جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 34

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج34، ص: 1

[تتمة القسم الثالث في الإيقاعات]

[كتاب اللعان]

اشارة

ج34، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب اللعان مصدر «لاعن» و ربما استعمل جمعا، و هو لغة الطرد و الإبعاد، و شرعا مباهلة بين الزوجين على وجه مخصوص، و لعل الملاعنة هنا لإرادة طرد كل منهما صاحبه و إبعاده عنه، أو تشبيها للعن كل منهما نفسه إن كان كاذبا بلعن كل منهما صاحبه.

و الأصل فيه قوله تعالى (1) «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ. وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ».

و السبب فيها- مضافا إلى ما يدركه العقل من المصالح في ذلك-

ما عن ابن


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6 الى 9.

ج 34، ص: 3

عباس (1)

من أنه لما نزلت «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» (2) إلى آخرها قال سعد بن معاذ: يا رسول الله إني لأعلم أنها حق من عند الله تعالى شأنه، و لكن تعجبت أن لو وجدت لكاعا يفخذها لم يكن لي أن أهيجه و لا أحركه حتى آتى بأربعة شهداء، فو الله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته، فما لبثوا حتى جاء هلال بن أمية فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا يقال له: شريك بن سمحاء فرأيت بعيني و سمعت باذني، فكره النبي صلى الله عليه و آله ذلك، فقال سعد: الان يضرب النبي هلال بن أمية، و تبطل شهادته في المسلمين، فقال هلال: و الله إني لأرجو أن يجعل الله لي مخرجا فبينما هم كذلك إذ نزل:

«وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ» إلى آخرها (3) فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: «أبشر يا هلال، فقد جعل الله لك فرجا و مخرجا».

و روي أن المعرض هو عاصم بن عدي الأنصاري (4) قال: «جعلني الله فداك إن وجد رجل مع امرأته فأخبر جلد ثمانين جلدة و ردت شهادته أبدا و فسق، و إن ضربه بالسيف قتل به، و إن سكت على غيظ إلى أن يجي ء بأربعة شهداء فقد قضيت حاجته و مضى، اللهم افتح و فرج و استقبله هلال بن أمية، فأتيا إلى النبي صلى الله عليه و آله فأخبر عاصم رسول الله صلى الله عليه و آله، فكلم خوله زوجة هلال، فقالت:

لا أدري الغيرة أدركته أم بخل بالطعام؟ و كان الرجل نزيلهم، فقال هلال: لقد رأيته على بطنها، فنزلت الآية، فلاعن رسول الله صلى الله عليه و آله بينهما. و قال لها: إن


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 394، و تفسير الطبري ج 18 ص 82، و تفسير الرازي ج 6 ص 342- ط عام 1307، و مجمع البيان ج 4 ص 128 ط صيدا مع الاختلاف في الألفاظ في الجميع.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 4.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 6.
4- 4 تفسير الرازي ج 6 ص 342 ط عام 1307 و مجمع البيان ج 4 ص 128 ط صيدا.

ج 34، ص: 4

كنت ألممت بذنب فاعترفي به فالرجم أهون عليك من غضب الله، فان غضبه هو النار».

و روي (1)

«إن عويمر العجلاني رمى زوجته، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: البينة و إلا حد في ظهرك، فنزلت».

و في طرقنا (2)

«إن عباد البصري سأل أبا عبد الله و أنا حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن رجلا من المسلمين أتى رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول الله أ رأيت لو أن رجلا دخل منزله فوجد مع امرأته رجلا يجامعها ما كان يصنع؟ قال: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و آله و انصرف الرجل، و كان ذلك الرجل هو الذي ابتلى بذلك من امرأته، قال: فنزل الوحي من عند الله تعالى بالحكم فيهما، فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله إلى ذلك الرجل فدعاه، فقال له: أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلا، فقال: نعم فقال له: انطلق فأتني بامرأتك، فإن الله أنزل الحكم فيك و فيها، فأحضرها زوجها فأوقفهما رسول الله صلى الله عليه و آله، ثم قال للزوج:

اشهد أربع شهادات بالله أنك لمن الصادقين فيما رميتها به، قال: فشهد، ثم قال:

اتق الله فإن لعنة الله شديدة، ثم قال: اشهد الخامسة أن لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين، قال: فشهد، ثم أمر به فنحي، ثم قال للمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله أن زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به فشهدت، ثم قال لها: أمسكي، فوعظها و قال: اتقي الله فان غضب الله شديد، ثم قال: و اشهدي الخامسة أن غضب الله عليك إن كان زوجك من الصادقين فيما رماك به، فشهدت، قال: ففرق بينهما، و قال لهما: لا تجتمعان بنكاح أبدا بعد ما تلاعنتما»

إلى غير ذلك مما ورد فيها.

و كيف كان ف النظر في أركانه و أحكامه،

[الأركان الأربعة]

اشارة

و أركانه أربعة.


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 393 و فيه «ان هلال بن أمية قذف امرأته».
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 1.

ج 34، ص: 5

[الركن الأول في السبب]
[السبب الأول القذف]

الأول في السبب:

و هو شيئان:

الأول:

القذف كتابا (1) و سنة (2)

بل و إجماعا و إن حكي عن الصدوق في الفقيه و الهداية و ظاهر المقنع أنه قال: «لا لعان إلا بنفي الولد، و إذا قذفها و لم ينتف جلد ثمانين جلدة» ل

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (3): «لا يكون اللعان إلا بنفي الولد»

لكن في

خبر محمد بن مسلم (4) عن أحدهما عليهما السلام «لا يكون لعان إلا بنفي ولد، و قال: إذا قذف الرجل امرأته لاعنها»

و من هنا حملهما الشيخ على أنه لا لعان بدون دعوى المشاهدة إلا بالنفي، و لا بأس به بعد معلومية قصورهما عن المعارضة، خصوصا بعد احتمال اضافية الحصر بالنسبة إلى مقتضى المقام، و يكون المراد أنه لا لعان بمجرد الشبهة.

و في وافي الكاشاني في خبر أبي بصير «لعل المراد أنه إذا كانت المرأة حاملا فأقر الزوج بأن الولد منه و مع هذا قذفها بالزنا فلا لعان، و أما إذا لم يكن حمل و إنما قذفها بالزنا مع الدخول و المعاينة فيثبت اللعان، كما دلت عليه الأخبار، و يدل على هذا صريحا حديث محمد عن أحدهما عليهما السلام فإنه قد أثبت اللعان بالأمرين» و فيه أنه و غيره مضافا إلى الكتاب يدل على إثباته بالقذف على الإطلاق من دون إشارة إلى ما ذكره من التفصيل الذي يمكن دعوى الإجماع على خلافه.


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان الحديث 1.

ج 34، ص: 6

و كيف كان ف لا يترتب اللعان به أي القذف إلا على رمي الزوجة المحصنة غير المشهورة بالزنا المدخول بها بالزنا قبلا بل أو دبرا عندنا، بل عن الخلاف الإجماع عليه، خلافا لأبي حنيفة فنفاه فيه مع دعوى المشاهدة و عدم البينة.

فلو رمى الأجنبية تعين الحد و لا لعان بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى إطلاق ما دل على الحد بالقذف كتابا (1) و سنة (2)

المقتصر في تقييده باللعان على قذف الزوجة كتابا (3) و سنة (4)

و إجماعا بقسميه، مؤيدا ذلك بظهور الحكمة في الفرق بين الزوج و الأجنبي الذي لا داعي له إلى القذف من غيره و نحوها.

و كذا لو قذف الزوجة و لم يدع المشاهدة ل

قول الصادق عليه السلام في الصحيح (5)

«إذا قذف الرجل امرأته فإنه لا يلاعنها حتى يقول رأيت بين رجليها رجلا يزني بها».

و في مرسل أبان (6) عنه عليه السلام أيضا «لا يكون لعان حتى يزعم أن قد عاين»

و في صحيح ابن مسلم (7)

«سألته عن الرجل يفتري على امرأته، قال: يجلد ثم يخلى بينهما، و لا يلاعنها حتى يقول: أشهد أني رأيتك تفعلين كذا و كذا»

و في رواية (8)

«إذا قال: إنه لم يره قيل له أقم البينة و إلا كان بمنزلة غيره جلد الحد».

بل في كشف اللثام لعله لا خلاف في اشتراط مشاهده أنها تزني، و يتفرع على ذلك سقوط اللعان بقذف الأعمى زوجته، لانتفائها في حقه، و ينحصر لعانه حينئذ بنفي الولد، لكن أشكله في المسالك- بعد اعترافه مكررا باشتراط الأصحاب المعاينة- بإمكان علمه بدون المشاهدة، و اشتراطها لو سلم يمكن حمله على من


1- 1 سورة النور: 24- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد القذف من كتاب الحدود.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 1 و غيره- من كتاب اللعان.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللعان الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللعان الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللعان الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللعان الحديث 5.

ج 34، ص: 7

تمكن في حقه، أو على جعله كناية عن العلم بذلك، و أنه لا يكفي الظن المستند إلى القرائن أو الشياع منفردا- إلى أن قال-: و يؤيده عموم قوله تعالى (1) «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ» ثم أطنب بعد ذلك بما لا حاصل له، بل كأنه اجتهاد في مقابلة النص الذي به يقيد إطلاق الأدلة، لا استبعاد في اعتبار ذلك في خصوص اللعان الذي هو وظيفة شرعية منافية لإطلاق أدلة القذف و إن لم نشرطه في أصل الشهادة و اكتفينا فيها بالعلم، كما لا استبعاد في سقوط اللعان بذلك حينئذ للأعمى بعد إطلاق أدلة الاشتراط.

و لو كان له بينة على ما قذفها به فلا لعان و لا حد كما تسمع تحقيق الحال فيه.

و كذا لو كانت المقذوفة مشهورة بالزنا لأن اللعان إنما شرع صونا لعرضها من الانتهاك، و عرض المشهورة بالزنا منتهك، لكن في كشف اللثام «لم أر من اشترطه من الأصحاب غير المصنف و المحقق» و ظاهره التأمل فيه، و لعله لإطلاق الأدلة، و فيه أنه مبني على اعتبار الإحصان بمعنى العفة في حد القذف الذي شرع لسقوطه اللعان في الزوجين، كما تسمع تحقيقه إنشاء الله في الحدود.

هذا و قد عرفت أنه مما يتفرع على اشتراط المشاهدة سقوط اللعان في حق الأعمى بالقذف إذا قذفها حال عماه لتعذر المشاهدة منه حينئذ و إنما يثبت في حقه اللعان بنفي الولد و عرفت إشكال ثاني الشهيدين فيه و الجواب عنه.

و لو كان للقاذف بينة و عدل إلى اللعان قال في الخلاف و تبعه الفاضل في المختلف يصح (11) لإطلاق النصوص (2)

الذي لا يقيده مفهوم الحال في


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و غيره- من كتاب اللعان.

ج 34، ص: 8

الآية (1) الخارج مخرج الغالب، مؤيدا بما وقع من النبي صلى الله عليه و آله (2)

من الملاعنة من دون أن يسأل عن البينة.

و منع في المبسوط و تبعه يحيى بن سعيد في المحكي من جامعه و الفاضل في قواعده التفاتا إلى اشتراط عدم البينة في الآية و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها الاقتصار فيما خالف إطلاق أدلة القذف على المتيقن، على أن اللعان حجة ضعيفة و البينة حجة قوية، فلا يعدل إلى الضعيف مع وجود القوي، بل ظاهر النصوص (3)

أن أصل مشروعية اللعان لعدم تيسر البينة، و إطلاق النصوص لا وثوق به بعد أن كان محتملا لإرادة ما في الآية خارجا مخرج الغالب، كما اعترف به الخصم في رفع دلالة القيد، و عدم سؤال النبي صلى الله عليه و آله لعله لعلمه بالحال، بل في الخبر قرائن دالة على عدم البينة، على أنه من قضايا الأحوال، لا من ترك الاستفصال عقيب السؤال.

و لو قذفها بزنا إضافة إلى ما قبل النكاح فقد وجب الحد، و هل له إسقاطه باللعان كما لو أطلق أو إضافة إلى زمان الزوجية؟ قال في الخلاف: ليس له اللعان اعتبارا بحالة الزنا الذي رماها به في حال لم يشرع له اللعان فيه، فيبقى عموم «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» (4) شاملا له سالما عن معارضة دليل اللعان، لأنه لا يقال: قذف زوجته، كما أن من قذف مسلما بالزنا حال كفره لا يقال:

إنه قذف مسلما.

و قال في المبسوط: له ذلك اعتبارا بحالة القذف الذي لا ريب في صدوره منه في حال الزوجية و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، لإطلاق أدلة اللعان كتابا و سنة الذي لا يقيده سبب النزول، بل هو كذلك، سواء قلنا باعتبار بقاء مبدأ الاشتقاق في صدق المشتق و عدمه، فإنه إنما اعتبر فيها بعد تسليم اعتبار البقاء


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان.
4- 4 سورة النور: 24- الآية 4.

ج 34، ص: 9

كون الرمي حين الزوجية لا الرمي بما وقع حينها، و كأن التعليل أولا باعتبار حالة الزنا نشأ من توهم ذلك، فحكم بنفي صدق أنه قذف زوجته، فأخرجه من آية اللعان و أدخله في آية القذف، لكنه كما ترى، ضرورة صدق رمي الزوجة و قذفها، فيدخل في آية اللعان حينئذ.

و لا يجوز للزوج فضلا عن الأجنبي عندنا قذفها مع الشبهة و لا مع غلبة الظن أو أخبره الثقة أو شاع إن فلانا زنى بها و لا غير ذلك من صفات الولد و نحوه، لأن عرض المؤمن كدمه، بل في كشف اللثام في

حسن الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام «أنه نهى عن قذف من كان على غير الإسلام إلا أن يكون اطلعت على ذلك منه»

و في الصحيح عن عبد الله بن سنان (2)

«أنه نهى عن قذف من ليس على الإسلام إلا أن يطلع على ذلك منهم، و قال: أيسر ما يكون أن يكون قد كذب»

إلا أنهما كما ترى ظاهران في جواز قذف غير المسلم مع الصدق، و ربما يؤيده ما وقع من الأئمة عليهم السلام في قذف بعض الناس (3)

خصوصا في مشاجرة الحسن عليه السلام مع معاوية لعنه الله و أصحابه بناء على أنهم غير مسلمين أو بحكم غير المسلمين.

و على كل حال فلا يجوز قذف الزوجة بالأمور المزبورة خلافا لبعض العامة، فجوز للزوج قذفها للأجنبي بجميع ذلك، لكنه كما ترى، بل لا يجوز قذفها للأجنبي مع اليقين إذا لم تكن بينة، نعم جاز له ذلك للزوج خاصة و شرع له الشارع التخلص عن الحد باللعان، و لا يجب عليه مع عدم الولد، للأصل، بل لعل الستر عليها و مفارقتها بغير اللعان أولى، بل لا يحرم عليه إمساكها أيضا، للأصل و

للمرسل (4)

«إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال له: إن له


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد القذف الحديث 2 من كتاب الحدود.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد القذف الحديث 1 من كتاب الحدود.
3- 3 البحار ج 44 ص 80 و 82 و 83.
4- 4 المستدرك الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 7.

ج 34، ص: 10

امرأة لا ترد يد لامس فقال صلى الله عليه و آله: طلقها، قال: إني أحبها، قال: فأمسكها».

نعم إذا كان هناك ولد يتيقن أنه ليس منه يجب عليه نفيه منه، لأن ترك النفي يتضمن الاستلحاق، و لا يجوز له استلحاق من ليس منه، كما لا يجوز نفي من هو منه،

و في النبوي (1)

«أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شي ء»

و من المعلوم أن الرجل بمعناها.

و إذا قذف في العدة الرجعية إضافة إلى زمان الزوجية أو زمان العدة كان له اللعان كما له الإيلاء و الظهار، لأنها بحكم الزوجة، بل لا يتوقف على رجوعه، بل يصح في الحال، و يترتب عليه أحكامه بخلافهما، لأن مدار اللعان على الفراش و لحوق النسب، و الرجعية في ذلك كالمنكوحة و في التأخير خطر بالموت.

نعم ليس له ذلك في البائن و لا في الرجعية بعد العدة بل يثبت بالقذف الحد و لو أضافه إلى زمان الزوجية لأنها أجنبية حينئذ و قد عرفت أن العبرة بزمان القذف، خلافا لبعض العامة، فأثبته مع الإضافة إلى زمانها، أما نفي الولد فله اللعان له و لو في حال الطلاق البائن، كما ستعرف. و لو قذف ثم أبانها كان له اللعان، لصدق رمي الزوجة.

و لو قالت: «رميتني قبل أن تتزوجني فعليك الحد» فقال: «بل بعده فلي اللعان» أو قالت: «قذفتني بعد أن بنت منك» فقال: «بل قبله» فالقول قوله، لأن القذف فعله، و لأن القول قوله في أصله فكذا في وقته، مضافا إلى درء الحد بالشبهة، نعم لو قالت الأجنبية: «قذفتني» فقال: «كانت زوجتي» فأنكرت الزوجية أصلا قدم قولها، للأصل.

و لو قذفها بالسحق لم يثبت اللعان بلا خلاف و لا إشكال، لظهور أدلته في كونه بالزنا و نفي الولد و حينئذ فلا لعان فيه و لو ادعى المشاهدة و لكن


1- 1 المستدرك الباب- 9- من كتاب اللعان الحديث 5 و سنن البيهقي ج 7 ص 403.

ج 34، ص: 11

يثبت الحد به في أحد القولين، لأنه قذف بفاحشة، و قد يشكل بأن دليل القذف ظاهر في الزنا و اللواط أيضا، و الأصل البراءة، فهو حينئذ كالقذف بإتيان البهائم إنما فيه التعزير، و من هنا كان المحكي عن أبي الصلاح و الفاضل في المختلف التعزير خاصة، بل لعله مقتضى حصر المصنف موجب الحد به في الحدود بالرمي بالزنا و اللواط، كما ستسمع تحقيق الحال فيه إنشاء الله.

و لو قذف زوجته المجنونة في حال إفاقتها ثبت الحد لإطلاق الأدلة و لكن لا يقام عليه إلا بعد المطالبة منها في حال صحتها فإن أفاقت و طالبت به صح اللعان منه لإسقاطه و ليس لوليها المطالبة بالحد ما دامت حية لأن طريق إسقاطه من جانب الزوج بالملاعنة التي لا تصح من الولي، نعم لو كانت مجنونة و لم تستوف الحد كان لوارثها المطالبة به، لأنه من حقوق الآدميين، كذا ذكروا ذلك، و هو إن كان إجماعا فذاك و إلا أشكل ذلك بعموم ولاية الولي، و بأنه لا دليل على اعتبار الملاعنة، بل مقتضى الآية (1) أنه لا مدخلية للعان الرجل في نفي حد القذف عنه بلعان المرأة الذي هو لسقوط العذاب عنها، و حينئذ يتجه اللعان منه لإسقاط الحد عنه و إن تعذر اللعان منها بجنون أو موت أو نحو ذلك، فتأمل جيدا، فاني لم أجده محررا و إن ترتب عليه أحكام كثيرة.

و لو أضافه إلى حال جنونها فلا حد لعدم القذف بالزنا المحرم، و كذا لو كانت المقذوفة عاقلة حال القذف و لكن أضافه إلى حال جنونها و كان لها حالة جنون معلومة، بل في المسالك أو محتملة، إلا أنه يعزر للإيذاء، أما إذا علم استقامة عقلها و ليس لها حالة جنون فعن ظاهر الأكثر ثبوت الحد، لإطلاق الأدلة.

لكن في المسالك تبعا للفاضل في القواعد «يحتمل العدم، لأنه نسبها إلى الزنا في تلك الحال، و إذا علم انتفاؤها لم تكن زانية، فيكون ما أتى به لغوا من


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6 و 7.

ج 34، ص: 12

الكلام و محالا، فأشبه ما إذا قال: زنيت و أنت رتقاء» و فيه أن العلم بالانتفاء لا يقتضي انتفاء ما رماها به من الزنا، بل أقصاه الكذب في وصفها بالحال المزبور، و لعل من ذلك ما لو قال: «زنيت و أنت مشركة» و لم يعهد منها حالة إشراك، و حينئذ فلو قالت: «ما كنت مشركة و لا مجنونة» كان القول قولها، لأصالة الإسلام و العقل، و يحتمل قوله، لأصل البراءة، و الله العالم.

و كذا ليس للمولى مطالبة زوج أمته و لا الأجنبي بالتعزير في قذفها ما دامت حية، لأن الحق لها، و للزوج طريق لإسقاطه باللعان الذي لا يحصل من الولي فإن ماتت قال الشيخ: له المطالبة، و هو حسن و إن كان المملوك لا يورث، لكن ذلك مبني على عدم ملكه، أما ما كان له فأدلة الإرث تشمله، على أن من المعلوم أحقية السيد بذلك بعد استصحاب عدم سقوطه.

و لو نسبها إلى زنا مستكرهة عليه أو مشتبه عليها أو نائمة فليس قذفا و إن استشكل فيه الفاضل في القواعد لأنه إنما نسبها لأمر لا لوم عليه و لا إثم فيه، بل ليس زنا في عرف الشرع، بل عن الشيخ التردد في أصل التعزير و إن كان الأظهر ذلك، للعار و الإيذاء. و على كل حال فلا لعان إلا لنفي الولد، بل جزم به الفاضل و إن استشكل في كونه قذفا، و لعله مما قيل من كون اللعان على خلاف الأصل، و المتبادر من الرمي بالزنا الرمي بما لم يكن عن إكراه، فيقتصر عليه، و لأنه الذي يوجب الانتقام منها، و إن كان هو كما ترى.

و لو قذف نسوة بلفظ واحد تعدد اللعان، لأنه يمين و اليمين لا تتداخل في حق الجماعة و لو مع رضاهن بلا خلاف، فان تراضين بمن يبدأ بلعانها و إلا أقرع أو بدأ الحاكم بمن شاء.

ج 34، ص: 13

[السبب الثاني إنكار الولد]

السبب الثاني:

إنكار الولد بلا خلاف أجده فيه نصا (1)

و فتوى، بل قد عرفت حصر اللعان به في النصوص (2)

السابقة و لكن لا يثبت اللعان بإنكار الولد حتى تضعه تاما لستة أشهر فصاعدا من حين احتمال وطئها ما لم يتجاوز حملها أقصى مدة الحمل و تكون مع ذلك موطوءة بالعقد الدائم، و حينئذ ف لو علم أنه ولدته تاما لأقل من ستة أشهر لم يلحق به قطعا و انتفى بغير لعان نعم لو ولدته ناقصا اعتبر إمكان لحوقه به عادة، و يختلف ذلك باختلاف حالاته.

و تظهر الفائدة في انقضاء عدتها بوضعه لو كان قد طلقها ثم أتت به في العدة و لم يلاعن فيها، فإنه يثبت نسبه مع إمكانه، و تبين بوضعه، و قد تقدم في الطلاق ما يدل على معرفة وقت الإمكان، و لعله لذا قيد المصنف و غيره بالتمام، فإنه الذي يعلم نفيه عنه، و كذا لو علم أنه قد جاءت به بعد مضى أقصى الحمل من الوطء المحتمل لذي الفراش و كان المصنف ترك التصريح به اتكالا على ما ذكره أولا و على ذكر الأقل، ضرورة معلومية كونه لغيره شرعا فيهما معا، فلا يحتاج نفيه إلى لعان، بل لو أريد إلحاقه به لم يتمكن من ذلك مع فرض العلم بعدم مقاربته لها قبل النكاح شبهة، و قد أطنب في المسالك في الفرق بين صورة الوضع للأقل و الأقصى، بل ادعي أن في عبارات الأصحاب قصورا في تأدية الحكم المزبور، لكنه عند التأمل لا حاصل له، و لا قصور في عبارات الأصحاب بعد معلومية كون المراد لهم أنه علم وضعها للولد للأقل أو بعد الأقصى، كما هو واضح.

و على كل حال فلو تزوج الشرقي بغربية و أتت بولد لستة أشهر من العقد لم يلحق به، لعدم الإمكان عادة، و لا لعان لنفيه، خلافا لبعض العامة حيث اكتفى


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان.

ج 34، ص: 14

في الإلحاق بالعقد و قدرته على الوطء و إن لم يكن عادة، و فرع عليه مسائل (منها) هذه المسألة، و (منها) أنه إذ تزوج بامرأة بحضرة القاضي و طلقها في الحال ثم أتت بولد لستة أشهر من العقد لحق به، و لم ينتف إلا باللعان، و (منها) أنه إذا غاب عنها زوجها و انقطع خبره، فقيل لها: إنه مات فاعتدت ثم تزوجت فأولدها الزوج الثاني أولادا ثم عاد الأول، فالأولاد لاحقون به، و لا شي ء للثاني، بل عن بعض العامة الذين وافقونا في اعتبار إمكان الوطء أنه قال: «إذا مضى زمان يمكن فيه قطع ما بين الزوجين من المسافة ثم مضى أقل زمان الحمل فإنه يلحق به و إن علم أن أحدا من الزوجين لم يبرح إلى الآخر».

و لا يخفى عليك وضوح فساد ذلك كله، بل منه فشا الزنا في نسائهم و لحوق أولاد غير الأزواج بهم، و ازدادت ولادتهم خبثا إلى خبث.

و كيف كان فقد ظهر لك أن موضوع اللعان إمكان لحوق الولد به في الظاهر لولا اللعان و إن علم هو انتفاءه عنه، و إلا فمع فرض الإمكان عنده و لو بعد لا يجوز له نفيه، لأن الولد للفراش شرعا مع إمكانه، و في

النبوي (1)

«أيما رجل جحد ولده و هو ينظر إليه احتجب الله منه، و فضحه على رؤوس الخلائق»

نعم يجب عليه نفيه مع علمه بعدم تكونه منه و لو باللعان إذا كان الظاهر لحوقه به، هذا كله مع العلم بالحال.

أما لو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل تلاعنا إذا كان مقتضى قول الزوج نفي الولد لوضعها له تاما دون الستة أشهر على دعواه أو بعد أقصى الحمل لاشتباه حال الصادق منهما، فكان الانتساب إليه ممكنا، و قد ولد على فراشه، فلا ينتفي إلا باللعان، و أصالة تأخر الحادث و نحوها لا تنقح خروجه عن الولادة على الفراش، و من هنا أثبت من تعرض لذلك اللعان في الفرض، و لم يلحظ شيئا مما تقتضيه الأصول في هذه الدعوى.


1- 1 المستدرك الباب- 9- من كتاب اللعان الحديث 5 و سنن البيهقي ج 7 ص 403.

ج 34، ص: 15

و مما تقدم ظهر لك أنه لا يلحق الولد ظاهرا حتى يكون الوطء الذي يحصل التولد منه ممكنا في العادة و الزوج قادرا عليه فيها فلو دخل الصبي لدون تسع فولدت لم يلحق به لعدم وقوع مثله في العادة، كالموضوع تاما لدون الستة أشهر و إن كانا داخلين تحت قدرة الله تعالى شأنه نعم لو كان له عشر سنين كاملة لحق به الولد لإمكان البلوغ في حقه و لو نادرا، بل ربما قيل بالاكتفاء بالطعن فيها و لو ساعة واحدة، بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر المتن و المبسوط و التحرير و إن كان هو كما ترى.

و (11) على كل حال ف لو أنكر الولد لم يلاعن إذ لا حكم للعانه (12) لأن الفرض كونه صبيا غير بالغ، و إلحاق الولد به لاحتمال بلوغه لا يقتضي ثبوت بلوغه، نعم لو قال: أنا بالغ بالاحتلام فله اللعان بناء على أن ذلك مما يرجع فيه إليه، لأنه لا يعلم إلا من قبله، و الفرض إمكان الزمان، أما مع عدم قوله فالأصل عدم بلوغه و إن حكمنا ظاهرا بلحوق الولد به للاحتمال.

و لا استبعاد في الحكم بلحوق الولد به دون الحكم بالبلوغ و إن كان اللعان إنما هو لنفي هذا الولد، و إذا لم يكن بالغا لم يحتج إلى اللعان في نفيه و إلا صح، لأن لزوم البلوغ لتكون الولد منه في الواقع لا يقتضي الحكم به، كما أن كون اللعان لنفيه لا يقتضي التساوي بينه و بين إلحاق الولد، لأن اللعان مشروط بالبلوغ اتفاقا و إلحاق الولد يكفي فيه أدنى إمكان البلوغ، فيعطي كل منهما حكمه في الحكم الظاهري و إن تنافيا في اللوازم التي هي للواقع دون الحكم في الظاهر الذي هو ليس إثبات الموضوع واقعا على وجه يتحقق لازمه معه، و مثل هذا كثير في الفقه، خصوصا في العمل بالأصول، و بالاحتياط الذي منه ما سمعته في زوجة المفقود التي يطلقها الحاكم بعد طلبه لاحتمال حياته و تعتد عدة الوفاة لاحتمال موته.

و (13) حينئذ يؤخر اللعان حتى يبلغ و يرشد (14) بأن يوثق بعقله و تمييزه

ج 34، ص: 16

كما ستعرف من اشتراطهما في الملاعن.

و لو مات قبل البلوغ أو بعده و لم ينكره الحق به و ورثته الزوجة و الولد و لا عبرة بالإنكار المتقدم قبل البلوغ، و لو أنكره بعد البلوغ لم ينتف عنه إلا باللعان كغيره ممن حكم بلحوقه لولا اللعان، كما هو واضح.

و لو وطأ الزوج دبرا فحملت الحق به بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في كشف اللثام، بل في المسالك ظاهرهم الاتفاق على ذلك، و لعله لإمكان استرسال المني في الفرج من غير شعور به و إن كان الوطء في غيره بل عن بعضهم التصريح بأنه كذلك و إن عزل كما لو وطأ في الفرج، خلافا لبعض فاشترط عدم العزل، لكون العلوق مع ذلك في غاية البعد، لأن الذي يحتمل معه سبقه من المني في غاية القلة، و فيه أن الإمكان حاصل و إن كان مع العزل أبعد، و تعليل المصنف و غيره بذلك لا يقتضي اعتبار عدم العزل، لما عرفت من أن الإمكان المزبور حاصل على التقديرين، فلا فرق حينئذ بين الوطء في الفرج أو في الدبر مع العزل و بدونه في الحكم باللحوق مع احتمال سبق المني من غير شعور. و بذلك يظهر لك النظر فيما أطنب به في المسالك، فلاحظ و تأمل.

و لا يلحق ولد الخصي الذي لا ينزل في الظاهر المجبوب الذي قطع ذكره و أنثياه، للعادة في عدم التولد من مثله لعدم الإيلاج و الانزال، لكن على تردد من ذلك و من عدم العلم لنا بما يكون التكون منه في الواقع، فيمكن حصوله من المساحقة، و لا عادة مستقرة في ذلك، فإنه لو فرض خصي مجبوب كانت له زوجة فساحقها فحملت لا يمكن القطع عادة بكونه من غيره، لعدم انكشاف أمر التكون لنا.

و من هنا قال المصنف و غيره: إنه يلحق ولد الخصي الذي هو يلج و لا ينزل أو المجبوب الذي قطع ذكره و أنثياه و لكن ينزل بهما و لا ينتفى ولد أحدهما إلا باللعان تنزيلا على الاحتمال و إن بعد (11) إذ لا يخفى عليك

ج 34، ص: 17

حصول الاحتمال أيضا في الخصي المجبوب و إن كان هو أبعد من كل واحد منهما، بل لعل التأمل في ذلك و غيره يقتضي الاكتفاء بالاحتمال و إن لم يتحقق الإمكان، فهو أزيد من قاعدة ما أمكن في الحيض، بناء على اعتبار تحقق الإمكان فيها، و لعله لظاهر

قوله صلى الله عليه و آله (1): «الولد للفراش»

الشامل للمفروض و غيره، بل قد سمعت توسع العامة فيه، فألحقوا به الولد و إن علم عدم مباشرة منه للزوجة اتكالا على قدرته تعالى شأنه، و إن كان هو واضح الفساد، ضرورة ظهوره في كونه له مع احتمال أنه منه و إن كان بعيدا.

و إذا كان الزوج حاضرا وقت الولادة و لم ينكر الولد مع ارتفاع الأعذار فعن المبسوط بل المشهور كما في المسالك أنه لم يكن له إنكاره بعد ذلك إلا أن يؤخر بما جرت العادة به كالسعي إلى الحاكم لأن الحق له على الفور، إذ هو كخيار الرد بالعيب و الغبن مثلا في الثبوت لدفع الضرر المقتصر فيه على مقدار ما يرتفع به الضرر و هو الفور، مؤيدا ذلك بأن الولد إذا كان منفيا عنه وجب الفور بإظهار نفيه حذرا من لحوق من ليس منه به، و عوارض التأخير من الموت فجأة و نحوه كثيرة، فتختلط الأنساب، و بأنه لولا اعتبار الفور لأدى إلى عدم استقرار الأنساب، و ذلك ضرر يجب التحرز عنه.

و الجميع كما ترى، ضرورة عدم صلاحية شي ء من ذلك لتقييد إطلاق ما دل (2)

على ثبوت حق النفي له المستصحب ذلك له مع التراخي، و الرد بالعيب و الغبن مع تسليم الفورية فيه إنما هو لقاعدة الاقتصار على المتيقن في تخصيص اللزوم المستفاد من «أَوْفُوا» (3) و نحوه مما لا يجري في المقام، مؤيدا ذلك بأن أمر النسب خطير، و قد ورد النهي (4)

عن استلحاق من ليس منه، و ربما احتاج


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 1.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 403 و كنز العمال ج 3 ص 225 و 226.

ج 34، ص: 18

ذلك إلى نظر و مهلة.

نعم لو أقر بالولد لزمه الولد للنصوص (1)

و لقاعدة إقرار العقلاء، بل لم ينتف عنه بعد بنفيه بلا خلاف أجده فيه، بل في القواعد الإجماع عليه، لعدم سماع الإنكار بعد الإقرار حتى لو لاعن، لما سمعت من النصوص (2)

و قاعدة إقرار العقلاء التي لا يعارضها دليل اللعان الوارد على قاعدة الفراش، نعم إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة- فيما لو علم أن منشأ إقراره الأخذ بظاهر قاعدة الفراش- بأنه لا يزيد حينئذ حكم قاعدة الإقرار على قاعدة الفراش التي ثبت اللعان لنفي مقتضاها، فتأمل جيدا.

و لعله لذلك كله و غيره قال المصنف و لو قيل له إنكاره ما لم يعترف به كان حسنا و تبعه عليه الفاضل، بل ينبغي الجزم بذلك في نحو مفروض المسألة الذي يمكن عدم منافاة الفورية فيه بفرض عدم حصول ما يقتضي نفيه له حال الولادة، إذ المراد بالفور عند من اعتبره هو سقوط حقه مع التراخي إذا كان سبب النفي حاصلا له و مع ذلك تراخى في نفيه.

على أنه لم يظهر لنا مراد القائل بالفورية هل هو وجوب إنشاء النفي عند حصول مقتضية له أو وجوب إظهاره عند الحاكم؟ و إن كان ظاهر ما ذكروه من الفروع الثاني، لكن هو كما ترى.

بل ملاحظة ما ذكره في المسالك و غيره منها يقتضي كونها من فروع العامة المبتنية على القياس و الاستحسان، قال فيها: «و إن كان معذورا بأن لم يجد الحاكم، أو تعذر الوصول إليه، أو بلغه الخبر ليلا فأخر حتى يصبح، أو حضرته الصلاة فقدمها، أو أحرز مالا له أولا أو كان جائعا أو عاريا فأكل أو لبس أولا، أو كان مريضا أو محبوسا أو ممرضا لم يبطل حقه، و هل يجب عليه الاشهاد على النفي؟ وجهان، و قد سبق له نظائر كثيرة، و لو أمكن المريض أو الممرض أن يرسل إلى الحاكم و يعلمه بالحال أو يستدعي منه أن يبعث إليه نائبا من عنده فلم يفعل بطل حقه، لأن


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.

ج 34، ص: 19

مثل هذا متيسر له، و مثله ملازمة غريمه و من يلازمه غريمه، و أما الغائب فإن كان في الموضع الذي غاب إليه قاض و نفى الولد عند وصول خبره إليه عنده فذاك، و إن أراد التأخير إلى أن يرجع إلى بلده ففي جوازه وجهان، من منافاة الفورية اختيارا، و من أن للتأخير غرضا ظاهرا، و هو الانتقام منها باشتهار خبرها في بلدها و قومها، و حينئذ فان لم يمكنه المسير في الحال لخوف الطريق و نحوه فينبغي له أن يشهد، و إن أمكن فليأخذ في السير، فإن أخر بطل حقه، و إن لم يكن هناك قاض فالحكم كما لو كان و أراد التأخير إلى بلده و جوزناه» إذ ذلك كله كما ترى لا يوافق أصولنا خصوصا بعد أن لم يكن في شي ء مما وصل إلينا من الأدلة جعل العذر و الغرض عنوانا للحكم حتى يرجع إلى مصداقهما عرفا.

و كيف كان ف لو أمسك عن نفي الحمل حتى وضعت جاز له نفيه بعد الوضع على القولين، لاحتمال أن يكون التوقف لتردده بين أن يكون حملا أو ريحا فلا يكون سكوته منافيا للفور، و لو قال: عرفت أنه حمل (ولد خ ل) و لكن أخرت طمعا في أن تجهض فلا احتاج إلى كشف الأمر و رفع الستر ففي المسالك «فيه وجهان: أحدهما أنه يبطل حقه، لتأخير النفي مع القدرة عليه و معرفة الولد، فصار كما لو سكت عن نفيه بعد انفصاله طمعا أن يموت، و الثاني أن له النفي، لأن مثل هذا عذر واضح في العرف، و لأن الحمل لا يتيقن صرفا، فلا أثر لقوله: عرفت أنه ولد» بل فيها «أن هذا لا يخلو من قوة» مع أنه كما ترى.

ثم قال: «و من الأعذار ما لو أخر و قال: إنى لم أعلم أنها ولدت و كان غائبا أو حاضرا بحيث يمكن ذلك في حقه، و يختلف ذلك بكونه في محلة أخرى أو في محلتها أو في دارها أو في دارين، و لو قال: أخبرت بالولادة و لكن لم اصدق الخبر نظر، إن أخبره فاسق أو صبي صدق بيمينه و عذر، و إن أخبره عدلان لم يعذر، لأنهما مصدقان شرعا، و إن أخبره عدل حر أو عبد ذكر أو أنثى ففيه

ج 34، ص: 20

وجهان: أحدهما أنه يصدق و يعذر، و لأنه أخبره (1) من لا يثبت بشهادته الحق، و الثاني أنه لا يصدق و يسقط حقه، لأن روايته مقبولة، و هذا سبيله سبيل الاخبار، و لو قال: عرفت الولادة و لم أكن أعلم أن لي حق النفي فإن كان ممن لا يخفى عليه ذلك عادة لم يقبل، و إن أمكن بأن كان حديث العهد بالإسلام أو ناشئا في بادية بعيدة عن أهل الشرع قبل، و إن كان من العوام الناشئين في بلاد الإسلام فوجهان:

أجودهما القبول بيمينه مع إمكان صدقه» و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و لو أقر بالولد صريحا أو فحوى لم يكن له إنكاره بعد ذلك لما عرفت من قاعدة عدم سماع الإنكار بعد الإقرار الصادق عرفا على الصريح و غيره مثل أن يبشر به فيجيب بما يقتضي الرضا، كأن يقال: بارك الله لك في مولودك فيقول: آمين أو إنشاء الله تعالى، أما لو أجاب بما لا يتضمن الإقرار بأن قال مجيبا: بارك الله لك أو أحسن الله إليك أو رزقك مثله لم يكن إقرارا و لم يبطل حقه من النفي، خلافا لبعض العامة، فجعله إقرارا، و ضعفه واضح.

و إذا طلق الرجل و أنكر الدخول فادعته و ادعت أنها حامل منه ف عن الشيخ في النهاية إن أقامت بينة أنه أرخى سترا عليها لاعنها و حرمت عليه، و عليه المهر كملا و إن لم تقم بينة كان عليه نصف المهر و لا لعان، و عليها مأة سوط ل

صحيح على بن جعفر (2)

«سألته عليه السلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها فادعت أنها حامل، قال: إن أقامت البينة على أنه أرخى سترا ثم أنكر الولد لاعنها، ثم بانت منه، و عليه المهر كملا»

مؤيدا بالظاهر.

لكنه كما ترى لا دلالة فيه على ذكر المأة سوط، بل لا وجه له، ضرورة عدم ثبوت حد عليها، فإن إنكار الولد منه و إن انتفى عنه بدون لعان لا يقتضي زناها و اعترافها بالوطء و الحمل منه الذي كان القول قوله في نفيهما للأصل لا يوجب حدا


1- 1 في المسالك «أحدهما أنه يصدق و يعذر لأنه أخبره» بدون «و».
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللعان الحديث 1.

ج 34، ص: 21

عليها، لأنه أعم، و لا يلزم من انتفاء السبب الخاص المحلل انتفاء غيره من الأسباب و إن لم تدعه لا أقل من أن يكون دعواها ذلك يوجب شبهة يسقط بمثلها الحد، و عدم ثبوت دعواها شرعا لا يحقق وصف الزنا قطعا، إلا أن ذلك لا يقتضي سقوط الخبر المزبور الدال بمنطوقه و مفهومه على الأحكام المزبورة التي يدل على بعضها الأصل، نعم هو من جملة نصوص الخلوة (1)

المقتضية للحكم بالدخول بالنسبة إلى تمام المهر و الملاعنة، و قد عرفت البحث في ذلك مفصلا في كتاب النكاح و أنه لا يقتضي الحكم بالدخول بالنسبة إلى تمام المهر، فضلا عن غيره من الأحكام المترتبة على الدخول.

و من هنا قيل و القائل ابن إدريس، لا يثبت اللعان ما لم يثبت الدخول بالبينة أو الإقرار و هو الوطء، و لا يكفي في إثباته إرخاء الستر حينئذ و لا يتوجه عليه الحد لأنه لم يقذف فإن إنكار الولد أعم من ذلك و لا أنكر ولدا يلزمه الإقرار به حتى يصح اللعان منه، و وجهه في المسالك بعدم ثبوت الوطء الذي به يتحقق الفراش المقتضي للحوق الولد به.

و لعل هذا أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصالة عدم الدخول بناء على كونه شرطا في اللعان التي لا يعارضها نصوص الخلوة (2)

كما سمعت الكلام فيه مفصلا في كتابه.

نعم قد يقال- إن لم يكن إجماع على خلافه-: بلحوق الولد به لاحتمال الوطء بناء على أنه يكفي في الفراش في الزوجة تحقق الزوجية و احتمال الوطء و لكن لا يشرع اللعان في نفيه بناء على اعتبار تحقيق الدخول فيه، و لا تنافي بين الحكمين بعد اقتضاء دليلهما ذلك، و دعوى أن لحوق الولد به يتوقف أيضا على


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب المهور الحديث 3 و 4 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب المهور من كتاب النكاح.

ج 34، ص: 22

تحقق الدخول كاللعان يمكن منعها، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك. بل أطنب في المسالك عند البحث على تحقق فراش الأمة بالأمة في بيان تحقق فراش الزوجة الدائمة بالعقد و إمكان وصوله إليها و أنه يلحق به الولد بذلك، فلاحظ و تأمل، فإنه لا يخلو من منافاة لما هنا، و الله العالم.

و لو جمع بين سببي اللعان بأن قذف امرأته و نفى الولد و أقام بينة على ما قذفها به سقط الحد عنه بلا خلاف و لا إشكال و لكن لم ينتف الولد عنه إلا باللعان الذي شرعه الشارع لنفي الولد الذي لولاه لا لتحقق به ب

قوله صلى الله عليه و آله (1): «الولد للفراش».

و كذا لو طلقها بائنا فأتت بولد يلحق به في الظاهر كما لو وضعته تاما بعد ستة أشهر فصاعدا من حين وطئه لم ينتف عنه إلا باللعان.

بل و كذا لو تزوجت فأتت بولد لدون ستة أشهر من دخول الثاني (11) ليعلم نفيه عنه و لتسعة أشهر فما دون من فراق الأول لم ينتف عنه إلا باللعان (12) لقاعدة «الولد للفراش» التي لا يعارضها هنا فراش الثاني بعد العلم بانتفائه عنه، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان الحديث 3.

ج 34، ص: 23

[الركن الثاني في الملاعن]

الركن الثاني في الملاعن:

و لا خلاف في أنه يعتبر فيه أن يكون بالغا عاقلا بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية سلب عبارة غيرهما فيما يشمل المقام الذي هو إما شهادة أو يمين، و كل منهما ليسا من أهله، بل لا يترتب على قذفهما حد كي يراد إسقاطه باللعان و إن عزر المميز على قذفه تأديبا له، بل لعل المنساق من آية اللعان (1)- التي هي الأصل في إثبات شرعيته- غيرهما، و هو واضح. و في لعان جنس الكافر روايتان أشهرهما أنه يصح و إن كنا لم نعثر فيما وصل إلينا من النصوص على شي ء من ذلك إلا في الملاعنة (2) التي ستسمع الحال فيها، و لعله المراد للمصنف بناء على اتحاد الحكم فيهما، فإنه لا قائل بالفصل بينهما، على أن مبنى المنع في الكافر هو كون اللعان شهادة بقرينة قوله تعالى (3) «فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ» خصوصا بعد قوله تعالى «وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ» المعلوم إرادة الشهادة منه، و هي لا تقبل من الكافر، و هذا أمر شامل للملاعن و الملاعنة و إن كان هو واضح الفساد، ضرورة صحته من الفاسق و إن لم تقبل شهادته إجماعا على أن قوله تعالى (4) «شَهاداتٍ بِاللَّهِ» كالصريح في إرادة اليمين منه، بل

في الخبر (5)

«مكان كل شاهد يمين»

و قوله تعالى (6) «وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ»


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6 الى 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 6.
4- 4 سورة النور: 24- الآية 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللعان الحديث 6.
6- 6 سورة النور: 24- الآية 6.

ج 34، ص: 24

و إن كان المراد منه الشهادة قطعا، إلا أنه لا يقتضي كون المراد منها ذلك في قوله تعالى (1) «فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ» بل معناه أنه إذا لم يكن بينة فيمين، كما هو واضح.

على أن المحكي عنه اعتبار الإسلام هنا الإسكافي مطلقا و الحلي إذا كان اللعان للقذف، و لا ريب في عدم تمامية الدليل المزبور في الثاني منهما، بل لعله مناف له في الجملة، كل ذلك مضافا إلى قاعدة اتحاده مع المسلم في الفروع و إلى ما سمعته من النصوص (2)

الدالة على ملاعنة اليهودية و النصرانية المتممة بعدم القول بالفصل، و هي و إن كان في مقابلها نصوص (3)

دالة على عدم الجواز فيها لكنها قاصرة من وجوه كما ستسمع ذلك إنشاء الله.

و على كل حال يتصور لعان الكافر فيما إذا كان الزوجان ذميين و ترافعا إلينا، بل يمكن فرض الزوجة مسلمة و الزوج كافرا فيما إذا أسلمت و أتت بولد يلحقه شرعا فأنكره، و الله العالم.

و كذا الكلام (القول خ ل) في لعان المملوك فان المشهور جوازه، بل نفي الخلاف عنه في المسالك، لإطلاق الأدلة و خصوص الصحاح

في أحدها (4)

«عن عبد قذف امرأته قال: يتلاعنان كما يتلاعن الأحرار»

و في حسن جميل بن دراج (5) سأل الصادق عليه السلام «عن الحر بينه و بين المملوكة لعان؟ فقال: نعم و بين المملوك و الحرة، و بين العبد و الأمة، و بين المسلم و اليهودية و النصرانية»

و نحوهما الثالث (6).


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 2 و 6 و المستدرك الباب- 5- منه الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 4 و 11 و 12 و 13 و 14.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 1.

ج 34، ص: 25

خلافا للمحكي عن المفيد و الديلمي فاشترطا الحرية مطلقا و الحلي فاشترطها في اللعان للقذف، و لم نجد لهم دليلا هنا سوى ما تقدم، و قد عرفت الحال فيه، مضافا إلى صريح المعتبرة التي لا معارض لها سوى

خبر السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عليه السلام «أن عليا عليه السلام قال: ليس بين خمس من النساء و بين أزواجهن ملاعنة:

اليهودية تكون تحت المسلم فيقذفها، و النصرانية و الأمة تكون تحت الحر فيقذفها، و الحرة تكون تحت العبد فيقذفها، و المجلود في الفرية، لأن الله تعالى يقول (2) وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً، و الخرساء ليس بينها و بين زوجها لعان، إنما اللعان في اللسان»

و نحوه في الخصال عن سليمان بن جعفر البصري (3) عن جعفر عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام.

و لكنهما ضعيفان موافقان للعامة،

كالمرسل عن بعض الكتب (4) عن علي عليه السلام أيضا «الخرساء و الأخرس، ليس بينهما لعان، لأن اللعان لا يكون إلا باللسان»

فلا ريب في عدم الاشتراط، و الله العالم.

و يصح لعان الأخرس إذا كان له إشارة معقولة يفهم منها القذف و معاني الشهادات الخمس بلا خلاف أجده فيه، بل عن الشيخ إجماع الفرقة و أخبارهم، لعموم ما دل (5)

على قيام إشارته مقام اللفظ في جميع ما اعتبر فيه ذلك من عبادة كتكبيرة الإحرام و غيرها و عقد و إيقاع، فيصح الفرض فيه حينئذ كما يصح


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 4.
3- 3 أشار إليه في الوسائل الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12 و ذكره في البحار ج 104 ص 176.
4- 4 المستدرك الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 34، ص: 26

طلاقه و إقراره على أن الأقوال الخمس هنا إما شهادة أو يمين، و كل منهما صحيح عندنا من الأخرس بالإشارة، مؤيدا ذلك كله بقضاء الضرورة به إذا كان مما يجب عليه نفي الولد للعلم بكونه من غيره، و احتمال انتفائه بنفيه هنا من دون لعان مناف لأصالة اللحوق و غيرها، فليس حينئذ إلا قيام إشارته مقام نطق غيره.

و لكن مع ذلك كله و غيره ربما توقف شاذ منا في قذفه و لعانه نظرا إلى تعذر العلم بالإشارة و هو ابن إدريس، قال فيما حكى عنه «لا أقدم على أن الأخرس المذكور يصح لعانه، لأن أحدا من أصحابنا غير الشيخ في خلافه و مبسوطة لم يورده في كتابه، و لا وقفت على خبر في ذلك، و لا إجماع عليه، و القائل بهذا غير معلوم، و التمسك بالاية (1) بعيد لأنه لا خلاف أنه غير قاذف و لا رام على الحقيقة، و النطق منه حال اللعان متعذر، و الأصل براءة الذمة، و اللعان حكم شرعي يحتاج إثباته إلى دليل شرعي و أيضا لو رجع بالشهادات عن اللعان عند من جوزه له وجب عليه الحد، و

الرسول صلى الله عليه و آله قال: «ادرؤوا الحدود بالشبهات» (2)

و من المعلوم أن في إيمائه و إشارته بالقذف شبهة هل المراد به القذف أو غيره؟ و هو غير معلوم يقينا بلا خلاف- ثم قال-: فان قلنا: يصح منه اللعان كان قويا معتمدا، لأنه يصح منه الإقرار و الايمان و أداء الشهادات و غير ذلك من الأحكام».

و هو كما ترى متوقف مضطرب، لكن دعواه عدم دلالة إشارته على القذف و عدم إمكان أداء معاني ألفاظ اللعان فيها خلاف الفرض، كما أن دعوى عدم تحقق إشارة للأخرس كذلك منافية للوجدان خصوصا إذا كان منها الكتابة التي يمكن فرض أنه يحسنها، و من الغريب دعوى عدم الخلاف في عدم كون إشارته قذفا، إذ هو مناف للعرف بل و اللغة، على أنه يمكن عروض الخرس له بعد القذف.


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 4 من كتاب الحدود.

ج 34، ص: 27

و من ذلك و غيره قال المصنف هو ضعيف إذ ليس حال اللعان بزائد عن حال الإقرار بالقتل و غيره.

نعم لا يصح اللعان منه مع عدم النطق و عدم الإشارة المعقولة بلا خلاف و لا إشكال، بل لا يتصور فيها الموضوع فضلا عن الصحة، و دعوى الفرق بين الإقرار و العقود و الإيقاعات و بين المقام- من حيث إنه يتعين فيه تأديته بلفظ الشهادة و اللعن و الغضب، و الإشارة لا ترشد إلى ذلك و إن أدت معناها، بخلاف غيره من الإقرار و العقد و غيره مما لا يعتبر فيه ذلك و إن اعتبر فيها الصيغ الخاصة إلا أن المراد معناها، فتقوم الإشارة حينئذ في التأدية مقام اللفظ- يدفعها بعد الإغضاء عما فيها ما أشرنا إليه سابقا من التصريح في الأدلة بقيام إشارته مقام التكبير و التلبية و نحوهما مما يراد منها اللفظ لكن من القادر عليه، و لو لإطلاق ما دل (1)

على قيام إشارته مقام اللفظ من غيره في سائر المقامات، و من فحوى ذلك يستفاد صحته بغير العربية ممن لا يقدر عليها كالفارسي و التركي و غيرهما، نعم ما تقدم في النصوص (2)

السابقة من التعليل و غيره يقتضي عدم صحته من الأخرس كالخرساء، إلا أنها نصوص ضعيفة لا جابر لها، بل الإعراض عنها متحقق، فلا تصلح معارضة لإطلاق أدلة قيام إشارته مقام اللفظ من غيره، كما أوضحنا ذلك في كتب العبادات و المعاملات، فلاحظ و تأمل.

و لو كان يحسن الكتابة و قلنا إنها من جملة إشارته فليكتب حينئذ كلمة الشهادة و كلمة اللعن و الغضب و يشير إليها أربع مرات، و لا يكلف أن يكتب أربع مرات.

و لو قذف و لاعن بالإشارة ثم عاد نطقه و قال: لم أرد اللعان بإشارتي قبل قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12 و المستدرك الباب- 8- منه الحديث 1 و 2.

ج 34، ص: 28

فيما عليه من لحوق النسب به و ثبوت الحد دون ماله من الحرمة المؤيدة، و لكن له أن يلاعن في الحال لإسقاط الحد و لنفى النسب إذا لم يمض من الزمان ما يسقط فيه حكم النفي، و لو قال لم أرد القذف أصلا لم يقبل قوله، لأن إشارته أثبت حقا لغيره، و لأن المفروض دلالتها عليه على وجه يحصل العلم منه، فلا يقبل إنكاره حينئذ، و الله العالم.

و لو نفى ولد المجنونة لم ينتف إلا باللعان منهما لأن الأصل اللحوق، و لا يخرج عنه إلا بما ثبت شرعا، و هو الانتفاء باللعان منهما و لا دليل على قيام الولي مقامها هنا، بل ظاهر الأدلة خلافه، نعم لو أفاقت فلاعنت صح بلا خلاف و لا إشكال و إلا كان النسب ثابتا و الزوجية بلا خلاف و لا إشكال كذلك أيضا للأصل و غيره.

و لو نفى ولد الشبهة انتفى عنه من غير لعان إذا لم يعترف بوطئها بحيث يلحق به الولد و لم يعلم منه ذلك، كما ستعرف تحقيق ذلك في الأمة و المتمتع بها عند تعرض المصنف لهما.

و منه يعلم النظر فيما في المسالك هنا حيث قال: «الموطوءة بالشبهة لا تصير فراشا بحيث يلحق به الولد بمجرده، بل يتوقف لحوقه على اعترافه به أو بأنه لم يطأها في ذلك الوقت الذي يمكن إلحاق الولد به فيه غيره، لأن ذلك يستلزم كونه منه أيضا، و هو في قوة الاعتراف به، فيلحق به و إلا فلا».

و فيه أنه يكفي في لحوق الولد به بعد وطئه لها على وجه يصلح لتكون الولد منه عدم العلم بوطء غيره لها إذا لم تكن ذات زوج حاضر معها، لا العلم بالعدم، كما ستعرف الوجه في ذلك، بل و لا ينتفي بانتفائه حينئذ.

و كيف كان فقد عرفت فيما تقدم من غير خلاف فيه بينهم و لا إشكال أنه إذا عرف الزوج خاصة انتفاء الحمل لاختلال شروط الالتحاق أو بعضها كما لو ولدته لستة أشهر فصاعدا من حين التزويج و خلوته بها و لكن لم

ج 34، ص: 29

يدخل بها فيما بينه و بين الله تعالى شأنه في وقت يمكن فيه إلحاقه به وجب عليه إنكار الولد و اللعان، لئلا يلحق بنسبه من ليس منه و يترتب عليه حكم الولد في الميراث و النكاح و نظر محارمه و غير ذلك من الأمور التي لا ترتفع إلا بنفيه، لاقتضاء قاعدة الفراش الالتحاق به ظاهرا، من غير فرق في ذلك بين علمه بزناها و عدمه، و إن حرم عليه قذفها في الثاني، لاحتمال كون الولد من شبهة، و إنما الواجب عليه نفي الولد عنه و اللعان.

لكن في المسالك هنا «ربما قيل بعدم وجوب نفيه، و إنما يحرم التصريح باستلحاقه كذبا دون السكوت عن النفي، و ذلك لأن في اقتحام اللعان شهرة عظيمة و فضيحة يصعب احتمالها على ذوي المروات فيبعد إيجابه» و لا يخفى عليك ضعفه، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، مضافا إلى ظاهر بعض النصوص (1)

.

نعم لو اجتمعت شروط الإلحاق بأن ولدته في المدة التي بين أقل الحمل و أكثره من حين وطئه لا يجوز له إنكار الولد و الحق به ظاهرا، بل ستعرف التحقيق في عدم مشروعية اللعان لنفيه مع اعترافه باجتماع شرائط الإلحاق أو العلم بها، و حينئذ فلا يجوز له نفيه فضلا عن اللعان للشبهة و لا للظن و لا لمخالفة الولد صفات الواطئ و موافقتها لصفات المتهم، بل و لو حقق زناها و جاء الولد مخالفا له في الخلق و الخلق بل مشابها للزاني، لتظافر الأدلة (2)

بلحوق الولد للوطء المحترم الصالح للتكون منه، و اللعان إنما يرفع اللحوق الناشئ من قاعدة الفراش الظاهرية، كما ستعرف تحقيق ذلك كله في الأمة و المتمتع بها على وجه لم نسبق إليه، و الله العالم بحقيقة الحال و الموفق للصواب.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 10 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان الحديث 3 و الباب- 105- من أبواب أحكام الأود من كتاب النكاح و الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 34، ص: 30

[الركن الثالث في الملاعنة]

الركن الثالث في الملاعنة و لا خلاف كما لا إشكال في أنه يعتبر فيها حال الملاعنة البلوغ و كمال العقل لسلب عبارة غير البالغ و المجنونة و غيره مما عرفته مكررا.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه يعتبر فيها السلامة من الصمم و الخرس لكن على الوجه الذي ذكرناه في كتاب النكاح مفصلا عند ذكر المصنف له في السبب الخامس من أسباب التحريم، و منه يعلم الحال في وجه ذكر المصنف للأمرين شرطا المقتضي بظاهره لصحة اللعان مع انتفاء أحدهما، مع اكتفائه و غيره في التحريم في كتاب النكاح بقذف أحدهما، فلاحظ و تأمل، فإن منه يعلم أيضا قوة القول بكون ذلك شرطا في اللعان بالسبب الآخر، و هو نفي الولد، كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب هنا، مضافا إلى ظهور خبر السكوني (1)

و المرسل (2) عن علي عليه السلام المتقدمين سابقا في ذلك أيضا و ضعفهما منجبر هنا بما يظهر من الأكثر من كون ذلك شرطا في سببي اللعان حينئذ.

و لا يشكل ذلك باقتضائه الانتفاء بمجرد نفيه من دون لعان مع اقتضاء قاعدة الفراش إلحاقه إن كان المراد من الاشتراط المزبور حصول فائدة اللعان من دون اللعان، كما لو قذفها، فإنها تحرم عليه من دون ملاعنة، أو وجوب نفيه عليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12.
2- 2 المستدرك الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 2.

ج 34، ص: 31

لعلمه بأنه ليس منه مع عدم طريق إلى انتفائه عنه، إذ الفرض عدم مشروعية اللعان معها و لو بالإشارة، إذ لا مانع من التزام الأول، و يكون لعانه معها مجرد ذكره سبب اللعان، فيحصل ثمرته بينهما و إن لم يحصل اللعان كما في القذف.

لكن الانصاف عدم خلو المسألة بعد عن الإشكال فإن ظاهر اقتصار المصنف في سبب التحريم على القذف في كتاب النكاح يقتضي عدمه في نفي الولد، بل في

صحيح أبي بصير أو موثقه (1) القذف خاصة، قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل قذف امرأته بالزنا و هي خرساء صماء لا تسمع ما قال، فقال: إن كان لها بينة تشهد لها عند الإمام جلده الحد، و فرق بينهما، ثم لا تحل له أبدا، و إن لم يكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها، و لا إثم عليها»

و كذا

حسن الحلبي و محمد بن مسلم (2) عنه عليه السلام «في رجل قذف امرأته و هي خرساء، قال: يفرق بينهما»

نعم في

خبر محمد بن مروان (3) عنه عليه السلام «في المرأة الخرساء كيف يلاعنها زوجها؟

قال: يفرق بينهما و لا تحل له أبدا».

فما عساه يظهر منه أن ذلك كيفية لعانها في مطلق سببه، لكن بمجرد ذلك لا يجسر على الحرمة أبدا كما لا يجسر على انتفاء الولد الثابت لحوقه بقاعدة الفراش بمجرد نفيه، على أن ذكرهم ذلك شرطا في اللعان أعم من انتفائه بمجرد نفيه، بل أقصاه سقوط اللعان بينهما، و هو أعم من انتفائه، بل و من الحرمة الأبدية، و من هنا كان خيرة ثاني الشهيدين هنا مشروعية اللعان بينهما في نفي الولد بالإشارة.

لكن يبعده- مضافا إلى إطلاق الأصحاب الاشتراط على وجه يشمل السببين- خفاء الفرق بين سقوطه بينهما للقذف و عدمه لنفي الولد، خصوصا مع ظهور كون العلة في الأول الخرس، كما أومئ إليه في النصوص (4)

السابقة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12 و المستدرك الباب- 8- منه.

ج 34، ص: 32

و إن لم يتعدى منها إلى الخرس في الرجل للإجماع و غيره، و لذا كان ظاهر بعض الأفاضل سقوط اللعان بينهما في ذلك، لظاهر الاشتراط المزبور في الفتاوى المعتضدة بما سمعته من خبر السكوني (1)

و غيره مع عدم حرمة الأبد و عدم انتفاء الولد، للأصل و قاعدة الفراش، و هو جيد إن لم يكن ظاهر خبر محمد بن مروان (2)

المتقدم أن كيفية اللعان بينهما في سببية التفرقة بينهما أبدا، بمعنى إجراء حكم اللعان على ذكر سببه و إن لم يحصل، بل قد يدعى ظهور اشتراطهم له ذلك مع عدم ذكرهم الفرق بين القذف و نفي الولد مع أنه لا ريب في كون حكمه كذلك في الأول، فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا مع عدم تحرير المسألة في كلامهم، بل في قواعد الفاضل «و في اللعان لنفي النسب- أي في الخرساء و الصماء- إشكال» و لعله مما عرفت من أنه لا طريق إلى انتفائه سواه، و من إطلاق النص (3)

و الفتوى نفي لعانهما، و في كشف اللثام «و الأول أقوى».

نعم لا إشكال في ظهور كلمات الأصحاب بسقوط الحد عنه لو أقام بينة على ما قذفها به و عدم جريان حكم اللعان حينئذ، فلا تحرم عليه أبدا، لكن في المسالك «حرمت أيضا عليه كما دلت عليه الرواية السابقة- أي خبر أبي بصير (4)

ثم قال-: و ربما قيل بأنها تحرم حينئذ، لعدم قذفها بما يوجب اللعان، و يثبت عليها الحد بالبينة، و لا ينتفى عنها بلعانها، و الرواية تنافي ذلك، و هي معتبرة الإسناد، لكن في الاكتفاء بها في إثبات هذا الحكم نظر، و عبارة الأصحاب في باب التحريم مصرحة باشتراط قذفها بما يوجب اللعان لولا الآفة المذكورة، فيخرج منها ما لو أقام البينة و ما لو لم يدع المشاهدة، و إطلاق هذه الرواية و غيرها يتناول الجميع، و الأولى الرجوع في كل موضع يحصل فيه الاشتباه إلى الحكم العام».

قلت: و هو هنا ما ذكره الأصحاب من عدم الحرمة أبدا عليه بذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 2.

ج 34، ص: 33

لأنها منافية للأصل و غيره، على أن إطلاق النصوص بملاحظة فتوى الأصحاب و خبر محمد بن مروان (1)

يمكن دعوى كون المراد منه أن التحريم المزبور في مقام اللعان الذي ليس المفروض منه، و اشتمال الخبر المزبور على البينة إنما هو بالنسبة إلى دعوى القذف عليه لا ما قذفها به، كما هو واضح.

هذا و قد يستفاد من الخبر المزبور عدم الإثم عليها في الاجتماع معه مع عدم البينة لها على قذفه لها و إن حرم هو عليه، و لعله كذلك في كل مقام يعجز عن إثبات الحكم في الظاهر و إن اختص الإثم بالاخر.

و كذا يعتبر في الملاعنة لنفي الولد أن تكون منكوحة بالعقد الدائم بلا خلاف معتد به، بل في المسالك هو موضع وفاق، لأن ولد المتمتع بها ينتفى بغير لعان اتفاقا، لكن في كشف اللثام عن الجامع التصريح بوقوعه للنفي، و فيه- مع أنه مناف للاتفاق المزبور و للأصل- أنه مناف لإطلاق

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (2): «لا يلاعن الحر الأمة و لا الذمية و لا التي يتمتع بها»

و في

صحيح ابن أبي يعفور (3): «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع بها»

و نحوه خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (4).

بل منها يستفاد أيضا عدم وقوعه أيضا للقذف كما هو المشهور شهرة عظيمة،


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من كتاب اللعان الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللعان الحديث 1.
4- 4 لم أقف على خبر لعلى بن جعفر بهذا المضمون بعد التتبع التام في مظانه من الوسائل و المستدرك و الوافي و الكتب الأربعة و البحار في باب اللعان و ج 10 منها ص 249- الطبع الحديث- باب «ما وصل إلينا من أخبار على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام.» و الظاهر أنه طاب ثراه أخذه من المسالك حيث ان الشهيد قده بعد ذكر صحيحة ابن سنان قال: «و مثله رواية على بن جعفر عن أخيه عليه السلام».

ج 34، ص: 34

بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن السيد و المفيد، لعموم الآية (1) الذي يجب تخصيصه بالنصوص المزبورة و إن كانت آحادا لما تحرر في الأصول من جواز تخصيصه بخبر الواحد فحينئذ لا ريب في اشتراط الدوام في اللعان بالسببين.

نعم ينبغي أن يعلم أن ولد المتعة و إن انتفى بمجرد النفي من دون لعان لكن في كشف اللثام لا يجوز له النفي إلا مع العلم بالانتفاء و إن عزل أو اتهمها أو ظن الانتفاء بالقرائن الخارجية، بل قال في شرح قول الفاضل قبل ذلك: «و يلحق به الولد و إن عزل و كذا في كل وطء صحيح أو شبهة، فان

المني سباق

و الولد للفراش،

و للأخبار (2)

» و لا يخفى عليك ظهور كلامه في أنه يجب إلحاقه به و إن حصل له الظن بعدمه بالأمارات في كل وطء صحيح و لو شبهة، بل لا يتوقف إلحاقه به على اعترافه بعدم وطء غيره، فيكفي الأصل له و لغيره في إلحاقه به، كما أومأنا إلى ذلك سابقا، و يأتي إنشاء الله.

إلا أنه قد يشكل ذلك بأن ذلك إن كان للفراشية لم يتجه نفيه بالانتفاء و إن لم يشرع اللعان، بل أقصى نفيه لحوق أحكامه بالنسبة إليه من حيث إقراره، و أما حقوق الولد فلا تنتفي لقاعدة الفراش الذي لم يشرع اللعان هنا لنفيه، و إن كان لا للفراشية لم يتجه وجوب إلحاقه به بمجرد احتمال كونه من وطئه و إن لم يعلم وطء غيره، فتأمل جيدا، فإنه ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق، و الله العالم.

و في اعتبار الدخول بها في مشروعية اللعان خلاف و المروي في المعتبرة المستفيضة أنه لا لعان ففي

خبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بأهله».

و في مرسل ابن أبي عمير عن بعض


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المتعة و الباب- 15- من أبواب أحكام الأولاد من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللعان الحديث 2.

ج 34، ص: 35

أصحابه (1)

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يقذف امرأته قبل أن يدخل بها، قال: يضرب الحد و يخلى بينه و بينها»

و في

خبر محمد بن مضارب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «من قذف امرأته قبل أن يدخل بها جلد الحد و هي امرأته»

و في خبر محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه السلام «لا تكون الملاعنة و لا الإيلاء إلا بعد الدخول»

و في خبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته»

و في خبره الآخر (5) عنه عليه السلام أيضا قال: «سألته عن رجل تزوج امرأة غائبة لم يرها فقذفها، قال: «يجلد»

28918 و في خبر محمد بن مضارب (6)

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل لاعن امرأته قبل أن يدخل بها؟ قال:

لا يكون ملاعنا إلا بعد أن يدخل بها، يضرب حدا و هي امرأته، و يكون قاذفا»

و هي مع تعاضدها و اعتبار سند بعضها قد حكى الإجماع على مضمونها في محكي الخلاف و ظاهر التبيان و أحكام القرآن للراوندي.

و لكن مع ذلك كله فيه قول بالجواز كما عن بعضهم، بل في قواعد الفاضل أنه الأقرب، و لعله لعموم الآية (7) الذي يجب تخصيصه بما سمعت من النصوص و غيرها، و دعوى تنزيلها على اعتباره بالنسبة إلى نفي الولد- الذي لا يتوقف نفيه قبل الدخول على اللعان إجماعا كما في المسالك، لعدم وجود شرائط الإلحاق، فلا إشكال في انتفائه بهذا السبب- يدفعها التصريح في جملة منها بنفي اللعان بينهما بالقذف دون نفي الولد.

و حينئذ فما أشار إليه المصنف و غيره بعد حكاية القولين المزبورين بقوله و قال ثالث كما عن السرائر بثبوته أي اللعان بالقذف بلا دخول دون نفي الولد حاملا عليه كلام الأصحاب قال: «لأن قبل الدخول القول قول الزوج مع يمينه، و لا يلحق به الولد بلا خلاف بين أصحابنا، و لا يحتاج في نفيه إلى لعان» و استحسنه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللعان الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللعان الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللعان الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللعان الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللعان الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللعان الحديث 8.
7- 7 سورة النور: 24- الآية 6.

ج 34، ص: 36

في محكي المختلف في غير محله، لما عرفت من تصريح جملة من النصوص بنفيه في القذف أيضا.

لكن لا ريب في أن كلام المصنف و غيره ممن عبر كتعبيره ظاهر في أن من الأصحاب من قال بعدم اشتراط الدخول في اللعان بسببين، لأنه جعل التفصيل قولا ثالثا، و في المسالك «أن قائله غير معلوم، و هو غير موجه لما عرفت من أن الدخول شرط لحوق الولد، فلا يتوقف انتفاؤه على اللعان على تقدير عدمه، و الحق رجوع الخلاف إلى قولين بالاشتراط فيهما و التفصيل فيهما (بينهما خ ل) كما مر».

قلت: يمكن القول بعدم اشتراط الدخول في مشروعية اللعان، بل يكفي احتماله، فحينئذ إذا نفاه مع إمكانه منه و ادعته المرأة لم ينتف عنه إلا باللعان، نعم ما سمعته من النصوص صريح في اشتراط الدخول في مشروعية اللعان، اللهم إلا أن يحمل على إرادة إخراج حال العلم بعدم الدخول بالنسبة إلى نفي الولد، فإنه لا حاجة حينئذ إلى اللعان قطعا في الانتفاء عنه و إن كان هو خلاف ظاهر إطلاق اعتبار الدخول، و حينئذ يتجه اشتراطه في اللعان مطلقا و إن قلنا بلحوق الولد به بمجرد احتمال الدخول. بل و إن قلنا لا طريق إلى نفيه عنه بعد

قوله صلى الله عليه و آله (1): «الولد للفراش»

كما تسمع ذلك في نظائره، أو يكتفي في انتفائه بمجرد نفيه عنه، لأنه لا طريق إلى ما أوجب الشارع عليه من نفيه عنه مع علمه بعدم كونه منه إلا انتفاؤه عنه بمجرد نفيه بعد فرض عدم مشروعية اللعان، كما تسمع تحقيق ذلك في نظائره إن شاء الله فتأمل جيدا، و الله العالم.

و يثبت اللعان بين الزوج الحر و الزوجة المملوكة على المشهور بين الأصحاب، كما يثبت من دون خلاف بين الحرين و المملوكين و الزوج المملوك و الزوجة الحرة، لعموم الآية (2) و خصوص

حسن جميل (3) عن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان الحديث 3.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 2.

ج 34، ص: 37

الصادق عليه السلام «سأل هل يكون بين الحر و المملوك لعان؟ فقال: نعم، و بين المملوك و الحرة، و بين العبد و الأمة، و بين المسلم و اليهودية و النصرانية»

و صحيح ابن مسلم (1) سأل الباقر عليه السلام «عن الحر يلاعن المملوكة، قال: نعم إذا كان مولاها الذي زوجها إياه»

و حسن الحلبي أو صحيحه (2) عن الصادق عليه السلام في حديث «سألته عن الحر تحته أمة فيقذفها، قال: يلاعنها»

و خبر حريز (3) عنه عليه السلام أيضا «بين الحر و الأمة و المسلم و الذمية لعان»

و خبر محمد (4) عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن الحر يلاعن المملوكة، قال: نعم»

و خبر هشام بن سالم (5)

«سألته عن المرأة الحرة يقذفها زوجها و هو مملوك و الحر تكون تحته المملوكة فيقذفها، قال: يلاعنها»

إلى غير ذلك من النصوص المتعاضدة المعتبرة و لو بالانجبار.

و لكن مع ذلك فيه رواية بالمنع هي

صحيحة ابن سنان (6) عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يلاعن الحر الأمة و لا الذمية و لا التي يتمتع بها»

و رواية علي بن جعفر (7) عن أخيه موسى «سألته عن رجل مسلم تحته يهودية أو نصرانية أو أمة ينفي ولدها و قذفها هل عليه لعان؟ قال: لا»

و رواية السكوني (8) المتقدمة سابقا عن جعفر، عن أبيه، عن علي «ليس بين خمس من النساء و أزواجهن لعان- و عد منهن- الأمة تحت الحر فيقذفها»

و رواية الحسين ابن علوان (9) المروية عن قرب الاسناد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام «أربعة ليس بينهم لعان، ليس بين الحر و المملوكة».

لكنها قاصرة عن المعارضة سندا و عددا و اعتضادا فلا بأس بحملها على الموطوءة بملك اليمين، أو على التقية، أو على ما إذا تزوجها بغير إذن مولاها


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 11.
8- 8 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12.
9- 9 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 13.

ج 34، ص: 38

أو غير ذلك، خصوصا بعد اشتمال جملة من النصوص (1)

المزبورة على نفي اللعان أيضا في صورة العكس التي قد نفي الخلاف في المسالك عن ثبوت اللعان فيها، فما عن المفيد حينئذ من عدم اللعان في الفرض واضح الضعف، كالاستدلال له بأن اللعان شهادة و المملوكة ليست من أهل الشهادة الذي قد عرفت ما فيه سابقا من أنه يمين لا شهادة حقيقة، و إلا لاتجه المنع أيضا في صورة العكس التي لا خلاف في ثبوت اللعان فيها.

و أضعف من ذلك ما قال ه ثالث و هو ابن إدريس، بل حكى عن الاستبصار و المراسم من التفصيل بثبوته بنفي الولد دون القذف محتجا بأن قذف المملوكة لا يوجب الحد، فلا يتوقف نفيه على اللعان، بخلاف نفي الولد إذا كانت زوجة، و بأن اللعان حكم شرعي يقتصر فيه على المتيقن، إذ هو كالاجتهاد في مقابل النص، و الإطلاق كتابا (2) و سنة (3)

و عدم الحد على قذفها لا ينافي مشروعية اللعان بإطلاق الأدلة و خصوصا لنفى التعزير الثابت بقذف الأمة.

و من ذلك يعلم أيضا عدم اشتراط إسلامها، لإطلاق الأدلة و خصوص ما سمعته من النصوص التي لا يكافؤها غيرها، خلافا للمحكي عن جماعة منهم ابن الجنيد من عدم ملاعنة الكافرة للمسلم، لنحو ما سمعته في اشتراط الحرية من بعض النصوص و الاعتبار التي قد عرفت الحال فيها، و لعله لوضوح ضعفه أهمل المصنف ذكر الخلاف هنا، و إن ذكره في الملاعن، أو أنه اتكل على ذكره هناك.

و يصح لعان الحامل وفاقا للمشهور، بل عن الخلاف الإجماع، للعموم


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12 و 13 و المستدرك الباب- 5- منه الحديث 6.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان.

ج 34، ص: 39

كتابا (1) و سنة (2)

و خصوص ما عن النبي صلى الله عليه و آله (3)

من أنه لاعن بين هلال ابن أمية و زوجته الحامل، و

صحيح الحلبي (4) سأل الصادق عليه السلام «عن رجل لاعن امرأته و هي حبلى قد استبان حملها و أنكر ما في بطنها، فلما ولدت ادعاه و أقر به و زعم أنه منه، قال: يرد عليه ولده و يرثه، و لا يجلد الحد لأن اللعان قد مضى»

و المرسل (5) عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال: «إن تلاعنا و كان قد نفى الولد و الحمل إن كانت حاملا أن يكون منه ثم ادعى بعد اللعان الولد، فان الولد يرثه، و لا يرث هو الولد بدعواه بعد أن لاعن عليه و نفاه».

خلافا للمحكي عن المفيد و سلار و التقي، ل

خبر أبي بصير (6) عن الصادق عليه السلام «كان أمير المؤمنين عليه السلام يلاعن في كل حال إلا أن تكون حاملا»

و هو- مع عدم مكافئته لما تقدم من وجوه- محتمل لإرادة بيان جواز تأخير اللعان لا نفي صحته، و لعله لأنه و إن جاز لعانها حاملا لكن إن أقرت أو نكلت لا يقام عليها الحد إلا بعد الوضع كغيرها مما يثبت عليها الحد، بل ربما حمل الخبر المزبور على نفي ما يجب باللعان من الحد على تقدير نكولها و إن بعد، أو على غير ذلك مما لا بأس به بعد قصوره عن المقاومة.

و لا تصير الأمة فراشا بالملك بلا خلاف أجده فيه و إن خلت به و خلى بها و أمكن تكونه منه، بل في المسالك الإجماع عليه، قال: «بخلاف النكاح الذي يلحق به الولد بمجرد الإمكان، لأن المقصود منه الاستمتاع و الولد، و ملك اليمين قد يقصد به ذلك و قد يقصد به التجارة و الاستخدام، و لذا لا يتزوج من لا تحل له، و يملك بملك اليمين من لا تحل له- ثم قال بعد ذلك- إذا كان الفراش زوجة دائمة


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللعان.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 394 و 395.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللعان الحديث- 1.
5- 5 المستدرك الباب- 6- من كتاب اللعان الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من كتاب اللعان الحديث 3.

ج 34، ص: 40

تحقق فراشها من حين العقد و إمكان وصوله إليها، ثم لها بالنسبة إلى الولد حكمان:

أحدهما في ظاهر الأمر، و هو أنه يحكم بإلحاق الولد الذي تلده بعد العقد و إمكان الوصول إليها فيما بين أقل الحمل و أكثره بالزوج و إن لم يعترف به و لم يعلم وطؤه لها، سواء كان من أهل الاعتراف كالبالغ العاقل أو لا كالمجنون و الصبي الذي يمكن تولده منه، كابن العشر قبل أن يحكم ببلوغه على ما سبق- ثم إنه بعد ذكر أن الأمة بعد الوطء تكون كالحرة في لحوق الولد قال-: يفارق ولد الزوجة في أمرين:

أحدهما أنه لا يحكم بلحوقه به إلا مع ثبوت وطئه لها، إما بإقراره أو بالبينة بخلاف ولد الزوجة، فإنه يكفي إمكان الوطء، و الوجه فيه أن المعتبر فيهما ثبوت الفراش، و لما كان في الزوجة متحققا بالعقد و إمكان وصوله إليها كان المعتبر ثبوت ذلك، و لما كان فراشية الأمة لا يتحقق إلا بالوطء اعتبر ثبوته، فمرجع الأمر فيهما إلى شي ء واحد، و هو ثبوت الفراش، إلا أنه في الزوجة يظهر غالبا بغير الزوج بحضور العقد و العلم بإمكان وصوله إليها، و في الأمة لا يظهر غالبا إلا منه، لأن الوطء من الأمور الخفية، فاعتبر إقراره به إن لم يتفق الاطلاع عليه بالبينة نادرا» إلى غير ذلك من كلماته في هذا الشرح الذي أطنب فيه، و تبعه عليه في كشف اللثام.

لكن قد يناقش بأنه مناف لما ذكروه في حكم إلحاق الأولاد من اعتبار تحقق الدخول بالزوجة في لحوق الولد بالزوج، بل و لما ذكره هو و غيره سابقا في هذا الكتاب- فيما لو طلق و أنكر الدخول فادعته و ادعت أنها حامل- من عدم ثبوت اللعان بينهما، لعدم ثبوت الدخول، و هو الوطء، بل قالوا: لا يكفي إرخاء الستر خلافا للشيخ، بل صرح هو في وجه ذلك بأن فائدة اللعان من الزوج إما نفي ولد يحكم بلحوقه شرعا، و هو موقوف على ثبوت الوطء ليصير فراشا لم يحصل، و هو صريح في توقف صدق الفراش في الزوجة على ثبوت الوطء كالأمة.

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك كذلك مع إنكار الزوج الدخول لا مطلقا، لكنه

ج 34، ص: 41

كما ترى، بل قد يقال: إن المراد من

قوله صلى الله عليه و آله (1): «الولد للفراش و للعاهر الحجر»

لذي الفراش بمعنى المفترش للزوجة فعلا، لا أن المراد المعدة للفراشية و إن لم يتحقق الافتراش منه بإقراره أو بالبينة.

إنما الكلام في اختصاص ذلك بالزوجة الدائمة أو كل موطوءة بغير زنا سواء كان بملك يمين أو بتحليل أو عقد متعة، بل أو شبهة كما أشار إليه المصنف في الأمة بقوله و هل تصير فراشا بالوطء فيه روايتان أظهرهما أنها ليست فراشا، و لا يلحق ولدها إلا بإقراره و لو اعترف بوطئها و تبعه عليه الفاضل و الشهيد و غيرهما، بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن ظاهر الاستبصار و صريح الجامع، و مال إليه ثاني الشهيدين في المسالك.

و الرواية التي أشار إليها المصنف الدالة على أنها ليست فراشا هي رواية محمد ابن عجلان (2)

و

صحيحة عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الأول:

«إن رجلا من الأنصار أتى أبا جعفر عليه السلام فقال: إني قد ابتليت بأمر عظيم، إني وقعت على جاريتي ثم خرجت في بعض حوائجي فانصرفت من الطريق فأصبت غلامي بين رجلي الجارية فاعتزلتها فحبلت، ثم وضعت جارية لعدة تسعة أشهر، فقال له أبو جعفر عليه السلام: احبس الجارية لا تبعها، و أنفق عليها حتى تموت أو يجعل الله لها مخرجا، فان حدث بك حدث فأوص أن ينفق عليها من مالك»

و نحوه في الثاني إلى قوله: «مخرجا» و أورد بدل «احبس الجارية» «لا ينبغي لك أن تقربها».

و رواية حريز (4) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا «في رجل كان يطأ جارية له و أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللعان الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 55- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.

ج 34، ص: 42

كان يبعثها في حوائجه و أنها حبلت، و أنه بلغه عنها فساد، فقال أبو عبد الله: إذا ولدت أمسك الولد و لا يبيعه، و يجعل له نصيبا في داره، قال: فقيل له: رجل يطأ جارية له و أنه لم يكن يبعثها في حوائجه و أنه اتهمها و حبلت، فقال: إذا هي ولدت أمسك الولد و لا يبيعه، و يجعل له نصيبا من داره و ماله، و ليست هذه مثل تلك».

و المرسل عن عبد الحميد بن إسماعيل (1)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له جارية يطئها و هي تخرج فحبلت، فخشي أن لا يكون منه كيف يصنع؟

أ يبيع الجارية و الولد؟ قال: يبيع الجارية و لا يبيع الولد، و لا يورث من ميراثه شيئا».

و صحيح سعيد بن يسار (2) سأل الكاظم عليه السلام «عن الجارية تكون للرجل يطيف بها و هي تخرج فتعلق، قال: أ يتهمها الرجل أو يتهمها أهله؟ قلت: أما ظاهرة فلا، قال: إذا لزمه الولد».

و سأل الصادق عليه السلام في حديث آخر (3)

«عن رجل وقع على جارية له تذهب و تجي ء و قد عزل عنها، و لم يكن منه إليها ما تقول في الولد؟ قال: أرى أن لا يباع هذا يا سعيد، قال: و سألت أبا الحسن عليه السلام، قال: أ يتهمها؟ قلت: أما تهمة ظاهرة فلا، قال: يتهمها أهله؟ فقلت: أما شي ء ظاهر فلا، فقال: كيف تستطيع أن لا يلزمك الولد؟»

المشعران بعدم لحوق الولد مع التهمة.

و خبر محمد بن إسماعيل الخطاب (4)

«كتب إليه يسأله عن ابن عم له كانت


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 55- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4- عن جعفر ابن محمد بن إسماعيل بن الخطاب كما في الاستبصار ج 3 ص 367 و التهذيب ج 8 ص 180 و في الجميع «أو فيه مشابهة منك فلا تبعهما» كما ذكرها قده كذلك في ج 31 التعليقة الثانية من ص 246.

ج 34، ص: 43

له جارية تخدم فاستراب بها، فهدد الجارية، فأقرت أن الرجل فجر بها، ثم أنها حبلت بولد، فكتب إن كان الولد لك أو كان فيه مشابهة منك فلا تبعه، و بع امه».

و خبر يعقوب بن يزيد (1)

«كتب إلى أبى الحسن عليه السلام في هذا العصر رجل وقع على جارية ثم شك في ولده، فكتب إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده»

إلى غير ذلك من النصوص المشتركة في الدلالة على عدم كونها فراشا، و إلا لاقتضى لحوق الولد به على كل حال إلا مع العلم بتكونه من غيره.

بل قد عرفت في كتاب النكاح في بحث لحوق الأولاد أن المحكي عن الأكثر بل المشهور اشتراط لحوق ولد الأمة بالواطي بعدم أمارة يغلب الظن فيها بعدم كونه منه، و لو كانت فراشا لم يلتفت إلى الأمارة المزبورة كما في الزوجة الدائمة، بل اتفاقهم كنصوص (2)

المقام على عدم اللعان بينهما دليل على عدم الفراشية التي شرع اللعان لنفي مقتضاها، و إنما لحوق الولد للإقرار الذي لم يشرع اللعان لنفيه، بل اتفاقهم أيضا على انتفائه بالنفي دليل آخر، ضرورة كون انتفائه بالنفي حينئذ منافيا لقاعدة الفراش و موافقا للحوقه بالإقرار المفروض انتفاؤه.

و ما في المسالك من «أن السر بانتفائه عنه بنفيه من غير لعان أن الولد الذى يظهر للزوج كونه منتفيا عنه يليق بالحكمة أن يجعل الشارع له طريقا إلى نفيه عنه، ليخرج عنه من ليس منه، و لما نصب لولد الزوجة طريقا إلى النفي باللعان و خصه بالزوجين بقوله تعالى (3) «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ» فلا بد من طريق


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12 و 13 و المستدرك الباب- 5- منه الحديث 6.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 6.

ج 34، ص: 44

آخر لنفي ولد الأمة حيث يقتضي الحال نفيه، فإذا لم يمكن باللعان بقي على أصل الإلحاق كما لو تعذر اللعان حيث يشرع لزم أن يكون ولد الأمة أقوى اتصالا و أحسن حالا من ولد الزوجة الدائمة، فشرع لذلك انتفاءه بمجرد النفي من غير لعان، إذ ليس هناك طريق آخر» كما ترى لا يرجع إلى محصل و لا إلى دليل شرعي، بل لا بد من القول بأن مبنى ذلك عدم كونها فراشا بل لا طريق إلى الحكم بإلحاق الولد به إلا إقراره المفروض انتفاؤه و أنه ينفي الولد عنه، إذ لا دليل شرعي يقتضي إلحاقه به.

بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بعدم انتفائه عنه لو نفاه في مقام يقر بوطئها على وجه حكم الشارع بإلحاقه به لإمكان تولده منه مع فرض عدم العلم بوطء غيره، بل و لا تهمة منه لها، فيخص حينئذ ما ادعوه من الإجماع على انتفائه بنفيه حيث يمكن أن يكون نفيه لعلمه بعدم تكونه منه، لعلمه بعدم وطئه لها على وجه يمكن تكون الولد منه، و قول الأصحاب أنه ينتفي بنفيه و إن أقر بوطئها يراد منه و إن أقر بكونها موطوءة له في الجملة، لا أنه و إن أقر بأنها موطوءة له وطئا ألحقه الشارع به، لإمكان تكون الولد منه و عدم العلم بوطء غيره و عدم تهمتها بذلك.

و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الفرق بين الزوجة المدخول بها و بين الأمة، و يظهر أيضا معنى كونها ليست فراشا، كما تسمع ما يؤيده إنشاء الله.

هذا و لكن في مقابل ذلك كله نصوص و فتاوى (منها) إطلاق

قوله صلى الله عليه و آله (1)

«الولد للفراش و للعاهر الحجر»

بناء على أن المراد من الفراش المقابل بالعهر مطلق الافتراش بحل و لو بشبهة.

و (منها)

صحيح سعيد الأعرج (2) سأل الصادق عليه السلام «عن رجلين واقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال: للذي عنده الجارية، لقول رسول


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 34، ص: 45

الله صلى الله عليه و آله الولد للفراش و للعاهر الحجر»

و خبر الحسن الصيقل (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «سمعته يقول و سئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها، قال: ما صنع!! يستغفر الله و لا يعود، قلت: فإنه باعها من رجل آخر و لم يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر و لم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث، فقال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للفراش و للعاهر الحجر»

و نحوه

خبره الآخر (2) إلا أنه قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للذي عنده الجارية و ليصبر، لقول رسول الله صلى الله عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر».

و (منها)

خبر علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل وطأ جارية فباعها قبل أن تحيض فوطأها الذي اشتراها في ذلك الطهر فولدت له لمن الولد؟ قال: الولد للذي عنده و ليصبر، لقول رسول الله صلى الله عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر»

إلى غير ذلك من النصوص الموافقة لفتواهم في بحث لحوق الأولاد أنه متى وطأ الأمة مولاها ألحق به الولد، و لزمه الإقرار به إلا مع العلم بانتفائه منه.

و لكن قد يقال إن النصوص المزبورة موافقة لما رواه

العامة عن النبي صلى الله عليه و آله (4)

«أنه تنازع إليه سعد و عبد بن زمعة عام الفتح في ولد ولده زمعة، و كان زمعة قد مات، فقال سعد،: يا رسول الله صلى الله عليه و آله إن أخي كان قد عهد إلى فيه، و ذكر أنه ألم بها في الجاهلية، و قال عبد هو أخي و ابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: يا عبد بن زمعة هو لك، الولد للفراش و للعاهر الحجر»

فيمكن أن يكون النصوص المزبورة للتقية، خصوصا بعد أن لم يكن في مفروض بعضها عاهر،


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 7.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 412.

ج 34، ص: 46

نحو

خبر محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وليدة جامعها ربها ثم باعها من آخر قبل أن تحيض فجامعها الآخر و لم تحض فجامعها الرجلان في طهر واحد فولدت غلاما فاختلفا فيه، فسألت أم الغلام فزعمت أنهما أتياها في طهر واحد، فلا تدري أيهما أبوه، فقضى في الغلام أنه يرثهما كلاهما و يرثانه سواء»

الذي لا ريب في حمله على التقية.

إنما الإشكال في الجمع بين كلمات الأصحاب في المقام و في بحث لحوق الأولاد، فإن ظاهرهم هنا عدم كونها فراشا، و أنه لا يلحقه الولد حتى يقر به، و في ذلك المقام أنه يلحق به الولد علم إقراره به أو لا، نعم لو نفاه انتفى، و تظهر الثمرة بالموت مثلا.

و قد أطنب فيه في المسالك، و الذي استقر رأيه عليه بناء على كون الأمة ليست فراشا أنا لا نحكم بلحوق الولد به إلا بإقراره، قال: «و أما ما ذكروه في باب إلحاق الأولاد فهو منزل على أن ذلك الحكم الذي يلزم المولى فيما بينه و بين الله تعالى، بمعنى أنه إذا وطأ الأمة وطءا يمكن إلحاق الولد به يجب عليه الاعتراف به و استلحاقه، و لا يجوز له نفيه عنه بتهمة أمة إلا على تلك الرواية الشاذة، و أما بالنسبة إلينا فلا نحكم بإلحاقه به ما لم يعترف به حيث لا نجعلها فراشا، و هكذا القول فيما لو وطأها المولى و غيره، فإنه يحكم به للمولى دون الغير إذا كان وطؤ مجوزا، و لكن بالنسبة إلينا لا نحكم به له إلا باعترافه به- هذا و قد حكى عن فخر المحققين أنه قال في شرحه-: إن معنى كونها ليست فراشا أنه لا يلحق ولدها به إلا بإقراره به أو بوطئها و إمكان لحوقه به- قال-: و كأنه حاول بذلك الجمع بين حكم الأصحاب بكونها ليست فراشا مطلقا و بين حكمهم في باب لحوق الأولاد بلحوق ولد الأمة بالمولى الواطئ، و أنه يلزمه الإقرار به حيث يمكن كونه منه، و أنه لو وطأها غيره ألحق به دون الغير من غير تقييد بإقراره به، فجعل مستند ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.

