصحيح(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «دية العبد قيمته، و إن كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم، و لا يتجاوز دية الحر».

و في

صحيح ابن رئاب(2)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قتل الحر العبد غرم قيمته و أدب، قيل: و إن كانت قيمته عشرين ألف درهم؟ قال: لا يتجاوز قيمة العبد دية الأحرار».

و نحوه خبر أبي الورد(3).

و في

المرسل في الإيضاح(4)«إن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه».

و ظاهره عدم الفرق بين الغاصب و غيره، بل ظاهر المرسل منها عدم الفرق بين الموت و القتل، بل قد يؤيده الصحيح الأول، إلا أن الإجماع على خلافه، بل لعل

قوله (عليه السلام) في الصحيح الأول:


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس- الحديث 2 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس- الحديث 3 من كتاب الديات عن ابن رئاب عن الحلبي.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.
4- 4 ج 4 ص 583.

ج 37، ص: 119

«دية العبد»

ظاهر في الجناية، فليس إلا المرسل الذي لا جابر له، بل قد عرفت أن الموهن له محقق، أما الجناية المقتضية لكون القيمة بحكم الدية فيبقى الحكم فيها على الإطلاق الذي ينبغي الخروج به عما

يقتضي ضمان القيمة و إن تجاوزت، و ليس التعارض بينها من وجه، بل هو فرد آخر للخاص، فتأمل جيدا.

و ربما يؤيد ذلك ما تسمعه من الشيخ و المصنف في النافع و الفاضل في الإرشاد في المسألة الآتية، و هي الجناية على ما فيه مقدر من الأعضاء، حيث وافقوا الشيخ فيها على عدم الفرق بين الغاصب و غيره في دفع المقدر ما لم يتجاوز دية الحر في العضو، و الله العالم.

و بذلك كله ظهر لك أنه لا خلاف و لا إشكال في أنه لا يضمن القاتل غير الغاصب سوى قيمته ما لم تتجاوز، و لو تجاوزت دية الحر ردت اليه بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص(1).

نعم لو قتله غير الغاصب في يد الغاصب مثلا فان لم تزد قيمته عن دية الحر فلا إشكال، و إن زاد الأرش أي القيمة عن مقدر الجناية الذي هو دية الحر طولب الغاصب بالزيادة دون الجاني على قول الأكثر، و فيه البحث السابق، و من الغريب جزم المصنف بذلك هنا و عدمه في الأول الذي هذا من فروعه، كما هو واضح، و الله العالم.

هذا كله في الجناية.

أما لو مات في يده ضمن قيمته و لو تجاوزت دية الحر كما صرح به غير واحد، بل في الكفاية لا أعرف خلافا بينهم في ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس- من كتاب الديات.

ج 37، ص: 120

لكن في الدروس «لو مات لزمته قيمته و إن تجاوزت دية الحر عند المتأخرين، خلافا للشيخ مدعيا عليه الإجماع» و إن كنا لم نتحققه، بل المحكي عن الشيخ في الخلاف التصريح بذلك كالسرائر، بل اقتصر غير واحد على نقل الخلاف عن الشيخ في مسألة القتل كما عرفت.

و على تقديره فلا ريب في ضعفه، لقاعدة ضمان القيمة في المغصوب بالغة ما بلغت المقتصر في الخروج عنها على الجناية لو قلنا بالرجوع إلى دية الحر فيها، و لا استبعاد في الأحكام الشرعية المبنية على حكم خفية، و الله العالم.

و لو جنى الغاصب أو غيره عليه بما دون النفس فان كان تمثيلا و تنكيلا قال الشيخ: عتق و عليه قيمته ل

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن محبوب(1): «كل عبد مثل به فهو حر»

الذي لا ينافيه ذكر المولى في غيره(2)حتى يحمل عليه، مؤيدا بأن الحكمة في الانعتاق بتنكيل المولى جبر و هن المنكل، لما فاته من التكسب.

و لكن فيه تردد ينشأ مما عرفت و من الاقتصار بالعتق في التمثيل المخالف للأصل على مباشرة المولى لأنه المتيقن، بل لا جابر للمرسل المزبور بالنسبة الى ذلك، مضافا إلى

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «لا عتق إلا في ملك»

بناء على انعتاقه


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب العتق- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من كتاب العتق- الحديث 2 و فيه « فيمن نكل بمملوكه أنه حر.».
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب العتق- الحديث 2 و فيه « لا عتق إلا بعد ملك».

ج 37، ص: 121

على المنكل لا المولى، و احتمال الحكمة معارض باحتمال كونها المؤاخذة على سوء فعل المولى، بل هو الظاهر.

و ما أبعد ما بين القول المزبور و القول بعدم الانعتاق بتنكيل المولى فضلا عن غيره كما عن ابن إدريس، بل المصنف تردد فيه أيضا في كتاب العتق و إن كنا

بينا هناك ضعف ذلك بل بطلانه، إلا أن المتجه الاقتصار على تنكيل المولى الذي هو المنساق نصا(1)و فتوى كما هو واضح.

و من الغريب ما عن الفاضل في بعض فوائده من بناء الخلاف في الحكم على الخلاف في الحكمة أنها الجبر أو العقوبة، فعلى الأول ينعتق دون الثاني، إذ هو مع أنه إحالة على مجهول لا وجه له بعد معلومية عدم اطراد الحكمة على وجه تثبت بها أحكام شرعية.

و كذا ما عن غيره من بنائه على خروج العبد بالتنكيل عن الملكية، أو المولى عن أهلية التملك بالنسبة للعبد، أو عقوبة محضة، فعلى الأخيرين لا عتق، بخلاف الأول كما هو واضح.

نعم لو أقعد أو عمى أو جذم في يد الغاصب انعتق و ضمن الغاصب قيمته، و الله العالم.

و كيف كان فعن الخلاف و موضع من المبسوط أن كل جناية على المغصوب ديتها مقدرة في الحر فهي مقدرة في المملوك بحساب قيمته المنزلة فيه منزلة الدية و ما ليست مقدرة في الحر ففيها الحكومة سواء كانت الجناية من الغاصب أو من أجنبي، بل هو كذلك لو كان التلف بآفة سماوية، لأنه في يده مضمون بلا خلاف أجده في الأخير، أي ما لا مقدر له.

و ما عن المبسوط من الاقتصار على خصوص جناية الغاصب ليس


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 37، ص: 122

خلافا في المسألة، ضرورة اشتراك الجميع في مدرك الحكم، و هو كونه مضمونا عليه، و لا مثل له و لا قيمة مقدرة، فلا بد من الأرش.

و أما الأول فهو خيرة النافع و الإرشاد و مجمع البرهان، بل عن المقتصر أن المشهور رده مع رد دية السيد مثلا و هي نصف القيمة، بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، و لعله يريد بالاخبار

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(1): «جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن»

و نحوه

المرسل(2)و في قوله (عليه السلام):

«الثمن»

إشعار بإرادة الأعضاء.

و في الإيضاح الاستدلال عليه بعموم النص مفسرا له في حاشيته بأن ما فيه من الحر

ديته فيه من العبد قيمته، و عن الخلاف أيضا إجماع الفرقة و أخبارهم على هذه العبارة، و عن السرائر أنه ورد في الرقيق المماليك من بني آدم نصف القيمة، و كمالها في المتحد في البدن و المتعدد.

و لعل وفاق الفاضلين هنا مؤيد لما ذكرناه في المسألة السابقة من ظهور الروايات(3)في الأعم من الغاصب و غيره، إذ لا فرق بين المقام و بين السابق، بل لعل تلك الروايات أظهر دلالة في كون قيمة العبد حيث تضمن بأي سبب من أسباب الضمان لا تتجاوز دية الحر، و خروج الموت في يد الغاصب مثلا لا ينافي ذلك، ضرورة بقاء الجناية الموجبة لكون القيمة بحكم الدية على مقتضى إطلاق النصوص المزبورة كما ذكرناه سابقا.

و لكن مع ذلك قال المصنف لو قيل يلزم الغاصب أكثر الأمرين من المقدر و الأرش كان حسنا كما هو صريح محكي


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 2 من كتاب الديات.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 95 الرقم 313.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من كتاب العتق.

ج 37، ص: 123

المبسوط في موضع منه و الحلي و الفاضل و ولده و الكركي و الشهيدين و غيرهم، و عن كشف الرموز أنه قريب، و الدروس و الكفاية أنه قوي، بل في جامع المقاصد

أنه مذهب الأكثر، بل في الرياض أن عليه عامة من تأخر، بل عن المهذب البارع أن المشهور رده مع الأرش بالغا ما بلغ. و كان الوجه في ذلك أن الأكثر إن كان هو المقدر فهو جان، و الحر أصل للعبد في ذلك إجماعا بقسميه و نصوصا(1)و إن كان الأكثر الأرش فهو مال مضمون عليه

بعموم «على اليد»(2)

كغيره من الأموال، و لا منافاة بين العمل بجهتي الضمان.

و بذلك يفرق بين الغاصب و غيره، فيضمن الأول الأرش و إن زاد عن المقدر في دية الحر، بخلاف الثاني فإنه يضمن من حيث الجناية معه خاصة، و الاتفاق نصا و فتوى على التقدير لها بما عرفت ما لم تتجاوز دية الحر، و إلا ردت إليها.

و حينئذ فلو جنى عليه جان و هو في يد الغاصب تخير المالك بين الرجوع على الغاصب بأكثر الأمرين و يرجع هو على الجاني بالمقدر، و بين الرجوع على الجاني بالمقدر و بالزيادة إن كانت على الغاصب الذي يضمن كل نقص يكون على العين و لو بآفة سماوية.

و لكن في ذلك المناقشة السابقة التي منشأها مساواة الغاصب لغيره في الجناية الموجبة للدية المقدرة في المملوك بالقيمة، و الله العالم.

هذا كله مع عدم استغراق الجناية القيمة.

أما لو استغرقت قيمته بأن جنى الغاصب على ما فيه قيمته كالأنف و الذكر مثلا قال الشيخ (رحمه الله) في محكي الخلاف:


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس- من كتاب الديات.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 124

كان المالك مخيرا بين تسليمه و أخذ القيمة و بين إمساكه و لا شي ء له، تسوية بين الغاصب في الجناية و غيره و عليه إجماع الفرقة و أخبارهم.

و لعل مراده بالاخبار إطلاق

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر أبي مريم(1): «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أنف العبد أو ذكره أو شي ء يحيط بقيمته أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد و يأخذ العبد»

نحوه خبر غياث(2)المراد منهما مع مشيئة المولى ذلك، للقطع بعدم خروجه من ملكه بذلك.

و بالإجماع ما أرسلوه إرسال المسلمات في كتاب القصاص و الديات، بل قيل: إنه حكي عليه الإجماع صريحا و ظاهرا في خمسة مواضع من غير إشارة منهم إلى الفرق بين الغاصب و غيره عدا نادر من بعض الناس.

مؤيدا ذلك كله بأن في رده مع القيمة جمعا بين العوض و المعوض عنه، بل و ربما قيل من أن المضمون مع تلف الكل هو جميع القيمة فقط، فلا يعقل وجوبها في البعض مع بقاء الجملة على ملكه، و إلا لاستوى الكل و البعض بل يزيد حكم البعض على الجملة، و إن كان فيه ما فيه.

و لكن مع ذلك فيه التردد (تردد خ ل) السابق الذي منشأه اختصاص هذه النصوص كغيرها من النصوص السابقة بغير الغاصب الذي فيه ضمان اليد، بل جزم الحلي و الفاضل و ولده و الشهيدان و الكركي بوجوب دفع الغاصب إياه مع القيمة و إن كانت الجناية مع غيره، و ذلك لأن العبد مضمون، و كل عضو عضو منه كذلك، فكل عضو فات منه يلزمه قيمته مع أصالة بقاء العبد على ملكه.


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 37، ص: 125

و من هنا ربما اجتمع للمالك عدة قيم، كما لو قطع واحد رجله و آخر يده و ثالث عينه و رابع أذنه، فان للسيد إمساكه و مطالبة كل منهم بقيمة ما جنى، كما نصوا عليه في باب الديات، و لا جمع بين العوض و المعوض، لأن العوض قيمة العضو، و المعوض ذلك العضو الفائت لا العبد، و لذا لو قطع إحدى يديه و دفع إليه نصف القيمة لم يجب عليه تسليم نصف العبد.

كل ذلك مضافا الى الضرر على تقديري الدفع و عدمه، خصوصا إذا كان العبد كسوبا لا يمنعه قطع أنفه مثلا، و حمل الغاصب على الأجنبي قياس.

و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع، و العمدة تناول النصوص المزبورة للغاصب و غيره و عدمه، ضرورة عدم معارضة شي ء من ذلك للنصوص المفروض تناولها، كما أنه على تقدير عدم التناول لا وجه لوجوب الدفع على المالك، فان المقام ليس من الجمع بين العوضين الممنوع، كما هو واضح، و لولا الشهرة المزبورة لكان الأول لا يخلو من قوة.

و كيف كان فعلى الفرق بين الغاصب و غيره يتجه وجوب أكثر الأمرين عليه من القيمة التي لا تتجاوز دية الحر و الأرش و إن تجاوز، و قد يحتمل وجوب القيمة عليه و إن تجاوزت، باعتبار تنزيل الشارع الأنف منزلة الكل، و لا ريب في وجوبها على الغاصب و إن تجاوزت بناء على الفرق بينه و بين الجاني غير الغاصب، فكذا الأنف لو قطعه، فيكون المراد في الأنف القيمة في الغاصب و غيره، إلا أنها قيدت في الثاني بعدم التجاوز بخلاف الأول، إلا أنه كما ترى، بل مقتضاه ذلك في الجناية على ما يوجب نصف القيمة الذي قد عرفت أنه يجب منه في الغاصب أكثر الأمرين مع تقييد نصف القيمة بعدم التجاوز، لأنها تجب

ج 37، ص: 126

من حيث التقدير الشرعي باعتبار الجناية و إن كان النقص المالي أقل منها.

و على كل حال بناء على الفرق بين الغاصب و غيره لو جنى جان على المغصوب بما يحيط بقيمته كان للمالك الرجوع على كل منهما، و لكن لو دفعه إلى الجاني و أخذ القيمة منه كان له الرجوع على الغاصب بالقيمة ناقصا لا تاما، مع احتماله، لأن العين مضمونة في يده، و دفعها للجاني لأخذ قيمته بقدر الجناية لا يسقط ضمانها.

و لعل هذا مراد الفاضل في القواعد، قال: «و لو جنى عليه بما فيه القيمة فالأقوى وجوب دفعه مع القيمة، سواء باشر الغاصب أو الأجنبي، أي و هو في يد الغاصب، بخلاف الجاني على غير المغصوب، فان رجع على الأجنبي دفع اليه العبد و رجع بقيمته على الغاصب، و إن رجع على الغاصب بهما فالأقوى رجوع الغاصب على الجاني مجانا» انتهى.

و كان الوجه في الأخير أنه دفع جناية الجاني الذي استقر عليه التلف عنه، فيرجع بها، و اشتراط رد العبد انما هو مع التمكن منه لا مطلقا، حتى لو مات أو أبق مثلا، و يحتمل الرجوع عليه بقيمة العبد مقطوع الأنف مثلا، لأنها تقوم مقامه مع التعذر، و يأخذ منه قيمة الصحيح، و يحتمل أن لا يرجع بشي ء لتعذر شرط الرجوع، فيسقط المشروط، و لعله لا يخلو من قوة.

و لو جنى العبد المغصوب بما يوجب القصاص نفسا أو طرفا و اقتص منه و لو بعد رده للمولى ضمنه الغاصب، و كذا لو سرق أو ارتد عن فطرة فقطع أو قتل، نعم لو غصبه بعد ارتداده أو سرقته أو استحقاق القصاص عليه مثلا ضمن قيمة عبد مستحق للقتل.

و لو جنى بما يوجب تعلق المال برقبته فداه الغاصب بأقل الأمرين من أرش جنايته و قيمته، و يحتمل بأرش الجناية بالغا ما بلغ، كما ستسمع

ج 37، ص: 127

إنشاء الله تمام الكلام فيه عند ذكر المصنف له.

و بالجملة كل نقص يكون فيه مضمون عليه و لو كان منه أو من آفة سماوية، بل في التحرير «لو جنى على سيده فجنايته مضمونة على الغاصب أيضا، لأنه من جملة جناياته الموجبة للنقص» و حينئذ فإن اقتص المولى فعلى الغاصب أرش العضو التالف بالقصاص كما في التذكرة، بل قال: «و إن عفا على مال ثبت المال على العبد، و فداه الغاصب بأقل الأمرين من أرش الجناية و قيمة العبد كالأجنبي» و إن كان لا يخلو من تأمل، باعتبار أن السيد لا يثبت له على ماله مال، و من هنا لو كانت الجناية خطأ لم يستحق السيد على الغاصب شيئا من حيث الجناية، لأنها لا توجب شيئا.

نعم لو تراضى الغاصب مع السيد على مال للعفو عن القصاص الذي يوجب على الغاصب النقص صح، بل قد يقال بوجوب الدفع على الغاصب مقدمة لرد العين كما هي الواجب عليه، بل قد ينقدح من ذلك وجوب دفع الأزيد من قدر الجناية.

و منه ينقدح قوة القول بوجوب فدائه في الجناية المالية على الأجنبي بالأزيد من مقدر الجناية مقدمة لوجوب الرد، فتأمل جيدا فإنه قد يفرق بين السيد و الأجنبي بعد فرض إرادة السيد القصاص منه لاختياره حينئذ عدم رد العين كما هي، فيسقط الخطاب بذلك.

و كيف كان فإنما يضمن الغاصب نقص القيمة حيث يحصل و لو بسبب من العبد، و لا يضمن أرش نفس العضو الذي فرض قطعه بسرقة أو جناية، لأنه ذهب بسبب غير مضمون، فأشبه سقوطه بغير جناية.

و لو زادت جناية العبد عن قيمته ثم مات فعلى الغاصب قيمته يدفعها إلى سيده، فإذا أخذها تعلق بها أرش الجناية، فإذا أخذ ولي

ج 37، ص: 128

الجناية القيمة من المالك رجع على الغاصب بقيمة أخرى، لأن المأخوذة أولا استحقت بسبب وجد في يده، فكانت من ضمانه.

أما لو كان العبد وديعة فجنى بما تستغرق قيمته ثم قتله المستودع وجب عليه قيمته و تعلق بها أرش الجناية، فإذا أخذها ولي الدم لم يرجع المالك على المستودع بشي ء، لأنه جنى و هو غير مضمون.

و لو جنى العبد في يد المالك بما يستغرق قيمته ثم غصبه غاصب فجنى في يده بالمستغرق أيضا ففي التحرير بيع في الجنايتين، و قسم ثمنه بينهما، و رجع المالك على الغاصب بما أخذه الثاني، لأن الجناية في يده و إن كان للمجني عليه أولا أخذه دون الثاني، لأن الذي أخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا، فلا يتعلق به حقه، و يتعلق به حق الأول، لأنه بدل عن قيمة الجاني.

و لو مات العبد في يد الغاصب فعليه قيمته بينهما، و يرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة، لأنه ضامن للجناية الثانية، و يكون للمجني عليه أولا أن يأخذ كما قلناه، فتأمل جيدا، فان بعضه لا يخلو من بحث، و الله العالم.

و لو زادت قيمة المملوك بالجناية التي لا مقدر لها شرعا رده و لا شي ء عليه للأصل، كالسمن المفرط في نحو العبد و الجارية مما لا يقصد فيه اللحم، بلا خلاف أجده فيه، لكن عن المبسوط فيما لو حلق لحية الأمة فلم تنبت من دون غصب فزادت قيمتها، قال: نعتبرها بعبد إن زالت لحيته نقصت قيمته. و عن أبي العباس و ثاني الشهيدين فيها الحكومة، و فيه أنه لا دليل عليه، كما تعرفه في الديات إنشاء الله.

أما لو كان لها مقدر كالخصاء أو قطع الإصبع الزائد المقدرين بتمام القيمة و ثلث دية الإصبع الأصلية رده مع دية الجناية

ج 37، ص: 129

كما عن الشيخ و غيره، بل في الكفاية أنه المشهور لأنها مقدرة فيتناوله دليلها و إن لم تنقص القيمة.

نعم قد يشكل ذلك من الشيخ إذا فرض استيعاب القيمة بأنه لا يوافق ما سمعته منه من تخيير المالك بين الرد و أخذ القيمة و بين الإمساك و لا شي ء له، فيتجه في المقام ذلك لا الرد مع المقدر، بل عن موضع من مبسوطة التصريح بذلك، و فيه ما عرفت سابقا.

كما أن ما في القواعد- من أنه لا شي ء في قطع الإصبع الزائدة كالسمن المفرط- لا يخفى عليك ما فيه، لما عرفت من أن لها مقدرا بخلافه.

نعم في محكي التحرير لو سقط ذو المقدر بآفة سماوية و كان تزيد به القيمة لا شي ء، بل في القواعد ذلك أيضا، إلا أنه قال: على إشكال، لكن عن التذكرة و الإيضاح أن الأقرب وجوب القيمة، بل في جامع المقاصد أنه أصح، لأنه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن بالجناية، و كأنه مصادرة، و التقدير للجناية لا يقتضي التقدير لغيرها، كما أشرنا إليه سابقا، و الله العالم.

و على كل حال فلا يخفى أن البحث في المدبر و المكاتب المشروط و المطلق الذي لم يؤد شيئا و أم الولد كالبحث في القن ضرورة اشتراك الجميع في المملوكية، نعم لو تحرر البعض جرى على كل من جزء الحر و الملك حكمه، كما هو واضح، و الله العالم.

و إذا تعذر عادة تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل مثلا أو قيمة و يملكه المغصوب منه و لا يملك الغاصب العين المغصوبة، و لو عادت كان لكل منهما الرجوع كما صرح بذلك كله غير واحد من أساطين الأصحاب. كالشيخ و ابن إدريس و الفاضل و الشهيد و الكركي

ج 37، ص: 130

و غيرهم، بل في المسالك نسبته إليهم مشعرا بالاتفاق عليه، بل في محكي الخلاف و الغنية نفي الخلاف عن ملك المغصوب منه البدل المزبور، بل ظاهرهما على ما قيل بين المسلمين.

نعم في قواعد الفاضل ما صار سببا للوسوسة في الحكم المزبور، فإنه قال في موضع منها: «و لو أبق العبد ضمن في الحال القيمة للحيلولة، فإن عاد ترادا، و للغاصب حبس العين إلى أن يرد القيمة عليه على إشكال.

فإن تلف العبد محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن و استرجاع الأولى» و قال في آخر: «و يجب رد العين ما دامت باقية، فان تعذر دفع الغاصب البدل، و يملكه المغصوب منه، و لا يملك الغاصب العين المغصوبة. فإن عاد فلكل منهما الرجوع، و هل يجبر على إعادة البدل لو طلبه الغاصب؟

إشكال».

لكن في جامع المقاصد بعد أن شرح العبارة الأولى قال: «و اعلم أن هنا إشكالا، فإنه كيف تجب القيمة و يملكها بالأخذ و يبقى العبد على ملكه؟! و جعلها في مقابل الحيلولة لا يكاد يتضح معناه». و قال في شرح الأخرى: «و مقتضى كلامهم أن تملكه للحيلولة يقتضي أن لا يكون في مقابل العين المغصوبة، و تحقيقه لا يخلو من إشكال».

و تبعه ثاني الشهيدين، حيث إنه بعد أن ذكر بقاء العين المغصوبة على ملك المالك و أن ملك القيمة للحيلولة قال: «هكذا أطلقوه، و لا يخلو من إشكال، من حيث اجتماع العوض و المعوض على ملك المالك من غير دليل واضح، و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا أو توقف ملك المغصوب منه للبدل على اليأس من العين و إن جاز له التصرف فيه كان وجها في المسألة». و استحسنه في الكفاية.

قلت: لكنه مخالف لما عرفته من الاتفاق المؤيد بمعلومية عدم

ج 37، ص: 131

اعتبار توقف ملكية المالك القيمة على الغاصب على خروج المغصوب عن قابلية التملك بموت و نحوه، كما يومئ إليه ما دل(1)على الضمان بالضياع و السرقة و نحوهما في الأمين المفرط، فان المال لم يخرج بذلك عن قابلية التملك، بل من المقطوع به الضمان في نحو الوقوع في بحر و نحوه مما يحصل معه اليأس من الرجوع، و ليس هو حينئذ إلا من ضمان الحيلولة.

بل أدلة الضمان التي منها

«على اليد»(2)

شاملة لذلك قطعا، فهي حينئذ مقتضية لملك المالك القيمة، ضرورة كونه معنى ضمانها الذي هو شغل الذمة بالمثل أو القيمة على نحو اشتغالها به لو تلف،

كما يقضي به إطلاق الضمان عليهما نصا(3)و فتوى، فحينئذ يكون مملوكا عليه ذلك، كما أنه مملوك للمالك. فهو بالنسبة إلى ذلك كالدين الذي لا ريب في ملكه لصاحبه إذا دفعه إليه، فالقيمة المدفوعة حينئذ مملوكة و العين باقية على الملك للأصل، و لأنها مغصوبة، و كل مغصوب مردود، و أخذ القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك.

على أن دفع البدل للحيلولة إن لم يكن على وجه الملكية للمالك لم يجد في دفع ضرر المالك، بل ربما يكون ضررا عليه بوجوب حفظه و نحوه عليه، كما أن جواز التصرف فيه إن لم يكن على وجه يشمل ما يعتبر فيه الملك كذلك أيضا، فليس حينئذ إلا الملكية التي لا تستلزم خروج المبدل عنه عن ملك الأول، بل لعل

قوله (صلى الله عليه و آله)(4):


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الوديعة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
3- 3 الوسائل- الباب- 1 و 3- من كتاب العارية.
4- 4 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 132

«حتى تؤدي»

ظاهر في خلافه.

مضافا إلى أصالة بقائه على ملكه و إلى ما عرفته من الاتفاق عليه، و لذا لم يذكروا خلافا بل و لا إشكال في ملك نمائه المنفصل له، و دعوى أنه من الجمع بين العوض و المعوض عنه الممنوع منه شرعا واضحة الفساد، بل هي مجرد مصادرة.

و بذلك كله ظهر لك أن للمغصوب أحوالا ثلاثة: (أحدها) حال وجود العين على وجه يتمكن من ردها إلى مالكها فليس عليه إلا وجوب الرد، و إطلاق الضمان عليه على معنى دخوله في ضمانه لو حصل سببه، و هو التلف أو الضياع أو نحوهما مما يشمل الحيلولة.

و (الثاني) ذلك أيضا إلا أنه يتعذر أو يتعسر ردها، فعليه ضمان قيمتها تحقيقا لا تقديرا، و هو المسمى بضمان الحيلولة، و معه يملك المغصوب منه القيمة المضمونة عليه باعتبار كونها كالدين على الغاصب، فيملكها من هو له و إن بقيت العين مملوكة له أيضا للأصل و غيره مما عرفت.

(الثالث) حال تلف العين و خروجها عن قابلية الملك بموت و نحوه، فيتعلق مثلها أو قيمتها في ذمة الغاصب تعلق الديون.

و ليس في كلام الفاضل في القواعد الذي ذكرناه منافاة لشي ء من ذلك، بل هو صريح كلامه كغيره من الأصحاب على وجه لم يعرف فيه خلاف بينهم، و انما إشكاله في حبس الغاصب العين إلى أن يقبض ما دفعه من بدل الحيلولة، باعتبار كونه كالمعاوضة التي لكل من المتعاوضين حبس العوض على الآخر حتى يحصل التقابض.

و الأقوى خلافه، ضرورة عدم المعاوضة التي مقتضاها ذلك في المقام و إن كانت هي معاوضة معنوية، فليست هي إلا نحو من كانت عنده عين لمن له عنده كذلك، فإنه ليس له الحبس كما هو واضح. خصوصا

ج 37، ص: 133

بعد

قوله (عليه السلام)(1): «المغصوب مردود»

و الفرض بقاؤه. و إشكاله أيضا في جبر إعادة المالك البدل لو طلبه الغاصب منه باعتبار ملكه له، و الأصل اللزوم، و لتوقف تمام البدلية على تمامية الملك التي منها عدم تسلط الغاصب عليه بنحو ذلك.

بل في الإيضاح «لو كان بحيث يجبر على الرد لكان نقصا في البدلية، إذ قد لا يرغب المعاملون فيه» و إن كان فيه أنه مع خروجه عن ملك المغصوب منه لا يجب

عليه إعادته قطعا، بل عنه في الحاشية دعوى الإجماع عليه. فلا مانع حينئذ من رغبة المعاملين فيه.

نعم قد يقال: إن مقتضى

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «حتى تؤدي»

مضافا إلى الاتفاق ظاهرا أن ملك المغصوب منه متزلزل، بمعنى كونه مراعى بعود المال، فينفسخ الملك حينئذ قهرا بالأداء الذي هو غاية الضمان.

و من هنا جزم في التذكرة بأن القيمة المدفوعة يملكها المغصوب منه ملكا مراعى بالحيلولة، فيزول بزوالها، و في جامع المقاصد هو واضح، بل هو الذي جزم به في القواعد أولا فقال: «يترادا».

و من هنا تعجب الكركي منه، فقال: «و العجب أن المصنف جزم فيما سبق بالتراد و تردد في أن للغاصب حبس العين الى أن يأخذ البدل، و من هنا تردد في إجبار المالك على الدفع لو طلبه الغاصب، و ينبغي عدم التردد في وجوب الرد حينئذ، لأن هذا الملك ثبت على طريق القهر،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 من كتاب الخمس، و فيه « الغصب كله مردود».
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4. و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 134

لأجل عدم وصول ملك المالك إليه، فإن كان على جهة البدلية فإذا استحق المالك ملكه وجب عود مال الغاصب اليه، لامتناع زوال البدلية و عدم رجوع كل من البدلين الى مالكه، و إن كان على جهة الحيلولة فقد زالت، فلا وجه لعدم الرد أصلا، لأن الحال دائر بين الأمرين» إلى آخره.

و إن كان يرفع عجبه ما ذكرناه من احتمال تمامية ملك المالك لما أخذه على وجه لا تسلط للغاصب على فسخه، فان له الرضا بما قبضه عوضا عن ماله كما عرفت.

و على كل حال فلا إشكال- بناء على ما ذكرنا- في أن للغاصب التسلط على جبره على رده حينئذ، لكن رد عينه خاصة أو بدلها، لانمائها المنفصل الذي صار في ملكه، أما المتصل فيرده مع العين على حسب غيره مما يملك متزلزلا.

و على هذا يكون معنى

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»

بيان أن أخذها موجب لضمان ما أخذته بتلف أو حيلولة مثلا أو قيمة حتى تؤدي العين، إلا أنه لا وجود للغاية مع التلف، فيستقر الملك على المضمون بخلاف الحيلولة، فإن الغاية محتملة الحصول،

فإذا حصلت ارتفع ضمانها السابق و اللاحق، على معنى رجوع ما دفعه من المثل و القيمة بسبب الضمان إليه، مؤيدا ذلك بمعلومية أن ما دفعه بسبب ضمانه قد كان بدلا عن العين، لمكان الحيلولة، فيعود إلى صاحبه بعود المبدل إلى صاحبه.

و احتمال عدم استحقاقه- العود باعتبار أنه دفعه غرامة شرعية، و خصوصا مع تلف عينه، و يكون ذلك هو وجه الإشكال في عبارة


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 135

الفاضل- واضح الفساد. ضرورة منافاته للاتفاق ظاهرا، بل هو قد صرح في المقامين بالتراد. و للبدلية التي ذكرناها، و للغاية التي فسرناها و للاعتبار، بل لا يبعد كونه من الجمع بين العوض و المعوض الممنوع، فليس إشكاله حينئذ إلا في تسلط الغاصب على جبره على ذلك، أو أن له الرضا به عوضا عما غصب منه.

و الأقوى بناء على ما ذكرناه أن له جبره، بل في احتمال أن له الحبس حتى يدفع إليه، لأنه و إن لم يكن معاوضة حقيقة فهو كالمعاوضة و إن كان الأصح خلافه كما ذكرناه. فلو حبسه و تلف كان ضامنا لقيمته الآن و يرجع بما دفعه أولا.

بل يقوى ذلك و إن قلنا بجواز حبسه، كما هو ظاهر عبارة القواعد السابقة، و ذلك لأن حكم الغصب قد زال على تقدير جواز الحبس، فهي يد غير الأولى، لكونها مستحقة، إلا أنها يد ضمان أيضا، كالقبض بالسوم، لأنه الأصل في كل يد قد استولت على مال الغير إلا ما خرج من الوديعة و اللقطة و نحوها، كما حررناه غير مرة.

و من هنا جعل الضمان في المقام بقيمته يوم التلف، مع أن مذهبه ضمان المغصوب بأعلى القيم، إذ ليس هو إلا لخروج اليد عن حكم الغصب باستحقاق الحبس و وجوب رد المالك القيمة الأولى.

و بذلك يظهر لك ما في المحكي عن السيد العميد في شرحه للعبارة، قال: «هذا إنما يتمشى على وجوب قيمة يوم التلف، أما لو أوجبنا الأكثر كان له الأكثر من القيمتين الأولى و الثانية».

و إن وجهه في جامع المقاصد بأنه إن كان الأقل هو القيمة الأولى فقد دفعها عوضا عن العين باستحقاق، فلا يجب ما سواها، و إن كان الأقل هو الثانية فهي المستحقة بالتلف، لأن الأولى للحيلولة،

ج 37، ص: 136

و قد زالت بجواز الحبس.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه و بعد الإغضاء عن لفظ «الأقل» في كلامه الذي قيل إنه من سهو القلم و إلا فالمراد «الأكثر» بل في جامع المقاصد بعد التوجيه المزبور قال: «و فيه نظر، لأن المدفوع للحيلولة لم يكن عوضا عن العين قطعا، و لهذا لا تخرج بذلك عن ملك المالك، و لا يستقر ملكه على المدفوع حيث كانت العين باقية على ملك المالك مضمونة على الغاصب، و خرج بجواز الحبس إلى أن يقبض القيمة عن كونه غاصبا، فوجبت قيمته يوم التلف».

و إن كان قد يناقش بإمكان بقاء حكم الغصب، و هو ضمان الأعلى للأصل، و إن خرج عن مسماه و عن الإثم ببقائه تحت يده، و الأمر سهل بعد أن كان المختار وجوب القيمة يوم التلف.

إلا أن المتجه في المقام بناء على ذلك أنه يستقر ملك المالك على ما أخذه للحيلولة من القيمة إذا فرض اتحادها في الزمانين، كما أنه يتجه مطالبة المالك بالزائد إذا فرض كونها أعلى يوم التلف، ضرورة بقاؤها على ضمان الغاصب، أما إذا فرض العكس ففي تسلط الغاصب على استرجاع الزائد نظر، أقواه العدم، للأصل و لأن دفعه مستحقا عليه و غير ذلك. جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام ؛ ج 37 ؛ ص136

من هنا يتجه ما ذكره المعظم من ضمان أعلى القيم في هذا القسم، بل يتجه أيضا ضمان ما يتلف من العين المغصوبة من النماء المتصل و المنفصل، كما جزم به في جامع المقاصد، و إن استشكل فيه الفاضل في القواعد من حيث إنه لم يدخل تحت يده التي هي سبب الضمان، لأن الفرض تجدده بعد دفع القيمة و براءته من العين، فأولى بأن يبرأ من النماء.

ج 37، ص: 137

و فيه (أولا) أنه سبب تلفه على المالك. (و ثانيا) منع براءته من الضمان للعين فضلا عن نمائها للأصل، و لذا قلنا بوجوب القيمة عليه يوم التلف مع فرض كونها أعلى من يوم الحيلولة، إذ الدفع لها لا يقتضي البراءة من الضمان، نعم لو فرض تلفها و لم يكن لها نماء و لا زادت قيمتها كانت قيمته يوم الحيلولة مجزئة،

إذ لا يجب للعين الواحدة قيمتان، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك كله داخل في القيمة المدفوعة بدلا عنها، كالمنافع في أحد القولين على ما ستسمع إنشاء الله.

بقي شي ء: و هو أنه لو أخذ المالك قيمة الحيلولة في الأيدي المتعاقبة مثلا من الأول مثلا فاستحق هو الرجوع بما أداه للمالك على من حصلت الحيلولة في يده من الأيدي المتأخرة أمكن القول بملكه له متزلزلا على حسب ملك المالك له لو رجع به ابتداء، و على حسب ملك ما دفعه هو إليه، لأنه يأخذه بدلا عما دفعه للمالك باعتبار حصول المغصوب في يده، فيملكه على حسب ملك المالك لما أخذه منه، فإذا عادت العين و رجعت الى المالك عاد هو بما دفعه للمالك، و عاد من كانت الحيلولة في يده بما أخذه الغاصب الأول منه، إلا أن نماء الأول للمالك و نماء الثاني للغاصب.

و احتمال القول هنا بعدم جواز رجوع ذي اليد الأولى على من حصلت الحيلولة في يده بل يختص الحكم في خصوص التلف واضح الفساد، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع كما لا نخفى على من أحاط خبرا بما ذكرناه في مسألة الأيدي المتعاقبة.

ثم إن الحيلولة التي تبقى العين فيها على ملك المالك و إن ملك القيمة إنما هي مع معلومية بقاء العين على ملك مالكها إلا أنه منع مانع من تسليمها، أما إذا كانت الحيلولة تقتضي زوال ملك المالك عنها في ظاهر

ج 37، ص: 138

الشرع كالإقرار بالغصب بعد البيع و كالشهادة على أنها مال الغير و نحو ذلك مما يحكم به في ظاهر الشرع أن العين لغير من أقر له المقر فإذا دفع القيمة للمالك فهل العين أيضا تبقى على ملك مالكها كالقسم الأول من الحيلولة أو تنزل هذه الحيلولة منزلة التلف. فيملك الحائل إذا أدى للمالك العين التي حال بينها و بين مالكها بالإقرار؟ لم أجده محررا هنا، بل ظاهرهم فيما يأتي الأول، و لكن الثاني محتمل، و ربما يشهد له بعض الكلام السابق في باب الإقرار، و الله العالم.

و كل حال فلا خلاف و لا إشكال في أن على الغاصب الأجرة إن كان مما له أجرة في العادة من حين الغصب إلى حين دفع البدل بل الإجماع بقسميه عليه. لما عرفته فيما تقدم من ضمان كل ما فات في يد الغاصب و لو بآفة سماوية، إذ المنافع أموال فتضمن كالأعيان.

نعم ظاهر قول المصنف و غيره: «فيما له أجرة في العادة» إخراج نحو غصب الغنم و المعز و الشجر، حيث لا منفعة له تستأجر عادة، كما عن المبسوط التصريح به، مع أنه قيل إن كلام الحلي و الفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين في كتاب الإجارة في مسألة ما لو استأجر تفاحة للشم أو دراهم أو دنانير للزينة ينافي ذلك، إلا أن التحقيق خلافه و إن قلنا بصحة الإجارة في مثلها، لكنها لا تعد عرفا إتلاف مال على الغاصب مع فرض عدم استعدادها لذلك.

نعم لو تعددت المنافع كالعبد الخياط و الحائك ففي القواعد و عن غيرها لزم أعلاها و ستسمع تحقيق ذلك عند تعرض المصنف له إنشاء الله تعالى.

بل قيل كما في التذكرة و محكي المبسوط و ظاهر غيرهما: إنه يضمن الأجرة المزبورة إلى حين إعادة المغصوب فالمنافع المتجددة

ج 37، ص: 139

بين دفع القيمة للحيلولة و بين رد العين أو تلفها مضمونة و إن كان الأول أشبه عند المصنف بأصول المذهب و قواعده التي منها أصل البراءة، و أن القيمة المأخوذة منزلة منزلة المغصوب، فكأنه عاد اليه، بل هي الواجبة عليه، و قد دفعها فبرأ، و أنه استحق المالك الانتفاع بالقيمة التي هي عوض و بدل في المعنى، فلم يبق له على الغاصب حق في ذلك المال، و إلا لم تكن فائدة للغاصب في الدفع.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من بقاء العين المغصوبة على ملك المالك، و على وجوب ردها على الغاصب مع التمكن، و على ضمانها و ضمان نمائها، و أن القيمة للحيلولة غرامة شرعية ثبتت بالأدلة، و هي لا تقتضي براءة و لا تغييرا للحال الأول.

و من هنا قال في جامع المقاصد: «إن الذي يقتضيه النظر الوجوب، لبقاء الغصب كما كان، نعم على القول بأن للغاصب حبس المغصوب إلى أن يقبض البدل يتأتى عدم وجوب الأجرة بعد دفعه» و إن كان فيه إمكان القول بالوجوب حتى على التقدير المزبور، ضرورة عدم المنافاة بين البقاء على حكم الغصب بالنسبة إلى ذلك كضمان النماء و بين جواز الحبس له، كما أشرنا إليه سابقا.

فالتحقيق الوجوب، و خصوصا إذا كان تعذر الرد ناشئا عن اختيار الغاصب، بل قد يقال بوجوب الأجرة حتى مع استمرار الاشتباه و عدم معرفة كون المغصوب باقيا، أو تلف على وجه لا تكون له اجرة إن لم يكن إجماعا على خلافه للأصل، فتأمل. و الله العالم.

و لو غصب شيئين ينقص قيمة كل واحد منهما إذا انفرد عن صاحبه كالخفين اللذين قيمتهما مجتمعين مثلا عشرة و قيمة كل واحد منفردا ثلاثة فتلف أحدهما ضمن التالف بقيمته مجتمعا

ج 37، ص: 140

و هو خمسة و رد الباقي و ما نقص من قيمته بالانفراد و هو اثنان بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، إلا من الشهيد إن كان خلافا كما ستعرف، بل و لا إشكال، لضمان الغاصب كل نقص يكون في يده على المغصوب و لو من حيث الاجتماع و الانفراد الذين فرض مدخليتهما في القيمة.

و لكن في اللمعة في الفرض يضمن قيمة التالف مجتمعا، و هو يقضي بأنه لا يلزمه إلا خمسة، و لعله لأنه لم يتلف غيره، و لأن نقص الباقي نقص سوق، فلا يضمن.

و فيه أنه تلف مع صفة الاجتماع المشتركة بينهما، و الفرض ضمانها.

و نقص السوق الذي لم يضمن هو الذي لا يكون بسبب شي ء في المغصوب و لو وصفا، لا المفروض الذي هو كفك تركيب باب كما هو واضح.

و كذا الكلام لو شق ثوبا موضوعا على الشق نصفين فنقصت قيمة كل واحد منهما منفردا ب واسطة الشق المزبور و إن لم ينقص مجموعهما، و لو لأن منفعة أحدهما متوقفة على الآخر لصغر النصف عن الاستقلال و عدم وجود مماثل له ثم تلف أحدهما فإنه يغرم قيمة النصف الذاهب مجتمعا و يرد الباقي مع أرش نقصانه الحاصل بالانفراد، إذ هو حينئذ كمسألة الخفين و إن أوهم التعبير خلافه، إلا أن التشبيه بهما شاهد على ما ذكرناه.

نعم لو فرض مع ذلك حصول نقص عليهما بالشق ضمنه أيضا حتى لو ردهما، و هو واضح كوضوح عدم شي ء عليه غير التغرير لو ردهما، و الفرض عدم نقص قيمتهما بالشق.

أما لو أخذ فردا من خفين يساويان عشرة مثلا ف أتلفه أو تلف في يده و بقي الآخر في يد المالك ناقصا عن قيمته (11) مجتمعا بسبب الانفراد (12) الحاصل له بعد غصب الآخر رد قيمة التالف

ج 37، ص: 141

لو كان منضما إلى صاحبه بلا خلاف. إذ هو كما لو أتلف رجل أحدهما و الآخر الآخر.

نعم في ضمان ما نقص من قيمة الآخر تردد كما في محكي التحرير، من أنه لم يدخل تحت يده كي يكون مضمونا عليه كالأول، و من عدم انحصار الضمان في الغصب، بل من التسبب الصادق في المقام، كحبس المالك عن ماشيته، و قواه في محكي الإيضاح و جامع المقاصد، و في المسالك هو الأصح، كفك أجزاء الباب و السرير و نحوهما مما لم يعتبر فيهما إلا الجزء الصوري الذي هو كالاجتماع في زوجي الباب و الخف.

إلا أنه قد عرفت تحقيق الحال عندنا في مثل الضمان بذلك و نحوه مما لم يتضح لنا اندراجه في المستفاد من نصوص الضمان به، و الأصل البراءة.

و على الأول يكون المضمون حينئذ سبعة، و على الثاني خمسة، و يحتمل كونه ثلاثة و إن لم أجد به قائلا، باعتبار أنه قيمة المتلف، لأن تلفه في يده لم يكن إلا حالة التفريق، فمع فرض اعتبار قيمة يوم التلف يتجه ضمان الثلاثة التي هي قيمته.

و فيه أن ضمان الخمسة باعتبار تلفه عنده مضمونا عليه منضما، لأن الفرض غصبه كذلك، و أما الاثنان فضمانهما على تقدير القول به من التسبب الذي لا ينافي ضمان القيمة يوم التلف.

و من هنا لم يقطع لو أخذه على وجه السرقة، و كان قيمته مع نقصان الثاني نصابا. بل عن التذكرة الإجماع عليه، قال فيها: «لو أخذ أحدهما على صورة السرقة و قيمته مع نقصان الثاني نصاب لم يقطع إجماعا، لأن الزائد إنما ضمنه في ذمته بتفريقه بين الخفين، فكان كما لو ذبح شاة

ج 37، ص: 142

تساوي ربع دينار في الحرز ثم أخرجها و قيمتها أقل، فإنه لا يقطع، فكذا هنا».

قلت: لا إشكال في عدم القطع بالنقصان في الثاني المفروض تتمة النصاب به، لعدم كونه من السرقة، إنما الكلام في نقصان المسروق نفسه، و الظاهر عدمه أيضا، لأن نقصانه و إن كان مضمونا عليه لكنه غير داخل في المسروق نفسه، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف عندنا و لا إشكال في أنه لا يملك الغاصب العين المغصوبة بتغييرها بعمل من الأعمال و إخراجها عن الاسم و المنفعة سواء كان ذلك بفعل الغاصب أو فعل غيره، كالحنطة تطحن، و الكتان يغزل و ينسج للأصل و الإجماع بقسميه، خلافا لأبي حنيفة، كما قدمنا الكلام فيه سابقا، و لا شي ء للغاصب عن عمله الذي هو غير محترم بسبب عدم الاذن فيه و إن زادت به القيمة، بل إن كان مما يمكن رده إلى الحالة الأولى و أراد المالك رده وجب على الغاصب ذلك، و يضمن أرش النقص إن كان.

نعم لو يرضى المالك ببقائه على الحالة لم يكن له رده، لحرمة التصرف في مال الغير، بل هو كذلك مع الجهل بحاله أيضا، كما أنه للمالك إذا لم يمكن رده كطحن الحنطة، و أرش نقصه إن فرض على الغاصب، و ذلك كله واضح.

و لو غصب مأكولا مثلا فأطعمه المالك بأن قال له: هذا ملكي و طعامي أو قدمه إليه ضيافة أو نحو ذلك مما يتحقق به الغرور منه أو شاة فاستدعاه و ذبحها مع جهل المالك ضمن الغاصب بلا خلاف و لا إشكال و إن كان المالك المباشر للإتلاف و لتسلم المال، إلا أنه ليس تسليما تاما يتصرف به المالك تصرف الملاك في أملاكهم

ج 37، ص: 143

على أنه مال له.

و كذا لو أودعه المالك أو آجره إياه أو أعاره إياه عارية غير مضمونة أو أرهنه. فان التسليم في ذلك كله غير تام و باق على ضمان الغاصب و لو للشك في صدق الأداء معه. بل قد يشك في صدقه مع تعميم الانتفاع مع عدم التمليك اللازم، لعدم كون يده حينئذ يد مالك، كما كانت على المغصوب.

نعم لو وهبه المالك هبة لازمة أو أقرضه له كان تسليما تاما، و من هنا لو دفع اليه عوض حقه الثابت عليه على سبيل الهبة اللازمة فأخذه المالك على هذا الوجه و نوى الدافع عن حقه كان وفاء على الأقوى كما عن التذكرة.

بل صرح غير واحد بالاكتفاء في ذلك بالإهداء، و مقتضاه جريان مثله في المقام، ضرورة عدم الفرق بين الغاصب و المديون بالنسبة إلى ذلك بعد أن كان الاعتبار بنيته في التشخيص دون الديان، و لذا يجب عليه القبول لو بذله، و لا يشترط في كل منهما الاعلام بكونه الدين أو المغصوب بعد الاستيلاء التام على وجه الملكية التامة، و لذا اكتفى الأصحاب بالدس في المال على وجه يكون في يده على أنه من أمواله، و بالجملة فالمدار على صدق الأداء في المقام.

بل في القواعد أنه «لو أمر الغاصب المالك بالأكل مع جهله بالحال فباعه أو بالعكس فالأقرب زوال الضمان» لأنه قد تصرف باختياره لا بقول الغاصب، فصادف التصرف ملكه، و لأن العين لو كانت مملوكة للغاصب لكان على المتصرف بمخالفة الآمر الضمان، و كل ما يقتضي الضمان على تقدير الملك لا يتصور فيه الغرور، إذ تغريره إنما هو بكونه ملكا له. و على تقدير الملك فالضمان ثابت، و به جزم الكركي.

ج 37، ص: 144

لكن قد يناقش بأنه- و إن كان غير مغرور- لا يصدق عليه أنه أدى المال، و الأصل بقاء الضمان، و كذا لو غصبه من الغاصب و أتلفه بنية العدوان منه.

اللهم إلا أن يقال: إنه و إن كان لا يصدق على تسليمه أنه أداء إلا أنه صار في عهدة المالك لو كان مملوكا لغيره، و مثله يسقط الضمان على من عليه الضمان و لو لظهور أدلة الضمان في غير الفرض، أو غير ذلك.

و على كل حال فلا إشكال في الضمان في مفروض المتن، لأن المباشرة ضعيفة بالغرور المانع عن استتباع الضمان المقتضي لعدم غرم الغاصب، و حينئذ فالسبب أقوى في الإتلاف الموجب للضمان، بل هو المستقر عليه لعدم تعقل ضمان المالك لماله و إن قلنا بضمان المغرور في غير المقام، كما صرح به من تعرض له من الأصحاب من غير نقل خلاف؛ بل عن التذكرة أنه الذي يقتضيه مذهبنا.

لكن في القواعد «لو زوج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل نفذ الاستيلاد و برأ الغاصب، و في الأرش إشكال».

و فيه منع براءته من الضمان مع عدم العلم بالحال، فلو تلفت قبل ظهور الحال و هي بيد المالك على أنها زوجة و هي مملوكة للغاصب لم يبرأ، لكون التسليم غير تام، كما أن فيه أيضا منع الإشكال في الأرش سواء قلنا: إنه أرش ما ينقص منها بالولادة أو أنه تفاوت ما بين قيمتها طلقا و قيمتها أم ولد محتمل البقاء و الموت، و لذا لا يعاد على الغاصب لو مات الولد، لأن العيب الذي ثبت لم يزل، و إنما انقطع بعد مدة و المأخوذ أرشا إنما أخذ على تقدير رجاء انقطاعه و عروض زواله. أو أن الأرش هنا مهر أمثالها أو العشر أو نصفه، ضرورة كون المفروض من

ج 37، ص: 145

مسألة الغرور التي قد عرفت عدم الخلاف في ضمان الغاصب، بل هو أيضا ممن جزم بذلك، فالفرق بينهما غير جيد و لا واضح.

نعم إن أطعمه أي الطعام غير المالك قيل و القائل غير واحد: إن المالك يغرم أيهما شاء للمباشرة و الغصب لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل الذي هو مغرور له و إن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب لغروره الذي صار به مباشرته ضعيفة بالنسبة للسبب، فيكون قرار الضمان عليه.

و قيل و إن كنا لم نتحقق قائله منا بل يضمن الغاصب من رأس، و لا ضمان على الآكل أصلا لأن فعل المباشر ضعيف عن التضمين بمظانة الاغترار، فكان السبب أقوى نعم هو قول الشافعي في القديم و بعض كتب الجديد، و المشهور عند الشافعية الأول، و هو الأصح، لأن ضعف المباشرة لا يبلغ حدا ينتفي به الرجوع عليه مع كونه متصرفا في مال الغير و متلفا له على وجه يندرج في قاعدة «من أتلف مال غيره فهو له ضامن» و لكن ينجبر غروره برجوعه على الغار، بل لعل

قوله (عليه السلام)(1): «المغرور يرجع على من غره»

ظاهر في ذلك كما تقدم الكلام فيه سابقا، و الله العالم.

و لو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى كان الولد لصاحب الأنثى و إن كانت للغاصب كما صرح به الشيخ و الحلي و الفاضل و الشهيدان


1- 1 لم نعثر على هذا النص من أحد المعصومين عليهم السلام. و إن حكي عن المحقق الثاني قده في حاشية الإرشاد أنه نسب ذلك إلى النبي الأكرم صلى الله عليه و آله. و الظاهر أنه قاعدة فقهية مستفادة من عدة روايات ورد بعضها في التدليس. راجع الوسائل- الباب- 7- من أبواب العيوب و التدليس- الحديث 5 من كتاب النكاح و الباب- 2- منها- الحديث 2 و المستدرك- الباب- 1- منها- الحديث 5.

ج 37، ص: 146

و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في جامع المقاصد الإجماع عليه على الظاهر، و في المسالك و غيرها نفي الخلاف فيه، بل يمكن تحصيل القطع به من السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار على تبعية الولد في غير الإنسان للأنثى من غير فرق بين الغاصب و غيره.

فتأمل بعض الناس فيه- بأن الولد من الفحل، فلا يكاد يوجد الفرق بينه و بين الحب إذا نبت في أرض الغير- في غير محله، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص، على أنه قيل: يمكن الفرق بأن النطفة لا قيمة لها، و ليست مملوكة بعد انفصالها، و لا واجبة الرد إلى مالك الفحل، و النشوء و النماء من الأنثى، و لا كذلك الحب، فإنه مملوك له قيمة، و يجب رده، و إن كان فيه ما فيه، و الله العالم.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه لو نقص الفحل بالضراب ضمن الغاصب النقص كما في غيره من الأعيان المغصوبة و عليه أجرة الضراب عند أهل البيت (عليهم السلام) كما في محكي السرائر، بل فيه «ما قاله شيخنا في مبسوطة من أن اجرة الفحل لا تجب على الغاصب، لأن

النبي (صلى الله عليه و آله) نهى عن كسب الفحل(1)

فهو حكاية مذهب المخالفين، فلا يتوهم متوهم أنه اعتقاده» و لكن مع ذلك في المتن و غيره قال الشيخ في المبسوط:

لا يضمن الأجرة.

و على كل حال فلا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الشيخ إن كان لأنها عندنا ليست محرمة و عن مكاسب التذكرة و نهاية الأحكام نسبته إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 3 و فيه «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن عسيب الفحل و هو أجر الضراب» و في المبسوط ج 3 ص 96.

ج 37، ص: 147

علمائنا، فتكون حينئذ منفعته محللة مضمونة عليه.

بل قد يقال بضمانها بفواتها تحت يده و إن لم يستوفها، بل ينبغي الجزم به إذا كان مما يعتاد استئجاره لذلك، أما مع عدمه فلا يخلو من إشكال، إذ صحة الإجارة أعم من الضمان بالغصب، و إلا لوجب على من غصب تفاحة أجرتها للشم أو دراهم أو دنانير أجرتها للزينة بناء على صحة الاستئجار لذلك و التزامه في غاية البعد، لعدم صدق فوات المال، و لعله لذا قيد المصنف و غيره ضمان الأجرة بما إذا كان المغصوب مما له أجرة في العادة.

و على كل حال فعلى الغاصب أجرة الضراب، لما عرفت، و

النبوي المروي في غير طرقنا(1)من أنه نهى (صلى الله عليه و آله) عن عسب الفحل،

أي ماؤه و ضرابه محمول على الكراهة أو على بيع مائه، فلا إشكال في الحكم حينئذ، و الله العالم.

و لو غصب ما له أجرة و بقي في يده حتى نقص كالثوب يخلق و الدابة تهزل لزمه الأجرة و الأرش و لم يتداخلا، سواء كان النقصان بسبب الاستعمال أو لم يكن بلا خلاف و لا إشكال في الأخير، و إن قالوا لو انتقص العبد بسقوط عضو منه مثلا بآفة يضمن الأرش و الأجرة لما قبله سليما و لما بعده ناقصا، إذ لا يعقل اجرة شي ء معدوم بعد عدمه.

أما الأول و هو الذي يكون نقصه باستعماله فهو الذي صرح به الشيخ و الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم، بل لا أجد فيه خلافا، لأصالة عدم تداخل الأسباب، إذ فوات الأجزاء في يد الغاصب سبب لضمانها، و الانتفاع سبب آخر لضمان الأجرة، فلا يتداخلان كالأول، لكن في القواعد و الدروس احتمال وجوب الأكثر من الأرش و الأجرة،


1- 1 سنن البيهقي- ج 5 ص 339.

ج 37، ص: 148

و هو الضعيف من وجهي الشافعي.

و أضعف منه تعليله بأن النقصان نشأ من الاستعمال، و قد قوبل بالأجرة، فلا يجب له ضمان آخر، و إلا لوجب ضمانان لشي ء واحد.

و لأن نقص الأجزاء ملحوظ في الأجرة، و لذا لم يضمنها المستأجر بل و المستعير، و لأن ما ينقص بالاستعمال تعتبر أجرته زائدة على ما لا ينقص به، فلولا كونها ملحوظة لم تتحقق الزيادة، إذ كل ذلك لا يقتضي الأكثر المزبور، و إنما يقتضي دخول الأرش في الأجرة.

مع ما في الأول من أن الأجرة لم تجب للاستعمال، و انما تجب لفوات المنفعة على المالك، فتجب و إن لم تستعمل، كما أنها تجب و إن لم يفت شي ء من الأجزاء، فلم يجب ضمانان لشي ء واحد.

و في الثاني إنا نمنع لحظ الأجزاء الناقصة في الأجرة، و لم لا يكون سقوط ضمانها للإذن في الاستعمال الشامل لإتلافها كالمستعير، و ثبوت الزيادة المذكورة غير معلوم، و بتقديرها لا يدل على التداخل، كما أنه مع فرض الملاحظة لا تداخل أيضا، و الله العالم.

و لو أغلى الزيت مثلا فنقص وزنه ضمن النقصان و إن لم تنقص القيمة بلا خلاف أجده بين الخاصة و العامة، بل و إن زادت قيمته على ما قبل الغليان، لأنه مثلي يضمن بمثله، و عمله الذي قد زاد به الواقع تبرعا لا يقوم مقام ذلك. فما في المسالك من احتمال الرد و لا غرامة- لأن ما فيه من الزيادة و النقصان يستندان الى سبب واحد، فينجبر النقصان بالزيادة- واضح الضعف، لما عرفت.

و إن نقصت قيمته دون عينه رده مع أرش النقصان الذي هو مضمون عليه بالغصب.

و إن نقصا معا رد مثل الناقص مع الباقي، إلا إذا كان ما نقص

ج 37، ص: 149

من القيمة أكثر مما نقص من العين، فيلزمه مع مثل الذاهب أرش نقصان الباقي، لأن الفرض عدم عود القيمة بعود الكمية الأولى.

و لو لم ينقصا معا رده، و لا شي ء عليه كما هو واضح.

و لو أغلى عصيرا فنقص وزنه قال الشيخ في محكي المبسوط بل و الخلاف و إن كنا لم نتحققه لا يلزمه ضمان النقيصة، لأنها نقيصة الرطوبة التي لا قيمة لها إذ النار تعقد أجزاء العصير، و لهذا تزيد حلاوته بخلاف الأولى.

و في الفرق تردد بل منع، و لذا كان أكثر المتأخرين أو جميعهم على خلافه، و ذلك لأن الواقع نقص محسوس في العين فيجب بدله، مع منع معلومية كون الذاهب أجزاء مائية خاصة بخلاف الزيت و إن تفاوتا بالقلة و الكثرة.

و كذا يضمن النقص لو خلل العصير و نقصت عينه دون قيمته، بل و كذا إذا صار الرطب تمرا و العنب زبيبا و اللبن جبنا أو سمنا أو زبدا، و لعله لأن الجميع مثلي و قد نقص نقيصة حسية فيضمن و إن زادت قيمته في الحال الآخر الذي هو الأقل، نعم قد يشكل الضمان بالمثل باعتبار عدم المثل للأجزاء التالفة، فيتعين القيمة، و الله العالم.

ج 37، ص: 150

[النظر الثالث في اللواحق]

اشاره

النظر الثالث في اللواحق و هي نوعان: (النوع خ)

[النوع الأول في لواحق الأحكام]
اشاره

الأول في لواحق الأحكام، و هي مسائل:

[المسألة الأولى إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب]

الأولى إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب أو غيره فيه صنعة اقتضت تلك الزيادة فإن كانت تلك الصنعة أثرا محضا لا عينا كتعليم الصنعة و خياطة الثوب بخيوط المالك و نسج الغزل و طحن الطعام و صياغة النقرة رده و لا شي ء له بلا خلاف و لا إشكال، لعدم احترام العمل بغير إذن من المالك، بل كانت تلك الصفات من توابع مال المالك، فلو أتلفها أو تلفت في يده كان ضامنا لها، كما تسمع تحقيقه إنشاء الله تعالى عند تعرض المصنف له.

و لو (و إن خ ل) نقصت قيمته أي المغصوب بشي ء من ذلك ضمن الأرش لما عرفته مكررا من كون يد الغاصب يد ضمان، كما عرفت فيما تقدم أنه إن لم يمكن رده الى الحالة الأولى رده الى مالكه بحاله مع أرش النقصان إن كان. و إن أمكن رده الى الحالة

ج 37، ص: 151

الأولى، فإن رضي به المالك لم يكن للغاصب رده إلى ما كان، و إن ألزمه الرد إلى الحالة الأولى لزمه ذلك مع أرش النقص عما كان قبل تلك الزيادة، و لا يجبر على رفاء الثوب الذي شقه و إصلاح الإناء الذي كسره مع الأرش بعد ذلك، للأصل و لأنه لا يعود إلى ما كان بذلك، بل يضمن الأرش خاصة، كما أنه لا يضمن تلك الزيادة بتلك الصنعة بعد الأمر له بالرد المقتضي لإتلافها، و إنما يضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة بالكسر.

كما صرح بذلك كله الفاضل في القواعد، قال فيها: «و لو صاغ النقرة حليا ردها كذلك، فلو كسر ضمن الصنعة، و للمالك إجباره على ردها نقرة، و لا يضمن أرش الصنعة، و يضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة» و نحوه المحكي عن التحرير و الدروس و غيرهما.

لكن قد يشكل (أولا) أصل الإجبار بعد عدم الضرر على المالك و الضرر على الغاصب بقاعدة نفي الضرر و الضرار مع منع عدم صدق التأدية بنحو ذلك.

و يدفع بقاعدة تسلط الناس على أموالهم، و هو الذي أدخل الضرر على نفسه بتعديه، و بأنه لا ريب في عدم تأديته كما غصب، و هو واضح.

و (ثانيا) بأنه لا فرق بين أصل النقرة و بين الصنعة بعد صيرورتها ملكا للمالك، فان كان الأمر بالرد إذنا بإذهابها فلا تضمن فكذلك هو إذن في النقصان بعد فرض لزومه لردها نقرة.

و احتمال الفرق- بأن الصياغة جناية من الغاصب على مال المالك و النقص بالكسر مسبب عنها فيضمنه، و أمر المالك بإعادة العين كما كانت لا يقتضي سقوط الضمان، لبقاء الغصب المقتضي للضمان إلى حصول التسليم التام حتى لو تلفت العين في حال ردها إلى البلد و قد أمره

ج 37، ص: 152

بذلك، بخلاف الصنعة التي لم تكن العين عليها في وقت الغصب و لم تستقر للمالك في ذمة الغاصب- يقتضي عدم ضمانه الصنعة حتى لو تعمد إتلافها، لعدم دخولها ابتداء تحت يد ضمانه، بل يقتضي عدم الضمان لو أعلف الدابة المغصوبة حتى سمنت و قد كانت في مكان بعيد ثم أمره المالك برده فورا على وجه يستلزم فوات سمنها، بل قد يقال: إنه يقتضي عدم الضمان لو غصبه من المالك سمينا و نقله إلى مكان بعيد محافظا على بقاء سمنه ثم أمره المالك برده فورا على وجه يقتضي زوال السمن المزبور، لعدم الجناية منه في وجود السمن.

و لعله لذلك كله التزم بعض الناس بضمان الصنعة، و قال في جامع المقاصد: «و في الفرق نظر ينبغي تأمله- ثم قال-: و يختلج بالخاطر فرق ينبغي تأمله بعد ذلك، و هو إن طلب المالك رد الحلي نقرة يقتضي عدم قبول الصنعة، بخلاف رد السمين إذا استلزم رده الهزال، و بخلاف نقصان العين بالكسر، فإنه لا يقتضي ذلك، و لا منافاة بين ملكية السمن و الرضا بها، و طلب الرد على الفور و إن علم هزاله به للاعتماد على كون ما ينقص من العين مضمونا عليه».

و فيه أنه يمكن تقرير مثله في الصنعة، بأن يقال: إن أمره في الرد للاعتماد على ضمان كل نقص يكون بذلك و إن علم استلزامه لخراب الصنعة- ثم قال-: «و يمكن أن يفرق بوجه آخر، و هو أن الأمر برد الحلي نقرة يدل على عدم قبول الصنعة و الترخيص في إتلافها بخلاف ما ينقص بالكسر، لأن الأمر بالكسر لا يقتضي قبول الناقص من الفضة و إن كان لازما عنه لا محالة، فهو محسوب من جملة المئونة الواجبة على الغاصب، فإنه لو أمره المالك برد الدابة إلى بلد الغصب و كان ذلك مستلزما للهزال لا يكون دالا على عدم إرادة السمن و الترخيص في إتلافه فيكون من باب المقدمة، كالعلف و السقي».

ج 37، ص: 153

قلت: لا يخفي عليك ما فيه من التشويش و صعوبة الفرق بين ما ذكره من الوجهين و إن حاول الفرق بينهما بفهم العرف الاذن في الصنعة و عدمها في السمن، و العلم باستلزام الرد الهزال لا يقتضي الإذن.

نعم لو صرح أو علم من حاله عدم إرادة السمن المنافي للتضمين لأن من عادته ركوب الدابة المضمرة اتجه حينئذ عدم الضمان كما هو واضح.

أو بإمكان الجمع بين إرادة وصولها إليه مع إرادة بقائها سمينة و إن كان لا يتحقق في الخارج، بخلاف إرادة ردها نقرة مع الصنعة. إذ هي النقرة المصنوعة المأمور بردها نقرة، أي بلا صنعة كما هو واضح بأدنى تأمل، فإن مرجعه إلى عدم ضمان كل ما أمر به المالك من إتلاف مالية لماله كأصل المال، بخلاف ما لم يكن مأمورا به مما هو مضمون على الغاصب و إن كان هو لازم تحقق المأمور به في الخارج المفروض استحقاق الغاصب إياه، فإنه ليس لازما لأمره، فبقي على قاعدة الضمان، و الله العالم.

و إن كانت زيادة القيمة في المغصوب لأن الغاصب قد زاد فيه عينا محضة كالغرس و نحوه كان له أخذها و إعادة المغصوب و أرشه لو نقص كما تسمع تفصيل الكلام فيه إنشاء الله عند ذكر المصنف له.

و إن كانت غير محضة كما لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ منه فان كان الحاصل مجرد تمويه لا يحصل منه عين لو نزع فليس للغاصب النزع إن رضي المالك، و له إجباره عليه في أقوى الوجهين، لأن الواجب عليه إعادة العين كما كانت، و لأنه قد يريد تغريمه أرش النقصان الحاصل و إزالته، و يحتمل ضعيفا العدم، لأنه كقصارة الثوب.

و إن كان الحاصل بالصبغ عينا لا أنه تمويه محض فان كان يمكن فصله كان له إزالة الصبغ بشرط ضمان الأرش إن نقص الثوب و إن لم يأذن المالك، بل و إن منع، وفاقا للشيخ و ابني زهرة و إدريس

ج 37، ص: 154

و الفاضل في أكثر كتبه، و الشهيدين و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك أنه الأشهر، بل في المختلف و التنقيح هو المشهور، بل في الرياض أنه المشهور، خصوصا بين المتأخرين.

و من الغريب بعد ذلك كله ما في الإيضاح من أنه لا خلاف في منع الغاصب من الإزالة لو نقص الثوب بها، و لا في إجابته مع عدم هلاك الصبغ و عدم نقص الثوب أصلا. اللهم إلا أن يريد بذلك مع العلم بالنقص بعد حمل عبارات الأصحاب على النقص المحتمل، إلا أنه كما ترى مناف لإطلاقهم، كمنافاة ما تسمعه من والده و غيره لما ذكره أخيرا من نفي الخلاف عن الإجابة.

و على كل حال فلا ريب في أن المشهور ما عرفت خلافا للمحكي عن الإسكافي و الفاضل في المختلف من أنه ليس للغاصب قلع الصبغ بدون إذن المالك، فان لم يرض دفع قيمة الصبغ و وجب على الغاصب قبوله، و استجوده في التنقيح، بل قال: «و عليه الفتوى» و في الرياض بعد أن حكاه عن خاله العلامة البهبهاني في حاشيته على مجمع البرهان قال: «و هو غير بعيد نظرا إلى قواعدهم المقررة في الغصب».

بل في المختلف بعد أن حكى عن المشهور الأول، و اختار مذهب الإسكافي محتجا باستهلاك عين الغاصب، و عدم انتفاعه بصبغه، و استلزام قلعه التصرف في مال الغير بغير إذنه، قال: «و من العجيب إيجاب التمكين على المالك من أخذ الصبغ و إن تعيب ثوبه و عدم قبول عوض الصبغ منه، و إجبار الغارس المستعير للأرض على أخذ قيمة الغرس من المالك إذا دفعها، مع أن المالك أذن في الغرس و لا ضرر عليه و لا على أرضه بأخذ الغرس، و المالك هنا لم يأذن في الصبغ، و عليه ضرر في أخذه من ثوبه».

ج 37، ص: 155

و فيه أن ذلك انما يرد على الشيخ المحكي عنه ذلك، أما على الأصح من عدم التسلط على الإجبار المخصوص كما بيناه في محله فلا عجب، كما أن دليله لا يرجع إلى حاصل، ضرورة أعمية مفروض البحث من استهلاك عين مال الغاصب و عدم انتفاعه به، أو أنه مخصوص بما أمكن فصله على وجه يكون مالا، و على تقديره فقاعدة تسلط الناس على أموالهم و لو إتلافا عامة للأمرين، و استلزام القلع التصرف في مال الغير لا يقتضي سقوط احترام مال الغاصب.

(و دعوى) أنه كما أن وقوعه عدوانا لا يقتضي إسقاط مالية الغاصب فله التصرف فيه بالقلع فكذلك عدوانه لا يقتضي نفي سلطنة المالك عن ملكه، فله أن يمنع الغاصب عن التصرف فيه بالقلع، و حيث تعارض الحقان ينبغي أن يترجح جانب المالك، لعدم تقصيره و تداركه مال الغاصب بالقيمة، بل هو أولى كما مضى (لا يخفى عليك) ما فيها من عدم اقتضاء ذلك ترجيح المالك على وجه ينتقل اليه مال الغاصب بالقيمة قهرا على مالكه، بل أقصاه عدم تسلط أحدهما على الآخر في ذلك، فتبقى قاعدة تسلط الناس على أموالهم، و قاعدة إيصال كل مال إلى صاحبه و غيرهما على حالها، و لكن يولي الحاكم من يخلص كل مال عن الآخر و يوصله إلى صاحبه، أو نقول بولاية ذلك إلى المالك، باعتبار دخول الغاصب عليه، فهو كمن ألقى في دار غيره شيئا، فإن للمالك إزالته.

و بالجملة ما ذكروه من الترجيح المزبور لا يقتضي الوجه المذكور و إن تمموه باعتبارات لا تصلح مدركا شرعيا، فالتحقيق ما ذكرناه.

بل هو أولى من الشركة في المتساويين التي أوجبنا فيها الإجبار بطلب أحد الشريكين مع الإشاعة فيها دون المقام، و لذا قيدوا بعدم

ج 37، ص: 156

الضرر هناك دونه هنا، فهو كمالين متلاصقين لشخصين لم يرض كل منهما بتخليصه من الآخر، فإنه لا ريب في تولي الحاكم ذلك، فكذا المقام المحتمل تولي المالك، لما عرفت من العدوان من الغاصب، أما إذا لم يكن عدوانا من أحدهما، بأن أطار الريح ثوبا في إجانة صبغ لآخر و تعاسر أو كان يمكن الزوال كان المتولي الحاكم على الظاهر.

و على كل حال فمع فرض تضرر الغاصب بنقص ماله أو بهلاكه بالإزالة لا جبر له، لأنه ذو الاختيار السي ء الذي أدخل الضرر على نفسه بخلاف المالك المظلوم، و لذا وجب الأرش عليه لو نقص الثوب بذلك دونه.

و إلى ما ذكرنا يرجع استدلال المشهور بأنه إن لم يجب الإزالة كان عدوانا آخر، و الظالم لا يستباح ظلمه و التعطيل ضرر عليهما، كما أن بيع كل واحد ماله منفردا عن الآخر لا يرغب فيه، فليس إلا الإجابة.

و غير ذلك مما ذكروه و إن كان ما ذكرناه أولى، بل لعله لا ينافي كلام الأصحاب، و إن كان يوهم في الظاهر أن للغاصب مباشرة الإزالة إلا أن المراد بيان حق المطالبة بالإزالة و إن كان مع التعاسر يتولى الأمر من عرفت ليوصل حق كل واحد إلى صاحبه.

و من ذلك يعلم أنه كما أن للغاصب حق المطالبة بالإزالة فكذا لصاحب الثوب إزالته أيضا مباشرة أو استحقاقا، لما عرفت بل هو أولى لأنه فعله في ملكه بغير حق و لذا صرح الفاضل في القواعد و الإرشاد بل و التحرير و محكي المبسوط و الإيضاح بإجبار الغاصب على الفصل مع طلب المالك و قبول الصبغ لذلك و إن تضرر الغاصب بنقص ماله أو هلاكه، و يدفع الأرش لنقص ثوب المالك، لأنه الذي أدخل الضرر على نفسه، فتبقى قاعدة إيصال الحق إلى مستحقه بحالها.

ج 37، ص: 157

فما في محكي التذكرة- من أنه هل يملك إجبار الغاصب على فصله؟

الأقرب أنه إن كان له غرض كان له ذلك، و كذا إن كان للصبغ قيمة، و إلا فلا- لا يخلو من نظر و إن وجه بأنه إن خلي عن الغرض و كان المنفصل منه يضيع بالكلية أو يحدث في الثوب نقصان بحيث لا يفي بأرشه قيمة المفصول كان تخسيرا للغاضب عنادا أو عبثا، إلا أنه كما ترى مجرد اعتبار لا يرجع إلى دليل. و من هنا قال في القواعد: «يجبر و إن استضر بعدم الصبغ أو نقصت قيمته» و هو واضح.

و مما ذكرنا يعلم أيضا أنه لو أراد أحدهما ما لصاحبه بقيمته لم يجب على أحدهما إجابة الآخر، و كذا لو وهب أحدهما صاحبه لم يجب على الموهوب له القبول لما فيه من المنة، بلا خلاف أجده فيه إذا كان الطالب الغاصب و إن احتمله في الكفاية، إلا أنه لم نجده لغيره حتى من العامة مع وضوح ضعفه.

و أما إذا كان المالك فهو المشهور نقلا و تحصيلا، بل هو مقتضى كل من قال بإجابته لو طلب الإزالة، نعم قد سمعت كلام أبي علي و من وافقه أو مال إليه، بل عن التذكرة ذلك أيضا إذا كان لا يمكن فصل الصبغ و لا يحصل منه، لأنه لا ذريعة إلى تصرفه في ثوبه إلا بدفع قيمة الصبغ. و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا.

كما أن منه يعلم النظر فيما في القواعد و التذكرة و الروضة و غيرها من أن لصاحب الثوب الامتناع من البيع لو طلبه الغاصب دون العكس ضرورة عدم الفرق بينهما في جواز الامتناع بناء على ما ذكرنا.

و ما يقال- من أنه لو لم يجبر الغاصب أضر بالمالك، لأن بيع الثوب وحده مظنة قلة الراغب فيه، لمكان عيب الشركة، فيفضي إلى عسر البيع و قلة القيمة- مجرد اعتبار.

ج 37، ص: 158

و من هنا اعترف في جامع المقاصد بأن ذلك لا يتجه على القول بعدم تملك ماله بالقيمة إذا لم يرض، لاستلزامه نقل الملك مع عدم الرضا، إذ الجمع بين الحقين و دفع الضرر عن المالك مشترك بين المقامين، كما أن ضرر المالك مشترك أيضا في المقامين، و حيث ضاق به الخناق قال:

«و بالجملة فقول المختلف لا يخلو من وجه».

و فيه أنه لا داعي إلى القول بالحكم المزبور كي يلتجئ إلى ذلك، بل لعل التأمل في المتن و محكي المبسوط و غيره يقتضي ما قلناه من عدم الإجبار مطلقا، و هو الأصح، و إن قيل هو أضعف وجوه الشافعية التي منها أيضا تسلط كل منهما على جبر الآخر، و الله العالم.

ثم لا يخفى عليك أنه مع عدم إمكان الفصل أو إمكانه و التراضي بالشركة يشتركان فان لم ينقص قيمة مالهما بأن كان الثوب يساوي عشرة و الصبغ كذلك و مصبوغا عشرين فالحاصل لهما.

و إن زاد لزيادتهما معا لا لزيادة أحدهما فصار يساوي ثلاثين فكذلك في صيرورة الحاصل بينهما، و نحوه لو زادت بسبب العمل خاصة، لأن كل واحد منهما قد زاد بالصنعة، و الزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا استندت إلى الأثر المحض تسلم للمغصوب منه، و المفروض هنا زيادة نصف الأثر و النصف الآخر للصبغ.

و لو زادت قيمة أحدهما خاصة كانت الزيادة لصاحبها، و إن نقصت قيمة الثوب بالصبغ لزم الغاصب الأرش لأن يده يد ضمان لمثل ذلك و لا يلزم المالك ما ينقص من قيمة الصبغ لعدم عدوانه.

و لو بيع مصبوغا بنقصان من قيمة الصبغ لم يستحق الغاصب شيئا إلا بعد توفية المغصوب منه تمام قيمة ثوبه على الكمال

ج 37، ص: 159

لأن نقص الثوب من غير تغير السوق مضمون عليه و لذا لو بيع مصبوغا بنقصان من قيمة الثوب لا بتغير السوق لزم الغاصب إتمام قيمته.

و لو كانت قيمة كل منهما خمسة و ساوى المصبوغ عشرة إلا أنه لارتفاع قيمة الثوب في السوق إلى سبعة و انحطاط قيمة الصبغ فيه إلى ثلاثة كان للمالك سبعة: هي نصف العشرة و خمسها، و للغاصب ثلاثة:

خمس العشرة و عشرها، لأن الحكم يتعلق بما صارت القيمة إليه، و لا أثر للخمسة بعد تغير السوق، و لو انعكس الأمر انعكس الحكم أيضا، لأن نقص السوق غير مضمون إذا لم يكن لنقص في العين أو صفاتها.

هذا كله إذا كان الصبغ من الغاصب، أما إذا كان مغصوبا من آخر فان لم يحدث بفعله نقصان عليهما أو على أحدهما لم يغرم شيئا، و كانا شريكين في الثوب المصبوغ كما سبق. نعم يجب عليه الفصل مع إمكانه لو طلباه أو أحدهما، و إن حدث النقص فيهما أو في أحدهما عما كان قبل الصبغ غرمه الغاصب لمن حصل في حقه.

ثم إن مقتضى الشركة التي ذكرناها اشتراكهما في الثمن، و مع فرض نقصه يرجع كل منها على الغاصب بنقصه، لكن عن التذكرة فيما إذا حدث نقص مثل أن كانت قيمة الثوب عشرة و قيمة الصبغ عشرة و بلغت قيمة الثوب مصبوغا عشرة يكون الثمن لصاحب الثوب، و يغرم الغاصب الصبغ للآخر، و تأمل في مقتضى الشركة المزبورة، و لا نعرف له وجها.

و في المسالك بعد أن حكم بالشركة مع عدم النقصان على حسب ما سبق في الغاصب و المالك قال: «و إن حدث نقصان فان بقيت قيمة الثوب فهي لصاحب الثوب، و يغرم الغاصب الصبغ للآخر، و إن زادت

ج 37، ص: 160

بما لا يبلغ قيمة الصبغ فالزائد لمالك الصبغ، و يغرم الغاصب له الباقي و إن زادت عنهما فهو بينهما بالنسبة، هذا كله إذا لم تنقص القيمة السوقية لأحدهما، و إلا اعتبرت النسبة كما مر».

و ظاهره المنافاة لما ذكرناه من الشركة المزبورة، اللهم إلا أن يتجشم له، و الأمر سهل بعد وضوح الحال، كوضوح عدم الضمان مع استناد النقصان إلى تغير السوق لا إلى فعل الغاصب.

و لو كان الصبغ مغصوبا من مالك الثوب فان لم يحدث بفعله نقصان فيهما فهو للمالك، و لا غرم على الغاصب، و لا شي ء له و إن زادت القيمة، لأن الموجود منه أثر محض، و إن حدث بفعله نقصان غرم، و إذا أمكن الفصل فللمالك إجباره عليه و تضمينه النقص إن حصل، و ليس للغاصب الفصل إذا رضي المالك، و ذلك كله واضح، و الحمد لله.

[المسألة الثانية إذا غصب دهنا كالزيت أو السمن فخلطه بمثله فهما شريكان]

المسألة الثانية إذا غصب دهنا كالزيت أو السمن أو نحو ذلك مما لا يمكن تمييزه فخلطه بمثله ذاتا و وصفا فهما شريكان حقيقة على وجه يملك كل منهما في مال الآخر، أو حكما كما صرح به غير واحد، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، و قد حققنا ذلك في كتاب الشركة(1)بل لا خلاف بينهم فيه هناك، بل حكينا الإجماع بقسميه عليه.

لكن في محكي السرائر هنا أن مال المالك كالمستهلك إن شاء الغاصب أعطاه من زيته المخلوط. و إن شاء أعطاه من غيره مثل زيته، مدعيا أنه


1- 1 راجع ج 26 ص 290- 295.

ج 37، ص: 161

الذي تقتضيه أصول المذهب، لأن عين الزيت المغصوب قد استهلك، لأنه لو طالبه برده بعينه لما قدر على ذلك.

و فيه أنه لا شي ء في أصول المذهب يقتضي الخروج بذلك عن الملك و إلا لخرج بالاختلاط أيضا بغير اختيار أو برضا منهما، كما أنه ليس في شي ء منها (ما ظ) يقتضي الانتقال عن الملك بمحض التعدي لو غصب رطلا من هذا و رطلا من هذا و خلطهما، فإنهما يكونان بذلك هالكين، و انما تقتضي أصول المذهب بقاء كل منهما على ملك مالكه، و يجري عليهما حكم المشترك بالإتلاف و البيع و نحوهما، أو يثبت أن مثله سبب شرعي للشركة على وجه يكون الحبة الواحدة مشتركة بينهما و إن كانت في الواقع هي لأحدهما، كما تقدم ذلك كله و غيره في كتاب الشركة(1).

و حينئذ فلا فرق بين المزج الاختياري و الاتفاقي و الغصبي في حصولها به، و ليس هو من الهلاك الموجب للضمان، ضرورة إمكان التأدية و لو في ضمن الجميع، أقصاه أنه يكون أداه مع غيره، بل ليس هو من الحيلولة التي بمعنى تعذر إيصال المال إلى مالكه لمانع عن إيصاله، بخلاف المقام الذي قد تعذر فيه إيصاله منفردا، لا أصل الإيصال، فهو حينئذ كالثوب المصبوغ أو كالصبغ الذي صبغ به الثوب، فإنه لا شي ء منهما ينتقل إلى الذمة على وجه الضمان لكونه تالفا أو للحيلولة، بل هو كباقي تعذر صفات المغصوب من الصحة و العيب و نحوهما.

و بذلك كله يظهر لك الحال فيما لو (إن خ ل) خلطه بأدون أو أجود و قد قالوا في كتاب الشركة بحصولها به في القسمين الأولين على معنى الشركة بالثمن على نسبة القيمة. أما الثالث ففي المتن قيل: يضمن المثل، لتعذر تسليم العين، و قيل: يكون شريكا في


1- 1 راجع ج 26 ص 290- 295.

