جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 35

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج35، ص: 1

[تتمة القسم الثالث في الإيقاعات]

[كتاب الإقرار]

اشاره

ج35، ص: 2

كتاب الإقرار بمعنى الاعتراف في الصحاح و عن مجمع البحرين، و الإذعان للحق عن القاموس، و في المسالك و الإسعاد لبعض الشافعية الإثبات من قولك: قر الشي ء يقر إذا ثبت، و أقررته إذا أفدته القرار.

و على كل حال فهو ليس من العقود و الإيقاعات، لأنه ليس بإنشاء، إلا أنه لما كان مشابها للإيقاع في الجملة ذكره المصنف فيها، و لذا عرفه في الوسيلة بأنه «إخبار بحق على نفسه»، و في النافع و الدروس «إخبار عن حق لازم له» و في الإيضاح «إخبار عن حق سابق للغير و نفيه لازم للمقر» و في الروضة «إخبار عن حق سابق على وقت الصيغة» و في القواعد «إخبار عن حق سابق لا يقتضي تمليكا بنفسه، بل يكشف عن سبقه» إلى غير ذلك من كلماتهم التي لاحظوا فيها التمييز في الجملة.

و لعل الأولى من ذلك إيكاله إلى العرف الكافي في مفهومه و مصداقه، و في الفرق بينه و بين الشهادة و الدعوى و الرواية و الترجمة، و أنه لا فرق فيه بين الإثبات

ج 35، ص: 3

و النفي كالإقرار بالإبراء و نحوه الذي لاحظه الفخر، بل و لا بين الأعيان و المنافع و الحقوق كحق الخيار و الشفعة و نحوهما، بل و لا بين حقوق الناس المستلزمة للمقر له و بين حقوق الله تعالى كالإقرار بشرب الخمر و نحوه، بل لعل تعريفه بالأعم في كتب اللغة و الأصحاب للإشارة إلى إيكاله إلى العرف الذي لم يتغير فيه.

و الأصل في شرعيته بعد الإجماع من المسلمين أو الضرورة السنة(1)المقطوع بها من طرق العامة و الخاصة التي ستسمع بعضها، بل في الكتاب العزيز ما يدل على

اعتباره في الجملة، نحو قوله تعالى (2)«أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي؟ قالُوا: أَقْرَرْنا»- «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ»(3)«أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى»(4)«كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ»(5)الذي هو

كالنبوي (6)«قولوا الحق و لو على أنفسكم»

و خبر جراح المدائني (7)عن الصادق عليه السلام «لا أقبل شهادة الفاسق إلا على نفسه»

و غيرهما مما هو دال على ذلك أيضا، مضافا إلى

النبوي المستفيض أو المتواتر(8)«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»

و مرسل عطار(9)عن الصادق عليه السلام «المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنا»

و النصوص


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار و سنن البيهقي ج 6 ص 83 و 84.
2- 2 سورة آل عمران: 3- الآية 81.
3- 3 سورة التوبة: 9- الآية 102.
4- 4 سورة الأعراف: 7- الآية 172.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 135.
6- 6 البحار ج 77 ص 171 و فيه« قل الحق و لو على نفسك».
7- 7 الوسائل الباب- 6- من كتاب الإقرار الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2 و المستدرك الباب- 2- منه الحديث 1.
9- 9 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 1.

ج 35، ص: 4

المتفرقة في الأبواب التي منها الأخذ به في الحد بالزنا(1)و غيره و منها إقرار بعض الورثة بالدين (2)و إقرار المريض (3)و غير ذلك.

و كيف كان ف النظر فيه يكون في الأركان و اللواحق، و أركانه غالبا أربعة صيغة و مقر و مقر له و مقر به، إذ قد يحتاج إلى مقر له كالإقرار بما يوجب الحد، اللهم إلا أن يقال: إن الحق حينئذ لله تعالى و إقرار له به، و الأمر سهل.


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب حد الزنا.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من كتاب الإقرار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب الإقرار.

ج 35، ص: 5

[النظر الأول في الصيغة]

اشاره

الأول:

في الصيغة و فيها مقاصد

[المقصد الأول في الصيغة الصريحة]

الأول:

في الصيغة الصريحة، و هي اللفظ المتضمن للاخبار عن حق واجب، كقوله لك علي أو عندي أو في ذمتي أو ما أشبهه و في المسالك «الإقرار عبارة عن الصيغة المخصوصة، فتعريفها يقتضي تعريفه، فكان قوله: «و هي اللفظ» إلى آخره تعريفا

له، كما صرح به غيره» و أنكر عليه ذلك في مجمع البرهان، و قال: «ليست هي الإقرار بل هو الإخبار و التلفظ بها الذي هو مدلولها كما قال المصنف هنا و في التذكرة و غيرها، نعم قد يطلق عليها الإقرار أيضا باعتبار تسمية الدال باسم المدلول.

قلت: لا ريب في ظهور كلماتهم في أن الإقرار من مقولة الألفاظ و إن كان من حيث مدلولها، لا أنه من المعاني المستقلة في نفسها التي مما يدل عليها الصيغة المزبورة نحو الأمر و النهي، ضرورة عدم صدق الإقرار مع عدم التلفظ بالصيغة، بخلاف الأمر الذي هو للطلب المدلول عليه بالصيغة أو غيرها.

بل لعل التأمل الجيد في كلامهم يقتضي عدم صدق الإقرار على الإشارة الفعلية الدالة على الاعتراف بالحق، لعدم صدق الاخبار عليها حقيقة و إن لحقها حكم

ج 35، ص: 6

الإقرار، اللهم إلا أن يراد من الاخبار في كلامهم مطلق ما يفيد الاعلام بقول أو فعل، إلا أنه كما ترى، و حينئذ فيراد من صيغة الإقرار اضافة البيان لا مثل صيغة البيع الذي هو بمعنى النقل الحاصل بالصيغة و غيرها، و لعل هذا هو مراد ثاني الشهيدين. و على كل حال فالأمر سهل.

نعم قال فيها: «و أراد بالواجب معناه اللغوي، و هو الثابت، فيخرج به الاخبار عن حق مستقبل، فإنه ليس إقرارا و انما هو وعد أو ما في معناه، و بهذا يستغنى عما عبر به غيره من قوله: «عن حق سابق» و تناوله للحق المؤجل أظهر من تناول السابق له، لأنه أمر ثابت الان و إن كان استحقاق المطالبة به مستقبلا و يمكن اندراجه في السابق أيضا من حيث إن أصل الحق سابق و انما المستقبل المطالبة به، و تأخر استحقاق المطالبة أمر خارج عن الإقرار، لأنه عبارة عن التأجيل، و ذكره في الإقرار بالحق ليس إقرارا، و إنما هو دفع لما لزم من الاخبار بأصل الحق، و من ثم يقبل الإقرار بالحق لا بالأجل، كما سيأتي» و قد سبقه الى ذلك الكركي في جامعه.

لكن في مجمع البرهان «في عدم كون الإقرار إلا بحق سابق تأمل، فإن ذلك غير منقول من الشارع، بل مجرد اصطلاح نجده في بعض كتب الأصحاب، بل الذي يفهم من ظاهره أعم من ذلك، و لذلك تراهم يطلقونه على غير ذلك أيضا و هو ظاهر، الا أنه يمكن أن يقال: الأصل براءة الذمة و عدم لزوم شي ء، و الذي علم كونه إقرارا يلزم به ذلك، و غيره لم يعلم بل و لا يظن بحيث يكون معتبرا و مخرجا للأصل عن أصله، فيبقى تحت النفي، فتأمل. فالمعلق بمنزلة وعد بلزوم شي ء له بشرط كذا، و لا دليل على لزومه إذ الأصحاب لم يقولوا بوجوب الوفاء بالوعد على ما يظهر و ان كان ظاهر بعض الايات (1)و الأخبار(2)وجوب الوفاء بالوعد، الا أن في كون ذلك وعدا صريحا أيضا تأملا، و دخوله


1- 1 سورة التوبة: 9- الآية 77.
2- 2 الوسائل الباب- 109- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.

ج 35، ص: 7

تحت

«المسلمون»(1)

غير ظاهر، و بالجملة الأصل دليل قوي، و الخروج عنه يحتاج إلى دليل أقوى».

قلت: لا يمكن إنكار صدق الإقرار على الحقوق المعلقة بنذر أو عهد أو يمين على شي ء متوقع أو معلوم الحصول، فإذا أقر مثلا أن لزيد عليه مائة درهم إذا عوفي مريضه بنذر أو عهد أو يمين أو إذا جاء شهر كذا و نحو ذلك مما هو ليس كالمؤجل بل أصل الاستحقاق متوقف على أمر مستقبل لوقوعه بسبب تقبل ذلك كان إقرارا، و إنكار صدق الإقرار عليه أو عدم جريان حكمه عليه من المنكرات التي لا تسمع من مدعيها، اللهم الا أن يقال إنه حق سابق باعتبار تقدم السبب أو

قصده على استحقاق المقر له و لو على وجه الشرط، إلا أن ذلك كما ترى.

نعم من هذا و غيره يظهر أن مرادهم في التعريف التمييز في الجملة لا مطلق الإقرار، بل صريح كلماتهم تحقق الإقرار بمضمون «له علي» و نحوه، و مما يؤيد ذلك تسالمهم في سائر أبواب الفقه في النكاح و غيره على إجراء حكم الإقرار على كل من المدعي و المنكر، و أن كلا منهما يؤخذ بإقراره، و لا ريب في عدم صدق الإقرار بحق سابق على مثل إنكار الزوج أو الزوجة الزوجية، و لا على مثل إنكار البائع المبيع أو المشتري الشراء، و لا على مثل اعتراف الحاكم مثلا بإنشاء الحكومة لزيد على عمرو، و نحو ذلك مما لا ينكر عدم صدق كونه إخبارا بحق سابق لازم على المقر للمقر له، مع أنه إقرار قطعا، فيعلم من ذلك كله أنه ليس المراد من هذا التعريف الطرد و العكس، بل إنما هو تعريف لبعض أفراد الإقرار.

بل من ذلك يظهر لك زيادة قوة لما ذكرناه من أن إيكال الإقرار إلى العرف أولى من التعرض لتحديده، فإنه الذي يميز بين أفراده، حتى أنه في القضية الواحدة يجعل قائلها مدعيا من جهة و مقرا من جهة أخرى، و لعل ما ذكره في الصحاح من أن الإقرار الاعتراف أولى من هذه التعاريف، فتأمل جيدا، فإنه


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب المكاتبة.

ج 35، ص: 8

تحقيق نافع، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يصح الإقرار بغير العربية من العربي و غيره، بل الإجماع بقسميه عليه، لتناول الإقرار للجميع، بل عن المفاتيح الإجماع على ذلك اضطرارا أو اختيارا بخلاف العقد و الإيقاع، نعم يعتبر العلم بالوضع، فلو لم يعلم العربي مثلا مؤدى اللفظ لم يقع قطعا، بل لو ادعى عدم العلم و كان ذلك ممكنا في حقه قبل عملا بالظاهر و أصالة عدم تجدد علمه بغير لغته، و لا فرق بعد دلالة اللفظ على ما يفيد الإقرار بين كونه على القانون العربي مادة و هيئة أولا ضرورة كون المدار على حصول مسمى الإقرار المعلوم عدم اعتبار ذلك فيه، بخلاف العقود و الإيقاعات التي هي أسباب لحصول مسبباتها لا كواشف عن أسباب، كالإقرار الذي هو إخبار عن حصول السبب، فيكفي فيه ما يكفي في الاخبار من غير فرق في ذلك بين الحقيقة اللغوية و العرفية و المجاز، ضرورة كون المدار على اللفظ الدال بنفسه أو بقرينة على ما يفيد الإقرار.

و من الغريب دعوى بعض الناس ظهور كلمات الأصحاب في اشتراط كون صيغة الإقرار حقيقة عرفا أو لغة.

نعم لا خلاف بينهم في اشتراط التنجيز لما فيه من كونه إخبارا عن حق ثابت، و هو لا يقبل التعليق المقتضي لعدم وقوع المعلق قبل وقوع المعلق عليه. ف لو قال: لك علي كذا إن شئت أو إن شئت بضم التاء أو فتحها لم يكن إقرارا و كذا لو قال: إن قدم زيد، و كذا إن رضي فلان أو إن شهد أو نحو ذلك لاشتراك الجميع في التعليق المنافي للاخبار و إن كان على صفة يتحقق وقوعها، و ليس هذا نحو تعقيب الإقرار بما ينافيه الذي يؤخذ ببعضه و يترك الآخر، ضرورة كون الشرط و الجزاء كلاما واحدا، لكون الحكم بينهما لا في كل واحد منهما، و لا في الجزاء فقط و الشرط حرف كما عن بعض أهل العربية.

كما أنه لا يخفى عليك الفرق بين المقام و بين ما ذكرناه سابقا من الإقرار بالحق المستقبل المعلق على شي ء، فإنه ليس إقرارا مطلقا، بل هو إقرار بالحق

ج 35، ص: 9

المعلق بمقتضى السبب المتعلق به، كما هو واضح.

و لو قال: إن شهد لك فلان فهو صادق لزمه الإقرار في الحال، لأنه إذا صدق لزمه (وجب خ ل) الحق و إن لم يشهد كما هو خيرة الشيخ في المحكي عن مبسوطة، و ابن سعيد في المحكي عن جامعه، و خيرة الفاضل في جملة من كتبه، بل عن فخر الإسلام عن والده نسبته إلى الأصحاب و إن كنا لم نتحققه لغير من عرفت، و وجهه ما أشار إليه المصنف من أنه إذا صدق على تقدير الشهادة لزمه الحق، لوجوب مطابقة الخبر الصادق لمخبره في الواقع، فيكون في ذمته على ذلك التقدير، و من المعلوم أنه لا دخل للشهادة في ثبوت المقر به في الذمة في نفس الأمر، فيثبت حينئذ مطلقا، إذ الصدق مطابقة نسبة الخبر للنسبة الخارجية، فلا بد من تحقق النسبة الخارجية في تحقق الصدق على تقدير الشهادة.

و بالجملة الشهادة ليست سببا محصلا، بل السبب المقتضى لشغل الذمة أمر آخر من بيع أو قرض أو نحوهما، فإذا حكم بالصدق على تقدير الشهادة فقد حكم بثبوت سبب يقتضي شغل الذمة، و مع ثبوته يجب الحكم على تقدير الشهادة و عدمه، لما عرفت من أن المقتضي للشغل غير الشهادة.

و أيضا المال إما أن يكون ثابتا في ذمته أو لا، و الثاني باطل لاستلزامه كذب الشاهد على تقدير الشهادة، لأنه خبر غير مطابق، لكنه حكم بصدقه على تقديرها، فيكون مخالفا للفرض، فيتعين الأول، و أيضا يصدق «كلما لم يكن المال ثابتا في ذمته لم يكن صادقا على تقدير الشهادة» و ينعكس بعكس النقيض إلى قولنا: «كلما كان صادقا على تقدير الشهادة كان المال في ذمته» لكن المقدم حق لإقراره، فإنه حكم بصدقه على تقدير الشهادة فالتالي مثله، إلى غير ذلك مما قرر في وجه الحكم المزبور.

فما في غاية المراد- من توقف الطلبة فيه باعتبار أن استثناء نقيض المقدم ينتج نقيض التالي، فيكون التقدير «لكنه لم يشهد فلا يكون صادقا»- واضح

ج 35، ص: 10

الفساد بعد ما عرفت من توجيهه، و لذا قال فيها بعد أن حكى ذلك عنهم: «و هو خطأ، لأنه عقيم».

و كذلك ما في حاشية الكركي على الكتاب من أنه «خفي وجه هذه المسألة على كثير من الطلبة نظرا إلى أن الاستثناء هل هو لعين المقدم أو لنقيض التالي؟

ثم كيف يلزم المال المعلق لزومه على شهادة لم تحصل!؟» ضرورة أنه لا وقع لشي ء من ذلك بعد الإحاطة بما ذكرناه.

نعم أشكله في غاية المراد بأن تعليق الصدق على شهادته يوجب توقفه عليها، لضرورة التعلق، و شهادته و إن كانت ممكنة في نفس الأمر فإنها قد تكون ممتنعة بالنظر إلى المقر، و المعلق على الممتنع ممتنع، و بأن التعليق مبطل للإقرار و إن كان المعلق عليه ممكنا، لأن الواجب لا يقبل التعليق، و لو كان لإمكان الشهادة مدخل في الثبوت لم يكن فرق بين التعليقات مع كونها ممكنة، و لأن لفظة «فهو صادق» في قوة «فله علي» و هذه العبارة لا تلزم، فكذا الأخرى.

و تبعه عليه الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهما، لظهور كون المراد من مثل هذه العبارة في محاورات الناس أنه من الممتنع شهادة الشخص المزبور، لامتناع الكذب عليه، لا أن المراد الاعتراف بصدقه على تقدير الشهادة، نحو قول أحدهم:

«إن شهد فلان أني لست لأبي فهو صادق» و لا يريد إلا ما سمعته، للقطع بعدم تصديقه على كونه ليس لأبيه.

بل في المسالك «لا يخرج بذلك عن التعليق، بل هو أدنى مرتبة منه، فإنه إذا قال: «له علي كذا إن شهد به فلان» لا يكون إقرارا اتفاقا، مع أنه صريح في الاعتراف بالحق على تقدير الشهادة و الإقرار في مسألة النزاع إنما جاء من قبل الالتزام، فلأن لا يكون إقرارا أولى، و ما ذكر في توجيه الإقرار وارد في جميع التعليقات، فإنه يقال: ثبوت الحق على تقدير ثبوت الشرط يستلزم ثبوته الان، إذ لا مدخل للشرط في ثبوته في نفس الأمر» إلى آخر ما قيل في الدليل، و إن كان هو كما ترى، ضرورة أن التعليق في مسألة النزاع بيان لحكم الشهادة

ج 35، ص: 11

على تقديرها، بخلاف غيرها الذي هو تعليق محض.

فالعمدة حينئذ في الإشكال عدم ظهور العبارة المزبورة في إرادة الإقرار على الوجه المزبور، بل لعل الظاهر منها خلاف ذلك، و لا أقل من الشك و الأصل براءة الذمة، خصوصا بعد ما في مجمع البرهان من احتمال أن القائل المزبور لم يعرف صحة ما ادعى عليه و عدمها، فيقول: أنا أعرف صدق هذا الشخص، فان شهد فهو صادق و إن أعطى المدعى لإمكان لزومه لي حينئذ من غير شعور لي بسبب جناية من غير اختيار أو استقراض وكيلي أو نحو ذلك، و احتمال كون المراد ثبوت ذلك في ذمته قبل شهادته، و لم يكن حين الإقرار، فيكون الشهادة بعد ذلك صدقا و حقا، فلا يدل على ثبوت الحق قبل الإقرار، بل قبل الشهادة، فإن الصدق يستدعي ثبوت ما يشهد به قبلها لا قبل الإقرار، و يكون إقراره بالصدق حينئذ لمعرفته بصدقه بعدها لا لعلمه بوقوع المخبر به في نفس الأمر، نحو ما يقول من لا يعلم بشي ء في ذمته: «إنه لو قال المعصوم بأن ذمتك مشغولة فهو صادق» و ليس هذا إقرارا بالعلم بما يقوله قبل قوله، بل لا علم له بذلك إلا من قوله، فلو لم يقل لم يلزمه القول به، و لا قبله على تقدير القول.

و لعله لذا قال الفاضل في المحكي عن تذكرته بعد أن بالغ في ترجيح ما سمعته من الشيخ: «حتى لو قال زيد الذي علق الصدق على شهادته: لا أشهد و أن المدعى كاذب أو أني أشهد ببراءته، و الأقرب أنه إن ادعى عدم علمه بما قال و أن المقر له لا يستحق في ذمته شيئا و أنه توهم أن فلانا لا يشهد فان كان مما يخفى عليه ذلك قبل قوله، و حمل على التعليق، و كان لغوا» و إلى ذلك أشار فخر الإسلام فيما حكاه عن والده «أن المقر إن كان عارفا بهذه الملازمة العقلية لزمه الإقرار و إلا فلا- ثم قال-: و هو الأصح عندي».

قلت: لا يخفى عليك مقامات هذه العبارة، فقد تصدر ممن يريد الالتزام بالحق و الاعتراف به، فيقول: إن شهد على ذلك فهو صادق، أي لأن الواقع كما

ج 35، ص: 12

شهد، فهو في الحقيقة بمنزلة أن يقول لمن شهد عليه فعلا: «هو صادق» كما اعترف به في المسالك في أول كلامه، و بمنزلة من كان مطلعا مثلا على قيام زيد، فيقول: «كل من يخبر بقيامه فهو صادق» و إن أخبر به زيد فهو صادق و نحو ذلك.

و قد تصدر هذه العبارة ممن يعلم ببراءة ذمته و أنه لا يقبل فيها شهادة شاهد و لا خبر مخبر، فيريد من هذا التركيب شبه التعليق على محال، و هذا المقام غالبا يجرى بين المتخاصمين.

و قد تصدر من الشاك فيريد بها بيان أني أعلم صدق ذلك بشهادة زيد، و غير ذلك من المقامات التي لا تخفى على من له أدنى خبرة بالمحاورات.

نعم قد يقال إنها مع قطع النظر من سائر المقامات تستلزم الإقرار بالحق باعتبار ظهور الحكم بالصدق في معلومية الواقع لديه، و هو لا يختلف بالشهادة و عدمها، و حينئذ يكون التعليق فيها بمعنى أنه إن شهد كان متصفا بالصدق و إن لم يشهد به لم يكن متصفا به، ضرورة تبعية الصدق للاخبار بالواقع لا للواقع نفسه و إن لم يخبر به، و حينئذ فالواقع واقع لا يتغير بشهادته و عدمها، و لكن الاتصاف بالصدق يدور مدار الشهادة و عدمها، فمن الغريب إطناب ثاني الشهيدين تبعا للشهيد في أن المقام كباقي صور التعليق.

و أغرب منه دعوى إرادة التعليق على المحال من هذا التركيب على كل حال و مثله دعوى احتمالها كذلك لمحتملات متعددة، ضرورة أنه لا ينكر ظهور الحكم بالصدق لمن أخبر به فعلا أو لمن يقدر إخباره به في اطلاع الحاكم إلى الواقع و انكشافه لديه، و لذا حكم بصدق من يخبر به.

و من ذلك كله يظهر لك الوجه فيما ذكره الشيخ و المصنف من الفرق بين تعليق الإقرار على شهادة زيد مثلا و بين تعليق الوصف بالصدق، و أن الثاني من لوازمه الإقرار بالحق بخلاف الأول، بل و يظهر لك ما في كثير من الكلمات في المقام

ج 35، ص: 13

التي ذكرناها و غيرها، فتأمل جيدا.

و مما ذكرنا قد ظهر لك عدم الفرق بين العبارة المزبورة و بين قوله: «إن شهد علي شاهد بذلك فهو صادق» بل في القواعد و المسالك أن مثله «فهو صحيح» أو «حق» و هو كذلك بناء على إرادة ما يساوى الصدق منه نعم لو قال: «إن شهد لك صدقته» أو «لزمني» أو «أديته» لم يكن مقرا، لعدم الملازمة بين التصديق و الحكم بالصدق الذي هو إخبار عن الواقع و ما في نفس الأمر لأن الكذب و الصدق بحسب نفس الأمر و نحوه قوله: «لزمني» بعد معلومية عدم لزوم الحق بشهادة الواحد، فالمراد منه الوعد بالتزام الأداء و أصرح منهما في الوعد قوله: «أديته» كما هو واضح، بل و كذا لو قال: «فهو عدل» أو نحو ذلك مما لا ظهور فيه في الاعتراف بكون الواقع كما يشهد.

و كيف كان فلا خلاف بل و لا إشكال في أن إطلاق الإقرار بالموزون من أهل بلد مخصوص ينصرف إلى ميزان تلك البلد إذ كان فيها، لأن ألفاظ الإقرار كغيرها في الحمل على المتعارف إن كان، و إلا فعلى اللغة. و كذلك الكلام في المكيل.

بل و كذا إطلاق النقدين من الذهب و الفضة فينصرف إلى النقد الغالب من المشكوك في بلد الإقرار إذا كان المقر من أهله، من غير فرق بين المغشوش و غيره و الناقص و غيره. و أما لو قال: «له عندي وزن درهم فضة» أو «مثقال ذهب» فلا يجب حمله على النقد الغالب، و هو المسكوك، بل يعتبر فيه مصداقهما و لو من غير المضروب.

بل في المسالك «و يفارق النقد الغالب أيضا في أنه يعتبر خلوصه من الغش، بخلاف النقد، فإنه يحمل على المتعارف و إن كان مغشوشا، لأن ذلك هو المفهوم منهما».

و فيه ما لا يخفى من عدم اعتبار ذلك فيه أيضا إذا كان المغشوش متعارفا في تلك البلد، نحو ما يأتي من ذهب أهل الجزية، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع

ج 35، ص: 14

من وجوب حمل اللفظ على المفهوم منه عرفا و إلا فلغة.

نعم قد يظهر من المصنف اعتبار بلد الإقرار و إن تعارف في بلد المقر غيره، و فيه منع، بل الظاهر اعتبار بلد المقر كما عن جماعة التصريح به و إن أقر في بلد تعارف فيها غير ما في بلده إلا مع القرائن.

و لو كان نقدان غالبان أو وزنان مختلفان و هما في الاستعمال سواء رجع في التعيين إلى المقر بلا خلاف أجده فيه و إن عين في الناقص لأصالة البراءة من الزائد، و لو تعذر الرجوع إليه حمل على الأقل، لأنه المتيقن.

و ظاهر تقييد المصنف و غيره بالسواء يقتضي أنه لو كان بعض النقد أو الوزن غالبا في المعاملة حمل الإطلاق عليه، كما صرح به بعضهم أيضا، و فيه منع و اضح إذا لم تكن الغلبة في الاستعمال تورث ظنا بالمراد من الإطلاق على وجه يكون هو المفهوم منه عرفا.

نعم لا إشكال في اعتبار التعدد في الرجوع إليه في التعيين، ضرورة انسياق المتعارف من اللفظ مع الاتحاد، و لكن في مجمع البرهان «لا يبعد القبول أيضا، لأنه يمكن أن يريد غير المتعارف في البلد و إن كان خلاف الظاهر» و فيه مالا يخفى مع التعيين منفصلا، لكونه منافيا لما ثبت عليه بظاهر اللفظ الذي هو حجة شرعية، فهو حينئذ كالإنكار بعد الإقرار، و ستسمع تمام الكلام في ذلك عند تعرض المصنف له في المقصد الثاني، و الله العالم.

و لو قال: له علي درهم لزمه درهم واحد و إن كرر إلى المأة مثلا، بلا خلاف و لا إشكال، لاحتمال إرادة التأكيد احتمالا مساويا لعدمه أو راجحا، و الأصل براءة الذمة.

نعم لو قال و درهم لزمه اثنان بلا خلاف، بل في المسالك ظاهرهم الاتفاق عليه، لأن العطف يقتضي المغايرة، فلا يحتمل التأكيد، و احتمال عدم

ج 35، ص: 15

معرفته بالقانون العربي أو إرادة درهم آخر لزيد و نحوه لا يلتفت إليه بعد تبادر التعدد إلى الذهن، فلا يلتفت إلى الاحتمال البعيد. و كذا الكلام فتوى و دليلا لو قال ثم درهم.

بل في المتن و التحرير و الدروس و المسالك و محكي المبسوط و تعليق الإرشاد، أو قال: درهم فدرهم لمساواته للأولين في العطف المقتضى للمغايرة و عدم التأكيد، و أما احتمال «فدرهم لازم لي» و نحوه لمجي ء الفاء غير عاطفة فبعيد لا ينافي الحكم بالظاهر، خلافا للفاضل في قواعده و إرشاده و ولده في المحكي من شرحه له، فلا يلزمه إلا واحد.

بل عن المبسوط «أنه لا خلاف فيه، لمجي ء الفاء غير عاطفة، و الأصل براءة الذمة» و فيه أن الاحتمال لا ينافي الظهور الذي هو مدار الحكم، و إلا لجرى نحوه في الصورتين الأولتين اللتين وافق فيهما الخصم، ضرورة إمكان مثل هذا الاحتمال بإضمار و نحوه فيهما، هذا.

و لكن في المسالك تبعا لما عن التحرير و الدروس «أنه قال: «أردت فدرهم لازم لي» اتجه قبول قوله بيمينه لو خالفه المقر له» بل ربما جعل بعض الناس هذا جمعا بين الكلمة، فيحتمل كلام المصنف على ما إذا لم يقل ذلك، و كلام الفاضل على ما إذا قال.

و فيه منع القبول مع فرض انفصال القول و تبادر التعدد من اللفظ المزبور، لأنه من تعقيب الإقرار بما ينافيه و لو من حيث الظهور المزبور، و إلا لم يحكم بالدرهمين و إن لم يقل، لأصالة البراءة، و فرض تساوى احتمال العطف و غيره، و ربما تسمع لذلك زيادة تحقيق إنشاء الله.

و لو قال: «درهم و درهمان» لزمه ثلاثة، لامتناع التأكيد و بعد احتمال غير العطف، و كذا لو قال: «درهم و درهم و درهم» لزمه ثلاثة، بل كل ما زاد زاد، لما عرفته من ظهور العطف.

لكن في القواعد و الإرشاد و غيرهما أنه لو قال: «أردت بالثالث تأكيد الثاني»

ج 35، ص: 16

قبل، و لو قال: أردت تأكيد الأول لم يقبل، و لعله لصلاحية تأكيد الثاني بالثالث لفظا بتكرر حرف العطف، بخلاف الأول الخالي منه، فلا يصلح الثالث المشتمل عليه تأكيدا له لفظا فضلا عن عدم صلاحيته له معنى».

لكن قد يناقش بنحو ما سمعته من منافاة القول المزبورة للظهور مع فرض الانفصال، فلا يسمع و إلا لم يحكم بالثلاثة و إن لم يقل، لأصالة البراءة مع فرض تساوى الاحتمال.

و كذا تجب الثلاثة لو قال: «درهم و درهم ثم درهم» أو «درهم ثم درهم و درهم» لامتناع احتمال التأكيد اللفظي، بل عن التحرير و الدروس «و كذا درهم و درهم فدرهم» و هو كذلك بناء على عدم الاعتداد باحتمال مجيئها لغير العطف، هذا كله إذا عبر بما سمعت من التعبير المزبور.

أما لو قال: له علي درهم فوق درهم أو تحت درهم أو فوقه درهم أو تحته درهم أو مع درهم أو معه درهم لزمه درهم واحد بلا خلاف أجده فيه، بل لم يحك عن أحد منا التعبير بما لا يقتضي الجزم بذلك إلا الفاضل في محكي التذكرة، فعبر بالأقرب، و لعله لأن الأصل براءة الذمة بعد تساوى احتمال إرادة الإقرار بالزائد، و احتمال إرادة درهم لي أو فوقه في الجودة و تحته في الرداءة، بل في المتن و الدروس لو قال ذلك أو قال قبل درهم أو بعده لزمه درهم واحد. بل في محكي المبسوط أنه أقوى، كالمسالك و جامع المقاصد أنه أصح، و لعله لاحتمال إرادة له درهم قبل وجوب درهم لعمرو، أو مضروب قبل درهم احتمالا مساويا لاحتمال إرادة الإقرار، فهو حينئذ كاحتمال أن يكون أراد في المثال السابق مع درهم لي و الأصل براءة الذمة فيقتصر على المتيقن.

خلافا للفاضل في القواعد، فقال: يلزمه درهمان، و لعله لأن القبلية و البعدية يرجعان الى الزمان، و لا يتصف بهما نفس الدرهم، فلا بد من رجوع التقدم و التأخر

ج 35، ص: 17

إلى المقر، و ليس ذلك إلا الوجوب عليه.

و أجيب بأنهما كما يكونان بالزمان يكونان بالمزية و الرتبة و نحوهما، بل لو سلم اختصاصهما بالزمان جاز رجوعهما الى غير الوجوب، بأن يريد درهم مضروب قبل درهم و ما أشبهه، بل لو سلم إرادة الوجوب فيهما جاز إرادته بالنسبة إلى غير المقر بأن يريد لزيد درهم قبل وجوب درهم لعمرو و نحوه.

و المناقشة بأنه لو سمع هذه الاحتمالات لسمعت في نحو «له علي درهم و درهم» الذي قد عرفت الاتفاق على لزوم درهمين يدفعها وضوح الفرق بينهما باعتبار كونها خلاف المعنى الحقيقي فيه، دون مثال القبلية و البعدية الذي لا يدل على المدعى بطريق الحقيقة، بل قد يمنع عدم اتصاف الدرهم بهما مع معلومية كون الظرف إذا وقع بعد نكرة كان صفة، من غير فرق بين ظرف الزمان و المكان، و كون المتعلق في ظرف الزمان هنا كونا خاصا لا يقتضي كون المتعلق وجوب درهم آخر له على المقر.

قلت: هذا خلاصة ما ذكروه في المقام، لكن الانصاف ظهور شغل الذمة بدرهمين لو قال: «له علي درهم قبله درهم» أو «بعده درهم» و الثلاثة لو قال:

«قبله درهم و بعده درهم» بل قد يقال: بلزوم الدرهمين في نحو «فوقه درهم» أو «مع درهم» أو «معه درهم» و إن قلنا لا خلاف بينهم في لزوم درهم واحد، إذ لعله لاختلاف عرف وقتهم و ما نحن فيه من العرف، ضرورة دوران المسألة على ذلك، إذ لا نصيب فيها للتعبد.

و كيف كان ف كذ لك يلزمه درهم واحد لو قال: له علي درهم في عشرة و قد علم منه أنه لم يرد الضرب بذلك و إنما يريد الظرفية للدرهم الواحد بلا إشكال و لا خلاف، كما أنه لا إشكال و لا خلاف في لزوم العشرة إذا علم منه إرادة الإقرار بما يقتضيه الضرب.

إنما الكلام في صورة الإطلاق، و الظاهر لزوم درهم واحد لأنه المتيقن،

ج 35، ص: 18

و الأصل براءة الذمة، و لا ظهور في العبارة يترجح به أحد الاحتمالين، بل ربما احتمل فيه ثالث، و هو ارادة معنى «مع» من «في» نحو قوله تعالى :

«ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ» فيلزمه حينئذ أحد عشر، و حينئذ يكون المثال كالمشترك الذي يرجع فيه الى المقر في التعيين، و يقبل منه بغير يمين إذا لم يدع عليه إرادة خلافه، و إلا حلف، و مع تعذره يؤخذ بالأقل الذي هو المتيقن على كل حال و ينفى الزائد بأصل البراءة.

و لو قال غصبته ثوبا في منديل أو حنطة في سفينة أو ثيابا في عيبة أو زيتا في جرة أو تمرا في جراب لم يدخل الظرف في الإقرار لاحتمال إرادة «لي» في الجميع، و كذا الإقرار بالظرف لا يقتضي الإقرار بالمظروف، فلو قال: «له عندي غمد فيه سيف» أو «جرة فيها زيت» أو «جراب فيه تمر» أو «سفينة فيها طعام» لم يكن إقرارا بالمظروف، لاحتمال «لي» أيضا و الوصفية لا يقتضي الاستحقاق على هذا الوصف، إذ لا تنافي بين الإقرار بالموصوف مع التصريح بكون الوصف له، و كذا لو قال: «غصبته فرسا عليها سرج» أو «حمارا على ظهره لحاف» أو «له زمام» أو «دابة مسرجة» أو «دارا مفروشة» أو نحو ذلك.

نعم لو قال: «دابة بسرجها» و «دارا بفراشها» دخل، لظهور الباء في ذلك. و كذا لو قال: «ثوبا مطرزا» لأن الطراز كالجزء منه، مع احتمال العدم إذا كان الطراز يصنع بعد النسج.

و لو قال: «غصبته فصا في خاتم» كان إقرارا بالفص، أما لو قال: «خاتما فيه فص» ففي المسالك «في كونه إقرارا بالفص وجهان، أظهرهما العدم، لاحتمال أن يريد فيه فص لي» و فيه أن المنساق في عرفنا دخوله، على أنه كالجزء منه حتى أنه لو باعه دخل فيه، فهو حينئذ كما لو قال: «له هذا الخاتم» و كان فيه فص،

ج 35، ص: 19

فلا يقبل منه منفصلا استثناء الفص.

بل في القواعد «لو قال: له خاتم و جاء به و فيه فص و استثناه فان الظاهر عدم قبوله» و إن كان قد يناقش بأن الإقرار بالخاتم المطلق لا يقتضي الإقرار بأن فيه فصا، ضرورة صدقه بدونه، و لعله لذا كان المحكي عن الفخر و المقدس صحة الاستثناء، و عن الكركي أنه لا يخلو من قوة.

و لو قال: «له عندي جارية» فجاء بها و هي حامل صح استثناء الحمل لعدم اندراجه في الإقرار السابق حتى يكون منافيا، بل عن التذكرة الحمل عندنا لا يدخل في الإقرار و لا في البيع.

بل ذكروا في كتاب القضاء أنه لا يسمع دعوى «هذه بنت أمتي» لجواز ولادتها في غير ملكه، بل و لو قال مع ذلك: «ولدتها في ملكي» لاحتمال الحرية أو تملك غيره لها، بل لو أقر بأنها بنت أمة فلان لم يلزمه شي ء بمجرد ذلك، و أنه لو فسره بما ينافي الملك قبل منه، لكن مع هذا كله ذكر صحة الاستثناء في القواعد احتمالا، بل عن التحرير و الإرشاد و الإيضاح الإشكال في ذلك، و لعله لأن الحمل نماؤها فيتبعها، و فيه أنه لا يقتضي التبعية في الإقرار، كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان فلا يدخل الظرف في الإقرار بالمظروف و لا بالعكس، فيصح استثناؤه حينئذ منفصلا خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، فحكم بدخول كل من الظرف و المظروف في الآخر، و كذا البواقي، و عن أبي علي منا كل مالا يوجد بغير ظرف كالسمن فالإقرار به إقرار بظرفه، و هما معا كما ترى.

و لو قال: له عندي عبد عليه عمامة ففي المتن و غيره كان إقرارا بهما، لأن له أهلية الإمساك فتكون له يد على ملبوسه مثلا، و ما في يده لسيده، فإذا أقر بالعبد كان ما في يده لسيده.

و ليس كذلك لو قال: دابة عليها سرج لعدم اليد للدابة على ما عليها و إن حكي عن بعض الأصحاب إلا أنه كما ترى. و من هنا لو جاء بعبد عليه عمامة

ج 35، ص: 20

و قال: «هذا العبد لزيد» كانت العمامة له أيضا، و لو جاء بدابة عليها سرج و قال:

«هذه الدابة لزيد» لم يكن السرج له.

لكن قد يناقش بأن دخول ما على العبد حينئذ من جهة اليد لا من جهة الإقرار، و مع ذلك فالسيد المقر له لا يدله على العبد، و انما اليد عليه للمقر فإذا أقر ببعض ما تحت يده لا يسري الإقرار لغيره، بل في المسالك «هذا كله أوجه».

و مما ذكر يظهر لك ما في تردد الفاضل في القواعد في دخول السرج و الفراش لو قال: «دابة مسرجة» و «دار مفروشة» لأنها إذا سلمها بغير الوصف لم تكن المقر بها، فهي كما لو قال: «عبد عليه عمامة» إذ قد عرفت أنه لا منافاة بين التصريح بكون الوصف له و كون الموصوف للمقر له، اللهم إلا أن يدعى فهم العرف مع عدم التصريح بتبعية الإقرار بالصفة للإقرار بالموصوف.

و لعل جعل المدار على العرف في جميع ما تقدم أولى من الاطناب حتى فيما حكوا الاتفاق عليه، ضرورة معلومية عدم التعبد في أمثال هذه المسائل، و هو مختلف باختلاف الأمكنة و الأزمنة و الأحوال.

و لعل من ذلك «له علي ألف في هذا الكيس» و لم يكن في الكيس شي ء، فإنه يلزمه الألف، لأن «علي» يقتضي ذلك، و لا أثر لقوله: «في هذا الكيس» المقتضي لرفع الإقرار، بل الظاهر وجوب الإتمام لو كان ناقصا.

بل الظاهر ذلك حتى لو قال: «الألف الذي في الكيس» و إن جزم في القواعد و محكي التحرير بعدم إلزامه بالإتمام، و فيهما أيضا أنه لو لم يكن فيه شي ء ففي لزوم الألف وجهان.

لكن قد يقال: إن قوله «علي» ينافي ذلك كله، فيؤخذ به و لا يلتفت إلى غيره مما ينافيه، كما عن التذكرة، و أولى من ذلك الرجوع فيه إلى العرف، و مع الشك فالأصل البراءة.

ج 35، ص: 21

و لعله إلى ما أشرنا من الرجوع إلى العرف مبنى النصوص فيمن أوصى بصندوق و فيه مال، فقال الورثة: إنما لك الصندوق، ف

قال الصادق عليه السلام: «الصندوق و ما فيه له»(1)

و فيمن أوصى لرجل بسيف و كان في جفن و عليه حلية، فقال الورثة:

إنما لك النصل، ف

قال الرضا عليه السلام: «لا بل السيف بما فيه له»(2)

و فيمن أوصى بالسفينة و لم يسم ما فيها و فيها طعام، ف

قال الصادق عليه السلام: «هي للذي أوصى له بها، إلا أن يكون متهما، و ليس للورثة شي ء»(3)

و الله العالم.

و لو عطف ببل فان كانا مطلقين مختلفين أو معينين لم يقبل إضرابه، و الزم بهما،

لعموم «إقرار العقلاء»(4)

و قاعدة عدم سماع الإنكار بعد الإقرار بعد أن كان كل منهما غير الآخر و لا يدخل فيه. ف لو قال: له علي قفيز حنطة مثلا بل قفيز شعير لزمه القفيزان و كذا لو قال: له هذا الثوب بل هذا الثوب أو هذا الدرهم بل هذا الدرهم بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ و الحلي و الفاضلين و الشهيدين و الكركي و غيرهم.

نعم عن أبي علي أنه أوجب ما بعد (ها خ) بل في المختلفين دون ما قبلها، و كأنه مال إليه بعض متأخري المتأخرين، و لعله لمعلومية كونها للإضراب من غير نكير، و لأن الإنسان قد يسهو و قد يغلط فيستدرك ببل، مضافا إلى أصل البراءة.

و دعوى انسداد باب الإقرار بالأخذ بذلك لجريان نحو ذلك في أكثر الإقرارات ممنوعة، ضرورة كون المدار على ما يقتضيه القانون العربي و تقتضيه قاعدة عدم اعتبار معنى الكلام إلا بعد تمامه، كما في

صحيح هشام (5)عن أبي


1- 1 الوسائل الباب- 58- من كتاب الوصايا الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 57- من كتاب الوصايا الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 59- من كتاب الوصايا الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب آداب القاضي الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 35، ص: 22

عبد الله عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يأخذ بأول الكلام دون آخره»

و دعوى تمامه قبل ذكر بل واضحة الفساد، ضرورة كون المراد من الكلام مجموع ما يتكلم به المتكلم في ذلك الأمر، و لا بأس بإلزام ذلك، حتى لو قال: «هذا الشي ء لزيد، بل لعمرو» فيحكم به حينئذ للأخير منهما مع اتصال الكلام و إن لم يحك فيه خلاف فضلا عن التزامه في المعنيين اللذين هما في الحقيقة كالمختلفين باعتبار التشخيص.

لكن مع ذلك كله قد يقال: بعدم صلاحية جميع ما سمعت، لمعارضة قاعدة إقرار العقلاء و قاعدة عدم سماع الإنكار بعد الإقرار، خصوصا بعد عدم الخلاف في العمل بهما في الفرض إلا ممن عرفت، و ليس العطف ببل من مكملات الكلام و متمماته كالاستثناء و نحوه، نعم لو دلت قرائن الأحوال على صدور ذلك منه غلطا عمل عليه و حكم بالثاني، كما هو واضح.

أما لو كانا مطلقين و كان أحدهما أكثر لزمه الأكثر بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل و لا إشكال بناء على ما عرفت. ف لو قال: له قفيز بل قفيزان لزمه القفيزان حسب دون الثلاثة و إن حكى عن زفر و داود، لكنه واضح الضعف، ضرورة ظهور اللفظ في إرادة دخول الأقل في الأكثر لا أقل من الشك، و الأصل براءة الذمة عما زاد عن الاثنين، و كذا لو عكس و قال «له قفيزان بل قفيز» لدخول الأقل فيه على كل حال.

و لو قال: «له دينار بل ديناران بل ثلاثة» لزمه الثلاثة، و هكذا، و لو قال:

«دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان» لزمه ديناران و قفيزان، و لو قال:

«دينار و ديناران بل قفيز و قفيزان» لزمه ثلاثة دنانير و ثلاثة أقفزة و هكذا، لما عرفت.

و إن لم يكن أحدهما أكثر لم يلزمه إلا أحدهما ف لو قال: له علي درهم بل درهم لزمه واحد للأصل بعد احتمال إرادته من الثاني عين

ج 35، ص: 23

الأول- بمعنى أنه أضرب ليستدرك، فذكر أنه ليس عليه إلا ذلك، فأعاد الأول و لم يستدرك- احتمالا مساويا لإرادة درهم آخر غير الأول.

لكن في قواعد الفاضل احتمال لزوم الاثنين، بل كأنه مال إليه الكركي في جامعه، بل في الإيضاح هو الأصح، لأن «بل» للاستدراك و الإنكار و الاعتراف، و تواردهما على محل واحد محال، فتعين التغاير، و الإنكار لا يقبل.

و محصله أن شرط صحة استعمال «بل» مغايرة ما قبلها لما بعدها، فكما لا يصح أن يقال: «جاء رجل بل رجل» إلا بتأويل أن أحد الرجلين غير الآخر فكذا لا يصح «له درهم بل درهم» إلا بتأويل أن الأول غير الآخر، و إلا كان الإضراب لاغيا.

و فيه منع تعين التأويل المزبور على وجه يترتب عليه الحكم بالإقرار بهما، لإمكان التأويل الذي ذكرناه و إن خرجت به عن الإضراب، و الأصل براءة الذمة، بل و لو مع التزام غلطية هذا الاستعمال.

و لو كان أحدهما معينا و الآخر مطلقا فان اتحدا قدرا و وصفا حمل المطلق على المعين، سواء تقدم أو تأخر، كما لو قال: «له درهم بل هذا الدرهم» أو «هذا الدرهم بل درهم» و إنما جمع بينهما لصدق المغايرة مع عدم المنافاة، إذ يصح أن يقال: «له درهم» يحتمل كونه هذا و غيره، بل هو هذا الدرهم لكن يتعين الوصف الزائد في أحدهما، و هو المتعين، فتعين المعين.

و إن اختلفا و كان المعين هو الأقل تعين إكمال المقربة بالمعين لزوما و بغيره تخييرا، كما إذا قال: «له هذا القفيز بل قفيزان» فيلزمه المعين مع أحد ما شاء منهما، و لو عكس فقال: «له قفيزان بل هذا القفيز» ففي المسالك «دخل المطلق و لم يتغير حكم الأكثر» و فيه منع التفاوت بينهما بل قد يقال بعدم دخول المطلق في جميع الصور، فيلزم بالمعين و بغيره مما هو مصداق للمطلق، بل يمكن دعوى ظهور اللفظ في ذلك، مضافا إلى قاعدة الإضراب و غيرها، بل لعل هذا أولى مما سمعته من الإيضاح في المطلقين.

ج 35، ص: 24

نعم لو جمع بين المختلفين كمية و تعيينا كما لو قال: «له هذا القفيز من الحنطة بل هذان القفيزان من الشعير» فأولى بعدم التداخل، و يلزمه الثلاثة، هذا مع تقدم الإثبات على «بل».

أما إذا تقدم النفي كما إذا قال: «ماله علي درهم بل درهمان» أو «ماله هذا الدرهم بل هذا» أو «هذان» أو «ماله علي درهم بل درهم» فالمتقدم منفي على أصله، و الثابت ما بعد «بل» على أنه لو عطف بلكن لزمه ما بعدها، إذ لا يعطف بها في الإقرار على وجه يكون ما بعدها إقرارا إلا بعد النفي، لوجوب مغايرة ما قبلها لما بعدها نفيا و إثباتا، و إلا فقد يعطف بها بعد النهي لكن لا بحيث يكون ما بعدها إقرارا، و عن بعض النحويين جواز العطف بها بعد الإيجاب.

و لو قال: «له عشرة لا بل تسعة» لزمه عشرة بلا خلاف بين من تعرض له، و لكن يأتي فيه احتمال لزومهما معا له.

و لو أقر لميت بمال صح بلا خلاف و لا إشكال و وجب دفعه إلى وارثه، فلو قال: لا وارث له غير هذا الزم التسليم إليه إن كان دينا بلا خلاف و لا إشكال

لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم»(1)

مع عدم ضرر على الغير بعد أن يظهر لكون المال في ذمته و المال المدفوع عوضا عنه ماله، و لا يتعين إلا بقبض المستحق أو وكيله.

بل ظاهر المصنف و الإرشاد و وكالة القواعد إلزامه بالتسليم في العين أيضا، بل هو صريح المحكي عن المبسوط و الجامع و التذكرة و غيرهم، بل في مجمع البرهان أنه المشهور، بل في التحرير الإجماع عليه، لأنه بمنزلة إقراره بأن هذا لهذا ابتداء، و لأنه مخاطب بإيصال الحق إلى أهله، فيلزم بما هو تكليفه، لأن المال في يده.

خلافا للفخر و الكركي و ثاني الشهيدين، فلا يلزم بالتسليم إلا بعد البحث الذي يحصل معه اليأس من الوارث، لأنه بعد أن أقر بكونه للميت كان إقراره بأن


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 25

لا وارث له غير هذا إقرارا في حق الغير، فلا يلزم بالتسليم المقتضى للتغرير بعين المال لو ظهر بعد ذلك وارث، بخلاف الدين الذي لا تغرير فيه، لكونه باقيا في الذمة على كل حال.

نعم لو أراد تسليمها إليه لم يمنع لعدم المنازع الان، فان ظهر وارث آخر طالب بحقه، فان بقيت العين رجع إليها، و إلا تخير في مطالبة من شاء منهما بالمثل أو القيمة.

و نوقش بأنه متى جاز وجب كما أنه متى لم يلزم لكونه إقرارا في حق الغير لم يجز له التسليم، فلا معنى لعدم المنع من التسليم مع عدم الإلزام، و قد تقدم تحقيق المسألة في كتاب الوكالة، فلاحظ و تأمل.

لكن في المسالك هنا «أن مقتضى إطلاق المصنف هنا إلزامه بالتسليم حتى لو علم أن الوارث غيره أو معه- و وجهه- بأن الإقرار وقع جملة واحدة لازمها أن المال لهذا المعين المشار إليه، فيلزم بالتسليم إليه، و لا يلتفت إلى الاحتمال، كما لا يجب علينا البحث في سبب الملك مع احتمال كونه غير صحيح- ثم ضعفه- بأنه مع العلم بوجود وارث للميت غيره أو معه يكون تعيينه الثاني منافيا لإقراره به للميت المسموع، فلا يسمع بل يحكم به لوارثه كيف كان».

و فيه مالا يخفى من أنه لا وجه لإلزام الحاكم له بدفع مال إلى غير صاحبه، بل عليه منعه منه لو فعل، و الإقرار بعد فرض العلم بفساده لا يقتضي ذلك، كما هو واضح. و المنساق من عبارة المصنف و ما شابهها مع عدم العلم بالحال، و تمام الكلام في المسألة في كتاب الوكالة، و الله العالم.

و لو قال: له علي ألف إذا جاء رأس الشهر لزمه الألف، و كذا لو قال:

إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف لعدم الفرق بينهما في المعنى، فان الشرط و إن تأخر لفظا فهو متقدم معنى، و حينئذ فهما سواء في إفادة الالتزام بذلك إذا جاء رأس الشهر إذا لم يعلم منه إرادة الالتزام بهذا اللفظ المخصوص الذي ليس هو من الملزمات الشرعية، بناء على عدم وجوب الوفاء بالوعد، و إلا كان إخبارا منه

ج 35، ص: 26

بالتزامه له بذلك عند رأس الشهر بملزم شرعي غير اللفظ المزبور، فيندرج في

قوله صلى الله عليه و آله (1): «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»

و في «أن المرء مصدق على نفسه»(2)

بعد أن كان في الأسباب الشرعية ما يلزم على هذا النحو كالنذر و نحوه.

و هو معنى صحيح، سواء جعلته من الإقرار بالمعلق على معنى الإقرار بموجب السبب الذي شرع فيه التعليق، أو جعلته من الإقرار المعلق، بناء على صحته بالنسبة إلى المستقبل، لأن الخبر عما وقع لا يقبل التعليق، لا الخبر بالمستقبل، ضرورة معلومية صحة الإخبار بأن زيدا يضرب عمرا غدا إن ضربه مثلا، كضرورة معلومية دلالة الصيغة المخصوصة في المقام على التزامه بذلك عند رأس الشهر على وجه لا يتوقف بعد على شي ء آخر من تجديد سبب و نحوه، فيجب حملها عليه إلا إذا علم إرادة الوعد به.

و من هنا صح للمصنف إطلاق الالتزام بذلك، بل في المسالك حكايته عن جماعة و إن

كنا لم نتحققه من أحد سوى الفاضل في التبصرة، حيث قال: «و لو قال: إذا جاء رأس الشهر فله على ألفا و بالعكس لزمه ألف، بخلاف إن قدم زيد» مع أنه غير ظاهر في تمام الموافقة للمصنف، إذ لا يخفى عليك بناء على ما ذكرنا عدم الفرق بين التعليق على رأس الشهر أو على قدوم زيد، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع.

و أما اعتبار السبق في الإقرار فقد عرفت الكلام فيه سابقا، و أنه لا دليل عليه، بل ظاهر الإطلاق خلافه، خصوصا

قوله عليه السلام(3): «المؤمن أصدق


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 1 و فيه « المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنا عليه».
3- 3 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 1.

ج 35، ص: 27

على نفسه من سبعين مؤمنا».

و منه يعلم فساد ما في المسالك من «أن العبارة المقتضية للإقرار بالحق المؤخر قد تكون صريحة في التعليق، كما إذا علقه بشرط لا يطابق الأجل الشرعي، كقوله: «إن قدم زيد» و نحوه، و هذا لا إشكال في فساده، و قد تكون صريحا في التأجيل، كقوله: «له ألف مؤجلة إلى شهر» و لا إشكال في لزوم أصل المال، و إنما

الإشكال في قبول الأجل، و قد تكون محتملة للتعليق و التأجيل، كقوله:

«له ألف إذا جاء رأس الشهر» و الخلاف فيه في موضعين: أحدهما في أصل الصحة و الثاني على تقدير الصحة في ثبوت الأجل و عدمه» لما عرفت من عدم انحصار وجه الصحة في التأجيل الشرعي.

كما أن منه يعلم فساد ما فيها أيضا من تحرير أصل المسألة، حيث قال في الفرض و نحوه من التعليق على الأجل: «إن علم من قصده إرادة التعليق فلا شبهة في بطلان الإقرار، لما تقدم من أن الإقرار يلزمه التنجيز، لأنه إخبار عن أمر واقع، فلا يجامع اشتراط وقوعه بأمر مستقبل، لأن الواقع لا يعلق بشرط، و إن قصد التأجيل صح إقراره، و إن أطلق و لم يعلم منه إرادة أحد الأمرين فظاهر المصنف و جماعة حمله على المعنى الثاني، لأنه ظاهر فيه، و حملا للكلام على الوجه الصحيح ما أمكن حمله عليه، و يحتمل قويا الرجوع إليه في قصده، و قبول قوله فيه مطلقا أو مع اليمين إن ادعى المقر له خلاف ما ادعى قصده، لاحتمال اللفظ للمعنيين، و كما أن حمله على التأجيل يفيد حكما شرعيا فكذا حمله على التعليق، لأن البطلان أيضا حكم شرعي، و الأصل براءة الذمة من التزام شي ء بدون اليقين و الظهور، و هو منتف هنا، لاشتراك اللفظ بين المعنيين، و فصل بعضهم فقال: إن قدم الشرط فقال: «إن جاء رأس الشهر فعلى كذا» كان إقرارا معلقا فيبطل، و إن أخره كان إقرارا بمؤجل، و الفرق أنه إذا بدا بالشرط لم يكن مقرا بالحق، و إنما علقه على الشرط، بخلاف ما إذا أخره، فإنه يكون قد أقر بالألف أولا، فإذا قال: إذا جاء رأس الشهر احتمل أن يريد به محلها و وجوب تسليمها، و أن يريد به الآخر، فلا

ج 35، ص: 28

يحمل على الثاني حذرا من تعقيبه الإقرار بالمنافي، بل على الأول، لعدم المنافاة».

قلت: و إليه أشار المصنف بقوله و منهم من فرق و ليس شيئا إلا أنى لم أجده لأحد من أصحابنا ممن تقدم عليه، نعم هو المشهور من أقوال الشافعية، بل و من تأخر عنه إلا الفاضل في التحرير، فقال عند بيان بطلان الإقرار بالتعليق «و كذا إن قال: إن قدم زيد أو رضى فلان أو شهد، أو إذا جاء رأس الشهر فلك على كذا، و لو قال: لك على كذا إذا جاء رأس الشهر لزمه».

و فيه مالا يخفى من أنه لا فرق في اللغة و العرف بين تقدم الشرط و تأخره، و أن الشرط و إن تأخر لفظا فهو متقدم معنى و له صدر الكلام، مضافا إلى ما عرفت مما ذكرناه من وجه المسألة الذي لا يتفاوت فيه بين التقديم و التأخير.

و منه يعلم وجه النظر في كلام جميع من تعرض للمسألة كالفاضل في القواعد و غيرها، و الشهيد و الكركي و الأردبيلي و غيرهم حتى الشيخ في المحكي عن مبسوطة، حيث بنوا المسألة على عدم ظهور في اللفظ على كونه تعليقا فيبطل، أو تأجيلا فيصح، و لم يلتفتوا إلى الصحة و إن لم يكن تأجيلا، لأن في الشرع أسبابا تشرع الالتزام معلقا و قد أخبر بها، و هو مصدق على نفسه، بل لا يكاد يفهم التأجيل من حاق اللفظ المزبور، ضرورة ظهوره في تعليق الملك عليه و أصل الاستحقاق لا أنه قد ملك عليه و لكن أداؤه يستحق عند رأس الشهر، و لو فرض انحصار وجه الصحة في التأجيل كان الجزم بالبطلان حينئذ متجها لظهور اللفظ في تعليق أصل الاستحقاق دونه، كما يحكى عن ثاني الشهيدين في تمهيد القواعد.

بل مما ذكرنا يعلم النظر فيما أطال فيه بعض المتأخرين هنا من أنه على تقدير الصحة و لزوم الألف هل تكون حالة كما عن أبي على و المبسوط و السرائر و جامع الشرائع و الإرشاد و شرحه و الإيضاح، بل عن التذكرة نسبته إلى أكثر علمائنا، لتوقف التأجيل على ما يقتضي الأصل خلافه، أو لا تلزم إلا إلى الأجل؟

ج 35، ص: 29

كما عن الشيخ في أحد قوليه و القاضي و المصنف جزما أو ظاهرا، و الفاضل في التذكرة و التحرير و المختلف و جامع المقاصد و المسالك و مجمع البرهان و الكفاية، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر.

و في جامع المقاصد أن عليه الفتوى، لأنه إقرار بهما باعتبار كون التأجيل حقه، فهو نحو قوله: «دراهم طبرية» مثلا، إذ الكلام لم يقع منه إلا جملة واحدة، فلا يحكم عليه بشي ء منه إلا بعد تمامه الذي هو التأجيل هنا، بل لولا ذلك لانسد باب الإقرار بالمؤجل، بل ربما أدى ذلك إلى إنكار أصل الحق المؤجل مخافة الالتزام بالحلول إذا أقر به، إلى غير ذلك مما أطالوا به في الاستدلال على ذلك هنا، و ذلك كله مبنى على انحصار وجه الصحة في التأجيل.

أما على ما ذكرناه فلا وقع لشي ء من ذلك، ضرورة أنه اعترف بأصل الاستحقاق عليه عند رأس الشهر، و في الشرع من الأسباب ما تشرع ذلك كذلك، و لا يؤخذ بأزيد مما أقربه، لأن الأصل البراءة، نعم يتجه الالتزام بالحلول بناء على إرادة التأجيل من ذلك، لأنه ليس في الشرع من الأسباب ما يقتضي التأجيل بغير الشرط الذي هو مخالف للأصل إلا في عقل الدية، فمع فرض عدم احتماله يتجه الالتزام بالحلول، و ربما تسمع لذلك تتمة إنشاء الله عند البحث في تعقيب الإقرار بما ينافيه.

و بذلك كله ظهر لك التحقيق في أصل المسألة، و أن الصواب إطلاق عبارة المصنف بعد جعل رأس الشهر فيها من باب المثال لكل تعليق و إن لم يكن من الآجال الشرعية.

كما أنه يظهر لك التحقيق في مسألة التأجيل و أنه دعوى من المقر الذي اعترف بوجود الحق في ذمته للمقر به إلا إذا احتمل وجود سبب شرع فيه التأجيل من غير اشتراط، كقتل الخطأ الموجب للدية على العاقلة مؤجلة، فلا يحكم عليه حينئذ بالحلول، لاحتمال كون ما أقر به من ذلك، و لو صرح به كان أولى بالقبول قطعا، كما اعترف به الفاضل.

ج 35، ص: 30

لكن في الدروس «و لو أسند الأجل إلى عمل العقد فالقبول أظهر، و منهم من قطع به، و هو ضعيف لأنا نأخذ بأول كلامه، و هو «له علي ألف» و الباقي مناف، فان سمع مع الاتصال فلا فرق بينه و بين غيره، و إلا يسمع فكذلك».

و فيه أنه إنما لم نسمعه مع الاتصال في غيره لتضمنه دعوى الشرطية و نحوها مما هو خلاف الأصل بخلافه كما أشرنا إليه سابقا.

و كذا ما فيها أيضا في أصل المسألة «و لو قال: «له علي ألف مؤجل» فهو كقوله: «له علي ألف إذا جاء رأس الشهر» إذا نوى به الأجل فليقبل فيهما على قول قوى، لئلا ينسد باب الإقرار بالمؤجل، نعم لو أسند الأجل إلى الفرض لم يقبل إلا أن يدعى تأجيله بعقد لازم» إذ لا يخفى عليك أن انسداد باب الإقرار بالمؤجل لا يقتضي ثبوته فيه و إن كان مدعيا بالنسبة إلى غيره، كدعوى تأجيل الفرض بعقد لازم المعلوم عدم سماعها فيه بدون بينة، كما هو واضح، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو قال المالك للعبد مثلا بعتك أباك فأنكر الولد أصل الشراء كان القول قوله في ذلك بيمينه، للقاعدة المعلومة فإذا حلف الولد أسقطت دعوى الشراء عليه.

و لكن على كل حال انعتق المملوك بإقرار سيده على أنه باعه من ابنه و إن لم يحلف الولد، نعم إن حلف لم يلزمه الثمن و لا غيره مما يترتب على المشتري، و هو واضح. كوضوح عدم الولاء لكل منهما عليه، لأنه قد اعترف بأن انعتاقه كان بسبب ملك الولد له، فلا ولاء له عليه، و الفرض أن الولد قد أنكر شراءه، فلا يكون له ولاء عليه، و قد تقدم الكلام سابقا في هذه المسألة و جملة من فروعها المتعلقة باعتراف العبد معهما بالشراء و عدمه و غيره.

و لو قال: ملكت هذه الدار من فلان أو غصبتها منه أو قبضتها منه كان إقرارا له بالدار بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له و لا إشكال، إلا ما يحكى

ج 35، ص: 31

عن التذكرة من الحكم بذلك في الأول على إشكال و لا ريب في ضعفه، ضرورة ظهور العبارة في انتقال الملك منه إليه، كظهور الأخيرين في كونها في يده.

نعم هو ليس كذلك لو قال: تملكتها على يده، لأنه يحتمل المعونة بسبب السعي في حصول الائتلاف و الاتفاق على المعاملة، و يحتمل إرادة إطلاقه أو شهادته على ذلك و غيرهما مما لا يقتضي إقرارا بملك أو يد مستلزمة له احتمالا مساويا لاحتمال إرادة التمليك منه، بل قد يدعى ظهوره في الأول كما هو واضح.

و لو قال: كان لفلان علي ألف لزمه الإقرار بها بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كالشيخ و الفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين و الأردبيلي، إلا ما يحكى عن يحيى بن سعيد، فلم يجعله إقرارا و الشافعي في أحد قوليه، و لا ريب في ضعفه، لا لأن كان لا تدل على الزوال لغة، لقوله تعالى (1)«وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً»* و غيره كما في المسالك و غيرها كي يناقش بظهورها عرفا في ذلك أو لغة أيضا، بل لدلالتهما على ثبوت الحق في ذمته، و إن سلم أيضا أنها دلت على زواله، فهو كقوله: «قضيت دينك» و نحوه ممن يكون مقرا بالحق و مدعيا سقوطه.

و لعله إلى هذا أشار المصنف في تعليله الحكم بأنه (2)إخبار عن تقدم الاستحقاق، فلا تقبل دعواه في السقوط أي المستفادة من قوله: «كان» أو صرح بها و لو متصلة بذلك، و عدم سماع الدعوى من المدعى لو ادعى بمثل هذا اللفظ- لعدم ظهوره في الاستحقاق الفعلي، أو ظهوره في العدم- لا ينافي جعله إقرارا من المقر، فما عن المبسوط- من احتمال العدم لذلك- واضح الضعف، و من هنا جعل الأقوى خلافه.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 17 و 92 و 104 و 111 و 170.
2- 2 و في الشرائع: «لأنه إخبار».

ج 35، ص: 32

[المقصد الثاني في الأقارير المبهمة]
اشاره

المقصد الثاني في الأقارير المبهمة:

و فيها مسائل:

[المسألة الأولى إذا قال له علي مال صح و ألزم التفسير]

الاولى: لا خلاف في صحة الإقرار بالمبهم و لو لفظ «شي ء» كما عن الشيخ في مبسوطة الاعتراف به، بل لعل ظاهره نفيه بين المسلمين، و في محكي التذكرة الإجماع عليه، لعموم أدلة الإقرار الذي هو إخبار يقبل الاجمال و التفصيل، مؤيدا بأن الحاجة قد تدعو إليه، و ربما كان في ذمته ما لم يعلم قدره، و لا بد له من التخلص منه، فيقر به، فيقع بعد الصلح، بخلاف غالب أفراد الإنشاء الذي لا ضرورة فيه إلى تحمل الجهالة و الغرر مع كونه هو السبب الموجب لثبوت الحق، و على كل حال فمن ذلك و غيره قلنا بسماع الدعوى المجهولة و إن لم تكن في دعوى الإقرار به، خلافا لجماعة كما أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب القضاء، فلاحظ و تأمل.

و حينئذ ف إذا قال: له علي مال صح لما عرفت و الزم التفسير بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال إذا كان المراد منه ما يشمل الإلزام بدفع أقل

ج 35، ص: 33

ما يصدق عليه فان امتنع مع قدرته عليه حبس وفاقا للمشهور فيه و في ترك المدعى عليه جواب المدعي الذي قد أشبعنا الكلام فيه في كتاب القضاء على وجه يعلم منه ضعف القول بعدم حبسه.

بل يقول له الحاكم: إن لم تفسر جعلتك ناكلا، فإن أصر حلف المقر له الذي لا يتم هنا إلا في صورة الدعوى، لا الإقرار ابتداء بحيث لم يعلم المقر له الحق إلا من إقراره، و غير ذلك مما قيل فيه من استعمال مراتب الأمر بالمعروف فيه، فلا حظ و تأمل لتعرف تحقيق المقام مما هناك، إذ لا فرق في الظاهر.

و لو مات قبل التفسير ففي التحرير و الدروس فسر الوارث و في القواعد و عن غيرها «طولب الورثة إن خلف تركة» و الشرط مراد الأولين قطعا، ضرورة عدم وجوب القضاء إذا لم تكن تركة قطعا.

كضرورة مطالبته بالتعيين مع علمه، و إلا فلو قال: «لا أعلم» كان القول قوله بيمينه إذا طلبه المقر له، ثم يسلم المدعي أقل ما يتمول، و لا يسلم إليه ما يدعيه المدعى بيمينه، إذ لا يمين على المدعى إلا مع الرد المفقود في المقام.

فما عن التحرير و الدروس- من أنه لو قال المقر: «لا أعلم» أو قال المقر:

«أنسيت» أمكن قبول تعيين المدعى بيمينه- لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرناه في كتاب القضاء من انحصار طريق ثبوت الحق للمدعي في مثله بالبينة.

و كيف كان فمطالبة الوارث بالتعيين مع دعوى العلم عليه لانتقال التركة إليه، لا حق الإقرار الذي لا يورث، كما هو واضح.

و لو ادعى المقر له على الوارث بل و المقر أنه أراد بالمال خلاف ما فسره به توجه له اليمين، و لكن يمين الوارث على نفى العلم، و قد يتوهم من عبارة القواعد عدم سماع الدعوى إذا كانت على المقر، لأنه أدرى بما أراد، و فيه مالا يخفى من

ج 35، ص: 34

أنه يقتضي تصديقه بيمينه لا عدم سماع الدعوى عليه، و الله العالم.

و كيف كان فان فسر بما يتمول مما هو مصداق له قبل و لو كان قليلا بلا خلاف أجده فيه، كما عن المبسوط الاعتراف به، بل عن التذكرة الإجماع عليه، بل و لا إشكال للصدق.

نعم لو فسره بما لم تجر العادة بتموله كقشر الجوزة أو اللوزة و نحوه لم يقبل لعدم صدق المال عليه فضلا عن انصراف إطلاقه إليه على وجه يثبت في الذمة من غير خلاف أجده في شي ء من ذلك، إلا من الفاضل في المحكي عن تذكرته، فقبله، لأن المال أعم من غير المتمول، إذ كل غير متمول مال و لا ينعكس.

و رده في المسالك و غيرها بأنه و إن دخل فيه إلا ان قوله «علي» يقتضي ثبوت شي ء في الذمة، و ما لا يتمول لا يثبت في الذمة و إن حرم غصبه و وجب رده.

و فيه أن ما لم تجر العادة بتموله إذا اتفق تموله كان مالا، و يثبت في الذمة بل ينبغي القطع به في مثل حبة الشعير و الحنطة و نحوهما مما ذكروه مثالا أيضا لغير المتمول مما هي مال و متمولة عرفا، و إلا فلو فرض عنده جملة من الحب فأتلفها جماعة كل واحد منهم حبة أو أتلف واحد منهم الجميع حبة حبة لم يكن إشكال في ضمانهم، و التسامح في الحبة أو في جزء منها لقلتها لا لعدم ماليتها.

و لعل مراد المصنف بغير المتمول هو الذي لم تجر العادة بتموله و جعله من المال و الاستيلاء عليه، بل إن اتفق ملكه له تبعا أعرض عنه، فلا يقبل تفسير المال المقر به بذلك، بل لعل الجزء اليسير من المال كذلك، فتأمل و الله العالم.

و كذا لا يقبل لو فسر المسلم لاخر مثله بما لا يملكه و لا ينتفع به كالخمر التي ليست بمحترمة و الخنزير و جلد الميتة، لأنه لا يعد شي ء منها مالا عرفا و لا شرعا فضلا عن ثبوتهما في ذمة له، فما في حاشية

ج 35، ص: 35

الكركي- من أن في إقرار المسلم للمسلم بالخمر إشكال، أقربه عدم القبول- لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يريد الخمر المحترمة، و فيه أن احترامها يمنع من غصبها منه و إتلافها عليه، لا أنه يجعلها مالا له على وجه يضمنها بالإتلاف أو يملكها المسلم بحيث له بيعها و شراؤها، ضرورة كون المستفاد من أدلة الخمر و الميتة و الخنزير خلاف ذلك، و أنها لا تدخل في ملك المسلم أبدا.

و ما يقال من أن كل خل مسبوق بالخمرية مع أنه غير مسلم لا يقتضي ملكيته لها على الوجه المزبور، بل أقصاه خروجها حينئذ عن ملكه، و لكن تبقى محترمة ثم تدخل في ملكه بالخلية باعتبار يده و استيلائه.

و كيف كان فإذا فسر بها أو بالخنزير المال للذمي فقد صرح غير واحد بالقبول، و أنه يضمن له القيمة، لكن قد يشكل بأنه ليس مالا في الواقع و إن اعتقده المقر له، و لذا أطلق المصنف عدم القبول من المسلم إذا أقر بهما الذمي.

و في الدروس «لو أقر به للمستحل فالأقرب الصحة، و يشكل بأنه لا يعد مالا شرعا، و لا عبرة باعتقاد المقر له، لفساده و لا يرده الإقرار بالخمر و لا الخنزير للذمي، لأنه يقر في شرع الإسلام على اعتقاده فيهما إذا لم يتظاهر، نعم لو فسره بجلد الميتة بعد الدبغ و كان المقر له ممن يعتقد طهارته لم يبعد القبول لأنه من جملة أمواله» و إن كان ما فيها من الفرق بينهما و بين جلد الميتة لا يخلو من نظر، ضرورة اشتراك الجميع في عدم المالية واقعا، فتأمل جيدا.

و كذا لا يقبل لو فسره بما ينتفع به و لا يملك كالسرجين النجس و الكلب العقور لعدم كونهما مالا أما لو فسره بكلب الصيد أو الماشية أو كلب الزرع قبل لأنها مال بناء على جواز بيعها، بل في المسالك «و كذا الجر و القابل للتعليم» و فيه نظر.

و لو فسره برد السلام لم يقبل لا لأنه لم تجر العادة بالاخبار عن ثبوت مثله في الذمة بل لأنه ليس مالا لغة و عرفا، و نحوه حد القذف و ما شابهه

ج 35، ص: 36

من الحقوق التي لا تندرج في إطلاق المال.

و لو فسره بالمستولدة له قبل، كما جزم به الفاضل، بل عن مجمع البرهان لا ينبغي النزاع فيه، لأنها مملوكة و مال و شي ء، فيصح الإقرار بها، و أشكله الكركي بأن «الاستيلاد حق مشترك بينهما و بين الله تعالى، و قبول التفسير لها يقتضي إبطاله- ثم قال-: و احتمل في الدروس اعتبار تصديقها و الاستفسار، و فيه قوة».

و فيه أن أقصى ذلك عدم إبطال حق الاستيلاد بالإقرار، فلا يسلمها حينئذ إلى المقر له و لكن يغرم المقر قيمة الولد و المنافع و قيمتها للمقر له من حين الإقرار، لأن الاستيلاد حق الله سبحانه و تعالى، و هو مبنى على التغليب، فان مات الولد قبله سلمت إليها و استعيدت القيمة، بل لو قلنا بتسليمها إلى المقر له، و أنه يغرم المقر قيمة الولد يوم سقط حيا، لأن الممنوع هو التصرف الناقل للملك ابتداء، و الإقرار إخبار عن حق سابق كان تفسير المال بها أولى بالقبول.

و على كل حال فلا وجه للإشكال المزبور، إذ أقصى ما ذكره أن يكون نحو تفسير المال بمال قد دفعه إلى آخر بإقرار منه له، فإنه ليست له القيمة في ذمته، فتأمل جيدا.

ج 35، ص: 37

[المسألة الثانية لو قال له علي شي ء ففسره بجلد الميتة أو السرجين النجس قيل يقبل]

الثانية:

لو قال: له علي شي ء ففسره المسلم بجلد الميتة أو السرجين النجس قيل: يقبل، لأنه ما شي ء يمكن الانتفاع به، و يحرم أخذهما منه، لثبوت الاختصاص فيها، و في المسالك نسبته إلى العلامة في أحد قوليه.

و لو قيل: لا يقبل لأنه لا يثبت شي ء منهما في الذمة كان حسنا بل جزم به غير واحد، بل لم أجد القول بالقبول في الجلد من المسلم العارف لأحد من أصحابنا. بل عن ظاهر المبسوط و التذكرة الإجماع عليه، و عن مجمع البرهان كأنه مجمع عليه، نعم عن أحد وجهي الشافعية القبول، لقبوله الدباغ.

و عن مجمع البرهان «لا يبعد القبول فيه و في الخنزير و الكلب الذي لا منفعة له أصلا إذا كان القائل ممن يعتقد جواز الانتفاع بها، سواء كان كافرا أو مسلما مخالفا أو موافقا جاهلا مع كونه جاهلا بمثله» و فيه أنها قرائن تخرج الفرض عن البحث.

و اما السرجين النجس ففي التذكرة «في التفسير بالكلب المعلم و السرجين إشكال أقربه القبول، لأنها أشياء يثبت فيها الحق و الاختصاص، و يحرم أخذها و يجب ردها» و في الدروس احتمال القبول، و فيه أن ظاهر «له علي» الملك المعلوم عدمه فيه.

و منه يعلم عدم القبول في نظائره مما لا تملك، بل لا يقبل تفسيره بما لا يتمول كحبة الحنطة بناء على عدم ثبوتها في الذمة، و إن قال في المسالك: إنه أولى بالقبول هنا، و حكاه عن التذكرة، لأنه شي ء يحرم أخذه، و على من أخذه رده، ثم حكى عدم القبول لأنه لا قيمة له، فلا يصح التزامه بكلمة «علي» و لهذا لا تصح الدعوى به، و رده

ج 35، ص: 38

بمنع عدم سماع الدعوى به، قال: «و عليه يترتب ثبوته بعلى و إن لم يكن متمولا و هو مناف لصريح كلامه في المسألة السابقة، فلاحظ. على أن سماع الدعوى به لا يقتضي ملكه عليه في الذمة، إذ يمكن دعواه برقه نفسه.

و كيف كان فلا يخفى عليك أن الشي ء أعم من المال، فكل ما عرفت قبول تفسيره به من الكلاب الثلاثة و غيرها فهنا أولى بالقبول، بل احتمل غير واحد قبول تفسيره بحق رد السلام، و إن كان فيه أن مثله لا يملك، و يسقط بالفوات، و خلاف المتعارف في معرض الإقرار.

و احتمل في مجمع البرهان عدم سقوطه بالفوات، فيجب الرد فيما هو واجب، و يستحب في المستحب مع بقاء محله، قال: «و رأيت في كتاب الثوري أنه يصح ممن يرى في حق المسلم، فيحتمل القبول» و لا يخفى عليك ما في هذا الكلام، ككثير من الكلمات في المقام، و الله العالم.

و لو قال مال جليل أو عظيم أو خطير أو جزيل أو نفيس و نحوها من أى مال و غيره قبل تفسيره و لو بالقليل بلا خلاف أجده إلا من أبى علي في العظيم، فجعله كالكثير الذي ستسمع الكلام فيه، لاحتمال إرادة عظم الخطر من الأولين بكفر المستحل و وزر الغاصب و نحوه، و احتمال أن المقر مما يستعظم القليل و يستكثره، و عنده أنه مال نفيس، على أنه ليس لمعنى هذه الألفاظ حد في الشرع و لا في اللغة و لا في العرف، و الناس مختلفة في ذلك، و لوجوب الأخذ في الإقرار بالمتيقن، و مع قيام تلك الاحتمالات و غيرها لا يقين بإرادة غير ما فسره به إلى غير ذلك مما ذكروه في المقام الذي مبناه أن لفظ العظيم و الخطير و نحوهما ليس من الموضوعات اللغوية أو العرفية للعظمة العددية، إذ لا ريب في استعمال العظيم مثلا حقيقة في غير ذلك من الشرف و نحوه. و حينئذ فمعنى العظيم قدر مشترك بين الجميع الذي من أفراده العظمة من حيث العدد.

نعم قد يحصل من قرائن الأحوال و غلبة الاستعمال و نحوهما انسياق في بعض التراكيب نحو «مال عظيم» مثلا لإرادة العدد، إلا أنها قرائن أحوال، و منها

ج 35، ص: 39

حال سكوته عن تفسير العظيم بغير ذلك، فمع فرض ذكر تفسيرها بعد ذلك بما لا مدخلية للعدد فيه قبل، و انكشف به المراد من اللفظ، فكان الانسياق المزبور الذي قلنا: إنه مستفاد من قرائن الأحوال مقيدا بحال عدم التعقيب بالتفسير بغيره.

و من هنا لم يكن ذلك من تعقيب الإقرار بالمنافي، ضرورة عدم كونه من معاني اللفظ حقيقة، بل و لا مجازا، و إنما هو انسياق في حال مخصوص، بل قد يتوقف في الحكم به مع فرض تعذر التفسير بموت و نحوه، و إن كان الظاهر ذلك، و كلامهم لا يأباه، إذ أقصى ما فيه قبول التفسير بغيره لو حصل، فلا ينافي الحكم به حال عدمه، و دعوى وجوب الأخذ بالمتيقن في الإقرار يدفعها معلومية عدمها و أنه يؤخذ بما يدل عليه اللفظ و لو دلالة انسياق على الوجه الذي ذكرنا، بل الظاهر شمول أدلة الإقرار بذلك أيضا، و لعل هذا أقصى ما يوجه به كلامهم، و له شواهد كثيرة.

نعم قد تصل هذه القرائن في بعض التراكيب لشدة غلبة الاستعمال إلى حد تجعله كالمعنى المستفاد من وضع اللفظ بحيث لا يسمع فيه التفسير بعد ذلك بغيره، كما ستعرفه فيما لو قال: «له علي مال أكثر من مال فلان» فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فلا إشكال في اعتبار التمول هنا بناء على اعتباره في المجرد عن العظمة، لما سمعته مكررا من ظهور اللام للتمليك، فالكلام فيه حينئذ كالكلام في ذلك بعد أن قبل تفسيره العظمة مثلا بما لا مدخلية له في المقدار، فيجري فيه احتمال قبول تفسيره هنا بالقليل و إن لم يكن متمولا الذي قد سمعت القول به من الفاضل في التذكرة، كما أنك سمعت كون التحقيق خلافه.

و لو قال: كثير قال الشيخ في المحكي من خلافه و مبسوطة يكون ثمانين و تبعه ابن زهرة و قطب الدين الكيدري و القاضي، بل هو المحكي عن أبي علي، بل قال: إن العظيم كالكثير في العدد المذكور، بل عن الخلاف و الغنية

ج 35، ص: 40

الإجماع عليه، و هو الحجة للقول المزبور.

و رجوعا في تفسير الكثرة إلى رواية النذر(1)المتضمنة للجواب عما نذرته أم المتوكل إذا عوفي ولدها، و حاصله أن من نذر الصدقة بمال كثير لزمه ثمانين درهما، لقوله تعالى (2)«لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ» فإنها عدت فوجدت ثمانين موطنا، بدعوى أن ذلك فيها تحديد لأول مصداق الكثرة أينما وقعت في وصية أو إقرار نحو ما وقع في تحديد الوجه (3)و الركوع (4)و المسافة(5)و غيرها من الألفاظ التي لا نصيب للعرف في تعيين أول مصاديقها، و لذا قال في محكي الخلاف: «إذا قال: أعطوه كثيرا من مالي فإنه يستحق ثمانين على ما رواه أصحابنا في حد الكثرة» لكن في المحكي عن إقراره الاستدلال بالرواية التي تضمنت أن الوصية بالمال الكثير وصية بثمانين، و لذا اعترف ابن إدريس و غيره بعدم وجود هذه الرواية، و قد سمعت ما حكيناه عنه في الوصايا.

و على كل حال فالرواية مرسلة و موردها خاص بالنذر، و إطلاقها في الآية على الثمانين على فرض تسليمها لا يقتضي انحصار أول المصاديق فيها، اللهم إلا أن يراد أن أقصى ما ثبت إطلاقه عليه ذلك لا غير، لكنه أيضا كما ترى.

و عن بعض العامة الموافقة على انحصار الكثير فيما دلت عليه الآية، لكنه جعل العدد اثنين و سبعين مدعيا أن غزواته و سراياه صلى الله عليه و آله كانت كذلك، و في المسالك «أكثر السير على خلاف الأمرين، و الأشهر فيها أن غزواته كانت بضعا


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 و 4 و فيهما الناذر نفس المتوكل.
2- 2 سورة التوبة: 9- الآية 25.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل الباب- 28- من أبواب الركوع من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب صلاة المسافر من كتاب الصلاة.

ج 35، ص: 41

و عشرين، و كذا سراياه ستين، و في كثير منها لم يحصل قتال، و لا يوصف بالنصرة، و بعضها يكون فيها خلافها» قلت: و من ذلك كله يحصل الظن القوى بعدم كون المرسلة المزبورة عن المعصوم عليه السلام.

و ربما خصها بعض الأصحاب بموضع الورود، و هو حسن و أحسن منه عدم العمل بها مطلقا خصوصا مع إجمال المال هنا، فإن أفراد المال جنسا و نوعا مختلفة أشد اختلاف.

و من الغريب بعد ذلك كله ما عن ابن الجنيد من جعل العظيم كالكثير في إفادة العدد المذكور، و المعروف بين الأصحاب- عدا من عرفت- العكس، فيقبل فيها التفسير بأقل ما يتمول، نحو ما سمعته في «عظيم» و «جزيل» و إن كان فيه أيضا ما عرفت، و المتجه الرجوع إلى العرف مع مراعاة الاحتياط في أقل المصداق و إن كان هو مختلفا في بعض الأحوال بالنسبة إلى المقر و المقر له.

و كذا لو قال: مال عظيم جدا كان كقوله: مال عظيم بلا خلاف أجده فيه، ضرورة تبعيته لما سمعته من الاحتمال في العظيم. و لكن في المتن فيه تردد و لعله من ذلك، و من اقتضائه المبالغة في الكثرة المقتضية زيادتها عما دل عليه اللفظ الخالي عنها، فلا يقبل تفسيرهما بأمر واحد، و لا يخفى عليك ما فيه بعد الموافقة على ما سمعته في المجرد عن ذلك، إذ لفظ «جدا» ليس إلا تأكيدا للمعنى المراد من العظيم، و من هنا لم نجد هذا التردد لغيره، كما اعترف به غير واحد.

و لو قال: له علي مال أكثر من مال فلان الزم بقدره و زيادة كما عن الشيخ و يحيى بن سعيد و الشهيدين في الدروس و اللمعة و الروضة و مجمع البرهان، و ظاهرهم عدم قبول التفسير بالكثرة من حيث الاعتبار و إن قيل في لفظ «كثير» و لعله لبعد إرادته هنا من حيث التقييد المزبور.

و لكن الفاضل في التحرير و الإرشاد بعد أن وافق على الحمل على ذلك عند

ج 35، ص: 42

الإطلاق قال: «و لو ادعى عدم إرادة الكثرة في المقدار- بل أن الدين أكثر بقاء من العين، و الحلال أكثر بقاء من الحرام- و قبل قوله حينئذ في التفسير بأقل ما يتمول».

و في القواعد: «و لو قال: أكثر من مال فلان و فسره بأكثر عددا أو قدرا الزم بمثله، و رجع في الزيادة إليه- إلى أن قال-: و لو فسر بالبقاء و المنفعة و البركة و كان أقل في العدد و القدر ففي السماع نظر» و ظاهره أنه مع الإطلاق و عدم التفسير يحمل على كثرة العدد و المقدار.

و في محكي التذكرة القطع بقبول التفسير بأقل ما يتمول و إن كثر مال فلان، قال: «لأنه يحتمل أن يريد به أنه دين لا يتطرق إليه الهلاك، و غير ذلك معرض للهلاك، أو يريد أن مال زيد علي حلال و مال فلان علي حرام، و القليل من الحلال أكثر بركة من الكثير من الحرام- و قال-: و كما أن القدر مبهم في هذا الإقرار فكذلك الجنس و النوع مبهمان، و لو قال: له علي أكثر من مال فلان عددا فالإبهام في الجنس و النوع، و لو قال: له من الذهب أكثر من مال فلان فالإبهام في القدر و النوع، و لو قال: من صحاح الذهب فالقدر وحده، و لو قال: له علي أكثر من مال فلان و فسره بأكثر منه عددا أو قدرا لزمه أكثر منه، و يرجع إليه في تفسير الزيادة و لو حبة أو أقل».

و في المسالك بعد حكاية ذلك عنها «و هذا القول هو الموافق للحكم المتفق عليه في المسائل السابقة، فإن الكثرة و نظائرها إذا لم تحمل عند الإطلاق على كثرة المقدار و اكتفى في نفى الزيادة باحتمال إرادة كثرة الأخطار فكذلك الأكثرية، و دعوى أن كثرة المقدار هي المتبادرة من اللفظ مشتركة بين الموضعين، و لا أقل من قبول تفسيره بما شاء من ذلك لا كما أطلقه المصنف».

و فيه (أولا) إمكان الفرق بين المقام و السابق بالتقييد المزبور الذي تشمئز النفس مما ذكر فيه من الاحتمال، و (ثانيا) أن الموافق للضوابط ما ذكروه هنا، و إن خفي علينا ما ذكروه هناك، فلا ينبغي أن نجري في المقام على ما ذكروه هناك

ج 35، ص: 43

و إن لم يقولوا به هنا مع عدم معرفة وجه الأول.

ثم إن قبول التفسير مع انفصاله بعد فرض ظهور اللفظ في معناه ظهورا كاد أن يلحقه بالتصريح مخالف لقاعدة عدم سماع الإنكار بعد الإقرار التي تسمعها إنشاء الله في البحث عن تعقيب الإقرار بالمنافي.

و من الغريب ما عساه يظهر من التذكرة من كون اللفظ المزبور مبهما و إن لم يذكر تفسيره، ضرورة عدم اقتضاء قبول التفسير ببعض التأويلات المذكورة الإبهام مع عدم ذكرها، و الفرض ظهوره في معناه عرفا، و مثله يجري في الألفاظ السابقة التي إن سلم لهم قبول تفسيرها بما سمعته من الاحتمال، و إن كان منفصلا فلا يسلم لهم دعوى إبهامها لو لم يذكر التفسير، بل يحكم بمقتضاها العرفي مع مراعاة الاحتياط مع عدم التفسير أو تعذره، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في أنه يرجع في تفسير تلك الزيادة إلى المقر لأنها مجهولة، بل عن المبسوط أنه يقبل تفسيرها و لو بحبة حنطة بلا خلاف، بل قد سمعت في التذكرة الاجتزاء بأقل من ذلك، بل في المسالك التصريح بعدم اعتبار التمول فيها، لأنها جزء من المقر به الذي لا يعتبر في أجزائه ذلك، إذ لا بد من انتهائها إلى مالا يتمول، و إنما يشترط التمول في مجموع المقر به فيما إذا قال: «له علي مال».

و منه يعلم الفرق بين المقام و بين الإقرار بالمال الذي قد عرفت اعتبار التمول فيه، و فيه أن المنساق مالية ما يكون به أكثر مستقلا، و لعله لذا اعتبر في جامع المقاصد كونها متمولة، فهو واضح.

و لو قال: كنت أظن أو اعتقد ماله عشرة مثلا قبل ما بنى عليه إقراره إلا أن يعلم كذبه و لو ثبت شرعا أن مال فلان يزيد عن ذلك لأن الإنسان يخبر عن وهمه، و المال قد يخفى على غير صاحبه بل هو الغالب بلا خلاف أجده بين من تعرض له في الحكم و التعليل، مضافا إلى أصلي

ج 35، ص: 44

البراءة و عدم العلم، بل لا فرق بين قوله قبل ذلك: «إنى أعلم مال فلان» و عدمه، لأن علمه مستند إلى ما يظهر له.

و لا يشكل ذلك بواقعية اللفظ و تعبدية الإقرار للعلم بأن طريق الواقع هنا اعتقاده، و المقام مقام إخبار لا إنشاء يكون عنوانه الواقع كيف ما كان، و ليس في لفظه الذي أقر به دلالة على أن معتقده كذا، و حينئذ فاخباره بأن عليه أكثر من مال زيد لا طريق له إلا اعتقاده، كما لا طريق له إلى معرفة اعتقاده إلا إخباره، نعم إن لم يقل إن معتقدي كذا أمكن القول بالعمل بظاهر إقراره الذي هو ظاهر في مطابقة الواقع لمعلومه إذا لم يذكر خلافه، فتأمل جيدا.

و لو علم كذبه في دعواه بأن كان لفلان مال ظاهر أزيد مما ادعاه فلا إشكال في عدم القبول، كما أنه لو شهد بالقدر ثم أقر بالأكثر لم تسمع، و كذا لو أقر بأنه قدر يزيد عما ادعى ظنه، لكن في بعض الكتب أنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يطل، بحيث يتجدد له النسيان و الاشتباه، و فيه أن مقتضى التعبد بالأخذ بإقراره عدم الالتفات إلى احتمال ذلك.

و لو قال: «لي عليك ألف دينار» فقال: «لك علي أكثر من ذلك» لزمه الألف و زيادة، و لو فسر بأكثر فلوسا أو حب حنطة أو حب دخن ففي القواعد الأقرب عدم القبول، و لعله لكونه من تعقيب الإقرار بالمنافي لأن أفعل التفضيل سواء قرن بمن أو أضيف من جنس المفضل عليه حقيقة، فاستعماله في غيره مجاز.

لكن في محكي التذكرة في المثال لم يلزمه أكثر من الألف، بل و لا الألف، لأن لفظة الأكثر مبهمة، لاحتمالها الأكثر في العدد و القدر، فيحتمل أنه أراد أكثر منه فلوسا أو حب حنطة أو حب شعير أو دخن فيرجع إليه في ذلك، ثم قال: «و التحقيق أن «أكثر» إن قرن بمن لم تجب مشاركته في الجنس، و إلا وجب، لأن «أفعل» بعض ما يضاف إليه».

بل في جامع المقاصد النظر فيما ذكره أخيرا، لصحة قولنا: «يوسف أحسن

ج 35، ص: 45

إخوته» مع أنه ليس بعضا مما أضيف إليه- إلى أن قال-: «و الذي يقتضيه النظر أنه إن لم يذكر المميز في التفضيل فالإبهام قائم، و المرجع في التفسير إليه، و لا دليل على وجوب اتحاد الجنس، و ما يذكر من الايات هنا فأكثرها مع المميز، و الذي لم يذكر فيه حذف منه اعتمادا على دلالة المقام، و لا يمكن الحكم بشغل الذمة بمجرد الاستناد إلى قرائن الأحوال مع عدم التفسير».

نعم إن فسر بعد ذلك بما ينافيها و لم يكن ثم مجاز في لفظ قبل، و هذا هو المدار كما ذكرناه مكررا، فالكلام حينئذ في المقام مبنى على أن التفسير بغير الجنس في أفعل التفضيل من المجاز فلا يقبل في المنفصل، أو من الحقيقة فيقبل و إن نافى قرائن الأحوال التي منها السكوت، و لعل الأقوى الأول.

و لو قال في المثال: «أكثر ذلك» لم تلزم الألف و إنما يلزمه أكثرها، و هو ما زاد على نصفها، و تقدير «من» فيه لبيان الجنس لا للابتداء كما هو الشأن في «من» التفضيلية في المجرد، فيكون التقدير حينئذ «له على الأكثر من بين أفراد الألف» و الله العالم.

و لو قال غصبتك شيئا و قال: أردت نفسك لم يقبل بلا خلاف أجده، لأن الحر لا يغصب، إذ هو على المشهور الاستيلاء على مال الغير عدوانا، و نفسه ليست مالا، و لتبادر كون المغصوب غير المغصوب منه، و لأنه جعل له مفعولين الثاني منهما «شيئا» فيجب مغايرته للأول.

لكن في جامع المقاصد «لم لا يكون «شيئا» بدلا من الضمير، فالفعل حينئذ متعد إلى مفعول واحد».

و أجيب بأن المفعول إذا كان حرا لزم إثبات مفعول آخر يتعلق الغصب به حقيقة، و فيه أن البدلية على فرض صحتها كافية في ذلك.

و أجيب أيضا بأن اشتراط إبدال النكرة من المعرفة أن تكون منعوتة، نحو قوله تعالى (1)«بِالنَّاصِيَةِ. ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ» و هو منتف هنا، و فيه أنه مناف


1- 1 سورة العلق: 96- الآية 15 و 16.

ج 35، ص: 46

لما حكاه في المسالك عن محققي أهل العربية كالزمخشري و ابن هشام من جواز إبدال كل منهما من الأخرى مطلقا. و جعلوا من ذلك قوله تعالى (1)«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ» و قوله تعالى (2)«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» إلى غير ذلك من الايات القرآنية و الشواهد اللغوية، و فيه أنه يمكن قيام الظرف في الأول مقام النعت، و منع البدلية في الثاني، بل هو خبر للضمير الذي لفظ الجلالة عطف بيان أو بدل منه.

نعم قد يقال: إن المنساق في الفرض المفعولية لا البدلية التي هي إن صحت يكون بدل اشتمال فيه، و صحته مع تنكيره و خلوه عن ضمير راجع إلى المبدل منه لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا.

لو كان المقر له عبدا فبناء على أن مدرك المسألة الأول صح التفسير به، لأنه مال بخلافه على الثاني، إذ لا مغايرة حينئذ، و لعله الأقوى كما عن الشهيد الجزم به.

و لو قال: «غصبته» و قال: «أردت نفسه» ففي القواعد قبل، و كذا لو قال:

«غنته» لأنه قد يغصب و يغبن في غير المال، و قد يناقش بأنه مناف لما سمعته من تعريف الغصب عند المشهور، نعم لو قلنا بأن الغصب القهر ظلما اتجه حينئذ تفسيره به.

اللهم إلا أن يقال: إن أصل البراءة و قاعدة الأخذ بالمتيقن في الإقرار يقتضي قبول تفسيره الغصب بذلك و إن كان مجازا إلا أن إرادة الحقيقة متوقفة على إضمار «مالا» أو «شيئا» و الأول أولى، لما عرفت، بل قد يقال: إن قبول تفسيره بذلك أولى مما ذكروه من قبول تفسيره الألفاظ السابقة بتلك الاحتمالات البعيدة.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 217- 234.
2- 2 سورة الإخلاص: 112- الآية 1.

ج 35، ص: 47

[المسألة الثالثة الجمع المنكر يحمل على الثلاثة]

المسألة الثالثة الجمع المنكر يحمل على الثلاثة كقوله: له دراهم أو دنانير مع تعذر التفسير، و إلا ألزم به، فان أبى حبس على حسب ما سمعته سابقا، ضرورة عدم الفرق بين المقام و غيره في الإبهام، و إن حصل متيقن يؤخذ به، إلا أنك قد عرفت كونه خبرا لا إنشاء، فهو مبهم فيما وقع منه في نفس الأمر، كما عرفت الكلام فيه مفصلا.

نعم حمله على الثلاثة أو قبول تفسيره بها مبنى على ما حرر في الأصول من أن الحق كون أقله ذلك من غير فرق بين جمع القلة و الكثرة عرفا و إن ذكر أهل العربية الفرق بينهما، لكنه لعله اصطلاح خاص، نعم لو فسره بالاثنين بناء على أنه من أهل النظر و كان إخباره مبنيا على ذلك أو قلد من يرى ذلك قبل تفسيره به، أما لو فسره به بإرادة المجازية فلا يقبل إذا كان منفصلا.

و لو قال: «له ثلاثة آلاف» و اقتصر كان بيان الجنس إليه إذا فسره بما يصح تملكه بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة معلومية الجنس و الوصف في فاقد التمييز من العدد، فيقبل تفسيره حينئذ بما يتمول و لو بحب الدخن و نحوه، نعم لو فسره بقطعة واحدة تقبل التجزئة إلى ثلاثة آلاف جزء لم يقبل، لأن المتبادر من ذلك الكم المنفصل لا المتصل، كما هو واضح.

ج 35، ص: 48

[المسألة الرابعة إذا قال له على ألف و درهم ثبت الدرهم قطعا و رجع في تفسير الألف إليه]

المسألة الرابعة إذا قال: له على ألف و درهم ثبت الدرهم قطعا و رجع في تفسير الألف إليه لإبهامه باعتبار عدم ما يدل في اللفظ على تمييزه.

و كذا لو قال: ألف و درهمان بل و كذا لو قال: مأة و درهم أو عشرة و درهم بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه. لأن الدرهم وقع معطوفا لا مميزا فكان كقوله: «ألف و عبد» و «ألف ثوب و فرس» إلا أن عرفنا الان قد يخالفه في مثل قوله: «له على درهم و ألف» أو «ألف درهم و عشرون» بناء على أن ذلك و نحوه منه أيضا باعتبار عدم ذكر المميز للألف و العشرين، و السابق لا يصلح مميزا للمتأخر عنه.

أما لو قال: مائة و خمسون درهما مثلا كان الجميع دراهم، للعرف بخلاف قوله مائة و درهم الذي بالعطف يظهر منه عدم التميز به.

و كذا يراد من الجميع الدراهم لو قال: «ألف و ثلاثة دراهم» (11) بل و كذا لو قال: «ألف و مائة درهم» أو «ألف و ثلاثة و ثلاثون درهما» (12) لأن العرف يقضى بأن التمييز المتأخر للجميع، خلافا لما تسمعه من الفاضل و غيره ممن حكى عنه، نعم لو فسره بعد ذلك بغيره أمكن القبول بناء على أن ذلك فهم انسياق لا حقيقة، و أن مثله يقبل فيه التفسير بخلافه، بل جزم به في التحرير، لا أنه إذا لم يفسره يبقى مجملا، فيقتصر فيه على المتيقن مما هو أقل ما يتمول.

و لو قال: «على درهم و ألف» كانت الألف مجهولة (13) بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك إلا ما في المختلف من أنه لو قال: «له على ألف و ثلاثة دراهم»

ج 35، ص: 49

أو «مائة و خمسون درهما» رجع إليه في تفسير الألف و المائة لا في الدراهم، و الدرهم ليس تمييزا للألف و للمائة، و كما يحتمل أن يكون تمييزا للمجموع يحتمل أن يكون تمييزا للأخير، فلا يثبت في الذمة شي ء بمجرد الاحتمال، قيل و لقوله تعالى (1)«أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً» و مقتضاه التعدية إلى نحو ذلك من الأمثلة.

بل في المسالك عن بعضهم التصريح بأن كل تمييز متأخر يعود إلى الذي يليه خاصة

مطلقا لأصالة البراءة، و لأنه كالاستثناء المتعقب للجمل المتعددة، خصوصا إذا كان التمييز غير مطابق لجميع الأعداد، كقوله: «مائة و عشرون درهما» فان مميز المائة مفرد مجرور و مميز العشرين منصوب، فلا يصلح لهما.

إلا أن ذلك كله كما ترى بعد وروده في الكتاب العزيز(2): «إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً» و

في الحديث (3)«أن النبي صلى الله عليه و آله توفي و هو ابن ثلاث و ستين سنة»

و قال الشاعر:

و لها اثنتان و أربعون حلوبةسودا كخافية الغراب الأسحم.

إلى غير ذلك مما هو دال على المقصود، مضافا إلى فهم العرف الذي لا وجه معه للاستدلال من بعضهم على الخلاف، إذ هو من قبيل إثبات اللغة بالعقل، و من الغريب دعوى عدم الالتفات إلى ذلك و إن كان ظاهرا في العرف، بناء على أن القاعدة في الإقرار الاقتصار على المتيقن، فالاحتمال البعيد كاف في ذلك، إذ هو كما ترى لا محصل له.

و مما ذكرنا يظهر لك الحال فيما فرعوه على المسألة من صحة البيع لو قال:

«بعتك بمائة و عشرين درهما» بناء على فهم العرف، و بطلانه بناء على


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 217- 234.
2- 2 سورة ص: 38- الآية 23.
3- 3 البحار ج 22 ص 503 ط الحديث.

ج 35، ص: 50

ما سمعته من المختلف، اللهم إلا أن يقال: فرق بين الإقرار و غيره، للقاعدة السابقة، فتأمل.

و لو قال: «له درهم و نصف» و نحوه فالظاهر عرفا إرادة نصف درهم، كما صرح به غير واحد، لكن في الإرشاد يرجع إليه في تفسيره، إلا أنا لم نعلم أن ذلك لإنكار ظهوره في ذلك، أو لعدم العبرة بهذا الظهور في الإقرار المبنى على اليقين أو الحقائق اللغوية، و إن كان على كل حال فيه ما لا يخفى.

نعم لو قال: «له نصف و درهم» فالنصف مبهم عرفا، و كذا لو قال: «مأة و قفيز حنطة» فالمائة مبهمة، و لا ينافي ذلك ما تقدم من الحمل على الدراهم في نحو مائة و ثلاثة دراهم بعد أن كان العرف الذي عليه المدار في جميع الأمثلة فارقا.

[المسألة الخامسة إذا قال له على كذا كان إليه التفسير]

المسألة الخامسة إذا قال: له على كذا كان إليه التفسير كما لو قال: شي ء فيقبل بما يقبل فيه، كما عن جماعة التصريح بذلك مضافا إلى ما عن الصحاح و القاموس من التصريح بأن «كذا» كناية عن الشي ء، بل و إلى العرف إذا لم يكن إشارة إلى شي ء مخصوص.

لكن عن التنقيح أجمع الأدباء على أنه كناية عن العدد، بل عن المهذب البارع لم يوجد في كلام العرب غير ذلك إلا أنهما معا اعترفا بأنه يستعمل عرفا لغير العدد، و بأن الحقيقة العرفية مقدمة و حينئذ فالنتيجة واحدة، بل عن جماعة التصريح بأن اصطلاح الأدباء عرف خاص، فلا يحمل عليه ألفاظ العرف العام، بل لو قلنا إنه في اللغة و العرف العام يكون كناية عن العدد و عن الشي ء فاللازم في الإقرار

ج 35، ص: 51

الأخذ بالمتيقن، و حينئذ فلو كرره مرة أو أزيد بلا عطف كان تكريرا للإقرار بالشي ء.

و لو فسره بالدرهم مثلا نصبا على التمييز كما هو المعروف و على القطع كما عن بعض الكوفيين أو رفعا على البدلية من كذا الذي هو بمعنى شي ء كان إقرارا بدرهم واحد، بل عن التذكرة و الإيضاح و المهذب البارع و المقتصر الإجماع على ذلك في الرفع، و لعله كذلك.

نعم قيل و القائل الشيخ و ابن زهرة و الفاضل في الإرشاد و التبصرة:

إن نصب كان له عشرون درهما. و قد يمكن هذا مع الاطلاع على القصد المتضمن لإرادة الكناية به عن عدد مفرد تميزه منصوب، و هو و إن كان متعددا إلا أن أصل البراءة يوجب الاقتصار على المتيقن الذي هو الأقل، و في محكي التذكرة إن كان المقر عارفا و إلا رجع إلى تفسيره، و عن المختلف و غيره يحمل على ذلك و إن كان من أهل اللسان، و عن السرائر أنه يرجع إلى تفسير المقر.

و لا يخفى عليك ما في الجميع ما لم يعلم إرادة المقر الكناية بذلك عن العدد على الوجه الذي ذكرناه، لعدم فهم العرف العام منه ذلك، و الأصل البراءة، فيقتصر فيه على المتيقن الذي هو الدرهم إن لم نقل إنه الظاهر منه، بل لو قلنا إنه كناية عن العدد لكن لا يفهم منه عرفا الكناية به على الوجه المزبور، لإمكان كون النصب كالرفع في إمكان إرادة الواحد الذي هو عدد أيضا، كما هو واضح، هذا كله إن نصب أو رفع.

و إن خفض على الإضافة احتمل بعض الدرهم، و إليه تفسير البعضية لإمكان إرادته جزء درهم، و كذا كناية عنه احتمالا مساويا لغيره، فيقبل تفسيره به، و حينئذ مع تعذره يقتصر عليه، لأنه المتيقن، و من هنا جزم به المعظم.

و (11) لكن قيل (12) و القائل من عرفته في صورة النصب يلزمه مائة درهم (13) و فيما حضرني من نسخة الشرائع بل هي التي شرحها في المسالك أيضا مراعاة لتجنب الكسر (14) أى بعض الدرهم و لست أدرى من أين نشأ هذا

ج 35، ص: 52

الشرط الذي مقتضاه اعتبار الصحة في الدرهم، مع أنه على تقدير، لا يقتضي المائة، بل أقصاه لزوم الدرهم، كما في النافع و الدروس و اللمعة و التنقيح و نهاية المرام، بل في الأخير و الرياض نسبته إلى الأكثر بجعل الإضافة بيانية أو اللحن في الاعراب، فيلحق بصورة الرفع و النصب.

بل في الإيضاح «لو قال كذا درهم صحيح بالجر لم يلزمه مأة باتفاق الكل، و إن كانت موازنة المبهمات بالمعينات بواسطة الاعراب يقتضي ذلك، لأن التقييد بالصحيح ينفى احتمال نصف درهم أو ثلث درهم» إلى آخره و إن كان دعواه الاتفاق المزبور لا يخلو من نظر أو منع.

و من الغريب دعوى ذلك من الشيخ، مع أن المحكي عنه الاعتراف بأن الصيغة من غير الإقرار بالشي ء لا تكون إقرارا بذلك الشي ء و من المعلوم أن دلالة الاعراب إن كانت فهي ظنية، كمعلومية بناء نقل الأموال على الاحتياط التام، بل في الإيضاح الإجماع عليها.

نعم لو علم من المقر إرادة الكناية بذلك عن العدد على الوجه الذي ذكرناه اتجه حينئذ إلزامه بالمائة، و لعله على هذا يحمل ما سمعته من الفاضل من الحمل على ذلك إذا كان من أهل اللسان، فلا وجه لمؤاخذة الشهيد له بأنه إن أراد بكونه من أهل اللسان كونه عربيا فلا ثمرة له، و إن عنى به كونه نحويا- و هو ظاهر كلامه- فلنا أن نمنع اللزوم، لأصالة البراءة و احتمال الرفع البدل و النصب التمييز و الجر الإضافة، إلى آخره.

و كيف كان فلا ريب في عدم لزوم المائة مع عدم العلم بإرادة الكناية على الوجه الذي ذكرناه، للأصل و عدم فهم أهل العرف موازنة المبهمات بالمعينات بواسطة الاعراب و مقارنة اللفظ لاخر، بل هو في الحقيقة رجوع عن التعيين إلى التخمين، و لا حمل للخطابات الجارية مجرى العرف العام على الاصطلاح الخاص، بل الأقوى عدم لزوم الدرهم بعد احتمال إرادة الجزء على الوجه الذي ذكرناه، هذا.

ج 35، ص: 53

و لكن في حاشية الكركي على الكتاب «أن المصنف علل ما حكاه عن الشيخ بلفظ القيل بمراعاة جانب الكسر، ثم طعن فيه بعدم استلزامه ذلك مبعدا له ذلك بعدم علمه بالمنشإ، لاحتماله البعض، و كأنه أراد بالشرط الخفض و عبارته تحتاج الى تكلف ما».

قلت: الظاهر بناء على النتيجة المزبورة أنه يريد التعليل بمراعاة جانب الكسر أى الخفض المقتضى للموازنة بأقل عدد يكون كذلك و هو المائة كما يحكى عن الشيخ التعليل به، و رده بأنه لم أدر من أين نشأ هذا الشرط، و هو اعتبار الموازنة المذكورة على تقدير الجر و النصب بعد احتمالهما غير ذلك، فتأمل جيدا و إن كانت العبارة غير نقية.

و لعل ما فيها من التشويش ناش (1)من عبارة المبسوط، إذ هي تحرير ما فيه، فإنه بعد أن جعل الأصح أولا ما ذكره المصنف من لزوم أقل درهم ثم حكى القول بلزوم درهم أو مائة درهم قال: «و الزم من قال بما صححناه بأنه إذا كسر كان إقرارا بدون الدرهم، لأنه أقل ما يضاف إلى الدرهم، فيقال: ثلثا درهم أو بعشر درهم أو نصف أو ربع أو ثمن ثم نظر الأول بأن لقائل أن يقول: إن ذلك ليس بصحيح، و إنما هو كسر» و هي كما ترى، ضرورة عدم فساد بالتزام كونه كسرا، و الأمر سهل بعد أن عرفت تحقيق الحال.

كسهولة أمر المناقشة من المسالك في المحكي عن التذكرة عن بعض- مما حاصله أنه إن قال: كذا درهم صحيح لزمه مأة، و إن لم يصفه بالصحة اكتفى بالجزء، لأن الوصف بالصحة يمنع من الحمل على الجزء، لأنه كسر لا صحيح- بأن الصحيح يقبل التجزئة كما يقبلها غيره، فيصح أن يريد به بعض درهم صحيح، بمعنى أن بعض درهم الصحيح مستحق له، و باقيه لغيره، و النعت و إن كان الأصل فيه أن يعود إلى المضاف دون المضاف إليه لأنه المحدث عنه إلا أنه مع الجر يتعين كونه


1- 1 في النسختين الأصليتين: «ناشئا» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 35، ص: 54

نعتا للمضاف إليه، و هو سائغ أيضا مع ظهور قصده، بل لعل التأمل يقضى كونها مناقشة لفظية.

و لو وقف قبل تفسيره بجزء درهم، بل يلزم بذلك مع تعذر التفسير، لما عرفت من كونه كذلك في صورة عدم الوقف، فمع الوقف المحتمل للرفع و الجر ينبغي الأخذ بالمتيقن، و هو جزء الدرهم، و لا يحتمل النصب بناء على وجوب الألف فيه و في الوقف، نعم لو قلنا بوجوب الدرهم في صورتي الرفع و الجر اتجه حينئذ إلزامه به في الوقف المحتمل لهما إذا أعرب، و لذا حمله غير واحد عليه، بل نسبه بعضهم إلى الأكثر و إن كان فيه ما فيه.

و كيف كان فقد ظهر لك الحال مما ذكرناه فيما لو قال: له علي كذا و كذا فان الظاهر منه إرادة التأكيد الموافق لأصالة البراءة، كما لو قال: شي ء شي ء، و حينئذ فإن اقتصر عليه فإليه التفسير بما يتحقق به مسماه و إن اتبعه بالدرهم نصبا على التمييز أو القطع أو رفعا على البدلية لزمه درهم واحد و إن خفضه ففيه الكلام السابق من الالتزام بالدرهم أو جزء جزئه الذي مرجعه إلى الجزء أيضا.

و قيل و القائل من عرفت إن نصب لزمه أحد عشر درهما بناء على الموازنة المزبورة، فإنه أقل عدد مركب من دون عطف، و مع الجر و الوقف يلزمه مع تعذر التفسير ما يلزمه مع الجر بلا تكرار، ضرورة احتماله على المختار إضافة جزء إلى جزء ثم أضاف الآخر، فيكون نحو نصف تسع درهم، و حينئذ لا فرق بين تكرار «كذا» المحمول على التأكيد و عدمه.

أما على كلام الشيخ فيأتي التزامه بثلاث مائة درهم، لأنه أقل عدد أضيف إلى آخر و ميز بمفرد مجرور، إذ فوقه أربع مائة إلى تسع مائة، ثم مائة مائة ثم مائة ألف، ثم ألف ألف، فيحمل على المتيقن، و احتمال تركيب أحد عشر و شبهه مما لا يأتي، لأن مميزه لا يأتي مجرورا، و المائتان و إن كانت أقل و في قوة تكرار المائة إلا أنه مثنى و الفرض الإفراد، و هذا و إن لم يصرح به الشيخ

ج 35، ص: 55

لكنه لازم له.

و كذا لو كررها و أتبعه مرفوعا أو منصوبا لزمه واحد على ما قلناه، و مع الجر و الوقف يلزمه جزء درهم أو جزء جزء جزء درهم، و هما بمعنى، إذ الأخير أحد مصداق الأول أيضا و لم يحك عن الشيخ هنا شي ء لا في النصب و لا في الجر.

و لو قال: كذا و كذا درهما نصبا أو رفعا لزمه درهم بلا خلاف فيه بيننا في صورة الرفع، نعم عن الشافعي قول بلزوم درهم و زيادة، لأنه ذكر سببين متغايرين بالعطف، فيجعل الدرهم تفسيرا للقريب منهما، و هو معطوف، فيبقى المعطوف عليه على إبهامه، فيرجع في تفسيره إليه على حسب ما عرفته، و هو مناف لأصل البراءة بعد احتمال جعل الدرهم بدلا من مجموع المعطوف و المعطوف عليه، على أن يكون المعنى «له على كذا و كذا شي ء و شي ء هو درهم».

و منه يعلم الحال في صورة النصب المحتملة لكون التمييز بالدرهم لهما أيضا و إن احتملت مع ذلك درهمين، لأنه ذكر جملتين و فسر بدرهم، فيعود إلى الجميع كمائة و عشرون درهما و احتملت أكثر من درهم بناء على أنه تفسير للأخير و يبقى الأول على إبهامه، إلا أن أصل البراءة يعين الأول.

و منه يعلم ضعف ما قيل من أنه إن نصب لزمه أحد و عشرون كما عن الشيخ و من عرفت بناء على الموازنة المذكورة التي بعد تسليم احتمال اللفظ تنفى بأصل البراءة و قاعدة الاقتصار في الإقرار بمثل ذلك على المتيقن و هكذا الكلام في جميع ما ذكر في صور المقام التي عرفت الكلام في أصلها مفصلا.

كما عرفت أن الوجه الاقتصار في المقام و نظائره على اليقين إلا مع العلم بالقصد إن تعذر التفسير، و إلا كان إليه على حسب ما سمعت

ج 35، ص: 56

في غيره من الإقرار بالمبهم، و الزم البيان على نحو ما سمعته في الإقرار بالمبهم.

[المسألة السادسة إذا قال هذه الدار لأحد هذين صح و ألزم البيان]

المسألة السادسة إذا قال: هذه الدار مثلا لأحد هذين مثلا صح و الزم البيان على نحو ما سمعته في الإقرار بالمبهم، إذ لا فرق في الإبهام بين المقر به و المقر له، و حينئذ فإن عين أحدهما قبل و سلمت إليه، لأنه ذو يد و لو للأصل، فينفذ إقراره، و ربما احتمل عدم قبول إقراره في التعيين، لخروجها عن يده بالإقرار الأول، فهو حينئذ شاهد يجري عليه حكمه، و هما معا يدهما عليها أو خارجان عنها، و تفصيل ذلك في كتاب القضاء.

و على الأول لو ادعاها الآخر كانا خصمين إلا أن من أقر بها له ذو يد، فيكون داخلا و الآخر خارجا، و يجري عليهما حينئذ حكم دعوى الداخل و الخارج.

و لو ادعى الخارج على المقر العلم كان له إحلافه على نفيه و على البت إن ادعى عليه الغصب مثلا منه،

لعموم «البينة على المدعى و اليمين على من أنكر»(1)

و لأنه لو أقر له تبعه بالغرم عنها، فان نكل حلف المدعى و غرم، و لكن عن التذكرة «لو قلنا إنه لا يغرم لو عاد إلى الإقرار لم يحلف إذا نكل، لأنه لا

يلزمه شي ء، و إن قلنا إنه يغرم عرضنا عليه اليمين، فان حلف سقطت الدعوى، و إن نكل حلف المدعي و غرم» و فيه أن أصل الدعوى غير متوجهة على البناء المزبور فضلا عن الحلف، على أن ما ذكره مبنى على أن اليمين


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب القضاء و فيه « البينة على المدعى و اليمين على المدعى عليه» و في المستدرك الباب- 3- منها الحديث 4 و سنن البيهقي ج 10 ص 252 « البينة على المدعى و اليمين على من أنكر».

ج 35، ص: 57

المردودة كالإقرار، أما بناء على أنها كالبينة أو أصل مستقل برأسه فالمتجه إحلاف المدعى و غرامة المقر و إن لم نقل يغرم بالإقرار، ضرورة كونها كالبينة أو أصلا مستقلا.

ثم إن أصر المقر على أنها لمن عين فذاك و لو أقر للآخر المدعى لزمه الضمان للمثل أو القيمة، للحيلولة، إذ لا تنتزع من الأول الذي قد سبق حقه بالإقرار السابق، نعم لو صدقه الأول دفعت إليه و لا غرامة، كما أنه كذلك لو ثبت سبق إقراره بها للعين و كذب المقر له ثانيا ذلك، أما إذا لم يكذب فالغرامة له عليه، كما هو واضح.

