جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 36

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج36، ص: 1

اشارة

ج36، ص: 2

ج36، ص: 3

ج36، ص: 4

ج36، ص: 5

ج36، ص: 6

ج36، ص: 7

[القسم الرابع في الأحكام]

[كتاب الصيد و الذباحة]

اشارة

الجزء السادس و الثلاثون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و الحمد للَّه رب العالمين، و صلى اللَّه على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

القسم الرابع من الأقسام التي بني عليها الكتاب في الأحكام، و هي اثنا عشر كتابا.

[كتاب الصيد و الذباحة]

كتاب الصيد و الذباحة أي كتاب التذكية بالصيد و الذباحة التي هي أعم من النحر، فيراد من الصيد حينئذ بقرينة الذباحة خصوص ما كان تذكية منه، فان له معنيين: أحدهما إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة، و الثاني إزهاق روحه بالآلة المعتبرة فيه من غير ذبح، و كلاهما مباحان كتابا و سنة و إجماعا بقسميه عليه، بل ضرورة من المذهب أو الدين.

قال اللَّه تعالى شأنه «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ، وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» (1). «وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» (2). «وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ» (3).

و أما السنة فهي متواترة (4)

أو مقطوعة المضمون بأعلى مراتب القطع، و سيمر عليك جملة منها في أثناء المباحث إنشاء اللَّه.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 96.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 2.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- و غيره- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 8

و على كل حال فالمراد بالصيد هنا ما عرفت قبل، و هو غير العنوان المعروف بين الفقهاء حتى المصنف في النافع «كتاب الصيد و الذبائح المراد منه- كما في المسالك- معنى المصيد لا نفس الحدث الذي هو التذكية المذكورة بقرينة «الذبائح» فإنها جمع «ذبيحة» بمعنى أنها قد تذبح (مذبوحة خ ل) فيكون الكتاب معقودا لبيان الحيوان القابل للتذكية، لا لنفس التذكية، و هذا أقعد و أنسب بالمقصود».

قلت: يمكن أن يراد هذا المعنى أو ما يقرب منه من عنوان المتن، و ذكر الذباحة لا يقتضي خصوص التذكية الصيدية منه، و الأمر سهل.

[أما الصيد]

[الأمر الأول فيما يؤكل صيده]
اشارة

و كيف كان ف النظر في الصيد يستدعي بيان أمور ثلاثة:

الأول فيما يؤكل صيده و إن قتل بعقر و نحوه و يختص من سائر أفراد الحيوان التي يصطاد بها بالكلب المعلم دون غيره من جوارح السباع و الطير على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن دعوى تحصيل الإجماع معها، بل عن الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر و ظاهر سلم المبسوط الإجماع على ذلك.

مضافا إلى النصوص المستفيضة المعمول عليها بين الأصحاب قديما و حديثا، ك

خبر أبي بكر الحضرمي (1) المروي في الكافي و التهذيب و تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سأله عن صيد البزاة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصيد- الحديث 3.

ج 36، ص: 9

و الصقورة و الكلب و الفهد؟ قال: لا تأكل صيد شي ء من هذه إلا ما ذكيتموه إلا الكلب المكلب، قلت: فان قتله، قال: كل، لأن اللَّه عز و جل يقول وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ. فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» مع زيادة في الأخير «كل شي ء من السباع تمسك الصيد على نفسها إلا الكلاب المعلمة، فإنها تمسك على صاحبها» (1).

و في

صحيح الحذاء (2) عنه (عليه السلام) أيضا في حديث:

«ليس شي ء (يؤكل منه خ) مكلب إلا الكلب».

و في

خبر زرارة (3) عنه (عليه السلام) أيضا في حديث إنه قال:

«و أما خلاف الكلاب مما يصيده الفهود و الصقور و أشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته، لأن اللَّه عز و جل قال مُكَلِّبِينَ، فما كان خلاف الكلاب فليس صيده بالذي يؤكل، إلا أن تدرك ذكاته»

و غيرها من النصوص.

خلافا لابن أبي عقيل الذي استقر الإجماع بعده، بل لعله كذلك قبله، فأباح صيد غير الكلب من السباع المعلمة غير جوارح الطير، كالفهد و النمر و غيرهما و إن لم تدرك ذكاته، و لم أجد له دليلا على ذلك، فضلا عن كونه مقاوما لما عرفت.

و حينئذ فلو اصطاد بغيره كالفهد و النمر أو غيرهما من السباع لم يحل منه و إن كانت معلمة إلا ما يدرك ذكاته.

و كذا لو اصطاد بالبازي و العقاب و الباشق و غير ذلك من جوارح الطير معلما كان أو غير معلم نعم في جملة من النصوص حل الصيد بجوارح الطير كالباز و الصقر.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصيد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الصيد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الصيد- الحديث 3.

ج 36، ص: 10

ك

خبر أبي مريم الأنصاري (1) قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصقورة و البزاة من الجوارح هي؟ قال: نعم هي بمنزلة الكلاب».

و خبر عبد اللَّه بن خالد بن نصر المدائني (2)

« (أسألك خ) جعلت فداك البازي إذا أمسك صيده و قد سمي عليه فقتل الصيد هل يحل أكله؟

فكتب عليه السلام بخطه و خاتمه: إذا سميت (سميته خ ل) أكلته»

و غيرهما.

إلا أنها معارضة بغيرها من النصوص (3)

الدالة على العدم، و أنه لا يحل من ذلك إلا ما أدركت ذكاته، بل يمكن دعوى القطع بها خصوصا بعد الاعراض عن هذه و العمل بتلك على وجه لم ينسب إلى أحد منا القول بذلك، فالمتجه حينئذ طرحها أو تأويلها بما لا ينافي تلك النصوص، أو حملها على التقية، كما صرح به في بعض النصوص أيضا.

قال أبان بن تغلب (4): «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: كان أبي يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي و الصقر فهو حلال، و كان يتقيهم، و أنا لا أتقيهم، و هو حرام ما قتل».

و قال الحلبي (5): «قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): كان أبي يفتي و كنا نفتي نحن و نخاف في صيد البزاة و الصقور، فأما الآن فلا نخاف، و لا نحل صيدها إلا أن تدرك ذكاته، و أنه لفي كتاب اللَّه، إن اللَّه قال: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ، فسمى الكلاب».

و في أخرى (6)

كون الفهد كالكلب في حل ما قتله، و ظاهرها


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصيد- الحديث 17.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصيد- الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصيد- الحديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصيد- الحديث 3 مع اختلاف في اللفظ، و ذكره بعينه في الاستبصار ج 4 ص 73- الرقم 266.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 11

اختصاص الحل فيهما، و هو لا يقول به، بل ربما احتمل كون الفهد من الكلب موضوعا بناء على أنه- كما عن القاموس- كل سبع، بل مقتضاه إدراج غيره فيه أيضا، لكن المعروف لغة و عرفا خلافه، ضرورة كون الكلب عبارة عن الحيوان المخصوص النابح، كما اعترف به بعض أهل اللغة.

و حينئذ فليس في شي ء من النصوص على كثرتها ما يوافق ما ذكره ابن أبي عقيل و نصوص التسوية بين الفهد و الكلب لا بد من طرحها أو حملها على التقية أو غير ذلك مما لا ينافي. و بذلك كله ظهر لك أنه لا إشكال بحمد اللَّه في المسألة.

نعم لا فرق في الكلاب بين السلوقي و غيره و الكردي و غيره و الأسود و غيره، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد، فحرم صيد الكلب الأسود البهيم ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (1): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده، لأن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أمر بقتله»

الذي ينبغي حمله على الكراهة، لضعفه عن مقاومة عموم الكتاب و السنة و إجماع الأصحاب على حل صيد الكلب المعلم مطلقا، و المخالف شاذ معلوم النسب، مسبوق بالإجماع و ملحوق به، فلا عبرة بخلافه، نحو ما سمعته من ابن أبي عقيل، و اللَّه العالم. هذا كله في صيد الحيوان.

و أما الصيد بغيره من الجمادات ف يجوز الصيد (الاصطياد خ ل) بالسيف و الرمح و السهام و كل ما فيه نصل بلا خلاف على ما حكاه بعض، بل عن آخر دعوى الإجماع عليه و إن كان قد يناقش الأول بأن المحكي عن الديلمي اشتراط التذكية في الصيد بالثلاثة و إن قال


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصيد- الحديث 2.

ج 36، ص: 12

في الرياض: «إن عبارته المحكية عنه في المختلف توهم ذلك (و إن أوهمتها خ ل) إلا أنها كالصريحة في الموافقة للأصحاب في (من خ ل) الإباحة بدون التذكية، لكن مع الكراهة».

إلا أن عبارته هذه: «الصيد على ضربين: أحدهما يؤخذ بمعلم الكلاب أو الفهد أو الصقر أو البازي أو النشاب أو الرمح أو السيف أو المعراض أو الحبالة أو الشبك، و الآخر ما يصاد بالبندق و الحجارة و الخشب، و الأول كله إذا لحق منه ذكاته حل إلا ما يقتله معلم الكلاب فإنه حل أيضا، فإن أكل منه الكلب نادرا حل، و إن اعتاد الأكل لم يحل منه إلا ما يذكى، و الثاني لا يؤكل إلا ما يلحق ذكاته، و هو بخلاف الأول، لأنه يكره، و قد روي تحريم ما يصاد بقسي البندق (1)

و قد روي (2)

جواز أكل ما قتل بسيف أو سهم أو رمح إذا سمى القاتل».

و أولها و آخرها ظاهر في صدق الحكاية عنه، كما اعترف به في المختلف، نعم قوله: «بخلاف الأول، لأنه يكره» يخالفها، لكنه يقتضي خلافا آخر لم يحك عنه، و هو كراهة ما يقتل بالقسم الأول الذي منه الحبالة و الشبك و الصقر و البازي، و كيف كان فعبارته غير نقية.

و بأن المحكي عن أبي الصلاح (3) أنه لا يحل اصطياد الطير بغير النشاب حيث عد في الكافي قتل صيد الطير بغير النشاب من المحرمات، و نحوه ابن زهرة، بل ادعى الإجماع على ذلك، قال: «و لا يحل أكل ما قتل من صيد الطير بغير النشاب و لا به إذا لم يكن فيه حديد بدليل ما قدمناه» و أشار بذلك إلى الإجماع و طريقة الاحتياط، قال: «و ما عدا الطير من


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد.
3- 3 هذه الجملة عطف على قوله قده المتقدم في ص 11: «بأن المحكي عن الديلمي».

ج 36، ص: 13

صيد البر يحل ما قتل منه بسائر السلاح و إن قتله بالعقر في غير الحلق و اللبة من بدنه بلا خلاف» بل ربما حكي ذلك أيضا عن ابن إدريس و إن كنا لم نتحققه.

نعم لا ريب في ضعف الجميع و مخالفتها لعموم النص و الفتوى من غير معارض،

قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس (1): «من جرح صيدا بسلاح و ذكر اسم اللَّه عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع و قد علم أن سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء».

و عن الصدوق روايته بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن مسلم (3): «كل من الصيد ما قتل السيف و الرمح و السهم».

و في

صحيح الحلبي (4)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه بالرمح أو يرميه بالسهم فيقتله و قد سمى حين فعل، فقال: كل، لا بأس به».

و في

خبر علي بن جعفر (5) عن أخيه موسى (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته عن رجل لحق حمارا أو ظبيا فضربه بالسيف و قطعه نصفين، هل يحل أكله؟ قال: نعم إذا سمى»

و قال أيضا (6): «سألته عن رجل لحق صيدا أو حمارا فضربه بالسيف فصرعه أ يؤكل؟

فقال: إذا أدرك ذكاته أكل، و إن مات قبل أن يغيب عنه أكله»

إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 1.
2- 2 أشار إليه في الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 1 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 204- الرقم 930.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 5.

ج 36، ص: 14

غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك جملة منها.

نعم لا فرق بين أنواع آلات الصيد (الاصطياد خ ل) من الثلاثة و غيرها مما يدخل تحت اسم السلاح كالخنجر و السكين و غيرهما مما فيه نصل حتى العصا الصغيرة التي في طرفها حديدة محددة.

بل الظاهر دخول ما يتجدد من أنواع السلاح إذا كان بالوصف المذكور الذي يقطع بحدة أو يشاك به، و إن احتمل الأردبيلي الاختصاص بالرمح المتعارف و السهم كذلك إلا أن الظاهر خلافه.

بل قد يحتمل القول بحل الصيد بآلات الحديد كالمخيط و الشك (1) و السفود و إن لم يستعمل سلاحا في العادة، لقوة الظن بإرادة ما يشمل ذلك من النصوص المزبورة، بل

صحيح حريز (2) منها شامل لغير ذلك قال: «سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرمية يجدها صاحبها من الغد أ يؤكل؟ فقال: إن كان يعلم أن رميته هي التي قتلته فليأكل، و ذلك إذا كان قد سمى».

اللهم إلا أن يكون المراد منه الرمية بالسهم، بل لعله الظاهر، و حينئذ فلا دليل على حل الصيد بها خصوصا بعد أصالة عدم التذكية و

قول الباقر (عليه السلام) (3): «من جرح صيدا بسلاح»

في الخبر السابق الظاهر في كون ذلك شرطا، بل المتجه جعل المدار على ذلك.

نعم في الكفاية «في حل الصيد في مثل الآلة الموسومة بالتفنك المستحدثة في قرب هذه الأعصار تردد، و لو قيل بالحل لم يكن بعيدا لعموم


1- 1 جاء في هامش المخطوط تفسيرا للشك هكذا «هو المسمى بالفارسية: دوك».
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 15

أدلة الحل، و دخوله تحت عموم

قول أبي جعفر (عليه السلام) (1): «من قتل صيدا بسلاح».

و أخبار البندقة مصروفة إلى المعروف في ذلك الزمان. و يؤيده ما

ورد في الحديث (2)

«أنها لا تصيد صيدا و لا تنكأ عدوا، و لكنها تكسر السن و تفقأ العين».

و فيه أنها غير نوع السلاح المتعارف، بل هي إن لم تدخل في البنادق السابقة فلا إشكال في اقتضاء فحوى النصوص المستفيضة (3)

المتضمنة للنهي عن أكل ما يقتل بها و بالحجر اتحادها معها في الحكم، و إطلاق اسم السلاح عليها باعتبار أنها آلة يقتل بها- كالعمود من حديد و العصا و نحوهما- لا يقتضي إثبات الحكم المزبور، خصوصا بعد أصالة عدم التذكية، بل في الرياض أصالة الحرمة المستفادة من الصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة الدالة عليها في الصيد الذي لم يعلم إزهاق روحه بالآلة المعتبرة و إن كانت له جارحة.

منها

الصحيحان (4)

«عن الرمية يجدها صاحبها أ يأكلها؟ قال:

إن كان يعلم أن رميته هي التي قتله فليأكل»

و نحوهما

الموثق (5) بزيادة «و إلا فلا يأكل منه».

و في الصحيح (6)

«صيد وجد فيه سهم و هو ميت لا يدري من قتله، قال: لا تطعمه»

و إن كان قد يناقش بأن أقصاها الدلالة على عدم الحل مع الشك في تحقق التذكية المعلومة، لا الدلالة على عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 1 و فيه «من جرح صيدا.».
2- 2 سنن البيهقي- ج 9 ص 248.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 1 و 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 16

حصولها بمثل الصيد بغير السلاح المعهود.

و بالجملة قد عرفت أن مقتضى

قول الباقر (عليه السلام) (1): «من جرح صيدا بسلاح»

الى آخره اعتبار الجرح بالسلاح في الحل، و الظاهر إرادة السلاح المعهود.

نعم لا بأس بما يتجدد من نوعه و إن اختلفت الهيئة، و لكن هو إما قاطع بحدة أو شاك به، بخلاف مثل بندق التفنك و عمود الحديد غير المحدد، إلا أن الظاهر عدم اعتبار كونه ذا نصل، كما عساه يظهر من المصنف و غيره، بل يكفي فيه كونه مصنوعا قاطعا بنفسه أو شاكا كذلك مما هو سلاح و إن لم يتلبس بعود و نحوه.

و هل يعتبر كونه من الحديد أو يكفي فيه غيره كالذهب و الفضة؟

الظاهر الثاني مع فرض عده سلاحا عرفا و اتخاذه على نوع السلاح المعهود من القطع بحدة أو الوخز به، لكن ستعرف اعتبار الحديد مع الاختيار في الذبح و النحر و إجزاء غيره مع عدمه و لو خشبة أو عظما، بل و السن و الظفر على الأصح و إن كانا متصلين إلا أنه لم يثبت اتحاد هذا النوع من التذكية مع النوع الآخر في ذلك، و لذلك اكتفي فيه بالمعراض و السهم و إن لم يكن فيه حديدا ذا خرق مع الاختيار و لم يجز فيها.

نعم قد يقال: إن المعهود من السلاح الحديد، فتصرف اليه الإطلاقات، و يبقى غيره على أصالة عدم التذكية إلا إذا خرق، إلحاقا له بالمعراض و نحوه مما ثبت بالأدلة، و لا ريب في أنه أحوط، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف لو أصاب معترضا السهم أو الرمح أو غيرهما مما هو سلاح فقتل حل بلا خلاف أجده فيه نصا


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 17

و فتوى،

قال الحلبي في الصحيح (1): «سألت الصادق (عليه السلام) عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله، و قد كان سمى حين رمى و لم تصبه الحديدة، قال: إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله فإذا أراده فليأكله» و عن الكليني روايته «فإذا رآه فليأكله».

و على كل حال هو دال على المقصود و إن كان الثاني موافقا ل

خبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضا (2) قال: «سألته عن الصيد يصيبه السهم معترضا و لم يصبه بحديدة، و قد سمى حين رمى، قال: يأكل إذا أصابه و هو يراه، و عن صيد المعراض، قال: إن لم يكن له نبل غيره و كان قد سمى حين رمى فليأكل منه، و إن كان له نبل غيره فلا».

و كذا لا خلاف في أنه يؤكل ما قتله المعراض (بالمعراض خ ل) الذي هو- كما قيل- خشبة لا نصل فيها إلا أنها محددة الرأس ثقيلة الوسط إذا خرق اللحم، و كذا السهم الذي لا نصل فيه إذا كان حادا فخرق اللحم

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي عبيدة (3): «إذا رميت بالمعراض فخرق فكل، فان لم يخرق و اعترض فلا تأكل».

نعم في جملة من النصوص تفصيل في المعراض و غيره مما لا نصل فيه، لكن لم أجد قائلا به، منها ما سمعته في خبر الحلبي السابق (4)

و نحوه ما في

صحيحه الآخر عنه (عليه السلام) أيضا (5)

«أنه سئل عما صرع المعراض من الصيد، فقال: إن لم يكن له نبل غير المعراض و ذكر اسم اللَّه عليه فليأكل ما قتل، و إن كان له نبل غيره فلا».

و في

خبر زرارة و إسماعيل الجعفي (6) أنهما سألا أبا جعفر (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 5.

ج 36، ص: 18

«عما قتل المعراض، قال: لا بأس إذا كان هو مرماتك أو صنعته لذلك».

و في

خبر زرارة (1)

«أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول:

فيما قتل المعراض لا بأس به إذا كان إنما يصنع لذلك».

قال: «و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إذا كان ذلك سلاحه الذي يرمي به فلا بأس» (2).

و في المرسل عن علي (عليه السلام) (3)

«في رجل له نبال ليس فيها حديد، و هي عيدان كلها، فيرمي بالعود فيصيب وسط الطير معترضا فيقتله، و يذكر اسم اللَّه و إن لم يخرج دم، و هي نبالة معلومة فيأكل منه إذا ذكر اسم اللَّه عز و جل».

و الجميع كما ترى لا أجد أحدا من الأصحاب اعتبر ما فيها، فالمتجه حينئذ تنزيله على ما اتفقت عليه كلمة الأصحاب مما سمعته، و هو الحل باعتراض ذي النصل و إن لم تصبه الحديدة، و بخرق غيره إذا لم يكن فيه نصل، أو طرحه أو غير ذلك، على أن متن الأخير منها كما سمعت غير نقي، و اللَّه العالم.

و كيف كان فلا خلاف نصا و فتوى كتابا (4) و سنة (5)

في أنه يشترط في الكلب لإباحة ما يقتله أن يكون معلما بل هو


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 7. و ظاهر العبارة هنا أن هذا من تتمة الخبر السابق، و الضمير في «قال» يرجع إلى أبي جعفر عليه السلام، إلا أن الأمر ليس كذلك، بل هو مرسل مستقل كما جعل بينهما فصلا في الفقيه ج 3 ص 203.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 6.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 1 و 3- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 19

مجمع عليه، و المرجع في صدق ذلك الى العرف.

و لا ريب في أنه يتحقق ذلك عرفا بشروط ثلاثة: الأول أن يسترسل إذا أرسله بمعنى أنه متى أغراه بالصيد هاج عليه إذا لم يكن له مانع.

و الثاني أن ينزجر بزجره (إذا زجره خ ل) كما أطلقه غير واحد، إلا أنه يمكن تنزيله على ما في التحرير و الدروس بل و المسالك من تقييده بما إذا لم يكن بعد إرساله على الصيد، فلا يقدح عدم انزجاره بعده، لأنه من الفروض النادرة، بل قل ما يتحقق التعليم بهذا الوجه، فلو كان معتبرا لزم سقوط الانتفاع بصيده، مضافا إلى عدم منافاة مثل ذلك للتعليم عرفا.

و الثالث أن لا يأكل ما يمسكه على وجه الغلبة و الاعتياد فإن أكل نادرا لم يقدح في إباحة ما يقتله كما هو المشهور بين الأصحاب القدماء و المتأخرين، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، بل في المختلف بعد أن حكى عن الصدوقين و ابن أبي عقيل حل صيد الكلب أكل منه أو لم يأكل قال: «و هذا ليس مشهورا على إطلاقه، لأن عند علمائنا أنه إن كان يعتاد أكل الصيد لم يجز أكل ما يقتله و إن أكل نادرا جاز» بل في الدروس احتمال تنزيل كلام المخالف على الندرة، و حينئذ فيرتفع الخلاف في المسألة.

و كيف كان فقد احتج للتحريم بالأصل و عدم صدق اسم المعلم مع اعتياد الأكل، و قوله تعالى (1) «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» و لا يتحقق الإمساك علينا مع اعتياد الأكل كما يكشف عن ذلك

صحيحة


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 4.

ج 36، ص: 20

رفاعة (1)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الكلب يقتل، فقال: كل، فقلت: أكل منه، فقال: إذا أكل منه فلم يمسك عليك، و إنما أمسك على نفسه».

و خبر محمد (2) قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عما قتل الكلب و الفهد؟ فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): الكلب و الفهد سواء، فإذا هو أخذه فأمسكه فمات و هو معه فكل، فإنه أمسك عليك، و إذا أمسكه و أكل منه فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه»

و هما حجة أخرى أيضا.

مضافا إلى

موثق سماعة بن مهران (3) قال: «سألته عما أمسك عليه الكلب المعلم للصيد، و هو قول اللَّه وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ (4) قال: لا بأس أن تأكلوا مما أمسك الكلب ما لم يأكل الكلب منه، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه».

لكن في مقابل ذلك نصوص كثيرة (5)

فيها الصحيح و غيره دالة على الحل و إن أكل ثلثه أو نصفه أو ثلثيه، بل في بعضها ما يدل على أن القول بالحرمة قول العامة.

قال حكم بن حكيم الصيرفي (6): «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

ما تقول في الكلب يصيد فيقتله؟ قال: لا بأس بأكله، قلت: إنهم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 17.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 18 عن أحمد بن محمد كما في التهذيب ج 9 ص 28- الرقم 113.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 16.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 21

يقولون: إذا قتله و أكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكله، فقال:

كل، أو ليس قد جامعوكم على أن قتله ذكاته؟ قال: قلت: بلى، قال: فما تقول في شاة ذبحها رجل؟ أ ذكاها؟ قال: قلت: نعم، قال:

فان السبع جاء بعد ما ذكاها فأكل بعضها أتوكل البقية؟ قلت: نعم، قال: فإذا أجابوكم إلى هذا فقل لهم: كيف تقولون إذا ذكى ذلك و أكل منه لم تأكلوا و إذا ذكى هذا و أكل أكلتم؟!».

و صحيح ابن مسلم و غير واحد (1) عنهما (عليهما السلام) جميعا «أنهما قالا في الكلب يرسله الرجل، قالا: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه، و إن أدركت و قد قتله و أكل منه فكل ما بقي، و لا ترون ما يرون في الكلب».

و خبر سالم الأشل (2)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الكلب يمسك على صيده و يأكل منه، فقال: لا بأس بما يأكل، هو لك حلال».

و خبره الآخر (3) عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن صيد كلب معلم قد أكل من صيده، قال: كل منه».

و خبر يونس بن يعقوب (4)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل أرسل كلبه فأدركه و قد قتل، قال: كل و إن أكل».

و خبر زرارة (5) عنه (عليه السلام) أيضا «أنه قال في صيد الكلب إن أرسله الرجل و سمى فيأكل مما أمسك عليه و إن قتل، و إن أكل فكل ما بقي».

و خبر عبد الرحمن (6) عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن رجل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 8.

ج 36، ص: 22

أرسل كلبا فأخذ صيدا فأكل منه، آكل من فضله؟ قال: كل ما قتل الكلب إذا سميت عليه، فإذا كنت ناسيا فكل منه أيضا و كل فضله».

و صحيح الحلبي (1) عنه (عليه السلام) أيضا «أما ما قتله الكلب و قد ذكرت اسم اللَّه عليه فكل منه و إن أكل منه».

و في مرسل الصدوق (2) عنه (عليه السلام) أيضا «كل ما أكل منه الكلب و إن أكل منه ثلثيه، كل ما أكل منه الكلب و إن لم يبق إلا بضعة واحدة».

و خبر مسعدة بن زياد (3) عنه (عليه السلام) أيضا «أما ما صاد الكلب المعلم و قد ذكر اسم اللَّه عليه فكله و إن كان قد قتله و أكل منه».

و خبر الحسين بن علوان (4) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «إذا أخذ الكلب المعلم للصيد فكله أكل منه أو لم يأكل قتل أو لم يقتل».

و خبر أبان بن تغلب (5) عن الصادق (عليه السلام) أيضا «كل ما أمسك عليه الكلب و إن بقي ثلثه».

و خبر أبي سعيد المكاري (6) عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الكلب يرسل على الصيد و سمى فيقتل و يأكل منه، فقال: كل و إن أكل منه».

و سأله (عليه السلام) الحلبي أيضا (7)

«عن الكلب يصطاد فيأكل من صيده أ فآكل بقيته؟ قال: نعم».

إلا أنها حملت جميعا على الأكل نادرا و لو كان كثيرا جمعا بين الأخبار، بخلاف ما إذا كان مساويا أو غالبا، بل ربما كان في التعليل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 13.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 14.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 15.

ج 36، ص: 23

في الصحاح منها بعدم الإمساك عليكم حينئذ بل هو ممسك على نفسه إشعارا بذلك، و لعله أولى من حمل أخبار المنع على التقية أو الكراهة فإنه فرع التكافؤ، و هو منتف، فان التحريم هو المطابق للأصل و الاحتياط و ظاهر الكتاب و فتوى الأصحاب و الإجماع على اشتراط التعليم، و لا يحصل مع اعتياد الأكل كما قلنا، و لو تحقق فلا ريب في أن المعهود في تعليم الكلب تأديبه على الإمساك لصاحبه و زجره عن أكل الصيد، و إطلاقات الكتاب و السنة إنما تحمل على المعهود المتعارف، و العامة مختلفون في المسألة، لاختلاف الرواية عندهم، فالحمل على التقية قائم من الطرفين، و إن كان ظاهر الخبر الأول أنهم قائلون بالمنع، إلا أنه يمكن حمله على المنع عندهم و لو من النادر.

لكن الانصاف مع ذلك كله عدم خلو المسألة من إشكال في الجملة، لكثرة النصوص المزبورة مع خلوها عن الإشعار في شي ء منها بوجه الجمع المزبور عدا ما سمعته من التعليل المزبور، و لو لم يكن إجماعا أمكن الجمع بينها بحمل أخبار المنع على الأكل النادر الذي لا ينافي كونه معلما كما لا ينافي سائر الملكات من ذوي العقول فضلا عن الحيوانات، و لا فرق في ذلك بين الأكل و الاسترسال و الانزجار، و أخبار الجواز على الكلب الذي كان في تعليمه الأكل مما يصيده، فإنه يكون حينئذ معلما على هذا الوجه.

و دعوى كونه خلاف المتعارف في التعليم لا ينافي كون الحكم الجواز مع فرض وقوعه، و يكون قوله تعالى (1) «أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» واردا مورد الغالب، لا أن المراد اشتراطه حتى لو علم الكلب على أكل بعض ما يصيده، خصوصا إذا كان تأديبه على أكل القليل منه و لم يتعده، بل


1- 1 سورة المائدة: 5 الآية 4.

ج 36، ص: 24

لعل المراد من «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» كلا أو بعضا على حسب ما اقتضاه تأديبها و تعليمها، نعم لو اعتادت غير ما علمت خرجت عن كونها معلمة، فلا يحل صيدها.

و يمكن دعوى عدم منافاة ذلك للمشهور، ضرورة ظهور كلامهم في اعتياد الأكل المنافي للتعليم، بل جعل بعضهم ذلك دليلا للمسألة، نعم يظهر من بعض الأفاضل كون الحكم عندهم كذلك و إن علم، و لكنه لا يخلو من نظر.

كما أنه لا يخفى ضعف القول بالحل مع الاعتياد للأكل من دون تعليم، ضرورة اقتضائه طرح النصوص (1)

الدالة على المنع مع استفاضتها و اعتضادها بما سمعت من الإجماع المحكي، بل و بالشهرة العظيمة التي كادت تكون كذلك، بل لعلها الآن كذلك، أو حملها على التقية مع أنك قد عرفت اختلاف العامة فيما بينهم، بل فيها المشتمل على المنع من صيد الفهد إلا أن تدرك ذكاته (2)

و هو مناف لما عندهم، أو حملها على الكراهة، و هو فرع المكافئة المعلوم فقدها، و اللَّه العالم.

و من ذلك يعلم أنه لا ينبغي الإشكال في أنه كذلك (كذا خ ل) لا يقدح في حل صيد الكلب لو شرب الدم (دم الصيد خ ل) و اقتصر إذا فرض تأديبه على ذلك، بل ظاهر المسالك المفروغية من عدم قدحه و إن لم يكن تعليمه كذلك و يقع منه غالبا، لأن الدم غير مقصود للصائد.

نعم قال: «في أكل حشوته وجهان: من أنها تؤكل كاللحم، و من أنها تلقى غالبا و لا تقصد كالدم» قلت: لعل الأقوى الأول،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 16 و 17 و 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الصيد- الحديث 1 و 3.

ج 36، ص: 25

و حينئذ فيراعى تأديبها على ذلك و عدمه.

هذا و عن ابن الجنيد أن في حكم أكله منه ما إذا أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع و صار يقاتل دونه، لأنه في معنى الأكل من حيث إن غرضه ذلك، فلم يتمرن على التعليم من هذه الجهة، و لا بأس به.

نعم ما يحكى عنه- من التفصيل في أصل المسألة بين أكله منه قبل موت الصيد و بعده و جعل الأول قادحا دون الثاني- غير ظاهر الوجه مع فرض عدم تأديبه على ذلك، و إن قيل: لعله جمع بين الأخبار، إلا أنه كما ترى، ضرورة عدم شاهد عليه لا منها و لا من إجماع يحكى و نحوه، بل يمكن أن يكون في بعضها ما ينافيه، و اللَّه العالم.

و كان ف لا بد من تكرار الاصطياد به متصفا بهذه الشرائط الثلاثة ليتحقق حصولها فيه على وجه يصدق عليه كونه معلما نحو غيره مما يتحقق به ملكة الصنائع و لو على وجه الظن الغالب.

و حينئذ ف لا يكفي اتفاقها مرة و إن كان لعله ظاهر محكي التبيان و مجمع البيان، قال في الأول: «قال أبو يوسف و محمد: حد التعليم أن يفعل ذلك ثلاث مرات، و قال قوم: لا حد لتعليم الكلاب، فإذا فعل ما قلناه فهو معلم و قد دل على ذلك رواية أصحابنا، لأنهم رووا أنه إذا أخذ كلب مجوسي فعلمه في الحال فاصطاد جاز أكل ما يقتله» و نحوه في المجمع، و ظاهرهما الاكتفاء بالمرة.

و أشار بالرواية إلى روايتي السكوني (1)

و عبد الرحمن بن سيابة (2) عن الصادق (عليه السلام) الآتيتين في مسألة اعتبار إسلام المعلم المحمولتين على الامتحان دون التعليم، لأن الفرض كونه معلما، نعم في

خبر زرارة (3)


1- 1 الوسائل- 15- من أبواب الصيد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- 15- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصيد- الحديث 2.

ج 36، ص: 26

السابق عنه (عليه السلام) أيضا «و إن كان غير معلم فعلمه في ساعة ثم يرسله فليأكل منه، فإنه معلم»

و لكنه ليس نصا في المرة، لأن التكرار ممكن في ساعته، خصوصا مع كون المراد بها العرفية.

هذا و في المسالك «الأمور المعتبرة في التعليم لا بد أن تتكرر مرة بعد اخرى، ليغلب على الظن تأدب الكلب، و لم يقدر أكثر الأصحاب عدد المرات، و ذلك لأن المعتبر في التعليم العرف، و هو مضطرب، و طباع الجوارح مختلفة، و الرجوع في الباب إلى أهل الخبرة بطباع الجوارح و اكتفى بعضهم بالتكرار مرتين، لأن العادة تثبت بهما، و اعتبر آخرون ثلاث مرات، و الأقوى الرجوع إلى العرف» و مقتضى كلامه ثبوت القول بالمرة و المرتين للأصحاب، و لم أجد ذلك كما اعترف به بعض الأفاضل أيضا.

ثم إنه كما يعتبر التكرار في حصول التعليم فكذا في زواله، فيرجع فيه إلى العرف أيضا على المختار، و على القول بالمرتين أو الثلاث قيل يعتبر حصولهما، و على القول بالمرة فلو أكل منه بعدها حرم و لو في الأولى، و الأمر في ذلك كله سهل بعد وضوح الحال و كون تعليم الكلب الصيد على نحو تعليم العاقل الصناعة، فيكفي فيه إثباتا و نفيا ما يكفي في ذلك كما هو واضح، و اللَّه العالم.

[و يشترط في المرسل للكلب أو السهم شروط]
[الأول أن يكون مسلما أو بحكمه]

و كيف كان ف يشترط في المرسل للكلب أو السهم مثلا شروط (أربعة خ):

الأول: أن يكون مسلما أو بحكمه كالصبي المميز الملحق به أو البنت المميزة كذلك، لأن الإرسال نوع من التذكية نصا (1)

و فتوى، و ستعرف اشتراط ذلك فيها.

و حينئذ فلو أرسله المجوسي أو الوثني بل أو اليهودي أو النصراني أو غيرهم ممن هو غير مسلم، بل أو منه و لكن كان محكوما


1- 1 الوسائل- الباب- 11 و 12 و 13- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 27

بكفره و لو لنصب أو إنكار ضروري أو غير ذلك لم يحل أكل ما يقتله كما أنه لا يحل ما يذبحه أو ينحره و إن كان إذا أرسله اليهودي و النصراني فيه خلاف كما في تذكيتهما أظهره أنه لا يحل للأصل و غيره مما ستعرفه، بل عن الانتصار الإجماع على عدم الحل بإرسال الكافر، بل في المجوسي قول بالحل أيضا و إن كان ظاهر عبارة المصنف خلافه. اللهم إلا أن يكون في خصوص التذكية بالذبح، كما عن ظاهر الصدوق، و ستعرف الحال فيه في محله إنشاء اللَّه تعالى.

كما أنه لا يخفى مجي ء الخلاف في المخالف مطلقا باعتبار الخلاف في كفره و عدمه.

و كذلك لم يحل صيد غير المميز و المجنون، لعدم القصد المعتبر منهما، كما ستعرف ذلك في الذبح إنشاء اللَّه، و اللَّه العالم.

[الثاني أن يرسله للاصطياد]

الثاني: أن يرسله للاصطياد، فلو استرسل من نفسه أو رمى بسهم هدفا مثلا فأصاب صيدا، فضلا عما لو أفلت من يده فأصاب صيدا فقتله لم يحل مقتوله بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف الإجماع على الثاني الذي لا فرق بينه و بين الأول في الحكم المزبور.

مضافا إلى أصالة عدم التذكية المقتصر في الخروج عنها بالمتيقن، و هو الإرسال للصيد، خصوصا مع ملاحظة عدم الخلاف فيه التي لا إشكال في اقتضائها الشك في إرادة غيرها من بعض الإطلاقات التي مع ذلك لم تسق لبيان هذا الحكم.

ج 36، ص: 28

و إلى

خبر القاسم بن سلمان (1) المنجبر دلالة بما عرفته، و سندا به أيضا و برواية المشايخ الثلاثة له، قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن كلب أفلت و لم يرسله صاحبه فصاد فأدركه صاحبه و قد قتله، أ يأكل منه؟ فقال: لا، و قال: إذا صاد و قد سمى فليأكل، و إن صاد و لم يسم فلا».

بل و إلى ما في ذيل

خبر أبي بكر الحضرمي (2) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) المتقدم سابقا، قال: «إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم اللَّه عليه، فهو ذكاته».

و المناقشة في الأول- باحتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية لا إلى الاسترسال، بل ربما كان في ذيله إشعار بذلك- مدفوعة بعد التسليم بالانجبار بما عرفت، على أن مجرد الاحتمال لا ينافي الظهور الذي هو مبنى أكثر الأحكام، و الذيل المزبور الظاهر في كون المعيار التسمية يمكن كون المراد منه الكناية عن اعتبارها مع الإرسال المصاحب لها، خصوصا على ما ستعرف من كون الأقوى أن وقتها عنده، و بالجملة لا وجه لهذه المناقشات بعد كون الحكم مفروعا منه.

نعم لو زجره عقيب الاسترسال فوقف ثم أغراه صح و حل ما يقتله بلا خلاف و لا إشكال لأن الاسترسال انقطع بوقوفه، و صار الإغراء إرسالا مستأنفا كالمبتدإ الواقع بعد إرسال سابق انقضى.

و لا كذلك لو استرسل فأغراه من دون أن يزجره و لا زاد إغراؤه في عدوه، ضرورة صدق عدم الإرسال منه، أما إذا زاد في عدوه ففي المسالك تبعا لغيره «وجهان: أحدهما الحل، لأنه قد ظهر أثر الإغراء، فيقطع الاسترسال، و يصير كأنه جرح بإغراء صاحبه،


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 11- من أبواب الصيد- الحديث 1 و ذيله في الباب- 12- منها- الحديث 1 عن القاسم بن سليمان كما في الكافي ج 6 ص 206.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصيد- الحديث 4.

ج 36، ص: 29

و أصحهما المنع، لأنه قد اجتمع الاسترسال المحرم و الإغراء المبيح، فقتله بالسببين، فيغلب التحريم، و لو كان الإغراء و زيادة العدو بعد ما زجره فلم ينزجر فالوجهان، و أولى بعدم الحل، لظهور إبائه و ترك مبالاته بإشارة الصائد».

قلت: قد يقال: إن مقتضى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1) السابق: «أما ما قتله الكلب و قد ذكرت اسم اللَّه عليه فكل منه»

و في

خبر مسعدة بن زياد (2): «أما ما صاد الكلب المعلم و قد ذكر اسم اللَّه عليه فكله».

و غير ذلك من إطلاق الأدلة حل صيد الكلب مطلقا، إلا أنه خرج المسترسل لنفسه بالإجماع و نحوه، و بقي غيره الذي منه المفروض، إلا أن أصالة عدم التذكية- بعد الشك في إرادة الفر المزبور من الإطلاق المزبور الذي لم يسق لبيان ذلك المقيد بالإرسال في غيره- يقتضي عدم الحل، خصوصا بعد صدق عدم الإرسال و إن زاد في عدوه، و خصوصا مع عدم انزجاره بالزجر و إن قلنا بعدم اعتباره في التعليم بعد رؤية الصيد و الإرسال، فالأقوى ما ذكره حينئذ.

و حينئذ فلو أرسل كلبا معلما فأغراه مجوسي فازداد عدوه لم يؤثر في الحل، كما أنه لو أرسل المجوسي كلبا فأغراه المسلم و زاد عدوه بإغرائه لم يؤثر في الحرمة. نعم قد يأتي ذلك على الوجه الأول الذي قد عرفت ضعفه.

و كذا لو أرسله فأغراه فضولي فازداد عدوه لم يملك الصيد، بل هو للمرسل و إن كان غاصبا للكلب، و يأتي على الاحتمال الآخر ملك الفضولي له و إن كان غاصبا للكلب، لانقطاع حكم الإرسال الأول بالإغراء،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 11.

ج 36، ص: 30

و لكن لا يخفى عليك ما فيه، و كذا احتمال اشتراكهما في الملك، لحصوله بفعلهما، كما هو واضح. هذا كله في المسترسل لنفسه.

و أما المرسل لغير الصيد فصاد لم يحل بمقتضى الشرط المزبور، و ستعرف إنشاء اللَّه تمام ما يتفرع على ذلك عند تعرض المصنف له، و اللَّه العالم.

[الثالث أن يسمي عند إرساله]

الثالث: أن يسمي عند إرساله آلة الصيد كلبا أو سهما مثلا، بلا خلاف في أصل الشرطية، بل عليه الإجماع بقسميه، مضافا إلى نهي الكتاب عن أكل ما لم يذكر اسم اللَّه عليه (1) و الأمر في خصوص صيد الكلب (2) و السنة التي ستسمع جملة منها.

و حينئذ فلو ترك التسمية عمدا لم يحل ما يقتله بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص المستفيضة، ك

صحيح الحلبي (3) عن الصادق (عليه السلام) «من أرسل كلبه و لم يسم فلا يأكله»

و خبر زرارة (4)

«في صيد الكلب إن أرسله الرجل و سمى فليأكل»

و خبره الآخر (5)

«إذا أرسل الرجل كلبه و نسي أن يسمي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمي، و كذلك إذا رمى بالسهم و نسي أن يسمي».

و منه يعلم أنه لا يضر لو كان الترك لها نسيانا مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه، و إلى

خبر عبد الرحمن (6)

«و إن كنت ناسيا فكل منه أيضا و كل من فضله».


1- 1 سورة الأنعام: 6- الآية 121.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصيد- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصيد- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصيد- الحديث 4.

ج 36، ص: 31

إنما الكلام في أن وقتها عند الإرسال على وجه لا يجزئ وقوعها من العامد ما بينه و بين الإصابة، فإن فيه قولين: (أحدهما) الاشتراط كما هو ظاهر المقنع و المقنعة و النهاية و الخلاف و المهذب و الغنية و السرائر و الجامع و الإرشاد و التبصرة و تلخيص المرام و المعالم و تلخيص الخلاف و غيرها مما عبر فيها كعبارة المصنف، ضرورة ظهوره في التوقيت.

و حينئذ ففي الخلاف و الغنية الإجماع عليه، لأنه قال في الأول:

«التسمية واجبة عند إرسال الكلب و إرسال السهم و عند الذبيحة» و احتج على ذلك بإجماع الفرقة و أخبارهم، و قال في الثاني: «التسمية شرط عند إرسال الكلب و السهم و عند الذبح بدليل إجماع الطائفة» و يشهد لهما فتوى المعظم بذلك، فهما الحجة حينئذ.

مضافا إلى أصالة التحريم في الصيد حتى يثبت الحل، و هو في الفرض معلوم إجماعا و نصا، فيقتصر عليه تمسكا بالأصل و أخذا بالمتيقن.

و إلى أن الإرسال منزل منزلة الذكاة، لأنها تجزئ عنه إجماعا، فلا تجزئ بعده كما لا تجزئ بعد الذكاة، و لأن التسمية يجب أن يقارن بها فعل المرسل كما يقارن بها فعل الذابح، و المرسل لا فعل له سوى الإرسال، فيجب اقتران التسمية به، و في الأخبار ما يلوح إلى ذلك، بل قيل يدل عليه.

ففي

صحيح الحذاء (1)

«عن الرجل يسرح كلبه المعلم و يسمي إذا سرحه، فقال: يأكل مما أمسك عليه».

و صحيح سليمان بن خالد (2)

«عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمي حين يرسله أ يأكل مما أمسك عليه؟ قال: نعم، لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 32

مكلب قد ذكر اسم اللَّه عليه».

و صحيح محمد الحلبي (1)

«عن الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه برمح أو يرميه بسهم فيقتله و قد سمى حين فعل ذلك، فقال: كل لا بأس به».

و صحيح الحلبي (2)

«عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله و قد كان سمى حين رمى و لم تصبه الحديدة، فقال: إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله فان أراده فليأكل».

لأن التوقيت بالإرسال و نحوه في هذه النصوص و إن وقع في كلام الرواة إلا أنه يدل على كون الحكم شائعا معروفا عندهم، و السائلون من فقهاء الأصحاب و أعاظمهم، فيبعد أخذهم لهذا القيد في السؤال من دون أن يكون له مدخل في الحل، و قد أقرهم الإمام (عليه السلام) على هذا القيد و لم ينكر عليهم في ذلك، فدل على أنه معتبر في حل الصيد.

و في رواية أخرى للحلبي (3)

«عن الصيد يصيبه السهم معترضا و لم تصبه الحديدة و قد سمى حين رمى، قال: يأكله إذا أصابه و هو يراه، و عن صيد المعراض، فقال: إن لم يكن له نبل غيره و كان قد سمى حين رمى فليأكل منه، و إن كان له نبل غيره فلا»

و قد وقع فيها التقييد في كلام السائل و الامام (عليه السلام) و التقريب في الثاني ظاهر، و في الأول نحو ما سبق.

و في

خبر الحضرمي (4) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) «إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم اللَّه عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصيد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصيد- الحديث 4.

ج 36، ص: 33

فهو ذكاته».

بل قد يؤيده أو يدل عليه النصوص (1)

السابقة في صدر المسألة أيضا الظاهرة في أن وقت التسمية وقت الإرسال.

(و الثاني) عدمه، فيكفي التسمية قبل الإصابة، و هو ظاهر القواعد و التحرير و الشهيدين في الدروس و المسالك و الروضة، لإطلاق الكتاب (2) و السنة (3)

التسمية عند الصيد من غير تعيين وقت، و لأنه إذا أجزأ التسمية عند الإرسال فبالأولى إجزاؤها بعد ذلك، و خصوصا عند الإصابة و الجرح، فإنه وقت التذكية حقيقة.

بل قد يؤيد ذلك أيضا تدارك الناسي لها ما بينه و بين الإصابة، فإنه لو لم يكن وقتا للتسمية لما وجب الإتيان بها فيه، بل كان مستحبا كالتسمية عند الأكل.

و فيه أن الإطلاق محمول على المعهود المتعارف الذي هو عند الإرسال و منع الأولوية، فإن التذكية فعل المرسل دون الآلة، و لا فعل له سوى الإرسال، فيكون إرساله بمنزلة التذكية، فيجب أن يقارنها التسمية كما ذكرناه، و تدارك الناسي لها فيه لا يقتضي الاجزاء في حال العمد، إذ يمكن كون ذلك وقتا للناسي دون العامد.

و من هنا بان لك أن الأول هو الأقوى و الأحوط و إن كان قد يظهر من بعض النصوص التي قدمناها في مسألة الحل مع أكل الكلب الاكتفاء بالتسمية عند قتل الكلب الصيد، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه.

نعم الظاهر الحل لو شك فيها كما عن ابن سعيد في جامعه، لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 7 و الباب- 12- منها- الحديث 2 و 5.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 34

أولى من الناسي، و

للخبر (1)

«أرمي بسهمي و لا أدري أ سميت أم لم أسم؟ فقال: كل لا بأس»

بل لعل أصل الصحة كاف في المقام مع فرض العلم بالإتيان بالفعل بقصد إرادة الصحيح أو ظاهره ذلك و لكن شك في بعض شروطه، فهو حينئذ كمن ذكى ثم شك في التسمية مثلا، أما إذا لم يعلم الإتيان بالفعل على الوجه المزبور و لا كان ظاهره ذلك فقد يشكل الحكم بأصل الصحة على وجه يقطع أصالة العدم بإمكان الإتيان بالفعل على غير الوجه الصحيح، بل كان لبعض الأغراض التي تجامع الفاسد.

و من ذلك لو شك في أنه ترك التسمية عمدا، لأنه لم يرد الصحيح، أو نسيانا أو لم يتركها، إذ دعوى أولوية ذلك من الناسي غير معلوم، بل قد يشك في مساواته له.

و منه يشك في الاجتزاء بالتدارك لو كان في الأثناء و إن اجتزئ به في الناسي، و الخبر المزبور (2)

و إن كان مطلقا لكنه لا جابر له، بل يمكن دعوى انسياقه فيما ذكرناه أولا، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة.

و أما الجاهل بوجوبها فلا إشكال في الحل لو فعلها و إن لم يعتقد وجوبها، لعموم الكتاب (3) و السنة (4)

المتضمنة لحل ما ذكر اسم اللَّه عليه.

و لو تركها عمدا لاعتقاد عدم وجوبها فالمتجه عدم الحل، كما هو ظاهر الأصحاب على ما اعترف به في الدروس و إن أشكله بحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصبا، و بعضهم لا يعتقد وجوبها.

لكن يدفعه أن المقصود في هذا الحكم عدم التحريم من جهة الذابح فلا ينافي حينئذ الحكم بالتحريم من جهة عدم التسمية.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الصيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الصيد- الحديث 1.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصيد و الباب- 15- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 35

و نوقش بأنه ليس بحاسم لمادة الإشكال، فإن الغالب عدم العلم بمذهب الذابح، و قصر الحكم على من علم من مذهبه الاشتراط يقتضي سقوط فائدة هذا الحكم غالبا، على أن ذلك لو كان مرادا لنبهوا عليه و في ترك التنبيه عليه دليل على أنه غير مراد.

نعم يمكن أن يقال بأن الأصل حمل فعل المسلم على ما هو صحيح في الواقع، كما يقتضيه الحكم بإباحة الجلد المأخوذ من المسلم ما لم يعلم كونه ميتة. مضافا إلى السيرة المستمرة في الأعصار و الأمصار من الشيعة مع أهل الخلاف في العبادات و المعاملات مع تحقق الاختلاف في البين في شروطها بين الفريقين، و تظهر الفائدة حينئذ فيما علم انتفاء التسمية فيه، و هو فرض نادر لا مانع من خروجه عن اختلاف القوم.

أو يقال: إن التسمية و إن لم يوجبها جميع أهل الخلاف لكن القائل بعدم الوجوب يثبت الندب، و العادة المستمرة فيما بينهم الإتيان بها و إن لم تجب، فاكتفى بذلك في الذبيحة المجهولة، فتأمل جيدا.

و لو كان من عادته التسمية فنسيها فالظاهر الحل لدخوله في الناسي مع عدم تأثير مجرد الاعتقاد، لكن في النافع: «و يؤكل لو نسي إذا اعتقد الوجوب» و لعله لما قيل من اختصاص أدلة الإباحة مع نسيان التسمية بحكم التبادر بمعتقد وجوبها.

بل في الرياض «هذا القيد و إن لم يذكره في الشرائع و لا غيره عدا الشيخ في النهاية و الحلي في السرائر و القاضي، إلا أن الظاهر بحكم ما مر من التبادر إرادته و إن تركه حوالة على الظهور من الخارج، فما يظهر من التنقيح من التردد في اعتباره حيث حكم بأنه أحوط غير ظاهر الوجه».

قلت: وجهه إطلاق الأدلة بعد منع التبادر المزبور، ضرورة صدق النسيان على من كان عزمه الفعل، من غير فرق بين معتقد الوجوب

ج 36، ص: 36

و عدمه، و لعله لذا جزم به العلامة الطباطبائي في مصابيحه، و اللَّه العالم.

ثم إنه ذكر غير واحد من الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه بينهم اعتبار كون التسمية من المرسل و حينئذ ف لو أرسل واحد و سمى آخر لم يحل الصيد مع قتله له للأصل و

خبر محمد بن مسلم (1) بل في المسالك صحيحه و إن كنا لم نتحققه «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القوم يخرجون جماعة إلى الصيد، فيكون الكلب لرجل منهم، و يرسل صاحب الكلب كلبه و يسمي غيره، أ يجزئ ذلك؟ قال:

لا يسمي إلا صاحبه الذي أرسل الكلب».

و في مرسل أبي بصير (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «لا يجزئ إلا الذي أرسل الكلب»

و القصور في السند منجبر بالعمل، على أن مضمونهما مقتضى الأصل المقتصر في الخروج منه على غير الفرض، و لو للتبادر.

و أولى بعدم الحل لو أرسل شخص و قصد الصيد آخر و سمى ثالث.

و كذلك يعتبر من غير خلاف يعرف فيه بينهم أيضا اتحاد السبب المزهق المحلل ف لو سمى شخص فأرسل كلبه و أرسل آخر كلبه و لم يسم و اشتركا في قتل الصيد لم يحل للأصل أيضا، بل لو لم يعلم الحال لم يحل أيضا، للأصل المزبور، فضلا عن العلم بالاشتراك، و هكذا الحال في كل سبب محلل اشترك معه غير المحلل إذا لم يعلم استناد الازهاق إلى المحلل.

ففي

خبر أبي عبيدة (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في حديث صيد الكلب، قال: «و إن وجدت معه كلبا غير معلم فلا تأكل».


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الصيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 37

و في

خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) سألته عن قوم أرسلوا كلابهم و هي معلمة كلها، و قد سموا عليها فلما مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحبا فاشتركن جميعا في الصيد، فقال: لا يؤكل منه، لأنك لا تدري أخذه معلم أو لا؟».

و في مرسل الفقيه (2) عن الصادق (عليه السلام) «إذا أرسلت كلبك على صيد و شاركه كلب آخر فلا تأكل منه».

و الأخير و إن كان مطلقا شاملا لاشتراك المحلل أيضا إلا أن صريح بعض و ظاهر غيره الاتفاق على الحل مع اشتراك الأسباب المحللة، بل كاد يكون صريح خبر أبي بصير السابق، بل لعله مقتضى مفهوم الخبر الأول، و اللَّه العالم.

[الرابع أن لا يغيب الصيد و حياته مستقرة]

الرابع: أن لا يغيب الصيد عنه و حياته مستقرة بلا خلاف أجده فيه، و حينئذ فلو وجد مقتولا أو ميتا بعد غيبته لم يحل، لاحتمال أن يكون القتل لا منه، سواء وجد الكلب واقفا عليه أو بعيدا منه و سواء وجد السهم فيه مثلا أولا، للمعتبرة المستفيضة.

ك

خبر سليمان بن خالد (3)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرمية يجدها صاحبها أ يأكلها؟ قال: إن كان يعلم أن رميته هي التي قتلته فليأكل».

و خبر حريز (4) قال: «سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرمية يجدها صاحبها من الغد أ يأكل؟ قال: إن علم أن رميته هي التي قتلته فليأكل، و ذلك إذا كان قد سمى».

و خبر سماعة (5)

«سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصيد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 3.

ج 36، ص: 38

ثم كان في طلبه فوجده من الغد و سهمه فيه، فقال: إن علم أنه أصابه و أن سهمه هو الذي قتله فليأكل منه و إلا فلا».

و خبر محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال:

أمير المؤمنين (عليه السلام) في صيد وجد فيه سهم و هو ميت لا يدري من قتله، قال: لا تطعمه».

و في النبوي عن عدي بن حاتم (2)

«قلت: يا رسول اللَّه إذا أهل صيد و الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه الليلتين و الثلاث فيجده ميتا، فقال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): إذا وجدت فيه أثر سهمك و لم يكن فيه أثر سبع و علمت أن سهمك قتله فكل»

إلى غير ذلك من النصوص المستفاد منها اعتبار العلم باستناد الازهاق إلى السبب المحلل، فكان المناسب التعبير بذلك، إذ لا مدخلية للغيبة فيه.

قال الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة (3): «إذا رميت فوجدته و ليس به أثر غير السهم و ترى أنه لم يقتله غير سهمك فكل، يغيب (غاب خ ل) عنك أو لم يغب».

و إليه يرجع

خبر الحسين بن علوان (4) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) كان يقول: إذا رميت صيدا فيغيب عنك فوجدت سهمك فيه في موضع مقتل فكل»

باعتبار أن ذلك طريق علم باستناد الموت اليه.

و كذا

خبر عيسى القمي (5) في حديث «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): أرمي فيغيب عني، و أجد سهمي فيه، فقال: كل


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصيد- الحديث 1.
2- 2 سنن البيهقي- ج 9 ص 242.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 4.

ج 36، ص: 39

ما لم يؤكل منه، فان كان أكل منه فلا تأكل منه».

و خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن ظبي أو حمار وحش أو طير رماه رجل ثم رماه غيره بعد ما صرعه غيره، فقال: كله ما لم يتغيب إذا سمى و رماه».

و النبوي (2)

«كل ما أصميت، و دع ما أنميت»

أي: كل ما قتله كلبك أو سهمك و أنت تراه، و «دع ما أنميت» أي: ما غاب عنك مقتله، ضرورة كون المراد من الجميع هو ما ذكرنا من أن المدار على العلم باستناد القتل إلى السبب المحلل، فيكفي في الحرمة الشك، فضلا عن العلم بالعدم، إلا أنه غالبا لا يحصل مع الغيبة و استقرار الحياة، لاحتمال عروض سبب آخر، و لا يكفي أصالة عدمه، للنصوص المزبورة و معارضته بأصالة عدم كون موته من رميته مثلا.

نعم الظاهر عدم إرادة العلم بمعنى اليقين، بل يكفي فيه الطمأنينة العادية، كما أومأ إليه

قوله (عليه السلام): «إذا وجدت سهمك فيه في موضع مقتل».

و أولى بالحل من ذلك لو غاب غير مستقر الحياة، بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى من إطلاق النهاية الحرمة مع الغيبة المنزل على ذلك نحو ما سمعته من إطلاق بعض النصوص (3)

اتكالا على الظهور، كما اعترف به في المختلف، و إن ناقشه الحلي فيه في المحكي عن سرائره، لكنه في غير محله، و اللَّه العالم.

و كيف كان فلا خلاف نصا (4)

و فتوى في أنه يجوز


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 7.
2- 2 مجمع الزوائد- ج 4 ص 30 راجع سنن البيهقي ج 9 ص 241.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد- الحديث 3 و 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 22 و 23 و 24- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 40

الاصطياد ب كل آلة ك الشرك و الحبالة و الشباك و الصقور و الفهود و الأحجار و البنادق و غيرها، و ما عن سلار من أنه روي (1)

تحريم ما يصاد بقسي البندق إن أراد تحريمه مع قتله بالبندق فهو حق، و إن كان مع التذكية فهو ممنوع.

و عن المفيد عبارة موهمة، و هي «لا يجوز أكل الثعلب و الضب.

و لا يؤكل ما قتله البندق- إلى أن قال-:

و روي (2)

أن الجلاهق- و هو قسير البندق- حرام»

و التحقيق ما عرفت، و في

خبر غياث بن إبراهيم (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «أنه كره الجلاهق».

و على كل حال فلا إشكال بل و لا خلاف يعتد به في أنه يحل الاصطياد- بمعنى جعل الحيوان الممتنع تحت اليد- بكل آلة و لكن لا يحل منه بغير ما عرفت إلا ما يدرك ذكاته و لو كان فيه سلاح لم يصدق عليه أنه رماه به و كذا السهم إذا لم يكن فيه نصل و لا يخرق و إنما يصيد بثقله.

قال سليمان بن خالد (4): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عما قتل الحجر و البندق أ يؤكل؟ قال: لا»

و نحوه صحيح الحلبي (5)

و خبر حريز (6)

و خبر عبد اللَّه بن سنان (7) عنه (عليه السلام) أيضا، و خبر محمد بن مسلم (8) عن أحدهما (عليهما السلام).

و في

خبر الحسين بن علوان (9) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد.
2- 2 الموجود في المقنعة ص 90 ط حجر هكذا: «و لا يجوز أكل الثعلب و الضب، و لا يؤكل ما قتله البندق من الطير و غيره، و رمي الجلاهق و هو قسي البندق حرام».
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد الحديث 5.
8- 8 أشار إليه في الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد- الحديث 4 و ذكره في الكافي ج 6 ص 213.
9- 9 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصيد- الحديث 8.

ج 36، ص: 41

عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا تأكل ما قتل الحجر و البندق و المعراض إلا ما ذكيت».

و في

خبر محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) «ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت، و كلوا ما أدركتم حيا و ذكرتم اسم اللَّه عليه».

و في

خبر عبد الرحمن (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت، و ما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه».

و نحوه خبر زرارة (3) عن أحدهما (عليهما السلام) إلى غير ذلك من النصوص التي مر عليك شطر منها، و فيها المشتمل على حصر الحل بقتل الكلب المكلب.

كما أنه مر عليك نصوص حل الصيد المقتول بالسلاح (4)

و ذكرنا هناك تفصيل الحال فيه، و تفصيل الحال في السهم ذي النصل و غيره من المعراض و نحوه و أنه لا يدخل فيه الصيد بالآلة المسماة بالتفنك المستحدثة في قرب هذا الزمان، خلافا للكفاية، للعموم الذي قد عرفت البحث فيه هناك، و لا أقل من الشك، و الأصل الحرمة، كما تقدم الكلام فيه سابقا، و اللَّه العالم.

و على كل حال فقد قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و ابنا حمزة و إدريس و يحيى بن سعيد على ما حكي عنهم يحرم أن يرمي الصيد بما هو أكبر منه ل

مرفوع محمد بن يحيى (5) قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): «لا يرمي الصيد بشي ء أكبر منه»

و لأنه إذا كان أكبر


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصيد- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 42

منه يقتله بثقله، أو يشترك الثقل و الحد في قتله، إلا أنه قاصر سندا عن إثبات الحكم المزبور،: قيل: بل و دلالة، خصوصا على حرمة الأكل و منع لزوم القتل بالثقل أو بمشاركته، نعم ربما احتمل الحرمة مع احتمال ذلك، للدخول في الوقيذ، مع أنه في محل المنع لما عرفت من النصوص على حل ما قتله السهم و إن أصاب بعرضه.

و من هنا قيل و القائل غير واحد بل لعله ظاهر الأكثر أو المشهور: لا يحرم، بل يمكن دعوى الإجماع عليه، نعم صرح غير واحد بأنه يكره و هو أولى لقبول المرفوع المزبور لإثبات الكراهة التي يتسامح فيها بخلاف الحرمة.

و من الغريب ما عن القائل المزبور من التصريح بتحريم الفعل و الصيد و هو ضعف في ضعف، ضرورة أن الخبر المزبور على فرض قابليته للعمل به لا يدل على أزيد من النهي عن الفعل، و هو لا يستلزم تحريم الصيد، كما هو واضح، و اللَّه العالم.

[الأمر الثاني في أحكام الصيد]

الأمر الثاني في أحكام الصيد (الاصطيادخ ل) قد عرفت أن ظاهر النص (1) و الفتوى اعتبار استناد موت الصيد إلى السبب المحلل في حل الصيد. و حينئذ ف لو أرسل المسلم و الوثني مثلا آلتهما فقتلاه لم يحل لفوات الشرط، ضرورة استناد القتل إلى مجموعهما سواء اتفقت آلتهما مثل أن يرسلا


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 43

كلبين أو سهمين أو اختلفتا، كأن يرسل أحدهما كلبا و الآخر سهما، و سواء اتفقت الإصابة في وقت واحد أو وقتين إذا كان أثر كل واحدة من الآلتين قاتلا على وجه يستند القتل الخارجي و ينسب إليهما.

نعم لو اتخنه المسلم فلم تعد حياته مستقرة ثم ذفف عليه الآخر و جهز عليه حل، لأن القاتل المسلم.

و أما لو انعكس الفرض بأن كانت آلة الكافر هي الموجبة للازهاق و آلة المسلم المجهزة لم يحل بل و كذا لو اشتبه الحال لم يحل (الحالان حرم خ ل) تغليبا للحرمة باعتبار أصالة عدم التذكية بعد فرض الجهل بحصول شرطها المقتضي للجهل بالمشروط.

و من ذلك أيضا لو كان مع المسلم كلبان و أرسل أحدهما و استرسل الآخر فقتلا لم يحل و كذا لو اشتبه الحال نعم لو رمى سهما فأوصلته الريح إلى الصيد فقتله حل (11) لصدق استناد القتل اليه و إن كان لو لا الريح لم يصل.

و كذا لو أصاب السهم الأرض مثلا ثم وثب فقتل (12) بلا خلاف أجده، لأن ما يتولد من فعل الرامي منسوب إليه، لكن في المسالك الاشكال فيهما- إن لم يكن إجماعا- بالاستناد إلى سببين في الأول، و بعدم الجريان على وفق قصده في الثاني، إلا أنه قال بعد ذلك: «و كيف كان فالمذهب الحل» و هو كذلك لما عرفت بعد منع كون القتل بسببين على وجه ينافي مصداق الأدلة، و منع اعتبار الجريان على وفق القصد و (13) هو واضح.

ثم إن الاعتبار في حل الصيد بالمرسل لا بالمعلم (14) وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن دعوى الإجماع معها، بل هو كذلك

ج 36، ص: 44

كما اعترف به بعض الأفاضل، بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن الشيخ في المبسوط و كتابي الأخبار، مع أن الشيخ نفسه ادعى الإجماع في محكي خلافه على حل الصيد بكلب المجوسي المعلم، و هو الحجة.

مضافا إلى إطلاق الأدلة و عمومها و كون الكلب آلة كالسكين التي لا فرق فيها بين كونها لمسلم أو كافر.

و إلى

صحيح سليمان بن خالد (1) الذي رواه المشايخ الثلاثة «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمي حين يرسله أ يأكل مما أمسك عليه؟ فقال: نعم، لأنه مكلب و ذكر اسم اللَّه عليه».

كل ذلك مع ضعف ما يذكر حجة للشيخ من الأصل المقطوع بما عرفت و ظاهر قوله تعالى (2) «وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ» الوارد مورد الغالب من كون كلب المسلم معلما له، فلا يكون حجة لضعفه.

و خبر (3) عبد الرحمن بن سيابة (4)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) فقلت: كلب مجوسي أستعيره فأصيد به، قال: لا تأكل من صيده إلا أن يكون علمه مسلم»

الضعيف في نفسه القاصر عن معارضة الصحيح المزبور المعتضد بإطلاق الأدلة و عمومها، و بالإجماع بقسميه، فلا بأس بحمله على الكراهة التي يشهد لها

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصيد- الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 4.
3- 3 كلمة «و خبر» معطوفة على قوله قده: «الأصل المقطوع.» الذي ذكر حجة للشيخ قده.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصيد- الحديث 2.

ج 36، ص: 45

المرسل (1): «كلب المجوسي لا يؤكل صيده إلا أن يأخذه مسلم فيقلده و يرسله، قال: و إن أرسله المسلم جاز أكل ما أمسك و إن لم يكن علمه»

و كذا

قول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (2): «كلب المجوسي لا تأكل صيده إلا أن يأخذه المسلم فيعلمه و يرسله، و كذا البازي و كلاب أهل الذمة و بزاتهم حلال للمسلمين أن يأكلوا صيده»

و غير ذلك.

و حينئذ فإن كان المرسل مسلما فقتل حل و لو كان المعلم مجوسيا أو وثنيا فضلا عن غيرهما و لو كان المرسل غير مسلم لم يحل و لو كان المعلم مسلما لما عرفت من كون المدار على الإرسال دون التعليم، و اللَّه العالم.

و لو أرسل كلبه على صيد معين و سمى حين إرساله فقتل غيره حل بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال بعد إطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص

خبر عباد بن صهيب (3) الوارد في الرمي الذي لا فرق بينه و بين إرسال الكلب في ذلك قطعا، قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل سمى و رمى صيدا فأخطأ و أصاب صيدا آخر، قال: يأكل منه»

الذي منه و منهما يستفاد عدم اعتبار قصد عين الصيد و إن اعتبرنا قصد جنسه، لا على وجه لو رمى سهما في الهواء أو فضاء الأرض لاختبار قوته أو عبثا أو رمى إلى هدف فاعترض صيدا فأصابه و قتله من غير قصده، فإنه لا يحل و إن سمى عند إرساله، لأصالة عدم التذكية المقتصر في الخروج منها على المتيقن الذي هو الإرسال و الرمي بقصد جنس الصيد، أما الفرض فلا إشكال في حله.


1- 1 المستدرك- الباب- 12- من أبواب الصيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصيد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 46

و كذا لو أرسله على سرب ضباء و لم يقصد واحدا بعينه، أو أرسله على صيود كبار فتفرقت عن صغار فقتلها الكلب حلت إذا كانت ممتنعة لما عرفت من كون المدار على قصد جنس الصيد و لو في ضمن قصد شخص بعينه لا على خصوص ما قصد اصطياده.

و كذا الحكم في الآلة كالسهم و نحوه من السلاح الذي لا فرق بينه و بين الكلب في الحكم المزبور بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافا إلى اتحاد مقتضى الأدلة فيهما بالنسبة إلى ذلك حلا و حرمة.

إنما الكلام في قول المصنف و غيره أما لو أرسله و لم يشاهد صيدا فاتفق إصابة الصيد لم يحل و لو سمى، سواء كانت الآلة كلبا أو سلاحا الذي مقتضاه اعتبار المشاهدة التي لو نزلت على إرادة مطلق العلم منها أمكن إشكالها بمنافاة ذلك لإطلاق الأدلة و عمومها الذي قد عرفت عدم زيادة مقتضاها على كون الإرسال أو الرمي للصيد المتحقق مع المشاهدة و عدمها، بل مع العلم و عدمه إلا أن قوله تعليلا للحكم المزبور لأنه لم يقصد الصيد فجرى مجرى استرسال الكلب يقتضي كون مراده بالأول غير القاصد لأصل الصيد.

اللهم إلا أن يكون مراده عدم إمكان تحقق قصد الصيد مع عدم المشاهدة أو ما يقوم مقامها من أسباب العلم، كما صرح به الفاضل في التحرير، قال: «و لو لم ير صيدا و لا علمه فرمى سهمه أو أرسل كلبه فصاد لم يحل و إن قصد الصيد، لأن القصد إنما يتحقق مع العلم» و لكن فيه منع واضح، ضرورة صدق قصد الصيد.

ثم قال: «و لو رأى سوادا و سمع صوتا فظنه آدميا أو بهيمة أو حجرا فرماه فبان صيدا لم يحل، سواء أرسل سهما أو كلبا، و كذا

ج 36، ص: 47

لو ظنه كلبا أو خنزيرا، و لو ظن أنه صيد حل، و لو شك أو غلب على ظنه أنه ليس بصيد لم يحل، و لو رمى حجرا فظنه صيدا فقتل صيدا احتمل الحل، لأن صحة القصد تبنى على الظن و عدمه، لأنه لم يقصد صيدا على الحقيقة».

و في القواعد «و لو أرسله و لم يشاهد صيدا و سمى فأصاب صيدا لم يحل» و مقتضى إطلاقه عدم الحل حتى لو كان قد أرسله للصيد و إن علم به أو ظن.

لكن في كشف اللثام «الوجه الاجتزاء بالعلم بل الظن، فيحل بإرسال الأعمى إذا علم أو ظن، للعمومات، و ربما احتمل الاجتزاء بالاحتمال» و كأنه أشار بذلك إلى ما في المسالك، قال: «و الأقوى عدم اشتراط مشاهدة الصيد، و الاكتفاء بالعلم به بل بظنه، لتوجه القصد اليه، بل يحتمل الاكتفاء بقصده إذا كان يتوقعه و بنى الرمي و الإرسال عليه، كما إذا رمى في ظلمة الليل و قال ربما أصيب صيدا فأصابه، و على هذا يتفرع صيد الأعمى، فإن أحس بالصيد في الجملة و لو ظنا فقصده بالرمي أو الإرسال فوافق حل» و ظاهرهما تحقق صدق قصد الصيد مع الاحتمال و هو كذلك.

لكن في مجمع البرهان بعد أن ذكر الأمثلة المجردة عن قصد الصيد كرمي السهم للهدف و إرسال الكلب للامتحان و نحوهما قال: «هكذا يذكرون هذه المسألة، و لا نعرف دليلها، نعم هي ظاهرة على تقدير ترك التسمية، و الظاهر تركها بناء على ظنه، إذ الفرض أنه ظن غير صيد و لا قصد، و أما على تقدير التسمية لاحتمال وقوعه على صيد اتفاقا و إن ظن عدمه فليست بظاهرة، بل الظاهر الحكم حينئذ بالحل، لعموم الأدلة، بل خصوصها، إذ ليس في الأدلة قصد الصيد، بل قتله مع

ج 36، ص: 48

التسمية و سائر الشرائط، و فهم اشتراط القصد من مجرد أن الظاهر أن الذي يسمى إنما يقصد الصيد و لا يمكن بدون ذلك مشكل، إذ قد يظن عدمه، و يكون محتملا وجوده فيسمي. و بالجملة الفرض ليس بمحال، و إنما البحث معه، و لا يبعد حمل كلامهم على عدم التسمية» إلى آخره.

و فيه (أولا) أن بعض كلماتهم صريحة في التحريم مع التسمية كما سمعته من القواعد. و (ثانيا) أن مبنى الحل في ذلك ليس عدم اشتراط قصد الصيد، بل صدق تحققه مع الاحتمال، نعم لو لم يكن قد قصده أصلا بل كان مراده الامتحان و نحوه فصادف صيدا لم يحل و إن سمى لغرض من الأغراض، لما عرفته من أصالة عدم التذكية المقتصر في الخروج منها على المتيقن الذي هو الصيد المقصود دون غيره.

و منه يعلم مواضع النظر فيما سمعته من التحرير، و ربما يأتي لذلك زيادة عند تعرض المصنف لبعض هذه الأمثلة في الذباحة، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف الصيد الذي يحل بقتل الكلب له أو الآلة في غير موضع الذكاة هو كل ما كان ممتنعا وحشيا كان أو إنسيا توحش من الحيوان المحلل لحمه المحرم ميتته.

و كذلك ما يصول من البهائم أو يتردى في بئر و شبهها و يتعذر نحره أو ذبحه، فإنه يكفي عقرها في استباحتها (استباحته خ ل) و لا يختص العقر حينئذ بموضع من جسدها بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا.

بل في الرياض «كما حكاه جماعة- قال-: و هو الحجة مضافا إلى النصوص (1)

الآتية في الأخير، لكن ليس فيها التعميم في الحيوان و الآلة، و العرف و اللغة في الوحشي الممتنع، إذ لا فرد للصيد أظهر


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 49

منه، فيدخل تحت عموم ما دل (1)

على حله بالاصطياد بمطلق الآلة المعتبرة من غير تذكية، و أما الانسي المستوحش ففي صدق الصيد عليه فيهما حقيقة مناقشة، و الأصول تقتضي الرجوع في إباحته إلى مراعاة التذكية، لكن الإجماع و النصوص المزبورة في المتردي (2)

ألحقاه بالصيد و إن اختلفا في الإلحاق كلا حتى في مقتوله بالكلب و نحوه كما يظهر من الأول، أو في الجملة كما يظهر من الثاني.

و أما أن غير الممتنع ليس بصيد فالأصل فيه العرف و اللغة، فيندرج تحت عموم ما دل (3) على توقف حل الحيوان على التذكية، مضافا إلى فحوى النصوص (4)

الآتية في لزوم التذكية لحل الصيد بعد أن أدرك و فيه حياة مستقرة، و ليس ذلك إلا لزوال امتناعه الموجب لانتفاء حكم الصيد عنه، فإذا ثبت انتفاؤه عنه مع حصول الامتناع فيه في الجملة و صدق الصيد عليه حقيقة عرفا و لغة فثبوته عما ليس بممتنع بالأصل أولى، مع أن كون مثله صيدا يستلزم عدم وجود ما يحكم في حله بالتذكية بالذبح و النحر أصلا، و هو فاسد قطعا، و النصوص (5)

بخلافه متواترة جدا».

و كأنه عرض ببعض ما ذكره بالمقدس الأردبيلي، فإنه بعد ذكر أن دليل وحشي الأصل واضح قال: «و كأن الثاني- أي الأهلي المستوحش- صيد شرعا، و يحتمل لغة أيضا، و لعل عموم ما يدل على جواز أكل ما قتله الآلات المذكورة مثل الكلب من الكتاب (6) و السنة (7)

يشمله


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.
5- 5 الوسائل- الباب- 3 و 5- من أبواب الذبائح.
6- 6 سورة المائدة: 5- الآية 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 1 و 16- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 50

فتأمل. و بالجملة هو مثل الوحشي في هذا الحكم لعله بالإجماع أو القياس، و الضرورة و رفع الحجر و عدم تضييع المال و العمومات مؤيدات، و كذا الخصوصيات الآتية، فتأمل».

قلت: لا يخفى عليك أن ذلك كله خال عن التحصيل بعد الاعتراف بالإجماع المحقق، بل في المسالك هو موضع وفاق منا و من أكثر العامة و خالف فيه مالك، فقال: لا يحل إلا بقطع الحلقوم، و منه يمكن دعوى اندراجه في إطلاق أو عموم قتيل الكلب و السلاح المقتصر في الخروج منه على الانسى غير الممتنع و إن لم يسم صيدا لغة و عرفا.

مضافا إلى

خبر أبي البختري (1) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) قال: إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها و إن لم تقدروا أن تعرقبوها فإنه يحلها ما يحل الوحش»

الذي هو كالصريح في اتحاد حكم المستوحش بالعارض و وحشي الأصل، و كفى به دليلا بعد انجباره بالعمل و الإجماع المزبور، بل و

النبوي (2) و إن لم أجده في طرقنا «كل إنسية توحشت فذكها ذكاة الوحشية».

و منه يظهر المناقشة فيما سمعته من الرياض، بل قد يستفاد منه أن المراد بما في غيره من النصوص في المستعصي ذكر فرد من أفراد تذكية الوحشي لا الاختصاص بذلك.

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3): «في ثور


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح- الحديث 9.
2- 2 كنز العمال ج 3 ص 241- الرقم 3792 و فيه «إذا استوحشت الإنسية و تمنعت فإنه يحلها ما يحل الوحشية»
3- . 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح- الحديث 1.

ج 36، ص: 51

تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم و سموا، فأتوا عليا (عليه السلام) فقال:

هذه ذكاة وحية (1) و لحمه حلال».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر العيص بن القاسم (2): «إن ثورا بالكوفة ثار، فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه، فأتوا أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبروه فقال: ذكاة و حية و لحمه حلال».

و في

خبر الفضل بن عبد الملك و عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه (3)

«إن قوما أتوا النبي (صلى اللَّه عليه و آله) فقالوا: إن بقرة لنا غلبتنا و استصعبت علينا فضربناها بالسيف، فأمرهم بأكلها».

بل في

خبر أبي بصير (4) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إن امتنع عليك بعير و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك فان خشيت أن يسبقك فضربته بالسيف أو طعنته بحربة بعد أن تسمي فكل إلا أن تدركه و لم يمت بعد فذكه»

الظاهر في كون الأمر أوسع من ذلك باعتبار الاكتفاء فيه بخوف السبق.

نعم نصوص المتردية لا عموم فيها على وجه يشمل التذكية بعقر الكلب مثلا، ففي

خبر إسماعيل الجعفي (5)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

بعير تردى في بئر كيف ينحر؟ قال: يدخل الحربة فيطعنه بها و يسمي و يأكل».

و في

خبر زرارة (6) عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن بعير تردى في بئر ذبح من قبل ذنبه، فقال: لا بأس إذا ذكر اسم اللَّه عليه».

و في

خبر الحسين بن علوان (7) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر


1- 1 أي سريعة منه رحمه اللَّه.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح الحديث 7.

ج 36، ص: 52

ابن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «أنه سئل عما تردى على منخره فيقطع و يسمى عليه، فقال: لا بأس، و أمر بأكله».

و في

خبره الآخر بالإسناد السابق (1) عنه (عليه السلام) أيضا «أيما إنسية تردت في بئر فلم يقدر على منحرها فلينحرها من حيث يقدر عليه و يسمى اللَّه عليها و يأكل».

و في حسن الحلبي (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها و قد سمى حين ضرب.

أما إذا اضطر اليه و استصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك».

و في

خبر أبي ثعلبة (3) المروي عن غير طرقنا «قلت: يا رسول اللَّه إن بعيرا تردى فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال النبي (صلى اللَّه عليه و آله): إن لهذه أوابد كأوابد الوحش، فما عسر عليكم منها فاصنعوا به هكذا»

و الأوابد: المستوحشة.

و في آخر (4)

«أنه (صلى اللَّه عليه و آله) سئل عن بعير تردى في بئر فقال (صلى اللَّه عليه و آله): لو طعنه في خاصرته لحل لك».

إلى غير ذلك من النصوص التي منها يظهر لك وجه المناقشة فيما ذكره الأردبيلي رحمه اللَّه قال: «و أما المتردية فظاهر قوله تعالى (5): «وَ الْمُتَرَدِّيَةُ- إلى قوله- إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» تحريمه إلا مع التذكية، إلا أن يحمل على القتل بما أمكن» ثم ذكر بعض النصوص السابقة، و قال: «إنها لم


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
3- 3 سنن البيهقي- ج 9 ص 246 و 247 عن رافع بن خديج.
4- 4 سنن البيهقي ج 9 ص 246 مع الاختلاف في اللفظ.
5- 5 سورة المائدة: 5- الآية 3.

ج 36، ص: 53

تدل على غير البعير و البقر، و لا على جواز القتل بمطلق الآلة حتى الكلب و السهم، فيمكن الاقتصار على ما في الروايات، و التعدي لعدم الفرق و فهم العلة و ذكر الأصحاب من غير فرق و قائل بالفرق يدل على العموم في الغنم و غيره أيضا، و أما التعدي إلى الكلب فغير معلوم الجواز، بل لا يفهم من عباراتهم، نعم من الذين ذكروا أن حكمه حكم الصيد يفهم ذلك كأنه غير المتردي و غير الصائل، بل المستعصي، فتأمل. و بالجملة إن صدق أنه صيد فحكمه حكمه، و إلا فيقتصر فيه على ما علم جواز قتله به و أكله، مثل القتل بالرمح في المستعصي، فتأمل».

إذ لا يخفى عليك ما في كلامه من التشويش و عدم الإحاطة بجميع النصوص التي منها ما سمعته من قرب الاسناد و غيره، بل لا ينبغي الشك في دخول الصائل في المستعصي الذي قد سمعت

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (1): «إنها يحلها ما يحل الوحش».

و منه يمكن تنزيل إطلاق كلامهم على ذلك، حيث قالوا: و كذا الصائل و المتردي، مشيرين به إلى ما ذكروه سابقا من القتل بالكلب و الآلة في المستوحش و لو إنسيا، فيكون المراد من العقر في كلامهم ما يشمل العقر بالكلب و غيره.

مؤيدا ذلك بدعوى أن التأمل في النصوص المزبورة و غيرها يقتضي أن الشارع شرع فردين للتذكية: أحدهما الذبح و النحر في الحيوان المقدور على ذلك فيه و لو كان وحشيا قد استأنس أو جرح مثلا بحيث لا يستطيع الامتناع بفرار و نحوه، و ثانيهما العقر بكلب أو سلاح للحيوان الممتنع ذكاته بالكيفية المزبورة، و لو لاستيحاش بعد الاستيناس أو لصيرورة سبعية فيه بصول و نحوه، أو لتردي في بئر و نحوه، أو لدخول في جحر ضيق أو


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح- الحديث 9.

ج 36، ص: 54

نحو ذلك، و حينئذ يكون الاستيحاش في وحشي الأصل سببا للتذكية المزبورة باعتبار كونه أحد أفراد عدم القدرة عليه لا لخصوصية فيه.

كما أنه بناء على ذلك لا مدخلية لصدق الصيد و عدمه في التذكية المزبورة، و هو قوي جدا خصوصا في الوحشي إذا تردى في بئر مثلا أو تحصن في غار و إن خرج بذلك عن الامتناع بالفرار، و لكن في تحصيله من كلام الأصحاب نوع صعوبة في خصوص الانسي المتردي، بل و الصائل فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا بعد أن كان الأصل عدم التذكية.

نعم يلزم من كلام الأصحاب خصوصا ثاني الشهيدين منهم و صاحب الكفاية اختصاص هذا النوع من التذكية المزبورة بمأكول اللحم، دون غيره من طاهر العين الذي يخرج بتذكية الذبحية عن كونه ميتة، و يصح لبس جلده، و لعله لأن المنساق من الأدلة- خصوصا قوله تعالى (1):

«فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» و ما شابهه من السنة (2)

- مباح الأكل، على أن الأصل في التذكية الذبح، و أن هذا النوع قائم مقامها، و لم يثبت قيامه في غير مأكول اللحم.

بل لو لا ظهور بعض النصوص (3)

و الفتاوى لأمكن القول بأن هذا النوع من الميتة التي أحلها الشرع، و إلا فليس هو تذكية، فيقتصر على خصوص ما ثبت منه، لكن إطلاق بعض معاقد الإجماعات المحكية بل و بعض النصوص يقتضي كون هذا القسم كالذكاة الذبحية في المأكول و غيره.

بل في

موثق سماعة (4)

«عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: إذا


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح- الحديث 1 و 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.

ج 36، ص: 55

رميت و سميت فانتفع بجلده، و أما الميتة فلا»

و إن اختص بالآلة الجمادية إلا أن الظاهر عدم الفرق بينها و بين الكلب في ذلك و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه فيه، بل و في الآلة الجمادية و إن كان ظاهرهم فيما يأتي المفروغية من ذلك، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف لو رمى فرخا لم ينهض فقتله لم يحل لعدم كونه من الحيوان الممتنع، فلا يكون صيدا و كذا لو أرسل كلبه على حيوان غير ممتنع كذلك.

و حينئذ ف لو رمى طائرا و فرخا لم ينهض فقتلهما حل الطائر دون الفرخ بلا خلاف و لا إشكال. لأن لكل واحد منهما حكم نفسه بسبب الامتناع الذي يدخله تحت اسم الصيد و عدمه.

قال علي بن الحسين (عليهما السلام) في خبر الأفلح (1): «لو أن رجلا رمى صيدا في و كره فأصاب الطير و الفراخ جميعا فإنه يأكل الطير و لا يأكل الفراخ، و ذلك أن الفرخ ليس بصيد ما لم يطر، و إنما يؤخذ باليد، و إنما يكون صيدا إذا طار»

و هو صريح في المطلوب.

بل منه يستفاد أصل الحكم المزبور و إن كان يكفي في إثباته أن الأصل عدم التذكية أو عدم كون هذا النوع تذكية المقتصر في الخروج منه على غير الفرض، و لو لأنه المنساق من الأدلة كتابا و سنة، و اللَّه العالم.

و لو تقاطعت الكلاب الصيد قبل إدراكه على وجه يكون إزهاق نفسه بالتقطيع المزبور لم يحرم لوجود شرط الحل و انتفاء المانع، إذ ليس إلا قطع الكلاب له، و هو تذكية لا مناف لها، بل في المسالك «لا فرق بين تقاطعهم إياه و حياته مستقرة و عدمه بخلاف ما لو تقاطعه الصائدون، فان حله مشروط بوقوع فعلهم بعد أن صار في حكم المذبوح


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 56

و الفرق أن ذكاته بالذبح معتبرة مع إمكانها بعد أخذ الكلب له لا بدونها فإذا أدركه الصائدون أو بعضهم مستقر الحياة صار حله متوقفا على الذبح فلا يحل بدونه، بخلاف تقاطع الكلاب له قبل إدراكه، فإن اعتبار ذبحه ساقط».

قلت: ستعرف عدم الفرق بين الصيد بالكلب أو بالسلاح في أنه متى قطع من الصيد قطعة و كان الباقي مستقر الحياة كان ما قطع منه قطعة مبانة من حي، فهي ميتة، و إلا كان حلالا، كما أنه لو تقاطعه الصائدون بسيوفهم و هو ممتنع حتى صار إزهاق نفسه بذلك كان حلالا مثل صيد الكلاب.

نعم لو فرض تقطيع بعض الكلاب له و كان الباقي ذا حياة مستقرة و لم يدركه الصائدون حتى قتله الكلب كان ذلك حلالا لا القطعة التي قطعها الكلب أولا، بخلاف الصائد، فإنه متى قطع منه قطعة و كان حياته مستقرة و أدرك ذكاته اعتبر في حله تذكيته، لخروجه عن الامتناع حينئذ، فيعتبر فيه ما يعتبر في غيره من الحيوان غير الممتنع، و ستسمع تفصيل الحال في ذلك إنشاء اللَّه، و ربما كان ذلك هو مراده في المسالك، لا أنه خلاف في المسألة، فتأمل. و اللَّه العالم.

و لو رمى صيدا فتردى من جبل أو وقع في الماء فمات لم يحل، لاحتمال أن يكون موته من السقطة مثلا، ضرورة كونه من اجتماع السببين المختلفين في التحليل و التحريم، و قد عرفت غلبة جانب التحريم حتى يعلم استناد الموت إلى السبب المحلل، و إلا حرم حتى لو ظن فضلا عن حال الشك أو الظن أو العلم بالعدم، لأصالة عدم التذكية، و ل

صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل رمى صيدا و هو على جبل أو حائط فيخرق فيه السهم فيموت، قال: كل


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 57

منه، فان وقع في الماء من رميتك فمات فلا تأكل منه»

و نحوه موثق سماعة (1) عنه (عليه السلام) أيضا.

و خبر خالد بن الحجاج (2) عن أبي الحسن (عليه السلام) «لا تأكل الصيد إذا وقع في الماء فمات».

و في مرسل الفقيه (3) قال (عليه السلام): «إن رميت الصيد و هو على جبل فسقط و مات فلا تأكله، فإن رميته فأصاب سهمك و وقع في الماء فمات فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء، و إن كان رأسه في الماء فلا تأكله»

و في المسالك «إن الصدوقين قيدا الحل بأن يموت و رأسه خارج من الماء، و لا بأس به، لأنه أمارة على قتله بالسهم إن لم يظهر خلاف ذلك».

قلت: و عليه ينزل المرسل المزبور، و بالجملة لا إشكال في الحكم في الفرض بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا و في المقام من الأصل و غيره.

نعم لو صير حياته غير مستقرة برميته ثم وقع في الماء مثلا و هو في الحال المزبور حل، لأنه يجري مجرى المذبوح فلا يكون موته مستندا إلى سببين، بناء على أن هذه الحياة كعدمها، كما هو واضح، و اللَّه العالم.

و لو قطعت الآلة كالسيف و نحوه منه شيئا عضوا أو غيره و بقي الباقي مقدورا عليه و حياته مستقرة كان ما قطعته ميتة فلا إشكال في تحريمه، لأنه حينئذ قطعة مبانة من حي، فيندرج فيما دل (4)


1- 1 أشار إليه في الوسائل- الباب- 26- من أبواب الصيد- الحديث 2 و ذكره في الكافي- ج 6 ص 215.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الصيد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 58

على أن مثل ذلك ميتة. و لكن يذكي ما بقي إن كان كما فرضناه من كونه مقدورا عليه و حياته مستقرة و أدرك ذكاته، خلافا لما عساه يظهر مما تسمعه من إطلاق الشيخ و القاضي و ابن حمزة من الحل و إن لم يذك، لإطلاقهم الحل مع الحركة و خروج الدم، إلا أنه كما ترى مناف لأصول المذهب و قواعده. و من هنا أمكن حمل كلامهم كالخبر الآتي (1)

الدال على ذلك على إرادة القيد المزبور اتكالا على الظهور، فلا خلاف حينئذ في المسألة.

نعم إذا لم يكن حياته مستقرة بالضربة المزبورة التي قطعت منه شيئا فالظاهر حله أجمع، ضرورة صدق صيده بقتله الذي هو ذكاة نصا (2)

و فتوى مع اجتماع الشرائط من التسمية و السلاح و غيرها مما عرفت، بل لا فرق في الآلة بين السلاح و الكلب في الحكم المزبور.

و كذا لو قطعته نصفين أي قطعتين و إن لم يعتدلا فلم يتحركا أصلا أو تحركا حركة مذبوح. و بالجملة إذا علم أن إزهاق نفسه كان بذلك ف ان هما معا حلال بلا خلاف، كما عن المبسوط و الخلاف و السرائر و إن لم يقيداه بأحد القيدين إلا أن الظاهر إرادتهما ذلك، بناء على الغالب من عدم استقرار الحياة بذلك، كما حكي عنهم التصريح بأن مثله من جملة أسباب عدم استقرار الحياة، كقطع المري ء و شق البطن أو القلب أو قطع الحلقوم، فلا خلاف في الحقيقة.

مضافا إلى إطلاق الأدلة أو عمومها من غير فرق بين اتحادهما و عدمه و خروج الدم من أحدهما و عدمه، و بين ذي الرأس و غيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح- الحديث 1 و 2.

ج 36، ص: 59

و في

خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته عن رجل لحق حمارا أو ظبيا فضربه بالسيف فقطعه نصفين، هل يحل أكله؟ قال: نعم إذا سمى»

و إطلاقه موافق لما ذكرناه، و كذا غيره مما تسمعه، بل يمكن تنزيل ما ينافيه مما يأتي عليه كما ستعرف، و إلا كان شاذا.

و حينئذ فما قيل- من أنه لو تحرك أحدهما فالحلال هو كما عن الشيخ في النهاية و القاضي- واضح الضعف إلا إذا كانت حركة استقرار حياة، فإن الحلال حينئذ بالتذكية كما ذكرناه. و حينئذ فالأصح ما قيل من أنهما يؤكلان معا إن لم يكن في المتحرك حياة مستقرة و إنما كان حركة مذبوح، إذ هو كما عرفت أشبه بأصول المذهب و قواعده و إطلاق الأدلة و عمومها، بل هو الذي استقر عليه المذهب.

و في رواية يؤكل ما فيه الرأس و هي

رواية إسحاق بن عمار (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في رجل ضرب غزالا بسيفه حتى أبانه أ يأكله؟ قال: نعم يأكل مما يلي الرأس و يدع الذنب».

و في أخرى يؤكل الأكبر دون الأصغر و هي

مرسلة النوفلي (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «قلت له: ربما رميت بالمعراض فأقتل، فقال: إذا قطعه جدلين فارم بأصغرهما و كل الأكبر، و إن اعتدلا فكلهما».

و كلاهما شاذ (11) و كذا الثالثة، و هي

مرفوعة النضر بن سويد (4)

«في الظبي و حمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدان، قال: لا بأس


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الصيد- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الصيد- الحديث 3.

ج 36، ص: 60

بأكلهما ما لم يتحرك أحد النصفين، فإذا تحرك أحدهما لم يؤكل الآخر لأنه ميتة»

و إن كان بكل قائل، بل قد يظهر من التعليل في الأخير كون المراد من الحياة المتبقية و المثبتة الحياة المستقرة لا مطلقا، و به يقيد الخبر الذي أطلق فيه الحل مع القد نصفين من دون اشتراط عدم استقرار الحياة مضافا إلى وروده مورد الغالب المتحقق فيه الشرط.

و على كل حال فليس في شي ء منها و لا من غيرها اعتبار خروج الدم بالكلية، خلافا لمن ستعرف من الشيخ و غيره، فاعتبره في الحلية، بل صرح بعضهم بالحرمة مع عدمه، و لكن حجتهم عليه غير واضحة، و إن حكي عن التنقيح أنه نفى البأس عنه، إلا أن الأمر سهل باعتبار ندرة عدم خروج الدم مع القد نصفين، بل لعله من المحال عادة.

و كيف كان فجملة ما وصل إلينا من النصوص ما سمعته من خبر علي بن جعفر (1)

و غيره، و (منها)

صحيح محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال: سئل عن صيد صيد فتوزعه القوم قبل أن يموت، قال: لا بأس به»

و هو محمول على كونه غير مستقر الحياة، فإنه حينئذ بحكم المذبوح، فلا بأس بتوزيعه. و مثله

خبر الحلبي (3)

«سألته عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه فيبتدره القوم فيقطعونه فقال: كله».

و (منها)

خبر محمد بن قيس (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا في حديث قال: «في أيل يصطاده رجل فيقطعه الناس و الرجل يتبعه أ فتراه نهبة؟ قال: ليس بنهبة، و ليس به بأس»

المحمول على عدم خروجه عن الامتناع بصيد الأول، فلا يكون ملكا له، فإذا لحقه الناس


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصيد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الصيد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الصيد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الصيد- الحديث 2.

ج 36، ص: 61

و قطعوه على وجه كان إزهاق نفسه بذلك و فرض بقاؤه على الامتناع كان حلالا و لم يكن نهبة من الغير، و نحوه ما

عن قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) من أنه قال: «في أيل اصطاده رجل فقطعه الناس و الذي اصطاده يمنعه ففيه نهي، فقال: ليس فيه نهي، و ليس به بأس».

و (منها)

خبر غياث بن إبراهيم (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في الرجل يضرب الصيد فيجد له نصفين، قال: يأكلهما جميعا، و إن ضربه فأبان منه عضوا لم يأكل منه ما أبان، و أكل سائره»

أي مع فرض بقائه مستقر الحياة و أدرك ذكاته و لو بالصيد مع فرض بقائه على الامتناع، أما الأول فهو قطعة مبانة من حي.

و بذلك كله ظهر لك ما في الأقوال المزبورة التي (منها) ما سمعته من النهاية، قال: «و إن قده نصفين و لم يتحرك واحد منهما جاز له أكلهما إذا خرج منهما الدم، فان تحرك أحد النصفين و لم يتحرك الآخر أكل الذي يتحرك و رمى بما لم يتحرك».

و (منها) ما عن القاضي من أنه «يحل إن ضربه فقطعه نصفين و تحرك كل واحد منهما و خرج منه دم، فان تحرك أحدهما و خرج منه دم دون الآخر فالحلال هو المتحرك دون الذي لم يتحرك و لم يخرج منه دم».

و (منها) ما عن الخلاف: «إذا قطع الصيد نصفين حل أكل الكل بلا خلاف، فان كان الذي مع الرأس أكبر أكل الذي مع الرأس دون الباقي، و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: يحل أكل الجميع، دليلنا طريقة الاحتياط، فإن أكل ما مع الرأس مجمع على إباحته،


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الصيد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 62

و ما قالوه ليس عليه دليل، و أيضا

روي عن ابن عمر (1) أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) قال: «ما أبين من حي فهو ميت»

و هذا الأقل أبين من حي فيجب كونه ميتا، و هذه رواية أصحابنا لا يختلفون فيه».

قلت: قد يشعر كلامه الأخير بإرادة ما يخرج به عن الخلاف، بل يمكن حمل كلام غيره على نحو ذلك.

و (منها) ما عن ابن حمزة من أنه «إن قتله بحده لم يخل إما قطعه نصفين أو لم يقطعه، فان قطعه نصفين و كانا سواء و خرج منهما الدم حلا، و إن لم يخرج حرم، و إن كان أحد الشقين أكبر و معه الرأس حل ذلك الشق، و إن تحرك أحدهما حل المتحرك، و إن أبان بعضه حرم ذلك البعض، فان كان الباقي ممتنعا و رماه ثانيا فقتله حل، و إن كان غير ممتنع و أدركه و فيه حياة مستقرة فذبحه أو تركه إذا لم يتسع الزمان لذبحه حتى يبرد حل، و إن كان فيه حياة غير مستقرة حل من غير ذكاة».

و في المختلف بعد حكايته ذلك عنه قال: «و هو المعتمد عندي» و الظاهر إرادة ما ذكره أخيرا، بقرينة استدلاله على ذلك بأن مع وجود الحياة المستقرة يكون المقطوع ميتة، لأنه أبين من حي، و مع فقد الحياة يكون مصيدا و قد قتل بالصيد، فلو لم يقطع كان حلالا، فمع القطع لا يزول الحكم عنه، و هو عين المختار.

كما أن ما عن ابن إدريس كذلك أيضا، قال: «إذا سال الدم منهما أكلهما جميعا ما تحرك و ما لم يتحرك، و لا اعتبار بما مع الرأس


1- 1 سنن ابن ماجه ج 2 ص 292 و فيه «قال: ما قطع من البهيمة و هي حية فما قطع منها فهو ميتة».

ج 36، ص: 63

إذا لم تكن فيه حياة مستقرة (1) فإذا كان كذلك حل الجميع، و إن كان الذي مع الرأس فيه حياة مستقرة فلا يؤكل ما عداه مما أبين منه، لأنه أبين من حي، فهو ميتة، فأما إذا لم يكن فيه حياة مستقرة فما هو مما أبين من حي فيؤكل الجميع» و إن قال في أول كلامه: «إذا سال الدم» إلا أنه شرط مبني على الغالب.

و بالجملة فالمذهب ما عرفت، فإن أمكن رجوع شي ء مما سمعت من نص أو فتوى اليه فمرحبا بالوفاق، و إلا كان مطرحا شاذا مخالفا لأصول المذهب و قواعده و إطلاق الأدلة و عمومها، كما ذكرناه سابقا، خصوصا ما يقتضيه إطلاق بعضهم من حل المتحرك مطلقا من دون تذكية و إن كان ذا حياة مستقرة، و من حرمة غير المتحرك و إن كانت حركة المتحرك حركة مذبوح و نحوه مما هو غير مستقر الحياة، و لا دليل لهم سوى الخبر المزبور (2) القاصر في نفسه و عن المكافئة من وجوه عديدة منها الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك كما اعترف به بعض الأفاضل فلا بد من طرحه أو حمله على ما يرجع إلى غيره مما هو موافق لأصول المذهب و قواعده.

نعم قيل: إن لما ذكروه وجها إن لم يعتبر استقرار الحياة في وجوب تذكية الصيد مطلقا، بل قلنا بوجوبها ما دام فيه حركة ما كطرف العين و ركض الرجل و نحوهما، أو اعتبرناه بأحد الأمور المزبورة كما عن


1- 1 الموجود في السرائر المطبوعة و المخطوطة التي أوقفها الشيخ البهائي قده و المحتفظ بها في مكتبة الروضة الرضوية على مشرفها آلاف التحية و الثناء في «مشهد» خراسان كتابخانه آستانه قدس رضوي هكذا «و الاعتبار بما مع الرأس إذا لم يكن فيه حياة مستقرة.».
2- 2 راجع التعليقة في ص 62.

ج 36، ص: 64

ابن حمزة، و ذلك لأن المتحرك حينئذ حي واجب التذكية، فيكون الآخر الذي لا حركة فيه قطعة مبانة من حي فيحرم.

و فيه (أولا) أن هذا ليس قولا لأحد من الأصحاب، ضرورة ظهور كلامهم بل صريح بعضهم في اعتبار استقرار الحياة في التذكية، من غير فرق بين الصيد و غيره. و (ثانيا) أن اعتبار استقرار الحياة و تفسيره بغير تلك الأمور المشهورة مشهور، و منهم الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول، على أن القد نصفين من جملة ما فسروا به عدم استقرار الحياة، فلا وجه لهذا القول حينئذ إلا الخبر المزبور القاصر في نفسه و عن المكافئة من وجوه.

و كذلك لا دليل للقول بحل خصوص ما فيه الرأس إذا كان أكبر عدا ما سمعته من الشيخ في الخلاف الذي قد عرفت احتمال الموافقة منه خصوصا مع نسبته في محكي المبسوط ذلك إلى مذهبنا، و لم نعرف له موافقا، إلا ما يحكى عن ابن حمزة.

و منه يقوي ارادة ما ذكرناه، و إلا كان محجوجا بما سمعت، مع أنه لا شاهد له سوى الموثق (1)

الخالي عما ذكره من التقييد بالأكبر، و تنزيله عليه جمعا بينه و بين الخبر الآخر (2)

فرع الشاهد و المكافئة، و هما معا مفقودان، فالأولى حملها على ارادة كون ذلك أمارة على استقرار حياة ما فيه الرأس الذي هو الأكبر، فيكون المبان منه قطعة مبانة من حي، فيحرم و يحل هو بالخصوص مع التذكية أو ما يقوم مقامها مما ستعرف، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الصيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الصيد- الحديث 4.

ج 36، ص: 65

[الأمر الثالث في اللواحق]
[المسألة الأولى الاصطياد بالآلة المغصوبة]

الأمر الثالث في اللواحق و فيه مسائل:

الأولى:

الاصطياد بالآلة المغصوبة سلاحا أو كلبا أو غيرهما حرام بلا خلاف و لا إشكال، إذ هو كغيره من التصرف بالمغصوب الممتنع عقلا و شرعا و لكن لا يحرم الصيد لإطلاق الأدلة و عمومها، ضرورة كونه من المعاملة التي تجامع المحرم، كالذبح بالآلة المغصوبة، بل لو كان المذبوح مغصوبا لم يحرم بمعنى عدم كونه ميتة و إن ضمن الغاصب تفاوت ما بين كونه مذبوحا و حيا.

بل لا خلاف أجده بيننا في أنه يملكه الصائد دون صاحب الآلة لأن الصيد من المباحات التي تملك بالمباشرة المتحققة من الغاصب و إن حرم استعماله للآلة، خلافا لبعض العامة في خصوص الحيوان من الآلة كالكلب فجعل صيده لمالكه كصيد العبد المغصوب، و هو مع أنه قياس مع الفارق ضرورة كون العبد أهلا للقصد بخلاف الكلب.

و من الغريب احتمال الأردبيلي هنا ذلك، قال: «إن حصول الملك للغاصب في الشبكة و الكلب غير ظاهر، لأنه ليس له فعل مملك واضح مستقل و وضع يد، فيحتمل حصوله للمغصوب منه، و عدم حصول ملك

ج 36، ص: 66

لأحد، فيبقى على الإباحة حتى يأخذه آخذ على وجه الملك، نعم في الجرح بالرمح و السهم قد يقال: المملك هو فعله، و الآلة ليس لها دخل إلا الآلية، و أن فعله و إتيانه بفعله بمنزلة أخذه و وضع يده، و بالجملة الفعل غير مستقل في أمثال هذه، و ليس فيها دلالة شرعية من نص و إجماع، فالاحتياط لا يترك علما و عملا».

و لكن فيه ما لا يخفى، ضرورة صدق وضع اليد و الدخول تحتها و إن كان بالآلة المغصوبة، كما هو واضح.

نعم عليه أي الصائد أجرة مثلها للمالك كباقي الأعيان المغصوبة، بل لو لم يصد بها كانت عليه الأجرة، لفوات المنفعة تحت يده، بل عن بعض العامة ذلك، حتى القول بكون الصيد للمالك، و لا يخلو من وجه، و إن كان الحق عندنا أنه ملك للصائد و إن صاده بالآلة المغصوبة سواء كانت كلبا أو سلاحا أو غيرهما من شبك و نحوه خلافا لمن عرفت من بعض العامة.

هذا و في المسالك «أن قول المصنف: سواء- إلى آخره- راجع إلى ملك الصائد دون صاحب الآلة، تنبيها على خلاف المخالف، كما بيناه لا إلى القريب، و هو ضمان الأجرة، لأنهما مستويان نفيا و إثباتا».

قلت: يمكن رجوعه إليه و لو باعتبار نفي الأجرة عند بعض العامة في خصوص الكلب، بناء على أن ما يصيده الكلب لمالكه، فتكون منفعته حينئذ لمالكه، فلا يضمن له أجرة و إن كان واضح الضعف، و الأمر سهل، و اللَّه العالم.

ج 36، ص: 67

[المسألة الثانية إذا عض الكلب صيدا كان موضع العضة نجسا يجب غسله على الأصح]

المسألة الثانية:

إذا عض الكلب صيدا كان موضع العضة نجسا يجب غسله على الأصح وفاقا للمعظم، لإطلاق ما دل (1)

على وجوب غسل ما لاقاه الكلب برطوبة، خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف و المبسوط، فحكم بطهارته، لإطلاق قوله تعالى (2) «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» من دون أمر بالغسل، و ربما حكي عن بعض العامة و عن آخر أنه عفو، لمكان الحاجة و عسر الاحتراز.

و فيه منع العسر و الاحتياج، و إطلاق الآية إنما هو لحل الأكل من حيث إنه صيد، فلا ينافي وجوب الغسل من حيث النجاسة، إذ الإطلاق عرفا حجة فيما يساق له دون غيره مما لم يسق لبيان حكمه، نحو قوله تعالى (3) «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً» و نحوه مما لا ينافي المنع من جهة أخرى، بل لو كان كذلك لزم فساد كثير من الأحكام المعلومة بالشرع، كما هو واضح. و اللَّه العالم.

[المسألة الثالثة إذا أرسل كلبه المعلم أو سلاحه فجرحه فإن لم تكن حياته مستقرة فهو بحكم المذبوح]

المسألة الثالثة:

إذا أرسل كلبه المعلم أو سلاحه فجرحه فعليه أن يسارع إليه على الوجه المعتاد، كما صرح به جماعة، بل في الرياض «المشهور


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب النجاسات- من كتاب الطهارة.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 4.
3- 3 سورة الأنفال: 8- الآية 69.

ج 36، ص: 68

إيجابها شرطا على الظاهر أو شرعا كما قيل- ثم قال-: و لم أجد لهم دليلا صريحا و إن احتمل توجيهه بأصالة الحرمة و عدم انصراف الإطلاقات إلى صيد لم يتحقق اليه مسارعة معتادة، لأن المتبادر منها ما تحققت فيه، و إلا لحل الصيد مع عدمها و لو بقي غير ممتنع سنة ثم مات بجرح الآلة و هو (و لعله خ ل) مخالف للإجماع بل الضرورة، هذا مع إمكان دعوى الاستقراء و التتبع للنصوص و الفتاوى على دوران حل الصيد بالاصطياد و حرمته مدار حصول موته حال الامتناع به و عدمه مع القدرة عليه، فيحل في الأول دون الثاني إلا بعد تذكيته، و في التنقيح عن الحلي الإجماع عليه، حيث قال: و لا يحل مقتول الكلب إلا مع الامتناع إجماعا، و على هذا فلو أخذته الآلة و صيرته غير ممتنع توقف حلها على التذكية، فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة، و هذه الحجة و إن اقتضت الحرمة بعد المسارعة أيضا مع إدراك التذكية و تركها لقصور الزمان و نحوه إلا أن هذه الصورة خرجت بالإجماع و نحوه من الأدلة، و حينئذ فما ذكروه لا يخلو من قوة، سيما مع اعتضاده بأن المستفاد من النصوص و الفتاوى عدم حل الحيوان مطلقا إلا بالذبح و نحوه، و أن الاكتفاء بغيرهما في الحلية إنما هو حيث حصلت ضرورة كالاستعصاء و نحوه، و يمكن أن ينزل عليه إطلاق بعض العبارات و النصوص بحملها على صورة تحقق المسارعة، لوروده لبيان حكم غير المسارعة، بل هذا التنزيل يتعين نظرا إلى ما مر إليه الإشارة من تلك القواعد المستفادة من تتبع النصوص و كلماتهم و كلمات غيرهم من الجماعة».

قلت: لكن مع ذلك كله قد تأمل فيه في مجمع البرهان و الكفاية، بل ظاهر الأول الميل إلى العدم، بل لعله ظاهر كل من اقتصر على غيره

ج 36، ص: 69

في اشتراط حل الصيد، كما أنه ظاهر إطلاق الأدلة أو عمومها كتابا (1) و سنة (2).

و دعوى انسياق الإطلاق إلى ما فيه المسارعة دون غيره واضحة المنع، خصوصا مع المانع عنها أو مع تعدد الصيد على وجه لا يمكن المسارعة إليه أجمع، و النصوص (3)

إنما دلت على وجوب تذكيته إذا أدركه حيا و صار تحت يده كذلك، و هو لا دلالة فيه على وجوب المسارعة شرطا أو شرعا، و لا يستلزم ذلك حل الصيد الذي قد جرح بحيث صار تحت يد الصائد و قبضته ثم ترك سنة مثلا و مات بعدها بالجرح، لاندراجه فيمن أدرك ذكاته و لم يذكه.

أما إذا لم يكن كذلك و لو لعدم مسارعته اختيارا أو لمانع ثم وجد الصيد بعد ذلك و علم أنه قد مات بجرح آلته و لو بالسراية فيحل بناء على الاحتمال المزبور، لإطلاق الأدلة، و عدم صدق كونه تحت يده و عدم إدراكه حيا، بل قد مر من النصوص (4)

- في الشرط الرابع و في حل الصيد بالسلاح و إن قتل- ما هو ظاهر في الإباحة و لو لترك الاستفصال، و ما ذكره من الاستقراء و التتبع- إلى آخره- لا يقتضي حرمة ما ذكرناه من الفرض، بل أقصاها حرمة غير الممتنع مع إدراك تذكيته و تركها.

و لكن مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا في الصيد الذي علم صيرورته غير ممتنع بما أصابه من الآلة، و تمكن من الوصول إليه و تعرف حاله أنه قتل بها أو بعده حيا يحتاج إلى التذكية، و اللَّه العالم.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و غيره- من أبواب الصيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 18 و 16- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 70

و كيف كان فان بادر إليه على الوجه المتعارف و أدركه حيا ف في المتن و غيره، بل في المسالك و غيرها أن المشهور أنه إن لم تكن حياته مستقرة فهو بحكم المذبوح أي حلال من غير حاجة إلى تذكية، لأن هذه الحياة كعدمها و إن كان ورد في بعض الأخبار أن أدنى ما يدرك ذكاته أن يجده يركض برجله أو تطرف عينه أو يتحرك ذنبه.