ج 34، ص: 47

الوطء الواقع من المولى، و أقامه مقام الإقرار به من غير أن يعلم كونه واطئا- ثم ضعفه- بأن إلحاقه به مع وطئه لها من لوازم الفراش كما سبق، فلو جعل مترتبا على عدمه لم يبق فرق بين الفراش و غيره، اللهم إلا أن يجعل الوطء الموجب للفراش كافيا في إلحاق الولد بعد ذلك و إن لم يمكن استناده إلى ذلك الوطء الشخصي الثابت، كما هو أحد الاحتمالين في المسألة، و يجعل هذا الوطء القائم مقام الإقرار هو الوطء الذي يمكن استناد الولد إليه، و مع ذلك ففيه مخالفة لما ذكره الجميع في معنى الفراش، فإنهم أطبقوا على أن فائدته لحوق الولد به مع إمكانه و إن لم يعترف به، و عدم لحوقه بمن ليست فراشا إلا بإقراره، و الوجه أن الاكتفاء بالوطء في هذا القسم ليس في محله، و إنما محله على تقدير كونها فراشا، لأن الوطء حينئذ لا بد من العلم به ليتحقق به كونها فراشا كما قد تحقق» إلى آخر ما ذكره.

و في الروضة بعد أن حكى الإجماع على انتفائه بنفيه قال: «إنما الخلاف في أنه هل يلحق به بمجرد إمكان كونه منه و إن لم يقر به أم لا بد من العلم بوطئه و إمكان لحوقه به أو إقراره به، فعلى ما اختاره المصنف و الأكثر لا يلحق به إلا بالإقرار به أو وطئه و إمكان لحوقه به، و على القول الآخر لا ينتفي إلا بنفيه أو العلم بانتفائه عنه، و يظهر من العبارة و غيرها من عبارات المحقق و العلامة أنه لا يلحق به إلا بإقراره به، فلو سكت و لم ينفه و لم يقر به لم يلحق به، و جعلوا ذلك فائدة عدم كون الأمة فراشا بالوطء، و الذي حققه جماعة أنه يلحق به بإقراره أو العلم بوطئه و إمكان لحوقه به و إن لم يقر به، و جعلوا الفرق بين الفراش و غيره أن الفراش يلحق به الولد و إن لم يعلم وطؤه مع إمكانه إلا مع النفي و اللعان، و غيره من الأمة و المتمتع بها يلحق به الولد إلا مع النفي، و حملوا عدم لحوقه إلا بالإقرار على اللحوق اللازم، لأنه بدون الإقرار ينتفي بنفيه من دون لعان، و لو أقر به استقر، و لم يكن له نفيه بعده، و هذا هو الظاهر، و قد سبق في أحكام الأولاد ما ينبه عليه، و لولا هذا المعنى لتنافي ما ذكروه هنا مع ما حكموا به فيما سبق من

ج 34، ص: 48

لحوقه به بشرطه».

قلت: و حاصله هنا اختيار ما أنكر عليه في المسالك و لكن الإنصاف أن التأمل التام يقتضي أن مرادهم بعدم فراشية الأمة هنا و إن اعترف بوطئها عدم كونها كالزوجة المدخول بها في الحكم بلحوق الولد بمجرد إمكان كونه منه و لا ينتفي عنه إلا باللعان، بل لا بد من الإقرار فيها بالولد أو بالوطء الذي يمكن تكون الولد منه، و لا يكفي كونها موطوءة له في الجملة، كما كان يكفي في لحوق ولد الزوجة مجرد كونها مدخولا بها مع إمكان كونه منه، لكونها فراشا بخلاف الأمة، فإنها ليست فراشا بهذا المعنى و إن حكم بلحوق الولد به بإقراره أو بالعلم بوطئه لها على وجه يمكن تكون الولد منه مع عدم العلم بوطء محترم لغيره، بل قد سمعت تقييد غير واحد له من الأصحاب بما إذا لم تكن هناك أمارة يغلب الظن فيها أنه ليس منه، بل قد سمعت جملة من النصوص (1)

الدالة على عدم لحوقه به، و عدم نفيه مع اتهامه لها أو اتهام أهله أو خروجها في الحوائج و إن كان قد عرفت البحث فيها في كتاب النكاح و في المقام، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فالمراد أن اتفاق الأصحاب على الانتفاء بالنفي لا ينطبق إلا على عدم كون الأمة فراشا، و من هنا أشكل على العامة الحال، فإنهم بعد أن وافقوا على أن ولد ملك اليمين لا ينتفي باللعان اختلفوا في طريق نفيه لمن علم انتفاءه، فمنهم من سد الطريق عن نفيه نظرا إلى الولد للفراش، و ليس هناك طريق إلى النفي، و منهم من جوز نفيه باللعان للضرورة حذرا من أن يكون أقوى من ولد الزوجة، و منهم من نفاه بيمينه.

و السبب الذي ألجأهم إلى ذلك تخيلهم كون الأمة فراشا، و لم يعلموا أنها ليست فراشا يقتضي لحوق الولد به كما يقتضي لحوق ولد الزوجة المحتاج نفيه إلى اللعان،


1- 1 الوسائل- الباب- 55 و 56 و 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.

ج 34، ص: 49

و إنما لحوقه به بالإقرار المفروض انتفاؤه، لأنه ناف له، و لا ينافي ذلك إلحاق الشارع الولد به مع العلم بوطئه على وجه يمكن تكون الولد منه، و لم يعلم وطء لغيره و لا تهمة، بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بعدم انتفائه عنه لو نفاه في هذا الحال، و إنما ينتفي عنه لو لم يعلم الحال، و يمكن أن يعلم بعدم تكونه منه لسبق وطئه له على وجه لا يمكن تكونه منه، و حينئذ لا يلحق الولد به إلا بإقراره، فإن نفاه انتفى عنه، بل لا يحكم بلحوقه به إذا لم نعلم وطءه لها على وجه يمكن تكون الولد منه و إن علمنا كونها موطوءة له سابقا على وجه لا يمكن تكون هذا الولد منه، بخلاف الزوجة، فان احتمال وطئه لها كاف في لحوق الولد بعد أن كانت مدخولا بها.

و لعله إلى ما ذكرنا يرجع ما سمعت من كلام الفخر من أن معنى كونها ليست فراشا أنه لا يلحق ولدها به إلا بإقراره أو بوطئها و إمكان لحوقه به و إن اعترض عليه في المسالك بما سمعت، بل لا يخفى عليك دفعه بعد الإحاطة بما ذكرنا، بل لعل التأمل الجيد في كلامه يقتضي ما ذكرناه من أنه لا ينتفي حينئذ بنفيه في الحالين المزبورين.

و من الغريب أنه في المسالك قد اختار ما ذكرنا على تقدير كون الأمة فراشا و لم يتنبه لدفع أصل الإشكال فيه، قال: «و على تقدير صيرورتها فراشا بالوطء هل يستمر لذلك ما دامت على ملكه أم يختص الحكم بالولد الذي يمكن تولده من ذلك الوطء خاصة، حتى لو أتت بولد بعد أقصى الحمل من الوطء الذي يثبت بإقراره أو البينة لا يلحق به بدون الإقرار به؟ وجهان من حصول شرط الفراش و هو الوطء، فنزل منزلة العقد الدائم على الحرة، لأن وطء الأمة إما تمام السبب للفراشية أو شرط فيها، و على التقديرين حصل الفراش به كالعقد، فيستمر الحكم حينئذ كما استمر حكم الفراش بالعقد، و لم يشترط بعد ذلك ظهور وطء يلحق به الولد، و من ضعف فراشية الأمة و دلالة تلك النصوص (1)

الموجبة لإلحاق الولد به على كونه


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.

ج 34، ص: 50

مولودا في وقت يمكن تخلقه من ذلك الوطء، فيبقى غيره على الأصل، و لا إشكال في انتفائه عنه بنفيه، و إنما تظهر الفائدة لو لم ينفه، فهل يلحق به ظاهرا بمجرد الوطء السابق أم يتوقف على الإقرار به؟ بني على الوجهين، و الأظهر الثاني».

قلت: ينبغي القطع به، إذ لا دليل على فراشيتها بالوجه الأول، و به يفرق بينها و بين الزوجة، بل به يرتفع الإشكال بين كلمات الأصحاب في المقام و في بحث لحوق الأولاد، بل بالتأمل يرتفع الإشكال في النصوص (1)

المزبورة، و حاصله أن المحتاج في الإلحاق إلى إقرار هو الذي ينتفي بنفيه لو نفاه، و أما الذي يحلق به شرعا و لو لاعترافه بالوطء الذي يمكن تكونه منه مع عدم العلم بوطء غيره و لا تهمة فلا ينتفي بنفيه بل يلحق به للنصوص (2)

المزبورة الظاهرة أو الصريحة في عدم ترتب الانتفاء على نفيه لعدم استطاعته نفيه في الحال المزبور فهو ملحق به لذلك شرعا، لا لأنها فراش، إذ لا طريق إلى علمه بعدم تكونه منه ليصح له نفيه عنه فتأمل جيدا.

بل من التأمل فيما ذكرنا يعلم أن موضوع اللعان في الزوجة مع عدم العلم بالحال، و إلا فمع العلم بالحال و أنه قد وطأها وطأ يصلح لتكون الولد منه لا يشرع له اللعان لنفيه، للحكم بلحوقه شرعا، و للنهي (3)

عن نفيه، نعم لو لم يعلم الحال و كان إلحاقه به لقاعدة الفراش التي يمكن علم الزوج بفسادها و لو للعلم بزمان وطيه الذي لا يصلح لتكون الولد منه يصح له حينئذ نفيه، و يشرع له اللعان، فتأمل جيدا، فان ذلك من أسرار الفقه.

هذا و لا يخفى عليك جريان ما ذكرناه في الأمة في المتمتع بها التي قد سمعت


1- 1 الوسائل- الباب- 55 و 56 و 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المتعة من كتاب النكاح.

ج 34، ص: 51

النص (1)

و الفتوى على نفي اللعان فيها، و أنها بمنزلة الإماء، بل الظاهر اتفاق الأصحاب على عدم كونها فراشا، لكن ينبغي أن يكون على نحو ما سمعته في الأمة، و لا ينافي ذلك لحوق الولد به، للنصوص (2)

التي هي أصرح من نصوص الأمة، بل في

صحيح ابن بزيع (3) منها «سأل رجل الرضا عليه السلام و أنا أسمع عن الرجل يتزوج المرأة متعة و يشترط عليها أن لا يطلب ولدها، فتأتي بعد ذلك بولد، فينكر الولد، فشدد في ذلك، و قال: يجحد و كيف يجحد؟ إعظاما لذلك الجحد»

و في حسن ابن أبي عمير و غيره (4)

«إن الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء، إلا أنه إن جاء بولد لم ينكر، و شدد في إنكار الولد»

إلى غير ذلك من النصوص التي ذكرناها في محلها التي هي صريحة في لحوق الولد به مع وطئه لها وطءا يمكن تكون الولد منه، بل لعلها ظاهرة فيما قلناه سابقا من عدم نفيه عنه لو نفاه عنه في هذا الحال، نعم ينتفي عنه لو نفاه مع عدم العلم بالحال على الوجه الذي ذكرناه في الأمة و كذا الكلام في وطء الشبهة و الأمة المحللة و لكن الجميع على الوجه الذي قلناه في الأمة، و قد تقدم منا في بحث لحوق الأولاد ما يؤكد ذلك، فلاحظ و تأمل، فإنه دقيق جدا نافع للجمع بين النصوص و الفتاوى.

و كأنه تنبه له في الجملة في كشف اللثام في بحث لحوق الأولاد، فإنه قيد عبارة الفاضل في القواعد التي هي: «و أما النكاح المؤجل فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة لم يحل له نفيه، لكن لو نفاه» فقال: «من غير اعتراف بالشروط و لا علم انتفى من غير لعان» و هو كالصريح في عدم الانتفاء مع الاعتراف بالشروط الثلاثة التي هي الوطء و تولده لستة أشهر فصاعدا و أن لا يتجاوز أقصى الحمل، و هذا بعينه الذي قلناه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللعان و الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 6 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المتعة من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المتعة الحديث 2 من كتاب النكاح.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المتعة الحديث 5 من كتاب النكاح.

ج 34، ص: 52

في الأمة التي من المعلوم عدم الفرق بينها و بين المتعة بالنسبة إلى ذلك نصا و فتوى.

بل من ذلك يعلم الوجه في جملة من الكلمات حتى عبارة اللمعة في بحث لحوق الأولاد التي هي كالصريحة في الانتفاء بنفيه و إن فعل حراما في نفيه، لكن المراد منها و ما يشابهها أنه يفعل حراما فيما بينه و بين الله تعالى لو نفاه مع علمه باجتماع الشروط الثلاثة، و إن كنا نحن نحكم بظاهر نفيه، إذ لم يعترف هو بها و لا علم لنا بها.

كما أن منه يعلم الوجه في قولهم ينتفي بالانتفاء الذي لم نقف على خبر يدل عليه حتى من طرق العامة، مع أنه قد استفاض نقل الإجماع عليه، و لا وجه له إلا ما ذكرناه من أن المراد الانتفاء بنفيه حيث يحتاج اللحوق إلى إقرار و لم تكن هناك قاعدة شرعية تقتضيه، كما ذكرناه في الصورة السابقة، فإنه ينتفي بالانتفاء حينئذ لعدم الإقرار، و فائدة النفي حينئذ الحكم بانتفائه عنه و إن كان هو غير لاحق له مع السكوت، و الله العالم.

ج 34، ص: 53

[الركن الرابع في كيفية اللعان]
اشارة

الركن الرابع في كيفية اللعان و لا يصح إلا عند الحاكم أو منصوبه لذلك كما صرح به جماعة، بل عن موضع من المبسوط «لا يصح إلا عند الحاكم أو خليفته إجماعا» و عن موضع آخر «اللعان لا يصح إلا عند الحاكم أو من يقوم مقامه من خلفائه» و لعله لأنه شهادة أو يمين لا يسجل بهما إلا الحاكم، و إليه يرجع ما قيل من أنه حكم شرعي يتعلق به كيفيات و أحكام و هيئات، فيناط بالإمام و خليفته، لأنه المنصوب لذلك، و من أن الحد يقيمه الحاكم فكذا ما يدرؤه.

و في

صحيح ابن مسلم (1) سأل الباقر عليه السلام «عن الملاعن و الملاعنة كيف يصنعان؟ قال: يجلس الامام مستدبر القبلة».

و صحيح البزنطي و حسنه (2) سأل الرضا عليه السلام «كيف الملاعنة؟ فقال: يقعد الامام و يجعل ظهره إلى القبلة، و يجعل الرجل عن يمينه و المرأة عن يساره»

الحديث.

و في المرسل (3) عن الصادق عليه السلام «و اللعان أن يقول الرجل لامرأته عند الوالي: إني رأيت رجلا مكان مجلسي منها، أو ينتفي من ولدها، فيقول: ليس مني، فإذا فعل ذلك تلاعنا عند الوالي».


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 5.
3- 3 المستدرك الباب- 4- من كتاب اللعان الحديث 3.

ج 34، ص: 54

و في آخر (1)

«و الملاعنة أن يشهد بين يدي الإمام أربع شهادات»

الخبر.

و في المرسل (2)عنه عليه السلام أيضا و عن أمير المؤمنين عليه السلام «إذا تلاعن المتلاعنان عند الامام فرق بينهما»

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في أنه من مناصب الامام و أنه من الحكومة التي هي له، كما أوضحنا ذلك كله في كتاب القضاء.

و لكن مع ذلك قال المصنف و الفاضل في القواعد و لو تراضيا برجل من العامة فلاعن بينهما جاز و نحوه عن المبسوط و الوسيلة إلا أنهما لم يصرحا بكونه من العامة، بل زاد في المبسوط «أنه يجوز عندنا و عند جماعة، و قال بعضهم لا يجوز» و هو مشعر بالاتفاق على جوازه، و كأن ذلك مناف لما سمعته.

و من هنا قال في كشف اللثام: «لعل الأول إذا لم يحصل التراضي بغيره، أو المراد بالحاكم الامام، و بخلفائه ما يعم الفقهاء في الغيبة، و بمن تراضيا عليه الفقيه في الغيبة، و لا يجوز عند كل من تراضيا عنده إلا إذا لم يكن حاكم أو منصوبه- قال-: و جعلهما في المختلف قولين، و اختار عدم الجواز إلا عند الحاكم أو من ينصبه، و تردد في التحرير».

و في المسالك «و المراد بالرجل العامي الذي يتراضى به الزوجان الفقيه المجتهد حال حضور الامام لكنه غير منصوب من قبله، و سماه عاميا بالإضافة إلى المنصوب، فإنه خاص بالنسبة إليه- ثم قال-: و قد اختلف في جواز اللعان به نظرا إلى أن حكمه يتوقف على التراضي، و الحكم هنا لا يخص بالزوجين المتراضيين، بل يتعلق بالولد أيضا. فلا يؤثر رضاهما في حقه إلا أن يكون بالغا و يرضى بحكمه، خصوصا لو اعتبرنا تراضيهما بعد الحكم، لأن اللعان لا يقع موقوفا على التراضي، لأنه لازم بتمامه لزوما شرعيا، و الأظهر الصحة و لزوم حكمه من غير أن يعتبر


1- 1 المستدرك الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 1.
2- 2 المستدرك الباب- 12- من كتاب اللعان الحديث 1.

ج 34، ص: 55

رضاهما بعده».

قلت: و إلى ذلك أشار المصنف بقوله و يثبت حكم اللعان أي عند من تراضيا به بنفس الحكم منه مثل الامام، كما عن الخلاف و لعان المبسوط و قيل كما عن قضاء المبسوط يعتبر رضاهما بعد الحكم و هو واضح الضعف، و أضعف منه القول بنفوذ حكمه، مع أنك ستعرف في كتاب القضاء تطابق النص (1)

و الفتوى على أن الحكومة منصب لهم عليهم السلام، و لا تكون إلا لهم أو لمن أذنوا له بها، و حكم المتراضيين به إنما هو من مسألة قاضي التحكيم التي أفرغنا الكلام فيها في كتاب القضاء و إن كان لا يحسن التعبير عنه برجل من العامة، لما سمعته في كتاب القضاء من أنه القاضي الجامع لشرائط الحكومة عدا الاذن منهم. و على كل حال فلا إشكال في صحته في زمن الغيبة عند الفقيه الجامع، لأنه منصوب منهم على ما يشمل ذلك كما هو مفروغ منه، بل هو كذلك من حين صدور عبارة النصب التي هي

قول الصادق عليه السلام (2): «فاني قد جعلته حاكما»

فيندرج فيه ذلك الزمان الملحق بزمان الغيبة باعتبار قصور اليد، و تفصيل هذه المباحث قد ذكرناه في كتاب القضاء، فلاحظ و تأمل.

و صورة اللعان التي نطق بها الكتاب العزيز (3) و السنة الكريمة (4) و الفتاوى أن يشهد الرجل أولا بالله أربع مرات أنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا أو في أن الولد ليس من مائه، فيقول: «أشهد بالله أني لمن الصادقين في ذلك» لكن ذكر غير واحد أنه إذا أراد نفي الولد قال: «إن هذا الولد من زنا و ليس مني» بل عن التحرير زيادة «أنه لو اقتصر على أحدهما لم يجز»


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صفات القاضي الحديث 1 من كتاب القضاء.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 6 الى 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان.

ج 34، ص: 56

و فيه أنه لا يتم إذا كان اللعان لنفي الولد خاصة من غير قذف بالزنا، إذ لا يختص اللعان في دعوى الزوج كون الولد من زنا، لإطلاق أدلته و إن اختص ظاهر الآية (1) في القذف إلا أن السنة (2)

مطلقة في ثبوته في الأعم من ذلك و لا تنافي بينهما، و لذا عد الأصحاب نفي الولد سببا مستقلا عن القذف، كما هو واضح.

ثم يقول الخامسة عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، ثم تشهد المرأة ثانيا بالله تعالى أربعا أنه لمن الكاذبين فيما رماها به فتقول:

«أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا» ثم تقول الخامسة:

إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به من الزنا، و لا تحتاج هي إلى ذكر الولد، لأن لعانها لا يؤثر فيه، و لكن لو تعرضت له لم يضر لتتساوى اللعنات و تتقابل.

[اللعان الواجب]

نعم يشتمل اللعان على واجب و مندوب، فالواجب التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور بلا خلاف أجده بيننا، فلو أبدل صيغة الشهادة بغيرها كقوله: «شهدت بالله» أو «أنا شاهد» أو «أحلف بالله» أو «أقسم» أو «أولى» أو أبدل لفظ الجلالة بالرحمن أو بالخالق و نحوه أو أبدل كلمة الصدق أو الكذب بغيرهما و إن كان بمعناها أو قال: «إني لصادق» أو «من الصادقين» بدون لام التأكيد أو قال:

«إنها زنت» أو قالت المرأة: «إنه كاذب» أو «لكاذب» أو أبدل اللعن بغيره و لو بلفظ الإبعاد و الطرد أو لفظ الغضب و لو بالسخط أو أحدهما بالاخر لم يقع، لأنه خلاف المنقول شرعا، و الأصل عدم ترتب أثر اللعان على غير موضع النص و الإجماع، بل لم أعثر على خلاف عندنا في شي ء من ذلك، نعم عن بعض العامة جواز تغيير لفظ «أشهد» بما يفيدها، و جواز إبدال اللعن بالغضب و بالعكس.


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 4 و 9- من كتاب اللعان.

ج 34، ص: 57

و في كشف اللثام «لعل تخصيص الألفاظ المعهودة على النهج المذكور للتغليظ و التأكيد، فإن الشهادة تتضمن مع القسم الاخبار عن الشهود و الحضور، و التعبير بالمضارع يقربه إلى الإنشاء، لدلالته على زمان الحال، و لفظ اسم الذات المخصوص بها بلا شائبة اشتراك بوجه، و من الصادقين بمعنى أنه من المعروفين بالصدق، و هو أبلغ من نحو صادق، و كذا من الكاذبين، و لكن اختيار هذا التركيب في الخامسة لعله للمشاكلة، لأن المناسب للتأكيد خلافه، و تخصيص اللعنة به و الغضب بها، لأن جريمة الزنا أعظم من جريمة القذف».

قلت: لا يخفى عليك عدم اقتضاء ذلك الجمود المزبور، بل لا صراحة في الكتاب و السنة بذلك، بل و لا ظهور، فان المنساق خصوصا من السنة إرادة إبراز المعنى المزبور، و أن الكيفية المخصوصة إحدى العبارات الدالة عليه، بل لولا ظهور اتفاق الأصحاب لأمكن المناقشة في بعض ما سمعته من الجمود المزبور و إن كان هو الموافق لأصالة عدم ترتب حكم اللعان، إلا أنه يمكن دعوى ظهور النصوص (1)

في خلاف الجمود المزبور، منها

الخبر المروي (2) عن النبي صلى الله عليه و آله في ملاعنة هلال بن أمية، فإنه قال: «احلف بالله الذي لا إله إلا هو أنك لصادق».

و يجب أيضا أن يكون الرجل قائما عند التلفظ بألفاظه الخمس، و كذا المرأة وفاقا للمحكي عن المقنع و المبسوط و السرائر، لما عن الفقيه من أنه في

خبر (3)

«يقوم الرجل فيحلف- إلى أن قال-: ثم تقف المرأة فتحلف»

و للمحكي من فعل النبي صلى الله عليه و آله (4)

«من أنه أمر عويمرا بالقيام، فلما تمت شهادته أمر امرأته بالقيام».

و قيل و القائل الأكثر كما في المسالك قال: «و منهم الشيخ في النهاية


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث- 3.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 395.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث- 3.
4- 4 الدر المنثور ج 5 ص 23.

ج 34، ص: 58

و المفيد و أتباعهما و أكثر المتأخرين» يكونان جميعا قائمين بين يدي الحاكم

لحسن ابن مسلم (1) سأل الباقر عليه السلام «عن الملاعن و الملاعنة كيف يصنعان؟ قال:

يجلس الامام مستدبر القبلة فيقيمهما بين يديه مستقبلا بحذائه و يبدأ بالرجل ثم بالمرأة»

و صحيح ابن الحجاج (2)

«إن عباد البصري سأل أبا عبد الله عليه السلام و أنا حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام- و حكى قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أخبره عن أهله، إلى أن قال-: فأوقفهما رسول الله صلى الله عليه و آله، ثم قال للزوج: اشهد»

إلى آخره.

و لعل اختلاف النصوص في الكيفية المزبورة مشعر بالندب، كما عن ابن سعيد التصريح باستحبابه، بل عن الصدوق في الهداية عدم التعرض له كالمصنف في النافع،

و في المرسل (3) عن الصادق عليه السلام أنه قال: «و السنة أن يجلس الامام للمتلاعنين و يقيمهما بين يديه كل واحد منهما مستقبل القبلة»

و لا ينافي ذلك

صحيح علي بن جعفر (4) عن أخيه عليه السلام سأله «عن الملاعنة قائما يلاعن أو قاعدا؟ فقال: الملاعنة و شبهها من قيام»

مع إرادة أن ذلك من السنة بمعنى الندب، لإطلاق الكتاب (5) كيفية الملاعنة من دون ذكر القيام، و لكن الاحتياط بناء على عدم اعتبار الاقتصار في قيام أحدهما في الكيفية الأولى لا ينبغي تركه.

و كذا يجب أن يبدأ الرجل أولا بالتلفظ على الترتيب المذكور و بعده المرأة فلو بدأت المرأة باللعان لغا، لأنه خلاف الثابت من النص (6)

و الفتوى، و لأن لعانها لإسقاط الحد عنها، كما هو مقتضى قوله تعالى (7)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 1.
3- 3 المستدرك الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 6.
5- 5 سورة النور: 24- الآية 6 إلى 9.
6- 6 سورة النور: 24- الآية 6 الى 9 و الوسائل الباب- 1- من كتاب اللعان.
7- 7 سورة النور: 24- الآية 8.

ج 34، ص: 59

«وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ» و هو إنما يجب بلعان الزوج، فما عن بعض العامة من جواز التقديم واضح الفساد كما عن بعض آخر منهم جواز تقديم اللعن أو الغضب على الشهادة، إذ هو مع أنه خلاف المعهود كتابا و سنة مناف للمعنى، ضرورة أن المراد إن كان من الكاذبين في الشهادات الأربع فلا بد حينئذ من تقديمها.

و كذا يجب أن يعينها بما يزيل الاحتمال، كذكر اسمها أو اسم أبيها أو صفاتها المميزة لها عن غيرها لأنه الثابت، نعم في المسالك إن كان له زوجتان فصاعدا و إلا اكتفى بقوله: «زوجتي» لكن في كشف اللثام «لعله لا يكفي التعبير عنها بزوجتي و إن لم يكن له في الظاهر زوجة غيرها، لاحتمال التعدد، و لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أظهر باعتبار كون الواقع في الأدلة المعينة، و لو كانت حاضرة يتخير بين ذلك و بين الإشارة إليها» و في المسالك «لو جمع بين الإشارة و التسمية كان أولى، لأن اللعان مبنى على التغليظ و الاحتياط، فيؤكد الإشارة بالتسمية» قلت: لكنه غير واجب قطعا.

و كذا يجب عليها تعيين الرجل و إن كان يكفي فيه «زوجي» لعدم احتمال التعدد.

و كذا يجب أن يكون النطق بالعربية غير الملحونة مع القدرة لأنه الثابت، بل قد عرفت اعتبار ذلك في نحو المقام من العقود و الإيقاعات نعم يجوز بغيرها مع التعذر كما جاز في غيرها للضرورة و حصول الغرض من الأيمان، كما ذكرناه في محله مفصلا.

و إذا كان الحاكم غير عارف بتلك اللغة افتقر إلى حضور مترجمين و لا يكفي الواحد و لا غير العدل كما في سائر الشهادات، و لا يشترط الزائد فإن الشهاد هنا إنما هي على قولهما لا على الزنا، خصوصا في حقها، فإنها تدفعه عن نفسها، خلافا لما عن بعض العامة فاشترط أربع شهود.

هذا و قد عرفت أنه تجب البدأة بالشهادات ثم باللعن، و في المرأة يبدأ بالشهادات ثم بقولها إن غضب الله عليها.

ج 34، ص: 60

و كذا قد عرفت أنه لو قال أحدهما عوض أشهد بالله: أحلف أو أقسم أو ما شاكله لم يجز فلا حاجة إلى إعادته، كما وقع من المصنف بعد أن ذكر ما يستفاد منه ذلك، و الأمر سهل.

لكن في القواعد زيادة «الموالاة بين الكلمات- أي الشهادات في الواجب و كذا- إتيان كل واحد منهما باللعان بعد إلقائه- أي الحاكم- عليه، فلو بادر به قبل أن يلقيه عليه الامام لم يصح».

و كان الوجه في الأول الاقتصار أيضا فيما خالف الأصل على الواقع بحضرته صلى الله عليه و آله (1)

مما لم يتخلل بينها فصل طويل، و في كشف اللثام «و لأنها من الزوج بمنزلة الشهادات، و يجب اجتماع الشهود على الزنا، و لوجوب مبادرة كل منهما إلى دفع الحد عن نفسه، و نفي الولد إن كان منتفيا- لكن قال-: لم أر غيره من الأصحاب ذكره، و للشافعية في وجوبها وجهان».

و أما الوجه في الثاني فالأخبار المبينة لكيفية اللعان (2)

فإنها تضمنت ذلك، و لأن الحد لا يقيمه إلا الحاكم فكذا ما يدرؤه، مضافا إلى أنه كاليمين في الدعاوي التي لو حلف قبل الإحلاف لم يصح، كما بيناه في محله.

[اللعان المندوب]

و الندب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة و أن يقف الرجل عن يمينه و المرأة و الصبي عن يمين الرجل لما رواه

البزنطي (3) عن الرضا عليه السلام قال: «أصلحك الله تعالى كيف الملاعنة؟ قال يقعد الامام عليه السلام، و يجعل ظهره إلى القبلة، و يجعل الرجل عن يمينه و المرأة و الصبي عن يساره»

و محمد بن مسلم (4)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاعن و الملاعنة كيف يصنعان؟ قال: يجلس الامام مستدبر القبلة، فيقيمهما بين يديه مستقبل القبلة بحذاه، و يبدأ بالرجل ثم بالمرأة»

و لعل المراد بيسار الإمام في الأول جهة يساره التي هي جهة يمين الرجل، و لذا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 4.

ج 34، ص: 61

ذكره الأصحاب دليلا على الحكمين، نعم في المسالك «ليس في الرواية أن الزوجين مستقبلان، و كذلك أطلق المصنف و جماعة» قلت: و لكن نص عليه في الصحيح الآخر (1)

و الأمر سهل، لأن الحكم استحبابي يتسامح فيه.

و من الندب أيضا أن يحضر من يسمع اللعان جماعة غير الحاكم من الأعيان و الصلحاء، فان ذلك أعظم للأمر، و ليعرف الناس ما يجري عليهما من التفريق المؤبد أو حكم القذف أو ثبوت الزنا، و لما روي من أنه حضره على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله جماعة من أصحابه، منهم ابن عباس و ابن عمر و ابن سهل بن سعيد (2) بل قيل: هم من أحداث الصحابة، و العادة جارية على عدم حضور الصغار وحدهم، و قيل أيضا: أقل ما يتأدى به الوظيفة أربعة نفر، فان الزنا يثبت بهذا العدد، فيحضرون لإثباته و إن كان لم أقف له على دليل، إلا أن الأمر سهل في المندوبات و الآداب و الوظائف.

و منه أيضا أن يعظه الحاكم و يخوفه بعد الشهادات قبل ذكر اللعن، و كذا في المرأة قبل ذكر الغضب بتخويفهما يذكر أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، و يقرأ عليهم «الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا» (3) و في

خبر عباد البصري (4) عن الصادق عليه السلام «إن رسول الله صلى الله عليه و آله قال للرجل بعد الشهادات الأربع: اتق الله فإن لعنة الله شديدة- ثم قال-: اشهد الخامسة- إلى إن قال-: ثم قال صلى الله عليه و آله للامرأة بعد الشهادات الأربع: أمسكي، فوعظها و قال: اتق الله فان غضب الله شديد، ثم قال: اشهدي الخامسة»

إلى آخره.

و قد يغلظ اللعان بالقول بذكر أسماء الله تعالى المؤذنة بالانتقام و بالعظمة و الهيبة و المكان بأن يلاعن بينهما في البقاع المشرفة، مثل ما بين الركن و المقام


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 4.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 394 و 399 و فيه سهل بن سعد.
3- 3 سورة آل عمران: 3- الآية 77.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 1.

ج 34، ص: 62

- أي الحطيم- إن كان في مكة، و في المسجد عند الصخرة إن كان في بيت المقدس، و عند قبر رسول الله صلى الله عليه و آله إن كان في المدينة، و عند المكان المعروف بالإصبعين في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام قريبا من مكان رأسه المعظم، و في باقي المشاهدة المشرفة و المساجد المعظمة، نحو مسجد الكوفة و مسجد سهيل و مسجد براثا و غيرها من المساجد المعلومة و الزمان كيوم الجمعة بل بعد العصر منه المفسر به (1) قوله تعالى (2) «تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ» و يوم القدر و نحوهما من الأزمنة المعظمة ما لم يستلزم التراخي في ذلك، و ستعرف في باب القضاء استحباب التغليظ للحاكم في اليمين الذي منه ذلك، بل ستعرف رجحان التغليظ بين أهل الذمة في أماكنهم المعظمة عندهم من بيعهم و كنائسهم، بل لا يبعد ذلك أيضا بين المجوس و غيرهم في بيوت النيران و الأصنام، لمكان تعظيمهما عندهم و إن توقف فيه بعض الشافعية، لكنه في غير محله.

و لكن من المعلوم أنه إنما يجوز اللعان في المساجد و الجوامع إذا لم يكن هناك مانع من الكون في المسجد كالجنابة و الحيض فإذا اتفقت المرأة حائضا أنفذ إليها الحاكم من يستوفى الشهادات منها و لا يشترط فيه الاجتهاد و أولاه عند باب المسجد، لأنه أنسب بالتغليظ.

و كذا لو كانت غير برزة و لا معتادة الحضور لجامع الرجال و لو لشرفها لم يكلفها الخروج من منزلها و جاز استيفاء الشهادات عليها فيه نحو غير يمين اللعان من الأيمان في الدعاوي، إذ المقام فرد منها، فلاحظ ما ذكرناه في كتاب القضاء من وجه ذلك و كيفيته، لتكون على بصيرة من ذلك و من غيره مما لا يخفى عليك جريانه في المقام الذي ذكرنا غير مرة أنه فرد من أفراده.


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب الوصايا الحديث 6 و المستدرك الباب- 20- منه الحديث 1 و الفقيه ج 4 ص 142.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 106.

ج 34، ص: 63

و هل اللعان يمين أو شهادة؟ قال الشيخ و تبعه جماعة منهم الفاضل في القواعد اللعان أيمان و ليس شهادات، و لعله نظر إلى اللفظ، فإنه بصورة اليمين فان قوله «بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» و قولها «بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ» كالصريح في ذلك، و إلى صحته من الفاسق و الذكر و الأنثى، و إلى

قول النبي صلى الله عليه و آله لهلال بن أمية (1): «احلف بالله الذي لا إله إلا هو أنك لصادق»

و إلى

قوله صلى الله عليه و آله (2) بعد التلاعن: «لو لا الأيمان لكان لي و لها شأن»

و إلى أن كلا منهما يلاعن نفسه و لم يعهد شهادة أحد لنفسه، و إلى أنه لا معنى لكونه من المرأة شهادة فكذا منه، و إلى استحباب التغليظ فيه المعلوم كونه من أحكام اليمين، و إلى غير ذلك مما هو من خواصه دون الشهادة.

خلافا للمحكي عن أبي علي بل ربما استظهر من المصنف أيضا لكثرة إطلاقه عليه الشهادة، و نسبته القول بكونه يمينا إلى الشيخ، بل عن الفاضل في المختلف التصريح باختياره، لظاهر قوله تعالى (3) «فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ» إلى آخر الآية التي أطلق عليه فيها لفظ الشهادة في خمسة مواضع، و كني عنها في موضعين، و ل

قول النبي صلى الله عليه و آله (4) للرجل: «اشهد أربع شهادات- و للمرأة- اشهدي»

و لقول الصادق عليه السلام (5): «إن عليا عليه السلام قال: ليس بين خمس نساء و بين أزواجهن ملاعنة- إلى أن قال-: و المجلود في الفرية، لأن الله تعالى يقول (6) وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً»

و لأنه يعتبر فيه التصريح بلفظ الشهادة، و لأنه به يدرأ عنه و يثبت به عليها كالبينة، بخلاف اليمين فإنها لا تدخل في الحدود، و لأنه إذا امتنع من اللعان ثم رغب فيه يمكن منه كمن امتنع من إقامة البينة ثم أراد إقامتها، و الناكل عن


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 395.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 395.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللعان الحديث 12.
6- 6 سورة النور: 24- الآية 4.

ج 34، ص: 64

اليمين لا يعود إليها.

و لأن

محمد بن سليمان (1) سأل الجواد عليه السلام «كيف صار الزوج إذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله؟ و كيف لا يجوز ذلك لغيره؟ و صار إذا قذفها جلد الحد، و لو كان ولدا أو أخا فقال عليه السلام: قد سئل جعفر عليه السلام عن هذا فقال: ألا ترى أنه إذا قذف الزوج امرأته قيل له: و كيف علمت أنها فاعلة؟ قال:

رأيت منها ذلك بعيني كانت شهادته أربعا، و ذلك أنه قد يجوز الرجل أن يدخل المدخل في الخلوة التي لا يصلح لغيره أن يدخلها و لا يشهدها ولد و لا والد في الليل و النهار، فلذلك صارت شهادته أربعا إذا قال رأيت ذلك بعيني و إذا قال: لم اعاينه صار قذفا و ضرب الحد، إلا أن يقيم عليها البينة، و إن زعم غير الزوج إذا قذف و ادعى أنه رآه بعينه قيل له: و كيف رأيت ذلك؟ و ما أدخلك ذلك المدخل الذي رأيت فيه هذا وحدك؟ أنت متهم في دعواك، فان كنت صادقا فأنت في حد التهمة، فلا بد من أدبك بالحد الذي أوجبه الله عليك، قال: و إنما صارت شهادة الزوج أربعا لمكان الأربعة شهداء مكان كل شاهد يمين».

إلا أن الجميع كما ترى، بل ذيل الخبر المزبور صريح في كونه يمينا، و من الجائز أن لفظ الشهادة في هذه الجمل حقيقة عرفية أو مجاز مشهور في اليمين و لا بعد، لمخالفته لسائر الأيمان في بعض الأحكام، بل قيل: إن خبر النفي عن الخمس مع الضعف ليس نصا في كون اللعان شهادة، بل الذي ينص عليه أنه لا يقبل منه الشهادة عليها بالزنا و إن أكده باللعان على أنه غير معمول عليه في ذلك، و كأن التأمل الجيد يقتضي عدم ثمرة لهذا الاختلاف بعد فرض عدم جريان جميع أحكام اليمين و أحكام الشهادة عليه، فلا بأس بالقول بأنه شهادة من جهة و يمين من أخرى،


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من كتاب اللعان الحديث 5 مع الاختلاف في اللفظ و ذكره بعينه في الكافي ج 7 ص 403.

ج 34، ص: 65

بل لعل الغالب عليه جهة اليمينية، و الأمر سهل.

[أحكام اللعان]

[المسألة الأولى يتعلق بالقذف وجوب الحد في حق الرجل]

و أما الكلام في أحكامه فتشتمل على مسائل

الاولى: لا خلاف بيننا و لا إشكال في أنه يتعلق بالقذف من الرجل وجوب الحد عليه في حق ه أي الرجل، لإطلاق الأدلة كتابا (1) و سنة (2)

و لا يتعين عليه اللعان عينا نعم بلعانه يثبت سقوط الحد في حقه و وجوب الحد في حق الامرأة، لأنه بمنزلة إقامة البينة، و لكن يسقطه عنها لعانها، كما هو مقتضى قوله تعالى (3) «وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ» الظاهر في إرادة الحد من العذاب لا الحبس، كما عن أبي حنيفة، فقال: «إن قذف الزوج لا يوجب الحد عليه و لكن يوجب اللعان، و مع امتناعه يحبس حتى يلاعن و حينئذ فاللعان عقوبة قذفه دون الحد، و كذلك المرأة لا تحد بلعانه، بل تحبس حتى تلاعن» و هو مع منافاته لظاهر آية القذف (4) و قوله تعالى (5) «يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ» في آية اللعان مناف أيضا

للنبوي المروي في طرقهم (6) إنه قال لهلال لما قذف زوجته: «البينة أو حد في ظهرك فقال هلال: و الذي بعثك بالحق إني لصادق، و لينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فأرسل إليها»

إلى آخره.

و كيف كان مع لعانهما (11) يتعلق ثبوت أحكام أربعة سقوط الحدين و انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة (12) إن تلاعنا لنفيه و زوال الفراش


1- 1 سورة النور: 24- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد القذف من كتاب الحدود.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 8.
4- 4 سورة النور: 24- الآية 4.
5- 5 سورة النور: 24- الآية 8.
6- 6 سنن البيهقي ج 7 ص 395 و 394.

ج 34، ص: 66

و التحريم المؤبد بلا خلاف و لا إشكال في شي ء منها عندنا نصا (1)

و فتوى، خلافا لبعض العامة، فنفى تأبد التحريم، و قال: لو أكذب نفسه كان له أن يجدد نكاحها، بل عن بعض العامة قول ببقائهما على الزوجية، و النص (2)

من طرقنا و طرقهم حجة عليهما، نعم قيل: يمكن إرجاع الأحكام الأربعة إلى ثلاثة، لأن زوال الفراش يدخل في التحريم المؤبد، و فيه أن التحريم المؤبد قد يجامع الفراش كالمفضاة، و الأمر سهل.

و لا خلاف عندنا أيضا كما لا إشكال في أن هذه الفرقة تحصل ظاهرا و باطنا، سواء كان الزوج صادقا أو هي صادقة، خلافا لأبي حنيفة، فحكم بعدم حصولها باطنا مع صدقها، و هو واضح الضعف.

و من المعلوم أيضا أن الولد بعد اللعان لا يدعى لأبيه، و لكن لا يرمى بأنه ابن زنا، و في

حديث ابن عباس (3)

«أن النبي صلى الله عليه و آله لما لاعن بين هلال و امرأته فرق بينهما، و قضى لا يدعى ولدها لأب و لا يرمى ولدها، و متى رماها أو رمى ولدها فعليه الحد- قيل-: و كان بعد ذلك أميرا على مصر و ما يدعى لأب»

و سأل الصادق عليه السلام أبو بصير (4)

«عن المرأة يلاعنها زوجها و يفرق بينهما إلى من ينسب ولدها؟ فقال: إلى امه»

إلى غير ذلك من النصوص (5)

.

و لو كان الزوج عبدا و شرط مولاه رقية الولد من زوجته الحرة و قلنا بصحة الشرط ففي حريته لو لاعن الأب لنفيه إشكال، من انتفائه عنه شرعا من أنه حق لغير المتلاعنين، فلا يؤثر فيه اللعان مع ثبوت حكم الفراش ظاهرا، و كذا الإشكال في العكس، أي فيما إذا كانت الزوجة أمة و الزوج حرا بغير شرط الرقية، من


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و غيره- من كتاب اللعان.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللعان و سنن البيهقي ج 7 ص 409 و 410.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 394 و 395 و 402 و 410.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من كتاب اللعان الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللعان.

ج 34، ص: 67

انتفائه عنه شرعا مع كونه نماء مملوكته، فيكون رقا لمالكها، و من أن اللعان إنما أثر في انتفاء نسبه من الملاعن، و أما تأثيره في الحرية التي هي حق الله تعالى و حق الولد فغير معلوم مع تغليب الحرية، و لعل الأقوى الأول فيهما.

و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لو أكذب نفسه في أثناء اللعان أو نكل و لو بكلمة واحدة ثبت عليه الحد و لم يثبت عليه الأحكام الباقية التي علم أنها مترتبة على اللعان الذي لا يتحقق إلا بإكماله، فبدونه لا يثبت شي ء منها، للأصل.

و كذا لو نكلت هي أو أقرت رجمت لأنها محصنة إذا كان قد قذفها بالزنا، أما إذا لاعنها لنفي الولد بلا قذف لم يثبت الحد عليها إلا أن تقر بموجبه.

و في الأول سقط الحد عنه بلعانه و لم يزل الفراش و لا يثبت التحريم مع فرض إقرارها أو نكولها و لو بكلمة واحدة بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك نصا و فتوى، ف

في حسن الحلبي (1)عن الصادق عليه السلام «إن أقر على نفسه قبل الملاعنة جلد حدا و هي امرأته»

و في خبر علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل لاعن امرأته فحلف أربع شهادات ثم نكل في الخامسة، قال: إن نكل عن الخامسة فهي امرأته و يجلد، و إن نكلت المرأة عن ذلك إذا كان اليمين عليها فعليها مثل ذلك»

إلى غير ذلك من النصوص (3)

و لا يحتاج في رجمها إلى إقرارها أربعا بعد لعانه الذي هو كإقامة البينة عليها، فمع فرض نكولها عن اللعان لم يسقط الحد عنها الثابت بلعانه، نعم لو أقرت قبل لعانه اعتبر كونه أربعا كغيره من الإقرار بالزنا، كما هو واضح.

و لو أكذب نفسه بعد اللعان لحق به الولد بلا خلاف فيه نصا (4)


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب اللعان الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من كتاب اللعان الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من كتاب اللعان.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللعان.

ج 34، ص: 68

و فتوى، لكن فيما عليه لا فيما له، لإقراره أولا بالانتفاء منه، و لذا يرثه الولد و لا يرثه الأب و لا من يتقرب به، و ترثه الأم و من يتقرب بها كما بينا ذلك كله مفصلا في كتاب الميراث الذي وفق الله لإتمامه قبل المقام، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال لم يعد الفراش بالإكذاب المزبور و لم يزل التحريم بلا خلاف نصا (1)

و فتوى بل و لا إشكال استصحابا لحكم اللعان.

و لكن هل عليه الحد؟ فيه روايتان:

ففي

صحيح الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام «في رجل لاعن امرأته و هي حبلى قد استبان حملها و أنكر ما في بطنها فلما وضعت ادعاه و أقر به و زعم أنه منه فقال:

يرد عليه ابنه و يرثه و لا يجلد، لأن اللعان قد مضي».

و في صحيحه الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا «سألته عن رجل لاعن امرأته و هي حبلى قد استبان حملها فأنكر ما في بطنها فلما وضعت ادعاه و أقر به و زعم أنه منه فقال: يرد إليه ولده و يرثه، و لا يجلد، لأن اللعان قد مضى بينهما».

و في خبره الآخر (4) عنه عليه السلام أيضا «في رجل لاعن امرأته و هي حبلى ثم ادعى ولدها بعد ما ولدت و زعم أنه منه، قال: يرد عليه الولد، و لا يجلد، لأنه قد مضى التلاعن».

و في خبر محمد بن فضيل (5) سأل الكاظم عليه السلام «عن رجل لاعن امرأته و انتفى من ولدها ثم أكذب نفسه هل يرد عليه ولده؟ قال: إذا أكذب نفسه جلد الحد و رد عليه ابنه، و لا ترجع إليه امرأته».

أظهرهما أنه لا حد وفاقا للمحكي عن الشيخ في النهاية و التهذيب،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللعان.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللعان الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من كتاب اللعان الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللعان الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللعان الحديث 6.

ج 34، ص: 69

و خلافا له في محكي المبسوط و المفيد في محكي المقنعة و للفاضل في القواعد و شارحة الأصبهاني و ثاني الشهيدين في المسالك، قالوا: لما فيه من زيادة هتكها و تكرار قذفها و ظهور كذب لعانه، مع أنه يثبت عليه الحد بالقذف، فيستصحب إلى أن يعلم المزيل، و لا يعلم زواله بلعان ظهر كذبه، و الأخبار الأولة إنما نفت الحد إذا أكذب نفسه في نفي الولد دون القذف، و الحد إنما يجب إذا أكذب نفسه فيما رماها به من الزنا، كما عن صريح المبسوط.

إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة أن إكذاب نفسه تنزيه لها لا زيادة هتك و تكرار قذف، و إطلاق أدلة اللعان فضلا عن الأولة مقتض لسقوط الحد، فلا معنى لاستصحابه، بل المتجه استصحاب العكس، و تعليل عدم الجلد في الصحيح المزبور كالصريح في أن لعانه كان بالقذف، و نفى الولد و إن كان من المذكور فيه الأخير كالخبر المعارض المعلوم قصوره عن المعارضة سندا و عددا، خصوصا مع ملاحظة قاعدة درء الحد و الاستصحاب و عدم تجدد قذف منه بالإكذاب، و الأول قد سقط باللعان.

و من الغريب ما في المسالك، حيث اقتصر على ذكر الخبر الثالث دليلا للقول بالسقوط راويا لمتنه بدل «و لا يجلد» «و لا تحل له أبدا، لأنه قد مضى التلاعن» ثم رجح خبر ابن الفضيل عليه بأنه ناص على الحد، بخلاف خبر الحلبي الذي لم يتعرض فيه لذلك، ثم قال: «مع أن في طريق الروايتين من هو مشترك بين الثقة و الضعيف، و إنما نجعلها شاهدا على ما اخترناه بالوجه العام» أي الذي ذكرناه أولا، و قد عرفت ما فيه، مع أن في روايات الحلبي الصحيح الصريح في نفي الحد المؤيد بالاستصحاب و التعليل و قاعدة درء الحد و إطلاق أدلة اللعان و غير ذلك مما لا يصلح الخبر المزبور الضعيف معارضا له، فلا بد من طرحه أو تأويله بما لا ينافي ذلك من الإكذاب قبل إكمال اللعان كما عن الشيخ، و إن كان هو مناف لما فيه من عدم رجوع الامرأة أو غير ذلك، و الله العالم.

و لو اعترفت هي بعد اللعان بأن أكذبت نفسها لم يعد شيئا من

ج 34، ص: 70

أحكام اللعان التي ثبتت به، و لم يجب عليها الحد بذلك إجماعا كما في المسالك، لما قيل من أن حد الزنا لا يثبت على المقر إلا أن يقر به أربع مرات.

و من هنا قال المصنف و غيره لم يجب عليها الحد بذلك إلا أن تقر به أربع مرات بل و في وجوبه معها تردد من اندفاعه باللعان، و من فحوى ما سمعته في إكذاب نفسه، و التعليل في النصوص (1)

السابقة بأن اللعان قد مضى و لذلك كان خيرة النهاية و السرائر و الجامع و غيرها، و من عموم إيجاب الإقرار أربعا له، و ظهور كذبها في اللعان، و لذلك كان خيرة ثاني الشهيدين و الفاضل الأصبهاني، بل حكاه الأول عن الشيخ في النهاية و أتباعه و ابن إدريس و العلامة، بل نسبه إلى الأشهر و إن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك، و كان الذي دعاهما إلى اختياره اختيارهما وجوب الحد على الرجل إذا أكذب نفسه، و قد عرفت ضعفه.

و منه يعلم أن الأقوى سقوطه هنا و إن أقرت به أربعا، لما عرفته هناك، بل كان المتجه على قولهم ثبوت الحد عليها باعترافها الأول، لأنه مقتض لفساد لعانها باعترافها بكذبه، فبقي ما اقتضاه لعان الزوج من وجوب الحد عليها بلا معارض، بل تكون حينئذ كما لو نكلت، و قد عرفت أنه خلاف الإجماع، و هو مؤيد آخر للحكمين.

و لو عاد الرجل بعد أن أكذب نفسه و قال: لي بينة أقيمها أو ألاعن ثانيا لم يسمع منه في سقوط الحد عنه بناء على ثبوته عليه، لأن البينة و اللعان لتحقيق ما قاله، و قد أقر بكذب نفسه، و العقلاء مؤاخذون بإقرارهم، و البينة إنما تسمع إذا لم يكذبها قولا أو فعلا.

و لو اعترف بالولد بعد موته لم يرث منه، كما لو اعترف به في حياته ثم مات، لما عرفت من عدم إفادة هذا الاعتراف في حق الولد شيئا، لكن لو كان للولد


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللعان.

ج 34، ص: 71

ولد ورث الجد الملاعن إذا لم يكن أقرب منه، و لا يرث هو ابن الابن، كما لا يرث الابن، خلافا لأبي حنيفة.

و لو أقام بينة ثم أكذبها ففي توجه الحد عليه نظر، من إقراره بكذبه الموجب للحد، و من ثبوت صدقه عند الحاكم بالبينة، و لعل الأول أقوى.

و لو لم يكذب نفسه و لا لاعن ثبت عليه الحد، فإن أقيم بعضه فبذل اللعان أجيب إليه، فإن الحد يدرأ بالشبهة، و كما أن اللعان يدرأ التمام فالبعض اولى، مضافا إلى إطلاق أدلته.

[المسألة الثانية إذا انقطع كلامه بعد القذف و قبل اللعان]

المسألة الثانية:

إذا انقطع كلامه بعد القذف و قبل اللعان بأن اعتقل لسانه و عجز عن الكلام لمرض و غيره فان كان لا يرجى زواله فلا ريب في أنه حينئذ صار كالأخرس لعانه بالإشارة بل في المتن هو كذلك و إن لم يحصل اليأس منه، لحصول العجز في الحال، و حد القذف مضيق و ربما يموت، و يلحق به نسب ليس منه، و ذلك ضرر، و يحتمل انتظار زواله، للشك في الاكتفاء بالإشارة عن التصريح بالكلمات، و الأصل عدم ترتب حكم اللعان عليها.

ج 34، ص: 72

[المسألة الثالثة إذا ادعت أنه قذفها بما يوجب اللعان]

المسألة الثالثة:

إذا ادعت أنه قذفها بما يوجب اللعان فسكت فأقامت عليه البينة ففي المسالك «له أن يلاعن، و لم يكن السكوت إنكارا للقذف و لا تكذيبا للبينة في الحقيقة، و لكنه جعل كالإنكار في قبول البينة، و إذا لاعن قال: أشهد بالله إنى لمن الصادقين فيما أثبت علي من رميي إياها بالزنا» و فيه أن المذكور في كتاب القضاء إلزامه بالجواب، فان امتنع حبس حتى يجيب، و ظاهرهم هناك عدم قيام البينة قبل حصول الجواب منه، فدعوى أن السكوت مطلقا كالإنكار في قبول البينة ممنوعة، و مع التسليم فالصدق مطابقة خبره للواقع لا ما قامت عليه البينة، و إلا لصح ذلك منه حتى مع الإنكار، بأن يقول: إني لمن الصادقين فيما قامت به البينة علي، لا أقل من الشك في حصول شهادة اللعان الذي هو خلاف الأصل في الفرض فتأمل جيدا.

و كيف كان ف إن أنكر فأقامت عليه البينة ففي المتن لم يثبت اللعان و تعين الحد، لأنه يكذب نفسه لكن في القواعد و شرحها و المسالك له اللعان إن أظهر لإنكاره تأويلا، كأن يقول: «إني كنت قلت لها زنيت و بذلك شهد الشاهدان و لكنه ليس بقذف، لأني صدقت في ذلك و إنما أنكرت أنى قذفتها- أي القول المزبور- كاذبا».

و فيه أنه خلاف ظاهر اللفظ الذي يجب الأخذ به في ترتب الحكم الشرعي، و مجرد كونه محتملا لا ينافي الظهور المعتبر، و قد اعترف بذلك في المسالك، حيث قال: «و الوجه أنه إن ظهر لإنكاره هذا التأويل و نحوه من التأويلات المحتملة قبل،

ج 34، ص: 73

و إلا فلا، لأنه خلاف مدلول اللفظ، فلا يكفي في نفيه مجرد الاحتمال». و لا يخفى عليك ما فيه ضرورة أن المفروض مما نفاه، إذ دعوى أنه غير مناف للظاهر كما ترى.

نعم قد يقال: إن هذا بمنزلة إنشاء القذف الجديد الذي صرح في القواعد و غيرها أن له اللعان به، و يسقط الحد عنه و إن كانت صادقة في دعواها، لأن من كرر قذف امرأته كفاه لعان واحد.

و لعل إطلاق المصنف منزل على الإنكار المقتضي لبراءتها، فإنه حينئذ لا يصح له اللعان المنافي لما اعترف به من عفتها، بل ليس له أن يقيم البينة و الحال هذه، لأنه كذب الشهود باعترافه ببراءتها، بل ليس له إنشاء قذف جديد لذلك أيضا، نعم لو مضت مدة يمكن زناها فيها صح منه اللعان حينئذ به، لكن في سقوط حد القذف الذي قامت به البينة وجهان، من أن قوله: «ما زنيت» يمنع من صرفه إلى الأول، و من إطلاق سقوط الحد باللعان الواحد القذف المتعدد و إن كان الأقوى الأول.

ج 34، ص: 74

[المسألة الرابعة إذا قذف امرأته برجل على وجه نسبهما إلى الزنا]

المسألة الرابعة:

إذا قذف امرأته برجل على وجه نسبهما إلى الزنا بأن قال: «زنيت بفلان» كان عليه حدان، لأنه قذف لهما، نعم بناء على ما سيأتي إنشاء الله في الحدود من أنه إن كان القذف متعددا بلفظ واحد يتداخل الحدان، و يكتفي بحد واحد لهما مع الاجتماع في طلبه، و أما مع التفرق فلكل حد، و ما نحن فيه من أفراد تلك المسألة فحينئذ إن جاءا به مفترقين فلا إشكال في تعدد الحد.

و لكن له إسقاط حد الزوجة باللعان دون حده و إن جاءا به مجتمعين، فان لاعن الزوجة سقط حدها و بقي حد الرجل أيضا، لأن التداخل إنما هو إذا حصل حد و لم يحصل، فكان كما لو لم يطلبه، نعم إن لم يلاعن و حد لها تداخل الحدان بناء على القاعدة المزبورة، و إن أطلق المصنف هنا، إلا أنه لا يأبى تنزيله عليها، و لا فرق عندنا في عدم سقوط حد الرجل بين ذكره في شهادات اللعان و عدمه، لأن اللعان بالنسبة إلى إسقاط حد القذف مختص بالزوجة.

خلافا لبعض العامة، فأسقط حده مع ذكره في لعانها، لأن اللعان حجة في ذلك الزنا في طرف المرأة، فكذا في طرف الرجل، لأن الواقعة واحدة، و قد قامت فيها حجة مصدقة، و فيه أن اللعان إنما هو حجة على قذف الزوجة كما تضمنته الآية (1) لا على قذف غيرها، فيبقى حكم قذفه على الأصل. نعم لو كان له بينة سقط الحدان لأنها حجة مطلقا.


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6 إلى 9.

ج 34، ص: 75

[المسألة الخامسة إذا قذفها فأقرت قبل اللعان قال الشيخ: لزمها الحد إن أقرت أربعا]

المسألة الخامسة:

إذا قذفها فأقرت قبل اللعان قال الشيخ: لزمها الحد إن أقرت أربعا لما تسمعه في الحدود إنشاء الله و لكن سقط الحد عن الزوج و لو أقرت مرة لاعترافها بعدم الإحصان. و لو كان هناك نسب لم ينتف إلا باللعان، و كان للزوج أن يلاعن لنفيه، لأن تصادق الزوجين على الزنا لا ينفي النسب، إذ هو ثابت بالفراش و هو جيد مطابق للقواعد العامة.

و لكن في المتن و تبعه الفاضل في القواعد في اللعان تردد و جعله في المسالك مما سمعت و من أن اللعان غير متصور، لأن الزوجة لا يمكنها أن تقول أشهد بالله أنه لمن الكاذبين في نفي الولد عنه مع تصديقها إياه على الزنا و على تولد الولد من الزنا، فان ذلك فرض المسألة، و إنما يتجه اللعان مع تصديقها له على الزنا دون تولد الولد منه.

و في كشف اللثام «و ينشأ الإشكال من أن اللعان على خلاف الأصل، و لم يظهر لنا ثبوته إلا إذا تكاذبا، و لا تكاذب هنا، و من أنه إذا علم انتفاء الولد منه وجب عليه نفيه، و لا طريق إلى انتفائه إلا اللعان، و الصبر إلى بلوغ الولد و اللعان معه لا يجوز، إذ ربما مات أو مات الولد قبله أو قبل التمكن من اللعان بعده، و حينئذ إنما يلتعن الزوج لأنها لا يمكنها الالتعان» و قال قبل ذلك أيضا: «لا إشكال في ثبوت اللعان إذا ادعت النسب، لأن الإقرار بالزنا لا ينافيه، و إنما يشكل الأمر إذا صادقته على الانتفاء أو سكتت أو اعترفت بالجهل و احتمال الأمرين».

قلت: ليس في الكلام المحكي عن الشيخ إشعار باللعان مع التصادق و على تقديره ينبغي الجزم بعدم اللعان منها، لعدم تصور صحة وقوعه، لا التردد، و إنما غرض الشيخ أن اعترافها بالزنا يسقط اللعان منها بالنسبة للقذف، أما نفي الولد فلا،

ج 34، ص: 76

إذ الاعتراف بالزنا لا ينافي لحوق الولد، لقاعدة الفراش التي شرع اللعان لها، بل قد يقال بصحة اللعان منها أيضا في صورة اعترافها بالجهل و احتمال الأمرين، لإمكان شهادتها بالله على كذبه في نفيه مع فرض الإلحاق به شرعا، و أما لعانه فلعله لعلمه بعدم الوطء الموجب للإلحاق به.

و بالجملة فالتردد الواقع من المصنف فيما ذكره الشيخ و تبعه عليه الفاضل في القواعد في غير محله. و مما ذكرنا يعلم النظر فيما في المسالك، بل و كشف اللثام.

و من الغريب دعواه في المسالك أن مفروض المسألة اعترافها بكون الولد من الزنا مع أنه لا أثر لذلك في الكلام المحكي عن الشيخ، و الأمر سهل بعد وضوح الحال لديك في جميع الصور.

[المسألة السادسة إذا قذفها فادعى أنها اعترفت بذلك فأنكرت فأقام شاهدين باعترافها لا يقبل إلا أربعة]

المسألة السادسة:

إذا قذفها ف ادعى أنها اعترفت بذلك فأنكرت فأقام شاهدين باعترافها قال الشيخ في محكي المبسوط و تبعه الفاضل في محكي المختلف بل في الأول أنه مذهبنا لا يقبل إلا أربعة لعموم قوله تعالى (1)«وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ» و لأن الغرض من ثبوت الإقرار به إثبات الزنا الذي لا يثبت إلا بالأربعة أو الإقرار أربعا، فكان الإقرار به كنفس الزنا، و حينئذ إن لم يقم الأربعة و لم يلاعن يجب عليه الحد للقذف.

و لكن فيه إشكال ينشأ من كون ذلك شهادة بالإقرار لا بالزنا الذي خرج بأدلته عن إطلاق الإثبات بالشاهدين، و من هنا كان ثبوته بهما خيرة


1- 1 سورة النور: 24- الآية 4.

ج 34، ص: 77

محكي الخلاف و السرائر و موضع من المبسوط، نعم إنما يقبل في سقوط الحد عنه الذي يكفي فيه إقرارها به و لو مرة لا ثبوت الحد عليها الذي لا يوجبه إلا الشهود الأربعة بزناها أو إقرارها به أربعا، اللهم إلا أن يشهد الشاهدان بإقرارها كذلك، فان المتجه حينئذ ثبوته عليها بناء على ما عرفت، و قد يحتمل، بل ربما كان ظاهر بعض هنا اعتبار الأربعة في الإقرار أربعا بالنسبة إلى ثبوت الحد عليها، و يأتي تحقيق ذلك في محله إنشاء الله.

[المسألة السابعة إذا قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان]

المسألة السابعة:

إذا قذفها فماتت قبل اللعان أو إكماله في كل منهما سقط اللعان و ورثها الزوج لبقاء علقة النكاح بينهما و عليه الحد للوارث بناء على أن حد القذف يورث، لعموم أدلة الإرث و لكن لو أراد دفع الحد عنه باللعان منه خاصة جاز لعموم أدلة اللعان فيترتب عليه ما يخصه من الحكم، و هو سقوط الحد عنه، نعم لا يترتب عليه الأحكام المترتبة على لعانهما من الحرمة المؤبدة و نفي النسب لو كان اللعان فيه، و حينئذ فيرثها بعد لعانه الذي هو لإسقاط الحد عنه إلا أن في رواية أبي بصير (1)

عن أبي عبد الله عليه السلام إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له و إلا أخذ الميراث.

و لفظها على ما في التهذيب

أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل قذف امرأته و هي في قرية من القرى، فقال السلطان: ما لي بهذا علم، عليكم بالكوفة، فجاءت إلى القاضي ليلاعن فماتت قبل أن يتلاعنا، فقالوا هؤلاء: لا ميراث لك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن قام رجل من أهلها مقامها فلاعنه فلا ميراث له، و إن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها أخذ الميراث زوجها».


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من كتاب اللعان الحديث 1.

ج 34، ص: 78

و في

خبر عمر بن خالد عن زيد بن علي (1) عن آبائه عن علي عليه السلام «في رجل قذف امرأته ثم خرج فجاء و قد توفيت، فقال: تخير واحدة من ثنتين: يقال له:

إن شئت ألزمت نفسك الذنب، فيقام عليك الحد و تعطى الميراث، و إن شئت أقررت فلاعنت أدنى قرابتها إليها و لا ميراث لك».

و لكن إرسال الأولى و ضعف الثانية مع عدم الجابر- و إن كان إليه ذهب الشيخ في الخلاف و النهاية و القاضي و ابن حمزة بل عن الأول الإجماع عليه و إن كنا لم نتحققه- يمنع من العمل بهما، و خصوصا مع مخالفتهما لأصالة عدم ترتب أحكام اللعان الثابت بين الزوجين بل و للأصل في أن الميراث يثبت بالموت، فلا يسقط باللعان المتعقب.

على أن لعان الوارث متعذر غالبا، لتعذر القطع من الوارث على نفي فعل غيره، و إيقاعه على نفي العلم تغيير للصورة المنقولة شرعا، و فرض إمكان اطلاع الوارث و علمه بانتفاء الفعل حيث يكون الفعل محصورا بأن يدعى عليها أنها زنت في ساعة كذا بفلان أو مطلقا و قد كان الوارث ملازما لها أو للمنسوب إليه في تلك الساعة على وجه يعلم انتفاء الفعل كما في نظائره من الشهادات على النفي المحصور نادر لا ينزل عليه الخبران المزبوران، و لا كلام العامل بهما.

و أما إشكالهما بأن الاجتزاء بأي وارث كان مع التعدد ترجيح من غير مرجح فقد يدفع بظهور الخبر الأول في الاكتفاء به و لو مع التعدد و عدم بذلهم أجمع.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من كتاب اللعان الحديث 2 عن عمرو بن خالد.

ج 34، ص: 79

[المسألة الثامنة إذا قذفها فلم يلاعن فحد ثم قذفها به لا يحد]

المسألة الثامنة: قد عرفت فيما تقدم أن تكرار القذف قبل اللعان من غير أن يتخلله الحد لا يوجب زيادته عن حد واحد و لا أزيد من لعان واحد إجماعا، كما في المسالك، لصدق الرمي على المتحد و المتعدد.

إنما الكلام فيما إذا قذفها فلم يلاعن فحد ثم قذفها به ف قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط لا يحد لا لما قيل من أن الحد في القذف إنما يثبت مع اشتباه صدق القاذف و كذبه، لا مع الحكم بأحدهما، و كذبه هنا معلوم بقوله تعالى (1) «فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ» إذ هو كما ترى، بل للشك في وجوب الحد على القذف الذي حصل الحد عليه، لأنه قذف واحد و إن تكرر لفظه تأكيدا، و الأصل البراءة، خصوصا مع بناء الحدود على التخفيف، و لذا تدرأ بالشبهات، مضافا إلى ما عن الخلاف من الإجماع و الأخبار.

و قيل و القائل هو أيضا في محكي الخلاف يحد تمسكا بحصول الموجب و هو صدق اسم القذف و الرمي، و الأصل تعدد المسبب بتعدد السبب الذي لا وجه للشك فيه بعد اقتضاء ظاهر الدليل الذي هو مناط الأحكام الشرعية، و من هنا كان هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، و ربما يؤيد بأنه لا إشكال في وجوب الحد عليه لو قذفها بغير القذف الذي حد عليه، و ليس هو إلا لصدق القذف المشترك بينه و بين رميها بالأول، فتأمل.

و كذا الخلاف فيما لو تلاعنا ثم قذفها به و إن كان القول هنا ب سقوط الحد أظهر (11) بل المحكي عن الشيخ اتفاق قوليه على السقوط، و لعله لأن اللعان مساو للبينة و الإقرار من المرأة في سقوط الحد ثانيا، و لكن الانصاف عدم خلو ذلك


1- 1 سورة النور: 24- الآية 13.

ج 34، ص: 80

عن الإشكال، لأن اللعان إنما أسقط الحد الذي وجب عليها بلعانه، فهو بمنزلة البينة أو الإقرار بالنسبة إلى ذلك، إذ لم يثبت زناها به، و لا أقرت و لا نكلت، فالقذف الثاني سبب موجب للحد، لعموم الآية (1) و اللعان المتقدم لا يصلح لإسقاطه، لاستحالة تقدم المسبب على السبب، و ربما يؤيده إطلاق

قول الصادق عليه السلام في الصحيح (2): «و إن دعاه أحد- أي ولد الملاعنة- ابن الزانية جلد الحد».

و حينئذ فهو في الحقيقة كالقذف المتعقب للحد.

و من هنا لو قذفها به الأجنبي حد بلا خلاف أجده و إن كان بعد التلاعن الذي لو كان بمنزلة البينة أو الإقرار لم يحد، لارتفاع عفتها حينئذ المقتضي لسقوط الحد عن قاذفها، و لذا لو قذفها فأقرت ثم قذفها الزوج أو الأجنبي فلا حد و إن كان أقرت مرة واحدة

لعموم «إقرار العقلاء» (3)

و إن لم يثبت عليها الحد إلا بالأربع، إلا أن الإحصان غيره و هو واضح.

بل لعل المتجه ثبوت الحد أيضا لو قذفها الزوج و لاعن فنكلت ثم قذفها الأجنبي و إن قال الشيخ في المحكي عنه في كتابي الفروع لأحد تنزيلا للنكول منزلة البينة أو الإقرار المزيلين للإحصان.

و لكن الإنصاف أنه لو قيل يحد كان حسنا وفاقا للمحكي عن الأكثر لعموم الأدلة، بعد منع زوال الإحصان بالنكول المحتمل كونه لقصد السلامة من محذور اليمين و إن ترتب عليها الحد من حيث عدم تخلصها عن الدعوى باليمين، لكن ذلك لا يقتضي ارتفاع إحصانها بمعنى عفتها.


1- 1 سورة النور: 24- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب اللعان الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 34، ص: 81

[المسألة التاسعة لو شهد أربعة و الزوج أحدهم فيه روايتان: إحداهما ترجم المرأة]

المسألة التاسعة:

لو شهد أربعة و الزوج أحدهم فيه روايتان: إحداهما ترجم المرأة و هي

رواية إبراهيم بن نعيم (1) عن الصادق عليه السلام سأله «عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: تجوز شهادتهم»

مؤيدة بعدم الفرق بين الزوج و غيره في قبول شهادته للمرأة و عليها، بل لعل الزوج أولى بالقبول، لهتك عرضه، فيندرج فيما دل (2)

على ثبوت الزنا بشهادة الأربع، بل و بقوله تعالى (3):

«وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ» فإنه مشعر بأنه نفسه شاهد أيضا لو حصل معه تمام العدد و صدق الشهداء على الثلاثة، على أن المقام من الحسب التي لا يدعى فيها خاص، كما حرر في محله، و بغير ذلك من قوله تعالى (4) «وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» الشامل للزوج و غيره، بناء على أن الخطاب للحكام و نحوه.

و الأخرى تحد الشهود الثلاثة و يلاعن الزوج و هي

رواية زرارة (5) عن أحدهما عليهما السلام «في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: يلاعن و يجلد الآخرون»

مؤيدة بظاهر قوله تعالى (6) «لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ» بناء على رجوع الضمير فيها إلى القاذفين و منهم الزوج، فإنه لا يقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب اللعان الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزنا من كتاب الحدود.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 6.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 15.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من كتاب اللعان الحديث 2.
6- 6 سورة النور: 24- الآية 13.

ج 34، ص: 82

جاء الإنسان بنفسه، و من ذلك نشأ الخلاف، فعن الأكثر كما في المسالك الأول، و عن جماعة الثاني، و الأقوى الأول، و عن الشيخ حمل الرواية الثانية على اختلال بعض الشرائط، و لا بأس به جمعا، و ليس هو قولا آخر كما حكاه عنه في القواعد، بل هو عين القول الأول، ضرورة عدم الخلاف في عدم السماع مع اختلال الشرائط، نعم عن السرائر و الوسيلة و الجامع الجمع بينهما بسبق الزوج بالقذف و عدمه، فيعتبر الأربعة غيره في الأول دون الثاني، لأن قوله تعالى «لَوْ لا جاؤُ» فيمن ابتدأ بالقذف، بل عن السرائر و لقوله تعالى (1) «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ» إلى آخرها، فإنه قد رمى زوجته و لم يكن له شهداء إلا نفسه، لأن شهادة الثلاثة غير معتد بها إلا بانضمام شهادة الرابع، فكأنها لم تكن في الحكم، و إن كان هو كما ترى كالمصادرة، بل آية «لَوْ لا جاؤُ» إلى آخرها لا تمنع صدق معية الزوج بعد أن كان أحد الشهداء، بقرينة «وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ».

و على كل حال فهو قول آخر، إذ دعوى أن السبق من اختلال الشرائط ممنوعة، كدعوى الفرق بين سبق الزوج و سبق غيره، و أوضح منهما فسادا التزام الأربع غير القاذف لو كان السابق بالقذف غير الزوج.

و إلى هذا أشار المصنف بقوله و من فقهائنا من نزل رد الشهادة على اختلال بعض الشرائط أو سبق الزوج بالقذف ثم قال و هو حسن و في المسالك «و هو- أى سبق الزوج- من جملة اختلال الشرائط، و لا بأس بالحمل، لأنه طريق الجمع حيث لا تطرح الرواية لضعفها» و فيه أنه كذلك بناء على أن السبق من اختلال الشرائط، و فيه بحث أو منع، بل ظاهر المتن عدم كونه منها، و تمام الكلام فيه في محله.

و منه يظهر ما في تحسين المصنف للقول المزبور المنافي لإطلاق الأدلة في قبول بينة الحسب و لو مع السبق.


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.

ج 34، ص: 83

و أضعف من ذلك ما عن ابن الجنيد من التفصيل بأن الزوجة إن كانت مدخولا بها ردت الشهادة و حدوا، و لا عن الزوج، و إلا حدت هي، و كأنه قصد الجمع بذلك أيضا، و خص الرد بحالة الدخول لاشتمال روايته على لعان الزوج، و هو مشروط بالدخول، فتعين حمل الأخرى على غيره.

و نحوه ما عن الصدوق من الجمع بين الخبرين بناء على ما اختاره من أنه لا لعان إلا إذا نفى الولد بأنه إذا لم ينف الولد كان أحد الأربعة، و إلا حد الثلاثة و لاعنها، إذ الجميع كما ترى لا شاهد له و فرع المكافئة، و قد عرفت أن رواية القبول أقوى و لو للشهرة.

[المسألة العاشرة إذا أخل أحدهما بشي ء من ألفاظ اللعان الواجبة لم يصح]

المسألة العاشرة:

إذا أخل أحدهما بشي ء من ألفاظ اللعان الواجبة لم يصح، لعدم حصول عنوان الحكم، و حينئذ لو حكم به حاكم لم ينفذ، لأنه خطأ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من أن الحاكم إذا حكم بأكثر كلمات اللعان نفذ و قام الأكثر مقام الجميع و إن كان الحاكم مخطئا في الحكم، و هو واضح الضعف، لأن الحكم حينئذ خطأ بالإجماع، فلا ينفذ كسائر الأحكام الباطلة باختلال بعض شرائطها أو أركانها.

[المسألة الحادية عشرة فرقة اللعان فسخ]

المسألة الحادية عشرة:

فرقة اللعان فسخ كالرضاع و الردة و ليس طلاقا لغة و لا شرعا و لا عرفا، خلافا لأبي حنيفة فجعلها فرقة طلاق، و ضعفه واضح. و حينئذ فلا يشترط فيها اجتماع شرائط الطلاق و لا يلحقها أحكامه.

ج 34، ص: 84

[المسألة الثانية عشرة لو ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فاستلحق أحدهما لحقه الآخر]

المسألة الثانية عشرة:

لو ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فاستلحق أحدهما لحقه الآخر، و لا يقبل نفيه، كما في القواعد و شرحها، قال في الأخير: «لأنهما من حمل واحد، حتى أنه إن كان نفي الأول ثم استلحق الثاني لحقه الأول أيضا- قال-: و كذا لو نفى أحدهما و سكت عن الآخر لحقاه، لأنه لما سكت عن الآخر لحقه و استلزم لحوق الآخر».

و فيه أنه ليس بأولى من اقتضاء نفي الأول نفي الآخر، خصوصا مع قوله في القواعد متصلا بذلك: «و لو ولدت الأول فنفاه باللعان ثم ولدت الآخر لأقل من ستة أشهر افتقر انتفاؤه إلى لعان آخر على إشكال» و لعله من الحكم بانتفاء الأول باللعان، و هو يستلزم انتفاء الثاني مع أصل البراءة من اللعان ثانيا، و من أصل اللحوق إلا مع التصريح بالنفي و اللعان و عدم الاكتفاء بالالتزام كما عن المبسوط، إذ لا يخفى عليك أن الأول من وجهي الإشكال يجري في السابق إذا كان الولد مما ينفي بالانتفاء من دون لعان كما في الأمة و المتمتع بها، ضرورة كون النفي حينئذ كاللعان، فلا وجه للجزم بالأول و الاشكال في الثاني.

و على كل حال فإن أقر بالثاني لحقه و ورثه و ورثه الأول أيضا، لاستلزام لحوقه لحوقه كما عرفت، و هو لا يرث الأول، لإنكاره أولا، و هل يرث الثاني؟

ففي القواعد إشكال، و لعله من استلزام انتفائه من الأول انتفاءه من الثاني فكأنه أقر بأنه لا يرث منه، كما أقر به من الأول، و من أنه لا عبرة في نفي السبب بالالتزام، و الأصل اللحوق و التوارث، و هو مناف أيضا للجزم السابق.

و لو كان بينهما ستة أشهر فصاعدا فلكل حكم نفسه، لإمكان تجدد الحمل بهما، و لا يستلزم لحوق أحدهما لحوق الآخر و لا نفيه نفيه، فان لاعن عن الأول

ج 34، ص: 85

بعد وضعه و استلحق الثاني أو ترك نفيه لحق به و إن كانت قد بانت منه باللعان، لإمكان وطئه بعد وضع الأول قبل اللعان، و لو لاعنها قبل وضع الأول فأتت بآخر بعد ستة أشهر ففي القواعد لم يلحقه الثاني، لأنها بانت باللعان و انقضت عدتها بوضع الأول، أي فلا يمكنه وطؤها بالنكاح بعده، و في كشف اللثام «و ذكر انقضاء العدة لتأكيد الحجة، و إلا فليست هذه العدة إلا كعدة الطلاق البائن.

و لو مات أحد التوأمين قبل اللعان لنفيهما فله أن يلاعن لنفيهما، لإطلاق أدلته، و للعامة قول بأنه لا لعان لنفي نسب الميت، و أنه إذا لم يصح نفيه لم يصح نفي الحي إذا كانا من حمل واحد.

هذا و قد تقدم بعض الكلام في كتاب الطلاق في التوأمين و كيفية تولدهما بالنسبة إلى الحكم بكونهما حملا واحدا أو حملا متعددا بالتولد لدون الستة أشهر و الأزيد، فلاحظ و تأمل، و الله العالم بحقيقة الحال.

ج 34، ص: 86

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

[كتاب العتق]

اشارة

كتاب العتق قيل: هو بالكسر: الحرية، و بالفتح المصدر كالاعتاق، و يقال: عتق العبد خرج عن الرق، فهو عتيق، و في المسالك تبعا للفاضل في التحرير «هو لغة الخلوص، و منه سمى البيت الشريف عتيقا، لخلوصه من أيدي الجبابرة، و الخيل الجياد عتاقا، و شرعا خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرق بالنسبة إلى مطلق العتق، و بالنسبة إلى المباشرة- الذي هو مقصود الكتاب- تخليص الآدمي أو بعضه من الرق منجزا بصيغة مخصوصة».

قلت: لم أجد المعنى المزبور فيما حضرني من كتب اللغة المتقدمة عليهما من الصحاح و غيره، مع أطنابه في الأول بذكر المعاني له التي منها الكرم و الجمال و الحرية و الرقة بعد الجفاء و الغلظة و صلاح المال و السبق مع النجاة و القدم و العتيق الكريم من كل شي ء إلى غير ذلك مما لا ينطبق شي ء منها على ما ذكر، بل فيه و في غيره ما هو كالصريح في أن وصف البيت بالعتيق لقدمه، و الخيل بالعتاق لجودتها، كما أن فيه التصريح بأن الحرية من معانيه اللغوية، و لعله لذا فسره بها لغة في التنقيح، و في كشف اللثام جعله لغة الكرم، هذا كله بالنسبة إلى معناه لغة.

ج 34، ص: 87

و أما شرعا فهو كباقي أسماء أفراد الإيقاع من الطلاق و نحوه التي فيها البحث- الذي تقدم في البيع و نحوه من العقود- أنها أسماء لنفس الصيغ أو للأثر الحاصل منها أو للفعل، و قد تقدم التحقيق في ذلك و أنها اسم للآثار، لكن ظاهر التعريف المزبور أنه اسم هنا للفعل، و فيه ما تقدم في محله.

و كيف كان ف فضله متفق عليه بين المسلمين، و خصوصا في يوم عرفة و عشيتها، بل و النصوص (1)

فيه من الطرفين متواترة، بل قوله تعالى (2):

«فَكُّ رَقَبَةٍ» و «أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ» (3) و غيرهما دال عليه، مضافا إلى النصوص حتى روى إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه رفعه (4) قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

إن من أعتق مؤمنا أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا له من النار

فان كانت أنثى أعتق الله العزيز الجبار بكل عضوين منها عضوا من النار، لأن المرأة نصف الرجل»

لكن في

صحيح زرارة (5) عن الباقر عليه السلام «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من أعتق مسلما أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا من النار»

و يمكن اتحاد المراد من المسلم و المؤمن في كلامه صلى الله عليه و آله، نعم في

صحيح ابن عمار و حفص (6) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «في الرجل يعتق المملوك، قال: إن الله يعتق بكل عضو منه عضوا من النار».

و في المسالك بعد أن ذكر الروايات الثلاثة قال: «و خص المؤمن إما لأن المراد به المسلم كما في الرواية الصحيحة، أو حمل المطلق على المقيد كما يحمل لفظ «المملوك» في الرواية الأخرى على المسلم أو المؤمن، و يجوز إبقاء كل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب العتق و سنن البيهقي ج 10 ص 271 و 272.
2- 2 سورة البلد: 90- الآية 13.
3- 3 سورة الأحزاب: 33- 37.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من كتاب العتق الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من كتاب العتق الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 88

واحد من الثلاثة على أصله، و حصول الثواب المذكور على عتق كل مملوك مؤمن أو مسلم أو مطلقا ذكرا أو أنثى، و أن يخص ذلك بالذكر بقرينة تذكير لفظه و تقييده بما في الرواية الأخرى إلا أن تقييد الصحيح بالمرسل لا يخلو من نظر، و

روى العامة (1) في الصحيحين أنه صلى الله عليه و آله قال: «أيما رجل أعتق امرءا مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا من النار، حتى الفرج بالفرج»

و في هذه الرواية التقييد بالإسلام و كون المعتق رجلا لأن الامرأ مذكر الامرأة، فلا يتناول الأنثى، و في بعض ألفاظ رواياتهم

عنه صلى الله عليه و آله (2)

«من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من النار، حتى فرجها بفرجه»

و هذه شاملة للذكر و الأنثى المسلم و غيره».

قلت: و في نصوصنا في

خبر بشير النبال (3)

«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من أعتق نسمة صالحة لوجه الله جل و عز كفر الله عنه بها مكان كل عضو منه عضوا من النار»

و الخبر الذي ذكره أخيرا عنهم مساو لصحيح ابن عمار بناء على إرادة الجنس من المملوك فيه، كما أن المروي في الصحيحين مساو لصحيح زرارة، و مع فرض تقيد صحيح المملوك بالمرسل بالنسبة إلى ذلك يتقيد الجميع به أيضا، و لعله كذلك لما حكاه الفخر في شرح القواعد من الاتفاق على المرسل المزبور.

كما أنه يقوى الجمع هنا بحمل المطلق على المقيد بالنسبة إلى خصوص المذكور من الجزاء و إن لم نقل به في غير المقام للتنافي فيه دون غيره، و لا ينافي ذلك استحباب العتق المستفاد من قوله تعالى (4) «فَكُّ رَقَبَةٍ» و غيره. إنما الكلام في ترتب الجزاء المزبور، و هو العتق من النار.


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 271.
2- 2 سنن البيهقي ج 10 ص 272.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب العتق الحديث 2.
4- 4 سورة البلد: 90- الآية 13.

ج 34، ص: 89

ثم إن الظاهر إرادة الكناية باللفظ المزبور عن عتق المعتق من النار بعتقه و الترغيب فيه، لا المقابلة حقيقة حتى يأتي الكلام في فقد الأعضاء في المعتق و المعتق و زيادتها، نعم ينبغي ملاحظة الذكورة و الأنوثة و إن كان الرجاء بالله و الظن به السراية فيما يعتق بعتقها من العضوين بالعضو، و الله العالم.

و يختص الرق أي الاسترقاق بأهل الحرب دون اليهود و النصارى و المجوس القائمين بشرائط الذمة بلا خلاف في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى أصالة عدم ملك أحد لأحد و غيرها عدا ما خرج بالدليل من استرقاق الكفار أهل الحرب الذين يجوز قتالهم إلى أن يسلموا أو يقيموا بشرائط الذمة إن كانوا من الفرق الثلاثة.

و من هنا لو أخلوا بذلك دخلوا في أهل الحرب بالنسبة إلى جواز استرقاقهم اتفاقا محكيا في المسالك، بل و محصلا.

و لا فرق في أهل الحرب بين أن ينصبوا الحرب للمسلمين و يستقلوا بأمرهم أو يكونوا تحت حكم الإسلام و قهره، كمن بين المسلمين من عبدة الأوثان و النيران و غيرهم، إلا أن يكونوا مهادنين للمسلمين بالشرائط المقررة في كتاب الجهاد (1)المذكور فيه كيفية استرقاق الحربي و شرائطه، إذ المراد هنا بيان أصل اختصاص ذلك بالحربي، لا بيان جواز الاسترقاق لكل حربي، كما هو واضح لكل من أحاط خبرا بما في الكتاب المزبور.

ثم إذا استرقوا يسرى الرق إلى أعقابهم المتجددين بعد الاسترقاق الذين هم نماء الملك و إن أسلموا ما لم يتحرروا، فتسري الحرية في الأعقاب المتأخرة و إلا إذا كان أحد الأبوين حرا فتغلب الحرية إلا مع شرط الرق، كما تقدم في كتاب النكاح.

و لا فرق في الاسترقاق لمن عرفت بين المؤمن و المخالف و الكافر، كما في


1- 1 راجع ج 21 ص 265 الى 277.

ج 34، ص: 90

التحرير و القواعد و الدروس و غيرها، و لعله لأنهم حينئذ كالمباحات التي يملكها من تملكها، نعم لا بأس بتملك من في يد الكفار منهم إذا كانوا حربيين كباقي أموالهم.

هذا و في كشف اللثام في شرح قوله في القواعد: «و لا فرق بين سبي المؤمنين و الكفار» قال: «لا فرق في جواز الاسترقاق بين سبي المؤمنين و غيرهم من فرق الإسلام و الكفار، و إن اختص الرقيق بالإمام عليه السلام أو كانت فيه حصته فقد رخصوا في ذلك للشيعة في زمن الغيبة، و غير المؤمن يملك بالسبي في الظاهر، فيصح الشراء منه، و يقوى التملك بالاستيلاء على مسبية بغير عوض» و فيه أن ذلك خروج عما نحن فيه من حصول الاسترقاق للحربيين في الجملة للمؤمن و غيره و لو بسرقة و اغتيال و نحوهما، لا في خصوص الغنيمة بغير إذن الامام عليه السلام التي هي من الأنفال المختصة بالإمام عليه السلام المرخص فيها للشيعة زمن الغيبة لتطيب مواليدهم كما تقدم البحث في ذلك في محله (1) و منه يعلم ما في قوله: «و يقوى التملك» إلى آخره، و تمام التفصيل في ذلك كله في غير المقام، و الله العالم.

و كل من أقر على نفسه بالرق مع جهالة حريته و لو لعدم ادعائها سابقا على الإقرار و كان بالغا رشيدا حكم برقه بلا خلاف و لا إشكال،

لعموم قوله صلى الله عليه و آله (2): «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»

و لقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (3): «كان علي عليه السلام يقول: الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية و هو مدرك»

بل إطلاقهما يقتضي عدم اعتبار الرشد كما هو المحكي عن الأكثر، و لا ينافيه ما دل (4)

على منع السفيه من التصرف المالي


1- 1 راجع ج 16 ص 134 الى 144.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2 و المستدرك الباب- 2- منه الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من كتاب العتق الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الحجر الحديث 1.

ج 34، ص: 91

و لو إقرارا الظاهر في غير الفرض، بل في المسالك و غيرها «أن الإقرار بالرقية ليس إقرارا بمال، لأنه قبل الإقرار محكوم بحريته ظاهرا» و إن كان لا يخلو من نظر.

و على كل حال فما قيل- من اعتباره لأن إقراره و إن لم يتعلق بمال ابتداء و لكنه كشف عن كونه مالا قبل الإقرار، فإنه إخبار عن حق سابق عليه لا إنشاء من حينه، و لإمكان أن يكون بيده مال، فإن إقراره على نفسه يستتبع ماله، فيكون إقرارا بمال محض و لو بالتبعية- واضح الضعف، لما عرفت من عدم ظهور أدلة منع السفيه فيما يشمل الفرض، فيبقى على مقتضى العموم السابق الذي يلزمه معه تبعية ما في يده.

هذا و في المسالك «و يضعف الأول بأن ذلك لو منع قبول الإقرار لأدى إلى قبوله، لأنه إذا لم يقبل بقي على أصل الحرية، فينفذ إقراره، فيصير مالا، فيرد فيصير حرا، و ذلك دور، و المال جاز دخوله تبعا و إن لم يقبل الإقرار به مستقلا، كما لو استلحق واجب النفقة، فقد قيل: إنه ينفق عليه من ماله باعتبار كونه تابعا لا أصلا، أو يقال: يصح في الرقية دون المال لوجود المانع فيه دونها كما سمع في الإقرار بالزوجية دون المهر».

و فيه منع الملازمة المقتضية للدور، ضرورة اقتضاء عدم قبوله البقاء على الحرية التي لا يقتضي قبول الإقرار مع فرض عدم الرشد، و أما ما ذكره أخيرا من الاحتمال ففيه اقتضاء بقاء المال حينئذ بلا مالك، و قياسه على المهر واضح الفساد.

و على كل حال فمع قبول إقراره لا يسمع إنكاره بعد ذلك، بل لا تقبل بينته التي كذبها بإقراره، نعم في المسالك و غيرها «إلا أن يظهر لإقراره تأويلا يدفع التناقض، فيقوى القبول، كما لو قال: لم أعلم بأني تولدت بعد إعتاق أحد الأبوين فأقررت بالرق، ثم ظهر لي سبق العتق على الإقرار بالبينة أو الشياع المفيد لذلك». قلت: لا يخلو ذلك من بحث ما لم يحصل العلم بفساد إقراره السابق.

ج 34، ص: 92

و لو أنكر المقر له رقيته بقي على الرقية و إن كانت مجهولة عندنا و لا يقبل رجوعه أيضا، لعموم أدلة جواز الإقرار عليه، و يكلف حينئذ بالتوصل إلى مالكه، كما لو أقر بمال شخص فأنكره، و لكن في المسالك «يتجه حينئذ جواز رجوعه، لأنه مال لا يدعيه أحد، و إقراره السابق قد سقط اعتباره برد المقر له، فإذا لم يصر حرا بذلك فلا أقل من سماع دعواه الحرية بعد ذلك» و فيه أن رد المقر له لا يقتضي عدم جواز الإقرار على المقر، بل و كذا لو لم يعين المقر له ابتداء ثم رجع و إن قال في المسالك: «أولى بالقبول» لكنه لا يخلو من نظر، خصوصا إذا لم يلتزم نحو ذلك في الإقرار بمال غير الرقية.

و إذا بيع العبد في الأسواق لم يقبل دعواه الحرية إلا ببينة عملا بالظاهر، أما مجرد اليد عليه فغير كاف كما في الدروس، فتقبل دعواه حرية الأصل لا عروض الحرية إلا ببينة، قلت: لا يخلو عدم الاكتفاء باليد من بحث قد تقدم هو و كثير من مسائل إقرار العبد في كتاب البيع في باب الحيوان (1) فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و كذا الملتقط في دار الحرب يحكم برقيته للملتقط، بناء على أن الالتقاط من الاستيلاء المملك و إن لم يقصد التملك، و إلا فالمراد يجوز استرقاقه تبعا للدار في اللحوق بحكم أهل الحرب الذين قد عرفت جواز استرقاقهم، نعم يشترط في ذلك أن يكون فيها مسلم يمكن تولده منه و لو أنثى، و إلا حكم بحريته للأصل، و لكن فيه بحث إن لم يكن إجماعا قد ذكرناه أيضا في كتاب البيع في باب بيع الحيوان (2) فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و إذا اشترى إنسان من حربي ولده أو زوجته أو أحد ذوي أرحامه كان جائزا و ملكه و إن كان ممن ينعتق عليه، و لكن يكون عند جماعة استنقاذا


1- 1 راجع ج 24 ص 149 الى 153.
2- 2 راجع ج 24 ص 138 و 139.

ج 34، ص: 93

لا شراء من جانب المشتري، فيملكه حينئذ المشتري بالاستيلاء عليه لا بالشراء إذ هم في الحقيقة في ء للمسلمين فيجوز التوصل إلى ما يقتضي تملكه، و قد تقدم في كتاب البيع في باب الحيوان (1) تحقيق الحال في ذلك، و قد ذكرنا هناك خبر اللحام (2)

الدال على صحة الشراء حقيقة.

و من الغريب أن الفاضل جزم بصرف الشراء في الفرض إلى الاستنقاذ، و توقف في لحوق أحكام البيع له من الخيار و الأرش، و في الدروس هنا «و لو اشترى من الكافر قريبه جاز و إن كان ممن ينعتق عليه، و يكون استنقاذا لا شراء من جانب المشتري، فلا يثبت فيه خيار المجلس و الحيوان، و الأقرب أن له رده بالعيب و أخذ الأرش و أشكل بأن الأرش عوض الجزء الفائت في المبيع و لا بيع هنا، و بأنه قد ملكه بالاستيلاء فكيف يبطل ملكه بمجرد الرد، و ليس من الأسباب الناقلة للملك شرعا في غير البيع الحقيقي، و دفع بأن قدوم الحربي على البيع التزام بأحكام البيع التي من جملتها الرد بالعيب أو أخذ أرشه، فرده عليه ينزل منزلة الإعراض عن المال، و الثمن غايته أن يكون قد صار ملكا للحربي، و التوصل إلى أخذه جائز بكل سبب، و هذا منه بل أولى، لأنه مقتضى حكم البيع».