ج 37، ص: 162

فضل الجودة، و يضمن المثل في فضل الرداءة إلا أن يرضى المالك بأخذ العين و ظاهره عدم الترجيح كالمسالك و غيرها.

لكن في القواعد و التذكرة و الإرشاد و المختلف و الدروس و جامع المقاصد اختيار الشركة في الثاني، بل صرح غير واحد منهم بأنه يقسم معه بالسوية مع فرض التساوي، لأن الزيادة الحاصلة زيادة صفة حصلت بفعل الغاصب أو عنده عدوانا. فلا يسقط حق المالك من العين بسببها كما لو صاغ النقرة و علف الدابة فسمنت و علم العبد صنعة، و دخول الضرر بذلك على الغاصب إنما كان بسوء اختياره.

لكن في محكي المبسوط «أن الغاصب بالخيار بين أن يعطيه من عينه أو مثله من غيره، فان باعه قسم الثمن بينهما على قدر الزيتين، و الصحيح أن هذا كالمستهلك، فيسقط حقه من العين، و يصير في ذمة الغاصب، لأنه قد تعذر أن يصل إلى عين ملكه بعينها، فإذا انتقل إلى الذمة يكون الغاصب بالخيار بين أن يعطيه من عينه فيلزمه قبوله، لأنه قد تطوع خيرا من زيته، لا لأنه أعطاه عين ماله، و بين أن يعطيه مثله من غيره» و نحوه عن السرائر، و اختاره في التحرير.

و فيه منع الاستهلاك الملحق بالتلف الموجب للانتقال في الذمة، و إلا كان المساوي كذلك، مع أن الشيخ لا يقول به، بل دعوى كونه مال المالك مستهلكا ليس بأولى من القول بأن مال الغاصب مستهلك فلا شي ء له، و هو واضح الفساد، فالتحقيق بقاء مال المالك على ملكه.

و لكن الظاهر أن له من الثمن بنسبة ماله، كالمال المخلوط بغير اختيار، إذ دعوى كون ذلك كالآثار التي تحصل من فعل الغاصب واضحة الفساد، ضرورة كون علو قيمته بأجزاء عينية من مال الغاصب الذي بغصبه لم يخرج عن الاحترام، و لا يدخل في ملك المالك قهرا.

ج 37، ص: 163

و بذلك يظهر لك ما في كلام الأولين، و يمكن حمل ما في القواعد و الإرشاد و التذكرة و غيرها من إطلاق الشركة على الوجه الذي ذكرناه، لقاعدة لا ضرر و لا ضرار و غيرها من الاستصحاب و نحوه، لا أن المراد الشركة حقيقة، لعدم الدليل، و الضرر على مالك الجيد مع فرض إرادة المساواة على تقدير التساوي في الكم، و لا دليل على الشركة في العين بحسب القيمة على وجه يكون لمالك الجيد في العين أزيد قدرا مما كان له، بل لعل ظاهر الأدلة خلافه، بل هو من الربا بناء على عمومه لمثل ذلك.

هذا و في الرياض «و اعلم أن ما ذكره الأكثر في المقامين أظهر إن أرادوا نفي الخيار للغاصب و إثباته للمالك، و إن أرادوا لزوم القبول عليه فمشكل، حيث يعتذر لعدم قبوله بعذر موجه، ككون ماله حلالا و مال الغاصب الممزوج به مشبوها أو نحوه، فإن إيجاب القبول عليه ضرر و أي ضرر، فالتحقيق في المقامين ثبوت الخيار للمالك».

و فيه ما لا يخفى، بل هو من غرائب الكلام، ضرورة اقتضاء المزج المزبور الشركة مع من له المال حتى لو علم كونه للغير، فان ذلك لا يجعله بمنزلة التالف حتى ينتقل إلى المثل.

و كأن الذي أوقعه في هذا الكلام المقداد في التنقيح، فإنه في المساوي حكى عن الشيخ في المبسوط قولين: أحدهما ضمان الغاصب، فيتخير بين الدفع من الممزوج و بين غيره، و ثانيهما الشركة، لأنه قادر على بعض عين ماله و بدل الباقي، و لا معنى للتخيير مع وجود بعض العين، كما لو غصب صاعين فتلف أحدهما، فإن المالك يأخذ الموجود و بدل التالف، و لا يلزمه أخذ بدل الكل، فكذلك في صورة النزاع، و هو اختيار المصنف و العلامة في المختلف.

و فيه نظر، لأن العين و إن وجدت لكن يتعذر تسليمها منفردة،

ج 37، ص: 164

فليست كالصاعين، و جاز أن يكون في زيت الغاصب شبهة و إن ساواه في الماهية، و هو مع أنه كما ترى لا ترجيح فيه.

و قال في المزج بالأجود: «لا خلاف في أن للغاصب الدفع من العين، و يجب على المالك القبول، لاشتماله على الزيادة عن حقه مع تبرع الغاصب بها، و هل للغاصب الدفع من غيرها مما يساوي مال المالك و حينئذ يجب على المالك القبول، إذ لا تفاوت عليه أم لا؟ يظهر من كلام الشيخ الأول، و تبعه ابن إدريس، و الأجود أن الخيار للمالك، فله المطالبة بالعين منه، لوجود حقه فيها، و الزيادة تبرع من الغاصب، كما لو علم العبد صنعة، فإن له أخذ عبده و إن زادت قيمته، و له المطالبة بالمثل من غيرها، لما قلناه أولا و لجواز اشتماله على منة لا يجب تحملها».

و هو- مع ما فيه من منافاة ما استجوده لما نفى الخلاف فيه، مع فرض كون المراد على الإطلاق، كما سمعته من الرياض، بل هو ظاهر التعليل أيضا، و مع منافاة الخيار إذا كان ذلك من قبل تعلم الصنعة، ضرورة وجوب القبول عليه- لا حاصل له، و كأنه لم يسمع في المقام و في كتاب الشركة حصولها في ذلك و في المساوي، و لم يلحظ كلام الأصحاب و تعبيرهم بالشركة في المقامين و إن كانت على التفصيل الذي ذكرناه.

و من الغريب نفيه الخلاف، و قد عرفت المخالف، و هو القائل بالشركة على معنى كونه في الثمن على النسبة، فإنه لا يجب عليه القبول حينئذ.

و أما الأول الذي هو الخلط بالأدون ففي القواعد و التذكرة و جامع المقاصد و الروضة يتخير المالك بين المثل و العين مع الأرش، لأنه في حكم المستهلك بالاختلاط المزبور، إلا أن حق المالك لا يسقط من العين بفعل

ج 37، ص: 165

الغاصب مع إمكان التوصل إلى البعض، و النقص في الخليط يجب جبره بالأرش إذا كانا غير ربويين، أو كانا و قلنا بعدم جريان الربا فيه، باعتبار أنه غرامة عما جناه الغاصب على ماله لا بيع، بل و لا معاوضة بناء عن عموم الربا لسائر المعاوضات. فما في الرياض من إشكال الأرش في الربويين بذلك لا يخلو من نظر.

هذا و في المبسوط و السرائر و الإرشاد و اللمعة و الدروس و غيرها أنه يضمن بالمثل، لأنه مستهلك، و في التنقيح لا خلاف في أنه يضمن بالمثل، و لا يخفى عليك ما في القولين بعد الإحاطة بما ذكرناه، كما لا يخفى عليك ما في نفي الخلاف.

و التحقيق بقاء المال على ملك مالكه، و يشتركان في قيمته بالنسبة، كما لو اختلط المالان بغير اختيار، و ما أدري ما الذي دعاهم إلى الفرق بين المزج الغصبي و بين المزج الاتفاقي؟! فتأمل.

بل ذلك صريح الاستدلال في الرياض و غيره على الحكم في المساوي فضلا عن غيره بأن عين مال المالك موجودة في الجملة، و غايته أنها بغيرها ممتزجة، و ذلك لا يخرجها عن ملكه، و لأن في ذلك إيصال المالك إلى بعض حقه بعينه و إلى بدل بعضه من غير زيادة فوت، فكان أولى من إيصاله إلى بدل الكل.

إذ هو كما ترى أجنبي عن اقتضاء المزج المزبور الشركة، و لو على الوجه الذي ذكرناه، كما هو واضح، و الله العالم.

هذا كله في الخلط بالجنس أما لو خلط بغير جنسه كما إذا خلط الزيت بالشيرج و خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير لكان مستهلكا و ضمن المثل كما صرح به الفاضل و الشهيدان و الشيخ فيما حكي عنه و غيرهم، بل في الكفاية أنه أشهر، بل لا أجد فيه خلافا، لأنه

ج 37، ص: 166

تالف، لبطلان فائدته و خاصيته، بخلاف الجيد مع الردي المتفقين في الجنس.

نعم احتمل في التذكرة قويا ثبوت الشركة، كما لو مزجاه بالرضا أو امتزجا بأنفسهما. و في المسالك «له وجه، لأن إسقاط حقه من العين مع وجودها بعيد، إلا أنه يشكل بأنه على تقدير القسمة الإجبارية يكون قد حتمنا على المالك أخذ غير المثل إن كان الطالب هو الغاصب، أو كلفنا الغاصب بغير المثل في المثلي إن كان الطالب المالك، و كلاهما خارج عن قواعد الغصب، لكنه وارد على تقدير امتزاجهما بغير الغصب كما مر. و فيه جمع بين الحقين».

قلت: ظاهرهما المفروغية من الشركة في مثله إذا كان بغير الغصب و قد تقدم في كتاب الشركة أن ظاهرهم تحققها بمزج المتفقين في الجنس أما غيره فلا، إلا أنا احتملناه هناك، لكن على معنى الشركة في الثمن على حسب نسبة قيمة المال، لا على معنى ملك كل منهما بعض ما للآخر المنافي للأصل بلا دليل. و لا بأس بالقول بمثله في المقام، و لا منافاة فيه لقواعد الغصب، إذ ليس هو من التلف الموجب للمثل، بل هو من مزج المالين الذي لا يمكن تخليص أحدهما من الآخر، و الله العالم.

[المسألة الثالثة فوائد المغصوب مضمونة بالغصب]
اشاره

المسألة الثالثة لا خلاف في أن فوائد المغصوب مضمونة بالغصب، و هي مملوكة للمغصوب منه لأنها نماء ملكه و إن كان قد تجددت في يد

ج 37، ص: 167

الغاصب أعيانا كانت كاللبن و الشعر و الولد و الثمر أو منافع كسكنى الدار و ركوب الدابة بل الإجماع بقسميه عليه، بل و على عدم الفرق أيضا في المنافع بين الفوات و التفويت.

و كذا الكلام في منفعة كل ما له اجرة بالعادة لأن المنافع محسوبة أموالا شرعا، و قبضها بقبض العين، أما إذا لم يكن لها اجرة في العادة كالغنم و الشجر و نحوهما مما لا تستأجر عادة لذلك و إن قلنا بصحة إجارتها لبعض الانتفاعات إلا أنها ليست أموالا عرفا، و الأصل البراءة، بل قد يقال بذلك حتى لو استوفاها، بأن نشر ثيابه على الشجر مثلا أو ربط دابته بأصله، نعم لو كان قد آجره لذلك كانت الأجرة للمغصوب منه بعد الإجارة، كما هو واضح.

انما الكلام فيما لو تعددت منافعه كالعبد الخياط الحائك ففي القواعد في موضع منها «و المنافع المباحة مضمونة بالفوات تحت اليد و التفويت، و لو تعددت المنافع كالعبد الخياط الحائك لزمه أجرة أعلاها، و لا تجب اجرة الكل» و في موضع آخر منها «إن الغاصب يضمن الأجرة، أي للعين المغصوبة و إن لم ينتفع بأجرة المثل عن عمل مطلق مدة الغصب، و لو انتفع بالأزيد ضمن الأزيد، و إن انتفع بالأنقص ضمن اجرة المطلق».

و في الدروس «لو استعمله بما له اجرة زائدة عن اجرة المثل المطلقة لزمه الزائد».

لكن في الروضة «لو تعددت المنافع فإن أمكن فعلها جملة أو فعل أكثر من واحدة وجب اجرة ما أمكن، و إلا كالخياطة و الحياكة و الكتابة فأعلاها اجرة، و لو كانت الواحدة أعلى منفردة عن منافع متعددة يمكن جمعها ضمن الأعلى».

و في المسالك «إن استعملها في الأعلى ضمنها، و إن استعملها في

ج 37، ص: 168

الوسطى أو الدنيا أو لم يستعملها ففي ضمان أجرة متوسطة أو الأعلى وجهان- ثم قال-: و في القواعد اعتبر في اجرة الصانع الأعلى، ثم حكم في مطلق المغصوب بضمان اجرة المثل عن عمل مطلق، و لعل المطلق شامل للأعلى، لأن المراد بأجرة المطلق أجرته لعمل يليق به عادة من غير تقييد بعمل مخصوص، كالكتابة مثلا، أو الخياطة أو ركوب الدابة أو تحميل التراب عليها أو البر، فيتناول الأعلى حيث يكون قابلا، و ربما فسر المطلق بالمتوسط، فيختلف الحكم».

و كأنه أشار بما ذكره أخيرا إلى ما في جامع المقاصد من أن المراد بالعمل المطلق المتوسط الذي لا يكون مقيدا بقيد القلة و الكثرة، و في فهم المتوسط من المطلق خفاء، إلا أن ما سيذكره في العبارة يرشد إلى ذلك، و وجه ضمانه أن المتوسط هو الغالب، فإن إدآب الأجير لنفسه فوق المعتاد نادر، كما أن الرضا بالتراخي أيضا نادر.

فان قلت: كيف وجب في المنافع أجرة الأعلى و وجب في العمل أجرة الأوسط؟

قلت: لا أولوية بالنسبة إلى المنافع للقادر عليها، فان كلا منهما ممكن على حد سواء، بخلاف العمل، فان في مراتبه تفاوتا.

ثم قال في وجه الآخر بعد تفسيره المطلق بالمتوسط أيضا: «أما الأول فلأنه قد استوفاه، فيجب بدل ما استوفاه، و أما الثاني فلأن الزائد على الأنقص قد فات، و هو محسوب على الغاصب» و اختصر في شرح العبارة الأولى على التعليل بعدم استيفاء الكل دفعة و المنفعة العليا من جملة ما فات تحت اليد، فتجب أجرتها، و المراد اجرة المثل و كأنه فهم من عبارة «أجرة المثل» ذات العمل المتحد، فلاحظ الوسط فيه، إلا أن الإطلاق يقتضي الأعم، فيمكن أن يقال: إن المراد

ج 37، ص: 169

بمطلق مثل العمل مدة الغصب هو ملاحظة أجرة المثل لتلك العين المغصوبة القابلة للانتفاع بها تلك المنافع المتعددة إن كانت من غير ملاحظة منفعة مخصوصة إن لم تكن قد استوفى الأعلى منها و إلا كان له، فان استعملت في الأدنى ضمن اجرة المطلق المزبور، كما إذا لم يستعملها، و دعوى لزوم ذلك للأعلى ممنوعة، نعم مقتضاه عدم الفرق بين العبد ذي المنافع المتعددة و غيره.

و لعله لذا أطلق في الدروس، بل لا يبعد أن يكون ذلك من الفاضل رجوعا عما ذكره أولا من ضمان الأعلى، ضرورة عدم فوات الأعلى بخصوصها، إذ هو أحد المنافع الفائتة على البدل، بل لا يبعد التقويم بما ذكرنا حتى في ذي المنافع المتعددة القابل للإتيان بها أجمع دفعة، فان ذلك أيضا أحد الأبدال، فتأمل جيدا، فإنه دقيق، و هو الأصح.

نعم يلحظ الوسط من كل منفعة الموافق للمعتاد لا النادر، كما أنه يلحظ في الدابة و غيرها أجرتها في الوقت المعتاد فعله، كالنهار دون الليل إلا أن يكون له منفعة معتادة في الليل أيضا، و بالجملة فالميزان ما عرفت، و الله العالم.

و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا غير مرة أنه لو سمنت الدابة في يد الغاصب أو تعلم المملوك صنعة أو علما فزادت قيمته ضمن الغاصب تلك الزيادة على معنى دخولها في ضمانه، كما لو كانت سمينة كذلك عند المالك.

و حينئذ فلو هزلت الدابة أو نسي المملوك الصنعة أو ما علمه فنقصت القيمة لذلك ضمن الأرش و هو التفاوت و إن رد العين على المالك، لما عرفته من ضمانه ذلك و لو للمتجدد من

ج 37، ص: 170

فعله مما يكون أثرا تابعا لعين المالك.

و لو تلفت العين قبل أن يردها يضمن قيمة الأصل و الزيادة التي هي الأرش كما في غير ذلك من الصفات التي كانت عند المالك أو تجددت عند الغاصب، و الله العالم.

[فرعان]
[الفرع الأول لو زادت القيمة لزيادة صفة ثم زالت الصفة ثم عادت الصفة و القيمة لم يضمن قيمة الزيادة التالفة]

الأول:

لو زادت القيمة لزيادة صفة كانت في يد المالك أو تجددت عند الغاصب ثم زالت تلك الصفة ثم عادت الصفة بعينها كما لو كانت كاتبا فنسي ثم تذكر، أو ذا صنعة كذلك و عادت القيمة بعودها لم يضمن قيمة الزيادة التالفة، لأنها انجبرت بالثانية فكأنها لم تزل، على أن ملاحظتها مع الموجودة حال التلف غير معقولة، ضرورة كونه بمنزلة ملاحظتها مرتين، إذ ليست هي إلا صفة واحدة، و المتجددة ليس غيرها على وجه تضم معها. اللهم إلا أن يراد ضم مقدار النقص السابق مع القيمة حال التلف، كما أنه يدفعه مع العين لو ردها.

و على كل حال فلا ضمان، للأصل و صدق الأداء لما أخذ حتى على المعنى الذي ذكرناه سابقا، و قاعدة نفي الضرر و أن الظالم لا يظلم و غير ذلك.

نعم لو نقصت الثانية عن قيمة الأولى ضمن التفاوت لعدم الجابر حينئذ للنقص الفائت، بل لعل الأمر كذلك فيما إذا لم يكن العائد

ج 37، ص: 171

عين الأول، كالسمن الذي تعقبه هزال ثم السمن على وجه عادت القيمة بالسمن الأول، بحيث لو لوحظ الأول و الحادث لم يبلغ (لم يتجاوز خ ل) القيمة المزبورة و إن كان السمن المتجدد من الله تعالى شأنه و ليس هو السمن الأول، إلا أنه لما كان فرض ملاحظته مع الأول لا يزيد في قيمة العين- بل إما القيمة واحدة أو ينقصها- لم يكن وجه لضمان الفائت الذي هو على هذا التقدير ليس بفائت.

لكن في المسالك «فيه قولان: أحدهما أنه ينجبر أيضا و يسقط الغرم كما لو أبق العبد فعاد أو جنى على عينه فابيضت ثم زال ذلك البياض، و الثاني العدم، لأن السمن الثاني غير الأول، و الأول وقع مضمونا، و الثاني تجدد هبة من الله تعالى شأنه كالأول لو كان متجددا، فلا يحصل للغاصب بسببه شي ء، و هذا أظهر».

و فيه ما عرفت، نعم هو متجه لو فرش زيادة القيمة بملاحظة التالف مع الموجود، و لا يبعد أن يكون على ذلك المدار في الانجبار و عدمه في سائر الصفات، فكل صفة ذاهبة يمكن تقديرها مع المتجددة و تزداد القيمة بذلك هي لا تنجبر بالمتجددة، و كل صفة لا يمكن تقديرها مع المتجددة أو أمكن و لكن لا تزيد بها القيمة عن المتجددة بل هي هي أو تنقص لا تضمن و تنجبر بالثانية.

و حينئذ فكل من المحكي عن صريح المبسوط و الإرشاد من إطلاق الانجبار في مثل السمن، كظاهر المصنف، لأصالة عدم الضمان، و صريح محكي التذكرة و جامع المقاصد و ظاهر الدروس من إطلاق عدم الانجبار، لأن الثاني مال متجدد للمالك و الأول مال ذاهب، و لثبوت الضمان بالهزال الأول، و لا دليل على البراءة منه، فالأصل يقتضي بقاءه، لا يخلو من نظر، لما عرفت من التفصيل المزبور الذي لا يخفى عليك ما في الأصلين

ج 37، ص: 172

المزبورين معه خصوصا الأخير الممنوع قرار الضمان فيه، بل هو متزلزل مراعى، كضمان الحيلولة و كضمان الصفة الذاهبة المحتمل عودها بعينها، كالتذكر بعد النسيان الذي لا إشكال في الانجبار فيه.

بل لا يبعد أن يقال بكون التفاوت لو دفعه إليه متزلزلا مراعى بعدم العود كالحيلولة، فلو رد العبد الذي نسي الصنعة و دفع معه الأرش ثم تذكرها و هو في يد المالك رد إلى الغاصب ما أخذ منه، فان المدار في ذلك على قاعدة نفي الضرر و الضرار التي مقتضاها ما عرفت.

(و احتمال) أن يقال: إن التالف مال قد ذهب في يد الغاصب و هو مضمون عليه، و ما تجدد نماء مال المالك هبة من الله تعالى شأنه، فلا وجه لجبره الأول، بل يأخذ الأرش منه و إن رد العبد إليه بالقيمة السابقة (يدفعه) أنه ضرر على الغاصب منفي بالقاعدة المزبورة التي لا ينافيها غصبه، فان الظالم لا يظلم، بل ليس الفرض إلا كغصب دابة هزلت و كانت قيمتها هزلة و سمينة واحدة، فإنه لا شي ء على الغاصب بلا خلاف أجده، كما تسمعه من المصنف، و قد قدمنا الكلام فيه سابقا، ضرورة كون الذاهب حينئذ لا قيمة له، فتأمل جيدا، فاني لم أجد ما ذكرناه من الضابط محررا في كلام الأصحاب.

بل لا يخلو كلام بعضهم من تشويش، كالفاضل في التذكرة الذي قد سمعت صريح المحكي عنه من عدم الانجبار في مسألة السمن، قال في العبد: «إذا مرض عند الغاصب ثم بري ء رده من غير شي ء» و هو مناف لذلك، و الله العالم.

و كيف كان فهذا كله فيما لو تجددت صفة مثل الأولى، كالسمن المفروض.

أما لو تجددت صفة غيرها مثل أن سمنت فزادت قيمتها ثم

ج 37، ص: 173

هزلت فنقصت قيمتها ثم تعلمت صنعة مثلا فزادت قيمتها ردها و ما نقص بفوات الأولى بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه بل هو مقتضى الضابط الذي ذكرناه، ضرورة زيادة القيمة بتقدير السمن الفائت مع الصفة المتجددة، فيضمنه الغاصب الذي قد فات تحت يده.

بل لو تكرر النقصان و كان في كل مرة مغايرا بالنوع للناقص في المرة الأخرى ضمن الكل، حتى لو غصب جارية قيمتها ماءة فسمنت و بلغت القيمة ألفا و تعلمت صنعة فبلغت ألفين ثم هزلت و نسيت الصنعة فعادت قيمتها إلى ماءة ردها و غرم ألفا و تسعمأة، و كذا لو علم المغصوب سورة من القرآن أو حرفة فنسيها ثم علمه حرفة أو سورة أخرى فنسيها أيضا ضمنهما.

نعم إن لم تكن مغايرة بأن كانت سورة واحدة أو حرفة واحدة مرارا و هو ينساها في كل مرة لم يضمن إلا أكثر المراتب نقصانا. و إن قال في المسالك: فيه الوجهان، كما قال في العبد: «إذا مرض ثم بري ء فزال أثر المرض ففي جبر الصحة للفائت منها وجهان: نعم، لأن الصحة الثابتة هي الأولى، و به قطع في التذكرة، و الثاني العدم، لمنع كونها الأولى، بل يكفي الشك فيستصحب حكم الضمان، و كذا الحكم فيما لو رده مريضا ثم بري ء و زال الأثر».

و قال أيضا: «لو غصب شجرة فتحات ورقها ثم أورقت، أو شاة فجز صوفها ثم نبت يغرم الأول، و لا يجبر بالثاني، لأنه غيره، بخلاف ما لو سقط سن الجارية المغصوبة ثم نبت شعرها أو امتعط (تمعط خ ل) شعرها ثم نبت، فإنه يحصل الانجبار، و الفرق أن الورق و الصوف متقومان فيغرمهما، و سن الجارية و شعرها غير متقومين، و انما يغرم أرش

ج 37، ص: 174

النقص الحاصل بفقدانهما و قد زال هكذا، قيل: و هذا يتم في الشعر، أما في السن فلا، لأن لها مقدرا في الحر، فيكون حكمها في الرق بنسبته من القيمة».

قلت: لا يخفى عليك الحال في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه من الضابط المزبور، كما أنه لا يخفى عليك خروج ضمان نحو الصوف و الورق عما نحن فيه، ضرورة كونها أعيانا مملوكة لا مدخلية للمتجدد منها في مالية الذاهب، بل و لا إطلاقه الفرق بين الشعر و السن كما تعرفه في محله إنشاء الله تعالى، فتأمل جيدا.

و لو زادت قيمة الجارية بتعلم صنعة محرمة كالغناء ثم نسيته ففي المسالك «قيل: لم يضمن النقصان، لأنه محرم و المضمون الزيادة المحترمة، و ربما احتمل هنا الغرم، لأن الواجب على الغاصب قيمتها كذلك، و لهذا لو غصب عبدا مغنيا يغرم تمام قيمته».

قلت: ينبغي الجزم بالاحتمال المزبور، و لا ينافي ذلك ما سمعته من عبارة القواعد من تقييد المنافع المضمونة بالمباحة، لأن الظاهر إرادة إخراج المنافع المحرمة كالغناء و اللعب بآلات اللهو و نحو ذلك مما هو غير زيادة القيمة بتعلم العلوم التي استعمالها محرم كالسحر و الموسيقى و غيرهما مما يزيد في القيمة معرفته و إن لم يستعمله، و لو لأنه قد يحتاج اليه على وجه لا حرمة فيه، كما هو واضح.

ج 37، ص: 175

[الفرع الثاني لا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كالسمن المفرط]

الفرع الثاني:

لا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كالسمن المفرط في الحيوان الذي لا يراد فيه ذلك إذا زال و القيمة على حالها أو زائدة بلا خلاف و لا إشكال، إذ المعتبر من هذه الصفات ماله أثر في القيمة دون غيره، من غير فرق بين الموجود حال الغصب و المتجدد، بل قد عرفت أن المدار على قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» مضافا إلى قاعدة «على اليد».

و كأنه احترز بقوله: «و القيمة بحالها» عما لو كان بعض السمن لا أثر له في القيمة و بعضه له أثر فزال الجميع، فإنه يضمن قيمة ما له أثر فيها دون ما زاد عليه، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد]

المسألة الرابعة لا خلاف و لا إشكال في أنه لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد الذي معناه عدم ترتب الأثر عليه، فيبقى حينئذ على ملك المالك، و تسميته شراء مع فساده لأعمية البيع من الصحيح و الفاسد، أو مجازا بناء على أنه حقيقة في الصحيح و إن كان هو واضح الفساد، بل مقتضاه الإجمال المقتضي لبطلان الاستدلال على نفي ما شك فيه من الشرائط و الموانع بناء على احتماله.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه أي المشتري يضمنه

ج 37، ص: 176

و ما يتجدد من منافعه أعيانا و غيرها، لأصالة الضمان المستفاد من

عموم «على اليد»(1)

و غيرها، و هو مبنى قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، مضافا إلى إقدامه على كونه مضمونا عليه لو صح البيع بمعنى أن تلفه من ماله، فيكون في فاسده كذلك. بل لا غرور فيه بالنسبة إلى ذلك في صورة علم البائع بالفساد فضلا عن غيرها.

و من هنا لم يفرقوا في الضمان المزبور بين العالمين و الجاهلين و المختلفين، و وسوسة بعض الناس في صورة العالمين أو علم البائع في غير محلها.

و كذا يضمن ما يزداد من قيمته لزيادة صفة فيه و لو متجددة في يده ثم ذهبت فنقصت قيمته. ف يرده حينئذ مع الأرش، إذ هو حينئذ كالعين المغصوبة في هذه الأحكام.

بل في المتن و غيره إن تلف في يده ضمن العين بأعلى القيم من حين قبضه إلى حين تلفه إن لم يكن مثليا لأنه من المغصوب الذي عرفت حكمه كذلك عند المصنف و غيره، باعتبار أن المالك لم يأذن في قبضه إلا على تقدير صحة البيع، فبدونه يكون موضوعا بيده بغير حق.

لكن في المسالك «هذا يتم على تفسير الغصب بأنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق، أما لو اعتبرنا العدوان لم يتم كونه غاصبا إلا بتقدير علمه بالفساد و جهل البائع، أما مع جهلهما أو جهل المشتري فليست يده يد عدوان، و الوجه حينئذ أنه يضمن القيمة يوم التلف إن لم نقل في الغاصب مطلقا كذلك، و إلا كان الحكم فيه كذلك مطلقا بطريق أولى».

و فيه أنه على تقدير العلم ليس بغاصب أيضا، لما عرفت من أنه


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 177

القاهر غيره، كما عرفت أن الوجه في ضمان الأعلى إن كان صحيح أبي ولاد(1)اختص بالغاصب، و إلا فما ذكرناه من الوجه له لا يخصه خصوصا إذا قلنا: إن وجهه الدخول في الضمان بمجرد القبض على معنى كونه مخاطبا برده أو قيمته لو تلف في كل آن، فإذا فرض حصول العليا في ذمته في آن من الآنات لا دليل على سقوطها إلا إذا رد العين نفسها، و الأمر سهل بعد ما عرفت من تحقيق الحال في المغصوب فضلا عن مفروض المقام.

و كيف كان فلا يخفى عليك أن المقام- حيث يكون الفساد من جهة كون المبيع مستحقا للغير- من مسألة تعاقب الأيدي على المغصوب التي قد عرفت تحقيق الحال فيها، كما أنه تقدم في كتاب البيع(2)جملة من أحكام المسألة.

إلا أن المصنف و غيره ذكروا ذلك منها هنا باعتبار بعض الأحكام الخاصة بها من حيث الشراء من الغاصب، فقال و لو اشترى من غاصب و لم يجز بناء على جريان الفضولي فيه ضمن العين و المنافع على حسب ما عرفت و لا يرجع على الغاصب بشي ء

إذا غرم منهما إن كان عالما ضرورة كونه كالغاصب حكما، إذا لا غرور منه.

و لكن للمالك الرجوع على أيهما شاء في المطالبة بالعين أو بدلها و منافعها و صفاتها حتى المتجدد في يد المشتري منها، لأن كلا منهما مصداق

«على اليد ما أخذت»(3)

و «المغصوب


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب- الحديث 1.
2- 2 راجع ج 22 ص 413- 416.
3- 3 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4. و سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 37، ص: 178

مردود»(1)

و غير ذلك من الأدلة كتابا(2)و سنة(3)و إجماعا بقسميه.

فان رجع على الغاصب بالبدل رجع الغاصب على المشتري الذي استقر الضمان عليه بالتلف

في يده، لعدم الغرور.

و لذلك إن رجع المالك علي ه أي المشتري لم يرجع على الغاصب بشي ء لاستقرار التلف في يده الموجب للرجوع عليه، كما أوضحناه في مسألة تعاقب الأيدي.

نعم لو كان قبل بيعه قد استوفى شيئا من المنافع أو مضى زمان يمكن استيفاء شي ء منها فيه أو نقصت في يده نقصانا مضمونا اختص بضمانه من غير أن يرجع به على المشتري ابتداء أو عودا، بل لا رجوع للمشترى على الغاصب مع علمه حتى بالثمن مع تلفه إجماعا عقوبة له.

بل في المسالك أن الأشهر عدم الرجوع به مع وجود عينه، بل ادعى عليه في التذكرة الإجماع و إن كان لا يخلو من نظر قد تقدم في كتاب البيع(4). بل عن المصنف في بعض رسائله قول بجواز الرجوع به حينئذ، بل في الروضة حكايته عنه مطلقا، بل قواه هو فيها مصرحا بأن الواقع خلاف الإجماع المزبور، بل الشهيد في اللمعة أيضا صرح بالرجوع مع بقاء العين مع العلم و الجهل، و لا ريب في قوته من حيث القواعد. هذا كله مع علمه.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 من كتاب الخمس، و فيه « الغصب كله مردود».
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 194 و سورة الشورى: 42- الآية 40 و سورة النحل: 16- الآية 126.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الغصب.
4- 4 راجع ج 22 ص 305.

ج 37، ص: 179

و إن كان المشتري جاهلا بالغصب رجع على البائع بما دفع من الثمن إن باقيا و بدله إن كان تالفا، لظهور فساد العقد الموجب لتراد العوضين.

ثم إن كانت قيمة العين بقدر الثمن فذاك، و إن كانت أزيد ففي رجوعه على الغاصب بالزيادة عن الثمن وجهان، من أن الشراء عقد ضمان، و قد شرع فيه على أن يكون العين من ضمانه و إن كان الشراء صحيحا، و من دخوله على أن يكون المجموع في مقابلة الثمن، و هو يقتضي كون الزائد عليه في معنى التبرع به و إعطائه إياه بغير عوض، فأخذ (فإذا أخذ خ ل) منه عوضه فيرجع (رجع خ ل) به.

و في المسالك «و هذا قوى، و لا يمنع من ذلك كون البيع عقد ضمان، لأنه إن كان المراد من كونه عقد ضمان أنه إذا تلف المبيع عنده تلف من ماله و استقر عليه الثمن فهذا مسلم، و لكن لم يكن شارعا فيه على أن يضمن القيمة، و معلوم أنه لو لم يكن المبيع مغصوبا لم يلزمه شي ء بالتلف، غايته أن يكون ما قابل الثمن من المبيع مأخوذا بعوضه و الباقي سالم له بغير عوض، فكان الغاصب غارا موقعا إياه في خطر الضمان، فليرجع عليه، و إن كان المراد غيره فلم قلتم: إن الشراء عقد ضمان مطلقا، و حينئذ فإن رجع المالك على المشتري جاهلا بعوض المبيع لم يرجع به على الغاصب البائع إن لم تزد قيمته عن الثمن، و إن رجع به على الغاصب رجع به على المشتري، و إن رجع بالزيادة على المشتري رجع بها على الغاصب، و إن رجع بها على الغاصب لم يرجع بها على المشتري، و يظهر من إطلاق المصنف عدم رجوع المشتري بالدرك مثلا أو قيمة، و من تعليله بكون قبضه مضمونا عدم رجوعه بالزائد، و قد عرفت جواب التعليل».

قلت: الظاهر صحة إطلاق المصنف و للمالك مطالبته بالدرك

ج 37، ص: 180

إما مثلا أو قيمة، و لا يرجع بذلك على الغاصب، لأنه قبض ذلك مضمونا، و لو طالب الغاصب بذلك رجع الغاصب على المشتري الذي هو غير مغرور بالنسبة إلى ذلك، و يده يد ضمان للشي ء مثلا أو قيمة لو فسد البيع بفساد صيغة و نحوها، كما لا إشكال في عدم رجوعه به، و هذا معنى إقدامه على كون العين مضمونة عليه، لا ما ذكره.

و ما في الروضة- من أن ضمانه للمثل و القيمة أمر زائد على فوات العين الذي قد قدم على ضمانه و هو مغرور من البائع بكون المجموع له بالثمن، فالزائد بمنزلة ما رجع عليه به، و قد حصل في مقابلته نفع بل أولى- لا محصل له، خصوصا قوله: «فالزائد» إلى آخره. بناء على عدم رجوعه بمثله.

ثم قال: «هذا إذا كانت الزيادة على الثمن موجودة حال البيع، أما لو تجددت بعده فحكمها حكم الثمرة، فيرجع بها أيضا كغيرها مما حصل له نفع في مقابله على الأقوى، لغروره و دخوله على أن يكون ذلك له بغير عوض».

و هو مثل سابقه أيضا، ضرورة كون الاقدام المزبور إنما هو على تقدير صحة البيع لا مطلقا، إذ هو معنى كون البيع عقد ضمان كما عرفت، و دعوى أن الفعل نفسه غرور ممنوعة بعد ما عرفت من كون مبناه كذلك نحو الفساد بغير ذلك من الخلل في الشرائط الذي لا كلام عندهم في ضمان المشتري المبيع بزيادة قيمته حتى مع علم البائع بالفساد دون المشتري و إن وسوس فيه بعض الناس لكنه في غير محله.

و احتمال الفرق بأن ذلك إنما نشأ من الجهل بالحكم الشرعي الذي لا مدخلية فيه للبائع بخلاف المقام الذي منشأه الجهل بالموضوع، و الفرض علم البائع به دونه.

ج 37، ص: 181

يدفعه (أولا) أن المسألة عندهم عامة لما إذا كان البائع عالما أو لا و إن فرضت في المقام مخصوصة. (و ثانيا) مبني الضمان عندهم أن فعل البائع من التسبيب الذي ترتب عليه فعل المشتري، سواء كان البائع عالما أولا، كتسبيب حفر البئر للتردي فيها و إن لم يقصد الحافر ذلك و لا علمه.

و فيه إمكان منع التسبيب المقتضي للضمان فضلا عن كون القرار عليه، خصوصا بعد ملاحظة ما ذكرنا من أن مقتضى الاقدام على المعاوضة ذلك، فتأمل جيدا، و الله العالم.

هذا كله بالنسبة إلى الثمن. و أما ما يغترمه (ما يغرمه خ ل) المشتري مما لم يحصل له في مقابلته نفع كالنفقة و العمارة إذا نقضها المالك فله الرجوع به على البائع الذي هو الغاصب، لأنه دخل على أن يكون ذلك له بغير غرم، و إنما جاء الضرر من تغرير الغاصب، و كذا القول في أرش نقصانه، و ظاهرهم عدم الخلاف فيه، معللين له بالغرور الذي هو من السبب المقتضي للضمان مقدما على غيره مما هو أضعف منه.

و هو إن تم إجماعا فذاك، و إلا كان للنظر فيه مجال لا يخفى عليك وجهه بعد الإحاطة بما ذكرناه من منع مثله سببا يقتضي الضمان على وجه يقدم على مباشرة المشتري، مضافا إلى اقتضاء معنى كون البيع عقد ضمان على الوجه الذي ذكرناه ذلك أيضا، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و من ذلك ما لو كان المبيع جارية ف أولدها المشتري كان الولد حرا قطعا، لأنه ولد شبهة من الحر، فيلحق بأبيه و إن غرم قيمة الولد للمالك باعتبار أنه نماء ملكه و قد أتلفه عليه.

ج 37، ص: 182

و لكن يرجع بها على البائع الغاصب كما صرح به في الموثق(1)و لأنه أقدم على أن يسلم له الولد حرا من غير غرامة.

و الكلام في تخيير المالك كغيره من مسائل الغرور. فقيل: لا يرجع المالك إلا على الغاصب باعتبار كونه الغار. و قيل في هذه: له مطالبة أيهما شاء، لكن لو طالب المشتري المغرور رجع بها على البائع الغاصب الغار و لو طالب البائع لم يرجع بها على المشتري لأن قرار الضمان عليه، لأنه أقوى.

و فيه احتمال آخر و هو- كما في المسالك- إلحاق عوض الولد بما حصل له نفع في مقابلته كالمهر، لأن نفع حرية الولد يعود إليه.

و يمكن أن يريد به احتمال عدم التخيير، بل يتعين رجوع المالك ابتداء على البائع بناء على كونه الغار، نحو ما سمعته فيمن قدم إلى غيره طعام الغير و أكله، و الأمر سهل خصوصا بعد ما عرفت من أن الأصح في تلك التخيير.

أما ما حصل للمشتري في مقابلته نفع كسكنى الدار و ثمرة الشجر و الصوف و اللبن فقد قيل: يضمنه الغاصب لا غير، لأنه سبب الإتلاف، و مباشرة المشتري مع الغرور ضعيفة، فيكون السبب أقوى، كما لو غصب طعاما و أطعمه المالك الذي قد عرفت الكلام فيه سابقا.

و قيل: له إلزام أيهما شاء، أما الغاصب فلمكان الحيلولة، و أما المشتري فلمباشرة الإتلاف، فإن رجع على الغاصب رجع على المشتري لاستقرار التلف في يده، و إن رجع على المشتري لم يرجع على الغاصب لما عرفت من كون قرار الضمان عليه، و هو المحكي عن الشيخ و ابن إدريس.

و الأول أشبه (11) عند المصنف هنا و في كتاب التجارة و محكي


1- 1 الوسائل- الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- الحديث 5 من كتاب النكاح.

ج 37، ص: 183

التنقيح، لقوة السبب على المباشر، بل لو قلنا بجواز رجوع المالك على المشتري باعتبار حصول التلف في يده كان له الرجوع على الغاصب للغرور. فإنه أقدم على أن تكون هذه المنافع له مجانا من غير دفع عوض فهو كما لو قدم إليه طعام الغير و أكله فرجع المالك عليه.

لكن لعل خلافهم هنا يومئ الى عدم تحقق قاعدة الغرور في المقام، و إلا فلا مدخلية لحصول النفع في مقابلته، إذ ليس هو بأعظم من أكل المغرور الطعام الذي قدم اليه، و مع ذلك جزموا بكون الضمان أو قراره على الغار.

و لعله لذا قال في الرياض: «و القول بعدم الرجوع أوفق بالأصل مع عدم معلومية صلوح المعارض للمعارضة، بناء على عدم وضوح دليل على ترتب الضمان على الغار بمجرد الغرور و إن لم يلحقه ضرر، كما فيما نحن فيه بمقتضى الفرض، لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما غرمه، و الإجماع على هذه الكلية غير ثابت بحيث يشمل مفروض المسألة، نعم ربما يتوجه الرجوع حيث يتصور له الضرر بالغرور، كما إذا أخذت منه قيمة المنافع أزيد مما يبذله هو في مقابلتها من غير ملكه و نحو ذلك» و إن كان ما ذكره لا يخلو من نظر، ضرورة عدم مدخلية التضمين بقاعدة الغرور في حصول الضرر و عدمه، بل هو من باب قوة السبب على غيره و لو المباشرة.

نعم إنما المتجه ما ذكرناه من منع تحقق الغرور الذي يترتب عليه الضمان، إذا المسلم منه ما يترتب فعل الغير على فعله من حيث المجانية ابتداء، كالإباحة و الهبة و العارية و نحوها، بخلاف ترتب فعل المشتري هنا على زعم كونه مالكا الحاصل من وقوع عقد البيع مع البائع، خصوصا مع جهل البائع بالحال كالمشتري، فتأمل.

ج 37، ص: 184

و لو كان المغصوب جارية بكرا فافتضها المشتري فرجع عليه بالعوض ففي المسالك في رجوعه به الوجهان، لحصول نفع في مقابلته، و أولى بعدم الرجوع هنا لو قيل به ثم، لأنه بدل جزء فيها أتلفه، فأشبه ما لو قطع عضوا من أعضائها، و أما المنافع التي لم يستوفها و فاتت تحت يده فيرجع عليه بها ففي حكم ما لم يحصل له في مقابلته نفع و أولى بالرجوع، لأنه لم يتلف و لا شرع في العقد على أن يضمنها.

قلت: لا يخفى عليك وجه الكلام في الأخير بعد الإحاطة بما ذكرناه إن لم يكن إجماعا و الظن بعدمه، فإن ملاحظة اختلافهم في مسألة الزيادة و مسألة ما كان له نفع في مقابله و مسألة حرية الولد و عدم خلافهم في الرجوع فيما يغرمه من النفقة و العمارة و فيما لا نفع له في مقابلة ما فات تحت يده و غير ذلك تقتضي عدم تنقيح المسألة عندهم على وجه تكون إجماعية، و إن أمكن وجه الفرق بين مسألة الزيادة و الغرامة بأن الزيادة من مقتضى ضمان المعاوضة الذي أقدم عليه، فلا رجوع له بها، بخلاف الغرامة، فإنه خارجة عن المعاوضة، و إنما تترتب على إيقاع البائع البيع، كتقديم الطعام للأكل، و إن كان فيه ما فيه أيضا كما لا يخفى عليك بعد التأمل فيما ذكرناه، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو غصب مملوكة فوطأها فإن كانا جاهلين بالتحريم لزمه مهر أمثالها]

المسألة الخامسة التي تقدم في كتاب البيع(1)و النكاح(2)تفصيل الكلام فيها، و لكن لا بأس بإعادته على الاجمال هنا، فنقول لو غصب


1- 1 راجع ج 24 ص 225- 228.
2- 2 راجع ج 30 ص 222.

ج 37، ص: 185

غاصب مملوكة فوطأها فإن كانا معا جاهلين بالتحريم للجهل بتحريم الزنا مطلقا، أو لتوهم حلها خاصة، لدخولها بالغصب في ضمانه، و إن كان لا تقبل دعواهما ذلك إلا مع احتمالها، للقرب من عهد الإسلام، أو للتولد في موضع بعيد منه، أو لقصور في معرفة ذلك أو لظن أنها جاريته و أنه سيدها، أو لغير ذلك لزمه مهر أمثالها كما عن المبسوط و السرائر و التحرير و جامع المقاصد و

غيرها للشبهة المقتضية ضمان قيمة منفعة البضع المقدرة بذلك بعد عدم التقدير شرعا.

و قيل كما عن بعض أصحابنا على ما في محكي السرائر:

عشر قيمتها إن كانت بكرا، و نصف العشر إن كانت ثيبا بل هو خيرة الإرشاد و الدروس هنا، بل قد تقدم في كتاب النكاح(1)ما يستفاد منه قوته، للنصوص المستفيضة حد الاستفاضة أو متواترة التي فيها الصحيح و غيره المشتملة على التعليل المستفاد منه عدم الاختصاص في المورد و على التفصيل الذي يحكم به على المطلق منها.

قال ابن سنان في الصحيح(2): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

عن رجل اشترى جارية لم يعلم بحبلها فوطأها، قال: يردها على الذي ابتاعها، و يرد عليه نصف عشر قيمتها، لنكاحه إياها».

و في الكافي و في رواية اخرى(3)«إن كانت بكرا فعشر قيمتها و إن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها».

و في حسن عبد الملك بن عمر(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام)


1- 1 راجع ج 30 ص 222.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 1 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 4 من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 3 من كتاب التجارة.

ج 37، ص: 186

«يرد الحبلى و يرد معها نصف عشر قيمتها»

و نحوه خبر فضيل(1)و سعيد بن يسار(2).

و ما

في التهذيب(3)- من رواية حسنة أخرى لعبد الملك عنه (عليه السلام) أيضا «في الرجل يشتري الجارية و هي حبلى فيطؤها، قال: يردها و يرد عشر ثمنها إذا كانت حبلى»

- محمول على الغلط من الراوي أو الناسخ بإسقاط لفظ «نصف» ليطابق غيره.

و في

خبر طلحة بن زيد(4)«إذا اغتصب الرجل أمة فاقتضها فعليه عشر ثمنها، فان كانت حرة فعليه الصداق».

و في الصحيح(5)سأل الصادق (عليه السلام) «أ رأيت إن أحل جارية لأخيه ما دون

فرجها فغلبته الشهوة فاقتضها؟ قال: يغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا، و إن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها».

و في

صحيح ابن صبيح(6)«في رجل تزوج امرأة فوجدها أمة دلست نفسها- إلى أن قال (عليه السلام)-: و لمواليها عشر قيمتها إن كانت بكرا، و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها»

إلى غير ذلك من النصوص المذكورة في كتاب النكاح(7)و وطء أحد الشريكين في البيع(8).


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب- الحديث 8 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب- الحديث 9 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب- الحديث 7 من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب المهور- الحديث 2 من كتاب النكاح.
5- 5 الوسائل- الباب- 35- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- الحديث 1 من كتاب النكاح.
6- 6 الوسائل- الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- الحديث 1 من كتاب النكاح.
7- 7 راجع ج 30 ص 218- 228 و 366- 372.
8- 8 راجع ج 24 ص 243- 245.

ج 37، ص: 187

بل حكيت الشهرة على هذا القول مستفيضا فيما إذا ظهر استحقاق الأمة الموطوءة، بل عن صريح خلاف الشيخ و ظاهر إيضاح النافع الإجماع عليه.

فمن الغريب بعد ذلك دعوى أن القول المزبور في غاية الضعف، و أن دليله في غير مورد البحث، بل من النصوص المزبورة يستفاد ضعف القول بمهر المثل إن لم يكن المراد به المذكور في النصوص المزبورة.

كما أن منها يستفاد ضعف القول الآخر الذي أشار إليه المصنف بقوله:

و ربما قصر بعض الأصحاب هذا الحكم أي مهر المثل أو العشر و نصفه على الوطء بعقد الشبهة دون الوطء بغيره، لأن منفعة البضع لا تضمن بدونه، كما يظهر في الزانية، و كأنه من الاجتهاد في مقابل النص و الفتوى بل الإجماع.

كما أن الظاهر من النصوص المزبورة عدم عشر آخر عوض البكارة التي أزيلت بالوطء المشتمل على استيفاء منفعة البضع و جناية زوال البكارة.

و لعله لذا قال بعضهم بوجوب عشر آخر مضافا إلى وجوب العشر لو اقتضها بالإصبع، فلو اكتفي به في الوطء أيضا كان الانتفاع بالوطء بغير عوض. إلا أن ذلك كما ترى كالاجتهاد في مقابلة النص أو الظاهر كالنص المعتضد بالأصل و غيره.

و من هنا استظهر في الدروس بالتداخل على تقدير وجوب العشر دون مهر المثل، قال: «و لو كانت بكرا فعليه مع المهر أرش البكارة إن قلنا بمهر المثل، و إن قلنا بالعشر فالظاهر التداخل».

و لعله لظهور نصوص العشر فيه، بخلاف مهر المثل الذي مستنده على القول به القاعدة التي لا يدخل فيها أرش الجناية.

ج 37، ص: 188

لكن قد يناقش (أولا) بظهور نصوص أخر(1)فيه كالعشر قد تقدمت في المباحث السابقة. و (ثانيا) بأن مهر المثل ملحوظ فيه أرش البكارة كما في الحرة التي لا أجد أحدا- ممن يعتد به- ذكر فيها أرش الجناية مضافا إلى المهر، و حينئذ ف يدخل فيه دية البكارة.

نعم لو اقتضها بإصبعه لزمه دية البكارة و هي العشر أو التفاوت أو أكثر الأمرين، و هو الأصح كما سمعته سابقا في جناية الغاصب.

و لو وطأها مع ذلك لزمه الأمران لأنهما حينئذ سببان مستقلان، و الأصل عدم تداخلهما، كما جزم بذلك كله في التحرير و غيره قال: «و لو اقتضها بإصبعه لزمه أرش البكارة، فإن وطأها بعد ذلك لزمه الأمران، و لو ذهبت البكارة بالوطء لم يجب أكثر من المهر أو العشر».

و من ذلك يعرف النظر فيما في المسالك، حيث إنه بعد أن ذكر وجه وجوب الأمرين في الاقتضاض بالإصبع ثم الوطء قال: «و ذهب جماعة منهم العلامة في التحرير و الشهيد في الدروس إلى التداخل، لأن البكارة ملحوظة على تقدير وجوب المهر أو العشر، و يزيد باعتبارها الواجب، و لو وجب أرش البكارة منفردا لزم وجوب مهر ثيب لا بكر كما لو اقتضها بإصبعه ثم وطأها، فلا وجه للجمع بينهما، و أجيب بأن ملاحظة البكارة في مهر المثل أو العشر لا يقتضي التداخل، لأن ملاحظتها من حيث إن وطء البكر خلاف وطء الثيب، فملاحظتها باعتبار الوطء لا باعتبار الجناية، فلا بد للبكارة من شي ء زائد، و هو عشر آخر على قول أو أرش نقصان قيمتها عن حالة البكارة إلى الثيبوبة نظرا إلى نقصان (نقص خ ل) المالية».


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب حد الزنا- من كتاب الحدود و التعزيرات.

ج 37، ص: 189

و فيه (أولا) أنك قد سمعت ما في التحرير و الدروس من التداخل في الوطء دون الفرض الذي لم يحضرني أحد قال بالتداخل فيه، بل و لا وجه معتد به له، و يمكن أن يكون نص المصنف و غيره عليه للتنبيه على خلاف بعض العامة.

و (ثانيا) أن ما ذكره من عدم التداخل في صورة الوطء و إن كان هو المحكي عن المبسوط و التذكرة و جامع المقاصد و بيع الروضة و محتمل السرائر لما ذكره من التعليل إلا أنك عرفت ظهور النصوص على كثرتها في عدم وجوب شي ء غير العشر أو مهر المثل، خصوصا مع ملاحظة أنها في مقام البيان، بل يمكن أن يكون من قبيل الاجتهاد في مقابلة النص.

نعم بقي شي ء في مفروض المسألة، و هو احتمال استحقاق مهر البكر و إن كان وطؤها بعد الاقتضاض بالإصبع، بناء على أن المراد من البكر هي التي لم توطأ و إن ذهبت بكارتها بإصبع و نحوه، إلا أن المنساق إلى الذهن خلافه، فتستحق حينئذ في الفرض أرش البكارة و مهر الثيب:

نصف العشر أو غيره.

و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرناه أن القول بالتداخل في زوال البكارة بالوطء لذلك لا يقتضي القول به في مفروض المسألة، و هو واضح.

كما أن منه يعلم عدم وجوب أكثر الأمرين به من العشر و التفاوت و إن قلنا به في غير ذلك من جناية الغاصب فيما له مقدر، للنصوص التي منها المشتمل على الغصب و ما في معناه المقتصر على وجوب العشر(1)فما في القواعد- من احتمال ذلك بل عنه في المختلف الفتوى به- لا يخلو من نظر، نعم هو كذلك فيما لو اقتضها بإصبعه، كما أشرنا إليه سابقا.


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب المهور- الحديث 2 و الباب- 35- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- الحديث 1 و الباب- 67- منها- الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 37، ص: 190

بل الظاهر وجوب العشر أيضا لو وطأها بالعقد بزعم الصحة، لما سمعته من كون المستفاد من النصوص(1)على كثرتها أن ذلك هو المقدر لها في كل وطء محترم لم يثبت له مسمى، و خصوص خبر المدلسة(2).

فما في القواعد من احتمال وجوب الأكثر في العقد في غير محله، قال فيها: «فلو وطأ الجارية جاهلين بالتحريم فعليه مهر أمثالها، أو عشر قيمتها مع البكارة و نصفه مع الثيبوبة، و يحتمل مع البكارة الأكثر من الأرش و العشر، و مع العقد الأكثر من الأرش و العشر و مهر المثل» و إن كان في قراءة «مهر المثل» بالرفع أو الجر إشكال؛ إلا أن الظاهر الأول، فيكون احتمالا مستقلا، لا أنه داخل في الأكثر.

و على كل حال فالتحقيق ما ذكرناه من وجوب العشر مطلقا، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أن عليه اجرة مثلها من حين غصبها إلى حين عودها نعم في جامع المقاصد و المسالك تقييد ذلك بغير زمن الوطء الذي قد ضمن فيه منفعة البضع.

و فيه- مع قصور الزمن المزبور بحيث لا يقدح في تقويم اجرة مثلها- أنه يمكن أن

يكون لها منفعة تجامع الوطء، فيضمنها أيضا.

ثم الكلام فيما لو تعددت منافعها على وجه يمكن جمعها أو لا يمكن كالكلام السابق، و ربما كان في إطلاق المصنف و غيره هنا اجرة المثل إيماء إلى اعتبار الأعلى إذا لم يكن قد استوفاه، و دعوى انطباق اجرة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب- من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 37، ص: 191

المثل عليه ممنوعة. كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و لو أحبلها لحق به الولد للشبهة بلا خلاف معتد به، بل عن الخلاف و المبسوط الإجماع على ذلك في مسألة ظهور استحقاق الأمة الموطوءة في باب البيع.

فما عن المقنعة و النهاية- من الحكم برقية الولد إلا أن يرضيه الأب عنه بشي ء- شاذ أو يريدان ما ذكره المصنف و غيره من أن عليه قيمته يوم سقط حيا بل لا أجد فيه خلافا، لا لأنه وقت الحيلولة بين مولى الأمة و بين ما هو من نمائها و تابع لها، فيقوم حينئذ دقيقا و تدفع قيمته للمولى، كما علله به غير واحد، إذ هو كما ترى، بل للنصوص المستفاد منها ذلك، و لولاها لأشكل الحال في أصل ضمانه، لأنه حر و لم يكن مالا للمالك، و قد حال الغاصب بينه و بين صاحبه.

و دعوى أن المراد بالحيلولة هو أنه لولا أنه مشتبه يلحق به الولد لكان ملكا للمولى واضحة الفساد. نعم قد يقال بضمان الغاصب بتفاوت قيمة الجارية بذلك لا قيمة الولد، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة، و تظهر ثمرة ذلك فيما تسمعه من عدم الضمان لو سقط ميتا و غيره، و الله العالم.

و كذا يضمن الغاصب أرش ما ينقص من الأمة بالولادة بلا خلاف و لا إشكال، لما عرفت من ضمان ذلك كله على الغاصب، و هو واضح.

و لو سقط ميتا قال الشيخ رحمه الله في محكي المبسوط:

لم يضمنه الغاصب لعدم العلم بحياته و تبعه في التحرير و الدروس.

ج 37، ص: 192

و فيه إشكال ينشأ من تضمين الأجنبي لو أسقطه مع أن الأصل أيضا عدم حياته.

و لكن فرق الشيخ بين وقوعه بالجناية و بين وقوعه بغير جناية قال ما لفظه: «لو أحبلها الغاصب جاهلا بالتحريم ثم ولدته ميتا لم يضمن الغاصب قيمة الولد، لأنه لا يعلم كونه حيا قبل هذا، و لأنه ما حال بينه و بين سيده في وقت التصرف، و لو ضربها أجنبي فألقت الجنين ميتا فعلى الضارب الضمان، لأن الإلقاء عقيب ضرب بطنها مسقط للولد غالبا، بخلاف ما إذا سقط لنفسه، لأن الأصل الموت حتى يعلم غيره».

و ظاهره التردد في الفرق، بل هو صريح كلامه الآتي، و مثله الفاضل في القواعد، بل عن غير واحد الجزم بضعفه، باعتبار أن عدم العلم بحياته ثابت على التقديرين، مع أنه لا يتم إطلاقه مع العلم بحياته و لو بولادته بعد الأربعة أشهر أو الخمسة، بناء على ما في النصوص(1) من ولوج الروح فيه حينئذ، أو لغير ذلك من ولادته كامل البدن على وجه يظهر منه أنه كان حيا، خصوصا مع الحركة و نحوها.

كما أنه لا يتم أيضا بالنسبة للجاني، ضرورة أعمية الجناية من الحياة، فإنها قد تكون في حال العلم بعدم ولوج الروح فيه، و لذا كان المحكي عنه في الديات الضمان بها مطلقا على وجه يظهر منه المفروغية من ذلك أو الإجماع عليه، كنسبة الحلي له إلى الروايات.

و من ذلك يعلم كون التعليل المزبور منه تقريبا لا تحقيقا، فلا وجه للإيراد عليه، بل يحتمل كون مراده تنزيل الجناية

منزلة الحياة بالنسبة إلى الضمان، و إلا فلا فرق بين السقوط من دون جناية، و معها بالنسبة


1- 1 الكافي ج 6 ص 13.

ج 37، ص: 193

للحياة و الموت، نعم يتجه الفرق بينهما بثبوت الدليل على الجناية من إجماع أو نصوص أو غيرهما من غير فرق بين العلم بولوج الروح فيه و عدمه، بل حتى لو علم عدم ولوجها فيه، بخلاف السقوط.

و احتمال أن ضمانه هنا لأن يد الغاصب يد ضمان يدفعه أنه حر لا يدخل تحت اليد، و لا يرد ضمان الغاصب إياه بجناية الأجنبي لدليله إن كان، و إلا أشكل الرجوع على الغاصب، لعدم كونه جانيا و عدم يد ضمان له عليه، نحو ما قاله بعضهم من عدم رجوع المالك بالمهر على من غصب جارية و باعها فوطأها المشتري، لعدم الاستيفاء منه و عدم دخول البضع تحت اليد، بل هذا اولى.

بل إن لم يكن دليل على ذلك أشكل أصل رجوع المالك، لأنه انعقد حرا، فليست ديته إلا للغاصب، و دعوى أن القاعدة ضمان يد الغاصب كل ما يضمن بجناية جان يدفعها أنه بعد انعقاده حرا ليس من المغصوب في شي ء.

كما أن ضمان القيمة يوم الولادة للنص(1)و الفتوى لا يقتضي الضمان مع السقوط ميتا، و الفرض انعقاده حرا. فما في الإرشاد و جامع المقاصد و المسالك من ضمان الغاصب دية جنين أمة لا يخلو من نظر حينئذ، على أن المتجه حينئذ ضمانه مقدر الحياة، كما لو ولد مريضا، و خصوصا إذا كان سقوطه ميتا في زمن الولادة.

و من هنا قيل: إن الذي صرحت به عباراتهم و أفصحت به رواياتهم في باب الديات أن جنين الأمة إذا لم تلجه الروح أو لم تعلم حياته له مقدر شرعا، و هو عشر قيمة أمه وقت الجناية، و إن ولجته الروح فقيمته يوم سقط حيا.


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- الحديث 5 من كتاب النكاح.

ج 37، ص: 194

و حينئذ ففي الفرض لو ضربها أجنبي فسقط جنينها ضمن الضارب للغاصب دية جنين حر لأن الولد محكوم بحريته للشبهة و ضمن الغاصب للمالك دية جنين أمة قيل: لأنه ضامن للمالك قيمته على تقدير كونه مملوكا، كما لو ولد حيا.

و في المسالك «و لا يتوقف مطالبته بحقه على أخذ الغاصب حقه من الجاني، بل كل

واحد من الحقين متعلق بذمة غريمه من غير تقييد بالآخر».

و قد يظهر من هذه العبارة بل و عبارة المتن و غيره أنه لا تخيير للمالك في الرجوع هنا على الجاني و الغاصب، و إنما يتعين حقه على الغاصب خاصة، و لعله لما عرفت من أن مقتضى القواعد اختصاص حق الجناية بالغاصب، لأنه انعقد حرا، فلا حق للمالك عليه إلا أن يكون هناك دليل مخصوص فيتبع، و لعله خاص بالرجوع على الغاصب كما هو ظاهر من عرفت، لا أقل من أن يكون ذلك هو المتيقن منه إن كان إجماعا أو استظهارا مما ورد(1)في ضمانه لو ولد حيا أو غير ذلك.

بل المتجه بناء على ما سمعته منهم التفصيل بين ولوج الروح و عدمه فيضمن الغاصب في الأول قيمته يوم سقوطه مفروض الحياة، و في الثاني دية جنين، فتأمل جيدا، فان كلامهم في المقام لا يخلو من تشويش.

و لو كان الجاني هو الغاصب ففي المسالك «ضمن للمالك دية جنين أمة، و باقي دية جنين الحرة للإمام؛ لأن القاتل لا يرث، و الأمة رقيقة لا ترث» و الله العالم. هذا كله في الجاهلين.

و لو كان ا أي الغاصب و الأمة عالمين بالتحريم فللمولى المهر و الولد و الأرش إن أكرهها الغاصب على الوطء بلا خلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 37، ص: 195

و لا إشكال، بل في المسالك الاتفاق عليه و عليه أي الغاصب الحد لكونه زانيا.

و إن طاوعت حد الواطئ بل هما معا و لا مهر في المشهور، للأصل و

النبوي(1)«لا مهر لبغي»

الذي لا وجه للبحث في سنده بعد أخذ الأصحاب له مسلما، و لا في دلالته على المطلوب بعد العموم اللغوي المحتاج في تقييده بالحرة إلى دليل، و إطلاق لفظ المهر لا يقتضي ذلك و إن اختصت اسم المهيرة بالحرة، لكن من الشائع أيضا في النص(2)و الفتوى إطلاقه على عوض بضع الأمة، فيقال: مهر الأمة، و أن لها مهر، أو مهرها عتقها، و غير ذلك.

و كون اللام للتمليك أو الاختصاص أو الاستحقاق و الثلاثة منتفية عن الأمة لا ينافي انسياق إرادة ما ثبت بسبب وطئها،

سواء كان لها أو لغيرها أي مولاها، نحو ما يقال: الأجرة للدار أو للدابة.

و دعوى أن زناها لا ينافي ثبوت حق المالك من حيث المالية يدفعها أن مالية البضع لا تخلو من شائبة التعبد، و لذا لا يثبت عوضه على حسب غيره من المنافع، بل لا بد له من ضابط خاص، فلا يثبت حينئذ إلا حيث يثبته الشارع.

و قيل و إن كنا لم نعرف القائل قبل المصنف يلزمه عوض الوطء، لأنه للمالك نعم هو خيرة الفاضل في التذكرة و المختلف و ثاني الشهيدين في بيع الروضة و رهنها، بل مال إليه أولهما في الدروس،


1- 1 لم نعثر على هذا اللفظ بعد التتبع في مظانه، و إنما الموجود في سنن البيهقي ج 6 ص 6 « نهى النبي ص عن مهر البغي» و « لا يحل. و لا مهر البغي» و أنه« سحت» أو« خبيث».
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.

ج 37، ص: 196

بل هو ظاهر إطلاق بيع اللمعة.

و لا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب التي منها أصل البراءة المعتضد بما سمعت السالم عن معارضة ما عرفت، إلا أنه قد يستفاد من الصحيحتين السابقتين(1)ثبوته للمولى و لو من ترك الاستفصال و نحوه.

إلا أن تكون بكرا، فيلزمه أرش البكارة بلا خلاف أجده فيه، بل عن فخر الإسلام

الإجماع عليه، لأنها جناية، و كل جناية مضمونة على الغاصب، بل لو زالت بكارتها في يده بغير ذلك ضمنها أيضا، و نفي المهر لها لا ينافي ثبوت ذلك لها، و إن كان لم يظهر له فائدة بناء على أن أرش البكارة عشر قيمتها، و هو المقدر لها مهر، فمع فرض زناها و قلنا لا مهر لمولاها لأنها بغي كان له أخذ العشر من حيث الجناية بزوال البكارة.

و لكن قد يشكل ذلك بما سمعته سابقا من ظهور النصوص(2)في دخول أرش البكارة في المهر بناء على أنه العشر، فمع فرض إسقاطه من الشارع لكونها زانية يتبعه هو أيضا في السقوط، فتأمل جيدا.

و لو حملت لم يلحق به الولد و كان رقا لمولاها بلا خلاف بل و لا إشكال، لأن الفرض كونه زانيا، فليس له إلا الحجر و كذلك هي، إلا أنه يبقى كونه نماء للمالك فيملكه حينئذ من هذه الجهة كولد البهيمة من حيث النسبة.

كما أنه لا خلاف و لا إشكال في أنه يضمن الغاصب ما ينقص بالولادة كما في كل عين مغصوبة.


1- 1 في ص 186.
2- 2 المتقدمة في ص 185 و 186.

ج 37، ص: 197

و لو مات ولدها في يد الغاصب ضمنه ضرورة كونه مغصوبا كأمه.

و لو وضعته ميتا ففي ما حضرنا من نسخ المتن قيل:

لا يضمن، لأنا لا نعلم حياته قبل ذلك، و فيه تردد لكن في المسالك «أن المصنف جزم هنا بضمانه» و لعله عثر على نسخة اخرى، بل لعلها هي الأصح، ضرورة كون الجنين في الفرض مملوك كحمل البهيمة، فيكون مضمونا على الغاصب، و الحمل الذي لم تلجه الروح أو لم نعلم حياته له قيمة شرعا، و هو العشر فيضمنه.

هذا و لكن في القواعد «و لو وضعته ميتا فالإشكال كما تقدم» و مقتضاه اتحاد المسألتين، و في جامع المقاصد «و ربما رجح الضمان هنا بأن التقويم في الأول إنما هو بعد وضعه حيا بخلافه هنا، و لا أثر له، لأن المراد التقويم المخصوص، لا وجوب دية الجنين الذي يراد وجوبه في الموضعين».

قلت: و لا يخفى عليك وضوح الفرق بين المسألتين، و من الغريب ما في التحرير و الدروس و محكي المبسوط من الجزم بأنه لا شي ء عليه، إذ هو كما ترى.

و على كل حال ف- لو كان سقوطه بجناية جان لزمه دية جنين الأمة على ما يذكر في الجنايات.

و لو كان الغاصب عالما و هي جاهلة لم يلحق به الولد لكونه زانيا و وجب عليه الحد و المهر بلا خلاف و لا إشكال.

و لو كان بالعكس أي هو جاهل و هي عالمة لحق به الولد و سقط عنه الحد. و أما المهر ففيه البحث السابق و عليها الحد (11) لأنها زانية، و الله العالم.

ج 37، ص: 198

[المسألة السادسة إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه الزرع و الفرخ للغاصب]

المسألة السادسة:

إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه قيل و القائل الشيخ في المحكي من غصب خلافه و مبسوطة و ابن حمزة في الوسيلة الزرع و الفرخ للغاصب محتجا عليه بأن عين المغصوب قد تلفت، فلا يلزم الغاصب سوى قيمتها أو مثلها، بل عنه في الخلاف من يقول: إن الفرخ عين البيض و أن الزرع هو عين الحب مكابر، بل المعلوم خلافه.

و قيل و القائل الأكثر، بل في الدروس أنه فتوى من سبق الشيخ: إنه للمغصوب منه بل عن الناصرية نفي الخلاف فيه، بل عنها و عن السرائر الإجماع عليه، بل عن الخلاف في باب الدعاوي و المبسوط في باب العارية التصريح بما عليه الأصحاب، و من هنا أساء الأدب ابن إدريس بقوله: «فقد دخل رحمه الله في جملة من يكابر».

و على كل حال ف- هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها استصحاب الملك لهما و إن تغيرت الصورة التي هي ليست عنوان الملكية، و لذا لا إشكال في بقائهما على الملك لو فرض استحالتهما إلى ذلك من دون غصب، ضرورة كون الاستحالة بالنسبة إلى ذلك كتغيير صفات الشي ء من السمن و نحوه.

بل من القطعيات عندهم عدم خروج الثوب مثلا عن الملك بقطع الغاصب له قطعا متعددة، حتى قيل: إن الشيخ نفسه من المصرحين بذلك، مع أنه أولى بصدق اسم التلف عليه.

و كون البيضة تصير علقة و نحوها إذا صارت فرخا فتخرج بذلك عن الملك، فيملكها الغاصب حينئذ بوضع اليد نحو ما سمعته في الخمر

ج 37، ص: 199

إذا تخللت- مع أنه لا يتم في الزرع، و مبني على خروجها عن الملك بذلك- لم يحك عن الشيخ مثله في العصير إذا انقلب خمرا في يد الغاصب ثم صار خلا في يده، بل ظاهره كغيره أن للمالك فيه حقا يقتضي تملكه له و إن لم يكن في يده و إن كان هو مطالبا بدليله في الخمر كما ستعرف.

و بالجملة لا يخرج المال عن الملك بمثل الاستحالة المزبورة، و لا يرد النقض بملكية صاحب الأنثى ما يتكون من عسب الفحل فيها الذي أقصاه أن يكون استحالة بعد أن عرفت الدليل على ذلك.

على أنه ربما فرق بعدم ملكية النطفة، بخلاف الحب و البيض، و بعدم معلومية كيفية التكون أنه من نطفة الفحل على وجه تكون نطفة الأنثى من المعدات لها أو بالعكس أو أنه منهما، و إن كان هو على كل تقدير خارج بدليله، بخلاف مفروض البحث الباقي على أصالة الملكية التي لا دليل على الخروج عنها بلباس الصور المتعددة التي من المعلوم عدم صيرورة الشي ء بها تالفا، إذ التلف العدم، لا تغيير الصورة التي لا وجه لملك الغاصب بها، مع أنها ليست من فعله، إذ لم يصدر منه إلا الإحضان و وضع البذر في الأرض و نحو ذلك من فعل المعدات لصيرورة الحب زرعا مما هي غير صالحة لنقل الملك عن مالكه، ضرورة كون ذلك من النماء التابع للملك و إن اختلف مع نماء النخلة مثلا بالحصول مع بقاء الأصل، بخلافه فإن الأجزاء الأصلية باقية معه.

و كيف كان فالمسألة مفروغ منها، و إن أطنب فيها بعض الناس برد ما ذكره الفاضل في المختلف عليه، إلا أنه في غير محله، بل لعل إكثار الكلام فيها من اللغو المنهي عنه، و الله العالم.

و لو غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار خلا في يد الغاصب قبل أن يدفع بدله بل و بعده إذا كان على وجه كدفع الحيلولة كان

ج 37، ص: 200

للمالك على ما صرح به غير واحد، بل عن رهن غاية المرام و المسالك نفي الخلاف فيه، لأنه عين ماله.

و حينئذ ف- لو نقصت قيمة الخل عن قيمة العصير ضمن الأرش لوجوب رده تاما، كما صرح به غير واحد، بل في مفتاح الكرامة به صرح الأصحاب كالشيخ و ابن إدريس و من تأخر عنه.

قلت: إن تم الإجماع في ذلك كله و إلا فلا يخلو من إشكال، ضرورة أنه بصيرورته خمرا خرج عن ملك المالك و صار في ذمة الغاصب المثل، لأنه تلف أو بمنزلته، فإذا صار خلا لا دليل على عوده إلى ملك المالك، بل يمكن أن يكون من المباح، يملكه من يسبق إليه، أو يكون من هو في يده أولى به.

و على كل حال فلا دليل على عوده إلى ملك المالك. و لعله لذا حكي عن الفاضل و ولده و الشهيد و الكركي الإشكال في رده إلى المالك في باب الهبة، بل ستسمع الاشكال فيه أيضا في القواعد.

بل قال فيها هنا أيضا: «و لو غصب خمرا فتخلل في يده حكم بها للغاصب، و يحتمل المالك» بل عن ولده في شرح الإرشاد أنه قواه بل في الإيضاح صححه، بل عنه في الكتابين أن وجه الاحتمال الثاني ثبوت الأولوية للمالك باليد للتخليل، و مقتضاه كون موضوع المسألة الخمر المتخذة للتخليل، بل قد يؤيده أنها التي يتصور فيها الغصب دون غير المحترمة.

و لعل وجهه أن فائدة احترامها جواز إبقائها في يده، و عدم وجوب إراقتها، لا أنها تكون ملكا له إذا صارت خمرا في يد غيره و إن أثم بأخذها منه، اللهم إلا أن يكون إجماعا على ذلك، كما يحكى عن الخلاف نفي الخلاف عن وجوب ردها للمالك، و عن التذكرة أنه مذهبنا، فان

ج 37، ص: 201

ثم إجماعا فذاك و إلا كان محلا للمنع.

(و دعوى) أن ما نحن فيه غير غصب الخمر التي تخللت في يده لأن العصير مملوك لمن هو في يده، و إنما طرأ عليه مانع الملك، فيزول بزواله، بخلاف الخمر، فإنها لم تكن مملوكة له بوجه، فتخللها في يده إحداث ملك لمن هي في يده (واضحة الفساد) ضرورة أن سبق الملكية بعد زوالها بصيرورتها خمرا غير مجد.

كما أن شهرة الفرق بين الخمر المحترمة و غيرها بحيث يقتضي ملك المالك لها لو صارت خلا و لو تحت يد غيره لا حاصل لها إن لم يكن إجماعا أو غيره مما يصلح لأن يكون دليلا شرعيا.

و من ذلك كله يظهر لك النظر في كثير مما في المسالك و غيرها، و منه قوله فيها: «و على تقدير تخمير العصير في يد الغاصب لو اختار المالك تغريمه قبل انقلابه خلا فله ذلك، فإذا أخذ العوض فانقلب خلا في يد الغاصب وجب رده و أخذ البدل، كما لو دفعه حيث لم يمكنه رد المغصوب لمانع آخر، مع احتمال استقرار ملك الغاصب عليه حينئذ، لخروجها عن أهلية الملك حين الخمرية، و براءته منها بدفع البدل و تحليلها أوجب حدوث ملكيته لمن هي في يده، و لو طلب المالك أخذها خمرا مع أخذ البدل ففي إجابته إليه وجهان: من خروجها عن ملكه و من ثم وجب البدل تاما، و من بقاء الأولوية، لإمكان إرادة التخليل، و من ثم عاد ملكه إليها قبل دفع البدل، و هذا أقوى، إلا أن يعلم من حاله أنه يتخذها للشرب لزوال حقه حينئذ، و كون إعادتها إليه تعاونا على الإثم و العدوان، ثم على تقدير إعادتها اليه مع البدل فصارت خلا في يد المالك ففي وجوب رد المثل إلى الغاصب وجهان: من أنه أخذه للحيلولة و قد زالت، و من أنه ملك متجدد، لأن العصير لما صار خمرا صار تالفا، فوجب بدله، و الأقوى الأول، لأن الأصل ماله، و إنما حدث له مانع الخمرية، فإذا زال

ج 37، ص: 202

المانع عاد الملك، و لم يبطل حقه منه رأسا، و إنما زال الملك بالفعل و بقي بالقوة القريبة منه».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه و إن كان قد أخذ كثيرا منه مما في القواعد، قال: «و لو غصب عصيرا فصار خمرا ضمن المثل، و في وجوب الدفع إشكال، فإن أوجبناه فصار خلا في يد المالك ففي وجوب رد المثل إشكال، فإن صار خلا في يد الغاصب رده مع أرش النقصان إن قصرت قيمة الخل» ضرورة ظهور ما ذكره أولا و أخيرا، بل صريحه أن البدل المأخوذ هو بدل حيلولة.

و فيه أنه لا وجه لها بعد خروج المال عن ملكية المالك، و ما ذكره من المانع و القوة القريبة من الفعل لا حاصل له، بحيث يرجع إلى دليل معتبر، بل لا يخفى عليك النظر في كلامه من غير ذلك، بل و ما سمعته من القواعد، لاشتراك الجميع في الاحتياج إلى الدليل على الوجه الذي ذكرناه، و الله العالم.

[المسألة السابعة لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع و نماؤه للزارع]

المسألة السابعة:

لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع و نماؤه للزارع بلا خلاف أجده فيه، بل في التنقيح عليه انعقد الإجماع اليوم، قلت:

و اليوم بل و قبل اليومين، إذ لم نجد مخالفا في ذلك منا كل ذلك مضافا إلى

خبر عقبة بن خالد(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أتى أرض رجل فزرعها بغير إذنه حتى إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الغصب- الحديث 1.

ج 37، ص: 203

بلغ الزرع جاء صاحب الأرض، فقال: زرعت بغير إذني فزرعك لي و علي ما أنفقت، إله ذلك أم لا؟ فقال: للزارع زرعه و لصاحب الأرض كراء أرضه»

و نحوه موثق سماعة(1)بل و موثق آخر(2).

بل هو على وفق أصول المذهب و قواعده، ضرورة كون الزرع و الغرس ملك الغاصب، و الأرض إنما هي من المعدات كالماء و الهواء و نحوهما.

نعم عن أبي على أن لصاحب الأرض أن يرد ما خسره الزارع و يملك الزرع، و هو ليس خلافا في أصل الملكية، و إنما هو قريب من قول أحمد بن حنبل: «إن جاء صاحب الأرض و الزرع قائم فيها لم يملك إجبار الغاصب على قلعه، و خير المالك بين أن يبقيه إلى الحصاد بأجرته و أرش النقص، و بين أن يدفع إليه نفقته، و يكون الزرع له، لأن

رافع بن خديج قال(3): قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

من زرع أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شي ء، و له نفقته،

و مثله خبره الآخر عنه (صلى الله عليه و آله)(4)أيضا».


1- 1 الوافي- ج 10 ص 144« الفقيه في حديث سماعة.» و هو بمضمون خبر عقبة، و الظاهر ان ذلك من عبارة الصدوق قده لا من الحديث، حيث إنه روى في الفقيه ج 3 ص 149 و 150 عن سماعة رواية طويلة و في آخرها أورد ما أسنده في الوافي إلى رواية سماعة، و مما يؤكد ذلك أن الشيخ قده روى في التهذيب ج 7 ص 142 و الاستبصار ج 3 ص 112 و 113 عن سماعة ما رواه في الفقيه الى هذه القطعة، و كذلك الكليني قده في الكافي ج 5 ص 275 و في الوسائل- الباب- 11- من أبواب بيع الثمار الحديث 7 و 8 من كتاب التجارة، و لم يذكر احد من هؤلاء القطعة التي بمضمون خبر عقبة و أسندها في الوافي إلى حديث سماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الغصب- الحديث 2.
3- 3 سنن البيهقي- ج 6 ص 136.
4- 4 سنن البيهقي- ج 6 ص 136.

ج 37، ص: 204

إلا أنهما من غير طرقنا، بل لعل النصوص المزبورة للتعريض بفساد القول و الافتراء في اخباره، على أنهما ظاهران في الملك القهري الذي هو خلاف ظاهر المحكي عن ابن الجنيد.

نعم في

الموثق(1)«في رجل اكترى دارا و فيها بستان فزرع في البستان و غرس نخلا و أشجارا و فواكه و غير ذلك و لم يستأمر صاحب الدار في ذلك، فقال: عليه الكراء، و يقوم صاحب الدار الغرس و الزرع قيمة عدل، و يعطيها الغارس، و إن كان استأمره فعليه الكراء و له الغرس و الزرع، يقلعه و يذهب به حيث شاء».

لكنه خبر متحد، قد أعرض عنه الأصحاب، فلا يصلح الخروج به عن العمومات فضلا عن الأدلة السابقة كما هو واضح.

و رواه في التهذيب(2)و محكي

الفقيه(3): «و يقوم صاحب الدار الغرس و الزرع قيمة عدل إن كان استأمره، و إن لم يكن استأمره فعليه الكراء»

إلى آخره. و حينئذ يكون دالا على المطلوب لا مخالفا له.

و لعله لذا لم أعثر على موافق لابن الجنيد و إن مال إلى ما سمعته منه في الصبغ جماعة، و تعجب الفاضل في المختلف من مخالفة الشيخ لابن الجنيد في الصبغ- مع قوله في المستعير للغرس بوجوب الإجابة عليه لو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس- لا دلالة فيه على اختيار ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الغصب- الحديث 2 مع اختلاف يسير و ثقله من دون اختلاف في الكافي ج 5 ص 297.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الغصب الحديث 2 و التهذيب ج 7 ص 206 الرقم 907.
3- 3 أشار إليه في الوسائل- الباب- 33- من كتاب الإجارة الحديث 1 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 156- الرقم 684.

ج 37، ص: 205

على أنه قد صرح هنا بعدم وجوب القبول، نعم صرح بموافقته في مسألة الصبغ، بل مال إليه غيره أيضا.

و يمكن أن يكون الوجه مضافا إلى ما سمعته من النصوص إمكان الفرق بينهما باعتبار تعسر زوال الصبغ أو عدم نفع معتد به فيما زال منه بخلاف الزرع و الغرس، أو شدة التبعية فيه على وجه يكون أثره من الصفات بخلافهما، أو غير ذلك، و الله العالم.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في أن عليه أجرة الأرض و إزالة زرعه و غرسه و إن تضرر بذلك، فإنه الذي أدخله على نفسه،

قال عبد العزيز بن محمد(1): «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من أخذ أرضا بغير حقها أو بنى فيها، قال:

يرفع بناؤه و يسلم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حق، ثم قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر».

و عليه أيضا طم الحفر و أرش الأرض إن نقصت بالزرع أو بالقلع بلا خلاف و لا إشكال.

و كذا عرفت أنه لا خلاف معتد به و لا إشكال في أنه لو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس لم يجب على الغاصب إجابته و ما سمعته من الإسكافي قد عرفت ضعفه، و إن قال في جامع المقاصد:

«إنه لو وجد به قائل- أي غيره- لكان قويا» إذ هو كما ترى. بل لو رضي بالإبقاء بالأجرة لم يجب عليه، للأصل و لتسلط الناس على أموالهم.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه لو بذل الغاصب


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من كتاب الإجارة- الحديث 3.

ج 37، ص: 206

أجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبوله للأصل و غيره بل لو وهبه (و لو هبة خ ل) منه لم يجب عليه، لذلك و لما فيه من المنة.

و لو حفر الغاصب في الأرض بئرا مثلا كان عليه طمها مع طلب المالك، لوجوب إعادة العين كما كانت مع الإمكان و هل له طمها مع كراهية المالك؟ قيل و القائل الشيخ و ابن زهرة فيما حكي عنهما نعم نهاه المالك أم لم ينهه. رضي أم لم يرض تحفظا من درك التردي.