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1): «كل من كل شي ء من الحيوان غير الخنزير و النطيحة و المتردية، و ما أكل السبع، و هو قول اللَّه عز و جل إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ (2) فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكل».

و في

خبر ليث المرادي (3)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الصقورة و البزاة و عن صيدها، فقال: كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته، و آخر الذكاة إذا كانت العين تطرف و الرجل تركض و الذنب يتحرك».

و قال الصادق (عليه السلام) أيضا في خبر عبد اللَّه بن سليمان (4): «في كتاب علي (عليه السلام) إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب و أدركته فذكه».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر البصري (5): «في كتاب علي (عليه السلام) إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصيد- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 6.

ج 36، ص: 71

فكل منه فقد أدركت ذكاته».

و سأله (عليه السلام) الحلبي أيضا في الصحيح (1)

«عن الذبيحة فقال: إذا تحرك الذنب أو تطرف العين أو الاذن فهو ذكي».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر أبان بن تغلب (2): «إذا شككت في حياة شاة و رأيتها تطرف عينها أو تحرك اذنها و تمصع بذنبها فاذبحها، فإنها لك حلال».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر رفاعة (3): «في الشاة إذا طرفت عينها أو حركت ذنبها فهي ذكية»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الاكتفاء بمثل ذلك الذي هو إما استقرار حياة أو لا ينافيه.

أو هو دال على عدم اعتبار استقرارها كما ستعرف تحقيقه في الذباحة إنشاء اللَّه، هذا كله في غير مستقر الحياة.

و إن أدركه و كانت حياته مستقرة و الزمان يتسع لذبحه لم يحل أكله حتى يذكى وفاقا للمشهور، للأمر بتذكيته حينئذ في جملة من النصوص (4)

و لصيرورته حينئذ حيوانا غير ممتنع، و النص و الفتوى على أنه لا يذكيه غير الذبح، و ليس عدم وجود آلة الذبح عذرا.

و لكن قيل و القائل الصدوق و ابن الجنيد و الشيخ في محكي النهاية و العلامة في المختلف إن لم يكن معه ما يذبح به ترك حتى يقتله الكلب (الكلب حتى يقتله خ ل) ثم يأكله إن شاء ل

صحيح جميل (5) عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الرجل يرسل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 72

الكلب على الصيد فيأخذه و لا يكون معه سكين فيذكيه بها أ فيدعه حتى يقتله و يأكل منه؟ قال: لا بأس، قال اللَّه تعالى (1) فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ»

بل منه يستفاد الاستدلال بإطلاق الأدلة كتابا و سنة.

و خبره الآخر (2)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): أرسل الكلب و أسمي عليه فيصيد و ليس معي ما أذكيه به، قال: دعه حتى يقتله الكلب و كل منه».

و مرسل الفقيه (3) قال: «قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام):

إن أرسلت كلبك على صيد فأدركته و لم يكن معك حديدة فدع الكلب يقتله ثم كل منه».

و أجاب في الإيضاح عن الآية بأنها لا تدل على العموم و إلا لجاز مع وجود آلة الذبح، و عن الرواية بأنها لا تدل على المطلوب، لأن الضمير المستكن في قوله: «فيأخذه» راجع إلى الكلب لا إلى الصائد و البارز راجع إلى الصيد، و التقدير فيأخذ الكلب الصيد، و هذا لا يدل على ابطال امتناعه، بل جاز أن يبقى امتناعه و الكلب ممسك له، فإذا قتله قتل ما هو ممتنع، فيحل بالقتل.

و فيه أن تخصيص الآية بعدم الجواز مع وجود الآلة للإجماع و غيره لا يقتضي تخصيصها في محل النزاع، و قد تقرر في الأصول أن العام المخصوص حجة في الباقي.

و أما الرواية ففي المسالك «هي ظاهرة في صيرورة الصيد غير ممتنع من جهات: (أحدها) قوله: «و لا يكون معه سكين» فان مقتضاه أن المانع له من التذكية عدم السكين لا عدم القدرة عليه لكونه ممتنعا،


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصيد- الحديث 3.

ج 36، ص: 73

و لو كان حينئذ ممتنعا لما كان لقوله: «و لا يكون معه سكين» فائدة أصلا. و (الثانية) قوله: «فيذكيه بها» ظاهر أيضا في أنه لو كان معه سكين لذكاه بها، فدل على بطلان امتناعه و (الثالثة) قوله:

«أ فيدعه» إلى آخره ظاهر أيضا في أنه قادر على أن لا يدعه حتى يقتله و أنه إنما يترك تذكيته و يدع الكلب يقتله لعدم وجود السكين».

قلت: و لعله لذا مال بعض المتأخرين إلى العمل بالصحيح المزبور المعتضد بغيره، لكن لا يخفى عليك أولا أنه بعد تسليم ظهوره مرجوح بالنسبة إلى ما قابله من الأدلة الدالة على أن الحيوان بعد صيرورته غير ممتنع لا يحله إلا التذكية، خصوصا بعد الاعتضاد بالشهرة و الأصل و غير ذلك.

نعم قد يقال بإمكان كون المراد من الصحيح المزبور السؤال عمن ترك المبادرة إلى الصيد بعد أخذ الكلب لتعرف حاله فيدعه حتى يقتله الكلب، و ذلك لعدم سكين عنده يذبحه بها لو بادر و أمكنه إدراك ذكاته بعد صيرورته غير ممتنع، فأجابه الإمام (عليه السلام) بحليته، فلا منافاة حينئذ بينه و بين غيره من النصوص (1)

الدالة على وجوب التذكية لو أدركها المنزلة على من بادر فأدرك التذكية.

بل قد يستفاد من الصحيح المزبور قوة ما أشرنا إليه من عدم وجوب المبادرة، و أن له أن يترك الكلب يقتله من غير تعرف حاله و إن أمكنه ذلك، و هو غير ما لو بادر و أدرك تذكية، فإنه لا يجزؤه حينئذ قتل الكلب له، لما سمعته من النص و الفتوى، مضافا إلى الأصل و غيره مما دل على أن الحيوان لا يحله إلا الذبح، فتأمل جيدا، فإنه قوي و قريب جدا، و اللَّه العالم. هذا كله في سعة الزمان لتذكيته.

أما إذا لم يتسع الزمان لذبحه من غير تقصير الصائد فهو


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 74

حلال و لو كانت حياته مستقرة وفاقا للأكثر كما في المسالك، لإطلاق و عموم حل قتيل الكلب المقتصر في الخروج عنهما (على ظ) ما أدرك ذكاته دون غيره، مضافا إلى النصوص الدالة على ذلك مفهوما و منطوقا.

(منها)

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1): «إن أرسلت كلبا معلما أو فهدا بعد أن تسمي فكل مما أمسك عليك قتل أو لم يقتل، أكل أو لم يأكل، و إن أدركت صيده و كان في يدك حيا فذكه، فان عجل عليك فمات قبل أن تذكيه فكل».

و (منها)

خبر محمد بن مسلم و غير واحد (2) عنهما (عليهما السلام) «أنهما قالا في الكلب يرسله الرجل و يسمي، قال: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه، و إن أدركته و قد قتله فأكل منه فكل ما بقي»

إلى غير ذلك من النصوص التي فيها ما هو كالصريح في المطلوب (3)

بل يندرج فيه ما لو اشتغل بأخذ الآلة و سل السكين فمات قبل أن يمكنه الذبح، بل و ما لو امتنع بما فيه من قوة و يموت قبل القدرة عليه فضلا عمن لا يجد من الزمان ما يمكنه الذبح فيه.

و بالجملة المدار ما عرفت خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف و ابن إدريس و الفاضل في المختلف و التحرير من الحرمة، لأنه مستقر الحياة فتوقفت إباحته بتذكيته، كمتسع الزمان، و هو كما ترى كأنه اجتهاد في مقابلة النص (4)

المعمول به بين الأصحاب المتضمن لاعتبار التذكية على تقدير إدراكها لا مطلقا، و الفرض كونه مفقودا، نعم لو دخل تحت يده و تمكن من تذكيته و تركه حتى مات حرم و إن كان قتيلا للكلب أو السلاح


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصيد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 75

بسراية الجرح، إذ هو حينئذ كما لو تردى الحيوان من شاهق و لم يذبحه حتى مات.

و إطلاق حل قتيل الكلب و السلاح غير مجد بعد تقييده بما إذا لم يدرك ذكاته، فإنه حينئذ لا يحل إلا بها نصا (1)

و فتوى كما عرفت، بل لا خلاف فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه إلا ما سمعته من القول بأن من العذر عدم الآلة، و قد عرفت التحقيق فيه.

و بالجملة فالمدار في الحرمة على إمكان التذكية و لم يفعل بتقصير منه، و الظاهر أن منه أن لا يكون معه مدية يذبح بها، فان ترك استصحاب الآلة للذبح تقصير منه. و كذا لو ضاعت الآلة فمات الصيد في مدة الطلب أو نشبت في الغمد، فان حقه أن يستصحب الآلة في غمد يواسيها (2) و كذا لو اشتغل بتحديد المدية، لأنه قصر بعدم تقديمه، كل ذلك لما عرفت من ظهور النصوص.

مضافا إلى أن الأصل عدم التذكية المقتصر في الخروج منه على الصورة الأولى دون غيرها السالم عن معارضة الإطلاق الذي هو إن لم يكن ظاهرا في غير الفرض فلا أقل من الشك في تناوله له على وجه يبقى الأصل سليما.

بقي شي ء: و هو أن الفخر في الإيضاح قد اعترض على نحو عبارة المصنف بأنه «إن أريد بعدم اتساع الزمان لها عدم اتساعه لنفس فعل الذكاة كان منافيا لاستقرار الحياة، لأن الحياة المستقرة هي ما يمكن أن يعيش صاحبها اليوم و اليومين، فلا يدخل تحت المقسم، فلا يصح التقسيم، و إن أريد عدم اتساعه لها و لما يتوقف عليه من تحصيل الآلة و المعاون و غير


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.
2- 2 جاء في هامش النسخة المخطوطة المبيضة تفسيرا لذلك هكذا «أي غمد واسع».

ج 36، ص: 76

ذلك لم يتم الحكم بالحل على تقدير تعذر ذلك، لجواز أن يحتاج في تحصيل الآلة أو المعاون إلى أكثر من يوم أو يومين، فلا يحل بموته على هذا الوجه».

و أجاب عنه في المسالك بجواز اختيار كل من القسمين «أما الأول فلأن استقرار الحياة هو إمكان أن يعيش اليوم و اليومين، و مجرد الإمكان لا ينافي نقيضه، لجواز أن يموت في الحال مع تحقق الإمكان، فيصير حاصله كونه متصفا بإمكان أن يعيش عادة فاتفق خلاف ذلك و مات قبل أن يتسع الوقت لذبحه، خصوصا و مناط الإمكان مجرد الاحتمال، و هو مما يمكن خلافه ظاهرا و في نفس الأمر، و أما الثاني فلأن المراد اتساعه لما يتوقف عليه من الآلة ما يعتبر تحصيله عادة كما أشرنا إليه سابقا من سل السكين و أخذها من محل قريب و انتظار المعاون القريب الذي لا ينافي المبادرة عادة، فإن القدر المعتبر منها ما يعد في العرف طالبا للتذكية و مبادرا إليها، فإذا فرض موته قبل ذلك حل، و لم يناف استقرار الحياة عادة كما أشرنا إليه، و لا يرد عليه الإمهال اليوم و اليومين كما ذكر».

ثم قال بعد كلام لا مدخلية له فيما نحن فيه: «هذا على تقدير الحكم بكونه في مثل هذه الحالة يعد مستقر الحياة، و قد يقال: إنه على هذا التقدير كان الحكم به ظاهرا، و قد كشف تعجيل إزهاقه عن عدم الاستقرار و مع ذلك لا ينافي الحكم بكونه مستقر الحياة عملا بالظاهر الذي يجوز كذبه، و كذلك حكموا بعدم حله على تقدير أن يجده ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف له و قد بقي من حياته زمن لا يسع لذبحه، و الأقوى حله هنا أيضا، لأنه قبل القدرة عليه لم تكن تذكيته معتبرة، لكونه ممتنعا و بعد إدراكه لم يسع الزمان لها فكالأول، فيدخل في عموم حل الصيد المقتول بالآلة حيث لا يمكن تذكيته».

ج 36، ص: 77

قلت: لا يخفى عليك ما في الأخير من كلامه من احتمال الكشف المنافي لما هو كالصريح من جعلهم له قسما من مستقر الحياة ظاهرا و واقعا على أن استقرار الحياة عرفي لا يرتفع بسرعة موته قبل إدراك تذكيته.

كما أنه لا يخفى عليك ما في أوله أيضا من كون المراد منه الإمكان الذي لا ينافيه وقوع النقيض، ضرورة صراحة كلامهم بكونه قسما من مستقر الحياة لم يسع الزمان لذبحه و إن علم عدم إمكان أن يعيش المدة المزبورة، على أنه في آخر المدة المزبورة هو من مستقر الحياة مع عدم المدة و فرض مدة أخرى له ينافي التقدير بها.

و لعله لذا أو لغيره اعترف بعض من تأخر عنه بضعف الجواب المزبور، و أن فيه من التعسف ما لا يخفى، و اعترف بورود الاشكال على فرض تفسير استقرار الحياة بذلك.

هذا و ربما أشكل المقام أيضا بأمر آخر، و هو أن جماعة ممن اختار جعل المدار في التذكية و عدمها على مضمون النصوص (1)

السابقة من طرف العين و ركض الرجل و مصع الذنب فصلوا بين مستقر الحياة و غيره في مواضع كثيرة من هذا الكتاب، فحكموا في الأول بلزوم التذكية في الحل و في الثاني بعدمه، و هذا التفصيل لا يتصور إلا على تقدير تفسير استقرار الحياة بما ذكره في المبسوط و تبعه الجماعة من إمكان بقاء الحياة المدة المزبورة، فإنه هو الذي يتصور فيه التفصيل بين مستقر الحياة، و هو ما أمكن أن يعيش المدة و غيره، و هو ما قابله، و أما تفسيره بإدراكه و عينه تطرف و رجله تركض فغير متصور فيه التفصيل الذي مر، إذ لا حركة دون الحركات المزبورة تعد قسما آخر تقابل مستقر الحياة أيضا.

هذا و في الرياض «أنه يمكن الذب عن هذا الاشكال بما هو حقيق


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 78

أن يسطر و يرجع إليه في هذا المجال: و هو أن المستفاد من تتبع جملة من العبارات في تفسير غير مستقر الحياة بأنه هو الذي قطع حلقومه أو فتق قلبه أو شق بطنه أن مستقر الحياة ما قابله، و هو الذي لم يحصل فيه أحد من الأمور المزبورة، سواء كان ممن يعيش تلك المدة المتقدمة أم لا، و استقرار الحياة بهذا المعنى يجامع ما ذكره ابن حمزة و من تبعه من أن أدناه طرف العين و ركض الرجل، و يمكن تنزيل تفسير الشيخ له بما ذكره من إمكان بقاء تلك المدة عليه بإرادته من الإمكان ما يقابل إمكان البقاء مع شق البطن و نحوه، و يعضده ما نقله عن الأصحاب من إدراك الذكاة بطرف العين مع موافقته لابن حمزة في تفسير غير مستقر الحياة بما ذكره، لكن في الخلاف ما يأبى عن هذا التنزيل، و بما ذكرنا ظهر عدم الخلاف في اعتبار استقرار الحياة، كما يستفاد من التنقيح، و أنه على تقديره انما هو في تفسيره، و لا ينافيه ما مر عن يحيى بن سعيد من أن اعتباره ليس من المذهب، لاحتمال إرادته من الاستقرار الذي نفاه الاستقرار بمعنى البقاء إلى المدة المذكورة لا مطلقه. و بهذا التحقيق يظهر الجواب عما يرد من الاشكال على فرض استقرار الحياة مع عدم سعة الزمان لإدراك الذكاة، و لعل هذا الفرض أيضا من شواهد هذا التحقيق، كما قد نبه عليه المقدس الأردبيلي، فإن ما أجيب عنه على طريقة المشهور في تفسير استقرار الحياة لا يخلو من تعسف» انتهى.

و فيه مواضع للنظر تظهر لك عند ما تسمع تحقيق الكلام في استقرار الحياة في الذباحة، و اللَّه العالم.

و كيف كان فقد عرفت أن الاصطياد يتحقق بأمرين: أحدهما إزهاقه بالآلة على الوجه الذي تقدم مفصلا. و الثاني إثباته كما إذا صيره الرامي غير ممتنع بأن يجرحه جراحة مزهقة أو يرميه

ج 36، ص: 79

بما يثخنه و يزمنه أو يكسر جناحه بحيث يعجز عن الطيران و العدو جميعا أو بأن يقع في شبكته المنصوبة له و لو بأن طرده طارد حتى أوقعه فيها، أو يرسل عليه كلبا أو غيره مما له يد عليه فيثبته بعقر أو غيره، أو بأن يلجؤه إلى مضيق لا يقدر على الإفلات منه، كما لو أدخله إلى بيت و نحوه و غير ذلك مما يحصل به الاستيلاء على وجه يصدق عليه أنه في حوزته و في قبضته و تحت يده، فمتى كان كذلك ملكه و إن لم يقبضه القبض الحسي.

و حينئذ فلو أخذه غيره لم يملكه أي الثاني و وجب دفعه إلى الأول الذي هو مالكه بالسبب الذي عرفت، إذ هو حينئذ كما لو صاده بيده قاصدا لتملكه أو غير قاصد لعدم تملكه إن اعتبرنا ذلك في تملك المباحات، و إلا ملكه مطلقا حتى لو أخذه لينظر إليه، نعم لو سعى خلف صيد فوقف للاعياء لم يملكه حتى يأخذه، كما جزم به في المسالك، لعدم صدق الاستيلاء و نحوه بذلك، فيبقى على مقتضى الأصل و اللَّه العالم. هذا كله في الصيد.

[أما الذباحة]

[الأركان الثلاثة]
اشارة

و أما الذباحة التي اعترف في كشف اللثام بأنه لم يرها في كتب اللغة و إن اشتهر التعبير بها في كتب الفقه فالنظر فيها إما في الأركان و إما في اللواحق،

أما الأركان فثلاثة: الذابح و الآلة و كيفية الذبح.

[أما الذابح]

أما الذابح ف لا خلاف في أنه يشترط فيه الإسلام أو حكمه على معنى ما أشار إليه بقوله فلا يتولاه الوثني و غيره من الكفار غير الكتابي و إن كان من كفار المسلمين كالمرتد و الغلاة و الخوارج

ج 36، ص: 80

و النصاب و نحوهم، و حينئذ فلو ذبح كان المذبوح ميتة و إن جاء بالتسمية و غيرها من الشرائط، بل في المسالك و غيرها أنه مجمع عليه بين المسلمين.

و على المشهور شهرة عظيمة على معنى أنه لا يتولاه الكافر مطلقا و إن كان كتابيا و جاء بالتسمية، بل استقر الإجماع في جملة من الأعصار المتأخرة عن زمن الصدوقين على ذلك، بل و المتقدمة كما حكاه المرتضى و الشيخ بعد اعترافهما بأنه من متفردات الإمامية، بل كاد يكون من ضروريات المذهب في زماننا، مضافا إلى النصوص (1)

المستفيضة التي إن لم تكن متواترة بالمعنى المصطلح فمضمونها مقطوع به و لو بمعونة ما عرفت.

فمن الغريب وسوسة بعض الناس فيه، و كان الذي جرأه على ذلك تعبير المصنف و غيره عن ذلك بقوله و في الكتابي روايتان (2): أشهرهما المنع، فلا تؤكل ذبيحة (ذباحة خ ل) اليهودي و لا النصراني و لا المجوسي بناء على أنه كتابي- المشعر بكون المسألة ظنية و أن النصوص فيها مختلفة، و من المعلوم أن هذه النصوص بين الإمامية كالنصوص الدالة على طهارة سؤرهم (3)

و نحوهما مما هو معلوم خروجها مخرج التقية، كما أومأ إليه

خبر بشير بن أبي غيلان الشيباني (4)

«سألت أبا عبد اللَّه


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة و الأشربة و الباب- 3- من أبواب الأسئار- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 28.

ج 36، ص: 81

(عليه السلام) عن ذبائح اليهود و النصارى و النصاب، قال: فلوى شدقه، و قال: كلها إلى يوم ما».

بل لا يخفى على من رزقه اللَّه فهم اللحن في القول أن هذا الاختلاف منهم في الجواب ليس إلا لها. (فتارة) يطلق النهي عن ذبيحتهم، ك

خبر أبي المعزى عن جماعة (1) عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «سألته عن ذبيحة اليهودي و النصراني، فقال: لا تقربوها»

و خبر إسماعيل بن جابر (2) قال:

«قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السلام): لا تأكل ذبائحهم، و لا تأكل في آنيتهم يعني أهل الكتاب»

و خبر محمد بن عذافر (3)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): رجل يجلب الغنم من الجبل يكون فيها الأجير المجوسي و النصراني فتقع العارضة فيأتيه بها مملحة، فقال: لا تأكلها»

و خبر الحسين الأحمسي (4) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «قال له رجل:

أصلحك اللَّه إن لنا جارا قصابا فيجي ء بيهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود، فقال: لا تأكل من ذبيحته، و لا تشتر منه»

و خبر محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن نصارى العرب أ تؤكل ذبائحهم؟

فقال: كان علي (عليه السلام) ينهى عن ذبائحهم و عن صيدهم و مناكحتهم»

و خبر زيد الشحام (6) قال: «سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن ذبيحة الذمي، فقال: لا تأكل، سمى و إن لم يسم»

و موثق سماعة (7) عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «سألته عن ذبيحة اليهودي و النصراني، فقال: لا تقربنها»

إلى غير ذلك من النصوص التي هي بنحو ذلك.

و (تارة أخرى) ينفي البأس عن ذلك، ك

صحيح الحلبي (8) سأل


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 9 عن أبي المعزى عن سماعة كما في الاستبصار ج 4 ص 81 و الكافي ج 6 ص 239.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 9.
8- 8 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 34.

ج 36، ص: 82

الصادق (عليه السلام) «عن ذبيحة أهل الكتاب و نسائهم، فقال: لا بأس به»

و (ثالثة) يجعل المدار على سماع التسمية و عدمه، ك

خبر حمران (1) قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في ذبيحة الناصب و اليهودي و النصراني: لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم اللَّه، فقلت: المجوسي فقال: نعم إذا سمعته يذكر اسم اللَّه، أما سمعت قول اللَّه تعالى (2) وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ؟»

و خبر عامر بن علي (3)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): إنا نأكل ذبائح أهل الكتاب و لا ندري يسمون عليها أم لا؟ فقال: إذا سمعتم قد سموا فكلوا»

و خبر حمران (4) قال:

«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول في ذبيحة الناصب و اليهود:

لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم اللَّه، أما سمعت اللَّه يقول: و لا تأكلوا؟

إلى آخرها».

و (رابعة) يجعل المدار على سماعها أو إخبار رجل مسلم بها، ك

خبر (5) حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) و زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «إنهما قالا في ذبائح أهل الكتاب: فإذا شهدتموهم و قد سموا اسم اللَّه فكلوا ذبائحهم، و إن لم تشهدوهم فلا تأكلوا، و إن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سموا فكل»

و خبر حريز الآخر (6)

«سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن ذبائح اليهود و النصارى و المجوس، فقال: إذا سمعتهم يسمون أو شهد لك من يراهم يسمون فكل، و إن لم تسمعهم و لم يشهد عندك من رآهم يسمون فلا تأكل ذبيحتهم».

و (خامسة) على جواز الأكل إلا مع حضورهم و لم يسموا،


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 31.
2- 2 سورة الأنعام: 6- الآية 121.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 45.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 18.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 38.
6- 6 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح الحديث 39.

ج 36، ص: 83

ك

خبر جميل و محمد بن حمران (1)

«سألا أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن ذبائح اليهود و النصارى و المجوس، فقال: كل، فقال بعضهم: إنهم لا يسمون، فقال: فان حضرتموهم فلم يسموا فلا تأكلوا، و قال:

إذا غاب فكل».

و (سادسة) جواز أكل ذبائحهم و إن ذكروا اسم المسيح، لأنهم يريدون به اللَّه، ك

خبر عبد الملك (2)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال: لا بأس بها، قلت: فإنهم يذكرون عليها اسم المسيح، فقال: انما أرادوا بالمسيح: اللَّه»

و خبر أبي بصير (3)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن ذبيحة اليهودي، فقال: حلال فقلت: و إن سم المسيح، قال: و إن سم المسيح، فإنه انما يريد اللَّه»

و الصواب كون السؤال عن ذبيحة النصراني، لأنه هو الذي يسمى المسيح، لا اليهودي المنكر له، و لعل السهو من النساخ.

و على كل حال فهو مناف ل

خبر حنان بن سدير (4) قال: «دخلنا على أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنا و أبي فقلنا له: جعلنا فداك إن لنا خلطاء من النصارى، و إنا نأتيهم فيذبحون لنا الدجاج و الفراخ و الجداء أ فنأكلها؟ قال: لا تأكلوها و لا تقربوها، فإنهم يقولون على ذبائحهم ما لا أحب لكم أكلها- إلى أن قال-: فقالوا: صدق إنا لنقول باسم المسيح».

و (سابعة) إطلاق النهي عن أكلها مع التعليل بأن الاسم لا يؤمن عليه إلا المسلم، ك

مرسل ابن أبي عمير (5)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن ذبيحة أهل الكتاب؟ فقال: و اللَّه ما يأكلون ذبائحهم فكيف تستحلون


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 33.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 35.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 36.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 4.

ج 36، ص: 84

أن تأكلوا ذبائحهم؟ إنما هو الاسم، و لا يؤمن عليه إلا مسلم».

و خبر قتيبة الأعشى (1)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن ذبائح اليهود و النصارى، فقال: الذبيحة اسم، و لا يؤمن على الاسم إلا مسلم».

و خبر الحسين بن المنذر (2)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

إنا قوم نختلف إلى الجبل- إلى أن قال-: فنسأل الرعاة- أي الذين يأتون بالذبائح من الغنم- فيقولون: إنا نصارى، فأي شي ء قولك في ذبائح اليهود و النصارى؟ فقال: يا حسين الذبيحة بالاسم، و لا يؤمن عليها إلا أهل التوحيد»

إلى غير ذلك من النصوص (3)

.

و (ثامنة) يجعل المدار على ذكر اسم اللَّه و عدمه، ك

خبر الورد ابن زيد (4)

«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): حدثني حديثا و أملاه علي حتى أكتبه، فقال: أين حفظكم يا أهل الكوفة؟! قال: قلت:

حتى لا يرده علي أحد: ما تقول في مجوسي قال: بسم اللَّه ثم ذبح؟ فقال:

كل، قلت: فمسلم ذبح و لم يسم، فقال: لا تأكله، إن اللَّه يقول: فَكُلُوا (5)- إلى آخرها-»

و خبر علي بن جعفر (6)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن ذبيحة اليهود و النصارى هل تحل؟ فقال:

كل ما ذكر اسم اللَّه عليه».

و (تاسعة) التفصيل بين اليهود و النصارى و بين المجوس، لأنهم ليسوا أهل كتاب، ك

خبر عمر بن حنظلة (7) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبائح.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 37.
5- 5 سورة الأنعام: 6- الآية 118.
6- 6 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 14.
7- 7 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 17.

ج 36، ص: 85

في قول اللَّه: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قال: أما المجوسي فلا، فليسوا من أهل الكتاب، و أما اليهود و النصارى فلا بأس إذا سموا».

و (عاشرة) النهي عن المجوس و نصارى تغلب، ك

خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «لا تأكل من ذبيحة المجوسي، و قال: لا تأكل ذبيحة نصارى تغلب، فإنهم مشركو العرب».

و (حادي عشرة) نصارى العرب، ك

خبر محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب، فإنهم ليسوا أهل الكتاب»

و خبر علي ابن جعفر (3) عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن ذبائح نصارى العرب، قال: ليس هم بأهل الكتاب، و لا تحل ذبائحهم».

و (ثانية عشرة) النهي عن ذبح اليهودي و النصراني و المجوسي أضحيته، ك

خبر أبي بصير (4) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «لا يذبح أضحيتك يهودي و لا نصراني و لا مجوسي»

و خبر الحسين بن علوان (5)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) كان يأمر مناديه بالكوفة أيام الأضحى أنه لا يذبح نساككم يعني نسككم اليهود و لا النصارى، و لا يذبحها إلا المسلمون».

إلى غير ذلك من الاختلاف الذي يورث الفقيه القطع بخروج هذه النصوص مخرج التقية التي قد خفي الأمر من جهتها في ذلك الزمان على مثل أبي بصير و المعلى، و هما من البطانة.

قال شعيب العقرقوفي (6): «كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 22.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 23.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 30.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 13.
6- 6 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 25 إلا أنه ترك ذيله و ذكر تمامه في التهذيب ج 9 ص 66.

ج 36، ص: 86

و معنا أبو بصير و أناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب، فقال لهم أبو عبد اللَّه (عليه السلام): قد سمعتم ما قال اللَّه عز و جل في كتابه، فقالوا له: نحب أن تخبرنا، فقال: لا تأكلوها، فلما خرجنا قال أبو بصير: كلها في عنقي ما فيها، فقد سمعته و سمعت أباه (عليهما السلام) جميعا يأمران بأكلها، فرجعنا إليه، فقال لي أبو بصير: سله فقلت: جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟ فقال: أ ليس قد شهدتنا بالغداة و سمعت؟ قلت: بلى، فقال: لا تأكلها، ثم قال:

سله الثانية، فقال لي مثل مقالته الأولى، و أعاد أبو بصير، فقال لي قوله الأول: في عنقي كلها، ثم قال لي: سله، فقلت: لا أسأله بعد مرتين».

و قال سعيد بن جناح و عدة من أصحابنا- بل عن العبيدي أنه حدث به أيضا- عن ابن أبي عمير (1)

«إن ابن أبي يعفور و معلى بن خنيس كانا بالنيل على عهد أبي عبد اللَّه (عليه السلام) فاختلفا في ذبائح اليهود، فأكل المعلى و لم يأكل ابن أبي يعفور، فلما صارا إلى أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أخبراه، فرضي بفعل ابن أبي يعفور و خطأ المعلى في أكله إياه».

و من الغريب بعد ذلك إطناب ثاني الشهيدين في المسالك و بعض أتباعه في تأييد القول بالجواز و اختياره، و ذكر الجمع بالكراهة و نحوه، و ذكره فيها ما لو وقع من غيره لعد من الخرافات.

و أغرب من هذا أن الفاضل في الرياض مع اعتداله و شدة أطنابه في الإنكار على ثاني الشهيدين في ميلة إلى القول بالجواز مال بعض الميل إلى العمل إلى ما سمعته في رواية ثالثة (2) مقابلة لروايتي (3)الجواز


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 39.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 87

مطلقا و عدمه، و هي تؤكل ذباحة الذمي إذا سمعت تسميته، و هي مع أنها مطرحة لم يحك القول بها إلا عن الصدوق، بل قد سمعت اختلاف مؤداها أيضا، بل قيل: إنها موافقة للعامة و إن أنكره بعضهم.

قال: «لو صح هذا الإنكار و لم تكن أدلة الحرمة بالشهرة معتضدة لكان المصير إلى هذه الرواية في غاية القوة، لوضوح الجمع بها بين مطلق الروايتين الأولتين الدالتين على التحريم و الحلية، بحمل الأولى على عدم سماع التسمية و الثانية على سماعها، و تجعل هذه قرينة على أن المراد بالتعليل المتقدم إليه الإشارة في أخبار الحرمة بأنها اسم و لا يؤمن عليه إلا مسلم المعنى المستفاد منه في بادئ النظر، و هو كون عدم الأمن من حيث خوف الترك لا خوف عدم القصد إلى ما دل، نعم لا يمكن الجمع بها بين صريحهما، لكنه غير محتاج إليه أصلا، لضعف سندها، بل و موافقة الثانية منهما للتقية جدا، فالتعارض الموجب للتردد حقيقة انما هو ما وقع بين المعتبرة من أخبارهما، و هو مرتفع بهذه الرواية المفصلة جدا، فلا إشكال في المصير إليها لو لا رجحان رواية الحرمة مطلقا و صريحها بالشهرة، لكن بعده- سيما مع ندرة القائل بهذه الرواية- لا مسرح عن العمل بتلك الرواية و لا مندوحة، مع أن من روايات الحلية ما لا يقبل الحمل على هذه المفصلة جدا، مع أنها صحيحة «عن ذبائح اليهود»- إلى آخر ما سمعته في الرابعة (1)- و لكن يمكن الذب عنها بالحمل على التقية مع ندرة القائل بها منا من حيث التسوية فيها بين الفرق الثلاثة، مع أن العماني الذي هو أحد القائلين بالحلية يفرق بينها، فيحكم في ذبيحة المجوسي


1- 1 ما ذكره في الرياض في المقام هو خبر جميل و محمد بن حمران المتقدم في الخامسة لا الرابعة، و هو ما تقدم في ص 83.

ج 36، ص: 88

بالحرمة مطلقا، فانحصر القائل بها في الإسكافي خاصة».

و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن النصوص مع قطع النظر عن الشهرة ظاهرة في اشتراط الذبح بالإسلام، لأنه اسم و لا يؤمن عليه غير المسلم، و دعوى كون المراد منه ما ذكره ينافيها التعليل به في عدم جواز ذبح عبدة النيران و أشباههم ممن لم يقل أحد بجواز ذلك منهم مع الذكر.

قال الحسين بن المنذر (1): «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

إنا نتكارى هؤلاء الأكراد في قطاع الغنم، و إنما هم عبدة النيران و أشباه ذلك، فتسقط العارضة فيذبحونها و يبيعونها، فقال: ما أحب أن تجعل في مالك، إنما الذبيحة اسم، و لا يؤمن على الاسم إلا مسلم».

بل قد يستفاد من ذلك أن هذا حكمة لا تعليل يدور الحكم مداره و إلا ثبت حتى في المشرك إذا سمى، و لم يقل به أحد، كما أنه لم يقل أحد أيضا بجوازه في الناصب إذا ذكر و إن اقتضاه خبر الخصم.

و كأن الذي أوقعه في ذلك حتى أظهر بعض الميل إلى الحل في الجملة هو ما أطنب به في المسالك و أتباعه على وجه يتخيل منه كون المسألة نظرية، و قد عرفت أنها من ضروريات المذهب، فلا وجه للتأمل فيها مطلقا، بل نسأل اللَّه تعالى شأنه أن لا يجعل ما وقع لنا من الكلام فيها من اللغو الذي لا نؤجر عليه، هذا كله في اشتراطه بالمعنيين اللذين ذكرناهما.

أما اشتراطه بمعنى عدم الصحة من غيره و إن لم يكن كافرا كولد الزنا قبل البلوغ مثلا فظاهر المصنف و غيره ممن جعل الإسلام شرطا ذلك أيضا، و لعله لأنه مقتضى ما سمعته من التعليل بأنه

لا يؤمن عليه إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبائح- الحديث 7.

ج 36، ص: 89

مسلم (1)

مضافا إلى ما تسمعه من التصريح باشتراط الإسلام في المستفيضة الواردة في المرأة (2)

و لا قائل بالفصل.

لكن فيه أن ظاهر ذلك من وصف الإسلام فعلا، خصوصا بعد ذكر الائتمان فيه الذي ستعرف عدمه في الصبي، فلا يدخل فيه ولد المسلم، و تبعيته في صحة التذكية لا دليل عليها بالخصوص، و لا بالعموم الشامل لمثل ذلك، بل مقتضى سلب قول الصبي و فعله في المعاملة الشاملة لمثل المقام العكس، نعم ما سمعته من النصوص (3)

في خصوص المقام دليل صحة تذكيته، و هي لا اختصاص فيها بولد المسلم الشرعي، فيندرج فيها ابن الزنا، بل و ابن الكافر إن لم يثبت اندراجه في اسم اليهودي مثلا أو تبعيته له في عدم صحة التذكية.

اللهم إلا أن يقال: إن المراد من الصبي في النصوص (4)

الصبي التابع للمسلم في الإسلام و لو بمعونة قول الأصحاب هنا: «الإسلام أو حكمه» بل ظاهرهم أن صحة تذكية الصبي باعتبار كونه بحكم المسلم، فيبقى غيره ممن هو محكوم بكفره تبعا أو لم يحكم بكفره و لا بإسلامه تحت ما دل على عدم جواز تذكيته من الأصل و شرطية الإسلام المقتضية عدم الحل في فاقدها، من غير فرق بين الصبي الذي لم يكن بحكم المسلم و لا بحكم الكافر و الذي هو بحكم الكافر، كما أن مقتضاها عدمه أيضا في البالغ إذا كان في فسحة النظر و إن لم يحكم بكفره حتى يصف الكفر، لكونه غير مسلم قطعا، لعدم وصفه الإسلام، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبائح- الحديث 1 و 4 و 7 و 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 6 و 7 و 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبائح.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 90

و كيف كان فلا خلاف في أنه يجوز أن تذبح المسلمة و الخصي فضلا عن الخنثى و المجبوب و الجنب و الحائض و ولد المسلم و إن كان طفلا إذا أحسن و الأعمى و ولد الزنا و الأغلف، و لا إشكال بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة، حتى قوله تعالى (1):

«ذَكَّيْتُمْ» بناء على دخول الولد و البنت و الزوجة في صدق نسبة التذكية إلينا، مضافا إلى النصوص.

ك

خبر أبي بصير المرادي (2)

«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) لا يذبح أضحيتك يهودي و لا نصراني، و إن كانت امرأة فلتذبح لنفسها».

و خبر عبد اللَّه بن سنان (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إن علي بن الحسين (عليهما السلام) كانت له جارية تذبح له إذا أراد».

و خبر علي بن جعفر (4) عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن ذبيحة الجارية هل تصلح؟ قال: إذا كانت لا تنخع و لا تكسر الرقبة فلا بأس، و قد كانت لأهل علي بن الحسين (عليهما السلام) جارية تذبح لهم».

و خبر مسعدة بن صدقة (5) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في حديث «أنه سئل عن ذبيحة المرأة، فقال: إذا كانت مسلمة فذكرت اسم اللَّه عليها فكل».

و خبر سليمان بن خالد (6)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن ذبيحة الغلام و المرأة هل تؤكل؟ فقال: إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم اللَّه على ذبيحتها حلت ذبيحتها، و كذلك الغلام إذا نوى (قوى خ ل)


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 7.

ج 36، ص: 91

على الذبيحة فذكر اسم اللَّه، و ذلك إذا خيف فوت الذبيحة و لم يوجد من يذبح غيرهما».

و مرسل ابن أذينة (1) عن غير واحد رواه عنهما (عليهما السلام) «إن ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح و سمت فلا بأس بأكله، و كذلك الصبي و كذلك الأعمى إذا سدد».

و مرسل أحمد بن محمد (2) قال: «سأل المرزبان الرضا (عليه السلام) عن ذبيحة الصبي قبل أن يبلغ و ذبيحة المرأة، قال: لا بأس بذبيحة الصبي و الخصي و المرأة إذا اضطروا إليه».

و خبر عبد اللَّه بن سنان (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) المروي عن تفسير العياشي «سألته عن ذبيحة المرأة و الغلام هل تؤكل؟ قال:

نعم إذا كانت المرأة مسلمة و ذكرت اسم اللَّه حلت ذبيحتها، و إن كان الغلام قويا على الذبح و ذكر اسم اللَّه حلت ذبيحته».

و خبر ابن أبي البلاد (4)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن ذبيحة الخصي، فقال: لا بأس».

و خبر محمد بن مسلم (5) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن ذبيحة الصبي، قال: إذا تحرك و كان له خمسة أشبار و أطاق الشفرة، و عن ذبيحة المرأة فقال: إن كن نساء ليس معهن رجل فلتذبح أعقلهن (أعلمهن خ ل) و لتذكر اسم اللَّه عليه».


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
5- 5 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 22- من أبواب الذبائح- الحديث 1 و ذيله في الباب- 23- منها- الحديث 5.

ج 36، ص: 92

و مرسل ابن أبي عمير (1) عن الصادق (عليه السلام) «لا بأس بأن يذبح الرجل و هو جنب».

و المرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)

«أنه سئل عن الذبح على غير طهارة فرخص فيه».

و خبر صفوان بن يحيى (3) قال: «سأل المرزبان أبا الحسن (عليه السلام) عن ذبيحة ولد الزنا و قد عرفناه بذلك، قال: لا بأس به، و المرأة و الصبي إذا اضطروا إليه».

و خبر مسعدة بن صدقة (4) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «أنه سئل عن ذبيحة الأغلف، قال: كان علي (عليه السلام) لا يرى به بأسا».

إلى غير ذلك.

و ما في بعض النصوص من اعتبار الضرورة بعدم الرجل الجاري مجرى الغالب أو خوف موت الذبيحة أو غير ذلك في ذبيحة المرأة و الغلام لم أجد أحدا أفتى به. كما اعترف به بعضهم، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب أو الكراهة، خصوصا مع أعمية البأس المستفاد من المفهوم من الحرمة، كما أن الظاهر إرادة الإشارة إلى التمييز مما ذكر في بعض النصوص من بلوغ خمسة أشبار و قوى و أطاق الشفرة و نحو ذلك، لا أن ذلك شرط، خصوصا بعد عدم القائل به، نعم قد يقال بعدم حل ذبيحته مع عدم العلم بإحراز الشرائط التي لا يكفي فيها قوله فضلا عن عدم قوله، لعدم الدليل القاطع لأصالة عدم التذكية بعد فرض عدم جريان أصل


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 93

الصحة في فعله، و ثبوت صحة التذكية شرعا أعم من ذلك، كتطهيره المتنجس، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف لا يشترط الايمان بالمعنى الأخص وفاقا للمشهور، للأصل و ظاهر التعليل السابق المستفاد منه أن المسلم هو الذي يؤمن على الاسم، و السيرة القطعية المستمرة، و نفي الحرج، و

قول الباقر عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) (1): «ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلى حلال لكم إذا ذكر اسم اللَّه»

و نصوص (2) شراء الفراء و اللحم من سوق المسلمين، و خبر السفرة (3)

و غير ذلك.

و لكن مع ذلك فيه قول بعيد باشتراطه و عدم الجواز محكي عن الحلي و أبي الصلاح و ابني حمزة و البراج، فعن الأول «إنا لا نحل إلا ذبيحة المؤمن و المستضعف الذي لا منا و لا منهم، بمعنى أنه لا يعرف الحق و لا يعاند عليه». و عن الثاني «أنه لا تحل ذباحة الكافر و جاحد النص». و عن الثالث «أنه يجب في الذابح أن يكون مؤمنا أو في حكمه» و عن الرابع «لا يجوز أن يتولى الذبح إلا من كان مسلما من أهل الحق، فإن تولاه غير من ذكرناه من الكفار المخالفين لدين الإسلام أو من كفار أهل الملة على اختلافهم في جهات كفرهم لم تصح ذكاته و لم تؤكل ذبيحته» لكن لا صراحة في الأخير، بل و لا ظهور.

و على كل حال فمنشأ هذا القول من القائل به استفاضة النصوص


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- من كتاب الطهارة و الباب- 55- من أبواب لباس المصلي من كتاب الصلاة و الباب- 29- من أبواب الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الذبائح- الحديث 2.

ج 36، ص: 94

و تواترها بكفر المخالفين (1)

و

أنهم مجوس هذه الأمة (2)

و شر من اليهود و النصارى (3)

التي قد عرفت كون المراد منها بيان حالهم في الآخرة لا الدنيا، كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الطهارة (4).

نعم الظاهر كراهة ذلك خصوصا مع وجود المؤمن، ل

خبر زكريا بن آدم (5) قال أبو الحسن (عليه السلام): «إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه و أصحابك إلا في وقت الضرورة إليه»

المحمول على ذلك ك

خبر أبي بصير (6)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يشتري اللحم من السوق و عنده من يذبح و يبيع من إخوانه فيتعمد الشراء من النصاب، فقال: أي شي ء تسألني أن أقول؟

ما يأكل إلا الميتة و الدم و لحم الخنزير، قلت: سبحان اللَّه مثل الدم و الميتة و لحم الخنزير؟! فقال: نعم، و أعظم عند اللَّه من ذلك، ثم (قال خ ل) إن هذا في قلبه على المؤمن مرض»

بناء على إرادة المخالفين من النصاب و لو بقرينة قوله:

«يشتري من السوق منهم»

فان مطلق المخالف هو المتعارف معاملته في الأسواق لا خصوص النصاب منهم.

بل لعله المراد من

خبر إبراهيم بن أبي محمود (7) عن أبي الحسن


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد المرتد- الحديث 2 و 11 و 13 و 14 و 18 و 19 و 21 و 23 و 25 و 27 و 28 و 29 و 38 و 43 و 48 و 49.
2- 2 المستدرك- الباب- 8- من أبواب حد المرتد- الحديث 38 و فيه «القدرية مجوس هذه الأمة» و في الحديث 41 «لكل أمة مجوس، و مجوس هذه الأمة الذين يقولون بالقدر»
3- . 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 5 من كتاب الطهارة.
4- 4 راجع ج 6 ص 60- 66.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبائح- الحديث 9.

ج 36، ص: 95

الرضا (عليه السلام) في حديث قال: «حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال: من زعم أن اللَّه يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته، و لا تقبلوا شهادته، و لا تصلوا وراءه، و لا تعطوه من الزكاة شيئا»

فإن ذلك مقالة الأشاعرة من المخالفين.

بل و

خبر يونس (1) عن الصادق (عليه السلام) «يا يونس من زعم أن للَّه وجها كالوجوه فقد أشرك، و من زعم أن له جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله، فلا تقبلوا شهادته، و لا تأكلوا ذبيحته»

لأن هذا قول المجسمة منهم الذي لا تصح ذباحته.

و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله لا تصح ذباحة المعلن بالعداوة لأهل البيت (عليهم السلام) كالخارجي و إن أظهر الإسلام و كذا غيره، بل لا خلاف أجده فيه، بل عن المذهب و غيره الإجماع عليه، لاستفاضة النصوص (2) المعتضدة بالفتوى بكفره الذي قد عرفت عدم صحة الذبح معه، مضافا إلى

موثق أبي بصير (3)

«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: ذبيحة الناصب لا تحل»

و موثقه الآخر (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) «لا تحل ذبائح الحرورية»

الذين هم كما في المسالك و غيرها من جملة النصاب، لنصبهم العداوة لعلي (عليه السلام) كغيرهم من فرق الخوارج. و قد عرفت تحقيق الناصب في كتاب الطهارة (5).

لكن في التنقيح هنا عن بعض المحققين تفسيره بأنه من ينسب إليهم ما يثلم العدالة، و استحسنه، ثم قال: «و كذا حكم من صرح برد ما ورد


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبائح- الحديث 10.
2- 2 راجع التعليقة 1 من ص 94.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
5- 5 راجع ج 6 ص 63- 66.

ج 36، ص: 96

عنهم (عليهم السلام) مع اشتهاره أو تواتره، أو نقص من منزلتهم بحيث يساويهم بآحاد المسلمين» و لا بأس به إذا كان المراد من ذلك تحقق حصول العداوة منه لهم (عليهم السلام) لا مطلقا، لأن التحقيق كون الناصب من دان بعداوتهم أو أعلن بها، كما تقدم الكلام فيه مفصلا، و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في عدم حل ذبيحة الناصب.

لكن في المسالك بعد أن ناقش في سند ما ورد من النصوص على الحرمة ذكر

صحيح الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن ذبيحة المرجئ و الحروري، فقال: كل وقر و استقر حتى يكون ما يكون»

و حسن حمران (2) عن الباقر (عليه السلام) «لا تأكل ذبيحة الناصب حتى تسمعه يسمي»

قال: «و هاتان الروايتان أوضح سندا و هما مناسبتان لروايات الكتاب و أدل بالحل، إلا أن الأشهر استثناء الناصبي مطلقا و الحروري من جملته لنصبه العداوة لعلي (عليه السلام) كغيره من فرق الخوارج». و ظاهره الميل إلى حل ذبيحته في الجملة، و لم أره لغيره، كما أني لم أر نسبته إلى الأشهر القاضية بكون الحل مشهورا أيضا لغيره أيضا.

و في الرياض احتمل حمل الحسن المزبور على التقية، قال: «كما يشعر به الصحيح المذكور» و هو جيد و أحسن مما في كشف اللثام من إمكان الجمع بين النصوص بسماع التسمية، لما عرفت من إجماع المسلمين على عدم حل ذبيحة الكافر غير الكتابي و إن جاء بجميع الشرائط، و لا إشكال في كفر الناصب عندنا و إن وقع النزاع في معناه، فلا وجه لشي ء من هذه الاحتمالات، بل المتجه طرح ما لا يقبل التأويل منها بالحمل على التقية، أو إرادة مطلق المخالف من الناصب أو غير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبائح- الحديث 7.

ج 36، ص: 97

و قد ظهر لك من ذلك كله من تحل ذبيحته و من لا تحل ذبيحته، و منه الصبي غير المميز و المجنون حين الذبح و إن اجتمعت صورة الشرائط فيهما، لعدم العبرة بفعلهما شرعا.

لكن في المسالك: «ربما اختلف صنف الجنون، إذ ربما كان لبعضهم تميز، فلا مانع من حل ذبيحته» و فيه أن الشارع ألغى فعله و قوله بعد صدق اسم المجنون كالصبي غير المميز، و إنما خرج المميز بالدليل، و من هنا لم أجد أحدا غيره استثنى منه فردا، و قياسه على حيازة المباح و نحوه لا وجه له، فهو حينئذ كالنائم و إن اتفق حصول القصد و التسمية من بعض النائمين، إلا أن الشارع لم يعتبر هذا القصد و كذا السكران و المغمى عليه.

و أما المكره ففي المسالك «إذا أكره على الذبح فذبح فان بلغ الإكراه حدا يرفع القصد فلا إشكال في عدم حل ذبحه، و إلا فوجهان مثل ما لو أكرهه على رمي السهم، و ينبغي أن يكون الملك للمكره إذا لم يبق للمكره قصد» و فيه أنه مناف لأصالة عدم الملك و ظهور اعتبار القصد في الصيد كالذبح، و دعوى صيرورته كالآلة له واضحة المنع، نعم لو حازه بعد أن رماه المكره المزبور ملكه، أي المكره بالكسر بحيازته له إذا أدركه حيا، و إلا فمع فرض قتله له بالرمي يكون ميتة كالذبح.

بقي شي ء: و هو أن الفاضل قد جعل ممن لا يجوز ذبحه من لا يعتقد بوجوب التسمية و إن سمى، و لعله لدعوى ظهور ما دل (1)

عليها من الآية و غيرها في فعلها بعنوان اعتقاد تأثيرها في حل الذبيحة، خصوصا بعد ذكر الائتمان الذي لا مورد له مع اعتقاد عدم الوجوب و إن كان فيه


1- 1 سورة الأنعام: 6- الآية 121 و الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 98

منع واضح، ضرورة عدم دلالة الإطلاق كتابا (1) و سنة (2)

على أزيد من مدخلية ذكرها في حل الذبيحة من غير مدخلية لاشتراط الاعتقاد المزبور كما في غيره من الشرائط، و الائتمان قد عرفت أنه حكمة، على أن أقصاه الدلالة على اشتراط الذكر لا الاعتقاد، فتأمل جيدا.

لكن مع ذلك قال في الرياض: «لا وجه إن خص المنع بما إذا لم يعلم منه التسمية، و هو أن يقال: إن مقتضى النصوص المتقدمة المعللة بعدم ائتمان غير المسلم اعتبار حصول الأمن منه بتحقق التسمية في حل الذبيحة، و هو لا يحصل في ذبيحة من لا يعتقد وجوبها، حيث لا يحصل العلم بتسميته عليها، لاحتمال تركه لها بمقتضى مذهبه، و هذا لا ينافي مقتضاها بحصول الأمن بتحققها في المسلم، لأن المراد من المسلم فيها من يعتقد الوجوب لا مطلقا، للتبادر و الغلبة جدا، فإن أكثر أهل الإسلام يعتقدونه قطعا، و بهذا يجاب عن التمسك لضعف هذا القول بالمعاضد المزبور الدال على أصالة الحل في اللحوم المشتراة من أسواق المسلمين، بناء على استلزام صحته لزوم الاجتناب عنها من باب المقدمة، لاحتمال كونها ذبائح من لا يعتقد الوجوب و تركها، و هو مناف للمعاضد المزبور جدا، و ذلك لاحتمال كون أكثرية المعتقدين منهم موجبة للأصالة المزبورة، و نحن نقول بموجبها حيث لا تؤخذ الذبيحة من يد من يعلم أنه لا يعتقد وجوب التسمية، و أما إذا أخذت من يده فلا نقول به، و إطلاق الحكم بحل ما يؤخذ من السوق منصرف بحكم التبادر و الغلبة إلى غير هذه الصورة و هو ما إذا أخذ من يد من لا يعلم حاله في اعتقاد وجوب التسمية و عدمه


1- 1 سورة الأنعام: 6- الآية 121.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 99

و هذا الوجه في غاية المتانة و القوة، و لم أقف على من تفطن له و ذكره، فالاحتياط عنه لازم البتة».

قلت: قد يناقش فيه (أولا) بأن مبنى كلام الفاضل شرطية الاعتقاد بحيث لو سمى غير المعتقد لم يجد في الحل، فلا مدخلية لهذا الكلام في مذهبه.

و (ثانيا) أن نصوص الائتمان أحد أدلة الشرطية، كالأمر بالذكر الظاهر في الوجوب.

و (ثالثا) قد عرفت أنه حكمة لا علة، و لذا لا ينفع ذكر التسمية من غير المسلم مع سماعها منه.

و (رابعا) أنه يمكن الائتمان في المسلم باعتبار أمرنا فيه بحمل فعله على الأحسن (1) و لا ريب في أنه هنا هو الذكر و إن لم يعتقد الوجوب، لأنه لا إشكال في أنه الأحوط عند المسلمين كافة.

و (خامسا) أن السيرة على أخذ اللحم ممن نعلم بعدم وجوب التسمية عنده من فرق المسلمين كأخذنا له ممن يعتقد وجوبها.

و (سادسا) أن المراد من أصل الصحة المحمول عليه فعل المسلم في أمثال ذلك الصحة في الواقع لا عنده، كما نبه عليه أخذ الجلد ممن يستحل الميتة بالدبغ، بل السيرة في أخذ المجتهد و مقلديه من مجتهد آخر و مقلديه ما هو محل الخلاف بينهم في الطهارة و النجاسة و الحل و الحرمة و غيره مع عدم العلم بكون المأخوذ حصل فيه الاختلاف، بل يمكن دعوى القطع بذلك في جميع أفعال المسلمين، فالتحقيق عدم الفرق في الحل بين الجميع مع عدم العلم بترك التسمية، و اللَّه العالم.

[أما الآلة]

و أما الآلة فلا تصح التذكية ذبحا أو نحرا إلا بالحديد


1- 1 الوسائل- الباب- 161- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 100

مع القدرة عليه و إن كان من المعادن المنطبعة كالنحاس و الصفر و الرصاص و الذهب و غيرها بلا خلاف فيه بيننا كما في الرياض، بل في المسالك «عندنا» مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما عن غيره، بل في كشف اللثام اتفاقا كما يظهر، لأنه المتعارف في التذكية على وجه يشك في تناول الإطلاق لغيره مع القدرة عليه فيبقى على أصالة العدم.

مضافا إلى

حسن ابن مسلم أو صحيحه (1)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذبيحة بالليطة و المروة، فقال: لا ذكاة إلا بحديد»

و حسن الحلبي أو صحيحه (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن ذبيحة العود و الحجر و القصبة، فقال: قال علي (عليه السلام): «لا يصلح إلا بحديدة»

و حسن أبي بكر الحضرمي (3) عنه عليه السلام «لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة»

و

خبر سماعة بن مهران (4)

«سألته عن الذكاة فقال: لا تذك إلا بحديدة، نهى عن ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)»

إلى غير ذلك.

نعم لو لم يوجد الحديد و خيف فوت الذبيحة جاز بما يفري أعضاء الذبيح و لو كان ليطة أو خشبة أو مروة حادة أو زجاجة أو غير ذلك عدا السن و الظفر بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل في المسالك «يجوز مع تعذرها و الاضطرار إلى التذكية ما فرى الأعضاء من المحددات و لو من خشب أو ليطة بفتح اللام، و هي القشر الظاهر من القصبة، أو مروة، و هي الحجر الحاد الذي يقدح النار، أو غير ذلك عدا السن و الظفر إجماعا» و كذا عن ظاهر غيرها، و في كشف اللثام مازجا لعبارة القواعد «فان تعذر و خيف فوت الذبيحة أو اضطر إلى الذبح لغير ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الذبائح- الحديث 4.

ج 36، ص: 101

جاز بكل ما يفري الأعضاء اتفاقا كما يظهر» إلى آخره.

لإطلاق الأدلة في الحال المزبور، و

صحيح الشحام (1)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل لم يكن بحضرته سكين أ يذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و بالعود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به».

و حسن عبد الرحمن بن الحجاج (2)

«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن المروة و القصبة و العود يذبح بهن الإنسان إذا لم يجد سكينا، فقال:

إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك».

و خبر عبد اللَّه بن سنان (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «لا بأس أن تأكل ما ذبح بحجر إذا لم تجد حديدة».

و خبر محمد بن مسلم (4)

«قال أبو جعفر (عليه السلام) في الذبيحة بغير حديدة إذا اضطررت إليها، فان لم تجد حديدة فاذبحها بحجر».

و خبر علوان (5) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «إنه كان يقول: لا بأس بذبيحة المروة و العود و أشباههما ما خلا السن و العظم».

و خبر عدي بن حاتم (6) و إن لم أجده في طرقنا «قلت: يا رسول اللَّه إنا نصيد الصيد فلا نجد سكينا إلا الطرار و شقة العصا، فقال رسول اللَّه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 5 عن الحسين بن علوان كما سيشير قده إليه في 103.
6- 6 سنن البيهقي- ج 9 ص 281 مع اختلاف يسير.

ج 36، ص: 102

(صلى اللَّه عليه و آله): أفر الدم بما شئت و اذكر اسم اللَّه»

إلى غير ذلك.

لكن ليس في شي ء منها- عدا خبر محمد بن مسلم- اشتراط خوف فوت الذبيحة، و مقتضاها الجواز و إن لم يخف الفوت. نعم في خبر محمد بن مسلم اشتراط الاضطرار إليها، و هو أعم من خوف الفوت، بل يمكن إرادة مطلق الحاجة إلى الذبح، فلا ينافي حينئذ غيره، و لعله الأقوى، بل يمكن القول بجواز ذلك مع وجود الحديدة إذا أعجلته الذبيحة عن الإتيان بها و إخراجها من غمدها، لظهور التوسعة في الأخبار المزبورة مؤيدا بأن الضرورات تبيح المحذورات، و بعدم الضرر و الحرج بفوات المال و تلفه و بغير ذلك، و لعله إليه يرجع ما في القواعد «و لا يجزئ بغير الحديد مع إمكانه، و لا مع تعذره إذا لم يخف فوت الذبيحة إلا مع الحاجة» و اللَّه العالم.

و هل تقع الذكاة بالظفر أو السن مع الضرورة لعدم الحديد و خوف موت الذبيحة مثلا؟ قيل و القائل المتأخرون نعم، لأن المقصود الذي هو قطع الأوداج يحصل بذلك، و قد عرفت ظهور الأدلة في التوسعة المزبورة الموافقة لأدلة نفي الضرر و الحرج و غيرهما، بل ظاهر النصوص المزبورة سيما النبوي أن المدار مع الضرورة على فري الأوداج بأي شي ء يكون، على أن في صحيح الشحام التصريح بالعظم الذي منه السن، و بمعناه الظفر.

و قيل و القائل الإسكافي و الشيخ في محكي الخلاف و المبسوط و ابن زهرة في محكي الغنية و الكيدري في محكي الإصباح و الشهيد في غاية المراد لا يجوز، بل عن الشيخ و ابن زهرة دعوى الإجماع عليه بل عن الأول منهما نسبته إلى أخبار الفرقة مع ذلك بعد أن نفي الخلاف

ج 36، ص: 103

فيه، كما أن المحكي عن الإسكافي منهم منع ذلك بكل ما يكون من حيوان كالسن و الظفر و القرن و غيرها.

و كيف كان فالمنع منهما لعله لمكان إطلاق النهي عن ذلك الذي مقتضاه العدم و لو كان كل منهما منفصلا كما عن المبسوط و الخلاف و الإصباح التصريح به،

قال رافع بن خديج (1): «قلت: يا رسول اللَّه إنا نلقى العدو غداء و ليس معنا مدا، فقال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): ما انهار (ما أنهر خ ل) الدم و ذكر اسم اللَّه عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا، و سأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم الإنسان، و أما الظفر فمدى الحبشة».

و قد سمعت خبر الحسين ابن علوان (2).

إلا أن الأول عامي، بل قد يستفاد من غرابة التعليل فيه إرادة الكراهة من النهي فيه، و الثاني مع خلوه عن الظفر لا جابر له، و معارض بالصحيح (3)

المقدم عليه في العظم، بل و على خبر رافع، و إن كان هو مقيدا و الصحيح مطلقا إلا أنه قاصر عن تقييده من وجوه، و الإجماع المحكي لا وثوق به بعد تبين عدمه، إذ لم يحك القول المزبور إلا ممن عرفت.

بل قيل: إن كون مورده المنع منهما حال الاضطرار غير معلوم، لاحتماله المنع حال الاختيار، بل نزله الفاضل في المختلف و الشهيد على ذلك قال في المختلف بعد أن حكى عن ابن إدريس أنه قال: «و الذي ينبغي تحصيله الجواز حال الاضطرار دون الاختيار، لأنه لا خلاف بيننا أنه يجوز الذباحة مع الاضطرار و عند تعذر الحديد بكل شي ء يفري الأوداج،


1- 1 سنن البيهقي- ج 9 ص 246.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 104

سواء كان ذلك عظما أو حجرا أو عودا أو غير ذلك، و إنما بعض المخالفين يذهب إلى أنه لا يجوز الذبح بالسن و الظفر حال الاضطرار و الاختيار، و استدل المخالف بخبر رواه المخالف من طرقهم، و ما رواه أحد من أصحابنا» قال: «و هذا الذي ذكره ابن إدريس هو الذي اختاره شيخنا، و إنما أطلق في الكتابين المنع بناء على الغالب» ثم حكى عنه التصريح في التهذيب بالتفصيل بين الاختيار و الاضطرار.

و في الدروس «منع الشيخ منهما في المبسوط و الخلاف و إن كانا منفصلين، مستدلا بالإجماع، و الظاهر إرادته مع الاختيار، لأنه جوز مثل ذلك في التهذيب عند الضرورة».

و في غاية المراد بعد أن حكى عن التهذيب الجواز مع الضرورة قال:

«فعلى الظاهر أن مراده في الكتابين مع الاختيار بناء على الغالب» و لم يستبعده في كشف اللثام، و على كل حال فالأصح ما عرفت.

هذا و ظاهر القولين عدم الفرق بين المتصلين و المنفصلين، بل عن المهذب و نهاية المرام نسبة ذلك إلى الأصحاب، نعم حكيا عن أبي حنيفة الفرق بينهما، فمنع في الأول و أجاز في الثاني، و لعله إليه أشار في المسالك بقوله: «و ربما فرق بين المتصلين و المنفصلين من حيث إن المنفصلين كغيرهما من الآلات، بخلاف المتصلين، فان القطع بهما يخرج عن مسمى الذبح، بل هو أشبه بالأكل و التقطيع، و المقتضي للذكاة هو الذبح، و يحمل النهي في الخبر على المتصلين جمعا» و احتمله أيضا في غاية المراد، و احتاط فيه في الرياض قال: «و أحوط منه القول بالمنع المطلق».

ثم إن الظاهر بناء على المختار مساواتهما للغير من الآلات، لكن في الدروس استقرب الجواز مطلقا مع عدم غيرهما، بل هو ظاهره أيضا

ج 36، ص: 105

في اللمعة، بل ظاهر القواعد و كشف اللثام أن محل الخلاف ذلك، قال فيها: «و هل يصح بالظفر و السن مع تعذر غيرهما؟ قيل: نعم، و قيل بالمنع للنهي عنه» بل يمكن دعوى إرادته من الضرورة في المتن و إن كان الظاهر خلافه.

كما أن الظاهر كون النزاع في أنهما كغيرهما من الآلات مع الضرورة أو لا تشرع التذكية بهما، و على كل حال فلا ريب في أنه أحوط، و إن كان الأقوى الأول، لما عرفته من أنه مقتضى إطلاق الأدلة الأولى التي لا يكافؤها غيرها حتى يجمع بذلك، مع أنه لا شاهد، و اللَّه العالم.

[أما الكيفية]
اشارة

و أما الكيفية فالواجب قطع تمام الأعضاء الأربعة:

المري ء بتشديد الياء أو همز الأخيرة منهما و هو مجرى الطعام، و الحلقوم أي الحلق و هو مجرى النفس و محله فوق المري ء و الودجان، و هما عرقان محيطان بالحلقوم كما عن المشهور، و بالمري ء كما عن بعض، و ربما أطلق على الأربعة اسم الأوداج، و حينئذ ف لا يجزئ قطع بعضها أو بعض أحدها مع الإمكان لا مع عدمه، في مثل المتردية في مكان لا يتمكن من ذبحها مثلا تمام التمكن هذا في قول مشهور بل في نهاية المرام و محكي المهذب الإجماع عليه، بل و الغنية إلا أنه لم يذكر المري ء.

و لكن في الرواية (11) الصحيحة (1) السابقة و غيرها إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس (12) به، و لعله لذا مع صدق اسم الذبح به اقتصر عليه الإسكافي، بل في الدروس أنه يظهر من الخلاف و مال إليه الفاضل بعض الميل، و ربما مال إليه في المسالك.

و لكن فيه أن في

حسن عبد الرحمن (2) السابق أيضا «إذا قرى


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 1.

ج 36، ص: 106

الأوداج فلا بأس بذلك»

و كونها في مقام الضرورة التي هي عدم الحديد لا ينافي الدلالة على ذلك كالأولى.

و ما في المسالك- من أنه «لا شبهة في أنه مع فري الأوداج تحل الذبيحة. و ذلك لا ينافي الاكتفاء بما دونها، فإذا ثبت في الرواية الصحيحة الاكتفاء بقطع الحلقوم لم يكن منافيا له إلا من حيث المفهوم، و ليس بحجة، و أيضا فإن فري الأوداج لا يقتضي قطعها رأسا الذي هو المعتبر على القول المشهور، لأن الفري الشق و إن لم ينقطع

، قال الهروي: في حديث ابن عباس (1)

«كل ما فرى الأوداج»

أي شقها و أخرج ما فيها من الدم، فقد ظهر أن اعتبار قطع الأربعة لا دليل عليه إلا الشهرة، و لو عمل بالروايتين و اعتبر الحسن لاكتفي بقطع الحلقوم وحده أو فري الأوداج بحيث يخرج منها الدم و إن لم يستوعبها» و تبعه الأردبيلي و غيره في نحو ذلك- يدفعه أولا ما تقرر في الأصول من حجية المفهوم المزبور، و صلاحية معارضته للمنطوق، خصوصا في المقام باعتبار اعتضاده بالشهرة العظيمة و الإجماعين المحكيين، بل يمكن دعوى تحصيله، خصوصا بملاحظة السيرة القطعية و أصالة عدم التذكية التي هي من قبيل الحكم الشرعي المحتاج إلى التوقيف، بل هي منه، فلا يكفي فيها مطلق اسم الذبح بعد تسليم صدقه في الفرض.

على أنه يمكن أن يكون الاقتصار في الصحيحة (2)

على ذلك الحلقوم باعتبار ما ذكره المقداد من أن الأوداج الأربعة متصلة بعضها مع بعض فإذا قطع الحلقوم أو الودجان فلا بد أن ينقطع الباقي معه، و لعله كذلك في الذبح المتعارف المسؤول عنه في النصوص، لا ما إذا قصد الاقتصار


1- 1 سنن البيهقي- ج 9 ص 282.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 107

على أحدها، و كأنه لذلك ترك ذكر المري ء فيهما المفسر في كلام غير واحد بما تحت الحلقوم، و حينئذ فالانتهاء بالذبح المتعارف إلى منتهى الحلقوم يستلزم قطع الجميع، لأنها مع اتصالها به على وجه الإحاطة و نحوها لا يزيد عرضها على عرضه، و حينئذ فيمكن إرادة ما يشمل الحلقوم من الأوداج في الحسن (1)

الذي هو كالصحيح، بل لعل المحافظة على حقيقة الجمعية التي أقلها ثلاثة يقتضي ذلك، و لا أقل من التعارض، و لا ريب في أن الترجيح لذلك لما عرفت من الشهرة و الإجماع و غيرهما.

و أما المناقشة بإرادة الشق من الفري فيدفعها أن المصرح به في الصحاح استعماله بمعنى القطع، بل هو المراد في فري الأوداج في التذكية، و كذا عن غيره، بل لعله المنساق منه فيها عرفا، بل قيل: إن حمله على الشق فيها مخالف للإجماع، إذ القول بعدم الاكتفاء بقطع الحلقوم و لزوم فريها بمعنى الشق لم يذهب إليه أحد من أصحابنا حتى العماني، لأنه و إن اكتفى بالشق إلا أنه اكتفى بقطع الحلقوم أيضا، مخيرا بينهما، و هو غير ما دلت عليه الرواية من لزوم فري الأوداج خاصة، و حينئذ فهذا الإجماع أقوى قرينة على إرادة القطع من الفري فيها، مضافا إلى الإجماعات المحكية.

و أيضا لا إشكال و لا خلاف في إرادة القطع منه بالنظر إلى الحلقوم بل هو مجمع عليه، فينبغي أن يكون بالنظر إلى الباقي كذلك، و إلا لزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين حقيقيين أو مجازيين الذي هو غير مرضي عند المحققين.

اللهم إلا أن يقال بإرادة خصوص الودجين من الأوداج فيه و لو من باب التجوز في هيئة الجمع، لكن يدفعه رجحان المجاز الأخير عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 1.

ج 36، ص: 108

لما عرفت، بل قيل: إن الغالب استعمالها فيما يشمل الحلقوم.

كل ذلك مضافا إلى ما قيل من أن الأوداج في كلامه يشمل المري ء المفسر في كلامه و كلام غيره بما تحت الحلقوم، و شقه غير ممكن إلا بقطع ما فوقه من الأوداج، فإذا ثبت وجوب قطعها من هذه الرواية و لو من باب المقدمة ثبت وجوب قطع الجميع، لعدم القائل بالفرق بين الطائفة حتى من لم يعتبر المري ء، فإنه لم يعتبره مطلقا، لا قطعا و لا شقا، و أما اعتباره شقا خاصة لا قطعا فلم يقل به أحد بالضرورة، و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور.

و كذا ما عن العماني من التخيير المذكور بدعوى أنه مقتضى الجمع بين الخبرين، إذ قد عرفت أن ما ذكرناه أولى منه من وجوه، بل مقتضاه في نفسه فضلا عن مراعاة المرجحات اعتبار قطع الجميع، لعدم التنافي الموجب للجمع بالتخيير، كما هو واضح.

بل و أولى مما عساه يستفاد من الفاضل في المختلف من عدم وجوب قطع المري ء، حيث إنه بعد نقل الخبرين قال: «هذا أصح ما وصل إلينا في هذا الباب، و لا دلالة فيه على قطع ما زاد على الحلقوم و الأوداج» مريدا بذلك أن قطع المري ء لا دليل عليه، إذ لو أراد بالأوداج ما يشمله لم يفتقر إلى إثبات أمر آخر، لأن ذلك غاية ما قيل، بل قال في الرياض: «لو لا الإجماع المحكي لا يخلو من قوة، لعدم ذكر المري ء في الروايتين، و الأوداج في الثانية غير ظاهرة الشمول له، إذ المراد بها إما المعنى الحقيقي و الجمع جمع مجازي منطقي، فهو لا يشمل الحلقوم فضلا عن المري ء، أو المعنى المجازي مراعاة لحقيقة الجمع، و هي تحصل بضم الحلقوم إلى الودجين، و لا يحتاج في صدقها إلى ضم المري ء» بل قال فيه أيضا: «إن ظاهر الغنية الموافقة له، حيث لم يذكر المري ء

ج 36، ص: 109

و اكتفى بذكر الحلقوم و الودجين خاصة».

إذ لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه من تلازم قطع الأربعة في الذبح المتعارف، و خصوصا المري ء منها الذي هو تحت الحلقوم، و حينئذ فالاكتفاء في النصوص بذكر البعض مبني على ذلك، مضافا إلى ما سمعته من الإجماعين المحكيين على قطع الأربعة المعتضدين بالشهرة العظيمة التي يمكن معها دعوى تحصيل الإجماع.

بل قد يقال: إن النصوص و الفتاوى إنما هي لبيان الواقع الذي هو حصول قطع الأربعة باعتبار تلازمها في الذبح المتعارف المسؤول عنه، لا أن المراد منها بيان وجوب ذلك في الذبح، بمعنى إمكان الاقتصار فيه على بعضها، و على تقديره فقد عرفت الحجة عليه، كما أنك عرفت النظر في كلام جملة من الناس الذين من عاداتهم الوسوسة في الأحكام المفروغ منها خصوصا كيفية الذبح المأخوذ يدا عن يد.

نعم بقي شي ء كثر السؤال عنه في زماننا هذا، و هو دعوى تعلق الأعضاء الأربعة بالخرزة التي تكون في عنق الحيوان المسماة بالجوزة على وجه إذا لم يبقها الذابح في الرأس لم يقطعها أجمع أو لم يعلم بذلك و إن قطع نصف الجوزة، و لكن لم أجد لذلك أثرا في كلام الأصحاب و لا في النصوص، و المدار على صدق قطعها تماما أجمع، و ربما كان الممارسون لذلك العارفون أولى من غيرهم في معرفة ذلك، و هم الذين أشير إليهم في بعض النصوص بمن يحسن الذبح و يجيده (1)

و اللَّه العالم.

و يكفي في المنحور طعنه في ثغرة النحر، و هي و هدة اللبة


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 2 و 3 و الباب- 13- منها الحديث 1.

ج 36، ص: 110

قائما أو باركا على الكيفية المتقدمة في كتاب الحج (1).

و كيف كان ف يشترط فيها أي الكيفية شروط أربعة:

[الشرط الأول أن يستقبل بها القبلة مع الإمكان]

الأول أن يستقبل بها القبلة مع الإمكان بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص.

ففي

حسن ابن مسلم (2)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة فقال: كل لا بأس بذلك ما لم يتعمد».

و في حسنه الآخر (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن الذبيحة فقال: استقبل بذبيحتك القبلة».

و حسنه الثالث (4)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة، فقال: كل منها، فقلت له:

فإنه لم يوجهها، فقال: فلا تأكل منها و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللَّه عليها، و قال: إذا أردت أن تذبح ذبيحتك فاستقبل بذبيحتك القبلة».

و صحيح الحلبي (5) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة، فقال: لا بأس إذا لم يتعمد».

و نحوه غيره (6)

و مرسل الدعائم (7)

«أنهما (عليهما السلام) قالا فيمن ذبح لغير القبلة إن كان خطأ أو نسي أو جهل فلا شي ء عليه، و تؤكل ذبيحته، و إن تعمد ذلك فقد أساء و لا يجب أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمد خلاف السنة»


1- 1 راجع ج 19 ص 155 و 156.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
7- 7 المستدرك- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 2 و فيه «و لا نحب أن تؤكل ذبيحته.»

ج 36، ص: 111

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أصل الاشتراط و عدم البأس مع الجهل و النسيان.

و حينئذ فإن أخل عامدا عالما كانت ميتة، و لو كان ناسيا صح بلا خلاف أجده فيه، بل حكى الإجماع عليه غير واحد.

و كذا لو لم يعلم جهة القبلة على ما صرح به غير واحد، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و لعله كذلك لعدم صدق تعمد غير القبلة الذي هو عنوان الحرمة في النصوص السابقة و لإطلاق الجهل في مرسل الدعائم المنجبر بما عرفت، بل و حسن ابن مسلم الثالث.

بل منهما يستفاد معذورية الجاهل بالحكم هنا أيضا و إن صدق عليه التعمد، بل لعله المنساق من الحسن المزبور، بناء على أن المراد منه الجهل بالتوجيه إلى القبلة و إن علمها، و حينئذ يكون المراد من قوله:

«فإنه لم يوجهها» العالم العامد و لو بمعونة فتوى الأصحاب التي لولاها لأمكن إرادة بيان حل ذبيحة الجاهل بالحكم إذا وجه و الحرمة إذا لم يوجه فيكون دالا على العدم، إلا أن فتوى الأصحاب به على وجه لا أجد خلافا بين من تعرض له ترجح الأول.

بل لعل منه أيضا من لا يعتقد وجوب الاستقبال، كما جزم به في المسالك، فتحل ذبيحته حينئذ لغيره ممن يعتقد الوجوب، لكونه من الجاهل حينئذ، و على الجاهل (1)

، اللهم إلا أن يشك في اندراج مثله في الجهل في النصوص المزبورة (2)

.

و كيف كان فالمنساق مما سمعته من النصوص المعتضدة بالفتوى


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين، و الأولى هكذا «و للجاهل».
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 112

الاستقبال بمقاديم الذبيحة التي منها مذبحها دون الذابح معها، و إن كان قد يتوهم من نحو العبارة المزبورة على قياس «ذهبت بزيد» و «انطلقت به» و نحوهما مما يفيد كونه معه في الذهاب و الانطلاق، إلا أن جيد النظر يقتضي خلاف ذلك، خصوصا مع ملاحظة غيره من النصوص المذكور فيها الاستقبال للذبيحة خاصة (1)

و خصوصا مع ملاحظة إتيان التعدية بالباء لغير المعنى المزبور، نحو «ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ» (2) و غيره مما هو بمعنى أذهب اللَّه نورهم.

نعم في

مرسل الدعائم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذب البهيمة، أحد الشفرة و استقبل القبلة»

و لكنه مع إرساله لا صراحة فيه بل و لا ظهور، لاحتمال ارادة الاستقبال بالبهيمة، بل لعله الظاهر، خصوصا مع ملاحظة غيره من النصوص (4)

و عدم القائل باعتبار استقباله خاصة، إلا أنه مع ذلك لا بأس بحمله على الندب الذي صرح به غير واحد، خصوصا بعد ما تسمعه من مرسل كشف اللثام في الإبل (5).

ثم إن اعتبار الإمكان في عبارة المصنف يقتضي سقوط الشرط المزبور مع عدم الإمكان، و هو كذلك، ضرورة عدم صدق تعمد غير القبلة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 17.
3- 3 المستدرك- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبائح.
5- 5 الظاهر أنه قده يريد بذلك ما ينقله عن كشف اللثام في ص 118 و هو «يمكن التمسك في وجوب النحر. و لكن ورد في معناها رفع اليدين بالتكبير في الصلاة و الاستقبال» حيث انه لم يذكر في كشف اللثام في بحث نحر الإبل غير ذلك.

ج 36، ص: 113

و لعل منه معاجلة المذبوح على وجه يخشى من موته لو اشتغل بتوجيهه إلى القبلة، و اللَّه العالم.

[الشرط الثاني التسمية]

الشرط الثاني: التسمية من الذابح التي لا خلاف فتوى و نصا (1)

في اشتراطها في حل الأكل مع التذكر، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب العزيز (2) و هي أن يذكر اللَّه سبحانه و تعالى، يقول: «بسم اللَّه» و «الحمد للَّه» و «لا إله إلا اللَّه» و نحو ذلك.

قال محمد بن مسلم (3) في الصحيح: «عن رجل ذبح فسبح أو كبر أو هلل أو حمد اللَّه تعالى، قال: هذا كله من أسماء اللَّه تعالى، و لا بأس به».

بل عن بعضهم الاجتزاء بلفظ «اللَّه» تعالى شأنه، لدعوى صدق ذكر اسم اللَّه عليه، و إن كان قد يناقش بأن العرف يقتضي كون المراد ذكر اللَّه بصفة كمال أو ثناء، كإحدى التسبيحات الأربع، لا أقل من الشك، و الأصل عدم التذكية، خصوصا بعد الصحيح المزبور الذي لا يخلو من إشعار بذلك.

و كذا الكلام في اعتبار العربية و إن كان قد يحتمل العدم، لأن المراد من اللَّه تعالى شأنه الذات المقدسة، فيجزئ ذكر غيره من أسمائه، و هي تتحقق بأي لغة اتفقت، و على ذلك يتخرج ما لو قال: «بسم الرحمن» و غيره من أسمائه المختصة أو الغالبة غير لفظ «اللَّه» إلا أنه لا يجدي الاحتمال بعد أن لم يكن ظهور معتبر شرعا، بل قد يدعى الظهور بعكسه


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح.
2- 2 سورة الأنعام: 6- الآية 121.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الذبائح- الحديث 1.

ج 36، ص: 114

و لا أقل من الشك، و قد عرفت أن الأصل عدم التذكية، خصوصا بعد احتمال كون الإضافة فيه بيانية المقتضية لعدم الاجتزاء بغير الاسم المزبور.

بل و كذا الكلام في نحو «اللهم اغفر لي» أو «اللهم صل على محمد و آل محمد» و إن قال في المسالك: «الأقوى الاجتزاء» لكن لا يخفى عليك جريان ما ذكرناه خصوصا بعد ملاحظة الصحيح المزبور (1)

المشعر بكون ذلك و نحوه من أسماء اللَّه تعالى لا مطلقا.

و على كل حال فلو تركها عامدا لم يحل لما عرفت و أما لو نسي لم يحرم بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة في المقام (2)

و المتقدمة في الصيد (3)

.

قال محمد بن مسلم (4): «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يذبح و لا يسمي، قال: إن كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما و كان يحسن أن يذبح، و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح».

و في حسنه الآخر أو صحيحه (5)

«أنه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل ذبح و لم يسم، فقال: إن كان ناسيا فليسم حين يذكر، و يقول بسم اللَّه على أوله و على آخره».

و في

صحيح الحلبي (6) في حديث «أنه سأله عن الرجل يذبح فينسى أن يسم أ تؤكل ذبيحته؟ فقال: نعم إذا كان لا يتهم و كان يحسن الذبح قبل ذلك، لا ينخع و لا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا إشارة فيها إلى استثناء غير حال النسيان، فيبقى


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 115

حال الجهل مندرجا تحت إطلاق الأدلة، و دعوى أولويته منه أو مساواته لحال الاستقبال واضحة المنع، خصوصا بعد حرمة القياس عندنا، نعم قد يستفاد من

قوله (عليه السلام): «إذا كان لا يتهم»

تصديقه بدعوى النسيان إذا كان مسلما يرى وجوب التسمية.

كما أن الظاهر اعتبار ذكر التسمية بعنوان كونها على الذبيحة، فلا يجزئ التسمية الاتفاقية التي لم تكن بالعنوان المزبور، و لا أقل من الشك في حصول التسمية المعتبرة بدون ذلك، و الأصل عدم التذكية.

و كذلك الظاهر اعتبار المقارنة العرفية فيها على وجه يصدق التسمية عليها، فلا يجزئ ذكرها عند مقدمات الذبح، كربط المذبوح و نحوه،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1): «من لم يسم إذا ذبح فلا تأكله».

ثم إنه لا يخفى عليك عدم وجوب تدارك التسمية بعد تمام الذبح مع النسيان بلا خلاف أجده فيه، كما في الدروس و المسالك، و من هنا وجب حمل الأمر بذلك في صحيح ابن مسلم (2)

السابق على ذلك.

هذا و في المسالك «و لو قال: بسم اللَّه و محمد بالجر لم يجز، و كذا لو قال: و محمد رسول اللَّه، و لو رفع فيهما لم يضر» و لعله لأنه شرك في الأول على وجه يندرج في الإهلال به لغير اللَّه، بل لا يصدق الذبح على اسم اللَّه الظاهر في إرادة الاختصاص منه، خصوصا مع ملاحظة

نصوص «إنما هو الاسم، و لا يؤمن عليه غير المسلم» (3)

بخلاف صورة الرفع التي يصدق معها التسمية تامة، و عطف الشهادة للرسول (صلى اللَّه عليه و آله) زيادة خير غير منافية، بخلاف ما لو قصد التشريك.

و لو قال: «بسم اللَّه و اسم محمد» قاصدا أذبح باسم اللَّه و اتبرك


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبائح- الحديث 2 و 4 و 24.

ج 36، ص: 116

باسم محمد فلا بأس، و إن أطلق أو قصد التشريك لم يحل.

و أما الأخرس ففي القواعد «عليه أن يحرك لسانه» و زاد في كشف اللثام «و يخطر الاسم بباله كما في سائر الأذكار» و في المسالك «إن كانت له إشارة مفهمة حلت ذبيحته و إلا فهو كغير القاصد» قلت: لا فرق بين المقام و غيره مما اعتبر فيه اللفظ الذي اكتفي فيه بإشارة الأخرس على حسب ما أوضحناه في العبادات و المعاملات.

و لو سمى الجنب و الحائض بنية إحدى العزائم ففي القواعد إشكال، و لعله من الدخول في العموم، و من النهي المنافي للوجوب، و لكن لا يخفى عليك أن الأقوى الأول، و لا منافاة بين الوجوب الشرطي المعاملي و الحرمة.

و لو وكل المسلم كافرا في الذبح و سمى المسلم لم يحل و إن شاهده أو جعل يده معه فقرن التسمية بذبحه، لظهور الأدلة في اعتبار اتحاد الذابح و المسمى، و لا أقل أن يكون هو المتيقن منها، نعم لا بأس بذبح المسلمين المسميين دفعة واحدة، لإطلاق الأدلة، و في الاجتزاء بالتسمية من أحدهما أحوطه و أقواه العدم، و اللَّه العالم.

[الشرط الثالث اختصاص الإبل بالنحر و ما عداها بالذبح]

الشرط الثالث: اختصاص الإبل بالنحر، و ما عداها بالذبح في الحلق تحت اللحيين، فان نحر المذبوح أو ذبح المنحور فمات لم يحل لعدم التذكية الشرعية و لو لأن الأصل عدمها. نعم لو أدركت ذكاته فذكي على الوجه الشرعي بأن ذبح المذبوح بعد نحره أو نحر المنحور بعد ذبحه قبل الموت ففي محكي النهاية حل لوجود المقتضي و هو التذكية المعتبرة شرعا، و يكون الذبح و النحر الأولان كالجرح الذي لا يمنع التذكية قبل الموت. و لكن فيه تردد عند المصنف

ج 36، ص: 117

و غيره ممن اعتبر الاستقرار إذ لا استقرار للحياة بعد الذبح أو النحر و إن بقي متحركا.

و لعل التحقيق أن الحكم يرجع إلى تحقيق ما يعتبر في الحل من الحياة فإن اعتبرنا استقرارها لم يحل هنا، لفقد الشرط، و إن اكتفينا بالحركة بعد الذبح و النحر و خروج الدم أو أحدهما كما هو المختار لزم الحكم بالحل إذا وجد الشرط، لكون النحر و الذبح حينئذ كالجرحين.

إنما الكلام فيما ذكره المصنف و غيره بل لا أجد فيه خلافا من اختصاص الإبل بالنحر و غيرها بالذبح من حيث خلو النصوص عن ذلك، إذ الذي عثرنا عليه منها

صحيح صفوان (1)

«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ذبح البقر، فقال: للبقر الذبح، و ما نحر فليس بذكي».

و خبر يونس بن يعقوب (2)

«قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام):

إن أهل مكة لا يذبحون البقر، إنما ينحرون في لبة البقر، فما ترى في أكل لحمها؟ فقال فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ (3) لا تأكل إلا ما ذبح».

و مرسل الصدوق (4) قال الصادق (عليه السلام): «كل منحور مذبوح حرام، و كل مذبوح منحور حرام».

و مرسل الطبرسي في مجمع البيان (5)

«قيل للصادق (عليه السلام):

إن أهل مكة يذبحون البقر في اللبة، فما ترى في أكل لحومها؟ فسكت هنيئة، ثم قال: قال اللَّه تعالى فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ (6) لا تأكل إلا ما ذبح من مذبحه».

و ليس في شي ء منها اختصاص الإبل بالنحر و غيرها بالذبح، و لعله لذا


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 71.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 71.

ج 36، ص: 118

توقف المقدس الأردبيلي و الخراساني في الكفاية تبعا لما يحكى عن بعض الحواشي لثاني الشهيدين من عدم قيام دليل صالح للفرق بين الإبل و غيرها في الاختصاص بالنحر و الذبح، خصوصا بعد

الخبر عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) (1)

«إنه أمر بنحر الفرس».

و فيه أن المرسل منها المنجبر بعمل الأصحاب دال على عدم جواز الذبح للمنحور و بالعكس، و لا ريب في وقوع النحر على الإبل، كما يقضي به النصوص الواردة في كيفية نحرها (2)

فلا يشرع فيها الذبح حينئذ بل في كشف اللثام «يمكن التمسك في وجوب نحر الإبل بقوله تعالى (3):

«وَ انْحَرْ» لأن الوجوب ظاهره، و من البين أنه لا يجب نحر غيرها، و لكن ورد (4)

في معناه رفع اليدين بالتكبيرة في الصلاة و الاستقبال».

قلت: لكنا في غنية عن ذلك بما عرفت، مضافا إلى ما سمعته من بعض النصوص في تذكية المستعصي الدال على النحر للإبل، ف

في الخبر منها (5)

«إذا امتنع عليك بعير و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك فان خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته برمح بعد أن تسمي فكل إلا أن تدركه و لم يمت بعد فذكه».

و في آخر (6)

«بعير تردى في بئر


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 35 و 37- من أبواب الذبح من كتاب الحج و الباب- 3- من أبواب الذبائح.
3- 3 سورة الكوثر: 108- الآية 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 4 و 13 و 15 و 16 و 17 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح- الحديث 4.

ج 36، ص: 119

كيف ينحر؟ فقال: تدخل الحربة فتطعنه بها و تسمي و تأكل»

إلى غير ذلك مما يدل على أن البعير ينحر.

بل عن الخلاف و الغنية النحر في الإبل و الذبح فيما عداها هو السنة الشريفة بلا خلاف، ثم قالا: «و لا يجوز في الإبل الذبح و في ما عداها النحر، فان فعل ذلك لم يحل الأكل بدليل إجماع الطائفة».

و أما عدم مشروعية النحر في غيرها فلما سمعته في البقر، و لا قائل بالفصل، و للنصوص الواردة في كيفية الذبح (1)

الظاهرة في أنها قطع الأوداج الأربعة بطريق الذبح على وجه يظهر منها أنه هو الأصل في التذكية، و أن الخارج منها خصوص الإبل، بل يكفي في ذلك أنه الكيفية المتعارفة، فلا يشرع فيها النحر حينئذ، لما سمعته من أن المذبوح لا يجوز أن ينحر كالعكس.

بل ظاهر المرسل المزبور (2)

أنه ليس في الحيوان ما يجوز فيه الكيفيتان، فمع فرض كون الكيفية المتعارفة في غير الإبل الذبح بل هو المنساق من تذكيته يتعين فيه حينئذ، و لا يجزئ النحر حتى لو سلم اشتماله على قطع الأوداج الأربعة، خصوصا مع أصالة عدم التذكية، و خصوصا مع اتفاق الأصحاب ظاهرا على ذلك، بل في كشف اللثام في شرح قول الفاضل في القواعد: «الخامس: اختصاص الإبل بالنحر و باقي الحيوانات بالذبح في الحلق تحت اللحيين» قال: «إجماعا كما في الخلاف و الغنية و السرائر» بل عن الشهيد الثاني و أتباعه الإجماع أيضا على ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 2 و 3 و 4- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 120

و خبر الفرس (1)

مع خروجه عن الحجية موافق للعامة، بل ربما يشهد له كون بعض رواته من العامة، و بالجملة لا وجه للوسوسة في الحكم المزبور بقسميه.

و أما كون محل الذبح في الحلق تحت اللحيين فقد سمعت ما في

الصحيح (2) من أن «النحر في اللبة و الذبح في الحلقوم»

كما أنك سمعت ما حكاه في كشف اللثام من معقد الإجماعات الثلاثة الذي منه ذلك أيضا، و في الرياض «و اعلم أن محل الذبح الحلق تحت اللحيين بلا خلاف يظهر، لأصالة التحريم في غيره مع عدم انصراف الإطلاقات إلا إلى الحلقوم تحت اللحيين، لأنه المعروف المتعارف، فيجب حملها عليه، و

في الصحيح (3)

«لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها».

قلت: لا إشكال في شي ء من ذلك، إنما الكلام فيما يحصل فيه قطع الأوداج الأربعة و كان في غير المحل المعتاد، بل كان في وسط الرقبة أو أصلها، و لعله يندرج في قولهم: «تحت اللحيين» أيضا اللهم إلا أن يقال: إنه لا يقضي بقطعها أجمع في غير الذبح بالمحل المعتاد الذي هو تحت اللحيين، خصوصا مع أصالة عدم التذكية.

و أما ما هو متعارف في زماننا هذا من اعتبار جعل العقدة التي في العنق المسماة في لسان أهل هذا الزمان بالجوزة في الرأس على وجه يكون القطع من تحتها فلم أجد له أثرا في شي ء من النصوص و الفتاوى، اللهم إلا أن لا يحصل قطع الأوداج الأربعة بدون ذلك، و لا أقل من الشك و الأصل عدم التذكية، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف في إبانة الرأس عامدا خلاف فعن الإسكافي و ابن حمزة و القاضي و النهاية و الفاضل في المختلف و الشهيدين و ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبائح- الحديث 2 إلا أنه لم يتقدم.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبائح- الحديث 1.

ج 36، ص: 121

المقنعة و المقنع و المراسم الحرمة، للنهي في صحيحي الحلبي (1)

و ابن مسلم (2)

المتقدمين في التسمية الدال على الحرمة، و

صحيح الحلبي الآخر (3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أ يؤكل منه؟ قال: نعم، و لكن لا يتعمد قطع رأسه»

و مفهوم

الموثق (4)

«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) و سئل عن الرجل يذبح فتسرع السكين فتبين الرأس، فقال: الذكاة الوحية لا بأس بأكله ما لم يتعمد ذلك»

المحمول على الحرمة و لو بقرينة النهي السابق، و كذا

خبر الحسين ابن علوان (5) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «أنه كان يقول: إذا أسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا بأس بأكلها».

و عن الشيخ في الخلاف و ابن إدريس و الفاضل في جملة من كتبه و كثير الكراهة، بل عن بعض نفي الخلاف فيه بين المحصلين، بل عن الشيخ في الخلاف دعوى إجماع الصحابة عليه، و لعله لذا قال المصنف:

أظهره الكراهية حملا للنهي المزبور عليه و لو بشهادة ما عرفت فضلا عن البأس في المفهوم السابق الذي هو في الأكل الذي ستسمع القول بحله من بعض من قال بحرمة الإبانة، على أن الصحيحين الأولين لم يعلم النهي فيهما، إذ من المحتمل كون «لا» فيهما للنفي على أن يكون مدخولها معطوفا على قوله: «يحسن» و حينئذ فغايتهما ثبوت البأس الذي هو أعم من الحرمة في خصوص صورة ترك التسمية و إن كان لا قائل بالفرق بينها و بين غيرها.

و دعوى إرادة الحرمة منه هنا- بشهادة السياق الذي مقتضاه السؤال


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 6.

ج 36، ص: 122

عنها و باقترانه بالانخاع الذي هو للحرمة- يدفعها منع الحرمة في الثاني أيضا، كما تسمعه إنشاء اللَّه، و أن مقتضى السياق المزبور حينئذ حرمة الأكل التي لا يقول بها كثير منهم، بل عن بعضهم نفي الخلاف في الحل، فانحصر النهي حينئذ في صحيح الحلبي الآخر خاصة، و هو مع غلبة استعماله فيها يمكن إرادتها منه هنا و لو بمعونة ما عرفت، فيقصر عن معارضة الأصل، خصوصا بعد إمكان دعوى أن الكراهة تلوح منه و لو من جهة الاستدراك فيه، و احتمل كونه كالموثق المزبور الذي قد عرفت إرادة الكراهة من البأس فيه، و ك

خبر علي بن جعفر المروي عن كتابه (1) عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الرجل ذبح فقطع الرأس قبل أن تبرد الذبيحة كان ذلك منه خطأ أو سبقه السكين أ يؤكل ذلك؟ قال:

نعم و لكن لا يعود»

بل لعل جمعه مع السلخ في النبوي الآتي (2)

المحمول على الكراهة مشعر بذلك.

و على كل حال فالظاهر عدم حرمة الذبيحة بذلك، كما صرح به كثير، و منهم جملة من القائلين بالحرمة، بل عن بعض نفي الخلاف فيه، لإطلاق الأدلة كتابا (3)و سنة (4)

بل ظاهر النصوص المزبورة (5)

أنها ذكاة و حية أي سريعة، بل لو جعل «السكين» مفعولا في خبر الحسين ابن علوان المتقدم كان كالصريح في حل الأكل حينئذ، و كذا صحيح الطير (6)

.

خلافا للمحكي عن صريح النهاية و ابن زهرة و ظاهر ابن حمزة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 7.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبائح.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 5.

ج 36، ص: 123

و الإسكافي و القاضي، تمسكا بدعوى أن الذبح المشروع هو المشتمل على قطع الأربعة خاصة، فالزائد عليها يخرج عن كونه ذبحا شرعيا، فلا يكون مبيحا، و جرى مجرى ما لو قطع عضوا من أعضائه فمات، و هي كما ترى مجرد دعوى لا دليل عليها، بل مقتضاها حرمة الزيادة و إن لم تكن إبانة، و لا أظن أحدا يقول بذلك، فلا يقطع بمثلها إطلاق الأدلة كتابا و سنة فضلا عن خصوصها من صحيح الطير و غيره.

و من الغريب دعوى ابن زهرة الإجماع على ذلك، مع أنه لم يحك عن أحد التصريح بذلك إلا عن النهاية، و لم أتحققه أيضا، و من هنا يقوى إرادة حاكيه شيئا آخر كما احتمله في الرياض، نعم لا بأس بالقول بالكراهة حملا للبأس في الأكل مع العمد المفهوم من بعض النصوص السابقة عليها.

كل ذلك مع التعمد، أما مع الغفلة أو سبق السكين و نحوهما فلا حرمة و لا كراهة، لا في الإبانة و لا في الأكل بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق الأدلة و خصوصها،

قال محمد بن مسلم (1)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن مسلم ذبح و سمى فسبقته حديدته فأبان الرأس.

فقال: إن خرج الدم فكل»

و قال سماعة (2): «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) سئل عن الرجل يذبح فتسرع السكين فتبين الرأس، فقال: لا بأس به إذا سال الدم»

و اللَّه العالم.

و كذا يكره سلخ الذبيحة قبل بردها أو قطع شي ء منها وفاقا للأكثر بل المشهور، ل

مرفوع محمد بن يحيى (3)

«الشاة إذا ذبحت و سلخت أو سلخ شي ء منها قبل أن تموت فليس يحل أكلها»

المحمول عليها بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الذبائح- الحديث 1.

ج 36، ص: 124

قصوره عن إثبات الحرمة،

كالمرسل عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) (1)

«إنه نهى أن تسلخ الذبيحة أو تقطع رأسها حتى تموت».

خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية و بني زهرة و حمزة و البراج من حرمة الأكل به، بل عن ابن زهرة منهم دعوى الإجماع عليه، لظاهر الخبر المزبور الذي قد عرفت قصوره عن ذلك.

و من الغريب ما عن الشهيد من أن المفهوم في صناعة اصطلاح أرباب الحديث أن قوله: «رفعه» بمعنى «أسنده» فلا يكون مرسلا، إذ هو كما ترى مع تسليمه لا يلزم من إسناده على هذا الوجه خروجه عن الإرسال بجهل الواسطة، و الإجماع المزبور متبين عدمه.

و من ذلك كله يظهر لك ضعف القول المحكي عنه من حرمة ذلك، للخبر المزبور، و لانه نوع تعذيب للحيوان المنهي عنه و إن حل الأكل، لإطلاق الأدلة، بل قد يقال: لا دلالة في الخبر المزبور على النهي عن أصل الفعل، بل أقصاه عدم حل الأكل، و هو أعم من حرمة الفعل، بل و كراهته، و لا دليل على كون ذلك من التعذيب المنهي عنه، بل هو من إراقة الدماء المأذون فيها (2)

و من هنا كان دليل كراهة السلخ المزبور النبوي (3)

المذكور كما أن دليل كراهة الأكل الخبر (4)

المسطور.

لكن يبقى دليل كراهة قطع شي ء منها، و لعله لأنه إيلام للحيوان و

للنبوي (5)

«إن اللَّه كتب الإحسان على كل شي ء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، و ليحد أحدكم شفرته، و ليرح ذبيحته»


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
5- 5 سنن البيهقي- ج 9 ص 280.

ج 36، ص: 125

و للخروج عن شبهة الخلاف، فإن المحكي عن المبسوط أنه قال: «لا يجوز تقطيع لحمها قبل أن تموت، فان خولف و قطع قبل أن تخرج الروح لا يحل عندنا» و عن الكافي «أن ما قطع منها قبل البرد ميتة» و كأنه جعله قطعة مبانة من حي، و إن كان فيه منع واضح، ضرورة كونه بعد التذكية، فلا تشمله تلك النصوص الظاهرة في غيره، و من الغريب ما في كشف اللثام من أنه يتجه التحريم للتعذيب و إن حل الأكل، إذ قد عرفت صعوبة دليل الكراهة فضلا عن التحريم، و اللَّه العالم.

و لو انفلت الطير منه جاز أن يرميه بنشاب أو سيف أو رمح أو نحو ذلك مما سمعته من آلة الصيد، لصيرورته ممتنعا، فيجري عليه حكم الحيوان الممتنع، مضافا إلى ما تسمعه من خبر حمران (1)

فيه بالخصوص، و حينئذ فإن سقط و أدرك ذكاته ذبحه و إلا كان حلالا كالحيوان الممتنع بالأصالة، بل و كذا الكلام في غير الطير من الحيوان إذا توحش، كما تقدم الكلام فيه مفصلا، و اللَّه العالم.

[الشرط الرابع الحركة الدالة على الحياة بعد الذبح أو النحر]

الشرط الرابع الحركة الدالة على الحياة أو استقرارها بعد الذبح أو النحر كافية في صحة الذكاة بل عن الصدوق اعتبارها خاصة دون الدم المعتدل، و اختاره الفاضل في المختلف.

و قال بعض (الأصحاب خ) و هو المفيد و الإسكافي و القاضي و الديلمي و الحلبي و سلار و ابن زهرة لا بد مع ذلك من خروج الدم المعتدل، بل عن الأخير دعوى الإجماع عليه.

و قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و أكثر المتأخرين:

يجزئ أحدهما (11) و ربما حكي قول رابع، و هو اعتبار خروج الدم المعتدل خاصة، و نسب إلى الشهيد في الدروس، و هو و هم قطعا، قال


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الذبائح- الحديث 2.

ج 36، ص: 126

فيها: «و لو اشتبه اعتبر بالحركة و خروج الدم، و ظاهر الأخبار و القدماء أن خروج الدم و الحركة أو أحدهما كاف و لو لم يكن فيه حياة مستقرة» إلى آخر كلامه الذي هو كأوله صريح في خلاف النسبة المزبورة. نعم ظاهره أولا اعتبارهما معا، و ربما يشعر آخر كلامه بالاكتفاء بالحركة.

و على كل حال فالأصل في هذا الاختلاف اختلاف النصوص، ففي

صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن الذبيحة، قال: إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي».

و خبر رفاعة (2) عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: «في الشاة إذا طرفت عينها أو حركت ذنبها فهي ذكية».

و صحيح زرارة (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «كل كل شي ء من الحيوان غير الخنزير و النطيحة و ما أكل السبع، و هو قول اللَّه عز و جل:

إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ (4) فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله».

و في مرسل العياشي (5) عنه (عليه السلام) أيضا في قول اللَّه: «وَ الْمُنْخَنِقَةُ» (6) قال: «التي يخنق في رباطها، و الموقوذة التي لا تجد ألم الذبح، و لا تضطرب و لا يخرج لها دم»

إلى آخره.

و خبر أبان بن تغلب (7) عنه (عليه السلام) أيضا «إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال».

و خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه (8) عنه (عليه السلام) «في


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
6- 6 سورة المائدة: 5- الآية 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 6.

ج 36، ص: 127

كتاب علي (عليه السلام) إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب فكل منه، فقد أدركت ذكاته»

و نحوه

خبر عبد اللَّه بن سليمان (1) عنه (عليه السلام) أيضا، إلا أنه قال: «و أدركته فذكه».

و صحيح أبي بصير المرادي (2)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الشاة تذبح فلا تتحرك، و يهرق منها دم كثير عبيط، فقال: لا تأكل، إن عليا (عليه السلام) كان يقول: إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل».

و خبر الحسين بن مسلم (3) قال: «كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) إذ جاء محمد بن عبد السلام، فقال له: جعلت فداك يقول لك جدي: إن رجلا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها، فلم يرسل معه بالجواب، و دعا سعيدة مولاة أم فروة، فقال لها: إن محمدا جاءني برسالة منك، فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه، فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا و أطعموا، و إن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه»

و نحوه

خبر بكر بن محمد (4) عنه (عليه السلام) أيضا إلا أنه قال: «بفأس من مذبحها، فوقذها ثم ذبحها».

و صحيح الشحام (5) المتقدم سابقا عنه (عليه السلام) أيضا «في التذكية بغير الحديد- إلى أن قال- إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس».

و خبر ليث المرادي (6)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 4.

ج 36، ص: 128

الصقورة و البزاة و عن صيدهما، فقال: كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته، و آخر الذكاة إذا كانت العين تطرف و الرجل تركض و الذنب يتحرك».

و خبري محمد بن مسلم (1)

و سماعة (2)

المتقدمين سابقا في مسألة إبانة الرأس،

ففي الأول منهما «إن خرج الدم فكل»

و في الثاني «لا بأس به إذا سال الدم».

إلا أنهما في مساق بيان عدم ضرر الإبانة، لا في تعرف حياة الحيوان، كما أن صحيح الشحام في بيان حل التذكية بغير الحديد إذا كان صالحا لإخراج الدم بقطع أعضاء الذبيحة، لا في تعرف حياة الحيوان و عدمها.

و على كل حال فصحيح أبي بصير السابق صريح أو كالصريح في الدلالة على كون الحركة بعد الذبح، كما عليه الأصحاب كافة على ما في المسالك و الرياض، بل فيه عن الغنية إجماع الإمامية عليه، و منه يعلم المراد من غيره من النصوص التي فيها نوع إجمال بالنسبة إلى ذلك.

نعم في بعض الأخبار السابقة كخبر أبان بن تغلب بل و خبري عبد الرحمن و عبد اللَّه بن سليمان بل و خبر ليث ظهور باعتبار الحركة قبل التذكية، لكن في الرياض أنها مشتركة في قصور السند، محتملة للتأويل بما يرجع إلى الأول بنوع من التوجيه و إن بعد في خبر أبان دون غيره خصوصا الخبرين المتضمنين قول علي (عليه السلام) الذي هو مختص بالحركة بعد الذبح، كما نصت عليه الصحيحة السابقة المتضمنة للنقل عنه (عليه السلام) الكاشف عن كون المراد منه حيث يذكى.

و في كشف اللثام «إن خبر أبان لا يدل على الاجتزاء بما كان من الحركة قبل الذبح، و هو ظاهر، و لعله لأنه ليس فيه إلا الاذن بذبحها


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبائح- الحديث 4.

ج 36، ص: 129

في تلك الحال، و هي لا تنافي اعتبار الحركة بعد الذبح في حل أكلها.

و على كل حال فالظاهر اعتبارهما بعد الذبح، ليعلم منهما كون المذبوح قد تم ذبحه و هو حي، بخلاف المتحرك قبل التذكية، فإنه لا دلالة فيها على وقوع تمام التذكية حال حياته، و الاستصحاب مع أنه قاصر عن إثبات ذلك ظاهر الأدلة عدم اعتباره هنا و إلا لاكتفى به و إن لم تحصل حركة قبل و لا بعد.

بل قد يستفاد منها عدم الاكتفاء بالحركة المقارنة للذبح على وجه يكون منتهاها بمنتهى الذبح، فإن أقصاها مقارنة إزهاق روحه لتمام الذبح و قد يتوقف في الحل بذلك، بل ستسمع التصريح من ثاني الشهيدين باعتبار تأخر الحياة عن الذبح و لو قليلا، بل لعله ظاهر غيره أيضا و إن كان إطلاق الأدلة يقتضي خلافه، و لكن لا ريب في أنه الأحوط، خصوصا مع احتمال التعبد في النصوص كما ستعرف.

نعم لو فرض العلم بكونه حيا إلى ما بعد تمام الذبح و لم تحصل منه حركة و لا خرج منه دم اتجه الحل و إن كان تحقق هذا الفرض غير معلوم، و الأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في الترجيح بين الأقوال المزبورة، و لا ريب في رجحان قول الصدوق من حيث النظر إلى النصوص، ضرورة استفاضة نصوص الحركة (1)

و صراحتها، بخلاف نصوص الدم (2)

التي ليس شي ء منها فيما نحن فيه من الحيوان المشتبه إلا خبر البقرة (3)

الذي هو مع قصور سنده


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 3 و الباب- 9- منها- الحديث 2 و 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 2.

ج 36، ص: 130

غير صريح، بل قيل و لا ظاهر، لاحتماله الحمل على حصول الحركة بعد التذكية، سيما مع كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلا بعد التذكية، بخلاف الذبيحة المشتبهة المتحركة بعدها حركة ما جزئية، فإنه غير معلوم خروج الدم منها معتدلا. على أنه معارض بالصحيح (1)

الصريح في عدم كفاية خروج الدم، و حمله على كون الدم متثاقلا خلاف ظاهره، لكنه مرجوح من حيث الفتوى، إذ لم نعرفه إلا للصدوق، و وافقه عليه بعد مضي جملة من الأزمنة الفاضل في المختلف.

و منه يعلم أن الصحيح المزبور معرض عنه، ضرورة ظهوره في أن المعتبر الحركة لا الدم و لا هما معا، و قد عرفت أن من عدا الصدوق و الفاضل في المختلف على اعتبار الدم في الجملة، و بذلك يرجح خبر البقرة (2)

عليه، بل ربما كان فيه إشعار بمخالفة العامة، و أن ذلك علامة خفية غير الحركة التي هي علامة مشهورة، و حيث ظهر من النصوص أن كلا منهما علامة لم يحتج إلى الجمع بينهما، بل كان كل منهما علامة على ذلك، خصوصا بعد خلو النصوص أجمع عن الإشارة إلى كون مجموعهما علامة، بل ظاهرها خلافه، بل لو كان كذلك كان من تأخير البيان عن وقت الحاجة، بل ربما كان في النصوص ما يشير إلى عدمه بالخصوص، كمرسل العياشي (3)

المتقدم في تفسير الموقوذة التي اعتبر فيها عدم الحركة و عدم خروج الدم، إذ لو كان مجموعهما العلامة لم يكن عدمهما معا العلامة، بل كفى عدم واحد منهما.

و من الغريب ما في الرياض من دعوى الجمع بين النصوص بإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 2.

ج 36، ص: 131

الغنية على اعتبارهما معا الموهون بمصير بعض القدماء و أكثر المتأخرين إلى خلافه.

و أغرب منه تأييد ذلك بأصل الحرمة الذي يكفي في قطعه بعض ما عرفت، فضلا عن النصوص المستفيضة (1)

في الحركة التي هي لا إشكال في دلالتها على كون الحيوان حيا، إذ الفرض أنها حركة حي، فيشمله حينئذ كل ما دل على حلية الحيوان الحي المذكى، فعدم الاكتفاء بها مما لا وجه له، كما أنه لا وجه لعدم اعتبار الدم المعتدل، خصوصا بناء على الاكتفاء بمقارنة الازهاق للذبح من غير اعتبار لتأخر الحياة، فإنه يمكن حينئذ تعرفه بالدم خاصة الذي لا يخرج عادة من الميت قبل الذبح.

و بذلك كله ظهر أن ما عليه المتأخرون أقوى، و إليه أشار المصنف بقوله و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها الجمع بين النصوص في مثل المقام الذي هو في بيان تعرف كون الحيوان حيا بالاكتفاء بأحدهما لا بمجموعهما الذي لا إشارة في شي ء من النصوص اليه، بل فيها ما يدل على خلافه و لكن مع ذلك كله فلا ريب في أنه أحوط.

نعم لا يجزئ خروج الدم متثاقلا إذا انفرد عن الحركة الدالة على الحياة قطعا، لعدم ما يدل على كونه علامة، بل الصحيح المزبور دال على عدمه، كالمفهوم في خبر البقرة (2)

و اللَّه العالم.

و كيف كان فقد ذكر المصنف و جماعة أنه يستحب في ذبح الغنم أن يربط يداه و رجل واحدة و يطلق الأخرى و يمسك صوفه أو


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبائح- الحديث 2.