و كيف كان فهل للمقر بعد إقراره للثاني إحلاف الأول؟ وجهان: من

عموم «اليمين على من أنكر»(1)

و أنه يدفع به الغرم عن نفسه لو أقر بها، و من أن المقر مكذب نفسه في دعواه أنها للثاني بإقراره الأول، و أنه لو نكل امتنع الرد، إذ لا يحلف على إثبات مال غيره، و في المسالك «هو حسن إلا أن يظهر لإقراره ما يدفع التكذيب كالغلط فالأول أحسن» و فيه أن الظاهر حسنه على كل حال.

و على الأول فحلفه على نفى العلم بأنها للثاني، لأنه ربما استند في ملكها إلى الإقرار خاصة، فلا يمكنه الحلف على البت مع احتماله، لأنه مالك بحسب ظاهر الحال و قد ادعى عليه فيما هو ملك له، فيحلف على البيت.

و لو قال المقر لما طولب بالبيان لا أعلم دفعها إليهما برضاهما أو بالدفع إلى وكيلهما، لانحصار الحق فيهما، أو الحاكم و كانا معا خصمين فيلزمهما حكم المتداعيين الخارجين عن العين، لأن يد وكيلهما كانت احتياطا.

ثم إن صدقاه على عدم العلم فذاك و لو ادعيا معا أو أحدهما علمه بأنها لأحدهما كان القول قوله مع يمينه على نفى العلم، كما أن لأحدهما


1- 1 راجع ص 56.

ج 35، ص: 58

على الآخر ذلك أيضا إن ادعاه عليه و ذلك كله واضح.

بل مما ذكرناه في تفسير العبارة يندفع ما أورده الكركي و ثاني الشهيدين على المصنف بأن في تسليمه إليهما تسليما لغير المالك بعد أن اعترف إنها لأحدهما دون الآخر قال: «و الوجه رفع الأمر إلى الحاكم ليسلمها إلى من تثبت له خاصة» إذ قد عرفت أن المراد دفعها إليهما على الوجه المزبور.

و لو قال: «هذا لزيد أو للحائط» مثلا فلا إقرار و إن تردد فيه الفاضل و ولده بلا ترجيح، لأن ترديده بين القابل للملك و غيره يجري مجرى قوله: «هو لزيد أو ليس له» و لا ريب في عدم كونه إقرارا، نعم لو قال: «هو له و للحائط» كان إقرارا له بالنصف في وجه قوي، بل في القواعد و غيرها هو الأقوى، بل ربما احتمل كون الجميع لزيد، لامتناع كون الحائط مالكا فيلغو بعد اعترافه بانحصار الملك فيهما و إن كان فيه أن إلغاء ذكر الحائط لا يقتضي استحقاق زيد ما لم يقر له به، كما هو واضح.

[المسألة السابعة إذا قال هذا الثوب أو هذا العبد لزيد ألزم التعيين]

المسألة السابعة:

إذا قال هذا الثوب أو هذا العبد مثلا لزيد كان من الإقرار بالمبهم عكس السابقة، لأن «أو» للإبهام لغة و عرفا، و حينئذ ف سيأتي فيه ما يأتي في نظائره مما سمعته سابقا.

و إن عين قبل منه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال حتى في قبول تعيينه، استصحابا لبقاء حكم يده على الملك، فان وافقه المقر له فذاك و إن أنكر أي المقر له كان القول قول المقر مع يمينه فإذا حلف سقطت دعواه و لكن ليس له تسليم ما أقر به له مع إصراره على نفيه منه.

و إنما هو مجهول المالك بإقراره الأول ف للحاكم انتزاع ما أقر به منه و حفظه إلى أن يظهر مالكه، لأنه ولى من لا ولى له، و في المسالك و غيرها

ج 35، ص: 59

«أو يرجع المقر له عن الإنكار و له إقراره في يده التي لم يثبت عدوانها، و لأنه يكلف بإيصاله إلى مالكه بدس و نحوه.

هذا و ظاهر ما سمعته من المسالك و غيرها المفروغية من قبول رجوع المقر له إلى التصديق و استحقاقه حينئذ المقر به، و من عدم تسليمها إلى المقر له بعد نفيها عنه، و في حاشية الكركي تعليل الأول بانحصار الحق فيهما، و بأنه برجوعه يدعى مالا لا يد لأحد عليه، و لم يسبق منه الاعتراف به لغيره، قال: «فان قيل يلزم من إنكار كونه ملكا له كون الملك لغيره، لامتناع ملك بغير مالك، قلنا:

كلامه لا يدل على ذلك بشي ء من الدلالات، نعم هو مستفاد من خارج، فلا يكون مانعا من قبول رجوعه إذا لم يثبت بقوله حقا لغيره ثم رجع عنه».

قلت: قد يناقش (أولا) بأن الاعتراف به لغيره مدلول التزام لعبارته و (ثانيا) بأن نفيه له عن نفسه اعتراف بخروجه عنه، فيؤخذ به و إن لم يعترف به للغير، إذ قد عرفت أن متعلق الإقرار يكون إثباتا و نفيا، اللهم إلا أن يكون إجماعا، و قاعدة سماع الإقرار بعد الإنكار إنما هي فيما لا يقتضي الرجوع عن الإقرار الأول، كما لو أنكر مثلا دينا لزيد عليه ثم أقر به و نحو ذلك، فتأمل جيدا.

و لعله لذا قال في المحكي من قضاء التحرير: «فان رجع المقر له و قال:

غلطت بل هو لي ففي قبول ذلك منه إشكال، و لو رجع المقر و قال: غلطت بل هو لي فإن كان في يده فالأقرب القبول، و إن لم يكن في يده فالأقرب العدم، لانتفاء سلطنة اليد، و هكذا كل من نفى عن نفسه شيئا ثم رجع فيه قبل أن يقر لغيره أو بعده» إلى آخره.

إلا أنه مناف لما جزم به هنا في القواعد و محكي التذكرة و التحرير و الإيضاح و جامع المقاصد و مجمع البرهان من التسليم إلى المقر له إذا رجع إلى الإنكار الذي قد سمعت المفروغية منه في المسالك و حاشية الكركي معللين له بما سمعت،

ج 35، ص: 60

و بأن أقوال المسلمين و أفعالهم محمولة على الصحة إذا احتملت، و هي هنا محتملة، لاحتمال نسيان كونه له أولا ثم تذكر، و احتمال انتقاله إليه الان بارث و نحوه و قد نهى الشارع عن التجسس و لأنه مال لا يدعيه غيره، و صاحب اليد مقر له به، و قد زال حكم الإنكار بالتصديق، فيبقى الإقرار سليما عن المعارض.

و الجميع كما ترى بناء على مؤاخذة المقر بإقراره تعبدا و إن كان نفيا، نعم لو قلنا بمؤاخذته للمعارض اتجه قبول رجوعه، لعدم المعارض حينئذ.

لكن منه يتجه قبول رجوع المقر فيما أقر به للغير الذي نفاه و بقي مصرا، مع أنه في القواعد جعل الأقرب عدم القبول فارقا بين المقر و المقر له، بل هو المحكي عن الكتب السابقة أيضا بل ظاهر ما سمعته من تعليل الكركي المفروغية من عدم قبول رجوعه، لأنه قد صرح بكونه للغير، و لم يقتصر على نفيه عن نفسه كالمقر له، فإقراره الأول حينئذ قد مضى عليه، و حكم عليه به، و المشروط بعدم التكذيب إنما هو نفوذ الإقرار في حق المقر له بحيث يجب عليه تسليم المقر به لا أن ذلك شرط صحة الإقرار في نفسه، إذ لا دليل عليه، نعم قد سمعت ما حكيناه عن قضاء التحرير و عن مجمع البرهان أنه لم يستبعد قبول رجوعه مع إصرار المقر له على الإنكار، لما سمعته من أصالة الصحة و عدم المعارض.

و في القواعد الحكم ببطلان الإقرار لو ادعى المقر له جنسا غير ما فسره المقر أو لم يدع شيئا، و نحوه عن المبسوط بناء على أن معنى بطلان إقراره عدم مؤاخذته بما أقر به من الدراهم مثلا تفسيرا التي أنكرها المقر له.

و تحقيق المسألة ما أشرنا إليه من أن أقصى أدلة الإقرار إلزام المقر بما أقر به لمن أقر له به على وجه لا يسمع إنكاره مع مطالبة المقر له بما أقر به و إن لم يكن له طريق إلا إقرار المقر، أما إذا اعتقد نفيه عنه و نفاه و رجع المقر عن الإقرار و ادعى المال لنفسه فلا دليل على لزوم إقراره به.

و ربما يشهد له في الجملة قولهم: «ينتزعه القاضي أو يقره في يده» معللا

ج 35، ص: 61

بعضهم الأخير بإمكان رجوعه به و إن كان فيه ما فيه. بل العبارة في أصل الحكم أيضا لا تخلو من تشويش، ضرورة ظهورها في كون التخيير للقاضي على وجه لا معارضة للمقر في ذلك. مع أن ما ذكروه من التعليل بأن يده غير عادية و نحوه قاض بعدم سلطنة للحاكم على مال في يد مسلم يعلم صاحبه بزعمه و مكلف بإيصاله إليه و لو بدس و نحوه و لم يثبت عدوان يده عليه.

و لعله من هنا جعل فخر المحققين «أو» في قول والده: «ثم إما أن يترك في يد المقر أو القاضي» للترديد لا التخيير، بل عن جامع الشرائع الحكم ببقائها في يد المقر إلا أنه خلاف ظاهر المتن أو صريحه كالإرشاد و التذكرة و جامع المقاصد و المسالك و غيرها على ما حكي عن بعضها.

نعم في غاية المراد «أنها تبقى في يد المقر إن قبلنا رجوعه، لأصالة بقائه، و لإمكان أن يدعيها فتثبت له، و إن لم نقل به ففي انتزاعها منه وجهان، الأول نعم، لأنه عزاه إلى غيره، و الحاكم ولي الغير، و الثاني لا، لأن القابض له أهلية الإمساك، و الظاهر أنه غير ظالم، لأصالة صحة تصرف المسلم، فتبقى يده على ما كانت عليه، لأصالة بقاء حق الإمساك» و إن اعترضه الكركي بأن الاستحقاق خلاف الأصل، كما أن العدوان خلاف الأصل، لتوقف كل منهما على سبب يقتضيه، و الأصل عدمه، و اليد الشرعية أعم من استحقاقها الإدامة و عدمه، لإمكان حصول المقر به في يد المقر بوجه حسبة كالتخليص في يد ظالم و إطارة الريح الثوب إلى داره، و الأصل عدم ما يقتضي أمرا زائدا.

و لكن فيه أن يد المسلم يكفي في صحتها الاحتمال، و ذو اليد الشرعية أيضا هو المكلف بإيصال المال إلى صاحبه، بل التحقيق أن مجهول المالك ليس للحاكم انتزاعه من يده قهرا، لإطلاق أوامر(1)الصدقة به الظاهرة في أن لمن في يده ذلك، و حينئذ فالتحقيق عدم سلطنة الحاكم على انتزاع ما نحن فيه قهرا من


1- 1 الوسائل الباب- 2- من كتاب اللقطة الحديث 2 و 7 و الباب- 7- منه.

ج 35، ص: 62

يده لأن أقصاه كونه مجهول المالك بلا عدوان من صاحب اليد.

و منه يظهر لك النظر في التخيير المزبور الذي قد صرح به غير واحد.

كما أن التحقيق كون الإقرار حجة للمقر له على المقر، فمع فرض تكذيبها لا تكون حجة كالبينة، فحينئذ إذا توافق المقر و المقر له على خطأ الإقرار و كذبه أو التواطؤ فيه و الفرض انحصار الحق فيهما يتجه قبول الرجوع من كل منهما إثباتا و نفيا، نعم لو أصر المقر على كونه للغير و المقر له على نفيه كان من في يده المال بالخيار بين إبقائه في يده و التوصل إلى إيصاله، و الدفع إلى الحاكم بناء على شمول ولايته للفرض.

و لا فرق في ذلك بين عدالة المقر و عدمها، فما عن التذكرة و الإيضاح من اعتبارها في البقاء في يده لا دليل عليه، و لا تصغى في المقام إلى دعوى الإجماع، فإن المتعرض من عرفت مع عدم خلو كلامهم عن التشويش و الاضطراب، على أن جملة منهم ذكروا الحكم بلفظ الأقرب و نحوه.

نعم يبقى الكلام بناء على ما ذكرنا فيما لو رجع المقر و المقر له دفعة، و لعل المتجه فيه كونه للمقر، و أولى من ذلك لو رجع قبل رجوع المقر له، أما لو رجع المقر له و المقر باق على الإقرار أنه له فهو للمقر له دون المقر، فتأمل جيدا، فان المقام لا يخلو من مزلقة للإقدام، و الله أعلم بحقائق الأحكام.

ثم إن ظاهر قوله في القواعد و غيرها: «لا يسلم للمقر له مع التكذيب» عدم جواز ذلك، لكن قد يشكل بأن المقر مع إصراره على الإقرار بأنه له إذا دفعها إليه مع الإنكار لم يكن قد دفع إليه إلا ماله بزعمه، فله التسليم حينئذ بمقتضى إقراره.

و من هنا قيل: إن المراد من نحو العبارة المزبورة عدم التسليم على طريق اللزوم و الوجوب.

و ربما وجه الأول بأن المقر له قد نفاه عن نفسه بتكذيبه، فكيف يجوز

ج 35، ص: 63

تسليمه ما ليس له؟ بل لعله من الإعانة على الإثم بزعم المقر له، و في جامع المقاصد «ربما بني ذلك على أن المقر هل هو مؤاخذ بإقراره هذا أم لا؟ فعلى الأول يجوز له التسليم، إذ هو بالنسبة إليه مال المقر له، و على الثاني لا يجوز له» و كان فيه إشارة إلى ما ذكرناه من اعتبار عدم التكذيب في حجية الإقرار و عدمه.

و ليس في شي ء من كلامهم التعرض إلى أن موضوع المسألة بالنسبة إلى الحاكم أو بالنسبة إلى ما بين المقر و المقر له، كما أنه ليس فيه التعرض إلى أن ذلك من حيث الإقرار أو من حيث الاطلاع على الواقع أن العين للمقر له، فإنه جهة أخرى غير الإلزام بمقتضى الإقرار الذي قلنا يعتبر في حجيته على المقر عدم تكذيبه كالبينة، و لذا قلنا فيما سبق: إن العين يبقى في يد المقر يدسها في مال المقر له أو يوصلها إليه بطريق آخر.

و لو أصر المقر على عدم التعيين لجهل أو نسيان رجعا إلى الصلح في العين، و في المسالك «يحتمل قويا- مع عدم اتفاقهما على الصلح- القرعة بينهما في العين، لأنها لكل أمر مشكل، خصوصا فيما هو معين عند الله مشتبه عندنا، و الحال هنا كذلك».

قلت: كما أنه يحتمل كون الصلح قهرا من الحاكم قطعا للخصومة، فلا مدخلية لاتفاقهما عليه، بل قد يستفاد مما تقدم في الصلح و تسمعه في كتاب القضاء احتمال الحكم باشتراك العين بينهما.

و لو قال: «له درهم أو درهمان» ثبت الدرهم و طولب بالجواب عن الثاني، و كذا لو ردد بين ألف و ألفين مطلقين، لكن في المسالك احتمال لزوم الأكثر على تقدير البدءة به لأنه كالرجوع عن الإقرار، فلا يسمع، و نحوه ما عن أول الشهيدين فيما لو قال: «له علي دينار أو درهم» من الالتزام بالأول، بل عنه أنه قواه، و في الدروس «لو قال: له علي ألف أو مأة احتمل المطالبة بالتعيين و لزوم الأول، و لو قال: له علي مأة أو ألف احتمل لزوم الثاني».

ج 35، ص: 64

و لكن الجميع كما ترى ضرورة اعتبار تمامية الكلام نصا(1)و فتوى في اللزوم بمقتضاه، كما هو واضح.

[المسألة الثامنة لو قال له عندي دراهم وديعة قبل تفسيره]

المسألة الثامنة: لو قال: له عندي دراهم وديعة، ففي القواعد و الدروس و جامع المقاصد و محكي المبسوط و التذكرة و التحرير و الحواشي قبل تفسيره سواء اتصل كلامه أو انفصل، بل هو مقتضى إطلاق المحكي عن السرائر قبول تفسيره، بل في جامع المقاصد إطباقهم على القبول سواء صدقه عليه المالك أو لا، و ذكروا وجهه أنه مع الاتصال لا يرفع مقتضى الإقرار فيقبل، و أما مع الانفصال فلأن قوله: «عندي» يحتمل الوديعة و غيرها، فيكون

التفسير بها تفسيرا للفظ ببعض محتملاته مع اعتضاده بأصل البراءة، هذا.

و لكن في القواعد متصلا بما سمعت «و لو ادعى المالك أنها دين فالقول قوله مع اليمين، بخلاف ما لو قال: أمانة» و قد قال بعض شراحه: «إنا لم نجد ذلك لغيره من العامة و الخاصة».

و وجه بأن الوديعة تقتضي القبض و الأخذ من المالك، فبمقتضى

قوله صلى الله عليه و آله (2): «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»

يجب أن يقدم قول المالك في أنها دين، لأن الدين لا يتحقق البراءة منه إلا بأدائه، و لو قدمنا قول المقر لوجب أن يقبل قوله في المسقط كالتلف، و هو خلاف مقتضى الخبر.

أو يقال: كونها وديعة يتضمن تقديم قول المقر في الرد و في التلف، و ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب آداب القاضي الحديث 3 من كتاب القضاء.
2- 2 سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 35، ص: 65

زائد على أصل كونها عنده، و هو دعوى على الغير، فمقتضى

قوله صلى الله عليه و آله (1): «البينة على المدعي»

يجب أن لا ينفذ الإقرار في ذلك، لأن نفوذه إنما هو في حق المقر دون غيره.

أو يقال: إن المراد من قبول التفسير في العبارة مع عدم مخالفة المالك.

إلا أنه في جامع المقاصد قال: «في الكل نظر، أما الأول فلا نسلم أن تقديم قول المقر يقتضي خلاف مقتضى الخبر، لأن ذلك إنما يلزم لو لم يكن يده التي أقر بها تقتضي تقديم قوله، أما معه فلا، و ذلك لأن الأصل براءة ذمته، فإذا أقر بما شغلها وجب الوقوف على مقتضاه، و المقر به هو الاشتغال بحكم الوديعة، فلا يتجاوز إلى حكم الدين و غيره، و أما الثاني فلأن نفوذ التفسير بالوديعة يقتضي عدم شغل ذمته بالبينة على الرد أو التلف عند الاختلاف فيهما استنادا إلى أصالة البراءة و عدم تحقق شاغل سوى الوديعة المقر بها، فتقديم قوله ليس لكونه مدعيا ليخالف مقتضى الخبر، بل استنادا إلى أصل البراءة، و أما الثالث فلأنه مع مخالفته لظاهر العبارة المتبادر من قبول التفسير غير صحيح في نفسه، لإطباقهم على قبول التفسير، سواء صدق عليه المالك أم لا، و لأن اعتبار عدم مخالفة المالك يقتضي عدم الفرق بين هذه المسألة و غيرها و قد صرح المصنف في التحرير بخلاف هذا الحكم، قال: «إذا قال: له عندي دراهم ثم فسر إقراره

بأنها وديعة قبل تفسيره، سواء فسره بمتصل أو منفصل فيثبت فيها أحكام الوديعة من قبول ادعاء التلف أو الرد، و بهذا صرح في التذكرة أيضا و شيخنا في الدروس، و هو المختار- ثم قال-: و اعلم أن قوله:

«بخلاف ما لو قال أمانة» المراد به أنه لو قال: له عندي دراهم أمانة و ادعى المالك أنها دين قدم قول المقر باليمين لا المالك، و الفرق أن الأمانة لا تستلزم القبض، لإمكان إطارة الريح المال إلى ملك المقر أو وضع المالك إياها أو غيره في


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب القضاء.

ج 35، ص: 66

منزله، فلا يثبت دخوله في العهدة إلى الأداء و هذا الفرق ضعيف كما عرفت، و الحكم واحد».

قلت: قد تقدم في الكتب السابقة معلومية تقديم مدعي القرض على مدعي الوديعة، ل

موثق إسحاق بن عمار(1)عن أبي عبد الله عليه السلام المروي في الكافي و التهذيب «في رجل قال لرجل: لي عليك ألف درهم، فقال الرجل: لا و لكنها وديعة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: القول قول صاحب المال مع يمينه»

و موثقه الآخر(2)الذي رواه المشايخ الثلاثة قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت، فقال الرجل: كانت عندي وديعة، و قال الآخر: إنما كانت لي عليك قرضا، قال: المال لازم له، إلا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة».

بل ظاهر المحكي عن ظاهر التذكرة في ذلك المقام موافقتهما لمقتضى الضوابط التي منها أصالة الضمان بالاستيلاء على مال الغير، قال: «لو ادعى صاحب اليد أن المال وديعة عنده و ادعى المالك الاقتراض قدم قول المالك مع يمينه، لأن المتشبث يريد بدعواه رد ما يثبت عليه من وجوب الضمان بالاستيلاء على مال الغير، فكان القول قول المالك، و لرواية إسحاق» و حكاه في المختلف عن الشيخ في النهاية و ابن الجنيد، ثم حكي عن ابن إدريس التفصيل بأن المدعى عليه إن وافق المدعي على صيرورة المال إليه و كونه في يده ثم بعد ذلك ادعى أنه وديعة فلا يقبل قوله، و أما إذا لم يقر بقبض المال أولا بل ما صدق المدعي على دعواه، بل قال: «لك عندي وديعة» فليس الإقرار بالوديعة بالتزام الشي ء في الذمة، و قال: و فرق ابن إدريس ضعيف.

و بالجملة لا إشكال في أصل المسألة نصا و فتوى، نعم كان الفاضل نظر إلى اقتصار الخبرين على الوديعة، ففرق بينها و بين الأمانة، بل عن الشهيد أنه حكي


1- 1 الوسائل الباب- 18- من كتاب الرهن الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من كتاب الوديعة الحديث 1.

ج 35، ص: 67

عن إملائه التصريح بما سمعته من الفرق المزبور و زاد بأن الاعتراف بالوديعة يستلزم القبض، و الأصل فيه الضمان للخبر.

نعم قد يناقش بأن الاعتراف بكونها أمانة يستلزم الاعتراف بالقبض، على معنى دخولها في قبضته و استيلائه، و مع فرض أن الأصل فيه الضمان لا يتفاوت بين دعوى الوديعة و غيرها مما يندفع به الضمان.

كما أنه قد يناقش بالتنافي بين الحكم بأن القول قول المالك مع اليمين لو ادعى القرض و بين قبول التفسير بالوديعة اتصل كلامه أو انفصل، اللهم إلا أن يريد بالقبول عدم التنافي بين إقراره بأن عنده دراهم و بين كونها وديعة، سواء اتصل أم انفصل لا أن المراد القبول على وجه يمضي على المالك لو ادعى القرض مثلا، و الإطباق الذي ذكره في جامع المقاصد واضح المنع إذا فرض إرادته ذلك، و ما حكاه عن التحرير و الدروس لا ينافي ما ذكرنا من إرادة قبوله من حيث عدم المنافاة فتأمل جيدا.

و كيف كان ف إذا قال: «لفلان علي ألف» ثم دفع إليه ألفا و قال:

هذه التي كنت أقررت بها كانت وديعة فان صدقه المقر له فلا بحث، و إن كذبه أي أنكر المقر له ذلك، و قال له: «هذه هي وديعة ولي عليك ألف أخرى دينا و هي التي أردتها بإقرارك» كان القول قول المقر مع يمينه وفاقا للأكثر، للأصل، و لأن «علي» غير منحصر مدلولها في الثبوت في الذمة، لاحتمال إرادة صيرورتها مضمونة عليه بالتعدي و إن كانت عينها باقية، و لو سلم انسياق الأول منها فهو تبادر إطلاقي يقبل فيه التفسير بخلافه الذي لم يخرجه عن حقيقته، بل أقصاه الخروج به عن إطلاقه مع السكوت عليه، كما عرفت الكلام في نظائره. بل لم أجد في ذلك خلافا إلا من الحلي في المحكي من سرائره منا و من أبي حنيفة و أحمد من العامة.

نعم توقف فيه الفاضل في القواعد من دون ترجيح، و كذا الشهيد في المحكي من حواشيه عليها، و لعله لاقتضاء «علي» الإيجاب في الذمة بقرينة الاكتفاء بها

ج 35، ص: 68

في الضمان، فلا يقبل تفسيره بالوديعة، بل هو كما لو أقر بثبوت ثوب في ذمته فجاء بعبد قد اعترف بأنه للمقر له مفسرا به ذلك.

و لكن فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم وضع «علي» لذلك، بل هي للأعم منه مع دخولها في ضمانه و عهدته لتعد أو تفريط، فان صدق كونها عليه لا ينكر، فهي حينئذ للقدر المشترك الذي لو سلم انسياق الذمة منه فلا يخرج تفسيره بها عن الحقيقة، و قد عرفت قبول التفسير بالخلاف في نظائره.

مضافا إلى ما عن الشيخ في الخلاف من أنه «أجمعنا على أنه إذا قال: لفلان ألف وديعة قبل منه ذلك، و لو كان قوله: له علي ألف يقتضي الذمة وجب أن لا يقبل تفسيره بالوديعة، لأنه أقر بألف ثم عقبه بما يسقطه، و لأن حروف الصلات يقوم بعضها مقام بعض، كما في قوله تعالى (1)«وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ» أي عندي. «وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ»(2)أي عليها، فيجوز إرادة «عندي» من «علي» هنا» و إن كان قد يناقش بأن قبوله مع الاتصال الذي لا بحث فيه لا يقتضي قبوله مع الانفصال الذي هو محل البحث، و قيام حروف الصلة مقام بعض من باب المجاز الذي لا يقبل في الإقرار مع الانفصال، و إلا لأفسد بابه، فالتحقيق حينئذ في الجواب ما ذكرناه، و لا ينافيه الاكتفاء بها في الضمان الذي يكفي فيه

إنشاء كون ما في ذمة زيد مثلا في عهدته الذي هو معناها، لكن لما لم يكن فرد غير الثبوت في الذمة فيه تعين كونها ضمانا، و الله العالم.

و كذا لو قال: «لك في ذمتي ألف» و جاء بها و قال: هي أي التي أقررت بها وديعة و هذه بدلها إذ أقصى ما في كلامه تفسير كيفية كونها في ذمته، و لعله لأنها تلفت منه بتعد أو تفريط، فصح الاخبار عنها أنها في ذمته و أن ما دفعه بدل عنها، و كأنه إلى ذلك أشار في الدروس بقوله: «أما لو قال


1- 1 سورة الشعراء: 26- الآية 14.
2- 2 سورة طه: 20- الآية 71.

ج 35، ص: 69

هذه بدلها و كانت وديعة فإنه يقبل للمطابقة، أي بين دعواه و تفسيره، فيكون المراد من قوله: «وديعة» في المتن أي كانت وديعة و لكن تلفت تلف ضمان، فصار بدلها في الذمة فدفعه بدلا عنها، و بذلك تطابق تفسيره و دعواه، و لعله لذا لم يحك الخلاف فيها عن ابن إدريس، نعم توقف فيها الفاضل كالأولى».

و لكن في المسالك «إن لم يقبل في الصورة الأولى فهنا أولى، و إن قبلنا قوله فوجهان هنا: أحدهما- و هو الذي قطع به المصنف- القبول، لجواز أن يريد به ألف في ذمتي إن تلفت الوديعة، لأني قد تعديت فيها، أو يريد كونها وديعة في الأصل، و أنها تلفت و وجب بدلها في الذمة، و غايته إرادة المجاز، و هو كون الشي ء في الذمة وديعة باعتبار أن سببها كان في الذمة، و المجاز يصار إليه بالقرينة، و الثاني العدم، لأن العين لا تثبت في الذمة، و الأصل في الكلام الحقيقة و قد تقدم كثير من الدعاوي المجازية في الإقرار و لم يلتفت إليها، فلا وجه لتخصيص هذه، و هذا لا يخلو من قوة».

و فيه أنه لا وجه للقبول مع فرض المجازية و انفصال القرينة، كما أنه لا ينبغي التردد فيه مع فرض التفسير بأنه وديعة قد تلفت و هذه بدلها، كما فرضها في المسالك، و لأنه يؤول إلى ما ذكرناه من التفسير من دون تجوز، نعم لو اعترف بأنها وديعة باقية أمكن فيه حينئذ الكلام السابق الذي منشأ عدم القبول فيه انسياق ثبوت المال في الذمة، بل قد يزيد هنا احتمال عدم القبول بظهور اللفظ ظهورا إن لم يكن حقيقة، في إرادة ثبوت عين المال في الذمة، فهو كالحقيقة بحيث لا يقبل التفسير بالخلاف، كما أن منشأ القبول و دعوى المساواة للأول في الصدق مع الدخول في العهدة مثلا. فالتحقيق حينئذ تفصيل فرض المسألة بما ذكرناه، و لعل عدم القبول في الثاني لا يخلو من قوة، كما سيظهر لك في المسألة الثالثة.

و في جامع المقاصد «أن القبول أرجح، لأن غايته إرادة المجاز، و هو كون الشي ء في الذمة وديعة باعتبار أن سببها كذلك، و المجاز يصار إليه بالقرينة» و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا.

ج 35، ص: 70

أما لو قال: «لك في ذمتي ألف و هذه التي أقررت بها كانت وديعة» لم يقبل كما في القواعد و الإرشاد و التلخيص و الحواشي و المسالك على ما حكي عن بعضها، و عن المبسوط أنه قواه، و في جامع المقاصد أنه أولى، و لعله ل ما اشتهر بينهم من تعليل ذلك ب أن ما في الذمة لا يكون وديعة.

و منه يعلم أن هذه ليست ك المسألة الأولى و لا كالوسطى بل في المسالك «الفرق بينهما واضح، أما الأولى فلأنه لم يصرح فيها بكون المقر به في الذمة فلا ينافي كونه وديعة ابتداء. و أما الثانية فإنه و إن صرح بكونها في الذمة المنافي لكونها وديعة إلا أنه ادعى أن الذي أحضره بدلها لا عينها، فرفع التنافي بتأويله. و أما الثالثة فقد جمع فيها بين وصفها بكونها في الذمة و كونها وديعة من غير تأويل، فلهذا لم يسمع المجاز و إن كان ممكنا هنا، بأن تكون قد تلفت بعد الإقرار و الذي أحضره بدلها و أطلق عليه الوديعة باعتبار كونه عوضا و مسببا عنها، إلا أنه لما لم يدع المجاز لم يكن عن الحقيقة صارف، و لو صرف عنها بمجرد تمحل المجاز من غير أن يدعي لم يحكم بشي ء من الحقائق أصلا، فما قيل هنا- من توجيه القبول أيضا كالسابقة في احتمال المجاز- واه جدا كما لا يخفى».

و كأنه عرض بذلك إلى الشهيد في الدروس، لأنه قال: «و لو قال: لك في ذمتي ألف ثم أحضرها و قال: هي وديعة فادعى المقر له التغاير ففيه وجهان مرتبان، أولى بالمنع، لأن «علي» مشتركة بين العين و الذمة، بخلاف الذمة فإنها لا تستعمل في العين، و الوجه المساواة، لأن تسليمها واجب في الذمة، و لأن المجاز ممكن، و استعماله مشهور مع اعتضاده بالأصل المقطوع به، و هو براءة الذمة، و لأن التفريط يجعلها في الذمة و إن كانت عينها باقية».

و في جامع المقاصد «لا يخفى أنه إن كان المشار إليه بقوله و هذه هو الألف الذي قال إنه في الذمة لم يلزمه سوى ما أقر به إذا لم يفسر بشي ء آخر، و لو سلمنا أن ما في الذمة ينافي التفسير بالوديعة على كل حال فغاية ما يلزمه أن يكون

ج 35، ص: 71

قد وصف المقر به بوصف يمنع ثبوت مثله، و إن كان المشار إليه بهذه شيئا غير مذكور، بل هو مقدر، بأن أحضر ألفا، و قال: هذه التي أقررت بها إلى آخره فهنا يتجه وجوب ألف أخرى، و عدم قبول قوله في أن المقر به هو ما أحضره وجهان كالمسألة السابقة، لكن عدم القبول هنا أولى، لأن ما في الذمة لا يكون وديعة- ثم قال-: ليس ببعيد القبول، لأن قوله: «كانت وديعة» لا ينافي تجدد ثبوتها في الذمة بتلف قارنه الضمان، و غاية ما يلزم ارتكاب المجاز في حكمه بأن المأتي به كان وديعة، فإن الوديعة حقيقة التالف، و المأتي بدله، و لا محذور في المجاز إذا دل عليه دليل، خصوصا إذا كان شائعا في الاستعمال».

و في مجمع البرهان بعد أن ذكر أن ظاهر العبارات الالتزام بالعين قال:

«و فيه تأمل، لما قد تقدم من أنه يصح إطلاق كون «علي» على الوديعة، و هو مثل «في ذمتي» لأن ظاهر «له علي» ذلك، و إن سلم الفرق و ظهور كون «في ذمتي» في غير الوديعة فليس ببعيد إطلاقه عليها، فيحمل عليه للضابطة المتقدمة، و كذا يصح إطلاق ما في الذمة على الحاضرة، و هو متعارف، إما بالمعنى المتقدم، أي باعتبار ما يؤول إليه بالتلف مع التفريط أو بغيره فينبغي القبول هنا أيضا، للضابطة، إذ لم يكن خلاف الإجماع فتأمل».

قلت: و قد تكرر منا غير مرة أن الإقرار من الاخبار الذي وقت حاجته وجوده، فلا يقبل فيه تأخير قرينة المجاز، فلا يخرج بذلك عن الكذب و لا عن الالتزام بمقتضى الإقرار، نعم إذا كان متصلا على نحو غيره من قرائن المجاز قبل، من غير فرق في ذلك بين دعواه و عدمه.

و لا ريب في أن مقتضى الحقيقة في قوله: «لك ألف في ذمتي» ثبوت نفس المال في الذمة، و ليس هو نحو «على» كما اعترف به في الدروس، فحينئذ قوله منفصلا: «و هذه التي أقررت بها كانت وديعة» و قد أحضرها بعينها و ادعى أنها هي المراد بما أقر به من كونها في ذمته لا غيرها لم يقبل، لأنه من المجاز المنفصل، حتى لو استعد سبب ضمانه لها بالتعدي أو التفريط فإنه لا يصدق حقيقة أنها في ذمته

ج 35، ص: 72

قبل التلف.

نعم لو قال ذلك ثم قال و لو منفصلا: «و هذه- مشيرا إلى الألف التي أقر بها- كانت وديعة» و لم يعترف بما أحضره أنه عينها لم يلتزم بالعين، ضرورة عدم اقتضاء قوله: «كانت وديعة» زيادة على الإقرار بأنها في ذمته، إذ يمكن كونها وديعة في الأصل، و قد تلفت بتعد أو تفريط فاشتغلت ذمته بمثلها و هي التي أقر بها، فهو في الحكم مساو لما لو قال: «له ألف في ذمتي و قد كانت وديعة و تلفت و هذه بدلها» الذي قلنا إنه مطابق لما أقر به، أقصاه أنه تفصيل لكيفية ما ثبت في ذمته، لا زيادة على ما أقر به، فلا بد من حمل عبارة المصنف و ما شابهها على الصورة الاولى لا الأخيرة.

و بذلك يظهر لك النظر في الكلمات السابقة، و خصوصا ما في جامع المقاصد مما ذكره على التقدير الثاني، أما دعوى الاتحاد على التقدير الأول فهو جيد، ضرورة أن أقصاه بقوله أخيرا: «هذه- مشيرا إلى الألف التي أقربها أنها- وديعة» فهو إما غالط بوصف ما في الذمة بالوديعة، أو أن المراد كونها وديعة في الأصل ثم صارت في الذمة. و على كل حال هي ألف واحدة إذا لم يشر إلى وديعة حاضرة عنده، و هو التقدير الثاني.

و لو قال: «له على ألف» و دفعها أو لم يدفعها كما هو مقتضى إطلاق محكي المبسوط و الغنية و التذكرة و على كل حال ثم قال منفصلا عن الإقرار السابق كانت الألف التي أقررت بأنها له على وديعة و كنت أظنها باقية فبانت تالفة قبل الإقرار من غير تعد و لا تفريط لم يقبل بلا خلاف أجده لأنه مكذب لإقراره السابق الذي كان مقتضاه وجودها و أنها له عليه حتى لو أقام البينة بذلك، لاشتراط حجيتها له بعدم تكذيبه لها، نعم لو قال:

«بانت تالفة بوجه يكون ضمانها عليه» قبل، لموافقته حينئذ لإقراره الأول، هذا.

ج 35، ص: 73

و لكن في المسالك «لو قيل بقبول قوله أيضا كما في السابقة كان وجها، بل هنا أولى، لأن قوله كان مبنيا على الظاهر من أنها موجودة يجب عليه حفظها و كونها عنده كما سبق، و إنما ظهر بعد الإقرار تلفها قبله، فلا منافاة بين كلاميه إلا على تقدير تفسير «على» بكونها في الذمة، و لعل إطلاقهم ذلك بناء على أن الظاهر من «على» هو هذا المعنى لا مجرد وجوب الحفظ، و ذلك المعنى لو سلم كونه مجازا فقد سمع منه دعوى المجاز فيما سبق».

و فيه أن دعواه التلف قبل الإقرار مناف لقوله: «على» بجميع معانيه الحقيقية و المجازية، ضرورة أنها مع تلفها بغير تفريط ليس عليه حفظها و لا التخلية بينها و بين مالكها فضلا عن دخولها في عهدته، و كون إقراره مبنيا على الظاهر لا ينافي الأخذ منه تعبدا من هذه الجهة، كما هو واضح.

إنما الكلام في قوله كمحكى المبسوط و الغنية و غيرهما أما لو ادعى تلفها بعد الإقرار قبل معللين له بعدم التنافي بين إقراره الأول و التلف بعده، و ظاهره القبول بغير بينة، و وجهه أن قوله: «علي» مشترك بين الالتزام بها و غيره، و الدعوى الاولى غير منافية له، و لكن في القواعد «قبل بالبينة» و مقتضاه عدم السماع بدونها، كما أن مقتضاه عدم السماع في السابق حتى مع البينة، و وجه الثاني قد عرفته مما قدمناه، أما الأول فلعل وجهه أن ظاهر قوله الأول الالتزام بها إما لتلفها مضمونة أو لدخولها في عهدته، فقوله الأخير مناف، فلا يسمع منه إلا بالبينة.

و فيه أن البينة على تلفها بعد الإقرار لا يرفع ضمانه المستفاد من إقراره الأول، اللهم إلا أن يكون قوله: «علي» أعم من الالتزام و من وجوب الحفظ و التخلية و نحوهما من الحقوق التي لا يقتضي الثبوت في الذمة.

و لكن فيه أنه إذا فرض سماع ذلك منه كفى مجرد دعواه التلف بعد الإقرار بيمينه، و لعله لذا في الدروس بعد أن جعل العنوان «لك في ذمتي» قال: «و لو قال: كانت وديعة أظن بقاءها و قد تبين لي تلفها لا بتفريط فلا ضمان علي فان عللنا

ج 35، ص: 74

باحتمال التجوز صدق بيمينه، و إن عللنا باحتمال التفريط اغرم» و إن كان فيه مناقشة من حيث التفصيل بين التلف قبل الإقرار و بعده و بأن محل البحث لو قال:

«علي» لا «لك في ذمتي».

إلا أنه على كل حال يعرف منه ما في المناقشة فيما ذكروه من التعليل في المسألة السابقة من احتمال الدخول في العهدة و وجوب الحفظ و التخلية، و نحو ذلك التي مثلها يجي ء في المقام لو ادعى التلف بعد الإقرار، مضافا إلى إمكان الفرق بينها بالنسبة إلى اللفظ المزبور من حيث الحقيقة و المجاز اللذين قد عرفت تفاوت قبول تفسير الإقرار مع الانفصال بتفاوتها.

[المسألة التاسعة إذا قال له في هذه الدار مائة قبل]

المسألة التاسعة:

إذا قال: له في هذه الدار مثلا مائة قبل بلا خلاف أجده بين من تعرض له من الشيخ و الفاضلين و الشهيدين و الكركي و غيرهم و إن فرضوا المثال في العبد الذي يقبل فيه التفسير بأرش الجناية، لعموم أدلة الإقرار، إلا أنه لما كان المقر به من غير جنس الدار صار الإقرار مجملا لاحتماله وجوها و قد عرفت سابقا أنه إذا أقر بمبهم رجع في تفسير الكيفية إليه على نحو ما سمعته في الإقرار بالمبهم.

و حينئذ فإن فسره بجزء منها قيمته مأة الذي هو أحد محتملات اللفظ قبل و صار المقر له شريكا بنسبة ذلك الجزء، و كذا يقبل إن فسره بجزء يقصر قيمته عن مأة على معنى أنه اشتراه بذلك، بل في المسالك «و إن قال: إنه دفع في ثمنها مائة و هو اشتراها لنفسه كانت قرضا عليه» و نحوه ما في القواعد و محكي المبسوط و التذكرة و التحرير و الدروس و جامع المقاصد في العبد الذي فرضوه مثلا في المسألة.

ج 35، ص: 75

لكن قد يناقش بأن ذلك ليس من محتملات اللفظ، و فيها أيضا «و إن قال:

إن المقر له نقد في ثمنها لنفسه مأة سئل ثانيا عن مجموع ثمنه، و هل وزن هو شيئا أم لا؟ فان قال: الثمن مأة و لم أزن فيه شيئا كان إقرارا له بالدار» و قد يناقش بنحو ما سمعت أيضا.

نعم إن قال: إنه وزن أيضا سئل عن كيفية الشراء هل كان دفعة أو على التعاقب؟ فان قال: دفعة و أخبر أنه وزن مائة أيضا فهي بينهما نصفان، و إن قال:

إنه وزن مأتين فللمقر له ثلثها، و هكذا. سواء كانت القيمة مطابقة لذلك أم لا.

و إن أخبر أنهما اشترياها بعقدين رجع إليه في مقدار كل جزء، و قبل ما يفسره، حتى لو قال: إنه اشترى تسعة أعشارها بمأة و المقر له اشترى عشرها بمأة قبل لأنه محتمل، سواء وافق في ذلك القيمة أو لا بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن مالك، نعم عن التذكرة تقييد قبوله باليمين، و فيه أنه كغيره من صور التفسير إذا أنكر المقر له.

و إن قال: أردت اوصى له بمأة من ثمنها قبل، و بيعت و دفع إليه من ثمنها المأة، حتى لو أراد أن يعطيه المائة من غير ثمنها لم يكن له ذلك إلا برضاه، لأنه استحق ألفا من ثمنها، فوجب البيع في حقه إلا أن يرضى بتركه، بلا خلاف أجده بين من تعرض له من الكتب السابقة، نعم الظاهر أن مرادهم مع احتمال الثلث.

و إن فسره بأنه دفع إليه مائة ليشتريها له ففعل ففي المسالك «فهو إقرار له بها» أجمع و فيه المناقشة السابقة، و إن فسره بأنها رهن عنده على المأة ففي قبوله وجهان: من أن ظاهر الإقرار كون الدار محلا للألف، و محل الدين الذمة لا المرهون الذي هو وثيقة له، و من أن له تعلقا ظاهرا بالمرهون، و عن المبسوط أنه الصحيح، و التحرير أنه الوجه، و التذكرة أنه أقوى، و جامع المقاصد فيه قوة، و جزم به الفاضل في القواعد.

هذا كله مع تصديقه إياه فإن أنكر أي المقر له شيئا من تفسيره

ج 35، ص: 76

كان القول قول المقر مع يمينه حيث يكون اللفظ قابلا له، لأنه أعم بما أراد و لأصالة براءة ذمته مما سوى ذلك.

[المسألة العاشرة إذا قال: له في ميراث أبي أو من ميراث أبي مائة كان إقرارا]

المسألة العاشرة:

إذا قال: له في ميراث أبي أو من ميراث أبي مائة مثلا كان إقرارا بلا تناقض عند المشهور، لأن المراد تركة أبيه، و قد يكون استحق ذلك بوصية أو دين أو نحوهما من المتعلقات التي يكون في التركة.

و أما لو قال: في ميراثي من أبى أو من ميراثي من أبى لم يكن إقرارا على المشهور بين الأصحاب و كان كالوعد بالهبة.

و كذا لو قال: «له ألف من هذه الدار» صح إقرارا بلا تناقض و أما لو قال: «من داري» لم يقبل.

و كذا لو قال: له في مالي ألف و نحو ذلك لم يقبل للتناقض بين ظهور إضافته إليه المقتضية له ملكا حال الإقرار و بين كونه ملكا سابقا للغير متصلا إلى حين الإقرار، و من المعلوم عدم كون الشي ء الواحد مملوكا لشخصين في زمان واحد.

و من الناس (11) القائلين بعدم صحة الإقرار مع الإضافة من فرق بين «له في مالي» و بين «له في داري» (12) فجعله إقرارا في الأول بلا تناقض بخلاف الثاني، و ذلك ب (13) سبب أن بعض الدار لا تسمى دارا (14) لأنها اسم للمجموع، فإذا قال: «لفلان بعض داري» لم يقبل، لأن الباقي على ملكه لا يسمى دارا و (15) أما بعض المال (16) فإنه يسمى مالا (17) فإذا قال مثلا: «له في مالي مائة» صح إقرارا، لأن الفاضل يسمى مالا.

و من هذا يظهر أنه لا فرق عند هذا القائل بين قوله: «داري لفلان» و «مالي

ج 35، ص: 77

لفلان» لأنه استغرق بالإقرار الجميع، فلم يبق مع الإقرار ما يصحح الإضافة إلى نفسه فيهما، و إنما يفرق بينهما حيث يقر ببعض المال و الدار، و هو كما ترى ليس بشي ء.

كالفرق من بعضهم بين «من ميراث أبى» و «في ميراث أبي» في جعل «في» إقرارا دون «من» محتجا بأن «في» تقتضي كون مال المقر ظرفا لمال المقر له بخلاف «من» المقتضية للفصل و للتبعيض الظاهرين في الوعد بأنه يقطع له شيئا من ماله، إذ هو مجرد دعوى بلا شاهد.

نعم في المختلف الخلاف في أصل المسألة، فصحح الإقرار في الأمثلة المزبورة جميعها، للاكتفاء في الإضافة بأدنى ملابسة التي هي إن لم تكن من أفراد الحقيقة فلا ريب في أنها من المجاز المشهور، بل قد يدعى هنا أنه المنساق منها عرفا، و لأن الإضافة قد تكون للملك و قد تكون للتخصيص، و لما امتنع الحمل على الأول لاستناد الملك المصرح به باللام إلى غيره حمل على الثاني، لوجود القرينة الصارفة للفظ عن أحد محامله إلى غيره مما دلت عليه، و لا يحكم ببطلان الثاني المصرح به للاحتمال في الأول.

و تبعه على ذلك الكركي، بل مال إليه أيضا ثاني الشهيدين، بل حكاه هو أيضا عن أولهما و إن لم نتحققه و على كل حال فحجتهم ما سمعت.

مضافا إلى أن ذلك إن اقتضى التناقض فليقتضه أيضا فيما ذكر، و أنه لا تناقض فيه بين قوله: له في ميراث أبي أو منه، لأن ما كان ميراثا لأقرب المقر ملك له أو على حكم مال الميت مع الدين، و على كل تقدير فليس ملكا للمدين و إن اقتضى الإقرار المذكور كونه ملكا له.

و دعوى إرادة الاستحقاق لا الملك مخالفة للظاهر بل و للوضع اللغوي و الشهرة في الاستعمال العرفي، و لإن جاز مثله فيه فجواز نحوه في المسألة المزبورة أولى.

ج 35، ص: 78

و كذا ما قالوه من أنه لا تناقض فيما لو قال: في هذه المسائل:

«بحق واجب» أو «بسبب صحيح» أو ما يجرى مجراه صح في الجميع إقرارا بلا خلاف فيه بينهم باعتبار كون ذلك قرينة على إرادة الإضافة بأدنى ملابسة، فإنه إذا جعل ذلك قرينة على العدول عن الظاهر في قوله: «في داري» فصحة الإقرار و إخراج الكلام عن التناقض قرينة عليه أيضا، إذ أقصاه أنه آكد و إلا فهو من حيث نفسه لا يرفع التناقض، بل يزيده و يؤكده.

هذا، و لكن يظهر لي خلو هذا البحث عن الثمرة المعتدة بها، بل هو أشبه شي ء بالنزاع اللفظي، ضرورة أنه لا كلام و لا بحث في صحته إقرارا على فرض الفهم منه عرفا على وجه يلحق بالحقائق العرفية للهيئة التركيبية بحيث يعد التفسير بما ينافيه منفصلا رجوعا عن الإقرار إلى الإنكار، أما مع فرض عدم ذلك و لو بأن يكون من قسم المنساق منه المعنى إن لم يفسر بما ينافيه فقد عرفت قبول التفسير فيه و لو منفصلا.

كما لا يخفى عليك أنه مع الرجوع إلى حقيقة اللفظ من حيث هي واضح التناقض، ضرورة مجازية الإضافة بأدنى ملابسة، بل لا ريب في اشتراك قوله مثلا:

داري أو عبدي لزيد بين الوعد و إنشاء التمليك، بل لعل مراعاة الحقيقة في الإضافة يقتضي أحدهما و إلا كان تناقضا لو أريد منه الإقرار، ضرورة رجوعه إلى أن ما هو ملك لي الان لزيد.

و دعوى وجوب صون كلام العقلاء عن مثله- بعد تسليمها، لإمكان إرادة اللافظ ذلك إفسادا للإقرار، إذ هو من مقاصد العقلاء، و قد تدعو الحاجة إليه تخلصا أو غيره- لا ينحصر علاجها في التنزيل على الإقرار بجعل الإضافة بأدنى ملابسة، و جعل اللام على حقيقتها، بل يمكن جعل اللام للعاقبة أو نحو ذلك مما لا يكون معه إقرارا، بل وعدا و غيره و إن كان مجازا و لا أقل من الشك، و الأصل براءة الذمة مما يترتب على كونه إقرارا.

و كان مقصود الأصحاب ذلك كما يومئ إليه تصريحهم بتنزيله على الإقرار

ج 35، ص: 79

لو ضم إليه ما يدل عليه من قوله: «بسبب صحيح» أو «بحق لازم» أو نحو ذلك مما يدل على كونه مستحقا له سابقا بسبب من الأسباب الصحيحة، فيكون حينئذ من القرائن الصارفة و المعينة، بخلاف ما إذا لم يضم إليه شي ء من ذلك، فإن أقصاه تعين أفراد المجاز بلا قرينة معينة، و حينئذ يكون كالمشترك و نحوه مما لم يعلم كونه إقرارا، و قد عرفت التمسك في نفيه بأصل البراءة و نحوه، و بذلك ظهر لك الوجه في المسألة بحذافيرها.

[المقصد الثالث في الإقرار المستفاد من الجواب]

المقصد الثالث في الإقرار المستفاد من الجواب فلو قال: «لي عليك ألف» فقال: رددتها أو قيمتها أو أقبضتها أو أبرأتني منها كان إقرارا بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة أنه موضع وفاق، و الكفاية نسبته إلى قطع الأصحاب، بل لا إشكال فيه، ضرورة اقتضاء الرد و الإبراء الاعتراف بما ادعاه المدعي عليه، بل هما فرع الثبوت و الاستحقاق و لازمهما، فادعاؤهما يستدعي ثبوت الملزوم، و الأصل عدم ثبوت اللازم، و حينئذ فهو مقر و مدع نحو ما لو قال: «كان له علي دين ألف و قضيت منه خمسمائة» الذي لا خلاف في أنه لا يقبل في القضاء فيه إلا ببينته، و هو واضح. و كذا دعوى قضيتها في جواب «لي عليك ألف» فإنه ظاهر و لو من حيث كون الجواب مشتملا على الضمير الراجع إلى ما في كلام المدعي في أن ذلك لك علي و لكن قضيتها.

نعم لو قال: زنها أو أنقدها أو خذها أو زن أو خذ لم يكن إقرارا

ج 35، ص: 80

بلا خلاف أجده، لعدم صدق الإقرار على مثله عرفا، خصوصا بعد قوة احتمال الاستهزاء في مثل ذلك، نحو «حل كيسك» أو «هي ميراثك» و نحوهما مما يستعمل في التهكم و الاستهزاء في جواب الدعوى، بل ربما كان اللفظ صريحا في التصديق و لكن تنضم إليه قرائن تخرجه عن موضوعه إلى الاستهزاء، نحو قوله:

«صدقت و بررت» مع تحريك الرأس الدال على شدة التعجب و الإنكار و غيرهما مما يستعمل في العرف كثيرا، و الغرض أن هذه الألفاظ مع عدم القرائن لا تدل على الإقرار و الاعتراف بما ادعاه، و إشعار الحال إذا لم يكن من دلالة لفظ لا يترتب عليه حكم الإقرار الذي قد عرفت.

و لو قال: نعم أو أجل أو بلى كان إقرارا بلا خلاف أجده، بل و لا إشكال، لأن قوله: «لي عليك ألف» إن كان خبرا فنعم حرف تصديق له، و إن كان استفهاما بحذف أداته فهي بعده للإثبات و الإعلام، كما أن «لا» لنفيه و «أجل» مثلها، بل «بلى» عرفا كذلك، فتقع جوابا للخبر المثبت على إرادة إثباته نحو «نعم» و إن كان لغة لإبطال النفي، فلا يجاب بها الإثبات و إن قدر استفهاما محذوف الأداة فهي تأتي لجوابه أيضا و إن كان قليلا لغة نحو

قول النبي صلى الله عليه و آله (1): «أ ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قالوا: بلى»

لكنه في العرف كثير، و المدار في الإقرار الان عليه، بل لو قلنا بأن استعمالها في الإثبات غلط و لكن يترتب

عليه حكم الإقرار و إن كان غلطا، بمعنى خروجه عن القانون اللغوي، كما هو واضح.

و لو قال: أنا مقر به أو بما تدعيه أو بدعواك أو بما ادعيت أو نحو ذلك لزمه مقتضى الإقرار به.

و لو قال: أنا مقر و اقتصر لم يلزمه، لتطرق الاحتمال على المشهور في الأول، للتبادر عرفا خلافا لمحكي التذكرة و الدروس و غيرهما، فلا يكون إقرارا


1- 1 سنن ابن ماجة ج 2 ص 573 الطبعة الأولى بمصر.

ج 35، ص: 81

حتى يقول: إنه مقر به لك، لأنه و إن كان ظاهرا في الإقرار إلا أنه لا ظهور فيه في الإقرار للمخاطب، لجواز إرادة الإقرار للغير، و لتصادم الوجهين و أصالة عدم الإقرار توقف فيه جماعة: منهم الفخر و الأردبيلي و غيرهما.

و فيه أن الضمير عائد إلى الألف في عبارة المقر له التي هي الدعوى، مؤيدا بصون الكلان عن الهذر و العبث و السفه، ضرورة تحققها لو أجاب مثلا بأني مقر بأن الزكاة مثلا واجبة، و لو أن الاحتمال كائنا ما كان كان معتبرا لكان موجودا حتى لو قال: «لك» لأن «مقرا» اسم فاعل يحتمل الحال و الاستقبال، فيكون وعدا، كما لو قال: «أقر لك» لكن من الواضح عدم العبرة فيه عرفا، فكذا المفروض.

بل في المسالك «مع أنه قد قيل: إن قوله: «أقر به لك» إقرارا أيضا لأن قرينة الخصومة و توجه الطلب يشعر بالتنجيز».

قلت: ظاهر جامع المقاصد عدم كونه إقرارا نعم فيه و في القواعد بل قيل يلوح من التذكرة و الدروس التصريح بأن الإقرار بالإقرار إقرار، معللا بعضهم ذلك بأن الإقرار إخبار جازم بحق سابق، و الإقرار حق أو في معنى الحق، لثبوت الحق به، فيندرج في

عموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1)

و ظاهرهم إرادة الإقرار بأنه لك سابقا لا أنه يقر به فيما يأتي إذ هو وعد.

اللهم إلا أن يقال: إنه بقرينة كونه جوابا لقوله: «لي عليك ألف» يفهم منه الاعتراف بالحق فعلا و لكن وعد بالاخبار به فيما يأتي، و كذا الكلام في قوله:

جوابا: «لست منكرا له» كما صرح به غير واحد و إن استشكل فيه في محكي التحرير، و احتمل عدمه جماعة: منهم الشهيدان في الدروس و الروضة، لاحتمال السكوت المتوسط بين الإقرار و الإنكار، فيكون

حينئذ عدم الإنكار أعم من الإقرار و أيضا الأصل عدمه.


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 82

لكن لا يكاد ينكر تبادر الإقرار من مثله عرفا، و لا ينافيه صحة قوله:

«لا أنكره و لا أقر به» لغة و عرفا، إذ الكلام في قول: «لست منكرا له» نعم صرح غير واحد بعدم كونه إقرارا لو اقتصر على قوله: «لست منكرا» من دون ضم «له» مع أنه لا يخلو من إشكال، كالإشكال فيما حكي عن التذكرة من أنه لو قال: «لا أنكر أن تكون محقا» لم يكن إقرارا، لجواز أن يريد في شي ء آخر فتأمل.

بل لولا فتوى المصنف و من تأخر عنه في ما لو اقتصر على قول «أنا مقر» بأنه لم يكن إقرارا لأمكن الإشكال فيه بظهوره عرفا في مقام الجواب في الإقرار، خصوصا بعد قوله تعالى (1)«أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي؟ قالُوا: أَقْرَرْنا» و قوله (2)«فَاشْهَدُوا» و إن كان في نفسه محتملا للإقرار بغير ذلك.

و لو قال: اشتريت مني أو استوهبت مني فقال: نعم فهو إقرار بالشراء منه أو الهبة كذلك، فيترتب على كل منهما حكمه

من المطالبة بالثمن، و كونه ملكا بالأصل للبائع و الواهب، و جواز الرجوع لو كان في البيع خيار، أو كان يجوز الرجوع بالهبة أو ظهر بطلانهما أو غير ذلك.

و لو قال: «اشتر مني أو اتهب» فقال: «نعم» فهو إقرار على ما صرح به الفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهم و ظاهرهم إنه إقرار بالملكية، لأن وعده بالشراء منه يقتضي ذلك، إذ البيع الصحيح لا يصدر عن غير مالك، لكن قد يشكل ذلك كله بأنه أعم من الاعتراف له بالملكية له، ضرورة احتمال التوكيل و غيره، و دعوى أن إقراره بذلك يقتضي الإقرار باليد المقتضية للملكية مع أن الأصل عدم التوكيل كما ترى.

و لعله لذا فرق في محكي التذكرة بين أن يقول: «اشتر مني عبدي هذا»


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 81.
2- 2 سورة آل عمران: 3- الآية 81.

ج 35، ص: 83

فيقول: «نعم» و بين أن يقول: «اشتر هذا العبد» فيقول: «نعم» لظهور الأول في الإقرار بالملكية بخلاف الثاني، فإنه ظاهر في ملكية البيع لا المبيع. بل عن بعض الجزم بعدم كونه إقرارا بالملكية، و لا أقل من الشك، و الأصل العدم.

و لو قال: «أ ليس لي عليك كذا» فقال: «بلى» كان إقرارا بلا خلاف و لا إشكال، لأن «بلى» أصلها «بل» زيدت عليها الألف، فهي رد لقوله: «ليس عليك» الذي دخل عليه حروف الاستفهام و نفى له، و نفي النفي إثبات، فيكون إقرارا، و هذا معنى قوله في المسالك: «إن «بلى» مختصة بالنفي لغة و مبطلة له، سواء كان مجردا، نحو «زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ: بَلى وَ رَبِّي»(1)أم مقرونا بالاستفهام حقيقة، نحو «أ ليس زيد بقائم» فتقول «بلى» أو تقريرا نحو «أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟ قالُوا: بَلى»(2)«أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا: بَلى»(3)إجراء للنفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى، و لذا حكي عن ابن عباس (4)بل في غاية المراد حكايته عن إطباق العلماء و المفسرين أنه لو قالوا: نعم كفروا» و لعله لأن «نعم» تصديق للخبر نفيا كان أو إثباتا.

و من هنا قال غير واحد في المفروض لو قال: «نعم» لم يكن إقرارا بل نسب إلى الشيخ و أكثر الأصحاب، كما عن الإيضاح و غيره و إن كنا لم نتحققه، بل عن الشيخ أيضا نسبته إلى الفقهاء، لأنه حينئذ تصديق للنفي لا إثبات للخبر و إبطال للنفي، كما سمعته في «بلى».

و لكن مع ذلك فيه تردد من حيث يستعمل فيه الأمران أي «نعم» و «بلى» في ذلك استعمالا ظاهرا في العرف الذي هو مقدم على اللغة،


1- 1 سورة التغابن: 64- الآية 7.
2- 2 سورة الملك: 67- الآية 8 و 9.
3- 3 سورة الأعراف: 7- الآية 172.
4- 4 تفسير روح المعاني ج 9 ص 101.

ج 35، ص: 84

بل عن جماعة من أهل العربية منهم ابن هشام أنها كذلك لغة، و حكاه في المغني عن سيبويه، بل قال: نازع السهيلي و غيره في المحكي عن ابن عباس و غيره في الآية(1)متمسكين بأن الاستفهام التقريري خبر موجب، و كذلك منع سيبويه من جعل «أم» متصلة في قوله تعالى (2)«أَ فَلا تُبْصِرُونَ. أَمْ أَنَا خَيْرٌ» لأنها تقع بعد الإيجاب، و إذا ثبت أن الاستفهام التقريري إيجاب فنعم بعده تصديق له، و استشهد على ورودها لغة في جواب الاستفهام التقريري بقول الأنصار للنبي صلى الله عليه و آله و قد قال لهم: «أ لستم ترون ذلك لهم»: «نعم» و بقول الشاعر:

أ ليس الليل يجمع أم عمروو إيانا فذاك بنا تداني

نعم و أرى الهلال كما تراه و يعلوها النهار كما علاني

و في المسالك «و حينئذ فالحكم بكونه إقرارا قوي و عليه أكثر المتأخرين».

قلت: لا يخفى عليك أن أقصى ما في هذه الشواهد صحة قيام «نعم» مقام «بلى» في إفادة الإثبات، و هو لا يجدي في الحكم بكون ذلك إقرارا، نعم لو ثبت أنها في العرف كذلك على وجه لا يراد منها التصديق و لو استعملت فيه كانت مجازا نحو «بلى» ترتب عليها حكم الإقرار، و هو و إن كان ظاهر الابى في كشف الرموز لكن دون ثبوته خرط القتاد، و لا أقل من الشك، و الأصل عدم الإقرار.

بقي الكلام في شي ء و هو أن ظاهر ترتب حكم الإقرار على الدلالات اللفظية و إن كانت ظنية، من غير فرق في ذلك بين الحقائق و المجازات، و احتمال قصره على الأول لا دليل عليه، ضرورة عموم الدليل الدال على الحجية من غير فرق بين الإقرار و غيره، و ما اشتهر بين الأصحاب من أن القاعدة في الإقرار الاقتصار على


1- 1 سورة الأعراف: 7- الآية 172.
2- 2 سورة الزخرف: 43- الآية 51 و 52.

ج 35، ص: 85

المتيقن إنما المراد به غير ما كان من دلالة الألفاظ التي هي حجة في غيره، نعم قد تكرر منا قبول التفسير بالمنافي فيما كان يظهر من السياق و نحوه مقيدا بما إذا لم يتعقبه التفسير بالمنافي، و إلا فإذا وصل في الظهور إلى حد يعد تفسيره بالمنافي منفصلا من الإنكار بعد الإقرار لا يسمع أيضا.

[المقصد الرابع في صيغ الاستثناء]
اشاره

المقصد الرابع في صيغ الاستثناء الذي لا خلاف عندنا في جريانه في الإقرار، بل الإجماع بقسميه عليه، بل و عند غيرنا عدا ما يحكى عن مالك، فمنعه فيه، و لا ريب في فساده، نعم يعتبر فيه عندنا الاتصال العادي بالمعنى الذي يصح في الاستعمال عادة، خلافا للمحكي عن ابن عباس، فجوزه إلى شهر، و حمل على قبول خبره به إلى تلك المدة و إن كان هو كما تراه أيضا، و حكاه في الرياض عن ابن إدريس و لم نتحققه.

و على كل حال ف قواعده كثيرة قد ذكر منها جملة في الأصول، و لكن اقتصر المصنف منها هنا على ثلاثة:

ج 35، ص: 86

الأولى:

الاستثناء من الإثبات نفي، و من النفي إثبات بلا خلاف معتد به بين الخاصة و العامة أجده في الأول، بل استفاض نسبته إلى جميع علماء الإسلام، نعم عن بعض الأصوليين حكاية الخلاف فيه عن الحنفية، مع أنه حكى عنهم القول بالنفي في «له علي عشرة إلا ثلاثة» و إن أمكن أن يكون ذلك عندهم لأصل البراءة لا للاستثناء، لكنه على كل حال واضح الفساد، بل و لا في الثاني من غير أبي حنيفة، و البداهة تشهد بخلافه، ضرورة كونه كالأول كما حرر في محله.

الثانية:

الاستثناء من الجنس جائز إجماعا بقسميه، بل و من غير الجنس و إن قال المصنف على تردد و الفاضل على الأقوى مشعرين بوجود الخلاف فيه بيننا، إلا أنه لم نجده كما اعترف به غيرنا، بل عن القاضي في شرح المختصر لا نعرف خلافا في صحته لغة و وروده في كلام العرب و القرآن، و تأويله بما يرجع إلى المتصل لا مقتضي له، و ظاهره نفيه بينهم أيضا.

لكن عن الفاضل في التذكرة حكاية منع الاستثناء من غير الجنس عن أبي حنيفة إلا في المكيل و الموزون و المعدود بعضها من بعض، و حكى عن محمد بن الحسن و زفر و أحمد بن حنبل عدم جوازه مطلقا بحال، بل عن سعد الدين في شرح الشرح حكايته في الجملة عن الآمدي.

و كيف كان فلا ريب في ضعفه بل فساده نعم في كونه حقيقة أو مجازا خلاف، و الحق الثاني.

ثم إن الظاهر إرادة دخول المستثنى في المستثنى منه لولا الاستثناء من الجنس و عدم دخوله فيه من غير الجنس، حتى لو قال: «قام القوم» و أراد منهم معدودين ليس منهم زيد ثم قال: «إلا زيد» كان من غير الجنس.

ج 35، ص: 87

القاعدة الثالثة يكفي في صحة الاستثناء أن يبقى بعد الاستثناء بقية سواء كانت أقل أو أكثر كما صرح به غير واحد، بل في الإيضاح نسبته إلى أكثر علمائنا و أكثر الأشاعرة و أكثر الفقهاء و أكثر المتكلمين، بل عن المبسوط و الغنية و السرائر جواز استثناء الأكثر بلا خلاف إلا من ابن درستويه النحوي و أحمد بن حنبل، بل في التنقيح نسبته إلى الفقهاء، كما أن في نهاية المرام نسبة المنع إلى شاذ.

لكن في الإيضاح منع قوم من استثناء الأكثر، و منع القاضي و أبو بكر و الحنابلة من الاستثناء الأكثر و المساوي، و أوجبوا في المستثنى أن يكون أقل، و أوجب أبو الحسين البصري بقاء كثرة تقرب من مدلول اللفظ و نحوه غيره، بل نقل عن الأكثرين المحققين في مسألة منتهى التخصيص بإلا أو غيرها اعتبار بقاء جمع و كثره تقرب من مدلول العام.

و ربما يوهم التنافي بينه و بين ما سمعت من كلامهم هنا، و لكن يمكن دفعه بأن المراد في الأصول بيان الحقيقة و لو للهيئة التركيبية و حينئذ لا ريب في اعتبار بقاء كثرة تقرب من مدلول العام بخلافه في الفقه فان المراد أصل الجواز و لو مجازا، لأن المراد في المقام و نحوه الالتزام الذي لا تفاوت فيه بين الحقيقة و المجاز.

[تفريع على الاستثناء من النفي و الإثبات]

و كيف كان ف التفريع على القاعدة الاولى أنه إذا قال: «له علي عشرة» من الدراهم إلا درهما كان إقرارا بتسعة و نفيا للدرهم لأنه أثبت العشرة ثم نفى عنها بالاستثناء واحدا إذ الفرض أنه استثناء، و قد عرفت أنه من الإثبات نفي.

نعم لو قال: إلا درهم بالرفع و كان مراده الجريان على القانون

ج 35، ص: 88

العربي كان إقرارا بالعشرة لأنه ليس استثناء حينئذ و إلا لنصب، فلا بد من حمل «إلا» فيه على معنى غير التي يوصف بها و بما بعدها ما قبلها، و لما كانت العشرة مرفوعة بالابتداء كان الدرهم صفة للمرفوع فارتفع، و كان المعنى عشرة موصوفة بكونها غير درهم، و حينئذ فقد وصف المقر به و لم يستثن منه شيئا، و أقصاها أنها صفة مؤكدة صالحة للإسقاط، إذ كل عشرة هي درهم نحو نفخة واحدة، كما هو واضح.

و لو قال: «ماله عندي شي ء إلا درهم» كان إقرارا بدرهم لأنه نفي كل شي ء و أثبت الدرهم بالاستثناء الذي هو من النفي إثبات. و كذا لو قال:

ماله عندي عشرة إلا درهم بالرفع الدال على أنه استثناء من المنفي التام كان إقرارا بدرهم فيكون إثباتا و أما لو قال: إلا درهما بالنصب لم يكن إقرارا بشي ء على المشهور كما في المسالك. قيل: لا لأن النصب غير جائز فيه حتى يكون قرينة على جعله استثناء من الموجب بجعل النفي داخلا على المستثنى و المستثنى منه، فكأنه قال: «المقدار الذي هو عشرة إلا درهما ليس له علي»، أى التسعة ليس له علي، فلا يكون إقرارا بشي ء، لأن اتفاق النحاة على جواز النصب و الرفع فيه و إن كان الثاني أكثر، بل لكونه محتملا لذلك و للاستثناء المقتضي للإقرار بدرهم للقاعدة المزبورة، و لا ريب أن الأصل البراءة.

و فيه منع العبرة بمثل الاحتمال المزبور بعد أن كان اللفظ ظاهرا في الاستثناء و إلا لانسد باب الإقرار، بل يشك في أصل جوازه، ضرورة عدم الاستثناء فيه حقيقة كي يتجه نصبه حينئذ عليه. لأنه الإخراج من الحكم لا من نفس العدد، بل هو أشبه شي ء بالتوصيف الذي هو ممنوع هنا للنصب.

و احتمال ذكره على الحكاية في جواب من قال: «لي عليك عشرة إلا درهما» لا يتم في الفرض الذي هو ابتداء كلام، كاحتمال خروجه من النسبة الإيجابية التي تسلط عليها السلب، ضرورة أن السالب ليس له إلا حكم واحد و هو السلب، كما هو واضح. فلا صحة له إلا على تقدير و تكلف لا يخرج به عن حقيقة الكلام،

ج 35، ص: 89

بحيث لا يغرم المقر.

و من ذلك ينقدح الاشكال فيما ذكروه دفعا للتنافي بين دخول المستثنى في المستثنى منه و خروجه منه، إذ الشي ء الواحد لا يكون داخلا خارجا، بل الأولى في دفعه حينئذ أن يقال: إن دخوله في ظاهر اللفظ لا ينافي خروجه في نفس الأمر كما حرر في محله، و الله العالم.

و حينئذ فإذا قال: «ليس له علي عشرة إلا خمسة» التزم بالخمسة سواء وقف أو رفع أو نصب إلا مع القرينة الدالة على إرادة بيان عدم الالتزام بالخمسة التي يعبر عنها بالعشرة إلا خمسة، كما هو واضح، فتأمل جيدا.

و لو قال: «له خمسة إلا اثنين و إلا واحدا كان إقرارا باثنين بلا خلاف و لا إشكال، إذ الضابط في هذه المسائل أنه مع تعدد الاستثناء إن كان متعاطفا أو الثاني مستغرقا لما قبله سواء ساواه أو زاد عنه، كما لو قال: «له عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة- أو إلا ثلاثة». رجع الجميع إلى المستثنى منه، و يكون الإقرار بالباقي و هو الاثنان في الأول و الثلاثة أو الأربعة في الثاني، و إن كان الثاني أقل من سابقه و لم يكن معطوفا عليه عاد الثاني إلى متلوة لا إلى الأول.

نعم لو استغرق المتعدد الراجع إلى الأول بالتعاطف أو غيره بطل ما حصل به الاستغراق، كما لو قال: «له علي عشرة إلا ستة و إلا خمسة» أو قال: «له علي عشرة إلا ستة إلا سبعة» فيبطل حينئذ الاستثناء الثاني، لأنه لا خلاف كما اعترف به غير واحد في بطلان الاستثناء المستغرق بل في الروضة الاتفاق عليه، و لعله قاعدة ثالثة، بل الظاهر عدم حمله على الغلط بل لو ادعاه لم يسمع، نعم لو تعقبه استثناء آخر يزيل استغراقه كما لو قال مثلا له ثلاثة إلا ثلاثة إلا اثنين احتمل البطلان فيهما أيضا، و بطلان الأول خاصة دون الثاني، فيلزمه درهم حينئذ، و صحتهما فيلزمه درهمان، لأن ثلاثة إلا درهمين في مقام درهم، و هو المستثنى بعد الإقرار، و لعل الأخير لا يخلو من قوة، بل عن الفخر الجزم به.

ج 35، ص: 90

و كيف كان فإذا تعدد الاستثناء و لم يتعاطف و لا استغرق الثاني رجع كل تال إلى متلوة، سواء كان قد ابتدأ بالنفي أو بالإثبات و صار الاستثناء الأول مضادا للمستثنى منه في النفي و الإثبات. ف لو قال: له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة كان إقرارا بثمانية لأن العشرة مثبتة و الخمسة منفية، فيبقى خمسة و الثلاثة مثبتة، فتضاف إلى الخمسة الباقية، فيصير المقر به ثمانية.

و لو ابتدأ بالنفي فقال: «ما له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة» فالإقرار باثنين لأن الخمسة مثبتة من النفي، و الثلاثة منفية من الخمسة، فيبقى المقر به اثنان، و لو قال: «له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية» فهو إقرار بتسعة، و لو عد إلى الواحد فهو إقرار بخمسة.

و الضابط على ما ذكرناه أن يسقط المستثنى في الأول من المستثنى منه و يجبر الباقي بالثاني، و يسقط الثالث و يجبر بالرابع، و هكذا، أو يسقط جملة المنفي من جملة المثبت بعد جمعهما، فالمقر به هو الباقي، و هو ضابط آخر، بل قد يضبط أيضا بأن تحط الأخير مما يليه ثم باقيه مما يليه، و هكذا إلى الأول، فالمقر به الباقي.

و على الثلاثة يكون المقر به مع الانتهاء إلى الواحد خمسة، ضرورة أنه على الأخير يحط الواحد من الاثنين يبقى واحد، يحط من الثلاثة يبقى اثنان، يحطان من الأربعة يبقى اثنان أيضا، يحطان من الخمسة يبقى ثلاثة، تحط من الستة يبقى ثلاثة، أيضا، تحط من السبعة تبقى أربعة، تحط من الثمانية تبقى أربعة أيضا، تحط من التسعة تبقى خمسة، و على سابقه يكون المثبت ثلاثين، لأنه عشرة و ثمانية و ستة و أربعة و اثنان، و المنفي خمسة و عشرين، لأنه تسعة و سبعة و خمسة و ثلاثة و واحد، فإذا أسقطنا جملة المنفي الذي لا إقرار فيه من المثبت الذي فيه الإقرار يكون الباقي خمسة، و أما على ما ذكرناه فكذلك، كما هو واضح.

ج 35، ص: 91

إنما الكلام فيما ذكره جماعة من أنه لو قال متصلا بقوله: «إلا واحدا إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة» إلى التسعة لزمه واحد، و قال في الدروس: «و لو أنه لما وصل الواحد قال: إلا اثنين إلا ثلاثة إلى التسعة لزمه واحد، لأنا نضم الأزواج إلى الأزواج تكون ثمانية و أربعين، و الأفراد إلى الأفراد تكون تسعة و أربعين، فإذا أسقطنا الأول من الثاني بقي واحد».

و فيه (أولا) أن ضم الأزواج إلى الأزواج يقتضي أن تكون خمسين، لأنها في السابق كما عرفت كانت ثلاثين، و يضم إليها الاثنان و الأربعة و الستة و الثمانية، و هي عشرون، و العشرة لا تعد إلا في المرة الاولى، و الأفراد إذا ضمت إلى الأفراد تبلغ تسعة و أربعين، لأنها كانت في السابق خمسة و عشرون، و يضم إليها الثلاثة و الخمسة و السبعة و التسعة، و هي أربعة و عشرون، و الواحد لا يعد إلا في المرة السابقة، فيكون المجموع تسعة و أربعين، و حينئذ فتسقط الأفراد- التي هي منفية لا الأزواج المثبتة- من الأزواج، يكون الباقي واحدا.

و (ثانيا) أن هذا متوقف على معرفة استثناء الاثنين على وجه يكون مثبتا إذ لا يصح أن يكون مستثنى من الواحد الذي يليه للاستغراق، و لا من الاثنين المستثنى منهما الواحد للاستغراق أيضا، و لا من الخمسة الثابتة التي حصل الإقرار بها، لاقتضائه حينئذ كونهما منفيين لا ثابتين، و لا من الخمسة المنفية، لاقتضاء الاستغراق في قوله بعدهما: «إلا ثلاثة» ضرورة كون الباقي منها بعد إخراج الاثنين ثلاثة، و دعوى خروجها حينئذ من السبعة المثبتة التي حصلت بضم الاثنين إليها يقتضي تعدد المستثنى به في الاستثناء.

و بالجملة هو مجمل غير موافق للضوابط إلا مع القرينة التي لا بأس به معها و لو بأن تجعل جملة الأزواج مثبتة مستثنى منها، و جملة الأفراد منفية مستثناة، و يكون جملة الكلام بمنزلة إقرار واحد بخمسين، مستثنى منه تسعة و أربعون، و يصير جملة الكلام بمنزلة قوله: «له علي عشرة» يخرج منها تسعة، و يضم إليها ثمانية، و يخرج منها سبعة، و يضم إليها ستة، و هكذا من دون نظر إلى استغراق

ج 35، ص: 92

التالي لمتلوه.

و هو كما ترى خارج عن عد المفروغ منها عندهم، بل لا يوافق ما ذكره الشهيد أيضا في عكس أصل الفرض بأن قال: «له علي عشرة إلا واحد إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة» و هكذا إلى التسعة، فإنه يلزمه واحد، لأن الثلاثة الأول كلها منفية من العشرة، لعدم صحة استثناء التالي فيها من متلوة لاستغراقه، فتكون جملة واحدة مستثناة من العشرة منفية فيها، و هي حينئذ يبقى منها أربعة ثم تجبر بالرابع، و هو الأربعة، فتكون ثمانية، و قد انحط بالخامس منها خمسة بقي ثلاثة، فتجبر بالسادس و هو الستة، تكون تسعة، و يحط منها بالسابع سبعة يبقى اثنان، فتجبر بالثامن، و هو الثمانية، و يكون عشرة، ثم يحط منها التسعة يبقى واحد، كما هو مقتضى ضابط ضم الأفراد إلى الأزواج و إسقاطها منها، و الباقي هو المقر به.

ضرورة كون الأفراد هنا سبعة و عشرين، لأنها الستة الأولى المنفية ثم الخمسة ثم السبعة ثم التسعة و هي سبع و عشرون، و الأزواج المثبتة ثمانية و عشرون، لأنها العشرة و الأربعة و الستة و الثمانية، و هي ثمانية و عشرون، فإذا أسقطت الأفراد منها يبقى واحد، نعم لا يأتي فيه الضابط الثالث و إن كان هو كما ترى، ضرورة اقتضاء ما ذكرناه من القواعد بطلان الاستثناء الرابع، لعدم صحته من متلوة، و استغراقه لو رجع إلى العشرة، فليس هو حينئذ إلا بالجعل المزبور الذي لا يلائم القواعد المذكورة، فالإلزام بمثله مع عدم القرائن الدالة على إرادة ذلك ممنوع خصوصا بعد النظر إلى أصل البراءة و نحوه.

و كيف كان فقد بان لك بما ذكرناه الحال في جميع أطراف المسألة و ضوابطها و قواعدها التي منها أنه لو كان الاستثناء الأخير بقدر الأول أو أزيد رجعا جميعا إلى المستثنى منه لا إلى متلوة للاستغراق. كقوله:

«عشرة إلا واحدا إلا واحدا» فيسقطان معا من الجملة الأولى كما هو واضح.

و لا فرق عندنا في صحة الاستثناء في الإقرار بين الأعداد و الأعيان

ج 35، ص: 93

للعرف، ف لو قال: لفلان هذا الثوب إلا ثلثه أو هذه الدار إلا هذا البيت أو هذا الخاتم إلا هذا الفص صح، و كان كالاستثناء من العدد، بل أظهر منه في النفي و الإثبات، خلافا للمحكي عن بعض الشافعية فمنعه، لأن الإقرار بالعين نص فيها أجمع، فالاستثناء منها رجوع بعد الإقرار، و لأنه غير المعهود، و فيه من المصادرة ما لا يخفى.

و كذا لو قال: «لفلان هذه الدار و البيت لي» أو «الخاتم لفلان و الفص لي» إذا اتصل الكلام و إن لم يكن من الاستثناء المصطلح إلا أن له حكمه، ضرورة كونه كلاما واحدا متصلا بعضه ببعض على وجه التقييد و نحوه مما لا يكون ما بعده من الإنكار بعد الإقرار عرفا، كما هو واضح.

و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لو قال: هذه العبيد لزيد إلا واحدا صح عندنا، إذ هو من الإبهام في استثناء الأعيان و كلف البيان كما سمعته في المبهم غير المستثنى، و حينئذ فإن عين صح و لو أنكر المقر له كان القول قول المقر مع يمينه لأنه أعلم بنيته و إن امتنع حبس على ما تقدم في الإقرار المبهم.

و كذا لو مات أحدهم و عين الميت قبل منه لأنه أبصر، و مع المنازعة فالقول قول المقر مع يمينه خلافا للمحكي عن بعض العامة، فلم يقبله، للتهمة و لندرة الاتفاق، كما هو واضح الفساد.

ج 35، ص: 94

[تفريع على الاستثناء من الجنس]

التفريع على القاعدة الثانية إذا قال: «له ألف إلا درهما» فان منعنا الاستثناء من غير الجنس حقيقة أو حقيقة و مجازا فهو إقرار بتسعمائة و تسعة و تسعين درهما كما في القواعد و التحرير و الإرشاد و الدروس و المسالك و غيرها، لأن إخراج الدرهم منها دال على كونها من جنسه، إذ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، فالدرهم من أفراد الألف لولا الاستثناء.

لكن فيه أن القاعدة المزبورة تقتضي خروج المستثنى من جنسه، و هو أعم من كونه الألف، بل يكفي كونه من جملة الألف دراهم يصح استثناء الدرهم منها، فلا يقبل تفسيرها بالخالية عن الدراهم، و لعله لذا قال في الإيضاح: إن الأصح عدم كونها دراهم، بل عن الشهيد في الحواشي الأقوى أنه يؤتى بالتفسير، إذ لا وجه لذلك إلا ما قلناه.

نعم قد يقال: إن العرف يفهم من ذلك كون التمييز للألف أجمع الدراهم، و هو إن تم غير القاعدة المزبورة التي فرعوا عليها ذلك على القول بعدم الجواز، كما هو واضح.

و من هنا قال المصنف و غيره ممن تقدم عليه و تأخر عنه إن أجزناه أي الاستثناء من غير الجنس حقيقة على أن يكون مشتركا لفظا أو معنى كان تفسير الألف إليه، لأنها مجملة لا يعينها استثناء الدرهم بعد فرض صحته حقيقة من الجنس و غيره، و حينئذ فإن فسرها بالجنس فلا بحث و إن فسرها بشي ء من غيره كالجوز و النبق و نحوهما فان كان يصح وضع قيمة الدرهم منه و يبقى منه ما يصلح كونه مستثنى منه صح و الزم بما يبقى منه بعد وضع الدرهم، بلا خلاف أجده فيه بينهم و إن كان (11) الدرهم

ج 35، ص: 95

يستوعبه بحيث لم يبق مستثنى منه فلا خلاف بينهم أيضا في عدم صحة التفسير.

و لكن قيل و القائل أبو علي فيما حكي عنه يبطل الاستثناء و يلتزم بما فسر به الألف لأنه بتفسيره يكون قد عقب الإقرار بما يبطله، إذ التفسير بيان للألف التي أقر بها أولا مبهمة، و وقع الإقرار بها صحيحا، فكان التفسير بها بمنزلتها، و هو و إن كان متأخرا إلا أنه في قوة المتقدم، لأنه كشف عن حقيقة ما أقر به أولا لا إحداث أمر جديد لم يكن حتى يقال إنه متأخر، و إنما المتأخر الاستثناء، و قد وقع مستغرقا فيصح الإقرار و يبطل المبطل و يلزمه الألف المفسرة غير المستثنى منها شي ء و اختاره الفخر و الشهيدان و الكركي.

و قيل: لا يبطل إقراره الأول بالمستثنى و المستثنى منه، للأصل و

عموم «إقرار العقلاء »

و لكن يكلف تفسيره بما يبقى منه بقية بعد إخراج قيمة الدرهم كغيره من الإقرار بالمبهم إذا فسره أولا بما لا يصح، فإنه يلزم بغير ذلك التفسير كالابتداء و إن تكرر ذلك غير مرة، لاتحاد الدليل، و دعوى كونه من تعقيب الإقرار بالمنافي واضحة الفساد، ضرورة أن التفسير ليس ابتداء إقرار، بل هو بيان و كشف للأول، فمع فرض عدم صلاحيته يطالب بغيره، لا أنه يؤخذ ببعض و يلغى آخر، و لعل هذا لا يخلو من قوة و إن كنا لم نجد قائلا به قبل المصنف، نعم جرم به الفاضل في الإرشاد، و جعله الوجه في المختلف، و لا ترجيح في القواعد و محكي المبسوط و التذكرة و النافع و التحرير و غيرها، و الأمر في ذلك كله سهل.

إنما الإشكال في منافاة ما سمعته بل و ما تسمعه في المسألة الاتية لما هو معلوم عند أهل العربية من أن الاستثناء المنقطع لا إخراج فيه، و إنما «إلا» فيه بمعنى «لكن» و حاصله بناء على جوازه حقيقة أن «إلا» تأتي لإخراج ما لولاه لدخل و لغيره، قال نجم الأئمة: «إن المتصل ما دخل في المستثنى منه قبل «إلا» لفظا

ج 35، ص: 96

أو تقديرا و المنفصل ما خرج قبله» و قد اعترف في المسالك في المسألة الاتية بأن الاستثناء المنقطع لا يقتضي الإخراج فيه، و «إلا» فيه بمعنى «لكن» كما صرحوا به في فنه.

و حينئذ فالمتجه في المثال الالتزام بالألف المفسرة من غير أن ينقص منها ما يقابل الدرهم، إذ يكون المراد بقوله: «إلا درهما» لكن درهم ليس له علي، و هو أمر خارج عما أقر به، و إلا فتقدير وضع ما قابل الدرهم المقر به يجعل الاستثناء متصلا لا منفصلا، كما هو الفرض في بناء التفريع عليه.

قال العضدي: «اعلم أن الحق أن المتصل أظهر، فلا يكون مشتركا أي لفظا، و لا للمشترك، بل حقيقة فيه و مجاز في المنقطع، فلذلك لا يحمل علماء الأمصار على المنفصل إلا عند تعذر المتصل، حتى عدلوا للحمل على المتصل عن الظاهر و خالفوه، و من ثم قالوا في قوله: «له عندي مأة درهم إلا ثوبا» و «له علي إبل إلا شاة» معناه إلا قيمة الثوب و قيمة الشاة فيرتكبون الإضمار، و هو خلاف الظاهر فيصير متصلا، و لو كان المنقطع ظاهرا لم يرتكبوا مخالفة الظاهر حذرا عنه» و هو صريح في أنه مع التقدير المزبور يكون متصلا.

و في جامع المقاصد عن الفاضل في كتاب نهج الوصول و ابن الحاجب أنهما حكيا عن علماء الأمصار إضمار قيمة الثوب في «له علي عشرة إلا ثوبا» و هو ظاهر في ذلك أيضا.

و من ذلك يعلم الإشكال أيضا فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لو قال: له علي ألف درهم إلا ثوبا فان اعتبرنا الجنس بطل الاستثناء لأنه من غير الجنس و إن لم نعتبره بل قلنا بجوازه حقيقة أو مجازا كلفنا المقر ببيان قيمة الثوب، فإن بقي بعد قيمته شي ء من الألف صح و إلا كان فيه الوجهان السابقان، بل لا أجد خلافا بينهم في شي ء من ذلك.

نعم في المسالك «إن قلنا: إن الاستثناء المنقطع مجاز فقد صرح بإرادة

ج 35، ص: 97

المجاز فلا إشكال في صحته من هذا الوجه، و رجع إليه أيضا في بيان قيمة الثوب، لكن هل يعتبر فيها عدم استغراق الألف؟ ظاهر كلام المصنف و كثير ذلك، لأنهم بنوه على القول بصحة الاستثناء الشامل للحقيقة و المجاز، بل هو في الثاني أظهر، لأنه القول الأشهر، و يشكل بأن الاستثناء المنقطع لا يقتضي الإخراج، و «إلا» فيه بمعنى «لكن» كما صرحوا به في فنه فلا مانع حينئذ من استغراقه، و يكون بمنزلة جملتين: إحداهما إقرار و الأخرى إثبات أمر آخر، و لا إشكال في عدم ثبوت الزائد منه غير المستثنى منه، لأن الزائد محض دعوى، و إنما الكلام في المساوي، لكنه مع ذلك يشكل باستلزامه مع الاستغراق إلغاء الإقرار بل قد ذكر بعض الأصوليين و الفقهاء أن الاستثناء في المثال المذكور متصل، و أن المراد منه قيمة الثوب، فكأنه استثنى من الألف درهم دراهم بقدر القيمة، فاعتبر فيه عدم الاستغراق كالمتصل، و هذا متجه».

قلت: هو مع أنه أمر آخر غير ما ذكرناه يأتي عليه ما قلنا من الاشكال، بل فيه أوضح، لاعترافه بعدم اقتضاء الانقطاع الإخراج، و أن «إلا» فيه بمعنى «لكن» فلا تفاوت بين المستوعب و غيره في عدم تعلقه بالمقر به، كما عرفت. و لا مخلص عن هذا الإشكال إلا بفرض كلامهم في منقطع علم إرادة سقوط عينه من المقر به و لو بأن يكون له عليه ألف درهم مثلا، فدفع وفاء ثوبا و لم يحاسبه عليه، فأراد الإقرار به كذلك، و لا يلزم من ذلك كونه متصلا، ضرورة أنه لم يقدر القيمة على وجه الإضمار حتى يكون كذلك، بل استدرك الوفاء بالثوب عنها، و هو غير داخل، فأراد إخراج غير الجنس من جنس آخر، و إخراجه منه ليس إلا على معنى تنقيصه منه، ضرورة عدم دخوله فيه حتى يخرج منه، و ليس مرادهم أن ذلك من لوازم المنقطع، بل فرض كلامهم في منقطع هو كذلك.

بل قد يدعى أن المنساق من نحو هذا الفرد من المنقطع ذلك، كانسياق إرادة النقصان من نحو قوله: «له علي عشرة دنانير إلا خمسة دراهم» مثلا أو «مائة درهم إلا دينارا» و ليس هذا لتنقيص من المستثنى منه إخراجا كي ينافي الانقطاع،

ج 35، ص: 98

بل هو أمر آخر غير الإخراج الذي يلحظ في المتصل.

و دعوى إجماع علماء الأمصار على إضمار القيمة في مثله فيكون متصلا يمكن منعها على مدعيها، و لو سلمت فمفروض البحث إرادة الانقطاع منه، فليس حينئذ إلا دعوى تبادر التنقيص المزبور الذي لا ينافي الانقطاع، بل قد يدعى أن هذا أقرب إلى الحقيقة، و أولى من الإضمار المحصل للاتصال مع ظهور اللفظ في الانقطاع.

بل قد يقال بالتزام ذلك في كل مقام يقبله، و مع التعذر يكون منقطعا لا مدخلية له في المستثنى منه، حتى في التنقيص الذي لا ينافي الانقطاع، بل يمكن تنزيل ما عليه علماء الأمصار من تقدير القيمة في المثال المزبور على هذا المعنى لا على ما ظنه العضدي من إرادة تحصيل اتصال الاستثناء.

بل قد يشهد له أن علماء الأمصار إنما لهم كلام في هذا المقام، و إلا فلا مقام له آخر ذكروا فيه ذلك، على أن الاحتمال المزبور مجاز لا قرينة عليه، بل لا يتم فيما ذكرناه من المثال المشتمل على إخراج الدراهم من الدنانير و بالعكس.

و بذلك كله يتجه ما سمعت من الأصحاب، بل ظاهرهم أنه مفروغ منه، و عليه فرعوا مسألة التفسير بالمستوعب و غيره، و لقد أطنب الأردبيلي و تبعه بعض من تأخر عنه في إيراد الإشكال المزبور على كلام الأصحاب، و لم يطمئن بمخلص منه، و لكنه قد سأل الله تعالى التوفيق لحل المشكلات، و قد استجاب دعاءه بما عرفت.

بل من جميع ما ذكرنا تعرف الحال في باقي ما أورده من الإشكالات على الأصحاب، و الحمد لله الذي رزقنا ما اطمأنت به أنفسنا و إن قصرت عنه أذهان جملة من المتفقهة، و الله الهادي.

و لو كانا مجهولين كقوله: له ألف إلا شيئا صح، و كلف

ج 35، ص: 99

تفسيرهما لأنه كما يصح الإقرار بالمجهول و استثناء المجهول يصح الجمع بينهما،

لعموم «إقرار العقلاء»(1)

و غيره.

و حينئذ كان النظر فيهما كما قلناه في السابق، فان فسرهما بجنس واحد بأن قال: «الألف دراهم و الشي ء عشرة» فلا بحث، و إن فسرهما بالمختلف فقال:

«الألف جوز و الشي ء درهم» بنى على صحة الاستثناء حقيقة من غير الجنس و عدمه. و في المسالك «فإن أبطلناه صح تفسير الألف و جاء في بطلان الاستثناء أو التفسير الوجهان».

قلت: قد يحتمل بطلان أصل التفسير و تكليفه بتفسير ينطبق عليه المستثنى و المستثنى منه، لأنه كلام واحد فتأمل، و إن صححناه حقيقة صحا معا، و اعتبر في الدرهم عدم الاستغراق، و معه يأتي فيه البحث السابق، و إن صححناه مجازا ففي المسالك احتمل قبول تفسيره كما يصح لو صرح بهما مختلفين ابتداء، لأن التفسير بيان للواقع لا إحداث حكم كما مر، و قد تقدم أنه مع التصريح بإرادة المنفصل يقبل و يحتمل العدم، لأن إطلاق الأول منزل على الحقيقة، و إنما يرجع إليه في

تفسير المجمل بما يوافق الحقيقة لا بما يخالفها.

و ذهب جماعة منهم الشهيد في الدروس و العلامة إلى قبول تفسيره بالمنقطع مطلقا مع حكمهم بأنه مجاز حتى حكموا فيما لو قال: «له ألف إلا ثوبا» أنه لو فسر الألف بالجوز قبل، و لا يخلو من نظر لأن في قبول المجاز في المنفصل سد باب الإقرار، و دعوى الفرق بينه و بين تفسير المقتضي له واضحة المنع. و من ذلك يعلم ضعف الاحتمال الأول.

و لو اقتصر في المسألة على تفسير أحدهما فإن قلنا ببطلان المنفصل أو جعلناه مجازا تبعه الآخر في التفسير حملا على الحقيقة، و فيه البحث السابق، بل المتجه تقدير ما يتحقق به الاتصال و يطالب بالبيان في غيره، كما أن في قبول إخباره بالمنفصل الكلام الذي تسمعه.


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 100

و لو كانا مجهولين من كل وجه بأن لا يذكر العدد بأن قال: «له شي ء إلا شيئا» أو «مال إلا مالا» صح و رجع في تفسيرهما إليه أيضا، و روعي في الاستغراق و الاتصال ما قدمناه في السابقة و يعتبر مع ذلك في الأول زيادته عن أقل متمول ليستثني منه أقل ما يتمول، و يبقى منه بقية تكون متمولة.

و عن بعض العامة بطلان هذا الاستثناء، لاستيعابه في الصورة، فيبطل، و يجب أقل متمول، و هو و إن كان موافقا في الحكم إلا أن فيه نظرا واضحا، ضرورة قبول المستثنى و المستثنى منه للقليل و الكثير، فلا يلزمه الاستغراق، و حينئذ فلا بد من تكليفه بالتفسير لهما، و يتفرع عليهما مسألة الجنس و الاستغراق و عدمهما، نعم على قول البعض المزبور يقتصر في تكليفه على تفسير الأول من غير نظر إلى غيره، و هذه فائدة القولين، كما هو واضح.

[تفريع على أدنى مرتبة الاستثناء]

التفريع على القاعدة الثالثة: لو قال: «له على درهم إلا درهما» لم يقبل الاستثناء لاستيعابه المقتضي لفساده، فيلزم بالدرهم المقر به بل لو ادعى الغلط لم يسمع منه إلا مع القرائن الدالة على ذلك.

و لو قال: له درهم و درهم إلا درهما ف عن المبسوط و السرائر أنه إن قلنا: الاستثناء يرجع إلى الجملتين كان إقرارا بدرهم لصحة الاستثناء من مجموع الدرهمين في الجملتين و إن قلنا يرجع إلى الجملة الأخيرة و هو الصحيح عند المصنف هنا و في النافع و الآبي كان إقرارا بدرهمين و بطل الاستثناء لاستيعابه حينئذ.

بل لعله قضية كلام الفاضل في كثير من كتبه و ولده و المقداد و سيد المدارك و إن كان لمدرك آخر، و هو بطلان الاستثناء على كل حال، لاستلزامه التناقض

ج 35، ص: 101

و الرجوع عن الاعتراف لوقوع الإقرار على الدرهم بلفظ يفيد النصوصية، فلم يصح إخراج أحدهما بعد أن نص على ثبوته، كما لو قال: «جاء زيد المسلم و عمرو المسلم و خالد المسلم إلا زيدا» بخلاف ما لو قال: «له درهمان إلا درهما» فإنه قابل للتجوز في الدرهمين.

و أجيب أن التجوز عن نصف الدرهم بدرهم صحيح لصحة قولنا «له درهم إلا نصفه» فكأنه استثنى من كل درهم نصفه، و نصفا درهم درهم، و ذلك لأن دلالة لفظ «درهم» على مسماه ليس كدلالة «زيد» العلم على مسماه، إذ لا يمكن أن يراد بالاسم بعض مسماه، بخلاف إرادة البعض من المجموع لصحة إطلاق اسم الكل على الجزء، فلا يلزم النقض، بل غايته التجوز في إطلاق كل من الدرهمين على بعض.

و الأولى أن يقال: إن المنساق عرفا بعد تعذر الاستثناء مما يليه و من سابقه استثناؤه من المفهوم عرفا، و هو الدرهمان، كاستثناء الستة من الخمسة و الخمسة في قوله: «له علي خمسة و خمسة إلا ستة» و نظائره التي حكى العضدي فيها الاتفاق على صحته.

بل لا يخفى بناء على ما ذكره النحاة و المفسرون من الحذف و التقدير في مثل الاستثناء و العطف و نحوهما أن الأمر أوسع من ذلك كله.

على أن واو العطف بمثابة ألف التثنية عند النحاة و الأصوليين، و قد عرفت سابقا أن الاستثناء من العين صحيح مع قيام احتمال التناقض فيه، و من هنا كان على ما حكي خيرة الخلاف و الدروس و الحواشي و جامع المقاصد و مجمع البرهان الالتزام بدرهم واحد، و لعله الأقوى لما عرفت، من غير فرق بين القول بالرجوع إلى الأخيرة أو إلى الجميع، و ما ذكره الشيخ و من تبعه من البناء المزبور غير ظاهر، لأن الاستثناء إنما يختص بالأخيرة إذا لم يستغرق، أما معه فيجب عوده إلى الجميع، كما يجب عوده إلى المستثنى منه لو كان مستغرقا.

و وجهه أن قرينة المقام تقتضي عوده إلى الجميع، و الاختصاص بالأخيرة

ج 35، ص: 102

إنما هو مع عدم القرينة، و ليس عود الاستثناء خاصة على القول به لكونه حقيقة في ذلك ليمتنع حمله على المجاز، بل لا بد من أمر آخر يدل على إرادة المجاز، لجواز الغفلة عن تعذر الحقيقة و عدم إرادة المجاز، بل لأن مخالفة الأصل مع العود إلى الأخيرة أقل، فإذا عارضه أمر آخر- مخالفته للأصل أكثر و هو إلغاء الاستثناء و جعله هذرا- تعين ارتكاب العود إلى الجميع، خصوصا بعد ما ذكرناه من الانسياق عرفا في مثل هذا التركيب، و لعله العمدة، و حينئذ فالمراد من الجميع هنا مجموع ما حصل من قوله: «درهم و درهم» لا كل واحد واحد منهما، لعدم قابليته، و المراد بالجميع في قول القائل برجوعه إليه إذا تعقب الجمل المتعددة كل واحدة بخصوصها، لا نحو الجميع المزبور الذي مستنده الانسياق العرفي في مثل هذا التركيب المحمول على الوجه الصحيح بعد تعذر المستثنى منه في كل واحدة واحدة.

أما لو قال: «له ثلاثة دراهم و درهمان إلا درهمين» صح و كان الاستثناء من الثلاثة القابلة، فيلزمه حينئذ ثلاثة دراهم، بخلاف ما لو قال: «له درهمان و درهمان إلا درهمين» فإنه يرجع إلى المجموع الذي هو الأربعة، لما سمعته من الانسياق، و قد وافق عليه هنا الفاضل و إن منعه في مثل «درهم و درهم» للفرق بين المفرد و التثنية بالنسبة إلى الاستثناء المزبور من جهة النصوصية و عدمها، إلا أنه كما ترى لا فرق بينهما من حيث إرادة المجموع بعد تعذر كل منهما.

و لو قال: «له ثلاثة إلا درهما و درهما و درهما» فالظاهر لزوم الاثنين و بطلان خصوص الأخير الذي حصل به الاستغراق، و ربما احتمل بطلان الجميع، لكن ضعفه لا يخفى، و الله العالم.

ج 35، ص: 103

[النظر الثاني في المقر]

النظر الثاني في المقر و لا بد أن يكون مكلفا حرا مختارا جائز التصرف بلا خلاف و لا إشكال نعم لا تعتبر عدالته عندنا بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه، كما عن السرائر الإجماع على إطلاق يشمل العدل و الفاسق، بل يمكن تحصيل الإجماع على ذلك، لكن في المسالك «نبه بذلك على خلاف الشيخ، حيث حكم بالحجر على غير العدل في التصرفات المالية المقتضي لعدم نفوذ إقراره بها».

قلت: قد تقدم البحث في ذلك في السفيه، فلاحظ و تأمل. و لكن الانصاف، عدم قدح مثله في تحصيل الإجماع المزبور، خصوصا بعد إمكان حمل كلام الشيخ على الفاسق فسقا يكون به سفيها، سيما مع ملاحظة ما سمعته منه هنا من نفي الخلاف، و كذا ما يحكي أيضا عن الراوندي و أبي المكارم من اعتبار العدالة في الرشد.

و من الغريب ما يحكي عن الشهيد في الحواشي من أنه يشترط العدالة في المقر إلا في المفلس و الموصى في حال المرض و السفيه، و ظني أن نسخة الحاكي غلط، و أنها «لا يشترط» و يكون اعتبارها حينئذ في الثلاثة للتهمة، و هذا ليس بشرط في الإقرار من حيث كونه كذلك بل إنما هو في خصوص بعض الأفراد في بعض الأحوال مما تسمعه في إقرار المريض.

و على كل حال ف لا إشكال في عدم اعتبار العدالة في صحته، لعموم أدلته معتضدة بما سمعت، كما أنه لا إشكال بل و لا خلاف عندنا في أن الصبي

ج 35، ص: 104

لا يقبل إقراره و لو كان بإذن وليه و عن التذكرة لا يقبل عند علمائنا سواء كان مراهقا أو لا، و سواء كان مميزا أو لا، خلافا لبعض العامة، فأجاز إقراره بإذن وليه، و هو كما ترى، لما عرفته مكررا من أن عبارته مسلوبة إقرارا و إنشاء، نعم هو كذلك مما لا يصح به إنشاؤه.

و أما لو أقر بماله أن يفعله كالوصية بالمعروف التي قد عرفت الحال في جوازها منه في محله صح على ما صرح به غير واحد، لقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به التي طفحت بها عباراتهم، بل صريح بعضهم أنه لا خلاف فيها عندهم، و أنه لا ينبغي أن يقع و إن كان لنا فيها إشكال فيما زاد على مقتضي

قوله صلى الله عليه و آله (1): «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»

و نحوه مما سمعته في محله، و منه ما نحن فيه، ضرورة عدم التلازم بين جواز وصيته بذلك و جواز إقراره به، و لعله لذا قال الكركي في حاشيته: «لا يصح» فتأمل جيدا.

و كيف كان ف لو أقر المجنون مطبقا أو أدوارا حال دوره لم يصح بلا خلاف و لا إشكال.

و كذا المكره بجميع أفراده، و عن التذكرة الإجماع عليه، نعم لو اكره على الإقرار بشي ء فعدل عنه إلى الإقرار بغيره صح، لعدم الإكراه فيما أقر به، كما لو اكره على الإقرار بمأة فأقر بمأتين الزم

به، أما لو أقر بالأقل فهو مكره على ما صرح به غير واحد، و بالجملة فالمدار على تحقق الإقرار على ما أقر به، و قد ذكرنا في كتاب الطلاق جملة من الفروع في (المكره)(2)لا يخفى عليك إتيان ما يأتي منها هنا.

و كذا لا يصح الإقرار من السكران و لو بمحرم و إن وجب عليه قضاء الصلاة، خلافا للإسكافي فألزم من أسكر حراما باختياره بإقراره كقضاء الصلاة، و هو- مع أنه قياس- واضح الفرق، و في محكي التذكرة «السكران الذي


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
2- 2 راجع ج 32 ص 10- 17.

ج 35، ص: 105

لا يحصل أو لا يكون كامل العقل حال سكره لا يقبل إقراره عند علمائنا أجمع، و كذا الكلام في النائم و المغمى عليه و المبرسم و الساهي و الغافل و غيرهم من غير المكلفين بلا خلاف أجده في شي ء منها، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، ضرورة وضوح اعتبار الاختيار من النصوص المتفرقة في الأبواب و الفتاوى في جميع الأسباب الشرعية التي منها الإقرار إلا ما خرج بدليله، كضمان المتلفات و نحوه».

أما المحجور عليه للسفه فإن أقر بمال لم يقبل بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم الإجماع عليه، كما تقدم في كتاب الحجر، بل في الدروس هنا «و لا يلزم بعد زوال حجره ما أبطلناه قبله» و في المسالك «و إذا فك الحجر عنه لا يلزم ما أقر به من المال، هذا بحسب الظاهر، و أما فيما بينه و بين الله تعالى شأنه فيلزمه التخلص مما لزمه منه، كما لو كان قد لزمه بغير اختيار صاحبه، بأن أتلف عليه ما يضمن بالمال» و نحوه في مجمع البرهان.

و هو إن تم إجماعا فذاك، و إلا أمكن المناقشة فيه،

لعموم «إقرار العقلاء»(1)

المقتصر في تخصيصه على الحجر عن تعجيل ما أقر به له، لا أنه لا يلتزم به حتى لو فك حجره، إذ هو غير مسلوب العبارة، و لذا صح بيعه للغير بل و لنفسه باذن وليه، و لا هو أقل من العبد الذي يؤخذ بإقراره بعد العتق.

اللهم إلا أن يقال: إن الحجر عليه في المال لعدم قابليته لحفظ المال، فكل سبب يصدر منه فيه حال سفهه لا أثر له في الظاهر بدون انجباره بنظر الولي، و منه المؤاخذة بما صدر منه من الإقرار حاله.

نعم لو علم اشتغال ذمته فيما بينه و بين الله تعالى فيما أقر به وجب عليه التخلص، بل عن التذكرة أنه لو حصل بيده مال باختيار صاحبه حال الحجر كالقرض لا يلتزمه، لأن الحجر منع من معاملته و صار كالصبي، و لكن في المسالك


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 106

«الوجه الضمان إن باشر إتلافه كالصبي» و فيه أن ضمانه حينئذ لا للمعاملة التي هي الفرض، بل للإتلاف الذي لا يعتبر فيه جواز التصرف.

نعم الإنصاف إن لم يكن إجماعا جواز تصرفاته في ذمته، لأن الحجر إنما هو في ماله لا في ذمته فيتبع بها حينئذ بعد فك الحجر، و في مجمع البرهان بعد أن حكي عن التذكرة أنه إذا سلطه المال على ماله بالبيع و شبهه بعد الحجر لا يجب عليه أداء ذلك، لأنه بتسليطه السفيه على ماله مضيع لماله، فلا عوض له، فكأنه أتلفه بنفسه، قال: «هذا مع عدم علمه بسفه مشكل، بل مع علمه أيضا، فإنه

«على اليد ما أخذت»(1)

و ما سلمه إليه إلا للعوض، بل يكون حينئذ مع علمه بعدم لزوم العوض سفيها أيضا، كالمتصرف فلا يخرج ماله عن ملكه،

و لا يلزمه عدم العوض بتسليطه بلا عوض كالهبة و نحوها، فكيف على وجه العوض؟

فالظاهر العوض بناء على قوانينهم فافهم».

و هو و إن لم يكن عين ما قلناه لكنه قريب منه مع فرض إرادته لزوم العوض الذي سماه، و إن كان مراده مطلق الضمان فظاهره أيضا عدم اختصاصه بما إذا باشر الإتلاف، كما سمعته من المسالك، بل يكفى فيه يده.

نعم الظاهر أنه بناء على ما ذكرنا لا تسلط له على الولي بتعجيل ذلك إليه للحجر، أما بناء على ضمانه لقاعدة الضمان بالإتلاف و باليد فالمتجه مطالبة الولي، كما لو أتلف السفيه مال الغير بغير اختيار مالكه، بخلاف ما احتملناه الذي مقتضاه صحة المعاملة في ذمة السفيه.

نعم مع جهل البائع يثبت له الخيار و إلا كان له الثمن في ذمته، و ليس له مطالبة الولي، لأن معاملته معه قد وقعت بغير إذنه، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف في أنه يقبل إقراره فيما عداه أي


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 35، ص: 107

المال كالخلع و الطلاق و نحوهما مما هو ليس تصرفا ماليا، إلا أنه قد قدمنا في كتاب الحجر(1)احتمال عدم جواز الخلع له بدون مراعاة الولي البذل جنسا و قدرا، لأنه تصرف مالي و إن جاز له الطلاق بلا عوض، كما أنه قد تقدم هناك احتمال عدم وجوب الإنفاق عليه لو أقر بنسب يتبعه النفقة و إن ألحقناه به، لأنه ليس مالا، فيكون حينئذ كمن لا نفقة له، فينفق عليه من بيت المال و إن التحق نسبه به، بل قد احتملنا عدم نفوذ إقراره بما يوجب القصاص إذا أراد فداء نفسه منه بالمال، بل يجب على الولي فداؤه منه مع الإمكان، إلا أن ذلك كله يدفعه ما أومأنا إليه هنا من أن المتيقن من الحجر عليه التصرف في نفس المال دون غيره و إن استتبع مالا، لإطلاق الأدلة و عمومها.

و لو أقر حال الحجر ب أمر مشتمل على أمرين: مال و غيره كال سرقة فإنها مال و عليه الحد قبل في الحد لعدم كونه تصرفا ماليا لا في المال للحجر عليه فيه، و لا ضرر في التبعيض، لعدم الملازمة بين الحد و بينه، فقد يجتمعان، و قد يوجد ضمان المال بشهادة رجل و امرأتين دون الحد، و قد ينعكس كما في الفرض، و قد أشكل الحال على الأردبيلي، و لكن

يدفعه أن ذلك ليس من التناقض في شي ء، كما أوضحناه في غير المقام.

و لا يقبل عندنا إقرار المملوك و إن كان بالغا عاقلا بمال و لا حد و لا جناية توجب أرشا أو قصاصا بل عن التذكرة و ظاهر السرائر و قضاء المبسوط الإجماع على أنه لا يقبل إقراره بعقوبة و لا مال، و في جامع المقاصد «أجمع أصحابنا على أنه لا يقبل إقراره على نفسه بمال و لا حد و لا جناية مطلقا» و في المسالك و عن غيرها نفي الخلاف فيه، و عن الخلاف و الغنية الإجماع على عدم قبول إقراره بما يوجب جناية على بدنه، و عن المبسوط لا يقبل إقراره بحد عندنا، و لا يقبل إقراره بالمال على مولاه بلا خلاف.

و بالجملة فالمسألة مفروغ عنها عندنا، لأنه لا مال له، و بدنه مملوك لغيره،


1- 1 راجع ج 26 ص 57.

ج 35، ص: 108

فإقراره إنما هو في حق الغير، بل لو قلنا بملكه مطلقا أو على بعض الوجوه فهو محجور عليه بالتصرف فيه الذي منه الإقرار.

خلافا لبعض العامة فقبله في الحد و القصاص طرفا و نفسا دون المال، لأن عليا عليه السلام قطع عبدا بإقراره، و لأن الإقرار أولى من البينة.

و فيه مع عدم ثبوت ما أرسله في طرقنا أنه يمكن أن يكون بتصديق المولى له، و الفرق بين البينة و الإقرار الذي قد عرفت أنه في حق الغير واضح.

و كيف كان ف لو أقر و صدقه المولى قبل بلا خلاف، كما عن الغنية و السرائر، بل و لا إشكال، من غير فرق بين المال و الجناية، لأن الحق لا يعدوهما، و المنع إنما كان لحق السيد و قد انتفى.

و قد يظهر من بعض العبارات احتمال العدم في الحد و القصاص، لعدم أهليته للإقرار، لأنه لا يقدر على شي ء، و المولى لا يملك ثبوت الحد و القصاص عليه.

و فيه ما لا يخفى من منع عدم أهليته، للعموم المعتضد بعدم الخلاف، و خصوصا في المال المتحد في المدرك مع غيره، فينزل حينئذ عدم القدرة على ما عارض حق المولى، و حينئذ يتجه تعجيل الحد و القصاص.

أما المال فان كان عينه موجودا دفع إلى المقر له، و إن كان تالفا أو لم يصدق المولى أو كان مستندا إلى جناية أو إتلاف مال (1)تعلق بذمته.

و يتبع به إذا أعتق بلا خلاف و لا إشكال،

لعموم «إقرار العقلاء»(2)

بعد معلومية عدم ضمان السيد لما يتلفه من مال الغير بغير إذنه.

و منه يعلم أن المراد بما في المتن و غيره من عدم القبول عدم تعجيله مما هو للسيد


1- 1 و في الشرائع:« بمال».
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 109

ملكا أو ولاية.

هذا، و في المسالك «و الفرق بين المملوك و المحجور عليه للسفه حيث نفذ بعد العتق و لم يقع لاغيا بخلاف السفيه أن المملوك كامل في نفسه، معتبر القول لبلوغه و رشده، و إنما منع من نفوذه حق المولى، فإذا زال المانع عمل السبب عمله، بخلاف السفيه، فان عبارته في المال مسلوبة شرعا بالأصل، لقصوره كالصبي و المجنون، فلا ينفذ في ثاني الحال كما لا ينفذ إقرارهما بعد الكمال».

و فيه ما عرفت من أنه مجرد دعوى لا شاهد لها، بل عموم الأدلة على خلافها، بل الفرق بينه و بين الصبي في كمال الوضوح.

هذا و لكن قد يظهر من المتن اختصاص التبعية بعد العتق بالمال دون الجناية، بل لعله ظاهر الفاضل في القواعد أيضا لأنه قال: «لا يقبل إقرار العبد بمال و لا حد و لا جناية توجب أرشا أو قصاصا إلا أن يصدقه السيد، و يتبع بعد العتق بالمال، و لو قيل يقبل و يتبع به و إن لم يصدقه السيد كان وجها» لكنه فرض المسألة في صورة التصديق، و لا ريب في اختصاص المال حينئذ بذلك، ضرورة التعجيل بالحد و الجناية مع التصديق بخلاف المال الذي لا يضمنه السيد عنه و إن صدقه.

نعم لا فرق بينهما في صورة عدم التصديق بلا خلاف أجده فيه إلا ما في الدروس فان ظاهره التوقف في المقام، قال: «و أما العبد فلا يقبل إقراره بما يتعلق بمولاه من نفسه أو ماله، نعم يتبع بالمال بعد العتق، و قيل يتبع في الجناية أيضا، و كذا لو أقر بحد أو تعزير».

و في جامع المقاصد بعد أن حكي ذلك عنه قال: «و مقتضي إطلاق عبارة المصنف أنه يتبع في الجميع، و لا أرى مانعا إلا في الحد من حيث ابتنائه على التخفيف و درئه بالشبهة».

و فيه أن احتمال عدم العبرة بإقراره بعد أن كان الظن الاجتهادي بقبوله لا يعد شبهة يسقط بها الحد و إلا كان ظن المجتهد في الحد غير حجة.

ج 35، ص: 110

فالتحقيق التبعية به مطلقا كما عن السرائر و التحرير و قضاء الدروس و كشف اللثام و ظاهر قضاء المبسوط و غيرها، بل قد عرفت أني لم أجد خلافا في ذلك،

لعموم «إقرار العقلاء»(1)

الذي كان المانع من نفوذه معجلا حق المولى، فإذا زال بالعتق مثلا عمل المقتضي عمله، و دعوى عدم أهليته للإقرار لأنه لا يقدر على شي ء كما ترى، خصوصا بعد اتفاقهم ظاهرا عليه في المال، و توقف الفاضل فيه في حجر القواعد و جعله وجها هنا في غير محله كما عرفت، و من هنا لم أجد من اختار العدم في مال أو في جناية أو في حد.

و لو كان العبد مأذونا في التجارة فأقر بما يتعلق بها من دين و نحوه قبل على المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا لأنه يملك التصرف فيملك الإقرار لما عرفت من أنه من ملك شيئا ملك الإقرار به، لكن في التذكرة استشكله، و في جامع المقاصد و المسالك أن عذره واضح، بل عن حجر الأخير أن الأصح عدم القبول، و لعله لعموم الحجر على المملوك إلا ما دل عليه الاذن، و هو التجارة، و كون الاستدانة من

لوازمها ممنوع، و لو سلم افتقارها إليها في بعض الموارد فلا يدل على الملازمة، و لو سلمت فاللزوم غير بين، فلا يدل الاذن فيها على الاذن فيها بالالتزام، و انتفاء دلالتي المطابقة و التضمن ظاهر و شهادة الحال ليست حجة لشغل الذمة الخالية، و تضرر المعاملين بالصبر إلى ما بعد العتق يندفع بالإشهاد، و ليس إقرار العبد بأولى من إقرار الوكيل الذي ذكروا عدم نفوذه على الموكل.