و فيه أن ذلك لا يقتضي جواز التصرف له في مال الغير، و إنما أقصاه الضرر عليه، و هو الذي أدخله على نفسه، على أنه يمكن زوال الضمان عنه بالرضا بالبقاء على وجه يرتفع عدوانه، بناء على اعتبار ذلك في الضمان.

بل هو المحكي عنه في ديات المبسوط، قال: «لو حفر بئرا عدوانا ثم إن المالك رضي ببقائها بعد الحفر العدواني سقط الضمان» بل عنه هنا التصريح بأن الصحيح براءته بالإبراء.

و عليه يكون النزاع حينئذ معه في أن الرضا بالبقاء أو النهي عن الطم يقتضي الإبراء كما سمعته منه في الديات و وافقه عليه المصنف و الفاضل على ما قيل فيها أم لا يقتضي ذلك، لأنه أعم فيبقى الضمان مستصحبا؟

و لعل الأقوى فيه ما ذكره، بل القول بعدم البراءة لو صرح بالإبراء لا يخلو من وجه، كما ستعرف.

و من ذلك يعرف ما في قول المصنف و لو قيل للمالك منعه كان حسنا، و الضمان يسقط عنه برضا المالك باستبقائها بناء عن الوجه الذي ذكرناه، و إن تبعه عليه من تأخر عنه.

ج 37، ص: 207

نعم الأحسن منه القول بأن له منعه و إن بقي الضمان عليه، لما عرفت خصوصا بعد ما سمعت سابقا من النظر في اعتبار العدوان في الضمان بذلك، لإطلاق الأدلة الذي لا ينافيه الضمان، خصوصا مع ابتداء الحفر على العدوانية، كما في المقام الذي لا يدفع السببية الشرعية الرضا المتأخر مع التصريح فضلا عن مجرد الكراهة للطم التي لا تنافي إرادة البقاء على الضمان مع ذلك.

و من هنا تردد في محكي التحرير في الإبراء إذا أبرأه، من أن المالك لو أذن فيه ابتداء لم يضمن، و من أن حصول الضمان لتعديه بالحفر و الإبراء لا يزيله، لأن الماضي لا يمكن تغييره عن الصفة التي وقع عليها، و لأن الضمان ليس هنا للمالك، فلا يصح الإبراء منه، و لأنه إبراء مما لا يجب، فلم يصح.

و لا يخفى عليك الحال بعد التأمل فيما ذكرناه على أي وجه يفرض البحث، و الله العالم. فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثامنة إذا حصلت دابة في دار لا يمكن أن تخرج إلا بهدم فان كان حصولها بسبب من صاحب الدار ألزم بالهدم]

المسألة الثامنة:

إذا حصلت دابة مثلا في دار لا يمكن أن تخرج إلا بهدم فان كان حصولها فيها بسبب من صاحب الدار ألزم بالهدم و الإخراج، و لا ضمان على صاحب الدابة لعدم العدوان منه، و خصوصا إذا كان ذلك غصبا من صاحب الدار للدابة مثلا، لما عرفت من وجوب رد المغصوب إلى مالكه، و إن ترتب عليه ضرر أضعاف المغصوب.

و إن كان من صاحب الدابة ضمن الهدم و خصوصا إذا

ج 37، ص: 208

كان بسبب غصبه للدار بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له منا، بل في المسالك و غيرها عدم الإشكال في الحكمين.

لكن قد يقال حينئذ بوجوب ذبح الحيوان إن كال مما يؤكل و لم يرض المالك بالهدم، و خصوصا إذا كان قيمته أقل من أرش الهدم.

اللهم إلا أن يكون ذلك نحو الغرس في أرض الغير غصبا، فإنه يملك حفرها لقلع غرسه، و يضمن الأرش للمالك إن كان.

و قد يفرق بينهما بتوقف الاستيلاء على تمام ماله بالحفر فيملكه، بخلاف المقام المفروض تمكنه من ذبح الحيوان من غير تصرف في دار المالك الواجب عليه إرجاعها له تامة. نعم لو لم يكن الحيوان مما يذبح أمكن القول حينئذ بذلك، لقاعدة لا ضرر و لا ضرار. و كيف كان فالأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام فيما ذكره المصنف بقوله و كذا إن لم يكن من أحدهما تفريط ضمن صاحب الدابة الهدم، لأنه لمصلحته بل في المسالك نسبته إلى المشهور، بل قيل: لا خلاف فيه بيننا.

لكن قال في المسالك: «و يشكل بأن التخليص و المصلحة قد تكون مشتركة بينهما، بل هو الأغلب، و قد تكون مختصة بصاحب الدار، بأن لا يكون لصاحب الدابة حاجة إلى إخراجها، لصغرها أو عدم صلاحيتها للانتفاع، و صاحب الدار يحتاج إليها في موضع الدابة عاجلا و الفرض انتفاء التفريط، نعم لو خيف هلاك الدابة بدون الإخراج اتجه وجوبه، لحرمة الروح، و مع ذلك ففي اقتضاء ضمان صاحب الدابة نظر».

قلت: الذي ينبغي في هذه و نحوها بعد ملاحظة لا ضرر و لا ضرار و قاعدة الجمع بين الحقين ترجيح الأعظم ضررا منهما على الآخر إذا لم

ج 37، ص: 209

يكن عن تفريط كما هو المفروض، و مع فرض التساوي من كل وجه يرجع إلى القرعة أو إلى اختيار الحاكم، و هكذا في كل حقين تزاحما و لا مرجح لأحدهما و لو من جهة التفريط و عدمه.

و كان وجه ما ذكره الأصحاب في الفرض أن صاحب الدابة مكلف بأخذها من دار الغير و تخليص ملكه منها، فكل ضرر حصل على صاحب الدار بالنسبة إلى ذلك وجب جبره على صاحب الدابة، لقاعدة لا ضرر و لا ضرار.

و لعل مثل ذلك لو جاء السيل بنخلة زيد مثلا فأثبتها في أرض الغير، فان عليه تخليص ملك الغير منها، و جبر كل ضرر يكون من ذلك عليه.

و لعله لذا ذكره في التذكرة مفروغا منه، بل قال فيها: «هو ظاهر مذهب الشافعية أيضا، لأنه إنما تقض بتخليص ملكه» نعم حكي عن بعض الشافعية أنه لا يضمن صاحب الفصيل شيئا، لأنه لا تفريط من أحد، و الإخراج لا بد منه، لحرمة الروح، ثم قال: «و إنما يتم هذا فيما إذا خيف هلاكه لو لم يخرج».

قلت: بل قد يقال بضمانه حينئذ أيضا، لأن خوف الهلاك لا يدفع الضمان عنه.

ثم قال: «و هكذا إذا باع دارا فيها حباب لا تخرج إلا بنقض الباب، فإذا نقلها كان إصلاح ذلك عليه، لأنها لتخليص ملكه» و هو كالصريح في المفروغية من ذلك، نعم لو اختار صاحب المال إتلاف ماله لأجل أن لا يغرم كان له ذلك، كما هو واضح. و الله العالم.

و لو أدخلت دابة رأسها في قدر مثلا و افتقر إخراجها منه إلى كسر القدر فان كانت يد مالك الدابة عليها أو فرط في

ج 37، ص: 210

حفظها ضمن القيمة إن لم يكن لمكسوره قيمة أو الأرش إن كان و إن لم يكن يده عليها و كان صاحب القدر مفرطا- مثل أن يجعل قدره في الطريق- كسرت القدر عنها و لا ضمان في الكسر بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بين من تعرض له من الشيخ و الفاضل و الشهيدين و الكركي.

نعم في التذكرة في صورة تفريط صاحب الدابة «فإن كانت غير مأكولة اللحم لم يجز ذبحها، و وجب كسر القدر مع ضمانه، و إن كانت مأكولة اللحم فهل تذبح أو يكسر القدر؟ الأقرب ذبحها، لأنه ينتفع بلحمها، فيقل الضرر على صاحبها، و النقص إن كان فمن صاحبها وقع حيث وقع التفريط منه».

قلت: قد يلوح منه الترجيح بقلة الضرر، إلا أن ما ذكره أخيرا يأتي في الأول مع فرض كون التفريط منه.

و في الدروس بعد أن ذكر الحكم كما ذكره المصنف و غيره قال:

«و لو كان كسرها أكثر ضررا من قيمة الدابة أو أرشها احتمل أن تذبح الدابة».

و فيه- مضافا إلى عدم تفصيله بين المأكول و غيره- إمكان منعه مع فرض كون التفريط منه، لأنه حينئذ السبب في إدخال الضرر على نفسه.

ثم قال: «أما لو أدخل دينارا في محبرته و كانت قيمتها أكثر منه و لم يمكن كسرها لم تكسر المحبرة، و ضمن صاحبها الدينار مع عدم تفريط مالكه، و لو دخلت زهرة اليقطين في إناء الغير فعظمت اعتبر التفريط، و مع انتفائه يتلف أقلهما قيمة و يضمن صاحب الآخر، و إن تساويا فالأقرب أن الحاكم يجبرهما، فان تمانعا فالقرعة».

ج 37، ص: 211

و فيه إشعار في الجملة بما ذكرناه من الميزان في تزاحم الحقوق، لكن لا يخفي عليك ما في قوله: «فالأقرب» إلى آخره، سواء أراد الإجبار أو التخيير، اللهم إلا أن يريد من التخيير أن الحاكم يخير كلا منهما في كل من الأمرين، لاشتراكهما معا في مفاد الأصول و غيره، إلا أنه لما كان ذلك لا يقطع الأمر لاحتمال التمانع في الخارج أمر بالقرعة، و إلا فمع فرض سبق أحدهما إلى شي ء من الفردين لم يكن عليه إثم، إلا أن ذلك أيضا كما ترى.

و التحقيق ما ذكرناه من كون التخيير في القطع للحاكم، و أولى منه الرجوع إلى القرعة، و الله العالم.

و لو فرطا معا فعن التذكرة كسرت القدر أيضا، و ضمن صاحب الدابة، لأنه لمصلحته، و فيه إشكال، بل عن الأردبيلي الجزم بعدم الضمان.

و كيف كان ف ان لم يكن من أحدهما تفريط و لم يكن المالك معها و كانت القدر في ملك صاحبها كسرت، و ضمن صاحب الدابة، لأن ذلك لمصلحته كما في القواعد و محكي المبسوط و غيره، بل في المسالك أنه المشهور. جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام ؛ ج 37 ؛ ص211

ن أشكله بنحو ما سمعته سابقا من «أن المصلحة قد تكون مشتركة و قد تكون مختصة بصاحب القدر أو غالبة، خصوصا إذا كان ما يبقى من القدر بعد الكسر له قيمة، فإن حفظه مصلحة لمالكها، و قد تكون قيمة القدر أو أرشه تزيد عن قيمة الدابة على تقدير إتلافها، فإلزام صاحب الدابة زيادة عن قيمة دابته بعيد، و أيضا فقد تكون مأكولة اللحم فلا يفوت عليه بذبحها ما يقابل القدر أو ما يفوت منها، و كون المقصود خلاص الحيوان لأنه ذو روح لا يتم مطلقا، لأنه على تقدير

صلاحيته للذبح لا يتعين تخليصه ببقائه ليكون حكمه حكم القدر مع

ج 37، ص: 212

اشتراكهما في عدم التفريط. و احتمل في الدروس ذبح الدابة مع كون كسر القدر أكثر ضررا من قيمة الدابة أو أرشها ترجيحا لأخف الضررين، و بالجملة فحكم المسألة مع انتفاء التفريط مشكل و إن كان المشهور ما ذكره المصنف».

قلت: لا يخفى عليك- بعد الإغضاء عما في بعض كلامه- عدم الإشكال في ذلك و في غيره من الأمثلة المذكورة في المقام من بلغ الشاة جوهرة الغير و غير ذلك، مع الإحاطة بما ذكرناه من الميزان في تزاحم الحقوق.

و لعل إطلاق الأصحاب أن المصلحة لصاحب الدابة مبني على اقتضاء بقاء القدر هلاكها، فالضرر عليه حينئذ بالبقاء، دون صاحب القدر الذي يأخذ قدره بعد الموت تاما، و من هذه الجهة خصوا صاحب الدابة بالضمان، أما لو فرض عدم ذلك مع كون القدر في رأسها و إن تضررت فالمصلحة مشتركة بينهما، كما هو واضح، خصوصا مع فرض احتمال تلفه لو بقي على رأسها، و الفرض أن لمكسوره قيمة، فتأمل.

نعم بقي شي ء: و هو أن التفريط جهة مرجحة لغير المفرط على كل حال و إن عظم ضرره في ظاهر كلامهم، إلا أنه لا يخلو من إشكال في بعض الأفراد.

هذا و في المسالك أيضا «و اعلم أن عطف المصنف قوله: «و لم يكن المالك معها» على ما إذا لم يكن من أحدهما تفريط غير جيد، لأن عدم كون المالك معها قد يكون من موجبات عدم التفريط، و قد يجامع التفريط، و كذا قوله: «و كانت القدر في ملك صاحبها» فإنه من أمثلة عدم التفريط، فعطفه عليه المقتضي للمغايرة و كونه شرطا آخر مع عدم التفريط ليس بجيد، و كان حقهما أن يكونا مثالين لعدم التفريط،

ج 37، ص: 213

و لو جعل الواو للحال قرب من المقصود، و إن كان لا يخلو من قصور في الجملة».

قلت: قد يقال: إن وجود المالك مع الدابة مقتض لضمان ما تحته و إن لم يكن مفرطا، و من هنا جعله في الأول مقابلا للتفريط، و أما القدر فالواو فيه للحال كما ذكر، فلا إشكال في العبارة حينئذ، و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا خشي على حائط جاز أن يسند بجذع]

المسألة التاسعة قال الشيخ (رحمه الله) في المبسوط: إذا خشي على حائط جاز أن يسند بجذع مثلا بغير إذن مالك الجذع مدعيا للإجماع أي قال: بلا خلاف و في دعوى الإجماع المزبور نظر ضرورة عدم حكاية موافق له ممن تقدمه أو عاصره.

نعم في الدروس بعد أن حكى ذلك عنه قال: «و حينئذ الأقرب ضمان عينه و أجرته و إن انتفى الإثم» و هو- مع أنه غير صريح في وفاقه- لا مدخلية له في ثبوت الدعوى المزبورة.

و لعله لذا نزله في جامع المقاصد على خصوص خوف تلف النفس المحترمة، قال: «و الحق أنه إن خيف بترك ذلك ضرر على نفس محترمة و نحو ذلك جاز إسناده، لجواز إتلاف مال الغير لحفظ النفس. و يضمن العوض، و يلوح من تعليل الشيخ إرادة هذا المعنى، حيث قال: إن مراعاة المصالح الكلية أولى من الجزئية مع التعارض، و هذا حيث لا يمكن نقضه أو يخاف المعاجلة قبله».

ج 37، ص: 214

قلت: لا دلالة في كلامه على خصوص تلف النفس، و يمكن حمل كلامه على ما ذكرناه أيضا من الميزان مع التعارض في الحقوق، فيقدم الكلي منها على الجزئي، كما لو كان حائط في طريق المسلمين مثلا أو كانت قنطرة كذلك، فإن إسناده بجذع الغير مع فرض انحصار الأمر فيه و الجبر بالأرش و الأجرة و نحو ذلك أولى، فإنه جهة مرجحة أيضا، و لعل ذلك باب عظيم ينفتح منه أمور كثيرة، فتأمل، و الله العالم.

[المسألة العاشرة إذا جنى العبد المغصوب عمدا فقتل ضمن الغاصب قيمته]

المسألة العاشرة إذا جنى العبد المغصوب عمدا فقتل ضمن الغاصب قيمته يوم تلفه غير مستحق عليه القصاص أو أعلى القيم من يوم غصبه إلى يوم تلفه أو غير ذلك مما عرفت البحث فيه سابقا.

إنما المراد هنا بيان كونه مضمونا على الغاصب و إن كانت الجناية من العبد بلا تفريط من الغاصب، و لا أجد خلافا في ذلك بل و لا إشكالا لما عرفته مكررا من كون يد الغاصب يد ضمان و إن تلف بآفة سماوية.

و لا فرق في الضمان المزبور بين القصاص فيه بعد رده إلى سيده أو قبله، ضرورة عدم براءته بالرد المزبور، لثبوت الاستحقاق عليه في يده و الفرض ضمانه، و كذا لو ارتد في يد الغاصب فقتل بعد رده إلى السيد أو قبله.

نعم لو غصبه مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع عنده فالأقوى ضمانه إياه مستحق القتل أو القطع، ضرورة عدم خروجه بالارتداد و لو فطريا عن الملك، فله قيمته، بل صرح بعضهم بجواز بيعه كذلك، خصوصا

ج 37، ص: 215

بعد القول باختصاص جواز قتله للسلطان بناء على أنه من الحدود، و قد لا يظفر به.

و من هنا يظهر لك أنه لا فرق في الردة بين الفطرة و الملة إذا كانت مقتضية للقتل.

فما في القواعد- من الإشكال في ذلك مما عرفت و من وجود السبب في يد المالك فهو كوجود المسبب، و أنه لا يضمن بالجناية فلا يضمن باليد، و أن إزالة ملك المالك لا تضمن بالقتل فأولى أن لا يضمن إزالة يده- واضح الضعف، إذ كل ذلك كما ترى.

و أضعف من ذلك قوله متصلا بالإشكال السابق: «فان منعناه ضمن النقص الزائد على المقدر لو حصل زائد عليه» سواء كان مراده خصوص القطع أو الأعم منه و من الارتداد، على معنى أنه لو كان قيمته ماءة فقطع و نقصت قيمته إلى عشرين فإنه يضمن الزائد على جنايته التي هي نصف القيمة، و هو ثلاثون، أو كانت قيمته ألفي دينار فقتل فإنه يضمن الغاصب حينئذ ألف دينار. إذ هو كما ترى لا وجه له بعد أن كانت الجملة غير مضمونة على الغاصب كما هو المفروض، فالمتجه عدم ضمانه شيئا، و هو واضح.

و أضعف منهما قوله متصلا بذلك: «و كذا الاشكال لو انعكس» أي ارتد أو سرق في يد الغاصب فقتل أو قطع في يد المالك، ضرورة منافاته لما سبق منه و من غيره في خصوص ذلك. بل و لقواعد الغصب التي منها ضمان العين المغصوبة على الغاصب على كل حال من غير فرق بين الآفة السماوية و غيرها.

نعم لو ارتد في يده ثم مات في يد المالك من غير قتل ضمن الأرش خاصة، لأنه رده ناقصا و الفرض عدم قتله، فلا يضمن كمال القيمة،

ج 37، ص: 216

كما أنه لا يبرأ بالموت عن الأرش، ضرورة تحقق النقصان فيه و إن تلف بالموت لا بالعيب الحادث في يد الغاصب.

و من ذلك يعلم أن الوجه فيما لو اشترى مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد المشتري عدم رجوعه بشي ء على البائع مع فرض علمه و إقدامه المسقطين لخيار العيب، أما مع الجهل فله الأرش خاصة، فما في القواعد من الإشكال في أنه من ضمان البائع في غير محله، و الله العالم.

و كيف كان ف ان طلب ولي الدم الدية في مفروض المسألة على الوجه الشرعي المقرر في العبد لزم الغاصب أقل الأمرين من قيمته و دية الجناية كما صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم، بل لا أجد فيه خلافا بيننا، و إن قال في المسالك: «إنه الأشهر» مشعرا بوجوده، إلا أنا لم نتحققه.

و على كل حال فوجهه أنه الذي يستحقه الولي مع فرض كون طلبه على الوجه الذي ذكرناه، ضرورة أن الدية إن كانت أقل فظاهر، و إن كانت القيمة أقل فإن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه.

نعم لو اقترح غير ذلك بأن طلب أضعاف قيمته على العفو عن القصاص عنه وجب على الغاصب بذله لما عرفته من تكليفه بالأشق بالنسبة إلى رد العين، فكل ما يتوقف على ذلك يجب عليه دفعه، و قد احتمله في جامع المقاصد هنا، بل مال اليه غيره. و لعله لا ينافيه ما في المتن و غيره بعد تنزيله على ما ذكرناه، اللهم إلا أن يقال: لا يجب على الغاصب بذل الزائد المقترح، لكن فيه منع واضح.

و لو مات العبد المزبور دفع الغاصب القيمة التي ثبتت عليه بالغصب للمالك، فان رجع المجني عليه على المالك بالقيمة التي هي بدل العين التي تعلق بها حق الجناية دفعها اليه مع فرض المساواة بين القيمة المدفوعة

ج 37، ص: 217

للغصب و بين قيمة الجناية، و رجع على الغاصب بقيمة أخرى بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك و لا إشكال، عدا استحقاق رجوع المجني عليه على المالك بالقيمة، لاحتمال اختصاص رجوعه على الغاصب، فيختص المالك حينئذ بما أخذ، كما أنه يختص الجاني بأرش جنايته لو أخذه، و لا يرجع عليه المالك، فهما حينئذ كرجلين لكل واحد منهما دين على ثالث، بل عن التذكرة نفي البأس عن ذلك و أن المشهور عند الشافعية الأول.

قلت: لعل وجه رجوعه على المالك أنه قبض قيمة العين التي تعلق بها حق المجني عليه على وجه ينتقل منها إلى قيمتها.

بل قد يتوهم عدم رجوع المجني عليه على الغاصب باعتبار عدم ضمانه للعين التي تعلقت بها الجناية بالنسبة إلى الجاني، و لذا لا يجوز له ردها للسيد بعد الجناية.

لكن يدفعه أنا نمنع ذلك بعد تعلق الحق فيها، كما يمنع بالنسبة إلى قيمتها أيضا، لقيامها مقامها، فالذي جوز رجوعه على الغاصب هو دفعه لما تعلق له حق المجني عليه من غير إذن، نحو رجوع الديان على من دفع عينا من تركة الميت إلى وارثه مثلا بغير إذن منه، نعم لو كان الدفع بإذن المجني عليه اتجه عدم الرجوع حينئذ.

و على كل حال فليس هو كدينين على ثالث، بل هو دين واحد تعلق به حقان و إن رجع السيد على الغاصب إذا أخذه منه ذو الحق المقدم عليه باعتبار ضمانه عليه، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم.

و من ذلك أيضا ما يظهر من غير واحد من التفاوت بين القيمة المضمونة للجناية و بينها للغاصب، بناء على ضمان أعلى القيم له، فيختص المالك حينئذ بالزائد، و لا رجوع للمجني عليه في ذلك، مع أنه قد يشكل

ج 37، ص: 218

ذلك خصوصا لو فرض الأعلى بعد حصول الجناية، بأن حق الجناية إنما تعلق بالرقبة، و لذا لو مات و لم يكن مضمونا سقط، و لكن لما كان مضمونا بالغصب قامت قيمته مقام عينه في التعلق، فأي قيمة كانت للغصب يتعلق بها حق الجناية، لأنه تابع له في ذلك، فلا فرق بين القول بالأعلى و غيره.

و لو كان العبد وديعة فجنى بالمستغرق ثم قتله المودع بالفتح فعليه قيمة يتعلق بها أرش الجناية، فإذا أخذها الولي لم تجب قيمة أخرى على المودع، لأنه جنى و هو غير مضمون عليه، كما هو واضح، هذا كله في الجناية الموجبة قصاصا في النفس.

و إن أوجبت قصاصا فيما دون النفس فاقتص منه ضمن الغاصب الأرش على حسب ما تقدم الكلام فيه سابقا لو جنى هو عليه نفسه.

و إن عفي على مال ضمن الغاصب أقل الأمرين على حسب ما سمعت الكلام فيه في النفس، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع فلا حاجة إلى عود الكلام.

و لو جنى في يد سيده بالمستوعب ثم غصب فجنى اخرى بالمستوعب و لم يحكم به للأول ففي القواعد و محكي التذكرة و جامع المقاصد بيع فيهما، و يرجع المالك على الغاصب بما أخذه الثاني منهما، لأن الجناية وقعت في يده و كان للمجني عليه أولا أن يأخذه دون الثاني، لأن الذي يأخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا، فلا يتعلق به حقه، و نحو ذلك ما ذكرناه سابقا عن التحرير.

و الظاهر كون المراد مع اختيارهما البيع، لا أنه يباع عليهما قهرا، إذ لا إشكال في جواز استرقاقه لهما، كما لا إشكال في استرقاق الأول له من دون حاجة إلى حكم به، و أنه لو استرقه الأول ثم جنى الجناية

ج 37، ص: 219

الثانية اختص بالثاني.

نعم يشتركان فيه مع فرض عدم استرقاق الأول له مثلا على ما قدمناه سابقا من عدم اختصاص ذي الجناية الأولى به و لا الثاني و إن أوهم الأخير بعض النصوص(1)لكنه معارض بغيره(2)كما تقدم البحث فيه سابقا، و يأتي إنشاء الله، و الأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في استحقاق رجوع الأول بما يأخذه المالك من الغاصب عوض جناية الثاني التي هي مضمونة عليه دون الثاني، و قد وجهه في جامع المقاصد بأن حق المجني عليه أولا متعلق بقيمة العبد كلها، لأن الفرض أن الجناية مستوعبة، و قد وجد باقي القيمة، فيتعلق به حقه، و أما الثاني فلأن الذي يأخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا، و هو نصف القيمة المستحق له، فلا

يتعلق به حقه مرة أخرى، لاستحالة تعلق حقه به مرتين، و النصف الآخر من القيمة قد فات بتعلق حق المجني عليه أولا به، فكان القيمة من أول الأمر مقدار النصف.

و أما المجني عليه الأول فإن حقه متعلق بتمام القيمة و الجناية الثانية لكونها مضمونة على الغاصب في حكم المنتفية، فيبقى تعلق حقه بالقيمة جميعها ثابتا، و لما لم تكن الجناية الأولى مضمونة على الغاصب لم يكن للمالك الرجوع بما أخذه المجني عليه أولا.

قلت: لكن قد يقال: إن ما أخذه المالك بسبب الغصب لا مدخلية له في الجناية، فلا يتجه رجوع الأول عليه بها، إذ هما حيثيتان، مختلفتان، و أقصى الأدلة اشتراك الجنايتين برقبة العبد دون غيره، و إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب القصاص.

ج 37، ص: 220

لاقتضى شركة الثاني، فإن الفرض كون الثانية كالأولى في التأثير، و لا مدخلية للسبق، فمع فرض وجود باقي القيمة يتعلقان به معا و إن كان هو عوض الثانية منهما.

و فيه أن المجني عليه الأول أولى بذلك، لأن المالك بحكم منقطع السلطان عليه بالجناية الأولى المفروض كونها مستوعبة، أقصى ما هناك قد زاحمتها الجناية الثانية في عينه دون القيمة الحاصلة بسبب الضمان الذي هو تدارك ما أخذه الثاني.

اللهم إلا أن يقال: إن الضمان المزبور لم يكن للمجني عليه الأول، لأن الفرض عدم منع الغاصب له عن استيفاء جنايته، و إنما هو للمالك باعتبار بقاء العين على ملكه قبل الاستيفاء.

و على كل حال ينبغي أن يكون الذي يضمنه الغاصب قيمة نصف عبد مستحق عليه الجناية الأولى، لأن الفرض أنه غصبه كذلك، لا نصف قيمته بدون الوصف المزبور كما عساه يظهر من كلام المتعرضين له. و كيف كان فالمسألة محتاجة إلى التأمل.

و لو مات في يد الغاصب فعليه قيمته، تقسم بينهما، و يرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة، و يكون للمجني عليه أولا أن يأخذه منه بناء على ما عرفت، و فيه البحث السابق، و لو وهب المجني عليه ثانيا ما أوجبته الجناية للمالك فالرجوع بالنصف بحاله، نعم لو وهبه للغاصب لم يبعد سقوط الرجوع به، فتأمل.

و لو جنى على سيده عمدا فاقتص منه وليه ضمن الغاصب كالأجنبي، لإطلاق الأدلة، و لو جنى على طرف فاقتص منه سيده ضمن الغاصب أكثر الأمرين على الوجه السابق.

و ما في القواعد- من الإشكال في أصل الضمان باعتبار أنه إذا

ج 37، ص: 221

سلمه للمولى فقد مكنه منه غاية التمكن- واضح الضعف.

نعم لو كانت الجناية خطأ أو شبه عمد فلا ضمان على الغاصب لعدم ثبوت مال للسيد على عبده، و ما عن الإيضاح من الضمان أيضا كالأجنبي واضح الضعف.

نعم لو فرض حصول نقص في قيمته بالجناية المزبورة ضمنه كما يضمنه لو حصل في العمد من حيث الجرأة، و هو غير أرش الجناية.

و لو عفا السيد على مال ففي التذكرة ثبت المال على العبد، و فداه الغاصب بأقل الأمرين من أرش الجناية و قيمة العبد كالأجنبي، و حكاه في جامع المقاصد عنها، ثم قال: «و وجه أن المال ليس بثابت هنا أصالة من أول الأمر، فيمتنع ثبوته، لاستلزامه وجوب مال للسيد على عبده و انما هو عوض عن جناية ثابتة مستحقة على العبد مضمونة على الغاصب فلا يمتنع ثبوت عوضها، لأن الخيار في ذلك إلى المجني عليه».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه، و حمله على إرادة العفو عنه على المال بالمعنى الاقتراحي لعدم القصاص منه كما تقدم سابقا لا يقتضي الفداء بأقل الأمرين، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة الحادية عشر إذا نقل المغصوب إلى غير بلد الغصب لزمه إعادته]

المسألة الحادية عشر:

إذا نقل المغصوب إلى غير بلد الغصب لزمه إعادته إن كان مالكه فيه بغير إشكال، لتوقف الأداء و الرد على ذلك.

أما لو كان مالكه في غيره و جاء به الغاصب إليه ففي المسالك «تخير المالك بين أن يقبضه حيث يدفعه اليه و بين أن يأمره بالرد إلى المكان الذي غصبه فيه، لأنه عاد بنقله، فكان الرد عليه حيث يطلبه

ج 37، ص: 222

المالك و له أن يأمره برده إلى بعض المسافة، بل هو أولى».

قلت: قد يناقش فيه إن لم يكن إجماعا بعدم الدليل عليه، بل مقتضى الأصل أو الأصول خلافه، بل ظاهر «تؤدي»(1)بل و «مردود»(2)ذلك أيضا إذا كان المراد الرد إلى المالك. اللهم إلا أن يقال: إن الظاهر من الرد إرجاع الشي ء إلى المحل الذي أخذه منه خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى من وقفنا عليه من الأصحاب.

ثم قال: «و حيث يرضى المالك ببقائه دون المكان الأول ليس للغاصب الزيادة عليه، لأنه تصرف في المغصوب بغير إذن المالك، فلو تجاوز به المأذون فللمالك إلزامه بإعادته، لتعديه في النقل كأصله».

قلت: قد يناقش بوجوب الإعادة مع فرض المجي ء به إلى بلد الغصب و إن أثم بذلك.

و كيف كان فحق المالك على الغاصب الرد لا مئونته و حينئذ ف- لو طلب المالك الأجرة عن إعادته لم يلزم الغاصب ل ما عرفت من أن الحق هو النقل لا أجرته و لو رضي المالك به هناك لم يكن للغاصب قهره على الإعادة قطعا.

إنما الكلام في قهر المالك الغاصب على الرد في غير بلد الغصب، و في المحكي عن التذكرة أنه لو نقل حرا صغيرا أو كبيرا من موضع إلى موضع آخر بالقهر فان لم يكن له غرض في الرجوع إلى الموضع الأول

فلا شي ء عليه، و إن كان فاحتاج إلى مئونة فهي على الناقل على إشكال.

بل في المسالك الجزم به، ضرورة عدم دليل على ذلك بعد ما ذكرناه من عدم الضمان بقاعدة لا ضرر و لا ضرار و نحوهما، فتأمل جيدا، و الله العالم.


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 من كتاب الخمس.

ج 37، ص: 223

[النوع الثاني في مسائل التنازع]
اشاره

النوع الثاني في مسائل التنازع و هي ست:

[المسألة الأولى إذا تلف المغصوب و اختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه]

المسألة الأولى:

إذا تلف المغصوب و اختلفا في القيمة ف عن المقنعة و النهاية أن القول قول المالك مع يمينه بل و عن التحرير هو قول الأكثر و إن كنا لم نجده لغيرهما.

و قيل و القائل الشيخ و الحلي و الفاضل و ولده و المقداد و الشهيدان و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم القول قول الغاصب بيمينه، بل في المسالك نسبته إلى أكثر المتأخرين، بل في الرياض إلى عامتهم.

و لا ريب في أنه هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصالة براءة ذمته باعتبار أنه غارم و منكر.

لكن في

صحيح أبي ولاد(1)«فمن يعرف ذلك- أي القيمة-؟


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب- الحديث 1.

ج 37، ص: 224

قال: أنت و هو، إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك، فان رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك»

مؤيدا بأعرفية المالك بقيمة ماله من الغاصب الذي يناسبه الأخذ بأشق الأحوال.

و لعله لذا قال في الكفاية: «لا يبعد ترجيحه» و في الرياض «لولا إطباق متأخري الأصحاب على العمل بالأصل العام و اطراح الرواية لكان المصير إليها في غاية القوة».

قلت: لكن قد يقال: يمكن حمله على إرادة بيان أن ذلك طريق لمعرفة القيمة مع التراضي بينهما في ذلك، لا أن المراد

بيان تقديم قوله مع عدم التراضي و إلا لم يكن معنى ل

قوله (عليه السلام): «أو يأتي.

بشهود»

ضرورة عدم الحاجة إليهم في إثبات قوله، بناء على أن القول قوله.

بل قد يشعر قوله: «إما» بما ذكرناه، لأن معادله المقدر «و إما أن يحلف هو فيلزم ما يحلف عليه، أو يرد اليمين عليك فيلزمه ما تحلف عليه أو يأتي بشهود».

و لعل التأمل الجيد يقتضي أن المراد بالصحيح المزبور بيان انحصار معرفة القيمة كما هي بهما، لكن بالحلف على الوجه المزبور أو بالشهود، و هو كذلك فان كلا منهما مدع بالنسبة إلى تعيين كون القيمة كذا في الواقع، و قولنا بتقديم قول الغاصب يراد منه تقديمه بالنسبة إلى نفي شغل ذمته بالزائد، لا على تعيين كون القيمة كذا، فلا دلالة في الصحيح المزبور على فرض المسألة بما عند الأصحاب من كون المراد شغل ذمة الغاصب بالزائد و عدمه.

بل إن لم يحمل على ما ذكرناه من التراضي بينهما على اليمين

ج 37، ص: 225

لم يكن معنى ل

قوله (عليه السلام): «تعرفها أنت و هو»

ضرورة كون المعرفة للمالك حينئذ، بناء على أن القول قوله، و ليس المراد من

قوله (عليه السلام): «فان رد اليمين عليك»

اليمين المردودة المصطلحة، إذ تلك إنما هي على نفي ما يدعيه المنكر لا على إثبات ما يدعيه الغاصب فلا محيص حينئذ عن حمل الصحيح المزبور على ما ذكرناه، و إلا نافى قواعد القضاء، فتأمل جيدا. و الله العالم.

و أما التأييد المزبور فليس دليلا شرعيا، فالأقوى حينئذ تقديم قول الغاصب في نفي الزيادة على ما أقر به، لكن مع ذكره قيمة للعين المغصوبة ممكنة.

أما لو ادعى ما يعلم كذبه فيه مثل أن يقول: ثمن الجارية حبة أو درهم لم يقبل قطعا، للعلم بكذبه، و هل يقدم حينئذ قول المالك بيمينه لانتفاء الوثوق بالغاصب، لظهور كذبه و حصر دعواه فيما علم انتفاؤه فيلغى قوله بالكلية أو يطالب بما يكون محتملا فيقبل منه و هلم جرا؟ وجهان.

و في جامع المقاصد لم أجد تصريحا بأحدهما، لكن في التحرير صرح بالثاني منهما، و هو الذي قواه في الروضة و المالك اطرادا للقاعدة، و لا يلزم من إلغاء قوله المخصوص لعارض كذبه إلغاء قوله مطلقا حيث يوافق الأصل، و هو كذلك.

و لو اختلفا بعد زيادة قيمة المغصوب في السوق في وقتها فادعى المالك أنها قبل التلف و الغاصب بعده فالقول قول الغاصب أيضا بيمينه، لأنه منكر، و الله العالم.

ج 37، ص: 226

[المسألة الثانية إذا تلف و ادعى المالك صفة يزيد بها الثمن كمعرفة الصنعة فالقول قول الغاصب مع يمينه]

المسألة الثانية:

إذا تلف و ادعى المالك فيه صفة يزيد بها الثمن كمعرفة الصنعة ف- لا خلاف أجده هنا في أن القول قول الغاصب مع يمينه لأن الأصل يشهد له إذ معرفة الصنعة حادث، و الأصل عدمه، نعم في الكفاية في عموم صحيح أبي ولاد(1)ما يخالفه، و قد عرفت الحال فيه.

و كذا لو كان الاختلاف في تقدمها لتكثر الأجرة، لأصالة عدمه أيضا، و كذا لو ادعى المالك تخلل الخمر في يد الغاصب فأنكره

الغاصب، فان القول قول الغاصب بيمينه، للأصل أيضا، و الله العالم.

هذا كله في دعوى المالك الصنعة الحادثة التي تزيد بها القيمة.

أما لو ادعى الغاصب عيبا متجددا لكن عند المالك كالعور و شبهه مما هو عارض للعبد بعد الصحة و أنكر المالك فالقول قوله مع يمينه، لأن الأصل الصحة، سواء كان المغصوب موجودا أو معدوما.

لكن في المبسوط «إذا غصب عبدا فرده و هو أعور فقال سيده:

عور عندك، و قال الغاصب: بل عندك فالقول قول الغاصب، لأنه غارم، فان اختلفا في هذا و العبد قد مات و دفن فالقول قول سيده إنه ما أعور، و الفصل بينهما إذا مات و دفن فالأصل السلامة حتى يعرف عيبا، فكان القول قول السيد، و ليس كذلك إذا كان حيا، لأن العور مشاهد موجود».


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الغصب الحديث 1.

ج 37، ص: 227

و أول من تعرض لرده الحلي في السرائر، قال: «فان غصب عبدا فرده و هو أعور و اختلفا فقال سيده: عور عندك و قال الغاصب:

بل عندك قدم قول الغاصب، لأنه غارم، و قال بعض أصحابنا: فإن اختلفا و العبد قد مات و دفن فالقول قول سيده إنه ما كان أعور، و الذي يقوى عندي أن القول قول الغاصب، لأنه غارم في المسألتين، و الأصل براءة الذمة، و هذا الذي ذكره بعض أصحابنا تخريج من تخريجات المخالفين و الذي تقتضيه أصول المذهب ما ذكرناه».

و أما الفاضل فقد وقع له في القواعد عبارات ثلاثة: الأولى «لو تنازعا في عيب يؤثر في القيمة ففي تقديم أحد الأصلين نظر». و الثانية «لو ادعى الغاصب عيبا تنقص به القيمة كالعور قدم قول المالك» و في جامع المقاصد أنه رجوع عن التردد إلى الجزم. و الثالثة «لو ادعى المالك تجدد العيب المشاهد في يد الغاصب و الغاصب سبقه فالقول قول المالك على إشكال».

قلت: لا يخفى عليك أن التحقيق ما ذكره الشيخ من الفرق بين المسألتين مع إنكار المالك وجود أصل العور، كما هو ظاهر قول الشيخ:

«ما أعور» أو صريحه، لأنه الذي يقتضيه الأصل بجميع معانيه.

و لعله لذا جزم الفاضل بتقديم قول المالك فيه، بخلاف ما إذا كان العور محققا و لكن النزاع بينهما في سبقه و لحوقه، و لا أصل يقتضي شيئا منهما حتى مع العلم بالتأريخ، بناء على ما حققناه في محله، و لا الاقتران الذي مقتضى الأصل أيضا عدمه، مع أنه يمكن فرض المسألة مع القطع بعدمه، و لعله لذا تردد الفاضل.

و لكن فيه أن أصل براءة ذمة الغاصب بحاله حينئذ سالم عن المعارض و لهذا جزم الشيخ فيه بأن القول قول الغاصب لأنه غارم. و إن كان

ج 37، ص: 228

لم يثبت ما ادعاه من السبق، من حيث تعارض أصلي تأخر الغصب عن العيب و العكس.

و منه يعلم ما في جامع المقاصد، حيث إنه جعل وجه النظر في عبارة الفاضل ناشئا من تعارض الأصلين، قال: «فإن الأصل براءة الذمة من أرش ذلك، و الأصل السلامة في العبد إلى حين إثبات اليد، فتعارضهما أوجب التردد- ثم قال-: لا يخفى إن التعارض غير واضح، لأن أصل السلامة من العيب يقتضي شغل ذمة الغاصب لضمان جميع العبد و مع ذلك لا يبقى أصل البراءة، لوجود الناقل عنه، و لأن الأصل عدم تقدم العيب». و تبعه على ذلك في المسالك.

إذ لا يخفى عليك ما فيه، لأن أصالة عدم تقدم العيب معارضة بأصالة عدم تقدم الغصب مع فرض جهل التأريخ، أو بناء على أن العلم به كالجهل به، و هو منشأ نظر الفاضل، و أصل السلامة من العيب بعد وجوده الذي هو بمعنى استصحابها إلى حين الغصب ليس هو إلا أصل عدم تقدم العيب على الغصب المعارض بمثله، كما هو واضح.

و منه يعلم ما في عبارة المصنف أيضا إن كان مراده ما يشمل دعوى تقدم العور و تأخره، كما يشعر به قوله: «سواء» إلى آخره معرضا به لما سمعته من الشيخ المقتضي عدم معنى لأصل السلامة مع فرض وجود المغصوب معيبا كما عرفت.

و لقد أجاد الفاضل في المختلف حيث إنه بعد أن حكى كلام الشيخ و ابن إدريس قال: «و الوجه أن نقول: إن كان السيد ادعى بعد موته و دفنه أنه أعور عند الغاصب و ادعى الغاصب أنه أعور عند المالك فلا فرق بين المسألتين، و إذا كان قد أنكر عورة مطلقا قدم قوله، و هو الظاهر من كلام الشيخ، فإنه قال: القول قول السيد إنه ما أعور

ج 37، ص: 229

و الأصل السلامة، و لأنه لو لا ذلك لما بقي فرق بين الموت و عدمه» و هو جيد جدا، موافق لما حققناه.

نعم لو فرض كون دعوى الغاصب أنه أكمه لا عور حادث أمكن حينئذ تقديم قول المالك، لأصالة السلامة التي هي بمعنى غلبة السلامة الواردة على أصل البراءة، إلا أن الكلام في حجية الغلبة المزبورة على وجه تصلح قاطعا للأصل المزبور في المقام، و مع فرضه لا إشكال في الضمان حينئذ لما ذكره، فتأمل جيدا.

بل مما ذكرناه يعلم ما في كثير من الكتب، حتى الدروس و إن وافق ما قلناه في الجملة، قال: «و لو اختلفا في تقدم العيب حلف الغاصب عليه، لأنه غارم، قاله الشيخ و ابن إدريس، و لو قيل: يحلف المالك لأن الأصل السلامة و عدم التقدم كالمبيع كان وجها، و لو اختلفا في العيب بعد موته أو انقطاع خبره حلف المالك عند الشيخ و الغاصب عند ابن إدريس، و الأول أصح».

إذ لا يخفى عليك ما في الوجه الذي ذكره، ضرورة التعارض فيما ذكره من أصل السلامة و عدم التقدم كما عرفت، و حلف المالك على ذلك في البيع لأصالة لزوم العقد و البراءة من الأرش، بخلاف المقام المقتضي لشغل ذمة الغاصب الذي مقتضى الأصل براءتها، فتأمل جيدا. و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا باع الغاصب شيئا ثم انتقل اليه بسبب صحيح قيل لا تسمع بينته]

المسألة الثالثة:

إذا باع الغاصب شيئا أو وهب مثلا ثم انتقل اليه بسبب صحيح كميراث و نحوه و لم نقل بأن ملك الفضولي لما باعه

ج 37، ص: 230

إجازة فقال للمشتري: بعتك ما لا أملك و الآن قد انتقل إلى بسبب صحيح و أقام بينه هل تسمع بينته؟ قيل: لا، لأنه مكذب لها بمباشرة البيع الظاهر في أنه ملكه.

و قيل و القائل الشيخ و الفاضل و الشهيدان و غيرهم إن اقتصر على لفظ البيع و لم يضم إليه من الألفاظ ما يتضمن ادعاء الملكية كأن يقول: بعتك ملكي أو هذا ملكي أو قبضت ثمن ملكي أو أقبضته ملكي قبلت و إلا ردت.

بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له منا، بل لم أجد القائل بعدم السماع مطلقا، بل عن المبسوط أنه لم يذكره لأحد من العامة، و إنما ذكره احتمالا، مع أنه واضح الضعف، ضرورة عدم اقتضاء إيقاع البيع مثلا البيعية على وجه يكون تكذيبا للبينة، بحيث لا تكون حجة له إذ البيع حقيقة يقع على الملك و غيره، و تنزيل إطلاق البيع على ما يملكه فيما لو باع النصف مشاعا للقرينة الدالة على ذلك لا يقتضي تنزيل إيجاد صيغة البيع على الملكية بحيث تنافي دعواه اللاحقة و بينته، خصوصا مع ملاحظة عموم

قوله (صلى الله عليه و آله)(1)«البينة على المدعى و اليمين على من أنكر».

و لو أقر بالغصبية بعد أن باعه و قبلي الانتقال اليه بسبب صحيح و كذبه المشتري أغرم الثمن للمالك إن أجاز البيع و إلا فقيمته، لكن في القواعد «و لو أقر بائع العبد بالغصبية من آخر و كذبه المشتري أغرم البائع الأكثر من الثمن و القيمة للمالك» و لم يظهر لنا وجه له معتد به، و المتجه ما قلناه، و حينئذ فلو فرض زيادة ما قبض من الثمن عنها


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم- و الباب- 25- منها الحديث 3.

ج 37، ص: 231

وجب عليه دسها في مال المشتري.

هذا و لكن ليس للمشتري مطالبته بما دفع اليه من الثمن بعد عدم تصديقه في إقراره، كما أنه ليس للبائع مطالبة المشتري مع عدم الإجازة إلا بأقل الأمرين من القيمة و الثمن، لأن الاولى إن كانت أقل فليس له غيرها بمقتضى إقراره، و إن كان الثمن أقل فليس له سواه في ظاهر الشرع، سواء أجاز المقر له أم لا بعد عدم تصديق المشتري.

و لو عاد العبد اليه بفسخ أو غيره وجب رده على مالكه و استرجع ما دفعه كما في القواعد و غيرها، بل صرح بعضهم بأن ما دفعه كان للحيلولة، و مقتضاه بقاء العين على ملك المالك و إن دفع له القيمة كما سمعته في الحيلولة، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في كتاب الإقرار.

و لو كان إقراره في مدة خياره ففي القواعد و محكي غيرها انفسخ البيع، لأنه يملك فسخه، فقبل إقراره بما يفسخه، إذ الإقرار يجب أن ينفذ حيث يمكن نفوذه، و هو ممكن على هذا التقدير، فكان كما لو أعتق ذو الخيار أو باع، و لكن قد تقدم في بحث الحيلولة و في كتاب الإقرار ما يظهر منه نوع تأمل في ذلك و بحث في القاعدة المزبورة على وجه يحصل منها الانفساخ ظاهرا و إن لم ينشأ الفسخ، فلاحظ و تأمل.

و لو أقر المشتري خاصة لزمه رد العبد إلى المقر له، و يدفع الثمن إلى بائعه، و لو أعتق المشتري العبد لم ينفذ إقرارهما معا عليه، و كذا لو باعه على ثالث لم يصدقهما، و لو صدقهما العبد بعد عتقه فالأقرب القبول، وفاقا للفاضل في بعض كتبه،

لعموم «إقرار العقلاء»(1)

و من أنه في الإعتاق مانع لوقوعه صحيحا، و منشئ العقد و الإيقاع أعلم به.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.

ج 37، ص: 232

لكن في القواعد «و يحتمل عدمه، لأن العتق حق لله تعالى، كما لو اتفق العبد و السيد على الرق و شهد عدلان حسبة بالعتق» بل هو المحكي عن المبسوط و التذكرة و الإيضاح.

و الأقوى الأول، و الفرق بين الأمرين واضح، و على الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء، فيضمنه يوم العتق بناء على المختار، فان ضمن البائع رجع على المشتري، لأنه أتلفه، و إن رجع على المشتري رجع بالثمن خاصة.

و لو مات العبد و خلف مالا ففي التحرير هو للمدعي إن لم يخلف وارثا و لا ولاء لأحد عليه، و فيه أن المتجه كونه للإمام، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا مات العبد فقال الغاصب: رددته إليك قبل موته و قال المالك بعد موته فالقول قول المالك مع يمينه]

المسألة الرابعة إذا مات العبد المغصوب مثلا فقال الغاصب: رددته (إليك خ) قبل موته و قال المالك: بعد موته فالقول قول المالك مع يمينه لتعارض الأصلين و تساقطهما، أو أن مفادهما الاقتران الذي لا يفيد البراءة، مضافا إلى اتفاقهما على عدمه، مع أنه حادث و الأصل عدمه، و على كل حال فيبقى أصل بفاء الضمان بحاله على قطعه لأصل البراءة.

و من هنا كان المشهور على ذلك، بل لا أجد فيه خلافا و إن قال المصنف و الفاضل في التحرير قال في الخلاف: و لو عملنا في هذه بالقرعة كان جائزا إلا أنا لم نتحققه، فان عبارته المحكية عنه في المختلف في تعارض البينتين قال: «إذا غصب عبدا و مات و اختلفا فقال الغاصب: رددته حيا و مات في يد المالك، و قال المالك: رددته

ج 37، ص: 233

ميتا، و أقام كل منهما بينة بما ادعاه سقطتا، وعدنا إلى الأصل، و هو بقاء العبد عند الغاصب حتى يغلم رده، و لأن كل منهما مدع موت العبد عند صاحبه و تكافئا سقطتا(1)و بقي الأصل و هو بقاء العبد عند الغاصب حتى يعلم رده، و إن عملنا في هذه المسألة على القرعة كان جائزا».

و لعله لذا حكاه في الدروس عنه في ذلك، قال: «و لو اختلفا في رده أو في موته قبل الرد أو بعده أو في رد بدله مثلا أو قيمة حلف المالك، و لو أقاما بينتين تساقطتا، و يحلف المالك، و في الخلاف يجوز العمل بالقرعة لتكافؤ الدعويين، و هو حسن بل واجب، و قال ابن إدريس: البينة للغاصب، لأنها تشهد بما يخفى».

قلت: و لعله كذلك إن لم ترجح بينة الداخل أو الخارج، و إلا كان العمل عليها دونها، كما حققناه في كتاب القضاء.

و لعل ما عن المبسوط هنا مبني على ترجيح بينة الداخل، قال:

«إذا أقام كل منهما بينة عمل على ما نذكره في تقابل البينتين، و إن قلنا:

إن البينتين إذا تقابلتا سقطتا و وعدنا إلى الأصل- و هو بقاء العبد عنده حتى يعلم رده- كان قويا».

لكن في محكي السرائر أن الذي قواه مذهب الشافعي في تقابل البينتين لا مذهب أصحابنا، و إنما مذهب أصحابنا بلا خلاف بينهم الرجوع إلى القرعة، لأنه أمر مشكل، و هذا ليس من ذلك القبيل، و لا هو منه بسبيل، و لا في هذا إشكال- إلى أن قال-: إنما تسمع بينة الغاصب، لأنها تشهد بأمر قد يخفى على بينة المالك، فلا إشكال هنا حتى تستعمل فيه القرعة، بل مثاله رجل غصب مالا ثم قال الغاصب: رددته و قال


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين المبيضة و المسودة بقلمه الشريف، و في المختلف« و تكافئا و لا ترجيح سقطتا» و في الخلاف« و تكافئا و لا ترجيح فسقطتا» و هو الصحيح.

ج 37، ص: 234

المغصوب منه: ما رددته، فالقول قول المغصوب منه، فإن أقام كل منهما بينة سمعت بينة الغاصب، لأن لبينته مزية على بينة المغصوب منه، لأنها تشهد بأمر قد يخفى على بينة المالك، و كذا لو ادعى قضاء الدين و أنكر المالك و أقام كل منهما البينة- إلى أن قال-: و لا يقول أحد من علمائنا: إنه يستعمل هنا القرعة، و لا يعاد إلى الأصل» و حاصله تقديم بينة الخارج على الداخل، و قد ذكرنا في كتاب القضاء تفصيل الحال و الأقوال فلاحظ و تأمل.

نعم حاول في المختلف جعل الفرض من المتضادين الذي هو محل القرعة أو التساقط و الرجوع إلى الأصل، و ذلك لأن الموت أمر وجودي طارئ على الحياة، فهو حينئذ ضدها، و لا يمكن الجمع بينهما، فحصل الاشتباه الموجب للقرعة أو التساقط و الرجوع إلى الأصل. و لعله لذا جزم به في الدروس.

لكن فيه أن ذلك لا يخرج المسألة عن مسألة بينة الداخل و الخارج فلا بد حينئذ من بناء ترجيح إحدى البينتين على ذلك، نعم يرجع إلى القرعة في البينتين المتضادتين و لم تكن أحدهما بينة داخل و خارج، كما في دعوى رجل زوجية امرأة و دعوى آخر كذلك، فتأمل جيدا. هذا كله في الرد حيا أو ميتا.

أما رد أصل المغصوب أو قيمته أو مثله فلا إشكال و لا خلاف في أن القول قول المالك، لأن الأصل عدم ذلك، فهو منكر، و لا يشكل ذلك باقتضائه التخليد في السجن حينئذ، لإمكان الالتزام بذلك، كما لو أقام المالك بينة عليه بوجود عين المغصوب، فيحبس إلى أن يتحقق الحاكم عدم العين عنده، فيلزمه بالمثل أو القيمة، و قد يحتمل الانتقال إلى ذلك من أول الأمر، لسقوط التكليف بنفس العين بدعوى الرد التي هي

ج 37، ص: 235

كدعوى التلف التي ذكرها المصنف و غيره فقال:

[المسألة الخامسة إذا اختلفا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب مع يمينه]

المسألة الخامسة إذا اختلفا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب مع يمينه بل لا أجد فيه خلافا بينهم، بل عن ظاهر غاية المراد بل و التذكرة الإجماع عليه، و ليس- مع أنه مخالف للأصل- إلا لأنه لو لم يقبل لزم تخليده الحبس لو فرض صدقه، إذ قد يصدق و لا بينة له.

و في المسالك «و لا يرد مثله فيما لو أقام المالك البينة ببقاء العين، فإنه حينئذ يكلف بردها و يحبس مع إمكان صدقه، إذ البينة ببقائها لا تقتضي المطابقة في نفس الأمر، لأنه يمكن الفرق هنا بأن بقاءها ثابت شرعا، و ظاهر الحال يقتضي صدق البينة فيه، فيجوز البناء على هذا الظاهر و إهانته بالضرب و الحبس إلى أن يظهر للحاكم كون تركه ليس عنادا، فإذا تعذر الوصول إلى العين انتقل إلى بدلها كما هنا، بخلاف البناء على الأصل، فإنه حجة ضعيفة مختلف فيها بين الفقهاء و الأصوليين، فلا يناسبها التضييق بالعقوبة و نحوها».

قلت: لكن ذلك كله كما ترى لا يوافق قواعد الإمامية، ضرورة كونه مجرد اعتبار، فان ثبت إجماع فذاك، و إلا كان المتجه الحبس إلى أن يظهر للحاكم على نحو البينة.

و كيف كان فإذا حلف من أول الأمر أو بعد اليأس من دفع العين طالبه المالك بالقيمة لتعذر العين و لو للحيلولة التي قد عرفت اقتضاؤها ذلك، فما عن بعض العامة- من أنه ليس للمالك المطالبة بالقيمة لأنه يزعم بقاء العين فلا يستحق بدلها- واضح الضعف، و الله العالم.

ج 37، ص: 236

[المسألة السادسة إذا اختلفا فيما على العبد من ثوب أو خاتم فالقول قول الغاصب مع يمينه]

المسألة السادسة:

إذا اختلفا فيما على العبد من ثوب أو خاتم أو نحوهما فقال المالك: هو لي، و قال الغاصب: هو لي فالقول قول الغاصب مع يمينه بلا خلاف أجده فيه لأن يده حالة الغصب على الجميع فيقدم قوله، و لا يعارضه سبق يد المالك بعد زوالها بطرو يد الغصب التي حكم بسببها بضمانه للعين و المنفعة، و الله العالم.

ج 37، ص: 237

بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين الغر الميامين، أعلام الحق و أدلاء الخلق، السادة الولاة و الذادة الحمأة.

[كتاب الشفعة]

اشاره

كتاب الشفعة الذي ذكره المصنف و غيره متصلا بكتاب الغصب تنبها على أن ذلك كالمستثنى من حرمة أخذ مال الغير قهرا، للسنة المتواترة التي سيمر عليك جملة منها في تضاعيف الكتاب و الإجماع بقسميه عليه، بل هو من المسلمين، و ما يحكى عن جابر بن زيد و الأصم من إنكار الشفعة على فرض صحة الحكاية من الشواذ المعلوم بطلانه، خصوصا بعد الطعن في عقيدة جابر منهما بالخروج.

ج 37، ص: 238

و على كل حال ففي بعض كتب الشافعية أنها اختلف في مأخذها لغة هل هي مشتقة من الشفع بمعنى الضم أو الزيادة أو التقوية، أو من الشفاعة؟

أقوال متقاربة.

و في التنقيح «هي مأخوذة من الزيادة، لأن سهم الشريك يزيد بما يضم إليه؛ فكأنه وتر فصار شفعا».

و في المسالك تبعا للتذكرة و جامع المقاصد «مأخوذة من قولك:

شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا به، كأن الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه، و يقال: أصل الكلمة التقوية و الإعانة، و منه الشفاعة و الشفيع، لأن كل واحد من الوترين يتقوى بالآخر، و منه شاة شافع للتي معها ولدها، لتقويتها به».

و فيه ما لا يخفى، إلا أن الأمر سهل، كسهولة الأمر فيما ذكر في تعريفها المحكي عن أبي الصلاح و ابني زهرة و إدريس و غيرهم بأنها استحقاق الشريك المخصوص على المشتري تسليم المبيع بمثل ما بذل فيه أو قيمته.

و في القواعد هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع، كقول المصنف هنا هي استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسبب انتقالها بالبيع.

و في النافع «استحقاق حصة الشريك لانتقالها بالبيع».

و في الإسعاد لبعض الشافعية «هي حق تملك قهري يثبت للشريك على الحادث بالعرض الذي ملك به».

و يقرب منه ما في الدروس «حق ملك قهري يثبت بالبيع لشريك قديم على شريك حادث فيما لا ينقل عادة مع إقراره» إلى غير ذلك، ضرورة معلومية كون المراد منها التمييز في الجملة لترتب الأحكام عليه، و إلا فتمامه يعلم بالاحاطة بالأدلة التي ستعرفها إنشاء الله، و ليس المراد

ج 37، ص: 239

منها التحديد الحقيقي، و لا أن ذلك للاختلاف بينهم في معنى شرعي لها كما ذكرنا ذلك غير مرة.

و حينئذ فلا ثمرة فيما في المسالك من أنه ينتقض تعريف الكتاب في طرده بما لو باع أحد الشريكين حصته للآخر، فإنه يصدق عليه أن المشتري قد استحق حصة شريكه الآخر بسبب انتقالها بالبيع، و لا عذر في أن الشريك بعد بيع حصته ليس بشريك، لمنع زوال اسم الشريك عنه، بناء على أنه لا يشترط في صدق المشتق حقيقة بقاء المعنى المشتق منه، و لا مخلص من ذلك إلا بالتزام كونه حينئذ مجازا كما يقوله بعض الأصوليين، لكن الأصحاب لا يقولون به، و على هذا فتصدق الشركة بعد المقاسمة، و يلزم ثبوت الشفعة لأحد الشريكين المتقاسمين حصة الآخر إذا باعها لغيره، و هم لا يقولون به، و يصدق مع تكثر الشركاء إذا كانوا ثلاثة فباع أحدهم لأحد الآخرين، فإنه حينئذ يصدق بقاء شريكين قد انتقلت الحصة المستحقة بالبيع إلى أحدهما من شريكه، إلا أن يقال هنا: إن الشريك لم يستحق حصة شريكه، بل بعض حصته، و هي المنتقلة بالبيع دون باقي حصته، و هي حصة الشريك الآخر، حيث إن شريكه يشمل الشريكين، بناء على أن المفرد المضاف يفيد العموم، فلم يتحقق استحقاقه حصة شريكه، و يؤيد هذا أن الحصة و إن كانت صادقة ببعض ما يستحقه الشريك كما يقال باع حصة من نصيبه و إن قلت إلا أنه بإضافتها إلى الشريك تناولت جميع حصته، بناء على القاعدة المذكورة و قد أشرنا إليها فيما سبق، و لا مخلص من هذه المضايقات إلا بدعوى كون الشريك بعد انتقال حصته لم يبق شريكا عرفا، و الاستحقاق بسبب بيع أحد الشريكين الآخر لا يتحقق إلا بعد تمام البيع، و معه تزول الشركة عرفا و إن صدقت لغة.

ج 37، ص: 240

و كأنه أشار بهذا التطويل إلى بيان ما في جامع المقاصد من الإيراد على تعريف الفاضل بأنه صادق على استحقاقه انتزاع حصته ببيعه إياها، ثم إن الحصة لا يعلم أي حصة يراد بها، و كذا الشريك لا يتعين أي شريك يراد به.

لكنه على كل حال هو كما ترى مع طوله و قلة محصوله لا يخلو بعضه من خلل، ضرورة كون المراد استحقاق حصة الشريك الحادث بسبب انتقالها إليه بالبيع، و لو سلم إرادة الأول كما هو ظاهر تعريف القواعد فالمراد استحقاق الشريك حصته التي باعها لغيره، فلا يرد شي ء مما ذكر، و قول المصنف: «أحد الشريكين» كالصريح في عدم تحققها مع الكثرة فلا يرد ما ذكر من بيع أحد الثلاثة.

و أغرب من ذلك ما ذكره في مسألة المشتق، و دعواه الإجماع ظاهرا على عدم اعتبار بقاء المبدأ في الصدق ثم تفريعه على ذلك لزوم تحقق الشفعة بعد المقاسمة، مع أنه ممنوع في مثل الحائض و الشريك، و على تقديره فلا يلزم منه ما ذكره بعد النص و الفتوى على اعتبار عدم القسمة في ثبوتها، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك حاله.

و كذا ما في الرياض تبعا للتنقيح من «أن تعريف المصنف في النافع و إن انتقض في طرده بأمور- منها ما لو باع أحد الشريكين حصته للآخر، فإنه يصدق عليه أن المشتري قد استحق حصة شريكه الآخر بسبب انتقالها بالبيع- إلا أنه أجود مما عرفها في القواعد» إلى آخره.

لانتقاضه طردا زيادة على ما ينتقض به الأول بأنه قد يستحق الشريك حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع لا بسبب الشفعة بل بسبب آخر، كالإرث و غيره، و إنما لا ينتقض ما هنا به لتعليل الاستحقاق بالانتقال بالبيع، ليخرج ما كان الانتقال لا به، بل بغيره من النواقل، كالهبة و الاصداق

ج 37، ص: 241

و الصلح و نحو ذلك. و الأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في النظر في ذلك أي كتاب الشفعة و هو يعتمد (يستدعي خ ل) خمسة مقاصد:

[المقصد الأول في ما تثبت فيه الشفعة]

الأول في ما تثبت فيه الشفعة و لا خلاف بيننا بل و بين غيرنا عدا النادر الذي عرفته في أنها تثبت في الأرضين كالمساكن و العراص و البساتين بل تثبت في ذلك إجماعا بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص من الطرفين(1).

و هل تثبت فيما ينقل كالثياب و الآلات و السفن و الحيوان؟ قيل و القائل الإسكافي و الشيخان في المقنعة و النهاية و الاستبصار و الصدوقان و المرتضى و أبو صلاح و ابن البراج و ابنا زهرة و إدريس بل و حمزة في الظاهر على ما حكي عن بعضهم نعم تثبت دفعا لكلفة القسمة، و استنادا إلى رواية يونس عن بعض رجاله(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) التي ستسمعها، و نفي عنه البعد في الدروس و اختاره في الرياض، و في المسالك و غيرها نسبته إلى أكثر المتقدمين و جماعة من المتأخرين، بل في الانتصار

الإجماع عليه، و أنه من متفردات الإمامية، بل عن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشفعة و سنن البيهقي ج 6 ص 109.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 242

ابن إدريس الإجماع أيضا و إن كنا لم نتحققه، لأن عبارته المحكية عنه في المختلف كما تحتمل ذلك تحتمل إرادة عموم معقد الإجماع أو إطلاقه فلاحظ.

و قيل و القائل الشيخ و الطبرسي و الراوندي و سلار و الفاضل و والده و ولده و الآبي و الشهيدان في اللمعة و الروضة على ما حكي عن بعضهم:

لا تثبت، بل عن الخلاف نسبته إلى أكثر أصحابنا، بل عن التذكرة إلى المشهور، بل في الدروس نسبته إلى المتأخرين اقتصارا في التسلط على مال المسلم بموضع الإجماع، و استضعافا للرواية المشار إليها، و هو أشبه عند المصنف وفاقا لمن عرفت.

إلا أن الرواية المزبورة رواها

المشايخ الثلاثة(1)عن الصادق (عليه السلام) «عن الشفعة لمن هي؟ و في أي شي ء هي؟ و لمن تصلح؟ و هل يكون في الحيوان شفعة؟ و كيف هي؟ فقال: الشفعة جائزة- و في الفقيه واجبة- في كل شي ء من حيوان

أو أرض أو متاع إذا كان الشي ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه، فشريكه أحق به من غيره و إن زاد على اثنين فلا شفعة لأحد منهم».

و معتضدة بما في

الفقيه بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الله بن سنان(2)«أنه سأله عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه، قال: يبيعه، قلت: فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه، فلما أقدم على البيع قال له الشريك: أعطني، قال: هو أحق به، ثم قال (عليه السلام): لا شفعة في الحيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحدا».

و بصحيح ابن سنان(3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه فقال أحدهم: أنا أحق،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 4.

ج 37، ص: 243

إله ذلك؟ قال: نعم إذا كان واحدا».

و بصحيح الحلبي(1)في التهذيب و حسنه كالصحيح في الكافي عن أبي عبد الله (عليه

السلام) أيضا أنه قال «في المملوك بين شركاء يبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه: أنا أحق به، إله ذلك؟ قال: نعم إذا كان واحدا، قيل له: في الحيوان شفعة؟ قال: لا»

المحمول على إرادة نفيها في الحيوان إذا لم يكن الشريك واحدا بشهادة خبر الفقيه الذي به أيضا يقيد إطلاق نفيها في الحيوان في غير الخبر المزبور. و بذلك جمع الشيخ بينها، و لعله أولى من الجمع بينها بتخصيص المملوك من الحيوان، كما تسمعه من الفاضل في المختلف، و على كل حال فهي مؤيدة لمرسلة يونس.

مضافا إلى إطلاق

قول أبي عبد الله (عليه السلام) في حسن الغنوي(2)«سألته عن الشفعة في الدور أ شي ء واجب للشريك؟ و يعرض على الجار و هو أحق بها من غيره؟ فقال: الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن»

و غيره من الإطلاقات.

و إلى ما يفهم من

خبر عقبة بن خالد(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قضى رسول الله (صلى الله عليه و آله)

بالشفعة بين الشركاء في الأرض و المساكن، و قال: لا ضرر و لا ضرار، و قال: إذا أرفت الأرف و حددت الحدود فلا شفعة».

كل ذلك مضافا إلى الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المزبورة الجابرين لما في النصوص المزبورة من الضعف في السند أو الدلالة. مضافا إلى مخالفة العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 244

و ربما نوقش في الشهرة المزبورة بأن الصدوقين و ابن أبي عقيل لم يذهبوا إلى الإطلاق المزبور.

قال في المقنع: «لا شفعة في سفينة و لا طريق و لا حمام و لا رحى و لا نهر و لا ثوب و لا في شي ء مقسوم، و هي واجبة في كل شي ء عدا ذلك من حيوان أو أرض أو رقيق أو عقار».

و قال أبوه: «الشفعة واجبة في كل شي ء من حيوان أو عقار أو رقيق إذا كان الشي ء بين شريكين، و ليس في الطريق شفعة و لا في نهر و لا في رحى و لا في حمام و لا في ثوب، و لا في شي ء مقسوم».

و لعله لذا حكى عنهما في الدروس إثباتها في الرقيق و الحيوان.

و قال ابن أبي عقيل: «لا شفعة في سفينة و لا رقيق».

و في النهاية بعد أن صرح بثبوت الشفعة في الضياع و العقار و الحيوان و المتاع قال: «و لا شفعة فيما لا يصح قسمته مثل الحمام و الأرحية و ما أشبههما».

و من ذلك يعلم أن في المسألة أقوالا لا قولين خاصة، كما عساه يظهر من المصنف و غيره ثبوتها في المنقول مطلقا و عدمها فيه كذلك، و التفصيل بما سمعته من الصدوقين و الشيخ في النهاية، بل و من ابن أبي عقيل إذا كان يثبتها فيما عدا ما ذكر، و تفرد الفاضل في المختلف بثبوتها في الأراضي و في خصوص المملوك و إن حكاه المصنف فيما يأتي، إلا أنا لم نتحققه.

و لا يخفى عليك وجه الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه، مضافا إلى

خبر السكوني(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا شفعة في سفينة و لا في نهر و لا في طريق


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 245

و لا في رحى و لا في حمام».

و خبر سليمان بن خالد(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ليس في الحيوان شفعة».

و المرسل في الكافي(2)«إن الشفعة لا تكون إلا في الأرضين و الدور فقط»

المنجبر بما عرفت من الشهرة بين المتأخرين بل إطباقهم، بل قد سمعت حكايتها على الإطلاق.

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان(3): «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما».

و قوله (عليه السلام) في خبر السكوني(4): «لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم».

و قول أحدهما (عليهما السلام) في المرسل(5): «الشفعة لكل شريك لم يقاسم».

و قول علي (عليه السلام)(6): «لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم».

و المرسل في الفقيه(7)عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قضى بالشفعة ما لم تؤرف.

يعني تقسم»

بناء على ظهورها في كون مورد الشفعة القابل للقسمة، بخلاف الحيوان و نحوه، بل ذكر الأرف التي هي علامة الحدود في قسمة الأراضي مشعر بأن موردها خصوص الأراضي.

بل في بعض كتب الشافعية أن الأصل في عدم ثبوتها في المنقول

حديث


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من كتاب الشفعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 8.

ج 37، ص: 246

جابر(1)«أن النبي (صلى الله عليه و آله) قضى بالشفعة فيما لم يقسم، ماذا وقعت الحدود و طرقت الطرق فلا شفعة»

و رواه البخاري(2)«إنما الشفعة»

إلى آخره باعتبار أنه خصها بما تدخله القسمة و الحدود و الطرق، و هذا لا يكون في المنقولات.

بل عن الشيخ الاستدلال بهذه النصوص على الاختصاص، مضافا إلى

خبر جابر منها «لا شفعة إلا في ربع أو حائط»

و رواه في الإسعاد «الشفعة في كل مشترك في أرض أو ربع أو حائط لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فيأخذ أو يدع»(3).

و الانصاف أن ذلك كله مما يورث الشك للفقيه، خصوصا بعد عدم الشهرة المحققة المعتد بها للقدماء في ذلك، بل ما حكاه المرتضى عن العامة من اتفاقهم عدا مالك على عدم ثبوتها في المنقول معارض بما عن الخلاف من حمل مرسل يونس(4)على التقية من أبي حنيفة و مالك، كما أن ما ادعاه من الإجماع لم نتحققه، إذ لم نعرف من وافقه على ذلك ممن تقدمه إلا المفيد، مع أنه حكى عنه في المختلف أنه لم يصرح بشي ء، و إن كان هو خلاف الموجود عندنا في مقنعته من التصريح بذلك في آخر كلامه، و إلا ابن الجنيد، و لم نقف على عبارته، و ليس النقل كالعيان، أما الصدوقان و ابن أبي عقيل فقد عرفت الحال في كلامهم.

و أما النصوص السابقة المرسل بعضها و المضطرب الآخر منها في الحيوان الذي يستبعد الجمع بينها بما ذكرناه، لأن السؤال في بعضها قد


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 102.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 102.
3- 3 كنز العمال- ج 4 ص 2- الرقم 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 247

وقع عنه بعد المملوك المقيد بوحدة الشريك، على أن حمل النصوص المطلقة على ذلك مع عدم خصوصية للحيوان في غاية البعد، كطرح نصوص السفينة، و الإطلاقات المزبورة يشك في إرادة الفرض منها، خصوصا مع ملاحظة الشهرة و عدم سوقها لبيان نحو ذلك.

فالتحقيق حينئذ الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصول العقلية و النقلية، و هو الأخذ في غير المنقول، و حمل النصوص في المملوك و الحيوان(1) على ضرب من الندب، بل لا يبعد حمل مرسل يونس(2)عليه، و الله العالم. هذا كله في المنقول فعلا.

أما الشجر و النخل و الأبنية فتثبت فيها الشفعة تبعا ل بيع الأرض بلا خلاف أجده فيه، بل عن المبسوط نفيه في موضعين، بل قيل إن ظاهره نفيه بين المسلمين، و لعله كذلك، بل قد يظهر من ذكر القولين فيما لو أفردا في المتن و غيره الإجماع على ثبوتها في صورة الضم.

كل ذلك مضافا إلى دخول الأبنية في المساكن التي قد سمعت التصريح بها و

بالدور في نصوصنا(3)نعم ليس في شي ء منها ذكر الحائط بمعنى البستان الشامل للأرض و الغرس، و انما هو موجود في نصوص العامة(4)إلا أنه لا فرق عند الأصحاب بينه و بين البناء، كما أنه ليس في شي ء من نصوصنا لفظ البناء، بل فيها الأراضي و المساكن و الدور، و من هنا قد يتوقف فيما لا يدخل تحت اسم المسكن و الدار من البناء، كجدار و نحوه و إن حكي عن ظاهر جماعة و صريح آخرين


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2 و 4 و 5- من كتاب الشفعة.
4- 4 سنن البيهقي ج 6 ص 104 و 109.

ج 37، ص: 248

ثبوت الشفعة فيه تبعا للأرض، لكنه لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يكون ذلك مثالا لكل ما يثبت في الأرض، سواء كان مسكنا أو غيره نعم لا إشكال في تناول اسم الدار لجميع ما يثبت فيها من الأبواب و الأخشاب و الأعتاب و نحوها من المنقولات التي أثبتت تبعا للدار، بل في بعض كتب الشافعية دخول المفاتيح أيضا، و إن كان فيه منع واضح و إن قلنا بتبعيتها لبيع الدار عرفا، كتبعية ثياب العبد و مقود الدابة و رحلها، إلا أن ذلك لا يقتضي التبعية في الشفعة التي مدارها اسم البستان و الدار و المسكن لا

ما يتبعها عند بيعها، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

على أن الأصل المزبور يقتضي الاقتصار على المتيقن، و لعله لذا جزم في القواعد و التذكرة و التحرير و جامع المقاصد بعدم الشفعة فيما لو كانت أرض الغرفة سقف صاحب السفل المختص، لعدم التبعية لأرضه حينئذ، و لكن في الدروس لا شفعة فيها عند الفاضل مشعرا بنوع تردد فيه.

أما لو كان السقف لهما ففي القواعد إشكال، من حيث إنه في الهواء، فليس بثابت، و لا ترجيح في التحرير و الدروس، بل في التذكرة الأقرب أن لا شفعة، بل في جامع المقاصد أنه الأصح، لأن ثبوت الشفعة فيها تبعا للأرض و لا أرض هنا، و عدم النقل عادة لا يخرجها عن كونها منقولة في الأصل و صائرة إلى النقل.

إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، لصدق اسم المسكن و الدار، و كون الشي ء منقولا أو ثابتا ليس عنوانا في شي ء من النصوص، و لعله لذا حكي عن الفخر أن الأولى ثبوت الشفعة، بل لولا ذلك لأشكل حينئذ الشفعة في مسكن الأسفل، باعتبار أن أعلاه ملك لغيره، إلا أنه كما ترى يمكن القطع بعدمه، و الله العالم.

و على كل حال فلا إشكال في البناء و الغرس التابع للأرض

ج 37، ص: 249

نعم لو أفردا بالبيع نزل على القولين السابقين بلا خلاف أجده فيه، و كذا لو بيعا مع أرض اخرى.

أما لو بيعا مع مغرسهما و أسهما خاصة من أرض البستان و الدار فالأصح عند الشافعية عدم الشفعة، لأن المبيع من الأرض هنا تابع، و هو الأس و المغرس، و المتبوع هو البناء و الشجر(1)و لا يخلو من وجه للشك في التبعية هنا، لعدم صدق البستان و الدار على الفرض، إذ هما اسم للمجموع المركب من ذلك و هو المدار.

و منه حينئذ يعلم عدم الشفعة في الدار التي أرضها غير مملوكة للشريكين و لو لأنها مفتوحة عنوة و قلنا بعدم ملكها تبعا للآثار، أو كانت وقفا على غيرهما أو كانت مستأجرة أو عارية أو نحو ذلك، فإنها و إن صدق عليها اسم الدار و البستان لكنه لا بيع فيها لأرضها مع الآثار حتى تتحقق الشفعة حينئذ.

و لو كان في أرض البستان أو الدار زرع بجز مرة بعد أخرى فالذي صرح به بعض الشافعية الشفعة في أصوله و إن كان الجزة الظاهرة لا شفعة فيها. أما إذا لم يكن كذلك بل يجز دفعة واحدة و يؤخذ فلا

شفعة فيه قلت: لعل الأصح خلافه فيهما، ضرورة عدم دخولهما في اسم الحائط و الدار حتى تتحقق الشفعة فيه، و ليس هو من التوابع الثابتة، و من هنا كان المحكي عن الخلاف و فقه الراوندي و التذكرة و التحرير و جامع المقاصد و غيرها عدم الثبوت فيه من دون تفصيل.

و لو كان في الدار نخلة أو شجرة أو نحوهما مما لا تسمى بستانا فلا شفعة فيها ببيع الدار، إذ ليس هي منها في شي ء، و التبعية الجعلية في البيع لا تجدي، بل قد عرفت أن التبعية العرفية كذلك ما لم تدخل في المسمى على وجه تكون من أجزاء الدار عرفا، مثل الرفوف المثبتة فيه.


1- 1 في النسختين الأصليتين« و المتبوع و هو البناء و الشجر» و الأولى ما أثبتناه.

ج 37، ص: 250

بل لو فرض بناء بيوتها أجمع بالخشب و نحوه ثبت فيها الشفعة تبعا للأرض، لصدق اسم المسكن و الدار، بل لا يبعد إلحاق بناء القصب و نحوه مما يكون مبنيا على الثبات و الدوام على وجه الجزئية منها، فتأمل جيدا، فان المدار ما عرفت، و إلا فالفروع المتصورة في المقام كثيرة لا يصعب عليك بحمد الله شي ء من أحكامها بعد الإحاطة بما ذكرناه، حتى أصالة عدم الشفعة مع الشك.

نعم تتجه الشفعة في ذلك و إن لم تدخل تحت اسم المسكن و البستان و الدار بناء على أن البناء و الغرس مثال لكل ما يثبت في الأرض على هذا النحو، و لذا تثبت الشفعة في الحمام و الدكان و الرحى و البئر و نحوها مع السعة، و لا يدخل شي ء منها في اسم البستان و الدار، كما أومأنا إليه في الجدار المبنى في أرض.

و من ذلك ينقدح الشفعة حينئذ في النخلة في الدار و في المنارة مثلا في البستان، بل و في البيوت التي تبنى فيها لأجل إحراز الثمرة أو لأجل حيواناتها أو لنحو ذلك، بل و ما يثبت فيها من حشيش و نحوه و إن كان مما ينقل، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان ففي التحرير و النافع من الأصحاب من أوجب الشفعة في العبد من المنقول خاصة دون غيره من الحيوان فضلا عن غيره، إلا أنا لا نعرفه كما اعترف به الشهيد و غيره، نعم قد سمعت من الفاضل في المختلف اختياره، لصحيحي المملوك(1)السابقين، و نفي الشفعة في الحيوان في أحدهما و في غيرهما من النصوص.

لكن- مع أنه قول- لم نعرف من وافقه عليه لا ممن تقدمه و لا ممن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 3 و 4.

ج 37، ص: 251

تأخر عنه، بل قد عرفت ما في خبر الفقيه(1)المشتمل على نفيها في الحيوان مع التعدد، و به يجمع بين النصوص.

فالمتجه حينئذ عدم الفرق بين المملوك و غيره من أصناف الحيوان إلا أنك قد عرفت ما يدل على عدم جريانها في مطلق المنقول حيوان و غيره، على وجه لا تقاومه النصوص المزبورة بحيث يقيد بها، و كذا مرسل يونس السابق و غيره مما سمعت، و لا أقل من حصول الشك بعد تصادم المرجحات جميعها، و الأدلة كذلك حتى المطلقات، فيتجه الرجوع إلى الأصل الذي مقتضاه عدم ثبوت الشفعة في غير محل اليقين كما سمعت الكلام فيه سابقا.

بل من ملاحظة الأصل المزبور يرجح حينئذ اعتبار قابلية القسمة في محل الشفعة و إن قال المصنف في ثبوتها في النهر و الطريق و الحمام و نحوها م ما يضر قسمته تردد.

لكن أشبهه بأصول المذهب و قواعده التي قد سمعتها أنها لا تثبت وفاقا للشيخ و سلار و ابني حمزة و البراج و الفاضل و ولده و الشهيد و أبي العباس و المقداد و الكركي و ثاني الشهيدين على ما حكي

عن بعضهم، بل لعله ظاهر ما سمعته من الصدوقين بل و ابن أبي عقيل، بل عن بعض نسبته الى أكثر المتأخرين، بل عن التذكرة نسبته إلى أكثر علمائنا، بل في المسالك هو المشهور خصوصا بين المتأخرين، بل في الدروس عليه المتأخرون.

فمن الغريب ما عن المحدث البحراني من الإنكار على الفاضل نسبته إلى أكثر علمائنا قائلا: إن الشهرة إنما وقعت بعد العلامة. إذ لا يخفى عليك ما فيه.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 7.

ج 37، ص: 252

على أنه لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن المفيد و المرتضى و ابني زهرة و إدريس و أبي علي و القاضي، و لا سابع لهم، على أن مقنعة الأول حالية عن التعرض لخصوص ذلك، نعم فيها تعميم لكل مبيع مشاع. و المحكي عن مهذب الأخير منهم الوفاق للمشهور.

و على كل حال فيدل على الأول- مضافا إلى الأصل المزبور- ما سمعته من النصوص(1)المشتملة على نفيها في النهر و الطريق و الرحى و الحمام بعد الإجماع على تقييده بغير القابل للقسمة إن لم يكن ذلك هو المنساق منه، بل لعل المنساق

منه و لو بضميمة ما عرفت كون ذلك مثالا لكل ما هو غير قابل لها من الأراضي.

و احتمال حمله على التقية يدفعه أن المحكي عن أبي حنيفة و أصحابه و ابن شريح و الثوري و مالك في إحدى الروايتين ثبوت الشفعة في ذلك، نحو ما سمعته من المرتضى، و هم أولى بالتقية من غيرهم.

بل عن الخلاف الاستدلال على ذلك ب

خبر جابر العامي(2)عن النبي (صلى الله عليه و آله): «إنما جعلت الشفعة فيما لم يقسم»

باعتبار أن «لم» لا تدخل إلا على ما يمكن قسمته و يصح اتصافه بها و لو وقتا.

و لهذا يصح أن يقال: «السيف لا يقسم» و لا يقال: «لم يقسم» فالنفي بها حينئذ بمعنى عدم الملكة لا بمعنى السلب.

قلت: لعل الاستدلال به باعتبار كون المنفي بها وصفا أو صلة للمقسوم، و إلا فالنفي بها على غير الوجه المزبور موجود في المروي من طرقنا، ك

قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل جميل(3): «الشفعة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من كتاب الشفعة.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 102.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 3.

ج 37، ص: 253

لكل شريك لم تقاسمه»

و قولهم (عليهم السلام) في عدة أخبار(1): «الشفعة لا تكون إلا لشريك لم تقاسمه».