ج 36، ص: 132

شعره حتى يبرد لكن لم يحضرنا الآن كما اعترف به في كشف اللثام و غيره سوى

خبر حمران بن أعين (1) عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الذبح، فقال: إذا ذبحت فأرسل و لا تكتف، و لا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق، و الإرسال للطير خاصة، فإن تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه، فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح، و إن كان شي ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره، و لا تمسكن يدا و لا رجلا، فأما البقر فأعقلهما و أطلق الذنب، و أما البعير فشد أخفافه إلى آباطه و أطلق رجليه، و أن أفلتك شي ء من الطير و أنت تريد ذبحه أو ند عليك فارمه بسهمك، فإذا هو سقط فذكه بمنزلة الصيد».

نعم في المسالك بعد أن ذكر أن مستند الحكم روايات: منها حسنة حمران إلى آخرها قال: «و المراد بقوله (عليه السلام): «و لا تمسك» إلى آخره أنه يربط يديه و إحدى رجليه من غير أن يمسكهما بيده» و هو حسن لو كان هناك دليل على الربط المزبور.

و على كل حال يستفاد منه ما ذكره هو و غيره من أنه يستحب في ذبح البقر أن يعقل يداه و رجلاه و يطلق ذنبه بل و ما ذكره في الإبل من أنه يستحب أن يربط أخفافه إلى آباطه و تطلق رجلاه على معنى جمع خفي يديه و ربطهما مما بين الخفين إلى الإبطين، و في

صحيح ابن سنان (2)

«يربط يديها ما بين الخف إلى الركبة».

بل في المسالك «ليس المراد في الأول- أي حسن حمران- أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 133

يعقل خفي يديه معا إلى آباطه، لأنه لا يستطيع القيام حينئذ، و المستحب في الإبل أن تكون قائمة» و إن كان فيه أنه خلاف ظاهر الأخفاف فيه و اليدين في الصحيح، نعم

روي (1)

«أنه رئي الصادق (عليه السلام) أنه ينحر بدنه معقولة يدها اليسرى»

و في كشف اللثام «عن بعض الكتب (2)

«أنه سئل كيف ينحر؟ فقال: يقام قائما حيال القبلة، و تعقل يده الواحدة، و يقوم الذي ينحره حيال القبلة، فيضرب في لبته بالشفرة حتى يقطع و يفري،»

و كذلك

روت العامة (3)

«أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) و أصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها»

و الأمر سهل بعد كون الحكم مستحبا، لقصور ما سمعت عن إثبات الوجوب، فحينئذ لا بأس بالحكم باستحباب كل من الكيفيات المزبورة.

و كذا يستفاد من خبر حمران أيضا ما ذكره هو و غيره من أنه يستحب في الطير أن يرسل بعد الذباحة بل سمعت

قوله (عليه السلام) فيه: «الإرسال للطير خاصة»

إلى غير ذلك من الوظائف التي ذكر في المسالك جملة منها ناسبا لها إلى النص، و هي تحديد الشفرة و سرعة القطع، و أن لا يري الشفرة للحيوان، و أن يستقبل الذابح القبلة، و لا يحركه من مكان إلى آخر، بل يتركه إلى أن تفارقه الروح، و أن يساق إلى الذبح برفق، و يضجع برفق، و يعرض عليه الماء قبل الذبح، و يمر السكين بقوة و تحامل ذهابا و عودا، و يجد في الإسراع، فيكون أرخى و أسهل.


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 3 من كتاب الحج.
2- 2 المستدرك- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
3- 3 سنن البيهقي- ج 5 ص 237.

ج 36، ص: 134

و في النبوي (1)

«أن اللَّه تعالى شأنه كتب عليكم الإحسان في كل شي ء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، و ليحد أحدكم شفرته، و ليرح ذبيحته».

و في آخر(2)

«أنه (صلى اللَّه عليه و آله) أمر أن تحد الشفار و أن توارى عن البهائم، و قال: إذا ذبح أحدكم فليجهز».

و قد تقدم في كتاب الحج (3) من النصوص ما يستفاد منه وظائف أخر، خصوصا نصوص الأضحية (4)

التي وقتها لمن كان بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر، و في الأمصار ثلاثة أيام.

و على كل حال فأول وقت ذبح ها أي الأضحية ما بين طلوع الشمس إلى غروبها من كل يوم، فلا تدخل الليالي حينئذ، أو إلى غروبها من آخر أيام التشريق، فتدخل حينئذ، و عن التحرير التردد في ذلك، كما تردد غيره أيضا في ابتداء الوقت أنه من طلوع الشمس أو بعد مضي مقدار صلاة العيد و الخطبتين، و إن جزم هنا في المسالك بدخول الليالي، و كون الوقت بعد مضي مقدار الصلاة و الخطبتين، و تحقيق الحال في كتاب الحج (5).

و تكره الذباحة ليلا إلا مع الضرورة

لنهي النبي (صلى اللَّه عليه و آله) عن ذلك، و لقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبان (6)

«كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يأمر غلمانه أن لا يذبحوا حتى يطلع


1- 1 سنن البيهقي- ج 9 ص 280.
2- 2 سنن البيهقي- ج 9 ص 280.
3- 3 راجع ج 19 ص 155 إلى 157 و 223 إلى 225.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح من كتاب الحج.
5- 5 راجع ج 19 ص 225.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبائح- الحديث 1.

ج 36، ص: 135

الفجر»

و «يقول إن اللَّه جعل الليل سكنا، قلت: جعلت فداك فان خفنا، قال: إن كنت تخاف الموت فاذبح» (1)

و منه بل و خبر الحلبي (2) الآتي يستفاد استثناء الضرورة بعد أن جعل خوف الموت مثالا لها.

و كذا يكره بالنهار يوم الجمعة إلى الزوال ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي (3)

«كان يكره رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) الذبح و إراقة الدماء يوم الجمعة قبل الصلاة إلا لضرورة».

و كذا يكره أن تنخع الذبيحة بمعنى إصابة نخاعها حين الذبح، و هو الخيط الأبيض وسط الفقار ممتدا من الرقبة إلى عجز الذنب، و في كشف اللثام «أنه اختلف فيه- أى الانخاع- كلام اللغويين، و هو يشمل إبانة الرأس، و في النهاية و الوسيلة و السرائر أنه هي» و على كل حال فقد عرفت سابقا قوة القول بكراهة الإبانة التي إن لم تكن انخاعا فلا ريب في استلزامها الانخاع بمعنييه.

و منه يعلم الوجه في النهي عنه في صحيحي

محمد بن مسلم (4) عن الباقر (عليه السلام) «استقبل بذبيحتك القبلة، و لا تنخعها حتى تموت»

و الحلبي (5) عن الصادق (عليه السلام) «لا تنخع الذبيحة حتى تموت، و ان ماتت فانخعها»

مضافا إلى ما عن المبسوط من نفي الخلاف عن كراهة النخع بمعنى البلوغ إلى النخاع، بل و إلى ما عساه يظهر من سوق بعض النصوص السابقة (6)

، و لعله لذا صرح المصنف في النافع بالكراهة فيها


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 4.

ج 36، ص: 136

مع ميلة إلى الحرمة في الإبانة.

و كذا يكره أن تقلب السكين فيذبح إلى فوق ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حمران (1) المحمول عليها، لقصوره عن إفادة الحرمة: «و لا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق».

و قيل و القائل بعض القدماء فيهما يحرم بل في الرياض خيرته في الأول منهما و لا ريب أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصل البراءة، و إطلاق الإذن بالذبح (2)

و غير ذلك مما تقدم سابقا في الإبانة التي هي انخاع و زيادة، و نفي الخلاف السابق، و ظهور السوق بعض النصوص (3)

و لا معارض لذلك سوى ظاهر النهي (4)

المتعارف إرادة الكراهة منه، فيكفي فيه أدنى قرينة.

و من الغريب ما في الرياض من استدلاله على الحرمة بظاهر النهي في الصحيحين(5)

قال: «مضافا إلى النهي المتقدم في الصحيح (6)

عن الإبانة، و هو يستلزم النخع» و فيه أن استلزامه للنخع لا يقتضي حرمته لو اقتصر عليه، نعم كراهة الإبانة كما عرفت تستلزم كراهة الانخاع، كما هو واضح.

و أغرب من ذلك دعوى الحرمة في الثاني الذي قد عرفت ضعف


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2 و 3- و غيرها من أبواب الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبائح- الحديث 2.

ج 36، ص: 137

الخبر (1)

المتضمن للنهي عنه، و لذا حمله المتأخرون كافة على الكراهة، بل لعله مراد من عبر بالنهي من القدماء.

و أغرب من ذلك ما عن الغنية من حرمة الذبيحة به أيضا مدعيا عليه إجماع الطائفة، مع أنا لم نعثر على موافق له على ذلك، و ليس في الخبر المزبور إلا النهي عنه، و هو أعم من ذلك.

و منه يعلم القول بها في الأول على القول بحرمته، اللهم إلا أن يدعى أن ذلك من كيفية الذبح، فتخرج بمخالفتها عن الذبح الشرعي، لكنها كما ترى، و كذا غيرها من التعسفات التي لا يخرج بها عن إطلاق ما دل (2)

على حصول التذكية بقطع الأوداج الأربعة فضلا عما عرفت، و اللَّه العالم.

و كذا يكره أن يذبح حيوان و آخر ينظر إليه ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم (3) القاصر عن إثبات الحرمة: «لا تذبح الشاة عند الشاة و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه»

و لعله المحكي

عنه (عليه السلام) من أنه «كان لا يذبح الشاة عند الشاة، و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه»

و من هنا حملهما المتأخرون على الكراهة، بل لا دلالة فيهما على غير المجانس، إلا أن أمر الكراهة مما يتسامح فيه، فما عن ظاهر النهاية من الحرمة واضح الضعف، و لعله لا يريدها، نعم في كشف اللثام «إلا أن يدخل ذلك في تعذيب الناظر، فيتجه التحريم، و ليس ببعيد» و فيه أنه في كمال البعد.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الذبائح- الحديث 1.

ج 36، ص: 138

و كذا يكره أن يذبح بيده ما رباه من النعم للنهي عنه في الخبر (1)

المحمول على الكراهة، لقصور السند، و لأنه ربما يورث قساوة القلب، إلى غير ذلك من الوظائف المستفادة من بعض النصوص السابقة و غيرها، كما أرسله في المسالك على ما سمعته سابقا، و اللَّه العالم.

[أما اللواحق]

[المسألة الأولى ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح و اللحوم يجوز شراؤه]

و أما اللواحق فمسائل:

الأولى:

ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح و اللحوم و الجلود يجوز شراؤه، و لا يلزم الفحص عن حاله أنه جامع لشرائط الحل أو لا، بل لا يستحب، بل لعله مكروه، للنهي عنه في

حسن الفضلاء (2)

«سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحم من الأسواق و لا يدرون ما صنع القصابون، قال: كل إذا كان ذلك في أسواق المسلمين، و لا تسأل عنه»

و إن كان هو في مقام رفع توهم الوجوب، نحو

صحيح أحمد ابن أبي نصر (3) عن الرضا (عليه السلام) سأله «عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أ ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري أ يصلى فيه؟ قال: نعم، إنا نشتري الخف من السوق و يصنع لي و أصلي فيه، و ليس عليكم المسألة»

و صحيحه الآخر (4) أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 6 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 3 من كتاب الطهارة.

ج 36، ص: 139

«سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرو لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية أ يصلي فيها؟ قال: نعم، ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم فضيق اللَّه عليهم».

قلت: و ظاهرها عدم الفرق بين (في ظ ل) ما يأخذ من السوق بين معلوم الإسلام و مجهوله و بين مستحل ذبائح أهل الكتاب من المسلمين و غيره، فما عن التحرير من اعتبار كون المسلم ممن لا يستحل ذبائح أهل الكتاب واضح الضعف، خصوصا بعد اشتهار الجواز بين المخالفين الذي كان في ذلك الزمان لا يعرف سوق إلا لهم، و مورد النصوص الأخذ منهم، هذا و قد تقدم في لباس المصلي (1) تفصيل الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه.

بل مما ذكرناه هناك من خبر السفرة (2)

و غيرها يستفاد الحكم في الجلد المطروح و اللحم كذلك في أرض المسلمين و إن لم يكن سوقهم.

و في المسالك هنا «و اعلم أنه ليس في كلام الأصحاب ما يعرف به سوق الإسلام من غيره، فكان الرجوع فيه إلى العرف، و في

موثق إسحاق (3) عن الصادق (عليه السلام) إنه قال: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام، قلت له: و إن كان فيها غير أهل الإسلام، قال: إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس»

- ثم قال-: و على هذا ينبغي أن يكون العمل، و هو غير مناف للعرف


1- 1 راجع ج 8 ص 53- 62.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 11 من كتاب الطهارة،.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 5 من كتاب الطهارة، عن العبد الصالح عليه السلام كما في التهذيب ج 2 ص 368 و في المسالك عن الكاظم عليه السلام.

ج 36، ص: 140

أيضا، فيتميز سوق الإسلام بأغلبية المسلمين فيه، سواء كان حاكمهم مسلما أو لا، و حكمهم نافذا أم لا، عملا بالعموم».

و فيه أنه قد لا يساعد العرف على بعض الأفراد، و لكن دعوى عدم اعتبار السوق أولى، فلاحظ ما تقدم منا في لباس المصلي (1) و تأمل، و اللَّه العالم.

[المسألة الثانية كل ما يتعذر ذبحه أو نحره جاز أن يعقر بالسيوف أو غيرها مما يجرح]

المسألة الثانية:

كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان إما لاستعصائه أو لحصوله في موضع لا يتمكن المذكي من الوصول إلى موضع الذكاة منه و خيف فوته جاز أن يعقر بالسيوف أو غيرها مما يجرح، و يحل و إن لم يصادف العقر موضع التذكية و لم يحصل الاستقبال، كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا (2).

و ربما ظهر من بعض هنا المفروغية من جواز عقره بالكلب، لصيرورته حينئذ بذلك كالصيد، و قد تقدم الاشكال منا في ذلك بالنسبة إلى خصوص المتردي، نعم ظاهر النص (3)

بل و الفتوى عدم الفرق بين خوف الفوت و عدمه، و لو تمكن من بعض أعضاء الذبح فالأولى مراعاته، و اللَّه العالم.


1- 1 راجع ج 8 ص 52- 54.
2- 2 في ص 48- 54.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 141

[المسألة الثالثة إذا قطعت رقبة الذبيحة من القفا و بقيت أعضاء الذباحة فإن كانت حياتها مستقرة ذبحت و حلت بالذبح]

المسألة الثالثة:

إذا قطعت رقبة الذبيحة من القفا مثلا و بقيت أعضاء الذباحة فإن كانت حياتها مستقرة ذبحت و حلت بالذبح و إلا كانت ميتة، و معنى المستقرة كما في التحرير و القواعد و الإرشاد التي يمكن أن يعيش مثلها اليوم و الأيام، و كذا لو عقرها السبع مثلا و لو كانت الحياة غير مستقرة- و هي التي يقضى بموتها عاجلا- لم تحل بالذباحة، لأن حركتها كحركة المذبوح.

و بالجملة فمدار موضوع المسألة و ما شاكلها على اعتبار استقرار الحياة في الحل بالذبح أو النحر، كما عن الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابني حمزة و إدريس و الفاضل و ولده و الشهيد في اللمعة و غاية المراد و السيوري في كنز العرفان و الصيمري في تلخيص الخلاف و المقدس الأردبيلي و الفاضل الأسترابادي و الجواد الكاظمي في آيات الأحكام، بل عن الصيمري نسبته إلى أكثر المتأخرين، بل في الروضة نسبته إليهم.

بل لعله ظاهر المرتضى و الطبرسي، إذ الأول في المسائل الناصرية بعد أن حكى فيها عن الناصر تحريم ما ذبح و هو يكيد بنفسه قال: «هذا صحيح، و الحجة فيه أن الذي يكيد بنفسه من الحيوان يدخل في عموم ما حرم اللَّه من الموقوذة، لأن الموقوذة هي التي قد اشتد جهدها و تعاظم ألمها، و لا فرق فيه بين أن يكون ذلك من ضرب لها أو من آلام يفعلها اللَّه تعالى بها يفضي إلى موتها، و إذا دخلت في عموم هذه اللفظة كانت محرمة بحكم الظاهر». و الثاني منهما قال في مجمع البيان: «و التذكية فرى الأوداج و الحلقوم لما فيه حياة، و لا يكون بحكم الميت».

ج 36، ص: 142

نعم ظاهر أكثر القدماء كالاسكافي و الصدوق و الشيخ في النهاية و بني حمزة و البراج و زهرة و أبي الصلاح و سلار و الطبرسي في جامع الجوامع بل و جملة من المتأخرين كالمحقق في النافع و العلامة في التبصرة و الشهيد في الدروس و الصيمري في غاية المرام و ثاني الشهيدين في المسالك بل هو صريح بعضهم كيحيى بن سعيد في الجامع و ثاني الشهيدين في الروضة الاكتفاء في حل الذبيحة بالحركة وحدها أو مع خروج الدم المعتدل، جمعا أو تخييرا من غير اعتبار استقرار الحياة بالمعنى المزبور، كما صرح به الأردبيلي في المجمع و الخراساني و الكاشاني و المجلسي و العلامة الطباطبائي و الفاضل النراقى و غيرهم من متأخري المتأخرين.

بل عن المبسوط الذي قد عرفت اشتراطه لاستقرار الحياة «قال أصحابنا: إن أقل ما يلحق معه الذكاة أن تجده تطرف عينه أو تركض رجله أو يحرك ذنبه، فإنه إذا وجده كذلك و لم يذكه لم يحل أكله» بل عنه

«روى أصحابنا «أن أقل ما يلحق معه الذكاة أن تجد ذنبه يتحرك أو رجله تركض»

محتجا بذلك على تحريم الصيد إذا أدركه و هو مستقر الحياة و لم يتسع الزمان لذبحه، قال: «و هذا أكثر من ذلك».

ثم إن القائلين باعتبار الاستقرار قد اختلفت عباراتهم، ففي المتن و غيره ما سمعته، و إليه يرجع ما عن المبسوط من أنه الذي يمكن أن يعيش يوما أو نصف يوم، كما عن الفاضل في التلخيص و ولده في الإيضاح و الصيمري في تلخيص الخلاف، بل عزاه فيه إلى المشهور، و احتاط به المقداد في التنقيح، و في محكي الخلاف «أن يتحرك حركة قوية، فان لم يكن فيه حركة قوية لم يحل أكلها، لأنها ميتة» و عن ابن إدريس «و علامتها أن تتحرك حركة قوية، و مثلها يعيش اليوم و اليومين» و كأنه أشار بذلك إلى اتحاد ما سمعته من المبسوط و الخلاف.

ج 36، ص: 143

و حكى العلامة و الشهيد و المقداد عن ابن حمزة «أن أدنى الاستقرار أن تطرف عينه أو تركض رجله أو يحرك ذنبه» و الذي عثرنا عليه من كلامه في الوسيلة في الصيد «أن ما صاده الكلب و أدركه صاحبه لم يخل إما أن يدركه و فيه حياة مستقرة أو غير مستقرة أو يدركه ممتنعا، فالأول إن اتسع الزمان لذبحه لم يحل إلا بعد الذكاة، و يعرف ذلك بأن يحرك ذنبه أو تركض رجله أو عينه تطرف» و المشار اليه بقوله: «و يعرف ذلك» كما يحتمل الاستقرار يحتمل الاتساع، فلا يتعين أن يكون تفسيرا للأول، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي الظاهر الثاني، لوقوع الكلام في حيزه و كونه المستفاد من النص (1)

الوارد فيه، و لأن المفهوم من كلامه في موضع آخر أن غير المستقر ما كان بحكم المذبوح، و معلوم أن الحركة يوجد في المذبوح، فلا يصح تفسير الاستقرار بها، و لو فسر بها فالمراد الحركة القوية، كما قاله الشيخ، فلا يكون تفسيرا آخر للاستقرار.

و أما التفسيرات الباقية فهي تقريبية متقاربة، بل متوافقة في الحقيقة فإن ذات الحركة القوية من شأنها إمكان البقاء يوما أو نصف يوم، بل و يومين، كما يفهم من كلام ابن إدريس السابق، و حينئذ فيرتفع الخلاف في معنى الاستقرار، و يبقى الكلام في اشتراطه و عدمه.

نعم ربما فسره بعض الناس بالذي لم يأخذ في النزع، مدعيا أنه هو الذي يمكن أن يعيش المدة المزبورة بخلاف من أخذ فيه، و إليه يرجع ما ذكره بعض آخر من أن غير المستقر هو الذي حركته حركة المذبوح، كمأخوذ الحشوة و نحوه مما يكون قاتلا كالذبح، و المستقر بخلافه.

و على كل حال فموضع النزاع ما علم كونه غير مستقر الحياة، فإنه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 144

قابل للتذكية على النفي مع فرض حصول الحركة منه و الدم أو أحدهما غير قابل لها على الإثبات و إن حصلت الحركة و الدم.

أما المشتبه فمقتضى اشتراط استقرار الحياة حرمته، لأن الشك في الشرط شك في المشروط، لكن ظاهرهم الاتفاق على الرجوع إلى العلامة الواردة لحل الذبيحة من الحركة و خروج الدم المعتدل، كما اعترف به العلامة الطباطبائي.

قال العلامة في التحرير: «و إذا تيقن بقاء الحياة بعد الذبح فهو حلال، و إن تيقن الموت قبله فهو حرام، و إن اشتبه اعتبر بالحركة القوية و خروج الدم المسفوح المعتدل لا المتثاقل، فان لم يعلم ذلك حرم».

و في القواعد «و إذا علم بقاء الحياة بعد الذبح فهو حلال، و إن علم الموت قبله فهو حرام، و إن اشتبه الحال كالمشرف على الموت اعتبر بخروج الدم المعتدل أو حركة تدل على استقرار الحياة، فإن حصل أحدهما حل و إلا كان حراما».

و في الإرشاد «و المشرف على الموت إن عرف أن حركته حركة المذبوح حرم، و إن ظن أنها حركة مستقر الحياة حل، و إن اشتبه و لم يخرج الدم المعتدل حرم».

و قال الشهيد في اللمعة بعد اشتراط أحد الأمرين من الحركة و خروج الدم المعتدل في الحل: «و لو علم عدم استقرار الحياة حرم».

و في الدروس «و لو ذبح المشرف على الموت كالنطيحة و الموقوذة و المتردية و أكيل السبع و ما ذبح من قفاه اعتبر في حله استقرار الحياة، فلو علم موته قطعا في الحال حرم عند جماعة، و لو علم بقاء الحياة فهو حلال، و لو اشتبه اعتبر بالحركة و خروج الدم».

و قال الصيمري في غاية المرام: «إذا ذبح المشرف على الموت

ج 36، ص: 145

كالنطيحة و المتردية و الموقوذة و أكيل السبع و ما ذبح من قفاه اعتبر في حله استقرار الحياة، فلو علم موته قطعا في الحال حرم عند أكثر المتأخرين، و إن علم بقاؤه فهو حلال، و إن اشتبه اعتبر بالحركة المعتبرة عند الذبح و خروج الدم المعتدل أو هما على الخلاف».

و قال الشهيد الثاني في المسالك: «و اعلم أنه على القول باعتبار استقرار الحياة و عدمه فالمرجع فيه إلى قرائن الأحوال المفيدة للظن الغالب بأحدهما، فإن ظهر به أحدهما عمل عليه، و إن اشتبه الحال رجع إلى الحركة بعد الذبح أو خروج الدم المعتدل على ما تقدم تقريره» إلى غير ذلك من كلماتهم المقتضية حل المشتبه مع تحقق العلامة، لكونها دالة على الاستقرار.

فيتجه أن يقال: إنها إذا كانت دليلا على الاستقرار جاز الاكتفاء بها، إذ يمتنع فرض وجودها مع العلم بانتفائه، و اللازم من ذلك سقوط اعتبار هذا الشرط، فإن فائدته إنما تظهر فيما علم عدم استقراره مع وجود العلامة المقررة، إذ مع انتفائها يثبت التحريم على القولين، أما على القول باشتراط الاستقرار فلانتفاء الشرط، و أما على القول بعدمه فلاناطة الحل عندهم بوجود العلامة، و المفروض انتفاؤها.

و دعوى إمكان الجواب عن ذلك- بأن العلامة المذكورة لا توجب القطع باستقرار الحياة، بل هي أمارة ظنية يحصل منها الظن به فلا يلتفت إليها مع العلم بعدم الاستقرار، لأن الظن لا يعارض القطع، أما مع الاشتباه فلا مانع من اعتبار ما يفيد الظن- يدفعها ظهور الأدلة في التلازم بين وجودها و بين الحياة الكافية في الحل، فيمتنع حينئذ فرض وجودها مع العلم بانتفائها كما ذكرناه أولا، و اعترف به المجيب المزبور.

و منه يعلم ما في كلامه متصلا بما ذكره من الجواب المزبور- قال:

ج 36، ص: 146

«و لقائل أن يقول: إن مقتضى ما ذكره العلامة في الإرشاد و الشهيد الثاني الاكتفاء بالظن في هذا الشرط، فيجب الاكتفاء بهذه العلامة، لإفادتها الظن بالاستقرار» ثم أجاب عنه بأنه بعد تسليم الاكتفاء بالظن أن الظن إنما يكتفى به مع انتفاء المعارض، و هو هنا متحقق، فان المفروض عدم الاستقرار، و يمتنع فرضه بدون العلم أو الظن بالانتفاء، فلم يسلم الظن الحاصل من الأمارة في هذا الفرض، بخلاف صورة الاشتباه- إذ قد عرفت أنه لا وقع لهذا الكلام من أصله بعد ظهور الأدلة في التلازم المزبور بينهما على وجه لا يمكن فرض وجود العلامة مع العلم بانتفاء الحياة الكافية في الحل، و ليس في كلامهما أن العلامتين المزبورتين من أمارتي الظن، بل ظاهرهما أن ذلك أمر شرعي، و لعله كذلك، ضرورة أنه لا دليل في الحركة و خروج الدم على استقرار الحياة بالمعنى الذي ذكروه بوجه من الوجوه، فليس حينئذ إلا التعبد الشرعي الذي لم يلحظ فيه الظن و لا غيره، و لم يلحظ فيه قرار الحياة بالمعنى الذي ذكروه و لا غير ذلك كما هو واضح.

فحينئذ متى حصل العلامتان حكم بالحل على وجه يمتنع فرض وجودهما مع الحرمة لعدم استقرار الحياة، كما أنه لا يمكن العلم بالبقاء مع فرض انتفائهما، كما اعترف به المجيب المزبور، قال: «إن المستفاد مما قالوه عدم اعتبار العلامة مع العلم بالاستقرار، و وجهه أن العلامة إنما اعتبرت للدلالة على الاستقرار، فمع فرض العلم يسقط اعتبارها، لا يقال: أقصى ما يلزم من العلم بالاستقرار كون الحياة ممكن البقاء مدة طويلة، و ليس كل ممكن بواقع، فيجوز أن يكون ممكن البقاء ثم يعرض له بعد لحظة ما يزيل حياته، فلا بد من رعاية العلامة الدالة على البقاء، لأنا نقول: المراد العلم ببقاء الحياة المستقرة حال الذبح بحيث يعلم استناد الموت إلى التذكية، و مع ذلك فلا حاجة إلى العلامة، نعم

ج 36، ص: 147

لو كان المراد العلم بالاستقرار قبل الذبح اتجه اعتبار العلامة للعلم بالبقاء، لكن فرض العلم بهذا الوجه لا ينفك عن وجود العلامة، فلا بأس بطردها فيه، نظرا إلى التلازم بينها و بين فرض الاستقرار حال التذكية، و إن لم يكن محتاجا إليها في الحكم بالحل، و الأمر في ذلك بين» إلى آخره.

و كيف كان فقد ظهر لك أن الفائدة في اشتراط الاستقرار لا تظهر إلا مع فرض العلم بعدمه مع وجود العلامة المزبورة، و قد عرفت امتناعه، فلا فائدة، و مع تسليمه فلا ريب أن ظاهر الكتاب (1) و السنة الحل، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (2)

أو القطع بذلك منها، خصوصا بعد ملاحظة غير نصوص الحركة التي ذكرناها آنفا.

كبعض الأخبار (3)

الواردة فيما أخذته الحبالة، و أنها إذا قطعت منه شيئا لا يؤكل و ما يدرك من سائر جسده حيا يذكى و يؤكل، فإنه إن لم يكن الغالب في المأخوذ بالحبالة المنقطع بعض أجزائه الحياة الغير المستقرة فلا شك في تناوله لها.

و كالأخبار (4)

الواردة في وجوب ذبح ما يدرك حياته من الصيود الشاملة لغير المستقر إن لم تكن ظاهرة فيه، خصوصا

خبر أبي بصير (5) منها المتضمن لقوله (عليه السلام): «فان عجل عليك فمات قبل أن تذكيه فكل»

فان التعجيل مشعر بعدم كونه مستقر الحياة، نحو خبره الآخر (6)

الوارد في البعير الممتنع المضروب بالسيف أو الرمح بعد


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2 و 3 و 4- و غيرها من أبواب الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبائح- الحديث 5.

ج 36، ص: 148

التسمية، ل

قوله (عليه السلام) فيه: «فكل إلا أن تدركه و لم يمت بعد فذكه».

و كالأخبار (1)

الواردة فيما قطع بالسيف و نحوه قطعتين المجوزة لأكل الأكثر أو ما يلي الرأس أو المتحرك من القطعتين بعد الذبح، إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في عدم اعتبار الاستقرار زيادة على ما سمعته من النصوص الظاهرة في الاكتفاء بوجود أصل الحياة الذي يدل عليه مع الاشتباه الحركة المزبورة و خروج الدم المعتدل.

بل في البحار «الظاهر أن هذا- أي اعتبار الاستقرار- مأخوذ من المخالفين، و ليس في أخبارنا منه عين و لا أثر».

قلت: بل الموجود فيها خلافه، بل قد يستفاد منها حل من (ما ظ) كانت حركته كحركة المذبوح بعد فرض صدق اسم الحياة عليه و بقاء أعضاء الذباحة، و من ذلك ما لو ذبح الإبل ثم نحرها أو نحر الغنم ثم ذبحها الذي صرح الشيخ و غيره بالحل، لإطلاق الأدلة، و من حرم بناه على اعتبار استقرار الحياة الذي قد عرفت عدم الدليل عليه.

و من ذلك يظهر لك ما في كلام الأردبيلي و غيره، قال بعد إيراد ما سمعته من عبارة الدروس في المشرف: «لا يخفى الاجمال و الاغلاق في هذه المسألة، و الذي هو معلوم أنه إذا صار الحيوان الذي يجري فيه الذبح بحيث علم أو ظن على الظاهر موته- أي أنه ميت بالفعل و أن حركته حركة المذبوح، مثل حركة الشاة بعد إخراج حشوها و ذبحها و قطع أعضائها و الطير كذلك- فهو ميتة لا ينفعه الذبح، و إن علم عدمه فهو حي يقبل التذكية، و يصير بها طاهرا، و يجري فيه أحكام المذبوح، و الظاهر أنه كذلك و إن علم أنه يموت في الحال و الساعة، لعموم الأدلة التي تقتضي


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 149

ذبح ذي الحياة، فإنه حي مقتول بالذبح و مذبوح بالذبح الشرعي، و لا يؤثر في ذلك أنه لو لم يذبح لمات سريعا أو بعد ساعة. فما في الدروس «فلو علم موته» إلى آخره محل التأمل، فإنه يفهم منه أن المدار على قلة الزمان و كثرته، فتأمل. و بالجملة ينبغي أن يكون المدار على الحياة و عدمها لا طول زمانها و عدمه لما مر، فافهم. و أما إذا اشتبه حاله و لم يعلم موته بالفعل و لا حياته، و أن حركته حركة المذبوح أو حركته حركة ذي الحياة فيمكن الحكم بالحل للاستصحاب، و التحريم للقاعدة السالفة» ثم أجرى فيه اعتبار الحركة و الدم كما ذكرناه.

إذ لا يخفى عليك ما فيه من أنه إن أراد بالحركة المزبورة حركة التقلص التي قد تكون في اللحم المسلوخ و نحوه فلا شبهة في أنه لا عبرة بها، لأنه قد زالت عنه الحياة.

و إن أراد بها الحركة التي تكون بعد فري الأوداج و شبهه و هي التي تسمى في العرف بحركة المذبوح كما هو الظاهر من كلامه- خصوصا و قد قال بعد ما نقل وجه الحل: «فتأمل، لأن الحكم بالحل بعد قطع الأعضاء المهلك مشكل، فإنه بعد ذلك في حكم الميت، و الاعتبار بتلك الحركة و الدم مشكل، فان مثلهما لا يدل على الحياة الموجبة للحل، فلا ينبغي جعلهما دليلا، و التحقيق ما أشرنا إليه» إلى آخره- ففيه أن عدم قبول التذكية أول الكلام، إذ لا شك في عدم مفارقة الروح بعد، كمن كان في النزع و بلغت روحه حلقومه، فإنه لا يحكم عليه بالموت و إن علم أنه لا يعيش ساعة بل عشرها.

بل مقتضى العمومات و النصوص (1)

المزبورة حل مثله، بل يمكن دعوى ظهور جملة من النصوص المزبورة خصوصا الوارد منها في


1- 1 الوسائل- الباب- 11 و 12- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 150

الصيد الذي يعجل موته (1)

مؤيدا ذلك بالسيرة المستمرة، خصوصا في مثل الصيد بالآلة المسماة بالتفقة، فان الغالب فيما يصاد بها من الطير تكون حركته حركة المذبوح عند ما يدركه الصائد لأن يذكيه.

كل ذلك مع عدم دليل معتد به للقول باستقرار الحياة بالمعنى الذي ذكروه عدا ما قيل من أن غير مستقر الحياة بمنزلة الميت، و من أن استناد موته إلى الذبح ليس بأولى من استناده إلى السبب الموجب لعدم استقرارها، بل السابق أولى، فيكون هلاكه به، و يكون ميتة، على أن الأصل الحرمة بعد انسياق غير المفروض من إطلاق الكتاب (2) و السنة (3)

.

و الجميع كما ترى، إذ الأول مجرد دعوى لا شاهد لها، بل الشاهد على خلافها متحقق، بل الثاني كذلك، ضرورة اقتضاء الأدلة كون ذبح الحي سببا في الحل و إن حصل سبب آخر بعد الذبح،

قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (4): «و إن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك إذا كنت قد أجدت الذبح فكل».

و لا ينافي ذلك

خبر حمران (5) عنه (عليه السلام) أيضا، قال:

«سألته عن الذبح، فقال: إن تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكل و لا تطعم، فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح»

بعد أن لم نجد العامل به ممن يعتد بقوله.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1 و 2 و 3 و 4- و غيرها من أبواب الذبائح.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبائح- الحديث 2.

ج 36، ص: 151

كما لا ينافي ذلك ما تقدم في الصيد من اعتبار العلم باستناد الموت إلى السبب الحاصل من الصيد، فمتى شك في اشتراك غيره معه لم يحل، فضلا عن الظن و العلم، لإمكان الفرق بينهما بعدم العلم بحصول السبب المقتضي لعدم استقرار الحياة في الصيد بخلافه في الذبح، و إلا فلو علم أن آلة الصيد قد جعلت حياته غير مستقرة و صار كالذبح في المذبوح لم يضر اشتراك سبب آخر معه.

و من ذلك يظهر لك ما في جواب بعضهم عن ذلك بأن ثبوته في الاصطياد لا يستلزم ثبوته في الذبح أيضا، لإمكان كون التذكية الصيدية هي ما تخرج روحه بالاصطياد، و ليس غيره اصطيادا، و لا كذلك التذكية الذبيحة المعتبر فيها قطع الأوداج مع الحياة و إن مات بعد ذلك بسبب آخر معها، إذ قد عرفت عدم الفرق بينهما في ذلك، إلا أن التذكية الذبيحة توجب العلم بعدم استقرار حياة المذبوح بعد الذبح بخلاف التذكية الصيدية، و مع فرض كونها كذلك لا فرق بينهما في الحكم، كما هو واضح.

هذا و قد ذكر بعض الناس أن الذي خلط الأمر في هذا المقام هو ما تقدم في مسألة تذكية الصيد المدرك ذكاته من أن المراد بعدم استقرار الحياة صيرورتها في شرف الزوال و شروعها في الخروج، و لا يبعد أن يكون ذلك مرادهم من قولهم: «لا يمكن أن يعيش اليوم و الأيام» فإنه ما لم يشرع بالخروج لا يمكن الحكم بعدم الإمكان، و الصيد الذي صار كذلك بالاصطياد يصدق عليه أنه مقتول الآلة، سيما إذا ترك حتى خرج تمام روحه، و من يحكم بلزوم الذبح حينئذ فليس نظره إلا إلى بعض الأخبار كما مر، و من لم يعتبر هذه الأخبار حكم بعدم لزوم الذبح حينئذ، و اشترط في لزومه استقرار حياة الصيد، لما عرفت. فاختلط الأمر، و آل إلى التعدي إلى الذبيحة من غير استبصار.

ج 36، ص: 152

و لا يخفى عليك أنه لا حاصل له، ضرورة عدم الفرق بين الذبيحة و الصيد في ذلك، بل النصوص (1)

في الأولى ظاهرة في وقوع الذبح على المشرف، و على المتشاغل في النزع أظهر منها (2)

في الصيد بالنسبة إلى ذلك، كما هو واضح.

و بذلك كله ظهر لك صحة تذكية الحيوان و إن كان مشرفا على الموت بسبب آخر غير الذبح على وجه أثر فيه كالذبح، بحيث جعل حياته غير مستقرة، لإطلاق الأدلة و عمومها و خصوص النصوص (3)

المزبورة، نعم يشترط فيه الحركة بعد الذبح و خروج الدم حتى يعلم أنه قد ذبح حيا و أنه قد زهقت روحه بعد الذبح.

فإن أرادوا باستقرار الحياة هذا المعنى فمرحبا بالوفاق، كما عساه يومئ إليه ما ذكره الكركي في حاشية الكتاب من أنه «يعلم- أي استقرار الحياة الذي ذكره المصنف- بالحركة المعتدلة أو الدم المعتدل عند الاشتباه» انتهى. و يكون المراد حينئذ باستقرار الحياة أصل قرارها، أي ثبوتها لا أمر زائد، كما

أومأ (عليه السلام) إليه بقوله (4): «إذا شككت في حياة الشاة»

التي هي العنوان في جملة من نصوص الصيد (5)

حيث

قال (عليه السلام) فيها: «فإن أدركته حيا فذكه»

و إلا فلا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه.

و من ذلك كله ظهر لك وجه النظر فيما حكيناه عن الرياض سابقا من تفسير استقرار الحياة بما عرفت.


1- 1 الوسائل- الباب- 10 و 11 و 19- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد و الباب- 10 و 11 و 19- من أبواب الذبائح.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 153

بقي شي ء: و هو ما يكثر السؤال عنه في زماننا هذا، و هو أن الذابح لو فرض خطاؤه بذبحه بسبب عدم قطع الأوداج من محل الذبح ثم أراد تدارك ذلك بأن يقطعها بعد القطع و الفرض بقاء الحيوان حيا لكنه حياة مذبوح مقتضى ما ذكرناه الحل من حيث حصول الحياة و إن لم تكن مستقرة بالمعنى الذي ذكروه، نعم قد يشك فيه من حيث عدم حصول قطع الأوداج معلقة بمحلها، و لا أقل من الشك باعتبار انسياق التذكية لغيره و الأصل عدمها، و لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى، و اللَّه العالم.

[المسألة الرابعة إذا نذر أضحية معينة زال ملكه عنها]

المسألة الرابعة:

إذا نذر أضحية معينة زال ملكه عنها و كانت أمانة في يده للمساكين بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل في كشف اللثام إجماعا كما في الخلاف إلا عن بعض العامة، و لعله الحجة، مضافا إلى

المرسل (1) و إن لم أجده في طرقنا «إن رجلا قال للنبي (صلى اللَّه عليه و آله):

يا رسول اللَّه إني أوجبت على نفسي بدنة و هي تطلب مني بنوق، فقال:

انحرها و لا تبعها و لو طلبت بمأة بعير»

بناء على إرادة الكناية عن عدم الملك بالنهي عن البيع.


1- 1 لم نعثر على هذه الرواية بنصها و قد ذكرها الشهيد قده في المسالك، نعم روى البيهقي قريبا منها في سننه ج 9 ص 288.

ج 36، ص: 154

و كذا

المرسل عن علي (عليه السلام) (1)

«من عين أضحية فلا يستبدل بها».

و مرسل أبي سعيد الخدري (2)

الآتي، و لاستلزام النذر- بعد انعقاده لوجود المقتضي له باعتبار كون الأضحية طاعة- صيرورتها أضحية متعينة للذبح و التفرقة على الوجه المطلوب منها شرعا المنافي لبقاء الملكية على ما في المسالك، و إن كان فيه ما فيه.

و حينئذ فلا ينفذ تصرفه فيها ببيع و لا هبة و لا إبدالها بمثلها و لا بخير منها، بل لعل نفس إنشاء تعيينها أضحية يقتضي ذلك، بل عن الشيخ تتعين بالنية حال الشراء و إن لم يتلفظ و لم يشعر و لم يقلد.

و في الدروس «و لو كانت في ملكه تعينت بقوله: جعلتها أضحية، فيزول ملكه عنها، و ليس له إبدالها، و إن أتلفها أو فرط فيها فتلفت فعليه قيمتها يوم التلف، و إن أتلفها غيره فعليه أرفع القيم عند الشيخ، فيشتري به غيرها، و لو أمكن شراء أكثر من واحدة بقيمتها فعل و لو كان جزءا من أخرى، و لو قصر عن واحدة كفاه شقص، و لو عجز عن شقص تصدق به، و لو وجد بها عيبا بعد التعيين لا يردها، و يصنع بالأرش ما ذكرناه، و لو عابت بعد القبض نحرها على ما بها، و لو تلفت أو ضلت بغير تفريط لم يضمن، فان عادت ذبحها أداء، و إن كان بعد الأيام ذبحها قضاء، و لو ذبحها غيره عنه أجزأه، و في وجوب الأرش


1- 1 لم نعثر على هذا المرسل في كتب الأخبار مع التتبع التام في مظانه، و قد قال العلامة قده في المنتهى في كتاب الحج- بحث الضحايا- المجلد الثاني ص 760: «مسألة: إذا عين الأضحية. احتج الشافعي بما روي عن علي عليه السلام أنه قال: من عين أضحية فلا يستبدل بها.» و تعرض له الشهيد الأول قده في غاية المراد في كتاب الحج كما سيذكر عبارته قريبا في الجواهر.
2- 2 سنن البيهقي- ج 9 ص 289.

ج 36، ص: 155

هنا بعد، فان قلنا به تصدق به إن لم يمكن الشراء به».

و في الإرشاد «إذا نذر أضحية زال ملكه عنها، و إن تلفت بتفريط ضمن و إلا فلا، و لو عابت من غير تفريط نحرها على ما بها، و لو ذبحها غيره و لم ينو عن المالك لم يجز عنه، و إن نوى عنه أجزأ، و لا يسقط استحباب الأكل من المنذورة، و يتعين بقوله: جعلت هذه الشاة أضحية، و لو قال: لله علي التضحية بهذه تعينت، و لو أطلق ثم قال: هذه عن نذري ففي التعيين إشكال».

و في غاية المراد «يفهم من التعيين أمران: أحدهما وجوب ذبح المعينة ما دامت سليمة، الثاني البراءة من النذر لو تلفت، و الشيخ في المبسوط أراد الأول و أفتى بالتعيين، لما

روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: «من عين أضحية فلا يستبدل بها»

و لأنه لا يقصر عن سياق الهدي المقتضي لتعينه للذبح و لو لم يتقدم نذر، و يحتمل عدم التعيين، لما روي (1)

أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) شرك عليا (عليه السلام) في هداياه، و التشريك إنما يكون بالنقل، و لأصالة البقاء على الإطلاق، و في الوجهين نظر، أما الأول فلجواز أن يراد به المنذور المعين، و الحمل على السياق قياس، و أما الثاني فيمكن سبق قصد علي (عليه السلام) إن ثبت كونه من صورة النزاع، و يمكن أن يقال: إنه إن قرنها بنسك عاقدا بها تعينت بالمعنى الأول لا الثاني، و كذا إن عقد بالتلبية و ساقها في حج القران، و يستثنى هاتان الصورتان من الاشكال، و يتجه فيما عداهما، و أما المعنى الثاني فيحتمل كتعيين الزكاة، و هو ضعيف، لاشتغال الذمة بالأضحية، فلا يبرأ إلا بها».

قلت: هو قوي بناء على تعين الأضحية بالتعيين بدون نذر،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 4 و 14 و 25 و 32.

ج 36، ص: 156

ضرورة أولويته من ذلك، فهو حينئذ كالدين الذي يكون وليا عليه، و مع فرض التعيين لا إشكال في البراءة، و كان اتفاقهم هنا على التعين بالتعيين بنذر مثلا أو بإنشائه لكونها قسما من الهدي الذي حكمه كذلك، و لعله لأن الأمر بها مالي مطلق، فأشبه الدين و الفرض كون الخطاب له، فيكون حينئذ له ولاية التعيين، فإذا عينها في فرد تعين من دون نذر أو يمين أو عهد فضلا عن النذر.

و من الغريب ما حكاه في المسالك عن بعض من عدم زوال ملكه عنها في مفروض المسألة حتى يذبح و يتصدق باللحم، و له بيعها و إبدالها، كما لو قال: لله علي أن أعتق هذا العبد، فإنه لا يزول ملكه عنه إلا بإعتاقه و لعله أراد بعض العامة، و قد رده بأنه قد أشرنا إلى الفرق بين الأمرين في هذا و نظائره فيما سلف، فان نذر الأضحية يقتضي صيرورتها حقا لمن يستحق لحمها، كما لو نذر أن يكون ذلك الحيوان صدقة، بخلاف ما لو نذر أن يعتق أو يتصدق، فان المستحق عليه هو إيقاع العتق على ماله أو الصدقة به، فالمنذور ليس هو المال، بل الصيغة الواقعة عليه، فلا يخرج عن ملكه بدونها.

و فيه- بعد الإغضاء عن وجه الفرق بين نذر الحيوان صدقة و بين نذر أن يتصدق به المبني على صحة نذر نتيجة السبب، و قد عرفت ما فيه في كتاب العتق- أن ظاهره الموافقة على جواز بيع العبد المخصوص المنذور عتقه، و هو واضح المنع، و قد تقدم الكلام فيه سابقا.

كما أنه قد يظهر من كلامه أن المقام من نذر النتيجة الذي قد تقدم منا في كتاب العتق أن الأقوى عدمه، لظهور أدلة النذر في كونه من الملزمات، لا أنه سبب يقوم مقام العتق و الطلاق و النكاح و البيع و الإجارة و غيرها مما كان ظاهر أدلته توقفه على إنشاء مخصوص و صيغة مخصوصة.

و على كل حال فليس المقام منه قطعا، و لذا كان مجمعا عليه هنا

ج 36، ص: 157

فيما بينهم، بخلاف ذلك المقام الذي لم يعرف القائل به إلا الفاضل و بعض من تبعه، على أنك قد سمعت ما ذكره الشهيد و الفاضل من التعيين بإنشاء التعيين بلا نذر فضلا عنه، و ليس إلا لفهمهم له من أدلة الأضحية أو من حكم الهدي أو من غير ذلك و إن ناقشهم فيه بعض الناس بأنه إنما يتجه في النذر دون غيره.

و بذلك كله يظهر لك أن المقام له خصوصية، لا من مسألة نذر النتائج، و من هنا يتجه الاقتصار فيه على الأضحية، و لا يلحق بها العقيقة فضلا عن غيرها، بل قد يتوقف في إلحاق أخوي النذر به، فتأمل جيدا.

بقي شي ء: و هو أنه بناء على تعيين الأضحية بإنشاء التعيين من دون نذر فأي فائدة للنذر في ذلك، و يمكن أن يقال: إنه به يحصل الالتزام بخلاف الإنشاء بدونه، إلا أنه مخالف لظاهر القائل، ضرورة ظهور كلامه في أن الإنشاء كالنذر في التعيين المزبور، و من هنا يمكن أن يقال:

لا فرق بين الإنشاء المزبور و بين النذر الذي ليس فيه إلا إنشاء النذر، و هو غير إنشاء التعيين، و لا يخفى عليك أن أصل الحكم المزبور لا يخلو من نظر، و ربما مضى في كتاب الحج (1) نوع تنقيح له، فلاحظ.

و اللَّه العالم.

و على كل حال فلا إشكال- بعد صيرورة مفروض مسألة الكتاب أمانة في يده- في أنه لو أتلفها هو و لو بتفريط منه أو عيبها كذلك أو الأجنبي كان عليه للفقراء قيمتها

لعموم «من أتلف» (2)

و هي قيمته، لكن عن الشافعي ضمان أكثر الأمرين


1- 1 راجع ج 19 ص 192- 196.
2- 2 المراد هو الحديث المشتهر على ألسنة الفقهاء «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» إلا أنه لم أجد نص ذلك مع التتبع التام في مظانه، و إنما هي قاعدة مصطادة من عدة روايات كما أشار إلى ذلك أيضا شيخنا صاحب الجواهر قده في كتاب الغصب- ج 37 ص 60- فمن تلك الروايات ما رواه في الوسائل- الباب- 10 و 11 و 14- من كتاب الشهادات. و الباب- 5 و 7- من كتاب الرهن- الحديث 2 منهما. و الباب- 29- من كتاب الإجارة. و الباب- 18- من كتاب العتق- الحديث 1 و 5 و 9. و الباب- 22- من أبواب حد الزنا- الحديث 4. و الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 4 من كتاب الحدود و التعزيرات.

ج 36، ص: 158

من المثل أو القيمة، و لا ريب في ضعفه، و ليس عليه إلا القيمة يوم التلف، فيشتري هو بها أو الحاكم مثلها فصاعدا، حتى لو وجد به أزيد من واحدة وجب، فان لم يجد به مثلها اشترى ما دونه.

بل قد سمعت ما في الدروس من أنه يشتري شقصا، و لا بأس به، إذ ليس الفرض كمن نذر إعتاق عبد فقتل، فإنه يأخذ قيمته و لا يشتري بها عبدا آخر و يعتقه، لأن ملكه باق عليه، و مستحق العتق قد هلك، بخلاف مستحق الأضحية، و القيمة المضمونة على من أتلف قد تعلق بها حق الغير، فهي للفقراء أضحية، فوجب الشراء بها و لو جزءا من أضحيته، لأنه شي ء عن أضحيته أيضا، كما لو اشترك جماعة في أضحية.

نعم ما في المسالك- من أنه لو تعذر الشراء حتى الشقص اشترى بها لحما و فرقه على وجهها، لأنه أقرب إلى التضحية من تفرقة الدراهم، و لو تعذر جميع ذلك تصدق حينئذ بها- لا يخلو من إشكال بل منع، لعدم الدليل، و ما ذكره وجه اعتباري هو و نحوه يذكر تقريبا للدليل.

و على كل حال ف لو نذرها أضحية و هي سليمة فعابت من دون تفريط عيبا يمنع من الأضحية فضلا عن غيره نحرها على ما بها، و أجزأته لأن الفرض تعينها و بقاؤها في يده أمانة، و في

ج 36، ص: 159

المرسل العامي عن أبي سعيد الخدري (1)

«أنه قال: اشتريت كبشا لأضحي به فعدى الذئب فأخذ منه الألية، فسألت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عن ذلك، فقال: ضح به».

بل و كذا لو ضلت أو عطبت أو ضاعت من غير تفريط لم يضمن و سقط عنه خطاب النذر بل و الأضحية، لما عرفت.

نعم لو وجدت بعد ذلك ذبحها في يوم الأضحية، بل قد سمعت ما في الدروس من أنها تذبح قضاء، و فيه نظر، و اللَّه العالم.

[المسألة الخامسة لو نذر أضحية فذبحها يوم النحر غيره و لم ينو عن صاحبها لم تجز عنه]

المسألة الخامسة:

لو نذر أضحية فذبحها يوم النحر غيره و لم ينو عن صاحبها أو نوى غيره لم تجز عنه أي الناذر، للأصل و لعدم سقوط النية المعتبرة في كل عمل بالنذر و إن اقتضى تعيينها.

نعم لو نوى التضحية بها عنه أجزأته و إن لم يأمره به للإجماع كما عن الخلاف، و لما في كشف اللثام من أنه إنما نذر كونها أضحية و قد حصل، فإنه أعم من التضحية بنفسه إلا أن ينوي ذلك في النذر، و إن كان فيه ما فيه، كتعليله في المسالك بأنها تعينت للذبح الذي قد وقع موقعه، فيأخذ صاحبها لحمها و يفرقه، ضرورة أنه غير متجه بناء على اعتبار النية من الناسك نفسه، و لو أن تعيينها للذبح يجزئ عنها اكتفى به و إن لم ينوها عن صاحبها، و كأنه لذلك لم يجتز به مالك، و لكن قد عرفت الإجماع منا الذي هو دليل المسألة إن لم نقل بتوقف الاجزاء


1- 1 سنن البيهقي- ج 9 ص 289.

ج 36، ص: 160

على الإجازة، و إلا كان دليله دليل الفضولي بناء على جريانه في مثل ذلك، فتأمل جيدا، و اللَّه العالم.

ثم إنه هل يجب على الذابح أرش ما نقص بالذبح؟ الأشهر الأقوى العدم، للأصل بعد أن لم يفوت عليه شيئا مقصودا، بل خفف عنه مئونة، و ربما قيل بثبوته، لأن إراقة الدم من المالك مقصودة و قد فوتها عليه، و فيه أن ذلك شي ء لا يضمن.

و أضعف منه ما عن آخر من التفصيل بأنه إن ذبحها و في الوقت سعة فعليه الأرش، لأنه لم يتعين ذبحه حينئذ، و إن ضاق و لم يبق إلا ما يسع الذبح فذبحها فلا أرش عليه، لتعيين الوقت، و على تقدير الأرش فيحتمل كونه للمضحي، لأنه ليس من عين الأضحية المستحقة للمساكين و يحتمل كونه لهم، لأنه بدل الأضحية التي ليس للمضحي فيها إلا الأكل، و الثالث أن يسلك به مسلك الضحايا، و لعله الأقوى، كأرش العيب بتفريط، و حينئذ فيشتري به شاة أو جزءها أو لحما و يتصدق به على التفصيل السابق.

هذا كله مع عدم صدور غير الذبح و النحر من الأجنبي، أما إذا أتلفه مع ذلك بتفريق و نحوه ففي المسالك «هو كالإتلاف، لأن تعيين المصرف اليه لا إلى الذابح، فيضمن حينئذ له القيمة، و يشتري بها على نحو ما مر» قلت: يمكن القول بالاجتزاء به أيضا كالذبح خصوصا بناء على الفضولي.

ثم على تقدير الضمان فالوجه ضمان قيمة اللحم بناء على عدم ثبوت الأرش بالذبح، و يحتمل ضمان أرش الذبح و قيمة اللحم، و قيمتها عند الذبح كما في صورة الإتلاف، و أكثر الأمرين من قيمتها و قيمة اللحم، لأنه فرق اللحم متعديا بعد ما ذبح متعديا.

ج 36، ص: 161

و في المسالك بعد ذكر الاحتمالات قال: «و هذا يطرد في كل من ذبح حيوان غيره و أكل لحمه، إلا أن الاحتمال الأول منفي، لأن الذبح غير مستحق» قلت: لا يخفى عليك ما فيه، مضافا إلى إشكال الفرق بين الاحتمال الثالث و الثاني.

ثم إن ظاهر الأصحاب هنا أن المتولي للشراء بالقيمة أو بالأرش و للمطالبة بهما الناذر دون الحاكم و إن صارت الشاة بنذره للفقراء، و مقتضى القواعد العامة تولي الحاكم الذي هو وليهم في ذلك، إلا أن الظاهر عدم انقطاع تمام ولايته بنذره، و اللَّه العالم.

[المسألة السادسة إذا نذر الأضحية و صارت واجبة لم يسقط استحباب الأكل منها]

المسألة السادسة:

إذا نذر الأضحية و صارت واجبة لم يسقط استحباب الأكل منها عندنا، لإطلاق الأدلة (1)

بل لو قلنا باستحباب الصدقة بها كما عن الشيخ لم يسقط جواز الأكل منها الذي هو من أحكامها عنده و إن لم يكن على وجه الاستحباب، خلافا لبعض العامة، فمنع من الأكل من الأضحية المنذورة، قياسا على الزكاة الواجبة و الكفارة و الهدي الواجب عندهم، و هو واضح الضعف، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح من كتاب الحج.

ج 36، ص: 162

[المسألة السابعة ذكاة السمك إخراجه من الماء حيا]

المسألة السابعة لا خلاف نصا (1)

و فتوى و لا إشكال في احتياج السمك إلى تذكية، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص مستفيضة بل متواترة فيه (2)

خصوصا مع ملاحظة ما دل منها على حرمة الطافي منه (3)

و ما مات منه في الماء (4)

و ما في بعضها من أنه ذكي (5)

لا يراد به عدم احتياجه إلى التذكية، و كذا قوله تعالى (6) «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ» و قوله تعالى (7) «لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا» لا دلالة فيهما على ذلك، بل حلية نفس الصيد لا تقتضي أن ذكاته صيده كيف ما كان، كما لا تقتضي ذلك في صيد البر، بل هذا و شبهه نحو ما دل على كون الماء طهورا (8)

مما لا دلالة فيه على كيفية التطهير، حتى لو أريد بالصيد المصيد إذ أقصاه حينئذ أن يكون نحو


1- 1 الوسائل- الباب- 31 و 33 و 34- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 31 و 33 و 34- من أبواب الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الذبائح.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الذبائح.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح- الحديث 5 و 6.
6- 6 سورة المائدة: 5- الآية 96.
7- 7 سورة النحل: 16- الآية 14.
8- 8 سورة الفرقان: 25- الآية 48 و الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- الحديث 1 و 4 و 8 و 9 و 10 من كتاب الطهارة.

ج 36، ص: 163

ما دل على أصل الإباحة من الآيات (1) و الروايات (2)

التي لا تدل على حل أكل الحيوان الذي قد ثبت في الشرع أن منه ميتة و منه مذكى، و أن التذكية من الأحكام الشرعية المحتاجة إلى التوقيف. و من هنا كان المعروف بين الأصحاب أصالة عدمها مع الشك في موضوعها الشرعي، كما أن الأصل عدم حصولها مع الشك في تحققها بعد معلومية المراد منها شرعا.

و على كل حال ف ذكات ه أي السمك المتفق عليها إخراجه من الماء حيا مع عدم عوده إلى الماء و موته فيه و إن لم أجد في شي ء مما وصل إلى من نصوص الباب اللفظ المزبور عدا

المرسل في الاحتجاج (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في حديث «إن زنديقا قال له: و السمك ميتة، قال: إن السمك ذكاته إخراجه من الماء، ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه، و ذلك أنه ليس له دم، و كذلك الجراد».

نعم في

موثق أبي بصير (4)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن صيد المجوس للسمك حين يضربون بالشبكة و لا يسمي و كذلك اليهود، فقال: لا بأس، إنما صيد الحيتان أخذها».

و في

خبر الكناني (5)عنه (عليه السلام) أيضا «عن الحيتان يصيدها


1- 1 ذكر في البحار ج 2 ص 268- 272 آيات عديدة تدل على أصالة الإباحة فراجعه.
2- 2 ذكر المجلسي قده في البحار- ج 2 ص 272- 282- الطبع الحديث عدة روايات تدل على أصل الإباحة. راجع الحديث 3 و 12 و 18 و 19 و 20 و 47 و 48 و 57 و 58 من هذه الصفحات.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 11.

ج 36، ص: 164

المجوس، قال: لا بأس، إنما صيد الحيتان أخذها».

و في حسن الحلبي (1) عنه (عليه السلام) أيضا «أنه سئل عن صيد المجوس للحيتان حين يضربون عليها بالشباك و يسمون بالشرك، فقال:

لا بأس بصيدهم، إنما صيد الحيتان أخذها»

إلى غير ذلك من النصوص التي بنحو ذلك، فكان التعبير به أولى و إن كان متناولا للإخراج من الماء حيا، إلا أنه أعم منه، ضرورة تناوله لمطلق إثبات اليد عليه، و هو حي.

و منه ما ذكره المصنف و غيره من أنه لو وثب فأخذه قبل موته حل و كذا لو أخذه كذلك بعد انحسار الماء عنه، مضافا إلى محكي الإجماع المعتضد بعدم خلاف فيه في الثاني، و خصوص

خبر علي ابن جعفر (2) عن أخيه (عليه السلام) في الأول الذي حكى الاتفاق عليه أيضا في كشف اللثام، قال: «سألته عن سمكة وثب في نهر فوقعت على الجد (3) من النهر فماتت هل يصلح أكلها؟ فقال: إن أخذتها قبل أن تموت ثم ماتت فكلها، و إن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها».

و لا ينافي ذلك

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم (4): «لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان، و ما نضب الماء عنه فذلك المتروك»

و الموثق (5) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «أنه سئل


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الجد بالضم و الجدة: شاطئ النهر.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبائح- الحديث 6 «لا يؤكل.».
5- 5 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبائح- الحديث 3 و فيه «لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان و ما نضب الماء عنه» كما في التهذيب ج 9 ص 7 و الاستبصار ج 4 ص 60.

ج 36، ص: 165

عن الذي ينضب عنه الماء من سمك البحر، قال: لا تأكله»

بعد تقييدهما بما إذا لم يأخذه حيا.

و من ذلك يظهر لك أن تذكيه السمك إثبات اليد عليه على أن لا يموت في الماء، فهو حينئذ كحيازة المباح الذي هو بمعنى الصيد الموافق له، لا المعنى الذي هو التذكية المخصوصة، و لعله لهذا المعنى أطلق عليه أنه «ذكي» (1)

بل أطلق عليه في بعض النصوص اسم الميتة، ك

قوله (عليه السلام) في البحر (2): «الطهور ماؤه الحل ميتته»

إذ ليست تذكيته كتذكية الحيوان المشتملة على فري الأوداج و نحوها، بل في

المرسل في بعض آخر (3) عن كتاب علي «عما أصاب المجوسي من الجراد و السمك أ يحل أكله؟ قال: صيده ذكاته، لا بأس به».

بل لعل التعبير بذلك عن الذكاة مقيدا بعدم الموت في الماء أولى منهما، لكي يشمل الصيد بالحظيرة و الشبكة و نحوهما و إن لم يحظر هما صاحبهما مع عدم موت ما يصاد بهما في الماء الذي ستسمع تنزيل الصحيحين(4) الآتيين عليه من غير واحد من الأصحاب، مشعرين بالمفروغية عن حصول الذكاة بذلك، و هو ليس إخراجا و لا أخذا عرفا، و لكنه صيد بما عملته يده، كما أومأ إليه التعليل الذي ستعرفه فيهما.

و على كل حال فعنوان التذكية ما سمعت، بل عن الشيخ في النهاية الحل بإدراكه له خارجا من الماء يضطرب و إن لم يأخذه، ل

خبر أبي


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح- الحديث 5 و 6 و 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الماء المطلق الحديث 4 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح الحديث 2 و 3.

ج 36، ص: 166

حفص (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «أن عليا (عليه السلام) كان يقول في صيد السمك: إذا أدركتها و هي تضطرب و تضرب ببدنها و تحرك ذنبها و تطرف بعينها فهي ذكاتها».

بل عن المصنف في نكتها الحل بخروجه من الماء حيا و موته خارجه و إن لم يدركه و لم ينظر إليه، و لعله ل

خبر عبد اللَّه بن بحر عن رجل عن زرارة (2)

«قلت: السمك تثب من الماء فتقع على الشط فتضطرب حتى تموت، فقال: كلها» و رواه في الفقيه عن أبان عن زرارة(3)

باختلاف في ألفاظه دون معناه.

و الحسن كالصحيح (4) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «أن عليا (عليه السلام) قال: إن السمك و الجراد إذا خرج من الماء فهو ذكي، و الأرض للجراد مصيدة و للسمك قد تكون أيضا»

مضافا إلى النصوص الدالة على حل ما صاده المجوسي من السمك مع النظر إليه أنه أخرجه حيا و مات في غير الماء، أو العلم بكونه كذلك.

ف

في أحدها (5)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن صيد المجوس للسمك آكله؟ قال: ما كنت لآكله حتى أنظر إليه»

و مثله صحيح محمد بن مسلم (6) عنه (عليه السلام) أيضا.

و في

خبر عيسى بن عبد اللَّه (7) قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن صيد المجوس، قال: لا بأس إذا أعطوكه حيا، و السمك أيضا، و إلا فلا تجيز شهادتهم إلا أن تشهده»

بناء علي أن صيد


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 167

المجوس لا عبرة به، و إنما العبرة بنظر المسلم له أو العلم به.

و لكنه مع ذلك كله ففي المتن و لو أدركه بنظره فيه خلاف أشبهه أنه لا يحل وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، للأصل بعد الحصر في النصوص (1)

السابقة بالأخذ الذي لا يشمل الفرض، بل يمكن إرادته من

الخبر الأول (2) بل لعل قوله (عليه السلام) في صدره: «في صيد السمك»

مشعر به، ضرورة عدم صدق الصيد عليه بدونه، بل قيل: إن الإدراك فيه في الأخذ أظهر منه في الإحساس، بل لعل

الحسن الأخير (3) كذلك أيضا، بل قوله (عليه السلام) فيه أخيرا: «و للسمك قد تكون أيضا»

مشعر بذلك أيضا، باعتبار إرادته أنها تكون مصيدة له إذا أخذ منها حيا.

و خبر زرارة (4)

مع إرساله و إضماره قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه، و نصوص المجوسي (5)

إنما تدل على صحة تذكيته للسمك بإخراجه كما هو مقتضى غيره من النصوص، لعدم اعتبار التسمية فيه بلا خلاف فيه نصا (6)

و فتوى التي لا يؤمن عليها إلا المسلم، نعم لا يقبل قوله: إني أخرجته حيا، فإذا شهده علم أنه ذكاه.

و من ذلك يعلم الوجه فيما ذكره المصنف و غيره، بل هو المشهور من أنه لو أخرجه أو أخذ مجوسي أو مشرك فضلا عن كتابي فمات في يده حل بل عن ابن إدريس الإجماع عليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 5 و 9 و 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 168

خلافا لما عن ظاهر المفيد من التحريم، و لا ريب في ضعفه و إن احتاط به ابن زهرة، لعدم دليل له عدا الأصل المقطوع بما عرفت، و دعوى اعتبار الإسلام في التذكية التي منها إخراج السمك الممنوعة على مدعيها، خصوصا بعد النصوص المزبورة (1)

المشعرة بالفرق بينها و بين تذكية الحيوان باعتبار التسمية في الثانية دونها، لأن ذكاة السمك أخذه أو صيده.

و خبر عيسى (2)

المتقدم القاصر سندا بل و دلالة- لابتنائها على دلالته على اشتراط أخذ المسلم له منهم حيا، كما عن ظاهر الاستبصار فيكون إخراجهم له بمنزلة وثوبه من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم، و هو ضعيف جدا، لأن المراد و لو بقرينة آخره مشاهدته- لا يصلح معارضا لما عرفت.

نعم لا يحل أكل ما يوجد في يده حتى يعلم و لو شرعا أنه مات بعد إخراجه من الماء في الأرض حيا، بحيث يكون مذكى أو أخذه أو صيده، لما سمعته من النصوص السابقة، لأن الأصل عدم التذكية، و من المحتمل أخذه طافيا أو ميتا في الماء، و لا أصل يقضي بصحة في فعله و قوله كالمسلم حتى يكون قاطعا لذلك، كما هو واضح.

بل في الدروس «إذا وجد في يد مسلم سمك ميت حل أكله و إن لم يخبر بحاله، عدلا كان أو فاسقا» و إن كان قد يشكل، بناء على جواز الانتفاع بميتة السمك و لو بدهنه، فان وجوده حينئذ في يده أعم من تذكيته التي ينبغي حمل المسلم عليها، و اللَّه العالم.

و لو أخذ و أعيد في الماء فمات لم يحل و إن كان ناشبا في الآلة


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 169

وفاقا للمشهور لأنه مات فيما فيه حياته كما في

صحيح عبد الرحمن (1)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن السمك يصاد ثم يجعل في شي ء ثم يعاد إلى الماء فيموت فيه، فقال: لا تأكله، لأنه مات في الذي فيه حياته».

و صحيح الخزاز (2)

«سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط و أرسلها في الماء فماتت أتوكل؟ قال: لا».

و خبر عبد المؤمن (3)

«أمرت رجلا يسأل لي أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل صاد سمكا و هن أحياء ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن، فقال:

ما مات فلا تأكل منه، فإنه مات في ما كان فيه حياته»

بناء على كون المراد صيد السمك و إبقاؤه في الماء بآلة و نحوها.

بل لو قلنا بكون مورده خاصا بغير ما نحن فيه، و هو موته في الماء قبل إخراجه، و يعبر عنه بالطافي المحرم بإجماعنا المستفيض على تحريمه و الصحاح و غيرها (4) من أخبارنا إلا أن الجواب عام و العبرة بعمومه دون خصوصه، مضافا إلى التعليل العام له و لغيره أيضا.

خلافا للعماني، فقال: «يحل ما مات في الآلة المعمولة للصيد»

للصحيح (5) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء يدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها، قال: لا بأس به، إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها».


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الذبائح- الحديث 3 و 4 و الباب- 35- منها- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 170

و

صحيح محمد ابن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل ينصب شبكة في الماء ثم يرجع إلى بيته و يتركها منصوبة و يأتيها بعد ذلك و قد وقع فيها سمك فمتن، فقال: ما عملته يده، فلا بأس بأكل ما وقع فيها».

إلا أنهما- مع قصورهما عن المقاومة لتلك الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة بل لعلها إجماع- غير صريحين في الموت في الماء، إذ من المحتمل كون الحظيرة و الشبكة في مكان يكون الماء فيه مدا و جزرا، فيكون موت السمك حينئذ فيها بعد الجزر، و صيرورته في الآلة المقتضية لملك الصائد باعتبار كونها مما عملته يده، بل لعل التعليل بذلك مشعر بما ذكرناه، بل قيل: يكفي في الحل احتمال كون الموت خارج الماء، لأن الأصل بقاء الحياة و إن كان فيه ما فيه، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف هل يحل أكل السمك حيا بعد تذكيته بالأخذ مثلا؟ قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط لا يجوز لدخول موته في تذكيته، و لذا لو عاد إلى الماء و مات فيه حرم، و لو كان قد تمت ذكاته لما حرم بعدها.

و الوجه الجواز وفاقا للمشهور لأنه مذكى بالإخراج، لإطلاق الأدلة (2)

السابقة، فضلا عن

قوله (عليه السلام) في النص السابق (3): «هو ذكي»

الذي لا ينافيه حرمته لو مات في الماء بعد ذلك، إذ أقصاه أنه يشترط فيه مع ذلك عدم موته في الماء، نعم مرسل الاحتجاج (4)

السابق قد يشهد لذلك، بل و

رواية ابن أبي


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح- الحديث 8.

ج 36، ص: 171

يعفور (1) الواردة في الجراد، فيها «إن اللَّه تبارك أحله و جعل ذكاته موته، كما أحل الحيتان و جعل ذكاتها موتها».

لكن- مع أن الأول منهما مرسل و في غير الكتب الأربع، و لم يذكره الفقهاء في الكتب الاستدلالية- لم أجد أحدا عمل بمضمونهما، بل يمكن القطع بعدم اعتبار الموت حتف الأنف في تذكيته، و حينئذ فالمذهب الجواز، لما عرفت.

و لعله لذا لو قطع منه قطعة بعد خروجه فهي حلال و إن عاد الباقي إلى الماء، سواء مات فيه أو لا، كما نص عليه في الدروس، نعم لو قطع منه قطعة و هو بعد في الماء حي أو ميت لم تحل، لأنه قطعة مبانة من حي غير مذكى، إذ ليس في الأدلة ما يقتضي ذكاة تلك القطعة بأخذها، كما هو واضح، و اللَّه العالم.

و لو نصب شبكة مثلا فمات بعض ما حصل فيها و اشتبه الحي بالميت قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و القاضي حل الجميع حتى يعلم الميت بعينه للصحيحين (2)السابقين المؤيدين ب

خبر مسعدة ابن صدقة (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سمعت أبي (عليه السلام) يقول: إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من حي أو ميت فهو حلال ما خلا ما ليس له قشر، و لا يؤكل الطافي من السمك».

بل و ب

خبر علي بن جعفر (4) عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب لباس المصلي- الحديث 4. إلا أنها واردة في الخز لا الجراد، و ليس لابن أبي يعفور رواية في الجراد بهذا المضمون.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 2 و 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 6.

ج 36، ص: 172

«سألته عن الصيد يحبسه فيموت في مصيدته أ يحل أكله؟ قال: إذا كان محبوسا فكله، فلا بأس».

و بالمعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح و غيره (1)

الدالة على أنه إذا اجتمع الحلال و الحرام فهو حلال حتى يعرف الحرام بعينه فتدعه، و غير ذلك مما يخرج به عن قاعدة المقدمة.

و قيل و القائل الأكثر بل المشهور يحرم الجميع تغليبا للحرمة لقاعدة المقدمة المؤيدة بخبر عبد المؤمن الأنصاري (2)

المتقدم سابقا، و

للمعتبرة المستفيضة الدالة على أنه «ما اجتمع الحلال و الحرام إلا و غلب الحرام الحلال» (3)

التي هي أرجح من تلك المعتبرة بالاعتضاد


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به- من كتاب التجارة و الباب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الرواية الواردة بهذا اللفظ ليست إلا ما رواه ابن أبي جمهور في غوالي اللئالي عن النبي صلى اللَّه عليه و آله على ما ذكره في المستدرك- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 5. و قد ذكر المحدث البحراني قدس سره في تعليقة منه رحمه اللَّه على كتابه الحدائق الناضرة ج 1 ص 150 بعد التأييد- لاستدلاله- بهذا الخبر ما هذا لفظه: «إنما جعلنا هذا الخبر مع صراحته في المدعى من المؤيدات لعدم الوقوف على سنده من كتب أصولنا، و إنما وقفت عليه في غوالي اللئالي». نعم يمكن أن يستفاد هذا المعنى من مضامين بعض الروايات: منها صدر صحيحة ضريس الكناسي المروية في الوسائل- الباب- 64- من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1. و منها صحيحتي الحلبي الآمرتان ببيع المذكى المختلف بالميتة ممن يستحل الميتة، حيث لم يجوز الامام عليه السلام أكل المشتبه، راجع الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و 2. و منها رواية إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام الواردة في الشاتين المشتبهين، راجع البحار ج 65 ص 140. و أين هذا من المعتبرة المستفيضة التي ادعاها الشيخ طاب ثراه و الظاهر أنه قده- استأنس في ذلك بعبارة الرياض و أخذه منه، حيث قال في المقام ما هذا لفظه: «نعم ربما يعضد ما ذكروه المعتبرة المتضمنة للصحيح و غيره الدالة على أنه إذا اجتمع الحلال و الحرام فهو حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه، و لكنها معارضة بمثلها الدال على أنه ما اجتمع الحلال و الحرام إلا و قد غلب الحرام الحلال، و هذا أرجح للاعتضاد بالشهرة، و على تقدير التساوي و التساقط ينبغي الرجوع إلى مقتضى القاعدة في الشبهة المحصورة، و هو الحرمة من باب المقدمة».

ج 36، ص: 173

بالشهرة، بل لو سلم تكافؤهما اتجه الرجوع إلى باب المقدمة، بل لعل التأمل الجيد فيه يقضي بكون النصوص الأولى في غير المحصور، كما يشهد له بعض الأمثلة فيها، بخلاف النصوص الثانية الظاهرة في المحصور بقرينة الإجماع، و لا أقل من أن تكون مقيدة لتلك النصوص السابقة إن لم نقل إن العلم الإجمالي في المحصور من المعرفة بعينه.

و كيف كان فلا يعارض ذلك الصحيحان (1)

الظاهران في صورة التمييز التي لا يقول بها الخصم، و إنما هو مذهب ابن أبي عقيل الذي عرفت ضعفه، و حينئذ فهما بالنسبة إلى ما نحن فيه مأولان، ضرورة ظهور أن الموت في الشبكة و الحظيرة مقتض للحل، لا أنهما في صورة اشتباه الحرام و الحلال، و كذا الكلام في خبر مسعدة (2)

الذي مقتضاه حل ما في الشبكة من حي أو ميت محكوم عليه بأنه ميت فيها، و لو للأصل الذي تعرف الكلام فيه.

و على كل حال فهي في غير الفرض الذي هو الاشتباه بين الحلال و الحرام، باعتبار موته في الماء المقتضي لحرمته، لا المحكوم بكونه جميعه


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح 2 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 4.

ج 36، ص: 174

حلالا من غير فرق بين حيه و ميته، فلا اشتباه، بل ليس فيهما إطلاق يشمل هذه الصورة التي هي اشتباه الميت بالحي.

هذا كله مع أنك قد سمعت احتمالهما الموت خارج الماء، فيكون الجميع مذكى، بل في المسالك و غيرها أنه كذلك مع الشك في الموت في الماء، و الأصل بقاء الحياة إلى أن فارقته، و الأصل الإباحة، و إن كان فيه أن مثل ذلك لا يثبت التذكية التي يقتضي الأصل عدمها و بذلك كله ظهر لك أن الثاني لا الأول حسن.

بقي شي ء: و هو أنه قد تضمن مرسل أبان (1) عن الصادق (عليه السلام) و خبر السكوني (2) عنه (عليه السلام) أيضا حل السمكة التي في بطن السمكة،

قال في الأول: «قلت: رجل أصاب سمكة و في جوفها سمكة، قال: يؤكلان جميعا»

و قال في الثاني: «إن عليا (عليه السلام) سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة، فقال:

كلهما جميعا»

و هما إن لم يكونا ظاهرين في كون السمكة ميتة فلا ريب في شمولهما لها، و لعله لاستصحاب حياتها إلى حين إخراج التي في بطنها، فيكون ذلك تذكية لهما.

إلا أنك قد عرفت ما في هذا الأصل، فالعمدة الخبران، إلا أني لم أجد العمل بهما على وجه يجبرهما، و لا ريب في أن الأحوط اجتنابها، إلا أن يعلم حياتها حين الإخراج، و يأتي تمام الكلام في ذلك عند تعرض المصنف في الأطعمة له إنشاء اللَّه تعالى، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الذبائح- الحديث 2.

ج 36، ص: 175

[المسألة الثامنة ذكاة الجراد أخذه حيا]

المسألة الثامنة:

ذكاة الجراد أخذه (حيا خ) نحو ما سمعته في السمك، و لعله لأنه نثرة من حوت في البحر، كما في

خبر مسعدة بن صدقة (1) قال: «سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن أكل الجراد، فقال:

لا بأس بأكله، ثم قال (عليه السلام): إنه نثرة من حوت في البحر، ثم قال: إن عليا (عليه السلام) قال: إن الجراد و السمك إذا خرج من الماء فهو ذكي. و الأرض للجراد مصيدة، و للسمك قد تكون أيضا».

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر عمر بن هارون الثقفي (2): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الجراد ذكي، و أما ما مات في البحر فلا تأكله».

و في

خبر علي بن جعفر (3) عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الجراد يصيده فيموت بعد أن يصيده أ يؤكل؟ قال: لا بأس».

و في خبره الآخر (4) عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الجراد يصيبه ميتا في الماء أو في الصحراء أ يؤكل؟ قال: لا تأكله».

و في المروي عن كتاب علي بن جعفر (5)

«عما أصاب المجوس من الجراد و السمك أ يحل أكله؟ قال: صيده ذكاته، لا بأس به».

و صحيح سليمان بن خالد (6)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 4.

ج 36، ص: 176

عن الحيتان يصيدها المجوس، فقال: إن عليا (عليه السلام) كان يقول:

الحيتان و الجراد ذكي».

و في

خبر حماد بن عيسى المروي عن قرب الاسناد (1)

«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يذكر عن أبيه (عليه السلام) قال: قال علي (عليه السلام): إن الحيتان و الجراد ذكي كله»

إلا أنه يمكن إرادة الطاهر من الذكي منه هنا، ك

مرسلة ابن المغيرة (2) عنه (عليه السلام) أيضا «الجراد ذكي حيه و ميته».

و على كل حال فلا ريب في ظهور النصوص المزبورة فيما صرح به غير واحد من الأصحاب بل لا أجد فيه خلافا بينهم من أن الكلام في تذكية الجراد كالكلام في السمك حتى في عدم اعتبار التسمية و الاستقبال، و أنه لا يشترط في أخذه الإسلام، بل قيل لم يذكره المفيد هنا، فلا خلاف، إلا أنه مع كونه خلاف ما حكاه في كشف اللثام و غيره عنه يمكن أن يكون تركه اتكالا على ما ذكره في السمك بناء على اتحاد حكمها، و لعله لذا احتاط فيه ابن زهرة كما احتاط هناك.

لكن في الرياض «في استفادة الاتحاد المزبور من النصوص إشكال، لأنها غير صريحة في ذلك، بل و لا ظاهرة، نعم ربما يستأنس له بالنصوص المتقدمة الدالة على أن السمك و الجراد ذكي كما في الصحيح (3)

و الموثق (4)

و أنهما إذا خرجا من الماء فهما ذكيان، كما في الخبر (5)

من حيث ذكره مع السمك و تعليق الحكم بالذكاة عليهما معا المشعر باتحادهما حكما، مضافا


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 177

إلى دلالة الأولين (1)

منهما على حلهما بالذكاة النفسية لهما، خرج منهما ما إذا ماتا حتف أنفهما بالإجماع فيهما و النصوص المتقدمة في السمك (2)

و الرواية الأخيرة (3)

فيهما، حيث اعتبرت في حلهما خروجهما، و المراد به بحكم التبادر و الغلبة كما مضى الخروج باليد و غيرها، فيدل على اعتبار الأخذ هنا أيضا».

و فيه ما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه من النصوص المنجبر ما في بعضها- من الضعف و الإرسال- بالعمل الظاهرة في الاتحاد في التذكية التي هي فيهما الأخذ و الصيد، فلا وجه للمناقشة المزبورة.

و المراد بما في الموثق (4) المزبور خروج السمك من الماء لا هو و الجراد الذي لم يتعارف في صيده أخذه من الماء، و المعنى أن الجراد إذا صيد و السمك إذا صيد بأن أخرج من الماء كل منهما ذكي، أي هذا تذكية له.

بل يمكن إرادة التذكية من لفظ «ذكي» في كثير من النصوص المزبورة (5)

و لو باعتبار كونها مساقة لذلك لا الطهارة، و الأمر سهل بعد وضوح المطلوب الذي هو كون الجراد كالسمك في التذكية التي هي فيهما أخذهما حيين أو صيدهما كذلك مع عدم موت الأول منهما في الماء.

و حينئذ ف لا يشترط في آخذه الإسلام كما سمعته في السمك، نعم لا بد من العلم بتذكيته له بمشاهدة أو غيرها، فلا يكفي


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبائح- الحديث 4. و الباب- 37- منها- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 31 و 33- من أبواب الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح- الحديث 5 و 6 و 7 و الباب- 32- منها- الحديث 4 و 6 و الباب- 37- منها- الحديث 3 و 4 و 8 و 9.

ج 36، ص: 178

قوله فضلا عن فعله، لما عرفت.

و حينئذ ف لو مات الجراد قبل أخذه لم يحل بلا إشكال و لا خلاف كالسمك، لعدم حصول تذكيته و كذا لو وقع في أجمة نار فأحرقتها و فيها جراد لم يحل و إن قصده المحرق لعدم صدق اسم الصيد و الأخذ على ذلك،

قال عمار بن موسى (1): «سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن السمك يشوى و هو حي، قال: نعم لا بأس به، و سئل عن الجراد إذا كان في قراح فيحرق ذلك القراح فيحترق ذلك الجراد و ينضج بتلك النار هل يؤكل؟ قال: لا».

و لا ينافي ذلك

خبره الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الجراد يشوى و هو حي، قال: نعم لا بأس به، و عن السمك يشوى و هو حي، قال: نعم لا بأس به»

المراد منه شواؤه بعد صيده، نعم لو فرض إمكان كون النار آلة صيد للجراد بأن يؤججها و يصطاده بها حل حينئذ، كالصيد بغيرها من الآلات على حسب ما سمعته في السمك المصاد بالشبكة و الحظيرة و غيرهما، و اللَّه العالم.

و لا يحل الدبى بفتح الدال مقصورا حتى يستقل بالطيران ليكون صيدا حينئذ باعتبار امتناعه بطيرانه فلو أخذ قبل استقلاله لم يؤكل بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه.

و في

صحيح علي بن جعفر (3)عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الدبى من الجراد، قال: لا حتى يستقل بالطيران».


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 1 و فيه «سألته عن الدبى من الجراد أ يؤكل؟.»

ج 36، ص: 179

و في

موثق عمار (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في الذي يشبه الجراد- و هو الذي يسمى بالدبى ليس له جناح يطير به إلا أنه يقفز قفزا- أ يحل أكله؟ قال: لا يؤكل ذلك، لأنه مسخ، و عن المهرجل، فقال: لا يؤكل، لأنه مسخ، ليس هو من الجراد».

و ظاهر عبارة المتن و غيره أن الدبى الصغير من الجراد قبل أن يستقل بالطيران، و حكاه في كشف اللثام عن الصحاح و الديوان و النهاية، قال:

«و هو يشمل ما إذا نبت له جناح صغير، و هو المراد هنا، كما نص عليه الفقهاء و سيظهر، و المشهور عند اللغويين أنه الذي لم ينبت له جناح، و في النهاية الأثيرية: و قيل: هو نوع يشبه الجراد، و يؤيده خبر عمار- السابق- و في نظام الغريب أن الدبى من الجراد، أول ما يظهر من بيضه، و فوقه البرقان، و هو أول ما يصفر و يظهر فيه خطوط، و فوقه المسبح، و هو ما يظهر فيه خطوط بيض و سود و صفر قبل ظهور حجم أجنحته، و فوقه الكتفان، و هو ما ظهر حجم أجنحته، فإذا نظرت موضعها رأيته شاخصا، و فوقه الغوغاء بالمد و القصر، و هو أول ما تظهر أجنحته، و يصير الأحمر إلى الغبرة، و يستقل من الأرض، و يموج بعضه في بعض و لا يتوجه جهة واحدة». قلت: هو حرام على كل حال، لما عرفت، و لأنه من الحشرات.

بقي شي ء: و هو ما تعارف في زماننا من صيد الأطفال للسمك و الجراد، و لا إشكال في حله بصيدهم، لما عرفت من عدم اعتبار البلوغ في التذكية الذبيحة فضلا عن هذه التذكية التي هي في الحقيقة من حيازة المباحات.

لكن يستفاد من عدم قبول خبر المجوسي و أنه لا بد من مشاهدته


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبائح- الحديث 7.

ج 36، ص: 180

عدم الاعتبار أيضا بخبر الضبي، فحينئذ يحرم أكل ما في يده من الجراد و السمك و إن أخبر بصيده له على الوجه الشرعي، لعدم الدليل على قبول خبره، إلا أن يدعى سيرة تقتضي إلحاقه بالمسلم في ذلك، كما ألحقته به في التذكية الذبيحة، و قد مضى بعض الكلام في ذلك.

هذا و قد يستفاد من توسعة الأمر في تذكية السمك و الجراد صحة وقوعها من المجنون، بناء على صحة الحيازة منه، لأنها نوع منها، فيصدق على إثبات يده أنه أخذ و صيد، اللهم إلا أن يقال: إنه لا عبرة بقصده، و فيه تأمل، و اللَّه العالم.

[المسألة التاسعة ذكاة الجنين ذكاة أمه]

المسألة التاسعة قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)

ذكاة الجنين ذكاة أمه (1)

بل روي ذلك أيضا مستفيضا حد الاستفاضة إن لم يكن متواترا عن عترته (صلوات اللَّه عليهم).

ففي

صحيح يعقوب بن شعيب (2)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الحوار تذكى أمه أ يؤكل بذكاتها؟ فقال: إذا كان تماما و نبت عليه الشعر فكل».

و في

موثق سماعة (3)

«سألته عن الشاة يذبحها و في بطنها ولد قد أشعر، قال: ذكاته ذكاة أمه».

و في

صحيح ابن مسلم (4)

«سألت أحدهما (عليهما السلام) عن


1- 1 المستدرك- الباب- 16- من أبواب الذبائح- الحديث 2 و سنن البيهقي- ج 9 ص 335.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 3.

ج 36، ص: 181

قول اللَّه عز و جل أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ (1) قال: الجنين في بطن أمه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أمه، فذلك الذي عنى اللَّه عز و جل»

و نحوه رواه العياشي (2) عنه (عليه السلام) أيضا. و رواه أيضا عن زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام).

بل

روي أيضا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا (4) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «عن قول اللَّه عز و جل أُحِلَّتْ- إلى آخرها- قال: الجنين في بطن أمه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أمه».

و نحوه رواه

الصدوق في العيون بسنده عن الفضل بن شاذان (5) عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون، قال: «ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر و أوبر».

و في

صحيح الحلبي (6) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تاما فكل، و إن لم يكن تاما فلا تأكل».

و في

صحيح ابن مسكان (7) عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنه قال في الذبيحة تذبح و في بطنها ولد، قال: إن كان تاما فكله. فان ذكاته ذكاة أمه، و إن لم يكن تاما فلا تأكله».

و في

خبر جراح المدائني (8) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا ذبحت ذبيحة و في بطنها ولد تام فكله، فان ذكاته ذكاة أمه، فان لم يكن تاما فلا تأكله»

إلى غير ذلك من النصوص التي من بعضها يعلم أن المراد من النبوي المزبور بيان الاكتفاء عن ذكاة الجنين بذكاة أمه، بل لعل الظاهر حصر مقتضى الحل فيه بذلك.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 12.
6- 6 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 6.
8- 8 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 7.

ج 36، ص: 182

فما عن بعض العامة- من إعرابها بالنصب على المصدر، أي ذكاته كذكاة أمه، فحذف الجار و نصب مفعولا، فأوجب تذكيته كتذكية أمه- معلوم الفساد، ضرورة أن أهل البيت (عليهم السلام) أدرى بما فيه من غيرهم، و كونه على المعنى المزبور لا تذكية للجنين أصلا فلا وجه لإضافة الذكاة إليه يدفعه معلومية الاكتفاء بأدنى ملابسة بإضافة مثله، على أن المراد بذلك الكناية عن حل الأكل، فهو حينئذ بحكم المذكى بالنسبة إلى حله بسبب تذكية أمه.

كل ذلك مضافا إلى ما في الروضة و غيرها من أن في التأويل المزبور لرواية النصب من التعسف ما لا يخفى، بل هو مخالف لرواية الرفع دون العكس، لإمكان كون الجار عليها لفظ «في» أو الباء على معنى دخول ذكاة الجنين في ذكاة أمه أو كون ذكاته بسبب ذكاتها أو نحو ذلك مما يوافق رواية الرفع في المعنى.

و على كل حال فلا إشكال في حصول ذكاة الجنين بذلك إن تمت خلقته لما سمعته من النصوص (1)

التي قد يستفاد منها أن من تمام خلقته أن يشعر أو يؤبر، كما عن صريح بعض و ظاهر آخر تحديدها بذلك، و لعله به يجمع بين النصوص و الفتاوى المقتصرة على اشتراط أحدهما بناء على التلازم بينهما، بل لو قلنا بعدمه- كما عساه يظهر من الصدوق في المقنع حيث اعتبر فيه تمام الخلقة و نسب الاشعار للرواية- كان وجه الجمع بين النصوص ذلك أيضا. و شاهده الصحيح (2)

السابق الذي اعتبرهما معا الذي قد يستفاد من العطف فيه عدم التلازم بينهما و إن كان يمكن أن يكون الوجه فيه أنه آخر تمام الخلقة.

و كيف كان فقد قيل و القائل الشيخ و القاضي


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 1.

ج 36، ص: 183

و ابن حمزة و الديلمي و الحلي على ما حكي: إنه كذلك إن تمت خلقته و لم تلجه الروح و إلا ف لو و لجته لم يكن بد من تذكيته فلو خرج ميتا بعد ولوج الروح فيه كان ميتة، لإطلاق أو عموم ما دل (1)

على اشتراط تذكية الحي الممنوع تناولهما للفرض، كمنع تناول الميتة له، و مع التسليم يقيد أو يخص بالنصوص (2)

المزبورة التي هي أرجح منها من وجوه و إن كان بينهما تعارض العموم من وجه، و لأنه قبل ولوج الروح في تربية روح أمه، فيكون إزهاق روحها بالتذكية تذكيته، و أما بعده فإنه في تربية روحه، فيحتاج إلى تذكيته الذي مرجعه إلى مجرد اعتبار لا يصلح معارضا لإطلاق الأدلة المزبورة أو الظاهرة في ولوج الروح و لو من حيث صدق اسم التذكية، خصوصا

موثق عمار (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في الشاة تذبح فيموت ولدها في بطنها، قال: كله، فإنه حلال، لأن ذكاته ذكاة أمه، فان خرج و هو حي فاذبحه و كل، فان مات قبل أن تذبحه فلا تأكله، و كذلك البقر و الإبل»

فإن الموت في البطن ظاهر في ولوج الروح.

و لعله لذلك قال المصنف فيه إشكال بل جزم غيره بعدم الفرق، بل في الرياض عن الكفاية و غيرها نسبته إلى المتأخرين، كل ذلك مع بعد الفرض فيما ذكروه أو امتناعه، إذ لا يعلم ولوج الروح فيه قبل خروجه حيا، إذ التحرك في البطن أعم من الحياة، اللهم إلا أن يكون كالإنسان الذي دلت النصوص (4)

على ولوج الروح فيه و اللَّه العالم.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 3 و الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
4- 4 الكافي- ج 6 ص 12- 16.

ج 36، ص: 184

نعم لو لم يتم خلقته لم يحل أصلا بلا خلاف أجده فيه، بل عن الانتصار و غيره الإجماع عليه، للنصوص (1)

السابقة و غيرها.

و على كل حال فقد ظهر لك أنه مع الشرطين أي التمام و خروجه ميتا المستفاد من فحوى الكلام يحل بذكاة أمه لا بدونهما أو أحدهما.

و لكن قيل كما عن المبسوط لو خرج حيا و لم يتسع الزمان لتذكيته حل أكله لكونه غير مستقر الحياة، فيلحق بحكم الميت الذي ذكاته بذكاة أمه، و به صرح الشهيدان و غيرهما.

و لكن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي مقتضاهما الحرمة مطلقا المقتصر في الخروج عنهما على المتيقن، مضافا إلى الموثق (2)

السابق، فهو حينئذ كما لو خرج مستقر الحياة المعلوم حرمته إجماعا بقسميه، لعدم اندراجه في النصوص المزبورة (3)

فيبقى على عموم ما دل (4) على حرمة الميتة.

و من الغريب ما في الدروس من احتمال الحل، قال: «و لو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية، و لو ضاق الزمان عنها فان لم يكن فيه حياة مستقرة حل، و إلا ففي الحل وجهان، من إطلاق الأصحاب وجوب التذكية إذا خرج حيا، و من أنه مع قصور الزمان في حكم غير مستقر الحياة» ضرورة عدم الدليل على كونه بحكمه، بل ظاهر الأدلة خلافه، بل قد عرفت تصريح الموثق (5)

باعتبار التذكية مع الحياة، و لا فرق بين سعة الزمان لذبحه و عدمه، كغيره من الحيوان المعتبر فيه التذكية إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 8.

ج 36، ص: 185

ما خرج بدليله، كالمتردية و الصيد و نحوهما. نعم لا تجب المبادرة إلى شق جوف الذبيحة التي في بطنها جنين قد ولجته الروح زيادة على المتعارف، لإطلاق الأدلة السابقة و إن كان هو أحوط.

و لا يخفى عليك أن تفسير الشرطين بما ذكرنا و إن كان لا يخلو من تعسف لكنه أولى من دعوى رجوع المصنف من الإشكال إلى الجزم، و المراد بهما التمام و عدم ولوج الروح، على أنه لا يتم في قوله: «و الأول أشبه» المراد منه الحرمة مع الخروج حيا كما في الدروس مطلقا، و لازمه حينئذ أن من شرط الحل عدم الخروج حيا، فتأمل جيدا.

و بذلك كله ظهر لك حكم الجنين الذي تذكى أمه، بل و غير ذلك، كجنين الميتة و الحية غير المذكاة، إذ من المعلوم حليته لو خرج مستقر الحياة و ذكي و لو من الميتة، لإطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص

خبر علي ابن جعفر (1) عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته عن شاة استخرج من بطنها ولد حي بعد موتها هل يصلح أكله؟ قال:

لا بأس»

المعلوم إرادة نفي البأس عن أكله من حيث خروجه من الميتة و إلا فلا بد من تذكيته، لإطلاق ما دل (2)

على اعتبارها في الحي، بل بناء على ما ذكرنا يعتبر ذلك و إن كان غير مستقر الحياة، و على القول باعتبار الاستقرار لا يكون قابلا للتذكية، بل يكون ميتة كما لو خرج ميتا منها بعد أن ولجته الروح.

و أما لو خرج تام الخلقة حتى في الشعر قبل أن تلجه الروح فربما ظهر من بعض الناس حله لأصل الإباحة، إلا أن الظاهر خلافه، لظهور الأدلة في اعتبار تذكية الجنين في حله و أن تذكيته بتذكية أمه، فلا يحل


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبائح- الحديث 14.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 3 و الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 186

بدونها، لعدم التذكية حينئذ، بل ذلك هو مقتضى حصر تذكيته بتذكيتها، و اللَّه العالم.

[خاتمة تشتمل على أقسام]

[القسم الأول في مسائل من أحكام الذباحة]
[المسألة الأولى يجب متابعة الذبح حتى يستوفى الأعضاء الأربعة]

خاتمة تشتمل على أقسام

الأول في مسائل من أحكام الذباحة و هي ثلاث:

الاولى:

يجب متابعة الذبح حتى يستوفى الأعضاء الأربعة بتمامها، بحيث لا يخرج عن الكيفية المتعارفة بالتراخي في زمان القطع، و حينئذ فلو قطع بعض الأعضاء و أرسله فانتهى إلى حركة المذبوح ثم استأنف قطع الباقي حرم، لأنه لم يبق فيه حياة مستقرة فالاستئناف بمنزلة ذبح الميت، و الأول غير مجد، لعدم قطع الأربع به، و جعله في الدروس من شرائط الذباحة، قال: «ثامنها متابعة الذبح حتى يقطع الأعضاء، فلو قطع البعض و أرسله ثم يتممه (1) فان كان في الحياة استقرار أو قصر الزمان حل، و إلا فالأقرب التحريم، لأن الأول غير محلل، و الثاني يجري مجرى ذبح الميت» و نحوه الكركي في حاشية الكتاب و الإرشاد.

و استشكل فيه الفاضل في قواعده، قال: «يستحب متابعة الذبح حتى يستوفي أعضاءه الأربعة، فلو قطع البعض و أرسله ثم استأنف قطع الباقي فإن كان بعد الأول حياته مستقرة حل، و إلا حرم على إشكال،


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية، و في الدروس «ثم تممه».

ج 36، ص: 187

لاستناد إزهاق الروح إلى الذبح» بل جزم بالحل في الإرشاد، قال:

«و لو قطع بعض الأعضاء ثم زفف عليه بعد إرساله فالأقرب الإباحة، سواء بقي فيه حياة مستقرة- و هو الذي يمكن أن يعيش اليوم أو الأيام- أو لا».

و تفصيل الكلام فيها أنه إذا قطع البعض و أرسله ثم قطع الباقي و كانت حياته مستقرة فلا خلاف في الحل، بل في المسالك نفي الريب فيه، ثم قال: «بلا خلاف، و كان (1) الاستناد فيه إلى الثاني و إن لم يصادف قطع الأربعة التي هي شرط الحل، لأن اشتراط قطعها في الحل إنما هو على تقدير وجودها، و إلا فلو فرض انقطاع بعضها لعارض قبل الذبح و بقي الحيوان مستقر الحياة كما يتفق ذلك في غير الحلقوم و المري ء لم يعتبر في حله غير قطع الموجود قطعا، و إلا لزم أن يكون حيوانا محللا مستقر الحياة لا يقبل التذكية، و هو باطل اتفاقا». و إن أمكن مناقشته إن لم يكن إجماعا بأن مقتضى

قوله (عليه السلام) (2): «إذا فرى الأوداج فلا بأس»

و غيره مما دل على اعتبار التذكية في الحل كتابا (3) و سنة (4)

المراد بها فري الأوداج الأربعة الحرمة، لعدم الشرط، و لا بعد في عدم قبول الحيوان المزبور التذكية، خصوصا إذا كان ذلك عارضا لا خلقة، و خصوصا لو بقي جزء يسير من بعضها و فرض استقرار حياته، فان جعل ذلك تذكية لا يخلو من بعد، بل لو فرض خلق اللَّه تعالى شأنه فردا من الحيوان بلا أعضاء للذباحة لم يكن القول بعدم قابليته للتذكية بعيدا.


1- 1 هكذا في النسختين المخطوطتين و في المسالك «و إن كان.».
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبائح- الحديث 1.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 188

و كذا لا خلاف عندهم في الحل مع قصر الزمان على وجه لا يقدح في التتابع المتعارف في الذبح، و لا يخرجه عن كون الفعل متحدا، و اللَّه العالم.

و أما إذا كانت الحياة غير مستقرة ففيه وجهان بل قولان: أحدهما الحل كما سمعته من الإرشاد، بل هو خيرة المصنف حيث قال و يمكن أن يقال: يحل، لأن إزهاق روحه بالذبح لا غيره، و هو أولى و وافقه عليه في المسالك، و الثاني التحريم كما سمعته من الشهيد و الكركي، لما تقدم من أنه بالقطع الأول صيره في حكم الميت، و هو غير كاف في الحل، لعدم استيفاء الأعضاء المعتبرة فيه، و الثاني غير كاف أيضا فيه، لأنه قطع بعد أن أبقاه الأول في حكم الميت.

و كأن المصنف لاحظ بما ذكره الجواب عن ذلك بأن هناك قسما ثالثا، و هو استناد الإباحة إلى القطعين، و هما مستقلان بالمطلوب، لأن هذا الزائد لو أثر لقدح في (مع خ ل) تتالي الذبح بحيث يقطع بعض الأعضاء بعد بعض على التوالي، فيأتي بعد قطع الأول قبل قطع الثاني ما ذكر.

قلت: لكن لا يخفى عليك المناقشة فيه بما عرفت، بل هي هنا قوية باعتبار عدم الإجماع فيها، فالتحريم حينئذ متجه، لعدم حصول قطع الأعضاء الذي هو التذكية الشرعية، و الخروج عن ذلك في مستقر الحياة للإجماع المزبور لا يقتضي الخروج عنه في المقام، مؤيدا ذلك بأن المنساق و المتيقن من كيفية الذبح ما حصل فيها التتابع على حسب المعتاد، و غيره محل الشك، و الأصل عدم التذكية.

و لعل هذا أولى مما سمعته من الدروس الذي لا يتم على المختار من عدم اعتبار استقرار الحياة، ضرورة كون المتجه- بناء على ذلك و على الاجتزاء بما بقي من أعضاء الذباحة كما سمعته في مستقر الحياة- الاكتفاء

ج 36، ص: 189

بقطع ما بقي من الأعضاء، على أن يكون هو التذكية، فيعتبر فيه التسمية، لا الأول، إذ هو حينئذ كمستقر الحياة الذي قطع بعض أعضائه ثم استرسل، بخلاف ما لو جعل قسما ثالثا، و هو استناد الازهاق إلى الذبح الحاصل من القطعين، فإنه قد يشكل الاجتزاء بالتسمية الأولى، خصوصا إذا كان متولي الثاني غير الأول، بناء على جواز تعدد الذابح، و إن كان لا يخلو من شك في الجملة باعتبار إمكان دعوى انسياق غيره من الأدلة، و الأصل عدم التذكية و إن فرض تتابع الفعل منهم على أن يقطع كل واحد منهم عضوا بعد قطع الآخر و فرض كون التسمية من الجميع، نعم الظاهر عدم الإشكال في الحل لو فرض اشتراكهم في القطع على وجه يكون منسوبا إلى مجموعهما، كما لو قطع الاثنان مثلا الأوداج بجر منهما للسكين.

و من ذلك كله يعلم الوجه في الحرمة و إن لم نقل باعتبار استقرار الحياة، فما في المسالك- من أن هذا كله مبني على اشتراط استقرار الحياة في المذبوح، أما لو اكتفينا بعده بالحركة أو خروج الدم سقط هذا البحث، و اعتبر في الحل أحدهما أو كلاهما- لا يخلو من نظر، و اللَّه العالم.

[المسألة الثانية لو أخذ الذابح في الذبح فانتزع آخر حشوته معا كان ميتة]

المسألة الثانية:

لو أخذ الذابح في الذبح فانتزع آخر حشوته معا كان ميتة، و كذا كل فعل مقارن للذبح لا تستقر معه الحياة و مزهق للنفس كالذبح، لاشتراك السببين في إزهاق روحه، و أحدهما محلل و الآخر محرم، فهو حينئذ كاشتراك الصيد و غيره في القتل الذي اتفق النص (1)


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 190

و الفتوى على الحرمة به، ضرورة ظهور الأدلة في اعتبار استقلال السبب المحلل في إزهاق روحه، نعم لا عبرة بالمعد السابق و لا بالمجهز المتأخر، لإطلاق الأدلة، بخلاف ما إذا اشتركا معا كما في الفرض، و لا أقل من الشك، و الأصل الحرمة.

و لا فرق في ذلك بين القول باستقرار الحياة و عدمه، فما في المسالك- من أن هذا إذا اعتبرنا استقرار الحياة، و إلا كفى في حكمه الحركة بعد الذبح أو ما يقوم مقامها و إن تعدد سبب الازهاق- لا يخلو من نظر، و اللَّه العالم.

[المسألة الثالثة إذا تيقن بقاء الحياة بعد الذبح فهو حلال]

المسألة الثالثة قد عرفت سابقا أنه لا خلاف نصا (1)

و فتوى بل و لا إشكال إذا تيقن بقاء الحياة بعد الذبح فهو حلال لإطلاق الأدلة و عمومها و خصوصها، حتى على القول باعتبار الاستقرار، إذ هو معتبر حين الذبح لا بعده، نعم لا بد في الحكم بالحل من إحرازه حينه بناء على اعتباره.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه إن تيقن الموت قبله فهو حرام لاندراجه في الميتة المحرمة كتابا (2) و سنة (3)

و إجماعا بقسميه و لو اشتبه الحال تعرفه بالعلامتين أو إحداهما على الخلاف السابق.


1- 1 الوسائل- الباب- 11 و 12- من أبواب الذبائح.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة و الأشربة.

ج 36، ص: 191

و لو لم يعلم حركة المذبوح و لا خروج الدم المعتدل بناء على الاكتفاء بأحدهما- لظلمة و نحوها فالوجه تغليب الحرمة للأصل بعد ظهور النصوص (1)

في اشتراط الحل بذلك، و الشك في الشرط شك في المشروط، و ربما احتمل الحل استصحابا لبقاء الحياة، و لكن لا يخفى ضعفه.

هذا و في المسالك «و مثله يأتي في الحكم باستقرار الحياة قبل الذبح حيث نعتبرها، فإنه مع العلم ببقائها يحكم بالحل، و بعدمها بعدمه، و مع الشك يتعارض أصالة بقائها و بقاء التحريم، و الأقوى حينئذ اعتبار الحركة بعد الذبح، و قد أشرنا إليه سابقا».

و فيه أنها لا تدل على الاستقرار قطعا بالمعنى الذي ذكروه، و كذا الدم، بل و لا مجموعهما، نعم هما أو أحدهما يدلان على أصل الحياة، كما عرفت الكلام في ذلك مفصلا.

بقي شي ء: و هو أن صريح المسالك بل قد يظهر من غيره أيضا اعتبار تأخر حياة المذبوح بعد الذبح و لو قليلا، و لا ريب في أنه أحوط، لكن في تعيينه على وجه يحكم بالحرمة لو فرض العلم بمقارنة إزهاق روحه لتمام قطع الأوداج نظر، لإطلاق الأدلة و صدق تذكية الحي، و نصوص الحركة بعد الذبح (2)

إنما هو في مشتبه الحال أو لحصول العلم بالازهاق بالتذكية لا لإخراج الصورة السابقة المفروض فيها العلم بالمقارنة، أما مع عدم العلم بها فلا بد من الحركة المتأخرة ليحصل العلم بذلك و إلا حرم، و احتمال المقارنة غير كاف، و الأصل لا ينقحها.

و لكن مع ذلك كله فلا ريب في أن الأحوط ما ذكره، خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب- 11 و 12- من أبواب الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 11 و 12- من أبواب الذبائح.

ج 36، ص: 192

بعد إمكان التعبد باعتبار الحركة المتأخرة في النصوص، و قد مضى بعض الكلام في ذلك، و اللَّه العالم.

[القسم الثاني في ما يقع عليه الذكاة]
اشارة

القسم الثاني في ما يقع عليه الذكاة من الحيوان و جملة القول فيه أنه مأكول و غير مأكول، و الثاني نجس العين و غير نجس، و غير النجس آدمي و غير آدمي، و الأخير (ما ظ) لا نفس له و ما له نفس، و الأخير باعتبار الخلاف في قبول التذكية و عدمه أربعة أقسام: السباع و المسوخات و الحشرات و غير ذلك، و ستعرف الكلام فيها إنشاء اللَّه تعالى.

كما أنك عرفت الكلام في تذكية غير ذي النفس من المأكول كالسمك و الجراد، و أنه بها يكون جائز الأكل، و عرفت تذكية ذي النفس من المأكول الصيدية و الذبحية و النحرية حتى ذكاة الجنين منه، و أنه بها يكون جائز الأكل باقيا على حكم طهارته قبلها، بخلاف غير المأكول منه، فإنه بتذكيته يكون باقيا على الطهارة دون جواز الأكل.

و أما غير المأكول من غير ذي النفس فلا حكم لتذكيته، لأنه طاهر ذكي أو لم يذك، و الأصل في مأكول اللحم من ذي النفس التذكية، لأنه مقتضى كونه مأكولا و للإجماع بقسميه، و قوله تعالى(1) «إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» و «فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» (2) و النصوص المتواترة الواردة


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 3.
2- 2 سورة الأنعام: 6- الآية 118.

ج 36، ص: 193

في الصيود و الذبائح، فلا إشكال في هذا القسم.

كما لا إشكال في عدم قبول الأول من القسم الثاني- و هو نجس العين- للتذكية و لا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه بل الضرورة.

إنما البحث في الأربعة الأخيرة، و قد يقال: إن مقتضى الأصل عدم التذكية التي هي من الأحكام الشرعية التوقيفية، و بها يخرج الحيوان عن اسم الميتة بالمعنى الأخص، و يبقى على حكم الطهارة الأولى، فما لم يعلم من الشرع قبوله لها يكون بحكم الميتة، و دعوى أن الأصل بقاؤه على الطهارة بالتذكية العرفية- أو أن القاعدة الطهارة في كل شي ء حتى يعلم أنه نجس شرعا المقتصر في الخروج عنهما على الميت حتف أنفه دون المذبوح بالذبح الشرعي الذي هو قطع الأوداج فيما شرع فيه الذبح، و هما و إن لم يفيدا كون الحيوان مما يذكى شرعا، إلا أن احتمال ذلك كاف للحكم بالطهارة التي هي حكم المذكى شرعا من غير المأكول- يدفعها أن الميتة لغة و شرعا التي زهقت نفسها، إذ هي من الموت المقابل للحياة، فالميتة و الميت غير الحي سواء كان مذكى أو غيره إذ لم يثبت لها حقيقة شرعية.

نعم قد تطلق في مقابل ما ثبت له تذكية شرعية من مأكول اللحم، و لكن ذلك لا يقتضي الاختصاص بذلك، على أنه لو سلم كون الميتة غير المذكاة شرعا في الواقع يمكن أن يقال في المشكوك في قابليته للتذكية شرعا: الأصل عدمها أيضا، باعتبار أنه جعل شرعي يخرج الحيوان عن اسم الميتة التي هي لم يجعل لها الشارع تذكية، فمن شك في الجعل كان الأصل عدمه، و هو فصل مقوم للميتة، ضرورة عدم جعل للشرع في تحقق الميتة حتى يقال: الأصل عدمه أيضا، بل ليست هي إلا ما لم يجعل الشارع لها تذكية، و هي أمر يتحقق بالأصل، و حينئذ فكل ما شك في

ج 36، ص: 194

تذكيته شرعا مندرج في اسم الميتة التي قد استفاضت النصوص (1)

بعدم جواز الانتفاع بشي ء منها، و لا يخرج منها إلا المعلوم أنه مما يذكى شرعا.

بل يمكن دعوى رجوع الاستثناء في قوله تعالى (2) «إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» إلى ما يشمل الميتة و النطيحة و المتردية و أكيل السبع، بناء على أن المذكاة ميتة بالمعنى الذي ذكرناه و استثنى منها المذكى و إن كان خلاف الظاهر، بل خلاف ما ورد في تفسيرها من النصوص (3)

لكن لا ينكر ظهور سوقها من النصوص (4)

الواردة في تفسيرها في مأكول اللحم من الحيوان، بل يمكن دعوى القطع في ذلك، فلا يستفاد منها عموم قبول التذكية لكل حيوان كي ينقطع الأصل الذي ذكرناه، كما ظنه في كشف اللثام بعد أن قال: «ليس التذكية إلا الذبح». «و لا دليل على نقلها في الشرع، و الأصل استصحاب الطهارة».