و من هنا فصل بعض الناس بين ما كان من لوازمها عرفا و بين ما ليس من لوازمها، و إن تعلق بها فلا يقبل، بل احتمل بعضهم تنزيل إطلاق كلام الأصحاب على ما حكاه من ظاهر التحرير من فرض المسألة في أن سيده أذن له في التجارة و المعاملة بمائة دينار مثلا و لم يدفع إليه شيئا فعاد و بيده أعراض


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 111

يدعي شرائها في ذمته و بقاء الثمن، فإنه يقبل إقراره في المقدار الذي أذن له فيه، و يؤخذ منه المال الذي في يده، و الفاضل يكون في ذمته يتبع به بعد العتق.

و عن آخر احتمال تنزيل عبارة القواعد التي هي كعبارة المتن على أنه أذن له في التجارة بمقدار معين و دفع إليه مالا ليتجر به، ثم عاد و بيده أعراض يدعي أنه شراها في ذمته و أن دينها باق، و ادعى تلف ما كان في يده، إلى غير ذلك من كلماتهم في المقام التي لا تخلو من تشويش.

و تحقيق الحال أن يقال: أنه إن كان الاذن في التجارة على وجه الاستنابة و كانت بمال مخصوص أو بقدر مخصوص كان حاله كحال عامل القراض في أنه يصدق في ما ائتمن عليه، و إن كانت الاذن في التجارة مطلقة على وجه يشمل الاستدانة و غيرها كان مصدقا في ذلك، و بالجملة فتصديقه يتبع ما أذن له فيه، و عبارات الاذن مختلفة، بل لا حظ للفقيه في كثير منها، ضرورة كون المدار على ما يفهم منها عرفا.

نعم قد ذكرنا في كتاب الوكالة أن قاعدة تصديق الأمين فيما ائتمن عليه لا يقتضي عدم صحة الدعوى بين الاذن و بين غير المأذون فيما أقر به و أنكره الاذن في بعض الأحوال، لأن أقصاها عدم دعوى له على الأمين، بمعنى نفوذ قوله عليه بيمينه، فلا يتوجه له حينئذ غير ذلك، و أما غيره فلا دليل على سقوط دعوى الاذن فيه و لا على نفوذ إقرار المأذون على وجه لم يكن للاذن دعوى على ذلك الغير.

و حينئذ فالمتجه في المقام هو ما ذكرناه في الوكالة من أن الوكيل مصدق فيما وكل فيه بالنسبة إليه نفسه، فلو أقر مثلا بأني قد قبضت ما في ذمة زيد منه بالوكالة عنك و تلف من يدي و أنكر الموكل قبضه بعد اعترافه بوكالته لم يكن له على الوكيل إلا اليمين، و لكن له مطالبة من عليه المال و لا تبرأ ذمته منه باعتراف الوكيل أني قد قبضت، كما تقدم الكلام في ذلك محررا، بل لعل هذا معنى قولهم: «إن إقرار الوكيل ليس إقرار على الموكل» نعم قاعدة

ج 35، ص: 112

التصديق مقعدة و ما نحن فيه من هذا القبيل.

و إن كانت الاذن على معنى رفع الحجر عنه في التصرفات لا على وجه الاستنابة فلا ريب في قبول إقراره فيما رفع الحجر عنه فيه و إن لم يلتزم بذلك الولي، لأنه ليس وكيلا عنه، و لعل حمل كلامهم و قولهم: «يؤخذ ما أقر به مما في يده» إلى آخره كما ستسمع على هذا أولى من الأول.

و على كل حال ففي المتن و القواعد و محكي المبسوط و التحرير و الإرشاد و الدروس و ظاهر الغنية و غيرها أنه يؤخذ ما أقر به مما في يده و إن كان أكثر لم يضمنه مولاه بل في جامع المقاصد لا ريب أن القبول إنما هو بقدر ما في يده، لأن الاذن في التصرف إنما يتناوله، فالزائد لا يضمنه المولى و لكن يتبع به إذا أعتق.

و فيه مالا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن المدار في ذلك على ما يفيده الأذن التي بها يكون العبد بمعنى الوكيل.

نعم لو فرض دفع مال إليه و أذن له بالتجارة فيه و استدان لها أزيد مما في يده توجه حينئذ اتباعه به بعد العتق، إذ هو كالاقتراض بلا إذن و نحوه مما يكون ضمانه على العبد دون المولى.

و لعله لذا قال في مجمع البرهان في عدم ضمان المولى الزيادة عما في يده تأمل، لأن التاجر قد يخسر بحيث يذهب رأس ماله و يلزمه الديون في ذلك، لأنه قد يكون ظن النفع للنقل من بلد آخر مثلا بأجرة، و ظهر بعد النقل عدم حصول الأجرة، أو لوقوع سرقة أو ظلمة أو حرق أو غرق أو نحو ذلك، كما إذا كان وكيلا في التجارة و دفع الدين، فإنه على الموكل، فتأمل».

قلت: قد يقال: المراد أن بالإذن في التجارة هنا رفع المنع عن معاملته على الوجه الذي عرفته، لا أنها بمعنى الوكالة عن المولى على وجه تشتغل ذمته بما يستدينه لها، و لا ينافي ذلك ملكية المولى لما في يده، إذ لا مانع من كون العين التي استقرضها مثلا

ج 35، ص: 113

ملكا لمولاه، و كون عوضها في ذمة العبد المأذون، بل لا مانع من التزام مثل ذلك لو اشترى عينا بثمن في ذمته، فان العين تكون ملكا للسيد، و لكن الثمن في ذمة العبد، إذ هو من جملة أموال السيد أيضا، نحو ما لو اشترى المولى بمال في ذمته، فان ما في ذمة عبده باذنه لا يقصر عن المال الذي في ذمته، فيكون للمولى حينئذ ذمتان: إحداهما ذمته و الأخرى ذمة عبده، فله جعل ثمن المبيع في كل من الذمتين برضا البائع، و لا يلزم من ذلك جوازه في ذمة الأجنبي، ضرورة عدم كون ما فيها من أمواله كما هو واضح.

و حينئذ فإذا اتفق خسارته في التجارة تبقى ذمته مشغولة من دون ضمان على المولى إلا أن يكون وكيلا عنه في ذلك، و ليس مجرد الاذن في التجارة توكيلا.

بل ربما يؤيد ذلك ذكرهم أحكاما للعبد المأذون لا تنطبق على الوكالة و منها ما سمعته من أخذ ما أقر به مما في يده و إن زاد اتبع بعد العتق، مع أنه إذا كان وكيلا اتجه الرجوع به على الموكل الذي هو السيد، كما سمعته من الأردبيلي، خصوصا مع إطلاق المعظم العبد المأذون في التجارة سواء دفع له سيده مالا أو لا، و قد يكون في يده شي ء و قد لا يكون، فلا إصلاح لهذا الكلام إلا بما سمعت، و يكون الرجوع على ما في يده و إن كان من كسبه الذي هو للمولى أو من الأعيان التي اشتراها في الذمة، باعتبار اقتضاء الإذن و رفع الحجر عنه ذلك، بل قد يقوى عدم جواز الرجوع بها لقاعدة «لا ضرر و لا ضرار» فتأمل جيدا.

و قد أشبعنا الكلام في مسألة المأذون و نقلنا النصوص المتعلقة بها في كتاب القرض (1)فلاحظ. و ربما كان بعض ما ذكرناه هنا منافيا لبعض ما هناك.

و على كل حال فلعله بهذا يمكن إصلاح إطلاقهم السابق أن المأذون في التجارة يقبل إقراره فيما يتعلق بها، فتأمل جيدا.

نعم قد يقال: إنه يتوجه على هذا تعلق الدين بكسبه مضافا إلى ما في يده


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 114

و قد يتكلف تناول ما في يده له أو يقال: لا يلتزم السيد به، لأن له قطع الاذن فيبقى العبد مشغول الذمة غير متمكن من الأداء، فيتبع به بعد العتق، و على كل حال فهو أمر آخر لا تعلق له في أصل المسألة.

و كيف كان فإقراره يقبل فيما يتعلق بالتجارة المأذون فيها دون غيرها و حينئذ فلو أقر بدين و لم يذكر سببه لم ينفذ إلا أن يسنده إلى الوجه الذي يقبل إقراره فيه.

و هل يشترط في نفوذ الإقرار وقوعه حالة الاذن أو ينفذ و قد وقع بعد زوال الاذن في المسالك «وجهان، أظهرهما الأول، كما لو أقر الولي بتصرف في مال المولى عليه بعد زوال الولاية» قلت: قد تقدم في الوكالة ما يستفاد منه قوة الثاني.

و لا يصح إقرار المولى عليه بحد و لا غيره من العقوبات كالتعزير و ضرب اليد في الاستمناء و نحو ذلك، بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في جامع المقاصد، بل عن الخلاف و الإيضاح الإجماع عليه، لأن إيلام العبد حق متعلق به و بالمولى، فلا يكفي إقرار المولى.

نعم لو أقر عليه بجناية في النفس أو الطرف نفذ فيه، لكن لا على معنى القصاص منه، بل على معنى رفعه فيها أو فدائه بأرشها على حسب ما عرفته في جناية العبد، و كذا لو أقر عليه بمال يرجع إلى ما في يده أو إلى كسبه

لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم» .

أما لو أقر عليه بما يرجع إلى ذمته بعد العتق كان شهادة لا إقرارا، و قد ذكرنا تمام الكلام في كتاب القضاء عند قولهم: «و إذا ادعى على المملوك فالغريم مولاه سواء كانت الدعوى مالا أو جناية» إلى آخره فلاحظ و تأمل كي تعرف مما ذكرنا توجيه الدعوى تارة على المولى خاصة و اخرى على العبد كذلك و ثالثة عليهما.

هذا و في القواعد «لو أقر عليه بالجناية فالأقرب قبول قوله، و يجب المال

ج 35، ص: 115

و يتعلق برقبته، لا في حق العبد كفك الإرث، فيعتق بالقيمة و إن قصرت على القولين» و المراد أن إقرار مولاه بالجناية عليه لا ينفذ إلا في حق المولى خاصة، سواء كانت خطأ أو عمدا، دون العبد الذي هو غير المولى، حتى لو فرض موت مورثه المقتضي لفكه بالقيمة ليرث لا يدفع من ماله أزيد من قيمته و إن كانت أقل من أرش جنايته المقر بها.

نعم لو كانت جنايته ثابتة بالبينة مثلا اتجه حينئذ فكه بأرشها من التركة و إن

زاد على قيمة العبد بناء على أن الواجب فيها الأرش كائنا ما كان.

و تفصيل الحال في ذلك أنه لو أقر المولى بجنايته خطأ فإن كانت مستوعبة لقيمته تخير بين دفعه فيها و بين فدائه بقيمته و إن كانت أقل من الأرش على الأصح، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و قيل بالأرش بالغا ما بلغ كما سمعته في المكاتب، و يأتي في الديات، إنشاء الله.

و إن لم تكن مستوعبة تخير بين دفع ما قابلها من العبد و بين فكه بأرشها، فلو اتفق موت مورثه في هذا الحال قبل الفداء أو الدفع لم يتغير الحكم المزبور، فتدفع إليه القيمة من التركة فيدفعها إلى المجني عليه أو ما قابل جنايته منها و الزائد له، و يفك العبد و يرث بقية المال.

نعم بناء على احتمال وجوب الأرش كائنا ما كان يمكن دفع ذلك من التركة، لتوقف الفك عليه، و لا يجب على المولى دفعه من نفسه، إذ المولى مخير بين دفعه و فدائه، فله اختيار الأول، و يحتمل هنا عدم استحقاقه و إن قلنا باستحقاقه في غير الفرض، لتجدد خطاب الفك بالقيمة هنا، فتقوم حينئذ هي مقام العبد، و يتعلق بها حق المجني عليه. و لأن الجناية إنما هي بإقراره الذي لا يمضى على العبد، لا أنها ثابتة ببينة أو بإقرار العبد، و لعله إلى هذا لمح الفاضل و اختار ما سمعت.

و إن كانت الجناية المقر بها عمدا فقد عرفت أنه لا قصاص عليه لأنه إقرار

ج 35، ص: 116

بحق الغير، بل قد يقال: ليس له دفعه للاسترقاق مع فرض عروض موت المورث في هذا الحال، لكن يدفع القيمة التي أخذها من التركة إليه، نعم لو كان قد دفعه فيها قبل ذلك و استرقه المجني عليه فك منها بها، كما أنه كذلك لو دفعه في الخطأ أيضا.

هذا و في الدروس «فلو أقر أي المولى بالجناية عمدا على المكافي و أنكر سلم المجني عليه و لم يقتص منه، و لو اتفق موت مورثه بعد إقرار مولاه عليه بالجناية فكه بقيمته، و يتعلق بها حق المجني عليه مع الإيعاب، و لا يتوجه هنا الفك بأقل الأمرين، لأن ذلك وظيفة المولى».

و قد ناقشه الكركي في إطلاقه، بل أطنب في أصل المسألة، بل حكى عن فخر المحققين بناء صورة العمد فيها على أن الواجب في العمد القصاص خاصة أو أحد الأمرين: هو أو الدية، و قد حكى عن الأكثر الثاني. و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و كيف كان فقد تقدم في كتاب الفلس (1)أنه لا خلاف معتد به في أنه يقبل إقرار المفلس بدين سابق و لكن هل يشارك المقر له الغرماء

لعموم «إقرار العقلاء»(2)

أو يأخذ حقه من الفاضل لأنه إقرار في حق الغير؟ فيه تردد و خلاف، و قد أشبعنا الكلام فيه بل و في باقي أطراف المسألة من الإقرار بالعين و غيره في كتاب الفلس (3)فلاحظ و تأمل.

و تقبل وصية المريض و الصحيح في الثلث و إن لم يجز الورثة إجماعا أو ضرورة من المذهب إن لم يكن الدين و كذا يقبل إقراره من الثلث للوارث أو الأجنبي مع التهمة (11) فيهما على أظهر القولين (12) بل الأقوال التي هي ستة أو سبعة، بل قيل هي عشرة كما أشبعنا الكلام فيه


1- 1 راجع ج 25 ص 287.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
3- 3 راجع ج 25 ص 287- 289.

ج 35، ص: 117

و في غيره من فروع المسألة في كتاب الحجر(1)و قلنا إن هذا القول هو الذي

تجتمع عليه نصوص (2)المسألة و أن غيره من الأقوال مستلزم لطرحها أجمع أو بعضها، فلاحظ و تأمل.

و يقبل الإقرار بالمبهم و يلزم المقر بيانه، فان امتنع حبس و ضيق عليه حتى يبين، و قال الشيخ رحمه الله: يقال له إن لم تقر جعلت نكالا، فإن أصر أحلف المقر له كما تقدمت الإشارة إليه في المقصد الثاني.

و كيف كان فقد عرفت أنه لا خلاف و لا إشكال في أنه لا يقبل إقرار الصبي بالبلوغ أي دعواه حتى يبلغ الحد الذي يحتمل البلوغ فيه كالعشر سنين، فإنه يقبل حينئذ لو ادعاه بالاحتلام فيها، كما صرح به الحلي فيما حكي عنه و الفاضل و الكركي و الشهيدان و غيرهم، بل لم يحك أحد منهم خلافا في ذلك.

بل ظاهر المصنف و صريح غيره القبول بلا يمين و إلا دار، ضرورة توقف صحة يمينه على بلوغه، فلو توقف عليها ثبوت البلوغ دار.

و في الدروس «يمكن دفع الدور بأن يمينه موقوفة على إمكان بلوغه، و الموقوف على يمينه إنما هو وقوع بلوغه، فتغايرت الجهة» و في جامع المقاصد «ضعفه ظاهر،

لأن إمكان البلوغ غير كاف في صحة أقوال الصبي و أفعاله».

قلت: و هو كذلك إذ دعوى اختصاص اليمين بالاكتفاء بإمكان البلوغ مصادرة واضحة، لكن مقتضاه عدم صحة دعواه أيضا مطلقا، للأصل و غيره.

و ما في مجمع البرهان- من أن دليل المسألة كأنه الإمكان و ظهور الصدق في المسلمين و عدم إمكان الإشهاد عليه مثل قبول انقضاء العدة عن المرأة و غيره- كما ترى، ضرورة عدم كون الإمكان من الأدلة، و ظهور الصدق في المسلمين إنما هو في البالغ، كقاعدة القبول فيما لا يمكن إلا من قبل المدعي بناء على تسليمها


1- 1 راجع ج 26 ص 59- 93.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من كتاب الوصايا.

ج 35، ص: 118

التي منها تصديق المرأة في الحيض و انقضاء العدة، مضافا إلى ما دل (1)على تصديقها في نحو ذلك.

و حينئذ فثبوت البلوغ بمجرد دعواه أو مع اليمين- بحيث يجب على من بيده مال له دفعه إليه و يجب قبول شهادته و جميع الأحكام المترتبة على البلوغ و إن تعلقت

بغيره سواء كان في مقام الخصومة أولا- لا يخلو من منع، اللهم إلا أن يكون إجماعا.

ثم على تقديره فقد صرح غير واحد بأن الصبية مثله أيضا في قبول دعوى الاحتلام، بل عن التذكرة قبوله لو ادعته بالحيض في وقت الإمكان، و أشكله في الدروس بأن مرجعه إلى السن، أي مرجعه إلى دعوى البلوغ بالتسع، لأن إمكان الحيض لا يكون إلا معه، و ناقشه في مجمع البرهان بأنه لا فرق بين الاحتلام و الحيض، و قد يعرفان بالعلامات قبل العلم بالسن مع الاحتمال ثم يعلم السبق.

قلت: قد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الحيض و غيره في قاعدة الإمكان، و في جعلهم الحيض علامة للبلوغ، و في غير ذلك. إنما الكلام هنا في قبول دعواها الحيض على الوجه الذي عرفته في الصبي، و لا ريب في اقتضاء القواعد عدمه، و توهم الإجماع هنا أيضا كالصبي معلوم العدم، كما لا يخفى على الخبير المتتبع.

و لو ادعاه بالإنبات اعتبر، لأن محله ليس عورة كما صرح به غير واحد، بل لو فرض كونه عورة فهو موضع حاجة، كرؤية الطبيب و شهود الزنا.

و لو ادعاه بالسن طولب بالبينة، كما صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي، و ظاهرهم عدم الفرق بين الغريب و خامل الذكر و غيرهما، خلافا للمحكي عن التذكرة، فألحقهما فيها بمدعي الاحتلام لعجزه عن البينة.


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب الحيض من كتاب الطهارة، و الباب- 24- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

ج 35، ص: 119

و فيه أن ما يعتبر فيه البينة لا يتغير حكمه بعجز المدعى عنها، و ما سمعته في الاحتلام مما لا يجري نحوه هنا يقتضي عدم الفرق بينهما و بين غيرهما في التصديق كما لعله ظاهر المتن إلا أنه واضح الضعف.

و يمكن إرادته قبول دعواه البلوغ على الاجمال بناء على أن من أسبابه ما يصدق فيه و هو الاحتلام و إن كان هو أيضا واضح الضعف و إن استوجهه بعضهم، ضرورة عدم صلاحية ذلك لسماع دعواه المجملة، خصوصا بعد ما عرفت من عدم قبول دعواه المفصلة فضلا عن المجملة.

ثم لا يخفى عليك إرادة الدعوى من الإقرار في المتن و غيره و إن استلزمت هي بعض الأحكام المتعلقة به، كغيرها من الدعاوي، لكن لا يكون بذلك إقرارا و إلا لم يكلف البينة في السن، و لم يحتج إلى الاختبار في الإنبات و لا إلى اليمين في الاحتلام بناء عليه، كما هو واضح.

و لو أقر المراهق ثم اختلف هو و المقر له في البلوغ فالقول قوله من غير يمين إن كان الاختلاف قبل تحقق بلوغه، و إن كان بعده قيل يحلف أنه حين أقر لم يكن بالغا، لكن قد ذكرنا في كتاب البيع (1)أنه لو اختلفا فيه كذلك احتمل تقديم قول مدعي البلوغ، لأصالة الصحة، و في الدروس و جامع المقاصد فيه وجهان.


1- 1 راجع ج 23 ص 196- 198.

ج 35، ص: 120

[النظر الثالث في المقر له]

النظر الثالث في المقر له و قد ذكر المصنف له شرطا واحدا و هو أن يكون له أهلية التملك لكن في القواعد و غيرها له شرطان: أحدهما ذلك، و الثاني عدم التكذيب، بل في الدروس و محكي التذكرة و غيرها ثلاثة، و الثالث تعيين المقر له فمن أقر لرجل لا يعرف بطل إقراره، لكن قد يشكل بطلان الإقرار المزبور بخروجه عن ملكه بالإقرار على كل تقدير، و إنما تعذر معرفة مستحقه، فيكون مالا مجهول المالك، بل قد يشكل الشرط الثاني بأنه ليس شرطا في صحة الإقرار على نحو الشرط الأول، بل في نفوذه في حق المقر له، كما سمعت تحقيقه في مسألة ما لو رجع المقر له عن إنكاره، و لعله لذا اقتصر المصنف هنا على الشرط الأول الذي لم أجد خلافا فيه، بل و لا إشكالا.

فلو أقر بالملك لبهيمة مثلا لم يقبل قطعا نعم في الدروس لو أقر للدابة احتمل البطلان و الاستفسار، و نفي عنه البأس بعض الناس، لأنه إذا أوصى بذلك لعلفها أو نذره له جاز، كما ذكره الفاضل و جماعة فيما إذا أوصى لها و قصد صرفه لعلفها.

و فيه أن ذلك لا يقتضي صحة الإقرار بالملكية الظاهرة من اللام، و الاستفسار إنما يجب في المبهم، و لا إبهام في الفرض، كما لا انصراف إلى إرادة ذلك من مثله و لو بملاحظة تعذر الحقيقة الذي لا يصلح بمجرده معينا، كما هو واضح.

نعم لو قال: علي كذا بسببها صح، و يكون الإقرار للمالك كما

ج 35، ص: 121

عن المبسوط، بل عن شرح الإرشاد للفخر نسبته إلى نص الأصحاب، لأن المراد من السبب كون الألف في ذمته لمالكها بسبب جناية منه عليها أو استيفاء منفعة أو نحو ذلك مما يرجع إلى مالكها.

و لكن مع ذلك كله فيه إشكال كما اعترف به الفاضل في قواعده و غيرها، إذ قد يجب بسببها ما لا يستحقه المالك، كأروش الجنايات على سائقها أو راكبها أو قائدها، و لا انسياق في اللفظ للأول، و دعوى غلبة إرادة الأول على وجه يفهم من اللفظ المزبور ذلك واضح المنع و إن أطنب بعض الناس في بيانه بما لا طائل تحته، نعم في الدروس الأقرب الاستفسار، فلو فسره بالجناية على شخص قبل و إن لم يعينه على الأقرب، و يطالب بالتعيين، و يحتمل بطلان الإقرار، كما لو أقر لرجل مبهم، كواحد من خلق الله أو من بني آدم، و قوي الفاضل في هذا القبول و مطالبة الحاكم بالتعيين، و نحوه في المسالك و جامع المقاصد و محكي التذكرة و الحواشي.

و لكن لا يخفى عليك عدم دليل على وجوب الاستفسار، ضرورة عدم كونه كالإقرار بالمبهم، و ما عن الفاضل من مطالبة الحاكم بالتعيين لا وجه له، لعدم توجه حق له على المقر، و إمكان إبداء العذر عن بيانه، كما هو واضح. نعم لو ادعى المالك أنه قصده توجه له اليمين عليه، و إلا فلا.

و لو قال: «لمالكها- أو لزيد- بسببها علي كذا» لزمه بلا خلاف و لا إشكال، خلافا لبعض الشافعية فأبطله، لأن الغالب لزوم المال بالمعاملة التي لا تتصور معها، و هو كما ترى.

هذا و في القواعد «و لو قال: بسبب حملها لم يلزمه شي ء، إذ لا يمكن إيجاب شي ء بسبب الحمل» و فيه أنه إن كان المراد أنه قال: لمالك الدابة علي كذا بسبب حملها توجه عليه إمكان صحة الإقرار و بطلان الضميمة، نحو ما لو قال: «له كذا من ثمن خمر أو خنزير» أو نحوهما، مع احتمال كون المراد

ج 35، ص: 122

بسبب إتلاف حملها أو الوصية له بذلك، و كذا إن كان المراد «علي كذا بسبب حمل بهيمة».

و لو أقر لعبد صح بلا خلاف كما عن نهاية المرام الاعتراف به و يكون المقر به حينئذ لمولاه و الفرق بينه و بين البهيمة واضح لأن للعبد أهلية التصرف على وجه يكون صاحب يد، و لذا تصح إضافة البيع و الهبة و سائر الإنشاءات إليه، و عدم ملكية العبد شرعا لا ينافي الملكية العرفية التي هي عبارة عن السلطنة و اليد، فهو إن لم يكن حقيقة، فهو مجاز شائع على وجه ينصرف إليه الإطلاق المزبور،

فعموم «إقرار العقلاء»(1)

نئذ بحاله، و ملكية مولاه لذلك، لأن جميع ما في يده لمولاه، كما هو واضح.

و نحو ذلك في الصحة لو أقر لمقبرة أو مسجد أو مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام أو مشعر من مشاعر الله أو نحو ذلك مع الإسناد إلى سبب صحيح من الوقف و نحوه إجماعا كما عن الإيضاح، و وجها واحدا كما عن جامع المقاصد، بل لعلها كذلك مع الإطلاق المنصرف عرفا إلى السبب الصحيح و إن توقف فيه بعضهم، نعم لو أسنده إلى سبب باطل ففيه البحث السابق.

و لو أقر لحمل فلانة مثلا صح سواء أطلق أو بين سببا محتملا كالإرث أو الوصية بلا خلاف أجده فيه في صورة التصريح، بل عن ظاهر التنقيح الإجماع عليه، بل عن شرح الإرشاد للفخر الإجماع عليه صريحا، بل و لا إشكال

لعموم «إقرار العقلاء»(2)

و لا ينافي صحة الإقرار اعتبار سقوطه حيا في استقرار ملكه، كما لا ينافي ميراثه و الوصية له، و هو واضح.

و من الصحة فيها يستفاد الصحة في صورة الإطلاق، ضرورة الاكتفاء في صحة الإقرار إمكان صحته، خلافا للفخر في إيضاحه

فقال: «إن الأصح البطلان» و لم أجد من وافقه عليه، بل المحكي عنه هو في شرح الإرشاد كالتنقيح نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه.


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 123

مضافا إلى ضعف وجه المنع، و هو أنه لا ملك للحمل في الحقيقة و إنما يوجد بسبب يصلح للتمليك، فإذا لم يقر به لم يصح، و أن الملك في صورة صحته كالوصية و الإرث مشروط بسقوطه حيا فقبله لا يعلم الصحة، بل هو مراعي، فكان جانب عدم الصحة أولى على التقديرين.

و فيه أن الإقرار محمول على وجود السبب المصحح، و السقوط حيا إنما هو لاستقرار الملك لا لأصل وجوده و مع تسليمه فالإقرار محمول على المعنى الحاصل بالوصية و الإرث مثلا الذي قد عرفت عدم الإشكال في صحة الإقرار به مع التصريح، فلا محيص عن الصحة في صورة الإطلاق أيضا.

بل لو نسب الإقرار بذلك إلى السبب الباطل كالجناية عليه و المعاملة معه المعلوم عدمهما فالوجه الصحة عند المصنف و الفاضل و الكركي و الشهيدين، بل في المسالك أنه أشهر نظرا إلى مبدء(1)الإقرار و إلغاء لما يبطله نحو

غيره من صور تعقيب الإقرار بالمنافي، مثل الاستغراق في الاستثناء، و قوله: «من ثمن خمر» بل في المسالك «الفرق بينه و بين المعلق على شرط أن الشرط مناف للإخبار بالاستحقاق في الزمن الماضي، فلم يتحقق ماهية الإقرار مع الشرط، بخلافه مع المنافي المتعقب، فإنه إخبار تام، و إنما تعقبه ما يبطله، فلا يسمع، و كون الكلام كالجملة الواحدة لا يتم إلا بآخره يتم فيما هو من متمماته كالشرط و الصفة، لا فيما لا يتعلق به بل ينافيه، و من ثم أجمعوا على بطلان المعلق دون المعقب بالمنافي».

و فيه أن ظاهر العبارة في الفرض اتحاد قصد المتكلم بها و إن وقع بيانها تدريجا، فلا فرق عرفا بين سبق الإقرار مسندا له إلى السبب الباطل و بين تقديم ذكر السبب على الإقرار المسبب به، بخلاف الاستثناء المستغرق الذي هو قصد مستقل عائد إلى نقيض القصد الأول، فهو كالرجوع عن الأول، نحو ما سمعته


1- 1 و في الشرائع:« نظرا إلى المبدأ الإقرار».

ج 35، ص: 124

في الإضراب بلفظ «بل».

بل لعل معنى عدم أخذه عليه السلام بأول الكلام حتى يأتي بآخره (1)هو ما ذكرناه من انتظار ما يتم به ما قصده من افتتاح

كلامه إلى آخر ما يتم به مقصوده، فمتى عقبه بقصد مستأنف يقتضي فساد الأول لا يسمع، لا ما إذا كان المقصد الأول في نفسه غير صحيح.

و لعل الفساد في قوله:

«من ثمن خمر» من جهة اعترافه بكونه بالثمن الظاهر في المعاوضة المحمولة على الصحة، فيكون كالمعترف بها مدعيا فسادها، أما لو قال:

«له علي رطل خمر» مثلا أو «له علي خنزير» لم يلتزم بشي ء و لا يقال: إنه قد اعترف بأنه له عليه، فلا بد من إلزامه بما يتحقق التزامه، و لا يقبل قوله: «رطل خمر أو خنزير».

بل التأمل في العرف يشهد لما قلناه الذي مرجعه إلى أنه في الفرض قد بين ما أقر به علي وجه لا يمكن صحته فالضميمة و ما يضم إليه شي ء واحد، لا أنه أقر ثم جاء بالمنافي، بل تكلم بكلام لا يمكن وقوعه، فلا يكون إقرارا و لا أقل من الشك في ذلك، و الأصل البراءة.

و لعله لذلك لم يرجح في محكي المبسوط و شرح الإرشاد للفخر و الدروس و التنقيح و مجمع البرهان، بل عن أبي علي و القاضي الجزم بالبطلان، و في الإيضاح هو الأصح.

و يملك الحمل بقدر ما أقر به بعد وجوده حيا كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، لكن ظاهر المتن و من عبر كعبارته عدم الملك له قبل تولده و إن منع غيره عن التملك في تلك المدة، بل صرح بعض الناس بذلك، و لعله للأصل و غيره، خصوصا إذا كان مضغة و نحوها من الجمادات، و عزل النصيب له في الميراث أعم من ملكه له.

هذا و لكن قد يظهر من بعض حصول الملك له و هو حمل و إن لم تحله


1- 1 الوسائل الباب 4- من آداب القاضي الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 35، ص: 125

الحياة إلا أن إقراره مشروط بتولده حيا، و قد ذكرنا جملة من الكلام في ذلك في غير المقام، و لعل المتجه القول بالكشف بناء على ظهور النص (1)و الفتوى في ملك الحمل إذا ولد حيا، ضرورة كونه حينئذ شرطا متأخرا عن المقتضي للملك من الوصية و الإرث دون غيرهما من الوقف و الهبة و نحوهما و إن قبل الولي أو الحاكم له.

و كيف كان فلا إشكال في ملكه بعد تولده حيا، كما لا إشكال في عدم وجوب الاستفسار مع فرض اتحاده، لاستقرار ملكه حينئذ عليه سواء مات بعد ذلك فينتقل إلى

وارثه أم بقي، لعدم افتراق الحال في الملك على هذا التقدير، و هو واضح.

نعم لو أسقط ميتا احتيج حينئذ إلى التفسير فان فسره بالميراث تبين بطلان كونه وارثا و رجع إلى بقية باقي الورثة لأن الحكم بالصحة كان مراعي بتولده حيا و إن قال: هو وصية تبين بطلانها و رجع إلى ورثة الموصى، و إن أجمل طولب ببيانه و عمل عليه كما في القواعد و غيرها.

و ظاهرهم استحقاق ذلك عليه على وجه إن امتنع حبس نحو ما سمعته في الإقرار بالمبهم و لا يخلو من مناقشة، للأصل بعد عدم ثبوت حق لمعين عليه، فيوكل أمره إليه، و هو أعرف بتكليفه فيه، فيما في المسالك- من أن المتولي لتكليفه بالتفسير حيث يمتنع هو الحاكم ليوصل الحق إلى مستحقه- واضح الضعف، ضرورة عدم تكلفه بذلك بعد أن كان المال في يد من هو مكلف بإيصاله إلى مستحقه.

و لو تعذر التفسير لموت المفسر و نحوه ففي القواعد و محكي التذكرة و التحرير و جامع المقاصد بطلان الإقرار، كمن أقر لرجل لا يعرف، و لا مجال للقرعة هنا،


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب ميراث الخنثى من كتاب المواريث.

ج 35، ص: 126

لعدم انحصار من يقرع بينهم.

و لكن أشكل في المسالك و مجمع البرهان بخروجه عن ملكه بالإقرار على كل تقدير، و إنما تعذر معرفة مستحقه، فيكون مالا مجهول المالك، و بطلان ملكه بالموت قبل الوضع إنما أوجب بطلان السبب الناقل إلى الحمل لا بطلان ملك غيره كالوارث، و ورثة الموصى، و كما يحتمل كون المقر هو المالك يحتمل كونه غيره.

و في الأول منهما أنه يمكن دفع الإشكال بأن الأصل في المال المقر به أن يكون ملكا للمقر، و إنما خرج عنه بإقراره للحمل، و ملكه مراعي بولادته حيا، فكان خروجه عن ملكه مراعي كذلك، فان فقد شرط الملك لم يصح الإقرار، لأنه كان مراعي، فيرجع إلى أصله ظاهرا.

و فيه أنه بإقراره للحمل المقتضي كون المقر به لغيره من الورثة أو ورثة الموصى خرج عن مقتضي حكم اليد و احتمال كون المقر مالكا باعتبار احتمال كونه من أحدهم، و إلا فمع القطع بكونه ليس منهم يكون مجهول المالك لو كان قد خرج عن يده، و إلا فهو أعرف بتكليفه فيه بناء على ما ذكرناه، و الله العالم.

و يحكم بالمال للحمل بعد سقوطه حيا كاملا لدون ستة أشهر من حين الإقرار المتعقب للوطء و لو بآن ما بلا خلاف و لا إشكال، للعلم حينئذ بوجوده حين الإقرار، إذ لا يمكن تولده لدون الستة لو لم يكن موجودا، فان الأقل الستة، فيتبين صحة السبب المسوغ له من وصية أو إرث.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه يبطل استحقاقه لو ولد لأكثر من أقصى مدة الحمل على الخلاف فيها، للعلم حينئذ بعدم وجوده حال الإقرار، لعدم إمكان تأخره عنها كما بين في محله.

و إنما الإشكال لو وضع فيما بين الأقل و الأكثر من الأقصى و لو

ج 35، ص: 127

في منتهى التسعة فما دونها، لتعارض الأصل و الظاهر فيه، إذ الأصل عدم تقدم العلوق به على أزيد من الأقل و عدم استحقاقه المقر به، و الظاهر أنه لا يولد لما دون تسعة أشهر للعادة.

و لكن إن لم يكن للمرأة زوج و لو بالتحليل و لا مالك تمكن وطؤهما لها حكم له به لا لتحققه حملا وقت الإقرار إذ احتمال الشبهة و غيرها حينئذ قائم، بل لقوة الظاهر حينئذ الدال على وجوده في حال الإقرار، و عدم العبرة بالاحتمال المزبور، و لذا يحكم بثبوت نسبه لمن كانت فراشا له معه.

و لو كان لها زوج أو مولى حاضران معها على وجه يمكن حصول وطء منهما لها قيل و القائل الشيخ و يحيى بن سعيد و الفاضل و الشهيد و الكركي لا يحكم بالمال له لعدم اليقين بوجوده الذي هو شرط في صحة الإقرار له.

و لكن في المتن لو قيل يكون له بناء على غالب العوائد كان حسنا (11) إذ عادة النساء لا يلدن إلا في تسعة أشهر، فإذا ولدته لهذه المدة من حين الإقرار كان وجوده حين الإقرار غالبا، فلو ولدته فيما بين الأقل و الأكثر فوجوده حال الإقرار ثابت بطريق أولى و إن لم يكن غالبا.

و عن حواشي الشهيد أنه قوي، لأن الأصل في الإقرار الصحة، للقاعدة القائلة بأن الإقرار يحمل على الصحة مهما أمكن، و وجوده حين الإقرار أمر ممكن فلا يحكم ببطلان الإقرار بمجرد الاحتمال.

و فيه ما لا يخفى من عدم قاعدة تقتضي ذلك بعد عدم العلم بوجود المقر له بناء على أنه شرط لصحة الإقرار، بل لو لم نقل بشرطيته و قلنا: إن الباطل من علم عدم أهليته للتملك، فيبقى المحتمل تحت

عموم «إقرار العقلاء»(1)

كما لو


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 128

أقر لشبح لا يعلم أنه إنسان أو غيره أمكن تنقيح عدم وجوده حال الإقرار فيما نحن فيه بأصالة عدم تقدمه، لأنه حادث و الأصل تأخره، و العادة بعد تسليم أنها كما ذكر لا يعمل عليها مع عدم دليل على اعتبارها في مثله، و الفرض عدم حصول العلم منها، فالمتجه حينئذ ما ذكره الشيخ و الجماعة.

بل لعله كذلك في الصورة السابقة إن لم يكن إجماعا، لاتحاد المدرك فيهما، و عدم وجود الزوج و المالك لا يرفع الاحتمال الذي لا يقتضي عدم اعتباره بالنسبة للإلحاق لقاعدة الفراش عدم اعتباره في المقام، فالمتجه تساويهما في الحكم مع فرض عدم الإجماع و عدم حصول العلم الذي يكتفي به في الشرعيات.

ثم لو كان الحمل مستحقا لما أقر له به فان كان متحدا استحق الجميع ذكرا كان أو أنثى بوصية أو ميراث عندنا. و لو كان الحمل ذكرين أو أنثيين مثلا تساويا فيما أقر به كذلك إلا أن ينص على التفضيل في الوصية لأن الظاهر التسوية في كل سبب اقتضى التمليك التشريكي حتى الإقرار إلا مع التصريح بالتفضيل.

و إن كان ذكرا و أنثى تساويا في الوصية و تفاوتا في الإرث، إلا أن يكونا ممن يرثان على السواء، كالإخوة من الام.

و لو وضع أحدهما ميتا كان ما أقر به للآخر، لأن الميت كالمعدوم إذا كان جهة الاستحقاق الوصية للحمل كيف كان أو الإرث بالولادة مع انحصار الإرث بالحمل، أما إذا كانت الوصية مفصلة على وجه تكون الوصية لأحدهما لا يرجع إلى الآخر أو كان إرثا بجهة لا توجب الانتقال إلى الآخر- بأن كانا أخوين لأم لا ثالث لهما من جهتها فحياتهما توجب لهما الثلث و لأحدهما خاصة السدس- فلا يكون ما أقر به للآخر مطلقا.

و من هنا قال في المسالك: «الأجود أن يقال: ينزل الميت كأن لم يكن، و ينظر في الحي على ما ذكر من حال جهة الاستحقاق، و حينئذ فلا بد من الرجوع

ج 35، ص: 129

إلى المقر في الجهة ليعلم مقدار استحقاق الحي، و لا يلزم من كون الميت كالمعدوم على ما أشار إليه في التعليل أن يكون مجموع ما أقر به للآخر كما عرفت».

قلت: يمكن إرادة المصنف و غيره كونه كالمعدوم في بطلان الإقرار بالنسبة إليه، و الأمر سهل.

و إذا أقر بولد لم يكن إقرارا بزوجية أمه عندنا و لو كانت مشهورة بالحرية و العفاف لاحتمال وطء الشبهة و الإكراه و نحوهما، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة فجعله إقرارا بها إذا كانت عفيفة، و ضعفه واضح.

نعم في المسالك «هل يلزمه بإقراره مهر المثل؟ قولان: أقر بهما ذلك، لاستلزام تولده منه الوطء عادة، و لحوقه به يقتضي كون الوطء شبهة و هو يوجب مهر المثل».

و فيه (أولا) إمكان التولد منه بلا وطء و (ثانيا) هو أعم من الوطء الموجب لذلك، إذ من المحتمل إكراهها له على ذلك أو غيره، و الله العالم.

ج 35، ص: 130

[النظر الرابع في اللواحق]

اشاره

النظر الرابع في اللواحق و فيه مقاصد:

[المقصد الأول في تعقيب الإقرار بالإقرار]

الأول:

في تعقيب الإقرار بالإقرار إذا كان في يده دار على ظاهر التملك بمقتضى اليد فقال مقرا هذه لفلان بل لفلان قضى بها للأول، و غرم قيمتها للثاني إن لم يصدقه لأنه حال بينه و بينها، فهو كالمتلف بلا خلاف معتد به أجده فيه،

لعموم «إقرار العقلاء»

و للحيلولة التي سمعتها.

بل في الإيضاح من قواعدهم «أن كل إقرارين متساوي الدلالة على الإقرار صدرا من شخص واحد أهل للإقرار حكم عليه لا على غيره بموجب كل منهما لولا الآخر، و يقدم الأول فيما يتعارضان فيه، يعني العين، و يكون تفويتا منه على الثاني» و ظاهره الإجماع على ذلك.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون سلمها هو للمقر له أو الحاكم المستند لإقراره و إن حكي عن بعض العامة، خلافا لأبي علي فقال: «إن كان المقر حيا

ج 35، ص: 131

سئل عن مراده، و عمل عليه، و إن كان المقر ميتا كان المقر لهما بمنزلة متداعيين لشي ء هو في يد غيرهما، فيأخذه ذو البينة، و مع عدمها فالحالف، فان حلفا اقتسماه» و في الدروس «ليس بذلك البعيد» و نحوه عن ظاهر الحواشي.

بل مال إليه بعض متأخري المتأخرين، لأنه قد يسهو و قد ينسى و قد يغلط و قد يشك، و «بل» للإضراب من غير ارتياب، فرجوعه إما عن تحقيق أو تخمين، و هو سبب الإقرار لهما في كلام متصل في المعلوم انحصار الحق فيهما، أما التخصيص لأحدهما فلا، و مرجع ذلك إلى ما في الدروس، فإنه بعد أن نفي البعد عنه قال: «لأنه نسب الإقرار إليهما في كلام متصل، و رجوعه عن الأول إلى الثاني يحتمل كونه عن تحقيق و تخمين، فالمعلوم انحصار الحق فيهما، أما تخصيص أحدهما فلا».

و على كل حال ففيه أن احتمال السهو و غيره لا ينافي التعبد بظاهر

قوله صلى الله عليه و آله (1): «إقرار العقلاء»

إلا أن إقرار الثاني (2)وقع بعد تعلق حق الغير به، فلا ينفذ فيه في نفس العين، لكن لما كان ذلك من جهة إقراره الأول صار هو السبب في الحيلولة، نحو الشهادة التي رجع عنها، و اتصال الكلام مع ما سمعته من الاحتمال لو أثر لاقتضى الاختصاص بالثاني الذي هو مقتضي رجوعه، بل و استقر عليه، و لذا لو اتفق ملكيته لها سلمها للمقر له ثانيا، و لعله هو الذي

سمعته من ابن الجنيد، فكان ذلك قولا غير قوله. و على كل حال فهما واضحا الضعف.

و أضعف منه ما عن أبي حنيفة من أنه لا يغرم للثاني و إن حكاه في المسالك احتمالا، لأن الإقرار الثاني صادف ملك الغير لها، فلا ينفذ عاجلا.

و كذا لو قال: «لزيد بل لعمرو بل لخالد» في الدفع للأول و الغرامة لكل


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة و الصحيح« أن الإقرار الثاني» كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

ج 35، ص: 132

من الأخيرين كمال القيمة، نعم لو قال «بل لعمرو و خالد» لزمه قيمة واحدة بينهما، و لو قال: «لزيد و عمرو بل لخالد» لزمه كمال القيمة لخالد، و لو قال: «بل و لخالد» فالثلث، و يحتمل النصف، لأن «بل» للإضراب و العطف يقتضي التشريك مع أحدهما، و الأول أظهر.

و كذا لو قال: غصبتها من فلان بل من فلان لأن الإقرار بالغصب من الشخص يستلزم الإقرار له باليد الدالة على الملكية، لكن في القواعد الإشكال في ذلك، و لعله لعدم التنافي بين الإقرارين، فإن الغصب من ذي اليد صادق و إن لم يكن مالكا، لأنها قد تكون في يده بإجارة أو اعارة و نحوهما، فيحكم بها للأول، لسبق الإقرار باليد له الدالة على الملكية، و لا يغرم للثاني لانتفاء ما يدل على ملكيته.

و فيه أن الإقرار بالغصب إما أن يقتضي الإقرار بالملك على وجه يقتضي الضمان أولا، فإن اقتضاه فقد أقر للاثنين بذلك، فكانت كالسابقة فيضمن للثاني، و إن لم يقتض لم يجب الدفع إلى الأول في هذه الصورة فضلا عن الغرم للثاني، لعدم الإقرار له بما يقتضي الملك، لأن الفرض أعمية الغصب من الملك، و احتمال الفرق بعدم المعارض للأول بخلاف الثاني الذي عارضه حق الأول بسبب الإقرار يدفعه أنه مقتض لعدم الغرامة للثاني و إن صرح بالملكية.

اللهم إلا أن يفرق بأن الغصب الذي أقر به ثانيا لا يتقوم على فرض اشتراكه بين أمور متعددة لا يقتضي بعضها ذلك، فالتحقيق ظهور الإقرار بالغصب في اليد المقتضية للملك، بل في غير المقام كالمفروغ منه، فتساوى الأولى حينئذ، و مثلها ما لو قال: «غصبته من زيد لا بل من عمرو» أو قال: «غصبته من زيد» أو «غصبه زيد من عمرو» بل ظاهر القواعد عدم جريان الاشكال السابق فيهما و إن كان فيه ما فيه.

أما لو قال: غصبتها من فلان و هي لفلان لزمه تسليمها إلى المغصوب منه باعترافه بالغصب منه المقتضي لوجوب الرد إليه، لاستلزامه كون اليد شرعية.

ج 35، ص: 133

ثم لا يضمن لمن أقر له بملكها، كما عن الشيخ و الفاضل و ولده و إن وجب دفع المال إليه إذا اتفق صيرورة المال إليه بارث و نحوه، للأصل مع عدم التفريط فيه بإقراره للأول بما أقر به للثاني كالصورة الأولى التي فرط فيها بذلك و استحق عليه الغرم.

و حينئذ ف لا يحكم للمقر له بالملك لأن الإقرار بما قد أثبت لغيره عليه حقا إقرار بما في يد شخص لغيره، فلا يكون مسموعا، بل هو كما لو كانت دار في يد فلان و أقر بها الخارج لاخر، و كذا لو قال: هذه لزيد و غصبتها من عمرو فيما ذكرناه من التعليل و إن وجب الدفع فيها لزيد باعتبار سبق الإقرار بالملك له، كما صرح به الفاضل و غيره، و لا يغرم حينئذ لعمرو عكس الأولى.

لكن قد يشكل بأنه حال أيضا بينه و بين ماله بالإقرار الأول الذي قد عرفت ظهوره في الاعتراف باليد المقتضية للملك، فيحصل التنافي بين الإقرارين في المعنى و إن لم يتنافيا صورة، و من هنا لم ينفذ إقراره بالملك للثاني مع كونه صريحا فيه.

و لعله لذا كان خيرة الفخر و الشهيدين و الكركي الغرامة للثاني أيضا كالأولى بل جعل الأول الضمان قطعيا إن قلنا بالضمان في المسألة الثانية و إلا فوجهان، و إن كان قد يناقش بأن ضمانه في تلك الصورة بسبب اعترافه فيها بما يقتضي الضمان و هو الغصب، بخلاف هذه الصورة التي لم يعترف فيها إلا بكونها ملكا للثاني فليست أولى منها بالضمان، نعم هي كالأولى بسبب الحيلولة بالإقرار الأول و إن كان متعلقة الغصب، إلا أنك قد عرفت ظهوره في الاعتراف باليد التي مقتضاها الملك.

و قد يقال إن الضمان لما سمعته من القاعدة التي من المعلوم انتفاؤها في الفرض، ضرورة عدم إقراره للثاني بعين ما أقر به للأول حتى يحصل التنافي المقتضي للرجوع و إن أقر بالغصب من شخص و الملك لاخر، و هما غير متنافيين

ج 35، ص: 134

لتحقق الغصب منه بسبب تعلق حق إجارة و نحوهما مما لا يقتضي الملك، و لا يستلزم ذلك ثبوت الملك لمن أقر له بها باعتبار عدم التنافي لأنه باعترافه أولا بأنه قد غصبها من زيد خرجت عن يده على وجه ينفذ إقراره فيها، و لذا كان كالشهادة، و استلزام الاعتراف بالغصب للاعتراف باليد المقتضية للملك إنما هو إذا لم يتصل به ما يقتضي كونها غير يد ملك كما في الفرض، بخلاف الصورتين السابقتين، لكن مقتضى ذلك عدم وجوب دفعها عليه لمن اعترف بغصبها منه، لاحتمال نفوذ الحق، فيرجع إليه في تفسير الحق، و لم نجد أحدا التزم ذلك، و ليس إلا لأن الاعتراف بالغصب مستلزم للاعتراف باليد المقتضية للملك شرعا، فلا يجدي دعوى كونها غير يد ملك و إن اتصل، كما أنه لم نجد من ادعى التعبد في القاعدة المزبورة، و أن صدق الرجوع له مدخلية في ذلك نحو رجوع الشاهد، و إنما ذكروا وجهها ما سمعته مما هو مشترك بين الصور الثلاثة. فالتحقيق حينئذ دفعها للأول و الغرامة للثاني.

و لو أقر بعبد لإنسان فأنكر المقر له قال الشيخ بل في المسالك و أتباعه و إن كنا لم نتحقق غير القاضي منهم يعتق حتى لو أقر العبد بملكيته لثالث و صدقة لأن كل واحد منهما أي المقر و المقر له قد أنكر ملكيته و إقرار العبد غير مقبول فيبقى بغير مالك و الأصل الحرية، و زاد من تأخر عنه في الاستدلال على ذلك بعد أن فرضوا المسألة من دون الزيادة التي ذكرها بما يرجع حاصله إلى ذلك، و هو كونه لا مالك له بنفي المقر و المقر له و إن اختلفت العبارة في تقريره.

و فيه (أولا) أن فرض المسألة لا يتم إلا إذا كانت للمقر يد شرعية على إنسان تقتضي سلطنة الملك بحيث يكون مملوكا بمقتضى ظاهر الحال، إذ لو لم يكن كذلك لم ينفذ إقرار المقر و إن صدقه المقر له، بل لا يعد ذلك إقرارا، و حينئذ فلا يلزم من نفي المالك ظاهرا انتفاؤه واقعا بعد أن كان الفرض أن رقية العبد أمر متحقق كما عرفته، بل معنى إقرار المقر أنه ملك و أنه لزيد، و بطلان

ج 35، ص: 135

الثاني بالتكذيب لا يقتضي بطلان الأول و إن كان مقتضاه حصر الملك فيه و نفيه عن غيره، و إلا لكان في غير العبد من الأموال كذلك على وجه يلحق بالمباحات.

و دعوى محالية الجمع بين الرقية و انتفاء العلقة عن المقر و المقر له و غيرهما يدفعها ما سمعت من أن نفي العلقة إنما هو ظاهرا فيتبعها نفي الرقية ظاهرا.

و احتمال القول إن المراد الحرية ظاهرا التابعة لنفي الرقية ظاهرا يدفعه أن المنفي ظاهرا علقة المعين لا مطلق العلقة، بعد ما سمعت من كون الفرض تحقق ملكيته، فليس العبد حينئذ على هذا الفرض إلا كغيره من الأموال التي لا تكون بنحو ذلك من المباحات قطعا، و حينئذ فأصل الحرية بعد هذا الفرض لا وقع له، و لعله لذا قال المصنف:

و لو قيل: يبقى على الرقية المجهولة المالك كان حسنا بل اختاره سائر من تأخر عنه كالفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهم.

و منه يعلم ضعف ما احتمل الفاضل من الحرية إن ادعاها العبد، بل عن الإيضاح أنه الأصح، ففي الدروس و الحواشي أنه أقرب لأنه مدع و لا منازع له كالكيسي و فيه- بعد ما سمعت من فرض تحقق ملكيته- أنه يجب على الحاكم و على المقر العالم بملكيته أن ينازعه و يدافعه، و يثبت اليد عليه و يصونه عن الضياع كما في غير العبد من الأموال.

بل منه يعلم أيضا فساد ما أطنب فيه بعض الناس من إنكار ما يقتضي تحقق ملكيته، و أنه ليس هو المفروض في كلامهم، فيبقى أصل الحرية بحاله، إذ قد عرفت مقتضاها على وجه لا ينافيها الانتفاء عن العين ظاهرا.

و لو أقر أن المولى أعتق عبده ثم اشتراه قال الشيخ: صح الشراء، و لو قيل يكون ذلك استنقاذا لا شراء كان حسنا و ذلك لأنه و إن ذكروا من غير خلاف يعرف بينهم أنه يشترط في الإقرار كون المقر به تحت يد المقر و تصرفه الدالين على الملك لولا الإقرار، إلا أنه بقرينة كلامهم في المقام مؤيدا

بعموم

ج 35، ص: 136

«إقرار العقلاء»(1)

و غيره يراد منه عدم نفوذ الإقرار فيما هو في يد غير المقر إذ قد عرفت أن دليل الإقرار إنما يقتضي جوازه على نفسه، لا أن المراد لغوية الإقرار من أصله، بل هو فيما يتعلق بنفسه ماض عليه فعلا، فلا يجوز له استخدامه بمجرد الاذن ممن هو في يده دون رضا العبد، و لا مبرأ بدفع منافعه و كسبه إلى صاحب اليد، إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة.

نعم هو لا يمضي على غيره، فيبقى على الملكية له شرعا على وجه يصح له و لمعامليه التصرفات أجمع كما اعترف به ثاني الشهيدين، بل و الفخر و المقداد في المحكي من شرح الإرشاد للأول منهما و التنقيح للثاني، و حينئذ فإذا اشتراه منه المقر بعتقه صح في الجملة بلا خلاف

أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، و ليس من الإعانة على الإثم قطعا، و هكذا الحال في نظائره أجمع.

نعم في المسالك «بخلاف ما لو قال فلانة أختي من الرضاع ثم أراد نكاحها لم يمكن منه لأن في الشراء غرض استنقاذه من أسر الرق، و هذا الغرض لا يحصل هناك، إذ يمنع من الاستمتاع بفرج اعترف بأنه حرام عليه».

و فيه أنه يمكن إجراء صورة العقد عليها لغرض من الأغراض، و هو غير الاستمتاع بفرجها، نحو إيقاع صورة الشراء في الفرض و إن لم ينتفع بالعبد.

و على كل حال فلا إشكال في جواز إجراء الصورة في الفرض، بل ظاهرهم عدم اعتبار إذن الحاكم، كما صرح به في الدروس، خلافا لما يحكي عن بعض من اشتراطه.

إنما الكلام في كونه شراء حقيقة من الجانبين أو استنقاذا كذلك منهما أو بيعا من جهة البائع و استنقاذا من جهة المشتري؟ أوجه أو أقوال، إلا أن الثاني منها في غاية الضعف، ضرورة عدم تصور أخذ البائع الثمن استنقاذا ممن يشتريه، بل و الأول و إن توهم من ظاهر المحكي عن الشيخ، و وجه بأنه


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 137

محكوم برقيته ظاهرا، و إنما يحكم بعتقه على المشتري بعد الحكم بصحة البيع، و بأن العتق يترتب على ملكه المتوقف على صحة الشراء، إذ ليس هنا سبب موجب لانتقاله عن ملك البائع الثابت ظاهرا سواه.

لكن فيه منع الحكم برقيته ظاهرا في حق المشتري المعترف بحريته قبل الشراء، فالمتجه فساد الشراء بالنسبة إليه، لامتناع شراء الحر، كمنع دعوى العتق على المشتري بعد الحكم بصحة البيع، ضرورة عدم انعتاق على المشتري، لعدم دخول في ملكه، و إنما ثبت حريته باعتبار نفوذ الإقرار منه بعد استقلال اليد عليه و لو بالاستنقاذ المقتضي لانقطاع تشبث البائع.

و من ذلك يعلم ما في دعوى ترتب العتق على الملك المتوقف على صحة الشراء لعدم سبب غيره، إذ قد عرفت أن السبب الإقرار المزبور لا الشراء.

و من هنا يظهر قوة الثالث الذي مرجعه إلى جريان أحكام البيع الصحيح بالنسبة إلى البائع و الاستنقاذ بالنسبة إلى المشتري، و نظائره في الأحكام الظاهرية كثيرة، منها ما مر في النكاح في اعتراف أحد الزوجين بالزوجية و إنكار الآخر، و غيره.

و لا يخفى عليك ما يتفرع على الوجوه الثلاثة، ضرورة ثبوت خيار المجلس و الشرط لهما معا، و خيار الحيوان للمشترى على الأول، بل لو كان البيع بثمن معين فخرج معيبا كان له رده و استرداد العبد، بخلاف ما لو باع عبدا و أعتقه المشتري ثم خرج الثمن المعين معيبا و رده، فإنه لا يسترد العبد، بل يعدل إلى القيمة لاتفاقهما على حصول العتق هناك.

و أشكل في المسالك أصل الخيار على هذا القول بأنه ينعتق على المشتري قهرا بتمام القبول كما ينعتق قريبه إذا اشتراه، بل هذا أقوى، لأن هذا حر بالنسبة إليه قبل الشراء، و بالنظر إلى غيره بعده بلا فصل، فلا يتجه ثبوت خيار المجلس للبائع و لا خيار العيب، بل يتجه له الأرش، و ليس هذا كتصرف المشتري بالعتق

ج 35، ص: 138

و غيره حيث يكون للبائع خيار، لأن الممنوع من التصرف إنما هو الواقع باختياره، و هذا لا يتوقف على اختياره، و بهذا يقوى جانب كونه فداء من الجانبين من هذا الوجه و إن كان من جانب البائع لا ينتظم الفداء بحسب الصورة، من حيث جواز أخذه العوض و توقفه على رضاه، و على ما يريده من العوض مخالف لحكم الفداء.

و لكنه كما ترى من غرائب الكلام، ضرورة وضوح الفرق بين المقام و بين انعتاق القريب كما عرفت. و كيف كان فلا يخفى عليك ما يتفرع على الأول غير ما ذكرناه.

و أما ما يتفرع على الثالث فقد ذكروا ثبوت أحكام البيع أجمع للبائع، فإنه بائع حقيقة، فله الفسخ بخيار المجلس و الرد بالعيب و الغبن و الشرط و غير ذلك مما هو من توابع البيع، أما المشتري فليس له الخيار في المجلس، بل و لا الرد بالعيب و لا غير ذلك مما هو من توابع الشراء، لعدم كونه مشتريا حقيقة كي يترتب عليه ذلك أو غيره من أحكام الشراء.

نعم قد يقال: إن له أخذ الأرش لأنه بزعم البائع شراء يوجبه، و بزعم المشتري يستحق جميع الثمن، فالأرش الذي هو جزء من الثمن متفق عليه على التقديرين.

قلت: قد يقال بثبوت ذلك كله له أيضا، لأنه بعد أن كان مشتريا حقيقة بالإضافة إلى البائع، فله إجراء جميع ذلك على البائع من حيث كونه مشتريا حقيقة بالنسبة إليه، كما مال إليه الأردبيلي، أو لأنه بيع في ظاهر الشريعة فيتبعه أحكامها كذلك أيضا إلا أن ذلك كله لا يخلو من بحث.

نعم قد يقال إنه بإنشاء الفسخ في المجلس يعلم استحقاقه رد الثمن، لأنه إن كان شراء حقيقة فقد فسخه، و إلا فهو على استحقاقه للثمن، لعدم حصول عقد اقتضى انتقاله عنه بزعمه، فثمرة الفسخ تحصل له على هذا الوجه.

و دعوى عدم تأثير فسخه بعد زعمه عدم بيع يقتضي الفسخ واضحة المنع، ضرورة عدم مدخلية الزعم في تسبيب الأسباب في حد ذاتها، و لكن هو لزعمه عدم

ج 35، ص: 139

الفسخ ليس له إلزام البائع بما يقتضيه الفسخ حقيقة، و لكن له على الوجه الذي ذكرناه.

و بذلك يفرق بين الفسخ الواقع من البائع و الفسخ الواقع منه، فإن الأول حقيقي، و له الإلزام بمقتضاه، بخلاف الثاني، فإنه بزعمه ليس كذلك، و لكن يستحق الرد بالوجه الذي ذكرناه.

و لعله على هذا ينزل كلام الأصحاب و إطلاقهم عدم إجراء أحكام البيع بالنسبة إلى المشتري بخلاف البائع، بل يمكن تنزيل كلام الأردبيلي على ذلك لأن مراده ثبوت الأحكام له على نحو ثبوتها للبائع، و أن كلامه في المقام لا يخلو من تشويش، فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من دقة.

و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك اندفاع ما يورد على هذا الوجه من أن البيع مركب من الإيجاب و القبول، و لا يتصور الصحة في جانب و الفساد في آخر، و كيف يكون القابل مستنقذا و الموجب بائعا؟ إذ قد عرفت أنه مشتر حقيقة بالنسبة إلى صحة بيع البائع، فجميع أحكام الشراء جارية عليه من جهة البائع و إن كان هو مستنقذا بالنسبة إلى نفسه.

و كذا مما ذكرنا يعلم المراد فيما ذكره المصنف و غيره من أنه ينعتق لأن بالشراء سقط عنه لواحق ملك الأول فلا علقة له حينئذ بزعمه، لإيجاد القاطع لعلقته فيه بزعمه و بظاهر الشرع، فيبقى مقرا بعتقه ممن هو في يده بزعم البائع، لا أن المراد أنه ينعتق بالإقرار، ضرورة عدم كون الإقرار من أسباب العتق، و إنما هو كاشف عن السبب له سابقا.

و كيف كان ف لو مات هذا العبد كان للمشتري إذا كانت دعواه أن المالك أعتقه على وجه يكون الولاء له من تركته قدر الثمن مقاصة، لأن المشتري إن كان صادقا فالولاء للمولى إن لم يكن له وارث سواه، و إن كان كاذبا فما ترك للمشتري، فهو مستحق على هذا التقدير قدر الثمن على اليقين، و أما

ج 35، ص: 140

ما فضل ف يكون موقوفا لاحتمال رجوع البائع إلى تصديق المشتري، و مع اليأس يجري فيه البحث السابق الذي عرفته في تكذيب المقر له، كما أنك قد عرفت جملة من الكلام في هذه المسألة و فروعها في كتاب العتق(1).

لكن في الدروس هنا إشكال المقاصة بأنه دفع مالا متبرعا به، فإذا استهلك مع التسليط فلا ضمان، و زاد في المسالك بأنه إنما افتدى متقربا إلى الله تعالى باستنقاذ حر، فيكون سبيله سبيل الصدقات، و الصدقات لا يرجع فيها.

و في الدروس «و قد يجاب بأن مثل هذا الدفع مرغب فيه للاستنقاذ، و يكون ذلك مضمونا على القابض لظلمة» و زاد في المسالك بأن «المبذول على وجه الفدية لا يمنع من الرجوع فيه، لأنه ليس تبرعا محضا، و القربة لا تنافي ثبوت العوض، كما لو فدى أسيرا في بلد المشركين ثم استولى المسلمون على بلادهم، و وجد الباذل عين ماله، فله أخذه».

قلت: قد عرفت في كتاب البيع (2)أن من اشترى مغصوبا عالما بغصبه و تلف الثمن في يد البائع لم يكن له الرجوع عليه لتسليطه عليه، و قد ذكرنا ما عندنا في ذلك هناك، إلا أن المقام ليس منه، و ذلك

لأن المدفوع هنا إنما كان لقطع علقة المالك في ظاهر الشرع، و ليس المراد تسليطه على ما دفعه إليه عوض تسليطه على المغصوب على نحو شراء المملوك من مالكه، فلا تسليط منه له على ما دفعه إليه على كل حال.

و مع فرضه ليس له الرجوع مع التلف كالمغصوب، بل قد يتوقف في أصل المقاصة مع فرض جهل البائع بما ادعاه المشتري، و الفرض تلف العين في يده، و قد كان بوجه شرعي ظاهري يخرجه عن الظلم و إن كان هو محتملا باعتبار

عموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»(3)

و نحوه مما يقتضي الضمان، و لا ينافيه الحكم ظاهرا


1- 1 راجع ج 34.
2- 2 راجع ج 22 ص 305 الى 309.
3- 3 سنن البيهقي ج 6 ص 95.

ج 35، ص: 141

بعد معلومية الواقع للمشتري.

و في الدروس «ثم إن كان أقر بأن المعتق غير صاحب اليد أو بأنه حر الأصل أو بأنه عتيق صاحب اليد إلا أنه لا ولاء له عليه ضاع ماله، و لو قدر على مقاصة الممسك فله ذلك في صورة كونه معتقا أو عالما بالحرية، لا مع انتفاء الأمرين» و ظاهره عدم المقاصة في غيرهما كما ذكرنا.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في الأحكام المزبورة بين شراء من اعترف بحريته و بين من اعترف بعتقه و لم يكن طريق شرعي إلى إثبات ذلك على من في يده، و كذا في غير ذلك.

لكن في المسالك «و لو كان إقراره بأنك غصبت العبد من فلان ثم اشتراه منه ففي صحة العقد وجهان: أحدهما الصحة، كما لو أقر بحريته ثم اشتراه و تظهر الفائدة في لحوق أحكام البيع بالنسبة إلى البائع، و وجوب دفعه على المشتري إلى المالك، و الثاني المنع، لأن التصحيح ثم للافتداء و الإنقاذ من الرق، و لا يتجه مثله في تخليص ملك الغير».

و فيه أن الاستنقاذ و الافتداء للرق ليس منصوصا بخصوصه كي يقتصر عليه، بل هو من عمومات الإحسان و نحوه مما هو مشترك بين الجميع، بل لا ينبغي التأمل في الصحة لو فرض أن دعواه الغصب منه، كما هو واضح. هذا و في الدروس أشكل أيضا أصل نفوذ الإقرار بالحرية على وجه يحكم بها بمجرد شرائه، فان في ذلك ضررا على العبد. و ربما كان عاجزا عن التكسب، فلا ينفذ إقراره في حقه إلا أن يجعل إقراره بمثابة عتقه مباشرة أو يصدقه العبد على الحرية، و فيه معلومية عدم توقف الحرية إخبارا و إنشاء على اختيار العبد، و لذا يصح عتق العاجز و ينفذ إقرار مالكه بعتقه.

ج 35، ص: 142

[المقصد الثاني في تعقيب الإقرار بما يقتضي ظاهره الابطال]
اشاره

المقصد الثاني في تعقيب الإقرار بما يقتضي ظاهره الابطال و فيه مسائل:

[المسألة الأولى لو قال له عندي وديعة و قد هلكت لم يقبل]

الاولى:

لو قال: «له عندي وديعة و قد هلكت» لم يقبل بلا خلاف أجده بين من تعرض له من الشيخ و الفاضل و الشهيدين و الكركي و غيرهم، لظهور قوله «له عندي» في بقائها، فينافيه دعوى الهلاك، إذ الهالك لا يكون وديعة، و كذا لو قال: «رددتها».

أما لو قال: «كان له عندي» فإنه يقبل بيمينه بلا خلاف أجده فيه أيضا، لعدم ظهور ذلك في البقاء المنافي لدعوى الهلاك أو الرد، فيبقى على مقتضى قبول قول الودعي في الرد و التلف، نعم لو فرض استعمال أهل العرف- و لو المبتذل- للأولى في معنى الثانية و لو على أن يكون قوله: «و قد هلكت» قرينة على إرادة «كان» اتجه القبول أيضا لما عرفت، و لا يكفي احتمال إرادة ذلك في رفع اليد عن ظاهر ما يقتضي الإقرار الذي به انقطع الأصل و غيره، و قد تكرر منا غير مرة أن ما يوجد في بعض العبارات- من دعوى الاكتفاء في عدم الإقرار بالاحتمال الذي لا يقابل بظاهر الحقيقة- لا ينبغي الالتفات إليه، لعدم دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه.

ج 35، ص: 143

و لو قال المسلم له علي مال ثم قال من ثمن خمر غير محترمة أو خنزير لزمه المال إجماعا مع الفصل، كما عن التذكرة، بل و مع الوصل بلا خلاف أجده فيه، بل في نهاية المرام نسبته إلى علمائنا، لاقتضاء ذلك سقوط الأول، ضرورة عدم سقوط الثمن لهما في شرع الإسلام، لكن في الدروس «قيل» مشعرا بنوع توقف فيه، بل في مجمع البرهان «فيه تأمل، من قاعدة الإقرار المذكورة في التذكرة مرارا، و هي أنه مبني على اليقين، فكلما لم يتيقن لم يلزم بشي ء، و لا يخرج عنه بالظن و غيره، و يسمع فيه الاحتمال و لو كان نادرا، و لا شك في أنه يحتمل كون اعتقاده لزوم الثمن بشرائهما لاعتقاده صحة ذلك مطلقا، أو إذا كان الشراء من الكافر، أو لزوم ذلك إذا كان في زمان الكفر، و نحو ذلك و بالجملة مع إمكان احتمال لا يلزمه معه شي ء و لا يصير الكلام لغوا محضا و متناقضا بحسب اعتقاده يشكل الحكم باللزوم بمجرد ذلك، للأصل و القاعدة، و لهذا قال في التذكرة نقلا عن بعض الشافعية: «لو قال: لفلان علي من ثمن الخمر ألف لم يلزمه شي ء يرده بحال- إلى أن قال-: و يؤيده نقل الإجماع في التذكرة في صورة الفصل الخارجة عن العادة دون صورة الوصل، و ما حكاه فيها أيضا عن الجويني أنه كان يقول كنت أود لو فصل بين أن يكون المقر جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزم و بين أن يكون عالما، فيعذر الجاهل دون العالم، و لكن لم يصر إليه أحد من الشافعية، و قد تبعه في ذلك تلميذه في نهاية المرام، حتى قال: إن ما ذكره الجويني لا يخلو من قوة» و نحوه في الرياض.

إلا أن الجميع كما ترى لا ينبغي الالتفات إليه، خصوصا من القاعدة التي قد عرفت ما فيها غير مرة، و لو صحت لانسد باب الإقرار، و أما ما ذكره من التهجسات فليس شي ء منها بشي ء، و لهذا لم يذهب إليه أحد من العامة الذين مبنى مذهبهم على نحو هذه الاعتبارات.

نعم لو قال المقر: «كان ذلك من ثمن خمر أو خنزير فظننته لازما لي» و أمكن الجهل بذلك في حقه توجهت دعواه، و كان له تحليف المقر له على نفيه إن

ج 35، ص: 144

ادعى العلم بالاستحقاق، و لو قال: لا أعلم حلف على عدم العلم بالفساد، و لو لم يمكن الجهل بذلك في حق المقر لم يلتفت إلى دعواه، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا قال له علي ألف و قطع ثم قال من ثمن مبيع لم أقبضه لزمه الألف]

المسألة الثانية إذا قال: له علي ألف و قطع، ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضه لزمه الألف بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، سواء عين المبيع أو أطلق، لاستقرار الإقرار، و حينئذ فالثاني مجرد دعوى عدم استحقاق التسليم عليه فلا يسمع.

نعم لو وصل فقال: «له علي ألف من ثمن مبيع» و قطع ثم قال: «لم أقبضه» فعن المبسوط و الخلاف و القاضي قبل سواء عين المبيع كهذا العبد أو لم يعينه و عن الإيضاح أنه أقوى، و عن المختلف نفي البعد عنه، و كأنه مال إليه بعض متأخري المتأخرين، لأن قوله: «من ثمن مبيع» مقبول من جهة اتصاله، و هو أعم من كونه مقبوضا و غير مقبوض، فإذا قال بعد ذلك: «لم أقبضه» فقد ذكر بعض محتملاته بل ما يوافق الأصل، مضافا إلى أصل البراءة و القاعدة التي سمعتها، و أن الإنسان محل السهو و النسيان، و فيه أن قبول قوله: «من ثمن مبيع» بمعنى عدم الحكم بمنافاته، لا أنه بحيث يمضى على المقر له على وجه لو وصله بعد ذلك بالمنافي لظاهر الأول القاطع لأصل البراءة قبل، و القاعدة المزبورة قد عرفت عدم إقعادها.

و من هنا قال المصنف و فيه احتمال التسوية بين الصورتين، و لعله أشبه بأصول المذهب و قواعده، بل هو خيرة الحلي و الفاضل و الكركي و غيرهم، بل لعل الأقوى عدم القبول لو وصل الكلام بتمامه، بأن قال: «له علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه» وفاقا للفاضل و المصنف في النافع و الشهيد في اللمعة و المحكي عن الحلي

ج 35، ص: 145

و يحيى بن سعيد، بل مال إليه غير واحد من المتأخرين، لنحو ما سمعته في الأولى من منافاة الأخير للأول الذي مقتضاه ثبوت المال في ذمته على وجه يستحق أداؤه عليه.

خلافا للمحكي عن المبسوط و الخلاف فيقبل، بل مال إليه في المسالك، بل في نهاية المرام أنه الأصح، و في الكفاية أنه الأقرب، لأن الكلام جملة واحدة، و لإمكان صدقه فيما أخبر به و أراد التخلص بالإقرار به، فلو لم يقبل و الزم بخلاف ما أقر به لانسد باب الإقرار بالواقع حيث يراد، و هو مناف للحكمة، و المنافاة ممنوعة، و إنما هو وصف زائد على الإقرار المطلق، و الواقع هو الإقرار المقيد لا المطلق، كما لو قيد الألف بقيد آخر غير ذلك.

و فيه أن كون الكلام جملة واحدة لا يقتضي قبول ما يقتضي إبطال الإقرار منها، و إلا لقبل قوله: «له علي عشرة دراهم قضيتها» و إمكان صدقه لا محصل له، فلا يكفي في رفع اليد عما يقتضيه الإقرار الأول و كذا ما ذكره أخيرا.

[المسألة الثالثة لو قال ابتعت بخيار أو كفلت بخيار أو ضمنت بخيار قبل إقراره بالعقد]

المسألة الثالثة لو قال: ابتعت بخيار أو كفلت بخيار أو ضمنت بخيار قبل إقراره بالعقد، و لم يثبت الخيار بلا خلاف أجده فيه قبل الأردبيلي و تلميذه و الخراساني، بل عن موضع من التذكرة ما يشعر بالإجماع عليه، ضرورة ظهوره في العرف في كونه إقرارا و دعوى.

بل ينبغي القطع بعدم القبول إذا كان المراد منه إفساد ما وقع منه من الضمان و الكفالة بذلك بناء على بطلان الشرط المزبور فيهما، و لكونه مجهولا باعتبار عدم ذكر الأجل، ضرورة كونه من مدعي الفساد حينئذ الذي لا ريب في عدم قبوله من دون بينة خصوصا بعد معلومية توقف ثبوت الخيار على اشتراطه، و الأصل عدمه كغيره من الشرائط، فما وقع من المقدس الأردبيلي- من القبول في الفرض،

ج 35، ص: 146

لكون الكلام جملة واحدة، و للقاعدة و الأصل و نحو ذلك مما تكرر منا نقله عنه- لا ينبغي الالتفات إليه.

و من الغريب ما في الرياض من التسوية بين هذه المسألة و المسألة السابقة، و هي لو قال: «له علي كذا من ثمن مبيع لم أقبضه» في الخلاف و إن قلنا نحن: إن حكمهما واحد باعتبار تضمن الأخير دعوى فيما أقر به أولا و إن لم يكن منافيا له، لا أنه أحد أفراده.

و من ذلك يظهر لك النظر فيما اعترف به المخالف في المقام من عدم ذكره منافيا للأول، إذ هو كما عرفت دعوى جديدة فيما أقر به و إن لم يكن منافيا، نحو قوله: «كان لك علي دين و قضيته».

هذا و في المسالك في المسألة السابقة «و موضع الاشتباه ما إذا كان المقر غير معتقد لزومه على هذا الوجه باجتهاد أو تقليد، و إلا فلا إشكال في اللزوم، لأنها مسألة اجتهادية، فيؤخذ على المعتقد بما يدين به، و يبقى على مقتضى نظر المفتي».

و قد سبقه للكلام في هذه المسألة الكركي في جامعه و قال: «و هنا نكتة سنح ذكرها هنا، و هو أن المؤاخذ بهذا الإقرار و نظائره من المواضع المختلف فيها هو كل مقر، سواء كان ممن له أهلية الاجتهاد أم لا، معتقدا قبول مثل ذلك أم لا. أم يقال: إن من يعتقد مثل ذلك و علم ذلك من مذهبه يعامل بمعتقده؟

لا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب، و الذي يقتضيه النظر أنه يلزم بمعتقد الحاكم كائنا ما كان».

قلت: لعله جعله من نقض الفتوى بالحكم الذي بيناه في كتاب القضاء، و كون المسألة عرفية لا يقتضي صدور الكلام من المعتقد على اعتقاده الذي قد يغفل عنه و يتكلم على طريقة العرف، فيصيب في استعماله و إن كان مخطئا في اعتقاده الذي هو ليس اصطلاحا له و لا قرينة على إرادته بخطابه ذلك، نعم لو علم منه الخطاب على ذلك اتجه حينئذ المؤاخذة به، و الله العالم.

ج 35، ص: 147

[المسألة الرابعة إذا قال له علي دراهم ناقصة صح]

المسألة الرابعة إذا قال: «له علي دراهم ناقصة» صح إذا اتصل بالإقرار، لأنه حينئذ كالاستثناء بلا خلاف أجده فيه إلا ما عن الإيضاح من أن الأصح عدم القبول عملا بأول الكلام و كون الوصف منافيا للسابق، لاقتضائه الرجوع عن بعضه، و لا يخفى ضعفه، إذ لم يثبت بالإقرار سواه حتى يقال إنه سقط، و لا منافاة بين الأمرين، فقطع بعض الكلام عن بعض و إلزامه به بعيد عن مقصد الشارع، خصوصا بعد ما سمعت من صحيح هشام (1)المتضمن عدم الأخذ بالكلام حتى يتم، مضافا إلى فهم العرف كونه كلاما واحدا أو أنه ليس إقرارا و دعوى، و لا رجوعا، بل قيل: لولا ذلك لأدى إلى تعذر الإقرار ممن عليه دراهم ناقصة.

نعم لو انفصل لم يسمع بلا خلاف أجده فيه، بل في جامع المقاصد لا بحث فيه، و لعله لكونه حينئذ دعوى جديدة يقتضي رفع ما حكم بثبوته، فلا تسمع بدون البينة، لكن عن التحرير احتمال القبول إذا كان التعامل بالناقص غالبا، و هو كذلك.

و على كل حال ف يرجع في قدر النقيصة مع فرض تعددها إليه بلا خلاف و لا إشكال.

و كذا يقبل مع الاتصال لو قال: له علي دراهم زيف أي مغشوشة لنحو ما سمعته لكن يقبل تفسيره بما فيه فضة من أفرادها المتعددة.

و لو فسره بما لا فضة فيه لم يقبل لعدم صدق الدرهم الزيف أي


1- 1 الوسائل الباب- 4- من آداب القاضي الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 35، ص: 148

المغشوش عليه، و لو فرض تعارف الناقص و المغشوش معاملة و إطلاقا كالتام و الصحيح لم يعتبر الاتصال في قبوله، كما هو واضح.

و لو قال: «له علي دريهمات» أو «دراهم صغار» و فسرها بالناقص لم يقبل إلا مع الاتصال، لأن الغالب في الدرهم التام و إن كان صغيرا في شكله، نعم لو كان في الدراهم ما يعد صغيرا و كان ناقصا قبل و المدار في هذه و غيرها قبول التفسير مع الانفصال بما يندرج تحت إطلاقها عرفا دون غيره.

و أما مع الاتصال فقد تكرر منا قبول كل ما يعد في العرف أنه كلام في مقصد واحد، و بعضه يشهد لبعضه و لو على حسب قرائن المجاز دون غيره مما يكون رجوعا عن الأول، أو دعوى فيه تقتضي رفع ما يقتضيه و لو إطلاقه، و مع الشك يؤخذ بظاهر ما يقتضي الإقرار، و يحتمل العدم، للأصل و غيره.

[المسألة الخامسة لو قال له علي عشرة لا بل تسعة لم يقبل منه و لزمه عشرة]

و من ذلك:

المسألة الخامسة: التي هي لو قال: «له علي عشرة لا بل تسعة» لم يقبل منه و لزمه عشرة لأن ذلك يعد رجوعا عن الأول عرفا و ليس كذلك لو قال: «له عشرة إلا واحدا» فإنه كلام عن مقصد واحد، و احتمال بداء الاستثناء له بعد الإقرار بالعشرة لا يلتفت إليه في مثله، و لو قال: «أودعتني مأة فلم أقبضها» أو «أقرضتني مأة فلم آخذها» فعن التحرير و التذكرة الجزم بالقبول مع الاتصال، لاستعمال ذلك عرفا مع عدم القبض، بل يستعمل فيه الإيجاب وحده، فيقال «أودعتني فلم أستودع» و «أقرضتني فلم أقترض» من دون تناقض.

لكن في القواعد الإشكال في ذلك، بل لا ترجيح في محكي الإيضاح و الدروس و الحواشي، بل في الجامع المقاصد «إن الذي يقتضيه النظر إن باع و أودع و أقرض إن صدق على الإيجاب حقيقة لم يفرق بين الاتصال و الانفصال في القبول، و إلا لم يقبل مع الانفصال قطعا، و مع الاتصال فالراجح عدم القبول، لأنه يقتضي رفع

ج 35، ص: 149

الإقرار من أصله، و أنا في ذلك من المتوقفين».

و هو كما ترى لم يأت بشي ء، بل احتمال صدق «باعني» على الإيجاب وحده بحيث يقبل منه قول: «فلم أقبل» منفصلا واضح الضعف.

فالتحقيق الرجوع إلى ما ذكرناه من القاعدة التي مقتضاها هنا على الظاهر القبول في مفروض المسألة مع الاتصال و عدمه مع الانفصال و إن حكي عن التذكرة الإشكال فيه لكنه في غير محله.

بقي الكلام في صحة البدل في عبارة المقر، و التحقيق الرجوع فيه إلى ما ذكرناه من القاعدة التي مرجعها إلى العرف. لكن في القواعد «الأقرب صحته إن لم يرفع مقتضى الإقرار، كما لو قال: له هذه الدار هبة أو صدقة» و نحوه عن التذكرة و التحرير و الإيضاح، و في جامع المقاصد أنه الأصح، بل عن الحواشي أنه المشهور، و حينئذ يكون المقر به في المثال هبة يجوز له الرجوع فيها، لأن البدل مستعمل عرفا و لغة فيجري مجرى الاستثناء، و ليس رافعا للإقرار من أصله، و الكلام إنما يتم بآخره، مضافا إلى أصل البراءة و غيره، و ظاهرهم صحة البدل الذي لا يقتضي رفع الإقرار من أصله.

أما لو قال: «له هذه الدار عارية أو سكنى» ففي القواعد «فيه نظر ينشأ من كونه رفعا لمقتضى الإقرار و من صحة بدل الاشتمال لغة» و عن التذكرة الجزم بالصحة، و عن التحرير أنه أقرب.

لكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم اقتضاء صحة بدل الاشتمال لغة صحته إقرارا، ضرورة صحة بدل الغلط و بدل الإضراب لغة و لا ريب في عدم قبولهما، لكونهما رجوعا، و لعله لذا جزم الكركي بعدم القبول و إن قال بقبول البدل الذي لا يرفع أصل الإقرار، نحو ما سمعته من الفاضل أولا.

و من الغريب قوله في القواعد أيضا «لو قال: له هذه الدار ثلثها أو ربعها ففيه الإشكال» أي الذي سمعته منه في بدل الاشتمال الذي لا يخفى وضوح الفرق بينه و بين ذلك باقتضاء الأول بطلان الإقرار من أصله بخلاف الثاني الذي هو كالاستثناء،

ج 35، ص: 150

مع أن المحكي عن الإيضاح أن الأقوى عدم قبوله، و لا يخلو من وجه إن لم يفهم العرف منه أنه على حسب المجاز الذي يذكر قرينته متصلة به على نحو الاستثناء، و إلا كان رجوعا حتى مع الشك بناء على ما سمعته سابقا.

[المسألة السادسة إذا شهد على نفسه بالإقرار بالبيع و قبض الثمن ثم أنكر]

المسألة السادسة إذا شهد على نفسه بالإقرار بالبيع و قبض الثمن ثم أنكر القبض فيما بعد و ادعى أنه أشهد تبعا للعادة و لم يقبض قيل و إن لم نتحقق هنا قائله من العامة فضلا عن الخاصة لا تقبل دعواه لأنه مكذب لإقراره.

و فيه أنه معترف بإقراره و لكن يدعى كونه على الوجه المزبور، فلا تكذيب.

و من هنا لم نجد خلافا في القبول نعم عن أبي إسحاق من العامة عدم قبول دعوى الواهب عدم الإقباض بعد إقراره به.

و ربما احتمل الإشارة بالخلاف هنا إلى ما بنيت عليه المسألة و هو مسألة سماع الدعوى بالإقرار التي قد حررنا الكلام فيها في كتاب القضاء، مع أنه لم نجد خلافا في سماعها، و إنما تردد فيها المصنف و بعض من تأخر عنه.

و على تقديره لا مدخلية لها في مسألتنا. ضرورة الاعتراف في المقام بإقراره، لكنه يدعي كونه على الوجه المزبور بل في الدروس في الهبة «أنه إن قلنا بسماع الدعوى بالإقرار صح له إحلافه على عدم المواطاة و إلا فلا».

و قيل و القائل الشيخ و من تأخر عنه إلى الكفاية تقبل دعواه و يتوجه له على المقر له اليمين على نفي ما يدعيه من عدم القبض لأنه ادعى ما هو معتاد من الإقرار لرسم القبالة مخافة تعذر الشهود أو لغيره.

و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها البينة على المدعي و اليمين على من أنكر الشامل للفرض، و لا يشكل بكونها تكذيبا لإقراره، إذ ليس

ج 35، ص: 151

هو مكذبا لإقراره، بل هو مدعيا شيئا آخر معه، فيكون على المشتري اليمين لعموم

قوله صلى الله عليه و آله (1)«و اليمين على من أنكر».

و ليس كذلك في سماع الدعوى لو شهد الشاهدان بإيقاع البيع و مشاهدة القبض، فإنه لا يقبل إنكاره، و لا يتوجه له اليمين عندنا و عند أكثر العامة في المحكي عن قضاء كشف اللثام لأنه إكذاب للبينة و هو كذلك فاني لا أجد فيه خلافا إلا من الكركي في حاشية الكتاب، حيث قال:

«هذا إذا لم يدع المواطاة في القبض عند البينة و إعادة المقبوض بعد المفارقة، فإن ادعاه كان له الإحلاف أيضا» و نحوه عنه في تعليق الإرشاد أيضا.

لكن فيه ما لا يخفى ضرورة خروجه عن الفرض إذ هو دعوى إعادة المقبوض بعد مضي البينة لا إنكار ما شهدت به عليه، كما هو واضح.

هذا و في الدروس «لو أقر ثم ادعى المواطاة فله إحلاف المقر له على الاستحقاق لا على عدم المواطاة أما لو أقر بين يد الحاكم ثم ادعاها لم يسمع و كذا لو شهد الشاهد بمشاهدة القبض» و عن شرح الإرشاد للفخر أنه يحلف على الإقباض أو الاستحقاق، و في محكي الكفاية يحلف على الإقباض، لكن في جامع المقاصد و الروضة يحلف على الإقباض أو عدم المواطاة.

و فيه أن الحلف على نفي المواطاة لا يقتضي نفي دعوى عدم القبض للمواطاة، إذ يمكن عدمه من دون مواطاة، و كأنه هو الذي لحظه الشهيد في عدم الاكتفاء بالحلف على نفيها و إن أبرز الدعوى بها، إلا أن المراد عدم القبض مواطاة، لا أن الدعوى نفس المواطاة، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم قد يناقش في قوله: «أما» إلى آخره بأن إقراره بين يدي الحاكم لا يقتضي عدم قبول دعواه المستأنفة حتى لو حكم الحاكم بإقراره الذي لا يزيد على


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 و فيه« البينة على المدعى و اليمين على المدعى عليه» و في المستدرك الباب- 3- منها الحديث 4 و سنن البيهقي ج 10 ص 252« البينة على المدعى و اليمين على من أنكر».

ج 35، ص: 152

اعترافه به الان حال الدعوى لكنه يدعي كونه على الوجه المزبور و لم يكن بإقراره بمحضر من الحاكم قطع لهذه الدعوى المفروض سماعها منه.

كما أنه قد يناقش فيما ذكره المصنف و غيره من أن ذلك ليس تكذيبا لإقراره إلى آخره بأن المراد من تكذيبه هو دعوى خلاف مقتضاه لا إنكاره، و لا ريب في أنه هنا كذلك، لكنه ادعى كون صدوره للوجه المزبور، فان كان ذلك كافيا في قبول دعواه على وجه يستحق اليمين على المدعى عليه

لعموم «البينة على المدعى و اليمين على من أنكر»(1)

اتجه التعدية لغير المقام، فلو ادعى المقر مثلا أن إقراره كان لمصلحة من المصالح التي منها أن يقر المدعى عليه بماله عليه في مقابلة إقراره الصوري، و منها دفع ضرر يكون عليه و غير ذلك إلا أن ذلك مناف لما يفهم من المصنف و غيره أن السبب في سماع الدعوى في المقام جريان العادة.

بل في جامع المقاصد و غيره تعليله بكونه مما تعم به البلوى، و بنحو ذلك مما يظهر منه خصوصية للمقام سوغت سماع الدعوى فيه و إن كانت مكذبة لإقراره.

نعم قول المصنف: «إذ ليس» إلى آخره ظاهر أو صريح في أن المقام ليس من تكذيب الإقرار، بل من دعوى شي ء آخر معه، و نحوه غيره في التعليل المزبور و إن كان هو كما ترى، ضرورة صدق التكذيب عليه، إذ دعوى عدم القبض بعد الإقرار به تكذيب له قطعا و إن ذكر وجها لإقراره.

و لعل الأقوى في النظر إن لم يكن إجماع عدم خصوصية للمقام، فتسمع الدعوى بما لا ينافي الإقرار مطلقا إذا ذكر وجها ممكنا لإقراره الأول، بل لو ادعى علم المقر له به استحق له اليمين عليه، بل لا يبعد جريان نحو ذلك في البينة، لعموم الأدلة التي منها

«البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»(2)

و ليس


1- 1 راجع ص 151.
2- 2 راجع ص 151.

ج 35، ص: 153

في شي ء منها اعتبار عدم استلزامها تكذيبا للإقرار و البينة في القبول و إن ذكر وجها ممكنا لهما.

بل لعل اتفاقهم ظاهرا على سماع دعوى الفساد بعد فعل ما حكم الشارع بصحته و اعترافه بذلك مؤيد لما ذكرناه، و قد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في كتاب القضاء.

[المقصد الثالث في الإقرار بالنسب]
اشاره

المقصد الثالث في الإقرار بالنسب الذي أجمع العلماء كافة على قبوله فيه، كما في نهاية المرام، و لا خلاف بين العلماء في ثبوته به كما في الكفاية، مضافا إلى عموم أدلته، و خصوص النصوص (1)الواردة التي فيها الصحيح و القوى و المرسل، و قد تقدم جملة منها في كتاب النكاح.

و كيف كان ف فيه مسائل:


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث. من كتاب المواريث.

ج 35، ص: 154

[المسألة الأولى لا يثبت الإقرار بنسب الولد]

الاولى:

لا يثبت الإقرار بنسب الولد الصغير و لو اثنى حتى تكون البنوة ممكنة، و يكون المقر به مجهولا، و لا ينازعه فيه منازع، فهذه قيود ثلاثة لا خلاف في اعتبارها في الإقرار بنسب الولد و إن اختلف التعبير عنها، ففي كثير من الكتب التعبير بالعبارة المزبورة، و في جملة أخرى «يشترط في الإقرار به عدم تكذيب الحس و الشرع و عدم المنازع» إلا أن المراد واحد، مضافا إلى ما تقدم اعتباره في المقر من البلوغ و العقل، بل في الرياض من عدم الحجر و إن كان فيه ما فيه.

نعم ظاهر ما حضرنا من نسخة الشرائع و محكي السرائر و النافع اختصاص اعتبارها في الصغير، و ليس كذلك قطعا و إن أوهمه المحكي عن عبارة المبسوط أيضا، لكنه قال بعد ذلك: «و إن كان كبيرا، فإنه يعتبر فيه أربعة شروط: الثلاثة التي ذكرناها، و الرابع تصديقه» و يمكن تنزيل العبارات الثلاثة على ذلك أيضا.

بل لعل المعروف من نسخة الشرائع المشروحة فيما عندنا من المسالك عدم التقييد بالصغير، بل لا يكاد يتم قوله: «فلو انتفى» إلى آخره مع فرض بلوغ المقر و صغر المقر به، كما أنه يمكن تنزيل إطلاق الإرشاد و محكي المبسوط و السرائر و التذكرة و غيرها على ما في الكتاب و القواعد و الدروس و غيرها من التقييد بإمكان التولد عادة، لأنه المتيقن من الإجماع الذي هو عمدة دليل المسألة و إن قلنا سابقا في اللحوق بالفراش: «إن ابن العشر يمكن التولد منه على خلاف العادة».

بل في المسالك هنا «أن الأولى اعتبار مطلق الإمكان» لكن فيه ما عرفت من عدم الدليل هنا غير الإجماع المعلوم منه ذلك، بخلاف قاعدة الفراش، إذ نصوص المقام لا دلالة في شي ء منها على ثبوت النسب بالنسبة إلى غير المقر من أرحامه ف

في

ج 35، ص: 155

الخبر(1)«إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف عنه أبدا»

و في المرسلة(2)«رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب ثم امتنع من ذلك قال: ليس له ذلك».

و في الصحيحين (3)في أحدهما «عن المرأة تسبى من أرضها و معها الولد الصغير، فتقول: هذا ابني، و الرجل يسبى فيلقى أخاه فيقول: أخي و يتعارفان، و ليس

لهما بينة على قولهما، فقال عليه السلام ما يقول من قبلكم؟ قلت: لا يورثونهم، لأنهم لم يكن لهم على ذلك بينة، إنما كانت ولادة في الشرك، فقال: سبحان الله، إذا جاءت بابنها أو بنتها و لم تزل مقرة و إذا عرف أخاه و كان ذلك في صحة من عقلهما و لم يزالا مقرين ورث بعضهم من بعض».

و الخبر(4)«عن رجلين جاءا من الشرك، فقال أحدهما لصاحبه: أنت أحي فعرفا بذلك، ثم أعتقا و لكن يعرفان بالإخاء، ثم إن أحدهما مات، فقال: الميراث للأخ يصدقان»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا دلالة فيها على ثبوت النسب بالنسبة إلى غير المقر و إن كان قد يشم ذلك منها بالنسبة إلى الصغير، خصوصا صحيح المرأة التي أثبت لها إرثه بمجرد إقرارها، بل

قوله عليه السلام: «لا ينتفى عنه أبدا»

كناية عن كونه له ولدا شرعا أزيد من ولد الفراش.

لكنه كما ترى يحتاج إلى إتمام ذلك بالإجماع فالمتجه حينئذ الاقتصار فيه على المتيقن الذي ذكرناه، و ليس هو إلا الإمكان العادي اللهم إلا أن يقال إن المراد منه ما يمكن فيها و لو نادرا،

فيبقى خارق المعتاد الذي هو كالاعجاز خارجا، لا ما يكون فيها و لو نادرا فتتفق الكلمة حينئذ.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 4 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 3 من كتاب المواريث.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 بسندين. راجع الكافي ج 7 ص 165 و 166.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 2 من كتاب المواريث.

ج 35، ص: 156

و على كل حال فلو انتفى إمكان الولادة لم يقبل، كالإقرار ببنوة من هو أكبر منه سنا أو مثله في السن أو أصغر منه بما لم تجر العادة بولادته لمثله بناء على اعتبار العادة أو أقر ببنوة ولد امرأة له و بينهما مسافة لا يمكن الوصول إليها في مثل عمره عادة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك و لا إشكال و إن تصادقا.

و كذا لو كان الطفل معلوم النسب شرعا لغيره لم يقبل إقراره أيضا كذلك و كذا لو نازعه منازع في بنوته لم يقبل أيضا إلا ببينة أو بالقرعة كما صرح به جماعة، و لعله للإشكال من تعارض الإقرارين، و لفحوى الصحاح المستفيضة الواردة في وطء الشركاء الأمة المشتركة(1)مع تداعيهم جميعا في ولدها.

و لو دخلت حربية مثلا دار الإسلام و معها ولد فاستلحقه مسلم أو ذمي مقيم بدار الإسلام لحق به، إلا أن يعلم عدم دخوله دار الحرب و عدم خروجها إلى دار الإسلام و عدم مساحقتها لموطوءته، فلا يلحق

لتكذيب الحس إياه، و لا يكفي إمكان إنفاذ الماء في قارورة إليها، لبعد وقوعه و الانخلاق منه.

و لا يعتبر تصديق الصغير بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الكفاية و الرياض، بل في المسالك و مجمع البرهان و المحكي عن جامع المقاصد الإجماع عليه، سواء كان مراهقا رشيدا أو لا، بل لا يعتبر تصديقه أيضا بعد بلوغه و رشده، لما ستعرفه من عدم سماع إنكاره بعدهما، بل عن نهاية المرام الإجماع على أنه لا يتوقف نفوذ الإقرار به على بلوغه و تصديقه، و في الكفاية لا نعرف فيه خلافا قلت: و لا إشكالا، ضرورة كونه مع ذلك هو مقتضى إطلاق الأدلة.

و لو استلحق المنتفى باللعان غير صاحب الفراش ففي ثبوت نسبه وجهان، من عدم المنازع و من إمكان الشبهة، و لعل الأول أقوى.


1- 1 الوسائل الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 35، ص: 157

و لو استلحق عبد الغير أو أمته ففي ثبوت نسبه مع التصديق أو لا معه إذا كان غير كامل تردد، من العموم و من أنه يمنع إرثه بالولاء، و الأول أقوى.

و لو استلحق عبد نفسه الكبير و كذبه لم يثبت النسب، و في عتقه نظر من إقراره بموجبه و من عدم ثبوت النسب، و الأول أقوى إلزاما له بإقراره، نعم لو كان مشهور النسب أمكن عدم العتق، لالتحاقه بغيره شرعا.

و كيف كان ف هل يعتبر تصديق الكبير؟ ظاهر كلامه في النهاية لا يعتبر، لأن المحكي عنه اقتصاره على اشتراط عدم كونه مشهور النسب، لكن يمكن أن يكون تركه كترك اشتراط الإمكان الذي لا ريب في اشتراطه.

و في المبسوط و تبعه جميع من تأخر عنه يعتبر ذلك بل عن أبي علي لا نعلم فيه خلافا و هو الأشبه للأصل و غيره. و حينئذ فلو أنكر الكبير لم يثبت النسب بينهما و إن كان يؤخذ المقر بإقراره، بل لا يحتاج إلى الإنكار، فيكفي سكوته في عدم الثبوت، و لذا كان المعتبر في كلام الأصحاب التصديق، نعم في قواعد الفاضل اعتبار عدم تكذيبه، و يمكن إرادة التصديق منه الذي هو الموافق للأصل، كما هو واضح.

و لا يثبت النسب بين المقر و المقر به في غير الولد إلا بتصديق المقر به فيثبت لكن على الوجه الذي ستعرفه، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل في نهاية المرام و الكفاية الظاهر أنه لا خلاف في ذلك، و لعلهما لم يعتنيا بما عن المبسوط من عدم اعتبار التصديق في الصغير ولدا كان أو غيره، أو لم يتحققاه أو نزلا كلامه على ما عن الوسيلة من عدم اعتباره في غير الولد بالنسبة إلى جريان أحكام المقر عليه لا المقر به، و على تقديره فهو واضح الضعف، للأصل السالم عن المعارض.

و حينئذ ف إذا أقر بغير الولد للصلب و لا ورثة له و صدقه

ج 35، ص: 158

المقر به توارثا بينهما بلا خلاف و لا إشكال، لا لثبوت النسب بذلك، بل للنص (1).

و كذا لا يتعدى التوارث إلى غيرهما بلا خلاف أجده فيه على ما في الرياض، و عن الكفاية و عن نهاية المرام الظاهر أنه لا خلاف فيه، و لعله للأصل الذي خرجنا عنه في الولد الصغير بالإجماع الذي اعترف به غير واحد، لكن عن المبسوط و السرائر و الجامع و التحرير و التلخيص التعدية إلى أولادهما خاصة و إن كان لم يظهر لنا وجهه.

و حينئذ ف لو كان له ورثة مشهورون لم يقبل إقراره في النسب الموجب للتوارث، لكونه حينئذ إقرارا في حق الغير، ضرورة كون الإرث حقا لغيره، و ليس من حقوق نفسه حتى يكون مقتضى الإقرار بثبوتها

عليه، و لا ينافي ذلك الحكم بالإرث لهما إذا تقارا و لا وارث غيرهما، لما سمعته من النص (2)المعتضد بالفتوى، بل و بقاعدة أن المقر له مدع، و لا معارض له، و الإرث بالولاء مشروط بعدم وارث له، و هو و إن كان لا يكفي فيه الأصل إلا أن ظاهر الأدلة هنا الاكتفاء بالإقرار المزبور في عدم الإرث له مع وجود أحد المتقاربين نفسه دون غيره.

هذا و قد يظهر من الصحيح (3)المزبور عدم الفرق بين الأب و الأم في لحوق الولد الصغير بالإقرار، بل لعله ظاهر المصنف هنا و النافع، بل قيل هو ظاهر النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع و الإرشاد و التبصرة و التلخيص، بل قيل إنه خيرة التذكرة و الحواشي و مجمع البرهان و المحكي عن التحرير في أحكام الأولاد.


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 من كتاب المواريث.

ج 35، ص: 159

و لكن في الدروس و الروضة الاختصاص بالأب، بل في الإيضاح «الحق أن النص لا يتناولها» بل فيه «قد وردت رواية بصيغة الجمع المذكر» و هي لا تتناول الإناث عنده و إن كنا لم نتحققها، نعم في

الخبر(1)«لا يثبت نسب تدعيه النساء و ينكره الرجال و ورثتهم»

و هو مع عدم جامعيته لشرائط الحجية يمكن تخصيصه بما دل على ثبوته بإقرارها في الولد الصغير(2)مؤيدا بعدم الفرق بينهما و بين الرجل في ذلك.

بل قيل: إنها أولى منه فيه، و إمكان إقامتها البينة على أصل الولادة غير إقامتها على ولادة المقر به بخصوصه الذي تتعذر في الغالب، و من ذلك يقوى الظن بإلحاق الأم بالأب في ذلك.

نعم ينبغي الاقتصار على خصوص الولد للصلب دون ولد الولد، كما صرح به غير واحد، بل عن الكفاية نسبته إلى الأصحاب تارة و استظهار نفي الخلاف فيه اخرى، و حينئذ لا يثبت به نسب على حسب ما سمعته في الولد للصلب.

أما الالتزام بما يقتضيه الإقرار على المقر نفسه من نفقة و حرمة نكاح مثلا و نحو ذلك كما في كل مقام قلنا بعدم ثبوت النسب فيه بالإقرار فالمتجه ثبوته.

و على كل حال فظاهر المصنف و غيره، بل هو صريح جماعة ثبوت النسب الذي لا يتعدى إلى غير المقر بالإقرار بالولد و إن

اشترط التصديق من الكبير في ذلك، فيكون الفرق حينئذ بين الولد و غيره من المتصادقين بالنسبة إلى التعدية في


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 و هو نقل بالمعنى و الظاهر أن هذا اللفظ مأخوذ من عنوان الباب المشار إليه في الوسائل فإن فيه« باب أنه لا يثبت نسب وارث تدعيه النساء و ينكره الرجال أو ورثتهم».
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 من كتاب المواريث.

ج 35، ص: 160

الإرث إلى غير المتقارين في الأول دون الثاني، فإنه يقتصر عليهما على الوجه المزبور.

بل ظاهر المسالك المفروغية من ذلك، حيث قال في شرح قوله: «و إذا أقر بغير الولد» إلى آخره: «هذا من جملة ما افترق فيه الإقرار بالولد من غيره، فإن الإقرار بالولد مع التصديق أو بدونه يثبت به النسب، و يتعدى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما بشرطه، و أما الإقرار بغير الولد للصلب و إن كان ولد ولد فيختص حكمه مع التصديق بالمتصادقين، لما تقرر من أن ذلك إقرار بنسب الغير، فلا يتعدى المقر، و لو لم يحصل تصديق افتقر إلى البينة».

لكن ربما ظهر من بعضهم التردد في ذلك، لأصالة عدم التعدي من غير فرق بين الولد الكبير و غيره بعد أن لم يكن نص و لا إجماع» و في الرياض هو في غاية الجودة كالروضة و نهاية المرام و غيرهما.

قلت: يمكن تحصيل الإجماع عليه في الولد أو شهرة تصلح لجبر الخبر(1)و المرسل (2)الدالين على لحوق الولد بالإقرار، و أنه لا ينتفي بالنفي أبدا بالنسبة إلى دلالته على ذلك، و إن اعتبرنا التصديق فيه- لما عرفته من كون الشهرة أو الإجماع على ذلك مع كونه موافقا للقواعد- فيضعف العمل بهما بالنسبة إلى العمل بهما في ذلك و إن كان ظاهر النهاية كما سمعت ذلك، لكن بعد حصول التصديق يثبت النسب المستفاد من فحوى الخبرين المزبورين الدالين على كونه أعظم من الفراش.

أما غير الولد فيبقى على قاعدة عدم ثبوت النسب بالإقرار صغيرا كان أو كبيرا إلا مع التصديق و لو من الصغير بعد بلوغه، فيثبت التوارث بينهما خاصة على الوجه


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 4 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 3 من كتاب المواريث.

ج 35، ص: 161

المزبور، لما سمعته من النصوص(1).

بل نص غير واحد من الأصحاب على أنه يشترط فيه مع ذلك شرطان آخران:

أحدهما أن يكون الملحق به ميتا، فما دام حيا لم يكن لغيره الإلحاق به و إن

كان مجنونا، و الثاني أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به، أما إذا نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته ففي لحوقه وجهان، من سبق الحكم ببطلان هذا النسب، و في إلحاقه به بعد الموت إلحاق عار بنسبه، و شرط الوارث أن يفعل ما فيه حظ المورث لا ما يتضرر به، و من أن المورث لو استلحقه بعد ما نفاه باللعان و غيره لحق به و إن لم يرثه عندنا.

و لكن في الرياض بعد ذكر هذين الشرطين «للقاصر في فهم المراد بالمشروط بهذين الشرطين عجز، فإنه إن كان ثبوت النسب بين المتصادقين بحيث يتوارثان و يتعدى توارثهما إلى غيرهما فللاشتراط وجه، إلا أنهم كما يأتي لا يقولون به، بل صرحوا بأن غاية هذا الإقرار يفيد ثبوت التوارث بين المتصادقين خاصة، و أنه لا يتعدى التوارث إلى غيرهما إلا أن يقرن الدعوى بالبينة، و إن كان ثبوت النسب بينهما خاصة بحيث يتوارثان من دون تعدية- كما هو الظاهر من حكمهم المذكور بعدم تعدية التوارث عنهما إلى غيرهما من الأقارب- فلا وجه للاشتراط، و لا لما مر في توجيه اشتراط الشرط الثاني: من أن للوارث أن يفعل مالا يضر بالمورث، و ذلك فان المشروط بهذا المعنى يحصل بمجرد الإقرار و التصديق الذي هو بمنزلته، و ليس فيهما ما يوجب الضرر على المورث، لعدم استيراث المقر به من إرثه و لا من إرث أقاربه، و إنما يورث المقر بعد وارثه إذا لم يكن له وارث غيره».

قلت: كان المراد من الشرط الأول الذي مرجع الشرط الثاني إليه أنه مع حياة الملحق به يعتبر إلحاقه و نفيه لا إلحاق غيره به، فلا فائدة لإقرار


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة.

ج 35، ص: 162

المقر، خصوصا إذا قلنا إنه بالنفي ينتفي على وجه لا يلحقه بالإلحاق كصورة العكس.

و لذا قال في الدروس الذي هو الأصل في الشرط المزبور لمن تأخر عنه:

«لو أقر بأخ من الأب و الأب موجود فنفى ثبوته في موضع يجوز النفي لم يتوارثا و إن تصادقا، و لو مات الأب و هما على التصادق أو استلحقه بعد موت أبيه ففي ثبوت نسبه وجهان» ثم ذكر الوجهين السابقين، و ظاهره الميل إلى الآخر منهما، بل في المسالك التصريح بأنه أقوى.

و فيه أن الأدلة التي منها ظاهر نصوص الأمة التي ليست فراشا تقتضي أن النفي في الانتفاء كاللحق في الإلحاق، فلا ينفع الإلحاق في الأول و لا النفي في الثاني، و حينئذ فلا يكون شرطا كي يتجه عليه الاعتراض، و الله العالم.

و لو تصادق البالغان على نسب ثم رجعا فان كان بنوة لم يقبل، لأنه كالفراش بل أشد، بل في الدروس و الأقرب القطع بعدم صحة الرجوع في نسب الولد، أما غير البنوة ففي قبول الرجوع وجهان كما في الدروس، إلا أنك قد عرفت ظهور بعض النصوص (1)المزبورة في اعتبار بقائهما على الإقرار في التوارث، ل

قوله عليه السلام:

«لم يزالا مقرين»

بل قد عرفت أن ثبوت التوارث بالإقرار على خلاف القواعد.

فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن.

و لو قال: هذا ولدي من الزنا فهو من باب تعقيب الإقرار بالمنافي، فهل يؤخذ بأول كلامه فيلحق به أو بآخره فلا يثبت به حكم النسب؟ نظر كما في الدروس.

و لو قال: هو أخي و اقتصر، ثم قال: أردت أخوة الدين أو الرضاع ففي الدروس الوجه القبول، لإمكانه. و فيه أنه خلاف الحقيقة.

و لو أقر بأخ فكذبه المقر به ثم صدق بعد موت المقر ففي إرثه نظر، من أن في إنكاره استحقاق الوارث غيره، و من زوال المانع من ثبوت الاخوة،


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1.

ج 35، ص: 163

و هو التكذيب.

و لو أقر ببنوة الكبير فكذبه به فلما مات رجع إلى الاعتراف فالإشكال بحاله.

و لو أقر الابن بابوة رجل فأنكره فلما مات اعترف بالأبوة له فالإشكال هنا ضعيف، لأن الإقرار بالبنوة بعد الموت مسموع في الكبير و الصغير عند الأصحاب بخلاف الإقرار بغيرها من النسب فينزله هذا الإقرار منزلة الإقرار المبتدأ.

و فيه مالا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا أقر بولد صغير فثبت نسبه ثم بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره]

المسألة الثانية:

إذا أقر بولد صغير فثبت نسبه ثم بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره، لتحقق النسب سابقا على الإنكار بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل لا يمين له عليه لو طلبه منه، لأن غايته استخراج تصديقه أو نكوله، و كلاهما غير مسموع، بل قد يقال: إن ظاهرهم عدم الالتفات إليه حتى بالنسبة إليه في حقه كالولد الفراشي مع احتمال الالتفات أخذا بإقراره.

[المسألة الثالثة إذا أقر ولد الميت بولد آخر له فأقرا بثالث ثبت نسب الثالث]

المسألة الثالثة:

إذا أقر ولد الميت بولد آخر له فأقرا بثالث ثبت نسب الثالث إن كانا عدلين لحصول البينة و لو أنكر الثالث الثاني لم يثبت نسب الثاني الذي كانت ولديته بإقرار الأول لكن يأخذ الثالث نصف التركة لأن المشارك له الأول خاصة و يأخذ الأول ثلث التركة لأن نصيبه ذلك بمقتضى إقراره و أما الثاني (بإقرار الأول خ ل) الذي أقر به الأول و نفاه الثالث يأخذ السدس من الأصل، و هو تكملة نصيب الأول، إذ ليس له إلا

ج 35، ص: 164

زيادة ما في يد الأول المقر بلا خلاف أجده فيه بل عن السرائر أنه مذهبنا، بل عن موضعين من الإيضاح و موضع من جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل عن التذكرة أنه مذهب علمائنا أجمع، كما عن الخلاف الإجماع عليه.

و في الخبر(1)«إذا أقر واحد من الورثة بدين أو وارث جاز ذلك في حصته، و كذا إذا أقر اثنان و لم يكونا عدلين، فان كانا عدلين مضى ذلك على الورثة».

و أوضح منه

خبر وهب بن وهب (2)عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال:

«قضى علي عليه السلام في رجل مات و ترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين على أبيه أنه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث، و لا يكون ذلك في ماله، و إن أقر اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا، و كذلك إذا أقر بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزم في حصته و قال علي عليه السلام: من أقر لأخيه فهو شريك في المال، و لا يثبت نسبه، فإن أقر اثنان فكذلك، إلا أن يكونا عدلين فيلحق نسبه، و يضرب في الميراث معهم».

و معناه كما اعترف به الشيخ أنه يلزم بقدر ما يصيب حصته، ففي المثال لو فرض أخوان و أخت و اعترف بها أحدهما التزم

لها من حصته بالخمس، لأن نصيبها لو اعترف بها الآخر معه الخمس، فلما أنكر التزم لها المقر خمس حصته، و هو معنى إلزامه بما فصل من نصيبه، ضرورة كون خمس نصيبه هو الزائد في يده على نصيبه بمقتضى اعترافه، و هو تكملة نصيبه مع أخيه المنكر الذي اقتسم المال معه نصفين، مؤيدا ذلك بأنه لا ينقص بإقراره نصيبه الثابت له باعتراف المنكر، و إنما النزاع في الحقيقة بين المقر به و الأخ الآخر المنكر، فمع فرض اليمين استحق بعض نصيبه على الإشاعة، و أما نصيب المقر، فلا نزاع فيه لأحد.


1- 1 الوسائل الباب- 26- من كتاب الوصايا و الظاهر أنه قد أخذه من عنوان الباب المشار اليه و في ذلك الباب روايات بهذا المضمون مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل الباب- 26 من كتاب الوصايا الحديث 5 و 6.

ج 35، ص: 165

و بذلك افترق المقام عن المشتركين في مال اللذين مقتضى القاعد فيها تلف ما يتلف عليهما بالنسبة، و ما يبقى لهما كذلك و مقتضاه قسمة نصيب الأخ المقر بينه و بين أخته أثلاثا و يكون ما أخذه الأخ المنكر عليهما.

و لعله لذا قال في المسالك: «ربما قيل في مفروض المتن بقسمة النصف بين المقر و المقر له بالسوية، لقاعدة الشركة، فيكون الثالث كالغاصب لهما».

و فيه أنه كالاجتهاد في مقابلة النص، ضرورة ظهور الأدلة نصا(1)و فتوى في تنزيل الإقرار على الإشاعة في الأسهم، مثل الإقرار بالدين، و ذلك لأن الثاني حق شائع فيما في يد الأول و الثالث بالسوية، فلها الثلث من كل منهما.

هذا و قد تقدم لنا سابقا في الكتب السابقة زيادة كشف للمسألة، و الفرق بين الإقرار و غيره. و على كل حال فالضابط في صورة المتن و نظائرها بناء على ما ذكرنا أن يأخذ أصل المسألة على قول المنكر، و أصلها على قول المقر، و تضرب إحداهما في الأخرى و يقسم الحاصل باعتبار مسألة الإنكار، فيدفع نصيب المنكر منه إليه، ثم باعتبار مسألة الإقرار، فيدفع نصيب المقر منه و يدفع الباقي إلى المقر به، فمسألة الإنكار في هذه الصورة من اثنين، و مسألة الإقرار من ثلاثة، فتضرب أحدهما في الآخر، فثلث المرتفع- و هو اثنان- للمقر و نصفه ثلاثة للمنكر، و يبقى سهم للآخر.

و أما الضابط على الثاني فهو أن ينظر في أصل المسألة على قول المنكر و يضرب نصيبه إليه فيها، ثم يقسم الباقي بين المقر و المقر به، فان انكسر صححه بالضرب.

فأصل المسألة في هذه الصورة على قول المنكر اثنان، يدفع إليه منهما واحد، و الآخر لا ينقسم على اثنين، فتضرب اثنين في أصل المسألة، فالمرتفع و هو أربعة نصفه للمنكر و نصفه للآخر، لكل منهما واحد، كما هو واضح. هذا كله إذا


1- 1 الوسائل الباب- 26- من كتاب الوصايا.

ج 35، ص: 166

لم يكونا معلومي النسب.

و إلا ف لو كانا أي الاثنان معلومي النسب فأقرا بثالث ثبت نسبه إن كانا عدلين لحصول البينة التي يثبت بها، و كونهما مقرين لا ينافي كونهما شاهدين.

و لو أنكر الثالث أحدهما لم يلتفت إليه، و كانت التركة بينهم أثلاثا لثبوت نسب الأولين و اعترافهما بالثالث، سواء كانا عدلين أو لا، لكن مع عدالتهما يثبت نسبه معهما، و بدونها يثبت شركته معهما بالإرث خاصة، لما عرفت من أن الإقرار في غير البنوة لا يثبت النسب، و إنما يثبت التوارث بين المتصادقين على الوجه الذي قد عرفت.

[المسألة الرابعة لو كان للميت وارث فأقرت له بولد كان لها]

المسألة الرابعة:

لو كان للميت وارث في الظاهر إخوة و زوجة فأقرت الزوجة له أي الميت بولد صغير أو كبير كان لها الثمن بمقتضى إقرارها، و هو نصف نصيبها لولا إقرارها، ثم ينظر فان صدقها الاخوة على ذلك كان الباقي (11) و هو ثلاثة أرباع التركة للولد دون الاخوة، (12) بل إن كان فيهم عدلان ثبت نسبه أيضا مع ذلك.

و كذا (13) الحكم في كل وارث في الظاهر أقر بمن هو أقرب منه (14) كالعم المقر بأخ للميت دفع إليه جميع ما في يده (15)

لعموم «إقرار العقلاء»(1)

بخلاف الأجنبي الذي هو شاهد غير مقر، و بخلاف الوارث واقعا المعلوم كذب إقراره و لو كان مثله (16) في الإرث دفع إليه من نصيبه (17) أي المقر بنسبة نصيبه (18) أي المقر به إلى أنصباء الورثة، كما لو أقر أحد الأخوين بأخت مثلا دون الآخر دفع المقر من نصيبه- و هو النصف- خمسا منه لأنه نسبة نصيب الأخت إلى سهام


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 167

الأخوين، و يبقى من نصيبها خمس آخر في نصيب الأخ غير المقر، و مرجعه إلى أن المقر يدفع إلى المقر له ما زاد من

نصيبه لولا الإقرار على تقدير وجود المقر به، فالزوجة في الفرض تدفع الثمن، لأنه الفاضل من نصيبها لولا الإقرار بالولد، كما أن الأخ يدفع الخمس، لأنه الفاضل من نصيبه لولا الإقرار بالأخت، و هكذا.

و إن أنكر الإخوة الولد كان لهم ثلاثة أرباع، و للزوجة الثمن، و باقي حصتها لولا الإقرار للولد بلا خلاف معتد به في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال بعد الإحاطة بما ذكرناه في المسألة السابقة من القاعدة و النصوص (1)و الفتاوى.