بل قد يقال بظهوره أيضا في ذلك، لكن لا من حيث خصوص النفي بلم، بل من حيث قوله: «يقاسمه» و «لا يقاسمه» في ذلك أيضا، خصوصا مع

قوله (صلى الله عليه و آله) في أحدهما(2)أيضا: «إذا أرفت الأرف و حددت الحدود فلا شفعة»

في ذلك أيضا.

بل و إلى إشعار

قوله (صلى الله عليه و آله) في الخبر المزبور: «لا ضرر و لا ضرار»

بناء على أن المراد بذلك من حيث احتمال طلب الشريك الحادث القسمة المحتاجة إلى مئونة، كما عساه يشهد لذلك

قوله (صلى الله عليه و آله):

«إذا أرفت»

إلى آخره. و إن كان قد يناقش باحتمال كونه تجدد الشركة و سوء الشريك، بل لعله أظهر، و ذلك لأن الشفعة إنما تثبت بانتقال الملك عن الشريك إلى المشتري، فلا بد أن يكون الضرر الذي تناط به الشفعة في ظاهر النص و كلام الأصحاب ناشئا من جهته، و ضرر طلب المشتري القسمة ليس ضررا ناشئا منه، لسبقه على الانتقال و ثبوته للشريك على كل حال، فضرر طلب القسمة لازم على كل تقدير، بل هو من لوازم الشركة فيما يقبل القسمة، فلا يمكن أن يكون مثله الضرر الذي تناط به الشفعة.

بل المراد أن نفوذ سلطنة الشريك على بيع نصيبه على أي حال ضرر على شريكه، كما أن منعه منه ضرر أيضا، فاللازم من ذلك أحقية الشريك من غيره إذا بذل ما بذل غيره، و هذا لا يختلف فيه القابل للقسمة و غيره، نعم أقصى ذلك أنه حكمة لا يجب اطرادها، و أقصاها الإطلاق أو العموم المقيد أو


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 254

المخصص بما سمعت.

و أما مرسل يونس(1)و إجماع المرتضى فقد عرفت الحال فيهما سابقا بل مما سمعته هنا يزداد ذلك فيهما، و بعد التنزل و القول بتصادم

المرجحات و الأدلة حتى مطلقها فالأصل المزبور باق بحاله، و مقتضاه عدم الشفعة في ذلك.

بل ربما قيل: إنه يشك في أصل دخول الحمام و الطاحونة و غيرهما في مرسل الكافي(2)النافي للشفعة في غير الأرضين و المساكن، باعتبار اقتضاء المقابلة فيه إرادة الأرض الخالية عن البناء، و إن كان هو كما ترى خصوصا في مثل الحمام و الطريق و الدكان المعلوم ثبوت الشفعة فيها مع فرض قبول القسمة كما ستعرف، و الله العالم.

و كيف كان ففي المتن نعني بالضرر المانع عن الإجبار على القسمة أن لا ينتفع به بعد قسمته بل في المسالك «لضيقه أو لقلة النصيب أو لأن أجزاؤه غير منتفع بها كالأمثلة المذكورة إذا كانت بالغة في الصغر هذا الحد، فلو بقي للسهم بعد القسمة نفع ما ثبتت الشفعة» إلى آخره. و حينئذ فالمتضرر لا يجبر على القسمة بخلاف الآخر.

قلت: قد حققنا ذلك في بحث القسمة على وجه يعلم منه فساد تخصيص الضرر بذلك، بل هو أعم منه و من نقص القيمة الفاحش، فلاحظ و تأمل.

بل قد يتوقف في منع الضرر إذا كان من حيث قلة النصيب لا من حيث نفس القسمة، و إن كان لا يخلو من وجه، و الله العالم.

و لو كان الحمام أو الطريق أو النهر مما لا يبطل أصل


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 255

منفعته بعد القسمة و إن لم تكن المنفعة السابقة بناء على ما سمعته من المصنف في تحديد الضرر المانع من الإجبار أجبر الممتنع و تثبت الشفعة.

أما إذا قلنا: إنه عدم إمكان الانتفاع به على الوجه السابق أو عدم النقص الفاحش بالقيمة فلا بد من فرض عدمه على كل منهما في ثبوت الشفعة حينئذ، ضرورة توقف قابليته للقسمة على وجه يتحقق فيه الإجبار على ذلك، و الفرض أنه عنوان الشفعة.

و حينئذ فلو كان أحد المذكورات ضيقا بحيث لا يمكن الانتفاع به بعد القسمة لا في الوجه السابق و لا في غيره أو تنقص قيمته نقصانا فاحشا لم تثبت فيه الشفعة على التقادير الثلاثة، بناء على اعتبار قابلية القسمة فيها.

أما مع السعة بحيث يمكن الانتفاع به على الوجه السابق بعد قسمته و لا تنقص قيمته تثبت الشفعة، كما لو كان الحمام واسعا، بحيث يسلم لكل من الشريكين حمام، و كذا الطريق و النهر، بل و البئر إذا فرض سعتها على وجه يمكن أن تبنى فتجعل بئرين لكل واحد منهما بياض يقف فيه و يرتفق به، فلا إشكال حينئذ في ثبوت الشفعة لتحقق قابلية القسمة حينئذ.

بل في القواعد و الدروس و محكي المبسوط و التحرير و كذا لو كان مع البئر بياض أرض مزرع مثلا و أمكن التعديل بحيث يسلم البئر لأحدهما و البياض لآخر و إن لم ينتفع به على الوجه السابق و لكن له منفعة أخرى، بناء على ما ذكره المصنف في الضرر كما عن التذكرة التصريح بذلك، ضرورة تحقق قابليته القسمة على ذلك، نعم لو قلنا باعتبار بقاء المنفعة السابقة لم تثبت الشفعة، إلا أن يفرض بقاء قابلية الأرض للزراعة بمطر أو بماء آخر غيره.

ج 37، ص: 256

و كذا الكلام في غيره من بيت الرحى و نحوه، بل ينبغي القطع به لو فرض كون الرحى المشتركة أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كل منهما بحجرين، كما في القواعد و محكي المبسوط و التذكرة و التحرير و جامع المقاصد التصريح به لو فرض سعة بيت الرحى بحيث يمكن جعله موازنا لما فيه المرافق مع سلامتها، أو لما فيه الرحى، أو كان موضع الحجر في الرحى واحدا لكن لها بيت يصلح لغرض آخر و أمكنت القسمة، بأن يجعل موضع الحجر لواحد و ذلك البيت لآخر، ليتحقق الانتفاع لكل منهما على الوجه الذي اعتبره المصنف تحققت الشفعة(1) لنحو ما سمعته في البئر.

لكن في الدروس «لو اشتملت الأرض على بئر لا يمكن قسمتها و أمكن أن تسلم البئر لأحدهما مع قسمة الأرض تثبت الشفعة في الجميع قيل: و كذا لو أمكن جعل أكثر بيت الرحى موازنا لما فيه الرحى، و يلزم منه أنه لو اشتملت الأرض على حمام أو بيت ضيقين و أمكن سلامة الحمام أو البيت لأحدهما أمكن أن تثبت، و عندي فيه نظر، للشك في وجوب قسمة ما هذا شأنه».

قلت: و فيه أنه لا فرق بينه و بين ما ذكره من البئر و الأرض الذي جزم به، و لعله يريد النظر في الجميع، و أما تحقيق حال وجوب قسمة مثل ذلك فقد ذكرناه في كتاب القسمة في القضاء، فلاحظ و تأمل.

ثم المراد بالشفعة في الرحى إذا بيعت مع الأرض المثبتة فيها و كذا البئر على نحو ما سمعته في البناء و الغرس، و الله العالم.

و كيف كان ف في دخول الدولاب و الناعورة في الشفعة إذا بيعا مع الأرض تردد و نظر كما في القواعد إذ ليس


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية، و في العبارة تشويش.

ج 37، ص: 257

من عادته أن ينقل فيتبع الأرض، و من أنهما منقولان في أنفسهما.

و لكن الأصح ثبوتها كما في التحرير و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و غيرها على ما حكي عن بعضها، لتناول اسم الدار و الحمام و البستان له إذا كان من جملة المرافق، كتناولها للأبواب المثبتة عادة مع قبولها للنقل عادة، بل لو قلنا بعدم دخولها في الاسم أمكن القول بتبعيتها، لنحو ما سمعته في الجدار و الحمام و الرحى و نحوها، و حينئذ فما عن التذكرة من أن الأقرب عدم الدخول لا يخلو من نظر، نعم لو بيعا منفردين لم يكن شفعة بلا خلاف و لا إشكال بين القائلين بعدم ثبوتها في المنقول.

كما لا خلاف و لا إشكال بينهم في أنه لا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء في الشفعة لأنها من المنقول كالدلاء بنفسها إلا على القول بعموم الشفعة في المبيعات.

بل لا خلاف بينهم أيضا إلا ما تسمعه من الشيخ في المبسوط منهم و لا إشكال في أنه لا تثبت الشفعة في الثمرة مؤبرة كانت أو لا و إن بيعت على رؤوس النخل أو الشجر منضمة إلى الأصل و إلى الأرض لأنها قد صارت من المنقول، إذ لا يراد دوامها، و إنما لها أمد معين ينتظر، فليست هي من التوابع الثابتة و لا داخلة في مفهوم البستان، و لذا لا تدخل في بيع الأصل بعد ظهورها.

خلافا لما عن المبسوط من الثبوت فيها و في الزرع، و هو المحكي عن أبي حنيفة و مالك، و ضعفه واضح.

و لا شفعة في الأرض المقسومة عندنا إلا ما يحكي عن العماني منا، و يمكن دعوى أنه مسبوق بالإجماع و ملحوق به، مضافا إلى الأصل و النصوص المستفيضة أو المتواترة المروية من طريقي العامة(1)


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 102 الى 105.

ج 37، ص: 258

و الخاصة(1)التي منها ما مر

«لا شفعة إلا لشريك لم تقاسمه».

نعم تثبت الشفعة في الأرض المقسومة بالاشتراك في الطريق أو الشرب كبئر و نهر إذا بيع معها بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم، بل في محكي الخلاف الإجماع عليه و إن كان قد اقتصر على الطريق كالمقنع و المهذب و الوسيلة تبعا لما تسمعه من النص(2)و إلا فأكثر الفتاوى على عدم الفرق بينه و بين النهر و الساقية، و في بعضها التعبير بالشرب، بل في آخر التصريح بالبئر، لكن ستسمع الاشكال فيه من الفاضل.

نعم ظاهرهم الاتفاق على عدم الفرق بين الدار و البستان، و الأصل في ذلك- مضافا إلى الاستصحاب في بعض الأفراد و عدم تمامية القسمة، للاشتراك في الطريق مثلا-

حسن منصور بن حازم بإبراهيم(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دار فيها دور و طريقهم واحد في عرصة فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟

فقال: إن كان باع الدار و حول بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم. و إن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة».

و قريب منه ما يحكى عن الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام)(4).

و ربما أيد أيضا ب

حسنه الآخر بالكاهلي(5)بل وسمه غير واحد بالصحة، و لعله كذلك «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): دار بين قوم اقتسموها فأخذ كل واحد منهم قطعة فبناها و تركوا بينهم ساحة فيها ممرهم، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم إله ذلك؟ قال: نعم،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 259

و لكن يسد بابه و يفتح بابا إلى الطريق، أو ينزل من فوق السطح و يسد بابه، فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنهم أحق به، و إلا فهو طريقه يجي ء حتى يجلس على ذلك الباب».

و نحوه الموثق(1).

و لكن لا تعرض فيهما لبيع الدار مع الممر كما هو محل البحث، بل ظاهرهما ثبوت الشفعة في الطريق خاصة، فالدليل حينئذ منحصر في الأول الذي ظاهر ترك الاستفصال فيه عدم الفرق بين كون الدار مقسومة بعد أن كانت مشتركة أو منفردة من أصلها، كما صرح به في التذكرة و المسالك و الروضة و الكفاية و الرياض.

بل قيل: إنه ظاهر المقنع و النهاية و المبسوط و الخلاف و المهذب و فقه الراوندي و الغنية و السرائر و التبصرة و المفاتيح.

بل لعله مراد الجميع و إن فرض الحكم في الأرض المقسومة مع الاشتراك في الطريق في المتن و الوسيلة و النافع و القواعد و التحرير في موضع منه و الإرشاد و المختلف و الدروس و اللمعة كما حكي عن بعضها.

لكن في جامع المقاصد «أنه الذي يقتضيه صحيح النظر، لأن ضم غير المشفوع إلى المشفوع لا يوجب ثبوت الشفعة في غير المشفوع اتفاقا، و المبيع الذي لا شركة فيه في الحال و لا في الأصل ليس من متعلقات الشفعة، إذ لو بيع وحده لا تثبت (لم تثبت خ ل) فيه شفعة بحال، و إثباتها لا يكون إلا لمحض الجواز، فإذا ضم إلى المشترك وجب أن يكون بحكمه كذلك، و لعموم

قوله (عليه السلام)(2): «لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم»

و لا شركة هنا لا في الحال و لا في الأصل، و ل

خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 7.

ج 37، ص: 260

أبي العباس(1)«الشفعة لا تكون إلا لشريك»

و في معناها نصوص البصري(2)و هارون(3)و عبد الله بن سنان(4)و السكوني(5)و كلها حجة على عدم ثبوت الشفعة في الدار الغير المشترك إذا كان الطريق مشتركا».

و هو كما ترى، ضرورة كونه كالاجتهاد في مقابل إطلاق الدليل المزبور الحاكم على إطلاق النصوص المزبورة الظاهر في اعتبار الشركة فعلا المعلوم عدم اعتباره في الفرض، للنص المزبور المعمول به بين الأصحاب و إن خالف إطلاق تلك الأخبار المزبورة.

على أنه لا فرق بين المقسوم و غيره في عدم ثبوت الشفعة فيه لولا النص المزبور، و كان مقصوده الاقتصار فيما خالف الأصل و إطلاق الأدلة على المتيقن و هو المقسوم، و فيه أنه لا فرق بينه و بين الظاهر في الحجية.

و لعله لذا و نحوه تعجب منه في المسالك، قال: «و أما معارضة روايتي منصور(6)الصحيحة و الحسنة بتلك الأخبار

الدالة على اعتبار الشركة و ترجيح تلك بالكثرة و موافقتها للأصل فعجيب، لأن مدلولها على تقدير قطع النظر عن سندها اعتبار الشركة بالفعل كما ذكرناه، و روايتي منصور دلت على الاكتفاء بالشركة في الطريق، فهي خاصة و تلك عامة، فيجمع بينهما بتخصيص العام بما عدا ذلك». و هو في محله.

و احتمال كونه مع الشركة في الأصل أنه لا يحتاج إلى التخصيص باعتبار صدق الشركة مع عدم القسمة و لو في الطريق أو الشرب بخلاف ما إذا لم يكن شركة في الأصل يدفعه ظهور الأدلة في إدارة الشركة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشفعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشفعة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و 2.

ج 37، ص: 261

في نفس المشفوع لا في بعضه، و إلا لكفى حينئذ عن الطريق برأس الجدار و نحوه مما هو معلوم عدمه، فلا محيص حينئذ عن القول بأن سبب ثبوت الشفعة في الفرض لدليل خاص غير سبب الشفعة المعهود الذي هو الاشتراك مع عدم القسمة.

بل ظاهر الصحيح المزبور عدم اعتبار كون الطريق قابلا للقسمة لو بيع مع الدار في ثبوت الشفعة فيهما و إن اعتبرنا ذلك لو بيع بانفراده كما عرفته سابقا.

و لعل ذلك لما قيل من الاكتفاء بقبول القسمة في المجموع لا لأبعاضه، أو لأن هذه القابلية كعدمها، ضرورة كون الشي ء مقسوما، فلا مدخل لقابليته و عدمها، إلا أنه كما ترى لا يخلو من غبار، و لكن العمدة في ثبوت الحكم المزبور الصحيح المذكور الذي بإطلاقه يقتضي عدم اعتبار ذلك، و بعد كونه صحيحا و أطلقت الفتوى بمضمونه يتجه الخروج به عن كل ما يقتضي عدمها في ذلك.

فما عساه يظهر من الدروس من اعتبار ذلك قال: «و لا مع القسمة إلا مع الاشتراك في الطريق و النهر اللذين يقبلان القسمة على الخلاف» في غير محله و إن كان وجهه الاقتصار على المتيقن في تبعية الدار للطريق الثابتة فيه الشفعة.

و فيه ما عرفت من أن الظاهر كالمتيقن في الحجية، بل قد عرفت أيضا أن مقتضى إطلاق الحسن المزبور ثبوت الشفعة للاشتراك في الطريق لا للشفعة فيه، و كأنه قسم آخر مما أثبت الشارع فيه الشفعة.

هذا و في التذكرة «الأقرب عندي أن الطريق إن كان مما يمكن قسمته و الشريك واحد و بيع مع الدار المختصة بالبائع صفقة فللشريك الآخر أخذ الطريق خاصة إن شاء، و إن شاء أخذ الجميع، و إن لم يمكن

ج 37، ص: 262

قسمته لم يكن له أخذه خاصة، بل إما أن يأخذ الجميع أو يترك».

و هو و إن كان صريحا فيما ذكرناه من عدم اعتبار قابليته القسمة في الطريق في ثبوت الشفعة في الدار مثلا، لكن قد يناقش بأن المجموع إما أن يكون متعلق الشفعة أو لا، فان كان الأول وجب أن يأخذ الجميع أو يترك، و ليس له تبعيض الصفقة، و إن كان الثاني لم يثبت له شفعة في غير الطريق و لا فيه إلا إذا كان واسعا قابلا للقسمة.

و ربما أجيب بأن هذا منه، بناء على المشهور المعروف بينهم من أنه ليس للشفيع أخذ البعض و ترك البعض، بل إما أن يأخذ الجميع أو يترك.

و فيه أن ذلك لا يقتضي التفصيل المزبور، مضافا إلى ما قيل من أن هذا الشرط ترك ذكره فيما يقرب من عشرين كتابا، و لا دليل عليه يصح الاستناد اليه، و إن كان قد يقال: إنه يكفي في الدليل أن ذلك هو المتيقن من دليل الشفعة المخالفة للأصل التي مبنى ثبوتها على رفع الضرر، فلا وجه لمشروعيتها معه، فان التبعيض ضرر، خصوصا في بعض الأفراد، و لا يزال الضرر بالضرر، بل ينبغي الجزم بعدمها في مثل الفرض إذا فرض عدم طريق للمشتري إلا الطريق المخصوص الذي يريد أن يشفع فيه الشفيع، و قابليته للقسمة غير مجد بعد فرض أخذ الشفيع له أجمع و بقاء الدار بلا طريق.

و لعله لذا جزم الشافعية بعدم الشفعة هنا في الطريق و إن كان قابلا للقسمة، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، فإنهم جزموا بالشفعة في الطريق حينئذ دون الدار، لعدم الشركة فيها، و إن عرفت أنه مخالف لما عندنا من ثبوت الشفعة فيهما.

و من ذلك كله يظهر لك أنه لا فرق في ثبوت الشفعة بين قابلية

ج 37، ص: 263

الطريق للقسمة و عدمها، لإطلاق الدليل، و أن الشفيع على كل حال إما أن يأخذ الجميع أو يترك كما سمعته من المشهور، و دعوى ثبوت شفعتين مع سعة الطريق أصلية و تبعية بخلاف ما إذا لم يكن واسعا فإنه شفعة واحدة في المجموع خالية عن الدليل، بل ظاهر الأدلة خلافها، فتأمل جيدا.

هذا و ربما ظهر مما سمعته من التذكرة من وحدة الشريك اعتبار ذلك في صحة الشفعة في الفرض بناء على عدم ثبوتها في الكثرة، و لعله كذلك و إن تردد فيه بعض المعاصرين، لكنه في غير محله، لما تسمعه من الأدلة في اعتبار ذلك في الشفعة من غير فرق بين الفرض و غيره.

و دعوى ظهور سؤال الصحيح المزبور في التعدد مضافا إلى معروفية ذلك في الطرق المرفوعة واضحة الفساد، إذ يمكن أن يكون ترك التعرض للسؤال المزبور للتقية، كما في غيره من النصوص الظاهرة في ذلك، أو على المجاز جمعا بينه و بين ما دل على عدمها مع الكثرة، و تعارف التعدد في الطرق المرفوعة لا يقتضي ثبوت الشفعة فيها كما هو واضح.

و احتمال خروج الفرض بخصوصه عن حكم الكثرة في غاية البعد، خصوصا بعد إطلاق الأصحاب من دون إشارة إلى استثنائه كما ستعرف، و الله العالم. هذا كله في بيع الأرض مع الطريق أو الشرب.

و أما لو أفردت الأرض المقسومة بالبيع لم تثبت الشفعة في الأرض بلا خلاف و لا إشكال، مضافا إلى الصحيح(1) و الموثق(2)المزبورين.

نعم تثبت في الطريق أو الشرب إن بيعا و كان كل منهما واسعا يمكن قسمته بناء على ما عرفته من اعتبار ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة- الحديث 3.

ج 37، ص: 264

في الشفعة، و إلا ثبتت و إن لم يقبلا كما عرفت البحث فيه سابقا.

بقي شي ء: و هو أن ظاهر المعظم إلحاق الشرب بالطريق في الحكم المزبور و إن كنا لم نجده في نصوصنا، بل و لا في نصوص العامة، فإن كان إجماعا و إلا كان محلا للإشكال، خصوصا بعد ما عرفت من أصالة عدم الشفعة في غير الفرض فضلا عنه، و على الأول ينبغي الاقتصار على النهر و الساقية، لأنه المتيقن منه، كما عساه يومئ إليه تعبير المصنف به هنا، ثم نفاها بعد ذلك عن المقسوم إلا مع الشركة في الطريق و النهر.

كما أنه في التذكرة جعل العنوان النهر و الساقية ثم قال: «و لو كانت المزرعة مختصة و بئرها التي الزرع منها مشتركة حتى بيعت المزرعة و البئر ففي ثبوت الشفعة في المزرعة بمجرد الشركة في البئر إشكال ينشأ من الاقتصار على مورد النص فيما يخالف الأصل، و لا شك في مخالفة الشفعة للأصل، و من أنها مشتركة في المستقي، و الشافعي ألحق الشركة في البئر بالشركة في الممر».

قلت: لا يخفى عليك ما في الوجه الثاني بعد فرض عدم الدليل عليه، بل مطلق الشرب إن لم يكن إجماعا، و لم نتحققه، خصوصا بعد ما سمعته من الاقتصار على الطريق في الكتب السابقة.

و من ذلك يعلم عدم ثبوتها في الدار بالشركة في أس الجدار و نحوه للأصل المعتضد بظاهر النص و الفتوى و إن ثبتت فيه نفسه.

بل لا يخفى عليك أن المتجه بملاحظة ما ذكرنا من أصالة عدم الشفعة و خصوصا في صورة الاشتراك في الطريق الحكم بعدمها في محال الشك حتى لو فرض حصوله ببيع بعض الدار مثلا و بعض الطريق و نحوه من الصور لم يحكم بها، باعتبار كون المنساق من النص بيع الدار مع تمام

ج 37، ص: 265

ممرها. اللهم إلا أن يفرض القطع بعدم مدخلية ذلك أو الظن على وجه معتد به.

و من ذلك أيضا الشركة في الطريق أو النهر مع كون الدار وقفا و الأخرى طلقا على البحث الذي تسمعه فيما يأتي إنشاء الله، و الله العالم.

و لو باع عرصة مقسومة مثلا و شقصا من أخرى غير مقسومة صفقة فالشفعة في الشقص خاصة بحصته من الثمن و هكذا الحكم في كل بيع مشفوع و غيره صفقة بلا خلاف و لا إشكال، بل حكي الإجماع عليه صريحا و ظاهرا، لوجود المقتضي فيه على وجه يندرج في إطلاق الأدلة دون غيره، و اتحاد الصفقة لا يخرج كلا منهما عن حكمه.

بل لا خيار للمشتري كما صرح به المصنف و غيره فيما يأتي، لإقدامه على البعض لو صار، و لأنه حدث سبب التبعيض في ملكه.

بل مقتضى التعليل الثاني الذي ذكره المصنف و غيره فيما يأتي عدم الفرق في ذلك بين الجاهل و العالم.

فما في بعض الكتب من ثبوت الخيار مع الجهل اشتباه، منشأه تخيل كون المقام من أفراد خيار تبعيض الصفقة المشروط بالجهل، لكن ستسمع فيما يأتي عن الأردبيلي احتمال ثبوته مع الجهل قائلا: إنه أشار إليه المحشي.

و لا فرق بين كون غير المشفوع من مصالح المشفوع كبقر الضيعة و عدمه، خلافا لمالك.

و المراد بنسبة قيمته من الثمن أن يقوم المجموع ثم يقوم المشفوع فينسب قيمته إلى مجموع القيمتين، فيأخذ من الثمن بتلك النسبة، فإذا قيل قيمة المجموع مثلا ماءة و قيمة المشفوع خمسون أخذه الشفيع بنصف الثمن، و هكذا. و الله العالم.

ج 37، ص: 266

و كيف كان فلا خلاف معتد به في أنه يشترط في ثبوت الشفعة انتقال الشقص بالبيع، فلو جعله صداقا أو صدقة أو هبة أو صلحا فلا شفعة بل حكى الإجماع عليه جماعة، و لعله كذلك، لأن خلاف ابن الجنيد في ذلك حيث أثبتها في الهبة بعوض و غيره غير قادح في محصل الإجماع فضلا عن محكيه، و في محكي المبسوط إجماع الفرقة و أخبارها على عدم الشفعة في الصداق.

و يدل عليه- مضافا الى ذلك و إلى الأصل المزبور- مفهوم

قول الصادق (عليه السلام) في حسن الغنوي(1)السابق: «الشفعة في البيوع».

بل و

قوله (عليه السلام) في مرسل يونس(2): «الشفعة جائزة في كل شي ء. إذا كان الشي ء بين شريكين فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره».

بل و غير ذلك من النصوص الظاهر في القيدية التي هي أقوى من غيرها دلالة.

و احتمال ورود هذه المفاهيم مورد الغالب في بعض و السؤال في آخر فلم تبلغ درجة الحجية يدفعه أنه واضح المنع، خصوصا بعد ملاحظة الانجبار بما عرفت.

و إلى خصوص

صحيح أبي بصير(3)عنه (عليه السلام) أيضا في خصوص الصداق «سألته عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار و له في تلك الدار شركاء، قال: جائز له و لها، و لا شفعة لأحد من الشركاء عليها»

بناء على ظهور نفيها من حيث كونه صداقا لا من حيث تعدد الشركاء و لو بملاحظة الانجبار.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 267

و من الغريب بعد ذلك ما في المسالك و بعض أتباعها من أنه «لا دليل صريح للمشهور، و إنما تضمنت الروايات ذكر البيع، و هو لا ينافي ثبوتها بغيره، و من ثم خالف ابن الجنيد، فأثبتها بمطلق النقل حتى بالهبة بعوض و غيره، لما أشرنا إليه من عدم دليل يقتضي التخصيص، و لاشتراك الجميع في الحكمة الباعثة على إثبات الشفعة، و هو دفع الضرر عن الشريك، و لو خصها بعقود المعاوضات كما يقوله العامة كان أقعد، لأن أخذ الشفيع للموهوب بغير عوض بعيد، و به خارج عن مقتضى الأخذ» إلى آخره.

إذ هو كما ترى- بعد الإغضاء عما فيه من عدم صحة النقل المزبور عن ابن الجنيد- يمكن منع الاشتراك في وجه الحكمة، و على تقديره لا يعارض ما سمعته من الأدلة، كإطلاق ما دل على ثبوتها بعد تسليمه على وجه يشمل الفرض، لاحتمال كونه مساقا لغير ذلك، و الله العالم.

و لو كانت الدار بعضها وقفا و بعضها طلقا فبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه شفعة و لو كان واحدا كما في النافع و الدروس و الرياض و محكي المبسوط، بل في الأخير نفي الخلاف فيه، و في سابقه عن الحلي نسبته إلى الأكثر، و لعله الأقوى لأنه ليس مالكا للرقبة على الخصوص و إن كان واحدا حال بيع الشريك، ضرورة قصد الواقف تمليك الموقوف عليهم في سائر الطبقات، و لذا يتلقون منه لا من الموقوف عليه الأول، و خصوصا إذا كان الواحد المزبور من أفراد غير المنحصر ابتداء إلا أنه اتفق الانحصار فيه، كما لو كان الوقف على بني زيد فاتفق انحصار ذلك في واحد، فان التمليك للجنس حينئذ.

و على كل حال فلا ريب في الشك في الاندراج في إطلاق أدلة الشفعة التي قد عرفت أنها على خلاف الأصل إن لم يكن الأظهر عدم الاندراج، خصوصا مع ملاحظة القيدية في مرسل يونس التي منها ظهور

ج 37، ص: 268

كون الشركة بينهما على وجه يكون لكل منهما بيع نصيبه.

و قال المرتضى في الانتصار ما حاصله أنها تثبت الشفعة للموقوف عليه مطلقا، قال ما نصه: «مما انفردت الإمامية به القول بأن لإمام المسلمين و خلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين أو على المساجد أو على مصالح المسلمين، و كذلك كل ناظر بحق في وقف من وصي و ولي» و ادعى على ذلك كله الإجماع، و قال أيضا: «إنه من متفرداتنا، و إن باقي الفقهاء يخالفون».

ثم قال: «و يمكن أن يقال للمخالف على سبيل المعارضة له:

الشفعة إنما وجبت لدفع الضرر، فأولى الأشياء بأن يدفع عنها الضرر حقوق الفقراء و وجوه القربات، فان قالوا: الوقوف لا مالك لها فيدفع الضرر عنه بالمطالبة بشفعته قلنا: إذا سلم أنه لا مالك لها فهاهنا منتفع بها و مستضر يعود إلى المشاركة فيها، و هم أهل الوقوف، و مصالح المسلمين إنما يجب دفع الضرر عنها مثل ما يجب من دفع الضرر على الآدميين».

و فيه لا يخفى بناء على انتقال الموقوف في مثل ذلك إلى الله تعالى شأنه، ضرورة عدم اندراجه حينئذ في أدلة الشفعة، بل و على القول بكونه ملكا للمسلمين، بناء على عدم ثبوت الشفعة مع الكثرة الذي قد اعترف هو به في الكتاب المزبور، بل قد عرفت الشك في الاندراج في إطلاق الشفعة مع الاتحاد ابتداء فضلا عن غيره، و لعله لذا لم يثبتها العامة و إن قالوا بها مع الكثرة. و من هنا جزم غيره بخلاف ما ذكره.

و منه يعلم ما في دعوى إجماعه المزبور الذي لم نجد من وافقه عليه لا قبله و لا من تأخر عنه، عدا ما يحكى عن التقي تلميذه، و لم نتحققه.

لما قيل من أنه لم نجده في الكافي، بل عن السرائر أن الأكثرين على

ج 37، ص: 269

خلافه، بل قد سمعت ما عن الشيخ من نفي الخلاف عن ذلك، بل قيل إن ظاهره نفيه بين المسلمين.

نعم في الدروس و غيرها أن المتأخرين على ثبوتها مع كون الموقوف عليه واحدا، لأنه مالك حينئذ على المشهور، بل لم يعرف فيه خلاف، فيندرج في إطلاق الأدلة، و لا مانع إلا كونه محجورا عليه في التصرف، و ذلك لا ينافي كونه مالكا مقاسما، و لذلك ثبت لغيره ممن هو محجور عليه في التصرف، كما لا ينافيه الانتشار بعد ذلك، كانتشار المملوك بالبيع و الموت و نحوهما، مضافا إلى الاشتراك في الحكمة أو العلة.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا ينافي انسياق غيره من الأدلة، بل قد يشك في ثبوتها لذي الطلق لو فرض بيع الوقف على وجه يصح و إن قال في المسالك: «لا إشكال في ثبوتها حينئذ، لوجود المقتضى و انتفاء المانع» ضرورة إمكان منع وجود المقتضى عليه بعد انسياق غير ذلك من الأدلة، و خصوصا في الوقف العام أو الخاص مع تعدد الشركاء.

و كأنه تبع في ذلك ما في جامع المقاصد و محكي التحرير من التصريح بالجواز، بل في الدروس القطع بذلك، و لم يذكر أحد منهم التقييد بالواحد، بل ظاهر المسالك و جامع المقاصد ثبوتها على كل حال، و فيه منع واضح، و الله العالم.

ج 37، ص: 270

[المقصد الثاني في الشفيع]

اشاره

المقصد الثاني في الشفيع و هو مع قيوده المتفق عليها إلا من نادر كل شريك و لو في الطريق أو النهر بحصة مشاعة على جهة الطلق قادر على الثمن فعلا أو قوة دافع له غير مماطل و لا هازل.

و مع ذلك يشترط فيه الإسلام إذا كان المشتري مسلما و أما قابلية القسمة و الاتحاد فلا اتفاق عليهما، أما الأول فلما عرفت، و أما الثاني فستعرف الكلام فيه.

و حينئذ فلا يثبت الشفعة بالجوار عندنا، و في المسالك أنه مذهب الأصحاب إلا العماني، بل في المفاتيح لا خلاف فيه منا، فلم يعده مخالفا، و لعله لشذوذه كما في الدروس، بل عن الخلاف و الغنية و السرائر الإجماع عليه. و هو كذلك، بل يمكن دعوى القطع به أيضا من النصوص(1)المتفقة على اعتبار الشركة في الشفعة و لو في الطريق.

و يمكن حمل كلامه على خصوص ذلك، فإن المحكي عنه أنه

قال:

«لا شفعة لجار مع الخليط»

و هو بمفهومه يقتضي ثبوتها للجار في الجملة فيمكن إرادته ما ذكرنا، لا مطلق الجوار المحكي عن أبي حنيفة و جماعة


1- 1 الوسائل- الباب- 3 و 4- من كتاب الشفعة.

ج 37، ص: 271

من العامة،

للنبوي المروي في طرقهم(1)«أن الجار أحق بالشفعة»

أو «بشفعته» الذي أجيب عنه باحتمال كون الإضمار فيه أنه أحق بالعرض عليه لا الأخذ بالشفعة.

و إن كان هو كما ترى يمكن إرادة الشريك من الجار فيه، خصوصا بعد ملاحظة معارضته لغيره، و خصوصا بعد ما رووه عن

عمر بن الثريد عن أبيه(2)قال: «بعت حقا من أرض لي فيها شريك، فقال شريكي:

أنا أحق بها، فرفع ذلك إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: الجار أحق بشفعته» أو «بالشفعة»

و خصوصا بعد التوسعة في إطلاق الجار على الزوجة باعتبار الاشتراك في العقد و إن بعدت عنه في المكان.

بل لا شفعة فيما قسم و ميز إلا مع الشركة في طريقه أو نهره على الوجه الذي عرفته سابقا، بلا خلاف أجده إلا منه أيضا؛ كما اعترف به غير واحد، بل لعل ما سمعته من الإجماع على نفيها بالجوار يدل عليه، بل

لا ريبفي لحوقه بالإجماع إن لم يكن قد سبقه أيضا.

بل لعله كذلك خصوصا بعد ملاحظة المقطوع به من النصوص إن لم يكن المتواتر في اعتبار الشركة و عدم القسمة في الشفعة من

قولهم (عليهم السلام): «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما»(3)

و «لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم»(4).

و «الشفعة لا تكون إلا لشريك»(5).

و «الشفعة لكل شريك لم يقاسمه»(6).

و «إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة»(7).

و «إذا أرفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة»(8)

و غير ذلك، و الله العالم.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 106. و كنز العمال- ج 4 ص 2- الرقم 14 و 17.
2- 2 ذكر ذيله في سنن البيهقي ج 6 ص 105 عن عمرو بن الشريد عن أبيه. و فيه « الجار أحق بسقبه».
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 5.

ج 37، ص: 272

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال بين العامة و الخاصة نصا و فتوى في أنها تثبت بين شريكين.

و لكن الكلام في أنها هل تثبت لما زاد عن شفيع واحد؟ ففي المتن فيه أقوال: أحدها: نعم تثبت مطلقا على عدد الرؤوس. و الثاني: تثبت في الأرض مع الكثرة، و لا تثبت في العبد إلا للواحد. و الثالث: لا تثبت في شي ء مع الزيادة على الواحد.

و هو أظهر و أشهر، بل المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك كما ستعرف.

بل لم نعرف القول الأول لأحد منا، إذ المحكي عن ابن الجنيد في الانتصار أنه يوجب الشفعة في العقار فيما زاد على اثنين، و إنما يعتبر الاثنين في الحيوان خاصة، نعم في المختلف بعد أن حكى عن الصدوق التفصيل المزبور قال: «و كذا اختار ابن الجنيد ثبوت الشفعة مع الكثرة، و يمكن أن يريد التفصيل أيضا، فلا يكون حينئذ قائل منا بالقول المزبور و على تقديره فهو أبو علي خاصة».

و أما الثاني فلا أجد قائلا به أيضا، إذ الصدوق قد استثنى الحيوان فإنه بعد أن ذكر

خبر طلحة بن زيد(1)عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «الشفعة على عدد الرجال»

قال: «و سئل الصادق (عليه السلام) عن الشفعة لمن هي؟ و في أي شي ء؟ و هل تكون في الحيوان شفعة؟ و كيف هي؟ قال: الشفعة واجبة في كل شي ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه، فشريكه أحق به من غيره، فان زاد على اثنين


1- 1 أشار إليه في الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 5 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 45- الرقم 156.

ج 37، ص: 273

فلا شفعة لأحد منهم(1)

- ثم قال-: قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده، فأما في غير الحيوان فالشفعة واجبة للشركاء و إن كانوا أكثر من اثنين، و تصديق ذلك ما رواه

أحمد بن محمد ابن أبي نصر عن عبد الله بن سنان(2) قال: سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه، قال: يبيعه، قلت: فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه، فلما أقدم على البيع قال له شريكه: أعطني، قال هو أحق به- ثم قال-: قال (عليه السلام): لا شفعة في حيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحدا»

و هو كالصريح فيما حكيناه عنه، فلم يكن حينئذ قائل منا بالقول المزبور أيضا.

فمن الغريب ما عن صاحب الكفاية من اختيار القول المزبور، و أغرب منه ما سمعته من الصدوق الذي حمل مرسل يونس(3)المزبور المشتمل صريحا على الحيوان و غيره على ما عدا الحيوان.

و أغرب من ذلك استشهاده على ما تخيله أنه جمع بين النصوص بالصحيح المزبور، و لعله لذا وافق في المقنع المشهور، كالمحكي عن أبيه في رسالته و في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام) بناء على أنه له.

و حينئذ فيكون القول الثالث خيرة الصدوقين و الشيخين و علم الهدى و سلار و أبى الصلاح و بني حمزة و البراج و زهرة و إدريس و الراوندي و الطبرسي و الكيدري و الفاضلين و الشهيدين و الكركي و الأردبيلي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم.

بل في الانتصار و محكي الغنية و السرائر و التنقيح الإجماع عليه، بل في الأول منها و محكي الخلاف و المبسوط أنه من متفرداتنا، و أنه لم يوافقنا


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 274

عليه أحد، بل في الانتصار أيضا أن الإجماع سبق ابن الجنيد، فلا اعتبار بخلافه.

و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى الأصل و مرسل يونس(1)و نصوص(2)المملوك و الحيوان و لو على القول بثبوت الشفعة فيهما و ما عن الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام)-

صحيح عبد الله بن سنان(3)«لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما، فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة».

و لا معارض لذلك إلا خبرا السكوني(4)و

طلحة بن زيد(5)«الشفعة على عدد الرجال» و «على الرجال»

و هما- مع الطعن في سنديهما و موافقتهما لإطباق العامة- محتملان لما في الانتصار من إرادة وجوبها بالشركة، سواء زادت السهام أو نقصت، بعد حمل لفظ

«الرجال» و «الشركاء»- إن لم نقل بكون الجمع حقيقة في الاثنين فصاعدا، أو بإرادة المجاز منه، نحو قوله تعالى(6)«فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ»- على إرادة الشركة في الأملاك الكثيرة، لا في الملك الواحد.

ثم قال: «و أما الخبر الذي وجد في روايات أصحابنا أنه إذا سمح بعض بحقوقهم من الشفعة فإن من لم يسمح بحقه على قدر حقه فيمكن أن يكون تأويله أن الوارث لحق الشفعة إذا كانوا جماعة- فان الشفعة عندنا تورث- متى سمح بعضهم بحقه كانت المطالبة لمن لم يسمح، و هذا لا يدل


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة الحديث 5.
5- 5 أشار إليه في الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 5 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 45- الرقم 156.
6- 6 سورة النساء: 4- الآية 11.

ج 37، ص: 275

على أن الشفعة في الأصل لأكثر من شريكين».

و إلا ما يوهمه خبرا منصور بن حازم(1)المتقدمان المحمولان أيضا على التقية أو غيرها مما عرفت ك

خبر عقبة بن خالد(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالشفعة بين الشركاء».

و من الغريب بعد ذلك كله مافي المسالك و بعض أتباعها من الوسوسة في الحكم المزبور، فإنه بعد أن ذكر في الأولى النصوص للطرفين و أنه يمكن أن يقال: إنه مع تعارض الروايات الصحيحة تتساقط و يرجع إلى حكم الأصل قال: «و فيه نظر، لمنع التعارض، لأن هذه الروايات أكثر و أوضح دلالة، لأن رواية ابن سنان(3)التي هي عمدة الباب لا صراحة فيها، حيث إنه أثبت الشفعة للشريكين باللام المفيدة للاستحقاق أو ما في معناه، و المطلوب لا يتم إلا إذا أريد ثبوتها بين الشريكين لا لهما، و لا ينافيه قوله: و لا تثبت لثلاثة، إذ لا قائل بالفرق بين الاثنين و الثلاثة، و لجواز إرادة عدم استحقاق كل واحد من الثلاثة بخصوصه دون الآخر، و هذا و إن كان خلاف الظاهر إلا أن فيه طريقا للجمع مع أن رواية منصور(4)أصح طريقا، و مقيدة لرواية (و مؤيدة برواية خ ل) ابن سنان الآتية(5)».

و هو من غرائب الكلام، و كأن الذي أوقعه في ذلك ما في مختلف الفاضل، فإنه بعد أن ذكر المسألة بتمامها قال: «و قول هؤلاء لا يخلو من قوة لصحة حديث منصور بن حازم(6)و ادعاء ابن إدريس


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 276

الإجماع على سقوطها مع الكثرة خطأ».

و لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا حكمه بخطإ الإجماع المزبور الذي هو مع شهادة التتبع له قد سبقه إليه من تقدمه و وافقه عليه من تأخر عنه، و صحيحة منصور لم يذكر فيها حكم الكثرة و إنما فيها ثبوت الشفعة مع اللفظ الموهم لها، فكيف تصلح معارضة لما ذكر فيه الحكم صريحا، و لعله لذا جزم في الروضة بموافقة المشهور، و هو فيها أفقه منه في المسالك كما لا يخفى على من لاحظهما.

ثم إن المنساق من الأدلة و الفتاوى عدم الشفعة مع الكثرة السابقة على عقد البيع، كما لو كان الشي ء مشتركا بين ثلاثة فيبيع أحدهم نصيبه.

أما إذا كانت لاحقة كما لو كان الشي ء مشتركا بين اثنين فباع أحدهما نصيبه على اثنين دفعة أو ترتيبا ثم على الشريك بذلك فالظاهر ثبوتها كما عن الشهيد في حواشيه.

و في الدروس «لو باع أحد الشريكين بعض نصيبه من رجل ثم باع الباقي من آخر فعلى المشهور للشريك الأخذ منهما أو يترك، و على الكثرة له أخذ نصيب الأول و الثاني، و في مشاركة الأول له أوجه: المشاركة لأنه كان شريكا عند العقد، و عدمها لأن ملكه مستحق للشفعة، و التفصيل إن عفي عنه شارك، لقرار ملكه، و يشكل بأن القرار إنما حصل بعد استحقاق الشريك الشفعة، فلا يكون مقاوما للقار أولا، و يضعف بأن حقيقة الملك سابقه» و كلامه الأول صريح في ثبوتها على القول بالاتحاد.

بل ظاهر الفاضل في القواعد المفروغية من ذلك، قال فيها في التفريع على القول بالكثرة: «و لو باع الشريك نصف الشقص لرجل ثم الباقي لآخر ثم علم الشفيع فله أخذ الأول و الثاني و أحدهما، فإن أخذ الأول لم يشاركه الثاني، و إن أخذ الثاني احتمل مشاركة الأول، و على ما

ج 37، ص: 277

اخترناه من سقوط الشفعة مع الكثرة للشفيع أخذ الجميع و تركه».

و كأنه لما ذكرناه من اندراج الفرض في إطلاق الأدلة، ضرورة صدق اتحاد الشريك، بل لو كان مثله مسقطا للشفعة لما أغفلوه، إذ ليس هو من النادر.

بل لعل الاتحاد المزبور هو وجه تخييره بين أخذ الجميع و تركه، ضرورة كونه كالشفعة الواحدة التي لا تتبعض، و بيع الشريك من شخصين و لو على التعاقب لا يرفع ظهور الأدلة في عدم التبعيض المزبور.

و المراد توجيه كلامه بما ذكرناه، و إلا فللمانع أن يمنع التبعيض في الفرض باعتبار تعدد البيع المقتضي لتعدد الاستحقاق، كما يظهر لك فيما لو فرض علم الشريك ببيع بعض نصيبه من المشتري الأول فشفع فيه، ثم بعد ذلك باع شريكه ما بقي من نصيبه لآخر مثلا، فان لشريكه عدم الشفعة، و لا يكون ذلك تبعيضا.

و احتمال الفرق بين ذلك و بين محل البحث لصدق التبعيض فيه دون الفرض المزبور لا منشأ له على وجه يرجع إلى محصل بعد فرض ثبوت الاستحقاق للشريك بالبيع الأول، سواء حصل الثاني أو لم يحصل، فهما حينئذ سببان لا مدخلية لأحدهما في الآخر.

و احتمال عدم ثبوت الشفعة إلا مع بيع تمام النصيب و لو من اثنين فلا يتحقق شفعة ببيع بعض النصيب خاصة لا أظن أحدا يلتزمه، فتأمل جيدا، فإن الأمر لا يخلو من خفاء، و إن كان القول بأن له أخذ الجميع و البعض و ليس هو من التبعيض- خلاف ما سمعته من الفاضل- لا يخلو من قوة.

و لكن على كل حال من التأمل فيما ذكرنا يظهر النظر فيما في جامع المقاصد، حيث إنه وجه كلام الفاضل بأنه «إذا أخذ الجميع لم تتكثر

ج 37، ص: 278

الشفعاء، فلم يتحقق المنافي، بخلاف ما إذا أخذ البعض».

إذ لا يخفى عليك ما فيه كما اعترف هو به من أنه إنما يجي ء هذا المحذور لو أخذ من الثاني، أما إذا أخذ من الأول خاصة فلا يتكثر الشفعاء حينئذ لعدم شفعة للثاني.

بل قد يقال: إنه لو أخذ الجميع فللأول الشفعة في نصيب الثاني على الاحتمال الذي ذكر، لأنه كان شريكا و مستحقا في وقت البيع للثاني فلا يزول استحقاقه بأخذ ملكه، فلا يتم ما ذكره.

و أيضا فإنه في وقت البيع الثاني كان المشتري الأول مالكا قطعا، فان استحق الشفعة بملكه ثبت مع تعدد الشركاء و الشفعاء، و إن لم يستحق مع كونه شريكا تخلف الأثر.

نعم على القول بأن كون ملكه مشفوعا ينافي استحقاقه لا إشكال، كما أنه لا إشكال في الأول أيضا بناء على اعتبار بقاء الملك للشفيع في الشفعة، فمع فرض أخذ الشريك الأول الجميع لم تكن شفعة للمشتري الأول لانتقال ملكه عنه.

بل لعل صحيح النظر يقتضي عدم الشفعة له أصلا، لوجود المانع بالنسبة إليه، و هو الكثرة، بخلاف الأول الصادق عليه الاتحاد بملاحظة شركته مع البائع التي بها اندرج في إطلاق الأدلة، بخلاف المشتري الأول الذي تحقق معه كثرة الشركاء بشركة البائع و شريكه الأول.

و أما المناقشة في أصل ثبوت الشفعة للشريك الأول- بأن

قوله (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان(1)السابق: «فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة»

يقتضي منع الكثرة اللاحقة كالسابقة- فيدفعها ظهور إرادة معنى الكون من الصيرورة في المقام و لو بملاحظة


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 279

غيره من النصوص إن لم يكن ذلك هو المنساق، فتأمل جيدا. و ربما يأتي إنشاء الله تعالى لذلك تتمة.

و كيف كان فالمتجه على القول بثبوت الشفعة مع الكثرة أن تكون على الرؤوس لا

السهام، كما عن الصدوق، لما سمعته من خبري طلحة(1)و السكوني(2)و لأن سبب الاستحقاق الشركة في الجملة و لو بأقل جزء و لذا لو انفرد ذو الحصة القليلة أخذ الكل كذي الحصة الكثيرة، و ليس ذلك إلا من جهة كون السبب الشركة، و الأصل عدم التفاضل.

و لا ينافي ذلك التوزيع في تعلق الديون على قدرها دون الرؤوس بعد اختصاصه بالدليل الكاشف عن كون التعلق من جهتها، لا أصل الدينية المشتركة بين القليل و الكثير، بخلاف المقام.

خلافا للمحكي عن أبي علي فجعلها على قدر السهام، و لكن قال:

«و يجوز قسمتها على عدد الرؤوس» و مقتضاه التخيير.

و احتجوا له بأن المقتضي للشفعة الشركة، و المعلول يتزايد بتزايد علته و ينقص بنقصها إذا كانت قابلة للقوة و الضعف.

و فيه (أولا) أنه لا يقتضي التخيير، و (ثانيا) منع التزايد إذا لم يظهر من الأدلة، إذ لعل أصل الشركة هي العلة، من غير فرق بين قلة النصيب و كثرته، و من هنا كان القول الأول أصح كما اعترف به غير واحد، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف كما عن غير واحد الاعتراف به في أنه تبطل الشفعة بعجز الشفيع عن دفع الثمن مع عدم رضا المشتري بالصبر، و أنه لا يكفي بذل الضامن و الرهن و العوض، بل ربما كان ظاهر المسالك في أول تعريف الشفيع أو صريحها الاتفاق


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 5.

ج 37، ص: 280

على اعتبار القدرة عليه فيه الذي لا ريب في منافاة العجز لها، و في مجمع البرهان «دليل اشتراط القدرة في الشفعة على الثمن و لو بالقرض و بيع شي ء و سقوطها مع العجز يمكن أن يكون إجماعا».

قلت: و قد يدل عليه في الجملة- مضافا إلى ذلك و إلى الأصل- فحوى

حسن علي بن مهزيار(1)«سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أن يحضر المال فلم ينض، فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها، أ يبيعها أو ينتظر مجي ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال: إن كان معه في المصر فلينتظر به إلى ثلاثة أيام، فإن أتاه بالمال، و إلا فليبع و بطلت شفعته في الأرض، و إن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر

الرجل إلى تلك البلدة و ينصرف و زيادة ثلاثة أيام، فإن وفاه و إلا فلا شفعة له».

و إن قيل: هو ظاهر في الشفعة قبل البيع، لأن المراد بصاحب الأرض الشريك الأصلي الذي هو البائع إلا أن الأصحاب قاسوا حال المشتري عليه، لكن قد يمنع ظهوره في ذلك كما عساه يشهد له قوله:

«طلب شفعة أرض» فإن الشفعة حقيقة لغة و عرفا: الاستحقاق بعد البيع، بل قيل: المراد حينئذ بالطلب الأخذ بها، بل لعل البطلان أيضا ظاهر في ذلك، و حينئذ يكون المراد بصاحب الأرض المشتري.

بل لو قلنا بإرادة المعنى الحقيقي من الطلب فيه لا الأخذ كان المراد أنه أرادها و مضى ليحضر الثمن ليحصل استحقاق الأخذ بها أو التملك على حسب ما سمعته في اعتبار سبق دفع الثمن كان أيضا دالا على المطلوب، فتأمل جيدا.

بل في الرياض «هذا مع احتمال أن يكون الإلحاق على تقدير


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 281

صحة ما ذكره من باب تنقيح المناط القطعي لا القياس الخفي» و إن كان فيه منع العمل بالأصل حتى يتجه التنقيح المزبور، ضرورة عدم قائل بسقوط الشفعة بانتظار البائع الثلاثة بل إطلاق الأدلة مناف لذلك.

و على كل حال ففي جامع المقاصد و المسالك «يتحقق العجز باعترافه، و في تحققه بإعساره وجهان» و في الأخير منهما «أجودهما العدم، لإمكان تحصيله بقرض و نحوه» و فيهما معا «ينتظر به ثلاثة أيام كمدعي غيبته».

و لعل ذلك منهما بناء على عدم اختصاص التحديد المزبور في الحسن المذكور بغيبة الثمن مع وجوده، بل هو للأعم من ذلك و من تحصيله، فان المراد من قوله: «لم ينض» لم يحصل و لم يتيسر و يتنجز.

بل في المسالك في شرح قول المصنف و كذا تبطل بالمماطلة «و المراد بالمماطل القادر على الأداء و لا يؤدي، و لا يشترط فيه مضى الثلاثة، لأنها محدودة للعاجز، و لا عجز هنا، و يحتمل إلحاقه به، لظاهر

رواية ابن مهزيار(1)عن الجواد (عليه السلام) بانتظاره ثلاثة أيام حيث لم ينض الثمن».

و كأنه أخذه مما في جامع المقاصد، فإنه بعد تفسير المماطل بما عرفت قال: «و هل يتحقق كونه مماطلا قبل الثلاثة؟ ظاهر إطلاقهم يقتضي ذلك، و لإشعار

رواية ابن مهزيار(2)عن الجواد (عليه السلام) بانتظاره ثلاثة أيام حيث لم ينض الثمن».

و لكن ليس فيه أن الثلاثة تحديد للعاجز كما سمعته من المسالك، بل لم أعرفه لغيره، بل ظاهرهم الاتفاق على عدمه، و أنه لا شفعة له مع فرض عجزه المتحقق باعترافه أو بالقرائن أو بغير ذلك حال البيع


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 282

و إن تحدد له القدرة بعد ذلك بيسير، بل ظاهرهم سقوطها بتحقق المماطلة كذلك.

بل و كذا لو هرب الذي ذكر فيه في جامع المقاصد و المسالك و غيرهما «أنه إن كان قبل الأخذ بالشفعة فلا شفعة له، و إن كان بعده فللمشتري الفسخ» و لا يتوقف على الحاكم كما حكاه في الثاني منهما عن التحرير،

لعموم «لا ضرر و لا ضرار»(1)

و لأن الأخذ لما كان مبنيا على القهر لم يلزم المشتري حكمه، بخلاف ما إذا هرب المشتري عن أداء ثمن المبيع.

نعم في مجمع البرهان بعد أن ذكر دليل البطلان بالعجز قال: «و كذا دليل البطلان بالمماطلة مع الوجدان، فإنه كالعجز بل أقبح، و كذا الهرب بعد البيع لئلا يعطي الثمن معها، و لكن ينبغي أن يكون المراد بالمماطلة و العجز إلى وقت يضر بحال المشتري أو البائع عرفا الصبر إليه و لو كان قليلا، و يؤيده جواز الصبر ثلاثة أيام مع دعوى غيبة الثمن و صبر الثلاثة أيام بعد مدة الرواح إلى بلد الثمن و مجيئه».

و لكن فيه أيضا أنه مناف لظاهر الأصحاب، فإنهم اعتبروا في الشفيع القدرة على الثمن، و فرعوا على ذلك أنه لا شفعة للعاجز و لا للمماطل و لا للهارب و إن كان هو على ضرب من التجوز في الأخيرين، ضرورة صدق القدرة عليهما، ثم ذكروا مسألة التأجيل لمدعي غيبة الثمن، و ظاهرهم أنه متى تحقق العجز حال البيع لا شفعة، و كذا متى تحقق المطل و الهرب المنافي للفورية مع فرض حصوله قبل الأخذ بها بعد تحقق سببها.

نعم لولا الأصل السابق قد يناقش في الشرط المزبور على الوجه المذكور إن لم يكن إجماعا بأنه لا دليل عليه بحيث يعارض إطلاق ما دل


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات.

ج 37، ص: 283

على ثبوتها ببيع الشريك نصيبه، نعم فحوى الحسن المزبور يقتضي التأجيل ثلاثة أيام مطلقا، فان لم يكن ثم إجماع اتجه جعلها غاية للجميع.

بل ظاهرهم عدم التقييد بالضرر في ثلاثة المصر و إنما قيدوه به لو ادعى غيبته في بلد آخر الذي هو مضمون الحسن السابق.

قال المصنف و لو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فان لم يحضره بطلت شفعته، فان ذكر أن المال في بلد آخر أجل بمقدار وصوله إليه و زيادة ثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري و نحوه غيره، بل لا أجد خلافا بينهم في ذلك، بل عن الغنية بعد أن ذكر التأجيل المزبور على الوجه المذكور قال: «هذا إذا لم يؤد الصبر عليه إلى ضرر، فإن أدى إلى ذلك بطلت شفعته بدليل إجماع الطائفة».

نعم في مجمع البرهان بعد أن ذكر أن وجه ذلك نفيه عقلا و نقلا قال: «لكنه غير ظاهر، لأنا نجد وقوعه في الشرع كثيرا، فليس له ضابط واضح، خصوصا مع وجود النص»(1).

قلت: لا ريب في رجحان العمل بدليله مع فرض تحققه بالإحالة على بلد بعيد مثلا بعد الاعتضاد بما عرفت و أصالة عدم

الشفعة التي كان الضرر منشأ مشروعيتها و إن كان التعارض بينهما من وجه، و الأمر في ذلك سهل.

ثم إن ظاهر الخبر المزبور أن ابتداء الثلاثة من حين شفعته لا من حين البيع، و الظاهر صدقها مع التلفيق لو وقعت خلال اليوم، كما صرح به في جامع المقاصد و المسالك.

و في الأول منهما «و هل تعتبر الليالي بحيث تلفق ثلاثة أيام و ثلاث ليال؟ لا تصريح بذلك، و لو قلنا: ان مسمى اليوم شامل لليل اعتبرت، نعم لو وقع البيع أول الليل فالليالي داخلة تبعا». و هو جيد إن لم يرد


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 284

دخول الرابعة أيضا تبعا.

لكن في الثاني منهما «و تعتبر الثلاثة و لو ملفقة لو وقع الإمهال في خلال اليوم، و الليالي تابعة للأيام، فإن وقع نهارا اعتبر إكمال الثلاث من اليوم الرابع، و دخلت الليالي تبعا، و لو وقع ليلا أجل ثلاثة أيام تامة و تمام الليلة من الرابعة كذلك».

و فيه أنه لا حاجة إلى إكمالها مع فرض الصدق بدونها بل و بدون الأولى، و لكن دخلت تبعا للأيام كدخول المتأخرة إذا احتيج إلى التلفيق من يومها كما هو واضح.

و يعتبر في الذهاب إلى بلد المال حصول ما يحتاج إليه عادة من رفيق و غيره، و لا يجب تحصيله بأجرة حملا للإطلاق على المعتاد الذي هو مراعى أيضا في بقائه أيضا في نفس البلد لتحصيل المال.

ثم إن المحكي عن التذكرة و صرح به في جامع المقاصد و المسالك كون المراد ببطلانها على تقدير عدم إحضاره في المدة المضروبة سقوطها إن لم يكن أخذ، و تسلط المشتري على الفسخ إن كان قد أخذ.

قيل: و لعله كذلك، لأن الحكم بالبطلان إنما هو مراعاة للمشتري، فإذا رضي بأخذ الشفيع بالتأخير فقد أسقط حقه، و ليس في إطلاق الرواية ما ينافي ذلك، لأن غايتها إسقاط حق الشفيع من التسلط على المطالبة، و هو لا يستلزم إسقاط حق المشتري من المطالبة بالثمن بعد إجراء الصيغة الناقلة.

و بالجملة لا دلالة فيها على بطلان حق الشفيع، و على تقديره لا ضير فيه أيضا، و إن هي حينئذ إلا كما ورد(1)في خيار التأخير من بطلان البيع مع إطباق الأصحاب على بقاء الصحة و ثبوت الخيار لا فساده من أصله.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الخيار- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 37، ص: 285

فما في الكفاية- من أن هذا التفصيل غير مذكور في الرواية- محل مناقشة إن أراد الرد بها عليه، و إن أراد عدم استفادة ما ذكره منها فحسن إلا أنه لم يستند إليها في ذلك، و لعله أخذه مما قدمناه من الحجة.

و فيه ما لا يخفى من أنه لا حجة تقتضي العدول عن ظاهر

قوله (عليه السلام)(1): «بطلت شفعته»

و قوله (عليه السلام)(2): «و لا شفعة له»

إلى إرادة نفي اللزوم لا الصحة بعد تعبير الأصحاب أيضا بالبطلان الظاهر في الانفساخ لو وقعت و عدم استحقاق لها إن لم تقع. لكن مع بقاء طلب المشتري إرادة الثمن من الشفيع، لأن ذلك هو ظاهر النص(3).

أما لو رضي بالتأخير في ابتداء الأمر أو في أثناء الثلاثة فلا يندرج في النص(4)المزبور، فيبقى على ما تقتضيه القواعد من الصحة، بخلاف ما لو مضت الثلاثة و هو مستمر على طلب الثمن فلم يأت به

الشفيع، فان ظاهر النص حينئذ عدم الاستحقاق و الانفساخ، فلو رضي بعد ذلك لم يجد في ثبوت حق الشفعة أو في بقاء الثمن في ذمة الشفيع، كما لو كان في الابتداء مثلا، خصوصا بعد إمكان الفرق بينها و بين العقد الذي له جهة صحة و لزوم، بل قاعدة الضرر و نحوها إنما تزلزل لزومه الذي هو مناط الضرر.

و من هنا ينصرف ما دل على نفي الصحة فيه إلى اللزوم بخلاف الشفعة التي هي أشبه شي ء بالإيقاع و باختيار الفسخ و اللزوم و نحو ذلك مما لم يجر فيه التعارف المزبور، فبقاء اللفظ على حقيقته حينئذ أولى، لعدم الصارف عنه.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 286

هذا كله على القول بعدم مدخلية دفع الثمن في ملك الشقص، و إلا فلا ريب في عدم الصحة، كما تسمع تحقيقه إنشاء الله، و الله العالم.

و لا خلاف و لا إشكال في أنها تثبت للغائب بل عن الخلاف و التذكرة الإجماع عليه، و في محكي الغنية يستحق الشفعة من علم بالبيع بعد السنين المتطاولة بلا خلاف و إن كان حاضرا في البلد، و كذلك حكم المسافر إذا قدم من غيبته.

و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى إطلاق الأدلة-

خبر السكوني(1)المنجبر بعمل الطائفة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «وصي اليتيم بمنزلة أبيه، يأخذ له الشفعة إذا كان له فيه رغبة، و قال: للغائب الشفعة».

و لا فرق نصا و فتوى بين طول الغيبة و قصرها. نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يتمكن من الأخذ بنفسه أو وكيله كما صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم، و إلا فإن أخر مع إمكان المطالبة كذلك بطلت شفعته كما صرح به في محكي التذكرة.

بل في التحرير «لو أشهد على المطالبة ثم أخر القدوم مع إمكانه فالوجه بطلان شفعته، و كذا لو لم يقدر على المسير و قدر على التوكيل فترك».

و كذا لا تسقط شفعته بترك الاشهاد و إن تمكن منه فضلا عما لو عجز عنه أو قدر على إشهاد من لا يقبل قوله أو على من لم يقدم معه أو من يحتاج إلى التزكية.

أما لو ترك الطلب بمعنى إنشاء الأخذ قولا بعد علمه بالحال و عدم تمكنه من المسير و التوكيل في دفع الثمن فلم أجد لهم تصريحا فيه، و لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 287

ينساق من فحواه عدم بطلان الشفعة، لعدم ثبوت الفورية على الوجه المزبور، و الأصل بقاؤها.

و لو كان للغائب وكيل عام ففي التحرير فله الأخذ بالشفعة مع المصلحة للغائب، و كذا لو كان وكيلا في الأخذ و إن لم يكن مصلحة.

و فيه أنه لا فرق بينهما في مراعاتها مع الإطلاق و عدمها مع التصريح.

و فيه أيضا أنه «لو ترك هذا الوكيل الأخذ كان للغائب المطالبة بها مع قدومه، سواء ترك الوكيل لمصلحة أو لا» و هو كذلك إن لم يكن ذلك منه إسقاطا لها مع فرض عموم وكالته و وجود المصلحة فيه.

و من لم يعلم بالحال كالغائب و إن كان حاضرا، و كذا المريض الذي لا يتمكن من المطالبة بنفسه و لا بوكيله، و نحوهما المحبوس ظلما أو بحق يعجز عنه، أما إذا كان محبوسا بحق يقدر عليه فهو كالمطلق، إلى غير ذلك من الفروع التي ذكروها في المقام. مضافا إلى غيرها مما هو حاضر في الذهن.

لكن لا يخفى على من تأمل كثيرا منها أنه قد يتوهم الفرق بين الحاضر و الغائب، حيث ذكروا التأجيل للأول بالنسبة إلى إحضار المال بالثلاثة أيام، و أنه متى انقضت و لم يحضره بطلت شفعته، سواء كان ذلك لعذر أو لغير عذر، بخلاف الغائب، فإنه على شفعته مع فرض عدم تمكنه من القدوم و التوكيل و لو سنين، سواء قار (بادر خ ل) في إنشاء الشفعة أو لم يقر (لم يبادر خ ل).

و لعله لظهور الحسن(1)المزبور المشتمل على التأجيل بالثلاثة في


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 288

غيره، أما هو فباق على إطلاق الأدلة المقتضي لبقاء الشفعة، و الأصل عدم سقوطها.

و لكن التحقيق عدم الفرق بين الحاضر و الغائب الذي هو أحد أفراد المطلق، و إنما ذكره الأصحاب بخصوصه تبعا للنص عليه، و إلا فالحاضر أيضا إذا فرض كون المانع له عن إحضار الثمن عذر شرعي مثل مرض أو حبس بحق يعجز عنه أو غير ذلك كان حكمه حكمهم، و لا ينافيه الحسن المزبور الظاهر في البطلان من حيث عدم

نضوض الثمن بمعنى عدم تيسره، لا من جهة أخرى.

بل قد يقال بجريانه في الغائب، على معنى أنه ينتظر به زيادة على زمن قدومه على المتعارف ثلاثة أيام أيضا من حيث تيسر الثمن و نضوضه الذي هو حكم الشفيع في نفسه، كما عساه يومئ إليه تضمنه ذكر الثلاثة لمن ادعى غيبة الثمن في بلد آخر، فلاحظ و تأمل جيدا، فإن المسألة غير منقحة في كلامهم.

و المغمى عليه كالغائب كما في القواعد و التحرير و جامع المقاصد و الدروس، أي ينتظر إفاقته و إن تطاول الإغماء، إذ لا ولاية لأحد عليه، فلا يتصور الأخذ عنه، كما في الدروس و جامع المقاصد، فإن أخذ أحد لغا، و إن أفاق و أجاز ملك من حين الإجازة لا قبلها، فالنماء للمشتري قبلها، قيل: و لعله لأنه لا مجيز له في الحال، فيكون كالصبي الذي لا ولي له في أحد القولين.

و فيه أنه خلاف ما اختاره في البيع من عدم اشتراط هذا الشرط، كما أن مختاره هناك كون الإجازة كاشفة، و لذا قيل: إن ذلك منه بناء على عدم جريان الفضولي في الشفعة.

ج 37، ص: 289

و فيه أن ما ذكرناه من دليله شامل لها، على أن مقتضاه عدم النقل أيضا، و الله العالم.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في ثبوتها للسفيه أيضا، لإطلاق الأدلة، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك، بل هو مندرج في المحكي من معقد إجماع الغنية على أن لولي غير كامل العقل أن يأخذ له بالشفعة، إلا أن الذي يأخذ له الولي و لو بإجازته له ذلك أو إذنه له فيه على حسب غيره من التصرفات المالية.

و لا ينافي ذلك اقتصار غير واحد- بل الأكثر على ما قيل- على الصبي و المجنون، و خصوصا مثل عبارة المتن المذكور فيها ثبوت الشفعة للسفيه، و مع ذلك اقتصر في أخذ الولي على الصبي و المجنون، فان ذلك قد يوهم اختصاص أخذ الولي بهما دونه.

و من هنا قال في المسالك: «كان على المصنف جمع الضمير المضاف إلى الولي، ليتناول السفيه، لئلا يتوهم أنه يتولى الأخذ دون الولي، بقرينة تخصيص الطفل و المجنون بأخذ الولي».

قلت: يمكن أن يكون ذلك للفرق بينهما بسلب عبارتهما دونه، فلا يأخذ لهما إلا الولي بخلافه، فإنه له الأخذ بنفسه مع إجازة الولي، بل قد يحتمل جواز ذلك له مع رضا المشتري بالبقاء في ذمته أو إبرائها له، و إن كان هو خلاف ظاهر الأصحاب.

و كذا لا أجد خلافا بينهم في ثبوتها للمفلس، لإطلاق الأدلة، و إمكان رضا المشتري بالبقاء في ذمته أو إبرائها، أو استدانته من غير ماله الذي تعلق به حق الغرماء، أو رضوا هم بدفع ذلك من ماله، و إن كان لا يجب عليهم، بل لهم منعه من ذلك بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال.

ج 37، ص: 290

و على كل حال يتعلق حينئذ حقهم بالشقص إذا شفع به كما في غير ذلك من المال المتجدد له.

نعم في القواعد و التحرير و جامع المقاصد ليس للغرماء الأخذ بها و لا إجباره عليها و إن بذلوا له الثمن، و لا منعه منه و إن لم يكن له فيه حظ، لأنه لا ملك له قبل الأخذ ليتعلق به حقهم، و كونها حقا ماليا لا يقتضي التعلق المزبور للأصل، و لا يجب عليه الاكتساب لهم، و لأن ذلك حق له، و ليس من لوازمه التصرف فيما تعلق حقهم به من ماله، فلا دخل له بذلك و إن لم يكن فيه حظ له.

و لو أخذ و لم يتيسر له الثمن و لم يرض المشتري بالصبر كان له الانتزاع منه، و لا ينافيه تعلق حق الغرماء، لأنه انتقل اليه على الوجه المزبور، كما هو واضح.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في ثبوتها أيضا للمجنون و الصبي بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى إطلاق الأدلة و خصوص خبر السكوني(1)المتقدم في الثاني منهما.

و لكن يتولى الأخذ عنهما وليهما كما في غير ذلك من أمورهما، نعم قيده المصنف و من تأخر عنه بكون ذلك مع الغبطة إلا أنه لم نجده في كلام من تقدم عليه حتى معقد إجماع الخلاف و غيره، و لعله لحظ الرغبة المراد بها المصلحة في الخبر المزبور(2).

و فيه أنه يمكن إرادته ذلك في خصوص الوصي لا مثل الأب و الجد الذي قد ذكرنا في غير المقام أن المعتبر في تصرفهما له عدم المفسدة كما هو ظاهر النصوص(3)بل عن فخر الإسلام إطلاق ذلك في مطلق الولي


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6 و 11- من أبواب عقد النكاح و الباب- 28- من أبواب المهور- من كتاب النكاح و الباب- 11- من أبواب ميراث الأزواج من كتاب الإرث.

ج 37، ص: 291

إلا أن الأصح الفرق بينهما و بين الوصي مثلا، و الله العالم.

و لو ترك الولي المطالبة بالشفعة مع الغبطة فبلغ الصبي أو أفاق المجنون فله (فلهما خ ل) الأخذ بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه.

و لا ينافي ذلك التراخي المزبور لأن التأخير لعذر (للعذر خ ل) و هو الصبا و الجنون، و تقصير الولي لا يسقط حقهما الثابت لهما حال قصورهما بالنص(1)و الفتوى، و إنما المتجدد لهما عند الكمال أهلية الأخذ لا أصل الحق، بل لو عفا الولي في الحال المزبور لم يمض عفوه حتى من الأب و الجد مع فرض مفسدة في ذلك للمولى عليه.

كما لا ينافيه أيضا الضرر على المشتري بطول الانتظار، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة إطلاق النص و الفتوى، خصوصا بعد أن كان هو السبب في إدخال الضرر على نفسه بذلك، و خصوصا بعد ثبوت مثله في الغائب.

بل لعل الأقوى جواز تجديد الولي الأخذ و إن ترك سابقا أو عفا، كما صرح به بعضهم، لبطلان تركه و عفوه، فلا يترتب على أحدهما أثر، و ليس هما من التراخي المسقط للشفعة قطعا، لأن تقصيره السابق

بمنزلة عدمه بعد فرض بقاء حق الشفعة للمولى عليه.

اللهم إلا أن يكون بذلك فاسقا على وجه ترتفع به ولايته، و فيه منع واضح؛ و على تقديره يمكن عودها بالتوبة حينئذ، فاستشكال بعضهم في ذلك بالنسبة إلى الولي خاصة دون الطفل مثلا عند بلوغه فان له الأخذ في غير محله؛ كما هو واضح، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 292

و على كل حال لا غرامة عليه كما عن بعضهم التصريح به للأصل و غيره.

نعم إذا لم يكن في الأخذ غبطة حيث تعتبر أو كان فيه فساد حيث يكون عدمه هو المعتبر فأخذ الولي مع ذلك لم يصح بلا خلاف و لا إشكال، لأن الفرض عدم تصرفه على الوجه المشروع، و كان ضامنا لما دفعه من الثمن، و الشقص باق على ملك المشتري.

هذا و في جملة من كتب الفاضل و جامع المقاصد و الروضة أنه لا شفعة لهما بعد الكمال إذا كان الترك من الولي أصلح من الأخذ؛ أو كان في الأخذ فساد على المولى عليه.

و لعله كذلك إذا كان ذلك لإعسار الصبي و نحوه مما يقتضي عدم ثبوت الشفعة له للعجز، بناء على سقوط الشفعة به كما عرفت. أما إذا لم يكن كذلك فيشكل السقوط، لإطلاق الأدلة. و لا ينافيه عدم جواز أخذ الولي المعتبر فيه المصلحة أو عدم المفسدة.

و لعله لذا قال في محكي الخلاف: «إذا كان للصبي شفعة و الحظ له في تركه فترك الولي و بلغ الصبي رشيدا فله المطالبة بالأخذ و له تركه، لأنها حقه، و ليس على إسقاطها دليل، و أيضا جميع العمومات التي وردت في وجوب الشفعة تتناول هذا الموضع، و لا دلالة على إسقاطها بترك الولي».

و هو جيد جدا، بل هو مقتضى كل من أطلق أن لهما الشفعة مع الكمال لو ترك الولي من غير تقييد بما إذا كان ذلك مع الغبطة.

فما في الرياض- من أنه لا يظهر خلاف في أنه لو كان الترك لعدم المصلحة لم يكن لهم بعد ارتفاع المانع الأخذ بالشفعة- في غير محله.

و دعوى أنه إذا كان حينئذ الحظ في الترك وجب أن يصح كما يصح الأخذ واضحة الفساد، إذ ليس من آثار صحة الترك سقوط حق الشفعة

ج 37، ص: 293

للمولى عليه، بل أقصاه موافقة الشارع فيما قرره له في الفعل و الترك.

نعم لو عفا و أسقط و فرض مصلحة تقتضي صحة ذلك كان من آثارها السقوط، فلا شفعة لهما بعد الكمال لذلك.

و لو جهل الحال أن ذلك كان لمصلحة أو لا فهو كباقي تصرفات الولي، لكن في القواعد «فلو ترك فلهما بعد الكمال المطالبةإلا أن يكون الترك أصلح» و في جامع المقاصد «أن مقتضاه أن لهما المطالبة مع الجهل لظهور كون الاستثناء متصلا- ثم قال-: و فيه لأن المطالبة (1)فرع الثبوت حينئذ، و الثبوت إنما يتحقق مع المصلحة، و الفرض جهالة الحال، فلا مقتضي للثبوت، و هذا وجيه».

قلت: مضافا إلى حمل فعل المسلم أو تركه على الوجه الصحيح، و خصوصا الولي الذي لا اعتراض للمولى عليه إلا مع العلم بفساد فعله و تركه، و لولا ذلك لكان المتجه الثبوت للاستصحاب، و لا دليل على اشتراط ذلك بترك الولي له مع المصلحة فيه.

و من ذلك يعلم ما في الروضة تبعا لما سمعته من جامع المقاصد «فان ترك في موضع الثبوت أي مع المصلحة فلهم عند الكمال الأخذ لا من ترك لعدم المصلحة، و لو جهل الحال ففي استحقاقهم الأخذ نظرا إلى وجود السبب فيستصحب، أم لا التفاتا إلى أنه مقيد بالمصلحة و لم يعلم؟ وجهان، أجودهما الثاني» و الله العالم.

و تثبت الشفعة للكافر على مثله و إن كان البائع مسلما بلا خلاف، بل عن جماعة الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة و عمومها السالمين عن المعارض عدا إطلاق

الخبر(2)«ليس لليهودي و النصراني شفعة»


1- 1 و في جامع المقاصد« و في استحقاقهما المطالبة و الحال هذه نظر، لأن المطالبة فرع.».
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 294

المقيد إجماعا بإرادة نفيها لهما على المسلم الذي أشار إليه المصنف بقوله:

و لا تثبت له على المسلم و لو اشتراه من ذمي أو غيره بلا خلاف فيه أيضا، بل الإجماع بقسميه عليه. بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواترا، مضافا إلى الخبر المزبور و قوله تعالى(1)«لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» و إلى

أن «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»(2)

فلا يقهر الكافر المسلم على أخذ ماله من يده.

و تثبت للمسلم على المسلم و الكافر إجماعا أو ضرورة من المذهب إن لم يكن الدين، و الله العالم.

و إذا باع الأب أو الجد و إن علا عن اليتيم أو المجنون شقصه المشترك معه لمصلحة إنفاق أو غيره جاز أن يشفعه كما صرح به الشيخ و الفاضل في بعض كتبه و ولده و الشهيدان و الكركي على ما حكي عن بعضهم، لإطلاق الأدلة، بل لا أجد فيه خلافا.

نعم في قواعد الفاضل «و للأب و إن علا الشفعة على الصغير و المجنون و إن كان هو المشتري أو البائع عنهما على إشكال» بل في مختلفه الجزم بالعدم في الوكيل على بيع ما يستحق الشفعة به، محتجا بأن قبول الوكالة رضا منه بالتمليك للمشتري، و حينئذ تسقط الشفعة، بل في جامع المقاصد توجيه الاشكال المزبور بذلك.

و لكنه كما ترى، ضرورة عدم الدلالة على ذلك، بل لعل إيقاع العقد المذكور تمهيد للأخذ بها و تحقيق لسببه، فلا يكون الرضا به مسقطا لها بل الرضا بالسبب رضا بالمسبب، لا أن إيجاد العلة- و هي البيع- ينافي طلب المعلول و هو الشفعة.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 141.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب موانع الإرث- الحديث 11 من كتاب الإرث.

ج 37، ص: 295

و دعوى أن عدم الشفعة للتهمة له بتقليل الثمن يدفعها- مع ان ذلك مناف لائتمانه الشرعي- إمكان فرض بيعه على وجه ترتفع التهمة بإحضار العدول و الحضور عند الحاكم و نحو ذلك لأنه أي الأخذ بها لا يزيد عن بيع ماله من نفسه المعلوم جوازه، فالإشكال في ذلك فضلا عن الجزم بالعدم في غير محله.

و كذا تثبت الشفعة للولد على والده، لإطلاق الأدلة، و إن قال في جامع المقاصد: «فيه احتمالان و في الاستحقاق قوة».

بل مما ذكرنا يعلم ثبوتها أيضا للوكيل في البيع و الشراء، بل في جامع المقاصد «أن ذلك له قولا واحدا» و إن كان فيه أن المخالف الشيخ فيما حكي من مبسوطة و الفاضل في المختلف، و استشكل فيه في محكي التذكرة، لنحو ما سمعته سابقا، و قد عرفت ضعفه.

لكن لم يظهر لنا الفرق بين الولي و الوكيل حيث حكي عن المبسوط أن للأول الشفعة بخلاف الثاني، كما أن المحكي عنه في التذكرة الجزم بها للأول و التوقف فيها في الثاني، و نحوه الكلام في العبد المأذون.

و كيف كان ف هل ذلك للوصي؟ قال الشيخ في مبسوطة لا يجوز له ذلك لمكان (لإمكان خ ل) التهمة و لفظه: «إذا باع ولي اليتيم حصته من المشترك بينه و بينه لم يكن له الأخذ بالشفعة إلا أن يكون أبا أو جدا، لأن الوصي متهم، فيؤثر تقليل الثمن، و لأنه ليس له أن يشتري لنفسه بخلاف الأب و الجد».

و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، و لذلك قال المصنف و لو قيل بالجواز كان أشبه بأصول المذهب و قواعده كالوكيل الذي قد عرفت الحال فيه، بل جزم به الفاضل في بعض كتبه و الشهيدان و الكركي لما عرفته، بل عن ظاهر المختلف الإجماع

ج 37، ص: 296

على أنه يجوز للوصي أن يشتري لنفسه كالأب و الجد، و في جامع المقاصد و المسالك لا بحث في الصحة إذا رفع أمره إلى الحاكم فباع فأخذ بالشفعة لارتفاع التهمة حينئذ.

و هو جيد لو انحصر مستند الشيخ في ذلك، و قد سمعت التعليل به و بغيره، و إن كان هو فاسدا كما عرفت، و الله العالم.

و للمكاتب المشروط و المطلق الأخذ بالشفعة بلا خلاف و لا إشكال، لانقطاع سلطنة المولى عنه بالنسبة إلى ذلك و حينئذ ف- لا اعتراض لمولاه عليه حتى لو كان هو البائع أو المشتري.

و لو باع المكاتب شقصا على المولى ببعض مال الكتابة ثبتت الشفعة لشريكه، فان كان مشروطا و فسخت الكتابة فالأولى بقاء الشفعة اعتبارا بحال البيع، و ربما احتمل سقوطها لخروجه بذلك عن كونه مبيعا، و الأول أصح.

و لو ابتاع العامل في القراض شقصا و صاحب المال شفيعه لأنه مشترك بينه و بين غيره فقد ملكه بالشراء مع فرض عدم الربح لا بالشفعة بلا خلاف أجده فيه بيننا و لا إشكال، لأن العامل كالوكيل عن المالك، فكل ما يشتريه للقراض هو ملك لرب المال، فلا يتصور شفعة له حينئذ في ماله، إذ الملك لا يملك من جهتين، و استحقاقه القصاص على عبده لو جنى عليه ليس ملكا لملكه.

فما عن الكركي في بعض حواشيه المكتوبة بخطه على جامع المقاصد- من أنه لا يمتنع أن يستحق الملك بالشراء ثم بالشفعة، إذ لا يمتنع اجتماع العلتين على معلول واحد، لأن علل الشرع معرفات- واضح الفساد و ان كان ستسمع اختيار مثله من المصنف و الفاضل و غيرهما في الفروع على القول بالكثرة، ضرورة عدم وجود العلة بعد أن

ج 37، ص: 297

كان الشراء له بالوكالة عن العامل، و الفرض ظهور أدلة الشفعة بل صراحتها في بيع الشريك حصته من غير من له الشفعة، كما هو واضح.

و حينئذ فلو أراد المالك الاختصاص به بأن يفسخ المضاربة فيه لا اعتراض للعامل إذا لم يكن ظهر ربح، و لكن له المطالبة بأجرة عمله المحترم كما في غير ذلك من أعيان المضاربة.

و إن لم يختر المالك الفسخ بقيت المضاربة بحالها، و ليس للعامل أجرة بل له شرطه من الربح، و لا يلزم من ملك صاحب المال له الفسخ، فان جميع مال القراض مملوك له، و ذلك كله واضح من قواعد الشفعة و المضاربة.

فمن الغريب ما عن المبسوط من عدم الترجيح في المسألة، و الاقتصار على نقل أقوال ثلاثة فيها: أحدها ما عرفته، و الثاني أنه يأخذه بالشفعة، و الثالث عدم أخذه بها و لا بغيرها، و كأنها للعامة، و لا وجه للأخيرين منها فيما فرضناه من موضوعها.