و فيه أنه و إن سلمنا كون كيفية التذكية الذبح لكن الكلام في قبول كل حيوان لها، و استصحاب الطهارة و قاعدتها لا يقتضيان قبوله، نعم هما يقتضيان الطهارة التي هي حكم تذكيته لو لا إطلاق و عموم الميتة بالمعنى الذي ذكرناه، فان مقتضاه تناول كل ما لم تثبت تذكيته شرعا، و لو للشك في قبولها.

بل قد يقال: إن مقتضى

خبر علي بن حمزة (5)- سأل الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة- من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الذبائح.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الذبائح.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب لباس المصلي- الحديث 3 من كتاب الصلاة عن علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا عبد اللَّه و أبا الحسن عليهما السلام.» كما هو كذلك في الكافي ج 3 ص 397- 398 إلا أن الموجود في التهذيب ج 2 ص 203- 204 عن علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن لباس الفراء.»

ج 36، ص: 195

(عليه السلام) «عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال: لا يصلى إلا في ما كان منه ذكيا، فقال: أو ليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ فقال: بلى إذا كان مما يؤكل لحمه، قلت: و ما لا يؤكل لحمه من غير النعم، قال:

لا بأس بالسنجاب، فإنه لا يأكل اللحم، و ليس هو مما نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) إذ نهى عن كل ذي ناب و مخلب»

- حصر قبولها في المأكول إلا ما خرج، كما اعترف به في كشف اللثام أيضا، اللهم إلا أن يقال: إن المراد منه ذلك بالنسبة إلى الصلاة فيه لا مطلقا، بل لعله الظاهر منه.

فالعمدة حينئذ دعوى صدق اسم الميتة على كل حيوان زهقت روحه بأي طريق يكون: خرج منها المذكى شرعا و بقي غيره، أو أنها لكل حيوان لم تثبت له تذكية شرعية و إن ذكي بالتذكية العرفية، و من هنا لو شك في كيفية التذكية شرعا و لم يكن ثم إطلاق يحكم بعدم التذكية و كون الحيوان ميتة نجسة، كما يحكم بعدم الأكل للمشكوك في أكله، لأصالة عدم التذكية.

نعم

صحيح ابن بكير (1)- «إن زرارة سأل الصادق (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أن الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسدة، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل اللَّه أكله ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) فاحفظ هذا يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذابح، فان كان غير ذلك مما نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 36، ص: 196

شي ء منه فاسدة، ذكاه الذابح أو لم يذكه»

- ظاهر في أن الذبح تذكية لكل حيوان، و كذا لو كانت الرواية «الذبح» بناء على أن المراد منه ذبح أو لم يذبح.

و أظهر منه

صحيح علي بن يقطين (1) قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن لباس الفراء و السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود قال: لا بأس بذلك»

إذ لو لم تقبل التذكية كانت ميتة لا يجوز لبسها مؤيدا بما يفهم من مجموع النصوص المتقدمة في لباس المصلي (2) من قبول التذكية لكل حيوان طاهر العين حال الحياة و إن لم يكن مأكول اللحم، و لكن لا يصلي فيه عدا ما استثني، فلاحظ و تأمل، بل و بغير ذلك.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أن قول المصنف و هي تقع على كل حيوان مأكول، بمعنى أنه يكون طاهرا بعد الذبح، و لا تقع على نجس العين، كالكلب و الخنزير، بمعنى أنه يكون باقيا على نجاسته بعد الذبح،

[ما خرج عن القسمين فهو أربعة أقسام]
اشارة

و ما خرج عن هذين القسمين فهو أربعة أقسام بل خمسة غير مستوف لتمام الاقسام، ضرورة عدم انحصار التذكية في الذبح، و لا أن معناها في المأكول الطهارة خاصة، بل هي مع جواز الأكل، نعم هي كذلك في غير المأكول، و لكن الأمر سهل بعد وضوح المطلوب، خصوصا بعد ما سلف له مما يستفاد منه ما ذكرناه.

و على كل حال فالقسم

[القسم الأول المسوخ]

الأول المسوخ غير السباع و ما لا نفس له سائلة منها و ما كان من الحشرات و المشهور على ما قيل: إنه لا تقع عليها الذكاة خصوصا مع ملاحظة القائل بنجاستها ك الشيخ


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 راجع ج 8 ص 65- 67 و 78.

ج 36، ص: 197

و الديلمي و ابن حمزة و هي الفيل و الدب و القرد و غيرها مما تضمنتها النصوص (1)

.

لكن في المسالك «إن أجمع الروايات

خبر محمد بن الحسن الأشعري (2) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «الفيل مسخ كان ملكا زانيا، و الذئب مسخ كان اعرابيا ديوثا، و الأرنب مسخ كان امرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها، و الوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس، و الخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، و الجريث و الضب فرقة من بني إسرائيل، حيث نزلت المائدة على عيسى (على نبينا و آله و عليه السلام) لم يؤمنوا فتاهوا، فوقعت فرقة في البحر و فرقة في البر، و الفأرة هي الفويسقة، و العقرب كان نماما، و الدب و الوزغ و الزنبور كان لحاما يسرق في الميزان»

- قال-: و هذه المسوخ كلها هلكت، و هذه الحيوانات على صورها».

و مجموع ما فيها أنها اثنا عشر، و في

خبر الكلبي النسابة (3)

«الوبر و الورك»

و الأول بسكون الباء: دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء حسنة العينين لا ذنب لها، شديدة الحياء حجازية، و الثاني محركة: دابة كالضب، أو العظيم من أشكال الوزغ، طويل الذنب صغير الرأس.

و قد سمعت في الجراد أن الدبى و المهرجل من المسوخ، كما أن في غيره من النصوص (4)

عد الكلب و الطاوس و المارماهي و الزمير و الدعموص و الخفاش و سهيل و القنفذ و الزهرة و العنكبوت و القملة و البعوض


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 و 6 و 8 و 12 و 15 من كتاب الأطعمة و الأشربة.

ج 36، ص: 198

و هي جملة ما وقفنا عليه من النصوص.

لكن عن الفقيه زيادة النعامة و السرطان و السلحفاة و الثعلب و اليربوع، و ربما نسب إلى بعض النصوص، بل ربما احتمل أنها من تتمة رواية محمد (1)

لا من كلامه.

و في بعض النصوص (2)

«إن اللَّه مسخ سبعمائة عصوا الأوصياء بعد الرسل، فأخذ أربعمائة منهم برا، و ثلاثمائة بحرا»

و الأمر سهل بعد أن لم يكن الحكم عندنا دائرا على مسماها، للأصل المزبور.

و قال المرتضى و وافقه الشهيد تقع عليها الذكاة، بل في غاية المراد نسبته إلى ظاهر الأكثر، بل في كشف اللثام إلى المشهور، للأصل الممنوع على مدعيه حتى بمعنى استصحاب الطهارة أو قاعدتها، و السبب- في وقوعها على المأكول الانتفاع بلحمه و جلده، و هو متحقق فيها في الجلد- الذي لا يرجع إلى محصل ينطبق على أصول الإمامية، و بعض النصوص (3)

- الواردة في حل الأرنب و القنفذ و الوطواط و هي مسوخ، و ليس ذلك في لحمها عندنا، فيكون في جلدها- الذي هو بعد أن لا يكون معمولا عليه عندنا و موافقا للتقية يكون من المأول الذي ليس بحجة، نعم قد يصلح مؤيدا لما سمعته من الصحيح (4)

المقتضي لصحة التذكية فيها، و لكن ينبغي أن يكون المدار على الجلود التي تلبس عادة أو صالحه للبس.


1- 1 راجع الفقيه ج 3 ص 213.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 9 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6 و 7 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 36، ص: 199

[القسم الثاني الحشرات]

القسم الثاني الذي هو الحشرات و هي التي تسكن باطن الأرض كالفأرة و ابن عرس و الضب و نحوها فان في وقوع الذكاة عليها تردد ا بل خلافا أشبهه أنه لا يقع وفاقا للأكثر بل المشهور، للأصل المزبور السالم عن معارضة الصحيح (1) و نحوه بعد انسياق غير ذلك من الجلود فيه و إن كان بلفظ الجمع، فلا أقل من الشك، و قد عرفت أن الأصل عدم التذكية، و اللَّه العالم.

[القسم الثالث الآدمي]

القسم الثالث: الآدمي الذي قد عرفت أنه لا تقع عليه الذكاة إجماعا أو ضرورة، لا لحرمة تذكيت ه التي لا تنافي الطهارة بعد وقوعها و لا تتم في الكافر منه و نحوه مما يجوز قتله، بل لما عرفت. و حينئذ يكون ميتة و لو ذكي (11) كما هو واضح، و اللَّه العالم.

[القسم الرابع السباع]

القسم الرابع: السباع (12) من الوحوش و الطيور، و هي ما تفترس الحيوان بنابها أو مخلبها للأكل، أو كل ما كان ذا مخلاب أو ناب يفترس من الحيوان أو ما يتغذى باللحم كالأسد و النمر و الفهد و الثعلب و (13) نحوها ف في وقوع الذكاة عليها تردد (14) بل و خلاف و إن لم نعرف حكايته، لكن في كشف اللثام «المشهور الوقوع، و عدمه قول المفيد و سلار و ابن حمزة ذكروه في الجنايات، و كذا الشيخ في الخلاف».

و (15) على كل حال ف الوقوع (16) هنا أشبه (17) وفاقا للمشهور، بل في غاية المراد لا نعلم مخالفا، بل عن بعض دعوى الاتفاق عليه، بل عن السرائر الإجماع عليه، لموثقي سماعة المعتضدين بما عرفت، ف

في أحدهما (2)

«سألته عن جلود السباع ينتفع بها، قال: إذا رميت


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 من كتاب الأطعمة و الأشربة.

ج 36، ص: 200

و سميت فانتفع بجلده»

و في الآخر (1)

«سألته عن لحوم السباع و جلودها، فقال: أما لحوم السباع و السباع من الطير فانا نكرهه، و أما الجلود فاركبوا عليها، و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه»

إذ لو لا وقوع التذكية عليها لم يجز الانتفاع بجلودها، ضرورة كونها حينئذ ميتة لا يجوز الانتفاع بشي ء منها إلا ما استثني.

بل و بالسيرة المستمرة في جميع الأعصار و الأمصار على استعمال جلودها، و بما ورد من النصوص (2)

في جواز استعمال جلد السمور و الثعالب، بل في

خبر أبي مخلد (3)

«كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) إذ دخل معتب، فقال: بالباب رجلان، فقال: أدخلهما، فقال أحدهما:

إني رجل سراج أبيع جلود النمر، فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم، قال: ليس به بأس»

و بغير ذلك مما مر في لباس المصلي (4).

و من الغريب بعد ذلك كله ما في المسالك من التردد في الحكم المزبور استضعافا لموثقي سماعة و كونهما مضمرين، و ظهور كونه الامام (عليه السلام) غير كاف في العمل بمقتضاهما، إلى آخر ما ذكره مما لا يخفى عليك النظر فيه بعد أن كان الموثق الثاني مسندا في محكي الفقيه (5)

و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 4 و 5- من أبواب لباس المصلي من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.
4- 4 راجع ج 8 ص 64- 67.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب لباس المصلي- الحديث 3 راجع الفقيه ج 1 ص 169- الرقم 801.

ج 36، ص: 201

و على كل حال تطهر بمجرد الذكاة عند المشهور للأصل و إطلاق الموثقين (1)

. و قيل و القائل الشيخان و المرتضى:

لا تستعمل جلده مع الذكاة حتى تدبغ لخبر أبي مخلد (2)

السابق القاصر سندا و دلالة، و دعوى كون المتفق عليه بخلاف ما قبل الدبغ التي لا محصل لها بعد اقتضاء الأصل جواز الاستعمال، للحكم بالطهارة التي إن لم تحصل بالتذكية لم تحصل بالدبغ عندنا، بل يمكن أن يكون الوجه في ذكر الامام (عليه السلام) لضرب من التقية، خصوصا بعد أن كان الرجلان غير معلومين، و قد تقدم في الطهارة (3) و لباس المصلي (4) تمام الكلام في هذه المسائل.

و أما الكلام في غير الأقسام الأربعة فهو مبني على الأصل المزبور و العموم المذكور، نعم لا إشكال في قبول ما كانت حرمته عارضة فيها، كالجلال و الموطوء للاستصحاب، و أما غيره فقد عرفت أن الأصل عدم التذكية إلا ما يندرج منها في الصحيح (5)

المزبور، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 و الباب- 3- منها- الحديث 4 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.
3- 3 راجع ج 6 ص 349- 352.
4- 4 راجع ج 8 ص 73.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 36، ص: 202

[القسم الثالث في مسائل من أحكام الصيد]
[المسألة الأولى ما يثبت في آلة الصائد كالحبالة و الشبكة يملكه ناصبها]

القسم الثالث في مسائل من أحكام الصيد و هي عشرة:

الأولى لا خلاف و لا إشكال في أن ما يثبت في آلة الصائد على وجه يخرج عن كونه ممتنعا كالحبالة و الشبكة و الفخ و نحوها يملكه ناصبها للاصطياد و كذا كل ما يعتاد للاصطياد به بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لصدق الصيد و الأخذ و الحيازة و نحوها مما هو سبب الملك في مثله من المباح، بل ما في صحيحي الحظيرة و نصب الشبكة المتقدمين في ذكاة السمك-

قال في الأول منهما (1) جوابا عن السمك الذي يدخل فيها: «لا بأس به، إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصطاد بها»

و في الآخر (2)

«ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها»-

مبني على أن ذلك أخذ و صيد أو مثلهما، خصوصا بعد ما ورد (3)

أن ذكاة السمك أخذه و صيده، إذ هو أولى من التخصيص، و بالجملة


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح- الحديث 8 و الباب- 32- منها- الحديث 8 و الباب- 34- منها- الحديث 1.

ج 36، ص: 203

لا ريب في تحقق الأخذ و الصيد و الحيازة لما نشب لآلته المنصوبة لذلك.

كما أنه لا ريب في تملك المباح الذي منه ما نحن فيه بذلك،

قال (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (1): «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض كلت و تاهت و سيبها صاحبها لما لم يتبعه فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقة حتى أحياها من الكلال و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها، إنما هي مثل الشي ء المباح»

الدال على تملك الشي ء المباح بأخذه.

و في

خبر السكوني (2)

«في رجل أبصر طائرا فتبعه حتى سقط على شجرة فجاء رجل آخر فأخذه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

للعين ما رأت و لليد ما أخذت».

و خبره الآخر (3)

«الطير إذا ملك جناحه فهو صيد، و هو حلال لمن أخذه»

كمرسل ابن بكير (4)

«إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على تحقق ملك المباح بأخذه و صيده، و لا ريب في تحققهما بالاستيلاء عليه و الدخول تحت يده و قبضته و لو بالآلة المقصود التوصل بها إلى ذلك، من غير فرق بين الشبكة و نحوها بين الكلب و الصقر و نحوهما، إذ ليس المراد خصوص الأخذ باليد الحسية قطعا.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من كتاب اللقطة- الحديث 2 و الباب- 38- من أبواب الصيد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد- الحديث 1 عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام كما هو كذلك في التهذيب ج 9 ص 61، إلا أن الموجود في الكافي- ج 6 ص 222 عن ابن بكير عمن رواه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام.

ج 36، ص: 204

و متى ملكه بذلك لا يخرج عن ملكه بانفلاته بعد إثباته الذي هو سبب لملكه كما عرفت، للأصل، و حينئذ فنماؤه له، و لا يملكه غيره إذا صاده، من غير فرق بين التحاقه بالوحوش و عدمه، و بين تعذر الوصول اليه و عدمه، إذ المملوك لا يخرج عن الملك بذلك كالعبد الآبق و الدابة الإنسية إذا توحشت.

نعم لا يملكه بلا خلاف أجده فيه بتوحله في أرضه و لا بتعشيشه في داره و لا بوثوب السمكة إلى سفينته و لا بنحو ذلك مما لم يقصد به الاصطياد، فلا يصدق عليه اسم الأخذ و لا الصيد و لا نحوهما مما يكون سببا لملكه له، فيبقى على إباحته الأصلية، يملكه كل من يأخذه بل لا يثبت له حق اختصاص به، بحيث لو أثم و دخل داره مثلا و أخذه ملكه، لما عرفت. نعم له حق اختصاص بمعنى أنه ليس لأحد التصرف في داره، و لعله هو مراد الفاضل في القواعد، لاحق الاختصاص المانع عن التملك، لعدم الدليل، بل لعله كذلك لو نشب في الآلات المعتاد الاصطياد بها إلا أنه لم ينصبها له و لا كان من قصده الاصطياد بها فضلا عن غيرها.

بل صرح بعض بأنه لو اتخذ موحلة مثلا للصيد فنشب بحيث لا يمكنه التخلص لم يملكه بذلك، لأنها ليست آلة معتادة تدخل في إطلاق الأدلة القاطعة لأصالة عدم تملكه و إن كان فيه تردد بل منع كما صرح به غير واحد، ضرورة عدم تعليق الحكم في النصوص على الأخذ بالآلة و الصيد بها كي تنصرف إلى المعتادة، بل هو معلق على الصيد و الأخذ و نحوهما مما يخرج به عن الامتناع و يدخل به تحت يد الصائد و قبضته، بل التعليل في الصحيحين (1)

المزبورين


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح- الحديث 2 و 3.

ج 36، ص: 205

يقتضي خلافه، و أن المدار على كل ما يعمله للاصطياد به.

و لعله لذا صرح غير واحد بأنه لو أغلق عليه بابا و لا مخرج له أو جعله (صيره خ ل) في مضيق لا يتعذر قبضه أو نحو ذلك ملكه لزوال امتناعه حينئذ و دخوله تحت يده و قبضته الذي هو المدار، لا الأخذ بالآلة فضلا عن المعتاد منها.

و لكن فيه أيضا إشكال لإمكان منع صدق اسم الأخذ و الصيد بذلك، بل لعل الأشبه أنه لا يملك هنا إلا مع القبض باليد أو الآلة للأصل المقتصر في الخروج منه على المتيقن الذي هو ما عرفت، و ليس مطلق الخروج عن الامتناع أخذا أو قبضا و دخولا تحت اليد، و اللَّه العالم.

و لو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه قطعا مع عدم قصد إطلاقه أو مع عدم قطع نيته عن ملكه، و احتمال أن للصيد خصوصية- باعتبار أن سبب الملك فيه اليد، فإذا زالت زال، أو باعتبار صدق الصيد على المصيد الممتنع و إن سبقت يد عليه، أو لخصوص الطير من الصيد باعتبار ما دل من النصوص (1)

على أنه إذا ملك جناحه فهو صيد و إن كان في السابق ملك- لم أجده لأحد هنا، و ربما يأتي في خصوص الطير منه كلام، و اللَّه العالم.

و إن نوى إطلاقه و قطع نيته عن ملكه هل يملكه غيره باصطياده؟

الأشبه عند المصنف و الأكثر كما في المسالك لا (11) يملكه لأنه لا يخرج عن ملكه (12) الثابت بسببه الشرعي بنية الإخراج (13) التي لم يثبت كونها سببا في ذلك، ضرورة توقف الخروج عن الملك على سبب شرعي قاطع لاستصحابه كالدخول فيه.


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 206

نعم في المسالك «هل يكون نية رفع ملكه عنه أو تصريحه بإباحته موجبا لإباحة غيره له (1)؟ وجهان: أحدهما العدم، لبقاء الملك المانع من تصرف الغير فيه، و أصحهما إباحته لغيره، لوجود المقتضي له، و هو إذن المالك فيه، و هو كاف في إباحة ما يأذن في التصرف فيه من أمواله، فلا ضمان على من أكله، لكن يجوز للمالك الرجوع فيه ما دامت عينه موجودة، كنثار العرس، و كما لو وقع منه شي ء حقير ككسرة خبز فأهمله، فإنه يكون مبيحا له، لأن القرائن الظاهرة كافية في الإباحة، و يوضحه ما يؤثر عن بعض الصالحين من التقاط السنابل لذلك».

قلت- بعد الإغماض عما في قوله: «أو تصريحه بإباحته» إلى آخره خروج (2) ذلك عن البحث، بل ينبغي القطع بالإباحة، إذ

الناس مسلطون على أموالهم (3)

-: الظاهر عدم التلازم بين الاعراض و الإباحة التي هي إنشاء خاص، و قد لا يخطر بباله الاذن في ذلك، نعم ربما يحصل ذلك من شاهد الحال في نثار العرس و نحوه مما هو غير مسألة الأعراض التي هي عبارة عن رفع اليد عما هو ملك له من غير إنشاء الإباحة فيه لغيره، و البحث في أن ذلك نفسه مقتض للخروج عن ملك المالك، و صيرورة الشي ء كالمباح الأصلي يملكه الآخذ بأخذه، و لا سبيل للأول عليه، كما عن الشيخ في المبسوط، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و قيل: يخرج، كما لو وقع منه شي ء حقير فأهمله، فإنه يكون كالمبيح له في جواز الأخذ، و إلا فقد عرفت الفرق بين الاعراض


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية، و في المسالك «لإباحة أخذ غيره له» و هو الصحيح.
2- 2 هكذا في النسختين المخطوطتين: المبيضة و المسودة، و هو سهو من قلمه الشريف، و الصحيح «لخروج» أو «من خروج».
3- 3 إشارة إلى الحديث النبوي المروي في البحار- ج 2 ص 272- الطبع الحديث.

ج 36، ص: 207

و الإباحة التي قد تستفاد من شاهد الحال و نحوه مما لا ينبغي الإشكال في جواز الأخذ معه، و أن ما يؤثر عن بعض الصالحين من التفاط السنابل لذلك، بل يمكن دعوى السيرة القطعية على ذلك و نحوه.

نعم فيه بحث بالنسبة إلى التصرفات الناقلة حتى التزم الأردبيلي أنه يملك الثمن و إن لم يكن مالكا للمثمن، و أن دعوى لا بيع إلا في ملك لم يثبت، و قد ذكرنا نحن سابقا الكلام في مثل هذه الإباحة التي منها ما ذكروه في المعاطاة (1) بناء على أنها إباحة، و منها ما ذكرناه في إباحتهم (عليهم السلام) الأنفال (2) و غير ذلك في مقامات متعددة.

و كأنه لذلك قال المصنف و لعل بين الحالين فرقا (أولا) بالحقارة و عدمها في الصيد المعتد به. و (ثانيا) بأن مرجع ذلك إلى الإباحة من المالك- كنثار العرس- لا الخروج عن ملكه بالاعراض.

و أما دعوى أن الأصل في الصيد انفكاك الملك عنه بالاعراض- لأنه إنما حصل باليد و الفرض زوالها، و بذلك يفرق بين الصيد و غيره، باعتبار أن ملك الصيد كان بسبب اليد و قد أزالها قصدا، بخلاف المال الحقير المملوك نوعه بسبب شرعي غير اليد، فلا يزول بالاعراض، كدعوى أنه قد أزال ملكه عنه باختياره فيزول، لأن القدرة على الشي ء قدرة على ضده- لا محصل لها، ضرورة انقطاع الأصل بما ثبت شرعا من سبب التملك الذي لا يقتضي كون زواله سببا أيضا للزوال، لعدم التلازم بينهما، و سبب الملك متى تحقق مسببه و إن زال هو بعد ذلك كغيره من أسباب الملك، فلا بد من مزيل آخر.


1- 1 راجع ج 22 ص 210- 240.
2- 2 راجع ج 16 ص 134- 154.

ج 36، ص: 208

نعم قد يقال: إن صحيح ابن سنان (1)

دال على كون الشي ء بعد الاعراض عنه كالمباح الأصلي، و أظهر وجه الشبه فيه خروجه عن ملكه، و تملكه لمن يأخذه على وجه لا سبيل له عليه، بناء على أن المراد منه صيرورة البعير كالمباح باعتبار إعراض صاحبه عنه، فيكون حينئذ مثالا لكل ما كان كذلك، بل لعل

قوله (عليه السلام): «إن أصاب مالا»

منزل على ذلك، على معنى إن أصاب مالا غير البعير، و لكن هو كالبعير في الاعراض، مؤيدا ذلك بخبر السفينة (2)

الذي قد استوفينا الكلام فيه في كتاب القضاء، بل قد ذكرنا هناك جملة من الكلام المتعلق في مسألة الاعراض. و دعوى ابن إدريس الإجماع عليه، فلاحظ و تأمل.

و اللَّه العالم.

[المسألة الثانية إذا أمكن الصيد التحامل طائرا أو عاديا بحيث لا يقدر عليه]

المسألة الثانية:

إذا أمكن الصيد التحامل طائرا أو عاديا بحيث لا يقدر عليه لبقائه على الامتناع إلا بالاتباع المتضمن للإسراع لم يملكه الأول للأصل بعد فرض عدم حصول سبب الملك من الأخذ و الحيازة و الصيد على وجه يصدق عليه كونه تحت يده و في قبضته و لو بأن يثخنه و يبطل امتناعه و يصيره على وجه يسهل أخذه و اللحوق به عادة، بخلاف الفرض الذي هو أضعاف قوته بضربه لكن بقي مع ذلك قادرا على الامتناع بالطيران و العدو بحيث لا ينال إلا بالإسراع الموجب لغير المعتاد من المشقة.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب اللقطة.

ج 36، ص: 209

و من هنا كان لمن أمسكه لصدق كونه الصائد و الآخذ و الحائز، بل ليس للأول حق اختصاص، للأصل، و اللَّه العالم.

[المسألة الثالثة إذا رمى الأول صيدا فأثبته و صيره في حكم المذبوح]

المسألة الثالثة:

إذا رمى الأول صيدا فأثبته و صيره في حكم المذبوح بعدم استقرار حياة له أو عدم إدراك ذكاة له فلا ريب في دخوله في ملكه بذلك، لما عرفت من صدق الاصطياد و الحيازة به، و في

المرسل (1) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «أنه مر مع أصحابه بظبي حاقف- أي مثخن عاجز عن الامتناع- فهم أصحابه بأخذه، فقال (صلى اللَّه عليه و آله): دعوه حتى يجي ء صاحبه».

و حينئذ فإن كان كذلك ثم قتله الثاني فهو للأول لما سمعت و لا شي ء على الثاني لأنه لم يتلف عليه شيئا، إذ الفرض أنه مقتول و إن لم يقتله إلا أن يفسد لحمه أو جلده أو شيئا منه فيضمن أرش ذلك حينئذ.

و أما لو رماه الأول فلم يثبته و لا صيره في حكم المذبوح بل بقي على امتناعه ثم قتله الثاني فهو له لأنه الذي اصطاده و حازه دون الأول و (11) لكن ليس علي (12) ه أي الأول ضمان شي ء مما جناه (13) و إن أفسد منه ما فسد برميته، لأنه رماه و هو مباح.


1- 1 سنن البيهقي- ج 5 ص 188 مع اختلاف يسير. و ذكره الشيخ قده بعينه في المبسوط ج 6 ص 375.

ج 36، ص: 210

و لو أثبته الأول و لم يصيره في حكم المذبوح بل هو ذو حياة مستقرة يعيش بها مدة فقد عرفت أنه يملكه بذلك ف لو قتله الثاني فهو متلف له بلا إشكال، و يضمنه،

لعموم «من أتلف» (1)

فإن كان أصاب محل الذكاة منه فذكاه على الوجه المعتبر في التذكية فهو للأول و له على الثاني الأرش و هو تفاوت ما بين كونه حيا مثبتا و مذبوحا، لأن ذلك هو المتلف عليه، إذ الحيوان باق على ملكه.

و إن أصابه في غير المذبح فعليه قيمته إن لم يكن لميتته قيمة

لعموم «من أتلف» (2)

و غيره، ضرورة تعين الذكاة للصيد الميت مع إدراكها الذي هو المفروض لو لا قتل الثاني له و إلا بأن كان المقصود منه ما لا تحله الحياة من أجزاء كالريش و العظم كان له الأرش و هو تفاوت ما بين قيمته ميتا و مزمنا بجرح الأول.

و إن جرحه الثاني و لم يقتله فإن أدرك (11) هو أو المالك أو غيرهما ذكاته (12) و ذكاه فهو حلال (13) و ملك للأول (14) و لكن له على الثاني الأرش كما عرفت.

و إن لم يدرك ذكاته فهو ميتة، لأنه تلف من فعلين: أحدهما مباح (15) و هو فعل الأول و الآخر محظور (16) و هو فعل الثاني الذي صادف حيوانا غير ممتنع، و قد عرفت التحريم في مثله، إذ هو كما لو قتله كلب مسلم (17) قد سمى و (18) كلب مجوسي (19) أو كلب آخر لم يسم عليه.

و (20) لكن ما الذي يجب على الجارح (21) الثاني للأول؟

فالذي يظهر (22) عند المصنف و غيره أن الأول إن لم يقدر على


1- 1 راجع التعليقة 2 من ص 157.
2- 2 راجع التعليقة 2 من ص 157.

ج 36، ص: 211

ذكاته و لم يدركها فعلى الثاني قيمته بتمامها معيبا بالعيب الأول لأنه صار حراما و ميتة بفعله.

قال في المسالك: «و هو بخلاف ما إذا جرح شاة نفسه مثلا و جرحها آخر فتلفت بهما، حيث لا يجب على الثاني إلا نصف القيمة، لأن كل واحد من الجرحين محرم و الإفساد حصل بهما جميعا، و هنا فعل الأول اكتساب و إصلاح و ذكاة، فلا يوزع عليه شي ء، نعم ينقص عن الأول مقدار ما نقص منه بالجرح الأول، فلو كان الصيد يساوي غير مزمن عشرة و مزمنا تسعة وجب على الثاني تسعة، هذا إذا لم يكن قيمته مذبوحا أنقص من قيمته مزمنا، و إلا وزع النقص عليهما، لأن فعل الأول و إن لم يكن إفسادا إلا أنه مؤثر في الذبح و حصول الزهوق، فينبغي أن يعتبر في الإفساد- لأنه شريك في الذبح- حتى يقال: إذا كان غير مزمن يساوي عشرة و مزمن (1) تسعة و مذبوحا ثمانية يلزمه الثمانية، و الدرهم الآخر أثر في فواته الفعلان جميعا، فينبغي أن يوزع عليهما حتى يهدر نصفه، و يجب نصفه مع الثمانية، إلا أن المصنف أطلق، و لعله لان المفسد يقطع أثر فعل الأول من كل وجه، و لانه يصدق عليه أنه أتلف على المالك حيوانا مجروحا، و الأول أظهر».

قلت: لعله لاستناد الإتلاف إلى الفعلين، لأن الفرض أن جرح الثاني لو لا الأول لم يقتل، و كذلك جرح الأول، فهما معا سبب الإتلاف، لكن لا يخفى عليك أن ذلك يقتضي كون حكمه حكم الشاة، و ما ذكره من وجه الفرق اعتباري لا يرجع إلى دليل معتبر، و اللَّه العالم.

و إن أدركه و قدر على ذبحه فأهمل و تركه حتى مات ف فيه وجهان: أحدهما أنه لا يجب على الثاني إلا


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، و الصحيح «و مزمنا» كما في المسالك.

ج 36، ص: 212

أرش جراحته، لأن الأول صار مقصرا حين تمكن من الذبح و لم يذبح، و أصحهما أن الضمان على الثاني، لأن غاية الأول الامتناع من تدارك ما يعرض للفساد بجناية الجاني مع إمكان التدارك، و ذلك لا يسقط الضمان، كما لو جرح جارح شاته فلم يذبحها مع التمكن منه، فإنه لا يسقط الضمان عن الجاني.

نعم في مقدار ما يضمنه وجهان: أحدهما أنه يضمن كمال قيمته مزمنا أيضا كما لو زفف عليه ابتداء، بخلاف ما إذا جرح عبده أو شاته و جرحه غيره لما أشرنا إليه سابقا، و الثاني و هو خيرة المصنف و غيره أنه يكون على الثاني نصف قيمته معيبا إذ هو كما لو جرح عبده و جرحه غيره، لان الموت حصل بفعلهما، و كل واحد من الفعلين إفساد له، أما الثاني فظاهر، و أما الأول فلأن ترك الذبح بعد التمكن يجعل الجرح و سرايته إفسادا، و لذلك لو لم يوجد الجرح الثاني و ترك الأول الذبح كان الصيد ميتة.

قلت: لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه أن المتجه النصف مطلقا، فإن إهماله لا يرفع الاشتراك في الفعل المقتضي لذلك، فهو حينئذ كالشاة التي جرحها المالك و لو لمصلحة ثم جرحها غيره ثم سرى الجرحان على الوجه المزبور، فتأمل جيدا.

و لعل فقه هذه المسألة ينكشف باعتبار فرض نفرضه، و هي دابة قيمتها عشرة جنى عليها جان فصارت تساوي تسعة، ثم جنى عليها آخر فصارت إلى ثمانية ثم سرت الجنايتان على وجه اشتركا في الإتلاف ففيها احتمالات خمسة بل سبعة لا يخلو أحدهما من خلل.

قال المصنف و هو إما إلزام الثاني بكمال قيمته معيبا، لأن

ج 36، ص: 213

جناية الأول غير مضمونة بتقدير أن يكون مباحا، و هو ضعيف في بعض أفراده لأنه مع إهمال التذكية جرى (يجري خ ل) مجرى المشارك بجنايته كما في مسألة الصيد التي عرفت الكلام فيها.

و في الدروس بعد أن حكى ذلك كله عن المصنف قال: «و هذا الاحتمال لو صح لم يشترط فيه كون الصيد مباحا، فإن جناية المالك على ماله غير مضمونة أيضا، و قدرة المالك على التذكية قد لا تتحقق، فلا ينتظم هذا الوجه مستقلا، بل بقيد القدرة على التذكية» إلى آخره.

قلت: و على كل حال فهذا الوجه لا يتأتى في المسألة المفروضة إلا على تقدير كون الدابة صيدا، و قد عرفت أن المتجه النصف، سواء قدر على التذكية و أهمل أولا، لأن الإفساد مستند إلى فعليهما، فلا بد من الحكم بتوزيع القيمة ثم إسقاط ما يخص المالك، كما تقدم الكلام فيه.

اللهم إلا أن يقال: إن الثاني هو الذي يستند القتل إليه و إن سرى جرح الأول مع جرحه، إلا أن فعل المعية و الجمعية و نحوهما قد حصل من الثاني، و الأول قد صار بمنزلة المعد و الشرط، و حينئذ يتجه هذا الاحتمال في مفروض المسألة، كما عن الشيخ فارضا له في جناية المالك و جناية غيره، و لم أجده لغيره، نعم قد ذكروا ذلك في الصيد إذا أثبته الأول و جرحه الثاني و سرى الجرحان حتى مات بهما، فارقين بينه و بين الشاة التي جرحها المالك ثم جرحها الغير و ماتت بهما، و قد عرفت البحث في ذلك.

و على كل حال فالاحتمال في المسألة إما هذا و إما التسوية بينهما في الضمان بمعنى إنه يجب على كل واحد منهما خمسة دنانير، و توجيهه بطريقين: أحدهما أنه يجب على كل واحد منهما أرش جراحته و هو دينار، لأنه نقصان تولد من جنايته، و ما بقي و هو ثمانية تلف بسراية الجراحتين، فيشتركان فيه فهما حينئذ متساويان في الأرش و السراية.

ج 36، ص: 214

و التوجيه الثاني كما في المسالك أن على كل واحد نصف قيمته يوم جنايته، لأن الجناية إذا صارت نفسا دخل أرشها في بدل النفس، و كل واحد منهما لم يضمن إلا نصف النفس، فلا يدخل فيه إلا نصف الأرش و لا يدخل النصف الآخر فيما ضمنه الآخر، و لذلك لو قطع يدي رجل فسرى دخل أرش اليد في بدل النفس، و لو قطعهما ثم قتله غيره لم يدخل أرش اليد في بدل نفس ضمنها الآخر، ثم يرجع الأول على الثاني بنصف أرش جنايته، لأنه جنى على النصف الذي ضمنه الأول و قومناه عليه قبل جنايته، و من غرم شيئا بكمال قيمته له أن يرجع بما جنى عليه بما ينقصه، ألا ترى أن من غصب ثوبا و جنى عليه آخر فخرقه ثم تلف الثوب و ضمن المالك الغاصب تمام القيمة فإنه يرجع على الجاني بأرش التخريق، و إذا رجع عليه كذلك استقر على كل واحد منهما خمسة، و على هذا فالمالك مخير في نصف دينار بين أن يأخذه من الأول أو الثاني، فإن أخذه من الأول رجع على الثاني، و ان أخذه من الثاني استقر عليه، و حصل التسوية بينهما على التقديرين.

و فيه ما لا يخفى من الفرق بين الفرض و بين الثوب الذي ضمانه باليد و لو تلف بآفة سماوية، بخلاف الفرض الذي لا ضمان فيه إلا للجناية إذ الدابة في يد مالكها، فلا وجه لرجوع الأول على الثاني بشي ء، ضرورة تساويهما بسبب الضمان الذي هو الجناية، لقاعدة الإتلاف و غيرها كما هو واضح.

و كيف كان فقد ضعف هذا الوجه بأنه حيف و ظلم على الثاني لأنه جنى على ما هو أقل من قيمته، و ضمن كالجاني على الأزيد قيمة، و بأنه مبني على عدم دخول الأرش في بدل النفس، و هو خلاف القول المنصور، لأن بدل النفس مشتمل عليه، فلو لم يدخل

ج 36، ص: 215

فيه لزم تثنية التغريم.

و ربما أجيب عن الأخير بأنه يمكن الفرق بينه و بين أرش الحر لأن الجرح ينقص قيمة الحيوان المملوك، فإن أخذ بعدها عوض النفس أخذها بعد ذلك النقص بخلاف الحر، فان جرحه أو قطع عضوه لا ينقص ديته المقدرة، فيلزم محذور تثنية الغرامة.

و إلى ذلك كله أشار في الدروس، حيث إنه بعد أن ذكر التساوي في الضمان معللا له بالتساوي في الأرش و السراية قال: «و يشكل بعدم دخول الأرش في ضمان النفس، و يجاب بأن ذلك في الأولى، لأنه لا ينقص بدله بإتلاف بعضه».

و فيه أن المملوك أولى بعدم الدخول باعتبار صدق

«من أتلف» (1)

مع فرض السراية للجرح المزبور، و هو لا يقتضي أزيد من ضمان قيمته التي هي المدار، إذ لا مقدر لجراحاته، كما هو واضح.

و أما إشكال التسوية بينهما في الغرامة مع اختلاف قيمة مجنيهما ففي غاية المراد أنه أجاب عنه شيخنا- أي عميد الدين حيث إنه نصر هذا الوجه- بأن الثاني نقصه أكثر مما نقصه الأول، إذ الأول نقصه العشر و الثاني التسع، فهو يقابل زيادة القيمة. و أقول: في مقابلة التفاوت بين النقيصتين نظر، لأن التفاوت بين التسع و العشر جزء من تسعين جزءا من عشرة، و التفاوت بين العشرة و التسعة العشر، و هو تسعة أجزاء من تسعين، و ظاهر ما بينهما من التفاوت.

و على كل حال فضعف هذا الوجه واضح، ضرورة أنه لا معنى لضمانه أزيد من قيمته وقت جنايته، خصوصا إذا صيرها الأول بجنايته إلى قيمة ردية ثم جنى عليها الثاني.


1- 1 راجع التعليقة 2 من ص 157.

ج 36، ص: 216

و أضعف منه الوجه الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله أو إلزام الأول بخمسة و نصف و الثاني بخمسة معللا في المسالك بأن جناية كل واحد منهما درهما مثلا، ثم سرت الجنايتان، و الأرش يسقط إذا صارت الجناية نفسا، فيسقط نصف الأرش عن كل واحد منهما، لان الموجود منه نصف القتل و يبقى النصف، فعلى الأول خمسة من حيث هو شريك، و نصف درهم هو نصف أرش جنايته، لانه حصل منه نصف القتل، فلا يندرج تحته إلا نصف الأرش، و على الثاني خمسة:

نصف درهم هو نصف أرش جراحته، و أربعة و نصف هي نصف قيمة العبد عند جنايته.

و هو كما ترى لا حاصل له، مع أنه حيف أيضا عليهما، بل في الدروس «لم أر أحدا عده وجها بغير تراجع و لا بسط إلا المحقق، و لعله أراد به أحد الأمرين، لظهور بطلانه بدونهما» و هو كذلك، ضرورة جمعه لدخول بعض الأرش في بدل النفس دون بعض.

و مراده بالتراجع هو أن يرجع الأول الذي فرضنا غرامته خمسة و نصفا على الثاني بنصف، لأنه جنى على ما دخل في ضمانه، و حينئذ يأخذ المالك من الثاني أربعة و نصفا، و إن فرض أنه أخذ منه خمسة فليس له على الأول إلا خمسة، و حينئذ فلا زيادة في القيمة.

و بالبسط هو أن يقسم العشرة و نصف على عشرة و نصف، فيضرب ما على الأول و هو خمسة و نصف في عشرة، فتكون خمسة و خمسين، فيأخذ من كل عشرة و نصف واحدا، فعليه خمسة و سبع و ثلثا سبع، و يضرب ما على الثاني، و هو خمسة في عشرة يكون خمسين، فعليه أربعة و خمسة أسباع و ثلث سبع، و ذلك قيمة الحيوان من دون زيادة عليها.

و إليه يرجع ما في المسالك من أنه قد يقرر هذا الوجه بطريق آخر

ج 36، ص: 217

يسلم من محذور الزيادة في القيمة، بأن يجعل ما ذكر في الوجه من إثبات العشرة و النصف أصلا للقسمة، حتى لا يؤدي إلى الزيادة فتبسط الاجزاء آحادا، فيكون أحد و عشرون جزءا، و يقسط العشرة عليه، ليبقى التفاوت مرعيا بينهما مع السلامة من الزيادة، فيجب على الأول أحد عشر جزءا من أحد و عشرين جزءا من عشرة، و على الثاني عشرة أجزاء من أحد و عشرين جزءا من عشرة، فإن أردت معرفة مقدار ما على كل واحد منها من العشرة تاما ضربت مجموع ما يلزم كلا منهما- و هو عشرة و نصف- في القيمة- و هو عشرة- يبلغ مائة و خمسة، و هذه الاعداد كل عشرة و نصف منهما دينار، فنصيب الأول منها خمسة و خمسون، هي خمسة دنانير و سبع و ثلثا سبع، و الثاني نصيبه منها خمسون هي مضروب خمسة في عشرة، فإذا أخذت من كل عشرة و نصف واحدا كان المجتمع أربعة دنانير و خمسة أسباع دينار و ثلث سبع دينار، فالمجموع عشرة.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه، إذ هو مع أنه مبني على أفراد الأرش عن بدل النفس فيه حيف على الثاني أو عليهما، كما عرفت و اللَّه العالم.

و كذا القول ب إلزام الأول بخمسة و الثاني بأربعة و نصف لأن الجراحتين سرتا و صارتا قتلا، فعلى كل واحد نصف القيمة، إلا أن القيمة يوم الجناية الأولى عشرة و يوم الجناية الثانية تسعة، فيغرم كل واحد منهما نصف قيمته يوم جنايته.

و هو و إن كان متضمنا لدخول الأرش في بدل النفس إلا أنه تضييع نصف على المالك إذ الفرض كون القيمة عشرة، و قد مات بجنايتهما، فلا وجه لسقوط شي ء من قيمته.

أو القول ب إلزام كل واحد منهما بنسبة قيمته يوم جنى

ج 36، ص: 218

عليه و ضم القيمتين و بسط العشرة عليهما ف في الفرض جمع القيمتين يصير تسعة عشر، لأن قيمته يوم الجناية الأولى عشرة، و يوم الجناية الثانية تسعة، فإذا بسطت العشرة على ذلك بمعنى جعلها تسعة عشر سهما يكون على الأول عشرة أسهم من تسعة عشر من عشرة و على الثاني تسعة أسهم من تسعة عشر من عشرة. و إن شئت قسمت العشرة على نصفي القيمتين أي تسعة و نصف، فيكون خمسة منها على الأول و أربعة و نصف على الثاني.

و إن أردت إيضاح ذلك و معرفة ما على كل واحد من العشرة ضربتها في تسعة عشر تبلغ مائة و تسعين، فعلى الأول منهما مائة و على الثاني تسعون، ثم هذا العدد كل تسعة عشر منه بواحد، فيكون المائة خمسة دراهم مثلا و خمسة أجزاء من تسعة عشر جزءا من درهم، و هو ما على الأول، و التسعون أربعة دراهم و أربعة عشر جزءا من تسعة عشر جزءا من درهم فإذا أضيف إلى هذه الأربعة عشر جزءا ما على الأول من الأجزاء- و هي خمسة- صارت تسعة عشر، و هي درهم كامل، و إذا أضيف إلى ما على الأول، من الدراهم و هو خمسة و ما على الثاني و هو أربعة صار المجموع عشرة كاملة.

و هو و إن كان يدخل فيه الأرش في بدل النفس و يحصل به تمام القيمة- بل حكاه في المسالك عن الأكثر و منهم الشيخ- إلا أنه أيضا يقتضي إلزام (حيف لإلزام خ ل) الثاني بزيادة على الأربعة و نصف، و قد عرفت أنه لا وجه لها و أنها ظلم، لأنه ما جنى عليه إلا و قيمته تسعة، و دعوى أن المطلوب حفظ القيمة- فلو ألزمناهما بنصف القيمتين ضاع على المالك نصف، مع أن التلف منهما، فلا بد حينئذ من تقسيط هذا النصف درهم على نسبة المالين اللذين عليهما،

ج 36، ص: 219

و هما الخمسة و الأربعة و نصف- لا محصل لها على وجه يرجع إلى القواعد الشرعية.

و الأقرب أن يقال: يلزم الأول خمسة و نصف، و الثاني أربعة و نصف، لأن الأرش يدخل في قيمة النفس، فيدخل نصف أرش جناية الأول في ضمان النصف، و يبقى عليه نصف الأرش مضافا إلى ضمان نصف القيمة يوم جنايته و هو الخمسة، فيكون عليه خمسة و نصف، و كذا الثاني يدخل نصف أرشه في ضمان النصف، و يبقى عليه نصف، مضافا إلى ضمان نصف القيمة يوم جنايته، و هو الأربعة، فيكون المجموع أربعة و نصف.

و فيه أن الأرش على تقدير دخوله يدخل مطلقا في بدل النفس الذي حصل منهما، فيدخل مجموع الأرش اللازم لهما في بدل النفس التي اشتركا في إتلافها و دفعا البدل عوضا عنها. و لعله لذا و غيره قال المصنف:

و هذا أيضا لا يخلو من ضعف.

نعم قد يقال: إن الأول لما انفرد بالجناية على وجه لو سرى جرحه لألزم بالعشرة التي هي تمام القيمة كان عليه ذلك إلا مقدار ما شاركه الثاني فيه، و هو نصف قيمة التسعة التي هي حال جناية الثاني، و يبقى الباقي عليه، و حينئذ فلا تكون الزيادة أرشا، بل لا يكون ضمان الأول النصف، بل هو ما عدا مقدار شركة الثاني، و إنما يكون عليه النصف لو اشترك معه غيره في مبدأ جنايته، و الفرض أنه مستقل بها و لم يشاركه الثاني إلا في التسعة.

أو يقال: إن الزائد أرش و لكن يعتبر في حق الأول دون الثاني، لاستقلاله أولا بالجناية على وجه لا يتصور شركة من بعده معه فيما استقر في ذمته من الأرش، فيجب عليه حينئذ ما نقص بجنايته، و هو درهم

ج 36، ص: 220

مثلا، مضافا إلى نصف القيمة التي هي التسعة وقت جناية الثاني، و هو أربعة و نصف، فيجتمع عليه خمسة و نصف، و لا يعتبر الأرش في حق الثاني، و ذلك لأن جناية الأول وحدها نقصت الدرهم ثم جناية الثاني و سراية جناية الأول تعاونتا على تفويت الباقي.

أو يقال: لا شركة للثاني في أصل جناية الأول بخلافه، فإنه شريك مع الثاني في جنايته و في سرايته، أما الثاني فواضح، لأنه الفرض، و أما الأول فلأن صيرورة القيمة ثمانية باعتبار كونها ذات جرحين، لا خصوص جرح الثاني مع قطع النظر عن كونه ثانيا صيرها كذلك، فمن هنا كان على الأول زيادة على الثاني، سواء قلنا بدخول الأرش و عدمه.

أما على الأول فلأن الأول يضمن سراية جرحه على قيمة مبدئها، و ليس هو نصفا، لأنه لا شريك له في مبدئها، بل هو ما عدا مقدار الشركة، و هو نصف التسعة التي هي القيمة في مبدأ جناية الثاني الذي قد عرفت شركة الأول معه في سبب نقص القيمة إلى ثمانية.

و أما على تقدير عدم دخول الأرش فلما عرفت من أن الأرش على الثاني- و هو الدرهم- يشاركه الأول، لأن نقصان القيمة إلى الثمانية باعتبار كون الجرح ثانيا، و لا يكون كذلك إلا بملاحظة الأول، و لا يجدي إلزام الأول بالأرش بعد فرض عدم اندمال الجرح الذي هو أيضا له مدخلية في نقصانها إلى الثمانية، و من هذه الجهة كان عليهما نصف الثمانية و نصف أرش جناية الثاني.

و لعل ما في المسالك إشارة إلى بعض ما ذكرناه، خصوصا جوابه أخيرا عما أورد على هذا الوجه بأنه إنما شارك في جنايته على ما قيمته عشرة، فكيف يلزم بزيادة عن خمسة؟ قال: «فإن التسوية بينهما إنما تتجه إذا اشتركا في مبدأ الجناية، أما إذا انفرد الأول بزيادة لم يقدح

ج 36، ص: 221

ذلك في تفاوتهما و وجوب أزيد من النصف عليه، لأنه شارك في تسعة و اختص بواحد، و هو واضح».

و كذا الأردبيلي فإنه قال بعد أن ذكر الاحتمال المزبور: «و هذا الاحتمال لا يخلو من قوة، و ليس مبنيا على إخراج أرش جناية الأول و إدخال الثاني، بل على أنه ما كان للأول شريك إلا بعد أن صيره تسعة مع شركته في قتله و إتلافه بالكلية، و ما كان له شريك قبل التسعة و ليس النقصان على المالك معقولا، و لا على الثاني أكثر من جنايته، و هو إتلاف نصف التسعة، فلا يكون إلا على الأول ما فعله مستقلا و ما شارك، و لأنه المبتدي و لإمكان أن يكون لفعله تأثير في القتل أكثر من الثاني، لأنه صار شريكا بعد بعض التأثير، فكأنه أتلف بعضه و ميته ثم صار هذا شريكا له، أو كأنه فعل أكثر من إتلاف نصف العشرة فإنه كان مستقلا إلى أن صارت تسعة، و فيها حصل له شريك» إلى آخره. و إن كان ما قررناه أوضح. و على كل حال فهو الأقوى في النظر وفاقا لظاهر جماعة.

هذا و لا يخفى عليك أنه لا فرق في الاحتمالات المزبورة بين جناية الأجنبي و المالك و حينئذ ف لو كانت إحدى الجنايتين من المالك سقط ما قابل جنايته، و كان له مطالبة الآخر بنصيب جنايته الذي فيه الاحتمالات المزبورة.

بل في المسالك جريانها أيضا في مسألة الصيد، قال: «إذا تقررت هذه المقدمات فلنرجع إلى ما يجب على الجاني الثاني على الصيد الذي قد أثبته الأول، و نقول: أيما حكم به من هذه الأوجه على الأول يسقط و يلزم للأول ما يقابل جنايته، كما لو كانت إحدى الجنايتين من المالك على عبده و الأخرى من غيره».

ج 36، ص: 222

قلت: قد عرفت أن المصنف في مسألة الصيد قد استظهر التفصيل بين إدراك المالك التذكية و عدمه، ففي الأول يغرم الثاني نصف قيمته معيبا و في الثاني كمال قيمته معيبا، و في الدابة جعل الأقرب ما سمعته من غير إشارة إلى التفصيل المزبور ثم ضعفه، و إن كان ما ذكره هنا من الأقرب ينطبق على ما ذكره في الصيد مع الإهمال، و كذا سمعت ما ذكره في المسالك هناك و ما قلناه عليه، كما أنك سمعت ما حكيناه عن الدروس، فلاحظ و تأمل.

هذا و في القواعد «و لو ترتب الجرحان أي من الصائدين و حصل الإزمان بالمجموع فهو بينهما، و قيل: للثاني، فعلى الأخير لو عاد الأول فجرحه فالأولى هدر و الثانية مضمونة، فان مات بالجراحات الثلاث وجب قيمة الصيد و به جراحة الهدر و جراحة المالك، و يحتمل ثلث القيمة و ربعها».

قلت: كأن وجه احتمال كونه للثاني ما قدمناه سابقا من كون السبب فعل الثاني الذي حصل الجمع و الضم اللذين سببا الاهلاك، و فعل الأول حينئذ من قبيل الشرط أو المعد، و حينئذ فيختص الضمان بالأول الذي هو جرحه ثالثا، لكن يقوم عليه، و به الجراحتان السابقتان، و هذا كله مؤيد لما ذكرناه من الاحتمال فيما ذكره المصنف أولا من الاحتمالات.

بل لعل ما ذكره أيضا في

[المسألة الرابعة إذا كان الصيد يمتنع بأمرين كالدراج و القبج يمتنع بجناحه و عدوه فكسر الرامي جناحه ثم كسر آخر رجله قيل هو لهما]

المسألة الرابعة كذلك أيضا، و هي إذا كان الصيد يمتنع بأمرين كالدراج و القبج يمتنع بجناحه و عدوه فكسر الرامي جناحه ثم كسر آخر رجله قيل

ج 36، ص: 223

و القائل الشيخ في محكي المبسوط هو لهما لاشتراكهما في المجموع الذي هو السبب في إثباته.

و قيل: هو للأخير، لأن بفعله تحقق الإثبات، و الأخير قوي إذ لا يخفى عليك أن المسألة كالجرحين المترتبين، و لذا قال في المسالك في آخر المسائل: «و بقي من أحوال المسألة ما لو ترتب الجرحان و حصل الإزمان بمجموعهما فهو بينهما، و قيل: هو للثاني، و قد تقدم توجيه القولين فيما لو كان الصيد ممتنعا بأمرين فأبطل أحدهما أحدهما و الآخر الآخر».

و هو ظاهر في اتحاد مدرك المسألتين، لكن الإنصاف إمكان الفرق بصدق اسم بقاء الامتناع على الصيد فيستقل بأخذه الثاني و يكون الأول حينئذ له كالمعين بخلاف الجرحين الساريين، و اللَّه العالم.

[المسألة الخامسة لو رمى الصيد اثنان فعقراه ثم وجد ميتا]

المسألة الخامسة:

لو رمى الصيد اثنان مثلا دفعة فعقراه ثم وجد ميتا حل بلا خلاف و لا إشكال، لأن كلا منهما أصابه حال امتناعه، فيكفي ذلك في تذكيته، سواء استند موته إليهما أو إلى أحدهما معينا أو مشتبها، و كذا لو كانا متعاقبين و الثاني هو الذي أثبته و قتله، لأن موته حصل بالجرح الواقع حال امتناعه ف يكون تذكيته له.

بل هو كذلك أيضا إن لم يعلم و قد صادف الرمي مذبحه فذبحه على وجه جامع لشرائط الذباحة فهو حلال (11) أيضا و كذا إن أدركا (12) ذكات ه أو أحدهما فذكاه.

فان (13) لم يصب مذبحه و لم تدرك ذكاته و وجد ميتا لم يحل،

ج 36، ص: 224

لاحتمال أن يكون الأول أثبته و لم يصيره في حكم المذبوح فقتله الآخر و هو غير ممتنع فيكون ميتة، لأنه في هذه الحال لا يحله إلا الذبح، و أولى من ذلك ما لو علم أن الأول أثبته و الثاني خاصة قتله أو هو مع الأول، لما عرفت من صيرورته غير ممتنع بإثبات الأول، فلا يحله إلا الذبح، كما هو واضح. هذا كله من حيث الحل و الحرمة، و أما حكمه من حيث الملك فقد عرفته سابقا و تعرفه أيضا، و اللَّه العالم.

[المسألة السادسة ما يقتله الكلب بالعقر يؤكل]

المسألة السادسة:

ما يقتله الكلب بالعقر يؤكل بلا خلاف و لا اشكال، كما أنه لا خلاف في أنه لا يؤكل ما يقتله بصدمه أو غمه أو إتعابه اقتصارا في الخروج عن أصل عدم التذكية على المنساق و المتيقن، و هو الازهاق بالعقر الذي هو المراد بالإمساك في الآية (1) و غيرها الذي لا ريب في عدم صدقه على الأخير، بل في كشف اللثام أن الأول داخل في الموقوذة، و الثاني في المنخنقة، و في

النبوي (2)

«ما أهريق الدم و ذكر اسم اللَّه عليه فكلوا»

بل يمكن إرادة الإدماء من إمساك الجوارح إن كان الاشتقاق من الجرح بمعناه لا بمعنى الكسب.

و كذا لو اشتبه سبب موته، لاحتمال كونه سبب غير محلل، و من ثم حكم بتحريمه على تقدير أن يغيب عن عين المرسل ما لم يعلم استناد موته إلى العقر المحلل استصحابا لحكم التحريم إلى أن يثبت الناقل عن الأصل، و اللَّه العالم.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 4.
2- 2 سنن البيهقي- ج 9 ص 247 و فيه «ما أنهر الدم.».

ج 36، ص: 225

[المسألة السابعة لو رمى صيدا فظنه كلبا أو خنزيرا أو غيره مما لا يؤكل فقتله فبان صيدا لم يحل]

المسألة السابعة لو رمى صيدا فظنه كلبا أو خنزيرا أو غيره مما لا يؤكل فقتله فبان صيدا لم يحل بلا خلاف أجده فيه، بل ادعى بعض الناس الإجماع عليه، لانسياق قصد الصيد المحلل من إطلاق الأدلة الذي خرج به عن أصل عدم الحل و عدم التذكية.

و كذا لو رمى سهما إلى فوق عبثا أو لقصد غير الصيد فأصاب صيدا لم يحل و كذا لو مر بحجر ثم عاد فرماه ظانا بقاؤه فبان صيدا، و كذا لو أرسل كلبا ليلا مثلا لغرض غير الاصطياد فقتل لم يحل أيضا لأنه لم يقصد الإرسال للصيد فجرى مجرى الاسترسال إلى غير ذلك من الأمثلة المجردة عن قصد الصيد، إنما الكلام في تحققه مع عدم العلم بالصيد أو عدم مشاهدته و لو مع ظنه، و قد تقدم البحث في ذلك مفصلا.

نعم قد يظهر من المصنف و غيره اعتبار قصد صيد الحيوان المأكول.

و فيه أنه مع الاكتفاء بقصد أصل الصيد و قلنا بإباحة اصطياد غير المأكول من السباع و نحوها و إن لم يجد ذلك إلا في الطهارة يتجه حال ما صاده بقصد كونه غير المأكول فبان مأكولا و طهارة ما صاده بظن أنه مأكول فبان غير مأكول مما يصح تذكيته بالصيد، لحصول الشرط الذي هو قصد الصيد، و لا يعتبر فيه التعيين، و لذا يحل لو قصد معينا فصاد غيره.

و يمكن حمل كلام المصنف و غيره على إرادة ما لا يذكيه الاصطياد من غير المأكول، إذ لا قصد فيه للصيد المحلل، بل هو كقصد صيد

ج 36، ص: 226

الكلب و الخنزير و الآدمي و نحوها، أو يقال: إن أدلة التذكية الصيدية ظاهرة في المأكول، و غير المأكول إنما صح تذكيته بالصيد للخبر الوارد في السباع (1)

الظاهر في تعيينها و قصدها، فيبقى غيره على أصالة عدم التذكية في الصورتين، و لكنه كما ترى، ضرورة ظهور الخبر المزبور في كون تذكيتها على حسب غيرها من الصيد.

هذا و قد تقدم تحقيق الحال في اعتبار المشاهدة أو العلم أو الظن في حل الصيد، أو في تحقق قصد الصيد، أو في صدق ذكر اسم اللَّه عليه و عدمه، و قد قلنا: إن ظاهر الأدلة عدم الاعتبار أصلا، و حينئذ يتحقق صدق الصيد و ذكر الاسم مع الاحتمال فضلا عن الظن أو العلم غير المشاهدة، و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا مع أصالة عدم التذكية، و اللَّه العالم.

[المسألة الثامنة الطير إذا صيد مقصوصا لم يملكه الصائد]

المسألة الثامنة:

الطير إذا صيد مقصوصا لم يملكه الصائد بلا خلاف أجده فيه، لظهور النصوص في اعتبار حل صيده ملك جناحيه،

قال الصادق (عليه السلام) في الموثق (2): «إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه».

و في

خبر إسماعيل بن جابر (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت له: الطائر يقع على الدار فيؤخذ إحلال هو أم حرام لمن أخذه؟ قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد- الحديث 2.

ج 36، ص: 227

يا إسماعيل عاف هو أو غير عاف؟ قلت: و ما العافي: قال: المستوي جناحاه المالك جناحيه يذهب حيث شاء، قال: هو لمن أخذه حلال».

و في

خبر السكوني (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيد، و هو حلال لمن أخذه».

و نحوه

موثق إسحاق بن عمار (2) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا بأس بصيد الطير إذا ملك جناحيه».

نعم هي ظاهرة في حله مع ملك جناحيه و إن لم يعلم إباحته، بل و إن كان فيه أثر يدل على اليد المقتضية ملكيته، بل و إن علم أنه مملوك لم يعرف صاحبه، بل لعله صريح

صحيح زرارة (3) المروي عن مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب جميل بن دراج عن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في رجل صاد حماما أهليا، قال: إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه».

بل هو أيضا ظاهر ما استطرفه من

جامع البزنطي عن إسحاق بن عمار (4)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): الطير يقع في الدار فنصيده و حولنا حمام لبعضهم، فقال: إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه، قال: قلت:

يقع علينا فنأخذه و قد نعلم لمن هو، قال: إذا عرفته فرده على صاحبه».

و صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر (5)

«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يصيد الطير يساوي دراهم كثيرة و هو مستوي


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 228

الجناحين فيعرف صاحبه أو يجيئه فيطلبه من لا يتهمه، فقال: لا يحل له إمساكه، يرده عليه، فقلت له: فان صاد ما هو مالك لجناحيه لا يعرف له طالبا، قال: هو له».

و موثق محمد بن الفضيل (1)

«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن صيد الحمامة يسوى نصف درهم أو درهما، قال: إذا عرفت صاحبه فرده عليه، و إن لم تعرف صاحبه و كان مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك».

و مرسل الصدوق (2) قال: «قال: الطير إذا ملك جناحيه فهو لمن أخذه إلا أن يعرف صاحبه، فيرده عليه».

قال: «و نهى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن صيد الحمام بالأمصار» (3).

و في

خبر النوفلي عن السكوني (4) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في رجل أبصر طيرا فتبعه حتى وقع على شجرة فجاء رجل فأخذه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

للعين ما رأت و لليد ما أخذت».

و جميعها ظاهر فيما قلناه و إن اختلفت جهة الظهور فيها.

و لا ينافي ذلك ما تقدم سابقا من عدم خروج الصيد المملوك بامتناعه، لإمكان القول بصحة تملك خصوص الطير المستوي الجناحين و إن كان مملوكا، كلقطة ما دون الدرهم و في المفازة، بل يمكن القول بجريان حكم الصيد عليه في التذكية أيضا.

بل لعل في النصوص المزبورة إيماء إلى ذلك، خصوصا مع تأييدها


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الصيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الصيد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الصيد- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 229

بما تقدم من إجراء التذكية الصيدية في الحيوان الأهلي إذا توحش أو امتنع، لكن ظاهر الأصحاب خلاف ذلك، و أن الطير كغيره من الأموال المملوكة التي يجري عليها حكم الالتقاط و نحوه.

بل ظاهر قول المصنف و الفاضل في القواعد و غيرهما و كذا مع كل أثر يدل على الملك أن عدم حل صيد المقصوص باعتبار كون القص أثر يقتضي الحكم بأنه مملوك، و ليس من المباح الذي يجري عليه حكم الصيد، لا من حيث كونه غير مستوي الجناحين، و لذا ألحقوا به كل أثر يدل على اليد المزبورة من شد خيط و نحوه في رجله أو في عنقه أو في جناحه، قال في الدروس: «و كل صيد عليه أثر الملك كقص الجناح لا يملكه الصائد و كذا غيره».

بل ظاهرهم ذلك و إن كان القص لا يمنعه من الطيران، نعم تأمل المقدس الأردبيلي في دلالة ذلك و نحوه على التملك، لأن أقصاه الدلالة على أنه كان في يد انسان، و هو أعم من الملكية، إلا أن يثبت أن ذلك مملك على كل حال، و هو غير ظاهر بناء على اشتراط القصد في تملك المباح و عدم الغفلة أو عدم قصد عدم التملك أو الأخذ و التصرف بقصد التملك، و ليس في الأثر المزبور دلالة على ذلك، بل يمكن كون القص بآلة من دون مباشرة أحد إلى غير ذلك مما ذكره مما هو مناف لظاهر الأصحاب.

بل في المسالك التصريح بعدم اعتبار هذه الاحتمالات، قال: «في حكم المقصوص أن يكون مقرطا أو مخضوبا أو موسوما، لدلالة هذه الآثار على أنه كان مملوكا و ربما أفلت، فيستصحب حكم الملك و لا ينظر إلى احتمال فعل ذلك به عبثا من غير قصد التملك، لأن الأثر يدل على اليد، و اليد يحكم لها بالملك و لو لم يعلم سببه، بل و إن احتمل عدم صحة

ج 36، ص: 230

السبب، و كذا لا ينظر إلى احتمال أنه اصطاده محرم و فعل ذلك به ثم أرسله فإنه تقدير بعيد».

و في الرياض «أن حاصل ذلك يرجع إلى ترجيح الظاهر في هذه المسألة على أصالة الإباحة، و عدم الحكم بمالك له بالكلية، و هو و إن كان خلاف التحقيق إلا في موارد مخصوصة إلا أنه يمكن استفادته من الصحيح السابق (1)

حيث اكتفي فيه بالملك لمن يدعيه بمجرد دعواه الغير معلوم أنها صادقة أم كاذبة بعد أن ذكر أنه ليس المدعي محل التهمة، و لا ريب أن تلك الدعوى بمجردها و لو قرنت بعدم اتهام مدعيها لا تفيد سوى الظهور و المظنة، و لعل المظنة الحاصلة من ترتب اليد بكونه مع النية أقوى من المظنة الحاصلة بمجرد الدعوى المقرونة بعدم تهمته، هذا مع أن أصالة الملك على تقدير تسليم جواز الاستناد إليها مطلقا معارضة بأصالة بقاء عدم ملك الصائد لما صاده، و بعد التعارض و التساقط يبقى إثبات ملكيته محتاجا إلى حجة أخرى عن المعارض سليمة، و لا وجود لها هنا بالكلية سوى إطلاق النصوص (2)

بأنه لمن أخذه، و قد مر إلى جوابه الإشارة».

و قد ذكر سابقا «أن عدم تملك المقصوص و نحوه باعتبار الأثر الدال على ترتب اليد الموجب للملكية له بمجرده، كما عليه جماعة و دل عليه بعض النصوص المتقدمة و نحوه مضاهية في

السنة «للعين ما رأت و لليد ما أخذت» (3)

- قال-: و أما على القول بعدم إفادته ذلك بمجرده- بل لا بد معه من النية كما عليه آخرون، لاستصحاب بقاء عدم الملكية، و اختصاص ما مر من النصوص بحكم التبادر بصورة مقارنة النية لترتب اليد- فكذلك، لما


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الصيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الصيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الصيد- الحديث 1.

ج 36، ص: 231

عرفت من الظهور المستفاد من وجه اختصاص النصوص بتلك الصورة، فلا يلتفت إلى احتمالات منافية للملكية، كأن فعل ذلك به عبثا من غير قصد التملك».

و هو كما ترى لا يصلح جوابا عما تقتضيه إطلاق النصوص المزبورة الذي لو لا الإجماع لكان شاملا لمعلوم الملكية.

و أضعف من ذلك دعوى معارضة أصالة الإباحة بأصالة عدم تملك الصائد المقطوعة بما دل على تملكه لما يصيده كتابا (1) و سنة (2)

المقتصر في الخروج منه على المملوك خاصة لا غيره، فلا يقدح احتمال كون الطير مملوكا و لو لكونه متكونا من بيض مملوك أو غير ذلك مما لا ينافي إطلاق الأدلة المزبورة الذي مقتضاه عموم الحل إلا للمملوك لا خصوص المباح منه، و مع التسليم فلا ريب في صلاحية الأصل لتنقيح ذلك، و إلا لم يحل الصيد أصلا، لاستحالة العلم بكونه مباح الأصل أو تعسره، كما هو واضح.

و أضعف من ذلك ما ذكره من الاستفادة من الصحيح المزبور التي لا ترجع إلى حاصل يصلح لأن يكون دليلا شرعيا بعد تسليم العمل بما في الصحيح المزبور من وجوب الدفع بمجرد الدعوى التي لا تهمة فيها إذا لم يحصل العلم منها، و ربما أمكن إرادة ذلك من الصحيح، خصوصا مع فرض كون المراد من العلم الذي عليه المدار الطمأنينة.

و بذلك كله يتجه الأخذ بإطلاق الأدلة، خصوصا مع احتمال عدم اليد أو احتمال كونها غير صالحة للملك بإحرام أو ارتداد فطري أو نحوهما إلا إن ظاهر من تعرض للحكم هنا ممن وقفنا على كلامه عدم الفرق بين الطير و غيره، و بين القص و غيره من الآثار التي تدل على حصول اليد المقتضية


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2 و 4 و غيرها- من أبواب الصيد.

ج 36، ص: 232

للملك، و بين ملك الجناح و عدمه مع فرض عدم الأثر، و لذا قال في كشف اللثام في شرح عبارة الفاضل: «لو كان مالكا جناحه أو ساقطة و لا أثر عليه لملك فهو لصائده».

و كذا قول المصنف في مقابل ذي الأثر و إن كان مالكا جناحه فهو لصائده إلا أن يكون له مالك و لو مجهولا، فيكون لقطة و على هذا لو انتقلت الطيور من برج إلى آخر لم يملكها الثاني مع فرض أنها كانت مملوكة لذي البرج الأول.

و بالجملة لا فرق عندهم بين الطير و غيره من الصيد، إن كان فيه أثر يدل على اليد جرى عليه حكم اللقطة، و إلا كان لآخذه، و هو إن تم إجماعا كان هو الحجة التي يمكن تنزيل النصوص المزبورة عليه، و إلا كان المتجه ما سمعت.

و بيض الطير تبع للأنثى، فمع فرض وجود المالك لها يكون ملكا له كغيره من الحيوانات غير الآدمي.

و لو كان الحمام المتحول من برج إلى آخر مباحا ففي دخوله في ملك صاحب البرج ما تقدم من الكلام فيما إذا عشش في داره طائر، نعم في المسالك أن البرج أولى بالملك من ذلك، لأنه يقصد لذلك، و قد عرفت أن المدار على صدق الحيازة و الدخول تحت اليد و القبضة.

و لو شك صاحب البرج في أن الحمام الداخل من المباح أو ملك الغير و لا أثر لليد عليه فهو أولى به، لإطلاق الأدلة، نعم في المرسل (1)

النهي عن حمام الأمصار، و يمكن حمله على الكراهة أو على المعلوم أن له مالكا.

و لو علم اختلاط ملك الغير بملكه فان كان محصورا اجتنب الجميع حتى يصالح، و كذا في الاجتناب لو اختلط المملوك للغير بالمباح و كان


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الصيد- الحديث 4.

ج 36، ص: 233

محصورا. نعم إن لم يكن محصورا جاز، و في المسالك «و من هذا الباب ما لو انثالت حنطة انسان على غيره أو انصب مائع في مائع و جهل المقدار فالحكم كما ذكر في اختلاط الحمام، و الطريق التخلص بالصلح، و لو ملك انسان ماءا بالاستقاء و نحوه ثم صبه في نهر لم يزل ملكه عنه، و لكن لا يمنع الناس من الاستقاء، لأنه غير محصور» قلت: لا يخفى عليك ما تقتضيه القواعد العامة في ذلك و غيره، و اللَّه العالم.

[المسألة التاسعة ما يقطع من السمك بعد إخراجه من الماء ذكي]

المسألة التاسعة قد عرفت في ما تقدم أن ما يقطع من السمك حال حياته بعد تذكيته ب إخراجه من الماء مثلا ذكي، سواء ماتت أو وقعت في الماء مستقرة الحياة، لأنه مقطوع بعد تذكيتها و ليس هو من الأجزاء المبانة من حي المحكوم بأنها ميتة المراد بها المقطوعة قبل تذكيته، كما هو واضح، و اللَّه العالم.

[المسألة العاشرة إذا أصابا صيدا دفعة فان أثبتاه فهو لهما]

المسألة العاشرة:

إذا أصابا صيدا دفعة فان تساويا في سبب الملك بأن أثبتاه فهو لهما و في المسالك «و ذلك بأن يكون كل واحد منهما مذففا أو مزمنا لو انفرد، و كذا لو كان أحدهما مزمنا لو انفرد بأن كسر الجناح و الآخر مذففا لو انفرد، لأن كل واحد من المعنيين يثبت الملك، و لا

ج 36، ص: 234

فرق بين أن يتفاوت الجراحتان صغرا و كبرا أو يتساويان، و لا بين أن يكون في غير المذبح أو فيه أو أحدهما فيه و الآخر خارجه».

قلت: لا فرق بين أن يكون جرح كل منهما كذلك و عدمه بعد استناد الإثبات إلى مجموعهما الذي هو سبب الملك، إذ الفرض كونهما دفعة.

نعم لو كان أحدهما جارحا و الآخر مثبتا فهو للمثبت منهما و لا ضمان على الجارح، لأن جنايته لم تصادف ملكا لغيره.

و لو اشتبه الحال بأن جهل المثبت منهما بعد العلم بأنه أحدهما ف عن بعض الصيد بينهما ظاهرا، لاتحاد نسبتهما إليه و استحالة الترجيح من غير مرجح، و إن كان الأحوط أن يستحل أحدهما من الآخر.

و لكن لو قيل يستخرج المثبت منهما الذي هو المالك بالقرعة كان حسنا لأن الفرض العلم بكونه أحدهما، و لا قاعدة شرعية تقتضي الاشتراك أو التعيين، فيكون من المشكل الذي له القرعة.

هذا و علل في المسالك احتمال القرعة في الفرض بأنا لا نعلم أن أحدهما أثبته دون الآخر، و الاشتراك يوجب تمليك من ليس بمقطوع الملك، و القرعة لكل أمر مشكل، و هذا أولى، و لو علمنا أن أحدهما المذفف و شككنا في الآخر هل له أثر في الازمان و التذفيف أم لا؟

فالوجهان، و أولى بالقرعة هنا، لان ملك المذفف معلوم دون غيره.

قلت: لا يخفى عليك ما فيه من عدم موافقة مفروض المتن للتعليل المزبور، نعم هو موضوع آخر كما ذكره في القواعد، قال: «و لو أصاباه دفعة و كان أحدهما مزمنا أو مذففا دون الآخر فهو له، و لا ضمان على الآخر، و إن احتمل أن يكون الازمان لهما أو لأحدهما فهو لهما، و لو

ج 36، ص: 235

علمنا أن أحدهما مذفف و شككنا في الثاني للمعلوم النصف و النصف الآخر موقوف على التصالح، و لو أثبته أحدهما و جرحه الآخر فهو للمثبت، و لا شي ء على الجارح، و لو جهل المثبت منهما اشتركا، و يحتمل القرعة».

و في كشف اللثام في شرح قوله: «على التصالح» قال: «أو يتبين الحال، للإشكال، و قد يقال: يكون بينهما نصفين، فيكون للأول ثلاثة أرباعه و للثاني ربعه، كمتداعيين في نصف عين بيد ثالث مع الاتفاق على تفرد أحدهما بالنصف الآخر و تعارض البينتين».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه، كما لا يخفى عليك ما تقتضيه القواعد العامة في ذلك، و اللَّه العالم.

ج 36، ص: 236

بسم اللَّه الرحمن الرحيم و الحمد للَّه رب العالمين، و صلى اللَّه على محمد و آله الطاهرين.

[كتاب الأطعمة و الأشربة]

اشارة

كتاب معرفة أحكام الأطعمة و الأشربة التي هي من المهمات للإنسان باعتبار كونه جسدا لا يمكن استغناؤه عنهما، قال اللَّه تعالى (1) «وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ» مع التوعد الشديد كتابا و سنة على تناول المحرم منهما، حتى

قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (2): «أي لحم نبت على الحرام فالنار أولى به»

و من المعلوم المقرر في الأصول أن العقل و الشرع تطابقا على أصالة الإباحة و الحل في تناول كل ما لم يعلم حرمته من الشرع و لو لاشتماله على ضرر في البدن من المأكول و المشروب.

قال اللَّه تعالى شأنه (3) في مقام الامتنان على عباده «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً»


1- 1 سورة الأنبياء: 21- الآية 8.
2- 2 مجمع الزوائد ج 10 ص 291 و فيه «أيما عبد نبت لحمه من سحت.»
3- . 3 سورة البقرة: 2- الآية 29.

ج 36، ص: 237

و قال «يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً» (1) «قُلْ: لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ» (2).

و

قال الصادق (عليه السلام) (3): «كل شي ء مطلق حتى يرد فيه نهي».

و قال (عليه السلام) أيضا (4): «كل شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»

إلى غير ذلك مما هو مذكور في كتب الأصول في مقابل القول بأن الأشياء على الحظر أو الوقف.

نعم قال اللَّه تعالى (5) «يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ، قُلْ: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ» و الطيب و إن أطلق على الحلال كقوله تعالى (6) «كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ»*- و يقابله إطلاق الخبيث على الحرام في قوله تعالى (7) «وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ»- و على الطاهر في قوله تعالى (8) «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً»* و على ما لا أذى فيه في النفس و البدن، كما يقال: زمان طيب، أي لا أذى فيه من حر أو برد إلا


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 168.
2- 2 سورة الأنعام: 6- الآية 145.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صفات القاضي- الحديث 60 من كتاب القضاء.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.
5- 5 سورة المائدة: 5- الآية 4.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 172.
7- 7 سورة البقرة: 2- الآية 267.
8- 8 سورة النساء: 4- الآية 43.

ج 36، ص: 238

أن الأولين غير مرادين هنا، ضرورة عدم الفائدة في الجواب على الأول منهما، بل و على الثاني الذي هو توقيفي من الشارع، بل في المسالك و لا الثالث، لأن المأكول لا يوصف به و إن كان فيه منع واضح.

ثم قال: «فتعين أن يكون المراد ردهم إلى ما يستطيبونه و لا يستخبثونه، فردهم إلى عادتهم و ما هو مغرز في طبائعهم، و لأن ذلك هو المتبادر من معنى الطيب عرفا، و سيأتي في الأخبار ما ينبه عليه، و المراد بالعرف الذي يرجع إليه في الاستطابة عرف الأوساط من أهل اليسار في حالة الاختيار دون أهل البوادي و ذوي الاضطرار من جفاة العرب، فإنهم يستطيبون ما دب و درج، كما سئل بعضهم عما يأكلون فقال: كل ما دب و درج إلا أم جنين، فقال بعضهم: لتهن أم جنين العافية لكونها أمنت أن تؤكل». و فيه أن أكلهم ذلك لا يقتضي استطابتهم له.

و منه يعلم ما في مجمع البرهان قال: «معنى الخبيث غير ظاهر، إذ الشرع ما بينه، و اللغة غير مرادة، و العرف غير منضبط، فيمكن أن يقال: المراد عرف أوساط الناس و أكثرهم حال الاختيار من أهل المدن و الدور لا أهل البادية، لأنه لا خبيث عندهم، بل يستطيبون جميع ما يمكن أكله، فلا اعتداد بهم» بل ربما نوقش أيضا بأنه إن أراد إحالة التنفر و الاشمئزاز إلى عرفهم فهو إنما يتم لو علم أنه معنى الخباثة و هو بعد غير معلوم، و إن أراد إحالة الخباثة إلى غيرهم فلا عرف لها عند غير العرب، لأنها ليست من لغتهم و لم يتعين مرادفها في لغتهم.

هذا مع أن طباع أكثر أهل المدن العظيمة أيضا مختلفة في التنفر و عدمه جدا، كما لا يخفى على من اطلع على أحوال سكان بلاد الهند و الترك و الإفرنج و العجم و العرب في مطاعمهم و مشاربهم، و لذا خص بعض بعرف

ج 36، ص: 239

بلاد العرب، و هو أيضا غير مفيد، لأن عرفهم في هذا الزمان غير معلوم مع أنه لو كان مخالفا للغة لم يصلح مرجعا، و كذا عرفهم في زمان الشرع.

و بالجملة لا يتحصل لنا اليوم من الخبائث معنى منضبطا يرجع اليه، فيجب الاقتصار فيها على ما علم صدقها عليه قطعا، كفضلة الإنسان، بل فضلة كل ما لا يؤكل لحمه من الفضلات التحتية المنتنة، و كالميتات المتعفنة و نحوها، و الرجوع في البواقي إلى الأصل الأول، و لا يضر عدم حجية بعض العمومات المبيحة للأشياء لتخصيصها بالمجمل، إذ الأصل العقلي و الشرعي في حلية ما لم يعلم حرمته كاف في المطلوب.

و ربما يؤيد ذلك بأن عقاقير الأدوية المركبة تنفر عنها غالب الطباع و تشمئز منها أكثر النفوس مع أنها ليست خبيثة عرفا و لا محرمة شرعا، بل ربما كان عدم الاعتياد سببا في تنفر الطبع، كما في الجراد الذي تنفر عنه طباع العجم دون العرب، و كالحية و الفأرة و الضب و نحوها التي تنفر عنها طباع أهل المدن دون أهل البادية، و ربما كانت الحرمة الشرعية سببا في ذلك كالخنزير الذي يستطيبه النصارى دون المسلمين.

إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع، ضرورة كون المراد من الخبيث الذي هو عنوان التحريم هو ما يستخبثه الإنسان بطبعه السليم من آفة من حيث ذاته و ينفر منه و يشمئز منه، من غير فرق بين العرب و العجم و أهل المدن و البادية و زمان اليسار و غيره، إذ هو معنى قائم في المستخبث لا يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الناس، و يقابله الطيب الذي هو كذلك، فلا عبرة بنفرة بعض الطباع، لعدم تعود أو لعدم ملائمة لخصوص ذلك الطبع أو لغير ذلك مما يكون سببا للنفرة لا من حيث الطبع الإنساني المشترك بين غالب أفراده.

أو يقال: إن المراد بيان سهولة هذه الملة و سماحتها و عدم الحرج

ج 36، ص: 240

فيها و عدم التكليف الابتلائي فيها، كما اتفق لبني إسرائيل الذين حرم عليهم بعض الطيبات بسبب أفعالهم، و إن المحرم فيها الخبائث، و المحلل فيها الطيب لتشتد الرغبة في الدخول فيها،

قال المفضل (1): «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): لم حرم اللَّه الخمر و الميتة و الدم و الدم و لحم الخنزير؟ قال:

إن اللَّه تبارك و تعالى لم يحرم ذلك على عباده و أحل لهم ما سواه من رغبته منه فيما حرم عليهم و لا زهد فيما أحل لهم، و لكنه خلق الخلق، فعلم ما تقوم به أبدانهم و ما يصلحهم، فأحله لهم و أباحه تفضلا منه عليهم به لمصلحتهم، و علم ما يضرهم فنهاهم عنه و حرمه عليهم، ثم أباحه للمضطر و أحل له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره أن يتناول منه بقدر البلغة لا غير ذلك- ثم قال-: أما الميتة فإنه لا يدمنها أحد إلا ضعف بدنه و نحل جسمه و وهنت قوته و انقطع نسله، و لا يموت آكل الميتة إلا فجأة، و أما الدم فإنه يورث أكله الماء الأصفر، و يبخر الفم و يورث الكلب و القسوة في القلب و قلة الرأفة و الرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده و و الدية، و لا يؤمن على حميمه، و لا يؤمن على من يصحبه و أما لحم الخنزير فان اللَّه تبارك و تعالى مسخ قوما من صور شتى مثل الخنزير و القرد و الدب و ما كان من المسوخ، ثم نهى عن أكل المثلة (عن أكل الثلاثة خ ل عن أكله مثله خ ل) لكيلا ينتفع الناس به، و لا يستخفوا بعقوبته، و أما الخمر فان اللَّه حرمها لفعلها و فسادها، و قال: مدمن الخمر كعابد وثن يورثه الارتعاش، و يذهب بنوره، و يهدم مروته، و يحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء و ركوب الزنا، و لا يؤمن إذا سكر أن يثب على محرمه و هو لا يعقل ذلك، و الخمر لا يزداد شاربها


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 241

إلا شرا»

إلى غير ذلك من النصوص (1)

الواردة في بيان علل تحريم ما حرمه عليهم.

و لذا

ورد (2) أنه «سألوا النبي (صلى اللَّه عليه و آله) عند ذلك عما أحل لهم، فقال: أحل لكم الطيبات كما حكاه اللَّه تعالى شأنه بقوله (3):

يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ»

إلى آخرها.

و حينئذ يكون الحاصل أن المراد بيان أن الذي حرمه عليهم من الخبائث بخلاف ما أحله لهم، فإنه من الطيبات، لا أن المراد جعل ذلك عنوانا للحل و الحرمة حتى يشكل باختلافه باختلاف الناس و يرمى لذلك بالإجمال.

و على كل حال ف النظر فيه أي الكتاب المزبور يستدعي بيان أقسام ستة:

[القسم الأول في حيوان البحر]

الأول:

في حيوان البحر و لا يؤكل منه إلا ما كان سمكا أو طيرا بلا خلاف أجده فيه بيننا، كما اعترف به في المسالك، بل عن الخلاف و الغنية و السرائر و المعتبر و الذكرى و فوائد الشرائع الإجماع عليه، و هو الحجة بعد تبينه على


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 الدر المنثور- ج 2 ص 259.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 4.

ج 36، ص: 242

وجه يمكن دعوى تحصيله، و إن وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين لاختلاف الطريقة.

مضافا إلى عموم ما دل على حرمة الميتة (1) بناء على إرادة مطلق ما فارقته الروح منها، أو على أن الأصل عدم حصول التذكية الشرعية المسوغة للأكل في كل ما شك فيه من الحيوان.

و إلى ما عساه يظهر من

موثق الساباطي (2) المسؤول فيه عن الربيثا فقال: «لا تأكله فإنا لا نعرفه في السمك يا عمار»

و لا يقدح في حجية العلة فيه عدم العمل في مورده باعتبار معارضته بما هو أقوى منه مما يدل على كونه من السمك (3).

و بذلك كله ينقطع أصل البراءة و الإباحة، بل و يخص عموم حل الصيد الشامل لما عدا السمك و ما دل على حل الأزواج الثمانية و غيرها من الكتاب و السنة.

بل قد يقال بتبادر السمك خاصة من الأول و لو لكونه المعهود صيده من البحر و المذكور في مقام الامتنان على العباد بقوله (4) «لَحْماً طَرِيًّا»* خصوصا بعد ملاحظة اقتضاء إرادة العموم منه حل كثير من حيواناته المحرمة إجماعا و كتابا و سنة (5)

للضرر أو الخباثة أو غيرهما على وجه يكون الخارج أكثر من الداخل.

بل لعل الثاني أيضا منصرف، للتبادر و غيره إلى حيوان البر خاصة،


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة.
4- 4 سورة النحل: 16- الآية 14.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 243

و

المرسل (1)

«كل ما كان في البحر مما يؤكل في البر مثله فجائز أكله، و كل ما كان في البحر مما لا يجوز أكله في البر لم يجز أكله»

- مع خروجه عن الحجية فضلا عن قصوره عن المعارضة- موافق للعامة،

كالصحيح (2)

«كل شي ء في البحر ليس له قشر مثل الورق ليس بحرام، و إنما هو مكروه»

و الخبر (3)

«عن أكل لحم الخز، قال: كلب الماء، إن كان له ناب فلا تقربه و إلا فأقربه».

و حينئذ فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور أو ميلة إلى الحل في الجملة- بل ربما حكي عن الصدوق أيضا و إن كنا لم نتحققه- في غير محله، نعم لا خلاف بين المسلمين بل و غيرهم في حل السمك منه بل لعله من ضروري الدين.

كما لا خلاف معتد به بين المؤمنين في اشتراط ذلك بأن يكون له فلس أي قشر كالورق سواء بقي عليه كالشبوط و البياح أو لم يبق كالكنعت الذي هو حوت سيئة الخلق تحتك بكل شي ء فيذهب فلسها، و لذا لو نظرت إلى أصل أذنها وجدته فيه.

أما ما ليس له فلس في الأصل كالجري ففيه روايتان (4): أشهرهما رواية التحريم بل هي إن لم تكن متواترة فمقطوعة المضمون باعتبار تعاضدها و روايتها في الكتب الأربعة و غيرها و تعدد كيفية دلالتها.

(فمنها) في خصوص الجري نهيا و تصريحا بالحرمة أو بالكراهة (5)


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 19.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6 و 7 و 15 و 16 و 17.

ج 36، ص: 244

المراد منها ذلك، و النهي عن بيعه (1) و ضرب أمير المؤمنين (عليه السلام) بالدرة من يفعل ذلك و نداؤه في الأسواق بذلك (2)

و أن التجنب عن ذلك من شرائط محض الإسلام و من الايمان (3)

و غير ذلك من وجوه الدلالة.

(و منها) النهي عن بيع ما لا قشر له من السمك (4)

الذي يظهر من النصوص (5)

أنه هو علامة الحل و الحرمة.

(و منها) التصريح بكونه و الزمير و المارماهي من المسوخ (6)

التي قد عرفت النهي عن أكلها في خبر المفضل (7)

السابق و غيره (8)

.

بل و عملا، بل عن الخلاف و الغنية و السرائر الإجماع عليه، بل لعله كذلك، إذ لم نجد مخالفا إلا ما يحكى عن القاضي و الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار، مع أنه في كتاب المكاسب منها جعل التكسب بالجري و غيره من السمك الذي لا يحل أكله من المحظور، بل قال في باب الحدود منها: «و يعزر إن أكل الجري و المارماهي أو غير ذلك من المحرمات، فان عاد أدب ثانية، فان استحل شيئا من ذلك وجب عليه القتل» و مقتضاه كونه من ضروري المذهب أو الدين، فليس حينئذ إلا القاضي الذي هو من أثباعه، و يمكن إرادته الحرمة من الكراهة.

فمن الغريب بعد ذلك ميل بعض الناس إلى القول بالكراهة جاعلا لها وجه جمع بين الأخبار التي لا يخفى على من لاحظها إباء جملة منها


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 9 و 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 245

لذلك، على أن الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه: منها موافقة رواية الحل للعامة التي جعل اللَّه الرشد في خلافها، بل لا يخفى على من لاحظها الإيماء فيها لذلك.

قال زرارة في الصحيح (1): «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجريث، فقال: و ما الجريث؟ فنعته له، فقال لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ (2)- إلى آخرها ثم قال-: لم يحرم اللَّه شيئا من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه، و يكره كل شي ء ليس له قشر مثل الورق، و ليس بحرام، و إنما هو مكروه».

و محمد بن مسلم في الصحيح (3) أيضا: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الجري و المارماهي و الزمير و ما ليس له قشر حرام هو؟

فقال: يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الأنعام: قل: لا أجد فيما أوحي قال: فقرأتها حتى فرغت منها، فقال: إنما الحرام ما حرم اللَّه و رسوله في كتابه، و لكن قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها».

و لهذين الصحيحين مال أو قال بعض متأخري المتأخرين إلى الحل جامعا بينهما و بين غيرهما من النصوص بالكراهة، ل

صحيح الحلبي (4) عن الصادق (عليه السلام) «لا يكره شي ء من الحيتان إلا الجري»

و خبر حكم (5) عنه (عليه السلام) أيضا «لا يكره شي ء من الحيتان إلا الجريث».

لكن عن الشيخ في كتابي الأخبار إباحة ما عدا الجري من السمك و قال: «الوجه في الخبرين المزبورين أنه لا يكره كراهة التحريم إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 19.
2- 2 سورة الأنعام: 6- الآية 145.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 20.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 17.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 18.

ج 36، ص: 246

الجري و إن كان يكره كراهة الندب و الاستحباب» و ظاهره التفصيل بين الجري و غيره.

و لا ريب في ضعف الجميع، للنصوص التي إن لم تكن متواترة فهي مقطوعة المضمون باعتبار كثرتها و تعاضدها و روايتها في الكتب الأربعة و غيرها في الجري و غيره مما لا قشر له.

قال محمد بن مسلم في الصحيح (1): «أقرأني أبو جعفر (عليه السلام) شيئا من كتاب علي (عليه السلام) فإذا فيه أنهاكم عن الجري و الزمير و المارماهي و الطافي و الطحال».

و قال سماعة (2): «قال الصادق (عليه السلام): لا تأكل الجريث و لا المارماهي و لا طافيا و لا طحالا، لأنه بيت الدم و مضغة الشيطان».

و في

خبر حبابة الوالبية (3)

«رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في شرطة الخميس و معه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري و المارماهي و الزمار، و يقول لهم: يا بياعي مسوخ بني إسرائيل و صيد بني مروان، فقام إليه فرات بن آصف (أحنف ظ) فقال: ما صيد بني مروان؟

قال: أقوام حلقوا اللحى و فتلوا الشوارب فمسخوا».

و في

خبر حنان بن سدير (4) قال: «سأل العلاء بن كامل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) و أنا حاضر عنده عن الجري، فقال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) أشياء من السمك محرمة، فلا تقربه، ثم قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربه».

و قال الكلبي النسابة (5): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الجري فقال: إن اللَّه مسخ طائفة من بني إسرائيل، فما أخذ منهم


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.

ج 36، ص: 247

بحرا فهو الجري و الزمير و المارماهي و ما سوى ذلك، و ما أخذ منهم برا فالقردة و الخنازير و الوبر و الورك و ما سوى ذلك».

و في الفقيه

قال الصادق (عليه السلام) (1): «لا تأكل الجري و لا المارماهي و لا الزمير و لا الطافي، و هو الذي يموت في الماء، فيطفو على رأس الماء».

و بإسناده عن محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام):

«لا تأكل الجري و لا الطحال».

و بإسناده أيضا إلى حبابة الوالبية (3)

«سمعت مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إنا أهل بيت لا نشرب المسكر و لا نأكل الجري و لا نمسح على الخفين، فمن كان من شيعتنا فليقتد بنا و ليستن بسنتنا».

و عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون المروي في العيون (4)

«محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللَّه- إلى أن قال-: و تحريم الجري من السمك و السمك الطافي و المارماهي و الزمير و كل سمك لا يكون له فلس».

و في

خبر عبيد اللَّه المروي عن كتاب صفات الشيعة (5) عن الصادق (عليه السلام) «من أقر بسبعة أشياء فهو مؤمن: البراءة من الجبت و الطاغوت، و الإقرار بالولاية، و الايمان بالرجعة، و الاستحلال للمتعة، و تحريم الجري، و المسح على الخفين».

و خبر الأصبغ بن نباتة (6) عن علي (عليه السلام) «لا تبيعوا الجري و لا المارماهي و لا الطافي».

و خبر محمد بن مسلم (7)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 11.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 12.

ج 36، ص: 248

الجريث، فقال: و اللَّه ما رأيته قط و لكن وجدناه في كتاب علي (عليه السلام) حراما».

و خبر أبي بصير (1)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عما يكره من السمك، فقال: أما في كتاب علي (عليه السلام) فإنه نهى عن الجريث».

و خبر أبي سعيد (2)

«خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) على بغلة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) فخرجنا معه نمشي حتى انتهى إلى موضع أصحاب السمك فجمعهم، ثم قال: أ تدرون لأي شي ء جمعتكم؟

قالوا: لا، قال: لا تشتروا الجريث و لا المارماهي و لا الطافي على الماء، و لا تبيعوه».

و في مرسل ابن فضال عن غير واحد من أصحابنا (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «الجري و المارماهي و الطافي حرام في كتاب علي (عليه السلام)».

و في

صحيح الحلبي (4) عنه (عليه السلام) أيضا: «لا تأكل الجري و لا الطحال، فان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كرهه، و قال: إن في كتاب علي (عليه السلام) النهي عن الجري و عن جماع من السمك».

و في

خبر الأصبغ بن نباتة (5) عن علي (عليه السلام) المروي عن تفسير العياشي «أمتان مسختا من بني إسرائيل، فأما التي أخذت البحر فهي الجريث، و أما التي أخذت البر فهي الضباب».

و في مرفوع هارون بن عبد اللَّه إلى علي (عليه السلام) (6)

«إن الجري كلمه من الماء، فقال: عرض اللَّه علينا ولايتك فقعدنا عنها،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 16.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 22.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 23.

ج 36، ص: 249

فمسخنا اللَّه، فبعضنا في البر و بعضنا في البحر، فأما الذين في البحر فنحن الجراري، و أما الذين في البر فالضب و اليربوع».

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الحرمة في الجميع من وجوه كما ذكرناه، منها اعتبار القشر في الحل و عدمه في الحرمة.

قال حماد بن عثمان (1): «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال: ما كان له قشر، قلت: ما تقول في الكنعت؟ قال: لا بأس بأكله، قال: قلت: فإنه ليس له قشر، فقال: بلى و لكنها حوت سيئة الخلق تحتك بكل شي ء، فإذا نظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا».

و في

خبر السندي عن يونس (2) قال: «كتبت إلى الرضا (عليه السلام) السمك لا يكون له قشور أ يؤكل؟ قال: إن في السمك ما يكون له زعارة فيحتك بكل شي ء فتذهب قشوره، و لكن إذا اختلف طرفاه يعني ذنبه و رأسه فكل»

و إن كنا لم نجد من اعتبر العلامة المزبورة لفاقد القشور، و لا بأس مع شهادة التجربة لها، و مرجعها إلى القشور أيضا.

و في

خبر إسحاق صاحب الحيتان (3) قال: «خرجنا بسمك نتلقى به أبا الحسن (عليه السلام) و قد خرجنا من المدينة، و قد قدم هو من سفر له، فقال: ويحك يا فلان لعل معك سمكا، فقلت: نعم يا سيدي جعلت فداك، فقال: انزلوا، فقال: ويحك لعله زهو، قال: قلت:

نعم فأريته، فقال: اركبوا لا حاجة لنا فيه»

و الزهو: سمك ليس له قشور.

و في

خبر عمر بن حنظلة (4)

«حملت الربيثا في صرة فدخلت على


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 250

أبي عبد اللَّه (عليه السلام) فسألته عنها، فقال: كلها، و قال:

لها قشر».

و في

خبر حنان بن سدير (1)

«أهدى فيض بن المختار إلى أبي عبد اللَّه (عليه السلام) ربيثا فأدخلها عليه و أنا عنده، فنظر إليها، فقال: هذه لها قشر، فأكل منها و نحن نراه»

إلى غير ذلك من النصوص، مضافا إلى ما دل منها على حرمة أكل المسوخ (2)

التي هي المثلة.

و مع ذلك كله- مضافا إلى الشهرة العظيمة، بل هي إجماع، و إلى ما سمعته من محكي الإجماع- لا ينبغي الوسوسة في الحكم المزبور، خصوصا في مثل هذا الزمان الذي كاد يكون من ضروري المذهب.

فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه التي نشأت من اختلال الطريقة، و كان المنشأ لها و لأمثالها ثاني الشهيدين، بل و المصنف في بعضها، حتى في مثل المقام، حيث قال و كذا الزمار و المارماهي و الزهو، لكن أشهر الروايتين (3)

هنا الكراهية و ظاهره الميل إلى التفصيل بين الجري و بين الثلاثة، بل كاد يكون صريحه في النافع، و قد سمعت ما حكيناه عن الشيخ في كتابي الأخبار.

إلا أنه قد ظهر مما ذكرناه من النصوص و الإجماعات و غيرها عدم الفرق بين الجميع في الحرمة التي يجب حمل ما خالفها على التقية التي هي مرجح آخر لما ذكرنا من النصوص المعتضدة بالشهرة و محكي الإجماع و غيرهما.

نعم لا خلاف في أنه يؤكل الربيثا و الإربيان و الطمر و الطبراني


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2 و غيره.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 251

و الإبلامي و غيرها من أصناف السمك ذي القشور،

قال محمد بن الطبري (1): «كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن سمك يقال له: الإبلامي و سمك يقال له: الطبراني و سمك يقال له: الطمر و أصحابي ينهون عن أكله، فكتب: كله لا بأس به، و كتبت بخطي»

و ليس إلا لأن لها قشورا و فلوسا التي هي علامة الحل، لما سمعته من النصوص (2)

.

مضافا إلى

صحيح ابن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت له: يرحمك اللَّه إنا نؤتى بالسمك ليس له قشر، فقال: كل ماله قشر من السمك و ما ليس له قشر فلا تأكله».

و قال حماد بن عثمان (4): «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

جعلت فداك الحيتان ما يؤكل منها؟ قال: ما كان له قشر».

و في مرسل حريز (5)

«أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يكره الجريث و يقول: لا تأكل من السمك إلا شيئا عليه فلوس، و كره المارماهي».

و في خبري عبد اللَّه بن سنان (6)

و

مسعدة (7)

«كان علي (عليه السلام) بالكوفة يركب بغلة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) ثم يمر بسوق الحيتان فيقول: لا تأكلوا و لا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك».

و في مرسل الصدوق (8) قال الصادق (عليه السلام): «كل من السمك ما كان له فلوس، و لا تأكل ما ليس له فلس»

إلى غير ذلك من النصوص التي ينبغي أن يقضي العجب بعد ملاحظتها من الوسوسة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 9 عن سهل بن محمد الطبري، و في التهذيب ج 9 ص 13- الرقم 47 عن سهل عن محمد الطبري.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
8- 8 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.

ج 36، ص: 252

في الحكم المزبور و الحمل على الكراهة التي يأباها حرص علي (عليه السلام) و نداوة في الأسواق و ضربه من يبيعها، مع أن كثيرا من لفظ الكراهة في المقام يراد منه الحرمة بقرائن عديدة في الخبر (1)

المتضمن له و غيره، و منها

أنه (عليه السلام) «كان لا يكره الحلال».

و أما الربيثا فقد سمعت ما دل على حل أكلها في النصوص (2)

مضافا إلى

خبر محمد بن إسماعيل (3)

«كتبت إلى الرضا (عليه السلام) اختلف الناس في الربيثا فما تأمرني به فيها؟ فكتب (عليه السلام) لا بأس بها».

و خبر علي بن حنظلة (4)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الربيثا، فقال: قد سألني عنها غير واحد، و اختلفوا علي في صفتها، قال: فرجعت فأمرت بها فجعلت ثم حملتها إليه، فسألته عنها، فرد علي مثل الذي رد، فقلت: قد جئتك بها فضحك، فأريته إياها، فقال: ليس به بأس»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقاومها

موثق عمار (5) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن الربيثا، فقال:

لا تأكلها، فإنا لا نعرفها في السمك»

بعد عدم وجود عامل به، و يمكن حمله على حيوان خارج عن اسم السمك.

و أما الإربيان فلا خلاف نصا و فتوى في حله،

قال يونس (6): «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك ما تقول في أكل الإربيان؟ فقال لي: لا بأس بذلك، و الإربيان ضرب من السمك».

و في مرسل محمد بن جمهور(7) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 10.

ج 36، ص: 253

«أنه سئل عن الإربيان، و قال: هذا يتخذ منه شي ء يقال له: الربيثا فقال: كل، فإنه جنس من السمك، ثم قال: أما تراها تقلقل في قشرها».

هذا كله في السمك و أما غيره من حيوان البحر ف لا يؤكل السلحفاة أي الرق و لا الضفادع و لا السرطان بل و لا شي ء من حيوان البحر ككلبه و خنزيره و غيرهما مما عرفت، لما عرفت.

و في

خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه (عليه السلام) «لا يحل أكل الجري و لا السلحفاة و لا السرطان، قال: و سألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر و الفرات أ يؤكل؟ قال: ذلك لحم الضفادع لا يحل أكله».

و ما في

خبر أحمد بن إسحاق (2) المروي عن مكارم الأخلاق «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الإسقنقور يدخل في دواء الباه و له مخاليب و ذنب أ يجوز أن يشرب؟ فقال: إذا كان له قشور فلا بأس»

محمول على ارادة نفي البأس عنه إذا كان من السمك، و إلا كان مطرحا نحو ما سمعته في كلب الماء.

إنما الكلام في قبول التذكية لما لا يؤكل من الحيوان البحري على وجه يخرج عن حكم الميتة، سواء كان له نفس سائلة أو لا، بناء على لحوق حكم الميتة لغير ذي النفس أيضا، قال الفاضل في القواعد: «و لو ذبح حيوان البحر مثل كلبه و فرسه و غيرهما لم يحل» و ليس فيه إلا نفي الحل الذي قد عرفت المفروغية منه بالنسبة إلى جميع حيوان البحر إلا السمك و الطير.

لكن قال في كشف اللثام في شرح العبارة المزبورة: «و لو ذبح حيوان البحر ما يشبه منه ما لا يقبل التذكية من حيوان البر مثل كلبه


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.

ج 36، ص: 254

و ما يشبه ما يقبلها منه مثل فرسه و ما لا يشبه شيئا منهما غيرهما لم يحل أكله اتفاقا، لما مر من حرمة ما سوى السمك، و لكن جميع ذلك يقبل التذكية إن كانت له نفس سائلة حتى كلبه و خنزيره فيطهر، و يجوز استعماله في غير الأكل للعموم».

قلت: قد عرفت البحث سابقا في العموم المزبور على وجه يقطع أصالة عدم التذكية حتى في حيوان البحر و حتى ما لا يقبل التذكية شبهه في البر كالخنزير، فالوجه التوقف في ذلك. نعم قد يقال بثبوتها في كلاب الماء خاصة، للسيرة و لخصوص بعض الأخبار المتقدمة في لباس المصلي في الخز (1) أما غيره فجريان التذكية فيه لا يخلو من بحث.

و لو سلم ففي خصوص ما تجري التذكية في شبهه في البر لا مطلقا اللهم إلا أن يثبت عموم يقتضي قابلية كل حيوان ذي نفس للذبح المزبور:

و أنه يخرج به عن اسم الميتة، أو يقال: إن التذكية المخرجة عن اسم الميتة عرفية لا شرعية، فتقع حينئذ على كل حيوان ذي نفس، و هما معا محل للبحث، هذا كله في ذي النفس.

أما غير ذي النفس فإجراء حكم التذكية عليه أشد إشكالا بناء على اجراء حكم الميتة بالنسبة إلى استعماله عليه و إن كان طاهرا، لأن إلحاق تذكيته بتذكية السمك بإخراجه من الماء حيا قياس، بل قد يشكل جريان حكم هذه التذكية للجري و نحوه من السمك المحرم فضلا عنه بناء على أن ثبوتها شرعا للمأكول من السمك لا مطلقة، و أشكل من ذلك إجراء التذكية الذبحية التي هي ظاهرة في ذي النفس لا مطلقا، و قد تقدم بعض الكلام


1- 1 راجع ج 8 ص 86- 90.

ج 36، ص: 255

في ذلك في لباس المصلي (1) و في كتاب الصيد و الذباحة (2) فلاحظ و تأمل و احتط، فإن المسألة غير منقحة على وجه تستريح النفس في الحكم بها، و اللَّه العالم.

و لو وجد في جوف سمكة ذكاها بأخذها حية سمكة أخرى فعن الشيخين و غيرهما حلت إن كانت من جنس ما يحل، و إلا فهي حرام و مقتضاه الحل و إن لم يعلم بحياتها حين الأخذ و بهذا روايتان طريق أحدهما السكوني (3)

عن الصادق (عليه السلام) «إن عليا (عليه السلام) سئل عن سمكة شق بطنها فوجد في جوفها سمكة، قال: كلهما جميعا»

و الأخرى مرسلة إلا أن

المرسل لها أبان الذي هو من أصحاب الإجماع عن بعض أصحابه (4) عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت: رجل أصاب سمكة في جوفها سمكة، قال: يؤكلان جميعا».

و لكن من المتأخرين كابن إدريس و الفاضل في محكي التحرير و ولده و المقداد من منع استنادا إلى عدم اليقين بخروجها من الماء حية الذي هو تذكية السمك، فتبقى على أصالة عدم التذكية التي لا يقطعها الخبران بعد الضعف و الإرسال و عدم الجابر و إن كان المرسل من أصحاب الإجماع كما بين في محله.

و لكن ربما كانت الرواية أرجح استصحابا لحال الحياة المقطوع بها في الجملة و لو قبل ابتلاع السمكة لها إلى حين الأخذ، فيكون


1- 1 راجع ج 8 ص 67.
2- 2 راجع ص 192- 195.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الذبائح- الحديث 2 من كتاب الصيد و الذباحة.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الذبائح- الحديث 1 من كتاب الصيد و الذباحة.

ج 36، ص: 256

الخبران مؤكدين للقاعدة لا مثبتين حكما مخالفا لها، فلا يقدح عدم حجيتهما، و لعله لذا مال إليه المصنف هنا، بل هو خيرته في النافع و الفاضل في القواعد.

لكن لا يخفى عليك ما فيه من كون الأصل المزبور من الأصول المثبتة المعارضة باستصحاب الحرمة و بأصالة عدم حصول التذكية المتوقفة على شرط لا ينقحه الأصل، و الفرض عدم حجية الخبرين، و اللَّه العالم.

و لو وجدت السمكة في جوف حية فعن النهاية أكلت إن لم تكن تسلخت، و لو تسلخت لم تحل ل

خبر أيوب بن أعين (1) عن الصادق (عليه السلام) «قلت له: جعلت فداك ما تقول في حية ابتلعت سمكة ثم طرحتها و هي حية تضطرب آكلها؟ قال: إن كان فلوسها قد تسلخت فلا تأكلها و إن لم تكن تسلخت فكلها»

و لكنه مع قصوره و معارضته لما دل (2) على كيفية ذكاة السمك ظاهر في الحية المضطربة.

و من هنا قال المصنف الوجه أنها لا تحل إلا أن تقذفها و السمكة تضطرب بل قال و لو اعتبر مع ذلك أخذها حية لتحقق الذكاة لمثلها كان حسنا ضرورة كونها كغيرها من السمك المعتبر فيه ما عرفت، و ابتلاع الحية لها لا يوجب حكما آخر لها، و الخبر المزبور بعد عدم حجيته مطرح أو محمول على صورة أخذها حية، و النهي عن أكلها مع تسلخ فلوسها مخافة الضرر، فما عن المختلف- من العمل بالخبر المزبور مع اعتباره في ذكاة السمك أخذه- واضح الضعف، أو منزل على ما ذكرناه، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبائح من كتاب الصيد و الذباحة.

ج 36، ص: 257

و لا يؤكل الطافي من السمك و هو ما يموت في الماء، سواء مات بسبب كضرب العلق أو حرارة الماء أو بغير سبب أو ما يلقيه البحر ميتا أو يموت لنضب الماء عنه، بلا خلاف أجده بيننا في شي ء من ذلك فتوى و نصا بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص.

قال الحلبي في الصحيح (1): «سألت الصادق (عليه السلام) عما يوجد من السمك طافيا على الماء أو يلقيه البحر ميتا فقال: لا تأكله».

و قال الشحام (2): «سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عما يوجد من الحيتان طافيا على الماء أو يلقيه البحر ميتا آكله؟ قال: لا».

و قال الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم (3): «لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان، و لا ما نضب الماء عنه».

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيحه الآخر (4): «لا يؤكل ما نبذه الماء من الحيتان و لا ما نضب الماء عنه».

و قال الصادق (عليه السلام) في الموثق (5): «لا يؤكل الطافي من السمك»

إلى غير ذلك. مضافا إلى ما دل على تحريم الميتة من الكتاب (6)و السنة (7)

و الإجماع.

خلافا لأكثر العامة من الحل مطلقا، و لبعض منهم، ففوق بين الموت بسبب خارج فيحرم، و الموت من قبل نفسه فيحل، و ضعفهما واضح، و لعل

مرسل المغيرة (8) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «و ذكر


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
6- 6 سورة المائدة: 5- الآية 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة.
8- 8 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.

ج 36، ص: 258

الطافي و ما يكره الناس منه، فقال: إنما الطافي من السمك المكروه ما تغير ريحه»

على مذاق العامة.

و كذا ما يموت في شبكة الصائد في الماء الذي فيه حياته أو في حظيرته كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا (1) و قد حملنا ما دل من النصوص (2)

على ذلك على الموت خارج الماء في المصيدة، و لعل من ذلك ما في

خبر علي بن جعفر (3) عن أخيه (عليه السلام) «سألته عما حسر عنه الماء من صيد البحر و هو ميت أ يحل أكله؟ قال:

لا، قال: و سألته عن صيد البحر نجسه فيموت في مصيدته، قال: إذا كان محبوسا فكل فلا بأس».