و لو أقر الوارث ظاهرا بمساو فأنكر المقر له نسب المقر و ليس له بينة ففي الدروس حاز المقر له التركة مع يمينه عملا بالمتفق عليه فتأمل.

[المسألة الخامسة إذا مات صبي مجهول النسب فأقر إنسان ببنوته ثبت نسبه]

المسألة الخامسة إذا مات صبي مجهول النسب فأقر إنسان ببنوته ثبت نسبه بلا خلاف فيه، كما عن المبسوط، بل قيل ظاهره نفيه بين المسلمين، بل ظاهره و غيره كصريح غير واحد أنه كذلك صغيرا كان أو كبيرا، سواء كان له مال أو لم يكن و لعله لذا نسبه في جامع المقاصد إلى الأصحاب، و حكي عن الشيخ نفى الخلاف فيه،

بل في المسالك في شرح عبارة الكتاب في المسألة بتمامها هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ذكره الشيخ في المبسوط و غيره، و ادعى عليه الاتفاق، و في الروضة أن عليه فتوى الأصحاب و استظهر في الرياض أنه مجمع عليه و أنه لا خلاف فيه يعرف، إلى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في الاتفاق المزبور على ثبوت النسب بذلك في الميت مطلقا.


1- 1 الوسائل الباب- 26- من كتاب الوصايا.

ج 35، ص: 168

و حينئذ فإذا ثبت نسبه كذلك كان ميراثه أجمع مع عدم وارث غيره للمقر لأنه أبوه شرعا بالإقرار المزبور كالفراش أو أزيد و لا يقدح في ذلك احتمال التهمة كما لو كان حيا و له مال خلافا لأبي حنيفة، فلم يلحقه به في الميت ذي المال دون الحي، و هو واضح الضعف، لمعلومية عدم اعتبار التهمة شرعا، و على تقديره فلا فرق بين الحي و الميت، فاستحسانه غير تام.

و و على كل حال فبناء على ما سمعت يسقط اعتبار التصديق في طرف الميت و لو كان كبيرا، لأنه في معنى الصغير، و كذا لو أقر ببنوة مجنون، فإنه يسقط اعتبار تصديقه، لأنه لا حكم لكلامه كالصبي بلا خلاف كما في جامع المقاصد و الرياض و محكي المبسوط، بل في الثاني الإجماع عن بعض.

لكن لا يخفى عليك تتمة ذلك كله باتفاق الأصحاب ظاهرا على الحكم المزبور، و إلا فهو مخالف للقواعد في الكبير، فان عدم إمكان تصديقه لموته أو جنونه لا تقتضي ثبوت النسب فيه بمجرد دعوى المدعي، بل مقتضاه عدمه بناء على أنه شرط في ثبوت النسب، و فحوى نصوص الولد(1)بناء على أن المراد منه الصغير لولا الإجماع لا يستفاد منها حكمه بعد حرمة القياس و الاستحسان.

و لعله لذلك استشكل في محكي التذكرة في الكبير و تبعه في المسالك قال:

«لأصالة عدم النسب، و لا نص في المسألة و لا إجماع، و لذلك توقف في التذكرة، و عذره واضح، و الوجهان آتيان في استلحاق المجنون بعد بلوغه عاقلا سواء مات أو لا» و نحوه في جامع المقاصد إلا أنه قد استقر رأيه أخيرا على موافقة الأصحاب، و كان مرادهما عدم إجماع محصل، و إلا فقد عرفت ما نقلاه عن المبسوط.

و من الغريب قول الكركي في المحكي من تعليقه على الإرشاد عدم القبول في


1- 1 الوسائل الباب- 6 و 9- من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.

ج 35، ص: 169

المجنون مطلقا راجح و لم نجده لغيره إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد ما عرفت من الاتفاق المزبور.

بل قد يقال إن الولد في الخبر(1)و المرسل (2)السابقين شامل بإطلاقه للصغير و الكبير و الحي و الميت و المجنون و العاقل، و لذا سمعت أن ظاهر النهاية عدم الفرق إلا أنه لما كان الاتفاق من غيره على اعتبار التصديق في الكبير مؤيدا باستبعاد نفوذ الإقرار في حقه مع إنكاره حصل الشك فيه إذا كان مع ذلك حيا عاقلا. أما غيره فلا شك، خصوصا بعد اتفاق الأصحاب- كما عرفت- على ثبوت الحكم، و ليس ذلك إثبات شرطية للتصديق في الكبير على كل حال حتى يقال:

لا دليل على سقوطها بالموت أو بالجنون، بل هو أخذ بالمتيقن بعد حصول الشك الذي قد عرفت كونه فيه خاصة دون غيره.

و لعل هذا هو الوجه في اتفاق الأصحاب، لا الإلحاق بالصغير الذي لا يتم على قواعد الإمامية التي منها حرمة القياس و الاستحسان و كان ما وقع من المصنف و غيره من التعليل بكونه في معنى الصغير مع الموت و أنه لا حكم لكلامه مع المجنون إنما يراد به تقريب النص و رفع

الاستبعاد الذي يقع في النفس لا الاستدلال بذلك، و إنما الدليل ما عرفت.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.

ج 35، ص: 170

[المسألة السادسة إذا ولدت أمته ولدا فأقر ببنوته لحق به]

المسألة السادسة:

إذا ولدت أمته ولدا فأقر ببنوته لحق به و حكم بحريته بشرط إمكان تولده منه و أن لا يكون لها زوج و لا محلل بحيث تكون فراشا له يلحق به ولدها بلا خلاف في شي ء من ذلك و لا إشكال، إذ لا ينقص عن الطفل المجهول، لكن هل تكون الجارية أم ولد؟ في محكي التذكرة إشكال ينشأ من إمكان استيلادها بالنكاح ثم ملكها بعد ذلك، فلا تكون أم ولد، أو أنه استولدها بشبهة أو إباحة، و من أن الظاهر أنه استولدها في ملكه، لأنه محقق.

و في المسالك «ربما يرجع الوجهان إلى تعارض الأصل و الظاهر، و ترجيح الأصل هو الغالب».

قلت: لا ريب أن مقتضى الأصل عدم كونها أم ولد إذا لم يعلم تاريخ ملكه لها، بل لا ظهور في ولادتها في ملكه بكون علوقها كذلك، نعم لو علم تاريخ ملكه لها و كان يمكن علوقها فيه أمكن القول حينئذ بأن مقتضى الأصل تأخر علوقها، و لكن الكلام في إثبات كونها أم ولد بالأصل المزبور كما تقدم البحث في نظائره.

و على كل حال فلا ظاهر يعارض الأصل فضلا عن احتمال تقدمه عليه، مع عدم كونه ظاهر شرع حتى لو قال: «ولدي و قد ولدته في ملكي» فإن الولادة أعم من العلوق به كذلك، نعم لو أقر بأنها علقت به في ملكه أو أقر بأنها في ملكه منذ سنتين مثلا و عمر الولد الذي استلحقه به سنة مثلا صارت أم ولد قطعا بلا خلاف بل و لا إشكال.

و لو أقر بابن إحدى أمتيه و عينه لحق به بلا خلاف و لا إشكال لكن على الوجه الذي عرفته في لحوق الولد باستلحاقه.

و لو ادعت الأخرى أن ولدها هو الذي أقر به فالقول قول المقر حينئذ

ج 35، ص: 171

مع يمينه لأنه منكر، و لو نكل حلفت هي و ثبت حقها لها على مقتضى الدعاوي، لكن ذلك كذلك إذا كان في دعواها عليه بذلك حقا لها، بأن تكون بها أم ولد، فيثبت حينئذ كونها أم ولد دون لحوق الولد به، و إلا لم يكن لها الدعوى عليه، إذ الحق حينئذ للولد لا لها.

و لو لم يعين و مات أي المولى لا يعرض على القافة، لعدم الاعتداد بها عندنا، و لا يعتق نصف كل واحد منهما، للقطع بكونه خلاف الواقع، و لا يوقف حتى يصطلحا، و لا يشتركان في حصة المقر به مع عدم ثبوت نسب واحد منهما، و لا غير ذلك من الاحتمالات التي لم نجد قائلا منا بشي ء منها، بل و مخالفة للقواعد الشرعية.

نعم قال الشيخ ره يعين الوارث لا بمعنى أن ينشأ تعيينا من دون علم سابق له بحقيقة الحال، لأن النسب لا يلحق بالتشهي، بل إذا كان عالما بالحال و لو بإقرار المورث قبل إخباره بذلك لأن الحق انتقل إليه من المورث.

فان امتنع من التعيين لعدم علمه أو لغيره أقرع بينهما و تبعه الشهيد في الدروس و لكن لو قيل باستعمال القرعة بعد الوفاة مطلقا كان حسنا بل هو الأقوى وفاقا للمشهور، لحصول الاشكال بموته، لعدم دليل على قبول إخبار الوارث من حيث كونه كذلك، بل هو إقرار في حق الغير، بل قيل:

إن التعيين إنما يعتد به إذا كان من جميع الورثة، و المقر به منهم، فلو اعتبر تعيينه لزم الدور و إن كان فيه ما فيه.

ثم إذا خرجت القرعة لواحد و كان قد ذكر المقر ما يقتضي أمية امه صارت أم ولد بذلك من دون قرعة أخرى. كما هو واضح.

ج 35، ص: 172

[المسألة السابعة لو كان له أولاد ثلاثة مثلا من أمة فأقر ببنوة أحدهم فأيهم عينه كان حرا و الآخران رق]

المسألة السابعة:

لو كان له أولاد ثلاثة مثلا من أمة فأقر ببنوة أحدهم فأيهم عينه كان حرا و الآخران رق من غير فرق في المعين بين كونه الأكبر أو الأوسط أو الأصغر، بناء على ما هو المشهور من عدم كون الأمة فراشا للمولى و إن وطأها، و أن الولد لا يلحق به إلا بإقراره، كما تقدم البحث فيه سابقا، خصوصا في اللعان.

أما لو قلنا: إنها فراش ففي المسالك «تحرر المعين و من ولد بعده، فان عين الأكبر تبعه الأخيران، و إن عين الأوسط لحقه الأصغر و بقي الأكبر رقا، كما أنه لو عين الأصغر بقي الأكبر و الأوسط على الرقية، و كان هو حرا خاصة، و كذا الحكم لو لم يعين و استخرج بالقرعة، إلا أنه بناء على هذا يكون الأصغر ولدا حرا على كل حال، لأنه إما مقربة أو تابع، بخلاف الآخرين، و حينئذ فهل يفتقر إلى إدخاله في القرعة؟ وجهان، من أنها لإخراج المشتبه و لا اشتباه فيه، و لجواز أن تقع على غيره، فيلزم استرقاقه مع أنه معلوم الحرية، و من أن إدخاله فيها لا لاسترقاقه، بل ليرق غيره إن خرجت عليه و يقتصر بالحرية عليه و هو أحسن- ثم قال-: و ربما قيل بمنع حريته، لأن امه و إن كانت أم ولد يجوز أن يكون رقيقا في نفس الأمر، و يشكل بأنا إذا حكمنا بصيرورتها فراشا ألحقنا به أولادها ظاهرا من غير التفات إلى إمكان كونهم من غيره و لو بوجه صحيح، فلا يقدح هذا التجوز، و الأصحاب أهملوا التفريع على هذا القول نظرا إلى الأشهر بينهم من عدم صيرورتها فراشا بالوطء.

قلت: لا إشكال في لحوق كل ولد منها به، و هي فراش له، و الاحتمالات لا عبرة بها كالحرة، إنما الكلام في أن اعترافه بولد من أولادها لا يقتضي كونها فراشا له دائما، إذ قد يكون وطؤها شبهة و هي فراش لغيره، و من هنا كان الإقرار بولد

ج 35، ص: 173

من الحرة لا يقتضي الإقرار بزوجيتها، إذ أقصاه أنه وطء يوجب لحوق الولد، و هو أعم من ذلك.

نعم لو وطأها بالملك و قلنا: إنها بذلك تكون فراشا لم يحتج إلى لحوق أولادها به إلى إقرار إذ بعد العلم بكونها فراشا له و قد جاءت بأولاد و لم يعلم تجدد فراش آخر يحكم بكون الجميع له.

و لعل الأصحاب أهملوا ذكر التفريع المزبور على هذا القول، لأن مفروض البحث عدم العلم بفراشيتها إلا من الإقرار بالبنوة، و قد عرفت أنه أعم من ذلك لا لما ذكره، و الأمر سهل بعد معلومية فساد الأصل الذي بني عليه هذا التفريع، و لهذا أهمل الأصحاب التفريع على ذلك.

و على كل حال ف لو اشتبه المعين و قد مات المولى أو لم يعين استخرج بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل، و قد سمعت الكلام في تعيين الوارث.

[المسألة الثامنة لا يثبت النسب إلا بشهادة رجلين عدلين]

المسألة الثامنة:

لا يثبت النسب بالشهادة إلا بشهادة رجلين عدلين نعم يثبت بالاستفاضة كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الشهادات.

و المراد هنا بيان أنه لا يثبت بشهادة رجل و امرأتين على الأظهر الأشهر بل المشهور، خلافا للمحكي عن الشيخ في خلافه مدعيا فيه ظاهرا أو صريحا إجماع الفرقة و أخبارهم، بل عنه في المبسوط هنا اختياره في أول كلامه، و أنه قواه في الشهادات، لكن في المسالك هو شاذ، و عن السرائر أن أصول مذهبنا تقضي عدم ثبوته بالرجل و الامرأتين، بل عنه في المبسوط في آخر الباب الجزم بعدم ثبوته بذلك أو بالشاهد و اليمين، بل قيل هذا منه يرشد إلى أن دعواه في الخلاف الإجماع و الأخبار على غير ما نحن فيه، بل قيل: إنهما مساقان للرد على

ج 35، ص: 174

من قال: لا يثبت النسب بإقرار الورثة أصلا و كيف كان فقد ذكرنا في كتاب الشهادات تمام الكلام في أنه لا يثبت بذلك و لا بشهادة رجل و يمين، فلاحظ و تأمل.

نعم لا خلاف عندنا و لا إشكال نصا(1)و فتوى في أنه لا يثبت بشهادة شاهدين فاسقين و لو كانا وارثين و إن كانا يؤاخذان بما يقتضيه إقرارهما.

[المسألة التاسعة لو شهد الأخوان و كانا عدلين بابن للميت يثبت نسبه]

المسألة التاسعة:

لو شهد الأخوان مثلا و كانا عدلين بابن للميت يثبت نسبه بلا خلاف كما عن حواشي الشهيد، بل قيل: هو محل وفاق حتى من العامة على الظاهر و أما ميراثه للمال دونهما فهو المشهور بين الأصحاب، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه في مواضع: منها قوله فيها: «لو كان المقر به مما يحجب المقرين عن الميراث حاز المال المقر به، و لا شي ء للمقرين إجماعا» إلى آخره.

و لا يكون ذلك دورا كما عن المبسوط في أول كلامه، قال: «يثبت نسبه و لا يرث، لأنه لو ورث لحجب الأخوين و خرجا عن الإرث، فيبطل إقرارهما، لأنه إقرار ممن ليس بوارث، فيبطل النسب، فيبطل الإرث، فيلزم من صحة الإرث بطلانه و من بطلانه صحته» لكنه قال بعد ذلك: «و لو قلنا يثبت الميراث أيضا كان قويا، لأنه يكون قد ثبت بشهادتهما، فيتبعه الميراث لا بالإقرار» و في محكي السرائر «أن كلامه الأول كلام المخالف، و الثاني مختاره» و هو كذلك لأنه أجل من صدور هذه الخرافة منه، خصوصا بعد ما سمعت من الخبرين (2)الناصين على


1- 1 الوسائل الباب- 26- من كتاب الوصايا الحديث 5 و 6 و 7.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من كتاب الوصايا الحديث 5 و 6.

ج 35، ص: 175

العدلين و الفاسقين، و منهما يستفاد قبول إقرارهما و إن كانا فاسقين، لكون المعتبر في صحة الإقرار كونهما وارثين في الظاهر لأنه من المعلوم عدم صحة اعتبار كونهما وارثين في نفس الأمر، إذ هو لا يجتمع مع خروجهما عن الإرث بالإقرار، بل يكفي في قبول إقرارهما كونهما صاحبي يد في الجملة على مال الميت.

و من هنا لو كانا فاسقين لم يثبت النسب و لكن يستحق دونهما الإرث لاقرارهما بلا خلاف معتد به أجده فيه، فلا حاجة حينئذ إلى ما سمعته عن الشيخ من كون قبول العدلين من حيث الشهادة لا الإقرار، إذ لا يكاد يظهر فرق بين تسمية ما أخبرا به شهادة أو إقرارا، و بالجملة فالمسألة من الواضحات.

[المسألة العاشرة لو أقر الأخ مثلا بوارثين أولى منه]

المسألة العاشرة:

لو أقر الأخ مثلا بوارثين أولى منه دفعة بأن قال: هما الوارثان و لا شريك لهما فصدقه كل واحد منهما عن نفسه لم يثبت بذلك النسب قطعا لما عرفته مكررا، نعم لو تصادقا و كانا عدلين و المقر عدل أيضا ثبت النسب أيضا و لكن يثبت الميراث المقر به من الوارث لولا إقراره.

و على كل حال دفع إليهما معا ما في يده (11) و لو صدق أحدهما الأخر و كان عدلا و المقر أيضا عدلا اختص بالميراث دون الآخر، لثبوت نسبه دونه.

و لو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى إنكارهما (12) بلا خلاف أجده فيه، لأن استحقاقهما للإرث ثبت في حالة واحدة، و هي الإقرار بهما دفعة، فلم يكن أحدهما أولى من الآخر، بخلاف ما لو أقر بأحدهما ثم أقر بالاخر، فان اشتراكهما في التركة متوقف على مصادقة الأول، نعم تبقى الدعوى قائمة بينهما، بل و بين المقر إذا ادعيا عليه العلم، بل و بدونه، و إنما الكلام هنا في استحقاقهما الميراث

ج 35، ص: 176

من حيث الإقرار الذي لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيه، كما هو واضح.

و كذا لا يلتفت إلى تناكر التوأمين، فلو أقر الأخ ببنوة أحد التوأمين لحقه الأخر و لا اعتبار بإنكار أحدهما صاحبه.

و لو أقر الوارث ظاهرا الذي هو العم مثلا بوارث آخر أولى منه و هو الأخ فقال وارث الميت: زيد أخوه ثم أقر بآخر أولى منهما و هو الولد فقال: وارثه ولده هذا فان صدقه المقر له الأول بأن زيد المعين ولده الوارث له دفع المال إلى الثاني بلا خلاف و لا إشكال، و إن كذبه أحلف و دفع المقر إلى الأول المال إلزاما له بإقراره و غرمه للثاني لنحو ما سمعته فيمن أقر بعين لشخص ثم أقر بها لاخر.

و لو كان الثاني المقر له بعد الإقرار بالوارث الأول مساويا للمقر له أولا (11) بالإرث كما لو قال: هذا أخ الميت وارث مع الأول و لم يصدقه الأول دفع المقر إلى الثاني مثل نصف ما حصل للأول (12) لأن ذلك هو الذي أتلفه عليه، نحو ما لو قال: هذه العين لزيد ثم قال: هي له و لعمرو، كما صرح بذلك كله غير واحد من غير تقييد للغرامة بما إذا دفع أو نفى الوارث غيره، بل في الدروس «سواء نفي وارثا غيره أو لا على الأشبه» بل في المسالك نسبة ما في المتن إلى المشهور، بل في غاية المرام نسبة ما في النافع الذي هو كالمتن إلى الشيخ في النهاية و غيره من الأصحاب.

لكن في القواعد «يغرم للولد إن نفى وارثا غيره و إلا فإشكال» كما عن غيره تقييد الغرامة بما إذا كان دفعها إلى الأخ، و كان وجه إشكال الفاضل فيما إذا لم ينف من أنه لما أقر بالأخ أولا من دون ثبوت نسب الولد كان هو المفوت للتركة، و من عدم المنافاة بين الإقرارين، لإمكان اجتماعهما على الصدق، فلم يصدر مناف للإقرار بالولد، إذ ليس قوله: «هذا أخ» أن المال له و أنه الوارث فقط، و قد يكون نسي أن له ولدا، أو لم يعلم ثم تذكر، أو ثبت عنده، و قاعدة الإقرار

ج 35، ص: 177

التي هي (1)الأخذ باليقين و قد سمعت من جماعة أنه لو أقر شخص في يده مال لميت بأن زيدا وارثه و لا وارث غيره لم يلزم بتسليم العين، فهنا أولى.

و ناقشه في جامع المقاصد بأنه لا يلزم من عدم المنافاة عدم الفرق، و المقتضي للغرم هو إقراره بالأخ أولا المقتضي لاستحقاقه جميع التركة، فإقراره به على هذا الوجه بمنزلة واحدة في وجوب دفع التركة إلى الأخ بمقتضى الإقرار فيغرم، و هو مختار الشيخ في النهاية.

و التحقيق في المسألتين معا أعني ما إذا تعرض إلى نفي وارث غير الأخ و عدمه أن يبنى ذلك على أنه هل يؤمر المقر بدفع التركة إلى المقر به بمجرد الإقرار أم يجب البحث على الحاكم ليعلم انحصار الوارث في المقر به إذا رفع الأمر إليه؟

ففيه وجهان تقدما في أحكام المقر له، أصحهما وجوب البحث.

فعلى الأصح إن دفع العم بغير إذن الحاكم ضمن، لأنه المباشر للإتلاف، و إن دفع بإذنه أو كان الدافع الحاكم فان كان بعد البحث و الاجتهاد فلا ضمان على أحدهما، و إلا فهو من خطأ الحكام، و لا فرق في ذلك كله بين أن ينفي وارثا غيره أو لا، إذ لا عبرة بذلك في وجوب الدفع و عدمه.

و على الوجه الآخر ان استقل العم بدفع التركة إلى الأخ وجب القطع بضمانه لأنه المباشر للإتلاف و إن كان بأمر الحاكم استنادا إلى إقراره فان نفى وارثا غيره ضمن أيضا، و إلا فوجهان، و الأصح تفريعا القول بالضمان و قد أومأ شيخنا الشهيد إلى هذا في بعض حواشيه و تبعه ثاني الشهيدين على ذلك كله.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد التأمل بما شرحنا به عبارة المصنف و أنه كمسألة الإقرار بالعين لشخص ثم الإقرار بها لاخر التي لا مدخلية فيها لدفع الحاكم و غيره مما ذكره، ضرورة عدم كون مفروض البحث الاقتصار على الإقرار بالأخ الذي


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة الا أن الموجود في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه« و قاعدة الإقرار هي الأخذ».

ج 35، ص: 178

لا ينافيه الإقرار بالولد، بل المراد الإقرار به وارثا، كضرورة عدم مدخلية ما ذكره من مسألة الأمر بدفع العين لما في يده بعد إقراره بأنه لا وارث غيره من دون فحص و عدمه، مع أنك قد عرفت التحقيق فيها، فان البحث في تلك إنما هو من جهة الاحتياط من مجي ء وارث معلوم النسب غير من أقر له، و محل الكلام هنا حصول وارث بإقراره، و بالجملة كأنه من غرائب الكلام.

بل منه يعلم النظر في غيره من الكلمات، و تحقيق المسألة ما سمعت من كونها كالإقرار بالعين لشخص ثم الإقرار بها لاخر، سواء دفع أو لم يدفع، نعم قد يتوقف الغرامة مع الاقتصار على أنه وارث ثم أقر بمساو له مع أنه قد سمعت تصريح الدروس بعدم الفرق، بل هو ظاهر غيره أيضا و لعله لاقتضاء إقراره الأول استحقاقه و لو بمعونة أصالة عدم غيره، فهو كالإقرار باليد المقتضية للملك و تعقيب إقرار آخر بما ينافيها، و الفرض أن وارثية الثاني جاءت من إقراره لا من ثبوت نسبه، فتأمل جيدا فإن المسألة قد اختل فيها قلم جملة من الأفاضل.

و لو أقر أحد الأخوين بولد و كذبه الآخر أخذ الولد نصيب المقر خاصة فإن أقر المنكر بأخ دفع إليه ما في يده، و لو أقر به الأخ الأول الذي أقر بالأول أيضا لم يكن عليه غرم، لوصول نصيب كل من الولدين إليه، كما هو واضح.

ج 35، ص: 179

[المسألة الحادية عشر لو أقر بزوج للميتة و لها ولد أعطاه ربع نصيبه]

المسألة الحادية عشر لو أقر بزوج للميتة و لها ولد أعطاه ربع نصيبه لأنه الذي يستحقه الزوج مما في يد المقر و إن لم يكن ولد أعطاه نصفه الذي هو استحقاق الزوج.

و هو معنى قوله في النافع: «و لو أقر بزوج للميتة دفع إليه مما في يده بنسبة نصيبه، و هي النصف إن كان المقر به غير الولد و الربع إن كان هو الولد».

بل و ما عن النهاية و السرائر «إن أقر بزوج للميتة أعطى مقدار ما كان نصيبه من سهمه» و بنحو ذلك عبر الفاضل في القواعد و غيرها، قال: «لو أقر بزوج لذات الولد أعطاه ربع ما في يده، و لو لم يكن لها ولد أعطاه النصف» بل و الشهيد في اللمعة.

نعم في الدروس كما عن النهاية و من تأخر عنها «لو أقر بزوج لذات الولد أعطاه ربع ما في يده إن كان المقر ولدا، و إن كان المقر بالزوج أحد الأبوين و كان الولد ابنا لم يدفع إليه شيئا، و إن كان بنتا دفع الفاضل عن نصيبه، و هو نصف الثمن».

و إن اعترض الكركي على ما سمعته من إطلاق الفاضل الذي هو كإطلاق المصنف فقال: إنه غير مستقيم، و تبعه ثاني الشهيدين، و ذلك لأن المتجه- بناء على ما تقدم من كون المقر يعطي ما زاد على نصيبه من سهم المقر له- أن كان التعبير بذلك، لا ربع نصيبه و نصفه مطلقا إذ هو و إن تم في إقرار الولد و الأخ مثلا لكنه لا يتم فيما إذا كان المقر الأبوين أو أحدهما و كان معهما بنت، فان نصيبهما على تقدير عدم الزوج الخمسان فرضا وردا، و مع وجوده السدسان، و الزائد على نصيبهما في الأول لا يبلغ الربع، بل قد لا يتحقق فاضل أصلا، كما إذا كان المقر

ج 35، ص: 180

الأبوين أو أحدهما و كان للزوجة ولد ذكر، فإنه لا يزيد نصيبهما شي ء، نعم ما ذكروه إنما يتم على قاعدة الشركة التي قد عرفت النص و الفتوى على خلافهما فيما مضى.

قلت: هو كذلك إلا أنه يمكن حمل إطلاقهم على صورة اتحاد الوارث ولدا أو أبا أو أما، فإنه يعطى الربع أو النصف مما في يده الذي هو جميع التركة، كما عساه يشعر به اتحاد الضمير في كلامهم، و أنه الظاهر من بعضهم في مفروض مسألة الإقرار بالزوجة التي هي نحو هذه المسألة، أو يحمل على صورة توزيع حصة الزوج المنكرة على الجميع بالسوية، كما سمعته سابقا فيما لو أقر أحد الأخوين بأخت، فإنه يعطيها خمس نصيبه، لأن لها خمسا في المجموع، بل ظاهر بعضهم جعله ضابطا مساويا لضبطه بأنه يعطى الزائد على نصيبه، و ليس هو إلا على هذا التقدير.

و كيف كان فالأمر سهل بعد العلم بعدم كون ذلك رجوعا عن الأول، لاحتمال خصوصية في الفرض، بل أقصاه الإطلاق على الوجه الذي ذكرناه و إن انساق إلى الذهن من العبارات خلافه أو الإهمال في خصوص ما ينطبق على ذلك من أفرادها.

و لو أقر بزوج آخر ماتت عنه الزوجة لم يقبل في حق الزوج المقر به أولا قطعا بل لا خلاف فيه و لا إشكال، كما أنه لا خلاف و لا إشكال في أنه لو أكذب مع ذلك إقراره الأول أغرم للثاني مثل ما حصل للأول لقاعدة الحيلولة بالإقرار.

إنما الكلام في انصرافه إلى التكذيب مع اقتصاره على الإقرار بزوج آخر، كما لو قال: «زيد زوجها» ثم قال: «عمر و زوجها» فعن الأكثر بل عن المشهور اعتبار التكذيب في الغرامة، و إلا كان إقرارا لغوا، و لا غرامة. بل في القواعد و محكي التذكرة نسبته إلى الظاهر من كلام الأصحاب، و عن الفخر و الشهيد في حواشيه أن من قواعد

ج 35، ص: 181

الأصحاب الغرامة بالإقرار المضاد للأول إلا في الزوجية و الميراث، للنص عليه بل عن التنقيح نحو ذلك، و لعله لفهم العرف في مثله اللغو أو الاشتباه، لمعلومية عدم الزوجين للمرأة على وجه تموت عنها.

نعم لو صرح بالرجوع عن الأول اتجه الغرامة حينئذ، للتفويت بالإقرار، إلا أن الشهيد في الدروس جعل فيه وجهين، بل مال إلى الغرامة ثاني الشهيدين، بل في جامع المقاصد هو الأقوى، لأن الأصل في الإقرار الصحة، و كون الثاني هو الزوج أمر ممكن، و ربما ظن أن الأول هو الزوج فأقر ثم تبين خلافه، فالغاء الإقرار مع إمكان صحته ينافي عموم

قوله صلى الله عليه و آله (1): «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»

و لو حكمنا بفساد الإقرار بمجرد تطرق الاحتمال لبطل أكثر الأقارير، و هو و إن كان لا يخلو من وجه إلا أنك قد سمعت حكاية اتفاق الأصحاب ظاهرا على خلافه.

و لعله لفهم أهل العرف من مثله اللغوية، و لا أقل من الشك في كونه إقرارا، و الأصل البراءة، و كذا الكلام في جميع نظائره، بل وجه النص المرسل ذلك أيضا، لا أنه لغو تعبدا و إن فهم العرف منه الرجوع. بل لعل اعتبار التكذيب في الأصحاب للعلم بكونه إقرارا.

و على كل حال ففي الدروس «و لو قلنا بالغرم فتأول كلامه بتزويجه إياها في عدة الأول ثم ماتت فظنت أنه يرثها زوجان و كان ممن يمكن في حقه الاشتباه فالأقرب القبول» و جزم به في المسالك و إن كان لا يخلو من نظر في الجملة.

و لو أقر بزوجة للميت و له ولد أعطاها ثمن ما في يده لأنه حق الزوجة حينئذ و إن لم يكن ولد أعطاها الربع الذي هو حقها مع عدم الولد، و الكلام في إطلاق المتن و ما شابهه كالكلام السابق، بل المحكي هنا عن النهاية و السرائر فرض المسألة في إقرار الولد، و كان قراءة «أقر» في المتن بناء للمجهول


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 182

أظهر في المراد الذي هو مع اتحاد الوارث و كونه ولدا أو غير ولد، و نحوه في ذلك المسألة السابقة.

و إن كان أقر بأخرى غرم لها مثل نصيب الأولى (1)أي نصف الثمن مع فرض التعدد إذا لم تصدقه الأولى و مع التصديق يقسمان.

و لو أقر بثالثة أعطاها ثلث النصيب، و لو أقر برابعة أعطاها الربع من نصيب الزوجة كما هو واضح، إلا أن ظاهر المصنف و غيره الاكتفاء في الغرامة هنا بمجرد الإقرار بأن هندا زوجة مثلا و إن لم يقل لا زوجة غيرها، بل و إن قال:

«و ما أدري بأن له زوجة أخرى أو لا» و لعله لنحو ما سمعته في الإقرار بالوارث المساوي بعد الإقرار بالأول الذي مقتضاه و لو للأصل انحصار الإرث فيه، فيغرم حينئذ بإقراره المقتضي لذلك، كالإقرار باليد المقتضية للملك ثم أقر بعدها بكونه ملكا لزيد، و الفرض أن الزوجة الثانية لا طريق إلى ثبوتها إلا إقراره فتأمل جيدا.

و لو أقر بخامسة و أنكر إحدى الأول لم يلتفت إليه بالنسبة إلى ذلك قطعا لسبق إقراره و غرم لها مثل نصيب واحدة منهن

ربع الثمن أو ربع الربع بلا خلاف و لا إشكال، للحيلولة بالإقرار.

نعم لو اقتصر على الإقرار بزوجيتها و الفرض أنها خامسة بإقراره ففي غرامته بمجرد ذلك البحث السابق في الإقرار بالزوج من دون تكذيب.

و لا مدخلية هنا لإمكان إرث الخامسة فصاعدا، لما سمعته في تزويج المريض و دخوله و طلاقه، فان زوجته ترثه إلى سنة و إن خرجت من العدة، ضرورة كون المراد الإقرار بزوجة خامسة مات عنها، كما هو واضح. و إلا فلو كان الزوج مريضا و تزوج بعد الطلاق و دخل استرسل الإقرار و لم يقف عند حد إذا مات في


1- 1 و في الشرائع« مثل نصف نصيب الاولى».

ج 35، ص: 183

سنته، و عن حواشي الشهيد و شرح الإرشاد للفخر و التنقيح الإجماع على قبول الإقرار في مثل ذلك.

قلت: لا ينبغي التأمل في قبوله مع التصريح به، لكن هل قبوله بمعنى الشركة للأربعة التي أقر بهن سابقا أو غرامة الخمس للمقر بها؟ الظاهر الثاني، و عن الأردبيلي أن الوجه الاستفصال من المقر، فيقبل إن فسره بذلك.

قلت: لا إشكال في القبول حينئذ بناء على اقتضائه الغرامة على المقر، إذ هو إقرار منه بالتزامه، أما لو فسره بما يقتضي كونه لغوا فالوجه قبوله أيضا على تأمل حتى لو قال: «له خمس زوجات دفعة» و لو فسر الخامسة بالمطلقة في المرض قبل أيضا، و كان نصيب الزوجية منهن و لا غرامة عليه و إن تناكرن فيما بينهن كالإقرار بالأربع دفعة مثلا.

و لو اعترف الولد بالزوجة أعطاها الثمن، فإن أقر بأخرى غرم لها نصف الثمن إن لم تصدقه الأولى، فإن أقر بثالثة و اعترف الأوليان بها و اعترف الثانية بالأولى استعاد من الأولى نصف الثمن لإقرارها، و من الثانية المقرة بهما سدسه لاعترافه، فيصير معه ثلثا الثمن، يسلم إلى الثالثة منه ثلثا لاعترافه، و يبقى له ثلث آخر عوضا عما اغترمه، و يفوت منه واحد و هو سدس الثمن.

و مثاله الثمانية و الأربعون مثلا التي ثمنها ستة، فيستعيد من الأولى نصفه:

ثلاثة،(1)و من الثانية سدسه: و هو واحد، لأنه الفاضل عن نصيبهما، فيصير معه ثلثا الثمن: أربعة، يدفع ثلثه: و هو اثنان، و يبقى معه اثنان الثلث الأخر، فيفوت

عليه واحد: سدس الثمن، لأنه غرم للثانية نصف الثمن، و هو ثلاثة.


1- 1 في النسخة الأصلية المبيضة« نصف ثلاثة» و الصحيح ما أثبتناه كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

ج 35، ص: 184

[الثانية عشر لو أقر الأخ من الأب بأخ من الأم أعطاه السدس]

الثانية عشر:

لو أقر الأخ من الأب بأخ من الأم أعطاه السدس، فإن أقر الأخ من الأم بأخوين منها و صدقه الأول سلم الأخ من الأم إليهما ثلث السدس بينهما بالسوية، لأنه الفاضل من نصيبه و يبقى معه الثلثان، و سلم إليهما الأخ من الأب سدسا آخر بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم نسبته إلى نص الأصحاب، فالمسألة حينئذ من ستة و ثلاثين: ثلثها اثنا عشر، و ستة سدسها، و قد أخذه أولا الأخ من الأم بإقرار الأخ من الأب، فلما أقر بأخوين بعد منها و صدقه الأول كان لهم الثلث، و هو الاثنى عشر، لكل واحد منهم أربعة، فإذا دفع من سدسه اثنين، لأنه الفاضل من نصيبه و أعطى الأخ من الأب السدس و هو ستة كان لكل واحد أربعة.

هذا و في القواعد «يحتمل أن يسلم الأخ من الام الثلثين من السدس، و يرجع كل منهم على الأخ من الأب بثلث السدس» و لعله لقاعدة الشركة في الأعيان التي قد عرفت النص (1)و الفتوى على خلافها هنا.

و على كل حال فلو كذبه فعلى الأول للأول ثلثا السدس، و لهما الثلث الذي هو الفاضل عن نصيبه، و على الثاني السدس بينهم أثلاثا، كما هو واضح.

و لو أقر الأخ من الأم بأخ من الأب أو من الأم أو منهما فكذبه الأخ من الأب فللمقر حصته كملا، لعدم مزاحمة الأخ من الأبوين أو من الأب له، و أما الأخ من الام فلأن مقتضى إقراره به أن يكون لهما الثلث لكل منهما السدس، فليس في يده ما يفضل عن استحقاقه.

و كذا لو أقر بأخوين من الأب أو منهما، لعدم نقص حصته بالإقرار


1- 1 الوسائل الباب- 26- من كتاب الوصايا و الباب- 5- من كتاب الإقرار.

ج 35، ص: 185

المزبور، بخلاف ما إذا أقر بأنهما من الام كما سمعت.

و لو أقر الأخوان من الأم بأخ منها دفعا له ثلثا ما في يدهما، سواء صدقهما الأخ من الأب أو كذبهما، لأن لهما الثلث على كل حال، فلا أثر لتصديقه و لا تكذيبه. و كذا لا أثر لهما لو أقر به أحدهما خاصة، فيدفع ثلث ما في يده، لأنه الفاضل من

استحقاقه. نعم لو صدق و كان عدلا فهو شاهد، فإذا كان المقر كذلك ثبت النسب، فيأخذ حينئذ ثلث ما في يد الآخر المكذب، و إلا فلا.

[الثالثة عشر لو كان أحد الولدين عبدا أو كافرا فأقر الحر المسلم]

الثالثة عشر:

لو كان أحد الولدين عبدا أو كافرا فأقر الحر المسلم بآخر فأعتق العبد أو أسلم الكافر قبل القسمة شاركا مع تصديقهما به، لما تسمعه في كتاب المواريث.

و لو كذبا بعد زوال المانع أو كذب الكافر قبل زواله فلا شي ء لهما، لأن الوارث بزعمهما حينئذ واحد، فلا يصدق الإسلام مثلا على ميراث قبل قسمته، إلا أن يرجع إلى التصديق، فإنه يقبل و يقاسم لاعترافهما بأخوته و أنه حر قبل القسمة، مع أنه لا يخلو من إشكال، لأن المال صار مستحقا لغيره.

و لو كان أحد الولدين غير مكلف عزل النصف، فان اعترف بعد زوال المانع دفع الفاضل عن نصيبه، و إن كذب ملك المعزول.

و لو مات قبل الكمال و قد تخلف السدس خاصة ففي القواعد «فان كان أفرزه الحاكم للإيقاف فهو للمقر له، و إلا فثلثاه» أي إن كان الحاكم قسم النصف، و ميز حصة غير المكلف منه على تقدير التصديق- و هو ثلث الأصل- و ترك السدس إلى أن يكمل غير المكلف فلم يتخلف إلى حين موته سواه فهو للمقر له، لأن الوارث لغير المكلف هو أخوه المقر و هو معترف له به.

و إن لم يكن قد أفرزه الحاكم للإيقاف بل كان النصف بأجمعه موقوفا

ج 35، ص: 186

إلى أن ذهب ثلثاه و بقي ثلثه و هو السدس كان للمقر به ثلثا السدس: ثلث من جهة كونه شريكا في النصف بثلثه بزعمه، لأن الذاهب من الشريكين و الباقي لهما، و ثلث بالإرث من أخيهما، و الثلث الآخر للمقر.

و عن الشهيد هذا إن تلف بغير سبب الميت، و أما إذا كان بسببه كإنفاق وليه عليه كان السدس كله للمقر به، لأن له على الصغير دينا باعتراف أخيه الوارث، و هذا ما يقوم به.

[الرابعة عشر لو أقر أحد الأبوين بابن و أنكر الثاني ثم مات المنكر عن ابن مصدق فالأقرب ثبوت نسب العم مع فرض العدالة]

الرابعة عشر:

لو أقر أحد الأبوين بابن و أنكر الثاني ثم مات المنكر عن ابن مصدق فالأقرب ثبوت نسب العم مع فرض العدالة. و في القواعد «و يحتمل العدم، لكن يأخذ من تركة الميت ما يفضل عن نصيبه» و لعله لأنها تتضمن الشهادة على أبيه و هي غير مسموعة.

و فيه أنها إقرار على نفسه، و ليس شهادة على أبيه و إن اقتضى ذلك تكذيبه، بل عن الإيضاح «أن الشهادة بالنسب بالنسبة إلى الأب مقبولة من الابن عليه بعد موته بالنص» و هو صريح في وجود النص، مضافا إلى العموم (1).


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 35، ص: 187

[كتاب الجعالة]

اشاره

كتاب الجعالة بتثليث الجيم و إن كان كسرها أشهر كما في المسالك، و هي على ما صرح به غير واحد لغة ما يجعل للإنسان على شي ء بفعله، و شرعا إنشاء الالتزام بعوض على عمل محلل مقصود بصيغة دالة على ذلك، و المراد ما يعتبر فيها شرعا كما في غيرها من العقود و الإيقاعات، إذ لا حقيقة لها في الشرع غير ما في اللغة كما ذكرناه.

و على كل حال فلا خلاف بين المسلمين في مشروعيتها، بل الإجماع بقسميه على ذلك.

مضافا إلى قوله تعالى (1)«وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ» بناء على حجية مثله ما لم يعلم نسخه، بل و إلى قوله تعالى (2)«تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» بل و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(3)بناء على إرادة العهود منها كما عن الصادق عليه السلام (4)و إليه يرجع ما

عن الجواد عليه السلام (5)«أن رسول الله صلى الله عليه و آله عقد لعلى عليه السلام بالخلافة في عشرة مواطن ثم أنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام».


1- 1 سورة يوسف: 12- الآية 72.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 29.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 1.
4- 4 الوسائل الباب- 25- من كتاب النذر و العهد الحديث 3.
5- 5 تفسير البرهان ج 1 ص 413 و البحار ج 36 ص 191.

ج 35، ص: 188

بل قيل إن الإيفاء و الوفاء بمعنى، و العقد العهد الموثق، و يشمل هنا كل ما عقد الله على عباده و ألزمه إياهم من الايمان به و ملكية وليه و رسوله و أوصياء رسله و تحليل حلاله و تحريم حرامه و الإتيان بفرائضه و سننه و رعاية حدوده و أوامره و نواهيه و كل ما يعقده

المؤمنون على أنفسهم من عقود الإناث و المعاملات الغير المحظورة و غير ذلك مما يدل على إرادة ما يشملها من العقد و الميثاق و غيرهما.

و إلى السنة المستفيضة أو المتواترة من الطرفين (1)

كخبر وهب بن وهب (2)عن الصادق عليه السلام «سألته عن جعل الآبق و الضالة فقال: لا بأس»

و نحوه خبر مسمع (3)و علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (4)

و «سئل الباقر عليه السلام عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلا فقال: لا بأس، و عن الرجل يرشو الرشوة على أن يتحول من منزله فيسكنه، فقال: لا بأس به» (5)

و خبر عبد الله بن سنان (6)قال: «سمعت أبي سأل أبا عبد الله عليه السلام و أنا أسمع فقال: ربما أمرنا الرجل فيشترى لنا الأرض و الغلام و الدار و الجارية فنجعل له جعلا، قال: لا بأس»

إلى غير ذلك مما يمر عليك بل و ما مر في الإجارة مما هو منزل على الجعالة.

و إلى أن الحاجة تدعو إلى مشروعيتها، فان العمل قد يكون مجهولا


1- 1 الوسائل الباب- 1 و غيره- من كتاب الجعالة و سنن البيهقي ج 6 ص 200.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من كتاب اللقطة الحديث 6.
3- 3 ليس لمسمع خبر في باب الجعالة إلا ما رواه في التهذيب ج 6 ص 398 الرقم 1203 و هو و ان كان دالا على مشروعية الجعالة الا انه ليس نحو خبر وهب بن وهب.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من كتاب الجعالة الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 85- من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2 من كتاب التجارة. و الجملة الثانية مروية عن أبى عبد الله عليه السلام.
6- 6 الوسائل الباب- 4- من كتاب الجعالة الحديث 1.

ج 35، ص: 189

كرد الآبق و الضالة و نحو ذلك مما لا يقوم به عقد الإجارة، كما هو واضح.

و كيف كان ف النظر في الإيجاب و الأحكام و اللواحق،

[أما الإيجاب]

أما الإيجاب فهو أن يقول: من رد عبدي أو ضالتي أو فعل كذا فله كذا أو نحو ذلك، بل عن التذكرة الصيغة كل لفظ دال على الاذن في العمل و استدعائه بعوض يلزمه، كقوله: «من رد عبدي أو ضالتي أو خاط ثوبي أو بنى لي حائطا» أو ما أشبه ذلك من الأعمال المحللة المقصودة في نظر العقلاء، و في الدروس و محكي التحرير صيغة دالة على الاذن في الفعل بعوض إلى غير ذلك من كلماتهم المتفقة على تحقق صيغتها بكل لفظ، من غير فرق بين «من رد» و «إن رددت» و غيرهما، و بين التقييد بالزمان و المكان و الحال و عدمه.

و حينئذ فمعاطاتها ما دل على ذلك من الأفعال بكتابة و غيرها و إن كان لا فرق بينها و بين الصيغة في الحكم.

إنما الكلام في أنها من العقود المصطلحة أو الإيقاعات ظاهر قول المصنف و غيره لا يفتقر إلى قبول و اقتصاره على ذكر الإيجاب و وضعها في قسم الإيقاع الثاني، و لعله الأصح، لما تسمعه من صحة عمل المميز بدون إذن وليه بعد وضعها.

بل قيل في غير المميز و المجنون وجهان، و من المعلوم عدم صحة ذلك مع فرض اعتبار القبول فيها و لو فعلا، لسلب قابلية الصبي و المجنون قولا و فعلا عن ذلك، و لذا لا يجوز معه عقد من العقود الجائزة و صحتها من غير مخاطب خاص، و العقد يقصد فيه التعاقد من الطرفين و ليس هنا، خصوصا إن قلنا بصحتها ممن لم يسمع عبارة الجعل بقصد العوض، كما هو أحد الاحتمالين في القواعد، بل في الدروس أنه الأقرب، و عن الإيضاح أنه الأصح، بل هو خيرة الكركي أيضا إذا لم يكن الراد عالما بأن العمل بدون الجعل تبرع و إن قصد العامل العوض، لعدم انفكاكه من التبرع حينئذ بخلاف غير العالم.

و على كل حال فوجهه صدق عنوان الجعالة مع فرض كون الصيغة تشمل

ج 35، ص: 190

العامل و قصده الرجوع، فالمقتضي حينئذ موجود و المانع مفقود، و دعوى اعتبار قصده بالعمل جوابا لإيجابه في الرجوع بالعوض لا دليل عليها، بل مقتضى إطلاق الأدلة خلافها، بل ظاهر الفاضل في القواعد احتمال الاكتفاء في الرجوع بالرد لا على قصد التبرع و لا الاستحقاق.

مضافا إلى عدم اعتبار المقارنة بين الإيجاب و القبول و غيرها مما يعتبر في العقود، مع أنه لا دليل على إخراجها عنها كالوكالة، بل يقوى في الظن أن الجعالة على نحو التسبيب الصادر من الشارع نحو «من فعل كذا فله كذا» المعلوم كونه غير عقد، و إطلاق اسم العقد عليها- و إن وقع من المصنف و غيره، بل في معقد إجماع التذكرة أنها عقد جائز، و لعله لذا قال في جامع المقاصد: «ظاهرهم أنها من العقود الجائزة» فيكون القبول فيها فعليا، بل حمل بعضهم نفيهم القبول على نفيه لفظا، كما عبر به الفاضل- يمكن حمله على إرادة العهد منه، بل ينبغي الجزم به، لصدوره ممن ظاهره أو صريحه الإيقاعية.

و خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه عليه السلام المروي عن كتابه «سألته عن رجل قال لرجل: أعطيك عشرة دراهم و تعلمني عملك و تشاركني هل يحل له ذلك؟ قال: إذا رضي فلا بأس»

لا يراد منه القبول العقدي، بل المراد منه عدم البأس مع تراضيهما على ذلك، و يؤيده زيادة على ما ذكرنا ترتب أثرها على من لم يرد الفعل أولا ثم أراد و فعل، حتى لو تلبس بالعمل ثم رفع يدا عنه ثم عاد إليه و إن توقف فيه بعضهم، بل بناء على العقدية و الإيقاعية.

لكن التحقيق صحته للصدق، و ليس ذلك إلا لأنها من باب التسبيب، و إلا فمع فرض كونها ذلك فسخا أو كالفسخ لا بد من إيجاب جديد، و جواز مثله في الوكالة من باب الاذن لا من بقاء عقدها، على أن القبول هنا في الصيغة العامة إذا كان العمل قابلا للتكرار يقتضي كونها بمنزلة عقود متعددة حتى يكون الفسخ من بعضهم مختصا به دون غيره.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من كتاب الجعالة الحديث 1.

ج 35، ص: 191

و بالجملة فالتأمل التام خصوصا بعد ما تسمعه من الأحكام التي لا توافق قواعد العقود العامة مع فرض عدم دليل مخرج لها يقتضي أنها بالتسبيب أشبه.

و دعوى أنها كالوصية التي من إيجابها «افعلوا كذا» و نحوه لا يخفى عليك ما فيها بعد الإحاطة بما ذكرناه في الوصية، و أنها قسمان: وصية عهدية، و ليست من العقود في شي ء، و اخرى عقدية، و هي بمنزلة الهبة، و من هنا لا تمنع إيقاع الجعالة في بعض أفرادها على نظم العقد المشتمل على الإيجاب و القبول.

إنما الكلام في أصل مشروعيتها على وجه إذا فقدت بعض ما يعتبر في العقود تكون باطلة، و من هنا قال في المسالك: «تظهر الفائدة فيما لو فعل العامل لا بقصد العوض و لا بقصد التبرع بعد الإيجاب، فعلي الأول يستحق العوض، لوجود المقتضي له، و هو الصيغة مع العمل، و على الثاني لا يستحق و إن كان قد عمل، لأن المعتبر من القبول الفعلي ليس هو مجرد الفعل، بل لا بد معه من انضمام الرضا و الرغبة فيه لأجله، كما نبه عليه في الوكالة» و الذي ذكره في الوكالة عدم الاكتفاء في قبوله العقدي بفعل ما وكل فيه، بل لا بد فيه مع ذلك من اقترانه بالرغبة و الرضا و وقوعه قبل أن يرد، و كان مراده اعتبار قصد ارتباط القبول بالإيجاب و عقده به.

و على كل حال فالأصح عدم اعتبار ما يعتبر في العقود المصطلحة في الجعالة، بل تصح بدون ذلك و إن كان له فعلها بكيفية العقد، بل لا يبعد اعتبار ما يعتبر فيه حينئذ.

و لو كذب المخبر فقال: «قال فلان: من رد ضالتي فله كذا» لم يستحق الراد على المالك شيئا، للأصل و غيره، بل و لا على المخبر كما صرح به في القواعد أيضا و غيرها، للأصل أيضا و غيره، و كذبه لا يوجب ضمانه، و قاعدة الغرور لا محل لها هنا، ضرورة كون التفريط وقع منه بتركه التثبت و التفحص و تعويله على خبره.

و كيف كان فهي تصح على كل عمل مقصود للعقلاء على وجه

ج 35، ص: 192

يخرج عن كونه سفها كالإجارة محلل بل في القواعد ضبطه كذلك، نعم لا بد من إرادة المعنى الأعم من المحلل ليشمل المباح و المندوب و المكروه كما هو مقتضي إطلاق الأدلة أو عمومها لا خصوص المباح منه، نعم لا تصح على الحرام بل و لا على الواجب، كما صرح به هنا غير واحد، حتى أنهم قالوا لو قال: «من دلني على مالي فله كذا» فدله من كان المال في يده لم يستحق الجعل، لأن ذلك واجب عليه بالشرع، فلا يجوز أخذ العوض عليه، بخلاف ما لو دله من لم يكن في يده، فإنه يستحق لعدم وجوبه، و خصوصا إذا لحقه بالبحث عنه مشقة.

لكن قد تقدم في المكاسب البحث عن جواز أخذ العوض على الواجب الشرعي و التوصلي العيني و الكفائي إلا ما كان واجبا من الآخر بالعوض كالصناعات التي جرت السيرة على أخذ العوض عنها، بل وجوب أشخاصها به و إن كان أصلها واجبا كفائيا.

و قد يقال: إن الأصل جواز أخذ العوض خصوصا الجعل الذي ستعرف صحته على عمل راجع إلى غيره، نحو «من رد عبد زيد فله كذا» إلا ما خرج بدليل من إجماع و غيره، و إلا فالوجوب من حيث كونه وجوبا لا ينافي تناول العوض عن الواجب، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فلا خلاف محقق في أنه يجوز أن يكون العمل مجهولا في الجعالة لأنه عقد جائز كالمضاربة التي بناء مشروعيتها على جهالة العمل، كما أن الغرض من شرعية الجعالة تحصيل الأعمال المجهولة غالبا كرد الآبق و الضالة و نحوهما مما لا تعلم مسافته مع مسيس الحاجة إليه، بل لعله موضع وفاق كما عن بعضهم.

و ما عن الوسيلة- من أنه يشترط تعيين العمل و الأجرة- يمكن إرادته إخراج المجهول من كل وجه، بحيث لا يصح الجعل فيه عرفا لا المجهول في

ج 35، ص: 193

الجملة كعمل رد الآبق و الضالة الذي يصدق عليه كون العمل معينا بالمعنى المزبور، بل جواز الجعالة على مثله من قطعيات الفقه، بل عن الشافعية في أحد الوجهين اشتراط جهالة العمل في الجعالة، لأنه الثابت من شرعيتها، فلا يصح على المعلوم و إن كان فيه ما لا يخفى، بل صحتها على المعلوم نحو «من خاط ثوبي هذا» أو «حج عني فله درهم» أولى، كما هو واضح. هذا كله في العمل.

و أما العوض ف عن المبسوط و الوسيلة و جملة من كتب الفاضل أنه لا بد أن يكون معلوما بالكيل أو بالوزن أو العدد إن كان مما جرت العادة بعده بل في المسالك و عن الكفاية و المفاتيح المشهور بين الأصحاب اشتراط كون العوض معلوما في صحة الجعالة مطلقا كما يشترط ذلك في عوض الإجارة بل عن جامع المقاصد أطلق الأصحاب عدم جواز كون الجعل مجهولا، و عن الإيضاح و مجمع البرهان نسبته إلى الأصحاب.

و ظاهر ذلك- كما عن المبسوط و التذكرة التصريح به- فساد العقد مع الجهالة، لكن عن الإيضاح أن المانع من جهالته لا يقول إنه يبطل أصل العقد، و إنما يبطل المسمى، فلو جعل له جعلا مجهولا صحت الجعالة و كانت له أجرة المثل.

و لعله إليه أشار في المسالك، فإنه قال: «و حيث كان العوض مجهولا و لم نقل بصحته فسد العقد، و ثبت العمل بأجرة المثل، و مثله ما لو قال: إن فعلت كذا فأنا أرضيك أو أعطيك شيئا أو نحو ذلك- ثم قال-: و ربما قيل بعدم فساد العقد بذلك، و إن أجرة المثل حينئذ هي العوض اللازم للعمل بواسطة الجعالة، و هو بعيد».

قلت: لكن قد حكى هو قبل ذلك إطباقهم على صحة الجعالة مع عدم تعيين الجعل، و لزوم اجرة المثل، و نحوه في الروضة، و في الدروس «و لو كان مجهولا فاجرة المثل قولا واحدا من دون تعرض لبطلان الجعالة» قلت: لا يخفى عليك أن القول بالصحة جعالة في مثل الفرض في غاية البعد، بل هو إما جعالة فاسدة،

ج 35، ص: 194

و ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، كما لو جاء بنحو ذلك في الإجارة، أو أنه جائز شرعا في نفسه و لا يدخل في عقد من العقود، من غير فرق بين الأعيان و الأعمال، فله أن يأذن له في سكنى الدار بأجرة المثل، كما له أن يستعمل بها من يأمره بالعمل.

و كيف كان فاشتراط المعلومية فيه على الوجه المزبور لا تخص المكيل و الموزون و المعدود، إذ قد تكون بغيرها، فيعتبر فيه المعلومية بما يرفع الغرر عنه، كما في البيع و الإجارة، و لا تكفي المشاهدة عند من لا يكتفى بها في الإجارة.

و لعله لذا قال المصنف بعد أن ذكر المعلومية في المكيل إلى آخره و لو كان مجهولا ثبت بالرد اجرة المثل كأن يقول: من رد عبدي فله ثوب أو دابة إلا أن إقامة الدليل على ذلك في غاية الصعوبة، لإطلاق الأدلة، و لأن مبني الجعالة على الجهالة في أحد العوضين قطعا، فصار أمرها مبنيا على احتمال الغرر، فكما تمس الحاجة إلى جهالة العمل تمس الحاجة إلى جهالة العوض بأن لا يريد بذل شي ء آخر غير المجعول عليه، إذ قد يتفق ذلك (1)بأن يريد تحصيل الآبق ببعضه و عمل الزرع ببعضه و نحو ذلك، و دعوى عدم

الرغبة في مثل ذلك في العادة مخالفة للوجدان، فإنها مطردة بالرغبة في أعمال كثيرة مجهولة بجزء منها و مما ذكرنا يعلم ما في الاستدلال على أصل الحكم بأنه لا حاجة إلى احتمال الجهالة فيه بخلاف العمل، فإنه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلمه بالجعل، فلا يحصل مقصود العقد، مع أنه لا محصل له بحيث يرجع إلى دليل معتبر.

نعم لو ثبت النهي عن النبي صلى الله عليه و آله عن مطلق الغرر أمكن الاستدلال به،


1- 1 جاء في النسخة الأصلية المبيضة أولا« إذ لا يتفق ذلك» ثم رقم« قد» فوق« لا» و الظاهر أنه بعنوان التصحيح و البدل عن كلمة« لا» و لكن في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه« إذ لا يتفق ذلك».

ج 35، ص: 195

إلا أنا لم نتحققه في غير البيع و الإجارة الملحقة به كما ذكرناه في الصلح (1)لكن مقتضي ذلك صحة الجعل المجهول، و الرجوع إلى مسماه في مثل الثوب و العبد و نحوهما، و لم نعلمه قولا لأحد، بل قد سمعت ما في الدروس من وجوب اجرة المثل قولا واحدا.

نعم في القواعد «لو قيل بجواز الجهالة إذا لم يمنع من التسليم كان حسنا كقوله: من رد عبدي فله نصفه، من رد ثوبي فله ثلثه» و ظاهره الميل إليه، بل عن المحقق الثاني أنه مختاره، ثم قال: «و هو قوي» بل عن التذكرة أنه أقوى، و

الإيضاح أنه أصح و نفي البأس عنه في الروضة، و كأنه مال إليه في المسالك، و عن الكفاية أنه غير بعيد، و عن المفاتيح أنه أظهر، بل عن ظاهر مجمع البرهان اختياره.

قلت: لعله الأقوى أيضا، و لا ينافيه ما سمعته من الإجماع على وجوب اجرة المثل في المجهول، لظهور إرادة حاكيه في غير الفرض، قال في الدروس:

«و لو كان مجهولا فاجرة المثل قولا واحدا، و لو لم تمنع الجهالة التسليم كثلث العبد المجهول قيل يصح، و لو كان معلوما فأولى بالصحة، إلا أن يمنع الاستئجار على الإرضاع بجزء من المرتضع بعد الفصال» قلت: و نحوه ما يجعل للدلال مما زاد على مقدار معين في قول.

فتحصل من مجموع ما ذكرناه عدم اعتبار المعلومية في العوض كالإجارة و البيع و عدم الاكتفاء بالمطلق ذي الأفراد المختلفة، كالثوب و الدابة و نحوهما، و خصوصا مثل الشي ء و المال، فيرجع إلى أجرة المثل في الثاني و إلى المسمى في الشخص المجهول، كجزء العبد الآبق «و نحوه» و يلحق به جعل ما زاد على المقدار المعين إن قلنا بصحة الجعالة(2)فيه للنصوص و قد تقدم في بحث المرابحة تمام الكلام فيه فلاحظ و تأمل.


1- 1 راجع ج 26 ص 217- 218.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب أحكام العقود.

ج 35، ص: 196

و كيف كان فيجوز الجمع في الجعالة بين المدة و العمل، مثل «من رد عبدي من مصرفي شهر فله كذا» لإطلاق الأدلة و إن لم نقل بجوازه في الإجارة، كما صرح به هنا في الدروس.

و كذا يجوز «من رد عبدي أو أمتي» و يستحق برد أيهما كان.

و إذا عين الجعل اشترط كونه مما يملك، فلو جعل حرا أو خمرا بطل، و لا اجرة للعامل إلا أن يتوهم الملك، و لو جعل الذمي لمثله خمرا، صح فإن أسلم أحدهما قبل القبض فالقيمة على قول.

و يعتبر في الجاعل أهلية الاستئجار بلا خلاف أجده، كما اعترف به الفاضل في محكي التذكرة، قال: «يشترط فيه أن يكون أهلا لاستئجار مطلق التصرف، فلا ينفذ جعل الصبي و المجنون و السفيه و المحجور عليه لفلس و المكره و غير القاصد، و لا نعلم فيه خلافا» قلت: بل و لا إشكال، لما عرفته مكررا في كل عقد و إيقاع مما يدل على عدم صحة شي ء منهما من هؤلاء.

و أما ما يعتبر في العامل فهو إمكان تحصيل العمل عقلا و شرعا بنفسه إن شرط عليه المباشرة، أو مطلقا إن لم يشترط، فان لم يمكن تحصيل العمل له كذلك لم يصح الجعل له، كما لا يصح استئجاره، فلو قال:

«من استوفي ديني على المسلم فله كذا» لم يدخل الذمي كما في الدروس، أما لو قال: «من رد عبدي المسلم» ففي التذكرة و الدروس يدخل الذمي، و لعله لضعف السبيل، لكن قيده في الأخير بما إذا لم يكن الجعل ممتنعا في حقه بأن كان العوض بعضه.

و على كل حال فالمراد بالإمكان ذلك لا جواز التصرف، ضرورة عدم الدليل على اعتباره في عامل الجعالة التي قد سمعت قوة القول بأنها من باب التسبيب، و لعله لذا نص في التذكرة و غيرها على استحقاق الجعل برد الصبي المميز و لو من غير إذن وليه، بل في الأول يجوز قطعا، بل المسالك و غيرها في غير المميز وجهان، من حصول الفرض و عدم القصد إلى العوض، و لا يعتبر في العامل التعيين

ج 35، ص: 197

بلا خلاف أجده فيه، لإطلاق الأدلة مؤيدا، بأنه الأوفق بمشروعيتها إذ الغرض رد الآبق مثلا من أي راد كان، بل قد لا يتمكن منه معين، كما أنه قد لا يكون المتمكن حاضرا، و ربما لا يعرفه المالك، فإذا أطلق الاشتراط و شاع ذلك سارع من يتمكن منه إلى تحصيله، فيحصل الغرض.

و لكن لو عين الجعالة لواحد فرد غيره كان عمله ضائعا بلا خلاف أجده فيه، لأنه متبرع حيث لم يبذل له اجرة و لا لمن يشمله، نعم في المسالك «هذا إذا شرط على المجعول له العمل بنفسه أو قصد الراد العمل لنفسه أو أطلق، أما لو رده نيابة عن المجعول له حيث يتناول الأمر النيابة فإنه لا يضيع عمله، و كان الجعل لمن جعل له» و فيه أن قصد النيابة مع عدم أمر من المنوب عنه و لا عمل في ذمته لا يجعله نائبا، للأصل، بل لو رده عبد المجعول له لم يكن نائبا عنه و إن قال في محكي التذكرة استحقه المولى، لأن رد عبده كرده، و يده كيده، و حينئذ فإطلاق المصنف و الجماعة في محله.

و لو تبرع أجنبي بالجعل وجب عليه الجعل مع الرد و إن لم يعد نفع إليه، و لا يلزم المالك شي ء للعامل و لا للباذل، و لعل منه قوله تعالى (1):

«وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ» بلا خلاف و لا إشكال، كما اعترف به في جامع المقاصد لما عرفته من أن الجعالة من التسبيب الذي لا يعتبر فيه ملك عوض بعوض، كالبيع و الإجارة، كما هو واضح. نعم لو قصد

المتبرع المالك فأجاز لزمه بناء على جريان الفضولي فيه، بل و كذا لو قصد الرجوع به عليه.

و يستحق العامل الجعل بالتسليم إلى يد المالك، مع التصريح بالجعل على ذلك أو إطلاق الرد بناء على أن المتبادر فيه القبض.

و حينئذ فلو جاء به إلى البلد بل و المنزل و لم يقبضه المالك ففر لم يستحق الجعل بلا خلاف أجده. نعم لو صرح بما لا يقتضي التسليم كالايصال إلى البلد استحق الجعل، بل في مجمع البرهان «لو قال: من خاط لي هذا الثوب


1- 1 سورة يوسف: 12- الآية 72.

ج 35، ص: 198

فالظاهر أنه يستحق بالعمل دون التسليم» و هو لا يخلو من وجه.

ثم إن الموت كالفرار كما اعترف به في التذكرة و المسالك، بل في الروضة و إن كان في داره أيضا لاشتراكهما في عدم صدق الرد، لكن في القواعد «يحتمل الاستحقاق مع الموت بالنسبة» بل في الإيضاح هو الأقوى، لأن المانع ليس من قبله، و أن الرد الممكن عادة قد حصل، و تسليمه من الموت ليس داخلا تحت قدرة البشر، بل ربما مال إليه في الجملة في جامع المقاصد و الروضة، إلا أنه كما ترى. و لذا اعترف بضعفه في المسالك، إذ لا دخل في ذلك لاستحقاق الجعل على العمل المخصوص المنفي في الصورتين.

و الجعالة جائزة من الطرفين، سواء قلنا بكونها عقدا أو إيقاعا بلا خلاف أجده، كما اعترف به في المسالك و الكفاية، بل في التذكرة أنها عقد جائز من الطرفين إجماعا، مضافا إلى أن المستفاد من أدلتها كونها بمنزلة أمر للغير بعمل له اجرة، فلا يجب المضي فيه من الجانبين.

نعم عن أبي علي لو جعل عاما لمن جاء بالآبق فخرج الناس عند عمومه لما جعل من الجعل فأشهد المولى على نفسه بأنه قد فسخ ما كان جعله لم ينفسخ بذلك، و يمكن إرادته ما صرح به في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك من أن العقد إنما ينفسخ إذا علم العامل بالفسخ من الجاعل، و إلا فهو على حكمه كالوكيل إذا لم يعلم بالعزل، و هو و إن كان لا يخلو من إشكال إذا لم يكن إجماعا، ضرورة اقتضاء كونها من الجائز انفساخها بالفسخ علم العامل أو لم يعلم، و عدم انعزال الوكيل حتى يعلم بالعزل إنما هو لدليله المقتصر فيه عليه خاصة، فيستحق حينئذ أجرة المثل لا المسمى لما عمله بعد الفسخ، أما ما عمله قبله ففيه احتمالان: أحدهما ذلك أيضا، و الثاني نسبته من المسمى كما ستسمع.

و على كل حال فلا إشكال في جوازها بل ظاهر كثير منهم و صريح بعض أنها كذلك قبل التلبس و بعده، لكن في المتن أنها جائزة قبل التلبس، فان تلبس فالجواز باق في طرف العامل و لازم من طرف الجاعل، إلا أن يدفع

ج 35، ص: 199

اجرة ما عمل و ظاهره كونها كالرهن في اللزوم من جانب و الجواز من آخر.

بل ظاهره كالمحكي عن المبسوط و الإرشاد و التبصرة توقف فسخ الجاعل على دفع الأجرة، و هو انه لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة من الاستصحاب و غيره خلافه، بل في المسالك أنه مخالف للإجماع، فلا يبعد إرادته لزومها بالنسبة إلى ما مضى، كما عبر به في الدروس قال: «و الجعالة جائزة من طرف العامل مطلقا و من طرف المالك ما لم يتلبس العامل، فان تلبس فهي جائزة فيما بقي، و عليه فيما مضى بنسبته إلى الجميع» و إن كان هو أيضا لا يخلو من إشكال، ضرورة عدم تصور الفسخ على الوجه المزبور، و استحقاق النسبة من المسمى لا ينافي الفسخ مطلقا كاستحقاق الجميع مع عدم العلم بالفسخ، إذ لعله و إن تحقق الفسخ إلا أنه لما كان عمل المسلم محترما و قد عمل على الجعل المزبور استحق بنسبة ما تراضيا عليه.

و الفرق بينه و بين عامل القراض أن المشروط للعامل فيه جزء من الربح، و قبل ظهوره لا وجود له، و لا معلومية حتى ينسب إليه ما فعل، بخلاف عامل الجعالة، فإنه مضبوط يمكن الاعتماد على نسبته، فهو حينئذ كالإجارة التي يطرأ لها الفسخ.

لكن قد يناقش بأن الجعالة إنما هي على تمام العمل و إن كان ذا أجزاء كالخياطة و النساجة فضلا عن رد الآبق و نحوه، فما يقع سابقا على مسمى التمام مقدمات و إن كانت من أجزاء العمل لكن ليست هي من العمل المجعول عليه، و لذا صرح في المبسوط و التحرير و القواعد و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و الروضة و مجمع البرهان و الكفاية و غيرها بأن العامل إذا فسخ قبل إتمام العمل لا شي ء له، بل في الكفاية أنه المشهور.

و قد علله غير واحد منهم بأنه بفسخه أسقط حقه، و ذلك لأن الجاعل لم يجعل له العوض إلا في مقابلة مجموع العمل، و لم يحصل غرضه و لم يأت العامل بما شرط عليه، و حينئذ فهو كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح بخلاف الإجارة، و الفرق أنها لازمة تجب الأجرة فيها بالعقد، و تستقر شيئا فشيئا،

ج 35، ص: 200

و الجعالة جائزة لا يثبت فيها شي ء إلا بشرط و لم يوجد، و هذا بعينه جار في فسخ الجاعل بالنسبة إلى عدم استحقاق المسمى، نعم حيث إن العامل لا يقدم على العمل إلا بالعوض و لا تقصير منه فهو غير متبرع، فيبقي على أصالة احترام عمل المسلم فينبغي ضمانه بأجرة المثل، ضرورة كون المقتضى له الغرور و عدم التقصير و نحوها لا العقد المقتضي للتقسيط.

و مما ذكرنا يظهر لك ضعف ما احتمله الكركي و جماعة من استحقاق العامل اجرة المثل أو النسبة من المسمى كما إذا فسخ الجاعل، لأنه بفسخه إنما أسقط حقه بالنسبة إلى ما بقي لا ما مضى، و الفرض أنه أقدم على العوض و فسخه، لأن له حق الفسخ، و يقوى الاحتمال لو مات أو منعه ظالم.

و فيه أن إقدامه على العوض على عمل المجموع من حيث إنه كذلك أو على الرد و نحوه مما لا مدخلية لمقدماته الخارجية في تحقق مسماه، نعم لو فرض إرادة الجاعل التوزيع على أجزاء العمل على نحو الإجارة أتجه حينئذ التقسيط على المسمى، إلا أنه ينبغي عدم الفرق بين الجاعل و العامل في ذلك، خصوصا في صورة الموت أو شغل الظالم.

و لعل جعل المدار في المسألة على هذا أولى فيقال: إن كانت الجعالة على عمل لا يتجزأ كالرد و نحوه أو يتجزأ و لكن قصد الجعل عليه من حيث تماميته فلا شي ء للعامل إذا لم يكن الفسخ من قبل الجاعل، للأصل و غيره، و إن كان بفسخ من قبله استحق اجرة المثل على ما وقع منه من مقدمات العمل خصوصا إذا كان بعضه الذي هو مقدمة أيضا لتمامه، لقاعدة الغرور، و احترام عمل المسلم، و نفي الضرر، كما في عامل القراض بل لعل الحكم كذلك في صورة الانفساخ بموت الجاعل و نحوه فضلا عن فسخه.

و لو قصد توزيع الجعل على العمل ذي الأجزاء على نحو الإجارة اتجه حينئذ الحكم بالتقسيط كما في الإجارة، بل لا فرق في ذلك بين الفسخ من قبل الجاعل و العامل، و مع الإطلاق فالظاهر الأول في الجعالة، فيجري عليه ما سمعت فتأمل جيدا، فان المقام غير محرر في كلماتهم.

ج 35، ص: 201

و لو فسخ العامل ثم أراد العمل بالجعل فهل ينفسخ العقد أم يستمر إيجاب الجاعل؟ وجهان لا ترجيح بينهما، و في جامع المقاصد و المسالك يبنى على أن الجعالة هل هي عقد أم لا؟ فعلي الأول يحتمل الانفساخ، لأن ذلك هو قضية العقد الجائز فلا يستحق بعد ذلك بالعمل شيئا، سواء علم المالك بفسخه أولا، و يحتمل عدمه، لأن العبرة بإيجاب المالك و إذنه في العمل بعوض، و ذلك أمر لا قدرة للعامل على فسخه، و إنما تركه العمل في معنى الفسخ، و مثله ما لو فسخ الوكيل الوكالة ثم فعل مقتضاها.

و فيه ما لا يخفى من منافاة الوجه الثاني للقواعد، و بقاء الاذن في الوكالة لا يقتضي بقاء عقد الوكالة الذي يجوز فيه الفسخ، و الفرض حصوله منه، فأي وجه لعوده جديدا من دون إنشاء جديد من المالك.

نعم قد يقال على الثاني يتجه عدم بطلانها و استحقاقه العوض بالفعل، لأنها عبارة عن الإيجاب و الاذن في الفعل، و حكمه بعد الاذن بيده لا بيد غيره، نحو العهد و اليمين، خصوصا مع كون الجعالة بلفظ العموم و نحوه مما لا وجه لفسخه ممن لا سلطنة له على ذلك، لا بالنسبة إلى نفسه، و لا بالنسبة إلى غيره. و حينئذ فمعنى قولهم: «يجوز للعامل الفسخ» أنه لا يجب عليه الوفاء بالعمل، سواء شرع فيه أم لا، بل يجوز له تركه متى شاء و إن بقي حكم الأول. و كيف كان فقد سمعت إطلاقهم جوازها.

لكن قد يستشكل فيه بحيث يترتب عليه عدم قبول دفع العوض في صورة الفسخ بعد وصول الآبق و الضالة مثلا إلى يد العامل قبل وصولها إلى يد المالك بأنه لا يكاد يتحقق للفسخ معنى حينئذ، إذ لا يجوز له تركها، بل يجب تسليمها إلى المالك أو من يقوم مقامه، فيتم العمل.

و يدفعه أن فائدة الفسخ حينئذ عدم وجوب السعي في إيصالها للمالك، إذ الواجب عليه حينئذ إعلامه بها، فان كان قد بقي لردها مقدار يعتد به من العوض فالفائدة ظاهرة، و إن لم يكن بقي فالساقط هو ما قابل ذلك المتخلف، و لا يحصل

ج 35، ص: 202

به نقص يعتد به على العامل.

و لو توقف إيصالها أو خبرها إلى المالك على عمل يقابل بأجرة ففي المسالك أمكن ثبوت أجرة المثل لذلك العمل، لأنه عمل محترم مأذون فيه شرعا مبتدا باذن المالك، فلا يضيع على العامل، و يظهر للفسخ معنى على التقديرين.

قلت: ليس الفرض في المقام إلا كالأمانة الشرعية التي من المعلوم عدم استحقاق العوض على الاعلام بها بعد أن كان واجبا عليه، كمعلومية عدم جواز التصرف له فيها بعد معرفة مالكها بنقل و نحوه حتى يأذن له، نعم قد يقال بسقوط وجوب الاعلام عنه مع فرض توقفه على بذل مال منه.

و لو عقب الجعالة على عمل معين بأخرى و زاد في العوض أو نقص عمل بالأخيرة بلا خلاف و لا إشكال مع سماع الجعالتين قبل التلبس بالعمل و إطلاقهما، ضرورة اقتضاء الثانية فسخ الأولى، إذ لا وجه لصحتهما معا إلا مع إرادة زيادته الجعل الأول، فيكون المراد من الثانية أن له ذلك مع الأول، و هو خروج عن الفرض. و من هنا صرح غير واحد بكون الثانية رجوعا عن الأولى بل في المسالك نسبة ذلك إلى إطلاق الأصحاب.

أما إذا لم يسمع العامل إلا إحدى الجعالتين فالعبرة بما سمعه منهما من غير فرق بين الاولى و الثانية، كما صرح به الكركي و ثاني الشهيدين، و لكن قد يشكل بأنه مع فرض اقتضاء الثانية فسخ الاولى، و قلنا بعدم اعتبار العلم و تحققه يتجه الرجوع إلى أجرة المثل، و لعله لذا صرح الفاضل في المحكي عن تذكرته بذلك.

و ربما أشكل بأنه أقدم على المسمى، فيستحقه دون اجرة المثل، خصوصا مع زيادتها عليه، بل ربما احتمل وجوب أقلهما.

و فيه أن الاقدام على المسمى بعد فرض انفساخ العقد المقتضي لاستحقاقه لا يقتضي استحقاقه إياه، و لا غرور بعد أن أقدم على عقد جائز للمالك فسخه في

ج 35، ص: 203

كل وقت، و كان له طريق إلى إلزامه به بصلح و نحوه، و لعل هذا هو المتجه سواء زادت اجرة المثل أو نقصت.

بل قد يقال باستحقاقه جعل الثانية، لانفساخ الاولى بها و عدم اعتبار السماع في استحقاق الجعل كما سمعته سابقا، فإذا فرض حصول الجعالة الثانية قبل تلبسه و الفرض عدم علمه بالثانية و إنما سمع الأول خاصة استحق جعل الثانية حينئذ، فتأمل جيدا.

نعم لو سمع بالثانية في أثناء العمل ففي القواعد و المسالك و غيرهما له من الأولى بنسبة ما عمل إلى الجميع، و في المسالك «و من الثانية بنسبة ما بقي».

لكن أشكله بأنه إنما جعل العوض الثاني على مجموع العمل و لم يحصل، قال: «و يفارق الحكم بالنسبة في الأولى من جهة حصول الفسخ فيها من قبل المالك، فيفسخ عمل العامل، بخلاف الثانية، فإنه لم يقع فيها فسخ، خصوصا مع علم العامل بالمال، فان عمله حينئذ للمتخلف واقع بغير عوض مبذول من المالك في مقابلته، لأن الجعالة لا تقابل بالأجرة إلا فيما استثني سابقا، و هذا ليس منه- ثم قال-:

و يمكن توجيهه بأن عمل العامل بأمر المالك بالعوض المعين، و قد أتمه، و لا سبيل إلى وجوب العوض الأول خاصة للرجوع عنه، و لا إلى مجموع الثاني، لأنه لم يعمل مجموع العمل بعد الأمر به، و لا سبيل إلى الرجوع إلى أجرة المثل، لأن العوض معين، فلم يبق إلا الحكم بالتوزيع».

قلت: لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرنا، و أنه لا يرجع إلى محصل، ضرورة كون المتجه بعد فرض عدم التوزيع في الجعالة أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى، و أما ما بقي فهو متبرع لو عمل، لأنه مع فرض كون الجعل في الثانية لتمام العمل و الفرض سبق بعضه منه لا يندرج فيها، و لا إذن للمالك بغير ذلك كي يضمن له، و لا غرور منه، فتأمل نعم لو سمع بالثانية قبل التلبس بالعمل فعمله استحق الجعل الأخير حينئذ قطعا. هذا كله مع الإطلاق في الجعالتين.

أما مع التقييد بالزمان أو المكان فيهما فالظاهر عدم المنافاة، كما لو قال:

ج 35، ص: 204

«من رد عبدي من الشام فله مأة» ثم قال: «من رده من بغداد فله خمسون» أو قال: «من رد عبدي يوم الجمعة فله عشرة» ثم قال: «من رد عبدي يوم السبت فله خمسة».

و كذا لو كانت الأولى مطلقة و الثانية مقيدة بزمان أو مكان و كان العوض في الأولى أقل، لجواز اختصاص القيد بأمر اقتضى الزيادة، نعم لو كان المقيد أنقص احتمل كونه رجوعا، لأنه إذا رده مع القيد رده مطلقا، فلو استحق الزائد لذلك لزم أن يلغو القيد و أن يجمع بينهما بحمل المطلق على غير صورة المقيد، و لعل هذا أظهر، بل هو المنساق إلا مع القرينة الصارفة عنه حينئذ، فيكون رجوعا، و في المسالك و هذا أظهر و إن كان في بعض فروضه لا يخلو من نظر بدلالة القرينة، كما إذا كان المكان أو الزمان أقرب من المقيد.

و كيف كان فلعل إطلاق الأصحاب العمل بالأخيرة و لا ينافي ما سمعته من التفصيل بعد تنزيله على صورة الإطلاق، و لم أجد تحريرا في كلامهم لكون اقتضاء الجعالة الثانية الفسخ للأولى ذاتيا، بمعنى كونه كذلك و إن كان ناسيا للأولى من حيث التنافي، كالوصية ثانيا بضد ما أوصى به أولا، أو ليس كذلك.

كما أني لم أجد لأحد احتمال كون الجعالة ثانيا كالأعواض على الأعمال الآخروية، فإنها و إن تكررت تقتضي كون الجميع عوضا، فتأمل جيدا.

ج 35، ص: 205

[و أما الأحكام]

[مسائل]
[المسألة الأولى لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أولا]
اشاره
اشاره
اشاره

الاولى:

لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أولا ثم حصل العمل من العامل و إلا فلو حصلت الضالة مثلا في يد إنسان قبل الجعل لزمه التسليم و لو بالإعلام و التخلية. و لا اجرة له على ذلك، لوجوبه عليه، و قد سمعت عدم صحة أخذ العوض عنه، كما صرح به غير واحد، بل عن التذكرة نسبته إلى أكثر علمائنا، بل لا أجد فيه خلافا.

و كذا لو سعى في التحصيل تبرعا لما سمعت.

نعم عن التذكرة «أنه لو قال: «من رد علي مالي فله كذا» فرده من كان المال في يده نظر فان كان في رد من في يده مزيد كلفة و مئونة كالعبد الآبق استحق الجعل، و إن لم يكن كالدراهم و الدنانير فلا، لأن مالا كلفة فيه لا يقابل بالعوض» و استوجهه بعض من تأخر عنه.

[المسألة الثانية إذا بذل جعلا فان عينه فعليه تسليمه مع الرد]

المسألة الثانية:

إذا بذل جعلا على رد الضالة مثلا فان عينه بالدينار و نحوه فعليه لزم تسليمه مع الرد بلا خلاف و لا إشكال.

و إن ذكر عوضا و لكن لم يعينه (11) بل قال: «فله علي اجرة» أو «عوض» أو نحو ذلك لزمه مع الرد اجرة المثل (12) بلا خلاف و لا إشكال، أيضا لفساد العقد مع احترام العمل أو لأنها حينئذ هي الجعالة إلا في رد الآبق على رواية (13) مسمع بن عبد الملك كردين أبي سيار(1)عن أبي عبد الله


1- 1 التهذيب ج 6 ص 398 الرقم 1203.

ج 35، ص: 206

عليه السلام «إن النبي صلى الله عليه و آله جعل في الآبق دينارا إذا أخذ في مصره و إن أخذ في غير مصره فأربعة دنانير التي عمل بها المشهور كما اعترف به غير واحد بل في الرياض أن الشهرة بها عظيمة قديمة و متأخرة، بل عن غاية المرام نسبته إلى المتأخرين كافة، بل عن المقتصر أن الرواية ضعيفة، لكنها تأيدت بعمل الأصحاب و شهرتها حتى صار العمل بها و بما ألحق بها قريبا من الإجماع.

بل في محكي الخلاف «أن أصحابنا رووا أنه إن رد العبد الآبق من خارج البلد استحق الأجرة أربعين درهما قيمتها أربعة دنانير، و إن كان من البلد فعشرة دراهم قيمتها دينار- إلى أن قال-: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم».

و في محكي المبسوط «قد روى أصحابنا فيمن رد عبدا أربعين درهما قيمتها أربعة دنانير» إلى غير ذلك مما في محكي المقنعة من أنه ثبتت السنة بذلك، بل في محكي السرائر نسبته إلى التوظيف شرعا تارة و إلى ورود الأخبار بذلك أخرى، و غيرهما مما يشعر بنصوص أخر(1)في المقام تعضد الخبر المزبور المنجبر بما سمعت و بعمل ابن إدريس الذي لا يعمل إلا بالقطعيات و بغير ذلك.

و لكن مع ذلك كله قال الشيخ في المبسوط: هذا على الأفضل لا الوجوب و إلا فالواجب اجرة المثل، و تبعه الابى و المقداد و ثاني الشهيدين في المسالك و بعض متأخري المتأخرين على ما حكي عن بعضهم.

و لكن لا يخفى عليك أن مقتضي قواعدهم العمل على الرواية المنجبرة بما سمعت، بل ربما استشعر من عبارته فضلا عما سمعت الإجماع عليها.

و أما تقدير الدنانير بالدراهم على حسب ما سمعت فهو مع أنه كذلك في الديات قد سمعت ما في الخلاف من دعوى الإجماع و الأخبار، فما في مجمع البرهان- من أنه لا وجه لذلك، لأنه غير موجود في الرواية و ما رأيته في موضع آخر سوى المتن و التذكرة- في غير محله.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الجعالة و الباب- 21- من كتاب اللقطة.

ج 35، ص: 207

و لا يلحق بالعبد الأمة، لعدم الصدق، و عدم ما يقتضي الإلحاق.

نعم لا فرق في العبد بين الصغير و الكبير و المسلم و الكافر و الصحيح و المعيب للإطلاق نصا و فتوى الذي مقتضاه ذلك أيضا و لو نقصت قيمة العبد عن ذلك كما صرح به جماعة بل ربما نسب إلى المشهور إذ نقصان قيمته لا ينافي الجعل الشرعي، كما أنه لا ينافي ثبوت اجرة المثل إن لم نقل بالتقدير هنا، و دعوى أن الواجب أقل الأمرين من اجرة المثل و المقدر شرعا، كما في حاشية الكركي، و عن الإيضاح و غيره لا وجه لها، هذا كله في العبد الذي قد سمعت الرواية فيه.

و قيل كما صرح به غير واحد الحكم في البعير كذلك و إن لم أظفر فيه بمستند خاص نحو العبد، نعم قد سمعت ما عن المقتصر، و عن المهذب نسبته إلى كثير ممن تأخر عن عصر الشيخين، بل عن مجمع البرهان أنه المشهور، بل عن جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل عن السرائر نسبته أيضا إلى الأخبار و التوظيف الشرعي كما عن المقنعة أنه مما ثبت به السنة قال فيها: «إذا وجد الإنسان عبدا آبقا أو بعيرا شاردا فرده على صاحبه كان له على ذلك جعل، و إن كان وجده في المصر فدينار قيمته عشرة دراهم جياد، و إن كان وجده في غير المصر فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهما جياد، و بذلك ثبتت السنة عن النبي صلى الله عليه و آله».

إلا أنه مع ذلك استشكل فيه في القواعد، و لعله مما سمعت، و من الشك في صلاحية ذلك للخروج به عما تقتضيه القواعد من اجرة المثل، و فيه أنه لا شك بعد انجبار المرسل بما سمعت.

أما لو استدعى الرد و لم يبذل اجرة لم يكن للراد شي ء لأنه متبرع بالعمل كما في القواعد و الإرشاد و التحرير، بل قيل هو قضية كلام اللمعة، للأصل الذي لا يقطعه طلبه الأعم من كونه بأجرة.

و فيه أنه مناف لقاعدة احترام عمل المسلم كماله التي اعترفوا بها فيمن

ج 35، ص: 208

أمر غيره بعمل له اجرة ما لم يصرح بالتبرع أو يقصده العامل، بل و قالوا في من أمر غيره بالبيع و الشراء و أداء ثمنه إنه يلزمه العوض، و فيمن ضمن بسؤاله و أدي إنه يرجع، بل عن سبعة كتب حكاية الإجماع على ذلك صريحا و ظاهرا، بل قيل: ورد به خبران و ما اختلف فيه اثنان، و قد تقدم الكلام فيه في كتاب الضمان نعم قد يقال بعدم الأجرة في الرد الذي لم تجر العادة بأجرة لمثله، للأصل و غيره.

لكن قد يقال هنا بالمقدر في العبد حيث يستحق فيه الأجرة، لإطلاق الرواية التي سمعتها المنزلة على إرادة تقدير اجرة المثل بذلك، فمع فرض كون المقام مما يستحق فيه اجرة المثل يتجه الرجوع إلى الرواية في تقديرها بعد فرض تنزيلها على ذلك، و لذا لم يكن له شي ء حيث لا تكون له اجرة، لابتدائه في العمل من دون أمر.

و لعله من هنا ينقدح فرض موضوع المسألة نصا و فتوى فيما إذا كان الرد مما له اجرة في العادة. أما إذا لم يكن له اجرة في العادة فإنه حينئذ لم يكن له اجرة مثل كي تقدر بما في الخبر المزبور(1).

و من هنا اتجه كون المدار على ذلك، بل لعله ظاهر المعظم، و لعله لذا جعله في الدروس الأولى إلا أني لم أجده لغيره. نعم قد سمعت ما في ظاهر المقنعة الذي نحوه عن النهاية و الوسيلة من استحقاق الجعل المقدر و إن لم يستدع للخبر المزبور، لكن لا جابر له في ذلك، بل و الأول أيضا إذ لم نجد عاملا بالخبر المزبور(2)غير من عرفت. بل لم نتحقق ما حكي عن الوسيلة، فانحصر الخلاف فيه في المقنعة و النهاية المحتملين لإرادة ذكر مضمون الرواية، خصوصا النهاية التي هي

متون أخبار، و لعله لذا قال ابن إدريس: «لا يظن ظان أن من رد شيئا من الضوال و الآبق و اللقط يستحق على صاحبه من غير أن يجعل له، فإنه خطأ


1- 1 التهذيب ج 6 ص 398- الرقم 1203.
2- 2 التهذيب ج 6 ص 398- الرقم 1203.

ج 35، ص: 209

فاحش» و كأنه عرض بذلك إلى ما عن ابن مسعود و عمر و شريح و عمر بن عبد العزيز و أصحاب الرأي في إحدى الروايتين راوين له عن علي عليه السلام(1).

[المسألة الثالثة إذا قال من رد عبدي فله دينار فرده جماعة كان الدينار لهم جميعا بالسوية]

المسألة الثالثة:

إذا قال من رد عبدي فله دينار فرده جماعة كان الدينار لهم جميعا بالسوية بلا خلاف و لا إشكال لأن العمل حصل من الجميع لا من كل واحد و هو من مصاديق «من رد» و الفرض عدم تفاوت نفس الرد و إن تفاوتت مقدماته، نعم لو فرض تفاوته اتجه حينئذ قسمة الدينار على حسب نسبة تفاوته و كذا لو قال لجماعة: «إن رددتم عبدي فلكم كذا» فردوه، فالجعل بينهم

يوزع على قدر العمل على تقدير تفاوته و إلا فعلي الرؤوس.

أما لو قال: من دخل داري مثلا فله دينار فدخلها جماعة كان لكل واحد دينار بلا خلاف معتد به و لا إشكال سواء دخلوا دفعة أو مترتبين أو مختلفين، لأن العمل على كل حال قد حصل من كل واحد منهم بخلاف الأول الذي كان الجعل فيه لمن صدر عنه الرد مستقلا، سواء كان واحدا أو متعددا، إذ الرد لا يتعدد، و الذي صدر عنه الرد بالاستقلال إنما هو الجماعة، و لم يصدر عن فرد واحد منهم، و لا كذلك دخول الدار، و لكن يعتبر فيه أن يكون لذلك غاية تصلح للمقابلة بالجعل، نعم لو قال: «من رد عبدا من عبيدي فله دينار» فرد كل واحد عبدا استحق كل واحد منهم دينارا.

فما عن المختلف- من احتمال التساوي، فيستحق الداخلون كلهم دينارا واحدا، لأنه المبذول، و العموم يقتضي التشريك لا الزيادة على المبذول- لا وجه له، بل هو مناف للغة و العرف، كما هو واضح.

نعم لو تشخص الجعل كما لو قال: «من دخل داري فله هذا الدينار» فدخلها جماعة دفعة اشتركوا فيه، لتساويهم في حصول سبب الاستحقاق، و لذا لو ترتبوا


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 200.

ج 35، ص: 210

استحقه الأول منهم، لأنه المستحق، فلا يكون للثاني جعل.

[فروع]
[الفرع الأول لو جعل لكل واحد مثلا من ثلاثة جعلا أزيد من الآخر]

الأول:

لو جعل لكل واحد مثلا من ثلاثة جعلا أزيد من الآخر على عمل لا يقبل الاختلاف كرد العبد، بناء على أنه كذلك ف إن جاء به واحد منهم فله جعله. و إن جاؤوا به جميعا كان لكل واحد منهم ثلث ما جعل له، و لو كانوا أربعة كان له الربع أو خمسة فله الخمس، و كذا لو ساوى بينهم في الجعل بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك.

نعم قد يقال بناء على ما تقدم سابقا من أن العامل إذا لم يتم العمل استحق اجرة المثل على ما مضى منه لا نسبته من المسمى يتجه في المقام الرجوع إليها أيضا لا النسبة المزبورة من المسمى المجعول على الإتيان بتمام العمل لا بعضه، بل لعل المقام أولى، لعدم صدق الرد على كل واحد منهم، بل ربما احتمل عدم استحقاق أحد منهم شيئا لذلك، إذ الرد من مجموعهم الذي لم يجعل له جعل.

لكني لم أجد من احتمله هنا و لا الأول حتى في العمل القابل للاختلاف، كخياطة الثوب الذي جعل فيه لكل من الثلاثة مثلا جعلا متفاوتا أو متساويا على خياطته، فخاطه الثلاثة، فإنهم ذكروا استحقاق كل من الثلاثة بنسبة ما عمل إلى مجموع العمل مما عين له، و الله العالم.

ج 35، ص: 211

[الفرع الثاني لو جعل لبعض الثلاثة جعلا معلوما و لبعضهم مجهولا فجاؤوا به جميعا كان لصاحب المعلوم ثلث ما جعل له]

الفرع الثاني:

لو جعل لبعض الثلاثة جعلا معلوما متساويا أو مختلفا و لبعضهم جعلا مجهولا جهالة تمنع من التسليم به فجاؤوا به جميعا كان لصاحب المعلوم ثلث ما جعل له، و للمجهول ثلث اجرة مثله مع فرض عدم تفاوتهم فيه، و إلا فبالنسبة حتى من لم يعين له، فان له بنسبة أجرة المثل، زادت على الثلث أو نقصت، كما هو واضح.

[الفرع الثالث لو جعل لواحد جعلا على الرد فشاركه آخر في الرد]

الفرع الثالث:

لو جعل لواحد معين جعلا على الرد مثلا فشاركه آخر في الرد على وجه التنصيف متبرعا بالعمل لنفسه أو للمالك أو لم يقصد المساعدة كان للمجعول له نصف الأجرة، لأنه عمل نصف العمل و مع فرض التفاوت له بالنسبة بناء على ما سمعت. و على كل حال ف ليس للآخر شي ء، لأنه تبرع.

و لكن قال الشيخ (11) في المبسوط يستحق نصف اجرة المثل، و هو بعيد (12) بل ضعيف، بل فاسد، لأنه لو استقل بالفعل لم يستحق شيئا إجماعا، لتبرعه بالعمل فكيف يستحق مع المشاركة، و لعله لذا حمل كلامه على ما يرجع إلى العمل بخبر مسمع و لو على بعض الأقوال، و لا بأس به.

و عن الفاضل قول باستحقاق العامل الجميع حيث يشاركه لا بنية مساعدته، لحصول غرض المالك.

و فيه أن ذلك لا يقتضي استحقاق الجميع كما لو رده الأجنبي بل لعل القول بعدم استحقاقه شيئا أولى من ذلك، لعدم إتيانه بتمام العمل مع فرض

ج 35، ص: 212

المساعدة، فما حصل منه لم يجعل له جعل، و ما جعل له لم يحصل منه و إن كان فيه (أولا) أنه لا ينقص عن الإتيان ببعض العمل الذي قد عرفت استحقاقه فيه اجرة المثل أو نسبة المسمى. و (ثانيا) أن عمل المساعد مع إذن المالك يكون من عمله، كما لو وكله أو استأجره، فإنه لا إشكال في استحقاقه الجعل حينئذ.

نعم في الدروس «لو قال: من رد عبدي بصيغة العموم فوكل واحد آخر أو استأجره على رده ففي استحقاقه الجعل نظر، من إجرائه مجرى التوكيل في المباحات، و من حمل الإطلاق على المباشرة» و هو مع أنه في العموم لا العامل الخاص غير واضح الوجه، إذ ما ذكره أخيرا لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم فهم المباشرة، و الله العالم.

و لو قصد الشريك المساعدة للعامل فالجميع، للعامل، كما صرح به غير واحد، و هو كذلك إذا لم يكن قد شرط عليه العمل بنفسه و كان ذلك باذنه كما تقدم الكلام فيه سابقا.

و حينئذ فلو قال أحد الثلاثة في الفرع الأول: «أعنت صاحبي» فلا شي ء له، و لكل واحد منهما نصف ما شرط له، و لو قال اثنان: «عملنا لإعانة صاحبنا» فلا شي ء لهما، و له جميع ما شرط له، و لو أعانهم رابع فلا شي ء له، و إن قال:

«قصدت العمل للمالك» فلكل واحد من الثلثة ربع ما جعل له، بل و كذا لو قال:

«لم أقصد إعانة لهم» فضلا عن قصد التبرع لنفسه، و في المسالك لو أعان بعض العامل فله من حصته بمقدار عمل اثنين، و الله العالم.

ج 35، ص: 213

[الفرع الرابع لو جعل جعلا معينا على رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له من الجعل بنسبة المسافة]

الفرع الرابع:

لو جعل جعلا معينا على رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له من الجعل بنسبة المسافة كما عن الشيخ و ابن حمزة، و به صرح الفاضل، بل في المسالك نسبته إلى الأصحاب و غيرهم، و المراد بنسبة المسافة نسبة اجرة ما عمل إلى الأجرة أجمع لا باعتبار المسافة خاصة.

و ربما أشكل بأن ما فعل ما ضرب الجعل عليه، لأنه إنما ضربه على الرد من بغداد مثلا و لا يلزمه ضرب جزئه ببعض الطريق، و قد يكون الغرض متعلقا برده من بغداد، و كما لا يستحق اجرة لما زاد عن بغداد على ما صرح به غير واحد لأنه غير داخل فيما جعل لا يستحق لما نقص إلا ان يكون هناك قرينة دالة على أن المطلوب الرد مع الأجرة، و إنما المعين للبعيد لا غير، فيستحق تمام الأجرة في الأبعد، و بالنسبة فيما دون.

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا في مسألة الفسخ.

و منه يعلم أن المتجه ما ذكره مع إرادة التوزيع، و إلا استحق اجرة المثل بالأنقص، لأنه عمل محترم بخلاف الرد من الزائد الذي هو تبرع محض، فلاحظ و تأمل.

بل لو كان الأبعد لا يدخل فيه الأقل المجعول له لم يستحق شيئا من المسمى أيضا على الأصح، لأنه لم يجعل له إن رده منه شيئا، فهو حينئذ كما لو جعل على رد شي ء فرده غيره، و احتمال وجوب اجرة المثل له لمكان الأمر بالرد كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء الأمر بالرد من جهة الإذن فيه من ضدها، فلا شي ء له حينئذ، كما لا شي ء له لو لم يجده في المعين، لمكان انتفاء المجعول له.

و لكن استشكل فيه الفاضل، و لعله مما عرفت و من أنه أمر بالرد في الجملة فيستحق اجرة المثل، و فيه ما سمعت، اللهم إلا أن يفرض كون استدعاء الرد

ج 35، ص: 214

على وجه ما يوجب اجرة المثل لغير المعين، و الله العالم.

[مسائل التنازع]

اشاره

و يلحق بذلك مسائل التنازع، و هي ثلاث:

[المسألة الأولى لو قال شارطتني فقال المالك لم أشارطك فالقول قول المالك بيمينه]

الاولى:

لو قال: شارطتني أي أمرتني بالعمل و جعلت لي جعلا معينا أو استحق به اجرة المثل فقال المالك: لم أشارطك و لم آمرك فالقول قول المالك بيمينه بلا خلاف أجده فيه، لأنه منكر، إذ الأصل عدم الأمر و عدم الشرط، أما لو كان النزاع في أن المالك هل شارطه على شي ء بعينه أو أمره على وجه يوجب اجرة المثل فقد اتفقا على ثبوت شي ء في ذمة المالك و إنما اختلفا في تعيينه فكان كالاختلاف في القدر و الجنس الذي ستسمع الكلام فيه و كذا القول قوله أي المالك لو جاء بأحد الآبقين فقال المالك:

لم أقصد هذا بلا خلاف أجده فيه أيضا لأن مرجعه أي دعوى العامل على المالك الشرط على هذا الآبق الذي رده و هو ينكره، فالقول قوله، لأصالة عدم الشرط و إن كانا متفقين على أصله في الجملة، و بهذا خالف السابق.

و كذا لو قال المالك: «شرطت العوض عليهما درهما» فقال العامل: «بل على أحدهما» أو «على هذا الحاضر» فان القول قوله أيضا، لأصالة براءة ذمته، و هل يثبت للعامل قسط من رده من المجموع؟ عن ظاهر التذكرة ذلك، و نظر فيه في المسالك، لأنه المجعول عليه لا الأبعاض.

و مثله ما لو اتفقا على وقوع الجعالة عليهما فرد أحدهما خاصة. قلت: هو من المسألة المتقدمة.

ج 35، ص: 215

[المسألة الثانية لو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه فالقول قول الجاعل مع يمينه]

المسألة الثانية:

لو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه فالقول قول الجاعل مع يمينه كما عن الشيخ و جماعة في الاختلاف في القدر، لأن الفعل فعله، فيقدم قوله فيه، كما يقدم في شرط أصل الجعالة مع أنه منكر بالنسبة إلى دعوى الزيادة، و الأصل براءة ذمته، بل ما نحن فيه أولى من عوض الإجارة التي قد سمعت فيها كذلك، فإذا حلف قال الشيخ ره و من تبعه تثبت للعامل حينئذ أجرة المثل لأن اليمين تنفي الزائد، و لا تثبت ما يدعيه، فليس حينئذ إلا اجرة المثل بعد الاتفاق على أن العمل بعوض، و لم يثبت فيه مقدر، و هو أحد الأقوال الخمسة في المسألة.

و الثاني ما أشار إليه المصنف بقوله و لو قيل: يثبت أقل الأمرين من الأجرة و القدر المدعي كان حسنا لاعتراف العامل بعدم استحقاق الزيادة لو كان ما يدعيه أقل من اجرة المثل، و مرجعه إلى أن القول قول المالك، لكن الثابت أقل الأمرين لا أجرة المثل على الإطلاق و اختاره الفاضل في جملة من كتبه، و الشهيد في اللمعة، لأن اجرة المثل إن كانت أقل فقد انتفى ما يدعيه العامل بيمين المالك، فتثبت الأجرة لما سمعته سابقا، و إن كان ما يدعيه أقل من الأجرة فلاعترافه بعدم استحقاق الزيادة و براءة المالك منها، فكيف تثبت له؟. و بذلك يظهر ضعف إطلاق القول الأول.

الثالث تقديم قوله أيضا، لكن يثبت مع يمينه أقل الأمرين من اجرة المثل و مدعى العامل، و أكثر الأمرين منها و من مدعي المالك. أما الأولان فلما عرفت، و أما الأخيران فلأن ما يدعيه المالك إن كان أكثر من اجرة المثل فهو يعترف بثبوته في ذمته للعامل، فيؤخذ بإقراره، و العامل لا ينكره فقد ثبت باتفاقهما.

ج 35، ص: 216

و في المسالك «و بهذا يظهر قوة هذا القول على الأولين، لكن يبقى الاشكال فيهما من حيث توقف ثبوت ذلك على يمين المالك مطلقا، لأنه مع مساواة ما يعترف به المالك لاجرة المثل أو زيادته عليها لا تظهر لليمين فائدة، لأنه ثابت باتفاقهما من غير يمين، و اليمين لا يثبت غيره، فلا فائدة فيها، و أما نقصان ما يدعيه عن اجرة المثل فقد تظهر فائدة يمينه في إسقاط الزائد عنه مما يدعيه العامل، فيتجه يمينه لذلك».

الرابع تقديم قول المالك إلا أن الثابت بيمينه هو ما يدعيه، لا اجرة المثل و لا الأقل، و هو قول الشيخ نجيب الدين بن نما شيخ المصنف و إليه أشار بقوله:

و كان بعض من عاصرناه يثبت مع اليمين ما ادعاه الجاعل و وجهه أنهما متفقان على وقوع العقد و تشخصه بأحد العوضين، فإذا انتفى أحدهما و هو ما يدعيه العامل بيمين المالك ثبت الآخر، لاتفاقهما على انتفاء سواه، مضافا إلى أصالة براءة ذمته من الزائد على ما يعترف به، كما يقدم قول المستأجر في نفي الزائد من مال الإجارة.

و بهذا يظهر جواب ما أورده المصنف عليه و نسبه بسببه إلى الخطأ فقال بعد أن حكاه و هو خطأ، لأن فائدة يمينه إسقاط دعوي العامل، لا ثبوت ما يدعيه الحالف و حاصله أن المالك إنما يحلف على نفي ما يدعيه العامل لا على إثبات ما يدعيه هو فكيف يثبت مدعاه؟

و جوابه أنه يثبت بالانحصار المتفق عليه و كونه منكرا للزائد و قد حلف على نفيه. و في المسالك و هذا قوى، و هو خيرة الشهيد في الدروس.

قلت: لكن قد يقال إن اختصاص الدعوى بينهما في الأمرين لا يقتضي الانحصار واقعا كذلك، ضرورة احتمال كون الواقع خلافهما، و إلا لاقتضى اليمين من أحد المتداعيين في اختلاف الجنس في البيع و نحوه على نفيه ثبوت الجنس الأخر، و هو معلوم العدم.

الخامس أنهما يتحالفان، لأن كل واحد مدع و مدعى عليه، فلا ترجيح

ج 35، ص: 217

لأحدهما، فيحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر، و لأن العقد الذي تشخص بالعوض الذي يدعيه المالك غير العقد الذي تشخص بما يدعيه العامل، فكان الاختلاف فيه كالاختلاف في الجنس، و هذا هو الذي اختاره العلامة في القواعد.

و لكن في المسالك فيه نظر، لأن العقد متفق عليه، و إنما الاختلاف في زيادة العوض و نقصانه، فكان كالاختلاف في قدر الثمن في البيع، و قدر الأجرة في الإجارة، و القدر الذي يدعيه المالك متفق على ثبوته فيهما، و إنما الاختلاف في الزائد، فيقدم قول منكره، و قاعدة التحالف أن لا يجتمعا على شي ء، بل يكون كل منكرا لجميع ما يدعيه الآخر، ثم على تقدير التحالف فالذي يثبت بعد تحالفهما فيه الأوجه المتقدمة من اجرة المثل و الأقل و اختار في القواعد ثبوت أقل الأمرين ما لم يزد ما ادعاه المالك على اجرة المثل، فيثبت الزيادة بتقريب ما سبق و يبقى الإشكال في توقف ثبوت ما يدعيه المالك زائدا عن اجرة المثل أو مساويا على اليمين، كما مر.

قلت: قد تقدم الكلام منا في نظير المسألة في كتاب البيع و غيره، و قلنا هناك: إن المدار على كيفية إبراز الدعوى، فإن أبرزاها على وجه يقتضي اختلافهما في تعيين شخص ما وقع من السبب فلا ريب في أن المتجه التحالف، ضرورة اقتضاء دعوى كل منهما نفي ما يدعيه الآخر و اتفاقهما على جنس العقد الذي قد تشخص بالشخص الذي اختلفا فيه لا ينافي ضابط التحالف، كما هو واضح.

و إن أبرزاها على وجه يقتضي الدعوى من أحدهما و الإنكار من الآخر كما لو كانت في الزيادة و النقصان من حيث كونهما كذلك فلا ريب في أن القول قول المالك، كما اعترف به في جامع المقاصد في المقام، فقال: إنه إذا كان صورة الاختلاف بينهما «استحق عليك كذا بسبب الفعل الفلاني» فقال المالك: «بل كذا» فإنه يحلف لنفي الزائد و لا يمين من طرف العامل، و هو مؤيد لما تقدم

ج 35، ص: 218

منا سابقا.

بل منه ينقدح لفظية النزاع في نحو المسألة بالنسبة إلى ذلك، بل لعل إطلاق المعظم في الإجارة و نحوه أن القول منكر الزيادة مبني على أن الغالب إبراز دعواهما على الوجه المزبور، فان أقصاهما كونهما كالمختلفين في مقدار القرض أو مقدار الدين لا على وجه الاختلاف في تشخيص العقد.

و حينئذ فالكلام فيما نحن فيه كذلك، بل أولى، بل ترجع الأقوال الثلاثة إلى قول واحد، ضرورة أن الشيخ و إن أطلق ثبوت اجرة المثل إلا أنه ينبغي القطع بإرادته ذلك من حيث هذه الدعوى لا من كل وجه، فإن قاعدة الإقرار من المالك أو العامل و لو بعد اليمين قد تقتضي النقصان عنها أو الزيادة عليها، كما أن إطلاق ثبوتها عليه من دون يمين من العامل على نفي ما ادعاه المالك من المسمى منزل على صورة نقصانها منه، أو على فرض إسقاط المالك الدعوى عليه من هذه الجهة، و الالتزام له بأجرة المثل، و إلا فمع فرض زيادتها على ما يدعيه و عدم رضا المالك بدفعها له حتى يكون مستحقا لها لا بد من يمينه على نفيه كي يبقى العمل بلا مسمى شرعي، فيتجه وجوب اجرة المثل له، إذ لا يكفي في استحقاقه إياها يمين المالك على نفي ما ادعاها، ضرورة احتمال كون المسمى ما يدعيه المالك و الفرض نقصانه عن اجرة المثل، كما هو واضح بأدنى تأمل. و لقد سلف لنا في الكتب السابقة الكلام في نظير المسألة.

بل قد يظهر لك من التأمل فيه دفع الاشكال المزبور المورد على توجه اليمين على المالك في نفي ما ادعاه العامل مع فرض كونه أنقص من اجرة المثل أو مساويا من أنه لا فائدة فيه، إذ بعد وقوعه يلتزم بأجرة المثل، و الفرض مساواتها أو زيادتها، و ذلك لأن عموم

قول «البينة على المدعى و اليمين على من أنكر»(1)


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 و فيه « البينة على المدعى و اليمين على المدعى عليه» و في المستدرك الباب- 3- منها الحديث 4 و سنن البيهقي ج 10 ص 252 « البينة على المدعى و اليمين على من أنكر».

ج 35، ص: 219

يقتضي استحقاق اليمين منه على كل حال، و لو لم يكن إلا بيان الصدق في الدعوى لكفى، إذ هو غرض من أغراض العقلاء.

و كذا الاشكال فيما ذكرناه من استحقاق المالك على العامل اليمين إذا أراده منه، بأنه مع فرض وقوعه منه قبل دعوى العامل مسمى خاصا لا فائدة بعد يمين المالك إذا ادعى العامل لأن اللازم بعد اليمين أقل الأمرين من الأجرة و ما ادعاه العامل، فيدفع إليه من أول الأمر، فلا يكون موقوفا على يمين المالك، إذ هو كما ترى، ضرورة عدم ثبوت أقل الأمرين إلا بعد انتفاء دعوى العامل، و لا يحصل إلا بيمين المالك، كما هو واضح.

و قد ظهر لك من ذلك كله أن القول قول المالك في نفي الزيادة، و لكن لما كان الثابت هنا اجرة المثل لضعف ما سمعته عن ابن نما توقف ثبوتها حينئذ على يمين العامل أيضا على نفي ما يدعيه المالك من المسمى إذا فرض نقصانه عنها و أراده منها، و هذا المعنى إذا أريد منه التحالف في المقام لا بأس به أيضا، هذا كله في الاختلاف في القدر.

و أما الاختلاف في جنس الجعل ففي المسالك «فيه قولان: أحدهما- و هو الذي قطع به المصنف و قبله الشيخ و جماعة- تقديم قول المالك أيضا، لأن القول قوله في أصله فكذا في جنسه و قدره، لأنه تابع له، و لأنه اختلاف في فعله فيرجع إليه فيه».

و فيه أن صريح كلام المصنف و الشيخ الرجوع فيه إلى أجرة المثل أو الأقل منها و من المدعي الذي ينبغي ملاحظة قيمته هنا بالنسبة إليها، لا الرجوع إلى ما ادعاه من الجنس، كما هو واضح.

«و القول الثاني التحالف و الرجوع إلى أجرة المثل، لأن كلا منهما منكر ما يدعيه الآخر، و لا قدر يتفقان عليه و يختلفان فيما زاد عليه، بل مجموع ما يدعيه كل منهما ينكره الآخر، و هي قاعدة التحالف» و يمكن القول بإرادته

ج 35، ص: 220

للشيخ و المصنف و غيرهما و إن ذكروا فيه أن القول قول المالك، و جعلوه كالاختلاف في القدر، إلا أن المراد جواز دفع المالك اجرة المثل بمجرد الحلف على نفي دعوى العامل، على نحو ما سمعته في القدر، لا أن المراد الالتزام بها حتى لو كانت أكثر من قيمة المسمى و أراد المالك حلف العامل على نفيه.

ثم إنه لا يخفى عليك جريان البحث السابق في أن اللازم اجرة المثل مطلقا أو أقل الأمرين أو هما و أكثرهما كما سمعته سابقا لكن في المسالك «الأقوى تفريعا على ذلك ثبوت اجرة المثل مطلقا مع مغايرتها جنسا لما اختلف في تعيينه، و مع موافقتها لدعوى العامل جنسا فأقل الأمرين أوجه، و مع موافقتها لدعوى المالك خاصة إن كان النقد الغالب الذي تثبت به اجرة المثل هو الذي يدعيه المالك فثبوت الزائد عليه من اجرة المثل إذا كان مدعاه أزيد أجود، و أما أخذ كل من الدعويين باعتبار القيمة و نسبتها إلى أجرة المثل و إثبات الأقل و الأكثر فبعيد، لعدم اتفاقهما على ما يوجب إلزامهما بالزائد بخلاف الموافق في الجنس».

و فيه أن مقتضي النظر عدم الفرق بينهما، ضرورة عدم جواز أخذ الزائد على قيمة ما فات منه بزعمه، بل أقصاه المقاصة بقيمته، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو اختلفا في السعي بأن قال حصل في يدك قبل الجعل فلا جعل لك فالقول قول المالك]

المسألة الثالثة:

لو اختلفا في السعي بأن قال: «حصل في يدك قبل الجعل فلا جعل لك» بناء على ما عرفت من أنه إذا حصل بيده الآبق قبل الجعل لا يستحق جعلا عليه و إن رده، لوجوبه عليه، فإذا ادعاه المالك فقد أنكر استحقاقه الجعل، و قال العامل: «قد حصل بيدي بعد الجعل» فالقول قول المالك تمسكا بالأصل الذي يقتضي براءة ذمة المالك، لأن الشك في الشرط شك في المشروط و لو لتعارض الأصول و تساقطها، و قد سمعت غير مرة أن العلم بتاريخ زمان الجعل دون الحصول

ج 35، ص: 221

لا يقتضي العلم بحصوله في يده بعده على وجه يترتب عليه ثبوت الجعل. و كذا لو تنازعا في حصوله في يده قبل العلم بالجعل، بناء على عدم الاستحقاق معه، أو في السعي لتحصيله على وجه لا عمل له يستحق به.

نعم في المسالك «و على ما تقدم نقله عن التذكرة- من أنه إذا حصل بيده قبل الجعل و توقف تسليمه على مئونة و حصل الجعل و رده استحق الجعل- لا يتم هذا الاختلاف لاستحقاقه على التقديرين».

قلت: قد مر ما يستفاد منه الكلام في ذلك.

و لو تنازعا في التفريط و التعدي حلف العامل، لأنه أمين، و في الدروس خبر السكوني (1)و غياث (2)عن علي عليه السلام يدلان عليه، و عن التذكرة أن الذي يقتضيه النظر ذلك، و لكن لم أقف فيه على شي ء.

فحينئذ فعلف الدابة و نفقة العبد على المالك على الأقوى، كما في الدروس، و في جامع المقاصد مئونة الدابة و العبد و ما يلزمه القماش و نحوه مما هو كالنفقة- مثل الجعالة التي إن لم يبذلها ذهب المال أو بعضه الذي هو أزيد من المطلوب- على المالك، لأنه ملكه، و يد العامل كيد الوكيل.

و لو قال: «إن علمت ولدي القرآن- أو علمتني- فلك كذا» فعلمه البعض و امتنع من تعليم الباقي فعن التذكرة لا شي ء له على إشكال. قال: «و كذا لو كان الصبي بليدا لا يتعلم على إشكال. كما لو طلب العبد فلم يجده- و قال أيضا-: أما لو مات الصبي في أثناء التعليم فإنه يستحق اجرة ما علمه، لوقوعه مسلما بالتعليم بخلاف رد الآبق، فان تسليم العمل بتسليم الآبق، و هنا ليس عليه تسليم الصبي و لا هو في يده، و لو منعه أبوه فللمعلم اجرة المثل لما علم- قال-: و لو قال:

إن خطت لي هذا القميص فلك درهم فخاط بعضه فان تلف في يد الخياط لم


1- 1 الوسائل الباب- 49- من كتاب العتق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 49- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 35، ص: 222

يستحق شيئا، و إن تلف في يد رب الثوب بعد ما سلمه إليه استحق من الأجرة بنسبة ما عمل».

و في جامع المقاصد في الفرق بين هذه المسألة و مسألة التعليم نظر، و قد سبق لنا بعض الكلام في بعض هذه المسائل، و الله العالم.

ج 35، ص: 223

[كتاب الأيمان]

اشاره

كتاب الأيمان الأيمان جمع يمين و هي لغة الجارحة المخصوصة، و يقال أيضا: على القدرة و القوة، لكن مجاز على الظاهر.

و شرعا على ما ذكره غير واحد الحلف بالله أو بأسمائه الخاصة لتحقيق ما يحتمل الموافقة و المخالفة في الاستقبال، و المراد بكونه شرعا ما يترتب عليه من الحنث و الكفارة و نحوهما من الأحكام التي رتبها الشارع على اليمين، و إلا فهو يمين لغة قطعا و إن كان قد يقال: إنها مأخوذة من اليد اليمنى، لأنهم كانوا يتصافقون بأيمانهم إذا حلفوا، بل الظاهر أعمية المعنى الشرعي من الاستقبال، و لذا أطلق الفاضل، بل في كشف اللثام التصريح بالماضي و المستقبل، و اختصاص الثاني بالكفارة و نحوها لا ينافي صدق اليمين على الأعم.

و المراد باحتمال المخالفة إمكان وقوعها عقلا لا شرعا، فيصح على فعل الواجب و ترك الحرام دون الممتنع، خلافا لبعضهم كما تسمع تحقيقه إنشاء الله في المحلوف عليه.