نعم لو ظهر الربح للعامل في المبيع و قلنا بملكه بذلك على وجه يكون شريكا للمالك بمقدار ما يخصه من الربح فالمتجه الموافق لقواعد المضاربة أنه حينئذ يكون شريكا في الشقص مع صاحب المال، سواء فسخ المضاربة أم لا، و ليس لصاحب المال أن يأخذ نصيب العامل من الربح بالشفعة أيضا، لأن العامل لم يملكه بالشراء الذي هو شرط ثبوت الشفعة، و إنما ملكه بظهوره، سواء قارن الشراء أم تأخر.

نعم لو فرض أن ما اشتراه به من الثمن قد ظهر فيه الربح و قلنا بملكه به على وجه صار شريكا اتجه حينئذ كون المبيع مشتركا بينه و بين المالك بالبيع، بل اتجه أخذ المالك فيه بالشفعة، أما في الفرض فلا ملك للعامل بالبيع و إن كان الربح مقارنا، لأن ملكه طار على ملك

ج 37، ص: 298

رب المال، فالبيع لم يفد إلا ملك رب المال بأجمعه للمبيع، لأن الثمن له.

ثم إن العامل يملك و لو على جهة الترتب الذاتي، و حينئذ فليس ذلك من أسباب استحقاق الشفعة، لاختصاص موردها بالبيع نصا و فتوى، و ليس لصاحب المال قطع تسلط العامل على الحصة بالفسخ و رده إلى الأجرة، كما تسمعه من بعض الشافعية، بل يستقر ملكه عليها إن لم يتجدد ما يبطله كخسارة المال لا غير، لأصالة بقاء ملكه عليه إلا بوجه ناقل شرعا، و هو منتف هنا.

و هذا هو حاصل ما في الدروس «و ليس للمالك أخذ ما اشتراه العامل بالشفعة، بل له فسخ المضاربة فيه، فان كان فيه ربح ملك العامل نصيبه، و إلا فله الأجرة».

لكن في قواعد الفاضل «و يملك صاحب مال القراض بالشراء، لا بالشفعة إن لم يكن ربح أو كان، لأن العامل لا يملكه بالبيع، و له الأجرة».

و ربما استظهر منه أن للمالك الاختصاص بالعين على كل حال و أنه ليس للعامل إلا الأجرة و إن كان قد ظهر الربح.

و لذا حكى في جامع المقاصد النظر فيه عن حواشي الشهيد بأن فتوى المصنف ملك الربح بالظهور، و حينئذ يملك العامل حصة من الشقص و يكون شريكا قال: «ثم أجاب بما لا يدفع السؤال، ثم اعترف بورود السؤال».

قلت: قد يدفع بأن المراد استحقاق الأجرة مع الفسخ و عدم ظهور الربح، كما عساه يشعر به قوله: «لأن العامل» إلى آخره المراد منه أنه و إن كان ربح و يملكه العامل إلا أن ملكه له بسبب اقتضاء عقد المضاربة ذلك، لا البيع الذي لم يحصل منه إلا ملك رب المال للجميع

ج 37، ص: 299

باعتبار كون الثمن ملكا له و ملك العامل طار عليه، فلا شفعة له بملك العامل، لأنه لم يملكه بالبيع الذي هو عنوان الشفعة، و إنما ملكه بظهور الربح، و الذي ملكه بأجمعه أولا بالبيع إنما هو رب المال، فلا يتصور له شفعة على كل حال.

بل يشهد لذلك أيضا ما في تحريره قال فيه: «و لو اشترى المضارب بمال القراض شقصا في شركة رب المال فليس لرب المال فيه شفعة على الأقوى لأن الملك له، و لو كان فيه ربح فكذلك، شواء قلنا إن العامل يملك بالظهور أو بالإنضاض، لأنه شراء مأذون فيه، و إن لم يكن ظهر ربح لم يكن للعامل اعتراض، و لو كان له الأجرة عن عمله» أي لا اعتراض له عليه لو أراد فسخ المضاربة و الاستبداد بالشقص و إن كان له حينئذ أجرة عمله، كما في غيره من أعيان المضاربة مع فرض عدم الربح، أما معه فله نصيبه.

و حينئذ فينزل ما في القواعد على إرادة هذا المعنى، و كأنهم أهملوه اتكالا على قواعد المضاربة، و لعل هذا أولى من دفعه بما في التذكرة عن بعض الشافعية من الوجه الثالث في المسألة، و هو أن للمالك أن يأخذ بحكم فسخ المضاربة، لأنه لما امتنع استحقاقه الشفعة فلا أقل من أن يستحق قطع سلطنة العامل عن الشقص، لأنه ممكن، فلا يلزم من امتناع الشفعة لامتناعها انتفاء هذا، كما نقول فيما إذا جنى المرتهن على عبد المولى، فإنه يكون للمولى فكه من الرهن بسبب الجناية، و حينئذ فيكون على صاحب المال اجرة المثل عن عمله لكونه محترما، سواء ظهر فيه ربح أو لا، إذ يرد عليه أن فسخ المالك إذا طرأ على المضاربة لا يسقط استحقاق العامل من الربح الذي ثبت استحقاقه، لأن الفسخ إنما يؤثر بالنسبة إلى مستقبل الزمان لا فيما مضى، فيجب أن يقال: إن ظهر ربح فللعامل

ج 37، ص: 300

حقه منه إن قلنا يملكه بالظهور، و إلا فله الأجرة، و هو المطابق لما سمعته من الدروس.

و المناقشة فيه- بأن هذا الحكم آت في جميع أقسام المضاربة فلا خصوصية لكون الشقص مشفوعا في ثبوت الفسخ- يدفعها أنه لا مانع من كون الحكم كذلك، إذ لم يظهر من أحد أن لما هاهنا خصوصية، بل يمكن إيكال ما في بعض العبارات من الإجمال إلى وضوح الأمر بملاحظة قواعد المضاربة.

و كأن الذي دعاهم إلى ذكر الفرع أن الشيخ في المبسوط ذكره، و ذكر فيه أقوالا و لم يرجح أحدها، فأرادوا تنقيح ذلك على قواعد الإمامية تعريضا بما سمعته من بعض الشافعية.

هذا و لكن في جامع المقاصد «يمكن الجواب عن السؤال الأول بأن العامل و إن استحق الحصة من الربح بالظهور إلا أن استحقاق الاختصاص بسبب الشركة سلط المالك على قطع استحقاقه من العين، فإن الشركة هنا إن لم تكن موجبة لاستحقاقه التملك لكونه مالكا حقيقة فلتكن رافعة لتملك العامل بعض العين، و متى فات حقه من الربح استحق اجرة المثل و لو لم يظهر ربح ففي استحقاق الأجرة إلى حين الفسخ كلام يأتي إنشاء الله تعالى، و هذا لا بأس به، إذا عرفت ذلك فقول المصنف:

لأن العامل لا يملكه بالبيع تعليل لقوله: يملك صاحب مال القراض بالشراء لا بالشفعة على تقدير الربح، و معناه أن استحقاق العامل متأخر عن العقد، فلا يمكن أخذه بالشفعة، و فيه تنبيه على استحقاق العين و الاختصاص بها من دون العامل و إن ظهر ربح، لأن حق المالك و هو الاختصاص بسبب الشركة أسبق، فلا يزيله حق العامل الطاري، بل

ج 37، ص: 301

للمالك فسخ استحقاقه، و ينتقل إلى أجرة المثل، و هذا هو تحقيق هذا المحل».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه من أنه (أولا) هو بعينه ما سمعته من بعض الشافعية الذي قد اعترف هو بفساده و أورد عليه ما ذكرناه.

و (ثانيا) أن ما ذكره من اقتضاء الشركة قطع سلطنة العامل لا نعرف له وجها يطابق أصول الإمامية.

فمن الغريب قوله: «إن هذا تحقيق هذا المحل» و ما كنا لنؤثر أن يقع منه مثل ذلك، و ربما كان التزام سوء تعبير الفاضل و غيره أولى من مخالفة الضوابط الشرعية.

و إذا بيع شقص في شركة مال المضاربة فللعامل الأخذ بها مع الغبطة فإن عفا فللمالك الأخذ، و هو معنى ما في الدروس من أنها تثبت للعامل فان ترك فللمالك الأخذ.

بل و ما في التذكرة من «أن للعامل في المضاربة الأخذ بالشفعة إذا بيع شقص في شركة المضاربة، فإذا أخذ فإن كان هناك ربح فلا حصة له في ذلك، بل الجميع للمالك، لأن العامل لا يملكه بالشفعة، فالجميع لصاحب المال، و كذا إن لم يكن ربح، و للعامل الأجرة، و لو ترك كان لرب المال الأخذ، لأن المشتري بمال المضاربة له. هذا إذا لم يظهر في الحصة التي اشتراها المضارب ربح، و لو كان قد ظهر فيه ربح لم يكن هناك شفعة، لا للعامل و لا لرب المال، لزيادة الشركة على اثنين» قلت: ضرورة كون العامل حينئذ شريكا و رب المال و الشريك البائع في الأرض المزبورة مثلا.

لكن قد يناقش فيما ذكره- من عدم شي ء للعامل و إن كان ربح،

ج 37، ص: 302

و إنما له الأجرة- بأن أخذه بالشفعة إن كان من عمل المضاربة فله ربحه، و إلا فلا اجرة له.

و قوله: «لأن العامل لا يملك بالشفعة» يدفعه أنه لا يملك بها و لا بغيرها من النواقل، و إنما يملك بظهور الربح، و لم يجز له الأخذ بها إلا لأنها من عمل المضاربة و إن كان الملك لرب المال كالشراء.

و لو كان للعامل الشفعة بمعنى أنه اشترى للمضاربة شقصا له فيه الشفعة- لأنه الشريك- كان له مع عدم الربح الأخذ، لأن ملك الشقص لغيره، و كذا مع الربح إذا لم نقل بملكه بالظهور، أما معه فلا شفعة له به، لصيرورة بعضه ملكا له بالظهور، و لا وجه للشفعة بملكه كما سمعته في رب المال، و الشفعة بما يخص رب المال منه تبعيض للشفعة.

لكن في التحرير هنا احتمالان قال: «و لو كان المضارب شفيعه و لا ربح في المال فله الأخذ، لأن الملك لغيره، و إن كان فيه ربح و قلنا لا يملك بالظهور فكذلك، و إن قلنا يملك بالظهور احتمل الشفعة و عدمها كرب المال» و لعله لنحو ما سمعته من الكركي سابقا و تسمعه فيما يأتي من الفروع العشرة.

ثم قال: «و إن باع المضارب شقصا في شركته لم يكن له الأخذ بالشفعة، لأنه متهم على إشكال» و فيه ما عرفت سابقا من عدم صلاحية التهمة مانعا، و الله العالم.

ج 37، ص: 303

[فروع على القول بثبوت الشفعة مع كثرة الشفعاء]
اشاره

فروع على القول بثبوت الشفعة مع كثرة الشفعاء قد جرت العادة بذكرها و إن لم نقل بها تشحيذا للأذهان، و لأنه قد ينتفع بها على المختار أيضا في حال إرث المتعددين الشفعة و هي كثيرة، و قد اختار المصنف منها عشرة:

[الفرع الأول لو كان الشفعاء أربعة فباع الأول و عفا الثاني فللآخرين حق الشفعة]

الفرع الأول:

لو كان الشفعاء أربعة مثلا فباع أحدهم نصيبه و قلنا بسقوط حقه من الشفعة بذلك، للشك في ثبوتها معه، و الأصل عدمه إن لم يكن المنساق من الأدلة خلافه، خصوصا بعد ملاحظة أن حكمة شرعها قاعدة الضرر، فلا يجري استصحاب بقائها مع احتماله أيضا، لكن الأقوى الأول و حينئذ فإذا عفا آخر منهم بأن أسقط حقه من الشفعة ف الذي ذكره غير واحد كالشيخ و الفاضل و الشهيدين و الكركي على ما حكي عن بعضهم بل في المسالك أنه المشهور و إن كنا لم يتحققه قبل المصنف أن للآخرين أخذ المبيع و لا تسقط الشفعة بفعل الأولين. نعم لو اقتصرا في الأخذ على حقهما لم يكن لهما، لأن الشفعة لإزالة الضرر، و بأخذ البعض يتأكد و فيه (أولا) أن الضرر هو الذي أدخله على نفسه بإقدامه على شراء ذي الشفعاء المتعددين إذا قلنا بتوزيع الشفعة عليهم.

ج 37، ص: 304

و (ثانيا) أن الشفعة حق مالي قابل للتقسيط و الانقسام، بل هو المنساق من

قوله (عليه السلام)(1): «الشفعة على عدد الرجال»

ضرورة أن معنى كونها عليهم دون السهام توزيعها عليهم، و لا معنى للتوزيع إلا بإرادة تبعية شفعة كل واحد نصيبه.

و (ثالثا) أن العفو يقتضي استقرار المعفو عنه على ملك المشتري كما لو عفوا جميعا.

و (رابعا) قد سمعت سابقا ما حكاه المرتضى (رحمه الله) من أنه في روايات أصحابنا إذا سمع بعض بحقوقهم من الشفعة فمن لم يسمح بحقه على قدر حقه؛ فالمتجه حينئذ سقوط حق الأولين و بقاء حق الآخرين، بل ليس لهما أخذ حق الأولين بالشفعة، لعدم ثبوته لهما، و هو المحكي عن أبي علي و الفاضل في موضع من التذكرة.

و دعوى أن الشفعة كالخيار لو ورث- فإنه واحد لا يتبع الحصص فيمضي فسخ الواحد على الجميع و إن لم يرضوا بذلك- يدفعها بعد تسليم ذلك وضوح الفرق بينها و بينه بكونه راجعا إلى فسخ العقد، و هو غير قابل للتبعيض بخلاف الشفعة، فإن مرجعها إلى نقل ملك المشتري إلى الشفيع من دون فسخ عقد، و مع فرض تعدد المستحقين و كون الاستحقاق على عددهم لا مناص عن القول بالتوزيع على حسب ما ذكرناه.

و على كل حال فمما ذكرنا يعلم حينئذ جريان حكم هذا الفرع على القول بالاتحاد في صورة الإرث التي ذكر في المسالك فيها احتمالا آخر و هو بطلان حق الجميع بعفو البعض، بناء على أنهم يأخذون الشفعة للمورث ثم يتلقون منه، فيكون عفو بعضهم بمثابة عفو المورث عن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 5.

ج 37، ص: 305

بعض حقه، بل هو المحكي عن ابن شريح في أصل المسألة أيضا و إن كان هو واضح الفساد.

و أوضح فسادا منه احتمال عدم سقوط حق واحد من الأولين في أصل المسألة، لأن الشفعة لا تتبعض فيغلب جانب الثبوت، إذ هو مع أنه كما ترى مناف لقاعدة تسلط الناس على حقوقهم كأموالهم، مضافا إلى ما سمعته من الخبر المزبور، و الله العالم.

و مما ذكرنا يعلم الحال فيما لو كان الشفعاء غيبا كلهم أو بعضهم ف ان الشفعة لهم على الوجه الذي ذكرناه.

إلا أن المصنف بناء على مختاره السابق من عدم تبعيض الشفعة قال فإذا حضر واحد فطالب فاما أن يأخذ الجميع أو يترك، لأنه ربما لا يأخذ الغائبان، فتتفرق الصفقة على المشتري، فهو حينئذ بمنزلة أن لا شفيع الآن غيره. و لو حضر آخر أخذ من الآخر النصف أو ترك لأنهما حينئذ بمنزلة أن لا شفيع غيرهما فان حضر الثالث أخذ الثلث أو ترك، و إن حضر الرابع أخذ الربع أو ترك.

إلا أن ذلك كله مع منافاته لما ذكرناه سابقا من الأدلة قد يناقش فيه (أولا) بأن الغيبة لا تسقط حق الشفعة، فلا وجه لأخذ الأول الجميع على وجه يكون ملكا له، و الفرض أن له الربع و عدم عفو أحد منهم، و احتمال حصوله بعد ذلك لا يجعل الحق تماما له الآن، إذ احتمال الكشف لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، و خوف التبعيض لا يقتضي ثبوت الحكم المزبور، كما أن الأخذ منه بعد ذلك كذلك أيضا، و بعد الإغضاء فاقتضاء احتمال التبعيض إيقاف الحق أولى من أن يقتضي التسلط

ج 37، ص: 306

على حق غيره على وجه يكون ملكا له، بل هو مناف لاشتراك الحق بينهم.

و (ثانيا) بأن المعلوم من الأدلة أخذ الشفيع من المشتري لا من الشفيع الذي استحق الملك بالشفعة لا بالشراء، و تعلق حق الشفيع الغائب فيما شفع فيه إن كان مانعا من الانتقال فلا وجه لأخذ الأول الجميع بها و إن لم يكن مانعا فلا دليل على فسخ ما ملكه الشفيع الأول الذي مقتضى الأصل لزومه، بل قد يقال: إن أخذ الثاني من الأول تبعيض لما أخذ بالشفعة أيضا، و لا دليل عليه، بل هو مقتضى ما ذكروه أنه لا بد للحاضرين من الاجتماع و شفعتهم في الشقص أجمع إذا أرادوا الاشتراك بها من المشتري، و إلا فمتى ترتبوا لم يحصل ذلك، لأن كل واحد منهم لا ينتقل إليه مقدار نصيبه للتبعيض، و الأخذ منه خلاف المفروض الذي هو كون الأخذ من المشتري.

و (ثالثا) ما ذكره من التعليل بالتبعيض لا يتم إلا بالنسبة إلى الأول، أما من بعده فاقتصاره على نصيبه لا يضر بالمشتري، لأن الشقص قد أخذ منه تاما على التقديرين بخلاف اقتصار الأول على حصته، فإنها تفرق الصفقة على المشتري.

و من هنا احتمل على هذا في القواعد و الدروس و جامع المقاصد تخيير الثاني بين أن يأخذ النصف أو الثلث، فإذا قدم الثالث و وجدهما قد تساويا في الأخذ أخذ الثلث منهما على السوية، و إن وجد الثاني قد اقتصر على الثلث تخير بين أن يأخذ من الأول نصف ما في يده، و هو تمام حقه و لا يتعرض للثاني، و بين أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده، لأنه يقول: ما من جزء إلا ولي منه ثلثه، فان ترك الثاني حقه حيث لم يشاطر الأول فلا يلزمني أن أترك حقي، ثم له أن يقول للأول ضم ما

ج 37، ص: 307

معك إلى ما أخذته لنقسمه نصفين، لأنا متساويان في الحق. و حينئذ فتصح قسمة الشقص من ثمانية عشر، لأنا نحتاج إلى عدد له ثلث و لثلثه ثلث، و أقله تسعة يحصل منها ثلاثة في يد الثاني و ستة في يد الأول، ثم ينزع الثالث من يد الثاني واحدا و يضمه إلى الستة التي في يد الأول يكون سبعة و يقتسما بها بينهما، و هي لا تنقسم على اثنين، فتضرب اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر، للثاني منها أربعة، و هي مضروب الاثنين اللذين بقيا له في اثنين تبقى منها أربعة عشر، لكل واحد من الأول و الثالث سبعة، و إذا كان ربع الدار ثمانية عشر كان جملتها اثنين و سبعين.

و فيه (أولا) أن عدم حصول التبعيض بأخذه لا يقتضي التخيير المزبور، بل يقتضي الاقتصار على حقه أو المشاطرة مع الأول، لاحتمال عدم أخذ الغائب، كما جزم به في جامع المقاصد و هو ظاهر المصنف.

و (ثانيا) أنه مع أخذه مقدار حقه مشاعا لا تسلط للشريك عليه، إذ لا زيادة له عنده.

كل ذلك بعد البناء على أن الشركاء ثلاثة كما فرضها في القواعد حتى يكون حقه الثلث أو يراد الثلث بعد حق الأول، فينطبق حينئذ على مثال المتن.

و على كل حال هو واضح الضعف لا ينطبق على قواعد الإمامية، و انما هو مناسب لمذاق العامة.

و احتمل أيضا أن لا يأخذ الثالث من الثاني شيئا بل يأخذ نصف ما في يد الأول فيقسم المشفوع أثلاثا، بناء على أن فعل الثاني لا يعد عفوا عن السدس، بل اقتصارا على حقه، و إلا لاتجه بطلان حقه، لأن العفو عن البعض عفو عن الكل على قول، و إنما أخذ كمال حقه مع أنه

ج 37، ص: 308

قد قال بعضهم بسقوط حقه، لكونه قد عفا عن بعضه، و لكنه في غاية الضعف.

و لعل الاحتمال المزبور هو الموافق لما قلناه، بناء على أن الشركاء ثلاثة أو يأخذ نصفا مما في يده بعد إخراج ربعه حتى ينطبق المختار على مثال المتن، و الله العالم.

[الفرع الثاني لو امتنع الحاضر أو عفا لم تبطل الشفعة]

الفرع الثاني:

لو امتنع الحاضر أو عفا لم تبطل الشفعة للأصل و غيره مما عرفت و لكن على ما ذكرنا كان للغائب قدر استحقاقه و على ما ذكره المصنف و غيره له أخذ الجميع أو الترك.

و كذا لو امتنع ثلاثة أو عفوا كانت الشفعة بأجمعها للرابع إن شاء على مختار المصنف و الجماعة، و أما على ما قلناه فله الربع خاصة، و الله العالم.

[الفرع الثالث إذا حضر أحد الشركاء فأخذ بالشفعة لم يسقط حق الباقين]

الفرع الثالث:

إذا حضر أحد الشركاء فأخذ الجميع بالشفعة بناء على ما سمعته من المصنف و غيره ف قاسم وكلاء الغائبين فإن له ذلك، لأن الحق الآن مختص به ثم حضر الآخر الغائب ف (11) ان عفا استمرت القسمة، و إن طالب (12) و أخذ ففي القواعد و غيرها فسخ القسمة (13) إن شاء و شارك الأول

ج 37، ص: 309

لأن حقه شائع في المأخوذ و في باقي السهام.

و لكن قد يناقش بأصالة بقاء القسمة الواقعة بينه و بين الوكلاء، إذ المستحق هو حينئذ، و الغائب حقه متجدد فيما أخذه الأول، فلا وجه للتسلط على فسخ القسمة، و لذا بناء على ما ذكرناه إذا أخذ حصته و قاسم مع وكلاء الغائبين لم يكن لأحد منهم الفسخ.

و كذا لو رده الشفيع الأول أي ما شفع فيه، و هو الجميع على مختار المصنف بعيب ثم حضر الآخر كان له الأخذ للجميع، كما صرح به الفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين لأن الرد المزبور أبطل الأخذ من أصله فكان كالعفو الذي قد عرفت أن حكمه ذلك.

و عن محمد بن الحسن الشيباني أنه يختص الثاني بأخذ حصته خاصة لأن الأول أسقط حق الثاني مما زاد على حصته، و رده بالعيب أحدث ملكا جديدا للمشتري بعد أن خرج عنه، فلا يكون كالعفو، بل كعوده إلى المشتري ببيع أو هبة. و احتمله الفاضل في القواعد.

و لكن لا ريب في ضعفه، ضرورة أن الرد أوجب فسخ الأخذ و لم ينشئ سببا جديدا للملك، فلا يساوي عوده بالعقد، و أما على المختار فليس للآخر إلا نصيبه، كما أنه ليس للأول إلا ذلك، فإذا فرض رد نصيبه كان كالعفو بالنسبة إليه، و لا حق للآخر فيه، كما هو واضح، و الله العالم.

ج 37، ص: 310

[الفرع الرابع لو استغلها الأول ثم حضر الثاني شاركه في الشقص دون الغلة]

الفرع الرابع:

لو استغلها الأول أي ظهرت الثمرة ظهورا تخرج به عن تبعية الأصل بعد أخذه و قبل أخذ الثاني ثم حضر الثاني مثلا شاركه في الشقص دون الغلة التي ملكها الأول بكونها نماء ملكه المنحصر فيه قبل أخذ الثاني، كما أن الأول لا يملك ما حصل من غلة الشقص بعد الشراء و قبل الأخذ بالشفعة، بل هو للمشتري.

نعم لو كان الأول وكيلا عن الثاني و أخذ لهما بالوكالة كان شريكا له، بل لو قبل ذلك فضولا و أجاز- بناء على جريان الفضولي في الشفعة- كان كذلك أيضا، كما هو واضح.

فما عن بعض الشافعية- من احتمال مشاركة الثاني للأول على كل حال- في غاية السقوط، و لا يخفى عليك حكم ذلك بناء على المختار، و الله العالم.

[الفرع الخامس لو قال الحاضر لا آخذ حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته]

الفرع الخامس:

لو قال الحاضر ابتداء مثلا لا آخذ الجميع بالشفعة حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته قطعا بناء على التراخي.

و أما على الفور فالأقوى كما في المسالك و محكي المبسوط و التذكرة أنه كذلك أيضا، و في الدروس أن فيه قوة لأن التأخير لغرض لا يتضمن الترك بحيث ينافي الفورية، إذ قد لا يسلم له الشقص المشفوع، مع فرض اقتضاء الأخذ دفع جميع الثمن الذي قد يكون كثيرا

ج 37، ص: 311

و يصعب عليه تدبيره في تلك الحال، بل الأغراض كثيرة في عدم التعجيل مضافا إلى عدم دليل على الفورية من النصوص على وجه ينافيه ذلك، فيبقى استصحاب بقائها بحاله.

و لكن فيه تردد و إشكال كما في القواعد، لما تسمعه من الإجماع المحكي على الفورية التي ينافيها ذلك، لتمكنه من الأخذ و لا أقل من الشك في كون ذلك عذرا، فان ضرره لا يدفع بضرر المشتري.

على أنك قد عرفت مخالفة الشفعة للأصل، فينبغي الاقتصار فيها على اليقين، و لعله لذا ربما مال إليه بعض المحققين و إن كان الأقوى الأول، و لا يخفى عليك عدم جريان الفرع المزبور على المختار، و الله العالم.

[الفرع السادس لو أخذ الحاضر و دفع الثمن ثم حضر الغائب فشاركه و دفع إليه النصف ثم خرج الشقص مستحقا كان دركه على المشتري دون الشفيع الأول]

الفرع السادس لو أخذ الحاضر و دفع الثمن ثم حضر الغائب فشاركه و دفع إليه النصف مما دفع إلى المشتري (البائع خ ل) و هكذا ثم خرج الشقص مستحقا بعد أن ترتبوا في الأخذ فالمشهور كما في المسالك كان دركه على المشتري دون الشفيع الأول، لأنه كالنائب عنه أي المشتري في الأخذ من الثاني، إذ الشفيع إنما يأخذ من المشتري لهم و إن أخذ بعضهم من بعض ظاهرا، أو كالنائب عن غيره من الشفعاء في الأخذ من المشتري.

و على كل حال فلا درك عليه، لاستحقاقهم جميعا الشفعة على المشتري و إن ترتبوا في الأخذ، فإن الترتب الذي قد عرفت كونه كالنيابة لا يغير هذا الحكم.

ج 37، ص: 312

و لكن قد يناقش بأن ذلك لا ينطبق على قواعد الإمامية، إذ هو اعتبار محض، ضرورة أن أخذ الثاني ليس مبنيا عندهم على أخذ الأول بل يفتقر إلى أخذ جديد و صيغة خاصة كالأول، و ملك الأول للجميع لا يرتفع من أصله بأخذ من بعده، بل من حين الأخذ، و من ثم كان مجموع النماء المنفصل له، فكونه كالنائب في محل المنع، و خصوصا في عهدة الثمن، فإن المشتري لم يتسلم من غير الأول شيئا، و إنما الأول أخذ من الثاني نصفه، فلا وجه لرجوعه به على المشتري.

و من هنا حكي عن بعض الشافعية أن هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من أجرة و نقص قيمة الشقص، و أما الثمن فكل يسترد ما سلمه ممن سلمه إليه بلا خلاف، بل عن التذكرة أنه المعقد، كما عن الكركي أنه استجوده، و في المسالك استحسنه.

و لكن الإنصاف أن التفصيل المزبور لا يخلو من نظر أيضا، ضرورة كون المفروض مع ملاحظة ملك كل منهم من الآخر حقيقة يكون كترتب المشترين بعضهم من بعض من غير فرق بين الثمن و غيره، و إلا كان كالنائب فيهما.

و لا يخفى عليك أن الأول أوفق بالقواعد، كما لا يخفى عليك سقوط الفرع المزبور على المختار، و الله العالم.

ج 37، ص: 313

[الفرع السابع لو كانت الدار بين ثلاثة فباع أحدهم من شريكه استحق الشفعة الثالث دون المشتري]

الفرع السابع:

لو كانت الدار بين ثلاثة مثلا فباع أحدهم من شريكه ففي محكي الخلاف في موضع منه و الدروس استحق الشفعة الثالث دون المشتري، لأنه لا يعقل أن يستحق الإنسان شيئا على نفسه و لظهور أدلة الشفعة في غيره أو صراحتها، فان

قوله (عليه السلام)(1): «فشريكه أحق من غيره بالثمن»

صريح في غير المشتري، إذ لا يصدق عليه نفسه أنه غيره.

مضافا إلى ظهورها أجمع في تعدد المشتري و الشفيع و البائع على وجه يقتضي أن ذلك هو موضوع الشفعة الثابت من الشرع، لاشتمالها على ذكر ذلك في مقام الضابط و البيان على نحو القيود التي تذكر في التعريف، و حينئذ فاما أن يأخذ الجميع بها أو يترك لئلا تتبعض الشفعة.

و قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة و موضع من خلافه:

يكون بينهما و حينئذ فهو أي الشريك مخير بين أخذ نصف المبيع أو تركه لا جميعه كما في المسالك و غيرها.

ثم قال فيها: «فان قال المشتري: خذ الكل أو اترك الكل و قد تركت أنا حقي لم يلزمه الإجابة، و لم يصح إسقاط المشتري الشفعة، لأن ملكه مستقر على النصف بالشراء، فأشبه ما إذا كان للشقص شفيعان حاضر و غائب فأخذ الحاضر الجميع ثم عاد الغائب، فإن له أن يأخذ نصفه، و ليس للحاضر أن يقول اترك الكل أو خذ الكل و أنا تركت


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 314

حقي، و لا نظر إلى تبعض الصفقة عليه، فإنه لزم من دخوله في هذا العقد».

قلت: قد يناقش بأن الشفعة من الأسباب الاختيارية في نقل الملك لا القهرية، و حينئذ فمع فرض عدم اختيارها لا مانع من سقوطها، و استقرار ملكه على المشفوع من حيث الشراء لا ينافي سقوط استحقاقه إياه من جهة الشفعة، و حينئذ يكون بمنزلة عفو أحد الشفيعين، فيلزم الثالث بأخذ الجميع أو تركه حذرا من تبعض الشفعة، إذ لا شفيع حينئذ غيره.

و على كل حال فقد مال إلى القول المزبور المصنف بقوله و لعله أقرب و نحوه الفاضل في المختلف، بل في جامع المقاصد أنه أصح، بل قيل إنه الظاهر من التذكرة أيضا.

و كأنه لاشتراكهما في العلة الموجبة للاستحقاق، و لا يمتنع أن يستحق تملك الشقص بسببين: البيع و الشفعة، لأن علل الشرع و أسبابه معرفات فلا يمتنع أن يجتمع اثنان منها على معلول واحد، و لأن للشفعة أثرا آخر غير استحقاق الملك، و هو منع الشريك الآخر من تملك مقدار مشفوعه بالشفعة، و هذا الأثر لا مانع منه.

إلا أن الجميع كما ترى بعد أن عرفت قصور أدلة الشفعة عن ثبوتها في الفرض، بل قيل: إن سبب الاستحقاق بالشفعة مترتب على سببه بالشراء و متفرع عليه، فليسا معلولي علة واحدة حتى يقال: إنه لا يمتنع تملك الشقص بسببين، و إن علل الشرع لا يمتنع اجتماعها، بل إنما ملكه أولا بسبب الشراء، و بعد الشراء استحقه بالشفعة، فيعود المحذور من كونه يستحق تملك ملكه.

بل قيل: إنه على تقدير اجتماع العلتين بعد الشراء فأثرهما مختلف

ج 37، ص: 315

لأن الشراء علة في نقل الملك إليه من غيره، و الاستحقاق بالشفعة أثره قرار ملكه عليه، فأحدهما غير الآخر وجودا و أثرا.

و إن كان ذلك كله لا يخلو من نظر، ضرورة عدم المنع من ترتب الملك على الشراء و ترتب الشفعة عليه، نحو الانعتاق للقريب المترتب على ملكه الحاصل بالشراء، لأن استحقاق الشفعة أمر غير الملك الحاصل من الشراء.

ثم إن الثمرات المترتبة على ذلك كثيرة، فإن للشفعة أحكاما حتى مع الإقالة عن عقد البيع. فالعمدة في الجواب ما ذكرناه، و لولاه لاتجه ما ذكره الشيخ و الجماعة، و كأنهم غفلوا عن أن مفاد النصوص ما ذكرنا فلا موضوع للشفعة شرعا، لأن الفرض مشمول لنصوصها، و لكن المانع عدم تعقل استحقاق ذلك على ملكه حتى يتجه الجواب عنه بأنها معرفات لا علل تامة.

و من الغريب تسالمهم على ما ذكرناه فيما تقدم من أنه لو اشترى العامل ما فيه شفعة للمالك، معللين له بأن المالك يملكه بالشراء لا بالشفعة و قولهم هنا: إن الأقرب و الأصح و الأقوى صحة الشفعة للمشتري نفسه.

و مما ذكرنا يعلم أنه لا وقع لما أجيب عما ذكره المستدل بأن للشفعة أثرا آخر إلى آخره بأن استحقاق الملك و منع الشريك معلولا علة واحدة، و هو استحقاق الشفعة، فيمتنع تخلف أحدهما عن الآخر، و قد امتنع أحدهما من جهة استلزامه المحال، فينبغي أن يمتنع الآخر إلا مع الدليل المقتضي لذلك.

و كيف كان فقد ظهر لك أن القول المزبور في غاية السقوط و إن كان لما ذكرناه لا لما ذكروه مما هو واضح الاندفاع، و الله العالم.

ج 37، ص: 316

[الفرع الثامن لو باع اثنان من ثلاثة صفقة فللشفيع أخذ الجميع]

الفرع الثامن:

لو باع اثنان من الشركاء مثلا ثلاثة مثلا صفقة فللشفيع أخذ الجميع و أن يأخذ من اثنين و من واحد، لأن هذه الصفقة و إن كانت واحدة في الصورة إلا أنها بسبب تعدد البائع و المشتري بمنزلة عقود متعددة فلا تبعيض للشفعة لو اقتصر على الأخذ من واحد فضلا عن الاثنين، إذ هي شفعات متعددة، كما لو باع كل واحد من كل واحد بصيغة مستقلة.

و كذا لو كان البائع واحدا من اثنين كان له أي الشفيع أن يأخذ منهما أو من أحدهما لما عرفت.

و مثله ما لو كان البائع اثنين من واحد أو من اثنين كما قال المصنف:

و لو باع اثنان مثلا من اثنين كان ذلك بمنزلة عقود أربعة ضرورة أن كل واحد منهما باعتبار بيعه لاثنين كان عقده بمنزلة عقدين.

و حينئذ فللشفيع أن يأخذ الكل و أن يعفو و أن يأخذ الربع أو النصف أو ثلاثة الأرباع و لا يشاركه الأول في شفعة الثاني و لا هما في شفعة الثالث فيما لو أخذ الجميع دفعة أو ترتيبا على وجه لا ينافي الفورية أو قلنا بعدم اعتبارها، بناء على اعتبار بقاء الملك في استحقاقها كما قدمناه سابقا، و إلا شاركه الأول فيهما و هما في الرابع، و هو واضح.

كوضوح كون المسألة من أربعة و عشرين لو أخذ من الثاني خاصة و قلنا بقسمة الشفعة على السهام، و من اثني عشر على القول بقسمتها على الرؤوس.

ج 37، ص: 317

و من ثلاثين إن أخذ من الثالث و قلنا بالقسمة على السهام، و من ثمانية عشر على القسمة على الرؤوس.

و تصح من ماءة و عشرين- بناء على احتمال مشاركة الأول للشفيع و إن زال ملكه- في صورة ما لو كان للشفيع نصف العقار المشفوع و لشريكه الآخر الذي باع من الثلاثة نصفه، فباع من كل واحد منهم سدسا، و قلنا بكون الشفعة على حسب السهام.

أما على القول بأنها على عدد الرؤوس تصح من ستة و ثلاثين كما أطنب في بيان ذلك في المسالك لما أجمله الفاضل و الكركي في ضابط ذلك.

إلا أنه لا فائدة مهمة فيه، و إنما المراد هنا بيان أنه لا تبعيض في الشفعة مع تعددها بتعدد البائع و المشتري، بل قد يقال بتعددها أيضا بتعدد الثمن(1)و إن كان البائع و المشتري و المبيع واحدا في الظاهر.

و أولى من ذلك بالتعدد بيع الشقصين من دارين و إن كان البائع و المشتري واحدا.

و على كل حال فلا تبعيض في ملك كل واحد من المشتريين الذي ملكه بعقد واحد حقيقة، بل هي في الجميع شفعات متعددة و إن كان لا يخلو بعض الأفراد من نظر، خصوصا مع ملاحظة مخالفة الشفعة للأصل.

اللهم إلا أن يقال: إن الأدلة مطلقة و المتيقن من تبعيض الشفعة الممتنع هو ما اقتضت الشفعة تفريق ملك الشخص الواحد الذي ملكه بجهة واحدة دون غيره، و كأنه المراد من تبعض الصفقة هنا و لو بمعونة اتفاقهم ظاهرا على تعددها بالتعدد المزبور، فلا ينافي ذلك جريان حكم الصفقة الواحدة في غير الشفعة في بعض الأفراد إن كان، و الله العالم.

و كيف كان ف- ليس للمشترين و لا لبعضهم


1- 1 و في النسخة الأصلية المبيضة «الثمنين».

ج 37، ص: 318

مع الشفيع شفعة، ل أن انتقال الملك إليهم دفعة، فيتساوى الآخذ و المأخوذ منه و من المعلوم نصا و فتوى أنه يشترط في ثبوت الشفعة لأحد الشريكين على الآخر تقدم ملك المستحق على المستحق عليه و هو منتف هنا في المشترين بعقد واحد.

نعم لو كانوا مترتبين ثبت لبعضهم في الجملة كما لو باع الشريك حصته من ثلاثة في عقود متعاقبة، فله أي الشفيع أن يأخذ الكل و أن يعفو و أن يأخذ من البعض دون الآخر، لما عرفته من تعدد الشفعة بتعدد المشترين. ف لا تبعيض.

لكن إن أخذ من الأول لم يشاركه الثاني و الثالث لعدم شركة لهما في وقت شراء الأول، فلا شفعة لهما.

و كذا لو أخذ من الأول و الثاني لم يشاركه الثالث و ذلك لعدم شركة له وقت شرائهما. نعم لو عفا عن الأول و أخذ من الثاني شاركه الأول لسبق شركته و استقرار ملكه بالعفو.

و كذا لو أخذ من الثالث و عفا عن الأولين شاركه الأول و الثاني، لاستقرار ملكهما بالعفو.

(11) و احتمال عدم مشاركة السابق في شفعة اللاحق- لأن ملكه حال شراء الثاني و إن كان حاصلا قبل شراء اللاحق و مستقرا عند الأخذ بالعفو المفروض إلا أن ملكه حال شراء اللاحق كان مستحقا لأن يؤخذ بالشفعة، فلا يكون سببا في استحقاقه إياها- يدفعه أن ذلك لا يخرجه عن كونه مالكا و شريكا على وجه يندرج في إطلاق الأدلة، بل لعل مقتضاه ثبوتها له أو لهما و إن لم يعف، لعدم الدليل على اعتبار استقرار الملك حال أخذ الشفعة، بل إطلاق الأدلة ينافيه، فتثبت لمن كان ملكه مشتملا على خيار لغيره قبل أن يفسخ ذو الخيار.

ج 37، ص: 319

اللهم إلا أن يقال: إن الشفعة على خلاف الأصل، و المتيقن ثبوتها لمن لم يكن حال حقه متعلق الشفعة، و من هنا اعتبر المصنف العفو.

هذا و قد تقدم لنا في بحث ثبوت الشفعة مع الكثرة(1)ما له نفع في المقام عند تعرضنا لمانعية الكثرة اللاحقة، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

[الفرع التاسع لو باع أحد الحاضرين و لهما شريكان غائبان فالحاضر هو الشفيع في الحال]

الفرع التاسع:

لو باع أحد الحاضرين و لهما شريكان غائبان ف قد عرفت في المسألة الأولى ما اختاره المصنف و الجماعة من أن الحاضر هو الشفيع في الحال، إذ ليس غيره حاضرا فإذا أخذ و قدم أحد الغائبين شاركه فيما أخذ الحاضر بالسوية لأنهما لا شفيع غيرهما، أو يأخذ مقدار حصته على حسب ما عرفته سابقا.

و لو قدم الآخر شاركهما فيما أخذا فيكون له ثلث ما حصل لكل واحد منهما كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا. و الله العالم.

[الفرع العاشر لو كانت الدار بين أخوين فمات أحدهما و ورثه ابنان فباع أحد الوارثين كانت الشفعة بين العم و ابن الأخ]

الفرع العاشر:

لو كانت الدار بين أخوين مثلا فمات أحدهما و ورثه ابنان (له خ) فباع أحد الوارثين نصيبه كانت الشفعة بين العم و ابن الأخ، لتساويهما في الاستحقاق على وجه كانا شريكين بالسوية و إن اختلف سبب الملك الذي لا مدخل له في استحقاق الشفعة.


1- 1 المتقدم في ص 272- 279.

ج 37، ص: 320

خلافا لبعض العامة فجعلها مختصة بابن الأخ، لأن ملكه أقرب باعتبار اتحادهما في سبب الملك الذي هو الإرث، و لهذا لو ظهر دين على أبيهما بيع ملكهما فيه دون العم.

و هو كما ترى، ضرورة عدم مدخلية ذلك في استحقاق الشفعة التي عنوان ثبوتها تحقق الشركة الثابتة هنا بين العم و ابن الأخ و إن اختلف السبب. و كذا الحكم لو كان وارث الميت جماعة إذ لا فرق على التقديرين بين الواحد و الجماعة، كما هو واضح، و الله العالم.

[المقصد الثالث في كيفية الأخذ]

اشاره

المقصد الثالث في كيفية الأخذ و إشكال كما لا خلاف في أنه يستحق الشفيع الأخذ من المشتري بالعقد و انقضاء الخيار لهما أو لأحدهما أو لأجنبي لأنه وقت اللزوم المتيقن من ثبوت الشفعة المخالفة للأصل، بل عن الخلاف و المبسوط و المهذب و الغنية لا شفعة في البيع الذي فيه الخيار للبائع أو لهما، لأن الملك لم يزل عن البائع، أما ما لا خيار فيه أو فيه الخيار للمشتري وحده ففيه الشفعة، لأن الملك قد انتقل عن البائع و صار للمشتري، و هو المحكي عن أبي علي، بل في التحرير فيه قوة، لأن في

ج 37، ص: 321

الأخذ إسقاط حق البائع و إن قال بعد ذلك: «إنا في ذلك من المتوقفين» نعم في الإرشاد يستحق الشفيع الأخذ بالعقد، و إن اشتمل على خيار البائع فبعد انقضائه.

و قيل و القائل الحلي و الفاضل و ولده و الشهيدان و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم: يستحق الأخذ بنفس العقد و إن لم ينقض الخيار، بناء على أن الانتقال يحصل بالعقد، و هو أشبه بإطلاق أدلة الباب، بل لا خلاف فيه في الحقيقة إلا من الفاضل في الإرشاد بعد أن كان مبنى الأول عدم الانتقال الذي قد عرفت فساده في محله.

بل قد يقال: إن مقتضى إطلاق أدلة الشفعة ثبوتها ببيع الشريك و إن لم نقل بالانتقال إلى المشتري، إذ لعل تهيؤ ذلك له كاف في ثبوتها.

و أما احتمال كون المانع أنه ليس له أخذ العين قبل الخيار- كما تسمع حكايته في الروضة عن بعض- فمع أنا لم نتحققه واضح المنع، فان حق الخيار لا يمنع من الأخذ كما في غير المقام.

و كذا احتمال أن المانع اقتضاء الأخذ سقوط خيار البائع الثابت بأصل العقد، كما سمعته من تعليل التحرير، ضرورة اندفاعه بأن ذلك ليس بأولى من القول بمنع سقوطه، بل يبقى الأخذ حينئذ مراعى بالفسخ فيبطل، و عدمه فيثبت، كما هو خيرته في غيره و ولده و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، و إن قال في الدروس بعد أن حكاه عن الفاضل: «لا أعلم به قائلا» إلا أن ذلك غير قادح بعد اقتضاء الدليل له، و هو استصحاب بقائه.

نعم قد يناقش بأن ذلك إنما يقتضي فسخ ملك العقد ذي الخيار(1)


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية، و العبارة غير واضحة، و المراد:« انما يقتضي فسخ الملك الحاصل من عقد ذي الخيار».

ج 37، ص: 322

لا الملك الحاصل بسبب آخر الذي مقتضى الاستصحاب و إطلاق الأدلة لزومه، لأنه متعلق بالعقد دون العين، فالجمع بينهما ببقاء خياره، و استحقاقه القيمة على المشتري، كما لو تلفت العين أو تصرف المشتري.

فيها تصرفا لازما، كما حققناه في محله.

و لعل القائل بسقوطه كما عن ابن إدريس يريد هذا المعنى، و إلا فلا معنى لسقوطه بفعل غيره، و الخروج عن الملك لا ينافي بقاؤه إلا أنى لم أجد هنا من احتمله.

و لعل وجه ما ذكروه من المراعاة أن الشفيع بشفعته صار بمنزلة المشتري، ففي الحقيقة ملكه بالعقد الأول الذي فيه الخيار، بل في بعض

النصوص(1)«ليس للشفيع إلا الشراء و البيع الأول»

هذا كله في خيار البائع خاصة أو مع المشتري و الأجنبي.

أما لو كان الخيار للمشتري خاصة فإنه يستحق الأخذ بالشفعة بنفس العقد بلا خلاف كما في المسالك، بل عن الكفاية الإجماع

عليه، و التذكرة أنه مذهبنا، و لعلهلتحقق الانتقال بذلك عند الشيخ و من عرفت، كما حكي عنه التصريح بذلك في المقام.

لكن عن خيار خلافه أنه قال: «ينتقل عن البائع بنفس العقد، و لكن لا ينتقل إلى المشتري أيضا حتى ينقضي الخيار، فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول» و حينئذ يتجه قوله بعدم الشفعة هنا، لعدم انتقال الملك إلى المشتري ليؤخذ منه بالشفعة، إلا أنه لما حكم بثبوت الشفعة هنا لو كان الخيار للمشتري و رجع عن ذلك القول و لم يقل غيره بذلك القول لم يتحقق الخلاف في المسألة زيادة على التفصيل المذكور.

و أما خيار المشتري ففي المسالك «أن ظاهرهم سقوط خياره» و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 323

كنا لم نتحققه، بل ظاهر كلامه في الروضة خلافه، لانتفاء الفائدة في فسخه، بخلاف فسخ البائع، لأن غرضه على تقدير الفسخ حصول الثمن، و قد حصل من الشفيع.

و لكن في الدروس «و يلزم على قول الفاضل- أي المزبور- أن تكون المطالبة مراعاة» و في المسالك «و اللزوم غير واضح، للفرق بين الأمرين بما ذكرناه من حصول الفائدة للبائع لا للمشتري، إلا أن يقال بأن المشتري يتعلق غرضه في الخيار بغير الثمن، كما إذا أراد أن يدفع دركه عنه، و يمكن على هذا أن يراعى سقوط خياره باشتراط سقوط الدرك عنه، مع أنهم حكموا بأنه ليس للمشتري الرد بالعيب لو رضي الشفيع بالعيب، مع أن فيه الدرك، فليكن هنا كذلك».

قلت: هو حاصل ما في الدروس، فإنه بعد أن ذكر لزوم المراعاة على قول الفاضل قال: «و يمكن القول بأن الأخذ يبطل خيار المشتري، كما لو أراد الرد بالعيب فأخذ الشفيع، و لأن الغرض الثمن و قد حصل من الشفيع، إلا أن يجاب بأن المشتري يريد دفع الدرك».

و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع، ضرورة عدم مدخلية حصول الفائدة و عدمها في ثبوت الحق مع فرض اقتضاء إطلاق الأدلة و الاستصحاب بقاءه، و عدم الرد بالعيب مع فرض أخذ الشفيع و رضاه به أنه انتقل الملك عنه، و لا تسلط له على فسخه، فيتعين له الأرش، و لكن الأصل براءة الذمة منه هنا بعد أخذ الشفيع بالثمن الذي اشتراه، فلم يلحقه منه ضرر.

فالتحقيق بقاء ماله من الخيار الذي لا يبطل بأخذ الشفعة، كخيار الشرط و نحوه مثلا، فيفسخ حينئذ إن شاء، و يدفع القيمة أو المثل كما في غير الفرض، إلا أني لم أجد أحدا احتمل هذا هنا، و كذا ما ذكرناه سابقا و إن كان هو مقتضى قواعد الخيار، فلاحظ و تأمل.

ج 37، ص: 324

نعم في اللمعة و الروضة و يستحق الأخذ بالشفعة بنفس العقد و إن كان فيه خيار بناء على انتقال المبيع إلى ملك المشتري به، فلو أوقفناه على انقضاء الخيار كالشيخ توقف على انقضائه.

و على المشهور لا يمنع الأخذ من التخاير، لأصالة بقاء الخيار، فان اختار المشتري أو البائع الفسخ بطلت الشفعة و إلا استقر الأخذ، و جعل بعض الأصحاب الأخذ بعد انقضاء الخيار مع حكمه بملكه بالعقد، نظرا إلى عدم الفائدة به، إذ ليس له انتزاع العين قبل مضي مدة الخيار، لعدم استقرار ملكه.

و الظاهر أن ذلك جائز لا لازم، بل يجوز قبله و إن منع من العين، و الفائدة تظهر في النماء و غيره.

و احتمل المصنف في الدروس بطلان خيار المشتري بالأخذ، لانتفاء فائدته، إذ الغرض الثمن، و قد حصل من الشفيع، كما لو أراد الرد بالعيب فأخذ الشفيع.

و يضعف بأن الفائدة ليست منحصرة في الثمن، فجاز أن يريد دفع الدرك عنه.

و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا و في بحث الخيار ما فيه من محال النظر.

و كيف كان فمما ذكرنا يظهر لك ثبوت الشفعة للمشتري الأول الذي فرض وجود الخيار لبائعه لو لم يأخذ شفيعه بالشفعة بل باع شقصه من آخر، للاندراج في إطلاق الأدلة، فإن فسخ بائعه بعد الأخذ فمشفوعه له، و إن فسخ قبله فلا شفعة للبائع قطعا، لتجدد ملكه حين الفسخ.

و أما المشتري فقد ذكرنا قوة سقوطها منه أيضا اقتصارا في ثبوت الشفعة المخالفة للأصل على المتيقن الذي هو وجود الملك وقت الأخذ،

ج 37، ص: 325

كوقت البيع، مع أنه احتمله غير واحد للأصل، و لكن الأقوى الأول كما عن الكركي التصريح به.

هذا و لا يتوهم من ذكر العقد في المتن و غيره اعتبار كون البيع بصيغته في ثبوت الشفعة، إذ الظاهر ثبوتها بالمعاطاة بناء على إفادتها البيع و إن كان متزلزلا، لإطلاق الأدلة، و يأتي البحث في الفسخ من البائع أو المشتري بعد الأخذ نحو ما سمعته في الخيار، و الله العالم.

و ليس للشفيع تبعيض حقه إذا كان انتقاله إلى المشتري على الوجه الذي قدمناه في الفرع الثاني، كما صرح به الشيخ و الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم، بل لا أجد فيه خلافا و إن ترك التعرض له جماعة، بل قد سمعت ما في التذكرة في الشفعة في الدار بالشركة في الطريق الواسع، لكنه ليس خلافا في المسألة، للضرر بالتفريق الذي ينافي حكمه مشروعية الشفعة، و لأنه المنساق من

قوله (عليه السلام)(1): «فشريكه أحق به من غيره بالثمن».

بل لا يبعد كونها من قبيل حق القصاص الذي لا يقبل التجزئة، فلا يصح و إن رضي المشتري، خصوصا مع ملاحظة مخالفة الشفعة للأصل التي ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن بعد الشك في الإطلاقات و العمومات و لو للمفروغية منه عند الأصحاب.

و حينئذ ف- يأخذ الجميع و يدع بل لو قال: «أخذت نصف الشقص خاصة» بطلت شفعته في الجميع، لأن العفو عن البعض يبطلها حينئذ، بل صرح الفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين ببطلانها لو قال:

«أخذت نصف الشقص» و إن لم يقل: «خاصة» للتبعيض و فوات الفورية، كما عن محمد بن الحسن الشيباني.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2 و الباب- 2- منه- الحديث 1.

ج 37، ص: 326

خلافا للمحكي عن أبي يوسف من الصحة في الجميع، لاستلزام أخذ البعض أخذ الجميع، لعدم صحة أخذه وحده، و فيه منع واضح.

نعم قد يقال بالصحة مع فرض عدم فوات الفورية و لو بقول وكيله مقارنا لقوله: «و أخذت النصف الآخر له» و قد أشار إلى ما ذكرنا في الدروس، قال: «لو قال: أخذت نصف الشقص خاصة بطلت، لأن العفو عن البعض يبطلها، و يحتمل أن يكون ذلك أخذا للجميع، و لو اقتصر على قوله: أخذت نصفه فوجهان و أولى بالبقاء، لأن أخذ البعض لا ينافي أخذ الكل إلا أن يؤدي إلى التراخي» و إن كان لا يخفى عليك ما في احتماله في الصورة الأولى المفروض فيها التصريح بالبعض خاصة، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف بين الخاصة و العامة نصا(1)و فتوى في أن الشفيع يأخذ ب مثل الثمن الذي وقع عليه العقد لا أزيد من ذلك و إن كان قيمة الشقص أكثر أو أقل.

و لا يلزمه ما يغرم المشتري من دلالة أو وكالة أو غير ذلك من المؤن التي هي ليست من الثمن و إن كانت من توابعه، نعم هو ظاهر فيما لو كان مثليا، أما القيمي فستسمع الكلام فيه مفصلا إنشاء الله تعالى.

و حينئذ ف- لو زاد المشتري في الثمن بعد العقد و انقضاء الخيار لم تلحق الشفيع الزيادة لعدم كونها من الثمن بل كانت هبة من المشتري للبائع فلا يجب على الشفيع دفعها للأصل و ظهور النص(2)و الفتوى في أنه ليس عليه إلا الثمن.

نعم لو كانت الزيادة في زمن الخيار قال الشيخ: تلحق بالعقد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و سنن البيهقي ج 6 ص 104.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و سنن البيهقي ج 6 ص 104.

ج 37، ص: 327

لأنها بمنزلة ما يفعل في العقد و الشفيع يأخذ بالثمن الذي يستقر عليه العقد.

و كذا الكلام في النقيصة، قيل: و هو مبني على مذهبه السابق من عدم الانتقال إلا بانقضاء الخيار.

و نوقش بأنه لو كان كذلك لخص الحكم بما إذا كان الخيار للبائع لاعترافه هنا

بالانتقال إذا كان للمشتري خاصة و إن صرح بالتعميم في البيع، و تعليله الحكم هنا بالاستقرار لا يدل على البناء على مذهبه، بل لعله ظاهر في خلافه، و احتمال بناء ذلك على مذهبه في البيع يزيد في الاضطراب، لتصريحه هنا بالانتقال، مع أنه لا داعي له.

بل لعل قول المصنف و هو يشكل على القول بانتقال الملك بالعقد ظاهر في عدم البناء على ذلك، و إلا لكان مردودا لا مشكلا إذ أشكاله لا يكون إلا على معنى أنه لا يتم إطلاقه الإلحاق على تفصيله فإنه مع الانتقال للمشتري لا ينبغي أن تلحق الزيادة و لا النقيصة، كما أنه لا يتم على القول بالانتقال في الحالتين.

و لعل الأولى أن يقال: إن الثمن عرفا ما وقع مدخولا للباء في العقد، سواء قلنا بالانتقال و عدمه. خلافا للشيخ، فجعله أعم من ذلك و من المبذول في زمن الخيار مطلقا، بدعوى كون الثمن لما يدفع قبل استقرار العقد و إن كانت ممنوعة عليه، و الأمر سهل بعد وضوح الحال.

و كذا لو حط البائع من الثمن بعد العقد لم يلحق ب الثمن في العقد مطلقا أيضا كالزيادة، لما عرفته من أن مدخول الباء، و الله العالم.

و لا يلزم المشتري دفع الشقص ما لم يبذل الشفيع الثمن الذي وقع عليه العقد أولا، كما صرح به في القواعد و اللمعة و الروضة

ج 37، ص: 328

و محكي المبسوط، بل هو صريح المصنف فيما يأتي.

إلا أنه أشكل بمنافاته لمقتضى المعاوضة، و هو التقابض، و دفع بأنها معاوضة قهرية، فجبروهن قهر المشتري بتسليم الثمن، بخلاف البيع فان مبناه على الاختيار فلم يكن أحد المتبايعين، أولى بالبدأة من الآخر، إلا أنها كما ترى مجرد اعتبار لا يناسب مذاق الإمامية.

و من هنا قال في المسالك: «لو قيل بالتقابض كان وجها» تبعا لما في جامع المقاصد من أنها معاوضة يجب فيها التسليم و التسلم دفعة واحدة، و الأصل عدم وجوب التقدم في التسليم على أحد بخصوصه، نعم إن تم اشتراط تسليم الثمن في حصول الملك بالأخذ ثبت وجوب هذا.

قلت: يمكن أن يكون مدركه

قوله (عليه السلام)(1): «فهو أحق بها من غيره بالثمن»

بناء على أن المراد من كونه أحق من غيره مع دفع الثمن.

بل قد يقال: إن منه يستفاد مدخلية دفع الثمن في حصول الملك أو في استحقاق الأخذ بالشفعة، فلا وجه لوجوب التقابض هنا بعد توقف ملك الشفيع أو استحقاقه الأخذ بالشفعة على دفع الثمن، كما سمعت الاعتراف به من الكركي.

و من الغريب ما سمعته من المسالك مع ميلة إلى عدم تمامية ملك الشفيع بدون الدفع المزبور، قال متصلا بما سمعته منه: «و اعلم أن الملك للشفيع يحصل بالأخذ قبل دفع الثمن، كما أن الملك يحصل في البيع بالعقد، و وجوب التسليم حكم آخر بعد، و هل الحكم هنا كذلك بمعنى عدم توقف الملك على التقابض أم لا يتم ملك الشفيع هنا بدون تسليم الثمن؟ ليس في عبارة المصنف ما يدل على زيادة على الأول، و ذهب


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و الباب- 7- منه- الحديث 2.

ج 37، ص: 329

بعضهم إلى الثاني، و ليس بذلك البعيد، ثم على تقديره هل يكون دفع الثمن جزء من السبب المملك أم كاشفا عن حصول الملك بالأخذ القولي؟

وجهان أجودهما الثاني، و تظهر الفائدة في النماء المتخلل» بعد الإغضاء عما في أول كلامه و أثنائه من التنافي ظاهرا.

و في مجمع البرهان «لا بد- أي في الملك- من الأخذ، و هو إما بالفعل أو القول، كما تقدم عند علمائنا، ذكره في التذكرة» و الذي ذكره سابقا أنه «يأخذ إما بالفعل بأن يأخذ الحصة بدفع الثمن إلى المشتري أو يرضى بالصبر فيملكه، و إما باللفظ، كقوله: أخذت و تملكت و نحو ذلك» إلى آخره.

و في محكي الغنية و السرائر ما لفظه «و اشترطنا عدم عجزه عن الثمن لأنه إنما يملك الآخذ إذا دفع إلى المشتري ما بذله للبائع، فإذا تعذر عليه ذلك سقط حقه من الشفعة» بل قيل: إن ظاهر الأول أو صريحه أنه لا خلاف فيه.

و الأصل في المسألة ما في قواعد الفاضل، فإنه بعد أن ذكر ملك الشفيع الآخذ بالعقد قال: «و هو قد يكون فعلا بأن يأخذه الشفيع و يدفع الثمن أو يرضى المشتري بالصبر فيملكه حينئذ، و لفظا كقوله:

أخذته أو تملكته و ما أشبه ذلك من الألفاظ الدالة على الأخذ مع دفع الثمن أو الرضا بالصبر، و ظاهره انحصار المملك في ذلك، فلا يكفي حينئذ الأخذ القولي من دون دفع الثمن.

و لكن قال في التحرير: «يملك الشفيع الشقص بأخذه و بكل لفظ يدل على أخذه» و لم يتعرض لدفع الثمن فيهما.

و قال في الدروس: «لا يملك الشفيع بالمطالبة و لا بدفع الثمن مجردا عن قول حتى يقول: أخذت الشقص أو تملكت بالثمن و شبهه

ج 37، ص: 330

إلى أن قال: و لو رضي المشتري بتأخير الثمن ملك بالأخذ، و له التصرف أيضا».

و في جامع المقاصد «أن اشتراط دفع الثمن في حصول الملك لا دليل عليه، و الأصل عدمه، و الشفعة في معنى المعاوضة، إذ هي من توابع العين، و دفع أحد العوضين غير شرط في تملك الآخر، و لأنه لو كان الدفع شرطا لوجب أن يكون فوريا كالأخذ، فتبطل الشفعة بدونه مع التمكن، و إمهال الشفيع ثلاثة أيام قد يدل على خلاف ذلك، و ليس في النصوص ما يدل على الاشتراط المذكور، و الذي في

رواية ابن مهزيار(1)«إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام إن أتاه بالمال و إلا فليبع و بطلت شفعته في الأرض»

و ليس كلام الأصحاب صريحا في اشتراط ذلك» ثم حكى عن التذكرة ما هو ظاهر أو صريح في عدم اعتبار دفع الثمن في الملك بالأخذ القولي.

قلت: بل عن المبسوط في آخر الباب التصريح أيضا بأنه لا يشترط مع الأخذ باللفظ دفع الثمن في حصول الملك، لكن الإنصاف أن كلامهم غير منقح في المقام.

و الذي يقع في الذهن راجيا من الله تعالى أن يكون هو الصواب هو أن الشفعة من الحقوق كالخيار و نحوه، لا المعاوضات المحتاجة للتقابض، كما عساه يشهد له ما تسمعه من الأصحاب فيما يأتي من أنه لا يكلف المشتري قبض الشقص من البائع إن لم يكن قد قبضه و تسليمه للشفيع، بل و يشعر به أيضا

قوله (عليه السلام)(2): «فهو أحق به من غيره».

و حينئذ فالمتجه حصوله و إسقاطه بالفعل و القول على نحو الخيار،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 331

فلا إشكال في تحقق الأخذ بالشفعة مع التخلية من المشتري و القبض من الشفيع

مع دفع الثمن منه أو الرضا بالصبر عليه.

فما عساه يتوهم من عبارة الدروس السابقة من اعتبار القول في غير محله، ضرورة صدق الأخذ بالشفعة التي هي عبارة عن استحقاق انتزاع حصة الشريك.

كما أنه لا إشكال في تحققه أيضا باللفظ مع الدفع المزبور أو الرضا بالصبر، نعم يشترط لأصل الأخذ بهذا الاستحقاق إحضار الثمن، فان ادعى غيبته أجل الأجل المزبور، و بدونه لا أثر للأخذ بالاستحقاق المزبور لا قولا و لا فعلا، و هو معنى ما سمعته من الغنية و السرائر.

بل يمكن حمل عبارة المتن و ما شابهها على ذلك، بل و رواية علي ابن مهزيار(1)أيضا، و حاصله أن الشفعة التي هي عبارة عن الاستحقاق المزبور يعتبر في الأخذ به ذلك؛ فلا أثر للأخذ به بدونه إلا مع الرضا بالصبر، أو ادعى غيبة الثمن، فيؤجل ثلاثة أيام كما عرفته سابقا، و لا ينافي ذلك حصول الملك بعده، بل و لا الفورية التي يعد مثل ذلك عذرا فيها.

بل قد يدعى أن ذلك من تمام ثبوت الاستحقاق، على معنى أن الأحقية المزبورة لا تتحقق إلا مع دفع الثمن على الوجه المزبور، نحو اشتراط الخيار برد الثمن.

بل يمكن إرادة هذا المعنى من

قوله (عليه السلام)(2): «فهو أحق به من غيره بالثمن»

على معنى أنه مع دفعه للثمن هو أحق من غيره، و حينئذ فيقيد الإطلاق إن كان بما ذكرنا، مثل

قوله (عليه السلام)(3):


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 332

«وصي اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له بالشفعة»

الذي هو غير منساق لبيان ذلك.

و كذا إطلاق ما دل على ثبوت الشفعة ببيع الشريك و إن أيد بدعوى أن الأصل تسلط الناس على حقوقهم كأموالهم، فله الأخذ بحقه، و الأصل عدم الاشتراط.

إذ قد عرفت أن المجتمع من النص و الفتوى ثبوت الشفعة مع الحال المزبور دون غيره، كما عرفت سابقا أن الأصل عدمها بعد الشك في تناول الإطلاق، فضلا عن الظن بتوقف الأحقية على دفع الثمن أو عدم ترتب الأثر على الأخذ به بدونه و لو

من فتاوى الأصحاب و استبعاد تملك الشفيع الشقص بقول: «شفعت» و هو غائب لا يتمكن من دفع الثمن و لو بالتوكيل، بل يمكن القطع بعدمه، كما أنه يمكن القطع بعدم وجوب القول المزبور على الغائب غير المتمكن و المحبوس كذلك، و لو كان ذلك أخذا للشفعة لوجب المبادرة إليه، إلى غير ذلك مما يظهر بالتأمل، و الله العالم.

و لو اشترى شقصا و عرضا في صفقة أخذ الشقص خاصة بالشفعة بحصته من الثمن بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

و ذكرنا هناك أيضا أنه لا يثبت بذلك للمشتري خيار لإقدامه، و لأن استحقاق الشفعة تجدد في ملك المشتري فلم يحصل شرط خيار تبعيض الصفقة الذي هو كون التبعيض في العقد نفسه.

و من هنا لا فرق في ذلك بين الجاهل و العالم، كما هو مقتضى إطلاق المصنف و غيره، لكن في مجمع البرهان «يمكن ذلك إذا ادعى كونه جاهلا و قبل منه، فيثبت له الخيار و إليه أشار المحشي» و لا يخفى عليك ما فيه، و الله العالم.

ج 37، ص: 333

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا كالذهب و الفضة و غيرهما، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، مضافا إلى أنه المتيقن من المروي في نصوص الفريقين(1)من أنه يأخذ بالثمن بعد القطع بعدم إرادة نفس الثمن الذي ملكه البائع و لا تسلط للشفيع عليه.

إنما الكلام إن لم يكن له أي الثمن المدفوع للبائع مثل كالحيوان و الثوب و الجوهر و غيرها من القيميات ف- قيل و القائل الشيخ في الخلاف و ابن حمزة و الفاضل في المختلف و الكركي و الخراساني في الكفاية على ما حكي عن بعض تسقط الشفعة لتعذر المثلية المعتبرة في الشفعة و لرواية علي بن رئاب(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) الآتية.

بل قيل: إنه ظاهر الإيضاح؛ و مال إليه في التحرير و مجمع البرهان و هو المحكي عن الطبرسي، و أنه يشعر به كلام النهاية و المهذب، بل في الدروس أنه و القول الآتي مشهوران، بل في الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم.

و قيل و القائل الشيخان في المقنعة و المبسوط و أبو الصلاح و ابنا زهرة و

إدريس و الآبي و الفاضل في التذكرة والإرشاد و التبصرة و الشهيدان و المقداد و أبو العباس: لا تسقط الشفعة، بل يأخذها بقيمة العرض (11) بل في المسالك و غيرها أنه مذهب الأكثر، و في الرياض تارة نسبه إلى الشهرة العظيمة و اخرى أنه أشهر، بل لعل عليه عامة من تأخر إلا من ندر ممن تأخر عمن تأخر و إن كان فيه ما فيه.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و سنن البيهقي ج 6 ص 104.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 334

نعم هي وقت العقد أو وقت الأخذ أو أعلى القيم من وقت العقد إلى وقت الأخذ؟ المعروف فيما بينهم الأول، بل لم نعرف القائل بالثاني و إن حكي.

أما الثالث فهو المحكي عن الفخر، و الموجود في الإيضاح إلى وقت الدفع، محتجا عليه بأنه أخذ قهري كالغصب. و فيه ما لا يخفي في المقيس و المقيس عليه. و من هنا قال في غاية المراد: «إنه لا وجه له» بل جعل الثاني كذلك أيضا، و هو في محله و إن رماهما غيره بالضعف.

و قيل كما عن أبي علي: لا شفعة إلا أن يأتي الشفيع بعين الثمن و في الدروس أن في رواية هارون الغنوي(1)إلماما به، لكن في الإيضاح أن الإجماع على خلافه.

و على كل حال ف- هو أي القول الثاني أشبه عند المصنف بإطلاق نصوص الباب وفاقا لمن عرفت.

و لكن الإنصاف أن الأول أقوى، و لو للشك من تعارض الأدلة، و قد عرفت أن الأصل عدم الشفعة، إذ حجة الأول- مضافا إلى الإجماع المزبور و الأخبار التي أرسلها الذي لا يقدح في حجيته فتواه في المبسوط المتأخر عنه بخلافه المحتمل كونه عن غفلة أو غيرها- خبر علي بن رئاب(2)الذي قيل إنه رواه في الفقيه و في قرب الاسناد في الصحيح و في التهذيب في

الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل اشترى دارا برقيق و متاع و بر و جوهر، قال: ليس لأحد فيها شفعة»

و خبر هارون و غيره مما هو مروي عند الطرفين(3)من أن «الشريك أحق من غيره بالثمن»


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و سنن البيهقي- ج 6 ص 104.

ج 37، ص: 335

الذي لا يصدق عرفا على القيمة.

بل في

مرسل ابن محبوب(1)«كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل اشترى من رجل نصف دار مشاعا غير مقسوم، و كان شريكه الذي له النصف الآخر غائبا، فلما قبضها و تحول عنها انهدمت الدار و جاء سيل خارق فهدمها و ذهب بها، فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا، فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كملا الذي نقد في ثمنها، فقال: ضع عني قيمة البناء، فان البناء قد تهدم و ذهب به السيل، ما الذي يجب في ذلك؟ فوقع (عليه السلام): ليس له إلا الشراء و البيع الأول إنشاء الله تعالى».

و من المعلوم عدم صدق ذلك على القيمي، بل قد سمعت أن أبا علي اعتبر في الشفعة عين الثمن التي دفعها جمودا على حقيقة اللفظ، و إن كان يمكن دعوى القطع بخلافه و أن المراد المثل.

و ما في المسالك- من أنه «بعد تعذر العلم بعدم إرادة الحقيقة فالواجب أقرب المجازات إليها بحسبها، فان كان مثليا فالأقرب إليه مثله، و إن كان قيميا فالأقرب إليه قيمته، و هذا واضح، أما اختصاصه بالمثلي فلا، إذ لو كان الثمن قيميا فلا بد من اعتبار مجازه حيث لا تراد الحقيقة، و إلا لزم اختصاص الحكم بالحقيقة، فيرد مثله في المثلي، لأن

المثل ليس بحقيقة»- يدفعه تعارف التجوز برد الثمن لو رد المثل في المثلي، و أنه البيع و الشراء الأول كما سمعته في المكاتبة(2)بخلاف القيمي، فتختص الرواية حينئذ الواردة في بيان محل الشفعة على وجه يراد منها القيدية في جميع ما ذكر فيها، كالمتعارف في التعاريف بالمثلي دون القيمي


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 336

الذي لم يدخل فيها حتى يحتاج إلى اعتبار مجازه.

و منه يعلم ما في حملها على الغالب من كون قيمة الدار و نحوها المثلي و كذا ما فيها أيضا من المناقشة في الأولى بضعف السند، لأن في طريقه الحسن بن سماعة و هو واقفي.

قال: «و العجب من دعوى العلامة في التحرير صحته مع ذلك، و دلالته على موضع النزاع ممنوعة، فان نفي الشفعة أعم من كونه بسبب كون الثمن قيميا أو غيره، إذ لم يذكر أن في الدار شريكا فجاز نفي الشفعة لذلك عن الجار و غيره، أو لكونها غير قابلة للقسمة، أو لغير ذلك. و بالجملة فإن المانع من الشفعة غير مذكور، و أسباب المنع كثيرة فلا وجه

لحمله على المتنازع أصلا. و العجب مع ذلك دعوى أنه نص في الباب مع أنها ليست من الظاهر فضلا عن النص.

إذ لا يخفى عليك (أولا) أنها مروية في الفقيه و غيره في الصحيح و (ثانيا) أنها على ما ذكر من قسم الموثق الذي فرغنا من حجيته في الأصول. و (ثالثا) أنها معتضدة و منجبرة بما سمعت من الإجماع المحكي و الروايات المرسلة و الشهرة المحكية في الدروس.

كما أنه لا يخفى عليك انسياق كون الشفعة في الدار المزبور لمكان الثمن المذكور، و إلا فلا فائدة في تعداده في السؤال، و عدم ذكر الشريك لمعلومية كون الشفعة عند الإمامية له لا لغيره، و احتمال نفيها لاحتمال عدم القسمة و غيره خلاف ما يشعر به تعداد الثمن في السؤال، بل كان ينبغي التعبير بغير هذه العبارة، على أن ترك الاستفصال فيها كاف.

بل قد يدعى الظهور أو الصراحة في ذلك بملاحظة إرادة الرد بها على ما هو المعروف من فتوى أبي حنيفة و الشافعي و مالك بثبوت الشفعة في نحو ذلك.

ج 37، ص: 337

(و دعوى) معارضة ذلك بأنها ذكر فيها أن المبيع الدار، و المتبادر منها المجموع، و هو مما لا يتأتى فيه بعد الشراء شركة توجب الشفعة، و لا تثبت إلا من حيث الجوار، فنفي الشفعة في الرواية يحتمل أن يكون مستندا إلى هذا، و لو أريد من الدار بعضها تعين ما استظهر من السياق إلا أن إطلاقها على البعض مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة، و هي في الرواية مفقودة. (يدفعها) ظهورها على كل حال في أن المسقط للشفعة كون الثمن المذكور منها.

و حينئذ تكون دالة على المطلوب الذي هو نفي الشفعة فيها لو حصل سببها بالشركة في الطريق أو البئر أو البعض أو الجوار أو غير ذلك، لأن المراد و لو بقرينة الجواب أن السائل لما سأل عن الشفعة في الدار المشتراة بالثمن المزبور أجاب الإمام (عليه السلام) لا شفعة لأحد فيها على كل حال، من حيث إن ثمنها ما ذكره السائل.

و من هنا قال في جامع المقاصد: إنها نص في الباب، و لعل التأمل الجيد يشهد له.

و من الغريب ما في بعض الكتب من المناقشة في الخبر المزبور بأن الآبي في كشف الرموز رواه «رجل اشترى دراهم برقيق و متاع» إذ هو و إن كان كذلك كما هو عندنا في نسخة قديمة لكنه من الغلط الذي لا يصلح معارضا لما في الجوامع العظام و كتب الفروع.

و من الغريب ما في الكتاب المزبور أيضا في شرح ما في النافع «و قيل تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها احتمال» قال ما نصه: «لأنها مقصورة على من اشترى دراهم برقيق و متاع و بز و جوهر، فالتعدي إلى غير ذلك من المحتمل، و يحتمل أن تكون الشركة في الدراهم» إذ هو كما ترى لا ينبغي أن يصدر من أصاغر الطلبة.

ج 37، ص: 338

و على كل حال فلا أقل من انقداح الشك مما ذكرنا في دعوى تناول إطلاق الأدلة للفرض، مؤيدا بقيام القيمة مقام العين غالبا، و بحصول العلة أو الحكمة التي هي الضرر، و بكونه فتوى من لا يعمل إلا بالقطعيات و فتوى المقنعة التي هي متون أخبار، و بأن ذلك يؤدي إلى سهولة الأمر في إسقاط الشفعة مع وهن إجماع الخلاف بمصيره إلى خلافه في المبسوط، على أنها جميعها كما ترى، و الله العالم.

و إذا علم الشفيع ب تحقق الشفعة لتحقق الشراء المقتضي لها فله المطالبة و الأخذ بها في الحال بلا خلاف و لا إشكال. إنما الكلام في وجوب ذلك عليه على وجه إن لم يفعل لم تكن له شفعة كما سيأتي الكلام فيه.

و على كل حال ف لا خلاف و لا إشكال في أنه إن أخر لعذر عن مباشرة الطلب و عن التوكيل فيه لم تبطل شفعته و إن قلنا بالفورية، فإنه على القول بها لا يضر عدمها للعذر العرفي، كما يشعر به نصوص الغائب(1)و غيرها.

و كذا لو ترك لتوهمه كثرة الثمن لأمارة أوجبته كاخبار مخبر ثم ظهر كذبه فبان قليلا، أو لتوهم ه كون الثمن ذهبا يصعب عليه قيمته فبان فضة أو حيوانا فبان قماشا (11) سهل القيمة بناء على ثبوت الشفعة مع كون الثمن قيميا، أو توهم كون المبيع سهاما قليلة فبانت كثيرة أو بالعكس، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو بالعكس أو أنه اشتراه لشخص فبان أنه لآخر، أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى نصفه بنصفه أو بالعكس، أو أنه اشترى الشقص وحده فبان


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 2 و الباب- 9- منه- الحديث 1 و الباب- 10- منه- الحديث 1.

ج 37، ص: 339

أنه اشتراه مع غيره أو بالعكس، إلى غير ذلك مما هو عذر عرفا عن الفور بها، لاختلاف الفرض باختلافه.

و في محكي المبسوط أنه عقد لها ضابطا فقال: «و جملته أن الشفيع متى بلغته الشفعة و لم يأخذ لغرض صحيح ثم بان خلاف ذلك لم تسقط شفعته».

و نحوه ضابط الكركي، قال: «كل أمر ظهر له وقوع البيع عليه و الغرض الصحيح قد يتعلق بغيره فتبين خلافه فالشفعة بحالها، لا تبطل للعذر».

و نحوهما ما في المسالك من أن التأخر لغرض صحيح أو عذر معتبر لا يخل بالفورية.

و الأصل في ذلك أن المسلم من دليل الفورية- لو قلنا بها بملاحظة ما ذكروه من الأعذار المزبورة و ما ورد من النص على الغائب(1)و دعوى غيبة الثمن- البطلان مع الإهمال و عدم الأخذ رغبة عنها من حيث هي، لا لأمر غير ذلك و قد تبين خلافه، نحو ما سمعته من الأعذار، لإطلاق ما دل على كونه أحق من غيره المقتصر في تقييده على ما هو المتيقن من الإهمال المزبور، دون الأعذار المذكورة التي يتعلق بها غرض العقلاء، نعم لو أخبره بقلة الثمن مثلا أو تأجيله فلم يشفع ثم بان كثرته و حلوله فإنه من الإهمال المسقط على القول بالفورية، لعدم ظهور كون الترك لعذر تبين خلافه. اللهم إلا أن

يفرض تعلق غرض بكون الثمن كثيرا أو حالا. و الله العالم.

و كذا يعذر لو كان محبوسا بحق و هو عاجز عنه بخلاف ما لو كان قادرا، لأن التأخير من قبله حينئذ، إذ يجب عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 340

دفع الحق ليخلص من الحبس المانع من تعجيل المطالبة، أو يوكل من يأخذ له بها كما في المسالك و غيرها.

و هو جيد مع علمه بها، أما إذا كان الحبس المزبور مانعا له من العلم بها فالظاهر كونه عذرا و إن أثم هو بتأخير الحق المحبوس عليه.

كما أنه معذور لو كان محبوسا بباطل و إن قدر على أدائه قليلا كان أو كثيرا و قد علم بها، إذ لا يجب عليه دفع ما ليس مستحقا عليه. نعم يشترط في بقائها أن يكون قد عجز مع ذلك عن الوكالة و إلا بطلت شفعته.

و المراد بالحق ما كان في ظاهر الشرع كذلك و إن لم يعترف هو به بل ادعى المظلومية، و إن احتمل لكنه واضح الضعف.

و كيف كان فبناء على أنها تجب المبادرة إلى المطالبة عند العلم أي الأخذ بالشفعة عند العلم بتحقق سببها الاشتغال(1)بالأخذ و مقدماته لكن على ما جرت العادة به غير متجاوز عادته في مشيه و إن قدر على الأزيد منه و انتظار الصبح لو علم ليلا.

و لو كان متشاغلا بعبادة واجبة أو مندوبة صلاة أو غيرها لم يجب عليه قطعها و جاز الصبر حتى يتمها و إن كان القطع سائغا له.

و كذا لو دخل عليه وقت الصلاة صبر حتى يتطهر و يصلي متئدا أي متوانيا و متثبتا، و كذا بالنسبة إلى مقدماتها و متعلقاتها الواجبة و المندوبة التي يعتادها، و انتظار الجماعة، و تحري الرفقة حيث يكون الطريق مخوفا ليصحبهم هو أو وكيله، و زوال الحر و البرد المفرطين،


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية: المبيضة و المسودة بقلمه الشريف، و لكن في العبارة تشويش و الصحيح« يكفي الاشتغال» أو« يجب الاشتغال».

ج 37، ص: 341

و لبس الخف و نحوه، و غلق الباب، و الخروج من الحمام بعد قضاء وطره لو سمع

بعد دخوله، و السلام على المشتري بعد وصوله و تحيته بالمعتاد، و نحو ذلك مما ذكره الشيخ و الفاضل و الشهيدان و غيرهم.

بل في جامع المقاصد أن من ذلك تشييع المؤمن و الجنازة و قضاء حاجته و عيادة المريض و ما جرى هذا المجرى مما لم تجر العادة بالإعراض عنه، و خصوصا إذا كان موجبا للطعن فيه.

و بالجملة فذلك و نحوه لا يسقط الشفعة حتى لو تمكن من التوكيل معه و تركه، لأنه زمان قصير، فان العذر الذي لا تسقط معه الشفعة قسمان: أحدهما ما ينتظر زواله عن قريب، كالاشتغال بالصلاة و الطعام و قضاء الحاجة و نحوها، و هذا لا يجب عليه التوكيل معه و إن تمكن منه، لأن انتظار زواله غير مناف للفورية المعتبرة فيها عند القائل بها. و الثاني ما لا ينتظر زواله عن قريب، كالسفر و المرض و الحبس على الوجه السابق، و هذا تجب عليه المبادرة أو التوكيل مع القدرة.

و حينئذ ف- لو علم بالشفعة مسافرا مثلا فان كان قدر على السعي أو التوكيل فأهمل بطلت شفعته، و لو عجز عنهما لم تسقط و إن لم يشهد بالمطالبة و إن تمكن منه كما تقدم الكلام في ذلك و غيره مفصلا في أول المقصد الثاني(1).

لكن في المسالك هنا «هذا كله إذا كان غائبا، أما مع حضور المشتري فلا يعد شي ء من هذه عذرا، لأن قوله: «أخذت بالشفعة» لا ينافي شيئا من ذلك».

قلت: إن كلامهم في المقام و في ثبوت الشفعة للغائب صريح أو كالصريح في عدم وجوب المبادرة إلى القول المزبور، و إن كان متمكنا


1- 1 راجع ص 186- 188.

ج 37، ص: 342

بل ليس شي ء مما ذكروه عذرا عن الفورية من الحبس و غيره صالحا لأن يكون عذرا عن القول المزبور الذي لا ينافيه حبس و لا غيره.

و منه يعلم أن الأخذ بالشفعة ليس عبارة عن القول المزبور، بل هو مع دفع الثمن، أو أنه لا يثبت حق الشفعة إلا بعد دفعه كما ذكرناه سابقا. و حينئذ فلا يترتب على القول المزبور بدونه أثر من تملك العين أو غيره، و ذلك كله شاهد على خلاف ما سمعته سابقا من الكركي و بعض أتباعه.

بل ذكرهم كيفية فور الشفيع بالنسبة إلى حضوره عند المشتري كالصريح أيضا في ذلك، ضرورة أنه إذا كان أخذ الشفعة الذي هو فوري هو قول: «أخذت» لا يحتاج معه إلى ذكر كيفية الفور في مشيه إلى المشتري، بل لا يحتاج إلى أصل حضوره معه، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و كيف كان فظاهر الأصحاب أيضا- بل عن الفاضل في التذكرة و الكركي في جامعة التصريح به- قبول دعواه في وجود الأعذار المزبورة، من غير فرق بين ما لا يعرف إلا من قبله و غيره. و لعله لما أشرنا إليه سابقا من اقتضاء إطلاق الأدلة ثبوت حقه مطلقا، و لكن خرج منه صورة الإهمال مع عدم عذر أصلا فما لم تتحقق فهو على حقه، و منه يعلم حكم حال الشك.