بل و تقدم الكلام أيضا (4) في أنه لو اختلط الميت بالحي بحيث لا يتميز و أنه قيل: حل الجميع و لكن قد عرفت أن اجتنابه أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها باب المقدمة، لكن

في الفقيه (5) قال الصادق (عليه السلام): «إن وجدت سمكا و لم تعلم أ ذكي هو أم غير ذكي- و ذكاته أن يخرج من الماء حيا- فخذ منه، فاطرحه في الماء، فان طفا على الماء مستلقيا على ظهره فهو غير ذكي، و إن كان على وجهه فهو ذكي، و كذلك إذا وجدت لحما و لم تعلم أ ذكي هو أم ميتة فألق منه قطعة على النار، فان انقبض فهو ذكي و إن استرخى على النار فهو ميتة»

ثم قال: «و روي في من وجد سمكا و لم يعلم


1- 1 راجع ص 171- 174.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبائح من كتاب الصيد و الذباحة.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
4- 4 راجع ص 171.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 259

أنه مما يؤكل أو لا فإنه يشق عن أصل ذنبه، فان ضرب إلى الخضرة فهو مما لا يؤكل، و إن ضرب إلى الحمرة فهو مما يؤكل» (1).

و في كشف اللثام «ذكر الصدوق و المفيد و السيد و سلار و بني حمزة و إدريس و سعيد و الفاضل في التحرير أنه إذا وجد سمكة و لا يدري أ ذكية هي أم لا فلتعتبر بالماء، فان طفت على الماء مستلقية على ظهرها فهي غير ذكية، و إن طفت عليه على وجهها فهي ذكية، قال السيد: و يجب على هذا الاعتبار أن يقول أصحابنا في السمك الطافي على الماء: إنه ليس بمحرم على الإطلاق، بل يعتبرونه بما ذكرناه، فان وجد طافيا على ظهره أو وجهه عملوا بحسب ذلك، و استدل عليه بالإجماع، و قال ابن زهرة:

يعتبر السمك بطرحه في الماء، فان رسب فهو ذكي، و إن طفا فهو ميت و استدل عليه بالإجماع».

قلت: كان ذلك لاستعلام موته و حياته فعلا لا الميت المعلوم موته، ضرورة عدم صلاحية ذلك لمعرفة موته الصيدي و غيره، فان السمك متى مات طفا مستلقيا على ظهره، سواء كان موته بصيد أو بغيره، و إطلاق النص (2)

و الفتوى حرمة الطافي المراد به الميت في الماء لا مشتبه الحال، و حينئذ فإطلاق الأصحاب بحاله لا يرد عليه ما ذكره السيد، كما لا يرد على ما ذكره في التحرير من وجوب الاجتناب مع اشتباه الميت بغيره أنه ينبغي الاعتبار المزبور لا الاجتناب.

هذا و لكن في الدروس «و يحرم الطافي، و هو ما يطفو على الماء ميتا إذا علم أنه مات في الماء، و لو علم كونه مات خارج الماء حل، و لو اشتبه فالأقرب التحريم» و قال في المقنع: «إذا اشتبه السمك هل


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 260

هو ذكي أم لا طرح على الماء، فان استلقى على ظهره فحرام، و إن كان على وجهه فذكي» و اختاره الفاضل، و ظاهره كون المراد معرفة موته السابق من ذكاته لا الفعلية، و ربما كان ذلك ظاهر غيره أيضا.

لكن لا يخفى عليك ما فيه من الإشكال، ضرورة عدم الفرق في طفوه بعد موته بين كونه عن إخراج أو خروج أو إخراج مسلم أو غير مسلم، و اللَّه العالم.

و لا يؤكل الجلال الذي ستعرف المراد به إنشاء اللَّه تعالى من السمك كغيره من أفراد الجلال على المشهور بين الأصحاب نصا (1) و فتوى، كما ستعرف إنشاء اللَّه تعالى حتى يستبرأ بأن يجعل في الماء يوما و ليلة عند الأكثر على ما في المسالك و كشف اللثام، ل

خبر يونس (2) عن الرضا (عليه السلام) «سألته عن السمك الجلال فقال: ينتظر به يوما و ليلة».

لكن

في الفقيه «أن رواية القاسم بن محمد الجوهري (3) السمك الجلال يربط يوما إلى الليل في الماء»

و في كشف اللثام عن الصدوق و الشيخ الاكتفاء بذلك.

و لا ريب أن الأول أحوط و أشهر عملا و أولى، لاستصحاب الحرمة بل يمكن إرجاع الأخير إليه باحتمال ارادة دخول تمام الغاية و لو للجزء الأول.

نعم هما معا خاليان عما ذكره المصنف و غيره من أنه يطعم علفا و أن يكون طاهرا، بل ظاهرهم كونه طاهرا فعلا،


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7 راجع الفقيه ج 3 ص 214 الرقم 992 و 993.

ج 36، ص: 261

فلا يكفي النجس و لو عارضا، و يمكن أخذهم الأول مما ورد (1)

في استبراء غير السمك من البعير و الشاة و البقرة و البطة و الدجاجة من اعتبار الغذاء و التربية مدة كذا، خصوصا مع ذكر غير السمك في الخبرين المزبورين، ف

قال في الأول (2): الدجاجة تحبس ثلاثة أيام، و البطة سبعة أيام، و الشاة أربعة عشر يوما، و البقرة ثلاثين يوما، و الإبل أربعين يوما»

مما هو معلوم إرادة تغذيه في مدة الحبس بغير العذرة، و كذا

الثاني (3) الذي فيه أيضا «أن البقرة تربط عشرين يوما، و الشاة تربط عشرة أيام و البطة تربط ثلاثة أيام، و الدجاجة تربط ثلاثة أيام»

مما هو معلوم إرادة الغذاء و التربية في مدة الحبس و لو للنصوص الأخر (4)

فيعلم كون المراد من الجميع الحبس مع الغذاء و التربية.

بل ربما يؤيده

مرسل علي بن أسباط (5)

«في الجلالات، قال:

لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن»

الذي إن لم يرد به ما تحقق فيه وصف الجلل و أن الخلط لاستبرائه أمكن استفادة حصول الرفع بذلك، كما يحصل به الدفع، أي إذا كان الجلل لا يحصل مع الخلط ابتداء فكذلك يرتفع بالحبس مع التغذية بغير ما حصل به الجلل بعد تحققه، لحصول الخلط حينئذ و لو مع ترتب الزمان، بل لعل أصل الاستبراء بالحبس مع الغذاء ليتحقق هذا القسم من الخلط الرافع للجلل، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا.

نعم قد يشكل اعتبار الطهارة في العلف، اللهم إلا أن يدعى الانسياق و إلا كان زيادة في جلله، مضافا إلى الاستصحاب، بل هو مقتضى كونه طاهرا ذاتا و عرضا، مضافا إلى الاحتياط و إلى ظهور ارادة ذلك من إطلاق


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 262

الأصحاب، إذ الطاهر حقيقة ما ليس بنجس ذاتا و لا عرضا.

و ربما يشهد له ما تسمعه من الخبر (1)

في استبراء شارب لبن الخنزيرة إذا لم يشتد الذي نص فيه على علفه الكسب و الشعير و نحوهما، و حينئذ فيكفي ذلك في تقييد الخبر المزبور (2)

و عدم تحقق الجلل بأكله و لو خاصة لا يقتضي الاكتفاء به في الزوال، و إن كان هو مقتضى ما ذكرناه من استفادة حصول الرفع بما يحصل به الدفع من خبر الخلط (3)

إلا أن الاستصحاب و ظهور كلمات الأصحاب و دعوى الانسياق يقتضي الاقتصار على العلف الطاهر فعلا مدة الحبس، بل في التحرير اعتبار كون الماء الذي يحبس فيه السمك طاهرا، و لا ريب في أنه أحوط و أولى، و اللَّه العالم.

و بيض السمك المعبر عنه الآن بالثرب من المحلل حلال و إن كان أملس و (كذا خ) بيض المحرم حرام و إن كان خشنا بلا خلاف محقق أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع على الأول، خصوصا مع ملاحظة السيرة القطعية على استعمال الصحناة التي هي طبخ السمكة جميعها و خصوصا مع ملاحظة التبعية في بيض غيره من الحيوان كالدجاجة و الطاوس و البطة و غيرها مما ستعرفه مع أولوية ما نحن فيه بالتبعية منه.

ففي

خبر ابن أبي يعفور (4) عن الصادق (عليه السلام) «أن البيض إذا كان مما يؤكل لحمه فلا بأس به و بأكله، و هو حلال».

و في

خبر داود بن فرقد (5)عنه (عليه السلام) أيضا «كل شي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 263

لحمه حلال فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة كل ذلك حلال طيب».

بل قد يدعى كونه مع عدم انفصاله عن السمك من أجزائه على وجه يشمله دليل الحل و الحرمة له، بل قد يدعى أن ذلك هو السبب في الحكم بالتبعية و لو في البيض المنفصل كالدجاج و نحوه باعتبار كون مبدئه قبل انفصاله جزء من الحيوان المحلل و المحرم أو كالجزء، فيبقى على الحل و الحرمة بعد الانفصال.

هذا و في الرياض الاستدلال على المقام بالخبرين المزبورين بعد تنقيح دلالتهما بإرادة الحرمة من نفي البأس في مفهوم الأول و لو لدخول قوله (عليه السلام): «و هو حلال» في جواب الشرط، فيكون المفهوم نفي الحلية، و إرادة القيدية من الثاني الذي مفهومها حجة بلا خلاف لا الوصفية المحضة.

لكن قد يناقش بعدم صدق البيض عرفا على ثروب السمك، و إنما أطلقه الأصحاب عليه لضرب من المجاز، باعتبار كونه مبدأ تكون السمك كالبيض و غيره، نعم قد يستفاد منهما تبعية ذلك في الحل و الحرمة و إن لم يكن بيضا عرفا، و الأمر سهل.

و على كل حال لا ينافي ما ذكرنا إطلاق جماعة من الأصحاب ممن تقدم على المصنف حلية الخشن من بيض السمك دون الأملس و المستماع الذي قد يتوهم منه كون ذلك مدار الحرمة و الحل فيه دون التبعية المزبورة، و حينئذ فيحرم الأملس و إن كان من المحلل، و يحل الخشن و إن كان من محرم، بل ربما حكي عن ابن إدريس أنه فهم ذلك منهم و أنكره، و قال: «لا دليل عليه بل السيرة المستمرة على استعمال الصحناة تقتضي

ج 36، ص: 264

خلافه» بل أيده في محكي المختلف بعموم قوله تعالى (1) «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ» لإمكان تنزيل الإطلاق المزبور على إرادة التميز عند الاشتباه، كما أومأ إليه المصنف و من تأخر عنه بقوله و مع الاشتباه يؤكل ما كان خشنا لا ما كان أملس بل لعله الظاهر منهم و إن كنا لم نقف على خبر بالتفصيل المزبور.

إلا أنه يمكن شهادة التجربة له، و إلا لاقتضى حرمة الأملس من المحلل و الخشن من المحرم، و لا دليل عليه، بل ظاهر ما سمعته من الأدلة خلافه بل المحكي عن ابن إدريس في كشف اللثام أنه فهم من الإطلاق المزبور التفصيل بذلك في المحلل من السمك و أنكر عليهم بما سمعت، و مع تسليمه فهو في محله، أما على الأول فهو مثلهم في الإنكار أو أولى، ضرورة اقتضائه الحل مطلقا، و هو مناف لما سمعته مما يقتضي التبعية المزبورة القاطعة لأصل الحل، من غير فرق بين المتصل و المنفصل، فالتحقيق حينئذ ما ذكرناه، و اللَّه العالم.

[القسم الثاني في البهائم]

اشارة

القسم الثاني في البهائم و لا خلاف بين المسلمين في أنه يؤكل من الإنسية منها جميع أصناف الإبل و البقر و الغنم بل هو من ضروري الدين و المشهور بيننا شهرة كادت تكون إجماعا كما اعترف به غير واحد


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 96.

ج 36، ص: 265

إن لم تكن كذلك أنه يكره الخيل و البغال و الحمير الأهلية في الثلاثة، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك، كما عن الانتصار و الغنية أنه من متفردات الإمامية في الأول و الثالث، للأصل و النصوص المستفيضة أو المتواترة أو المقطوع بمضمونها.

قال محمد بن مسلم (1): «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن لحوم الخيل و البغال و الحمير، فقال: حلال و لكن الناس يعافونها».

و قال أيضا في خبره الآخر (2): «إنه سئل عن سباع الطير و الوحش حتى ذكر له القنافذ و الوطواط و الخيل و الحمير و البغال، فقال:

ليس الحرام إلا ما حرم اللَّه في كتابه، و قد نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير، و إنما نهاهم من أجل ظهورها أن يفنوها، و ليست الحمير بحرام- ثم قال-: إقرأ هذه الآية:

قُلْ: لا أَجِدُ (3)- إلى آخرها-»

الذي لا يقدح في حجيته اشتماله على معلوم الحرمة، خصوصا مع احتمال كون الجواب فيه عن الثلاثة.

و في

خبر عمر بن خالد عن زيد بن علي (4) عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: «أتيت أنا و رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) رجلا من الأنصار فإذا فرس له يكيد بنفسه، فقال له رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): انحره يضعف لك به أجران: بنحرك إياه و احتسابك له، فقال: يا رسول اللَّه أ لي منه شي ء؟ قال: نعم كل


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
3- 3 سورة الأنعام: 6- الآية 145.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 عن عمرو بن خالد. كما في التهذيب ج 9 ص 48.

ج 36، ص: 266

و أطعمني، قال: فأهدى للنبي (صلى اللَّه عليه و آله) فخذا منه، فأكل منه و أطعمني».

و في

خبر زرارة (1) المروي عن تفسير العياشي عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن أبوال الخيل و البغال و الحمير، قال: و كرهها، قلت: ليس لحومها حلالا؟ قال: فقال: أو ليس قد بين اللَّه لكم وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ (2) قال وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً (3) فجعل للأكل الأنعام التي قص اللَّه في الكتاب، و جعل للركوب الخيل و البغال و الحمير، و ليس لحومها بحرام و لكن الناس عافوها».

و في

خبر زرارة و محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألاه عن أكل لحوم الحمير الأهلية، فقال: نهى رسول (صلى اللَّه عليه و آله) عن أكلها يوم خيبر، و إنما نهى عن أكلها في ذلك الوقت، لأنها كانت حمولة للناس، و إنما الحرام ما حرم اللَّه في القرآن».

و في

خبر أبي الجارود (5) عنه (عليه السلام) أيضا «سمعته يقول:

إن المسلمين كانوا جهدوا في خيبر، فأسرع المسلمون في دوابهم، فأمرهم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) بإكفاء القدور، و لم يقل إنها حرام، و كان ذلك إبقاء على الدواب».

و في

خبر محمد بن مسلم (6) المروي عن العلل عنه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.
2- 2 سورة النحل: 16- الآية 5.
3- 3 سورة النحل: 16- الآية 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.

ج 36، ص: 267

أيضا، قال: «نهى رسول (صلى اللَّه عليه و آله) عن أكل لحوم الحمير، و إنما نهى عنها من أجل ظهورها مخافة أن يفنوها، ليست الحمير بحرام، ثم قرأ هذه الآية (1) قُلْ: لا أَجِدُ- إلى آخرها-».

و في

خبر أبي الحسن الليثي (2) عن الصادق (عليه السلام) قال:

«سئل عن لحوم الحمير الأهلية فقال: نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عن أكلها، لأنها كانت حمولة للناس يومئذ، و إنما الحرام ما حرم اللَّه في القرآن و إلا فلا».

و في

خبر محمد بن سنان (3) المروي عن العيون عن الرضا (عليه السلام) «أنه كتب إليه في جواب مسائله: كره أكل لحوم البغال و الحمير الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها و استعمالها و الخوف من فنائها و قلتها، لا لقذر خلقها و لا قذر غذائها».

إلى غير ذلك من النصوص التي منها أيضا تحليل ألبان الأتن، ك

حسن العيص (4) سأل الصادق (عليه السلام) «عن شرب ألبان الأتن، فقال: لا بأس بها».

و لم أجد خلافا في العمل بمضمونها إلا من المفيد فيما حكي عنه في


1- 1 سورة الأنعام: 6- الآية 145.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7 عن أبي الحسن الميثمي عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: «سئل أبي عن لحوم.» إلا أن الموجود في العلل ص 563 ط النجف الأشرف أبو الحسن الليثي.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3 و فيه «عن شرب ألبان الأتن؟ فقال: اشربها» و في خبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام الذي رواه في الوسائل بعد هذا الحديث «عن شرب ألبان الأتن فقال لي: لا بأس بها»

ج 36، ص: 268

كشف اللثام من تحريم البغال و الحمير و الهجن من الخيل، بل قال: «إنه لا تقع الذكاة عليها» و من الحلبي فيما حكي عنه أيضا من تحريم البغال.

و لعله ل

مرسل أبان بن تغلب (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن لحوم الخيل، فقال: لا تؤكل إلا أن تصيبك ضرورة، و عن لحوم الحمير الأهلية، فقال: نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عن أكلها يوم خيبر».

و المرسل (2) في محكي المقنع «عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) كل ذي ناب من السباع و مخلب من الطير و الحمر الإنسية حرام».

و صحيح ابن مسكان (3)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن أكل الخيل و البغال، فقال: نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عنها و لا تأكلها إلا أن تضطر إليها».

و صحيح سعد بن سعد (4) عن الرضا (عليه السلام) «سألته عن لحوم البرازين و الخيل و البغال، فقال: لا تأكلها».

و خبر أبي بصير (5) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «كان يكره أن يؤكل لحم الضب و الأرنب و الخيل و البغال، و ليس بحرام كتحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير، و قد نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عن لحوم الحمير الأهلية، و ليس بالوحشية بأس».


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3 و في ذيله «عن لحوم الحمر الأهلية، قال: و في كتاب علي عليه السلام أنه منع أكلها» و ما ورد من لذيل في الجواهر هو خبر ابن مسكان الذي رواه في الوسائل بعد مرسل أبان.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.

ج 36، ص: 269

و هي- مع عدم حجية بعضها من حيث السند و لا جابر بل الموهن محقق، و التصريح في غيرها من النصوص بأن النهي عن الحمير يوم خيبر بل و غيرها من الخيل و البغال للاحتياج إلى ظهورها لا لحرمتها، بل في المسالك الاستدلال بصحيح الضرورة على الحل من حيث إطلاق الضرورة فيه و اشتمالها على ما لا يقول به الحلبي من تحريم البغل خاصة، بل و المفيد الذي قد خص الحرمة في الهجين من الخيل- غير مكافئة لما عرفت من وجوه، منها الاعتضاد بالشهرة العظيمة و محكي الإجماع إن لم يكن محصله و مخالفة الكتاب و العامة الذين جعل اللَّه الرشد في خلافهم، فتعين طرحها أو حملها على الكراهة أو التقية أو غير ذلك مما لا ينافي القول المزبور.

نعم هي على تفاوت بينها (فيها خ ل) بالكراهية بل في صريح المسالك و ظاهر غيرها الاتفاق على التفاوت المزبور، و عن المشهور أن كراهة البغل أشد، لتركبه من الفرس و الحمار، و هما مكروهان، و عن القاضي و ظاهر الحلي أن كراهة الحمار أشد، لأن المتولد من قوي الكراهة و ضعيفها أخف كراهة من المتولد من قويها خاصة، و لكن التعليلين كما ترى.

و على كل حال فالخيل أخفها، خصوصا بعد أكل النبي (صلى اللَّه عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) منها (1)

، و لعل البغل أشد من الحمير للشهرة، و يحتمل الحمير، لكثرة نصوص النهي عنها (2)

و الأمر سهل، هذا كله في الإنسية.

أما الوحشية فلا خلاف أجده في حلها، كما ستعرف إنشاء اللَّه، نعم في الدروس عن ابن إدريس و الفاضل كراهة الحمار الوحشي، و عن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 270

الحلبي كراهة الإبل و الجاموس، و الذي في

مكاتبة أبي الحسن (عليه السلام) (1) في لحم حمر الوحش «تركه أفضل».

و روي (2) في لحم الجاموس «لا بأس به».

قلت: يأتي الكلام في حمار الوحش، و أما الإبل و الجاموس فقد يظهر من المصنف و غيره عدم الكراهة فيها و في غيرها من الأنعام، لكن

قال الصادق (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن أبي زياد (3): «ألبان البقر دواء و سمونها شفاء و لحومها داء»

و في

خبر أبي بصير (4) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لحوم البقر داء»

و نحوه خبر السكوني (5)عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام). و في

خبر عبد الحميد ابن المفضل السمان (6)

«سألت عبدا صالحا (عليه السلام) عن سمن الجواميس فقال: لا تشتره و لا تبعه»

لكن عن الشيخ أن هذا الخبر موافق لمذهب الواقفية، لأنهم يعتقدون أن لحم الجواميس حرام، فأجروا السمن مجراه و ذلك باطل عندنا لا يلتفت إليه.

قلت: و لعله لذلك نفي البأس عن لحم الجواميس و شرب ألبانها و أكل سمونها في خبر عبد اللَّه بن جندب (7)

و

قال أيوب بن نوح (8): «سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الجاموس و أعلمته أن أهل العراق يقولون: إنه مسخ فقال: أ و ما علمت قول اللَّه:


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المباحة.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.

ج 36، ص: 271

وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ (1)»

فلا دلالة حينئذ في نفي البأس على نفي الكراهة، كما عساه يظهر من الدروس، و اللَّه العالم.

[و قد يعرض التحريم للمحلل من وجوه]
[العارض الأول الجلل]

هذا و قد يعرض التحريم للمحلل من وجوه:

أحدها الجلل، و هو أن يغتذي عذرة الإنسان لا غير على المشهور ل

مرسل موسى بن أكيل (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) «في شاة شربت بولا ثم ذبحت، فقال:

يغسل ما في جوفها، ثم لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلالة، و الجلالة هي التي يكون ذلك غذاؤها»

بناء على أن المنساق من العذرة فضلة الإنسان أو أنها المراد بها، كما تقدم في منزوحات البئر (3)

و في المرسل الآخر (4)

«في الجلالات لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن».

خلافا للمحكي عن أبي الصلاح، فألحق غيرها من النجاسات بها في تحقق الجلل المحرم، و لا دليل له معتد به يصلح لقطع الأصل و العمومات بعد منع صدق اسم الجلل على ذلك عرفا، و بعد ما سمعته من المرسل المعتضد بالعمل، و ما في الصحاح- من أن الجلالة البقرة التي تتبع النجاسات- تفسير بالأعم.

و للمحكي عن الشيخ في المبسوط، فلم يعتبر الاختصاص بالعذرة، إلا أنه جعل الحكم حينئذ الكراهة في التي يكون أكثر علفها ذلك لا التحريم، قال في محكي الخلاف: «الجلال عبارة عن البهيمة التي تأكل العذرة اليابسة أو الرطبة- إلى أن قال-: فان كان هذا أكثر علفها


1- 1 سورة الأنعام: 6- الآية 144.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 راجع ج 1 ص 230.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 272

كره لحمها عندنا- ثم قال-: و روى أصحابنا تحريم ذلك إذا كان غذاؤه كله من ذلك».

و ربما يشهد له المرسل الثاني الذي يمكن الجمع بينه و بين المرسل الأول بإرادة خصوص المحرم من الجلال من التفسير فيه، لا مطلق الجلال، و لكن لا يخفى عليك سهولة الأمر بعد فرض كون الحكم الكراهة في الفرد المزبور لا التحريم.

و على كل حال ف المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنه يحرم أكل الجلال حتى يستبرأ، و قيل و القائل الإسكافي و الشيخ في المحكي عنهما يكره بل عن الثاني منهما نسبته إلى مذهبنا إلا أنك قد عرفت كون الجلال عنده المحكوم عليه بالكراهة هو الذي يكون أكثر علفه العذرة، لا الذي لا علف له غيرها الذي ظاهره الحرمة فيه باعتبار نسبته إلى روايات أصحابنا التي لا محيص عن العمل بها.

و من ذلك يظهر لك المناقشة في النسبة المزبورة في مفروض البحث بل القول بالكراهة في الفرد الذي ذكره ليس مختصا به، بل هو مذهب أكثر علمائنا، كما اعترف به غير واحد، و حينئذ فينحصر الخلاف في محل البحث في الإسكافي الذي يمكن دعوى لحوقه بالإجماع إن لم يكن مسبوقا به، بل عن بعض الأجلة حمل كلامه على ما يرجع إلى المشهور، فلا خلاف حينئذ، و على تقديره فلا ريب في شذوذه و ضعفه، إذ لا دليل سوى الأصل المخصص بالمعتبرة المستفيضة المروية من طرق العامة و الخاصة.

ففي

صحيح هشام بن سالم (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «لا تأكلوا من لحوم الجلالات، و إن أصابك من عرقها فأغسله».

و في

خبر حفص بن البختري (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 273

«لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة، و إن أصابك شي ء من عرقها فاغسله».

و في

خبر زكريا بن آدم (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) «أنه سأله عن دجاج الماء، فقال: إذا كان يخلطن فلا بأس»

و في آخر (2)

«إذا كان يلتقط غير العذرة فلا بأس»

قال (3): «و نهى عن ركوب الجلالة و شرب ألبانها، و قال: إن أصابك شي ء من عرقها فاغسله».

و منه و من غيره يعلم إرادة الحرمة من البأس في مفهومه كالمرسل السابق.

كل ذلك مضافا إلى ما تسمعه من نصوص (4)

الاستبراء الظاهرة في حرمة الأكل قبله و من هنا كان التحريم أظهر و حينئذ فما في الكفاية- من أن مستند التحريم أخبار لا يستفاد منها أكثر من الرجحان، مع ما عرفت من العمومات الدالة على الحل، فالقول بالكراهة مطلقا أقرب- واضح الضعف، خصوصا بعد ما قيل من أن مبناه عدم كون النهي حقيقة في التحريم الذي قد عرفت بطلانه في محله، على أنه هو قد اعترف بحمله عليه مع الشهرة، و لو لكونها حينئذ قرينة، و لا ريب في تحققها في المقام، كما صرح به في أول الكلام.


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5 و الموجود فيه «أنه سأله عن دجاج الماء فقال: إذا كان يلتقط غير العذرة فلا بأس» و ليس لزكريا في المقام غير هذه الرواية، و ما ذكره من اللفظ في الجواهر هو ذيل مرسل علي بن أسباط المروي في نفس الباب الحديث 3 و فيه «في الجلالات، قال: لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن»
2- . 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6 و هو مرسل الصدوق قده.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 274

و كيف كان فقد ذكر غير واحد أن النصوص (1)

و الفتاوى المعتبرة خالية عن تعيين المدة التي يحصل فيها الجلل، و غاية ما يستفاد من المرسل الأول (2)

اعتبار كون العذرة غذاؤه، و من الثاني (3)

عدم البأس بأكله مع الخلط، و كل منهما بالإضافة إليها مجملة، و احتمال استفادتها من مدة الاستبراء- باعتبار دعوى اقتضاء ارتفاعه بها بحبسه عنها تحققه (4) بتغذيه فيها- لم نجد له أثرا في كلام الأصحاب، و لعله لوضوح منع الاقتضاء المزبور.

و عن بعضهم تقديرها بأن ينمو ذلك في بدنه و يصير جزءا منه، و آخر بيوم و ليلة، و استقربه الكركي، قال: «و يرجع في كونه جلالا إلى العرف، و قدره بعض المحققين بيوم و ليلة، و هو قريب كما في الرضاع المحرم، لأنه اقصر زمان الاستبراء» و ثالث بأن يظهر النتن في لحمه و جلده، يعني رائحة النجاسة التي اغتذت بها.

و الجميع كما ترى- و إن مال في المسالك إلى الأخير- لا دليل عليه سوى اعتبارات لا تصلح دليلا، و من هنا جعل بعضهم المدار على ما يسمى جلالا عرفا، و في الرياض «هذا أقوى، لأنه المحكم فيما لم يرد به من الشرع تعيين أصلا» و فيه ما عرفته سابقا من أنه لا عرف منقح الآن يرجع إليه، لعدم استعماله فيه، و لعله لذا قال في الكفاية بعد أن جعل الظاهر الرجوع إليه: «و في معرفته إشكال» بل لعل مبنى الأقوال المزبورة ذلك أيضا، و لذا رجع بعضهم فيه إلى الرضاع المحرم في الجملة.

نعم قد يقال: إن المتجه الرجوع إلى العرف في صدق ما سمعته في تفسيره بالمرسل السابق (5)

و هو يصدق بكون ذلك غذاؤها، بل لعله


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 و في النسخة الأصلية «و تحققه» و الصحيح ما أثبتناه.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 275

لا يقدح فيه بعض الخلط الذي لا ينافي الصدق المزبور.

و على كل حال فلا بأس بالتغذي بغير العذرة من النجاسات و إن نبت لحمه عليها إلا ما تسمعه في لبن الخنزيرة، للأصل و إطلاق أدلة الحل التي لا يعارضها القياس على تغذي العذرة بعد بطلانه عندنا، و لا نمو الجزء من النجاسة بعد الاستحالة، و لعله لذا لا يقدح التسميد في العذرة للمزارع و إن صارت سببا في النمو، قال في

خبر وهب بن وهب المروي عن قرب الاسناد (1) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «انه كان لا يرى بأسا بأن يطرح في المزارع العذرة»

مضافا إلى السيرة المستمرة و غيرها.

ثم لا يخفى عليك أن الجلل إنما يفيد تحريم الأكل للحيوان دون النجاسة للأصل و غيره، و الأمر بالغسل للعرق أعم من نجاسة الحيوان، بل و من العرق نفسه، خصوصا بعد الشهرة على الطهارة، إذ يمكن كون المراد به للصلاة، باعتبار صيرورته فضلة ما لا يؤكل لحمه المانعة من الصلاة و إن كانت طاهرة، فما في طهارة كشف اللثام- من أن الظاهر النجاسة و حكاه عن الفاضل في المنتهى- واضح الضعف، و قد تقدم الكلام فيه في كتاب الطهارة (2).

بل لا يبعد بقاء قابلية الحيوان المزبور للتذكية المفيدة بقاء طهارته و إن حرم أكل لحمه، للأصل أيضا و غيره الذي مقتضاهما أيضا بقاؤه على جواز استعماله في الركوب و غيره، و النهي عن ذلك إنما هو لضرب من الكراهة، لعدم العامل به على الحقيقة فيما أجد.

و كيف كان فالظاهر الاتفاق نصا (3)

و فتوى على قابلية عود الجلال


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 راجع ج 5 ص 284 و ج 6 ص 77- 80.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 276

إلى حل الأكل، بل لعل ذلك هو مقتضى كون عنوان الحكم الجلل الذي قد عرفت تفسيره بما سمعت، ضرورة انتفاء الحرمة بانتفاء مصداق تفسيره المزبور الذي مقتضاه عدم كونه جلالا حينئذ، و احتمال حرمة أكله حينئذ للاستصحاب و إن زال الاسم مناف لظهور كون العنوان في الحكم ما عرفت كما حررناه في حكم العصير، و حينئذ فالمتجه جعل المدار في عوده إلى الحل على ذلك.

و من هنا قال في المسالك: «إن ما لا تقدير لمدته شرعا يعتبر في حله زوال اسم الجلل عنه عرفا، و ذلك بأن يطيب لحمه و يزول نتنه على ذلك الوجه، و ما ورد على تقديره حكم معتبر من نص أو إجماع اعتمد عليه» و تبعه عليه غيره.

نعم في الرياض «أنه ينبغي تقييده بعدم إمكان استنباط مدته من مدة الجلالات المنصوصة بنحو من فحوى الخطاب و الأولوية» و ذلك كله إنما ينطبق على ما ذكرناه، و إلا لكان المتجه فيما لا تقدير فيه البقاء على الحرمة، للأصل كما اختاره النراقى، لكنه كما ترى.

بقي شي ء: و هو أنه قد يظهر من غير واحد أن ما له تقدير معتبر شرعا يعود إلى الحل و إن بقي على وصف اسم الجلل، لإطلاق الدليل، لكن قد يناقش بانصرافه إلى ما هو المعتاد من زوال الاسم بذلك، و لا أقل من أن يكون به محل شك، لا ما علم بقاء وصف الجلل فيه حتى يكون مستثنى حينئذ من حكم الجلال لا موضوعه و إن كان هو محتملا، إلا أن الأظهر خلافه، و اللَّه العالم.

و على كل حال ف في مدة الاستبراء في بعض الجلال خلاف نصا و فتوى و لكن المشهور فيهما بل لا أجد خلافا فيهما أن استبراء الناقة و البصير بل مطلق

ج 36، ص: 277

الإبل و إن كانت صغارا بأربعين يوما بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، بل اعترف غير واحد أن ذلك من المتفق عليه نصا (1)

و فتوى.

و أما البقرة أي جنسها من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الصغير و الكبير، فالمشهور أنها بعشرين يوما بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، ل

خبر السكوني (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تغذى ثلاثة أيام، و البطة الجلالة بخمسة أيام، و الشاة الجلالة عشرة أيام، و البقرة الجلالة عشرين يوما، و الناقة الجلالة أربعين يوما»

المنجبر بما عرفت و المعتضد بخبر مسمع (3)

على ما عن بعض النسخ.

و قيل و القائل القاضي و الشيخ في المبسوط على ما حكي عنها:

تستوي البقرة و الناقة في الأربعين للأصل المقطوع بما عرفت، و

خبر مسمع (4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) على ما في التهذيب و الاستبصار عن الكافي المنافي لما هو الموجود الآن في نسخ الكافي،- كما اعترف به غير واحد- من الثلاثين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوما، و البقرة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين يوما، و الشاة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام، و البطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربى (تربط خ ل) خمسة أيام، و الدجاجة ثلاثة أيام»

المؤيد بخبرين آخرين ضعيفين:


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 278

أحدهما

مرفوع يعقوب بن يزيد (1)عن الصادق (عليه السلام) «الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما، و البقرة ثلاثين يوما، و الشاة عشرة».

و الثاني

خبر يونس (2) عن الرضا (عليه السلام) «الدجاج يحبس ثلاثة أيام، و البطة سبعة أيام، و الشاة أربعة عشر يوما، و البقرة ثلاثين يوما، و البعير أربعين يوما، ثم تذبح».

و من هنا قال بعض الأفاضل: الظاهر السهو في نسخة الكتابين المزبورين، بل قال: لا يمكن أن يكون لهما حجة، لمصيرهما في الشاة إلى السبعة مع تضمن الخبر المزبور العشرة على النسخة الموجودة من الكافي أو الخمسة على نسخة الكتابين، و إن كان قد يناقش بما ستعرف من معلومية جواز العمل ببعض الخبر دون بعضه.

نعم عن الصدوق و الإسكافي التقدير بالثلاثين، للنصوص (3)

المزبورة إلا أنها- لضعفها و إن تعددت و تأيدت بأصالة الحرمة مع عدم الجابر- قاصرة عن مقاومة الخبر الأول (4)

المنجبر و المعتضد بما سمعت.

بل في الرياض «أن أكثر هذه الروايات شاذة، بمعنى أنها لا يمكن أن تكون مستندا لهما بمصير الأول منهما إلى العشرين في الشاة و الثاني إلى أربعة عشر فيها، و هي متفقة في رد الأول، و ما عدا الأخيرة منها على رد الثاني» و إن كان يناقش بعدم اقتضاء ذلك شذوذ الخبر على وجه لا يستدل به على المطلوب في البعض الموافق، كما هو محرر في محله، نعم


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2 و 4 و 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 279

هي غير حجة لما عرفت، و مرجوحة بذلك و من هنا كان الأول أظهر.

و أما الشاة فالمشهور استبراؤها بعشرة بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، لخبري السكوني (1)

و مسمع (2)

و مرفوع يعقوب (3)

المنجبرة بما عرفت.

و قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط بسبعة و لم نجد له دليلا على ذلك إلا ما في كشف اللثام من أنه مروي في بعض الكتب (4) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و في خبر مسمع (5)

على ما عن بعض نسخ التهذيب «خمسة» و لم نجد به عاملا، و كذا المحكي عن الصدوق من العشرين، نعم عن الإسكافي أنها أربعة عشر، للخبر الضعيف السابق الذي لا جابر له، فهو ساقط عن قابلية الاستدلال به فضلا عن أن يعارض غيره. و حينئذ فلا ريب في أن الأول أظهر.

و أما البطة فالمشهور أنها بخمسة، بل عن الغنية الإجماع، لخبري السكوني (6)

و مسمع (7)

المنجبرين بما سمعت، و عن الشيخ في الخلاف سبعة للخبر (8)

الضعيف المتقدم سابقا الذي قد عرفت حاله، خصوصا بعد اشتماله على الأربعة عشر في الشاة و الثلاثين في البقرة، و لا يقول بشي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
4- 4 المستدرك- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و 3.
5- 5 التهذيب ج 9 ص 45 الرقم 189.
6- 6 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.

ج 36، ص: 280

منهما في كتبه، و ما في مرسل القاسم بن محمد الجوهري (1)

من أنها تربط ثلاثة أيام لم أجد عاملا به إلا ما يحكى عن الصدوق، كالمرسل (2)

أنه ستة، و عن الشيخ إلحاق شبهها بها، بل في كشف اللثام تبعه عليه غيره.

و أما الدجاجة فالمشهور أنه ثلاثة أيام، بل عن الخلاف الإجماع عليه، لخبري السكوني (3)

و مسمع (4)

و غيرهما، لكن عن المقنع أنه روي (5)

يوما إلى الليل، و لم أجد عاملا به، و عن الشيخ و غيره إلحاق شبهها بها أيضا.

و بذلك كله ظهر لك أن ما عدا الخبر الأول لا يخلو من شذوذ في الجملة، و لا جابر له بخلافه، فإنه مع اعتباره في نفسه منجبر بالشهرة المحققة و المحكية في كلام جماعة، و معتضد فيما عدا البطة بالإجماع المحكي عن الخلاف، و فيما عدا الدجاجة بالإجماع المحكي عن الغنية، و من هنا قال في الرياض: «فلا مسرح عن العمل به و لا مندوحة».

فما يظهر من شيخنا الشهيد الثاني و جملة ممن تبعه من الإضراب عنه و عن كل من الأقوال المتقدمة و المصير إلى القاعدة، و هي اعتبار أكثر الأمرين من هذه المقدرات و ما يزول به الجلل ليخرج عن حق الأدلة لا وجه له و إن كان أحوط بلا شبهة، مع إنه إحداث قول مستأنف لم يوجد به قائل من الطائفة.

قلت: أشار بذلك إلى كلامه في الروضة، قال: «و مستند هذه التقديرات كلها ضعيف، و ينبغي القول بوجوب الأكثر، للإجماع على عدم اعتبار أزيد منه، فلا تجب الزيادة، و الشك فيما دونه، فلا يتيقن زوال التحريم


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.

ج 36، ص: 281

مع أصالة بقائه من حيث ضعف المستند، فيكون ما ذكرناه طريقا للحكم» و فيه أن المتجه حينئذ الرجوع إلى ما يزول به صدق اسم الجلل، ضرورة كونه بعد ضعف المستند كالذي لا تقدير له، و الرجوع إلى أكثر الأمرين إنما يتجه إذا لم يكن هناك قاعدة يرجع إليها، و هي ما عرفت.

و قال في المسالك: «و حيث كانت الطرق ضعيفة فينبغي الوقوف من ذلك على محل الوفاق، و هو مراعاة أكثر التقديرات، حيث لا قائل بما زاد عليها». و هو و إن لم يذكر أكثر الأمرين كما سمعته في الروضة لكن فيه أيضا أن المتجه الرجوع إلى القاعدة لا أكثر ما في النصوص المفروض عدم صحتها، فهي وجودها كعدمها، نعم لو علم منها أن المقدر أحد ما فيها و اشتبه كان المتجه ما ذكر، لا مع عدم العلم مع فرض عدم اعتبار شي ء منها، إذ هو حينئذ كفاقد التقدير الذي قد اعترف هو و غيره بالرجوع فيه إلى القاعدة التي هي زوال وصف الجلل إن لم يستفد حكمه من فحوى و نحوها، كما هو واضح.

نعم قد يقال إن لم يكن إجماع: إن بناء اختلاف هذه التقادير على اختلاف أفراد الجلل قوة و ضعفا بالنسبة إلى زواله في المدة المزبورة و عدمه أو يقال باستحباب الزائد على الأقل الذي تضمنه الدليل المعتبر، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف كيفيته أي الاستبراء أن يربط و يمنع عن الغذاء بالعذرة و يعلف علفا طاهرا هذه المدة على الوجه الذي قد تقدم الكلام فيه في السمك، فلاحظ و تأمل مراعيا للاحتياط في التخلص من احتمال الجلل، بل قيل: إنه يستحب ربط الدجاجة التي يراد أكلها أياما ثم يذبحها و إن لم يعلم جللها،

للنبوي (1) المروي عن كتاب حياة الحيوان «إن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) كان إذا أراد أن يأكل


1- 1 حياة الحيوان للدميري ج 1 ص 331 ط مصر 1378.

ج 36، ص: 282

دجاجة أمر بها فربطت أياما ثم يأكلها»

و إن لم يذكره أساطين الأصحاب بل هو مخالف للسيرة، و لكن الأمر سهل، و اللَّه العالم.

[العارض الثاني أن يشرب الحيوان لبن خنزيرة]

العارض الثاني: أن يشرب الحيوان لبن خنزيرة ف في المتن و غيره إن لم يشتد كره لحمه، بل في صريح اللمعة و عن غيرها و لحم نسله أيضا و إن كان لم يحضرني الآن ما يدل عليه بالخصوص.

نعم

خبر السكوني (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن جدي غذي بلبن خنزيرة، فقال:

قيدوه و أعلفوه الكسب و الندى و الشعير و الخبز إن كان استغنى عن اللبن، و إن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيام ثم يؤكل لحمه»

يدل على أنه يستحب استبراؤه بسبعة أيام كما ذكره المصنف و غيره بناء على حمل الأمر فيه بذلك عليه، و على أن المراد بالغذاء فيه عدم الاشتداد اللهم إلا أن يستفاد منه مرجوحية عدم الأكل قبل هذا، و ليست إلا الكراهة.

و على كل حال ف ان اشتد حرم لحمه و لحم نسله أبدا و لا استبراء بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل عن الغنية الإجماع على التحريم، و في المسالك «أن فيه نصوصا كثيرة لا تخلو من ضعف، لكن لا راد لها» و إن كنا لم نعثر منها إلا على

موثق حنان بن سدير (2) الذي رواه المشايخ الثلاثة و غيرهم، قال: «سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) و أنا حاضر عنده عن جدي وضع من لبن خنزيرة حتى شب و كبر و اشتد عظمه ثم إن رجلا استفحله في غنمه فخرج


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 «سئل عن حمل غذي.»
2- . 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 283

له نسل، فقال: أما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربه، و أما ما لم تعرفه فكله فهو بمنزلة الجبن، و لا تسأل عنه».

و موثق بشير بن مسلمة (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) «في جدي يرضع من خنزيرة ثم ضرب في الغنم فقال: هو بمنزلة الجبن، فما عرفت أنه ضربه فلا تأكله، و ما لم تعرفه فكل».

و مرفوع ابن سنان (2)

«لا تأكل من لحم جدي رضع من لبن خنزيرة»

و نحوه مرسل الصدوق عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3)

و خبر السكوني السابق (4)

و مرسل للصدوق عن المقنع (5)

بمضمون خبر حنان.

و إطلاق ما عدا الموثق المزبور و إن شمل صورتي الاشتداد و عدمه كإطلاق خبر السكوني المعارض لها الآمر بالاستبراء الظاهر في تحقق الحل بعده مطلقا، إلا أنه بعدم الخلاف السابق و الإجماع المحكي و ظهور «يرضع» في الموثق الأخير في التجدد و الاستمرار المقتضي للاشتداد حمل على التفصيل المزبور الذي قد يكون هو مقتضى أصالة عدم الحرمة في غير المشتد التي


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2 عن بشر ابن مسلمة و هو الصحيح كما في التهذيب ج 9 ص 44 و الاستبصار ج 4 ص 76 و الكافي ج 6 ص 250.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3 عن ابن سنان عن أبي حمزة رفعه قال: «لا تأكل من لحم حمل.» كما في الكافي ج 6 ص 250 و التهذيب ج 9 ص 44 و الاستبصار ج 4 ص 76.
3- 3 أشار إليه في الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 212- الرقم 985.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
5- 5 المستدرك- الباب- 17- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 284

لا يعارضها إطلاق الأخبار المزبورة بعد أن لم تكن حجة لضعفها و عدم الجابر، بل الموهن موجود، فليس حينئذ إلا الحمل على التفصيل المزبور الذي مرجعه في غير المشتد إلى الندب و الكراهة المتسامح فيهما.

ثم لا تلحق بالخنزيرة الكلبة و لا الكافرة لحرمة القياس، و لا يختص الحكم بالجدي المحمول في النصوص على المثال، لما سمعته من فتوى الأصحاب و لا خصوص الارتضاع لذلك أيضا، نعم في

خبر أحمد بن محمد (1)

«كتبت إليه جعلني اللَّه فداك من كل سوء، امرأة أرضعت عناقا حتى أفطمت و كبرت و ضربها الفحل ثم وضعت أ فيجوز أن يؤكل لحمها و لبنها؟

فكتب فعل مكروه، و لا بأس به».

و هو دال على الكراهة بناء على ارادة كون الأكل فعلا مكروها و لو بقرينة السؤال، و إن كان يحتمل إرادة الأرصاع، و اللَّه العالم.

[العارض الثالث إذا وطأ الإنسان]

الثالث: إذا وطأ الإنسان صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا حرا أو عبدا عالما أو جاهلا مكرها أو مختارا حيوانا مأكول (2)

اللحم قبلا أو دبرا حرم لحمه و لحم نسله و لبنهما بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن بعض نسبته إلى الأصحاب الظاهرة في الإجماع، بل ادعاه آخر، ل

خبر مسمع (3) المنجبر بما عرفت عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن البهيمة التي تنكح، فقال: حرام لحمها و كذلك لبنها».

و خبر محمد بن عيسى (4) أو صحيحه، لأن الظاهر كونه العبيدي


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 و في الشرائع «مأكولا» و الظاهر أنه قده أبرز علامة التنوين لهذه الكلمة في قوله: «دبرا».
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 285

و أنه

ثقة عن الرجل- و الظاهر أنه الهادي أو العسكري (عليهما السلام)- «إنه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة، قال: إن عرفها ذبحها و أحرقها و إن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها فتذبح و تحرق و قد نجت سائرها».

و موثق سماعة (1)

«عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو بقرة أو ناقة، فقال: عليه أن يجلد حدا غير الحد ثم ينفى من بلاده إلى غيره، و ذكروا أن لحم تلك البهيمة محرم و لبنها».

و روايات ابن سنان و الحسين بن خالد و إسحاق بن عمار و فيها الصحيح و غيره

عن الصادقين (عليهم السلام) (2)

«في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعا: إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت أحرقت بالنار و لم ينتفع بها، و إن لم تكن البهيمة له قومت و أخذ ثمنها منه، و دفع إلى صاحبها و ذبحت و أحرقت بالنار، و لم ينتفع بها- إلى أن قال-: فقلت:

و ما ذنب البهيمة؟ قال: لا ذنب لها، و لكن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) فعل هذا و أمر به لكي لا يجتزئ الناس بالبهائم و ينقطع النسل».

و حسن سدير (3) عن الباقر (عليه السلام) «في الرجل يأتي البهيمة قال: يجلد دون الحد، و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنه أفسدها عليه، و تذبح و تحرق و تدفن إن كانت مما يؤكل لحمه، و إن كانت مما يركب ظهره أغرم قيمتها و جلد دون الحد، و أخرجت من المدينة التي فعل بها إلى بلاد أخر حيث لا يعرف فيبيعها فيها كي لا يصير بها».


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1 من كتاب الحدود و التعزيرات.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 4 من كتاب الحدود و التعزيرات.

ج 36، ص: 286

و الخبر المروي عن تحف العقول (1)

«سأل يحيى بن أكثم موسى البرقعي عن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها، فلما بصر صاحبها خلى سبيلها فدخلت في الغنم، كيف تذبح؟ و هل يجوز أكلها أم لا؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن الثالث (عليه السلام) فقال:

إنه إن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لم يعرفها قسم الغنم نصفين و ساهم بينهما، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف، فلا يزال كذلك حتى يبقى شاتان، فيقرع بينهما، فأيهما وقع السهم بها ذبحت و أحرقت و نجا سائر الغنم».

و هذه النصوص و إن خلت عن التصريح بالنسل المتفق ظاهرا على حرمته أيضا إلا أنه قد يستفاد و لو بمعونة الاتفاق المزبور من الذبح و الإحراق و عدم الانتفاع.

بل الظاهر عدم الفرق بين نسل الذكر و الأنثى، للنهي عن الانتفاع (2)

و للإفساد و الأمر بالإحراق(3)

و لفحوى ما ورد في المتغذي بلبن الخنزيرة (4)

و إن توقف فيه بعض الناس، و احتمال اختصاص أصل الحكم في الأنثى لدعوى انصراف وطء البهيمة و عود ضمير «لبنها» في غاية السقوط، بل يمكن اتفاق النص و الفتوى على خلافه، ضرورة كون البهيمة كالدابة الشاملة للذكر و الأنثى، كضرورة اسم النكاح بمعنى الوطء و الإتيان و نحوهما


1- 1 ذكر نقلا بالمعنى في الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 راجع تحف العقول ص 355 طبعة بيروت. و ذكره في البحار ج 65 ص 254 كالجواهر.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1 من كتاب الحدود و التعزيرات.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1 من كتاب الحدود و التعزيرات.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 287

للجميع، و

قوله (عليه السلام): «و كذلك لبنها» (1)

لا يقتضي التخصيص و لو بمعونة الاتفاق ظاهرا على ذلك.

نعم قد يقال باختصاص الحكم بذات الأربع كما عن جماعة منهم الفاضل، لأنه المنساق عرفا، بل و من النص، بل قيل: إنها لغة كذلك فيقتصر عليه، خصوصا بعد مخالفة الحكم للأصول، و احتماله العموم- بل قيل:

إنه المشهور، فيشمل الطير، لأنها لغة اسم لكل ذي روح لا يميز كما عن الزجاج، و لذلك سميت بذلك- واضح الضعف، لما عرفت.

ثم إن الواطئ إما أن يكون مالك البهيمة أو غيره، و على التقديرين إما أن تكون البهيمة مما يقصد لحمها و لبنها كالشاة و البقرة، أو ظهرها كالخيل و البغال و الحمير و إن جاز أكلها، فإن كان الأول و كان الموطوء يراد لحمه فلا خلاف نصا (2)

و فتوى في ذبحها و حرقها، و النفي في موثق سماعة (3)

إنما هو للواطي، و لا أجد قائلا به، كما أنه كذلك لو كان المراد منه الموطوء.

و إن كان المراد ظهره نفي الموطوء إلى غير بلد الواطئ مما لا يعرف فيه، فيباع و يدفع ثمنه إلى مالكه، كما عن الشيخ و ابن إدريس، للأصل.

و عن المفيد و ابن حمزة من الصدقة به على الفقراء و المساكين عقوبة، و لا دليل على استحقاق العقوبة بذلك، بل ظاهر الأدلة عقوبته بغيرها من التعزير و نحوه.

بل ربما نوقش في أصل النفي المزبور بأنه لا دليل عليه سوى حسن سدير (4)

الظاهر في تغاير المالك و الواطئ، و إن كان يدفعه- و لو بمعونة


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 4 من كتاب الحدود و التعزيرات.

ج 36، ص: 288

عدم الخلاف المحكي على ذلك- ظهور الحسن المذكور في عموم الحكم المزبور كالإحراق و إن كان مورده المتغايران إلا أن المراد منه بيان الحكم على التقديرين، خصوصا بعد التعليل بعدم التعيير الشامل للأمرين.

و إن كان غير المالك و الموطوء يراد لحمه فلا خلاف نصا (1)

و فتوى في الذبح و الإحراق و إغرام الثمن لمالكها.

و إن كان المراد ظهره أغرم الثمن لمالكه و نفي في غير بلاد و بيع، كما سمعته في الحسن (2)

لكن في دفع الثمن للمالك باعتبار بقائه على ملكه و إن أغرم له القيمة، و الجمع بين العوض و المعوض عنه إنما يمنع في عقود المعاوضة، أو للواطي لأنه الذي أغرم القيمة، بل لعل التعبير بالثمن في الحسن مشعر بصيرورة المثمن له، أو يتصدق به لعدم استحقاقهما معا له أما المالك فلأخذ العوض، و الواطئ فلعدم ملكه لها، فليس إلا الصدقة و لعله لا يخلو من قوة.

بل منه يظهر قوة ما سمعته من المفيد في الأول و إن كان القول برجوعه إلى الواطئ مطلقا أقوى بالنظر إلى قواعد الفقه.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره اختصاص الحكم المزبور بأقسامه في مأكول اللحم دون محرمه كالهر و الكلب و الفيل، و نحوها، مع احتماله على معنى وجوب إحراقه و عدم جواز الانتفاع به، لإطلاق جملة من النصوص (3)

التي لا ينافيها ما في آخر (4)

من التعرض لحرمة اللحم، إذ المعنى حينئذ أنه يحرم لحمها إن كانت مأكولة، فهو حكم من الأحكام. بل قد يقال: إن اقتصار المصنف و غيره هنا في عنوان المسألة على المأكول لكونه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1 من كتاب الحدود و التعزيرات.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 4 من كتاب الحدود و التعزيرات.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم من كتاب الحدود و التعزيرات.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2 و 3.

ج 36، ص: 289

في معرض بيان ما يحرم لحمه بالمعارض.

و على كل حال ف لو اشتبه الموطوء بغيره قسم فريقين أو نصفين متساويين مع إمكانه و أقرع عليه مرة بعد أخرى حتى تبقى واحدة فتحرق أو تنفي على حسب ما عرفت بلا خلاف أجده فيه، للخبرين (1)

المنجبرين بذلك و إن قلنا باقتضاء القاعدة خلاف ذلك من اجتناب أو غيره، نعم ظاهر الخبرين الاشتباه في محصور، بل صرح به بعض متأخري المتأخرين، بل يمكن تنزيل إطلاق غيره عليه، فيبقى حينئذ غير المحصور على حكمه و إن أمكن القول بالاقراع مطلقا في غير المحصور، لإمكانه بناء على عدم مراعاة التنصيف، لتعذره حتى في المحصور، حيث يكون العدد فردا، فيراد من النصف في النص (2)

الفريق حينئذ، و إن كان الأولى مراعاة التنصيف حقيقة مع إمكانه، و إلا جعل الفرد مع أحد النصفين اقتصارا على المتيقن، و محافظة على الحقيقة أو القريب إليها.

نعم لا تختص القرعة في الواحدة المشتبهة، بل تجري مع التعدد و إن كان مورد الخبرين ذلك.

بل الظاهر جريان القرعة مع تلف بعض القطيع بموت أو سرقة و نحوهما، فيجعل التالف في فريق و يقرع، فإذا خرجت القرعة نجا الباقي.

و المدار في الوطء على مسماه، كما في غير المقام، نعم لا يحصل بإيلاج الخنثى المشكل، لعدم العلم بكونه ذكرا، و اللَّه العالم.

و لو شرب شي ء من هذه الحيوانات خمرا لم يحرم لحمه مع عدم النفوذ فيه بل و إن نفذ، و لكن قيل كما عن المشهور يغسل و يؤكل بل في كشف اللثام نسبته إلى الأصحاب، و لعله للاستظهار،


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.

ج 36، ص: 290

لسرعة نفوذ الخمر فيه، و

المرسل عن السرائر (1) لأنه نسبه إلى الرواية قال فيها: «و قد روي أنه إذا شرب شي ء من هذه الأجناس خمرا ثم ذبح جاز أكله بعد أن يغسل بالماء، و لا يجوز أكل شي ء مما في بطنه و لا استعماله»

بعد الانجبار بما عرفت.

و على كل حال فالمشهور أيضا أنه لا يؤكل ما في جوفه من الأمعاء و القلب و الكبد و إن غسل، بل عن ابن زهرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد اعتضاده بالشهرة المزبورة، مضافا إلى خبر زيد الشحام (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) المروي في التهذيب و الكافي المنجبر و المعتضد بما عرفت، بل لعله في الثاني منهما من الموثق، كما وصفه في محكي الخلاف و الدروس، لأن الراوي له ابن فضال عن أبي جميلة، و عن الكشي عن بعض دعوى أنه من أصحاب الإجماع، و على كل حال فقد

قال (عليه السلام) «في شاة شربت خمرا حتى سكرت فذبحت على تلك الحال:

لا يؤكل ما في بطنها»

و إن كان هو أخص من المدعى من وجوه، إلا أنه يمكن إتمامه بالشهرة و عدم القائل بالفرق بين الشاة و غيرها.

خلافا للمحكي عن ابن إدريس من الكراهة، و عن الفاضل في المختلف أنه استقربه، و مال إليه ثاني الشهيدين و الأردبيلي و بعض متأخري المتأخرين استضعافا للخبر المزبور عن إفادة الحرمة سندا و دلالة، و الأصل الحل.

و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا، بل قد يقال: إن دعوى أخصيتها بالإضافة إلى دلالتها على حرمة ما في البطن مع الذبح حين السكر خاصة ممنوعة، إلا إذا ثبت فتاوى الفقهاء بالعموم للمذبوح و غيره، و هو غير واضح بعد استناد الأكثر إلى الرواية و تعليل الحكم في جملة منها بما


1- 1 السرائر ص 366 ص 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 291

يختص بموردها مع وقوع التصريح في بعضها باختصاص الحكم به، و لعله المراد من إطلاق بعضها كالعبارة و نحوها مما لم يوجد فيه شي ء من ذلك و على تقدير عدم اتفاق الفتاوى على ذلك فاتفاقها على العموم غير معلوم، بل العدم معلوم، و لا إجماع يوجب العموم، فالقول بالتخصيص متعين، و عليه فتكون الرواية وافية بتمام المدعى.

نعم إنما تكون أخص منه على القول بعمومه، و ليس فيه حجة على من يخصصها. فلا شبهة في المسألة أصلا، سيما مع دعوى الإجماع السابق على أنه مع فرض إطلاق الأصحاب ذلك يكون هو القرينة على إرادة العموم في الجواب و إن كان السؤال خاصا، و اللَّه العالم.

و لو شرب شي ء منها بولا لم يحرم اللحم أيضا بلا خلاف و لا إشكال، بل و لا يغسل للأصل، مع ما قيل من إمكان الفرق بينه و بين الخمر بسرعة نفوذ الثاني فيه دونه، و إن كان قد يناقش بأن غسل اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه كما هو الظاهر لم يتم الفرق بينه و بين ما في الجوف، و إن لم يصل إليه لم يجب تطهيره، مع أن ظاهر الحكم غسل ظاهر اللحم الملاصق للجلد، و باطنه المجاور للأمعاء، و الرواية خالية عن غسل اللحم.

و قد تدفع بأن المراد إمكان التخلص من البول بالغسل بخلاف الخمر فان الغسل لا يخرج أجزاءه النافذة في الأجزاء، بخلاف البول الذي لا تقبله الطبيعة و لا تتغذى به، و الأمر سهل، فان المراد توجيه النص الذي هو العمدة في الفرق.

و كيف كان فلا خلاف في أنه يغسل ما في بطنه و يؤكل ل

مرسل موسى بن أكيل النميري (1) المتقدم عن أبي جعفر (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 292

«في شاة شربت بولا ثم ذبحت، فقال: يغسل ما في جوفها ثم لا بأس و كذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلالة»

المنجبرة بالشهرة العظيمة بل لم أجد فيه خلافا، كما اعترف به بعض و إن كان هو قاصرا عن تمام المدعى.

بل في المسالك بعد التردد في الحكمين المزبورين قال: «هذا كله إذا كان ذبحها عقيب الشرب بغير فصل أو قريبا منه، أما لو تراخى بحيث يستحيل المشروب لم يحرم، و نجاسة البواطن حيث لا يتميز فيها عين النجاسة منتفية» و ظاهره اختصاص موضوع المسألة بغير ذلك، و تبعه عليه غيره، إلا أنه مناف لظاهر الأكثر أو الجميع، و يمكن كون الغسل تعبديا لا للنجاسة، بل مقتضى المرسل المزبور أن اعتلاف العذرة كذلك ما لم يكن جلالا، اللهم إلا أن يراد مثلها في الحل خاصة، كما أنه يمكن دعوى إرادة الذبح حال الشرب، بحيث تكون عين النجاسة باقية، و اللَّه العالم.

و كيف كان فلا خلاف بيننا بل و بين أكثر المسلمين في أنه يحرم الكلب بل الإجماع بقسميه عليه، لأنه نجس و سبع و ممسوخ فيشمله ما دل على حرمة ذلك من نص (1)

و إجماع، خلافا للمحكي عن مالك.

و كذا يحرم السنور بلا خلاف فيه بيننا أيضا أهليا كان أو وحشيا للنص (2)

عليه بخصوصه، و لأنه سبع كما في بعض النصوص عن كتاب علي (عليه السلام) (3)

مضافا إلى كون


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2 و 3.
2- 2 سنن البيهقي- ج 6 ص 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأسئار- الحديث 2 من كتاب الطهارة.

ج 36، ص: 293

السبع هو الحيوان المفترس بطبعه أو للأكل كما عن القاموس، أو الذي له ناب أو أظفار يعدو بها على الحيوان و يفترسه، أو الذي يأكل اللحم.

و على كل حال هو منه، فيشمله ما دل على حرمتها من إجماع محكي معتضد بنفي الخلاف أو محصل و نص (1)

خلافا لمالك أيضا و بعض الشافعية، و عن آخر منهم الفرق بين الوحشية و الإنسية، فأحل الأول دون الثاني قياسا على حمار الوحشي، و اللَّه العالم.

و يكره أن يذبح بيده ما رباه من النعم كما تقدم في الذباحة (2) التي هي محل هذه المسألة لا المقام، ضرورة كون الكراهة الفعل لا الأكل بل في

خبر محمد بن الفضل (3) عن أبي الحسن (عليه السلام) «لا تربين شيئا ثم تذبحه»

و هو شامل للنعم و غيره. اللهم إلا أن يقال: المراد بذلك الكناية عن الأكل أيضا، و اللَّه العالم.

و على كل حال فلا خلاف بيننا بل و بين المسلمين في أنه يؤكل من الوحشية البقر و الكباش الجبلية التي هي على ما قيل الضأن و المعز الجبليان و الحمر و الغزلان و اليحامير بل الإجماع بقسميه عليه هنا، مضافا إلى النص (4)

في الظبي و حمار الوحش و اليحمور و الإبل الذي هو على ما قيل بقر الجبل أو ذكر الأوعال، و السيرة المستمرة بل الضرورة، نعم ظاهر المتن و القواعد و التحرير و غيرها حصر المحلل من الوحش فيها، بل هو صريح محكي الغنية إلا أنه زاد الأوعال سادسا.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 راجع ص 138.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبائح- الحديث 1 من كتاب الصيد و الذباحة.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المباحة و الباب- 17- من أبواب الصيد- الحديث 2 و 4 من كتاب الصيد و الذباحة.

ج 36، ص: 294

لكن قد يشكل ذلك بالخيل و الإبل و البغال لو كانت وحشية، لإطلاق ما دل على حلها إنسية كانت أو وحشية، و دعوى الانصراف إلى الأول خاصة ممنوعة كما في بقر الوحش و حماره. بل قد يشكل بالنعامة بناء على أنها من غير الطير و أنها حلال، و لكن يمكن عدم إرادة الفاضلين الحصر بل ربما كان منهما ما ينفي الظهور، حيث عقبا تحليل الخمسة من الوحوش النص على تحريم السباع، و المفهومان متعارضان في الخارج عن السباع و الأنواع الخمسة، فلا يستفاد حكمه منهما.

و على كل حال فلا خلاف بيننا في أنه يحرم منها ما كان سبعا، و هو ما كان له ظفر أو ناب يفترس به، قويا كان كالأسد و النمر و الفهد و الذئب أو ضعيفا كالثعلب و الضبع و ابن آوى بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى السيرة المستمرة، و في

مرسل الكافي (1)

«لا تأكل من السباع شيئا»

و في

صحيح الحلبي (2)

«لا يصلح أكل شي ء من السباع، و إني لأكرهه و أقذره»

و في

موثق سماعة (3)

«عن لحوم السباع و جلودها، فقال: أما لحوم السباع و السباع من الطير فانا نكرهه، و أما الجلود فاركبوا و لا تلبسوا شيئا تصلون فيه»

و في النهي عن الصلاة فيه دلالة على إرادة الحرمة من الكراهة. و في

مرسل الفقيه (4)

«أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) قال: كل ذي ناب من السباع و مخلب من الطير حرام»

و نحوها رواية داود بن فرقد (5)

و موثق سماعة (6)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المأكول من الطير و الوحش، فقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
4- 4 أشار إليه في الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 205- الرقم 938.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 295

حرم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كل ذي مخلب من الطير، و كل ذي ناب من الوحش، فقلت: إن الناس يقولون من السبع، فقال لي: يا سماعة السبع كله حرام و إن كان سبعا لا ناب له، و إنما قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) هذا تفصيلا».

إلى غير ذلك من النصوص المنجبر ما يحتاج إلى الجبر منها بما عرفت و المعتضدة بما سمعت.

فوسوسة بعض الناس في الحكم المزبور لبعض النصوص- كصحيح محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) المتقدم في نصوص حلية الحمير (2) و

صحيح زرارة (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «ما حرم اللَّه في القرآن من دابة إلا الخنزير و لكنا نكره»

و صحيحه الآخر (4) الذي سأل فيه أبا جعفر (عليه السلام) «عن الجريث، فقال قُلْ لا أَجِدُ- إلى آخر الآية (5)- ثم قال: لم يحرم اللَّه شيئا في القرآن إلا الخنزير بعينه، و يكره كل شي ء من البحر ليس له قشر مثل الورق، و ليس بحرام إنما هو مكروه».

و في

صحيح ابن مسلم (6) أيضا بعد الأمر بقراءة الآية قال: «إنما الحرام ما حرم اللَّه و رسوله


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
2- 2 المتقدمة في ص 265- 267.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2. و فيه «و لكنه النكرة» و في التهذيب ج 9 ص 43- الرقم 179 «و لكنه النكرة».
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 19. و فيه «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام.» إلا أن الموجود في التهذيب ج 9 ص 5- الرقم 15 و الاستبصار ج 4 ص 60- الرقم 207 «سألت أبا جعفر عليه السلام.».
5- 5 سورة الانعام: 6- الآية 145.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 20.

ج 36، ص: 296

في كتابه، و لكنهم قد كانوا يعافون أشياء، فنحن نعافها»

و في

حسن زرارة و محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) لما سألاه عن لحم الحمير الأهلية، قال: «إنما الحرام ما حرم اللَّه عز و جل في القرآن»

و في

صحيح زرارة (2) عن أحدهما (عليهما السلام) «أكل الغراب ليس بحرام، إنما الحرام ما حرمه اللَّه في كتابه، و لكن الأنفس تتنزه عن كثير من ذلك تقززا (3)».

و غيرها من النصوص المحمولة على التقية أو مطرحة- لا وجه لها.

و كذا لا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه في أنه يحرم الأرنب و الضب و الحشرات كلها التي هي صغار دواب الأرض أو التي تأوي نقب الأرض كالحية و الفأرة و العقرب و الجرذان و الخنافس و الصراصر و بنات وردان و البراغيث و القمل و غيرها مما هو مندرج في الخبائث أو الحشرات أو المسوخ، و ما في

الصحيح (4) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عزوف النفس و كان يكره الشي ء و لا يحرمه، فأتي بالأرنب فكرهها و لم يحرمها»

محمول على التقية، و في

المروي عن الدعائم (5) عن علي (عليه السلام) «أنه نهى عن الضب و القنفذ و غيره من حشرات الأرض».

و كذا لا خلاف في أنه يحرم اليربوع و القنفذ و الوبر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 القز: إباء النفس الشي ء، و بالضم التباعد من الدنس كالتقزز القاموس.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 21.
5- 5 المستدرك- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6. و فيه «من خرشة الأرض» إلا أن الموجود في الدعائم ج 2 ص 121 كالجواهر.

ج 36، ص: 297

و الخز و الفنك و السمور و السنجاب و العظاءة و اللحكة، و هي دويبة تغوص في الرمل يشبه بها أصابع العذارى و غيرها، و ما في

خبر زكريا بن آدم (1)

«سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: إن أصحابنا يصطادون الخز فآكل من لحمه؟ فقال: إن كان له ناب فلا تأكله، قال: ثم سكت ساعة فلما هممت بالقيام قال: أما أنت فإني أكره لك فلا تأكله».

و خبر أبي حمزة (2)

«سأل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين (عليه السلام) عن أكل لحم السنجاب و الفنك و الصلاة فيهما، فقال أبو خالد: السنجاب يأوي الأشجار، فقال: إن كان له سبلة كسبلة السنور و الفأرة فلا يؤكل لحمه، و لا تجوز الصلاة فيه، ثم قال: أما أنا فلا آكله و لا أحرمه»

مطرح أو محمول على التقية، خصوصا بعد ما تقدم في الصلاة (3) من معلومية كونهما غير مأكولين.

و في

خبر حمران بن أعين (4)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الخز، فقال: سبع يرعى في البر و يأوي الماء».

و على كل حال فقد ظهر لك أن عنوان التحريم- مضافا إلى ما دل عليه بالخصوص- الخبث و المسخ و الحشرات و السبع أو كل ذي ناب بناء على أنه أعم من السبع، كما هو ظاهر موثق سماعة (5)

و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 راجع ج 8 ص 94 و 96.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 298

[القسم الثالث في الطير]

[الصنف الأول ما كان ذا مخلاب]

القسم الثالث في الطير و الحرام منه أصناف مضافا إلى بعض أفراده بالخصوص:

الأول: ما كان ذا مخلاب أي ظفر قوي يعدو به (يقوى به خ ل) على افتراس الطير كالبازي و الصقر و العقاب و الشاهين و الباشق، أو ضعيف لا يقوى به على ذلك كالنسر و الرخمة و البغاث بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (1)

التي تقدم جملة منها كخبر داود بن فرقد (2)

و غيره.

لكن في وافي الكاشاني «المخلب: الظفر لكل سبع من المواشي و الطائر، أو هو لما يصيد من الطير و الظفر لما لا يصيد» و في الصحاح «المخلب للطائر و السباع بمنزلة الظفر للإنسان».

قلت: قد يظهر من عد الأصحاب النسر و الرخم و البغاث من ذي المخلب المحرم عدم اعتبار الصيد في الحرمة، قال في الدروس بعد أن ذكر كما ذكر المصنف: «و هو- أي البغاث- ما عظم من الطير و ليس له مخلاب معقف، و ربما جعل النسر من البغاث» و قال الفراء: «بغاث الطير شرارها و ما لا يصيد منها كالرخم و الحدأة» و في الصحاح عن ابن


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 299

السكيت «البغاث طائر أبغث، إلى الغبرة، دون الرخمة، بطي ء الطيران و في المثل: إن البغاث بأرضنا تستنسر، أي من جاورنا عز بنا».

و بالجملة ظاهرهم عدم اعتبار القوة على الصيد في حرمة ذي المخلب و يمكن أن يريدوا نحو ما ذكروه في حرمة ذي الناب من الافتراس به و لو ضعيفا، بحيث لا يعد به سبعا، فكذلك هنا، و قد سمعت ما في موثق سماعة (1)

من تفسير النبوي، و اللَّه العالم.

و على كل حال ف في الغراب روايتان: إحداهما تقتضي حله مطلقا، ك

موثق زرارة بن أعين (2) عن أحدهما (عليهما السلام) «إن أكل الغراب ليس بحرام، إنما الحرام ما حرم اللَّه في كتابه، و لكن الأنفس تتنزه عن ذلك تقززا (3)»

و موثق غياث (4) عن جعفر ابن محمد (عليهما السلام) «إنه كره أكل الغراب لأنه فاسق».

و الأخرى تقتضي حرمته مطلقا، ك

صحيح علي بن جعفر (5) عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن الغراب الأبقع و الأسود يحل أكلهما، فقال: لا يحل أكل شي ء من الغربان: زاغ و لا غيره»

و مرسل الصدوق (6) عن الصادق (عليه السلام) «لا يؤكل من الغربان زاغ و لا غيره، و لا يؤكل من الحيات شي ء».

و خبر أبي يحيى الواسطي (7) قال: «سئل الرضا (عليه السلام) عن الغراب الأبقع، فقال: إنه لا يؤكل، و قال: من أحل لك الأسود؟».

بل و

خبر أبي إسماعيل (8)

«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن بيض الغراب، فقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 راجع التعليقة 3 في ص 296.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.

ج 36، ص: 300

لا تأكله»

لتبعية حل البيض و حرمته لحل اللحم و حرمته، و في

المرسل (1)

«إن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أتي بغراب فسماه فاسقا، و قال:

و اللَّه ما هو من الطيبات».

و من هنا اختلف الأصحاب فيه، فعن الشيخ في النهاية و كتابي الأخبار و القاضي الأول مطلقا على كراهة، و اختاره المصنف في النافع، و عن الشيخ في الخلاف التحريم مطلقا مدعيا عليه إجماع الفرقة و أخبارها.

و قيل و إن كنا لم نعرف قائله يحرم الأبقع و الكبير الذي يسكن الجبال، و يحل الزاغ، و هو غراب الزرع، و الغداف، و هو كما عن المبسوط و الخلاف أصغر منه يميل إلى الغبرة ما هو أي ميلا يسيرا كالرماد، بل لعله يعرف بالرمادي لذلك.

نعم عن ابن إدريس حل الزاغ منه خاصة، قال: «الغربان على أربعة أضرب، ثلاثة منها لا يجوز أكل لحمها، و هو الغداف الذي يأكل الجيف و يفرس، و يسكن الخربات، و هو الكبير من الغربان السود، و كذا الأغبر الكبير، لأنه يفرس و يصيد الدراج، فهو من جملة سباع الطير، و كذلك لا يجوز أكل لحم الأبقع، الذي يسمى العقعق، طويل الذنب، فأما الرابع و هو غراب الزرع الصغير من الغربان السود الذي يسمى الزاغ فإن الأظهر من المذهب أنه يؤكل لحمه على كراهة دون أن يكون محظورا، و إلى هذا يذهب شيخنا في نهايته و إن كان قد ذهب إلى خلافه في مبسوطة و مسائل خلافه، فقال بتحريم الجميع، و ذهب في الاستبصار إلى تحليل الجميع» إلى آخر ما ذكر.

لكن الموجود في النهاية «يكره أكل الغربان» و في الخلاف «الغراب كله حرام على الظاهر في الروايات، و قد روي في بعضها رخص، و هو


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 301

الزاغ، و هو غراب الزرع، و الغداف، و هو أصغر منه، أغبر اللون كالرماد و قال الشافعي: الأسود و الأبقع حرام، و الزاغ و الغداف على وجهين:

أحدهما حرام و الثاني حلال، و به قال أبو حنيفة، دليلنا إجماع الفرقة و عموم الأخبار في تحريم الغراب، و طريقة الاحتياط» و ظاهره أو صريحه تحريم الجميع، مع أنه حكى عنه في التنقيح تحليل الزاغ و الغداف.

و في المبسوط «ما لا مخلب له من الطير مستخبث و غير مستخبث فالمستخبث ما يأكل الميتة و نحوها، و كلها حرام، و هو النسر و الرخم و البغاث و الغراب و نحو ذلك عندنا و عند جماعة، و

روي (1)

«أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أتي بغراب فسماه فاسقا، و قال: ما هو و اللَّه من الطيبات»،

و الغراب على أربعة أضرب: الأول الكبير الأسود الذي يسكن الجبال و يأكل الجيف، و الثاني الأبقع، فهذان حرامان، و الثالث الزاغ، و هو غراب الزرع، و الرابع الغداف، و هو أصغر منه، أغبر اللون كالرماد، قال قوم: هو حرام لظاهر الأخبار، و قال آخرون:

هو مباح، و هو الذي ورد في رواياتنا».

و في المحكي عنه في فصل ما يلزم المحرم من الكفارة التصريح بأن الغراب من غير المأكول، و لكن مع ذلك حكى عنه في التنقيح أن الأولين حرام و الثالث مباح و الرابع مختلف فيه.

و في اللمعة «و يحل غراب الزرع في المشهور، و الغداف و هو أصغر منه إلى الغبرة ما هو».

و في التحرير «و يحرم الغداف من الغربان، و هو الكبير الأسود الذي يأكل الجيف و يفترس، و يسكن الخربان، و كذا الأغبر الكبير الذي يفرس و يصيد الدراج، و كذا الأبقع طويل الذنب، و أما الزاغ و هو


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 302

غراب الزرع الصغير الأسود ففيه قولان: أقربهما الكراهة».

و في القواعد «و أما الغراب فيحرم منه الكبير الأسود الذي يسكن الجبال و يأكل الجيف و الأبقع، و أما الزاغ و هو غراب الزرع و الغداف و هو أصغر منه أغبر اللون كالرماد ففي تحريمهما خلاف».

و في كشف اللثام و في المحيط و المجمل و المفصل و شمس العلوم «أن الغداف الغراب الضخم» و في الصحاح و الديوان و المغرب المعجم و غيرها من أنه غراب القيض، قال في المغرب: «و يكون ضخما وافر الجناحين».

و في العين و المغرب المهمل «أنه غراب القيض الضخم الوافي الجناحين» و في الأساس و السامي و المهذب «أنه غراب أسود» و في التحرير و السرائر ما سمعت، ثم قال: «و المراد هنا المعنى الأول، لأن فيه الخلاف».

و كيف كان فقد تلخص من ذلك أن الأقوال فيه أربعة أو خمسة:

الحل مطلقا، و الحرمة كذلك، و التفصيل بين الزاغ و غيره، أو هو مع الغداف، و ربما كان ظاهر اللمعة التوقف في الزاغ دون الغداف.

و على كل حال فلم نجد شيئا يدل على شي ء من هذه التفاصيل، كما اعترف به غير واحد، سوى ما عساه يقال مما أرسله في الخلاف من ورود الرخصة في الأخيرين، مع الانجبار بدعوى الشهرة، أو يقال:

إن رواية الحل منجبرة بالشهرة فيهما بخلاف الأخيرين، فإن رواية التحريم على حالها فيهما، أو يقال: إن الزاغ منه قد نص على تحريمه في صحيح التحريم (1)

بخلاف الغداف، أو غير ذلك مما هو كما ترى، خصوصا بعد عدم العمل بما أرسله في الخلاف المنبئ عن عدم ثبوته عنده، و خصوصا بعد عدم تحقق شهرة بسيطة معتد بها.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 303

و طرح الخبرين (1)

معا و الرجوع إلى علامات الحل و الحرمة مع دعوى تحقق الأولى في الزاغ و الغداف أو في أحدهما و تحقق الثانية في غيرهما لا يوافق أصول المذهب بعد جمعهما لشرائط الحجية، على أن الثلاثة من علامات الحل في المجهول الذي لم يرد فيه من الشرع تحريم، فليس حينئذ إلا الترجيح بينهما على إطلاقهما، و لا يخفى عليك أن رواية التحريم (2)

أصح سندا و معتضدة بغيرها مما دل عليه من نص و إجماع محكي و مخالفة العامة و الاحتياط و أصالة عدم التذكية و غير ذلك.

و احتمال معارضة ذلك- بأن رواية الحل (3)

أصرح دلالة، لأعمية عدم الحل من الحرمة، و صلاحيتها قرينة على إرادة الكراهة، خصوصا بعد اشتمالها على تنزه النفس، و باعتضادها بخبر غياث (4)

المشتمل على التصريح بالكراهة، و بعمومات الحل و علاماته- يدفعه أن حمل عدم الحل على الكراهة ليس بأولى من حمل الحل على التقية المتعارف خروج النصوص مخرجها، و دعوى عدم العلم بمذاهب العامة في ذلك بل المحكي عنهم التفصيل لا تعارض دعوى ثبوتها من المطلع على مذاهبهم، و الكراهة في خبر غياث أعم منها بالمعنى المصطلح، على أنه مشتمل على التعليل بكونه فاسقا، بل فيه إشعار بموافقة النبوي المشتمل على ترك النبي (صلى اللَّه عليه و آله) لما جي ء به إليه و سماه فاسقا، و عمومات الحل يدفعها ما عرفت سابقا من أصالة عدم التذكية و معظم علاماته في المجهول، كما ستعرف.

بل قد يقال: إن الغراب جميعه له مخلب و إن كان مخلب الزاغ و الغداف منه ضعيفا، خصوصا بناء على إرادة مطلق الظفر منه، نحو


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 304

ما سمعته في الناب من الوحش الذي يظهر من موثق سماعة (1)

الآتي في تفسير النبوي المشتمل عليه، على أنه علامة للحرمة و إن لم يكن سبعا، فيحتمل مثله في المخلب، إذ المروي (2) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) النهي عن ذي الناب من الوحش و المخلب من الطير، فإذا كان المراد من الأول حرمة صاحبه و إن لم يكن سبعا يقوى إرادة مثله في ذي المخلب و لا أقل أن من ذلك كله يحصل الشك، و الأصل عدم التذكية، فالأحوط و الأقوى اجتناب الغراب بأقسامه، و اللَّه العالم.

[الصنف الثاني ما كان صفيفه أكثر من دفيفه]

الصنف الثاني ما كان صفيفه أي بسط جناحيه حال طيرانه كما هو مشاهد في جوارح الطير، لا الصفيف بالمعنى الأعم الذي هو استقلال الطير بالطيران، كما أطلق في جملة من النصوص (3)

إذ المراد هنا الأول قطعا، و على كل حال فمتى كان صفيفه بالمعنى الأول أكثر من دفيفه الذي هو بمعنى ضرب جناحه على دفته المقابل للصفيف بالمعنى الأخص فإنه يحرم بريا كان أو بحريا، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص.

قال زرارة (4): «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما يؤكل من الطير، فقال: كل ما دف و لا تأكل ما صف».

و في

موثق سماعة (5)

«كل ما صف و هو ذو مخلب فهو حرام، و الصفيف كما يطير البازي و الحدأة و الصقر و ما أشبه ذلك، و كل ما دف فهو حلال».


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 82- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3 و الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 6 و الباب- 40- منها الحديث 1 من كتاب الحج.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 305

و قال ابن أبي يعفور (1): «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

إني أكون في الآجام فيختلف علي الطير فما آكل منه؟ فقال:

كل ما دف و لا تأكل ما صف».

و في الفقيه في حديث آخر (2)

«إن كان الطير يصف و يدف فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، و إن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يؤكل، و يؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية، و لا يؤكل ما ليس له قانصة أو صيصية»

إلى غير ذلك من النصوص التي هي كما تدل على حل ذي الدفيف تدل على حرمة ذي الصفيف المحمول- بقرينة المرسل المزبور و ما يشاهد من الوجدان في الصقر و نحوه مما ذكر مثالا له في الموثق- على الأكثرية لا الاستدامة و الاستمرار.

نعم ليس في شي ء منها ما يدل على المتساوي، إلا أن المصنف و غيره قالوا و لو تساويا أو كان دفيفه أكثر لم يحرم و مقتضاه الإلحاق بالأكثر في الحل، بل عن بعض أنه المعروف من مذهب الأصحاب، قيل:

و لعله لعموم أدلة الإباحة كتابا (3) و سنة (4)

و خصوص ما دل على إباحة كل ما اجتمع فيه الحلال و الحرام (5).

و فيه أنه مناف لأصالة عدم التذكية المخصص لأدلة الإباحة و خصوص ما دل على غلبة الحرام على الحلال (6)

مع الاجتماع، و إن كان قد يناقش في الأخير من الدليلين بعدم الاجتماع بعد أن كان علامة كل من الحل و الحرمة الأكثرية التي لا يتصور اجتماعهما، فيبقى المتساوي موضوعا خارجا


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
3- 3 راجع ص 237.
4- 4 راجع ص 237.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
6- 6 المستدرك- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 5 من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 306

عما يقتضي الحل و الحرمة، فيرجع فيه إلى الأصل بعد فقد العلامات، و هو على الخلاف الذي عرفته سابقا، كما هو واضح، و نحوه ما تعارض فيه علامة الحل و علامة الحرمة مع فرضه، كما ستعرف.

[الصنف الثالث ما ليس له قانصة و لا حوصلة و لا صيصية]

و الصنف الثالث ما ليس له قانصة و هي في الطير بمنزلة المصارين في غيره و لا حوصلة بتخفيف اللام و تشديدها هي للطير كالمعدة لغيره، و عن بعض كتب أهل اللغة اتحادها مع القانصة و لا صيصية و هي الشوكة التي خلف رجل الطير خارجة عن الكف، و هي له بمنزلة الإبهام للإنسان فهو حرام، و ما كان له أحدها فهو حلال ما لم ينص على تحريمه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة الدالة على ذلك.

قال ابن سنان (1): «قلت لأبي عبد (عليه السلام): الطير ما يؤكل منه؟ فقال: لا تأكل ما لم تكن له قانصة».

و سأل زرارة (2) أبا جعفر (عليه السلام) «عن طير الماء، فقال:

ما كانت له قانصة فكل و ما لم تكن له قانصة فلا تأكل».

و قال الصادق (عليه السلام) في موثق سماعة (3): «كل الآن من طير البر ما كانت له حوصلة، و من طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام، لا معدة كمعدة الإنسان- إلى أن قال-: و القانصة و الحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه و كل طير مجهول».

و قال (عليه السلام) أيضا في موثق مسعدة بن صدقة (4): «كل


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.

ج 36، ص: 307

من الطير ما كانت له قانصة و لا مخلب له، قال: و سئل عن طير الماء فقال: مثل ذلك».

و قال (عليه السلام) أيضا في موثق ابن بكير (1): «كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة».

و سأله (عليه السلام) ابن أبي يعفور (2)

«عن الطير يؤتى به مذبوحا، فقال: كل ما كانت له قانصة»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الاكتفاء بأحدها في الحل و على الحرمة مع انتفائها أجمع.

و كيف كان فقد تلخص من ذلك- بعد تحكيم الخاص على العام و المطلق على المقيد و المنطوق على المفهوم- أن للحرمة علامات أربعة: المخلب و أكثرية الصفيف و انتفاء الثلاثة و المسخ، و للحل أربعة أيضا: أكثرية الدفيف و الحوصلة و القانصة و الصيصية، و لا إشكال مع فرض عدم تعارض العلامات في الوجود الخارجي كما ادعاه بعض، و ربما يشهد له ظاهر بعض النصوص (3)

بل لعل أكثرية الصفيف منها لازم للجوارح باعتبار قوتها و جلادتها بخلاف الدفيف الذي يكون في الطير الضعيف.

بل المراد من

قوله (عليه السلام) في خبر زرارة (4): «كل ما صف و هو ذو مخلب»

التفسير لا التقييد، لمعلومية عدم اشتراط ذلك في العلامة المزبورة، و عن بعض النسخ «و قال عمران الحلبي: فهو ذو مخلب» و هو أظهر مما قلنا.

أما مع فرض التعارض في الوجود فالظاهر تقديم احدى علامات


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
3- 3 راجع الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3 و الباب- 19- منها- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2 و هو خبر سماعة.

ج 36، ص: 308

الحرمة على الثلاثة التي هي علامة للحل في المجهول نصا و فتوى، و مع فرض وجود إحدى علامات الحرمة من المخلب و أكثرية الصفيف أو المسخ لا جهالة، فما وقع من بعضهم هنا من جريان الوجهين احتمال الحل و الحرمة في غير محله.

نعم لو تعارض المخلب أو المسخ مع أكثرية الدفيف أمكن ذلك، لكون التعارض بينهما حينئذ بالعموم من وجه، فمع عدم الترجيح يرجع إلى غيرهما من الأدلة، لكن قد عرفت أن المتجه عندنا الحرمة، لأصالة عدم التذكية خلافا لبعض، بل ظاهر النص و الفتوى حرمة المسخ و ذي المخلب مطلقا على وجه يرجح على ما دل على حلية الأكثر دفيفا و لو لصحة السند و كثرة العدد و غيرهما من المرجحات، فيخص بها الدليل الآخر.

كما أن الظاهر نصا و فتوى عدم الفرق بين طير البر و الماء في العلامات المزبورة، بل قد سمعت التصريح به في القانصة في موثق مسعدة (1)

بل هو ظاهر خبر سماعة (2)

أيضا، و ما عساه يتوهم من خبر زرارة (3)

و غيره من الفرق في غير محله.

نعم ربما كان الغالب القانصة في طير الماء و الحوصلة في طير البر أو أنهما في كل منهما أظهر، فيمكن أن يكون التفصيل فيه و في غيره لذلك، أو أنهما بمعنى، كما عن بعض كتب اللغة، كما أن الغالب عدم معرفة أكثرية الصفيف و الدفيف منه في طير الماء.

و حينئذ فيؤكل ما وجد فيه علامة الحل من طير الماء و إن كان يأكل


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و ذيله في الباب- 18- منها- الحديث 2.

ج 36، ص: 309

السمك، لإطلاق الأدلة، و خصوص

خبر نجية بن الحارث (1)

«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن طير الماء ما يأكل السمك منه يحل؟

قال: لا بأس به كله».

و من الغريب ما يحكى عن بعض من حمل الخبر المزبور على التقية، ضرورة عدم خلاف في ذلك بيننا، إذ ليس أكل السمك يجعله من السباع، بل قد سمعت أن الصرد الذي حكموا بحله يأكل العصافير، اللهم إلا أن يريد بحمله على التقية من حيث دلالته على حل طير الماء مطلقا من دون مراعاة العلامات، و لعل حمله حينئذ على ما سمعته من التفصيل في غيره أولى منها، و اللَّه العالم.

[الصنف الرابع ما يتناوله التحريم عينا كالخفاش]

الصنف الرابع: ما يتناوله التحريم عينا كالخفاش الذي يقال فيه: الخشاف كما في عرفنا الآن، و يقال له أيضا: الوطواط، كما عساه الظاهر من بعض نصوص المسوخ (2)

التي ذكر فيها أن منها الوطواط، و في آخر (3)

عد الخفاش مكانه، فيعلم من ذلك اتحادهما، لكن عن بعض أن الوطواط الخطاف، و نقله في الصحاح أيضا، بل عن القاموس الوطواط: الخفاش و ضرب من الخطاطيف، و لكن الأول أصح، لما ستعرف إنشاء اللَّه من حل الخطاف و عدم كونه من المسوخ.

و على كل حال فلا خلاف أجده نصا (4)

و فتوى في حرمته و حرمة الطاوس المنصوص على أنه من المسوخ أيضا، و على أنه حرام اللحم و البيض،

قال الرضا (عليه السلام) (5): «إن الطاوس


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7 و 13 و 14 و 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.

ج 36، ص: 310

مسخ، كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن فوقع بها ثم راسلته بعد ذلك فمسخهما اللَّه طاووسين أنثى و ذكر، فلا تأكل لحمه و بيضه»

و في

خبر سليمان بن جعفر (1)

«الطاوس لا يحل أكله و لا بيضه»

و اللَّه العالم.

و يكره الهدهد بلا خلاف أجده فيه، و في

صحيح علي بن جعفر (2)

«سألت أخي موسى (عليه السلام) عن الهدهد و قتله و ذبحه فقال: لا يؤذى و لا يذبح، فنعم الطير هو»

و في

خبر الجعفري (3) عن الرضا (عليه السلام) «نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عن قتل الهدهد و الصرد و الصوام و النحلة»

و في

خبر آخر عنه (عليه السلام) (4)

«في كل جناح هدهد مكتوب بالسريانية آل محمد خير البرية»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يخفى ظهور الكراهة منها، خصوصا بعد عده في جملة المعلوم كراهته و التعليل بكونه نعم الطير، كما لا يخفى ظهور النهي عن الذبح و نحوه في كراهة أكل اللحم، بل عساه يشعر به ما تسمعه في خبر الخطاف (5)

من استدلال الامام (عليه السلام) على ما فعله من أخذه مذبوحا من يد من كان في يده و دحي الأرض به بالنبوي المزبور.

و في كشف اللثام «و الأخبار كلها إنما تضمنت النهي عن قتله، و سواء بقي على ظاهره من التحريم أو أول بالكراهة، لعدم ثبوت الحرمة بأخبار الآحاد بدون ضميمة فتوى الأصحاب، فلا يثبت بها حرمة الأكل، و لا تبعد الكراهة احترازا عن القتل» و لا يخلو من نظر، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الصيد- الحديث 1 من كتاب الصيد و الذباحة.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الصيد- الحديث 3 من كتاب الصيد و الذباحة.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الصيد- الحديث 2 من كتاب الصيد و الذباحة.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد- الحديث 3 من كتاب الصيد و الذباحة.

ج 36، ص: 311

و في الخطاف روايتان (1)

و من هنا كان في حرمته و حله قولان، ففي

خبر الحسن بن داود الرقي (2) قال: «بينما نحن قعود عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) إذ مر رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد اللَّه (عليه السلام) حتى أخذه من يده ثم دحا به الأرض ثم قال: أ عالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟ لقد أخبرني أبي عن جدي إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) نهى عن قتل الستة: النحلة و النملة و الضفدع و الصرد و الهدهد و الخطاف»

و رواه في الكافي عن داود أو غيره (3) و فيه «أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) نهى عن قتل الستة: منها الخطاف، و قال: إن دورانه في السماء أسفا لما فعل بآل بيت محمد (صلوات اللَّه عليهم) و تسبيحه قراءة الحمد للَّه رب العالمين، ألا ترونه يقول: و لا الضالين؟».

و في

خبر التميمي (4) عن محمد بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): استوصوا بالصنينات خيرا- يعني الخطاف- فإنهن آنس طير الناس بالناس، ثم قال: أ تدرون ما تقول الصنينة إذا هي مرت و ترنمت، تقول: بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه رب العالمين، حتى تقرأ أم الكتاب، فإذا كان في آخر ترنمها قالت: و لا الضالين».

و في حسن جميل بن دراج (5)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن قتل الخطاف أو إيذائهن في الحرم، فقال: لا يقتلن، فاني كنت مع علي بن الحسين (عليهما السلام) فرآني أوذيهن، فقال: يا بني لا تقتلهن و لا تؤذهن، فإنهن لا يؤذين شيئا»

و لهذه النصوص حكي عن


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد من كتاب الصيد و الذباحة.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد- الحديث 3 من كتاب الصيد و الذباحة.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد- الحديث 2 من كتاب الصيد و الذباحة.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد- الحديث 4 من كتاب الصيد و الذباحة.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد- الحديث 1 من كتاب الصيد و الذباحة.

ج 36، ص: 312

الشيخ في النهاية و ابني إدريس و البراج الحرمة.

و لكن لا ريب أن الكراهية أشبه وفاقا لغير من عرفت من الأصحاب، لأنه لسانها، مضافا إلى قصورها عن إثبات الحرمة، خصوصا بعد معارضتها بأخبار الدفيف (1)

و

خبر عمار (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أ يأكله؟ فقال: هو مما يؤكل، و عن الوبر يؤكل؟ قال: لا هو حرام»

و موثقه الآخر (3)

«عن الخطاف، قال: لا بأس به، و هو مما يحل أكله، لكن كره، لأنه استجار بك و وافى منزلك، و كل طير يستجير بك فأجره».

و في المختلف

عن كتاب عمار (4)

«خرء الخطاف لا بأس به، و هو مما يحل أكله، و لكن كره، لأنه استجار بك»

و غيرها المنجبرة بما عرفت من الشهرة العظيمة.

بل لعل

قوله (عليه السلام): «فإنهن لا يؤذين شيئا»

مشعر بطهارة ذرقهن المقتضي لحل الأكل، و احتمال التعجب في خبر عمار الأول- الذي لم ينحصر الدليل فيه- خلاف الظاهر بلا داع، بل لعل قوله:

«و عن الوبر» إلى آخره يشعر بعدمه، كاشعار قوله: «في الحرم» بأن النهي عن إيذائهن باعتبار كونهن في الحرم، بل جمع الخطاف مع معلوم الكراهة يقتضي ذلك أيضا، و إلا لاستلزم استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، أو في عموم المجاز، و هما معا خلاف الأصل، و الأخذ من يد


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد- الحديث 6 من كتاب الصيد و الذباحة.
3- 3 أشار إليه في الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد- الحديث 5 من كتاب الصيد و الذباحة، و ذكره في التهذيب ج 9 ص 80- الرقم 345.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد- الحديث 5 من كتاب الصيد و الذباحة.

ج 36، ص: 313

المالك و دحو الأرض به لا ينافي كونه لبيان الكراهة الشديدة، و اللَّه العالم.

و على كل حال فلا خلاف أجده في أنه يكره الفاختة و القنبرة و الحبارى، و أغلظ منه كراهية الصرد و الصوام و الشقراق و إن لم يحرم شي ء منها، لوجود علامة الحل فيها، و الإجماع بقسميه عليه بل قد يشكل في الأولى منها، إذ

قول الصادق (عليه السلام) (1) في الفاختة: «إنها طائر مشؤوم يدعو على أهل البيت، و يقول: فقدتكم فقدتكم»

لا يدل عليها لو لا فتوى الأصحاب و التسامح، و كذا الحبارى لما سمعته.

نعم يدل على الثانية منها

قول الرضا (عليه السلام) (2) في المعتبرة:

«لا تأكلوها و لا تسبوها و لا تعطوها الصبيان يلعبون بها، فإنها كثيرة التسبيح، و تسبيحها لعن اللَّه مبغضي آل محمد (صلوات اللَّه عليهم)».

بل عن

علي بن الحسين (عليهما السلام) (3)

«ما أزرع الزرع لطلب الفضل فيه، و ما أزرعه إلا ليناله المعتبر و ذو الحاجة، و لتنال منه القنبرة خاصة».

و عن الرضا (عليه السلام) (4) قال علي بن الحسين (عليهما السلام):

«القنزعة التي على رأس القنبرة من مسحة سليمان بن داود (على نبينا و آله و عليه الصلاة و السلام) و ذلك أن الذكر أراد أن يسفد أنثاه فامتنعت


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب أحكام الدواب- الحديث 2 من كتاب الحج. نقل بالمعنى.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الصيد- الحديث 1 من كتاب الصيد و الذباحة.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الصيد- الحديث 2 من كتاب الصيد و الذباحة.
4- 4 ذكر بعضه في الوسائل- الباب- 41- من أبواب الصيد- الحديث 4 و تمامه في الكافي ج 6 ص 225.

ج 36، ص: 314

عليه، فقال لها: لا تمتنعي ما أريد إلا أن يخرج اللَّه مني نسمة تذكره فأجابته إلى ما طلب، فلما أرادت أن تبيض قال لها: أين تريدين تبيضي؟

فقالت له: لا أدري أنحيه عن الطريق، قال لها: إني خائف أن يمر بك مار الطريق، و لكن أرى لك أن تبيضي قرب الطريق، فمن يراك قربه توهم إنك تتعرضين للقط الحب من الطريق، فأجابته إلى ذلك، و باضت و حضنت حتى أشرفت على النقاب، فبينما هما كذلك إذ طلع سليمان (على نبينا و آله و عليه السلام) في جنوده و الطير تظله، فقالت له: هذا سليمان قد طلع علينا في جنوده و لا آمن أن يحطمنا و يحطم بيضنا، فقال لها: إن سليمان رجل رحيم بنا، فهل عندك شي ء خبأتيه لفراخك إذا نقبن؟

قالت: نعم عندي جرادة خبأتها منك انتظر بها فراخي إذا نقبن، فهل عندك شي ء خبأته؟ قال: نعم عندي تمرة خبأتها منك لفراخنا، فقالت:

فخذ أنت تمرتك و آخذ أنا جرادتي و نعرض لسليمان و نهديهما له فإنه رجل يحب الهدية، فأخذ التمرة في منقاره و أخذت الجرادة في رجليها ثم تعرضها لسليمان، فلما رآهما و هو على عرشه بسط يديه لهما، فأقبلا فوقع الذكر على اليمين و وقعت الأنثى على اليسار فسألهما عن حالهما، فأخبراه، فقبل هديتهما، و جنب جنده عن بيضهما و مسح على رأسهما و دعا لهما بالبركة، فحدثت القنزعة على رأسهما من مسحه (عليه السلام)».

و أما الحبارى ففي التحرير «و بها رواية شاذة» و الذي أجده فيها

صحيح عبد اللَّه بن سنان (1) قال: «سأل أبي أبا عبد اللَّه (عليه السلام) و أنا أسمع ما تقول في الحبارى؟ قال: إن كانت له قانصة فكل»

و صحيح كردين المسمعي (2)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الحبارى، قال: وددت أن عندي منه فآكل منه حتى أتملأ»

و خبر بسطام


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 315

ابن صالح (1)

«سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لا أرى بأكل الحبارى بأسا، و أنه جيد للبواسير و وجع الظهر، و هو مما يعين على كثرة الجماع».

و هي غير دالة على الكراهة، بل لعل صحيح كردين دال على الندب.

و أما الصرد و الصوام فقد سمعت النهي (2)

عنهما في أخبار الهدهد إلا أنه لا دلالة فيها على الأشدية، نعم يمكن إرادة الأشدية من الحبارى التي قد عرفت الحال فيها بخلافهما، خصوصا بعد ما سمعت في الخطاف من غضب الامام (عليه السلام) (3)

و شدة إنكاره و التعريض بأمر آخر مستدلا على ذلك كله بنهي النبي (صلى اللَّه عليه و آله) عن الستة، و هذا و إن قضى بالشدة في الجميع إلا أنه لا بأس بالتزام ذلك.

هذا و في كشف اللثام «الصرد طائر فوق العصفور يصيد العصافير، قال النضر بن شميل: ضخم الرأس ضخم المنقار، له برثن عظيم أبقع نصفه أسود و نصفه أبيض، لا يقدر عليه أحد، و هو شرير النفس شديد النفرة، غذاؤه من اللحم، و له صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته، فيدعوه إلى التقرب منه، فإذا اجتمعن إليه شد على بعضهن، و له منقار شديد، فإذا نقر واحدا قتل من ساعته و أكله، و مأواه الأشجار و رؤوس التلاع و أعالي الحصون، قيل: و يسمى المجوف، لبياض بطنه و الأخطب لخضرة ظهره، و الأخيل لاختلاف لونه، و قال الصنعاني: أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 عن نشيط بن صالح كما في الكافي- ج 6 ص 313 و هو الصحيح. إذ ليس في الرواة من يسمى ببسطام بن صالح.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصيد- الحديث 2 و 3 من كتاب الصيد و الذباحة.

ج 36، ص: 316

يسمى السميط مصغرا» قلت: لعل شدة كراهته لكونه حينئذ شبيها بالسباع.

و أما الصوام فعن السرائر و التحرير «هو طائر أغبر اللون، طويل الرقبة، أكثر ما يبيت في النخل» و لم نقف على ما يدل على شدة كراهته.

و أما الشقراق فهو على ما قيل: طائر أخضر مليح بقدر الحمام، خضرته حسنة مشبعة في أجنحته سواد، و يكون مخططا بحمرة و خضرة و سواد، و عن الجاحظ أنه ضرب من الغربان، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عمار (1): «كره قتله لحال الحيات، قال: و كان النبي (صلى اللَّه عليه و آله) يوما يمشي و إذا الشقراق قد انقض فاستخرج من خفه حية»

و لعل شدة كراهته لكونه شبيها بالغراب كما سمعته، و اللَّه العالم.

و لا بأس بالحمام كله بلا خلاف نصا و فتوى،

قال الصادق (عليه السلام) لداود الرقي (2): «لا بأس بركوب البخت و شرب ألبانها و أكل لحومها و أكل الحمام المسرول»

و في

خبر آخر (3)

«أطيب اللحمان لحم فرخ الحمام»

الخبر. فهو حينئذ بجميع أصنافه حلال لا كراهة فيه كالقماري منه.

و في كشف اللثام «هي جمع قمري» و هو منسوب إلى قمر بلدة تشبه الجص لبياضها، حكاه السمعاني عن المجمل، و قال: و أظن أنها من بلاد مصر، و لم أر فيه، و إنما رأيت في تهذيب المجمل لابن المظفر أنه منسوب إلى طير قمر، و هو كما يحتمله يحتمل توصيف الطير بالقمر جمع أقمر، كما قيل في المحيط و غيره: إنه إنما سمي به، لأنه أقمر اللون، و قيل:


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الصيد- الحديث 1 من كتاب الصيد و الذباحة.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2 على رواية البرقي.

ج 36، ص: 317

إن القمري هو الأزرق».

و الدباسي جمع «دبسي» بضم الدال، و هو الأحمر بلون الدبس بكسر الدال، قسم من الحمام البري، و قيل: هو ذكر الحمام (اليمام خ ل).

و الورشان بكسر الواو و إسكان الراء و إعجام الشين، جمع «ورشان» بالتحريك، و المعروف أنه ذكر القماري، و قيل: طائر يتولد بين الفاختة و الحمامة.

و كذا لا بأس بالحجل الذي هو القبج أو ذكره أو نوع منه.

و الدراج و القبج و القطا و الطيهوج الذي هو شبيه بالحجل الصغير غير أن منقاره و عنقه و رجليه حمر و ما تحت جناحيه أسود و أبيض.

و الدجاج و الكروان هو طائر يشبه البط.

و الكركي و الصعو جمع صعوة، و لعلها المسماة في عرفنا الآن بالزيطة، لما قيل من أنه طائر أزرق لا يستقر ذنبه، لكن في كشف اللثام «جمع صعوة من صغار العصافير أحمر الرأس».

و غير ذلك من الطيور الموجود فيها علامات الحل أو أحدها الخالية مما يقتضي التحريم، مضافا إلى ما في بعضها من النصوص الخاصة. ك

خبر محمد بن حكيم (1)عن الكاظم (عليه السلام) «أطعموا المحموم لحم القباج فإنه يقوي الساقين، و يطرد الحمى طردا».

و خبر علي بن مهزيار (2)

«تغديت مع أبي جعفر (عليه السلام) فأتي بقطا، فقال: إنه مبارك، و كان أبي (عليه السلام) يعجبه، و كان يقول: أطعموه صاحب اليرقان، يشوى له فإنه ينفعه».


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 318

و مرسل السياري (1)

و

خبر علي بن النعمان (2) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «من سره أن يقل غيضه فليأكل لحم الدراج».

و عنه (صلى اللَّه عليه و آله) أيضا (3)

«من اشتكى فؤاده و كثر غمه فليأكل الدراج»

إلى غير ذلك مما ورد في الدجاج و غيره (4)

بل أرسل ثاني الشهيدين النص على الحجل و الطيهوج و الكروان و الكركي و الصعوة و الأمر في ذلك كله سهل.

و قد عرفت فيما تقدم أنه لا خلاف و لا إشكال في أنه يعتبر في طير الماء ما يعتبر في الطير المجهول من غلبة الدفيف أو مساواته للصفيف أو حصول أحد الأمور الثلاثة: القانصة أو الحوصلة أو الصيصية، فيؤكل مع احدى هذه العلامات و عدم ما يقتضي التحريم و إن كان يأكل السمك لإطلاق الأدلة، و خصوص بعضها كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

و كذا تقدم أيضا أنه لو اعتلف أحد هذه عذرة الإنسان محضا لحقه حكم الجلل و لم يحل حتى يستبرأ، فتستبرأ البطة و ما أشبهها بناء على استفادة لحوقه من النص (5)

عليها بخمسة أيام، و الدجاجة و ما أشبهها بناء على الإلحاق المزبور بثلاثة أيام، و ما خرج عن ذلك يستبرأ بما يزول عنه حكم الجلل، إذ ليس فيه شي ء موظف كما عرفت الكلام في ذلك كله بما لا مزيد عليه، فلاحظ و تأمل.

نعم في المسالك هنا قد عد اللقلق من طيور الماء التي يرجع فيها إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 16- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 16- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأطعمة المباحة.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 319

العلامات، و قد سألنا بعض من ادعى صيده فأخبر بوجود الثلاثة فيه، و لكن حكى لنا بعض الثقات عن العلامة الطباطبائي الفتوى بحرمته، و لعله لما قيل من أن صفيفه أكثر من دفيفه، فلا يجدي وجود الثلاثة فيه، لما عرفته سابقا، و اللَّه العالم.

و على كل حال فلا خلاف في أنه يحرم أكل الزنبور (الزنابير خ ل) الذي هو- مع كونه من المسوخ كما في بعض النصوص (1)

و ذو سم- من الخبائث ك الذباب و البق و السلابيح و الديدان حتى التي في الفواكه منها، و إن تردد فيه بعض الناس، لكنه في غير محله، نعم قد يتوقف في كل ما كان حرمته من جهة الاستخباث مع فرض استهلاكه في غيره، خصوصا إذا كان من الحيوان، باعتبار عدم ثبوت تذكية شرعية له من حيث الأكل على نحو السمك و الجراد، فإنه حينئذ يكون من الميتة المحرمة نصا و إجماعا على وجه لا يرتفع بالاستهلاك الذي مرجعه إلى عدم التمييز لا إلى الاستحالة فتأمل جيدا.

بقي الكلام في النعامة التي أظهر اللَّه تعالى شأنه قدرته فيها، فركب صورتها من الطير و الجمل على وجه كالواسطة بينهما في الشكل، و لذا كان المحكي عن الجمهور أنها خلق مستقل و وضع مبتدأ ليست فرعا لغيرها، لا كما عن بعضهم من أنها متولدة بالأصل بين جمل و طائر، ضرورة معلومية خطائه، إذ اللقاح إنما يكون بين حيوانين متشاكلين، و البعير ليس من شكل الطير، و لا في الطيور ما يتوهم مسافدته مع الجمل، كما أومئ إليه في حديث

المفضل (2) قال (عليه السلام): «فكر في خلق


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
2- 2 البحار- ج 3 ص 97 و ج 64 ص 58 الطبع الحديث.

ج 36، ص: 320

الزرافة و اختلاف أعضائها و شبهها بأعضاء أصناف من الحيوان، فرأسها رأس فرس، و عنقها عنق جمل، و أظلافها أظلاف بقرة، و جلدها جلد نمر، و زعم ناس من الجهال بالله عز و جل أن نتاجها من فحول شتى، قال: و سبب ذلك أن أصنافا من حيوان البر إذا وردت الماء تنزو على بعض السائمة و تنتج مثل هذا الشخص الذي هو كالملتقط من أصناف شتى و هذا جهل من قائله و قلة معرفته بالباري جل قدسه، و ليس كل صنف من الحيوان يلقح كل صنف، فلا الفرس يلقح الجمل، و لا الجمل يلقح البقر، و إنما يكون التلقيح من بعض الحيوان في ما يشاكله و يقرب من خلقه كما يلقح الفرس الحمار فيخرج بينهما البغل، و يلقح الذئب الضبع فيخرج بينهما السبع، و ليس في الذي يخرج من بينهما عضو من كل واحد منهما كما في الزرافة التي فيها عضو من الفرس و عضو من الجمل و أظلاف من البقرة، بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما، كالذي نراه في البغل، فإنك ترى رأسه و أذنيه و كفه و ذنبه و حوافره وسطا بين هذه الأعضاء من الفرس و الحمار، و نشجيه (1) كالممتزج من صهيل الفرس و نهيق الحمار، و هذا دليل على أن الزرافة ليست من لقاح أصناف شتى، كما زعم الجاهلون بالله، بل هي خلق عجيب من خلق اللَّه، للدلالة على قدرته التي لا يعجزها شي ء».

قلت: و كذلك النعامة، فإنها من بدائع الصنع و دلائل عدم انتهاء القدرة، و مضاهاتها للطير و الجمل ليس لأنها فرع لهما و متكونة بينهما، و إلا لكان في كل عضو منها شبه لكل منهما، و ليس الأمر فيها كذلك، فإن المرئي فيها خلافه.

نعم قيل: المشهور أنها من قسم الطيور، كما نص عليه من اللغويين


1- 1 و في البحار: «و شحيجه».

ج 36، ص: 321

الجوهري و صاحب القاموس، و من الأطباء نصير الدين الكشي و داود الأنطاكي، و من الفقهاء الشيخ و علي بن بابويه في كفارات الإحرام و ابن إدريس و العلامة و الشهيدان و ابن فهد و الصيمري و الكركي في مسألة موت الطير في البئر.

و ربما يؤيده أنها على هيئة الطيور و صفاتها في قائمتها و جناحها و ريشها و منقارها و بيضها، بل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) النص على أنها من الطير في خطبته التي ذكر فيها عجائب خلق الحيوان (1)

.

لكن عن الدميري أن المتكلمين على أنها من الوحش، و ليست بطائر و إن كانت تبيض و لها جناح و ريش، إلا أنها لما لم تطر لم تكن طيرا، و لذا يجعلون الخفاش طائرا- و إن كان يحبل و يلد و له أذنان بارزتان و لا ريش له- لوجود الطيران له، و عن سلار و ابن سعيد اختيار ذلك.

و ربما يؤيده قوله تعالى (2) «وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ» و قوله تعالى (3) «أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَ يَقْبِضْنَ» و

قول الصادق (عليه السلام) (4) و قد سئل عن الدجاج الحبشي: «ليس من الصيد، إنما الطير ما طار بين السماء و الأرض»

و قول الجواد (عليه السلام) (5) و قد سأله يحيى بن أكثم عن صيد المحرم:

«إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل و الصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة، و إذا أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا- إلى أن قال-:


1- 1 نهج البلاغة: الخطبة 183 «ص 731 ط إيران».
2- 2 سورة الأنعام: 6- الآية 38.
3- 3 سورة الملك: 67- الآية 19.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 1 من كتاب الحج.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 2 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 322

و إذا كان من الوحوش فعليه في حمار الوحش بدنة، و كذلك في النعامة»

و في طريق آخر (1)

«إن كان حمار وحش فبقرة، و إن كان نعامة فبدنة»

مضافا إلى عظم جثتها و ارتفاعها عن جثة الطيور.