نعم اليمين على أقسام: (منها) يمين اللغو، و لها تفسيران على ما في التنقيح:

أحدهما الحلف لا مع القصد على ماض أو آت، و ثانيهما أن يسبق اللسان إلى اليمين من غير قصد أنها يمين، و كلاهما غير مؤاخذ به. قلت: لعل تفسيرها بغير المؤاخذ بها مطلقا أولى.

ج 35، ص: 224

و في

موثق مسعدة بن صدقة(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سمعته يقول في قول الله عز و جل (2)لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ،

قال: اللغو قول الرجل: لا و الله و بلى و الله، و لا يعقد على شي ء»

و نحوه المروي في تفسير العياشي عن عبد الله بن سنان (3)عن الصادق عليه السلام.

و في

خبر أبي بصير(4)عنه عليه السلام أيضا في قول الله تعالى «لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ»*- إلى آخرها- قال: «هو لا و الله و بلى و الله».

و في

خبر أبي الصباح (5)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله:

لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ*- إلى آخرها- قال: هو لا و الله و بلى و الله و كلا و الله لا يعقد عليها أو لا يعقد على شي ء»

بل في

خبر محمد بن مسلم (6)المروي عن تفسير العياشي تفسير العرضة بذلك، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى (7)وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ، قال: هو قول الرجل: لا و الله و بلى و الله»

و في

مرسل ابن أبي عمير(8)المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (9)لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ- إلى آخرها- قال: «نزلت في أمير المؤمنين و بلال و عثمان بن مظعون، فأما أمير المؤمنين عليه السلام فحلف أن لا ينام في الليل أبدا، و أما بلال فحلف أن لا يفطر في النهار أبدا، و أما عثمان بن مظعون


1- 1 الوسائل الباب- 17- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 225.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من كتاب الايمان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من كتاب الايمان الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 17- من كتاب الايمان الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 17- من كتاب الايمان الحديث 4.
7- 7 سورة البقرة: 2- الآية 224.
8- 8 الوسائل الباب- 19- من كتاب الايمان الحديث 1.
9- 9 سورة المائدة: 5- الآية 87.

ج 35، ص: 225

فإنه حلف أن لا ينكح أبدا- إلى أن قال-: فخرج رسول الله صلى الله عليه و آله و نادى الصلاة جامعة، و صعد المنبر و حمد الله تعالى و أثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات؟! ألا أني أنام الليل و أنكح و أفطر في النهار، فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقام هؤلاء، فقالوا: يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك؟

فأنزل الله تعالى لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ (1)»

و من هنا قلنا: إن تفسيرها بمطلق غير المؤاخذ بها أولى.

و (منها) يمين الغموس، و هي على ما في التنقيح الحلف على الماضي و الحال مع تعمد الكذب، و سميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم أو في النار، و في بعض الروايات انها من الكبائر، و في بعض أنها تدع الديار بلاقع.

قلت في

مرسل ابن حديد(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «الأيمان ثلاث:

يمين ليس فيها كفارة، و يمين فيها كفارة، و يمين غموس توجب النار، فاليمين التي ليس فيها كفارة: الرجل يحلف على باب بر أن لا يفعله، فكفارته أن يفعله، و اليمين التي تجب فيها الكفارة: الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله فيفعله، فتجب عليه الكفارة، و اليمين الغموس التي توجب النار: الرجل يحلف على حق امرئ مسلم على حبس ماله».

و في

مرسل الصدوق ره (3)عن الصادق عليه السلام «اليمين على وجهين- إلى أن قال-: و أما التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف

الرجل على مال امرئ مسلم أو على حبس ماله»

إلى غير ذلك من النصوص.

و على كل حال فلا كفارة فيها، لعدم العقد القابل للحل فيها، لأنها على


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 89.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من كتاب الايمان الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من كتاب الايمان الحديث 3 و فيه « على مال امرئ مسلم أو على حقه ظلما» كما في الفقيه ج 3 ص 231 الرقم 1094.

ج 35، ص: 226

الإخبار بما مضى كذبا.

و (منها) يمين المناشدة، و هي الحلف على الغير ليفعلن أو يتركن، و سيذكرها المصنف.

و (منها) يمين العقد، و هي الحلف على الفعل أو الترك في المستقبل، و هي التي يقع بها الحنث و تجب بها الكفارة.

و إليها أشار المصنف بقوله و النظر في أمور أربعة.

[الأمر الأول ما به تنعقد اليمين]

الأول ما به تنعقد اليمين لا تنعقد اليمين إلا بالله أو بأسمائه التي لا يشركه فيها غيره أو مع إمكان المشاركة ينصرف إطلاقها إليه، فالأول كقولنا: «و مقلب القلوب» و الابصار» «و الذي نفسي بيده» «و الذي فلق الحبة و برأ النسمة» بالتحريك الإنسان و المملوك ذكرا كان أو أنثى.

و الثاني كقولنا: «و الله» «و الرحمن» «و الأول الذي ليس قبله شي ء».

و الثالث كقولنا «و الرب» «و الخالق» «و البارئ» «و الرازق» و حاصله أن أقسام اليمين العاقدة ثلاثة مرجعها إلى الحلف بالله أو بأسمائه المختصة به أو الغالبة عليه.

فالأول أن يقسم بما يفهم من (منه ظ) ذاته المقدسة بذكر ما يختص به من الأفعال صلة أو غيره، نحو قوله: «و الذي نفسي بيده»

فعن أبي سعيد

ج 35، ص: 227

الخدري (1)«كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا اجتهد في اليمين قال: لا و الذي نفس أبي القاسم بيده»

و نحوه

«و الذي فلق الحبة و برأ النسمة»

و عن علي عليه السلام «و الذي أصوم و أصلي له»

إلى غير ذلك.

و في المسالك «و هذا القسم تنعقد به اليمين سواء أطلق أو قصد به الباري تعالى، حتى لو قال: قصدت غيره لم يقبل ظاهرا و لو قبل منه عدم القصد إلى اليمين» قلت:

لا يخلو من نظر.

الثاني الحلف بأسمائه المختصة به التي لا تطلق على غيره، كالله، و الرحمن، و رب العالمين، و مالك يوم الدين، و خالق الخلق، و الأول الذي ليس قبله شي ء، و الحي الذي لا يموت، و الواحد الذي ليس كمثله شي ء، و عن بعضهم عد «الخالق» «و الرازق» منها.

و في المسالك «الأصح أنهما من الثالث، لأنهما يطلقان في حق غير الله تعالى، قال الله تعالى (2)«وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً» و قال تعالى (3)«وَ ارْزُقُوهُمْ» و فيه أن ذلك غير إطلاق لفظ «الخالق» «و الرازق» على الإطلاق.

و الثالث ما يطلق في حق الله و حق غيره، لكن الغالب استعماله في حق الله تعالى و إن تقيد في حق غيره بضرب من التقييد، كالرحيم و الرب و الخالق و الرازق و المتكبر و القاهر.

و في الدروس بعد أن حكى عن بعض جعل قسم الأول الحلف بالله معرضا بالمصنف و غيره،

و هو ضعيف، لأن مرجعه إلى أسماء تدل على صفات الأفعال كالخالق و الرازق التي هي أبعد من الأسماء الدالة على صفات الذات كالرحمن و الرحيم التي هي دون اسم الذات، و هو الله جل اسمه، بل هو الاسم الجامع.


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 26.
2- 2 سورة العنكبوت: 29- الآية 17.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 5.

ج 35، ص: 228

و أجاب عنه في المسالك بأن تخصيصها بذلك من حيث دلالتها على الذات من غير احتمال مشاركة غيره، و مع ذلك ليست من أسمائه تعالى المختصة و لا المشتركة، و إنما جعلوها في المرتبة الأولى لمناسبة التقسيم، فان أسمائه تعالى لما انقسمت إلى أقسام كثيرة: منها المختص به و المشترك الغالب به، و غيره و الدال على صفة فعل و غير ذلك من الأقسام لم يناسب إدخال هذه في جملة الأقسام و لو ناسب بعضها لأنها ليست أسماء، و لا تأخيرها عنها لأنها أخص به تعالى من كثير من الأقسام، فأفردت قسما، و جعلت أولا لجهة اختصاصها، و لكونها قسما لا ينقسم، و ما هذا شأنه يقدم في القسمة على ما ينقسم، و اسم الله و إن كان أدل على الذات منها إلا أنه من جملة أسمائه تعالى، فناسب ذكره مع باقي الأسماء، فلم يكن فيما ذكروه من التقسيم قصور من هذا الوجه، و إن كان ما اعتبره حسنا أيضا إلا أنه غير مناف لما ذكره الجماعة.

قلت: إن كان المراد ما ذكره فالسؤال و الجواب لا حاصل له، ضرورة رجوعه إلى مجرد لفظ و تسمية، و لا ريب في أن صدق الحلف بالله على الحلف باسمه المختص به العلمي أتم.

بل عن سيد المدارك في نهاية المرام احتمال اختصاص الحلف بلفظ الجلالة، لدعوى تبادره من النصوص (1)الإمرة بالحلف بالله و إن كان مخالفا للإجماع في الظاهر، بل و المحكي عن الشيخين، بل قد يمنع التبادر بعد ملاحظة سياق تلك الأخبار الظاهر في إرادة ذاته المقدسة من لفظ المزبور لا خصوصها.

بل في الرياض «مع أن في الصحيحة التعبير بالإله و بالله (2)و عليه ينتفي


1- 1 الوسائل الباب- 15 و 30- من كتاب الايمان.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية الا أن الموجود في الرياض« مع أن في الصحيحة الأولى وقع التعبير بإلا به لا بإلا بالله، و عليه ينتفي خصوصية اللفظ» و المراد من الصحيحة التي أشار إليها هي صحيحة محمد بن مسلم الاتية في الصفحة التالية الرقم 6.

ج 35، ص: 229

خصوصية اللفظ قال:- و يشهد له أيضا ما سيأتي من الصحيح (1)الدال بانعقاد اليمين بعمر الله و يا هناه يا هناه من

التعليل في الأول بقوله: فان ذلك بالله عز و جل، و في الثاني بقوله: فإنما ذلك طلب الاسم، و ليس المراد بالله فيه ما ذكره من الخصوصية قطعا، بل ما ذكرنا من مطلق الذات المقدسة، و حينئذ فيدل التعليل على انعقاد اليمين بكلما دل عليها، و لو كان غير لفظ الجلالة فلا وجه لما احتمله، و لذا لم يحتمله أحد من أصحابنا، بل أطبقوا على عدم الفرق بين هذه اللفظة و غيرها من أسمائه المقدسة».

قلت: ستعرف عدم مدخلية التعليل الثاني فيما نحن فيه، بل المراد به طلب الاسم أي النداء، و ليس من القسم في شي ء.

و على كل حال فالذي وصل إلينا من النصوص المتعلقة في هذا المقام هي

خبر علي بن مهزيار(2): «قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك قول الله عز و جل (3)وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى، و قوله عز و جل (4):

وَ النَّجْمِ إِذا هَوى و ما يشبه هذا، فقال: إن لله عز و جل أن يقسم من خلقه بما شاء، و ليس لخلقه أن يقسموا إلا به عز و جل».

و خبر الحسين بن زيد(5)عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله في حديث المناهي «نهى أن يحلف الرجل بغير الله، و قال: من حلف بغير الله فليس من الله في شي ء، و نهى أن يحلف الرجل بسورة من كتاب الله عز و جل، و قال: من حلف بسورة من كتاب الله فعليه بكل آية منها كفارة يمين، فمن شاء بر و من شاء فجر، و نهي الرجل أن يقول للرجل: لا و حياتك و حياة فلان».

و صحيح محمد بن مسلم (6)«قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله عز و جل:


1- 1 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 1.
3- 3 سورة الليل: 92- الآية 1.
4- 4 سورة النجم: 53- الآية 1.
5- 5 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 3.

ج 35، ص: 230

وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1)وَ النَّجْمِ إِذا هَوى (2)و ما أشبه ذلك، فقال: إن الله عز و جل أن يقسم من خلقه بما شاء، و ليس لخلقه أن يقسموا إلا به».

و صحيح الحلبي (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله،

فأما قول الرجل: لا بل شانيك (4)فإنه قول أهل الجاهلية، و لو حلف الرجل


1- 1 سورة الليل: 92- الآية 1.
2- 2 سورة النجم: 53- الآية 1.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 4.
4- 4 و عن بعض نسخ الكافي« لا أب لشانيك» قال الجوهري:« لا أب لشانئك و لا أبا لشانئك: أى لمبغضك، قال ابن السكيت: هو كناية عن قولهم: لا أب لك» انتهى. و قيل: أسند عدم الأب إلى مبغضة و المراد نسبته إليه رعاية للأدب، فيكون المراد بالخبر الحلف على مثل هذا مثل أن يقول:« لا أبا لشانئك ان لم يكن كذا» أى لا أب لك. و على نسخة الأصل يمكن ان يكون تقديره« لا، بل أكون من شانئك و مبغضك ان فعلت كذا» أو يكون أصله« لا أب لشانئك». و قيل يمكن أن يكون« لا» نفيا لما ذكر المخاطب. و يكون حرف القسم في شانئك مقدرا فيكون القسم بعرقى رأسه الملزومين لحياته كما في قولهم:« لعمرك و حياتك» و حينئذ فيكون« شانيك» بفتح النون على صيغة التثنية، قال الجوهري ناقلا عن ابن السكيت:« الشانان: العرقان يتخذان من الرأس إلى الحاجبين ثم الى العينين». و أما قولهم:« يا هناه» فمعناه يا هذا و يا فلان، و يقال في المؤنث:« يا هنتاه» قال الجزري: بفتح النون و يسكن و يضم الهاء الأخيرة و يسكن، و هو في التثنية« هنتان» و في الجمع« هنات و هنوات» و في المذكر« هن و هنان و هنون» و لك أن تلحقه الهاء لبيان الحركة، فتقول:« يا هنة» و أن تشبع الحركة فتصير ألفا، فتقول:« يا هناه أقبل». و قال الجوهري:« هذه اللفظة تختص بالنداء، و قيل: معنى« يا هناه» يا بلهاء، نسبة الى قلة المعرفة بمكايد الناس و شرورهم» انتهى. و قيل: لما كانوا يذكرونه قبل ذكر المطالب كان مظنة أن يتوهم أنه قسم، فأزال عليه السلام الوهم بأنه ليس المراد الحلف، بل هو نائب مناب الاسم في النداء، و يحتمل بعيدا أن يكون المراد إذا نودي به الله عز و جل. و أما« يا هيأه» بالياء المثناة التحتانية فكأنه بمعنى« يا هناه» بالنون، و في بعض نسخ الفقيه بالنون في الموضعين، و هو الظاهر، و التكرير للتأكيد منه رحمه الله.

ج 35، ص: 231

بهذا و أشباهه لترك الحلف بالله، و أما قول الرجل: يا هناه و يا هناه فإنما ذلك طلب الاسم، و لا أرى به بأسا، فأما قوله: «لعمر الله» و قوله «لا هاه»(1)فإنما ذلك بالله عز و جل»

و كذا

رواه الصدوق (2)و لكن قال في آخره: «و أما قول الرجل لعمر الله و أيم الله فإنما هو بالله»

و نحوه المروي عن قرب الاسناد(3)

و خبر سماعة(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله، و قال: قول الرجل: لا بل شانئك فإنما هو من قول الجاهلية، و لو حلف الناس بهذا و شبهه لترك أن يحلف بالله».

و في

خبر زرارة(5)المروي عن تفسير العياشي «سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله (6)وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ، قال: إن ذلك قول الرجل لا و حياتك»

و عنه أيضا(7)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «شرك طاعة قول


1- 1 لا ها الله: الهاء للتنبيه، و قد يقسم بها تقول:« لا ها الله ما فعلت» أى« لا و الله» أبدلت الهاء من الواو، و ان شئت خذفت الألف التي بعد الهاء، و ان شئت أثبتت منه رحمه الله.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 4 راجع الفقيه ج 3 ص 230- الرقم 1085.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 4 راجع الفقيه ج 3 ص 230- الرقم 1085.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 11.
6- 6 سورة يوسف: 12- الآية 106.
7- 7 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 12.

ج 35، ص: 232

الرجل: لا و الله و فلان».

و لعله لذا و غيره تردد بعضهم في أصل جواز الحلف بغير الله تعالى، لكنه في غير محله، للسيرة القطعية على جوازه، مضافا إلى الأصل و إلى وجوده في النصوص، ك

خبر أبي جرير القمي (1)«قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك عرفت انقطاعي إليك ثم حلف و حق رسول الله صلى الله عليه و آله و حق فلان و حق فلان حتى انتهيت إليه أنه لا يخرج ما تخبرني به إلى أحد من الناس، و سألته عن أبيه أ هو حي أم ميت؟ قال: قد مات و الله- إلى أن قلت-: فأنت الإمام، قال:

نعم».

و خبر محمد بن يزيد الطبري (2)قال: «كنت قائما على رأس الرضا عليه السلام بخراسان- إلى أن قال-: فقال: بلغني أن الناس يقولون إنا نزعم أن الناس عبيد لنا لا و قرابتي من رسول الله صلى الله عليه و آله ما قلته قط و لا سمعته من أحد من آبائي و لا بلغني عن أحد من آبائي، قال: و لكن إن الناس عبيد لنا في الطاعة موال لنا في الدين، فليعلم الشاهد الغائب».

و في مرفوع القاسم بن علا عن عبد العزيز بن مسلم (3)عن الرضا عليه السلام في حديث طويل في صفة الامام و الرد على من يجوز

اختياره إلى أن «تعدوا- و بيت الله- الحق، و نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم».

و في

خبر علي بن أبي حمزة(4)عن أبي الحسن عليه السلام قال: «و حقك لقد كان مني في هذه السنة ست عمر».

و في

خبر علي بن مهزيار(5)قال: «قرأت في كتاب لأبي جعفر الثاني عليه السلام إلى داود بن القاسم إني قد جئت و حياتك».

نعم هي لا كفارة عليها، للأصل و

قول الصادق عليه السلام في خبر ابن أبي يعفور(6)


1- 1 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 10.
5- 5 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 14.
6- 6 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 13.

ج 35، ص: 233

«اليمين التي تكفر أن يقول الرجل: لا و الله و نحو ذلك»

و خبر ميسرة(1)«إن أمير المؤمنين عليه السلام مر برحبة القصابين بالكوفة فسمع رجلا يقول: لا و الذي احتجب بسبع طباق،

قال: فعلاه بالدرة فقال له: و يحك إن الله لا يحجبه شي ء و لا يحتجب عن شي ء، قال الرجل: أنا أكفر عن يميني يا أمير المؤمنين، قال:

لا، لأنك حلفت بغير الله».

و كيف كان فلا إشكال في أن كل ذلك أي الأقسام الثلاثة ينعقد به اليمين مع القصد بل و لا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (2)بل و إطلاق الأدلة كتابا(3)و سنة(4).

نعم صرح المصنف و غيره بأنه لا تنعقد بما لا ينصرف إطلاق اسمه إليه كالموجود و الحي و السميع و البصير و إن نوى بها الحلف، لأنها مشتركة فلم يكن لها حرمة في القسم بل لا أجد فيه خلافا بينهم في ذلك إلا ما يحكي عن الإسكافي من انعقادها بالسميع و البصير، لكن في كشف اللثام لادعائه اختصاصهما به تعالى، و يحتمل كلامه العدم.

قلت: بل هو على دعوى الاختصاص خارج عما نحن فيه أيضا، إذ الكلام على فرض اشتراكها و عدم انصرافها.

لكن الانصاف عدم خلو الحكم المزبور من إشكال إن لم يكن إجماعا مع فرض قصد الحالف بها الذات المقدسة، و خصوصا مع

القرينة الحالية أو المقالية الدالة على ذلك، لصدق الحلف بالله حينئذ على القسم بها، بل هي مع القرينة كالقسم الأول.

و دعوى أن اشتراكها أسقط حرمة القسم بها لا شاهد لها، بل قد عرفت


1- 1 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 15 و 30 و 32- من كتاب الايمان.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 89.
4- 4 الوسائل الباب- 15 و 30 و 32- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 234

أن إطلاق الأدلة يشهد بخلافها، بل

خبر السكوني (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من حلف و قال لا و رب المصحف فعليه كفارة واحدة»

قد يظهر منه ما قلناه، ضرورة اشتراك رب المصحف بين الله تعالى و بين من له، بل اشتراكه أوضح منه، لما سمعت.

و دعوى أنها كالعقود اللازمة لا يجوز عقدها إلا باللفظ الصريح بنفسه قد عرفت ما فيها في المقيس عليه فضلا عن المقيس، و التخلص عن ذلك باحتمال إرادتهم الحلف بها على الإطلاق لا مع خصوص قصد الذات بها فضلا عن ذكر ما يدل على إرادة ذلك منها مناف لظاهرهم، بل صريح بعضهم كالأصبهاني في كشفه، فإنه قال: «و إن نوى الحلف به تعالى» مفسرا بذلك عبارة القواعد التي

هي كعبارة الكتاب و غيرها، بل لعل المنساق منها ما ذكره، و حينئذ فلا دليل إلا الإجماع و دون إثباته خرط القتاد.

و لو قال: «و قدرة الله» «و علم الله» فان قصد المعاني الموجبة للحال الزائدة على الذات كما يقول الأشعري أو المقدور و المعلوم لم ينعقد اليمين لأنها حلف بغير الله تعالى، و قد عرفت عدم الانعقاد به و إن قصد كونه قادرا عالما باعتبار أنها أمور ينتزعها العقل من الذات و إلا فليس إلا الذات جرى حينئذ الحلف بهما مجري القسم بالله القادر العالم و لأنها في العرف أيمان بالله تعالى و إن قصد الأمور المنتزعة، إذ لا يتعين الحلف به تعالى بالحلف بذاته مع مشاركتها للذات في الحرمة، و ربما يحترم الذات فلا يقسم بها، بل بما يتعلق بها، و قد سمعت التعليل في الصحيح (2)لكون لعمر الله يمينا بأنه قسم بالله، مع أن مرجعه إلى القسم بعمرة الذي هو الحياة.

و مما ذكرنا يعلم الوجه في الانعقاد مع الإطلاق المنصرف إلى الحلف بالله


1- 1 الوسائل الباب- 39- من كتاب الايمان الحديث 1 و فيه«. فحنث فعليه كفارة واحدة».
2- 2 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 4.

ج 35، ص: 235

عرفا، خصوصا إذا كان ممن يعتقد عدم زيادة الصفات، و في المسالك «يحتمل

العدم، لاشتراك اللفظ فسقط حرمته، و كون المسألة اجتهادية قد اختلف فيها أكابر العلماء، فلا ينصرف إلى أحد الأمرين بدون القصد، و ذلك يوجب وقوف اليمين» و فيه منع الاشتراك، و الاختلاف لا ينافي الانصراف عرفا.

و كذا ينعقد بقوله: و جلال الله و عظمة الله و كبرياء الله، لأنها و إن شاركت القدرة و العلم في كونها من الصفات لكنها ليست من الصفات التي ذهب بعضهم إلى زيادتها، و إنما مرجعها إلى ذاته المتصفة بالكبرياء و العظمة و الجلال، بل عن المبسوط الإجماع على ذلك.

و منه يعلم قوة ما ذكرنا من أعمية الحلف بالله للحلف بذاته أو الأمور الانتزاعية الراجعة إليها.

و لكن المصنف قال و في الكل تردد و جعله في المسالك «مما عرفت و من أن اشتراك القدرة و العلم يمنع من الانعقاد بهما و إن قصد بهما أنه كغيرهما من أسمائه المشتركة من غير أغلبية عليه تعالى و العظمة و الجلال و الكبرياء كذلك لأنها تستعمل في الصفة الزائدة، و ربما أطلقت على ما يطلق عليه القدرة و العلم، و بقول الإنسان: «عاينت كبرياء الله و عظمته» و يريد مثل ذلك، و لأن هذه الصفات ليست من أسماء الله تعالى الغالبة و لا المشتركة، فلا تنعقد بها اليمين، لأنها لا تنعقد إلا بالله و أسمائه، و الأشهر الأول» قلت: و الأصح، لما عرفت.

و لو قال: اقسم بالله أو أحلف بالله ينشئ بذلك الحلف كان يمينا لغة و عرفا، و كذا لو قال: «أقسمت بالله» «أو حلفت بالله» بقصد إنشائه بذلك الحلف بالله تعالى و اليمين، لاندراجه عرفا فيما دل على الحلف بالله الذي منه قوله تعالى (1)«وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ»*.

نعم لو قال: أردت الإخبار عن يمين ماضية أو الوعد بيمين آتية قبل: لأنه إخبار عن نيته و الأصل عدم الانعقاد، لكن في المسالك


1- 1 سورة الانعام: 6- الآية 109.

ج 35، ص: 236

«يحتمل عدم القبول ظاهرا، لظهور كونه إنشاء، كما لا يقبل إخباره عن قوله: «أنت طالق» إني أردت طلاقا سابقا» و فيه منع الحكم في المشبه به فضلا عن المشبه، ضرورة عدم اختصاص اللفظ في الإنشاء على وجه يحمل الإطلاق عليه و إن لم يكن ثم قرينة حال تشهد بذلك، بل استعماله في الوعد و الاخبار من الحقيقة أيضا.

و من ذلك يظهر أنه لا ينبغي الحكم باليمين مع إطلاق اللفظ و عدم قرينة تدل

على إرادة الحلف، لأصالة عدم ترتب أحكام اليمين مع عدم العلم بقصدها بعد عدم دلالة اللفظ، و إن كان قد تشعر عبارة المتن و غيرها بالحكم باليمينية مع الإطلاق، لكن فيه منع واضح. نعم بعد أن يحكم باليمينية للقرائن الدالة على ذلك لم يقبل منه ظاهرا و إن أخبر بخلافها، مع احتماله إذا كان مورده تكليفا راجعا إليه، و ليس حقا متعلقا بغيره. و منه ربما ينقدح الفرق في الجملة بينه و بين الطلاق، خصوصا بعد النصوص الواردة في اليمين (1)أنه على ما في الضمير، فتأمل جيدا.

و لو لم ينطق بلفظ الجلالة في الألفاظ الأربعة لم ينعقد يمينه قطعا و إن نواه و أضمره، لعدم صدق الحلف بالله، و

قال الصادق عليه السلام في خبر السكوني: «إذا قال الرجل أقسمت أو حلفت فليس بشي ء حتى يقول: أقسمت بالله أو حلفت بالله».

و كذا لو قال: اشهد مجردا عن لفظ الجلالة، بل هو أولى بعدم الانعقاد إلا أن يقول: بالله بل عن الخلاف ليس بيمين و إن قال، لأن لفظ الشهادة لا تسمى يمينا و لم يطرد عرف اللغة و لا الشرع، لكن المبسوط أنه إن أراد به اليمين كان يمينا، بل لعله ظاهر المصنف أيضا، بل في المسالك

أنه أشهر، و ظاهره الميل إليه، قال: «لورود الشرع بهذه اللفظة بمعنى اليمين قال الله تعالى (2)«قالُوا: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ» و المراد نحلف، و لذلك قال الله تعالى


1- 1 الوسائل الباب- 17 و 12- من كتاب الايمان.
2- 2 سورة المنافقين: 63- الآية 1.

ج 35، ص: 237

على الأثر «اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً».

و فيه أنه لا وجه لجعل ذلك منهم إنشاء يمين مع عدم ذكر لفظ الجلالة، فلا بد مع فرض إرادة اليمين منهم على ذلك بقوله تعالى «اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ» من كون اليمين منهم بغير اللفظ المزبور، نعم هو لا يخلو من قوة، لتعارف اليمين به في العرف و استعماله في أيمان اللعان، إلا أن ذلك مع العلم بقصد اليمين منه.

أما مع الإطلاق فقد يظهر من المصنف بل و الفاضل في القواعد الحكم بيمينه أيضا، بل حكاه عن الشيخ أيضا بقوله و فيه للشيخ قولان و نحوه الشهيد في الدروس، إلا أن الذي حكاه عنه في المسالك التصريح باعتبار القصد فيه و أنه لا يكون يمينا مع الإطلاق، بل حكى عنه فيها أن لفظ القسم كذلك، نعم غيره فرق بينهما و لعل الفرق أن لفظ القسم ظاهر في ذلك و حمله على غيره خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا مع دعوى إرادته، بخلاف الشهادة.

بل في المسالك «بهذا المعنى صرح غير الشيخ من أتباعه و العلامة في المختلف و التحرير- ثم قال-: فإن قيل: القصد معتبر في سائر الأيمان فكيف ينعقد هنا مع الإطلاق؟ فيكون تقييد الشيخ أجود من إطلاق من حكم بصحته مع الإطلاق قلنا: ليس المراد من القصد الذي لم يعتبره القصد إلى اليمين الموجب لانعقاده في نفس الأمر، لأن ذلك لا نزاع في اعتباره، و إنما الكلام في القصد الذي لا يحكم بوقوعه من اللفظ إذا لم يكن صريحا، و إذا كان صريحا يحكم بوقوعه على من تلفظ به ظاهرا و إن لم يعلم منه قصده إلى مدلول اللفظ، و إن كان محتملا على السواء لا نحكم به إلا مع تصريحه بإرادة المعنى المطلوب، هذا بحسب الظاهر و أما فيما بينه و بين الله تعالى فالمعتبر ما نواه، و حينئذ فيحكم بوقوع اليمين ممن سمع منه قول: «أقسمت بالله لأفعلن» ما لم يخبر عن إرادة الخبر، و لا نحكم على من سمع منه «اشهد بالله لأفعلن» إلا من إخباره بإرادة اليمين، و على قول الشيخ لا يحكم باليمين فيهما إلا مع إخباره بإرادة اليمين، كما لو تلفظ بالكنايات في الطلاق و الظهار و قلنا بوقوعه بها أو ببعضها على ما سبق تحقيقه».

ج 35، ص: 238

قلت: قد حققنا أيضا أنه لا لفظ صريح بذلك بحيث يحكم به على الوجه الذي ذكره، ضرورة اشتراك هذه الصيغ بين الإخبار و الإنشاء، و لا تحمل على الأخير منهما إلا مع القرائن الدالة على ذلك، و لو سلم فالظاهر عدم الفرق فيما عندنا الان من العرف بين اللفظين المزبورين في إرادة القسم به أو عدمه، كما هو واضح بأدنى تأمل، و الله العالم.

و على كل حال ف لا كذلك لو قال: اعزم بالله أو عزمت بالله لأفعلن فإنه ليس من ألفاظ القسم بل في كشف اللثام لم يرد قسما إلا للطلب كان يقول: «عزمت عليك لما فعلت كذا» فلا تنعقد به اليمين حينئذ و إن قصده به فضلا عن الإطلاق المحتمل للاخبار عن عزمه و الحلف على المعزوم عليه أو الوعد بذلك، خلافا لبعض العامة و إن كان لا يخلو من وجه إن لم يكن إجماعا بناء على التوسعة في ألفاظ القسم، فإنه يتحقق عرفا بكل ما يصلح مؤديا له، و يندرج في

قولهم عليهم السلام (1)«من حلف بالله»

و إن كان ظاهر الأصحاب بل و بعض النصوص (2)خلافه.

ثم إن المراد بذلك و نحوه عدم كونه يمينا يترتب عليه الكفارة، و إلا فيمكن حرمة الحلف به و إن لم يكن يمينا منعقدة، كما ورد النهي عن قول:

«الله يعلم» فيما ليس بصحيح، قال الصادق عليه السلام في خبر وهب بن عبد ربه(3)

و وهب بن حفص (4)و غيرهما: «من قال: الله يعلم فيما لا يعلم اهتز عرشه لذلك إعظاما له»

و قال (5)«إذا قال العبد: علم الله و كان كاذبا قال الله عز و جل: ما وجدت أحدا تكذب عليه غيري؟».


1- 1 الوسائل الباب- 6- من كتاب الايمان الحديث 1- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 15 و 30- من كتاب الايمان.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من كتاب الايمان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من كتاب الايمان الحديث 3 عن وهيب بن حفص الا أن الموجود في الكافي ج 7 ص 437 وهب بن حفص.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من كتاب الايمان الحديث 2.

ج 35، ص: 239

و لو قال: لعمر الله بفتح العين مرفوعا على الابتداء و الخبر محذوف و هو «يميني» أو «قسمي» كان قسما و انعقدت به اليمين بلا خلاف معتد به أجده فيه، للنص (1)المتقدم، و إن قيل هو من البقاء و الحياة، و هو قريب من العمر بالضم، لكنه لم يستعمل في القسم إلا مفتوحا، و هو بهذا المعنى محتمل للمعاني المانعة من انعقاده، كالقدرة و العلم و غيرهما

من الصفات، إلا أنه كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف معتد به بيننا نصا و فتوى في أنه لا ينعقد اليمين بغير «الله» على الوجه الذي قدمنا، ف لا تنعقد بالطلاق و لا بالعتاق و لا بالتحريم و لا بالظهار و لا بالحرم و لا بالكعبة و المصحف و القرآن و الأبوين و لا بغير ذلك مما سمعته في النصوص (2)السابقة أو ما يستعمله العامة.

و لا بالنبي صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام فضلا عن غيرهم من المخلوقات المعظمة و الأماكن المشرفة، كالأنبياء و الملائكة و غيرهم، للأصل و ما سمعته من النصوص السابقة الناهية(3)عن الحلف بغير الله و الأمر بالحلف به إن أريد، بل قد سمعت الإشكال في أصل جواز الحلف بغيره و إن لم يكن منعقدا، و أن الأقوى جوازه، لما عرفت. بل لا ينبغي ترك الوفاء به مع منافاته لتعظيم ما أريد تعظيمه شرعا، بل لا بد منه مع فرض الإهانة في بعض الأحوال.

و لعل هذا هو المراد بالمحكي عن ابن الجنيد من انعقاده بما عظم الله من الحقوق، نحو «و حق رسول الله» و «حق

القرآن» لا وجوب الكفارة، كما أنه يمكن أن يراد بما يحكي عنه أيضا من انعقاده بالطلاق و العتاق و الصدقة و نحوها انعقاد ما يقبل التعليق منها على ذلك لا على أنه يمين، و إلا كان شاذا يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (4)بذلك أيضا،


1- 1 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 14 و 15- و 30 و 31 من كتاب الايمان.
3- 3 الوسائل الباب- 15 و 30- من كتاب الايمان.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 240

بل لعله من ضروري مذهب الشيعة في الطلاق و العتاق و نحوهما.

و أما اليمين بالبراءة فقد عرفت الكلام فيه سابقا، و يأتي أيضا، كما أنه لا إشكال في طرح ما تضمن (1)من النصوص من الكفارة على الحلف بآية من آي القرآن أو حمله على ضرب من الندب.

و كذا لا ينعقد بقول و حق الله، فإنه حلف بحقه، لا به تعالى كما في القواعد و محكي الخلاف و غيرهما، قيل: «لأنه مشترك بين ما يجب له على عباده من العبادات التي أمر بها،

و في الحديث (2)«قلت: يا رسول الله ما حق الله؟

قال: أن لا تشركوا به شيئا و تعبدوه و تقيموا الصلاة و تؤتوا الزكاة»

و بين القرآن، لقوله تعالى (3)«وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ» و بين كونه وصفا كغيره من الصفات الراجعة إلى ذاته من غير اعتبار زيادة- إلى أن قال-: فإذا قال: و حق الله لأفعلن لم ينعقد، لاشتراكه بين أمور كثيرة أكثرها لا ينعقد به اليمين، سواء قصد تلك الأفراد التي لا إشكال في عدم الانعقاد بها مع قصدها أم أطلق، لأن المتبادر من حقه غيره».

و فيه أن اشتراكه يقتضي عدم الانعقاد به حتى مع قصد الأخير، نحو ما سمعته في السميع و البصير.

و قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة و جماعة ينعقد، لأنه يمين بالله عرفا و لغلبة استعمالها في المعنى الأخير، و لأن «حق» صفة عامة فإذا أضيف إلى الله تعالى اختص به، فكان يمينا كسائر صفات ذاته من العظمة و العزة و غيرهما.

و هو بعيد عند المصنف لكن الإنصاف أنه قريب، خصوصا مع ملاحظة


1- 1 الوسائل الباب- 30- من كتاب الايمان الحديث 2.
2- 2 روى ذلك مع الاختلاف اليسير في مجمع الزوائد ج 1 ص 50.
3- 3 سورة الحاقة: 69- الآية 51.

ج 35، ص: 241

استعماله في عرفنا بإرادة القسم بالذات فيه من غير التفات إلى شي ء آخر، مضافا إلى صدق الحلف بالله عرفا، و إليه يرجع ما عن المختلف و التنقيح من الرجوع إلى عرف الحالف، فان قصد به الحلف بالله انعقد يمينا و إلا فلا.

بل و ما في الدروس من أنه الأقوى إذا قصد به الله الحق أو المستحق للإلهية، قال: «و لو قصد به ما يجب لله على عباده لم ينعقد، و لو أطلق فالأقرب الانعقاد، لأن الاستعمال في الأولين أغلب، و لو قال: و الحق فوجهان مرتبان و أولى بالانعقاد، لأنه و إن اشترك إلا انه في الله أغلب، كالرحيم و العليم و الحنان».

و اعترضه في الرياض بأنه غير مفهوم من اللفظ، و مجرد القصد إليه غير كاف إذا لم يضم إليه ما ينعقد به» و هو كما ترى.

بل إلى ما ذكرناه يرجع ما في كشف اللثام حيث إنه بعد أن حكى ما سمعته من المبسوط قال: «و هو المختار إن أراد الحق الذي هو «الله» و لو أطلق فالأقرب الانعقاد» و الله العالم.

و لا ينعقد اليمين على وجه تتعلق به الكفارة و نحوها من أحكامه إلا بالنية و القصد إليها و إلى العقد بها كما ستسمع تحقيقه إنشاء الله بلا خلاف و لا إشكال.

و حينئذ ف لو حلف من غير نية على الوجه المزبور بل كان لسبق لسان أو لدفع ضرر أو غير ذلك لم ينعقد سواء كان بصريح كقول: «و الله» أو كناية كقول: «و السميع» و غيره مما لا يحمل إطلاقه على اليمين، إذ لا مدخل هنا لصريح اللفظ في عقد اليمين، إذ أقصاه أنه صريح في القسم، و هو غير القصد إلى العقد به. و على كل حال ف هي يمين اللغو أو منه التي قد سمعت تفصيل الكلام فيها في أول الكتاب.

و الاستثناء بالمشيئة في اليمين بأن يعلقه على مشيئة الله جائز قطعا،

ج 35، ص: 242

بل عن بعض العامة وجوبه لظاهر قوله تعالى (1)وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» و هي مع أنها في غير اليمين أيضا ظاهرة في الأدب و الإرشاد.

و على كل حال فهو يوقف اليمين عن الانعقاد بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه لو لم يكن المحلوف عليه الواجب أو المندوب أو ترك الحرام أو المكروه، فلا يحنث حينئذ بالفعل المحلوف عليه، و لا تلزمه الكفارة،

للنبوي (2)المنجبر بما عرفت «من حلف على يمين فقال: إنشاء الله تعالى لم يحنث»

و خبر السكوني (3)عن أبي عبد الله: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من استثنى في اليمين فلا حنث و لا كفارة»

و لعله المراد من

خبر علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى عليه السلام المروي عن كتابه قال: «سألته عن الرجل يحلف على الشي ء و يستثنى ما حاله؟ قال: هو على ما استثنى».

بل ظاهرها كالفتاوى الإيقاف مطلقا و إن كان المتعلق فعل الواجب أو المندوب، بل حكاه في الرياض عن الأكثر بل في الدروس قول الفاضل بقصره على ما لم يعلم مشيئة الله إياه نادر، بل في الرياض «هو كالاجتهاد في مقابلة النص، بل فيه المناقشة بمنع العلم بتعلق المشيئة بها على الإطلاق، فقد لا يشاؤها في حق هذا الحالف لعارض لا يعلم به».

قلت: قال الفاضل في قواعده: «و ضابط التعليق بمشيئة الله أن المحلوف عليه إن كان واجبا أو مندوبا انعقدت» و في كشف اللثام «و لم يوقفها التعليق، لأنهما مما شاء قطعا إلا على رأي الأشعري».

ثم قال: «و إلا فلا» و في كشف اللثام «لما عرفت من تساوي طرفي المباح في مشيئته تعالى، و عليه ينزل إطلاق الأصحاب و الأخبار(5)مع احتمال


1- 1 سورة الكهف: 18- الآية 23.
2- 2 سنن البيهقي ج 10 ص 46.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من كتاب الايمان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 28- من كتاب الايمان الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 28- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 243

النبوي (1)منها أن من تبرك بذلك في يمينه وفق للوفاء، و قيل بعدم الفرق، لعموم النص و الفتوى، و هو بعيد من حيث الاعتبار» و ظاهره الميل إليه و نحوه السيد في شرح النافع.

بل إن لم يكن إجماعا أمكن القول بعدم إيقاف المشيئة مطلقا إذ المراد منها- كما يظهر من ملاحظة النصوص (2)خصوصا ذيل خبر سلام (3)الاتي استثناء مشيئة الله- عدم وقوع الفعل المحلوف عليه، فإنه حينئذ يسلب القدرة عليه، فإذا لم يسلبها علم أنه قد شاءه، إذ لا يقع فعل من العبد إلا بمشيئته و إن كان لم يسلبه الاختيار، و من هنا استفاضت النصوص (4)بالأمر بذكر المشيئة مع النسيان متى ذكر، لأن التبرك حاصل على كل حال، ففي الرياض «أن إطلاق الخبرين و العبارة و غيرها يقتضي عدم الفرق في الحكم بين قصد التعليق بالمشيئة و التبرك، و به صرح شيخنا في

الروضة خلافا لسبطه في الشرح، فقال بالفرق و اختصاص الحكم بالأول».

قلت: الظاهر أن الذي دعاه إلى ذلك ضعف خبر السكوني (5)متنا و دلالة عن إثبات أصل الحكم، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن من الفتاوى الجابرة له. و من ذلك يعلم أنه لا وجه لرده في الرياض بالانجبار، ضرورة عدم معلوميته في الفرض، بل ربما يظهر من بعض تعليلاتهم خلافه.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى أن ذلك كذلك إذا اتصل الاستثناء باليمين أو انفصل بما جرت العادة به في الكلام الواحد، كالتنفس و السعال و التثؤب و نحوهما مما لا يخل بالمتابعة عرفا، ل أن الحالف لم يستوف غرضه و


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 46.
2- 2 الوسائل الباب- 25 و 26 و 27 و 29- من كتاب الايمان.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من كتاب الايمان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من كتاب الايمان.
5- 5 الوسائل الباب- 28- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 244

لم يتم ما أراد أن يحلف عليه.

نعم لو تراخي عن ذلك من غير عذر حكم باليمين و لغا الاستثناء بلا خلاف أجده بيننا، للخروج عن العادة و إطلاق أدلة حكم اليمين و استصحابه، بل في كشف اللثام «لو أثر مطلقا لم يتحقق حنث إلا في واجب أو مندوب أو مع الغفلة عنه رأسا، لجواز أن يستثنى إذا شاء أن

يحنث، خلافا للمحكي عن الحسن و عطا من أن له ذلك ما دام في المجلس» و لا ريب في ضعفه.

هذا و لكن مع ذلك أصل اعتبار المشيئة مع التراخي فيه رواية مهجورة لم يعمل بها أحد من أصحابنا، بل و لا من العامة، و هي

صحيحة عبد الله بن ميمون القداح (1)، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: للعبد أن يستثنى ما بينه و بين أربعين يوما إذا نسي»

و زاد في رواية الفقيه (2)«إن رسول الله صلى الله عليه و آله أتاه أناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال: تعالوا غدا أحدثكم و لم يستثن، فاحتبس جبرئيل أربعين يوما ثم أتاه، و قال وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ»(3).

و في خبره الآخر عنه عليه السلام (4)أيضا قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الاستثناء في اليمين متى ما ذكر و إن كان بعد أربعين صباحا، ثم تلا هذه الآية: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ».

و رواية حمزة بن حمران (5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل (6)وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، قال: ذلك في اليمين إذا قلت: و الله لأفعلن كذا و كذا، فإذا ذكرت أنك لم تستثن فقل: إنشاء الله».


1- 1 الوسائل الباب- 29- من كتاب الايمان الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من كتاب الايمان الحديث 7.
3- 3 سورة الكهف: 18- الآية 24.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من كتاب الايمان الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من كتاب الايمان الحديث 1.
6- 6 سورة الكهف: 18- الآية 24.

ج 35، ص: 245

و رواية الحلبي و زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام (1)«في قول الله عز و جل وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، قال: إذا حلف الرجل فنسي أن يستثنى فليستثن إذا ذكر».

و رواية حسين القلانسي أو بعض أصحابه (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «للعبد أن يستثنى في اليمين فيما بينه و بين أربعين يوما إذا نسي».

و خبر زرارة(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، فقال: إذا حلفت على شي ء و نسيت أن تستثنى فاستثن إذا ذكرت».

إلا أنها أجمع لا صراحة فيها في التأثير مع التأخير، و لعله لذا حملت على التعليق بالمشيئة نية و لكن نسي التلفظ

بها، أو على ضرب من الندب في اليمين و الوعد، نحو

خبر مرازم (4)قال: «دخل أبو عبد الله عليه السلام يوما إلى منزل معتب و هو يريد العمرة، فتناول لوحا فيه كتاب فيه قسمة أرزاق العباد و ما يخرج لهم، فإذا فيه لفلان و فلان و فلان و ليس فيه استثناء فقال: من كتب هذا الكتاب و لم يستثن فيه؟ كيف ظن أنه يتم؟ ثم دعى بالدواة فقال: ألحق فيه إنشاء الله، فألحق فيه في كل اسم إنشاء الله».

و خبر أبي بصير(5)عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث «إن قريشا سألوا رسول الله صلى الله عليه و آله عن مسائل: منها قصة أصحاب الكهف، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: غدا أخبركم و لم يستثن، فاحتبس الوحي أربعين يوما حتى اغتم و شك أصحابه، فلما كان بعد أربعين صباحا نزل عليه سورة الكهف- إلى أن قال- وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ- إلى آخرها- فأخبره أنه احتبس الوحي عنه أربعين صباحا، لأنه قال لقريش: غدا أخبركم بجواب مسائلكم و لم يستثن».


1- 1 الوسائل الباب- 29- من كتاب الايمان الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من كتاب الايمان الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من كتاب الايمان الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 26- من كتاب الايمان الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 27- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 246

و خبر سلام بن المستنير(1)عن أبي جعفر عليه السلام «في قول الله (2)وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ. الآية فقال: إن الله عز و جل لما قال لادم: ادخل الجنة، قال له: يا آدم لا تقرب هذه الشجرة، قال: و أراه إياها، قال آدم لربه:

كيف أقربها و قد نهيتني عنها أنا و زوجتي؟ قال: فقال لهما: لا تقرباها يعني لا تأكلا منها، فقال آدم و زوجته: نعم يا ربنا لا نقربها و لا نأكل منها، و لم يستثنيا في قولهما: نعم، فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما و إلى ذكرهما، قال:

و قد قال الله عز و جل لنبيه في الكتاب (3)وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن لا أفعله، فتسبق مشيئة الله أن لا أفعله فلا أقدر أن أفعله، قال: فلذلك قال الله عز و جل لنبيه (4)وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، اي استثن مشيئة الله في فعلك».

و كيف كان فالمشهور على ما اعترف به غير واحد: أنه يشترط في الاستثناء النطق، و لا يكفي النية لإطلاق الأدلة و عمومها المقتصر في تقييدها و تخصيصها على المتيقن الذي هو النطق دون غيره، خصوصا بعد البناء على أن الحكم تعبدي محض، خلافا للفاضل في المختلف فاكتفى

بها، و تبعه في كشف اللثام، لما عرفت من اعتبار النية في انعقاد اليمين، فإذا لم ينو فعل القسم عليه إلا معلقا بالمشيئة فلم ينو الحلف عليه مطلقا، فلم ينعقد إلا معلقا بها، و في الدروس «و لا تكفي النية و إن اقترنت باليمين، قاله في المبسوط و تبعه ابن إدريس، و في النهاية يكفي إن حلف سرا، و في المختلف يكفي مطلقا، و هو قوى، و عليه حمل رواية عبد الله بن ميمون (5)جواز استثناء الناسي إلى أربعين يوما».

و فيه أن الاستثناء المزبور عند القائل به لا يتقيد بالمدة المزبورة، و دعوى


1- 1 الوسائل الباب 25- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 سورة طه: 20- الآية 115.
3- 3 سورة الكهف: 18- الآية 23.
4- 4 سورة الكهف: 18- الآية 24.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من كتاب الايمان الحديث 6.

ج 35، ص: 247

أن التقييد بها وارد مورد المبالغة يدفعها أن الأزيد من ذلك أبلغ، و لعله لذا أجاب عنها المصنف بالهجر.

و أما ما حكاه عن النهاية فلعله لما في كشف اللثام عن بعض الكتب

عن الباقر عليه السلام (1)«إذا حرك بها لسانه أجزأ و إن لم يجهر، و إن جهر بها إن كان جهر باليمين فهو أفضل»

و نحوه

قول الصادق عليه السلام في خبر السكوني (2)«قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من حلف سرا فليستثن سرا، و من حلف علانية فليستثن علانية»

و على كل حال فلا مخالفة فيهما للمطلوب كفتوى النهاية، ضرورة كون محل البحث تركها سرا و علانية، و الاقتصار على نيتها.

هذا و في القواعد «و لو قال: لأشربن اليوم إلا أن يشاء الله أولا أشرب إلا أن يشاء الله لم يحنث بالشرب و لا بتركه فيهما، كما في الإثبات» أي كما أنه يوقف اليمين فلا يحنث بالفعل و لا بالترك لمنعه من الانعقاد فكذا بصيغة الاستثناء، لاتحاد المعنى.

و في كشف اللثام «و قد يقال هنا بالحنث بالترك في الأول و الفعل في الثاني لاشتراط الحل، و هو فعل خلاف المحلوف عليه، و هو الترك في الأول و الشرب في الثاني بالمشيئة، فما لم يعلم تحققها لم يجز له خلاف المحلوف عليه، بخلاف الإثبات، فإنه يتضمن اشتراط العقد أي فعل المحلوف عليه بالمشيئة. و يدفعه أن المباحات يتساوى فعلها و تركها في تعلق مشيئة الله، و وقوع كل منهما كاشف عن التعلق، نعم يفترق الحال في التعليق بمشيئة غيره تعالى كما سيأتي» انتهى.

و في المسالك «و لو قال: و الله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله أو لا أفعلن إلا أن يشاء الله فوجهان: أشهرهما أنه كالأول، فلا يحنث بالفعل و لا بعدمه، و يحتمل الحنث في الأول إن لم يفعل، و في الثاني إن فعل، لأن شرط منع


1- 1 دعائم الإسلام ج 2 ص 95.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من كتاب الايمان الحديث 2.

ج 35، ص: 248

الحنث مشكوك فيه».

قلت: لا ينبغي التأمل في تفاوت المفهوم من قوله: «إن شاء الله» و «إلا أن يشاء الله» في حد ذاتهما، لكن الدليل الذي هو خبر السكوني (1)و غيره شامل لهما، و قد عرفت بناء المسألة عندهم على التقييد، كما أن مقتضاه أيضا عدم الفرق بين تقديم المشيئة على المحلوف عليه و تأخيره عنه و توسطه، بل الظاهر الصحة مع التأخير و إن لم يكن عازما عليه من ابتداء اليمين، بل عزم عليه في أثنائه أو بعده بلا فصل، كما صرح به غير واحد، و إن احتملوا مع ذلك العدم اقتصارا على المتيقن، هذا كله في التعليق في مشيئة الله تعالى.

أما تعليقها على مشيئة غيره فلا إشكال و لا خلاف في جوازها أيضا، لإطلاق الأدلة سواء كان التعليق لعقدها أو لحلها، و حينئذ

ف لو قال: و الله لأدخلن الدار(2)اليوم إن شاء زيد مثلا فقد علق عقد اليمين على مشيئته على وجه كانت شرطا في ذلك. فان قال: شئت انعقدت اليمين لتحقق الشرط حينئذ، فإن ترك حنث. و إن قال: لم أشأ لم تنعقد اليمين، لفقد الشرط و كذا لو جهل حاله إما بموت أو غيبة أو غيرهما لم تنعقد اليمين، لفوات الشرط، و لو قال: (11) و الله لأدخلن الدار إلا أن يشاء زيد فقد عقدت اليمين (12) و لكن له حلها بالدخول قبل مشيئته، سواء شاء بعد ذلك أولا، لحصول الحل بفعل مقتضي اليمين، فلا تؤثر المشيئة بعده فيه، كما أنها تنحل بما اشترطه في حلها من مشيئة زيد أن لا يدخل، فان لم يدخلها و شاء زيد أن لا يدخلها بر بمشيئته أيضا و (13) ذلك لأنه جعل الاستثناء مشيئة زيد، فان قال زيد: قد شئت أن لا يدخل فقد وقفت اليمين (14) أي انحلت، لأن متعلق المشيئة المذكورة هو عدم دخوله، فكأنه قال: «لأدخلن إلا أن يشاء زيد أن لا أدخل» فلا ألتزم بالدخول لأن (15) المستثنى و المستثنى


1- 1 الوسائل الباب- 28- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 و في الشرائع:« لا أدخل الدار».

ج 35، ص: 249

منه متضادان، و لذا كان الاستثناء من النفي إثباتا أو من الإثبات نفي ا و لما كان المحلوف عليه إثبات الدخول كان

الاستثناء عدم الدخول، فإذا شاءه فقد حل اليمين، و لو فرض أنه قد شاء الدخول فاليمين بحالها، لأن مشيئته بالفعل غير مستثناة.

و كذا لو جهل حال مشيئته، لأن الانعقاد حاصل، و إنما الحل مشروط بمشيئته عدم الدخول، و لم يحصل الشرط الذي مقتضي الأصل عدمه، فلم يقع الحل.

و كذا الكلام لو كان متعلق اليمين النفي فله اشتراط عقدها حينئذ بذلك، بأن يقول مثلا: «و الله لا دخلت الدار إن شاء زيد أن لا أدخلها» و البحث فيه كالسابق في أنه إن قال: «شئت» انعقدت اليمين، لوجود الشرط، و إن قال لم أشأ لم تنعقد، لفوات الشرط.

و كذا لو جهل حال مشيئته لموت أو غيبة، لعدم حصول شرط الانعقاد، كما هو واضح.

و له اشتراط حلها بذلك كما لو قال: و الله لا دخلت الدار إلا أن يشاء فلان دخولها، و الكلام فيه كالسابق أيضا إلا أن المستثنى منه نفي فيكون الاستثناء إثباتا، فكأنه قال: «لا دخلتها إلا أن يشاء زيد أن أدخل ف ان قال فلان قد شئت أن تدخل فقد سقط حكم اليمين ل ما عرفت من أن الاستثناء من النفي إثبات و حينئذ فإن دخل بعد ما شاء بر يمينه، كما أنه يبره أيضا إن لم يدخل قبل مشيئة الدخول، نعم إن دخل و قد شاء أن لا يدخل حنث و لا تنفع مشيئة الدخول بعد ذلك، و إن لم تعرف المشيئة فهي منعقدة أيضا كما عرفت. هذا ما اقتضاه لفظ الاستثناء عند الإطلاق أو مع قصده.

ا لو قصد في استثنائه عكس ذلك بأن قال: «أردت بالاستثناء مخالفة مشيئته» فأردت بقولي: «لأدخلن الدار إلا أن يشاء أن أدخل» فاني أخالفه و لا أدخل، و بقوله «لا أدخل إلا أن يشاء أن لا أدخل» فاني أخالفه و أدخل قبل منه و دين بنيته، و انعكس الحكم. إن شاء في الأول قبل أن يدخل انحلت

ج 35، ص: 250

اليمين و ارتفع وجوب الدخول، لوقوع الشرط و إن شاء أن لا يدخل في الثاني انحلت اليمين أيضا، لوجود شرط الحل، و التضاد بين المستثنى و المستثنى منه حاصل على هذا التقدير أيضا، و الحكم مع الجهل بمشيئته كالسابق.

و الضابط أنه كلما كان العقد موقوفا و جهل الشرط فلا عقد، و كلما كان الحل موقوفا فهي منعقدة إلا مع علم شرط الحل.

و لو فرض أنه قصد الحلف أيضا على المستثنى كالمستثنى منه دين بقصده، و لو جهل قصده مع الإطلاق في صورة الحل بعد العلم بكون المراد أحدهما فمع فرض تبادر مشيئة عدم الدخول في صورة الإثبات و الدخول في صورة النفي كما هو الظاهر انصرف إليه و إلا بطل، للاحتمال المفضي إلى جهل الاستثناء الموقف لليمين.

و كيف كان ف لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله تعالى المراد بها الإيقاف في غير اليمين الذي ثبت بدليله، فلا يقاس عليه غيره، لحرمته عندنا خصوصا بعد ما سمعت من الأدلة في محلها على اعتبار التنجيز في العقود و الإيقاعات إلا ما خرج بالدليل منها و هو مناف لذلك، ضرورة كونه تعليقا.

لكن عن الشيخ قول بصحته في الطلاق و العتاق و الإقرار، بمعنى أنه يوقفه، لإطلاق ما دل على دخوله في اليمين مع دعوى أن تعليق الطلاق و العتق و الإقرار على المشيئة يمين أيضا و إن لم يكن بالله، كما مر عليه التنبيه في باب الظهار(1)بل قد عرفت تقارب اليمين و الشرط، و هو كما ترى إلا أن قوله

المزبور الذي هو: «الإيقاف بمعنى البطلان» فهو متحد مع القول بالبطلان مع التعليق على الشرط الفاسد، و إنما يخالفه القول بصحة العقد و الإيقاع و اختصاص البطلان بالشرط كما عن ابن إدريس، و قد عرفت ضعفه في محله و أن الأصح بطلانهما معا، كما هو المحكي عن الشيخ أيضا في الخلاف.

و هل يدخل أي الاستثناء في الإقرار؟ فيه تردد و خلاف و الأشبه الأشهر بل المشهور أنه لا يدخل بل يكون تعقبه إياه


1- 1 راجع ج 33.

ج 35، ص: 251

كتعقب الإقرار بالمنافي، فيلغو الاستثناء و يلزم الإقرار، خلافا لمن عرفت ممن قال بدخوله فيه موقفا له عليها، لأصالة براءة الذمة، لكنه واضح الضعف، ضرورة كون الإقرار إخبارا و قد عرفت عدم قابليته للتعليق، فهو أولى بالجزم من الطلاق و العتق، فمن الغريب تردد المصنف فيه و جزمه بالأولين، و الله العالم.

و الحروف التي يقسم بها بشهادة أهل اللسان ثلاثة: و هي الباء و الواو و التاء بل قيل: إن أصلها الباء التي تدخل على الظاهر و المضمر بخلافهما و تليها الواو التي تدخل على الأسماء الظاهرة جميعها بخلاف التاء المختصة بالقسم بلفظ الجلالة، كقوله تعالى (1)«تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ» و «تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ»(2)نعم ربما قيل: «ترب الكعبة» و «تالرحمن» لكنه نادر.

و على كل حال فلا شبهة في انعقاد القسم بقوله: «بالله لأفعلن» مع إرادته.

بل في المسالك «يحمل عليه عند الإطلاق، لاشتهار الصيغة في الحلف شرعا و عرفا و لو قال: لم أرد به اليمين، و إنما أردت وفقت بالله أو اعتصمت به أو أستعين أو أومن ثم ابتدأت لأفعلن فوجهان أظهرهما القبول إذا لم يتعلق به حق آدمي، كما لو ادعى عدم القصد، و هذا بخلاف ما لو أتى بالتاء أو الواو» قلت:

هو لا يخلو من نظر لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما أسلفناه في مسألة دعوى عدم القصد، بل لعل كلامه هنا لا يخلو من منافاة لكلامه السابق في الجملة، بل يمكن النظر أيضا فيما يظهر منه من التفصيل بين حق آدمي و غيره باعتبار أن القسم و إن تعلق بآدمى فهو حق لله في عنقه تجب عليه الكفارة مع عدم فعله، لا أنه يتعلق به حق المطالبة و المقاصة و نحوها، مع احتماله كما تسمعه في النذر إنشاء الله.

و كذا ينعقد اليمين لو خفض و نوى القسم من دون النطق ب أحد


1- 1 سورة يوسف: 12- الآية 85.
2- 2 سورة الأنبياء: 21- الآية 57.

ج 35، ص: 252

حروف القسم، فقال: الله لأفعلن و لكن على تردد ينشأ من وروده لغة، و منه

قول النبي صلى الله عليه و آله: «و كأنه الله (1)ما أردت إلا واحدة»

و كون الجر مشعرا بالصلة الخافضة، و بناء اللغة على الحذف و التقدير، و من استمرار العادة على الحلف بغير هذه الكيفية، بل لا يعرف ذلك إلا خواص الناس، و الأصل البراءة، و عن الشيخ في الخلاف اختياره.

و لكن لا يخفى عليك أن أشبهه الانعقاد لاندراجه في إطلاق الأدلة بعد أن يكون صحيحا في اللغة، نعم لو رفع أو نصب أشكل إجراء حكم اليمين بأنه لحن، لكن في المسالك الوجهان، بل قال: «أولى بالوقوع هنا مع النصب، لجوازه بنزع الخافض» و فيه أنه غير مطرد، و الفرق بينهما و بين الأول واضح، و لعله لذا اقتصر المصنف عليه.

و لو قال باله و شدد اللام و حذف الألف بعدها فهو غير ذاكر لاسمه تعالى صريحا، فان البله هي الرطوبة، لكن في المسالك «إن نوى به اليمين انعقد، لأنه لحن شائع في ألسنة العوام و الخواص، و قد يستجيز العرب حذف الألف في الوقف لأن الوقف يقتضي إسكان الهاء، فالوجه وقوع اليمين به مع قصده».

و فيه ما لا يخفى بعد فرض كونه لحنا، ضرورة اشتراط الجريان على القانون العربي في الصيغة العربية في القسم و غيره، نعم إن ثبت ما ذكره من جواز حذف الألف في الوقف مطردا على وجه يشمل المقام و فرض حصوله كذلك اتجه الانعقاد حينئذ.

و لو قال: ها الله كان يمينا بلا خلاف و لا إشكال، لأنه مما يقسم به لغة، و تقديره في مثل «لا ها الله فعلت» «لا و الله فعلت» و ها التنبيه يؤتي بها في القسم عند حذف حرفه، بل عن ابن هشام في المغني أنه يجوز في الصيغة المزبورة


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين المبيضة و المسودة و الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف و الصحيح كما جاء في الحديث قول النبي ص لركانة:« الله ما أردت إلا واحدة» راجع سنن البيهقي ج 7 ص 342.

ج 35، ص: 253

حذف الهمزة و وصلها مع إثبات الألف و حذفها.

و في الانعقاد ب أيمن الله تردد من حيث هو جمع يمين عند الكوفيين، و إن أورد عليه بجواز كسر همزته و فتح ميمه، و لا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو «أفلس» و «أكلب» لكن عليه يكون القسم به لا بالله، بل و على القول الآخر يكون القسم بوصف من أوصافه الذي هو اليمن و البركة لا باسمه.

و لكن لعل الانعقاد أشبه لأنه موضوع للقسم بالعرف بل ينبغي الجزم به بعد ما سمعت من النص عليه، و لا مدخلية لكونه اسما أو حرفا مفردا مشتقا من اليمين أو جمعا في ذلك بعد تعارف القسم به، و الغالب فيه رفعه على الابتداء و إضافته إلى اسم الله، و التقدير «أيمن الله قسمي» و لكن يجوز جره بحرف القسم و إضافته إلى الكعبة و كاف الضمير.

و كذا الكلام في «أيم الله» و «من الله» و «م الله» مما هو مقتضب من «أيمن» تخفيفا بحذف بعض حروفه و إبداله لكثرة الاستعمال، بل عن ابن آوى في استدراك الصحاح في هذه الكلمات إحدى و عشرون لغة: أربع في «أيمن» بفتح الهمزة و كسرها مع ضم النون و فتحها، و أربع في «ليمن» باللام المكسورة و المفتوحة و النون المفتوحة و المضمومة، و لغتان في «يمن» بفتح النون و ضمها، و ثلاث لغات في «أيم» بفتح الهمزة و كسرها مع ضم الميم، و بفتح الهمزة مع فتح الميم، و لغتان في «أم» بكسر الميم و ضمها مع كسر الهمزة فيها، و ثلاث في «من» بضم الميم و النون و فتحها و كسرها، و «م الله» بالحركات الثلاث، و كل ذلك يقسم به، بل في كشف اللثام «هيم الله» بفتح الهاء المبدلة من الهمزة، و الله العالم.

ج 35، ص: 254

[الأمر الثاني في الحالف]

الثاني الحالف و يعتبر فيه البلوغ و كمال العقل و الاختيار و القصد بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال كما في غيره من العقود و الإيقاعات، بل على الأخير منها هنا الإجماع، عن ظاهر الغنية و الدروس و غيرهما، مضافا إلى قوله تعالى (1)«وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ» فان كسب القلوب النية و القصد، و كذا قوله تعالى (2)«وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ» خصوصا بعد رعاية المقابلة باللغو الذي قد سمعت النصوص (3)السابقة فيه الدالة على المطلوب أيضا و كأن اعادة المصنف ذكره هنا مع ذكره سابقا اعتبار القصد في الصيغة أما لبيان أنه كما يصلح شرطا لها يصلح شرطا له أيضا، أو للتنبيه على مغايرته لها من وجه، بأن يراد منه اتصاف الحالف به في نفسه سواء ربطه بمقصود أم لا، و بالنية ربط القصد بالصيغة الدالة على

الحلف، كما ينبه عليه نشره، فإنه أخرج باشتراط قصده السكران و الغضبان الذي لا يملك نفسه، فإنهما لا قصد لهما في أنفسهما، بخلاف الكامل الخالي من موانع القصد، فإنه قاصد في الجملة، لكن قد يربط قصده بالصيغة، فيكون قاصدا ناويا، و قد لا يتوجه بقصده إليها، فيكون لاغيا بحلفه، و لعله لذا اعتبر الفاضل في الإرشاد في الحالف أن يكون


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 225.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 89.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 255

قاصدا ناويا، و ربما تسمع زيادة تحقيق لذلك إنشاء الله.

و على كل حال فلا ينعقد يمين الصغير و إن كان مميزا قد بلغ عشرا و إن تعلق بما جاز له من الوصية.

و لا المكره لعموم ما دل على (1)أن الإكراه أحد الأمور التي رفعت عن الأمة، و خصوص

خبر عبد الله بن سنان (2)قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام:

لا يمين في غضب و لا في قطيعة رحم و لا في جبر و لا في إكراه، قال: قلت: أصلحك الله فما فرق بين الجبر و الإكراه؟ قال:

الجبر من السلطان، و يكون الإكراه من الزوجة و الام و الأب و ليس ذلك بشي ء».

و لا المجنون مطبقا أو أدوارا لسلب عبارته و لا السكران لعدم قصده أو عدم العبرة بقصده، بل و لا الغضبان إلا أن يملك نفسه على وجه يكون كغير الغضبان بالنسبة إلى عقد اليمين، فتشمله العمومات حينئذ بخلاف الأول المنزل عليه

قوله عليه السلام (3)«لا يمين في غضب».

إلا أن الانصاف ظهور ذكر الغضبان هنا نصا و فتوى دون باقي العقود و الإيقاعات، و كذا قول المصنف و غيره و تنعقد اليمين بالقصد مضافا إلى ما سمعته من الجمع بين النية و القصد في عبارة الإرشاد، بل و غيره كالمصنف الذي قد ذكر أولا اعتبار النية فيه بالصريح و الكناية، و ثانيا اعتبار القصد في الحالف، و ثالثا أنه ينعقد بالقصد، و قبول دعوى عدم القصد منه و إن كان اللفظ صريحا و غير ذلك، في زيادة اليمين باعتبار قصد آخر فيه غير قصد باقي العقود و الإيقاعات، و أنه لا يكفي في انعقاده مجرد القصد إلى إنشاء صيغة الصريحة، كما في صيغ العقود و الإيقاعات، بل لا بد مع ذلك من قصد العقد و الربط بصيغة اليمين، و هو المراد بالنية.


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب الايمان و الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من كتاب الايمان الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 256

و من هنا لم يحكم على الحالف بالصيغة الصريحة بانعقاد يمينه إلا أن يضم مع ذلك قرائن قطعية تدل على ذلك، و إلا فمجرد التلفظ بصيغة اليمين لا يحكم عليه بانعقاد اليمين عليه على وجه تجب عليه الكفارة و إن علم منه إرادة الحلف الذي هو أعم من اليمين المنعقدة التي هي من كسب القلب، و هو معنى قول المصنف و غيره:

إنها تنعقد بالقصد و إنه لا بد في اليمين من النية و غير ذلك مما ذكروه في اليمين دون غيره من العقود و الإيقاعات، و التأمل فيه يشرف الفقيه على القطع بمدخلية قصد خاص في انعقاد اليمين.

و لعله لذلك أطلق في

الرواية(1)أنه «لا يمين في غضب»

باعتبار غلبة اثارة الغضب للحلف من دون ملاحظة العقد، و كذا ما يحصل من اليمين بإكراه الزوجة و الام و الأب و غيرهما.

بل لعله إلى ذلك يرجع ما في الكفاية، قال: «و يدخل في يمين اللغو كل يمين

لفظا لم يقرن بها نيتها، كسبق اللسان بعادة أو غير عادة، أو جاهلا بالمعنى، أو للغضب المسقط للقصد، أو لمجرد النفي و الإثبات كذلك».

بل و لعله إليه يرجع ما في المسالك في شرح قول المصنف «و ينعقد بالقصد» قال: «لا شبهة في انعقادها بالصيغة مع باقي الشرائط، و إنما الغرض أنها لا تنعقد بدونه، فالمقصد من العبارة مفهومها لا منطوقها، و نبه بذلك على خلاف بعض العامة، حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح و إن لم يقصد، و إنما يتوقف على القصد ما ليس بصريح، كالكناية بالحق و القدرة و الكلام و نحو ذلك» خصوصا مع ملاحظة كلامه السابق على هذا، و الله العالم.

و يصح اليمين من الكافر و إن كان كفره بجحود الخالق كما يصح من المسلم كما عن الشيخ و أتباعه و أكثر المتأخرين، لإطلاق الأدلة و عمومها كتابا(2)و سنة(3)اللذين لا ينافيهما كفره بعد أن كان مخاطبا بفروع


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 89.
3- 3 الوسائل الباب- 15- و 30 من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 257

الشريعة، و لعموم

قوله صلى الله عليه و آله (1)«البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

و لازم ذلك توجه اليمين على الكافر و إن كان جاحدا و لا قائل بالفصل، بل قد يدل انعقادها في مثل ذلك الذي قد يتعلق بالفروج و الدماء و الأموال على انعقادها في غيره بطريق أولى.

بل منه يظهر فساد ما تسمعه من التعليل للعدم بعدم معرفة الكافر بالله المقتضي لعدم اعتبار اليمين منه مطلقا، و

قال الصادق عليه السلام في خبر جراح المدائني (2)«لا يحلف بغير الله، و قال: اليهودي و النصراني و المجوسي لا تحلفوهم إلا بالله عز و جل»

و قال الحلبي في الصحيح (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أهل الملل يستحلفون فقال: لا تحلفوهم إلا بالله عز و جل»

و سأله سماعة(4)أيضا «هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود و النصارى و المجوس بآلهتهم؟ قال: لا يصلح لأحد أن يحلف إلا بالله عز و جل»

و نحوه صحيحه الآخر(5)كل ذلك مضافا إلى النصوص الناهية عن عدم الرضا إذا حلف له بالله (6).

و من الغريب بعد ذلك كله المعتضد بعمل الأكثر بل المشهور مناقشة فاضل الرياض بعدم إطلاق يشمل مفروض المسألة لاختصاصه في الكتاب و بعض السنة بمقتضى قاعدة خطاب المشافهة بحاضري مجلسه و المتيقن منهم المسلمون خاصة و التعدية إلى غيرهم و منهم الكفار مطلقا يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة، إذ ليست إلا الإجماع، و هو مفقود في محل النزاع، و أما إطلاق باقي السنة فغير نافع أيضا لوروده لبيان حكم آخر غير حكم المسألة، و لا اعتداد بمثلها فيها كما


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كيفية الحكم الحديث 5 و فيه« البينة على المدعى و اليمين على المدعى عليه» و في المستدرك الباب- 3- منها الحديث 4 و سنن البيهقي ج 10 ص 252 « البينة على المدعى و اليمين على من أنكر».
2- 2 الوسائل الباب- 32- من كتاب الايمان الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 32- من كتاب الايمان الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 32- من كتاب الايمان الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 32- من كتاب الايمان الحديث 5 بسند الشيخ قده.
6- 6 الوسائل الباب- 6- من كتاب الايمان و المستدرك الباب- 4- منه.

ج 35، ص: 258

مر غير مرة، و أما الصحيحان فليسا من مفروض المسألة، لكون اليمين على المستقبل الموجب مخالفتها للحنث و الكفارة، و لا كذلك موردهما، لتعلقه باستحلافهم في مقام الدعوى، و هو غير الحلف الذي قدمناه.

و لا يخفى عليك ما في آخر كلامه بعد ما ذكرناه كما اعترف هو به بعد ذلك، بل و

لا أول كلامه، ضرورة ثبوت قاعدة الاشتراك في التكاليف بين المسلم و غيره و الذكر و الأنثى و الحر و العبد من غير حاجة إلى عموم في خصوص كل مورد، بل لا ينافيها المباشرة الخطابية، نحو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)و نحوه كما هو واضح بأدنى تأمل.

و من ذلك كله يعلم ما في المحكي عن الشيخ في الخلاف في المتن و غيره بقوله:

و قال في الخلاف: لا يصح مع أن المحكي عنه فيه أيضا الرجوع عن ذلك إلى الأول، بل ربما كان ذلك اتفاقا من الجميع عدا ابن إدريس المعلوم نسبه، فيفيد المسألة زيادة قوة، خصوصا بعد وضوح ضعف ما ذكر دليلا له من الأصل المقطوع بما عرفت، و من أن الكافر لا معرفة له بالله الذي قد عرفت ما فيه، مع أنه غير شامل لمن كان كفره بما لا ينافي معرفة الله، و من أن

«الإسلام يجب ما قبله»(2)

المراد به قطع ما ثبت وجوبه كالصلاة الواجبة و نحوها، و هو غير منعه عن الثبوت في حال الكفر، فلعل اليمين تنعقد عليهم حال كفرهم بحيث توجب مخالفتها عليهم الحنث و الكفارة، و إسلامهم بعد يجب ما وجب عليهم قبله بالمخالفة من الكفارة.

هذا و في المسالك و تبعه في الرياض الميل إلى ما عن العلامة من التفصيل بين الكافر العارف بالله و غيره، فينعقد من الأول دون الثاني، بل في الرياض نسبته إلى


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 المستدرك الباب- 15- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 و الخصائص الكبرى ج 1 ص 249 و كنز العمال ج 1 ص 17 الرقم 343 و الجامع الصغير ج 1 ص 123.

ج 35، ص: 259

التنقيح و سيد المدارك، بل قال: و عليه كثير ممن تبعهم.

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة صدق الحلف مطلقا فهو حينئذ من الأسباب التي لا مدخلية للمعرفة بالله و عدمها في ترتب أحكامها، بل قد يحصل في فساق مظهري الإسلام من هو أقل من الكافر معرفة بالله تعالى شأنه، و على كل حال فلا محيص عما عليه الأصحاب.

و تظهر فائدة الصحة في بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج الموقتة، و في العقاب على متعلقها لو مات على كفره و لما يفعله، لا في تدارك الكفارة لو سبق الحنث الإسلام، لأنها تسقط عنه به بلا خلاف يظهر، كما اعترف به في الرياض و إن حكى عن سيد المدارك التأمل فيه، و هو في غير محله بعد الخبر المزبور(1)المعتضد بالعمل على وجه يمكن أن يكون إجماعا، كما عن بعض الاعتراف به، و فحوى

سقوط قضاء الصلاة الذي سقوط الكفارة أولى منه.

و كيف كان فعلى القول بصحة اليمين منه ففي المتن في صحة التكفير منه تردد، منشأه الالتفات إلى اعتبار نية القربة به و لم أجده لغيره، إذ لا ريب في أن الكفارة من العبادات المعتبر في خصالها أجمع نية القربة التي لا تقع من الكافر على الوجه الذي ذكرنا سابقا، من غير فرق بين الجاحد و غيره.

و احتمال كون المراد من نية القربة قصد التقرب إلى الله سواء حصل القرب أم لا- نحو ما سمعته في عتق الكافر- واضح الفساد، كاحتمال كون وجهه أن بعض خصال الكفارة قد يشك في اعتبار نية القربة فيه كالإطعام و الكسوة كما يقوله بعض العامة الذين لم يعتبروا النية إلا في الصوم من خصالها، ضرورة خروجه عن كلمات الأصحاب و قواعدهم.

و على كل حال فتردده في غير محله، و لذا جزم كل من قال بصحة يمينه بعدم صحة التكفير منه حال كفره، لكن قال: ذلك لا يمنع صحتها و ترتب الحنث


1- 1 المذكور في ص 258 الرقم 2.

ج 35، ص: 260

عليها و عقابه عليها لو مات كافرا.

و لا تنعقد من الولد مع والده إلا مع إذنه، و كذا يمين المرأة و المملوك إلا أن يكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح بلا خلاف في شي ء من ذلك في الجملة، بل عن الغنية الإجماع عليه، ل

خبر ابن القداح (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يمين لولد مع والده، و لا للمرأة مع زوجها، و لا للمملوك مع سيده»

و صحيح منصور ابن حازم (2)عنه عليه السلام أيضا قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة»

و نحوه خبره الآخر(3)عن أبي جعفر عليه السلام، و

خبر أنس بن محمد عن أبيه (4)عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام قال: «و لا يمين في قطيعة رحم، و لا يمين لولد مع والده، و لا امرأة مع زوجها، و لا للعبد مع مولاه».

و على كل حال فقد قيل: إن مقتضاها كالعبارة و نحوها عدم الصحة هنا، لأنه أقرب المجازات إلى نفي المهية بعد تعذر الحقيقة، مضافا إلى شهادة سياق

الصحيح (5)المتضمن لنفي النذر على المعصية المراد منه نفي الصحة إجماعا بذلك.

و من هنا كان عدم الصحة خيرة الفاضل في الإرشاد و ثاني الشهيدين في المسالك و غيرهما ممن تبعهما على ذلك، و لأن اليمين إيقاع و لا تقع موقوفة.

هذا و لكن قول المصنف متصلا بما سمعت و لو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك كان للأب و الزوج و المالك حل اليمين و لا كفارة ظاهر في الصحة بدون الاذن و إن كان له حلها، و كذا عبارته في النافع، بل و عبارة الدروس، بل في المسالك و عن المفاتيح نسبته إلى الشهرة، و حينئذ فلو مات الأب أو طلقت المرأة أو أعتق العبد قبل


1- 1 الوسائل الباب- 10- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب الايمان الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من كتاب الايمان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من كتاب الايمان الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من كتاب الايمان الحديث 2.

ج 35، ص: 261

الحل انعقدت و إن لم نشترط بقاء المبدأ في صدق المشتق، لكن من المعلوم عدم اشتراط الاذن في الابتداء بعد الموت و الفراق و العتق فكذا في استدامتها، بل يتحقق الحنث و الكفارة على هذا القول مع فرض عقدها حال عدم علمهم أو معه و لم يحلوا أو مضى وقت اليمين، إلى غير

ذلك مما لا يخفى عليك من الفرق بين القولين.

و لعل الأخير منهما أقرب، للعمومات الدالة على لزوم الوفاء باليمين، و لكن ضعفه في الرياض باختصاصها إجماعا بالأيمان الصحيحة، و كون اليمين منها في المسألة أول الكلام، و دعواه مصادرة، و على تقدير تسليمها تخصص بالمعتبرين (1)الظاهرين في نفي الصحة مفهوما و سياقا، و طرحهما و الاقتصار في التخصيص على المتيقن منه بالإجماع- و هو صورة المنع لا عدم الاذن- لا وجه له أصلا إلا على تقدير عدم العمل بأخبار الآحاد، أو بالخبرين خاصة باعتبار تضعيف أحدهما و وجود إبراهيم بن هاشم الذي لم ينص على توثيقه في الآخر، و أقصاه أنه حسن و ليس بحجة، و يضعف الجميع حجية الآحاد المعتبرة الإسناد، و جواز التخصيص بها للقطعيات كما برهن عليه في محله، و وثاقة إبراهيم على الرأي الصحيح، مع أن الخبر الذي هو حسن به مروي في الفقيه بطريق صحيح، و بالجملة فلا ريب في ضعف هذا القول و إن كان للأكثر.

قلت: فيه (أولا) أن تخصيص العمومات بالصحيحة يبطل الاستدلال في كل مقام عليها ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ(2)و نحوها، و (ثانيا) أنه قد يقال: إن ظاهر قوله:

«مع والده» نفيها مع معارضة الوالد، إذ تقدير وجوده ليس بأولى من تقدير معارضته، بل هذا أولى للشهرة و العمومات، بل قد يقال: إنه منساق من مثل التركيب المزبور، خصوصا مع ملاحظة أن منشأ ذلك تقديم طاعة الوالد و الزوج و السيد على أولئك، فيكون الحاصل أنه لا يمين للولد على فعل شي ء مع إرادة الوالد تركه سواء تقدمت أو تأخرت.


1- 1 الوسائل الباب- 10- من كتاب الايمان الحديث 1- 2.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 35، ص: 262

بل لو لم يكن هذا المراد لما كان وجه لاستثناء الاذن، ضرورة خلو النصوص المزبورة عن الصحة معها التي لا خلاف فيها بين الأصحاب، بل الإجماع ظاهرا عليها، و ليس إلا لأن المراد من التركيب المزبور ما ذكرناه، و معها لاحقا أو سابقا لا معارضة بين الولد و الوالد، و ليس ذا من الإيقاف في شي ء، بل أقصاه بقاء اليمين على مقتضى الصحة التي لم يتحقق معارضة المانع لها و هو النهي.

و من هنا كان فتوى أكثر الأصحاب على ذلك حتى المصنف و لا تناقض في كلامه، ضرورة كون المراد بأوله من عدم الانعقاد بقرينة آخره أن للوالد مثلا الحل، فهي يمين متزلزلة، و يصدق عليها أنها غير منعقدة، لا أن المراد من عدم انعقادها فسادها حتى يكون منافيا لتفريع الحل، بل لعل التأمل يقتضي القطع بكون المراد ذلك.

فمن الغريب غفلة هؤلاء المتأخرين عن ذلك مع أنه الأصح، و كذا غفلتهم عن حكم المستثنى، فإن متأخري المتأخرين أخذوا الأصحاب بأن وجهه غير واضح، لإطلاق النص، و عدم دليل على إخراج هذا الفرد، و تعين الفعل عليه وجودا و عدما لا يقتضي ترتب آثار انعقاد الحلف عليه حتى تترتب الكفارة على الحنث.

و أغرب من ذلك قوله في الرياض: «و يمكن أن يوجه كلام الجماعة بما لا ينافي ذلك، بأن يراد من الإحلال الأمر بترك ما حلف على فعله، أو فعل ما حلف على تركه، و نفي جواز الإحلال بهذا المعنى لا ينافي عدم انعقاد اليمين أصلا و ربما يشير إلى إرادة هذا المعنى عبارة الدروس الموافقة للعبارة في الاستثناء، حيث قال في كتاب النذر و للزوج حل نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب و ترك الحرام حتى في الجزاء عليهما، و كذا السيد لعبده، و الوالد لولده على الظاهر فتدبر».

إذ هو كما ترى مناف لما هو كالصريح في كلامهم من أن الاستثناء من الانعقاد لا من الإحلال.

بل الوجه في كلامهم عدم شمول النصوص المزبورة لهذا الفرد، ضرورة كون

ج 35، ص: 263

الحاصل منها تقديم طاعة الوالد مثلا لو نهى عن متعلق اليمين على ما يقتضيه اليمين من الإلزام، و هذا في غير الواجب و الحرام اللذين لا مدخلية للوالد فيهما، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالمراد حينئذ من نفي اليمين مع الوالد في الفعل الذي يتعلق بفعله إرادة الولد و تركه إرادة الوالد، و ليس المراد مجرد نهي الوالد عن اليمين الذي لا فرق فيه بين الواجب و الحرام و غيرهما، بل المراد ما عرفت مما لا يدخلان هما فيه، فيبقى اليمين و المتعلق بهما على مقتضى وجوب الوفاء باليمين، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و لعل الاشتباه في المقام نشأ من الاشتباه في المقام الأول، و من تخيل كون المانع من الحل الوجوب و الحرمة، فناقشوهم بما عرفت، و عبارة الدروس أجنبية عما ذكره.

هذا و في الكفاية «و لو ظهر الحنث قبل الاذن فالظاهر أنه لا كفارة عند الجميع» و فيه مالا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و كيف كان ف لو حلف بالصريح و قال لم أرد اليمين قبل منه، و دين بنيته لما عرفت من أعمية صراحة اليمين من العقد به، و ليست صراحته في الدلالة على العقد به بل هي في كونه يمينا، و هو أعم من العقد عليه، بل قد يقال:

لا يحكم عليه بكون اليمين عاقدة بمجرد وقوع الحلف الصريح منه و إن لم يقل ما لم تكن قرائن قطعية دالة على ذلك، و بذلك افترق اليمين عن العقد و الإيقاع المعتبر فيهما القصد أيضا و لكن صيغهما صريحة في إرادة العقد بهما.

كما أنه مما ذكرنا يظهر لك النظر فيما ذكره غير واحد من التعليل هنا للحكم المزبور بأن القصد من الأمور الباطنة التي لا يطلع عليها غيره، و لجريان العادة كثيرا بإجراء لفظ اليمين من غير قصد، بخلاف الطلاق، فإنه لا يصدق لتعلق حق الآدمي به، و عدم غلبة عدم القصد فيه، فدعواه عدم القصد خلاف الظاهر، اللهم إلا أن يتكلف إرجاعه إلى ما قلناه.

ثم قال في المسالك: «و لو فرض اقتران اليمين بما يدل على قصده كان دعوى

ج 35، ص: 264

خلافه خلاف الظاهر فيتجه عدم قبوله من هذا الوجه، و لكن مقتضى العلة الأول و إطلاق الفتوى القبول، و حق الله لا منازع فيه، فيدين بنيته».

قلت: ينبغي الجزم به مع فرض كون القرائن الظنية ظنا خارجا عن الحجية، لعدم كونه ناشئا من لفظ، كما أنه ينبغي عدم الالتفات إلى دعواه مع فرض كون القرائن قطعية، كما هو واضح.

[الأمر الثالث في متعلق اليمين]

اشاره

الأمر الثالث في متعلق اليمين و فيه مطالب

[المطلب الأول لا ينعقد اليمين على الماضي نافية أو مثبتة]

المطلب الأول: لا خلاف عندنا في أنه لا ينعقد اليمين على الماضي نافية أو مثبتة، و حينئذ لا يجب بالحنث فيها الكفارة و لو تعمد الكذب بل الإجماع بقسميه عليه، و هي المسماة بالغموس، لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار

قال الصادق عليه السلام (1): «اليمين على وجهين- إلى أن قال-: و أما التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم أو على حبس ماله»

و قال عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 9- من كتاب الايمان الحديث 3 و فيه « على مال امرئ مسلم أو على حقه ظلما» كما في الفقيه ج 3 ص 231 الرقم 1094.

ج 35، ص: 265

أيضا(1): «الأيمان ثلاثة: يمين ليس فيها كفارة، و يمين فيها كفارة، و يمين غموس توجب النار، فاليمين التي ليست فيها كفارة: الرجل يحلف على باب بر أن لا يفعله، فكفارته أن يفعله، و اليمين التي تجب فيها الكفارة: الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله فيفعله، فيجب عليه الكفارة، و اليمين الغموس التي توجب النار: الرجل يحلف على حق امرئ مسلم و حبس ماله»

إلى غير ذلك من النصوص، خلافا للشافعي فأوجب فيها الكفارة، و لا ريب في فساده عندنا.

و إنما ينعقد على المستقبل بشرط أن يكون واجبا كصلاة الفريضة و صومها أو مندوبا كصلاة النافلة و صومها أو ترك قبيح كزنا و نحوه أو ترك مكروه كالتغوط تحت شجرة مثمرة أو ترك مباح يتساوى فعله و تركه أو يكون الترك أرجح (2)بحسب الدنيا لا إذا كان الفعل أرجح فيها، فإنه لا ينعقد على الترك الذي هو المرجوح و مع انعقادها لو خالف أثم، و

لزمته الكفارة بلا خلاف و لا إشكال كما ستعرف.

و لو حلف على ترك ذلك أي ترك ما يكون فعله أرجح و لو بحسب الدنيا من المباح لم تنعقد و لم تلزمه الكفارة، مثل أن يحلف لزوجته أن لا يتزوج أو لا يتسرى مع أن فعلهما أرجح من تركهما دنيا أو دينا أو تحلف هي كذلك (11) أي أن لا تتزوج مع أن الزوج أرجح لها في الدنيا،

قال منصور بن حازم (3): «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة حلفت لزوجها بالعتاق و الهدى إن هو مات أن لا تتزوج بعده أبدا ثم بدا لها أن تتزوج، فقال: تبيع مملوكها، إني أخاف عليها الشيطان، و ليس عليها في الحق شي ء، فان شاءت أن تهدي هديا فعلت»

و هو و إن لم يكن يمينا بالله، مع احتماله و أن الجزاء العتاق و الهدى إلا أنه مشعر بما نحن


1- 1 الوسائل الباب- 9- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 و في الشرائع:« أو يكون البر أرجح».
3- 3 الوسائل الباب- 45- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 266

فيه و لو من جهة التعليل بخوف الشيطان بناء على أن المراد منه الخوف من ذلك إذا لم تتزوج على أنا في غنية عنه بما تسمعه من النصوص الدالة على عدم

انعقادها على مثل هذا مما هو مرجوح دنيا أو آخرة و لو تجدد له ذلك.

و كذا الكلام فيما ذكره المصنف من قوله أو تحلف أنها لا تخرج معه ثم احتاجت إلى الخروج

قال عبد الرحمن بن الحجاج(1): «سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة حلفت بعتق رقيقها و بالمشي إلى بيت الله أن لا تخرج إلى زوجها أبدا، و هو ببلد غير الأرض التي هي فيها، فلم يرسل إليها نفقة، و احتاجت حاجة شديدة و لم تقدر على نفقة، فقال عليه السلام: إنها و إن كانت غضبى فإنها حلفت حيث حلفت و هي تنوي أن لا تخرج إليه طائعة و هي تستطيع ذلك، و لو علمت أن ذلك لا ينبغي لها لم تحلف، فتخرج إلى زوجها، و ليس عليها شي ء في يمينها، فان هذا أبر».

كل ذلك مضافا إلى ما يدل (2)على عدم انعقاد اليمين في هذه الثلاثة، لكونه من المرجوح دنيا أو دينا من النصوص الاتية مع أنه لا أجد في شي ء منها خلافا كما اعترف به بعضهم، نعم لو فرض رجحان شي ء منها دنيا أو دينا لبعض العوارض انعقدت اليمين، كما عن الشيخ التصريح به في التسري، لعموم ما دل على انعقادها.

و ربما استفيد من عدم انعقاد اليمين لامرأته على ترك التزويج أنه لا يكره تزويج الثانية فصاعدا و إلا لانعقدت اليمين على تركه، و هو أصح القولين مع عدم العوارض.

و في قواعد الفاضل «إنما تنعقد اليمين على فعل الواجب أو المندوب أو المباح إذا تساوى فعله و تركه في المصالح الدينية أو الدنيوية، أو كان فعله أرجح، أو على ترك الحرام أو المكروه أو المرجوح في الدين و الدنيا من المباح، فإن


1- 1 الوسائل الباب- 45- من كتاب الايمان الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 18 و 26- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 267

خالف أثم و كفر، و لو حلف على فعل حرام أو مكروه أو مرجوح من المباح أو على ترك واجب أو مندوب لم تنعقد اليمين، و لا الكفارة بالترك، بل قد يجب الترك في فعل الحرام و ترك الواجب أو ينبغي كغيرهما مثل أن يحلف أن لا يتزوج على امرأته أو لا يتسرى» إلى آخره.

و في التحرير «متعلق اليمين إن كان واجبا كما إذا حلف أنه يصلي الفرائض أو يصوم شهر رمضان أو يحج حجة الإسلام أو لا يزني أو لا يظلم أو لا يشرب الخمر أو غير ذلك من الواجبات انعقدت اليمين، و يجب بالحنث فيهما الكفارة و كذا إن كان مندوبا، كما إذا حلف أنه يصلي النافلة أو يصوم تطوعا أو يتصدق ندبا أو يحج مستحبا لا فرق بينهما في الانعقاد و تعلق الكفارة مع الحنث، و إن كان مباحا كما إذا حلف أنه يدخل النار أو لا يدخلها أو يسلك طريقا دون آخر أو ما أشبه ذلك فان كان البر أرجح في الدنيا وجب الوفاء، فان حنث أثم و كفر، و كذا إن تساوى الفعل و الترك، و إن كان الترك أولى في الدنيا جاز الحنث و لا كفارة، و لم ينعقد اليمين، و إن كان مكروها مثل أن يحلف أن لا يفعل النوافل أو لا يتصدق تطوعا لم ينعقد اليمين، و لا كفارة مع الحنث، و إن كان محرما مثل أن يحلف ليقتلن مؤمنا أو ليفعلن الزنا أو ليقطعن رحمه أو ليهجرن المسلمين لم ينعقد اليمين، و يحرم البقاء عليها، و يجب الحنث و لا كفارة».

و في كشف اللثام في شرح عبارة القواعد المزبورة «و الإتيان بالواو هنا و في السابق بأو يعطي أنه يكفي في انعقاد اليمين على الفعل الرجحان أو التساوي دينا أو دنيا و إن كان مرجوحا في الآخر، و لا ينعقد على الترك إلا إذا كان مرجوحا فيهما، و الفرق غير ظاهر، بل إما المراد بالواو «أو» أو العكس، أو المراد في الأول التساوي في الدين خاصة تساوي في الدنيا أو رجح أو في الدنيا خاصة تساوي في الدين أو رجح، بأن لا يراد التساوي في أحدهما و المرجوحية في الآخر، و في الثاني المرجوحية فيهما جميعا أو بالتفريق، و المراد أن المناط في انعقاد اليمين على الفعل هو التساوي أو الرجحان في أحدهما، و على الترك هو المرجوحية في أحدهما

ج 35، ص: 268

و إن اشترط في الأول أن لا يكون مرجوحا في الآخر» انتهى محتاجا إلى التأمل.

و في الدروس «متعلق اليمين كمتعلق النذر، و لا إشكال هنا في تعلقها بالمباح، و مراعاة الأولى في الدنيا أو الدين و ترجيح مقتضى اليمين مع التساوي، و هذه الأولوية متبوعة و لو طرءت بعد انعقاد اليمين، فلو كان البر أولى في الابتداء ثم صار المخالفة أولى اتبع، و لا كفارة عندنا».

و في الكفاية «لا ريب أن متعلق اليمين إذا كان راجحا بحسب الدين و الدنيا انعقدت اليمين و إذا كان مرجوحا في الدين و الدنيا لم تنعقد، و الأصل فيه روايات متعددة، كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)و حسنة زرارة(2)التي لا تقصر عن الصحيحة، و صحيحة سعيد الأعرج (3)و غيرها، و الظاهر أن متعلق اليمين إذا

كان مرجوحا بحسب الدين لم تنعقد، و جاز تركه، و قد قطع به الأصحاب، و يستفاد ذلك من أخبار كثيرة، و يبقى الإشكال في الأمر الذي ترجح بحسب الدين و لم يبلغ حد الوجوب و ترجح تركه بحسب الدنيا لتعارض عموم الأخبار فيه، و ظاهر الأصحاب الانعقاد هنا، و يشكل نظرا إلى

قول أبي عبد الله عليه السلام في صحيحة زرارة(4): «كل ما كان لك فيها منفعة في أمر الدين أو دنيا فلا شي ء عليك فيها، و إنما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه مما يعد معصية أن لا تفعله ثم تفعله»

و الظاهر عدم انعقاد اليمين إذا كان متعلقها المباح الذي ترجح تركه بحسب الدنيا نظرا إلى

قول رسول الله صلى الله عليه و آله في صحيحتي سعيد الأعرج(5): «إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها»

و يؤيده صحيحة محمد بن مسلم (6)و صحيحة


1- 1 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان الحديث 2 عن أبى جعفر عليه السلام مع الاختلاف في اللفظ أيضا.
5- 5 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 1 بسندين.
6- 6 الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 269

عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)و مرسلة محمد بن سنان (2)و رواية لعبد الرحمن (3)و مرسلة ابن فضال (4)و رواية ابن بابويه عن الصادق عليه السلام مرسلا(5)و ما رواه عن سعيد بن الحسن (6)عنه عليه السلام و الاشكال ثابت في المباح الذي يتساوى طرفاه بحسب الدنيا، و قد قطع الأصحاب بالانعقاد هنا، و نقل إجماعهم على ذلك، و يشكل نظرا إلى رواية زرارة(7)و رواية حمران (8)و رواية عبد الله بن سنان (9)و رواية أبي الربيع الشامي (10)و ما رواه

الشيخ عن الحلبي (11)في الصحيح «كل يمين لا يراد بها وجه الله فليس بشي ء في طلاق و لا غيره».

و في اللمعة «و متعلق اليمين كمتعلق النذر» و في الروضة «في اعتبار كونه طاعة أو مباحا راجحا دنيا أو دينا أو متساويا، إلا أنه لا إشكال هنا في تعلقها بالمباح، و مراعاة الأولى فيهما، و ترجيح مقتضى اليمين مع التساوي» إلى غير ذلك من عباراتهم المتفقة ظاهرا في

انعقاد اليمين على المباح المتساوي فعلا و تركا على فعله أو تركه، فضلا عما إذا كان الحلف في أحدهما مع فرض رجحانه بحسب المصالح الدنيوية.

نعم لا ينعقد على المرجوح منه دنيا على إشكال فيه

، للمرسل عن بعض أصحابنا(12)عن أمير المؤمنين عليه السلام «في رجل حلف أن يزن الفيل فأتوه به


1- 1 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 8.
6- 6 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 10 عن سعد بن الحسن.
7- 7 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 3.
8- 8 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 2.
9- 9 الوسائل الباب- 11- من كتاب الايمان الحديث 7.
10- 10 الوسائل الباب- 11- من كتاب الايمان الحديث 8.
11- 11 الوسائل الباب- 14- من كتاب الايمان الحديث 5.
12- 12 الوسائل الباب- 46- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 270

فقال عليه السلام: لم يحلفون بما لا يطيقون؟ فقلت: قد ابتليت، فأمر بقرقور- أي سفينة طويلة- فيه قصب فأخرج منه قصب كثير، ثم علم صبغ الماء بقدر ما عرف صبغ الماء قبل أن يخرج القصب، ثم صير الفيل حتى رجع إلى مقداره الذي كان انتهى إليه صبغ الماء أولا ثم أمر بوزن القصب الذي أخرج، فلما وزنه قال:

هذا وزن الفيل».

و قال عليه السلام (1)أيضا: «في رجل مقيد حلف أن لا يقوم من موضعه حتى يعرف وزن

قيده، فأمر فوضعت رجله في إجانة فيها ماء حتى إذا عرف مقداره مع وضع رجله فيه. ثم رفع القيد إلى ركبتيه ثم عرف مقدار صبغه، ثم أمر فألقي في الماء الأوزان حتى رجع الماء إلى مقدار ما كان من الماء في القيد، فلما صار الماء على ذلك الصبغ الذي كان و القيد في الماء نظر كم الوزن الذي ألقي في الماء، فلما وزنه قال: هذا وزن قيدك».

و قال(2): «كان رجل جالس و بين يده خمسة أرغفة و جاءه رجل و معه ثلاثة أرغفة فألقاها معه، فجاء رجل لا شي ء معه، فجلس معهما يأكلون فلما فرغوا ألقي إليهما ثمانية دراهم و مضى، فقال صاحب الخمسة لصاحب الثلاثة: خذ ثلاثة دراهم و امض فقال: لا أرى دون النصف، فقال: لا تفعل فحلف أنه لا يرضى دون النصف و ارتفعا إلى أمير المؤمنين عليه السلام و قصا عليه قصتهما، فقال: كم لك؟ قال: ثلاثة، خمسة، فقال: هذه خمسة عشر، أي ثلاثا، و قال للآخر: كم لك؟ قال: ثلاثة، فقال: هذه تسعة، و ذلك أربعة و عشرون، نصيب كل واحد منهما ثمانية، فلصاحب الثلاثة تسعة، قد أكلت ثمانية، فإنما بقي لك واحد، و لصاحب الخمسة خمسة عشر أكل ثمانية و بقي له سبعة».

و نقلناه بطوله لاشتماله على كرامة لحلال المشكلات، و المراد انعقاد اليمين


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب كيفية الحكم الحديث 8 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 35، ص: 271

على وزن الفيل و القيد و نحوهما مما هو مرجوح بحسب الدنيا. اللهم إلا أن يقال بعدم منافاة مثل ذلك للانعقاد.

و أما الراجح دينا من الواجب و المندوب و ترك الحرام و المكروه فلا إشكال في انعقاده عليه، كما لا إشكال في عدم انعقاده على نقيضه، و لا مدخلية للمصالح الدنيوية في ذلك، فان الآخرة خير و أبقى.

و لعل ما ذكرناه هو المحصل من مجموع النصوص،

قال محمد بن مسلم(1): «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الأيمان و النذور و اليمين التي هي لله طاعة فقال:

ما جعل لله عليه في طاعة فليقضه، فان جعل لله شيئا من ذلك ثم لم يفعل فليكفر عن يمينه، و أما ما كان يمينا في معصية فليس بشي ء»

و يمكن إرادة ما يشمل ترك المندوب و فعل المكروه من المعصية فيه و لو

بقرينة المقابلة للطاعة الشاملة للواجب و المندوب و ترك الحرام و المكروه.

و في مرسل الصدوق (2)قال الصادق عليه السلام: «اليمين على وجهين: أحدهما أن يحلف على شي ء لا يلزمه أن يفعله، فحلف أنه يفعل ذلك الشي ء، أو يحلف على ما يلزم أن يفعله، فعليه الكفارة إذا لم يفعله».

و لا ريب في شموله للمباح المتساوي و الواجب.

و قال الصادق عليه السلام أيضا في خبر ميسرة(3): «اليمين التي تجب فيها الكفارة ما كان عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ففعلته فليس عليك شي ء، لأن فعلك طاعة لله، و ما كان عليك أن لا تفعله فحلفت أن لا تفعله ففعلته فعليه الكفارة»

و لا ريب في شموله للحلف على ترك الحرام إن لم يكن مختصا به.

بل ظاهر

خبر زرارة(4)عن أبي جعفر عليه السلام حصر الكفارة فيه، قال:

«كل يمين حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا فلا شي ء عليك فيها، و

إنما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه فيما فيه لله معصية إن لم تفعله ثم تفعله»


1- 1 الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان الحديث 2.

ج 35، ص: 272

و إن كان من المعلوم نصا و فتوى كون الحصر فيه إضافيا إلا أنه دال على عدم انعقاد اليمين على المرجوح دنيا أو دينا.

و كذا

خبره الآخر(1)عنه عليه السلام أيضا «كل يمين حلفت عليها أن لا تفعلها مما له فيه منفعة في الدنيا أو الآخرة فلا كفارة عليه، و إنما الكفارة في أن يحلف الرجل و الله لا أزني و الله لا أشرب الخمر، و الله لا أسرق، و الله لا أخون، و أشباه هذا، أو لا أعصي ثم فعل، فعليه الكفارة فيه».

و في

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (2)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

ليس كل يمين فيها كفارة، فأما ما كان منها مما أوجب الله عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله فليس عليك فيه الكفارة، و أما ما لم يكن مما أوجب الله عليك أن

تفعله فحلفت أن لا تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة»

و هو شامل للمباح، كما أن صدره دال على عدم انعقاد اليمين على ترك الواجب خاصة أو مع المندوب.

و في

خبر حمران (3)«قلت لأبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام: اليمين التي تلزمني فيها الكفارة، فقال: ما حلفت عليه مما لله فيه طاعة أن تفعله فلم تفعله فعليك فيه الكفارة، و ما حلفت عليه مما لله فيه المعصية فكفارته تركه، و ما لم يكن فيه معصية و لا طاعة فليس هو بشي ء»

و صحيح زرارة(4)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أي شي ء الذي فيه الكفارة من الأيمان؟ فقال: ما حلفت عليه مما فيه البر فعليك الكفارة إذا لم تف به، و ما حلفت عليه مما فيه المعصية فليس عليك فيه الكفارة إذا رجعت عنه، و ما كان سوى ذلك مما ليس فيه بر و لا معصية فليس بشي ء».

و صحيحه الآخر(5)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عما يكفر من الأيمان،


1- 1 الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 4.

ج 35، ص: 273

فقال: ما كان عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ففعلته فليس عليك شي ء إذا فعلته، و ما لم يكن عليك واجبا أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة».

و نحوه صحيحه الآخر(1)عن أبي جعفر عليه السلام و لا ريب في شموله للمباح المتساوي.

و في

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2)عن الصادق عليه السلام «سألته عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام ليأكل فلم يطعم هل عليه في ذلك الكفارة؟

و ما اليمين التي تجب فيها الكفارة؟ فقال: الكفارة في الذي يحلف على المتاع أن لا يبيعه و لا يشتريه ثم يبدو له، فيكفر عن يمينه، و إن حلف على شي ء و الذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير، و لا كفارة عليه، إنما ذلك من خطوات الشيطان»

و هو كالصريح في المباح أيضا.

و قال الرضا عليه السلام في صحيح البزنطي (3): «إن أبي عليه السلام كان حلف عن بعض أمهات أولاده أن لا يسافر بها فان سافر بها فعليه أن يعتق نسمة تبلغ مائة دينار، فأخرجها معه، و أمرني فاشتريت نسمة بمائة دينار فأعتقها»

و في كشف اللثام و هو و إن احتمل لكون الحلف فيه هو أنه إن سافر فعليه العتق، لكن الظاهر خلافه، و الظاهر أنه لو لم يكن ينعقد لما حلف.

كما أن

خبر زرارة(4)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت: الرجل يحلف بالأيمان المغلظة أن لا يشتري لأهله شيئا، قال: فليشتر لهم، و ليس عليه شي ء في يمينه»

من الحلف على المرجوح و لو دنيا أو مما خلاف يمينه خير مما حلف عليه.


1- 1 أشار إليه في الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 4 و ذكره في الكافي ج 7 ص 447.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من كتاب الايمان الحديث 2.

ج 35، ص: 274

و كذا

خبر محمد العطار(1)قال: «سافرت مع أبي جعفر عليه السلام إلى مكة فأمر غلامه بشي ء، فخالفه إلى غيره فقال أبو جعفر عليه السلام: و الله لأضربنك يا غلام فقال:

فلم أره ضربه، فقلت: جعلت فداك إنك حلفت لتضربن غلامك فلم أرك ضربته فقال: أ ليس الله يقول وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى»(2)

إلى غير ذلك من النصوص الدالة منطوقا و مفهوما على انعقاده على المباح المتساوي، و منها ما تسمعه من النصوص (3)المشتملة على اشتراط انحلال اليمين بما إذا كان خلافه خيرا منه.

مضافا إلى قوله تعالى (4)«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ؟ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ» و إلى اتفاق الأصحاب ظاهرا كما اعترف به في الدروس و الروضة و المسالك و غيرهما، بل في كشف اللثام و عن الغنية دعواه صريحا.

فما سمعته من اللمعة- من اعتبار كون متعلق اليمين كمتعلق النذر- واضح الضعف و إن تبعه في الكفاية، كما سمعته لبعض النصوص (5)التي يجب طرحها في مقابلة ما عرفت.

بل في كشف اللثام «أنه يمكن أن يقال في خبري حمران (6)و زرارة(7)أنه إذا انعقدت اليمين على شي ء كان فيه البر و

الطاعة لله، فمعنى هذه الأخبار أنه لا يتحقق يمين على شي ء لا يكون فيه بر و لا طاعة و لا معصية، فإنه إن تساوى أو ترجح الفعل أو الترك دينا أو دنيا فإذا حلفت عليه انعقدت اليمين و وجب الوفاء،


1- 1 الوسائل الباب- 38- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 237.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان.
4- 4 سورة التحريم: 66- الآية 1 و 2.
5- 5 التي تقدمت الإشارة إليها في ص 268 و 269.
6- 6 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 24- من كتاب الايمان الحديث 3.

ج 35، ص: 275

فكان فيه البر و الطاعة» و إن كان هو كما ترى كتأويلهما و غيرهما بما إذا كان خلاف المحلوف عليه خيرا، فالأولى طرحها لقصورها عن المعارضة و لو بالتقييد أو التخصيص من وجوه، أو يحمل القابل منها على إرادة النذر من اليمين، لإطلاقه عليه في كثير من النصوص (1)و يطرح غيره، خصوصا صحيح الحلبي (2)منها الدال على اعتبار نية القربة في اليمين المحتمل أيضا لأن يراد من وجه الله فيه أن يكون يمينه باسم الله لا بالطلاق و العتاق.

و كذا لا وجه لما سمعته من الكفاية من الإشكال في انعقاد اليمين على الراجح في الدين و لم يبلغ حد الوجوب المرجوح في الدنيا- و حكي عنه في الرياض أو بالعكس و إن خلت منه ما عندنا من نسختها-

بدعوى تعارض عموم الأخبار فيه بعد أن اعترف أن ظاهر الأصحاب الانعقاد فيه، و هو كذلك.

و الخبران اللذان ذكرهما و استشكل في الحكم المزبور من جهتهما لا دلالة فيهما على صورة التعارض المزبور الذي لا وجه له، ضرورة عدم معارضة المصالح الدنيوية للرجحان الآخروي إلا إذا فرض رجوع تلك المصالح إلى الآخرة أيضا على وجه يكون الراجح بسببها مرجوحا، فيندرج فيما تسمعه من النصوص (3)المعتضدة بالفتاوي الدالة على انحلال اليمين إذا فرض أن خلاف متعلقها خير منه.

و لذا صرح في المسالك بأنه على القول بكراهة التزويج على امرأته يحتمل انعقاد اليمين مع كون الحالف ممن تنعقد اليمين في حقه لعارض اقتضى


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 4 و الباب- 8- منه الحديث 4 و الباب- 17- منه الحديث 4 و 11 و الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 5 و الباب- 3- من أبواب المتعة الحديث 1 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من كتاب الايمان الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 276

رجحان تجويزه كما فرضوا اليمين على ترك كثير من الأمور الراجحة بمجرد العوارض.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في عدم الحنث و عدم الكفارة إذا كان خلاف اليمين خيرا منها،

قال سعيد الأعرج (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحلف على اليمين فيرى أن تركها أفضل و إن لم يتركها خشي أن يأثم، قال: يتركها، أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه و آله: إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها»

و في مرسل محمد بن سنان (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فأتى ذلك فهو كفارة يمينه و له حسنة»

و مرسل ابن فضال (3)عنه عليه السلام أيضا «من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها فليأت الذي هو خير منها و له حسنة»

إلى غير ذلك من النصوص التي مر بعضها المعتضدة بفتاوى الأصحاب من غير خلاف فيه بينهم فيما أجد، و كلام الأصحاب في ملاحظة الرجحان الدنيوي من حيث هو كذلك إنما هو في المباح لا في معارضة الرجحان الأخروي، كما أن خبريه (4)إنما هما في عدم انعقاد اليمين المتضمنة خلاف منفعة دنيوية أو أخروية، لكونه حينئذ من المباح المرجوح دنيا أو خلاف الواجب أو المندوب أو فعل حرام أو مكروه، و الكل قد عرفت عدم انعقاد اليمين عليه، و ليس فيهما تعرض لصورة المعارضة التي فرضها،

كما هو واضح بأدنى تأمل، خصوصا مع ملاحظة ما اعترف به من فتوى الأصحاب.

و كذا الكلام في خبري أبي الربيع الشامي (5)و

عبد الله بن سنان (6)عن الصادق عليه السلام «أنه لا تجوز يمين في تحليل حرام و لا تحريم حلال و لا قطيعة رحم»

المحمولين على الحلف على خلاف الراجح و لو دنيا أو على غير ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان الحديث 2 و 3.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من كتاب الايمان الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من كتاب الايمان الحديث 7.

ج 35، ص: 277

نعم ما سمعته من النصوص (1)و غيرها ظاهر في عدم انعقاد اليمين على ذلك حتى في صورة التجدد بمعنى أنه كان عند اليمين راجحا ثم صار مرجوحا دنيا أو آخرة كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا.

إنما الكلام في عود مقتضى اليمين إذا عاد الرجحان و عدمه، ففي الروضة «و في عود اليمين بعودها بعد انحلاله وجهان، أما لو لم تنعقد ابتداء للمرجوحية لم تعد و إن تجددت بعد ذلك، مع احتماله».

قلت: لا ريب في ضعفه، لظهور النصوص في عدم انعقاده من أول الأمر و أنه ليس

بشي ء، بل لعلها ظاهرة أيضا في أن المتجدد كذلك أيضا و إن جزم البهائي بعوده مع عودها و عدم وقوع المخالفة منه، لكن الأقوى خلافه، لما عرفت و للأصل و غيرهما.

بقي شي ء و هو الإجمال في خيرية خلاف اليمين التي تقتضي بعدم الحنث و عدم الكفارة هل هو نقيض اليمين كالترك بالنسبة إلى الفعل و بالعكس أو الأعم منه و من أضدادها؟ مثل أن يحلف على أن يعطي لزيد كذا و كان عطاؤه لعمرو مثلا خيرا له من عطائه لزيد، بل الإجمال في نفس الخيرية أيضا، ضرورة أن عدم الوفاء بالحلف على مال أو عمل مع فرض عدم رجحان فيه خير له من الوفاء لبقاء ماله في يده و عدم تحمله مشقة التعب في العمل، و لكن يسهل الخطب أن الضابط وجوب الوفاء في جميع محال الشك، لعموم ما دل (2)على وجوب الوفاء به.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه لا ينعقد اليمين على فعل الغير كما لو قال و الله لتفعلن و هي المسماة بيمين المناشدة فإنها لا تنعقد في حق المقسم عليه و لا المقسم، للأصل و غيره، و خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3)عن الصادق عليه السلام المتقدم سابقا، و

خبر حفص و غيره (4)عنه عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 18 و 23 و 24- من كتاب الايمان.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 1 و 89 و الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان.
3- 3 الوسائل الباب- 42- من كتاب الايمان الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 278

«أنه سئل عن الرجل يقسم على أخيه قال: ليس عليه شي ء إنما أراد إكرامه».

و ما في

مرسل ابن سنان (1)عن علي بن الحسين عليهما السلام «إذا أقسم الرجل على أخيه فما يبر قسمه فعلى المقسم كفارة يمين»

مع إرساله محمول على الندب، بل قيل يحتمل أن يراد بالقسم عليه أنه أقسم عنه، كأن يقول: «و الله ليأتيني اليوم زيد» لظنه إجابته فلم يجب، أو يحمل على التقية، فإن المحكي عن بعض العامة وجوبها عليه.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه لا ينعقد على مستحيل عقلا أو شرعا أو عادة كقوله: «و الله لأصعدن إلى السماء» بل تقع لاغية بل عن الخلاف الإجماع عليه، لأن الاستحالة تنافي نية الحلف عليه، إلا أن لا يكون عالما بالاستحالة حين الحلف، كأن يقول: «لأقتلن زيدا» و كان قد مات و هو لا يعلم، بل قد سمعت دلالة النصوص (2)على

أنها إنما تنعقد فيما فيه بر أو طاعة و نحو ذلك مما يدل على أنها إنما تنعقد على ما يمكن وقوعه بالشرط السابق، و يراد باليمين عليه الالتزام بوقوعه.

بل لو حلف على ممكن و تجدد العجز مستمرا إلى انقضاء وقت المحلوف عليه أو أبدا إن لم يقيد بوقت انحلت اليمين. كأن يحلف ليحج في هذه السنة فيعجز فيها إلا أن يكون المحلوف عليه متسع الوقت و فرط بالتأخير، و لو تجددت القدرة بعد العجز في غير المقيد بالوقت أو فيه قبل خروجه وجب بلا خلاف و لا إشكال، و هو غير عود الرجحان، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب- 42- من كتاب الايمان الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 23 و 24- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 279

[المطلب الثاني في الأيمان المتعلقة بالمأكول و المشرب]
اشاره

المطلب الثاني في الأيمان المتعلقة بالمأكول و المشرب، و فيه مسائل:

[المسألة الأولى إذا حلف لا يشرب من لبن عنز له و لا يأكل من لحمها لزمه الوفاء]

الأولى:

إذا حلف لا يشرب من لبن عنز له و لا يأكل من لحمها لزمه الوفاء مع فرض الرجحان و لو دنيا أو المساواة و بالمخالفة الكفارة إلا مع الحاجة إلى ذلك ابتداء، فلا ينعقد، لكونه مرجوحا أو في الأثناء، فينحل لما عرفته سابقا و أولى منه لو كان الأكل راجحا دينا كالهدي و الأضحية.

نعم مع الانعقاد لا يتعداها التحريم لعدم شمول اللفظ عرفا إلى غيرها مما ولدته.

و قيل و القائل الشيخ و أتباعه و ابن الجنيد على ما حكي عنهم يسري التحريم إلى أولادها على رواية قد رواها

عيسى بن عطية(1)«قلت لأبي جعفر عليه السلام: إني آليت أن لا أشرب من لبن عنزي و لا آكل من لحمها، فبعتها و عندي من أولادها فقال: لا تشرب من لبنها و لا تأكل من لحمها فإنها منها»

و فيها ضعف في السند جدا و لا جابر، بل أعرض عنها المتأخرون، فلا بد من طرحها أو حملها علي إرادة ما يشمل ذلك من يمينه.

بل لا حنث في الفرض بالجبن و الأقط و السمن و الزبد و الكشك منها منفردة و ممزوجة بعضها ببعض، لعدم الصدق، إذ اليمين عند الإطلاق تنصرف إلى مدلول اللفظ حقيقة، و في تقديم العرفية على اللغوية أو بالعكس البحث المعلوم، و الحق


1- 1 الوسائل الباب- 37- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 280

تقديم العرفية مع الإطلاق.

نعم لو نوى الحالف خلاف الظاهر كنية العام بالخاص، أو المطلق بالمقيد، أو المجاز بالحقيقة، أو بالعكس في الثلاثة صح، كمن حلف لا يأكل اللحم و قصد الإبل، أو لا يأكل لحما و قصد الجنس، أو ليعتقن رقبة و قصد مؤمنة، أو ليعتق رقبة مؤمنة و قصد مطلق الرقبة، أو لا شربت له ماء من عطش و قصد قطع كل ماله فيه منه.

أما لو نوى مالا يحتمل اللفظ كما لو نوى بالصوم الصلاة ففي الدروس و القواعد «لغت اليمين فيهما» و لعله لأن غير المنوي لا يقع، لعدم قصده، و لا المنوي لعدم النطق به، و فيه نظر، لإطلاق قولهم: «إن اليمين على ما في الضمير» المقتصر في الخروج منه على المتيقن إن كان، و هو حيث لا يذكر ما يراد منه و لو بالاستعمال الغلط، و أما هو فباق على إطلاق الأدلة التي منها

«من حلف على شي ء»(1)

و نحوه و خصوصا إذا كان اللافظ ممن لا يحسن العربية مثلا، و نحوه الألفاظ الملحونة مادة.