و فيه- مع أنه لا يتم في مال الحربي المعتصم بدخول دار الإسلام بأمان- أنه يقتضي جريان غير ذلك من أحكام البيع التي منها الخيار الذي قد صرح بعدم جريانه عليه، فلا محيص حينئذ بعد القول بالتزام أحكام البيع عن القول بصحته حقيقة، لعدم الانعتاق عليه كما التزم به هنا في المسالك، أو بإجراء حكم الصحة عليه في


1- 1 راجع ج 24 ص 137 و 138.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 و 3 من كتاب التجارة.

ج 34، ص: 94

جانب البيع و لو لنصوص (1) الإلزام، و قد تقدم الكلام في ذلك في كتاب البيع (2)

فلاحظ و تأمل.

و يمكن أن يقال: إن ما في الدروس مبني على تعدية حكم الرد و الأرش لما يؤخذ استنقاذا أيضا كالبيع، فان معناه على ما صرح به الفخر في الشرح عوض عن يد شرعية في نفس الأمر كهذه أو ظاهرا أو غير شرعية، بل صرح الكركي أيضا بنحو ذلك، و قال: «إن ما يبذله المشتري في الفرض عوض عن يد شرعية» و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف أجده في أنه يستوي سبي المؤمن و الضلال و لو الكافرين في استباحة الرق بل ادعى بعض مشايخنا الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى إطلاق الأدلة، و إلى خصوص

الصحيح (3) عن أبي الحسن عليه السلام قال رفاعة له: «إن الروم يغيرون على الصقالبة و الروم فيسترقون أولادهم من الجواري و الغلمان، فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم، ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار، فما ترى في شرائهم و نحن نعلم أنهم قد سرقوا و إنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال: لا بأس بشرائهم، إنما اخرجوا من الشرك إلى دار الإسلام»

و إطلاق

خبر إبراهيم بن عبد الحميد (4) عنه عليه السلام أيضا «في شراء الروميات فقال:

اشترهن و بعهن»

و خبر عبد الله اللحام (5) سأل الصادق عليه السلام «عن رجل اشترى


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و 10 و 11 و الباب- 4- من أبواب ميراث الاخوة و الباب- 3- من أبواب ميراث المجوس من كتاب المواريث.
2- 2 راجع ج 24 ص 136.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 و فيه «الصقالبة» كما في الكافي ج 5 ص 210 و التهذيب ج 6 ص 162.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 من كتاب التجارة.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بيع الحيوان الحديث 3 من كتاب التجارة.

ج 34، ص: 95

امرأة رجل من أهل الشرك يتفخذها، قال: فقال: لا بأس».

فمن الغريب ما في المسالك هنا من «أن المراد بالضلال ما يشمل المسلمين منهم و الكافرين، فلو سبي كافر مثله ملكه، و جاز شراؤه منه، و كان الكلام في شرائه منه كالكلام في شراء ولده و زوجته منه، و لو كان الكافر ذميا أو مسلما مبدعا فلا إشكال في تملكه، و قد أباح الأئمة عليهم السلام شراء ذلك منهم و غيره من ضروب التملكات و إن كان للإمام أو بعضه من غير اشتراط إخراج الحصة المذكورة» و الله العالم.

و كيف كان ف ازالة الرق تكون بأسباب أربعة: المباشرة و السراية و الملك و العوارض.

[الفصل الأول في إزالة الرق بالمباشرة]

اشارة

أما المباشرة فالعتق و التدبير و الكتابة و إن اختلفت في كيفية التسبيب بالنسبة إلى احتياج حصول الحرية منها إلى أمر آخر غير الصيغة- كالتدبير و الكتابة المفتقرين إلى الموت و التأدية- و عدم ذلك، كالعتق، و ستعرف ذلك مفصلا.

أما العتق فعبارته الصريحة التحرير بأن يقول: «أنت- أو هو أو فلان أو نحو ذلك- حر» فإنه لا خلاف نصا (1)

و فتوى في حصول التحرير به حينئذ، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد النص المتضمن لإنشاء العتق به من سيد الساجدين عليه السلام (2)

و إلا فقوله تعالى (3) «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» لا يقتضي كون الصيغة التي يحصل بها الإنشاء ذلك، و إلا لاقتضى قوله تعالى (4) «فَكُّ رَقَبَةٍ»


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 92.
4- 4 سورة البلد: 90- الآية 13.

ج 34، ص: 96

نحوه، و ليس كذلك اتفاقا محكيا إن لم يكن محصلا كما ستعرف.

نعم في اشتقاقها من الإعتاق بأن يقول: «أعتقتك» تردد و خلاف ينشأ من التردد في المراد من النصوص (1)

الواردة في ذلك المتقدمة في كتاب النكاح فيمن قال لأمته: «أعتقتك و جعلت عتقك صداقك» أنه إنشاء العتق بذلك أو هو إخبار لها بالحال، و إن كان العتق قد حصل قبل ذلك بقول: «هي حرة و جعلت عتقها صداقها» و إن كان الظاهر منها الأول.

لكن في الروضة «أن ظاهرهم عدم العتق بها، بل و بالصريح محضا، كحررتك، و لعله لبعد الماضي عن الإنشاء، و قيامه مقامه في العقود على وجه النقل خلاف الأصل، فيقتصر فيه على محله» و هو غريب خصوصا بعد أن حكى هو قبل ذلك بيسير اتفاق الأصحاب على صحة العتق في قول السيد لأمته: «أعتقتك و تزوجتك» نعم كان المتجه الاقتصار عليها دون «حررتك» التي لم نعثر في شي ء من النصوص على إنشاء التحرير بها.

كما أن المتجه الاقتصار عليها من التحرير بأنت حر، دون «أنت عتيق» أو معتق، ضرورة كون المدار على ما ثبت من النصوص إنشاء التحرير به، و ليس هو إلا «أنت- مثلا- حر» و «أعتقتك» بناء على أحد الوجهين في النصوص المزبورة، فلا وجه لإلحاق «حررتك» بأعتقتك، كما لا وجه لإلحاق «أنت عتيق» بأنت حر، لما عرفت من أن الثابت من النص (2)

ذلك، و هو المراد من الصريح في كلامهم، لأصالة عدم زوال الرق، و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (3) لا يشمل المقام على الأصح، و إطلاقات العتق المساقة لغير ذلك لا يستفاد منها كيفية الصيغة، خصوصا بعد وهنها أيضا بإعراض الأصحاب عن ذلك و اقتصارهم على خصوص التحرير أو هو


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من كتاب العتق.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 34، ص: 97

مع الإعتاق و لذا قال المصنف و غيره، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، بل لعله ظاهر غيره أو صريحه و لا يصح إنشاء العتق بما عدا التحرير خاصة أو مع الإعتاق من أي لفظ صريحا كان أو كناية و لو قصد به العتق كقوله صريحا كما في القواعد فككت رقبتك أو أزلت قيد الملك، أو كناية أنت سائبة أو «لا سبيل لي عليك» أو «لا سلطان» أو نحو ذلك، خلافا للعامة، فجوزوه في الكناية فضلا عن الصريح.

و من ذلك يعلم أن المراد من الصريح أولا في كلامهم ما ذكرناه من أنه الذي ثبت شرعا إنشاء العتق به، لا الدال على المقصود بلا واسطة.

بل و منه يعلم أن وجه التردد في الإعتاق ما ذكرناه. لا كونه صريحا أو لا، ضرورة أنه لا مجال لإنكار صراحته، بل استعماله في ذلك أزيد من لفظ التحرير، كما لا يخفى على من تصفح النصوص.

بل منه أيضا يعلم النظر فيما ذكره في المسالك و بعض من تأخر عنها من أن المدار على الصريح و عدمه، حتى التزم صحة إنشاء العتق بكل لفظ صريح في ذلك، و هو مناف لما عرفته من كلماتهم.

بل مما ذكرنا يعلم النظر في عبارة المتن و غيرها إن كان المراد من التحرير و الإعتاق فيها جواز اشتقاق الصيغة منهما بأي هيئة كانت، جملة اسمية أو فعلية، ضرورة كونه منافيا لما سمعته من التوقيفية في العتق الذي هو من العبادة أو شبهها في ذلك، فالمتجه حينئذ الاقتصار على الجملة الاسمية من التحرير و الفعلية من الإعتاق، بناء على أحد الوجهين في النصوص المزبورة، و دعوى التعدية في كل منهما إلى الأخر لا دليل عليها، بل ظاهرهم خلافها، فتأمل جيدا، فإنك لا تجد هذا المقام محررا في غير هذا الكتاب، و الحمد لله الموفق المسدد.

و لو قال لأمته: «يا حرة» و قصد العتق ففي تحريرها بذلك تردد ينشأ من أنها بغير هيئة الصيغة المعهودة، و من أنها مجاز بحرف النداء عن

ج 34، ص: 98

معنى «أنت» و الأشبه عند المصنف و غيره عدم التحرير لبعده عن شبه الإنشاء بل في كشف اللثام «إنما هو إنشاء للنداء و إن جاز التجوز به عنه، لكنه استعمال نادر يعد من الكنايات».

قلت: لكنه قد يناقش بأن الفرض عدم إرادة معنى النداء منه، بل المراد منه إنشاء العتق، و ليس فيه إلا التجوز بموضوع الصيغة، و هو «أنت» من حرف النداء، و من المعلوم أن موضوع الصيغة لا يعتبر فيه إلا ما يميزه من لفظ «أنت» و «هو» و «هذا» و «فلان» و غيرها من الألفاظ الحقيقية أو المجازية المعينة له، و إنما الممنوع الكناية و التجوز بمحمول الصيغة الذي هو «حر» و دعوى جزئية موضوع الصيغة منها على وجه لا يجوز تمييزه باللفظ المجازي لا شاهد لها، بل يمكن القطع بعدمها، نعم لو كان المراد من حرف النداء معناه و لكن مع إنشاء التحرير بقوله:

«حرة» اعتمادا على تقدير «أنت» بمعونة حرف النداء أمكن الإشكال فيه بكونه خلاف الثابت من الصيغة، و مثله إذا قال: «حر» من دون ذكر الموضوع و إن دل عليه الحال أو غيره، و الله العالم.

و لو كان اسمها «حرة» فقال: أنت حرة فإن قصد الإخبار لم تنعتق قطعا و إن قصد الإنشاء صح كذلك و إن جهل منه الأمران رجع إلى قوله في نيته، للاشتراك و عدم الوصلة إلى امتياز المراد منه إلا قوله، و يقبل و إن خالف القانون و ادعى قصد الإخبار أو عكس، كما إذا لم يقف و جاء به منونا، أو بلا تنوين، فان الاسم غير منصرف بخلاف الصفة.

و إن لم يمكن الاستعلام بموت و نحوه لم يحكم بالحرية قطعا لعدم اليقين بالقصد أي قصد الإنشاء، فيبقى على أصالة الرق و لكن في المتن فيه تردد منشأه التوقف بين العمل بحقيقة اللفظ و التمسك بالاحتمال (11) و هو كما ترى، ضرورة اشتراك الصيغة بين الإخبار و الإنشاء، فمع فرض عدم ما يقتضي أحدهما تبقى أصالة الرقية و غيرها بلا معارض، كما هو واضح،

ج 34، ص: 99

و الله العالم.

و لا بد من التلفظ بالصريح أو ما يقوم مقامه على الأقوى، كما عرفته فيما تقدم، و لا تكفي الإشارة مع القدرة على النطق و لا الكتابة.

كما في غيره من العقد و الإيقاع، للأصل و

حسن زرارة (1) قال الباقر عليه السلام:

«رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه، قال: ليس ذلك بطلاق و لا عتاق حتى يتكلم به»

مؤيدا ب

قوله عليه السلام (2): «إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام».

بل لا بد من النطق بالعربية مع القدرة عليها أيضا للأصل أيضا بعد عدم تلقي غير العربي منه عليه السلام، بل لعل المنساق العربي من كل ما كان موضوع الحكم فيه القول و اللفظ و الكلام و نحو ذلك.

نعم يكفي مع العجز الإشارة المفهمة الملحق بها أو أولى منها سائر اللغات، لفحوى نصوص الأخرس (3)

و خصوص

صحيح الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام «إن أباه حدثه أن أمامة بنت أبي العاص الربيع و أمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و آله تزوجها بعد علي عليه السلام المغيرة بن نوفل إنها وجعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها، فأتاها الحسن و الحسين عليهما السلام و هي لا تستطيع الكلام فجعلا يقولان و المغيرة كاره لما يقولان: أعتقت فلانا و أهله، فتشير برأسها أن نعم، و كذا و كذا، فتشير برأسها نعم أم لا، قلت: فأجازا ذلك لها؟ قال: نعم»

و غير ذلك مما مر في نظائر المسألة، و الله العالم.

و لا بد من تجريده عن الشرط، فلو علقه على شرط مترقب كقدوم


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 و الباب- 19- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 100

زيد أو صفة معلومة الوقوع كطلوع الشمس أو غيره عدا التدبير لم يصح و إن وقع الشرط، لأنه لا يقع إلا منجزا إجماعا في محكي الخلاف و السرائر و المختلف، و هو الحجة، مضافا إلى محكي الإجماع أيضا على اعتبار التنجيز في مطلق العقد و الإيقاع إلا ما خرج، و إلى ما ذكرناه مكررا من منافاة ذلك لظاهر الأدلة المقتضية لسببيته إذا كان التعليق مقتضيا لتأخر أثره، و إلى أن الثابت سببيته من الأدلة الشرعية المنجز، بل مقتضى الأول و الأخير عدم صحته و إن كان المعلق عليه متحققا حال الصيغة، لأن ذلك لا يخرجه عن كونه إنشاء معلقا.

نعم لو علقه بالنقيضين وقع مع اتحاد الكلام، لظهور الجمع بينهما في إرادة التأكيد دون التعليق، مع أنه احتمل العدم فيه للتعليق، بل هو خيرة الفخر في الشرح و إن كان ضعيفا، لكون المفروض إرادة التأكيد لا التعليق، أما مع اختلاف الكلام فالمتجه العدم، لما عرفت.

و كذا لا يصح لو قال: «أنت حر متى شئت» و إن بادر إلى المشيئة، لأنه من التعليق أيضا حتى لو قال: «إني كنت شئت حين قلت ذلك» لما عرفت من تحقق التعليق و إن اتحد زمان الإنشاء و الإيقاع، و منه يعلم فساد احتمال حصول التحرير بقوله: «أنت حر» و إلغاء قوله: «متى شئت» ضرورة كون القصد إنشاء معلقا، فلا يترتب عليه الأثر، كما هو واضح.

و على كل حال فما عن القاضي من الوقوع مع التعليق على الوقت و أبى علي على الشرط واضح الضعف، و كذا ما عساه يظهر من محكي النهاية و الاستبصار من أنه يقع مشروطا في النذور و القربات، كقوله: «إن شفاني الله فعبدي حر» دون اليمين كقوله: «إن دخلت الدار فعبدي حر» و نحوه عن الغنية.

بل في اللمعة و الروضة «لو نذر عتق عبده عند شرط سائغ على ما فصل انعقد النذر و العتق مع وجود الشرط» و في الأخير «إن كانت الصيغة إن كان كذا من الشرط

ج 34، ص: 101

السائغ فعبدي حر، و وجب عتقه إن قال: لله علي أن أعتقه، و المطابق للعبارة الأول، لأنه العتق المعلق لا الثاني، فإنه الإعتاق، و مثله القول فيما إذا نذر أن يكون ماله صدقة أو لزيد أو أن يتصدق به أو يعطيه لزيد، فإنه ينتقل عن ملكه بحصول الشرط في الأول، و يصير ملكا لزيد قهريا، بخلاف الأخير، فإنه لا يزول ملكه به، و إنما يجب أن يتصدق به أو يعطى زيدا، فان لم يفعل بقي على ملكه و إن حنث، و يتفرع على ذلك إبراؤه منه قبل القبض، فيصح في الأول دون الثاني».

و فيه (أولا) أن ذلك ليس من العتق بالصيغة معلقا، بل هو بالنذر الذي ثبت فيه مشروعية التعليق، و البحث إنما هو في إنشاء العتق بصيغته معلقا، و (ثانيا) إمكان منع صحة ذلك، لعدم اقتضاء أدلة النذر مشروعية نذر الآثار التي أوقفها الشارع على صيغ خاصة كالنكاح و الطلاق و الوقف و نحوها، بل و كذا الكلام في نذر كون المال لزيد، نعم لو نذر كونه لله خرج عن ملكه و وجبت الصدقة به، و قد تقدم منا البحث في وقوع هذه الآثار لو كانت بالشرط الذي يقتضي أدلته كونه أوسع دائرة من النذر، فلاحظ و تأمل. و الله العالم.

و كذا لا يصح لو قال يدك حرة أو رجلك أو رأسك أو وجهك بلا خلاف أجده بين من تعرض له، بل عن الانتصار الإجماع عليه، بل و لا إشكال إذا كان المراد تحرير الأجزاء المزبورة، ضرورة عدم ثبوت مشروعيته، بل الثابت عدمه، أما مع إرادة الكناية بذلك عن الشخص نفسه- و لو مجازا لعلاقة الجزء و الكل و إن كان على الوجه الفاسد- فيشكل عدم صحته بتحقق صيغة العتق التي لم يثبت اعتبار ذكر المعتق فيها باسمه أو بما يدل عليه حقيقة، و كون العتق لا يقع بالكناية إنما يراد به ما يدل على التحرير لا المحرر، و في كشف اللثام إن أراد بالوجه الذات وقع، لكونها من معانيه، و للعامة قول بالوقوع إذا علق على ما يطلق على الجملة كالرأس، و آخر به مطلقا.

و في المسالك بعد أن ذكر عدم وقوع العتق بالأجزاء المزبورة قال: «و إن كان

ج 34، ص: 102

الوجه و الرأس قد يطلق على الذات عرفا، لأنه خلاف المتبادر، و لعدم نقل مثل ذلك شرعا» و فيه أن التبادر و عدمه لا مدخلية له في المقام، إذ الفرض معلومية كون ذلك مراد اللافظ، و عدم النقل شرعا لمعلومية عدم التعبد فيما يدل على المعتق.

ثم قال: «و اعلم أنه قد تقدم وقوع الكفالة المتعلقة بالوجه و الرأس معللا بأنه قد يعبر بهما عن الجملة عرفا، و الفرق بين الكفالة و العتق أن القصد الذاتي منها إحضار البدن، و الذات تابعة عرفا، و هنا بالعكس، فإن الحرية المقصودة من العتق متعلقها الذات، و البدن تابع إذا جعلناه غيره، و أما الفرق بينهما بأن المعتبر في الكفالة العرف و في العتق الشرع فلا يخلو من تحكم و إن كان العرف منصرفا في الفرق الأول» و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

بل منه يعلم ما في قول المصنف و غيره أما لو قال: بدنك أو جسدك فالأشبه وقوع العتق لأنه هو المعنى بقوله أنت حر أي أنهما في العرف بمعنى واحد، و لا إشكال في وقوع العتق بالأخير، سواء قلنا بكون الإنسان جسما أو جسمانيا، فكذا ما كان بمعناه عرفا عاما، و لأن المالكية و المملوكية يتواردان على الموضوع الواحد، و المملوكية تتعلق بالهيكل المحسوس قطعا فكذا المالكية المترتبة عليها الحرية، و من هنا قال في المسالك: «و الأقوى الوقوع بذلك إلا أن يكون القائل معتقدا أن الإنسان خلاف ذلك، و ادعى قصد شي ء غيره، فيرجع إليه فيه».

قلت: لا ينبغي التأمل في الصحة إذا كان المراد من ذلك معنى «أنت» أو «زيد» أو نحوهما مما يدل على الجملة، لما عرفت، كما أنه لا ينبغي التأمل في البطلان إذا كان المراد خلاف ذلك، خصوصا مع عدم تناول اسم الجسد و البدن لجميع أجزاء الشخص، كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف هل يشترط تعيين المعتق؟ الظاهر عند المصنف

ج 34، ص: 103

أنه لا يشترط، بل هو المشهور على ما قيل، بل عن الكنز أنه لم يظهر فيه خلاف، لإطلاق الأدلة و تغليب الحرية السالمين عن معارضة عدم صلاحية تعلق الحكم بالمبهم بعد فرض تحققه في الشرع فيما إذا أعتق مماليكه كلهم في مرضه و لم يخرجوا من الثلث و لم يجز الورثة، فإنه يخرج قدر الثلث بالقرعة إلا أنه إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة بأنه الثابت من النصوص (1)

المتضمنة للصيغة المعينة، و قد عرفت أن الإطلاقات غير مساقة لبيان ذلك، و الإبهام الثابت في الفرض المزبور لا يستفاد منه جواز الإبهام في متعلق الصيغة أولا، و إنما كان المتجه فيه العتق بالثلث المشاع في العبيد إلا أنه لمكان النص (2)

صحت القرعة فيه على الثلث المعين، و من هنا يقوى احتمال الاشتراط، بل قد تقدم في الطلاق ما يستفاد منه قوته زيادة على ذلك، و لعله لذا كان ظاهر الشهيد في الدروس التوقف، بل هو صريح الفخر في الشرح، بل صريح نهاية المرام عدم الجواز بعد أن حكاه قولا، نعم لا محيص عن القول به هنا مع فرض الإجماع المزبور.

و حينئذ فلو قال: أحد عبيدي حر صح و رجع إلى تعيينه عند المشهور أيضا لنحو ما سمعته في الطلاق (3) و لكن قد ذكرنا هناك قوة القول بالرجوع إلى القرعة التي هي لكل أمر مشكل لا المشتبه خاصة، كما يقتضي به أصل مشروعيتها، و هو مساهمة يونس عليه السلام (4) و لا ريب في تحقق الاشكال مع فرض عدم الطريق و فرض وقوع العتق بالصيغة لا بها مع التعيين إذ لم يثبت كون التعيين تشهيا منه حينئذ طريقا شرعا إلى ذلك كما أوضحناه هناك ف لاحظ و تأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من كتاب العتق و الباب- 30- من أبواب الكفارات الحديث 1 و المستدرك الباب- 24- من كتاب العتق.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من كتاب العتق.
3- 3 راجع ج 32 ص 52.
4- 4 سورة الصافات: 37- الآية 141.

ج 34، ص: 104

نعم بناء عليه لو عين ثم عدل لم يقبل لعدم بقاء موضوع العتق بعد تعيينه، فيبقى حينئذ من عدل إليه على أصل الرقية بعد فرض لغوية تعيينه الثاني، و قد تقدم في الطلاق (1) تحقيق الحال في أن التعيين المزبور كاشف عن العتق بالصيغة، و عليه مبنى قوة القول بالقرعة أو أنه متمم لها، فيحصل حينئذ من حينه مع سائر الفروع المتعلقة بذلك و بغيره التي لا يخفى عليك جريانها في المقام، فلاحظ و تدبر.

و منها ما لو مات قبل التعيين فإنه قيل: يعين الوارث الذي هو خليفة الموروث و قائم مقامه حتى في مثل التعيين الراجع إلى التشهي، بل قد يدعى انتقاله إليه بالإرث كحق الخيار و نحوه و قيل: يقرع لعدم موردية نحو التعيين المزبور، و لا دليل على قيام الوارث مقامه في تعيين المبهمات، فليس حينئذ إلا القرعة و هو أشبه لعدم اطلاع الوارث على قصده الناشئ تشهيا، و عدم ثبوت إرثه لذلك، بل قد عرفت قوة القول بالرجوع إليها قبل الموت، بل يظهر من ترجيح المصنف و غيره الرجوع إليها هنا عدم اختصاصها بالمشتبه، و إنما يؤتى بها للترجيح كما قدمنا الكلام فيه في كتاب الطلاق (2) هذا كله في المبهم في نفس الصيغة و يراد إنشاء تعيينه.

أما لو أعتق معينا ثم اشتبه عليه ارجى ء حتى يذكر و عمل على مقتضى المقدمة حال عدم الذكر فان ذكر عمل بقوله مع عدم المعارض لأنه المرجع في نحو ذلك، و تعين من عينه للعتق و لو عدل بعد ذلك لم يقبل لأنه إنكار بعد إقرار للغير بحق الحرية، بل قيل: إنه يحكم بحرية المعدول إليه أيضا عملا بإقراره المتأخر و إن كان لنا فيه بحث قد تقدم في الطلاق (3) أيضا فإن


1- 1 راجع ج 32 ص 46- 48.
2- 2 راجع ج 32 ص 46- 48.
3- 3 راجع ج 32 ص 54.

ج 34، ص: 105

لم يذكر لم يقرع ما دام حيا لاحتمال التذكر فلم يتحقق الإشكال الذي هو موضوع القرعة، اللهم إلا أن يستلزم ذلك الضرر و التعطيل، فقد يقال حينئذ بها، و يأتي الكلام حينئذ فيما لو تذكر بعدها بما ينافيها كما تقدم الكلام فيه في كتاب الطلاق (1) فلاحظ.

و لو مات و ادعى الوارث العلم و لو لدعوى اطلاعه عليه منه رجع إليه و لكن فيه بحث قدمناه أيضا في كتاب الطلاق (2) و إن جهل أقرع بين عبيده بلا خلاف لتحقق الاشكال و اليأس من زواله و احتمال الرجوع إلى الوارث هنا واضح الفساد.

و لو ادعى أحد مماليكه أنه هو المراد بالعتق و لو للاطلاع عليه من قبله فأنكر المولى فالقول قوله أي المولى مع يمينه لأنه منكر، و كذا حكم الوارث لعموم

قوله صلى الله عليه و آله (3)

«البينة على المدعى

و (11) اليمين على من أنكر» نعم لو نكل (12) عن اليمين قضى عليه (13) بالنكول إن قلنا به، و إلا احلف المملوك و أعتق كما في غير ذلك من الدعاوي، و هو واضح.

و (14) كيف كان ف يعتبر في المعتق البلوغ و كمال العقل و الاختيار و القصد إلى العتق و التقرب إلى الله (15) تعالى و كونه غير محجور عليه (16) لسفه أو فلس بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك عدا من بلغ عشرا من الأول الذي ستعرف الكلام فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى عموم الأدلة، و خصوص

صحيح زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن عتق المكره فقال ليس عتقه بعتق»

و صحيحه الآخر خاصة أو مع محمد بن مسلم و بريد بن معاوية و فضيل و إسماعيل


1- 1 راجع ج 32 ص 46.
2- 2 راجع ج 32 ص 52.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 و فيه «البينة على المدعى و اليمين على المدعى عليه».
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 106

الأزرق و

معمر بن يحيى (1) عنه عليه السلام أيضا و عن أبي عبد الله عليه السلام «إن المدله ليس عتقه بعتق»

و صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن طلاق السكران قال: لا يجوز و لا عتقه»

و نحوه صحيحه الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا، و

صحيح حماد و ابن أذينة و ابن بكير و غير واحد (4) عنه عليه السلام أيضا «لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى»

و نحوه خبر أبي بصير (5) عنه عليه السلام أيضا، و

خبر علي بن أبي حمزة (6) عنه عليه السلام أيضا «لا عتق إلا ما طلب به وجه الله عز و جل»

و

خبر عبد الأعلى مولى آل سام (7) عنه عليه السلام أيضا «لا طلاق إلا على كتاب الله، و لا عتق إلا لوجه الله»

إلى غير ذلك.

نعم في عتق الصبي إذا بلغ عشرا و صدقته تردد و خلاف، فالأكثر كما في كشف اللثام على العدم، لإطلاق الأدلة في سلب عبارته، و الشيخ على الصحة و مستند الجواز رواية الشيخ عن موسى بن بكر عن زرارة (8)عن أبي


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من كتاب العتق الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من كتاب العتق الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من كتاب العتق الحديث 1.
5- 5 الكافي ج 6 ص 178.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من كتاب العتق الحديث 2 و هو خبر أبى بصير الذي أشار إليه قده فإنه و ان رواه في الوسائل عن على بن أبي حمزة عن أبى عبد الله عليه السلام الا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 178 على بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام و هناك صحيحة أخرى يدل على المطلوب لم يتعرض لها في الجواهر، و هي الصحيحة التي رواها في الوسائل في الباب- 13- من كتاب الوقوف و الصدقات الحديث 2 عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا صدقة و لا عتق الا ما أريد به وجه الله عز و جل».
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من كتاب الايمان الحديث 9.
8- 8 الوسائل- الباب- 56- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 107

جعفر عليه السلام

قال: «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له من ماله ما أعتق و تصدق على وجه المعروف فهو جائز»

و بإسناده عن صفوان بن يحيى عن موسى بن بكر (1) مثله، إلا أنه قال: «على حد معروف و حق فهو جائز» بل رواه الكليني أيضا عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و أحمد بن محمد بن عيسى جميعا عن صفوان بن يحيى (2)

إلى آخره، و في النافع أسنده إلى رواية حسنة، و ظاهره الميل إليه، بل ربما يؤيده ما تقدم من جواز وصيته بالمعروف التي منها العتق، بل منها التدبير بناء على أنه وصية به، و ذلك لاستبعاد صحته تدبيرا و عدمها تنجيزا.

و لكن مع ذلك كله أطنب في المسالك في بيان سقوط هذه الرواية، و ذلك لأن في سندها موسى بن بكر، و هو واقفي غير ثقة. و ابن فضال، و هو فطحي و إن كان ثقة، و الشيخ تارة أوقفها على زرارة، و اخرى إلى الباقر عليه السلام، كما أن المصنف أسندها إلى زرارة هنا، و قال في نكت النهاية: «إنها موقوفة» و في النافع وصفها بالحسن، و لعله أراد غير الحسن المصطلح، إلى أن قال: «فمع هذه القوادح كيف تصلح لإثبات هذا الحكم المخالف لأصول المذهب، بل إجماع المسلمين، فإطراحها متعين، و يمكن حملها و حمل ما ورد (3) في معناها في جواز وقفه و صدقته و وصيته


1- 1 أشار إليه في الوسائل الباب- 56- من كتاب العتق الحديث 1 و قد ذكره في التهذيب في موضعين: الأول في ج 8 ص 248 بإسناده عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام و فيه «. و تصدق على وجه المعروف فهو جائز». و الثاني في ج 9 ص 181 بإسناده عن علي بن الحسن عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن زرارة مضمرا. و فيه «. على وجه معروف و حق فهو جائز» و لم نعثر على السند و اللفظ اللذين ذكرا في الجواهر و الوسائل.
2- 2 أشار إليه في الوسائل الباب- 56- من كتاب العتق الحديث 1 و ذكره في الكافي ج 7 ص 28.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من كتاب الوقوف و الصدقات.

ج 34، ص: 108

على أن ابن العشر محل إمكان البلوغ، كما تقدم في أن الولد يلحق به في هذا السن لإمكان بلوغه بالمني فبسبب أنه في وقت إمكان البلوغ و جواز التصرف أطلقوا جواز تصرفه، و المراد به إذا انضم إليه ما يدل على البلوغ، بمعنى أنه من حيث السن لا مانع من جهته و إن توقف على أمر آخر، و هذا خير من اطراح الروايات الكثيرة» و تبعه على ذلك بعض من تأخر.

و لكن الانصاف عدم كونها بهذه المثابة بعد أن عرفت روايتها في التهذيب و الكافي و في سندها بعض أصحاب الإجماع، كما أن القول بها ليس كذلك، خصوصا بعد التأييد بما عرفت، على أن ما ذكره أخيرا صالح للحكم بصحة العتق و إن لم ينضم إليه أمر آخر يقتضي البلوغ إذا فرض وقوع العتق منه على وجه يمكن معه نية القربة لغفلته عن الاشتراط أو جهل به أو غير ذلك، لأصالة الصحة التي يكفي في الحكم بها احتمال وجود شرط الصحة، مثل الحكم بلحوق الولد و إن لم يحكم ببلوغه، و مثل الحكم بصحة صلاة من شك في الطهارة بعد الفراغ منها، و نحو ذلك يجري في بيعه فضلا عن عتقه، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى عليك أن نية القربة هنا مثلها في سائر ما تعتبر فيه، فلا يشترط التلفظ بها و إن اعتبر ذلك في الصيغة و هو واضح.

كوضوح أنه لا يصح ال عتق من السكران و غيره ممن لا عقل له و لا قصد له، لما عرفت و الله العالم.

و كيف كان ف يبطل باشتراط نية القربة عتق الكافر لتعذرها في حقه باعتبار أن اشتراطها يقتضي كون العتق من العبادات، و من المعلوم اعتبار الإسلام بل الإيمان في صحتها، حتى كاد يكون ضروري المذهب إن لم يكن الدين، فلا يتصور حصول نية التقرب بالعبادة مع فقد شرطها، نعم لو قلنا بعدم اشتراطها في صحته و أن النصوص المزبورة محمولة على نفي الكمال و عدم ترتب الثواب بدونها فلا إشكال في صحته حينئذ، ضرورة كونه من المعاملة التي لا إشكال في

ج 34، ص: 109

صحتها منه لا العبادة.

و لعله لذا قال الشيخ في الخلاف و المبسوط يصح مطلقا سواء كان الكفر بإنكار الصانع أو غيره، بل بعض الاستدلال للقول المزبور في المسالك و غيره ظاهر أو صريح في ذلك و إن كان هو لا يخلو عن تشويش، فإنه حكى الاحتجاج عنه بأن «العتق فك ملك و تصرف مالي و نفع للغير، و الكافر أهل لذلك، بل ملكه أضعف من ملك المسلم، ففكه أسهل، و لبناء العتق على التغليب، و جاز حمل الخبر (1)

على نفي الكمال، ك

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (2): «لا صلاة لجار المسجد إلا فيه»

و من ثم وقع الاتفاق على بطلان عبادة الكافر المحضة دون عتقه و نحوه من تصرفاته المالية المشتملة على العبادة- كالوقف و الصدقة- ترجيحا لجانب المالية على العبادة» و هو كما ترى، إذ لا فرق في اعتبار الإسلام في صحة العبادة سواء كانت مالية أو غير مالية، و على كل حال فلا ريب في ضعفه.

و أضعف منه القول بالتفصيل- و إن اشتهر بين المتأخرين- بين كون كفره بجحد الإلهية أصلا، فلا يصح منه لتعذر قصد القربة، و بين كونه بجحد النبي صلى الله عليه و آله و نحوه فيصح، لأن

قوله عليه السلام (3): «لا عتق»

إلى آخره- الذي حمله على نفي الصحة أولى لأنها أقرب إلى نفي الحقيقة- لا يقتضي إلا اشتراط إرادة التقرب المتوقفة على الإقرار به، و لا يلزم من ذلك حصول المراد الذي هو أمر آخر لا يدل عليه الخبر، بل كونه عبادة مطلقا ممنوع، بل من هذا الوجه، و هو لا يمنع وقوعه من الكافر المقر، إذ هو كما ترى كاد أن يكون من غرائب الكلام، ضرورة اقتضاء الصحة في العبادة موافقة الأمر المقتضية ترتب الجزاء عليها، كضرورة كون المراد بنية القربة إنشاء التقرب على وجه يترتب عليه أثره، و لذا نافاها الرياء و نحوه من منافيات الإخلاص من غير فرق بين العبادة المالية و غيرها، بل و بين الزكاة و الخمس


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من كتاب العتق.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من كتاب العتق.

ج 34، ص: 110

و غيرهما، و إرادة وجه الله به المذكورة في النصوص (1)

يراد بها ذلك لا إرادته على الوجه الذي ذكره.

و بذلك كله ظهر لك تطرق النظر في جملة من الكلمات، و قد تقدم منا سابقا بعض الكلام في ذلك، فالتحقيق عدم صحته من الكافر مطلقا، خصوصا مع استلزامه للولاء الذي هو سبيل على المسلم لو كان العبد مسلما، بل المتجه عدم صحته من غير المؤمن بناء على أنه من العبادات إلا أني لم أجد من تعرض له، بل لعل السيرة القطعية تقضي بخلافه، و يمكن التزام خروج ذلك كالمساجد بها من بين العبادات إلا أنه كما ترى، و الله العالم.

و يعتبر في المعتق بالفتح الإسلام و الملك، فلو كان المملوك كافرا لم يصح عتقه عند الأكثر كما في المسالك، بل عن بعض الإجماع عليه و إن كنا لم نتحقق الأول منهما فضلا عن الثاني، و ليس في قوله تعالى (2) «فَكُّ رَقَبَةٍ» إلى قوله «ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا» دلالة على صحة ذلك منهم على وجه يترتب عليه أثره، بل يمكن دعوى دلالته على العكس، لقوله تعالى (3) «وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» و النهي يقتضي الفساد، و لعدم كونه محلا للتقرب إلى الله تعالى الذي عرفت اعتباره في عتقه، خصوصا بعد الأمر (4) بمحادته و النهي (5) عن موادته و الإحسان إليه، و ل

خبر سيف بن عميرة (6)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من كتاب الوقوف و الصدقات الحديث 2 و 3 و الباب- 4- من كتاب العتق.
2- 2 سورة البلد: 90- الآية 13.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 267.
4- 4 راجع البحار ج 75 ص 385 الى 392 و فيها الايات و الاخبار الدالة على ذلك.
5- 5 راجع البحار ج 75 ص 385 الى 392 و فيها الايات و الاخبار الدالة على ذلك.
6- 6 الوسائل- الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 5.

ج 34، ص: 111

أ يجوز للمسلم أن يعتق مشركا؟ قال: لا».

إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة كون المراد الردي ء من الخبيث في الآية، لا الخبيث من حيث الاعتقاد دون المالية التي قد تكون خيرا من مالية العبد المسلم، و لو سلم فالنهي إنما هو عن خصوص الصدقة الواجبة، للإجماع على جواز إنفاق الردي ء من المال و جيده بالصدقة و نحوها، و كونه محلا للتقرب يتبع المستفاد من الأدلة، فمع فرض اقتضاء إطلاقها الأمر بعتق مطلق الرقبة مسلمة كانت أو كافرة فلا إشكال في صحة النية حينئذ، إذ ليست عبادية العتق مأخوذة من رجحان الإحسان و نحوه.

على أن المصالح المترتبة على ذلك لا يحيط بها إلا علام الغيوب، فربما أدى ذلك إلى إسلامه، كما

روي (1)

«أن عليا عليه السلام أعتق عبدا نصرانيا فأسلم حين أعتقه»

بل ربما

ورد (2) في بعض النصوص الأمر بسقيهم و إطعامهم معللة بأن «لكل كبد حرى أجر»

و خبر سيف مع ضعفه و كونه أخص من المدعى يمكن حمله على ضرب من الكراهة، نحو النهي (3)

طعن عتق غير المؤمن، لرجحان إطلاق الأدلة المعتضد بما سمعته من المروي من فعل علي عليه السلام، و معلومية جواز عتق غير المؤمن الذي هو أشد من الكافر عليه، و من هنا قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف و المبسوط و عن ابن سعيد في محكي الجامع يصح مطلقا و مال إليه بعض.

نعم من الغريب هنا ما قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية يصح مع النذر لا مع عدمه جمعا بين الخبرين (4)

المزبورين، و هو كما ترى


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصدقة الحديث 3 من كتاب الزكاة و التعليل الوارد انما هو لسقي الحيوان كما في سنن البيهقي ج 4 ص 186.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 2 و 5.

ج 34، ص: 112

لا شاهد له، و لا إشعار في شي ء منها به، على أن النذر يعتبر فيه رجحان المنذور قبل تعلق النذر، فتنفي صحته بدونه، كما هو واضح، و الله العالم.

و يصح عتق ولد الزنا كما هو المشهور فتوى و عملا، لإطلاق الأدلة، و

خصوص خبر سعيد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «لا بأس بأن تعتق ولد الزنا»

الشامل لحال صغره الذي لم يحكم فيه بالتبعية و إن كان من كافرين، و حال كبره مع وصف الإسلام، بل و إن وصف بالكفر في غير السراية، لما عرفت من صحة عتق الكافر.

و قيل و القائل المرتضى و ابن إدريس، لا يصح بناء على كفره ذاتا و إن وصف بالإسلام، بل عن الأخير منهما دعوى الإجماع على ذلك، و لكن لم يثبت ذلك، و رواية عدم نجابته (2)- الوارد نظيرها في ولد الحائك- لا تقتضي ذلك قطعا، و كذا

قول الصادق عليه السلام (3): «من ولد للزنا لا يدخل الجنة»

و لو سلم دلالتهما و الإجماع المزبور فهو في الباطن، على أنك قد عرفت صحة عتق الكافر، و الله العالم.

و لو أعتق غير المالك فضولا لم ينفذ عتقه و لو أجازه المالك على المشهور كما في المسالك، بل في كشف اللثام و الرياض نفي الخلاف فيه، بل في الروضة الإجماع عليه، قيل ل

قوله صلى الله عليه و آله (4)

«لا عتق إلا بعد ملك»

الدال على نفي الصحة،


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9 و فيه «ان ولد الزنا لا يطيب أبدا».
3- 3 البحار ج 5 ص 285 الطبع الحديث و فيه «ان الله عز و جل خلق الجنة طاهرة مطهرة، فلا يدخلها الا من طابت ولادته» و فيه أيضا «. و لن يدخل الجنة الا طاهر» و في ص 287 منه «لا يدخل الجنة الا من خلص من آدم» و أيضا «من طهرت ولادته دخل الجنة».
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 34، ص: 113

لأنه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة، و

قول الصادق عليه السلام في خبر ابن مسكان (1): «من أعتق ما لا يملك فلا يجوز»

و لأنه عبادة أو فيه شائبة العبادة، و هي لا تقبل الفضولي.

قلت: لكن قد يناقش بعد اقتضاء الأول البطلان مع الإجازة، ضرورة كون المراد العتق الذي يترتب عليه الأثر لا مجرد صيغة العتق، فهو نحو

قوله صلى الله عليه و آله (2).

«لا بيع إلا في ملك»

الذي قد عرفت صحة الفضولي فيه، فإنه على مقتضى إطلاق الأدلة الجاري نحوه في المقام، ضرورة صحة صدق العتق في ملك عليه بعد فرض الإجازة، و لا دلالة فيه على اشتراط مباشرة الصيغة المعلوم عدمه هنا بمعلومية صحة عتقه من الوكيل و الولي، و نحو ذلك الكلام في خبر ابن مسكان.

بل منه يعلم ما في الثالث الذي يمكن فيه منع عدم جريان الفضولية في مثل هذه العبادة التي لا يعتبر فيها المباشرة، خصوصا بعد أن كان من أدلة الفضولي خبر (3) الصدقة بمال الغير إذا تعقبته الإجازة، و قد تقدم جملة من الكلام في ذلك في بحث الفضولي (4) نعم ما عن ابن أبي ليلى من نفوذ العتق و تقويمه على الموسر واضح الفساد، هذا كله مضافا إلى ما عرفت من احتمال كونه غير عبادة، و الله العالم.

و لو قال: إن ملكتك فأنت حر لم ينعتق مع الملك إلا أن يجعله نذرا أو عهدا أو يمينا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل و لا إشكال، للتعليق و عدم الملك حال الصيغة، و في

المرسل عن الصادق عليه السلام (5)

«في رجل


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب العتق الحديث 4.
2- 2 المستدرك الباب- 1- من أبواب عقد البيع الحديث 3 و فيه «لا بيع الا فيما تملك» و في سنن البيهقي ج 7 ص 318 «لا بيع فيما لا يملك»
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب اللقطة الحديث 2.
4- 4 راجع ج 22 ص 273 الى 284.
5- 5 المستدرك الباب- 5- من كتاب العتق الحديث 7.

ج 34، ص: 114

يقول إن اشتريت عبدا فهو حر لوجه الله، و إن اشتريت هذا الثوب فهو صدقة لوجه الله، و إن تزوجت فلانة فهي طالق، قال: كل ذلك ليس بشي ء، إنما يطلق و يتصدق بما ملك»

فما عن بعض العامة من الانعتاق بذلك واضح الفساد، نعم يجب عتقه بصيغة العتق مع الندر مثلا لعموم ما دل على وجوب الوفاء به (1).

و لو كانت الصيغة «لله علي أنه حر إن ملكته» فظاهر الشهيد صيرورته حرا بدون صيغة كما عن ابن حمزة، و يشكل بأن العتق مشروط بانتقاله إلى ملكه و لو آنا، فلو عتق بمجرد ملكه لزم العتق في غير ملك، و أجيب بجواز الاكتفاء بالملك الضمني كملك القريب آنا ثم يعتق.

و فيه أن التزام ذلك فيه بعد أن دل الدليل (2)

على عتق القريب بدخوله في ملك قريبه، للجمع بينه و بين

«لا عتق إلا في ملك» (3)

أما في المقام فلا دليل على انعتاقه بذلك كي يلتزم التقدير المزبور، و أدلة النذر شرعا تقتضي وجوب الوفاء بالمنذور على شرائطه الشرعية، لا أنها تشرع الشي ء لنفسه، و إلا لصح الطلاق بدون صيغته بنذره مثلا، و كذا النكاح و غيره، و هو معلوم البطلان، و من هنا صرح بعضهم بوجوب الصيغة في الفرض، و لعله كذلك للأصل، و لأنه ليس من الإيقاع في شي ء كما أوضحنا ذلك سابقا، و لأن النذر إنما يتعلق بفعله، و ما في الدروس من تصريح الرواية بذلك لم نتحققه، بل ظاهر ما تسمعه من النصوص في المسائل الاتية الصريحة خلافه، و الله العالم.

و لو جعل العتق يمينا لم يقع كما لو قال: أنت حر إن فعلت أو إن


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 29.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب العتق.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب العتق الحديث 2 و فيه «لا عتق الا بعد ملك».

ج 34، ص: 115

فعلت بلا خلاف فيه بيننا، بل عن الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر الاتفاق عليه، لنحو ما سمعته في عدم الحلف بالطلاق،

و قال الصادق عليه السلام لمنصور بن حازم في الصحيح (1): «إن طارقا كان نخاسا بالمدينة، فإني أبا جعفر عليه السلام فقال: يا أبا جعفر إني هالك، إني حلفت بالطلاق و العتاق، فقال له: لا طلاق، إن هذه من خطوات الشيطان»

مضافا إلى ما فيه من التعليق الذي قد عرفت عدم جوازه، إذ لا فرق بين اليمين به و التعليق من حيث الصورة، نعم يفترقان بالنية، فإن كان الغرض البعث على الفعل إن كان طاعة و الزجر عنه إن كان معصية كقوله: «إن حججت فأنت حر» أو «إن زنيت» قصدا للبعث في الأول و الزجر في الثاني فهو يمين، و إن كان الغرض مجرد التعليق كان قدم زيد. أو دخلت الدار. أو طلعت الشمس. فهو شرط أو صفة، و الله العالم.

و لو أعتق مملوك ولده الصغير لفرض مصلحة للمولى عليه في ذلك صح، لعموم الآية (2) و لو أعتقه عن نفسه بعد التقويم بمعنى إدخاله في ملكه بقيمته لفرض مصلحته في ذلك صح بلا خلاف و لا إشكال، لوجود المقتضي و عدم المانع.

و لو أعتقه كذلك و لم يقومه على نفسه بمعنى عدم إدخاله في ملكه أو كان الولد بالغا رشيدا لا ولاية له عليه لم يصح وفاقا للمشهور، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، و إن احتمل في الدروس الصحة في الأول، و يكون ضامنا للقيمة، كعتق البائع ذي الخيار، لما عرفت من اشتراط الملك في العتق، خلافا للمحكي عن النهاية التي هي متون أخبار من الصحة، ل

خبر الحسين بن علوان (3) الضعيف و لا جابر له عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: «أتى النبي صلى الله عليه و آله رجل فقال: يا رسول الله إن أبى عمد إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من كتاب الايمان الحديث 4.
2- 2 سورة البلد: 90- الآية 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 67- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 116

مملوك لي فأعتقه بهيئة المضرة لي فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: أنت و مالك من هبة الله لأبيك، أنت سهم من كنانته، يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ، وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً، جازت عتاقة أبيك، يتناول والدك في مالك و بدنك، و ليس لك أن تتناول من ماله و لا من بدنه شيئا إلا بإذنه»

الواجب حمله كما صرح به غير واحد على إرادة رجحان إجازة الولد للوالد في ذلك، و حينئذ فيخرج شاهدا على صحة الفضولي، و الله العالم.

و لو شرط على المعتق شرطا سائغا في نفس العتق لزمه الوفاء به في الجملة بلا خلاف كما اعترف به غير واحد، بل في نهاية المرام الإجماع عليه،

لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (1)

و إطلاق ما دل (2) على شرعية العتق الشامل للمشروط و غيره، و خصوص المعتبرة المستفيضة، ك

صحيح أبي العباس (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل قال: غلامي حر و عليه عمالة كذا و كذا، قال: هو حر و عليه العمالة»

و صحيح يعقوب بن شعيب (4)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعتق جارية و شرط عليها أن تخدمه عشر سنين، فأبقت ثم مات الرجل، فوجدها ورثته، أ لهم أن يستخدموها؟ قال: لا»

و صحيح محمد بن مسلم (5) عن أحدهما عليهما السلام «في الرجل يقول لعبده: أعتقتك على أن أزوجك ابنتي، فإن تزوجت عليها أو تسريت فعليك مأة دينار، فأعتقه على ذلك، فيتزوج أو يتسرى، قال: عليه مأة دينار»

و صحيح حريز (6) قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قال لمملوكه:


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و غيره- من كتاب العتق.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من كتاب العتق الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من كتاب العتق الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من كتاب العتق الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 24- من كتاب العتق الحديث 5 عن أبي جرير قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام.» الا أن في الكافي ج 6 ص 191 و التهذيب ج 8 ص 224 و الاستبصار ج 4 ص 11 عن أبي جرير قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام.» و لكن في الفقيه ج 3 ص 92 عن حريز قال؛ «سألت أبا الحسن عليه السلام.» و في ذيل الحديث في الجميع «و أنت حر برضا المملوك».

ج 34، ص: 117

أنت حر و لي مالك، قال: لا يبدأ بالحرية قبل المال، فيقول له: لي مالك و أنت حر، إن يرضى المملوك فالمال للسيد»

إلى غير ذلك من النصوص (1)

الدالة على صحة الشرط في الجملة، من غير فرق بين المال و الخدمة و غيرهما.

نعم في الأخير منهما (2) اعتبار تقدم الشرط على الصيغة و لم أجد به قائلا هنا، بل صريح بعض النصوص (3)

السابقة خلافه، فضلا عن إطلاق الآخر و العمومات، و حينئذ فهو عتق و شرط، لا عتق معلق على الشرط، و يتحقق كونه شرطا في العتق بإرادة اللافظ و قصده بقوله: «أنت حر و لي عليك ألف» و الشرط على وجه يكون المجموع صيغة واحدة دالة على مجموع الأمرين.

و لكن بقي شي ء، و هو أن مقتضي بعض الأدلة المزبورة قابلية غير العتق من الإيقاع للشرط حتى الطلاق، و قد تقدم في الطلاق خلاف ذلك، و أنه متى قال:

«أنت طالق على كذا» و لم تكن كراهة بينهما لا تلتزم به و إن رضيت بذلك، خلافا لمن عرفت، فالأولى الاقتصار في صحة الشرط في الإيقاع على خصوص العتق، للأدلة الخاصة، و عدم منافاة الشرط فيه القواعد العامة حتى مع عدم القبول، لما ستعرف من كونه مملوكا له عينا و منفعة، بل هو كل عليه لا يقدر على شي ء، فتأمل جيدا.

و على كل حال فلا إشكال في صحة الشرط حينئذ.

إنما الخلاف في اعتبار رضا العبد بالشرط و عدمه، فظاهر المتن و صريح


1- 1 الوسائل- الباب- 10 و 12- من كتاب العتق.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المسودة و المبيضة و الصحيح «منها» فان الضمير يرجع الى النصوص.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من كتاب العتق.

ج 34، ص: 118

المحكي عن غيره الثاني مطلقا، لأنه مالك له و مستحق لمنافعه و كسبه و له الضريبة المقدورة له عليه، فهي إيجاب مال من كسبه، فإذا شرط عليه خدمة أو مالا فقد فك ملكه عنه و عن منافعه و استثنى بعضها، فله ذلك، مضافا إلى عموم أدلة الشرائط (1)

و إطلاق أدلة مشروعية العتق (2)

و إطلاق النصوص (3)

الخاصة المتقدمة عدا الأخير (4)

منها.

و قيل: يشترط قبوله مطلقا كالكتابة، لاقتضاء التحرير تبعية المنافع، فلا يصح شرط شي ء منها إلا بقبول المملوك، و للصحيح الأخير (5)

و عدم الدخول في

عموم «المؤمنون عند شروطهم» (6)

في صدق الشرط عليه عرفا بدون الرضا مع أصل البراءة من الوفاء.

و فيه أن ذلك مقتضى التحرير المطلق لا المشروط الذي تحصل الحرية فيه مستحقا عليه ذلك، و الصحيح الأخير أخص من المدعى، مع أنك ستعرف ما فيه، و دعوى اعتبار الرضا في صدق الشرط عليه أو في الدخول في

عموم «المؤمنون»

ممنوعة، ضرورة تبعية الشرط لما يقع فيه: من العقد المحتاج إلى القبول، و الإيقاع الذي لا يحتاج إليه، و شرطيته بمعنى الالتزام فيه، بل قد عرفت أن إطلاق أدلة العتق مثلا يشمل المطلق و المشروط، و أصل البراءة لا يعارض إطلاق الأدلة، فليس حينئذ إلا الصحيح (7)

المزبور، لكنه كما عرفت أخص من المدعى.

و من هنا قيل بالتفصيل فيشترط رضاه إن كان المشروط عليه مالا و لا يشترط


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح. و الباب- 4- من أبواب المكاتبة و الباب- 6- من أبواب الخيار من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و غيره- من كتاب العتق.
3- 3 الوسائل- الباب- 10 و 11 و 12 من كتاب العتق.
4- 4 راجع التعليقة 6 من ص 116.
5- 5 راجع التعليقة 6 من ص 116.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
7- 7 راجع التعليقة 6 من ص 116.

ج 34، ص: 119

إن كان خدمة، و ذلك لأن الخدمة مستحقة للمولى بالأصالة، فشرطها كاستثناء بعض المملوك عن النقل بخلاف شرط المال، فإنه غير مملوك للمولى، و لا يجب على المملوك تحصيله، بل الواجب عليه بذل العمل، سواء ترتب عليه المال أم لا، فهو حينئذ كالكتابة المعتبر فيها القبول، و أما الضريبة فتمنع لزومها له بدون قبوله، و لذلك اختاره ثاني الشهيدين و غيره، مضافا إلى ما قيل من الاقتصار في الحكم بإلزام العبد شيئا لسيده بدون رضاه على موضع اليقين.

و فيه (أولا) ما قيل من أن راوي الرواية (1)

المزبورة على ما في التهذيب أبو جرير، لا حريز، و هو غير موثق، فلا تصلح مقيدة حينئذ لما سمعت من النصوص.

و (ثانيا) أنها مشتملة على اشتراط كون المال الموجود للعبد للسيد، و قد عرفت أن التحقيق عدم ملكية العبد، و أن جميع ما في يده لسيده، فلا وجه لاشتراطه، وفاقا لما سمعته سابقا من اشتمالها على اعتبار تقدم الشرط الذي لم نجد قائلا به هنا عدا ما يحكى عن الشيخ، و هو مخالف لإطلاق النصوص (2)

و خصوصها.

بل في الرياض المناقشة في الأخير (3)

بأنه «لو أريد بالتعيين معناه الأخص كان حصوله في الشق الأخير و هو اشتراط الخدمة محل نظر، لمكان الخلاف فيه، و عدم استفادة شي ء من الصحيحة الأخيرة سوى المظنة، و إن أريد به معناه الأعم الشامل لها صح نظرا إلى حصولها فيه من إطلاق الصحيحة الأخيرة، إلا أنها حاصلة من إطلاق

الصحيحة الأخرى (4)

في الشق المقابل المشروط فيه المال كما هو محل البحث».

و بالجملة فإن كان الظن الحاصل من الإطلاق كافيا في هذا الحكم المخالف


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من كتاب العتق الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 10 و 11 و 12- من كتاب العتق.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من كتاب العتق الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من كتاب العتق الحديث 3.

ج 34، ص: 120

للأصل في غير مورد البحث فليكن كافيا فيه، و إلا فلا يكون كافيا مطلقا، و الفرق تحكم، و التعيين بالمعنى الأخص لمكان الخلاف غير متحقق، و إن كان قد يناقش بأن الصحيحة الأخيرة على فرض اعتبارها تكون مقيدة لغيرها بالنسبة إلى المال، أما الخدمة فتبقى على مقتضى إطلاق الأدلة الذي لا معارض له، بخلاف المال الذي لا أقل من الشك في صحة اشتراطه مطلقا، للاختلاف في النصوص المزبورة، فيكون المتيقن منه حينئذ المقارن للقبول لا مطلقا، و الأمر سهل بعد وضوح الحال بذلك، و أن الأقوى الصحة مطلقا، لما عرفت و لأنه مالك لنفسه و منفعته و كسبه و مسلط عليه، بل لا يقدر على شي ء الذي منه عدم القبول.

نعم لو شرط إعادته في الرق إن خالف فعن الشيخ في النهاية و القاضي و غيرهما أعيد إليه مع المخالفة عملا بالشرط و

موثق إسحاق بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل يعتق مملوكه و يزوجه ابنته و يشترط عليه إن هو أغارها أن يرده في الرق، قال: له شرطه».

و قيل: يبطل العتق و الشرط لأنه اشتراط لاسترقاق من ثبتت حريته فيكون شرطا غير سائق، و يتبعه بطلان العتق المقصود وقوعه على الشرط المزبور، و لا يرد مثله في المكاتب المشروط الذي لم يخرج عن مطلق الرقية، و معنى قول السيد: «فان عجزت فأنت رد في الرق» الرق المحض الذي ليس بكتابة، لا مطلق الرق الذي لم ينف بالكتابة، و عدم الأخص أعم من عدم الأعم، و الرواية مع كونها من الموثق الذي فيه ما فيه شاذة كما في المحكي من نكت المصنف على النهاية، فلا يثبت بها الحكم المزبور المخالف لأصول المذهب و قواعده التي منها عدم عود الحر- بعد أن صار حرا- رقا، بل ربما قيل: إن أقصى ما فيه عوده في الرق، و هو صادق مع بطلان العتق و إن كان قد يناقش بأن الرد موضوع للرجوع بعد المفارقة التي لا يقول بها القائل بالفساد، اللهم إلا أن يراد بها في الموثق المجاز من باب تسمية الشي ء باسم ما يؤول إليه كتسمية العنب خمرا


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 34، ص: 121

أو من باب تسمية السبب باسم المسبب، لكنه كما ترى.

و عن ابن إدريس بطلان الشرط لما عرفت دون العتق، و تبعه فخر المحققين لبناء العتق على التغليب، و فيه أنه يقتضي الصحة بدون مقتضيها، نعم هو منه مبني على مذهبه في العقود و غيرها، و هو عدم اقتضاء بطلان الشرط فيها بطلانها، لأنه التزام مستقل فيها لا مدخلية له فيها، ضرورة عدم كونه شرطا بالمعنى اللغوي، بل المراد أنه التزام، و قد قدمنا في البيع فساده، و أوضحناه. و قلنا: إنه و إن كان بمعنى الالتزام إلا أنه لا ريب بارتباطه بقصد العقد على وجه حصول القصد للعقد المشتمل على الشرط المزبور، و من هنا قلنا بثبوت الخيار له مع فرض عدم الوفاء به، بل يمكن التزام مثله هنا بناء على مشروعية عود الحر رقا بالوجه المزبور، إلا أن التحقيق خلافه، و شذوذ الموثق (1)

المزبور يمنع من العمل به، بل اتفاقهم على عدم الخيار بعدم الوفاء بالشرط بالعتق كاشف عن عدم مشروعية ذلك، و مضعف أيضا للعمل بالموثق المزبور، ضرورة اقتضاء الشرط ذلك مع فرض إمكانه، و إلا لم يكن لشرطيته و لو بمعنى الالتزام الراجع إلى القصد في العقد معنى، كما هو واضح.

و من هنا مضافا إلى ما عرفت كان الأقوى البطلان، كما عن المصنف في النكت و الفاضل في جملة من كتبه و الشهيد و غيرهم، بل لعله من العتق المعلق، إذ لا فرق بين تعليقه مطلقا و تعليقه مشروطا و لو بتعليق شرطه، و إن كان قد يمنع ذلك أولا، و يلتزم بصحة نحوه للخبر (2)

المزبور، ضرورة كونه حينئذ كاشتراط المأة دينار إن تزوج أو تسرى الذي تضمنته الصحاح (3)

التي لا يعرف لها رادا بالنسبة إلى ذلك، فالعمدة حينئذ ما ذكرناه من بطلان الشرط نفسه، لما عرفت.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من كتاب العتق الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من كتاب العتق الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من كتاب العتق الحديث 1 و 3 و الباب- 37- من أبواب المهور من كتاب النكاح.

ج 34، ص: 122

و مما ذكرنا بان أنه لا إشكال في أنه لو شرط خدمة زمان معين على المعتق صح بلا خلاف فيه نصا (1)

و فتوى على حسب ما سمعته، نعم في نهاية المرام «لو كان الشرط خدمة المولى أو غيره مدة حياته فظاهر الأصحاب عدم صحته للجهالة، و لو قيل بالصحة لم يكن بعيدا، لأنه معين في نفسه، فيتناوله عموم

قوله صلى الله عليه و آله (2)

«المؤمنون عند شروطهم».

قلت: بل لم نتحقق ما حكاه عن ظاهرهم، بل لعل ظاهر إطلاقهم صحة الشرط خلافه، مضافا إلى ما سمعته سابقا مما يقتضي الجواز، و هل تجب نفقته مدة الخدمة على المعتق؟ كما عن ابن الجنيد، لقطعه عن التكسب، أو لا كما هو الظاهر، لأنها تابعة للملك، و الفرض زواله، و حينئذ ينفق عليه من بيت المال، أو يستثنى له تكسب مقدار قوته.

و كيف كان ف لو قضى المدة آبقا لم يعد في الرق بلا خلاف أجده فيه بينهم، بل و لا إشكال حتى لو أراد المولى إعادته لاستصحاب حريته و لقاعدة عدم عود الحر رقا و غير ذلك.

و لكن هل للمولى أو لورثته مطالبته بأجرة مثل الخدمة في تلك المدة؟ قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و الإسكافي و من تبعهما على ما قيل لا مطالبة له و لا لهم بالأجرة، بل ليس للورثة المطالبة بالخدمة لو فرض بقاء بعض المدة، لصحيح يعقوب بن شعيب (3)

المتقدمة سابقا و الوجه اللزوم (11) وفاقا لكافة المتأخرين كما قيل، لأنها حق متقوم بالمال، فيثبت على من فوته قيمته، و هي أجرة المثل، و أما مطالبة الوارث بالخدمة مع فرض بقاء المدة فلا ينبغي التوقف فيها، ضرورة كونه حقا يورث، و الصحيح (4)

المزبور منزل على وجدانها بعد انقضاء المدة الذي من المعلوم فيه عدم جواز مطالبة المولى


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من كتاب العتق الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 123

فضلا عن وارثه بالاستخدام مثلها، إذ هي ليست من المثليات التي تضمن بمثلها، بل هي بحكم القيمي، أو على أن الشرط قد كان خدمة المولى و قد فاتت بموته، فلا يجب عليه خدمة غيره، و على كل حال لا ينبغي الخروج به عما يقتضيه القواعد، و الله العالم.

و من وجب عليه عتق في كفارة أو غيرها لم يجزه التدبير و إن نوى به بلا خلاف و لا إشكال، لأن الواجب العتق المنجز، و التدبير وصية بالعتق أو عتق معلق كما تقدم ذلك في الكفارات، و

قال إبراهيم الكرخي (1): للصادق عليه السلام «إن هشاما سألني أن أسألك عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث بسيده حدث، فمات السيد و عليه تحرير رقبة واجبة في كفارة، أ يجزئ عن الميت العبد الذي كان السيد جعل له العتق بعد موته في تحرير رقبته التي كانت على الميت؟

قال: لا».

و إذا أتى على العبد المؤمن سبع سنين استحب عتقه

للمرسل (2) عن الصادق عليه السلام «من كان مؤمنا فقد عتق بعد سبع سنين، أعتقه صاحبه أم لم يعتقه»

المحمول على ذلك، للإجماع بقسميه على عدم انعتاقه بعد ذلك، و لكن لا بأس بحملها على الندب و إن كانت مرسلة للتسامح.

بل يستحب عتق المؤمن مطلقا و إن تأكد في الأول لما فيه من الإحسان إليه بتخليصه من الرق. و قد سمعت ما ورد (3)

في عتق الرقبة المؤمنة.

نعم يكره عتق المسلم المخالف كراهة عبادة، ل

قول الصادق عليه السلام (4):


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من كتاب العتق الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب العتق الحديث 8 و الباب- 3- منه.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 3.

ج 34، ص: 124

«ما أغنى الله عن عتق أحدكم، تعتقون اليوم فيكون علينا غدا، لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا»

المحمول على الكراهة، لإطلاق أدلة العتق، و خصوص

خبر أبي راشد (1) سأل الجواد عليه السلام «أن امرأة من أهلنا اعتل صبي لها، فقالت: اللهم إن كشفت عنه ففلانة جاريتي حرة، و الجارية ليست بعارفة، فأيما أفضل؟

تعتقها أو تصرف ثمنها في وجوه البر، فقال: لا يجوز إلا عتقها»

و غير ذلك و إن كان قد يجرى فيه بعض ما سمعته في منع عتق الكافر، و الله العالم.

و كذا يكره عتق من لا يقدر على الاكتساب قيل: ل

صحيح هشام بن سالم (2)

«سألته عن النسمة فقال: عتق من أغنى نفسه»

و فيه أنه لا دلالة فيه على الكراهة، بل أقصاه تأكد الندب في خصوص من أغنى نفسه، و كذا

قول الرضا عليه السلام (3): «من أعتق مملوكا لا حيلة له فان عليه أن يعوله حتى يستغني عنه، و كذلك كان علي عليه السلام يفعل إذا أعتق الصغار و من لا حيلة له»

إنما يدل على استحباب العيلولة به، لا على كراهة عتقه.

و كيف كان ف لا بأس بعتق المستضعف لأن

الحلبي في الصحيح (4)

«قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرقبة تعتق من المستضعفين، قال: نعم»

لكن قد سمعت

قول الصادق عليه السلام (5): «لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا»

المحمول على الكراهة التي هي أسهل من كراهة عتق المخالف.

و من أعتق من يعجز عن الاكتساب استحب إعانته لما سمعت، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من كتاب العتق الحديث 1 عن أبي على بن راشد.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من كتاب العتق الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من كتاب العتق الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 3.

ج 34، ص: 125

[و يلحق بهذا الفصل مسائل]
[المسألة الأولى لو نذر عتق أول مملوك يملكه صح النذر]

و يلحق بهذا الفصل مسائل

الاولى:

لو نذر عتق أول مملوك يملكه مثلا صح النذر و إن كان المنذور مجهولا، لعموم أدلة النذر (1)

و خصوص ما تسمعه من النصوص (2)

في المقام ثم إن اتفق ملك واحد بشراء أو إرث أو نحوهما أعتق من غير انتظار لملك آخر بعده على الأظهر للصدق عرفا.

ف أما لو ملك جماعة دفعة ف قيل و القائل الشيخ في النهاية و الصدوق و جماعة كما في المسالك بل في الرياض نسبته إلى الأكثر يعتق أحدهم بالقرعة لانتفاء الأولوية عن كل منهم، و ل

صحيح الحلبي (3) عن الصادق عليه السلام «في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث سبعة جميعا، قال: يقرع بينهم، و يعتق الذي يخرج اسمه»

و نحوه آخر (4).

و قيل و القائل: الإسكافي و الشيخ أيضا في التهذيب و المصنف في النكت و الشهيد في الشرح على ما حكي يتخير و يعتق إلا أن يموت فالقرعة، ل

خبر الصيقل (5)

«سألت الصادق عليه السلام عن رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر فأصاب ستة، قال: إنما كان نيته على واحد، فليتخير أيهم شاء فليعتقه»

و لأنه


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 29 و الوسائل الباب- 3 و غيره- من كتاب النذر و العهد.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من كتاب العتق.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم الحديث 15 من كتاب القضاء.
4- 4 الوسائل- الباب- 57- من كتاب العتق الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 57- من كتاب العتق الحديث 3.

ج 34، ص: 126

بعد أن كان المقصود واحدا و عدم اختصاص أحدهم بوصف الأولية- بل هي لاحقة لكل منهم، إذ الأول إما بمعنى غير المسبوق، أو بمعنى السابق غير المسبوق، و كل منهما صادق على كل منهم- يتجه التخيير، كما في كل عنوان للأمر، فلا إشكال و لا اشتباه كي يلزم بالقرعة، لكن لا بأس باختياره ما يخرج بها، بل لعل ذلك أولى، و عليه يحمل خبر القرعة.

و قيل كما عن السرائر لا يعتق شيئا، لأنه لم يتحقق شرط النذر الذي هو وحدة المملوك، و لا أول للمملوكية دفعة إلا الجملة و عتقها غير مقصود، و الأصل البراءة. و لكنه كالاجتهاد في مقابلة النص، كما عرفت من أن الأول بل و الثاني مروي و إن اختلفت في الصحة و عدمها، على أنه إنما يتم لو اعتبر في الأولية السبق على جميع المماليك، و هو ممنوع، و لعل الأقوى منهما الأخير، و في القواعد «يحتمل حرية الجميع لأن الأولية وجدت في الجميع، كما لو قال: من سبق فله عشرة فسبق جماعة، فان لكل منهم عشرة» و يؤيده

خبر عبد الله بن الهاشمي رفعه (1) قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل نكح وليدة رجل أعتق ربها أول ولد تلده، فولدت توأما فقال: أعتق كلاهما»

و عن بعض الكتب (2)

إرسال نحو ذلك عن علي عليه السلام و الصادقين عليهما السلام، و فيه ضعف، لعدم العموم هناك للتنكير، بخلاف لفظة «من» فإنها تعم الواحد و الكثير، و المرسل لا حجة فيه فضلا عن أن يعارض ما عرفت، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من كتاب العتق الحديث 1 عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن أبيه رفعه.
2- 2 المستدرك الباب- 27- من كتاب العتق الحديث 1 نقلا عن دعائم الإسلام عنهم عليهم السلام الا أن فيها ج 2 ص 305 ذكر رواية عن علي و أبي جعفر و أبي عبد الله عليهم السلام انهم قالوا. ثم ذكر عقيب ذلك في ص 306 «و عنهم عليهم السلام» فالضمير يرجع الى على و الصادقين عليهم السلام.

ج 34، ص: 127

[المسألة الثانية لو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين كانا معتقين]

المسألة الثانية:

لو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين دفعة كانا معا معتقين بلا خلاف أجده لعموم لفظة «ما» و ما

روي عن بعض الكتب (1) عن الصادق عليه السلام أنه قال: «من أعتق حملا لمملوكة له أو قال لها: ما ولدت أو أول ما تلدينه فهو حر فذلك جائز و إن ولدت توأمين عتقا جميعا»

نعم لو ترتبا في الولادة عتق الأول خاصة، لأنه الأول حينئذ قطعا.

لكن في الرياض بعد الاستدلال بمرفوع الهاشمي المتقدم قال: «و إطلاقه بل عمومه الناشئ من ترك الاستفصال يشمل صورتي ولادتهما معا و متعاقبا، بل لعله بمقتضى الغلبة ظاهر في الأخير جدا، و لذا أطلق الحكم في العبارة تبعا للنهاية و القاضي و جماعة- إلى أن قال-: و ذكر جماعة أنه مذهب الأكثر، و به يمكن جبر الخبر، مضافا إلى إمكان توفيقهما مع الأصل على تقدير ترجيح العرف على اللغة، إذ يصدق على مجموع التوأمين أنهما أول ما ولدته و لو ولدتهما على التعاقب عرفا و إن لم يصدق ذلك لغة».

و فيه منع صدق العرف مع ملاحظتهما أنفسهما، و مع ملاحظة النسبة إلى غيرهما يصدق على كل متعاقبين، و هو معلوم العدم، و الخبر المزبور المعلوم بناء ما فيه على العرف يجب تنزيله على الدفعة، كما أنه يجب حمله على إرادة التعدد من النكرة المذكورة فيه، و إلا كان الواجب عتق واحد منهما فيما لو ولدتهما دفعة، كالمسألة الأولى فضلا عن التعاقب، كما هو واضح.

و بذلك فرقوا بين المسألتين فإن متعلق الاولى مملوك، و هو نكرة في سياق الإثبات، و الثانية لفظ «ما» و هي للعموم، لكن في الرياض «فيه نظر للحوق الحكم بالمضاف دون المضاف إليه، و هو نكرة على الإطلاق، مع أن النص في المسألة متضمن


1- 1 المستدرك الباب- 27- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 34، ص: 128

للسؤال عن عتق أول ولد تلده، و هو بعينه كالمسألة الأولى».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه، نعم يجب إرادة الموصولة من لفظ «ما» لا الموصوفة التي هي بمعنى أول مولود تلده و إلا كانت كالمسألة الاولى، و لعل الإطلاق يحمل على الأول، كما هو مقتضى النص و الفتوى أو على معلومية كون المراد من الأول ما يشمل التعاقب المزبور.

و لو ولدت الأول ميتا احتمل بطلان العتق و انحلال النذر، لأن شرط النذر وجد في الميت الذي هو ليس محلا للعتق، و احتمل الصحة في الحي الذي تلده بعد ذلك، لأن الظاهر تعلق النذر بأول حي تلده، و لعل الأول أقوى.

و لو ولدته مستحقا للعتق كالمقعد لم يعتق الثاني أيضا في أقوى الوجهين، بل في المسالك هو أولى من الأول بذلك، لصلاحيته للعتق هنا، غايته اجتماع سببين، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو كان له مماليك فأعتق بعضهم ثم قيل له: هل أعتقت مماليكك فقال نعم انصرف الجواب إلى من باشر عتقهم خاصة]

المسألة الثالثة:

لو كان له مماليك فأعتق بعضهم ثم قيل له: هل أعتقت مماليكك؟ فقال:

نعم انصرف الجواب إلى من باشر عتقهم خاصة في نفس الأمر، فإن العتق لا يتحقق إلا بصيغته و في الظاهر لأنه إنما أقر بعتق عبيده، و يصدق على البعض أنهم عبيده، فلا يؤخذ بعتق الكل، و إن ظهر السؤال فيه، إذ يسمع من المفسر التأويل فضلا عن مثله، و ل

خبر زرعة (1) سألته «عن رجل قال لثلاثة من مماليك له: أنتم أحرار و كان له أربعة، فقال رجل من الناس: أعتقت مماليكك؟ قال: نعم، يجب العتق للأربعة حين أجملهم أو هو للثلاثة الذين أعتقوا؟ فقال: إنما يجب العتق لمن أعتق».


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من كتاب العتق الحديث 1 عن زرعة عن سماعة قال: «سألته.».

ج 34، ص: 129

نعم هل يشترط في عدم الأخذ بعتق الجميع الكثرة فيمن أعتقه؟ في القواعد «الأقرب ذلك» و لعله لصدق «عبيدك» و إلا لم يكن له أن يقول إنما أقررت بعتق الواحد أو الاثنين، فإنه تأويل لا يطابقه اللفظ، فلا يسمع، و لكن ظاهر المصنف و غيره العدم، و لعله لجواز أن يقول: «إنما أردت إيقاع العتق في جملتهم» و هو يصدق على واحد منهم.

قلت: قد يناقش في ذلك، أولا بأن البحث فيما يحمل لفظه عليه لا في خصوص التداعي و ادعاء التأويل، و لا ينبغي التأمل في حمله في الأخير على الجميع ظاهرا أخذا بظاهر اللفظ، بل و في الأول أيضا، لأن الجمع المضاف مفيد له، و خبر زرعة (1)

إنما يراد منه في نفس الأمر أو أنه لا يحصل العتق بقول: «نعم» المقتضي لإعادة السؤال على الجميع و إن قصد ذلك، بل هو حاصل لمن أعتقهم بصيغة العتق لا أن المراد منه- مع عدم العلم بالحال- الحكم بعتق الثلاثة خاصة المعلوم أنه أعتقهم دون الرابع الذي هو محل شك صرفا لجوابه في خصوص المعلوم، إذ هو كما ترى لا يوافق إرادة ما في نفس الأمر و لا ظاهر الإقرار، إذ الأول لا فرق فيه بين المتحد و المتعدد، و الثاني لا بد من حمله على الجميع، و من هنا أنكر على العلامة الشرط المزبور بعض من تأخر عنه.

لكن في شرح الفخر «أن الجمع المضاف و إن كان الحق أنه للعموم لكن لا يحمل عليه هنا، لأنه إذا أعتق ثلاثة من مماليكه يصدق قوله: هؤلاء مماليكي حقيقة، فإذا قيل له: أعتقت مماليك فقال: نعم و هي تقتضي إعادة السؤال و تقريره، فيكون إقرارا بعتق المماليك الذين انعتقوا، و لا يلزم بغيرهم، لأصالة البراءة، و لأن الإقرار إنما يحمل على المحقق المتيقن، لا على ما فيه احتمال، و هل يشترط في الاقتصار عليه كثرة بحيث يصدق عليه الجمع حقيقة أم لا؟ قولان، و منشأ القولين أن اللفظ إنما يحمل على الإقرار على أصل الحقيقة، و من حيث أصل البراءة، و من


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من كتاب العتق الحديث 1 عن زرعة عن سماعة قال: «سألته.».

ج 34، ص: 130

جواز التجوز به أو يتفرع على ذلك الاكتفاء بالواحد و عدمه، فعلى عدم الاشتراط يكتفي بالواحد، و على عدمه لا يكتفي بالواحد، و يلزم بعتق ما يصدق عليه الجمع حقيقة، و يكون في الباقي كالمشتبه» و قد حكاه عنه على طوله في المسالك و أطنب في رده حتى ذكر خمسة أوجه في مناقشته.

و لكن الحق عدم ورودها جميعها أو جملة منها، ضرورة كون مراده بل و مراد الأصحاب بل و ما في الرواية أنه لا يحكم عليه بالإقرار بعتق الجميع مع الظن أو الشك بإرادة الإقرار بمن وقع عتقه منهم، و لأنه بمنزلة العهد الذي يحمل اللفظ فيه على المعهود، و لا ينافي ذلك كون الجمع المضاف للعموم المعلوم إرادة كون عمومه على حسبه في نحو «هؤلاء مماليكي».

و بالجملة الغرض حيث إنه لا يحصل ظن بالمراد من اللفظ و أن مراد لافظه التوصل إلى مقصوده بما يؤديه نفس اللفظ لا يحكم عليه بمعنى اللفظ، و يرجع حينئذ إلى المتيقن، لأن الأصل براءة الذمة، و على ذلك مبنى هذه المسألة، فلا وجه لاطناب ثاني الشهيدين فيها، إذ لا كلام في حمل الجمع المضاف على العموم، و مما يؤيد ما ذكرناه فرضهم المسألة فيمن وقع منه عتق بعض مماليكه و غير ذلك مما يصرف اللفظ عن إرادة الإقرار بما يؤديه نفس لفظه مع عدم القرينة.

و ما أشبه ما نحن فيه بما رواه

الوليد بن هشام (1) قال: «قدمت من مصر و معي رقيق. فمررت بالعاشر، فسألني، فقلت: هم أحرار كلهم، فقدمت المدينة فدخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخبرته بقولي للعاشر، فقال: ليس عليك شي ء»

سواء كان المراد عدم حصول التحرير بهذا اللفظ أو عدم الحكم عليه بظاهر إقراره، و كان المسألة من الواضحات و إن كثر كلام ثاني الشهيدين فيها في المسالك، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 131

[المسألة الرابعة لو نذر عتق أمته إن وطأها صح]

المسألة الرابعة:

لو نذر عتق أمته إن وطأها صح لما عرفت من عموم أدلة النذر و قابليته للتعليق، و أنه ليس من العتق المعلق و حينئذ ف تعتق أو تنعتق بتحقق مسمى الوطء نعم إن أخرجها عن ملكه انحلت اليمين فلو أعادها بملك مستأنف لم يعد اليمين الذي كان ظاهره التعليق على الوطء بالملك الأول، نحو ما سمعته في الإيلاء، نعم لو قصد الأعم من العائد و الموجود فلا إشكال في عدم الانحلال، كما لا إشكال فيه مع قصده الوطء بالملك الموجود.

إنما الكلام مع الإطلاق، و قد عرفت أن الظاهر منه ما ذكرناه، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

صحيح محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن الرجل تكون له الأمة فقال: يوم يأتيها فهي حرة، ثم يبيعها من رجل ثم يشتريها بعد ذلك، قال: لا بأس بأن يأتيها، قد خرجت عن ملكه»

المحمول على النذر و شبهه، لما عرفت من عدم جواز التعليق في العتق، و في الروضة «و يشهد له تعليله بأنها قد خرجت عن ملكه، و لو لم يكن منذورا لم يتوقف ذلك على الخروج، كما لا يخفى» و إن كان فيه ما فيه. و على كل حال فقد فهم الأصحاب منها ذلك و عملوا به، بل في المسالك ما وقف على راد لها إلا ما يظهر من ابن إدريس.

نعم في الروضة و كذا المسالك «في تعدية الحكم إلى غير الوطء من الأفعال و إلى غير الأمة وجهان: من كونه قياسا و الفرض مخالفة الحكم للأصل من حيث إن خروجها عن ملكه لا مدخل له في انحلال النذر، لأن غايته أن تصير أجنبية منه و النذر يصح تعليقه بالأجنبية كنذر عتقها إن ملكها، و هي في ملك غيره ابتداء


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 132

كما تقدم في نظائره- و فيه ما عرفت من ظهور النذر في الوطء بذلك الملك- و من إيماء النص إلى العلة ب

قوله عليه السلام «قد خرجت عن ملكه»

و ذلك يوجب التعدي إلى ما توجد فيه العلة المنصوصة». و في الروضة «و هو المتجه».

و فيه أن المبنى إذا كان ما ذكرنا من الظهور ينبغي أن يكون المدار عليه، لا نفس الخروج عن الملك مطلقا، ضرورة إمكان الفرق بين الوطء و غيره من الأفعال في الظهور المزبور، بل ينبغي القطع بإيماء التعليل إلى ذلك، لا أن الحكم تعبدي.

ثم قال فيهما أيضا: «إن ظاهر الصحيح المزبور جواز التصرف في المنذور المعلق على شرط لم يوجد، و هي مسألة إشكالية» ثم حكى في الروضة عن الفاضل في التحرير «اختيار عتق العبد لو نذر إن فعل كذا فهو حر فباعه قبل الفعل ثم اشتراه ثم فعل، و عن ولده أنه استقرب جواز التصرف في المنذور المعلق على شرط قبل حصوله، و هذا الخبر حجة عليهما».

قلت: قد عرفت ما يمكن الجواب به عن الأول منهما، و أما مسألة التصرف في المنذور المعلق على شرط فقد يقال: إن محلها ما لو كان المعلق عليه متوقعا كمعافاة المريض و نحوه، و أما مع فرض القطع بعدمه فلا إشكال في الجواز، و الفرض في المسألة أنه بالخروج عن الملك يمتنع المعلق عليه بناء على أن المراد الوطء بذلك الملك فتأمل جيدا، و الله العالم.

ج 34، ص: 133

[المسألة الخامسة لو نذر عتق كل عبد قديم انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستة أشهر فصاعدا]

المسألة الخامسة:

لو نذر عتق كل عبد قديم انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستة أشهر فصاعدا إذا لم يكن هناك عرف يقتضي خلافه أو قصد كذلك، بل نذر و قصد مصداق ذلك في نفس الأمر الذي لا يمكن معرفة أول مصاديقه لأحد إلا علام الغيوب أو من أودعه علم ذلك، فإنه حينئذ أعرف أهل العرف، ضرورة أن العرف العام إنما يعرف الأفراد المعلومة منه، كما أنه يعرف الأفراد المعلوم أنها ليست منه، أما أول المصاديق فلا طريق له إلى معرفته، فيكون المقام حينئذ كبيانه عليه السلام تحديد الوجه على التحقيق و الركوع و المسافة و نحو ذلك، و مع فرض عدم تجدد عرف آخر يكون هو الميزان.

و هذا هو المراد من

مرسل النهدي (1) قال: «دخل أبو سعيد المكاري على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال له: أبلغ من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك؟ فقال له:

مالك إطفاء الله نورك، و أدخل الفقر بيتك، أما علمت أن الله أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا فوهب له مريم فوهب لمريم عيسى، فعيسى من مريم، و مريم من عيسى، و مريم و عيسى شي ء واحد، و أنا من أبي و أبي مني، و أنا و أبي شي ء واحد، فقال له أبو سعيد: فأسألك عن مسألة فقال: لا أخا لك، بعيد أن تقبل مني و لست من غنمي و لكن هاتها، فقال: رجل قال عند موته: كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله، قال: نعم إن الله عز ذكره قال حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (2) فما كان من مماليكه أتى عليه ستة أشهر فهو قديم، فهو حر»

و عن تفسير


1- 1 ذكر ذيله في الوسائل الباب- 30- من كتاب العتق الحديث 1 و تمامه في الكافي ج 6 ص 195 و فيهما قال: «دخل ابن أبي سعيد المكاري».
2- 2 سورة يس: 36- الآية 39.

ج 34، ص: 134

علي بن إبراهيم أنه رواه عن أبيه عن داود بن سعيد (1)

«سألته»

و حينئذ يكون حسنا.

و عن إرشاد المفيد (2)

«قضى علي عليه السلام في رجل أوصى فقال: أعتقوا عني كل عبد قديم في ملكي، فلما مات لم يعرف الوصي ما يصنع، فسأله عن ذلك، فقال: يعتق كل عبد له في ملكه ستة أشهر، و تلا الآية»

و كان الشيخ فهم من المملوك العبد فعبر به، و لعله كذلك لا أن المراد منه تعبد محض، و إلا لم يكن وجه للاستدلال بالاية على المكاري الذي هو ليس من غنمه، و يريد البرهان منه على ما ادعاه، و حينئذ يكون المسألة على الضوابط، و يتعدى من المقام إلى غيره، لكن على الوجه الذي ذكرناه، و لعل قول المصنف و غيره: «انصرف» إلى آخره لا يخلو من إشعار.

لكن في المسالك «هو شامل للذكور و الأنثى. و لكن الشيخ عبر بلفظ العبد، و تبعه المصنف و الجماعة، و تمادي الأمر إلى أن توقف العلامة في تعدي الحكم إلى الأمة من حيث إن هذا الحكم على خلاف الأصل، و لا دليل عليه من جهة العرف و لا اللغة، و إنما مستنده الشرع، مع أن الرواية ضعيفة السند مرسلة، و اعتذر فخر الدين عنه بأن المسألة إجماعية و أن الإجماع لم يقع إلا على العبد، فلذلك استشكل والده في حكم الأمة، و الإجماع على وجه يكون حجة ممنوع، بل كثير من العلماء- كابن الجنيد و سلار و الصدوق- لم يتعرضوا لها، و إن الأصل فيها الشيخ، و طريقته في النهاية الاستناد إلى الروايات من غير مراعاة طريقها، كما هو المعلوم من عادته، و لكن اتباع ابن إدريس له حملهم على شبهة الإجماع، حيث إنه لا يعتمد على أخبار الآحاد مطلقا، فعمله بمضمونها يدل على فهمه أنه إجماع».

و هو من غرائب الكلام، بل لا يخلو من سوء ظن أو سوء أدب مع من عرفت،


1- 1 أشار إليه في الوسائل في الباب- 30- من كتاب العتق الحديث 1 عن داود بن محمد النهدي قال: «دخل أبو سعيد.».
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 34، ص: 135

و كيف كان فقد عرفت الوجه في المسألة.

بل منه يعلم الوجه في التعدية إلى نذر الصدقة و الإقرار و نحوهما مما يكون فيه الموضوع القديم، لكن على الوجه الذي ذكرنا، و ليس مبناه دعوى الحقيقة الشرعية التي يمكن القطع بفسادها، كما ظنه بعضهم و ذكره وجها للتعدي.

و في مقابله العدم، لمعارضته اللغة و العرف، و منع الحقيقة الشرعية، و ضعف سند الخبر المزبور بالإرسال و غيره، و قصر الإجماع المدعى على مورده، و فيه أنه لا وجه للعمل به في مورده مع فرض كون المتكلم من أهل العرف المفروض أن القديم فيه خلاف ذلك، و أنه أراد ما في عرفه، بل يمكن القطع بعدم التعبد بذلك، بل ظاهر استدلال الامام عليه السلام خلافه، فتأمل جيدا.

و لو قصر الجميع عن ستة أشهر ففي المسالك «في عتق أولهم تملكا اتحد أم تعدد أو بطلان النذر وجهان» و فيه أنه لا وجه في الصحة بعد فرض كون أقصى مصداق القديم الستة، ثم قال: «و على الصحة لو اتفق ملك الجميع دفعة ففي انعتاق الجميع أو البطلان لعدم الوصف الوجهان» قلت: قد عرفت أن المدار على صدق الاتصاف بالقديم الذي هو من مضى له زمان من غير فرق بين المتحد و المتعدد، إلا أن المرجع في أول مصداقه إلى من عرفت، لا أن المراد منه المتقدم على غيره، و الله العالم.

ج 34، ص: 136

[المسألة السادسة من أعتق و له مال فماله لمولاه]

المسألة السادسة:

من أعتق و له مال فماله لمولاه لما عرفته في كتاب البيع (1) أنه لا يملك شيئا، و العتق إنما هو فك رقبته من دون تمليك شي ء له بعده، و حينئذ فنسبة المالية له لأدنى ملابسة، بمعنى أن ما في يده و مختص به، كثيابه و نحوها مما كان قد أباح المالك له التصرف فيه تصرف المالك بملكه.

و قيل و القائل جماعة من القدماء، بل في الدروس نسبته إلى كافتهم، و في نهاية المرام نسبته إلى الأكثر إن لم يعلم به المولى فهو له و إن علم به فهو للمعتق إلا أن يستثنيه المولى ل

صحيح زرارة (2) عن الباقر عليه السلام في طريق، و عنه و عن الصادق عليهما السلام في طريق آخر (3) و عن أحدهما عليهما السلام في طريق ثالث (4)

«سألته عن رجل أعتق عبدا له و للعبد مال لمن المال؟ فقال: إن كان يعلم أن له مالا تبعه ماله، و إلا فهو للمعتق»

و موثقه الآخر (5) عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه و هو يعلم أن له مالا و لم يكن السيد استثنى المال حين أعتقه فهو للعبد»

و نحوه الموثق الآخر (6)

و في خبر البصري (7)

«سألته عن رجل أعتق عبدا له و للعبد مال و هو يعلم أن له مالا فتوفي الذي أعتق العبد،


1- 1 راجع ج 24 ص 171- 186.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من كتاب العتق الحديث 4.
3- 3 الفقيه ج 3 ص 69 الرقم 236.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من كتاب العتق الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 24- من كتاب العتق الحديث 1 عن أبي جعفر عليه السلام الا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 190 عن أبي عبد الله عليه السلام.
6- 6 الاستبصار ج 4 ص 10 الرقم 31 و الفقيه ج 3 ص 69 الرقم 237.
7- 7 الوسائل- الباب- 24- من كتاب العتق الحديث 6.

ج 34، ص: 137

لمن يكون المال؟ يكون للذي أعتق العبد أو للعبد؟ قال: إذ أعتقه و هو يعلم أن له مالا فماله له، و إن لم يعلم فماله لولد سيده».

و في المسالك بناء هذه المسألة على مالكية العبد، ثم حكى عن المختلف التوقف في الحكم هنا مع قوله بعدم ملكية العبد للنصوص (1)

المزبورة و ناقشه أولا، و مال إلى القول به أخيرا.

قلت: و قد حكاه في كشف اللثام عن الصدوق و الشيخ و جماعة ممن منع ملكية العبد، بل عن المصنف أن المنع عن الملك مع بقاء الرقية لا يستلزم المنع في حال الحرية، فإذا ملك التصرف فيه ثم أعتقه أمكن أن يملك في تلك الحال، لأنه صار له أهلية الملك، فاستقر له الملك بالتمليك الأول و إن كان هو كما ترى.

على أن التفصيل المزبور لا يوافق قواعد الملك و لا قواعد عدمه، ضرورة أن مقتضى الأول كون المال للعبد على كل حال، كما أن مقتضى الثاني كونه للسيد، نعم قد يقال: إن عدم استثنائه مع العلم به قرينة على بقاء إباحته له، فإذا نوى به التملك بعد الحرية أمكن القول بكونه ملكا له، نحو تملك المال المعرض عنه أو المباح للتملك كنثار العرس و نحوه.

و على كل حال فلا وجه للاستدلال بهذه النصوص على الملكية بسبب الإضافة التي يكفي فيها أدنى ملابسة، و ما أشبه هذه النصوص بالنصوص (2)

الدالة على أن مال العبد إذا علم به السيد و لم يستثنه عند بيعه العبد للمشتري، و إلا كان للبائع المحمولة على ما يقرب مما ذكرناه تنزيلا للنصوص المزبورة الذي مرجعه إلى حصول القرائن من السيد على الإعراض عن ماله أو إباحته له أو نحو ذلك، و مع فرض عدمها و لو لعدم العلم بالمال يبقى على ملكية السيد، للأصل و غيره، كما


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من كتاب العتق.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة.

ج 34، ص: 138

هو واضح. و أما احتمال التعبد بما في هذه النصوص المزبورة و إن لم يوافق القوانين الشرعية ففي غاية البعد، و الله العالم.

و بذلك بان لك أن الأول مع كونه أشهر أشبه بأصول المذهب و قواعده، و لا يعتبر في تملك المال على تقدير استثنائه تقديمه على صيغة الحرية، للأصل و لأنه على كل حال جزء من الصيغة أو بحكمه تقدم أو تأخر، فإن العبرة بالقصد المفروض كونه مقيدا، فلا تؤثر الصيغة لو فرض تقدمها في اللفظ عليه قبل ذكره.