لكن قد يقال: إن الآيتين محمولتان على الغالب، و المراد من الرواية الأولى حصر ما يمتنع من الطير بطيرانه، كما يدل عليه

قوله (عليه السلام): «ليس من الصيد»

بل عن الكافي «إنما الصيد» بدل قوله: «إنما الطير» و من الثانية إلحاق النعامة بالوحش من حيث إنها صيد، فان امتناعها بالعدو كالوحوش دون الطيران، لعدم استقلالها به، و لا ينافي ذلك كونها طيرا فان الدجاج من الطيور قطعا، و لا يستقل بالطيران، و عظم جثتها و ارتفاعها لا ينافي كونها طيرا، فان من الطيور ما هو أعظم منها و أرفع كالرخ الذي هو طائر هندي يأوي جبال سرانديب، و منه- كما قيل- ما هو أعظم من البعير، و ربما قصد المركب و أغرقه، و بيضه كالقبة العظيمة.

و كيف كان فهي حلال وفاقا لظاهر المبسوط أو صريحه، بل قد يستفاد منه الاتفاق على ذلك باعتبار دعواه فيه عدم الخلاف في وجوب الجزاء على المحرم بصيده الحيوان المأكول الوحشي، و نص على عدم الجزاء في غيره من المأكول الانسي و المحرم الوحشي، ثم قال: «الصيد على ضربين: أحدهما له مثل كالنعام و حمار الوحش و الغزال، و هو مضمون بمثله من البدنة و البقرة و الشاة» ثم ذكر الضرب الثاني و هو ما لا مثل له، و بين حكمه.

و مقتضى التدبر في كلامه أن النعامة من جنس المأكول، لأن لها جزاء إجماعا، و قد عرفت نفيه الخلاف عن الجزاء للمحلل الوحشي دون غيره، فتكون النعامة محللة إجماعا.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 323

ثم ذكر حكم البيوض التي لها مقدر منصوص، و هي بيض النعام و بيض القطا و بيض القبج، و بين مقدراتها الشرعية، ثم قال: «إذا كسر بيض ما يؤكل لحمه من الطيور غير ما ذكرناه من المنصوص عليه كان عليه قيمته» و هو واضح الدلالة على حل النعام و كونه من جنس الطيور.

و ظاهر النافع و صريح سلار و يحيى بن سعيد- و إن كان ظاهرهما أو صريحهما- كونها من الوحوش لا الطيور، بل حلها ظاهر كل من جعل المحرم على المحرم صيد الحيوان المحلل الممتنع بالأصالة و خصوص الأسد و الثعلب و الأرنب و الضب و القنفذ و اليربوع و بعض الأفراد الخاصة من المحرم كالشهيد في الدروس و الروضة و المسالك، ضرورة حرمة صيدها على المحرم إجماعا، كضرورة عدم ذكرها في الأفراد المحرمة التي نصوا عليها، فليست هي إلا من المأكول، بل هو بملاحظة ما ذكرناه من الإجماع على حرمة صيدها على المحرم ظاهر السيوري في التنقيح و الكنز و الخراساني في الكفاية و الفاضل الأصبهاني في شرح القواعد.

بل قد يستفاد من التأمل في كلماتهم المفروغية من كون النعامة من المأكول، و لعله كذلك، إذ لم نعرف مخالفا في ذلك إلا الصدوق في الفقيه حيث قال: «و لا يجوز أكل شي ء من المسوخ- و عد النعامة منها-» مع أنه في الخصال ذكر من الأخبار (1)

ما يستفاد منه حصرها في الثلاثة عشر، و ليست النعامة منه، و كذا في المجالس، بل استقصى في العلل في الباب الذي عقده لذكر علل المسوخ و بيان أصنافها الروايات الواردة في ذلك (2)

و لا ذكر للنعامة في شي ء منها، فخلافه إما مرتفع لاضطرابه في مبنى الحكم أو غير قادح في تحصيل الإجماع، خصوصا بعد ملاحظة إطباق المتأخرين عنه على الحل من غير إشارة من أحد منهم إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 12 و 13 و 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 12 و 13 و 14.

ج 36، ص: 324

خلافه في الفقيه الذي هو بين أيديهم، حتى في مثل الخلاف و المختلف المعدين لأمثال ذلك.

على أنه لو كان حل النعامة من خصائص العامة لعرف تحريمها في المذهب، كما علم تحريم الضب و الأرنب و غيرهما مما اختصوا به، فإن أحكام المطاعم و المشارب متميزة عن غيرها بظهور الخلاف و الوفاق، لظهور السيرة فيها بالتناول و الاجتناب، بل الحيوان بخصوصه متميز من بينها باستمرار العادة على التوقي عما يحرم منه، حتى أن أجرى الناس على المعاصي و ارتكاب المناهي لا يجترئ على أكل الحيوان المحرم، بل ربما تورع عن المشتبه حتى يتبين له الحل.

مؤيدا ذلك كله بعمل المسلمين و تظاهرهم في سائر الأعصار و الأمصار على أكلها و أكل بيضها من غير احتياط و لا تناكر، بل ليست هي عندهم إلا كالغزلان و نحوها من الصيود المحللة، بل بيض النعام لا يزال يباع و يشتري في سوق المسلمين، و يوهب و يهدى بمرئي من العلماء و الصلحاء و أهل الورع و التقوى من دون نكير و لا أمر باحتياط و لا وسوسة، بل هي سيرة مستمرة معلومة بدلالة الطارف على التالد و نقل الولد عن الوالد و حكاية الخلف فعل السلف حتى تتصل بزمان صاحب الشرع على وجه يعلم كون الحكم منه بالقول أو الفعل أو التقرير، فكان ذلك إجماعا محصلا من السيرة المزبورة فضلا عن تحصيله من المفروغية التي ذكرناها بين الأصحاب، خصوصا مع ملاحظة نصهم على الحيوان المحرم، و المفروض تناول الناس للنعامة و بيضها في أزمنتهم، و لم يذكر أحد فيها شبهة أو احتمالا، و ذلك إن لم يستفد منه الضرورة فلا ريب في حصول اليقين منه بكونها من قسم الحلال، كما هو واضح.

كل ذلك مضافا إلى ما قيل من أصالة الحل و الإباحة المستفادة من

ج 36، ص: 325

العقل و الكتاب العزيز، كقوله (1) «خَلَقَ لَكُمْ» و غيره، و السنة ك

قوله (عليه السلام) (2): «كل شي ء مطلق حتى يرد فيه نهي»

و غيره، و إن كان قد يناقش بعدم جريانه في مثل الحيوان المعتبر في حله التذكية التي مقتضى الأصل عدمها في المشكوك في قابليته لها.

و من تناول ما دل على حل الطيبات و حرمة الخبائث في الكتاب العزيز (3) لها، لأنها من الأطعمة التي تستطيبها الأنفس و تستلذها من غير فرق بين الحاضر و الباد و المعدم و ذي اليسار و العجمي و العربي، و إن كان قد يناقش بأنه لا يتم في الحيوان أيضا بعد ما عرفت من استفادة اعتبار التذكية في حله من قوله (4) «إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» و غيره متمما بأصالة عدم حصولها في المشكوك في قابليته شرعا لها.

نعم قد يستدل لحلها بقوله تعالى (5) «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» و قوله عز من قائل (6) «وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» و قوله عز و جل (7) «غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» لأن النعامة من جملة الصيد المحرم على المحرم إجماعا و نصوصا مستفيضة أو متواترة (8).

بل لعل قوله تعالى (9):


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 29.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صفات القاضي- الحديث 60 من كتاب القضاء.
3- 3 سورة الأعراف: 7- الآية 157.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 3.
5- 5 سورة المائدة: 5- الآية 95.
6- 6 سورة المائدة: 5- الآية 96.
7- 7 سورة المائدة: 5- الآية 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب كفارات الصيد من كتاب الحج.
9- 9 سورة المائدة: 5- الآية 95.

ج 36، ص: 326

«وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» دال عليه باعتبار ظهوره في أن لكل من النعم مثلا من الصيد، و لا مماثل للإبل غير النعام.

و المراد بالصيد المحرم على المحرم خصوص الحيوان المحلل، كما هو أحد القولين في المسألة، بل عن ظاهر السيوري الإجماع عليه، بل لعله المتبادر من الصيد، لأنه الغاية القصوى منه، و لظهور قوله تعالى (1):

«فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» فيه، بل إطلاق الأخبار الكثيرة (2)

جواز الأكل من الصيد من غير تقييد بالمحلل دال عليه أيضا، ضرورة ظهور ترك التقييد فيها على كثرتها في عدم دخول المحرم في إطلاق الصيد، و كذا الروايات الواردة في اضطرار المحرم إلى الصيد أو

الميتة (3) المتضمن أكثرها أنه «يأكل من الصيد و يفدي و لا يأكل من الميتة»

و الظاهر من الآيات المزبورة حل الصيد لو لا الإحرام، فيتركب قياس على هيئة الشكل الأول، و هو النعامة صيد محرم على المحرم، و كل صيد محرم على المحرم فهو حلال، فالنعام حلال.

و لا ينافي ذلك ثبوت الكفارة لبعض الأفراد المحرمة بدليل مخصوص، و لذا لم يعم كل حيوان محرم، و إطلاق الصيد في بعض كلام العرب لاستحلالهم جميع الأفراد قبل ورود المنع، بل قد يدل قوله تعالى (4):

«وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» من وجه آخر، و هو أن الصيد فيه بمعنى المصيد نحو قوله تعالى (5) «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» و قوله تعالى (6) «لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ» و من هنا احتج به الأصحاب على تحريم ما اصطاده المحل على المحرم، بل


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2 و 3 و 4 و غيرها- من أبواب الصيد من كتاب الصيد و الذباحة.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب كفارات الصيد من كتاب الحج.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 96.
5- 5 سورة المائدة: 5- الآية 95.
6- 6 سورة المائدة: 5- الآية 94.

ج 36، ص: 327

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1)

و ابن عباس (2)

الاحتجاج به على من خالف في ذلك من الصحابة.

و على هذا فمعنى تحريم الصيد في الآية تحريم أكله، و تخصيصه بحالة الإحرام يدل على جواز أكل المحل منه، و اللازم منه حل النعامة للمحل، لدخولها في الصيد المحرم على المحرم، و تبعية المفهوم للمنطوق في العموم و الخصوص، بل لعل قوله تعالى (3) «وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» دال على المطلوب أيضا، ضرورة ظهوره في أنه يباح للمحل كل صيد حرم على المحرم، و النعام مما حرم على المحرم، فيحل للمحل. و المراد من إباحة الصيد للمحل إباحته له و لو للأكل الذي هو الغاية القصوى منه، فلا أقل من دخوله في الإطلاق، و الحمل على مجرد إبطال الامتناع في غاية البعد بل إن اشترطنا في تحريم الصيد على المحرم كونه محللا أو قلنا بتحريم قتل الحيوان لغير الوجه المأذون فيه شرعا اتضحت الدلالة.

بل قد يدل على المطلوب قوله تعالى (4) «وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ- إلى قوله- ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنَّا لَصادِقُونَ» بناء على أن المراد من ذي الظفر كل ما ليس بمنفرج الأصابع، كالإبل و النعام و البط، كما في كنز العرفان، بل قيل: إنه المشهور بين قدماء المفسرين، بل حكاه في مجمع البيان و الدر المنثور عن ابن عباس و سعيد ابن جبير و قتادة و مجاهد و السدي و ابن جريح، و على ظهور التخصيص باليهود الحل لغيرهم، و إلا لم يكن لذكرهم فائدة، كما اعترف به في الكنز


1- 1 تفسير الدر المنثور- ج 2 ص 332.
2- 2 تفسير الدر المنثور- ج 2 ص 332.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 2.
4- 4 سورة الأنعام: 6- الآية 146.

ج 36، ص: 328

أيضا، و يشعر به قوله «ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ» بل و قوله (1):

«فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ».

و حينئذ تتم الدلالة على المطلوب الذي يدل عليه أيضا- بناء على أن النعامة من الوحوش- عموم

قول الصادق (عليه السلام) في خبر علي بن أبي شعبة المروي عن تحف العقول (2): «و أما ما يحل أكله من لحوم الحيوان فلحم البقر و الغنم و الإبل، و من لحوم الوحش كل ما ليس له ناب و لا مخلب»

و نحوه المروي عن دعائم الإسلام (3).

بل و عموم ما دل (4) على حل الحيوان مطلقا عدا ما استثني في الكتاب (5) خرج من ذلك السباع و الحشار و المسوخ، و النعامة ليست من الأوليين قطعا، و لا من الثالث على الأصح كما عرفت.

و بناء على أنها من الطيور يدل على حلها جميع ما دل على حل ما دف منها و حرمة ما صف (6)

لمعلومية كونها من ذوات الدفيف، بل لا صفيف فيها آنا من الآنات، و لا ينافي ذلك عدم استقلالها بالطيران، ضرورة صدق الدفيف الذي هو الضرب بالجناحين على الدفتين و في

خبر جميل (7)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) المروي عن جامع البزنطي «أنه سأل عن الدجاج السندي أ يخرج من الحرم؟ قال: نعم،


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 160.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1 عن الحسن بن علي بن شعبة الذي هو صاحب كتاب تحف العقول.
3- 3 المستدرك- الباب- 32- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 1.
5- 5 سورة المائدة: 5- الآية 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأطعمة المحرمة.
7- 7 الوسائل- الباب- 40- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 329

إنها لا تستقل بالطيران، إنها تدف دفيفا».

على أن النصوص ظاهرة في عدم خلو الطير عن الصفيف أو الدفيف و لا ريب في أن النعامة بناء على أنها منه من ذات الدفيف، كما أنه لا ريب في حلها بملاحظة ما ذكرناه في علامات الحل و الحرمة للطير، فلاحظ و تأمل.

كل ذلك مضافا إلى ما روي في النعامة بالخصوص من طرق العامة و الخاصة، فمن الأول ما رواه

المجلسي في البحار نقلا عن مسند أحمد و أبي يعلى عن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل الهاشمي (1) قال: «إنه اصطاد أهل الماء حجلا فطبخوه و قدموا به إلى عثمان و أصحابه فأمسكوا، فقال رجل: إن عليا يكره هذا، فبعث إلى علي (عليه السلام) فجاء و هو غضبان، فقال له: إنك لكثير الخلاف علينا، فقال (عليه السلام):

أذكر اللَّه رجلا شهد النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أتي بعجز حمار وحشي و هو محرم، فقال: إنا قوم محرمون فأطعموه أهل الحل؟ فشهد اثنا عشر رجلا من الصحابة، ثم قال: أذكر اللَّه رجلا شهد النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أتي بخمس بيضات من بيض النعامة فقال: إنا محرمون فأطعموه أهل الحل؟ فشهد اثنا عشر رجلا من الصحابة، فقام عثمان و دخل فسطاطه و ترك الطعام على أهل الماء»

و هو دال صريحا على حل بيض النعام، و قد عرفت سابقا تلازم حل البيض و حل اللحم.

و لا يقدح وروده من طريق الجمهور بعد مطابقته لظاهر الكتاب و فتوى الأصحاب و ارتفاع التهمة لهم في ذلك، خصوصا بعد تضمنه منقبة علي (عليه السلام) و مثلبة عدوه، و كونه حجة عليهم فيما خالفوه


1- 1 البحار- ج 99 ص 160 و مسند أحمد ج 1 ص 100 و المجلسي نقله عن المناقب لابن شهرآشوب و هو ينقل عن أحمد و أبي يعلى.

ج 36، ص: 330

من جواز أكل المحرم ما يصطاده المحل، و فيه تكذيب لما صححوه عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) من أكل الصيد و هو محرم (1)

و ما كان مثل ذلك يجوز الاستشهاد به.

و منها ما رواه

ابن شهرآشوب في المناقب عن أبي قاسم الكوفي و القاضي نعمان في كتابيهما عن عمر بن حماد بإسناده عن عبادة بن الصامت (2) قال: «قدم قوم من الشام حجاجا فأصابوا أدحى نعامة- أي مبيضها- فيه خمس بيضات و هم محرمون، فشووهن و أكلوهن، ثم قالوا: ما أرانا إلا و قد أخطأنا، و أصبنا الصيد و نحن محرمون، فأتوا المدينة و قصوا على عمر القصة، فقال: انظروا إلى قوم من أصحاب رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) فاسألوهم عن ذلك ليحكموا فيه، فسألوا جماعة من الصحابة فاختلفوا في الحكم في ذلك، فقال عمر: إذا اختلفتم فهاهنا رجل كنا أمرنا إذا اختلفنا في شي ء بالرجوع إليه، فيحكم فيه، فأرسل إلى امرأة يقال لها: عطية، فاستعار منها أتانا، فركبها و انطلق بالقوم معه حتى أتوا إلى علي (عليه السلام) و هو بينبع، فخرج اليه علي (عليه السلام) فتلقاه، فقال: هلا أرسلت إلينا فنأتيك؟ فقال عمر: الحاكم يؤتى إليه في بيته، فقص عليه القوم، فقال علي (عليه السلام) لعمر: مرهم فليعمدوا إلى خمس قلائص من الإبل، فليطرقوها للفحل، فإذا أنتجت أهدوا ما نتج منها جزاء عما أصابوا، فقال عمر: يا أبا الحسن إن الناقة قد تجهض، فقال علي (عليه السلام): و كذلك البيضة قد تمرق، فقال عمر: فلهذا أمرنا أن نسألك».


1- 1 سنن البيهقي- ج 5 ص 188.
2- 2 البحار- ج 99 ص 159.

ج 36، ص: 331

و من الثاني

صحيح أبي عبيدة الحذاء (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن رجل محل اشترى لرجل محرم بيض نعامة فأكله المحرم، قال: على الذي اشتراه للمحرم فداء، و على المحرم فداء، قلت: و ما عليهما؟ قال: على المحل جزاء قيمة البيض لكل بيضة درهم، و على المحرم جزاء، لكل بيضة شاة».

و صحيح عبد اللَّه الأعرج (2)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن بيضة نعامة أكلت في الحرم، قال: تصدق بثمنها».

و الصحيح عن ابن رئاب عن أبان بن تغلب (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في قوم حاج محرمين أصابوا أفراخ نعام، فأكلوا جميعا قال: عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها جميعا، فيشترونها على عدد الفراخ و على عدد الرجال».

و عن الشيخ روايته في التهذيب مسندا عن أبي جميلة و ابن رئاب (4) و زاد «قلت: فان منهم من لا يقدر على شي ء، قال: يقوم بحساب ما يصيبه من البدن، و يصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما».

و التقريب في مجموع الأخبار أنها دالة على معلومية حل النعام في الصدر الأول و في زمان الأئمة (عليهم السلام) و أن بيضها كان في عصر النبي (صلى اللَّه عليه و آله) يهدى و يؤكل من غير نكير، و أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) إنما رده لمكان الإحرام لا للتحريم، و لو كان


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 5 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 6 من كتاب الحج عن سعيد بن عبد اللَّه الأعرج.
3- 3 أشار إليه في الوسائل- الباب- 18- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 4 من كتاب الحج و ذكره في الفقيه ج 2 ص 236 الرقم 1123.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 4 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 332

في أصل الشرع حراما لبينه النبي و الأئمة (صلوات اللَّه عليهم) في مقام الحاجة إلى البيان، بل

قوله (عليه السلام) في أحد الصحيحين (1): «قيمة» و في الآخر (2): «ثمن»

واضح الدلالة على تعارف بيعه و تقويمه، إذ المحرم لا ثمن له، و بالجملة لا يكاد ينكر ظهور النصوص المزبورة في المفروغية من ذلك، و في معلومية حل النعام و بيضة عندهم كما هو واضح.

كل ذلك مع ضعف دليل التحريم، كضعف القول به، إذ ليس هو إلا ذكر الصدوق لها من المسوخ، و هي محرمة إجماعا و نصوصا (3)

و كون النعامة من الطيور المنوط حلها بعلامات الدفيف و الحوصلة و القانصة و الصيصية، و الأربعة مفقودة في النعامة، أما الأول فلاختصاصه بالمستقل بالطيران، و هي لا تستقل به، و أما الثلاثة فبالمشاهدة و النقل، و معلومية التلازم بين البيض و اللحم، و بيضها حرام، لتساوي طرفيه بشهادة الحس فيحرم لحمه أيضا.

و الجميع كما ترى، ضرورة فساد توهم المسخ فيها بعد ثبوت الحل بما ذكرناه من الأدلة التي تقصر هذه عن مقاومتها من وجوه، على أن العلامات المزبورة للمشتبه من الطير و البيض دون النعامة التي هي- بعد تسليم كونها طيرا على وجه يندرج في إطلاقه في (4) نصوص العلامات (5)

-


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 5 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 6 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة.
4- 4 هكذا في النسخة المخطوطة المبيضة، لكن الموجود في النسخة المخطوطة بقلم المصنف قده «ما في» و هو الصحيح.
5- 5 الوسائل- الباب- 18 و 19- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 333

من معلوم الحكم لحما و بيضا بالأدلة السابقة.

كما أن عد الصدوق لها من المسوخ- بعد أن لم يسنده إلى حجة تقطع العذر- لا ينبغي أن يصغى إليه، و احتمال كون ذلك من ذيل ما رواه من خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)

في غاية البعد خصوصا بعد أن كان مرويا في الكافي (2)

و التهذيب (3)

من دون هذه الزيادة التي لا يخفى على العارف بأساليب الكلام كونها من كلام الصدوق، و دعوى أنه ما أخذ ذلك إلا من خبر وصل إليه- إذ هي ليست مسألة اجتهادية- كما ترى، فان مجرد ذلك لا يسوغ لنا التعويل عليه على وجه نحرم به ما قامت الأدلة على حله، ضرورة كونه بعد التسليم يمكن أن يكون خبرا لا نقول بحجيته، على أن خلو نصوص المسوخ (4)

- المشتملة على تفصيلها و عللها بل ظهورها في حصرها بغيرها حتى ما رواه الصدوق نفسه فيها في الخصال و المجالس و العلل- أوضح شاهد على وهمه في ذلك أو على تصحيف البغاقة بالمعجمتين بينهما ألف و كأنها البوم، أو على غير ذلك.

و بالجملة كان تطويل الكلام أزيد من ذلك في حكمها من اللغو الذي أمرنا بالإعراض (عنه ظ) و إنما وقع ما وقع منا لما حكي عن بعض من قارب عصرنا من الفتوى بالحرمة، و اللَّه الموفق و الهادي.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا هنا و سابقا أن بيض


1- 1 راجع الفقيه ج 3 ص 213 الرقم 988.
2- 2 لم يتعرض الكليني قده في الكافي لهذا الخبر، و انما الراوي له فقط الصدوق و الشيخ «قدس سرهما» راجع الوافي المجلد 3 «الجزء 11 ص 10».
3- 3 راجع التهذيب ج 9 ص 41 الرقم 174 و الاستبصار ج 4 ص 74 الرقم 271.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 334

ما يؤكل لحمه حلال، و كذا بيض ما يحرم حرام بلا خلاف أجده، بل عن ظاهر المختلف و صريح الغنية الإجماع عليه، و في كشف اللثام الاتفاق عليه، و لعله كذلك مضافا إلى الخبرين (1)

المتقدمين في بيض السمك الدالين على التبعية المزبورة التي يشهد لها مع ذلك أيضا

خبر أبي الخطاب (2)

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل يدخل الأجمة فيجد فيها بيضا مختلفا لا يدري بيض ما هو؟ أبيض ما يكره من الطير أو يستحب؟ فقال (عليه السلام): إن فيه علما لا يخفى، أنظر إلى كل بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكل، و ما سوى ذلك فدعه».

و خبر أبي يعفور(3)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): إني أكون في الآجام فيختلف علي البيض، فما آكل منه؟ فقال: كل منه ما اختلف طرفاه»

باعتبار تقرير الامام (عليه السلام) السائل على ما عنده من كلية التبعية المزبورة.

بل قد يقال: إن التبعية المزبورة هي مقتضى الأصل، لكون البيض كالجزء منه، خصوصا بعد استقراء ما ورد (4)

من ذلك بالخصوص في مثل الغراب و الطاوس و الدجاج و غيرها، بل لعل منها ما هو ظاهر في التبعية المزبورة، هذا كله في المعلوم.

و أما مع الاشتباه ف يؤكل ما اختلف طرفاه


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7 و الباب- 40- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2 راجع ص 262.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6 عن ابن أبي يعفور.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5 و الباب- 7- منها- الحديث 5 و الباب- 20- منها- الحديث 2 و 5 و الباب- 27- منها- الحديث 7.

ج 36، ص: 335

لا ما اتفق بلا خلاف، بل في ظاهر كشف اللثام و عن صريح الغنية الإجماع عليه، بل هو محقق، للخبرين (1)

المزبورين و

خبر مسعدة (2)

«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: كل من البيض ما لم يستو رأساه، و قال: ما كان من بيض طير الماء مثل بيض الدجاج و على خلقته أحد رأسيه مفرطح و إلا فلا تأكل»

و المفرطح: العريض.

و خبر عبد اللَّه بن سنان(3) عنه (عليه السلام) أيضا «عن بيض طير الماء، فقال: ما كان منه مثل بيض الدجاج يعني على خلقته فكل».

و صحيح محمد بن مسلم (4) عن أحدهما (عليهما السلام) «إذا دخلت أجمة فوجدت بيضا فلا تأكل منه إلا ما اختلف طرفاه فكل».

و لا يخفى بعد التدبر في جميع هذه أن المراد من الإطلاق أو العموم في بعضها خصوص المشتبه الذي هو مورد جملة منها صريحا أو ظاهرا، بل لعل ما دل على الكلية المزبورة كالخبرين المتقدمين في السمك خاص في المعلوم، فيحكم على الإطلاق المزبور الشامل له و للمشتبه.

و في الرياض «و إطلاقها أو عمومها و إن شمل البيض الغير المشتبه أيضا إلا أن ورود أكثرها فيه مع الإجماع على اختصاص الضابط هنا به اقتضى حل بيض ما يؤكل لحمه مطلقا و لو استوى طرفاه، و حرمة بيض ما لا يؤكل لحمه كذلك و إن اختلف طرفاه، عملا بعموم ما دل على التبعية، هذا مع اعتضاد الحكم بالحل في الأول مطلقا بعموم ما دل على الإباحة من الكتاب (5) و السنة (6) و الحكم فيه في صورة اختلاف الطرفين


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3 و 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و ليس في ذيل الحديث «فكل» كما في الكافي ج 6 ص 248 و التهذيب ج 9 ص 15.
5- 5 راجع الآيات المتقدمة في ص 237.
6- 6 المتقدمة في ص 237.

ج 36، ص: 336

و الحكم بالحرمة في الثاني في صورة تساويهما باتفاق نصوص الضابطين على الحل في الأول و الحرمة في الثاني».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه، هذا كله على تقدير انفكاك الضابطين و إمكان تعارضهما، كما لعله المشاهد في مثل بيض النعام، و أما على تقدير التلازم بينهما كما هو ظاهر الخبر الأول فلا إشكال أصلا، و اللَّه العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أن المجثمة حرام، و هي التي تجعل غرضا و ترمى بالنشاب حتى تموت ضرورة كونها ميتة حينئذ و كذا المصبورة و هي التي تجرح و تحبس حتى تموت.

[القسم الرابع في الجامدات]

اشارة

القسم الرابع في الجامدات أي غير الحيوان الحي و إن كان مائعا كالخمر و لا حصر للمحلل منها الذي هو مقتضى أصالة الحل فلنضبط المحرم حتى يكون ما عداه محللا. و كأنه أشار بذلك إلى الفرق بين الحيوان و الجامد بعدم جريان الأصل المزبور فيه، لأصالة عدم التذكية و غيرها، بل و مع قطع النظر عن ذلك، فان ضوابط الحل و الحرمة فيه على وجه لا يحتاج فيه إلى الأصل المزبور، من غير فرق بين الحيوان البري و المائي و الوحشي و الانسي و الطير و غيره، كما عرفت الكلام فيه مفصلا.

لكن في المسالك «التحقيق أن هذا كله لا يفيد الحصر، بل هو

ج 36، ص: 337

الغالب، و لهذا أسلفنا في أول الباب أن ما يوجد من الأشياء التي لا نص للشارع فيها سواء كانت حيوانا أم غيره يحكم فيها بالحل، حيث تكون مستطابة، لآية (1) «أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ» إلا أن الحيوان مضبوط في الجملة زيادة على غيره».

و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا من وجود الضوابط في الحيوان على وجه لا يخرج منها الحلال و الحرام منه في البهائم الإنسية و الوحشية و البرية و البحرية و الطيور، إذ البحر يحرم كل حيوان فيه عدا السمك، و هو عدا ذو الفلس، و البهائم الإنسية يحل منها الأنعام و الحمولة و يحرم من الوحشية السباع، بل كل ذي ناب و المسوخ و الحشرات و ذوات السموم، و يحل منها الخمسة أو الستة و مسمى الانسي منها حتى الحمولة و غير ذي الناب، و ليس أحد أفراد النوع المحرم، و أما الطيور فيحرم منها ذو المخلب و ما كان صفيفه أكثر من دفيفه و الممسوخ و فاقد العلامات الثلاثة و ما نص عليه بالخصوص كالغراب، و يحل منه ما كان دفيفه أكثر أو مساويا و ما كان فيه إحدى العلامات الثلاثة مع عدم معارضة شي ء مما يقتضي التحريم، فلم يبق منها شي ء يحتاج فيه إلى الأصل، كما لا يخفى على من أحكم ما قدمناه، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف قد سلف منه أي المحرم شطر في كتاب المكاسب(2)

[الأنواع الخمسة للمحرم منها]
[النوع الأول الميتات]

و نذكر هنا خمسة أنواع:ا

لأول الميتات المقابلة للمذكاة من ذي النفس و غيره و هي محرمة إجماعا بقسميه و كتابا (3) و سنة (4)

و خصوصا ما لا يقبل التذكية منه لنجاسة و غيرها.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 4.
2- 2 راجع ج 22 ص 8- 24.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 338

نعم قد يحل من طاهر العين منها حال حياته ما لا تحله الحياة، فلا يصدق عليه الموت المفروض كونه السبب في التحريم و هو الصوف و الشعر و الوبر و الريش، و هل يعتبر فيها الجز؟ الوجه أنها إن جزت فهي طاهرة بلا إشكال و لا خلاف و إن استلت غسل منها موضع الاتصال، و قيل: لا يحل منها ما يقلع، و الأول أشبه، و القرن و الظلف و السن و البيض إذا اكتسى القشر الأعلى و الانفحة.

و في اللبن روايتان (1) إحداهما الحل، و هي أصحهما طريقا، و الأشبه عند المصنف التحريم، لنجاسته بملاقاة الميت كما قدمنا الكلام في ذلك كله مفصلا في كتاب الطهارة (2)، فلاحظ و تأمل. و إن كان هو من حيث الطهارة و النجاسة إلا أن لازمهما الحل و الحرمة، و لعله ظاهر المصنف و غيره ممن استثناها من حرمة أكل الميتة هنا، بل هو مقتضى الأصول، من غير فرق بين الصوف و الشعر و العظم و غيرها حتى الانفحة، و ما تسمعه في بعض النصوص (3)

من عد العظم في محرمات الذبيحة لم نجد عاملا به من كبراء الأصحاب، و اللَّه العالم.

و إذا اختلط الذكي بالميت وجب الامتناع من أكل ه مع الحصر حتى يعلم الذكي بعينه بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، خصوصا مع الامتزاج، لقاعدة المقدمة المؤيدة

بالنبوي (4)

«ما اجتمع الحلال و الحرام إلا و غلب الحرام الحلال»


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 راجع ج 5 ص 311- 331.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 11.
4- 4 المستدرك- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 5 من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 339

و غيره مما تضمن الاجتناب عن مثله (1)

و استعمال القرعة (2)

و نحوها.

خلافا للمقدس الأردبيلي و بعض من تبعه فجوزه، لدعوى الأصل الممنوعة، كما قررناه في محله، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (3): «كل شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه».

و صحيح ضريس الكناسي (4) سأل أبا جعفر (عليه السلام) «عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين بالروم فآكله؟ فقال: أما ما علمت أنه قد خلطه الحرام فلا تأكله، و أما ما لم تعلم فكله حتى تعلم أنه حرام»

المحمولين- خصوصا الأخير منهما الذي يمكن أن يكون شاهدا للأول- على غير المحصور، و إلا لكان مقتضاه حل الجميع لشخص واحد، و هو مقتض لارتفاع حكم الميتة حينئذ مع الاشتباه بغيرها، و هو معلوم العدم، بل ما تسمعه من نصوص المنع عن بيعه إلا على مستحل الميتة (5)

شاهد على ما قلناه.

و كيف كان ف هل يباع ممن يستحل الميتة؟ قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و ابن حمزة فيما حكي عنه نعم ل

صحيح الحلبي (6)

«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: إذا اختلط الذكي و الميتة باعه ممن يستحل الميتة و أكل ثمنه»

و حسنه عنه (عليه السلام) أيضا (7) أنه «سئل عن رجل كانت له غنم و بقر فكان يدرك المذكى


1- 1 البحار- ج 65 ص 140.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأطعمة المحرمة.
6- 6 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 340

منها، فيعزله و يعزل الميتة، ثم إن الميت و المذكى اختلطا كيف يصنع به؟

قال: يبيعه ممن يستحل الميتة، فإنه لا بأس به».

و مال إليه المصنف في الجملة حيث قال و ربما كان حسنا إن قصد بيع المذكى حسب و كأنه لاحظ الجواب بذلك عما ذكره ابن إدريس و غيره من المنع، لما عرفت من حرمة الانتفاع بالميتة بالبيع و غيره، لأن اللَّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه.

و لكن قد يشكل بما في المسالك من أنه مع عدم التميز يكون المبيع مجهولا و لا يمكن إقباضه، فلا يصح بيعه منفردا، و بأنه قد يأخذ أكثر من ثمن المذكى إذا باع الاثنين ظاهرا، و بأنه يقصد بيع الواحد و المشتري أكثر، و بأنه لو كان مع قصد ذلك يصح البيع لصح بيعه لغير المستحل، و بأن المستحل مشارك لغير المستحل في الحكم الذي هو عدم جواز الانتفاع المقتضي لعدم صحة البيع من غير المستحل، لأن الأصح مخاطبة الكافر بالفروع.

و لعله لذا قال في المختلف تخلصا من ذلك: «إنه ليس بيعا، بل استنقاذ مال الكافر برضاه» و إن كان قد يناقش- مع كونه منافيا لأصالة الحقيقة- بعدم انحصار المستحل لها في غير محترم المال كالذمي و نحوه، و رضاه لا يقتضي جواز المعاملة معه بوجه فاسد حتى يؤثر إباحة ماله الذي فرضنا احترامه.

نعم قد يقال: إن المراد بالبيع في النص مطلق النقل الذي يكون بالصلح و الهبة المعوضة و نحوهما مما لا يشترط فيه المعلومية، أو يقال بالاكتفاء في صحة البيع مع قصد المذكى منهما و إن اشتبه بغيره، خصوصا بعد فرض كونه معلوما لهما، و يكفي في القبض التخلية بينه و بينه، و ليس فيها إعانة على الإثم إذا قبض الكافر الجميع لنفسه، و كونه مكلفا بالفروع لا ينافي

ج 36، ص: 341

صحة البيع، ضرورة عدم اقتضاء وجوب الاجتناب الخروج عن المالية، و لذا لو أتلفه متلف على اشتباهه يضمنه، لعموم الأدلة.

و بالجملة فالمتجه العمل بالخبرين (1)

الجامعين لشرائط الحجية، خصوصا بعد الشهرة المحكية في مجمع البرهان على العمل بهما، و ابن إدريس طرحهما على أصله، بل لا ريب في أولوية ذلك مما في الدروس من الميل إلى تعرفه بالعرض على النار بالانبساط و الانقباض كما سيأتي في اللحم المطروح المشتبه، ل

خبر شعيب (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في رجل دخل قرية فأصاب فيها لحما لم يدر أ ذكي هو أم ميت؟ قال: فاطرحه على النار، فكلما انقبض فهو ذكي، و كلما انبسط فهو ميت»

ضرورة كونه علامة للمطروح الذي لا يعلم كونه بأجمعه مذكى أو ميتة، لا المختلط الذي هو مفروض المسألة، و دعوى عدم الفرق بينهما في ذلك ممنوعة بعد حرمة القياس، على أنه بعد تسليمه يقتضي جواز كل منهما عملا بمجموع النصوص، و اللَّه العالم.

و كلما أبين من حي من أجزائه التي تحلها الحياة فهو ميتة حقيقة أو حكما يحرم أكله و استعماله، و كذا ما يقطع من أليات الغنم، فإنه لا يؤكل، و لا يجوز الاستصباح به بخلاف الدهن النجس بوقوع النجاسة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص مستفيضة فيه (3)

كما تقدم الكلام فيه مفصلا في


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 عن إسماعيل ابن شعيب.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الصيد و الباب- 30- من أبواب الذبائح من كتاب الصيد و الذباحة و الباب- 6- من أبواب ما يكتسب به- من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 342

المكاسب (1) فلاحظ.

[النوع الثاني الطحال و القضيب و الفرث و الدم و الأنثيان من كل ذبيحة]

الثاني: المحرمات من الذبيحة التي لا أجد فيها خلافا معتد به كما اعترف به غير واحد خمس بل الإجماع بقسميه عليها، بل المحكي منهما مستفيض الطحال و القضيب و الفرث و الدم و الأنثيان و اقتصار المفيد و الديلمي في المحكي منهما على ما عدا الفرث و الدم لمعلومية حكمهما للاستخباث و غيره، كما أن التعبير بالكراهة في الطحال و غيره كما عن الإسكافي يراد منها الحرمة.

كل ذلك مضافا إلى النصوص، ففي

مرسل ابن أبي عمير (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث و الدم و الطحال و النخاع و العلباء و الغدد و القضيب و الأنثيان و الحياء و المرارة» و رواه في الخصال أيضا (3). إلا أنه ذكر «الرحم» موضع «العلباء» و «الأوداج» موضع «المرارة» و قال: «أو قال: العروق» و عن نسخة «الغدد» موضع «العلباء».

و خبر إسماعيل بن مرار (4) عنهم (عليهم السلام) «لا يؤكل مما يكون في الإبل و البقر و الغنم و غير ذلك مما لحمه حلال الفرج بما فيه ظاهره و باطنه، و القضيب و البيضتان و المشيمة، و هو موضع الولد، و الطحال لأنه دم، و الغدد مع العروق، و النخاع الذي يكون في الصلب و المرارة و الحدق و الخرزة التي تكون في الدماغ و الدم».


1- 1 راجع ج 22 ص 13- 17.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
3- 3 أشار إليه في الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3 و ذكره في الخصال ج 2 ص 54 ط حجر.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 343

و مرسل الفقيه (1) قال الصادق (عليه السلام): «في الشاة عشرة أشياء لا تؤكل: الفرث و الدم و النخاع و الطحال و الغدد و القضيب و الأنثيان و الرحم و الحياء و الأوداج» و كذلك رواه في محكي الخصال، إلا أنه بعد «أوداج»: «أو قال: العروق» (2).

و مرسل البرقي في المحكي من محاسنه (3)

«حرم من الذبيحة سبعة أشياء- إلى أن قال-: فأما ما يحرم من الذبيحة فالدم و الفرث و الغدد و الطحال و القضيب و الأنثيان و الرحم».

و في

مرفوع أبي يحيى الواسطي (4)

«مر أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة، نهاهم عن بيع الدم و الغدد و آذان الفؤاد و الطحال و النخاع و الخصى و القضيب، فقال له بعض القصابين: يا أمير المؤمنين ما الطحال و الكبد إلا سواء، فقال (عليه السلام): كذبت يا لكع، آتني بتورين من ماء أنبئك بخلاف ما بينهما، فأتى بكبد و طحال و تورين من ماء، فقال: شقوا الكبد من وسطه و الطحال من وسطه ثم أمر فمرستا جميعا في الماء فابيضت الكبد و لم ينقص منها شي ء و لم يبيض الطحال، و خرج ما فيه و صار دما كله».

و خبر إبراهيم بن عبد الحميد (5) عن أبي الحسن (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.
2- 2 أشار قده إلى هذه الرواية بعد نقل مرسل ابن أبي عمير المتقدم في ص 342، و ليس في الخصال في المقام بهذا المضمون إلا رواية واحدة.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 19. و فيه، «حرم من الذبيحة عشرة أشياء.» كما في المحاسن ص 471 طبع طهران 1370 و قد نقله قده كذلك فيما يأتي قريبا بعنوان خبر محمد بن جمهور المروي عن المحاسن و لكن في البحار ج 66 ص 38 نقلا عن المحاسن «حرم من الذبيحة سبعة أشياء.»
4- . 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 344

«حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم و الخصيتان و القضيب و المثانة و الغدد و الطحال و المرارة».

و في

خبر مسمع (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا اشترى أحدكم اللحم فليخرج منه الغدد، فإنه يحرك عرق الجذام».

و مرسل الخصال (2)

«إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كان يكره أكل خمسة: الطحال و القضيب الأنثيان و الحياء و آذان القلب».

و في

خبر محمد بن جمهور المروي عن المحاسن (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «حرم من الذبيحة عشرة أشياء، و أحل من الميتة عشرة أشياء، فأما الذي يحرم من الذبيحة فالدم و الفرث و الغدد و الطحال و القضيب و الأنثيان و الرحم و الظلف و القرن و الشعر، و أما الذي يحل من الميتة فالشعر و الصوف و الوبر و الناب و القرن و الضرس و الظلف و البيض و الأنفحة و الظفر و المخلب و الريش».

بل في

خبر صفوان بن يحيى الأزرق (4)

«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): «الرجل يعطى الأضحية لمن يسلخها بجلدها، قال: لا بأس، إنما قال اللَّه عز و جل فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ (5) و الجلد لا يؤكل و لا يطعم».

و خبر أبان بن عثمان (6)المروي عن العلل «قلت لأبي عبد اللَّه


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 19.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 14.
5- 5 سورة الحج: 22- الآية 36.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 11.

ج 36، ص: 345

(عليه السلام): كيف صار الطحال حراما و هو من الذبيحة؟ فقال:

إن إبراهيم (على نبينا و آله و عليه الصلاة و السلام) هبط عليه الكبش من ثبير و هو جبل في مكة ليذبحه أتاه إبليس فقال له: أعطني نصيبي من هذا الكبش، فقال: أي نصيب لك؟ و هو قربان لربي و فداء لابني، فأوحى اللَّه إليه أن له فيه نصيبا، و هو الطحال لأنه مجمع الدم و الخصيتان لأنهما موضع النكاح و مجرى النطفة، فأعطاه إبراهيم (عليه السلام) الطحال و الأنثيين، قلت: فكيف حرم النخاع؟ قال: لأنه موضع الماء الدافق من كل ذكر و أنثى، و هو المخ الذي في فقار الظهر ثم قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): يكره من الذبيحة عشرة أشياء منها: الطحال و الأنثيان و النخاع و الدم و الجلد و العظم و القرن و الظلف و الغدد و المذاكر، و أطلق في الميتة عشرة أشياء: الصوف و الشعر و الريش و البيض و الناب و القرن و الظلف و الانفحة و الإهاب و اللبن، و ذلك إذا كان قائما في الضرع»

إلى غير ذلك من النصوص (1)

الواردة في الدم و الطحال، و منها الصحيح و غيره.

و لا يخفى عليك دلالة الجميع على الخمسة المتفق عليها، بل و على الثمانية بإضافة الثلاثة التي أشار إليها المصنف بقوله و في المثانة و المرارة و المشيمة تردد، أشبهه التحريم، لما فيها من الاستخباث.

لكن في المسالك بعد ذكر بعض النصوص التي ذكرناها قال: «و كلها ضعيفة السند، و تحريم ما ذكر مجتمع من جملتها، فلذلك لم يحكم المصنف بمضمونها، لقصورها عن إفادة التحريم، فيرجع إلى الأدلة العامة، و قد علمنا منها تحريم الدم و الخبائث و تحليل الطيبات، فما كان منها خبيثا يحرم لذلك، و هو الخمسة التي صدر بها المصنف جازما بها، و في معناها


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 346

الثلاثة التي نقل فيها الخلاف و اختار تحريمها، و هي المثانة و المرارة و المشيمة و علل تحريمها بالاستخباث إشارة إلى ما ذكرناه من عدم دليل صالح على تحريمها بالخصوص، بل ما دل على تحريم الخبائث، و الباقية لا يظهر كونها من الخبائث، فتحريمها ليس بجيد».

و فيه ما لا يخفى من عدم ظهور الخباثة في بعضها، بل لا وجه للتردد في الحرمة معه، كما لا وجه للفتوى بها مع التردد فيها، لعدم تحقق عنوان التحريم حينئذ الذي لا يعارضه عدم تحقق عنوان الحل أيضا، ضرورة اقتضاء ذلك بعد تسليمه الرجوع إلى الأصول، و لا ريب في اقتضاء أصل الحل و البراءة منها عدم الحرمة كما هو واضح.

فالتحقيق كون المستند النصوص المزبورة المنجبر ضعف أسانيدها بالشهرة العظيمة المحققة و المحكية، بل عن المرتضى و ابن زهرة الإجماع على حرمة ما عدا المرارة من الثلاثة، و عن ظاهر الخلاف دعواه أيضا في المثانة، فإذا ثبت بإجماعهم الحكم بالحرمة في ما عدا المرارة ثبت الحكم بها فيها بالقطع باستخباثها، مع احتمال الإجماع المركب، لاتفاق كل من حرم ما عداها في الظاهر على حرمتها، و عدم ذكرها في معقد الإجماع لمعلومية حكمها، كما سمعته في الفرث و الدم، أو لاستبعاد أكلها أو لغير ذلك.

و في الرياض «و من هنا يمكن دعوى عدم الخلاف في حرمتها و حرمة المشيمة، لأن الأصحاب ما بين مصرح بحرمة الأربعة عشر مع المشيمة كما عليه الحلي و القواعد و الدروس و اللمعة، و نسبه في الروضة إلى جماعة ممن تأخر عن الحلي، و مفت بحرمتها خاصة من دون ذكر المثانة، كالشيخ في النهاية و جملة ممن تبعه، كالقاضي و ابن حمزة، بل في المختلف و التحرير نسبته إلى المشهور، و مفت بحرمة هذه الثلاثة مع الخمسة، كالشرائع

ج 36، ص: 347

و المسالك و غيرهما، و مفت بحرمة الثمانية مع الفرج، كالفاضل في الإرشاد و التحرير و المختلف» إلى آخره.

قلت: الذي وقفنا على حكايته ممن تقدم على المصنف أن المفيد و سلار قالا: «لا يؤكل الطحال و القضيب و الأنثيان» و لم يذكرا غيرها و المرتضى قال: «انفردت الإمامية بتحريم الطحال و القضيب و الخصيتين و الرحم و المثانة» و زاد عليه في الخلاف «الغدد و العلباء و الخرزة» و عن أبي الصلاح و ابن زهرة «يحرم سبعة: الدم و الطحال و القضيب و الأنثيان و الغدد و المشيمة و المثانة» و قال الشيخ في النهاية و تبعه ابن حمزة: «يحرم أربعة عشر:

الدم و الفرث و الطحال و المرارة و المشيمة و الفرج ظاهره و باطنه و القضيب و الأنثيان و النخاع و العلباء و الغدد و ذات الأشاجع و الحدق و الخرزة». و نقص ابن البراج الدم لظهوره، و زاد ابن إدريس المثانة، فهي عنده خمسة عشر، و اختاره الفاضل ناسبا له إلى أكثر علمائنا، و عن الإسكافي «يكره من الشاة أكل الطحال و المثانة و الغدد و النخاع و الرحم و القضيب و الأنثيين».

و بعد تسليم إرادة الخلاف فأقصاه خلاف السيدين، و هو لا يقدح في الإجماع، كما لا يقدح فيه ما عن الحلبي من التعبير بكراهتها، و كذا الإسكافي ضاما إليها الطحال و المثانة و الرحم و القضيب و الأنثيين، مع احتمال أو ظهور إرادتهما الحرمة منها، على أنه محجوج بالنصوص المزبورة المجبورة بما عرفت.

و لا يقدح تعارضها بالمفهوم و المنطوق باعتبار اقتضاء الحل في بعض و الحرمة في آخر، ضرورة أنه بعد تسليم صلاحية معارضة المفهوم للمنطوق فأقصاه كونه من باب العام و الخاص الذي يجب فيه تحكيم الثاني على الأول كما هو مقرر في محله.

و بذلك كله اتضح لك وجه الحرمة في الثمانية المزبورة، و به يخص

ج 36، ص: 348

عموم ما دل على الحل من عموم الكتاب (1) و السنة (2)

كما هو واضح.

بل لا يبعد حرمة غيرها من تمام الخمسة عشر عدا ذات الأشاجع منها و إن قال المصنف أما الفرج و النخاع و العلباء و الغدد و ذات الأشاجع و خرزة الدماغ و الحدق فمن الأصحاب من حرمها، و الوجه الكراهية إلا أن الأقوى خلافه، للنصوص المزبورة المنجبرة بالشهرة المحكية عن المختلف و التحرير و إجماع ظاهر الخلاف على الغدد و العلباء و خرزة الدماغ و صريح الغنية على الأولين مع عدم تبين خلاف شي ء من ذلك، خصوصا مع إمكان إرادة المقتصر على البعض بيان أن ذلك محرم منها، لا انحصار التحريم فيما ذكره، سيما مع تركه الدم و الطحال المعلوم حرمتهما، و كذا المرارة، بل قد يقال: إن ثبوت الاثنين أو الثلاثة بالإجماع المزبور يقتضي ثبوت الجميع، لعدم القائل بالفصل.

كل ذلك مضافا إلى ما في الرياض من أن الأول مروي في الخصال بسند صحيح على الظاهر، و خبر إبراهيم بن عبد الحميد منها مروي في المحاسن بسند موثق، و خبر إسماعيل بن مرار ليس فيه ما يتوقف فيه إلا إسماعيل الذي ذكر في الرجال ما يستأنس به للاعتماد عليه، و إلى غير ذلك من تعاضد النصوص، و روايتها في الكتب الأربع و غيرها، و عمل الجميع بها في الجملة، بل عمل بها من لا يعمل بأخبار الآحاد، كابن إدريس و غيره، و هو يقضي بتواترها إليه أو القطع بمضمونها، و لا يقدح تعارض مفهوم بعضها مع منطوق الآخر بعد تحكيمه عليه لو سلم معارضته له، فلا محيص عن العمل بها، نعم لم أقف على ما تضمن ذات الأشاجع منها، فيتجه الحكم بحلها، اللهم إلا أن يتمم الحكم فيها بعدم القول بالفصل.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11 و غيره- من أبواب الذبائح من كتاب الصيد و الذباحة.

ج 36، ص: 349

على أن المراد بها غير معلوم، فإن الأشاجع كما عن الجوهري أصول الأصابع التي يتصل بعصب ظاهر الكف، و الواحد «أشجع» بفتح الهمزة و حينئذ فذات الأشاجع مجمع تلك الأصول، و في مجمع البرهان «الظاهر أن الأشاجع و ذات الأشاجع واحد، و لكن لا توجد المذكور في كل البهائم المحللة، إلا أن يقال: هي أصول الأصابع و الظلف و غيره، فتوجد في الغنم و الإبل و البقر، و يمكن وجودها بالمعنى الأول في الطيور و يشكل تميزها». قلت: و يسهل الخطب ما عرفت من عدم الدليل على حرمتها.

و أما خرزة الدماغ فعن الفقهاء أنه حبة في وسط الدماغ بقدر الحمصة إلى الغبرة ما هو (تميل إلى الغبرة في الجملة خ ل) يخالف لون الدماغ، أي المخ الذي في الجمجمة.

و الحدق جمع حدقة، و هي سواد العين الأعظم.

و المراد بالمشيمة كما في غاية المراد قرينة الولد الذي تخرج معه، و الجمع «مشايم» مثل «معايش» لكن عن القاموس هي محل الولد، كما في الخبر موضع الولد (1)

.

و النخاع عرق مستبطن الفقار، و هو أقصى حد الذبح.

و العلباوان عصبتان عريضتان صفراوان ممدودتان من الرقبة على الظهر إلى الذنب.

ثم إن الظاهر من إطلاق المصنف و غيره و صريح غير واحد عدم الفرق في الذبيحة بين الكبير كالجزور و بين الصغير كالعصفور، لكن في الروضة «يشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميزه، لاستلزام تحريم جميعه أو أكثره للاشتباه، و الأجود اختصاص الحكم بالنعم من


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 350

الحيوان الوحشي دون العصفور و ما أشبهه».

و استجوده في الرياض فيما كان مستند تحريمه الإجماع، لعدم معلومية تحققه في العصفور و شبهه، مع اختصاص عبائر جماعة من الأصحاب- كالصدوق و غيره و كجملة من النصوص (1)

- بالشاة و النعم، و عدم انصراف إطلاق باقي الروايات و الفتاوى إليهما، و أما ما كان المستند في تحريمه الخباثة فالتعميم إلى كل ما تحققت فيه أجود، و مع ذلك فالترك مطلقا أحوط.

و فيه أن دليل معظمها أو أجمعها ما سمعته من النصوص و إن تأيدت في بعضها بالخباثة و نحوه، فما ذكره (رحمه اللَّه) لا يرجع إلى حاصل يعول عليه، و التحقيق حرمة الجميع في كل ذبيحة لكن بعد تحقق مسماه أما مع عدم ظهوره فلا، إذ لا يصدق أكله أو أكل شي ء منه حينئذ، إذ لعله غير مخلوق في الحيوان المزبور، مضافا إلى السيرة المستمرة على ذلك، نعم لو علم شيوع أجزاء المحرم منها في جملة اللحم اتجه اجتنابه أجمع.

و ربما يشهد له في الجملة ما تسمعه في الطحال المشوي، و دعوى عدم تناول شي ء من النصوص السابقة للحيوان الصغير إلا في الدم و الطحال أو مع الرجيع بناء على استخباثه ممنوعة، خصوصا بعد الإطلاق في خبر إسماعيل عنهم (عليهم السلام) (2)

و العلم بإرادة المثال من الشاة في غيره لكل حيوان تحقق فيه مسمى المحرمات المزبورة، نعم لا ينكر اختصاصها في الذبيحة.

أما مثل الجراد و السمك فلا، بل لا يعلم خلق كثير من هذه المحرمات


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 8 و 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 351

فيهما أو أجمعها عدا الدم الذي ستعرف الكلام فيه و الرجيع الذي مدار حرمته فيهما على الاستخباث الذي يمكن منعه هنا، خصوصا إذا أكل في جملتها على وجه لا يعد فيه أكل شي ء من الخبيث، لاستهلاكه في ضمن المأكول، و لعل من ذلك ما يقع من فرث الغنم مثلا في لبنها، و إن بقي أجزاء منه بعد إخراجه منه استهلكت فيه، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا خلاف في أنه يكره الكلى و أذنا القلب و العروق بمعنى عدم حرمة شي ء منها، للأصل و غيره الذي لا يعارضه النهي عن العروق و آذان القلب في بعض النصوص (1)

المزبورة التي لا جابر لها في ذلك، بل الاتفاق ظاهرا على عدم إرادة الحرمة منه، فلا محيص عن حمله على الكراهة.

بل لم نعثر في الكلي منها إلا على

مرسل سهل عن بعض أصحابنا (2)

«إنه كره الكليتين، و قال: إنما هما مجتمع البول»

و هو مع كونه مرسلا و مضمرا غير صريح في إرادة الحرمة بها، خصوصا بعد

خبر محمد بن صدقة (3) عن الكاظم عن آبائه (عليهم السلام) «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لا يأكل الكليتين من غير أن يحرمهما، لقربهما من البول»

الصريح في الكراهة و نحوه المروي عن العيون بأسانيده عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) (4)

و بعد ما عن المرتضى في الانتصار من الاتفاق على كراهتهما، و اللَّه العالم.

و لو شوى الطحال مع اللحم و لم يكن مثقوبا لم يحرم اللحم و إن كان تحته. و كذا لو كان اللحم فوقه لم يحرم و إن كان الطحال


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3 و 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 17.

ج 36، ص: 352

مثقوبا أما لو كان مثقوبا و كان اللحم تحته حرم بلا خلاف أجده ل

موثق عمار (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) و قد سئل عن الجري يكون في السفود مع السمك، فقال: «يؤكل ما كان فوق الجري و يرمى ما سال عليه الجري، قال: و سئل عن الطحال في سفود مع اللحم و تحته الخبز و هو الجوذاب، أ يؤكل ما تحته؟ قال: نعم يؤكل اللحم و الجوذاب، و يرمى بالطحال، لأن الطحال في حجاب لا يسيل منه، فان كان الطحال مثقوبا أو مشقوقا فلا تأكل ما يسيل عليه الطحال».

و في الفقيه (2) قال الصادق (عليه السلام): «إذا كان اللحم مع الطحال في سفود أكل اللحم إذا كان فوق الطحال، فان كان أسفل من الطحال لم يؤكل، و يؤكل جوذابه، لأن الطحال في حجاب، و لا ينزل منه إلا أن يثقب، فان ثقب سال منه و لم يؤكل ما تحته من الجوذاب فان جعلت سمكة يجوز أكلها مع جري أو غيرها مما لا يجوز أكله في سفود السمك أكلت التي لها فلوس إذا كانت في السفود فوق الجري و فوق التي لا تؤكل، فان كانت أسفل من الجري لا تؤكل».

و في مجمع البرهان «هي مرسلة فيه».

و قريب منها رواية ضعيفة في التهذيب (3)

و

الكافي (4) أيضا و زيد «سئل عن الطحال يحل أكله، قال: لا تأكل فهو دم» و زيد أيضا قوله: «و تحته خبز و هو الجوذاب»

و بالجملة بينهما مغايرة، و لكن ليست بمعنوية، و ظاهره أنها غير خبر عمار.

و في الوافي «السفود بالتشديد: الحديدة التي يشوى بها اللحم، و الجوذاب بالضم: خبز أو حنطة أو لبن و سكر و ماء نارجيل علقت


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 353

عليها لحم في تنور حتى تطبخ».

بل عن الصدوقين عدم أكل اللحم إذا كان أسفل من الطحال مطلقا بخلاف الجوذاب، فيؤكل مع عدم الثقب، و لا يؤكل مع الثقب، و إن كان هو كما ترى غير واضح الوجه مع شذوذه، بل مخالف للنص المؤيد بالاعتبار المشتمل على التعليل القاضي بعدم الفرق بين الطحال و غيره مما لا يؤكل، و من هنا كان المحكي عن الصدوقين و ابن حمزة مساواة غير الطحال مما لا يؤكل كالجري في اعتبار العلو و السفل، مضافا إلى التصريح به في صدر الموثق.

خلافا للفاضل في محكي المختلف، فخص الحكم بالطحال استضعافا للرواية التي هي من قسم الموثق الذي فرغنا من حجيته في الأصول، سيما بعد الاعتضاد هنا بالشهرة أو عدم الخلاف، و باتحاد الحكم فيهما، و هو سيلان أجزاء من المحرم على المحلل.

و من هنا كان المتجه تقييد الحكم بالتحريم في المسألتين بصورة إمكان السيلان من الأعلى المحرم إلى الأسفل المحلل، فلو قطع بعدم السيلان لم يحرم، للأصل بعد انسياق السيلان من مورد النص و الفتوى، بل قد عرفت التعبير به في الموثق الذي وجهه اختلاط أجزاء ما يحرم أكله مع ما يحل، بل لو فرض حصول ذلك مع فرض كون المحلل فوق المحرم إلا أن بينهما مماسة على وجه تحصل الممازجة في بعض الأجزاء اتجه التحريم أيضا، إلا أن المتجه بناء على ذلك تحقق السيلان المقتضي للتحريم.

لكن في الرياض «أن إطلاق النص و الفتوى يقتضي الحرمة مع الشك في السيلان، مع احتمال تقييدهما بصورة القطع به أو ظهوره، فيحل في غيرهما عملا بالأصل، و لا ريب أن التجنب أحوط». و فيه أن إلحاق الظهور بالقطع محتاج إلى الدليل بناء على التقييد المزبور.

ج 36، ص: 354

بقي شي ء: و هو أنه قد يظهر من الموثق عدم الاكتفاء في الحرمة في الطحال بالثقب الحاصل من السفود الذي هو السيخ في عرفنا، و لكن إطلاق الفتوى بخلافه، و لذا فرض فيها الشوي مع الطحال من دون كونه في سفود، و لا ريب أن الاجتناب هو الأحوط أو الأقوى، ضرورة عدم الفرق في الثقب بين كونه من السفود أو غيره، و اللَّه العالم.

[النوع الثالث الأعيان النجسة]

الثالث: الأعيان النجسة أصالة كالعذرات النجسة و غيرها بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى السنة المقطوع بها إن لم تكن متواترة اصطلاحا، بل لعل التعليل في قوله تعالى (1):

«فَإِنَّهُ رِجْسٌ» دال عليه بناء على إرادة النجس منه، مضافا إلى الاستخباث في جملة منها.

و كذا يحرم كل طعام مزج بالخمر أو النبيذ المسكر أو الفقاع و إن قل، أو وقعت فيه نجاسة و هو مائع كالبول، أو باشره الكفار و إن كانوا أهل ذمة على الأصح من كونهم نجسين، كما ذكرنا الكلام فيه مفصلا في كتاب الطهارة (2) فينجس حينئذ الطعام المائع إذا باشروه فيحرم أكله، لكونه كالنجس بالنسبة إلى ذلك بلا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه أيضا، بل النصوص الواردة في اجتناب السمن الواقع فيه فأرة و غيره (3)

كادت تكون متواترة، بل هو من القطعيات إن لم يكن من الضروريات.

و كذا يجب اجتناب كل طعام امتزج بشي ء من النجس أو المتنجس


1- 1 سورة الأنعام: 6- الآية 145.
2- 2 راجع ج 6 ص 41- 44.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الأطعمة المحرمة و الباب- 6- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 355

إذا كان محصورا، للمقدمة، بل و لغيرها مع فرض عدم انفكاك المتناول عن جزء من المحرم، كما هو واضح، و اللَّه العالم.

[النوع الرابع الطين]

الرابع: الطين بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص الواردة فيه المشتملة على كون أكله من مكائد الشيطان (1)

و مصائده الكبار و أبوابه العظام (2)

و من الوسواس (3)

و يورث السقم في الجسد و يهيج الداء (4)

و يورث النفاق (5)

و يوقع الحكمة في الجسد و يورث البواسير و يهيج داء السوداء و يذهب بالقوة من الساقين و القدمين (6)

و أنه مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير (7)

و أن من أكله ملعون (8)

و أن من أكله فمات فقد أعان على نفسه (9)

و لا يصلى عليه (10)

و أن من أكله و ضعف عن قوته التي كانت قبل أن يأكله و ضعف عن العمل الذي كان يعمله قبل أن يأكله حوسب على ما بين ضعفه و قوته و عذب عليه (11)

و أن اللَّه تعالى شأنه خلق آدم من طين فحرمه على ذريته (12)

و أنه أكل لحوم الناس و خصوصا طين الكوفة، ل

قول الصادق (عليه السلام) (13): «من أكل طينها فقد أكل لحوم الناس، لأن الكوفة كانت أجمة ثم كانت مقبرة ما حولها»

و غير ذلك.

لكن في المسالك «المراد بها ما يشمل التراب و المدر» بل في مجمع البرهان «المشهور بين المتفقهة تحريم التراب و الأرض كلها حتى الرمل


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 13 و فيه «و يهيج عليه داء السوء» كما في البحار ج 60 ص 150.
7- 7 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 11.
8- 8 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 15.
9- 9 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
10- 10 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
11- 11 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
12- 12 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
13- 13 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 15.

ج 36، ص: 356

و الأحجار» و في الرياض ما حاصله من أنه يستفاد من استثناء طين قبر الحسين (عليه السلام) منه نصا (1)

و فتوى عموم الحرمة للتراب الخالص و الممزوج بالماء الذي هو معناه الحقيقي لغة و عرفا، مضافا إلى تعليل التحريم بالإضرار للبدن الوارد في بعض النصوص (2)

و الفتاوى بناء على حصول الضرر في الخالص قطعا، و منه يظهر وجه ما اشتهر بين المتفقهة من حرمة التراب و الأرض كلها حتى الرمل و الأحجار، و ضعف ما أورد عليهم من أن الذكور في النصوص الطين الذي هو حقيقة في التراب الممزوج بالماء، إلا أن يخص الإيراد بصورة القطع بعدم ضرر هذه الأشياء، و هو حسن إن صح ثبوتها، مع أن الظاهر عدمها، بل الظن حاصل بضررها مطلقا، فتأمل جيدا.

قلت: هو كما ترى، ضرورة معلومية حرمة أكل الطين تعبدا نصا (3)

و فتوى، و أن ذكر الضرر فيه من حكم حرمته، و من هنا يحرم القليل منه المقطوع بعدم ضرر فيه، فمن الغريب جعل ذلك علة يدور الحكم معها وجودا و عدما. و كأن الذي أوقعه في ذلك تصدير ثاني الشهيدين الاستدلال على حرمته بما فيه من الإضرار الظاهر بالبدن.

و حينئذ فمحل البحث حرمة التراب و نحوه على نحو حرمة الطين، و لا ريب أن مقتضى الأصول عدمها، ضرورة خروجه عن مسماه، إذ هو لغة و عرفا كما اعترف به غير واحد تراب مخلوط بالماء، و عن القاموس «الطين معروف، و الطينة قطعة منه، و تطين: تلطخ به».

و في

خبر معمر بن خلاد (4) عن أبي الحسن (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة.
4- 4 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 357

«قلت له: ما يروي الناس في أكل الطين و كراهته؟ قال: إنما ذلك المبلول، و ذلك المدر»

نعم هو ظاهر في عدم الفرق بين الرطب منه و اليابس الذي هو المدر المشتمل عليه الخبر.

و في

مرفوع أحمد بن أبي عبد اللَّه (1)

«أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) نهى عن أكل المدر»

نعم في مجمع البرهان «لا بد أن يكون ممتزجا أولا به» و فيه أن المدار على صدق الطين عرفا.

و دعوى اقتضاء حرمته حرمة التراب- باعتبار كونه ترابا و ماء و من المعلوم عدم حرمة الثاني- واضحة الفساد، ضرورة رجوعها إلى شبه العلة المستنبطة، كما أن دعوى استثناء التربة الحسينية منه يقتضي ذلك ضرورة كون المستثنى نصا (2)

و فتوى طين القبر، و هو لا يقتضي حرمة التراب في المستثنى منه، و إن قلنا بالشفاء في تربته إلا أن المستثنى من المحرم طين قبره.

قال الصادق (عليه السلام) في مرسل الواسطي (3): «الطين حرام أكله كلحم الخنزير، و من أكله ثم مات منه لم أصل عليه إلا طين القبر، فان فيه شفاء من كل داء، و من أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء».

و قال سعد بن سعد (4): «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الطين، فقال: أ كل الطين حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير إلا طين الحائر، فإن فيه شفاء من كل داء و أمنا من كل خوف».

و في

خبر سماعة بن مهران (5) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.

ج 36، ص: 358

«أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين (عليه السلام) من أكله من وجع شفاه اللَّه»

إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على استثناء طينه التي لا تنافيها نصوص الاستشفاء بتربته (1)

الشاملة له و لغيره من التراب، ضرورة كون المراد من تربته محل قبره الشريف، لا خصوص التراب منه، كما هو واضح، و المستثنى طينه دون ترابه الباقي على أصل الإباحة كغيره من أفراد التراب الذي لا يقيد إلا بالضرر.

و ربما يؤيد الحل السيرة المستمرة على أكل الكمأة و على أكل الفواكه ذات الغبار و غيرها مما لا ينفك الإنسان عنه غالبا، خصوصا في أيام الرياح، بل يمكن القطع بعدم وجوب اجتناب الطعام بوقوع أجزاء تراب أو طين فيه و إن قلت، و اللَّه العالم.

و على كل حال فلا يحل شي ء منه أي الطين عدا الطين من تربة الحسين (عليه السلام) فإنه يجوز الاستشفاء به بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص (2)

فيه مستفيضة أو متواترة، و فيها المشتمل على القسم و غيره من المؤكدات (3).

نعم لا يتجاوز قدر الحمصة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه اقتصارا على المتيقن في مخالفة معلوم الحرمة، و

قول


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7 و الباب- 70- من أبواب المزار- الحديث 1 و 5 و 8 و الباب- 72- منها- الحديث 2 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة و الباب- 70- من أبواب المزار- الحديث 2 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 359

الصادق (عليه السلام) في حسن سدير (1): «و لا تتناول منها أكثر من حمصة، فإن تناول منها أكثر من ذلك فكأنما أكل من لحومنا و دمائنا».

و في الخبر (2) عن أحدهما (عليهما السلام) «إن اللَّه تعالى خلق آدم من الطين فحرم الطين على ولده، قال: قلت: فما تقول في طين قبر الحسين بن علي (عليهما السلام)؟ قال: يحرم على الناس أكل لحومهم و يحل لهم أكل لحومنا، و لكن اليسير من مثل الحمصة».

و في مرسل المصباح (3)

«أن رجلا سأل الصادق (عليه السلام) فقال: إني سمعتك تقول: إن تربة الحسين (عليه السلام) من الأدوية المفردة، و إنها لا تمر بداء إلا هضمته، فقال: قد كان ذلك أو قلت ذلك، فما بالك؟ فقال: إني تناولتها فما انتفعت بها، قال (عليه السلام):

إن لها دعاء، فمن تناولها و لم يدع به و استعملها لم يكد ينتفع بها، قال:

فقال له: ما أقول إذا تناولتها؟ قال: تقبلها قبل كل شي ء، و تضعها على عينك، و لا تتناول منها أكثر من حمصة، فإن من تناول أكثر من ذلك فكأنما أكل من لحومنا و دمائنا، فإذا تناولت فقل: اللهم إني أسألك بحق الملك الذي قبضها و أسألك بحق الملك الذي خزنها، و أسألك بحق الوصي الذي حل فيها أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تجعله


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6 عن حنان بن سدير و فيه «من أكل من طين قبر الحسين عليه السلام غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا» كما نقله قده كذلك في ص 368. و ما ذكر من المتن فهو مرسلة الشيخ قده في المصباح المتهجد التي رواها في الوسائل بعد حسن حنان بن سدير، كما هو كذلك في البحار ج 101 ص 135 أيضا، و سيأتي ذكر المرسل في الجواهر بعد أسطر.
2- 2 الوسائل- الباب- 72- من أبواب المزار- الحديث 1 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.

ج 36، ص: 360

شفاء من كل داء، و أمانا من كل خوف، و حفظا من كل سوء، فإذا قلت ذلك فاشددها في شي ء، و اقرأ عليها إنا أنزلناه، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها هو الاستئذان عليها، و قراءة إنا أنزلناه ختمها».

نعم ظاهر المصنف و غيره الاقتصار على الشرط المزبور لتناولها، لكن في كشف اللثام بعد أن روى المرسل المزبور قال: «و هو يعطي اشتراط الاستشفاء بها بالدعاء و القراءة، و قوله: «فإذا قلت ذلك فاشددها» إلى آخره يعطي أن يكون المراد بالتناول الأخذ من القبر لا الأكل» و فيه أن دلالته على الكمال أقوى من وجوه.

ثم قال: «و عن جابر الجعفي (1)

«أنه شكا إلى الباقر (عليه السلام) علتين متغايرتين (متضادتين خ ل) كان به وجع الظهر و وجع الجوف، فقال (عليه السلام) له: عليك بتربة الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: فقلت: كثيرا ما استعملها و لا تنجح في، قال: فتبينت في وجه سيدي و مولاي الغضب، فقلت: يا مولاي أعوذ بالله من سخطك، و قام فدخل الدار و هو مغضب، فأتى بوزن حبة في كفه فناولني إياها، ثم قال: استعمل هذه يا جابر، فاستعملتها، فعوفيت لوقتي، فقلت:

يا مولاي ما هذه التي استعملتها فعوفيت لوقتي؟ فقال: هذه التي ذكرت أنها لم تنجح فيك شيئا، فقلت: و اللَّه يا مولاي ما كذبت فيما قلت، و لكن لعل عندك علما فأتعلمه منك، فيكون أحب إلى مما طلعت عليه الشمس، قال: فإذا أردت أن تأخذ من التربة فاعمد إليها آخر الليل، و اغتسل بماء القراح، و البس أطهر ثيابك، و تطيب بسعد، و ادخل فقف عند الرأس فصل أربع ركعات، تقرأ في الأولى الحمد مرة و إحدى عشرة مرة قل يا أيها الكافرون، و في الثانية الحمد مرة و إحدى عشرة مرة


1- 1 المستدرك- الباب- 56- من أبواب المزار- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 361

إنا أنزلناه، و تقنت و تقول في قنوتك: لا إله إلا اللَّه حقا حقا، لا إله إلا اللَّه عبودية و رقا، لا إله إلا اللَّه وحده وحده أنجز وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده، سبحان اللَّه مالك السماوات و ما فيهن و ما بينهن سبحان اللَّه رب العرش العظيم، و الحمد للَّه رب العالمين، ثم تركع و تسجد ثم تصلي ركعتين أخراوين، تقرأ في الأولى الحمد مرة و إحدى عشرة مرة قل هو اللَّه أحد، و في الثانية الحمد مرة و إحدى عشرة مرة إذا جاء نصر اللَّه و تقنت كما قنت في الأولتين، ثم تسجد سجدة الشكر، و تقول ألف مرة:

شكرا، ثم تقوم و تتعلق بالتربة و تقول: يا مولاي يا ابن رسول اللَّه إني آخذ من تربتك بإذنك، اللهم فاجعلها شفاء من كل داء، و عزا من كل ذل، و أمنا من كل خوف، و غنى من كل فقر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات، و تأخذ بثلاث أصابع ثلاث مرات، و تدعها في خرقة نظيفة أو قارورة زجاج، و تختمها بخاتم عقيق عليه ما شاء اللَّه لا قوة إلا باللَّه استغفر اللَّه، فإذا علم اللَّه منك صدق النية لم يصعد معك في الثلاث قبضات إلا سبعة مثاقيل، و ترفعها لكل علة، فإنها تكون مثل ما رأيت».

قال: «و نحو ذلك خبر آخر (1)

إلا أن فيه في أولى كل من الركعتين إحدى عشرة مرة سورة الإخلاص من بعد الحمد، و ليس فيه القنوت، و روي (2)

لأخذ التربة غير ذلك من القراءة و الدعاء بلا تعرض لصلاة أو غسل» قلت: و هو أعظم شاهد على إرادة الكمال.

ثم قال: «و في

الكامل لابن قولويه مسندا عن محمد بن مسلم (3)

إنه كان وجعا فأرسل إليه أبو جعفر (عليه السلام) شرابا مع الغلام


1- 1 البحار- ج 101 ص 137.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب المزار- الحديث 1.
3- 3 البحار- ج 101 ص 120.

ج 36، ص: 362

مغطى بمنديل، فناوله الغلام إياه، و قال: اشربه فإنه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه، قال: فتناولته فإذا فيه رائحة المسك و إذا شراب طيب الطعم بارد، فلما شربته، قال لي الغلام: يقول لك مولاي:

إذا شربت فتعال، فتفكرت فيما قال لي و ما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي، فلما استقر الشراب في جوفي فكأنني نشطت من عقال، فأتيت بابه و استأذنت عليه، فصوت إلى: صح الجسم أدخل، فدخلت عليه و أنا باك، فسلمت عليه و قبلت يده و رأسه، فقال: و ما يبكيك يا محمد؟ فقلت: جعلت فداك أبكي على اغترابي و بعد الشقة و قلة القدرة على المقام عندك أنظر إليك، فقال لي- إلى أن قال-: يا محمد إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبور آبائي، و هو أفضل ما استشفي به فلا تعدو أدبه، فإنا نسقيه صبياننا و نساءنا، فنرى فيه كل خير، فقلت:

جعلت فداك إنا لنأخذ منه و نستشفي به، فقال: يأخذ الرجل فيخرجه من الحائر و قد أظهره، فلا يمر بأحد ممن به عاهة و لا دابة و لا شي ء به آفة إلا شمه فتذهب بركته، فيصير بركته لغيره، و هذا الذي نتعالج به ليس هكذا، و لو لا ما ذكرت لك ما تمسح به شي ء و لا شرب منه شي ء إلا أفاق من ساعته، و ما هو إلا كالحجر الأسود أتاه أصحاب العاهات و الكفر و الجاهلية، و كان لا يتمسح به أحد إلا أفاق، و كان كأبيض ياقوتة فاسود حتى صار إلى ما رأيت، فقلت: جعلت فداك و كيف أصنع به؟ فقال: أنت تصنع به مع إظهارك إياه ما يصنع غيرك، تستخف به فتطرحه في خرجك (و في أشياء دنسة خ) فيذهب ما فيه مما تريد به، فقلت: صدقت جعلت فداك، قال: ليس يأخذه أحد إلا و هو جاهل بأخذه، و لا يكاد يسلم للناس، فقلت: جعلت فداك و كيف لي أن آخذه كما تأخذه؟ فقال: أعطيك منه شي ء؟ فقلت: نعم، قال:

ج 36، ص: 363

فإذا أخذته فكيف تصنع به؟ قلت: أذهب به معي، قال: في أي شي ء تجعله؟ قلت: في ثيابي، قال: فرجعت إلى ما كنت تصنع، اشرب عندنا منه حاجتك و لا تحمله، فإنه لا يسلم لك، فسقاني منه مرتين، فما أعلم أني وجدت شيئا مما كنت أجد حتى انصرفت».

و فيه مسندا عن الثمالي (1) قال للصادق (عليه السلام): «جعلت فداك إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين (عليه السلام) يستشفون به هل في ذلك شي ء مما يقولون من الشفاء؟ قال: يستشفى بما بينه و بين القبر على رأس أربعة أميال، و كذلك طين قبر جدي رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) و كذلك طين قبر الحسن و علي و محمد (عليهم السلام) فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم، و جنة مما يخاف، و لا يعدلها شي ء من الأشياء التي يستشفى بها إلا الدعاء، و إنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها و قلة اليقين لمن يعالج بها، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا تعالج كفته باذن اللَّه عن (من خ ل) غيرها مما يعالج به، و يفسدها الشياطين و الجن من أهل الكفر يتمسحون بها، و ما تمر بشي ء إلا شمها، و أما الشياطين و كفار الجن فإنهم يحسدون ابن آدم (عليها يتمسحون بها خ) فيذهب عامة طيبها، و لا يخرج الطين من الحائر إلا و قد استعد له ما لا يحصى منهم، و أنها لفي يدي آخذها و هم يتمسحون بها و لا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحائر، و لو كان من التربة شي ء يسلم ما عولج به أحد إلا بري ء من ساعته، فإذا أخذتها فأكنها، و أكثر عليها ذكر اللَّه عز و جل، و قد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخف


1- 1 ذكر بعض قطعه في الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3 و تمامه في المستدرك في الباب- 53- من أبواب المزار- الحديث 9 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 364

به، حتى أن بعضهم ليطرحها في مخلاة الإبل و البغل و الحمار و في وعاء الطعام و ما يمسح به الأيدي من الطعام و الخرج و الجوالق، فكيف يستشفي به من هكذا حاله عنده؟ و لكن القلب الذي ليس فيه اليقين من المستخف بما فيه صلاحه يفسد عليه عمله».

و من الغريب أنه قال بعد أن رأى هذه الأخبار: «و إذا سمعت الأخبار أشكل عليك الاستشفاء بها ما لم تعلم تحقق الشروط فيها» إذ قد عرفت أنها جميعها آداب لتناولها على الوجه الأكمل في سرعة التأثير و نحوه، لا شرائط لأصل التناول، كما هو مقتضى إطلاق النصوص (1)

و الفتاوى، بل في النصوص المزبورة قرائن متعددة على ذلك. و من هنا قال في الرياض: «لم أقف على مشترط لذلك أصلا، بل صرح جماعة بأن ذلك لزيادة الفضل».

قلت: كأن الأمر من الواضحات، إنما الكلام في المحل الذي يؤخذ منه الطين الشريف، و لا ريب في أن المنساق نفس القبر الشريف أو ما يقرب منه على وجه يلحق به عرفا، و لعله الحائر دون غيره، و يناسبه قاعدة الاقتصار على المتيقن.

و في

خبر يونس بن الربيع (2) عن الصادق (عليه السلام) «إن عند رأس الحسين (عليه السلام) لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام، قال: فأتينا القبر بعد ما سمعنا هذا الحديث فاحتفرنا عند رأس القبر، فلما حفرنا قدر ذراع ابتدرت علينا من رأس القبر مشبه السهلة حمراء قدر الدرهم، فحملناها إلى الكوفة، فخرجنا و أقبلنا نعطي الناس»


1- 1 الوسائل- الباب- 70- من أبواب المزار من كتاب الحج.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 70- من أبواب المزار- الحديث 1 من كتاب الحج و تمامه في الكافي- ج 4 ص 588.

ج 36، ص: 365

و قد سمعت ما ذكره الصادق (عليه السلام) في خروجها من الحائر.

لكن في

مرسل سليمان بن عمر السراج (1) عن الصادق (عليه السلام) «يؤخذ طين قبر الحسين (عليه السلام) من عند القبر على سبعين ذراعا».

و في مرسل آخر له (2)

«على سبعين باعا».

و في

خبر أبي الصباح (3) عنه (عليه السلام) أيضا المروي عن الكامل «طين قبر الحسين (عليه السلام) فيه شفاء و إن أخذ على رأس ميل».

و في

خبر أبي بكر الحضرمي (4) المروي عنه (عليه السلام) في الكتاب المزبور «لو أن مريضا من المؤمنين يعرف حق أبي عبد اللَّه (عليه السلام) و حرمته و ولايته أخذ له من طينه على رأس ميل كان له دواء و شفاء».

و قد سمعت ما في

خبر الثمالي (5) عنه (عليه السلام) من أنه «يستشفى بما بينه و بين القبر على رأس أربعة أميال،»

و في مرسل الحجال (6) عن


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب المزار- الحديث 3 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب المزار- الحديث 4 من كتاب الحج. على رواية ابن قولويه رحمه اللَّه.
3- 3 الوسائل- الباب- 67- من أبواب المزار- الحديث 9- 7 من كتاب الحج.
4- 4 ورد في كامل الزيارات عن أبي بكر الحضرمي روايتان في المقام بلفظ واحد إلا أن في الأولى منهما «و أخذ من طين قبره مثل رأس أنملة كان له دواء» و في الثانية «أخذ له من طينه على رأس ميل كان له دواء و شفاء» كما في الجواهر، و نقل الأولى في الوسائل- الباب- 72- من أبواب المزار- الحديث 4 و لم يتعرض للثانية و انما وردت في كامل الزيارات ص 279 فراجعه.
5- 5 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 67- من أبواب المزار- الحديث 7 من كتاب الحج.

ج 36، ص: 366

الصادق (عليه السلام) «التربة من قبر الحسين (عليه السلام) على عشرة أميال»

و عن علي بن طاوس أنه روي فرسخ في فرسخ (1).

و في كشف اللثام بعد أن ذكر هذه الروايات قال: «و شي ء منها لا يدخل في المتبادر من طين القبر، فالأحوط الاقتصار على المتبادر، لضعف الأخبار».

و في المسالك «و قد استثنى الأصحاب من ذلك تربة الحسين (عليه السلام) و هي تراب ما جاور قبره الشريف عرفا أو ما حوله إلى سبعين ذراعا، و روي إلى أربعة فراسخ (2)

و طريق الجمع ترتبها في الفضل، و أفضلها ما أخذ بالدعاء المرسوم، و ختمها تحت القبة المقدسة بقراءة سورة القدر».

و في الروضة «و المراد بطين القبر الشريف تربة ما جاوره من الأرض عرفا، و روي إلى أربعة فراسخ، و روي ثمانية فراسخ (3)

و كلما قرب منه كان أفضل، و ليس كذلك التربة المحترمة منها، فإنها مشروطة بأخذها من الضريح المقدس أو خارجه كما مر مع وضعها عليه، و أخذها بالدعاء و لو وجد تربة منسوبة إليه حكم باحترامها حملا على المعهود».

و في التنقيح «و هل هي مختصة بمحل أم لا؟ عبارة المصنف تدل على أنها من قبره، و هو على الأفضل، و نقل الشهيد أنها تؤخذ من قبره إلى سبعين ذراعا، و قيل من حرمه و إن بعد، و كلما قرب من القبر


1- 1 البحار- ج 101 ص 131.
2- 2 لم أعثر على رواية أربعة فراسخ أو ثمانية فراسخ، و إنما الموجود في مرفوعة منصور بن العباس التي رواها الشيخ قده في التهذيب و ذكرها في الوسائل- الباب- 67- من أبواب المزار- الحديث 1 من كتاب الحج «حرم الحسين عليه السلام خمس فراسخ من اربع جوانبه»
3- . 3 لم أعثر على رواية أربعة فراسخ أو ثمانية فراسخ، و إنما الموجود في مرفوعة منصور بن العباس التي رواها الشيخ قده في التهذيب و ذكرها في الوسائل- الباب- 67- من أبواب المزار- الحديث 1 من كتاب الحج «حرم الحسين عليه السلام خمس فراسخ من اربع جوانبه»

ج 36، ص: 367

كان أفضل، بل لو جي ء بتربة ثم وضعت على الضريح كان حسنا».

و في الرياض «ثم إن مقتضى الأصل و لزوم الاقتصار فيما خالفه على المتيقن من ماهية التربة المقدسة و هو ما أخذ (1) من قبره أو ما جاوره عرفا، و يحتمل إلى سبعين ذراعا، و أما ما جاوز السبعين إلى أربعة فراسخ أو غيرها مما وردت به الرواية فمشكل إلا أن يؤخذ منه و يوضع على القبر أو الضريح، فيقوى احتمال جوازه حينئذ، نظرا إلى أن الاقتصار على المتيقن أو ما قاربه يوجب عدم بقاء شي ء من تلك البقعة المباركة، لكثرة ما يؤخذ منها في جميع الأزمنة، و سيؤخذ إلى يوم القيامة، و ظواهر النصوص بقاء تربته الشريفة بلا شبهة، و بما ذكرنا صرح جماعة كالفاضل المقداد في التنقيح و شيخنا في الروضة».

و في نهاية المرام للصيمري «يحصل الفرق بين الأرمني و بين تربة الحسين (عليه السلام) بأمور- إلى أن قال-: الثالث أن التربة محترمة لا يجوز تقريبها من النجاسة، و الأرمني ليس بمحترم، و المحترم من التربة الذي لا يجوز تقريب النجاسة منه هو ما أخذ من الضريح أو من خارج و وضع على الضريح المقدس، أما ما أخذ من خارج و لم يوضع على الضريح فإنه لم يثبت له الحرمة إلا أن يأخذه بالدعاء المرسوم و يختم عليه، فيثبت له الحرمة حينئذ».

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا تخلو من بحث من وجوه: منها أن التعليق و الأخذ بالدعاء لا يحقق الإضافة، و المتجه ما ذكرناه في الأكل و إن جاز تناول ما ورد في النصوص (2)

للاستشفاء بالطلي و للتحرز و غيره


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين و كذلك في الرياض، إلا أن الصحيح «هو ما أخذ.» بدون الواو.
2- 2 الوسائل- الباب- 70- من أبواب المزار من كتاب الحج.

ج 36، ص: 368

من المنافع التي تستفاد من النصوص.

و على كل حال فظاهر الفتاوى الاقتصار على استثناء قبر الحسين (عليه السلام) من بين قبورهم (عليهم السلام) حتى النبي (صلى اللَّه عليه و آله) بل المعروف كون ذلك من خواصه، كما ورد به بعض النصوص (1)

لكن قد سمعت ما في خبر الثمالي (2)

و

قوله (عليه السلام) لمحمد بن مسلم (3): «الشراب الذي شربته فيه طين قبور آبائي»

و لكن لم نجد عاملا بذلك على وجه يحل أكله كحل أكل طين القبر، لكن لا بأس بالاستشفاء به بمزجه بماء أو حمله لذلك أو تناول التراب من قبورهم (عليهم السلام) بناء على اختصاص الحرمة في الطين.

و على كل حال فإنما يجوز أكل طين القبر للاستشفاء دون غيره و لو للتبرك في عصر يوم عاشوراء و يومي عيدي الفطر و الأضحى كما هو صريح بعض و ظاهر الباقين، خلافا للمحكي عن الشيخ في المصباح، فجوزه لذلك في الأوقات الثلاثة، لكن لم نقف له على حجة، فضلا عن أن تكون صالحة لمعارضة إطلاق النص و الفتوى، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حنان (4): «من أكل من طين قبر الحسين (عليه السلام) غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا»

هذا كله في طين القبر.

و أما غيره ففي المتن و في الأرمني رواية بالجواز، و هي حسنة، لما فيها من المنفعة للمضطر (المضطر خ ل) إليها قلت: هي

رواية


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب المزار- الحديث 2 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 البحار- ج 101 ص 120.
4- 4 الوسائل- الباب- 95- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.

ج 36، ص: 369

أبي حمزة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) المروي عن طب الأئمة «إن رجلا شكا إليه الزحير، فقال له: خذ من الطين الأرمني، و أقله بنار لينة و استف منه فإنه يسكن عنك».

و عنه (عليه السلام) أيضا (2) أنه قال «في الزحير تأخذ جزءا من خريق أبيض و جزءا من بزر القطونا و جزءا من صمغ عربي و جزءا من الطين الأرمني يقلى بنار لينة و يستف منه».

و في المرسل عن مكارم الأخلاق للطبرسي (3)

«سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن طين الأرمني يؤخذ منه للكسير و المبطون أ يحل أخذه؟

قال: لا بأس به، أما أنه من طين قبر ذي القرنين، و طين قبر الحسين (عليه السلام) خير منه».

و هي على ضعفها و عدم الجابر لها لا دلالة في الأخير منها على الأكل اللهم إلا أن ينساق من المبطون فيه باعتبار تعارف أكله دواؤه، بل و لا في الأول منها على الأكل نحو أكل طين القبر، بل أقصاه جواز أن يستف به دواء ممزوجا مع غيره بعد خروجه عن مسمى الطين.

و على كل حال فلا ريب في عدم مشروعيته على حسب مشروعية طين القبر بناء على اندراجه في الطين المنهي عنه.

كما أنه لا إشكال في جواز تناوله لدفع الهلاك، و عن الإيضاح نفي الخلاف عن جواز أكله لذلك، قال: «لأن الميتة و الدم أفحش منه و الهلاك يبيحهما، فهذا أولى» بل لا إشكال في جوازه لدفع كل ضرر لا يتحمل مع انحصار الدواء فيه على حسب غيره مما هو أفحش منه.

إنما الكلام في التداوي به مع عدم الانحصار و احتمال النفع على حسب


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 370

غيره من الأدوية، و لا ريب في جوازه مع فرض عدم تناول إطلاق ما دل (1)

على النهي عن الطين لمثله، و لعله كذلك، خصوصا مع ملاحظة السيرة المستمرة على التداوي به من دون ملاحظة الضرورة المسوغة للمحرمات، و لعل هذا هو المراد للمصنف و غيره ممن جوز تناوله للضرورة، لا أن المراد الضرورة المسوغة لغيره من المحرمات، إذ لا خصوصية له حينئذ، و اللَّه العالم.

[النوع الخامس السموم القاتلة]

الخامس: السموم القاتلة قليلها و كثيرها بلا خلاف و لا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه، للنهي (2)

عن قتل النفس و الضرر و غيرهما،

و قال في مرسل تحف العقول (3) عن الصادق (عليه السلام): «كل شي ء يكون فيه المضرة على بدن الإنسان من الحبوب و الثمار حرام أكله إلا في حال الضرورة- إلى أن قال-: و ما كان من صنوف البقول مما فيه المضرة على الإنسان في أكله نظير بقول السموم القاتلة و نظير


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 29 و سورة البقرة: 2- الآية 195.
3- 3 لم أعثر على هذا النهي بعد التتبع في مظانه، و قد ورد الأمر بنزح سبع دلاء أو تحريك ماء البئر لوقوع سام أبرص فيها. راجع الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة. نعم روى في الوسائل- الباب- 64- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2 عن عمار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في حديث «أنه سئل عن العظاءة يقع في اللبن، قال: يحرم اللبن. و قال: إن فيها السم» . و العظاية و العظاءة: دويبة ملساء أصغر من الحرذون تمشي مشيا سريعا ثم تقف. و تعرف عند العامة بالسقاية، و هي أنواع كثيرة. و الظاهر ان العظاءة و الوزغ و السام أبرص من جنس واحد. و لعله قده أراد بالنهي الذي أشار إليه ما ورد في خبر عمار، إلا انه لم يذكر فيه الموت، بل المستفاد منه ان مجرد الوقوع في اللبن موجب للحرمة.

ج 36، ص: 371

الدفلى و غير ذلك من صنوف السم القاتل فحرام أكله».

بل ورد النهي (1)

عن شرب ماء مات فيه سام أبرص، لأن فيه سما.

أما ما لا يقتل القليل منها كالأفيون و السقمونيا في تناول القيراط و القيراطين إلى ربع الدينار في جملة حوائج المسهل فهذا لا بأس به، لغلبة السلامة، و لا يجوز التخطي إلى موضع المخاطرة منه كالمثقال من السقمونيا و الكثير من شحم الحنظل و الشوكران و يقال له: الشيكران بإعجام الشين و إهمالها، و هو نبت له ورق كورق القثّاء، و له زهر أبيض، و بزره كالأنيسون فإنه لا يجوز، لما يتضمن من ثقل المزاج و إفساده و هما معا محرمان.

و في الدروس «نهى الأطباء عن استعمال الأسود من السقمونيا الذي لا ينفرك سريعا و يجلب من بلاد الجرامقة، و عما جاوز الدانقين من الأفيون قالوا: و الدرهمان منه يقتل، و الدرهم يبطل الهضم إذا شرب وحده، و قدروا المأخوذ من شحم الحنظل بنصف درهم، و قالوا: إذا لم يكن في شجرة الحنظل غير واحدة لا تستعمل، لأنها سم».

و بالجملة كلما كان فيه الضرار علما أو ظنا بل أو خوفا معتدا به حرم، نعم لو فرض فعل ذلك للتداوي عن داء جاز و إن خاطر إذا كان جاريا مجرى العقلاء، لإطلاق بعض النصوص.

قال إسماعيل بن الحسن المتطبب (2): «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): إني رجل من العرب و لي بالطب بصر، و طبي طب عربي، و لست آخذ عليه صفدا، قال: لا بأس، قلت له: إنا نبط الجرح و نكوي بالنار، قال: لا بأس، قلت: و نسقي هذه السموم الأسمحيقون


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 134- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 372

و الغاريقون، قال: لا بأس، قلت: إنه ربما مات، قال: و إن مات قلت: نسقي عليه النبيذ، قال: ليس في حرام شفاء».

و قال يونس بن يعقوب (1): «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

الرجل يشرب الدواء و يقطع العرق و ربما انتفع به و ربما قتله، قال:

يقطع و يشرب».

و في

خبر إبراهيم بن محمد (2) عن أبي الحسن العسكري عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قيل للصادق (عليه السلام): الرجل يكتوي بالنار و ربما قتل و ربما تخلص، قال: قد اكتوي رجل على عهد رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) و هو قائم على رأسه».

و قال محمد بن مسلم (3): «سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل يعالج بالكي؟ فقال: نعم إن اللَّه تعالى جعل في الدواء بركة و شفاء و خيرا كثيرا، و ما على الرجل أن يتداوى، و لا بأس به».

و قال يونس بن يعقوب (4): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يشرب الدواء و ربما قتل و ربما سلم منه، و ما يسلم أكثر، فقال: أنزل اللَّه الدواء و أنزل الشفاء، و ما خلق اللَّه تعالى داء إلا و جعل له دواء، فاشرب و سم اللَّه تعالى».

و في

خبر الحسين بن علوان (5) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) عن جابر قال: «قيل: يا رسول اللَّه أ نتداوى؟

قال: نعم، فتداووا، فان اللَّه لم ينزل داء إلا و قد أنزل له دواء، و عليكم بألبان البقر، فإنها ترف من كل الشجر»

إلى غير ذلك، مضافا إلى السيرة المستمرة و غيرها، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 134- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 134- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 134- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 134- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 134- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10.

ج 36، ص: 373

[القسم الخامس في المائعات]

[الأنواع الخمسة للمحرم منها]
[النوع الأول الخمر]

القسم الخامس في المائعات

و المحرم منها خمسة:

الأول: الخمر بلا خلاف فيه بين المسلمين، بل هو من ضروريات دينهم على وجه يدخل مستحله في الكافرين و كذا لا خلاف في أنه يحرم كل مسكر و لو قلنا بعدم تسميته خمرا، بل الإجماع بقسميه عليه، و

في النبوي (1): «كل مسكر خمر، و كل خمر حرام»

و في الصحيح و غيره (2): «إن اللَّه تعالى لم يحرم الخمر لاسمها، و لكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر».

و حينئذ فكلما كان كذلك فهو حرام كالنبيذ المتخذ لذلك و البتع بكسر الموحدة و فتحها مع إسكان المثناة المتأخرة و الفضيخ و النقيع و المزر بتقديم المعجمة على المهملة و غيرها من الأشربة التي تعمل للإسكار، و إنما خصها تبعا للنص، ك

صحيح ابن الحجاج (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المزر


1- 1 المستدرك- الباب- 11- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأشربة المحرمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 374

من الشعير، و النبيذ من التمر»

و في المرسل (1) كالصحيح: «الخمر من خمسة أشياء: من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و العسل».

و المراد بالمسكر: ما وجد فيه طبيعة الإسكار و لو بالكثير منه، فإنه يحرم قليله أيضا بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص فيه إن لم تكن متواترة اصطلاحا فهي مقطوعة المضمون، ففي

الصحيح و غيره (2)

«ما أسكر كثيره فقليله حرام»

و زيد في آخر (3)

«قلت: فقليل الحرام يحله كثير الماء، فرد عليه بكفه مرتين لا. لا»

و في الخبر (4)

«ما تقول في قدح من المسكر يغلب عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره، فقال: لا و اللَّه، و لا قطرة تقطر منه في حب إلا أهريق ذلك الحب».

و كذا لا خلاف في أنه يحرم الفقاع قليله و كثيره بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر أو قطعي، كالنصوص التي فيها أنه خمر مجهول (5)

و أنه الخمر بعينها (6)

و أن حده حد شارب الخمر و أنه خمرة استصغرها الناس (7)

و في بعضها (8)

«كل مسكر حرام و كل مخمر (خمر خ ل) و الفقاع حرام»

بل صرح غير واحد بأنه كذلك و إن لم يكن مسكرا، و لعله لإطلاق النصوص المزبورة، إلا أن التدبر فيه يقتضي كونه من المسكر و لو كثيرة.

أما الصنف الذي لا يسكر منه فلا بأس به، للأصل و غيره، و يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المحرمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 375

إرادة المصنف ذلك بجعل الفقاع معطوف (1) على مدخول الكاف، و منه الذي كان يعمل لأبي الحسن (عليه السلام) في منزله كما في الصحيح (2)

و عن ابن أبي عمير (3)

أنه لا يعمل فقاع يغلي، و لعله من ذلك ذكر غير واحد أنه إنما يحرم مع الغليان الذي هو النشيش الموجب للانقلاب، إلا أن المصنف و غيره أطلق الحكم، و لعله بناء على المتعارف في عمله و إن أمكن منعه، خصوصا بعد

صحيح علي بن يقطين (4)عن الكاظم (عليه السلام): «سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في الأسواق و يباع و لا أدري كيف عمل و لأمتي عمل، أ يحل أن أشربه؟ قال: لا أحبه»

المشعر بالكراهة أو الظاهر فيها لا الحرمة.

بل هو مقتضى القواعد الشرعية التي منها حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، و منها أن كل شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو حلال لك حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه، و بذلك يظهر لك أنه لا يكفي في الحرمة تسميته فقاعا، بل لا بد من العلم بكونه من القسم المحرم.

لكن في المسالك «و الحكم معلق على ما يطلق عليه اسم الفقاع عرفا مع الجهل بأصله أو وجود خاصيته، و هي النشيش، و هو المعبر عنه في بعض الأخبار بالغليان (5)

».

و في الرياض بعد أن جعل المدار على الاسم و حكى عن جماعة التقييد المزبور و استدل له بظاهر الصحيح المزبور الذي اعترف بإشعاره بالكراهة قال: «قيل: و نزله الأصحاب على التحريم، و لا ريب فيه مع إطلاق


1- 1 هكذا في النسختين المخطوطتين: المسودة و المبيضة، و الصحيح «بجعل الفقاع معطوفا».
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 376

الاسم عليه حقيقة عرفا، و أما مع عدمه ففيه إشكال و إن كان الترك أحوط».

و فيه ما عرفت من أنه لا وجه للتنزيل المزبور بعد اشتراك الاسم و وقوع العمل على وجهين، و قاعدة حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح و غير ذلك. على أنه بعد فرض اعتبار الغليان في حرمته يشكل الاكتفاء بالنشيش، ضرورة كونه عرفا للانقلاب بالنار، و كونه المراد به كذلك في العصير- لظهور بعض النصوص (1)

- لا يقتضي كون المراد به هنا كذلك، كما هو واضح.

و على كل حال فليس من المعلوم كونه منه ما تعارف في زماننا استعمال الأطباء له من ماء الشعير المغلي، و اللَّه العالم.

و كذا يحرم العصير العنبي و إن قلنا بطهارته إذا غلى، سواء غلى من قبل نفسه أو بالنار، و لا يحل حتى يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا كما تقدم الكلام فيه و في الزبيبي و التمري و كل عصير مفصلا في كتاب الطهارة (2) فلاحظ و تأمل.

و أما ما مزج بها أو بأحدها و ما وقعت فيه من المائعات فهو حرام بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة عدم تحليل المحرم بالمزج، مضافا إلى تنجيس المائع الذي وقع فيه شي ء من النجس منها، فيحرم حينئذ لذلك، بل الظاهر حرمة الممتزج بالطاهر منها إذا لم تتحقق استحالته إلى غيره من المحلل أو استهلاكه على وجه يلحق بها، و لو للسيرة المستمرة التي تجعلها بحكم غير المحصور من المشتبه، ضرورة عدم حلية المحرم بالاستهلاك بمعنى عدم التمييز بين أجزاء المحلل و المحرم، كما هو واضح. و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 راجع ج 6 ص 13- 37.

ج 36، ص: 377

[النوع الثاني الدم المسفوح]

الثاني: الدم المسفوح المصبوب السائل كالدم في العروق لا كالكبد و الطحال نجس: فلا يحل تناوله و لو قليلا منه، بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر أو قطعي، كالنصوص (1)

التي منها ما تقدم في محرمات الذبيحة المشتملة على تعليل تحريمه بأنه يورث الكلب و القسوة في القلب و الماء الأصفر و البخر و غير ذلك.

نعم ظاهر القيد في العبارة و غيرها بل هو صريح غير واحد حل ما في اللحم منه في الذبيحة، بل في الرياض عن جماعة التصريح بالإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأصل و السيرة المستمرة و قاعدة نفي الحرج في الدين، ضرورة تحققه مع فرض حرمته، لعدم خلو اللحم منه و إن غسل مرات، بل الظاهر إلحاق ما يتخلف في القلب و الكبد، لذلك أيضا و غيره، و إن تردد فيه في المسالك مما سمعت و من الاقتصار بالرخصة المخالفة للأصل على موردها، ثم قال: «و لو قيل بتحريمه في كل ما لا نص فيه و لا اتفاق و إن كان طاهرا لكان وجها، لعموم تحريم الدم و كونه من الخبائث».

و فيه أنه قد اعترف سابقا بتخصيص العموم بمفهوم المسفوح، و منع العلم بخباثته، خصوصا بعد تعارف أكله معهما كاللحم الذي معه ذلك، و قد تقدم في كتاب الطهارة (2) تمام القول في الدم المتخلف، فلاحظ و تأمل. و كذا تقدم في وجه التعبير بالمسفوح مع أن الدم من ذي النفس محرم مطلقا و نجس كذلك من غير فرق بين مسفوحة و غيره إلا ما استثني، اللهم إلا أن يقال: لا دم من ذي النفس إلا مسفوحا،


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 31- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 راجع ج 5 ص 363- 365.

ج 36، ص: 378

أو أن المحرم منه و النجس المسفوح منه خاصة، و هما معا كما ترى، و قد تقدم تفصيل الحال في كتاب الطهارة (1) و حكينا عبارة المنتهى الموهمة ذلك، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف ما ليس بمسفوح مما يخرج من الحيوان غير ذي النفس كدم الضفادع و القراد و إن لم يكن نجسا للأصل و غيره فهو حرام بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن دعوى الإجماع عليه لا لاستخباثه إذ قد يمنع في البعض، بل لكونه تابعا لحرمة الحيوان ذي الدم، ضرورة كونه من أجزائه، أما إذا لم يكن محرم الأكل كالسمك فيمكن منع الحرمة فيه، بل عن المعتبر الإجماع على أكله بدمه، و لعله كذلك للسيرة القطعية عليه و على غيره مما هو مأكول كالجراد و لتناول دليل حل أكله لدمه معه.

و من هنا يظهر لك الفرق بين المأكول و غيره من غير ذي النفس، بل و النظر في جملة من كلمات الأصحاب حتى الفاضل في الرياض و إن أطنب في المقام، قال: «و مقتضى إطلاق المتن مضافا إلى الأصل و العمومات حل ما عدا المسفوح من الدم كدم الضفادع و القراد و السمك، و هو ظاهر جملة من الأصحاب المستدلين به على طهارته، كابني إدريس و زهرة و المختلف، و لعله صريح الماتن في المعتبر في دم السمك، حيث استدل فيه على طهارة دمه بأنه لو كان نجسا لوقفت إباحة أكله على سفح دمه بالذبح، كحيوان البر، لكن الإجماع على خلاف ذلك، و أنه يجوز أكله بدمه، و هو ظاهر في دعوى الإجماع عليه، و لا بأس به في مورد عبارته لما ذكره، مضافا إلى ما مر مع التأمل في خباثته، و يشكل في غيره مما


1- 1 راجع ج 5 ص 354- 362.

ج 36، ص: 379

مر و من القطع بخباثته، فيشمله عموم ما دل (1) على تحريم كل خبيث، و لعل هذا أظهر، وفاقا للأكثر، بل لم أقف فيه على مخالف صريح عدا من مر و من قيد المحرم من الدم بالمسفوح و لم يذكر تحريم غيره كالغنية و التعارض بين عموم ما دل (2) على تحريم كل خبيث و عموم المفهوم فيما قيد فيه المحرم من الدم بالمسفوح و حصر فيه و إن كان تعارض العموم و الخصوص من وجه و الأصل و العمومات ترجح المحلل منهما إلا أن اعتضاد المحرم بعمل الأكثر يرجحه، هذا مع ضعف المحلل بمخالفة مفهوم الحصر فيه الإجماع من الكل، لدلالته على حل ما عدا الميتة و الدم المسفوح و لحم الخنزير، و البناء فيه على التخصيص و حجية الباقي حسن إن بقي من الكثرة ما يقرب من مدلول العام، و ليس بباق بلا كلام، و لا مفر عن هذا المحذور إلا بجعل الحصر منافيا أو منسوخا، و أياما كان يضعف الاستناد إليه في المقام، كما لا يخفى على ذوي الأحلام، و من هنا يتجه ما ذكره شيخنا في المسالك من أن الأصل في الدم التحريم إلا ما خرج بالنص و الوفاق».

و هو على طوله لا حاصل له، بل فيه النظر من وجوه، و التحقيق ما عرفت من الفرق بين المأكول و غيره، بل لا ينبغي التأمل في جواز أكله معه، نعم لو كان منفردا لم يحل، لا للعلم بخباثته، بل لإطلاق ما دل على حرمة الدم كتابا (3) و سنة (4)

الذي يمكن منع منافاة قوله:

«مَسْفُوحاً»* له، بناء على إرادة المراق منه، لا خصوص ما يشخب من الأوداج، فيكون الحاصل حينئذ أن الدم متى كان مجتمعا و ليس بتابع


1- 1 سورة الأعراف: 7- الآية 157.
2- 2 سورة الأعراف: 7- الآية 157.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 380

للحم و نحوه حرم مطلقا، فتأمل جيدا.

و كذا لا إشكال و لا خلاف في حرمة العلقة و إن كانت من المأكول، لأنها نجسة كما صرح به غير واحد، بل عن الخلاف دعوى الوفاق عليه و هو الحجة بعد إطلاق نجاسة الدم الذي قد أشبعنا الكلام فيه في كتاب الطهارة (1).

كما أنه أشبعناه أيضا في نجاسة ما يوجد في البيض من الدم (2) الذي هو إن لم يكن من العلقة فهو نجس أيضا، للإطلاق المزبور، خلافا لما عن الذكرى و المعالم و غيرهما من طهارة العلقة، للأصل بعد عدم انصراف الإطلاق إليها، سيما التي في البيضة مع عدم معلومية تسمية ما فيها علقة فلا تشمله حكاية إجماع الخلاف المتقدم.

و في الرياض «و هو حسن إلا أن نجاسة العلقة من الإنسان بالإجماع المزبور ثابت، و هو يستعقب الثبوت فيما في البيضة، لعدم القائل بالفرق بين الطائفة، فاذن الأشبه النجاسة مطلقا، لكن مع تأمل ما في ثبوتها لما في البيضة، بناء على التأمل في بلوغ عدم القول بالفرق المزبور درجة الإجماع المركب الذي هو حجة، و الاحتياط واضح سبيله».

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا و ما تقدم في كتاب الطهارة (3) فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه هنا و في كتاب الطهارة (4) أن ما لا يدفعه الحيوان المذبوح المأكول لحمه و يستخلف في اللحم طاهر، و ليس بنجس و لا حرام و اللَّه العالم.


1- 1 راجع ج 5 ص 354- 362.
2- 2 راجع ج 5 ص 362.
3- 3 راجع ج 5 ص 362.
4- 4 راجع ج 5 ص 363.

ج 36، ص: 381

و لو وقع قليل من دم (الدم خ ل) نجس (النجس خ ل) كالأوقية فما دون في قدر و هي تغلي على النار فقد روي بل قيل: إنه حل مرقها إذا ذهب الدم بالغليان ففي

صحيح سعيد الأعرج (1) عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أ يؤكل؟ قال: نعم، فان النار تأكل الدم».

و في

خبر زكريا بن آدم(2)

«سألت الرضا (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم و مرق كثير، قال:

يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب، و اللحم اغسله و كله، قلت: فان قطر فيه الدم. قال: الدم تأكله النار إنشاء اللَّه».

و عن المفيد و الشيخ في النهاية و الديلمي و التقي العمل بهما، بل عن المفيد و الديلمي عدم التقييد بالقليل، كما أن المحكي عن الأخير عدم الفرق بين الدم و غيره من النجاسات، و إن كان يرده- مضافا إلى الإجماع المحكي عن التحرير و الدروس، بل لعله الظاهر من غيرهما- صريح الخبر المزبور المشتمل على الفرق بينهما، و منه يعلم عدم إرادة التعدية في التعليل.

و على كل حال ف من الأصحاب و هو الحلي و تبعه المتأخرون من منع الرواية، و هو حسن لشذوذ الأولى بل قيل و ضعفها و إن كان الأصح خلافه، و ضعف الثانية مع عدم الجابر، بل عن القميين رمي بعض رواتها بالغلو و وضع الأحاديث.

بل في كشف اللثام «أن شيئا منهما لا يدل على جواز الأكل قبل الغسل، و إنما ذكر فيهما أن النار تأكل الدم دفعا لتوهم السائل أنه لا يجوز الأكل و إن غسل، لأن الدم ثخين يبعد أن تأكله النار، فهو ينفذ في


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 382

اللحم، فلا يجدي الغسل، و يمكن تنزيل كلام الشيخين عليه، ففي المقنعة و إن وقع دم في قدر تغلي على النار جاز أكل ما فيها بعد زوال عين الدم و تفرقها بالنار، و إن لم تزل عين الدم منها حرم ما خالطه الدم و حل منها ما أمكن غسله بالماء، و في النهاية فإن حصل فيها شي ء من الدم و كان قليلا ثم غلى جاز أكل ما فيها، لأن النار تحيل الدم، و إن كان كثيرا لم يجز أكل ما وقع فيه» و لا بأس به و إن أمكن مناقشته في الاحتمال و التنزيل.

لكن على كل حال لا يخرج بهما عن قاعدة نجاسة المائع بالملاقاة و عدم طهره بالغليان، بل لعل التعليل في الخبر المزبور (1)

يرشد إلى وقوع ذلك من الامام (عليه السلام) على وجه الإقناع لمصلحة من المصالح، كالموافقة لبعض روايات العامة أو بعض مذاهبهم، ضرورة عدم مدخلية أكل النار للدم طهارة المرق (2) الملاقي له، على أنه يقتضي التعدية إلى سائر المائعات غير المرق، و لا أظن القائل يلتزمه، كما أنه لا يلتزم اشتراط بقاء القدر يغلي بالنار إلى أن يعلم أكل النار له، إلى غير ذلك مما لا يصلح انطباق التعليل المزبور عليه.