بل لعل مشروعية التورية على الضوابط باعتبار أن الحلف على ما في الضمير، فله أن يذكر شيئا و يريد منه أمرا آخر غير ما اقترحه عليه إن أريد رفعه بالتورية، إلا إذا كان مظلوما، فان اليمين حينئذ على ما في ضميره لا ضمير الظالم الحالف، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 2 و 3 و في الأول« إذا حلف الرجل على شي ء» و في الثاني« من حلف على شي ء».

ج 35، ص: 281

[المسألة الثانية إذا حلف لا آكل طعاما اشتراه زيد لم يحنث بأكل ما يشتريه زيد و عمرو]

المسألة الثانية:

إذا حلف لا آكل طعاما اشتراه زيد لم يحنث بأكل ما يشتريه زيد و عمرو وفاقا للشيخ و الأكثر، لأن الشراء عقد واحد، فإذا اشترك فيه اثنان و لم ينفرد أحدهما به اختص كل واحد في العرف بنصفه، فلم يكمل الصفقة لأحدهما، فلم يقع الحنث، لأن الأسماء في الأيمان تتبع العرف و حينئذ فليس له جزء يقال: إن زيدا انفرد بشرائه، بل كل جزء يقال: إنه اشتراه زيد و عمرو، فهو كما لو حلف «لا لبست ثوب زيد» فلبس ثوبا لزيد و عمرو، أو قال:

«لا دخلت دار زيد» فدخل دارا لزيد و عمرو، و كذا الكلام في كل فعل أضيف إلى معين فشاركه غيره فيه، كما لو حلف على ثوب نسجه زيد فشاركه في نسجه عمرو، أو ثوب غزلته هند فشاركتها زينب مثلا.

و ربما احتمل في الفرض الحنث، بل عن المبسوط أنه قواه كسابقه، لأنهما لما اشترياه كان كل منهما قد اشترى نصفه عرفا، و من ثم كان على كل واحد نصف ثمنه، و لذا ثبت لكل منهما الخيار في الحيوان و المجلس و غيرهما، كما أنه ثبت لكل منهما جميع أحكام المشتري و البائع و لعله بذلك يفرق بين الشراء و النساجة و الغزل، و حينئذ فإن كان لزيد نصفه فقد أكل من طعام اشتراه زيد، و لعله لا يخلو من قوة.

و منه يعلم ما في دعوى أنه لا يلزم من لزوم كل واحد نصف ثمنه أن يكون مشتريا لنصفه، و إنما الواقع أن كل واحد منهما نصف مشتر لجميعه لا مشتر تام لنصفه، ضرورة منافاته للصدق العرفي الذي هو المناط.

و كذا يعلم ما في التشبيه بالثوب و الدار اللذين لا يخفى الفرق بينهما بأن بعض القميص ليس قميصا و بعض الدار ليس بدار، و الحال أن زيدا لم يشتر جميع القميص و جميع الدار، بخلاف الطعام الذي يقع اسمه على القليل و الكثير، على أن اتحاد

ج 35، ص: 282

العقد لو اقتضى كون المشتري لمجموعهما لكان كذلك حتى مع الشراء لا على الإشاعة بعقد واحد مع إشاعة الثمن و عدمها، و العرف بخلافه.

ثم إنه على الأول فالحكم كذلك و لو اقتسماه على تردد كما عن المبسوط ينشأ من أن القسمة تمييز لما اشتراه زيد عما اشتراه عمرو، فيصدق على ما حصل لكل واحد منهما أنه الذي اشتراه، و من أن الذي اشتراه غير معين و ما حصل له بالقسمة معين، فهذا ليس هو الذي اشتراه بعينه، فلا يحنث به، و ليست القسمة بيعا و إن اشتملت على رد، و لا نسلم أن القسمة تمييز ما اشتراه، بل تمييز حقه من المشترك بينهما بالشراء المشترك، و لعله الأقوى، و يمكن إرجاع تردد المصنف إلى أصل المسألة، فلا يكون مختاره الأول، فتأمل.

و لو اشترى كل واحد منهما طعاما منفردا و خلطاه قال الشيخ:

إن أكل زيادة عن النصف حنث مع فرض تساويهما، لأنه بالزيادة عن النصف يعلم أنه أكل ما اشتراه زيد. و هو حسن بناء على أن مدار العلم بتحقق المحلوف عليه، فمع فرض كون الخلط على وجه لا يتحقق معه ذلك إلا بالزيادة على النصف اتجه الوقوف معه و إلا فلا.

و أما دعوى عدم الحنث حتى لو أكله كله لأنه لا يمكن الإشارة إلى شي ء منه بأنه اشتراه زيد فصار كما لو اشتراه زيد مع غيره بتقريب ما تقدم فهي واضحة الفساد، ضرورة عدم توقف الصدق على الإشارة المزبورة، و فرق واضح بينه و بين المشبه به.

و أضعف منه ما عن ابن البراج من الحنث بالأكل منه مطلقا محتجا بأنه لا يقطع على أنه يأكل من طعام زيد إذ هو كما ترى، ضرورة كون الحنث منوطا بالقطع بأكل ما اشتراه زيد الذي هو متعلق اليمين، لا عدم القطع بأنه لم يأكل منه.

و أما التفصيل- بأنه إن أكل من المخلوط قليلا يمكن أن يكون مما اشتراه

ج 35، ص: 283

الأخر كالحبة و الحبتين من الحنطة لم يحنث، و إن أكل قدرا صالحا كالكف و الكفين حنث، لأنه يتحقق عادة أن فيه ما اشتراه زيد، و إن لم يتعين لغا- فليس مخالفا لما ذكرناه بل مرجعه إلى دعوى التحقيق.

و كذا التفصيل بأن الطعام إن كان مائعا كاللبن و العسل و ما يشبه ذلك كالدقيق حنث بأكل قليله و كثيره، لامتزاجه و اختلاط جميع أجزائه بعضا لبعض، فأي شي ء أكله يعلم أن فيه أجزاء مما اشتراه زيد، و إن كان متميزا كالرطب و الخبز لم يحنث حتى يأكل أكثر مما اشتراه عمرو، لدخول الاحتمال في المتميز و انتفائه عن الممتزج، فان مرجعه أيضا إلى ما ذكرناه و إن اختاره الفاضل في المحكي عن مختلفه. و من ذلك يعلم ما في المسالك من ذكر وجوه خمسة في المسألة.

و و مما ذكرناه يعلم الحال فيما لو حلف لا يأكل تمرة معينة فوقعت في تمره فإنه لم يحنث إلا بأكله أجمع أو تيقن أكلها أجمع فإنه الذي يحنث به، إذ أكل بعضها ليس أكلا لها، و كذا الكلام في أكل الرمانة و عدمه بالنسبة إلى الحبة، إلا أن يكون عرف يقتضي الصدق.

و على كل حال ف لو تلف منه تمرة لم يحنث بأكل الباقي مع الشك في كونها فيه، لعدم العلم حينئذ بأكل المحلوف عليها، و لو فرض العلم بدون ذلك اتبع، كما لو كانت من جنس مخصوص و وقعت في أجناس مختلفة، فأكل مجموع جنس المشتبه فيه المحلوف عليه حنث، كما هو واضح. و على كل حال فوجوب الاجتناب من باب المقدمة لا مدخلية له في الحنث، كما هو واضح.

لكن في المسالك بعد أن ذكر ما سمعت قال: «و الفرق بين هذا و بين ما لو اشتبهت الحليلة بنساء أجنبيات حيث حكموا بتحريم الجميع، أو اشتبهت أجنبية بزوجاته أن الأصل في النكاح تحريم ما عدا الحليلة، فما لم تعلم بعينها يحرم النكاح عملا بالأصل إلى أن يثبت السبب المبيح، بخلاف التمرة المحلوف عليها، فإن

ج 35، ص: 284

أمرها بالعكس، إذ الأصل جواز أكل التمرة إلا ما علم تحريمه بالحلف، فما لم يعلم يبقى على أصل الحل، و كذا القول في نظائره من الأعداد المشتبهة بغيرها المخالف لها في الحكم، فإنه يعمل فيه بالأصل من حل و حرمة و طهارة و نجاسة، هذا من حيث الحنث و عدمه، و هل حل التناول ملازم لعدم الحنث؟ المشهور ذلك، و هو الذي أطلقه المصنف، و استقرب العلامة وجوب اجتناب المحصور الذي لا يشق تركه، لأنه احتراز عن الضرر المظنون، و لا جرح فيه، و يؤيده

قوله صلى الله عليه و آله(1): «ما اجتمع الحلال و الحرام إلا غلب الحرام الحلال».

و فيه مالا يخفى إن كان مراده مدخلية الحنث في ذلك، ضرورة عدم حصوله و إن قلنا بالوجوب من باب المقدمة، حتى لو اشتبهت الامرأة المحلوف عليها في غيرها إلا مع نكاح الجميع، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فإن أكله اليوم حنث]

المسألة الثالثة:

إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا ف لا إشكال في الحنث إذا أخره عنه اختيارا، و عدمه إذا أكله فيه، بل جزم المصنف تبعا للمحكي عن الخلاف و المبسوط و الجامع بأنه إن أكله اليوم حنث، لتحقق المخالفة، و يلزمه التكفير معجلا لاندراجه فيما دل على ذلك من الكتاب (2)و السنة(3)بل التوقيت كما يقتضي نفي الفعل فيما بعد الوقت المقدر يقتضيه قبله، فكأنه حلف أن لا يأكله قبل الغد و لا بعده، فكما يحنث بالتأخير يحنث بالتقديم، لأن معناه لا آكله إلا غدا.

و حينئذ فما أشكله به بعضهم- من أن الحنث لا يتحقق إلا بمخالفة اليمين بعد انعقادها، و لم يحصل قبل الغد الذي هو تمام سبب الوجوب، فلا يحصل المسبب


1- 1 البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 89.
3- 3 الوسائل الباب- 23 و 24- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 285

قبله، و بإمكان موته قبل مجي ء الغد فيسقط، و لأن تعليقه الأكل على مجي ء الغد تعليق بما لا يقدر عليه الحالف، فكيف يحنث قبل حصوله؟ و من هنا جزم الكركي و تبعه ثاني الشهيدين بمراعاة وجوبها ببقائه إلى الغد، و تمكنه من أكله لو كان موجودا- لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ثم قال الثاني: و ربما بني الحكم على جواز التكليف مع علم الأمر بانتفاء شرطه، و قد مر البحث فيه في الصوم إذا طرأ المانع في أثناء النهار و قد أفسده قبله باختياره (1)، و قد يفرق بين المقام و بينه بأنه هنا لم يتم سبب الوجوب قطعا، لتعليق اليمين على أمر متجدد و لم يحصل بعد، بخلاف مسألة الصوم المفروضة فيما إذا اجتمعت الشرائط و تم السبب، و إنما طرأ بعد ذلك ما أبطله، فلا يبعد القول بوجوب الكفارة، لاجتماع شرائط التكليف في ابتداء الفعل بخلاف محل الفرض.

إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة تحقق مخالفة اليمين و صدقها المقتضية للحنث و التكفير حتى لو مات قبل الغد، لأنه

مكلف بأكله في الغد الذي هو قيد في الحقيقة للمأمور به لا الأمر، بل لا يكاد ينكر كون المراد من نحو المثال عرفا «إني لا آكله إلا غدا» و إن تحقق الحنث بأكله اليوم و وجب التكفير معجلا فهو ليس من قبيل الموقت، و لأن المراد منه إن جاء غد لأكلته، فلا وجه لتشبيهه بالصوم و نحوه، بل لو كان هو الصوم التي من شرائط التكليف به أيضا عدم حصول البطلان في أثنائه فقد ذكرنا وجوب الكفارة عليه أيضا، و ليس إلا للصدق عرفا المتحقق في المقام، و لولاه لم يكن وجه لوجوبها عليه، و إن بقي على صفات التكليف إلى غد الذي فرض أنه من سبب الوجوب فقبله لا تكليف فلا حنث، فما سمعته من الكركي و ثاني الشهيدين من المراعاة واضح الضعف، فتأمل.

و كذا الكلام لو هلك الطعام قبل الغد أو في الغد بشي ء من جهته


1- 1 راجع ج 16 ص 306.

ج 35، ص: 286

بل ينبغي القطع به في الثاني مع فرض إتلافه بعد التمكن من أكله، نعم لو هلك في الغد قبل التمكن من أكله باختياره أو بغير اختياره فهو كما لو تلف قبله.

أما إذا هلك فيه لا باختياره لكن بعد التمكن من أكله و لم يفعل ففي المسالك «في حنثه وجهان، من إخلاله بمقتضى اليمين بعد انعقادها مختارا، و من أن الوقت موسع قد جوز له الشارع تأخيره، لأن جميع الغد وقت له، فليس مقصرا بالتأخير، و ربما خرج الوجهان على أن من مات في أثناء الوقت و لم يصل هل يجب عليه القضاء أم لا؟ لأن التأخير عن أول الغد كتأخير الصلاة عن أول الوقت. و ربما يفرق بينه و بين ما لو قال: «لاكلن هذا الطعام» و أطلق ثم أخر مع التمكن حتى تلف الطعام، فإنه ليس هناك لجواز التأخير وقت مضبوط، و الأمر فيه إلى اجتهاد الحالف، فإذا مات بان خطأه و تقصيره، و ها هنا الوقت مقيد مضبوط، و هو في مهلة من التأخير إلى تلك الغاية، و هكذا نقول: من مات في أثناء الوقت و لم يصل لا يقضي على الأظهر».

و فيه أن وقت الموسع العمر و تضييقه مشروط بظن ضيق العمر عنه بقرائن حالية، فلا تقصير مع حصول الموت قبله مطلقا، بل مع ظهور الامارة مطلقا و المخالفة، فلو مات فجأة لم يتبين الخطأ، حيث لم يخالف ما ناطه الشارع به كالوقت الموسع.

ثم إذا قلنا بالحنث في الغد فهل يحكم به في الحال أو قبيل الغروب؟ وجهان و تظهر فائدة الوجوب المعجل في جواز الشروع في إخراجها حينئذ، و فيما لو مات فيما بين الوقتين، قلت: لا وجه لاحتمال البقاء إلى قبل الغروب بعد فرض تحقق الحنث، كما أنه لا وجه لاحتمال عدم الحنث في المخالفة في المطلق لو مات بعد التمكن و لم يفعل للصدق عرفا، بل و لا في الموسع و إن اقتضى الرخصة في التأخير، إلا أنها لا تنافي صدق عدم الوفاء بيمينه الذي هو المناط في تحقق الكفارة، بل لعل القضاء في الفريضة من ذلك، لصدق اسم الفوات، و تمام الكلام في ذلك في الأصول، هذا كله إذا هلك من جهته.

ج 35، ص: 287

و أما لو هلك قبل الغد أو بعده قبل التمكن منه من غير جهته لم يكفر بلا إشكال و لا خلاف.

[المسألة الرابعة لو حلف لا شربت من الفرات حنث بالشرب من مائها]

المسألة الرابعة:

لو حلف لا شربت من ماء الفرات حنث بالشرب من مائها عند الشيخ في محكي الخلاف و الأكثر على ما في المسالك سواء كرع منها أو اغترف بيده أو بإناء لصدق العرف بل و اللغة، لأن: «من» للابتداء الذي معناه حينئذ كون الفرات مبدءا للشرب، سواء كان بواسطة أو بغيرها، بل قد يؤيده قوله تعالى (1)«إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ

بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ-، إلى قوله تعالى- إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» لأن الاستثناء حقيقة في المتصل.

و قيل و القائل الشيخ و ابن إدريس في محكي المبسوط و السرائر:

لا يحنث إلا بالكرع منها الذي هو الشرب منه حقيقة، بخلاف غيره فإنه مجاز، كالحلف على الشرب من الإداوة الذي لا يحنث فيه بصب الماء منها بيده أو بغيرها ثم يشربه و الأول هو مقتضى العرف عند المصنف و من عرفت، بل في المسالك «الشرب من الشي ء بواسطة أو غيرها غير منضبط، لأنه لو اعتبر عدم الواسطة لزم عدم الحنث بالكرع أيضا لأن أخذه بالفم سابق على الشرب، بدليل أنه لو مجه من فيه بعد أخذه لم يكن شاربا، و لو صب من الكوز في القدح و شرب لا يصدق عليه أنه شرب من الكوز، فدل على عدم انضباط الواسطة، و إنما المرجع إلى العرف، و هو دال في الشرب من النهر على ما يعم الواسطة، و في الكوز على ما كان بغير واسطة، و على أن توسط الفم غير مانع مطلقا».

قلت: قد يقال: إن العرف فارق بين الشرب من الفرات و بين الشرب من مائه،


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 249.

ج 35، ص: 288

فالأول لا يصدق إلا على الكرع منه بخلاف الثاني و إن لم يفرق بينهما في المسالك بل جعل موضوع المسألة الشرب من ماء الفرات، و حينئذ فالاستثناء في الآية منقطع، و لا بأس به و إن قلنا بمجازيته، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا حلف لا أكلت رؤوسا انصرف إلى ما جرت العادة بأكله غالبا كرؤوس البقر و الغنم و الإبل]

المسألة الخامسة:

إذا حلف لا أكلت رؤوسا أو لا شريتها مثلا انصرف عند الأكثر إلى ما جرت العادة بأكله غالبا و بيعه منفردا كرؤوس البقر و الغنم و الإبل و إن كان الأخير معتادا عند أهل البادية و بعض البلدان، بل و قرى الحجاز عملا بالانسياق عرفا، خلافا للمحكي عن ابن إدريس، فلم يلتفت إلى الانسياق، و ضعفه واضح.

لكن في المسالك «و لعل العرف غير منضبط، و المصنف حمل الاختلاف على العادة، و ليس بجيد، بل الاختلاف واقع و إن استقرت العادة في مقابلة اللغة».

و فيه (أولا) أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، ضرورة كونه من الانصراف، و إلا فلا ريب في عدم تجدد عرف في الرأس مخالف للغة. و (ثانيا) أنه لا وجه معتد به له مع فرض استقرار العادة في انصراف اللفظ الصادر من أهل العادة على وجه يكون حقيقة، نعم لو لم يبلغ حد الحقيقة و صار مجازا راجحا بناء على تحققه يكون من تعارض الحقيقة المرجوحة و المجاز الراجح، و مع فرض التردد فيه إنما يحنث بالمتيقن دون غيره، نعم لو فرض تقديم الحقيقة لأنها الأصل اتجه حينئذ الحنث بالجميع.

و أما على الأول ف لا يحنث برؤوس الطيور و السمك و الجراد، و لكن فيه تردد و خلاف كما عرفت. و لعل الاختلاف المزبور

ج 35، ص: 289

عادي بمعنى أن منشأه اختلاف العادة في الانسياق المزبور باختلاف الأمكنة و الأزمنة، لا أنه مع فرض استقرارها كما سمعته من المسالك، و قد عرفت الضابط على التقادير كلها، و الله أعلم.

و كذا الكلام لو حلف لا يأكل لحما و لكن هنا يقوى عند المصنف أنه يحنث بالجميع للعرف المؤيد بقوله تعالى (1):

«وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا» بل عن ابن إدريس أنه قواه أيضا محتجا بترجيح عرف

الشرع على العادة و إن كان هو كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء الإطلاق المزبور العرف الشرعي الذي لا مدخلية له في حمل لفظ الحالف المحمول على عرفه الذي هو إن كان في مثل عرفنا سنة الألف و المأتين و الاثنين و الخمسين لا يندرج فيه الجراد قطعا بل و السمك.

و لو حلف لا يأكل شحما لم يحنث عند الشيخ ب أكل شحم الظهر الأبيض الملاصق للحم بحيث لا يختلط بالأحمر في الظهر، لأنه لحم سمين، و لهذا يحمر عند الهزال.

و لكن لو قيل يحنث عادة كان حسنا لصدق اسم الشحم عليه دون اللحم فيها، بل عن ابن إدريس الإجماع على تسميته شحما، بل لعله في السابق كذلك بدليل استثناء الله تعالى عنه بقوله (2)«حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما» و الأصل فيه الاتصال، لأنه الحقيقة بخلاف المنفصل الذي لا يحمل عليه الإطلاق إلا مع القرينة، و إن كان قد يشكل بعد التسليم بأنها موجودة، لأنه عطف معه «الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ» و هو لحم اتفاقا فيلزم أن يصير الاستثناء متصلا و منفصلا، فحمله في الجميع على المنفصل أولى، إلا أنه قد يجاب عنه بأن العطف في قوة تكرار العامل المقتضي لتكرار الاستثناء، فلا يضر اختلافهما بالاتصال و الانفصال، و لو

سلم فالتحقيق ما عرفت من أن المدار على العرف الذي هو


1- 1 سورة فاطر: 35- الآية 12.
2- 2 سورة الانعام: 6- الآية 146.

ج 35، ص: 290

شحم فيه فيحنث، و الله العالم.

و إن قال: و الله لاذقت شيئا معينا مثلا ف لا ريب في حنثه بأكله الذي هو ذوق و زيادة و لو مضغه و لفظه.

قال الشيخ: يحنث، و هو حسن لأنه حقيقة في إدراك طعم الشي ء في الفم بالقوة المودعة في اللسان، و لا مدخلية لإدخاله في الحلق في تحقق مسماه، و لذا جاز في الصائم أن يذوق الطعام من غير أن يفطر به، فاحتمال عدم الحنث به لأنه لا يفطر الصائم واضح الضعف بعد أن عرفت عدم الملازمة، بل لو كان المراد من عدم ذوقه الكناية عن أكله حنث به أيضا.

[المسألة السادسة إذا قال لا أكلت سمنا فأكله مع الخبز حنث]

المسألة السادسة:

إذا قال: لا أكلت سمنا فأكله جامدا أو ذائبا مع الخبز حنث، لتحقق أكله حينئذ، و كذا لو أذابه على الطعام و بقي متميزا على وجه يصدق أكله بأكل الطعام.

أما لو شربه ذائبا بغير طعام و نحوه ففي المسالك «لا يحنث، لعدم دخول الأكل في الشرب، مع احتماله هاهنا نظرا إلى العرف، و هو بعيد، و انضباط العرف ممنوع» و لا يخلو من نظر و إن كان الأمر سهلا لأن المسألة عرفية، هذا كله إذا حلف على السمن.

أما لو حلف أن لا يأكل لبنا فأكل جبنا أو سمنا أو زبدا لم يحنث لأنها مختلفة اسما و صفة و إن كان بعضها في الأصل راجعا إلى بعض، نعم احتمل في المسالك الحنث بالزبد، لاشتماله عليه دون العكس، إذ الزبد مجموعه السمن و باقي المخيض، إلا أنه كما ترى، لأن المدار على الاسم عرفا، و فيها أيضا «أنه يدخل في اللبن الحليب و اللبأ و الرائب و المخيض» و لعله كذلك في العرف الان.

ج 35، ص: 291

[المسألة السابعة لو قال لا أكلت من هذه الحنطة فطحنها دقيقا أو سويقا لم يحنث]

المسألة السابعة:

لو قال: لا أكلت من هذه الحنطة فطحنها دقيقا أو سويقا لم يحنث عند الشيخ و المصنف و غيرهما و كذا لو حلف لا يأكل الدقيق فخبزه و أكله لزوال الاسم الذي هو عنوان الحلف، بل هي حينئذ كما لو نبتت فصارت حشيشا و أكل حشيشها، و كصيرورة البيض فرخا، فالتقييد بالحنطة و الدقيق و نحوهما يقتضي زوال اليمين بزوال القيد.

بل قد جعلها في الدروس قاعدة، قال: الصفة قيد للموصوف، فلو زالت فلا يمين، و لو جامعت الإشارة فالوجهان، فلو حلف لا يلبس قميصا ففتقه و اتزر به لم يحنث، و لو ارتدى به أو اتزر به قبل فتقه فالأقرب الزوال، لأنه ليس لبس مثله، و لو قال: هذا القميص ففتقه ثم لبسه فكما مر، و لو قال: هذا الثوب و هو قميص فارتدى به مفتوقا أو غيره فوجهان أيضا، من تغليب الإشارة و من أنه قميص في الواقع، فينصرف إلى لبس مثله، و كذا لو قال: لحم سخلة فتكبر أو عبد فيعتق أو حنطة فتخبز عند الشيخ، و قال القاضي و الفاضل يحنث لو حلف على حنطة معينة فأكلها خبزا، و كذا لو عين الدقيق فخبزه، إذ الحنطة لا تؤكل غالبا إلا خبزا، أما لو كان التغيير بالاستحالة كالبيضة تصير فرخا و الحب زرعا فلا حنث، و لو زالت الصفة ثم عادت عادت اليمين، كالسفينة تنقض ثم تعاد».

و في المسالك قد جعل المسألة أيضا من باب تعارض الاسم و الإشارة، فإن هذه تقتضي تعلق اليمين بها ما دامت موجودة و إن تغيرت، و تقييدها بالحنطة و الدقيق و نحوهما يقتضي زوال اليمين بزوال القيد، و كأنه أخذه مما سمعت من الدروس إلا أن ما ذكره من التعليل يقتضي أعمية المسألة من ذلك، بل قد سمعت خلو عبارة المتن عن الإشارة في الدقيق.

ج 35، ص: 292

و كيف كان فالمخالف فيها القاضي على ما حكي عنه فيحنث، لأن الحنطة إنما تؤكل غالبا كذلك فصار كما لو قال: «لا آكل هذا الكبش» فذبحه و أكله، و لأن الحقيقة النوعية ما تبدلت و إنما المتغير بعض أوصافها، بخلاف ما لو صارت الحنطة حشيشا و البيض فرخا، و كذا الحكم فيما لو قال: «لا آكل الرطب» فصار تمرا، و البسر فصار رطبا، و العنب فصار زبيبا، أو «لا أشرب من هذا العصير» فصار خلا.

و ذكر أنه باحث الشيخ في ذلك، و أورد عليه أن عين الحنطة باقية، و إنما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن، فأجابه بأن متعلق اليمين مسمى الحنطة، و الدقيق لا يسمى حنطة، كما أن الخبز لا يسمى دقيقا، فألزمه بأن من حلف لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح ثم قشره و قطعه و أكله لا يحنث، و لا شبهة في أنه يحنث، فالتزم بمثل ذلك في الخيار و التفاح.

و فيه وضوح الفرق بعدم خروجهما عن مسماهما بالتقطيع الذي لم يحدث به لهما اسم زائد على كونه خيارا مقطعا، بخلاف الحنطة المطحونة التي لا تسمى حنطة لغة و لا عرفا إلا على وجه المجاز، و بقاء الحقيقة لا ينافي تغير الاسم الذي هو المدار، و بهذا حصل الفرق.

و عن الفاضل في المختلف أنه حقق المسألة بما محصله يرجع إلى اختيار القاضي في الحنطة و الدقيق، دون الرطب إذا صار تمرا و العنب زبيبا و نحو ذلك، و الفرق أن ما يصلح للأكل حالة اليمين على حالته التي هو عليها يتعلق به التحريم على تلك الحالة دون غيرها مما ينتقل إليها عن اسمه الأول، و ما لا يؤكل على تلك الحالة يتعلق به التحريم على حالة يؤكل، كالحنطة و الدقيق، فيحنث بأكلهما خبزا.

قلت: لا إشكال في الحنث مع فرض إرادته أكلها على الوجه الذي تؤكل معه، كما لعله المتعارف في الإطلاق عرفا إنما الكلام في الحنث مع قصده كون عنوان الحلف مصداق اللفظ، و لا ريب في أن التحقيق ما ذكره الشيخ،

ج 35، ص: 293

لما عرفت.

بل الظاهر عدم مدخلية ذكر الإشارة مع الاسم هنا، حتى لو كان متعلق اليمين أكل الحنطة و الدقيق، كما أشار المصنف إليه بذكر الإشارة في الأول و تركها في الثاني.

و ما ذكره القاضي من أن المدار على تغير الحقيقة دون الاسم مناف لما يفهم من اللفظ عرفا مع التجرد عن القرائن كما حققناه في الأصول، إذ احتمال كون العنوان الذات لا من حيث التسمية بالاسم المزبور لا دليل عليه، بل ظاهر تعليق الحكم على الاسم إرادة مسماه من حيث كونه مسمى به، كما هو واضح بأدنى التفات إلا مع القرينة.

و من هنا بان أن محل الخلاف بين الشيخ و القاضي في ذلك لا من حيث تعارض الإشارة و الاسم، اللهم إلا أن يراد بالإشارة اصطلاح آخر.

هذا و قد ذكر في الدروس قبل هذه القاعدة قاعدة تضمنت في الجملة لحكم معارضة الإشارة، قال: «قاعدة: الإضافة تتخصص بالمضاف إليه كدار زيد و سرج الدابة، و الإشارة تتخصص بالمشار إليه، فلو تبدلت الإضافة زالت اليمين، بخلاف ما أشار إليه، و لو جمع بين الإضافة و الإشارة كدار زيد هذه و لم ينو أحدهما فالأغلب تغليب الإشارة، فتبقى اليمين و إن زال ملكه، و يحتمل تغليب الإضافة لربط اليمين بهما، فتزول بزوال أحدهما».

قلت: لعل المتجه في المسألة مع فرضها بالإشارة و الاسم ترجيح الإشارة، فيحنث حينئذ بالخبز مع احتمال العدم، لما عرفت، و الله العالم.

و كذا لو حلف لا يأكل لحما فأكل إلية أي لم يحنث لعدم الصدق عرفا، لخروجها عن اللحم و الشحم معا لمخالفتها لهما اسما و صفة، و كذا البحث في السنام، و قيل: يحنث، لأنها من اللحم، و هو ضعيف، و في الحنث بما خالط اللحم من شحم الظهر و البطن ما سمعته سابقا أما عدم حنثه بالشحم إذا كان في البطن فهو مقطوع به.

ج 35، ص: 294

و هل يحنث بأكل الكبد و القلب؟ فيه تردد قيل من أنهما بمعناه و قد يقومان مقامه، و يؤيده في القلب

قوله صلى الله عليه و آله(1): «إن في الجسد مضغة»

و المضغة القطعة من اللحم، و من عدم انصراف اللفظ إليهما عند الإطلاق، بل يصح سلب شراء اللحم عن شرائهما.

و لا يخفى عليك ما في الأول الذي لا مدخلية له في الصدق الذي هو عنوان اليمين، و في المسالك «وجهان آتيان في لحم الرأس و الخد و اللسان و الأكارع، و أولى بالدخول لو قيل به ثم، و أما الكرش و المصران و المخ فلا» قلت: و كذا غيره عرفا.

[المسألة الثامنة لو حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا لم يحنث]

المسألة الثامنة:

لو حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا لم يحنث، و كذا العكس، لمخالفة كل واحد منهما للآخر اسما و وصفا، إذ الأول لما لم يرطب من ثمرة النخل و الثاني لما نضج و سرت فيه الحلاوة و المائية.

و أما إذا أكل منصفا أو حلف لا يأكل رطبا فأكل منصفا و هو الذي صار نصف الواحدة منه رطبة و نصفها بقي بسرا حنث عند الأكثر على ما في المسالك، لصدق اسم الرطب على الجزء المرطب و البسر على الجزء الذي لم يرطب، فيحنث بأكله.

و لكن فيه قول آخر عن القاضي و ابن إدريس، و هو عدم الحنث، لعدم صدق كل واحد من اسم الرطب و البسر عليها حقيقة، إذ لا يتبادر من الرطب إلا ما رطب كله و من البسر إلا ما لم يرطب منه شي ء، و إنما لهما اسم خاص، و هو لا يخلو من وجه و إن قال المصنف إنه ضعيف.


1- 1 البحار ج 70 ص 50 و فيه« في الإنسان مضغة».

ج 35، ص: 295

و عن الفاضل في المختلف التفصيل بأنه إن أكل البسر منه حنث في البسر و لم يحنث في الرطب، و إن أكل الرطب منه حنث في الرطب لا البسر، و إن أكل الجميع فان كان أحدهما أغلب بأن كان مذنبا جرى عليه حكم الغالب، فالبسر يشمل المذنب، فيحنث به دون الرطب، و ما رطب أكثره يحنث به في الرطب دون البسر، و لو تساويا حنث به في الرطب، لأنه يطلق عليه اسمه دون البسر، إذ لا يسمى به عرفا.

و في المسالك «هذا إذا أكل الجميع أو النصف الموافق لمقتضى اليمين أما لو أكل النصف المخالف خاصة فلا إشكال في عدم الحنث و لو كانت يمينه أن لا يأكل رطبة أو بسرة فأكل منصفة فلا إشكال في عدم الحنث، لأن الرطبة اسم لما ترطب كلها و البسرة لما لم يرطب منه شي ء، و ذلك غير متحقق في النصف و لا المعظم، بخلاف مطلق البسر و الرطب، فإنه يصدق ببعضها» انتهى. و لا يخلو من نظر إلا أن الأمر سهل، إذ المدار على الصدق عرفا.

[المسألة التاسعة اسم الفاكهةيقع على الرمان و العنب و الرطب مثلا]

المسألة التاسعة:

اسم الفاكهة لما يتفكه به أي ينعم قبل الطعام و بعده مما لا يكون مقصودا بالقوت من التفاح و المشمش و غيرهما من الثمار، و لا خلاف عندنا في أنه يقع اسمها على الرمان و العنب و الرطب و لا ينافي ذلك عطف النخل و الرمان عليها في الكتاب العزيز(1)لإمكان كونه للاهتمام بشأنها و مزيد شرفها، نحو عطف جبرئيل و ميكائيل على الملائكة في قوله تعالى (2)«مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ» و عطف الصلاة الوسطى على الصلوات، خلافا لبعض العامة فلم يجعل الرمان و الرطب منها، و لا ريب في ضعفه.


1- 1 سورة الرحمن: 55- الآية 68.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 98.

ج 35، ص: 296

و حينئذ فمتى حلف لا يأكل فاكهة حنث بأكل كل واحد من ذلك و كان اقتصار المصنف من اسم الفاكهة على ذلك للخلاف المزبور، و إلا فلا ريب في وقوعه على غيرها من السفرجل و الخوخ و الليمو و غيرها، بل عن الأزهري لم أعلم أحدا قال

النخل و الرمان ليسا من الفاكهة، و من قال ذلك من الفقهاء فلجهله بلغة العرب و بتأويل القرآن، نعم في المسالك «لا تدخل الخضراوات كالقثاء و الخيار و الباذنجان و الجزر و القرع فيه قطعا».

و في البطيخ تردد و خلاف، فعن المبسوط دخوله، للصدق و ل

قوله صلى الله عليه و آله (1): «نعم الفاكهة البطيخ»

و ما

روى (2)أيضا «أنه صلى الله عليه و آله كان يحب من الفاكهة العنب و البطيخ»

و لأن له نضجا و إدراكا كالفواكه، و قيل هو من الخضراوات، ل

قول الصادقين عليهما السلام لزرارة(3): «أنه عفى صلى الله عليه و آله عن الخضر، فقال: و ما الخضر؟ قال كل شي ء لا يكون له بقاء: البقل و البطيخ و الفواكه»

فان العطف يقتضي المغايرة، و الأولى الرجوع فيه إلى العرف، فان فقد فلا حنث للأصل.

و الأدم اسم لكل ما يؤتدم به أي يضاف إلى الخبز، مثلا و يؤكل معه، كالمرق و الدهن و الجبن و التمر و نحوها و لو كان ملحا بلا خلاف في محكي الخلاف أو مائعا كالدبس أو غير مائع كاللحم و الجبن، خلافا لبعض العامة، فخصه بما يصطبغ به، و العرف أعدل شاهد عليه، مضافا إلى

قوله صلى الله عليه و آله (4):


1- 1 لم نعثر على هذا اللفظ مع التتبع التام في مظانه.
2- 2 المستدرك الباب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 6 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 9 من كتاب الزكاة.
4- 4 المستدرك الباب- 31- من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 2 من كتاب الأطعمة و الأشربة.

ج 35، ص: 297

«سيد إدامكم الملح»

و قوله صلى الله عليه و آله و قد أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة(1)و قال: «هذه إدام هذه»

و قوله صلى الله عليه و آله(2): «سيد أدم أهل الدنيا و الآخرة اللحم».

[المسألة العاشرة إذا قال: لا شربت ماء هذا الكوز لم يحنث إلا بشرب الجميع]

المسألة العاشرة:

إذا قال: لا شربت ماء هذا الكوز مثلا لم يحنث إلا بشرب الجميع و إن توقف شربه أجمع على التكرار، و كذا لو قال: لا شربت ماءه و الظاهر أنه من تصحيف النساخ، كما عن الشهيد، و الصحيح «لأشربن ماءه» بنون التأكيد يريد بذلك أنه لو حلف على فعل شي ء من هذا القبيل لا يبر إلا بفعل الجميع، و لو حلف أن لا يفعله لم يحنث بفعل البعض، لأن البعض غير المجموع في الموضعين خلافا لما عن بعض العامة من الحنث بالبعض، و هو مناف للعرف المستفاد من اضافة الماء إلى الإداوة المقتضي لتناول الجميع في نفي الإثبات.

نعم لو قال: لا شربت من ماء هذه الإداوة أو هذه البئر أو النهر حنث بالبعض و إن قل، لظهوره في ذلك عرفا، خصوصا بعد عدم صلاحيتها للتبيين.

بل قيل لو قال: لا شربت ماء هذه البئر و هذا النهر حنث بشرب البعض، إذ لا يمكن صرفه إلى إرادة الكل فينصرف عرفا إلى البعض، و لصدق أنه شرب ماء دجلة و الفرات على من شرب منهما.

و قيل: لا يحنث، و هو حسن لأن التعذر لا يقتضي إرادة البعض المخالفة


1- 1 المستدرك الباب- 52- من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 7 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الجامع الصغير ج 2 ص 35 و فيه « سيد الإدام في الدنيا.».

ج 35، ص: 298

لما يقتضيه حقيقة اللفظ، و أقصاه عدم الحنث حينئذ، و دعوى فهم العرف إرادة البعض من ذلك ممنوعة في الفرض، لكن في المسالك «ينبغي على هذا ألا ينعقد يمينه، لأن الحنث فيه غير متصور، كما لو حلف لا يصعد إلى السماء- ثم قال-: و يتفرع على ذلك ما لو قال: لأشربن ماء هذه البئر أو النهر، فيحتمل حمل اليمين على البعض، فيبر بشرب بعضه و إن قل، و الأظهر أنه لا يبر بشرب البعض، بل يكون كالحالف على غير المقدور، فلا ينعقد اليمين، لأن البر فيه غير متصور» و لا يخلو من نظر، و لكن لا فائدة في صورة النفي بين القول بعدم الحنث بشرب البعض و بين كونها لاغية، و الله العالم.

[المسألة الحادية عشرة لو قال لا أكلت هذين الطعامين لم يحنث بأكل أحدهما]

المسألة الحادية عشرة:

لو قال: لا أكلت هذين الطعامين لم يحنث بأكل أحدهما كما أنه لو قال: لاكلن هذين الطعامين لم يبر إلا بأكلهما، لأن الجمع بين شيئين أو أشياء بصفة واحدة يصير كل واحد مشروطا بالاخر بغير خلاف عندنا على ما في المسالك، خلافا لما عن بعض العامة من الفرق بين الإثبات و النفي، فحكم بالحنث بأحدهما في الثاني، و وافق على توقف البر على أكلهما في الأول، و ربما استعمل في العرف كذلك إلا أن الكلام مع قصد الحالف ما يستفاد من اللفظ نفسه، و إلا فيدان بنيته في صورة الإثبات، كما هو واضح.

و كذا لو جمع بين الشيئين أو الأشياء بحرف العطف ف قال: لا أكلت هذا الخبز و هذا السمك مثلا لم يحنث إلا بأكلهما كما أنه لا يبر إلا بأكلهما في الإثبات ل ظهور العرف في أن الواو العاطفة للجمع، فهي حينئذ كألف التثنية و واو الجمع بالنسبة إلى ذلك من غير فرق بين الإثبات و النفي.

و لكن قال الشيخ هنا لو قال: لا كلمت زيدا و عمرا فكلم

ج 35، ص: 299

أحدهما حنث، لأن الواو تنوب مناب الفعل فكأنه قال: «لا كلمت زيدا و لا كلمت عمرا.

و الأول أصح من حيث اللفظ نفسه إلا مع القصد، بل جعلها في الدروس قاعدة فقال: «قاعدة: الجمع بين شيئين أو أشياء بواو العطف يصير كل واحد منهما مشروطا بالاخر قضية للواو، فلو قال: لا أكلت الخبز و اللحم و الفاكهة، أو لاكلنها فلا حنث إلا للثلاثة، و لا بر إلا بها» انتهى.

نعم لو قال: و لا عمرا حنث بالكلام مع كل واحد منهما، لصيرورتهما بمنزلة يمينين، حتى أنه لو حنث في إحداهما لم تنحل الأخرى، و كذا لو قال:

لا أكلم أحدهما أو واحدا منهما و لم يقصد واحدا بعينه حنث بالكلام مع أحدهما، إلا أنه تنحل اليمين حينئذ، فلا يحنث إذا كلم الآخر، لأنها يمين واحدة، و الله العالم.

[المسألة الثانية عشرةإذا حلف لا آكل خلا فاصطبغ به حنث]

المسألة الثانية عشرة:

إذا حلف لا آكل خلا فاصطبغ به أي جعله إداما للخبز مثلا حنث لانصراف الحلف إلى أكله منفردا أو مع غيره مع بقائه متميزا و أما لو استهلك بالمزج بأن جعله في طبيخ مثلا فأزال عنه اسمه لم يحنث و إن بقيت الحموضة و غيرها من أوصافه، لعدم الصدق و كذا السكباج، لكن في كشف اللثام احتمال الحنث به و إن لم يستهلك فيه الخل، قال: «بناء على أنه لا يسمى بأكل الخل، و كذا لو شرب مرقة فيها خل و إن لم يستهلك» قلت: لعله لمكان المزج، و الله العالم.

ج 35، ص: 300

[المسألة الثالثة عشرة لو قال لا شربت لك ماء من عطش فهو حقيقة في تحريم الماء]

المسألة الثالثة عشرة:

لو قال: لا شربت لك ماء من عطش فهو حقيقة في تحريم الماء في حال العطش إلا أنه قد يراد منه عرفا عدم التناول من مائه شيئا و إن قل، و في المسالك «فاللفظ حينئذ خاص و السبب عام عكس المسألة الأصولية، و هي عموم اللفظ مع خصوص السبب» و فيه أن المقام خارج عن ذلك، ضرورة كون المراد الكناية بذلك عن الأعم منه، و ليس هذا من عموم السبب.

و على كل حال ففي المتن هل يتعدى إلى الطعام و غيره؟ قيل: نعم عرفا و في المسالك «فيكون من باب تعارض اللغة و العرف أو الحقيقة المتروكة و المجاز الغالب، و هو حسن مع انضباط العرف أو دلالة القرائن إليه، و إلا تمسك بالحقيقة لأصالة البراءة فيما زاد عليها، و لأن إرادة العام من اللفظ الخاص ليس من أفراد المجاز المستعملة اصطلاحا، فكيف يحمل عليه عند الاشتباه، و إنما غايته أن يحمل عليه مع قصده أو ظهور القرائن بإرادته».

و فيه مالا يخفى، ضرورة ظهور كلامه في المفروغية من دلالته عرفا على ذلك حتى يكون من التعارض الذي ذكره، و دعوى عدم كونه من أفراد المجاز المستعملة واضحة المنع، إذ هو باب كثير «نحو لا تعطه فلسا» و لا تقبل منه ترابا، بل لعل مفهوم الموافقة نحو قوله «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ»(1)منه، بل لعله من قسم الكناية التي يمكن دعوى كونها من الحقيقة فضلا عن المجاز فتأمل.

و قيل: لا يتعدى منه إلى غيره تمسكا بالحقيقة لأن الإيمان تبنى على الألفاظ لا على القصود التي لا يحتملها اللفظ و لم تستعمل لغة فيها، كما إذا حلف على الصلاة و قال: أردت الصوم، فإنه لا يقبل اتفاقا، و فيه- بعد التسليم- منع واضح، ضرورة أنه لا مجال عن القول بالتعدية مع فرض القصد، لأنه من


1- 1 سورة الإسراء: 17- الآية 23.

ج 35، ص: 301

الاستعمال الصحيح الشائع بل المستحسن، لا نحو استعمال الصلاة في الصوم، و لعل البحث في هذه و نظائره أن متعلق اليمين هو المكنى عنه باللفظ المزبور أو هو مع معنى اللفظ أولى من هذا البحث و إن كان الأقوى فيه الثاني لأنهما مرادان منه.

هذا و في الدروس «قاعدة: لو تعارض عموم اللفظ و خصوص السبب فان نوى شيئا فذاك، و إلا فالأقرب قصره على السبب، لأنه الباعث على اليمين، كما لو رأى منكرا في بلد فكرهه لأجله فحلف على عدم دخوله ثم زال المنكر فله الدخول».

قلت: لا يخفى ما فيه، بل فتح باب التخصيص و التقييد بالدواعي يعدم جملة وافرة من الفقه، و الله العالم.

[المطلب الثالث في المسائل المختصة بالبيت و الدار]
اشاره

المطلب الثالث:

في المسائل المختصة بالبيت و الدار

[المسألة الأولى إذا حلف على فعل فهو يحنث بابتدائه]

الأولى:

إذا حلف على فعل كالبيع و التزويج و غيرهما فهو يحنث بابتدائه الذي هو مصداقه، و لا يحنث باستدامته التي لا يصدق معها اسم الفعل المحلوف عليه إلا أن يكون الفعل ينسب إلى المدة بأن يقال سكنته مدة أو ركبته كذلك كما ينسب إلى الابتداء فإنه يحنث حينئذ بها كما يحنث بابتدائه.

فإذا قال: لا آجرت هذه الدار أو لا بعتها أو لا وهبتها تعلقت اليمين بالابتداء لا بالاستدامة لعدم صدق الإجارة التي هي اسم لإيقاع الصيغة الخاصة و كذا البيع و الهبة، بل لا استدامة لها و إن بقي آثارها.

أما لو قال: لاسكنت هذه الدار و هو ساكن بها أو لا أسكنت زيدا و زيد

ج 35، ص: 302

فيها حنث باستدامة السكنى أو الإسكان لصدق سكناه و إسكانه استدامة كصدقهما ابتداء، و ذلك لأنهما ينسبان إلى المدة، فيقال سكنتها شهرا و أسكنته كذلك، إذ الضابط الفارق بين الأفعال المحلوف عليها التي استدامتها كابتدائها في الصدق و غيرها أن ما لا يتقدر بمدة كالبيع و الهبة و التزويج و غيرها من العقود و الإيقاعات و الدخول و الخروج و نحو ذلك لا يحنث باستدامتها، لأن استدامة الأحوال المذكورة ليست كانشائها، إذ لا يصح أن يقال: بعت شهرا، و لا دخلت كذلك.

بل قد عرفت أن هذه الاستدامة ليست استدامة للأفعال نفسها، بل هي بقاء لآثارها، بخلاف القيام و القعود و السكنى و الإسكان و اللبس و الركوب و نحوها مما يصح نسبتها إلى المدة فيقال: لبسته شهرا. و قمت يوما. و قعدت ليلة. و ركبته كذلك. فإنه يحنث باستدامته كابتدائه، للصدق عليهما على حد سواء، نعم قد يقع الشك في بعض الأفعال كما تسمعه في التطيب و الوطء و نحوهما.

بل جعل ذلك في الدروس قاعدة، فقال: «قاعدة: الابتداء و الاستدامة شيئان، فما ينسب إلى المدة كالسكنى و الإسكان و المساكنة دون مالا ينسب كالدخول و البيع، و في التطيب وجهان، فلو حلف لاسكنت هذه الدار و هو ساكن بها وجب التحول في الحال و إن بقي رحله لا للسكنى، بخلاف ما لو قال: لا دخلت هذه الدار و هو فيها، أو لا بعت و قد باع بخيار فاستمر عليه، أو لا تزوجت و له زوجة فلم يطلقها».

قلت: كان الوجه في الضابط المزبور أن التقييد بالمدة يقتضي الصدق في تمام المدة، إلا أنك ستعرف الإشكال في صدق اسم الفعل و اسم المصدر، و إلا فمن المعلوم عدم صدق «لبس» في آنات استدامة اللبس و إن صدق عليه أنه لابس و متلبس، نعم قد يطلق الفعل في التقيد بالمدة و يراد الكون و المصدر، و حينئذ يكون عليه المدار، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا إشكال في أن من حلف أن لا يسكن هو يبر يمينه بخروجه نفسه فورا عقيب اليمين و إن بقي رحله و متاعه بل

ج 35، ص: 303

و أهله، لأن الفرض تعلق الحلف بسكناه نفسه لا بأهله و متاعه، كما أنه لا إشكال في الحنث مع مكثه نفسه و إن أخرج أهله و رحله، خلافا لبعض العامة فيهما، و يمكن حمله على غير الفرض.

و لا يحنث بالعود لا للسكنى، بل لنقل رحله مثلا و إن مكث بخلاف ما لو حلف على دخولها، و لو مكث بعد اليمين و لو قليلا ففي المسالك «إن لم يكن لأجل نقل متاعه حنث، لصدق الاستدامة» و فيه نظر، و لو كان لأجله بأن نهض يجمع المتاع و نحوه مما يحتاج إليه الخروج فعن التحرير الحنث، لصدق إقامته فيها مع التمكن من الخروج، و فيه منع واضح. و لعله لذا جزم في القواعد بعدمه، لأن المشتغل بأسباب الخروج لا يعد ساكنا في الدار.

و من هنا اتفقوا على أنه لو خرج ثم عاد لنقل متاعه أو لعيادة مريض أو نحو ذلك لم يحنث، لعدم صدق السكنى عليه بذلك، بل في المسالك «لو احتاج إلى أن يبيت فيها ليلة لحفظ المتاع فوجهان، أجودهما عدم الحنث، لأن الضرورة على هذا الوجه لا تجامع الحنث، بل ربما نافت أصل اليمين» و إن كان فيه مالا يخفى من الخروج عن أصل البحث الذي هو صدق السكنى و عدمه.

و لو خرج في الحال ثم اجتاز بها لم يحنث، لأن ذلك لا يعد سكنى و إن تردد فيها ساعة أو أزيد بلا غرض، لعدم صدقها بذلك، إذ ليس المراد منها المكث مطلقا، بل اتخاذها سكنى، و هي لا تصدق بذلك، و إن احتمله في المسالك، و لا ينافي ذلك فورية الخروج عرفا، لأن كونها مسكنا لا يخرج عنه بمجرد النية، كما أن المقيم لا يصير مسافرا بمجردها، بخلاف من خرج ثم عاد لا لها، فإنه بعد أن خرج عن اسم الساكن بخروجه احتاج في عوده إلى صدق اسم الساكن إلى إحداث إقامة يصدق معها ذلك.

و كذا البحث في استدامة اللبس و الركوب و نحوهما مما عرفت اتحاد الابتداء و الاستدامة في الصدق فيه، اللهم إلا أن يفرق بين الحلف على عدم لبسها

ج 35، ص: 304

أو لا يلبسها، فان الاستدامة يصدق عليها اسم اللبس، لا فعل اللبس الذي هو إحداث و تجديد، فتأمل جيدا فإنه جار في غيره، و الله العالم.

أما التطيب ففيه التردد من عدم صدق النسبة إلى المدة، فلا يقال:

تطيب شهرا بل منذ شهر و إن كان باقيا عليه، كالطهارة مع البقاء عليها، بل لعله حقيقة في الابتداء مجاز في الاستدامة، و من صدق اسم المتطيب عليه فعلا، و لذا حرمت عليه الاستدامة في الإحرام.

و لعل الأشبه أنه لا يحنث بالاستدامة لصحة السلب، و لأنه لم يحلف على أن لا يكون متطيبا، بل على أنه لا يتطيب، و بينهما فرق.

و ربما كان عنوان الحرمة في الإحرام كونه متطيبا لا تطيبه، و إلا كان من دليل خارج كحرمة شمه.

و كذا الكلام في الوطء الذي لا يقال فيه وطأت يوما أو شهرا، و حينئذ فمن حلف أن لا يطأ لا يحنث بالاستدامة ما لم يعد بعد النزع و إن حرمت على الصائم و المحرم كالابتداء.

قلت: هكذا ذكروه، لكن لعل ما أشرنا إليه من التفاوت بين صدق اسم الفعل و بين اسم المصدر آت في المقام و نحوه و إن التفتوا إليه في خصوص التطيب، و كذا الوطء و نحوهما دون الأمثلة السابقة.

نعم لو قال: لا دخلت دارا لم يحنث بالوقوف على الحائط، بلا خلاف كما عن الخلاف و المبسوط و حنث بالابتداء دون الاستدامة قطعا لأنها لا تعد دخولا و إن طال مكثه فيها، كما هو واضح.

ج 35، ص: 305

[المسألة الثانية إذا حلف لا أدخل هذه الدار فإن دخلها أو شيئا منها أو غرفة من غرفها حنث]

المسألة الثانية:

إذا حلف الخارج عن الدار مثلا و قال لا دخلت هذه الدار فان دخلها أو شيئا منها أو غرفة من غرفها أو دهليزا خلف الباب أو بين البابين أو تجاوز الباب حنث للصدق عرفا، بخلاف الطاق خارج الباب و عتبة الدار.

و لو نزل إليها من سطحها الذي لا فرق في اسم الدخول إليها بينه و بين الباب و بين طرح نفسه في الماء فحمله الماء و القعود في سفينة و نحوها فدخلت، إلا إذا لم يكن يريد الدخول فقط من السطح أو حمله الماء أو السفينة قهرا إلى أن دخل، فلا يحنث و إن صعد السطح أو دخل الماء أو السفينة مختارا.

لكن عن المبسوط «إن قعد في سفينة أو على شي ء فحمله الماء فأدخله أو طرح نفسه في الماء فحمله الماء فأدخله حنث، لأنه دخل باختياره، فهو كما لو ركب فدخل راكبا و محمولا» و نحوه عن الجواهر، و يمكن إرادتهما القصد.

و فيه أيضا «أنه إن كان فيها شجرة عالية عن سورها فتعلق بغصن منها من خارج الدار و حصل في الشجرة نظر، فان كان أعلى من السطح لم يحنث بلا خلاف لأنه لا يحيط به سورها، و إن حصل بحيث يحيط به السور حنث، لأنه في جوف الدار، و إن حصل بحيث يكون موازيا لأرض السطح فالحكم فيه كما لو كان واقفا على نفس السطح» انتهى. و الأمر سهل بعد أن كان المرجع العرف.

أما إذا تسلق من خارج أو من جدار الغير ف نزل إلى سطحها خاصة ففي المتن و غيره لم يحنث، و لو كان محجرا لعدم صدق دخولها حينئذ خلافا لما عن بعض من إلحاق المحوط بالدار، لإحاطة جدران الدار به، و لاخر من الحنث بصعوده و إن لم يكن محوطا.

لكن الانصاف عدم خلو الأخير من وجه في العرف، خصوصا بعد ملاحظة

ج 35، ص: 306

اندراجه في

قوله عليه السلام (1): «من دخل دار غيره بدون إذنه فدمه هدر»

فتأمل.

و في المسالك «هذا كله إذا لم يكن السطح مسقفا و إلا كان كطبقة أخرى في الدار» قلت: لم يتضح أن وجه المنع في الفرض عدم صدق الدخول بالتسلق إلى السطح أو من حيث كون السطح ليس دارا، فان كان الأول لم يفرق بين تسقيفه و عدمه، و إن كان الثاني فتوجه المنع فيه واضح. و ظاهر الفاضل في القواعد الثاني، قال: «إذا حلف على الدخول لم يحنث بصعوده السطح و إن كان محجرا، فعلي هذا لا يجوز الاعتكاف في سطح المسجد، و لا تتعلق الحرمة به- أي التي للمسجد- على إشكال».

و في كشف اللثام من الإشكال في دخوله، لأن عدم الحنث بالصعود على السطح لا يعين خروجه عن الدار لجواز أن يدخل فيها، لكن لا يدخل صعوده في مفهوم دخول الدار عرفا، و يؤيده ملك صاحب الدار له، و مبني الاحتمالين على أن من المعلوم توقف حصول الدار على السطح، و لكن يحتمل أن يكون توقف الكل على الجزء و أن يكون توقف المشروط على الشرط، فتأمل.

و لو حلف لا أدخل بيتا من بيوت الدار مثلا فدخل غرفة أو غيرها مما لا يدخل تحت اسم البيت لم يحنث بلا خلاف كما عن الخلاف و المبسوط، لعدم الصدق بخلاف الدار، و لو كان الحالف في الدار أو في البيت لم يحنث بالاستدامة التي هي ليست من الدخول الذي لم يجر فيه الضابط المزبور، ضرورة عدم صحة نسبته إلى المدة، فلا يقال: دخلته شهرا بل منذ شهر نحو البيع.

خلافا لما عن بعض العامة من الحنث بها أيضا، لأن حكمها شرعا كالابتداء،


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 و فيه« من دخل دار غيره فقد أهدر دمه» و في المستدرك الباب- 23- منها الحديث 4 و فيه « من دخل على مؤمن في منزله بغير اذنه فدمه مباح».

ج 35، ص: 307

و لذا حرم المكث على من دخل دارا مغصوبة لم يعلم بها، و هو كما ترى. ضرورة كون العنوان في الغصب مطلق التصرف الذي منه المكث بخلاف اسم الدخول، و حينئذ فلا يتحقق الدخول.

و لا إشكال في أنه يتحقق الدخول الذي هو عنوان اليمين إذا صار منتقلا بجميع بدنه بحيث لورد بابه كان من ورائه فلا يحنث بدخول يده أو رجله، بل لا بد من دخول بدنه على وجه يصدق عليه اسم الدخول، و كذا الخروج، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا حلف لا دخلت بيتا حنث بدخول بيت الحاضرة]

المسألة الثالثة:

إذا حلف الحضري لا دخلت بيتا حنث بدخول بيت الحاضرة الذي هو المتخذ من الطين و الأجر و المدر و الحجر و الخشب و لا يحنث بدخول بيت من شعر أو أدم و الصوف و الجلد و أنواع الخيام، بناء على أن المنساق غيره من البيت عندهم و هو المتخذ مما عرفت. نعم يحنث بهما البدوي و من له عادة بسكناه لدخولهما في متعارفة الشامل لهما و البيت الحاضرة أيضا كما في المسالك.

لكن قد يقال بالحنث للحضري بدخولهما أيضا لأنهما من البيوت في لغة أهل البادية الذين هم من أهل اللسان، و قد قال الله تعالى شأنه (1)«وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها».

و ربما أجيب بأن الاستعمال أعم من الحقيقة، و بعد التسليم فالعرف مقدم

على اللغة، و من هنا قلنا يحنث به البدوي خاصة، و لهذا حكموا باختصاص لفظ الرؤوس و البيوض بأنواع خاصة.


1- 1 سورة النحل: 16- الآية 80.

ج 35، ص: 308

قلت: لا يخفى على من نظر كلامهم في الأمثلة السابقة و غيرها الخلط بين الانسياق و الحقائق، و لعل المقام منه، إذ البيت حقيقة للأعم من ذلك كله، و لكن قد ينساق غيرها من البيت في لسان الحضر، مع أنه يمكن أن يكون المدار مسماه الذي هو عنوان اليمين و إن لم يحضر في ذهن الحالف، بل و إن حضر غيرهما من الأفراد ما لم ينو الحلف من نوع خاص، و إلا فلا وجه للفرق بين الحضري و البدوي حتى حكم بالشمول للجميع في الثاني دون الأول مع أنه لم يحضر في ذهنه بيت الحاضرة.

و بالجملة فالظاهر من كل متلفظ إرادة عنوان حكمه معنى لفظه إلا مع النية أو الانسياق الدال على إرادته خصوص أفراد منه، و إلا كان الحكم على كل ما يصدق عليه، و عن المبسوط الحنث مطلقا إن كان بدويا و كذا إن كان قرويا يعرف بيوت البادية و إلا فلا.

و لو حلف لا دخلت دار زيد و لا كلمت زوجته و لا استخدمت عبده كان التحريم تابعا للملك عرفا فمتى خرج شي ء من ذلك عن ملكه بأن باع الدار و طلق الزوجة و باع العبد زال التحريم بل في المسالك «لو اشترى زيد دارا أخرى أو عبدا أو تزوج امرأة حنث بالثاني دون الأول إلا أن يقول أردت الأول بعينه، فلا يحنث بهما، و لو قال: أردت دارا جرى عليها ملكه أو عبدا كذلك أو امرأة جرت عليها زوجيته حنث بكل منهما» قلت: لا إشكال مع إرادته، إنما الكلام مع إطلاقه و خلوه عن النية و جعله العنوان مفاد اللفظ، و الظاهر التبعية كما ذكره المصنف، هذا كله إذا لم يضف إلى الإضافة التعيين.

أما لو أضافه بأن قال: لا دخلت دار زيد هذه مثلا و جعل قصده تابعا لمفاد اللفظ تعلق التحريم بالعين و لو زال الملك تغليبا للتعيين على الإضافة، و استقر به في القواعد.

و فيه قول بالمساواة، و هو حسن لانسياق إرادة المركب من الإضافة أو التعيين الذي يزول بزوال أحد جزئية، فلا يحنث بخروجه عن الإضافة، و عن

ج 35، ص: 309

الفاضل في المختلف أنه استقر به في ضمن تفصيل لا يخرج عنه و إن تردد فيه في محكي التحرير و الإرشاد، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا حلف لا دخلت دارا فدخل براحا لم يحنث]

المسألة الرابعة:

إذا حلف لا دخلت دارا فدخل براحا بفتح الباء و هو الأرض الخالية من البناء و الشجر و الزرع سواء كان دارا أو لم يكن لم يحنث لعدم الصدق، بل يصح السلب.

أما لو قال: لا دخلت هذه الدار فانهدمت و صارت براحا قال الشيخ:

لا يحنث أيضا لأنه من تعارض الإشارة و الاسم الذي قد عرفت ظهور التركيب في مثله على وجه ينتفي متعلق اليمين بانتفاء أحدهما، فهو حينئذ كالمسألة السابقة التي استحسن المصنف فيها عدم الحنث.

و لكن هنا قال فيه إشكال من حيث تعلق اليمين بالعين فلا اعتبار بالوصف و لعله لأن الفرض أن الوصف في السابق مقصود غالبا بخلاف الدار، فان الحكم فيها لمحض الاسم أو المشار إليه، قيل: و هذا هو السر في ترجيح المصنف زوال الحنث بانتفاء الوصف في السابقة و استشكاله هنا.

و لكن فيه أنه يمكن أن يعكس الاعتبار بأن يقال: إذا كان زوال الوصف في السابقة موجبا لزوال الحكم مع أن حقيقة المحلوف عليه و هو المرأة و العبد و الدار باقية فليزك الحكم هنا مع زوال حقيقة المحلوف عليه و هو الدار، لأن عرصة الدار المعتبر عنها بالبراح لا تسمى دارا حقيقة.

بل يمكن أن يقال بزوال حكم الإشارة أيضا، لأنها تعلقت بعين تسمى دارا و هي اسم مركب من العرصة و ما تشتمل عليه من البناء و غيره، و الجزء الذي هو العرصة غير المركب فلا يكون هو المشار إليه.

نعم لو قيل بعدم اشتراط أمر زائد على العرصة في اسم الدار- كما عن

ج 35، ص: 310

بعضهم لأن المتعارف في ألسنة الشعراء من إطلاق اسم الدار على ذاهبة الرسوم، بل يقال: دار بني فلان و فلان لصحار ليس فيها عمارة- اتجه الحنث حينئذ لبقاء الاسم و الإشارة، إلا أنه ينافيه الجزم في سابقه بعدم الحنث فضلا عما استحسنه سابقا، على أن الحق عدم تسمية العرصة دارا إلا على المجاز الذي يشهد له عدم تبادر الذهن إليها أو تبادر الغير عند الإطلاق، و صحة السلب و غير ذلك من علاماته.

و ربما تكلف على هذا التوجيه أيضا بيان الوجه في حكم المصنف بزوال الحنث في السابقة و استشكاله هنا، إلا أنه لا حاصل له، و التحقيق ما عرفت من عدم الحنث فيهما، و الله العالم.

و لو حلف لا دخلت هذه الدار من هذا الباب ف لا إشكال في عدم الحنث لو دخل من منفذ آخر غيرها، كما أنه لا إشكال في أنه إن دخل منه حنث.

و لكن الكلام فيما لو حول الباب عنها إلى باب مستأنف فدخل بالأول قيل: يحنث، لأن الباب الذي تناولته اليمين باق على حاله و لا اعتبار بالخشب الموضوع، و هو حسن لأن الباب عرفا اسم للمنفذ المحتاج إليه في الدخول دون الباب المنصوب عليه، بل لعل تسميته بالباب باعتبار كونه موضوعا عليه، و حينئذ فيحنث بالأول لبقاء اسمه دون الثاني الخارج عنه بالإشارة المفروضة.

و من الغريب احتمال العكس، لأن الباب اسم للخشب المتخذ فيدور الحكم مداره، فلا يحنث بالأول، لعدم الباب بخلاف المنفذ الجديد الموضوع عليه الباب التي يصدق الدخول منها.

و أغرب منه احتمال عدم الحنث بكل منهما، لأنها تحمل على المنفذ و الخشب جميعا، لأن الإشارة وقعت عليهما جميعا، فلا يحنث بدخول منفذ آخر و إن نصب عليه الباب، و لا بدخول ذلك المنفذ إذا لم يبق عليه باب.

و التحقيق ما عرفت، و حينئذ فلو خلع الباب و لم يحولها إلى موضع آخر حنث بالدخول إلى المنفذ و إن احتمل عدمه بناء على أن الاعتبار بالخشب لا

ج 35، ص: 311

بالمنفذ، و لو نقل الباب إلى دار اخرى فدخلها منه لم يحنث، لأن القصد الدار المعينة التي كانت على منفذها، نعم لو أراد أن لا يدخل منها حيث تنصب حنث.

و من الغريب احتماله في المسالك الحنث على الأول.

و لو قال: لا دخلت هذه الدار من بابها ففتح لها باب مستأنف فدخل به حنث لأن الإضافة متحققة فيه، و كذا لو قال: لا أدخل باب هذه الدار ففتح لها باب جديد، و احتمال عدم الحنث فيهما لأن اليمين انعقدت على الباب الموجودة فصار كما لو حلف أن لا يدخل دار زيد فباعها واضح الضعف، ضرورة عدم اشتراط تناول اللفظ بأن يكون المتناول موجودا عند اليمين، و لذا يحنث لو قال: لا أدخل دار زيد فملك دارا بعد اليمين و باب الدار صادق على كل فرد يكون لها بخلاف دار زيد، فإنها لا تصدق إلا على المقيدة بملكه، فإذا زال الملك زالت الإضافة حقيقة، و التبادر أعدل شاهد على ذلك.

[المسألة الخامسة إذا حلف لا دخلت أو لا أكلت أو لا لبست اقتضى التأبيد]

المسألة الخامسة:

إذا حلف لا دخلت أو لا أكلت أو لا لبست اقتضى التأبيد لما تحقق في الأصول من أن النفي للطبيعة الذي لا يتحقق بدون ذلك، بخلاف الحلف على الفعل الذي يتحقق بجزئي من جزئياته، كما ذكرناهما في الأمر و النهي و قلنا إن الأول لا يقتضي فورا و لا تراخيا و لا وحدة و لا تكرارا، بخلاف النهي الذي مفاده مفاد التكرار باعتبار إرادة النفي الذي لا يتحقق إلا بعدم إيجاد الطبيعة مطلقا.

نعم هذا كله مع الإطلاق فإن ادعى أنه نوى مدة معينة أو وصفا من الأوصاف و غيرهما مما يقتضي التخصيص أو التقييد دين بنيته و قبل منه ذلك في نظائره، و لعل من ذلك

خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل أعجبته


1- 1 الوسائل الباب- 49- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 312

جارية عمته فخاف الإثم، فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبدا فورث الجارية أ عليه جناح أن يطأها؟ فقال: إنما حلف على الحرام، و لعل الله رحمه فورثه إياها لما علم من عفته»

باعتبار أنه نوى عدم مسها محرما أو أنه حلف على عدم مسها و هي مملوكة لعمته، فإذا زال ملكها عنها حلت له، نحو ما سمعته في «عبد زيد» و الله العالم.

و لو حلف لا أدخل على زيد بيتا فدخل عليه و على عمرو ناسيا ليمينه أو جاهلا بكونه فيه فلا حنث و لا بحث، لما ستعرفه من ارتفاع حكم اليمين بالنسيان و الجهل.

و إن دخل مع العلم به و تذكره اليمين حنث سواء نوى الدخول على عمرو خاصة أو لم ينو، وفاقا للمحكي عن الشيخ في الخلاف و الأكثر، لصدق الدخول الذي هو حقيقة واحدة لا يختلف باختلاف المقاصد.

و لكن الشيخ في المبسوط فصل بين الدخول على عمرو خاصة- على معنى استثناء زيد بقلبه- و بين عدم عزله له، فلا حنث بالأول دون الثاني، لأن الدخول يقبل التخصيص كما يقبله القول، فيصدق عليه أنه دخل على عمرو لا زيد، و ضعفه واضح للفرق بين الأقوال و الأفعال كما ستعرفه.

و كيف كان ف هل يحنث بدخوله عليه في مسجد أو في الكعبة؟

قال الشيخ: لا، لأن ذلك لا يسمى بيتا في العرف إلا بضرب من التقييد، كما يقال: الكعبة بيت الله أو البيت الحرام و المسجد بيت الله.

و لكن قال المصنف فيه إشكال يبنى على ممانعته دعوى العرف (11) لأن الله تعالى أطلق عليهما اسم البيت فقال (1)«طَهِّرْ بَيْتِيَ» و قال (2)«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ» بل عن ابن إدريس أن ذلك عرف شرعي، و هو مقدم


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 26- 29.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 36.

ج 35، ص: 313

على العرف العادي لو سلم، و إن كان الجميع كما ترى، ضرورة ظهور إرادة غيرهما من إطلاق البيت لو سلم كونهما من أفراده، و لا عرف شرعي، إذ الإطلاق أعم من

الحقيقة، و على تقدير تسليمه لا يحمل عليه لفظ الحالف الجاري في تلفظه مجرى العادة، هذا كله في الدخول.

أما لو قال: لا كلمت زيدا فسلم على جماعة فيهم زيد عالما بذلك و باليمين و لكن عزله بالنية خاصة أو باللسان معها صح عزله و تخصيصه، فلا حنث، و الفرق بينه و بين الدخول أنه كلام يقبل التخصيص و التقييد، بخلاف الدخول الذي هو ماهية واحدة كالضرب لا يتخصص و إن تخصص الباعث عليه، و لا يقبل الاستثناء، فلا يقال: «دخلت عليكم إلا على فلان» بخلاف قول: «سلام عليكم إلا على فلان» كما هو واضح.

و إن نوى السلام عليه معهم أو أطلق حنث مع العلم به و تذكر اليمين.

[المسألة السادسة اسم البيت لا يقع على الكعبة و لا على الحمام]

المسألة السادسة قال الشيخ رحمه الله: اسم البيت لو كان متعلقا لليمين مثلا لا يقع على الكعبة و لا على الحمام، لأن البيت ما جعل بإزاء السكنى، و فيه عند المصنف إشكال يعرف من قوله تعالى (1)«وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» و غيره مما مر

و في الحديث (2)«نعم البيت الحمام»

و فيه أن الاستعمال أعم و العرف أعدل شاهد على إرادة غيرهما من إطلاق البيت، بل قيل: لا يدخل فيه الغرف و المقصرة و نحوهما مما لا يعد للسكنى، بل عن الخلاف و المبسوط نفي الخلاف فيه و إن كان هو غير


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 26- 29.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب آداب الحمام الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 35، ص: 314

واضح بالنسبة إلى العرف في عرف هذا الزمان، بل و غيره الذي منه ما في الكتاب (1)و السنة(2)من الترغيب للناس بسكنى غرف الجنة، و أن فوقها غرفا تجرى من تحتها الأنهار، و الأمر سهل، نعم لا يدخل فيه بعض المتخذ مرفقا للدار.

بل قال: و كذا لا يدخل فيه الدهليز و هو ما دخل عن باب الدار بينه و بينها و لا الصفة المتعارفة عند أهل القرى، و هو كذلك، لعدم أعدادهما للسكنى، بل يقال: لا يدخل فلان البيت و هو واقف في الدهليز و الصفة، و إنما يدخلان في الدار عرفا، كما هو واضح.

[المطلب الرابع في مسائل العقود]
اشاره

المطلب الرابع:

في مسائل العقود

[المسألة الأولى العقد اسم للإيجاب و القبول فلا يتحقق إلا بهما فلو حلف ليبيعن لا يبرأ إلا مع حصول الإيجاب و القبول]

الاولى:

العقد اسم للإيجاب و القبول بلا خلاف أجده فيه، و حينئذ فلا يتحقق إلا بهما فلو حلف ليبيعن بعقد البيع لا يبرأ(3)إلا مع حصول الإيجاب و القبول، و كذا لو حلف ليهبن بناء على أنها اسم للعقد كالبيع.

و لكن للشيخ في الهبة قولان: أحدهما أنه يبرأ(4)بالإيجاب قال في محكي الخلاف: «إن الحالف لا يهب يحنث بالإيجاب سواء قبل الموهوب


1- 1 سورة العنكبوت: 29- الآية 58 و سورة سبأ: 34- الآية 37 و سورة الزمر 39- الآية 20.
2- 2 البحار ج 8 ص 119 و 128 و 149 و 158 ط الحديث.
3- 3 في الشرائع:« لا يبر».
4- 4 في الشرائع:« يبر».

ج 35، ص: 315

أم لم يقبل» ثم نقل عن بعضهم أنه لا يحنث بالإيجاب وحده كالبيع، قال: «و هو قوي» و عنه في المبسوط أنه قوي القولين أيضا و هو يدل على تردده، و على كل حال فهو ليس بمعتمد لأنها كغيرها من العقود.

نعم في المسالك تبعا للقواعد يستثنى من ذلك الوصية، فإنها عقد يفتقر إلى

الإيجاب و القبول كما عرفت في محله، لكن لما كان قبولها المعتبر ما كان بعد الموت إجماعا و إن جاز قبله على الخلاف يحنث الحالف عليها بمجرد الإيجاب، إذ لا يعقل توقف الحنث على ما يقع بعد الموت أو يجوز وقوعه، و لأن المتبادر من الوصية عرفا- إذا قيل فلان أوصى بكذا و قوله أوصيت بكذا- هو الإيجاب، و في المسالك مع احتمال توقف الحنث على القبول اطرادا لباب العقود، و دليلها السابق. قلت: هو الأقوى مع التصريح بعقد الوصية، لأنها المحتمل لإرادة الإيجاب منه خاصة بالقرينة، و الله العالم.

[المسألة الثانية إطلاق العقد ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد]

المسألة الثانية:

إطلاق العقد ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد لا لأنه حقيقة فيه دونه، بل لانصراف البيع و «بعه» و نحوهما إلى إرادة الصحيح، و هو الذي يشعر به لفظ الانصراف في عبارة المصنف و غيره، مضافا إلى معلومية كون البيع اسما للأعم منهما على وجه الحقيقة.

و من الغريب ما في المسالك من دعوى كونه حقيقة في الصحيح مجازا في الفاسد لوجود خواص الحقيقة، كمبادرة المعنى إلى ذهن السامع عند إطلاق قولهم:

«باع فلان داره» و غيره، و من ثم حمل الإقرار به عليه، حتى لو ادعى إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا، و عدم صحة السلب و غير ذلك من خواصه، و لو كان مشتركا لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة، و انقسامه إلى الصحيح و الفاسد أعم من الحقيقة، إذ هو جميعه كما ترى منطبق على الانصراف

ج 35، ص: 316

الذي ذكرنا، و ليس شي ء منه يدل على الحقيقة و المجاز، كما هو واضح.

و على كل حال ف لا يبر بالبيع الفاسد لو حلف ليبيعن، و كذا غيره من الصلح و الإجارة و نحوهما.

[المسألة الثالثة الهبة اسم لكل عطية متبرع بها]

المسألة الثالثة:

قال الشيخ: الهبة اسم لكل عطية متبرع بها كالهدية و النحلة و العمرى و الوقف و الصدقة، و نحن نمنع الحكم في العمرى قطعا، لأنها كالسكنى و الرقبى تمليك للمنفعة، بخلاف الهبة التي هي تمليك العين، و

قوله صلى الله عليه و آله (1): «العمري هبة لمن وهبت له»

مع فرضه على ضرب من المجاز.

و أما النحلة ففي المتن و المسالك أنها كالعمرى تمليك للمنفعة أيضا فقال إذ يتناولان المنفعة، و الهبة تتناول العين إلا أنا لم نتحقق ذلك في النحلة، بل قد يدعى أنها كالهبة، خصوصا بعد إطلاق الزهراء عليها السلام اسم النحلة على فدك و العوالي (2)المعلومين كونهما هبة من أبيها لها.

و كذا قوله متصلا بذلك و في الوقف و الصدقة تردد، منشأه متابعة العرف في إفراد كل واحد باسم مع أنه لا تردد في عدم تناولها الوقف المقطوع بكونه ليس هبة اسما و لا حكما، بل عن ابن إدريس عدم الخلاف فيه.

نعم قد يتردد في الصدقة المندوبة التي هي العطية قربة إلى الله تعالى باعتبار أنها الهبة بعوض هو القرب إلى الله تعالى، بل لا يكاد ينكر صدق اسم الهبة في عرفنا عليه، و الاختصاص بالاسم لا ينافي اندراجها في الهبة التي هي للأعم منها و من فاقدة العوض و ذات العوض غير القرب.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 173 و فيه« العمرى لمن وهبت له».
2- 2 البحار ج 8 ص 112 ط الكمپاني.

ج 35، ص: 317

أما الواجبة كالزكاة و نحوها فينبغي القطع بعدم كونها من الهبة التي هي عقد، بل و لا الصدقة المندوبة التي هي الزكاة المندوبة و الفطرة المندوبة و الكفارة المندوبة، نعم يقوى لحوق ما عرفت من الصدقة التي هي في الحقيقة هبة بعوض هو القرب، و ثبوت بعض أحكام لها خاصة بها- كعدم جواز رجوع بها و نحوه- لا ينافي ذلك أيضا، ضرورة اختصاص جملة من أفراد المطلق باسم و أحكام لا تثبت في غير الفرد المزبور كالسلم و نحوه، فإن هبة الرحم تختص بعدم جواز الرجوع بها، و لم تخرج بها عن اسم الهبة، و حينئذ فكل صدقة هبة و لا عكس.

و حينئذ فما عن ابن إدريس- من الجزم بأنه لا يبرأ الحالف على الهبة بالوقف و لا بالصدقة لإفراد كل باسم، و الأصل براءة الذمة، و الفرق بين الهبة و الصدقة، و من جملته جواز الرجوع في الهبة على بعض الوجوه دون الصدقة- فيه ما لا يخفى، نعم هو كذلك في الوقف بل و في الصدقة الواجبة، بل و المندوبة المشخصة باسم كفارة مندوبة و نحوها، دون العطية المتبرع بتمليك عينها قربة إلى الله.

و أما العطية ففي المسالك «لا إشكال في تناول العطية المتبرع بها لجميع ما ذكر، لأن العطية أعم من تعلقها بالعين و المنفعة، فيدخل في الأولى الهدية و الوقف و الصدقة، و في الثانية النحلة و العمرى إلا أنه لا يخلو من إشكال في بعضها كالوقف و العمرى.

بل قال فيها أيضا «و ربما دخلت الوصية في تعريف الشيخ أيضا، لأنها عطية متبرع بها، غايتها أنها بعد الموت، و ليس في إطلاق العطية ما يخرجها، و دخولها في الهبة أبعد».

و فيه ما لا يخفى من عدم دخول الوصية في الهبة بل و العطية إلا في العرف المبتذل، و مع فرض كون الحالف من أهله يمكن دعوى اندراجها فيهما.

و مما ذكرنا يظهر لك النظر فيما في الدروس أيضا، قال: «و الهبة تتناول

ج 35، ص: 318

الهدية لا العمرى على الأقرب و الوصية و الصدقة الواجبة، و في المندوبة وجهان، و كذا في الوقف، و الأقرب المغايرة» إلى آخره.

[المسألة الرابعة إذا حلف لا يفعل لم يتحقق الحنث إلا بالمباشرة]

المسألة الرابعة:

إذا حلف أن يفعل أو أن لا يفعل لم يتحقق البر و لا الحنث إلا بالمباشرة التي هي حقيقة الاسناد دون مجازه و إن كان المباشر الوكيل و المأذون و الأجير و نحوهم، و كونهم كالمباشر في الحكم الشرعي لا يقتضي جريان حكم اليمين الذي هو تابع لمفاد اللفظ حقيقة أو مجازا، و لعل الأمر لأيوب عليه السلام بقوله تعالى (1)«وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً» في امتثال حلفه على أن يضرب زوجته مشعر بما ذكرنا، و حينئذ فإذا قال: لا بعت أو لا شريت فوكل فيهما لم يحنث لعدم المباشرة، و كذا لو حلف لأبيعن أو أشترين مع فرض إرادته مفاد اللفظ، نعم إذا نوى أن لا يفعل على وجه يعم الاذن و الأمر و نحوهما فلا خلاف في الحنث حينئذ بفعل غيره بأمره به، بل و لا إشكال، فإن عموم المجاز من الاستعمال الصحيح المستحسن كعموم الاشتراك، خصوصا في اليمين الذي قد عرفت تصريح النصوص (2)«بأنه على الضمير» بل ظاهر الفاضل في القواعد انصراف الإطلاق عرفا إلى ما يشمل التوكيل، و هو لا يخلو من وجه. هذا كله إذا لم يكن ثم عرف و لو انصرافي.

أما إذا كان كما لو قال: لا بنيت بيتا فبناه البناء بأمره أو باستئجاره قيل: يحنث نظرا إلى العرف و قواه في المسالك. و لكن في المتن و محكي الخلاف

و السرائر الوجه أنه لا يحنث لما سمعته من أن حقيقة الاسناد المباشرة، و لا عرف هنا بحيث هجر المعنى الحقيقي على وجه يكون


1- 1 سورة ص: 38- الآية 44.
2- 2 الوسائل الباب- 17 و 21- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 319

استعماله فيه مجازا، ضرورة الصدق حقيقة لو بنى بنفسه، فالعمل حينئذ بالحقيقة و الاستصحاب لحكمها أولى.

و في المسالك بناء هذه المسألة تجميع أفرادها على ترجيح المجاز اللغوية إلا مع معارضة العرف و الشرع على وجه تهجر اللغوية، فلا إشكال في ترجيح العرفية حينئذ، قال: «و إن بقيت مستعملة مرجوحة فوجهان مبنيان على ترجيح المجاز الراجح و الحقيقة المرجوحة، و إن استويا في الاستعمال صار حينئذ كالمشترك في المنع، من ترجيح أحد أفراده بغير قرينة أو الحمل على الجميع على قول، و هذه المسألة ترجع إلى جميع هذه القاعدة».

قلت: قد ذكرنا في الأصول ما يستفاد منه النظر فيما ذكره من القاعدة كما أنه قد تكرر منا في هذا الكتاب أن الانسياق العرفي من اللفظ تحمل عليه عبارة الحالف و إن لم يكن من الحقيقة، فمع فرض كون الحالف أراد مفاد إطلاق «لا بنت» و الفرض أنه شامل لما كان بأمره لا محيص عن العمل به، خصوصا إذا كان ممن لا يحسنه، و كذا غيره من الصناعة كالحياكة و الصياغة إلا إذا قصد جعل العنوان الحقيقة الاسنادية، كما هو واضح بأدنى تأمل. و منه يعلم ما في كلام المصنف فتأمل.

و لو باع الحالف على نفيه فلا إشكال في الحنث و إن انعقد البيع، كما صرح به في المسالك بل ظاهره المفروغية عنه، قال: «لأن النهي في المعاملة لا يقتضي الفساد، خصوصا إذا كان النهي لوصف خارج كما هنا».

قلت: قد ذكرنا في الأصول أن النهي عن المعاملة لنفسها أو لجزئها يقتضي الفساد عرفا، و يمكن كون الفرض منها باعتبار كونه نفسه مخالفة لليمين، نحو المعاملة المشتملة على المعاونة في الإثم، بل قد يقال: إن اليمين و النذر و الشرط قاطعة لسلطنة المالك عن التصرف المنافي لمتعلقها، خصوصا مع تعلقها بحق الغير كنذر الصدقة و العتق و اشتراطهما أو الحلف عليهما، و حينئذ لو خالف و باع بطل بيعه، و لتحقيق المسألة محل آخر.

ج 35، ص: 320

ثم إنه بناء على اقتضاء اليمين الفساد لو حلف لا يبيع يكون متعلق اليمين البيع الصحيح لو لا اليمين، فيتحقق حينئذ بكل صحيح لولا اليمين لا البيع الصحيح، و إلا لزم الجمع بين النقيضين، لأنه يلزم من ثبوت اليمين نفيها، و الله العالم.

و لو قال: لا ضربت فأمر بالضرب لم يحنث لنحو ما سمعته في نحو «لا بعت» و «لا اشتريت» الذي لم يعارضه عرف و لو انسياقا نعم في قول السلطان و نحوه ممن عادته أو عادة صنفه عدم مباشرة الضرب تردد مما عرفته في «لا بنيت» أشبهه عند المصنف أنه لا يحنث إلا بالمباشرة لنحو ما سمعته منه في نحو «لا بنيت» و قد عرفت أن الأشبه خلافه.

و لو قال: لا أستخدم فلانا فخدمه بغير إذنه لم يحنث، لأن الاستفعال حقيقة في طلب الفعل، و ورود «استقر» بمعنى «قر» و «استوقد» بمعنى «و قد» غير مناف لكون الحقيقة ما ذكرنا، على أن الحلف إنما يتعلق بفعل نفسه، و خدمة الغير بلا طلب منه ليس من فعله، فلا يتعلق به يمين.

و لو توكل الحالف على أن لا يبيع و لا يشترى لغيره في البيع و الشراء ففيه تردد و الأقرب الحنث كما في القواعد لتحقق المعنى المشتق منه (11) إلا مع قصد نفيهما لنفسه، أو كان المنساق من إطلاقهما عرفا ذلك، كما في نحو «لا أتزوج» «و لا أنكح» إذ لا يقال للوكيل: إنه تزوج أو نكح، نعم لو قال: «لا أزوج» و «لا أنكح» من الإنكاح حنث قطعا، و لعل التردد من التردد في الانسياق المزبور من إطلاقهما، و مع الشك فالأصل إرادة النفي مطلقا.

ج 35، ص: 321

[المسألة الخامسة لو قال و الله لا بعت الخمر فباعه قيل لا يحنث]

المسألة الخامسة:

لو قال: و الله لا بعت الخمر فباعه قيل: لا يحنث لما عرفت من انسياق البيع الصحيح المتعذر في الفرض، بل قد سمعت دعوى كون البيع حقيقة فيه. و لو قيل يحنث كان حسنا بل هو المحكي عن الأكثر لأن اليمين فيه و في أمثاله ينصرف إلى صورة البيع صونا للكلام عن الهذر فكأنه حلف لا يوقع الصورة و كذا لو قال: لا بعت مال زيد قهرا.

نعم في المسالك «على هذا التقدير هل يشترط اجتماع شرائط الصحة لولاه؟

قيل: نعم لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة، فيحمل عليه عند تعذرها، و يحتمل عدمه، للأصل و وجود الصورة على التقديرين» و في القواعد أن الأول أقرب. قلت:

لا يخفى عليك قوة الثاني، ضرورة تحقق اسم البيع فيه.

و لو حلف ليبيعن الخمر حقيقة لم تنعقد يمينه لتعذره.

و لو حلف لا يبيع حنث بالبيع مع الخيار، بل في كشف اللثام «قلنا بالانتقال بمجرده أولا، لأن البيع إنما هو العقد» بل فيه و في القواعد «و بالبيع المختلف فيه صحة و فسادا كوقت النداء ما لم يعلم حاله من الصحة و الفساد، بأن لا يكون مجتهدا و لا يمكنه الرجوع إلى مجتهد يرجح أحد الرأيين أو يكون مجتهدا مترددا فيهما، و ذلك لأن الأصل الصحة، فيحكم بها ما لم يعلم الفساد و إن كان الأصل عدم الحنث» قلت: و لا يخلو بعض ذلك من نظر.

ج 35، ص: 322

[المطلب الخامس في مسائل متفرقة]
اشاره

المطلب الخامس في مسائل متفرقة

[المسألة الأولى إذا لم يعين لما حلف وقتا لم يتحقق الحنث إلا عند غلبة الظن]

الأولى:

إذا لم يعين لما حلف وقتا كان وقته العمر ف لم يتحقق الحنث إلا عند غلبة الظن ب عدم التمكن منه بعد هذا الوقت لظن الوفاة أو غيره بناء على ان الأمر المطلق لا يقتضي فورا و لا تراخيا ف متى ظن يتعين قبل ذلك الوقت بقدر إيقاعه كما إذا قال: و الله لأقضين حقه، لأعطينه شيئا لأصومن لأصلين و نحو ذلك، فان لم يفعل أثم بالتأخير، ثم إن مات قبل فعله و كان مما يقضى قضي عنه و إلا فات كما لو حلف ليكلمن زيدا فمات قبله، و لو فرض كذب ظنه بأن زال المرض الذي ظن إيصال الموت به أو نحو ذلك فالظاهر بقاء حكم اليمين، و لا يحنث و إن أثم بالتأخير، للأصل و لأن التضييق إنما جاء بأمر عارض لا بأصل اليمين، بخلاف المعين بأصله.

و مثله إذا عين وقتا للمحلوف عليه و كان أوسع منه، فإنه يكون حينئذ كالواجب الموسع في جواز التأخير إلى آخر الوقت، فلو فرض حصول ظن الضيق قبل انتهاء الوقت فلم يفعل و بان كذب ظنه بقي على حكم التوسعة الأولى، و كذا الحكم في الموسع الأصلي كالصلاة، و لا يقوم الضيق لعارض الظن مقام الوقت المضيق و لا خروجه بخروج الوقت، كما هو واضح.

نعم أصل التوسعة المزبورة في الأوامر المطلقة محل بحث و إن كان هو الأشهر أو المشهور بين الأصحاب، بل لم يذكر في المسالك في مقابله إلا قولا

ج 35، ص: 323

نادرا، و هو أنه يتعين فعله أول أوقات الإمكان قال: «نظرا إلى اقتضاء الأمر المطلق الفور- ثم قال-: و هو ممنوع و لو سلم لم يلزم مثله في اليمين» لكن ربما قيل بتجديد الأوامر المطلقة التي منها الأمر بوجوب الوفاء بالحلف بالوصول إلى حد التهاون و التكاسل عنه عرفا.

و فيه أن ذلك ليس غاية يتضيق بها الفعل من حيث فوات الوقت و إن قلنا بحرمته التي يمكن التخلص منها بالعزم على الفعل و الأخذ بأدائه و إن تضيق، نعم لو فرض توقف ارتفاع التهاون على الفور بأدائه وجب، و هو أمر آخر غير التضييق بفوت فوات الوقت فتأمل. و قد أشبعنا الكلام فيه في الأصول.

و لا يخفى عليك ما في قوله: «و لو سلم لم يلزم مثله في اليمين» ضرورة كون البحث فيه كغيره من الأمر المطلق، إذ لا دليل بالخصوص فيه يخرجه عن حكم الأمر المطلق، اللهم إلا أن يدعى ظهور بعض نصوص اليمين مضافا إلى الإجماع على عدم الفور فيه، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا حلف ليضربن عبده مائة سوط قيل يجزئ الضغث]

المسألة الثانية:

إذا حلف ليضربن عبده مثلا مائة سوط قيل و القائل الشيخ في محكي مبسوطة و خلافه و تبيانه يجزئ ضربة واحدة ب الضغث بالكبس الذي فيه العدد من الشماريخ أو الأسواط، بل عنه في الخلاف الإجماع صريحا، و في الأخيرين ظاهرا، و عن القاموس «هو قبضة حشيش مختلط الرطب و اليابس».

و في المسالك «هو لغة مل ء اليد من الحشيش و نحوه- ثم قال-: و المراد هنا ضربة بقبضة تشتمل على عدد من القضبان و السياط و نحوهما، و وجه الاجزاء ما في قصة أيوب عليه السلام حين حلف ليضربن زوجته مائة من قوله تعالى(1):

«وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ» الظاهر في تحقق متعلق اليمين المقتضي


1- 1 سورة ص: 38- الآية 44.

ج 35، ص: 324

لعدم الحنث بضربها بعذق فيه مأة شمراخ، و لأن الضرب حقيقة هو وقوع المضروب به على المضروب بقوة بفعل الضارب و قد حصل، بل حصل صدق الضرب مائة باعتبار كون المضروب بالعدد المزبور» بل في كشف

اللثام «لا خلاف في أنه لو حلف ليضربنه مائة ضربة بربه لأن لكل شمراخ ضربة».

نعم يبقى الكلام في صدق اسم السوط به في مفروض المثال الذي لا يتحقق إلا بضغث يشتمل على مائة سوط، بناء على أن المراد به الحزمة مما يضرب به سوطا كان أو غيره، فيكون متعلق اليمين في المثال حزمة تشتمل على مائة سوط، أما لو فرض كون المحلوف عليه لأضربنه مائة اكتفى بالعذق ذي الشماريخ، بل العدد المزبور، بل لم يستبعد في كشف اللثام صدق اسم السوط حقيقة على الشماريخ.

و كيف كان فلا يخفى عليك قوة القول المزبور على هذا التقدير، ضرورة صدق اسم الضرب مائة و إن كان دفعة، و اعتبار دعوى التعاقب ممنوعة، بل كادت الآية(1)تكون صريحة بخلافه مضافا إلى العرف.

و لكن مع ذلك قال المصنف و تبعه غيره و الوجه انصراف اليمين إلى الضرب بالالة المعتادة كالسوط و ظاهره مخالفة الشيخ في الاكتفاء بالضرب بالضغث، و هو ليس من الإله المعهودة، و لا يندرج فيه السوط لا من حيث التعاقب و الدفعة، و قد عرفت اندفاعه بإرادة القبضة مما يسمى سوطا مقدار مأة من الضغث هنا، فلا مناقشة من هذه الجهة، مضافا إلى عطفه الخشبة على

السوط المقتضي للاجتزاء بها في مفروض المثال الذي هو الضرب مائة سوط، و لا وجه له إلا بدعوى إرادة ما يشملها من السوط، و هي ليست بأولى من الدعوى الأولى، فتأمل جيدا.

ثم قال نعم مع الضرورة كالخوف على تلف نفس المضروب يجزئ الضغث و كأنه أخذه مما ورد من الاجتزاء به في الحدود في الحال المزبور،

قال


1- 1 سورة ص: 38- الآية 44.

ج 35، ص: 325

حنان بن سدير(1)عن الصادق عليه السلام «إن رسول الله صلى الله عليه و آله اتي برجل أجنبي قد استسقى بطنه و بدت عروق فخذيه و قد زنى بامرأة مريضة، فأمر رسول الله صلى الله عليه و آله فاتى بعرجون فيه مأة شمراخ فضربه به ضربة و خلى سبيله»

و ذلك قوله تعالى (2)«وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ» و لكنه كما ترى إنما هو في خصوص الحدود التي يمكن ترتب الشارع الاجتزاء بالمصداق فيها على حالي الاختيار و الاضطرار، و لا يقاس عليها

اليمين بعد فرض الصدق اختيارا خصوصا و ظاهر قصة أيوب عليه السلام ذلك في الاختيار، فلا وجه لقصر ذلك على حال الاضطرار كما في الحدود نعم يبقى إشكال اسم السوط في خصوص المثال، و قد عرفت الحال فيه.

و كيف كان فلو كان المحلوف عليه الضرب أجزأه مسماه و إن كان لا يكفى فيه وضع اليد و السوط و رفعهما و العض و القرص و الخنق و نتف الشعر، خلافا لأبي علي فقال بالحنث بالعض و الخنق و القرص و لأبي حنيفة فقال بالحنث بالأولين و نتف الشعر(3)نعم في الوكز و اللكز و اللطم وجهان، أجودهما اعتبار صدقه عرفا.

و هل يشترط فيه الإيلام؟ قيل: لا، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه، لانقسام الضرب إلى المؤلم و غيره، و المقسوم صادق على أقسامه حقيقة، و العام لا يدل على الخاص، و لصدق سلبه عنه، فيقال: ضربه و لم يؤلمه، و هو يقتضي نفي اللزوم، و يخالف الحد و التعزير حيث يعتبر فيهما الإيلام بسبب أن الغرض هناك الزجر


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 من كتاب الحدود.
2- 2 سورة ص: 38- الآية 44.
3- 3 هكذا في النسختين الأصليتين و في العبارة تشويش، حيث ان الكلام في تحقق المحلوف عليه بهذه المعدودات و عدمه، فليس القول بالحنث ببعضها خلافا في المسألة.

ج 35، ص: 326

الذي لا يحصل إلا به بخلاف اليمين المعلقة بمصداق الاسم.

و قيل: يشترط الإيلام كما في القواعد، للعرف و لأن اليمين لا تنعقد إلا مع رجحان الضرب بسبب حد أو تعزير أو تأديب، و لا يحصل الغرض بدونه، و فيه أن هذه قرائن، و الكلام في جعل متعلق اليمين مسمى الضرب، و إلا فمع القرائن لا يحنث.

هذا كله مع فرض انعقاد اليمين على وجه يقتضي الحنث لو لم يفعل، كما إذا كان الضرب ل مصلحة دينية كاليمين على إقامة الحد أو التعزير المأمور به البالغ مائة سوط أو دونه.

و أما التأديب على شي ء من المصالح الدنيوية فالأولى العفو و لا كفارة، لعدم الانعقاد حينئذ باعتبار أن تركها خير منها، و لخصوص

خبر محمد بن العطار(1)المنجبر بالشهرة كما في المسالك، قال: «سافرت مع أبي جعفر عليه السلام إلى مكة فأمر غلامه بشي ء فخالفه إلى غيره، فقال أبو جعفر عليه السلام: و الله لأضربنك يا غلام، قال: و لم أره ضربه، فقلت: جعلت فداك إنك حلفت لتضربن غلامك فلم أرك ضربته، فقال: أ ليس الله يقول وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (2)»

بل منه يستفاد الاستدلال أيضا بالاية و إن كانت مساقة لغير ذلك.

بقي شي ء و هو أن ظاهر قول المصنف و غيره. الأولى جواز فعل المحلوف عليه من حيث إنه محلوف عليه، بل صرح الكركي في حاشيته بأن المراد منه الأفضل، و في غاية المراد «ليست هذه الأولوية من الأولويات الدالة على خلاف أو وجه في المسألة، بل المعنى الأولى لهذا الحالف أن يعفو، لا الأولى في الحكم أن يكون كذا، و يحتمل فيه غير ذلك» قلت: لعل المراد منه بيان عدم انعقادها أو انحلالها، لأن العفو خير.


1- 1 الوسائل الباب- 38- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 237.

ج 35، ص: 327

و كيف كان ف يعتبر في الضغث حيث يجتزأ به عن الضرب مائة أن يصيب كل قضيب جسده كما صرح به غير واحد، ليتحقق صدق الضرب به، لكن في المسالك «سيأتي في باب الحدود عدم اشتراط وصولها إليه أجمع، و يكفي انكباس بعضها على بعض، بحيث يناله ثقل الكل، و هنا أولى بالحكم، لما تقدم من أن المقصود من الحد الردع، و هنا الاسم، و الآية(1)تدل عليه، و من المستبعد في العدد المجتمع إصابة جميعه للبدن، خصوصا إذا اجتمعت المائة كما ذكروه، و الوجه التسوية بين الأمرين، و حيلولة بعضها ببعض مع إصابة ثقلها

كحيلولة الثياب و غيرها مما لا يمنع تأثير البشرة بالضرب، و الغرض هنا التخفيف و مراعاة المسمى، كما تدل عليه الآية(2)فالاكتفاء بذلك أولى».

قلت: هذا الكلام على طوله لا حاصل له، ضرورة عدم جريان ما ثبت في الحدود بدليل خاص في المقام المعتبر فيه صدق المحلوف عليه، فمع فرض عدم الصدق للضرب مائة إلا مع إصابتها أجمع على وجه يتحقق الضرب بها لا يكفي و إن اكتفي بها في الحد للتخفيف بدليله.

نعم قد يقال: لا يعتبر في صدق الضرب بالضغث ذلك لو كان هو المحلوف عليه، فان المتعارف من الضرب به هو كبسه أجمع ثم الضرب به، و حينئذ لا يحتاج إلى ذكر حكم الحد، و فرق واضح بين الحلف على الضرب مائة و بين الحلف على الضرب بالضغث، بل و بين الضرب بمائة سوط و بينه أيضا لكن في القواعد الأقرب الاجتزاء بالثاني عن الأول أي لغير ضرورة، و في كشف اللثام «لأنه إنما أفاد كون الإله مائة- ثم قال-: و يحتمل العدم ضعيفا بناء على تبادر التعاقب» و لا يخفى عليك ما في الجميع.

و على كل حال يبر بالسوط الواحد مائة مرة فيما لو حلف على الضرب بمائة إلا أن ينوي ما لا يشمل ذلك، إذ قد يراد ذلك.

هذا و في القواعد و ظاهر كشف اللثام أنه يكفي ظن وصولها إليه


1- 1 سورة ص: 38- الآية 33.
2- 2 سورة ص: 38- الآية 33.

ج 35، ص: 328

و لعله لعموم الآية(1)و الخبر(2)و مناسبة التخفيف، لأنه يتعسر حصول (تحصيل خ ل) العلم مع الضرب دفعة، و لكن الجميع كما ترى، ضرورة عدم دليل على الاجتزاء بالظن بعد فرض اعتبار وصول الجميع إلى الجسد، و الآية و الخبر إنما يدلان على صدق الضرب به عرفا، لا على الاجتزاء بالظن، و لعله لذا يحكي عن بعض العامة القول باعتبار العلم.

و كيف كان فقد عرفت أنه يجزئ ما يسمى به ضاربا و أنه لا يجزئ الوضع، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا حلف لا ركبت دابة العبد لم يحنث بركوبها]

المسألة الثالثة:

إذا حلف لا ركبت دابة العبد لم يحنث بركوبها مع فرض إرادة حقيقة الإضافة بناء على أنها الملك لأنها ليست له حقيقة و إن أضيفت إليه فعلي المجاز نعم إذا أراد الاختصاص لا إشكال في الحنث، بل

قد يقوى ذلك مع الإطلاق، لدلالة العرف عليه، و في الدروس «الإضافة إلى العبد تقتضي التمليك إن قلنا يملك، و إن أحلنا ذلك أمكن حمله على المنسوب إليه كالدابة، إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر الحقيقة، و حمله على ما سيملكه بعد عتقه أو كتابته اقتصارا على الحقيقة الممكنة في الجملة بخلاف الدابة، فإنه لا يتصور لها ملك» قلت: لا يخفى عليك ما في الاحتمال الأخير و إن جزم في القواعد بالحنث بركوب الدابة التي يملكها العبد بعد العتق، لكنه واضح الضعف، ضرورة عدم صدق دابة العبد حقيقة، هذا كله إذا كان متعلق يمينه دابة العبد.

أما لو قال: لا ركبت دابة المكاتب حنث بركوبها لأن تصرف المولى


1- 1 سورة ص: 38- الآية 44.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 من كتاب الحدود.

ج 35، ص: 329

ينقطع عن أمواله بل هو مالك و إن كان ملكا متزلزلا و لكن مع ذلك فيه تردد مما عرفت و من عدم تمامية الملك، و لذا يمنع من التصرف فيه بغير الاكتساب، مع أنه بمعرض أن يعود رقا، فيرجع ماله إلى مولاه.

و ربما فرق بين المطلق و المشروط، فيحنث بالأول دون الثاني، و الحق الحنث مطلقا للصدق عرفا على وجه لا ينافيه الحجر عليه، كما لا ينافي ملكية الحر الحجر عليه بأحد أسبابه، بل الظاهر تحقق حقيقة الإضافة بهذا القدر من الملك، و الله العالم.

[المسألة الرابعة البشارة اسم للإخبار الأول بالشي ء السار]

المسألة الرابعة:

البشارة اسم للإخبار الأول بالشي ء السار و إطلاقها على غيره نحو «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ»*(1)مجاز بخلاف الإخبار، فإنه صادق على السار و غيره، و بما وقع أولا و غيره، نعم لا فرق فيها بين المتحد و المتعدد، و إذا أخبروا دفعة ف حينئذ لو قال: و الله لأعطين من بشرني بقدوم زيد مثلا فبشره جماعة دفعة استحقو ها، و لو تتابعوا كانت العطية للأول لأن خبره البشارة دون غيره. و ليس كذلك لو قال: من أخبرني، فإن الثاني مخبر كالأول كما هو واضح.

[المسألة الخامسة إذا قال أول من يدخل داري فله كذا فدخلها واحد]

المسألة الخامسة:

إذا قال: أول من يدخل داري فله كذا فدخلها واحد (11) بعد اليمين أو جماعة فله (12) ما حلف و إن لم يدخل غيره (13) لأن المراد بالأول الذي لم يسبقه غيره، سواء لحقه غيره أو لا، و إن كان قد ينساق الأول، كما عن بعض العامة


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 21 و سورة التوبة 9- الآية 34 و سورة الشقاق: 84- الآية 24.

ج 35، ص: 330

اختياره، إلا أن التحقيق خلافه، فيصدق على المفروض أنه أول داخل، لكن عن المبسوط إن قال: أول من يدخل الدار من عبيدي حر فدخل اثنان معا و دخل ثالث لم ينعتق الاثنان، لأنه لا أول منهما، و لا الثالث، لأنه ليس بأول، فإن قال: أول من يدخلها من عبيدي فهو حر(1)فدخلها اثنان معا و ثالث بعدهما تحرر الثالث وحده، لأنه أول داخل وحده، و قد روى في أحاديثنا أن الاثنين ينعتقان لأنهم

رووا(2)أنه إذا قيل أول ما تلده الجارية فهو حر فولدت توأمين أنهما ينعتقان،

و ظاهره اعتبار الواحد في الأول، و ربما أشعر به عبارة المتن، و لكنه في غير

محله ضرورة صدق الأول على الواحد و الجماعة.

و كيف كان ف لو قال: «آخر من يدخل» كان لآخر داخل و هو الذي لم يلحقه غيره، و هو و إن كان مطلقا يتحقق بما بعد موته ما دامت الدار باقية إلا أنه كان لاخر داخل قبل موته لأن إطلاق الصفة يقتضي وجودها في حال الحياة بشهادة العرف، خصوصا بعد ما في المسالك من أن إضافة الدار إليه تقتضي الملك، و لا يتحقق بعد الموت، فالجمع بين الأخير و كون دخوله لدار الحالف يقتضي وجود صفة الدخول حال الحياة، لتحقق دخوله داره، و أيضا فقوله: «و له كذا» يقتضي ثبوته في ذمته على تقدير الدخول، و لا يتحقق ذلك إلا في حال الحياة لأن الميت لا يثبت في ذمته شي ء إلا في مواضع نادرة ليس هذا منها و إن كان لا يخلو من نظر فتأمل و لو فرض عدم دخول غير الواحد إلى أن مات كان له جعل الأول، لعدم صدق الآخر عليه، إذ الظاهر اعتبار مسبوقيته بغيره، و إلا كان الأول و الآخر واحدا، و الله العالم.


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين الا ان الموجود في المبسوط« من عبيدي وحده فهو حر» و هو الصحيح فان هذا القيد هو الفارق بين الصورتين.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من كتاب العتق الحديث 1 و المستدرك الباب- 27- منه الحديث 1 و 2.

ج 35، ص: 331

[المسألة السادسة إذا حلف لا شربت الماء أو لا كلمت الناس تناولت اليمين كل واحد من أفراد ذلك الجنس]

المسألة السادسة:

إذا حلف لا شربت الماء أو لا كلمت الناس تناولت اليمين كل واحد من أفراد ذلك الجنس لأن الماء اسم جنس معرف يتناول القليل و الكثير و العذب و المالح إلا أن يكون هناك انسياق للأول من الشرب، و أما الناس فهو و إن كان جمعا و قد قيل إن مقتضاه لغة عدم الحنث بكلام واحد، نحو قوله: «لا كلمت ناسا و رجالا» لكن قد حققنا في الأصول أن الجمع المعرف باللام يقتضي الاستغراق الأفرادي، أو هو كاسم الجنس المعرف، فإذا قال: «لا أتزوج النساء» أو «لا أشتري العبيد» يحنث بتزويج امرأ واحدة و شراء عبد واحد، و الله العالم.

[المسألة السابعة اسم المال يقع على العين و الدين]

المسألة السابعة:

اسم المال يقع على العين لغة و عرفا إجماعا، بل و الدين عندنا و عند الأكثر من غيرنا على ما حكي الحال منه و المؤجل، فيقال:

«مال فلان ديون على الناس» و «استوفى فلان ماله من فلان» و شبه ذلك، خلافا لبعض العامة فخصه بالزكوي و آخر فخصه بالعين، و ثالث فخصه بما عدا المؤجل و الجميع كما ترى.

و حينئذ فإذا حلف ليتصدقن بماله لم يبر إلا بالجميع حتى ثياب بدنه و دار سكناه و عبيد خدمته و غيرها و إن استثنيت من وفاء الدين لدليله، إذ المدار هنا على الاسم الشامل للجميع و للعبد الآبق و المال الضال و المغصوب و المسروق و المدبر و الموصى به و المعلق عتقه على صفة و أم الولد، بل و المكاتب بقسميه و إن قيل فيه وجهان ناشئان من

قوله صلى الله عليه و آله (1): «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم»

و من


1- 1 المستدرك الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 6 و فيه « المكاتب رق.».

ج 35، ص: 332

أنه كالخارج عن ملكه، لعدم ملكه لمنافعه و لأرش الجناية عليه، و ربما فرق بين المشروط و المطلق، فيدخل الأول دون الثاني، بل هو خيرة الدروس، و لو كان يملك منفعة بوصية أو إجارة ففي دخولها في إطلاق المال وجهان أظهرهما ذلك، و لهذا يصرف في الدين، أما حق الشفعة و الاستطراق فلا، و أرش الجناية

خطأ أو عمدا إذا عفى على مال من جملة أفراده، و الله العالم.

[المسألة الثامنة يقع على القرآن اسم الكلام]

المسألة الثامنة:

يقع على القرآن اسم الكلام عند الأكثر على ما في المسالك، فإذا حلف أن لا يتكلم حنث بقراءة القرآن حينئذ لقوله تعالى (1)«حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ» و لأن الكلام لغة و عرفا هو المشتمل على الحروف الهجائية قليلا كان أو كثيرا مهملا كان أو مستعملا.

و كذا التسبيح و التهليل و الدعاء و الذكر و غيرها من النظم و النثر، و قد

قال رسول الله صلى الله عليه و آله (2): «أفضل الكلام أربع: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر»

و «لا إله إلا الله كلمة ثقيلة في الميزان خفيفة على اللسان»(3)

و لا ينافي ذلك قوله تعالى (4)«آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ» بعد معلومية كون المراد منه الكلام مع الناس

لا مطلق الكلام، كما لا ينافيه عدم انقطاع الصلاة به كقراءة القرآن


1- 1 سورة التوبة: 9- الآية 6.
2- 2 صحيح البخاري ج 8 ص 173 ط مصر.
3- 3 يستفاد مضمونه مما رواه في البحار ج 93 ص 175 فراجع.
4- 4 سورة آل عمران: 3- الآية 41.

ج 35، ص: 333

بعد أن كان العنوان لقطعها

قوله صلى الله عليه و آله(1): «لا يصلح فيه شي ء من كلام الآدميين»

نعم لو فرض انسياق عرفي و لو من القرائن إرادة خصوص كلام الآدميين لم يحنث حينئذ بغيره.

و حينئذ فما قال ه الشيخ قدس سره من أنه لا يقع اسم الكلام عرفا على القرآن و وافقه عليه الفاضل في محكي الإرشاد لا يخلو من نظر إلا إذا كان المراد الانسياق عرفا في الجملة و إلا ف هو يشكل ب ما عرفت من قوله تعالى (2)حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ تعالى شأنه و غيره، أو يريد عدم الحنث، لعدم انعقاد اليمين، لأنه غالبا طاعة أو غير ذلك.

و كيف كان ف لا يحنث بالكتابة و الإشارة لو حلف لا يتكلم قطعا لعدم تسميتهما كلاما لغة و لا عرفا. بل يصح أن يقال: ما كلمه و إنما كاتبه و أشار إليه، و قد قال تعالى شأنه (3)«إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ

صَوْماً، فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا. فَأَشارَتْ إِلَيْهِ» و لو أن الإشارة كلام لحنث بنذرها.

خلافا للمحكي عن جماعة من العامة، فحكموا بالحنث بذلك، لقوله تعالى (4)«ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا» فاستثنى الرسالة من التكليم، فيدخل الأخيران بطريق أولى، و كذا يدخل الرمز في الكلام في الآية السابقة، لأصالة الاتصال في الاستثناء.

و الكل كما ترى بل لا يدخل فيه إشارة الأخرس و إن جرى عليه حكم الكلام في كثير من المقامات، لكن لا تدخل بذلك تحت اسمه في المفروض و نحوه، و لو


1- 1 المستدرك الباب- 21- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2 من كتاب الصلاة.
2- 2 سورة التوبة: 9- الآية 6.
3- 3 سورة مريم: 19- الآية 26.
4- 4 سورة الشورى: 42- الآية 51.

ج 35، ص: 334

قال: «لا كلمتك فتنح عني» حنث بخلاف ما لو قال: «أبدا» أو «الدهر» أو «ما عشت» أو «كلاما حسنا» أو «قبيحا» و نحو ذلك مما هو متعلق اليمين، بل لا يعد تكليما له.

و لو قال: «لأنك حاسد» أو «مفسد» ففي القواعد إشكال، و لعله من الدخول في الجملة القسمية و عدم الاستقلال، و من أن اليمين تمت قبله مع اشتماله على الحكم

و الخطاب لغة. قلت: إلا أن يكون المراد غير ذلك و نحوه من الكلام الملحق باليمين. و كذا لو شتمه مواجهة حنث إلا أن يريد كلام موادة.

و لو حلف على المهاجرة حنث بالمكاتبة و المراسلة و إن قال الفاضل في القواعد على إشكال، و لعله من الإشكال في شمول المهاجرة لترك جميع ذلك، فإنها قطع الموادة، و هي تحصل بكل من ذلك، و لا يعلم أنه حلف على قطع جملة مراتبها أو بعضها، فان الكلام موجب لفظا منفي معنى، فان اعتبر اللفظ كفى نوع من القطع، و إن اعتبر المعنى لزم القطع جملة، لكن لا يخفى عليك أن الظاهر الثاني، و لعله لذا جزم به في الإرشاد.

و لو حلف أن لا يكلمه فكلم غيره بقصد إسماعه لم يحنث نعم لو ناداه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته ففي القواعد حنث أما لو كلمه حال نومه أو إغمائه أو غيبته أو موته أو صممه لم يحنث، لكن يحنث لو كلمه حال حياته، كما أنه يحنث لو سلم عليه، و لو صلى به إماما لم يحنث إذا لم يقصده بالتسليم كما في القواعد، بل و إن قصده، لعدم الصدق عرفا، و الله العالم.

[المسألة التاسعة الحلي يقع على الخاتم و اللؤلؤ]

المسألة التاسعة: اسم الحلي مفردا بفتح الحاء و سكون اللام يقع على الخاتم و اللؤلؤ فضلا عن السوار و الخلخال و غيرهما. فلو حلف لا يلبس الحلي حنث

ج 35، ص: 335

بلبس كل واحد منهما للصدق عرفا و لخصوص قوله تعالى في اللؤلؤ(1):

«وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها» خلافا لبعض العامة، فذهب إلى عدم تناول اسمه للؤلؤ، بل قطع به في الدروس، و هو غريب، بل عن التحرير أن العقيق و الشيح يسمى حليا في السوار، بل من أفراده الدراهم و الدنانير على بعض الأحوال التي تستعملها النساء في الزينة، و لو كان متعلق يمينه الحلي جمعا بضم الحاء أو كسرها و كسر اللام و تشديد الياء فقد عرفت الحنث في مثله من الجمع المعرف بكل واحد من أفراده بخلاف الجمع المنكر و المثنى، فإنه لا يحنث إلا بمسماهما، و قد سمعت الكلام في الإيلاء لو قال لزوجاته: «لا وطأتكن» فلاحظ و تأمل.

[المسألة العاشرة التسري هو وطء الأمة و في اشتراط التخدير نظر]

المسألة العاشرة:

التسري في عرفنا هو وطء الأمة و لو مع عدم الانزال كما في الدروس و في اشتراط التخدير مع ذلك نظر أقربه العدم، لأن التسري من السر الذي هو الوطء، قال امرئ القيس:

فقد زعمت سياسة القوم أنني كبرت و أن لا يحسن السر أمثالي(2)

. خلافا لبعض فقال يحصل بثلاثة أمور: ستر الجارية عن أعين الناس، و هو المعبر عنه بالتخدير، و الوطء، و الانزال، و لاخر فقال: يكفى الستر و الوطء، و عن المبسوط اعتبار الوطء و الانزال، و لعل ذلك كله لاختلاف العرف باختلاف الأزمنة و الأمكنة، و الله العالم.


1- 1 سورة النحل: 16- الآية 14.
2- 2 و الموجود في ديوان امرئ القيس المطبوع في مصر عام 1378 ص 159 ألا زعمت بسياسة اليوم أننى كبرت و أن لا يحسن السر أمثالى

ج 35، ص: 336

[المسألة الحادية عشرة إذا حلف لأقضين دين فلان إلى شهر كان غاية]

المسألة الحادية عشرة:

إذا حلف لأقضين دين فلان مثلا إلى شهر كان غاية عرفا فيجب أن يكون القضاء قبل انقضائه، لأن «إلى» للغاية و بيان الحد، و هي خارجة عن المغيا إما مطلقا أو هنا بالقرينة، و لو لكونه منفصلا محسوسا.

و ربما قيل بجواز تأخيره إلى أن يهل، كما لو قال: «عند الهلال» لأن «إلى» كما تكون للغاية تكون بمعنى «مع» كقوله تعالى (1)«مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ»* أي معه، فلا يحنث حينئذ بالشك و فيه أنه مناف للعرف الذي مقتضاه كون الشهر ظرفا للأداء و آخره آخر الوقت المعين باليمين، لا أن الهلال وقت له دون ما قبله الذي هو مقتضى الثاني، و حينئذ فيجب إحضار الحق متصلا بالهلال، فيدفعه عنده من غير تقديم و لا تأخير، حتى لو قدم عليه لم يبر كمن حلف على أكل الطعام غدا فأكله أو أتلفه قبله، و لا ريب في عدم فهم العرف ذلك عند الإطلاق، نعم لو قصده دين به.

و لو قال: لأقضين دينه إلى حين أو زمان قال الشيخ: يحمل على المدة التي حمل عليها نذر الصيام و هي الستة أشهر في الأول و الخمسة في الثاني، لأنه عرف شرعي ناقل عن الوضع اللغوي.

و فيه إشكال بل منع من حيث هو تعد عن موضع النقل و لم يصل إلى حد الحقيقة الشرعية، خصوصا بعد استعماله في الشرع

في غير ذلك، كقوله تعالى (2)«فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ»


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 52 و سورة الصف: 61- الآية 14
2- 2 سورة الروم: 30- الآية 17.

ج 35، ص: 337

«وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ»(1)«فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ»(2)المفسر في الأخيرين بيوم القيامة، و «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ»(3)المفسر بتسعة أشهر الحمل أو الأربعين سنة بناء على أنه إشارة إلى آدم حيث صور مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* و طِينٍ لازِبٍ ثم نفخ فيه الروح أربعين سنة.