خلافا للمحكي عن الشيخ و غيره، لخبر أبي جرير (1)

المتقدم الذي قد عرفت عدم القائل به، بل معارض بإطلاق الأدلة و خصوصها، كما تقدم الكلام فيه سابقا في اشتراط المال على العبد، فما في الإيضاح- من أن الأقرب قول الشيخ، لحصول التحرير بصيغته، فيقع الزائد بعد السبب الموجب للتحرير، و لهذه الدقيقة شرط المصنف في الشروط في العقود أن تكون بين الإيجاب و القبول- واضح الضعف خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرنا سابقا، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من كتاب العتق الحديث 5 و الذي تقدم ذكره كان بعنوان صحيح حريز، راجع التعليقة 6 من ص 116.

ج 34، ص: 139

[المسألة السابعة إذا أعتق ثلث عبيده و هم ستة استخرج الثلث بالقرعة]

المسألة السابعة:

إذا أعتق أو أوصى بعتق ثلث عبيده مثلا و هم ستة و القيمة متحدة استخرج الثلث بالقرعة بلا خلاف، بل عن صريح بعض و ظاهر آخر الإجماع عليه، بل و لا إشكال،

قال الصادق عليه السلام في خبر محمد بن مروان (1): «إن أبا جعفر عليه السلام مات و ترك ستين غلاما و أعتق ثلثهم فأقرعت بينهم و أخرجت عشرين فأعتقتهم»

و نحوه غيره (2)

و في

صحيح ابن مسلم (3)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم، قال: كان علي عليه السلام يسهم بينهم»

إلى غير ذلك من النصوص، مؤيدا ذلك بأن المقام من القسمة التي قد عرفت استعمال القرعة فيها، و ليس هو من قبيل الوصية بكلي يرجع في تعيينه إلى الوارث، لكن في الدروس عن المصنف في الفرض «يعينه الوارث، و القرعة على الندب و الروايات حكاية حال» و هو كما ترى، بل صحيح ابن مسلم ليس من حكاية الحال.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى في المقام و غيره عدم كون القرعة من خواص الامام عليه السلام لكن في

خبر يونس (4) قال: «في رجل كان له عدة من مماليك فقال:

أيكم علمني آية من كتاب الله فهو حر، فعلمه واحد منهم ثم مات المولى و لم يدر أيهم علمه الآية هل يستخرج بالقرعة؟ قال: نعم، و لا يجوز أن يستخرجه أحد إلا الإمام، فإن له كلاما وقت القرعة يقوله و دعاء لا يعلمه سواه و لا يقتدر عليه غيره»

و إن لم أر عاملا به، و يمكن حمله على إرادة أن استخراج المشتبه بها على


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من كتاب العتق الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 75- من كتاب الوصايا الحديث 1 و الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم الحديث 10 من كتاب القضاء.
3- 3 الوسائل- الباب- 65- من كتاب العتق الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من كتاب العتق.

ج 34، ص: 140

وجه يوافق الواقع مختص بالإمام أو على غير ذلك.

و كيف كان ف صورتها و كيفيتها يكون طرق، و لكن المحكي عن النبي صلى الله عليه و آله (1) ما ذكره المصنف و هو أن يكتب في ثلاث رقاع اسم اثنين في كل رقعة من غير تعرض فيها للحرية و الرقية أو معه، ثم يستر و يخرج على الحرية أو الرقية، فإن خرج على الحرية كفت الواحدة و إن خرج على الرقية استرق ما فيها و افتقر إلى إخراج اثنين آخرين، فان خرج على الرقية أيضا أعتق الباقي و إلا استرق.

و إن كتب في الرقاع الحرية و الرقية من غير أن يكتب أسماء العبيد فليكتب في رقعة حرية و في رقعتين رقية على نسبة المطلوب في القلة و الكثرة، ثم يخرج باسم أحد الأجزاء الثلاثة الذين رتبوا سابقا على الكيفية السابقة.

و يجوز أن يكتب في الفرض ستة رقاع إما بأسماء الستة، كل واحد منهم في رقعة ثم يخرج على الحرية أو الرقية كما مر إلى أن يستوفى المطلوب، أو يكتب في اثنين حرية و في أربع رقية ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يستوفيه، و هذا الطريق و إن كان أعدل كما قيل، لأن جمع اثنين على حكم واحد يمنع من افتراقهما في الرقية و الحرية، و من الممكن خروج أحدهما حرا و الآخر رقا، بل في قواعد الفاضل الأقرب استعماله في جميع الفروض و إن كان هو كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به.

لكن المشهور بين الفقهاء هو الأول ل

ما روى (2)

«من أن أنصاريا أعتق ستة لا مال له سواهم، فجزأهم النبي صلى الله عليه و آله ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين»

نعم هو متجه في بعض الفروض الخارج عن مفروض النص مع عدم إمكان التعديل فيه، أما غيره فالأقوى جواز الجميع فيه.

و كيف كان فإذا تساووا عددا و قيمة و أمكن تجزئتهم ثلاثا كما في الستة


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 285.
2- 2 سنن البيهقي ج 10 ص 285.

ج 34، ص: 141

مثلا أو اختلفت القيمة مع إمكان التعديل أثلاثا كالستة إذا كانت قيمة ثلاثة منهم ستمائة كل واحد مأتان، و ثلاثة ثلاث مائة فلا بحث. أما في الأول فظاهر، و كذا الثاني الذي يضم فيه كل خسيس إلى نفيس، و يجعلان ثلثا.

و لو اختلفت القيمة و لم يمكن التعديل عددا على حسب اختلافها كما لو كان قيمة واحد من الستة مأتين و قيمة اثنين مأتين و قيمة ثلاثة مأتين عدل بها و أخرج ثلثهم قيمة و لو الواحد و طرح اعتبار العدد وفاقا للأكثر كما في الرياض، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه.

و لكن مع ذلك فيه تردد من كون القسمة في غير المقام كذلك، و من خبر الأنصاري (1)

المستبعد فيه تساوي القيمة، بل عن بعض العامة الجزم باعتبار العدد في التعديل و إن وافقنا على أنه لا يعتق إلا الثلث قيمة، و لا ريب في أن الأقوى الأول، ضرورة كون المقام كغيره، و خبر الأنصاري على ضعفه محمول على إمكان التعديل فيه عددا و إن اختلفت القيمة، و كذا نصوص الستين (2).

و لو أمكن التعديل عددا خاصة، كستة قيمة اثنين منها مأة، و اثنين مأة و خمسون، و اثنين ثلاث مأة قسموا ثلاثة بالعدد، فإن اخرج على الحرية فخرج اثنان يساويان الثلث قيمة فلا كلام، و إن خرجا ناقصين عتقا و أكمل الثلث من الباقين بالقرعة، و إن خرجا زائدين أعيدت القرعة بينهما، و عتق من يخرج على الحرية، و من الآخر تتمة الثلث، و قيل: الأولى استعمال القرعة و إخراج واحد واحد حتى يستوفى الثلث.


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 285.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من كتاب العتق الحديث 2 و الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم الحديث 10 من أبواب القضاء و الباب- 75- من كتاب الوصايا الحديث 2.

ج 34، ص: 142

و كذا إن تعذر التعديل عددا و قيمة كخمسة قيمة واحد مأة و اثنين مائة و اثنين ثلاث مائة أخرجنا على الحرية حتى يستوفى الثلث قيمة.

و لو قصرت قيمة المخرج أكملنا الثلث و لو بجزء من آخر مراعاة للقواعد فيه بعد خروجه من مفروض النصوص، و يستسعى حينئذ ناقص الحرية فيما بقي منها، كما صرح به غير واحد، و إن كان قد يشكل بخروج المسألة عن دليل السراية و الاستسعاء، و إلا لم يكن للقرعة وجه، اللهم إلا أن يقال بالاقتصار في ذلك على خصوص الموصى به كالثلث مثلا لا الجزء منه، فتأمل جيدا.

و ربما احتمل تجزئهم أثلاثا أيضا، فيجعل واحد ثلثا و الأربعة الباقية كل اثنين ثلث، ثم يقرع و يتحرر بها ما قابل الثلث و لو جزء من واحد، ليكون قريبا إلى المروي عن النبي صلى الله عليه و آله في قضية الأنصاري (1)

التي موضوعها غير المفروض. و من هنا كان الأصح الأول حتى لو كانت قيمة الخمسة متساوية، فيكتب خمس رقاع بأسمائهم و يخرج على الحرية أو الرقية إلى أن يستوفى الثلث.

هذا و قد أطنب الكركي في حاشية الكتاب في ذكر الصور الممكنة، و أنهاها إلى ستة و كيفية استخراجها أجمع من عبارة المصنف، و لكن لا طائل تحته بعد الإحاطة بحكم الجميع مما ذكرناه.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى لزوم استخراج الحر من العبيد في مفروض المسألة، و لا يجوز البقاء على الإشاعة، بل صرح به في الدروس، بل قال فيها: «لو نص عليه أي الشيوع فوجهان: من بناء العتق على السراية، و وجوب العمل بقصده» قلت: لعل الأقوى عدم لزوم اعتبار قصده في المقام مع فرض تضرر الوارث بذلك، فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر عدم اختصاص الستة في التجزئة المذكورة، بل لو كانت العبيد


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 285.

ج 34، ص: 143

تسعة مثلا جزئت ثلاثا أيضا على أن يكون كل ثلاثة منهم ثلثا، بل لا يبعد التعدية إلى أربعة أجزاء في الثمانية لو أوصى بربعها مثلا، و خمسة أجزاء في العشرة لو أوصى بخمسها، لكن في الدروس «و في تعدي التجزئة إلى أربعة أجزاء في الثمانية أو خمسة أجزاء في العشرة و هكذا و عدمها فيقرع على الأفراد نظر، من قربه إلى ما فعله النبي صلى الله عليه و آله (1)

و من عدم الاكتفاء به، إذ لا بد من إعادة القرعة، و كان مراده الوصية بعتق ثلثهم مثلا و كانوا ثمانية، فيجزؤون أولا أربعة أجزاء، و يستخرج منها جزء حر ثم يقرع جديدا لإكمال الثلث من باقي الأجزاء» إلا أنه كما ترى بعيد.

و لعل المتجه أيضا تجزئتهم أثلاثا إذا أمكن التعديل بالقيمة، و إلا أقرع على واحد واحد، نحو ما سمعته في الخمسة، و مجرد قابلية التجزي لا يقتضي ما ذكره كما هو واضح، و يأتي الاحتمال السابق في تجزئتهم أثلاثا في العدد للقرب مما فعله النبي صلى الله عليه و آله و إن لاحظ الثلث أيضا زيادة و نقصا على حسب ما عرفته.

ثم إن الظاهر عدم اعتبار كون القرعة بالرقاع على الوجه المذكور في كلامهم و إن كان هو أولى، إلا أن المحكي من فعل النبي صلى الله عليه و آله أنه أقرع تارة بالبعر و اخرى بالنوى يومئ إلى التوسع في أمرها، خصوصا بعد ملاحظة السيرة بين المتشرعة المظنون أن ما في أيديهم مأخوذ يدا بيد إلى أهل الوحي، مؤيدا ذلك بأنه لا فرق بعد التفويض إلى الله تعالى شأنه بين الكيفيات، و الله العالم.


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 285.

ج 34، ص: 144

[المسألة الثامنة من اشترى أمة نسيئة و لم ينقد ثمنها فأعتقها و تزوجها فمات و لم يخلف سواها بطل عتقه و نكاحه]

المسألة الثامنة من اشترى أمة نسيئة و لم ينقد ثمنها فأعتقها و تزوجها و جعل عتقها مهرها ف مات و لم يخلف سواها بطل عتقه و نكاحه، و ردت على البائع رقا، و لو حملت كان ولدها رقا، و هي رواية هشام بن سالم (1)

بل و أبي بصير (2) في الصحيح، و في الدروس عمل بها كثير.

و قيل و القائل ابن إدريس و غيره من المتأخرين لا يبطل العتق و لا يرق الولد و لا ريب في أنه هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، فهو أرجح، و لذا حمل الصحيح المزبور على وجوه لا بأس بها و إن بعدت، و قد تقدم تفصيل الكلام في كتاب النكاح و على تقدير العمل بالخبر المزبور ينبغي الجمود على ما أفاده، لكن في الدروس تعدى و فرع عليه فروعا متعددة، و لعله لما فيه من التعليل الذي لم يظهر وجهه لنا، فلاحظ و تأمل. و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا أوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه]

المسألة التاسعة إذا أوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه لأنه القائم مقام الميت مع عدم الوصي فإن امتنع أعتقه الحاكم الذي هو ولي كل ممتنع، بل قد يقال: إن له ولاية العتق من أول الأمر دون الوارث، كما في غيره من الوصايا التي لم ينص الموصى على وصي خاص في تنفيذها، و ليس حال الوارث إلا كحال


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 71- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 34، ص: 145

غيره من الأجانب، بل لعله الأقوى.

و على كل حال ف يحكم بحريته حين الإعتاق الذي هو سبب الحرية و إن طالت مدة ما بينه و بين الموت لا حين الوفاة الذي به استقرت الوصية لا الحرية.

و أما ما اكتسبه قبل الإعتاق و بعد الوفاة فعن الشيخ في المبسوط و النهاية يكون له، لاستقرار سبب العتق الذي هو الوصية به بالوفاة لأن السبب المقتضي لانتقال مال الموصى عن ملك الوارث مستند إلى الوصية و الموت، فكل منهما جزء سبب، و بالموت يتم السبب، فيكون العبد الموصى بعتقه بعد الموت بمنزلة الحر و إن توقفت حريته على الإعتاق. فيتبعه الكسب، لكن لا يملكه إلا بعد العتق، لأنه قبله رقيق لا يملك و إن كان هو الأحق به.

و قد يشكل بمنع استقرار السبب بالموت، بل هو مركب من ثلاثة أشياء:

الوصية و الموت و إيقاع صيغة العتق، كما يتوقف ملك الوصية- لو كانت بمعنى التمليك- على قبوله مضافا إلى الوصية، و موت الموصى قبل القبول لا يملك و إن حصل الأمران الآخران، و لو كان سبب العتق قد تم و استقر لزم أن يثبت معلوله و هو العتق و لم يقل به، بل قال بتوقفه على الإعتاق، و متى لم يكن تاما لم يثبت معلوله، و الملك متوقف عليه، و لما امتنع خلو الملك من مالك و لم يكن العبد مالكا لنفسه قبل العتق فهو للوارث.

و من هنا قال المصنف و تبعه بعض من تأخر عنه لو قيل يكون للوارث لتحقق الرق عند الاكتساب كان حسنا لكن أشكله في المسالك تبعا للدروس زيادة على ما فيه- من أن المراد بالسبب في كلام المستدل غير ما ذكره- بأن الله تعالى جعل الإرث بعد الوصية النافذة، و الفرض هنا كذلك، و ذلك يمنع من ملك الوارث، غايته أن يكون الملك مراعى بالإعتاق، فكيف لا يتبعه الكسب، و يكشف عن سبق ملكه كما يكشف قبول الموصى له عن ملك الوصية من حين الموت،

ج 34، ص: 146

و في حكمه ما لو أوصى بعين توقف في بعض الجهات، أما الموصى به على وجه لا يتوقف على صيغة كقوله: «أخرجوا عني العين الفلانية في حجة» و نحوها فنماؤها بعد الموت و قبل الإخراج في الجهة تابع لها قطعا، لتعينها لتلك الجهة و خروجها عن ملك الوارث بالموت.

و فيه (أولا) أن الآية (1) لا تنافي ملكية الوارث كما في المقابل من التركة للدين، كما أوضحنا ذلك في محله، و (ثانيا) أن الشيخ ره قد اعترف بأنه لا يملك إلا بعد عتقه، و لكن يكون قبله أحق به، و الكشف هنا لا وجه له بعد أن لم يكن العتق كاشفا عن حريته حين الموت، ضرورة اقتضائه تملك العبد المفروض عدمه، بل لعل المتجه كون الكسب للوارث و إن قلنا ببقاء عين العبد قبل العتق على حكم مال الميت، لأن مقتضاه كون الكسب على حكم ماله، و الفرض عدم وصيته به، فيكون للوارث كما قيل نحو ذلك في نماء المال بعد الوفاة بالنسبة إلى الدين، فيحكم بكونه للوارث و إن قلنا ببقاء ما قابل الدين من التركة على حكم مال الميت، لأنه إنما يتعلق بما كان تركة للميت لا ما يتجدد و إن كان لا يخلو من بحث.

لكن على كل حال ما نحن فيه للوارث سواء قلنا بخروج العين الموصى بها عن ملك الوارث أو ببقائها على ملكه حتى تنفذ الوصية، أما على الثاني فظاهر، و أما على الأول الذي مقتضاه بقائها على حكم مال الميت فكذلك، ضرورة كون الباقي على حكمه نفس العين من حين العتق دون منافعه، كما هو واضح بلا تأمل، فلا وجه حينئذ لبناء المسألة على الخروج عن ملك الوارث و عدمه، فتأمل جيدا.

هذا و ينبغي أن يعلم أنه فرق بين نماء العين كالشجرة و نحوها مما يتبع أصله و بين تكسب العبد المحتاج إلى صيغ و نحوها مما يتوقف على إذن من المالك، و مع عدمها يكون للمالك قيمة المنفعة المستوفاة من العبد، و يمكن أن يراد بالكسب


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 12.

ج 34، ص: 147

ما يشمل ذلك، و أما حيازة المباحات و التقاط ما يحصل الملك بالتقاطه فيشكل تملك السيد له بدون إذنه له، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك سابقا في بحث ملك العبد، و الله العالم.

[المسألة العاشرة إذا أعتق مملوكه عن غيره بإذنه وقع العتق عن الأمر]

المسألة العاشرة:

إذا أعتق مملوكه عن غيره بإذنه وقع العتق عن الأمر عند المشهور خلافا لابن إدريس. و إنما الكلام في أنه ينتقل إلى الأمر عند الأمر بالعتق أو بأول جزء من الصيغة و لو على جهة الكشف ليتحقق العتق بالملك الذي قد عرفت أنه شرط الصحة، ل

قوله صلى الله عليه و آله (1): «لا عتق إلا في ملك»

أو بتمامها يحصل الأمران و إن اختلفت كيفية تسبيبها لهما، وجوه بل أقوال قد تقدم الكلام فيها مفصلا في الكفارات.

و منه يعلم أن المراد من قول المصنف و في الانتقال تردد في وقته لا أصله لما قيل من أنه لا خلاف فيه، مضافا إلى دعوى دلالة صحيح عمر بن يزيد (2)

المتقدم عليه أيضا و إن كان فيه ما فيه، بل قد يمنع أصل القطع بالانتقال، و يقتصر على وقوع العتق عن الأمر دون انتقاله إليه، على أن يكون المراد من

«لا عتق إلا في ملك»

أنه لا يعتق غير المملوك كما سمعته عن بعض العامة، لا أن المملوك لا يصح عتق مالكه عن غيره إلا بعد انتقاله إلى الغير، بل قد يدعى أن الصحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب العتق الحديث 2 و فيه «لا عتق الا بعد ملك».
2- 2 لم يتقدم لعمر بن يزيد رواية تدل على ذلك، و الذي يمكن الاستدلال به هو صحيح بريد العجلي المروي في الوسائل الباب- 40- من كتاب العتق الحديث 2 المتقدم في كتاب الكفارات ج 33 ص 222.

ج 34، ص: 148

المزبور على خلاف ذلك أدل، و حينئذ يكون التردد في أصل الانتقال في عبارة المتن في محله، و قد تقدم تمام الكلام في الكفارات (1) فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

[المسألة الحادية عشرة العتق في مرض الموت يمضي من الثلث]
اشارة

المسألة الحادية عشرة:

العتق في مرض الموت يمضي من الثلث كغيره من المنجزات. و قيل:

من الأصل، و الأول مروي عنهم عليهم السلام (2)

بعدة طرق فيها الصحيح و غيره، كما أوضحنا ذلك مفصلا فيما تقدم، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.


1- 1 راجع ج 33 ص 222.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الوصايا الحديث 3 و 4 و 6 و الباب- 39- و الباب- 67- منه.

ج 34، ص: 149

[تفريعان]
[الأول إذا أعتق ثلاث إماء في مرض الموت و لا مال له سواهن أخرجت واحدة بالقرعة]

تفريعان:

الأول:

إذا أعتق ثلاث إماء في مرض الموت و لا مال له سواهن أخرجت واحدة بالقرعة إن كانت هي مقدار الثلث، و إلا فما قابله زاد أو نقص و لو جزء منها، كما سمعته في المسألة السابقة التي هي عين هذه المسألة.

و على كل حال فان كان بها حمل تجدد بعد الإعتاق فهو حر إجماعا ضرورة تكونه من حرة، فيتبعها إلا أن يكون أبوه عبدا و اشترط عليه الرقية و قلنا بجوازه و إن كان سابقا على الإعتاق قيل و القائل الشيخ و أبو علي:

هو حر أيضا لكونه تابعا لامه و فيه تردد بل منع لعدم المقتضي لها شرعا و لا عرفا، فيبقى على أصل الرقية، بل هو أولى من البيع في ذلك، كما هو واضح، و الله العالم.

[الثاني إذا أعتق ثلاثة في مرض الموت و لم يملك غيرهم ثم مات أحدهم أقرع بين الميت و الحيين]

الثاني:

إذا أعتق ثلاثة عبيد مثلا في مرض الموت و لم يملك غيرهم ثم مات أحدهم قبل موت السيد أو بعده قبل قبض الوارث أقرع بين الميت و الحيين و لا ينزل الميت منزلة العدم و إن أبقينا للوارث مثل ما فات، لأن الميت إنما مات بعد العتق فهو صالح للحرية و الرقية.

و حينئذ ف لو خرج الحرية لمن مات حكم له بالحرية و كانت

ج 34، ص: 150

مئونة تجهيزه على وارثه أو في بيت المال و إن خرجت على أحد الحيين حكم على الميت بكونه مات رقا و مئونة تجهيزه على سيده. لكن لا يحتسب على الوارث من التركة بحيث يكون من ثلثيه، لعدم قبضه لها و المراد له المالية، بخلاف الميت الذي احتسبناه عليه من ثلثه لو خرجت القرعة بحريته، لأن مراده الثواب و قد حصل له.

و حينئذ ف يقرع بين الحيين و يحرر منهما ما يحتمله الثلث من التركة الباقية كما لو لم يكن له إلا العبدان و أعتقهما، فمع فرض تساويهما في القيمة يعتق ثلثا من خرجت القرعة بحريته.

و مع اختلافها ف لو عجز أحدهما عن الثلث لخسته و فرض خروج القرعة بحريته أكمل الثلث من الآخر و لو فضل منه لنفاسته كان فاضله رقا بلا خلاف أجده بين من تعرض لذلك من الفاضل في قواعده و تحريره و الشهيد في دروسه و ثاني الشهيدين في مسالكه و غيرهم، بل لعل إطلاق المصنف و غيره عدم الاحتساب يقتضي ذلك حتى مع قبض الوارث، لعدم تسلطه على التصرف و إن ثبتت يده الحسية، فيكون كما لو مات قبل قبضه، لكن في المسالك و محكي المبسوط الأصح احتسابه، لدخوله في أيديهم و في ضمانهم و حينئذ فإذا خرجت القرعة لأحد الحيين عتق كله.

قلت: قد يقال بعدم احتسابه مطلقا على أحد منهم، ضرورة اقتضاء عتقهم أجمع عتق الثلث من كل واحد، فمع فرض موته يموت من الجميع، كما هو مقتضى قاعدة الإشاعة، و ليس الحر واحدا منهم غير معين و إنما هو ثلثه المشاع في الثلاثة، و إن كان بالقرعة يتعين في واحد كما يتعين غيره من المشاع بها، و كون مقصود الميت الثواب لا يقتضي الخروج عن قاعدة الإشاعة، خصوصا لو مات أحدهم قبل موت السيد، فإنه بذلك يخرج عن كونه تركة يلحظ ثلثه فيها و يتعين الثلث في الباقيين منه.

و من الغريب اتفاقهم هنا على القرعة بين الميت و الحيين مع ذكرهم وجوها

ج 34، ص: 151

ثلاثة فيمن أعتق عبده منجزا و مات قبل موت السيد و لا مال له غيره: أحدها حريته أجمع، لأنه لا فائدة للوارث في رقيته، و ثانيها رقيته أجمع، لعدم مقابله للوارث لو حكمنا بحريته، و ثالثها حرية ثلثه خاصة، مع أن الأول و الأخير جاريان في المقام.

اللهم إلا أن يقال إن مبنى المسألة على أن المعتق أحد الثلاثة إذا فرض أنه الثلث، لخبر الأنصاري (1)

المشتمل على التجزءة أثلاثا، لا أن المعتق الثلث من كل عبد و أن الموت قبل السيد لا يبطل حكم تنجيزه بالنسبة إلى الميت دون الوارث، فلا بد حينئذ من القرعة، إذ لعله يكون هو الحر، فيحتسب على الميت الذي نجزه، و يحسب تنجيزه عليه من ثلثه، بل إذا انكشف بالقرعة حريته تبين أنه قد عين الميت الثلث به، فإذا مات احتسب عليه، كما لو عين ثلثه في عين فتلفت بآفة سماوية قبل الموت، فإنه لا يكون له ثلث غيرها فكذا هنا، فان تنجيزه له بمنزلة تعيينه ثلثا، فتأمل جيدا فان المقام محتاج إلى تأمل تام.

و لو كانت الصورة بحالها و مات اثنان فان المتجه بناء على ما عرفت أنه يقرع بينهم أيضا، فإن خرج سهم العتق على أحد الميتين عتق نصفه خاصة و حصل للورثة مثلاه و هو العبد الحي، لعدم احتساب العبد الميت الآخر عنهم و إن خرج سهم الرق عليه أقرع بين الميت الآخر و بين الحي، فإن خرج سهم الحرية على الميت الآخر أعتقنا نصفه أيضا، و إن خرج سهم الرق عليه لم يحتسب على الورثة و أعتقنا ثلث العبد الحي.

و لو كان موت الميت منهم بالقتل الموجب للقيمة دخل القتيل في القرعة مطلقا، لأن قيمته تقوم مقامه على تقدير رقيته، فلا يفوت الوارث المال. ثم إن خرج سهم العتق لأحد الحيين عتق كله و للورثة الآخر و قيمة القتيل، و إن خرج القتيل بان أنه قتل حرا، و على قاتله الدية لورثته.

و لا يخفى عليك أن ذلك و غيره مبني على أن القرعة هنا بحكم القرعة التي


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 285.

ج 34، ص: 152

هي لتعيين المشتبه، لا قرعة تمييز المشاع التي تقتضي التعيين حالها دون كشف للسابق، بل قد يتوقف في اقتضاء الأولى الكشف أيضا فضلا عن الثانية، خصوصا بالنسبة إلى التزام الغير بالدية أو القصاص.

و لعل هذه أو بعض ما سمعته سابقا الدقيقة التي أشار إليها في الدروس، فإنه بعد أن ذكر الإقراع بين الميت و الحي و ذكر أن مئونة تجهيزه على ورثة العبد أو بيت المال لو خرجت القرعة بحريته قال: «و فيه دقيقة» فتأمل جيدا، هذا كله في العتق بالمباشرة.

[الفصل الثاني في العتق بالسراية]

اشارة

و أما العتق ب السراية فالمشهور أن من أعتق شقصا أي جزءا و لو يسيرا من عبده المملوك بأجمعه أو أمته سرى العتق فيه كله و إن لم يملك سواه إذا كان المعتق صحيحا جائز التصرف و المعتق بالفتح لا مانع من نفوذ العتق فيه، بل لعل ظاهر المتن و غيره عدم الخلاف فيه، بل في الروضة ربما كان إجماعا، ل

خبر غياث بن إبراهيم (1) المنجبر بما سمعت عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «إن رجلا أعتق بعض غلامه فقال علي عليه السلام: هو حر ليس لله شريك»

و خبر طلحة بن زيد (2) عن جعفر عن أبيه عليه السلام «أن رجلا أعتق بعض غلامه فقال: هو حر كله ليس لله شريك»

مضافا إلى أولويتها من السراية في ملك الغير التي ستسمع اتفاق النصوص (3)

و الفتاوى عليها في الجملة.

فما عن ابن طاوس- من الميل إلى عدم السراية للأصل المقطوع بما سمعت و ظاهر جملة من النصوص (4)

المطرحة أو المؤولة و إن صح سند بعضها- في غاية الضعف، و ربما مال إليه بعض من تأخر عنه ممن لم يكن على الطريقة المستقيمة في استنباط الأحكام، و في وافي الكاشاني حمل الخبرين المزبورين على صيرورة العبد


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق.
4- 4 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق الحديث 3 و 4 و 8.

ج 34، ص: 153

بجميعه حرا إذا سعى في البقية، قال: «و لعل له على مولاه ذلك شاء مولاه أو أبى، و لذلك أطلق الحكم بالحرية» و هو غير المحكي عن ابن طاوس و إن كان مثله في الشذوذ.

و لعل الذي ألجأهم إلى ذلك النصوص التي منها

خبر حمزة بن حمران (1) عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن رجل أعتق نصف جاريته ثم قذفها بالزنا فقال: أرى أن عليه خمسين جلدة، و يستغفر الله تعالى- إلى أن قال-: قلت: فتغطي رأسها منه حين أعتق نصفها، قال: نعم، و تصلى و هي مخمرة الرأس، و لا تتزوج حتى تؤدي ما عليها أو يعتق النصف الآخر»

الذي حمله الشيخ على ما إذا لم يملك إلا نصفها، ل

خبر الحارثي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل توفي و ترك جارية له أعتق ثلثها فتزوجها الوصي قبل أن يقسم شي ء من الميراث أنها تقوم و تستسعي هي و زوجها في بقية ثمنها بعد ما تقوم، فما أصاب المرأة من عتق أو رق جرى على ولدها»

الذي حمله الشيخ أيضا على ما إذا لم يملك غيرها، و

خبر أبي بصير (3) سأل الباقر عليه السلام «عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها على النصف الآخر بعد ذلك، قال:

يشترط عليها أنها إن عجزت عن نجومها ترد في الرق في نصف رقبتها»

و صحيح الحلبي (4)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أعتقت عند الموت ثلث خادمها هل على أهلها أن يكاتبوها؟ قال: ليس ذلك لها، و لكن لها ثلثها، فلتخدم بحساب ما أعتق منها»

و صحيح ابن سنان (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أعتقت ثلث خادمها بعد موتها، أعلى أهلها أن يكاتبوها شاؤوا أو أبوا؟ قال: لا، و لكن لها من نفسها ثلثها، و للوارث ثلثاها يستخدمونها بحساب الذي لهم فيها، و يكون لها


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المكاتبة الحديث 1 من كتاب التدبير و المكاتبة.
4- 4 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق الحديث 7.

ج 34، ص: 154

من نفسها بحساب ما أعتق منها»

و نحوه صحيح ابن مسكان (1)

التي هي من غير الفرض خصوصا بعد إمكان حملها على عدم ملك غيرها و إن كان فيها ترك الاستفصال.

و على كل حال فلا ريب في أن الأصح ما عليه المشهور، لشذوذ النصوص المزبورة التي ينبغي طرحها إن لم تقبل التأويل، لرجحان الأدلة عليها بما عرفت، و الله العالم.

ف ان كان له فيه شريك مسلم أو كافر، إذ لا فرق في السراية بين أن يكون الشريكان مسلمين أو كافرين، أو كان المعتق كافرا إن سوغنا عتق الكافر، أو بالتفريق، لعموم الأدلة، و حينئذ فمتى أعتق قوم عليه إن كان موسرا بلا خلاف أجده فيه مع قصده الإضرار، إلا ما حكاه في المختلف عن الحلبي من إطلاق وجوب السعي على العبد في الفك، بل و مع عدم قصده عند الأكثر، خلافا للشيخ و القاضي فأوجبا على العبد السعي و للإسكافي فخير الشريك بينه و بين إلزام المعتق قيمة نصيبه، و لا شاهد له.

و سعى العبد في فك ما بقي منه إن كان المعتق معسرا و لم يقصد المضارة بلا خلاف، بل و مع قصدها وفاقا للأكثر، بل المشهور، بل في الانتصار الإجماع عليه، و على الأول أيضا، و بذلك يجتمع أكثر نصوص المقام التي هي

الصحيحان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، قال: إن ذلك فساد على أصحابه لا يقدرون على بيعه و لا مؤاجرته، قال: يقوم قيمة فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، و إنما جعل ذلك عليه عقوبة لما أفسده»

و موثق سماعة (3)

«سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، فقال هذا فساد على أصحابه


1- 1 أشار إليه في الوسائل في الباب- 74 من كتاب الوصايا الحديث 3 و ذكره في التهذيب ج 9 ص 243- الرقم 943.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 1 و 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 5.

ج 34، ص: 155

يقوم قيمة و يضمن الثمن الذي أعتقه، لأنه أفسده على أصحابه»

و خبر البصري (1)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم ورثوا عبدا جميعا، فأعتق بعضهم نصيبه منه كيف يصنع بالذي أعتق نصيبه منه؟ هل يؤخذ بما بقي؟ قال: نعم يؤخذ بما بقي منه بقيمته يوم أعتق»

المقيدة ب

خبر محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام المنجبر بما سمعت «من كان شريكا في عبد أو أمة قليل أو كثير فأعتق حصته و له سعة فليشتره من صاحبه فيعتقه كله، و إن لم يكن له سعة من مال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق ثم يسعى العبد بحساب ما بقي حتى يعتق»

و صحيح الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، قال: إن كان موسرا كلف أن يضمن، و إن كان معسرا خدمت بالحصص»

محتسبة بذلك من السعي، أو نقيد ذلك بما إذا عجزت عن السعي.

و على كل حال بهما يقيد إطلاق

خبري الحسن بن زياد و يعقوب بن شعيب (4)

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أعتق شركا له في غلام مملوك عليه شي ء، قال:

لا»

و إطلاق

خبر علي (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مملوك بين أناس فأعتق بعضهم نصيبه، قال: يقوم قيمة ثم يستسعى فيما بقي، ليس للباقي أن يستخدمه و لا يأخذ منه الضريبة».

و نحوه في إطلاق الأمر بالسعي حسن محمد بن قيس (6) عن أبي جعفر عليه السلام بل و إطلاق

مرسل حريز (7) عن أبي عبد الله عليه السلام سأل «عن رجل أعتق غلاما بينه و بين صاحبه، قال: قد أفسد على صاحبه، فان كان له مال أعطى نصف المال، و إن لم يكن له مال عومل الغلام يوم للغلام و يوم للمولى، و يستخدمه، و كذلك إن كانوا شركاء»

إلى غير ذلك من النصوص التي هي بعد حمل مطلقها على مقيدها دالة


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 11.

ج 34، ص: 156

على المشهور مؤيدة في الجملة بقاعدة الإتلاف، و لا ضرر و لا ضرار، المشار إليها في النصوص المزبورة بالإفساد.

و لكن مع ذلك كله قيل و القائل الشيخ في النهاية و القاضي ابن البراج إن قصد الإضرار فكه إن كان موسرا، و بطل عتقه إن كان معسرا و إن قصد القربة عتقت حصته و سعى العبد في حصة الشريك، و لم يجب على المعتق فكه بل يستحب له، فان لم يفعل استسعى العبد في الباقي و لم يكن لصاحبه الذي يملك فيه ما بقي استخدامه، و لا له عليه ضريبة، بل له أن يستسعيه فيما بقي من ثمنه، فان امتنع العبد من السعي في فك رقبته كان له من نفسه قدر ما أعتق و لمولاه الباقي، ل

صحيح محمد بن مسلم (1)

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ورث غلاما و له فيه شركاء فأعتق أحدهم لوجه الله نصيبه، فقال: إذا أعتق نصيبه مضارة و هو موسر ضمن للورثة، و إذا أعتق لوجه الله كان الغلام قد أعتق من حصة من أعتق، و يستعملونه على قدر مالهم منه، فان كان نصفه عمل لهم يوما و له يوم، و إن أعتق الشريك مضارا و هو معسر فلا عتق له، لأنه أراد أن يفسد على القوم حصصهم»

و صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن «رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه، فقال: إن كان مضارا كلف أن يعتقه كله، و إلا استسعى العبد في النصف الآخر».

إلا أن الأول قيل لا صراحة فيه في فساد العتق في حصته أيضا، و فيه أنه لم يفرض فيه إلا عتقها، كما أنه قيل أيضا لا صراحة فيه في سعي العبد في صورة عدم المضارة مع اليسار، و فيه مع أنه يمكن حمل عمل اليوم على السعاية أنه يكفي فيه إطلاق الآخر و عدم الدلالة في الثاني منهما على اعتبار اليسار يمكن تقييده بما في الصحيح الأول، و حينئذ يستفاد منهما معا حكم الصور الأربع، و هو الموسر المضار و الموسر غير المضار و المعسر غير المضار و المعسر المضار، ففي الأولى يضمن، و في الأخيرة يبطل، و في الثانية و الثالثة يستسعي.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 34، ص: 157

و ظاهر المحكي عن خلافه قول آخر، و هو ضمان الموسر مطلقا مضارا كان أولا، و بطلان عتق المعسر المضار و سعي العبد مع عدم المضارة.

كما أن المحكي عن ابن الجنيد قول رابع، و هو تخيير الشريك في صورة عدم المضارة و اليسار بين إلزام المعتق القيمة و بين سعي العبد، قال: و لو اختار الأول كان للمعتق أن يرجع على العبد يستسعيه فيما غرمه من حصة شريكه، لأنه إنما غرم ذلك عن العبد و قام مقامه، و استسعى العبد مع الإعسار و عدم المضارة، و لم يتعرض لغير ذلك، بل و المحكي عن أبي الصلاح من إطلاق السعي قول خامس.

لكن لا يخفى عليك أن الذي تجتمع عليه جميع النصوص (1)

بعد حمل المطلق منها على المقيد ما سمعته من الشيخ و القاضي، بل هو أبعد عن أقوال العامة المحكية في المسألة إلا أن الشهرة على خلافه، بل الإجماع المحكي، و بهما يرجح الجمع الأول عليه، إلا أنه لا بد من طرح بعض النصوص حينئذ.

و من الغريب دعوى الحلي تناقض كلام الشيخ في اعتبار قصد القربة مع المضارة، و قد سمعت صراحة النصوص في ذلك على أن المضارة المزبورة- التي هي من لوازم العتق المزبور المشار إليها في النصوص بالإفساد الذي استحق به التقويم عليه إذا لوحظت تبعا على نحو ضم نية التبرد- لا تقدح في التقرب كما هو واضح.

و بذلك كله ظهر لك القوة في القولين المزبورين، و أما باقي الأقوال فواضحة الضعف، بل بعضها لا شاهد له.

و كيف كان فظاهر النصوص أن جميع كسبه من سعيه الذي يفك به رقبته لا خصوص جزئه الحر، بل قد سمعت التصريح في

خبر علي بن أبي حمزة (2) بأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث- 0.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 10.

ج 34، ص: 158

«ليس للآخر أن يستخدمه و لا يأخذ منه الضريبة»

بل لعل

قوله عليه السلام: في الصحيحين (1)

«أن ذلك فساد على أصحابه لا يستطيعون بيعه و لا مؤاجرته»

ظاهر في انقطاع التصرف عنه، كما صرح بذلك في المسالك و محكي النهاية.

لكن في القواعد على إشكال، و لعله من استصحاب الرق إلى الأداء، و هو يستلزم تشريك المولى في الكسب و إن كان لا يخفى ما فيه بعد انقطاعه بظاهر النصوص الذي منه يعلم ضعف ما في الإيضاح من دعوى قوة الاحتمال المزبور، لأنه المأمور بفك نفسه، فيكون من كسبه، و لأنه إذا أدى عن كسبه المملوك للسيد كان العتق حينئذ بلا عوض، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص.

و على كل حال فان عجز العبد أو امتنع من السعي و لم يكن بيت مال يفك منه من سهم الرقاب أو غيره كان له من نفسه ما أعتق و للشريك ما بقي، و كان كسبه بينه و بين الشريك على النسبة و كذا نفقته، و فطرته عليهما و غير ذلك من أحكام المبعض، لكن ظاهر المحكي عن ابن إدريس وجوب فك سلطان الإسلام له من سهم الرقاب في صورة العجز، و لم أجده لغيره، بل إطلاق أدلة المقام على خلافه.

ثم إن ظاهر المتن عدم جبر العبد على السعي، و هو خلاف ظاهر ما سمعته من النصوص (2)

نعم في

خبر علي بن أبي حمزة (3) على ما في كشف اللثام «و متى لم يختر العبد أن يسعى فيما قد بقي من قيمته كان له من نفسه بمقدار ما أعتق، و لمولاه الذي لم يعتق بحسب ماله»

و ربما يؤيده أن ذلك حق له


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 1 و 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 2 و 3 و 10.
3- 3 التهذيب ج 8 ص 221 الرقم 792 و هذه القطعة ذكرت بعد رواية علي بن أبي حمزة، و لم يعلم أنها من تتمة الرواية أو من عبارة الشيخ قده.

ج 34، ص: 159

فلا يجبر عليه، بل في الدروس و الروضة ظاهر الأصحاب عدم وجوب السعي عليه.

قلت: لكن جزم الفخر في الشرح بكونه قهريا، لأن نظر الشرع إلى تكميل الحرية، و لذا عداه إلى ملك الغير قهرا، و للاستسعاء في صحيح الحلبي (1)

الدال على قهره، مضافا إلى ظاهر الأمر به في النصوص (2)

.

و فيه أن المتجه في الجمع بين هذه النصوص و نصوص المهاياة من الصحيح (3)

و مرسل حريز (4)

السابقين و خبر علي بن أبي حمزة (5)

الحكم بتخيير العبد بين السعي في فك نفسه و عدمه، و هو الذي سمعت نسبته إلى ظاهر الأصحاب، بل هو الموافق لقول المصنف و غيره «كان كسبه بينهما» و لما تسمعه من المهاياة، و إلا كان منافيا لفرض عجزه عن الكسب، بل و لصرف كسبه في فك رقبته، خصوصا بعد ما في المسالك من أن السعي كالكتابة في كونه فكا للرقبة من الرقية بجملة الكسب، و استقرار الملك بعجز المملوك، و عتق ما قابل المدفوع منه كما في المطلقة، قال:

«و يفترقان في اشتراطه بسبق عتق شي ء منه دونها و عدم اشتراطه بعقد، و لا تقدير للعوض و لا للأجل، بل بقيمة المثل دونها» ضرورة اقتضاء ذلك احتساب كل ما يحصل من كسبه في فك رقبته لا أنه يكون مملوكا للمولى، إذ ليس مرجع ذلك إلا إلى اختياره، فان شاء السعي في فكاك رقبته فعل و إن شاء لم يفعل، و حينئذ يكون كسبه بينه و بين المولى.

بل يتجه قول المصنف و غيره لو هاياه شريكه في نفسه صح بل لا أجد فيه خلافا، بل هي ما سمعته في صحيح ابن مسلم (6)

و مرسل حريز (7)

السابقين و إن كان الذي يقوى أنها من الصلح لا أنها معاوضة برأسها مع احتماله،


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 11.
5- 5 راجع التعليقة 3 من ص 158.
6- 6 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 12.
7- 7 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 11.

ج 34، ص: 160

مؤيدا بعدم ضرب الأجل و نحوه فيها و عدم لزومها و غير ذلك مما لا يغتفر في الصلح.

و هل هي واجبة مع طلبها أو مطلقا هنا و إن كانت غير واجبة عندنا في المال المشترك الذي لا يمكن قسمته؟ وجهان ينشئان من توقف جواز التصرف فيه عليها، بل لعل ذلك هو ظاهر الصحيح (1)

و المرسل (2)

المزبورين، و من الأصل و إشعار الإفساد و عدم استطاعة التصرف فيه في النصوص المزبورة.

لكن في الروضة «لو امتنعا أو أحدهما من المهاياة لم يجبر الممتنع، و كان على المولى نصف اجرة عمله الذي يأمره به، و على المبعض نصف اجرة ما يغصبه من المدة و يفوته اختيارا» و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا خصوصا بعد قوله: «يغصبه» و لعله لذا اقتصر في الدروس في نفي الجبر على صورة امتناعهما.

و كيف كان فإذا وقعت تناولت أي المهاياة المزبورة مع الإطلاق فضلا عن التصريح الكسب المعتاد و النادر كالصيد و الالتقاط و نحوهما بلا خلاف أجده فيه بيننا، لا طلاق الأدلة التي منها خبر علي بن أبي حمزة (3)

السابق، و حينئذ فكل ما اكتسبه في نوبته اختص به نادرا أو غيره، و ما اكتسبه في نوبة المولى اختص به كذلك، خلافا لبعض العامة، فجعل النادر مشتركا بينهما، لأنه مجهول، و فيه منع قدح مثل هذه الجهالة فيها بعد إطلاق أدلة مشروعيتها، كما هو واضح.

و لو كان المملوك بين ثلاثة مثلا فأعتق اثنان نصيبهما دفعة قومت حصة الثالث عليهما بالسوية تساوت حصصهما فيه أو اختلفت بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل و لا إشكال، ضرورة تساويهما في سبب الإتلاف المعبر عنه في


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 11.
3- 3 راجع التعليقة 3 من ص 158.

ج 34، ص: 161

النصوص بالإفساد (1)

و إن اختلفت خلافا لبعض فجعلها على التفاوت بنسبة الحصتين، و هو واضح الضعف.

و لو كان أحدهما معسرا ففي القواعد «قوم تمام الباقي على الموسر، و لو كان معسرا بالبعض قوم عليه بقدر ما يملك، و على الآخر بالباقي» بل في كشف اللثام «و الكل ظاهر».

لكن لا يخفى عليك أنه بعد استوائهما في التسبيب المقتضى لكون الغرامة بينهما بالسوية ينبغي إجراء حكم كل منهما من اليسار و الإعسار عليه، فتأمل.

و إن ترتب و لم يؤد الأول شيئا فان لم يشترط الأداء في السراية كان الثاني لاغيا و إلا صح عتقه، و لكن قيمة حصة الثالث منهم على الأول خاصة، لأنه استحقها عليه بإعتاقه، فلا يتغير بإعتاق الثاني، و إنما يؤثر فيما استحق هو عليه، و ربما احتمل كون التقويم عليهما كما لو أعتقا دفعة إلا أن ضعفه واضح.

و على كل حال فالولاء لهما مع صحة عتقهما على قدر العتق.

و لو وكل شريكه في عتق نصيبه فبادر إلى عتق ملكه قوم عليه نصيب الموكل على التعجيل، و إلا فللوكيل إعتاقه و لا تقويم، و إن بادر بعتق ما وكل فيه قوم على الموكل، لأنه سبب و ربما احتمل عدم التقويم، لأن المباشر أقوى، و ضعفه واضح، و لو أعتقهما دفعة فلا تقويم، و إن أعتق نصفا شائعا منهما أمكن أن يقوم على كل واحد منهما ربع العبد، و إن أعتق نصفا و لم ينو شيئا فالأقرب صرفه إليهما، كما في الدروس، و يحتمل إلى نصيبه لأن تصرفه فيما له هو الغالب، و يحتمل إلى نصيب الشريك، لأنه المأذون فيه، و البطلان لعدم التعيين، و الله العالم.

و تعتبر القيمة وقت العتق حتى على القول بالانعتاق بالأداء فضلا عن القول بانعتاقه بالعتق أو بالمراعاة لأنه وقت الإتلاف أو الحيلولة بين المالك


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 1 و 5 و 9 و 12.

ج 34، ص: 162

و ملكه بمنعه من التصرف فيه، مضافا إلى انسياقه من النصوص (1)

بل في صحيح عبد الرحمن (2) عن الصادق عليه السلام التصريح بذلك، بل و في خبر محمد بن قيس (3) عن الباقر عليه السلام أو صحيحه في صورة سعي العبد، و لا فرق في القيمة بين التزام المولى بها أو العبد، و كذا صحيحه الآخر (4)

على أنه لما أعتق نصيبه كلف بالأداء قيمة الباقي فيستصحب.

خلافا للشهيدين في الدروس و المسالك فعند الأداء، بناء على الانعتاق به، لأنه وقت التلف، و لغيرهما فأقصى القيم من حين العتق إلى حين الأداء، و فيه- مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص- أن التلف شرعي و المضمن سببه، و هو العتق، و الله العالم.

و كيف كان ف تنعتق حصة الشريك بأداء القيمة لا بالإعتاق وفاقا للمشهور بل عن المرتضى الإجماع عليه، للأصل و لأنه المستفاد من التأمل في أكثر النصوص: كصحيحي (5) الحلبي و غيره بل و

خبر محمد بن قيس (6) أو صحيحه المتضمن لقوله عليه السلام: «فليشتره من صاحبه فليعتقه كله»

بعد الإجماع في المسالك على عدم الشراء حقيقة، فيحمل على الأداء و إن قال في الرياض في دعوى الإجماع عليه- مع تعبير كثير من الأصحاب بعين ما في الرواية من دون قرينة صارفة- مناقشة إلا أنه كما ترى، ضرورة إمكان القطع بكون مرادهم الأداء المزبور لا الشراء حقيقة الذي قد يمتنع عنه الشريك و يحتاج إلى الجبر أو قيام الحاكم.

كما أن ما فيه أيضا- من اعتبار الإعتاق ثانيا بعد الشراء، بل قيل: و نحو هذا عبائر كثير من القدماء كالنهاية و القاضي و الصدوق- محمول على ما هو الظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث- 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث- 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 1 و 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 3.

ج 34، ص: 163

من متأخري الأصحاب من عدم الخلاف في حصول الانعتاق بمجرد أداء القيمة، بل قيل هو الظاهر من عبائر كثير من القدماء كالمفيد و الحلي و المرتضى، بل ظاهره الإجماع عليه، فينبغي صرفه في الرواية و كلام الجماعة إلى الانعتاق، خصوصا بعد ملاحظة التصريح فيها بذلك حال السعي الذي هو كأداء القيمة، و لأنه لو أعتق بالإعتاق لزم الإضرار بالشريك بتقدير هرب المعتق أو تلف ماله.

خلافا لابن إدريس فينعتق بصيغة العتق التي وقعت على نصيبه، لأن ذلك هو مقتضى السراية و مدلول الأخبار الدالة عليها، ل

قول النبي صلى الله عليه و آله (1)

«إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه و كان له مال فقد عتق كله»

و يروى (2)

«فهو حر كله»

و يروى (3)

«فهو عتيق»

و قول علي عليه السلام (4)

«هو حر ليس لله شريك»

و نصوص الإفساد (5)

الذي معناه حصول الانعتاق بعتقه، و فيه عدم اللفظ المزبور في المعتبر من نصوصنا، كما أن ما ذكره من الأخبار النبوية من طرق العامة و ليست من طرقنا، و قول علي عليه السلام إنما هو فيمن أعتق بعض غلامه، و محتمل لإرادة بيان الواقع فيه نفسه لا التعليل، و لإرادة عدم الشريك للتحرير بأداء القيمة أو السعي ليشمل حالي اليسار و الإعسار، و نصوص الإفساد يراد منها الفساد بالتبعيض المقتضي للمنع عن بيعه و مؤاجرته، فهي حينئذ على ما قلناه أدل.

و للشيخ في المحكي عن مبسوطة من أن الأداء كاشف عن العتق بالصيغة و هو الذي حكاه عنه المصنف بقوله و قال الشيخ: هو مراعى و مال إليه في المسالك و غيرها بدعوى أن فيه جمعا بين الأخبار، و فيه أنه ليس في نصوصنا ما يقتضي انعتاقه بالعتق حتى يكون ذلك جمعا بينها، بل هي ظاهرة في الأول، بل صريحة فيه في صورة السعي و في أن الصيغة سبب للالتزام بالقيمة للموسر، و الكشف إنما يلتزم


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 277.
2- 2 سنن البيهقي ج 10 ص 276.
3- 3 سنن البيهقي ج 10 ص 277.
4- 4 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 1 و 5 و 9.

ج 34، ص: 164

به لو ثبت في الأدلة ما يقتضي سببية الصيغة للتحرير، فيجمع بين ذلك و بين ما دل على اعتبار الأداء بالكشف. فمن الغريب توقف مثل العلامة في أكثر كتبه، و ولده و الشهيد في النكت في المسألة.

و أغرب منه ما في المسالك حيث قال بعد أن ذكر الأقوال و الأدلة: «و الحق أن الأخبار من الجانبين ليست من الصحيح، و الأخبار الدالة على اعتبار وقت العتق أكثر» إذ قد عرفت أنا لم نقف على خبر منها في طرقنا، و أن الدال على الأول الصحيح و غيره.

و كذلك ما فرعه على هذه الأقوال من مسألة عتق الاثنين من الشركاء الثلاثة مترتبين التي قد عرفت الحال فيها، قال: «فان قلنا ينعتق بالإعتاق قوم على المعتق أولا، و إن قلنا بالأداء و لم يكن الأول أدى قوم عليهما، و إن قلنا بالمراعاة احتمل تقويمه عليهما أيضا، لأن عتق الثاني صادف ملكا فوقع صحيحا، فاستويا في الحصة الأخرى و تقويم الأول، لأنه بالأداء تبين انعتاق نصيب الشريك قبل أن يعتق، فوقع عتقه لغوا و في الأول قوة» إذ لا يخفى عليك ما في جزمه بالتقويم عليهما على القول الثاني و ذكره الوجهين على الثالث، و كذا ما فرعه أيضا من وقت القيمة الذي عرفت أنه وقت العتق على كل تقدير، للنصوص و غيرها.

نعم يتفرع على الأقوال المزبورة ما لو أعسر المعتق بعد الإعتاق، فإنه تحصل الحرية و تبقى القيمة في ذمته على القول بحصولها بنفس العتق بخلاف القولين الآخرين.

أما موته ففي المسالك «لا يؤثر على الأقوال، أما على التعجيل فظاهر، و أما على التوقف فلأن القيمة تؤخذ من تركته كالدين، و الإعتاق صار مستحقا عليه في حال الحياة، و قد يوجب سبب الضمان في الحياة و يتأخر الوجوب عنها، كمن حفر بئرا في محل عدوانا فتردى فيها بهيمة أو إنسان بعد موته» و فيه إمكان منع الاستحقاق عليه بعد الموت مع فرض كونه ليس من الديون، للأصل و غيره،

ج 34، ص: 165

و القياس على حفر البئر يدفعه صدق الإتلاف معه، بخلافه مع فرض كون الالتزام حال الحياة فتأمل.

و لو مات العبد قبل أداء القيمة فعلى القول بالتحرير بالعتق مات حرا موروثا منه، و يؤخذ قيمة نصيب الشريك، و على المراعاة ففي المسالك «وقف إلى أداء القيمة، فإذا أديت بان أن الأمر كذلك» و فيه إمكان اعتبار قابليته للتحرير عليها، فيسقط حينئذ كما يسقط على القول الثالث، ضرورة عدم صلاحية الميت للعتق، و التزام الكشف فيه هنا مناف لأصل القول، كما هو واضح.

و لو أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة لم ينفذ بناء على حصول التحرير بالعتق، و إن أخرناه إلى أداء القيمة فالوجه نفوذه للأصل و غيره، و لأن المقصود تكميل العتق، و قد حصل و أغنى عن التكليف بأداء القيمة، و ربما احتمل عدم النفوذ، لاستحقاق المعتق تملكه بالقيمة ليعتق عليه و يكون ولاؤه له، و لا يجوز صرف العتق عن المستحق إلى غيره، لكنه كما ترى. نعم لا بأس بالقول بذلك على المراعاة و إن كان ظاهر المسالك كونه كالأول في النفوذ، لكنه لا يخلو من نظر، كما أشرنا إليه سابقا، فلاحظ و تأمل.

و لو وطأ الشريك الجارية قبل أداء القيمة فعلى القول بالحرية يلزمه حكم وطء الحرة، و على المختار يلزمه نصف المهر بنصفها الحر مع الإكراه، و على القول بالمراعاة ففي المسالك «يحتمل ذلك أيضا، لكونها حال الوطء مملوكة له، و ثبوت جميعه لها بعد الأداء، لانكشاف كونها حرة حينئذ، و لا حد من جهة الحصة، لحصول الشبهة بالاختلاف في ملكه» و فيه تأمل، بل يمكن منافاته لما سبق منه، إلى غير ذلك من الفروع المذكورة في الكتب المبسوطة التي لا يخفى حكمها بعد الإحاطة بما ذكرنا.

و (منها) ما ذكره المصنف بقوله و لو هرب المعتق صبر عليه حتى يعود، و لو أعسر انظر إلى الإيسار ضرورة وضوح الحكمين على المختار و على المرعاة،

ج 34، ص: 166

لأن حق العتق لا يبطل بذلك، بل يستمر إلى أن يمكن الأداء، لوجود السبب الموجب له و هو الإعتاق، و إن توقف على أمر آخر و لا يكون كالحق الفوري يبطل بالتأخير، و حينئذ فيبقى بالنسبة إلى الشريك رقيقا إلى أن يؤدي إليه القيمة، و هل يرتفع الحجر عنه بذلك؟ يحتمله حذرا من تعطيل ملكه عليه بغير بدل، و الأقوى خلافه، للأصل و نصوص الإفساد و غير ذلك، و الفائدة في نقله المنع عن الملك ببيع و نحوه لا في استخدامه، أما على القول بالحرية فالقيمة دين عليه، فينظر عوده و يساره، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو أراد العبد فك نفسه بالبيع كان للشريك عدم قبوله بالنسبة إلى حصته، للأصل و غيره، و لو أعتقه معسرا ثم أيسر بعد السعي لم يكن للعبد رجوع عليه و إن احتمل، للأصل و غيره، نعم لو أيسر قبل السعي و لو قبل تمامه قيل: قوم عليه، و لا يخلو من نظر، ضرورة ظهور الأدلة في أن العبرة حال العتق، و من هنا لو تجدد إعساره انتظر و لا ينتقل إلى السعي، لكن جزم في القواعد و غيرها بالتقويم، و لا يخلو من نظر.

و (منها) ما لو ادعى أحد الشريكين على الآخر عتق نصيبه موسرا فأنكر حلف، و كان نصيب المدعي حرا مجانا على القول بالحرية بالعتق، بخلاف القولين الآخرين، و لو نكل استحق المدعي باليمين المردودة قيمة نصيبه، و بأدائها يحكم بالعتق على المختار، و بدونه على القول الآخر، و كون اليمين المردودة بمنزلة الإقرار أو البينة بعد تسليمه إنما هو فيما وقعت عليه الدعوى من استحقاق الشريك القيمة لا مطلقا.

لا يقال إقرار المدعي سبب اختياري في انعتاق حصته فيسري عليه في حق المدعى عليه، لا لما في حاشية الكركي من منع سببيته الخاصة التي هي مناط السريان، إذ الإقرار سبب كاشف لا محصل للعتق و موجب له، و مناط السريان الثاني خاصة، إذ هو كما ترى مناف لكون الإقرار طريقا شرعيا لثبوت العتق

ج 34، ص: 167

المقتضي للسريان، بل لأن الإقرار هنا بالانعتاق لا بالعتق المقتضي له، كما هو واضح.

و لو اختلفا في القيمة و لا طريق إلى معرفتها لموت العبد و نحوه فالقول قول المعتق لأصالة براءة ذمته من الزائد كما في نظائره.

و قيل القول قول الشريك لأنه ينتزع نصيبه من يده فيكون القول قوله، و اختاره الشهيد في اللمعة، و في الدروس مبنى القولين على الخلاف السابق أي إن قلنا: إن السراية تتعجل فالمصداق المعتق، لأنه غارم، و إن قلنا تتأخر فالمصداق الشريك، لأن ملكه باق، فلا ينتزع إلا بما يقوله كما في المشتري مع الشفيع، و الوجه تقديم قول المعتق على كل حال، لأنه المنكر للزيادة على التقديرين.

نعم لو ادعى المعتق فيه عيبا يوجب نقص قيمته أصليا أو عارضيا فالقول قول الشريك لأصالة السلامة و عدم حدوث العيب، كما هو واضح.

و لو ادعى فيه صنعة تزيد بها القيمة فإن تعذر استعلامها حلف المعتق، و إن كان محسنا لها ففي الدروس على الأداء يقوم صانعا، و على الإعتاق يحلف المعتق على عدم سبقها، و هو جيد بناء على اعتبار القيمة عند الأداء، و لو أدى القيمة ثم طالبه الشريك بالصنعة فادعى تأخيرها عن الأداء حلف إن أمكن التجدد، و الله العالم.

و الإيسار المعتبر هنا هو أن يكون مالكا لقدر قيمة نصيب الشريك فاضلا عن قوت يومه و ليلته له و لعياله الواجبي النفقة، ل

قوله عليه السلام (1)

«فان كان له مال قوم عليه الباقي»

الذي هو في الحقيقة تفسير للموسر في غيره (2)

بل ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 11 و فيه «فان كان له مال أعطى نصف المال» و في المستدرك الباب- 16- منه الحديث 5 عن النبي ص: «. و له مال قوم عليه الباقي».
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 7.

ج 34، ص: 168

عبارة المتن عدم استثناء المسكن و الخادم اللذين هما من مستثنيات الدين، بل ظاهرها أيضا شمول الدين بمثل ما يملكه أو أكثر، لإطلاق الخبر السابق (1)

، و لأنه مالك ما في يده، نافذ التصرف فيه، حتى لو اشترى به عبدا فأعتقه نفذ، و لأنه لو طالبه بعض غرمائه وجب عليه إبقاؤه و إن كان للباقين ما يستغرق ماله، فلو كان وجود الدين المستغرق يجعله معسرا لحرمت مطالبته على كل واحد منهم كما تحرم مطالبة المعسر و المعتق أولى، لأنه مبني على التغليب.

لكن قد يناقش بأنه و إن شمله الخبر المزبور (2)

بل و إطلاق اليسار في بعض النصوص (3)

لكن في خبر البصري اعتبار السعة في المال (4) الظاهر في غير ذلك، ضرورة أن المدين بقدر ما يملكه أو أزيد ليس من ذي السعة في المال، كما أن من ليس عنده إلا مستثنيات الدين كذلك أيضا.

و لعله لذا لهجت ألسنة الطلبة في زمن العلامة بالسهو من الناسخ في قوله في الإرشاد: «و لو كان عليه دين بقدر ماله فهو موسر» و أن الصواب «معسر» بل عن فخر المحققين إصلاحها بذلك باذن العام من والده، و كتب عليها بخطه «لا يقال هذا مالك قادر على التقويم حقيقة و شرعا فلم لا يكون موسرا، لأنا نقول: إن هذا له بدل، لأن الدين لم يتعلق بالمال، بل بالذمة، و إذا تعلق بالذمة هو و المعتق وجب التقسيط مع القصور، و لا تقسيط منا» و إن ناقشه الشهيد بأن التقسيط إنما يكون مع مقتضية، كالفلس و الموت، فليس عدمه هنا لعدم تعلقه بالمال، سلمنا لكن التقسيط جائز فيفك بحسابه، و قد صرح به المصنف، و ان نفي التقسيط لعدم الحجر لم يلزم منه عدم اليسار على الإطلاق، إذ هو مطالب بالدين و الفك في نفس الأمر.


1- 1 راجع التعليقة 1 من ص 167.
2- 2 راجع التعليقة 1 من ص 167.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 12.
4- 4 اعتبار السعة في المال انما ورد في صحيحة محمد بن قيس المروية في الوسائل الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 3.

ج 34، ص: 169

و من هذا و غيره جزم الشهيد بأن العبارة على حالها، خصوصا بعد أن استشكل في الإعسار و عدمه في الفرض في التحرير و إن جزم بكونه معسرا في القواعد.

قلت: لكن الانصاف صدق عدم السعة في المال و أنه ذو عسرة في الفرض حتى لو كانت الديون مؤجلة، و التزام التقسيط في صورة الفلس مما لا يلتزمه فقيه بعد معلومية كون الالتزام بالفك ليس من الديون التي تتعلق بالمال، كالتزام صدق اليسار على من قابل دينه ماله أو زاد، و وجوب الدفع عليه عند مطالبة البعض لكونه قادرا على وفائه لا يقتضي صدق اسم اليسار عليه قطعا فضلا عن صدق ذي السعة في المال، كما هو واضح.

و على كل حال فالمريض معسر فيما زاد على الثلث بناء على عدم نفوذ تنجيزه في غيره، و الميت معسر مطلقا، فلا يسرى عتقه الموصى به و إن وفي الثلث، خلافا لبعض كما ستسمع.

و لو ورث شقصا ممن ينعتق عليه قال الشيخ في الخلاف: يقوم عليه مستدلا عليه بإجماع الفرقة و أخبارهم و لكن هو بعيد للأصل بعد ظهور أدلة السراية في المباشرة، و لذا كان مذهبه في محكي المبسوط العدم، كما هو المشهور بين الأصحاب، نعم لو اشترى أو اتهب سرى، لقيامه حينئذ مقام الإعتاق باختياره الشراء مثلا المسبب للانعتاق، مع أنه لا يخلو من نظر لو كان المدرك ذلك، لعدم صدق الإعتاق عليه لا أقل من الشك، و الأصل عدمها كما تقدم ذلك في الكفارات و منه يعلم أن المدرك غير ذلك.

و لو أوصى بعتق بعض عبده أو بعتقه و ليس له غيره لم يقوم على الورثة باقيه لأنهم لم يعتقوه عن أنفسهم، و إنما أعتقوه على المورث، فلا وجه للسراية عليهم و لا على الميت و إن كان وقت الوصية موسرا، لانتقال التركة إلى الوارث بالموت، فصار عند الإعتاق معسرا، فلا يقوم على من لا يملك شيئا وقت نفوذ

ج 34، ص: 170

العتق، كما لو وكل في عتق الشقص و هو موسر فأعتقه الوكيل بعد أن أعسر.

خلافا للمحكي عن الشيخ، فيسري إن وسعه الثلث، ل

خبر أحمد بن زياد (1) سأل الكاظم عليه السلام «عن رجل تحضره الوفاة و له مماليك خاصة بنفسه و له مماليك في شركة رجل آخر فيوصي في وصيته مماليكي أحرار، ما حال مماليكه الذين في الشركة؟ قال: يقومون عليه إن كان ماله يحتمل، ثم هم أحرار»

الضعيف سندا و لا جابر المحتمل لإرادة التنجيز من قوله «أوصى» الذي أشار إليه المصنف بقوله و كذا لو أعتقه عند موته أعتق من الثلث و لم يقوم عليه، و قد تقدم تمام الكلام في ذلك في كتاب الوصايا.

لكن في الدروس هنا «و لو أوصى بعتق شقص من عبده أو دبر شقصا منه ثم مات و لا يسع الثلث زيادة عن الشقص فلا سراية، و لو وسع ففي السراية وجهان، كما لو أوصى بعتق شقص من عبد له فيه شريك و وسع الثلث نصيب الشريك، و هنا روى أحمد بن زياد (2) عن أبي الحسن عليه السلام تقويمه، و عليه الشيخ في النهاية، خلافا للمبسوط و ابن إدريس، لزوال ملكه بموته، و الأول أثبت، لسبق السبب» و هو كما ترى، و لو أوصى بعتق نصيبه و نصيب شريكه فعلى القول بالسراية فالوصية تأكيد، و يجبر الشريك على أخذ القيمة، بل يحتمل ذلك أيضا على القول الآخر، إذ عتق البعض سبب في التقويم ما لم يمنع مانع و هنا زال المانع، أعنى حق الوارث من التركة بالإيصاء، و يحتمل المنع، كما لو أوصى بشراء عبد الغير و عتقه، لأنه لا يجبر مالكه على العتق.

و منه- مضافا إلى ما سمعته سابقا من النصوص (3)

- يعلم أن المراد هنا نفي التقويم خاصة، أما السعي فهو على مقتضى الأدلة السابقة، كما نص عليه المصنف في كتاب الوصايا، فلا يتوهم من كلامهم هنا عدم السعي و عدم التقويم.

بل مما تقدم هناك يعلم الحال فيما لو كان قد أوصى بثلثه من دون تعيين


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من كتاب الوصايا الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 74- من كتاب الوصايا الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق.

ج 34، ص: 171

مصرف خاص ثم أوصى بعتق الشقص، فيحتمل التقويم عليه باعتبار أن له مالا، و يحتمل العدم باعتبار استحقاق صرف ثلثه في وجوه البر عنه، فهو كالوصية به لمصرف خاص في كونه مستحقا، فلا مال له حينئذ، و لعله لذا قال في القواعد: «إن المريض معسر فيما زاد على الثلث و الميت معسر مطلقا» فلاحظ و تأمل.

نعم لو أوصى بعتق النصيب و التكميل صح مع أنه قال في التحرير و هل يحتمل في الأخير رضا الشريك؟ إشكال» و هو في محله، و الله العالم.

و كيف كان ف الاعتبار بقيمة الموصى به بعد الوفاة بلا خلاف أجده فيه، لأنها هي محل نفوذ العتق و وقت خروجه عن الوارث و انتقال التركة إليه، فيعتبر وصول مثله إليه. و من هنا صرح الشيخ و أبو علي و غيرهما ب أن الاعتبار بقيمة المنجز عند الإعتاق الذي هو وقت خروجه عن ملكه، فيعتبر في نفوذه بقاء مقدار ضعفه للوارث، خلافا للفاضل في أحد قوليه، فجعل المنجز كالمؤخر في اعتبار القيمة عند الموت إن نقصت قيمة المنجز لأنه لو بقي عبدا نقص على الوارث أيضا، فلم يتضرر بالتنجيز بشي ء، نعم لو زادت قيمته كانت بمنزلة الكسب، فلا يحسب منها تركة ما قابل الجزء المعتق بخلاف ما قابل الجزء الرق.

و على كل حال ف الاعتبار في قيمة التركة بأقل الأمرين من حين الوفاة إلى حين القبض، لأن التالف بعد الوفاة قبل القبض غير معتبر في الاحتساب على الوارث.

و أما الزيادة (11) و هي مملوكة للوارث (12) باعتبار أنها نماء ملكه، لانتقال التركة إليه، و حينئذ فلو زادت قيمة المعتق عند الوفاة فإن خلف ضعف قيمته الأولى فصاعدا أعتق كله، لأن الزيادة في الحرية غير محسوبة من التركة، و إن نقص ماله أو لم يخلف سواه فعلى ما سمعته من الفاضل حسب نصيب الرقية من التركة، فتكثر، فيقل العتق، فيكثر الرق، فتزيد التركة، فيكثر العتق، و ذلك دوري.

ج 34، ص: 172

و حينئذ فطريق استخراج مقدار المعتق بأن يقال: لو كانت قيمته عشرة مثلا وقت العتق فصارت عند الوفاة إلى عشرين و لم يخلف سواه عتق منه شي ء، و له من زيادة القيمة شي ء، و للورثة شيئان بإزاء المعتق، لما عرفت من استحقاق الوارث الضعف، فيكون العبد بتقدير أربعة أشياء، فيعتق منه حينئذ نصفه الذي هو الان يساوي عشرة، و قد كان يساوي خمسين، و للورثة نصفه الذي يساوي عشرة، و هو ضعف ما عتق منه.

و لو كانت قيمته مأة وقت العتق و ثلاثة مأة عند الوفاة أيضا قيل أيضا عتق منه شي ء، و له من زيادة القيمة شيئان، لأنها ضعف الأولى، و للورثة شيئان ضعف ما عتق منه، فيكون العبد بتقدير خمسة أشياء، ثلاثة له، و اثنان للورثة، فيعتق منه ما يقابل مأة و ثمانين، و يبقى منه للورثة ما يقابل مأة عشرين.

و لو صارت قيمته مأتين و خلف السيد مأة غيره قيل عتق منه شي ء، و له من نفسه باعتبار زيادة القيمة شي ء آخر، و للوارث منه و من المأتين شيئان بإزاء ما انعتق، فالمجموع في تقدير أربعة أشياء، شيئان للعبد من نفسه، و شيئان للورثة، و الشي ء خمسة و سبعون، فيعتق منه ثلاثة أرباعه، و يسلم المأة و الربع الآخر للورثة.

و لو بلغت قيمته ثلاثمائة و خلف مأة قيل أيضا: عتق منه شي ء، و تبعه من نفسه باعتبار زيادة القيمة شيئان، و للورثة من نفسه و باقي التركة شيئان بإزاء ما انعتق، فالمجموع في تقدير خمسة أشياء ثلاثة من نفسه، و هي أربعة أخماس نفسه، و للورثة اثنان من نفسه و باقي التركة، فيعتق منه أربعة أخماس، و هي مأتان و أربعون، و يسترق الورثة منه ستين، و يدفع لهم المأة، فيكمل لهم مأة و ستون ضعف ما انعتق منه.

و لو أعتق و قيمته مأة ثم بلغت عند الموت ألفا قيل: عتق منه شي ء، و تبعه تسعة أشياء، و للورثة شيئان بإزاء ما عتق، فالعبد في تقدير اثنى عشر شيئا، للورثة سدسه، فيعتق خمسة أسداسه، و هكذا باقي ما يفرض، هذا كله على ما سمعته من

ج 34، ص: 173

الفاضل. أما على ما سمعته من المصنف و غيره فلا عبرة بالزيادة أصلا.

نعم لو نقصت قيمته عند الوفاة كما لو عادت إلى خمسة بعد أن كانت عشرة قال الفاضل: لزم الدور أيضا، لأن التركة معتبرة بالوفاة، فلا يحصل للوارث ضعف ما عتق، لأن المعتق منه ثلثه، و هو يساوي ثلاثة و ثلثا، فيجب أن يكون لهم ضعفها عند الوفاة، و هو متعذر، فينقص العتق عن الثلث، و كلما فرض عتق كان للوارث ضعفه، فيكثر نصيب الوارث بقلة المعتق، و يكثر المعتق بكثرة النصيب، فيقل النصيب و هكذا.

و التخلص منه باستخراج قدر المعتق بأن يقال: عتق منه شي ء عاد إلى نصف شي ء، فيبقى العبد في تقدير خمسة إلا نصف شي ء تعدل ضعف ما عتق، فيكون الخمسة إلا نصف شي ء يعدل شيئين، فإذا أجبرت بنصف شي ء و قوبلت بالنصف الناقص كانت خمسة كاملة تعدل شيئين و نصفا، فالشي ء اثنان، و قد عاد إلى نصف شي ء، فيكون واحدا، و ذلك خمس العبد الان، و قد كان قيمته وقت العتق اثنين، و قد بقي للورثة أربعة أخماسه، و ذلك يساوي الأربعة الآن، و هو ضعف قيمة الجزء المعتق من يوم الإعتاق، و لا دور على قول الفاضل في الفرض، لعدم تغير الحكم عنده لو لم يكن له مال سواه، و إن كان له مال غيره اعتبر ضعف قيمته الان.

و لو كان قيمته يوم الإعتاق مأة ثم رجعت إلى خمسين عند الوفاة و قد خلف مأة أخرى غيره فعلي قول الفاضل ينعتق جميعه، لأنه الان ثلث التركة، و على قوليهما يقال: عتق منه شي ء رجع إلى نصف شي ء بقي منه خمسون إلا نصف شي ء و يكون للورثة المأة و خمسون إلا نصف شي ء: تعدل شيئين، و بعد الجبر و المقابلة يكون مأة و خمسين: تعدل شيئين و نصفا، فالشي ء ستون، فينعتق منه ثلاثة أخماس، و هي الآن ثلاثون، و للورثة مأة و عشرون ضعف ما عتق منه أولا.

و لو أعتق ثلاثة أعبد لا مال له سواهم، قيمة كل واحد مأة فعادت قيمة أحدهم إلى خمسين، فان خرجت القرعة للذي انتقص قيمته عتق، و يعتق ثلث الآخر بالقرعة

ج 34، ص: 174

عند الفاضل؛ و على قول غيره لا يعتق من الآخر شي ء، لأنه قد كان قيمته يوم الإعتاق مأة، و ينبغي أن يبقى للورثة ضعفها، و ان خرجت لأحد الآخرين فعلي قول الفاضل و غيره ينعتق منه خمسة أسداسه، و قيمتها ثلاثة و ثمانون و ثلث، و يبقى للورثة سدسه و الآخران، و جملة قيمتها مأة و ستة و ستون و ثلثان، و هي ضعف ما عتق، لأن المحسوب على الورثة الباقي بعد النقصان، و هي مأتان و خمسون.

و لو أعتق عبدين لا مال له سواهما قيمة كل واحد مأة ثم عادت قيمة أحدهما إلى خمسين، فان خرجت القرعة للذي لم تنقص قيمته عتق نصفه و بقي للورثة نصفه و الآخر، و هما ضعف ما عتق عند الفاضل و غيره، و إن خرجت للذي انتقص عتق كله على قول الفاضل، و على قول غيره يقع الدور، لأنه يحتاج إلى إعتاق بعضه معتبرا بيوم الإعتاق و إلى إبقاء بعضه للورثة معتبرا بيوم الموت.

و طريقه أن يقال: عتق منه شي ء و عاد إلى نصفه، فيبقى للورثة مأة و خمسون إلا نصف شي ء بقدر ضعف ما عتق، و هو شيئان، فإذا جبرت و قابلت صار مأة و خمسون تعدل شيئين و نصفا، و الشي ء ستون، فعرف أن المعتق من العبد يوم الإعتاق ستون، و دعا هذا المبلغ إلى ثلاثين، فيبقى للورثة خمسا هذا العبد و هو عشرون، و العبد الآخر و هو مأة و ذلك ضعف ما عتق أولا إلى غير ذلك من الصور المتصورة التي تنطبق على القاعدتين المزبورتين.

و يمكن استخراج كثير من هذه الصور على حسب ما عرفت بطريق آخر، و هو أن يؤخذ ثلث القيمة الناقصة و يقسم ثلثا القيمة الزائدة على مقداره، ثم تنظر نسبة الثلث إلى ذلك، فان كان ربما قيل: عتق ربعه، و إن كان خمسا قيل: عتق خمسه، و هكذا. و هو متحد في النتيجة.

و أسهل منه طريق آخر أيضا موافق في النتيجة أيضا، و هو أن تنظر نسبة القيمة الناقصة إلى الأولى، فيكون خمسا أو سدسا أو غير ذلك، فيلحظ مخرج الخمس أو السدس مثلا و يضاعف بمثله، ثم يزيد عليه واحدا و يحكم بأنه عتق منه ما يقتضيه نسبة ذلك الواحد إلى ما ضم إليها، فلاحظ و تدبر.

ج 34، ص: 175

و على كل حال فالأصل في هذه المسألة هو ما حكاه الفاضل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال: «لو كان العتق في المرض ثم تغيرت حالهم بزيادة و نقصان كان التقويم يوم العتق في الحكم، و إن كن مدبرات أو بوصية كان يوم يموت، لأن في ذلك وقع العتق، و لو كن حبالي قومن حبالي، و أيتهن عتقت تبعها ولدها، لأنه جزء منها وقت وقوع العتق- ثم قال هو-: و الوجه التسوية بين العتق المنجز و المؤخر كالتدبير و الوصية في أن الاعتبار بالقيمة وقت الوفاة إن نقصت قيمة المنجز، لأنه لو بقي عبدا لم يتحفظ على الورثة سوى قيمته الناقصة، فلم يتلف عليهم أكثر منها و أما إن زادت القيمة كانت بمنزلة الكسب، للعلم بعتق شي ء من وقت الإعتاق فإن زادت قيمة المعتق لم يحسب من التركة و لا عليه، و أما الرق فيحسب زيادته منها و يدخلها الدور إن لم يخلف شيئا سواه أو خلف أقل من ضعف القيمة الاولى» ثم أخذ في طريق استخراج الجزء المعتق بالطريق الذي سمعت أمثلته.

ثم حكى عن الشيخ في مبسوطة في مقام آخر أنه قال: «قيمة من أعتق في مرضه تعتبر حين الإعتاق، لأنه وقت الإتلاف، و قيمة من أوصى بعتقه تعتبر حين الوفاة، لأنه وقت استحقاق العتق، و هذا يوافق قول ابن الجنيد الذي نقلناه أولا و بينا الوجه في ذلك، و الأصل في هذه المسألة أن تقول: إن العبد إذا أعتقه مولاه المريض و لا شي ء سواه ثم مات قبله هل يكون كله حرا أو كله رقا أو يعتق ثلثه؟

وجوه ثلاثة، فإن قلنا إنه يتحرر كله فالوجه ما قدمناه أولا حين نقلنا كلام ابن الجنيد في هذه المسألة، و إن قلنا بالثاني جاء ما قاله الشيخ و ابن الجنيد و طريق استخراج معرفة القدر المعتق منه على قولهما- ثم ذكر الأمثلة السابقة إلى أن قال-: و إنما طولنا في مثل هذه المسائل في هذا الكتاب و كثرنا الأمثلة لخلو كتب علمائنا عنها، و بكثرة الشواهد يحصل التمهر فيما يرد على الفقيه في هذا الباب» و كل من تأخر عنه كالشهيد الأول و الثاني و الصيمري اقتصر على نقل كلامه أو أكثره من غير زيادة و لا نقيصة و لا تغيير و لا تبديل حتى في المثال.

ج 34، ص: 176

و لكن قد يناقش (أولا) بأنه لا يظهر وجه تفريع قول الشيخ على القول بموت العبد رقا الذي هو أحد الوجوه الثلاثة كما لا يظهر الوجه في بناء كلامه بتمامه على موته حرا، نعم هو كذلك بالنسبة إلى عدم احتساب النقيصة.

و (ثانيا) بأن ما اعتبره من دعوى زيادة القيمة من التركة لا يرجع إلى محصل ضرورة كونها أمرا اعتباريا و العبرة بذي القيمة، و الفرض وجوده و ملك الوارث ضعفي ما انعتق منه مع فرض عدم وجود غيره، فزيادة القيمة حينئذ إنما هي نماء ملك الوارث، و في مقابلة الجزء الحر، و كل منهما ليس من تركة الميت، كما هو واضح. خصوصا بعد ملاحظة كون المقام مثل باقي صور الشركة بعد أن جعل الشارع ثلثا للميت و ثلثين للوارث في نفس العين، و قد استفاضت النصوص (1)

و الفتاوى أن من لم يكن عنده إلا عبد و قد نجز عتقه لا ينفذ إلا في ثلث العبد مع عدم إجازة الوارث سواء زادت قيمته عن وقت التنجيز أو نقصت، بل لا يكاد يظهر خلاف منهم في ذلك أو إشكال.

و منه يظهر الاشكال فيما ذكره في كلام الشيخ و ابن الجنيد من دعوى كونه مع النقصان يكون على كلامهم من المسائل الدورية المحتاجة إلى استعمال قواعد الحساب المعدة لاستخراج المجهول، نعم مقصودهم بقولهم: «المعتبر القيمة في المنجز وقت التنجيز» إنما هو لو كان عنده مال غير ما نجزه و أردنا إخراج ضعفيه للوارث حتى يكون ما نجزه ثلثا له لاحظنا القيمة وقت التنجيز، و أخرجنا من المال ما يقابلها، لأن ذلك الوقت هو وقت التلف، و النقصان الطاري لا يحسب على الوارث، أما إذا لم يكن له مال غير ما نجزه فليس للوارث إلا ثلثاه، كما ليس للميت إلا ثلثه زاد أو نقص، نعم لو فرض أن له مالا آخر لا تحصل به مقابلته أعتق من العبد زيادة على ثلثه بمقدار ما يسعه ذلك المال على حسب القيمة وقت


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الوصايا الحديث 3 و 4 و 6 و الباب- 39 و 67- منه.

ج 34، ص: 177

التنجيز، و بقي الباقي من العبد رقا، و ما أدرى ما الذي دعاه رحمه الله إلى التزام ما ذكره في كلام ابن الجنيد في صورة النقيصة؟ كما أنه ما أدرى ما الذي دعاه إلى التزام ما ذكره في صورة الزيادة؟!.

و لعل المقام أشبه شي ء بما التزمه البهائي ره في الوجه بالدائرة البركالية لما كان

في رواية (1)

«ما دارت عليه الإبهام و الوسطى»

و من كان له انس بعلم الهيئة انساق إلى ذهنه ذلك؛ و لم يفسر دارت بما حوت الذي هو المراد.

و من الغريب أن من تأخر عن العلامة اقتصر على نقل كلامه و لم يناقشه في شي ء، و لعله لذا فرض المسألة في القواعد فيما إذا كان النقصان بسبب التشقيص، أي إذا كان له عبد مثلا لا غير قيمته ثلاثون، و بإعتاقه الذي لا ينفذ إلا في ثلثه ينقص إلى عشرة مثلا، مع أنه قال فيها: على إشكال ينشأ من أنه كالإتلاف و نقص السوق و تفويت مال له، فلا يبطل تصرفه في ثلثه، و من وجود المقتضى لبطلان العتق فيما زاد على الثلث فيه، فلو كانت قيمته ثلاثين و رجع بالتشقيص كل جزء إلى ثلث قيمته، ثم كسب ثلثين قبل الموت فعلى الثاني أي البطلان لولا الكسب يصح العتق في شي ء، و له من كسبه ثلاثة أشياء و للورثة ستة أشياء لأن المعتق منه في تقدير ثلاثة أشياء من قيمته الأولى، لأن العبد يحسب عليه نقصان الجزء، لأنه لمنفعته، فكان كالواصل إليه، و لا يحسب على الورثة نقصان جزئهم، لعدم وصوله إليهم، فالعبد و كسبه في تقدير عشرة أشياء، فالشي ء أربعة، و يحتمل أن يقال: عتق منه شي ء و له من كسبه شي ء، و للورثة ستة أشياء، فالعبد و كسبه في تقدير ثمانية أشياء، فالشي ء خمسة، لأنه يؤخذ من حصته من الكسب ما فوت على الورثة من نصيبهم بالتشقيص و هو شيئان، و ينبغي أن يكون للورثة من نفسه و ضمان التفويت و كسبه مثلا ما انعتق خاصة، و هو كذلك هنا لأنه قد انعتق منه خمسة- و هي في تقدير خمسة عشر- و فوت عليهم عشرة من نصيبهم من رقبته، فحصل لهم خمسة من نفسه، و خمسة عشرة من كسبه، و عشرة مما فوت إلى آخر ما أطنب فيه في القواعد، فلاحظ


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوضوء الحديث 1.

ج 34، ص: 178

و تأمل و الله الهادي المؤيد و المسدد.

بقي شي ء و هو أن ظاهر المتن و غيره بل هو صريح بعض أن الاعتبار بقيمة الموصى به وقت الوفاة و إن تأخر تنفيذ الوصية عنها، كما لو فرض أنه أوصى بالعتق و تأخر إيقاعه عنها.

و قد يقال: إن المتجه فيه اعتبار القيمة وقت التنفيذ لا وقت الوفاة و إن استحق التنفيذ بها لكن المفروض عدم حصوله، فلا يحسب عليه ما قبله إذا فرض زيادة قيمته بالنسبة إلى وقت التنفيذ، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو أعتق الحامل تحرر الحمل و لو استثنى رقه على رواية السكوني (1) عن أبي جعفر

عن أبيه عليهما السلام «في رجل أعتق أمته و هي حبلى فاستثنى ما في بطنها قال: الأمة حرة و ما في بطنها حر، لأن ما في بطنها منها»

المؤيد ب

صحيح الوشاء (2) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «سألته عن رجل دبر جارية و هي حبلى فقال: إن كان علم بحالها فان ما في بطنها بمنزلتها، و إن كان لم يعلم فان ما في بطنها رق»

و قد عمل بها الشيخ و بنو زهرة و البراج و سعيد.

و لكن قال المصنف رحمه الله و فيه إشكال منشأه عدم القصد إلى عتقه و يدفعه أنه بعد العمل بالخبر المزبور يكون كالسراية التي لا تحتاج إلى قصد، بل يتحقق مع قصد العدم و دعوى كونها في الأشقاص لا في الأشخاص كالاجتهاد في مقابلة النص.

نعم قد يقال: بعدم صلاحية الرواية للعمل، لضعفها و عدم الجابر و موافقتها للعامة، و أما الصحيح فهو معارض

بالموثق (3) عن أبي الحسن الأول عليه السلام «سألته عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة، فلم تدري المرأة


1- 1 الوسائل- الباب- 69- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 3 من كتاب التدبير و المكاتبة.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 2 من كتاب التدبير و المكاتبة.

ج 34، ص: 179

حال المولودة هي مدبرة أو غير مدبرة؟ فقال لي: متى كان الحمل بالمدبرة؟

أقبل أن دبرت أو بعد ما دبرت؟ فقلت: لست أدري، أجبني فيهما جميعا فقال:

إن كانت المرأة دبرت و بها حمل و لم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة و الولد رق، و إن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر بتدبير أمه»

المعتضد بالشهرة و الأصول و القواعد و غيرها، و من هنا ينقدح ضعف العمل بالرواية الأولى زيادة على ما عرفت.

و لو أعتق بعض الحامل و قلنا بتبعية الحمل أو أدخله في العتق و تأخر الأداء حتى وضعت بنى على ما مر، فعلى اعتبار الأداء يلتزم بقيمة نصيب الشريك من الحمل منفصلا يوم الأداء، و على الآخر تقوم حبلى، و الله العالم.

[تفريع إذا ادعى كل واحد من الشريكين على صاحبه عتق نصيبه كان على كل واحد منهما اليمين لصاحبه]

تفريع:

إذا ادعى كل واحد من الشريكين الموسرين مثلا على صاحبه عتق نصيبه كان على كل واحد منهما اليمين لصاحبه ثم يستقر رق نصيبهما إن قلنا إنه ينعتق بالأداء و لو على جهة الكشف، و إن قلنا إنه ينعتق بالإعتاق عتق من غير أن يحلفا أخذا لها بإقرارهما، بل في استسعاء العبد هنا نظر، من اعتراف كل منهما باستحقاق قيمة نصيبه من الآخر لا من العبد، و تعذر الأخذ منه لا ينزله منزلة الإعسار و إن اختاره في كشف اللثام، لكنه كما ترى، و لو كان المدعى أحدهما فقد عرفت الكلام فيه سابقا.

و لو كانا معسرين عدلين ففي القواعد «فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما و يصير حرا، أو يحلف مع أحدهما و يصير نصفه حرا، و إن كان أحدهما عدلا خاصة كان له أن يحلف معه و لعل اقتصاره في ذلك على المعسرين للتهمة باعتبار القيمة في الموسرين، فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر.

ج 34، ص: 180

و فيه أنه يمكن جريانها باختصاص السعي به دون الآخر أيضا، بل بذلك توجهت دعوى أحدهما على الآخر، و إلا فلا معنى لدعوى انسان على آخر أنه أعتق عبده، و إنما ذلك من وظيفة العبد، كل ذلك بعد مشروعية اليمين من العبد هنا مع الشاهد باعتبار كونه لدفع السعي عن نفسه و إن قلنا بعدم ثبوت العتق إلا بشاهدين.

مع أنه قد يناقش بأن دفع السعي عن نفسه للشريكين فرع ثبوت العتق منهما، و الفرض عدم ثبوته إلا بالشاهدين، و لا يمكن القول هنا بنفي السعي عنه بذلك و إن لم يثبت العتق نحو ما قيل في دعوى السرقة بالنسبة إلى ضمان المال دون الحد، ضرورة إمكان الانفكاك فيه بخلاف المقام، على أنه لا يتم في صورة عدالة أحدهما، إذ الحلف على دعواه عتق شريكه يوجب السعي للمدعي لا نفيه عنه (1) كما هو واضح.

هذا و في المسالك في الصورة الأولى بعد أن حلف المدعي اليمين المردودة قال:

«ثم لو شهد هذا المدعي مع آخر ثبت العتق بشهادة الحسبة» و فيه إمكان منع القبول و إن كان هو قد استحق القيمة بيمينه، فلا تهمة من هذه الجهة إلا أنه هو مدع فيما شهد به كما في الشركاء المدعين فتأمل.

و كيف كان ففي صورة التداعي معسرين يخرج نصيب كل منهما بإقراره عن استقرار يده، و يسعى العبد في قيمته لهما بناء على ما عرفت من كون السعي بجميع الكسب لا خصوص الجزء الحر و إلا فلا يمكنه السعي هنا فإن كلا منهما يأخذ من كسبه ما قابل نصيبه لإنكاره العتق فيه، فلا يحصل منه ما ينفك به.

و لو اشترى أحدهما بعد دعوى العتق على جهة الفداء نصيب صاحبه عتق عليه ذلك، لإقراره، و لم يسر إلى النصف الذي كان له، و لا يثبت له عليه ولاء بإزاء هذا الجزء، لأنه لم يصدر عتقه عنه، فان مات و لم يكن له وارث سواه قيل كان ماله مجهول المالك، فإن البائع يقول: إنه للمشترى، لكونه عبده، و المشتري يقول:

إنه للبائع بالولاء و لكن للمشتري أن يأخذ منه بقدر ما أداه من الثمن، فإنه يدعى


1- 1 و في النسخة الأصلية المسودة و المبيضة «لا ينفيه عنه».

ج 34، ص: 181

أن البائع إنما أخذ ظلما، و قد ظفر له بمال.

و فيه (أولا) أنه يجب عليه دسه في ماله لعلمه بكونه له و (ثانيا) أنه لا ظلم من البائع بعد أن بذل هو الثمن له و أباحه له، فلا وجه لمقاصته فيه.

و لو أكذب نفسه في شهادته على شريكه بالعتق ليسترق ما اشترى منه لم يقبل، لأنه إنكار بعد إقرار.

و أما الولاء لو أعتقه ففي القواعد احتمال أنه له باعتبار أن على العبد ولاء شريكه لا يدعيه سواه، فيثبت له كما في كل مال يدعيه من لا منازع له و إن تضمنت شهادته أولا بإعتاق شريكه بطلان الولاء له في نصيب الشريك، لكنه كما ترى ضرورة أنه ليس هو المعتق لهذا الجزء باعترافه أولا فهو لا يدعى ولاء إلا بعد أن أقر بانتفائه عنه، فلا يسمع، و لعله لذا استقرب بعد ذلك انتفاء الولاء عنه، لكن قال: نعم يثبت له المال لاعتراف البائع له بالاستحقاق، أي و مع ذلك هو يدعيه، و لا يضر شهادته السابقة المتضمنة لانتفاء المال عنه، فإنه لم يكن حين الشهادة مال نفسه، و حين حصول المال لا ينفيه و لا منازع، فهو حينئذ كمن أقر بما في يده لاخر فأنكره ثم رجع و ادعاه، و حينئذ لو مات المشتري قبل العبد ثم مات العبد ورث العبد وارث المال: من الزوجة و غيرها، لا وارث الولاء، إلا أنه لا يخلو من نظر و إن افترق المال و الولاء بالإقرار و عدمه، لكن هذا المال لا طريق إلى تملكه إلا الإرث بالولاء الذي قد فرض عدم ثبوته له فتأمل.

و لو أكذب البائع نفسه فأقر بعتق نصيبه بعد إكذاب المشتري نفسه قدم قول البائع و إن كان مدعيا لفساد العقد، لتصادفهما حينئذ على الفساد بعد إلغاء إكذاب المشتري، لكن لا ولاء له أخذا بإقراره الأول، و هل له المال؟ يحتمل لأنه يدعيه من صدقه المشتري حيث ادعى عليه العتق، و لا يسمع إكذابه نفسه ثانيا، و العدم لأنه بالبيع الذي فعله إقرار بأن المال ليس له، فلا يسمع إكذاب نفسه ثانيا، و لعله الأقوى.