و ليس القائل بالفورية يقول إن الشفعة الثابتة هي التي على جهة الفور على وجه تكون الفورية قيدا لها و أن الأعذار المزبورة كالمستثنى منها، ضرورة عدم دليل له لا على المستثنى و لا على المستثنى منه، بل ذكره للأعذار المزبورة غير مشير إلى دليل مخصوص في شي ء منها كالصريح فيما قلناه.

ج 37، ص: 343

بل ذكر غير واحد من الأصحاب عدم وجوب الاشهاد على العذر بل في المسالك «لا يجب ذلك عندنا» مشعرا بالإجماع عليه يشهد لذلك أيضا، ضرورة كون مبناه أنه مصدق في حصول العذر، فلا يحتاج إلى الاشهاد.

و في القواعد «فإذا بلغه الخبر فلينهض للطلب، فان منعه مرض أو حبس في باطل فليوكل إن لم يكن فيه مئونة و منة ثقيلة، فان لم يجد فليشهد، فان ترك الإشهاد فالأقرب عدم البطلان».

و علله في جامع المقاصد بأن الحق قد ثبت، و الأصل بقاؤه، و لأن فائدة الإشهاد ثبوت العذر، و هو يثبت بإقرار المشتري أو يمين الشفيع على نفي التقصير، لأن الأصل معه، فلا أثر لتركه، و لعموم دلائل الشفعة المتناولة لمحل النزاع.

لكنه قد حكى فيه قولا آخر بالسقوط معللا له بأن الإشهاد قائم مقام الطلب، فتركه بمنزلة تركه، ثم قال: «و في المقدمتين منع».

و كأنه أشار بذلك إلى ما ذكره الفخر في محكي الإيضاح من أن الأصح البطلان إذا لم يشهد، لأن الإشهاد قائم مقام الطلب، فتركه كتركه و أن الترك أعم من أن يكون لعذر أو لا، و لا يعلم الأول إلا بالإشهاد، و الشفعة على خلاف الأصل.

إلا أن ذلك كله لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا.

بل من التأمل فيه يعلم أنه لا تجتمع كلماتهم إلا على مدخلية إحضار الثمن في استحقاق الأخذ بالشفعة أو في التملك بالقول أو الفعل اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن.

و دعوى الاكتفاء بإطلاق ما دل على ثبوت الشفعة يدفعها ما عرفته

ج 37، ص: 344

سابقا من أنه لا إطلاق يوثق به بعد

قوله (عليه السلام) في بعضها:

«بالثمن»(1)

المحتمل لما سمعت، و بعد ظهور أكثر الكلمات المذكورة في بيان الأعذار و في كيفية المبادرة في خلاف ذلك، و في عدم الاكتفاء بالأخذ القولي.

بل في جامع المقاصد أن القوم مطبقون على وجوب السعي إلى المشتري، و القائلون بالفور جعلوه على الفور.

لكنه حكي عن التذكرة أنه قال فيها: «لو لم يتمكن من المضي إلى أحدهما أي المشتري أو القاضي و لا من الاشهاد فهل يؤمر أن يقول:

تملكت الشقص أو أخذته؟ الأقرب ذلك، لأن الواجب الطلب عند القاضي أو المشتري، فإذا فات القيد لم يسقط الآخر، و للشافعية وجهان».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه من عدم الدليل على وجوب القول المزبور، بل الظاهر أنه لا أثر له كما عرفت.

و في المحكي من بعض عباراتها أيضا لا يشترط في تملك الشفيع الشفعة بالشقص حكم الحاكم و لا حضور الثمن أيضا و لا حضور المشتري و لا رضاه عند علمائنا، ثم أخذ في الاحتجاج على ذلك، و قال: «إن الأخذ بالشفعة كالرد بالعيب لا يحتاج إلى حضور المشتري و رضاه» و قال أيضا:

«لو لم يمض إلى المشتري و مضى إلى الحاكم لم يكن مقصرا في الطلب» و قال فيها أيضا: «إن ذلك- أي حضور الشريك أو الحاكم أو العدلين- غير شرط عند أصحابنا» إلى غير ذلك مما ذكر فيها مما هو غير منقح، و فيه احتمالات متعددة.

و كذا ما عن المبسوط، فإنه قال في مقام: «إذا ثبت أن له المطالبة فهي على ما جرت العادة به، فمتى بلغه وجوب الشفعة صار إلى المطالبة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 345

على حسب العرف و العادة، فان لم يكن مشغولا بشي ء قام من وقته، و إن كان مشغولا بشي ء كالصلاة و الطهارة و الأكل فحتى يفرغ، و إن كان وقت الصلاة قد دخل فحتى يؤذن و يقيم و يصلي، و يتطهر إن كان على غير طهر، و إن كان البلاغ ليلا فحتى يصبح، و لا يلزمه أن يجد بسيرة بل يمشي على سجية مشيه، و لا يستعجل فيه و إن كان قادرا على العجلة، و إن كان راكبا فلا يركض و لا يعدو بل يسير على سجية مشيه، لأنه هو العرف و العادة».

و قال في مقام آخر: «إذا وجبت له الشفعة فسار إلى المطالبة على العادة قال قوم: إن أتى المشتري فطالبه فهو على شفعته، و إن تركه و مضى إلى الحاكم فطالبه بها عنده فهو على شفعته عند قوم، و قال قوم:

تبطل شفعته، فان ترك الحاكم و المشتري معا و مضى فأشهد على نفسه أنه على المطالبة بطلت شفعته. و قال أبو حنيفة: لا تبطل، و يكون على المطالبة بها أبدا، و قال من خالفه: إنه غلط، لأنه ترك المطالبة بها مع القدرة عليها، و قول أبي حنيفة أقوى، لأنه لا دليل على بطلانها».

و الغرض من نقل هذه العبارات بيان أن المبسوط و التذكرة لا وثوق بما يصدر من بعض العبارات فيهما، لأنهما مساقان للبحث مع العامة، فربما وقع فيهما ما يظن أنه على مذهبنا، و هو بحث منهما مع العامة على أصولهم. و إلا فتحقيق الحال أنه لا أثر في نصوصنا و لا في أصولنا لاعتبار حكم الحاكم أو حضوره في الأخذ بالشفعة، و لا للإشهاد لا بالنسبة إلى الصحة و لا بالنسبة إلى إثبات ذلك أو إثبات العذر المانع له.

نعم قد سمعت الكلام في

قوله (عليه السلام)(1): «فهو أحق


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 346

بها من غيره بالثمن»

و أما خبر ابن مهزيار(1)فليس فيه إلا إنظار ثلاثة أيام لمن كان في المصر بالنسبة إلى إحضار الثمن، و أنه إذا ادعى غيبته في بلد آخر ينتظر مع ذلك مقدار ذهابه و إيابه.

نعم بناء على ما ذكرناه من اعتبار إحضار الثمن في أصل استحقاق الأخذ بالشفعة أو في التملك لو فرض غيبة المشتري أو حصول مانع له من المواجهة

معه و لا وكيل له فهل يقوم الحاكم مقامه فان تعذر فالإشهاد أو لا يعتبر شي ء من ذلك كما هو مقتضى الأصول و القواعد و إطلاق نصوص الباب فتبقى حينئذ الشفعة لصاحبها بحاله مع عدم الإهمال منه؟

قد يحتمل الأول هنا، بل و كذا فيمن له الخيار و أراد الفسخ و إن كان الأقوى ما عرفته.

و لعل إهمال الأصحاب ذكر الأعذار الحاصلة للشفيع بسبب المشتري اتكالا على ظهور الأمر و أنها أولى من الأعذار المتعلقة بالشفيع فتأمل جيدا، فإن المسألة لا يخلو من تشويش. و منه وقع الكركي فيما سمعت، و الله العالم و الهادي.

و لقد ظهر لك مما ذكرناه من الأصل المزبور أنه لو جهل استحقاق الشفعة فهو على شفعته، كما صرح به غير واحد للإطلاق، نعم قيده بعضهم بما إذا كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في برية لا يعرفون الأحكام، مع أن الأصح خلافه، ضرورة عدم كون ذلك من الضروريات التي لا يعذر فيها إلا من كان كذلك. و كذا الحال فيما لو علم ثبوتها و جهل فوريتها.

و لكن في جامع المقاصد «أن الظاهر السقوط» و فيه أنه لا فرق


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 347

بينه و بين الأول الذي اعترف فيه بعدم السقوط، كما هو الموافق لما ذكرناه من الأصل.

بل و كذا الحال في النسيان و إن تردد فيه في محكي التحرير، بل قال بعض الناس: إن السقوط به، لأنه معذور.

لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي مرجعه الاقتصار في سقوطها على إهمالها بعد التمكن منها من سائر الوجوه، و إن أطلق بعضهم على ذلك اعتبار الفورية فيها، لكن المراد منه بقرينة ما سمعت من الأعذار ذلك، بل ستعرف تعبير المصنف عن ذلك بالمسقطات، و الله العالم.

و لا تسقط (حق خ) الشفعة بتقايل المتبايعين كما صرح به الشيخ و بنوا البراج و حمزة و إدريس و الفاضل و ولده و الشهيدان و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل لا أجد فيه خلافا بينهم لأن الاستحقاق لها قد حصل بالعقد الذي صدق معه أن الشريك قد باع نصيبه، و هو عنوان ثبوتها في النص(1)و الفتوى فليس حينئذ للمتبايعين إسقاطه بالإقالة.

نعم لما كانت أدلة الإقالة مطلقة أيضا شاملة للفرض حكم بصحتها مع وقوعها و ترتب آثارها من النماء و غيره، إلا أن للشفيع فسخها حينئذ باعتبار سبق حقه، فيكون حينئذ بقاء صحتها مراعى بعفو الشفيع، فان حصل استمر و إلا انفسخ من حينه.

لكن عن الشهيد في حواشيه أنه قال: «يفهم من فسخ الإقالة و الرد أمران: الأول الفسخ مطلقا بالنسبة إلى الجميع، فتكون الإقالة و الرد نسيا منسيا، الثاني أنه بالنسبة إلى الشفيع خاصة، لأنهما مالكان حال


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 348

التصرف، فيرتب أثر تصرفهما عليه- قال-: و تظهر الفائدة في النماء، فعلى الأول نماء الثمن بعد الإقالة و الرد للبائع، و نماء المبيع للمشتري، و على الثاني بالعكس».

و في جامع المقاصد بعد أن حكى ذلك عنه قال: «أقول: إن الإقالة و الرد يقتضيان الفسخ، و الفسخ لا يتجزأ، فإما الصحة مطلقا أو البطلان مطلقا، و حيث كان حق الشفيع أسبق كان الوجه البطلان مطلقا».

قلت: لكن من حينه كما هي القاعدة في الفسوخ، و حينئذ يكون مختاره الشق الأول، لكن على الوجه الذي ذكره، لا ما عساه يظهر من الشهيد من ارتفاع الإقالة و الفسخ من أصلهما كما عساه يومئ إليه الثمرة المزبورة.

اللهم إلا أن يريد أن نماء الثمن بعد فسخ الإقالة يكون للبائع و نماء المبيع للمشتري، لا النماء المتخلل بين الإقالة و فسخ الشفيع، ضرورة أن مرجع ذلك حينئذ إلى عدم تأثير ما وقع من الإقالة و الرد.

و هو- مع أنه ليس قولا لأحد منا، بل و لا من العامة عدا ما تسمعه من ابن شريح، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه- مناف لإطلاق دليلهما الذي لا ينافيه تعلق حق الشفيع بعد أن تسلط به على الخيار، إذ لا دليل على منافاة تعلق حقه لأصل صحتهما على وجه لا يؤثر سببها، و إن كان قد يتوهم من نحو عبارة المتن، إلا أن صحيح النظر فيها و فيما تعقبها يقتضي خلافه، خصوصا بعد تصريح الفاضل و غيره بأن للشفيع فسخ الإقالة و الرد.

قال في القواعد: «فان تقايل المتبايعان أو رد بعيب فللشفيع فسخ الإقالة و الرد، و الدرك باق على المشتري» و نحوه غيره، بل أصرح منه.

ج 37، ص: 349

بل قيل إن الإجماع البسيط و المركب على عدم كون ذلك كالفضولي موقوف على الإجازة من الشفيع و إلا كان باطلا من أصله، و هو كذلك خصوصا في مثل تصرف المشتري مثلا بالوقف و نحوه، فإن المحكي عن ابن شريح خاصة عدم صحة التصرف، و قد أطبق العامة و الخاصة على خلافه.

و حينئذ فالمراد من قول المصنف و غيره و الدرك باق على المشتري أنه بعد فسخ الشفيع الإقالة و الرد بشفعته في الشقص يكون الدرك باقيا على المشتري، لانفساخ الإقالة و الرد السابقين، لا أن المراد مع فرض بقاء أثرهما من كون الشقص ملكا للبائع للشفيع أن يشفع به، و يأخذه من ملك البائع بالثمن السابق على الإقالة، و لكن الدرك يكون على المشتري، لاستصحاب بقائه و إن احتمله بعض الناس بل ادعى أنه الموافق لقواعد الباب و غيرها و محكي الإجماع على أن الدرك على المشتري.

و حينئذ فيجمع بين ما دل على بقاء الشفعة و على صحة الإقالة و الرد و كون الدرك على المشتري، و لا ينافي ذلك كون الأخذ حينئذ من البائع إذ ليس في نصوص الشفعة ما يقتضي اشتراط صحتها بكون الأخذ من المشتري، بل صرح الفاضل بأخذ الشفيع من البائع فيما إذا اختلف المتبايعان و تحالفا، بل في محكي الخلاف أن الشفيع يأخذ من البائع فيما إذا ادعى المالك البيع و أنكر المشتري و حلف.

إلا أنه مخالف لظاهر جماعة و صريح آخرين، كالفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهم، بل يمكن دعوى القطع بخلافه، خصوصا بملاحظة عدم الدليل على ضمان درك ما هو ملك الغير من دون سبب من أسباب الضمان، و خصوصا بملاحظة الإجماع بقسميه فضلا عن ظاهر الأدلة على أخذ الشفيع من المشتري بمعنى الانتقال من ملكه إليه.

ج 37، ص: 350

نعم لعل الأولى من ذلك احتمال سقوط الشفعة من أصلها بناء على ظهور

قوله (عليه السلام)(1): «فهو أحق بها من غيره بالثمن».

في عدم رد المبيع إلى المالك الذي هو الشريك الأول، كما تسمعه عن المروزي في تصرف المشتري بوقف أو بيع أو نحوهما أو القول بعدم تأثير الإقالة، باعتبار تعلق حق الشفيع في العين نفسها على وجه يكون الدرك على المشتري، و لا يكون ذلك إلا بعدم تأثير الإقالة و الرد كما سمعته من ابن شريح.

إلا أنهما معا يمكن دعوى الإجماع من المسلمين على خلافهما فضلا عن غيره من الأدلة.

و على كل حال فالاحتمال مع فرضه إنما هو بهذا المعنى، لا أنهما مؤثران و الشفيع باق على شفعته، فيأخذ من البائع و يكون مع ذلك الدرك على المشتري الذي قد زال شراؤه بالإقالة، بل مرجع ذلك إلى تبعض حكمها الذي أشار إليه الشهيد في أحد الوجهين السابقين.

و لقد أطنب هنا بعض الناس بما لا يرجع إلى محصل، بل لعل التأمل فيه يقضي بتناقض أطرافه و وسطه، فضلا عن مخالفته لإجماع المسلمين، فضلا عن الخاصة، فالمتجه حينئذ ما ذكرناه.

نعم لو رضى الشفيع بالبيع على وجه تسقط به شفعته ثم تقايلا لم يكن له شفعة لأنها أي الإقالة فسخ كالرد بالعيب و ليست بيعا عندنا. خلافا لأبي حنيفة، و هو واضح البطلان كما تقدم ذلك في محله.

لكن بقي شي ء: و هو أن مقتضى ما سمعته من عبارة الفاضل السابقة مساواة حكم الرد بالعيب للإقالة، بل هو المحكي أيضا عن جميع من


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 351

عرفت ممن صرح بحكمها، لكن قد يشكل بإمكان الفرق بينهما بسبق حق الشفيع على ما وقع بينهما من الإقالة التي هي كالتصرف من المشتري الذي ستعرف عدم سقوط الشفعة به، بخلاف الرد بالعيب الثابت بنفس العقد الذي هو إن لم يكن أسبق من حق الشفعة باعتبار تأخره و لو ذاتا عن تمام العقد و إلا فهو مقارن، فلا ترجيح لحق الشفيع على حقه.

اللهم إلا أن يقال: إن حق الرد بالعيب إنما يثبت حين العلم به، بخلاف حق الشفيع الثابت بتمام العقد.

و لكن قد يناقش بمنع اعتبار العلم في استحقاق الرد به، بل هو ثابت بنفس العقد، و لكن لا يحصل له الأخذ بحقه إن شاء، إلا بعد العلم به. و من هنا صرح غير واحد باقتران الحقين و تساويهما في الثبوت إلا أنه ادعى تقديم حق الشفيع على حق المشتري، باعتبار أن الثمن حاصل له من الشفيع، فلا ضرر عليه.

و لكنه كما ترى إن لم يكن إجماعا لإمكان منع الاقتران أولا، ضرورة تأخر حق الشفعة عن تمام العقد، و لذا كان حق البائع مقدما على حق الشفيع إذا كان له الخيار بالاشتراط في العقد مثلا، فيفسخ و يرجع المال إليه و إن شفع الشفيع به. و إمكان منع الترجيح ثانيا، بعدم انحصار الأمر في الثمن، إذ الدرك عليه، و هو ضرر آخر عليه.

مضافا إلى ما عرفته سابقا من عدم صلاحية مثل ذلك لإسقاط حق اقتضاه الدليل، فليس حينئذ إلا الإجماع إن تم.

كما أنه ليس لما ذكروه سابقا من سقوط خيار المشتري بالشفعة بخلاف خيار البائع إلا الإجماع إن تم و إلا فالمتجه بقاؤهما معا و سقوط الشفعة لسبق تعلق حقهما عليه، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا خلاف أجده بيننا في أن تصرف المشتري في الشقص

ج 37، ص: 352

قبل الأخذ الصحيح يترتب عليه الأثر، لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة تعلق حق الشفيع بعد أن لم يكن دليل يقتضي أن مثله مانع من التصرف- كحق الرهانة- إلا القياس الممنوع عندنا، فيكون حينئذ كحق تعلق الدين بالتركة الذي لا يمنع الوارث من التصرف لو أراده و إن تسلط بعد ذلك على فسخه إن لم يدفع له الدين.

بل لا خلاف أجده في ذلك أيضا بين العامة إلا ما يحكى عن ابن شريح منهم، فقاس تعلق الحق المزبور على حق الرهانة، و هو كما ترى.

نعم لا يبطل ذلك حق الشفيع بلا خلاف أجده أيضا بيننا، لسبق تعلقه و إطلاق ما دل على ثبوته، بل و لا بين العامة أيضا إلا ما يحكى عن المروزي منهم من سقوطها حينئذ، و هو واضح الضعف عندنا و عندهم.

لكن تصرف المشتري يقع على نوعين: أحدهما ما تثبت فيه الشفعة أيضا كالبيع و ثانيهما ما ليس كذلك فان كان الأول كما لو باع المشتري كان للشفيع فسخ البيع و الأخذ من المشتري الأول، و له أن يأخذ من الثاني بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال لأن كلا منهما سبب تام في ثبوت الشفعة، فالتعيين إلى اختياره.

و كذا لو زادت العقود عن الاثنين، فان أخذ بالشراء الأول دفع الثمن و بطل المتأخر مطلقا، و إن أخذ بالأخير أخذ بثمنه و صح السابق مطلقا، لأن الرضا به يستلزم الرضا بما سبق عليه، و إن أخذ بالمتوسط أخذ بثمنه و صح ما تقدمه و بطل ما تأخر عنه.

فلو باعه المشتري بعشرة فباعه الآخر بعشرين فباعه الآخر أيضا بثلاثين فإن أخذ من الأول دفع عشرة و رجع الثالث على الثاني بثلاثين و الثاني على الأول بعشرين، لأن الشقص يؤخذ من الثالث، و قد انفسخ

ج 37، ص: 353

عقده و كذا الثاني، و لو أخذ من الثاني صح الأول و دفع عشرين و بطل الثالث، فيرجع بثلاثين، و لو أخذ من الثالث صحت العقود و دفع ثلاثين كما هو واضح.

نعم ينبغي أن يعلم أن فسخه يكون بشفعته، لأنه هو الثابت له من الأدلة، و يكون انتقاله حينئذ إلى المشتري و الشفعة به من الترتب الذاتي، بل لا يبعد القول بعدم أثر لقوله: «فسخت» متقدما على الشفعة، لعدم الدليل عليه، بل لا يبعد بطلان الشفعة حينئذ بناء على منافاة مثل ذلك لفوريتها، كما تسمعه من بعضهم في مثل ذلك.

و إن كان الثاني كما لو وقفه المشتري أو جعله مسجدا فللشفيع إزالة ذلك كله و أخذه بالشفعة بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل و لا إشكال، لسبق حقه، بل عن المبسوط الإجماع على أن له نقض المسجد إن كان قد بناه مسجدا و أخذه بالشفعة.

فما عن بعض العامة من عدم جواز نقض الوقف واضح الضعف، نحو ما سمعته سابقا من بعضهم من عدم جواز مطلق التصرف للمشتري، و آخر من سقوط الشفعة مطلقا.

و مما ذكرنا يظهر لك الحال فيما لو كان قد وهبه المشتري بعوض أو غير عوض هبة جائزة أو لازمة، ضرورة كونه كغيره من التصرفات التي للشفيع فسخها و الأخذ من المشتري بالثمن الذي أخذ به، فيملكه هو حينئذ دون الموهوب الذي قد انفسخت هبته و صار الدرك على الواهب الذي هو المشتري، لامتناع صحة الهبة مع ذلك، كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بينهم.

لكن في قواعد الفاضل «و الثمن للواهب أن يأخذه إن لم تكن لازمة

ج 37، ص: 354

و إلا فإشكال، فإن قلنا به رجع المتهب بما دفعه عوضا، و إلا تخير بينه و بين الثمن».

و هو- كما ترى- مناف لما عرفت و إن وجه كلامه الأول بأن للواهب أن يرجع في أصل الهبة، فله أن يرجع في ثمن الموهوب، و مقتضاه أنه إن لم يرجع يكون الثمن للمتهب.

و فيه- مع أن مقتضاه أيضا أن لا يكون إشكال في كون الثمن للمتهب إذا كانت لازمة- أن ذلك لا يتم إلا على تقدير كون الأخذ بالشفعة غير مبطل للهبة، و قد عرفت سابقا أن الأخذ إنما يكون بالبيع السابق الذي يمتنع معه الحكم بصحة التصرف اللاحق، كما اعترف به هو سابقا في البيوع المترتبة، مضافا إلى معلومية منافاة كون الأخذ من المشتري و الدرك عليه، لبقاء الهبة و ثبوت ملك المتهب.

و نحوه يجري أيضا فيما ذكره من الإشكال الذي قيل إنه ينشأ من بطلان الهبة بالأخذ بالشفعة لسبق حق الشفيع، و من إمكان الجمع بين الحقين، و حق الشفيع إنما هو في العين، و لا فائدة له في إبطال الهبة من رأس، فيأخذها و تبقى الهبة بحالها، و يكون المراد من الابطال إبطال اختصاص المتهب بالعين، لا إبطال أصل الهبة.

إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن الشفيع إنما يأخذ بالبيع الأول من المشتري الذي يكون الدرك عليه و الثمن حق له، فليس حينئذ إلا إبطال الهبة و رجوع الأمر كما كان قبلها.

و دعوى انفساخها في حق الشفيع خاصة دون الآخر يدفعها أن مقتضاها زوال الدرك عن المشتري حينئذ على أن الفسخ لا يقبل التجزي.

كما أن دعوى احتمال كون الدرك عقوبة للمشتري و إن لم يعد الملك له، و التجزي بالنسبة إلى الأحكام لا ينبغي أن يصغى إليها، إذ هي

ج 37، ص: 355

مجرد تهجس في مقابلة الأدلة الشرعية.

و من الغريب بعد ذلك ما في الإيضاح من اختيار كون الثمن للمتهب في اللازمة و ما عن حواشي الشهيد من أن المنقول: أن الهبة إن كانت لازمة يكون الثمن للموهوب له مطلقا، و كذا إن تصرف، لأنها قد صارت لازمة، إذ لم نعرفه قولا لأحد من أصحابنا، بل صريح كلامهم خلافه كما لا يخفى.

و من ذلك يظهر لك ضعف ما فرعه الفاضل بقوله: «فإن» إلى آخره الذي معناه أنه إن قلنا بكون الثمن للواهب فان كان المتهب قد دفع عوضا للهبة فقد فات المعوض فيرجع به، و إن قلنا بأنه للمتهب تخير بين العوض بأن يفسخ الهبة لفوات العين فيرجع به و بين بقائها فيأخذ الثمن، لأنه حقه، إذ الفرض لزومها من طرف الواهب، إلا أن ذلك كله كما ترى لا ينبغي أن يسطر، و لعله من خرافات العامة، و الله العالم.

و كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أن الشفيع يأخذ من المشتري لأنه المتيقن من أدلة الشفعة إن لم يكن المنساق، خصوصا نحو

قوله (عليه السلام)(1): «فهو أحق بها من غيره بالثمن»

و حينئذ يكون دركه عليه بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل عن الغنية و السرائر الإجماع على ذلك.

و على الأخذ من المشتري ف- لا يأخذ من البائع بمعنى الانتقال إليه من البائع الذي انقطع سلطانه عن العين بالبيع منه و صار للمشتري.

و لكن لو فرض أن الشفيع طالب بشفعته و


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 356

كان الشقص في يد البائع قيل له: خذه من البائع أو دعه كما صرح به غير واحد.

و لا يكلف المشتري القبض من البائع مع امتناعه و لو التمس ذلك الشفيع بلا خلاف أجده فيه و إن قال في الكفاية: إنه المشهور مشعرا بوجود مخالف، لكن لم أتحققه.

نعم يحكى عن الشافعية قول بأن له أن يكلفه ذلك، لأن الشفيع بمنزلة المشتري من المشتري.

و فيه منع واضح، ضرورة عدم دليل على وجوب ذلك، خصوصا بعد كون الأخذ منه قهرا بلا معاوضة و تراض بينهما، و إنما الواجب عليه رفع يده عنه و كل مانع من جهته، لأن الشقص بالشفعة صار ملكا للشفيع، يأخذه أينما وجده من يد كل من هو في يده، و لا حق له على المشتري بحيث يكلفه بقبضه حتى يقبضه منه، خصوصا بعد أن لم يكن لذلك ثمرة و ذلك لأنه يقوم قبض الشفيع مقام قبضه و حينئذ يكون الدرك مع ذلك على المشتري و إن قبضه الشفيع من البائع، لما عرفت من أن الأخذ و انتقال الملك إليه منه، بل لعل المتجه عدم التزام المشتري بتحصيله من البائع لو فرض عصيانه به.

و ليس للشفيع منع الثمن الذي رضي المشتري ببقائه في ذمته عند أخذه بالشفعة عليه حتى يسلمه الشقص، لعدم المعاوضة بينهما الموجبة للتقابض، كما عرفته سابقا.

و على كل حال ف- ليس للشفيع فسخ البيع الواقع بين الشريك و المشتري و لو بالإقالة عن تراض بينه و بين البائع بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، لأصالة لزومه و انحصار حقه في الأخذ من المشتري، بل قيل لو اشتغل بالفسخ بعد علمه بالحال بطلت شفعته،

ج 37، ص: 357

لمنافاة مثله للفورية و إن كان فيه ما فيه.

و حينئذ ف- لو نوى الفسخ و الأخذ من البائع لم يصح و لم يترتب عليه أثر و إن كان الشقص في يد البائع و قبضه الشفيع من يده، لما عرفت من عدم حق له في الفسخ و لو بالإقالة، فلا يتصور أخذه من البائع بمعنى انتقاله منه إليه، ضرورة كونه ملكا للمشتري، بل قيل تبطل شفعته حينئذ لمنافاته الفورية، و إن عرفت أنه لا يخلو من نظر.

بل قد يقال بحصول ملك الشقص له بقصده تملكه و إن غلط بقصد كونه من البائع، إذ لا دليل على اعتبار قصد الانتقال من المشتري أو عدم قصد كونه من البائع و إنما الثابت من الأدلة انتقاله من المشتري إليه، لا أن المعتبر في الشفعة قصد ذلك، فيكفي قصد تملك الشقص بالثمن، لصدق الأخذ بالشفعة حينئذ.

و لعل ذلك غير مناف لما في المتن و غيره من عدم صحة ذلك لو نواه، ضرورة إرادة عدم ترتب أثر لذلك عليه، لا أن أخذه بالشفعة حينئذ باطل.

و من ذلك يعلم أن المعتبر في؟؟؟ قصد تملك الشقص بالثمن من دون ملاحظة كونه من المشتري أو البائع و إن كان هو شرعا ينتقل إليه من المشتري، فتأمل جيدا، فإنه ربما دق، و الله العالم.

و لو انهدم المبيع أو عاب فان كان بغير فعل المشتري بل بآفة سماوية قبل المطالبة أو بعدها أو بفعله قبل مطالبة الشفيع بالشفعة فهو بالخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك وفاقا للمشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة.

ج 37، ص: 358

مضافا إلى مرسل ابن محبوب(1)السابق و

قوله (عليه السلام) في حسن الغنوي(2): «فهو أحق بها من غيره بالثمن»

و أصالة عدم الضمان حتى لو كان بفعله، ضرورة أنه تصرف في ملكه تصرفا سائغا، فلا يكون مضمونا عليه، و الفائت لا يقابل بشي ء من الثمن، فلا يستحق الشفيع في مقابلته شيئا، كما لو تعيب في يد البائع فإن المشتري يتخير بين الفسخ و الإمضاء.

لكن في جامع المقاصد بعد أن جعل الصور أربعة: و الأولى منها ما كان ذلك بفعل المشتري قبل المطالبة، و اقتصر في الاستدلال لها بالأخير قال: «و فيه نظر، لأن المشتري و إن تصرف في ملكه إلا أن حق الشفيع قد تعلق به، فيكون ما فات منه محسوبا، كما يحسب عليه عين المبيع، و لا استبعاد في تضمين المالك ما يجني على ملكه إذا تعلق به حق الغير، كالرهن إذا جنى عليه الراهن، و قد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعبب المبيع في يده، فينبغي أن يكون هنا كذلك و قد نبه كلام المصنف في التذكرة على ذلك».

ثم قال: «الثانية و الثالثة أن يكون ذلك بغير فعل المشتري مطلقا أي سواء طالب الشفيع بالشفعة أم لا، فإنه لا شي ء على المشتري بل يتخير الشفيع بين الأخذ بمجموع الثمن و الترك، و تقريبه مع ما سبق أن ذلك ليس بفعل المشتري، و ملكه غير مضمون عليه، و جوابه جوابه مع النقض بما إذا تلف بعض المبيع، و الذي يقتضيه النظر ثبوت الأرش في الصورتين أيضا، و كلام المصنف في التذكرة مطابق لذلك، فإنه فرض المسألة فيما إذا تعيب الشقص من غير تلف شي ء من العين من غير تقييد بكون


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 359

ذلك بفعل المشتري، و كونه بعد المطالبة و عدمه».

ثم حكى قول بعض الأصحاب بوجوب الأرش بمثل هذا التعيب في المبيع لو كان في يد البائع، ثم قال: «فينبغي أن يكون هنا كذلك، و هو متجه».

قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك من منافاته لما سمعت من المرسل(1)المنجبر بما عرفت و الإجماع المحكي المؤيد بالحسن(2)المزبور، و أصالة عدم الضمان التي منها

يعلم الفرق بين المقام و بين المبيع في يد البائع المعلوم ضمانه عليه بدليله.

بل يمكن دعوى إجماع الأصحاب على خلافه في الجملة، فإني لم أجد من وافقه على تمام ما ذكره حتى الفاضل في التذكرة، قال فيها: «إذا اشترى شقصا من دار فانهدمت إما بفعل المشتري أو بغير فعله فلها أحوال:

الأول أن تتعيب من غير تلف شي ء و لا انفصال بعضها عن بعض، بأن يتشقق جدارها أو تميل اسطوانتها أو ينكسر جذعها أو يضطرب سقفها، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكل الثمن و بين الترك، و يكون تعيبه في يد المشتري كتعب المبيع في يد البائع، فإنه يخير بين الفسخ و بين الأخذ بجميع الثمن عند بعض علمائنا، و به قال الشافعي، و عند بعضهم لا يسقط الأرش، فينبغي أن يكون هنا كذلك».

و هي كما ترى لا صراحة فيها، بل و لا ظهور، بل ظاهرها موافقة المشهور، و قوله: «فينبغي» من تتمة القول الذي حكاه.

نعم في الخلاف كما في المختلف «إن كان ذلك بأمر سماوي فالشفيع بالخيار بين أن يأخذ بجميع الثمن أو يترك، و إن كان بفعل آدمي كان له


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 360

أن يأخذ العرصة بحصتها من الثمن» بناء على شمول الآدمي للمشتري فيه، فيكون بإطلاقه موافقا له في بعض الصور.

و هو مع أنه لم يفرق فيه بين المطالبة و غيرها يمكن أن يكون مراده عدم دخول الأنقاض بالشفعة، لصيرورتها منقولة حينئذ بالانهدام، فيأخذ العرصة حينئذ خاصة بما يخصها من الثمن كما هو المحكي عن أحد قولي الشافعي، و هذه مسألة أخرى غير ما نحن فيه.

كل ذلك مع أن قوله: «حق الشفيع متعلق به» إن أراد حق المطالبة فمسلم و لكن بمجرده لا يوجب الضمان على المشتري، فلا بد من دليل يقطع الأصل، و القياس على الرهن ليس من مذهبنا، و ضمان المبيع في يد البائع- مع أنه خارج عما نحن فيه، لأنه ملك المشتري دون البائع- مستند لدليله من

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «كل مبيع»

و غيره كما تقدم في محله.

و إن أراد به الملكية فممنوع، إذ لا ملك قبل الأخذ، بل لو قلنا به فلا ضمان أيضا إذا كان بآفة سماوية للأصل، خصوصا إذا

لم يقبضه المشتري، إذ لا موجب لضمانه و لو قلنا بكونه ملكا للشفيع، خصوصا بعد ما ذكرناه من أن الأخذ بالشفعة ليس من المعاوضات.

و استبعاد جواز ذلك للمشتري لتمكنه حينئذ من عدم رغبة الشفيع فيه باهدامه و تعيبه لا يرجع إلى محصل على وجه يكون دليلا شرعيا موافقا لأصول الإمامية و قواعدهم، و الله العالم.

و على كل حال ف الأنقاض للشفيع باقية كانت في المبيع أو منقولة عنه بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل في المسالك ما يشعر بالإجماع عليه، نعم قد سمعت ما احتملناه في عبارة الخلاف و يحكي عن


1- 1 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الخيار- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 37، ص: 361

الشافعي في أحد قوليه أخذ العرصة خاصة بتمام الثمن في وجه أو بما يخصها في آخر.

و لا ريب في أن الأصح ما ذكره المشهور، لتعلق الحق بها غير منقولة، و لأن لها نصيبا من الثمن الذي يأخذ به الشفيع، فلا يلزم بدفع الثمن لما عداها، لما فيه من الضرر و دفع ما يخص العرصة خاصة مناف ل

قوله (عليه السلام)(1): «فهو أحق بها بالثمن»

فتأمل جيدا.

و إن كان العيب بفعل المشتري بعد المطالبة بالشفعة ضمنها المشتري على المشهور المحكي في كلام جماعة، بل عن الغنية الإجماع عليه مع العلم بالمطالبة، بل لا ينبغي الإشكال فيه بناء على إرادة الأخذ من المطالبة، ضرورة صيرورته حينئذ ملكا للشفيع، فيضمنه المشتري كغيره بتعيبه.

أما لو أريد من المطالبة إرادة الأخذ بالشفعة كما هو مقتضي قوله و قيل: لا يضمنها، لأنه لا يملك بنفس المطالبة بل بالأخذ فهو مشكل إن لم يكن إجماعا و إن قال المصنف و غيره و الأول أشبه ضرورة عدم موجب للضمان.

و ما في الإيضاح و جامع المقاصد- من توجيهه بأن الشفيع استحق بالمطالبة أخذ المبيع كاملا أو تعلق حقه به، فإذا نقص بفعل المشتري ضمنه له- كما ترى، بل مقتضاه الضمان في غير هذه الصورة حينئذ التي اعترفوا فيها بعدمه، لأن استحقاق الشفيع لم يثبت بالمطالبة بل بالبيع، و إذا كان مضمونا عليه للشفيع فلا فرق بين أن يكون ذلك بفعل المشتري أو غيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 362

و كيف كان فقد حكي الخلاف في ذلك عن الشيخ و أنه إليه أشار المصنف بالقيل، و قد سمعت عبارته في الخلاف الخالية عن ذكر المطالبة و عدمها.

و أما المبسوط فقال ما نصه: «إذا اشترى شقصا فوجب للشفيع فيه الشفعة فأصابه نقص أو هدم قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة فهو بالخيار بين أن يأخذه ناقصا بكل الثمن أو يدع، سواء في ذلك كان هدمها المشتري أو غيره أو انهدم من غير فعل أحد، و كذلك إن احترق بعضهما، أو كانت أرضا فغرق بعضها، فللشفيع أن يأخذ ما يبقى بجميع الثمن أو يدع، لأنه إن هلك بأمر سماوي فما فرط فيه، و إن هدمه هو فإنما هدم ملك نفسه، و إذا أخذه بالشفعة أخذ ما اتصل به و ما انفصل عنه من آلاته، لأنه جميع المبيع، و قيل: إنه بالخيار بين أن يأخذ الموجود بما يخصه من الثمن أو يدع، و الذي يقوى في نفسي أنها إذا انهدمت و كانت آلاتها باقية فإنه يأخذها و آلاتها بجميع الثمن أو يتركها، و إن كان قد استعمل آلاتها المشتري أخذ العرصة بالقيمة، و إن احترقت أخذ العرصة بجميع الثمن أو يترك». و نحوه عن جامع الشرائع.

و لعل نسبة الخلاف إليه باعتبار عدم ذكره المطالبة، بل جعل العنوان عدم أخذ الشفيع بالشفعة طالب أو لم يطالب، فبناء على إرادة غير الأخذ من المطالبة في كلامهم يكون مخالفا و إلا فلا، حتى لو قيل بالملك بها دونه، ضرورة كونه خلافا فيما يحصل به الملك، و إلا فالمفروض في كلامه قبل حصول الملك للشفيع.

نعم ظاهره التفصيل في خصوص تلف البعض بين أن يكون بفعله و بين أن يكون بالآفة، فالأول يأخذه بما يخصه من الثمن، لأن ذلك هو المراد من القيمة و لو بقرينة ما بعده، و الثاني يأخذه بالثمن، و مرجعه إلى ما سمعته من ظاهر الخلاف.

ج 37، ص: 363

و أما عبارته في النهاية فهي «و الغائب إذا قدم و طالب بالشفعة كان له ذلك، و وجب عليه أن يرد مثل ما وزن من الثمن من غير زيادة و لا نقصان، فان كان المبيع قد هلك بآفة من جهة الله أو من جهة غير جهة المشتري أو هلك بعضه بشي ء من ذلك لم يكن له أن ينقص من الثمن بمقدار ما هلك من المبيع، و لزمه توفية الثمن على الكمال، فان امتنع من ذلك بطلت شفعته». و هي كما ترى أجنبية عن ذلك.

و على كل حال فظاهره في الكتب الثلاثة عدم الفرق بين فوات الجزء و الوصف إذا كان بالآفة، و هو لا يخلو من قوة، بل لعل المرسل(1)المزبور دال على ذلك، خصوصا مع ملاحظة كون المفروض فيه أن السيل خارق، و هو مستلزم لذهاب بعض الأنقاض، خصوصا إذا كانت من اللبن و نحوه مما يذهب بالسيل.

بل قد يقال: إن

قوله (عليه السلام) فيه: «ليس له»

إلى آخره مطلق لا يختص بخصوص مورد السؤال، فيشمل حينئذ صورة إتلاف المشتري أيضا بإحراق و نحوه.

بل لعل

قوله (عليه السلام)(2): «فهو أحق بها من غير، بالثمن»

يقتضي ذلك أيضا، ضرورة كون المراد منه بيان أحقية الشفيع من غيره بجميع الثمن، تلف بعضه أو لا، و ليس المراد منه بيان أحقيته في الكل بالكل و في البعض بالبعض، و إلا لجاز للشفيع التبعيض اختيارا و هو معلوم العدم.

و كذا لا دليل على كون التلف في يد المشتري بفعله أو بآفة من ضمانه كما

ورد مثله في المبيع، على أنه لا ضرر و لا ظلم على الشفيع بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 364

عدم إلزامه بذلك، بل إن شاء أخذ و إن شاء ترك، و لا أقل من أن يكون ذلك هو المتيقن من مشروعية الشفعة التي عرفت مخالفتها للأصل على أنه لو كان ذلك من ضمانه لاتجه كون الهدم و نحوه أيضا من ضمانه.

و دعوى عدم مقابلة ذلك بالثمن واضحة الفساد، خصوصا بعد ملاحظة المقابلة لو تعيب المبيع في يد البائع، بل و في يد المشتري في زمن خياره المضمون أيضا على البائع، و فيما لو اشتراه فوجده معيبا و إن ذهب بعض الأصحاب في الأول إلى التخيير بين الأخذ بتمام الثمن و الترك، و لكنه قول مرغوب عنه.

و بذلك يظهر لك النظر فيما وقع من الفاضل و الشهيدين و الكركي و غيرهم من ضمان المشتري لو كان التالف بعض أجزاء المبيع التي تقابل بالثمن، سواء كان بآفة سماوية أو بفعله قبل المطالبة أو بعدها، بل ظاهر بعضهم المفروغية من ذلك.

و لذا فرض محل الكلام في الصور الثلاثة السابقة فيما إذا انهدم أو تعيب مع عدم تلف شي ء من أجزاء المبيع التي تقابل بالثمن، و جعل الخلاف في خصوص ما إذا كان بفعل المشتري بعد المطالبة مع أن جملة من عبارات الأصحاب كعبارة المصنف هنا و في النافع مطلقة لا أثر فيها لاستثناء خصوص ما لو تلف بعض الأجزاء الذي هو غالب للانهدام المفروض في عباراتهم.

و لقد أجاد في الرياض حيث إنه بعد ذكر الكلام في الصور الثلاثة قال: «ثم إن الحكم بعدم الضمان على المشتري حيث توجه إنما هو إذا لم يتلف من الشقص شي ء يقابل بشي ء من الثمن و إلا قيل ضمن بحصته من الثمن على الأشهر، قيل: لأن إيجاب دفع الثمن في مقابلة بعض المبيع ظلم، و فيه نظر، و لذا أطلق الحكم في العبارة هنا و في المبسوط و غيرهما، و مع

ج 37، ص: 365

ذلك يدفعه إطلاق ما مر من الخبر، فتأمل».

و كأنه أشار إلى ما ذكرناه من إطلاق المرسل(1)المزبور الذي لا إشكال في

شموله لتلف بعض الأجزاء بالسيل إن لم يكن ظاهرا فيه، و يكفي ذلك في الدلالة على المطلوب بعد الإتمام بعدم القول بالفصل، فيتجه عدم ضمان المشتري مطلقا من غير فرق بين تلف بعض المبيع و غيره و بين كون ذلك بآفة أو بفعل المشتري، قبل المطالبة بمعنى إرادة الأخذ بالشفعة على وجه لا ينافي الفورية و لو لوجود عذر و بعدها.

اللهم إلا أن يكون إجماعا كما عساه يتخيل في خصوص إتلاف المشتري بعض أجزاء المبيع دون غيره، لعدم قائل بعدم الضمان فيه.

و لكن قد عرفت إطلاق المصنف و غيره ممن لم يتعرض فيه لذكر تلف بعض الأجزاء.

و أما إجماع الغنية أيضا في التعيب بفعله بعد المطالبة فلم نتحققه، لأنا لم نتحقق المراد بها هنا في كلامهم هل هي الأخذ بالشفعة أو إرادة ذلك على وجه لا ينافي الفورية، فإن كان الأول فلا ينبغي الخلاف في الضمان إذا كان بفعل المشتري، من غير فرق بين التعيب و الإتلاف، فالإجماع حينئذ في محله، و إن كان الثاني فلا يخفى عليك ما فيه من الاشكال بل المتجه فيه عدم الضمان، ضرورة عدم أثر لها إلا تأكد الاستحقاق الثابت بالعقد قبلها، فان كان هو الموجب للضمان ثبت بدونها، و إلا فلا ضمان معها أيضا كما هو واضح. فهو حينئذ مظنة الإجماع لا الضمان.

و من التأمل فيما ذكرنا يظهر لك التشويش في المقام في جملة من عبارات الأساطين كالفاضل و الشهيدين و غيرهم، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و لو غرس المشتري أو بنى على وجه لا يكون ظالما في ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 366

بأن قسمة مع الشفيع غير مخبر له بالشراء بل بإظهار الوكالة عن البائع فيها أو بغير ذلك فطالب الشفيع بحقه بمعنى أنه أخذ بالشفعة فإن رضي المشتري بقلع غراسه أو بنائه فله ذلك بلا خلاف أجده فيه من غير حاجة إلى استئذان الشفيع و إن صارت الأرض ملكا له، إذ هو ملكه، و له إزالته عن المكان المزبور، بل هو كتفريغ المبيع للمشتري.

و من هنا لا يجب عليه إصلاح الأرض بطم الحفر مثلا، كما صرح به الفاضل في القواعد و غيرها و محكي المبسوط، لأنه لا يضمن العيب الذي فعله قبل الطلب بالتصرف في ملكه، و بعده لتخليص الشقص للشفيع الذي قدم بأخذه بالشفعة على ذلك.

خلافا للمحكي عن أبي علي من إيجاب الطم، و احتمله الفاضل و غيره بل عن الأردبيلي الميل إليه، بل إلى وجوب الأرش لو حصل في الأرض نقص من القلع، حتى لو كان الطالب للقلع الشفيع، نعم لا يبعد عدم ذلك مع جهله بالشفعة.

و في المختلف «المختار أن نقول: إن اختار المشتري القلع كان له ذلك، و عليه أرش ما نقص من الأرض بذلك، و طم الحفر، لأنه يطلب تخليص ملكه من ملك غيره، قوله: إنه تصرف في ملكه قلنا:

إنه ممنوع، بل تصرف بالقلع في ملك الشفيع، فكان عليه أرشه، نعم تصرفه بالغرس صادف ملكه، فلم يكن عليه غرم من اجرة و غيرها، و لو اختار الشفيع القلع فالأقرب عدم وجوب الأرش، لأن التفريط حصل من المشتري حيث غرس في أرض متزلزلة الملك، و لأنه غرس في حق غيره بغيره إذنه، فأشبه ما لو بانت الأرض مستحقة، و

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «لا ضرر و لا ضرار»

مشترك بين الشفيع


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات.

ج 37، ص: 367

و المشتري، فلا يختص به أحدهما».

و قواه في جامع المقاصد و المسالك بعد أن حكيا عنه التفصيل في وجوب الطم عليه بين كون القلع منه ابتداء فيجب، لأن النقص قد حدث في ملك غيره بفعله لمصلحة من غير إذن من الغير، فيجب إصلاحه، و بين كونه لطلب الشفيع فلا يجب، لأن طلبه القلع يتضمن الاذن في الحفر، و ليس هو كالغاصب، لأنه غير عاد بفعله.

بل حكاه أولهما أيضا عن صريح التذكرة و إن كنا لم نتحققه، كما أنه لا صراحة في كلامه بالتفصيل الذي حكياه، بل و لا ظهور، بل ربما استظهر منه إلزامه بذلك. اللهم إلا أن يكون قد لاحظا المفهوم في كلامه.

و على كل حال فالأقوى الأول وفاقا لمن عرفت، بل في المسالك نسبته إلى صريح الشيخ و الأكثر، للأصل السالم عن معارضة دليل معتد به يقتضي ذلك، و قاعدة الضرر يدفعها إدخاله نفسه فيه بشفعته بالأرض التي هي كذلك، فهو حينئذ كمن أدخل مال غيره في داره مثلا فاحتاج المالك في إخراجها(1)إلى خراب في الدار، فإنه لا يضمنه له، لكون الإتلاف المزبور مستحقا له عليه، نحو ما لو غصب شجر الغير فغرسه في ملكه فقلعه المالك و نقصت الأرض، فلا ضمان حينئذ بالإتلاف المزبور الذي كان السبب فيه أقوى من المباشر، و

لا أقل من الشك في حصول سبب الضمان معه، و الأصل البراءة.

و أما نقص الأرض الحاصل بالغرس و البناء فغير مضمون عليه، لما عرفته سابقا في مسألة التعيب و الانهدام.


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية: المبيضة و المسودة بقلمه الشريف، و الصحيح« في إخراجه».

ج 37، ص: 368

لكن في المسالك هنا أن فيه قولين: أشهرهما ذلك، لأن هذا الناقص ليس له قسط من الثمن، فلا يضمنه المشتري كالنقص بالاستهدام و لأنه تصرف في ملك نفسه؛ فلا يتعقبه ضمان، و قيل: يجب الأرش، خصوصا إذا كان بعد المطالبة.

و لم نتحقق القول المزبور حتى من الكركي الذي قد سمعت كلامه في المسألة السابقة، فإنه وافق هنا، لكن قال: «نعم لو كان ذلك بعد المطالبة اتجه القول بضمانه على ما سبق في مسألة الاستهدام و التعيب» و إن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما سمعته منه هناك.

كما أنه لا يخفى عليك ما في إطلاق الفاضل هنا و التفصيل هناك، بل و إطلاق المصنف هنا أيضا أن للشفيع أن يأخذ بكل الثمن أو يدع مع تفصيله السابق.

بل في المسالك أن ظاهر إطلاق العبارة يقتضي عدم ضمان النقص الحاصل بالقلع أيضا، لحكمه بأنه يأخذ بكل الثمن الشامل لحالة النقص بالغرس و القلع و عدمه.

و فيه أن الأرش الحاصل بالقلع لا مدخلية له في الأخذ بكل الثمن بل هو غرامة حاصلة له بعد الشفعة بفعله في ملك غيره الذي قد أخذ منه بكل الثمن، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان ف ان امتنع المشتري من الإزالة كان الشفيع مخيرا بين إزالته و دفع الأرش، و بين بذل قيمة الغراس و البناء و يكون له مع رضا المشتري، و بين النزول عن الشفعة كما صرح به غير واحد.

نعم في قواعد الفاضل تخير الشفيع بين قلعه مع دفع الأرش على

ج 37، ص: 369

إشكال، و بين بذل قيمة البناء و الغرس إن رضي المشتري، و مع عدمه نظر، و بين النزول عن الشفعة.

بل في إيضاح ولده «أن الاشكال الأول في موضعين: الأول في القلع، و ينشأ من أن حق الشفيع أسبق من بنائه فصار كالاستحقاق بالغصب، و من أن المشتري تام الملك قبل أخذ الشقص، و لهذا ملك النماء، و من بنى في ملكه لم يتعد كالذي لا شفعة عليه، و جواز انتزاعه من يده ليس موجبا لتعديه و نقض بنائه، و إلا لثبت في الموهوب إذا غرس أو بني، و رجع الواهب على القول بالجواز، و لأن الشفعة موضوعة لازالة الضرر فلا يزال بالضرر، الثاني في وجوب الأرش مع القلع، و ينشأ من أنه نقص دخل على ملك المشتري لمصلحة الشفيع، و إلى هذا ذهب الشيخ في المبسوط، و من أن التفريط حصل من المشتري حيث زرع في أرض متزلزلة الملك، و اختاره المصنف في المختلف».

و فيه أن الاشكال الأول واضح الفساد، ضرورة عدم تصور وجوب إبقاء ملك الشفيع مشغولا بملك المشتري على الدوام بعد انقطاع حقه من الأرض إلا أن يتخيل وجوب قبول الأجرة على الشفيع أو بذل القيمة و إن لم يرض، و لكنهما معا كما ترى.

و لذا جزم الكركي بأنه وهم و أن بطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان، و هو كذلك، إذ وجوب الإبقاء بالأجرة مما لا يحتمله أحد في المقام، و لعله لما ستعرفه من كون صاحب الأرض كالمغصوب بعد امتناع المشتري من الإزالة، فلا يجبر مع كونه مظلوما و مغصوبا، لأنه لم يرض بالإبقاء الذي هو غير الابتداء على القبول بالأجرة، كما هو واضح.

نعم ما ذكره من الإشكال الثاني في محله و إن كان وجوب الأرش هو الذي صرح به الشيخ و ابنا زهرة و إدريس و الفاضل في جملة من كتبه

ج 37، ص: 370

و الشهيدان و الكركي على ما حكي عن بعضهم.

لكن الإنصاف قوة ما في المختلف من عدم وجوب الأرش، بل مال إليه في محكي التذكرة، لوجوب الإزالة عليه بعد طلبها من الشفيع، و الضرر هو الذي أدخله على نفسه بفعله في الأرض المستحقة الانتزاع منه، بل الظاهر كونه ظالما بإبقائه البناء و الغرس في أرض الغير و امتناعه من القلع، و كون الابتداء بحق لا يقتضي كون الاستدامة كذلك، إذ لم يحصل من المالك ما يقتضي الإذن فيها، كما في العارية التي تقدم الكلام فيها في محله. و حينئذ فيندرج في

قوله (عليه السلام)(1): «لا حق لعرق ظالم»

و لذا كان له جبره على القلع، ضرورة كونه المتصرف في مال الغير دون صاحب الأرض، فتأمل جيدا فإنه ربما دق.

على أنه لو كان المالك مستحقا لأرشه لاتجه وجوبه له حتى لو قلعه هو مع طلب الشفيع، إذ مع فرض استحقاقه له لا تفاوت فيه بين الامتناع و عدمه، بل لعله في الثاني أولى.

ثم إن الأرش الذي يجب دفعه على الشفيع، إن كان هو تفاوت ما بين كونه مقلوعا و باقيا ففيه ما عرفت من أنه غير مستحق للبقاء عليه، فلا وجه لدفع عوض عما لا يستحقه.

و إن كان المراد به النقص الذي قد يحصل عليه بنفس القلع لا من حيث بقائه ففيه أنه بعد أن كان مستحقا عليه على وجه لو باشره لم يتبع به الشفيع لا معنى لاتباعه به بعد الامتناع، خصوصا إذا كان ذلك بمباشرة الحاكم، فتأمل جيدا. على أن الأرش المزبور قد لا يحصل، كما إذا فرض عدم تفاوتها حال قلعها و حال قيامها، لأنها قلعت على وجه لم يحصل فيها عيب، و ظاهرهم لزوم الأرش للقلع.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الغصب- الحديث 1.

ج 37، ص: 371

و إن أريد به تفاوت ما بين كونها مقلوعة فعلا و مستحقة القلع واقفة ففيه أن ذلك متصور في قلع غير المستحق لاحتمال عفو المستحق مثلا، فتزيد قيمتها بذلك حينئذ، أما مع قلع المستحق الذي تفوت معه جميع احتمالات البقاء الحاصلة من احتمال رضاه فلا وجه لفرض التفاوت فيه، نعم لو فرض أن للمالك الإبقاء بأجرة قهرا على الشفيع اتجه حينئذ الأرش المزبور، و المفروض عدم ذكر أحد له وجها فضلا عن القول به، فتأمل جيدا.

و أما النظر الذي ذكره الفاضل في الثاني مع عدم رضا المشتري بالقيمة فلا ريب في أن الأقوى توقف ذلك على الرضا، و ليس له أخذ البناء و الغرس بالقيمة قهرا على المالك.

و لكن في الإيضاح أن جمهور أصحابنا على ذلك، و في جامع المقاصد نسبته إلى الأكثر و إن كنا لم نتحقق ذلك، نعم في المبسوط «قلنا للشفيع أنت بالخيار بين ثلاثة أشياء: بين أن تدع الشفعة، أو تأخذ و تعطيه قيمة الغرس و البناء، أو تجبره على القلع، و عليك قيمة ما نقص» و عن أبي علي «كان الشفيع مخيرا بين أن يعطي قيمة ما أخذ من المشتري و بين أن يترك الشفعة» و لم نجد غيرهما.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه، بل هو مناف لأصول المذهب و قواعده، بل يمكن إرادة الشيخ أن ذلك مع الرضا.

و على كل حال فحيث تبذل القيمة باتفاقهما أو قهرا على المالك فعلى المختار يقوم غير مستحق للبقاء بأجرة، بل مستحق القلع بلا أرش، و تدفع إلى المالك.

و على غيره ففي القواعد لم يقوم مستحقا للبقاء في الأرض و لا مقلوعا، لأنه إنما يملك قلعه مع الأرش، بل إما أن يقوم الأرض و فيها الغرس

ج 37، ص: 372

ثم تقوم خالية، فالتفاوت قيمة الغرس، فيدفعه الشفيع أو ما نقص منه، أو يقوم الغرس مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.

و نحوه في الدروس، و لكن قال: «و هذا لا يتم إلا على قول الشيخ بأن الشفيع لا يملك قلعه، و أنه يجاب إلى القيمة لو طلب تملكه، و هو مشكل».

قلت: مضافا إلى أنه لا يقهر على الثاني منهما أيضا، فكل منهما غير مستحق إلا مع الرضا به، فلا وجه لملاحظته في التقويم، بل قد ينقدح من ذلك الإشكال في جعل الثاني من أحد وجوه التخيير، ضرورة عدم انحصار وجوه التراضي فيه.

بل قد يشكل الوجه الأول من وجهي التقويم أيضا بأنه قد يكون لضميمة كل من الغرس و الأرض إلى الآخر باعتبار الهيئة الاجتماعية دخل في زيادة القيمة، و ذلك بتمامه لا يستحقه المشتري، فكيف يكون ما عدا قيمة الأرض خالية من مجموع القيمتين حقا للمشتري.

بل قد يشكل الثاني أيضا بأنه لا يتم على القول بوجوب دفع الأرش مع القلع، لأنه لا يملك طلب الأجرة على الإبقاء، إذ القلع لا يسوغ إلا مع ضمان الأرش، فما دام لا يبذله فالإبقاء واجب عليه، و لا اجرة له عليه.

و في المسالك «أنه لا يقوم مستحقا للبقاء في الأرض مجانا و لا مقلوعا مطلقا، لأنه إنما ملك قلعه مع الأرش فيقوم كذلك، بأن يقوم قائما غير مستحق للقلع إلا بعد بذل الأرش أو باقيا في الأرض بأجرة إن رضي المالك، فيدفع قيمته كذلك إلى المشتري، و إن اختار القلع فالأرش هو ما نقص من قيمته كذلك بعد قلعه» و لعله لا يخلو من شي ء مع

ج 37، ص: 373

التأمل فيما ذكرناه من أنه لا استحقاق له في البقاء.

و لو دفع الأجرة فلا أرش له من حيث البقاء، نعم قد يحصل فيه نقص بالقلع و قد لا يحصل، كما لو فرض قلعه على وجه لا نقصان فيه فيه عن حال قيامه، و حينئذ فلا أرش محقق بالقلع على القول به، و أما على المختار فلا يحتاج إلى شي ء من ذلك. و قد تقدم تحقيق القول في الأرش في الغرس في الأرض المستعارة(1)و فيما لو جاء السيل بنخلة شخص فغرسها في ملك الغير(2)فلاحظ ما تقدم لنا في الكتب السابقة، و الله العالم.

و على كل حال فلو اختلف الوقت فاختار الشفيع قلعه في وقت أسبق تقصر قيمته عن قلعه في وقت آخر ليخف الأرش عليه فله ذلك إذ لا يجب عليه الإبقاء إلى أن يجي ء الزمان الذي تكثر فيه قيمته، كما هو واضح.

و لو غرس المشتري أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع على وجه يكون الغرس و البناء بالاذن المعتبر بأن كان الشفيع لا يعتقد الشفعة له، أو يتوهم كثرة الثمن ثم تبين له الخلاف فأخذ الشفيع بالشفعة فالحكم كما إذا غرس أو بنى بعد القسمة.

و أما الثالث و هو النزول عن الشفعة الذي حكي عن المبسوط أنه قال: «لا كلام فيه» و في جامع المقاصد «لا بحث فيه» و في المسالك «هو واضح» فقد يشكل بأنه لا دليل على تسلط الشفيع على فسخ شفعته بعد أن أخذ بها. كما هو المفروض في موضوع المسألة.

نعم لو كان هذا التخيير قبل الأخذ لكان جواز النزول بمعنى ترك


1- 1 راجع ج 27 ص 175- 178.
2- 2 راجع ص 209.

ج 37، ص: 374

الأخذ بالشفعة واضحا لا بعد الأخذ، خصوصا لو رضي المشتري ببذل الغرس و البناء له مجانا و إن كان لا يجب عليه القبول، لما فيه من المنة.

و لكن أقصى ذلك أنه يجبره الحاكم على قلعه و على دفع الأجرة مدة الامتناع بل و على اجرة القلع إن احتاج، و الله العالم.

و إذا زاد ما يدخل في الشفعة تبعا كالودي المبتاع مع الأرض فيصير نخلة أو الغرس من الشجر يعظم و كزيادة أغصان الشجر و نحو ذلك مما هو نماء متصل بالعين التي تعلقت الشفعة بها فالزيادة للشفيع بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط، بل قيل: مراده نفيه بين المسلمين بل و لا إشكال، ضرورة تبعية ذلك للعين التي تعلق بها حق الشفعة.

نعم في المسالك «الودي بكسر الدال المهملة بعد الواو المفتوحة و الياء المشددة أخيرا بوزن «غني» فسيل النخل، و زاد بعضهم قبل أن يغرس، و لكن المراد هنا المغروس ليكون تابعا للأرض، أما غير المغروس فلا شبهة في عدم تبعيته للأرض في الشفعة».

قلت: هو كذلك إذا كان مطروحا على وجه الأرض، أما إذا كان نابتا في أسفل النخلة مثلا و لكن لا يكون نخلة حتى يقلع منها ثم يغرس فدعوى عدم تبعيته للأرض في الشفعة محل منع، خصوصا مع فرض كون عنوان الشفعة البستان و الحائط، كما في بعض نصوص الجمهور(1)الذي انجبر بعمل الأصحاب. ضرورة دخول ذلك و نحوه فيه، نعم لو تجدد فسيل بعد البيع لم يكن للشريك الشفعة فيه، لعدم دخوله في المبيع.

و أما ما يبس من أغصان الشجر أو سعف النخل بعد الابتياع و تعلق حق الشفعة به فلا يبعد بقاؤها فيه حتى لو قطع منها، للأصل،


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 104 و 109.

ج 37، ص: 375

و لأنه كالأحجار المنقضة من الدار، و كذا كل ما كان كذلك من الكرب و نحوه.

و توهم كونه من النماء المنفصل فيختص به المشتري يدفعه فرض تعلق حق الشفعة به حال الابتياع و لا دليل على زواله، نعم لو كان كذلك حال الابتياع أمكن منع الشفعة فيه لكونه منقولا أو بحكمه حال الابتياع، فلا يتعلق به حق الشفعة، بل يكون حينئذ من ضم المشفوع إلى غير المشفوع، و الله العالم.

هذا كله في النماء المتصل على الوجه المزبور.

أما النماء المنفصل المتخلل بين العقد و الشفعة كسكنى الدار و ثمرة غير النخل بل و النخل بعد التأبير فهو للمشتري بلا خلاف بل و لا إشكال، ضرورة أنه نماء ملكه و إن كان متزلزلا، على أنه ليس من متعلق البيع الذي ثبت فيه حق الشفعة، فهي حينئذ للمشتري و إن بقيت على الشجرة، لأنها بحكم المنفصل.

نعم لو حمل النخل بأن حصل فيه الطلع بعد الابتياع فأخذ الشفيع قبل التأبير قال الشيخ (رحمه الله) في محكي المبسوط:

فيه قولان: أولاهما أن الطلع للشفيع لأنه بحكم السعف كما يومئ إليه اندراجه في بيع البستان، و لعله لذا يحكي عن الفاضل في التذكرة أنه قوى الدخول في الشفعة فيما إذا كان الطلع غير مؤبر وقت الشراء ثم أخذه الشفيع قبل التأبير.

و لكن الأشبه بأصول المذهب و قواعده اختصاص هذا الحكم بالبيع (11) لدليله الذي قد عرفت الحال فيه في محله، فلا يلحق به الشفعة.

ج 37، ص: 376

و أبعد من ذلك ما يحكى عنه أيضا فيه و في الخلاف من أنه إذا باع النخل منضما إلى الأرض و هو مثمر و شرط الثمرة في البيع كان للشفيع أخذ ذلك أجمع، لعموم الأخبار، و نحوه ما سمعته من التذكرة في غير المؤبر.

و فيه أن الفرض تخصيص عمومها بغير المنقول الذي منه الثمرة و إن بقيت عليه إلى أوان بلوغها، و حينئذ فهو من بيع المشفوع و غير المشفوع الذي قد عرفت أخذ الشفيع له بما يخصه من القيمة، و كذا الحال في كل ما كان نحو الثمرة في الاستعداد للنقل.

و على كل حال فالمشتري يستحق بقاء الثمرة إلى وقت أخذها مجانا بلا خلاف أجده، و هو إن تم إجماعا كان الحجة، لا ما ذكروه من أن له أمدا ينتظر، و ستعرف الكلام في الزرع الذي هو نحو ذلك، و الله العالم و الهادي.

و لو باع شقصين من دارين مثلا فان كان الشفيع واحدا فأخذ منهما أو ترك جاز، و كذا إن أخذ من إحداهما و عفا عن شفعته من الدار الأخرى.

و ليس كذلك لو عفا عن بعض شفعته من الدار الواحدة ضرورة وضوح الفرق بينهما و إن كان الداران ملكا لواحد و المشتري واحدا، بأن الشركة في أحد الشقصين سبب غير الشركة في الآخر فلا تكون الشفعة فيهما واحدة بخلاف الدار، فان سبب الشركة فيها واحد كما أشرنا إلى ذلك عند البحث في عدم جواز تبعض الشفعة، فلاحظ، و الله العالم.

و لو بان الثمن الذي دفعه المشتري مستحقا للغير فان كان الشراء بالعين و لم يجز المالك فلا شفعة، لتحقق

ج 37، ص: 377

البطلان بالبيع الذي هو سبب استحقاق الشفعة. و إن كان الثمن في الذمة ثبتت الشفعة، لثبوت الابتياع و إن فسد الوفاء بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك و لا إشكال، و الله العالم.

و لو دفع الشفيع الثمن للمشتري فبان مستحقا بعد أن كان الشفيع جاهلا به لم تبطل شفعته على التقديرين أي كون ثمن المشتري معينا أو مطلقا، ضرورة كون البيع صحيحا و هو سبب الشفعة، إذ المستحق هو ما دفعه الشفيع لا المشتري، أو أن المراد تقديري أخذ الشفيع الشفعة بالثمن المستحق بأن قال مثلا: تملكت الشقص بهذه الدراهم أو المطلق الذي رضى المشتري به في ذمته، فقال: تملكته بعشرة دراهم، ثم دفع المستحق وفاء.

و لعله أولى ليوافق ما في غيره من كتب الأصحاب، و الأمر سهل بعد وضوح الحكم، و هو عدم البطلان، لأن المفروض جهله، فلا ينافي ذلك الفورية على كل تقدير، و إنما يجب عليه الفور بعد العلم.

نعم في الدروس «إنها تبطل إذا علم الشفيع باستحقاق الثمن إذا جعلناها فورية» و لا بأس به بناء على ما ذكرناه من كون الأخذ بالشفعة لا يكون إلا بعد دفع الثمن، أو أنه جزء المملك.

لكن في المسالك «و لو كان عالما ففي بطلانها وجهان مبنيان على أن الملك يحصل بقوله: أخذت أو به و بدفع الثمن، فعلى الأول لا يضر لحصول الملك، و على الثاني يحتمل البطلان، لمنافاته الفور، و الصحة لأن المعتبر فورية الصيغة، و الأصل عدم اعتبار غيرها».

و لا يخفى عليك ما في الأخير، ضرورة كون المراد فورية نفس الشفعة لا الصيغة المفروض كونها جزء مملك، و لذا جزم بالبطلان مع ذلك الكركي.

ج 37، ص: 378

ثم قال: «و ربما فرق مع العلم بين كون الثمن معينا و مطلقا، لأنه مع التعيين يلغو الأخذ فينافي الفورية، بخلاف المطلق، فإن الأخذ صحيح، ثم ينفذ الواجب بعد ذلك».

قلت: لا ينبغي التأمل في الصحة مع الإطلاق إذا رضي المشتري بكونه في ذمته ثم دفع المستحق للغير، أما الإطلاق بمعنى أنه قال في مجلس الشفعة: أخذت بعشرة دراهم مثلا ثم دفعها في المجلس فالظاهر البطلان معه أيضا، لفوات الفورية بالمعنى الذي ذكرناه.

ثم قال: «و الوجهان آتيان في بطلان الأخذ، و يفتقر إلى تمليك جديد أم يصح و الثمن دين عليه، و الأظهر الثاني مع الإطلاق». و فيه ما عرفت، و الله العالم.

و لو ظهر في المبيع عيب حال البيع فأخذ المشتري أرشه لاختياره ذلك أو لانحصار الحق فيه لإحداثه في المبيع حدثا يمنع الرد أخذه الشفيع بما بعد الأرش الذي هو كالجزء منه، فالثمن حينئذ هو الباقي بعد الأرش فيأخذ به الشفيع.

و إن أمسكه المشتري معيبا و لم يطالب بالأرش أخذه الشفيع بالثمن أو ترك لأن الثمن هو ما جرى عليه العقد، كما ذكر ذلك غير واحد، لكنه لا يخلو من نظر تعرفه عند تحقيق المسألة فيما يأتي إنشاء الله تعالى، و الله العالم.

ج 37، ص: 379

[مسائل ست]
[المسألة الأولى لو قال اشتريت النصف بماءة فترك ثم بان أنه اشترى الربع بخمسين لم تبطل الشفعة]

الأولى قد عرفت فيما سبق أن من الأعذار التي لا تسقط معها الشفعة على القول بفوريتها ما لو قال المشتري مثلا اشتريت النصف بماءة فترك الشفيع الأخذ بها ثم بان أنه اشترى الربع بخمسين فإنه إذا كان كذلك لم تبطل الشفعة و إن كان هو مقتضى التقسيط الموافق للاخبار المفروض كذبه، لأصالة بقائها بعد عدم دليل على بطلانها بغير الإهمال رغبة عنها بعد معرفة الواقع.

و كذا لو قال: «اشتريت الربع بخمسين» فترك ثم بان أنه اشترى النصف بماءة لم تبطل شفعته، لأنه قد لا يكون معه الثمن الزائد و قد لا يرغب في المبيع الناقص فلم يتحقق الإهمال المزبور الذي هو عنوان سقوطها، فيبقى أصالة بقائها بحاله، كما تقدم تحقيق ذلك كله و بيان الضابط فيه و أصل الحكم بذلك، فلاحظ و تأمل.

نعم لو علم أن عدم الأخذ بها لا من حيث كثرة الثمن أو قلة المبيع بل رغبة عنها على كل حال فالظاهر السقوط. و من هنا يتجه للمشتري اليمين على الشفيع لو ادعاه بذلك.

كما يتجه بقاؤها مع الشك في الحال لموت الشفيع مثلا، ضرورة أنه بناء على ما ذكرنا متى قام احتمال العذر لوجود الغرض المعتد به عند

ج 37، ص: 380

العقلاء و يمكن استناد الترك إليه كفى في استصحاب بقائها. و لعل عبارة المصنف و غيره موافقة لذلك و إن كان قد يحتمل القول بأن الشفعة على خلاف الأصل، و المتيقن ثبوتها مع كون الترك لعذر و إلا سقطت، لكن الأول أقوى و أوفق بإطلاق الأدلة، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا بلغه البيع فقال أخذت بالشفعة فإن كان عالما بالثمن صح]

المسألة الثانية إذا بلغه البيع فقال: «أخذت بالشفعة» فإن كان عالما بالثمن صح و ترتب الأثر عليه و إن قلنا بتوقف الملك على دفع الثمن أو الرضا بالصبر به، إذ المراد بالصحة ما يشمل التأهل لترتب الأثر كصحة الأجزاء.

و إن كان جاهلا لم يصح و إن علم بعد ذلك و دفع ف- لو قال حينئذ «أخذت بالثمن بالغا ما بلغ» لم يصح مع الجهالة تفصيا من الغرر كما لو قدم المشتري مثلا على الشراء بالثمن المجهول و رضي به، فان الدخول على تحمل الغرر لا يرفع حكم المترتب عليه من بطلان المعاوضة مع وجوده، و الفرض أن الشفعة بمعنى المعاوضة، لأنه يأخذ بالثمن الذي بيع به. و من هنا اشترط علمه به حين الأخذ حذرا من الغرر اللازم على تقدير الجهل، لأن الثمن يزيد و ينقص، و الأغراض تختلف فيه قلة و كثرة.

هذا خلاصة ما في المسالك و الروضة و جامع المقاصد، بل و المصنف و غيره ممن علل الحكم بالغرر.

بل لعله لذلك اشترط أيضا العلم بالمثمن في جامع المقاصد و الروضة

ج 37، ص: 381

و محكي التذكرة و إن كنا لم نجده لغيرهم، نعم ذكر الشيخ و أبو الصلاح و الفاضلان و الشهيدان و الكركي و الكاشاني على ما حكي عن بعضهم اشتراط العلم بالثمن.

بل قيل: إنه لم يذكر هذا فضلا عن الأول في المقنع و المقنعة و النهاية و الوسيلة و الغنية و المهذب و المراسم و فقه القرآن و السرائر و النافع و التبصرة، بل في مجمع البرهان لا دليل عليه من عقل و لا نقل إلا أن يكون إجماعا.

قلت: هو كذلك بعد عدم ثبوت عموم النهي عن الغرر أولا، و عدم ثبوت كونها معاوضة ينافيها الغرر ثانيا.

نعم قد يقال: إن الشفعة على خلاف الأصل و المتيقن من شرعية الأخذ بها إن لم يكن المنساق من نصوصها هو حال العلم بالثمن، مضافا إلى ما عرفت من اعتبار دفعه في التملك بها، و مع عدم العلم به لا طريق إلى دفعه، و احتمال الاجتزاء بدفع ما يعلم فيه الثمن لا يكفي في قطع الأصل المزبور.

لكن ذلك كله لا يقتضي اشتراطه على كيفية اشتراطه في البيع بحيث لا يجدي قول: «أخذت بالشفعة» و إن علم به بعد ذلك و دفعه. اللهم إلا أن يدعى ظهور

قوله (عليه السلام)(1): «فهو أحق بها من غيره بالثمن»

و «ليس له إلا الشراء و البيع الأول»(2)

في ذلك.

و لكنه واضح المنع، ضرورة أن أقصاه اعتبار دفع الثمن لا العلم به حال الأخذ.

و بالجملة فالذي يمكن استفادته من الأدلة عدم الشفعة مع فرض


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 382

الجهل به على وجه لا يتحقق أنه أخذ بالثمن و بالشراء الأول لموت البائع و المشتري و لا بينة أو لغير ذلك، و هو الذي تسمعه فيما يأتي من المصنف و غيره من كون الجهل مسقطا للشفعة أما غيره فلا.

و لعله لذا ترك اشتراطه من عرفت على وجه يظهر منه عدم اشتراطه و لو بملاحظة ذكره غيره من الشرائط، و أنه في مقام البيان، و قاعدة حجية مفهوم اللقب في عبارات الفقهاء، بل من تعرض لذلك اقتصر أكثرهم على ذكر ذلك في الثمن دون المثمن.

و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا بعد ما عرفت من أنها على خلاف الأصل، و الله العالم.

[المسألة الثالثة يجب على الشفيع تسليم الثمن أولا]

المسألة الثالثة قد عرفت سابقا أنه يجب على الشفيع تسليم الثمن أولا، فإن امتنع الشفيع لم يجب على المشتري التسليم حتى يقبض لما تقدم سابقا من توقف حصول الملك عليه مع طلب المشتري له، فلا حق حينئذ للشفيع قبله و إن قال: «أخذت بالشفعة».

نعم قد يشكل ذلك بناء على حصول الملك بالقول المزبور بأن الشفعة معاوضة أو كالمعاوضة يعتبر فيها التقابض لا تقديم الثمن أولا و إن قيل: إن ذلك لجبر وهنه بالأخذ منه قهرا، بخلاف البيع المبني على التراضي من الجانبين، فلم يكن أحد المتعاوضين أولى من الآخر بالبدءة فيتقابضان معا مع أنه قد قيل بوجوب تسليم البائع أولا فيكون هنا أولى.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا يوافق أصول الإمامية، بل مقتضى القول

ج 37، ص: 383

المزبور تسليم المشتري الشقص أولا، ضرورة كونه الذي هو بمنزلة البائع للشفيع، اللهم إلا أن يريد بذلك أصل الابتداء من أحدهما لا التقابض و الله العالم.

[المسألة الرابعة لو بلغه أن المشتري اثنان فترك الشفعة فبان واحدا لم تبطل الشفعة]

المسألة الرابعة:

لو بلغه أن المشتري اثنان فترك الشفعة لذلك فبان واحدا أو واحد كذلك فبان اثنين أو بلغه أنه اشترى لنفسه فبان لغيره أو بالعكس لم تبطل الشفعة ل- ما عرفت من اختلاف الغرض في ذلك عند العقلاء، و قد عرفت الضابط و غيره مما يتعلق بذلك.

و ما أدري ما الذي دعا المصنف إلى عدم نظم هذه الأمثلة كما صنع الفاضل في القواعد؟ مع أن كتابه مبني على التهذيب، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا كانت الأرض مشغولة بزرع يجب تبقيته]

المسألة الخامسة:

إذا كانت الأرض مشغولة بزرع على وجه شرعي يجب على الشفيع تبقيته إلى أوانه مجانا كما في القواعد و التذكرة و التحرير و الدروس. قيل: لأنه تصرف بحق، إذ المفروض أنه تصرف بعد القسمة الشرعية أو بالإذن مع الإشاعة و له أمد ينتظر، فتكون مدته كالمنفعة المستوفاة للمشتري و لا كذلك الغرس و البناء، فإنه لا أمد لهما ينتظر فيه القلع.

و لكنه كما ترى لا يرجع إلى دليل معتد به شرعا، خصوصا إذا كان

ج 37، ص: 384

الزرع بعد القسمة على الوجه الشرعي فأخذ الشفيع بالشفعة، فإنه لم يكن إذن من الشفيع بالزرع حتى يكون كالعارية التي قد عرفت البحث فيها سابقا.

و دعوى كونه حينئذ كالمشتري للأرض ذات الزرع يدفعها- بعد التسليم- إمكان منع الحكم في المشبه به إذا لم يكن عرف يقتضي ذلك على وجه يكون كالشرط المضمر.

على أن مقتضى ما ذكروه من الأمد عدم تسلط الشفيع على فسخ الإجارة لو وقعت من المشتري، لأن لها أوانا ينتظر.

و لعله لذا قال في جامع المقاصد «لو آجر المشتري إلى مدة فأخذ الشفيع فهل له فسخ الإجارة من دون ترجيح» و لكن لا يخفى عليك ما فيه خصوصا مع فرض طول مدة الإجارة.

و بالجملة فهذه اعتبارات لا توافق أصول الإمامية، و من هنا كان المحكي عن جامع الشرائع أنه يجبر المشتري على القلع بعد ضمان الأرش كالغرس.

قلت: بل المتجه بناء على ما ذكرنا عدم الأرش و إن كان لم نجد القائل به، و الله العالم.

و على كل حال ف في الإرشاد و كذا الدروس و محكي المبسوط و شرح الإرشاد للفخر أن الشفيع بالخيار بين الأخذ بالشفعة في الحال و بين الصبر حتى يحصد، لأن له في ذلك غرضا، و هو الانتفاع بالمال و الفرض تعذر الانتفاع بالأرض المشغولة فلا يجب عليه بذل الثمن الموجب للانتفاع به من غير مقابل، فيجوز له حينئذ تأخير الأخذ، لأن تعجيله ملزوم لتعجيل الثمن.

و في المختلف و الإيضاح و جامع المقاصد و محكي التذكرة و ظاهر التحرير

ج 37، ص: 385

لا يجوز له التأخير، و في المسالك لا يخلو من قوة، لأن الشفعة على الفور و مثل ذلك لا يثبت عذرا، كما لو بيعت الأرض في غير وقت الانتفاع، فإنه لا يجوز تأخير الأخذ إلى وقته إجماعا.

و لعله لذلك قال المصنف و كذا الفاضل في القواعد و في جواز التأخير مع بقاء الشفعة تردد.

و لكن لا يخفى عليك قوة الأول، لأن الشفعة و إن كانت على خلاف الأصل إلا أنه بعد تعلقها يكون مقتضى الأصل بقاؤها بعد عدم دليل على الفورية على وجه ينافي ذلك، خصوصا بعد ما سمعت ما ذكروه من الأعذار التي لا تنطبق إلا على إرادة سقوطها مع إهمالها رغبة عنها لا مع الغرض المعتد به عند العقلاء.

و كذا الكلام في ذي الثمرة التي يجب بقاؤها أيضا إلى قطافها، اللهم إلا أن يقال: إن الثمر لا يمنع الانتفاع بالمأخوذ هنا فلا عذر، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا سأل البائع الشفيع الإقالة فأقاله لم يصح]

المسألة السادسة قد عرفت فيما تقدم أيضا أنه إذا سأل البائع الشفيع الإقالة أو بالعكس فأقاله لم يصح، لأنها إنما تصح بين المتعاقدين و هما البائع و المشتري دون الشفيع الذي يأخذ من المشتري، كما هو واضح، و الله العالم.

ج 37، ص: 386

[المقصد الرابع في لواحق الأخذ بالشفعة]

اشاره

المقصد الرابع في لواحق الأخذ بالشفعة

[مسائل]
[المسألة الأولى إذا اشترى المشتري بثمن مؤجل قال الشيخ للشفيع أخذه بالثمن عاجلا]

الأولى:

إذا اشترى المشتري ما فيه الشفعة بثمن مؤجل قال الشيخ في المبسوط و الخلاف و أبو علي و الطبرسي فيما حكي عنهما:

للشفيع أخذه بالثمن عاجلا و له التأخير و أخذه بالثمن في محله و هو المحكي عن أبي حنيفة و الشافعي في الجديد، لاختلاف الذمم في ذلك، فيجب إما التعجيل و إما الصبر إلى وقت الحلول، و لا ينافي ذلك الفورية بعد أن كان التأخير لغرض معتد به عند العقلاء و ليس هو للرغبة عن الشفعة.

و لكن قال الشيخ في النهاية: يأخذه أي الشفيع الشقص من المشتري عاجلا و يكون الثمن عليه إلى وقته حتى لو مات المشتري و حل ما عليه و إن احتمل حلوله على الشفيع حينئذ، لكنه واضح الضعف لما ستعرف. و و إنما يلزم كفيلا بالمال إن أراده المشتري و لم يكن هو وفيا مليا

ج 37، ص: 387

و هو أشبه عند المصنف و كافة من تأخر عنه، بل هو المحكي أيضا عن المقنعة و المهذب و الغنية و السرائر، بل في الخلاف نسبته إلى قوم من أصحابنا مشعرا بوجود القائل فيه غير المفيد ممن تقدم، و أنه قوي، لأن حق الشفعة على الفور، فترك الطلب إلى الأجل مناف له، و أداء الثمن في الحال زيادة صفة في الثمن لا يلزم بها الشفيع.

فالقول الأول حينئذ يستلزم أحد محذورين، إما إسقاط الشفعة على تقدير ثبوتها أو إلزام المشتري بزيادة لا موجب لها، و كلاهما باطلان.

بيان الملازمة أنه لو جوزنا له التأخير لزم الأمر الأول، و المفروض أنها على الفور على ما اعترف به الخصم، و إن لم نجوز له التأخير ألزمناه بزيادة صفة، و هي تعجيل الثمن من غير موجب.

بل ظاهر

قوله (عليه السلام)(1): «هو أحق بها من غيره بالثمن»

إرادة المماثلة بعد معلومية عدم إرادة نفس الشخص، و لا تتحقق إلا بالمساواة في الأجل، و عدم تساوي الذمم الذي ذكره الخصم لا يقتضي ما عرفت من التخيير، لإمكان التخلص بالكفيل الوفي الملي مع فرض عدم كون الشفيع كذلك، فتبقى الشفعة

حينئذ على الفور بعد سقوط العذر بما عرفت.