بل في المسالك شارحا لعبارة المتن أيضا «فهو مشترك و لا يمكن حمله على جميع معانيه اتفاقا، فهو مبهم، و ما ورد(4)في النذر مختص به على خلاف الأصل، فلا يتعداه» و ما عداه إن فهم المراد به بقصد اللافظ أو قرينة يدل على تعيين أحد معاني المشترك و إلا كان مبهما يصلح للقليل و الكثير، و لا يحصل الحنث إلا بالموت، لأصالة براءة الذمة فيما عدا ذلك، و كذا القول في الزمان و الوقت و الدهر و المدة و غيرها مما يدل على الزمان المبهم و إن كان فيه منع واضح، ضرورة كونه من المشترك المعنوي لا

اللفظي، و عدم الحنث إلا بالموت من جهة الصدق، و الله العالم.

[المسألة الثانية عشرة الحنث يتحقق بالمخالفة اختيارا]

المسألة الثانية عشرة لا خلاف و لا إشكال في أن الحنث الموجب للكفارة يتحقق بالمخالفة اختيارا، بل الإجماع بقسميه عليه سواء كان بفعله أو بفعل غيره الذي يرجع إليه أيضا كما لو حلف لا أدخل بلدا فدخله بفعله أو قعد باختياره في سفينة فسارت به أو ركب دابة مختارا أو حمله إنسان بإذنه، إذ في الجميع


1- 1 سورة ص: 38- الآية 88.
2- 2 سورة المؤمنون: 23- الآية 54.
3- 3 سورة الإنسان: 76- الآية 1.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم.

ج 35، ص: 338

يصدق أنه دخل البلد راكبا و على ظهر و في سفينة، بل لو حمله بغير إذنه إلا أنه قادر على الامتناع فلم يمتنع يحنث، لصدق الفعل مختارا عليه و إن احتمل عدمه.

بل في القواعد الاشكال فيه، لعدم وجود الدخول منه، و إنما استند إلى غيره، إذ المفهوم من الدخول ما كان باختياره كسائر الأفعال المنسوبة إلى المختار، و لا اختيار مع السكوت، فإنه إنما يتحقق اختيار الدخول بجعل المركوب آلة فيه، و إنما تتعين الألية مع الإذن، إذ بدونه ربما كان المقصود دخول المركوب، و إنما دخل الراكب تبعا و إن قصد في نفسه الدخول، فإنه كمن قصد الحنث و لم يحنث.

و في كشف اللثام «يحتمل قويا الاكتفاء بالقصد، فإنه بقصده جعل المركوب آلة- ثم قال-: و يمكن تعميم الاذن له و جعل السكوت في مقابله» و لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الصدق عرفا أنه دخل مختارا.

نعم لا يتحقق الحنث عندنا بالإكراه الذي تطابق النص (1)و الفتوى على عدم تأثير كل سبب شرعي معه، و منه الفعل الذي هو سبب الكفارة.

و لا مع النسيان للحلف مثلا كذلك أيضا و لا مع عدم العلم بالمحلوف عليه كما لو دخل الدار من لا يعرف أنها المحلوف عليها، لعموم

قوله صلى الله عليه و آله(2): «رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه»

و لأن البعث و الزجر المقصودين من اليمين إنما يكونان مع اختيار الفعل ذاكرا لليمين، ضرورة أن كل حالف إنما قصد بعث نفسه أو زجرها باليمين، و ذلك إنما يكون عند ذكرها و ذكر المحلوف عليه حتى يكون تركه أو فعله لأجل اليمين، و هذا


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب الايمان.
2- 2 الوسائل الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

ج 35، ص: 339

لا تتصور إلا مع القصد إليها و المعرفة بها، و في الثلاثة لا يتصور بعث و لا زجر، إذ هما في الأفعال الاختيارية المعلومة دون غيرها.

خلافا لجماعة من العامة، فحكموا بالحنث في الجميع، لوجود المحلوف عليه مع عدم سقوط الكفارة بالأعذار عندهم، لأنه قد يجب عليه أن يحنث نفسه و مع ذلك تلزمه الكفارة، كما لو حلف أن لا يفعل الواجب أو يفعل المحرم، فان اليمين تنعقد عندهم و إن وجب الحنث حينئذ، كما أنه يستحب لو حلف على ترك المندوب إلى غير ذلك من خرافاتهم المعلوم فسادها في مذهبنا.

لكن في

خبر علي بن جعفر(1)المروي عن قرب الاسناد و غيره أنه سأل أخاه عليه السلام «عن الرجل يحلف و ينسى ما قال، قال: هو علي ما نوى»

و لعل المراد منه أنه نسي ذكر ما قال و لكن ذكر ما نوى، أو يكون أنه نسي ما قال لفظا و معنى و يكون الغرض من الجواب أن اليمين لا يبطل في الواقع، بل هو على ما نوى، فإذا ذكره عمل به، أو

يكون أنه إذا نسي و نوى العمل إذا ذكر فله الأجر، و إن نوى عدم العمل بعد الذكر فلا.

نعم في المسالك و غيرها «هل ينحل اليمين مع عدم الحنث عندنا بالأمور الثلاثة؟

وجهان، أحدهما نعم، لوجود الفعل المحلوف عليه حقيقة، فكان كما لو حنث عمدا بالنسبة إلى ذلك و إن افترقا بالكفارة و عدمها، فقد حصلت المخالفة و هي لا تتكرر، فإذا خالف مقتضاها بعد ذلك لم يحنث، و قد حكموا في الإيلاء لو وطأ ساهيا أو جاهلا ببطلان حكمه مع أنه يمين صريحة، و ثانيهما لا، لعدم دخول الثلاثة تحتها، فالواقع بعد ذلك هو الذي تعلقت به اليمين، فيتحقق به الحنث» و عن الشهيد في قواعده أنه استقرب الأول و نسبه إلى ظاهر الأصحاب و كأنه أخذه من كلامهم في الإيلاء.

مضافا إلى صدق الإتيان بخلاف اليمين، ضرورة صدق أنه شرب الذي هو خلاف «لا أشرب» حتى في صورة الإكراه التوعدي مثلا التي يمكن دعوى انحلال


1- 1 الوسائل الباب- 50- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 340

اليمين فيها من حيث نفسها، باعتبار صيرورة خلاف اليمين جزاء للإكراه، و عدم الحنث الذي يترتب عليه الكفارة باعتبار ظهور أدلتها في غير الفرض لا يقتضي عدم اندراج هذه الأفراد في متعلق اليمين، فالأقوى حينئذ الانحلال.

نعم ينبغي أن يعلم أن الانحلال إنما يكون مع تعذر الإتيان بالمحلوف عليه، كما لو حلف على عدم إيجاد الطبيعة فأوجدها و نحو ذلك، و هو المراد من قولهم:

«إن المخالفة لا تتكرر» أما إذا كان متعلق اليمين صوم كل خميس فإنه لا تنحل بالمخالفة في خميس مثلا، لمكان تعدد المحلوف عليه و إن اتحد اليمين، كما يشهد بذلك كلامهم في نذر صوم السنة المعينة و الشهر و الدهر فلاحظ و تأمل، فإنه قد اشتبه الحال على بعض الأعلام، و الله العالم.

[الأمر الرابع في اللواحق]

اشاره

النظر الرابع في اللواحق:

و فيه مسائل:

[المسألة الأولى الأيمان الصادقة كلها مكروهة]

الأولى:

الأيمان الصادقة كلها مكروهة لقول الله تعالى (1)«وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ» و

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي أيوب الخزاز(2): «لا تحلفوا بالله صادقين و لا كاذبين، فإنه يقول عز و جل:

وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ»

و في

حسن ابن سنان (3)«اجتمع الحواريون


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 224.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الايمان الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب الايمان الحديث 2.

ج 35، ص: 341

إلى عيسى فقالوا له: يا معلم الخير أرشدنا، فقال لهم: إن موسى نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين، و أنا آمركم و لا صادقين»

و لسدير(1)«من حلف بالله كاذبا فقد كفر، و من حلف بالله صادقا أثم، إن الله عز و جل يقول وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ»

و خبر علي بن مهزيار(2)قال: «كتب رجل إلى أبي جعفر عليه السلام يحكي له شيئا،

فكتب: و الله ما كان ذلك و إنى لأكره أن أقول:

«و الله» على حال من الأحوال، و لكنه غمني أن يقال ما لم يكن»

إلى غير ذلك من النصوص.

و تتأكد الكراهة في الغموس المراد بها هنا اليمين الصادقة على الماضي و إن لم يكن ذلك معهودا من معناها، لما عرفته سابقا، لكن في كشف اللثام «عن العين أن اليمين الغموس هي التي لا استثناء فيها» و ظاهره المستقبل أيضا لا الماضي.

و على كل حال فهي مكروهة مؤكدة إذا كانت على اليسير من المال ل

مرسل علي بن الحكم (3)عن الصادق عليه السلام «إذا ادعي عليك مال و لم يكن له عليك فأراد أن يحلفك فان بلغ مقدار ثلاثين درهما فأعطه و لا تحلف، و إن كان أكثر من ذلك فاحلف و لا تعطه».

بل يستحب عدم الحلف على العظيم من المال أيضا بقصد الإجلال و التعظيم، ل

قول النبي صلى الله عليه و آله (4): «من أجل الله أن يحلف به أعطاه خيرا مما ذهب منه»

و دفع زين العابدين عليه السلام إلى امرأته التي ادعت عليه صداقها أربعمائة

دينار(5)و قال: «أجللت الله عز و جل أن أحلف به يمين بر»

و ظاهر الخبر الأول تحديد اليسير من المال بمقدار ثلاثين درهما لكن أطلق المصنف و الفاضل، و في كشف اللثام


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الايمان الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الايمان الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من كتاب الايمان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من كتاب الايمان الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 342

أنه يختلف باختلاف الشخص و الحال، و لعل الاقتصار على ما في النص أولى و على كل حال فاليمين الصادقة مكروهة.

نعم لو قصد دفع المظلمة عنه أو عن غيره من إخوانه جاز بلا كراهة و ربما وجبت و لو كذب كما في استنقاذ نفس محترمة من القتل مثلا،

قال الصادق عليه السلام (1)في رجل حلف تقية: «إن خشيت على دمك أو مالك فاحلف ترده عنك بيمينك»

و قال زرارة(2)للباقر عليه السلام: «نمر بالمال على العشارين فيطلبون منا أن نحلف لهم و يخلون سبيلنا، و لا يرضون منا إلا بذلك، فقال: احلف لهم فهو أحلى من التمر و الزبد»

و منه يستفاد الرجحان فضلا عن عدم الكراهة.

و سئل علي عليه السلام (3)«عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحوز بذلك ماله؟ فقال: نعم»

و سأل محمد بن أبي الصباح (4)أبا الحسن عليه السلام «إن امه تصدقت عليه بنصيب لها في داره فكتبه شراء فأراد بعض الورثة أن يحلفه على أنه نقدها الثمن و لم ينقدها شيئا، قال: احلف له»

إلى غير ذلك.

لكن في القواعد و غيرها إن كان ممن يحسن التورية و ري وجوبا و إن لم يكن يمينا تخلصا من الكذب الواجب اجتنابه ما أمكنه، و إن لم يحسنها أو أعجله الظالم جاز له مع الكذب اليمين عليه و لا إثم و لا كفارة بلا خلاف و لا إشكال، لما عرفت مثل أن يحلف لدفع ظالم عن إنسان أو ماله أو عرضه (11) بل تقدم سابقا أنه يكفي في التورية قصده بما حلف عليه غيره و إن لم يجز استعماله، فان الحلف على ما في الضمير بل قد يستفاد من إطلاق نصوص المقام عدم


1- 1 الوسائل الباب- 12- من كتاب الايمان الحديث 3 و المستدرك الباب- 8- منه الحديث 4 راجع الفقيه ج 3 ص 230- الرقم 1086.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من كتاب الايمان الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من كتاب الايمان الحديث 8 و فيه« عن الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام.».
4- 4 الوسائل الباب- 43- من كتاب الايمان الحديث 1.

ج 35، ص: 343

وجوب التورية و إن أحسنها، و لا يخلو من قوة و إن كانت أولى مع إمكانها بل تقدم في الطلاق (1)جملة من أحكام التورية و أحكام الإكراه، فلاحظ و تأمل(2).

لكن في المسالك هنا «المراد بالتورية أن يقصد باللفظ غير ظاهره، إما في مفردة بأن يقصد بالمشترك معنى غير المطلوب من الحلف عليه، بأن يقصد بما في قوله: «ما لفلان عندي وديعة» الموصولة لا النافية، أو «ماله عندي فراش» و يعني الأرض أو «لباس» و يعني الليل أو النساء أو نحو ذلك، أو في الإسناد بأن يقول:

«ما فعلت كذا» و يعني في غير المكان أو الزمان الذي فعله فيه، و نحو ذلك» و فيه ما عرفت(3).

هذا و في المسالك بعد أن نسب إطلاق المصنف الكراهة إلى جماعة قال:

«و ليس على إطلاقه، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه و آله حلف كثيرا ك

قوله صلى الله عليه و آله (4)لما حكى عن سليمان عليه السلام أنه قال: «لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله»: «و أيم الله و الذي نفس محمد بيده لو قال إنشاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون»

و قوله صلى الله عليه و آله أيضا في زيد بن حارثة(5)«و أيم الله لأن كان خليقا بالأمارة»

و غير ذلك من الأيمان المروية عنه صلى الله عليه و آله (6)


1- 1 راجع ج 32 ص 207- 210.
2- 2 هذا على الترتيب الذي جاء في النسخة الأصلية المبيضة، و الذي يظهر بالدقة في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه- و فيها تشويش و تخريج غريب- أن ما بين القوسين بعد ذكر كلام المسالك و الجواب عنه، أى بعد قوله:« و فيه ما عرفت» مع تقديم و تأخير بين جملتي ما بين القوسين أيضا، فخرج في الهامش قوله:« بل تقدم في الطلاق. فلاحظ و تأمل» قبل قوله:« بل قد يستفاد. مع إمكانها».
3- 3 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة الا أن الموجود في المسودة« و فيه ما عرفت من أن الظاهر أعميتها من ذلك، لان الحلف على ما في الضمير» و بعد هذا جاء قوله:« بل تقدم في الطلاق.» كما أشرنا إليه في التعليقة المتقدمة.
4- 4 سنن البيهقي ج 10 ص 44.
5- 5 سنن البيهقي ج 10 ص 44.
6- 6 سنن البيهقي ج 10 ص 26.

ج 35، ص: 344

ثم قال-: و استثني بعضهم ما وقع منها في حاجة لتوكيد كلام أو تعظيم أمر، فالأول ك

قوله صلى الله عليه و آله(1): «فو الله لا تمل الله حتى يملوا»

و الثاني ك

قوله صلى الله عليه و آله (2): «و الله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا»

و باقي ما ورد عنه من الأيمان راجع إلى هذين، و قسمها الأكثر إلى الأحكام الخمسة، فقد تجب في مثل إنقاذ المؤمن من ظالم و إن كان كاذبا و يتأول في الدعوى عند الحاكم إذا توجهت عليه، و قد يحرم إذا كانت كاذبة إلا لضرورة، و قد تستحب لرفع ظالم عن ماله المجحف به، و قد يكره كما إذا كثرت، و عليه تحمل الآية(3)و في العرضة تنبيه عليه، و كالحلف على القليل من المال، و ما عدا ذلك مباح».

قلت: هو على طوله خال عن التحصيل، ضرورة عدم منافاة ما ورد من النبي صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام من الأيمان لاقترانها بما يزيل مرجوحيتها التي لا تصدر عنهم، و بهذا الاعتبار انقسمت إلى الأحكام الخمسة، فلا ينافي الكراهة الثابتة لها مجردة عن هذه الاعتبارات، كما هو واضح.

ثم إن عبارة المصنف قد تشعر بوجوب الحلف كاذبا لدفع الظالم عن مال غيره أو عرضه، و أصرح منه عبارة القواعد «و قد تجب الكاذبة إذا تضمنت تخليص مؤمن أو مال مظلوم أو دفع ظلم عن إنسان أو عن ماله أو عن عرضه».

لكن صرحوا في غير المقام بعدم وجوب الدفاع عن المال مطلقا، بل في الدروس

التصريح هنا بأن الحلف لدفع الظالم عن مال نفسه المجحف به مستحب، و في المسالك «أنه يمكن الفرق بين المال المضر فواته بمالكه و غيره في الأمرين».

و فيه أن الظاهر عدم الوجوب في مال الغير مطلقا، نعم يمكن حمل كلامهم


1- 1 مسند أحمد ج 6 ص 51.
2- 2 سنن البيهقي ج 10 ص 26.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 224.

ج 35، ص: 345

على إرادة القضية المهملة، فإنه قد يجب ذلك لمال الغير إذا كان وديعة عنده مثلا، و الأمر سهل.

[المسألة الثانية اليمين بالبراءة من الله سبحانه أو من رسوله صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام لا تنعقد]

المسألة الثانية لا خلاف في أن اليمين بالبراءة من الله سبحانه أو من رسوله صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام لا تنعقد بل و لا إشكال، لأنه بغير اسم الله بل المشهور أنه لا يجب بها كفارة كما عرفته في كتاب الكفارة(1)بل قد ذكرنا جملة من أحكامه هناك.

و لكن لا خلاف في أنه يأثم و لو كان صادقا، بل و لا إشكال للنصوص المشتملة

على هذه المبالغة في النهي عنه، حتى أنه في

النبوي (2)منها «من قال: إني بري ء من دين الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال، و إن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما»

و في

خبر يونس بن حنان (3)قال: «قال لي: يا يونس لا تحلف بالبراءة منا، فإنه من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا فقد بري ء منا»

إلى غير ذلك من النصوص التي ذكرنا بعضها هناك.

لكن قد يستفاد من

قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة(4): «أحلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه بري ء من حول الله و قوته، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل، و إذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لم يعاجل، لأنه قد وحد الله سبحانه»

جواز تحليف الظالم بالكيفية المزبورة.

بل قد يستفاد أيضا من فعل الصادق عليه السلام و تحليفه من وشى به ذلك أيضا،


1- 1 راجع ج 33 ص 179.
2- 2 سنن البيهقي ج 10 ص 30.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من كتاب الايمان الحديث 4 عن يونس بن ظبيان.
4- 4 الوسائل الباب- 33- من كتاب الايمان الحديث 2.

ج 35، ص: 346

ففي

المرسل عن صفوان الجمال (1)«أن أبا جعفر المنصور قال لأبي عبد الله عليه السلام:

رفع إلى أن مولاك المعلى بن خنيس يدعو إليك و يجمع لك الأموال، فقال: و الله ما كان- إلى أن قال المنصور-: فأنا أجمع بينك و بين من سعى بك، فجاء الرجل الذي سعى به فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هذا أ تحلف؟ قال: نعم، و الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم لقد فعلت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويلك تبجل الله فيستحيي من تعذيبك، و لكن قل: قد برئت من حول الله و قوته و التجأت إلى حولي و قوتي، فحلف بها الرجل، فلم يستتمها حتى وقع ميتا، فقال المنصور:

لا اصدق عليك بعد هذا أبدا، و أحسن جائزته و رده»

و نحوه المروي عن الرضا عليه السلام عن أبيه عليه السلام (2)في محكي الخرائج و الجرائح، و عن المفيد أنه رواه في إرشاده مرسلا(3).

إلا أني لم أجد من أفتى بذلك من الأصحاب، نعم في الوسائل باب جواز استحلاف الظالم بالبراءة من حول الله و قوته (4)و ظاهره الفتوى به، و لا ريب أن الاحتياط يقتضي تركه إلا في مهدور الدم من الناصب و نحوه.

و كيف كان فقد قيل و القائل المفيد و سلار و التقي على ما حكي عنهم تجب بها كفارة ظهار مع المخالفة و لم أجد به شاهدا معتدا به، و كذا ما عن النهاية و القاضي من كفارة ظهار ثم كفارة يمين، و عن الصدوق صوم ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين إذا قال: «هو بري ء من دين محمد صلى الله عليه و آله، و كلما يملكه في سبيل الله، و أن عليه المشي إلى بيت الله إن كلم ذا من قرابته»


1- 1 الوسائل الباب- 33- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 33- من كتاب الايمان الحديث 3.
3- 3 أشار إليه في الوسائل الباب- 33- من كتاب الايمان الحديث 3 و ذكره في الإرشاد ص 255 ط حجر إيران.
4- 4 و هو الباب- 33- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 347

و الظاهر أن بعض القيود مستغنى عنه في تحقيق الفتوى، و ما عن ابن حمزة من كفارة النذر مع المخالفة التي هي عنده كفارة شهر رمضان.

نعم في

توقيع العسكري عليه السلام إلى محمد بن يحيى (1)«يطعم عشرة مساكين و يستغفر الله تعالى»

و عن الفاضل في المختلف الفتوى به، و لعله ظاهر المصنف و قد مضى تحقيق الحال في ذلك كله، و أنه لا كفارة و إن أثم.

و حينئذ ف لو قال: هو يهودي أو نصراني أو مشرك إن كان كذا لم تنعقد، و كان لغوا و إن قلنا أنه من الحلف بالبراءة،

قال إسحاق بن عمار(2): «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: رجل قال: هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا و كذا، قال: بئس ما قال، و ليس عليه شي ء»

و سأل أبو بصير(3)أبا عبد الله عليه السلام «عن الرجل يقول: هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا و كذا، قال:

ليس بشي ء».

[المسألة الثالثة لا يجب التكفير إلا بعد الحنث]

المسألة الثالثة:

لا يجب التكفير إلا بعد الحنث و مخالفة مقتضى اليمين و نقضها، لأن ذلك هو السبب فيها، و لا يتقدم المسبب على سببه، إذ لا

يجوز تقديم العبادة قبل وقت وجوبها، و لا خلاف في أنها لا تجب قبله، بل في المسالك الإجماع عليه.

و حينئذ ف لو كفر قبله لم يجزه ضرورة عدم الخطاب بها، خلافا لبعض العامة فجوزه قياسا على تعجيل الزكاة قبل تمام الحول، و ل

قوله صلى الله عليه و آله (4): «إذا


1- 1 الوسائل الباب- 7- من كتاب الايمان الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من كتاب الايمان الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 34- من كتاب الايمان الحديث 3.
4- 4 سنن البيهقي ج 10 ص 31.

ج 35، ص: 348

حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فات الذي هو خير، و كفر عن يمينك»

و في لفظ آخر(1)«فكفر عن نفسك و آت الذي هو خير».

و هو كما ترى و إن كان في بعض أخبارنا(2)ما يوافقه إلا أنه محمول على ضرب من الندب أو التقية. ففي

خبر طلحة بن زيد(3)عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام «أن عليا عليه السلام كره أن يطعم الرجل في كفارة اليمين قبل الحنث»

مع احتمال إرادة الحرمة من الكراهة، نعم

عنه عليه السلام أيضا في خبر آخر(4)«إذا حنث الرجل فليطعم عشرة مساكين، و يطعم قبل أن يحنث».

[المسألة الرابعة لو أعطى الكفارة كافرا أو من تجب عليه نفقته فان كان عالما لم تجزه]

المسألة الرابعة:

لو أعطى الكفارة كافرا أو من تجب عليه نفقته فان كان عالما بذلك لم تجزه بلا خلاف و لا إشكال ف ان جهل و اجتهد ثم بان له لم يعد عند المشهور.

و كذا لو أعطى من يظن فقيرا فبان غنيا، لأن التكليف ب الاطلاع على الأمور الباطنة يعسر و فيه أنه لا عسر في الإعادة لو اتفق الخطأ و إنما هو لو أوجبنا الأداء عليه لمن هو كذلك في نفس الأمر ابتداء، كما أوضحنا ذلك و أشبعنا الكلام فيه في الزكاة(5)و قلنا هناك: إن القول بالإعادة الموافقة لمقتضى القواعد لا تخلو من قوة فضلا عن المقام الخالي عن معارضة بعض النصوص (6)التي مرت هناك، فلاحظ و تأمل.


1- 1 مسند أحمد 4 ص 137 و ج 5 ص 63.
2- 2 المستدرك الباب- 13- من كتاب الايمان الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 51 من كتاب الايمان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 51 من كتاب الايمان الحديث 2.
5- 5 راجع ج 15 ص 327 الى 332.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة.

ج 35، ص: 349

[المسألة الخامسة لا يجزئ في التكفير بالكسوة إلا ما يسمى ثوبا]

المسألة الخامسة:

لا يجزئ في التكفير بالكسوة إلا ما يسمى ثوبا كما مر في كتاب الكفارة(1)و حينئذ ف لو أعطاه قلنسوة أو خفا لم يجزه لأنه لا يسمى كسوة، و قد قال الله تعالى (2)«أَوْ كِسْوَتُهُمْ».

نعم يجزئ الغسيل من الثياب أي المغسول لتناول الاسم و قد مر الكلام في ذلك في بيان جنس الثوب، و أنه لا يكون باليا مرقعا، و غير ذلك من الأحكام في بحث الكفارة(3)مفصلا، فلاحظ و تأمل.

[المسألة السادسة إذا مات و عليه كفارة مرتبة و لم يوص اقتصر على أقل رقبة تجزئ]

المسألة السادسة:

إذا مات و عليه كفارة مرتبة و لم يوص وجب إخراجها مقدما على الميراث كغيرها من الحقوق المالية و اقتصر على أقل رقبة تجزئ جمعا بين ذلك و بين حق الوارث بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهرهم

أنها من الحقوق المالية و إن كان معسرا في حياته قد تعين عليه الصوم في المرتبة، و ليست هي كالعبادات المحضة كالصلاة و الصوم الذي لا يجب إخراجها عنه إلا مع الوصية و إن ناقشنا نحن في ذلك في كتاب الوصايا، بل بملاحظة ما ذكرنا هناك يظهر لك الوجه فيما هنا، فلاحظ و تأمل.

و حينئذ فالترتيب الواجب عليه يلحظ في تركته، و تخرج منه ما تبرأ به ذمته، إلا أنه يجب الاقتصار على أقل الأفراد ما لم يتبرع الوارث بالزائد، و لا عبرة بإعساره


1- 1 راجع ج 33 ص 272- 275.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 89.
3- 3 راجع ج 33 ص 274- 276.

ج 35، ص: 350

في حال الحياة، إذ هي كالديون لا يستثنى له معها ما استثنى له في زمن حياته من الدار و نحوها، فيجب عتق الرقبة من ماله مع سعته و إلا فالفرد الآخر، و هكذا.

هذا كله إن لم يوص، و إن أوصى و أطلق فهو كما لم يوص.

و إن أوصى بقيمة للرقبة تزيد عن ذلك الذي هو أقل رقبة و لم يجز الوارث كانت قيمة المجزئ الذي هو كالدين من الأصل و الزيادة من الثلث الذي يجب إنفاذ وصاياه منه، فهو حينئذ كمن أوصى بحج واجب عليه من بلده في إخراج ما قابل الميقات إلى آخر المناسك من الأصل و الزائد من الثلث، و لو فرض عدم سعة ماله لأقل أفراد الرقبة، و لكنه يسع لصيام الشهرين وجب صرفه فيه، و لكن مع الاقتصار على أقل الأفراد، و هكذا الإطعام. و لو فرض عدم حصول فرد غير الأقل بما أوصى به من الزيادة لغت و رجعت ميراثا، كما هو واضح.

و إن كانت الكفارة مخيرة و لم يوص أخرجت و اقتصر على أقل الخصال قيمة و أقل أفراد تلك الخصلة ما لم يتبرع الوارث. و لو أوصى بما هو أعلى و لم تجز الورثة فإن خرج التفاوت من الثلث فلا كلام، و إلا أخرجت قيمة الخصلة الدنيا من الأصل و ثلث الباقي، فإن قام بما أوصى وجب إنفاذه و إلا بطلت الوصية بالزائد و اقتصر على الدنيا و لا يجب إخراج الوسطى، لعدم وجوبها بالأصل و لا بالوصية و إن احتمله الفاضل في القواعد، قال: «و لو كان عليه كفارة مرتبة اقتصر على أقل رقبة تجزئ، فإن أوصى بالأزيد و لم يجز الوارث اخرج المجزئ من الأصل، و الزائد من الثلث، سواء وجب التكفير في المرض أو الصحة، و يقتصر في المخيرة على أقل الخصال، و لو أوصى بالأزيد أخرج الزائد من الثلث، فان قام المجموع بما أوصى و إلا بطلت في الزائد، و يحتمل الوسطى مع النهوض».

قلت: لأن الواجب صرف المجموع من حيث نفوذ الوصية به، و هو بعض الموصى به، فإذا لم يمكن إنفاذ مجموع ما أوصى به يجب المقدور،

لعموم «إذا أمرتكم

ج 35، ص: 351

بشي ء فأتوا منه ما استطعتم»(1)

إلا أنه كما ترى.

نعم لو أوصى بقدر معين كان يسع العليا فلم يجز الوارث اقتصر حينئذ على إخراج قيمة الدنيا من الأصل و ضم إلى ثلثه و صرف في الوسطى، و الفرق بينهما أن الوصية بالعليا نفسها أمر معين فإذا فات لم يكن ما دونه موصى به، فلا يجب إلا الأدنى الذي يخرج من الأصل، بخلاف الوصية بقدر يسع العليا المقتضية للتعلق بذلك القدر و بكل جزء جزء، فإذا فات بعضه لعدم خروجه من الثلث يبقى الباقي، و هو صالح عوضا عن جميع الخصال، و ليس هكذا الأعلى المعين الذي الأوسط ليس جزء منه و لا موصى به.

و إلى ما ذكرنا يرجع كلام الشهيد في الدروس، قال: «و تجب إخراج الكفارة من تركة الميت، ففي المخيرة أدنى الخصال

إلا أن يتطوع الوارث بالأرغب، و في المرتبة أدنى المرتبة التي هي فرضه، و لو أوصى بالأزيد و رد الوارث فالزائد من الثلث، فلو لم يف بالعليا أجزأت الدنيا، و الزيادة ميراث» و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا انعقدت يمين العبد ثم حنث و هو رق ففرضه الصوم في الكفارات مخيرها و مرتبها]

المسألة السابعة:

إذا انعقدت يمين العبد ثم حنث و هو رق ففرضه الصوم في الكفارات مخيرها و مرتبها لأنه لا مال له يعتق منه أو يطعم أو يكسي بناء على الأصح من عدم أهليته للملك، بل ينبغي القطع بذلك بناء على اعتبار الملكية في عتق الكفارة و إطعامها و كسوتها حتى لو أذن السيد أو المتبرع.

و لكن قال المصنف لو كفر بغيره أي الصيام من عتق أو كسوة أو إطعام فإن كان بغير إذن المولى لم يجزه و إن أذن أجزأه، و قيل: لا يجزؤه لأنه لا يملك بالتمليك و الأول أصح، و كذا لو أعتق عنه المولى باذنه و ظاهره عدم اعتبار الملكية و إلا فاذن المولى لا يفيدها، و هو لا يخلو من وجه.


1- 1 سنن البيهقي ج 4 ص 326.

ج 35، ص: 352

و في المسالك بعد أن أرسل اعتبار الملك في الإطعام و الكسوة و العتق إرسال المسلمات قال: «هذا إذا لم يأذن له المولى أو نهاه، و إن أذن له بتكفير بالعتق أو الإطعام أو الكسوة ففي إجزائه قولان، منشأهما أنه كفر بما لا يجب عليه، فلا يسقط عنه الواجب، سواء قلنا بملكه أو أحلناه خصوصا العتق، لأنه لا عتق إلا في ملك، نعم لو ملكه مولاه المال و قلنا بصحته اتجهت، و من أن المانع من الاجزاء كان عدم القدرة، فإذا أذن المولى حصلت و جرى مجرى ما لو كفر المتبرع عن المعسر، و قد تقدم البحث في ذلك في الكتابة».

قلت: قد اخترنا هناك الصحة، لإطلاق الأدلة، إلا أن ذلك لا يقتضي الصحة في غيره، لاحتمال الفرق بينهما بالملك فيه و إن لم يجز له التصرف فيه بغير التكسب، فمع فرض رفع الحجر عنه الاذن يندرج في إطلاق الأدلة أما غيره فلا أهلية له للملك.

نعم لو قلنا بعدم اعتبار الملك اتجهت بالصحة حينئذ لإطلاق الأدلة أيضا و لعله لا يخلو من قوة، خصوصا بناء على إجزاء المتبرع عن المعسر، إذ هو لا ينقص عنه من هذه الجهة، فلا يعتبر الملك حينئذ حتى في العتق الذي قد

ورد فيه (1)«لا عتق إلا في ملك»

لكن قد ذكرنا في محله (2)أن المراد منه عدم صحة عتق ملك الغير بغير إذنه، لا أنه لا يصح عتقه عن كفارة الغير باذن مالكه، و قد ذكرنا بعض النصوص (3)الدالة على ذلك.

و لا يقال عدم الاجزاء في العبد لأن فرضه الصوم، فلا يجزئ عنه غيره، لأن تعين الصوم إنما هو لعدم قدرته على غيره، فمع فرض الاذن و عدم اعتبار الملك يصير قادرا على غيره، و يندرج في إطلاق الأدلة، بل لا فرق بين المولى و غيره في ذلك.

نعم لا بد من إذن العبد إذا نوى الكفارة عنه غيره حتى يكون وكيلا بذلك،


1- 1 الوسائل الباب- 5- من كتاب العتق الحديث 2 و فيه« لا عتق الا بعد ملك».
2- 2 راجع ج 34 ص 147- المسألة العاشرة.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 35، ص: 353

إذ ليست هي كالديون المحضة التي يصح التبرع بها من دون إذن، مع احتماله إذا تعقبت الاذن، بناء على صحة الفضولي في مثله، كأداء الزكاة و الخمس من مال من هما عليه كما ذكرناه في الفضولي، بل قد يحتمل جواز التبرع من غير حاجة إلى الاذن إن لم يكن إجماع على خلافه، نحو

أداء الصلاة عن الميت و نحوه، فتأمل جيدا.

[المسألة الثامنة لا تنعقد يمين العبد بغير إذن المولى]

المسألة الثامنة: قد تقدم البحث في أنه لا تنعقد يمين العبد بغير إذن المولى و قلنا إن الأصح تسلط المولى على فسخه، لا أن سبق إذنه شرط و لكن بناء عليه لا تلزمه الكفارة قطعا و إن حنث، أذن له المولى في الحنث أم لم يأذن ضرورة عدم انعقادها لفقد شرط صحتها و هو الاذن، فلا كفارة بالحنث حينئذ و لا إثم.

أما لو أذن له في اليمين فقد انعقدت بلا خلاف و لا إشكال، و حينئذ فلو حنث باذنه و كفر بالصوم لم يكن للمولى منعه لإطلاق أدلة الوجوب، و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، مع احتماله إلى أن ينعتق أو يتضيق بظن الوفاة.

و لو حنث من غير إذنه كان له منعه و لو لم يكن الصوم مضرا كغيره من أفراد الصوم، و إذنه في اليمين لا ينافيه، إذ هي ليست إذنا في الحنث كي تستتبع الاذن في التكفير.

و لكن فيه تردد من ذلك و من أن سبب الوجوب مأذون فيه، و الحنث من لوازمه أو توابعه، و الاذن في الشي ء إذن في لوازمه أو تستلزم الاذن في لوازمه و توابعه، و من أن التكفير بالصوم صار واجبا عليه و ليس للسيد منعه مما وجب عليه كالصوم و الصلاة الواجبين، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، و لعله

ج 35، ص: 354

الأقوى حتى لو كان مضرا.

خلافا لبعض ففصل بينه و بين غير المضر، و اختاره في الدروس، قال: «و فرض العبد في جميع الكفارات الصوم، فلو أذن المولى في العتق أو الإطعام ففي الإجزاء خلاف سبق، و إنما تلزم الكفارة إذا كان الحلف باذن السيد و الحنث باذنه، و لو حلف بغير إذنه فلغو، و إن حنث باذنه قال الشيخ: يكفر لأن الحنث من لوازم اليمين، و لو حلف باذنه و حنث بغير إذنه فله منعه من الصوم المضر به و لو لم يضر به ففي المنع وجهان، و لو زال الرق و لما يبطله السيد فالأقرب الانعقاد، و يراعى فيه ما يراعى في الحر حينئذ، و كذا لو كان الحلف باذنه ثم أعتق، فيعتبر حال الأداء».

و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و احتمل في القواعد أن له المنع عن المبادرة، قال: «و إذا انعقدت يمين العبد ثم حنث و هو رق ففرضه الصوم في المخيرة و المرتبة، فإن كفر بغيره من إطعام أو عتق أو كسوة بإذن المولى صح على رأي و إلا فلا، و كذا يبرأ لو أعتق عنه المولى، و لو حلف بغير إذنه لم ينعقد على قول علمائنا، فإن حنث فلا كفارة و لو بعد العتق و إن لم يأذن له المولى فيه، و لو أذن في اليمين انعقدت، و إن حنث باذنه كفر بالصوم، و لم يكن للمولى منعه، و لو قيل بمنع المبادرة أمكن، و لو حنث بغير إذنه قيل: له منعه من التكفير و إن لم يكن الصوم مضرا و فيه نظر، فلو حنث بعد الحرية كفر كالحر، و كذا لو حنث ثم أعتق قبل التكفير».

و لو حلف بغير إذنه و حنث بغير إذنه فلا كفارة قطعا، بناء على أن شرط الصحة الاذن و إلا جاء الكلام السابق.

و لو حلف بغير إذن و حنث بها فإن أبطلنا يمينه بدونه فلا كفارة، و إن قلنا بكونها موقوفة ففي المسالك «في استلزام الاذن في الحنث الإجازة وجهان، من ظهور دلالته عليه، و من احتمال الأمرين، فيستصحب أصالة البراءة، و هو الأجود- ثم قال-: و يتفرع عليهما الصوم، فعلى الأول له الصوم بغير إذنه، لأن الحنث

ج 35، ص: 355

يستعقب الكفارة، فالإذن فيه إذن في التكفير، كما أن الاذن في الإحرام إذن في بقية أفعال الحج، و على الثاني يتوقف لزومهما على عتقه إن جعلناه كاشفا عن لزومه حين الحلف، و إن جعلناه سببا فلا كفارة».

قلت: لا يخلو ما ذكره أخيرا من بحث، و على كل حال فالأقوى وجوب التكفير عليه بالصوم مطلقا، نعم يبقى الإشكال في أن له المنع من المبادرة كما في كل واجب موسع و مطلق. أو لا كما جزم به الكركي، و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا حنث بعد الحرية كفر كالحر]

المسألة التاسعة:

إذا حنث بعد الحرية كفر كالحر بلا خلاف و لا إشكال، لأن الحرية هي حال الأداء، بل و كذا لو حنث ثم أعتق ف ان الاعتبار بحال الأداء كالحر لا حال الوجوب، لأنها عبادة، و العبادات يراعى فيها حال الأداء لا حال الوجوب، بل الظاهر أن خطابها كذلك و حينئذ فإن كان موسرا كفر بالعتق أو الكسوة أو الإطعام، و لا ينتقل إلى الصوم إلا مع العجز عن الإطعام، هذا في المرتبة، و في المخيرة كفر بأي خصالها شاء.

خلافا لبعض فجعل الاعتبار بحال الوجوب، لأن الكفارة نوع تطهير يختلف حاله بالرق و الحرية، فينظر إلى حالة الوجوب كالحد، فإنه إذا زنى و هو رقيق ثم أعتق، أو بكر ثم صار محصنا بعد العتق أقيم عليه حد الرق و البكر، و هو كما ترى لا يرجع إلى محصل شرعي يصح الاعتماد عليه، خصوصا بعد أن كان ظاهر الأدلة ما ذكرنا، سيما بملاحظة حال الصلاة المختلف كيفية فعلها قصرا و تماما و صلاة قادر و غيره باعتبار حال أدائها، و الله العالم.

ج 35، ص: 356

[كتاب النذر]

اشاره

كتاب النذر الذي هو لغة الوعد بشرط أو مطلقا بخير أو بشر، و عن ابن فارس أن أصل النذر يدل على التخويف و أنه إنما سمي به لما فيه من الإيجاب و التخويف من الأخلاف.

و شرعا بالمعنى الذي سمعته مكررا في غيره الالتزام بالفعل أو الترك على وجه مخصوص، و إليه يرجع ما عن المهذب و الدروس و غيرهما من أنه التزام الكامل المسلم المختار غير المحجور عليه بفعل أو ترك بقول: «لله تعالى» ناويا القربة.

و الأصل في مشرعيته بعد الإجماع و السنة المتواترة التي سيمر عليك شطر منها قوله تعالى (1)«وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» و «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ»(2).

و كيف كان ف النظر في الناذر و الصيغة و متعلق النذر و لواحقه فهي أمور أربعة.

[أما الناذر]

أما الناذر فهو البالغ العاقل المسلم، فلا يصح من الصبي و إن ميز و بلغ عشرا و كان المنذور ما يصح منه من الوصية بالمعروف و إن قلنا بشرعية عبادته إلا أنه قد عرفت سلب عباراته التي منها العبادة القولية المترتب عليها أحكام شرعية حتى صارت من هذه الجهة كالايقاع و العقد اللذين لا إشكال في عدم صحتهما منه، للأصل و حديث الرفع (3)و الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية عدم


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 29.
2- 2 سورة الإنسان: 76- الآية 7.
3- 3 الوسائل الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

ج 35، ص: 357

التكليف قبل البلوغ.

و لا من المجنون بقسميه بلا خلاف و لا إشكال، نعم يصح من الأدواري حال إفاقته و الوثوق بفعله.

و لا من الكافر بأقسامه لتعذر نية القربة في حقه باعتبار شرطية الايمان

بصحة عبادته و الفرض عدمه، فلا يتصور نية القربة منه، إذ ليس المراد منها أفعل كذا قربة إلى الله و إن لم يكن الفعل مقربا له، و من هنا لم أجد خلافا في عدم صحته منه بين أساطين الأصحاب كما اعترف به في الرياض.

نعم تأمل فيه سيد المدارك و تبعه في الكفاية، فإنهما بعد أن اعترفا بالشهرة و ذكر الدليل المزبور قالا: «و فيه منع واضح فان إرادة التقرب ممكنة من الكافر المقر بالله» و في الرياض لا يخلو من قوة إن لم يكن الإجماع على خلافه كما هو الظاهر إذ لم أر مخالفا سواهما من الأصحاب، و الاحتياط لا يخفى، و هو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه، و قد مر بعض الكلام في ذلك في العتق و غيره، بل الظاهر عدم صحته من المخالف حتى فرق الإمامية غير الاثنى عشرية، لما عرفته من أن الايمان بهم عليهم السلام شرط صحة العبادات كما استفاضت به النصوص (1)بل كاد يكون من ضروريات المذهب.

و حينئذ فمع معلومية اشتراطها أي النية في النذر كما ستعرف لا ينبغي التأمل في عدم الصحة، إذ هو كالصلاة و الصوم و نحوهما مما علم بطلانها من غير الإمامي و إن جاء بها جامعة بجميع الشرائط عدا الايمان بهم عليهم السلام أجمع، نعم

ستعرف المناقشة في اعتبارها فيه عند تعرض المصنف لذلك.

لكن لو نذر الكافر فأسلم استحب له الوفاء كما صرح به غير واحد، لما

روي من أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه و آله: «كنت نذرت اعتكاف ليلة


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 35، ص: 358

في الجاهلية فقال له النبي صلى الله عليه و آله: أوف بنذرك»

مؤيدا بالاعتبار، و هو أنه لا يحسن أن يترك بسبب الإسلام ما عزم عليه في الكفر من خصال الخير التي الإسلام أولى بها، مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه.

و كيف كان ف يشترط في نذر المرأة بالتطوعات إذن الزوج وفاقا للمشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين كما قيل،

للصحيح (1)«ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها»

مؤيدا بالمعتبرين (2)المتقدمين في اليمين بناء على شيوع إطلاقها على النذر في النصوص المستفيضة.

(منها) ما وقع الإطلاق فيه في كلام الأئمة عليهم السلام كالمعتبرين: أحدهما

الموثق بعمار عن سماعة(3)«لا يمين في معصية، إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل لله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرض أو عافاه من أمر يخافه أو رد عليه ماله أو رده من سفره أو رد رقه فقال: لله علي كذا و كذا شكرا فهو الواجب على صاحبه أن يفي به»

و الثاني (4)«جعلت على نفسي شيئا إلى بيت الله تعالى قال: كفر يمينك، فإنما جعلت على نفسك يمينا فما جعلته لله تعالى فف به».

و (منها) ما وقع الإطلاق فيه في كلام الرواة مع تقرير الأئمة عليهم السلام لهم


1- 1 الوسائل الباب- 15- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب الايمان الحديث 2 و الباب- 11- منه الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 4 عن عثمان بن عيسى عن سماعة، و فيه« أو رزقه رزقا» بدل« أو رد رقه» كما يأتي نقله كذلك في الجواهر في ص 367 الرقم 3.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من كتاب النذر و العهد الحديث 4 و فيه« شيئا الى بيت الله».

ج 35، ص: 359

عليه، و هو مستفيض (منها)(1)

الخبر «إن لي جارية ليس لها مني مكان و لا ناحية و هي تحتمل الثمن، إلا أني كنت حلفت فيها بيمين، فقلت: لله علي أن لا أبيعها أبدا، و بي إلى ثمنها حاجة لمئونة فقال: ف لله بقولك»

و نحوه آخر(2).

و في ثالث (3)«عن الرجل يحلف بالنذر و نيته في يمينه التي حلف عليها درهم و أقل، فقال: إذا لم يجعله لله فليس بشي ء».

و في رابع (4)«إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها و تشاقيت بها، فأعطيت لله عهدا بين الركن و المقام و جعلت علي في ذلك نذرا أو صياما أن لا أتزوجها، ثم إن ذلك شق علي و قدمت على يميني، و لم يكن بيدي من القوة ما أتزوج في العلانية فقال: عاهدت الله أن لا تطيعه، و الله لئن لم تطعه لتعصينه».

مضافا إلى ما دل من النصوص (5)على اشتراط اليمين بالقربة المحمول على النذر، لما عرفته من الإجماع على عدم اشتراط اليمين بها.

في الرياض «و حيث ثبت إطلاق اليمين على النذر فاما أن يكون على سبيل الحقيقة أو المجاز و الاستعارة، و على التقديرين فدلالة المعتبرين على المقصود واضحة، لكون النذر على الأول من جملة أفراد الحقيقة المتعينة، و على الثاني مشاركا لها في أحكامها الشرعية، و منها انتفاؤها عند عدم إذن الثلاثة، هذا مضافا إلى إلغاء الفرق بالاستقراء و التتبع التام الكاشف عن اشتراك النذر و اليمين في كثير


1- 1 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب المتعة الحديث 1 من كتاب النكاح و فيه « و تشأمت بها» كما يأتي نقله كذلك في الجواهر.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 360

من الأحكام، و لذا يقال: إنه اليمين في نفسها و بالجملة بملاحظة جميع ما ذكر يظهر الظن المعتمد عليه بصحة ما عليه الأكثر».

قلت: لا يخفى عليك أن الاستعارة المزبورة في النصوص المذكورة لا تقتضي الشركة التي ذكرها، كما أنه لا حجة في الاستقراء الذي ذكرها، خصوصا بعد افتراقهما بأحكام كثيرة، كنية القربة و رجحان المتعلق و غيرهما، و ليس الإطلاق المزبور نحو

قوله صلى الله عليه و آله (1): «الطواف بالبيت صلاة»

إذ لا شي ء في النصوص أن النذر يمين، كما هو واضح.

نعم قد يقال: إن المراد باليمين في المعتبرين ما يشمل النذر بقرينة الشهرة بين الأصحاب و الظن باتحاد المنشأ فيهما، و هو وجوب طاعة الزوج و كونه قيما على المرأة.

مضافا إلى الصحيح المزبور الذي لا يقدح في حجيته اشتماله على ما لا نقول به من الأمور المزبورة و على الاستثناء الذي قد يقال بمنافاته أيضا بعد انجباره بالعمل، و قاعدة عدم خروج الخبر عن الحجية بعدم العمل ببعضه و الاستثناء إنما هو من التصرف في مالها، و لا ريب في جواز ذلك لها، بل وجوبه في الحج الواجب و الزكاة الواجبة، و صلة الرحم كذلك، كما أنه لا ينافيه جواز تبرعها في مالها بغير إذنه، إذ لعل للإلزام حكما يفارق التبرع، كما في الولد بل و العبد فيما لا يضر بالسيد، كالحلف على بعض الأقوال المندوبة و نحوها، و كأنه لعموم قواعد الشرع، فلم يجعل له و لا للولد و الزوجة يمينا و نذرا مطلقا و إن لم يكن مما نافى حق الزوج و حق الولد و حق السيد.

و لعله لذا قال المصنف و غيره و كذا يتوقف نذر المملوك على إذن المالك، فان لم يأذن و بادر لم ينعقد و إن تحرر، لأنه وقع فاسدا بل في الرياض نفي الخلاف فيه، بل عن صريح المسالك الإجماع عليه و إن لم أتحققه، مضافا إلى


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 87.

ج 35، ص: 361

عموم أدلة الحجر عليه من الكتاب (1)و السنة(2)و خصوص المروي في الوسائل

عن قرب الاسناد(3)«أن عليا عليه السلام كان يقول: ليس على المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده»

فما في الكفاية حينئذ من التردد فيه في غير محله.

و كان اقتصار المصنف و الفاضل في القواعد و التحرير و الشهيد في اللمعة في إلحاق النذر باليمين على الزوجة و المملوك لاختصاصهما بالخبرين (4)المزبورين دون الولد و الوالد، و لكن في الإرشاد و الدروس إلحاقه بهما أيضا لبعض الوجوه التي عرفتها.

و في الرياض بعد أن ذكر ما سمعت قال: «و يستفاد منه مشاركة الولد للزوجة و

المملوك في توقف نذره على إذن ولداه كما صرح به العلامة في جملة من كتبه و الشهيد في الدروس، فلا وجه لاقتصار العبارة و نحوها من عبائر الجماعة على ذكر الأولين خاصة، كما لا وجه لاقتصار السيد في شرح الكتاب على المملوك، لتطرق القدح إلى ما زعمه- من انحصار ما دل على إطلاق النذر على اليمين في بعض ما مر من الأخبار، و ضعفه، و قصور دلالته بأن الاستعمال أعم من الحقيقة يمنع من العمل به- بعدم الحصر، لاستفادته من النصوص التي فيها ما هو معتبر السند بالصحة و الموثقية، مع انجبار الضعيف منها بالشهرة التي اعترف بها، و أن مبنى الاستدلال ليس دعوى ثبوت كون الإطلاق بعنوان الحقيقة خاصة يرد(5)ما ذكره، بل إما هي على القول بها أو ما قدمنا إليه الإشارة من كونه مجازا أو استعارة يقتضي الشركة مع الحقيقة فيما يثبت لها من الأحكام الشرعية، و منها عدم الصحة عند عدم


1- 1 سورة النحل: 16- الآية 75.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من كتاب الحجر و الباب- 87- من كتاب الوصايا.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 و 2.
5- 5 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة. و في الرياض« خاصة ليرد ما ذكره.» و هو الصحيح كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

ج 35، ص: 362

إذن أحد من هذه الثلاثة» و إن كان لا يخفى عليك وجه النظر في كلامه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و كان سيد المدارك أخذ الاقتصار على المملوك من جده في المسالك، فإنه بعد أن ذكر فتوى الجماعة بالإلحاق، و ذكر الدليل على ذلك الإطلاق المزبور، و أجاب عنه بأنه مجاز و لا بأس بإقرار الإمام عليه السلام على مجازيته، قال: «و عموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر من الكتاب و السنة، لا يتخصص في موضع النزاع بمثل هذه التمحلات- إلى أن قال-: أما المملوك فيمكن اختصاصه بذلك من حيث له الحجر عليه و انتفاء أهلية ذمته للالتزام بشي ء بغير إذن المولى».

و فيه أن الحجر عليه لا يتناول قول: «لا إله إلا الله» و نحوهما لو حلف عليها، فالعمدة حينئذ في الاقتصار ما ذكرناه.

بل منه ينقدح الشك في الانجبار بالنسبة إلى إلحاق الولد، لعدم شهرة فيه، و الظن المزبور بالمساواة باعتبار اتحاد المنشأ لا دليل على حجيته، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد تقدم تحقيق الحال في اليمين في توقف الصحة على الاذن و أن له الحل، و تقدم ما يتفرع على ذلك، و قد بنى المسألة غير واحد من الأصحاب على ما تقدم هناك، و ستعرف ما فيه، بل ظاهر المصنف و غيره هنا الأول، بل صرح بالفساد لو تحرر قبل الإذن الذي قد عرفت هناك أنه من ثمرات القولين.

كما أنه صرح بالاكتفاء بلحوق الاذن هنا كالفضولي بقوله و إن أجاز المالك ففي صحته تردد أشبهه اللزوم، و لا بأس به بناء على شرطية الإذن، لعموم الأدلة و إطلاقها، كما قدمنا تحقيقه في محله.

و عن التحرير و الإرشاد الإشكال في ذلك، إلا أنه قد اخترنا في اليمين عدم اعتبار الاذن و أن له الحل، لإطلاق الأدلة، و كأنه ظاهر الدروس هنا، قال:

«و للزوج حل نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب و ترك الحرام حتى في الجزاء

ج 35، ص: 363

عليهما، و كذا السيد لعبده و الوالد لولده على الظاهر، و لو زال الحجر قبل الحل لزم في الأقوى» و نحوه في القواعد، بل في غاية المراد «إن أكثر الأصحاب قالوا:

إن له الحل و هو مشعر بالانعقاد».

قلت: و حينئذ فلا يأتي تفريع الإجازة، و لعل وجه ما ذكره المصنف من الفرق بين لحوق الاذن و بين الحرية أن الأول على تأهله و يتم بالاذن، بخلاف الثاني الذي هو كبيع الرهن ثم يفكه، خصوصا بناء على كون الإجازة كاشفة، فتأمل جيدا.

هذا و لكن قد يفرق بين المقام و بين اليمين فيشترط الاذن هنا للخبرين (1)في المملوك و الزوجة الظاهرين في ذلك المنجبرين بعمل الأصحاب بخلاف مسألة اليمين التي قد عرفت خلو نصوصها عن الإذن أصلا، و إنما الموجود

«لا يمين لولد مع والده»(2)

إلى آخره، و قد قلنا: إنه ظاهر في المعارضة و إنه يقتضي أن له الحل، لا أن الاذن شرط، و بالجملة لا يخلو كلامهم هنا من تشويش، و منشأه الاجتهاد في مدرك المسألة، و أنه نصوص اليمين بناء على شموله للنذر أو الخبران في خصوص الزوجة و المملوك، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يشترط في صحت ه أي النذر القصد الاختياري الذي قد مر اعتباره في غيره من العبادات و العقود و الإيقاعات فلا يصح من المكره بقسميه و لا السكران و لا الغضبان الذي لا قصد له و لا غيرهم كالنائم و المغمى عليه و نحوهم مما لا قصد له أو لا قصد معتد به له، بل يشترط فيه أيضا انتفاء الحجر عنه لسفه لو تعلق بمال، نعم لو تعلق بعبادة بدنية، صح لإطلاق الأدلة، أما المفلس فلا إشكال في صحته منه لو تعلق بغير المال، أما فيه فان كان في ذمته فكذلك، و يؤديه حينئذ

بعد البراءة من حقهم، و إن كان فيما تعلق حق الغرماء به فلا ينفذ فيه معجلا قطعا، و لكن هل تراعى صحته بالفك؟


1- 1 الوسائل الباب- 15- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب الايمان.

ج 35، ص: 364

وجهان، و كذا المرهون كما قدمنا الكلام فيه سابقا.

[و أما الصيغة]

و أما الصيغة فهي إما معلقة على شرط يكون به نذر بر أو زجر أو لا فتكون به نذر تبرع، فالبر قد يكون شكرا للنعمة، كقوله: إن أعطيت مالا أو ولدا أو قدم المسافر أو عافاني الله أو نحو ذلك فلله علي كذا، و قد يكون شكرا دفعا لبلية كقوله: إن بري ء المريض أو تخطاني المكروه فلله علي كذا و يسمى نذر مجازاة أيضا.

و أما نذر الزجر فهو أن يقول: إن فعلت كذا فلله علي كذا و إن لم أفعل كذا فلله علي كذا.

و بالجملة ففي المسالك «كل واحد من المزجور عنه و المجازي عليه إما أن يكون طاعة أو معصية أو مباحا، ثم إما أن يكون من فعله أو فعل غيره خارجا عنهما، لكونه من فعل الله كشفاء المريض، و متعلقة إما فعل أو ترك، فهذه صورة المسألة، و الجزاء على الطاعة كأن يقول: «إن حججت- على معنى إن وفقني الله للحج- فلله علي صوم كذا شكرا» و الزجر عنها كذلك إلا أنه قصد به الزجر عنها و الجزاء على المعصية، كقوله: «إن شربت الخمر فلله علي كذا» زجرا لنفسه أو شكرا عليها، و المائز القصد كذلك، و لا ريب في انعقاد الأول منهما دون الثاني، و في جانب النفي كقوله: «إن لم أصل فلله علي كذا» أو «إن لم أشرب الخمر.» فان قصد في الأول الزجر و في الثاني الشكر على توفيقه له انعقد دون العكس، و في المباح يتصور أمران نفيا و إثباتا، كقوله: «إن أكلت أو لم آكل فلله علي كذا» شكرا على حصوله أو زجرا على كسر الشهوة، و تتصور الأقسام كلها في فعل الغير، كقوله: «إن صلى فلان أو قدم من سفره أو أعطاني» إلى غير ذلك من أقسامه، و ضابط المنعقد من ذلك كله ما كان طاعة و قصد بالجزاء الشكر أو تركها و قصد الزجر، و بالعكس في المعصية، و فيما خرج من فعله يتصور الشكر دون الزجر، و في المباح الراجح دنيا يتصور الشكر، و في المرجوح الزجر و عكسه كالطاعة، و في المتساوي

ج 35، ص: 365

الطرفين يتصور الأمران، و مثله «إن رأيت فلانا فلله علي كذا» فإن أراد إن رزقني الله رؤيته فهو نذر بر، و إن أراد كراهة رؤيته فهو نذر نجاح».

و هو على طوله لا حاصل له بل لا يخلو بعضه من نظر، بل لعل حاصل عبارة المصنف و غيرها خير منه، و هو أن النذر ينقسم إلى معلق على شرط و متبرع به، و يعتبر في الأول أن يكون متعلق النذر مقصودا فيه الشكر على شي ء صالح لأن يشكر عليه، أو الزجر عن فعل يرجح له الانزجار عنه، و لو لأنه مباح مرجوح، فلو لم يقصد الزجر و لا الشكر- و لو لأن الشرط غير صالح لكل منهما عرفا- لم ينعقد النذر، كما هو ظاهر المتن و غيره ممن حصر نذر المعلق في الأمرين، و لعله للأصل و ظهور النصوص في ذلك، بل قد يدعى أنه المتعارف في النذر، و لعله لذا جزم في الروضة بأنه لو انتفى القصد في القسمين لم ينعقد لفقد الشرط.

و أما الثاني أي التبرع الذي لم يعلق على شرط فهو ك أن يقول: لله علي كذا.

و لا ريب في انعقاد النذر في الأولين نصا(1)و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، نعم لو فرض حصول الشرط قبل النذر انكشف عدم انعقاده لتبين عدم التعليق، و ل

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن رجل وقع على جارية له،

فارتفع حيضها و خاف أن تكون قد حملت، فجعل لله عتق رقبة و صوما و صدقة إن هي حاضت، و قد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين و هو لا يعلم، قال: ليس عليه شي ء»

و خبر جميل بن صالح (3)قال: «قد كانت عندي جارية بالمدينة- إلى أن قال-: فأجابني إن كانت حاضت قبل النذر فلا عليك، و إن كانت حاضت بعد النذر فعليك».

و في الثالث خلاف و الانعقاد أصح وفاقا للمشهور، بل عن الخلاف


1- 1 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 366

الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة و عمومها كتابا و سنة، (منها) قوله تعالى (1):

«إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً» و (منها)

قول النبي صلى الله عليه و آله (2): «من نذر أن يطيع الله فليطعه»

و دعوى أن النذر لغة هو الوعد بشرط كما عن تغلب و الشرع نزل بلسانهم و الأصل عدم النقل يدفعها منع كونه كذلك لغة إذ

قد حكي عنه أيضا أنه مطلق الوعد، بل في الرياض لو سلم فنقل المعارض من اللغة و اتفاق أهلها على ما ذكره يعارض بالعرف المقدم عليها، و إن كان قد يناقش بمنع معلومية كونه كذلك في زمن صدور الإطلاقات كتابا و سنة.

نعم قد يقال: إن جملة من النصوص الدالة على أحكام النذر قد رتبتها على صيغة «لله علي» و نحوها من دون ذكر لفظه بالمرة، ف

في الصحيح (3)«من جعل لله عليه أن لا يفعل محرما سماه فركبه فليعتق رقبة أو ليصم شهرين أو ليطعم ستين مسكينا»

و نحوه

الخبر في العهد(4)«من جعل عليه عهدا لله و ميثاقه في أمر الله و طاعته فحنث فعليه عتق أو صيام»

و في

صحيح الحلبي (5)عن الصادق عليه السلام «إن قلت:

لله علي فكفارة يمين»

و في آخر(6)«فما جعلته لله تعالى فف به»

و في ثالث (7)«ليس من شي ء هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به»

و في


1- 1 سورة آل عمران: 3 الآية 35.
2- 2 المستدرك الباب- 12- من كتاب النذر و العهد الحديث 2 و سنن البيهقي ج 10 ص 75.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 و الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 7 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
4- 4 الوسائل الباب- 25- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 23- من كتاب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
6- 6 الوسائل الباب- 23- من كتاب الكفارات الحديث 3 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
7- 7 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 6.

ج 35، ص: 367

موثق الساباطي (1)عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام «في رجل جعل على نفسه لله عتق رقبة فأعتق أشل أعرج، قال: إذا كان ممن يباع أجزأ عنه إلا أن يكون سماه فعليه ما اشترط و سمي»

و نحوه الخبران (2)المتقدمان في نذر عدم بيع الجارية إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المرتبة للحكم على الصيغة المزبورة.

و احتمالها التقييد بصورة التعليق و إن كان ممكنا إلا أنه فرع وجود الدليل و ليس، و دعوى ورودها مورد الغالب و هو المعلق دون المطلق مردودة، كدعوى ورودها لبيان حكم آخر غير الصيغة، فان الدعويين لا يجريان إلا في نحو المطلقات، و ليس منها الأخبار المزبورة، فإنها ما

بين عامة لغة و عامة بترك الاستفصال لإفادته إياه على الأشهر الأقوى.

لكن قد يناقش بأن هذه النصوص و غيرها مما رتب فيها الحكم على الصيغة المزبورة من دون ذكر النذر مبناها على أنها نذر، ضرورة عدم اقتضائها اللزوم إذا لم يكن نذرا، و لا يترتب عليها كفارة النذر، لعدم قسم آخر ملزم عندنا غير اليمين و النذر و العهد، و الفرض عدم كونها من الأول و الثالث قطعا، فليس إلا النذر، فمع فرض أخذ الشرط في مفهومه كما هو مبنى الاستدلال لم يجد شي ء من إطلاقها، كما هو واضح.

بل قد يقال إن مقتضى الأصل حينئذ عدم الانعقاد بعد الشك، لمعارضة اللغة بمثلها، و الإجماع المحكي بمنعه، فان المرتضى و ابن زهرة قد قالا بعدم الانعقاد مدعيا أو لهما الإجماع، و النصوص المزبورة- مضافا إلى ما سمعته فيها- بغيرها ك

موثق سماعة(3)«سألته عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو


1- 1 الوسائل الباب- 23- من كتاب العتق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 11 و الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث- 4.

ج 35، ص: 368

صدقة أو نذرا أو هديا إن هو كلم أباه أو امه أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة أو مأثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح له فعله، فقال: لا يمين في معصية الله، إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل لله عليه في الشكر إن هو عافاه الله من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أو رد عليه ماله، أو رده من سفره، أو رزقه رزقا فقال: «لله علي كذا و كذا» شكرا، فهذا الواجب على صاحبه، و ينبغي له أن يفي به».

و صحيح منصور بن حازم (1)على ما في التهذيب عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا قال الرجل: علي المشي إلى بيت الله و هو محرم بحجة أو علي هدي كذا و كذا فليس بشي ء حتى يقول: لله علي المشي إلى بيته، أو يقول: لله علي هدي كذا و كذا إن لم أفعل كذا و كذا»

بل لعلها أوضح دلالة.

بل يمكن تقييد ما عداهما بمفهوم الحصر فيهما مؤيدا بما يشعر به غيرهما أيضا من نصوص أخر(2)قد تضمنت تقييد ما وقع من النذر بالشكر.

و دعوى أن المقصود منهما بيان لزوم ذكر الله تعالى في النذر و عدم تعلقه بالمحرم، لا لزوم التعليق كما يتوهم- فلا عبرة بمفهومهما، فليس هما حينئذ إلا كالمطلق المنساق لبيان حكم آخر غير محل الفرض، مع احتمال ورود التعليق فيهما مورد الغالب في النذر ذلك لا المطلق، مضافا إلى ما يقال في الصحيح من كون الظاهر أن الشرط فيه متعلق بالجملة الثانية خاصة، و حينئذ فلا دلالة له، بل فيه دلالة على الآخر- كما ترى، و لا أقل من تعارض هذه الاحتمالات بالاحتمالات السابقة، فيحصل الشك، و الأصل عدم الانعقاد.

و لعله لذا كان ظاهر الفاضل في الإرشاد و الشهيد في الدروس التوقف، بل هو


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 4 و الباب- 23- منه الحديث 1 و الباب- 6- منه الحديث 1.

ج 35، ص: 369

ظاهر سيد المدارك و صاحب الكفاية، و إن قويا الأول، إلا أن الشهرة العظيمة بل لم نجد الخلاف إلا من السيدين المزبورين ترجح الأول، بل لعل نذر الشكر أعم من المعلق، إذ قد ينعم الله على الإنسان نعمة و يريد شكرها بنذر بعض العبادات،

قال أبو بصير(1): «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو أن عبدا أنعم الله عليه

نعمة إما أن يكون مريضا أو يبتلى ببلية فعافاه الله من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان فان عليه أن يتم».

و كيف كان فلا خلاف بيننا في أنه يشترط مع الصيغة نية القربة بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

صحيح الحلبي (2)المتقدم في اليمين عن الصادق عليه السلام «كل يمين لا يراد بها وجه الله عز و جل فليس بشي ء في طلاق أو عتق»

بناء على إرادة النذر منه.

و على كل حال فلا إشكال في اعتبار نية القربة فيه، لكن على معنى قصد الامتثال بإيقاعه كغيره من العبادات التي تعلق الأمر بإيجادها على جهة الوجوب أو الندب، ضرورة عدم الأمر به هنا، بل ظاهر

موثق إسحاق بن عمار(3)كراهة إيقاعه، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني جعلت على نفسي شكرا لله ركعتين أصليهما في السفر و الحضر، فأصليهما في السفر بالنهار؟ فقال: نعم، ثم قال: إني لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه، فقلت: إني لم أجعلهما لله علي، إنما جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا لله و لم أوجبه لله على نفسي، فأدعهما إذا شئت قال: نعم».

بل المراد بها إنشاء الالتزام بذلك لله لا لغرض آخر، و من هنا صح لهم


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب المواقيت الحديث 3 من كتاب الحج مع اختلاف يسير في اللفظ و ذكره بعينه في التهذيب ج 8 ص 310 الرقم 1152.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من كتاب الايمان الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 370

الاستدلال على اشتراطها بالنصوص الكثيرة، كصحيح منصور بن حازم (1)السابق و الموثق (2)المزبور و غيرهما.

و من هنا قال في المسالك: «و مقتضى هذه الأخبار أن المعتبر من نية القربة جعل الفعل لله و إن لم يجعله غاية له، و ربما اعتبر بعضهم جعل القربة غاية، بأن يقول بعد الصيغة: «لله» أو «قربة إلى لله تعالى» و نحو ذلك كنظائره من العبادات- ثم قال-: و الأصح الأول، لحصول الغرض على التقديرين، و عموم النصوص، و المراد بنية القربة أن يقصد بقوله: «لله علي كذا» معناه بمعنى أنه لا يكفي قوله: «لله» من دون أن يقصد به معناه، و إلا فالقربة حاصلة من جعله لله، و لا يشترط معه أمر آخر كما قررناه» و ظاهره حصول النية المعتبرة في العبادات فيه بالقصد المزبور.

و أصرح من ذلك عبارته في الروضة، قال: «و يستفاد من الصيغة أن القربة المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات،

بل يكفي تضمن الصيغة لها، و هو هنا موجود بقوله: «لله علي» و إن لم يتبعها بعد ذلك بقوله: «قربة إلى الله» أو «لله» و نحوه» و بهذا صرح في الدروس و جعله أقرب، و هو الأقرب، و من لا يكتفي بذلك ينظر إلى أن القربة غاية الفعل، فلا بد من الدلالة عليها، و كونها شرطا للصيغة، و الشرط مغاير للمشروط، و يضعف بأن القربة كافية بقصد الفعل لله في غيره، كما أشرنا، و هو هنا حاصل، و التعليل لازم، و المغايرة متحققه، لأن الصيغة بدونها إن كان كذا فعلى كذا فإن الأصل في النذر الوعد بشرط، فتكون إضافته لله خارجة» و فيه مالا يخفى.

و في حاشية الكركي «عن الدروس يشترط فيها التقرب إلى الله سبحانه، و هل يكفي النية في التقرب أو لا بد من التلفظ بالتقرب في تمام الصيغة؟ الأقوى


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 4.

ج 35، ص: 371

الأول- ثم قال-: قلت: إن كان المراد التلفظ بالقربة فالحق أنه لا يشترط، لكن يشترط التلفظ بما يقتضي القربة، مثل لله علي، و بدون ذلك لا ينعقد».

و الموجود عندنا في نسختين من الدروس بعد أن اعتبر في تعريف النذر كونه ناويا للتقرب: «و هل يشترط نية القربة للصيغة أو يكفي التقرب في الصيغة؟

الأقرب الثاني» و هو كالصريح فيما ذكرنا.

و في كشف اللثام في شرح قول الفاضل في القواعد: «و يشترط في الصيغة نية القربة» قال: «بالمنذور و إن كان النذر لجاج اتفاقا، و للأصل و النصوص، و يعطيها قوله: لله، و لا حاجة إلى زيادة قوله: قربة إلى الله، للأصل و إطلاق النصوص و الفتاوى».

و فيه أن نية القربة بالمنذور غير نية القربة بالنذر، على أن المنذور نية قربته إنما هو وقت أدائه لا وقت الالتزام به، و لا يتم أيضا لو كان المنذور مباحا متساوي الطرفين أو راجحا في الدنيا، و كان الذي دعاه إلى التفسير المزبور هو عدم تصور نية القربة في النذر نفسه مع فرض عدم الأمر به على وجه يكون عبادة، بل قد سمعت النهي (1)عن الإيجاب لله.

و أغرب من ذلك دعوى الاجتزاء عن نية القربة المعتبرة في العبادات التي هي امتثال الأمر المتعلق بقول: «لله علي» الذي هو إنشاء سبب الالتزام و الوجوب، نحو «لزيد علي هكذا إن فعل كذا» إذ لا يخفى أنه أجنبي عن نية القربة، و دعوى أنها لازمة له كما سمعته من الروضة

واضحة الفساد، كوضوح فساد ما ذكره فيها جوابا عن الشرطية. و (بالجملة) كلماتهم هنا لا تخلو من تشويش.

و تنقيح الحال أنه إن أرادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها في العبادة- لأن النذر من العبادات كما يقضي به مضافا إلى ما هنا قولهم بعدم صحة وقوعه من الكافر، لتعذر نية القربة منه- فلا ريب في عدم الاكتفاء عنها


1- 1 الوسائل الباب- 6- من كتاب النذر و العهد.

ج 35، ص: 372

بقوله: «لله علي» الذي هو جزء صيغة الالتزام، لعدم دلالته عليه بإحدى الدلالات بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة، و يبقى عليهم المطالبة بدليل كونه عبادة، ضرورة توقفها على أمر يقتضيها، و ليس، كما أنه لا دلالة في شي ء مما ذكروه من النصوص الكثيرة التي ادعوا دلالتها على ذلك، ضرورة أنه لا تفيد سوى اعتبار كون النذر لله، أي لا لغيره، بمعنى أنه يجب في صيغته التي هي سبب الالتزام أن يقول:

«لله علي» بمعنى عدم انعقاد النذر لو جعل الالتزام لغير الله من نبي مرسل أو ملك مقرب، و هذا غير معنى نية التقرب.

و ظني و الله أعلم أن الاشتباه من هنا نشأ، و ذلك لأنهم ظنوا أن هذه النصوص و التي دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة، و لا يخفى عليك أن كون الفعل لله بمعنى امتثالا لأمره مباين لكونه له، بمعنى أنه يعتبر في التزام النذر كون الصيغة الالتزام له لا بغيره و لا مدخلية له في نية القربة، كما هو واضح.

و حينئذ فالمعتبر في النذر كونه لله بالمعنى الذي ذكرناه لا غيره، و هذا يجامع نذر المباح و غيره، فان فرض إرادتهم من نية القربة المعنى المزبور كما هو ظاهر سيد المدارك في شرح النافع حيث قال: «و يشترط في صحة النذر قصد الناذر إلى معنى قوله: «لله» و هو المعبر عنه بنية القربة، و إنما لم يذكره المصنف صريحا، لأن الظاهر من حال المتلفظ بقول: «لله» أن يكون قاصدا إلى معناه، حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل قوله فيه» إلى آخره، بل هو ظاهر بعض ما سمعته من المسالك فمرحبا بالوفاق، إلا أنه لا وجه للقول بعدم صحته من الكافر لتعذر نية القربة منه، و لا لقولهم: إن نية القربة يجزئ عنها قول:

«لله» و لا نحو ذلك مما لا يخفى عليك من كلماتهم، حتى قول المصنف و غيره تفريعا على اعتبار نية القربة فلو قصد منع نفسه بالنذر لا لله لم ينعقد مع أنك قد عرفت نذر الزجر الذي معناه أن المكلف يوقعه لإرادة منع نفسه عن فعل باعتبار عظم المنذور الذي يقتضي وقوع الفعل منه الالتزام به بسبب النذر.

ج 35، ص: 373

نعم لو لم يرد بقول: «لله علي» معناه و إنما ذكر لفظه لغضب و نحوه و لم يقصد إنشاء الالتزام بذلك لله لم ينعقد من هذه الجهة، بل لعل هذا الكلام منهم مشعر بكون المراد من نية القربة التي ذكروها و فرعوا ذلك عليها هو المعنى الذي ذكرناه، لا نية القربة المعتبرة في العبادات التي هي قصد امتثال الأمر.

بل لعل عبارة الدروس التي ذكرناها في نسختين كذلك أيضا، ضرورة أن الأول الذي جعله غير أقرب هو نية القربة للصيغة على حسب نية العتق، بخلاف الثاني الذي جعله أقرب، و هو التقرب في الصيغة بأن يقول: «لله علي» لا نية قربة اخرى، و هو امتثال الأمر، فتأمل جيدا فإن المسألة دقيقة جدا، و لم أر من حررها.

بقي الكلام في شي ء آخر، و هو أنه يعتبر في الصيغة قول: «لله» بخصوصه على وجه لا يجزئ غيره من أسمائه المختصة فضلا عن المشتركة المقصود بها ذاته أو يجزئ كل واحد منها، قال في نهاية المرام في شرح قوله في النافع: «و يشترط النطق بلفظ الجلالة، فلو قال: علي كذا لم يلزم»: «إن مقتضى عبارة المصنف و أكثر الأصحاب أنه لا بد في انعقاد النذر من النطق بلفظ الجلالة، و اكتفى الشهيد في الدروس بأحد الأسماء الخاصة، و هو محل إشكال، و كذا الإشكال في انعقاد النذر مع إبدال لفظ الجلالة بمرادفه من الألفاظ العربية» و نحوه في الكفاية.

و لعله لظهور النصوص (1)المزبورة في اعتبار قول «لله» خصوصا قوله في

صحيح الحلبي (2)السابق: «فان قلت: لله فكفارة يمين»

بل عن ظاهر الانتصار اعتبار خصوص هذه اللفظة مدعيا عليه إجماع الإمامية، إلا أنه لا يخفى أن سياق النصوص أجمع إرادة خصوص ذاته المقدسة لا خصوص هذه اللفظة، و لذا أرسله الشهيد في الدروس


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث- 0.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من كتاب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 374

إرسال المسلمات من غير نقل خلاف و لا إشعار باحتمال، و منه و من سكوت غيره يضعف الاعتماد على الإجماع المزبور.

بل المتجه بناء على ما ذكرنا في العقود و الإيقاعات عدا ما خرج منها بالدليل الاجتزاء بكل ما دل على إنشاء الالتزام لله تعالى شأنه من غير فرق بين الأسماء المختصة و غيرها، كما سمعته في اليمين، بل لا يبعد الاجتزاء بالمرادف من كل لغة لمن لم يحسن العربية على نحو ما ذكرناه في العقد و الإيقاع، لفحوى الاجتزاء بإشارة الأخرس في سائر العقود و الإيقاعات، بل ظاهر الرياض الانعقاد بالمرادف اختيارا أو نحو ذلك يجري في اليمين أيضا، خصوصا بعد اقتضاء الاحتياط ذلك أيضا.

نعم لو لم يتلفظ أصلا بل اقتصر على قول «علي كذا» لم ينعقد النذر و إن نوى معنى «لله» كما هو ظاهر الأكثر، للأصل و ل

قول الصادق عليه السلام في خبر مسعدة بن صدقة(1): «إذا لم يجعل لله فليس بشي ء»

و خبر إسحاق بن عمار(2)المتقدم في صلاة الركعتين شكرا و غيرهما من النصوص المعتضدة بفتاوى الأصحاب.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة من أنه إن قال: «علي كذا إن كان كذا» وجب الوفاء و لا كفارة، و إن قال: «علي كذا» استحب الوفاء، ففرق بين المشروط و غيره، و

لعله لصحيح منصور بن حازم (3)السابق على ما في نسخ الكافي من الاقتصار على قول: «علي» من دون ذكر «لله» نعم في نسخ التهذيب عن الكافي أو يقول: «لله علي هدى كذا» و لكنه كما ترى. بل في المختلف المحتمل عدم الوجوب في الجميع، لما تواتر من أن مناط الوجوب تعليق النذر بقوله: «لله»


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 راجع الكافي ج 7 ص 454 و التهذيب ج 8 ص 303 و الموجود في الكافي الطبع الحديث« لله على».

ج 35، ص: 375

إلا أنه في كشف اللثام «لم أظفر بخبر واحد ينص عليه فضلا عن المتواتر، و ما تقدم من الخبرين (1)مع ضعفهما يحتملان الجعل لله بالنية و إن لم يتلفظ به».

و فيه أن النصوص بين صريح و بين ظاهر في ذلك.

و في قواعد الفاضل «لو قال: علي كذا و لم يقل. لله استحب له الوفاء» و لعله لأنه طاعة أو حمل صحيح منصور بن حازم (2)على ما في الكافي عليه، و في كشف اللثام ل

خبر إسحاق بن عمار(3)عن أبي إبراهيم عليه السلام «قلت له:

رجل كانت عليه حجة الإسلام فأراد أن يحج فقيل له تزوج ثم حج، فقال: إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر، فتزوج قبل أن يحج، فقال أعتق غلامه، فقلت: لم يرد بعتقه وجه الله، فقال: إنه نذر في طاعة الله، و الحج أحق من التزويج، و أوجب عليه من التزويج، قلت: فان الحج تطوع، قال: و إن كان تطوعا فهي طاعة لله عز و جل، فقد أعتق غلامه»

و فيه أنه مجرد عن قول: «علي» مع الحكم فيه بحرية الغلام.

و في النافع

«روى إسحاق بن عمار(4)عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل قال: إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر فبدأ بالنكاح تحرر الغلام و فيه إشكال إلا أن يكون نذرا».

و على كل حال فالأمر سهل من أن الحكم مستحب و الفرض إن لم يكن نذرا منعقدا فهو وعد أو شبه الوعد.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 4 و الباب- 6- منه الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 في الطبع الحديث منه عن أبى عبد الله عليه السلام، الا ان الموجود في الكافي ج 7 ص 455 و الاستبصار ج 4 ص 48 عن أبي إبراهيم عليه السلام.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 في الطبع الحديث منه عن أبى عبد الله عليه السلام، الا ان الموجود في الكافي ج 7 ص 455 و الاستبصار ج 4 ص 48 عن أبي إبراهيم عليه السلام.

ج 35، ص: 376

و في

خبر عمر بن خالد(1)عن أبي جعفر عليه السلام «النذر نذران، فما كان لله وفى به، و ما كان لغير الله فكفارته كفارة يمين».

و في

خبر صفوان الجمال (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له: بأبي أنت و أمي جعلت على نفسي شيئا إلى بيت الله الحرام فقال: كفر بيمينك، فإنما جعلت على نفسك يمينا، و ما جعلته لله فف به».

و أضعف من ذلك ما عن الشيخين و القاضي من الانعقاد بمجرد النية من دون ذكر شي ء أصلا، و ستعرف ضعفه عند تعرض المصنف له.

و كيف كان ف لا بد أن يكون الشرط في النذر المعلق سائغا إن قصد الشكر بمعنى كونه مما يحسن الشكر عليه حتى يشمل ما كان من فعل الله تعالى، كالعافية و نحوها الذي لا يوصف بكونه سائغا، فإنه خاص بفعل المكلف، و الأمر سهل بعد وضوح المطلوب.

و قد عرفت في نذر الشكر أنه يجوز كون الشرط واجبا أو مندوبا أو مباحا راجحا في الدنيا أو متساوي الطرفين أو ترك محرم أو مكروه، لإطلاق الأدلة و عمومها،

كما أنك عرفت في نذر الزجر كونه فعل محرم أو مكروه أو ترك واجب أو ترك مندوب أو ترك مباح راجح أو متساوي الطرفين.

و بالجملة فالمدار على ما يحسن في العرف النذر له شكرا أو زجرا سواء تعلق به أو بغيره، حتى لو كان على فعل المعاصي من عدو الدين مثلا فيقول:

إن افتضح زيد مثلا بأن تجاهر بالزنا و شرب الخمر أو قتل زيد الكافر مثله فلله علي صوم كذا مثلا، و ليس اقتصار المصنف على الشكر لخصوصية فيه، إذ لا فرق بين نذر الشكر و الزجر و الاستدفاع في اعتبار كون الشرط سائغا بالمعنى المزبور الذي هو صلاحيته شرعا و عرفا للشكر أو الزجر، كما هو واضح، فلا يصح نذر الزجر على فعل المندوب أو ترك المكروه فضلا عن الواجب و المحرم.


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الإيلاء و الكفارات عن عمرو بن خالد كما في الاستبصار ج 4 ص 55.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 3- من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 377

و لا بد أيضا أن يكون الجزاء في نذر المعلق أو مطلقا طاعة أي عبادة من العبادات كما ستعرف تحقيق الحال فيه.

و على كل حال ف لا ينعقد عندنا النذر بالطلاق و لا بالعتاق كأن يقول: «زوجتي طالق إن فعلت كذا» أو «عبدي حر إن لم أفعل كذا» بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص متواترة(1)في عدم انعقاد مثل ذلك، سواء قصده نذرا أو يمينا، فإنه لا التزام بالحلف بغير الله تعالى و بالنذر بغير الصيغة المعهودة، و الله العالم.

[أما متعلق النذر]

اشاره

و أما متعلق النذر سواء كان معلقا أو تبرعا فضابطه أن يكون طاعة مقدورا للناذر، فهو إذن مختص بالعبادات كالحج و الصوم و الصلاة و الهدى و الصدقة و العتق و نحوها مما هو مأمور به واجبا أو مندوبا على وجه يكون عبادة لصحيح منصور بن حازم (2)و موثق سماعة(3)السابقين و

صحيح أبي الصباح الكناني (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال: علي نذر، قال ليس النذر بشي ء حتى يسمى لله شيئا صياما أو صدقة أو هديا أو حجا»

و خبر أبي بصير(5)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقول: علي نذر، قال ليس بشي ء حتى يسمى النذر، فيقول: علي صوم لله أو يتصدق أو يعتق أو يهدي هديا، فان قال الرجل: أنا أهدى هذا الطعام فليس هذا بشي ء إنما تهدى البدن»

و غيرها من النصوص الظاهرة أو المشعرة بذلك.

و حينئذ فلو نذر محرما أو مكروها لم ينعقد بلا خلاف نصا و فتوى، بل الإجماع محصلا و منقولا عن الانتصار و غيره عليه، بل و المباح المتساوي طرفاه


1- 1 الوسائل الباب- 14- من كتاب الايمان.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 3.

ج 35، ص: 378

أو كان راجحا في الدنيا، بل في الرياض أو الدين ناسبا له إلى إطلاق غير واحد من الأصحاب، بل عن بعضهم نسبته إلى المشهور، بل عن ظاهر المختلف في مسألة نذر صوم أول رمضان الإجماع، حيث قال بعد اختياره جوازه ردا على المبسوط و الحلي: للإجماع منا على أن النذر إنما ينعقد إذا كان طاعة.

خلافا للشهيد في الدروس، قال: «و في تعلق النذر بالمباح شرطا أو جزاء نظر، أقربه متابعة الأولى في الدين أو الدنيا، و مع التساوي رجح جانب النذر، ل

رواية الحسن بن علي (1)عن أبي الحسن عليه السلام «في جارية حلف لها بيمين

فقال: لله علي أن لا أبيعها فقال: ف لله بنذرك» و فيه دقيقة».

بل و للفاضل في القواعد قال: «الثالث- أي من أقسام متعلق النذر- المباحات كالأكل و الشرب، و في لزومها بالنذر إشكال، نعم لو قصد التقوى بها على العبادة أو منع النفس من أكل الحرام وجب».

و ربما يؤيده- مضافا إلى خبري (2)الجارية و إلى عموم الوفاء بالنذر(3)-

خبر يحيى بن أبي العلاء(4)عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام «إن امرأة نذرت أن تقتاد مزمومة بزمام في أنفها فوقع بعير فخرم أنفها فأتت عليا عليه السلام تخاصم فأبطله فقال: إنما نذرت لله».

إلا أنها جميعا قاصرة عن معارضة النصوص (5)المزبور المعتضدة بما سمعت


1- 1 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 11 و هو نقل بالمعنى.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 5 و الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 11.
3- 3 سورة الحج: 22- الآية 29 و سورة الإنسان: 76- الآية 7 و الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 8.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 و 3 و الباب- 17- منه الحديث 4.

ج 35، ص: 379

من الشهرة و الإجماع المحكي و

بالمروي عن ابن عباس (1)قال: «بينما النبي صلى الله عليه و آله يخطب إذا هو

برجل قائما في الشمس فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم فلا يقعد و لا يستظل و لا يتكلم و يصوم، قال: مروه فليتكلم و ليستظل و ليقعد و ليتم صومه».

بل و ب

صحيح الحلبي (2)عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال: «في رجل حلف بيمين أنه لا يكلم ذا قرابة له، قال: ليس بشي ء فليكلم الذي حلف عليه، و قال:

كل يمين لا يراد بها وجه الله فليس بشي ء في طلاق أو غيره»

بناء على إرادة النذر من اليمين و أن المراد من قوله: «لا يراد بها» إلى آخره أن المنذور يعتبر فيه أن يكون مما يراد به وجه الله تعالى.

بل و بما يشعر به

صحيح الكناني (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «ليس من شي ء هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به، و ليس من رجل جعل لله عليه شيئا في معصيته تعالى إلا أنه ينبغي له أن يتركه إلى طاعة الله»

بناء على أن المراد مما في صدره التحديد على وجه تكون جميع قيوده معتبرة، بل و بما يستفاد من ملاحظة جميع النصوص من كون النذر مفيدا للالتزام بما هو ثابت لله على العبد قبل النذر و النذر ملزم به، و من هنا كان المنذور جزاء للشكر، بل لعله لا يتصور كون المباح لله عليه، فان النذر لا يجعل ما ليس لله له.

و بغير ذلك مما يظهر للمتأمل في النصوص التي لا يعارضها خبر يحيى (4)السابق الظاهر في كون ذلك راجحا لأن

«أفضل الأعمال أحمزها»(5)

فهو


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 75.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل الباب- 11- من كتاب الايمان الحديث 12 و ذيله في الباب- 14- منه الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث
4- 4 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 8.
5- 5 نقله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله كما في نهاية ابن الأثير في مادة: « حمز».

ج 35، ص: 380

كالحج ماشيا، بل و لا خبر الجارية(1)بعد احتمالهما الاختصاص بصورة رجحان البيع على وجه يكون مما يتقرب به إلى الله، و ترك الاستفصال و إن كان يأباه إلا أنه لا يوجب الصراحة، بل غايته الظهور في العموم، و هو يقبل التخصيص بتلك الصورة، جمعا بينهما و بين تلك النصوص الراجحة عليهما من وجوه التي لا وجه

لطرحها في مقابلتهما، سيما بعد قابليتهما للتأويل بما يرجع إليها دونها، مضافا إلى تضمنهما الأمر بالوفاء بعدم البيع مع رجحانه للحاجة، و هو مناف لما ذكره جماعة من جواز المخالفة في هذه الصورة، بل عن بعض نفي الخلاف فيه، و عن آخر دعوى الإجماع عليه.

و في

خبر زرارة(2)«قلت لأبي عبد الله: أي شي ء لا نذر فيه فقال: كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه»

معتضدا بما سمعته في اليمين بناء على قاعدة الشركة معه في أحكامه و إن كان قد عرفت ما فيها. و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور.

و أضعف منه ما في اللمعة من التفصيل بين المعلق و غيره، فيعتبر الطاعة في الأول، و يكفي في الثاني المباح الراجح و إن نسبه في الروضة إلى المشهور، و لكن لم نتحققه، بل المتحقق خلافه، و لعله للجمع بين خبري (3)الجارية و النصوص (4)المزبورة بالاقتصار على ما فيهما من نذر التبرع، إلا أن فيه عدم معلومية كون عدم البيع راجحا في

الدنيا، بل ظاهرهما العكس. و من هنا قيل بالتفصيل المزبور مع الإطلاق في المباح و إن كنا لم نعرف قائله، و هو مناف لما


1- 1 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 5 و الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من كتاب الايمان الحديث 5 و الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 و 3 و الباب- 17- منه الحديث 4.

ج 35، ص: 381

قلناه من ظهور الخبرين في غير ذلك، فالأقوى حينئذ الأول، بل إن لم يكن إجماع كما عساه يظهر من نفي الاشكال عنه في كشف اللثام أمكن الإشكال في انعقاد النذر على المباح المقترن بما يقتضي رجحانه في الدين، كالأكل للتقوى للعبادة مثلا، لظهور النصوص المزبورة و الفتاوى في العبادات الأصلية، فتأمل جيدا.

هذا و ربما أشكل بعضهم بناء على عدم انعقاد النذر على المباح ما لو نذر الصدقة بمال مخصوص، فإنه يتعين اتفاقا، و كذا في مكان مخصوص، ففي

خبر علي ابن مهزيار(1)«قلت لأبي الحسن عليه السلام: رجل جعل على نفسه نذرا إن قضى الله عز و جل حاجته أن يتصدق في مسجده بألف درهم نذرا، فقضى الله عز و جل حاجته فصير الدراهم ذهبا و وجهها إليك أ يجوز ذلك أم يعيد؟ قال: يعيد»

و سيأتي تمام الكلام فيه عند تعرض المصنف لمضمونه.

و الغرض الان أن المستحب هو الصدقة المطلقة أما خصوصية المال فمباحة، فكما لا ينعقد لو خلصت الإباحة فكذا إذا تضمنها النذر، و يقوى الاشكال حكم كثير من الفقهاء بجواز جعل الصلاة المنذورة في مسجد معين فيما هو أزيد مزية منه، كالحرام و الأقصى، مع أن الصلاة في المسجد سنة و طاعة فإذا جازت مخالفتها لطلب الأفضل ورد مثله في الصدقة بالمال المعين. و أجيب عنه بأن الصدقة المطلقة و إن كانت راجحة إلا أن المنذور ليس هو المطلق، و إنما هو الصدقة المخصوصة بالمال المعين و هو أيضا أمر راجح متشخص بالمال المخصوص، و الطاعة المنذورة إنما تعلقت بالصدقة بذلك المال لا مطلقا فكيف يجزئ المطلق عنه، و لأن الطاعة المطلقة لا وجود لها إلا في ضمن المعين من المال و الزمان و المكان و الفاعل و غيرها من المشخصات، فإذا تعلق النذر بهذا الشخص انحصرت الطاعة فيه كما تنحصر عند فعلها في متعلقاتها، فلا يجزئ غيرها.

و بهذا يظهر ضعف القول بعدم تعين المكان المنذور للعبادة إن كان غيره أرجح، منه لأن ذلك الراجح لم يتعلق به النذر، كما أنه لو تعلق بعبادة مخصوصة


1- 1 الوسائل الباب- 9- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 382

لا يجزئ غيرها مما هو أفضل منها، و لأن فتح هذا الباب يؤدي إلى عدم تعين شي ء بالنذر، حتى صوم يوم معين، و الحج في سنة معينة، و غير ذلك. فان الصوم و الحج في أنفسهما طاعة، و تخصيصهما بيوم أو سنة مخصوصين من قبيل المباح، و ذلك باطل اتفاقا، نعم الظاهر عدم انعقاد النذر على ترك الأفضل من الأفراد، لما عرفت من

قوله عليه السلام (1)«كلما كان لك فيه منفعة دينا أو دنيا فلا حنث فيه»

و هو غير انعقاد النذر على الفرد المرجوح، فتأمل جيدا.

ثم إنه لا خلاف في اعتبار القدرة على المنذور، فلا ينعقد على غير المقدور عقلا كجمع النقيضين، أو عادة كالصعود إلى السماء، أما لو نذر حج ألف عام أو صوم ألف سنة ففي القواعد «احتمل البطلان، لتعذره عادة، و الصحة لإمكان بقائه بالنظر إلى قدرة الله تعالى و وجوب المنذور مدة عمره» و في كشف اللثام «أحد الأخيرين هو الأقوى» و فيه أن مبني الأخير على أن ذكر الألف للمبالغة، و هو

خلاف ظاهر العبارة، كما أن مبني سابقه على الإمكان العقلي، و حينئذ فيجب عليه ما قدر عليه، كما أنه إذا نذر صوم الدهر وجب عليه ما قدر عليه.

و فيه أن المنصرف من نذر صوم الدهر دهر الناذر بخلاف الألف سنة، و حينئذ فالأول و هو البطلان أقوى، إلا إذا قلنا بأن المنذور عبادات متعددة فيجب الممكن منها دون غيره، و لذا صرح في كشف اللثام بأن مبني البطلان على كون المنذور عبادة واحدة، و هو ممنوع، و فيه أن الظاهر ذلك، كما سمعت مثله في اليمين.

و لو نذر مقدورا ثم تجدد العجز ففي الدروس انفسخ، فان عادت القدرة عاد، قيل: و يكفر لو عجز بعد وقته و التمكن من فعله، و هو حق إن كان مضيقا أو غلب على ظنه العجز بعده و إلا فلا كفارة. و كيف كان فالكلام في تفصيل متعلق النذر من العبادات.


1- 1 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 383

[مسائل الحج]
اشاره

أما الحج فنقول: لا خلاف و لا إشكال في لزوم الحج و العمرة بالنذر، لأنهما من أكبر الطاعات و لو نذر أن يحج ماشيا لزم (1)إن قلنا بأفضلية الركوب منه و لو على بعض الوجوه، لأن ذلك لا يخرجه عن رجحانه الكافي في انعقاد النذر، و من هنا جزم المصنف بلزومه، مع أن مختاره في الحج كون المشي أفضل لمن لم يضعفه المشي عن العبادة و إلا فالركوب أفضل، ضرورة عدم اعتبار كونه أفضل الأفراد في انعقاد النذر، بل يكفي رجحانه و إن كان غيره أفضل منه، كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الحج(2).

و كذا تقدم هناك (3)البحث في أنه يتعين مع الإطلاق من بلد النذر أو الناذر عند المصنف و غيره و قيل من الميقات و هو الأصح مع التجرد عن القرائن، لأن قوله: «ماشيا» حال من الحج، و العامل فيه «أحج» فكان وصفا فيه.

و الحج اسم لمجموع المناسك المخصوصة لأن ذلك هو المفهوم شرعا، فلا يجب الوصف إلا حالة الحج و الاشتغال بأفعاله، لأن ذلك هو مقتضي الوصف، كما إذا قلت: «ضربت زيدا راكبا» خلافا لما سمعته من المصنف و ثاني الشهيدين، فيجب المشي في طريقه، لأنه المفهوم عرفا من مثله، بل هو الأنسب للمعنى اللغوي الذي هو القصد، و فيه أنه لا بحث مع القرائن الحالية أو المقالية الدالة على ذلك، إنما الكلام مع عدمها، و لا ريب في أن حقيقته ما

ذكرنا، و لا عرف يعارضه، مثل نذر زيارة الحسين عليه السلام ماشيا، كما هو واضح. و عليه فهل المعتبر بلد النذر كما في المتن أو الناذر؟ وجهان كما في المسالك، و قيل يعتبر أقرب البلدين إلى الميقات، و في المسالك هو حسن إن لم يدل العرف على خلافه، و لعله لكون المراد حينئذ المشي في الجملة إلى الحج، و هو يصدق بذلك.


1- 1 و في الشرائع« لو نذره ماشيا لزم».
2- 2 راجع ج 17 ص 349- 350.
3- 3 راجع ج 17 ص 350.

ج 35، ص: 384

و قد قدمنا(1)أيضا أن آخر الحج رمي الجمار أجمع و إن وقع بعد التحلل، لا طواف النساء كما عن المشهور، لان الحج اسم لمجموع المناسك التي رمي الجمار منها، و ل

صحيح إسماعيل بن همام (2)عن الصادق عليه السلام قال «في الذي عليه الحج و المشي في الحج: إذا رمي الجمار زار البيت راكبا، و ليس عليه شي ء»

فلاحظ و تأمل.

و كذا تقدم الكلام أيضا(3)في وجوب القضاء عليه لو فاته الحج ماشيا، لكن من المعلوم أن من فاته الحج يحتاج إلى

لقاء البيت ليتحلل بأعمال العمرة، فهل يلزمه المشي في تلك الأعمال؟ الأظهر لا، لأنه خرج بالفوات عن كونه حج المنذور، و لذا وجب قضاؤه، فلا يجب فيه عليه المشي، و ربما احتمل الوجوب، لوجوب إتمام الحج على نحو ما وقع الشروع فيه، و فيه منع واضح.

و من ذلك يعلم عدم وجوب المشي لو فسد الحج المنذور ماشيا و إن احتمل في المسالك أيضا، و الله العالم.

و لو حج راكبا مع القدرة أعاد بلا خلاف و لا إشكال مع عدم تعيين النذر في سنة معينة مثلا لعدم خروجه عن عهده التكليف بوفاء النذر مع القدرة عليه.

أما مع التعيين فمقتضى إطلاق المصنف و غيره ذلك أيضا للإخلال بالمنذور في وقته، و هو عبادة تقضي بأصل الشرع، أي تتدارك حيث لا تقع الأولى على وجهها، و كذا مع وجوبها بالعارض مع اشتراكهما في معنى الوجوب، بل تجب الكفارة للإخلال المزبور، و لأن أصل الحج وقع عنه إلا أنه بقي المشي واجبا عليه، و لا يمكن تداركه منفردا، فالزم بحجة اخرى ليتدارك فيها المشي، إذ


1- 1 راجع ج 17 ص 350.
2- 2 الوسائل الباب- 35- من أبواب وجوب الحج الحديث 3 من كتاب الحج.
3- 3 راجع ج 17 ص 351 و 352.

ج 35، ص: 385

لا يشرع المشي عبادة برأسها، إلا أن الجميع كما ترى.

و الأولى الاستناد إلى

عموم «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(1)

بناء على شمولها للفرض، سواء قلنا بصحة حجه راكبا أم لا، لأنه على كل حال فاته الحج عن النذر، و صحة الحج في نفسه لا يجدي في وفاء النذر، و إن كان فيه أيضا أنه منصرف إلى غيره من الموقت بأصل الشرع بخلاف النذر الذي مقتضى المخالفة فيه الانحلال المقتضي لعدم القضاء كاليمين و ترتب الكفارة، و إلحاق الموقت بالنذر بالموقت بأصل الشرع قياس بل و مع الفارق، ضرورة كون المراد بالموقت بالنذر دخول الوقت في المنذور على وجه الجزئية بمعنى كون المنذور حج هذه السنة لا الحج فيها، و فرق واضح بينهما لعدم تصور قضاء الاولى و تداركه، لفواته بفوات السنة، بخلاف الثاني الذي هو ظرف للفعل، فإنه يمكن قضاؤه

بعموم «من فاتته»

إلا أنه قد يقال بعدمه في خصوص النذر من حيث ظهور الأدلة بانحلاله بالمخالفة، و

هو مقتض لعدم الخطاب حينئذ و لو قضاء، هذا كله في القضاء.

أما الكلام في صحة ما وقع منه من الحج في نفسه فقد تقدم تحقيقه في الحج (2)و في نذر الموالاة في الوضوء(3)فلاحظ و تأمل.

و لو ركب بعضا مع القدرة على المشي فهو كما ركب الجميع في الإخلال إلا أن جماعة من الأصحاب منهم الشيخان على ما حكي قالوا هنا لو فعل ذلك قضى الحج و مشى ما ركب ليجتمع من الحجتين حجة ملفقة ماشيا.

و قيل و القائل المتأخرون إن كان النذر مطلقا أعاد ماشيا، و إن كان معينا بسنة لزمه كفارة خلف النذر و لا إعادة، لنحو ما سمعته سابقا، بل


1- 1 لم نعثر على هذا النص في الاخبار مع التتبع في مظانها من كتب الخاصة و العامة، و الظاهر أنه مأخوذ من صحيحة زرارة المروية في الوسائل في الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 راجع ج 17 ص 352.
3- 3 راجع ج 2 ص 263- 266.

ج 35، ص: 386

لعل مراد المصنف حكاية القول المزبور في أصل المسألة لا خصوص راكب البعض.

و على كل حال فالقول الأول مروي و قد تقدم تحقيق الحال فيه في كتاب الحج(1).

و لو عجز الناذر عن المشي حج راكبا، و هل يجب عليه سياق بدنة؟

قيل: نعم، و قيل: لا يحب، بل يستحب و هو الأشبه بأصول المذهب كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الحج (2)فلاحظ.

و يحنث لو نذر أن يحج راكبا فمشى و إن قلنا: إن المشي أفضل منه، لما عرفت من كون المدار رجحان المنذور، لا أنه أرجح من جميع ما عداه، و لا ريب في رجحان الحج راكبا في نفسه، لأنه أحد أفراد الطبيعة الراجحة، فما في القواعد- من عدم الانعقاد لو قلنا بكون المشي أفضل لأنه حينئذ مرجوح- واضح الضعف، و أضعف من ذلك دعوى انعقاد أصل الحج دون الركوب مع أن الناذر قصد المقيد دون المطلق، و التحقيق ما عرفت.

و يقف ناذر المشي في السفينة عند الشيخ و جماعة لأنه أقرب إلى شبه الماشي و لخبر السكوني (3)و الوجه الاستحباب، لأن المشي يسقط هنا عادة كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الحج (4)فلاحظ و تأمل.

كما تقدم أيضا في كتاب الحج و في المقام أنه يسقط المشي عن ناذره بعد طواف النساء عند جماعة، بل قيل إنه المشهور، و التحقيق بعد رمي الجمار، كما سمعت و الله العالم.


1- 1 راجع ج 17 ص 351- 353.
2- 2 راجع ج 17 ص 353- 355.
3- 3 الوسائل الباب- 37- من وجوب الحج الحديث 1 من كتاب الحج.
4- 4 راجع ج 17 ص 351.

ج 35، ص: 387

[فروع]

فروع:

لو نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام انصرف إلى بيت الله سبحانه بمكة بلا خلاف و لا إشكال، لعدم وصف غيره بالحرام، و كذا لو قال: «إلى بيت الله»، و اقتصر لأنه المتبادر من نحو «فلان زار بيت الله» و «قاصد إلى بيت الله» فهو إن لم يكن علما بالغلبة فلا ريب في أنه المنساق عند الإطلاق.

و مع ذلك فيه قول للشيخ في محكي الخلاف بالبطلان إلا أن ينوي الحرام لاشتراك جميع المساجد في ذلك، و فيه منع الاشتراك في ذلك عند الإطلاق، بل قد يدعى انصراف إطلاق اسم البيت إليه، و مع التسليم فالواجب الإتيان لأي مسجد، كما لو نذر أن يأتي مسجدا لا البطلان، إلا أن يريد معينا ينصرف إليه الإطلاق، و الفرض عدمه.

و على كل حال فحيث يجب عليه الإتيان إلى المسجد الحرام وجب عليه عند الوصول إلى الميقات الحج و العمرة، كما في كل داخل عدا ما استثنى، فان كان أحدهم لم يجب عليه أحدهما، بل لا يجب عليه صلاة ركعتين في المسجد على الأصح لعدم دخولهما في مفهوم الإتيان المفروض انعقاد نذره، لأنه مستحب في نفسه، بل في المسالك قصد المسجد في نفسه عبادة، ل

قوله عليه السلام (1)«من مشى إلى مسجد لم يضع رجله على رطب و لا يابس إلا سبحت إلى الأرضين السابعة»

و غيره من الأخبار(2)، و الله العالم:

و لو قال: لله علي أن أمشي إلى بيت الله الحرام لا حاجا و لا معتمرا قيل: ينعقد ب اعتبار اقتضاء صدر الكلام أحدهما و حينئذ ف تلغو الضميمة (11) التي هي «لا حاجا و لا معتمرا» و لا تفيد رجوعا عن الأول بعد تمام النذر.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة.

ج 35، ص: 388

و قال الشيخ في المبسوط يسقط النذر لكونه نذرا في معصية، ضرورة عدم جواز الإتيان إلى البيت بغير أحد النسكين. و فيه إشكال ينشأ من كون قصد بيت الله طاعة في نفسه و إن لم ينضم إليه أحد النسكين، فيكون نذره منعقدا و وجوب أحدهما أمر خارج من النذر، و إنما يجب بعد الميقات، فلا ينافي تركهما صحة النذر، غايته أن يعصى بتركهما من حيث مجاوزته الميقات، بغير إحرام لا من حيث النذر.

و فيه أن المنذور هو لقاء البيت مقيدا بكونه غير محرم بأحدهما، و ذلك معصية محضة، فلا ينعقد، و كون وجوب الإحرام طارئا على النذر إنما ينفع لو لم يقيد النذر بصفة محرمة أما معه فلا، لأنه بدونها غير مقصود و بها غير مشروع، فالقول بعدم انعقاد النذر أقوى، نعم لو قصد بقوله: «لا حاجا و لا معتمرا» أن أحدهما غير منذور، و إنما المنذور المشي إلى بيت الله تعالى من غير أن ينفي فعل أحدهما بغير النذر اتجه ما ذكره و انعقد النذر، و وجب عليه أحدهما عند بلوغ الميقات لا من حيث النذر، بل من تحريم مجاوزة الميقات بغير إحرام بأحدهما مع وجوب مجاوزته للقاء البيت، هذا كله في غير من يجوز له دخول البيت غير محرم، و إلا فلا شبهة في انعقاد النذر لعدم المعصية به حينئذ، و الله العالم.

و لو قال: «لله علي أن أمشي» و اقتصر فان قصد موضعا انصرف إلى ما قصده و انعقد النذر عليه إذا كان طاعة، كالمشي إلى مسجد و نحوه أو عيادة مريض أو نحوهما و إن لم يقصد موضعا معينا لم ينعقد نذره، لأن المشي من حيث كونه مشيا ليس طاعة في نفسه و إنما يصير عبادة إذا كان وسيلة و مقدمة إلى طاعة لا مطلقا.

و لو نذر إن رزق ولدا يحج به أو يحج عنه انعقد نذره بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، لعموم الأدلة.

و لو نذر كذلك ثم مات (11) الوالد حج بالولد أو عنه من صلب ماله (12) كما

ج 35، ص: 389

عن النافع و القواعد و التحرير و الإرشاد و غيرها، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به السيد فيما تسمعه من نهاية المرام.

و على كل حال فالأصل في ذلك

حسن مسمع بن عبد الملك (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كانت لي جارية حبلي فنذرت لله عز و جل إن ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه، فقال: إن رجلا نذر لله عز و جل في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتى رسول الله صلى الله عليه و آله ذلك الغلام فسأله عن ذلك، فأمر رسول الله صلى الله عليه و آله أن يحج عنه بما ترك أبوه».

إلا أنه قد يشكل بما في الرياض من «أن مفروض المسألة حصول الشرط المعلق عليه النذر الموجب لإخراجه من أصل التركة أو

مطلقا كما في ظاهر إطلاق العبارة المحكي في شرح الكتاب للسيد عن أكثر الجماعة، أو بشرط تمكن الناذر من فعل المنذور في حياته، كما صرح به جده في المسالك، و الحال أن ما في الرواية عدم حصول الشرط الذي هو الإدراك إلا بعد الوفاة، و معه لم تشتغل ذمة الناذر بالمنذور أصلا، فلا وجه لإخراجه من تركته أصلا، لأنه فرع تعلقه بذمته حال حياته ليصير دينا عليه يجب إخراجه منها أولا، اللهم إلا أن يكون تعبدا محضا، لكنه فرع وجود القائل به، و ليس، لاتفاق الفتاوى على تصوير المسألة بنحو ما فرضناه، و لذا استدل عليها بما أسلفناه أولا، و مع ذلك فيه إشكالات أخر، لكن يسهل الذب عنها بنوع من التوجيهات، فإذا الدليل على الحكم إنما هو ما قدمناه أولا، مضافا إلى عدم الخلاف فيه الظاهر و المصرح به أولا لكن مقتضاه كمقتضى القاعدة الأصولية اختصاص الحكم بصورة تمكن الناذر من المنذور في حال الحياة كما في المسالك، لا مطلقا كما عن أكثر الأصحاب».

قلت: لكن فيه أن الشهيد نفسه اعترف في المسالك بأن الأصل في هذا الحكم الحسن المزبور، و قال سبطه في نهاية المرام: «هذه الرواية معتبرة الإسناد، لأن طريقها إلى مسمع صحيح و سيد المسامعة و أنه روى عن أبي جعفر عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 390

روايات كثيرة و قال النجاشي: إنه كان شيخ بكر بن وائل بالبصرة، و وجهها و سيد المسامعة، و أنه روى عن أبي جعفر عليه السلام روايات كثيرة، و روى عن أبي عبد الله عليه السلام و أكثر و اختص به، و

قال أبو عبد الله عليه السلام (1)«إني لأعدك لأمر عظيم يا أبا سيار»

و هذا المدح لا يقصر عن التوثيق، فلا يبعد العمل بروايته، خصوصا مع تلقي الأصحاب لها بالقبول و اشتهار مضمونها بينهم، بحيث لا يتحقق فيه خلاف».

و هذا كله يدل على أن العمل بمضمون الرواية و إن خالف القواعد، بل تعبير الأصحاب بمضمونها كالصريح في ذلك، و لو كان مفروض المسألة كما ذكره من الموت بعد التمكن لم يحتج إلى هذه المتعبة العظيمة، إذ الحكم حينئذ يكون موافقا للقواعد، و لا كان ينبغي تعبير الأصحاب عن الحكم بما سمعت الذي لا ينكر ظهور إطلاقه في خلاف ذلك، بل و في عدم اعتبار حصول الولد في حياته، بل و صريح الرواية خلافه، لأن الإمام عليه السلام قد اقتصر في جواب السائل على ما حكاه من الواقعة في زمن النبي صلى الله عليه و

آله، و صريحها حصول الإدراك بعد الموت، فمع فرض العمل بالرواية المزبورة يتجه الحكم بذلك و إن مات الأب قبل حصول الشرط، و هو الذي يقتضيه إطلاق ما سمعته من الأصحاب.

و ما أدرى من أين أخذ السيد في الرياض تبعا للسيد في نهاية المرام ما حكاه من الأكثر من اختصاص الحكم بالموت بعد حصول الشرط؟ و قد سمعت عبائر الأصحاب التي هي كعبارة المتن.

نعم قال في الدروس: «لو نذر الحج بولد منه أو عنه لزم، فان مات الناذر استؤجر عنه من الأصل، و لو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط، و لو مات بعده وجب القضاء، و الظاهر مراعاة التمكن في وجوب القضاء على الناذر».

و لكنه كما ترى لم يفرض عنوان المسألة كموضوع الرواية، و لعلنا نوافقه،


1- 1 رجال النجاشي ص 369 ط إيران.

ج 35، ص: 391

إذ الظاهر بناء على العمل بالرواية الاقتصار على مضمونها الذي هو رزق الولد و إدراك الغلام، و لا يتعدى منهما إلى غيرهما، و من هنا عبر الأصحاب بذلك، و لم يجعلوا العنوان أمرا كليا شاملا له و لغيره، و بذلك ظهر لك النظر فيما في الرياض و المسالك و غيرهما.

و على كل حال فمقتضى الصيغة المزبورة تخير الناذر بين الحج بالولد و بين الاستنابة عنه، فان اختار الثاني نوى النائب الحج عن الولد عملا بمقتضى النذر و إن كان الولد صغيرا، و إن أحج الولد نوى الولد عن نفسه إن كان مميزا، و إلا حج على نحو الحج بغيره من الأطفال الذي مر في كتاب الحج كيفيته (1).

و لو أخر الأب الفعل إلى أن بلغ الولد فان اختار الحج عنه لم يجزه عن حجة الإسلام، و إن أحجه أجزأه، لأن ذلك بمنزلة الاستطاعة بالبذل المنذور.

و لو مات الأب أخرج ذلك من تركته على حسب ما عرفت من اعتبار حصول شرط النذر أو مع التمكن من المنذور أو مطلقا على المختار، و لكن تخير الوصي بين الأمرين كالأب، و لو اختلف الأجرة اقتصر على أقلهما كما في الكفارة المخبرة إن لم يتبرع الوارث بالأزيد، و لا ينافي ذلك ما يظهر من الخبر المفروض فيه أمر الولد بالحج عنه بما ترك أبوه المحتمل أنه الفرد المعتبر إخراجه أو انحصار الإرث في الابن و رضاه أو غير ذلك.

و لو فرض اختيار الولد الحج عن نفسه بالمال صح أيضا و أجزأه على تقدير استطاعته عن فرضه، لأن متعلق النذر حجه بالمال عن نفسه، و ذلك لا ينافي كونه حجة الإسلام.

و لو مات الولد قبل أن يفعل أحد الأمرين بقي الفرد الآخر و هو الحج عنه، سواء كان موته قبل تمكنه من الحج بنفسه أم لا، لأن النذر ليس منحصرا في حجه حتى يعتبر تمكنه في وجوبه، و في المسالك «نعم لو كان موته قبل تمكن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط، لفوات متعلق النذر قبل التمكن منه، لأنه


1- 1 راجع ج 17 ص 236 و 237.

ج 35، ص: 392

أحد الأمرين، و الباقي منهما غير أحدهما الكلي، و هو خيرة الشهيد في الدروس، و لو قيل بوجوب الحج عنه كان قويا، لأن الحج متعلق النذر أيضا و هو ممكن، و نمنع اشتراط القدرة على جميع الأفراد المخير بينها في وجوب أحدها كما لو نذر الصدقة بدرهم، فان متعلقة أمر كلي و هو مخير بالصدقة بأي درهم اتفق من ماله، و لو فرض ذهابه إلا درهما واحدا وجب الصدقة به».

و فيه أن الفرق واضح بين ما ذكره من المثال و بين ما سمعته من الدروس، ضرورة انعدام متعلق النذر الذي هو التخيير قبل حصول سبب انعقاده و هو التمكن، فلا يجدي التمكن بعد ذلك من خصوص الفرد الآخر الذي هو غير المنذور، بخلاف ما ذكره من المثال الذي هو تخيير عقلي لا منذور، بخلاف تعذر أحد الفردين بعد انعقاد النذر، فتأمل، و الله العالم.

و لو نذر أن يحج و لم يكن له مال فحج عن غيره أجزأ عنهما كما عن النهاية، للصدق و

صحيح رفاعة(1)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل حج عن غيره و لم يكن له مال و عليه نذر أن يحج ماشيا أ يجزئ عنه من نذره؟ قال: نعم»

و لكن على تردد من ذلك و من أنه أوجب على نفسه الحج كحج الإسلام الذي لا يجزئ عنه الحج عن غيره، و لأن الأصل عدم تداخل الأسباب.

و ربما حمل الخبر على الحج عن غيره تبرعا و فيه أن ذلك أيضا لا يجوز معه التداخل، و لا يناسب اعتبار عدم المال عنده، كما أنه حمل على العجز، و حينئذ و إن لم يجب عليه المنذور و لكن لا بعد في أن يثاب ثوابه، و هو كما ترى. و

بقاء الخبر على ظاهره أولى من هذه التمحلات.

نعم لا إشكال في الاجزاء إذا نوى حين النذر العموم للحج عن نفسه و غيره، و ربما حمل الخبر عليه، و هو و إن كان بعيدا إلا أنه لا بأس به، مع عدم العمل به، لموهونيته بالاعراض عنه إلا من نادر، إذ هو خير من طرحه حينئذ، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 21- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 393

[مسائل الصوم]

مسائل الصوم لو نذر صوم أيام معدودة كالثلاثة و العشرة كان مخيرا بين التتابع و التفريق إلا مع شرط التتابع بلا خلاف أجده هنا بيننا، للصدق على التقديرين و إن كان قد تقدم بعض الكلام في ذلك في كتاب الصوم (1)نعم عن بعض العامة التنزيل على التتابع.

كما أنه لا أجد خلافا بيننا أيضا في لزوم التتابع مع شرطه في النذر معللين له بأنه وصف راجح في الصوم، فيلزم نذره، و ظاهرهم المفروغية من ذلك، بل في المسالك أنه لا شبهة فيه، و لو لا أن الأمر مستحب يتسامح فيه و يكتفي فيه بأدنى من ذلك لأمكن إشكاله بعدم دليل عليه على وجه بحيث يحصل رجحان التتابع

فيه من حيث إنه كذلك، اللهم إلا أن يستفاد من المحكي عن النبي صلى الله عليه و آله أنه كان يصوم حتى يقال: إنه ما يفطر و يفطر حتى يقال: إنه ما يصوم (2)و نحو ذلك و الأمر سهل.

إنما الكلام فيما يفهم من العبارة في تخصيص التتابع باللزوم و عدم انعقاد نذر التفريق، فيبقى حينئذ على التخيير، و وجه بأنه ليس وصفا مقصودا لنفسه، فلا ينعقد نذره بخلاف التتابع، و هو مناف لما ذكرناه من انعقاد مثله، لعموم الأمر بالوفاء(3)و لأن المنذور حقيقة هو صوم المتفرق لا نفس التفريق، و لا شبهة في أنه عبادة راجحة، فينعقد نذره و إن كان غيره أفضل.