ج 34، ص: 182

و لو اشترى كل منهما نصيب صاحبه عتق أجمع باعترافهما، و لا ولاء لأحدهما عليه لاقرارهما، فإن أعتق كل منهما ما اشتراه ثم أكذب نفسه في شهادته ففي القواعد ثبت الولاء، و فيه نظر، و كذا في قوله: و لو أقر كل منهما بأنه كان قد أعتق و صدق الآخر في شهادته بطل البيعان، و لكل منهما الولاء على نصيبه فتأمل.

و لو كان أحدهما معسرا و الآخر موسرا عتق نصيب المعسر خاصة إن قلنا بتعجيل السراية، لاتفاقهما عليه بالمباشرة أو بالسراية، و إلا فنصيبه رق، لعدم الأداء، أما نصيب الموسر فلا يعتق مطلقا، لإنكاره المباشرة و عدم السراية بدعوى المعسر و لا تقبل شهادته عليه، لأنه يجر إلى نفسه نفعا و حينئذ فيحلف و يبرأ من القيمة و العتق، و لا ولاء لأحدهما في نصيب المعسر و لو أقام العبد شاهدا حلف معه و عتق نصيب الموسر بناء على الاجتزاء بالشاهد و اليمين فيه.

و لو أعتق المعسر من الثلاثة نصيبه تحرر و استقر رق الآخرين إن لم نقل بالسعي، فإن أعتق الثاني نصيبه و كان موسرا سرى في حصة الثالث و كان ثلثا الولاء للثاني.

و كيف كان فقد ظهر لك من جميع ما قدمناه أنه يعتبر في السراية زيادة على كون المعتق بالغا جائز التصرف كون العتق باختياره، كما أشار إليه المصنف في مسألة من ورث شقصا و لم يذكر المصنف غير ذلك لكن في القواعد اعتبر شروطا أربعة: «الأول أن يكون موسرا، الثاني أن يعتق باختياره، الثالث أن لا يتعلق بمحل السراية حق لازم كالوقف- قال- و الأقرب السراية في الرهن و الكتابة و الاستيلاد و التدبير، الرابع تمكن المعتق من نصيبه أولا، فلو أعتق نصيب شريكه كان باطلا، و لو أعتق نصف العبد انصرف إلى نصيبه و لزم التقويم، و لو أعتق الجميع صح و لزمه القيمة».

و فيه أن الأول ليس شرطا للسراية، لما سمعت من حصولها مع الإعسار و استسعاء العبد، و مرجع الرابع إلى عتق الشقص المملوك له و لو بعتق العبد أجمع

ج 34، ص: 183

و أما الثالث فقد قيل في وجهه أنه ملك لله، فيمنع من البيع فلا يصح التقويم و الشراء، و فيه أنه لا يتم على القول بانتقال الوقف إلى الموقوف عليه، و حينئذ يتجه السراية لعموم الأخبار (1) خصوصا بعد ثبوت بيع الوقف في موارد، فلعله منها، و لأنه انعتاق قهري فيكون كما لو عمي أو جذم، و خصوصا أيضا بعد ما قيل في وجه الأقرب من أنه لا يمنع شي ء منها، و لأن الملك أقوى منها، فإذا لم يمنع من السراية فهي أولى، و لتغليب الحرية، اللهم إلا أن يناقش في الأخير بأنها على خلاف الأصل، و بأنها حقوق لازمة مانعة من البيع، فتمنع من التقويم و لا أقل من الشك، و الأصل عدم السراية، و منه ينقدح الشك فيها في الأول حتى على القول بالانتقال، و لكن الأول لا يخلو من قوة.

و في الدروس يشترط في السراية أن لا يتعلق بالشقص حق لازم كالوقف و الكتابة و الاستيلاد ترجيحا لأسبق الحقين، و قيل بالسراية للعموم، و السراية إلى الرهن أقوى، و أقوى منه التدبير، و أقوى منهما الوصية بعتق الشقص، و الله العالم.

و إذا دفع المعتق قيمة نصيب شريكه و قلنا بتوقف العتق على الأداء و إلا فعلي التعجيل أو الكشف يحصل العتق بالصيغة هل ينعتق عند الدفع أو بعده؟ فيه تردد، و الأشبه عند الشيخ أنه بعد الدفع ليقع العتق عن ملك و لكن لو قيل بالاقتران كان حسنا كما سمعته في عتق المأمور، لظهور الأدلة في انعتاقه بمجرد الأداء، فجمع بينه و بين ما دل (2) على أنه

«لا عتق إلا في ملك»

بذلك، و يكون الترتيب بينهما حينئذ ذاتيا لا زمانيا، نحو ما سمعته في شراء القريب و انعتاقه عليه، بل قد يقال: لا داعي هنا إلى ذلك بعد ظهور


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب العتق الحديث 2 و فيه «لا عتق الا بعد ملك».

ج 34، ص: 184

الأدلة بالانعتاق بالأداء الذي هو من المولى كالكسب من العبد، و لا دليل على اعتبار الدخول في الملك في ثبوت الولاء له، إذ يمكن القول بالاكتفاء بذلك في ثبوته له.

و على كل حال فلا إشكال في عدم احتياج العتق هنا إلى صيغة و إن أوهمه بعض النصوص (1)

السابقة التي عبر بمضمونها بعض القدماء. و من ذلك أشكل الحال على بعض الأفاضل، لكنه في غير محله، ضرورة معلومية الحكم المقتضية لتنزيل ما في النصوص المزبورة على إرادة العتق بالأداء، كما أشرنا إليه سابقا.

ثم إن الظاهر تبعض الحرية بتبعض القيمة كما في السعي، لكن هل للمولى الامتناع من قبض البعض؟ يحتمل ذلك، بل قد يحتمل عدم انعتاق البعض لو فرض إعساره عن الجميع و إن كان الأقوى خلافه، و الله العالم.

و إن شهد بعض الورثة على مورثهم بعتق مملوك لهم مضى العتق في نصيبه بلا إشكال و لا خلاف، فإن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز أو كونه بصورة الشهادة (2) لا ينافي كونه إقرارا أيضا.

كما أنه لا إشكال و لا خلاف في أنه إن شهد آخر معه و كانا مرضيين للشهادة نفذ العتق فيه كله لعموم حجية البينة و إلا يكونا مرضيين مضى العتق في نصيبهما للإقرار و لا يكلف أحدهما شراء الباقي لعدم كونه معتقا، لكن يستسعى المملوك، ل

صحيح محمد بن مسلم (3) عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن رجل ترك مملوكا بين نفر فشهد أحدهم أن الميت أعتقه، قال: إن كان الشاهد مرضيا لم يضمن، و جازت شهادته، و استسعى العبد فيما كان للورثة»

و نحوه

خبر منصور (4) عن الصادق عليه السلام قال «سألته عن رجل هلك


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 2 و 3.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة. و في المسودة «و كونه بصورة الشهادة.» و هو الصحيح.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من كتاب العتق الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 52- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 34، ص: 185

و ترك غلاما فشهد بعض ورثته أنه حر، قال: إن كان الشاهد مرضيا جازت شهادته، و يستسعى فيما كان لغيره من الورثة».

و عن الصدوق و ابن الجنيد العمل بهما، بل عن الشيخ في النهاية استسعاء العبد في الباقي و إن لم يكن مرضيا، و في المختلف الوجه مضى الإقرار في حق المقر سواء كان مرضيا أو لا، و لا يجب السعاية، ثم احتمل كون وجه التفصيل بين المرضي و غيره بالنسبة إلى السعي أن عدالته تنفي التهمة في تطرق الكذب عليه، فيمضي الإقرار في حقه خاصة، و أما في حق الشركاء فيستسعى العبد، كمن أعتق حصته من عبد و لم يقصد الإضرار مع إعساره، و أما إذا لم يكن الشاهد مرضيا فإنه لا يلتفت إلى قوله إلا في حقه خاصة، و لا يستسعى العبد، بل يبقى حصص الشركاء فيه على العبودية، و يحكم في حصته بالحرية، و لكن قال بعد ذلك: «و هذا عندي محمول على الاستحباب عملا بالرواية».

و فيه أنه لا داعي إلى حملها على ذلك مع عدم المعارض و جامعيتها لشرائط العمل، نعم لا وجه للتعدية عنها إلى وجوب السعي و إن لم يكن مرضيا بلا دليل، و يمكن أن يريد الفاضل عدم وجوب السعي على العبد، لما عرفت من أن ذلك راجع إلى اختياره، فلا يكون مخالفا، كما أنه يمكن دعوى أنه يستفاد من النص (1) و الفتوى تسلط العبد على الفك و لو بالسعي متى ثبت عتق شقصه و لو قهرا أو بإقرار بنفي الشريك فيه، فلاحظ و تأمل، فإنه لا يخلو من نظر أو منع، خصوصا بالنسبة إلى الأخير، بل و سابقيه بناء على اختصاص أم الولد بالدليل، و ربما يأتي مزيد تحقيق لذلك، و الله العالم. هذا كله في إزالة الرق بالسراية.

[الفصل الثالث في إزالة الرق بالملك]

اشارة

و أما إزالته ب الملك فإذا ملك الرجل أو المرأة اختيارا أو اضطرارا أحد الأبوين و إن علوا أو أحد الأولاد ذكرانا و إناثا أو خناثا و إن نزلوا انعتق في الحال بلا خلاف أجده فيه نصا (2) و فتوى، بل الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب العتق.
2- 2 الوسائل- الباب- 7 و 9- من كتاب العتق.

ج 34، ص: 186

بقسميه عليه.

و كذا لو ملك الرجل إحدى المحرمات عليه نسبا كالعمة و الخالة و بنت الأخ و بنت الأخت. نعم لا ينعتق على المرأة سوى العمودين أي الإباء و إن علوا و الأولاد و إن نزلوا بالاتفاق كما في كشف اللثام، إلا في الزوج ففيه خلاف، قلت: في المقنعة إلحاق الأخ و العم و الخال بالعمودين، لكنه شاذ، بل النص و الفتوى على خلافه.

و لو ملك الرجل أو المرأة من جهة الرضاع من ينعتق عليه أو عليها بالنسب هل ينعتق عليه و عليها؟ فيه روايتان (1) و قولان أشهرهما رواية و فتوى العتق كما تقدم ذلك كله و غيره مفصلا في بيع الحيوان (2)، فلاحظ و تدبر.

و كذا تقدم فيه (3) و في كتاب الكفارات (4) و في هذا الكتاب أنه يثبت العتق حين يتحقق الملك (11) لا بعده آنا، كما عن المبسوط، و لا أنه لا ملك، كما عن بعض و إن أوهمه بعض النصوص (5)

النافية له المحمول على إرادة المستقر.

بل و (12) تقدم أيضا أن من ينعتق كله بالملك ينعتق بعضه بملك ذلك البعض (13) لإطلاق الأدلة و (14) أنه إذا ملك (15) اختيارا شقصا ممن ينعتق عليه لم يقوم عليه إن كان معسرا (16) ضرورة عدم زيادته على عتق ذلك مباشرة و كذا لو ملكه بغير اختياره (17) و إن كان موسرا، خلافا لما سمعته من الشيخ في الخلاف. و (18) قد


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من كتاب العتق.
2- 2 راجع ج 24 ص 141- 146.
3- 3 راجع ج 24 ص 141.
4- 4 راجع ج 33 ص 243- 244.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من كتاب العتق الحديث 2 و 3 و 5.

ج 34، ص: 187

عرفت ضعفه، نعم لو ملكه اختيارا و كان موسرا قال الشيخ: يقوم عليه، و فيه تردد قد عرفت منشأه، و تحقيق الحال فيه و في غيره في كتاب الكفارات (1) فلاحظ، و الله العالم.

[فروع]
[الأول لو أوصى له ببعض ولده فمات بعد موت الموصى قبل القبول]

فرعان: بل فروع

الأول: لو أوصى له ببعض ولده فمات بعد موت الموصى قبل القبول فقبله أخوه له ملكه على الأصح، لكن في القواعد و شرحها للاصبهاني «سرى في باقيه على الميت إن خرج قيمة الباقي من الثلث، لإعساره فيما زاد عليه، و ذلك لتنزل قبوله منزلة قبول الموصى له، فكأنه قبل في الحياة، و قبوله كاشف عن ملكه حين مات الموصى» و فيه أن قبول الأخ يملكه لا الميت، كما تقدم تحقيقه في كتاب الوصايا.

و منه يعلم ما في قوله أيضا «و لو أوصى له ببعض ابن أخيه فمات و أخوه وارثه فقبله أخوه له لم يقوم الباقي على الأخ، لأن الملك يحصل للميت أولا، لقبول الوارث له ثم له بالإرث، فكأنه حصل له الملك بغير اختياره» إذ قد عرفت أن الذي يملك بالقبول الوارث لا الميت الذي خرج عن قابلية الملك، و الوارث إنما قام مقامه في استحقاق تملك الموصى به بالقبول للأدلة الدالة عليه، و لذا لا تتعلق به ديون الميت و لا وصاياه، بل لو قصد القبول للميت بطل، لعدم ما يدل على مشروعيته على وجه يترتب عليه الحكم المزبور، و على هذا فالمتجه في الفرض التقويم على الوارث.

بل في القواعد احتمال ذلك على الأول أيضا، لأنه في الحقيقة حصل باختياره و إن بعد بواسطة قال: «و كذا الاحتمال لو رجع إليه بعض قريبه الذي ينعتق عليه


1- 1 راجع ج 33 خصال الكفارات: الوصف الثالث.

ج 34، ص: 188

برد عوضه بالعيب» أي كما لو باع بعض أخيه بعين ثم مات البائع، و لم يخلف إلا ابن أخيه، ثم ظهر في العين عيب فرده، فرجع إليه البعض من أبيه، فيقوم عليه، لحصول الملك له باختياره بواسطة، و مقتضى ذكره ذلك احتمالا أن الأقوى شده خلافه، و لعله لما قيل من أنه إنما اختار رد العوض و الرجوع حصل بغير اختياره، لكنه كما ترى، ضرورة أن اختيار المسببات باختيار أسبابها.

[الثاني لو اشترى هو و أجنبي صفقة قريبه الذي ينعتق عليه عتق كله مع يساره]

الثاني:

لو اشترى هو و أجنبي صفقة قريبه الذي ينعتق عليه عتق كله مع يساره، من قيمة حصة شريكه.

[الثالث لو اشترى الزوج و الولد أمه صفقة و هي حامل ببنت سرى على الولد في الأم]

الثالث:

لو اشترى الزوج و الولد أمه صفقة و هي حامل ببنت سرى على الولد في الأم، قومت حصة الزوج منها على الابن، لأنها تنعتق عليه دونه، و عتقت البنت عليهما معا، لأنها بنت الزوج و أخت الابن، و ليس لأحدهما على الآخر شي ء من قيمتها، و كذا لو وهبت الأم لهما فقبلاها دفعة، و لو قبلها الابن أولا عتقت عليه هي و حملها و غرم قيمة الأم حاملا للواهب دون الزوج الذي لم يحصل له ملك بسبب التلف قبل قبوله و إن احتمل، لكنه واضح الضعف. و لو قبل الزوج أولا عتق عليه الولد كله و عليه قيمة نصفه للواهب، ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الأم كلها و يغرم نصف قيمتها للزوج، و الله العالم.

ج 34، ص: 189

[الرابع إذا أوصى لصبي أو مجنون بمن ينعتق عليه فللولي أن يقبل إن لم يتوجه به ضرر على المولى عليه]

الرابع:

إذا أوصى مثلا لصبي أو مجنون بمن ينعتق عليه فللولي أن يقبل إن لم يتوجه به ضرر على المولى عليه بإنفاق و نحوه، بل ربما احتمل الوجوب، و هو أحوط، فإن كان فيه ضرر لم يجز القبول، لأنه لا غبطة للمولى عليه، بل فيه فساد، و ذلك كالوصية بالمريض الفقير تفصيا من وجوب نفقته على المولى عليه، و حينئذ فلو قبل على هذا الحال كان القبول باطلا، نحو شراء الولي قريب الطفل الذي ينعتق عليه، لأنه إتلاف محض.

[الخامس إذا أوصى له ببعض من ينعتق عليه و كان معسرا جاز القبول]

الخامس: (1) إذا أوصى له ببعض من ينعتق عليه و كان معسرا جاز القبول أو وجب.

و لو كان المولى عليه موسرا قيل: لا يقبل، لأنه يلزمه افتكاكه و إن لم تجب نفقته، و الوجه عند المصنف و الأكثر على ما في المسالك القبول، إذ الأشبه أنه لا يقوم عليه لدخوله في ملكه بغير اختياره، و الأصل البراءة، و إن كان قد يناقش بأن اختيار المولى كاختياره، و لكن الأقوى عدم التقويم، و الله العالم.

[الفصل الرابع في إزالة الرق بالعوارض]

و أما زوال الرق ب العوارض فهي أمور: منها العمى و الجذام و الإقعاد (11) بلا خلاف أجده في شي ء منها، بل ظاهر غير واحد الإجماع عليه، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع صريحا في الأخير و الأول، ل

قول الصادق عليه السلام في


1- 1 و هو ثاني الفرعين من الشرائع.

ج 34، ص: 190

الصحيح (1): «إذا عمى المملوك عتق»

و في

خبر السكوني (2): «قال رسول الله صلى الله عليه و آله إذا عمى المملوك فلا رق عليه، و العبد إذا جذم فلا رق عليه»

و في

خبره الآخر (3) عنه أيضا عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «العبد الأعمى و الأجذم و المعتوه لا يجوز في الكفارات، لأن رسول الله صلى الله عليه و آله أعتقهم»

و في خبر أبي البختري (4) أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «لا يجوز في العتاق الأعمى و المقعد»

و عن ابن الجنيد

في حديث أهل البيت عليهم السلام (5)

«أن الرسول الله صلى الله عليه و آله قال: إذا عمى المملوك أو جذم فلا رق عليه»

و عن أمير المؤمنين عليه السلام (6)

«من أصابته زمانة في جوارحه و بدنه و من نكل به مولاه فهو حر لا سبيل عليه سائبة»

و قال أبو جعفر عليه السلام في خبر الجعفي (7): «إذا عمى المملوك أعتقه صاحبه، و لم يكن له أن يمسكه»

بل عن ابن حمزة إلحاق البرص بالجذام، و لم أقف له على دليل.

و منها إسلام المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه و خرج منها إلينا بلا خلاف أجده، بل عن صريح المختلف و ظاهر غيره الإجماع عليه، مضافا


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من كتاب العتق الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الكفارات الحديث 3 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من كتاب العتق الحديث 4.
5- 5 الظاهر أن ابن الجنيد قده اقتبس ذلك من رواية السكوني المتقدمة و المروية في الوسائل الباب- 23- من كتاب العتق الحديث 2.
6- 6 الظاهر أن ابن الجنيد قده اقتبس ذلك من رواية السكوني المتقدمة و المروية في الوسائل الباب- 27- من أبواب الكفارات الحديث 3 و رواية أبي بصير الاتية و المروية في الوسائل الباب- 22- من كتاب العتق الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 23- من كتاب العتق الحديث 6.

ج 34، ص: 191

إلى

الخبر (1)

«أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر و أي عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد»

بل عن ظاهر المبسوط و صريح الحلي- و إن كنا لم نتحقق الأخير- ذلك و إن لم يخرج، لآية نفي السبيل (2) خلافا للمشهور للأصل و ظاهر الخبر السابق (3)، و تمام الكلام فيه في كتاب الجهاد (4).

و منها دفع قيمة الوارث الذي لا وارث لقريبه غيره، و قد أشبعنا الكلام فيه في كتاب الموارث، فلاحظ و تأمل.

و في عتق من مثل به مولاه تردد و خلاف و لكن المروي في مرسل جعفر بن محبوب (5) عن الصادق عليه السلام أنه ينعتق (6)

- قال: «كل عبد مثل به فهو حر»

و قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح أبي بصير (6): «قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن نكل بمملوكه أنه حر لا سبيل له عليه، سائبة»

إلى آخره، و

عن الصدوق «أنه روى في امرأة قطعت يدي وليدتها أنها حرة لا سبيل لمولاتها عليها» (7)

إلى غير ذلك من النصوص المنجبرة بالشهرة العظيمة التي لا مخالف لها إلا ابن إدريس لأصله الذي قد تحقق ضعفه في محله، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه، فمن الغريب تردد المصنف في ذلك، و أغرب منه الوسوسة من بعض الناس في الحكم في الأسباب الأولة التي لم يخالف فيها ابن إدريس أيضا، و التحقيق ما عرفت.

و التنكيل: إذا جعله نكالا و عبرة لغيره، كما في الصحاح، كما أن فيه أيضا «مثل به يمثل مثلا: أي نكل، و الاسم المثلة بالضم، و مثل بالقتيل جذعه،


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب جهاد العدو الحديث 1 من كتاب الجهاد.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 141.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب جهاد العدو الحديث 1 من كتاب الجهاد.
4- 4 راجع ج 21 ص 145 و 146.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من كتاب العتق الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 22- من كتاب العتق الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من كتاب العتق الحديث 3.

ج 34، ص: 192

و المثلة بفتح الميم و ضم الثاء العقوبة، و الجمع المثلات و أمثلة، جعله مثلة» إلى آخره.

و على كل حال فليس في كلام الأصحاب ما يدل على شي ء مخصوص، بل اقتصروا على تعليق الحكم على مجرد الاسم تبعا لإطلاق النص، و قد سمعت مرسل الصدوق، و

من طرق العامة روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده زنباع أبى روح (1)

«أنه وجد غلاما مع جارية له فجدع أنفه و جبه، فأتى النبي صلى الله عليه و آله فقال: من فعل هذا بك؟ فقال: زنباع، فدعاه النبي صلى الله عليه و آله، فقال ما حملك على هذا؟ فقال: كان من أمره كذا و كذا، فقال النبي صلى الله عليه و آله: اذهب فأنت حر»

و ظاهرها أن الجب تنكيل و تمثيل و ليس ببعيد.

و يتفرع على ذلك انعتاق الخصيان على مواليهم الذين يفعلون بهم ذلك، فلا يصح شراؤهم لمن يعلم بالحال، نعم لا بأس به مع اشتباه الحال، كما لا بأس بالشراء مع الشك في حصول التنكيل بقطع بعض الأذن الواحدة أو نحو ذلك للأصل و غيره.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في اقتضاء الأسباب المذكورة الانعتاق بين كونها بفعل الله أو بفعل العبد، لحصول مسماها الذي هو العنوان، نعم يختص التنكيل فيها بالمولى.

و لو كان له بعض العبد فنكل به انعتق عليه و ضمن قيمة الشقص لشريكه بناء على أن اختياره للسبب اختيار للمسبب، فهو حينئذ كشراء من ينعتق عليه، و استشكل فيه في الدروس من ذلك و من تحريم السبب، و الله العالم.

و قد يكون التدبير و المكاتبة و الاستيلاد سببا للعتق و ذلك إذا جمع الشرائط الآتية التي منها موت المولى و الولد حي وارث، و كون موت المولى من


1- 1 سنن البيهقي ج 8 ص 36 و فيه «عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال: كان لزنباع.» مع اختلاف في لفظ الحديث أيضا.

ج 34، ص: 193

فعل الله تعالى دون الاستيلاد لا يقتضي رفع سببيته، كما أن عمى العبد و إقعاده من أسباب العتق و إن كان من قبل الله تعالى، و اشتراط المباشرة في السبب تحكم، و في الحقيقة هذه الأسباب علامات لحكم الله تعالى بالعتق سواء كان بفعل الله تعالى أو بفعل المكلف، نعم يمكن أن لا يجعل الاستيلاد سببا باعتبار أن موت المولى مع بقاء الولد يوجب انتقال أم الولد إلى ملكه أو بعضها، فتنعتق عليه بالملك لا بالاستيلاد، و لكن الأمر سهل إذ لا فائدة مهمة في ذلك.

و كيف كان فلما كان الاستيلاد سببا في زوال الرق كالتدبير و الكتابة فلنذكر الفصول الثلاثة في كتاب واحد، لأن ثمرتها إزالة الرق و هي مشتركة بينها.

ج 34، ص: 194

[كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد]

[كتاب التدبير]

اشارة

كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد

التدبير هو تفعيل من الدبر، و المراد به هنا تعليق الحكم بدبر الحياة، و إليه يرجع ما قيل من أنه سمي تدبيرا، لأنه دبر أمر دنياه باستخدامه و استرقاقه و أمر آخرته بإعتاقه، لأن التدبير في الأمر مأخوذ من الدبر أيضا، بمعنى النظر في عواقب الأمور و أدبارها.

و على كل حال فلا خلاف بين المسلمين في تحققه بإنشاء عتق العبد أي المملوك معلقا له على ما بعد وفاة المولى أي عندها على نحو غيره من التعليق.

و إنما الخلاف في صحة تدبيره بعد وفاة غيره كزوج المملوكة و وفاة من يجعل له خدمته و من هنا قال المصنف: فيه تردد أظهره الجواز وفاقا للشيخ و أتباعه، بل المشهور و مستنده النقل.

و هو

صحيح يعقوب بن شعيب (1)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام الرجل يكون له الخادم و يقول هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرة، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ثم يجدها ورثته، أ لهم أن يستخدموها إذا بقت، قال: إذا مات الرجل فقد عتقت».


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التدبير الحديث 1.

ج 34، ص: 195

و

خبر محمد بن جهم (1) المنجبر بالشهرة و برواية الحسن بن محبوب عنه الذي هو من أصحاب الإجماع قال: «سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام رجل زوج أمته من رجل آخر و قال لها: إذا مات الزوج فهي حرة فمات الزوج، قال:

إذا مات الزوج فهي حرة تعتد عدة المتوفى عنها زوجها و لا ميراث لها منه، لأنها إنما صارت حرة بعد موت الزوج»

و أسند الأول في الكفاية إلى صحيح محمد بن مسلم و إن كنا لم نتحققه.

و من ذلك يظهر لك النظر فيما أنكره في المسالك و غيرها على المصنف و غيره، حتى قال: «إنما الموجود من النقل صحيح يعقوب الذي هو مختص بوفاة المخدوم، فتعدية إلى غيره غير مستند إلى النقل، فان روعيت الملابسة و هي لا تخرج عن ربقة القياس فلا وجه، لاختصاصه بهذين، لأن وجوه الملابسة لا تنحصر، و يجي ء على هذا جواز تعليقه بوفاة مطلق الملابس، بل مطلق الناس، لفقد ما يدل على غير المخدوم، و هو قول في المسألة و ربما قيل بجواز تعليقه بموت غير الآدمي لاشتراك الجميع في معنى التدبير لغة، و هو تعليق العتق على الوفاة، و أكثر الأصحاب لم يتعرضوا لغير المروي، و هو الأنسب، لكن يبقى فيه أن الصحيح وارد في الأمة فتعديته إلى العبد لا يخلو من نظر، و ما اشتهر من أن خصوصية الذكورية و الأنوثية ملغاة و أن الطريق متحد لا يقطع الشبهة و إن كان متجها» إذ هو كما ترى و إن تبع في أكثره الشهيد.

و من الغريب دعوى تحقق التدبير بالتعليق على وفاة غير الآدمي بل لا أعرف القائل به، و ما سمعته عن ابن الجنيد إنما هو في العتق المعلق، بل يمكن دعوى حصول القطع من النص و الفتوى بخلافه، إذ نحن في عويل من تحققه بموت غير


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التدبير الحديث 2 و الباب- 65- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 من كتاب النكاح. و في كلا الموضعين عن محمد ابن حكيم كما في التهذيب ج 8 ص 213- الرقم 760 و الفقيه ج 3 ص 302- الرقم 1445.

ج 34، ص: 196

المولى و لو المخدوم و الزوج، حتى أن ابن إدريس أنكره فيهما، و هو في محله، فان المستفاد من نصوص الباب و فتاوى الأصحاب كون التدبير التعليق على وفاة المولى، و ليس في الخبرين المزبورين دلالة على صحته تدبيرا، فيمكن جواز خصوص هذا الفرد من العتق معلقا للخبرين المزبورين بعد كونهما من حجة و لو من جهة الانجبار، و لا يتعدى إلى غير مضمونهما، أو تأويلهما بما يرجع إلى شرط الخدمة في العتق أو النذر و أخويه أو غير ذلك، أو حملهما على التقية، أو تأويل الصحيح بما يرجع إلى التدبير، بدعوى إرجاع الضمير إلى المولى، كما أطنب به المقداد في التنقيح، و إن كان هو كما ترى.

و بذلك يظهر لك النظر في كلمات كثير من الناس، إذ المحصل منها تحقق التدبير بالتعليق على الوفاة و لو غير الآدمي أو خصوص المولى و المخدوم أو هما مع الزوج أو مطلق الملابس أو مطلق الآدمي، و في المسالك بناء الخلاف على كونه وصية أو عتقا، فلا يصح تعليقه على غير المولى على الأول بخلاف الثاني، مع أنه يمكن استثناء هذا الفرد من الوصية للخبرين، مع فرض دلالتهما على صحته تدبيرا، و التحقيق ما عرفت.

و ربما يومئ إليه جعل المصنف مضمون الصحيح مسألة مستقلة في آخر كتاب التدبير فقال: «و لو جعل خدمة عبده لغيره ثم قال: هو حر بعد وفاة المخدوم صح على الأصح» و نحوه الشهيد في الدروس قال: «كتاب المدبر و هو المعلق عتقه بموت المولى، لأن المولى دبر الحياة فالموصى بعتقه ليس مدبرا و التعليق بموت غير المولى إن جعل له الخدمة نافذ في صحيح يعقوب بن شعيب (1)عن الصادق عليه السلام و حمل عليه الزوج و طرد بعضهم في الموت مطلقا و قصره ابن إدريس على موت المولى، و يظهر من ابن الجنيد جواز تعليقه على موت الغير مطلقا، و سماه تدبيرا، و القاضي لو علق العتق بوقت تحرر عنده، و له الرجوع فيه، و كذا لو علقه


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التدبير الحديث 1.

ج 34، ص: 197

بقدوم زيد أو برؤيته» و هو كالصريح في أن ذلك مسألة مستقلة لا أنها من التدبير على وجه يجري عليه أحكامه التي ستعرفها. و كذا الشيخ في النهاية، بل و المفيد في المقنعة و غيره.

بل يومئ إليه تصريح الصحيح (1)

بعدم بطلان تحريره بالإباق و لو كان تدبيرا لبطل، و دعوى اختصاص الحكم المزبور في خصوص المعلق على وفاة المولى ليس بأولى من القول بأن ذلك لعدم كونه تدبيرا، بل الثاني أولى، لظهور أدلة بطلانه بالإباق في الأعم.

بل قد يدعى اتفاق أهل الشرع و اللغة و العرف على ذلك، و لذا حكي في التنقيح عن ابن إدريس دعوى إجماع المسلمين عليه مقرا على ذلك، بل ظاهر الخصم ذلك، ضرورة استناده في المعلق على وفاة المخدوم و الزوج إلى النقل الذي قد يدعى أنه لا دلالة فيه، لا إلى صدق التدبير، بل التأمل في عبارة الفاضل في المختلف يقتضي الاعتراف بعدم كونه تدبيرا عرفا.

و أول من اشتبه عليه الأمر- فظن أن ذلك من التدبير على وجه تجري عليه أحكامه لذكرهم إياه في كتاب التدبير للشبه به- ابن حمزة في الوسيلة و تبعه المصنف في الكتاب و اقتفاه تلميذه الفاضل في جملة من كتبه، و تبعهما الشهيد في غاية المراد، و جرى على منوالها ثاني الشهيدين، و تبعه الصيمري و الفاضل الأصبهاني في شرحه على القواعد، و السيد في الرياض و غيرهم، و أخذ بعضهم كلام بعض على وجه يظهر للمتأمل فيه أن كلا منهم قد استمد من الآخر، و لكن التحقيق ما عرفت، و الله الموفق و الهادي.

و حينئذ فيجري عليه حكم العتق المعلق لا التدبير، فيحسب من تصرفات المالك في حال صحته لو فرض موت المعلق عليه في حياة المولى إذا فرض وقوع ذلك في حال صحته و لا يبطل بالإباق، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب التدبير الحديث 1.

ج 34، ص: 198

و كيف كان فتمام العلم به أي التدبير يستدعي ثلاثة مقاصد:

[المقصد الأول في العبارة و ما يحصل به التدبير]
اشارة

الأول:

في العبارة و ما يحصل به التدبير و لا خلاف و لا إشكال في أن اللفظ الصريح أنت حر بعد وفاتي من غير حاجة إلى قول: «أنت رق في حياتي» كما عساه يظهر من الشيخين أو يتوهم أو إذا مت فأنت حر أو عتيق أو معتق و إن تردد فيه المصنف في صيغة العتق، إلا أنك قد عرفت هناك تحقيق الحال و أن لفظ العتق أكثر استعمالا من لفظ التحرير، فالصيغة به من الصريح قطعا، و التدبير أولى منه بذلك.

بل لا يبعد صحته بغير الجملة الاسمية مثل حررتك و أعتقتك بعد وفاتي و إن سمعت الخلاف فيه في العتق، و لكن ظاهر المتن حصر اللفظ الصريح بما ذكره، و مقتضاه عدم جواز غيره، لأنه صريح، بل ظاهر المسالك و كشف اللثام الإجماع على عدم وقوعه بالكناية، إلا أنه لا يخفى عليك ما في دعوى عدم صراحة غير ما ذكر، ضرورة عدم الإشكال في صراحة «حررتك» و «أعتقتك».

كما أنه لا يخفى عليك ما في دعوى عدم الاجتزاء بها و إن كانت صريحة، ضرورة اقتضاء إطلاق الأدلة خلافها، بل لم نعرف أحدا صرح بعدم الاجتزاء بها و إن كانت صريحة، نعم قد سمعت ذلك في العتق، و دعوى اتحاده مع التدبير بالنسبة إلى ذلك ممنوعة و إن قلنا إنه قسم من العتق، لكنه يمكن التوسعة فيه، كما يومئ إليه

ج 34، ص: 199

ما ستعرفه من صحته بأنت مدبر (و بالجملة) لا إجماع قطعا على عدم الاجتزاء بها و إن كانت صريحة، فإطلاق الأدلة حينئذ بحالها، نعم إن كان هناك إجماع فهو بالنسبة إلى الكناية لا إلى الصريح، كما هو واضح.

و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في أنه لا عبرة باختلاف أدوات الشرط لإطلاق الأدلة و لحصول الاختلاف في المأثور منها و كذا لا عبرة باختلاف الألفاظ التي يعبر بها عن المدبر كقوله: هذا أو هذه أو أنت أو هو أو فلان بل و غير ذلك مما يدل عليه حقيقة أو مجازا كما سمعته في موضوع العتق. و كذا لو قال متى مات أو أي وقت أو أي حين أو غير ذلك.

و هو على المشهور ينقسم إلى مطلق كقوله: إذا مت، و إلى مقيد بشرط أو شروط كقوله: إذا مت في سفري هذا أو في مرضي هذا، أو في سنتي هذه أو في شهري أو في شهر كذا أو حتف أنفي أو قتلت أو في بلد كذا أو نحو ذلك، لإطلاق الأدلة، و خصوص

صحيح ابن حازم (1)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال: إن حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حر، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

يرد من وصيته ما شاء و يجيز ما شاء»

و حينئذ فان مات على الصفة المزبورة عتق و إلا فلا، خلافا لموضع من المبسوط، فألحق التدبير المقيد بالمعلق على الشرط، فحكم ببطلانهما، نظرا إلى اشتراكهما في التعليق، و اقتصارا في مخالفة التنجيز على المتيقن من النصوص و الفتاوى، و فيه أن إطلاق أدلة التدبير كاف في الحكم بجوازه، خصوصا بعد الشهرة العظيمة، على أنه

في الخبر (2)

«رجل قال: إن حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حر، قال: يرد من وصيته ما شاء و يجيز منها ما شاء».

و لو قال: أنت مدبر و اقتصر لم ينعقد كما عن الخلاف، للأصل المقتصر في الخروج منه على المتيقن، خصوصا بعد معلومية كون التدبير قسما من العتق الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من كتاب الوصايا الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من كتاب الوصايا الحديث 8.

ج 34، ص: 200

قد عرفت الإجماع على عدم وقوعه بالكناية التي منها ذلك، بل ظاهر المسالك و كشف اللثام و غيرهما الإجماع هنا أيضا على عدم الوقوع بالكناية، و لأنه إما عتق فلا بد فيه من صريح لفظه، أو وصية به فلا بد من التصريح بالموصى به.

لكن قد يناقش بمنع كونه منها، بل هو من الصريح لغة و عرفا فيه، بل قيل: إنه كان معروفا في الجاهلية، و لا ينافي كونه فردا من مطلق العتق اختصاصه بلفظ لا يصح في المطلق نحو ما سمعته في الخلع، لصراحته فيه دونه، و لعله لذا كان خيرة الفاضل الوقوع بها، كما عن القاضي و أبي علي و المبسوط، بل في الرياض نسبته إلى جمع كثير، بل حكي عن الأولين تحقق التدبير به مع القصد و إن كان كناية، لكنه كما ترى بناء على تحقق الإجماع على عدم جواز التدبير بها، هذا كله إذا اقتصر.

أما لو قال: فإذا مت فأنت حر صح إجماعا بقسميه و كان الاعتبار بالصيغة لا بما تقدمها كما هو واضح.

و لو كان المملوك لشريكين مثلا بالسوية أو التفاوت فقالا دفعا أو ترتيبا إذا متنا فأنت حر و أطلقا لفظا و نية انصرف قول كل واحد منهما إلى نصيبه و صح التدبير كما عن المبسوط، لأن اللفظ كما هو صالح لتعليق العتق على شرط فهو صالح أيضا لتعليق نصيب كل منهما على وفاة نفسه فيحمل على الصحيح صونا لكلامه عن الهذر و ترجيحا لجانب الصحة الموافق لغرض الشارع مع إمكان حمله عليه.

و فيه- مع أنه مبنى على عدم جواز التعليق على وفاة الغير على جهة التدبير أو غيره- أن الأصل المزبور لا يغير ظاهر اللفظ الذي هو التعليق على وفاة الغير، ضرورة كونه إنشاء لا يتحقق بالنسبة إلى موت الآخر إلا بتعليقه عليه، بخلافه على ما ذكر، فإنه يكون إنشاء بالنسبة إلى تعليق نصيبه على وفاة نفسه، و إخبارا

ج 34، ص: 201

بالحكم بالنسبة إلى الحكم بعتقه أجمع على تقدير وفاتهما، و حينئذ فالمتجه بناء صحته و بطلانه على جواز تعليقه على وفاة الغير تدبيرا أو غيره و عدمه، و قد عرفت أن التحقيق عدم جوازه مطلقا إلا في خصوص مضمون الخبرين (1)

المزبورين، و منه يعلم الحال في صورة العلم بكون قصدهما ذلك.

أما مع قصد تدبير كل منهما نصيبه خاصة فلا إشكال و لا خلاف في الصحة إذ لم يكن حينئذ معلقا على شرط و لا على دبر حياة غير المولى، بل هو بمنزلة التدبير، كل منهما نصيبه بصيغة تخصه و حينئذ ف ينعتق بموتهما دفعة إن خرج نصيب كل واحد منهما من ثلثه لما تسمعه من أن ذلك حكم التدبير أو أجاز الوارث و لو خرج نصيب أحدهما خاصة من ثلثه تحرر و بقي نصيب الآخر كله أو بعضه رقا على حسب ما يخرج من ثلثه إن لم يجز الوارث.

و لو مات أحدهما تحرر نصيبه من ثلثه و بقي نصيب الآخر رقا حتى يموت و الكسب المتخلل بين الموتين مشترك بين المدبر و المالك الحي بنسبة الملك، كما أنه بين الورثة و المالك الحي لو أجزناه تدبيرا معلقا على وفاته و وفاة شريكه لو فرض موت أحدهما قبل الآخر، و كذا لو أجزناه عتقا معلقا على ذلك لا تدبيرا، ضرورة عدم حصول الحرية قبل موتهما معا، فيبقى على الرقية و كسبه للوارث.

نعم في المسالك ليس له التصرف فيه بما يزيل الملك لا غيره كالاستخدام و الإجارة، لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك، و فيه نظر، نعم في جواز نقله عن الملك لو جعلناه تدبيرا نظرهما عرفت، و من جواز الرجوع في التدبير، و هذا من أفراده، بل عن الإرشاد الجزم بعدم جوازه على هذا التقدير، و لعله لعدم ثبوت جواز الرجوع للوارث الذي هو غير المدبر، و دعوى كونه من الحقوق التي تنتقل إلى الوارث


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التدبير الحديث 1 و 2.

ج 34، ص: 202

يمكن منعها، إذ لعله نحو جواز الرجوع بالهبة للواهب و نحوه من الأحكام التي لا تنتقل إلى الوارث.

[يشترط في الصيغة المذكورة شرطان]
[الشرط الأول النية]

و كيف كان ف يشترط في الصيغة المذكورة شرطان:

الأول:

النية التي هي شرط في غيرها أيضا من صيغ العقود و الإيقاعات من غير خلاف فيه و لا إشكال نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه. فلا حكم حينئذ لعبارة الساهي و لا الغالط و لا السكران و لا المحرج الذي لا قصد له بسبب إكراهه و إلجائه إلى التدبير على وجه يرتفع قصده لفظا و معنى أو معنى لا لفظا على حسب ما عرفته من المكره في كتاب الطلاق.

و في اشتراط نية القربة تردد و خلاف ينشأ من كون التدبير وصية أو عتقا أو من التردد في اعتبارها في العتق و الوجه عند الشيخ و المصنف و جماعة ممن تبعهما أنه غير مشترط لإطلاق الأدلة، و لما ستعرف من كونه وصية لا عتقا، و لا خلاف في عدم اعتبارها فيها.

لكن قد يناقش بما ستعرف من كون المراد بكونه وصية أنها بمنزلتها في جواز الرجوع و الإخراج من الثلث و غير ذلك، و إلا فلا ريب في أنه عتق لكنه غير منجز ثبتت مشروعيته، فيشمله حينئذ

ما دل (1) على أنه «لا عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى»

و غيره من الأدلة التي سمعتها على اعتبار القربة في العتق، مضافا إلى الإجماع المحكي عن المرتضى على ذلك و على عدم جواز تدبير الكافر، بل و إلى

الصحيح (2)

«إن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له، و إن كان في صحة و سلامة منه- أي الدين كما عن جماعة- فلا سبيل للديان»


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التدبير الحديث 1.

ج 34، ص: 203

أي الدين الذي حصل بعد التدبير، بناء على أن الوجه في فساد التدبير في الأول فقد شرط نية القربة، و إن كان فيه ما فيه، لكن الأول كاف في الدلالة على الاشتراط، و لا يعارضه الإطلاق المقيد بما سمعت، بل قد عرفت أنه ليس إلا إطلاق العتق الذي قد سمعت اعتبار نية القربة فيه، بل قيل: إنه لا إطلاق هنا سوى أخبار واردة (1)

في غير حكم المسألة، و لعله لذا كان خيرة المرتضى و الحلي و الفاضل في ظاهر المختلف اشتراطها، و هو الأقوى و الله العالم.

[الشرط الثاني تجريدها عن الشرط]

الشرط الثاني:

تجريدها عن الشرط و الصفة في قول مشهور للأصحاب بل عن ظاهر الخلاف و المبسوط و السرائر الإجماع عليه، مضافا إلى ما سمعته مكررا مما يدل على اعتبار التنجيز في كل عقد و إيقاع، و منه الإجماع المحكي على ذلك إلا ما خرج، بل قد عرفت أن التدبير قسم من العتق الذي قد عرفت اعتبار التنجيز فيه، نعم ثبتت مشروعية التعليق فيه على وجه خاص لا يتعدى منه إلى غيره بعد حرمة القياس عندنا.

و حينئذ فلو قال: إن قدم المسافر فأنت حر بعد وفاتي أو إذا أهل شهر رمضان مثلا لم ينعقد، و كذا لو قال: بعد وفاتي بسنة أو أشهر أو يوم. و كذا لو قال: إن أديت إلى أو إلى ولدي كذا فأنت حر بعد وفاتي لم يكن تدبيرا و لا كتابة فما عن أبي علي من جواز تعليقه على شرط أو صفة مبني على مذهبه في القياس، قال: «و لو جعل له العتق بعد وقت من موت سيده كان ذلك وصية بعتقه في معنى التدبير» و هو كما ترى أيضا، نعم لو قال: «أعتقه بعد كذا من موتي» صح إذ ليس حينئذ عتقا و لا تدبيرا معلقا، و المسألة بحمد الله من الواضحات و إن وسوس


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و غيره- من أبواب التدبير.

ج 34، ص: 204

فيها صاحب المسالك لوسوسته في أصل اعتبار التنجيز في العقد و الإيقاع، بل جعل قول المصنف هنا على قول مشهور مشعرا بذلك، و ليس كذلك، فان المصنف لا إشكال عنده في اعتبار التنجيز في سائر العقود و الإيقاعات، و الله العالم.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال نصا (1)

و فتوى في أن المدبرة مثلا رق بل الإجماع بقسميه عليه، و حينئذ ف له وطؤها و التصرف فيها بوطء و استخدام و غيرهما و إن حملت منه لم يبطل التدبير خلافا للشافعي فأبطله بالاستيلاد، لكونه أقوى، نعم تكون مستحقة للعتق بسببين مع فرض بقاء ولدها بعد موت سيدها.

و حينئذ ف لو مات مولاها عتقت بوفاته من الثلث قيل: لأنه السبب السابق و إن عجز الثلث عن بعضها عتق ما بقي منها من نصيب الولد و لو فرض عجزه عتق منها نصيبه و استسعت في الباقي كما ستعرفه في حكم أم الولد، ففي

صحيح أبي مريم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سئل عن رجل يعتق جاريته عن دبر أ يطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها فقال: أي ذلك شاء فعل»

و في خبر إسماعيل بن مرار عن يونس (3)

«في المدبر و المدبرة يباعان يبيعهما صاحبهما في حياته فإذا مات فقد عتقا، لأن التدبير عدة و ليس بشي ء واجب، فإذا مات كان المدبر من ثلثه الذي يتركه و فرجها حلال لمولاها الذي دبرها و للمشتري الذي اشتراها منه قبل موته»

و هو إن كان من كلام يونس كما هو الظاهر دال على معلومية الحكم في ذلك الزمان، و إلا كان خبرا مؤكدا لما سمعته من خبر أبي مريم، إلا أن مقتضى ما سمعته سابقا- من تعليل إجراء حكم المدبرة أولا بالسبق- أنه لو انعكس الأمر جرى عليها حكم أم الولد أولا، فتعتق من نصيب ولدها، فان عجز فمن ثلثه، لكن لا يخفى عليك ما فيه من الاشكال، و ربما تسمع تحقيقه


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 3- من أبواب التدبير.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث 2.

ج 34، ص: 205

فيما يأتي إنشاء الله.

و كيف كان ف لو حملت المدبرة بمملوك لمولاها سواء كان من عقد أو زنا أو شبهة كان مدبرا كأمه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، نعم ربما توهم الإشكال في الزنا مع علمها بالتحريم، لانتفائه عنها شرعا، و فيه- مع أن جانب المالية و الحيوانية غالب في الأمة و لذا كان ولدها من الزنا لمولاها دون مولى الزنا- أن الموجود في النصوص «فما ولدت فهو بمنزلتها» و لا ريب في صدق أنها ولدته و إن كان من زنا.

ففي

صحيح (1) يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن جارية أعتقت عن دبر من سيدها، قال: فما ولدت فهم بمنزلتها، و هم من ثلثه، و إن كانوا أفضل من الثلث استسعوا في النقصان»

إلى آخره و رواه

الصدوق مرسلا (2) و زاد «لأن الحمل حدث بعد التدبير».

و في

خبر أبي البختري المروي عن قرب الاسناد (3) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: «ما ولدت الضعيفة المعتقة عن دبر بعد التدبير فهو بمنزلتها يرقون برقها و يعتقون بعتقها، و ما ولد قبل ذلك فهو مماليك، لا يرقون برقها و لا يعتقون بعتقها»

إلى غير ذلك من النصوص (4)

الشاملة لولد الزنا و غيره التي لا يعارضها

خبر علي بن جعفر (5) المروي عن قرب الاسناد و كتاب المسائل له قال: «سألته عن رجل قال إذا مت فجاريتي فلانة حرة، فعاش حتى ولدت الجارية أولادا ثم مات ما حالها؟ قال: عتقت الجارية، و أولادها مماليك»

بعد شذوذه و الاعراض عنه.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 4.
2- 2 أشار إليه في الوسائل في الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 2 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 71 الرقم 246.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 6.

ج 34، ص: 206

و على كل حال ففي التعليل المزبور في خبر يزيد إشعار بأن سراية التدبير للحمل من حيث كونه نماء المدبرة الذي لا فرق فيه بين كونه من الزنا و غيره كالملك، لا من حيث كونه ولدا لها حتى يتبع الولد الشرعي، كما هو واضح.

و من هنا لو رجع المولى في تدبيرها لم يكن له الرجوع في تدبير ولدها كما عن النهاية و الخلاف و المبسوط و القاضي و ابن حمزة و الجامع و النافع، بل في الكفاية نسبته إلى الأكثر، بل عن الخلاف و كنز العرفان عليه إجماع الفرقة، و ذلك لأن الرجوع فسخ لما حصل بصيغة التدبير لا لما كان تدبره بالنماء الذي لا يقبل الفسخ، و لذا كان الفسخ بالخيار لا يقتضي الفسخ في النماء المتخلل، بل يبقى للمشتري و إن ردت العين للبائع، و إلى ذلك يرجع ما في الدروس و التنقيح و غيرهما من الفرق بين تدبير الأم الذي هو بفعل المالك فجاز له الرجوع و بين تدبير الولد الذي هو بالسراية فلا اختيار له فيه، قال في الدروس: «و لو حملت بعد التدبير بمملوك فهو مدبر قسرا، فلا يصح الرجوع في تدبيره و إن رجع في تدبيرها، و نقل الشيخ فيه الإجماع، و جوزه الحليون، لأن الفرع لا يزيد على أصله» و الله العالم.

و لكن مع ذلك قيل و القائل ابن إدريس و جماعة بل نسب إلى أكثر المتأخرين له الرجوع فيه أيضا، لإطلاق ما دل (1)

على جواز الرجوع في التدبير، و لأنه فرع تدبرها، فلا يزيد على أصله، و لا طلاق التشبيه بتدبرها، بل قد سمعت ما في خبر أبي البختري (2)

من التصريح بأنهم يرقون برقها و يعتقون بعتقها.

و فيه- بعد تسليم شمول الإطلاق حتى إطلاق المنزلة و حتى خبر أبي البختري- أنه يجب الخروج عنه بما عرفت، كقاعدة عدم زيادة الفرع عن الأصل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التدبير.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 5.

ج 34، ص: 207

لو سلم كونها قاعدة شرعية.

على أن الأول مروي في

صحيح أبان بن تغلب (1) قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دبر مملوكته ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم مات زوجها و ترك أولاده منها، فقال: أولاده منها كهيئتها، إذا مات الذي دبر أمهم فهم أحرار، قلت له: يجوز للذي دبر أمهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج، قال: نعم، قلت: أ رأيت إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج و بقي أولادها من الزوج الحر أ يجوز لسيدها أن يبيع أولادها و يرجع عليهم في التدبير؟ قال: إنما كان له أن يرجع في تدبير أمهم إذا احتاج، و رضيت هي بذلك».

و المناقشة فيه- بتضمنه ما لا يقول به المشهور من رقية ولد الحر، و توقف الرجوع في تدبير الام على رضاها و الاحتياج، فلا مكافئة له للعمومات حتى يخصصها، و الذب عنه بالتقييد بصورة اشتراط رقية الولد، و بالحمل على الاستحباب لا يدفع هذا الوهن الموجب لعدم التكافؤ، مع عدم تمامية الذب عن الأول بما مر في كتاب النكاح من عدم إفادة الاشتراط الرقية، و لا يجبر هذا الوهن الشهرة المحكية، لكونها بالشهرة المتأخرة معارضة، و لا حكاية الإجماع المتقدمة، لأنها بشهرة الخلاف المتأخرين موهونة، مضافا إلى نسبة الحلي جواز الرجوع إلى مقتضى مذهب الإمامية، و في دعوى (2) الفرق بين تدبير الام و تدبير الولد المذكورة بأن غايته على تقدير تسلمه نفي الأولوية، و هو لا يستلزم نفى الحجية على جواز الرجعة بالكلية، فإن العمومات لما عرفت بعد بحالها باقية- مدفوعة بأن الصحيح قد تعرض لحكم المدبرة و ولدها، و صرح فيه باختصاص جواز الرجوع في تدبير الام دون الولد، فلا مدخلية لمفروض السؤال، على أنك قد عرفت في كتاب النكاح صحة القول بحصول الرقية بالشرط بما لا مزيد عليه، بل يمكن الاستدلال عليه بهذا الصحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التدبير الحديث 1.
2- 2 عطف على الضمير في قوله: «و المناقشة فيه».

ج 34، ص: 208

أيضا، و تضمنه للاحتياج و الرضا كما في كثير من النصوص (1)

غير قادح بعد حمله على الندب، و الشهرة المتأخرة غير محققة، لأن المصنف و الشهيد في الدروس و غيرهما ممن تأخر عنهما قالوا بعدم جواز الرجوع، فلا توهن الشهرة المتقدمة، فصلا عن الإجماعين المزبورين، و ابن إدريس تخيل انحصار الدليل في الصحيح الذي لا يعمل به على أصله، و أن العمومات شاملة للمقام، فقال: «إن مقتضى مذهب الإمامية جواز الرجوع» و قد عرفت عدم شمولها، و على تقديره فهي مخصصة بما عرفت على أصولنا.

و أما المناقشة في الفرق المزبور بما سمعت فهي واضحة الضعف بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و أما خبر أبي البختري (2)

فهو- مع ضعفه و عدم روايته في الكتب الأربعة و كونه مطلقا أيضا لاحتمال إرادة رقهم برقها إلى آخره من حيث سعة الثلث و عدمها، فيقيد حينئذ بما عرفت- ظاهر في التلازم بين الرجوع بالأم و الرجوع بالأولاد مع أن الخصم لا يقول به، بل لا تقتضيه القواعد أيضا، ضرورة، حصول وصف التدبير فيهم بتدبير الام فلا يزول بزواله فيها من حينه و إن صرح ابن الجنيد باقتضاء الرجوع بها الرجوع بهم، و استجوده في المختلف، و من ذلك يعلم الحال في التشبيه الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة حصول وصف التدبير، و حينئذ فلا محيص عن كون الأقوى عدم جواز الرجوع.

و كذا الكلام في المدبر إذا أنى بولد مملوك لمولاه لكونه من أمته مدبرة أو لا أو من غيرها مع اشتراط الرقية، فهو مدبر كأبيه ضرورة عدم الفرق بين المدبر و المدبرة في جميع ما ذكرناه، و في

صحيح يزيد بن معاوية (3)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التدبير الحديث 1.

ج 34، ص: 209

عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل دبر مملوكا له تاجرا موسرا فاشترى المدبر جارية فمات قبل سيده، فقال: أرى أن جميع ما ترك المدبر من مال أو متاع فهو للذي دبره، و أرى أن أم ولده للذي دبره، و أرى أن ولده مدبرون كهيئة أبيهم، فإذا مات الذي دبر أباهم فهم أحرار»

بل ربما كان فيه تأييد للمختار في الجملة باعتبار عدم بطلان تدبيرهم ببطلان تدبيره بالموت.

بقي الكلام في شي ء، و هو أنه لا كلام في أن الأولاد يخرجون من الثلث أيضا لكن مقتضى ما تسمعه فيما يأتي أن التدبير كالوصية في الخروج من الثلث، و أن الخارج الأول فالأول، و حينئذ يخرج الأم أولا ثم الأولاد مترتبين، و من لم يسعه الثلث و لا بعضه يبقى رقا و لا استسعاء، إلا أنه قد سمعت إطلاق استسعائهم في النقصان في خبر يزيد (1)

بل لعله ظاهر في توزيع الثلث بينهم، فيتحرر منهم شي ء و يستسعون في الباقي، و هو مخالف لما سمعت، و قد تعرض لذلك المصنف في النافع، فأفتى بمضمون الخبر المزبور.

و في الرياض في شرح ذلك «لأنه من لوازم التدبير كما سيأتي» و هو كما ترى، اللهم إلا أن يفرق بين التدبير القهري و الاختياري.

و كذا الفاضل في القواعد، قال: «و لو حملت بعد التدبير فان خرجت هي و الأولاد من الثلث عتقوا، و إلا قسط عليهما، فيعتق من كل واحد قدر ما يحتمله الثلث من جميعهم، و سعى في قسطه من الزيادة، لأنهم جميعا بمنزلة عبد واحد لم يحتمله الثلث» و هو صريح في أنه لا يقدم عتق الام فضلا عن غيرها من الأولاد و حينئذ فان لم يفضل من الثلث شي ء لم يعتق منها و لا من الأولاد شي ء، و إن فضل عتق منهم بالنسبة، و لعله لأن النص (2)

و الفتوى إنما دلا على مساواة الأولاد لها في التدبير، لكن في كشف اللثام «ربما يوهم خبر يزيد و عبارة النهاية و السرائر تقديم الأم أولا فتأمل جيدا».

و لو دبرها ثم رجع في تدبيرها فأتت بولد لستة أشهر فصاعدا من حين


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير.

ج 34، ص: 210

رجوعه و لم يتجاوز أقصى مدة الحمل لم يكن مدبرا لاحتمال تجدده كما هو مقتضى أصل عدم تقدمه، من غير فرق بين كونها فراشا و عدمه، لقيام احتمال الشبهة الذي لا ينافي حال المسلم، على أن الحكم بتدبره مشروط بعلوقها به مدبرة و لم يتحقق، و الأصل بقاؤه على الملك و الحكم شرعا بلحوقه به أولا من حيث النسب لا يقتضي تحقق شرط التدبير.

نعم لو كان قد أتت به تاما لدون الستة أشهر من حين الرجوع كان مدبرا بلا إشكال لتحقق الحمل بعد التدبير حينئذ كما لا إشكال في انتفاء تدبيره لو ولدته بعد تجاوز أقصى الحمل من حين التدبير، كما هو واضح.

و لو دبرها حاملا قيل و القائل الإسكافي و الشيخ في النهاية و ابنا البراج و حمزة إن علم بالحمل فهو مدبر، و إلا فهو رق، و هي رواية الوشاء (1)

عن الرضا عليه السلام في الحسن أو الصحيح «سألته عن رجل دبر جارية و هي حبلى فقال: إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها، و إن كان لم يعلم فما في بطنها رق»

بل في المسالك عمل بمضمونها كثير من المتقدمين و المتأخرين و نسبوها إلى الصحة، و الحق أنها من الحسن، و أن صحتها إضافية، بل في الدروس نسبته إلى المشهور، و لعله لذا نسب القول المزبور في المفاتيح إلى الأكثر و إلا فلم نتحققه، بل لم نتحقق ما في المسالك فضلا عنه و عما في الدروس.

و قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة و ابن إدريس و غيرهما بل المشهور لا يكون مدبرا، لأنه لم يقصد التدبير، و هو أشبه (11) بأصول المذهب و قواعده المؤيدة ب

موثقة عثمان بن عيسى (2) الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه عن الكاظم عليه السلام «سألته عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة فلم تدر المرأة المولودة مدبرة أو غير مدبرة؟ فقال لي: متى كان


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث 2.

ج 34، ص: 211

الحمل للمدبرة؟ أقبل أن دبرت أو بعد ما دبرت؟ فقلت: لست أدري، و لكن أجبني فيهما جميعا، فقال إن كانت المرأة دبرت و بها حبل و لم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة و الولد رق، و إن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير امه»

و ما عن المبسوط من نسبته في موضع إلى رواية أصحابنا و في آخر منه إلينا، و ما عن السرائر من نسبته إلى مقتضى مذهبنا و بما سمعته غير مرة من أن التصرف في الأم الحاصل ببيع أو غيره لا يقتضي ترتب أثر ذلك التصرف على الحمل الذي هو موضوع آخر، و يصح تدبير كل منهما بدون الآخر.

و دعوى كونه جزء منها واضحة المنع، بعد الإجماع هنا على عدم لحوق حكم الجزئية في صورة عدم العلم بالحمل، خلافا للعامة، فحكموا بالدخول مطلقا، و ما في المسالك و غيرها من حكاية قول بالسراية مطلقا مع عدم نسبته إلى القائل منا معلوم يمكن إرادة ما عند العامة به، و أما القاضي منا فقد حكي عنه في المختلف أولا موافقة النهاية و إن كانت عبارته المحكية فيه تقتضي الإطلاق، لكن على كل حال خلافه لا يقدح بالإجماع.

و بذلك و غيره يظهر لك عدم مكافئة الحسنة المزبورة للموثق من وجوه، فلا وجه لتقييده بها، خصوصا بعد إمكان الجمع بينهما بما عساه ينساق إلى الذهن من التفصيل بين حالي العلم و عدمه من إرادة تدبير الحمل مع امه في صورة العلم به و عدم استثنائه بخلاف حال عدمه، بل لو لا ذلك لخلا الحكم المزبور عن السبب و الحكمة، و كونه تعبدا محضا بعيد جدا.

ج 34، ص: 212

[المقصد الثاني في المباشر]

المقصد الثاني في المباشر و لا يصح التدبير إلا من بالغ عاقل قاصد مختار جائز التصرف بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك إلا في خصوص البالغ عشر سنين من الأول الذي تسمع الكلام فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأدلة الخاصة و العامة، خصوصا بعد ما عرفت من كونه عتقا فيعتبر فيه ما اعتبر فيه.

و حينئذ فلو دبر الصبي لم يقع تدبيره لسلب عبارته كما في غيره من أفراد العقد و الإيقاع نعم روى (1) إن كان مميزا له عشر سنين صح وصيته و عتقه، و تدبيره لا يخلو من أحدهما، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه، لكن قد عرفت الحال فيها بالنسبة إلى العتق، مضافا إلى عدم انسياق ما يشمل التدبير من العتق فيها، أما الوصية فقد تقدم في كتاب الوصية جوازها منه بالمعروف، لكن التدبير ليس وصية قطعا، و إنما هو بمنزلتها في الخروج من الثلث و نحوه، لا في الاندراج في مفهومها بحيث يشمله لفظ «من أوصى» و لا عموم منزلة يوثق به على وجه يتناول ذلك. و من هنا جزم المصنف بصحة وصيته و تردد في عتقه للرواية (2)

و جزم بعدم صحة التدبير.

فما في المسالك- «من إشكاله بأنه لا وجه للجزم بالعدم هنا مع أن التدبير راجع إليهما قال: «و كذلك صنع العلامة في الإرشاد في الوصية و التدبير، و رجوعه


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من كتاب الوصايا الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من كتاب الوصايا الحديث 4.

ج 34، ص: 213

إلى الرجوع أولى من تكلف الفرق بما لا يجدى»- لا يخلو من نظر، ضرورة كون الوجه ما عرفت. و لذا ستسمع قول المصنف: «إنه بصفة الوصية يجوز فيه الرجوع» و هو كالصريح في عدم اندراجه في مفهومها، بل و عدم عموم تنزيله منزلتها، نعم هو من أفراد العتق الذي تردد فيه، و لعل قوله: «و روى» مشعر بتردد فيه في الجملة أيضا إلا أنه لما كان سلب عبارته معلوما اقتصر في الخروج فيها على المتيقن المنساق، و هو العتق المنجز.

و بذلك اتضح الوجه في شهرة الأصحاب على جواز وصيته و عدم جواز تدبيره، و على أن التدبير وصية أي كالوصية في بعض أحكامه، و أنه ليس ذلك منهم رجوعا، كما هو واضح.

و على كل حال ف لا يصح تدبير المجنون و لا المكره و لا السكران و لا الساهي و لا الغالط و لا غيرهم ممن قد عرفت سابقا عدم الصحة فيهم، لاعتبار القصد المفروض عدمه فيهم، بل كان الشرط المتقدم سابقا مغنيا عن ذلك.

و لا من المحجور عليه لسفه خلافا لما عن الشيخ من جوازه في الأخير، لكونه تصرفا بعد الموت الذي يرتفع معه حكم السفه، بل عن التحرير أنه استشكله، لكنه كما ترى، و إلا لصح وصية السفيه بثلثه، و هو معلوم البطلان، على أن التدبير عتق منه حال سفهه و إن تأخر أثره إلى ما بعد الوفاة، كما هو واضح.

و أما الفلس فستسمع الكلام فيه فيما يأتي إنشاء الله تعالى.

و هل يصح التدبير من الكافر؟ الأشبه عند المصنف و من تبعه نعم حربيا كان أو ذميا لإطلاق الأدلة، و كونه بمنزلة الوصية التي لا يعتبر فيها النية.

بل في المسالك «بنى الخلاف على أن التدبير وصية أو عتق، فعلى الأول يصح من الكافر مطلقا، لعدم اشتراط نية القربة، و على الثاني يبنى على اشتراطها

ج 34، ص: 214

في العتق و عدمه، و على أن المراد بها قصد التقرب سواء حصل أم لا، فعلى الأول لا يصح تدبير الكافر مطلقا، و هو خيرة ابن إدريس مصرحا بأنه عتق، و على الثاني يصح، و على الثالث يصح ممن أقر بالله تعالى كالكتابي دون غيره- إلى أن قال-:

و الأصح صحة التدبير فيه مطلقا».

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه هنا و في الكفارة و في العتق، و مقتضاه عدم جوازه من الكافر مطلقا، لأنه قسم من العتق الذي قد عرفت اشتراط القربة فيه الممتنع وقوعها من الكافر بل و من المخالف، فلا صحة لشي ء من عباداتهم قطعا، كما حررناه غير مرة، فلاحظ و تأمل. و على كل حال فلا مدخلية للحربي و الذمي في الحكم المزبور، خصوصا بعد شمول الحربي للكتابي الذي لا يلتزم أحكام الذمة، و الله العالم.

و لو دبر المسلم فارتد لم يبطل تدبيره بلا خلاف أجده فيه، للأصل و عدم خروج ماله عن ملكه بارتداده. و حينئذ ف لو مات في حال ردته عتق المدبر من ثلثه، لإطلاق الأدلة هذا إذا كان ارتداده لا عن فطرة.

و لو كان عن فطرة لم ينعتق المدبر بوفاة المولى لخروج ملكه عنه بالارتداد عنها، فلم يحصل شرط الصحة الذي هو الاستمرار على الملك إلى الموت حتى يعتق عنه، لأنه لا عتق إلا في ملك. و لكن فيه تردد من ذلك و مما في المسالك و غيرها من سبق حق المدبر على حق الوارث، فلا ينتقل إليه خصوصا عند من منع من بيع المدبر، فإذا مات السيد انعتق ثلثه لا غير، إذ لا مال له سواه، ثم قال: «و هل يعجل للوارث الثلثان؟ يحتمله، لعدم فائدة في حبسه عنهم إن لم نقل بقبول توبته، و إلا فالفائدة محتملة بتجدد مال آخر له على تقدير التوبة» و في المبسوط أطلق القول ببقاء التدبير مع الارتداد، و الأشهر التفصيل و إن كان ما ذكره الشيخ متجها لأمر نذكره في أحكام المرتد إنشاء الله،

ج 34، ص: 215

و ربما قيل بانعتاقه بالارتداد عن فطرة تنزيلا له منزلة الموت، و هو بعيد.

قلت: لعل جعل ذلك وجها للتردد أولى من الأول المنافي للنص (1)

و الإجماع على زوال ملكه عنه بالارتداد و إن قلنا بقبول توبته، و الفرض أنه مال قابل للانتقال، بل بقاؤه أو الثلث منه ملكا له مستلزم لملك الكسب الحاصل منه، و لغير ذلك مما لا يلتزم، و سبق حق التدبير بعد فرض انتفاء شرط الصحة قبل الموت غير مجد، و دعوى منع الشرط المزبور- فينتقل إلى الوارث، لعدم اشتراط العتق عنه بملكيته، كما سمعته في «أعتق عبدي عنك»- منافية لما هو كالمسلم عندهم، بل ظاهرهم المفروغية عنه و إن تقدم في كتاب البيع احتمال صحة بيعه مدبرا نحو بيعه جانيا، إلا أن كلامهم صريح في خلافه، كما هو واضح. و لم ندر الأمر الذي يذكره في حكم المرتد بحيث يقتضي بقاء صحة تدبيره، و الله العالم.

و لو ارتد لا عن فطرة ثم دبر صح بناء على عدم اعتبار القربة فيه، لإطلاق الأدلة و عدم خروج ماله عن ملكه بالارتداد المزبور، لكن مع ذلك قال المصنف على تردد و لا وجه له بعد الجزم بصحته من الكافر المبنى على عدم اشتراط القربة، و من هنا جزم بالصحة في القواعد على تقدير عدم الاشتراط، إلا أنه قال:

فان تاب نفذ و إلا فلا، و ظاهره أن الصحة مراعاة بذلك، و في كشف اللثام تبعا للدروس و للصيمري تعليل عدم النفوذ مع عدم التوبة بالحجر و إن كان لم يتضح لنا الان الوجه في شي ء من ذلك، لكن سهل الخطب عندنا عدم صحته عندنا، لما عرفت من اشتراط نية القربة فيه، و هي متعذرة من الكافر من غير فرق بين المرتد و غيره، و لعل وجه التردد حينئذ ذلك، على معنى أنه يصح جزما لعدم ثبوت الحجر عليه، و يحتمل الصحة مراعاة أو على معنى أنه يصح، و لكن قد تردد فيها لكونه محجورا عليه كالسفيه على وجه لا يصح التصرف منه و إن لحقته التوبة التي تفك


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المرتد الحديث 2 و 3 و 7 من أبواب الحدود.

ج 34، ص: 216

الحجر عنه حين حصولها لا فيما تقدم، بل حكى في شرح ترددات الكتاب عن المبسوط الحكم بالبطلان للحجر، و الله العالم.

و لو كان ارتداده عن فطرة ثم دبر لم يصح لخروج المال عن ملكه بارتداده، و لاشتراط نية القربة فيه و لكن أطلق الشيخ في المحكي عن المبسوط الجواز، و فيه إشكال ينشأ من زوال ملك المرتد عن فطرة نعم لو فرض تجدد ملك له بعد الردة و قلنا بأنه يملك معها و إن زال الأول صح إطلاقه حينئذ بناء على عدم اشتراط نية التقرب لكن ذلك كله شك في شك.

و التحقيق عدم الصحة من المرتد مطلقا لما عرفت.

و في المسالك «إطلاق الشيخ الجواز يدل على منع انتقال المال عنه، و هو قول ابن الجنيد، و لم يفرق بين الملي و الفطري، و استفادة الفرق بينهما و إثبات الأحكام المشهورة من النصوص مشكل، و سيأتي البحث فيه» قلت: لا إشكال فيه كما حررناه في محله.

و لو ارتد المملوك لم يبطل تدبيره بلا خلاف كما عن الخلاف، للأصل إلا أنه قيده بالارتداد الذي يستتاب فيه، و تبعه القاضي، و لعله لبطلان تدبير غيره كما أنه يبطل تدبير الأول لو التحق بدار الحرب عندنا كما عن المبسوط، لأنه إباق و زيادة، خلافا للشافعي. و لو مات قبل التحاقه عتق، و الله العالم.

و لو دبر الكافر كافرا فأسلم بيع عليه سواء رجع في تدبيره أو لم يرجع لأنه على كل حال باق على ملكه، و مستحق لاستخدامه، فهو سبيل له عليه، و علو منه عليه، و قد تقدم في كتاب التجارة (1) أن مثله يباع على مالكه قهرا، فما عن ابن البراج- من أنه يتخير بين الرجوع في التدبير، فيباع عليه و بين الحيلولة بينه و بينه و كسبه للمولى، و بين استسعائه، و حينئذ فينفق عليه من كسبه فان فضل منه شي ء فهو للمولى- لم أقف له على دليل.


1- 1 راجع ج 24 ص 149.

ج 34، ص: 217

و على كل حال ف لو مات السيد قبل بيعه عليه و قبل الرجوع في التدبير تحرر من ثلثه للإطلاق و لو عجز الثلث تحرر ما يحتمله، و كان الباقي للوارث، فان كان مسلما استقر ملكه و إن كان كافرا بيع عليه بلا إشكال في شي ء من ذلك و يصح تدبير الأخرس عندنا بالإشارة المفهمة القائمة مقام اللفظ كباقي تصرفاته. و كذا رجوعه الذي هو منها من غير فرق بين الذاتي منه و العرضي.

و لو دبر صحيحا ثم خرس و رجع بالإشارة المعلومة صح لاتحاد المدرك في الجميع، هذا و في المسالك نبه بقوله: «و كذا رجوعه على خلاف بعض العامة، حيث منع من رجوعه بالإشارة و إن جوز تدبيره بها بناء على أن الرجوع لا يصح عنده بالقول بل بالفعل، و غاية إشارته أن تقوم مقام القول، فلا يزيد الفرع على أصله» قلت: هو ليس حينئذ خلافا فيما نحن فيه، و الأمر سهل، و الله العالم.

ج 34، ص: 218

[المقصد الثالث في الأحكام]
[مسائل]
[المسألة الأولى التدبير بصفة الوصية يجوز الرجوع فيه قولا]

المقصد الثالث في الاحكام

و هي مسائل:

الأولى:

التدبير بصفة الوصية في الرجوع و في الخروج من الثلث و غيرهما من الأحكام التي ستعرفها، لا أنه وصية حقيقة وفاقا للمحكي عن المقنع و المقنعة و الخلاف و النهاية و السرائر و الغنية و الوسيلة و الجامع و غيرها، لصحة السلب، و لخروجه عن المعروف في تعريفها الذي مر في محله، و لعدم الاحتياج في تحريره إلى صيغة أخرى، إذ لم يثبت مشروعية إنشاء التحرير بها، كما ثبت إنشاء التمليك بها، و ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح هشام (1)

«هو مملوكه بمنزلة الوصية»

و في

صحيح معاوية بن عمار (2)

«هو بمنزلة الوصية يرجع فيما شاء منها»

و في خبر أبي بصير (3)

«المدبر مملوك، و لمولاه أن يرجع في تدبيره- إلى أن قال- و هو من الثلث إنما هو بمنزلة رجل أوصى بوصية ثم بدا له بعد فغيرها من قبل موته».

و لا ينافي ذلك

الموثق (4) عنه عليه السلام «سألته عن المدبر أ هو من الثلث؟ قال: نعم،


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من كتاب الوصايا الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من كتاب الوصايا الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التدبير الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التدبير الحديث 2.

ج 34، ص: 219

و للموصي أن يرجع في وصيته في صحة أو مرض»

ضرورة إمكان ترتب ذلك على كونه بمنزلتها، كما هو واضح.

بل هو نحو

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أحدهما عليهما السلام «المدبر من الثلث، و للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة أو مرض»

بل يمكن إرجاع ما في النافع و محكي المبسوط من أن التدبير وصية إلى إرادة ما عند المشهور من كونه كالوصية، خصوصا بعد قوله في الأول متصلا: «يرجع فيه المولى إن شاء» المشعر بكونه كالوصية في ذلك، و خصوصا بعد ما حكي من ظهور الإجماع في المبسوط على ذلك، إذ قد عرفت أن الإجماع لظن كونه بصفتها لا أنه منها حقيقة، إذ لم نعثر على من سبقه إلى ذلك، و جواز الرجوع فيه و خروجه من الثلث لا يقتضي كونه منها حقيقة، و إنما هما الوجه في تنزيله منزلتها و تشبيهه بها.

إنما الكلام في إطلاق تنزيله منزلتها على وجه يرجع إليه في غير ما نص عليه من أحكامها، و اختصاصه بما ورد منها دون غيره، فيبقى على ما تقتضيه الأصول و القواعد في العتق المعلق، وجهان أقواهما الثاني كما اعترف به في المسالك، لعدم إطلاق يوثق بإرادة حكم الإطلاق منه في النصوص بل و الفتاوى.

و من ذلك يظهر لك النظر فيما في الرياض من أن «ثمرة الخلاف هينة، لعدم ظهورها إلا في النذر و ما شاكله، فيتحقق الامتثال بالتدبير لو التزم وصية على ما في العبارة و الموثقة (2)

و على المختار لا بد من وصية اخرى».

بل هو من غرائب الكلام، خصوصا بعد قوله في المسالك بعد ذكره القول بأنه عتق مشروط أو وصية «و هما أصل كثير في تفريع مسائل الباب» و خصوصا بعد ما سمعت من ابتناء جملة من الفروع عليه، بل يكفي في الثمرة أنه يعتبر فيه ما يعتبر في العتق من القربة و الصيغة الخاصة و نحوها، بناء على أنه منه حقيقة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التدبير الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التدبير الحديث 2.

ج 34، ص: 220

و إن كان كالوصية في الرجوع و الخروج من الثلث و نحوهما من الأحكام، إذ لا يعتبر فيه شي ء من ذلك، بناء على أنه من الوصية حقيقة، ضرورة عدم تناول أدلة العتق له.

و أغرب من ذلك قوله فيه أيضا: «و بالجملة الأقوال في المسألة ثلاثة أحدها أنه وصية كما في العبارة، و ثانيها عتق معلق، و ثالثها إيقاع مستقل لكنه بمنزلة الوصية في الأحكام من نفوذه من الثلث و جواز الرجوع فيه، و عليه كما عرفت أكثر الطائفة» إذ مقتضاه عدم جريان الأحكام المزبورة على القول الثاني، مع أنه لم يعرف خلاف في جريانها عليه على كل حال، كما اعترف به في كشف اللثام، بل لم نعثر على قائل صريحا بما نسبه إلى أكثر الطائفة.

نعم في موضع من المسالك بعد أن ذكر القولين الأولين قال: «و لو قيل بأن التدبير إيقاع برأسه و إن شابه العتق المعلق بوجه و الوصية بوجه كان حسنا و فيه جمع بين الأدلة و سلامة من تناقض الأحكام المترتبة عليه غالبا» و هو كالصريح في عدم قائل بذلك، و لعله لصدق العتق المعلق عليه لغة و شرعا و عرفا.

لكن قال أيضا في موضع آخر منها: «و التحقيق أنه بمنزلة الوصية لا عينها كما ذكره هنا، لأنه لو كان وصية محضة لافتقر في عتقه إلى صيغة بعد الموت، و لا يلزم من كونه بمنزلتها مساواتها في جميع الأحكام، بل المراد أنه بمنزلتها في الأحكام المسؤول عنها في الروايات، و هو كونه من الثلث و يجوز الرجوع فيه و نحو ذلك، و ليس بعتق معلق أيضا، كما قال ابن إدريس و غيره، و إلا لما صح الرجوع فيه، فكونه مترددا بينهما في بعض الأحكام و مستقلا بنفسه- و من ثم وقع بصيغته الخاصة الخارجة عن الأمرين- أظهر».

و فيه أن اختلاف الأحكام لا مدخلية له في مهية الشي ء و حقيقته، و حينئذ فمراد القائل بكونه بصفة الوصية و ليس منها حقيقة و هو الأكثر أنه عتق معلق بصفتها في جواز الرجوع و الخروج من الثلث و نحوهما من الأحكام التي لا تقتضي كونه إيقاعا مستقلا كما هو واضح.

ج 34، ص: 221

و كيف كان فلا خلاف بيننا نصا و فتوى في أنه يجوز الرجوع فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواترا، و لا فرق فيه عندنا بين أن يكون قولا كقوله: رجعت في هذا التدبير أو نقضته أو فسخته أو نحو ذلك و فعلا يدل على قصده الرجوع كأن يهب و إن لم يقبض أو يعتق أو يقف و إن لم يقبض أو يوصي به خلافا للشافعي في أحد قوليه سواء كان التدبير مطلقا بأن علقة على مطلق الموت أو مقيدا بالموت في سفره أو مرضه، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، فخص الجواز بالثاني.

و كذا لو باعه بطل تدبيره و إن لم يقصد به الرجوع، لاقتضاء البيع خروجه عن ملكه المنافي لبقاء تدبيره.

و قيل: إن رجع في تدبيره ثم باع صح بيع رقبته، و كذا إن قصد ببيعه الرجوع و إن لم يقصد مضى البيع في خدمته دون رقبته و تحرر بموت مولاه، (11) و ظاهره اختصاص الخلاف في البيع إذا لم يقع رجوع قبله و لم يقصد به الرجوع.

و نحوه الفاضل في القواعد و إن لم يذكر القيد الثاني، قال فيها: «و يجوز الرجوع في التدبير قولا أو فعلا، فلو وهب و إن لم يقبض أو أعتق أو وقف أو أوصى به أو باعه على رأي أو رهنه بطل التدبير، مطلقا كان أو مقيدا، و يصح العقد و إن لم يرجع في التدبير، و سواء قصد ببيعه الرجوع أولا، و هل يبطل التدبير بالعقود الفاسدة؟ الأقرب ذلك إن لم يعلم فسادها أو قصد الرجوع، و قيل: لا يبطل التدبير بالبيع إذا لم يرجع فيه، بل يمضي البيع في خدمته دون رقبته».

و في التنقيح «لا خلاف أنه مع تقدم الرجوع القولي أو التصريح بقصد الرجوع ببيعه أنه يبطل التدبير، و مع عدم الأمرين إن صرح ببيع رقبته أو هبتها كذلك و إن صرح ببيع منافعه أو هبتها لم يكن رجوعا، و تحرر بموت سيده أما مع الإطلاق فأكثر الأصحاب قالوا بانصراف البيع و الهبة إلى منافعه، و أنه لا يبطل

ج 34، ص: 222

بذلك و قال الحليون ببطلان التدبير و صحة البيع».

و قال في الدروس: «صريح الرجوع رجعت في تدبيره أو نقضت أو أبطلت أو شبهه دون إنكار التدبير، أما لو باعه أو وهبه و لما ينقض تدبيره فأكثر القدماء على أنه لا ينقض التدبير، فقال الحسن يبيع خدمته أو يشترط عتقه على المشتري فيكون الولاء له، و قال الصدوق: لا يصح بيعه إلا أن يشترط على المشتري إعتاقه عند موته، و قال ابن الجنيد: تباع خدمته مدة حياة السيد، و قال المفيد: إذا باعه و مات تحرر و لا سبيل للمشترى عليه، و قال الشيخ في النهاية: لا يجوز بيعه قبل نقض تدبيره إلا أن يعلم المشتري بأن البيع للخدمة، و تبعه جماعة و الحليون إلا الشيخ يحيى على بطلان التدبير بمجرد البيع» إلى آخره إلى غير ذلك من كلماتهم المذكورة في تحرير محل النزاع، لكن ما وصل إلينا من كلمات القدماء غير منطبق على ذلك، و إنما هو في بيع خدمة المدبر إذا أراد بيعه مدبرا.

قال في النهاية: «التدبير بمنزلة الوصية يجوز للمدبر نقضه ما دام فيه الروح، فان نقضه جاز له بعد ذلك بيعه و هبته و التصرف فيه بجميع أنواع التصرف، و متى لم ينقض التدبير و أمضاه على حاله ثم مات المدبر كان المدبر حرا من الثلث، فان نقص عنه انعتق و إن زاد عليه استسعى في الباقي، و متى أراد المدبر بيعه من غير أن ينقض تدبيره لم يجز له إلا أن يعلم المبتاع أنه يبيعه خدمته، و أنه متى مات هو كان حرا لا سبيل عليه» و هو كالصريح في جواز بيع خدمة المدبر لأنه إذا أطلق البيع انصرف إليها، و نحوه ما في محكي المهذب و الكامل.

قال في الأول: «يجوز لسيد المدبر أن يبيع خدمته إذا ثبت على تدبيره، و لم يرجع عنه، فيشتريه المشتري كذلك، فيخدمه أيام حياة الذي دبره، فإذا مات عتق من الثلث».

و قال في الثاني: «من دبر مملوكا و أراد بيعه لم يجز له ذلك إلا أن ينقض تدبيره أو يعلم المشتري أنه يبيعه خدمته، و أنه متى مات هو كان حرا لا

ج 34، ص: 223

سبيل له عليه».

و كذا المحكي عن أبي الصلاح قال: «يجوز بيعه في حال تدبيره، فإذا مات مدبره تحرر على مبتاعة، فإن كان عالما بتدبيره حال ابتياعه و إلى أن مات مدبره فلا شي ء له، و إن لم يعلم رجع إلى التركة بما نقد فيه، و إن كان باعه بعد ما رجع في تدبيره لم يتحرر بموت مدبره».

و أما ابن حمزة فلم يتعرض لهذه المسألة، و إنما اقتصر على بيان عدم جواز رجوعه بنفس التصرف، قال: «و ليس له التصرف فيه بالبيع و الشراء و الهبة و غير ذلك رجوعا و إذا أراد ذلك رجع ثم باع أو فعل ما شاء».

و أما ابن أبي عقيل فظاهره عدم جواز بيع المدبر إلا مع اشتراط عتقه على المشتري، و أنه يجوز بيع خدمته قال: «ليس للمدبر أن يبيع المدبر إلا أن يشترط على المشتري عتقه، و إذا أعتقه المشتري فالولاء لمن أعتق، و له أن يبيع خدمته، فإذا مات المدبر فالمدبر حر».

و كذلك الصدوق لكن لم يتعرض لبيع خدمته قال: «و إذا أعتق الرجل غلامه أو جاريته على دبر منه ثم يحتاج إلى ثمنه فليس له أن يبيعه إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته» و هو كما ترى لا تعرض في كلامهما لانصراف البيع عند الإطلاق إلى الخدمة كما سمعته في تحرير محل النزاع.

و كذلك ابن الجنيد على ما حكي من عبارته في المختلف قال:

«عن أمير المؤمنين عليه السلام (1)

«إن رسول الله صلى الله عليه و آله باع خدمة المدبر، و لم يبع رقبته،»

و لا بأس عندنا ببيع رقبة المتطوع بتدبيره إذا احتاج السيد إلى ثمنه، لحديث جابر (2)

فأما المدبر عن نذر قد كان ما نذر فيه و وجب على السيد تدبيره فلا يجوز


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 4.
2- 2 المستدرك الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث 7 و سنن البيهقي ج 10 ص 308.

ج 34، ص: 224

بيع رقبته، و إنما يباع من هذا خدمته مدة حياة سيده، و الأحوط أن يباع ذلك منه بمكاتبة أو غيرها، و لا اختار بيع المتطوع بتدبيره و خدمته الواجب تدبيره في دين أو غيره إلا إذا لم يف ملك السيد بدينه، و لم يكن به غني عن بيعه و لو باع خدمة مدبرة من نفسه لم يسقط ما وافقه عليه بموت السيد، فان كان مال حال وجب عند موته و إن كان منجما كان للورثة على نجومه، كالكتابة، إذ هو كما ترى صريح في خلاف ما سمعته من تحرير النزاع.

نعم ظاهر عبارة المقنعة جواز بيع المدبر على وجه يكون ملكا للمشتري، إلا أن يموت المدبر، قال: «و لمالك العبد أن يبيعه بعد التدبير له، غير أنه متى مات البائع صار حرا لا سبيل للذي ابتاعه عليه» و يمكن أن يريد بيع الخدمة و يكون كلام الشيخ ره كالتفسير له، لاستبعاد إرادة بيع الرقبة على الوجه المزبور و إن ذكر الفاضل نحوه في تأويل كلام القائلين ببيع الخدمة، و قال: «إنه كبيع العبد المشترط حريته» إلا أنه كما ترى.

و كأنه أخذه مما في محكي المبسوط من أنه

«روى أصحابنا (1)

أن التدبير باق، إذا مات السيد يعتق في ملك المشتري،

و ينبغي أن يبيعه بهذا الشرط، و متى عاد إليه ملكه بغير ذلك فهل يعود حكم التدبير؟ قال قوم: يعود تدبيره، و إن كان لم ينقض تدبيره فالتدبير باق، لأن عندنا يصح بيع خدمته دون رقبته مدة حياته» و هو صريح في انتقاضه بالبيع، خصوصا بعد قوله قبل ذلك: «لو جنى المدبر فان اختار سيده تسليمه للبيع فان استغرق الأرش قيمته بيع فيها و بطل التدبير، و إن كان الأرش لا يستغرق قيمته و لم يمكن بيع بعضه بيع كله، و الفضل لسيده، و إن بيع بعضه كان الباقي مدبرا، و كل موضع زال ملكه عنه زال التدبير».


1- 1 المبسوط ج 6 ص 172 و لفظه هكذا «روى أصحابنا أن التدبير باق و إذا مات السيد.».

ج 34، ص: 225

و نحوه ما عن الخلاف «أن بيع المدبر و هبته و وقفه ناقض للتدبير، و لو وهبه كانت الهبة رجوعا في التدبير سواء أقبضه أو لا، و كذا لو أوصى به» ثم قال في الخلاف أيضا: «إذا دبر عبدا ثم أراد بيعه و التصرف فيه كان له ذلك إذا نقض، فان لم ينقض تدبيره لم يجز بيع رقبته، و إنما يجوز له بيع خدمته مدة حياته» و بالجملة إنما كلامهم أو أكثرهم في مشروعية بيع خدمة المدبر إذا لم يرد نقض تدبيره، لا في انصراف البيع إليها.

و السبب في ذلك بعض النصوص الدالة على ذلك، ك

خبر السكوني (1) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام «باع رسول الله صلى الله عليه و آله خدمة المدبر و لم يبع رقبته»

و خبر علي (2)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعتق جارية له عن دبر في حال حياته، قال: إن أراد بيعها باع خدمتها في حياته، فإذا مات انعتقت الجارية»

و هما مع ضعفهما و موافقتهما للمحكي عن بعض العامة محتملان لإرادة مطلق النقل من البيع كالصلح أو الإجارة مدة معينة فمدة و هكذا و غيرهما لا البيع حقيقة، ضرورة معلومية كون مورده الأعيان لا المنافع، خصوصا مع جهالتها، و دعوى اختصاص الموضع المزبور بذلك كما سمعته من الدروس بعيدة، لقصور الخبرين المزبورين عن إثبات ذلك.

و كذا الكلام في

خبر أبي مريم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «سئل عن رجل يعتق جاريته عن دبر أ يطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟ فقال:

نعم أي ذلك شاء فعل»

و أبعد منه حملهما على إرادة بيع الرقبة إلى أن يموت البائع، فينعتق عليه بمعنى ملكية متزلزلة إلى الموت، كما سمعته من الفاضل و فرع عليها فروعا.

و أما ما سمعته من الصدوق و ابن أبي عقيل فيدل عليه

صحيح ابن مسلم (4) عن أحدهما عليهما السلام «في رجل يعتق غلامه أو جاريته في دبر منه ثم يحتاج إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث 6.

ج 34، ص: 226

ثمنه أ يبيعه؟ فقال: لا، إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته»

و نحوه صحيح الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام الذي ينبغي حملهما على ضرب من الكراهة، ك

خبر وهب (2) عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام «إن عليا عليه السلام قال:

لا يباع المدبر إلا من نفسه»

الموافق للمحكي عن بعض العامة.

و كذا ما دل على تقييد البيع بالاحتياج أو رضا المملوك ك

صحيح ابن مسلم (3)

«قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل دبر مملوكه ثم يحتاج إلى الثمن قال: إذا احتاج إلى الثمن فهو له، يبيع إن شاء و إن شاء أعتق، فذلك من الثلث»

و موثق إسحاق بن عمار (4)

«قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الرجل يعتق مملوكه عن دبر ثم يحتاج إلى ثمنه، قال: يبيعه، قلت: فان كان عن ثمنه غنيا قال: إن رضي المملوك فلا بأس»

و صحيح جميل (5)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المدبر أ يباع قال: إن احتاج صاحبه إلى ثمنه، و قال: إذا رضي المملوك فلا بأس»

و خبر أبي بصير (6)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد و الأمة يعتقان عن دبر، قال:

لمولاه أن يكاتبه إن شاء و ليس له أن يبيعه إلا أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته، و له أن يأخذ ماله إن كان له مال»

لعدم قائل بمضمونها حتى من القائلين ببيع الخدمة.

و على كل حال فلا ينكر دلالة هذه النصوص أجمع على ناقضية بيع المدبر لتدبيره.

مضافا إلى

صحيح ابن مسلم (7)

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل دبر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث 6 و التهذيب ج 8 ص 263 الرقم 960 و الاستبصار ج 4 ص 28 الرقم 96.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التدبير الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث 1.

ج 34، ص: 227

مملوكا ثم احتاج إلى ثمنه، فقال: هو مملوكه إن شاء باعه و إن شاء أعتقه و إن شاء أمسكه حتى يموت، فإذا مات السيد فهو حر من ثلثه»

و خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «المدبر مملوك، و لمولاه أن يرجع في تدبيره إن شاء باعه و إن شاء وهبه و إن شاء أمهره»

مضافا إلى غيرهما من النصوص بل لا ينكر ظهورهما خصوصا الأخير منهما في حصول الرجوع بالبيع إذا قصده، خلافا لما سمعته من ابن حمزة.

فتحصل من جميع ما ذكرناه أنه لا إشكال في بطلان تدبيره برجوعه عنه، فله بيعه و غيره، و كذا لو قصد ببيعه الرجوع به، بل و كذا لو أطلق بيعه غير مستحضر لذلك أو لتدبيره، لاقتضاء البيع نقل رقبته، و هو مقتض لإبطال تدبيره.

نعم لو صرح ببيع خدمته مع إرادة بقاء تدبيره أو ببيع رقبته كذلك ففيه البحث السابق الذي قد عرفت فيه أن الأصح عدم جوازه، و كذا لو أطلق البيع مريدا ذلك من غير إعلام المشتري، و الكلام مع القدماء في مشروعية ذلك، و لو حمل كلامهم على نحو ما سمعته منا في حمل النصوص ارتفع النزاع من البين، و خلت المسألة عن الأشكال. و مما ذكرنا يظهر لك النظر في جملة من الكلمات، و الله العالم بحقيقة الحال.

و لو أنكر المولى تدبيره على وجه لم يقصد الرجوع به لم يكن رجوعا لغة و لا شرعا و لا عرفا، ضرورة تمايز إنشاء الرجوع بالشي ء و إنكار أصل إيقاعه، خصوصا إذا كان مع النسيان مثلا، فما عن بعضهم- من أنه يكون رجوعا لاستلزامه رفعه في سائر الأزمان، فكان أبلغ من الرجوع المقتضي لرفعه في الزمن المستقبل خاصة- واضح الفساد و كذا الكلام في سائر ما كان عنوان إبطاله الرجوع و نحوه من وكالة أو وصية و نحوهما، عدا الطلاق الذي قد ورد النص (2)


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التدبير الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

ج 34، ص: 228

الصحيح فيه بكونه رجوعا، و قد عرفت تحقيقه فيما تقدم.