هذا و لكن في الرياض المناقشة بأن الخبر المزبور لم يدل إلا على عدم وجوب تعجيل الثمن على الشفيع، و هو لا يستلزم وجوب الأخذ بالشفعة حالا إلا على تقدير اعتبار الفورية، و المفروض عدمه، فالمتجه على هذا التخيير بين الأمرين اللذين ذكرهما في المبسوط و الخلاف و بين ما ذكره الأصحاب، و هو في غاية القوة إن لم يكن إحداث قول ثالث في المسألة.

قلت: لكن فيه أنه لا وجه حينئذ لجواز التأخير بعد فرض مشروعية


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 388

الشفعة بالآجل، ضرورة إمكان الفور بالشفعة بلا ضرر على الشفيع.

و لا وقع لقوله:

«و المفروض عدمه» ضرورة أن الاشكال على القول بالفورية، لا على التراخي الذي يمكن معه تأخير الشفعة إلى وقت الحلول، و ما سمعته من الدليل مبني على الفور، و الشيخ (رحمه الله) جعل التأخير للعذر الذي لا ينافي الفورية الذي هو قد اعترف به.

نعم على التراخي يتجه البحث أيضا في أن له الشفعة معجلة مع بقاء الثمن في ذمته إلى الأجل أولا، بل يؤخرها إلى الأجل، لأن الذمم غير متساوية. و بالجملة ما ذكره في غاية السقوط على القول بالفورية.

كما أنه قد يناقش المشهور بمنافاته لما سمعته منهم من وجوب دفع الثمن أولا، لتوقف استحقاق الشفعة عليه، أو لأنه جزء مملك أو شرط كاشف، أو لأن ذلك حكم تعبدي للشفعة و إن لم يتوقف عليه الملك.

و احتمال اختصاص ذلك بغير المؤجل مجرد تهجس لا يساعد عليه شي ء من الأدلة التي هي- مضافا إلى إطلاق أدلة الشفعة-

قوله (عليه السلام)(1): «هو أحق بها من غيره بالثمن»

و ما في المكاتبة(2)من أنه «ليس للشفيع إلا الشراء و البيع الأول»

و خبر علي بن مهزيار(3)المشتمل على بطلان الشفعة بالتأخير عن الثلاثة أيام في المصر، و في غيره بعد مضي مقدار الذهاب و الإياب إليه كما عرفته سابقا، و ليس في شي ء منها تعرض للثمن المؤجل.

على أن مقتضى ذلك اختلاف كيفية التملك بالشفعة في المؤجل و غيره و النصوص كادت تكون صريحة في اتحاد كيفيتها.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 389

و أيضا لو كان المراد من الثمن في النصوص المزبورة ما يشمل المؤجل لكان المتجه اعتبار جميع ما يذكر شرطا فيه بين المشتري و البائع من المكان و الرهن و الكفيل و غير ذلك، إذ لا فرق بين اشتراط الزمان لأدائه و اشتراط غيره من المكان و نحوه مما يرجع إليه، و لا أظن أحدا يلتزمه.

و أيضا إذا فرض شمول النصوص المزبورة للمؤجل على أجله فلا وجه للمطالبة بالكفيل بعد عدم ثبوت الحق، و دعوى اختلاف الذمم في ذلك لا ترجع إلى دليل معتبر يوافق أصول الإمامية بحيث يقطع به إطلاق الأدلة و يسقط الحق الثابت منها مع فرض تعذر الكفيل عليه، خصوصا مع العلم بحال الشفيع، و إنما يناسب هذه الاعتبارات مذاق العامة القائلين بذلك، كأحمد و مالك و الشافعي في القديم.

و أيضا يتجه عليه أنه لا يجب على المشتري قبوله فضلا عن البائع لو بذله الشفيع حالا، لتعذر الكفيل عليه مثلا، كما لا يجب على البائع قبوله من المشتري كذلك، إذ الأجل حق لهما، و يمكن أن يكون للمشتري غرض بالتأخير، و ظاهر المفيد بل صريحه في المقنعة التزامه ذلك.

و لكن لا يخفى ظهور كلامهم في غيره، و استشكله في الرياض بناء على مذهب المشهور ثم قال: «و لا يبعد اللزوم عليه التفاتا إلى أن الحكم بالتأجيل في حق الشفيع إنما هو مراعاة لحقه و استخلاص له عن لزوم التعجيل به، فإذا أسقط حقه و تبرع بالتعجيل فلا موجب للمشتري عن عدم قبوله مع دلالة الإطلاقات على لزومه».

قلت: مع فرض دلالة الإطلاق على ذلك لم يكن وجه لجواز شفعته مؤجلا، ضرورة أن مبنى ذلك كما عرفت دعوى ظهور قوله (عليه السلام):

«بالثمن» في المماثلة حتى بالتأجيل، و حينئذ يكون الأجل بالنسبة إليه

ج 37، ص: 390

كالأجل بالنسبة للمشتري، و إن كان الأقوى ما عرفت من ظهور الأدلة في اعتبار الحلول في الثمن في مشروعية الشفعة عندنا.

و إنما كلامنا على المشهور الذي مقتضاه أن للمشتري عدم القبول و إن بذله الشفيع و إلزامه بالكفيل.

و فيه ما عرفت، مضافا إلى منافاته للإرفاق بالشفيع الذي ثبتت له الشفعة مراعاة للضرر عليه، و لا ريب في حصول كمال الضرر عليه بإلزامه بالكفيل و عدم قبول الثمن حالا منه على وجه تسقط شفعته إن لم يتيسر له ذلك.

و أيضا قد عرفت أن الشفعة على خلاف الأصل، و المتيقن من ترتب الأثر على الأخذ بها مع دفع الثمن فعلا، بل إن لم يكن إجماع على كفاية الصبر من المشتري في ثبوته في ذمة الشفيع أمكن المناقشة في ثبوتها فيها على وجه يكون دينا له على الشفيع و يملكه بالإيجاب من الشفيع خاصة.

و على كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله أن المتجه حينئذ اعتبار الحلول عليه متى أخذ بالشفعة ليتم ملكه للشقص، و لظاهر

قوله (عليه السلام)(1): «أحق بالثمن»

و المراد منه من حيث المقدار، و خبر ابن مهزيار(2)و غير ذلك مما أشرنا إليه.

نعم هل يكون التأجيل للمشتري عذرا للشفيع لو أراد التأخير بشفعته من حيث الزيادة له بناء على الفورية؟ وجهان لا يخلو أولهما من قوة بناء على ما تكرر منا غير مرة من أن مقتضى إطلاق الأدلة ثبوت حق الشفعة على الدوام، و الضرر على المشتري بذلك هو الذي أدخله على

نفسه بشرائه ما فيه الشفعة غير ملاحظ لما يسقطها، و لكن للإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 391

المحكي أو غيره قلنا بسقوطها مع الإهمال رغبة عنها من حيث كونها كذلك لا لغرض معتد به عند العقلاء، و بعد تسليم عدم كون ذلك عذرا مجوزا للتأخير لا مدخل له فيما ذكرناه من أن الشفعة على الحلول مطلقا.

و حينئذ فكلام الشيخ (رحمه الله) قد تضمن أمرين لا مدخلية لأحدهما في الآخر، و الله العالم.

[المسألة الثانية الشفعة تورث]

المسألة الثانية قال المفيد و المرتضى (رحمهما الله) و أبو علي و الشيخ في بيع الخلاف و ابن إدريس و يحيى بن سعيد و الآبي و الفاضل و الشهيدان و الكركي و المقداد و ابن فهد و الصيمري و غيرهم على ما حكي عن بعضهم:

إن الشفعة تورث و لو للإمام (عليه السلام) سواء طالب المورث أو لا إذا لم يكن ذلك إسقاطا، بل ظاهر المرتضى و عن صريح السرائر الإجماع عليه، لعموم الأدلة كتابا(1)و سنة(2)سيما

المرسل(3)في المسالك و غيرها عنه (صلى الله عليه و آله) «ما ترك الميت من حق فهو لوارثه»

المندرج فيه حق الخيار بلا خلاف. بل قيل: إنه متفق عليه،


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2 و غيرهما- من أبواب موجبات الإرث من كتاب المواريث.
3- 3 لم نعثر على مصدر لهذا المرسل في كتب الأخبار للخاصة و العامة، و انما اشتهر على ألسنة الفقهاء و ذكر في المجامع الفقهية: و الموجود« من مات و ترك مالا فلورثته» أو« فللوارث» كما في الوسائل- الباب- 3- من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة- الحديث 4 و 14. و مسند احمد ج 2 ص 290 و 453 و 456 و ج 3 ص 296 و 371 و ج 4 ص 131.

ج 37، ص: 392

و كذلك حق القذف و غيره مما هو كالشفعة، و تجدد ملك الوارث لا ينافي أخذ ما استحقه مورثه.

و لكن مع ذلك قال الشيخ في النهاية و محكي الخلاف هنا و المهذب و الوسيلة و الطبرسي لا تورث بل عن المبسوط نسبته إلى الأكثر تعويلا على رواية محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد(1)

عن جعفر بن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنه قال: «لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم، و قال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله)

قال: لا يشفع في الحدود، و قال: لا تورث الشفعة».

و لكن هو أي طلحة بن زيد بترى بل قيل: إن محمد بن يحيى غير معروف و إن كان فيه أن الظاهر كونه الخزاز، بل قيل: إن الظاهر عد حديث طلحة من القوي أو الموثق لأن كتابه معتمد و داخل تحت إجماع العدة و أن صفوان يروي عنه، إلا أن ذلك غير مجد بعد إعراض من عرفت عنه و تحقق خلاف الأكثرية المحكية.

و من هنا كان الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها عدم الخروج بمثله عن العمومات، خصوصا بعد رجوع الشيخ في الخلاف إلى الأول في كتاب البيع المتأخر عن الشفعة، و معلومية كون النهاية متون أخبار و رواية الصدوق له أعم من عمله به، كما لا يخفى على من لاحظ كتابه.

فينحصر الخلاف حينئذ في نادر، و خصوصا بعد إضماره و موافقته للمحكي عن الثوري و أبي حنيفة و أحمد، و لذا قال المصنف تمسكا بعموم الآية.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب الشفعة- الحديث 1.

ج 37، ص: 393

فمن الغريب بعد ذلك كله ميل المقدس الأردبيلي إلى العمل أو قوله به، و الله العالم.

[المسألة الثالثة الشفعة تورث كالمال]

المسألة الثالثة و هي أي الشفعة بناء على أنها تورث كالمال تقسط على النصيب لا الرؤوس فلو ترك زوجة مثلا و ولدا فللزوجة الثمن و للولد الباقي بلا خلاف أجده فيه بيننا و إن توهم ذلك من عبارة المبسوط، قال: «فمن أثبت الميراث في الشفعة ورثه على فرائض الله، فان خلف زوجة و ابنا كان لها الثمن و الباقي لابنه، و على هذا أبدا عند من قسمه على الأنصباء، و من قسمه على الرؤوس جعله بينهما نصفين» و الظاهر أنه أراد العامة.

قال في محكي التذكرة: «اختلفت الشافعية، فقال بعضهم: إن الشافعي قال: إنها على عدد الرؤوس، و نقله المزني عنه، و قال بعضهم:

هذا لا يحفظ عن الشافعي، فإن الجماعة إذا ورثوا أخذوا الشفعة بحسب فروضهم قولا واحدا، لأنهم يرثون بالشفعة عن الميت، لا أنهم يأخذونها بالملك».

لكن في المختلف بعد أن ذكر ما في المبسوط قال: «إن كلامه الأخير يصير المسألة خلافية».

و على كل حال فلا خلاف محقق و لا إشكال، ضرورة أنه مقتضى ثبوتها بالإرث القسمة على النصيب كغيرها من الموروث، و ليس ثبوتها

ج 37، ص: 394

بالشركة، و لذا أثبتها من لم يقل بالشفعة مع الكثرة كما أومأ إليه في الدروس و غيرها.

قال: «ليس هذا مبنيا على الكثرة، لأن مصدرها واحد، فتقسم على السهام- ثم قال-: و لك أن تقول هل الوارث يأخذ بسبب أنه شريك أم يأخذ للمورث ثم يخلفه فيه؟ فعلى الأول يتجه القول بالرؤوس و على الثاني لا».

و من الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض من دعوى «أن الحجة على ذلك غير واضحة عدا ما استدلوا به لإثبات أصل المسألة من عمومات الإرث، و هو حسن إن بلغ درجة الحجة كما ظنوه، و إلا- كما ذكره بعض الأجلة، و لعله لا يخلو من قوة- ففيه مناقشة، و الأصل يقتضي التسوية، لكن المخالف لهم غير معروف و إن ذكروه قولا، و الظاهر أنه من العامة كما يستفاد من جماعة».

و فيه أنه مع فرض عدم تناول أدلة الإرث لذلك لا شفعة أصلا للوارث الذي تجدد ملكه بعد حصول البيع و إن كانت ثابتة للمورث، لكن الفرض عدم تناول أدلة الإرث لذلك، فليس حينئذ إلا الشركة المتجددة و هي لا تقتضي الشفعة، كما هو واضح.

ثم إن ذكر الزوجة في المتن و غيره لبيان أنها لا تحرم من الشفعة و إن حرمت من بعض الأشياء، بل قد يقال: إنه لبيان أنها ترث الشفعة في العقار و إن لم تكن ترث من الشقص الذي استحق به المورث الشفعة، فهي تشارك الورثة في الشفعة دون الشقص الذي انتقل إليه من المورث، فان استحقاقهم الشفعة ليس للشركة، ضرورة تجدد ملكهم، بل هو للإرث المشترك بينهم و بينها في سببه المستفاد من الكتاب(1)و السنة(2).


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2 و غيرهما- من أبواب موجبات الإرث من كتاب المواريث.

ج 37، ص: 395

اللهم إلا أن يقال: إنها تمنع من الإرث للعقار و للحق المتعلق به المقتضى لانتقاله أيضا، خصوصا مع ملاحظة ما رود(1)من حكمة منعها من الإرث منه مؤيدا بأن إرث الشفعة إنما يكون بارث سببه، و الفرض عدم إرثها في الشقص الذي هو سببها. إلا أن الجميع كما ترى.

و عليه قد يتصور إرثها للشفعة بالشركة في الشرب، فإنها ترث منه و يتبعه إرثها للشفعة حينئذ.

و بالجملة فالمراد أنها حيث ترث الشفعة يكون لها الثمن في المشفوع و الباقي للولد إذا لم يكن غيرهما، لا أنه يكون بينهما بالنصف كالشريكين على القول بثبوتها مع تعدد الشركاء، كما عرفت الكلام فيه مفصلا.

و احتمال القول به هنا كذلك أيضا لبعض النصوص السابقة يدفعه عدم الجابر له في المقام لما عرفت، و الله العالم.

و كيف كان ف- لو عفا أحد الوراث عن نصيبه لم تسقط الشفعة و إن قلنا بالسقوط لو وقع ذلك عن المورث الذي لا شريك له فيها، بناء على منافاة مثله للفورية، و الفرض عدم صحة التبعيض منه، بخلاف الفرض الذي قد اشترك فيه جميع الورثة، فلا يسقط الحق بعفو البعض نعم لو فرض أن الوارث واحد و عفا عن البعض سقطت بناء على السقوط بمثله في المورث.

و على كل حال فإذا عفا البعض كان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع لأن عفوه إنما يسقط استحقاقه نفسه الأخذ لا الشفعة عن مقدار حقه، لما عرفت من عدم تبعض الشفعة، و الفرض أن مصدرها هنا واحد، فليست إلا شفعة واحدة و إن تكثر المستحق لها على وجه توزع عليهم على قدر النصيب لو أخذوا بها.


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ميراث الأزواج- من كتاب المواريث.

ج 37، ص: 396

و بذلك ظهر لك الفرق بين المقام و بين العفو من أحد الشركاء بناء على ثبوتها مع الكثرة، لأنها باعتبار تعدد مستحقيها أصالة كانت بمنزلة تعدد الشفعات، فيمكن القول بصحة عفو البعض بالنسبة إلى نصيبه خاصة، و لا تبعيض في الشفعة كما سمعته من أبي علي سابقا، بل سمعت ما يقتضي قوته.

لكن عن التذكرة هنا «الوجه أن حق العافي للمشتري، لأنهما لو عفوا معا لكان الشقص له فكذا إذا عفا أحدهما يكون نصيبه له، بخلاف حد القذف، فإنه وضع للزجر، فلله تعالى فيه حق» بل قد سمعت سابقا ما في الانتصار أيضا، بل تأمل في ذلك أيضا المقدس الأردبيلي هنا.

و هو و إن كان مؤيدا لما ذكرناه سابقا على القول بالكثرة إلا أن الانصاف إمكان الفرق بين المقامين بما عرفت.

و كيف كان فقول المصنف و فيه تردد ضعيف محتمل لإرادة بيان احتمال سقوط أصل الشفعة بعفو البعض كالمورث، و لإرادة بيان صحة عفو العافي في نصيبه، فيأخذ غيره من شركائه ما عداه، و قد عرفت وجه ضعفه على كلا التقديرين.

نعم لو عفا أحد الوراث و طالب الآخر فمات المطالب و ورثه العافي فله الأخذ بالشفعة، لاستحقاق المطالب الجميع بعد عفو العافي، فبموته؟ انتقل استحقاقه إلى وارثه الذي هو العافي، و لا يضر عفوه السابق، لأن هذا حق آخر بسبب آخر غير الأول.

فما في القواعد و المحكي من حواشيها للشهيد من الإشكال في ذلك غير محله.

و لو مات مفلس و له شقص فباع شريكه كان لوارثه الشفعة، بناء

ج 37، ص: 397

على المختار من انتقال التركة للوارث و إن استغرقها الدين، أما على القول ببقائها على حكم مال الميت ففي ثبوت الشفعة إشكال، و على تقديره ففي الأخذ بها له إشكال.

و لو بيع بعض ملك الميت في الدين لم يكن لوارثه المطالبة بالشفعة بناء على أن التركة ملك له، بل و على القول بأنها على حكم مال الميت و أنه لا يملك شيئا منها إلا بعد قضاء الدين، ضرورة تجدد ملكه حينئذ بعد البيع، فلا يستحق شفعة، نعم لو قلنا بأنه يملك الزائد عن قدر الدين اتجه احتمال ثبوتها له، لأنه شريك حينئذ.

و كذا الكلام فيما لو كان الوارث شريكا للمورث فبيع نصيب المورث في الدين.

و لو اشترى شقصا مشفوعا و أوصى به ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لسبق حقه، و يدفع الثمن إلى الورثة، و بطلت الوصية التي هي ليست أولى من الوقف، لتعلقها بالعين لا البدل.

و لو أوصى لإنسان بشقص فباع الشريك بعد الموت قبل القبول استحق الشفعة الوارث، بناء على أن القبول ناقل، لأنه المالك حينئذ دون الموصى له، نعم بناء على أن القبول كاشف عن ملكه بالموت تكون الشفعة له إذا قبل و شفع فورا، و لا يستحقها قبل القبول، لعدم العلم بكونه مالكا قبله، و حينئذ يتجه كونه عذرا له.

لكن في الدروس «هل يكون ذلك عذرا له؟ الأقرب لا» و فيه ما عرفت.

بل في القواعد «و لا يستحق الوارث أي المطالبة لأنا لا نعلم أن الملك له قبل الرد- ثم قال-: و يحتمل مطالبة الوارث، لأن الأصل عدم القبول، و بقاء الحق».

ج 37، ص: 398

و فيه أنه- مع اعتبار الرد في تملكه أيضا مقتضى- الأصل عدمه، فهو حينئذ مملوك لمالك في الواقع غير معين، و عدم القبول الذي يدعى أصالة عدمه مرجعه إلى أمر وجودي، و هو إنشاء عدم إرادته لا السكوت فإذا مات انتقل إلى وارثه، و هكذا تملك كل منهما في الحقيقة متوقف على أمر وجودي مقتضى الأصل عدمه، لأن الموت صالح لتمليك الموصى له و لتمليك الوارث لمكان الوصية المستعقبة للقبول و الرد، فليس هناك حق لأحدهما يستصحب بقاؤه.

و على تقدير استحقاقه المطالبة لو طالب ثم قبل الموصى له افتقر إلى الطلب ثانيا، لظهور عدم استحقاق المطالب، و لو لم يطالب الوارث حتى قبل الموصى له فلا شفعة للموصى له، بناء على النقل، و في الوارث وجهان مبنيان على ثبوتها لمن باع قبل العلم ببيع شريكه و عدمه، أقواهما الثبوت، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة سقطت شفعته]
اشاره

المسألة الرابعة:

إذا باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة على وجه لا ينافي الفورية قال الشيخ و القاضي و ابن حمزة و يحيى بن سعيد و الفاضل و الشهيد و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم سقطت شفعته بل لا خلاف فيه محقق كما ستعرف، لأن البيع بعد العلم يؤذن بالإعراض عنها، كما إذا بارك أو ضمن الدرك و لأن الاستحقاق لها بسبب النصيب مع البيع، للضرر المنفي حال البيع، و قد زال بزوال أحد جزئية، فيزول المسبب، و لا يكفي وجوده حال الشراء، لظهور

ج 37، ص: 399

قوله (عليه السلام)(1): «لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم»

في اعتبار حصولها حال الشفعة و إلا لثبت لغير شريك، مؤيدا بما سمعته من كون العلة في ثبوتها الضرر الممتنع مع البيع.

و لكن قد يناقش بمنع الإيذان المزبور، ضرورة أعمية البيع منه، و بأن المسلم من جزئية الشركة للسبب حصولها حال البيع، لا بقاؤها إلى حال الأخذ، فإن النصوص إنما هي في بيان موضوع استحقاق الشفعة لا أخذها.

و دعوى ظهورها في اعتبار بقاء وصف الشريك الغير المقاسم حال الأخذ واضحة

المنع، بل صريح كلامهم في استحقاق الشفعة للشريك و إن حصلت القسمة الشرعية مع الوكيل أو غيره.

و الضرر إنما هو حكمة لا علة، و الظهور من الخبر المزبور قد عرفت أنه حين تعلقها للعين الأخذ بها، و ليس ذلك إثباتا لها لغير شريك بل هو استدامة لثبوتها حال الشركة، هذا كله مع العلم.

أما لو باع قبل العلم فعن الشيخ و يحيى بن سعيد و ظاهر ابن حمزة لم تسقط، لأن الاستحقاق سابق على البيع و في القواعد ففي البطلان إشكال ينشأ من زوال السبب و من ثبوته قبل البيع، قيل و نحوها ما في التحرير و الحواشي و الدروس من عدم الترجيح مع الميل في الأخير إلى البطلان الذي هو خيرة الإرشاد و المختلف و جامع المقاصد و مجمع البرهان، و في المسالك لا يخلو من قوة.

لكن لا يخفى عليك ما في التعليل المزبور المقتضي للصحة أيضا في الصورة السابقة، فمن الغريب الاشكال هنا من جهته مع الجزم بالسقوط في الأول فضلا عن الجزم بعدم السقوط هنا، و لعله لذا جزم من عرفت


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشفعة- الحديث 2.

ج 37، ص: 400

بالبطلان كالأولى، إلا أنه قد عرفت الإشكال في ذلك.

و أما المتن فالموجود عندنا في نسختين و حكي أيضا عن ثلاث نسخ مصححة محشاة و لو قيل ليس له الأخذ في الصورتين كان حسنا بل في الدروس حكاية البطلان عنه أيضا، و حينئذ يكون من القائلين بالسقوط فيهما.

لكن في المسالك «أن الذي اختاره المصنف عدم البطلان مطلقا، لأن الاستحقاق ثبت بالشراء سابقا على بيعه، فيستصحب لأصالة عدم السقوط، و لقيام السبب المقتضي له، و هو الشراء، فيجب أن يحصل المسبب».

و لعله عثر على نسخة خالية عن لفظ «ليس» و من هنا جعل الأقوال في المسألة ثلاثة: السقوط مطلقا، و عدمه كذلك، و التفصيل بين حالي العلم و الجهل، و حينئذ يكون موافقا لما ذكرناه من أن الأقوى عدم السقوط مطلقا، مع أنه لا وحشة من الانفراد مع الحق، كما لا انس بالكثرة مع الباطل.

و على كل حال فلا إشكال في أن للمشتري الأول الشفعة على الثاني إذا لم يشفع الشفيع بنصيبه بناء على ثبوت الشفعة له، ضرورة كونه حينئذ شريكا قديما، و قد حدث عليه ملك المشتري الثاني، بل و إن شفع في أقوى الوجهين، كما قدمنا ذلك سابقا، و الله العالم.

و منه يعلم الوجه في قول المصنف

[تفريع لو باع الشريك و شرط الخيار للمشتري ثم باع الشفيع نصيبه فالشفعة للمشتري]

تفريع على قوله أي الشيخ (رحمه الله) لو باع الشريك و شرط الخيار للمشتري ثم باع الشفيع نصيبه قال الشيخ: الشفعة للمشتري الأول، فإن (لأن خ ل) الانتقال تحقق (يتحقق خ ل) بالعقد و حينئذ يكون شريكا قديما قد حدث عليه ملك المشتري الثاني، فيأخذ الشفيع منه حيث لا تسقط شفعته

ج 37، ص: 401

ببيع نصيبه أو قلنا بعدم السقوط مطلقا، و يأخذ هو من المشتري الثاني.

و لو كان الخيار للبائع أو لهما فالشفعة للبائع الأول عند الشيخ (رحمه الله) بناء منه على أن الانتقال لا يحصل إلا بانقضاء الخيار فالبائع حينئذ هو الشريك.

و على ما يحكى عنه في الخلاف من أن الخيار إذا كان للمشتري وحده ينتقل الملك عن البائع و لا يثبت للمشتري يتجه عدم الشفعة لكل منهما و إن كان هو في غاية الضعف، بل قد عرفت أن الأصح انتقال المبيع إلى المشتري مطلقا، فالشفعة حينئذ له كذلك على الوجه الذي ذكرناه، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو باع شقصا في مرض الموت من وارث و حابى فيه فان خرجت من الثلث صح]

المسألة الخامسة:

لو باع شقصا في مرض الموت من وارث أو غيره و حابى فيه بأن باعه بنصف قيمته مثلا فان خرجت المحاباة من الثلث صح بلا خلاف و لا إشكال و كان للشريك أخذه بالشفعة بما وقع عليه العقد من الثمن، لإطلاق الأدلة و إن لم يخرج منه بأن لم يكن له ما عداه مثلا و لم نقل بخروج المنجز من الأصل، كما هو الأصح صح البيع منه (11) في- ما قابل الثمن و ما يحتمله الثلث من المحاباة (12) لا غيرهما إن لم تجز الورثة (13) و يأخذ الشفيع حينئذ ذلك بكل الثمن.

فلو فرض مثلا كون قيمة الشقص مائتين فحابى و باعه بماءة و ليس له سواه صح البيع في خمسة أسداسه التي هي النصف و الثلث، و بطل في السدس الذي لم يقابله ثمن، فيأخذ الشفيع إن شاء خمسة أسداسه بكل

ج 37، ص: 402

الثمن، لأن الأصل لزوم البيع من الجانبين، خرج منه ما زاد عن الثلث مما لا عوض عنه، فيبقى الباقي، و لأن ذلك بمنزلة بيع و هبة، فالبيع منه ما قابل الثمن و الهبة ما زاد. فتنفذ في الثلث منه و تبطل في الباقي.

نعم لا يتم ذلك في الربوي كما إذا كان جميع تركته كرا من طعام قيمته ستة دنانير فباعه بكر ردي قيمته ثلاثة، فإن الحكم بصحة ما قابل الثمن منه و الثلث و البطلان في السدس يستلزم الربا، ضرورة كونه حينئذ خمسة أسداس كر بكر.

و من هنا روعيت المطابقة بين العوضين في المقدار مع إيصال قدر العوض و الثلث إلى المشتري، فيرد على الورثة ثلث كرهم و قيمته ديناران و يردون عليه ثلث كره و قيمته دينار، فيصح البيع في ثلثي كل واحد منهما بثلثي الآخر.

لكن الفاضل في أكثر كتبه و الكركي و ثاني الشهيدين قالوا بمثل ذلك في غير الربوي أيضا، لأن فسخ البيع في بعض المبيع يقتضي فسخه في قدره من الثمن، لوجوب مقابلة أجزاء المبيع بأجزاء الثمن، فكما لا يجوز فسخ البيع في جميع المبيع مع بقاء بعض الثمن قطعا فكذا لا يجوز فسخ بعض المبيع مع بقاء جميع الثمن، و إذا امتنع ذلك وجب الفسخ فيهما، لأن المانع في الموضعين هو بقاء أحد المتقابلين بدون المقابل الآخر، كما لو اشترى سلعتين فبطل البيع في إحداهما، فإن المشتري يأخذ الأخرى بقسطها من الثمن، فالمتجه حينئذ في مسألة الدار المزبورة صحة البيع في ثلثيها بثلثي المأة فيأخذ الشفيع ذلك به إن شاء.

إلا أنه لما كانت المسألة دورية- لأنه لا يعرف قدر ما يصح فيه البيع إلا بعد أن يعرف مقدار التركة لتخرج المحاباة من ثلثها، و لا يعرف مقدار التركة إلا إذا عرف قدر الثمن، لأنه محسوب منها، لانتقاله إلى

ج 37، ص: 403

ملك المريض بالبيع- كان لمعرفة ذلك طريقان:

أحدهما إسقاط الثمن من قيمة المبيع و نسبة الثلث إلى الباقي، فيصح البيع بقدر تلك النسبة، ففي المثال تسقط الماءة التي هي الثمن من قيمة المبيع، و هو المائتان، فيبقى ماءة، و ينسب ثلث التركة- و هو ستة و ستون و ثلثان- إلى الباقي بعد الاسقاط، و هو الماءة فيكون ثلثين فيصح البيع في ثلثين بثلثي الثمن.

و الثاني طريق الجبر و المقابلة كما تقدم ذلك كله في كتاب الوصايا، فلاحظ و تأمل.

هذا كله على المختار من كون المنجزات من الثلث و إلا فقد قيل هنا يمضي البيع في الجميع بالثمن من الأصل و يأخذه الشفيع حينئذ بذلك بناء على أن منجزات المريض ماضية من الأصل لكن قد بينا فساده في محله، فلاحظ و تأمل.

ثم لا يخفى أنه لا فائدة في تخصيص المصنف الحكم بالوارث إلا ما قيل من التنبيه بذلك على خلاف العامة في المحاباة معه، فان منهم من حكم بصحة البيع و منع الشفعة، و منهم من منعهما، و منهم من أثبتهما، لكن كان الأولى أن يقول: وارث أو غيره لا الاقتصار عليه خاصة، و الأمر سهل.

[المسألة السادسة إذا صالح المشتري الشفيع على ترك الشفعة صح و بطلت الشفعة]

المسألة السادسة:

إذا صالح المشتري مثلا الشفيع على ترك الشفعة صح و بطلت الشفعة كما صرح به الشيخ و الحلي و الفاضل و الشهيدان و الكركي

ج 37، ص: 404

و غيرهم، بل لا أجد فيه خلافا و إن أشعر به ما في المفاتيح من نسبته إلى القيل.

بل عن ظاهر المبسوط و التذكرة الإجماع عليه حيث قيل فيهما: عندنا لأنه حق مالي كالخيار فينفذ فيه الصلح الذي أدلته عامة له و لغيره من إسقاط حق الزوجة و غيره على وجه يكون الصلح هو المسقط فلا يحتاج بعد إلى إنشاء مسقط نحو الصلح القائم مقام الإبراء.

و دعوى الشك في مشروعية الصلح على الوجه المزبور يدفعها ظهور اتفاق الأصحاب على مشروعيته على الوجه المذكور الذي هو عندهم كالصلح النقلي المملك.

و لا يلزم من ذلك مشروعيته على وجه يفيد فائدة الطلاق أو النكاح أو التحرير أو الوقف أو غير ذلك من العقود بعد ظهور الاتفاق على خلافه.

و عموم جوازه بين المسلمين لو سلم اقتضاؤه ذلك لا يجدي بعد ما عرفت الذي هو العمدة في ذلك لا اعتبار الألفاظ المخصوصة فيها، خصوصا مثل الطلاق الذي

ورد(1)فيه «إنما الطلاق أن يقول.

أنت طالق»

إذ هو- مع أنه لا يتم في غير الطلاق مما لم يرد فيه الحصر المزبور- لا ينافي

المشروعية بالصلح بعد تسليمها، ضرورة كونه صلحا مفيدا فائدة الطلاق أو الوقف أو التحرير، لا أنه طلاق و وقف و تحرير فهو عقد مستقل برأسه مفيد فائدة غيره لا أنه فرع على غيره كما قاله الشيخ، و قد عرفت ضعفه في محله. فالعمدة في المنع حينئذ ما عرفت.

و على كل حال فما في المتن و غيره من كتب الأصحاب من الصلح المذكور في المقام يراد منه المعنى المزبور، و هو الذي يكون مقتضاه السقوط، من غير حاجة إلى مسقط بعد ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق- الحديث 3.

ج 37، ص: 405

و يمكن تصور وجهين آخرين للصلح: أحدهما وقوعه على أن يوجد المسقط كغيره من الأعمال، و ثانيهما إيقاعه على أن لا يأخذ بالشفعة و إن كانت هي حقا له، و لعل عموم الصلح مع عدم ظهور اتفاق على العدم يقتضي الجواز.

إلا أن الأول مع فرض عدم وفائه بما عليه من إنشاء المسقط الذي يفرض توقف السقوط عليه لا يحصل به السقوط حينئذ، لكن لو فعل المصالح ضد ما صولح عليه بأن أنشأ ما يقتضي الأخذ بالحق يترتب على ذلك أثره و إن أثم بعدم الوفاء بالأول أو لا أثر له بعد أن ملك عليه غيره بعقد الصلح؟ وجهان أقواهما الثاني.

و ربما يؤيده ما ذكروه في اشتراط عدم العزل في الوكالة و في اشتراط تحرير العبد فباعه مثلا أو بالعكس، بل و ما ذكروه أيضا في منذور الصدقة مثلا و غير ذلك.

و أما الثاني فلا يبعد أنه على النحو المزبور أيضا، فلا يؤثر بعد إنشاء الشفعة المستحق عليه تركها نحو استحقاق عدم العزل عن الوكالة على الموكل مثلا بالاشتراط في عقد لازم.

و منه يعلم صحة شرط ترك الأخذ به فيه أيضا، فلا يؤثر إنشاؤها بعد ذلك، و ليس ذلك من مخالفة الكتاب و السنة، فان المراد عدم الأخذ بما يستحقه، لا إبطال أصل الاستحقاق.

كما أنه لا ينافي ذلك عدم صحة انتقالها من ذي الحق إلى غيره لو صالح عنها أجنبي على وجه يراد إثبات الشفعة له و إن كان قد يحتمل، لعموم أدلة الصلح، فهو حينئذ و إن لم يكن ممن حصل له سبب الاستحقاق بالأصالة لكنه بالصلح استحقه من ذي الحق الذي هو مسلط عليه كتسلطه

ج 37، ص: 406

على ماله، و لذا ينتقل إلى الزوجة حق ضربها من القسم و ينتقل إلى الأجنبي حق الحجر.

بل قد يحتمل ذلك في الخيار أيضا بناء على أن الفسخ به هو المملك للعين، نحو ما قيل في الرجوع بالطلاق، لا أنه معيد للسبب الأول، فحينئذ ينقل الخيار بالصلح، و يملك المصالح بالفسخ العين ذات الخيار.

و لكن يدفع ذلك كله- مضافا إلى إمكان دعوى الإجماع على خلافه- عدم دليل يقتضي تسلط ذي الحق على حقه بحيث ينقله إلى غيره، و خصوصيات الموارد لا تفيد العموم، و عمومات الصلح و الشرط لا تقتضي ذلك، خصوصا بعد ملاحظة اتفاق الأصحاب ظاهرا لا أقل من الشك، فتبقى حينئذ على مقتضى أصالة عدم الانتقال.

و على كل حال فلا يشكل أصل الحكم هنا بأنه إذا شرع في عقد الصلح كان ذلك منافيا للفورية، فتبطل و يبطل الصلح حينئذ، لإمكان منع منافاة ذلك للفورية، و لإمكان وقوع الصلح مع الوكيل الذي لا يقدح التراخي منه في حق الموكل، و إمكان صلح الشفيع قبل العلم بثمن المبيع أو في حال معذوريته عن الفور بعذر من الأعذار السابقة، فيصح الصلح حينئذ على حسب ما عرفت، و إن كان عوض الصلح بعض الشقص، إذ ليس هو من تبعيض الشفعة الممنوع كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا تبايعا شقصا فضمن الشفيع الدرك عن البائع لم تسقط بذلك الشفعة]

المسألة السابعة إذا تبايعا شقصا فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عهدة الثمن عن المشتري في نفس العقد أو شرط المتبايعان أو

ج 37، ص: 407

أحدهما الخيار للشفيع لم تسقط بذلك الشفعة مع فرض عدم منافاة الفورية بناء على اعتبارها، كما عن الشيخ و غيره التصريح به، لعدم دلالة شي ء من ذلك مع عدم قرائن على الإسقاط، إذ يمكن أن يكون ذلك منه لإرادة إيجاد السبب الذي يستحق به الشفعة.

فما عن التحرير و الإرشاد- من الإشكال في الأول بل في المختلف أن الأقوى البطلان فيهما لأنه دال على الرضا بالبيع- واضح المنع، بل لو اختار اللزوم قبل أن يشفع و لم نقل باعتباره فيها- كما هو الظاهر لإطلاق الأدلة الشامل للبيع المتزلزل- لم تسقط شفعته، كما هو مقتضى إطلاق المحكي عن الخلاف و المبسوط و صريح غيره، للأصل و غيره.

فما عن الإيضاح- من القول به لأن إجازة البيع بعده إسقاط للشفعة بإجماع القائلين بهذا القول- لا يخفى عليك ما فيه بعد فرض عدم المنافاة للفورية، خصوصا مع القول بعدم سقوطها بالمباركة التي هي أولى من ذلك، فما ذكره (رحمه الله) لا حاصل له.

كما أن ما فيه أيضا- من أنه «بقي علينا أن الشفعة هل هي مترتبة على اللزوم أو على العقد؟ يحتمل الأول، من حيث أنها معلولة للبيع، فيتوقف لزومها على لزومه، و من حيث وقوع البيع، و مجردة موجب للشفعة، لعموم النص، و التحقيق أن إمضاء البيع هل هو شرط السبب أو الحكم؟»- لا حاصل له أيضا.

بل فيه ما فيه و إن أطنب بعض مشايخنا في تفسيره، لكن لا حاصل له أيضا بعد معلومية كون السبب مطلق البيع الموجب للانتقال إلى المشتري كما عرفته نصا و فتوى عند تحرير كلام الشيخ في شرطية الخيار في البيع.

نعم قد عرفت أنه مع فرض كون الخيار للبائع مثلا له فسخها بفسخ البيع، فلزومه حينئذ شرط للزومها لا لثبوتها.

ج 37، ص: 408

و من الغريب تسميته له تحقيقا، و هو مع أنه ليس بشي ء لم يذكر فيه ترجيحا، و أغرب منه كلامه الأول، و الله العالم و الهادي.

و كذا لا تسقط الشفعة لو كان الشفيع وكيلا لأحدهما كما صرح به غير واحد، بل في موضع من جامع المقاصد للوكيل في الشراء و البيع أن يأخذ الشفعة قولا واحدا، و إن حكى هو في موضع آخر عن المختلف السقوط، لحصول الرضا بالبيع، و هو مسقط.

و على كل حال فالتحقيق عدم السقوط و إن قال المصنف:

فيه تردد كالمحكي عن التذكرة لما فيه من أمارة الرضا بالبيع بل قد سمعت اختياره في المختلف، بل هو المحكي عن المبسوط أيضا.

لكنه في غير محله، ضرورة عدم كون مطلق الرضا بالبيع مسقطا لها، فان البيع هو السبب في ثبوت الشفعة، و لا ريب في أن من يتوقعها راض به، بل لو حاول عدم الرضا لم يكن مقدورا له، و إنما المسقط رضاه بالبيع، ليبقى ملكا للمشتري، و هذا غير لازم للوكيل، كما هو واضح.

كوضوح فساد التعليل بالتهمة التي يمكن فرض عدمها، و لا يتم في الوكيل على مجرد إجراء الصيغة، و الله العالم.

[المسألة الثامنة إذا أخذ الشفيع بالشفعة فوجد فيه عيبا سابقا على البيع فان كان الشفيع و المشتري عالمين فلا خيار لأحدهما]

المسألة الثامنة:

إذا أخذ الشفيع بالشفعة فوجد فيه عيبا سابقا على البيع فان كان الشفيع و المشتري عالمين بذلك فلا خيار لأحدهما بلا خلاف و لا إشكال.

ج 37، ص: 409

و كذا لا خلاف إن كانا جاهلين و اتفقا على رده أو على أخذه مع الأرش أو بدونه، لكن كان الثمن للشفيع ما بعد الأرش.

توهم إشكال الرد للشفيع- بأن الشفعة ليست بيعا كي يستحق الرد بالعيب فيها- يدفعه عموم دليل الرد في المعيب من غير

فرق بين البيع و غيره، و هو قاعدة الضرر المنجبرة بفتوى الأصحاب هنا، نعم الظاهر عدم أرش له لا على البائع الذي لم يأخذ منه و لا على المشتري لو تصرف فيه بما يمنع من رده إذا لم يكن المشتري قد أخذه من البائع، للأصل و كونه يأخذ من المشتري بالثمن.

بل قد يشكل رجوعه به على المشتري لو أخذه هو إن لم يكن إجماعا بأنه استحقاق حصل للمشتري على البائع خارج عن الثمن، و لذا صح له عفوه عنه، و لو أنه جزء من الثمن ينفسخ البيع فيه قهرا لفوات ما قابله من وصف الصحة في المبيع نحو تبعض الصفقة لم يصح له العفو، لاستحقاق الشفيع حينئذ ما قابله من الثمن الذي دفعه إلى المشتري.

على أن احتمال ذلك مناف لما هو المعلوم من عدم مقابلة الثمن شرعا لوصف الصحة، و عدم استحقاق المشتري عليه عين ما دفعه اليه، و لغير ذلك مما لا يخفى.

اللهم إلا أن يقال: إن ما دل على استحقاق الشفعة بالثمن ظاهر في غير الفرض، بل قد يعد عرفا أن الثمن ما بعد الأرش، و لعل ذلك و نحوه منشأ الاتفاق المزبور، و الله العالم.

و على كل حال فان رده الشفيع كان المشتري بالخيار في الرد و الأرش لأنه لم يحدث فيه حدثا و إن انتقل عن ملكه ثم عاد إليه إلا أنه ليس تصرفا له، و احتمال أن مطلق الانتقال عنه مسقط لاستحقاق رده و إن عاد إليه لا دليل عليه.

ج 37، ص: 410

نعم إن اختار الشفيع الأخذ لم يكن للمشتري الفسخ لخروج الشقص عن يده و الأصل فيه اللزوم، فلا تسلط له على فسخ الملك الحاصل للشفيع بالشفعة؛ هذا.

و من ذلك يظهر ما أطنب به في المسالك من سوء تأدية الحكم المزبور قال: «فان اختلفت إرادتهما أي الشفيع و المشتري فأراد الشفيع رده دون المشتري فلا منافاة، فيرجع إلى المشتري و يتخير بين أخذ أرشه و عدمه، و إن انعكس فأراد الشفيع أخذه و المشتري رده قدمت إرادة الشفيع، لثبوت حقه و سبقه، فإنه يثبت بالبيع، و سيأتي ما في هذا التعليل، و لأن غرض المشتري استدراك الظلامة و تحصيل الثمن، و هو حاصل بأخذ الشفيع، و لأنا لو قدمنا المشتري بطل حق الشفيع رأسا، و إن قدمنا الشفيع حصل للمشتري مثل الثمن أو قيمته، فيكون جامعا بين الحقين، و يحتمل تقديم المشتري، لأن الشفيع إنما يأخذه إذا استقر العقد، كما تقدم في البيع المشتمل على الخيار، و قد تقدم ضعف المبني عليه» إذ هو كما ترى.

بل لعله ألصق بتعارض الإرادتين قبل أخذ الشفيع الشفعة الذي قد عرفت الحال فيه سابقا و أن للمشتري الفسخ، و لكن إذا فسخ كان للشفيع فسخ فسخه و الأخذ بالشفعة من المشتري، للإجماع إن كان أو لسبق حقه بناء على أن استحقاق المشتري الرد حين العلم لا بالبيع، بخلاف الشفيع الثابت حقه بتمام العقد، بل لو قلنا بثبوته بالبيع أيضا سابقا على حق الشفعة أو مقارنا أمكن ترجيح حق الشفيع بما ذكر مؤيدا بشهرة الأصحاب أو إجماعهم و إن كان للمشتري فائدة بالتقديم أيضا، و هي السلامة من الدرك.

و على كل حال فعلى ما عرفت في مفروض المسألة من بقاء الشقص في يد الشفيع و عدم تسلط المشتري على أخذه منه ليرده على البائع هل له

ج 37، ص: 411

المطالبة بالأرش؟ قال الشيخ في محكي المبسوط فيما لو كان الشفيع عالما بالعيب و المشتري جاهلا ليس للمشتري المطالبة بالأرش قولا واحدا، و نحوه يأتي في المقام. و لعله لأنه قد استدرك ظلامته برجوع جميع الثمن إليه من الشفيع، فلم يفت منه شي ء فيطالب به، و لأنه كالنائب عن الشفيع بالشراء فلا يستحق الرجوع.

و لكن لو قيل: له الأرش كان حسنا بل هو خيرة الفاضل في محكي التذكرة و الشهيدين و الكركي، و هو الأصح لإطلاق دليله، و عود كمال الثمن إليه لا ينافي ذلك، كما لو باعه بأضعاف ثمنه، كما أنه لا ينافيه استحقاق الشفيع لما يقابله من الثمن، فلا فائدة له في أخذه، إذ لا يجب عليه قبول العوض عنه من الشفيع بعد أن كانت معاملة مع البائع مستقلة لا مدخلية لها فيما وقع بينه و بين الشفيع، فهو في الحقيقة لم يستدرك ظلامته ممن ظلمه، كما هو واضح، و إجماع الشيخ المزبور لم نتحققه، بل لعل المظنون خلافه.

و من الغريب ما قيل من أن الشيخ بنى ذلك على أنه لو كان للمشتري الأرش لكان الثمن للشفيع مجهولا، فيبطل أخذه، و تأخيره إلى معرفة الأرش المتوقفة على تقويم أهل الخبرة المحتاج إلى زمان ينافي الفورية، إذ هو كما ترى لا ينبغي أن يسطر، و الله العالم.

و كذا الحكم لو علم الشفيع بالعيب دون المشتري ضرورة أنه لا رد للشفيع لعلمه، و لا للمشتري لخروج الشقص من يده و في استحقاقه الأرش ما عرفت من الأصح له ذلك، فيسقط حينئذ عن الشفيع بقدره، و لا يقدح فيه علمه بالحال، لما عرفت من أنه يأخذ بالثمن و هو ما بعد الأرش عرفا.

و لو علم المشتري دون الشفيع كان للشفيع الرد لجهله

ج 37، ص: 412

و لا أرش للمشتري لعلمه.

نعم لو علم الشفيع أن المشتري اشتراه بالبراءة من كل عيب ففي القواعد «هو كالمشتري و إلا فله الرد» و فيه أنه يمكن القول بأن له رد و إن علم بالشرط المزبور، لعموم دليل الرد، و الشرط إنما هو على المشتري.

و ربما احتمل في عبارة القواعد المزبورة أن له الرد و إن لم يظهر عيب، لأن الشرط المذكور في حكم العيب، إلا أنه كما ترى، و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا باع الشريك الشقص بعوض معين لا مثل له كالعبد فان قلنا لا شفعة فلا بحث]

المسألة التاسعة:

إذا باع الشريك الشقص بعوض معين لا مثل له كالعبد فان قلنا لا شفعة في مثل ذلك فلا بحث، و إن أوجبنا الشفعة بالقيمة فأخذه الشفيع بها و ملكه ثم ظهر للبائع في الثمن عيب كان للبائع رده على وجه الفسخ و المطالبة بقيمة الشقص وقت الفسخ إذا لم يحدث عنده أي البائع في العبد ما يمنع من الرد، و لا تسلط له على أن يرتجع الشقص (11) من الشفيع لأن الفسخ المتعقب للبيع الصحيح لا يبطل الشفعة (12) للأصل بعد حصول المقتضي لثبوت الشفعة، و هو البيع، مؤيدا بأن فيه جمعا بين الحقين، لأن رجوع البائع في العين يقتضي سقوط حق الشفيع، بخلاف ما إذا أخذ القيمة بلا خلاف أجده فيه، و إن قال في المسالك هنا: «و قيل يقدم حق البائع، لاستناد الفسخ إلى العيب المقارن للعقد و الشفعة تثبت بعد، فيكون العيب أسبق، و لأن الشفيع منزل

ج 37، ص: 413

منزلة المشتري، فرد البائع يتضمن نقض ملكه، كما يتضمن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه» إلا أنى لم أتحققه.

بل ظاهر كلامهم فيما تقدم من غير خلاف يعرف فيه بينهم أن للشفيع فسخ الرد بالعيب لو حصل قبل الأخذ بالشفعة، و ليس ذلك إلا لتقدم حق الشفيع عليه.

و من هنا ضعفه في المسالك بعد أن حكاه بأن «مجرد وجود العيب حالة العقد غير كاف في سببية الفسخ، بل هو مع العقد الناقل للملك، كما أن الشركة أيضا غير كافية في سببية الشفعة، بل هي مع العقد، فهما متساويان من هذا الوجه، و يبقى مع الشفعة المرجح الذي ذكرناه» أي الجمع بين الحقين.

و لكن فيه أن ذلك بمجرده لا يصلح مرجحا خصوصا بعد حكمهم من غير خلاف يعرف فيه بينهم أنه لو كان الخيار للبائع مشروطا و شفع الشفيع كان للبائع فسخ البيع و الشفعة، و لا نجد فرقا بين الخيار الحاصل بالعيب و الشرط، إذ هما معا مقارنان للعقد، فمع فرض كون الخيار بالشرط سابقا على حق الشفعة الحاصل بعد تمام العقد الذي فيه الشرط فكذلك الحاصل بالعيب، و بعد التسليم فلا أقل من المقارنة المقتضية لتساويهما في الحق، فكل من سبق كان له ذلك، كما عساه يظهر من المسالك أنه أحد الأقوال في المسألة.

قال بعد ما سمعت: «و ربما فرق بعضهم بين رد البائع قبل أخذ الشفيع و بعده، فقدم البائع في الأول و الشفيع في الثاني، لتساويهما في ثبوت الحق بالبيع، فيقدم السابق في الأخذ».

و لا ريب في أنه متجه إن لم نقل بتقديم البائع مطلقا- كما لو شرط الخيار له- لو لا اتفاق الأصحاب ظاهرا على تقديم الشفيع مطلقا، بل

ج 37، ص: 414

لم أتحقق حكاية الخلاف المزبور من غيره.

و يمكن أن يكون منشأ الاتفاق المزبور أن خيار العيب لا يثبت إلا بعد العلم بالعيب، و لا يكفي فيه وجود العيب حال العقد مع الجهل به، فيقدم حق الشفعة حينئذ عليه، ضرورة مقارنته لتمام العقد.

لكن الانصاف عدم خلو دعوى مدخلية العلم في ثبوت الخيار بالعيب من نظر أو منع كما ذكرنا ذلك في محله. كما أن الانصاف عدم حصول إجماع في المسألة.

بل في التحرير تقديم حق البائع قبل أخذ الشفيع، قال: «و لو كان الثمن غير مثلي فوجد البائع به عيبا فرده قبل أخذ الشفيع احتمل تقديم حقه، لأن في أخذ الشفعة إبطال حق البائع من الشقص، و الشفعة تثبت لازالة الضرر، فلا تزال بالضرر، و تقديم حق الشفيع لسبق حقه و الأقرب الأول، لأن حق البائع أسبق، لاستناده إلى وجود العيب، و هو متحقق حال البيع، و الشفعة تثبت بالبيع».

بل مقتضى جزمه بأسبقية حقه ترتب أحكام أخر كثيرة عليه في غير المقام، إلا أنه هو و غيره لم يوافقوا عليها، بل لم أجد ما ذكره في المقام لغيره.

ثم لا يتوهم أن ذلك من تبعض الفسخ باعتبار أن رده العبد يقتضي فسخ البيع الذي تفرعت عليه الشفعة، ضرورة أنه فسخ من حينه و الشفعة حال حصولها قد كانت من المشتري ظاهرا و واقعا، نعم قد يأتي ذلك إذا كان الرد قبل الأخذ بالشفعة، كما ستعرف الكلام فيه، إنشاء الله.

و كيف كان ف- لو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف كالهبة أو الميراث لم يملك المشتري رده على البائع ليخلص عن دفع القيمة إذا لم يرض بذلك و أصر على إرادة

ج 37، ص: 415

قيمة الشقص حتى لو كان رد البائع الثمن متعقبا لملك المشتري الشقص كما أنه لو طلبه البائع لم يجب على المشتري إجابته بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بين من تعرض له، كالشيخ و الفاضلين و الشهيدين، و الكركي، بل و لا إشكال، لانقطاع المعاملة الواقعة بينهما بالخروج عن الملك، و لا يعيدها عوده إليه بسبب آخر، فالفسخ الحاصل من البائع لا يوجب من أول الأمر غير القيمة، لكون المفروض خروج العين المنتقلة إليه بالعقد المزبور عن ملكه، و فسخه إنما يوجب رد العين من حيث انتقالها به لا مع انتقالها بسبب آخر غيره لا تسلط لأحدهما على فسخه.

و حينئذ فلا يستحق بالفسخ المزبور إلا القيمة، كما لا يستحق على المشتري غيرها أيضا، فليس لأحدهما على الآخر اقتراح رد العين التي خرجت عن مقتضى المعاملة المفسوخة.

نعم لو عاد إليه بفسخ للمعاملة الجديدة و لم نقل إن الفسخ مملك بل هو مقتض لعود الملك بالسبب الأول الذي قد فرض فسخه أمكن حينئذ ملك المشتري ردها عليه و ملك البائع المطالبة بها، ضرورة كون ملكها حينئذ بالسبب الأول الذي قد فرض انفساخه.

بل لعله كذلك لو فرض أخذ البائع القيمة ثم عادت العين للمشتري بفسخ للمعاملة التي كانت السبب في خروجها أمكن القول بأن للمشتري حينئذ إعادتها عليه و أخذ القيمة منه، كما أنه يمكن للبائع مطالبته بها و رد القيمة إليه، لانكشاف رجوع العين إلى ملك البائع بالفسخ المزبور الذي يعاد معه الملك إلى مقتضى السبب السابق الذي قد فرض فسخ البائع له، و أن به يستحق على المشتري العين التي هي على ملكه بالسبب الحاصل، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا، و الله العالم.

ثم إنه حيث تعتبر القيمة و دفعها المشتري أو لم يدفعها

ج 37، ص: 416

لو كانت قيمة الشقص و الحال هذه أقل من قيمة العبد مثلا ف- هل يرجع الشفيع بالتفاوت؟ فيه تردد، و الأشبه بأصول المذهب و قواعده أنه لا يرجع وفاقا للفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين لأنه إنما يأخذ ب الثمن و الفرض أن الذي اقتضاه العقد حال الأخذ بالشفعة ذلك، و ليست قيمة الشقص التي أخذها البائع من الثمن في شي ء، و إنما هو شي ء استحقه البائع على المشتري بالفسخ حال انتقال العين عن ملكه الحاصل بالسبب المزبور، فلا حق للشفيع فيه.

كما لا حق للمشتري على الشفيع لو فرض زيادة قيمة الشقص التي دفعها للبائع على قيمة العبد، ضرورة أنه لا يستحق عليه إلا قيمة الثمن الذي وقع عليه العقد، و ما غرمه بالفسخ المزبور لا مدخلية له في الثمن كما هو واضح.

و حينئذ فدعوى أن الثمن الذي استقر على المشتري قيمة الشقص و الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي استقر نحو ما سمعته في الأرش واضحة الفساد، كوضوح الفرق بين المقام و الأرش الذي قد عرفت تحقيق الحال فيه، فتأمل جيدا.

و كذا دعوى بطلان العقد، فلم يعتبر ما وقع عليه، بل المعتبر ما استقر وجوبه على المشتري و هو القيمة، ضرورة أن الفسخ لم يبطل العقد من أصله، بل كان صحيحا إلى حين الفسخ، فلا يزول مقتضاه بالفسخ الطاري.

فالمتجه حينئذ عدم الرجوع من كل منهما، خلافا للمحكي عن الشيخ من الرجوع فيهما و إن كنا لم نتحققه، إذ المحكي من عبارته يقتضي التردد من غير ترجيح. و على كل حال فلا ريب في ضعفه لما عرفت، و الله العالم.

ج 37، ص: 417

هذا كله لو كان الفسخ من البائع بعد أخذ الشفيع.

و أما لو كان الشقص في يد المشتري لم يأخذه الشفيع فرد البائع الثمن بالعيب لم يملك منع الشفيع، لأن حقه أسبق بناء على ما عرفت من اعتبار العلم في استحقاق خيار العيب، فيفسخ الفسخ الحاصل من رد البائع، و يعيد المبيع إلى ملك المشتري على مقتضى العقد الأول و يأخذه منه بقيمة الثمن سليما لأنه الذي اقتضاه العقد الأول و للبائع على المشتري قيمة الشقص و إن زادت عن قيمة الثمن لأنه مقتضى فسخه برد الثمن، و لا يرجع بها على الشفيع كما عرفت الحال فيه، و لعل هذا و نحوه من تبعيض آثار الفسخ لا تبعيض الفسخ الذي سمعته في فسخ الشفيع الإقالة أو نلتزمه فيها، كما سمعت احتماله من الشهيد بناء على أنه كالمقام، هذا كله مع رد البائع الثمن.

و أما لو حدث عند البائع فيه ما يمنع من رد الثمن (11) كعيب أو تصرف رجع بالأرش على المشتري (12) لأنه المتعين له حينئذ على نحو ما سمعته في المبيع و لا يرجع (13) المشتري على الشفيع بالأرش إن كان (14) قد أخذه بقيمة العوض الصحيح (15) لعدم ظلامة له.

نعم إن كان قد أخذ منه بقيمته معيبا رجع عليه بباقي قيمة الصحيح لنحو ما سمعته في رجوع الشفيع عليه بالأرش، ضرورة استقرار الشقص حينئذ بالعبد و الأرش الذي هو من مقتضى العقد المقتضي للسلامة، فالثمن عرفا ذلك، و كذا القول فيما لو رضي البائع به و لم يرده مع المانع من رده و اختار الأرش.

ج 37، ص: 418

أما لو عفا و لم يطالب فالظاهر عدم استحقاقه على الشفيع، كما أن الظاهر عدم استحقاق الشفيع له على المشتري لو كان في المبيع، و الله العالم.

[المسألة العاشرة لو كانت دار لحاضر و غائب و حصة الغائب في يد آخر فباع الحصة و ادعى أن ذلك بإذن الغائب قال تثبت الشفعة]

المسألة العاشرة لو كانت دار لحاضر و غائب و حصة الغائب في يد آخر فباع الحصة و ادعى أن ذلك بإذن الغائب قال الشيخ في الخلاف: تثبت الشفعة و فيه أن دعوى الاذن ممن في يده المال ليس طريفا شرعيا لثبوت ذلك و إن جاز الأخذ منه و التصرف و غيره باعتبار كونه ذا يد و لا معارض له.

و حينئذ ف- لعل المنع أشبه بأصول المذهب و قواعده إن كان المراد الثبوت في نفس الأمر على وجه لو جاء المالك و أنكر لم يكن له الانتزاع من يد الشفيع، و ذلك لأن الشفعة تابعة لثبوت البيع و قد عرفت أن مجرد دعوى من في يده المال الاذن ليس طريقا شرعيا لثبوت ذلك.

و إن كان المراد جواز أخذ الشفيع من يد المشتري الشقص بها على نحو أخذ المشتري له من يد مدعي الاذن ثم الغائب على حجته فقد يقال بالجواز.

لكن في القواعد «و لو ادعى الحاضر من الشريكين على من في يده حصة الغائب الشراء من الغائب فصدقه احتمل ثبوت الشفعة، لأنه إقرار من ذي اليد، و عدمه لأنه إقرار على الغير» من دون ترجيح كالمحكي عن التذكرة و الدروس. نعم عن التحرير «أن الأول أقوى».

ج 37، ص: 419

و فيه أنه بعد العلم بكونه مالا للغير لا إشكال في أنه إقرار على الغير، إلا أنه قد عرفت جواز الأخذ منه و التصرف باعتبار كونه ذا يد و لا معارض له، كما تقدم تحرير ذلك في محله على وجه لا ينبغي التردد المزبور من الجماعة فضلا عن اختيار العدم، كما في المتن بعد أن حكى عن الشيخ الثبوت المحتمل لإرادة المعنى الذي ذكرناه.

اللهم إلا أن يقال: إن عنوان الشفعة نصا و فتوى تحقق صدق «باع الشريك» و هو غير متحقق هنا، فلا تثبت الشفعة على وجه إن لم يبادر إليها تبطل بناء على الفور، و جواز أخذ المشتري منه لا يحقق الصدق المزبور، فليس للشفيع الأخذ، لعدم تحقق عنوان ثبوت الشفعة، بخلاف جواز الشراء ظاهرا منه، فإنه لا عنوان له على الوجه المزبور.

على أن السيرة التي هي العمدة في الحكم المزبور إنما هي في التصرف باذنه، لا مطلق التصرف حتى القهري الذي لا يرجع إلى إذنه، بل هو تابع للحكم الشرعي المعلق على عنوان خاص، و الفرض عدم تحققه.

و من ذلك يظهر لك ما في جامع المقاصد، فإنه بعد أن ضعف الأول بأنه إقرار في حق الغير قال: «لكن يشكل بشي ء و هو أن من بيده مال الغير مصدق في دعوى الوكالة بغير خلاف، و يجوز الشراء منه و التصرف تعويلا على قوله، و كذا لو ادعى الشراء من المالك يسمع فلم لا تثبت الشفعة بدعواه الشراء مع الحكم بنفوذه، و قوى في التحرير ثبوت الشفعة. و الذي يخطر بالبال أنه إن كان المراد بثبوت الشفعة انتزاع الحاكم الشقص و تسليمه إلى المدعي كما هو المتبادر من ذكر الدعوى فهو مشكل، و الظاهر العدم، لأن مجرد دعوى الشراء ممن في يده مال الغير لا يقتضي الثبوت شرعا، و ليس المراد بجواز الشراء منه لو ادعى الوكالة الحكم بالوكالة، و إن كان المراد جواز أخذ المدعي ذلك بدعوى من بيده

ج 37، ص: 420

المال الشراء فليس ببعيد، كما يجوز له الشراء و الاتهاب و نحوهما من التصرفات، ثم يكون الغائب على حجته».

إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد التأمل فيما ذكرناه، و حكم الحاكم على من في يده المال بعد اعترافه بالشراء و بانتزاعه منه مؤاخذا له بإقراره المتعلق به ليس حكما على الغائب الذي هو على حجته، بل لا وجه لعدم الانتزاع منه بعد إيجاد سبب الأخذ بالشفعة مع فرض جواز الأخذ منه بالدعوى المزبورة التي هي إقرار في حقه و دعوى في حق الغير، نحو الحكم بالانتزاع ممن في يده المال المدعي للوكالة ثم امتنع بعد أن جرت صيغة البيع بينه و بين المشتري.

نعم لو قلنا بعدم جواز الأخذ على وجه يتصرف بالشقص اتجه عدم جواز الانتزاع، و إن كان لو أخذ بالشفعة قولا مع دفع الثمن و صادف صدق المدعي ترتب عليه حكم الملك من حين الأخذ و إن لم يكن عنوانها ثابتا في الظاهر و لكن يكفي فيه كونه كذلك في نفس الأمر.

إنما الكلام في جريان أحكام الشفعة من التصرف به بغير رضاه و انتزاعه منه قهرا و بطلان الشفعة مع عدم الفور بها و غير ذلك من أحكامها بمجرد دعوى الوكالة، و الفرض أن جميعها أحكام شرعية مترتبة على موضوع لم يتحقق، و لا أقل من الشك، و الأصل عدم ترتب هذه الآثار، فلا ريب في أن الأحوط عدم ذلك كله.

و المراد أنه إلى هذا نظر المصنف و غيره ممن تردد. و لكن الانصاف مع ذلك كله أن الجواز لا يخلو من وجه، و الله العالم.

و على كل حال فلو قضي بها للشفيع بشفعته عملا بإقرار ذي اليد و بعد ذلك حضر الغائب فإن صدق فلا بحث، و إن أنكر فالقول قوله مع يمينه، و حينئذ ينتزع الشقص

ج 37، ص: 421

من يد الشفيع، و له أجرته عليه من حين قبضه إلى حين رده

لعموم «على اليد»(1)

و غيره.

و لا خلاف و لا إشكال في أنه يرجع بالأجرة المزبورة على البائع إن شاء، لأنه سبب الإتلاف، أو على الشفيع بأجرة زمان قبضه لأنه المباشر للإتلاف و على المشتري بما قبل ذلك، للمباشرة أيضا إن شاء، بل و على المشتري بما كان في يده و يد الشفيع المترتبين عليه

لعموم «على اليد»(2)

فإنه كالغاصب.

و من هنا إن رجع على مدعي الوكالة لم يرجع الوكيل على الشفيع و لا على المشتري، لاعترافه بكون المنافع لهما، و أنه ظالم له بأخذ الأجرة منه، و المظلوم لا يرجع على غير من ظلمه.

و إن رجع على المشتري أو الشفيع رجع (11) كل من المشتري و الشفيع على الوكيل، لأنه غره (12) إذا لم يصدر منهما ما يقتضي تصديق مدعي الوكالة، و إلا لم يرجع من صدر منه ذلك عليه أيضا، لاعترافه بظلم المالك، و ذلك كله واضح خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرناه في كتاب الغصب(3).

و (13) لكن فيه (14) أي المفروض قول آخر (15) محكي عن المبسوط، و هو رجوع مدعي الوكالة على الشفيع لو رجع المالك عليه، لاستقرار التلف في يده و هذا (16) واضح الفساد، نعم يتم مع اعترافه بكذب المدعي في دعواه الوكالة، فيكون كالغاصب الذي يستقر عليه الضمان مع التلف في يده.

و بذلك ظهر لك أن القول الأول أشبه (17) بأصول المذهب و قواعده


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من كتاب الغصب- الحديث 4 و سنن البيهقي ج 6 ص 95.
3- 3 راجع ص 177- 181.

ج 37، ص: 422

التي قد عرفتها في كتاب الغصب(1)و الله العالم.

و منه يظهر لك ما عن الدروس، فإنه بعد أن ذكر نحو ما سمعته من عبارة القواعد قال: «و كذا لو باع ذو اليد مدعيا للوكالة و صدقه الشفيع، لكن هنا لا يرجع الشفيع على الوكيل لو رجع عليه بخلاف ما لو رجع على الوكيل، و الفرق استقرار التلف في يد الشفيع، و لو أخذ الشفيع اعتمادا على دعوى الوكالة رجع عليه، لأنه غره».

و فيه أنه لا وجه لرجوع الوكيل على الشفيع و إن كان قد استوفى المنافع، لاعترافه بأنها حق له و أن المالك ظلمه بأخذ عوضها فكيف يرجع بظلامته على غير من ظلمه.

لكن الموجود عندنا في نسختين من الدروس متصلا بما سمعت «و الوجه في الأولى عدم رجوع أحدهما على الآخر، لاعتراف المرجوع بظلم الراجع».

نعم في التحرير «و لو كان الشريك غائبا فادعى الحاضر على من حصة الغائب في يده أنه اشتراه من الغائب فصدقه احتمل أخذه بالشفعة، لأن من كانت العين في يده مصدق في تصرفه و عدمه، لأنه إقرار على غيره، و الأول أقوى، و كذا لو باع القابض و

ادعى الشفيع إذن الغائب فإن أوجبنا الشفعة و قدم الغائب فأنكر البيع أو الاذن قدم قوله مع اليمين و يأخذ الشقص و يطالب بالأجرة من شاء منهما، فان طالب الوكيل رجع على الشفيع، لتلف المتاع في يده، و إن طالب الشفيع لم يرجع على أحد» و هو كما ترى لا يطابق ما ذكرناه إلا بتجشم، و الله العالم.

و لو اشترى شقصا بماءة مثلا و دفع إليه عرضا يساوي عشرة مثلا أو أبرأه من الثمن كلا أو بعضا لزم الشفيع تسليم


1- 1 راجع ص 177- 181.

ج 37، ص: 423

ماءة أو يدع، لأنه يأخذ بما تضمنه العقد نصا و فتوى و إن وقع بعد ذلك بين البائع و المشتري إبراء أو معاوضة عنه بشي ء لا يساويه أو نحو ذلك مما لا مدخلية له في صدق تضمن العقد إياه كما هو واضح، و الله العالم.

[و من اللواحق البحث في ما تبطل به الشفعة]

و من اللواحق البحث في ما تبطل به الشفعة و المشهور بين الأصحاب بل في الرياض شهرة عظيمة بل لا خلاف فيه بين المتأخرين عدا ابن إدريس أنه تبطل الشفعة بترك المطالبة مع العلم و عدم العذر بل عن الخلاف الإجماع عليه.

و قيل و القائل المرتضى و أبو علي و علي بن الحسين الصدوق و أبو المكارم و ابن إدريس و أبو الصلاح على ما حكي عن بعضهم:

لا تبطل إلا أن يصرح بالإسقاط و لو تطاولت المدة بل في الانتصار الإجماع عليه، بل حكاه الفخر عن سلار أيضا و إن كنا لم نتحققه.

نعم قيل: لا تعرض له في المراسم كالمقنع و المقنعة و فقه الراوندي فإن كان ذلك ظاهرا في التراخي- باعتبار أن الفورية لو كانت معتبرة فيها على وجه تسقط بعدمها لوجب التعرض لها- كان ظاهر الجميع أيضا.

بل لعله أيضا ظاهر عدم الترجيح في محكي التحرير و المهذب و مجمع البرهان و الكفاية، بناء على أنه من حيث الشك في أدلة الفور، و إلا فالأصل التراخي و إن كان هو خلاف الظاهر.

و على كل حال ف- الأول أظهر عند المصنف، للنبويين

ج 37، ص: 424

المنجبرين بما عرفت:

أحدهما(1)«الشفعة لمن واثبها».

و الآخر(2)«الشفعة كحل العقال».

بل في الدروس نسبة الأخير منهما إلى الاشتهار، و لا يقدح عدم وجودهما في طرقنا بعد أن ذكرهما الأصحاب في كتبهم مستدلين بهما على ذلك و الإجماع المحكي المعتضد بما سمعته من الشهرة العظيمة و إن تأخرت عن زمان حاكيه، فإنها على كل حال تفيد قوة الظن بموافقته للواقع.

بل استدل غير واحد بحسن ابن مهزيار(3)السابق المشتمل على بطلان شفعة من طلب ثم مضى لإحضار الثمن فلم يأت إلى ثلاثة أيام، إذ لو كانت على التراخي لم تبطل بذلك.

كل ذلك مضافا إلى ما عرفته مكررا من كون الشفعة على خلاف الأصل، و المتيقن ثبوتها على الفور، بل لعل ثبوتها في بعض الأشياء دون بعض و في بعض العقود دون بعض مشعر بذلك أيضا، و إلى قاعدة الضرر.

بل لعل

قوله (عليه السلام)(4): «قضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالشفعة بين الشركاء. و قال: لا ضرر و لا ضرار»

مشعر بذلك بناء على إرادة الإشارة به إلى الضرر الحاصل من عدم مشروعيتها و من كونها على التراخي.

بل لعل

قوله (عليه السلام)(5): «الغائب على شفعته»

مشعر بذلك أيضا ضرورة إشعاره بكون ذلك من جهة الغيبة التي هي عذر له.


1- 1 نيل الأوطار للشوكاني ج 6 ص 87.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 108.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشفعة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و فيه« للغائب شفعة».

ج 37، ص: 425

لكن قد يقال في مقابلة ذلك: إن الخبرين المزبورين من طرق العامة، و لذا ترك غير واحد الاستدلال بهما، بل من المحتمل إرادة الكناية عن الانتقال بمجرد الأخذ و إن تأخر من الثاني منهما، لا أن المراد منه بيان قصر زمانها و أنه كحل العقال.

بل في الإسعاد الذي هو من أجل كتب الشافعية «أن إسناده ضعيف» و قال ابن حيان: «لا أصل له» و قال البيهقي: «ليس بثابت» و الإجماع معارض بمثله، بل لعله

أقوى منه باعتبار وجود القائل بذلك ممن تقدم على حاكيه بخلاف الآخر الذي لم نعرف أحدا ممن تقدمه قال بذلك.

و حسن ابن مهزيار بناء على أن مورده بعد حصول سبب الشفعة قد اشتمل أيضا على ما ينافي الفورية إذ القائل بها لا يجعل انتظار ثلاثة أيام لإحضار الثمن من جملة العذر فيها، خصوصا مع دعوى الغيبة في بلد آخر.

بل قد يقال: إن الخبر المزبور الذي مورده إنشاء الأخذ بالشفعة قولا بناء على إرادة ذلك من الطلب فيه أو مطلق طلبها بمعنى إرادتها ثم مضى لإحضار الثمن قد تسالمت الخصوم على العمل بمضمونه في ذلك، من غير فرق بين القول بالفور و التراخي، فلا دلالة حينئذ في الخبر على شي ء منهما، إذ محل النزاع هنا تأخير الأخذ بالشفعة مع علمه بها.

هذا كله مع ما فيه من رائحة الموافقة للمحكي عن أبي حنيفة و ابن أبي ليلى من أنها تمتد إلى ثلاثة أيام كالشافعي في أحد أقواله، و الأصل منقطع بإطلاق الأدلة و استصحاب ثبوتها بعد حصول سببه الذي هو البيع بالنص، و عدم العلم بكونه على الفور و عدمه لا ينافي التمسك به على الثاني كما حقق في محله.

و من الغريب رد جماعة من الأعيان هنا له بأن المقتضي لثبوت الشفعة

ج 37، ص: 426

حدوث العلم بالبيع نفسه، و الحدوث يبطل في ذي البقاء، و إذا بطلت العلة بطل معلولها، إذ هو كما ترى لا حاصل له و مجرد دعوى لا دليل عليها. بل ظاهر الأدلة خلافها.

كما أن ظاهر

قوله (عليه السلام)(1): «الغائب على شفعته»

إرادة بيان عدم اعتبار الحضور فيها، و إلا فهو مطلق شامل للمتمكن من المجي ء و التوكيل و غيرهما.

و قاعدة الضرر يدفعها أنه الذي أدخله على نفسه باختيار ما فيه الشفعة من العقود غير ملاحظ لما يسقطها من الأمور الكثيرة، على أنه مجبور بالأرش إذا زرع أو بنى إن قلنا به.

و إن كان المراد من الضرر عدم رغبة المشتري في التعمير مثلا لاحتمال الأخذ منه ففي الانتصار «أنه يمكن أن يتحرز المشتري من هذا الضرر بأن يعرض المبيع على الشفيع و يبذل التسليم إليه فهو بين أمرين: إما أن يتسلم أو يترك الشفعة، فيزول الضرر عن المشتري بذلك و

إذا فرط فيما ذكرنا و تصرف من غير أن يفعل ما أشرنا إليه فهو المدخل للضرر على نفسه».

و لعل من هذه العبارة قال في الدروس: «إن في كلامه إلماما بالفورية».

قلت: لكن ما قبله و ما بعده صريح في خلاف ذلك، فوجب حمله على كون ذلك مسقطا لها و إن قلنا بالتراخي و إن كان فيه ما فيه إلا أن يريد حال ظهور ذلك في عدم إرادتها.

و من هنا و غيره تردد بعض الناس، بل مال في الرياض إلى التراخي، و لعله لا يخلو من قوة ما لم يصل إلى حد الضرر، نحو ما سمعته منهم في انتظار مدعي غيبة الثمن في بلد آخر.


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و فيه« للغائب شفعة».

ج 37، ص: 427

بل لو وجد قائل بأنه على التراخي ما لم يتضرر المشتري نحو ما سمعته في دعوى غيبة الثمن التي مرجعها إلى ما يقرب من ذلك لكان في غاية القوة.

و دونه القول بأنها على التراخي ما لم يعرض المشتري على الشفيع الشقص مخيرا له بين الشفعة و عدمها، فيجب الفور حينئذ، لأنه لا ضرر و لا ضرار، كما هو مقتضى التدبر فيما سمعته من المرتضى الذي هو الأصل في التراخي، بل ربما كان في ذلك جمع بين الأدلة جميعها.

و إن أبيت عن ذلك كله فلا ريب في أن الأصل عدم الشفعة بعد الشك الحاصل من تعارض الإجماعين و الاستصحابين و غير ذلك مما سمعته، خصوصا بعد عدم سوق الأدلة لبيان التراخي، فالرجوع إلى استصحاب بقائها و إطلاق ما دل على ثبوتها بعد أن كان الأول منها بعد تسليم حجيته هنا و الثاني الذي قد عرفت أنه مساق لغير ذلك من الأدلة المتعارضة التي حصل منها الشك، فليس حينئذ إلا الأصل السابق و عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)الذي لم يكن من أدلة الشفعة التي هي الطارئة على مقتضاهما و مع فرض كونهما أيضا من الأدلة على ذلك فلا عمل إلا على الفور الذي هو المتيقن دون غيره، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا، و الله العالم.

و كيف كان فعلى الفور و التراخي قد وقع الخلاف في سقوطها بأمور:

الأول لو نزل عن الشفعة و تركها و عفا عنها قبل البيع فالاسكافي و الشيخ و المصنف في النافع و الفاضل في جملة من كتبه و ولده و المقداد و الكركي و ثاني الشهيدين و الخراساني و الكاشاني على ما حكى عن بعضهم على أنه لم تبطل الشفعة مع البيع لإطلاق الأدلة


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 37، ص: 428

و لأنه إسقاط ما لم يثبت.

بل قيل: إن ظاهر الانتصار الإجماع على ذلك، قال: «مما ظن انفراد الإمامية به أن حق الشفيع لا يسقط إلا أن يصرح الشفيع بإسقاط حقه» ثم حكى مذاهب العامة إلى أن قال: «قال الشافعي و الشعبي: من بيعت شفعته و هو يشاهد لم ينكر فلا شفعة له، و الذي يدل على صحة مذهبنا الإجماع المتكرر» إلى آخره و إن كان ستعرف الحال فيه إنشاء الله.

و لكنه مع ذلك كله في المتن فيه تردد بل هو خيرة الإرشاد و إن قال: على رأي، و ظاهر غاية المراد و مجمع البرهان السقوط، بل قد يلوح الميل إليه في الدروس.

بل في النهاية: «إن عرض البائع الشي ء على صاحب الشفعة بثمن معلوم فلم يرده فباعه من غيره بذلك الثمن أو أزيد عليه لم يكن لصاحب الشفعة المطالبة، و إن باع بأقل من الذي عرض عليه كان له المطالبة».

و قال فيها أيضا: «و إذا علم الشريك بالبيع و لم يطالب بالشفعة أو شهد على البيع أو بادل للبائع فيما باع أو للمشتري فيما ابتاع لم يكن له المطالبة بعد ذلك بالشفعة».

و في المقنعة «و إن باع إنسان شيئا له فيه شريك على أجنبي و الشريك حاضر فأمضى البيع و بادل للمبتاع بطلت شفعته» ثم قال أيضا: «و لو عقد البيع على أجنبي بدون ما عرضه على الشريك كان للشريك الشفعة على المبتاع و قبضه منه». قيل: و بمعنى عبارة النهاية عبارة الوسيلة و جامع الشرائع.

لكن ستعرف أنها أجمع في غير مسألة السقوط بمعنى إنشاء الإسقاط قبل البيع، و كذا عن ابن بابويه السقوط بالسكوت و عدم الإنكار مع الحضور.

ج 37، ص: 429

و على كل حال فأقصى ما يقال للسقوط: دعوى الشك في ثبوت الشفعة في الحال المزبور، و قد عرفت أن الأصل عدمها، خصوصا مع ملاحظة أن حكمة مشروعيتها الضرر، و لا ريب في عدمه مع الفرض المزبور، بل المنساق من إطلاق الأدلة غير الحال المزبور بعد أن لم يكن فيها عموم لغوي بالنسبة إليه.

مضافا إلى ما رواه في السرائر بعين عبارة النهاية إلى قوله: «و إن باع بأقل» على أن النهاية و غيرها من الكتب السابقة متون أخبار.

بل في

النبوي المروي في التذكرة عن جابر(1)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «الشفعة في كل مشترك في أرض أو ربع أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع»

المراد منه الأخذ بالشراء أو تركه.

و في الدروس و غيرها من كتب الأصحاب

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)(2): «لا يحل أن يبيع حتى يستأذن شريكه، فان باع و لم يأذن فهو أحق به».

و في الإسعاد لبعض الشافعية و

في رواية(3)«لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإذا باع و لم يؤذنه فهو أحق به».

و في رواية صحيحة(4)في غير مسلم «فهو أحق به بالثمن»

إلى آخرها.

و على كل حال فظاهر تعليق الاستحقاق فيه على عدم الاستئذان يقتضي عدم الاستحقاق

معه، و لا استبعاد في شي ء من ذلك بعد ثبوت نظيره من إجازة الوارث ما أوصى به الميت قبل الموت، بل يمكن أن لا يكون


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 109.
2- 2 سنن البيهقي ج 6 ص 104.
3- 3 سنن البيهقي ج 6 ص 104.
4- 4 سنن البيهقي ج 6 ص 104.

ج 37، ص: 430

ذلك من باب إسقاط الحق قبل ثبوته، بل هو من المقتضى لعدم ثبوت الحق معه.

بل لعل المعنى المزبور هو المراد مما في نصوصنا المعتبرة(1)من أن الشريك أحق بالشقص إذا أراد الشريك بيعه، بل في بعضها(2)التصريح بالأحقية المزبورة قبل صدور البيع منه، فإنه لا معنى للأحقية حينئذ إلا المعنى الذي ذكرناه و إن كانت الشفعة لا تثبت إلا بالبيع، على أنه مع استمرار الاذن و الرضا بعدم الحق له في البيع يكون كالرضا من المتبايعين أو أحدهما على بيع لا خيار فيه للمجلس مثلا.

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في عدمها مع صدور البيع على أنه لا شفعة له باذنه، و ليس هو من باب إنشاء الإسقاط قبل حصول متعلقة.

و من هنا ينقدح لك تحرير محل البحث في المسألة، و هو إن كان المراد من النزول عن الشفعة إنشاء إسقاطها قبل حصول متعلقها فلا ريب في أن الأصح عدم السقوط،

بل لا يتصور تأثير الإنشاء قبل حصول متعلقة مع فرض عدم دليل شرعي. نعم ستعرف في آخر البحث توجيه صحته بناء على ثبوت الحق قبل البيع.

و إن كان المراد الاذن القابل للاستمرار فعلا و حكما حتى يتم العقد على مقتضاها فالمتجه حينئذ الصحة.

و يكفي في صحة الإذن تعلق الحق على الوجه الذي سمعته من النصوص المزبورة قبل حصول البيع، فمع فرض استمرارها فعلا أو حكما لم يكن له شفعة. و على هذا يحمل كلام النهاية و غيرها، لا إنشاء السقوط قبل على وجه يترتب أثره عليه بعد البيع الذي يمكن عدم القائل به.

و لعله لذا كان ظاهر الشهيد أن ما في النهاية غير مسألة الإسقاط،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة- الحديث 7.

ج 37، ص: 431

بل يمكن أن يكون هذا هو الوجه في فرق المصنف في النافع بين النزول عن الشفعة قبل البيع بمعنى إنشاء الإسقاط و بين الاذن في الابتياع على وجه يراد منه عدم إرادة الشفعة أو ما دل على ذلك.

و من ذلك يظهر لك ما في الرياض من شدة الإنكار عليه في فرقه بين المسألة و غيرها من المسائل، و ادعى أنه لم يوافقه عليه أحد، نعم حكى عن الإرشاد الفرق أيضا، و لكنه بعكسه، فجزم بالسقوط في مسألة النزول عن الشفعة بخلاف باقي المسائل.