و لعله لذا حكي عن الفاضل حمل ذلك على الدم الطاهر، و إن نوقش بأنه لا يناسبه التعليل المزبور بناء على حرمة أكله، لأن استهلاكه في المرق إن كفى في حله لم يتوقف على النار، و إلا لم تؤثر النار في حله لكن يدفعه احتمال كون مراد القائل أن التعليل حينئذ إقناعي تكفي فيه أدنى مناسبة، و هي إرادة بيان عدم النفرة من الدم المزبور المستخبث و إن كان طاهرا يأكل النار له، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
2- 2 هكذا في النسختين المخطوطتين المسودة و المبيضة، و الصحيح «في طهارة المرق».

ج 36، ص: 383

هذا كله في المرق أما ما هو جامد كاللحم و التوابل فلا بأس به إذا غسل لإطلاق ما دل (1)

على تطهير المتنجس بالغسل الشامل للمقام، مضافا إلى الخبر (2)

السابق و غيره، و غليانه بالمرق المتنجس لا يمنع ذلك، إذ يمكن تجفيفه ثم غسله، خلافا للمحكي عن القاضي من أنه مع كثرة النجاسة و كونها خمرا لا يؤكل شي ء مما في القدر، سواء كان مائعا أو غيره، و لا ريب في ضعفه، بل يمكن دعوى الإجماع على خلافه، كما لعله يظهر من بعض، و شدة نفوذ الخمر لا تمنع الطهارة بالغسل.

و لا فرق في الغسل بين كونه بالقليل أو الكثير، للإطلاق. اللهم إلا أن يكون من التوابل ما لا يقبل التطهير، لكن عن التنقيح ينبغي غسله بالكثير، و لا يخلو من نظر إن أراد الشرطية مطلقا.

[النوع الثالث كلما حصل فيه شي ء من النجاسات]

الثالث: كلما حصل فيه شي ء من النجاسات كالدم أو البول أو العذرة أو غيرها مما تقدم تفصيلها في كتاب الطهارة أو المتنجس بها حتى الميت قبل غسله، بناء على ما هو الأصح من تعدي نجاسته، و على كل حال فان كان مائعا حرم بلا خلاف و لا إشكال، لصيرورته نجسا بذلك و إن كثر و لا إشكال في حرمة تناول النجس ذاتا أو عرضا.

و لا طريق إلى تطهيره ما عدا الماء منه في ظاهر الأصحاب كما اعترف به في كشف اللثام، بل عن السرائر الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأصل، لعدم تحقق الغسل فيه عرفا، و عدم ثبوت تطهيره بالملاقاة للكثير أو امتزاجه به مع فرض عدم انقلابه إلى الماء الذي ثبت


1- 1 الوسائل- الباب- 2 و 3 و 5 و 7- من أبواب النجاسات من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 384

تطهيره بذلك، و إطلاق الطهورية لا يفيد الكيفية، كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الطهارة (1) و في ضعف ما يحكى عن العلامة من القول بطهارته مطلقا أو الدهن منه بتخلل الماء الكثير في أجزائه بحيث يعلم وصوله الأجزاء فلاحظ و تأمل، بل إطلاق النصوص دال على بطلانه.

لكن في كشف اللثام هنا «و لا يبعد عندي الفرق بين الأدهان و غيرها، فيحكم بطهر الأدهان دون غيرها و إن رأى الأكثر أن طهر الأدهان أبعد، و ذلك لأنها لدسومتها بعد ما تتفرق في الماء تطفو عليه بخلاف سائر المائعات».

و فيه أنه لا يجدى تفرقها مع عدم انقلابه إلى الماء الذي ثبت تطهيره بالملاقاة دون غيره من أجزاء المائع، فإن كل جزء يفرض و إن ضعف لم يحصل له مطهر شرعا، فهو حينئذ كأجزاء نجس العين بالنسبة إلى ذلك، و اللَّه العالم.

و إن كان له أي المائع حالة جمود فوقعت النجاسة فيه جامدا كالدبس الجامد و السمن و العسل ألقيت النجاسة و كشط ما يكتنفها و الباقي حل بلا خلاف فيه نصا و فتوى، و لا إشكال.

قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فان كان جامدا فألقها و ما يليها، و كل ما بقي، و إن كان ذائبا فلا تأكله، و استصبح به، و الزيت مثل ذلك».

و قال الحلبي في الصحيح: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه، فقال: إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذا فان كان الشتاء


1- 1 راجع ج 6 ص 147.

ج 36، ص: 385

فانزع ما حوله و كله، و إن كان الصيف فارفعه حتى يسرج به، و إن كان بردا فاطرح الذي كان عليه، و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه»

إلى غير ذلك من النصوص.

بل الظاهر أن الأمر فيها بطرح ما حوله بناء على علوق أجزاء منه حالة جموده بالميتة، و إلا فلو فرض أن له حالة جمود على وجه لم تعلق منه أجزاء لم يجب طرح ما حوله أيضا، لعدم التنجس، ضرورة كونه من اليابس المحكوم بكونه ذكيا، و هو واضح، كوضوح كون المرجع في الجمود و الذوبان إلى العرف، و اللَّه العالم.

و لو كان المائع المتنجس بملاقاة النجاسة دهنا جاز الاستصباح به تحت السماء بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل و إطلاق النصوص (1)

.

و المشهور بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه أنه لا يجوز تحت الأظلة لكن إطلاق النصوص (2)

يقتضي خلافه، بل في كشف اللثام «لم نظفر بخبر مفصل و لا ناه عن الاستصباح مطلقا أو تحت الأظلة».

قلت: و لعله لذا حكي عن الشيخ جوازه صريحا، و عن ابن الجنيد ظاهرا، بل عن الفاضل في المختلف الجواز أيضا مطلقا، إلا أن يعلم أو يظن بقاء شي ء من عين الدهن، فيحرم تحت الظلال و إن كان في استثنائه نظر واضح، كما تقدم الكلام فيه مفصلا في المكاسب (3).

و على كل حال فعلى تقدير عدم الجواز ف هل ذلك لنجاسة دخانه؟ الأقرب لا وفاقا لظاهر الأصحاب بل هو تعبد محض مع فرض وجود دليل عليه و ذلك لأن دواخن الأعيان


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- 3 راجع ج 22 ص 15 و 16.

ج 36، ص: 386

النجسة و المتنجسة عندنا طاهرة، و كذا كل ما أحالته النار فصيرته رمادا أو دخانا بل أو فحما على تردد و خلاف تقدم الكلام فيه في محله (1) مفصلا.

و ما عن مبسوط الشيخ من أنه لا بد أن يتصاعد من أجزاء الدهن- قبل إحالة النار له- بسبب السخونة المكتسبة من النار، فإذا لقي الظلال أثر بنجاسته، و كأنه الوجه فيما سمعته من استثناء الفاضل في المختلف، و ليس خلافا في ذلك، مع أنه يمكن منعه عليه. و مع تسليمه فلا دليل على تحريم تنجيس ذلك، اللهم إلا أن يكون ذلك من الإسراف باعتبار تنقيص منفعة المال بتنجيسه على وجه يتعذر أو يتعسر تطهيره.

ثم إن الظاهر إرادة ما عدا النفط و نحوه من الدهن و الزيت في النصوص، كما أن الظاهر إلحاق الجامد المتنجس بالمائع فيه.

ثم إنه قد يظهر من المصنف و غيره عدم جواز الانتفاع به في غير ذلك، كطلي الأجرب و نحوه، و هو مبني على عدم جواز الانتفاع بالنجس و المتنجس الذي لم يقبل التطهير إلا ما خرج بدليل خاص و لو سيرة و نحوها إلا أنه لا يخلو من بحث، و قد أشبعنا الكلام فيه في المكاسب (2) أيضا و قلنا: إن العمدة في ذلك الإجماع المحكي و خبر تحف العقول عن الصادق (عليه السلام) (3)

فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فلا خلاف نصا و فتوى في أنه يجوز بيع الأدهان النجسة عارضا و يحل ثمنها، لكن يجب إعلام المشتري


1- 1 راجع ج 6 ص 266- 276.
2- 2 راجع ج 22 ص 8- 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 387

بنجاستها للنص، و هو

خبر معاوية (1) عن الصادق (عليه السلام) «في سمن أو زيت أو عسل مات فيه جرذ، فقال: أما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و أما الزيت فيستصبح به، و قال في بيع ذلك الزيت: يبيعه و يبينه لمن اشتراه ليستصبح به»

و لتحريم الغش و لغير ذلك من غير فرق بين كون المشتري ممن يستحل النجس و عدمه.

خلافا لبعض، فقيد وجوب الاعلام بما إذا كان المشتري مسلما، و إطلاق النص و الفتوى يدفعه.

و لو لم يعلمه بالحال ففي المسالك «ففي صحة البيع و ثبوت الخيار للمشتري على تقدير العلم أو فساده وجهان: من أن البيع مشروط بالإعلام فلا يصح بدونه، و من الشك في كونه شرطا، و غايته أن ينجبر بالخيار، و النهي عن بيعه بدونه لو سلم لا يستلزم الفساد في المعاملات، ثم على تقدير الصحة فهو كبيع المعيب من دون الاعلام بالعيب في ثبوت الأرش و الرد على التفصيل».

قلت: لا دلالة في شي ء من النصوص على اشتراط صحة البيع بذلك حتى الخبر المزبور المشتمل على الأمر بالتبيين، فان أقصاه وجوب الاعلام، لا اشتراط صحة البيع بذلك، بل مقتضى إطلاق الإذن ببيعه عدم اعتبار قصد الاستصباح في البيع من البائع فضلا عن المشتري، و إن كان هو ظاهر قولهم: «يجوز بيعه للاستصباح به» لكن يمكن حمله على إرادة بيان عدم جواز بيعه بقصد الأكل، أو بيان أن فائدة الاستصباح تكفي في جواز بيعه أو غير ذلك.

و مع فرض اعتبار القصد فهل يعتبر بالنسبة للمشتري أيضا؟ يمكن ذلك، بل لعل دلالة الخبر المزبور عليه أظهر من البائع، كما أنه يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 36، ص: 388

اختصاص قصد الفائدة المزبورة في الجواز دون تدهين الأجرب مثلا، لكن في كشف اللثام هنا عدم الفرق بينهما، هذا و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في المكاسب (1) و منه اختصاص الدهن المتنجس بالحكم المزبور دون غيره من المائعات و إن قلنا بجواز الانتفاع بها، و اللَّه العالم.

و كذا الكلام في ما يموت فيه حيوان له نفس سائلة من المائعات، إذ لا فرق بينه و بين غيره من النجاسات. أما ما لا نفس له سائلة كالذباب و الخنافس فلا ينجس بموته و لا ينجس ما يقع فيه بلا خلاف و لا إشكال.

و في

النبوي (2)

«إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فأمقلوه، فان في أحد جناحيه داء و في الآخر دواء».

و في

صحيح أبي بصير (3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن الذباب يقع في الدهن و السمن و الطعام، فقال: لا بأس بأكله (كل خ ل)».

و سئل الصادق (عليه السلام) في خبر عمار (4)

«عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه فقال: كل ما ليس له دم فلا بأس به»

إلى غير ذلك.

لكن في كشف اللثام استثناء المسوخ من ذلك بناء على نجاستها، و فيه أن تحكيم إطلاقهم عدم البأس على إطلاق نجاسة المسوخ أولى من العكس، و اللَّه العالم.


1- 1 راجع ج 22 ص 16.
2- 2 سنن البيهقي- ج 1 ص 252 و 253.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 36، ص: 389

هذا و قد استقر المذهب الآن بل و قبل الآن على أن الكفار أنجاس كالكلاب و الخنازير ينجس المائع بمباشرتهم له سواء كانوا أهل الحرب أو أهل ذمة و إن كان قول المصنف هنا على أشهر الروايتين (1)

مشعرا بنوع تردد فيه، بل منه تحير بعض المتأخرين عنه، فوسوس في الحكم أو مال إلى الطهارة مطلقا أو أهل الكتاب خاصة.

لكن قد تقدم في كتاب الطهارة (2) ما يرفع الوسوسة المذكورة الناشئة من اختلال الطريقة، خصوصا بعد شهرة الطهارة بين العامة الذين جعل اللَّه الرشد في خلافهم، و صدر بعض الأخبار (3)

تقية منهم.

و كذا لا يجوز استعمال أوانيهم التي استعملوها في المائعات إلا بعد غسلها، لنجاستها حينئذ باستعمالهم و روي أنه إذا أراد مؤاكلة المجوسي أمره بغسل يده و هو و إن كانت صحيحة-

قال العيص (4): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن مؤاكلة اليهود و النصارى، فقال:

لا بأس إذا كان من طعامك، و سألته عن مؤاكلة المجوسي، فقال:

إذا توضأ فلا بأس».

و في صحيحة القاسم (5)

«أنه سأله عن مؤاكلة اليهودي و النصراني و المجوسي، فقال: إن كان من طعامك و توضأ فلا بأس»

- و لكنها هي رواية شاذة لم نجد عاملا بها إلا ما يحكى عن الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار لا كتاب فتوى.

مع أن المحكي عنه فيها أنه صرح قبل ذلك بأسطر قليلة بأنه «لا يجوز مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم، و لا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها


1- 1 الوسائل- الباب- 52 و 53- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 راجع ج 6 ص 41- 46.
3- 3 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 عن عيص بن القاسم.

ج 36، ص: 390

بالماء، و أن كل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم و باشروه بنفوسهم لم يجز أكله، لأنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إياه» فلا بد حينئذ من حمل كلامه المتأخر عن ذلك على إرادة المؤاكلة التي لا تستلزم تعدي النجاسة، و الأمر بغسل اليد حينئذ لازالة النفرة مما يكون غالبا في أيديهم من مباشرة القذارات، كما عن المصنف التصريح بذلك في نكت النهاية، بل لا يبعد حمل الصحيح المزبور على ذلك، و اللَّه العالم.

هذا و قد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا اشكال و لا خلاف في أنه لو وقعت ميتة لها نفس سائلة في قدر فيها مائع نجس ما فيها للملاقاة و أريق المائع أو طهر إن كان ماء مطلقا و غسل الجامد من اللحم و غيره و أكل

قال الصادق (عليه السلام) (1): «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت و إذا في القدر فأرة، قال: يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل»

و قد تقدم الكلام في مسألة الدم، و اللَّه العالم.

و لو عجن بالماء النجس عجين (عجينا خ ل) لم يطهر بالنار إذا خبز على الأشهر بل المشهور، بل في المسالك هنا «إنما خالف في ذلك الشيخ في النهاية في باب الطهارة، فحكم بطهره بالخبز، مع أنه في الأطعمة منها حكم بعدم طهره، و مستنده على الطهارة رواية (2)

- مع ضعف سندها- لا دلالة فيها على ذلك، فالقول بالطهارة ساقط رأسا».

قلت: قد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الطهارة (3) و اللَّه العالم.

[النوع الرابع الأعيان النجسة]

الرابع: الأعيان النجسة، كالبول مما لا يؤكل لحمه، نجسا كان


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- الحديث 17 و 18 من كتاب الطهارة.
3- 3 راجع ج 6 ص 273- 276.

ج 36، ص: 391

الحيوان كالكلب و الخنزير أو طاهرا كالأسد و النمر فإنه لا يجوز شربها اختيارا إجماعا أو ضرورة.

و هل يحرم مما يؤكل لحمه بناء على طهارته التي قد أشبعنا الكلام فيها في كتاب الطهارة (1) قيل و القائل الشيخ في ظاهر المحكي من نهايته، و ابن حمزة في صريح المحكي عنه، و الفاضل و الشهيدان:

نعم إلا أبوال الإبل، فإنه يجوز للاستشفاء بها لأن

النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أمر قوما اعتلوا بالمدينة أن يشربوا أبوال الإبل فشفوا (2)

و قال الكاظم (عليه السلام) في خبر الجعفري (3): «أبوال الإبل خير من ألبانها، و يجعل اللَّه الشفاء في ألبانها»

و عن سماعة (4)

«أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن شرب أبوال الإبل و البقر و الغنم للاستشفاء، قال: نعم لا بأس به».

و قيل و القائل المرتضى و ابني الجنيد و إدريس فيما حكي عنهم:

يحل الجميع، لمكان طهارته فيبقى على الأصل و العمومات.

و الأشبه عند المصنف هنا التحريم لاستخباثها و إن كانت طاهرة.

بل في الرياض «هو في غاية القوة، إما للقطع باستخباثها كما هو الظاهر، أو احتماله الموجب للتنزه عنه و لو من باب المقدمة، مضافا إلى الأولوية المستفادة مما قدمناه من الأدلة على حرمة الفرث و المثانة التي هي


1- 1 راجع ج 5 ص 287- 289.
2- 2 المستدرك- الباب- 23- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2 و سنن البيهقي ج 10 ص 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7 مع الاختلاف.

ج 36، ص: 392

مجمع البول، بناء على بعدهما بالإضافة إلى البول عن القطع بالخباثة، فتحريمهما مع ذلك يستلزم تحريم البول القريب من القطع بالاستخباث بالإضافة إليهما بطريق أولى، و يزيد وجه الأولوية فيه أن حرمة الفرث بظهور النصوص المعتبرة في سهولة الروث من الخيل و البغال و الحمير بالإضافة إلى أبوالها في وجوب التنزه عنهما أو استحبابه، حتى ظن جماعة لذلك الفرق بينهما بالطهارة في الروث و النجاسة في البول، و الفرث في معنى الروث قطعا، و حينئذ فتحريم الأضعف يستلزم تحريم الأشد بالأولوية المتقدمة، و حيث ثبت الحرمة في أبوال هذه الحمول الثلاث المأكول لحمها على الأظهر الأشهر بين الطائفة ثبت الحرمة في أبوال غيرها من كل مأكول اللحم، لعدم القائل بالفرق».

و فيه ما لا يخفى من منع القطع بالاستخباث الموجب للحرمة، و عدم كفاية الاحتمال، لعموم أدلة الحل كتابا (1) و سنة (2) و منع الأولوية، بل قد يظهر من اقتصار تلك الأدلة على تعداد غير البول الحل فيه، و كذا ما ذكره في زيادة وجه الأولوية، ضرورة عدم اقتضاء ذلك حرمة الأسهل، خصوصا بعد حمل تلك النصوص على ضرب من الكراهة، و لو من جهة الخباثة التي لم تصل إلى حد توجب التنجس.

و من هنا كان الحل هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده، بل عن المرتضى الإجماع عليه، بل عنه نفي الخلاف في ذلك بين من قال بطهارتها مؤيدا ذلك بأمر النبي (صلى اللَّه عليه و آله) بشرب أبوال الإبل (3)

الذي لم يعلم منه أن الوجه فيه الضرورة المبيحة للمحرم، بل لو كان كذلك


1- 1 راجع الآيات المتقدمة في ص 237.
2- 2 تقدم بعضها في ص 237.
3- 3 المستدرك- الباب- 23- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 393

لم يكن وجه لاختصاص بول الإبل، ضرورة مساواتها لغيرها من الضرورة المفروضة.

و احتمال أن يقال بجواز شربها و إن لم يصل إلى حد الضرورة المبيحة للنص- و بذلك يفرق بين المقامين- يدفعه أنه ليس بأولى من القول بأن ذلك لأنه يجوز شربه مطلقا، و منه التداوي به، خصوصا مع عدم تقييد الرخصة بما عثرنا عليه من النصوص به في كلام الامام (عليه السلام) و إن وقع في كلام السائل، كما في خبر سماعة (1)

المشتمل على غير الإبل.

و دعوى تضعيف الأول- بمعارضته بالأدلة السابقة التي منها الإجماع المحقق و المحكي على حرمة الروث و المثانة الدالة على حرمة البول بما مر من الأولوية التي هي من الدلالة الالتزامية التي لا فرق بينها و بين المطابقية الموجودة في إجماع السيد في الحجية- واضحة الفساد.

و من ذلك يعلم الحل في كل ما لم يعلم خباثته من رطوبات الحيوان حتى بصاق الإنسان و عرقه و غيرهما، و إن قيل: إن المشهور الحرمة، مع أنا لم نتحقق ذلك، بل جزم بها في الرياض بناء على كلامه السابق الذي هو وجوب الاجتناب مع الاحتمال، قال: «و ليس التكليف باجتنابه تكليفا مشروطا بالعلم بالخباثة، بل هو مطلق، و من شأنه توقف الامتثال فيه بالتنزه عن محتملاته، و إن هو حينئذ إلا كالتكليف باجتناب السمومات و المضرات».

و فيه ما لا يخفى، ضرورة كون مبنى الحرمة في هذا الخوف و المخاطرة و نحوهما مما يكفي فيه الاحتمال المعتد به، بخلاف الأول الذي قد يدعى عدم تحقق الخباثة في نفس الأمر فيه، لأن مبناها النفرة الوجدانية، و الفرض انتفاؤها، فلا يتصور تحققها في نفس الأمر، و مع التسليم فلا يجب الاجتناب


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7.

ج 36، ص: 394

للعمومات السابقة، كمحتمل النجاسة، و اللَّه العالم.

[النوع الخامس ألبان الحيوان المحرم]

الخامس: ألبان الحيوان المحرم أكله كلبن اللبوة و الذئبة و الهرة بلا خلاف أجده فيه، بل عن الغنية الإجماع عليه إن لم يكن محصلا، مضافا إلى مفهوم

المرسل السابق المتقدم في البيض المنجبر بالعمل هنا، و هو «كل شي ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة فكل ذلك حلال طيب» (1).

و منه- مضافا إلى الإجماع- تعلم تبعية اللبن للحل و الحرمة كالبيض.

بل في الرياض زيادة على ذلك الاستدلال بأن اللبن قبل استحالته إلى صورته كان محرما قطعا، لكونه جزء يقينا، فبحرمة الكل يحرم هو أيضا، إذ لا وجود للكل إلا بوجود أجزائه، فتحريمه في الحقيقة تحريم لها، مع أنه قبل الاستحالة دم، و هو بعينه حرام إجماعا، فتأمل جيدا، و إذا ثبت التحريم قبل الاستحالة ثبت بعدها استصحابا للحالة السابقة، هذا مع أن اللبن أيضا بنفسه جزء، فلا يحتاج في إثبات تحريمه إلى الاستصحاب بالمرة.

و فيه ما لا يخفى من عدم اندراج اللبن في اللحم المفروض كونه عنوانا للحرمة، بل لو فرض كونه الحيوان أمكن منعه أيضا عرفا، كبوله و روثه و كونه مستحيلا مما كان جزءا لا يقتضي بقاؤه جزءا. إذ من (و من ظ) الغريب دعواه الاستصحاب لحال الدم الذي قد انقلب إلى موضوع آخر.

ثم قال: «و من هذا يظهر لك وجه حكمهم بكراهته مما يكره لحمه» أي التي أشار إليها المصنف و غيره و يكره لبن ما كان لحمه مكروها، كلبن الأتن مائعه و جامده، و ليس بمحرم بل اعترف هو بعدم الخلاف فيه تارة و بالاتفاق أخرى.


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 395

ثم قال: «و لا ينافيها النصوص الواردة في شيراز الأتن،

كالصحيح (1)

«هذا شيراز الأتن اتخذناه لمريض لنا، فإن أحببت أن تأكل منه فكل»

و الصحيح الآخر (2)

«عن شراب ألبان الأتن، فقال: اشربها»

و الخبر (3)

«لا بأس بشربها»

فان غايتها الرخصة و نفي البأس عنه الواردان في مقام توهم الحظر، و لا يفيدان سوى الإباحة بالمعنى الأعم الشامل للكراهة، فتأمل بعض في التبعية في هذه الصورة أيضا لا وجه له، سيما و المقام مقام كراهة يتسامح في دليلها، و يكفي فيها فتوى فقيه واحد فضلا عن الاتفاق».

و فيه أيضا ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، خصوصا و العنوان للكراهة اللحم لا الحيوان الذي يأتي فيه ما ذكره سابقا، و إن منعناه عليه أيضا، بل إن لم يكن إجماعا كما ادعاه أمكن المنع في الكراهة، خصوصا بعد

قوله (عليه السلام) في المرسل السابق (4): «إن لبن ما يؤكل لحمه حلال طيب»

المشعر بعدم الكراهة، و بعد نفي البأس عن شرب ألبان الأتن (5)

الذي قد يشعر أيضا بعدم الكراهة، بناء على ظهوره في نفي طبيعة البأس، و بعد النصوص المستفيضة الدالة على استحباب شرب مطلق اللبن.

قال أبو جعفر (عليه السلام) (6): «لم يكن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يأكل طعاما و لا يشرب شرابا إلا قال: اللهم بارك لنا فيه و أبدلنا خيرا منه إلا اللبن، فإنه كان يقول: اللهم بارك لنا فيه و زدنا منه».


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الأطعمة المباحة.
6- 6 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.

ج 36، ص: 396

و

في مرسل عبد اللَّه الفارسي (1) عن الصادق (عليه السلام): «قال له رجل: إني أكلت لبنا فضرني، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السلام):

لا و اللَّه ما يضر لبن قط، و لكنك أكلته مع غيره، فضرك الذي أكلته فظننت أن اللبن الذي ضرك».

و في الخبر (2) عنه (عليه السلام) أيضا: «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): ليس أحد يغص بشرب اللبن، لأن اللَّه تعالى يقول:

لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ» (3).

و في

خبر خالد بن نجيح (4) عنه (عليه السلام) أيضا: «اللبن طعام المرسلين».

و في

خبر أبي الحسن الأصبهاني (5): «كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) فقال له رجل و أنا أسمع: جعلت فداك إني أجد الضعف في بدني فقال له: عليك باللبن، فإنه ينبت اللحم و يشد العظم».

و في المرسل (6) عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): «من تغير عليه ماء الظهر فإنه ينفع له اللبن الحليب».

و في

خبر أبي بصير (7): «أكلنا مع أبي عبد اللَّه (عليه السلام) فأتينا بلحم جزور، و ظننت أنه من بيته فأكلنا، ثم أتينا بعس من لبن فشرب منه، ثم قال لي: اشرب يا أبا محمد، فذقته، فقلت: جعلت فداك لبن، فقال: إنها الفطرة، ثم أتينا بتمر فأكلنا»

أي أن الإنسان مفطور على شربه، لأنه يشربه حين يولد.


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4 مرسل عبيد اللَّه بن أبي عبد اللَّه الفارسي.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
3- 3 سورة النحل: 16- الآية 66.
4- 4 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.

ج 36، ص: 397

و في

خبر زرارة (1) عن أحدهما (عليهما السلام): «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): عليكم بألبان البقر، فإنها تخلط من كل الشجر».

و في الخبر (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ألبان البقر دواء».

و في آخر (3): «شكوت إلى أبي جعفر (عليه السلام) ذربا وجدته فقال: ما يمنعك من شرب ألبان البقر؟ و قال لي: أشربتها قط؟ فقلت له: نعم مرارا، فقال: كيف وجدتها؟ فقلت: وجدتها تدبغ المعدة و تكسوا الكليتين الشحم، و تشهي الطعام، فقال لي: لو كانت أيامه لخرجت أنا و أنت إلى ينبع حتى نشربه».

و في

خبر الجعفري (4): «سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول: أبوال الإبل خير من ألبانها، و يجعل اللَّه الشفاء في ألبانها».

و في

خبر موسى بن عبد اللَّه بن الحسن (5) قال: «سمعت أشياخنا يقولون: ألبان اللقاح شفاء من كل داء و عاهة، و لصاحب البطن أبوالها».

و في المرسل (6) عن الصادق (عليه السلام): «أن التلبين يجلو القلب الحزين كما تجلو الأصابع العرق من الجبين».

بل

عنه (عليه السلام) أيضا (7) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «لو أغنى عن الموت شي ء لأغنت التلبينة، قيل: يا رسول اللَّه و ما التلبينة؟

قال: الحسو باللبن، و كررها ثلاثا»

إلى غير ذلك من النصوص التي


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 398

منها نصوص طبخ اللحم باللبن (1)

و أنه مرق الأنبياء (2)

و أنه قد جعل اللَّه القوة و البركة فيهما (3)

و بذلك كله يظهر لك ما في التبعية المزبورة، و اللَّه العالم.

[القسم السادس في اللواحق]

[مسائل]
[المسألة الأولى لا يجوز استعمال شعر الخنزير اختيارا]

القسم السادس في اللواحق

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

لا يجوز استعمال شعر الخنزير اختيارا- بناء على ما هو الأصح من نجاسته، فضلا عن غيره من أجزائه- فيما يشترط فيه الطهارة و غيره، لأنه حينئذ من الأعيان النجسة التي قد تقدم في المكاسب (4) حكاية الإجماع من غير واحد على عدم جواز الانتفاع بها، مضافا إلى خبر تحف العقول (5).

و إلى ما قيل من اقتضاء تعلق الحرمة بالخنزير ذلك، لا خصوص الأكل، لأنه الأقرب إلى الحقيقة، خصوصا بعد ذكره مع الميتة التي


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المباحة.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
4- 4 راجع ج 22 ص 10 و 23.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 399

حكمها ذلك نصا (1)

و فتوى لا خصوص الأكل، و خصوصا مع ملاحظة الشهرة أيضا.

و إلى ما عن السرائر من دعوى تواتر الأخبار به و إن كنا لم نظفر بخبر واحد، كما اعترف به في كشف اللثام.

بل في

خبر سليمان الإسكافي (2): «سأل الصادق (عليه السلام) عن شعر الخنزير يخرز به، قال: لا بأس به، و لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلي».

و في

خبر الحسن بن زرارة (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام):

«قلت: شعر الخنزير يجعل حبلا يستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ، فقال: لا بأس به».

بل و

خبر برد الإسكافي (4)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

جعلت فداك إنا نعمل بشعر الخنزير، فربما نسي الرجل فصلى و في يده شي ء منه، قال: لا ينبغي أن يصلي و في يده شي ء منه، و قال: خذوه فاغسلوه، فما كان له دسم فلا تعملوا به، و ما لم يكن له دسم فاعملوا به و اغسلوا أيديكم منه».

بل و

خبره الآخر (5) عنه (عليه السلام) أيضا: «قلت له: إني رجل خراز لا يستقيم عملنا إلا بشعر الخنزير نخرز به، قال: خذ منه


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب النجاسات- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 عن الحسين بن زرارة.
4- 4 في الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4 من كتاب التجارة.
5- 5 في الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 3 من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 400

و برة فاجعلها (وبره فاجعله خ ل) في فخارة ثم أوقد تحتها حتى يذهب دسمه ثم اعمل به».

و في ثالث (1): «عن شعر الخنزير يعمل به، قال: خذ منه فاغسله بالماء حتى يذهب ثلثه و يبقى ثلثاه، ثم اجعله في فخارة ليلة باردة، فإن جمد فلا تعمل به، و إن لم يجمد ليس عليه دسم فاعمل به، و اغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة».

و ليس في شي ء منها اشتراط الضرورة التي أشار إليها المصنف و غيره بقوله فان اضطر استعمل ما لا دسم فيه، و غسل يده منه، بل في الرياض نسبته إلى المشهور، نعم فيها المنع في الجملة.

لكن في الرياض «متى ثبت ذلك ثبت المنع مطلقا إلا عند الضرورة لعدم القائل بالفرق بين الطائفة، إذ كل من قال بالمنع عن استعماله قال به كذلك إلا في الضرورة، و كل من قال بجوازه قال به مطلقا من دون استثناء صورة أصلا».

أما بناء على عدم نجاسته كما عليه المرتضى، أو بناء على عدم دليل على المنع من الاستعمال أصلا كما عليه الفاضل في المختلف، و القول بالمنع في صورة الدسم خاصة كما هي مورد الخبرين، و الجواز في غيرها مطلقا و لو اختيارا لم يوجد به قائل أصلا، و صورة الجواز في الخبرين و إن كانت مطلقة تعم حالتي الاختيار و الاضطرار إلا أنها مقيدة بالحالة الثانية، للإجماع المزبور جدا، و قصورهما بالجهالة مجبور بالشهرة مع زيادة انجبار في أحدهما يكون الراوي فيه عبد اللَّه بن المغيرة الذي قد حكي الإجماع على تصحيح ما يصح عنه.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا يطمأن بما يحصل منه، فالأقوى حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 401

الجواز مطلقا، لا لما سمعته من المختلف المعارض بما ذكرناه في المكاسب (1) من الإجماع المحكي على عدم جواز الانتفاع بالأعيان النجسة و خبر التحف (2)

بل لظهور النصوص (3)

المزبورة فيه التي لا يحكم ما فيها من النهي عن استعمال ذي الدسم منه على إطلاق غيره بعد ظهور إرادة الإرشاد منه للتحفظ عن النجاسة المانعة عن الصلاة و غيرها، فتكون النصوص حينئذ جميعها دالة على الجواز مطلقا، و به يخرج عن إطلاق معقد الإجماع المحكي و عموم خبر التحف، كما خرج بالسيرة و غيرها عن ذلك التسميد بالعذرة و غيرها.

كل ذلك مع إجمال الضرورة في كلامهم، فإن أريد بها ما يسوغ معها تناول المحرم فهو مع خلو النصوص قطعا منها ينبغي عدم الفرق معها بين ذي الدسم و عدمه، لا بين شعر الخنزير و غيره، و إن أريد بها مطلق الحاجة فهي إنما توافق المختار من القول بالجواز مطلقا، ضرورة عدم صلاحية ذلك عنوانا للحرمة، لعدم انضباطه، فتأمل جيدا، و اللَّه العالم.

و يجوز الاستقاء بجلود الميتة لما لا يشترط فيه الطهارة و إن كان نجسا كما في النافع و الإرشاد و محكي النهاية بل و ابن البراج، لأنه قال: الأحوط تركه.

و لكن لا يصلى من مائها و لا يشرب بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (4)

لنجاسته المقتضية لذلك


1- 1 راجع ج 22 ص 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة و الباب- 61- من أبواب النجاسات- من كتاب الطهارة.

ج 36، ص: 402

و لعدم جواز شربه، بل ترك الاستقاء أفضل بل متعين، لإطلاق ما دل على حرمة الانتفاع بها (1)

بل بكل نجس العين إلا ما استثني بالسيرة و غيرها على وجه لا يقاومه ما دل على جواز ذلك بحيث يقيد به كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا (2)

و من الغريب ما عن الصدوق من أنه لا بأس بأن يجعل جلد الخنزير دلوا يستقى به الماء، و اللَّه العالم.

[المسألة الثانية إذا وجد لحم و لا يدري أ ذكي هو أم ميت قيل يطرح في النار فان انقبض فهو ذكي و إن انبسط فهو ميت]

المسألة الثانية:

إذا وجد لحم و لا يدري أ ذكي هو أم ميت لعدم أمارة شرعية قيل و القائل غير واحد، بل في الدروس كاد يكون إجماعا:

يطرح في النار، فان انقبض فهو ذكي، و إن انبسط فهو ميت بل في الرياض حكايته عن بعض الأصحاب و الغنية صريحا مؤيدا بفتوى ابن إدريس الذي لا يعمل بأخبار الآحاد، بل في غاية المراد «لا أعلم أحدا خالف فيه إلا المحقق و الفاضل أورداه بلفظ القيل المشعر بالضعف» و إن كان فيه أن الفاضلين في الإرشاد و النافع و القواعد و الفخر في الشرح صرحوا بالحرمة.

بل هو صريح الفاضل المقداد في التنقيح و للصيمري في نهاية المرام حاكيا له عن محرر أبي العباس و ثاني المحققين في الحاشية و الشهيدين في الروضة، لأصالة عدم التذكية المقطوعة عند الأولين ب

خبر شعيب (3) عن


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 راجع ج 5 ص 296- 304.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 عن إسماعيل ابن شعيب.

ج 36، ص: 403

أبي عبد اللَّه (عليه السلام) المنجبر سنده بما سمعت و برواية البزنطي له الذي هو من أصحاب الإجماع «في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم يدر ذكي هو أم ميت، قال: يطرحه على النار، فكلما انقبض فهو ذكي، و كلما انبسط فهو ميت».

لكن قد يناقش باستبعاد وجدانه في القرية مطروحا على وجه لا يعلم كونه ميتة باعتبار إعراض أهل القرية و اجتنابهم له و لا مذكى باستعمالهم و لو بالتقطيع و نحوه الظاهر في فعل المسلم المحمول على الوجه الصحيح، فيتجه حمل الخبر المزبور على إرادة رجحان الاستظهار فيما يأخذه من أيدي أهل القرية من اللحم- التي يمكن اشتمالها على الذمي و غيره و إن كانت في بلاد الإسلام و محكوم بكونهم مسلمين- حتى يعلم الخلاف، إذ مفروض المسألة فيما لم يحكم شرعا بكونه مذكى، و لو لأن عليه أثر الاستعمال في أرض الإسلام الذي هو المراد من

المعتبرة (1) التي فيها الصحيح و الموثق و غيرهما الدالة على أن «كل شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه».

بل القرية أولى من الحكم بتذكية اللحم الموجود في الطريق، جمعا بينها و بين القواعد المعتضدة بفتوى الأصحاب و جملة من النصوص التي منها الخبر المزبور المشتمل على مراعاة الإمارة في معرفة المذكى من الميتة و عدم الاكتفاء بالأصل المزبور، و منها نصوص المختلط (2)

.

نعم لا بأس بالأصل المزبور في غير اللحم، بل و فيه مع وجود أثر الاستعمال في أرض المسلمين، كما يدل عليه

القوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3)

«أنه سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 36 و 64- من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الذبائح- الحديث 2 من كتاب الصيد و الذباحة.

ج 36، ص: 404

كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين، قال: يقوم ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد، و ليس له بقاء، فان جاء طالب غرموا له الثمن، قيل: يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم أو مجوسي، قال:

هم في سعة حتى يعلموا»

و ليس ذلك إلا للحكم بالتذكية باعتبار الآثار على اللحم في أرض الإسلام المحمول على كونه من المسلم حتى يعلم العدم كما قدمنا الكلام مفصلا في لباس المصلي (1) و غيره (2).

و لا ريب في أولوية القرية بذلك، إلا أن يفرض لحم لا أثر للاستعمال عليه معرض عنه فيما بينهم، فإنه محكوم بكونه ميتة حينئذ.

و من الغريب ما في الدروس تفريعا على الرواية المزبورة من أنه يمكن اعتبار المختلط بذلك إلا أن الأصحاب و الأخبار أهملت ذلك، إذ قد عرفت الإشكال في مضمون الخبر المزبور، فضلا عن التعدي منه إلى المختلط المعلوم فيه الميتة الذي هو من الشبهة المحصورة التي يجب اجتنابها، مع شدة وضوح الفرق بين الموضوعين.

و أغرب منه ما في الرياض من توجيهه بدعوى ظهور الخبر في تلازم علامتي الحل و الحرمة للمذكى و الميتة من دون أن يكون لخصوص مورد السؤال فيه في ذلك مدخلية، و لا شبهة فيما ذكره، لكن يأتي عليه ما قرره، أي من الإهمال المزبور، إذ هو كما ترى لا ظهور في الخبر المزبور بذلك، إذ يمكن كونه علامة و لو للغلبة في خصوص المشتبه بين كون جميعه مذكى أو ميتة، لا المختلط الذي تطابق النص (3)

و الفتوى على اجتنابه، خصوصا بعد القطع بعدم تحقق العلامة المزبورة في متروك


1- 1 راجع ج 8 ص 51- 56.
2- 2 راجع ج 6 ص 346- 348 و ص 172 من هذا الجزء.
3- 3 الوسائل- الباب- 36 و 64- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 36، ص: 405

التسمية أو الاستقبال أو نحوهما من الشرائط التي يكون الذبيحة بها ميتة شرعا، فالمتجه بناء على العمل بالخبر المزبور الاقتصار على مورده.

نعم لو كان اللحم قطعا متعددة فلا بد من اعتبار كل قطعة على حدة لإمكان كونه من حيوان متعددة و لو فرض العلم بكونه متحدا جاز اختلاف حكمه، بأن يكون قد قطع بعضه منه قبل التذكية.

و لا فرق على القولين بين وجود محل التذكية و رؤيته مذبوحا و منحورا و عدمه، لأن الذبح و النحر بمجردهما لا يستلزمان التذكية، لجواز تخلف بعض الشروط.

و كذلك لو وجد الحيوان غير مذبوح و لا منحور لكنه مضروب بالحديد في بعض جسده، لجواز كونه قد استعصى فذكي كيف اتفق، حيث يجوز في حقه ذلك، إذ المدار على إمكان كونه مذكى على وجه يباع لحمه.

ثم إنه لو اختبر بالعلامة المزبورة فوجد بعضه ميتا بالانبساط لا يخرج بذلك عن موضوع المشتبه، و يندرج في موضوع المختلط، بل يبقى غيره على مقتضى استعمال الامارة فيه، ضرورة كون المراد بالمختلط الذي أخرجناه عن الحكم المذكور ما كان معلوم الاختلاط بغير الامارة المزبورة كما هو واضح، و اللَّه العالم.

[المسألة الثالثة لا يجوز أن يأكل الإنسان من مال غيره]

المسألة الثالثة:

لا يجوز أن يأكل الإنسان من مال غيره و لو كان كافرا محترم المال إلا بإذنه بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه إن لم تكن ضرورة، و الكتاب (1) و السنة (2)

دالان عليه، بل العقل أيضا.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 29.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3 من كتاب القصاص.

ج 36، ص: 406

و لكن قد رخص كتابا و سنة بل و إجماعا مع عدم الاذن في التناول في الجملة من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم منه الكراهية و هي قوله تعالى (1) «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ، وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ، وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً».

قال الحلبي في الصحيح (2): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن هذه الآية ما يعنى بقوله أَوْ صَدِيقِكُمْ؟ قال: هو و اللَّه الرجل يدخل بيت صديقة، فيأكل بغير إذنه».

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة (3) في قول اللَّه عز و جل «أَوْ صَدِيقِكُمْ»: «هؤلاء الذين سمى اللَّه عز و جل في هذه الآية يأكله (يأكل خ ل) بغير إذنهم من التمر و المأدوم، و كذلك تأكل المرأة بغير إذن زوجها، و أما ما خلا ذلك من الطعام فلا».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر جميل بن دراج (4): «للمرأة أن تأكل و تتصدق، و للصديق أن يأكل في منزل أخيه و يتصدق».

و قال زرارة (5): «سألت أحدهما (عليهما السلام) عن هذه الآية، فقال: ليس عليكم جناح فيما طعمت أو أكلت مما ملكت مفاتحه ما لم تفسد».


1- 1 سورة النور: 24- الآية 61.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.

ج 36، ص: 407

و في

مرسل ابن أبي عمير (1) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في قول اللَّه عز و جل أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ، قال: الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله فيأكل بغير إذنه».

و في

صحيح زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عما يحل للرجل من بيت أخيه من الطعام، قال: المأدوم و التمر، و كذلك يحل للمرأة من بيت زوجها».

و في

خبر أبي أسامة (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في قول اللَّه عز و جل «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ» الآية: قال: «باذنه و بغير إذنه».

و في مرسل علي بن إبراهيم (4)

«أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) آخى بين أصحابه، فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين، فيقول:

خذ ما شئت و كل ما شئت، و كانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما فسد الطعام في البيت، فأنزل اللَّه عز و جل لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً، يعني حضر أم لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه».

نعم لا خلاف أجده فيما اعتبره المصنف من القيد، و هو عدم العلم بالكراهة اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، بل لعل الإطلاق المزبور كتابا و سنة منصرف إلى غيره، بل قيل: يكفي معرفة الكراهة و لو بالقرائن الحالية المفيدة للظن الغالب بها.

بل في كشف اللثام «إن لم يعلم أو يظن منه كراهية الأكل كما لو نهى عنه صريحا أو شهد مقاله أو حاله بالكراهة، و هذا الشرط معلوم بالإجماع و النصوص» و ظاهره الاكتفاء بمطلق الظن فضلا عن الغالب،


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة الحديث 8.

ج 36، ص: 408

بل هو ظاهر غيره أيضا. بل في مجمع البرهان «أن الاكتفاء بذلك أمر ظاهر».

قلت: لعل وجهه أن الآية مسوقة لبيان الاكتفاء في حل التناول بالقرائن المزبورة التي مقتضى العادة فيها ذلك، فهي حينئذ أمارة أذن الشارع بالأخذ بها، إلا أن الظاهر انسياقها إلى ما هو المتعارف من كون ذلك دالا على الاذن و لو ظنا، لا مع العلم أو الظن بالعدم و لو لأمارة ترجح على الأمارة المزبورة في الدلالة على العدم.

بل قد يتوقف في صورة الشك الناشئ من تعارض الأمارتين، لأصالة حرمة التناول، و الأدلة إنما هي منساقة لغيرها كما عرفت، و لا ينافي ذلك استفادة إذن شرعي من الآية على وجه استثني من القاعدة، ضرورة أنه لولاها لم يكن له الأخذ بما تدل عليه القرائن المزبورة.

هذا و لكن في الرياض «لا ريب في أن الاكتفاء بالمظنة أحوط و إن كان في تعينه نظر بعد إطلاق الكتاب و السنة المستفيضة بجواز الأكل من غير إذن الشامل لصورة الظن بعدمه، بل لصورة العلم بعدمه أيضا، إلا أنها خارجة بالإجماع ظاهرا، و ليس على إخراج الصورة الأولى منعقدا، لتعبير كثير كالحلي عن الشرط بشرط أن لا ينهاه المالك».

و فيه ما عرفت من انسياق الإطلاق إلى غير الفرض، خصوصا صورة غلبة الظن التي يطلق عليها العلم كثيرا، فتأمل جيدا.

ثم إن مقتضى الإطلاق كتابا و سنة و فتوى عدم الفرق في المأكول بين ما يخشى فساده و عدمه، خلافا لما عن المقنع من التقييد بذلك، كالبقول و الفواكه، كما في كشف اللثام، و لشاذ غير معروف على ما في الرياض، فقيده بالأول، و لم نعرف له شاهدا، بل ما سمعته شاهد على خلافه، خصوصا نصوص التمر (1)

التي من المعلوم


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2 و 6.

ج 36، ص: 409

عدم خوف فساده.

بل في الرياض و قريب من ذلك ما في

الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) (1)

«لا بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه و أخيه و امه و أخته أو صديقه ما لا يخشى عليه الفساد من يومه بغير إذنه، مثل البقول و الفاكهة و أشباه ذلك».

و إن كان فيه أن الظاهر إرادة الوصف من قوله: «يخشى عليه الفساد» لقوله: «ما لا» فيكون شاهدا لما سمعته من المقنع الذي يعبر بعبارته غالبا، حتى قيل إنه من مصنفاته، و لكن يسهل الخطب عدم حجيته عندنا.

و من الغريب ما في كشف اللثام من الاستدلال له بخبر زرارة (2)

الذي قد عرفت دلالته على خلافه باعتبار اشتماله على التمر. و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور.

نعم قد يقال بالاختصاص بما يعتاد أكله دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالبا و لا تؤكل شائعا، بناء على انسياق الإطلاق إلى ذلك أو على مراعاة قاعدة الاقتصار، خصوصا بعد ما حكي عن بعضهم أنه يفهم منه ذلك.

نعم لم أجد قائلا باختصاص التمر و المأدوم، و إن كان ظاهر ما سمعته من الخبرين (3)

ذلك، مع ما قيل من احتمال أن يراد ب

قوله (عليه السلام): «ما خلا ذلك» في خبر زرارة

الإشارة إلى غير البيوت المزبورة، و حينئذ فلا صراحة فيه بالحرمة و إن كان هو كما ترى، نحو ما قيل من أن الرواية الأخرى لا تدل على عدم حل غيرهما إلا بمفهوم


1- 1 المستدرك- الباب- 21- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2 و 6.

ج 36، ص: 410

اللقب الذي هو ليس بحجة، و الأولى من ذلك كله القول بعدم صلاحيتهما لتقييد إطلاق غيرهما من الكتاب (1) و السنة (2)

و الفتاوى.

و كذا لا فرق بمقتضى الإطلاق المزبور بين كون الدخول بالاذن و عدمه خلافا للمحكي عن ابن إدريس، فقيد جواز الأكل بالأول، و الإطلاق حجة عليه، لكن في التنقيح «لابن إدريس أن يقول الأكل في البيت يستلزم الدخول فيه، و اللازم منهي عنه إجماعا إلا بالإذن فكذا الملزوم، و هو الأكل. و أما مع إذن الدخول فلا ينهض الدليل، لأن اللازم و هو الدخول ليس بمنهي عنه، فلا يكون الأكل منهيا عنه، و أيضا الأصل تحريم أكل مال الغير بغير إذنه، خرج ما خرج بالاتفاق، فيبقى الباقي على أصله، و هو التحريم، و أيضا إذن الدخول قرينة دالة على إذن الأكل، و حيث لا إذن فلا قرينة، لأن الأكل محرم بالأصل».

و رده في الرياض بأن «النهي عن الدخول بغير إذن على تقدير تسليمه هنا لا يستلزم النهي عن الأكل بعد حصوله، و التلازم بين النهيين غير ثابت، و ما ذكره من أن الأصل تحريم مال الغير- إلى آخره- مسلم إلا أن المخصص له في المسألة من إطلاق الكتاب و السنة موجود، و التمسك بالأصل معه غير معقول، و ما ذكره من أن إذن الدخول قرينة- إلى آخره- فيه أولا منع كونه قرينة، لعدم التلازم بين الأذنين قطعا و ثانيا على تقدير تسليمه نقول: إن عدم الإذن الأول لا يستلزم عدم الإذن الثاني، و لو استلزم فلا ضير فيه بعد الاتفاق- حتى منه- على أن مبنى المسألة جواز الأكل من دون إذن و لا رخصة، فأي ضرر في عدمه، و إن هذا منه إلا إرجاع المسألة المستثناة عن قاعدة النهي عن أكل مال الغير إلا


1- 1 سورة النور: 24- الآية 61.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة.

ج 36، ص: 411

باذنه إليها، و حينئذ لا يترتب على استثنائها فائدة أصلا، و هو مخالف للاتفاق فتوى و دليلا».

قلت: هو جيد في الجملة، إلا أن الانصاف مع ذلك كله أن يقال: إن الإطلاق منصرف إلى ما هو متعارف من حصول شاهد الحال بالإذن في الدخول و الأكل، و أنهما على حد سواء في ذلك، أما لو فرض تصريحه بعدم الاذن في الدخول أو فهم من حاله ذلك لا يحل له الأكل حينئذ بعد فرض إثمه بالدخول، لعدم انصراف الاذن في الآية إلى المفروض، خصوصا بعد ما عرفت من انصرافها إلى المتعارف الذي هو غير ذلك، كما هو واضح.

و لعل هذا أولى مما ذكره له في كشف اللثام بعد أن حكى قوله و رده بعموم الآية قال: «و لكن له أن يقول: إنها إنما أذنت في الأكل لا في الدخول، و الأصل حرمته إلا بالإذن، فإذا دخل بغير إذن وجب عليه الخروج، فيحرم عليه اللبث للأكل، و أما حرمة الأكل فلا دليل له ظاهرا، فإنه لا يستلزم اللبث و إن فعله لابثا» إذ هو مع أنه كما ترى يمكن مناقشته باقتضاء حرمة الكون حرمة الأكل الذي هو تصرف في فضاء الدار، إذ هو حينئذ كأكل الغاصب ماله في الدار المغصوبة.

ثم قال: «و يمكن أن يقال: إنها إذا أذنت في الأكل أذنت في ما دونه بطريق أولى، و دخول البيت دونه». و فيه أيضا ما لا يخفى، خصوصا بعد ملاحظة النهي في غيرها (1)عن دخول بيت الغير مع عدم وجدان أحد فيها و عدم الاستئناس.

و التحقيق ما عرفت من كون المراد بالآية الإذن فيما هو متعارف بين الناس من دخول القريب الدور المذكورة و الأكل فيها من دون إذن.


1- 1 سورة النور: 24- الآية 27.

ج 36، ص: 412

ثم إن الظاهر أولوية بيوت الأولاد من المذكورين، خصوصا بعد استفاضة النصوص (1)

في توسعة الأمر بالنسبة للوالد، و أن الولد و ماله لأبيه،

و «أن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه و أن ولده من كسبه» (2)

و يمكن تركه لظهوره، مع احتمال كونه المراد من «بُيُوتِكُمْ» في الآية و لو بإرادة الأعم الشامل له، و لا ينافي ذلك معلومية إباحة بيت الإنسان نفسه له بعد ما ذكر من احتمال كون الوجه في ذكر ذلك مع البيوت المزبورة بيان اتحادها معه و أنها بمنزلة بيته و الأمر سهل.

ثم إن الظاهر إرادة الرخصة في الأكل فيها، ف لا يحمل منه للأكل في غيرها إلا ما كان متعارفا من الشي ء اليسير المتشاغل في أكله و لو بعد الخروج عنها، نعم لا يتعدى إلى غير ذلك من أموالهم، اقتصارا فيما خالف الأصل المزبور على المتيقن و إن كان هو أقل مما يتلفه بالأكل و ل

قوله (عليه السلام) (3) فيما مضى: «و أما ما خلا ذلك من الطعام فلا».

بل الظاهر عدم التعدية إلى المأكول في غير البيوت لقاعدة الاقتصار و غيرها.

نعم قد ذكر غير واحد أنه يرخص فيما يدل عليه الأكل بمفهوم الموافقة كالشرب من مائه و الوضوء به، أو دل عليه بالالتزام، كالكون بها حالته، و هو جيد إلا في دعوى فهم الوضوء و نحوه.

نعم لا بأس بدخول البيوت لغير الأكل أو الكون بها بعده أو قبله للسيرة، و لأنه المفهوم من الرخصة المزبورة على معنى أنه لا جناح عليكم في الدخول و لا في الأكل.


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
2- 2 سنن البيهقي- ج 7 ص 479 و 480.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 413

و المراد بالآباء و الأمهات ما يشمل الأجداد و الجدات الذين هم أولى من الأعمام و العمات، للسيرة أيضا، و لانسياق ذلك من الجمع هنا.

و أما «ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ» فقيل: هو العبد، و قيل: من له عليه ولاية، و قيل: ما يجده الإنسان في داره و لا يعلم به، و قد سمعت ما في

المرسل (1) الذي هو كالصحيح من أنه «الرجل له وكيل يقوم في ماله و يأكل بغير إذنه»

و قريب منه ما سمعته في مرفوع علي بن إبراهيم (2).

و في الرياض «أن العمل بهما حسن، إلا أن حصر الفرد فيما تضمناه مشكل، بل ينبغي الرجوع فيه إلى العرف».

و فيه أن من القطوع عدم إرادة معناه حقيقة على وجه يكون عنوانا للرخصة كي يرجع في معناه إلى العرف، بل المراد به المعنى الكنائي، و لا يبعد إن لم يكن إجماعا على عدمه إرادة ما تحقق فيه الاذن من ملك المفاتيح الذي هو كناية عرفية على إطلاق التصرف، كما سمعته في المرفوع، و حينئذ يكون المراد بالآية بيان الرخصة للأكل من البيوت المزبورة من دون تحقق إذن مخصوصة و بيانها فيما تحقق الاذن في غيرها من البيوت، فلا يكون حينئذ مملوك المفاتيح من البيوت التي يصح الأكل منها من غير إذن من صاحبه.

نعم يتجه الرجوع إلى العرف في الصديق الذي لا حقيقة له شرعية كما أومأ إليه

في الصحيح (3)

«ما يعنى بقوله أَوْ صَدِيقِكُمْ؟ قال: هو و اللَّه الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه»

بناء على أن المراد منه الإيكال إلى العرف جوابا عن السؤال.

و على كل حال فلا يلحق بالنسب الرضاع هنا، لقاعدة الاقتصار


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.

ج 36، ص: 414

بعد انسياق خصوص النسب، و اللَّه العالم.

و كذا يستثنى من القاعدة المزبورة أكل ما يمر به الإنسان من ثمر النخل على المشهور بالشرائط المذكورة في محلها الذي منها عدم الكراهة و كذا الزرع و الشجر على تردد من المصنف هنا فيهما، و إن جزم بالجواز في بيع الثمار الذي قد مر فيه تفصيل الكلام في المسألة مشبعا (1) فلاحظ و تأمل، و اللَّه العالم.

[المسألة الرابعة من تناول خمرا أو شيئا نجسا فبصاقه طاهر ما لم يكن متلوثا بالنجاسة]

المسألة الرابعة:

من تناول خمرا أو شيئا نجسا فضلا عن أن يكون متنجسا فبصاقه طاهر ما لم يكن متلوثا بالنجاسة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، لأصالة الطهارة المقتصر في الخروج عنها على صورة التغيير بالإجماع و إطلاق الأدلة بلزوم الاجتناب عن تلك العين النجسة، و إنما لم ينجس البصاق بالملاقاة مع كونه مائعا لعدم الدليل على التنجس بها مطلقا، بل قيل: لا دليل على نجاسة كل مائع كليا إلا الإجماع، و هو مخصوص بالمائعات الظاهرة لا الباطنة، بل صرحوا بعدم نجاستها مطلقا، لأنها من توابع الباطن الذي هو كذلك، نعم قد يمنع ذلك بالنسبة إلى بعض أجزاء الغذاء المختلف في الفم إذا أصابته عين النجاسة.

كل ذلك مضافا إلى

خبر أبي الديلم (2) عن الصادق (عليه السلام) المنجبر بالعمل و برواية من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه له


1- 1 راجع ج 24 ص 127- 135.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب النجاسات- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 36، ص: 415

و فيه «رجل شرب الخمر فبزق فأصاب ثوبي من بزاقه، قال: ليس بشي ء».

و كذا الكلام فيما لو اكتحل بدواء نجس ف ان دمعة طاهر ما لم يتلون بالنجاسة على وجه تكون فيه أجزاء النجاسة، بل النجس منه مع كونه في الباطن خصوص تلك الأجزاء، لا ما لاقاها من دمعة، لما عرفت من عدم تنجس البواطن، لظهور أدلة التنجيس في غيرها.

و لو جهل تلونه فهو على أصل الطهارة و حينئذ فكلما أصاب ثوبا أو غيره و لم يعلم استصحابه جزء من أجزاء النجاسة لم يحكم بنجاسة ما أصابه و إن علم تلوث البزاق في الفم. و بالجملة لا يشترط في الحكم بالطهارة العلم بزوال عين النجاسة عن الفم و العين، فما في كشف اللثام من احتمال العلم باشتراط ذلك ضعيف، كما هو واضح، و اللَّه العالم.

[المسألة الخامسة الذمي إذا باع خمرا أو خنزيرا ثم أسلم و لم يقبض الثمن فله قبضه]

المسألة الخامسة:

الذمي إذا باع خمرا أو خنزيرا على مثله في الاستحلال بحيث ملك الثمن عليه ثم أسلم و لم يقبض الثمن فله قبضه بعد إسلامه للحكم بصحة العقد و إقرارهم عليه المستلزم لاستحقاق العوض، كما إذا أسلم بعد قبضه و بقاء العين في يده، و ما في الأخبار (1)

من تحريم ثمنها لو بقي على عمومه لحرم و إن كان قبضه حين الكفر، و لحرم على المسلم أخذه من الكافر وفاء مثلا عن دين له عليه، و هو معلوم الفساد نصا و فتوى.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 416

ففي

صحيح محمد بن مسلم (1) عن الباقر (عليه السلام) «في رجل كانت له على رجل دراهم فباع خنازير أو خمرا و هو ينظر فقضاه، قال:

لا بأس، أما للمقضي فحلال، و أما للبائع فحرام».

و منه يعلم ما قررناه غير مرة من أن المراد بصحة العقد بالنسبة إليه و ملكه نفس إجراء حكم الصحة و الملك عليه، باعتبار كونهم مقرين على ذلك، لا أنه ملك حقيقة، و على هذا تحمل النصوص (2)

المزبورة الدالة على حرمة ثمنها، كما أوضحناه في غير المقام و إن اشتبه ذلك على بعض الأعلام، بل في كشف اللثام هنا بعض ذلك أيضا، فلاحظ.

و على كل حال فلا ريب في أنه محكوم بملكه له عليه باعتبار الإقرار المزبور على ما عنده من الأحكام التي منها ملك ثمن الخمر، فهو كالمال الذي قبضه ثمنا عنها ثم أسلم، فله حينئذ مطالبته به و قبضه، كما أن لنا تناوله منه قبل إسلامه فضلا عما بعد إسلامه الذي يجب ما قبله.

و في الرياض ربما استأنس للحكم المزبور ب

ما ورد في كتاب المهور من الخبر (3)

«النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا من خمر و ثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك و لم يكن قد دخل بها، قال: ينظر كم قيمة الخمر و كم قيمة الخنزير فيرسل بها إليها، ثم يدخل عليها».

و فيه أنه لا انس به، و قد مر تفصيل الكلام في ذلك في كتاب النكاح (4) بل و غيره من الكتب السابقة، و منه يعلم الحال فيما لو كان قد أسلف في خمر مثلا ثم أسلم، و غير ذلك من فروع المسألة، فلاحظ و تأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يكتسب به- من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المهور- الحديث 2 من كتاب النكاح.
4- 4 راجع ج 31 ص 9- 31.

ج 36، ص: 417

و الأولى الاستدلال

بالمروي عن يونس (1)

«عن مجوسي باع خمرا أو خنازير إلى أجل مسمى ثم أسلم قبل أن يحل المال، قال: له دراهمه»

و اللَّه العالم.

[المسألة السادسة يطهر الخمر إذا انقلبت خلا]

المسألة السادسة: يحل (يطهر خ ل) الخمر إذا انقلبت خلا، سواء كان (انقلابها خ) بعلاج أو من قبل نفسها، و سواء كان ما يعالج به عينا باقية أو مستهلكة، و إن كان يكره العلاج، و لا كراهية فيما ينقلب، من نفسه، و لو ألقى في الخمر خلا حتى يستهلكه لم يحل و لم يطهر، و كذا لو ألقى في الخل خمرا فاستهلكه الخل.

و قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و تبعه غيره يحل إذا ترك حتى يصير الخمر الملقى خلا أو المأخوذ منه و لا وجه له يعتد به، كما تقدم الكلام في ذلك كله و غيره مفصلا في كتاب الطهارة (2) فلاحظ و تأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 من كتاب التجارة.
2- 2 راجع ج 6 ص 284- 292.

ج 36، ص: 418

[المسألة السابعة أواني الخمر من الخشب و القرع و الخزف غير المغضور لا يجوز استعمالها]

المسألة السابعة لا خلاف و لا إشكال في جواز استعمال أواني الخمر الصلبة التي لا ينفذ فيها بعد تطهيرها منه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى عموم الأدلة و خصوصها.

نعم قال الشيخ و تبعه عليه غيره أواني الخمر الرخوة التي ينفذ فيها المتخذة من الخشب و القرع و الخزف غير المغضور لا يجوز استعمالها، لاستبعاد تخلصها منه باعتبار سرعة نفوذه فيها، للطافته و لبعض النصوص (1)

.

و لكن الأقرب الجواز بعد إزالة عين النجاسة و غسلها بالقليل أو الكثير مرة واحدة أو ثلاثا أو سبعا على الخلاف المتقدم في كتاب الطهارة (2) هو و تفصيل المسألة و ذكر النصوص (3)

فيها على وجه لم يبق معه إشكال في جواز الاستعمال.

بل قد ذكرنا هناك أن النصوص المزبورة لا تدل على الكراهة فضلا عن الحرمة، لكونها مساقة للمنع عن الانباذ فيها المحلل، مخافة صيرورته به خمرا و لو باعتبار ما في الإناء من الرائحة، لا لجواز استعمالها بعد الغسل الذي لو سلم عدم نفوذ الماء في أجزائه التي تخللها الخمر لا يمنع من حصول التطهير به لما يصل إليه منها، فان تطهير الباطن و غسله يحصل بوصول الماء إليه كما في المحشو و الملبد و نحوهما، فيبقى ما لا يصل إليه منها


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب النجاسات- الحديث 2 من كتاب الطهارة.
2- 2 راجع ج 6 ص 352- 354.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأشربة المحرمة.

ج 36، ص: 419

على النجاسة دون غيره، و لا تسري نجاسته، لكون الجزء الملاقي له تحققت طهارته بتحقق غسله، فهو كما لو غسلت بعض الجسم المتنجس و بقي الباقي منه، فإنه يطهر ذلك المغسول و إن كان متصلا بالمتنجس إلا أنه اتصال مغسول حصل طهارته بتحقق الغسل فيه بغيره مما لم يحصل فيه مسمى الغسل، و مثله لا يقتضي التنجيس عندنا، لأن السراية بهذا المعنى ليست من مذهبنا كما هو واضح، فتأمل.

[المسألة الثامنة لا يحرم شي ء من الربوبات و الأشربة]

المسألة الثامنة لا خلاف معتد به في أنه لا يحرم شي ء من الربوبات و الأشربة من السكنجبين و الجلاب و نحوهما عدا ما عرفت و إن شم منه رائحة المسكر كرب الرمان و التفاح و السفرجل و التوت و غيرها لأنه لا يسكر كثيره و للإجماع بقسميه عليه و الأصل و النصوص (1)

التي تقدمت هي و غيرها من أدلة المسألة في كتاب الطهارة (2).

نعم قد يحرم بالعارض، كما إذا أدى ذلك إلى التهمة بشربه، و

عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) (3)

«أنه شرب يوما عسلا فقالت له بعض زوجاته: إني أشم منك رائحة الخمر، فقال: إني شربت عسلا، فآلى على نفسه أن لا يشرب من ذلك بعد ذلك»

و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأشربة المحرمة.
2- 2 راجع ج 6 ص 37- 38.
3- 3 البحار- ج 66 ص 292 مع الاختلاف في اللفظ، و فيه «ريح المغافير» راجع البحار ج 22 ص 229 الطبع الحديث.

ج 36، ص: 420

[المسألة التاسعة يكره أكل ما باشره الجنب و الحائض إذا كانا غير مأمونين]

المسألة التاسعة:

يكره أكل ما باشره الجنب و الحائض إذا كانا غير مأمونين، و كذا يكره أكل ما يعالجه من لا يتوقى النجاسات و لا يحرم شي ء من ذلك و إن ظن نجاسته على الأصح، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في كتاب الطهارة (1) و اللَّه العالم.

و كذا يكره أن يسقي الدواب شيئا من المسكرات ل

خبر أبي بصير (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن البهيمة و البقرة و غيرها تسقى أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أ يكره ذلك؟

قال: نعم يكره ذلك»

المراد منه معناها المصطلح لا الحرمة، ك

خبر غياث (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كره أن تسقى الدواب الخمر».

و فحوى ما دل على النهي عن سقيها الطفل،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي الربيع (4): «. لا يسقيها عبد لي صبيا و لا مملوكا إلا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة معذبا بعد أو مغفورا له».

و خبر عجلان (5)

«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): المولود يولد فنسقيه الخمر، فقال: ألا من سقى مولودا مسكرا سقاه اللَّه من الحميم و إن غفر له».

و خبره الآخر (6) عنه (عليه السلام) أيضا، قال: «يقول


1- 1 راجع ج 1 ص 377- 381.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.

ج 36، ص: 421

اللَّه عز و جل: من شرب مسكرا أو سقاه صبيا لا يعقل سقيته من ماء الحميم مغفورا له أو معذبا».

و في المروي عن الخصال بسنده إلى علي (عليه السلام) (1)

«من سقى صبيا مسكرا و هو لا يعقل حسبه اللَّه عز و جل في طينة خبال حتى يأتي مما صنع بمخرج».

و في المروي عن عقاب الأعمال مسندا (2) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «من شرب الخمر سقاه اللَّه من سم الأساود و من سم العقارب- إلى أن قال-: و من سقاها يهوديا أو نصرانيا أو صابئا أو من كان من الناس فعليه كوزر من شربها»

و اللَّه العالم.

و كذا يكره الإسلاف في العصير ل

خبر يزيد بن خليفة (3)

«كره أبو عبد اللَّه (عليه السلام) بيع العصير بتأخير»

بناء على إرادة السلف منه أو الأعم منه و من بيعه مشروطا تأخيره إلى مدة.

لكن عن النهاية الاستدلال على ذلك بأنه لا يؤمن أن يطلبه من صاحبه و يكون قد تغير إلى حال الخمر، فاعترضه ابن إدريس بأن السلف لا يكون إلا بالذمة و لا يكون في العين، فإذا كان في الذمة لزمه تسليم ما في ذمته من العصير من أي موضع كان، سواء تغير ما عنده إلى حال الخمر أم لم يتغير، فلا وجه للكراهة.

و أجاب عنه الفاضل بإمكان أن يريد بالسلف بيع عين مشخصة يسلمها إليه في وقت معين، و أطلق عليه السلف مجازا، كما ورد السلف في مسك (مسوك خ ل) الغنم مع المشاهدة، أو يحمل على الحقيقة و تعذر عليه تحصيل العصير عند الأجل لانقلابه كذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 3 من كتاب التجارة.

ج 36، ص: 422

و في المسالك «لا يخفى ما في هذا الجواب من التكلف، و قوة كلام ابن إدريس» قلت: قد عرفت أن الأصل الخبر المزبور الذي يكفي في الكراهة المتسامح فيها، و الأمر سهل.

و كذا يكره أن يستأمن على طبخه من يستحل شربه قبل أن يذهب ثلثاه إذا كان مسلما و إن أخبر بطبخه على الثلث، وفاقا للفاضل في محكي تلخيصه و إرشاده و تحريره.

و قيل كما عن النهاية و السرائر و الجامع و الإيضاح و الدروس و التنقيح و غيرها لا يجوز مطلقا.

و الأول الذي هو الجواز أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها تصديق صاحب اليد على ما يده، و منها حمل فعل المسلم على الأحسن الذي هو الصحة الواقعية و إن لم يخبر، و لذا يستحل المجتهد و مقلدته ما في يد مجتهد آخر و مقلدته محال الاختلاف في الطهارة و الحل و غيرهما، بل عليه مدار الناس في ذبائح العامة و أخذ الجلود منهم و غير ذلك مع اختلاف مذاهبهم، و أصالة عدم ذهاب الثلثين مقطوعة بإخبار صاحب اليد و حمل فعل المسلم على الصحة الواقعية، خصوصا إذا كان الغليان الذي هو عنوان التحريم قد استفيد من إخباره.

و ل

صحيح معاوية بن وهب (1) سأل الصادق (عليه السلام) «عن البختج، فقال: إذا كان حلوا يخضب الإناء و قال صاحبه: قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث فاشربه».

و حسن عمر بن يزيد (2)

«إذا كان يخضب الإناء فلا بأس».

و من هنا يتجه حمل

حسن عمر بن يزيد (3) سأله «عن الرجل يهدي


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2 «إذا كان يخضب الإناء فاشربه»
3- . 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 423

إلى البختج من غير أصحابنا، فقال: إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه، و إن كان ممن لا يستحل فاشربه»

على الكراهة.

كموثق ابن عمار (1) سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و هو يقول قد طبخ على الثلث، و أنا أعرف أنه يشربه على النصف، فقال: لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه، قال: نعم».

و صحيح علي بن جعفر (2) سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يصلي إلى القبلة لا يوثق به أتى بشراب زعم أنه على الثلث فيحل شربه قال: لا يصدق إلا أن يكون مسلما عارفا».

و الموثق (3)

«عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال: إن كان مسلما ورعا مؤمنا فلا بأس أن يشرب».

لقصورها أجمع عن مقاومة ما عرفت، خصوصا و ليس في الأخير إلا ثبوت البأس الذي يجامع الكراهة، كما أن سابقه فيمن لم يعلم استحلاله و لا يقول به الخصم، بل لا يقول باعتبار الإسلام و المعرفة في قبول إخبار صاحب اليد، بل هو مناف لما سمعته في ذيل الموثق السابق عليه.

و على كل حال فلا ريب في قصورها عن مقاومة ما سمعته من قاعدة إخبار صاحب اليد و قاعدة الصحة في فعل المسلم، فيتجه حملها على ضرب من الكراهة، و الاحتياط عن خصوص الخمر و المسكر و العصير باعتبار شدة ما ورد (4)

فيه من المبالغة في تحريمه. فما في كشف اللثام


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأشربة المحرمة.

ج 36، ص: 424

و الرياض من الحرمة واضح الضعف.

و من الغريب ما في الأول، فإنه بعد أن ذكر الموثق الأول قال:

«و إذا حرم بمجرد كونه ممن يشربه على النصف فمع استحلاله أولى، و إذا حرم مع إيمانه و إخباره فبدونهما أولى» ضرورة بناء الأولوية المزبورة على ثبوت الحكم في الأصل، و هو معلوم العدم، بل أولى من ذلك القول بإشعاره بإرادة الكراهة من النهي في غيره أيضا بعد معلومية إرادتها من النهي فيه، و اللَّه العالم.

و كذا يكره الاستشفاء بمياه الجبال الحارة كما يستعمله الأكراد بلا خلاف أجده فيه، ل

خبر مسعدة بن صدقة (1) عن الصادق (عليه السلام) «نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عن الاستشفاء بالحميات، و هي العيون الحارة التي تكون في الجبال التي يوجد فيها رائحة الكبريت، فإنها تخرج من فوح جهنم»

القاصر عن معارضة الأصول و العمومات المتضمنة للجواز، خصوصا بعد

مرسل محمد بن سنان (2)

«كان أبي يكره أن يتداوى بماء الكبريت»

و لذا حمل على الكراهة، نعم قد يستفاد من تعليله كراهية مطلق استعماله، و اللَّه العالم.

[النظر في حال الاضطرار]
اشارة

و كيف كان ف من اللواحق النظر في حال الاضطرار و ذلك لأن كل ما قلنا بالمنع من تناوله فالبحث كان فيه مع الاختيار و أما مع الضرورة فلا خلاف في أنه يسوغ التناول ل ما عدا الخمر منه، قيل: أو الطين، بل الإجماع بقسميه عليه.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الماء المضاف- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 425

مضافا إلى قوله تعالى (1) «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ». و قوله تعالى (2): «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ

فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ». و قوله تعالى (3) «وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ».

و إلى قاعدة نفي الضرر و الضرار (4)

و نفي الحرج (5)

و إرادة اليسر (6)

و سهولة الملة و سماحتها (7)

و قاعدة

«كلما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر»

التي ينفتح منها ألف باب (8).

و إلى ما في

خبر المفضل الطويل (9) من «أنه تعالى علم ما تقوم به أبدانهم و ما يصلحهم فأحله لهم و أباحه تفضلا منه عليهم به لمصلحتهم، و علم ما يضرهم فنهاهم عنه و حرمه عليهم، ثم أباحه للمضطر، فأحله في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 173.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 3.
3- 3 سورة الأنعام: 6- الآية 119.
4- 4 المستفادة من الروايات المروية في الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات.
5- 5 المصطادة من الآية الكريمة المذكورة في سورة الحج: 22- الآية 78.
6- 6 المأخوذة من الآية الشريفة الواردة في سورة البقرة: 2- الآية 185.
7- 7 المستفادة من الروايات العديدة التي منها ما رواه في الكافي ج 2 ص 17 و منها ما رواه في الوسائل في الباب- 1- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 26 و غيرهما.
8- 8 استفيدت هذه القاعدة من الروايات المروية في الوسائل في الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات من كتاب الصلاة.
9- 9 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 426

لا غير»

و نحوه مرسل محمد بن عبد اللَّه (1)

و محمد بن عذافر (2)

.

و إلى

مرسل الصدوق المروي عن نوادر الحكمة (3)

«من اضطر إلى الميتة و الدم و لحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر».

و مرسل الدعائم (4) عن علي (عليه السلام) «المضطر يأكل الميتة و كل محرم إذا اضطر إليه».

و عن التفسير المنسوب إلى العسكري (عليه السلام) (5)

«قال اللَّه سبحانه: فمن اضطر إلى شي ء من هذه المحرمات فان اللَّه غفور رحيم، ستار لعيوبكم أيها المؤمنون رحيم بكم حتى أباح لكم في الضرورة ما حظره في الرخاء»

و إلى غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك بعضها.

و حينئذ فليكن النظر في المضطر و كيفية الاستباحة،

[أما المضطر]

أما المضطر ف عن النهاية هو الذي يخاف التلف على نفسه لو لم يتناول قال فيها: «و لا يجوز أن يأكل الميتة إلا إذا خاف تلف النفس، فإذا خاف ذلك أكل منها ما يمسك رمقه، و لا يتملأ منه».

و في المسالك «وافقه عليه تلميذه القاضي و ابن إدريس و العلامة في المختلف» و لعله لأنه المتيقن في الرخصة، و لخبر المفضل (6)

و مرسل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 أشار إليه في الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و ذكره في علل الشرائع ص 483 ط النجف.
3- 3 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 المستدرك- الباب- 40- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
5- 5 المستدرك- الباب- 40- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 427

محمد بن عبد اللَّه (1)

و محمد بن عذافر (2)

المتقدمين.

و فيه أن عنوان الرخصة المضطر الذي لا ريب في تحققه بغير ذلك و الخبران المزبوران بعد الإغماض عن السند لا دلالة فيهما على الاختصاص و آية المخمصة مع عدم القائل بتقييد الاضطرار فيها حتى من الخصم لا تصلح لتقييد إطلاق غيرها لو سلم ظهورها في التقييد من جهة الشرطية.

و من هنا قال المصنف بل المشهور كما في المسالك و كذا يتحقق الاضطرار لو خاف المرض بالترك بل و كذا لو خاف (خشي خ ل) الضعف المؤدي إلى التخلف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب بذلك أو إلى ضعف عن الركوب أو المشي المؤدي إلى خوف التلف.

بل الظاهر تحققه بالخوف على نفس غيره المحترمة، كالحامل تخاف على الجنين، و المرضع على الطفل، و بالإكراه و بالتقية الحاصلة بالخوف على إتلاف نفسه أو نفس محترمة أو عرضه أو عرض محترم أو ماله أو مال محترم يجب عليه حفظه، أو غير ذلك من الضرر الذي لا يتحمل عادة، بل لو كان مريضا و خاف بترك التناول طول المرض أو عسر علاجه فهو مضطر خوفا.

و لا فرق في ذلك كله بين السفر و الحضر، إذ المدار على صدق الاضطرار الظاهر تحققه بخوف الضرر الذي لا يتحمل عادة إذا كان خوفا معتدا به عند العقلاء، لا مجرد و هم فضلا عن العلم و الظن، بل قد يدعى تحققه عرفا مع عدم معارضة واجب من حفظ النفس و نحوه.

و على كل حال متى تحقق الاضطرار عرفا فحينئذ يحل له تناول


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 راجع التعليقة 2 ص 426.

ج 36، ص: 428

ما يزيل به تلك الضرورة، و لا يختص ذلك نوعا من المحرمات إلا ما سنذكره عن قريب إنشاء اللَّه، لإطلاق الآيات (1) و الروايات (2)

و غيرهما من الأدلة السابقة على الرخصة في الجميع.

و كيف كان ف لا يترخص الباغي لقوله تعالى (3):

«فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ» بل في الإيضاح الإجماع عليه و على العادي و إن اختلف في المراد منهما، ففي المتن و غيره الباغي هو الخارج على الامام العادل.

قال الصادق (عليه السلام) في مرسل البزنطي (4): «الباغي: الذي يخرج على الامام و العادي: الذي يقطع الطريق لا يحل له الميتة»

و عن التبيان و مجمع البيان أنه المروي عن الصادقين (عليهما السلام) (5).

و قيل كما عن الحسن و قتادة و مجاهد الذي يبغي الميتة و يتلذذ بها.

و قيل كما عن الزجاج: المفرط المتجاوز للحد الذي أحل له.

و قيل كما عن ابن عباس: غير المضطر، و لعله يرجع إلى ما سمعته عن الحسن، و كذا ما قيل من أنه المستحل لها.

و عن النهاية و ابني البراج و إدريس أنه باغي الصيد بطرا و لهوا للخبرين الآتيين (6).

و كذا لا يترخص العادي، و هو كما عن النهاية و ابني البراج و إدريس، و في مرسل البزنطي (7)

المتقدم قاطع الطريق.


1- 1 المتقدمة في ص 425.
2- 2 المتقدمة في ص 426.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 173.
4- 4 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1 و 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.

ج 36، ص: 429

و قيل كما عن الحسن و قتادة و مجاهد: هو الذي يعدو شبعه و عن ابن عباس: أنه الذي يعدو سد الرمق، و عن الزجاج: المقصر و قيل: المتزود منها. و قيل: العادي بالمعصية طريقة المحقين. و عن التبيان و مجمع البيان أنه مع تفسير الباغي بالخارج على الامام هو المروي عن الصادقين (عليهما السلام) (1).

و في خبر عبد العظيم الحسني (2) عن الباقر (عليه السلام) و خبر حماد بن عثمان (3) عن الصادق (عليه السلام) أنه السارق،

قال في الأخير في قوله تعالى (4)«فَمَنِ اضْطُرَّ» إلى آخرها: «الباغي باغي الصيد، و العادي السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا في الصلاة».

و في الأول في قوله عز و جل «فَمَنِ اضْطُرَّ» إلى آخرها:

«العادي السارق، و الباغي الذي يبغي الصيد بطرا و لهوا لا ليعود به على عياله، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا، هي حرام عليهما في حال الاضطرار، كما هي حرام عليهما في حال الاختيار، و ليس لهما أن يقصرا في صوم و لا صلاة في سفر».

قلت: قد يقال: إن الظاهر إرادة المعنى المطابق لقوله تعالى في


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 عن محمد بن علي الرضا عليه السلام و هو الصحيح، لأن عبد العظيم عدوه من أصحاب الجواد و الهادي و العسكري عليهم السلام فهو لم يدرك الباقر عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 173.

ج 36، ص: 430

الآية الأخرى (1) «غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ» من الباغي و العادي، للاتفاق ظاهرا على تفسير المتجانف للإثم بالميل إلى أكل الميتة استحلالا أو اقترافا للإثم، بخلاف البغي و العدوان الذي قد عرفت الاختلاف في تفسيرهما و إن كان منه ما ينطبق على ما ذكرنا.

و منه يظهر رجحان ذلك على احتمال العكس، بأن يراد بالمتجانف للإثم خصوص الباغي و العادي، و حينئذ فيكون المراد الرخصة للمضطر من حيث كونه كذلك، لا المتناول لها القادم على الإثم في ذلك أو المستحل لها، فإنه لا رخصة لهما و لو في حال الاضطرار، ضرورة عدم كون الباعث لهما الاضطرار بل البغي و العدوان، أي التجانف للإثم في أكل الميتة حال الاختيار، بل في الحقيقة لا اضطرار بالنسبة إليه، ضرورة عدم حالة امتناع له حتى يكون ما فيه من الحال حال اضطرار له، إذ المنساق من قوله (2) «فَمَنِ اضْطُرَّ»* الرخصة للممتنع حال الاختيار إن اتفق اضطراره.

و حينئذ فقوله «غَيْرَ مُتَجانِفٍ» كالحال المؤكدة و الكاشفة، و كذا قوله «غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ»* بناء على إرادة معنى غير المتجانف للإثم منهما، و لا ينافي ذلك النصوص المزبورة التي لم تثبت حجيتها، و مع التسليم يكون ما فيها أمر آخر (3) تنتفي الرخصة فيه أيضا مضافا إلى ذلك.

و حينئذ فالمتجه بناء على الأول الرخصة للممتنع عنها اختيارا إذا اضطر إليها و لو كان باغيا أو قاطعا للطريق كما عن أبي حنيفة، لإطلاق


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 3.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 173.
3- 3 هكذا في النسختين الأصليتين، و الصحيح «يكون ما فيها أمرا آخر».

ج 36، ص: 431

الأدلة فضلا عن مطلق العاصي بسفره، و إن استشكل فيه الفاضل من قصر الأخبار على ما ذكر، و من عموم الآية و الاشتراك في العلة، و استناد الضرورة إلى سفر هو معصية، و المعصية لا توجب الرخصة.

بل عن الإسكافي و علي بن إبراهيم و الشيخ أبي الفتوح الجزم بالعدم، بل ذكر الأول منهم أنه مذهب أهل البيت (عليهم السلام) و هو المحكي عن الشافعي، بناء على أن المراد من الآية الرخصة للمضطر الموصوف بكونه غير باغ و لا عاد مطلقا، لا في خصوص الأكل الذي هو المنساق من الآية، إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع بعد ما عرفت و اللَّه العالم.

[و أما كيفية الاستباحة]

و أما كيفية الاستباحة فالمأذون فيه حفظ الرمق مع كون الاضطرار بالنسبة إليه خاصة و حينئذ ف التجاوز حرام، لأن القصد حفظ النفس و الفرض حصوله، فلا ضرورة بعده، و من هنا قالوا:

إن الضرورة تقدر بقدرها، بل عن ظاهر التبيان و مجمع البيان و روض الجنان و صريح الخلاف الإجماع على حرمة التجاوز.

بل ستسمع عن المنتهى و التذكرة ما يؤيد ذلك في المحرم المضطر لأكل الصيد، سواء بلغ الشبع أو لا، خلافا لبعض العامة، فأباح الشبع، و ضعفه واضح.

نعم لو اضطر إليه للالتحاق بالرفقة جاز أو وجب حيث يجب، و لو افتقر إليه و لكن يتوقع مباحا قبل رجوع الضرورة قيل: تعين سد الرمق و حرم الشبع.

و هل للمضطر الترود من الميتة؟ الأقرب ذلك، كما عن أبي علي، لاشتراك العلة مع الأصل، و يحتمل العدم بناء على حرمة الانتفاع بها، و إنما خرج الأكل بالنص و الإجماع، و ضعفه واضح.

ج 36، ص: 432

و لو لقيه مضطر آخر لم يجز له بيعها عليه، إذ لا ضرورة في البيع و يجب دفعها إليه بغير عوض إذا لم يكن هو مضطرا في الحال و إن توقعه للتساوي في الاحترام و وجوب الحفظ مع رجحان الاضطرار في الحال على المتوقع، لاحتمال العدم.

و هل يجب التناول للحفظ؟ قيل: نعم بل قد يظهر من بعض الإجماع عليه و هو الحق لوجوب دفع الضرر و حفظ النفس و للمرسل (1)

السابق المنجبر بالعمل، خلافا لأحد وجهي الشافعي من جوازه له، لكونه ضربا من الورع، فيكون الصبر عليه كالصبر على القتل لمن يراد منه إظهار كلمة الكفر.

و فيه ما لا يخفى من وضوح الفرق بين الأمرين بعد تسليم الحكم في المقيس عليه، بل الظاهر أن نحو التلف غيره من المضار على النفس المبيحة للتناول، فعلم أنه متى جاز التناول لذلك وجب حفظا للنفس، فليس هنا جواز بمعنى الإباحة و تساوي الطرفين، نعم قد يأتي ذلك في غير النفس.

و على كل حال ف ظهر لك أنه لو أراد التنزه و الحال حالة خوف التلف للنفس بل أو الضرر الذي لا يتحمل عليها لم يجز ذلك، لأنه إلقاء بيده في التهلكة و لما سمعته، و اللَّه العالم.

و لو اضطر إلى طعام الغير و ليس له الثمن وجب على صاحبه الحاضر غير المضطر إليه بذله، لأن في الامتناع إعانة على قتل المسلم و قد

قال (عليه السلام) (2): «من أعان على قتل مسلم و لو بشطر


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4 من كتاب القصاص و فيه «من أعان على قتل مؤمن.» و في المستدرك الباب- 2- منها- الحديث 4 «من أعان على قتل مسلم.»

.ج 36، ص: 433

كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة اللَّه»

و لأنه يجب عليه حفظ النفس المحترمة و لو لغيره.

خلافا لمحكي الخلاف و السرائر فلم يوجباه، للأصل بعد منع كونه إعانة، و عدم دليل يدل على وجوب حفظ نفس الغير مطلقا، حتى لو توقف على بذل المال، إذ ليس إلا الإجماع، و هو في الفرض ممنوع، بل لعل السيرة في الأعصار و الأمصار على خلافه في المقتولين ظلما مع إمكان دفعه بالمال، و في المرضي إذا توقف علاجهم- المقتضي حياتهم باخبار أهل الخبرة- على بذل المال.

إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذلك كله، ضرورة المفروغية من وجوب حفظ نفس المؤمن المحترمة، و ربما يشهد لذلك ما تقدم في النفقات التي أوجبوها على الناس كفاية على العاجز، مضافا إلى النصوص الدالة على المواساة و غيرها، بل لعله من الأمور التي استغنت بضرورتها عن الدليل المخصوص.

نعم لو كان هو مضطرا إليه أيضا لم يجب بذله له إلا أن يكون نبيا أولى به من نفسه أو وصي نبي كذلك، بل لا يجوز بذله لغيرهما، و إن قال في المسالك: «الأصح الجواز مع التساوي في الإسلام و الاحترام لعموم قوله تعالى (1) «وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» و لأن المقصود حفظ النفس المحترمة و هو حاصل بأحدهما، فلا ترجيح».

لكن فيه أن ظاهر الآية في غير الفرض، كما أن من المعلوم عقلا و نقلا تقديم حفظ نفسه التي يعبد اللَّه بها على غيره، بل لعل ذلك من الإلقاء بيده إلى التهلكة، و دعوى كونه كثبات المجاهد لمثله مع ظهور أمارات العطب فإنه غير ملق بل فائز واضحة المنع.


1- 1 سورة الحشر: 59- الآية 9.

ج 36، ص: 434

فالتحقيق عدم جواز إيثاره، كما لو كان ذميا أو بهيمة أو غيرهما من محترم الدم.

نعم لو لم يكن مضطرا اليه وجب عليه بذله للمضطر اليه كما عرفت، بل في المسالك «مسلما كان أو ذميا أو مستأمنا» بل فيها «و كذا لو كان يحتاج إليه في ثاني الحال على الأظهر» و لا يخلو من نظر.

و لو لم يبذله المالك فللمضطر أخذه منه قهرا، بل ذكروا أن له أن يقاتله عليه، بل لعل المتجه وجوب ذلك عليه، بناء على ما سمعته في المتن من وجوب أكله منها حفظا لنفسه.

إلا أن ذلك كله لا يخلو من نظر و إن تجشم بعضهم له بادراجه في الدفاع، و لكن عليه فلو قتله كان دمه هدرا، بخلاف العكس، بل في المسالك «لو منعه- أي غير المضطر- المضطر فمات جوعا ففي ضمانه له وجهان:

من أنه لم يحدث فيه فعلا مهلكا، و من أن الضرورة أثبتت له في ماله حقا، فكأنه منعه من طعامه» و إن كان لا يخفى عليك ضعف الوجه الثاني.

كما أن ما فيه أيضا من أنه «في مقدار ما يجب على المالك بذله من سد الرمق أو القدر المشبع وجهان مبنيان على القدر الذي يحل من الميتة» كذلك لما عرفته من وضوح ضعف الثاني منهما عندنا، لأن الضرورة تقدر بقدرها، إلا أن يفرض ضرورته إلى أزيد من ذلك.

ثم إن كان المضطر قادرا على دفع ثمنه لم يجب على المالك بذله مجانا قطعا، لأن ضرورة الجائع تندفع ببذله الثمن القادر عليه، بل لو كان عاجزا لم يجب بذله كذلك و إن قيل، كما حكاه المصنف بقوله:

و هل له المطالبة بالثمن؟ قيل: لا، لأن بذله واجب فلا يلزم العوض للأصل و معلومية عصمة مال المسلم، و وجوب البذل عليه لا ينافي ثبوت العوض في ذمة المبذول له، فهو حينئذ كوجوب بذل

ج 36، ص: 435

الطعام في الغلاء على المحتكر و التسعير عليه الذي لا خلاف في أن له العوض و ليس هو كاستنقاذ المشرف على الهلاك في عدم وجوب أجرة المثل التي لا تندرج في

عموم «من أتلف» (1)

و لا غيره مما يقتضي الضمان.

و لعل هذا مرادهم بما ذكروه من الفرق بين المقام و بين تخليص المشرف بأنه هناك يلزمه التخليص و إن لم يكن للمشرف مال، و لا يجوز التأخير إلى تقدير الأجرة و تقريرها، بخلاف ما هنا، و إن قال في المسالك:

«لا يخلو هذا الفرق من قصور».

ثم قال: «و ربما ساوى بعضهم بين الأمرين، حيث يحتمل الحال موافقته على أجرة يبذلها أو يقبلها، فلا يلزمه تخليصه حتى يقبل الأجرة كالمضطر، كما أنه لو لم يحتمل الحال مساومة المضطر يجب عليه بذله، و لا يلزمه العوض، بخلاف ما إذا احتمل و إن لم يكن هناك مال مقدور عليه» و ظاهره الميل إلى ذلك، إلا أنه كما ترى، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين، كوضوح ضمان الثمن في الأخير، لقاعدة «من أتلف» و غيره بخلاف الأجرة.

نعم لو بذله مجانا وجب عليه قبوله و إن استلزم المنة التي لا تقابل حفظ النفس.

و لو بذله بالعوض و لم يقدره فأكله المضطر كان عليه قيمته في ذلك الزمان و المكان، لأنه من الإباحة بالعوض، فلا يحتاج إلى معلومية قدر المبذول، بل له الشبع كائنا ما كان.

و في المسالك «أو مثله إن كان مثليا» و فيه أنه مناف لقاعدة لا ضرر و لا ضرار لو بذل له ماء مثلا في الأرض القفراء و وفاه عند وروده الماء بمثله، فتأمل.


1- 1 راجع التعليقة 2 في ص 157.

ج 36، ص: 436

و إن قدر العوض فان لم يفرد له ما يأكله فله الأكل كذلك حتى يشبع مع فرض وقوع التراضي بذلك على أن يكون من الصلح أو الهبة بالعوض أو نحوهما، و إن أفرده فإن كان المقدر ثمن المثل أخذه بعقد بيع جامع لشرائط صحته أو صلح كذلك أو غيرهما أو معاطاتهما، و له أن يأخذ حينئذ ما فضل، و إن كان أكثر من ثمن المثل فسيأتي البحث فيه.

و إن أطعمه المالك و لم يصرح بالإباحة ففي المسالك «فيه وجهان، أصحهما أنه لا عوض عليه، و يحمل على المسامحة العادية في الطعام، سيما في حق المضطر» و فيه أن الأصل الضمان مع عدم تصريحه بالمجانية و لو بظهور حال يقوم مقام التصريح.

و منه يعلم ما في قوله متصلا بما سمعت: «و لو اختلفا فقال المطعم:

أطعمتك بعوض و قال المضطر: بلا عوض ففي تصديق المطعم لأنه أعرف بكيفية بذله أو المضطر لأصالة براءة ذمته وجهان» ضرورة كون المتجه بناء على ما ذكرناه أن القول قول المطعم.

و من الغريب ميلة إلى الضمان في صورة الإيجار بعد ما سمعته منه، قال: «و لو افتقر المضطر إلى وجود الطعام في فمه فوجره المالك و هو مغمى عليه بنية العوض ففي استحقاقه العوض وجهان، و الأولى القول بالاستحقاق هنا، لأنه خلصه من الهلاك، و كان كالعفو من القصاص إلى الدية، و لما فيه من التحريض على تدارك المضطرين، و وجه العدم أن المضطر لم يطلب و لم يتناول، فكان المالك متبرعا، و الأقوى الأول» مع أنه يمكن كون الأمر بالعكس، ضرورة قوة السبب على المباشر في الفرض.

ثم قال فيها أيضا: «و كما يجب بذل المال لإبقاء الآدمي يجب

ج 36، ص: 437

بذله لإبقاء البهيمة المحترمة و إن كانت ملكا للغير، و لا يجب البذل للحربي و الكلب العقور، و لو كان للإنسان كلب غير عقور جائع و شاة فعليه إطعام الشاة» و فيه منع، بل قد يقال بأولوية الكلب، لإمكان ذبح الشاة بخلاف الكلب.

هذا كله لو كان صاحب الطعام حاضرا، و لو كان غائبا أكل منه وجوبا و غرم قيمة ما أكل إن كان متقوما، و في المسالك «و مثله إن كان مثليا» و فيه ما عرفت.

و لا فرق في ذلك بين القدرة على العوض و عدمها، لأن الذمة تقوم مقام الأعيان، و اللَّه العالم.

و إن كان الثمن موجودا و طلب ثمن مثله وجب على المضطر دفع الثمن حفظا لنفسه، و لا يجوز له قهر صاحبه بدونه اتفاقا كما في كشف اللثام.

و لا يجب على صاحب الطعام بذله لو امتنع من بذل العوض، لأن الضرورة المبيحة لاقتساره مجانا لو قلنا به زالت بالتمكن من البذل نعم قد يقال بوجوب بذله له من غير ذكر المعاوضة و إلزامه بالقيمة بعد ذلك.

و إن طلب زيادة عن الثمن قال الشيخ: لا تجب الزيادة و ربما حمل على صورة العجز، و فيه أن لفظه المحكي عن مبسوطة على ما في المسالك- «إذا امتنع صاحب الطعام من بذله إلا بأزيد من ثمن مثله فان كان المضطر قادرا على قتاله قاتله، فان قتل المضطر كان مظلوما، مضمونا، و إن قتل المالك كان هدرا، و إن لم يكن قادرا على قتاله أو قدر فتركه حذرا من إراقة الدماء فان قدر على أن يحتال عليه و يشتري منه بعقد فاسد حتى لا يلزمه إلا بثمن مثله فعله، فان لم يقدر إلا على

ج 36، ص: 438

العقد الصحيح فاشتراه بأكثر من ثمن مثله قال قوم: يلزمه الثمن، لأنه باختياره بذل، و قال آخرون لا تلزمه الزيادة على ثمن المثل، لأنه مضطر إلى بذلها، فكان كالمكره عليها، و هو الأقوى عندنا»- خال عن التقييد بذلك، بل ظاهر تعليله و غيره القدرة عليها.

و من هنا قال المصنف و لو قيل: تجب الزيادة كان حسنا و تبعه غيره لارتفاع الضرورة بالتمكن من بذل العوض و لو زائدا فلم يجب على المالك بذله، لأنه غير مضطر حينئذ و لعله الأقوى.

نعم لو امتنع صاحب الطعام و الحال هذه أي بذل المضطر الزيادة جاز له قتاله دفعا لضرورة العطب لا كما ذكره الشيخ من جواز القتال بدون دفع الزيادة.

و لو واطأه فاشتراه بأزيد من الثمن كراهية لإراقة الدماء قال الشيخ كما سمعته من عبارته لا يلزمه إلا ثمن المثل، لأن الزيادة لم يبذلها اختيارا، و فيه إشكال، لأن الضرورة المبيحة للإكراه ترتفع بإمكان الاختيار و لما عرفت من وجوب بذلها عليه، و اللَّه العالم.

و لو وجد ميتة و طعام الغير فان بذل له الغير طعامه بغير عوض أو عوض هو قادر عليه غير مضر بحاله لم تحل له الميتة (11) بلا خلاف و لا إشكال، لعدم صدق الاضطرار، و إن بذله بزيادة كثيرة ففي المسالك «في تقديمه على الميتة مع القدرة أوجه: أحدها أنه لا يلزمه و لا بأس به مع الإضرار بالحال، أما مع عدمه فالمتجه تقديمه عليها، لعدم صدق الاضطرار.

و لو كان صاحب الطعام غائبا أو حاضرا و لم يبذله و قوي صاحبه على دفعه عن طعامه أكل الميتة (12) لوضوح صدق الاضطرار في الأخير، أما الأول فوجه بأن الميتة محرمة لحق اللَّه تعالى المبني على المساهلة، و بأن

ج 36، ص: 439

إباحة الميتة للمضطر منصوص (1)

عليها، و جواز الأكل من مال الغير بغير إذنه يؤخذ من الاجتهاد، و بأن الميتة يتعلق بها حق واحد لله تعالى، و مال الغير يتعلق به الحقان و اشتغال الذمة، إلا أن الجميع كما ترى.

و الاولى الاستدلال بصدق الاضطرار بعد إطلاق الأدلة و عمومها بحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، و الممنوع شرعا كالممنوع عقلا، فيتحقق الاضطرار الذي هو عنوان الرخصة.

و منه يعلم وجه ضعف احتمال أكل الطعام لصدق القدرة على طعام حلال العين، فأشبه ما إذا كان المالك حاضرا و بذله، و التصرف في مال الغير منجبر بثبوت عوضه في الذمة.

و أضعف منه احتمال تخييره بين الأمرين لتعارض الحقين، نعم يتجه- بناء على ما ذكرنا- ذلك في الحاضر إذا لم يبذل،

لعموم «الناس مسلطون على أموالهم» (2)

من غير فرق بين كونه قويا أو ضعيفا.

و حينئذ فالقول بأنه إن كان صاحب الطعام ضعيفا لا يمنع أكل الطعام، و ضمنه، و لم تحل الميتة لا يخلو من نظر.

و دعوى الفرق بينه و بين الغائب- بأن الغائب غير مخاطب بدفعه إلى المضطر، و ماله باق على أصل احترامه، بخلاف الحاضر، فإنه مأمور شرعا بدفعه، فإذا امتنع جاز أخذه قهرا موافقة لأمر الشارع، و لم يكن بسبب ذلك مضطرا إلى الميتة- واضحة الفساد.

و لعله لذا قال المصنف و فيه تردد و إن كان أولى من ذلك الجزم بالعدم، خصوصا بعد الجزم بالحكم في الغائب، و اللَّه العالم.

و إذا لم يجد المضطر إلا الآدمي ميتا حل له إمساك الرمق من


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- 2 البحار- ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 36، ص: 440

لحمه و إن كان محترما إذا لم يكن نبيا أو وصي نبي، و لا ينافي ذلك كون ميتته محترمة، لإطلاق الرخصة في الميتة الشاملة للفرض عند الاضطرار، و لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، بل مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أكله نيا أو مطبوخا أو مشويا، و إن كان الأولى الاقتصار على الأول مع فرض اندفاع الضرورة به، محافظة على مقدار الضرورة في هتك حرمته بخلاف الميتة من غيره، فإنه لا احترام لها.

و من ذلك يعلم الوجه في المستفاد من قول المصنف: «و إذا لم يجد» إلى آخره من أنه إذا وجد المضطر ميتة و لحم آدمي أكل الميتة دون الآدمي من غير فرق بين الخنزير و غيره، نعم ينبغي تقييده بمحترم الميتة من الآدمي دون غيره الذي هو كالخنزير و نحوه.

و كذا المحرم لو وجد الصيد و لحم الآدمي قدم الصيد، و إن قيل بتقديم الميتة على الصيد في حقه مطلقا، أو إذا لم يقدر على الفداء، كما عن النهاية و التهذيب، و إلا أكل الصيد، لأن الميتة نجسة مضرة تنفر عنها الطبائع.

و عن أبي علي التفصيل بين ميتة ما يقبل الذكاة و بين غيرها، فتقدم الأولى عن الصيد دون الثانية، و عن الصدوق ذلك مع القدرة على الفداء.

و عن الخلاف و المبسوط و السرائر بل و التهذيب و الاستبصار في وجه التفصيل بأنه إن كان الصيد حيا أكل الميتة مطلقا، لأنه إذا ذبح الصيد كان ميتة، أما لو وجد لحم الصيد الذي ذبحه المحل في الحل كان أولى من الميتة، لأن تحريمه أخف من وجوه: منها أنه طاهر، و منها أنه خاص بالمحرم، و منها أنه لا يضر، و منها أنه لا تنفر منه الطباع، و لكن الشيخ أطلق الحكم في اللحم، و فصل ابن إدريس بأنه يأكله إن قدر على الفداء و إلا فالميتة.

ج 36، ص: 441

و الأصل في ذلك اختلاف الأخبار، ف

في الحسن (1) أن الحلبي سأل الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يضطر فيجد الميتة و الصيد أيهما يأكل؟ قال: يأكل الصيد، أما يجب أن يأكل من ماله؟ قال: بلى قال: إنما عليه الفداء، فليأكل و ليفد».

و في

خبر إسحاق (2)

«أن عليا (عليه السلام) كان يقول: إذا اضطر المحرم إلى الصيد و إلى الميتة فليأكل الميتة التي أحل اللَّه له».

و جمع بينهما و نحوهما بوجوه: (منها) التقية. و (منها) الفرق بين المتمكن (3) من الفداء و عدمه. و (منها) الفرق بين لحم الصيد و الحي منه. و (منها) احتمال الثاني أن لا يكون وجد الصيد أو لم يتمكن منه و إن اضطر إليه. و قد تقدم تحقيق الحال فيها في الحج (4).

ثم إن الظاهر وجوب الاقتصار في الأكل من الصيد على سد الرمق مع فرض كون المضطر إليه ذلك، نحو ما سمعته في الميتة، بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه هنا، بل عن التذكرة الإجماع عليه، خلافا لبعض، فجوز له الشبع، لسقوط الإثم بالاضطرار، و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت، و اللَّه العالم.

و لو كان حيا محقون الدم لم يحل لعدم جواز حفظ النفس بإتلاف أخرى، و لذا لم يكن تقية في الدماء، و لا فرق في ذلك بين السيد و العبد و الولد و الوالد و الشريف و الوضيع، بل في المسالك و الكافر المحترم


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 11 من كتاب الحج.
3- 3 هكذا في المبيضة إلا أن الموجود في النسخة المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه «الفرق بين التمكن».
4- 4 راجع ج 20 ص 335- 340.

ج 36، ص: 442

كالذمي و المعاهد و غيرهما.

نعم لو كان مباح الدم كالحربي و المرتد و الزاني المحصن و غيرهم جاز قتله و حل له منه ما يحل من الميتة و إن كان القتل في بعضهم موقوفا على إذن الامام (عليه السلام) لكن ذلك مع الاختيار.

و لو كان له على غيره قصاص و وجده في حالة الاضطرار قتله قصاصا و أكله، بل في المسالك أن أصح الوجهين جواز قتل الامرأة و الصبيان من أهل الحرب، لأنهم ليسوا بمعصومي الدم، و ليس المنع من قتلهم في الاختيار لاحترامهم، و لهذا لا يتعلق به كفارة و لا دية، بخلاف الذمي و المعاهد و إن كان لا يخلو من نظر، و اللَّه العالم.

و لو لم يجد المضطر ما يمسك رمقه سوى نفسه بأن يقطع قطعة من فخذه و نحوه من المواضع اللحمة فإن كان الخوف فيه كالخوف على نفسه في ترك الأكل أو أشد حرم القطع قطعا، و إن علم السلامة حل قطعا، بل وجب.

و إن كان أرجى للسلامة قيل: جاز له أن يأكل من المواضع اللحمة كالفخذ لأنه إتلاف بعض لاستبقاء الكل، فأشبه قطع اليد مثلا بسبب الآكلة. و ليس شيئا عند المصنف إذ فيه دفع الضرر بالضرر، و لا كذلك جواز قطع الآكلة، لأن الجواز هناك إنما هو لقطع السراية الحاصلة، و هنا إحداث سراية.

لكن قد يناقش بأن حدوث السراية على هذا التقدير غير معلوم، و الفرض كون المضطر خائف الهلاك بسراية الجوع على نفسه كسراية الآكلة.

نعم لا يجوز له أن يقطع من غيره ممن هو معصوم الدم اتفاقا، كما في المسالك، إذ ليس فيه إتلاف البعض لإبقاء الكل، بل الظاهر ذلك

ج 36، ص: 443

و إن قطع بسلامة المقطوع منه.

و كذا لا يجوز للإنسان أن يقطع جزءا منه للمضطر و إن قطع بالسلامة إلا أن يكون المضطر نبيا، فإنه يجوز و إن قطع بالسراية، و اللَّه العالم.

و لو اضطر إلى خمر و بول تناول البول و إن كان نجسا، لأنه أخف حرمة منها و عدم الحد عليه، لأنه لا يسلب العقل و الايمان و لا يؤدي إلى شر كالخمر. نعم لو وجد ماء متنجسا قدمه على البول لأن نجاسته عارضية، كما أنه يقدم ميتة ما يؤكل لحمه على ما لا يؤكل لحمه للخفة.

و لو وجد ميتة ما يؤكل و ما لا يؤكل حيا إلا أنه يقبل التذكية ذبح ما لا يؤكل و قدمه على الميتة، لنجاستها و أشدية حرمتها كما يعلم من الكتاب (1) و السنة (2)

. و لذا اقتصر عليها مع أخواتها في الكتاب (3) بل حصر التحريم فيها مع غيرها في الآية الأخرى (4) و إن كان هو إضافيا أو قبل تحريم الغير كما عرفته سابقا.

و كذا يقدم عليها مذبوح الكافر و خصوصا من اختلف في ذبيحته لأنه ليس ميتة و إن كان بحكمها، و ليس فيه ما في الميتة من المضار التي علل بها تحريمها (5)

و بالجملة فالمدار على الترجيح إن حصل لكونه حينئذ أقل قبحا و إلا فالتخيير.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 3 و سورة الأنعام: 6- الآية 145 و سورة النحل: 16- الآية 115.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 3 و سورة الأنعام: 6- الآية 145 و سورة النحل: 16- الآية 115.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 173.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 444

و لو لم يجد إلا الخمر قال الشيخ في المبسوط و محكي الخلاف:

لا يجوز دفع الضرورة بها ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1): «المضطر لا يشرب الخمر، لأنه لا يزيده إلا عطشا»

و لفحوى ما سمعته مما دل على حرمة التداوي بها مع الانحصار من الإجماع المحكي و النصوص (2)

ضرورة كونه أحد أفراد الضرورة، و لاختصاص مورد الرخصة للمضطر في الآيات الكريمة (3) في غيرها.

و قال الصدوق و ابنا إدريس و سعيد و جماعة على ما حكي عنهم و الشيخ في النهاية: يجوز، و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي علم منها أهمية حفظ النفس و نفي الحرج و الضرر في الدين. مضافا إلى خصوص ما تقدم في خبر المفضل (4)

و خبري محمد بن عبد اللَّه (5)

و محمد بن عذافر (6)

من التصريح بجواز تناول الخمر للمضطر.

و خصوص

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حماد بن عيسى و عمار بن موسى (7)

«في الرجل أصابه عطش حتى خاف على نفسه فأصاب خمرا، قال: يشرب منه قوته».

و إلى أولوية إباحتها من إباحة ما هو أفحش منها من الميتة و الخنزير و غير ذلك، و اللَّه العالم.

و لا يجوز التداوي بها و لا بشي ء من الأنبذة، و لا بشي ء من


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 173 و سورة المائدة: 5- الآية 3 و سورة الأنعام: 6 الآية 119.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1. و الراوي له هو عمار بن موسى فقط كما في التهذيب ج 9 ص 116- الرقم 502.

ج 36، ص: 445

الأدوية معها شي ء من المسكر أو غيره من المحرمات أكلا و لا شربا مع عدم الانحصار بلا خلاف، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلا عن محكيه في كشف اللثام، لإطلاق أدلة التحريم السالمة عن معارضة الرخصة فيه للمضطر المعلوم عدم تحققه في الفرض.

بل لعله كذلك مع عدم العلم بالانحصار، لعدم تحقق عنوان الرخصة أيضا، بل المشهور على ما في المسالك و كشف اللثام عدم الجواز حتى مع الانحصار، بل عن الشيخ في الخلاف و ظاهر المبسوط الإجماع عليه، ل

صحيح الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن دواء عجن بالخمر، فقال: لا و اللَّه ما أحب أن أنظر إليه فكيف أتداوى به، فإنه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير».

و حسن ابن أذينة (2)

«كتبت إلى الصادق (عليه السلام) أسأله عن رجل ينعت (يبعث خ ل) له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر سكرجة من نبيذ صلب ليس يريد به اللذة إنما يريد به الدواء، فقال:

لا و لا جرعة، ثم قال: إن اللَّه عز و جل لم يجعل في شي ء مما حرم دواء و لا شفاء».

و خبر أبي بصير (3) قال: «دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد اللَّه (عليه السلام) و أنا عنده، فقالت: جعلت فداك إنه يعتريني قراقر في بطني و قد وصف لي أطباء العراق النبيذ بالسويق، و قد عرفت كراهتك له و أحببت أن أسألك عن ذلك، فقال لها: و ما يمنعك من شربه؟ قالت:

قد قلدتك ديني فألقى اللَّه عز و جل حين ألقاه فأخبره أن جعفر بن محمد


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2. و أسقط في الوسائل بعض قطعات الحديث، و ذكره بتمامه في الكافي ج 6 ص 413.

ج 36، ص: 446

أمرني و نهاني، فقال: يا أبا محمد أ لا تسمع هذه المسائل؟ لا، فلا تذوقي منه قطرة، و إنما تندمين إذا بلغت نفسك إلى هاهنا، و أومأ بيده إلى حنجرته يقولها ثلاثا: أ فهمت؟ قالت: نعم».

و عن الصادق (عليه السلام) أيضا (1)

«لا يتداوى بالخمر و لا بالمسكر، و لا تمتشط النساء به، فقد أخبرني أبي عن جدي (عليه السلام) أن عليا (عليه السلام) قال: إن اللَّه عز و جل لم يجعل في رجس حرمه شفاء».

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن حملها على عدم الانحصار، كما أنه يمكن إرادة عدم حصر الدواء في المحرم من التعليل، أو ينزل على الغلبة، على أنه لم نجد القائل به في غير الخمر.

و لعله لذا- مؤيدا بما سمعته من حل تناوله عند الاضطرار الذي لا ريب في كون المقام منه بشهادة الوجدان و أهل الخبرة، بل و قوله تعالى(2) «وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما» الظاهر في حصول نفع به، و

خبر عبد الرحمن بن الحجاج (3) المروي عن طب الأئمة «إن رجلا سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الترياق، فقال: ليس به بأس، قال:

يا ابن رسول اللَّه إنه يجعل فيه لحوم الأفاعي، فقال: لا تقذره علينا»-

أطلق القاضي الجواز، و تبعه جماعة من متأخري المتأخرين، و هو الأقوى.