و كذا الكلام فيما لو ادعى المملوك التدبير و أنكر المولى فحلف إذ الحلف لم يفد الرجوع، و إنما يؤكد الإنكار، و يقتضي ارتفاعه ظاهرا و حينئذ لم يبطل التدبير في نفس الأمر فلو مات السيد على الحال المزبور بحيث لم يحصل منه ما يدل على الرجوع انعتق المملوك فيما بينه و بين الله تعالى شأنه.

و قد تظهر الفائدة ظاهرا لو اعترف المولى بعد الحلف بكذبه فيه، فان جعلنا الإنكار رجوعا لم يعد باعترافه و إلا بقي بحاله، فيثبت ظاهرا أيضا حيث يعترف به، بل في المسالك و قد تظهر فائدته أيضا لو كان الحلف لعدم البينة ثم وجدت بعد ذلك، و هو مبني على سماع البينة بعد اليمين، و قد حققنا ذلك في كتاب القضاء، و الله العالم.

ج 34، ص: 229

[المسألة الثانية ينعتق بموت مولاه من ثلث مال المولى]

المسألة الثانية لا خلاف نصا (1)

و فتوى في أن المدبر عن حياة سيده ينعتق بموت مولاه من ثلث مال المولى، فان خرج منه و إلا تحرر من المدبر بقدر الثلث و حينئذ ف لو لم يكن سواه عتق ثلثه نعم لو علقه بموت المخدوم مثلا و مات في حياة المولى و صحته لم يعتبر من الثلث و إن قلنا إنه تدبير بلا خلاف و لا إشكال، لأنه كتعجيل العتق في حال الصحة، و إطلاق النص (2)

و الفتوى خروج المدبر من الثلث منزل على الغالب من كونه معلقا بموت المولى.

نعم في المسالك «لو مات المخدوم في مرض موت المولى أو بعده فهو من الثلث، كالمعلق على وفاة المولى، و لو كان واجبا بنذر و شبهه فان كان في مرض الموت لم يتغير الحكم، و إن كان في حال الصحة فإن كان المنذور هو التدبير فالأظهر أنه من الثلث أيضا، لأنه لا يصير واجب العتق بذلك، بل إنما يجب تدبيره، فإذا دبره بري ء من النذر، و لحقه حكم التدبير، و إن كان قد نظر عتقه بعد الوفاة فهو من الأصل كغيره من الواجبات المالية، و مثله نذر الصدقة و نحوها بمال بعد الوفاة، و في التحرير ساوي بين الأمرين في خروجه من الأصل، و نقله في الدروس عن ظاهر الأصحاب، و الأظهر الأول و حينئذ لو جوزنا تعليق العتق على الشرط فقال: هو حر قبل مرض موتي بيوم مثلا خرج من الأصل، و كذا لو جعلنا المنجزات من الأصل فعلقه على آخر جزء من حياته، و لو نذر عتقه أو الصدقة بالمال أو صرفه في بعض الوجوه السابقة في آخر يوم من أيام صحته فكذلك أو في آخر يوم من أيام حياته على القول الآخر».

قلت: قال في الدروس: «التدبير ثلاثة أقسام: واجب، و لا يصح الرجوع فيه إن قال: لله علي عتق عبدي بعد وفاتي، و لو قال: لله علي أن أدبر عبدي فكذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التدبير.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التدبير.

ج 34، ص: 230

في ظاهر كلام الأصحاب، لأن الغرض التزام الحرية بعد الوفاة لا مجرد الصيغة، و عن ابن نما جواز الرجوع لوفائه بنذره بإيقاع الصيغة، فيدخل في مطلق التدبير- ثم قال فيها في آخر كتاب التدبير-: و لو كان التدبير واجبا أو معلقا بموت الغير فمات في حياة المولى فهو من الأصل» و في التحرير «أما التدبير الواجب بالنذر و شبهه فلا يجوز فيه الرجوع، و يخرج من أصل المال» و في الرياض عن الانتصار الإجماع على ما نسبه في الدروس إلى الأصحاب.

قلت: قد يناقش فيما ذكره في المسالك أولا بعدم صدق التبرع به في مرض، و إن حصل تنجيزه به و لكنه بسبب حال الصحة، و لا أقل من الشك، و الأصل الخروج من الأصل، و لعله لذا أطلق في الدروس الخروج من الأصل مع حياة المولى.

بل قد يناقش في الخروج من الثلث فيما بعد الوفاة أيضا، للأصل السالم عن معارضة إطلاق الأدلة الظاهرة في وفاة المولى المدبر له، لا فيما يشمل الفرض الذي مقتضي الأصل فيه الخروج من الأصل بعد أن لم يصدق عليه أنه وصية و لا يندرج في إطلاق أدلة التدبير. و مما ذكرنا يعلم الحال فيما ذكره من الأمثلة للعتق المعلق على فرض جوازه.

بل قد يناقش فيما ذكره في التدبير الواجب بنذر و شبهه من التفصيل بين كونه في المرض و بين كونه في الصحة بأنه مناف لما سمعته من إطلاق التحرير و الدروس الذي يؤيده ما عرفت من كون الأصل الخروج من الأصل الذي ينبغي الاقتصار في خلافه على المتيقن الذي هو التبرع المحض على وجه لا يلحق باسم الدين أو ما في حكمه مما يخرج من الأصل، و منه النذر و لو في حال المرض، إلا أن الانصاف عدم خلوه من الإشكال فتأمل.

و قد يناقش فيما ذكره أخيرا أيضا بأن مرجع النزاع إلى لفظ، ضرورة تبعية النذر للقصد الذي لا ينبغي النزاع فيه بعد معلوميته، و مع الإطلاق و عدم قرينة فلا ريب في أن التدبير اسم لنفس إنشاء التدبير بصيغته إلا أن تقوم قرينة على إرادة

ج 34، ص: 231

أثره لا نفس الصيغة، فيكون كنذر حريته بعد الوفاة التي قد يمنع صدق اسم التدبير عليها بعد فرض عدم إنشائه بصيغته الخاصة به، و موافقة النذر للتدبير في النتيجة لا يقتضي الاندراج في الاسم.

و على كل حال فلا يخرج عن ملكه بالنذر المزبور إجماعا بقسميه، لاستلزامه الحنث في نذره، فلو فعل ففي الرياض صح، للعموم مع عدم المخرج عنه سوى النهي الغير المستلزم للفساد في المعاملات، نعم يأثم و تلزمه الكفارة مع العلم لا مع النسيان على الظاهر لعدم الحنث، و في الجاهل وجهان، و فيه أن انعقاد النذر يقتضي تشخيصه للنذر كتشخيصه للشرط مثلا كما تسمع تحقيقه إنشاء الله في كتاب النذور.

و لو دبر جماعة فان خرجوا من الثلث فذاك و إلا عتق من يحتمله الثلث و بدئ بالأول فالأول مع فرض ترتبهم، بناء على أن التدبير من الوصية التي مر في بابها أن ذلك حكمها نصا (1)

و فتوى أو منزل منزلتها على وجه يشمل الحكم المزبور أو على أن الحكم المزبور على وفق القواعد في الوصية و في المقام باعتبار أولوية كل سابق على مسبوقة في التعليق بالحق و إن كان لا يخلو من نظر، ضرورة اتحاد الجميع في كيفية التعلق، و مجرد السبق في الوجود لا يقتضي التقدم بعد اشتراك الجميع في الوصية مثلا.

و على كل حال ف لو جهل الترتيب استخرجوا بالقرعة بلا خلاف و لا إشكال، كما أنه لا خلاف و لا إشكال في توزيع الثلث بينهم، فمع فرض إيقاع تدبيرهم بصيغة واحدة.

و لو كان على الميت دين يستوعب التركة بطل التدبير و بيع المدبرون فيه لأنه وصية أو بمنزلتها بالنسبة إلى ذلك، و كذا ما في معناه من التنجيز و الإيصاء المتقدم عليه لفظا، فيخرج أولا ثم يعتق المدبر من الثلث الباقي، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 66- من كتاب الوصايا الحديث 1.

ج 34، ص: 232

خبر الحسن بن علي بن أبي حمزة (1) عن أبي الحسن عليه السلام «قلت له: أبي هلك و ترك جاريتين قد دبرهما، و أنا ممن أشهد لهما، و عليه دين، فقال: رحم الله أباك قضاء دينه خير له إنشاء الله».

و إلا يكن الدين مستوعبا بيع منهم بقدر الدين بالقرعة، كما صرح به الصيمري، قال: «فان كان الدين بقدرهم مثلا و لا تركه سواهم كتب رقعة للدين و اخرى للتركة بعد أن يقسم العبيد قسمين، و إن كان بقدر ثلث العبيد كتب ثلاث رقاع: واحدة للدين و اثنتين للتركة، و كذلك الحكم لو أعتق المريض في مرض الموت و مات و عليه دين و احتجنا إلى بيع بعض المعتقين».

و على كل حال فإذا أخرج بها كل من اخرج للدين تحرر ثلث من بقي سواء كان الدين سابقا على التدبير أو لاحقا على الأصح الموافق للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا إذ لم نعرف مخالفا إلا الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار و ليست كتاب فتوى، و تبعه القاضي، ففرق بينهما، فقدم التدبير على الدين إذا كان لاحقا و بالعكس إذا كان سابقا ل

صحيح أبي بصير (2)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دبر غلامه و عليه دين فرارا من الدين، قال: لا تدبير له، و إن كان دبره في صحة منه و سلامة فلا سبيل للديان عليه»

و الحسين بن علي بن يقطين (3)

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن بيع المدبر، قال: إذا أذن في ذلك فلا بأس به، و إن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له، و إن كان دبره في صحة و سلامة فلا سبيل للديان عليه، و يمضي تدبيره»

القاصرين عن معارضة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التدبير الحديث 3 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التدبير الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التدبير الحديث 1 عن الحسين عن على ابن يقطين كما في التهذيب ج 8 ص 261 الرقم 950 و الاستبصار ج 4 ص 28 الرقم 91.

ج 34، ص: 233

ما تقدم من النصوص (1)

الدالة على أنه بمنزلة الوصية و أنه من الثلث و أن قضاء الدين خير له من وجوه، فيطرحان أو يحملان على التدبير الواجب بنذر و شبهه، فإذا وقع كذلك مع سلامة من الدين فلا سبيل للديان عليه، و لو نذره فرارا من الدين لم ينعقد نذره، لأنه لم يقصد به الطاعة، بل ظاهرهما اعتبار قصد الفرار في الشق الأول، و لم يقل به أحد، بل هما ظاهران بالنظر إلى سياقهما في التفصيل بين قصد الفرار و عدمه المعبر عنه بالصحة و السلامة، لا تقدم الدين و تأخره، و حينئذ يكونان أعم من المدعى، و يخرجان عن الدلالة على التفصيل المزبور، بل ربما احتمل أن المراد منهما التفصيل بين حالتي الصحة و المرض، بل قيل: إنه المتبادر من اللفظتين عند الإطلاق و إن كان هو كما ترى، إلا أن المراد بيان إجمال الروايتين على وجه لا وثوق بالمراد منهما بحيث يصلح لمعارضة ما عرفت.

هذا و لكن في

صحيح الحلبي (2)

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل قال: إن مت فعبدي حر و على الرجل دين، فقال: إن توفي و عليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد، و إن لم يكن أحاط بثمن العبد استسعى العبد في قضاء دين مولاه، و هو حر إذا أوفى»

و لعل وجهه انعتاق جزء منه مع فرض عدم الإحاطة، فيستسعى حينئذ كما أن ترك ذكر الوارث فيه مع أن له حقا أيضا في زيادة قيمته لا يقدح بعد استفادته من خارج.

و منه ينقدح الاشكال فيما ذكره المصنف و غيره من البيع بقدر الدين خصوصا مع تأيد الصحيح المزبور بإطلاق أدلة البيع على وجه يمكن جعله قاعدة في كل من أعتق بعضه، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كما يصح الرجوع في المدبر أجمع يصح الرجوع في بعضه، لأنه بحكم الوصية التي يجوز فيها ذلك، كما عرفته في كتابها.


1- 1 الوسائل- الباب- 2 و 8- من أبواب التدبير.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من كتاب الوصايا الحديث 3.

ج 34، ص: 234

[المسألة الثالثة إذا دبر بعض عبده لم ينعتق عليه الباقي]

المسألة الثالثة:

إذا دبر بعض عبده لم ينعتق عليه الباقي معجلا للأصل السالم عن معارضة ما دل (1)

على ذلك بعد ظهوره في العتق المنجز، خلافا للمحكي عن المرتضى و بعض العامة من القول بالسراية كالعتق المنجز، لأنه يوجب استحقاق العتق بالموت، فصار كالاستيلاد الموجب لتقويم حصص الشركاء عليه، و فيه منع الاستحقاق أولا لجواز الرجوع، و منع الملازمة على تقدير الاستحقاق ثانيا، لعدم تحقق العتق بالفعل، لعدم المقتضى، و الفرق بين الاستيلاد و التدبير أن الاستيلاد كالإتلاف، حيث إنه يمنع التصرف بالبيع و نحوه، و لا سبيل إلى دفعه بخلاف التدبير، كما هو واضح.

بل في المسالك «لا ينعتق عليه أيضا بعد انعتاق المدبر، لأنه حينئذ لا يبقى المعتق موسرا، لانتقال ماله عنه بالموت، بخلاف ما إذا علق عتق نصيبه بصفة فوجدت الصفة و هو موسر و جوزناه، فإنه يعتق النصيب و يسرى» و فيه إمكان كونه موسرا بالخروج من الثلث، فان لم يكن له ثلث غيره استسعى العبد، فتأمل.

و لو كان له شريك لم يكلف شراء حصته على معنى ضمانها له، لما عرفت من عدم المقتضى لذلك، فأصالة البقاء بحالها، و المخالف هنا كالسابق، و جوابه جوابه، بل هنا أولى بعدم السراية، خلافا لبعض العامة، فخير الشريك بين أن يضمنه القيمة و بين أن يستسعى العبد و بين أن يدبر نصيبه أو يعتقه، و هو كما ترى.

و كذا لو دبره بأجمعه و رجع في بعضه و الكلام الكلام.


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق.

ج 34، ص: 235

بل عن الشيخ ره أنه كذلك لو دبر الشريكان ثم أعتق أحدهما لم يقوم عليه حصة الآخر لأن له جهة يعتق لها و هو التدبير، فلا يحتاج إلى جهة أخرى و إن كان هو كما ترى، ضرورة تناول إطلاق أدلة السراية. و لذا قال المصنف لو قيل يقوم عليه كان وجها.

و لو دبر أحدهما خاصة ثم أعتق وجب عليه فك حصة الآخر مع الشرائط قطعا، لعموم الأدلة السالم عن المعارض.

و لو أعتق صاحب الحصة القن لم يجب عليه فك الحصة المدبرة عند الشيخ، بل في المتن على تردد و قد عرفت ضعفه، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا أبق المدبر بطل تدبيره]

المسألة الرابعة:

إذا أبق المدبر بطل تدبيره بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

خبر محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن جارية مدبرة أبقت من سيدها سنينا ثم جاءت بعد ما مات سيدها بأولاد و متاع كثير، و شهد لها شاهدان أن سيدها كان دبرها في حياته قبل أن تأبق، فقال أبو جعفر عليه السلام: أرى أنها و جميع ما معها للورثة، قلت: لا تعتق من ثلث سيدها، فقال: لا، إنها أبقت عاصية لله عز و جل و لسيدها، و أبطل الإباق التدبير»

و خبر رزين (2)عن الصادق عليه السلام «في رجل دبر غلاما له، فأبق الغلام فمضى إلى قوم، فتزوج منهم، و لم يعلمهم أنه عبد، فولد له و اكتسب مالا، فمات مولاه الذي دبره، فجاء ورثة الميت الذي دبر العبد فطالبوا العبد، فما ترى؟ فقال: العبد و ولده رق لورثة


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التدبير الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التدبير الحديث 2 عن علاء بن رزين.

ج 34، ص: 236

الميت، قلت: أ ليس قد دبر العبد، فذكر أنه لما أبق هدم تدبيره و رجع رقا».

و لا حاجة بعد ذلك إلى تكلف الفرق بينه و بين الارتداد الذي لا يبطل معه التدبير مع أنه معصية لله عز و جل بأن الأول مع ذلك هو معصية للسيد المحتاج إلى خدمته، بخلاف الارتداد الذي هو معصية للسيد الغني عنه، مع أنه منتقض بعدم بطلانه بالإباق مع التعليق على وفاة المخدوم الذي قد سمعت الكلام فيه، و ستسمع إنشاء الله تعالى فالعمدة حينئذ النص و الإجماع و كفى بهما فارقا، و الله العالم.

و على كل حال فإذا بطل تدبيره كان هو و من يولد له بعد الإباق رقا إن ولد له من أمة مولاه أو غيره، بل أو حرة إذا كان بحيث يلحق به الولد بلا إشكال في شي ء من ذلك و لا خلاف.

و أما أولاده قبل الإباق فهم على التدبير و لا يبطل تدبيرهم بإباقه، للأصل و غيره، بل قد يمنع بطلانه باباقهم فضلا عن إباقه اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص (1)

على أن تدبيرهم قد جاء بالسراية كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في مسألة جواز الرجوع بهم، فلاحظ و تأمل.

لكن قد يقال ظاهر الخبر الأول (2)

التعليل الشامل لذلك، اللهم إلا أن يمنع كونه تعليلا لبطلانه بمقتضى إطلاق النص و الفتوى به و إن لم يكن عصيانا لصغر و نحوه، و قد يحتمل منع ذلك تنزيلا للإطلاق على المنساق و الله العالم.

و كيف كان ف لا يبطل تدبير المملوك لو ارتد للأصل حتى لو كان عن فطرة فإن التحق بدار الحرب بطل لأنه إباق، و حينئذ لو مات مولاه قبل فراره تحرر لحصول المقتضي، فما عن ابن الجنيد- من بطلان التدبير


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التدبير.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التدبير الحديث- 1.

ج 34، ص: 237

بالارتداد أو الالتحاق بدار الحرب و أسر المسلمين له- واضح الضعف، لعدم الدليل إلا القياس الذي هو هنا مع ثبوت الفارق محرم عندنا، و الالتحاق حيث يكون إباقا يكفي في تحقق البطلان و إن لم ينضم إليه الأسر، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة الخامسة ما يكتسبه المدبر لمولاه لأنه رق]

المسألة الخامسة:

ما يكتسبه المدبر لمولاه ل ما عرفت من أنه رق نصا (1)

و فتوى، بل إجماعا بقسميه و لو اختلف المدبر و الوارث فيما في يده بعد موت المولى فقال المدبر: اكتسبته بعد الوفاة و قال الوارث: قبلها فالقول قوله مع يمينه للأصل، و لأنه صاحب يد و لو أقام كل منهما بينة فالبينة بينة الوارث لأنها بينة خارج بناء على تقديمها على بينة الداخل، هذا كله إذا كان خارجا من الثلث.

أما إذا كان النزاع في صورة ما إذا لم يخلف سواه و كانت قيمته ثلاثين مثلا و قد اكتسب ستين مثلا فادعى الوارث السبق و يلزمه انعتاقه أجمع و كون الكسب له، لأنه ضعف قيمته و ادعى العبد التأخر، و مقتضاه حرية ثلثه و يتبعه ثلث الكسب و هو عشرون، فيبقى للوارث منه أربعون، و إذا ضمت إلى قيمة العبد كانت سبعين، و المجموع تركة باعتراف الوارث، فينعتق منه ثلثها، و هو ثلاثة و عشرون و ثلث، و ذلك سبعة أتساع المدبر، فالقول قوله أيضا بيمينه في استحقاق العشرين، و لكن يفك العبد نفسه إن شاء بستة و ثلثين من العشرين التي أخذها بجزئه الحر، و لا تحتسب على الوارث، لأنه انما يحسب عليه ما يصل إليه، و يبقى له منها ثلاثة عشر و ثلث.

لكن في المسالك «لا يقال يلزم على هذا أن يثبت له زيادة على ما يدعيه،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير.

ج 34، ص: 238

لأن دعواه التي حلف عليها و قدم قوله فيها أنه انعتق ثلثه و استحق ثلث الكسب، و ذلك ثلاثون تمام قيمته، و لازم دعواه أيضا شرعا أن مجموع الكسب للورثة، و ليس له إلا رقبته، لأن ما يحصل له من الكسب يجب عليه دفعه في فكاك باقيه، و هو بتمامه تمام الباقي، فكيف يستحق الزائد، و هو ينفيه، لأنا نقول: إن الزيادة حصلت له من قبل الجزء الحر، و هو حق لله تعالى شأنه يثبت فيه ما يقتضيه الشرع، و لا يلتفت فيه إلى إنكاره، بخلاف المال، و ذلك لأن مقتضى دعواه في المال لما كانت استحقاق عشرين لم يزده عليها، و أما العتق فان الشرع يحكم بعتق ثلث ما يتحصل بيد الوارث من التركة، و لما اعترف له من الكسب بأربعين و قيمته تساوي ثلاثين فقد تحصل بأيديهم سبعون، فيحكم بعتق مقدار ثلثها منه. سواء اعترف به أم أنكره، لأن العتق حق لله تعالى شأنه، فيحصل له منه مقدار ثلاثة و عشرين، فإذا أضيفت إلى ما حكم له به من الكسب زاد عن القيمة، فكان الزائد له لأجل ذلك، و قس على هذا ما إذا قصر الكسب عن ضعفه أو خلف شيئا آخر معه لا يبلغ الضعف، فلو كان كسبه مقدار قيمته كان له ثلثه بدعواه التي قدم فيها و ضم ثلثاه، و هو عشرون في المثال إلى مجموع المدبر، و قيمته ثلاثون، فيكون الحاصل بيد الوارث خمسين، و يحكم عليه بعتق ثلثها، و هو ستة عشر و ثلثان، و هي خمسة أتساعه، و له ثلث كسبه عشرة، و يجتمع للورثة عشرون من الكسب و ثلاثة عشر و ثلث من رقبته، و ذلك ضعف ما عتق منه» و قد أخذ ذلك كله من الفاضل في القواعد و ولده في شرحها.

لكن فيه- بعد الإغضاء عما في دعوى وجوب دفع ما استحقه بيمينه في فك نفسه- أن دعوى الحرية التي يعلم العبد خلافها لا تكون سببا لملك الزيادة التي يجب عليه دفعها في فكاك نفسه على ما ذكروه فيما بينه و بين الله تعالى شأنه، و كذا عدم سماع إنكاره لها في ظاهر الشرع لو سلم، و إلا فقد يمنع، لإطلاق

قوله عليه السلام (1): «الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية»

و حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 239

فالمتجه معاملة كل منهما بإقراره.

و زاد في القواعد احتمال كون المسألة دورية، قال: «و لو ادعى الوارث سبق الكسب على الموت و العبد تأخره قدم قوله، فإن أقاما بينة قدمت بينة الوارث هذا إن خرج من الثلث، و لو لم يخلف سواه و كان الكسب ستين ضعف قيمته قدم قول العبد أيضا، و يحتسب على الورثة ما يصل إليهم من الكسب بإقرارهم، و هل للعبد بالجزء الذي انعتق بإقرارهم مقابله من كسبه إشكال، ينشأ من إجراء إقرار الورثة مجرى الإجازة أولا، فعلى الأول يدخلها الدور، فنقول عتق منه شي ء، و له من كسبه شيئان و للورثة شيئان من نفسه و كسبه، فالعبد و كسبه في تقدير خمسة أشياء، فالشي ء ثمانية عشر، فله من نفسه ثمانية عشر، و من كسبه ضعف ذلك، و للورثة من نفسه و كسبه ستة و ثلاثون، و على الثاني يعتق سبعة أتساعه، و له من كسبه عشرون، و منه يستخرج حكم ما قصر الكسب فيه عن ضعفه أو خلف شيئا معه».

قلت: لا أعرف وجها للاحتمال الأول الذي جعل المسألة دورية على تقديره، و ذلك لعدم إقرارهم بانعتاق جزء منه على وجه يستحق به من الكسب شي ء، ضرورة كون دعواهم تقدم الكسب على وفاة السيد، و هو زمان الرقية، فلا يتصور استحقاق شي ء من الكسب بجزئه الحر على دعوى الوارث، كما هو واضح، و الله العالم.

ج 34، ص: 240

[المسألة السادسة إذ جني على المدبر بما دون النفس كان الأرش للمولى]

المسألة السادسة:

إذ جني على المدبر بما دون النفس كان القصاص أو الأرش للمولى لأنه مملوك له فهو حينئذ كالقن و لا يبطل التدبير بذلك للأصل و غيره، نعم إن قتل بطل التدبير لفوات محله و كانت قيمته للمولى أو القصاص و لكن يقوم مدبرا، إذ قد يقتضي التدبير إذا كان واجبا أو قلنا بعدم جواز بيع رقبة المدبر نقصا بالنسبة إلى قيمته غير مدبر، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا جنى المدبر تعلق أرش الجناية برقبته]

المسألة السابعة:

إذا جنى المدبر تعلق أرش الجناية برقبته كالقن، لإطلاق الأدلة، فإن كان موجبا للقصاص فاقتص منه فات محل التدبير، و كذا إن استرق لخروجه حينئذ عن ملك سيده، فيبطل تدبيره و إن عفى عنه أو رضي المولى بالمال أو كانت الجناية توجب مالا ف لسيده فكه بأرش الجناية أو بأقل الأمرين على الخلاف المقرر في جناية القن، و له بيعه (11) كلا أو بعضا فيها فان فكه فهو على تدبيره (12) للأصل و إن باعه و كانت الجناية تستغرقه فالقيمة لمستحق الأرش، فان لم تستغرقه بيع منه بقدر الجناية، و الباقي على التدبير (13) بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك و لا إشكال.

و لمولاه أن يبيع خدمته (14) حقيقة منفردة أو مع رقبته إلى حين موته، أو ينقلها بعقد صلح أو إجارة مدة فمدة على حسب ما سمعته من الخلاف السابق،

ج 34، ص: 241

ضرورة عدم خصوصية للمقام.

و له أن يرجع في تدبيره إن لم يكن واجبا عليه ثم يبيعه إن شاء و إن شاء فداه.

بل على ما قلناه سابقا لو باع رقبته صح و كان ذلك نقضا لتدبيره و إن لم يقصده، لاقتضاء البيع انتقال الرقبة، و قد عرفت منافاته للتدبير، بناء على أنه لا عتق إلا في ملك، مضافا إلى ظهور النصوص (1)

السابقة في ذلك.

و لكن قال المصنف هنا و على رواية إذا لم يقصد نقض التدبير كان التدبير باقيا و ينعتق بموت المولى، و لا سبيل عليه و لم نعثر عليها بالخصوص، إذ ليس إلا ما سمعته مما هو ظاهر في جواز بيع الخدمة (2)

لا أنه مع إطلاق البيع يبقى تدبيره، و لعله لذا قال الكركي في فوائده «هذا بخصوصه غير موجود في شي ء من الروايات، و لكن المصنف حيث جمع بينها بالحمل على ذلك حكاه بصيغة «على» و لم يقل في رواية، فكأنه قال: على مقتضي رواية باعتبار الحمل الذي ساق إليه اختلاف الروايات» قلت: و قد عرفت عدم قبول النصوص المزبورة للجمع المذكور، فلاحظ و تأمل.

و لو مات المولى قبل افتكاكه أو استرقاقه انعتق لإطلاق أدلة التدبير و سبق سبب الحرية على الجناية، و بنائها على التغليب و حينئذ فالمتجه تعلق أرش جنايته بذمته و لا يثبت أي أرش الجناية في تركة المولى للأصل و غيره، حتى لو قلنا بثبوته لو أعتق العبد الجاني باعتبار كونه بناء على نفوذ العتق التزاما بالفداء، لتعذر تسليمه لاستيفاء حق الجاني، ضرورة الفرق بينهما بالسبق و اللحوق، فما عن الشيخ من كون الأرش في تركة المولى ضعيف، نعم لو فرض تدبيره بعد الجناية و قلنا بانعتاقه بالموت و اتفق حصوله قبل الفك أمكن القول


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 3.

ج 34، ص: 242

بذلك، كما أن المتجه في الأول بناء على عدم انعتاقه بموت المولى- كما عن بعض أقوال العامة- تخير الوارث بين فدائه فيعتق حينئذ من الثلث و بين تسليمه للاسترقاق و بيعه في جنايته، فيبطل التدبير حينئذ.

و في المسالك عن ابن الجنيد و القاضي لا يبطل، بل يستسعى في قيمته بعد موت المولى، و اختاره في الدروس لصحيحة أبي بصير (1)

و الأظهر البطلان، قلت:

لم أجد ذلك فيها، و إنما الموجود هنا «و لو جنى فكالقن و لو عتق قبل الفك ففي رقبته أو ماله، لا على الورثة، و في المبسوط يؤخذ الأرش من بركة المولى كأنه يجري مجري إعتاق العبد الجاني، و لو كاتبه جزم الشيخ ببطلان التدبير و ابن الجنيد و ابن البراج ببقائه، و هو الأصح لصحيح أبي بصير (2)

و لعل فيما حضره من النسخة سقط.

و في كشف اللثام «عن أبي علي أن له أي المولى أن يدفعه إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت المولى، ثم يستسعى في قيمته» قلت: لا بأس به مع التراضي.

و لكن في المقنعة «إذا قتل العبد و المدبر رجلا حرا خطأ فديته على سيديهما، فان لم يؤدياه دفع العبد و المدبر إلى أولياء المقتول فاسترقوا العبد و استخدموا المدبر حتى يموت سيده الذي دبره، فإذا مات سيده خرج عن الرق إلى الحرية، و لم يكن لأحد عليه سبيل».

و قال الشيخ في النهاية: «إذا قتل مدبر حرا كانت الدية على مولاه الذي دبره إن شاء أو يسلمه برمته إلى أولياء المقتول، فان شاؤوا قتلوه إن كان قتل صاحبهم عمدا، و إن شاؤوا استرقوه، و إن كان قتله خطأ استرقوه و ليس لهم قتله، و إذا مات الذي دبره استسعى في دية المقتول و صار حرا» و فيه أنه مناف لما دل


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 2 و يذكره فيما يأتي في الفرع الثالث وجها لمختار الدروس.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 2 و يذكره فيما يأتي في الفرع الثالث وجها لمختار الدروس.

ج 34، ص: 243

على استرقاقه (1)

الظاهر في خروجه عن ملك مالكه و صيرورته رقا لولي المجني عليه، من غير فرق بين القن و المدبر الذي هو كالقن أيضا خصوصا بعد

صحيح أبي بصير (2) عن الباقر عليه السلام «سألته عن مدبر قتل رجلا عمدا فقال: يقتل به، قلت: و إن قتله خطأ فقال: يدفع إلى أولياء المقتول، فيكون لهم، فان شاؤوا استرقوه، و ليس لهم قتله، ثم قال: يا أبا محمد إن المدبر مملوك»

الذي قد اعترف غير واحد بأنه نص في الباب.

و يمكن أن يكون مستند المفيد ره

حسن جميل (3) عن الصادق عليه السلام «قلت له: مدبر قتل خطأ من يضمن عنه، قال: يصالح عنه مولاه، فان أبي دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره، ثم يرجع حرا لا سبيل عليه».

كما أنه يمكن أن يكون مستند الشيخ

خبر هشام بن أحمد (4)

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن مدبر قتل رجلا خطأ قال: أي شي ء رويتم في هذا الباب؟ قال: قلت: روينا عن أبي عبد الله أنه قال: يرميه إلى أولياء المقتول، فإذا مات الذي دبره أعتق، فقال: سبحان الله تعالى، فيطل دم امرء مسلم؟! قلت:

هكذا روينا، قال: غلطتم، بل يرميه إلى أولياء المقتول، فإذا مات مدبره استسعى في قيمته»

بل عن الشيخ في كتابي الأخبار تقييد الخبر الأول بالثاني، و في المختلف «هو مذهب الصدوق ره في المقنع، و ليس بعيدا عن الصواب، لما فيه من الجمع بين الأخبار بما يناسب العتق».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل هو صريح كلام الشيخ في المحكي عن مبسوطة و غيره، نعم لا بأس بذلك إذا لم يرد ولي المقتول استرقاقه، و قد دفعه مولاه إليه باقيا على تدبيره و رضي هو بذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس الحديث 1 من كتاب الديات.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس الحديث 5 من كتاب الديات.

ج 34، ص: 244

و لعله لذا قال ابن إدريس فيما حكي عنه بعد أن ذكر كلام الشيخ في النهاية:

«لا دليل على صحة هذه الرواية، لأنها مناقضة للأصول، و هو الخروج عن ملك من دبره و صار عبدا لأولياء المقتول، فمن أخرجه عن ملكهم بعد دخوله فيه يحتاج إلى دليل، و لا دليل على ذلك، و يمكن أن نحمل الرواية على أنه كان التدبير عن نذر واجب لا يجوز الرجوع فيه، فإذا كان ذلك و كان القتل خطأ فإنه بعد موت من دبره يصير حرا و يستسعى في الدية- ثم قال-: و الأقوى عندي في الجميع أنه يسترق سواء كان عن نذر أولا، لأن السيد ما رجع عن تدبيره، و إنما صار عبدا لحق».

قلت: بل من آخر كلامه يستفاد الحكم في مسألة أخرى، و هو عدم الفرق في الاسترقاق حيث يكون له بين الندب و الواجب و غيرهما، و لعله الموافق لإطلاقهم هنا إذ وجوبه لا ينافي استرقاقه بدليل آخر لا مدخلية للمدبر فيه، و الأصل براءة الذمة من وجوب فكه.

و لو قتل المدبر مولاه ففي القواعد «احتمل بطلان تدبيره مقابلة له بنقيض مقصوده، كالوارث الذي يمنع من الإرث بقتله، و لأنه أبلغ من الإباق» و لكنه كما ترى لا ينطبق على أصولنا، فالمتجه الانعتاق للأصل و تغليب الحرية بعد منع القياس، و الأولوية.

و كذا لا ينطبق عليها ما فيها أيضا من أنه «لو دبر عبدين و له دين بقدر ضعفهما عتق من تخرجه القرعة قدر ثلثهما، و كان الباقي و الآخر موقوفا، فإذا استوفى من الدين شي ء أكمل من عتق من أخرجته القرعة قدر ثلثه، فان فضل عتق من الآخر، و هكذا حتى يعتقا معا أو مقدار الثلث منهما، و لو تعذر استيفاؤه لم يزد العتق على قدر ثلثهما، و لو خرج من وقعت القرعة له مستحقا بطل العتق فيه، و عتق من الآخر ثلثه» إذ هو كما ترى أيضا غير منطبق على أصولنا التي مقتضاها انعتاق ثلثيهما، ثم كل ما جاء من الذين يعتق منهما على السواء، و هكذا.

ج 34، ص: 245

نعم لا بأس بما فيها من «لو دبر عبدا و كان له ابنان و له على أحدهما دين ضعف قيمته عتق من المدبر ثلثاه، لأن حصة المديون من الدين كالمستوفي، و سقط عنه من الدين نصفه، لأنه قدر حصته من الميراث، و يبقى منه للآخر النصف، و كلما استوفى منها شيئا عتق قدر ثلثه، و لو كان الضعف دينا عليهما بالسوية عتق الكل، و لا شي ء لأحدهما على الآخر، و لو تفاوتا فيه فبالنسبة إلى كل منهما» ضرورة انطباق ذلك كله على أصولنا، و الله العالم.

[المسألة الثامنة إذا أبق المدبر بطل التدبير]

المسألة الثامنة قد عرفت أنه إذا أبق المدبر بطل التدبير نصا (1)

و فتوى و إن صح تدبير الآبق، لإطلاق الأدلة، بل قد عرفت أيضا أنه لو جعل خدمته لغيره مدة حياة المخدوم ثم هو حر بعد موت ذلك الغير لم يبطل تدبيره بإباقه لصحيح يعقوب بن شعيب (2)

السابق إلا أنك قد عرفت فيما مضى كون التحقيق عدم كون ذلك من التدبير، لا أنه تدبير مستثنى من إطلاق ما دل (3)

على بطلانه بالإباق لو قلنا بشموله، إنما الكلام باقتضاء إباق المعلق عتقه على وفاة الزوج- أو مطلق الغير و قلنا إنه تدبير- البطلان أما على القول بعدم كونه تدبيرا كما سمعت تحقيق الحال فيه فلا إشكال في عدم البطلان، بل قد يقوى ذلك على القول بأنه تدبير اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن الذي هو المعلق على وفاة المولى، خصوصا بعد التصريح بعدم البطلان في المخدوم.

فما في المسالك بعد الاشكال منه- «و لو قيل بقصر عدم البطلان على إباق من جعلت خدمته لغيره و علق تدبيره على وفاة المخدوم كان حسنا، لأن هذا الحكم قد صار على خلاف الأصل، فالنظر إلى قاعدة الأصحاب في المسألة و ظهور اتفاقهم


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التدبير.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التدبير الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التدبير.

ج 34، ص: 246

على أن إباق المدبر مبطل له إلا ما أخرجه الدليل»- لا يخلو من نظر، خصوصا بعد أن لم نتحقق ما ذكره من قاعدة الأصحاب و ظهور اتفاقهم عليه، و إنما لهم كلام سابق قبل الخوض في مسألة الإباق دفعا للاستدلال على عدم كونه تدبيرا بما تضمنه الصحيح المزبور من عدم البطلان بإباق المعلق على وفاة المخدوم على وجه لا يكون إجماعا بحيث يعتمد عليه في إثبات حكم مخالف للأصل بعد فرض خلو النصوص عما يقتضي الشمول لمثل ذلك، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

[فروع أربعة]
[الفرع الأول إذا استفاد المدبر مالا بعد موت مولاه فان خرج المدبر من الثلث فالكل له]

فروع أربعة:

الأول:

إذا استفاد المدبر مالا بعد موت مولاه فان خرج المدبر من الثلث فالكل له لكونه حينئذ حرا فكسبه له و إلا كان له من الكسب بقدر ما تحرر منه و الباقي للورثة بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، هذا إذا كان عتقه معلقا على وفاة المولى، أما لو كان معلقا على وفاة غيره كالمخدوم و تأخر موته عن موت المولى فإنه باق على الرقية إلى أن يموت المخدوم، فكسبه لهم مطلقا إلى حصول المعلق عليه.

و هل يجوز للوارث الرجوع في تدبيره كما كان ذلك جائزا للمولى؟ توقف فيه في المسالك أولا من إطلاق جواز الرجوع في التدبير، و من اختصاص ذلك بمن باشر التدبير، و لذا لم يجز للمدبر أن يرجع بالأولاد، لعدم مباشرته لتدبيرهم، ثم مال إلى الجواز لقيام الوارث مقام الموروث، و لأنه يرث الحقوق التي له كحق الشفعة و الخيار و غيرهما من الحقوق المالية، و لأن الناس مسلطون على أموالهم.

ج 34، ص: 247

لكن قد يقوى خلافه، للأصل الذي خرجنا عنه في المدبر للنصوص (1)

الدالة عليه الظاهرة في كونه موصيا أو بمنزلة الموصى في ذلك المقتضية لعدم جواز تبديل وصيته و وجوب إبقائها، إذ هو حينئذ كمن أوصى بشي ء تأخر وقته مثلا، و الله العالم.

[الفرع الثاني إذا كان له مال غائب بقدر قيمته مرتين]

الثاني:

إذا كان له مال غائب بقدر قيمته مرتين و كان قد دبر عبدا ثم مات تحرر ثلثه معجلا وفاقا للأكثر، لوجود للمقتضي فيه بلا مانع، و وقف الثلثان، ثم كل ما حصل من المال شي ء تحرر من باقي المدبر بنسبته، فلو فرض أن قيمته مأة مثلا و المال الغائب مأتان و قد حصل منه مأة تحرر منه ثلثاه و إن تلف المائتان مثلا استقر العتق في ثلثه خاصة، و على هذا فثلث اكتسابه بعد موت السيد له، و يوقف الباقي، فإن وصل المال إلى الوارث تبين عتقه أجمع و تبعه كسبه.

و في غاية المراد و المسالك ذكر ذلك أحد الوجهين، و الثاني أنه لا ينعتق حتى يصل المال إلى الورثة، لأن في تنجيز العتق تنفيذ التبرع في الثلث قبل تسلط الورثة على الثلثين، إذ لا بد من التوقف في الثلثين إلى أن يتبين حال الغائب، و حينئذ فينعتق منه في المثال المزبور إذا حصلت مأة نصفه لا ثلثاه، لحصول مثليه حينئذ للوارث، و في غاية المراد «ربما أمكن احتمال المراعاة» و في المسالك «ربما يخرج على الوجه الثاني أن للوارث التصرف في الثلثين، كما يحكم بعتق الثلث مراعاة للحقين المتلازمين، فان حضر الغائب نقض تصرفه، و إلا صح خلاف ذلك كله».


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التدبير.

ج 34، ص: 248

و فيه أنه وجه لتخريج ذلك على الوجه الثاني الذي هو عدم الحكم بتعجيل عتق ثلثيه، نعم هو احتمال على الوجه الأول، بل لا يخلو من قوة، ضرورة كونه مقتضى أصالة عدم وصول المال المقتضي لحرية الثلثين، و كون الحكم شرعا بانعتاقه من الثلث واقعا و الفرض عدم العلم لا ينافي العمل بما تقتضيه الأصول، لأنه و إن لم (1) يتشخص بها كون الثلث الموجود خصوصا مع ملاحظة الضرر على الوارث بالتعطيل فتأمل جيدا.

و منه يعلم ما في قوله: «و كما يوقف كسبه في الثلثين قبل وصول المال يوقف نفقته، بمعنى أنه ينفق عليه منه، فإن وفى و إلا أكمل الوارث، فان حضر المال و أعتق أجمع رجع الوارث بما غرم منها» مضافا إلى ما فيه أيضا من منع إلزام الوارث بالإكمال بناء على الإيقاف، نعم يتجه ذلك بناء على العمل بالأصول إلى أن يتبين الحال، و الله العالم.


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية: المسودة و المبيضة، و الظاهر زيادة كلمة «و ان».

ج 34، ص: 249

[الفرع الثالث إذا كوتب ثم دبر صح]

الفرع الثالث:

إذا كوتب ثم دبر صح لإطلاق الأدلة مع عدم منافاتها له، ضرورة عدم خروجه بها عن ملك السيد، فيشمله حينئذ إطلاق أدلة التدبير كما لو أعتقه حالها، و حينئذ فيجتمع عليه الأمران: التدبير و الكتابة فإن أدى مال الكتابة قبل موت المولى عتق بها أي بالكتابة و إن تأخر حتى مات المولى عتق بالتدبير إن خرج من الثلث لعموم أدلته و كسبه له حال حياة المولى على الأقوى، لأنه مكاتب، بل في المسالك «في بطلان الكتابة حينئذ وجهان، مثلهما ما لو أعتق السيد مكاتبة قبل الأداء، و الوجه أنها لا تبطل للأصل، فان بقي من الأحكام شي ء يتوقف عليها تأدى بها» قلت: ستعرف تحقيق ذلك في الكتابة إنشاء الله.

و على كل حال ف الا يخرج من الثلث عتق منه الثلث و سقط من مال الكتابة بنسبته أي ثلثهما في الفرض، لحصول تحريره بالتدبير لا بها و كان الباقي مكاتبا يؤدي للورثة ما عليه، هذا كله في التدبير بعد الكتابة.

أما لو دبره ثم كاتبه كان نقضا للتدبير عند الشيخ و الأكثر، لأن التدبير وصية، و هي تبطل فيما لو فرض وصيته بعبد لإنسان ثم يكاتبه، و لأن العبد بالكتابة يكون مالكا لنفسه، فكان السيد زال ملكه عنه، فيكون الحكم كما لو باعه.

و لكن فيه إشكال (11) لإمكان منع كونه بحكم الوصية في الحكم المزبور، بل هو عتق معلق لا منافاة بينه و بين الكتابة كما في الصورة الأولى، و ليست الكتابة مخرجة للعبد عن ملك السيد و إلا لم يجز تدبيره في الصورة الأولى.

و منه يعلم ما في التعليل الثاني، فيكون حينئذ مدبرا و مكاتبا يجري عليه

ج 34، ص: 250

ما سمعته من الحكم في الصورة الأولى، حتى مع الإطلاق و اشتباه الحال فضلا عما لو صرح بعدم إرادة الرجوع بالكتابة.

و لعله لذا كان المحكي عن ابني الجنيد و البراج ذلك، بل سمعت اختياره في الدروس ل

صحيح أبي بصير (1) الذي هو «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد و الأمة يعتقان عن دبر فقال: لمولاه أن يكاتبه إن شاء»

بل لعله المراد من قول علي عليه السلام في

خبر وهب (2) السابق: «لا يباع المدبر إلا من نفسه»

بل قد سمعت احتمال كونه المراد من النصوص (3)

المجوزة لبيعه بشرط رضاه، و حينئذ فالأقوى الجواز، و الله العالم.

ثم لا يخفى عليك أن ذلك كله في عقد الكتابة بعد التدبير، أما لو دبره ثم قاطعه على مال ليعجل له العتق لم يكن إبطالا للتدبير قطعا لأن غايته الوعد بتعجيل العتق على تقدير فعل إذ المقاطعة غير لازمة لأحدهما، فلا تكون منافية، و حينئذ فالمال الذي يكتسبه العبد للمقاطعة ملك للمولى، كما هو واضح و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التدبير الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث 4 و 5 و الباب- 7- منها الحديث 1.

ج 34، ص: 251

[الفرع الرابع إذا دبر حملا صح]

الرابع:

إذا دبر حملا صح منضما أو منفردا كما يصح عتقه، لإطلاق الأدلة، إذ هو آدمي مملوك و لكن لا يسري تدبيره إلى امه للأصل و غيره، و يجري عليه نفسه حكم التدبير و حينئذ ف لو رجع في تدبيره بالقول أو بالفعل كما لو صالح عنه صح بلا خلاف فيه عندنا، نعم لا بد من معرفة صلاحيته للتدبير حينه فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين التدبير صح التدبير فيه لتحققه حينئذ وقت التدبير و إن كان لأزيد من أكثر الحمل لم يصح، لتبين عدم وجوده حينئذ و إن كان لأكثر من الستة و لم يتجاوز أقصى الحمل لم يحكم بتدبيره لاحتمال تجدده و توهم الحمل (11) بل الأصل تأخره كما ذكرنا ذلك غير مرة.

نعم في المسالك «ينبغي الفرق بين ما إذا كانت خالية من فراش و عدمه، كما سبق في نظائره، لأن الأصل المزبور و إن كان واقعا في الحالين إلا أن الظاهر يعارضه، و أصالة عدم وطء متجدد و صيانة حال المسلمة على تقديره من الحمل على الزنا» و فيه ما عرفته غير مرة من أن ذلك لا يشخص وجوده حال الإيقاع و الله العالم.

ج 34، ص: 252

[كتاب المكاتبة]

اشارة

و أما المكاتبة: التي هي في الأصل مصدر- كالكتابة من الكتب- بمعنى الضم و الجمع، يقال: كتبت القربة إذا وكئت رأسها، و منه الكتابة، لما فيها من ضم الحروف بعضها إلى بعض، و الكتبة لانضمام بعضهم إلى بعض، و عرفا اسم للعقد الخاص أو للأثر الحاصل منه أو لغير ذلك مما سمعته مكررا في نظائرها، و كان وجه المناسبة ما فيها من انضمام النجم إلى النجم، أو لكتب كتاب بينهما بالعتق إذا أدى، أو لا يجاب المولى على نفسه ذلك من «كتب» أي «أوجب» أو لأنها توثق بالكتابة باعتبار كون عوضها مؤجلا من شأنه الاستيثاق بالكتابة موافقا لقوله تعالى (1) «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» و الأصل في مشروعيتها قوله تعالى (2) «وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ» مضافا إلى إجماع المسلمين و السنة المتواترة (3).

و على كل حال ف تمام الكلام فيها يستدعي بيان أركانها و أحكامها و لواحقها.

[الأول في الأركان]
[الصيغة]

أما الأركان فالصيغة و الموجب و المملوك و العوض إلا أنه ينبغي أن يعلم أولا

أن الكتابة مستحبة عندنا ابتداء مع الأمانة أي الديانة و الاكتساب أي المال المفسر بهما الخير في الآية في

صحيح الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً إن علمتم لهم دينا و مالا»

و في

صحيح


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 282.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 33.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث- 1.

ج 34، ص: 253

ابن مسلم (1) عنه عليه السلام أيضا «الخير أن يشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله، و يكون له بيده عمل يكتسب به، أو يكون له حرفة»

و في

خبر العلاء (2) عنه عليه السلام أيضا «إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً: إن علمتم لهم مالا»

و في

صحيح ابن مسلم (3) عن أحدهما عليهما السلام «الخير: إن علمت أن عنده مالا»

و في

صحيح الحلبي (4) عن الصادق عليه السلام أيضا «إن علمتم لهم مالا»

و عن المقنع أنه روي (5) في تفسيرها «إذا رأيتموهم يحبون آل محمد صلوات الله عليهم فارفعوهم درجة»

بل في

موثق سماعة (6)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد يكاتبه مولاه و هو يعلم أن ليس عنده قليل و لا كثير، قال: يكاتبه و إن كان يسأل الناس، و لا يمنعه المكاتبة من أجل أنه ليس له مال، فان الله يرزق العباد بعضهم من بعض، و المؤمن معان، و يقال المحسن معان»

و عن الشيخ روايته «و المحسن معان».

و منه يعلم استحباب أصل الكتابة و إن لم يسألها العبد مع عدم الكسب فضلا عن الكسوب، نعم

قوله: «و المؤمن معان»

مشعر بكونه مؤمنا مؤيدا بما سمعته من مرسل الصدوق ره، كما أنه يؤيد أصل ندبها كونها إحسانا و ضربا من ضروب العتق الذي قد سمعت شدة الحث عليه، خصوصا بالنسبة إلى المؤمن، و خصوصا إذا كان قابلا للقيام بنفسه، و لولا ذلك لأشكل إثبات الاستحباب ابتداء و إن نفى عنه الخلاف في الرياض، ضرورة اختصاص النصوص المفسرة للخير فيها بالذين يبتغون الكتاب من المماليك، و إن كان قد يشعر ذكرهم الأمرين و تعرضهم للنصوص المفسرة للخير بهما بأن نظرهم إليها، إلا أنه كما ترى لا دلالة في الجميع على الاستحباب ابتداء، نعم بناء على استفادة ندبها من غيرها يحمل ما فيها حينئذ على تأكد الاستحباب بالالتماس بعد الإجماع منا على عدم وجوبها، خلافا لبعض العامة، مضافا إلى ما ورد من أن الأمر فيها أحد الأوامر الأربعة المراد بها الندب في الكتاب.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 254

و حينئذ يتجه قول المصنف و غيره: إنه يتأكد استحبابها بسؤال المملوك لكن قوله و لو عدم الأمران كانت مباحة و كذا لو عدم أحدهما لا يخلو من نظر، ضرورة التصريح بالأمر بها في الموثق (1)

بل و النهي عن منعه إياها مع عدم المال (2) و لذا قال في النافع: «الكتابة مستحبة مع الديانة و إمكان التكسب، و تتأكد بسؤال المملوك، و تستحب مع التماسه و لو كان عاجزا».

و ما في الرياض- من المناقشة فيه «باحتمال ورود الأمر فيه مورد توهم الحظر فلا يفيد سوى الإباحة على الأصح كما قرر في محله- إلى أن قال-:

و كيف كان فيستفاد منه الإباحة في هذه الصورة و عليها أكثر الطائفة، و عن المبسوط القول بالكراهة، و لا وجه له»- واضح الفساد، خصوصا مع معروفية رجحان فك المؤمن من الرقية، و قد سمعت ما في المرسل (3)

بل ظاهر المرتضى في الانتصار أن الخير في الآية (4) الدين، و لعله الموافق ل

قولهم في الدعاء للمؤمن: «اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا»

أو للعرف، فإنه يقال للمؤمن: إنه علم منه خير، بل لا يقال لغيره: إنه علم منه خير و إن كان كثير المال، كما اعترف به المرتضى.

و من ذلك يعلم ما في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر الخبر (5) المختصر في تفسير الخير على المال قال: «و رجحه بعضهم بأن فيه استعمال المشترك في أحد معنييه، و في الأول استعماله فيهما، و هو مجاز على أشهر القولين لا يصار إليه بدون القرينة، و يضعف بأن القرينة موجودة، و هي الرواية الصحيحة، و لا تعارضها الأخرى، لأن اشتمالها (6) على إثبات شرط آخر، و المثبت مقدم، نعم يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 7.
4- 4 سورة النور: 24- الآية 33.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
6- 6 هكذا في النسخة الأصلية. و في المسالك «و لا تعارضها الآخر، لاشتمالها.».

ج 34، ص: 255

إثبات أصل الاستحباب بوجود المال أعني القدرة على كسبه عملا بالرواية الصحيحة، و يتأكد الاستحباب مع وجود الوصفين نظرا إلى الخبر الآخر (1)

إلا أن قول المصنف: «و لو عدم الأمران كانت مباحة، و كذا لو عدم أحدهما» ينافي ذلك، و لو فقد الشرطان معا لم يستحب لعدم المقتضي له، حيث إن الأمر مخصوص بالخبر المفسر بهما أو بالثاني، و لو اتصف بالأول خاصة و هو الأمانة لم يستحب، لعدم المقتضي له، و ربما قيل بالاستحباب أيضا، لاستعمال الخير فيه وحده في قوله تعالى (2) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ» يعنى عملا صالحا و هو الدين، و قوله تعالى (3) «وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ» أي ثواب، كما أريد بالخير المال وحده في قوله تعالى (4) «وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ» و قوله تعالى (5) «إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ» و يضعف بأن استعمال المشترك في أحد معنييه لا يجوز بدون قرينة كاستعماله في المعنيين، و هي منتفية في جانب الدين وحده بخلاف المال، فقد يرجح جانبه بالرواية الصحيحة، و التحقيق أن إطلاق اسم الخير على المعنيين المرادين هنا مجاز، لأنه في الشواهد إنما استعمل في العمل الصالح و الثواب و نفس المال، و المراد هنا الأمانة و القدرة على التكسب، و هما ليستا عملا صالحا و لا ثوابا و لا مالا حقيقة، و إنما يكون التكسب سببا في المال، و إطلاق اسم السبب على المسبب مجاز، كما أن إطلاق الأمانة القلبية على الأعمال الصالحة المتبادر منها إرادة اعمال الجوارح أو الثواب عليه و لا يعرفه إلا الله تعالى مجاز أيضا، و حينئذ فإطلاقه عليهما أو على أحدهما موقوف على النقل، و هو موجود في إرادتهما و إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 سورة الزلزلة: 99- الآية 7.
3- 3 سورة الحج: 22- الآية 36.
4- 4 سورة العاديات: 100- الآية 8.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 180.

ج 34، ص: 256

الثاني منهما دون الأول، فكان العمل به متعينا، و حيث يفقد الشرطان أو الأول منهما تكون مباحة، و لا تكره للأصل، و قيل تكره حينئذ، و قواه في المبسوط».

و فيه- بعد الإغضاء عن منافاة ما ذكره أولا لقوله أخيرا «أو الأول منهما»- أن الموثق (1)

المؤيد بما عرفت كاف في إرادة المؤمن و لو غير ذي المال الذي هو أولى قطعا من إرادة ذي المال خاصة، بل ظاهر انتصار المرتضى أنه المراد بالخير في الآية (2) لا ذو المال خاصة كما توهمه بعض العامة، فإنه يصدق عليه أن فيه خير بخلاف الكسوب غير المؤمن، فلا ريب في أولوية ذلك خصوصا بعد معلومية مرجوحية فك رق غير المؤمن أو حرمته.

بل لعل ترك ذكر الدين في خبري المال (3)

اتكالا على الظهور، و لا أقل من حملهما على المقيد بذكره مع الدين و إن لم نقل بحمل المطلق على المقيد في المندوبات، لكن في خصوص المقام باعتبار ما تقدم من النهي في النصوص عن عتق غير المؤمن (4).

لا يقال لم يذكر كون المكاتب مؤمنا في الموثق لأن تعليله أخيرا بناء على إرادة العبد منه أو مع المولى ظاهر في ذلك، نعم ليس فيه اعتبار سؤال العبد كما سمعته من النافع، و من هنا قلنا باستحباب الكتابة ابتداء مع الأمرين و يتأكد بالسؤال، و إلا فقد عرفت أن الآية (5) و نصوص تفسير الخير (6)

فيها في خصوص


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 33.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 2 و 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 3.
5- 5 سورة النور: 24- الآية 33.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة.

ج 34، ص: 257

السائلين، و لا ينافي ذلك عدم تعرض الموثق للمؤمن الكسوب، لإمكان استفادته بالأولوية.

و بذلك كله يظهر لك النظر في جملة من الكلمات، خصوصا ما في الرياض الذي جعل الأمر في الموثق المزبور للإباحة باعتبار توهم الحظر إذ بناء على ذلك لا دليل على استحباب الكتابة ابتداء من غير سؤال، و الله العالم.

و كيف كان فهي ليست عتقا بصفة كما عن بعض العامة، لعدم صدقه عليها عرفا، و عدم قصده في عقدها، و الاتحاد في الغاية أو في بعض الأحكام لا يقتضي الاندراج في الاسم، و إلا لدخل كثير من المعاملات في آخر.

و لا بيعا للعبد من نفسه كما عن التقي و ابني زهرة و إدريس و ظاهر علي ابن إبراهيم في تفسيره بل هي معاملة مستقلة خارجة عن قياس المعاملات من جهة أنها دائرة بين السيد و عبده، و أن العوضين للسيد، و أن المكاتب على مرتبة متوسطة بين الرق و الحرية، و ليس له استقلال الأحرار و لا عجز المماليك، و لذا كانت تصرفاته مرددة بين الاستقلال و نقيضه كما ستعرف، إلا أن الحاجة لما كانت داعية إليها- فإن السيد قد لا تسمح نفسه بالعتق مجانا و المملوك لا يشمر للكسب ما لم يكاتب تشميره إذا كوتب- شرعها الشارع و رتب عليها أحكاما، و من هنا اغتفر فيها ما لا يغتفره في غيرها، نحو اغتفاره الجهالة في ربح القراض و عمل الجعالة.

و على كل حال فهي بعيدة عن شبه البيع الذي يقتضي المغايرة بين البائع و المشتري، و المبيع هنا هو المشتري، و يقتضي قبول المشتري للملك، و هو منتف عن المملوك، و يقتضي كون العوض ملكا للمشتري و المعوض ملكا للبائع، و هنا الأمران للمولى، على أن البيع انتقال عين مملوكة من شخص إلى آخر، فلا بد من تحقق اضافة الملك بين المشتري و المبيع، و هو منتف هنا لتوقف الإضافة على تغاير المضافين المفقود في المقام، و لأن ملك العبد يتوقف على حريته، و حريته موقوفة على تملكه فيدور، و لأن السيد لا يباع عبده، و من ثم لا يصح بيعه مالا

ج 34، ص: 258

آخر قولا واحدا، و لأنه لو كانت بيعا لثبت المال في ذمته و عتق في الحال، كما لو أعتق على مال، إلى غير ذلك مما لا يخفى من المنافيات لاندراجها في البيع حقيقة.

مضافا إلى صحة السلب و تغاير المفهوم عرفا و إطلاق الاسم عليها في بعض النصوص لضرب من المجاز لا يقتضي اندراجها فيه حقيقة و إلا لكان الصلح أولى بذلك، ضرورة كثرة إطلاق البيع و الشراء على موارده، فليس حينئذ الإطلاق المزبور إلا على وجه التشبيه البليغ لا الحقيقة.

و من هنا قال الشيخ: الكتابة تفارق البيع من وجوه: (أحدها) أن الكتابة لا بد فيها من أجل و البيع لا يفتقر إليه، و (منها) أن الكتابة يمتد فيها خيار العبد و البيع لا يمتد فيه خيار الشرط، و (منها) أن للبائع أن يشترط لنفسه الخيار، و ليس للسيد أن يشترط، و يتفقان في أن الأجل فيهما لا بد أن يكون معلوما، و لا يصح كل واحد منهما إلا بعوض معلوم، و إن كان الاختلاف المزبور لا ينافي كونها من البيع حقيقة، إذ الأجل على تقدير اعتباره يكون فيها كاعتباره في السلم من البيع الذي قيل فيه بعدم اعتباره فيه، نحو ما تسمعه فيها أيضا، و امتداد خيار العبد على القول به كامتداد خيار المجلس بامتداده، و خيار الشرط باشتراطه مدة مديدة، و اشتراط الخيار لنفسه فيها ستعرف الكلام فيه إنشاء الله، إنما العمدة ما ذكرناه من ثبوت تغاير مفهومها مع مفهومه عرفا.

و حينئذ فلو باعه نفسه بثمن مؤجل لم يصح كتابة، لما عرفت من عدم كونها من أفراده و إلا لصح و إن لم يقصدها كما يصح البيع في مورد السلم سلما و إن لم يقصده سلما.

و ما عن المبسوط- من جواز وقوعها بلفظ البيع لإفادة المراد و إن قلنا إنها ليست بيعا- مبني على جواز استعمال اللفظ مجازا في العقد كما ذكرنا قوته غير مرة، و لا ينافي ذلك مناسبتها له في المفهوم أو مبني على جواز ذلك بيعا لا كتابة،

ج 34، ص: 259

إذ لا تلازم بين عدم كون الكتابة بيعا و بين جواز بيع العبد من نفسه بثمن مؤجل، فيثبت له حينئذ أحكام البيع لا الكتابة، كما يومئ إليه ما في الدروس، فإنه ذكر فروعا متصلة بالمسألة الأول منها، قال: «إن جوزنا بيعه عليه فإذا قال: بعتك رقبتك أو نفسك بكذا فقبل عتق كشراء القريب، و لا ولاء عليه إلا مع الشرط عند الشيخ كما مر و يشكل ببعد ملك الإنسان نفسه، و لو صح فكيف يكون الولاء للبائع مع أنه لم يعتقه، و الاشتراط يخالف

قوله صلى الله عليه و آله (1)

الولاء لمن أعتق»

قلت: و لا يدفع الإشكال الأول كونه كبيع ما في الذمة على الإنسان نفسه، لأن ذلك مرجعه إلى الإسقاط بعد قابلية المشتري لأصل قبول البيع بخلاف الفرض، فإن قابلية شراء العبد نفسه مفقودة، و دعوى صيرورته قابلا ذلك بعقد البيع معه- على معنى حصول القابلية و الانعتاق دفعة بالقبول- كما ترى، و إطلاق لفظ البيع لا يقتضي صحة ذلك.

فالتحقيق عدم صحة ذلك بيعا أيضا فضلا عن أن يكون من الكتابة التي لا يتصور كونها من البيع بالمعنى المزبور في كتاب البيع، بل ظني أن القائل بأنها من البيع لم يرد أنها فرد حقيقة من البيع بالمعنى المعهود الذي لا يخفى مباينته لها، و لا أن البيع مشترك لفظا بين مفهومها و بين غيرها، ضرورة عدم اقتضاء ذلك ثبوت أحكام البيع من خيار المجلس و نحوه مما كان العنوان فيه البيع، بل يريد أن البيع للأعم من ذلك و ما يشملها، نحو ما سمعته في بيع الخدمة، بل و في بيع العرية و حينئذ فلا يرد عليه كثير مما سمعته، نعم يدفعه تحقق التباين عرفا بين المفهومين و عدم قدر مشترك بينهما على وجه يشتركان فيما يثبت من الأحكام التي عنوانها البيع، كخيار المجلس و نحوه، و الاشتراك اللفظي لا يفيد ذلك، بل لا ثمرة في النزاع فيه، كما هو واضح.

و بذلك يظهر لك أنه لا يثبت مع الكتابة خيار المجلس


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من كتاب العتق الحديث 1 و 2.

ج 34، ص: 260

الذي عنوانه البيعان بالخيار ما لم يفترقا، و كذا الكلام في غيره من الأحكام.

هذا و في الدروس قال: «الثاني- أي من الفروع المزبورة- لو قال له:

أنت حر على ألف درهم أو إن أعطيتني ألفا فأنت حر قيل: يبطل، لأن العبد لا يملك، و الثاني تعليق، و يمكن إلحاقهما بالكتابة».

قلت: لم أجد ذلك لأحد من الخاصة، نعم هو في بعض كتب الشافعية، و مرجعه إلى مشروعية هذين القسمين كمشروعية الكتابة، و هو كما ترى لا يوافق أصولنا التي منها حرمة القياس، نعم قد يقال بصحة الأول باعتبار كونه شرطا في العتق، و قد عرفت صحته، و الثاني بناء على صحة التعليق، و ليس من الكتابة في شي ء قطعا، و لا من ملحقاتها، كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف لا تصح من دون الأجل على الأشهر الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصالة بقاء العبد على الرقية التي لا يعارضها إطلاق الكتابة في الكتاب (1) و السنة (2)

بعد دعوى دخول الأجل في مفهومها أو احتماله احتمالا مساويا لعدمه، أو انسياق المؤجل منها، خصوصا بعد ملاحظة النصوص (3)

التي تعرضت لأحكامها، فإنه يظهر منها المفروغية من كونها مؤجلة، حتى

ورد عن الصادق عليه السلام في خبر العلاء (4) في تفسير قوله تعالى (5): «وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ» قال: تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه منها»

و ورود عنه عليه السلام أيضا في صحيح معاوية بن وهب (6) في حديث المكاتبة «قلت:


1- 1 سورة النور: 24- الآية 33.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة.
3- 3 الوسائل- الباب- 4 و 5- من أبواب المكاتبة.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
5- 5 سورة النور: 24- الآية 33.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 261

فما حد العجز؟ قال: إن قضاتنا يقولون: إن عجز المكاتب أن يؤخر النجم إلى النجم الآخر حتى يحول عليه الحول، قلت: فما تقول أنت؟ قال: لا و لا كرامة، ليس له أن يؤخر نجما عن أجله إذا كان في شرطه»

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في كون بناء الكتابة على ذلك.

و لعله إليه يرجع الاستدلال على ذلك بإيقاع السلف من عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم و بعده، فإنهم لا يعقدون الكتابة إلا على عوض مؤجل على وجه يقتضي عدم جواز غيره، فكان إجماعا، فلا يرد حينئذ عدم عدم اقتضاء ذلك بطلان الحال، إذ عدم استعمالهم له أعم من البطلان.

كما أن ما ذكر أيضا من الاستدلال بأنه على تقدير الحلول يتوجه المطالبة في الحال و هو عاجز عن الأداء حينئذ، فيكون كالسلم في شي ء لا يوجد عند الحلول، فلا بد من ضرب أجل له يوجد فيه لئلا يطرق إليه الجهالة الداخلة في الغرر المنهي عنه (1) فيرجع إلى إرادة عدم ثبوت شرعية الحال الذي لا يتمكن منه العبد غالبا، و احتماله في بعض الأفراد على بعض الأحوال خصوصا إذا كان مبعضا و كوتب على الجزء الآخر لا ينافي حكمه شرعية الأجل الذي تخرج به المعاملة عن كونها سفهية و عن غير المقدور عليها و نحو ذلك.

فما عن الشيخ في الخلاف و ابن إدريس و يحيى بن سعيد من عدم اعتبار الأجل للإطلاق لا يخلو من نظر و إن اختاره الفاضل في القواعد و ثاني الشهيدين في المسالك، بل الأولى اعتبار أجل يتمكن فيه من أداء المال عادة، فلا يكفي غيره على الأحوط، و الله العالم.

و لا خلاف في أنه يفتقر ثبوت حكمها إلى الإيجاب و القبول و لو على جهة المعاطاة كغيرها من العقود بناء على عموم شرعيتها، و إن كان لا يخلو جريان المعاطاة هنا من إشكال لعدم ثبوت سيرة عليها، نعم أقواه الثبوت عند بعض، للصدق عرفا و إن كان فيه ما فيه، كما تقدم في نظائره.


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 338.

ج 34، ص: 262

و كيف كان ف يكفي في عقد المكاتبة أن يقول كاتبتك مع تعيين الأجل و العوض و يقول العبد: «قبلت» و هل يفتقر إلى قوله فإذا أديت فأنت حر مع نية ذلك في إيجاب المكاتبة؟ قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف:

نعم بل هو الظاهر من كلام ابن إدريس، لاشتراك لفظ المكاتبة بين المراسلة و المخارجة و بين المكاتبة الشرعية، فلا بد من مائز باللفظ يخرجها عن الاشتراك إلى الصريح.

و قيل و القائل هو في المبسوط و الأكثر بل جعله في الأول هو مقتضي مذهبنا بل تكفي النية مع العقد، فإذا أدى عتق سواء نطق بالضميمة أو أغفلها و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، لأصالة عدم الاشتراط بعد دلالة إنشاء عقد المكاتبة الذي غايته ذلك عليه، بل هو كغيره من الغايات المترتبة على العقود التي من المعلوم عدم وجوب ذكرها، بل المتجه عدم الاحتياج إلى نية ذلك و إخطاره في البال، للاكتفاء بالإنشاء المزبور، لكونه صريحا في ذلك، و إلا لم يجز حتى مع النية، بناء على عدم جواز الكناية في العقد و إن كان قد تكرر منا ذكر الاشكال فيه باقتضاء إطلاق الأدلة جواز العقد باللفظ الحقيقي و المجازي، إذ ليس هو إلا كغيره من المقاصد التي تبرز بهما، كما تقدم ذلك منا غير مرة.

و أصل الخلاف في هذه المسألة إنما هو من الشافعي و أبي حنيفة، و أوجب الأول التصريح باللفظ المزبور، و لم يكتف بنيته، كما لا تكفي نية الإيجاب عن التصريح بما يدل عليه، و اكتفى الثاني بلفظ «كاتبتك» عن غيره، لأنه صريح في ذلك: ضرورة كون المراد من اللفظ المستعمل في إيجاب العقد ما يقتضي الحرية بعد الأداء، كما أن المراد منه على فرض كونها بيعا معنى «بعتك» و على فرض كونها عتقا بصفة أنت حر بعد أدائك، و استعمال المكاتبة بمعنى المراسلة و المخارجة غير قادح في الصراحة عند إرادة إنشاء عقد المكاتبة بها، بل لعل ألفاظ العقود و الإيقاعات جميعها كذلك، إذ مع قطع النظر عن الإتيان بها حال إرادة

ج 34، ص: 263

الإنشاء لا تدل على العقد المخصوص و لا الإيقاع كذلك، لأنها مشتركة بين الإخبار و الإنشاء مثلا إلا أنها صريحة في معناها في مقام الإنشاء.

و ربما يؤيد ما ذكرنا التأمل فيما تسمعه من النصوص (1)

الكثيرة المشتملة على اشتراط الرد في الرق مع العجز الظاهرة في اقتضاء المكاتبة الحرية بقدر ما أدى مع عدم الشرط المزبور، بل كاد يكون صريح بعضها الاجتزاء بقول:

«كاتبتك» مع ذكر الأجل و العوض، بل هي ظاهرة في كون ذلك من مفهوم المكاتب و المكاتبة، بل من مفهوم كاتبتك المستعملة في إنشاء العقد إن لم يرد منها التحرير بعد الأداء، فلا ريب في إرادة جعلتك مكاتبا فيها، و النصوص المزبورة ظاهرة في أن المكاتب إن لم يشترط عليه الرد في الرق مع العجز تحرر منه بقدر ما أدى، و دعوى اعتبار قول: «فإذا أديت فأنت حر» مع قول: «كاتبتك» و ذكر الأجل و العوض في لحوق وصف المكاتب له ظاهرة الفساد، ضرورة صراحة كل صيغة مشتقة من اسم المعاملة الخاصة في تمام معناها، كما في «بعت» و «صالحت» و «أنكحت» و غيرها.

فمن الغريب ميل الفخر و تلميذه الشهيد في نكت الإرشاد إلى اعتبار اللفظ المخصوص. مضافا إلى الصيغة المشتملة على ذكر الأجل و العوض، بل ظاهر الثاني منهما أن ذلك من تتمة الإيجاب، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف بيننا في أن الكتابة قسمان: مشروطة و مطلقة و في أن المطلقة أن يقتصر على العقد و ذكر الأجل و العوض و النية بالمعنى الذي تقدم و المشروطة أن يقول مع ذلك: «فان عجزت فأنت رد في الرق» و حينئذ فمتى عجز كان للمولى رده رقا، و لا يعيد عليه ما أخذ

قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (2): «إن المكاتب إذا أدى شيئا أعتق بقدر ما أدى إلا أن يشترط مواليه إن عجز فهو مردود، فلهم شرطهم»

و في


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث- 2.

ج 34، ص: 264

صحيحه الآخر (1) عنه عليه السلام أيضا «في مكاتب شرط عليه إن عجز أن يرد في الرق، قال: المسلمون عند شروطهم»

و قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2)

«في المكاتب إذ أدى بعض مكاتبته إن الناس كانوا لا يشترطون و هم اليوم يشترطون، و المسلمون عند شروطهم، فان كان شرط عليه إن عجز رجع، و إن لم يشترط عليه لم يرجع»

و نحوه صحيحه الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا

و في خبره الآخر (4) عنه عليه السلام أيضا في «المكاتب يكاتب و يشترط عليه مواليه أنه إن عجز فهو مملوك، و لهم ما أخذوا منه، قال: يأخذه مواليه بشرطهم»

و في خبر القاسم بن سليمان (5) عنه عليه السلام أيضا «أن عليا عليه السلام كان يستسعى المكاتب، إنهم لم يكونوا يشترطون إن عجز فهو رقيق، قال: و قال أبو عبد الله عليه السلام: لهم شروطهم»

إلى غير ذلك من النصوص التي يمر عليك بعضها.

خلافا للعامة، فليست عندهم إلا قسما واحدا، و هو المشروط عندنا، فلا يعتق إلا بأداء جميع المال، ل

قوله صلى الله عليه و آله (6)

«المكاتب عبد ما بقي عليه درهم»

المحمول على صورة الشرط، و إليه أومئ في النصوص السابقة التي منها يعلم أيضا طرح

خبر جابر (7) عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن المكاتب يشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق، فعجز قبل أن يؤدى شيئا فقال أبو جعفر عليه السلام: لا يرد في الرق حتى بمضي ثلاث سنين، و يعتق منه بمقدار ما أدى، فإذا أدى ضربا فليس لهم أن يردوه في الرق»

أو حمله على ما لا ينافيها، و كذا غيره.

و على كل حال فقد ظهر لك الفرق نصا و فتوى بين المطلقة و المشروطة بانعتاق قدر ما يؤدي في الاولى و عدمه في الثانية. و أما اشتراكهما ففي أكثر الأحكام.

بل في المسالك و غيرها ممن تأخر عنها اشتراكهما في الفسخ بالعجز أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 9.
6- 6 سنن البيهقي ج 10 ص 324.
7- 7 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 14.

ج 34، ص: 265

قال: «إذا عجز المكاتب عن مال الكتابة أو بعضه جاز للمولى الفسخ في الجملة، لكن إن كانت مشروطة رجع رقا بالعجز و لو عن درهم من آخر المال، و إن كانت مطلقة و كان عجزه عن النجم الأول فكذلك، و إن كان عن غيره أو عن بعضه بعد أن أدى شيئا أفاد الفسخ عود ما بقي منه و استقر عتق مقدار ما أدي، فاحتيج إلى معرفة العجز المسوغ للفسخ في القسمين، و إن كان مقتضى عبارة المصنف و الأكثر أن البحث عن عجز المشروطة خاصة».

قلت: لعل وجهه عدم دليل على اقتضائه الفسخ في المطلقة التي لا يكفي في ثبوت ذلك فيها بمجرد تخلف الأداء عن النجم مطلقا أو إلى نجم آخر، و إلا لاقتضى ذلك في النسيئة في البيع مثلا، ضرورة عدم صدق الشرط على مثله كي يتسلط على الخيار بعدم الوفاء نحو غيره من الشرائط، بل هو من توابع الثمن الذي هو ركن المعاملة المقتضية لتسليمه لا أنه مستحق بالشرط، و إلا لاقتضى الفسخ فيها على وجه يعود جميعه رقا، كما في غيره من الشرائط الموجبة للفسخ بعدم الوفاء بها، و كان العامة توهموا ذلك فجعلوا القسمين قسما واحدا، لكنه كما ترى لا شرطية في المطلقة بخلافه في المقيدة، فتأمل جيدا فإنه ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق.

و كيف كان ف حد العجز و علامته في المشروطة كما في النهاية أن يؤخر نجما إلى نجم و يجتمع مالان على المملوك، أو يعلم من حاله العجز عن فك نفسه و إن لم يؤخر نجما إلى آخر، و تبعه ابن البراج، بل في المسالك نسبته إلى أتباعه أيضا، بل قال: سواء كان ذلك التأخير بسبب العجز عنه أو بالمطل أو بالغيبة بغير إذن المولى، و إطلاق اسم العجز على هذا الشق مجاز باعتبار قسيمه و لمشاركته العجز في المعنى.

و قيل و القائل المفيد و الشيخ في الاستبصار و ابن إدريس، بل نسب إلى كثير من المتأخرين: هو أن يؤخر نجما عن محله بل في المسالك «سواء

ج 34، ص: 266

بلغ التأخير نجما آخر أم لا، و سواء علم من حاله العجز أم لا، حتى لو كان قادرا على الأداء فمطل به جاز الفسخ إذا أخره عن وقت حلوله و لو قليلا» و إن كان فيه بل و في السابق أيضا عدم صدق العجز في صورة المماطلة.

و عبارة المفيد لا تقتضي ذلك، قال: «إن اشترط في الكتاب أنك إن عجزت عن الأداء أو أبطأت به رجعت عبدا فعجز عن الأداء بعد حلول الأجل أو أبطأ بالأداء و قد حل الأجل كان عبدا على حاله قبل المكاتبة» و هي كالصريحة في اشتراط البطء كالعجز، لأنه مع الاقتصار على الآخر يحصل الحكم بالبطء، فتأمل.

و عن الصدوق ره «إن كاتب رجل عبدا و شرط عليه إن عجز فهو رد في الرق فله شرطه، فينتظر المكاتب ثلاثة أنجم، فإن هو عجز رد رقا» و قال ابن إدريس على ما حكي عنه: «و حد العجز هو أن يؤخر نجما إلى نجم، و الأولى أن نقول:

يؤخر النجم بعد محله، فأما تأخير النجم إلى نجم آخر فعلى جهة الاستحباب الصبر عليه إلى ذلك الوقت» و هو موافق لما سمعته من المفيد، فتكون الأقوال حينئذ في المسألة ثلاثة. و أما كلام ابن الجنيد فمرجعه إلى أن المدار على ما يتحقق به شرطه، كما لا يخفى على من لاحظه، فهو ليس قولا في المسألة.

و على كل حال ففي المتن و هو أي القول الثاني مروي مشيرا بذلك إلى

صحيح معاوية بن وهب (1) عن الصادق عليه السلام «سألته عن مكاتبة أدت ثلثي مكاتبتها و قد شرط عليها إن عجزت فهي رد إلى الرق و نحن في حل مما أخذنا منها و قد اجتمع عليها نجمان، قال: ترد و يطيب لهم ما أخذوا، و قال: ليس لها أن تؤخر النجم بعد حله شهرا واحدا إلا بإذنهم».

و صحيحه الآخر (2) عنه عليه السلام أيضا «قلت له: إني كاتبت جارية لأيتام لنا


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 1 و ذيله في الباب- 5- منها الحديث 1.

ج 34، ص: 267

و اشترطت عليها إن هي عجزت فهي رد في الرق و أنا في حل مما أخذت منك، قال: فقال لي: لك شرطك، و سيقال لك إن عليا عليه السلام كان يقول يعتق من المكاتب بقدر ما أدى من مكاتبته، فقل: إنما كان ذلك من قول علي عليه السلام قبل الشرط، فلما اشترط الناس كان لهم شرطهم، فقلت له: و ما حد العجز؟ فقال: إن قضاتنا يقولون: إن عجز المكاتب أن يؤخر النجم إلى النجم الآخر حتى يحول عليه الحول، قال: قلت: فما تقول أنت؟ فقال: لا و لا كرامة، ليس له أن يؤخر نجما عن أجله إذا كان ذلك في شرطه»

بناء على رجوع لفظ «ذلك» للعجز الذي هو البعيد لا التعجيز بالتأخير عن المحل حتى يكون خارجا عن محل النزاع، إذ هو كما ترى مناف للظاهر، بل و للإنكار على ما حكاه عن القضاة، بل و لغير ذلك.

ثم إن ظاهر المصنف عدم رواية تدل على القول الأول، لكن قيل يدل عليه

المرسل (1) عن بعض الكتب عن أمير المؤمنين عليه السلام «لا يرد في الرق حتى يتوالى نجمان»

و موثق إسحاق بن عمار (2) عن الصادق عليه السلام «إن عليا عليه السلام كان يقول: إذا عجز المكاتب لم ترد مكاتبته في الرق، و لكن ينتظر عاما أو عامين، فان قام بمكاتبته و إلا رد مملوكا»

بناء على أن المراد من النجم العام، كما يومئ إليه الصحيح (3)

السابق بعد حمل قوله عليه السلام: «أو عامين» على الندب.

و أما الفسخ في صورة العلم بالعجز و إن لم يحصل التأخير إلى النجم الآخر فلأن التأخير حينئذ عبث، ضرورة كونه لرجاء القدرة المفروض العلم بعدمها.

لكن في الأول أنه مرسل و وجادة و لا جابر، و في الثاني أعمية النجم من الحول، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب، لذلك و للتخيير فيها، و أما ما ذكره


1- 1 المستدرك الباب- 5- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المكاتبة الحديث 2.

ج 34، ص: 268

من عدم الفائدة مع العلم بالعجز ففيه منع ظاهر و ذلك لأن المراد بالعلم هنا أيضا الظن الغالب، لتعذر العلم حقيقة، و يمكن تخلفه و لو ببذله من أحد مثلا قبل حلول النجم الثاني.

هذا و في المسالك «يمكن الاستدلال له ب

صحيح معاوية بن وهب الأول حيث دل صريحا على جواز الفسخ بتأخير نجم إلى نجم لقوله: «و قد اجتمع عليه نجمان»

إلى آخره، و لا دليل صريحا على جواز الفسخ قبل ذلك، بل على تحريم تأخير الأداء، و لا كلام فيه، لأن ذلك مقتضي الدين بعد حلوله- قال-: و لعل نسبة المصنف القول الثاني إلى الرواية و إشعار تصديره الحكم بالقول الأول ناش عن ذلك، و إلا لم يكن للعدول عن الرواية الصحيحة وجه».

قلت: لا يخفى عليك ظهور بيان حرمة تأخير الأداء هنا في إرادة الفسخ، كما يشهد له سياق الصحيح (1)

المزبور، على أن الظاهر كون المسألة لفظية لا مدخلية للتعبد بالنص فيها، ضرورة كون المدار على ما يشترطه المولى من التأخير عن المحل أو إلى حلول النجم الآخر أو إلى جميع النجوم أو غير ذلك، و من التعليق على العجز أو المطل أو الأعم منهما الشامل لحال الغيبة أو غيرها، و إلى ذلك أومأ ابن الجنيد و غيره، و مع إطلاق العجز لا يدخل فيه المطل و الغيبة قطعا، و إطلاق الصحيح (2)

المزبور محمول على التأخير عن المحل بالعجز لا بهما، كما هو واضح.

و يتحقق بصدق اسمه بالتأخير عن المحل و لو لحظة مع فرض كون المراد من الشرط تحقق أصل ماهيته، و لو فرض إجمال المراد به عرفا فالأصل اللزوم، و احتمال الرجوع إلى النصوص تعبدا فيه واضح الضعف، للعلم بكون المدار على ما يفهم عرفا و أنه لا يعتد بخلافه. و بذلك يظهر أن المراد من النصوص المفهوم عرفا دون التعبد و إن نافي العرف و لم يفهم منه فيه و حينئذ فصحة الرواية و عدمها لا مدخلية لها في المقام.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المكاتبة الحديث 2.

ج 34، ص: 269

ثم لا يخفى عليك أن ظاهر ما سمعته من عبارة الشيخ الاكتفاء في ثبوت الخيار بالعلم بالعجز و لو قبل حلول النجم الأول كما اعترف به في كشف اللثام، و حينئذ فيصح مقابلته للعجز على القولين، لا أنه يختص مقابلته للعجز على القول الأول، و لعله على ذلك تحمل عبارة الإرشاد، قال: «وحده تأخير النجم عن محله على رأى أو يعلم من حاله العجز» و إن كنا لم نجده قولا لأحد، بل في المسالك دعوى الإجماع على عدم جواز الفسخ قبل حلول نجم و إن علم العجز، و حينئذ فيختص صحة مقابلته للعجز بالمعنى الأول كما في المتن، لتحقق المغايرة بينهما دون الثاني الذي مقتضاه ثبوت الخيار بالتأخير عن النجم لحظة، علم العجز أو لم يعلم، بل و إن علم عدمه، و قبله لا يجوز، و حينئذ فتكون عبارة الإرشاد غير سليمة كما جزم بذلك فيها تبعا للشهيد في غاية المراد، خصوصا بعد أن جعله فيها قسيما للعجز بالمعني الثاني المقرون بالرأي، و مقتضاه عدم الخلاف في ثبوت الفسخ به و إن لم يحل نجم، و قد عرفت أنا لم نعرفه قولا لأحد، و لكن الأمر سهل.

ثم إن ظاهر ما سمعته من النهاية و المتن اعتبار العجز عن فك نفسه، لا العلم بالعجز عن أداء النجم الذي قد حل، و لعله لأنهم قد فرضوا المسألة في المشروطة التي بعجزه عن قليل من المال لا ينفك شي ء من رقبته، و إنما يختلف الحكم في المطلقة التي قد عرفت كون المفروض في كلام الأصحاب خلافها، و كلام ابن الجنيد الذي قد استحسنه في المسالك و غيرها مرجعه إلى ما ذكرناه من أن المدار على شرطه، كما لا يخفى على من لاحظه.

و المراد بالنجم هنا المال المشترط أداؤه في وقت خاص و إن كان المتعارف من النجم الوقت، قيل و منه

ما في الحديث (1)

«هذا إبان نجومه»

يعني البني، أي وقت ظهوره، و يقال: كان العرب لا يعرفون الحساب و يبنون أمورهم على طلوع النجوم و المنازل، فيقول أحدهم: إذا طلع نجم الثريا أديت حقك، فسميت


1- 1 نهاية ابن الأثير- مادة: «ابن».

ج 34، ص: 270

الأوقات نجوما، إلا أنه يطلق على المال المجعول عليه في ذلك الأجل، و هو المراد هنا، و الله العالم.

و يستحب للمولى مع العجز الصبر عليه عاما أو عامين أو ثلاثة، لما سمعته من الموثق (1)

و خبر الحسين بن علوان (2) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «إن عليا عليه السلام كان يؤجل المكاتب بعد ما يعجز عامين يتلومه، فإن أقام بحريته و إلا رده رقيقا»

و لقول الصادق عليه السلام (3)

«ينتظر بالمكاتب ثلاثة أنجم، فإن هو عجز رد رقيقا»

و قول الباقر عليه السلام في خبر جابر (4)

السابق المحمولة أجمع على الندب، لقصورها عن الحكم بالوجوب.

بل للتسامح في أدلة السنن أطلق المصنف استحباب الصبر عليه من غير تقييد له بمدة، لإمكان القول بإفادتها ذلك و إن اختلفت شدة و ضعفا بطول المدة و قصرها، مضافا إلى ما في الصبر عليه من الإحسان و رجاء حصول الحرية، و على كل حال فما سمعته من الصدوق من تحديد العجز بالثلاثة لهذه النصوص واضح الضعف، و يمكن إرادته الندب.

و كيف كان ف الكتابة عقد لازم من الطرفين مطلقة كانت كما هو المشهور، بل عن التحرير الإجماع عليه أو مشروطة لأصالة اللزوم المستفادة من الآية (5)و الاستصحاب و غيرهما مما ذكرناه في محله، و لا ينافي ذلك جواز الفسخ إذا كانت مشروطة و عجز العبد، لما سمعته من الأدلة، كما لا ينافي لزوم البيع ثبوت الخيار فيه في الجملة، و حينئذ فما في القواعد- من أن الكتابة عقد لازم من الطرفين إلا إذا كانت مشروطة و عجز العبد- لا يخلو من شي ء إلا أن الأمر سهل بعد وضوح المراد.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المكاتبة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 14.
5- 5 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 34، ص: 271

و قيل: إنها مطلقا لازمة من طرف المولى جائزة من طرف العبد مطلقا، لأن الحظ في الكتابة له دون السيد، فله إسقاط حقه دونه، و لأن الكتابة يتضمن تعليق العتق بصفة في العبد، و التعليق يلزم من جهة المعلق دون العبد الذي لا يلزمه الإتيان بالصفة.

إلا أنه لم نتحقق القول المزبور و إن حكي عن الخلاف إلا أن المحكي عنه الاستدلال على ذلك بإجماع الفرقة و أخبارهم على أن المكاتب متى عجز كان لمولاه رده في الرق إذا كانت الكتابة مشروطة، و هو كالصريح في اختصاص الحكم بها دون المطلقة التي قد سمعت دعوى الإجماع على لزومها من الفاضل.

و على كل حال لا ريب في ضعفه، و كون الحظ له فيها لا يقتضي عدم وجوب وفاء الدين الذي هو حق المولى أيضا و لا تعليق فيها، بل مقتضاها أداء المال في نجومه، فيجب عليه الوفاء به للاية (1) كما هو واضح.

و قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة إن كانت مشروطة فهي جائزة من جهة العبد، لأن له أن يعجز نفسه قال: «الذي يقتضيه مذهبنا أن الكتابة إن كانت مطلقة فهي لازمة من الطرفين، و ليس لأحدهما فسخ، و إن كانت مقيدة فهي لازمة من جهة السيد و جائزة من جهة العبد، فان عجز لم يجبر على الاكتساب» و وافقه عليه ابن إدريس على ما حكي عنه، و كان وجهه ما سمعته من الخلاف من جواز رده في الرق مع عجزه، فدل على أن له تعجيز نفسه، و إلا لوجب التكسب و لم يجز رده.

و لا يخفى ضعفه، فان جواز رده في الرق مع عجزه لا يدل على جواز تعجيز نفسه اختيارا، و إنما يدل على جواز الفسخ مع العجز عن أداء ما عليه. و إلى ذلك كله أشار المصنف بقوله و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده.

و لا نسلم أن للعبد أن يعجز نفسه، بل يجب عليه السعي، و لو امتنع يجبر، و قال الشيخ: لا يجبر، و فيه إشكال من حيث اقتضاء عقد الكتابة وجوب


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 34، ص: 272

السعي، فكان الأشبه الإجبار، لكن لو عجز كان للمولى الفسخ و كأنه أشار بذلك إلى الفرق بين المقام و بين بيع النسيئة الذي لا يجب فيه على المشتري السعي في وفاء الثمن مع فرض إعساره، لأن ذلك ليس مقتضى البيع الذي يجب الوفاء به بخلاف المقام الذي مقتضي العقد فيه وجوب السعي، بل قد سمعت ما دل على المراد بالخير في الآية (1) من النصوص (2)

لا أن مقتضاه إثبات مال في ذمته يجب عليه أداؤه مع حصوله له و لا يجب عليه تحصيله.

بل به ظهر الفرق بين المقام و بين الدين الذي لا نوجب التكسب على المديون في وفائه، بل منه يعلم أيضا ما في كلام ثاني الشهيدين في المسالك، فلاحظ و تأمل.

كما أن مما ذكرنا يظهر ضعف المحكي عن ابن حمزة من جواز المشروطة من الطرفين و المطلقة من طرف المكاتب خاصة بل هو من الغريب، ضرورة مخالفته الأصول، خصوصا في المولى الذي لاحظ له في العتق، على أن الجواز في حقه آت بمعنى أن له فسخ العقد و إن لم يعجز العبد، و هو مناف لما هو كالمجمع عليه بينهم من عدم جواز ذلك، خصوصا بعد أن ذكر غير واحد هنا أن المراد بالجواز من طرف المكاتب أنه لا يجب عليه السعي في مال الكتابة و لا أداؤه على تقدير وجوده معه، بل له أن يعجز نفسه و يمتنع من تحصيل صفة العتق، فللمولى حينئذ أن يفسخ العقد، و له أن يصبر، و ليس المراد بجوازه ما هو المعهود في غيره من العقود من أن له فسخ العقد.

نعم عن الشيخ في المبسوط قول آخر في تفسير الجواز، و هو أنه لا يلزمه التكسب له و إن قدر عليه، لكن إن كان عنده مال وجب عليه دفعه، و اجبر على أدائه مع الامتناع، كمن عليه دين و هو موسر.

و قد يقال: إن معني جوازها من طرف المولى بمعنى أن له تعجيز العبد


1- 1 سورة النور: 24- الآية 33.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة.

ج 34، ص: 273

و منعه من التكسب حتى يحصل العجز الموجب للخيار، و على كل حال فمعنى لزومها من الطرفين أنه ليس لأحد منهما فسخها بنفسه كغيرها من العقود اللازمة و مع ذلك قد يجوز فسخها للمولى في حال مخصوص، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو اتفقا على التقايل صح بلا خلاف و لا إشكال لما عرفت في الإقالة من تناول دليلها لسائر المعاوضات التي منها عقد الكتابة التي هي كالبيع و إن كان فيها شائبة العبادة بالعتق الذي لا يقبل التقايل، بل الظاهر صحته في المطلقة مع أداء البعض أيضا لكن بالنسبة إلى ما بقي، لما عرفت في محله من جريان الإقالة في البعض، نعم الظاهر عدم جريان الإقالة في الجزء الحر أو الكل بعد الأداء، لأن الحر لا يعود رقا، و الله العالم.

و كذا يصح لو أبرأه من مال الكتابة لإطلاق أدلة الإبراء الشامل للمقام، فان المال في ذمة العبد المكاتب لمولاه. و حينئذ ف ينعتق بالإبراء لأنه بحكم الوصول، و أولى منه الاحتساب عليه من الحقوق، كما هو واضح. و لو أبرأ من بعض صح و انعتق بحسابه لو كانت مطلقة.

و لا تبطل بموت المولى كغيرها من العقود اللازمة، للأصل و غيره.

و حينئذ ف للوارث المطالبة بالمال الذي انتقل إليه من مورثه كانتقال باقي حقوق الكتابة التي منها الفسخ لو عجز. و حينئذ ف ينعتق بالأداء إلى الوارث كما هو واضح. و أما حكمها لو مات المكاتب فستعرف الكلام فيه، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف

[و يعتبر في الموجب]

و (11) لا إشكال في أنه يعتبر في الموجب (12) الذي هو المولى البلوغ و كمال العقل و الاختيار و جواز التصرف (13) فلا يكفى العشر و إن اكتفينا بها في العتق سواء أذن المولى أولا، و لا يصح من المجنون المطبق و لا الأدواري إلا أن يكون حال الإفاقة المعلومة.