قلت: يمكن أن يكون وجهه أن ذلك تصريح منه بالاعراض و عدم الإرادة على وجه قد استمر حتى وقع العقد، بخلاف المسائل الأخر، فإنه لا تصريح فيها، إذ يمكن الجمع بين الشهادة و المباركة و الاذن في الابتياع و بين إرادة الشفعة من أول الأمر. و حينئذ يكون نزاعا في موضوع.

و تفصيل الحال فيه أنه يختلف باختلاف المقامات و القرائن و إلا فكل منها من حيث نفسه لا دلالة فيه، و قد اتضح بذلك و الحمد لله الحال في المقام و في غيره من المسائل الآتية.

نعم بقي شي ء: و هو أنه قد يقال: إن مقتضى ما في غير واحد من النصوص(1)- من كون الشريك أحق متى أراد شريكه البيع- ثبوت الحق له قبل البيع، بحيث لو باع كان له انتزاعه من المشتري، فحق الشفعة حينئذ الثابت له بعد البيع مترتب على الأحقية السابقة على البيع و إن كان لا يأثم بالمخالفة- خلافا لبعض الشافعية- فضلا عن صحة بيعه، فان حق الشفعة بعد البيع لا يفسد معه التصرف و إن كان

للشفيع فسخه، و حينئذ فيتجه صحة إنشاء الإسقاط قبل البيع.

و لعله إلى ذلك نظر العلامة و غيره ممن قال بصحته، مضافا إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الشفعة.

ج 37، ص: 432

النصوص السابقة، و هذا شي ء دقيق و جيد جدا.

كل ذلك مع إمكان أن يقال- مع قطع النظر عن هذا كله- يكفي في ثبوت الحكم ما سمعته من أنه لا ريب في حصول الشك في ثبوت الشفعة في الحال المزبور، و الأصل عدمها.

و دعوى أن العموم في المبيع يستلزم العموم في الأحوال و إلا لما بقي عموم على حاله لاختلاف أحوال أفراد العام بلا إشكال واضحة المنع إذا أريد منها العموم بالنسبة إلى الأحوال على وجه يحكم بها على مقتضى العموم حتى مع الشك، كالعموم اللغوي بالنسبة إلى الأفراد، بل لو فرض حصول الشك في إرادة بعض الأفراد من العموم اللغوي أمكن القول بعدم حجية العموم فيه حينئذ فضلا عن الأحوال.

و من الغريب بعد ذلك كله دعوى دلالة عبارة الانتصار المزبورة على الإجماع على المسألة، و هي مع أنها أجنبية(1)لأنها مساقة لبيان التراخي في مقابل القول بالفور على أنه أطلق فيها السقوط مع التصريح بالإسقاط.

كما أنك قد عرفت الحال في مسألة الإسقاط، و أنه إن أريد به إنشاؤه قبل البيع على وجه يؤثر في البيع بعد وقوعه فيمكن دعوى الضرورة- فضلا عن الإجماع- على عدمه، و إن أريد به إرادة عدم الشفعة المستمرة و لو حكما إلى وقوع البيع فقد عرفت أن الأقوى حينئذ عدم الشفعة، و الله العالم.

و كذا لو شهد على البيع أو بارك للمشتري أو للبائع أو أذن للمشتري في الابتياع أو للبائع في البيع فيه التردد المزبور، و لكن قد


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة و المبيضة و في العبارة تشويش، حيث إن خبر قوله: «و هي» غير مذكور، فاما قوله: «مع أنها» زائد حتى يكون «أجنبية» خبر «و هي» أو.

ج 37، ص: 433

عرفت الفرق بينها و بينه.

و من الغريب قوله لأن ذلك ليس بأبلغ من الاسقاط قبل البيع ضرورة عدم مدخلية شي ء منها في مسألة الإسقاط بمعنى إنشائه نعم لو أريد منه إرادة عدم الشفعة المستمرة

موضوعا أو حكما كان حكم الجميع واحدا إن كان المراد منها ذلك أيضا.

و على كل حال فقد سمعت ما في المقنعة و النهاية و محكي الوسيلة و جامع الشرائع، و عن كشف الرموز السقوط أيضا، بل حكاه في الأخير عن الصدوقين، و في جامع المقاصد عن ابن البراج.

بل في النافع هنا اختياره كالثالث مع جزمه بعدم السقوط في الأول و إن قال في الرياض: «لم أفهم وجها لفرق الماتن بين هذه المواضع و لم أر من قال به، بل أطلق أرباب القولين الحكم فيها عدا الفاضل في الإرشاد، ففرق كالماتن، لكن حكم بالبطلان في الموضع الأول عكسه، و تنظر في باقي المواضع، و وجهه أيضا غير واضح و إن كان أنسب من فرق الماتن، لأنه في غاية البعد، فان عدم الإبطال بالإسقاط قبل البيع يستلزم عدمه فيما عداه بطريق أولى، إذ ليس بأبلغ في الدلالة على الابطال من الاسقاط قبل البيع، بل هو أبلغ، فكيف يفرق بينهما بالعدم في الأول و السقوط في الباقي؟! بل العكس أولى، و قد نبه على الأولوية في المسالك». و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و على كل حال فالحلي و الفاضل و المقداد و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهم على ما حكي عن بعض على عدم السقوط بهما، و إليه يرجع ما في المختلف من التفصيل بوجود الامارة على الرضا و عدم وجودها، فإنه قول بالعدم.

و أما الثالث فالفاضل في بعض كتبه و ولده و المقداد و التنقيح و ثاني

ج 37، ص: 434

الشهيدين و غيرهم على عدم السقوط، و في النافع أن الأشبه السقوط، و عن أبي العباس حكايته عن الشيخ في النهاية و يحيى بن سعيد، و قد عرفت تحقيق الحال في الجميع.

نعم الظاهر عدم دلالة شي ء منها من حيث هي ما لم تقترن بقرائن على ذلك، خصوصا مع قيام احتمال إرادة التمهيد لوقوع البيع، بخلاف ما لو وقع منه الاذن لهما أو لأحدهما في البيع و الابتياع بعنوان الاعراض عنها على الوجه الذي قد عرفت الحال فيه، فإنه حينئذ لا شفعة له، كما تقدم لك تحقيقه، و كذا كل ما كان من هذه المذكورات أو غيرها دالا على ذلك و لو بقرائن الأحوال، و الله العالم.

و كيف كان ف- لو بلغه البيع بما يمكن إثباته به كالتواتر أو شهادة شاهدي عدل فلم يطالب و قال: لم اصدق بطلت شفعته بناء على الفور و لم يقبل عذره الذي مرجعه المكابرة، ضرورة كون المفروض طريقا شرعا لثبوته، فهو حينئذ كالمعاينة أو العلم بذلك.

نعم لو أخبره عدد لا يبلغ التواتر لكن حصل به الاستفاضة الموجبة للظن الغالب فلم يشفع لم تبطل شفعته، لعدم الدليل على ثبوت البيع بذلك ما لم يصل إلى حد العلم فيجب حينئذ.

بل في المسالك «الأقوى كونه عذرا و إن قلنا بثبوته بها، للخلاف في ذلك، فكان عذرا، هذا إذا اعترف بحصول العدد الموجب لها و لم يكن مذهبه ثبوتها بذلك بالاجتهاد أو التقليد و إلا لم يعذر كالشاهدين». و فيه ما لا يخفى.

بل فيها أيضا «أنه لو قال: لم يحصل لي بأخبارهم الظن الغالب فهو عذر و إن حصل لغيره، لأن ذلك أمر نفساني لا يمكن معرفته إلا من قبله» و لا يخفى ما فيه أيضا.

ج 37، ص: 435

نعم لو أخبره صبي أو فاسق لم تبطل و صدق في العذر(1)لعدم ثبوته شرعا بذلك و لو كانوا جماعة غير عدول ما لم يصل إلى حد الاستفاضة التي عرفت الحال فيها.

و لو صدق الخبر ففي المسالك «في عذره بالتأخير بعده وجهان، من أن التصديق لا يستند إلى علم و لا سند شرعي فلا عبرة به، و من إمكان استناده إلى القرائن، فإن الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم لا ينحصر في العدل و لعل هذا أوجه».

قلت: بل لا وجه لغيره، ضرورة أنه ليس وراء العلم شي ء من أين ما حصل.

و كذا لو أخبره واحد عدل لم تبطل شفعته، و قبل عذره، لأن الواحد ليس حجة و احتمال قبول عذره حتى مع حصول العلم معه و لو من القرائن المفيدة له واضح الفساد، و ما أبعد ما بين ذلك و بين احتمال الاكتفاء به ما يعلم كذبه، لعموم حجية العدل.

و الذي يقوى اعتبار التعدد في مثل المقام المشتمل على خصوصية يندرج بها في الشهادة كما حررنا ذلك في محله.

ثم إن ظاهر المسالك ثبوت البيع على وجه تسقط الشفعة مع عدم الفور بها لغير عذر باعتراف المتبايعين، و فيه أن اعترافهما إنما هو حجة عليهما لا أنه مثبت للموضوع واقعا بحيث يترتب عليه الحكم المتعلق بغيرهما، فتأمل، و الله العالم.

هذا و عرفت فيما سبق أنه لو جهلا أي الشفيع و المشتري قدر الثمن و تصادقا على ذلك لنسيان أو شراء وكيل


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، و في النسخة المخطوطة بقلمه الشريف« و صدق في العذر عن الفور بها».

ج 37، ص: 436

و قد مات أو غير ذلك بطلت الشفعة لتعذر تسليم الثمن المعتبر في الشفعة على الوجه الذي قد عرفته.

بل لعله كذلك و إن دفع الشفيع قدرا يشتمل عليه مع فرض عدم قبول المشتري التبرع المزبور، لما فيه من المنة، بل و إن قبله في وجه قوي مع احتمال الاجتزاء، لصدق تسليم الثمن و زيادة.

بل و كذا الكلام في جهل خصوصية و إن دارت بين أمرين و سمح بهما الشفيع، و الله العالم.

و لو كان المبيع في بلد ناء و الفرض أنه معلوم للشفيع فأخر المطالبة بالشفعة و الأخذ بها مع حضور المشتري و عدم عذر بل لم يمكن ذلك منه إلا توقعا للوصول حتى يقبض الشقص بطلت الشفعة بناء على الفور بلا خلاف أجده بين من تعرض له، لعدم ثبوت كون ذلك عذرا، فعليه أن يأخذ حينئذ و يدفع الثمن و إن تأخر قبض الشقص، لما عرفت من وجوب تسليم الشفيع الثمن أولا لكونه جزء مملك أولا.

بل لو قلنا باعتبار التقابض فيها فالظاهر وجوب الفور فيها أيضا و إن كان هو حينئذ الأخذ القولي، و يبقى تسليم الثمن موقوفا على تسلم الشقص، و هو حكم آخر غير الشفعة.

لكن قد عرفت سابقا جعل بعضهم انتظار بلوغ الثمرة و الزرع عذرا معللا له بالضرر على الشفيع بتعجيل دفع الثمن مع مشغولية الشقص، و لعل نحوه يأتي في مثل المقام.

اللهم إلا أن يفرق بكون المانع في الأول بقاء يد المشتري على الشقص بخلافه هنا، فإنه ليس إلا عدم وصول الشفيع إلى ماله الذي قد خلي بينه و بينه، و الفرض معلوميته له، و الله العالم.

ج 37، ص: 437

و لو بان الثمن المعين مستحقا للغير و لم يجز بطلت الشفعة، لبطلان العقد الذي هو عنوانها و كذا لو تصادق الشفيع و المشتري على غصبية الثمن المزبور أو عدم قابليته ثمنا و إن لم يكن مثبتا للبطلان في نفس الأمر بحيث يمضي في حق البائع إلا أن الحق منحصر فيهما فيقبل ذلك في حقهما.

بل لو أقر الشفيع خاصة بغصبيته مثلا قبل الأخذ بها منع من المطالبة

لعموم «إقرار العقلاء»(1)

و إن لم يكن ذلك مثبتا للبطلان في حق غيره.

و كذا تبطل الشفعة لو تلف الثمن المعين قبل قبضه عند الشيخ و الفاضل في محكي المبسوط و التذكرة لتحقق البطلان (11) في البيع الذي هو عنوان الشفعة.

و لعله كذلك لكن على تردد في هذا (12) ينشأ مما عرفته سابقا في الإقالة و الرد بالعيب: من أن حق الشفعة ثابت بالبيع، فلا يقدح فيه طرو الفسخ، سواء كان سابقا أو لاحقا بعد أن كان من حينه لا من أصله. و من هنا جزم ثاني الشهيدين ببقائها كالمحكي عن الفاضل في المختلف و ولده و الشهيد.

لكن قال في القواعد: «و لو تلف الثمن المعين قبل قبضه فان كان الشفيع قد أخذ الشقص رجع البائع بقيمته و إلا بطلت الشفعة على إشكال».

قلت: لعل منشأه ما عرفت، و كأنه أراده في الدروس و المسالك في حكاية القول بالتفصيل و إن تركا حكاية ذكر الاشكال فيه، و إلا فلم نعرفه قولا لأحد منا و لا من العامة.

و على كل حال فقد يدفع الاشكال المزبور بأن حق الشفعة مع سبقه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.

ج 37، ص: 438

يقدم على غيره من التصرفات الواقعة من البائع و المشتري و إن كانت فسخا بإقالة أو رد بعيب، لا أنه يقدم على المبطل الشرعي الذي لا يتصور فسخ حق الشفعة له على نحو فسخ الإقالة و الرد بالعيب.

و ثبوته مع البطلان المقتضي لكون الشقص ملكا للبائع و الشفيع إنما يأخذ من المشتري لا يطابق الأدلة الشرعية، كما لا يطابقها أيضا ضمان المشتري قيمة الشقص، خصوصا بعد أن لم يكن في يده، و قد شفع به الشفيع، و هو في يد البائع.

و احتمال أن للشفيع باعتبار سبق حصول سببه و هو البيع الصحيح فسخ الانفساخ المزبور تحكيما لدليل الشفعة عليه يدفعه أنه ترجيح لما دل على الشفعة المقتضي لذلك على ما دل على البطلان الشرعي المقتضي لبطلان حق الشفعة، مع أن الترجيح للأخير من وجوه.

فالتحقيق حينئذ عدم استحقاق الشفيع الأخذ مع كون التلف قبله، بل قيل خصوصا إذا قلنا بأن تلف الثمن قبل القبض من مال المشتري كما أن تلف المبيع قبل القبض من مال البائع، على معنى تقدير رجوع كل منهما إلى مالكه قبل التلف آنا ما، و حينئذ فلا ثمن للبائع على المشتري حتى يأخذه الشفيع به و إن كان فيه ما فيه.

نعم لو كان الأخذ قبله اتجهت الصحة، للأصل الذي لا ينافيه بطلان البيع من حينه الذي هو بمعنى استحقاق قيمة الشقص على المشتري باعتبار تنزيل أخذ الشفيع له منزلة التلف.

اللهم إلا أن يقال: إن البطلان هنا أولى من بطلانها بفسخ البائع فإن الحكم الشرعي بكون ملك المشتري له مراعى بعدم تلف الثمن قبل قبضه أولى بتبعية الشفعة له من تبعيتها لفسخ البائع، فتأمل جيدا.

بل قد يقال بسقوطها أيضا بالانفساخ الحاصل بالتحالف بين البائع

ج 37، ص: 439

و المشتري مع عدم علم الشفيع بالحال، لكونه أيضا انفساخا شرعيا لا وجه لفسخ الشفيع له المقتضي لرده إلى المشتري حتى يأخذه منه بالثمن الذي حلف البائع على نفيه كما حلف المشتري على نفي ما ادعاه البائع، فصار كأنه مبيع بلا ثمن، فلا وجه لأخذ الشفيع له بعد انفساخه بما عرفت.

أو قلنا بأن للبائع فسخه بذلك و إن لم ينفسخ قهرا.

لكن في موضع من القواعد بعد أن ذكر أن للشفيع فسخ الإقالة و الرد بالعيب قال: «و لو قلنا بالتحالف عند التخالف في قدر الثمن و فسخنا البيع فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع لأخذه منه هنا».

و قال فيها في موضع آخر: «و لو اختلف المتبايعان في الثمن و أوجبنا التحالف أخذه بما حلف عليه البائع، لأن للبائع فسخ البيع، فإذا أخذه بما قاله المشتري منع منه، فإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع جاز، و ملك الشفيع أخذه بما قال المشتري، فان عاد المشتري و صدق البائع و قال: كنت غالطا فهل للشفيع أخذه بما حلف عليه؟ الأقرب ذلك».

قلت: قد ينساق في بادئ النظر أن المتجه بناء على الانفساخ قهرا بذلك و فرض حصول تمام التحالف بينهما عدم الأخذ بالشفعة، لعدم إمكان فسخ الانفساخ المزبور و رد العين إلى المشتري على وجه يكون دركها عليه، لاقتضاء بطلان ما أفاده القضاء الأول بالتحالف.

و دعوى أن الأخذ حينئذ يكون من البائع على وجه يكون الدرك عليه خلاف المستفاد من أدلة الشفعة التي مقتضاها الأخذ من المشتري و الدرك عليه.

لكن فيه أن التخالف المزبور إنما يقتضي الفسخ من حينه بين البائع و المشتري، و الفرض سبق تعلق حق الشفعة، فيتجه حينئذ القول بأنه يأخذ بما يقتضيه البيع الأول قبل الفسخ، فيضمن حينئذ المشتري قيمة

ج 37، ص: 440

الشقص للبائع، كما إذا رد البائع الثمن بالعيب بعد أن أخذ الشفيع الشقص بشفعته، و لكن مقتضى ذلك الأخذ بما يقوله المشتري حينئذ، لا ما يقوله البائع، بل مقتضاه حينئذ كون الأخذ منه دون البائع، ضرورة استحقاق الشفيع الانتزاع منه، فلا مدخلية للبائع، و فائدة تحالفه تكون لضمان المشتري له الشقص لا ما ادعاه من الثمن الذي حلف المشتري على نفيه.

و من ذلك يظهر لك أنه لا وجه لما في جامع المقاصد من أن المتجه على التحالف بقاء الدعوى بين الشفيع و البائع، و يكون كالدعوى بين الشفيع و المشتري، ضرورة أنك قد عرفت أخذ الشفيع من المشتري المعترف بكون الثمن كذلك، فلا دخل للبائع الذي يرجع في الفرض إلى قيمة الشقص لا إلى الثمن.

كما أنه يظهر لك النظر فيما سمعته من القواعد فتأمل جيدا، فإن المسألة من المشكلات.

و لا يسهل الخطب فيها أن المشهور بين أصحابنا عدم التحالف، بل القول قول البائع مع قيام العين و القول قول المشتري مع تلفها، إذ يمكن فرضها في صورة التحالف عند الأصحاب، كما إذا كان الاختلاف في جنس الثمن، بأن قال البائع: أنه كذا حنطة مثلا و قال المشتري: إنه كذا شعيرا، فإنه لا ريب في كون الحكم هنا التحالف، و يأتي البحث السابق.

و لتكن عند التأمل مستحضرا لمدخلية دفع الثمن في تملك الشقص و أن الأخذ من المشتري و الدرك عليه، و أن التحالف إنما هو في حق المتحالفين، و أن الشفيع حقه على المشتري دون البائع، و أن الفسخ الطاري على البيع الصحيح بسبب من المتعاملين أو مطلقا لا يبطل الشفعة و غير

ج 37، ص: 441

ذلك، ينفعك في المقام و نظائره، و الله العالم و الهادي.

و من حيل الاسقاط و لو بمعنى إيجاد ما يمنع رغبة الشفيع بأخذه، و الظاهر عدم الكراهة في ذلك للأصل فضلا عن الحرمة، اللهم إلا أن يقال بعد التسامح بإشعار الأدلة بها باعتبار مراعاة الشريك، و الأمر سهل.

و هي كثيرة و لكن منها أن يبيع بزيادة على (عن خ ل) الثمن الذي يبذل في مثله على وجه لا يرغب فيه معها و لكن مع المواطاة بينهما على أن يدفع ب مقابلة الثمن الزائد عوضا قليلا، فإن أخذ الشفيع لزمه الثمن الذي تضمنه العقد، و كذا لو باع بثمن زائد فقبض بعضا و أبرأه من الباقي للمواطأة على ذلك.

و لكن لا يخفى أن ظاهر المصنف و غيره لزوم الثمن للمشتري مع المواطاة المزبورة على وجه لو فرض خلف البائع في ذلك استحقها على المشتري، بل كاد يكون ذلك صريح كلامهم.

لكن في التحرير «لو خالف أحدهما ما تواطئا عليه فطالب صاحبه بما ظهر لزمه في ظاهر الحكم و يحرم عليه في الباطن، لأن صاحبه إنما رضي بالعقد للتواطؤ».

و هو- مع ما فيه من صعوبة تصور خلف المشتري في المواطاة على وجه يلتزم بسببه في الكثير- أنه لا يطابق ظاهر الأدلة، إذ أقصاه مخالفة الوعد أو ما يشبهه، و لا إثم فيها على الأصح فضلا عن حرمة المال، و تنزيله على الشرط المضمر على وجه يكون للمشتري دون الشفيع كما ترى، نعم لو تواطئا على الإقرار في الظاهر فطالبه البائع مثلا بذلك كان حراما عليه في الباطن، و لكنه غير مفروض المسألة قطعا.

و الانصاف أن المسألة محتاجة إلى تنقيح على وجه يظهر منه ما هو

ج 37، ص: 442

المعروف من عدم جواز الصلح عن الحقوق بحيث تؤدي إلى سقوطها بأمثال هذه الحيل، و له مقام آخر.

و كذا من حيلها على وجه لا يتعلق حقها لو نقل الشقص بغير البيع كالهبة أو الصلح و نحوهما مما لا يتعلق به حق الشفعة، لما عرفته سابقا من أن موضوعها انتقال الشقص بالبيع دون غيره من النواقل و هو واضح.

كوضوح تصور أمور كثيرة للرغبة عنها أو غير ذلك مما تقتضي عدم أخذ الشفيع بها و إن أكثر بعضهم في الأمثلة لذلك، و الله العالم.

و لو ادعى الشفيع على غير ه الابتياع فصدقه و قال: نسيت الثمن فالقول قوله مع يمينه كما صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي، لأنه لا يعلم إلا من قبله، و لو لم يقبل لزم التخليد في الحبس على تقدير صدقه.

و حينئذ فإذا حلفه و يأس من العلم بطلت الشفعة بمعنى عدم ترتب أثر على استحقاقها، لتعذر العلم بالثمن الذي قد عرفت توقف الأخذ عليه، لكن إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة في تعجيل القبول منه من دون تبين حاله بأنه مدع، فإن الأصل عدم النسيان.

و على الأول فان لم يحلف و قضينا بالنكول فان كان الشفيع يدعي العلم بقدر معين ثبت و أخذ بالشفعة به، و إن لم نقض به حلف الشفيع على ما يدعيه و أخذ به.

و إن كان لا يدعي العلم به و إنما يدعي علم المشتري ففي المسالك «احتمل عدم سماع الدعوى بعد ذلك، لعدم إمكان الحكم بشي ء و إحلاف الشفيع على أن المشتري يعلم و حبس المشتري حتى يبين قدره».

قلت: لا يخفى عليك جريان مسألة النكول السابقة هنا أيضا.

ج 37، ص: 443

و لو ادعى الشفيع العلم بالثمن من أول الأمر من غير دعوى العلم به على المشتري و ادعى المشتري النسيان فهل يثبت بيمين الشفيع هنا؟ ففي جامع المقاصد فيه نظر. قلت: أقواه العدم. و لعله كذلك لو صادقة على النسيان، و هو المناسب لإطلاق المصنف و غيره أنه إذا حلف على النسيان بطلت الشفعة سواء ادعى الشفيع العلم به أو لا.

و لو ادعى المشتري أن عدم العلم بالثمن لأنه كان عرضا قيميا و أخذه البائع و تلف في يده و لا أعلم قيمته فالقول قوله مع يمينه بلا خلاف و لا إشكال، و كذا لو قال: «أخذه وكيلي و لا أعلم به» أو نحو ذلك مما هو غير مناف للأصل، و هو ممكن، و لو لم يقبل منه يلزم تخليده في السجن، و الله العالم. هذا كله إذا كان الجواب بنحو ما سمعت.

أما لو قال: لم أعلم كمية الثمن مقتصرا على ذلك لم يكن جوابا صحيحا و في القواعد و التحرير و جامع المقاصد و المسالك كلف جوابا صحيحا غيره معللا في أول الأخيرين بإجماله و احتماله، و في ثانيهما بأنه «مشترك بين أن يكون لا يعلم ابتداء من حين الشراء، و هو غير مسموع، لاقتضائه بطلان البيع، و أن يكون غيره من الوجهين السابقين، فلا بد من تفصيله، و حينئذ فيلزم بجواب مسموع فإن أصر حبس حتى يجيب».

قلت: قد يناقش بأن احتماله للصحة كاف في صحته، و لا داعي إلى عقوبته بحبسه حتى يجيب معينا له.

و كيف كان ففي المتن و غيره و إن كنا لم نتحققه أنه قال الشيخ: يرد اليمين حينئذ على الشفيع و يقضي على المشتري بما يحلف عليه، أي مع فرض دعوى العلم به، أما بدونه فلا، لعدم إمكان حلفه.

نعم في المسالك «لو فرض دعوى الشفيع هنا عدم علمه لكن

ج 37، ص: 444

ادعى علم المشتري حلف على ذلك و ألزم المشتري البيان، ثم إن عين قدرا و طابقه عليه الشفيع حكم بمقتضاه، و إلا فإشكال».

قلت: لا يخفى عليك ما في أصل القول المزبور ضرورة كون المتجه إلزامه بالبيان لا القضاء بيمين الشفيع كما هو واضح، و الله العالم.

[المقصد الخامس في التنازع]

اشاره

المقصد الخامس في التنازع و فيه مسائل:

[المسألة الأولى إذا اختلفا في الثمن و لا بينة فالقول قول المشتري مع يمينه]

الأولى:

إذا اختلفا أي الشفيع و المشتري في قدر الثمن بعد اتفاقهما على وقوع الشراء فقال المشتري: ألف مثلا و قال الشفيع:

خمس ماءة و لا بينة فالقول قول المشتري مع يمينه عند الشيخين و سلار و أبي الصلاح و القاضي و بني زهرة و إدريس و سعيد و الفاضل و الشهيد و غيرهم، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل لا يكاد يوجد فيه خلاف إلا من الإسكافي و ظاهر ثاني الشهيدين في المسالك، بل في الغنية الإجماع عليه لأنه الذي ينتزع الشي ء من يده و لأنه الذي هو أعرف بالعقد و لأنه الغارم، و لأنه ذو اليد، و لأنه الذي يترك لو ترك، و لأن المشتري

ج 37، ص: 445

لا دعوى له على الشفيع، إذ لا يدعي شيئا في ذمته و لا تحت يده، و إنما الشفيع يدعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف به الشفيع و المشتري ينكره، و لا يلزم من قوله اشتريته بالأكثر أن يكون مدعيا عليه و إن كان خلاف الأصل، لأنه لا يدعي استحقاقه إياه عليه، و لا يطلب تغريمه إياه.

لكن مع هذا كله مال في المسالك إلى تقديم قول الشفيع وفاقا للإسكافي مناقشا في بعض الأدلة السابقة في الأول، فمنع (بمنع خ ل) كون المالك لا تزال يده عن ملكه إلا بما يدعيه، فقد يقدم قول المنكر في كثير في البيع و غيره، خصوصا مع تلف العين، و تخصيص هذا بما إذا كانت العين باقية ليكون كتقديم قول البائع في الثمن مع بقاء العين فيه- مع كونه تخصيصا لمدعي (لدعوى خ ل) القائل بغير رضاه- أن تقديم قول البائع حينئذ ليس لهذه العلة؛ بل لرواية(1)وردت في ذلك كما تقرر في بابه، و من ثم خالف فيه جماعة و أطرحوا الرواية إما لضعف سندها أو لمخالفتها للأصول و قدموا قول المشتري مطلقا أو حكموا بالتحالف إلى غير ذلك من الاختلاف، و تعدية الرواية إلى موضع النزاع مع تسليمها في موردها قياس لا يقولون به».

و في الثاني بأن «النزاع ليس في العقد، لاتفاقهما معا على وقوعه صحيحا و استحقاق الشفعة به، و إنما النزاع في القدر الواجب على الشفيع دفعه إلى المشتري من الثمن، فالمشتري يدعي زيادته عما يدعيه الشفيع و الشفيع ينكره، فيكون المشتري هو المدعي و الشفيع هو المنكر».

ثم اعترض على نفسه بأن العقد لا يتشخص إلا بالثمن المعين، فيكون الاختلاف فيه في قوة الاختلاف في العقد، لأن المتشخص منه بالألف


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام العقود- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 37، ص: 446

غير المتشخص منه بالخمسمائة، فيرجع إلى الاختلاف في العقد، و هو أعلم به، لأنه من فعله دون الشفيع.

و أجاب بأن القدر من العقد الواقع على الشقص مع كون الخمسمائة لازمة أمر متفق عليه، و إنما النزاع فيما زاد على ذلك، و هو راجع إلى دعوى المشتري و إنكار الشفيع، على أن هذا لو تم لزم تقديم مدعي الزيادة في كل معاوضة، سواء كانت العين باقية أم لا، و هم لا يقولون به.

ثم اعترض على هذا بأن عقد البيع مثلا إنما يقوم بالمتعاقدين فليس أحدهما أولى من الآخر، فلذا لم يقدم قول مدعي الزيادة مطلقا، بخلاف الشفيع الذي هو خارج و يريد انتزاع العين بما يدعيه ممن كان لعقد عقده.

و أجاب بفرض وقوع العقد مع البائع و وكيل المشتري أو بالعكس ثم تنازعا من دون حضور الوكيل، فيلزم تقديم قول من وقع العقد معه و لا يقول به الخصم، إلى أن قال: و بالجملة فمرجع التقديم إلى كونه منكرا و الآخر مدعيا نظرا إلى الخبر(1)أما غيره من الاعتبارات فلا التفات إليها من الشارع، و إنما هي مناسبات لا تفيد العلة.

و في الأخير بأنه- مع منافاته لظاهر الخبر-(2)لا يتم بعد أخذ الشفيع بالشفعة إما برضا المشتري بتأخير الثمن في ذمته أو مطلقا بناء على أن أخذه المعتبر في التملك بذله الثمن المتفق على لزومه لذمته لا ما يدعيه المشتري، فإذا أخذ الشفيع بما اعترف به ملك الشقص و بقي النزاع بينه و بين المشتري في القدر الزائد، و لو كان ملكه متوقفا على إعطاء المشتري


1- 1 إشارة إلى قوله ص: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر» المروي في الوسائل في الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 3 من كتاب القضاء.
2- 2 إشارة إلى قوله ص: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر» المروي في الوسائل في الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 37، ص: 447

ما يدعيه لزم إمكان دفعه عن التملك بسهولة، كدعوى قدر كثير لا يسمح به الشفيع من غير أن يثبته المشتري، و عموم الأدلة تنفيه.

و لا يخفى عليك ما في كلامه الأخير، ضرورة عدم اقتضاء اتفاقهما على لزومه كونه الثمن الذي وقع عليه العقد، فكيف يتصور

تملكه به مع عدم ثبوت كونه ثمنا؟! و مجرد دعواه لا تثبته، و أصالة عدم الزيادة لا تصلح لإثبات كون الثمن هو الناقص.

نعم لو فرض اتفاقهما على الثمن و أخذ الشفيع برضا المشتري بكونه في ذمته ثم اختلفا فيه بعد ذلك أمكن تصوره حينئذ، لكنه- مع أن فيه ما فيه إذا فرض إبراز كيفية الدعوى بينهما في تشخيص ما اتفقا عليه سابقا من الثمن- أيضا خارج عن محل النزاع الذي هو اختلافهما ابتداء فيه.

و من هنا يعلم أيضا ما في تفصيل صاحب الكفاية- الذي تصيده من هذه العبارة و عبارة الكركي- بين وقوع النزاع قبل الأخذ و بينه بعده، فيقدم قول المشتري في الأول و الشفيع في الثاني، مضافا إلى ما في الرياض من أنه خرق للإجماع المركب.

و أما ما ذكر من المنافاة للخبر ففيه أنه لا يقتضي كون الشفيع هو المنكر، ضرورة أنه إن كان مبناه الرجوع إلى العرف فلا ظهور فيه بأنه المنكر دون المشتري إن لم يكن العكس. و منه يعلم ما في قوله: و بالجملة إلى آخره.

و أغرب من ذلك قوله في الجواب عن المناقشة الأولى: «القدر في العقد الواقع على الشقص مع كون الخمسمائة لازمة أمر متفق عليه» إلى آخره، ضرورة أنه لا اتفاق بينهما بعد فرض كون النزاع بينهما في شخصي العقد الذي لا قدر مشترك بينهما، فان الخمسمائة في ضمن الألف

ج 37، ص: 448

غيرها مستقلة ثمنا فكيف يمكن حصول قدر متيقن بينهما و النزاع في غيره؟! فليس هما إلا متباينان، و ما بينهما من الاتفاق الانتزاعي لا مدخلية له في تشخيص كونه ثمنا كما هو واضح بأدنى تأمل.

و منه ينقدح أنه يتوجه كون كل منهما مدع بالنسبة إلى ذلك، لمخالفتهما للأصل كما ذكرناه فيما لو اختلف المتعاقدان و قد أبرز الدعوى في تشخيص العقد، فضلا عن المقام الذي عنوان الحكم فيه نصا و فتوى الثمن الذي وقع عليه شخص العقد، و لا ريب في عدم حجية قول أحد منهما في ذلك.

نعم يتوجه اليمين للشفيع على المشتري في نفي ما ادعاه من الثمن، كما أنه قد يقال بتوجه اليمين للمشتري عليه أيضا في نفي ما ادعاه مع احتمال عدمه، لأنه لا فائدة فيه بعد وقوع اليمين منه.

و لكن على كل حال لا يثبت بذلك أن الثمن هو ما ذكره أحدهما إلا مع رد اليمين من أحدهما، و إلا فمع عدمه ينتفي ما ذكره كل واحد منهما، إلا أنه لا طريق متيقن لتملك الشفيع الشقص إلا بدفع ما يقوله المشتري، لأصالة عدم الانتقال، و ليس ذلك منهما مؤديا إلى جهالة الثمن التي قد عرفت اقتضاؤها عدم الشفعة، ضرورة العلم به لكل منهما.

و إن اختلفا في قدره فمع دفع الشفيع ما يدعيه المشتري يتوجه له التملك، لأنه ثمن على التقديرين، و ليس في الأدلة ما يقتضي منع التملك مع دفع الزيادة على الثمن المعلوم عند الدافع، نعم حكمها الحرمة على المشتري مع كذبه و حلها له مع صدقه، و هو أمر آخر، و هو جيد لكن لم أعثر عليه قولا لأحد منا، بل و لا احتمالا و إن وافق المشهور في النتيجة، و هو الأخذ بما يدعيه المشتري، إلا أنه ليس لثبوت كونه ثمنا بقوله و لكن لا يقين بملك الشفيع بدونه.

و ليس في شي ء من الأصول بل و لا ما ذكرناه من أدلة المشهور

ج 37، ص: 449

ما يقتضي كون قول المشتري بيمينه من الطرق الشرعية لإثبات كونه الثمن الذي وقع عليه شخص العقد.

و لكن مع ذلك كله لا محيص عن العمل بالمشهور المحكي عليه الإجماع في الغنية الذي تطمئن النفس هنا بصوابه، و الله العالم.

هذا كله مع عدم البينة لكل منهما و إلا ففي محكي المبسوط و التذكرة و التحرير أنه إن أقام أحدهما بينة قضي له و هو كذلك بناء على ما ذكرناه من أن كلا منهما مدع.

أما على المشهور فقد يشكل سماع بينة المشتري الذي هو منكر و فرضه اليمين، و قد ذكرنا في كتاب القضاء أنه لا تندفع اليمين عنه بإقامة البينة.

و عن حواشي الشهيد أن الأقرب القبول و إن كان في دفع اليمين عن المنكر بالبينة في غير هذه الصورة تردد، و وجه الفرق أنه يدعي دعوى محضة و قد أقام بها بينة، فتكون مسموعة.

و فيه شهادة على ما ذكرناه سابقا من كون المشتري مدعيا، و من هنا أشكله في جامع المقاصد و المسالك، بل في الأول منهما أنه لا يخلو من تدافع.

قلت: قد يقال: إن تقديم بينة المشتري عند القائل به ليس لكونه منكرا صرفا بل هو مدع، إلا أن قوله مقبول فيما ادعاه على وجه يقدم على الشفيع كالودعي الذي يدعي الرد مثلا، فان قبول قوله بيمينه لا يمنع من قبول بينته لكونه مدعيا، و ليس كل من قبل قوله بيمينه منكرا، بل لعل بعض ما سمعته من أدلة القائلين بتقديم قول المشتري كالصريح في ذلك.

و بذلك يظهر لك ما في دعوى بعض من أن ما في الخلاف و المبسوط- من أنه لو أقام كل منهما بينة حكم ببينة المشتري- يوافق ما سمعته من

ج 37، ص: 450

الإسكافي من أن المنكر الشفيع و إلا لم تقدم بينة المشتري الذي هو الداخل مع أنه يمكن أن يكون ذلك لأن مذهبه تقديم بينة الداخل كما حكي عنه، إلا أن ما ذكرناه أولا أولى كما يشهد له ما عن الخلاف من تعليل تقديمه بأنه مدعي الزيادة، فيكون الوجه في تقديم بينته أنه كان يقدم قوله بدونها فمعها أولى و لا أقل من تعارض البينتين من المدعيين إلا أنه يرجح بينة المشتري بتقديم قوله بدونها فيقوى جانبه بذلك.

و من هنا يظهر لك ضعف ما تسمعه من قول المصنف: «و فيه احتمال للقضاء ببينة الشفيع، لأنه الخارج» بل في قواعد الفاضل و جامع المقاصد و محكي السرائر و التذكرة و الكفاية أنه الأقرب، بل عن الفخر الميل إليه.

و لعله لتقديم بينة الخارج بناء على أنه الشفيع و الداخل المشتري، و إن كان فيه ما عرفت من احتمال منع كونه من ذلك، لأن كلا منهما مدع و إن قدمنا قوله مع عدم البينة على حسب ما عرفت.

و لذلك قال في المختلف بعد أن اختار تقديم بينة المشتري: «و هذا بخلاف الداخل و الخارج، لأن بينة الداخل يمكن أن تستند إلى اليد؛ فلهذا قدمنا بينة الخارج، و في صورة النزاع البينة تشهد على نفس العقد كشهادة بينة الشفيع».

و مراده في الحقيقة ما ذكرناه من أن كلا منهما مدع و إن قدم قوله مع عدم البينة للإجماع المزبور و نحوه، بل هو مرجح لبينته لا أنه يكون به منكرا.

و حينئذ فمناقشة الكركي و ثاني الشهيدين له بأن تقديم بينة الخارج عند القائل به ليس لذلك فقط، بل ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1):


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 37، ص: 451

«البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

و الخارج مدع في غير محلها بعد ما عرفت.

بل إليه يرجع ما عن الخلاف من تعليل تقديمه بأن المشتري يدعي زيادة الثمن و الشفيع ينكره، أي فهو بحكم المنكر و لو من وجه، نعم يحكي عن مبسوطة التعليل بأنه داخل فتقدم بينته.

و كيف كان فلا يخفى ما في كلامهم من التشويش، و سببه عدم تنقيح الأمر أولا، و التحقيق ما عرفت من كونهما مدعيين على الوجه الذي ذكرناه، فتأمل جيدا.

و لعله لذا كان المحكي عن جامع الشرائع القول بالقرعة هنا، إذ ليس إلا لأن تنازعهما في العقد، و لا داخل و لا خارج، إذ لا يدلهما، فصارا كالمتنازعين في عين في يد غيرهما، فتجب القرعة كما اعترف بذلك في المختلف و إن ناقشه في جامع المقاصد بأن تنازعهما في استحقاق العين بالثمن المخصوص، و بأن القرعة في الأمر المشكل الذي لم يدل النص على حكمه و ما نحن فيه ليس كذلك، أي باعتبار

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

لكن فيه ما عرفت من احتمال عدم كونه منكرا عنده، بل مدع قدم قوله، لكونه أعرف بالعقد أو نحو ذلك، و أنه باعتبار

التنازع في التشخيص صار دعوى كل منهما مباينة للأخرى ليس بينهما قدر مشترك متفق عليه كما أوضحناه سابقا، نعم يتجه عليه أنه لا إشكال مع الترجيح بما عرفت، و الله العالم.

و كيف كان فقد صرح الشيخ و الفاضل و الكركي و الشهيدان على ما حكي عن بعضهم بأنه لا تقبل شهادة البائع لأحدهما بل لا أجد فيه خلافا صريحا.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 37، ص: 452

نعم يحكي عن السرائر أنه اقتصر على عدم قبول شهادته للشفيع، لأنه يدفع عن نفسه ضرر الدرك، و ربما أشعر بقبولها للمشتري، لكن لم أجد من حكاه.

و في قواعد الفاضل و الدروس أنه يحتمل القبول على الشفيع مع القبض و له بدونه، بل قيل قد استحسنه في التذكرة و قواه في الحواشي و كأنه مال إليه في الإيضاح.

و على كل حال ففي جامع المقاصد و المسالك تعليل عدم القبول مطلقا بأنها تجر نفعا على التقديرين، و هو استحقاق الثمن الكثير و بدله إن ظهر مستحقا أو رد العين إن شهد للمشتري، بل ربما كان له غرض بعود المبيع إليه بفسخ المشتري إذا علم بالعيب أو الغبن و يخشى فوات ذلك بأخذ الشفيع فينفره من الأخذ بكثرة الثمن و التخلص من ضمان درك الزيادة لو شهد للشفيع، بل ربما حاول بذلك إسقاط خيار الغبن أو قلة الأرش لو ظهر المبيع معيبا، بل ربما كان عالما بالعيب و يتوقع المطالبة بأرشه و ربما خاف رد المشتري له بالعيب أو الغبن دون الشفيع، فيرغبه في الأخذ بتقليل الثمن إلى غير ذلك مما لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه في كتاب الشهادات.

بل ذكروا فيها ما يعلم منه عدم كون المقام من رد الشهادة بجر النفع الذي هو عندهم ما يكون الشاهد به مدعيا كشهادة الشريك لشريكه و نحو ذلك، بل لا جر نفع بعد إقرار المشتري بالثمن.

نعم ما نحن فيه من كون الشاهد متهما، لكن قد ذكرنا عدم ردها بمطلق التهمة، بل التهمة المخصوصة المستفادة من الأدلة.

و لعله لذا قال بعض المعاصرين: إن الأقوى القبول مطلقا، و لكنه مخالف لمن عرفت، و يمكن الاستدلال له بما عن المبسوط من تعليله بأنها

ج 37، ص: 453

شهادة على فعله، و المنساق من إطلاق الأدلة خلافه.

و أما احتمال التفصيل المزبور المستفاد من السرائر فلا وجه معتد به له، كالتفصيل الذي سمعته من الفاضل، و لعل الأولى عدم القبول مطلقا، و الله العالم.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا تفصيل الحال في الصور الأربعة و هي عدم البينة أو البينة للمشتري أو للشفيع و الرابعة التي هي لو أقام كل منهما بينة و أن الأولى فيه ما ذكره المصنف من أنه حكم ببينة المشتري و إن كان فيه احتمال للقضاء ببينة الشفيع لأنه الخارج لكن قد عرفت تفصيل الحال فيه، و الله العالم.

و لو كان الاختلاف بين المتبايعين في قدر الثمن و لأحدهما بينة حكم بها بلا خلاف و لا إشكال بناء على التحالف مع عدمها، أما على القول بتقديم قول المشتري مطلقا فيشكل سماع بينته على وجه يسقط عنه اليمين بما عرفت من أنه منكر و وظيفته اليمين.

بل و على المشهور من أن القول قول البائع مع بقاء السلعة و المشتري مع تلفها، بناء على أن كل من كان القول قوله كان هو المنكر، فلا تسمع منه البينة، لأن عليه اليمين، فيشكل حينئذ سماعها من البائع مع البقاء و من المشتري مع التلف.

لكن قد عرفت ما يعرف منه الجواب عن ذلك، كما أنه قد تقدم في كتاب البيع(1)تحقيق الحال في المسألة بجميع أطرافها.

و منه ما لو كان لكل منهما بينة و إن قال الشيخ في المبسوط الحكم فيها حينئذ بالقرعة (11) عندنا التي هي لكل أمر مشتبه، و منه هذا.


1- 1 راجع ج 23 ص 184- 186.

ج 37، ص: 454

و لكن فيه إشكال، لاختصاص القرعة بموضع اشتباه الحكم كما اعترف به و لا اشتباه مع الفتوى من المشهور ب الخبر المزبور(1)المتضمن أن القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة، فتكون البينة هنا بينة المشتري كما صرح به الفاضل و الكركي و الشهيد في المحكي من حواشيه، و استحسنه في المسالك، بل قيل إنه قضية كلام التذكرة و الإيضاح، إذ الفرض بقاء العين التي يأخذها الشفيع، فيكون هو الخارج الذي تقدم بينته بناء على القول به.

بل ربما تجشم لكون البائع منكرا من غير جهة قبول قوله إنه لما عين السبب و شخصه بوقوع الثمن على الزائد لم يكن

معترفا بالملك مطلقا بل على ذلك الوجه الذي إن ثبت ثبت به الثمن المخصوص، فيكون منكرا لما يدعيه المشتري، فوجب عندهم تقديم بينة المشتري و إن كان هو كما ترى.

نعم في الإيضاح «أن بينة المشتري مقدمة و لو قلنا بالتحالف مع عدم البينة، لأنها مخالفة لأصلين: انتقال الملك و رضا البائع بهذا العوض و بينة البائع تخالف أصلا، و هو عدم رضا المشتري بالزيادة، أي فيكون المشتري هو الخارج الذي تقبل بينته».

مع أنه يمكن أن يناقش أيضا بأنه مع اعتبار الأصلين لا معنى للتحالف، بل يتعين حلف المشتري، و إلا فلا معنى لترجيح بينته بهما.

بل ناقشه في جامع المقاصد بأن أصالة عدم انتقال الملك إليه قد زالت باعتراف البائع بحصول البيع الناقل للملك و إن كان قد يدفع بإمكان إرادة أصالة عدم انتقال الملك إلا بما يقوله مالكه.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام العقود- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 37، ص: 455

لكن التحقيق مع إبرازهما الدعوى على وجه يكون كل منهما مدعيا و منكرا يتجه قول الشيخ بالقرعة مع عدم الترجيح، و زيادة مخالفة الأصول على فرض تسليمها لا تقتضي جعله مدعيا بحيث ترجح بينته على الآخر.

و إن أبرزها على وجه يكون البائع مدعيا و المشتري منكرا أو بالعكس إن أمكن فرضه بني على مسألة ترجيح بينة الداخل و الخارج، و الله العالم.

و كيف كان فعن قضية كلام المبسوط أنه إذا قضي بالثمن تخير الشفيع في الأخذ بذلك و في الترك حتى في صورة عدم البينة لأحدهما، و حلف البائع باعتبار أن القول قوله، لقيام العين التي يريد الشفيع أخذها، فضلا عن صورة ما لو أقام بينة بذلك بناء على قبولها منه.

و وجهه أنه الثمن شرعا، و الشفيع إنما يأخذ به، بل قيل: إنه لو أوجب الشارع غيره أو أجازه لتضاد الحكمان، و قد

قال (عليه السلام): «لا يحكم في قضية بحكمين مختلفين»

و إن كان فيه أن ذلك كذلك مع اتحاد الحكم و المحكوم عليه و له، بخلاف المقام الذي المحكوم عليه المشتري و المحكوم له الشفيع.

بل قد يناقش في الأول أيضا في صورة الحلف بأنه إنما يثبت الثمن في حق المشتري دون غيره، بل و في صورة البينة أيضا بعد تكذيب المشتري لها الذي يأخذ الشفيع منه.

و من هنا كان خيرة الفاضل و ولده و الشهيدين و الكركي الأخذ بما يدعيه المشتري مطلقا، لأن الشفيع إنما يأخذ منه و يدفع إليه الثمن، و هو يزعم أن البائع ظالم بأخذ الزائد، فلا يظلم هو الشفيع فيه بعد الإقرار

ج 37، ص: 456

منه النافذ في حقه.

بل عن الفاضل و الشهيد التصريح بذلك حتى لو رجع إلى قول البائع و قال: «كنت ناسيا» إلا أن يصدقه الشفيع.

و لكن قد يقال بناء على اعتبار دفع الثمن الواقعي من الشفيع في التمليك و الفرض عدم علم الشفيع و عدم ثبوت الواقع منه بقول المشتري خاصة: يتجه توقف الحكم بتملك الشفيع على دفع الثمن الواقع، و ليس إلا ما يقوله البائع، خصوصا مع إقامة البينة التي فرض قبولها منه.

و مجرد اعتراف المشتري بكون الثمن كذلك لا يثبت الواقع، نعم مع مصادقة الشفيع له على ذلك يتجه الحكم بالتملك، لا لثبوت ذلك واقعا، بل لكون الحق منحصرا فيهما، فمع اتفاقهما عليه يحكم بالملك، بخلاف ما إذا انفرد المشتري، فان الإقرار في حقه لا يصير كون الثمن كذلك على وجه يحكم بحصول الملك للشفيع المعتبر فيه دفع الثمن في نفس الأمر على وجه لو رضى الشفيع(1)بالأقل لم يملك بإنشاء الأخذ إلا إذا ثبت في ذمته ثم يبرؤه المشتري منه.

و حينئذ ففي المقام لا يحكم بتملكه الشقص إلا بدفع ما يعلم كونه الثمن و إن كان لا يجوز للمشتري مطالبته بالزائد، بل و لا يملكه إن كان في نفس الأمر صادقا، و لعله إلى هذا نظر المصنف و الشيخ.

و لكن مع ذلك فيه ما فيه باعتبار أن العين في يد المشتري، و هو مقر للشفيع باستحقاق انتزاعها منه بكذا، فلا يلزم بغيره.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في المسألة بين الاختلاف في قدر الثمن و بين الاختلاف في قيمته لو فرضا غرضا و قلنا بالشفعة به و قد تلف، لجريان


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة و المسودة، و الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف و الصحيح« المشتري» بدل« الشفيع».

ج 37، ص: 457

جميع ما سمعته فيه.

لكن في القواعد بعد أن جزم بأن القول قول المشتري في الأول قال هنا: «قدم قول المشتري على إشكال» و لم يظهر لنا وجه معتد به له.

و لو اختلفا في الغرس و البناء فقال المشتري: أنا أحدثته و أنكر الشفيع قدم قول المشتري، لأنه ملكه، و الشفيع يطلب تملكه عليه، فالأصل عدم تعلق حقه به، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي قضي بالشفعة للشريك]

المسألة الثانية قال في الخلاف و محكي المبسوط إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي قضي بالشفعة للشريك بظاهر الإقرار، و لكن فيه تردد و خلاف من حيث وقوف الشفعة على ثبوت الابتياع و لم يحصل، بل قد انتفى بيمين الأجنبي.

و لعل الأول أشبه عند المصنف بأصول المذهب التي منها إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وفاقا للفاضل و الشهيدين و الكركي، للإقرار المزبور الذي لا ينافيه عدم نفوذه في حق المشتري بعد إنكاره له و الشفعة تتبع البيع، و لو الحاصل بالإقرار الذي هو أحد الطرق في ثبوته و لو بالنسبة للمقر، و لذا لو صدقه المشتري ثبتت الشفعة بمجرد الإقرار.

و لكن بالغ الحلي في إنكار ذلك فقال: «إن الذي تقتضيه أصول أصحابنا و مذاهبهم أن الشفعة لا تستحق إلا بعد ثبوت البيع، و يستحقها و يأخذها من المشتري دون البائع، و البيع ما صح و لا وقع ظاهرا، و لا يحل لحاكم أن يحكم بأن البيع حصل و انعقد، فكيف يستحق الشفعة في بيع لم

ج 37، ص: 458

يثبت عند الحاكم؟! و كيف يأخذها من البائع؟! و أيضا الأصل أن لا شفعة فمن أثبتها احتاج إلى دليل قاطع، و هذه المسألة حادثة نظرية لا يرجع فيها إلى قول المخالفين» إلى آخره.

و هو في غاية الجودة، خصوصا بعد ما سمعته منا من عدم ثبوت البيع بإقرار المشتري مع البائع، فضلا عن البائع خاصة، و من مخالفة الشفعة للأصل التي ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن فضلا عما كان المنساق من الأدلة خلافه، و من الإجماع بقسميه على أن الشفيع يأخذ من المشتري على وجه يكون دفع الثمن جزء مملك.

و معلومية عدم ثبوت الموضوع بالإقرار الذي هو حجة على المقر نفسه لا أنه يثبت موضوعا علق الشارع عليه حكما، و الأخذ بالشفعة مع التصادق بين الشفيع و المشتري ليس لثبوت الموضوع، بل لأن الحق منحصر فيهما، و قد اعترفا به، و لا يبعد هنا مع فرض تصادق الشفيع مع البائع أن يكون له الأخذ مع دفع الثمن للحاكم بناء على عموم ولايته لمثل هذا.

و دعوى ثبوت البيع في حق الشفيع لو صدق البائع المشتري قد عرفت ما فيها سابقا.

و من الغريب ما في المسالك و غيرها من أنه «إن أقر البائع بقبض الثمن دفعه الشفيع للحاكم، لأنه مستحق عليه و لا يدعيه أحد، و إلا كان للبائع أخذه قصاصا» ضرورة عدم تماميته بناء على مدخليته في التملك، و المقاصة التي ذكرها لا وجه لها بعد عدم ملك المشتري له، و خصوصا بعد إحلافه المشتري.

ثم قال: «و لا يثبت الدرك على المشتري، لعدم ثبوت البيع بالنسبة إليه، بل يبقى على البائع» و فيه أنه لا وجه لكون دركه عليه بعد إقراره بكون الشقص ملكا لغيره.

ج 37، ص: 459

و بالجملة فإن كان المراد ثبوت الشفعة بالإقرار المزبور على وجه يترتب عليه حكمها الذي منه بطلانها مع عدم الفور و نحوه فلا ريب في عدم ثبوت ذلك بإقراره مع المشتري فضلا عن أحدهما خاصة، و إن كان المراد أن للشفيع الأخذ مؤاخذة للمقر بإقراره فلا بأس به، و لكن في المقام لا درك على أحد، و الثمن يقبضه الحاكم بناء على عموم ولايته لمثل ذلك و إن كان فيه منع واضح.

نعم لو رضي المدعى عليه الشراء بالقبض أمكن القول بحصول تمام المملك على مقتضى إقرار البائع و إلا فهو مشكل.

و على كل حال فلا إشكال في أن للبائع إحلافه إذا لم يكن قد قبض الثمن، بل و مع قبضه من الشفيع و إن استشكل فيه في القواعد، بل هو مقتضى عدم الترجيح في غيرها، لانتفاء فائدتها بعد قبضه الثمن.

لكن فيه أن دفع الدرك أمر مطلوب، على أن ما قبضه من الشفيع ليس هو عين حقه، فله الإحلاف لأجل تحصيل حقه، بل له ثمرات أخر غير ذلك. مضافا إلى صدق كونه مدعيا و هو منكر.

و أما الشفيع فله إحلافه أيضا كما صرح به غير واحد بناء على قبول الدعوى منه و إن لم يكن جازما بها تحصيلا لإقراره و ضمانه الدرك و غير ذلك، مضافا إلى الصدق المزبور، و لعله لذا نفى الشك عنه في محكي الإيضاح على القولين لإثبات الشفعة أو الدرك، و الله العالم.

ج 37، ص: 460

[المسألة الثالثة إذا ادعى أن شريكه ابتاع بعده فأنكر فالقول قول المنكر مع يمينه]

المسألة الثالثة:

إذا ادعى أن شريكه ابتاع بعده على وجه يستحق الشفعة عليه فأنكر فالقول قول المنكر مع يمينه بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كالشيخ و القاضي و الحلي و الفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل و لا إشكال، لأصالة عدم تحقق شرط الشفعة.

و لا ينافي ذلك أصالة عدم تقدم شرائه، فإن ذلك لا يرفع الشك في تحقق الشرط بعد تعارض الأصول حتى أصل عدم الاقتران، فمع فرض جهالة التاريخ أو مطلقا على ما تكرر منا يحصل الشك في تحقق الشرط، فعلى مدعيه الإثبات.

و حينئذ فإن حلف أنه لا يستحق عليه شفعة جاز، و لا يكلف اليمين أنه لم يشتر بعده و إن كان قد أجاب به بلا خلاف أجده أيضا بين المتعرضين له، و لعله للاكتفاء بذلك في بطلان دعواه.

لكن قد يناقش بأن ظاهر

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

كون كيفية اليمين على ما وقع منه من الإنكار.

و لذا كان المحكي عن بعض وجوه الشافعية وجوب الحلف على نفي الأخص إن أجاب به، لأنه لم يجب به إلا و يمكنه الحلف عليه، و لأنه مع الجواب له ينحصر سقوط حقه بما ذكره، نعم لو أجاب من أول


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 37، ص: 461

الأمر بالأعم لم يكلف غيره و إن كان لهم وجه أيضا بوجوب الحلف بالأخص حينئذ على طبق الدعوى.

لكنه واضح الضعف بعد فرض كون الجواب صحيحا، لأنه يمكن أن يكون قد اشترى بعده و لكن سقطت الشفعة بمسقط و لا يستطيع إثباته لو ادعاه، و قد حررنا المسألة في كتاب القضاء، إذ لا تخص المقام، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و لو قال كل منهما: أنا أسبق فلي الشفعة فكل منهما مدع كما صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعض لأصالة عدم تقدم أحدهما على الآخر، بل مقتضى إطلاقهم عدم

الفرق بين العلم بتأريخ شراء أحدهما و جهالة الآخر و عدمه، و هو مؤيد لما تكرر منا من أن ذلك لا يجدي في الحكم بالتأخر عنه على وجه يترتب عليه الحكم لو فرض كونه عنوانا كما في المقام.

و حينئذ ف- مع عدم البينة لأحدهما يحلف كل منهما لصاحبه، و تثبت الدار بينهما بلا شفعة لأحدهما على الآخر.

لكن قد يشكل ذلك بأنهما دعويان مستقلان لا دعوى واحدة يكون الحكم فيها بالتحالف، فيتجه حينئذ فيها أن يقال: إنه إن سبق أحدهما بالدعوى أو كان عن يمين صاحبه و قلنا بالترجيح أو أقرع الحاكم في استخراج تقديم أيهما في الدعوى مع فرض تقارنهما يسمع دعواه، و يحلف المنكر مع عدم البينة، فإن نكل حلف المدعي و قضي له، و لم تسمع دعوى الآخر بعد استحقاق خصمه ملكه، بناء على اعتبار بقاء الملك في استحقاق الشفعة.

نعم لو حلف و لم ينكل سقطت دعوى خصمه عليه الشفعة، و بقيت له الدعوى بها عليه، فإذا ادعى بها و حلف خصمه استقر الملك بينهما

ج 37، ص: 462

على الشركة بلا شفعة، و إن نكل حلف هو و شفع إن أراد، و صار الكل له كما صرح بذلك في موضع من القواعد، بل هو المحكي عن المبسوط و المهذب و التذكرة و التحرير و جامع المقاصد، و لا ريب في ظهور منافاته لما هنا من سماع الدعويين معا و التحالف.

اللهم إلا أن يقال: إن المراد بالتحالف في كلامهم على الوجه المزبور، لا التحالف الذي هو في دعوى واحدة، كالاختلاف في ثمن مبيع واحد أنه الدابة أو العبد مثلا.

لكن قد ينافيه قولهم أخيرا: إذا أقام كل منهما بينة فالتساقط أو القرعة، ضرورة ظهوره في كونه دعوى واحدة.

و ربما دفع بأن المراد منه إذا أقام المدعى عليه بينة بأنه السابق بعد قيام البينة من خصمه على أنه السابق سمعت منه من غير إنشاء دعوى مستأنفة، لأن كلا منهما مدع سلطنة على ملك الآخر، فله أن يدفعها عن نفسه، كما سمعت بينة المشتري إذا اختلف هو و الشفيع في الثمن، مع أن الشفيع هو المدعي، و كما تسمع بينة البائع إذا اختلف هو و المشتري مع بقاء العين.

و فيه أن مقتضى ذلك كون الدعوى واحدة فيها التحالف نحو غيرها من مسائل الثمن و نحوه مما يكون فيه التحالف.

و لعل الأولى أن يقال: إن الفرض و إن كان في الظاهر دعويين، باعتبار أن كلا منهما يدعي الشفعة في شقص الآخر فهما شفعتان، إلا أنه يمكن إبرازهما على وجه يكون كالدعوى الواحدة التي فيها التحالف باعتبار أن كلا منهما يدعي السبق الذي هو واحد.

على أن الدعوى لا تجاب بالدعوى، بل حتى تنتهي الأولى إذا كانت مستقلة عنها لا ربط لها بها، بخلاف المقام و نحوه الذي يكون

ج 37، ص: 463

مقتضى أحدهما فساد الأخرى و صالحة لأن تكون جوابا عنها، كما في المقام فان جواب الخصم بأني الأسبق يقتضي بطلان دعواه السبق المستحق به الشفعة.

و لعله لذا كان ظاهر الأصحاب في المقام أنها دعوى واحدة يكون فيها التحالف، و حينئذ يقع النظر فيما سمعت من الشيخ و غيره. اللهم إلا أن يفرض أنهما اختارا إبرازها بعنوان دعويين مستقلين، فحينئذ يأتي الكلام السابق الذي هو البدأة بإحداهما على حسب غيرها من الدعاوي، فإذا انتهت توجهت الأخرى إن بقي لها محل، فتأمل جيدا، فإنه لا يخلو من دقة، و الله العالم.

و كيف كان ف- لو كان لأحدهما بينة بالشراء مطلقا لم يحكم بها، إذ لا فائدة فيها و لا نزاع بينهما في الشراء المطلق الذي لا يثبت الشفعة.

نعم لو شهدت لأحدهما بالتقدم على صاحبه قضي بها كما صرح به الشيخ و غيره ممن تعرض له على ما حكي عن بعض، لوجود المقتضي و انتفاء المانع، فيقضى بها حينئذ و إن كان للآخر البينة المطلقة التي لا فائدة فيها.

لكن قد يناقش بأنها أعم من اقتضاء الشفعة، إلا أن يكون مورد النزاع بينهما كذلك، لا أنه أمران: السبق و استحقاق الشفعة، كما هو ظاهر المتن.

و احتمال الاكتفاء بالشهادة على المقتضى و إن لم يعلم اقتضاؤه لاحتمال مقارنة المانع واضح الضعف، فتأمل.

و لو كان لهما بينتان بالابتياع مطلقا أو في تأريخ واحد على وجه لا سبق لأحدهما فلا ترجيح ضرورة عدم الفائدة في المطلقة

ج 37، ص: 464

كما عرفت، و اقتضاء الثانية عدم الشفعة بينهما لعدم السبق من أحدهما، كما هو واضح.

و لو شهدت بينة كل واحد منهما بالتقدم على وجه يحصل التعارض قيل و القائل الشيخ و القاضي فيما حكي عنهما و الكركي تستعمل القرعة، و قيل و لكن لم نجد القائل به منا سقطتا و بقي الملك على الشركة.

و لا ريب أن الأول هو الأقوى لحصول الاشتباه الذي هو مورد القرعة بعد عدم إمكان العمل بها معا بالقسمة و إن احتمله في محكي التذكرة لكنه بعيد، فيحلف حينئذ من خرج اسمه و يقضى له، أو يحكم له بلا يمين، كما حررنا ذلك في كتاب القضاء.

و منه يعلم ضعف ما ذكره المصنف من القول الذي مقتضاه بقاء الملك مشتركا بينهما بلا تحالف إسقاطا للبينتين المعلوم حجية إحداهما.

بل و ما عن الإيضاح من التساقط و التحالف تنزيلا لهما منزلة العدم بعد استحالة الترجيح، و مال إليه في المسالك قال: «و ليس الحكم باليمين مع سقوط البينة ببعيد كما هو مع إقامتها، و هذا لا يخلو من قوة» و كأنه لعدم تحريره المسألة في كتاب القضاء، ضرورة معلومية عدم سقوط البينة عندهم بحال، كضرورة كون القاعدة عدم اليمين معها، فليس حينئذ إلا القرعة بعد عدم إمكان القسمة بجعل الشفعة لكل منهما في النصف لعدم تبعض الشفعة، و الله العالم.

ج 37، ص: 465

[المسألة الرابعة إذا ادعى الابتياع و زعم الشريك أنه ورث و أقاما البينة يقرع بينهما]

المسألة الرابعة إذا ادعى الشريك على شريكه أنه انتقل إليه الشقص ب الابتياع و زعم الشريك أنه ورث و أقاما معا البينة على دعواهما قال الشيخ: يقرع بينهما، لتحقق التعارض بين الابتياع و الإرث و لا ترجيح، فيشتبه الحال في صدق أيهما، فيستخرج بالقرعة، لأنها لكل أمر مشتبه.

و ضعف بعدم الاشتباه و عدم التعارض، لأن الشفيع هو الخارج و المدعي حقيقة، باعتبار طلبه انتزاع ملك الشريك الذي مقتضى الأصل بقاؤه، و يخلى و سكوته، و يترك لو ترك، فتكون بينته أرجح، لعموم

«البينة على المدعي»(1)

و لأنه ربما عولت بينة الإرث على أصالة بقاء الملك إلى حين الموت، فانتقل بالإرث، لعدم علمها بصدور البيع، و بينة الشراء اطلعت على أمر زائد، فلا تعارض

بينهما حيث يكون البائع هو الموروث. و من هنا كان خيرة الفاضل و الشهيدين و الكركي على تقديم بينة الشفيع.

لكن لا يخفى عليك أن حاصله تقديم بينة الخارج على الداخل الذي هو الشريك باعتبار كون القول قوله مع عدم البينة، و البحث في تقديمها أو بينة الداخل حررناه في كتاب القضاء.

لكن قد يقال: إن ذلك حيث يكون جواب الشريك عدم الابتياع لا الإرث أو الانتقال بالصلح أو نحو ذلك مما يكون به مدعيا زيادة على


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 37، ص: 466

الإنكار، و حينئذ يتجه ما يقوله الشيخ، ضرورة كون كل منهما مدعيا امرا خارجا عن الأصل، و كون القول قول الشريك مع عدم البينة لو اقتصر على الإنكار لا يقتضي كونه كذلك حتى إذا ادعى أمرا آخر، و الفرض أنه أقام البينة عليه.

و تظهر الثمرة أنه لو لم تكن إلا بينته لم يكن عليه اليمين و إن قلنا:

إن المنكر لا تسقط عنه اليمين بالبينة، و لعل التأمل في بعض كلامهم في مسألة الإيداع يشهد بذلك في الجملة، خصوصا بعد ظهوره في القرعة مع المنافاة، فتأمل جيدا.

و لو أقام الشفيع بينة أنه كان لزيد مثلا لم تفسده، ضرورة عدم ثبوت البيع بها، بل لو أقر زيد بالبيع أيضا فكذلك، لأنه إقرار في حق الغير، و لا يكون بذلك شاهدا، لما عرفته سابقا من عدم قبولها على فعل نفسه، و ما ذكروه من جر النفع بها، و ليست الشفعة من حقوق العقد التي يقبل فيها قول البائع باعتبار كونه إقرارا في حق نفسه، و إنما الشفعة حق ثابت بالاستقلال للشريك بسبب البيع.

و لو ادعى الشريك أن زيدا باعه إياه و صدقه زيد على ذلك و لكن الشريك يقول: إني ورثته من أبي لم تثبت الشفعة أيضا، إذ تصديق زيد لا يمضي إقرارا على غيره، و لا شهادة على فعله، كما عرفته سابقا، و الله العالم.

و لو ادعى الشريك بزعم المدعي أن الشقص في يده على جهة الإيداع من مالكه و الشفيع أنه في يده على وجه الابتياع فان لم يكن لأحدهما بينة فالقول قول مدعي الوديعة الذي مرجعه إلى إنكار استحقاق الشفعة عليه، لأن الأصل عدمها.

و لو أقام كل منهما بينة قدمت بينة الشفيع، لأن الإيداع لا ينافي

ج 37، ص: 467

الابتياع كما في القواعد و التحرير، و هو كذلك حيث يكون كذلك، إذ صور المسألة أربع و عشرون: لأنهما إما أن يكونا مطلقتين أو مؤرختين، أو بينة الإيداع مؤرخة و الأخرى مطلقة أو بالعكس، و على تقدير التأريخ فاما أن يتحد أو يتقدم تأريخ الابتياع أو تأريخ الإيداع، فالصور ست، ثم على جميع التقادير إما أن تتعرض كل واحدة من البينتين للملك للبائع و المودع بأن تقول بينة الشفيع: إن البائع باع ما هو ملكه، و بينة الإيداع:

إنه أودع ما هو ملكه أو لا تذكرا ذلك أو تذكر إحداهما دون الأخرى، فالصور أربع مضروبة في الست السابقة ترتفع إلى أربع و عشرين صورة.

و قضية الإطلاق السابق تقديم بينة الشفيع في جميعها عدا صورة واحدة ذكرها المصنف ناسبا حكمها إلى الشيخ مشعرا بتردد فيه.

و لكن تحقيق الحال أنه لا إشكال في عدم التنافي مع إطلاقهما، بل و مع تقديم بينة الإيداع في التأريخ على بينة الابتياع، بل و كذا لو كانت بينة الإيداع مطلقة و بينة الابتياع مؤرخة.

بل في المسالك «لا منافاة مع سبق تأريخ بينة الابتياع أيضا، لاحتمال أن البائع غصبه بعد البيع ثم رده إليه بلفظ الإيداع فاعتمده الشهود، و هذا و إن كان خلاف المعروف من معنى الإيداع إلا أن بناء ملك الإيداع على ظاهر الأمر، و عقده على التساهل، و من ثم اكتفى فيه بالفعل فسهل الخطب فيه» و نحوه عن التذكرة.

و لكنه كما ترى، ضرورة عدم صلاحية مثل ذلك للجمع بين البينتين و إلا فمثله يأتي في بينة الابتياع، نعم يمكن فرضه بإمكان شرائه منه بعد بيعه له ثم إيداعه له.

و عن المبسوط و الدروس تقييد تقديم بينته بما إذا كانتا مطلقتين أو كانت بينة الابتياع متأخرة التأريخ أو مقيدة بأن البائع باع ما هو ملكه

ج 37، ص: 468

و لم تقيد بينة الابتياع.

و فيه أنه لا يتم إطلاق عدم التنافي في الأخيرة، و لكن ترجح هي على بينة الإيداع بذكر الملك إن صلح مرجحا.

و أشكل من ذلك دعوى عدم التنافي فيما لو اتحد التأريخان على وجه لا يمكن الجمع بينهما، بأن قالت إحداهما بعد الزوال بلا فصل: أودعه و الأخرى: باعه منه، ضرورة وضوح التنافي، سواء تعرض فيهما لكونه أودع ملكه أو باعه أو لم يتعرض فيهما، أو تعرض في إحداهما دون الأخرى.

و لعله لذا كان المحكي عن الدروس فيها القرعة، بل هذه أولى بالتوقف من الصورة التي أشار إليها المصنف بقوله و لو شهدت بالابتياع مطلقا و شهدت الأخرى أن المودع أودعه ما هو ملكه في تأريخ متأخر قال الشيخ في محكي المبسوط و الفاضل و الشهيد في محكي التذكرة و الدروس قدمت بينة الإيداع قبل المكاتبة إلى المودع و بعدها إن صدق لأنها انفردت بالملك فكانت أقوى، إذ لا يحتمل كون المودع غير مملوك بخلاف البيع، فجاز أن يكون غير مملوك، و حينئذ فيستصحب حكم الوديعة، بخلاف ما لو تقدم الإيداع الذي يجوز أن يتعقبه البيع.

و يكاتب المودع، فان صدق قضي ببينته، و سقطت الشفعة لأنه يكون بمنزلة شهادة إحدى البينتين لواحد بالملك و الأخرى بالتصرف فإن الأول أقوى، لاحتمال التصرف غير المملك (الملك خ ل).

و إن أنكر قضي ببينة الشفيع لانتفاء حقه بتكذيب بينته فتسقط، و تبقى بينة الشفيع بغير معارض، فيجب العمل بها، إذ فيه أنه مع ذلك لا تنافي البيع، لأن الشهادة بالملك الايداعي يكفي فيها الاستناد

ج 37، ص: 469

إلى العلم بالملك في زمان متقدم مع عدم العلم بالمزيل الطاري، و عدم العلم به لا يدل على عدمه، فحينئذ بينة الابتياع تشهد بأمر زائد لا تعارضها الأخرى فيه و إن لم تصرح بالملك، و الله العالم.

و لو شهدت بينة الشفيع أن البائع باع و هو ملكه، و شهدت بينة الإيداع مطلقة قضي ببينة الشفيع لعدم التنافي و لم يراسل المودع لأنه لا معنى و لا فائدة للمراسلة هنا إذ لو صدق قوله لم يلتفت إلى قوله بعد قيام البينة على بيعه الذي لا ينافيه وقوع الإيداع الممكن كون البيع بعده. و بالجملة فالمدار في الصور كلها على عدم التنافي أو الرجحان، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا تصادق البائع و المشتري أن الثمن غصب و أنكر الشفيع فالقول قوله]

المسألة الخامسة:

إذا تصادق البائع و المشتري أن الثمن المعين غصب و أنكر الشفيع فالقول قوله لأن إقرارهما إنما هو في حقهما، فيجب رد الثمن على المقر له، و لا يملك المشتري نماء الشقص المتخلل بين الشراء و الشفعة دونه، فيستصحب بقاء حقه الثابت بالاتفاق الأول و يأخذ بالشفعة مع كون الدرك على المشتري، بل لا يمين لهما عليه بعد إقرارهما السابق إلا أن يدعي عليه العلم فيحلف على نفيه، كل ذلك لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له كالشيخ و الفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين، لكن لم يتعرضوا لحكم الثمن.

نعم في المسالك «و يبقى حكم الثمن الذي يعترف به الشفيع، فإن المشتري يزعم أنه لا يستحقه لفساد الشراء، و كذلك البائع، فطريق التخلص منه أن يأخذه المشتري، و يدفعه إلى البائع ليأخذه مقاصة عن قيمة الشقص لزعمهما أنه غير مستحق لأخذه، فإن بقي من الثمن بقية عن القيمة فهي

ج 37، ص: 470

مال لا يدعيه أحد، و محلها الحاكم» و هو جيد مع رضا المشتري الذي لا يستحق المطالبة بالقبض.

و لو أقر الشفيع و المشتري خاصة لم تثبت الشفعة، لفساد البيع في حقهما دون البائع، و على المشتري رد قيمة الثمن أو مثله إلى صاحبه الذي حال بينه و بينه.

و في القواعد «و يبقى الشقص حينئذ معه بزعم أنه للبائع، و يدعي عليه وجوب رد الثمن و البائع ينكرهما، فيشتري الشقص منه اختيارا و يتبارئان، فللشفيع في الثاني الشفعة».

و هو جيد إن انتقل الثمن الذي في يد البائع إلى المشتري بطريق شرعي إذا أريد الشراء به، إذ دفع القيمة للحيلولة لا يملك به، و مع ذلك لا يحتاج إلى المبارأة، اللهم إلا أن يفرض شراؤه بثمن كلي ينطبق على ما في يد البائع، و الأمر سهل.

و لو أقر الشفيع و البائع خاصة رد البائع الثمن على المالك، لنفوذ إقراره فيه، و ليس له مطالبة المشتري بالشقص لأنه إقرار في حق الغير.

و لا شفعة بعد اعتراف الشفيع بفساد البيع، و الله العالم.

[المسألة السادسة لو ادعى على من في يده الشقص الشراء]

المسألة السادسة لو ادعى على من في يده الشقص الشراء فقال: إني اشتريته لفلان و كان حاضرا ففي القواعد و غيرها «سئل؛ فإن صدق ثبتت الشفعة عليه و إن قال: هو ملكي لم اشتره انتقلت الحكومة إليه».

قلت: قد يناقش في اعتبار السؤال بناء على عدم اعتبار دفع الثمن في الملك، أو اعتباره و قلنا بقيام الحاكم بإطلاق ما دل على ثبوتها

ج 37، ص: 471

ببيع الشريك و نفوذ إقراره بالشراء له في حقه بالنسبة للشفيع، و لا يسقط دعوى كونه للغير.

و ربما يرشد إلى ذلك ما عن التذكرة و التحرير و الدروس من الجزم بالحكم بها عليه لو كذبه الخصم. و في جامع المقاصد و محكي الإيضاح أنه الأقرب، نعم في القواعد على إشكال من دون ترجيح، كالمحكي عن الشهيد في الحواشي، و وجه بأنه قد نفاه عن نفسه بنسبته إلى الغير، و دفع بتكذيب الغير له، فيبقى إقراره مسموعا على ما في يده.

و فيه أن تكذيب الغير له لا يبطل إخراجه له عن نفسه، فليس حينئذ إلا الحكم ظاهرا بكون الشراء له حتى يعلم، فمع عدم العلم يحكم بكونه له و يؤخذ منه و الدرك عليه، و هو إن تم ينبغي أن يكون كذلك مع الحضور من غير حاجة إلى السؤال، بل مع فرض عدم العلم بكون الغير المنسوب إليه مالكا لم يسمع منه ذلك في حق الشفيع. و بالجملة فكلامهم لا يخلو من تشويش.

و كيف كان ففي جامع المقاصد و عن الإيضاح «أن الثمن يدفع للحاكم إلى أن يظهر مالكه» و عن حواشي الشهيد أنه يبقى في يد الشفيع إلى أن يدعيه المقر له، أو يدفع إلى الحاكم إلى أن يدعيه المقر الذي هو الخصم».

قلت: قد يشكل ذلك من أصله بناء على اعتبار دفع الثمن للمشتري في تملك الشقص، و هو غير متحقق هنا، لنفي المقر له بالتكذيب و المقر بالإقرار، و قيام الحاكم مقام المشتري في ذلك لا دليل عليه، نعم لو قلنا بالملك بالأخذ يتجه ذلك، و يكون حكمه كالمال المقر به لزيد، و هو ينفيه و قد تقدم الكلام فيه في كتاب الإقرار.

ج 37، ص: 472

هذا إن لم نقل بالحكم في ظاهر الشرع عليه بالشراء و إلا ألزم بالقبض، فان امتنع أو تعذر قام الحاكم مقامه، فتأمل جيدا.

و إن كان المنسوب إليه غائبا ففي القواعد و جامع المقاصد و محكي التذكرة و التحرير و الدروس انتزعه الحاكم و دفعه إلى الشفيع إلى أن يحضر و يكون على حجته إذا قدم أي و قال: هو ملكي لم أشتره، و إلا فإذا صدق أو كذب فالحكم ما سمعته.

نعم قد يشكل ذلك كله بما عرفت بناء على اعتبار دفع الثمن في التملك، و الضرر بتأخير حق الشفيع لا يدفع بالضرر على ذي المال بأخذ ماله قبل وصول الثمن إليه مع أن الشفعة على خلاف الأصل.

و لعله لذا احتمل في التحرير الانتظار حتى يحضر، و هو جيد و إن كان يجري فيه ما سمعت أيضا.

و لو قال: «اشتريته للطفل» و له عليه ولاية ففي جامع المقاصد و محكي التذكرة و الحواشي و الدروس ثبوتها لما قيل من أنه يملك الشراء، فيملك إقراره فيه- و إن كان قد ينتقض في الوكيل- و لصحة إخبار المسلم و لأنه يقبل إقراره بدين عليه كما يومئ إليه قوله تعالى(1)«فليملل وليه بالعدل» لكن عن التحرير «أن الأقرب العدم، لأنه إقرار على الصغير فلا ينفذ» و هو كما ترى.

و لو أقر بالشراء بعد أن اعترف أنه ملك لغيره لم يسمع لكونه إقرارا بإثبات حق الشفعة على مال الغير، بل لعله كذلك في المولى عليه بناء على عدم نفوذ إقراره عليه، و هو بخلاف ما لو أقر بالشراء ابتداء فان الملك ثبت له به فيتبعه الحق فيه.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 282.

ج 37، ص: 473

[المسألة السابعة لو أنكر المشتري ملكية مدعي الشفعة افتقر ذو الشفعة إلى البينة]

المسألة السابعة:

لو أنكر المشتري ملكية مدعي الشفعة افتقر ذو الشفعة إلى البينة إن لم تكن له يد، و إلا كفت يده التي هي سبب شرعي في الحكم بالملك، و إن قال في القواعد «و في القضاء له بها إشكال» بل عن التحرير الجزم بعدم كفايتها و الافتقار إلى البينة، و وجه بأن دلالتها ضعيفة على الملك، فيقتصر فيها على عدم الانتزاع منه بالدعوى و عدم الاحتياج إلى البينة دون استحقاق انتزاع ملك الغير قهرا المخالف للأصل.

إلا أن ذلك كما ترى، نعم قد يقال: إن له اليمين عليه و إن اقتصر على نفيه عنه من دون دعواه له.

[المسألة الثامنة لو ادعى على أحد وارثي الشفعة العفو فشهد له الآخر الذي له الشفعة أيضا]

المسألة الثامنة:

لو ادعى على أحد وارثي الشفعة العفو فشهد له الآخر الذي له الشفعة أيضا لم يقبل بناء على رجوع حصة العافي إليه، بل لو عقب ذلك بالعفو ثم شهد لم تقبل على ما صرح به الفاضل و الشهيد الكركي، لاستصحاب الرد و إن كان لا يخلو من إشكال، أما لو شهد ابتداء بعد العفو فلا إشكال في القبول.

و لو ادعى عليهما معا مثلا العفو فحلفا ثبتت الشفعة، و لو نكل أحدهما فإن صدق الحالف الناكل فالشفعة لهما بالحلف و التصديق، و درك ما يأخذه الناكل على المشتري لترتب يده على يده و إن كان السبب اعتراف الشريك الآخر.

ج 37، ص: 474

و لا يرد يمين الناكل على المشتري، كما عن المبسوط و التذكرة و الدروس، و لعله لعدم الفائدة له بعد حلف الآخر الذي صارت الشفعة له.

نعم عن التذكرة «إن عفا الحالف بعد يمينه كان للمشتري أن يحلف الآن، لأنه يسقط الشفعة عنه».

قلت: قد يقال: إن له الرد و فائدته إمكان عفو الآخر أو غير ذلك بل قد يؤيده ما تسمعه من حلفه مع الشاهد على عفو أحدهما.

و لو كذب الحالف الناكل في كونه لم يعف احلف الناكل هذا الحالف على عدم العفو، لأن دعواه العفو غير دعوى المشتري، فان نكل قضي للحالف بالجميع بنكوله أو بعد يمينه.

و لو شهد أجنبي بعفو أحدهما ففي القواعد و محكي المبسوط و التذكرة و التحرير و غيرها أنه إن حلف بعد عفو الآخر بطلت الشفعة، و إلا أخذ الآخر الجميع، و ظاهرهم أو صريحهم جواز الحلف قبل عفو الآخر مع أنه لا فائدة فيه، لرجوع الحق جميعه لشريكه نحو ما سمعته في رد يمين الناكل، و كل فائدة تتصور هنا تتصور هناك.

و لو اعترف أحد الوارثين ببطلان الشراء فالشفعة بأجمعها للآخر المعترف بالصحة، و كذا لو اعترف بالإرث أو الاتهاب دون الآخر بعد ثبوت الشراء.

و لو شهد البائع بعفو الشفيع بعد قبض الثمن قبلت، بل و قبله و إن قطع في جامع المقاصد بعدم القبول كما عن التذكرة و التحرير، بل هو ظاهر القواعد أيضا، لأنه يجر إلى نفسه نفعا إذا أفلس المشتري، فإنه يرجع إلى المبيع على تقدير عدم أخذ الشفيع إياه.

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا و في كتاب الشهادات من عدم قدح مثل هذه التهمة في شهادة العدل، و الله العالم.

ج 37، ص: 475

إلى هنا تم الجزء السابع و الثلاثون، و قد بذلنا الجهد في تنميقه و تحقيقه و التعليق عليه و تصحيحه، فنشكره تعالى على ما وفقنا لذلك، و نسأله أن يديم توفيقنا لإخراج بقية الأجزاء و يزيد من فضله أنه ذو الفضل العظيم.

و يتلوه الجزء الثامن و الثلاثون في كتابي إحياء الموات و اللقطة إنشاء الله تعالى.

النجف الأشرف محمود القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.