و من الغريب جزم المصنف بالعدم مع قوله و يجوز عند الضرورة أن يتداوى بها للعين بل حكاه في المسالك عن الأكثر، و في كشف اللثام عن الشيخ و جماعة، مستدلين عليه بعموم وجوب دفع الضرر، و خصوص


1- 1 المستدرك- الباب- 15- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 4.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 219.
3- 3 الوسائل- الباب- 136- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8.

ج 36، ص: 447

خبر هارون بن حمزة الغنوي (1) عن الصادق (عليه السلام) «في رجل اشتكى عينه فبعث له كحل يعجن بالخمر، فقال: هو خبيث بمنزلة الميتة فإن كان مضطرا فليكتحل به»

ضرورة منافاته للتعليل الذي هو منشأ المنع في السابق.

و لعله لذا كان المحكي عن ابن إدريس المنع هنا أيضا محتجا بالتعليل السابق المؤيد ب

مرسل مروك (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «من اكتحل بميل من مسكر كحله اللَّه بميل من نار»

بعد القول بحرمة مطلق الانتفاع به، لخصوص ما ورد فيه (3)

مضافا إلى ما سمعته في مطلق الأعيان النجسة.

و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن الأصح الجواز مع الاضطرار و إن قلنا بحرمة الانتفاع به مطلقا مع عدمه، و يمكن حمل المرسل المزبور عليه، و اللَّه العالم.

[خاتمة تشتمل على أمور]

[أما الأكل]

خاتمة تشتمل على أمور

منها في الآداب و هي كثيرة اقتصر المصنف منها على اثني عشر أو ثلاثة عشر: الأول و الثاني اللذان أشار إليهما بقوله يستحب غسل


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة المحرمة.

ج 36، ص: 448

اليدين قبل تناول الطعام و بعده

للمروي (1) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أنه قال: «غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر، و آخره (و بعده خ ل) ينفي الهم».

و عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)

«غسل اليدين قبل الطعام و بعده زيادة في العمر. و إماطة للغمر عن الثياب، و يجلو البصر».

و عن الصادق (عليه السلام) (3)

«من غسل يده قبل الطعام و بعده عاش في سعة، و عوفي من بلوى في جسده».

و عن الباقر (عليه السلام) في خبر أبي حمزة (4)

«يا أبا حمزة الوضوء قبل الطعام و بعده يذيبان (يذهبان خ ل) الفقر، قلت: بأبي و أمي يذهبان؟ قال: يذيبان».

و عن الصادق (عليه السلام) (5)

«من سره أن يكثر خير بيته فليتوضأ قبل حضور الطعام».

و عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) (6)

«الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، و بعده ينفي اللمم، و يصح البصر».

و في المسالك «المراد بالوضوء هنا غسل اليدين» قلت: لعله لأنهم لم يذكروا ذلك في مستحبات الوضوء، و لم يعهد استعماله من أهل الشرع بل لعل المستعمل خلافه، مضافا إلى ظهور بعض النصوص (7)

الآتية في البدأة فيه.

و في كشف اللثام «قد روي استحباب غسل اليدين جميعا و إن لم


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4 نقل بالمعنى.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 49- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
6- 6 المستدرك- الباب- 42- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 51- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 449

يأكل إلا بإحداهما». قلت: لعل المستفاد مما سمعت من الأخبار السابقة استحباب غسلهما معا كما ذكر، و استحباب غسل اليد التي يأكل بها.

بل في

خبر سليمان الجعفري (1)

«أنه ربما أتي بمائدة فأراد بعض القوم أن يغسل يده فيقول أبو الحسن (عليه السلام): من كانت يده نظيفة فلا بأس أن يأكل من غير أن يغسل يده»

ما يقتضي الرخصة في عدم الغسل مع نظافة اليد.

ثم إن إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين كون الطعام جامدا و مائعا، و لا بين كونه يباشر باليد أو بآلة و إن كان الحكم مع المباشرة آكد، بل هو الأصل في الشرعية، لأن الأكل من صاحب الشرع و خلفائه كان كذلك.

و الثالث مسح اليدين بالمنديل بعد الغسل من الطعام لا قبله، بل لا يبعد كراهته.

قال الصادق (عليه السلام) (2): «إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل، فإنه لا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد».

و عن مرازم (3)

«رأيت أبا الحسن (عليه السلام) إذا توضأ قبل الطعام لم يمسح (لم يمس خ ل) بالمنديل، و إذا توضأ بعد الطعام مسح بالمنديل (مس المنديل خ ل)»

و لعل إطلاق المصنف المسح عائد إلى الغسل المتصل به.

و إنما يستحب مسحهما بالمنديل من أثر ماء الغسل لا من أثر الطعام قبله، فان ذلك مكروه، و إنما السنة في لعق الأصابع.


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب آداب المائدة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.

ج 36، ص: 450

قال الصادق (عليه السلام) (1): «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): إذا أكل أحدكم فمص أصابعه التي أكل بها قال اللَّه عز و جل:

بارك اللَّه فيك».

و قال (عليه السلام) أيضا (2): «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يلعق أصابعه إذا أكل».

و قال (عليه السلام) (3): «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه في فيه فمصها».

و قال (عليه السلام) أيضا (4): «إني لألعق أصابعي حتى أرى أن خادمي يقول: ما أشره مولاي».

و قال (عليه السلام) أيضا (5): «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يلطع القصعة، و يقول: من لطع قصعة فكأنما تصدق بمثلها».

و قال (عليه السلام) أيضا (6): «إنه كره أن يمسح الرجل يده بالمنديل و فيها شي ء من الطعام تعظيما للطعام حتى يمصها أو يكون إلى جانبه صبي يمصها».

ثم إنه يستحب مسح الوجه و الحاجبين بعد الغسل،

قال الصادق (عليه السلام) (7): «مسح الوجه بعد الوضوء يذهب بالكلف و يزيد في الرزق».

و عن المفضل (8)

«دخلت علي أبي عبد اللَّه (عليه السلام) فشكوت الرمد، فقال: إذا غسلت يدك بعد الطعام فامسح حاجبيك و قل ثلاث مرات:


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب آداب المائدة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب آداب المائدة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 67- من أبواب آداب المائدة الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 67- من أبواب آداب المائدة الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 67- من أبواب آداب المائدة الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 53- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 54- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 54- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 451

الحمد للَّه المحسن المجمل المنعم المفضل، قال: ففعلت فما رمدت عيني بعد ذلك».

نعم لا صراحة في الأخير على كون المسح بهما قبل المسح بالمنديل، بل و لا الأول و إن نص عليها، لكن يمكن كونه المنساق، و اللَّه العالم.

و الرابع التسمية عند الشروع.

قال الصادق (عليه السلام) (1): «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): إذا وضعت المائدة حفها أربعة آلاف ملك، فإذا قال العبد: بسم اللَّه قالت الملائكة:

بارك اللَّه عليكم في طعامكم، ثم يقولون للشيطان: أخرج يا فاسق، لا سلطان لك عليهم، فإذا فرغوا فقالوا: الحمد للَّه قالت الملائكة: قوم أنعم اللَّه عليهم فأدوا شكر ربهم، فإذا لم يسموا قالت الملائكة للشيطان:

ادن يا فاسق فكل معهم، فإذا رفعت المائدة و لم يذكروا اللَّه (و لم يذكروا اسم اللَّه عليها خ ل) قالت الملائكة: قوم أنعم اللَّه عليهم فنسوا ربهم».

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (2): «من أكل طعاما فليذكر اسم اللَّه عليه، فان نسي ثم ذكر اللَّه بعد تقيأ الشيطان ما أكل و استقل (و استقبل خ ل) الرجل الطعام».

و عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) (3) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من ذكر اسم اللَّه عند طعام أو شراب في أوله و حمد اللَّه تعالى في آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام أبدا».

و منه يستفاد استحباب الإتيان بها في الأثناء بعد النسيان كما تسمعه في بعض النصوص (4)

الآتية أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.
4- 4 راجع التعليقة 2 ص 452.

ج 36، ص: 452

و عنه (عليه السلام) أيضا (1)

«إذا وضع الغداء أو العشاء فقل:

بسم اللَّه، فان الشيطان يقول لأصحابه: اخرجوا فليس ها هنا عشاء و لا مبيت، و إن نسي أن يسمي قال لأصحابه: تعالوا، فان لكم هاهنا عشاء و مبيتا».

و عنه (عليه السلام) أيضا (2)

«إن الرجل المسلم إذا أراد أن يطعم طعاما فأهوى بيده و قال: بسم اللَّه و الحمد للَّه رب العالمين غفر اللَّه عز و جل له قبل أن تصير اللقمة إلى فيه، و لو نسي التسمية فليقل عند الذكر: بسم اللَّه على أوله و آخره».

و يستفاد منه استحباب التحميد معها أيضا.

كما أنه يستفاد من

صحيح ابن الحجاج (3) عن الصادق (عليه السلام) «إذا حضرت المائدة و سمى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين»

الاجتزاء بتسمية واحد و إن كان يستحب من الجميع.

و الخامس الحمد لله تعالى شأنه عند الفراغ لما سمعته، و

عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) (4)

«ما من رجل يجمع عياله و يضع مائدته فيسمون في أول طعامهم و يحمدون في آخره فترتفع المائدة حتى يغفر لهم».


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1 و ليس في ذيله «و لو نسي التسمية فليقل.» كما في الكافي ج 6 ص 293 و هذه الجملة مستفادة من رواية داود بن فرقد المروية في الباب- 58- من تلك الأبواب- الحديث 1 و لكن ليس فيها: «عند الذكر».
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 57- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6.

ج 36، ص: 453

بل يستحب أيضا تكراره في الأثناء،

قال زرارة (1): «أكلت مع أبي عبد اللَّه (عليه السلام) طعاما فما أحصي كم مرة قال: الحمد للَّه الذي جعلني أشتهيه».

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (2): «اذكروا اللَّه على الطعام و لا تلفظوا (و لا تلغطوا خ ل) فإنه نعمة من نعم اللَّه و رزق من رزقه يجب فيه عليكم شكره و ذكره و حمده».

و يستحب أن يقول إذا فرغ:

«الحمد للَّه الذي أطعمنا و سقانا و كفانا و أيدنا و آوانا و أنعم علينا و أفضل، و الحمد لله الذي يطعم و لا يطعم» (3).

و السادس أن يسمي على كل لون على انفراده عند الشروع في الأكل منه،

قال داود بن فرقد (4) لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): «كيف أسمي على الطعام؟ فقال: إذا اختلفت الآنية فسم على كل إناء، قلت: فان نسيت أن أسمي، قال: تقول: بسم اللَّه على أوله و آخره»

بناء على إرادة اختلاف الألوان من اختلاف الآنية فيه.

كما في

المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (5) قال: «ضمنت لمن سمى على طعام أن لا يشتكي منه، فقال ابن الكواء: يا أمير المؤمنين لقد أكلت البارحة طعاما فسميت عليه فآذاني، قال: لعلك أكلت


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6.
3- 3 لما رواه في الوسائل- الباب- 59- من أبواب آداب المائدة- الحديث 9.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 61- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1 و ذيله في الباب- 58- منها- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 61- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.

ج 36، ص: 454

ألوانا فسميت على بعضها و لم تسم على بعض، قال: نعم، قال: من هاهنا أوتيت يا لكع».

و قال مسمع (1): «شكوت إلى أبي عبد اللَّه (عليه السلام) ما ألقى من أذى الطعام إذا أكلت، فقال: لم تسم، فقلت: إني لأسمي و إنه ليضرني، فقال: إذا قطعت التسمية بالكلام ثم عدت إلى الطعام تسمي، قلت: لا، قال: فمن هاهنا يضرك، أما أنك لو كنت إذا عدت إلى الطعام سميت ما ضرك».

و عن علي (عليه السلام) (2): «ما اتخمت قط، لأني ما رفعت لقمة إلى فمي إلا سميت»

و منهما تستفاد أحكام أخر، و اللَّه العالم.

و لو قال في الأواني المتعددة بسم اللَّه على أوله و آخره أجزأ و إن كان تكرارها أفضل.

و السابع يستحب الأكل باليمين مع الاختيار لاستحباب التيامن، بل

قال الصادق (عليه السلام) (3): «لا تأكل باليسرى و أنت تستطيع»

نعم لو كان له مانع من ذلك فلا بأس.

و الثامن و التاسع أن يبدأ صاحب الطعام و أن يكون آخر من يشبع (يمتنع خ ل) لئلا يحتشموه،

و عن الصادق (عليه السلام) (4)

«كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) إذا أكل مع القوم أول من يضع يده و آخر من يرفعها، ليأكل القوم».

و العاشر أن يبدأ الغاسل في غسل اليد قبل التناول بمن على يمينه أي صاحب الطعام بعد غسل يده، ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.

ج 36، ص: 455

يدور عليهم إلى الأخير لما عن الكافي و العلل من أن في بعض الأخبار (1)

يغسل أولا رب البيت يده، ثم يبدأ بمن على يمينه، و إذا رفع الطعام بدأ بمن على يسار صاحب المنزل، لأنه أولى بالصبر على الغمر. و عن البصائر حكاية فعل الكاظم (عليه السلام) كذلك.

و في

خبر مسعدة بن صدقة (2) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر ابن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «صاحب الرحل يتوضأ أول القوم و آخر القوم بعد الطعام»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على استحباب البدأة و الاختتام به.

لكن في

خبر الفضل بن يونس (3) قال: «لما تغدى عندي أبو الحسن (عليه السلام) و جي ء بالطشت بدئ به، و كان في صدر المجلس، فقال: ابدأ بمن على يمينك، فلما أن توضأ واحد أراد الغلام أن يرفع الطشت، فقال: دعها، و اغسلوا أيديكم فيها»

و ظاهره البدأة في الغسل الأول بمن على يمين الخادم، و يحتمل الغسل الأخير.

و في

خبر محمد بن عجلان (4) عن الصادق (عليه السلام) «الوضوء قبل الطعام يبدأ بصاحب البيت لئلا يحتشم أحد، و إذا فرغ من الطعام بدأ بمن على يمين الباب، حرا كان أو عبدا».

و في كشف اللثام «الظاهر موافقته لخبر الفضل، و أن يمين الباب هو يمين الخادم حين يدخل».

و نحوه

المروي عن المحاسن (5) إلا أنه قال: «فإذا فرغ من الطعام بدأ بمن على يسار صاحب المنزل».


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب آداب المائدة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 50- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 456

و يمكن أن يكون المستحب كيفيتين، أو أن البدأة بمن على يمين الباب الذي هو يمين الخادم حين يدخل إذا لم يكن صاحب المنزل جالسا أو غير ذلك، و الأمر سهل.

و يستحب الدعاء لصاحب الطعام، و ليختر

ما كان يدعو به رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (1)

«طعم عندكم الصائمون و أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة الأخيار».

و الحادي عشر أن يجمع غسالة الأيدي في إناء واحد لخبر الفضل (2)

السابق، و

عن الصادق (عليه السلام) (3)

«اغسلوا أيديكم في إناء واحد تحسن أخلاقكم».

و في

خبر عبد الرحمن المروي عن المحاسن (4) قال: «تغدينا عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) فأتي بالطشت، فقال: أما أنتم يا أهل الكوفة فلا تتوضؤون إلا واحدا واحدا، و أما نحن فلا نرى بأسا أن نتوضأ جماعة، قال: فتوضأنا جميعا في طشت واحد».

و في

خبر الوليد بن صبيح(5) قال: «تعشينا عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) ليلة جماعة فدعا بوضوء، فقال: تعالوا حتى نخالف المشركين الليلة، نتوضأ جميعا»

و لعل المراد جميعا مترتبين.

و الثاني عشر و الثالث عشر أن يستلقي الآكل بعد الأكل، و يجعل رجله اليمنى على رجله اليسرى كما في

خبر البزنطي (6) عن الرضا (عليه السلام) «إذا أكلت فاستلق على قفاك، و ضع


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 51- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 74- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.

ج 36، ص: 457

رجلك اليمنى على اليسرى».

و يستحب الأكل أيضا بثلاث أصابع أو بمجموعها،

قال الصادق (عليه السلام) (1): «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يأكل بثلاث أصابع، و لا يفعل كما يفعل الجبارون، يأكل أحدهم بإصبعيه».

و في المرفوع(2)

«كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يستاك عرضا و يأكل هرتا، و الهرت أن يأكل بأصابعه جميعا» (3).

و ليأكل أيضا مما يليه،

قال الصادق (عليه السلام) (4): «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): إذا أكل أحدكم فليأكل مما يليه».

و قال هو (عليه السلام) أيضا في حديث آخر (5): «و يأكل كل انسان مما يليه، و لا يتناول من قدام الآخر شيئا».

و قال (عليه السلام) أيضا (6): «إن لكل شي ء حدا ينتهي إليه و ما من شي ء إلا و له حد، فأتي بالخوان فقيل: ما حده؟ قال: حده:

إذا وضع الرجل يده قال: بسم اللَّه و إذا رفعها قال: الحمد للَّه، و يأكل كل انسان من بين يديه، و لا يتناول من قدام الآخر».

و يكره الأكل متكئا

قال الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية بن وهب (7): «ما أكل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)


1- 1 الوسائل- الباب- 68- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 68- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
3- 3 في الوسائل و الوافي المجلد 3- الجزء 11- ص 64 «و يأكل هرثا، و الهرث.» و في الكافي ج 6 ص 297 «و يأكل هرتا، و الهرت» كالجواهر، و تعرض لهذا الحديث في مجمع البحرين في مادة «هرث».
4- 4 الوسائل- الباب- 66- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 66- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 66- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.

ج 36، ص: 458

متكئا منذ بعثه اللَّه إلى أن قبضه تواضعا للَّه عز و جل»

و نحوه

خبر المعلى ابن خنيس (1) عنه (عليه السلام) أيضا، لكن زاد «و كان يكره أن يتشبه بالملوك، و نحن لا نستطيع أن نفعل».

و سأله (عليه السلام) أيضا عثمان بن عيسى (2)

«عن الرجل يأكل متكئا، قال: لا و لا منبطحا»

إلى غير ذلك من النصوص.

بل في

خبر كليب (3) منها «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: ما أكل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) متكئا قط و لا نحن».

لكن في خبر عمر بن أبي شعبة (4)

و

حماد بن عيسى (5)

«رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يأكل متكئا، ثم ذكر رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) فقال: ما أكل متكئا حتى مات».

و عن محمد بن مسلم (6)

«أنه دخل علي أبي جعفر (عليه السلام) ذات يوم و هو يأكل متكئا، قال: و قد كان يبلغنا أن ذلك يكره، فجعلت أنظر إليه، فدعاني إلى طعامه، فلما فرغ قال: يا محمد لعلك ترى أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) رأته عين يأكل و هو متكئ مذ بعثه اللَّه إلى أن قبضه، ثم رد على نفسه، فقال: لا و اللَّه ما رأته عين يأكل و هو متكئ منذ بعثه اللَّه إلى أن قبضه، ثم قال: يا محمد لعلك ترى أنه شبع من خبز البر ثلاثة أيام منذ بعثه اللَّه إلى أن قبض، ثم رد على نفسه، ثم قال: لا و اللَّه ما شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه اللَّه إلى أن قبضه، أما أني لا أقول إنه كان لا يجد،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4 عن عثمان بن عيسى عن سماعة، قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام.»
3- . 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب المائدة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب المائدة- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب المائدة- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.

ج 36، ص: 459

لقد كان يجيز الرجل الواحد المأة من الإبل، فلو أراد أن يأكل لأكل، و لقد أتاه جبرئيل (عليه السلام) بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيره من غير أن ينقص مما أعده اللَّه له يوم القيامة شيئا فيختار التواضع للَّه- إلى أن قال-: و إن كان صاحبكم ليجلس جلسة العبد و يأكل أكلة العبد و يطعم الناس خبز البر و اللحم و يرجع إلى أهله فيأكل الخبز و الزيت»

الحديث. محمول (1) على بيان الجواز أو على اقتضاء الوقت ذلك أو غير ذلك.

نعم لا بأس بوضع اليد على الأرض حال الأكل،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن الحجاج (2): «رآني عباد بن كثير البصري و أنا معتمد يدي على الأرض فرفعها فأعدتها، فقال: يا أبا عبد اللَّه إن هذا لمكروه، فقلت: لا و اللَّه ما هو بمكروه».

و في

خبر الفضيل بن يسار (3)

«كان عباد البصري عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) يأكل، فوضع أبو عبد اللَّه (عليه السلام) يده على الأرض، فقال له عباد: أصلحك اللَّه أما تعلم أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) نهى عن ذا؟ فرفع يده فأكل، ثم أعادها أيضا، فقال له أيضا، فرفعها ثم أكل، فأعادها فقال له عباد أيضا، فقال له أبو عبد اللَّه (عليه السلام): و اللَّه ما نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عن هذا قط».

و على كل حال فالظاهر استثناء ذلك من الاتكاء لو قلنا بدخوله في


1- 1 هكذا في النسختين المخطوطتين، و في العبارة تشويش، و الصحيح «و هو محمول» أو أن يغير قوله قده فيما تقدم: «لكن في خبر عمر بن أبي شعبة» هكذا «و ما في خبر عمر بن أبي شعبة.».
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.

ج 36، ص: 460

مطلقه. و في المسالك احتمال إرادة بيان الجواز من هذه النصوص، و أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) لم ينه عنه نهي تحريم.

و نحوه ما في الدروس «و يكره الأكل متكئا، و الرواية بفعل الصادق (عليه السلام) ذلك لبيان جوازه، و لهذا

قال: «ما أكل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) متكئا قط»

و روى الفضيل بن يسار جواز الاتكاء على اليد عن الصادق (عليه السلام) و أن رسول اللَّه (ص) لم ينه عنه مع أن في رواية أخرى لم يفعله، و الجمع بينهما أنه لم ينه عنه لفظا و إن كان يتركه فعلا» و فيه أن الموجود في الخبر أنه (ص) لم يأكل متكئا، لا متكئا على اليد.

نعم يستحب كون الجلوس على الأيسر لما

عن الحسن بن علي (عليهما السلام) (1)

«في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم أن يعرفها، أربع منها فرض، و أربع منها سنة، و أربع منها تأديب، فأما الفرض فالمعرفة و الرضا و التسمية و الشكر، و أما السنة فالوضوء قبل الطعام، و الجلوس على الجانب الأيسر، و الأكل بثلاث أصابع، و لعق الأصابع، و أما التأديب فالأكل مما يليك، و تصغير اللقمة، و المضغ الشديد، و قلة النظر في وجوه الناس».

و منه يستفاد استحباب أمور أخر، و لا ينافي ما فيه من استحباب الجلوس على الأيسر ما في غيره من

النصوص (2)

«أنه (صلى اللَّه عليه و آله) كان يأكل أكلة العبد، و يجلس جلسة العبد».

و في

خبر آخر (3) عن الصادق (عليه السلام) قال أمير المؤمنين


1- 1 الوسائل- الباب- 112- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب المائدة.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 461

(عليه السلام): «إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد، و لا يضعن إحدى رجليه على الأخرى و يتربع فإنها جلسة يبغضها اللَّه و يمقت صاحبها».

و في كشف اللثام «قال الخطابي: الاتكاء هنا أن يقعد متمكنا مستويا جالسا، بل السنة أن يقعد عند الأكل مائلا إلى الطعام منحنيا، و قال ابن الأثير: المتكي كل من استوى قاعدا على وطاء متمكنا، و العامة لا تعرف المتكي إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه، و التاء فيه بدل من الواو، و أصله من الوكاء، و هو ما يشد به الكيس و غيره، كأنه أوكأ مقعدته و شدها بالقعود على الوطاء الذي تحته، قال: و من حمل الاتكاء على الميل إلى أحد الشقين فأوله على مذهب الطب، فإنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا، و لا يسيغه هنيئا و ربما تأذى به».

قلت: لعل الاتكاء في العرف غير ذلك، نعم الظاهر أن جلسة العبد عدم تمكنه من الجلوس، و اللَّه العالم.

و يكره التملي من الأكل

للنبوي (1)

«ما ملأ ابن آدم وعاء أشر من بطنه، فان كان و لا بد فثلث لطعامك و ثلث لشرابك و ثلث لنفسك»

و قال الباقر (عليه السلام) (2): «ما من شي ء أبغض إلى اللَّه عز و جل من بطن مملوء»

و قال الصادق (عليه السلام) (3): «إن البطن ليطغى من أكله، و أقرب ما يكون العبد من اللَّه إذا خف بطنه، و أبغض ما يكون العبد إلى اللَّه إذا امتلأ بطنه».


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5 و 9 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.

ج 36، ص: 462

و لاستلزام الامتلاء كثرة الأكل الذي استفاضت النصوص بكراهته قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1)

و خبر الحسين بن المختار (2)

و

يونس بن عمار (3): «كثرة الأكل مكروه».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير (4)

و خبر صالح (5): «إن اللَّه يبغض كثرة الأكل».

و قال (عليه السلام) (6): «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): المؤمن يأكل في معاء واحد، و المنافق يأكل في سبعة أمعاء»

إلى غير ذلك.

بل لعله المراد من قوله تعالى (7) «كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا» خصوصا بعد ما

ورد فيها (8)

«إن اللَّه تعالى قد جمع الطب في آية واحدة بقوله كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا».

و قال عمر بن إبراهيم (9): «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لو أن الناس قصدوا في المطعم لاعتدلت أبدانهم».

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر حفص بن غياث (10): «ظهر إبليس ليحيى بن زكريا (عليه السلام) و إذا عليه معاليق من كل شي ء، فقال له يحيى: ما هذه المعاليق؟ فقال: هذه الشهوات التي أصيب بها ابن آدم، فقال: هل لي منها شي ء؟ فقال: ربما شبعت فشغلناك عن الصلاة و الذكر للَّه، قال: للَّه علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 11 و فيه «ان البطن إذا شبع طغى» كما سيذكره قريبا، و ليس للحسين في المقام خبر غيره.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6.
7- 7 سورة الأعراف: 7- الآية 31.
8- 8 مجمع البيان ذيل الآية 31 من سورة الأعراف.
9- 9 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 7 عن عمرو بن إبراهيم.
10- 10 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 8.

ج 36، ص: 463

و قال إبليس: للَّه علي أن لا أنصح مسلما أبدا، ثم قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): يا حفص للَّه على جعفر و آل جعفر أن لا يملؤوا بطونهم من طعام أبدا، و للَّه على جعفر و آل جعفر أن لا يعملوا للدنيا»

و منه يستفاد كراهة الشبع أيضا.

و قال الباقر (عليه السلام) في خبر أبي عبيدة (1) و الصادق (عليه السلام) في خبر ابن المختار (2): «إن البطن إذا شبع طغى».

و في مرفوع علي بن حديد (3)

«قام عيسى بن مريم خطيبا، فقال:

يا بني إسرائيل لا تأكلوا حتى تجوعوا، و إذا جعتم فكلوا، و لا تشبعوا فإنكم إذا شبعتم غلضت رقابكم و سمنت جنوبكم و نسيتم ربكم».

و في خبر سلمان الفارسي (4) عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) «أن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا في الآخرة».

و قال الصادق (عليه السلام) (5): «ما كان شي ء أحب إلى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) من أن يظل جائعا خائفا للَّه».

مضافا إلى الأمر بالثلث في الأكل (6)

بمعنى جعل ثلث بطنه للطعام و الآخر للشراب و الثالث للتنفس.

و إلى إفضائه طول الجشاء الذي

ورد فيه عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) (7)

«إن أطولكم جشاء في الدنيا أطولكم جوعا يوم القيامة».

و في آخر (8) عن الصادق (عليه السلام) «سمع رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) رجلا يتجشأ، فقال: يا عبد اللَّه اقصر من


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب المائدة- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب المائدة- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.

ج 36، ص: 464

جشاءك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا».

و إلى ما

في وصية علي (عليه السلام) لكميل (1)

«يا كميل إذا أنت أكلت فطول أكلك يستوف من معك و ترزق منه غيرك، يا كميل إذا استويت على طعامك فاحمد اللَّه على ما رزقك، و ارفع بذلك صوتك ليحمده سواك، فيعظم بذلك أجرك، يا كميل لا توقر معدتك طعاما، و دع فيها للماء موضعا، و للريح مجالا»

المستفاد منه أحكاما أخر، إلى غير ذلك.

و ينبغي الاقتصار على الغداء و العشاء، و أن لا يأكل بينهما شيئا، فإن فيه فساد البدن (2)

. قال اللَّه تعالى (3) «لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا».

نعم لا ينبغي ترك العشاء، فإنه أول خراب البدن و مهرمته (4)

بل

«من ترك ليلة السبت و الأحد متواليين ذهب منه قوة لا ترجع إليه أربعين يوما» (5)

و «أن في الجسد عرقا يقال له: العشاء يدعو على من ترك العشاء حتى الصبح» (6)

فلا ينبغي تركه و لو لقمة أو حشفة (7)

و «العشاء بعد العشاء الآخرة، فإنه فعل النبيين»

و الأئمة المرضيين (عليهم السلام) (8).


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
2- 2 لما في الوسائل- الباب- 45- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
3- 3 سورة مريم: 19- الآية 62.
4- 4 لما في الوسائل- الباب- 46- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1 و 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 46- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 46- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.
7- 7 لما في الوسائل- الباب- 46- من أبواب آداب المائدة- الحديث 8 و الباب- 48- منها- الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 47- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3 و 5.

ج 36، ص: 465

بل و ربما كان الإفراط حراما لما يتضمن من الإضرار المحرم و لو ظنا، بل أو خوفا معتدا به.

و على كل حال فمما ذكرنا يعلم أنه يكره الأكل على الشبع بل هو أولى بالنهي، و

قال الصادق (عليه السلام) (1): «الأكل على الشبع يورث البرص»

إلى غير ذلك.

و الفرق بين الشبع و التملي أن الشبع هو البلاغ في الأكل إلى حد لا يشتهيه، سواء امتلى منه بطنه أم لا، و التملي مل ء البطن و إن بقيت شهوته للطعام، كما يحكى ذلك عن معاوية بعد أن دعا النبي (صلى اللَّه عليه و آله) عليه بذلك (2)

و حينئذ فبينهما عموم و خصوص من وجه.

و يكره أيضا رفع الجشاء إلى السماء،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (3): «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله):

إذا تجشأتم فلا ترفعوا جشاءكم إلى السماء».

و نحوه آخر

عن الباقر (عليه السلام) (4) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) و زاد «و لا إذا بزق، و الجشاء نعمة من اللَّه، فإذا تجشأ أحدكم فليحمد اللَّه عليها».

و أما كراهة الأكل باليسار مع الاختيار فقد سمعت ما يدل عليه عند ذكر استحباب الأكل باليمين، بل

قال سماعة (5): «سألت الصادق (عليه السلام) عن الرجل يأكل بشماله و يشرب بها، فقال: لا يأكل بشماله و لا يشرب بشماله و لا يتناول بها شيئا».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر جراح المدائني (6): «كره


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
2- 2 الغدير للأميني ره ج 8 ص 304- 305.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 466

للرجل أن يأكل بشماله أو يشرب بها أو يتناول بها».

نعم ينبغي أن يستثنى العنب و الرمان، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أيوب (1): «شيئان يؤكلان باليدين جميعا: العنب و الرمان»

و لعله على ذلك يحمل ما في

خبر حماد بن عثمان (2) قال: «أكل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) بيساره و تناول بها»

أو على بيان الجواز، أو على ما في

خبر أبي العرندس (3) المروي عن قرب الاسناد «رأيت أبا الحسن (عليه السلام) بمنى و عليه نقبة و رداء و هو متكئ على جواليق سود على يمينه، فأتاه غلام اسود بصفح فيه رطب، فجعل يتناول بيساره، فيأكل و هو متكئ على يمينه، فحدثت بذلك رجلا من أصحابنا، فقال:

حدثني سليمان بن خالد أنه سمع أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: صاحب هذا الأمر كلتا يديه يمين».

أو على أن المراد غير أكل الرطبة و العنبة و نحوهما من الأكل باليسار و متكئا، بل المراد الغداء و العشاء و نحوهما، و اللَّه العالم.

و يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شي ء من الخمر، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح هارون بن الجهم (4)، قال: «كنا مع أبي عبد اللَّه (عليه السلام) بالحيرة حين قدم علي أبي جعفر فختن بعض القواد ابنا له و صنع طعاما و دعا الناس، و كان أبو عبد اللَّه (عليه السلام) فيمن دعي، فبينا هو على المائدة يأكل و معه عدة على المائدة، فاستسقى رجل منهم فأتي بقدح فيه شراب لهم، فلما أن صار القدح في يد الرجل قام أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن المائدة، فسئل عن قيامه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6 عن الحسين بن أبي العرندس.
4- 4 الوسائل- الباب- 62- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 467

فقال: قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر».

و في رواية أخرى (1)

«ملعون من جلس طاعما على مائدة يشرب عليها الخمر».

و في

خبر جراح المدائني (2) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أيضا قال: «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يأكل على مائدة يشرب عليها الخمر».

و في الموثق (3) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) و قد «سئل عن المائدة إذا شرب عليها الخمر أو مسكر، فقال: حرمت المائدة، و سئل فإن أقام رجل على مائدة منصوبة يأكل مما عليها و مع الرجل مسكر لم يسق أحدا ممن عليها بعد، فقال: لا تحرم حتى يشرب عليها، و إن وضع بعد ما يشرب فالوذج فكل، فإنها مائدة أخرى، يعني كل الفالوذج».

بل في المتن و غيره من المسكرات أو الفقاع بل في كشف اللثام نسبته إلى الأصحاب، و لعله للموثق المزبور، أو بناء على أن الخمر اسم لكل مسكر، أو على الإلحاق به، للقطع بعدم الخصوصية حتى في الفقاع الذي هو خمر مجهول و استصغره الناس.

و في كشف اللثام «أو لوجوب الإنكار على شاربها، و أقله القيام عن المائدة و الامتناع من حضورها» بل تعدى الفاضل إلى الاجتماع على اللهو و الفساد، بل عن ابن إدريس «لا يجوز الأكل من طعام يعصى اللَّه به».

و لكن في المسالك بعد أن حكى عن الفاضل و ابن إدريس ذلك قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2 «طائعا» بدل «طاعما» كما في الكافي- ج 6 ص 268.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1.

ج 36، ص: 468

«و لم نقف على مأخذه، و القياس باطل، و طريق الحكم مختلف، و علل بأن القيام يستلزم النهي عن المنكر من حيث إنه إعراض عن فاعله و إهانة له، فيجب لذلك و يحرم تركه بالمقام عليها، و فيه نظر، لأن النهي عن المنكر إنما يجب بشرائط من جملتها جواز التأثير، و مقتضى الروايات تحريم الجلوس و الأكل حينئذ و إن لم ينه عن المنكر و لم يجوز تأثيره، و أيضا فالنهي عن المنكر لا يتقيد بالمقام، بل بحسب مراتبه المعلومة على التدريج و إذا لم يكن المقام من مراتبه لا يحرم فعله».

و في كشف اللثام «و بالجملة يحرم الجلوس على مائدة يعصى اللَّه عليها، بل حضور مجلس يعصى اللَّه تعالى فيه، إلا أن يضطر إليه أو يقدر على إزالة المنكر، لوجوب إنكاره، و لأن مجلس العصيان في معرض نزول العذاب بأهله، و يؤيده

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (1): «و لا تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر، فان العبد لا يدري متى يؤخذ».

و فيه ما لا يخفى، و احتمال ارادة حضور مطلق المجالس المنعقدة على المعاصي و المعدة لها من تلك النصوص- و إن ذكر فيها الخمر باعتبار غلبة استعماله في ذلك الوقت مع الغناء و الرقص و الضرب بالعود و نحوها مما هو شائع في تلك الأزمنة- يدفعه عدم ظهور النصوص المزبورة بل و الفتاوى فيه، بل يمكن دعوى ظهورهما خصوصا النصوص في غيره، و لا يبعد كون الحكم المزبور تعبديا لا يتعدى منه إلى غيره. نعم لو حصل مقتض للحرمة من وجه آخر فلا بأس بالقول بها، و لكن هي غير حرمة نفس المائدة بمجرد شرب شخص ممن هو عليها خمرا أو مسكرا التي هي المرادة من النص و الفتوى.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 43.

ج 36، ص: 469

و كذا يحرم استتباع ولده إذا دعي،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (1): «إذا دعي أحدكم إلى طعام فلا يستتبعن ولده، فإنه إن فعل أكل حراما و دخل عاصيا»

و عن البرقي روايته في المحاسن كذلك (2)

إلا أنه رواه عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) و لعله موافق لقاعدة حرمة التصرف بمال الغير بغير إذنه، و كان حرمة أكله حينئذ- و إن كان مدعوا- باعتبار عدم العلم بالاذن له مع الحال المزبور نعم لو فرض فحوى تدل على ذلك لم يكن به بأس.

و في الدروس و غيرها كراهة استتباع المدعو إلى طعام ولده، و كأنه حمل الخبر المزبور عليها، و لكنه لا يخلو من نظر، لما عرفت.

و كذا يحرم أكل طعام لم يدع إليه، ل

خبر الحسين بن أحمد المنقري عن خاله (3)

«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: من أكل طعاما لم يدع إليه فكأنما أكل قطعة من نار»

و قد اعترف به في الدروس هنا معللا له بالرواية التي وجهها ما عرفته سابقا، فما عن بعض من الكراهة لا يخلو من نظر.

و كذا يكره الأكل ماشيا إلا مع الضرورة،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عبد اللَّه بن سنان (4): «لا تأكل و أنت تمشي إلا أن تضطر إلى ذلك».

و لعل منها ما في

خبر السكوني عنه (عليه السلام) أيضا (5)

«خرج رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) قبل الغداة و معه كسرة قد غمسها في اللبن و هو يأكل و يمشي و بلال يقيم الصلاة، فصلى بالناس».


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 63- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 470

كما أن ما في

خبر عبد الرحمن عنه (عليه السلام) أيضا (1) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا بأس أن يأكل الرجل و هو يمشي كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يفعل ذلك»

محمول على بيان الجواز، إلى غير ذلك من النصوص المستفاد منها غير ذلك فعلا و تركا.

(منها) ما استفاضت فيه من استحباب رفع ما سقط من الخوان و أكله و لو مثل السمسمة (2)

و من أنه شفاء من كل داء لمن أراد أن يستشفي به (3)

و خصوصا داء الخاصرة (4)

و ينفي الفقر و يكثر الولد (5)

و مهر الحور العين (6)

نعم من أكل في الصحراء تركه للطير و السباع و لو فخذ شاة (7)

.

و (منها) إذا أكل الثريد فليأكل من جوانبه دون رأسه و ذروته فإن الذروة فيها البركة، و تأتي منها البركة (8)

.

و (منها) الابتداء بالملح و الاختتام به، فإنه يعافى من اثنين و سبعين نوعا من أنواع البلاء منها الجنون و الجذام و البرص (9)

و في بعضها

(10)

«أيسرها الجذام»

و في ثالث (11)

«أهونها الجنون و الجذام و البرص و وجع الحلق و الأضراس و وجع البطن»

بل في

آخر (12)

«من افتتح طعامه بالملح ذهب عنه سبعون داء و ما لا يعلمه إلا اللَّه»

و «لو يعلم الناس


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 76- من أبواب آداب المائدة.
3- 3 الوسائل- الباب- 76- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 76- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 76- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 76- من أبواب آداب المائدة- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 72- من أبواب آداب المائدة.
8- 8 الوسائل- الباب- 65- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1 و 2 و 7.
9- 9 الوسائل- الباب- 95- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
10- 10 الوسائل- الباب- 95- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
11- 11 الوسائل- الباب- 95- من أبواب آداب المائدة- الحديث 13.
12- 12 الوسائل- الباب- 95- من أبواب آداب المائدة- الحديث 9.

ج 36، ص: 471

ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرب» (1)

بل

قال الصادق (عليه السلام) (2): «من ذر الملح على أول لقمة يأكلها استقبل الغنى»

و في آخر (3)

«ذهب عنه نمش الوجه».

لكن في

خبر إسماعيل بن جابر (4) عنه (عليه السلام) أيضا «إنا لنبدأ بالخل عندنا كما تبدأون بالملح عندكم، و إن الخل ليشد العقل»

و

في خبر الديلمي (5) عنه (عليه السلام) أيضا «إن بني إسرائيل كانوا يستفتحون بالخل و يختمون به، و نحن نستفتح بالملح و نختم بالخل»

و في

مرسل الصدوق عنه (عليه السلام) أيضا (6)

«إن بني أمية يبدؤون بالخل في أول الطعام و يختمون بالملح، و إنا نبدأ بالملح في أول الطعام و نختم بالخل»

و في

خبر الهمداني (7)

«إن رجلا كان عند الرضا (عليه السلام) بخراسان فقدمت إليه مائدة عليها خل و ملح فافتتح بالخل، قال الرجل: جعلت فداك أمرتمونا أن نفتتح بالملح، فقال (عليه السلام): هذا مثله- يعني الخل- و أن الخل يشد الذهن و يزيد في العقل».

و في الدروس «و يستحب البدأة بالملح و الختم به، و روي الختم بالخل» و في الوسائل «و يأتي ما يدل على استحباب الافتتاح بجملة من الأطعمة و الاختتام بها، فيجمع بينها و بين ما تقدم إما باستحباب الجمع أو بالتخيير أو بحمل أحاديث الملح على الابتداء الحقيقي لكثرتها و شهرتها و صراحتها و ما عداها على الابتداء الإضافي، و كذا الختم».


1- 1 الوسائل- الباب- 95- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 95- من أبواب آداب المائدة- الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 95- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5 «بنمش الوجه» و هو بالتحريك نقط بيض و سود.
4- 4 الوسائل- الباب- 96- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 96- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 96- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 96- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 472

«و لدغت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عقرب، فقال لها لعنك اللَّه ما تبالين مؤمنا آذيت أو كافرا، ثم دعا بملح فوضعه على موضع اللدغة ثم عصره بإبهامه حتى ذاب (1)

- و في

خبر آخر (2)

«فدلكه فهدأت- ثم قال: لو يعلم الناس ما في الملح ما احتاجوا معه إلى ترياق».

و «الطعام إذا جمع ثلاث خصال فقد تم: إذا كان من حلال و كثرت الأيدي عليه و سمي في أوله و حمد اللَّه في آخره» (3).

و «ما من رجل يجمع عياله و يضع مائدته فيسمون في أول طعامهم و يحمدون في آخره فترفع المائدة حتى يغفر لهم» (4).

و «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يأكل كل الأصناف من الطعام، و كان يأكل ما أحل اللَّه له مع أهله و خدمه إذا أكلوا، و مع من يدعوه من المسلمين على الأرض، و على ما أكلوا عليه، و ما أكلوا إلا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه» (5).

و «كان الرضا (عليه السلام) إذا خلا و نصب مائدته جلس معه على مائدته مماليكه و مواليه حتى البواب و السائس، و لا يدع صغيرا و لا كبيرا منهم، حتى أن رجلا من أهل بلخ قال له يوما: لو عزلت لهؤلاء السودان مائدة، فقال له: مه، إن اللَّه تبارك و تعالى واحد و الأم واحدة و الأب واحد» (6).

و «من حق المسلم على المسلم أن يجيبه إذا دعاه و لو على خمسة


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6.
6- 6 اقتبس قده ذلك من الروايات المروية في الوسائل في الباب- 13- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3- 2- 1.

ج 36، ص: 473

أميال، فإن ذلك من الدين»

(1) و «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يجيب الدعوة» (2)

و «أن من أعجز العجز رجلا دعاه أخوه إلى طعامه فتركه من غير علة» (3).

و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): «لو أن مؤمنا دعاني إلى طعام ذراع شاة لأجبته، و كان ذلك من اللين (من الدين خ ل) و لو أن مشركا أو منافقا دعاني إلى جزور ما أجبته، و كان ذلك من الدين» (4).

و في حديث المناهي (5)

«نهى عن إجابة الفاسقين إلى طعامهم»

و قال (صلى اللَّه عليه و آله) في وصيته لأبي ذر (6): «لا تصاحب إلا مؤمنا، و لا يأكل طعامك إلا تقي، و لا تأكل طعام الفاسقين، يا أبا ذر أطعم طعامك من تحبه في اللَّه، و كل طعام من يحبك في اللَّه».

و قال الصادق (عليه السلام) (7): «أجب في الوليمة و الختان و لا تجب في خفض الجواري».

و «إذا دخل عليك أخوك فاعرض عليه الطعام، فان لم يأكل فاعرض عليه الماء، فان لم يشرب فاعرض عليه الوضوء» (8)

و «المؤمن لا يحتشم من أخيه، و ما أدري أيهما أعجب؟ الذي يكلف أخاه إذا دخل


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب آداب المائدة- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 19- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 17- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 18- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 474

عليه أو المتكلف لأخيه» (1).

و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (2): «من تكرمة الرجل لأخيه أن يقبل تحفته و يتحفه بما عنده، و لا يتكلف له شيئا، و لا أحب المتكلفين».

و «كفى بالمرء إثما أن يستقل ما يقرب إلى إخوانه، و كفى بالقوم إثما أن يستقلوا ما يقربه إليهم أخوهم» (3).

نعم

قال الصادق (عليه السلام) (4): «إذا أتاك أخوك فآته بما عندك، فإذا دعوته فتكلف له»

و «تعرف مودة الرجل لأخيه بكثرة أكله من طعامه» (5).

و «إذا دخل الرجل بلدة فهو ضيف على من بها من إخوانه و أهل دينه حتى يرحل عنهم» (6).

و «من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فليكرم ضيفه» (7).

و «من حقه أن يعد له الخلال» (8)

و «الضيف يلطف به ليلتين، و إذا كان الليلة الثالثة فهو من أهل البيت يأكل ما أدرك» (9).

بل «الضيافة أول يوم حق و الثاني و الثالث، و ما كان بعد ذلك فهو صدقة» (10).


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1 و 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 35- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 40- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 40- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
9- 9 الوسائل- الباب- 36- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
10- 10 الوسائل- الباب- 36- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 475

و لا ينبغي النزول عند من لا يكون عنده ما ينفق عليه (1)

كما أنه لا ينبغي خدمة الضيف فضلا عن استخدامه (2)

.

و «إذا دخل الضيف دخل بالرزق الكثير، و إذا خرج خرج بالمغفرة» (3)

بل «ما من ضيف حل بقوم إلا و رزقه في حجره» (4).

و ينبغي أكل المضيف مع ضيفه و أن يكون أول من يضع يده و آخر من يرفعها (5)

.

و من حق الضيف إعداد الخلال له (6)

لأنه يستحب التخلل، و قد

«نزل جبرئيل على رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) بالخلال و السواك و الحجامة» (7).

و التخلل يطيب الفم و ينقيه، و مصلحة اللثة و النواجد و مجلبة للرزق (8).

لكن نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عن التخلل بالرمان و الآس و القصب، و قال: إنهن يحركن عرق الآكلة (9)

و «نهى أبو الحسن (عليه السلام) عن التخلل بعود الريحان و قضيب الرمان، لأنهن يهيجان عرق الجذام» (10).

بل

عن الصادق (عليه السلام) (11):


1- 1 لما في الوسائل- الباب- 36- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب آداب المائدة.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
5- 5 لما في الوسائل- الباب- 41- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
6- 6 لما في الوسائل- الباب- 40- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 104- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
8- 8 يستفاد هذه الآثار من الروايات المروية في الوسائل- الباب- 104- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1 و 4 و 5 و 7.
9- 9 الوسائل- الباب- 105- من أبواب آداب المائدة- الحديث 5.
10- 10 الوسائل- الباب- 105- من أبواب آداب المائدة- الحديث 6.
11- 11 الوسائل- الباب- 105- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 476

«من تخلل بالقصب لم تقض له حاجة ستة أيام».

و كان النبي (صلى اللَّه عليه و آله) يتخلل بكل ما أصاب ما خلا الخوص و القصب (1).

و قال (عليه السلام) أيضا (2): «لا يزدردن أحدكم ما يتخلل به، فإنه يكون منه الديبلة»

و هي داء في الجوف،

و سئل أيضا (3)

«عن اللحم الذي يكون في الأضراس، فقال: أما ما كان في مقدم الفم فكله، و ما كان في الأضراس فاطرحه».

لكن

قال الفضل بن يونس (4): «تغدى عندي أبو الحسن (عليه السلام)، فلما أن فرغ من الطعام أتي بالخلال، فقلت: جعلت فداك ما حد هذا الخلال؟ فقال: يا فضل كل ما بقي في فمك فما أدرت عليه لسانك فكله، و ما استكن فأخرجه بالخلال، و أنت فيه بالخيار إن شئت أكلته و إن شئت طرحته».

قلت: لعل المدار على الوصول إلى حد الاستخباث و عدمه.

و ينبغي إكرام (الخبز) الذي

لولاه لم يصل الناس و لم يصوموا، و لم يؤدوا فريضة من فرائض اللَّه (5)

و قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض، و ما فيها من كثير خلقه (6)

و من إكرامه أن لا ينتظر به غيره إذا وضع (7)

، و لا يوطأ و لا يقطع (8)

و لا يوضع تحت القصعة، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 105- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 106- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 106- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 106- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
5- 5 و هذا مضمون ما رواه في الوسائل- الباب- 6- من أبواب مقدمات التجارة- الحديث 6 من كتاب التجارة.
6- 6 الوسائل- الباب- 79- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 83- من أبواب آداب المائدة.
8- 8 الوسائل- الباب- 84- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 477

هو مكروه (1)

كالقطع بالسكين (2)

و الشم كشم السباع (3)

و إحصاؤه فإنه يحصي على من أحصاه.

لكن في

المرفوع عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) (4)

«كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا لم يكن له أدم يقطع الخبز بالسكين»

و في آخر (5)عنه (عليه السلام) أيضا «أدنى الأدم قطع الخبز بالسكين»

و حمل على الضرورة.

و «من وجد كسرة فأكلها كانت له حسنة، و من وجدها في قذر فغسلها ثم رفعها كانت له سبعين حسنة» (6)

و قد «دخل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) على عائشة فرأى كسرة كادت أن تطأها فأخذها فأكلها، ثم قال: يا حميرا «أكرمي جوار نعم اللَّه عليك، فإنها لم تنفر من قوم فكادت تعود إليهم»(7).

و «دخل أبو جعفر الباقر (عليه السلام) الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها و غسلها و دفعها إلى مملوك، فقال: تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلما خرج قال للمملوك: أين اللقمة؟ قال: أكلتها يا ابن رسول، فقال: أما إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة، فاذهب فأنت حر لوجه اللَّه، فإني أكره أن استخدم رجلا من


1- 1 الوسائل- الباب- 81- من أبواب آداب المائدة.
2- 2 الوسائل- الباب- 84- من أبواب آداب المائدة.
3- 3 الوسائل- الباب- 85- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 84- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 84- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 77- من أبواب آداب المائدة- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 77- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4.

ج 36، ص: 478

أهل الجنة» (1).

و قصة الثرثار (2)

معلومة ذكرناها في كتاب الطهارة (3).

و قد «أعطى دانيال صاحب معبر رغيفا لأن يعبر به، فرماه و قال:

ما أصنع بهذا، عندنا قد يداس بالأرجل، فرفع يده دانيال، فقال:

اللهم أكرم الخبز فقد رأيت يا رب ما صنع الرجل و ما قال، فأوحى اللَّه إلى السماء أن تحبسي الغيث، و أوحى إلى الأرض أن كوني طبقا كالفخار فلم يمطروا و بلغ من أمرهم أن يأكل بعضهم بعضا، فلما بلغ ما أراد اللَّه تعالى من ذلك قالت امرأة لأخرى و لهما ولدان: يا فلانة تعالي نأكل أنا و أنت اليوم ولدي، و إذا كان غدا أكلنا ولدك، قالت لها: نعم، فأكلتاه فلما جاء غد امتنعت عليها الأخرى، فقالت لها: بيني و بينك نبي اللَّه دانيال فاختصمتا إليه، فقال لهما: و قد بلغ الأمر إلى ما أرى؟

قالتا له: نعم و أشد، فرفع يده إلى السماء و دعا لهم، فانكشف عنهم ما كانوا فيه» (4).

و قال الرضا (عليه السلام) في خبر يعقوب بن يقطين (5): «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): صغروا رغفانكم، فان مع كل رغيف بركة»

و قال يعقوب بن يقطين (6): «رأيت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يكسر الرغيف إلى فوق».

و «فضل (خبز الشعير) كفضل الأئمة (عليهم السلام) على الناس


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 رواها في الوسائل- الباب- 40- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
3- 3 راجع ج 2 ص 50.
4- 4 الوسائل- الباب- 79- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 86- من أبواب آداب المائدة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 86- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.

ج 36، ص: 479

و ما من نبي إلا و قد دعا لأكل الشعير و بارك عليه، و ما دخل جوفا إلا و أخرج كل داء فيه، و هو قوت الأنبياء و طعام الأبرار، و أبي اللَّه أن يجعل قوت أنبيائه إلا شعيرا (1)

و «ما دخل في جوف المسلول شي ء أنفع له من خبز الأرز» (2)

و ليطعم المبطون. فإنه يدبغ المعدة و يسل الداء سلا (3)

.

و نعم القوت (السويق) يمسك الجائع و يهضم طعام الشبعان و لو كان رؤوسا (4)

و قد عمل بالوحي من السماء (5)

و هو طعام النبيين (6)

و ينبت اللحم و يشد العظم (7)

و خصوصا إذا شرب بالزيت، فإنه حينئذ يرق البشرة و يزيد في الباه (8)

و «السويق الجاف يذهب بالبياض» (9)

أي البرص و ثلاث راحات منه على الريق ينشف البلغم و المرة حتى لا يكاد يدع شيئا (10)

و قال الصادق (عليه السلام) (11): «السويق يجرد المرة و البلغم من المعدة جردا، و يدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء»

و إذا لتّ السويق لم ينفع لإطفاء الحرارة و تسكين المرة (12)

و من شرب السويق أربعين صباحا امتلأ كتفاه قوة (13)

و

قال أبو الحسن الماضي (عليه السلام) (14): «السويق إذا غسلته سبع مرات و قلبته من إناء إلى إناء آخر فهو يذهب


1- 1 روى ذلك في الوسائل في الباب- 2- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 روى ذلك في الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
3- 3 روى ذلك في الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
4- 4 روى ذلك في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1 و 8.
5- 5 روى ذلك في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
6- 6 روى ذلك في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
7- 7 روى ذلك في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
8- 8 روى ذلك في الوسائل في الباب- 5- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
9- 9 روى ذلك في الوسائل في الباب- 5- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
10- 10 روى ذلك في الوسائل في الباب- 5- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
11- 11 روى ذلك في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
12- 12 روى ذلك في الوسائل في الباب- 5- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
13- 13 روى ذلك في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7.
14- 14 روى ذلك في الوسائل في الباب- 5- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 480

بالحمى و ينزل القوة في الساقين و القدمين».

و (سويق الشعير) ينفع للبرسام (1)

و (العدس) يقطع العطش و يقوي المعدة، و فيه شفاء من سبعين داء، و يطفئ الصفراء، و ينظف الجوف، و كان الصادق (عليه السلام) لا يفارقه إذا سافر، و إذا هاج الدم بأحد من حشمه قال: اشرب من سويق العدس، فإنه يسكن هيجان الدم، و يطفئ الحرارة (2)

و «إن جارية أصابتها استحاضة لم تنقطع عنها حتى أشرفت على الموت فأمر أبو جعفر (عليه السلام) أن تسقى سويق العدس، فسقيت فانقطع عنها و عوفيت» (3).

و (سويق التفاح) يقطع الرعاف (4)

بل

قال الصادق (عليه السلام) (5): «ما أعرف للمسموم دواء أنفع من سويق التفاح»

و عن ابن يزيد (6) قال: «كنا إذا لسع بعض أهل الدار حية أو عقرب قال: اسقوه سويق التفاح».

و «سيد الأدم و الطعام في الدنيا و الآخرة (اللحم)» (7)

و هو «سيد أدم أهل الجنة» (8)

و «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لحما يحب اللحم» (9)

و قال (صلى اللَّه عليه و آله): «إنا معاشر قريش قوم


1- 1 روى ذلك في الوسائل في الباب- 7- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 روى ذلك في الوسائل في الباب- 8- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1 «يبرد الجوف» بدل «ينظف الجوف».
3- 3 روى ذلك في الوسائل في الباب- 8- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 92- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 92- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 92- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
7- 7 روى ذلك في الوسائل في الباب- 9- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1 و 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
9- 9 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.

ج 36، ص: 481

لحمون» (1)

و «ترك أبو جعفر (عليه السلام) ثلاثين درهما للحم يوم توفي و كان رجلا لحما» (2).

و «من ترك اللحم أربعين يوما ساء و تغر خلقه و بدنه، و من ساء خلقه فأذنوا في أذنه» (3)

و «ليستقرض على اللَّه و ليأكله» (4)

و «اللحم ينبت اللحم، و السمك يذيب الجسد» (5)

و «الدبى يزيد في الدماغ» (6)

و «كثرة أكل البيض تزيد في الولد» (7)

و «ما استشفى مريض بمثل العسل» (8)

و «من أدخل جوفه لقمة شحم أخرجت مثلها من الداء» (9).

و ما ورد من

قول النبي (صلى اللَّه عليه و آله): «إن اللَّه يبغض البيت اللحم و اللحم السمين»

يراد منه البيت الذي يؤكل فيه لحوم الناس،

و «اللحم السمين المتبختر المختال في مشيته» (10).

نعم في

خبر عبد الرحمن العرزمي (11) عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) يكره إدمان اللحم، و يقول: له ضراوة كضراوة الخمر»

و سأله (عليه السلام) الساباطي أيضا (12) عن شراء اللحم، فقال: «في كل ثلاث، فقال له: لنا أضياف و قوم ينزلون


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
3- 3 روى ذلك في الوسائل في الباب- 12- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
4- 4 روى ذلك في الوسائل في الباب- 12- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
5- 5 روى ذلك في الوسائل في الباب- 38- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7.
6- 6 روى ذلك في الوسائل في الباب- 10- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 43.
7- 7 روى ذلك في الوسائل في الباب- 39- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
8- 8 روى ذلك في الوسائل في الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
9- 9 روى ذلك في الوسائل في الباب- 15- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
10- 10 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
11- 11 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
12- 12 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.

ج 36، ص: 482

بنا، و ليس يقع منهم موقع اللحم شي ء، فقال: في كل ثلاث، قلت:

لا نجد شيئا أحضر منه، و لو استدموا (استأدموا خ ل) بغيره لم يعدوه شيئا، فقال: في كل ثلاث»

و قال (عليه السلام) أيضا (1): «كل يوما بلحم و يوما بلبن و يوما بشي ء آخر».

لكن

قال (عليه السلام) أيضا (2): «ما ترك أبي إلا سبعين درهما حبسها للحم، إنه كان لا يصبر عن اللحم»

و قال زرارة (3): «تغديت مع أبي جعفر (عليه السلام) خمسة عشر يوما في شعبان كل يوم بلحم، ما رأيته صام فيها يوما واحدا»

فعلم من ذلك اختلاف الوجوه فيه.

و على كل حال فأطيب اللحم (لحم الضأن)

و «لو علم اللَّه خيرا منه لفدى به إسماعيل (عليه السلام)» (4)

و الأولى أكل الذراع منه و الكتف و اجتناب الورك (5)

و إن كان هو على كل حال أطيب من غيره.

نعم (لحم البقر) يذهب بالبياض خصوصا مع السلق (6)

كما أن شحمها يخرج مثله من الداء (7)

.

و أطيب (لحم الطير) لحم فرخ قد نهض أو كاد أن ينهض (8)

و الإوز جاموس الطير، و الدجاج خنزيره، و الدراج حبشة (9)

.

و لكن من سره أن يقل غيضه فليأكله، أي لحم الدراج (10)


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
4- 4 لما رواه في الوسائل في الباب- 13- من أبواب الأطعمة المباحة.
5- 5 لما رواه في الوسائل في الباب- 24- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
6- 6 لما رواه في الوسائل في الباب- 14- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
8- 8 لما رواه في الوسائل في الباب- 16- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
9- 9 لما رواه في الوسائل في الباب- 16- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
10- 10 لما رواه في الوسائل في الباب- 18- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.

ج 36، ص: 483

و يطعم المحموم لحم القباج، فإنه يقوي الساقين و يطرد الحمى طردا (1)

و لحم القطاة مبارك و ينفع مشويه لليرقان (2)

.

و قد نهى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أن يؤكل اللحم غريضا (3)

أي نيا، و القديد لحم سوء يسترخي المعدة و يهيج كل داء، و لا ينفع من شي ء بل يضر (4)

و لا أهيج للداء منه (5)

و «شيئان صالحان لم يدخلا جوفا فاسدا إلا أصلحاه، و شيئان فاسدان لم يدخلا قط جوفا صالحا إلا أفسداه، فالصالحان الرمان و الماء الفاتر، و الفاسدان الجبن و القديد» (6)

بل أكل الغاب منه- أي المنتن- يهدم البدن و ربما قتل، كدخول الحمام على البطنة و نكاح العجائز و غشيان النساء على الامتلاء(7)

و اللحم باللبن الحليب يشدان الجسم(8)

.

و «أحب الطعام إلى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (النارباجة)» (9)

و هو مرق الرمان معرب، كما أن (السكباج)- الذي

قال الشحام:

«دخلت على الصادق (عليه السلام) و هو يأكله بلحم البقر» (10)

- مرق الخل معرب.

و

قال الصادق (عليه السلام) (11): «ما شي ء أحب إلى من


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 89- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2.
4- 4 لما رواه في الوسائل في الباب- 23- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
5- 5 لما رواه في الوسائل في الباب- 23- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
6- 6 لما رواه في الوسائل في الباب- 23- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
7- 7 لما رواه في الوسائل في الباب- 23- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
8- 8 لما رواه في الوسائل في الباب- 25- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
9- 9 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
10- 10 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
11- 11 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4 و 1.

ج 36، ص: 484

الثريد، و لم أجد أوفق منه، و لوددت أن الاسفاناجات حرمت»

و هو المرق الأبيض الذي ليس فيه حموضة.

و أكل (اللحم كبابا)- أي مشويا- يذهب الضعف و الحمى (1)

.

و (الرأس من الشاة) موضع الذكاة، و أقرب من المرعى و أبعد من الأذى (2)

.

و إدمان أكل (السمك) الطري يذيب الجسد و شحم العينين (3)

نعم لا بأس بأكله بعد الحجامة سكباجا و مشويا معه ملح (4)

بل لا بأس بأكله في بعض الأوقات بخبز أو غير خبز (5)

و لكن لا يبيت و في جوفه سمك لم يتبعه بتمرات أو عسل و إلا لم يزل عرق الفالج يضرب عليه حتى يصبح (6)

.

و أكل (البيض) يذهب بقرم اللحم و ليست له غائلته (7)

أي أذاه، و كثرة أكله خصوصا بالبصل يزيد في الولد (8)

و لكن مخه- أي صفاره- خفيف و بياضه ثقيل (9)

.

و (الهريسة) ينشط للعبادة أربعين يوما و هي المائدة التي أنزلت


1- 1 لما رواه في الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المباحة.
2- 2 كما رواه في الوسائل في الباب- 31- من أبواب الأطعمة المباحة.
3- 3 لما رواه في الوسائل في الباب- 37- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2 و 3. و الباب- 38- منها- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1 و 5.
5- 5 لما رواه في الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
6- 6 لما رواه في الوسائل- الباب- 36- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.

ج 36، ص: 485

على رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (1)

و تدفع الضعف و قلة الجماع (2)

.

و (الجبن) داء لا دواء فيه، لكنه نافع بالعشي و يزيد في ماء الظهر (3)

و هو و الجوز إذا اجتمعا في كل واحد منهما شفاء و إذا افترقا كان في كل واحد منهما داء (4)

و قال الصادق (عليه السلام) (5): «نعم اللقمة الجبن تعذب الفم و تطيب النكهة و تهضم ما قبله، و تشهي الطعام، و من تعمد أكله رأس الشهر أو شك أن لا ترد له حاجة».

و أكل (الجوز) في شدة الحر يهيج الحر في الجوف و يهيج القروح على الجسد، و أكله في الشتاء يسخن الكليتين و يدفع البرودة (6)

.

و نعم الطعام (الأرز) يوسع الأمعاء و يقطع البواسير، و أن أهل العراق يغبطون عليه (7)

و كانوا (عليهم السلام) يدخرونه للتداوي من وجع البطن و غيره (8)

.

و (الحمص) المطبوخ يؤكل قبل الطعام و بعده (9)

و هو جيد لوجع الظهر (10)

و بارك عليه سبعون نبيا (11)

.


1- 1 لما رواه في الوسائل في الباب- 32- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 لما رواه في الوسائل في الباب- 32- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
3- 3 لما رواه في الوسائل- الباب- 62- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
4- 4 لما رواه في الوسائل- الباب- 63- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
6- 6 لما رواه في الوسائل- الباب- 65- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 66- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
8- 8 كما رواه في الوسائل- الباب- 66- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4 و 5 و 7.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 67- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
10- 10 لما رواه في الوسائل- الباب- 67- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
11- 11 لما رواه في الوسائل- الباب- 67- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.

ج 36، ص: 486

و أكل (العدس) يرقق القلب و يسرع الدمعة (1)

بل قد روي أنه بارك عليه سبعون نبيا (2)

لكن في

خبر محمد بن المفيض (3)

«أكلت عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) مرقة بعدس، فقلت: جعلت فداك إن هؤلاء يقولون: إن العدس قدس عليه ثمانون نبيا، فقال: كذبوا و لا عشرون نبيا».

و أكل (الباقلاء) يمخخ الساقين و يزيد في الدماغ و يولد الدم الطري (4)

و بقشره تدبغ المعدة (5)

.

و (اللوبيا) تطرد الرياح المستبطنة (6)

.

و طبخ (الماش) و تحسيه يدفع البهق و كذا جعله في الطعام (7)

.

و (التمر) حلوا رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (8)

و ما قدم إليه طعام فيه تمر إلا بدأ بالتمر (9)

و أن فيه شفاء الأدواء (10)

و من أكله على شهوة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) إياه لم يضره (11)

و قال سليمان بن جعفر الجعفري (12): «دخلت على أبي الحسن الرضا


1- 1 لما رواه في الوسائل- الباب- 68- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 68- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 68- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4 عن محمد بن الفيض و هو الصحيح كما في الكافي ج 6 ص 343.
4- 4 لما رواه في الوسائل- الباب- 69- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
5- 5 لما رواه في الوسائل- الباب- 69- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
6- 6 لما رواه في الوسائل- الباب- 70- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 70- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
8- 8 كما رواه في الوسائل- الباب- 72- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
9- 9 كما رواه في الوسائل- الباب- 72- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
10- 10 كما رواه في الوسائل- الباب- 72- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 13.
11- 11 كما رواه في الوسائل- الباب- 72- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 11.
12- 12 الوسائل في الباب- 73- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.

ج 36، ص: 487

(عليه السلام) و بين يديه تمر برني، و هو مجد في أكله بشهوة، فقال:

يا سليمان ادن فكل، فدنوت فأكلت معه و أنا أقول له: جعلت فداك إني أراك تأكل هذا التمر بشهوة، فقال: نعم إني لأحبه، قلت: و لم؟

قال: لأن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كان تمريا، و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) تمريا، و كان الحسن (عليه السلام) تمريا، و كان أبو عبد اللَّه الحسين (عليه السلام) تمريا، و كان سيد العابدين (عليه السلام) تمريا، و كان أبو جعفر (عليه السلام) تمريا، و كان أبو عبد اللَّه (عليه السلام) تمريا، و كان أبي (عليه السلام) تمريا، و أنا تمري، و شيعتنا يحبون التمر، لأنهم خلقوا من طينتنا و أعداؤنا يا سليمان يحبون المسكر، لأنهم خلقوا من مارج من نار».

و خير التمور (البرني) فإنه يذهب بالداء و لا داء فيه، و يذهب بالإعياء و يشبع و يذهب بالبلغم، و مع كل تمرة حسنة (1)

و يطيب النكهة و المعدة، و يهضم الطعام، و يزيد في السمع و البصر، و يقوي الظهر، و يزيد في مائه، و يخبل الشيطان، و يباعد منه، و يقرب من اللَّه (2)

و يهنئ و يمرئ (3)

و شرب الماء عليه يدفع اليبوسة، كما أنه بدونه يدفع الرطوبة (4)

بل لعل جميع التمر كذلك.

و (العجوة) أم التمر، و هي التي أنزلها اللَّه لآدم من الجنة (5)

و حملها معه نوح في السفينة (6)

و من تصبح بتمرات منها لم يضره ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 73- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6 و 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 73- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 73- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8.
5- 5 روى ذلك في الوسائل في الباب- 74- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
6- 6 روى ذلك في الوسائل في الباب- 74- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7 عن أبي عبد اللَّه عليه السلام «إن الذي حمل نوح معه في السفينة من النخل العجوة و العذق»

ج 36، ص: 488

اليوم سم و لا سحر (1)

فنعم التمر هي لا داء و لا غائلة (2)

. و (الصرفان) هو العجوة أو منها (3)

و لذا ورد فيه أنه سيد تموركم (4)

و «نعم التمر لا داء و لا غائلة» (5)

و فيه شفاء (6)

.

و من أكل في كل يوم سبع تمرات عجوة على الريق من تمر العالية لم يضره سم و لا سحر و لا شيطان (7)

و من أكل سبع تمرات عجوة عند منامه قتلت الديدان في بطنه (8)

.

و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحب (العنب) (9)

و يعجب علي بن الحسين (عليهما السلام) (10)

و يذهب الغم و خصوصا الأسود منه (11)

و الرازقي منه أحد الخمسة التي نزلت من الجنة:

الرمان الإمليسي و التفاح الشيقان و السفرجل و العنب الرازقي و الرطب المشان (12).

و إن لكل ثمرة سما فإذا أتي بها فلتمس بالماء و لتغمس فيه (13)

.

و (الزبيب) و خصوصا الطائفي يكشف المرة، و يشد القلب، و يطفئ الحرارة، و يذهب بالبلغم، و يشد العصب، و يذهب بالإعياء، و يحسن


1- 1 روى ذلك في الوسائل- الباب- 74- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
2- 2 روى ذلك في الوسائل- الباب- 74- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 9.
3- 3 روى ذلك في الوسائل- الباب- 74- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 11.
4- 4 روى في الوسائل- الباب- 75- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
5- 5 روى ذلك في الوسائل- الباب- 74- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 11.
6- 6 روى ذلك في الوسائل- الباب- 74- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10.
7- 7 الوسائل- الباب- 77- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 77- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 82- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
10- 10 لما رواه في الوسائل- الباب- 82- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
11- 11 الوسائل- الباب- 83- من أبواب الأطعمة المباحة.
12- 12 الوسائل- الباب- 79- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
13- 13 الوسائل- الباب- 80- من أبواب الأطعمة المباحة.

ج 36، ص: 489

الخلق، و يطيب النفس، و يذهب بالسقم (1)

و من أكل إحدى و عشرين زبيبة حمراء على الريق لم يمرض إلا مرض الموت (2).

و (الرمان) سيد الفاكهة التي هي مائة و عشرون لونا (3)

يشبع الجائع و يمرئ الشبعان (4)

و أكل حبة منه تمرض شيطان الوسوسة أربعين صباحا (5)

و كان أبو عبد اللَّه (عليه السلام) يأكل الرمان كل ليلة جمعة (6)

و من أكل رمانة أنارت قلبه و رفعت عنه الوسوسة أربعين صباحا (7)

بل ليس من حبة تقع منه في المعدة إلا فعلت ذلك (8)

و ينقي الأفواه (9)

و يزيد في ماء الرجل (10)

و يسرع في شباب الصبيان (11)

و ليس من حبة من الحلو منه تقع في معدة مؤمن إلا أبادت داء، و أذهبت شيطان الوسوسة (12)

و أكل الرمان الحلو يزيد في ماء الرجل و يحسن الولد (13)

و بشحمه تدبغ المعدة دبغا، و ينفي الحمة، و يهضم الطعام، و يسبح في الجوف (14)

بل أكل كل الرمان (رمان خ ل) بشحمه يدبغ المعدة و يزيد


1- 1 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2 و 3 و فيه «بالغم» بدل «بالسقم» كما أنه ليس فيه «و يشد القلب و يطفئ الحرارة» و هذه الجملة موجودة في رواية المحاسن التي رواها في البحار ج 66 ص 152.
2- 2 الوسائل- الباب- 98- من أبواب آداب المائدة.
3- 3 لما رواه في الوسائل في الباب- 85- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
4- 4 لما رواه في الوسائل في الباب- 85- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
5- 5 لما رواه في الوسائل في الباب- 85- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
6- 6 لما رواه في الوسائل في الباب- 85- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
7- 7 لما رواه في الوسائل في الباب- 85- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7.
8- 8 لما رواه في الوسائل في الباب- 85- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10.
9- 9 لما رواه في الوسائل في الباب- 85- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 12.
10- 10 لما رواه في الوسائل في الباب- 85- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 13.
11- 11 لما رواه في الوسائل في الباب- 85- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 14.
12- 12 لما رواه في الوسائل- الباب- 86- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
13- 13 لما رواه في الوسائل- الباب- 86- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
14- 14 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10 و فيه «و يشفي التخمة» بدل «و ينفى الحمة».

ج 36، ص: 490

في الذهن (1)

و خصوصا المزمنة (2)

و يذهب الحفر، و يطيب النفس (3)

و من أكل رمانا عند منامه فهو آمن من نفسه إلى أن يصبح (4)

و دخان شجر الرمان ينفى الهوام (5).

و (التفاح) نضوح المعدة (6)

و يطفئ الحرارة، و يبرد الجوف، و يذهب الحمى و الوباء (7)

و من شمه و أكله خرج من جسده كل داء و غائلة و علة، و سكن ما يوجد من قبل الأرواح كلها (8)

و ينفع من السحر و السم و اللمم و البلغم الغالب، و ليس شي ء أسرع منه منفعة(9)

و ليطعم المحموم التفاح، فما من شي ء أنفع منه و لو يعلم الناس ما في التفاح ما داووا مرضاهم إلا به (10)

بل الأخضر منه الذي يكرهونه الناس يقلع الحمى و يسكن الحرارة (11)

و يدفع الوباء و يرفعه (12)

.

نعم الحامض منه أحد التسعة التي يورث أكلها النسيان (13) و هي الكزبرة، و الجبن، و سؤر الفأرة، و قراءة كتابة القبور، و المشي بين امرأتين، و طرح القملة، و الحجامة في النقرة، و البول في الماء الراكد (14)

.


1- 1 لما رواه في الوسائل- الباب- 87- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 87- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
3- 3 لما رواه في الوسائل- الباب- 87- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7.
4- 4 لما رواه في الوسائل- الباب- 87- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 88- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
6- 6 لما رواه في الوسائل- الباب- 89- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 89- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 89- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 89- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
10- 10 لما رواه في الوسائل- الباب- 90- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
11- 11 لما رواه في الوسائل- الباب- 90- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
12- 12 لما رواه في الوسائل- الباب- 90- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7.
13- 13 هكذا في النسختين المخطوطتين المسودة و المبيضة، و الصحيح «نعم أكل الحامض منه أحد التسعة التي يورث النسيان»
14- . 14 كما رواه في الوسائل- الباب- 91- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.

ج 36، ص: 491

و (السفرجل) يقوي القلب (1)

و يسخى البخيل و يشجع الجبان (2)

و يصفي اللون و يحسن الولد (3)

و يطيب المعدة و يذكي الفؤاد (4)

و يذهب بطخاء الصدر (5)

و يجم الفؤاد (6)

و يدبغ المعدة (7) و يزيد في العقل و المروءة (8) و من أكل سفرجلة على الريق طاب ماؤه و حسن ولده (9) بل من أكل سفرجلة أنطق اللَّه الحكمة على لسانه أربعين صباحا (10) و يذهب بهم الحزين كما تذهب اليد بعرق الجبين(11)

و ما بعث اللَّه عز و جل نبيا إلا و معه رائحة السفرجل و أكل منه (12)

و من أكل السفرجل ثلاثة أيام على الريق صفا ذهنه، و امتلأ جوفه حلما و علما، و وقي من كيد إبليس و جنوده (13)

.

و (التين) أشبه شي ء بنبات الجنة، يذهب بالبخر، و يشد العظم و ينبت الشعر، و يذهب الداء، و لا يحتاج معه إلى دواء (14)

.

و (الكمثرى) يجلو القلب، و يسكن أوجاع الجوف باذن اللَّه تعالى (15) و يدبغ المعدة و يقويها، و هو و السفرجل سواء، و هو على الشبع أنفع منه على الريق، و من أصابه طخاء- أي كرب على قلبه- فليأكله على الطعام (16)

.


1- 1 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
2- 2 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
3- 3 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10.
4- 4 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
5- 5 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 9.
6- 6 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 12.
7- 7 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 16.
8- 8 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 17.
9- 9 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 11.
10- 10 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
11- 11 لما رواه في الوسائل في الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8.
12- 12 راجع الوسائل- الباب- 93- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7 و المستدرك الباب- 69- منها- الحديث 5 و 12.
13- 13 لما رواه في الوسائل- الباب- 94- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
14- 14 الوسائل- الباب- 95- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
15- 15 لما رواه في الوسائل- الباب- 96- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
16- 16 لما رواه في الوسائل- الباب- 96- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 492

و أن (الإجاص) الطري يطفئ الحرارة، و يسكن الصفراء، و أن اليابس منه يسكن الدم، و يسل الداء الدوي- أي المهلك- (1)

.

و (الأترج) يؤكل بعد الطعام، فان آل محمد (صلوات اللَّه عليهم) يفعلون ذلك (2)

و أمروا به كذلك (3)

و على الشبع (4)

و الخبز اليابس يهضم الأترج (5)

.

و (الغبيراء) (6) لحمه ينبت اللحم، و جلده ينبت الجلد، و عظمه ينبت العظم، و مع ذلك فإنه يسخن الكليتين، و يدبغ المعدة، و هو أمان من البواسير و التقطير، و يقوي الساقين، و يقمع عرق الجذام (7)

.

و (البطيخ) شحم الأرض لا داء و لا غائلة فيه (8)

و فيه عشر خصال: طعام و شراب و فاكهة و ريحان و أدم و حلوا و أشنان و خطمي و بقل و دواء (9)

و يغسل المثانة أيضا (10)

و يذيب الحصى منها (11)

و يدر البول (12)

و يزيد في الباه (13)

و كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يعجبه الرطب بالخربز (14)

و أكله أيضا بالسكر و بالتمر (15)

.


1- 1 كما رواه في الوسائل- الباب- 97- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 كما رواه في الوسائل- الباب- 99- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
3- 3 كما رواه في الوسائل- الباب- 99- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
4- 4 كما رواه في الوسائل- الباب- 99- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
5- 5 لما رواه في الوسائل- الباب- 98- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
6- 6 هي تمرة تشبه العناب.
7- 7 كما رواه في الوسائل في الباب- 101- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
8- 8 كما رواه في الوسائل- الباب- 102- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10.
9- 9 المستدرك- الباب- 77- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8.
10- 10 كما رواه في الوسائل- الباب- 102- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10.
11- 11 الوسائل- الباب- 102- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 11.
12- 12 كما رواه في الوسائل- الباب- 102- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10.
13- 13 كما رواه في الوسائل- الباب- 102- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10.
14- 14 الوسائل- الباب- 102- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
15- 15 كما رواه في الوسائل- الباب- 102- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1 و 7.

ج 36، ص: 493

نعم لا يؤكل على الريق، فإنه يورث الفالج (1)

نعوذ باللَّه، و لا يؤكل المر منه، فإنه لم يقبل ميثاق المودة المأخوذ على كل حيوان و نبت(2)

.

و ليؤكل (القثّاء) بالملح (3)

و

قال الصادق (عليه السلام) (4)

«إذا أكلتم القثّاء فكلوه من أسفله، فإنه أعظم لبركته».

و كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يعجبه (الدباء) في القدور- و هو القرع- (5)

و كان يلتقطه من الصحفة (6)

و هو يزيد في الدماغ و العقل (7)

.

و

قال الصادق (عليه السلام) لحنان (8): «كل (الفجل) فان فيه ثلاث خصال: ورقه يطرد الرياح، و لبه يسربل البول، و أصله يقطع البلغم»

و في رواية أخرى (9)

«ورقه يمرئ»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر درست (10): «الفجل أصله يقطع البلغم، و لبه يهضم، و ورقه يحدر البول حدرا»

الخبر.

و نعم البقلة (السلق) (11)

فإنه يقمع عرق الجذام، و ما دخل جوف المبرسم مثل ورق السلق (12)

و إن اللَّه رفع عن اليهود الجذام بأكلهم


1- 1 لما رواه في الوسائل- الباب- 102- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 13.
2- 2 كما رواه في الوسائل- الباب- 103- من أبواب الأطعمة المباحة.
3- 3 الوسائل- الباب- 124- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 124- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 120- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 47.
7- 7 الوسائل- الباب- 120- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3 و 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 121- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 121- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
10- 10 الوسائل- الباب- 121- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
11- 11 الوسائل- الباب- 117- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
12- 12 الوسائل- الباب- 117- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 494

السلق و قلعهم العروق (1)

و إن بني إسرائيل شكوا إلى اللَّه سبحانه و إلى موسى (عليه السلام) ما يلقون من البياض، فأوحى اللَّه إلى موسى مرهم فليأكلوا لحم البقر بالسلق (2)

و قال الرضا (عليه السلام) (3): «أطعموا مرضاكم السلق، يعني ورقه، فإنه فيه شفاء و لا داء معه، و لا غائلة له، و يهدئ نوم المريض، و اجتنبوا أصله، فإنه يهيج السوداء».

و أكل (الجزر) و لو مسلوقا يسخن الكليتين و يقيم الذكر (4)

و أمان من القولنج و البواسير، و يعين على الجماع (5)

.

و (الشلجم) يذيب عرق الجذام،

قال الصادق (عليه السلام) (6): «عليكم بالشلجم فكلوه و أديموه، و اكتموه إلا عن أهله، فما من أحد إلا و به عرق من الجذام فأذيبوه بأكله».

و (الباذنجان) يذهب بالداء و لا داء له (7)

حار في وقت الحرارة و بارد في وقت البرودة، معتدل في الأوقات كلها، جيد على كل حال (8)

و لعل المراد من وقتي الحرارة و البرودة وقت الاحتياج إليهما، كما أشار إليه

في مضمر الهاشمي (9)قال: «قال لبعض مواليه: أقلل لنا من البصل، و أكثر لنا من الباذنجان، فقال له مستفهما: الباذنجان؟ قال:

نعم الباذنجان، جامع الطعم، ينفي الداء، صالح للطبيعة، منصف في أحواله، صالح للشيخ و الشاب، معتدل في حرارته و برودته، حار في


1- 1 الوسائل- الباب- 117- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 117- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 117- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
4- 4 كما رواه في الوسائل- الباب- 122- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
5- 5 كما رواه في الوسائل- الباب- 122- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل في الباب- 123- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 125- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 125- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 125- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.

ج 36، ص: 495

مكان الحرارة، و بارد في مكان البرودة».

و هو جيد للمرة السوداء (1)

و عند جذاذ النخل لا داء فيه (2)

و

قال الصادق (عليه السلام) (3): «إذا أدرك الرطب و نضج العنب ذهب ضرر الباذنجان».

و (البصل) يطيب النكهة، و يذهب بالبلغم، و يزيد في الجماع (4)

و يذهب بالنصب، و يشد العصب، و يزيد في الخطى- أي القوة في المشي و يذهب الحمى (5)

و يشد اللثة (6)

و يشد الظهر، و يرق البشرة (7)

و من دخل بلادا فليأكل من بصلها يطرد عنه وباءها (8)

.

و (الثوم) إنما نهى عنه رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لريحه،

فقال: من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا(9)

بل ورد الأمر بإعادة كل صلاة صلاها من يأكله ما دام يأكله (10)

نعم لا بأس بالتداوي به، لكن لا يخرج من أكله إلى المسجد (11)

.

و (الكراث) يدفع داء الطحال (12)

و يطيب النكهة، و يطرد الرياح، و يقطع البواسير، و هو أمان من الجذام لمن أدمن عليه (13)

و مثله في البقول كمثل الخبز في سائر الطعام، أو قال: الإدام، و الشك


1- 1 لما رواه في الوسائل- الباب- 125- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 125- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
3- 3 لما رواه في الوسائل- الباب- 125- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
4- 4 لما رواه في الوسائل- الباب- 126- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
5- 5 لما رواه في الوسائل- الباب- 126- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
6- 6 لما رواه في الوسائل- الباب- 126- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 126- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 127- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 128- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
10- 10 كما رواه في الوسائل- الباب- 128- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8.
11- 11 كما رواه في الوسائل- الباب- 128- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
12- 12 لما رواه في الوسائل- الباب- 110- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
13- 13 لما رواه في الوسائل- الباب- 110- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 496

من الراوي (1)

و

قال حنان بن سدير (2): «كنت مع أبي عبد اللَّه (عليه السلام) على المائدة فملت على الهندباء، فقال: يا حنان لم لا تأكل الكراث؟ قلت: لما جاء عنكم من الرواية في الهندباء، قال:

و ما الذي جاء عنا؟ قلت له: إنه قيل عنكم إنكم قلتم إنه يقطر عليه من الجنة في كل يوم قطرة، فقال: على الكراث إذن سبع قطرات، قلت:

فكيف آكله؟ قال: اقطع أصوله و اقذف برؤوسه»

و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يأكل الكراث بالملح الجريش (3).

لكن في

خبر يونس بن يعقوب (4)

«رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يقطع الكراث بأصوله فيغسله بالماء و يأكله»

بل في

خبر أبي داود (5) عن رجل «أنه رأى أبا الحسن (عليه السلام) بخراسان يأكل الكراث من البستان كما هو، فقيل له: إن فيه لسمادا، فقال: لا يعلق به شي ء، و هو جيد للبواسير»

الخبر.

و نعم البقلة (الهندباء) التي هي سيدة البقول (6)

و فضلها عليهم كفضلهم (عليهم السلام) على الناس (7)

و هي بقلة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (8)

خرجت من الجنة (9)

و هي شفاء من ألف داء، بل من كل داء، و ما من داء في جوف بني آدم إلا قمعه الهندباء، و إذا دق و صير على قرطاس و صب عليه دهن البنفسج و وضع على الرأس


1- 1 الوسائل- الباب- 112- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 112- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 112- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 111- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 112- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2 عن داود بن أبي داود عن رجل.
6- 6 لما رواه في الوسائل- الباب- 105- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 105- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 105- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 105- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.

ج 36، ص: 497

ذهب بالحمى و الصداع (1)

و ما من صباح إلا و ينزل عليها قطرة من الجنة (2)

بل ليس من ورقة إلا و عليها قطرة من الجنة (3)

و من هنا استفاضت النصوص في النهي عن نفضها عند أكلها (4)

و من بات و في جوفه سبع ورقات من الهندباء أمن من القولنج ليلته تلك إنشاء اللَّه تعالى (5)

و من أحب أن يكثر ماؤه فليكثر أكل الهندباء (6)

.

و

قال الصادق (عليه السلام) (7): «عليك بالهندباء، فإنه يزيد في الماء، و يحسن الولد، و هو حار لين، و يزيد في الولد الذكورة»

و لعله لمكان لينها ورد أنها معتدلة (8)

و قال الرضا (عليه السلام) (9): «عليك بأكل بقل الهندباء، فإنها تزيد في المال و الولد، و من أحب أن يكثر ماله و ولده فليدمن أكل الهندباء»

بل

قال الصادق (عليه السلام) (10): «من سره أن يكثر ماله و ولده الذكور فليكثر من أكل الهندباء».

و قال (عليه السلام) أيضا (11): «ما يرضى أحدكم أن يشبع الهندباء و لا يدخل النار؟».

و (الحوك) بقلة الأنبياء، و فيه ثمان خصال: يمرئ، و يفتح


1- 1 كما رواه في الوسائل- الباب- 106- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 107- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 107- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 107- من أبواب الأطعمة المباحة.
5- 5 لما رواه في الوسائل في الباب- 106- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 106- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2 و 3 و فيهما «من أحب أن يكثر ماله و ولده فليدمن أكل الهندباء»
7- . 7 الوسائل- الباب- 105- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 105- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
9- 9 الوسائل- الباب- 105- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8.
10- 10 الوسائل- الباب- 105- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 11.
11- 11 الوسائل- الباب- 105- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 15 و فيه «يسيغ» بدل «يشبع» و في البحار- ج 66 ص 209 «يشبع».

ج 36، ص: 498

السدد، و يطيب الجشاء و النكهة، و يشهي الطعام، و يسل الداء، و هو أمان من الجذام، إذا استقر في جوف الإنسان قمع الداء كله (1)

.

و المراد به (الباذروج) الذي كان يعجب أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)

و هو- كما قيل- نوع من الرياحين بري يقال له بالفارسية: بادرنجبويه و

قال النخعي (3): «حدثني من حضر مع أبي الحسن (عليه السلام) المائدة، فدعا بالباذروج و قال: إني أحب أن استفتح به الطعام، فإنه يفتح السدد، و يشهي الطعام، و يذهب بالسل، و ما أبالي إذا افتتحت به ما أكلت بعده من الطعام، فاني لا أخاف داء و لا غائلة، قال:

فلما فرغنا من الطعام دعا به أيضا، و رأيته يتبع ورقه على المائدة و يأكله و يناولني منه، و هو يقول: اختم طعامك به، فإنه يمر (يمرئ ظ) ما قبل، كما يشهي ما بعد، و يذهب بالثقل، و يطيب الجشاء و النكهة»

الخبر.

و

قال الصادق (عليه السلام) (4): «ليس على وجه الأرض بقلة أشرف و لا أنفع من (الفرفخ) و هو بقلة فاطمة (عليها السلام) لعن اللَّه بني أمية، هم سموها البقلة الحمقاء بغضا لنا، و عداوة لفاطمة (عليها السلام)»

و وطأ رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) الرمضاء فأحرقته، فوطأ على الرجلة و هي بقلة الحمقاء فسكن عنه حر الرمضاء، فدعا لها، و كان يحبها و يقول: ما أبركها (5)

.

و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (6): «عليكم بالكرفس


1- 1 كما رواه في الوسائل- الباب- 108- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
2- 2 كما رواه في الوسائل- الباب- 108- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 109- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 114- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 114- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 113- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.

ج 36، ص: 499

فإنه طعام إلياس و اليسع و يوشع بن نون»

و هي بقلة الأنبياء (1)

لكن

عن قادر الخادم (2) قال: «ذكر أبو الحسن (عليه السلام) الكرفس فقال: أنتم تشتهونه و ليس من دابة إلا و هي تحتك به».

و في الوافي «أي تحك نفسها عليه» و فيما حضرني من نسخة الوسائل روايته

«و ليس من دابة إلا و هي تحبه»

فلا منافاة.

و (الصعتر) (3): دواء أمير المؤمنين (عليه السلام) و

كان يقول: «إنه يصير للمعدة خملا كخمل القطيفة» (4)

و عن أبي الحسن (عليه السلام) (5)

أنه شكا إليه بعض الواسطيين رطوبة فأمره أن يستف الصعتر على الريق.

و كان علي (عليه السلام) يحب (الكمأة) (6)

و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (7): «الكمأة من المن، و المن من الجنة و ماؤها شفاء للعين».

و عن أبي جعفر أو أبي الحسن (عليهما السلام) (8) إنه ذكر


1- 1 الوسائل- الباب- 113- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 113- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
3- 3 الصعتر أو السعتر: نبات طيب الرائحة يخلف بزرا دون بزر الريحان، زهره أبيض إلى الغبرة.
4- 4 الوسائل- الباب- 130- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 130- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 118- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1. و الكمأة جمع الكم ء: نبات يقال له أيضا: شحم الأرض، يوجد في الربيع تحت الأرض، و هو أصل مستدير كالقلقاس لا ساق له و لا عرق، لونه يميل إلى الغبرة. يقال له بالفارسية: «قارچ».
7- 7 الوسائل- الباب- 118- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2. و الكمأة جمع الكم ء: نبات يقال له أيضا: شحم الأرض، يوجد في الربيع تحت الأرض، و هو أصل مستدير كالقلقاس لا ساق له و لا عرق، لونه يميل إلى الغبرة. يقال له بالفارسية: «قارچ».
8- 8 الوسائل- الباب- 115- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.

ج 36، ص: 500

السداب (1) فقال: «أما أن فيه منافع: زيادة في العقل، و توفير في الدماغ، غير أنه ينتن ماء الظهر».

و عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) إنه جيد لوجع الأذن (2).

و عليكم بالخس، فإنه يصفي الدم (3).

و أكل (التفاح الحامض) و (الكزبرة) يورث النسيان (4).

و ما تملأ رجل من (الجرجير) (5) بعد أن يصلي العشاء فبات تلك الليلة إلا و نفسه تنازعه إلى الجذام (6)

و من أكله بالليل ضرب عليه عرق من الجذام من أنفه، و بات ينزف الدم (7)

و عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) فيه (8)

«ما من عبد بات و في جوفه شي ء من هذه البقلة إلا بات الجذام يرفرف على رأسه حتى يصبح، إما أن يسلم و إما أن


1- 1 السداب أو السذاب: نبات ورقه كالصعتر و رائحته كريهة.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 115- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
3- 3 لما رواه في الوسائل- الباب- 115- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
4- 4 لما رواه في الوسائل- في الباب- 91- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
5- 5 قال المجلسي «قدس سره» في البحار- ج 66 ص 238: «توضيح: اعلم أن الذي يظهر من كتب أكثر الأطباء أن البقلة المعروفة عند العجم «تره تيزك» ليس هو الجرجير، بل هو الرشاد، قال ابن بيطار: الجرجير صنفان: بستاني و بري، كل واحد منهما صنفان: فأحد صنفي البستاني عريض الورق، فستقي اللون، ناقص الحرافة، رحض طيب، و الثاني ورقه رقاق شديد الحرافة، و قال صاحب الاختيارات: الجرجير بري و بستاني، البري يقال له: «الايهقان» و البستاني يقال له بالفارسية: «كيكير» و الجرجير البري يقال له: الخردل البري، و يستعمل بذره مكان الخردل، و قال: الرشاد الحرف، و يقال له بالفارسية: «سپندان» و «تره تيزك».
6- 6 الوسائل- الباب- 116- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 116- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 116- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 10.

ج 36، ص: 501

يعطب»

و

قال الصادق (عليه السلام) (1): «الهندباء و الباذروج لنا، و الجرجير لبني أمية»

و أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كره الجرجير (2)

و عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)

«الجرجير شجرة على باب النار»

و عن الصادق (عليه السلام) (4)

«كأني أنظر إلى الجرجير يهتز في النار»

و عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) (5)

«كأني أنظر إلى منبته في النار».

لكن في

خبر موفق (6)

«كان مولاي أبو الحسن (عليه السلام) إذا أمر بشراء البقل يأمر بالإكثار منه و من الجرجير، فيشترى له، و كان يقول: ما أحمق بعض الناس يقولون: إنه ينبت في وادي جهنم، و اللَّه تعالى يقول وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ* (7) فكيف تنبت البقل؟!»

و هو محمول على ضرب من المصالح.

و (العناب) يذهب بالحمى (8)

و فضله على الفاكهة كفضلهم (عليهم السلام) على الناس (9)

.

و (الخل) و (الزيت) طعام الأنبياء و إدامهم (10)

و ما أقفر بيت فيه الخل و الزيت (11)

و

قال الصادق (عليه السلام) (12): «عليك


1- 1 الوسائل- الباب- 116- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 116- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2 على رواية البرقي.
3- 3 الوسائل- الباب- 116- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 116- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 116- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 116- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
7- 7 سورة البقرة: 2- الآية 24.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 135- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 135- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
10- 10 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
11- 11 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 12.
12- 12 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 9.

ج 36، ص: 502

بالخل و الزيت، فإنه مري ء، و إن عليا (عليه السلام) كان يكثر أكله و إني أكثر أكله، و إنه مري ء».

و الخل يشد العقل (1)

و أحب الأصباغ إلى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (2)

و نعم الإدام، يكسر المرة و يحيي القلب (3)

و ينبر القلب (4)

و الاصطباغ منه يقطع شهوة الزنا (5)

و إن اللَّه و ملائكته يصلون على خوان فيه خل و ملح (6)

.

و عليك بخل الخمر، فاغتمس فيه الخبز، فإنه لا يبقى في جوفك دابة إلا قتلها (7)

و يشد اللثة (8)

.

و كلوا الزيت و ادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة (9)

و دهنة الأخيار، و إدام المصطفين، مسحت بالقدس مرتين، بوركت مقبلة، و بوركت مدبرة لا يضر معها داء (10)

و من أكل من الزيت و أدهن به لم يقربه الشيطان أربعين يوما (11)

.

و كذا (الزيتون) من شجرة مباركة (12)

يطرد الرياح (13)

و يزيد في الماء (14)

.

و ما استشفى مريض بمثل (العسل) (15)

فان لعقة منه شفاء من كل داء (16)

و خصوصا إذا أخذته من شهده (17)

و هو مع قراءة القرآن


1- 1 لما رواه في الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
3- 3 لما رواه في الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
4- 4 لما رواه في الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 21.
5- 5 لما رواه في الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7.
6- 6 لما رواه في الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 22.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 47- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
10- 10 لما رواه في الوسائل- الباب- 47- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
11- 11 لما رواه في الوسائل- الباب- 47- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
12- 12 كما رواه في الوسائل- الباب- 48- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
13- 13 كما رواه في الوسائل- الباب- 48- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
14- 14 كما رواه في الوسائل- الباب- 48- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
15- 15 لما رواه في الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
16- 16 لما رواه في الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
17- 17 لما رواه في الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 8.

ج 36، ص: 503

و مضغ اللبان يذيب البلغم (1)

و كان يعجب رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (2)

و أكله حكمة (3)

و إذا مزج معه شي ء من الزعفران و طين قبر الحسين (عليه السلام) و عجن بماء السماء نفع المرضى (4)

و إذا مزج معه الشونيز (5) و أخذ منه ثلاث لعقات نفع لقلع حمى الغب الغالبة، و ذلك لأن هذين الجزءين مباركان، قال اللَّه تعالى في العسل فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ (6) و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) في الحبة السوداء:

شفاء من كل داء إلا السام، قيل: يا رسول اللَّه ما السام؟ قال:

الموت و هما لا يميلان إلى الحرارة و البرودة، و لا إلى الطبائع، و إنما هما شفاء حيث وقعا (7)

و إذا استوهب شي ء من مهر الزوجة بطيب نفسها و اشترى به عسل ثم سكب عليه من ماء السماء ثم شرب نفع من وجع البطن بل و من كل وجع، لأنه معجون جمع البركة و الشفاء و الهني ء المري ء (8)

.

و (السكر) مبارك طيب (9)

ينفع من كل شي ء و لا يضر من شي ء (10)

و خصوصا السليماني منه الذي يدفع الوباء، و أول من اتخذه سليمان بن داود (عليهما السلام) (11)

و من كان عنده ألف درهم و ليس عنده غيرها و اشترى بها سكرا لم يكن مسرفا

(12)

و ليس شي ء أحب إلى أبي عبد اللَّه (عليه السلام) من السكر (13)

و إذا سحق ثم مخض بالماء


1- 1 لما رواه في الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
3- 3 لما رواه في الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 12.
4- 4 لما رواه في الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 13.
5- 5 الشونيز: الحبة السوداء، و يعبر عنه بالفارسية «سياه دانه».
6- 6 سورة النحل: 16- الآية 69.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 15.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 49- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 14.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 50- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
10- 10 لما رواه في الوسائل- الباب- 50- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
11- 11 كما رواه في الوسائل في الباب- 52- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
12- 12 لما رواه في الوسائل- الباب- 50- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
13- 13 لما رواه في الوسائل- الباب- 50- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 7.

ج 36، ص: 504

و شرب على الريق و عند المساء يرفع حمى الربع (1)

و إغمار سكرة و نصف بالماء و وضع حديدة عليها و تنجيمها من أول الليل بعد أن يقرأ عليها شيئا من القرآن فإذا أصبح مرسه بيده ثم شربه، فإذا كان الليلة الثانية أضاف إلى ذلك سكرة أخرى، فتكون سكرتين و نصفا ثم فعل مثل الأول، فإذا كان الليلة الثالثة صيرها ثلاث سكرات و نصف، و فعل أيضا مثل ذلك يدفع الحمى بل كل مرض (2)

و أكل سكرتين عند النوم يدفع الوجع (3)

و السكر الأبيض إذا دق و صب عليه الماء البارد و شرب يرفع المرض (4)

.

و نعم الإدام (السمن) (5)

بل هو دواء، و في الصيف خير منه في الشتاء، و ما دخل جوفا مثله (6)

و سمون البقر شفاء (7)

و قال أبو الجارود (8): «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن اللحم و السمن يخلطان جميعا، قال: كل و أطعمني»

و لا بأس بالخبز يطينه بالسمن(9)

.

نعم السمن لا يلائم الشيخ، بل كرهه أبو عبد اللَّه (عليه السلام) له (10)

بل

قال: «إذا بلغ الرجل خمسين سنة فلا يبيتن و في جوفه شي ء من السمن» (11).


1- 1 لما رواه في الوسائل- الباب- 50- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 50- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6 و 4.
3- 3 كما رواه في الوسائل- الباب- 51- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
4- 4 كما رواه في الوسائل- الباب- 52- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 4.
5- 5 لما رواه في الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.
6- 6 لما رواه في الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
7- 7 لما رواه في الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 2.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 53- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 6.
10- 10 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 3.
11- 11 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1.

ج 36، ص: 505

إلى غير ذلك مما تكفلت النصوص بيانه أمرا و نهيا، و أوكله الأصحاب إليها على عادتهم في كثير من المندوبات، نعم ذكر الشهيد في الدروس جملة وافية منها، هذا كله في الأكل.

[أما الشرب]

أما الشرب

فالماء سيد الشراب في الدنيا، بل و الآخرة (1)

فإنه سيد شراب الجنة

أيضا (2)

و طعمه طعم الحياة (3)

و من تلذذ به في الدنيا لذذه اللَّه من أشربة الجنة (4)

و قال أبو الحسن (عليه السلام) (5): «إني أكثر شرب الماء تلذذا».

و لا بأس بكثرته على الطعام- غير الدسم- و لا يكثر منه على غيره (6)

بل

قال أبو الحسن (عليه السلام) (7): «عجبا لمن أكل مثل ذا- و أشار بكفه- و لم يشرب عليه الماء كيف لا تنشق معدته».

و قال ابن أبي طيفور المتطبب (8): «دخلت على أبي الحسن الماضي (عليه السلام) فنهيته عن شرب الماء، فقال: و ما بأس بالماء، و هو يدير الطعام في المعدة، و يسكن الغضب، و يزيد في اللب، و يطفئ المرار».

و «دعا أبو عبد اللَّه (عليه السلام) بتمر، و أقبل يشرب عليه


1- 1 كما رواه في الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.
2- 2 كما رواه في الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 4.
3- 3 كما رواه في الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.

ج 36، ص: 506

الماء، فقيل له: لو أمسكت عن الماء، فقال: إنما آكل التمر لأستطيب عليه الماء» (1).

نعم لا ينبغي شرب الماء على غير الطعام أو على الدسم، ففي

مرفوع الحلبي (2)

«قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام) و هو يوصي رجلا: أقل شرب الماء، فإنه يمد كل داء»

ك

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر آخر (3): «لا تكثر من شرب الماء، فإنه مادة لكل داء»

و في ثالث (4): «لا يشرب أحدكم الماء حتى يشتهيه، فإذا اشتهى فليقل منه»

و «لو أن الناس أقلوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم» (5).

و في

خبر السكوني (6) عن أبي جعفر عن آبائه (عليهم السلام) «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) إذا أكل الدسم أقل شرب الماء فقيل له: يا رسول اللَّه إنك لتقل شرب الماء، قال: هو أمرأ لطعامي»

بل

في المرفوع (7)

«شرب الماء على أثر الدسم يهيج الداء».

و شرب الماء من قيام بالنهار أقوى و أصلح للبدن (8)

و يمرئ الطعام (9)

و أدر للعروق(10)

بخلاف شربه كذلك في الليل، فإنه يورث الماء الأصفر (11)

و عليه ينزل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (12): «إياكم و شرب الماء قياما على أرجلكم، فإنه يورث الداء الذي لا داء له إلا أن يعافيه اللَّه»

و غيره مما أطلق فيه النهي عن الشرب من قيام (13)


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 7.
8- 8 لما رواه في الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
9- 9 لما رواه في الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
10- 10 لما رواه في الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 7.
11- 11 لما رواه في الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
12- 12 لما رواه في الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 10.
13- 13 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 4 و 6 و 12.

ج 36، ص: 507

بل الشرب بالليل (1)

كما أنه ينزل إطلاق ما دل على رجحان الشرب من قيام (2)

على غير الليل.

و قال الصادق (عليه السلام) (3): «إذا أردت أن تشرب الماء بالليل فحرك الإناء، و قل: يا ماء ماء زمزم و ماء الفرات يقرءاك السلام»

الخبر.

و ليمص الماء مصا، و لا يعب عبا، فإنه يورث الكباد (4)

و الشرب بثلاثة أنفاس أو نفسين أفضل منه بنفس واحد (5)

بل هو مكروه، فإنه شرب الهيم (6)

.

و ليسم عند كل مرة كما يفعل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (7)

بل

قال الصادق (عليه السلام) (8): «إن الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء فيوجب اللَّه له بها الجنة، إنه ليأخذ الإناء فيضعه على فيه و يسمي ثم يشرب، فينحيه و هو يشتهيه، فيحمد اللَّه تعالى، ثم يعود فيشرب، ثم ينحيه و هو يشتهيه، فيحمد اللَّه عز و جل، ثم يعود فيشرب، فيوجب اللَّه عز و جل له الجنة».

قلت: و خصوصا إذا ذكر مع ذلك عطش الحسين (عليه السلام)


1- 1 البحار- ج 66 ص 471 و فيه ما يدل على مرجوحية الشرب بالليل دون النهي.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 5 و الباب- 8- منها.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 5.
4- 4 لما رواه في الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
5- 5 لما رواه في الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2 و 12.
6- 6 لما رواه في الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
7- 7 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.

ج 36، ص: 508

و أهل بيته، و لعن قاتليه و مانعية شرب الماء، بل يكتب له مائة ألف حسنة، و يحط عنه مائة ألف سيئة، و ترفع له مائة ألف درجة، و كأنما أعتق ألف نسمة، و صيره اللَّه يوم القيامة ثلج الفؤاد (1)

.

و ينبغي أن يكون حمده

بالمأثور عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) (2)

«الحمد للَّه الذي سقانا عذبا زلالا، و لم يسقنا ملحا أجاجا»

و قال الصادق (عليه السلام) (3): «إذا شرب أحدكم الماء فقال: بسم اللَّه ثم قطعه فقال: الحمد للَّه ثم شرب فقال: بسم اللَّه، ثم قطعه فقال: الحمد للَّه ثم شرب فقال: بسم اللَّه، ثم قطعه فقال: الحمد للَّه سبح ذلك الماء له ما دام في بطنه إلى أن يخرج».

نعم

في المرسل (4) أنه سأل الصادق (عليه السلام) «عن الشرب بنفس واحد فقال: إن كان الذي يناولك الماء مملوكا لك فاشرب في ثلاثة أنفاس، و إن كان حرا فاشرب بنفس واحد».

و من سقى مؤمنا من ظمأ سقاه اللَّه من الرحيق المختوم (5)

بل

قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (6): «من سقى مؤمنا شربة ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه اللَّه بكل شربة سبعين ألف حسنة، و إن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل».

و كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يشرب في القدح الشامي و يعجبه (7).


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1 و فيه «أعتق مائة ألف نسمة.»
2- . 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1 و 2.

ج 36، ص: 509

قال (صلى اللَّه عليه و آله): «لا تأكلوا في فخار مصر، و لا تغسلوا رؤوسكم بطينها، فإنه يذهب بالغيرة و يورث الدياثة» (1).

و شر ماء على وجه الأرض ماء برهوت الذي بحضر موت، و خير ماء على وجهها ماء زمزم (2)

و هو شفاء من كل داء (3)

.

و قال صارم (مصادف خ ل) (4): «اشتكى رجل من إخواننا بمكة حتى سقط في الموت، فلقيت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) في الطريق فقال: يا صارم (مصادف خ ل) ما فعل فلان؟ فقال: تركته في الموت، فقال: أما لو كنت مكانكم لسقيته من ماء الميزاب، فطلبنا عند كل أحد فلم نجده، فبينما نحن كذلك إذا ارتفعت سحابة ثم أرعدت و أبرقت و أمطرت، فجئت إلى بعض من في المسجد و أعطيته درهما و أخذت قدحه، ثم أخذت من ماء الميزاب، فأتيته به، فسقيته منه، فلم أبرح من عنده حتى شرب سويقا و صلح و بري ء».

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (5): «اشربوا ماء المطر، فإنه يطهر البدن، و يدفع الأسقام، قال اللَّه تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (6)».

و قال الصادق (عليه السلام) (7): «البرد لا يؤكل، لأن اللَّه


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
3- 3 لما رواه في الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
6- 6 سورة الأنفال: 8- الآية 11.
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.

ج 36، ص: 510

عز و جل يقول يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ (1)».

و قال (عليه السلام) أيضا (2): «ما إخال أحدا يحنك بماء الفرات إلا أحبنا أهل البيت، و يصب في ماء الفرات ميزابان من الجنة»

و قال (عليه السلام) أيضا (3): «يدفق فيه كل يوم دفقات من الجنة»

و لو كان بيننا و بينه أميال لأتيناه نستشفي به» (4)

بل

قال (عليه السلام) (5): «لو كان عندنا لأحببت أن آتيه طرفي النهار»

بل

قال علي بن الحسين (عليه السلام) (6): «إن ملكا يهبط كل ليلة جمعة معه ثلاثة مثاقيل من مسك الجنة فيطرحها فيه، و ما من نهر في شرق الأرض و لا غربها أعظم بركة منه»

إلى آخره.

و لعن نوح (عليه السلام) يوم الطوفان ماء الكبريت و الماء المر (7)

.

و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) (8): «علمني جبرئيل دواء لا احتاج معه إلى دواء، و هو أن يؤخذ ماء المطر قبل أن ينزل إلى الأرض، ثم يجعل في إناء نظيف و يقرأ عليه الحمد إلى آخرها سبعين مرة و قل هو اللَّه أحد و المعوذتين سبعين مرة، ثم يشرب منه قدحا بالغداة و قدحا بالعشي، فو الذي بعثني بالحق نبيا لينزعن اللَّه بذلك الداء من بدنه و عظامه و مخه و عروقه».

و قال (صلى اللَّه عليه و آله) أيضا (9): «أربعة أنهار من الجنة


1- 1 سورة النور: 24- الآية 43.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 4.

ج 36، ص: 511

الفرات و النيل و سيحان و جيحان، الفرات الماء في الدنيا و الآخرة، و النيل العسل، و سيحان الخمر، و جيحان اللبن».

و لا يشرب من أذن الكوز، و لا من كسر إن كان فيه، فإنه مشرب الشيطان (1)

بل يشرب مما يلي شفتيه (2)

بل الوسطى منهما (3)

و

في حديث المناهي (4)

«لا يشربن أحدكم الماء من عند عروة الإناء، فإنه مجتمع الوسخ».

و نهى (صلى اللَّه عليه و آله) عن شرب الماء كما يشرب البهائم، ثم

قال: «و اشربوا بأيديكم، فإنها خير آنيتكم» (5)

و عن الصادق (عليه السلام) (6)

«أنه مر النبي (صلى اللَّه عليه و آله) بقوم يشربون الماء بأفواههم، فقال: اشربوا بأيديكم، فإنها من خير آنيتكم».

و في المرفوع عنه (صلى اللَّه عليه و آله) أيضا (7)

«أنه نهى عن اختناث الأسقية»

أي تثني أفواهها ثم يشرب منها.

و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أيضا (8): «صاحب الرجل يشرب أول القوم، و يتوضأ آخرهم»

و ليشرب ساقي القوم آخرهم (9)

و اللَّه العالم.

هذا و قد بقي جملة كثيرة في جملة من النصوص لم تجر عادة الأصحاب بذكرها في كتب الفقه، نعم قد ذكر الشهيد في الدروس جملة وافرة، و قد تأسينا به، و ذكرنا هذه النبذة، و اللَّه الموفق و المعين.


1- 1 لما رواه في الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.
2- 2 لما رواه في الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 3.
3- 3 لما رواه في الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 6.
4- 4 لما رواه في الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 4.
5- 5 لما رواه في الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الأشربة المباحة- الحديث 2.

ج 36، ص: 512

إلى هنا تم الجزء السادس و الثلاثون، و قد بذلنا غاية الجهد في تنميقه و تحقيقه و التعليق عليه و تصحيحه فنشكره تعالى على ما وفقنا لذلك، و نسأله أن يديم توفيقنا لإخراج بقية الأجزاء و يزيد من فضله أنه ذو الفضل العظيم.

و يتلوه الجزء السابع و الثلاثون في كتابي الغصب و الشفعة إنشاء اللَّه تعالى.

النجف الأشرف محمود القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.