و بالجملة حال هذا العقد كغيره من العقود التي قد تكرر ذكر وجه اعتبار ذلك فيها، خصوصا العقود المتضمنة للتصرف في المال المعلوم حجر الصبي و المجنون

ج 34، ص: 274

عن التصرف فيه، كمعلومية عدم نفوذ تصرف المكره إلا أن يرضى بعد زوال الإكراه على ما عرفته في محله، و المحجور عليه لفلس و سفه و نحوهما إلا مع إذن الغرماء أو الولي.

و لو كاتب المريض ففي الدروس و كذا القواعد «يصح إن خرج من الثلث أو أجاز الوارث، لأنه معاملة على ماله بماله» قلت: قد يقال إن ذلك لا يكفي في كونه تبرعا فالمتجه الصحة من الأصل مع فرض عدم المحاباة كغيرها من المعاوضات.

و هل يعتبر فيه الإسلام؟ فيه تردد ينشأ من كون الكتابة عتقا بعوض، و هو لا يصح من الكافر مطلقا مقرا بالله تعالى شأنه أو جاحدا له على ما عرفت، لكونه عبادة لا تصح منه على حال، و من منع كونها عتقا و إن ترتب عليها التحرير الذي هو أعم من العتق الذي قد عرفت ظهور الأدلة في اعتبار النية فيه، هذا إن قلنا بعدم صحة العتق من الكافر مطلقا أو من خصوص الجاحد و إلا فلا إشكال أصلا لإطلاق الأدلة بلا معارض.

هذا و لكن في الرياض مال إلى عدم الجواز إن لم يكن إجماعا و إن قلنا بالصحة من الكافر، لأصالة الفساد بعد اختصاص أدلة المشروعية كتابا (1) و سنة (2)

بالمسلم الذي هو المخاطب بالاية بقرينة التعليق بعلم الخير المراد به الإيمان الذي بزعمه الكافر شرا، و لا عموم في السنة و لا إطلاق سوى الموثقة (3) المتقدمة المتبادر منها كون المولى مؤمنا لا مطلقا، مضافا إلى ظهور

قوله عليه السلام «و المؤمن معان»

في كون العبد مؤمنا و لا يكون عبدا للكافر غالبا، فلا تحمل الرواية على ما هو فرد نادر جدا، مع أنه لا يصلح مكاتبة الكافر له عند جماعة لوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر فورا، و المكاتبة لا تقتضي الإخراج خروجا تاما،


1- 1 سورة النور: 24- الآية 33.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 275

و لا ترفع السلطنة خصوصا في المشروطة، فلا يمكن أن يحمل عليه إطلاق الرواية من هذه الجهة أيضا.

و كذا الكلام في عموم «أَوْفُوا» (1) أما على القول بكون الكتابة عقدا جائزا مطلقا أو في الجملة فظاهر، لعدم دخولها من أصلها حينئذ فيه أصلا و كذا على المختار من كونه لازما لما مضى من عموم الآية (2) السابقة من اختصاص الخطاب بالمسلم و عدم موجب للتعدية لا من سنة و لا من إجماع، و ثبوتها إلى الكافر في كثير من المعاملات بأحد الأمرين لا يوجب ثبوتها مع انتفائهما في المسألة، و القياس حرام بالشريعة، فالقول بالاعتبار لو لم يكن على عدمه إجماع لعله لا يخلو من قوة، و لو قلنا بأن الكتابة معاملة مستقلة لعدم المقتضي لصحتها كلية حتى في المسألة، لما عرفت من ضعف المقتضيات المزبورة، و لم أقف من دونها على دلالة فتأمل، مع أن الأصل على الفساد أقوى حجة سيما إذا كان العبد مسلما، لما مضى، و كذا إذا كان كافرا على القول بعدم صحة مكاتبة العبد الكافر، كما هو الأقوى. و سيأتي أن المرتضى ادعى عليه إجماعنا مطلقا من دون تقييد بكون المولى مسلما و من هنا ينقدح وجه آخر في الجواب عن العموم لو سلم، فإن الإجماع المزبور بنفي جواز مكاتبة الكافر و آية نفي السبيل (3) تنفي جواز مكاتبة المسلم، و بهما تخصص العمومات المزبورة، فلا فرد للمسألة تشمله فيكون ثمرة للنزاع و المشاجرة، و هو كما ترى. و قد نقلناه بطوله لكثرة محال النظر فيه، ضرورة استفاضة السنة بذكر المكاتب و أقسامه و أحكامه و هو شامل لهما، و ليس ذلك منحصرا في

الموثقة (4) المزبورة التي في بعض طرقها «المحسن معان»

بدل


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 33.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 141.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 276

«المؤمن» و هو شامل للكافر، بل الآية شاملة أيضا، ضرورة استفادة مشروعية المكاتبة المتعارفة منها، و التقييد بعلم الخير للأمر بها لا لأصل المشروعية.

و كذا عموم «أَوْفُوا» (1) فإن الخطاب و إن كان للمؤمنين لكن المراد بيان الشرعية لهم لا اختصاصها بهم، فإن أحكام الوضع لا اختصاص لها بمكلف، بل التحقيق مشاركة الكافر للمؤمن في الفروع التي هي من العبادات المنحصرة صحتها في المؤمن، كما بين في محله، و حينئذ فيكفي في التعدية الإجماع على قاعدة الاشتراك، و لا يحتاج إلى إجماع بخصوصه.

و ستعرف البحث في صحة كتابة الكافر عبده الكافر و الاكتفاء بها عن بيعه لأنها قاطعة للسلطنة، و البحث في كتابة عبده المسلم و أن التحقيق الصحة في الثاني، فيكون حينئذ موردا للنزاع.

و من هنا بان لك أن الوجه عدم الاشتراط كما هو المشهور إن لم يكن إجماعا، بل عن بعضهم الاعتراف بمجهولية القائل بالاشتراط.

و حينئذ فلو كاتب الذمي مثلا مملوكه على خمر أو خنزير أو نحوهما مما كان حلالا في مذهبهما و تقابضا و هما ذميان و ترافعا إلينا حكم عليهما بالتزام ذلك لأنهم ألزموا أنفسهم به و لو أسلما لم يبطل ذلك كما في غيره من عقودهم.

و إن لم يتقابضا و أسلما كان عليه القيمة التي هي أقرب شي ء إليه بعد تعذر دفعه بالإسلام، كما تقدم نظيره في المهر و غيره، بل في المسالك هنا احتمال جريان القول بالسقوط باعتبار أنه رضي بالعوض المحرم فيدام عليه حكم رضاه، و قد تعذر قبضه بالإسلام بالنسبة إلى المستحق عليه و إن لم ينقلوه هنا.

قلت: أولى من ذلك احتمال البطلان لتعذر ملك العوض، و لو أسلما بعد


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 34، ص: 277

تقابض البعض مضى في المقبوض، و لزمه القيمة للباقي، و يأتي فيه الاحتمالان و كذا لو أسلم المولى خاصة أو المملوك، و الله العالم.

و يجوز لولي اليتيم أن يكاتب مملوكه مع اعتبار الغبطة للمولى عليه في ذلك بأن كان بيعه جائزا لحاجة اليتيم، لإطلاق ما دل على ذلك من قوله تعالى (1) «وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ: إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ» و غيره مضافا إلى صحيح معاوية بن وهب (2)

السابق، بل قد يقال بالجواز للولي الإجباري مع عدم المفسدة و إن لم تكن غبطة.

و لكن مع ذلك فيه قول محكي عن الشيخ في المبسوط بالمنع لأن الكتابة شبيهة بالتبرع من حيث إنها معاملة على ماله بماله، إذ المال المكتسب تابع للمملوك، و فيه أنه قد لا يحصل المال بدون المكاتبة، بل هو الغالب، و كسبه بعد العقد ليس مالا محضا للمولى، و قبله ليس بموجود حتى تكون المعاملة عليه، و الله العالم.

و لو ارتد ثم كاتب عبده المسلم لم يصح إما لزوال ملكه عنه كما إذا كان عن فطرة، بل لا يصح كتابته لعبده الكافر فضلا عن المسلم أو لأنه لا يقر المسلم في ملكه إذا كان عن ملة، نعم لو كان كافرا صح لبقاء ملكه له، لكن في الدروس يصح من المرتد عن ملة بإذن الحاكم لا بدونه في الأصح، قال:

«و يحتمل المراعاة بإسلامه».

و في القواعد «و لو ارتد المولى لم تصح كتابته إن كان عن فطرة، لزوال ملكه عنه، و إن كان عن غيرها فكذلك إن كان العبد مسلما، لوجوب بيعه عليه، و يحتمل وقوعها موقوفة، فإن أسلم تبينا الصحة و إن قتل أو مات بطلت، و إن أدي حال الردة لم يحكم بعتقه، بل يكون موقوفا، فإن أسلم ظهر صحة الدفع و العتق، و لو ارتد بعد الكتابة أدى العبد إلى الحاكم لا إليه، و يعتق بالأداء، فإن دفع إليه


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 220.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 278

كان موقوفا أو باطلا على التردد، و في اشتراط الحاكم في الحجر و في تعجيزه بالدفع إلى المرتد مع التلف إشكال، و لو أسلم حسب عليه مما أخذه في الردة» إلى غير ذلك من كلماتهم التي مقتضاها الحجر على المرتد مطلقا أو مع حكم الحاكم على وجه يبطل تصرفه أو يبقى موقوفا و قد تقدم بعض الكلام سابقا في ذلك و لكن إلى الان لم نتحقق الدليل المقتضي للحجر عليه المنافي لقاعدة تسلط الناس على أموالهم و غيرها.

و كيف كان فلا يخفي عليك بناء التعليل في المتن على عدم صحة كتابة الكافر للعبد المسلم، كما هو أحد القولين في المسألة، لأنه يجبر على نقله عن ملكه، و الكتابة لا توجب الانتقال التام عن الملك، لأنها مترددة بين الخروج عنه و البقاء، و تمام الخروج موقوف على أداء المال.

و القول الآخر الصحة، و لا يجبر معها، لأنها مستلزمة لرفع اليد في الجملة، و تشبث المكاتب بالحرية، و برفع الحجر عنه في كثير من الأعمال، خصوصا إذا جعلناها بيعا و لازمة من جهة المولى.

و ربما فرق بين المطلقة و المشروطة، فاكتفى بالأولى دون الثانية، لأنه لا يخرج في المشروطة عن الرقية إلا بأداء جميع المال، و هو معرض العجز اختيارا أو اضطرارا.

قلت: قد يقال بصحة مكاتبته و ترتب أحكامها لو فرض عدم بيعه و تعذر قهره أو لم يعلم الحاكم به، لأنها ليست من السبيل المنفي، و احتمال عدم صحتها لمنافاتها للبيع المأمور به (1) يدفعه إمكان التزام بيعه بعد وقوعها مكاتبا، كما تسمعه من ابن الجنيد في صورة ما إذا كان كافرا فأسلم، أو يلتزم ببطلان المكاتبة ترجيحا لما دل (2)

على وجوب إخراجه عن الملك و لو لسبق تعلقه على الكتابة، خصوصا مع ملاحظة بيع أم الولد و المكاتب الجاني، و ربما يأتي الكلام في صحة كتابته


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 34، ص: 279

جانيا، فتأمل جيدا.

و على كل حال فيتفرع على هذه الأقوال ما إذا كاتبه كافرا فأسلم قبل الأداء و فيه أنه يمكن القول بالجواز هنا و إن قلنا بالمنع، للفرق بين الابتداء و الاستدامة كما جزم به الفاضل و غيره، لأصالة اللزوم المانعة من البيع مع حصول الغرض، و هو ارتفاع السلطان، و قيل: لا يلزم لئلا يكون له عليه سبيل، و عن أبي على يباع مكاتبا و يؤدى إلى المشتري ثمنه لا أزيد، لأنه ربا.

ثم على تقدير الاكتفاء بالكتابة لو عجز يتخير المولى للإطلاق، فيباع عليه حينئذ، و ربما احتمل عدم الخيار له هنا، لاستلزامه تملك المسلم اختيارا، و فيه أنه ليس تملكا، و الله العالم.

[و يعتبر في المملوك]

و يعتبر في المملوك البلوغ و كمال العقل بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه في غاية المرام إلى القطع به في كلام الأصحاب، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، بل عن بعضهم الإجماع عليه.

و لعله لأنه ليس لأحدهما أهلية القبول و لا دليل على قيام السيد و الأب و الجد مقامهما في هذه المعاملة المخالفة للأصل المنساق من موارد أدلتها كتابا (1) و سنة (2)

العبد المكلف، لا أقل من الشك و لو بملاحظة ما سمعته من الإجماع المزبور. و من الغريب دعوى عدم الفرق بين المقام و بين اعتبار الإسلام في المولى.

و أغرب منه دعوى تناول قوله تعالى (3) «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لمثل المقام المتوقف على صحة قيام السيد و الأب و الجد مقامهما لتتم أركان العقد التي منها القبول، كما هو واضح. و منه يعلم ما في المناقشة التي في المسالك و غيرها في الحكم المزبور، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.


1- 1 سورة النور: 24- الآية 33.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2- من أبواب المكاتبة.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 34، ص: 280

و في كتابة الكافر تردد ينشأ من إطلاق الأمر بالوفاء بالعقد (1) و إطلاق دليل الكتابة، و أنها معاملة كالبيع و نحوه، و من اشتراط الخير المفسر بالدين (2) في الآية (3) أظهره المنع عند المصنف وفاقا للأكثر على ما قيل، بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه معتضدا بعدم نقل خلاف فيه من أحد من القدماء، و إنما ابتدء الخلاف فيه من الفاضل في المختلف، و تبعه بعض من تأخر عنه كالشهيدين، مع أن الأول منهم قد وافق المشهور في غير واحد من كتبه كالقواعد و غيرها.

لكن الانصاف عدم خلو المسألة بعد من الاشكال ل أن العمدة عندهم في ذلك قوله تعالى (4) فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً

مؤيدا بالأمر بالإيتاء من الزكاة (5) الممنوع فيه، و بالنهي عن الموادة له (6) و هو إنما يدل على اشتراط الأمر بها لا مطلق الاذن فيها و يتبعه الأمر بالإيتاء، و لا يلزم من توقف الأمر بها على شرط توقف إباحتها عليه، و قد عرفت أن الدليل على تسويغ الكتابة غير منحصر في الآية المزبورة.

على أنه بعد التسليم إنما يدل على اعتبار ذلك في المولى المسلم لا مطلقا، و ليس في الانتصار سوى أنه مما انفردت به الإمامية، و ليس ذلك إجماعا، و عدم نقل الخلاف لا يقتضي عدمه، بل لعله ظاهر كل من لم يتعرض لاشتراطه في صحة الكتابة من القدماء، بل المحكي عن الشيخ في موضع من المبسوط و القاضي الصحة في المولى المسلم فضلا عن الكافر الذي لا تلازم بينه و بين المسلم بناء على ظهور


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 33.
4- 4 سورة النور: 24- الآية 33.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب المكاتبة.
6- 6 سورة المجادلة: 58- الآية 22. راجع البحار ج 75 ص 385.

ج 34، ص: 281

تلك الأدلة في عدم صحتها منه، بل لعله ظاهر المصنف و غيره ممن صرح بعدم اشتراط الإسلام في المولى و فرع عليه مكاتبة الذمي لمثله بخمر أو خنزير، فإنه إن لم ينزل كلامه هنا على الاشتراط بالنسبة للمسلم لم يكن للحكم الأول حينئذ مورد، كما هو واضح.

نعم لا يصح كتابة المرتد عن فطرة منه لعدم قابليته للملك، بل في الدروس و إن كان عن ملة جوزه الشيخ، لأن له أهلية المعاوضة، و هو مطالب بالفرق، بل البطلان هنا أولى، لعدم إقراره على ردته و إن كان قد يناقش بأن ذلك لا ينافي قابليته للمعاوضة الثابتة بالأصل و غيره، و كفى بذلك فارقا بينه و بين الفطر الذي انقطعت استدامة تملكه فضلا عن ابتدائه، و الله العالم.

و أما الأجل ففي اشتراطه خلاف، فمن الأصحاب من أجاز الكتابة حالة و مؤجلة، لإطلاق الأدلة و كونها كالبيع على المعسر و منهم من اشترط الأجل، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، لما سمعته من الأدلة السابقة لا لأن ما في يد المملوك لسيده، فلا تصح المعاملة عليه، و ما ليس في ملكه يتوقع حصوله فيتعين ضرب الأجل إذ يمكن دفعه بفرض مال مقارن، و معارضته بالبيع على المعسر الذي لا يملك شيئا، اللهم إلا أن يرجع إلى ما ذكرناه كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا.

و إنما أعاده ليفرع عليه ما تسمعه من أنه يكفي فيه بناء على اعتباره أجل واحد عندنا و عند أكثر العامة، لإطلاق الأدلة، خلافا لبعضهم فاشترط كونه نجمين فصاعدا، لأنه المعهود من عمل الصحابة و التابعين، و لأن الكتابة مأخوذة من الكتب بمعنى الضم باعتبار ضم النجوم فيها بعضها إلى بعض، و أقل ما يحصل به ذلك نجمان فصاعدا، و لأن الكتابة عقد إرفاق و من تتمته التنجيم، و الجميع كما ترى لا يصلح قاطعا لإطلاق الأدلة، ضرورة أعمية عمل الصحابة بعد تسليمه من الاشتراط، كما أن أخذ الكتابة من الكتب بمعنى الضم كذلك إذ بعد تسليم انحصار وجه المناسبة فيه يمكن أن يكون بناؤه على الغالب، و الإرفاق مع أنه

ج 34، ص: 282

حكمة يمكن حصوله بابعاد الأجل، كما هو واضح.

و لا حد في الكثرة إذا كانت معلومة بلا خلاف و لا إشكال، نعم في المسالك يدخل في ذلك ما إذا جعلاه إلى مدة لا يعيشان إليها غالبا، و لا بأس به بالنسبة إلى المولى الذي قد عرفت أنه لا تبطل الكتابة بموته، فتكون حينئذ كالبيع كذلك، للأصل، فينتقل الحكم إلى الوارث حينئذ، أما بالنسبة إلى المكاتب فقد يشكل ببطلانها بموته مطلقا إذا كان مشروطا، و في الباقي في المطلق، فيكون اشتراط الزائد منافيا لمقتضى العقد، و قد أطلق الشهيد في بعض تحقيقاته جواز التأجيل كذلك مطلقا و حكم بانتقال الحكم إلى الوارث بعد الموت، و لا يخلو في جانب المكاتب من إشكال، قلت: المراد من نفي الحد في الكثرة عدم المانع من حيث كونها كذلك في مقابلة القول بعدم جواز الأجل الواحد، لا أنها جائزة و إن حصل المانع من جهة أخرى، فلا إشكال حينئذ، و الله العالم.

و لا بد أن يكون وقت استحقاق الأداء معلوما على وجه يكون مشخصا فلو قال: كاتبتك على أن تؤدي إلى كذا في سنة بمعنى أنها ظرف الأداء لم يصح للجهالة كما في النسيئة، خلافا للمحكي عن أبي علي و الخلاف فأجازه، و خيره في الدفع في مجموع ذلك الوقت، و لا ريب في ضعفه و إن توقف فيه الفاضل في القواعد.

و يجوز أن تتساوى النجوم و أن تختلف بلا خلاف و لا إشكال لإطلاق الأدلة و عمومها، كما يجوز تساوي المقادير فيها و اختلافها. نعم في اعتبار اتصال الأجل بالعقد تردد و خلاف من إطلاق الأدلة و من كونه خلاف المعهود، كما تقدم الكلام في نظائره منه في المتعة و غيرها.

و لو جمع في العوض بين المال و الخدمة مثلا كما إذا قال: كاتبتك على خدمة شهر و دينار بعد الشهر صح. إذا كان الدينار معلوم الجنس، و لا يلزم تأخير الدينار إلى أجل آخر لصدق حصول الأجل له، نعم هو نجم واحد، و قد

ج 34، ص: 283

عرفت صحته عندنا، و إنما يتوجه عليه المنع عند من يشترط تعدد النجوم، ثم إطلاق خدمة شهر محمول على المتصل بالعقد كنظائره.

و لو مرض العبد شهر الخدمة بطلت الكتابة إذا كانت مشروطة أو كان هو مجموع العوض لتعذر ه أي العوض حينئذ، أما لو كان بعده الدينار و كانت مطلقة لم تبطل، و روعي أداء المال و عتق منه بنسبته.

و لو قال: كاتبتك على خدمة شهر بعد هذا الشهر قيل و القائل الشيخ:

تبطل بناء على القول باشتراط اتصال المدة بالعقد، و فيه تردد بل منع كما عرفته سابقا و إنما ذكر ذلك بخصوصه لبيان أنه لا فرق بين المال و الخدمة، و الله العالم.

و لو كاتبه ثم حبسه مدة قيل و القائل الشيخ في المحكي عن المبسوط:

يجب أن يؤجله مثل تلك المدة لأن القدر الواجب من التأجيل الإمهال في تلك المدة و لا قيمة له فيضمنه بمثله.

و قيل و القائل الشيخ أيضا في موضع آخر من المبسوط لا يجب بل يلزمه أجرته مدة احتباسه، و هو أشبه (11) بأصول المذهب و قواعده، لأن المكاتب مضمون بالغصب كالقن، فيضمن منافعه مدة الحبس، و هو أقوى، فان لم يكن ذا صنعة وجب أجرته لعمل مطلقا، و إن كان له صنعة وجب أجرته لتلك الصنعة، و إن تعددت قيل: يلزمه أجرة الأعلى منها، و قيل يجب أجرة الأغلب وقوعا بالنسبة إليه، و يأتي تحقيقه إنشاء الله في كتاب الغصب.

[و أما العوض]

و أما العوض فيعتبر فيه أن يكون دينا منجما (12) على الأصح معلوم الوصف و القدر مما يصح تملكه للمولى، فلا تصح الكتابة على عين (13) مشخصة لا لما قيل من أنها إن كانت بيد المملوك فهي للمولى، فلا يتحقق المعاوضة بها، لأنها معاوضة على ماله حينئذ بماله، و إن كانت لغيره لم يصح و إن أذن لاشتراط الملك في العوض حتى يملك المعوض، و لذا لا يصح البيع بعين لغير المشتري على أن يكون

ج 34، ص: 284

المبيع ملكا له و الثمن من غيره، إلا أن يكون المراد في الفرض بيع العبد بالعين لصاحبها لأنه لا يتم على القول بأن العبد يملك و لو في الجملة، ضرورة تصور مالكية العين، و يكفي في الاذن من سيده في التصرف بها مكاتبته عليها، بل و لا في المبعض إذا أريد المكاتبة معه على جزئه الرق، إذ يمكن كونه مالك العين بجزئه الحر، بل قد يقال بكفاية الاذن من الغير بالمكاتبة على عينه على أن تكون قرضا عليه، و يحصل ذلك بعقد المكاتبة المخرج له عن محض الرقية بحيث يكون صالحا لأن يملك المولى عليه ما أثبته في ذمته من المال الحاصل بالسعي الذي هو مملوك للسيد، و صالحا لأن يملك عليه الخدمة المملوكة له فعلا.

بل لعدم ثبوت مشروعية ذلك و الأصل الفساد بعد الشك في تناول إطلاق الأدلة لمثله خصوصا بعد الاتفاق ظاهرا عليه، كما اعترف به غير واحد، و خصوصا بعد ما عرفت من اعتبار الأجل فيها الذي محله الدين لا العين.

نعم قد يقال: إن ذلك مناف لصحة جعل الخدمة المتصلة بالعقد عوضا، لعدم صدق الدين عليها، و لا أجل فيها و التقييد بشهر و نحوه إنما هو لتقدير المنفعة لا أجل مكاتبة، و حينئذ فلا بد من الجمع بإرادة اعتبار الدين فيه في مقابل العين، كما يشعر به التفريع، و الله العالم.

و كذا لا تصح مع جهالة العوض لأنها كالبيع بالنسبة إلى ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر بعضهم أنه كذلك في سائر عقود المعاوضة للنهي عن الغرر و إن كان فيه ما فيه، كما أوضحناه في الصلح و غيره، و على كل حال فلا يكفي العوض المجهول بل لا بد أن يذكر في وصفه كلما يتفاوت الثمن لأجله بحيث ترتفع معه الجهالة على نحو ما سمعته في البيع الذي إن لم يكن المقام منه، فهو شبيه به و منزل منزلته بالنسبة إلى ذلك.

و حينئذ فإن كان من الأثمان وصفه كما يصفه في النسيئة و إن كان عرضا وصفه كصفته في السلم، ضرورة كون المدار على ارتفاع الجهالة في الجميع، كما هو

ج 34، ص: 285

واضح، و كذا لا تصح بعوض لا يملكه كالخمر و الخنزير في المولى المسلم، نعم يجوز ذلك في الذميين كما عرفته سابقا.

و يجوز أن يكاتبه بأي ثمن شاء لإطلاق الأدلة و خصوص

المرسل (1)

«رجل ملك مملوكا فسأل صاحبه المكاتبة أ له إلا يكاتبه إلا على الأعلى؟ قال: نعم».

و لكن يكره أن يتجاوز قيمته يوم المكاتبة بلا خلاف أجده فيه، بل في الرياض ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، قلت: لعله لمنافاته للإرفاق و للإحسان الذي بني عليه مشروعية الكتابة، مضافا إلى قاعدة التسامح.

و كذا تجوز المكاتبة على منفعة كالخدمة و الخياطة و البناء و نحوها إذ هي كالعين في الذمة، لإطلاق الأدلة، نعم يصح ذلك بعد وصفه بما يرفع الجهالة من التقدير بالعمل كالخياطة لهذا الثوب المشخص، و البناء للجدار المعين مثلا، أو المدة كخدمة شهر أو سنة.

و المناقشة- بأن المنفعة ملك فعلا للمولى، فلا يعاوض على ماله بماله، بخلاف المال المتجدد الذي هو ليس بموجود و لا داخل تحت قدرته، إما الخدمة فكالعين الحاضرة، و من ثم جاز عتقه منجزا بشرط خدمة معينة بغير رضاه دون اشتراط مال بغير رضاه- يدفعها ما في المسالك من أن «عقد الكتابة يخرج المملوك عن ملك المولى محضا و إن كان انتقالا متزلزلا، و من ثم سقطت عنه نفقته و فطرته، و لم يكن له استخدامه و غير ذلك من توابع الملك، فكانت منفعته و ما يتجدد من كسبه تابعة له في الانتقال عن ملكه، و يجوز جعله عوضا عن فك رقبته، و لما كان العتق المنجز يقتضي ملك المعتق منافعه نفسه أيضا و كسبه اعتبر رضاه في اشتراط المال دون الخدمة، لأنها تصير كالمستثناة مما يخرج عن ملكه بالتحرير المتبرع به، و هذا لا يلزم منه بطلان جعل الخدمة عوضا في الكتابة الواقعة برضا المكاتب، مضافا


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 286

إلى عموم الأدلة» و إن كان لا يخلو من مناقشة، بل هو عند التأمل خصوصا الأخير منه مؤكد للسؤال لا دافع له.

فالأقعد في الجواب الاستناد إلى إطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص

الخبر (1)

«عن رجل قال: غلامي حر و عليه عمالة كذا و كذا سنة، فقال: هو حر و عليه العمالة»

بناء على أنه من الكتابة، كما عساه يظهر من غير واحد لا من العتق الذي اشترط فيه شرط و إن كان هو الظاهر، و إلى كون المجعول عوضا أن يخدمه لا استعداده لها التي هي ملك له، بل هو نحو أن يكتسب مالا و يسعى في تحصيله، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و إذا جمع بين كتابة و بيع و إجارة أو غير ذلك من عقود المعاوضات في عقد واحد صح كل منها عندنا و إن اتحد العوض، و قسط عليها أجمع، و يكفي معلوميته و إن جهل تقسيطه للأصل و غيره مما مر في كتاب البيع و غيره، خلافا لبعض العامة فأبطلها أجمع، لأنها بمنزلة عقود متعددة، فيعتبر العلم بعوض كل واحد منها منفردا خصوصا مع اختلاف أحكامها، و فيه منع واضح، و منهم من صحح المكاتبة خاصة بكل العوض، و هو كما ترى. و يقابله احتمال بطلانها خاصة باعتبار أن المكاتب لا يستقل بالتصرف إلى أن يتم عقد المكاتبة، و قد وقع البيع و الإجارة قبل ملكه للتصرف فوقعا باطلين.

و أجاب عنه في المسالك بأن الاستقلال مندفع برضا المولى بذلك، فان الحجر إنما كان لحقه، و الأولى الجواب بحصول أثر الجميع دفعة بتمام القبول، و لا بأس بذلك، لإطلاق الأدلة و عمومها المقتصر في الخارج عنها على سبق البيع و الإجارة على الكتابة.

هذا بناء على ما فهم فيها من فرض مسألة جمع العقود في المكاتب بمعنى أن البيع و الإجارة و الكتابة للعبد بعقد واحد، لكن في حاشية الكركي تفسير الجمع بأن


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 34، ص: 287

تكون الكتابة للعبد و المعاوضة الأخرى لغيره، و حينئذ فلا إشكال، و كأنه أولى، لعدم قابلية العبد وقت الإيجاب لحصول أثره، و لا ينافي ذلك وقوع إيجاب الكتابة التي مبني شرعيتها على ذلك، على أن مقتضى وقوع الثلاثة للعبد أن تبقى الإجارة و البيع مراعيين بحصول الحرية و عدمها، و أنه لا يستقر ملكه لذلك حتى تحصل الحرية، كما صرح به في المسالك، و هو كما ترى، و الله العالم.

و على كل حال تكون مكاتبته ب نسبة حصة ثمنه من البذل بعد ملاحظة قيمة المبيع و اجرة المثل بالنسبة إليه أيضا، و بأدائها يكون حرا، و كذا إذا احتيج إلى معرفة ما يخصه من مال الكتابة، بأن ظهر المبيع مستحقا للغير و لم يجز المالك، فإنه حينئذ يوزع العوض على قيمة المملوك حين المكاتبة، و على قيمة المبيع و اجرة مثل الدار تلك المدة، و يسقط من العوض ما يقابل الفاسد، كما هو واضح، و الله العالم.

و كذا يجوز أن يكاتب الاثنان عبدا واحدا صفقة سواء اتفقت حصصهما أو اختلفت تساوى العوضان أو اختلفا لإطلاق الأدلة و عمومها و قاعدة تسلط كل من الشركاء على مكاتبة حصته بما شاء منفردا فكذا مع الاجتماع، خلافا للمحكي عن بعض، فمنع من اختلافهما في القدر مع تساويهما في الملك حذرا من أن ينتفع أحدهما بمال الآخر فيما إذا دفع إلى أحدهما مأة مثلا و إلى الأخر مأتين ثم ارتفعت الكتابة بالعجز فيحتاج الأول إلى أن يرجع على الثاني بخمسين، و يكون الثاني قد انتفع بها مدة بقائها في يده من غير استحقاق.

و فيه أن الاستحقاق طار من حين الانفساخ، و قبله كان ملكا للقابض متزلزلا، فلا يلزم انتفاع أحدهما بمال الآخر حين التصرف فيه، على أن مقتضى ذلك المنع حتى مع الاختلاف في قدر الملك إذا فرض كون العوض الزائد للأقل ملكا، و المحكي عنه اعتبار التساوي في القدر.

و على كل حال ف لا يجوز أن يدفع إلى أحد الشريكين دون

ج 34، ص: 288

صاحبه بلا خلاف كما عن المبسوط و الخلاف، لأن الدين حينئذ مع فرض الاتحاد في الجنس، و الأجل مشترك بينهما، ضرورة كون الفرض وقوع المكاتبة منهما بعقد واحد، و قد تحقق في محله أنه لا يجوز الدفع إلى أحد منهما خاصة، و حينئذ ف لو دفع شيئا كان لهما مع إجازة الآخر القبض و لكن لو أذن أحدهما لصاحبه جاز خلافا للمحكي عن ابني الجنيد و البراج، فجوزا أن يدفع إلى أحدهما دون الآخر ما لم يشترطا عليه أن يكون أداء الكتابة لهما جميعا، نحو ما سمعته عن ابن إدريس في الدين المشترك، لأنه لمن عليه التخيير في جهة القضاء، و يعين ما شاء فيه من أمواله، فإذا دفع إلى أحدهما حقه فقد اختار دفع ما يستحقه المدفوع إليه في المدفوع، و اختار منع الآخر منه، فلا شركة فيه، كما لو منعه من الاستيفاء من بعض أمواله، و قد تقدم في كتاب الدين ما يعلم منه بطلان ذلك و أن الدين الكلي كالاشاعة في العين المشخصة المشتركة.

نعم هو كذلك مع اختلاف العوضين في الجنس و الأجل، بل و مع تعيين عوض كل واحد بخصوصه و إن اتحد الجنس و القدر و الأجل و إن كان ظاهر المتن و القواعد اتحاد الجميع في الحكم المزبور، بل كاد يكون صريح المسالك إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم اشتراك الدين بينهما، لأن الفرض امتياز عوض كل منهما عن الآخر بالجنس أو الأجل أو بالتعيين.

و لعل إطلاق المصنف و غيره مبني على أن ذلك من الاذن كما في كشف اللثام و إن كان هو كما ترى، بل مبناه امتياز الدينين و تسلط المكاتب على عمله و سعيه و تخييره في تعيين ما يبذله لدينه، فالفرض حينئذ بمنزلة تعدد في العقد لا مع اتحاده المقتضي لاشتراك الدين و إن كان هو بالنسبة إلى الموليين بحكم المتعدد فيما إذا أدى نصيب أحدهما بإذن الآخر، فإنه ينعتق بخلاف ما إذا لم يكن بإذنه فإنه لا يتحقق العتق في أحد النصيبين، و فيما لو عجز فعجز أحدهما و صبر الآخر،

ج 34، ص: 289

إذ هو حينئذ كما لو تعدد، و الله العالم.

و لو كانت ثلاثة في عقد واحد صح عندنا لإطلاق الأدلة و عمومها و كان كل واحد منهم مكاتبا ب نسبة حصة ثمنه أي قيمته من المسمى بعد تقويم الجميع، كما لو بيعوا و كانوا المتعددين، لأن القيمة هنا ملحوظة، لكون الكتابة بيعا أو شبيهة به، بل هي أولى من البضع الذي قد عرفت في الصداق و الخلع ملاحظة قيمته التي هي مهر المثل، فلو كانت قيمة أحدهم مأة و الثاني مأتين و الثالث ثلاثمائة فعلى الأول سدس المسمى و على الثاني ثلثه، و على الثالث نصفه.

و حينئذ ف تعتبر القيمة وقت العقد لأن سلطنة السيد تزول يومئذ، و عن بعض العامة التوزيع على عدد الرؤوس، و لا ريب في ضعفه.

و على كل حال ف أيهم أدى حصته عتق و لا يتوقف على أداء حصة غيره، و أيهم عجز استرق دون غيره، و كذا لو مات أحدهم، لصدق المكاتبة على كل واحد منهم، فيجري عليه حكمها، بل في المسالك «و لا ينظر إلى أن السيد علق عتقهم بأداء جميعهم حيث قال: فإذا أديتم فأنتم أحرار، لأن الكتابة الصحيحة يغلب فيها حكم المعاوضة، و لذلك إذا أبرأ السيد المكاتب عتق، و إذا مات لم تبطل الكتابة، بخلاف العتق المعلق».

و فيه أن مفروض المسألة مع الإطلاق أو التصريح بعدم تعليق عتق أحد منهم على آخر، و إلا فمع تصريح السيد بذلك يبنى على صحة هذا الشرط و عدمه، و على فرض صحته فلا ريب في توقف حرية كل واحد منهم على الآخر، بل ربما قيل: لا يعتق بعضهم بأداء ما عليه، و إنما يعتقون معا إذا أدوا جميع المال في صورة الإطلاق، لظهور اللفظ كما في العتق المعلق.

و عن ابن البراج إذا كاتب انسان عبدين كتابة واحدة فمات أحدهما قيل للثاني إما أن تختار أن تؤدى باقي الكتابة عنك و عن صاحبك و إما أن تكاتب عن نفسك كتابة جديدة، فأيهما اختار كان له ذلك، و إن كان المتروك مالا فيه وفاء بقسطه من الكتابة أخذ السيد مال الكتابة، و كان على الثاني ما بقي من قسطه منها

ج 34، ص: 290

و كذلك إذا ارتد أحدهما و لحق بدار الحرب، و إن كان ما ترك فيه وفاء بجميع الكتابة فإن السيد يأخذ من ذلك جميع الكتابة و يعتقان معا، و يرجع ورثته على الحي بحصته، و بقية ذلك ميراث لهم.

و هو كما ترى لا ينطبق على شي ء من الأصول خصوصا بعد ما تسمع من بطلان الكتابة بموت المكاتب الذي مقتضاه سقوط قدر نصيبه من مال الكتابة، لأنه عوض فيهما فيقسط عليهما كالبيع لا أنه ينحصر في أحدهما.

نعم لو شرط كفالة كل واحد منهما صاحبه أو ضمان ما عليه كان الشرط و المكاتبة صحيحين

لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (1)

فيلزمه حينئذ حكم الكفالة، و ما عن بعضهم- من عدم صحة الكفالة لعدم لزوم مال الكتابة من جهة المكاتب و المشروط كجزء من العوض فيتبعه في الجواز- واضح الضعف بعد ما عرفت من لزومها عندنا، و كذا الكلام في صحة اشتراط الضمان لكن يعتقون حينئذ لصدق الأداء من كل منهم و إن بقي مديونا بغير مال الكتابة الذي كان عليه، نعم لو تقايل الضامن و المضمون له عاد المال إلى ذمة المكاتب و لكن لا يعود رقا، بل يكون حرا مشغول الذمة كما صرح به الكركي هنا في حاشيته على الكتاب.

و على كل حال فما في المختلف- من أنه إذا رضي المولى بضمانهم كلهم فهو كما لو لم يقع ضمان- واضح الفساد إلا أن يريد كعدم الضمان في كون كل منهما مشغول الذمة بالمال، لكن في الدروس لو شرط السيد بقاء الرق مع هذا الضمان حتى يؤديا أو تخيره في الرجوع على من شاء منهما ففي كلام الشيخ إشعار بجوازه و ذكر في الحائريات جواز ضمان اثنين مالا و اشتراط رجوعه على من شاء منهما، و هو إن لم يحمل على استحقاق ذلك بالشرط كان على وفق مذهب العامة الذي قد عرفت أن الأصحاب على خلافه، و الله العالم.

و لو دفع المكاتب ما عليه قبل الأجل كان الخيار لمولاه في القبض و التأخير عندنا لاشتراك مصلحة الأجل بينهما، و لقاعدة المؤمنون عند شروطهم،


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.

ج 34، ص: 291

و ل

خبر إسحاق بن عمار (1) عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليهما السلام «إن مكاتبا أتى عليا عليه السلام و قال: إن سيدي كاتبني و شرط علي نجوما في كل سنة، فجئته بالمال كله ضربة فسألته أن يأخذ كله ضربة و يجيز عتقي فأبى علي، فدعاه علي عليه السلام فقال له: صدق فقال له: مالك لا تأخذ المال و تمضي عتقه؟ فقال: ما آخذ إلا النجوم التي شرطت و أتعرض بذلك إلى ميراثه، فقال علي عليه السلام: أنت أحق بشرطك».

و لا ينافيه

صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا «في مكاتب ينفذ نصف مكاتبته و يبقى عليه النصف فيدعو مواليه و يقول: خذوا ما بقي ضربة واحدة، قال: يأخذون ما بقي و يعتق»

بعد حمله على بيان الجواز لا اللزوم و لو لرجحان الأول عليه من وجوه، خصوصا بعد أن لم نعرف قائلا به منا، نعم عن ابن الجنيد وجوب القبول في خصوص ما إذا كان المكاتب مريضا و أوصى بوصايا و أقر بديون، لأن في امتناعه حينئذ إبطالا لإقراره و وصيته، و هو كما ترى، و عن بعض العامة قول بإجبار المولى حيث لا ضرر عليه، لأن الأجل حق من عليه الدين، و قد تقدم في كتاب البيع بعض الكلام في المسألة، و الله العالم.

و لو عجز المكاتب المطلق كان على الامام أن يفكه من سهم الرقاب بلا خلاف أجده، بل ظاهرهم الاتفاق عليه، و لعله

للخبر المرسل (3)

عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها، قال، يؤدى عنه من مال الصدقة، فإن الله يقول في كتابه وَ فِي الرِّقابِ (4)».

لكن في الرياض «هو بعد الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على ما ذكروه


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المكاتبة الحديث 1 راجع التهذيب ج 8 ص 271 الرقم 990 و الاستبصار ج 4 ص 39 الرقم 130.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
4- 4 سورة التوبة: 9- الآية 60.

ج 34، ص: 292

من الوجوب من وجوه، و لذا يظهر من الكفاية التردد فيه تبعا للسيد في شرح الكتاب و لعله في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه» و كان هذا منه من الغرائب، لمعلومية شدة اعتماده على الشهرة في جبرها للسند و الدلالة، بل المحكي عنه أنه يرى حجيتها فضلا عن جبرها.

إنما الكلام فيما في المسالك تبعا للدروس من أن للمولى رده في الرق إن تعذر ذلك، و حكاه الكركي في حاشية الكتاب على الدروس و استحسنه، ضرورة عدم دليل يدل على خيار المولى في المكاتبة المطلقة مع العجز، بل مقتضى الأصل و غيره خلافه، بل

خبر القاسم بن سليمان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «إن عليا عليه السلام كان يستسعى المكاتب، إنهم لم يكونوا يشترطون إن عجز فهو رق»

كالصريح في عدم الخيار في المكاتب المطلق، و إطلاق بعض النصوص (2)

الخيار مع العجز لو كان منزل على المشروط، خصوصا بعد

قوله عليه السلام «رد رقا»

الظاهر في استرقاقه أجمع، و هو إنما يسلم في المشروط بخلاف المطلق إذا أدى بعض مكاتبته، فإنه لا يرد جميعه رقا و إن عجز إجماعا أو ضرورة (و بالجملة) المسألة في غاية الإشكال كما أشرنا إليها سابقا، و لم أعثر على من تعرض لتنقيحها، و الله العالم.

و كيف كان ف المكاتبة الفاسدة لا يتعلق بها حكم بل تقع لاغية عندنا كغيرها من العقود، و الفساد و البطلان عندنا بمعنى، سواء كان الاختلال بالأركان أو بغيرها، خلافا لبعض العامة، ففرق هنا بين الباطلة و الفاسدة، و جعل الفاسدة تساوي الصحيحة في أمور ثلاثة، و هو كما ترى من خرافاتهم الباردة التي لا تستأهل نقلا، و الله العالم. هذا كله في بيان أركان المكاتبة.

[الثاني في الأحكام]
[المسألة الأولى إذا مات المكاتب و كان مشروطا بطلت المكاتبة]

و أما الأحكام فتشتمل على مسائل:


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المكاتبة الحديث 3 و 4.

ج 34، ص: 293

الأولى:

إذا مات المكاتب و كان مشروطا بطلت المكاتبة و إن بقي من العوض يسير، و كان ما تركه لمولاه و إن كان أزيد من مال الكتابة. و كان أولاده رقا أيضا للمولى لا لما ذكر مما لا يقتضي انفساخ العقد اللازم، بل للمعتبرة المستفيضة ك

صحيحة ابن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «في مكاتب يموت و قد أدى بعض مكاتبته و له ابن من جاريته، قال: إن اشترط عليه إن عجز فهو مملوك رجع ابنه مملوكا و الجارية، و إن لم يكن اشترط عليه أدى ابنه ما بقي من مكاتبته و ورث ما بقي»

و خبر مهزم (2)

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المكاتب يموت و له ولد، فقال: إن كان اشترط عليه فولده مماليك، و إن لم يكن اشترط عليه سعى ولده في مكاتبة أبيهم، و عتقوا إذا أدوا»

و غيرهما من النصوص (3)

الدالة على ذلك منطوقا و مفهوما.

و حينئذ فمئونة تجهيزه على مولاه، لأنه حينئذ بحكم القن، خلافا للخلاف، فحكم فيما لو خلف ما يفي بالمكاتبة بوجوب أداء ما عليه من مال الكتابة و كون الباقي إن كان للوارث، و هو- مع مخالفته الأدلة المتقدمة- غير واضح الحجة، بل لم يحك عن أحد موافقته على ذلك سوى الصدوق، فإنه أطلق على ما حكي عنه الحكم بوجوب إيفاء ما بقي عليه من اكتسابه على ابنه من الجارية، و أنه يرث ما بقي، من غير تفصيل بين المطلق و المشروط، لكن ربما أشعر سياق عبارته بإرادة التعبير بمضمون خبر ابن سنان المتقدم الذي هو في المطلق دون المشروط، فلاحظ.


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المكاتبة الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب موانع الإرث الحديث 7- من كتاب المواريث.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب موانع الإرث من كتاب المواريث.

ج 34، ص: 294

و كذا الكلام إذا كان مطلقا و لم يؤد شيئا على المشهور، بل لم أجد فيه خلافا، بل في الدروس نسبته إلى ظاهر الأصحاب، و لعله ل

صحيح محمد بن قيس (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتب توفي و له مال قال: يقسم ماله على قدر ما أعتق منه لورثته و ما لم يعتق يحتسب منه لأربابه الذين كاتبوه، هو مالهم»

و غيره من الصحاح (2)

التي تسمعها الدالة بمنطوقها على أن ما يتركه لسيده بقدر ما لم يعتق منه، و بفحواها على عدم الفرق بين الكل و البعض، و صحيح ابن سنان و إن كان سؤاله مطلقا إلا أن قوله عليه السلام في الجواب: «ما بقي» ظاهر فيمن أدى بعضا، نعم خبر مهزم مطلق، بل ظاهره سعي الولد في المكاتبة، و يمكن حمله على سعيهم فيما بقي منها، لكن مع ذلك احتمل في الدروس فيمن خلف مالا يفي بالكتابة و لم يكن قد أدى شيئا أنه يرث قريبه ما فضل من مال الكتابة، لأنه كالدين، و هو متجه إن لم يكن إجماعا، استصحابا لبقاء حكم الكتابة التي هي كما عرفت من العقود اللازمة، هذا كله فيمن لم يؤد.

و إن لم يكن مشروطا و قد أدى بعض مكاتبته تحرر منه بقدر ما أداه و كان الباقي رقا بلا خلاف و لا إشكال و حينئذ ف لمولاه من تركته بقدر ما فيه من رق و لورثته بقدر ما فيه من حرية و يؤدي الوارث التابع له في الحرية و الرقية مما حصل له من نصيب الحرية ما بقي من مال الكتابة على المشهور شهرة عظيمة، لصحيح محمد بن قيس (3)

السابق، و

صحيح يزيد العجلي (4)

«سألته عن رجل كاتب عبدا له على ألف درهم و لم يشترط عليه إن هو إن عجز عن مكاتبته فهو رد في الرق و أن المكاتب أدى إلى مولاه خمسمائة درهم، ثم مات المكاتب


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب موانع الإرث من كتاب المواريث.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب موانع الإرث الحديث 5 من كتاب المواريث عن بريد العجلي.

ج 34، ص: 295

و ترك مالا و ترك ابنا له مدركا، قال: نصف ما يدرك المكاتب من شي ء فإنه لمولاه الذي كاتبه، و النصف الباقي لابن المكاتب، لأن المكاتب مات نصفه حر و نصفه عبد للذي كاتبه، و ابن المكاتب كهيئة أبيه نصفه حر و نصفه عبد، فإن أدى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حر لا سبيل لأحد من الناس عليه»

و غيرهما.

بل إن لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم كما هي القاعدة في الذي تحرر بعضه، و دل عليه هنا ما تقدم من خبر مهزم (1)

و حينئذ ف مع الأداء ينعتق الأولاد و لكن أداؤهم و سعيهم بالسوية و إن اختلفوا في الاستحقاق للميراث لاختلافهم ذكورة و أنوثة، أو القيمة فإنهم متساوون فيما عتق منهم و ما بقي، و لو تعذر الاستيفاء من بعضهم لغيبة و غيرها أخذ من نصيب الباقي جميع ما تخلف على الأب، إذ ما لم يأخذ الجميع لم يصر الأب بمنزلة من أعتق جميعهم، فلم يفد عتق جميع الباقي، و إذا أخذ الجميع عتق الجميع أي الغائب و الباقي، بل لو لم يكن تركة و غاب البعض أو لم يسع سعى الباقي في الجميع، و ليس للمؤدي مطالبة الغائب بنصيبه، لأن كل جزء مما يؤديه يدخل في عتق نفسه و إن لزمه انعتاق الجميع بالإتمام.

و هل للمولى إجبارهم على الأداء و لو بالسعي؟ فيه تردد من الأمر في ظاهر النصوص (2)

و من كون الحق لهم، و قد تقدم الكلام في ذلك في كتاب العتق هذا كله على المشهور بين الأصحاب و لكن فيه رواية أخرى تقتضي أداء ما تخلف من أصل التركة لأنه بحكم الدين و حينئذ ف يتحرر الأولاد؛ و ما بقي فلهم إرثا.

و هي

صحيحة جميل بن دراج (3) عن أبي عبد الله عليه السلام «في مكاتب يموت و قد أدى بعض مكاتبته و له ابن من جارية و ترك مالا، قال: يؤدي ابنه بقية


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب موانع الإرث الحديث 7 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب موانع الإرث من كتاب المواريث.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب موانع الإرث الحديث 6 من كتاب المواريث.

ج 34، ص: 296

مكاتبته، و يعتق و يرث ما بقي»

و رواية أبي الصباح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث إنه قال: «في المكاتب يؤدى بعض مكاتبته ثم يموت و يترك مالا أكثر مما عليه من مكاتبته، قال: يوفى مواليه ما بقي من مكاتبته، و ما بقي فلولده»

و نحوها صحيحة الحلبي (2)

و غيرها، و قد سمعت صحيحة ابن سنان (3) السابقة و لكن لم نعرف عاملا بها إلا ما يحكي عن الإسكافي، و ما سمعته من إطلاق عبارة الصدوق ره.

و من هنا كان الأول مع أنه أشهر بل المشهور أظهر ترجيحا لنصوصه المعتضدة بالشهرة على هذه النصوص، بل قيل: إنها معتضدة بالأصول الظاهرة التي لأجلها أفتى الحلبي بما عليه الأكثر، فقال: «و الذي ينبغي تحصيله في ذلك أن نقول يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية، و ابنه أو وارثه بقدر ما تحرر منه، و يؤخذ بقية مال الكتابة من نصيب وارث المكاتب إذا صار إليه نصيبه، لأن الدين الذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث لأجزائه الحرية (4) دون جميع ما خلفه و تركه الميت، لأن الأجزاء الباقية على العبودية لا تملك شيئا، لأنه مال سيده دونه» إلى آخره و إن كان دعوى كون ذلك هو مقتضى الأصول لا تخلو من مناقشة، و العمدة النصوص المزبورة المرجحة بما سمعت،


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المكاتبة الحديث 1. راجع التهذيب ج 8 ص 271 الرقم 990 و الاستبصار ج 4 ص 39 الرقم 130.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المكاتبة الحديث 3.
4- 4 هكذا في النسخة الأصلية: المسودة و المبيضة، الا أن الموجود في السرائر طبعة حجر «من نصيب المال الوارث الآخر من جهة الجزية دون جميع ما خلفه» و في المخطوط منه عام 603 المحتفظ به في مكتبة الروضة الرضوية على صاحبها آلاف التحية و الثناء في «مشهد» خراسان الذي أوقفها الشيخ البهائي قده «من نصيب الوارث للاجزاء الحرية دون جميع ما خلفه.».

ج 34، ص: 297

فيجب حينئذ طرح ما قابلها أو حمله على أدائه ما بقي من نصيبه- لا من أصل المال- و إرثه لما بقي إن كان في النصيب بقية، و إن كان ذلك بعيدا إلا أنه لا بأس به بعد رجحان المعارض، و الله العالم.

و كيف كان ف لو أوصى له أي المكاتب الذي تحرر بعضه بوصية صح له منها بقدر ما فيه من حرية و بطل ما زاد على المشهور بين الأصحاب، ل

خبر محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتب تحته حرة فأوصت له عند موتها بوصية فقال أهل المرأة:

لا تجوز وصيتها له، لأنه مكاتب لم يعتق و لا يرث، فقضى عليه السلام أنه يرث بحساب ما أعتق منه، و قضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأعتق فأوصى له بوصية، فأجاز له ربع الوصية، و قضى في رجل حر أوصى لمكاتبته و قد قضت سدس ما كان عليها فأجاز بحساب ما أعتق منها، و قضى في وصية مكاتب قد قضى بعض ما كوتب عليه أنه يجاز من وصيته بحساب ما أعتق منه».

و قيل تصح له مطلقا، لأنها نوع اكتساب و هو غير ممنوع، و مال إليه في المسالك لضعف الخبر المزبور، هذا إذا كان الموصى غير المولى أما هو فتصح وصيته له مطلقا، فان كانت أزيد مما عليه عتق أجمع و كان الزائد له، كما تقدم تحقيق ذلك كله في كتاب الوصايا، فلاحظ.

و لو وجب عليه حد فان لم يتحرر منه شي ء حد حد العبيد لبناء الحدود على التخفيف، فيرجع فيه جانب العبودية و إن لم يكن عبدا محضا بالكتابة و إن تحرر منه شي ء أقيم عليه من حد الأحرار بنسبة الحرية و بنسبة الرقية من حد العبيد فان انقسمت الأسواط على صحة و إلا قبض من السوط على النسبة، و

صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «في المكاتب يجلد الحد بقدر ما أعتق منه»

أي و من حد العبد بقدر ما لم يعتق، و إنما لم يذكره لظهوره، أو


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 298

لأنه لا يقصر عن الأقل فبين الأكثر، و لو كان الذنب موجبا للحد على تقدير الحرية دون الرقية كالرجم انتفى رأسا و جلد.

و كذا لو قذفه قاذف، فإنه يجب عليه من حد الأحرار بنسبة الحرية و يسقط ما قابل الرقية إذ لا يجب الحد على قاذفه، بل التعزير، و هو لا ينتصف بل يناط بنظر الحاكم، فيعزره عن جزء الرقية حينئذ بما يراه، و الله العالم.

و لو زنى المولى بمكاتبته التي قد تحرر منها بعض سقط عنه من الحد بقدر ماله فيها من الرق و حد بالباقي إذا كان مما يقبل التجزئة كالجلد، و لو لم يقبلها كالرجم سقط أيضا و وجب الجلد، بل لعل الرجم هنا منتف من أصله، لأن شرطه الإحصان المشروط بزنا الحر بالحر مع باقي الشرائط، فيجب الجلد حينئذ ابتداء لا لتعذر تبعيض الرجم.

و عن بعض العامة عدم الحد في وطء المولى المكاتبة لمكان ماله فيها من الملك و أوجب التعزير، و فيه أنه وطء محرم بمن قد صارت أجنبية فيجب الحد، نعم لا يجب كما له لما له فيها من الملك الموجب لانتفاء الحد و إن كان متزلزلا، فيجب بالنسبة، و في

خبر الحسين بن خالد (1) عن الصادق عليه السلام قال: «سئل عن حل كاتب أمة له فقالت الأمة: ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرة على حساب ذلك؟ فقال لها: نعم، فأدت بعض مكاتبتها و جامعها مولاها بعد ذلك، فقال: إن كان استكرها على ذلك ضرب من الحد بقدر ما أدت من مكاتبتها و درئ عنه من الحد بقدر ما بقي له من مكاتبتها، و إن كانت تابعته كانت شريكة في الحد، ضربت مثل ما يضرب»

، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 299

[المسألة الثانية ليس للمكاتب بقسميه التصرف في ماله ببيع]

المسألة الثانية:

ليس للمكاتب بقسميه التصرف في ماله ببيع محاباة مثلا و لا هبة و لا عتق و لا إقراض و لا غيرها من التصرفات المنافية للاكتساب كالعارية و الهدية و نحوها إلا بإذن مولاه، لأنه لم يخرج بالمكاتبة عن العبودية و إنما اقتضت جواز التكسب له خاصة، ل

صحيح معاوية بن وهب (1) عن الصادق عليه السلام «في مملوك كاتب على نفسه و ماله و له أمة و قد شرط عليه أن لا يتزوج فأعتق الأمة و تزوجها، قال: لا يصح له أن يحدث فيما له إلا الأكلة من الطعام، و نكاحه فاسد مردود، قيل: فان سيده علم بنكاحه و لم يقل شيئا، قال: إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقر، قيل: فان المكاتب عتق أ فترى أن يجدد نكاحه أو يمضي على النكاح الأول؟ قال: يمضي على نكاحه الأول»

و إطلاقه كالمتن و نحوه يقتضي عدم الفرق بين المطلق و المشروط في ذلك.

لكن في

خبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام «المكاتب لا يجوز له عتق و لا هبة و لا نكاح و لا شهادة و لا حج حتى يؤدي جميع ما عليه إذا كان مولاه قد شرط عليه إن عجز فهو رد في الرق»

و نحوه في

خبره الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا الذي ترك فيه النكاح و الشهادة و الحج و زاد «و لكن يبيع و يشترى، و إن وقع عليه دين في تجارته كان على مولاه أن يقضي عنه، لأنه عبده»

و ظاهرهما اختصاص الحكم بالمشروط إلا أنى لم أجد عاملا بهما، ك

صحيح الحلبي (4) عنه عليه السلام أيضا


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 6- من أبواب المكاتبة الحديث 1 و الباب- 23- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3 و ذيله في الباب- 26- منها الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة الحديث 5.

ج 34، ص: 300

إنه قال في حديث «في المكاتب يشترط عليه مولاه أن لا يتزوج إلا بإذن منه حتى يؤدى مكاتبته، قال: ينبغي له أن لا يتزوج إلا بإذن منه إن له شرطه»

الظاهر بسبب دلالة مفهوم تعليله على أنه لولا الشرط لجاز نكاحه، و يمكن حمل الأولين على إرادة بيان عدم جواز التصرفات بالكلية إلى حين الأداء، و ليس إلا في المشروط، فان المطلق قد يجوز له التصرف في الجملة قبل أداء الجميع، و ذلك كما إذا أدى البعض و تحرر قدر منه فإنه يصح تصرفه بنسبة الحرية.

ثم إن ظاهر اقتصار المصنف على الهبة و العتق و القرض يقتضي المنع من التصرفات المنافية للاكتساب لا مطلق التصرف، خصوصا بعد ملاحظة كلامه الاتي في اللواحق الدال على إرادة المحاباة من البيع هنا لا مطلقا، فمن الغريب ما في المسالك من نسبة إطلاق المنع إلى المصنف و غيره و أنه لا بد من تقييده.

و أغرب منه ما في الرياض حيث جعله مسألة خلافية، و استشعر من النسبة المزبورة اتفاق المعظم لا الإجماع و إلا لما صح له مخالفته، ثم أخذ في الاستدلال على القول بالتقييد بأنه مقتضى الجمع بين الصحيحين المتضمنين لعدم جواز التصرف بغير الأكل و لجواز البيع و الشراء، ثم تكلف و ادعى اقتضاء عقد الكتابة الاذن بالتصرفات التي لم تناف الاكتساب، فتدخل حينئذ في قولهم إلا مع الاذن، إلى غير ذلك من الكلمات التي لا وجه لها بعد ملاحظة كلامهم و تصريحهم- حتى المصنف فيما يأتي- بعدم جواز الرهن و القرض باعتبار المخاطرة.

و في القواعد «و أما العبد فليس له أن يتصرف فيما له بما ينافي الاكتساب كالمحاباة و الهبة و ما فيه خطر كالقرض و الرهن و القراض- إلى أن قال-: و له التصرف في وجوه الاكتساب كالبيع من المولى و غيره، و كذا الشراء، و يبيع بالحال لا بالمؤجل، فإن زاد الثمن عن ثمن المثل و قبض ثمن المثل و أخر الزيادة جاز،

ج 34، ص: 301

و له أن يشتري بالدين و أن يستسلف» و مثله في ذلك كله المصنف فيما يأتي من اللواحق و غيرهم.

نعم قد يظهر من استثنائهم جواز الاذن جواز التصرف المنافي معها و إن كانت متأخرة فيستلزم جواز الفضولية في العتق حينئذ، و لعله كذلك، لما سمعته في بحث الفضولي و أنه على القواعد و إن احتمل في القواعد فيه الصحة و البطلان، بل قال: «و في الكتابة إشكال من حيث إنها معاوضة أو عتق» و قد عرفت أنها ليست عتقا قطعا فتصح حينئذ بالاذن سابقه أو لاحقة، بل و بدونها إذا كانت من وجوه الاكتساب المأذون فيها المكاتب، و حينئذ فإن عجزا معا استرقهما المولى و إن عجز الثاني استرقه الأول، و إن عجز الأول و استرق عتق الثاني، و لو استرق الأول قبل أداء الثاني كان الأداء إلى السيد، و له النفقة على نفسه و ما يملكه بالمعروف، كما أن له البيع من مولاه و غيره، و للمولى أخذه بالشفعة و بالعكس، و في ثبوت الربا بينه و بين المولى إذا كان مشروطا أو مطلقا لم يؤد إشكال، هذا و ستسمع إن شاء الله بعض الكلام في المسألة في اللواحق.

و كذا لا يجوز بلا خلاف و لا إشكال للمولى التصرف في مال المكاتب الذي قد تبين من النص (1)

و الفتوى أنه واسطة بين الرق و الحر بالنسبة إلى الأحكام التي منها ذلك، لقاعدة حرمة التصرف في مال الغير بعد أن كان مالكا إلا بما يتعلق بالاستيفاء بإذنه، لأنه مخير في جهة الوفاء، نعم في المسالك «قد يجوز تسلط المولى على الاستيفاء بغير إذنه فيما إذا كان مشروطا و حل النجم و لم يؤده و كان بيده مال بقدره، و لو زاد فالتعيين موكول إليه، فإن امتنع عين الحاكم كما في كل ممتنع» قلت: لا فرق بين المشروط و المطلق في ذلك، كما أنه ينبغي إذن الحاكم مع الزيادة و عدمها.

و لما عرفته من كون المكاتب كالواسطة لا يجوز له أي المولى وطء المكاتبة و إن أذنت بالملك و لا بالعقد لعدم كونها مملوكة محضة


1- 1 الوسائل- الباب- 8 و 22- من أبواب المكاتبة.

ج 34، ص: 302

أو حرة كذلك، بل لو شرط الوطء عليها في العقد لم يصح بل يبطل العقد على الأصح، و عليه التعزير لا الحد، لأنها ملكه، و لذا جاز له عتقها، و قد سمعت ما في خبر الحسين بن خالد (1)

من درء الحد عنه بمقدار ما بقي له من مكاتبتها لو جامعها.

و لو طاوعته حدت أي عزرت إن لم تتبعض، لعدم خروجها عن ملكه، لكن في المسالك «حدت حد المملوك إن لم تتبعض و إلا فبالنسبة» و قد قال قبل ذلك: «إنه إن وطأها المولى عالما بالتحريم عزر إن لم يتحرر منها شي ء، و حد بنسبة الحرية إن تبعضت» و كأنه أخذه من الفاضل في القواعد قال: «و لو طاوعت حدت على إشكال دونه، و يعزر مع علمه بالتحريم» و في الإيضاح «إذا وطأ المكاتب المكاتبة لم يجب عليه حد و إن كان عالما بالتحريم، لأن ملكه ثابت عليها، لنفوذ عتقه و إن كان ضعيفا، فإنه أقوى من الشبهة، قالوا فلا تعزير لسقوطه بالشبهة فيما هو أقوى و أولى، قلنا:

قال صلى الله عليه و آله و سلم (2)

«ادرؤوا الحدود بالشبهات»

و لم يدرأ التعزير، و كل مقدم على محرم يعزر».

قلت: لا يخفى عليك ما في ثبوت الحد عليها و درئه عنه مع اشتراكهما في صفة الملك، و لذا قال في القواعد و كشف اللثام: «و لو وطأ إحداهن- أي ال 9 مكاتبة أو ابنتها أو أمتها- مع علمهما بالتحريم عزرا و لم يحدا للملك، و يدل عليه ما تقدم من

خبر الحسين بن خالد (3)

الناطق بدرء الحد عمن جامع مكاتبته، و عن بعض العامة أنهما يحدان»

و لعل العبارة المزبورة التي حكيناها عن القواعد غير موجودة في بعض نسخها، لأني لم أعثر عليها مشروحة في كشف اللثام و لا في الإيضاح، و لم يتعرض لمضمونها في الدروس.

و في التحرير «فان طاوعته عزرت و يعزر للشبهة مع الشرط و عدمه- ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 4 من كتاب الحدود.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 303

قال في آخر المبحث-: و التعزير الذي أوجبناه إنما هو للعالم منهما، فلو جهلا فلا تعزير، و لو جهل أحدهما عزر الآخر».

و مما ذكرنا يظهر أن لها المهر عليه، لأنه من كسبها و إن طاوعته، كما جزم به في الدروس، لأنها ليست بزانية، و لذا لم تحد و تكون أم ولد، و لإطلاق

خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه عليه السلام «في رجل وقع على مكاتبته، قال: عليه مهر مثلها، فان ولدت منه فهي على مكاتبتها، و إن عجزت فردت في الرق فهي من أمهات الأولاد»

و خبر السكوني (2) عن الصادق عليه السلام «إن أمير المؤمنين عليه السلام قال في مكاتبة يطأها مولاها فتحمل، قال: يرد عليها مهر مثلها، و تسعى في قيمتها، فان عجزت فهي من أمهات الأولاد».

بل قد يقوى تكرر المهر بتكرر الوطء و إن لم يتخلل الأداء، لتعدد السبب، اللهم إلا أن يدعى انسياق الاتحاد من الخبرين، مضافا إلى أصل البراءة، لكن دعوى الانسياق حتى مع التخلل كما ترى، و من هنا استوجه غير واحد التفصيل بذلك، و قد يحتمل التعدد بالعلم بالحكم، و إلا فمع الشبهة المستمرة مهر واحد.

و كذا لا يجوز له وطء أمة المكاتبة و لا أمة المكاتب و لو وطأ لشبهة أو غير شبهة كان عليه المهر لما عرفت، نعم لو وطأ بنت المكاتبة المملوكة له لم يكن عليه مهر، لأنها أمته، و إنما وجب المهر لنفسها و لأمتها لأنه من كسبها بخلاف مهر البنت، كما هو واضح.

و كلما يكتسبه المكاتب قبل الأداء و بعده فهو له، لأن تسلط المولى زال عنه بالكتابة نعم لو عجز ففسخ المولى ملكه معه كما تقدم.

و لا تتزوج المكاتبة إلا بإذنه لأنها مملوكته، و لما في تزويجها من التغرير بها، و لفحوى ما سمعته من النهي للمكاتب عن ذلك في النصوص (3)

السابقة، بل يمكن إرادة الجنس الشامل للذكر و الأنثى منه، و خصوص

خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة.

ج 34، ص: 304

أبي بصير (1) سأل الباقر عليه السلام «عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها على النصف الآخر بعد ذلك، قال: فليشترط عليها أنها إن عجزت عن نجومها فإنها ترد في الرق في نصف رقبتها، فان شاء كان له في الخدمة يوم و لها يوم إن لم يكاتبها، قال: قلت: فلها أن تتزوج في تلك الحال؟ قال: لا حتى تؤدي جميع ما عليها في نصف رقبتها».

و حينئذ ف لو بادرت كان عقدها موقوفا على الاذن أو على الأداء مشروطة كانت أو مطلقة و لم يقع باطلا، لما سمعته من صحيح ابن وهب (2)

السابق و غيره، و كذا ليس للمكاتب أن يزوج عبيده من إمائه بغير إذن مولاه، لأنه خطر و لا اكتساب فيه.

و كذا ليس له وطء أمة يبتاعها إلا بإذن مولاه و لو كانت كتابة مطلقة لأنه تصرف بغير الاكتساب أيضا، و فيه خطر، بل عن بعض العامة عدم الجواز حتى مع الاذن، لكنه كما ترى. نعم لا مهر لها، لأنه لو ثبت لكان له، و لا حد لو فعل، لأنها مملوكة، فان حملت منه فالولد له، لأنه نماء ملكه الذي هو الجارية المملوكة له، فحملها منه حينئذ كحملها من غيره، و لكن لا يعتق عليه الان كما في القواعد و شرحها و التحرير و المسالك، لنقصان ملكه، نعم إن أدى عتق و عتق الولد و إن عجز استرقا معا.

و هل تكون أم ولد بعد العتق؟ وجهان و في التحرير الأقرب ذلك، و تبعه في المسالك، و لعله لصدق أم الولد عليها، لكن قد يناقش بلحوق حريته بالأداء لا بنفس الاستيلاد الذي هو المنساق من نصوص أم الولد (3)

بل المنساق منها


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الاستيلاد من كتاب التدبير و المكاتبة و الاستيلاد.

ج 34، ص: 305

الموطوءة للسيد الحر لا المملوك، و الأصل عدم لحوق أحكامها حتى لو أتت به بعد العتق إذا كان لدون الستة أشهر من وقت العتق، لتبين كون العلوق به في الرق.

نعم إن كان لما زاد عن ستة أشهر إلى أقصى الحمل احتمل أن تصير مستولدة له عملا بالأصل، مع أنه قد يناقش فيه أيضا (أولا) بمخالفته للغالب، و (ثانيا) بعدم كفاية مثله في تحقق عنوان أم الولد على وجه تلحقها الأحكام، خصوصا إذا لم يكن قد وطأها بعد الحرية بحيث يمكن استناده إليه، و إن وجهه في المسالك بكونها فراشا يلحق به الولد في الجملة قبل الحرية، و هو مستدام بعدها، و إمكان العلوق به بعد الحرية قائم، فيكتفي به لثبوت الاستيلاد ظاهرا و إن افترق فيما بينه و بين الله سبحانه، إلا أنه كما ترى، و الله العالم.

[المسألة الثالثة كل ما يشترط المولى على المكاتب]

المسألة الثالثة:

كل ما يشترط المولى على المكاتب من عمل مخصوص زمن الكتابة أو بعد العتق بالأداء أو الاكتساب على وجه معين أو نحو ذلك و بالعكس في عقد الكتابة يكون لازما

لعموم «المؤمنون» (1)

و «أَوْفُوا» (2) و غيرهما ما لم يكن منافيا لمقتضى العقد أو مخالفا للكتاب و السنة على نحو غيره من الشرائط في العقود، فلو شرط عدم الحرية بعد الأداء أو الوطء بطل الشرط، بل الأقوى بطلان العقد كما تقدم محررا في كتاب البيع (3) الذي مر فيه تسلط من له الشرط على الخيار مع عدم الوفاء مطلقا أو إذا تعذر جبره على الوفاء، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 1.
3- 3 راجع ج 23 ص 210- 216.

ج 34، ص: 306

[المسألة الرابعة لا يدخل الحمل في كتابة أمه]

المسألة الرابعة:

لا يدخل الحمل المعلوم وجوده حال الكتابة و لو بانفصاله لدون ستة أشهر من حين الكتابة في كتابة امه فضلا عن أبيه و إن قصده، لعدم قابليته للمعاملة، و عدم دليل على التبعية، بخلاف التدبير الذي هو عتق يقع على الصغير و الكبير، فهو حينئذ كالولد المنفصل، خلافا لبعض العامة فأدخله تبعا لا على جهة السراية كما يتبع الحامل في البيع، و هو واضح الضعف في المقيس و المقيس عليه.

لكن لو حملت بمملوك بعد الكتابة لكونه من عبد السيد بإذنه أو زنا و هي جاهلة بل أو عالمة، كما أطلقه جماعة و إن أشكله في الدروس، لعدم إلحاقه بها شرعا كان حكم أولادها كحكمها بمعنى أنه ينعتق منهم بحساب ما ينعتق من ها كلا أو بعضا بالعتق أو بالأداء أو بالإبراء، لما سمعته في صحيحي ابن قيس (1)

و بريد العجلي (2)

المتقدمين سابقا، و لما قيل من أن الولد من كسبها فيتوقف أمره على رقها و حريتها كسائر كسبها، و هذا و نحوه هو المراد بكونهم بحكمها لا أنهم يصيرون مكاتبين، إذ لم يجر معهم عقد المكاتبة، بل المراد انعتاقهم بانعتاقها من جهة الكتابة، حتى لو فسخت الكتابة ثم عتقت الأم لم ينعتق الولد، و لا ينافي ذلك ما سمعته من أداء الأولاد ما بقي من مال الكتابة المطلقة التي قد أدى بعضها للأدلة الخاصة.

هذا و في المسالك «و هل يثبت حق ملكهم قبل الانعتاق للأم أم للمولى؟

وجهان، من أنه تابع للأم و حق له، و من أنه من جملة كسبها، فيكون لها، و تظهر الفائدة فيما لو قتله قاتل، فعلى الأول تكون القيمة للمولى كما لو قتلت الأم،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 307

و على الثاني يكون للمكاتبة تستعين به في أداء النجوم، أما كسب الولد و أرش الجناية عليه فيما دون النفس و أرش الوطء بالشبهة لو كانت جارية فموقوف على عتقها فتكون له، و إلا فللمولى ككسب الام، فلو عجزت الام و أرادت الاستعانة بكسب ولدها الموقوف ففي إجابتها وجهان مبنيان على أن الحق هل هو للمولى أولها؟

فعلى الثاني لا إشكال في جواز استعانتها به، و على الأول يحتمله أيضا، لأنها إذا رقت رق الولد و أخذ المولى كسبه، و إذا أعتقت عتق، و قد يفضل شي ء من الكسب ففي إجابتها حظ للولد و عدمه، لأنه لا حق لها في كسبه، لأن الكلام على تقديره، و تظهر الفائدة أيضا في نفقة الولد، و الوجه أنها في كسبه، و ما فضل فهو الذي يوقف، فان لم يكن له كسب أو لم يف بالنفقة ففيه وجهان، أظهرهما أنها على المولى بناء على أن حق الملك له و إن كان مراعي، و الثاني أن ينفق عليه من بيت المال، لأن تكليفه النفقة من غير أن يصرف إليه الكسب في الحال إجحاف به، و فيه وجه ثالث أنه على الأم، لأن كسبه قد تنتفع به فتكون نفقته عليها، لتبعية النفقة للكسب».

و قد تبع ببعض ذلك الدروس قال: «و لو جني على ولدها في طرف فهو موقوف، فان عتق ملكه و إلا فللسيد، فلو أشرفت الأم على العجز فلها الاستعانة به، و كذا كسبه، و لو قتل فالقيمة للام، لعدم تمكن السيد من التصرف فيه، و يحتمل للسيد كما لو قتلت الام و نفقته من كسبه فان قصر أتمه السيد، لأنه ملكه و إن كان موقوفا، و في جواز إعتاق المولى إياه وجهان، من تحقق الملك، و من تعلق حق الام بكسبه في الاستعانة، و حكم ولد الولد من أمته حكم الولد».

و قد تبع هو ما في التحرير قال: «لو قتل الولد احتمل صيرورة القيمة للسيد كالأم و عدمه، لأنه لا يملك التصرف فيه مع كونه قنا، فلا يستحق قيمته، و قواه الشيخ، و لو جنى عليه أو كسب فالأقوى أنه موقوف يملكه إن عتق و إلا فلسيده، فإن أشرفت امه على العجز كان لها الاستعانة، و لو مات الولد قبل عتق الام فكسبه كقيمته لو قتل، و نفقته من كسبه، فان قصرت فالأقوى على السيد

ج 34، ص: 308

لأنه يسترقه مع العجز، و يحتمل أخذ الناقص من بيت المال، و لو أعتقه مولاه فان قلنا كسبه للسيد أو أنه موقوف و ليس للأم الاستعانة به عند العجز، صح و إن قلنا للأم أو بالوقف مع جواز الاستعانة لم ينفذ، و الأقوى عندي نفوذه على التقديرين» و نحو ذلك في القواعد و شرحها.

قلت: لكن قد يناقش في ذلك كله بأن مقتضي القواعد بعد أن لم يكن مكاتبا بكتابة امه ملكية السيد للولد بقاعدة النماء، و ليس هو من كسبها و إلا لملكته و وفت به، و من المعلوم عدمه، ضرورة كونه من نمائها الذي هو مملوك للسيد، و ثبوت تبعيته لها في التحرير و عدمه مع فرض بقائه لا ينافي كونه ملكا له الان على وجه يجري عليه حكم الملك من المعتق و نحوه، و حينئذ يتجه كون كسبه و قيمته لو قتل و قيمة أطرافه له أيضا، و ليس لها الاستعانة بشي ء من ذلك في وفاء نجومها، و نفقته على السيد، و مئونة تجهيزه كذلك، بل إن لم يكن إجماع جاز له التصرف فيه ببيع و نحوه، خصوصا بعد عدم الدليل على كثير مما ذكروه هنا من وقف الكسب و من استعانة الام عند العجز و غيرهما، فتأمل جيدا، فان التحقيق ما ذكرناه إن لم يكن إجماع على خلافه، و الله العالم.

و لو تزوجت بحر باذن السيد كان أولادها أحرارا مع عدم شرط الرقية عليه بناء على صحته و لو حملت من مولاها لم تبطل الكتابة للأصل و غيره و كان الولد حرا، لأنها علقت به في ملكه، و تصير أم ولد له بلا خلاف أجده فيه، مضافا إلى ما سمعته من خبر علي بن جعفر (1)

و لولاه لأمكن المناقشة بنقصان ملكه، فلا يقتضي انعتاقه عليه، نحو ما سمعته في ولد المكاتب من جاريته، لكن على الأول مع كونها مكاتبة تصير أم ولد له. فان مات و عليها شي ء من مال الكتابة تحررت من نصيب ولدها، و هل يتبعها حرية ولدها من غير مولاها لو كان إشكال، لكن جزم في التحرير بانعتاقه تبعا للام.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 309

فان لم يكن لها ولد من المولى حين موته أو لم يف نصيبه بما عليها سعت في مال الكتابة أو ما بقي منه للوارث قال موسى بن جعفر عليهما السلام في

خبر أخيه علي عنه عليه السلام «إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال في رجل وقع على مكاتبته فوطأها أن عليه مهر مثلها، فان ولدت منه فهي على مكاتبتها، و إن عجزت فردت في الرق فهي من أمهات الأولاد»

و ظاهره أن عليه المهر خاصة دون قيمة الولد، كما جزم به في التحرير في نظير المسألة.

لكن في المسالك «و هل عليه قيمة الولد؟ يبنى على ما تقدم من الوجهين، فان قلنا حق الملك فيه للسيد فلا شي ء عليه، كما لو قتل ولد المكاتبة، و إن قلنا الحق لها فعليه القيمة، و تستعين المكاتبة بها، فان عجزت قبل الأخذ سقطت، و إن عتقت أخذتها، و إن ولدت بعد ما عجزت و رقت فلا شي ء لها، و كذا لو ولدت بعد ما عتقت، لأنه حين تعذر تقويمه ليس بكسب مكاتبة» و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، فلاحظ و تأمل.

و لو تنازع المولى و المكاتبة في تقدم الولد على الكتابة و تأخره ففي التحرير و القواعد و الدروس حلف المولى، و لو تنازع المكاتب و السيد حلف المكاتب قالا:

«و الفرق أن يده ثابتة عليه، و هو يدعي ملكه فيترجح باليد، و المكاتبة لا تدعي الملك، انما تدعي الوقف، و لم يثبت كون اليد مرجحة للوقف».

قلت: بناء على ملاحظة قاعدة تأخر مجهول التاريخ عن معلومه ينبغي مراعاته، و اليد لا تصلح للترجيح ما لم يسندها صاحبها إلى سبب خاص يكون به مدعيا، و بالجملة كلامهم هنا محتاج إلى التأمل فتأمل. و يتصور النزاع في المكاتب بأن يزوجه أمته ثم يشتريها المكاتب فالولد قبل الشراء للسيد و بعده للمكاتب.

ج 34، ص: 310

[المسألة الخامسةالمشروط رق و فطرته على مولاه]

المسألة الخامسة قد عرفت فيما تقدم أن المشروط رق و إن أدى أكثر ما عليه و حينئذ ف فطرته على مولاه كما أطلقه جماعة تبعا لإطلاق النصوص (1)

المتقدمة في زكاة الفطرة فطرة العبد على مولاه، و أنه أحد العيال، بل في

مرفوع محمد ابن (2) أحمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه و رقيق امرأته و عبده النصراني و المجوسي و من أغلق عليه بابه»

و منه و من غيره تعرف قوة احتمال كون فطرته عليه و إن لم يعمل به ما لم يعمل به غيره، لأنه عياله شرعا، كما سمعته في زكاة الفطرة (3).

مضافا إلى ما سمعته في خبر أبي بصير (4)

السابق عنه عليه السلام أيضا في خصوص المشروط «و إن وقع عليه دين في تجارة كان على مولاه أن يقضي عنه، لأنه عبده» و غير ذلك مما دل على عدم جواز تصرفه بماله في غير الاكتساب و نحوه الذي يكفي في سقوطها عنه، لعدم تمكنه.

لكن مع ذلك كله وسوس في المسالك في ذلك، بل مال إلى عدمه، قال:

«المكاتب مطلقا قد خرج عن محض الرقية، و لم يصر إلى حالة الحرية و هو مرتبة بينهما كما علم مرارا، و من سقوط أحكام الرقية عنه سقوط نفقته عن مولاه و تعلقها بكسبه، و قد كان اللازم من ذلك ثبوت فطرته على نفسه أيضا، لأنها تابعة للنفقة، لكن قد أطلق جماعة من الأصحاب وجوب فطرة المشروط على مولاه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 9.
3- 3 راجع ج 15 ص 486.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة الحديث 3.

ج 34، ص: 311

و الحكم عليه بإطلاق الرقية، مع أن

علي بن جعفر (1) روى عن أخيه موسى عليه السلام قال: «سألته عن المكاتب هل عليه فطرة رمضان أو على من كاتبه؟ فقال: الفطرة عليه»

و لم يفرق بين القسمين، و في الدروس اقتصر على نقل وجوب فطرة المشروط على مولاه عن بعض الأصحاب ثم احتمل عدمه محتجا بأنها تابعة للنفقة، و ابن البراج صرح بعدم وجوبها على المولى، و لا بأس بهذا القول و إن كان الأشهر خلافه، و أما المطلق فلا تجب فطرته على مولاه اتفاقا و لا على نفسه إلا أن يتحرر منه شي ء فتجب بنسبة الحرية».

و فيه- مع مخالفته ما عرفت- أن كون نفقته من كسبه- الذي هو للمولى مع العجز أوله مع عدمه و لكن ليس له التصرف فيه بنحو ذلك قبل الأداء- لا ينافي وجوب فطرته على مولاه، بل هو كالاجتهاد في مقابلة النص، و خبر علي بن جعفر (2)

يمكن حمله على المطلق الذي قد أدى بعض مكاتبته، فان فطرته عليه بمقدار ما فيه من الحرية بخلاف من لم يؤد شيئا، فإنه كالمشروط في جميع ما سمعته.

و لعل المراد من قول المصنف و لو كان مطلقا لم يكن عليه فطرته أنه ليس كالمشروط في وجوبها عليه مطلقا، بل هو إن لم يؤد ففطرته على مولاه و إن أدى بعضا ففطرته بالنسبة، بل في حاشية الكركي هنا بعد أن نسب عدم الفطرة على مولى المطلق إلى المشهور قال: «إلا أنه يشكل بأن المكاتب المطلق إذا لم يؤد شيئا رق أيضا، فتجب فطرته لأنها تابعة للملك، و قد صرح بذلك في التحرير في باب زكاة الفطرة، و لو تحرر بعضه فالفطرة عليه و على مولاه بالتقسيط و هو جيد» و من الغريب دعوى الاتفاق على سقوطها عنه و عن مولاه مع عدم تحرير شي ء منه مع أني لم أعرفه قولا لأحد إذ لا أقل من أن يكون كالمشروط الذي حكم بوجوب فطرته عليه، لأنها تابعة للنفقة، هذا و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في زكاة الفطرة، فلاحظ و تأمل حتى تعرف أنه لا قائل معلوم بما ذكره، و إنما ذكرناه هناك


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب المكاتبة الحديث 2.

ج 34، ص: 312

احتمالا في كلمات بعض القدماء، و الله العالم.

و إذا وجب عليه أي المكاتب مشروطا كان أو مطلقا لم يؤد كفارة مترتبة أو مخيرة كفر بالصوم للحجر عليه بالتصرف في المال بغير الاكتساب، كما سمعته فيما تقدم نصا (1)

و فتوى و حينئذ ف لو كفر بالعتق لم يجزه، و كذا لو كفر بالإطعام لأن كلا منهما تصرف في المال بغير اكتساب، و قد عرفت منعه منه، بل لو كان المولى أذن له قيل و القائل الشيخ في محكي مبسوطة لم يجزه أيضا، لأنه كفر بما لم يجب عليه كالمعسر الذي تكلف التكفير بما لم يجب عليه أو تبرع عنه، المحكي عن الشيخ فيه نفي الخلاف عن عدم إجزاء الكفارة عنه بما أعسر عنه، و حينئذ لم يوافق أحد منهما الأمر المقتضي للاجزاء، و إذن المولى إنما اقتضت رفع الحجر عنه لا توجه الخطاب إليه.

و فيه أن إطلاق الأدلة يقتضي خطابه بذلك سواء كان على التخيير أو الترتيب بعد ارتفاع المانع، و من هنا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه، بل ظاهر الكركي الاجزاء تبعا لصريح الفاضل في القواعد، بل هو خيرة المصنف في كتاب الأيمان، و حينئذ فلا يحتاج إلى ما في المسالك من بناء المسألة على أن التبرع عن المعسر بالكفارة التي ليست فرضه هل يجزئ عنه أم لا؟ فان قلنا بإجزائها أجزأ هنا بطريق أولى و إلا فلا، و في المختلف ادعى الإجماع على أن التبرع عن المعسر باذنه مجز فيجزئ هنا، و هو الوجه و في المبسوط ادعى الإجماع على عدم الاجزاء مع أنه في باب الكفارة اختار الاجزاء و جعله الأظهر في روايات أصحابنا، و وافقه ابن إدريس على عدم الإجزاء، و إليه أشار المصنف بقوله: «و قيل لم يجزه» و إن أومأ إلى بعض ذلك في غاية المراد، ضرورة عدم مدخلية تلك المسألة لكون المكاتب موسرا إذا فرض كونه مكتسبا لما يحصل به ذلك، إلا أنه محجور عليه في التصرف فيه بمثل ذلك، فمع فرض ارتفاع الحجر عنه بالاذن حصل الوصف


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة.

ج 34، ص: 313

و توجه التخييري و الترتيبي بخلاف المعسر، فان التبرع عنه لا يجعله موسرا، كما هو واضح.

و من ذلك ينقدح النظر فيما في الإيضاح من أنه بأمر السيد لا يلزمه التكفير بالمال، لأن عليه ضررا فيه، لأنه يفضي إلى تفويت حريته لعجزه بسببه، و لأن التبرع لا يلزم باذن السيد، فحينئذ إذا أذن السيد فيه صارت الكفارة المرتبة مخيرة بالنسبة إليه، و هذا هو الصحيح عندي، و سبب الاشتباه على المانع الاشتراك اللفظي، فإن قوله: «كفر بما لم يجب عليه» إن أراد الوجوب العيني سلمناه، و إن أراد الوجوب المخير منعناه، و لما لم يميز بين الوجوبين منع» إذ هو كما ترى، ضرورة أنه بعد فرض تناول إطلاق أدلة الكفارة للمكاتب المأذون و غيره يتجه الترتيب عليه، و ضرره مرتفع بفرض اليسار الذي مقتضاه وجود مقابل الكتابة عنده و زيادة، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا ملك المملوك نصف نفسه مثلا كان كسبه بينه و بين مولاه]

المسألة السادسة:

إذا ملك المملوك نصف نفسه مثلا كان كسبه بينه و بين مولاه بلا خلاف و لا إشكال، إذ هو كنماء المشترك بين شريكين و لو طلب أحدهما المهاياة أجبر الممتنع كما عن بعضهم، لأن لكل منهما الانتفاع بنصيبه، و لا يمكن الجمع بين الحقين في وقت واحد، فكانت المهاياة طريق الجمع بين الحقين و وسيلة إلى قطع التنازع، و لا ضرر فيها، بل هي موافقة لقاعدة لا ضرر و لا ضرار، مضافا إلى ظاهر

خبر عمار بن موسى (1) عن أبي عبد الله عليه السلام «في مكاتب بين شريكين فيعتق أحدهما نصيبه كيف يصنع الخادم؟ قال: يخدم الثاني يوما و يخدم نفسه يوما»

و غيره من النصوص (2)

التي تقدمت سابقا في استسعاء المبعض، نعم


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المكاتبة الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من كتاب العتق الحديث 4 و 5 و 8.

ج 34، ص: 314

يكفي فيها الإجابة إلى المهاياة اليومية، و لا يجب الأزيد.

و قيل: لا يجبر للأصل بعد أن كانت غير لازمة إلا أن تكون بصلح و نحوه و قسمة لغير معلوم التساوي في جملته لا أفراده، فيتوقف على التراضي، بل لا يظهر كونها قسمة لكون المنافع معدومة، و الخبر المزبور مع قطع النظر عن سنده لا يدل على تعيين ذلك كما في المسالك، خصوصا بعد أن كان المفروض فيه الخدمة و معلوم عدم تساويها.

و من هنا قال المصنف و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي تقدمت الإشارة إلى جملة منها في كتاب القسمة، بل و في كتاب الشركة التي من عيوبها ذلك و نحوه، و استحسنه الكركي و اختاره في الإيضاح، و الله العالم.

[المسألة السابعة لو كاتب عبده و مات]

المسألة السابعة:

لو كاتب عبده و مات صح و خلف ورثة قاموا مقامه في أنهم إذا أعتقوه أو أبرؤوه من النجوم أو استوفوا المال عتق و لو أبرأه أحد الوراث من نصيبه من مال الكتابة أو استوفاه باذن شركائه أو أعتق نصيبه صح و انعتق من المكاتب المطلق مقدار ذلك و لا يقوم عليه الباقي في صورتي الأداء و الإبراء، للأصل بعد فرض عدم تناول دليل التقويم لمثله، خصوصا و المكاتب في المقام هو المورث، و إنما الإبراء تنفيذ المكاتبة.

على أن التحقيق عدم السراية في المطلق إذا أدى شيئا للمورث و انعتق منه جزء فصلا عن الوارث، لعدم صدق العتق بالتحرير بأداء مال الكتابة التي قد عرفت أنها معاملة مستقلة لا بيع العبد من نفسه و لا عتق بعوض.

و أما لو أعتق فإن قلنا بعدم السراية لو أعتق المورث بعض مكاتبه أو حصته من المكاتب المشترك لخروجه بالمكاتبة عن محض الرقية فلا تشمله أدلة التقويم المخالف للأصل، خصوصا مع إمكان تضرر المكاتب بالسراية حيث إنه ينقطع عنه

ج 34، ص: 315

بها الولد و الكسب اللذان يحصلان له بتحريره بأداء الكتابة، فعدمها هنا أولى، لتنزيل عتق الوارث منزلة إبرائه الذي هو تنفيذ لفعل المورث، و إن قلنا بها في المورث ففي القول بها هنا وجهان، من ذلك و من صدق مباشرته للعتق ابتداء، فيشمله دليل السراية، و لعله لا يخلو من قوة، بل هو خيرة الكركي في حاشيته.

و من التأمل فيما ذكرنا يظهر ما في المسالك و غيرها من التشويش بعدم ذكر الفرق بين الإبراء و العتق و بتكثير الاحتمالات التي منها الفرق بين الإبراء من مال الكتابة و بين قبضه باعتبار كونه مختارا في الأول فيكون مختارا في سببه الذي هو العتق، فيسري بخلاف القبض، فإنه غير مختار فيه، و منها بناء المسألة على أن الكتابة بيع للعبد من نفسه أو عتق بعوض، فعلى الأول لا سراية، و على الثاني وجهان، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا في المقام و في المباحث السابقة.

بقي شي ء و هو أن ظاهر المصنف و الفاضل في القواعد و التحرير عدم الفرق في الحكم المذكور بين المطلق و المشروط، بل في إيضاح الفخر «أن البحث في المشروط، و لعله المناسب لاستدلال المخالف و تشبيهه بما إذا كان المورث حيا، ضرورة عدم انعتاق البعض بأداء البعض فيه لو كان المورث حيا» و في كشف اللثام جزم بالحكم في المطلق و جعله في المشروط احتمالا، و الذي حكاه في الإيضاح عن الشيخ التصريح بالمشروط، قال: «لأنهما شريكان في العبد، نصيب كل واحد مكاتب على قدر قسطه من مال الكتابة، و كل منهما ينفرد بحقه لا يتعلق عتق نصيبه بأداء مال إلى غيره- إلى أن قال-: و الحاصل أن الكتابة بموت السيد تتنزل منزلة كتابتين- ثم حكى عن الشيخ أنه نقل قولا بأنه لا ينعتق- لأنهما معا منزلان منزلة المورث و لو أبرأه المورث من البعض لم يعتق فكذا الوارث، و لأن المكاتب المشروط إذا كاتبه واحد كان عتق كل واحد من أجزائه معلقا بأداء الكل

ج 34، ص: 316

من حيث هو كذلك، و بموته لم يتجدد عقد آخر فلا ينعتق بعض منه بأداء بعض مال الكتابة».

قلت: لا يخفى عليك قوة القول بعدم الانعتاق بالأداء أو الإبراء في المشروط الذي انتقل إلى الوارث على الوجه المذكور في عقد الكتابة، و دعوى انحلالها بالموت إلى كتابتين واضحة المنع، اللهم إلا أن يقال إن المكاتب المشروط الذي انتقل إلى الوارث كالمال الذي يشتريه المورث مثلا، و له فيه الخيار، فإنه يتبع الحصص حينئذ، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة الثامنة من كاتب عبده مطلقا أو مشروطا وجب]

المسألة الثامنة:

من كاتب عبده مطلقا أو مشروطا وجب عليه أن يعينه من زكاته إن وجب عليه، و لا حد له قلة و لا كثرة بل المدار على صدق اسم إيتاء المال، خلافا لبعض العامة، فقدرة بالربع، و لا شاهد له، نعم ستسمع استحباب حط السدس من النجوم.

و على كل حال يستحب له التبرع بالعطية إذا لم تجب وفاقا في ذلك كله للمحكي عن الشيخ في خلافه و كثير من المتأخرين، بل عن الأول دعوى إجماع الفرقة و أخبارهم (1)

بل في الرياض هو الحجة في الوجوب و التخصيص بالمولى.

مضافا إلى ظاهر الآية (2) فيهما الناشئ عن كون الأمر حقيقة في الوجوب، و لا ينافيه استعمال الأمر بالكتابة قبله في الاستحباب، و ظهور السياق باختصاص الضمير المتعلق به الأمر بالمولى، فلا يعم ما عداه، و في تخصيص المال بالزكاة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المكاتبة الحديث- 0.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 33.

ج 34، ص: 317

و إن كانت الآية فيه مطلقه، و تخصيص الآية بصورة وجوبها و الاستحباب في غيرها تبرعا.