1- 1 راجع ج 17 ص 82 و 83.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
3- 3 سورة الحج: 22- الآية 29. و سورة الإنسان: 76- الآية 7 و الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 394

على أن التفريق مراعي شرعا على بعض الوجوه، خصوصا إذا فرض كونه أشق من التتابع، و ليس هو من الأمور الملغاة في نظر الشارع. و حينئذ فلو خالف و صام العشرة مثلا متتابعا احتسب له خمسة منها في وفاء النذر.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في أن المبادرة فيها أي الأيام المنذورة على

الإطلاق أفضل للأمر بالمسارعة(1)و للخروج عن خلاف القائل بوجوب الفورية فيه و إن كان الأصح عندنا أن التأخير جائز و يتضيق بظن الموت أو نحوه مما لا يتمكن بعده.

و كذا لا خلاف بيننا و لا إشكال في أنه لا ينعقد نذر الصوم إلا أن يكون طاعة لإطلاق ما دل (2)على اشتراط ذلك في المنذور. و حينئذ فلو نذر صوم العيدين أو أحدهما لم ينعقد، و كذا لو نذر صوم أيام التشريق بمعنى بناء على حرمته فيها للناسك أو مطلقا على القولين. و كذا لو نذرت صوم أيام حيضها و نحوه مما لا يجوز فيه الصوم، خلافا لبعض العامة، فجعل نذر صوم العيد منعقدا، و يقضي يوما مكانه، و فساده واضح.

و كذا لا ينعقد إذا لم يكن متمكنا من المنذور بلا خلاف و لا إشكال كما لو نذر صوم يوم قدوم زيد (11) مثلا فإنه لا ينعقد عند الشيخ، بل في المسالك في المشهور سواء قدم ليلا (12) إجماعا كما في الدروس أو نهارا أما ليلا فالعدم الشرط (13) الذي هو اليوم المراد به لغة و عرفا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فلم يحصل يوم قدوم له كي يتحقق خطاب النذر و أما نهارا فلعدم التمكن من صيام اليوم المنذور (14) لأن الفرض

مضى بعضه، فالتكليف بصومه تكليف بما لا يطاق، و صوم الباقي منه مع عدم مشروعيته ليس صوم يوم، و لو فرض علمه ليلا بقدومه نهارا فيبيت النية لم يكف أيضا بناء على أن المراد اشتراط فعلية القدوم إذ لا وجوب حينئذ قبله.


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 133.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد.

ج 35، ص: 395

بل في المسالك «و لأن علمه بقدومه إنما يستند إلى أمارات قد تتخلف و قد يكذب الخبر أو يحصل له مانع من القدوم، فالعلم المذكور غير حقيقي، و إنما هو ظن راجح».

و فيه أنه يمكن فرضه علما أولا، و أنه يكفي مثل هذه الطمأنينة في العلم الذي عليه المدار في الأحكام الشرعية ثانيا، و لعله لذا حكي في الدروس عن المبسوط التصريح بالإجزاء، بل الظاهر أنه كذلك حتى لو كان قدومه في آخر جزء من النهار، لتحقق صدق يوم القدوم. و على كل حال في غير هذه الصورة على التقدير المذكور لا ينعقد النذر المزبور.

لكن مع ذلك قال المصنف و فيه وجه آخر و هو كما في المسالك الانعقاد إن قدم قبل الزوال و لم يكن الناذر أحدث ما يفسد الصوم، و يجب عليه صومه، لأن هذا القدر من النهار قابل للصوم ندبا بل واجبا على بعض الوجوه، فلا مانع من انعقاد نذره، كما لو نذر إكمال صوم اليوم المندوب خصوصا قبل الزوال، و هذا أقوى، بل يحتمل انعقاده و إن قدم بعد الزوال و لما يحدث ما يفسد الصوم بناء على صحة الصوم المندوب، و حينئذ فينعقد نذره.

و لو كان صائما ندبا زاد الاحتمال قوة، لأنه حينئذ صوم حقيقي مندوب، فيكون نذره طاعة، و فيه منع صحته على وجه يكون وفاء للنذر مع فرض عدم قصده، بل لا دليل على صحة تجديد النية بحيث يجتزأ بها عن ذلك، و الاجتزاء بها عن المندوب أو عن الواجب على بعض الوجوه لا يقتضي الاجتزاء بها في خصوص الفرض مع حرمة القياس عندنا، و

الخبر المشهور(1)أنه «لا صيام لمن لم يبيت الصيام».

ثم قال في المسالك متصلا بما سمعت: «و يمكن بناء الحكم على أن المتنفل إذا نوى الصوم نهارا هل يكون صائما وقت النية أم من ابتداء النهار؟


1- 1 المستدرك الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 1 من كتاب الصوم.

ج 35، ص: 396

فعلي الأول يتجه عدم صحة النذر، لأن المعهود من صوم يوم قدومه صوم مجموع اليوم و لم يحصل، و على الثاني يصح

لصدق الصوم في المجموع، و استتباع الباقي للماضي».

و فيه أنه و إن قلنا بالثاني يشكل الاجتزاء به عن النذر، لأن أقصاه إعطاء ثواب صوم اليوم لا صدقه، على أنه قد عرفت عدم اقتضاء الصحة في المندوب الصحة في الفرض لحرمة القياس.

ثم قال: «و يمكن رجوع الخلاف إلى أمر آخر، و هو أن الناذر إذا التزم عبادة و أطلق تسمية الملتزم على م ينزل نذره؟ فيه وجهان: أحدهما أنه ينزل على واجب من جنسه، لأن المنذور واجب، فيجعل كالواجب ابتداء من جهة الشرع، لقرب الواجب من الواجب، و الثاني ينزل على الجائز من جنسه، لأن لفظ الناذر اقتضى التزام الجائز لا الواجب، فلا معنى لالتزامه ما لم يتناوله لفظه، و لعل هذا أظهر، و عليه يتفرع مسائل كثيرة: منها المسألة المذكورة».

قلت: المتجه جعله قسما مستقلا يلحقه حكم كل منهما إذا اقتضى دليل الحكم المزبور شموله لمثله و إلا فلا، خصوصا مثل الحكم الثابت للمندوب من حيث إنه كذلك، ضرورة أنه لا وجه لثبوته فيه بعد فرض فوات عنوان الحكم، بل لا يصح نذره كذلك لما فيه من الجمع بين المتنافيين كما هو واضح.

و بذلك كله ظهر لك وجه الضعف المزبور، بل ربما ظهر الإشكال في الصحة لو قصد بنذره إكمال صومه لو كان ممسكا بناء على اختصاص جواز ذلك من حيث كونه مندوبا لا واجبا فتأمل جيدا.

و لو قال: لله علي أن أصوم يوم قدومه دائما على معنى صوم ما وافقه من أيام الأسبوع سقط وجوب اليوم الذي جاء فيه لما عرفت. و لكن وجب عليه صومه فيما بعد بلا خلاف و لا إشكال، لوجود المقتضي و انتفاء المانع الذي قد كان في يوم القدوم.

و لو اتفق ذلك اليوم في رمضان صامه عن رمضان خاصة و سقط النذر

ج 35، ص: 397

فيه كما هو المشهور على ما في المسالك لأن رمضان (1)لا يصلح فيه غيره، فهو حينئذ كالمستثنى من المنذور. و حينئذ ف لا يقضيه لكن في المسالك «هذا بناء على عدم صحة نذر الواجب و سيأتي البحث فيه، و تردد المصنف في حكمه، و هو خلاف ما جزم به هنا، و لو قلنا بصحته كما هو أقوى القولين وجب صومه بالسببين و النية بحالها، إلا أن الفائدة تظهر مع

إفطاره عمدا في وجوب كفارتين لرمضان و خلف النذر».

قلت: قد يقال: إن المنشأ هنا ما سمعت من عدم صلاحية غير رمضان فيه، و هذا غير نذر نفس صومه، ضرورة كون المنذور كلي يوم القدوم و إن اتحد في المصداق مع يوم شهر رمضان، فلو صح نذره لوقع غير رمضان فيه، فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من دقة.

و لو اتفق ذلك اليوم يوم عيد أفطره إجماعا و في وجوب قضائه خلاف، و الأشبه عند المصنف عدم الوجوب للأصل، و قاعدة احتياج القضاء إلى فرض جديد و ليس، و لخروج العيد عن صلاحية الصوم كالليل، و الجهل به لا يخرجه عن الصلاحية، و خصوص

الموثق (2)«عن امرأة جعلت عليها نذرا إن رد الله تعالى عليها بعض ولدها من شي ء كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت عنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر، أ تصوم أم تفطر؟ قال: لا تصوم، وضع الله عز و جل عنها حقه، و تصوم هي ما جعلت على نفسها فقال: فما ترى إذا رجعت إلى المنزل أ تقضيه؟ قال: لا، قلت: أ فتترك ذلك؟ قال: لا، إني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره»

بناء على مساواة السفر للعيد.


1- 1 و في الشرائع« لأنه كالمستثنى».
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3 من كتاب الصوم.

ج 35، ص: 398

و عن الصدوق و الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن حمزة وجوب القضاء، ل

صحيح ابن مهزيار(1)«كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضائه أم كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إلى قد وضع الله الصوم في هذه الأيام كلها، و يصوم يوما بدل يوم إنشاء الله»

و نحوه خبر القاسم الصيقل (2).

و حمله على الندب في خصوص العيد كما في المختلف لا داعي له و لا شاهد عليه، بل ظاهره خلافه، و هما كما تضمنا قضاء العيد تضمنا قضاء غيره من الأعذار.

و في ثالث (3)«عن رجل جعل على نفسه نذرا صوما فحضرته نية في زيارة أبي عبد الله عليه السلام، قال: يخرج و لا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك».

و المناقشة بضعف السند و الإضمار و المكاتبة مدفوعة بالانجبار بعمل كثير في مثل السفر و المرض و نحوهما غير العيد، بل عن نهاية المرام نسبته إلى القطع به بين الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، بل عن الخلاف التصريح به في المرض على أن خبر ابن مهزيار سليم السند.

و دعوى اضطرابه سندا- باشتماله على محمد بن جعفر الرزاز و هو مجهول- و متنا- باشتماله على يوم الجمعة الذي لا يقول فيه أحد من الأصحاب بسقوط النذر فيه- يدفعها أن كلا منهما غير موجود في نسخة الكافي التي رواية الشيخ عنها، فلا يبعد أن يكون ذلك من النساخ.

مضافا إلى عدم خروج الخبر عن الحجية بمثل ذلك، فلا محيص حينئذ عن القول بالقضاء في الجميع بعد الصحيح المعتضد بما سمعت من غيره من النص و الفتوى و غير ذلك على وجه لا يصلح لمعارضته الموثق المزبور من وجوه و لا غيره


1- 1 الوسائل الباب- 10- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 من كتاب الصوم.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 5 من كتاب الصوم.

ج 35، ص: 399

من الاعتبارات التي لا تنافي ثبوت القضاء بالأمر الجديد، و اختصاص النصوص الثلاث بمن عدا الحائض و النفساء غير قادح بعد الإجماع على عدم القول بالفصل، و تمام الكلام قد ذكرناه في كتاب الصوم (1)فلاحظ و تأمل.

و لو وجب على ناذر ذلك صوم شهرين متتابعين في كفارة مرتبة قال الشيخ: صام في الشهر الأول من الأيام عن الكفارة تحصيلا للتتابع، فإذا صام من الثاني شيئا صام ما بقي من الأيام عن النذر لسقوط التتابع و حاصله تقديم خطاب الكفارة على خطاب النذر، من غير فرق بين تقدمه عليه و تأخره عنه، و لعله لإمكان تدارك النذر بالقضاء بخلاف الكفارة.

و قال بعض المتأخرين و هو ابن إدريس يسقط التكليف بالصوم لعدم إمكان التتابع و ينتقل الفرض إلى الإطعام و حاصله تقديم خطاب النذر على خطاب الكفارة، فيقتضي سقوط الصوم، لتعذر التتابع الذي هو شرط فيه، إذ المشروط عدم عند عدم شرطه، و لم يثبت من الشارع كون ذلك عذرا لا يقدح في التتابع، و لا يقاس على إفطار الحائض و النفساء و نحوهما مما ثبت من الأدلة عدم انقطاع التتابع فيه.

و لكن مع ذلك قال المصنف ليس هذا القول شيئا موافقا للأدلة الشرعية و إنما الوجه صيام ذلك اليوم و إن تكرر عن النذر، ثم لا يسقط به التتابع لا في

الشهر الأول و لا في الشهر الأخير لأنه عذر لا يمكن الاحتزاز منه و يتساوى في ذلك تقدم وجوب التكفير على النذر و تأخره لاشتراكهما في المقتضي، و هو تعيين اليوم للصوم المنذور بالنذر، و المستفاد من الأدلة جواز إيقاعه في كل حين، و سبق الكفارة لا ينافي انعقاده، و صيرورته عذرا غير قاطع للتتابع.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم ما يدل على


1- 1 راجع ج 16 ص 324 الى 327.

ج 35، ص: 400

عذرية مثله في حصول التتابع بعد حرمة القياس على إفطار الحائض و نحوها.

و منه حينئذ يعلم قوة كلام ابن إدريس و إن كان فيه أن مبناه على ترجيح خطاب النذر على خطاب الكفارة، كما أن مبني الأول على العكس، و الرجوع إلى التخيير بين الخطابين جيد لو كان به قائل.

و أما سبق الكفارة على النذر و بالعكس فالظاهر عدم مدخليته، ضرورة كون التعارض بين دليليهما، سواء سبق أحدهما أم لا، و من هنا صرح المصنف بذلك و قد وافق في المسالك على ذلك بناء على مختار المصنف لكن قال: «و إنما يتجه الفرق لو قلنا بتقديم الكفارة و قضاء اليوم عن النذر، فإنه على تقدير تقدم النذر تكون قد أدخل على نفسه صوم الشهرين بعد وجوب صوم اليوم المعين بالنذر، فيجمع بينهما بالقضاء، بخلاف ما إذا تقدمت الكفارة، لأنه حينئذ يكون كالمستثنى كما استثنى الواقع في رمضان.

و فيه مالا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، و لعله لذا قال: «و يحتمل القضاء أيضا، لأن الوقت غير متعين لصوم الكفارة بخلاف رمضان» و الله العالم.

و إذا نذر صوما مطلقا فأقله يوم لعدم صحة الأقل من ذلك عندنا و كذا لو نذر صدقة اقتصر على أقل ما يتناوله الاسم بلا خلاف فيه بيننا و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه.

نعم عن بعض العامة الاجتزاء في الصوم ببعض اليوم و وجوب خمسة دراهم أو نصف دينار، لأنهما أقل الواجب منها، و هو واضح الضعف و إن قال في المسالك: «إن مبنى الخلاف على أن المعتبر في النذر أقل واجب من جنسه أو أقل جائز من جنسه، و قد تقدم الكلام فيه، فعلى الأول يجب خمسة دراهم أو نصف دينار، و على الثاني يجزئ مسمى الصدقة، و هذا يتجه على القول بعدم جواز إعطاء المستحق الواحد أقل مما يجب في النصاب، و الحق أن ذلك على الاستحباب، و من أوجبه منهم أجاب بأن

ج 35، ص: 401

الخلطاء قد يشتركون في نصاب، فيجب على أحدهم شي ء قليل، فيكفيه أن يتصدق بدانق أو ما دونه مما يتمول، و لك أن تقول: إذا حملنا المطلق على الواجب فالأقل من الصدقة غير مضبوط جنسا و قدرا، بل الأموال الزكاتية مختلفة الجنس، و ليس لواجبها قيمة مضبوطة، و صدقة الفطرة أيضا واجبة، و ليس لها قيمة مضبوطة، فامتنع إجراء هذه القول في الصدقة، و تعين اتباع مفهوم اللفظ» و لا يخفى عليك خلوه عن التحصيل على طوله، إذ المسألة من الواضحات، و الله العالم.

و لو نذر الصيام في بلد معين مثلا لا مزية للصوم فيه شرعا قال الشيخ:

صام أين شاء لعدم انعقاد النذر بالنسبة إليه، لعدم رجحان فيه كما هو المفروض، و المنذور يعتبر الرجحان في قيده كما يعتبر في وصفه، لإطلاق ما دل (1)على اعتبار ذلك فيه.

و لكن فيه تردد من ذلك و مما عرفته غير مرة من أنه لا دليل على اعتبار الرجحان في قيود المنذور بعد انصراف ما دل عليه إلى المنذور نفسه، و الفرض حصوله،

ضرورة رجحان الصوم المقيد في المكان المخصوص من حيث إنه صوم، فيجب الوفاء به حينئذ، لعموم ما دل (2)على ذلك، بل الصوم المطلق غير منذور حتى يقال باجزاء الصوم حيث شاء، و لا القيد نفسه أي المكان نفسه حتى يقال لا مزية فيه، و إنما هو من قبيل نذر المباح، بل هو الصوم المقيد بكونه في المكان المخصوص، و لا شك في أنه عبادة راجحة، فيندرج حينئذ فيما دل على انعقاد مثله.

و بالجملة لا دليل على اعتبار أزيد من الرجحان المزبور، فلا معارض لإطلاق الأدلة و عمومها. هذا كله مع عدم المزية و إلا فلا إشكال بل و لا خلاف في تعينها بل عن فخر المحققين الإجماع على ذلك، و إن قال في المسالك: لا يخلو هذه الدعوى


1- 1 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد.
2- 2 سورة الحج: 22- الآية 29 و سورة الإنسان: 76- الآية 7 و الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 402

من نظر و حينئذ فما يحكى عن الفاضل من التفصيل بين ذي المزية فينعقد و غيره فلا ينعقد ليس قولا في المسألة، بل مرجعه إلى موافقة الشيخ، و قد عرفت ما فيه، و الله العالم.

و من نذر أن يصوم زمانا قاصدا به المصداق العرفي الذي لا يعلم أقله إلا

عاقل العرف إذ غيره يمكن معرفة بعض أفراده، و أما الأقل الذي لا يزيد و لا ينقص فلا يكاد يتيسر لأحد من الناس إلا السر الإلهي، نحو ما قلناه في الوجه و المسافة و الركوع و نحوها مما كشف الشارع عن أقل مصاديقها، و من هنا كان عليه في الفرض خمسة أشهر و لو نذر حينا كان عليه ستة أشهر ل

خبر أبي الربيع الشامي (1)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل قال: لله علي أن أصوم حينا و ذلك في شكر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: قد اتي علي عليه السلام بمثل هذا، فقال: صم ستة أشهر، فإن الله تعالى يقول تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها(2)يعني ستة أشهر»

و خبر السكوني (3)عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام «إن عليا عليه السلام قال في رجل نذر أن يصوم زمانا، قال: الزمان خمسة أشهر و الحين ستة أشهر، لأن الله تعالى يقول تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها»

و الطعن في سندهما مدفوع بالعمل بين الأصحاب على وجه لم يظهر فيه مخالف كما اعترف به في المسالك.

نعم لو نوى غير ذلك عند وقوع صيغة النذر لزمه ما نوى لأن النذر كاليمين في أن العبرة بما نوى، حتى أنه لو نوى الصدق العرفي في زمانه الذي يصدق باليوم لزمه ما نوى، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم.
2- 2 سورة إبراهيم: 14- الآية 25.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2 من كتاب الصوم.

ج 35، ص: 403

[مسائل الصلاة]

مسائل الصلاة:

إذا نذر صلاة انصرف إلى ذات الركوع و السجود، دون صلاة الجنازة و الدعاء إلا مع القصد و حينئذ فأقل ما يجزؤه منها ركعتان كما عن المبسوط و الخلاف. لأنهما أقل عدد علم مشروعيته على الإطلاق، بل الظاهر احتياج الأقل و الأكثر إلى دليل خاص، و من هنا اقتصر على ثبوتهما في المقامات الخاصة، فلا ينزل النذر عليه، بل لا يشرع خصوصا بعد المرسل (1)في غير واحد من كتب الأصحاب من أن النبي صلى الله عليه و آله قد نهى عن البتراء.

و لكن مع ذلك قيل و القائل ابن إدريس: أقل ما يجزئه ركعة و ما في المتن و هو حسن و تبعه جماعة للتعبد بها شرعا، و في المسالك «ربما بني الخلاف على ما تقدم من أن المعتبر هل هو أقل واجب أو

أقل صحيح؟ فعلى الأول الأول، و على الثاني الثاني، و يتفرع على ذلك أيضا وجوب الصلاة قائما أو تجوز و لو جالسا لجوازه في النافلة دون الواجبة اختيارا، و وجوب السورة عند من أوجبها في الواجبة إلى غير ذلك من الجهات التي يفترق فيها الواجب و الصحيح مطلقا، و كذا الكلام في صلاتها على الراحلة و إلى غير القبلة راكبا أو ماشيا، و لو صرح في نذره أو نوى أحد هذه الوجوه المشروعة فلا إشكال في الانعقاد، و في جواز العدول حينئذ إلى الأعلى وجهان، و الأجود اتباع القيد المنذور مطلقا».

قلت: قد يشكل إذا كان جواز ذلك فيها من حيث كونها نافلة على وجه للنفل مدخلية في عنوان الحكم المزبور، و لا ريب في خروجها عن النفل بالنذر، فلا ينعقد النذر حينئذ على الوجه المزبور، لخروجها به عن عنوان الحكم الذي وقع النذر عليه، و أولى من ذلك صورة الإطلاق الذي ينبغي الاقتصار في امتثالها على


1- 1 نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 28 و فيه « ان النبي ص نهى عن البتيراء».

ج 35، ص: 404

المتيقن في الصحة، و ليس إلا بمراعاة حكم الفريضة من القيام و الاستقبال و الاستقرار و قراءة السورة و نحو ذلك مما يعلم معه حصول الامتثال، لأن المنذور طبيعة الصلاة لا النافلة منها خاصة، ضرورة كون النفل و الفرض من عوارض الصلاة لا من مقوماتها، فهي لولا النذر لكانت نافلة مع فرض عدم سبب آخر يقتضي وجوبها.

و حينئذ فالمتجه الاقتصار في الاجتزاء في مثل الفرض بركعتين، لأنهما القدر المشترك بين الفريضة و النافلة، بخلاف الركعة الواحدة الثابتة في خصوص الوتر، و لا تلازم بين مشروعيتها كذلك و مشروعية نافلة مثلها غيرها بسبب النذر الذي ليس في أدلته ما يقتضي ذلك.

و بالجملة إنما يثبت في النذر ما هو ثابت لذات الصلاة من حيث كونها كذلك مع قطع النظر عن نفلها و فرضها.

و من ذلك يعلم فساد البناء المزبور، و ربما كان في

خبر مسمع بن عبد الملك (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن رجل نذر و لم يسم شيئا، قال: إن شاء صلى ركعتين، و إن شاء صام يوما، و إن شاء تصدق برغيف»

نوع إشعار بعدم الاجتزاء بالركعة، كما جزم به الكركي في حاشيته، نعم لو نذر

الركعة في خصوص مقامها التي شرعت فيه انعقد، لظهور كون الانفراد ذاتيا لها.

ثم قال في المسالك: «و يستفاد من قوله: «فأقل ما يجزئه ركعتان» أنه لو صلى أزيد من الركعتين صح، و هو كذلك مع إتيانه بهيئة مشرعة في الواجب أو الندب على الوجهين، كالثلاث أو الأربع بتشهدين و تسليم، و ربما قيل: إنه لا يجزئ إلا ركعتان، لأن المنذور نفل صار واجبا لم يتعبد في النوافل إلا بركعتين غير ما نص عليه، و هو ضعيف جدا لمنع المقدمتين».


1- 1 الوسائل الباب- 2- من كتاب النذر و العهد الحديث 3.

ج 35، ص: 405

و فيه ما عرفت من أن الواجب بالنذر ماهية الصلاة، فيجب فيها المتيقن على تقديري النفل و الفرض، و الثلاث و الأربع إنما هو في الفرائض المخصوصة التي لا تشمل المنذورة قطعا، فالمتجه حينئذ الاقتصار على ركعتين، و احتمال كون المراد الاجتزاء في نذر الصلاة بركعة الوتر مثلا و صلاة المغرب و نحو ذلك مما هو مشروع- لأن المراد مشروعية نافلة جديدة بالنذر ركعة أو ثلاث- خلاف ظاهر القائل، و خلاف مقتضى النذر الذي هو السبب في فعلها لا غيره من الأسباب إلا أن يقصد ذلك كما هو واضح.

و في القواعد «لو نذر صلاة و نوى فريضة تداخلتا، و لو نوى غيرها لم يتداخلا، و لو أطلق ففي الاكتفاء بالفريضة على القول بجواز نذر الفريضة إشكال».

و قد وقع في الدروس مالا يخفى عليك النظر فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، كما لا يخفى عليك الصحيح منه، قال: «و لو نذر هيئة غير مشروعة كركوعين في ركعة و سجدة واحدة بطل رأسا، و لو نذر هيئة في غير وقتها كالكسوف فوجهان، و لو أطلق عددا لزمه التثنية، لأنه غالب النوافل، و قيل: يجوز محاذاة الفرائض فيصلي ثلاثا أو أربعا بتسليمة، و لو نذر صلاة و أطلق قيل تجزئ الركعة للتعبد بها، و الأقرب الركعتان، للنهي عن البتراء(1)و في إجزاء الثلاث أو الأربع الوجهان، و لا يجزئ الخمس فصاعدا بتسليمة إلا أن يقيده في نذره على تردد، و لو قيده بركعة واحدة فالأقرب الانعقاد، و النهي عن التنفل بها، و قد يلزم منه إجزاء الواحدة عند إطلاق نذر الصلاة، و لا تجزئ الفريضة عند إطلاق الصلاة على الأقوى، لأن التأسيس أولى من التأكيد» إلى آخره.

و من الغريب ما فيه من انعقاد نذر الخمس فصاعدا بتسليمة خصوصا بعد جزمه سابقا بأنه لو نذر هيئة غير مشروعة لم ينعقد.

ثم قال في المسالك: «و لو فصل بين الأزيد من الركعتين بالتسليم ففي شرعية


1- 1 نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 28.

ج 35، ص: 406

ما بعد الركعتين بنية الندب وجهان، من سقوط الفرض بالركعتين فلا وجه للوجوب، و من جواز كون الواجب أمرا كليا و دخول بعض أفراده في بعض لا يخرج الزائد عن أن يكون فردا للكلي و إن جاز تركه كما في الركعتين و الأربع في مواضع التخيير، و مثله الكلام في التسبيحات المتعددة في الأخيرتين و الركوع و السجود و هذا يتجه مع قصد الزائد ابتداء».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم تصوره في الأوامر المطلقة التي لا ريب في حصول الامتثال بأول فرد من أفرادها، و لا معنى للامتثال عقيب الامتثال، و التخيير بين الأقل و الأكثر في مواضع التخيير إنما هو بين ماهيتين مختلفتين، كما أوضحناه في محله و كذا أوضحنا وجه التخيير في تسبيحات الأخيرتين و غيرها في محالها، و لكن الجميع غير ما نحن فيه من كون الواجب كلي الصلاة و لم يكن صورة تخيير من الشارع حتى تأتي فيه الوجوه المعلومة، فتأمل جيدا.

و كذا لو نذر أن يفعل قربة و لم يعينها كان مخيرا إن شاء صام و إن شاء تصدق بشي ء و إن شاء صلى ركعتين و غير ذلك مما يصدق عليه أنه قربة، و قيل:

تجزؤه من الصلاة ركعة و فيه البحث السابق إلا أنك قد عرفت كون المراد الإتيان بركعة واحدة امتثالا للنذر، لأن المراد عدم الاجتزاء بمثل الوتر لو جاء بها وفاء للنذر، ضرورة عدم كون ذلك محلا للشك في الاجتزاء، لأنها طاعة مشروعة و عبادة معروفة.

لكن في الرياض قد جعل محل الخلاف بين الأصحاب فيها فقال: «و في الاجتزاء بمفردة الوتر قولان: أجودهما ذلك وفاقا للحلي و جماعة، لأنها من حيث انفرادها عن ركعتي الشفع بتكبيرة و تسليمة عندنا صلاة مستقلة، فيشملها عموم

قوله صلى الله عليه و آله (1): «الصلاة خير موضوع»

خلافا للشيخين و ابن بابويه و القاضي


1- 1 الوسائل الباب- 42- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 35، ص: 407

و الشهيد في الدروس للنهي في النبوي (1)عن البتراء المفسر في النهاية الأثيرية بأن الوتر ركعة واحدة(2)و

للخبر(3)«عن رجل نذر و لم يسم شيئا»

- إلى آخره ثم أطنب في المناقشة في الخبرين المزبورين إلى أن قال-: و بالجملة فالاستناد إلى الروايتين لا وجه له من وجوه متعددة، و لعله لهذا لم يستند إليهما السيد و صاحب شرح الكفاية على هذا القول مع ميلهما إليه، و إنما استندا فيه إلى النصوص (4)الدالة على أن الوتر اسم للركعات الثلاث لا لخصوص المفردة، و مشروعية فعلها على الانفراد غير ثابتة، و في هذا الاستناد أيضا مناقشة، لأن مبناه على عدم ثبوت شرعيتها مفردة، و هو ممنوع، لما عرفت من كونها عندنا صلاة مستقلة، فيشملها عموم الرواية السابقة، و لذا أن الشهيد في الدروس خص ما ذكره من عدم الاجتزاء بها في صورة ما إذا نذر صلاة و أطلق، أما لو قيدها بركعة واحدة قال: الأقرب الانعقاد، و نحوه الشهيد الثاني في المسالك حيث خص محل النزاع بتلك الصورة، قال: و لو صرح في نذره أو نوى أحد هذه الأمور المشروعة فلا إشكال في الانعقاد، و صرح قبل ذلك بثبوت مشروعية ركعة الوتر فقال في تعليل المنع بالاجتزاء بها(5)مع نذر الصلاة مطلقة لا مقيدة بركعة الوتر: أما

مع التقييد بها بل مطلق الركعة الواحدة، فينعقد و يلزم الإتيان بها بلا شبهة».


1- 1 نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 28.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و في الرياض« بأن يوتر بركعة واحدة» و هو الصحيح كما هو كذلك في نهاية ابن الأثير.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من كتاب النذر و العهد الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الحديث 6 و 7 و 16 من كتاب الصلاة.
5- 5 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة و المسودة الا أن في الرياض« في تعليل المنع بالاجتزاء بها: و الركعة نادرة، إذ لم تشرع إلا في الوتر فتأمل هذا و لا ريب أن الأحوط عدم الاجتزاء بها مع نذر.».

ج 35، ص: 408

قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا و لا يصلح كلام الشهيدين في الدروس و المسالك دليلا للمسألة، إذ لا ريب في عدم اقتضاء مشروعية الوتر في مقام خاص مشروعيتها على الإطلاق، و النذر إنما غايته الإلزام، لا أنه يثبت مشروعية جديدة كما أنه لا ريب في الاجتزاء بها لو جاء بها امتثالا للنذر في مقامها المعلوم شرعيته، كما أوضحنا ذلك سابقا، فلاحظ و تدبر.

و لو نذر الصلاة في مسجد معين أو مكان معين من المسجد لزم بلا خلاف و لا إشكال لأنه أي المنذور مع قيده طاعة فيندرج فيما دل على (1)وجوب الوفاء بالنذر، بل الظاهر لزومه على وجه لا يجوز له العدول إلى الأعلى فضلا عن الأدنى و المساوي، لأن النذر تعلق بها مشخصة بالمكان المخصوص، فالوفاء به يقتضي عدم إجزاء غيره و إن كان أولى منه، و ما

روي (2)عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه «أمر من نذر إتيان بيت المقدس بمسجد الكوفة»

مع أنه في غير المقام لم يثبت.

خلافا لبعضهم، فجوزه قياسا على نذره مالا مزية فيه، فان ذا المزية بالنسبة إلى ما هو أعلى منه كالذي لا مزية فيه، و هو مع أنه قياس مع الفارق، ضرورة عدم الانعقاد أصلا في المجرد عن المزية عند القائل باشتراطها بخلاف الفرض، و قد ذكرنا سابقا أن

قول الصادق عليه السلام في خبر زرارة(3)الذي سأله فيه أي شي ء لا نذر فيه: «كلما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه»

يراد منه إذا نذر على تركه، لا ما إذا نذرت على راجح يستلزم تركه، و الله العالم.

أما لو نذر الصلاة في مكان لا مزية فيه للطاعة على غيره قيل: لا يلزم لخلوه عن الرجحان المعتبر في النذر، و رجحان المكان مزية، فمع فرض عدمها


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 29 و سورة الإنسان: 76- الآية 7 و الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 409

لا ينعقد النذر و لكن تجب الصلاة التي هي من متعلق النذر، و عدم وجوب القيد لا ينافي وجوبها و حينئذ فتجب هي إلا أنه يجزئ إيقاعها في كل مكان.

و فيه تردد من ذلك و مما عرفت مكررا من أنه لا دليل على رجحان أوصاف المنذور، إذ ليست هي المنذور، فيكفي الرجحان في المنذور، و ليس المنذور في الفرض المكان خاصة حتى يرد أنه لا رجحان فيه، بل الصلاة الواقعة فيه، و لا شبهة في رجحانها، فينعقد نذرها، كالصلاة المنذورة في الوقت المعين مطلقا.

بل قد سمعت غير مرة أن ذلك هو الأقوى، لعموم الأدلة و للإجماع كما في المسالك على أنه لو نذر الصلاة في وقت مخصوص لزم على وجه لا يجزئ فعلها في غيره، سواء كان أدنى منه مزية أو مساويا أو أعلى، و لا فرق بين الزمان و المكان بالنسبة إلى ذلك، و دعوى الفرق بأن الشرع جعل الزمان سببا للوجوب بخلاف المكان فإنه من ضروريات الفعل لا سببية فيه كما ترى، إذ لا يلزم من سببية بعض الأوقات بنص الشارع مزية في الصلاة بسببية الوقت الذي يعينه الناذر، فان هذا الوقت المعين بالنذر ليس سببا في وجوب المنذور قطعا، و إنما سببه النذر، و الزمان و المكان أمران عارضان، مطلقهما من ضرورات الفعل، و معينهما بتعيين الناذر، فأي رابطة بين سببية الوقت للصلاة الواجبة بالأصل و بين الوقت الذي هو بتعيين الناذر.

و دعوى أن السببية في الوقت حاصلة و إن كان ذلك بالنذر- لأنا لا نعني بالسببية إلا توجه الخطاب إلى المكلف عند حضور الوقت، و هو حاصل هنا، و لا يتصور مثل ذلك في المكان إلا تبعا للزمان- يدفعها أن الوقت المعين بالنذر إذا كان مطلقا كيوم الجمعة فتوجه الخطاب إلى الناذر بالفعل عند دخول الجمعة ليس على وجه التعيين، بل الأمر فيه كالنذر المطلق بالنسبة إلى العمر، غايته أن هذا

ج 35، ص: 410

مختص بالجمع الواقعة في العمر، فتوجه الخطاب فيه على حد توجهه على تقدير تعيين المكان دون الزمان.

بل هنا أقوى، لأن الخطاب متوجه إليه بسبب صيغة النذر في أن يؤدي الفعل في ذلك المكان، و يسعى في تحصيله بقدرته عليه في كل وقت بحسب ذاته و إن امتنع بحسب أمر عارض على بعض الوجوه، بخلاف الزمان، فإنه لا قدرة له على تحصيله، و هما مشتركان في أصل تقييد العبادة المنذورة بهما، فيجب تحصيلها على الوجه الذي عينه عملا بعموم الأوامر(1)الدالة على الوفاء بالنذر على وجهه، إذ العبادة الخارجة عن قيدهما غير منذورة، و إنما المنذور العبادة في ضمن القيد، و من هنا قد يقال بالفساد لو نذر المقيد مع فرض عدم المزية فيه و قلنا باعتبارها فيه، إلا أن ظاهر القائلين باعتبارها خلافه.

و من ذلك ينقدح عدم انحلال النذر لو فرض كونه مقيدا ثم طرأ ما يقتضي مرجوحية القيد، و من ذلك نذر الحج ماشيا فعجز عجزا أيس من القدرة عليه بعد ذلك، أو كان الحج معينا، فان مقتضى ذلك وجوب الحج عليه راكبا، لكنه بعيد مع فرض اتحاد النذر، و أنه لم يقصد القيد بنذر مخصوص، فان المتجه حينئذ انحلاله من أصله، نعم لو أن القيد ملاحظ في النذر و بخصوصه أمكن ذلك، لكونه حينئذ بمنزلة نذرين، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم، و الله العالم.

[مسائل العتق]

مسائل العتق:

إذا نذر عتق عبد مسلم لزم النذر بلا خلاف و لا إشكال و لو نذر عتق كافر غير معين لم ينعقد كما صرح به بعضهم، بل ظاهر قول المصنف و في المعين خلاف، و الأشبه

أنه لا يلزم عدم الخلاف في غير المعين و إن كان فيه


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 29 و سورة الإنسان: 76- الآية 7 و الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 411

ما لا يخفى، بل قد تقدم في كتاب العتق (1)تحقيق الحال في ذلك، ضرورة ابتنائه على صحة عتقه و عدمه الذي قد عرفت ما عندنا فيه، فلاحظ و تأمل كي تعرف أنه لا خصوصية للنذر في المسألة و إن حكي عن الشيخ أنه حمل

خبر الحسن بن صالح (2)«أن عليا عليه السلام أعتق عبدا له نصرانيا فأسلم حين أعتقه»

على صورة النذر جمعا بينه و بين

خبر سيف بن عميرة(3)«سأل الصادق عليه السلام أ يجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا»

المحمول على صورة عدم النذر، لكنه كما ترى واضح الضعف من وجوه.

و ربما كان ذلك هو الحامل للمصنف على تخصيص الخلاف في المعين باعتبار أن ما دل على صحته من الرواية المزبورة خاصة بالمعين، مضافا إلى ما قيل من أن غير

المعين لا يتصور فيه القربة، بل وصف المنذور المطلق بالكفر يشعر بعلية الوصف في الحكم، و هو مناف للقربة، لأنه بمنزلة صلته لكونه كافرا، و لا ريب في تحريمه، بخلاف المعين فإنه قد يحصل من خصوصيات بعض الأشخاص ما يوجب ظن صلاحه بالعتق، كما اتفق لمن أعتقه علي عليه السلام، فيتجه قصد القربة فيه، و إن كان هو كما ترى أيضا.

و لو نذر عتق رقبة أجزأته الصغيرة و الكبيرة و الذكر و الأنثى و الصحيحة و المعيبة إذا لم يكن العيب موجبا للعتق فإنه حينئذ يكون حرا لا يصلح عتقه عن النذر الذي هو عتق المملوك لا الحر، كما هو واضح، نعم لا بد من عتق الشخص بتمامه في تحقق صدق الرقبة، فلا يجزئ البعض، لعدم الصدق الذي هو المدار في الاجزاء و عدمه، ففي

موثق الساباطي (4)عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام «في رجل جعل على نفسه عتق رقبة قد أعتق، أشل أو أعرج، قال: إن كان مما يباع أجزأ عنه،


1- 1 راجع ج 34 ص 110.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من كتاب العتق الحديث 3.

ج 35، ص: 412

إلا أن يكون سماه فعليه ما اشترط و سمّى».

و لو علق نذر العتق على برء المريض مثلا ففي جواز بيعه قبل حصول الشرط قولان ذكرهما الصيمري في شرحه، و قد تقدم بعض الكلام فيهما في كتاب العتق (1)و ربما يشهد للعدم ما سمعته في اليمين من أنه لو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأتلفه قبل الغد أثم به، و تعلق به الكفارة، و نسبه الصيمري إلى علمائنا، و ليس إلا لأن النذر قبل حصول الشرط له صلاحية التأثير، و إخراجه عن ملكه يزيل صلاحية التأثير.

و قد يتفرع على ذلك أنه لو أعتقه قبل حصول الشرط أو تصدق بالمال قبل حصول الشرط الذي علق عليه النذر فالمتجه عدم الصحة، لأنه إن أراد بذلك امتثال خطاب النذر فهو كتقديم الواجب قبل وقته، و إن أراد غيره فقد عرفت أنه محجور عليه، لكن في شرح الصيمري الصحة و إن قلنا بعدم جواز بيعه، لأنه مسارعة في فعل الخير و مبادرة في الطاعة، و هو كما ترى.

و من ذلك أو أولى منه لو نذر عتقه غدا فأعتقه اليوم، و إن احتمل بعضهم الفرق بين المعلق على شرط و المعلق على صفة، للقطع بحصول الصفة بخلاف الشرط، قال: «و

لهذا قال علماؤنا: لو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث، و لو كان معلقا على شرط فأتلفه قبل حصول الشرط لم يتحقق الحنث قولا واحدا، و حينئذ فلا يصح عتقه قبل الغد» و هو و إن أجاد في الحكم بعدم الصحة قبل الغد إلا أنه لا يخفى عليك ما في فرقه. ثم إنه احتمل الصحة بعد ذلك بل قواها، للفرق بين العتق و أكل الطعام بأن الأول من الطاعات المندوب إلى المسارعة إليها، فتعجيلها خير من تأخيرها.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه. و من الغريب جعل ذلك من باب أن المخالفة أصلح دينا أو دنيا، فتجوز و يصح العتق، فتأمل جيدا.

و من نذر أن لا يبيع مملوكا لزم النذر إذا فرض حصول الرجحان في عدم


1- 1 راجع ج 34 ص 131.

ج 35، ص: 413

البيع و لكن إن اضطر إلى بيعه قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و القاضي لم يجز للأصل و

خبر الوشاء(1)عن أبي الحسن عليه السلام «قلت له:

إن جارية ليس لها مني مكان و لا ناحية، و هي تحتمل الثمن، إلا أني كنت حلفت منها بيمين فقلت: لله علي أن لا أبيعها أبدا ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة، فقال: ف لله بقولك له».

و لكن الوجه الجواز مع الضرورة التي يصير بها ما كان راجحا مرجوحا، فإنه حينئذ ينحل النذر بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه، و في المسالك «و كيف كان فالاعتماد على ما اتفق عليه من القاعدة المقررة في أن النذر و اليمين لا ينعقدان مع كون خلافهما أرجح في الدين أو الدنيا. و لا مخصص لهذه القاعدة المتفق عليها إلا هذه الرواية، فالقول بالجواز هو الصحيح، و عليه سائر المتأخرين».

قلت: مر الكلام في هذا الخبر عند البحث عن انعقاد النذر على المباح (2)كما أنه مر خبر زرارة(3)الدال على عدم الانعقاد على ترك كل ما فيه منفعة في الدين أو الدنيا.

و لو باع ما نذر ترك بيعه من غير ضرورة ففي صحة البيع و فساده وجهان كما في شرح الصيمري من النهي و كونه كالمحجور عليه، و من إطلاق أدلة البيع، و كون النهي لأمر خارج، و قد اختار هو الثاني،

و الأقوى عندي الأول كما أشرنا إليه سابقا.

و لو نذر عتق كل عبد قديم لزمه إعتاق من مضي عليه في ملكه ستة أشهر بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك ربما كان إجماعا، و الأصل فيه

مرسل


1- 1 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 11.
2- 2 راجع ص 378.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 414

داود بن محمد النهدي (1)قال: «دخل ابن أبي سعيد المكاري على الرضا عليه السلام فقال له: أسألك عن مسألة، فقال: لا إخالك تقبل مني و لست من غنمي، و لكن هلمها، فقال: رجل قال: عند موته كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله، فقال: نعم إن الله يقول في كتابه حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (2)فمن كان من مماليكه أتى له ستة أشهر فهو قديم حر»

و قد تقدم الكلام فيه في كتاب العتق (3).

لكن في المسالك هنا «و لو نذر الصدقة بالمال القديم و نحو ذلك رجع فيه إلى

العرف» و هو لا يخلو من نظر يعرف مما قدمنا سابقا، و الله العالم.

[مسائل الصدقة]

مسائل الصدقة:

إذا نذر أن يتصدق و اقتصر لزمه ما يسمى صدقة و إن قل للصدق لغة و عرفا، نعم لا تجزئ الكلمة الطيبة و نحوها مما أطلق عليها اسم الصدقة في النصوص (4)بضرب من المجاز، نعم يجزئ إبراء الغريم، و في جوازها على الغني و الهاشمي إشكال كما في الدروس، قال: و لا إشكال مع التعيين، قلت: و لا مع عدمه للصدق عرفا و اعتبار الفقر و غير الهاشمي أمر خارج عن مسماها.

و لو قدر (قيد خ ل) بقدر تعين بلا خلاف و لا إشكال.

و لو قال مال كثير و قصد أقل مصداق عرفا كان ثمانين درهما بناء على أن ذلك كشف من الشارع لأقل مصداقه أو تحديد فيه لذلك.


1- 1 ذكر قطعة منه في الوسائل الباب- 30- من كتاب العتق الحديث 1 و تمامه في الكافي ج 6 ص 195.
2- 2 سورة يس: 36- الآية 39.
3- 3 راجع ج 34 ص 131.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب الصدقة الحديث 1 و الباب- 41- منها و المستدرك الباب- 40- منها من كتاب الزكاة و صحيح مسلم ج 3 ص 82 و 83.

ج 35، ص: 415

و الأصل فيه

مرسل إبراهيم بن هاشم (1)قال: «لما سم المتوكل نذر إن عوفي أن يتصدق بمال كثير، فلما عوفي سأل الفقهاء عن حد المال الكثير فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: مائة، و قال بعضهم: عشرة آلاف، و قالوا فيه أقاويل مختلفة، فاشتبه عليه الأمر فقال له رجل من ندمائه يقال له صقعان: ألا تبعث إلى هذا الأسود فتسأله عنه، فقال له المتوكل: من تعني و يحك؟ فقال له: ابن الرضا عليه السلام، فقال له: هل يحسن من هذا شيئا؟ فقال: يا أمير الفاسقين إن أخرجك من هذا فلي عليك كذا و كذا و إلا فاضربني مائة مقرعة، فقال المتوكل: قد رضيت يا جعفر ابن محمد، صر إليه و اسأله عن حد المال الكثير، فصار جعفر إلى أبى الحسن علي بن محمد عليهما السلام، فسأله عن حد المال الكثير، فقال له: الكثير ثمانون، فقال له جعفر:

يا سيدي أرى أنه يسألني عن العلة فيه، فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الله عز و جل يقول «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ»(2)فعددنا تلك المواطن فكانت ثمانين موطنا».

و خبر أبي بكر الحضرمي (3)قال: «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجل عن رجل

مرض فنذر لله شكرا إن عافاه الله أن يتصدق من ماله بشي ء كثير و لم يسم شيئا، فما تقول؟ قال: يتصدق بثمانين درهما فإنه يجزئه، و ذلك بين في كتاب الله إن الله يقول لنبيه «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ»(4)و الكثير في كتاب الله ثمانون».

و في المحكي عن

تفسير العياشي عن يوسف بن المنحت (5)«أنه اشتكى


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب النذر و العهد الحديث 1 و هو مرسل على بن إبراهيم بن هاشم.
2- 2 سورة التوبة: 9- الآية 25.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.
4- 4 سورة التوبة: 9- الآية 25.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من كتاب النذر و العهد الحديث 4 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 35، ص: 416

المتوكل فنذر إن شفاه الله أن يتصدق بمال كثير، فكتب إلى الهادي عليه السلام يسأله، فكتب: تصدق بثمانين درهما، و كتب قال الله لرسوله صلى الله عليه و آله «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ»(1)و

المواطن التي نصر الله رسوله ثمانون موطنا، فثمانون درهما من حله مال كثير»

و حينئذ فمتى أطلق الكثير من غير فرق بين الدراهم و غيرها أريد منه المصداق المفسر بما عرفت كشفا من الشارع أو تحديدا كالمسافة و الوجه و الركوع.

لكن في المسالك هنا «أن الحكم مختص بالنذر فلا يتعدى إلى غيره من الإقرار و الوصايا و نحوها، وقوفا فيما خالف الأصل على مورده، و قد تقدم الكلام في ذلك في البابين».

و فيه أن مقتضى ذلك العمل به في خصوص النذر و إن كان على خلاف قصد الناذر تعبدا للخبرين، و هو بعيد، بل المتجه ما ذكرناه من أنه لا فرق فيه بين النذر و غيره، بل لو نوى الناذر إرادة الكثير في عرفه و فرضنا صدقه على الأقل من ذلك أو أن أقل مصداقه أكثر من ذلك لزمه ما نوى، و كذا الكلام في لفظ القديم، فتأمل جيدا.

و منه يعلم ما في قوله أيضا من أن «الحكم مقصور على نذر الشي ء الكثير، كما هو مورد الرواية، و في معناه أو الأولى منه نذر دراهم كثيرة، و في الرواية المرسلة جعل مورد النذر المال كما فرضه المصنف و جماعة و في تعديته إلى غير ذلك كما لو نذر أن يتصدق بثياب كثيرة أو دنانير كثيرة وجهان: من خروجه عن مورد النص المخالف للأصل، و من أن الكثرة إذا ثبتت مقدرة بشي ء ثبتت فيما ناسبه، خصوصا على ما يشعر به التعليل، فإنه يدل على إطلاق الكثير بذلك العدد على كل شي ء، و بهذا حكم العلامة في المختلف و الشهيد في الدروس، و لا يخلو من نظر، لأن الكثير استعمل لغة و عرفا في غير ذلك العدد، و دعوى أن ذلك تقدير شرعي، و هو مقدم


1- 1 سورة التوبة: 9- الآية 25.

ج 35، ص: 417

عليهما في موضع المنع، و المستند من غير الإجماع لا يخلو من قصور و إن كانت رواية الحضرمي قرينة الأمر» إذ قد عرفت ما يظهر منه قوة ما في الدروس، خصوصا بعد استدلال الامام عليه السلام على ذلك بالمواطن، نعم ينبغي الاقتصار على حال اشتباه أقل المصداق فيه عرفا، و إلا فلو فرض وضوح مصداق آخر له أقل أو أكثر و قد قصده الناذر فالمتجه الوقوف على ما قصده.

ثم إنه في محكي الهداية و الفقيه (1)أطلق الثمانين، كما في

المروي في معاني الأخبار مرسلا عن ابن أبي عمير(2)عن الصادق عليه السلام أنه

قال «في رجل نذر أن يتصدق بمال كثير، فقال: الكثير ثمانون فما زاد، لقول الله تبارك و تعالى لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ(3)و كانت ثمانين موطنا»

و مرسل علي بن إبراهيم (4)«إن المتوكل سم فنذر إن عوفي أن يتصدق بمال كثير، فأرسل إلى الهادي عليه السلام يسأله عن حد المال الكثير، فقال له: الكثير ثمانون»

و في مرسله الآخر(5)«إن المتوكل نذر التصدق بدنانير كثيرة، فأرسل إليه، فقال: الكثير ثمانون».

و عن المقنع ثمانون دينارا، و عن ابن إدريس ردها إلى ما يتعامل به دراهم كانت أو دنانير، و في المسالك «هو شاذ» لكن الإنصاف أنه لا يخلو من وجه، بل في كشف اللثام «هو قوي و يمكن تنزيل الأخبار و كلامي الصدوق عليه- ثم قال- و إن تعومل بهما لم يلزم إلا الدراهم، للأصل».

و عن الشيخين و سلار و القاضي و ابن سعيد إطلاق ثمانين درهما، لما سمعته من النصوص المشتملة على ذلك.


1- 1 الفقيه ج 3 ص 232.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب النذر و العهد الحديث 3.
3- 3 سورة التوبة: 9- الآية 25.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
5- 5 تفسير البرهان ج 2 ص 111.

ج 35، ص: 418

و عن الفاضل في المختلف أن الكثرة إن أضيف إلى المال المطلق أو إلى الدراهم حملت على الثمانين درهما، و إن أضيفت إلى نوع آخر حملت على ثمانين منه، فلو نذر ثيابا كثيرة حملت على ثمانين ثوبا، و لعله للانسياق، و خصوص

المرسل (1)عن نثر الدر و اللئالي «إن المتوكل نذر التصدق بمال كثير إن عوفي فاستفتي الجواد عليه السلام، فقال: إن كنت نويت الدنانير و الدراهم فتصدق بثمانين درهما»

و إن كان فيه أن الجواد عليه السلام لم يلحق بأيام المتوكل فهو إما اشتباه و الجواب لعلي بن محمد الهادي عليه السلام أو لغير المتوكل من الخلفاء.

و على كل حال فالذي يقوى في النفس ما ذكره، كما أن الذي يقوى ما سمعته من ابن إدريس من كون المراد بالدراهم ما تقع به المعاملة وقت النذر، و قد يحتمل إرادة المتعارف منه وقت السؤال، بل قيل: إن ذلك هو المتعين بناء على الاجتزاء بها مطلقا، فيخرج حينئذ قيمتها في مثل هذا الوقت، و الله العالم.

و لو قال خطير أو جليل فسره بما أراد مما قصده به إن كان قصد به شيئا معينا أو مما أراد مما يصدق عليه عرفا ذلك.

و حينئذ مع تعذر التفسير بالموت مثلا يرجع إلى الولي كما في غيره من الألفاظ المطلقة، لكن في المسالك «هذا الوصف و إن كان دالا عرفا على زيادة على المتمول إلا أنه قابل للتأويل بأن المال خطير في نفسه شرعا لترتب الكفر على مستحل القليل منه، و قطع اليد التي قيمتها خمسمائة دينار بربع دينار منه، و غير ذلك، فيرجع إليه في التفسير، كما تقدم بحثه في الإقرار، لكن هنا له أن يفسره بما أراده و إن لم يكن قصد شيئا حالة النذر بخلاف الإقرار، فان الواجب عليه تفسيره بما يوجب براءة ذمته، بحيث يكون موافقا للواقع».

و فيه مالا يخفى من أن المتجه مع عدم قصده المؤل إرادة المعنى العرفي، فلا


1- 1 مخطوط.

ج 35، ص: 419

يقبل تفسيرها بغيره مع عدم قصده له، و فرق واضح بين المقام الذي يراد منه الإطلاق و بين الإقرار الذي هو الاخبار بشي ء معين، كما أن المتجه مراعاة الصدق عرفا لو رجع الأمر إلى الولي، نعم لو أقر الولي أنه قصد شيئا معينا فلا إشكال في لزومه في حقه و حق الوارث، و الله العالم.

و لو نذر الصدقة في موضع معين وجب سواء اشتمل على مزية أو لا، بناء على المختار من عدم اعتبار الرجحان في الأوصاف و القيود، بل في المسالك و كشف اللثام ذلك حتى على القول الآخر، للفرق بين الصدقة و بين الصلاة و الصوم بأن الغرض من الصدقة في المكان المعين الصدقة على أهله، فيكون تعيين المكان في قوة تعيين المتصدق عليه، فلا يصح العدول عنه إلى غيره و إن كان غيره أفضل منه، كما لو نذر الصدقة على شخص معين ابتداء، فإنه لا يجوز العدول عنه إلى غيره، بخلاف الصلاة و الصيام، فإن العبادة أمر واحد في نفسها، و إنما تتفاضل بالزمان و المكان، فإذا نذرها في مكان لا مزية فيه فكأنه قد نذرها بوصف مباح أو مرجوح، فلا ينعقد على ما تقرر.

قلت: هو جيد بناء على إرادته و من حضر فيه من الأهل أيضا، كما اعترف به في آخر البحث، و الأمر سهل بعد أن كان المختار في المسألة الانعقاد في مثله.

و على كل حال فلا يجزئ الصدقة على أهله في غيره، لأن المفروض نذر الصدقة في المكان المخصوص.

نعم قيل يأتي على القول بعدم تعيين المكان مع عدم المزية عدم اعتباره هنا أيضا إذا صرف المنذور على أهله نظرا إلى أن المقصود الصدقة عليهم و قد حصل، و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من نظائر المسألة، فيجب حينئذ مراعاة المكان.

و حينئذ ف لو صرفها في غيره و لو على أهله أعاد الصدقة بمثلها فيه لعدم صدق الامتثال مع التمكن منه إذا كان النذر مطلقا، و ضمانه لما أتلفه إذا كان معينا، بل يكفر أيضا كما في القواعد و المسالك، لكن قد يشكل وجوب

ج 35، ص: 420

الإعادة في المعين بانحلال النذر و ذهاب العين إلا أن ظاهر الأصحاب خلافه.

و لو فرض فساد المكان فالظاهر الاجتزاء بالصدقة على أهله في غيره مع احتمال انحلال النذر، لكونه نذرا واحدا، و الفرض انحلاله، لكن الأقوى الأول، و

قال ابن مهزيار(1): «قلت لأبي الحسن عليه السلام رجل جعل على نفسه نذرا إن قضى الله عز و جل حاجته أن يتصدق في مسجده بألف درهم نذرا، فقضى الله عز و جل حاجته فصير الدراهم ذهبا و وجهها إليك أ يجوز ذلك أم يعيد؟ قال: يعيد»

و هو شاهد على ما قلناه بناء على أن المراد يعيد الصدقة في مسجده.

و على كل حال فقد ظهر لك من جميع ما ذكرناه أنه متى نذر الصدقة على وجه يعين مقدارا و جنسا و محلا و مكانا و زمانا، بل لا تجزئ القيمة في المتعين، و لا يملك المنذور له الإبراء منه، و في وجوب قبوله نظر ينشأ من توهم أنه كالدين أو الهبة و إن كان لا يخفى عليك قوة الثاني منهما، و حينئذ فان لم يقبله سقط عنه، كما عن الفاضل و ولده التصريح به، و لعل مرادهما مع الامتناع أبدا للتعذر حينئذ لا آنا ثم رجع إلى القبول، فتأمل.

و لو أطلق قدرا في الذمة صح، و لا يجزئ غيره، و الأقوى الاجتزاء باحتساب الدين هنا. و لو أبرأه المستحق هنا أو وهبه المعين قبل قبضه أو اعتاض عنه أمكن الصحة إن كان صيغة نذره «إن لفلان علي كذا» أو «عندي أوله الدابة المعينة» و جوزناه كما في الدروس.

و إن نذر الصدقة عليه أو الاهداء إليه أو الإيصال لم يجز الإبراء و الهبة و الاعتياض، و عليه يتفرع سقوطه و انتقاله إلى الوارث بعد وفاة المنذور له.

نعم في الدروس له مطالبته به على التقادير، و حينئذ لو اختلفا في الدفع حلف المنكر، لكن قد يشكل بأنه تكليف شرعي لا يتضيق عليه إلا بعد الوفاة، فليس


1- 1 الوسائل الباب- 9- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 421

له حق المطالبة.

و في شرح الصيمري بعد أن اختار ما سمعته من الشهيد قال: «إلا مع الامتناع لا يجوز حبسه و لا مقاصته، لإباحة التأخير له» و فيه أنه مناف لجواز مطالبته به، على أنه يمكن فرض النذر مضيقا فتأمل. و كيف كان فيجوز التوكيل في دفعه و قبضه.

و لو عين شاة فنمت تفرع النماء على التمليك أو التصدق، فيملكه المنذور له إن قلنا بالتملك القهري.

و إن قال: «أن أتصدق» و في الدروس في ملكه هنا تردد من إجراء مأخذ الأسباب مجرى وقوع المسبب أم لا، و لو جعل المال صدقة بالنذر ففي خروجه عن ملكه تردد من إجرائه مجرى الوقف العام أم لا، و قطع الفاضل بالخروج.

و فيه أنه لا وجه لدخوله في الملك مع فرض كون النذر «أتصدق» كما أنه لا وجه لعدم كونه ملكا لو نذره صدقة و قلنا بصحته.

و لو نذر صرف زكاة أو خمس على معين لزم إن لم يناف التعجيل المأمور به، بل في الدروس «و لو نافى الأفضلية كالبسط و إعطاء الرحم و الأفقه و الأعدل ففيه نظر أقربه مراعاة النذر- ثم قال-: و لو خرج المعين عن الاستحقاق بطل، فلو عاد إلى الاستحقاق فالأقرب عود النذر ما لم يكن قد أخرجه» و لا يخلو من نظر، و الله العالم.

و من نذر أن يتصدق بجميع ما يملكه لزمه النذر مع فرض عدم ما يقتضي زوال الرجحان المعتبر في انعقاد النذر و إلا انعقد فيما لم يكن فيه ذلك دونه، لما عرفته مكررا من الصحة في مثل ذلك و إن قلنا بكراهة الصدقة بجميع المال، إلا أنه مكروه العبادة الذي قد عرفت انعقاد نذره.

نعم في المتن و غيره فان نذر كذلك و خاف الضرر قوم ماله و تصدق أولا فأولا حتى يعلم أنه قام بقدر ما لزم بالنذر نظرا إلى

صحيح محمد بن يحيى

ج 35، ص: 422

الخثعمي (1)قال: «كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة إذ دخل عليه رجل من موالي أبي جعفر عليه السلام فسلم عليه ثم جلس و بكى، ثم قال: جعلت فداك إني كنت أعطيت لله عهدا إن عافاني الله من شي ء

كنت أخافه على نفسي أن أتصدق بجميع ما أملك، و إن الله عز و جل عافاني منه، و قد حولت عيالي من منزلي إلى قبة في خراب الأنصار، و قد حملت كل ما أملك فأنا بائع داري و جميع ما أملك و أتصدق به، فقال أبو عبد الله عليه السلام: انطلق و قوم منزلك و جميع متاعك و ما تملك بقيمة عادلة، فاعرف ذلك، ثم اعمد إلى صحيفة بيضاء فاكتب فيها جملة ما قومته، ثم انطلق إلى أوثق الناس في نفسك فادفع إليه الصحيفة و أوصه و مره إن حدث بك حدث الموت أن يبيع منزلك و جميع ما تملك فيتصدق به عنك، ثم ارجع إلى منزلك و قم في مالك على ما كنت فيه، فكل أنت و عيالك مثل ما كنت تأكل، ثم انظر إلى كل شي ء تصدق به عما يستقبل عليك من صدقة أو صلة قرابة أو في وجوه البر فاكتب ذلك كله و أحصه، فإذا كان رأس السنة فانطلق إلى الرجل الذي أوصيت إليه، فمره أن يخرج إليك الصحيفة، ثم اكتب فيها جملة ما تصدقت و أخرجت من صلة قرابة أو بر في تلك السنة، ثم افعل مثل ذلك في كل سنة حتى تفي لله بجميع ما نذرت فيه، و يبقى لك منزلك و مالك إنشاء الله، قال: فقال الرجل: فرجت عني يا ابن رسول الله صلى الله عليه و آله جعلني الله فداك».

و قد اعترف في المسالك بتلقي الأصحاب له بالقبول، و كان مخالفته لضوابط النذر أولا بالصدقة بالقيمة عن منذور العين، و ثانيا بعدم وجوب تعجيل الصدقة بما لا يضر به من المال، و ثالثا بعدم بطلان النذر فيما يضر به من الصدقة منه.

و يمكن دفع الأخير بأنه لا وجه للبطلان بعد إمكان دفع الضرر بالطريق الخاص، فيبقى حينئذ ما دل على وجوب الوفاء بالنذر(2)مؤيدا بالصحيح المزبور


1- 1 الوسائل الباب- 14- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
2- 2 سورة الحج: 22- الآية 29 و سورة الإنسان: 76- الآية 7 و الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 423

بلا معارض، بل و الثاني بعدم ما يدل على وجوب التعجيل، لما عرفت أن الأمر بالوفاء للطبيعة التي لا يقتضي فورا و لا تراخيا لأصالة براءة الذمة من التعجيل بحالها، بل و الأول بناء على إجزاء القيمة في مثله، و لو لأن مقصوده الصدقة بذلك من حيث قدره لا من حيث عينه، و لعله لذا تلقاه الأصحاب بالقبول لعدم مخالفته للقواعد بوجه.

و منه يعلم النظر فيما في المسالك من أنه يبقى الكلام فيما خرج عن النص، كما لو لم يكن نذر الصدقة بجميع ماله بل ببعضه، و إن كان الأولى خلافه، و الضرر يندفع بتقويمه، فهل يعمل به كما في الرواية أم يبطل النذر؟ وجهان من مشاركته للمنصوص في المقتضي، و كون كل فرد من أفراد ماله على تقدير نذر الجميع منذور الصدقة، و لم ينظر إلى آحاده، و إنما نظر إلى المجموع و رجع فيه إلى التقويم، و من خروجه عن الأصل، فيقتصر فيه على مورده، و لا يلزم من الحكم في الجميع الحكم في الأبعاض، لأنهما غيران، و هذا أجود، إذ قد عرفت أن الأول أجود لا الثاني، و الله العالم.

و من نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل الخير تصدق به على فقراء المؤمنين أو في حج أو في زيارة أو في شي ء من مصالح المسلمين لأن السبيل الطريق، فالمراد ما كان وصلة إلى الخير و الثواب و طريقا إليه من جميع أنواع القرب، و عن الشيخ أنه حصر سبيل الخير في الفقراء و المساكين و ابن السبيل و الغارمين لمصلحة و المكاتبين، و جعل سبيل الثواب الفقراء و المساكين و يبدأ بأقاربه، و سبيل الله الغزاة و الحج و العمرة، لكنه كما ترى لا دليل عليه، بل العرف شاهد بخلافه إلا أن يقصد الناذر، و الله العالم.

ج 35، ص: 424

[مسائل الهدى]

مسائل الهدى:

إذا نذر أن يهدي بدنة مثلا إلى مكة أو منى لزم بلا خلاف و لا إشكال، بل في المسالك الإجماع عليه.

و إن لم يعين أحدهما انصرف الإطلاق إلى الكعبة، لأنه الاستعمال الظاهر في عرف الشرع و لأنها محله شرعا، قال الله تعالى (1)«ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» و قال (2)«هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» و ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي(3): «إنما الهدي ما جعل لله هديا للكعبة»

و لكن في

صحيح ابن مسلم (4)عن الباقر عليه السلام «في رجل قال عليه بدنة و لم يسم أين ينحر؟ قال: إنما المنحر بمنى، يقسمونها بين المساكين».

إلا أنه في المسالك «عمل الأصحاب على الأول ما لم يسم منى و لو بالقصد، فينصرف إليها و إلا فلا، و الرواية

باشتراك محمد لا تصلح معارضا و صحتها إضافية» قلت: قد يقال إنه لأعرف في زماننا لمثل الفرض يقتضي كون المراد الكعبة، فلا يبعد العمل بالنص بالنسبة إلى ذلك.

و على كل حال فلا إشكال في أنه لو نوى منى لزم إنما الكلام مع الإطلاق.

و لو نذر الهدي إلى غير الموضعين لم ينعقد، لأنه ليس بطاعة و قد عرفت اعتبار ذلك في الانعقاد، ضرورة عدم مشروعية الهدي في غيرهما و إن استحب أصل الذبح، و لعل هذا غير ما يأتي للمصنف من انعقاد نذر نحر الهدي في غيرهما.


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 33.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 95.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 425

و في الدروس «و لو نوى غيرهما و قصد الصدقة أو الاهداء للمؤمنين صح، و إن قصد الاهداء للبقعة بطل، و إن قصد مجرد الذبح فيها فهو من المباح، و أطلق في المبسوط بطلان النذر، و في الخلاف الصحة و أوجب التفرقة بها، و في

رواية محمد(1)السالفة «إذا سمى مكانا فلينحر فيه».

قلت: ستعرف تمام الكلام في المسألة، و إنما المراد عدم مشروعية الهدي لغيرهما

إلا أن يكون بمعنى الاهداء أو الصدقة كما أومى إليه الشهيد في أول الكلام، و الله العالم.

و لو نذر أن يهدي و اقتصر انصرف الإطلاق عرفا في الهدي إلى النعم لأن الهدي شرعا عبارة عن ذلك، بل عن الخلاف الإجماع عليه و لكن له أن يهدي أقل ما يسمى من النعم هديا و إن لم يكن جامعا لشرائط الهدي الذي هو نسك، فهو هدي غير الهدي المعروف في الحج.

و قيل و القائل الشيخ في أحد قوليه كان له أن يهدي كل ما يتمول و إن كان بيضة أو تمرة، لأن اسم الهدي يقع على الجميع، فيقال:

أهدى بيضة و تمرة، و قال الله تعالى (2)«يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» و قد يحكمان بقيمة عصفور أو جرادة، و

في الحديث (3)«من راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة».

و فيه أنه مناف للمنساق من الإطلاق، بل و ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (4)و سئل عن الرجل يقول أنا أهدي

هذا الطعام: «ليس بشي ء، إن الطعام لا يهدى»

و قال عليه السلام أيضا في خبر أبي بصير(5): «فان قال الرجل أنا


1- 1 الوسائل الباب- 11- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 95.
3- 3 سنن البيهقي ج 3 ص 226 و فيه« قرب بيضة».
4- 4 الوسائل الباب- 4- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 3.

ج 35، ص: 426

أهدي هذا الطعام فليس هذا بشي ء، إنما تهدى البدن»

و في

صحيح الحلبي (1)عن الصادق عليه السلام «سئل عمن يقول للجزور بعد ما نحره هذا هدي لبيت الله، فقال عليه السلام:

إنما تهدي البدن و هن أحياء، و ليست تهدى حين صارت لحما»

إلى غير ذلك من الأخبار.

بل ظاهرها عدم الفرق بين أن يقول: «علي أن أهدى» أو «أهدي هديا» أو «أهدي الهدى» و عن الشافعي الموافقة في الأخير دون غيره، بل ظاهرها عدم إجزاء غير النعم أو غير البدن حتى مع التصريح بإهداء الطعام و نحوه فضلا عن الإطلاق، و لعل المراد أنه الهدي المعتبر شرعا لا

مطلق الاهداء، و الحصر في البدن في الأخير إضافي.

و على كل حال قيل: يلزمه ما يجزئ في الأضحية من النعم، فيعتبر السن حينئذ و غيره مما يعتبر فيها، فلا يجزئ المسمى من النعم، بل في المسالك «المشهور في المسألة أن من قال بوجوب الهدي من النعم اعتبر فيه شروط الأضحية و جعله مقابلا للقول الثاني لا غير» و حينئذ فقول المصنف و الأول أشبه ليس قولا لأحد إلا أنك قد عرفت وجهه و إن كان الأوجه خلافه للانسياق و لظاهر النصوص، و الله العالم.

و لو نذر أن يهدي إلى بيت الله سبحانه غير النعم قيل: يبطل النذر كما في محكي السرائر و الجامع و الإصباح و غيرها، و في كشف اللثام هو اختيار الحسن و القاضي و أبي علي، لاختصاص مشروعية الهدي بالنعم، فلا يتعلق النذر بغيره.

و قيل كما عن المبسوط يباع ذلك و يصرف في مصالح البيت و عن الفاضل اختياره في المختلف، لأنه قربة و طاعة و لو لاندراجه في الصدقات و نحوها لا في اسم الهدي.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 427

و في

صحيح علي بن جعفر(1)«سأل أخاه عليه السلام عن رجل جعل جارية هديا للكعبة كيف يصنع؟ قال: إن أبي أتاه رجل جعل جاريته هديا للكعبة فقال له:

مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان، و أمره أن يعطي أولا فأولا حتى يتصدق بثمن الجارية».

و في

خبر أبي بكر الحضرمي (2)عن الصادق عليه السلام قال: «جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام قال: إني أهديت جارية إلى الكعبة، فأعطيت بها خمسمائة دينار، فما ترى؟ قال: بعها ثم خذ ثمنها، ثم قم على هذا الحائط حائط الحجر، ثم ناد، و أعط كل منقطع و كل محتاج من الحاج».

و في

خبر آخر لعلي بن جعفر(3)سأل أخاه عليه السلام «عن الرجل يقول هو يهدى إلى الكعبة كذا و كذا ما عليه إذا كان لا يقدر على ما يهديه؟ قال: إن كان جعله نذرا و لا يملكه فلا شي ء عليه، و إن كان مما يملك غلام أو جارية أو شبهه باعه و اشترى بثمنه طيبا فيطيب به الكعبة، و إن كانت دابة فليس عليه شي ء».

و في المروي عن قرب الاسناد(4)عنه أيضا أنه سأل أخاه عليه السلام «عن رجل جعل ثمن جاريته هديا للكعبة فقال: مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ألا من قصرت نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان و أمره أن يعطي أولا فأولا


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 7 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 8 من كتاب الحج عن أبى الحر عن أبى عبد الله عليه السلام.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 22- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2 من كتاب الحج.

ج 35، ص: 428

حتى ينفد ثمن الجارية».

و في

خبر ياسين (1)«أن قوما أقبلوا من مصر فمات منهم رجل فأوصى بألف درهم للكعبة، فسئل الباقر عليه السلام، فقال: إن الكعبة غنية، انظر إلى من أم هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سميت»

بناء على أن الوصية لها كالنذر لها، و حينئذ فيستفاد منه نذر غير الثلاثة و غير النعم، بل قد يستفاد ذلك من الخبر الأخير لعلي بن جعفر و إن أخرج الدابة منه مع أن الدابة أحد الثلاثة التي يظهر من المصنف و غيره كون الخلاف في غيرها.

قال أما لو نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته بيع ذلك و صرف ثمنه في مصالح البيت أو المشهد الذي نذر له و في معونة الحاج و الزائرين و عن السرائر نسبته إلى الرواية إلى أن قال: «أو الزائرين الذين خرجوا للسفر و تناولهم اسم الحاج و الزائرين، و لا يجوز لأحد أن يعطي شيئا من ذلك لأحد منهم قبل خروجهم إلى السفر» مع أنه قال فيها: «فان قال: متى كان كذا فلله علي أن أهدي هذا الطعام إلى بيته لم يلزمه ذلك، لأن الاهداء لا يكون إلا في النعم».

و في كشف اللثام و هو صريح في الفرق بين الثلاثة و غيرها، للنص و لذا فرق المصنف أيضا، و قصر الخلاف على غيرها، و مثله المحقق في الشرائع- ثم قال-:

و نحو السرائر الإصباح و الجامع بزيادة العصفور و الدجاج مع الطعام، و كلام القاضي بزيادة الثوب على المملوك و الدابة إلا أنهم لم يذكروه رواية و نص أبو علي علي بيع الغلام و الجارية و شراء الطيب للكعبة، و قال: و لو قال من الحيوان غير الانسى أو الثمانية الأزواج فلم يلزمه شي ء، فأخرج الدابة من الثلاثة كما فيما مر من الخبر و نص المبسوط فان عين فان كان مما ينقل و يحول كالنعم و الدراهم


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 6 من كتاب الحج.

ج 35، ص: 429

و الدنانير و الثياب و غيرها انعقد نذره و لزم نقله إلى الحرم و تفرقته في مساكين الحرم إلا أن يعين الجهة التي نذر لها كالثياب لستارة الكعبة و طيبها و نحوهما، فيكون على ما نذره، و إن كان مما لا ينقل و لا يحول مثل أن يقول: لله علي أن أهدى داري هذه و ضيعتي هذه و هذه الشجرة لزمته قيمته لمساكين الحرم، فيباع و يبعث بالثمن إلى مساكين الحرم، فعمم الانعقاد لكل شي ء و الصرف في المصالح لكنه خص الصرف إلى المساكين، و لعله أحوط، للأخبار و لأن الهدي من النعم يصرف إليهم، و لم يوجب البيع و صرف الثمن فيما ينقل، لإمكان صرف نفسه، و الأمر كذلك لكنه إن كان صرف الثمن أصلح للمساكين كان أولى، و عليه ينزل الإطلاق في الأخبار و كلام الأصحاب، و ما فيه من التعميم هو المختار، لما عرفت من الاعتبار و الأخبار، و هو خيرة المختلف و التحرير».

قلت: يقوى في النظر عدم الفرق بين الثلاثة و النعم و بين غيرها من المال إذا كان المراد الاهداء و الصدقة لا الهدى النسكي، كما أنه يقوى صرفه فيما يرجع إليها من تعظيم و نحوه، كما أشعر به خبر(1)التطيب الذي منه يستفاد أولوية البناء و نحوه، و لعل مما يرجع إليها الصرف إلى الحجاج و المعتمرين.

و الظاهر مساواة النذر للمشاهد المعظمة لها في ذلك أما النذر لمن فيها من الأئمة الميامين و الأولياء المرضيين فالظاهر إرادة صرفه في سبيل الخير بقصد رجوع ثوابه إليهم من غير فرق بين الصدقة على المساكين و الزائرين و غير الصدقة من وجوه الخير التي يرجع ثوابها إليهم، كل ذلك مع عدم قصد من الناذر ينافيه و إلا اتبع قصده، كما أنه يتبع ما يتعارف من لفظه الذي جعله عنوانا لنذره.

و لو نذر زيارة النبي صلى الله عليه و آله انعقد، لأنها من أمهات الطاعات، سواء قصد زيارة المسجد أو لا، و كذا زيارة أحد الأئمة أو قبور أحد الصالحين.

و الظاهر انصراف نذر زيارتهم عليهم السلام إلى قصدهم في أماكنهم حتى الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) منهم و إن كان عليه السلام يزار في كل مكان إلا أن يريد ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 18- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 430

لا خصوص السرداب.

و لو عين إماما لم يجز غيره و إن عجز عنه و إن أطلق الوقت فهو موسع و لو قيده بوقت وجب، فإن أخل به عامدا ففي الدروس «قضي و كفر و إلا فالقضاء» قلت: قد يتوقف في وجوب القضاء للأصل فتأمل.

و يكفي في الزيارة الحضور في المقام و في الدروس «الأقرب وجوب السلام، لأنه المتعارف من الزيارة» و هو كذلك مع فرض التعارف، و على كل حال فلا يجب الدعاء و لا الصلاة و إن استحبا، و الله العالم.

و لو نذر نحر الهدي بمكة وجب، لأنه عبادة فيها و طاعة و لكن هل يتعين عليه التفرقة بها؟ قال الشيخ و أكثر المتأخرين كما في المسالك نعم عملا بالاحتياط لحصول يقين البراءة بذلك، بخلاف ما لم يفرق أو يفرق في غيرها بل قد يدعى انسياق ذلك من الإطلاق، و أنه المقصود من الذبح و النحر، بل قيل: لو لم يلزمه التفرقة لم يصح النذر، إذ لا فائدة، و لا أدب في جعل الحرم مجردة بدون الصدقة فيه، و كذا الكلام في نذر النحر بمعنى و إن كان فيه أن المنذور نفس الذبح الذي قد عرفت كونه نفسه طاعة فيها، و الأصل براءة الذمة من غيره، نعم لو كان هناك عرف يقتضي التفرقة في أهلهما في إطلاق النذر وجب اتباعه على وجه لا يجزئ التفرقة في غيرهما فضلا عن عدم التفرقة أصلا و إلا فلا، و الأمر سهل بعد أن كان المدار العرف.

و لو نذر نحره أي الهدي الذي نذر سوقه إلى مكة بغير هذين الموضعين أي مكة و مني أو أن المراد لو نذر النحر في غير الموضعين على حسب ما هو المتعارف الان بين الناس من نذر الذبح في بعض البقع الخاصة من المشاهد و غيرها قال الشيخ: لا ينعقد لعدم التعبد بذلك شرعا، و قد عرفت اعتبار كون المنذور طاعة.

و يقوى أنه ينعقد (11) وفاقا للمحكي عن الأكثر لأنه (12) يرجع

ج 35، ص: 431

إلى أنه قصد نذر الصدقة على فقراء تلك البقعة، و هو طاعة بل قد يقال: إن نفس الذبح لله طاعة، لأنه يحب إراقة الدماء و خصوص البقعة من قيود المنذور التي قد عرفت مكررا عدم اعتبار الرجحان فيها نحو الصلاة في البيت، كل ذلك مضافا إلى ما في

صحيح محمد بن مسلم (1)عن الباقر عليه السلام «في رجل قال عليه بدنة ينحرها بالكوفة، قال: إذا سمى مكانا فلينحر فيه».

و في المسالك «قد يستدل به على انعقاد نذر المباح لأن الذبح في غير البلدين ليس طاعة بمجرده» و فيه ما عرفت من إمكان كون ذلك من القيود التي لا يعتبر فيها الرجحان و إن قلنا بعدم انعقاد نذر المباح، خصوصا إذا كان المراد من النذر المزبور تفرقته في فقراء تلك البقعة، كما هو ظاهر المصنف و إن قلنا بعدم اعتبار ذلك في صحة النذر، لما عرفت من رجحان نفس الذبح شرعا، بل عن المختلف عدم انسياق التفرقة في أهل تلك البقعة من النذر المزبور، فله التفرقة في غيرها، بل ظاهر المحكي عنه عدم لزوم أصل التفرقة فضلا عن التفرقة في أهل تلك البقعة، و قد ذكرنا أن المسألة تختلف باختلاف الأمكنة و الأزمنة، و لعل القول بفهم العرف إرادة تفرقته في ذلك الموضع من إطلاق نذر الذبح فيه لا يخلو من قوة.

و لو نذر أن يهدي بدنة فان نوى من الإبل لزم ذلك بلا خلاف و لا إشكال و كذا لو لم ينو بل قصد مسماها الواقعي لأنها لغة و عرفا عبارة عن الأنثى من الإبل خلافا لبعض العامة فقال: اسم البدنة يقع على الإبل و البقر و الغنم جميعا فان نوى شيئا بعينه فذاك، و إلا تخير، و عن آخر منهم أنه يتخير ناذرها بينها و بين البقرة أو سبع شياه، لأن المعهود من الشارع إقامة كل منهما مقام الأخرى.

و لا يخفى عليك أن كلا من القولين خرافة، خصوصا بعد

قول الصادق عليه السلام في خبر حفص بن غياث (2)بطريقين: «من نذر بدنة فعليه ناقة يقلدها و يشعرها


1- 1 الوسائل الباب- 11- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.

ج 35، ص: 432

و يقف بها بعرفة»

و قولهم عليهم السلام (1)«البدنة و البقرة تجزئ عن سبعة»

و قوله تعالى (2)«فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها».

نعم هل يشترط فيها الصحة و الكمال و غيرهما من شروط الأضحية أم يكفي ما يطلق عليه اسمها لغة؟ في المسالك «وجهان قد سلف الكلام فيهما و بنائهما على ما تقدم من أن مطلق النذر هل يحمل على أقل واجب من ذلك الجنس أو على أقل ما يتقرب به منه، و مثله ما لو نذر أن يهدي بقرة أو شاة».

قلت: قد عرفت أن ذلك لا يبنى على ذلك، بل على أنه إن كان المراد الهدي النسكي

اعتبر فيه حينئذ ما يعتبر فيه و إلا كفى مسماه، بل الظاهر ذلك حتى مع الإطلاق.

و كل من وجب عليه بدنة في نذر فان لم يجد لزمه بقرة فان لم يجد فسبع شياه بلا خلاف أجده فيه بيننا، و لو لم يجد إلا الأقل من سبع شياه فالأحوط إن لم يكن الأقوى وجوبه، لقاعدة الميسور،

و «إذا أمرتكم»

نعم لو قدر على بعض البدنة أو البقرة لا يجزئ، لأن البدل مقدم على البعض، لثبوته شرعا على تقدير العجز عن مجموع المبدل من غير التفات إلى القدرة على البعض، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب الذبح من كتاب الحج.
2- 2 سورة الحج: 22- الآية 36.

ج 35، ص: 433

[أما اللواحق]

اشاره

و أما اللواحق فمسائل:

[المسألة الأولى يلزم بمخالفة النذر المنعقد الكفارة]

الأولى لا إشكال و لا خلاف نصا(1)و فتوى في أنه يلزم بمخالفة النذر المنعقد كفارة و هي عند جماعة كفارة يمين و قيل: كفارة من أفطر يوما في شهر رمضان، و الأول و إن قال المصنف: إنه أشهر إلا أن

الثاني أصح، كما تقدم الكلام فيه مفصلا(2)و كذا تقدم في أنه إنما تلزم الكفارة إذا خالف عامدا مختارا، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا نذر صوم سنة معينة وجب صومها أجمع]

المسألة الثانية:

إذا نذر صوم سنة معينة مثل هذه السنة من دون اشتراط التتابع وجب صومها أجمع لإطلاق الأدلة و عمومها إلا العيدين و أيام التشريق إن كان بمنى ناسكا أو مطلقا على الخلاف السابق، لخروجها عن النذر، خلافا للعامة في وجه. و (11) حينئذ ف لا تصام هذه الأيام و لا تقضى و (12) ذلك لما عرفت من خروجها عن النذر، نعم لو كان بغير منى لزمه صيام أيام التشريق (13) لوجود المقتضي و انتفاء المانع.

لكن قد يشكل ذلك في خصوص أيام التشريق إن لم يكن إجماعا، لشمول اللفظ لها، و عدم لزوم كونه بمنى فيها، فهي حينئذ كأيام الحيض و السفر التي ستعرف وجوب قضائها، و ربما كان هذا هو الوجه الذي سمعته من العامة، إلا أنه لا أجد خلافا بين أصحابنا في كونها كالعيدين في خروج ذاتها عن إطلاق النذر إذا كان بمنى،


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 راجع ج 33 ص 174- 178.

ج 35، ص: 434

و لعله لأن الأصل عدم القضاء.

و على كل حال فلو أفطر عامدا لغير عذر في شي ء من أيام السنة قضاه و بنى إن لم يشترط التتابع و كفر بلا خلاف في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال في التكفير للمخالفة المقتضية له نصا(1)و فتوى، بل و لا القضاء

لعموم «من فاتته»(2)

و لصيرورته بالنذر من الصوم الواجب الموقت الذي يقضي لو فات، و أما البناء فلأن الفرض عدم نذر التتابع، ففواته لا يقتضي فوات المنذور الذي هو كل يوم يوم بخصوصه، و التتابع فيه اتفاقي لا نذري، فهو كصوم شهر رمضان الذي ينحل إلى الأمر بصوم كل يوم يوم منه على انفراده و إن سمي المجموع باسم السنة و الشهر إلا أن المنذور ليس ذلك من هذه الحيثية بل هو ذات كل يوم يوم على وجه لا مدخلية لامتثال كل يوم يوم بالمخالفة له في غيره، مع احتماله، و لكن ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدمه، و أنه لا ينحل النذر بذلك، بل يبقى مخاطبا بما بقي من أيامها و مكلفا بقضاء ما فات مع صحة ما مضى منه قبل المخالفة.

نعم لو شرط التتابع استأنف عند المصنف لأن ذكر التتابع يدل على كونه مقصودا، و لا بد من تحصيله و قد فات بتخلل الإفطار، فيجب تحصيله بالاستئناف و إتمام السنة بعد انقضاء المعين بقدر ما فات فيها.

و فيه أن الأصل البراءة و صوم كل يوم عبادة مغايرة لصوم غيره، و إنما يجب عليه قضاء ما أخل به و لما لم يكن تدارك ما وجب عليه من التتابع الذي هو صفة للعبادة لم يجب عليه، لعدم إمكان الإتيان بالصفة دون الموصوف، إذ الاستيناف إنما يفيد التتابع في القضاء دون المنذور، لأن الفرض كون السنة معينة، بل ربما قيل:

إن اشتراط التتابع فيها لغو و إن كان فيه ما فيه، و لعله لذا جزم الفاضل في القواعد بعدم الاستئناف.

و قال بعض الأصحاب و هو الشيخ في المبسوط فيما حكي عنه: إنه إن


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 راجع التعليقة 1 من ص 385.

ج 35، ص: 435

تجاوز النصف جاز البناء و لو فرق عمدا و إلا فلا، و نسبه إلى رواية أصحابنا لكن هو كما ترى تحكم إن كان مراده بالرواية ما ورد(1)في الشهر و الشهرين، لحرمة القياس عندنا، و دعوى الأولوية ممنوعة كدعوى الحقيقة الشرعية في التتابع.

و كيف كان فلا يدخل في الفرض شهر رمضان و إن قلنا بصحة نذره إلا إذا قصده، خلافا للفاضل في القواعد، فأدخله لاندراجه في السنة، و حينئذ فيجب بإفطاره عمدا كفارتان، نعم على كل حال ليس عليه إلا قضاء يوم واحد، كما هو واضح.

هذا كله إن أفطر لغير عذر.

و أما لو كان الإفطار لعذر كالمرض و الحيض و النفاس بنى على الحالين أي شرط التتابع و عدمه، لظهور الأدلة في الكفارة في عدم انقطاع التتابع بالإفطار لعذر و حينئذ ف لا كفارة للأصل.

أما القضاء فقولان أجودهما ذلك،

لعموم «من فاتته»(2)

و للنصوص (3)السابقة، و الآخر العدم، للأصل و لأنه كالعيد في عدم الدخول في النذر، و فيه منع واضح، ضرورة عدم قابلية العيد للصوم بخلاف الأيام المزبورة.

نعم لو نذر صوم الدهر صح (11) و إن قلنا بكراهته إذ هو مكروه عبادة و يسقط العيدان و أيام التشريق بمنى (12) لما عرفت و فيها الاشكال السابق، بل ربما احتمل البطلان في الجميع مع إطلاق الصيغة المتناولة للمجموع من حيث هو مجموع و لم يحصل، و إن كان فيه أن المجموع هنا كالمجموع في السنة و الشهر الذين عرفت تناولهما لكل يوم يوم، و المجموع تابع، و لا يضر تخلفه، خصوصا لعارض، بل


1- 1 الوسائل الباب- 3 و 5- من أبواب بقية الصوم الواجب من كتاب الصوم.
2- 2 راجع التعليقة 1 من ص 358.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 و 5 و الباب- 10- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

ج 35، ص: 436

لو صرح بإدخالها في النذر، فالأقوى الصحة فيما عداها و إن كان البطلان هنا أولى لو قيل به ثم، كما أنه لا يخلو من وجه لو صرح بدخولها من حيث كون المراد مسمى الدهر على وجه ينتفى بانتفاء اليوم منه، و لكن ذلك خروج عن الفرض الذي هو إطلاق صوم الدهر على نحو إطلاق صوم الشهر و السنة.

و كيف كان فلا خلاف في أنه يفطر ناذر صوم الدهر في السفر الذي وضع الله عنه الصوم فيه بعد أن لم يكن قد نواه، بل ظاهرهم و صريح المسالك أن له اختيار السفر و إن كان غير ضروري، نعم قال في المسالك: «تجب الفدية بمد عن كل يوم كالعاجز عن النذر» مع أنه لا يخلو من نظر، ضرورة عدم كونه كالعاجز بحسب ذاته، فلا يثبت له حكمه للأصل و غيره.

و على كل حال ففي كلامهم هنا شهادة على ما ذكرناه من عدم وجوب نية الإقامة لمن كان عليه قضاء شهر رمضان و قد تضيق، لكون الحضر شرط وجوب الصوم، و لا يجب عليه تحصيله، و منه المقام و نظائره، و الله العالم.

و كذا تفطر الحائض في أيام حيضها التي حرم الله عليها الصوم فيها و لكن لا يجب القضاء عليها و لا على المسافر إذ لا وقت له لأن الفرض نذر صوم الدهر، لا لعدم اندراجها في متعلق النذر، بل لو أخل عامدا لا قضاء عليه لذلك و إن وجب التكفير.

و لو كان عليه قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة قبل النذر أو بعده فالظاهر خروجهما عن وجوب النذر، و أن ذلك بحكم المستثنى جريا على المتعارف، و حينئذ فلا يجب التأخير في قضاء شهر رمضان إلى أن يتضيق بدخول شهر رمضان، لأن المستثنى كلية.

و أولى من ذلك خروج نفس شهر رمضان و إن دخل في الدهر و السنة إلا أن المراد إيجاب ما يقتضيه النذر منهما، هذا إن قلنا بصحة نذر الواجب، و إلا فلا إشكال في الخروج عن الإطلاق.

و من الغريب احتمال الدخول و الخروج في شهر رمضان دون قضائه، و بنائهم

ج 35، ص: 437

الدخول و الخروج على مسألة صحة نذر شهر رمضان و عدمه، مع أنه يمكن القول بالخروج و إن قلنا بصحة نذره، للتعارف الذي ذكرناه.

و لو عين يوما للقضاء فهل له إفطاره قبل الزوال اختيارا؟ في القواعد إشكال، و في المسالك وجهان، قلت: لا ريب أن المتجه عدم جوازه، للنذر و إنما يكون مستثنى إذا تم صحيحا قضاء لا مطلقا و حينئذ فإذا نوى تركه عاد وجوب النذر، إذ الأمر لا يخرج عنهما، فالمستثنى اليوم الذي تم صومه قضاء، لا الذي نوى كونه قضاء، و حينئذ فلو أفطره كان عليه كفارة النذر.

و في القواعد متصلا بالإشكال السابق «فان سوغناه ففي إيجاب كفارة خلف النذر إشكال، ينشأ من أنه أفطر يوما من القضاء قبل الزوال و لا كفارة فيه، و من كون العدول عن النذر سائغا بشرط القضاء، فإذا أخل به فقد أفطر يوما كان يجب صومه بالنذر لغير عذر، إذ العذر صوم القضاء و لم يفعله، و بإفطاره خرج عن كونه قضاء، لأن سقوط الكفارة في اليوم الأول يوجب سقوطها في اليوم الثاني، و هكذا، أي فيؤدي إلى سقوط النذر و خروج المنذور عن الوجوب».

و فيه أنه لا وجه للإشكال في عدم وجوب كفارة النذر بعد التسويغ و كونه قضاء، و الفرض خروجه عن النذر، بل قد يقوى وجوب كفارة النذر خاصة لو أفطر بعد الزوال، ضرورة عدم تشخصه قضاء إلا بعد تمامه كذلك فلا يلحقه كفارة قضاء شهر رمضان.

لكن في القواعد «لو عين و أفطر بعد الزوال ففي وجوب الكفارتين أو إحداهما و أيتهما إشكال» إلا أن في المسالك و كشف اللثام الميل إلى وجوبهما معا عليه، لأنه أخل بالقضاء و المنذور كليهما من جهتين و إن لم يكن الصوم الذي شرع فيه المنذور، و فيه أنه لا وجه لأن يتشخص قضاء، لكونه بعد الزوال و قد نوى، فلا وجه لكفارة النذر، لأن الفرض خروجه عن النذر، و إلا فهو نذر لا قضاء، و من هنا يقوى ما ذكرناه من وجوب كفارة النذر خاصة، لانكشاف عدم كونه قضاء و إن

ج 35، ص: 438

نواه هو كذلك فتأمل جيدا.

و كيف كان ف السفر الضروري الذي يخاف من تركه على نفس محترمة أو مال يضر بحاله أو نحو ذلك عذر لا ينقطع به التتابع و إن شرط في السنة المعينة و في صوم الدهر. نعم ينقطع بالاختياري لكن لا فائدة فيه في صوم الدهر بل و السنة بناء على المختار إلا ترتب الكفارة، لعدم إمكان تداركه فيهما كما عرفته.

بقي شي ء و هو أنه لو أخر القضاء حتى ضاق الوقت بدخول شهر رمضان فهل تتشخص الأيام بكونها قضاء على وجه يلحقها حكم القضاء خاصة أو يبقى لها جهة النذر؟ وجهان و إن كان المنساق في بادئ النظر أولهما، و كذا لو عين أيام القضاء بيمين أو عهد، كل ذلك بناء على خروج أيام القضاء عن النذر و إلا فلا فائدة.

ثم إن السفر الاختياري الذي قلنا إنه يقطع التتابع لا يجوز صدوره منه للنذر و إن قلنا بجواز السفر مع تضييق الصوم، إلا أن التتابع أمر آخر، و حينئذ يمكن أن يكون السفر معصية، فلا يحرم الصوم فيه، فلا ينقطع التتابع، و تكون المسألة شبه المسائل الدورية التي يستلزم الوجود فيها العدم، اللهم إلا أن يمنع حرمة السفر و إن استلزم فوات التتابع المنذور فتأمل جيدا.

و لو نذر سنة غير معينة كان مخيرا بين التوالي و التفرقة للصدق إن لم يشترط التتابع و إلا وجب الاتصال في الامتثال و حينئذ ف له في امتثال الأول أن يصوم اثنى عشر شهرا و لو متفرقة.

و الشهر عرفا إما عدة بين هلالين (11) و إن نقص أو ثلاثون يوما (12) و لا يكفي في صدقه تلفيق الهلالي بمقدار ما مضي منه من غيره على وجه يكون شهرا و إن نقص عن ثلاثين، لأنه متى انكسر الشهر، فلم يصم يوما منه وجب في الامتثال صوم ثلاثين يوما و (13) حينئذ ف لو صام شوالا و كان ناقصا أتمه بيوم بدلا عن العيد (14) قطعا، و عن الشيخ الاجتزاء به، لدعوى تحقق الصدق، و فيه ما عرفت، و (15) من هنا قيل: (16) يتمه بيومين، و هو

ج 35، ص: 439

حسن لما عرفت من خروجه عن الهلالي بالانكسار بيوم العيد، فلا بد في صدق صوم الشهر من ثلاثين يوما حينئذ.

و كذا الكلام لو كان بمنى بحيث يحرم عليه الصوم في أيام التشريق، فصام ذا الحجة قضى أي أدى بدل يوم العيد و أيام التشريق و لو فرض أنه كان ناقصا قضى خمسة أيام ليكون شهرا ثلاثين يوما.

و لو صام سنة واحدة مبتدأ بهلال المحرم منها أتمها بشهر ثلاثين يوما و يومين بدلا عن شهر رمضان و عن العيدين بناء على إرادة السنة تامة إذا فرض تمام شوال و ذي الحجة و لم ينقطع التتابع بذلك لو فرض أنه نذره لأنه لا يمكنه الاحتراز منه (11) في كل سنة، فيكون المنذور التتابع في غير ذلك.

و (12) كذا لو كان بمنى قضى (13) و أدى أيام التشريق أيضا (14) و كأن الوجه في فصلها عن شهر رمضان و العيدين أن أيام التشريق قد يقطع إفطارها التتابع إذا كان السفر لها اختياريا.

هذا و ربما احتمل وجوب صوم السنة العددية في نذر صوم السنة، لأن السنة تنكسر لا محالة بسبب رمضان و العيدين، فإذا انكسرت وجب أن يعتبر فيها العدد أجمع، كما أن الشهر إذا انكسر يعتبر فيه العدد.

و فيه أنه يصدق عرفا صوم السنة مع ملاحظة العدد في خصوص المنكسر منها، نعم قد يحتمل الاجتزاء بصوم السنة بالابتداء من المحرم مثلا إلى المحرم بناء على إرادة ما عدا شهر رمضان إن لم نقل بدخوله في النذر و العيدين منها، و الأمر سهل بعد أن كان المدار على ما يفهم عرفا.

و لو نذر السنة متتابعا فقد عرفت وجوبه عليه، و يصوم رمضان عن فرضه إن لم نقل بدخوله، و يفطر العيدين و أيام التشريق إن كان بمنى، و هل يلزمه تداركها للنذر؟ فيه وجهان: أحدهما لا، لأن المراد صوم ما يمكن صومه منها،

ج 35، ص: 440

و قد فعل، و الثاني نعم، لتوقف صدق صوم السنة حقيقة على ذلك.

و فرق بين المعينة التي لا يقوم البدل مقام ما فات منها بخلاف المطلقة التي هي كالعوض الكلي في البيع و الإجارة، و من هنا لو أفطر فيها لغير عذر وجب الاستئناف قولا واحدا، بخلاف المعينة التي فيها البحث السابق، و ذلك لأن المعينة جميع أجزائها معين، فلا يزول تعينه بالإخلال ببعضه و لا يمكن تداركه، بخلاف المطلقة التي يراد منها إيقاع مجموع العدد متتابعا، و مع الإخلال يتمكن من الإتيان بالمنذور موصوفا بالوصف، فيجب عليه تحصيلا للمكلف به.

نعم الظاهر أن الإفطار لعذر الحيض و النفاس و المرض و السفر الضروري لا يخل بالتتابع، و لكن يقضي ما فات كالمعين،

قال أيوب بن رفاعة(1): «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل جعل عليه صوم شهرين متتابعين فيصوم شهرا ثم يمرض هل يعتد به؟

قال: نعم، أمر الله حبسه، قلت: امرأة نذرت صوم شهرين متتابعين، قال:

تصوم و تستأنف أيامها التي قعدت حتى تتم الشهرين، قلت: أ رأيت إن هي أيست من الحيض هل تقضيه؟ قال: لا يجزؤها الأول».

نعم يمكن إجراء خلاف الشيخ في الاكتفاء بتجاوز النصف في حصول التتابع في المطلقة أيضا، بل في الدروس حكاه عن الشيخ في نذر السنة مطلقا، بل في القواعد حكايته عنه في المطلقة.

و لو نذر صوم شهر متتابع وجب أن يتوخى ما يصح ذلك فيه مقدمة لوجوب الوفاء بالنذر و أقله أن يتوخى شهرا يصح فيه تتابع خمسة عشر يوما للاكتفاء بالتتابع فيها في مثله نصا(2)و فتوى كما فصلنا الكلام فيه


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم.

ج 35، ص: 441

في كتاب الصوم (1)فلاحظ و تأمل و حينئذ ف لو شرع في ذي الحجة وفاء لنذره المفروض لم يجز لأن التتابع ينقطع بالعيد كما هو واضح.

[المسألة الثالثة إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان لم ينعقد نذره]

المسألة الثالثة:

إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان لم ينعقد نذره عند المرتضى و الشيخ و أبي الصلاح و ابن إدريس لأن صيامه مستحق بغير النذر فإيجابه بالنذر تحصيل للحاصل، و لأنه على تقدير كونه يوما من رمضان قد استحق صيامه بالأصل، و لا يمكن أن يقع فيه غيره.

و فيه تردد عند المصنف مما عرفت، و من أن مقتضي التعليل الأول عدم صحة نذر كل واجب، بل مقتضاه عدم صحة اليمين عليه أيضا، و قد عرفت تواتر نصوص (2)انعقاد اليمين على الواجب، و منها مضافا إلى عموم أدلة النذر(3)يقوى الانعقاد، وفاقا لأكثر المتأخرين، و إيجاب صومه بأصل الشرع لا ينافي وجوبه من جهة أخرى، و ليس هذا صحة غير شهر رمضان، بل هو من تعدد السبب في وجوبه الذي يمكن أن يراد لإفادة الانبعاث حذرا من الكفارة، و حينئذ فيجوز ترامي النذر، و تعدد الكفارة بتعدده، كما أنه يجوز نذره و اليمين عليه و العهد و غير ذلك مما يقتضي تأكيد وجوبه، و ربما فرع على ذلك

دخول شهر رمضان في نذر صوم السنة، و الدهر مع الإطلاق، و فيه أنه يمكن المنع للعرف لا لعدم صلاحية نذره، و الله العالم.


1- 1 راجع ج 17 ص 82.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من كتاب الايمان.
3- 3 سورة الحج: 22- الآية 29. و سورة الإنسان: 76- الآية 7 و الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 442

[المسألة الرابعة نذر المعصية لا ينعقد]

المسألة الرابعة لا خلاف بيننا بل و لا إشكال بل نصوصنا متواترة(1)في أن نذر المعصية لا ينعقد، و لا تجب به كفارة، كمن نذر أن يذبح آدميا أبا كان أو اما أو ولدا أو نسبيا أو أجنبيا و كذا لو نذر ليقتلن زيدا مثلا ظلما أو نذر أن يشرب خمرا أو يرتكب معصية (محظورا خ ل) أو يترك فرضا، فكل ذلك و شبهه لغو لا ينعقد و في

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نذر أن ينحر ولده، فقال: ذلك من خطوات الشيطان»

أي الذي أوقع في نفس بعض العامة، فذهب إلى أن من نذر أن يذبح ولده فعليه شاة و إن نذر ذبح غيره من آبائه و أجداده و أمهاته فلا شي ء عليه، و آخر منهم إلى أن

عليه كفارة يمين، و كذا في كل نذر معصية.

رووا عن ابن عباس أن عليه ذبح شاة(3)و في بعض النصوص من طرقنا موافقة لهم في ذلك، ففي

خبر السكوني (4)عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام «أنه أتاه رجل فقال: إني نذرت أنحر ولدي عند مقام إبراهيم إن فعلت كذا و كذا ففعلته، فقال علي عليه السلام: اذبح كبشا سمينا و تصدق بلحمه على المساكين»

و لكن حمله الشيخ على الاستحباب.

و لو نذر أن يطوف على أربع فقد مرت في باب الحج (5)و الأقرب أنه لا ينعقد كما عن ابن إدريس و غيره، لأنه هيئة غير مشروعة، ضرورة كون الثابت


1- 1 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
3- 3 سنن البيهقي ج 10 ص 72.
4- 4 الوسائل الباب- 24- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.
5- 5 راجع ج 19 ص 401.

ج 35، ص: 443

قولا و فعلا الطواف مشيا، و قد

قال صلى الله عليه و آله (1): «خذوا عني مناسككم».

لكن

روى النوفلي عن السكوني (2)عن الصادق عليه السلام قال: «قال علي عليه السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع، قال: تطوف أسبوعا ليديها و أسبوعا لرجليها»

و مثله روى أبو الجهم (3)عنه عن علي عليه السلام، بل عن الشيخ العمل بها في النهاية، كما عن بعضهم الاختصاص بموردها، و هو المرأة دون الرجل.

إلا أن ضعفها مع عدم الجابر يمنع من العمل بها في موردها فضلا عن غيره، مضافا إلى مخالفتها للأصل من وجوب ما ينذره الناذر و لم يقصده، و يمكن أن يكون وجهه أن الناذر قصد بذلك فعل طوافين و لكن بالهيئة المزبورة فأبطلها الشارع، لعدم التعبد بها، و بقي وجوب الطوافين أحدهما لليدين و الآخر للرجلين، كما أنه يمكن العمل بها على جهة الندب للتسامح فيه، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا عجز الناذر عما نذره سقط فرضه]

المسألة الخامسة:

إذا عجز الناذر عما نذره لكونه في سنة معينة أو مطلقة و حصل اليأس سقط فرضه أداء و قضاء لقبح التكليف بما لا يطاق، و ل

قوله صلى الله عليه و آله (4)«من نذر فبلغ جهده فلا شي ء عليه»

و حينئذ فلو نذر الحج مثلا في سنة معينة فصد سقط النذر، و كذا لو نذر صوما فعجز، لكن روى في هذا محمد ابن منصور(5)عن الرضا عليه السلام

يتصدق عن كل يوم بمد من طعام.


1- 1 تيسير الوصول ج 1 ص 312.
2- 2 الوسائل الباب- 70- من أبواب الطواف الحديث 1 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل الباب- 70- من أبواب الطواف الحديث 2 من كتاب الحج.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من كتاب النذر و العهد الحديث 5 و فيه « من جعل لله شيئا فبلغ.».
5- 5 الوسائل الباب- 15- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2 من كتاب الصوم.

ج 35، ص: 444

قال: «كان أبي يقول: على من عجز عن صوم نذر مكان كل يوم مد»

و مثله

رواية الكليني عن علي بن إدريس (1)و زاد فيها «من حنطة أو شعير»

بل رجح الشهيد العمل بمضمونها إلا أنها غير جامعة لشرائط الحجية، فحملها على الندب متجه.

و مثله أو أولى منه أن يعطي من يصوم عنه مدين، ل

خبر إسحاق بن عمار(2)عن الصادق عليه السلام «في رجل يجعل عليه صياما في نذر و لا يقوى، قال: يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين».

و على كل حال فما عن بعض من أنه يجب على العاجز عن الصوم المعين القضاء دون الكفارة، أي الفدية و عن آخر العكس واضح الضعف، و قد تقدم الكلام في ذلك في الكفارات (3).

و كذا ينبغي أن يحمل على الندب

خبر إبراهيم بن عبد الحميد(4)عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سأله عباد بن عبد الله البصري عن رجل جعل لله نذرا على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام، فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر، قال:

ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به»

بعد حمله على العجز و اليأس من القدرة.


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
3- 3 راجع ج 33 ص 199.
4- 4 الوسائل الباب- 21- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.

ج 35، ص: 445

[المسألةالسادسة العهد حكمه حكم اليمين]

المسألة السادسة:

العهد الذي في الأصل على ما قيل الاحتفاظ بالشي ء و مراعاته حكمه حكم اليمين كما في النافع و القواعد و الإرشاد و المسالك، فينعقد حينئذ على المباح المتساوي الطرفين و من دون تعليق على شرط، و لا يعتبر فيه القربة و لا غيرها مما اعتبر في النذر، للعمومات الدالة على لزوم الوفاء به كتابا(1)و سنة(2)من غير تقييد بما إذا كان متعلقة طاعة و مشروطا بناء على اعتباره في النذر، بل في

خبر ابن سنان (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل (4): «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، قال: العهود»

و في الدروس و اللمعة و الروضة و محكي النهاية حكمه حكم النذر.

قال في الدروس: «تتمة: متعلق العهد كمتعلق النذر، و أحكامه واردة فيه، و صورته أن يقول: عاهدت الله أو علي عهد الله أن أفعل كذا معلقا أو مجردا، و يشترط فيه ما يشترط في النذر، و الخلاف في انعقاده بالضمير كالنذر» لكن يسهل الخطب أن الشهيد جوز النذر على المباح و نذر التبرع، نعم في كشف اللثام عن

صريح المقنعة و المراسم و الوسيلة و ظاهر النهاية و جماعة اختصاصه بالراجح.

و على كل حال فحجتهم على ذلك أصل البراءة في غير محل الاتفاق، و هو مقطوع بما سمعت من العمومات و ما يشعر به

خبر أبي بصير(5)عن أحدهما عليهما السلام «من جعل عليه عهد الله و ميثاقه في أمر الله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام


1- 1 سورة النحل: 16- الآية 91.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من كتاب النذر و العهد.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من كتاب النذر و العهد الحديث- 3.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 1.
5- 5 الوسائل الباب- 24- من أبواب الكفارات الحديث 2 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 446

شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا»

من حيث جعل مورده الطاعة، و هي مورد النذر، و من حيث ذكر كفارته كفارة النذر على الأصح، ك

خبر أحمد بن محمد بن عيسى (1)المروي عن نوادره عن أبي جعفر الثاني عليه السلام «في رجل عاهد الله عند الحجر أن لا يقرب محرما أبدا، فلما رجع عاد إلى المحرم فقال أبو جعفر عليه السلام:

يعتق أو يتصدق على ستين مسكينا، و ما ترك من الأمر أعظم، و يستغفر الله و يتوب إليه».

بل قد يشعر

خبر علي السابي (2)بمساواة العهد للنذر «قلت: لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها و تشأمت منها، فأعطيت لله عهدا بين الركن و المقام، و جعلت على ذلك نذرا و صياما أن لا أتزوجها، ثم إن ذلك شق على و قدمت على يميني، و لم يكن بيدي من القوة ما أتزوج به في العلانية، فقال: عاهدت الله أن لا تطيعه، و الله لئن لم تطعه لتعصينه».

و نوقش بأن ذلك لا يدل على عدم انعقاده لو كان مورده غير طاعة، و بأنه معارض ب

خبر علي بن جعفر(3)عن أخيه عليه السلام «سألته عن رجل عاهد الله في غير معصية ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال: يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين»

حيث علق الكفارة على العهد في غير المعصية الشامل للمباح الذي هو مورد اليمين، و لا يقدح شموله للمكروه و خلاف المندوب و خلاف الأولى بعد خروجه بالإجماع المحكي في المسالك، و بأن ذلك غير صالح لتخصيص العمومات سيما مع قصور سند الأول.

و على كل حال ففي الرياض تظهر ثمرة الخلاف فيما مر و في توقفه على إذن من يعتبر إذنه على القول الأول دون الثاني إن قلنا بعدم توقف النذر على


1- 1 الوسائل الباب- 25- من كتاب النذر و العهد الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب المتعة الحديث 1 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 447

إذنهم، و إلا فلا ثمرة هنا، كما لا ثمرة فيما مر من المقامين أيضا إن قلنا بانعقاد النذر في المباح المتساوي الطرفين و المتبرع به الغير المعلق على شرط، كما هو الأظهر، و لكن الأولان خلافه فيتحقق فيهما الثمرة».

قلت: التحقيق في الثمرة أنه لا دلالة في شي ء من النصوص على مساواة العهد لليمين أو النذر كي يقال بقول مطلق إن حكمه حكمه و شرطه و مورده مورده، فالمتجه إثبات أي حكم وافق العمومات له من غير فرق بين النذر و اليمين.

و أما الكفارة فالمتجه كونها كبرى مخيرة لخبر أبي بصير(1)المزبور، إذ لا معارض لذلك سوى إطلاق الصدقة في خبر علي بن جعفر(2)الذي يمكن حمله على إرادة الصدقة على ستين، و لا يلزم من ذلك كون حكمه حكم النذر مطلقا، كما أنه لا يلزم

من عدم اشتراط كون متعلقة طاعة مثلا للعمومات مساواته لليمين حتى في الكفارة التي لا دليل عليها فيه، كالقول بأنها كفارة ظهار كما عن المفيد، و كذا دعوى اعتبار الاذن في الولد و الزوجة و السيد، بناء على أن ذلك حكم اليمين، إذ العمومات قاضية بخلافه حتى لو قلنا باشتراك النذر معه في ذلك أو غير ذلك، كما عرفت الكلام فيه سابقا، بل لا دليل على انحصار أمره فيهما، إذ يمكن أن يكون قسما ثالثا يوافق كلا منهما في حكم.

و كيف كان ففي المتن تفريعا على حكم كونه حكم اليمين ف صورته أن يقول: عاهدت الله أو علي عهد الله أنه متى كان كذا فعلي كذا مع أنك قد عرفت أن مقتضى العمومات كتابا و سنة صحته مع التبرع، بل عن الخلاف الإجماع عليه، فيوافق اليمين حينئذ بالنسبة إلى ذلك، فهو المناسب لتفريعه على مساواته لليمين، لا خصوص المعلق.

و على كل حال ف لا إشكال و لا خلاف في أنه إن كان ما عاهد عليه


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب الكفارات الحديث 2 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 35، ص: 448

واجبا أو مندوبا أو ترك مكروه أو اجتناب محرم لزم للعمومات و إن قلنا بعدم انعقاد النذر على واجب.

و لو كان بالعكس لم يلزم و إن كان فعل مكروه أو ترك مندوب، و ربما يرشد إليه ما سمعته من خبر المتعة(1)الذي مضمونه عدم المستحب مضافا إلى ما عساه يظهر من غير واحد من الإجماع على عدم خروج مورده عن النذر و اليمين، و هما معا لا ينعقدان على ذلك، و إلى عموم

قوله (2)«كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث فيه».

نعم لو عاهد على مباح لزم أيضا كاليمين للعمومات و الخبر المزبور(3)أو دعوى كونه كالنذر في اعتبار كون مورده طاعة خالية عن الدليل المعتد به. و كذا يظهر منهم الإجماع أيضا على أنه لو كان ما عاهد على تركه فعله أولى من ذلك و لو من جهة الدنيا أو كان ما عاهد على تركه فعله أولى من ذلك و لو من جهة الدنيا أو (11) كان ما عاهد على فعله تركه (12) أولى فليفعل الأولى و لا كفارة (13) عليه عندنا، كما عن التبيان، لعدم انعقاده لو كان كذلك ابتداء، و انحلاله لو عرض ذلك في الأثناء، و الله العالم.

و كفارة المخالفة في العهد كفارة يمين، و في رواية (14) أبي بصير(4)كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، و هي الأشهر (15) كما سمعت الكلام فيه سابقا(5).


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب المتعة الحديث 1 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
4- 4 الوسائل الباب- 24- من أبواب الكفارات الحديث 2 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
5- 5 راجع ج 33 ص 174.

ج 35، ص: 449

[المسألة السابعة النذر و العهد ينعقدان بالنطق]

المسألة السابعة لا خلاف و لا إشكال في أن النذر و العهد ينعقدان بالنطق بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)كادت تكون متواترة فيه.

و هل ينعقدان ب إنشائهما في الضمير و الاعتقاد من دون ذكر الصيغة الدالة على ذلك؟ قال بعض الأصحاب و هو الشيخان و القاضي و ابن حمزة على ما حكى عنهم نعم للأصل، و لا أصل له، و عموم الأدلة، و هو فرع الصدق لغة و عرفا و ليس، و لا أقل من أن يكون مشكوكا، و لأنهما عبادة و الأصل فيهما الاعتقاد و الضمير، و ل

قوله صلى الله عليه و آله (2)«إنما الأعمال بالنيات»

و «إنما» للحصر و الباء للسببية، و ذلك يدل على حصر العمل في النية و لا يتوقف على غيرها و إلا لزم جعل ما ليس بسبب سببا، و لأن الغرض من اللفظ إعلام الغير ما في الضمير و الاستدلال به على القصد، و الله تعالى عالم بالسرائر، و لقوله تعالى (3)«إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ».

و من الغريب توقف الفاضل و غيره في القولين مع أن أدلة هذا القول كما ترى، ضرورة أن كونهما عبادة أعم من الاكتفاء فيها بالاعتقاد، إذ قد تكون لفظية كالقراءة و الذكر، و قد تكون بدنية كالركوع و السجود و أفعال الحج، و قد تكون مالية كالزكاة و الخمس.

و اعتبار النية التي هي القصد القلبي فيها لا يقتضي الاجتزاء بذلك، و أقصى ما يدل عليه الخبر(4)المزبور اعتبار النية في العمل، و أنه بدونها لا أثر له، لا أن


1- 1 الوسائل الباب- 1 و غيره- من كتاب النذر و العهد.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 284.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.

ج 35، ص: 450

العمل هي، ضرورة كون الواقع خلافه، و حينئذ فهو دال على مغايرة النية للعمل.

و كون الباء للسببية لا يدل على أزيد مما ذكرناه من اشتراط النية في صحة

العمل شرعا، بل كونها سببا في ذلك مبالغة في شدة اعتبارها، على أن السبب قد يكون تاما و قد يكون ناقصا، و مطلقه أعم من التام، بل الواقع في الأعمال المعتبرة شرعا ذلك، لأن النية لا تكفي في صحتها من غير انضمام باقي ما يعتبر فيها.

و دعوى انحصار الغرض من اللفظ في الإعلام ممنوعة، إذ يمكن التعبد بذلك، بل هو مقتضي

قوله عليه السلام(1): «إنما يحرم الكلام و يحلل الكلام»

و الآية(2)لا دلالة فيها على الانعقاد بالنية.

كل ذلك مضافا إلى النصوص المستفيضة(3)الدالة على أن النذر ليس بشي ء حتى يقول كذا، و فيها الصحيح و غيره، و إن نوقش في الاستدلال بها باحتمال كون المراد بها اشتراط قصد القربة خاصة لا اشتراط الصيغة، بل قد يظهر ذلك من سياقها، و إنما ذكر التلفظ و التسمية تبعا للنذور الغالبة، إلا أنه كما ترى لا ينافي ظهورها في اعتبار القول.

و لعله لذا و غيره قال المصنف وفاقا للمحكي عن الإسكافي و ابن إدريس و أكثر المتأخرين الوجه أنهما لا ينعقدان إلا بالنطق مضافا إلى أصالة عدم ترتب حكمهما على غير ذلك، و كونهما من الأسباب التي لا يكفي فيها مجرد القصد و غير ذلك، و هو الأقوى.

نعم لو قيل بصدق العهد لغة و شرعا و عرفا على الإنشاء الضميري قوي القول بالانعقاد للعمومات، و لعله لذا قواه في كشف اللثام فارقا بينه و بين النذر باعتبار و بهذا أكملنا تعاليقنا على الجزء 35 من جواهر الكلام بجوار مولانا أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه أفضل الصلاة و السلام في يوم بعثة سيد الكونين خاتم الأنبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه و على عترته الطيبين الطاهرين و نسأل الله العلى القدير التوفيق لإتمام تحقيق هذه الموسوعة الفقهية الكبيرة انه سميع مجيب.

محمود القوچاني النجف الأشرف- 27- رجب المرجب- 1396


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة و فيه « انما يحل الكلام و يحرم الكلام».
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 284.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب النذر و العهد.

ج 35، ص: 451

كون النذر في الأصل الوعد، و هو لفظي بخلاف العهد، و الله العالم.

تم قسم الإيقاعات و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلى الله على محمد و أهل بيته الطاهرين.

و تم تصحيحه و ترتيبه و تهذيبه في اليوم العاشر من شهر شوال سنة- 1398- و بتمامه تم المجلد الخامس من الطبعات السابقة، و الحمد لله أولا و آخرا، و ذلك بيد العبد:

السيد إبراهيم الميانجى عفى عنه و عن والديه

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.