و فيه أولا عدم معلومية إرادة الشيخ الإجماع على ما ذكره من الحكم، كما يقضي به التدبر في عبارته المحكية عنه في المختلف، لاحتماله إرادة الإجماع على أصل الإيتاء في الجملة، خصوصا بعد أن لم نقف على خبر أصلا فيما ذكره من الحكم المزبور.

نعم في

صحيح محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن قول الله عز و جل وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ (2) قال: الذي أضمرت أن تكاتبه عليه لا تقول أكاتبه بخمسة آلاف و أترك له ألفا، و لكن انظر إلى الذي أضمرت عليه فأعطه»

و نحوه المرسل (3) عن الصدوق ره.

و في

خبر العلاء بن الفضيل (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال في قول (5) الله تعالى «فَكاتِبُوهُمْ» إلى آخرها: «تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه منها، و لا تزيد فوق ما في نفسك، قلت: كم؟ قال: وضع أبو جعفر عليه السلام عن مملوك ألفا من ستة آلاف».

و في

خبر القاسم بن يزيد (6) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا «سألته عن قوله تعالى (7) وَ آتُوهُمْ- إلى آخرها- قال: سمعت أبي يقول: لا يكاتبه على الذي أراد أن يكاتبه ثم يزيد عليه ثم يضع عنه، لكن يضع عنه مما نوى أن يكاتبه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 33.
3- 3 أشار إليه في الوسائل في الباب- 9- من أبواب المكاتبة الحديث 1 و ذكره الصدوق قده في المقنع ص 38.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المكاتبة الحديث 2.
5- 5 سورة النور: 24- الآية 33.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المكاتبة الحديث 3 عن القاسم بن بريد.
7- 7 سورة النور: 24- الآية 33.

ج 34، ص: 318

عليه»

و هي صريحة في خلاف الحكم المزبور.

بل هو نفسه احتمل في الآية الوجوب من الزكاة و الاستحباب، و الخطاب لغير السيد ممن تجب عليه الزكاة، بل قال في المحكي عن مبسوطه: الإيتاء واجب عندنا، و هو أن يحط السيد عن مكاتبه شيئا من مال الكتابة و يؤتيه شيئا يستعين به على الأداء، لقوله تعالى (1) «وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ» و هذا أمر» و ظاهره الإجماع على ما ذكره.

و قال في محكي التبيان: «قال قوم: المعنى آتوهم من سهمهم من الصدقة ذكره في قوله (2) «وَ فِي الرِّقابِ» ذكره ابن زيد عن أبيه، و هو مذهبنا» و ظاهره الإجماع أيضا على ذلك. و من ذلك يضعف الظن بكون المراد أن الإجماع على الحكم المزبور.

و من الغريب اقتصاره في الرياض على خبر العلاء ثم قال: «لكنه ضعيف بابن سنان في المشهور، و مع ذلك كاد أن يلحق بالشواذ، لعدم مفت بمضمونه بالخصوص، فإن الأصحاب ما بين مفت بما مر، و حاكم بالوجوب على المولى جاعلا متعلق لوجوب هو الحط من مال الكتابة مع إيتائه شيئا يستعين به على الأداء، وجبت على المولى الزكاة أم لا كما عن المبسوط و جماعة، و مخصص للحكم بالمشروط العاجز عن توفية ثمنه، و مفصل في المطلق بين وجوب الزكاة على المولى، فتجب عليه الإعانة منها، و عدمه فعلى الامام أن يفكه من سهم الرقاب، كما عليه الحلي، و ناف للوجوب من أصله حاكم باستحباب الإعانة للسيد بدفعه إلى مكاتبه شيئا من ماله من سهم الرقاب، كما عن ابن حمزة و القاضي- قال-: و هذه الأقوال كما ترى ليس فيها ما يوافق مضمون الرواية عدا ما في المبسوط من تفسيره الإيتاء بالحط عن بعض النجوم كما فيها، لكن زاد و يؤتيه شيئا يستعين به على الأداء، فتخالفا


1- 1 سورة النور: 24- الآية 33.
2- 2 سورة التوبة: 9- الآية 60.

ج 34، ص: 319

من هذه الجهة، فلا يمكن المصير إليها بعد كونها بهذه المثابة، و لم يعمل بمضمونها أصلا، نعم عن الإسكافي أنه قال بعد ذكر الآية: يحتمل أن يكون ذلك أمرا بأن يدفع إلى المكاتبين من سهم الرقاب من الصدقات إن عجزوا، و يحتمل أن يكون ندبا للسيد أن يضع عنه جزء من مكاتبته، و احتماله الأخير موافق للرواية إن حملت على الاستحباب».

و فيه ما عرفت من أن مضمون الخبر المزبور قد اشتمل عليه الصحيح و غير الصحيح، و أما العمل به فكل من قال بالندب كالفاضل في المختلف و الشيخ و يحيى بن سعيد في محكي التبيان و الجامع عامل به، بل قد سمعت تفسير المبسوط الإيتاء بذلك، و لا ينافيه زيادة إيتاء شي ء له للاستعانة، و بالجملة دعوى كونه من الشواذ كما ترى، فالمتجة العمل بها على جهة الندب، بل لعله المنساق من الآية و لو لعطفه على الأمر بالكتابة الذي هو للندب كما عرفت، و إشعار

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (1)

«من أعان مكاتبا على فك رقبته أظله الله في ظل عرشه»

و قيل له صلى الله عليه و آله (2): «علمني عملا يدخلني الجنة فقال: أعتق نسمة و فك رقبة، فقيل: أ ليسا واحدا؟ قال: لا، عتق النسمة أن ينفرد بعتقها، و فك الرقبة أن يعين في عتقها»

إذ لا يخفى على من رزقه الله معرفة اللسان أن ذلك و نحوه بل و النصوص السابقة بل و الآية يراد به الندب.

و دعوى أن المنساق من مال الله في الآية الزكاة واضحة المنع بعد ما عرفت، خصوصا بعد الوصف بقوله تعالى «الَّذِي» إلى آخرها و على تقديره فالمراد بالأمر بها الندب، بل لعل ذلك خاص فيمن علم الخير منهم أي الايمان لا مطلقا.


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 320 و فيه «من أعان مجاهدا .. أو مكاتبا في رقبة أظله الله في ظله يوم لا ظل الا ظله».
2- 2 المستدرك الباب- 1- من كتاب العتق الحديث 16 و سنن البيهقي ج 10 ص 273.

ج 34، ص: 320

كما أن الظاهر عدم اختصاص الإيتاء بالحط، و إنما ذكر في النصوص (1)

لأنه أحد الأفراد المتيسرة للمكاتب دائما و إلا فالمراد إيتاؤه من الزكاة الواجبة أو غيرها بحط أو غيره، بل هو المناسب لإطلاق الأمر بالإيتاء الظاهر في تناول الأفراد أجمع، بخلاف الزكاة المختصة بمن تكون عنده، و لعل هذا مرجح آخر لعدم إرادة خصوص الزكاة، بل قد يرجحه أيضا أن ما ذكره المصنف مستلزم للتجوز في الأمر بناء على إرادة القدر المشترك منه بين الواجب لمن عنده زكاة و الندب لمن لم تكن عنده و التخصيص و غير ذلك.

و بذلك كله و غيره بان لك أن الندب هو الأقوى بل يستحب أن يكون مقدار السدس و يكره له أن يزيد في مال الكتابة لإرادة الإيتاء منه، كل ذلك لما سمعته من النصوص (2)

.

و أما دعوى دلالة الآية (3) على الوجوب على الوجه الذي ذكره المصنف فلا شاهد لها، و كون الأمر له لا يقتضي اختصاصه بالزكاة التي عليه، كما أن آية (4) كون الرقاب مصرفا للزكاة كذلك أيضا، بل دعوى دلالتها على الوجوب على المولى إذا كانت عليه زكاة و على الندب إذا لم تكن كادت تشبه العلم بالمغيبات.

و من ذلك كله يظهر لك ضعف الأقوال المزبورة أجمع، و منها ما في المسالك من «أن الأقوى وجوب الإيتاء من الزكاة إن وجبت أو الحط عنه من مال الكتابة أو دفع شي ء إليه إن لم تجب» بل هو أضعفها، و كذا ما فيها أيضا تبعا للدروس من أنه «يجب على المكاتب القبول إن أعطاه من جنس مال الكتابة لا من غيره، عملا


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المكاتبة.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المكاتبة.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 33.
4- 4 سورة التوبة: 9- الآية 60.

ج 34، ص: 321

بظاهر الآية، فقد قيل: إن المراد به مال الكتابة» ضرورة عدم اقتضاء الأمر بالإيتاء وجوب القبول، و عليه لا وجه للتفصيل بين الجنس و غيره كما جزم به في الإيضاح.

و لا يخفى عليك ما في تعليل دعوى ظهور الآية بأنه قد قيل إلى آخره، و كأنه تبع في ذلك ما في الدروس «و يجب على العبد القبول إن أتاه من عين مال الكتابة أو من جنسه لا من غير جنسه».

لكن في القواعد و شرحها «قيل في المبسوط و يجب على المكاتب قبول الإيتاء إن دفع المالك من غير مال الكتابة أو من جنسه، لأنه من المال المأمور بايتائه و لا يجب الإيتاء إذا لم يجب القبول» و في التحرير «ثم السيد مخير بين أن يحط عنه بعض مال الكتابة و بين أن يؤتيه من جنس مال الكتابة أو من عين مال الكتابة الذي نقص منه، و في هذين يلزم العبد القبول، و إن أتاه من غير جنسه قال الشيخ:

لا يجب على العبد القبول».

و لا يخفى عليك أن بناء ذلك على التلازم الذي أشار إليه في كشف اللثام، و فيه منع واضح، نعم لا حاجة إلى القبول في صورة الحط التي هي بمعنى الإبراء الذي قد عرفت في محله عدم حاجته إلى القبول على الأصح و إلا احتيج إليه.

و لو عتق قبل الإيتاء سقط الوجوب، لفوات محله الذي هو المكاتب، و ما عن بعض العامة من أن وقت الإيتاء بعد العتق كالمتعة في الطلاق كما ترى مناف لما سمعته من النصوص (1)

و لكون العلة فيه الإعانة على الفك، بل ظاهر الأمر في الآية (2) إيتاء المكاتب، و إذا أعتق لم يكن مكاتبا، و دعوى أنه كالدين- فيجب و إن أعتق، بل عن الدروس اختياره، بل عن المبسوط ذلك أيضا، لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المكاتبة.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 33.

ج 34، ص: 322

قضية كل حق مالي يثبت في الذمة- واضحة المنع، إذ الإيتاء أعم من ذلك.

و منه يعلم أنه لا وجه لمقاصة المكاتب السيد بذلك، لعدم ثبوت شي ء له في ذمته، نعم للسيد مقاصته بمعنى احتساب ماله في ذمة المكاتب من الزكاة التي عليه.

و لو دفع إليه من الزكاة و كان مشروطا فعجز و رد إلى الرق لم يجب عليه إخراجها لغيره إن كانت منه، و لا ردها لدافعها ليخرجها إن كانت من غيره، لطريان الرقية على الدفع الموجب للملك حال كونه قابلا له، و الأصل براءة ذمة الدافع و بقاء الملك بعد أن كان العود إلى المولى إحداث ملك لا إبطالا لما سلف، و من ثم بقيت المعاملة السابقة بحالها.

لكن ضعفه في المسالك بمنع كونه إحداثا بل إعادته في الرق تقتضي نقض جميع ما سبق، و من ثم عاد كسبه و أولاده ملكا له، و بقاء المعاملة بسبب الإذن الضمنية بها في عقد المكاتبة، فإنها تستلزم الاذن في التصرف بالمعاملة و نحوها، ثم قال:

«و الوجه وجوب صرفه على المستحقين إن كانت منه، و إلا أعادها على دافعها ليصرفها بنفسه، نعم لو كان من المندوبة لم تجب الإعادة».

و فيه ما لا يخفى، ضرورة أن ذلك فسخ من حينه، و عود كسبه و أولاده للسيد للأدلة لا يقتضي تبين انتقاض جميع ما تقدم و إلا لم يكن فرق بين الواجبة و المندوبة، كما هو واضح. و الله العالم.

ج 34، ص: 323

[المسألة التاسعة لو كان له مكاتبان فأدى أحدهما و اشتبه صبر عليه لرجاء التذكر]

المسألة التاسعة:

لو كان له مكاتبان فأدى أحدهما و اشتبه فعن المبسوط صبر عليه لرجاء التذكر حتى يموت فان مات أي المولى استخرج بالقرعة و في الدروس ارجى ء ليتذكر، فان زال الرجاء أقرع، و عن الخلاف إطلاق القرعة، لأنها لكل أمر مشكل، و يمكن إرادته زوال الرجاء و استقرار الاشتباه و الاشكال في مقابل الصبر إلى الموت المستلزم للضرر على المؤدى منهما.

و لو اعترف أحدهما بعدم الأداء و اختصت دعواه بالاخر ففي إلزام المولى بذلك إشكال، أقواه العدم.

و لو ادعيا على المولى العلم كان القول قوله مع يمينه لأنه شي ء لا يعلم إلا من قبله، و إن بين أحدهما و ادعى التذكر قبل قوله بغير يمين إن صدقه الآخر أو سكت، و إن كذبه و قال: استوفيت مني فله تحليفه أيضا، و يحلف هنا على البت، لدعواه التذكر، فان حلف بقيت كتابته إلى أن يؤدى، و إن نكل المولى حلف المكذب، و عتق أيضا مع الأول أحدهما بإقراره و الآخر بيمينه، كما أنهما يعتقان باليمين من كل منهما لو نكل عن يمين نفي العلم قبل دعوى التذكر، و العلم بكذب أحدهما في نفس الأمر لا ينافي الحكم في الظاهر، و لو مات المولى قبل التذكر تعينت القرعة لليأس منه.

و لكن لو ادعى أحدهما أو هما على الوارث العلم حلف على نفيه كالمورث، و ليس له أن يستوفى منهما، لأن أحدهما بري ء، فأخذ المالين ظلم، و لا من أحدهما قبل القرعة، لعدم تعينه شرعا و كذا القول في المورث بناء على شرعية القرعة في حياته.

و لو بذلا مالا بقدر المتخلف أو الأكثر على تقدير الاختلاف فالوجه انعتاقهما بذلك، كما لو دفع المتبرع.

ج 34، ص: 324

و لو أقام أحدهما بينة بالأداء قبلت، سواء كان في حياة المولى أو بعد موته، و سواء كان قبل القرعة أو بعدها، بل الظاهر فساد القرعة، لأن البينة أقوى، و ربما احتمل عتقهما معا لكونهما حجتين شرعيتين، و في كشف اللثام أنه من الضعف بمكانة، للقطع بأن المؤدي منهما واحد، و القرعة لا تستقل بالإعتاق، هذا، و ظاهر قول المصنف ثم يقرع بينهما لاستخراج المكاتب بقرينة ما سبق كون ذلك إذا مات المولى بعد أن حلف على نفي العلم لكل منهما، فلا منافاة كما ظنه في المسالك، و الأمر سهل، و الله العالم.

[المسألة العاشرة يجوز بيع مال الكتابة]

المسألة العاشرة المشهور نقلا و تحصيلا أنه يجوز بيع مال الكتابة المطلقة و المشروطة بعد الحلول و قبله و غيره من سائر وجوه النقل، كغيره من الديون التي قد عرفت الحال في نقلها بالبيع و غيره، و أن النهي (1) عن بيع ما لم يقبض محمول على ضرب من الكراهة.

فما عن مبسوط الشيخ و ابن البراج- من عدم جواز بيع المال الذي في ذمة المكاتب للنهي المزبور- واضح الضعف، و كذا ما عن ابن الجنيد: من التصريح بعدم جواز بيعه في المطلقة و المشروطة، لأنه نظير بيع حبل الحبلى و لقاح الفحل، إذ فيه منع واضح، ضرورة كون ما في ذمة العبد مالا معلوما مملوكا للسيد كغيره من الديون، و كأنه لحظ عدم استقراره لاحتمال العجز المسلط للمولى على رده رقا مطلقا أو في المشروطة.

و لعله الذي لاحظ الشيخ في المحكي من خلافه الجواب عنه، قال: «يجوز بيع المال الذي على المكاتب، فإن أدى المكاتب مال الكتابة انعتق على سيده،


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.

ج 34، ص: 325

و إن عجز رجع بها على سيده، و كان للمشتري الدرك بما اشتراه، و قال أبو حنيفة:

لا يجوز بيع ذلك- و استدل بأصالة الجواز، و المنع يحتاج إلى دليل، و قوله تعالى (1) «وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» يدل على ذلك- فان قيل: نهي النبي صلى الله عليه و آله عن بيع ما لم يقبض (2)

قلنا: نحمله على ما إذا لم يكن مضمونا، و أما إذا ضمنه فلا بأس» و هو محتمل لبطلان البيع كقول المصنف فإن أدى المكاتب مال الكتابة انعتق، و إن كان مشروطا فعجز و فسخ المولى رجع رقا لمولاه.

و في المسالك «فإذا صح البيع لزم المكاتب دفع المال إلى المشتري، فإذا أداه إليه عتق، كما لو أداه إلى المولى، و لو لم يدفعه أجمع و كان مشروطا فعجز و فسخ المولى رجع رقا لمولاه و هل يبطل البيع؟ يحتمله، لأن الفسخ يوجب رفع أثر الكتابة، و من ثم رجع ولده رقا و تبعه كسبه، و العدم لمصادقة الملك حال البيع، فلا يضره الفسخ الطاري» قلت: فيكون العبد حينئذ رقا للسيد و لكنه مديون للمشتري.

و فيه أن مقتضى الفسخ رد العوضين على حالهما السابق، و حينئذ لم يبق في ذمة العبد شي ء بعد أن دعا إلى الرقية.

نعم قد يقال: بانعتاق المكاتب ببيع ما عليه، لوصول مال الكتابة للسيد أو كوصوله، بل هو أقوى من ضمانه له، فيبقى حرا مشغول الذمة بمال الكتابة للمشتري، فلا فسخ حينئذ للسيد بالعجز عن المال الذي انتقل عنه للمشتري و إن كان له الفسخ حيث كان المال له و يعجز عنه المكاتب، و لا للمشتري الذي لم يقع معه عقد الكتابة، و حينئذ فلا يطالب المشتري البائع بدرك مال الكتابة كما سمعته من الشيخ، و لا يبقى المكاتب مشغول الذمة و إن رجع عبدا لسيده، كما هو أحد احتمالي المسالك، فتأمل جيدا فاني لم أجد ذلك محررا في كلامهم.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 275.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أحكام العقود الحديث 21.

ج 34، ص: 326

و قاعدة «تلف كل مبيع قبل قبضه من مال بائعه»- لو سلم جريانها في المقام باعتبار تنزيل إعسار العبد بما عليه بمنزلة تلف المبيع مع عدم جريانها في غير البيع من النواقل- إنما تقتضي الانفساخ من حينه لا من الأصل، و الفرض صيرورة العبد حرا يدفع عوض ما عليه للسيد، فإذا فرض الانفساخ عاد عوض المشتري إليه، و عاد ما في ذمة المكاتب للسيد، إلا أن المفروض تحرره، فيكون نحو ما سمعته في (من خ ل) الإقالة في الضمان لا أنه يعود رقا للسيد.

اللهم إلا أن يقال: فرق واضح بينه و بين الضمان الذي هو انتقال ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن و إن ثبت مثله في ذمة المضمون عنه للضامن إذا كان باذنه بخلاف البيع، فإنه لم يخرج به المال عن كونه مال الكتابة و إن باعه السيد، فيصدق مع فرض إعسار العبد عجزه عنه، فيتحقق عنوان الخيار للسيد و إن لم يكن المال له، فإذا اختار الفسخ و رجع العبد رقا ذهب مال المشتري، فيطالب السيد به أو لم يذهب بل يبقى العبد مشغول الذمة به كما سمعته من الوجهين.

لكنه كما ترى لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن الأصل اللزوم في العقد، و الثابت من الخيار في المشروطة مع العجز عن أداء مال الكتابة للسيد لا مطلقا و إن ملكه غيره، فالمتجه حينئذ عدم الفسخ، نعم في انعتاق العبد كما ذكرناه أو يبقى إلى أن يؤدي وجهان، فتأمل.

و كيف كان فعلى القول ببطلان بيع مال الكتابة أو فرض فساد البيع من وجه آخر لا يجوز للمكاتب تسليم النجوم للمشتري، و ليس له مطالبته بها، لعدم استحقاقه لها، بل هي باقية على ملك السيد، بل لا يحصل عتقه إلا بدفعها إليه كما عن الشيخ و الأكثر.

و قيل: يحصل أيضا بتسليمها إلى المشتري و إن لم يكن مستحقا لها، لأن السيد سلطه على القبض، فهو كما لو وكل وكيلا في القبض.

و فيه ما عرفته غير مرة من عدم اقتضاء البيع الفاسد ذلك، و لذا يكون مضمونا عليه لو تلف في يده، بل لعل الأقوى ذلك، حتى لو قال للمشتري بعد البيع:

ج 34، ص: 327

خذها من المكاتب، أو قال للمكاتب: ادفعها إليه بعنوان المعاوضة المفروض فسادها، فإنه ليس استنابة مستقلة عن إذن المعاوضة، و حينئذ فللسيد أن يطالب المكاتب بماله في ذمته، و المكاتب يسترد ما دفع إلى المشتري، فإن سلمه المشتري إلى البائع كان للعبد الاحتساب به جديدا من مال الكتابة، بل ربما احتمل تعينه لها نظرا إلى تعيين المكاتب بالدفع إلى المشتري، و فيه أن تعيينه مبني على المعاوضة المفروض فسادها، فالتحقيق بقاؤه على حكم مال العبد الذي لم يدفعه لها، و الله العالم.

و لا خلاف كما لا إشكال في أنه يجوز بيع المكاتب المشروط بعد عجزه مع الفسخ لصيرورته رقا حينئذ فتوى و نصا (1)

بل بيعه بعد تحقق عجزه فسخ كما في نظائره.

نعم قد أطلق المصنف و غيره أنه لا يجوز بيع المطلق أي بعد عجزه، و لعله لعدم جواز الفسخ من المولى معه، لأصالة اللزوم و غيرها، و هو مؤيد لما ذكرناه سابقا، لكن قيده الكركي بما إذا لم يتحقق العجز و يستقر الرق في الكل أو البعض، و في المسالك «يجب تقييده بما إذا لم يبلغ حدا يجوز للمولى فسخ كتابته، فلو عجز عن الأداء بعد حلول المال و لم يمكن الوفاء عنه من سهم الرقاب جاز بيعه، كما يجوز فسخها حينئذ، و قد تقدم» و نحوهما في ذلك الشهيد في الدروس، لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما قدمناه.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المكاتبة.

ج 34، ص: 328

[المسألة الحادية عشرة إذا زوج السيد ابنته من مكاتبه ثم مات فملكته انفسخ النكاح]

المسألة الحادية عشرة:

إذا زوج السيد ابنته من مكاتبه المشروط أو المطلق المؤدى بعض ما عليه أو غير المؤدى ثم مات السيد فملكته كلا أو بعضا بالإرث منه لعدم خروجه بالكتابة مطلقا عن أصل الرقية انفسخ النكاح بينهما كما عن الشيخ و الأكثر، لما عرفته في محله من عدم اجتماع النكاح و الملك خلافا للمحكي عن ابن الجنيد، فقال: «لو مات السيد و ابنته تحت المكاتب الذي شرط عليه الرقية عند عجزه منع من الوطء، و إن أدى كانا على النكاح، لأنها لم ترث من رقبته شيئا، و إن عجز بطل النكاح، فان كان ممن يعتق بما أدى بطل النكاح إذا حصل له أداء بعض الكتابة» و هو واضح الضعف. نعم لو لم تكن البنت وارثة بأن تكون قاتلة مثلا فالنكاح بحاله، و الله العالم.

[المسألة الثانية عشرة إذا اختلف السيد و المكاتب في مال الكتابة فالقول قول السيد مع يمينه]

المسألة الثانية عشرة:

إذا اختلف السيد و المكاتب في قدر مال الكتابة فقال السيد:

ألفان مثلا، و قال المكاتب: ألف أو في قدر المدة فقال السيد: سنة، و قال المكاتب: سنتان أو في النجوم بأن قال السيد مثلا: جعلنا السنة التي هي الأجل المتفق عليه ثلاثة نجوم كل نجم أربعة أشهر، بحيث يحل في كل نجم ثلث المال، فقال المكاتب: بل جعلناها نجمين بحيث يحل في كل نصف سنة نصف المال (ف) (11) في محكي الخلاف القول قول السيد مع يمينه (12) أما في المدة فلأن الأصل عدم الزائد عما يعترف به، كما في غيرها من سائر المعاوضات، و أما في قدر المال فلأن الأصل في المكاتب و كسبه لسيده، و لأن المكاتب يدعي العتق

ج 34، ص: 329

بما يدعيه من المقدار و المولى ينكره، و الأصل بقاء الرق.

و في الإيضاح و المسالك «و بهذا يحصل الفرق بين الكتابة و البيع في الاختلاف في مقدار الثمن، فإن الكتابة ليست معاوضة حقيقية، لأنها معاملة على مال المولى بماله، و الأصل أن لا يخرج ذلك عن ملكه إلا برضاه، لأنها أشبه بالتبرع من شبهها بعقود المعاوضات، بل زاد في الأول إنما قدمنا قول المنكر في سائر المواضع لأن الأصل معه، و هاهنا مع السيد، و لأن العبد هو المدعى للعتق و المولى ينكره، و الأصل بقاء الرق».

قلت: بل لو قلنا بأن الكتابة بيع أو كالبيع فالقول قول السيد أيضا، لما عرفته في محله من أن القول قول البائع في المقدار إذا كانت العين قائمة، و الفرض قيامها في المقام.

و لكن مع ذلك كله قال المصنف و لو قيل: القول قول منكر زيادة المال و المدة كان حسنا بل في المسالك بعد أن جعله الأقوى نسبه إلى الأكثر، و في حاشية الكركي «نعم، فيكون القول قول العبد في المال، و السيد في المدة و النجوم، و كان الوجه فيما استحسنه المصنف أصالة عدم الزيادة، و لأن المولى باعترافه بأصل الكتابة و استحقاقه العتق خرج عن أصالة بقاء ملكه على المكاتب و على ماله، ثم هو يدعي زيادة في ذمة المكاتب و هو منكرها فيكون قوله مقدما في ذلك».

لكن لا يخفى عليك عدم جريان الأصل المزبور في الاختلاف في قدر النجوم على الوجه الذي ذكرناه، و يمكن أن لا يريده المصنف اللهم إلا أن يكون قد فرضه الكركي فيما إذا كان الاختلاف في النجوم موجبا للاختلاف في أصل المدة، كما لو اتفقا على أن الأجل نجمان و لكن ادعى المولى أن كل نجم شهر، و ادعى المكاتب أن كل نجم شهران، أو اتفقا على أن النجم شهر، و لكن اختلفا في قدر النجوم، فقال المولى: إنهما نجمان و ادعى المكاتب أنها ثلاثة، و لا ريب في أن

ج 34، ص: 330

القول قول المولى في ذلك كله، لرجوعه للاختلاف في المدة.

بل قد يدعى أن القول قوله أيضا في التقسيط على الوجه الذي ذكرناه أولا، و لكن مع دعوى المكاتب الأربعة في السنة و السيد الاثنين فيها، لأصالة عدم الزيادة في التقسيط و إن كان لا يخلو من نظر أيضا إلا أن منه ينقدح تقديم قول المكاتب لو اختلفا في المدة و كان هو يدعي الأقل و السيد يدعى الأكثر، لغرض الامتناع عن القبض و التعرض لعجز المكاتب أو موته أو غير ذلك من الأغراض، هذا و قد تقدم في كتاب البيع و غيره ما له مدخلية في المقام.

بل منه يعلم الوجه في المحكي عن الجامع هنا من أنهما يتحالفان إذا اختلفا في المال أو المدة كما عن الشافعي، بل و يعلم قوة القول بأن القول قول منكر الزيادة مع فرض كون الدعوى فيها و عدمه، و البيع إنما خرج بدليله إذا كانت العين قائمة، و لا دليل على إلحاق الكتابة به في ذلك.

بل و يعلم منه أيضا أنه إذا كان الاختلاف بينهما في الجنس فالتحالف، أما إذا كان في الأداء و عدمه فالقول قول السيد بلا إشكال، و الله العالم.

ج 34، ص: 331

[المسألة الثالثة عشرة إذا دفع مال الكتابة و حكم بحريته فبان العوض معيبا بطل العتق]

المسألة الثالثة عشرة:

إذا دفع مال الكتابة و حكم بحريته فبان العوض مستحقا للغير أو معيبا بغير الجنس بقي على حكم من لم يؤد، و تبين فساد الحكم الأول.

و إن كان العيب جنسيا فإن رضي المولى فلا كلام لكون المدفوع أحد أفراد الكلي و إن كان للسيد حق الرد و الجبر بالأرش، فمع فرض إسقاطه بالرضا لم يكن بحث.

و ما في المسالك- من أنه يجعل رضاه بالمعيب كالإبراء عن بعض الحق ثم قال: «و هل يحصل العتق عند الرضا أو حصل من وقت القبض فيه وجهان، أجودهما الثاني- لا يخلو من نظر، خصوصا بعد أن توقف فيها في أن الرد نقض لتبين عدم الملك في أول الأمر أو فسخ من حينه من غير ترجيح، و لا ريب في أن التحقيق تحقق الملك بالقبض و أنه ليس للسيد إلا حق الخيار في الرد و الجبر بالأرش كما مر تحقيق ذلك، و حينئذ فإذا رضي بالمعيب و أسقط حقه من الخيار المزبور فلا إشكال، و كان حرا من أول القبض لا حين الرضا و إن توقف فيه الفاضل في القواعد من دون ترجيح. هذا كله إذا رضي به.

و إن رده بطل العتق المحكوم به عند الشيخ و المصنف و جماعة إما لأنه مشروط بالعوض فيتبعه في الاستقرار و التزلزل كما هو حكم المعاوضة، و إما لتبين أنه لم يملكه بالقبض، كما هو أحد الوجهين في المسالك في كل جزئي دفع عن كلي في صرف أو سلم أو غيرهما و إن كان لا يخفى عليك ما فيه كما تقدم الكلام فيه مفصلا في الصرف و السلم، و لذا اقتصر المصنف على تعليله الأول.

و أشكله الكركي في حاشيته بأن العتق إتلاف و استهلاك، فإذا حكم بوقوعه

ج 34، ص: 332

لم يبطل، مع أنه مبني على التغليب قال و قول المصنف: «لأنه مشروط بالعوض» يقتضي عدم حصوله، و ليس كذلك، و من ثمة لو رضي بهذه استمر العتق بحاله و إن مضى على ذلك مدة طويلة قبل العلم و الرضا و لم يكن محجورا عليه في شي ء من تصرفاته السابقة، إلا أن يدعى عدم زوال الحجر عن المكاتب بمجرد الدفع إلى أن يتحقق سلامة العوض، و هو خلاف ما يظهر من كلامهم، و المسألة محل نظر، و بطلان العتق لا يخلو من شي ء. و قد تبع في ذلك الفاضل في القواعد حيث حكم في موضع منها ببطلان العتق على إشكال.

و في الإيضاح «منشأ الاشكال أن يقال: العتق إتلاف و استهلاك فإذا حكم بوقوعه لم يبطل كالخلع، و أن يقال: العتق إنما يستقر باستقرار الأداء، و قد ارتفع الأداء، فيرتفع العتق،- قال-: و هذان الوجهان كتبهما المصنف حاشية بخطه على الأصل».

قلت: لا يخفى عليك ما في الأول، فإن العتق إتلاف و استهلاك إذا وقع مستقلا، كما لو أعتق العبد الذي فيه الخيار للبائع على ما حررناه في محله لا ما إذا كان العتق من أصل وقوعه قد وقع متزلزلا و ليس هو تصرفا مستقلا، و قاعدة أن الحر لا يعود رقا إنما هي في الأول، و كذا دعوى بنائه على التغليب، فالتحقيق حينئذ ما ذكره المصنف، اللهم إلا أن يدعى أن هذه المعاوضة ليست معاوضة حقيقية كي يجري عليها حكم المعاوضة، لكنه كما ترى.

و مما ذكرنا يظهر لك النظر فيما أطنب فيه في المسالك من بناء المسألة تبعا للفخر في إيضاحه على أن الرد بالعيب فسخ متجدد للقبض أو دفع للقبض من أصله، فعلي الأول لا يبطل العتق و على الثاني يبطل، لأن الرد يكون كاشفا عن بطلان الأداء، إذ لا يخفى عليك ما فيه، فان التحقيق كونه فسخا من حينه و مقتضيا لبطلان العتق، و دعوى الإجماع على عدم وقوع العتق متزلزلا ممنوعة على مدعيها كما عرفته في كتاب العتق.

ج 34، ص: 333

و أغرب من ذلك ما في المسالك أيضا من أنه «لو طلب الأرش مع الرضا بالعيب فله ذلك، و تبين حينئذ أنه لم يقبض كمال النجوم، فإذا أداه حصل كمال العتق حينئذ، و إن عجز عنه و كانت مشروطة فللسيد استرقاقه كما لو عجز عن بعض النجوم» إذ هو كما ترى، فان التحقيق كون الأرش جبرا لتفاوت النقض بالعيب، لا أن بعض العوض باق، و إلا لم يحصل الحرية بالرضا بالمعيب من حين القبض كما اختاره هو، إذ لو كان ذلك إبراء لحصل بحصوله لا قبله، كما هو واضح.

و لو تجدد في العوض عيب لم يمنع من الرد بالعيب الأول مع أرش الحادث لاستصحاب الرد، و لأنها ليست معاوضة حقيقة، فليس لها حكم المعاوضات اللازمة. و لكن مع ذلك قال الشيخ: يمنع، و هو بعيد عند المصنف لما عرفت، إلا أن الانصاف قربه، بل عن الفاضل في التحرير اختياره، و في حاشية الكركي هو قوي، و ذلك لأن أصل إثبات الرد فيها للإلحاق بالمعاوضات، و إلا فلا دليل بالخصوص، و الضرر يرتفع بالأرش، و حينئذ فمقتضاه ثبوته فيها على حسبها. بل قد يقال إن الرد لا يتحقق مع العيب، ضرورة كون المراد رده بحاله الذي قد وصل إليه، و الفرض أعيبه، و لعل هذا هو الأصل في منع العيب الرد، مؤيدا بقاعدة «لا ضرر و لا ضرار» و هو مشترك بين الجميع.

و مما ذكرنا يعلم أولوية استقرار الأرش بالتلف من العيب، و في القواعد و لو اطلع على العيب بعد التلف كان له رد العتق إلا أن يسلم الأرش، فإن عجز كان له الاسترقاق كالعجز عن بعض النجوم، و هو نحو ما سمعته من المسالك الذي قد عرفت النظر فيه، و الله العالم.

ج 34، ص: 334

[المسألة الرابعة عشرة إذا اجتمع على المكاتب ديون مع مال الكتابة]

المسألة الرابعة عشرة:

إذا اجتمع على المكاتب ديون معاملة مثلا مع مال الكتابة لمولاه أو لغيره أو لهما فان كان ما في يده يقوم بالجميع فلا بحث سواء كان مشروطا أو مطلقا، و إن عجز و كان الدين للمولى و المكاتب مشروط فان تراضيا على تقديم أحدهما فلا بحث أيضا و إلا ففي القواعد و شرحها و المسالك كان للسيد أخذ ما في يده عن دين المعاملة أو أرش الجناية ثم يعجزه و يرجعه رقا إن شاء، و إن اختار المكاتب دفع مال الكتابة فللسيد منعه، لاحتمال عدم تمكنه بعد من وفاء دينه، و لا يجد مرجعا له بعد عتقه.

و هل له تعجيزه قبل أخذ ما في يده؟ وجهان: أحدهما لا، لأنه قادر على أداء النجوم ما دام المال في يده، و ثانيهما له، و في الإيضاح و المسالك أوجههما نعم، لأنه يتمكن من مطالبته بالدينين معا و أخذ ما في يده عنهما، و حينئذ فيعجز عن قسط من النجوم.

و فيه أنه لا حاجة للمطالبة بهما، لما عرفت أن الاختيار للسيد في أخذ أيهما شاء لا للمكاتب، نعم قد يناقش فيه بأن ذلك كله لا يحقق العجز فعلا و إنما أقصاه القدرة، بل و في الأول إن لم يكن إجماعا بأن الاختيار في تعيين جهة الدين للمديون لا الديان، و لذا لو دفع المكاتب ما في يده و لم يتعرضا لذكر الجهة ثم قال: قصدت النجوم و أنكر السيد كان القول قول المكاتب، لأنه أعرف بقصده، كالمديون بدينين و أحدهما عليه رهن.

و دعوى ترجيح دين المعاملة باستقراره بخلاف دين المكاتبة لا حاصل لها على وجه ترجع إلى دليل شرعي، و تمكينه من مطالبته بهما لا يوجب على المديون دفعه إليهما معا كي يحصل العجز عن قسط من النجوم، بل هو على اختياره، لأنه المكلف بالأداء و المخاطب به، فالنية نيته و الامتثال امتثاله، و حينئذ فالمشروط

ج 34، ص: 335

بالنسبة إلى التخيير المزبور كالمطلق الذي اعترف في القواعد بتخييره في الفرض، بل ظاهره عدم الفرق بين المؤدى بعضا و غيره و إن قيده في كشف اللثام بالأول لكنه لا أثر له.

و ربما يؤيد ما قلناه ما في الإيضاح و المسالك بل و غيرهما فيما لو كانت الديون عليه لغير المولى، كما لو كان عليه دين معاملة لأجنبي و أرش جناية لاخر و مال الكتابة، و لم يف ما في يده بها، فان لم يحجر عليه فله تقديم من شاء منهم كالحر المعسر، إذ ليس ذلك إلا لقاعدة التخيير للمديون المشتركة بين المقامين.

و إن حجر عليه و كان مطلقا تحاص فيه الديان و المولى على قدر ديونهم من دون تقديم أحدهما على الآخر، لتساويهما أجمع حينئذ في التعلق بما في يده.

و يحتمل بل في المسالك هو الأجود أنه يقدم دين المعاملة، لأنه يتعلق بما في يده خاصة، بخلاف أرش الجناية الذي له متعلق آخر، و هو الرقبة، و حق السيد الذي بالعجز يعود فيه المكاتب إلى الرقية، ثم يقدم أرش الجناية على مال الكتابة، لأن الأرش مستقر بخلافه، فإنه عرضة للسقوط بالعجز، و لأن حق المجني عليه يقدم على حق المالك في القن ففي عوضه بطريق أولى.

لكن- هو مع ابتنائه على عود المطلق رقا بالعجز و قد عرفت ما فيه- يدفعه أنها مجرد اعتبارات لا ترجع إلى دليل شرعي بعد كون الجميع ديونا في ذمته، فتندرج فيما دل على تعلقها بما في يد المحجر عليه، كما هو واضح.

و إن كان المكاتب مشروطا ففي المتن و غيره قدم الدين على مال الكتابة لأن في تقديمه حفظا للحقين و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا و لاحقا، و كذا ما قالوه من تقديم حق أرش الجناية عليه و أن في تقديم الدين عليه و مساواته له وجهين كما في الإيضاح، إذ الجميع كما ترى مبنية على اعتبارات لا تصلح معارضة لإطلاق الأدلة.

ج 34، ص: 336

و أضعف من ذلك ما قيل من أنه لو كان للمولى معهم دين معاملة احتمل مساواته لمال الكتابة، لأن ديون السيد ضعيفة باعتبار كونها عرضة للسقوط بالعجز، إذ هو كما ترى لا حاصل له، فان دين المولى لا بدل له كديون الغرماء مع عوده رقا، إذ رقيته بدل مال الكتابة لا غيرها من الديون، كما هو واضح.

و لو مات قبل أن يقسم ما في يده و كان مشروطا بطلت الكتابة كما عرفته سابقا و سقطت النجوم و دفع ما في يده في الديون خاصة بل عن المبسوط و اختاره في الإيضاح سقوط أرش الجناية، لتعلقه بالرقبة و قد فاتت، و تعلقه بما في يده بحكم الكتابة التي قد فرض بطلانها فيتبعها بطلان ذلك التعلق و إن كان هو لا يخلو من نظر، لمنع تعلق أرش الجناية برقبته من أول الأمر كالقن، لأن له ذمة قابلة لتعلق الدين بها بخلاف القن، و من هنا تحاص مع الديون.

فالتحقيق بناء المسألة على أن أرش جناية المكاتب الموجبة مالا تتعلق أولا برقبته، و له فداؤها بالمال، أو أنها تتعلق أولا بذمته، فان لم يكن له مال كان للمجني عليه استيفاؤها من رقبته، ظاهر كلامهم في المقام الأول، و يأتي بعض الكلام فيه إن شاء الله تعالى، و عليه فمع فرض المسألة في المحجور عليه و لكن مات قبل قسمة ماله يتجه حينئذ مساواة الأرش للدين، لتعلقه بالتركة قبل الموت، فيستصحب، و لأنه أقوى من دين المعاملة، و لذا تتعلق برقبة القن دونه، و زوال الكتابة ينقله إلى الرقية مع الإمكان، بل لا وجه لتقديم الدين عليه هنا و إن احتمل ذلك حال الحياة باعتبار كون الرقبة محلا آخر له، إلا أن الفرض فواتها، و من ذلك يعلم أنه لا فرق في الحكم المزبور بين المحجور عليه و غيره.

و كيف كان ف لو قصر ما في يده عن الديون قسم بين الديان بالحصص على نحو غيره من قاصري التركة و لا يضمنه المولى بلا خلاف أجده، للأصل و لأن الدين تعلق بذلك المال فقط و ما في بعض النصوص

ج 34، ص: 337

السابقة من ضمان المولى عنه لأنه عبده مطرح أو محمول على ضرب من الندب أو على غير محل الفرض، و الله العالم.

[المسألة الخامسة عشرة يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقي حرا]

المسألة الخامسة عشرة لا خلاف و لا إشكال في أنه يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقي حرا بل في الإيضاح اتفاق الفرق عليه. لإطلاق الأدلة و عمومها و إفادتها العبد الاستقلال بل أو رقا له، أيضا و إن منعه الشيخ في المحكي عن مبسوطة لتخلف رفع الحجر الذي هو من لوازم الكتابة معه بعدم استقلاله فيما يحتاج إليه من سفر و نحوه من أنواع السعي، و لزوم مشاركته له فيما يدفع إليه من سهم الرقاب من الزكاة لأنه كسبه.

و أجيب باندفاع ذلك بالمهاياة، و بالتزام عدم المشاركة في المدفوع من سهم المكاتبة، لعدم قابلية جزء الرق للملك، و الأولى الجواب عن الأول باقتضاء كتابته إياه الاذن في ذلك، و على كل حال فالمنع ضعيف.

و لو كان الباقي رقا لغيره فأذن صح لوجود المقتضي من إطلاق الأدلة و عمومها و ارتفاع المانع الذي هو الحجر عليه المانع له من السعي.

و إن لم يأذن بطلت الكتابة لأنها تتضمن ضرر الشريك بتبعض العبد، و لأن الكتابة ثمرتها الاكتساب و مع الشركة لا يتمكن من التصرف و أجيب عن الأول بمنع اقتضاء الضرر المزبور الناشي من التصرف بماله المسلط عليه عدم جوازها المستفاد من إطلاق الأدلة و عمومها، و عن الثاني باندفاعه بالمهاياة.

و فيه أنه لا دليل على لزوم إجابته إليها كما لا دليل على لزومها بعد الإجابة إليها، فلا يحرز التمكن من الاكتساب الذي يتوقف جواز الكتابة عليه، بل منه ينقدح الإشكال في جوازها مع الاذن، لعدم التزامه بالاستمرار عليها، و لعله لذا قيل بعدم الجواز مطلقا.

ج 34، ص: 338

لكن يمكن منع اعتبار إحراز التمكن المزبور في صحة الكتابة، لإطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص موثق سماعة (1) عن الصادق عليه السلام المتقدم سابقا المشتمل على النهي عن الامتناع عن مكاتبة من ليس له كثير مال و لا قليله، و على التعليل بأن المؤمن معان، و من هنا جزم الفاضل و غيره بالصحة مطلقا و إن كره الشريك، و لعله الأقوى، و الله العالم. هذا كله في أركان المكاتبة و أحكامها.

[الثالث في اللواحق]
[المقصد الأول في لواحق تصرفاته]
اشارة

و أما الكلام في اللواحق فيشتمل على مقاصد.

الأول:

في لواحق تصرفاته، و قد بينا في المسألة الثانية من مسائل الأحكام تمام البحث في أنه لا يجوز للمكاتب أن يتصرف بما في يده من المال و إن كان مملوكا له بما ينافي الاكتساب من هبة أو محاباة أو إقراض أو إعتاق أو فيه خطر إلا بإذن مولاه فيجوز، لأن الحق لهما و حينئذ ف- كما يصح أن يهب من الأجنبي مثلا باذن المولى فكذا هبته لمولاه بلا خلاف و لا إشكال، و نريد أن نلحق

[مسائل]
[المسألة الأولى المراد من الكتابة تحصيل العتق]

هنا مسائل:

الأولى: لا إشكال في أن المراد من الكتابة تحصيل العتق (11) بالعوض و إنما يتم بإطلاق التصرف في وجوه الاكتساب، (12) و حينئذ فإطلاقها يقتضي ذلك فيصح أن يبيع من مولاه و من غيره و أن يشتري منه و من غيره (13) كما يصح له غيرهما من وجوه التكسب، إذ المولى كالأجنبي في ذلك بلا خلاف أجده.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 339

و لكن ذكر غير واحد أنه يتوخى ما فيه الغبطة في معاوضاته بل ظاهرهم المفروغية منه فيبيع بالحال لا بالمؤجل إلا أن يسمح المشتري بزيادة عن الثمن فيعجل مقدار الثمن و يؤخر الزيادة و أما هو فإذا ابتاع بالدين جاز، و كذا إن استسلف، و ليس له أن يرهنه، لأنه لاحظ له، و ربما تلف منه، و كذا ليس له أن يدفع قراضا إلى غير ذلك مما ذكروه من الأمثلة التي لا طائل في التعرض لها، و لكن جعلوا الضابط في الجائز له التصرف الاكتسابي المشتمل على المصلحة و أن لا يكون فيه خطر كما سمعته في المسألة الثالثة من فصل الأحكام.

بل في المسالك هنا «فرقوا بين المكاتب و بين الولي حيث يبيع مال الطفل نسيئة و يرتهنه للحاجة أو المصلحة الظاهرة، فان المراعي هناك مصلحة الطفل، و الولي منصوب لينظر له، و هاهنا المطلوب العتق، و المراعي مصلحة السيد، و المكاتب غير منصوب لينظر».

بل فيها أيضا «أنه متى باع أو اشترى لم يسلم ما في يده حتى يتسلم العوض، لأن رفع اليد عن المال بلا عوض لا يخلو عن غرر، و لذلك ليس له السلم، لأن مقتضاه تسليم رأس المال في المجلس و انتظار المسلم فيه».

بل فيها أيضا «لما كان الواجب عليه تحري ما فيه الغبطة و مظنة الاكتساب فعليه أن يبيع بالحال لا بالمؤجل، لأن إخراج المال عن اليد بلا عوض في الحال تبرع و مشتمل على خطر، سواء باع بمثل قيمته أو أكثر، و سواء استوثق بالرهن أو الكفيل أم لا، لأن الكفيل قد يفلس و الرهن قد يتلف، نعم يجوز أن يبيع ما يساوي مأة بمأة نقدا و بمأة نسيئة، و يجوز أن يشتري نسيئة بثمن النقد، و لا يرهن به، فإنه قد يتلف، و إن اشتراه بثمن النسيئة ففي جوازه وجهان: من اشتماله على التبرع، و من عدم الغبن» إلى غير ذلك مما فيها و في غيرها كالقواعد و شرحيها و التحرير و نحوها، و ليس فيها كثير اختلاف، و مرجعها إلى كون المكاتب كعامل القراض بل أشد، لكن إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة في ذلك بعدم

ج 34، ص: 340

الدليل على التعليل المزبور.

و صحيح معاوية (1) عن الصادق عليه السلام المتقدم- الذي فيه «لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام»

مع أن الموجود في سؤاله «المملوك الذي كاتب على نفسه و ماله» المحتمل لكون المراد منه اشتراط عدم التصرف بماله- إنما يراد منه المنع من التصرفات التبرعية كالهبة و العتق و نحوهما، لا مطلق التصرف حتى الاكتسابي منه الذي هو من لوازم عقد الكتابة و مقتضيات إطلاقها. و لذا

قال الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (2) السابق في المسألة المزبورة في المكاتب المشروط:

«لا يجوز له عتق و لا هبة، و لكن يبيع و يشتري».

بل لعل المستفاد منه و من غيره أن رفع الحجر عن المكاتب في تصرفاته الاكتسابية شرعي لا مالكي كي يلاحظ إذن السيد فيه وجودا و عدما، كالعامل الذي هو وكيل عن المالك، بل لا عبرة بنهي المالك للمكاتب عن تصرفه الاكتسابي فضلا عن اعتبار إذنه بخلاف العامل.

كما أن المستفاد من

قوله عليه السلام فيه: «يبيع و يشتري»

الاذن له في التكسب الجاري مجري تكسب العقلاء في النقد و النسيئة و القراض و الإجارة بالنقد و بغيره و السلم و غيرها، من غير فرق بين ما كان فيه خطر أولا، و بين أخذ الرهن و الكفيل أولا، إذ المدار على التكسب المزبور مكانا و زمانا و أحوالا، بل الظاهر جواز التصرف له بماله بما لا مفسدة فيه للمال و لا حاجة إلى ملاحظة الغبطة، فله بيع الشي ء بثمن مثله و غير ذلك.

و بالجملة ما ذكروه من التقييدات المزبورة التي هي أشد منها في ولي الطفل لا أعرف له دليلا سوى دعوى كون المكاتب لم يخرج بالكتابة عن الرقية التي مقتضاها الحجر عليه، و أنه كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ، و أقصى ما خرج عن ذلك بسبب الكتابة ما اشتمل على القيود المزبورة دون غيره الذي يكفي في مثله الشك فيه.


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة الحديث 3.

ج 34، ص: 341

لكنه كما ترى مناف لإطلاق الإذن بالبيع و الشراء الذي هو كناية عن الاكتساب، و لما هو المعلوم من أن مقتضى عقد الكتابة استقلال العبد بالتصرف في ماله بغير التبرع المؤدي إلى تلف المال بلا عوض.

و لو تصرف تبرعا و لم يرده السيد و لو لعدم علم به فتحرر بالأداء صح تصرفه في قول قوي، لما ذكرناه في نظيره من بيع المالك المال المرهون ثم فكه، و لما سمعته في صحيح معاوية بن وهب (1)

المتقدم من صحة نكاحه، و قيل بالعدم، لاستلزامه تعليق البيع أو نفوذه مع تعلق حق الغير به من دون إذن منه، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا كان للمكاتب على مولاه مال و حل نجم يجوز التهاتر]

المسألة الثانية:

إذا كان للمكاتب مشروطا أو مطلقا على مولاه مال و حل نجم من نجومه كان حكمه كالأجنبي مع الأجنبي بالنسبة إلى التقاص فان كان المالان متساويين جنسا و وصفا تهاترا قهرا سواء كانا نقدين أو عرضين مثليين، كما في الدروس و المسالك، لما بيناه في محله من عدم ملك شخص على آخر ما يملكه عليه.

و لو فضل لأحدهما رجع صاحب الفضل.

و إن كانا مختلفين جنسا أو وصفا و لو بالحلول و التأجيل أو اختلاف الأجل و في الدروس و المسالك أو كانا قيميين لم يحصل التقاص إلا برضاهما للأصل و قاعدة التخيير للمديون في جهات القضاء و غير ذلك، لكن قد يناقش في خصوص ما سمعته من الدروس و المسالك بأن ما أشرنا إليه من دليل التهاتر شامل للمثلي و القيمي، اللهم إلا أن يقال: إن دليل التهاتر القهري الإجماع، و المسلم منه المثلان دون القيميين، فلو فرض أن لكل واحد على الآخر عبدا مثلا موصوفا بصفات متحدة لم يتقاصا إلا بالتراضي.


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 34، ص: 342

هذا و قد عرفت أنه هكذا حكم كل غريمين في جميع ما سمعت و لكن إذا تراضيا كفى ذلك في براءة ذمة كل منهما عما للآخر عليه في المشهور و لو لم يقبض الذي له ثم يعيده عوضا سواء كان المال أثمانا أو إعراضا لما تقدم في محله من أن الوفاء معاوضة مستقلة برأسها، و من أن ما في الذمة مقبوض لمن هو عليه، فلاحظ و تدبر.

و فيه قول آخر للشيخ في المحكي عن مبسوطة بالتفصيل و هو إن كانا نقدين قبض أحدهما و دفعه عن الآخر، و إن كانا عرضيين فلا بد من قبضهما، و إن كان أحدهما نقدا فقبض العرض ثم دفعه عن النقد جاز دون العكس، و في الدروس و المسالك و كان الشيخ يجعل المقاصة بيعا فيلحقها أحكامه من بيع الدين بالدين و شبهه، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا اشترى أباه مثلا بغير إذن مولاه لم يصح]

المسألة الثالثة:

إذا اشترى أباه مثلا بغير إذن مولاه سابقا أو لاحقا لم يصح إذا لم يكن له مدخلية في التكسب، لعدم ثبوت الاذن له شرعا بمثل هذا التصرف، فيبقى على أصل الحجر عليه و إن لم ينعتق عليه فما عن بعض- من الجواز لأنه اشترى مملوكا لا ضرر على المولى في شرائه، و لهذا كان كسبه له، و إن عاد المكاتب في الرق عاد هو معه كالأجنبي- ضعيف لا لما في المسالك من أن صرف المال في ثمنه مع عدم جواز بيعه و التكسب به غير سائغ له و إن لم يعتق في الحال، إذ يمكن منع عدم جوازه له إذا فرض قلة ثمنه مع كونه كسوبا بحيث يستعين به على أداء مال الكتابة بل لأن المفروض شراؤه على وجه لا مدخلية له في التكسب، و يكفي في ضرر المولى دفع المال في مقابلة من لا يجوز له التكسب فيه ببيع و نحوه، و لا كسب له يستعين به على أداء مال الكتابة.

نعم لو قلنا يجوز له التصرف فيه ببيع و نحوه لم يكن إشكال في جواز شرائه، ضرورة كونه حينئذ كالأجنبي إلا أني لم أجد من صرح بجوازه، بل ظاهر بعض من تعرض لذلك و صريح آخر كالفاضل في القواعد و الأصبهاني في شرحها و غيرهما

ج 34، ص: 343

العدم، بل أرسلوه إرسال المسلمات، و إن كان دليله إن لم يكن إجماعا لا يخلو من إشكال للأصل و غيره، و كونه يتحرر تبعا لتحرر الولد الذي لم يعلم حصوله لا يقتضي عدم جواز بيعه، و لعله لذا تردد فيه الكركي في حاشية الكتاب إلا أني لم أجده لغيره.

نعم في الإيضاح في تقرير دليل القول بجواز الشراء من دون إذن ما يقتضي جواز بيعه عند معاينة العجز، نحو ما سمعته عن بعضهم في ولد المكاتبة، لكن صريحه في تقرير القول بعدم جواز شرائه عدم جواز التصرف فيه بنحو ذلك.

و من الغريب قوله في الحاشية المزبورة: «إني لم أظفر للأصحاب بتصريح بجواز البيع و عدمه» مع تصريح الفاضل في القواعد التي هي بين يديه بذلك، و قد حكي هو عن الإيضاح شرحها ما نقلناه عنه قال فيها: «و إذا اشتراه أو قبله في الوصية ملكه و ليس له بيعه و لا هبته و لا إخراجه عن ملكه، و لا ينعتق عليه» و قد صرح أيضا في التحرير و الدروس بعدم جواز التصرف فيه، بل المصنف في المسألة الثانية قد صرح بعدم جواز التصرف، و يمكن أن يكون دليلهم على ذلك مضافا إلى الإجماع فحوى ما دل على الانعتاق عليه بالملك (1)

القاضي بعدم جواز التصرف فيه بنحو ذلك و إن منع من الانعتاق مانع من جهة ضعف الملك أو غير ذلك، بل و فحوى نصوص (2)

أولاد المكاتب و المكاتبة الظاهرة في عدم دفع الأولاد عن مال المكاتبة، و غير ذلك، و الله العالم. هذا كله إذا لم يأذن له المولى.

و إن أذن له صح و لو لم يكن له مدخلية فيه، لأن الحق لهما و كذا يصح من دون إذن لو أوصى له به و لم يكن في قبوله ضرر من حيث الإنفاق عليه بأن يكون مكتسبا يستغني بكسبه و إن كان لو مرض أو عجز أنفق عليه كما في المسالك، لأنه من صلاح ماله لا للمواساة الممنوع منها كما


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب العتق.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المكاتبة.

ج 34، ص: 344

في أقاربه الأحرار و إن كان قد يناقش بأن ذلك كاف في عدم جواز قبوله المعتبر في صحة الغبطة عنده، فلا بد من فرض كونه كسوبا يستعين به على مال الكتابة، و لا يكفي عدم الضرر، بل قد عرفت في كتاب الوصايا جزم المصنف و غيره بعدم صحة الوصية من غير السيد للمكاتب، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه مضافا إلى بعض النصوص (1)

فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف إذا قبله فان أدى مال الكتابة عتق المكاتب و عتق الأخر مع عتقه، و إن عجز ففسخ المولى استرقهما معا مثل غيره من عبيد المكاتب، و في كشف اللثام «لانكشاف أنه الذي ملكه لا المكاتب» و هو كما ترى.

نعم في المتن و في استرقاق الأب تردد قيل مما ذكرناه، و من تشبثه بالحرية بجريانه في ملك ولده، و هو كما ترى. ضرورة أنه لا سبيل إلى إبطال القبول بعد صحته، و لا إلى عتق الأب مع استرقاق الولد، و لعله لذا لم يحك عن غير المصنف احتمال ذلك، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا جنى عبد المكاتب لم يكن له أن يفكه بالأرش إلا أن يكون فيه الغبطة له]

المسألة الرابعة:

إذا جنى عبد المكاتب غير أبيه بما يوجب الأرش لم يكن له أن يفكه بالأرش إلا أن يكون فيه الغبطة له و لو لقصور الأرش عن قيمته، فيفضل له ما ينتفع به، أو لأن عينه تشتمل على منفعة تعود على المكاتب في ماليته بكسب و غيره.

و لو كان المملوك الجاني أب المكاتب الذي دخل في ملكه بوجه من الوجوه السالفة قيل لم يكن له افتكاكه بالأرش و لو قصر عن قيمته أي الأب لأنه يتعجل بإتلاف مال له التصرف فيه، و يستبقي ما لا ينتفع به، لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 79 و 80- من كتاب الوصايا.

ج 34، ص: 345

لا يتصرف في أبيه، و لكن في هذا تردد مما سمعت و من إمكان فرض الغبطة له بزيادة كسبه.

و لعل هذا أولى مما في حاشية الكركي و المسالك من أن مرجع التردد فيه إلى الإشكال في جواز شرائه و عدمه، فإن أجزناه فذاك و إلا فلا، إذ فيه أن المصنف قد جزم بعدم الجواز سابقا اللهم إلا أن يكون هذا التردد بعده، و الأمر سهل.

و في الإيضاح جعل أحد وجهي التردد فيه إمكان الاستعانة بثمنه عند معاينة العجز، و فيه ما ذكرناه سابقا في ولد المكاتبة من أنه لا دليل على خصوص ذلك إلا بعض الوجوه الاعتبارية، و الله العالم.

[المقصد الثاني في جناية المكاتب و الجناية عليه]
[الأول في مسائل المشروط]
[المسألة الأولى إذا جنى المكاتب على مولاه عمدا فان كانت نفسا فالقصاص للوارث]

المقصد الثاني في جناية المكاتب و الجناية عليه، و فيه قسمان:

الأول:

في مسائل المشروط و هي سبع:

الأولى:

إذا جنى المكاتب على مولاه عمدا فان كانت نفسا فالقصاص للوارث، فان اقتص كان كما لو مات في بطلان الكتابة و انتقال ما في يده و أولاده للوارث و إن كانت طرفا فالقصاص للمولى، فان اقتص فالكتابة بحالها للأصل و غيره، و إن عفى هو أو الوارث على مال صح، و بقيت كتابته كما لو كانت الجناية توجب مالا، لأن المولى مع المكاتب كالأجنبي بالنسبة إلى ذلك و إن كان ملكا له، و إنما لا يثبت له على ملكه مال في غير المكاتب الذي هو كالحر في

ج 34، ص: 346

قابلية الملك و الملك عليه.

نعم الأقوى وفاقا للفاضل و ولده و الكركي و الشهيدين و الأصبهاني و غيرهم ثبوت الأرش له ما لم يزد عن قيمته، و إلا كان له مقدار القيمة، ل

قوله عليه السلام (1): «لا يجني الجاني على أكثر من نفسه»

و مساواته للحر إنما هو في ثبوت مال في ذمته لا في مقدار الأرش، فما عن بعض- من ثبوته في ذمته و لو أضعاف قيمته بل قيل إنه مقتضى إطلاق المصنف الأرش بل قد يؤيده كلامه في المسألة الثانية- واضح الضعف.

و على كل حال فإن وفى ما في يده بالأرش و مال الكتابة و في الحقين و عتق، و كذا إن قصر عنهما معا، و لكن يفي بمال الكتابة و رضي السيد بالأداء عنه و بقاء الأرش، و إلا فقد سمعت سابقا ما ذكروه من تسلط المولى على أخذ ما في يده و تعجيزه عن مال الكتابة، فيرجع حينئذ رقا، و عرفت البحث فيه إن لم يكن إجماعا.

و لو لم يكن في يده مال أصلا عجزه المولى إن شاء و سقط أرشه حينئذ، لعدم ثبوت مال له في ذمة عبده، مع احتماله و يتبع به بعد العتق إن حصل، لثبوته في ذمته، و هو قابل لذلك، و الأصل بقاؤه، و المسلم من عدم ثبوت المال له في ذمة عبده إنما هو في الابتداء لا الاستدامة، اللهم إلا أن يكون إجماعا و أولى من ذلك في الثبوت ما لو أعتقه بعد جنايته أو أبرأه من مال الكتابة و لم يكن في يده شي ء، لأصالة بقائه حال الحرية التي هي أولى بالثبوت من حاله الأول.

فما عساه يقال: بل ربما كان ظاهر بعض اختياره- من سقوط الأرش حينئذ بل صريح الدروس ذلك لأنه أزال الملك عن الرقبة التي كانت متعلق الأرش باختياره و لا مال غيرها- واضح الفساد، ضرورة اقتضائه السقوط أيضا لو أدى مال الكتابة سابقا على دفع الأرش إذا كان ما في يده يفي بهما، و احتمال الفرق- بأن


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس الحديث 10 من كتاب القصاص.

ج 34، ص: 347

العتق هنا بسبب من جهته بخلاف ما لو أعتقه مجانا، مع أنه لا يتم في الإبراء الذي هو بمنزلة الأداء- لا حاصل له.

و أضعف من ذلك ما احتمله في الدروس و غيرها من سقوط الأرش لو أعتقه و إن كان عنده مال، لتعلق الأرش بالرقبة أصالة و المال يثبت تبعا و الفرض فواتها، إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، على أن دعوى تعلق الأرش بالرقبة في الجناية على المولى يمكن منعها لكونها ملكا له قبل الجناية، فلا وجه لتعلق حقه بملكه، و إنما يثبت له في ذمته إلا على احتمال ستعرفه إنشاء الله فتأمل جيدا، و الله العالم.

و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ما في قول المصنف و غيره و إن كانت الجناية خطأ فهي تتعلق برقبته، و له أن يفدي نفسه بالأرش لأن ذلك يتعلق بمصلحته التي هي كنفقته و علاج مرضه، إذ قد عرفت أن رقبته ملك للسيد، فلا وجه لتعلق حقه بها، نعم لما صار له بالكتابة ذمة قابلة لأن يملك عليه بها من غير فرق بين المولى و غيره تعلق أرش جنايته على المولى بها، كما هو مقتضى إطلاق ما دل على ديتها الظاهر في أن موردها الذمم كقيم المتلفات، و إنما تعلقت برقبة العبد في بعض المواضع لعدم ذمة له فعلا يتمكن من الأداء بها مع قوة أمر الجناية و أنه

لا يطل دم امرئ مسلم (1)

فشرع الاستيفاء منها عوض الذمة، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان ف حكم الخطأ حكم العمد الموجب مالا، و هو ما سمعته من أنه إن كان ما بيده من المال بقدر الحقين فمع الأداء ينعتق، و إن قصر دفع أرش الجناية و فيه البحث السابق. فان ظهر عجزه كان لمولاه فسخ الكتابة، و إن لم يكن له مال أصلا و عجز فان فسخ المولى سقط الأرش لأنه لا يثبت للمولى


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 و الباب- 2- من أبواب دعوى القتل الحديث 1 من كتاب القصاص و فيهما «لا يبطل دم امرئ مسلم».

ج 34، ص: 348

في ذمة المملوك مال و فيه البحث السابق. و سقط مال الكتابة بالفسخ.

و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا جنى على أجنبي عمدا فان عفى فالكتابة بحالها]

المسألة الثانية:

إذا جنى على أجنبي عمدا فان كانت طرفا و اقتص منه أو عفى على مال أولا عليه فالكتابة بحالها و إن كانت الجناية نفسا و اقتص الوارث كان كما لو مات في بطلان الكتابة على نحو ما سبق، و إن عفى على مال أو كانت الجناية موجبة له جاز له دفع الأرش الذي هو أقل الأمرين منه و من قيمته أو المقدر له بالغا ما بلغ على البحث السابق.

و في المسالك «أولى بالاكتفاء بالأقل هنا، لأن الأرش يتعلق برقبته و إن استرقه المولى، بخلاف ما لو كانت على المولى، فمراعاة جانب الحرية ثم أقوى، و مراعاة جانب القن هنا أقوى».

قلت: الذي يظهر منهم في المقام و فيما تقدم أن أرش الجناية يحاص الديون، و يوجب التحجير لو طلبه من الحاكم، و غير ذلك مما هو مستلزم لكونه دينا متعلقا في الذمة، لا أنه متعلق بالرقبة، مؤيدا ذلك بأن ظاهر الأدلة اتحاد كيفية تعلق الأرش فيهما، و حينئذ فيقوى تعلقه بذمته في المقامين، لما عرفت من عدم تعلق حق المولى بملكه.

اللهم إلا أن يلتزم بكون فائدته التسلط على بيعه مثلا الذي لم يكن جائزا له بسبب الكتابة التي لا يجوز له فسخها قبل حصول سببه و إن كان هو كما ترى يمكن منعه، خصوصا مع بذله الأرش، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم، بل هو كالمتدافع بالنسبة إلى ذلك، و المسألة لا تخص الفرض، بل المراد أن أرش جناية المكاتب مطلقا في ذمته و الرقبة كالمرهونة عليه، أو في رقبته و إن كان له فكها بالأرش، و قد عرفت أن الأقوى الأول.

ج 34، ص: 349

نعم قد يقال في الفرض الذي هو الجناية عمدا: إنه لما كان الخيار فيه للمجني عليه و طلب الأرش الذي هو أزيد من القيمة فهل للمكاتب دفعه بدون إذن المولى كالأقل و المساوي؟ المحكي عن الشيخ العدم، لأنه ابتياع لنفسه، بأكثر من ثمن المثل، و هو لا يملك التبرع، و في التحرير الوجه عندي جواز دفع الأكثر، و لعله لا يخلو من قوة، و الله العالم.

و إن كان قد جنى عليه خطأ كان له فك نفسه بأرش الجناية الذي هو ما عرفته و إن نافى ذلك الاكتساب لكنه لمصلحته التي هي أعظم من نفقته المأذون فيها و علاج مرضه، بل قد عرفت أن المنهي عنه التصرف التبرعي لا غيره، نعم ظاهر قولهم: «له فك نفسه» تعلق الجناية أولا بالرقبة، و يمكن منعه لما عرفت، فيكون متعلقا بذمته و إن كانت العين كالرهن عليه، بمعنى تسلط المجني عليه على الاستيفاء منها إن لم يدفع له، لأهمية حق الجناية من غيره، فيلاحظ فيه الأمران.

و حينئذ ف لو لم يكن له مال فلأجنبي بيعه أجمع في أرش الجناية مع الاستغراق و إلا بيع منه قدر الأرش و بقي الباقي مكاتبا، فان عجز و فسخ المولى صار العبد مشتركا، و إن أدى عتق الباقي، و في تقويم حصة الشريك على العبد مع يساره أو تمكنه من السعي البحث السابق و إن جزم به الفاضل هنا في القواعد، بل في كشف اللثام «و هل يجبر عليه أو الشريك على القبول؟ وجهان» لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.

بقي الكلام في شي ء، و هو أن ظاهر بعض و صريح آخر أن المجني عليه إذا أراد البيع لا بد له من فسخ الحاكم الكتابة، لأن المكاتب لا يباع و ليس له فسخها، لأنه ليس بالعاقد لها، بل و لا للسيد قبل حصول العجز المسلط له على الخيار، فليس حينئذ إلا الحاكم و فيه أنه بعد أن دلت الأدلة على تقديم حق الجناية على غيره من كتابة أو رهن أو غيرهما لم يحتج إلى فسخ، بل هو تسلط شرعي على

ج 34، ص: 350

ما يلزمه الفسخ من البيع و نحوه، و الله العالم.

و كيف كان فله بيعه إلا أن يفديه السيد بالأرش، فإن فداه فالكتابة بحالها، و يجب على المجني عليه قبول الفداء إن كانت الجناية خطأ، و إن كانت عمدا ففي المسالك التخيير للمجني عليه كالقن، و فيه أنه بناء على ما ذكرناه من تعلق الأرش بذمته لا رقبته يتجه عليه قبوله، لأنه حينئذ كالتبرع بوفاء الدين و أولى بالقبول لو فرض بذل المكاتب الأرش في جناية العمد الموجبة مالا.

و لو اختار السيد الفداء لم يلزمه الاستمرار عليه ما لم يكن ضمانا، بل له أن يرجع عن اختياره و يسلم العبد، نعم إذا مات العبد بعد الاختيار أو باعه أو أعتقه ففي المسالك «التزم به، لأنه فوت بالإعتاق و البيع و التأخير متعلق حق المجني عليه» و كأنه أخذه مما في القواعد من أنه «إن أعتقه السيد كان عليه فداؤه بذلك، لأنه أتلف محل الاستحقاق كما لو قتله، و إن عجز ففسخ السيد فداه بذلك أو دفعه» و نحوه في التحرير، لكنه كما ترى خال عن ذكر الموت الذي يمكن المناقشة في التزامه بالفداء معه و إن اختاره ما لم يكن بالتزام شرعي.

بل قد يقال بعدم صحة البيع و نحوه مع الجناية عمدا أو عدم لزومه، بل يبقى مراعى بالفداء، فان حصل ففدا و إلا كان له فسخه، بل إن لم يكن إجماعا في العتق لبنائه على التغليب أمكن دعوى ذلك فيه، بل في الدروس الجزم بعدم الصحة، قال: «و لو أعتقه بعد جنايته على أجنبي عمدا لم يصح، و إن كان خطأ فكعتق القن مراعى بضمان الجناية، و عليه أقل الأمرين من قيمته و الأرش، سواء كان الأرش لواحد أو جماعة» إلى آخره.

بل من ذلك يعلم النظر فيما في المسالك و غيرها من أنه «يضمن المكاتب الأرش للمجنى عليه لو أدى ما عليه لسيده و انعتق بذلك» قال في الدروس: «و لو جنى ثم أدى مال الكتابة عتق، و ضمن أروش الجنايات أو الأقل على الخلاف، لأنه أتلف الرقبة بفعله» و قال في المسالك: «و لو فرض عتق المكاتب بأداء النجوم فعليه ضمان الجناية، و لا يلزم المولى فداؤه و إن كان هو القابض للنجوم، لأنه

ج 34، ص: 351

يجبر على قبولها فالحوالة على المكاتب أولى» و نحوه في التحرير و غيره، إذ يمكن منع ترتب العتق على الأداء بناء على ما عرفت، خصوصا في الجناية عمدا، و خصوصا إذا قلنا بكون المتعلق الرقبة لا الذمة، فتأمل جيدا و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو جني عبد المكاتب خطأ]

المسألة الثالثة:

لو جني عبد المكاتب على أجنبي خطأ في النفس أو في الطرف فاقتص منه فلا بحث، و إن عفي على مال أو كانت الجناية موجبة له أو كانت خطأ كان للمكاتب فكه بالأرش إن كان دون قيمة العبد أو مساويا، لعدم التبرع منه و إن كان أكثر لم يكن له ذلك إلا بإذن المولى كما ليس له أن يبتاع بزيادة عن ثمن المثل إلا أن يفرض حظ له في ذلك بكون العبد كسوبا و نحوه.

هذا و في المسالك «ثم الاعتبار بقيمة العبد يوم الجناية، لأنه يوم تعلق الأرش بالرقبة، و فيه وجه آخر أنه يعتبر قيمته يوم الاندمال بناء على أنه وقت المطالبة بالمال، و ثالث و هو اعتبارها يوم الفداء، لأن المكاتب إنما يمنع من بيعه، و يستديم الملك فيه يومئذ، و رابع و هو اعتبار أقل القيمتين من يوم الجناية و يوم الفداء احتياطا للمكاتب و إبقاء للمالك عليه و الأوجه آتية في قيمة المكاتب نفسه إذا اعتبرت قيمته» و نحوه في الإيضاح لكن اقتصر على الثلاثة.

قلت: لا ريب في كون المعتبر قيمته وقت الجناية بالنسبة إلى تعلقها برقبته المقتضي لملاحظة قيمته في ذلك الوقت، كي يعرف مقدار ما تسبب بالجناية من استحقاقها، بل لا وجه لاعتبار القيمة المتأخرة في مقدار سبب الجناية المتقدم الذي لا يتأخر أثره، و ليس المقام كقبض المغصوب، بل هو كالإتلاف المسبب لضمانه ما أتلفه و لو على وجه يتعلق استحقاقه بالرقبة على الوجه المزبور و إن لم يملكها، كما أنه لا ريب في اعتبار ملاحظة يوم الفداء بالنسبة إلى فك المكاتب له باعتبار

ج 34، ص: 352

الغبطة له في فكه و عدمه.

و لو كان عبده أباه أو ولده ففي فكه بالأرش الكلام السابق في شرائه.

و لو كانت جناية العبد على سيده بما يوجب القصاص اقتص منه من غير حاجة إلى إذن السيد، لإطلاق الأدلة المقتضي ثبوت هذا الحق له على وجه يقدم على ما دل على منع التصرف له في ماله، و إن كانت بما يوجب المال لم يثبت له على ماله مال، نعم لو جني على سيد سيده فهو كما لو جني على أجنبي.

هذا و قد يستفاد من عبارة المتن هنا اختيار كون الأرش المقدر و إن زاد على قيمة العبد و هو و إن كان أحد قولي الشيخ في المسألة لكنه في غاية الضعف، بل عنه نفسه دعوى الإجماع على خلافه، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذ جنى على جماعة فان كان عمدا كان لهم القصاص]

المسألة الرابعة:

إذ جنى على جماعة فان كان عمدا و كانت الجناية عليهم دفعة بأن قتلهم بضربة واحدة أو ألقى عليهم جدارا دفعة كان لهم القصاص جميعا و إن كان خطأ أو عمدا توجب مالا كان لهم الأرش متعلقا برقبته أو في ذمته على كلام السابق، سواء كانت الجناية متعاقبة أو دفعة فان كان ما في يده يقوم بالأرش فله افتكاك رقبته و إن لم يكن له مال تساووا في قيمته بالحصص هذا إن أوجبنا الأرش بالغا ما بلغ.

و إن أوجبنا الأقل من أرش الجنايات كلها و من قيمته تحاصوا فيه بالنسبة، لأن الجاني لا يجني على أزيد من نفسه، اتحدت جنايته أو تعددت، مترتبة أو دفعة، و سبق تعلق الاستحقاق للأول لا ينافي شركة الآخر له بالجناية المتأخرة.

و لو كانت الجناية موجبة للقصاص على التعاقب ففي مساواته للأرش في الاشتراك و عدمه ما لم يكن قد حكم به لأولياء الأول قولان يأتي تحقيقهما في

ج 34، ص: 353

محله إن شاء الله تعالى، كما انه يأتي تحقيق المراد بالاشتراك في القصاص و ما يترتب على العاصي لو فعل من دون إذن، و غير ذلك من هذه المسائل.

و لو عفي بعضهم قسم على الباقين، و لو كان بعضها يوجب القصاص استوفي و سقط حق الباقي، و إن عفي على مال شارك، و لو أعتقه أو أبرأه من النجوم ففيه البحث السابق، و كذا لو أدى نجوم كتابته، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا كان للمكاتب أب و هو رق]

المسألة الخامسة:

إذا كان للمكاتب أب و هو رق ل ه في جملة عبيده فقتل عبدا له لم يكن له القصاص فيه كما لا يقتص منه في قتل الولد بل هذا أولى، لأنه لا يثبت للولد على الوالد قصاص بلا خلاف و لا إشكال، نعم لو كان ابنه رقا له و قتل عبيدا من عبيده اقتص منه، لإطلاق أدلته.

و لذا لو كان للمكاتب عبيد فجني بعضهم على بعض بما يوجب القصاص جاز له الاقتصاص من دون إذن سيده و إن لم يكن تصرفا اكتسابيا و أدى إلى قتل عبده أجمع حسما لمادة التوثب الذي فيه حفظ للمال أيضا، و اهتماما بالدماء الذي هي أعظم من الأموال، و ربما احتمل العدم للحجر عليه في التصرف في ماله بغير الاكتساب، و فيه منع واضح، ضرورة كون المسلم الحجر عليه في التبرع بالمال، و ليس الفرض منه، بل هو في الحقيقة من سياسة المال و حفظه.

و لو كانت الجناية توجب مالا لم يثبت له على ماله مال حتى في الأب و الولد، و إن احتمل جواز بيعهما له في جنايتهما الموجبة مالا تحصيلا للاستعانة بأرش جنايتهما بعد أن لم يكن له بيعهما قبل الجناية، بخلاف غيرهما من العبيد الذين لم يثبت له عليهم مال بجنايتهم، لأنه يملك بيعهم قبل الجناية، إلا أنه

ج 34، ص: 354

كما ترى، و ثبوت المال للسيد على المكاتب لو جني عليه باعتبار خروجه عن محض الرقية، و صيرورة ذمة له يملك بها، فيندرج في أدلة الجناية، بخلاف المملوك فإنه لا ذمة له بالنسبة إلى المولى، و هو واضح، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا قتل المكاتب المشروط فهو كما لو مات]

المسألة السادسة:

إذا قتل المكاتب المشروط فهو كما لو مات تبطل كتابته و يموت رقيقا، و للسيد كسبه و أولاده، فإن كان القاتل المولى فليس عليه إلا الكفارة، و إن قتله أجنبي حر فلا قصاص أيضا، و لكن عليه القيمة.

و لو كان القتل بسراية الجرح فان كان قبل أن يعتق و قد أدى أرش الجرح إلى المكاتب أكمل القيمة للمولى، و إلا دفع إليه تمام القيمة، و إن كان الجاني المولى سقط عنه الضمان، و أخذ كسبه الذي منه أرش الجرح الذي دفعه إليه، و إن كانت السراية بعد ما عتق بأداء نجومه فعلي الجاني الأجنبي تمام الدية، لأن الاعتبار في الضمان بحالة الاستقرار و تكون لوارثه، بل لو كان الجاني المولى كان عليه ذلك أيضا، و إن كان لا ضمان عليه لو جرح عبده القن ثم أعتقه و مات قبل السراية، للفرق بينهما بأن ابتداء الجناية هنا غير مضمون بخلاف المكاتب فإن ابتدائها مضمون.

و لو جني على طرفه أي المكاتب عمدا و كان الجاني هو المولى فلا قصاص قطعا، لعدم المكافاة، و لكن عليه الأرش الذي هو من كسبه و عوض عضوه الذي فاته الاكتساب به. و كذا إن كان الجاني أجنبيا حرا أو مبعضا و ذلك لما عرفته من عدم المكافاة.

نعم إن كان الجاني مملوكا ثبت (11) له القصاص (12) و ليس للسيد منعه و لا إجباره على العفو على مال كالمريض و المفلس، لعدم كونه تصرفا في مال، مع إطلاق أدلة القصاص، و إن احتمل لأنه قد يعجز فيعود إلى المولى مقطوع اليد

ج 34، ص: 355

مثلا بلا جابر، إلا أنه كما ترى لا يصلح لتقييد إطلاق الأدلة، بل لو عفى عما له من القصاص مجانا صح، لأن موجب الجناية القصاص لا المال، و أولى منه لو عفى على أقل من أرش الجناية، و ربما احتمل العدم فيهما، بل هو خيرة الكركي في حاشيته في الأول، لأنه تصرف غير اكتسابي، و فيه منع الحجر عليه في مثله و إن لم يكن اكتسابا، لأنه ليس تبرعا بمال، نعم لو كانت الجناية توجب مالا لم يكن له العفو من دون إذنه.

و كيف كان ف كل موضع يثبت فيه الأرش في العمد و الخطأ على المولى أو على غيره فهو للمكاتب، لأنه من كسبه و عوض ما فاته من الاكتساب بسبب الجناية، و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمدا فأراد الاقتصاص فللمولى منعه]

المسألة السابعة:

إذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمدا فأراد الاقتصاص منه ف عن المبسوط للمولى منعه لأنه تصرف غير اكتسابي، فلا تنقطع عنه سلطنة المولى، و فيه أن إطلاق الأدلة ينافيه، خصوصا بعد ما سمعت من أن له الاقتصاص من غيره و من عبيده لو جني بعضهم على بعض.

و من الغريب جزم المصنف هنا بأن للمولى منعه المبني على بقاء سلطنة المولى له على ذلك مع جزمه السابق بأن له القصاص من عبيده و أنه إن جني عليه مملوك ثبت له القصاص الظاهر في أن ليس للسيد منعه عن ذلك، ضرورة عدم الفرق في المملوك بين عبد السيد و بين غيره.

و تحقيق المسألة مبني على أن المكاتب محجور عليه في سائر تصرفاته المالية و غيرها إلا التصرف الاكتسابي، و إلا ما يرجع إلى الإنفاق عليه و على غيره ممن نفقته عليه من عبد أو أمة و نحوهما، أو أنه بالكتابة قد ارتفع الحجر عنه

ج 34، ص: 356

مطلقا إلا التصرف التبرعي في ماله، فله استيفاء حقه من القصاص و غير ذلك من التصرفات التي ليست اكتسابية الظاهر الثاني.

و صحيح معاوية بن عمار (1)

المتقدم سابقا المشتمل- على النهي عن أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام مع أنه في المكاتب على نفسه و ماله الذي يمكن إرادة اشتراط ذلك عليه من الكتابة على ماله كما ذكرناه سابقا- إنما هو في التصرف في المال، و النهي عن التزويج فيه و في غيره لا يقتضي المنع عن سائر التصرفات التي يمكن القطع بخلاف ذلك فيها من إيداع ماله و التصرف فيه بركوب و لبس و استعمال و نحو ذلك، كالقطع بثبوت الحق له بسبب الجناية أو غيرها، و لو لأنه قد يرجع إلى مال، فيكون سلطنة الاستيفاء له، فتأمل جيدا فاني لم أجد المسألة محررة في كلامهم، و الله العالم.

و على كل حال ف ان كانت الجناية خطأ فأراد الأرش لم يملك منعه، لأنه بمنزلة الاكتساب الذي ليس له منعه منه و لكن لو أراد الإبراء توقف على رضا السيد لأنه تصرف تبرعي، و كذا في العمد لو عفي على مال ثم أراد الإبراء منه، و الله العالم. هذا كله في المشروط.

[الثاني في المطلق]

و أما المطلق ف ان لم يكن قد أدى شيئا فهو بحكمه و إذا أدى من مكاتبته شيئا تحرر منه بحسابه فان جني هذا المكاتب، و قد تحرر منه شي ء و كانت جناية عمدا على حر اقتص منه إلا أن يعفي عنه على مال أولا عليه و لو جني على مملوك أو على من كان أقل حرية منه لم يقتص منه لما فيه من الحرية، و لزمه من أرش الجناية بقدر ما فيه من الحرية و تعلق برقبته منها بقدر رقيته كما هو حكم المبعض في أكثر المقامات.

و لو جني على مكاتب مساو له (11) في الحرية اقتص منه (12) لحصول


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة الحديث 1.

ج 34، ص: 357

المكافاة و إطلاق أدلة القصاص نعم لو كان حرية الجاني أزيد لم يقتص منه لعدم المكافاة و إن كانت أقل اقتص منه لحصولها و زيادة.

و لو كانت الجناية خطأ تعلق بالعاقلة بقدر الحرية، و برقبته بقدر الرقية للتبعيض و للمولى و لنفسه أن يفدي نصيب الرقية بنصيبها من أرش الجناية بالغا ما بلغ أو بأقل الأمرين على الأصح سواء كانت الجناية على عبد أو على حر خلافا لما عن بعض العامة، فجعل دية الجناية على العبد في ذمة الجاني و إن كانت خطأ.

و لو جني عليه حر أو أزيد حرية منه فلا قصاص لعدم المكافاة، و عليه الأرش (11) الذي هو هنا مركب من بعض دية هذه الجناية على الحر و بعض أرشها على العبد و لو كان (12) الجاني رقا (13) أو أقل حرية أو مساويا اقتص منه (14) في العمد بلا خلاف و لا إشكال، و الله العالم.

ج 34، ص: 358

[المقصد الثالث في أحكام المكاتب في الوصايا]
[المسألة الأولى لا تصح الوصية التمليكية برقبة المكاتب]

المقصد الثالث في أحكام المكاتب في الوصايا، و فيه مسائل:

الاولى:

لا تصح الوصية التمليكية برقبة المكاتب و إن كان مشروطا و عجز و رد في الرق بعد الوصية التي قد عرفت فسادها كما لا يصح بيعه و لا نقله بسائر النواقل و لو ممن ينعتق عليه و إن استشكل فيه الفاضل في القواعد باعتبار كونه كتعجيل عتقه، لكن فيه أنه موقوف على الانتقال المتوقف على جواز النقل بخلاف تعجيل العتق بالإعتاق. نعم لو أضاف الوصية به إلى عوده في الرق جاز و يكون من الوصية العهدية أو التمليكية بناء على مشروعية التعليق فيها بغير الموت كما لو قال: إن عجز و فسخت كتابته فقد أوصيت لك به.

و في المسالك «ثم إن عجز فأراد الوارث انتظاره فللموصي له تعجيزه ليأخذه، و إنما يعجزه بالرفع إلى الحاكم كما في المجني عليه، و يحتمل تقديم الوارث، لأن الوصية له مشروطة بفسخ كتابته و لم يحصل الشرط هذا إذا كانت الوصية معلقة على فسخ كتابته مطلقا، أما لو قيدها بكونه هو الفاسخ اعتبر في صحتها عجزه في حياته، و في التحرير جعل الإطلاق محمولا على عجزه في حياته، و إنما يكتفى بما بعد موته لو صرح به، و هو غير واضح».

و فيه أولا أن ما ذكره احتمالا هو الأصح لما ذكره من الوجه الأول و إن اختاره في التحرير أيضا، بل ظاهر ما تسمعه منه فيما يأتي تقديمه على الوارث مع الاختلاف في الفسخ مع العجز، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه من أنه لا تسلط

ج 34، ص: 359

للموصى له على الفسخ، لعدم دخول الرقبة في ملكه قبله، كما هو واضح.

و أما ما حكاه عن التحرير فالذي فيه «أنه لو قال: إن عجز و رق فهو لك بعد موتى صحت الوصية إذا عجز في حياة المولى، و إن عجز بعد موته لم يستحقه، و لو قال: إن عجز بعد موتى فهو لك كان تعليقا للوصية على صفة توجد بعد الموت» و هو أجنبي عما ذكره، لظهور مثاله في المفسوخة قبل الموت، بل من المحتمل إرادته بطلان الوصية التمليكية المقتصر في مشروعيتها نصا و فتوى على التعليق بالموت على وجه يكون الاستحقاق به بخلاف المعلقة على صفة توجد بعد الموت.

بل قد يكون في عبارة المتن إشعار بذلك إذا قرئ قوله: «فسخت» بضمير المتكلم، بل و عبارة الكركي في حاشيته، لأنه اقتصر على تقييد الصحة بالفسخ حال الحياة و على نقل عبارة التحرير في الفسخ بعد الوفاة، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فلا إشكال بل و لا خلاف في أنه يجوز الوصية بمال الكتابة لإطلاق أدلتها، بل هي أولى من بيعه الذي قد عرفت جوازه، كما أنك عرفت الكلام فيه لو عجز بعد ذلك.

و في المسالك هنا «فإن أداها- أي النجوم- فهي للموصى له، و إن عجز فللوارث تعجيزه و فسخ الكتابة و إن أنظره الموصى له، و هل يملك الموصى له إبراءه من النجوم؟ وجهان، أجودهما ذلك، لأنه يملك الاستيفاء فيملك الإبراء، و وجه العدم أنه ملكه استيفاء النجوم و لم يملكه تفويت الرقبة على الورثة».

قلت: لا يخفى عليك ما في الوجه الأخير، ضرورة اقتضاء الوصية ملكية المال الذي في ذمة العبد، بل قد عرفت في مسألة بيع مال الكتابة احتمال الانعتاق بذلك، و احتمال عدم التسلط على فسخ الكتابة لا ممن انتقل إليه المال، لعدم كون العقد معه، و لا من غيره، لظهور الأدلة في ثبوت الخيار له إذا كان المال له و يؤخره عن أجله كما سمعته سابقا، و لا يخلو من قوة.

و احتمل الفاضل في القواعد كون التعجيز إلى الموصى له، قال: «و التعجيز إلى الورثة، لأن الحق ثبت لهم بتعجيزهم، و يصير عبدا لهم، و يحتمل إلى الموصى

ج 34، ص: 360

له، لتسلطه على العتق بالإبراء، و لأنه حق له، فله الصبر به» و هو غير ما ذكرناه من الاحتمالين.

و لو جمع بين الوصيتين لواحد أو لاثنين جاز بلا خلاف و لا إشكال بأن يقول: «مال الكتابة لزيد بعد موتى، و إن عجز و فسخت فرقبته له بعد موتي أو لعمرو» لكن إن أدى المال بطلت الثانية، و إن استرق بطلت الأولى، لكن إن كان قد قبض منه شيئا فهو له، و في التحرير لو اختلف الموصى له بالرقبة و الموصى له بالمال في فسخ الكتابة عند العجز قدم قول صاحب الرقبة، و كذا إن اختلف صاحب الرقبة و الوارث، و فيه ما عرفته سابقا، و الله العالم.

[المسألة الثانية لو كاتبه مكاتبة فاسدة ثم أوصى به جاز]

المسألة الثانية:

لو كاتبه مكاتبة فاسدة ثم أوصى به جاز لما عرفته من عدم ترتب أثر على الفاسدة عندنا، خلافا لبعض العامة. و حينئذ ف لو أوصى له بما في ذمته لم يصح لعدم شي ء له في ذمته بعد فرض فساد الكتابة، و لا فرق في ذلك كله بين العلم بالفساد و الجهل به، كما سمعته في نظائره، و تخيله عدم التأثير للوصية بالرقبة مع جهله بالفساد فتكون وصيته بالمحال كما عن بعض العامة لا ينافي الترتب الشرعي المنوط بسببه المفروض حصوله بإطلاق الأدلة و لذا نسبه في المسالك إلى ظاهر إطلاق المصنف و الأصحاب بل صريح بعضهم كالشيخ في المبسوط.

نعم لو قال: فان قبضت منه شيئا فقد أوصيت لك به صح إذا كان المقبوض من كسب العبد الذي هو باق على ملك السيد الموصى بعد فرض فساد الكتابة، فالوصية له حينئذ بما يقبضه منه وصية في الحقيقة بكسب العبد لا بمال الكتابة، أما لو صرح بالوصية بما يقبضه من مال الكتابة ففي المسالك لم يصح،

ج 34، ص: 361

كما لو أوصى بمال كتابته من دون القبض، و لكن إطلاقه لا يخلو من بحث، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا أوصى أن يوضع عن مكاتبه صح]

المسألة الثالثة:

إذا أوصى أن يوضع عن مكاتبه صح و خرج من الثلث، و المدار فيها على المفهوم من لفظ الوصية و لو بالقرينة، كما في نظائره، فإن قال: ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه أو أكثر ما عليه فهي وصية بالنصف و زيادة تتحقق بها الأكثرية عرفا و حيث كانت أفرادا متعددة ف للورثة المشيئة في تعيين الزيادة و إن كانت هي وصية أيضا مفوضة إليهم لا ابتداء عطية منهم.

و هل يعتبر في الزيادة عن النصف أن تكون متمولة أم يكفي التمول بانضمامها إلى النصف؟ ففي المسالك «وجهان، أظهرهما الثاني، لأن التمول إنما يعتبر في الوصية و غيرها مع الانفراد، أما مع انضمام بعض الأجزاء إلى بعض فالمعتبر المجموع، و إلا لزم عدم صحة الجميع، لأن أجزائه تبلغ حدا لا يتمول، و الوصية هنا بمجموع النصف و الزيادة لا بالزيادة وحدها» و فيه أن العرف لا يفرق في اعتبار التمول بين الأمرين، و الله العالم.

و لو قال: ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه و مثله فهو وصية ب جميع ما عليه و زيادة، لأن ما يزيد على النصف نصف الوصية، فيكون محلها زائدا على مجموع المال و من هنا بطلت الوصية في الزائد لعدم المحل لها حينئذ، و كذا لو قال: «ضعوا أكثر مما عليه أو ما عليه و أكثر» و نحو ذلك، و لو قال: «ضعوا عنه أكثر ما عليه و نصفه» وضع عنه ثلاثة أرباع ما عليه و زيادة شي ء، بل في المسالك «لا يعتبر فيه أن يتمول و يقبل التنصيف إلى ما يتمول إلا على الاحتمال السابق، و أما توهم اعتبار تمول الزيادة دون نصفها بناء على أن ما

ج 34، ص: 362

يتمول يصح أن يقال له نصف معتد به و إن لم يتمول، بخلاف نصف ما لا يتمول فهو فاسد، لما ذكرنا من الوصية بالمجموع لا بالزيادة منفردة، سواء نصفها أم لا» و إن كان فيه ما لا يخفى من منافاة العرف لما ذكره.

و لو قال: ضعوا عنه ما شاء أو ما شاء من مال الكتابة فإن شاء و أبقى شيئا و لو قل، بل في كشف اللثام و إن لم يتمول صح بلا إشكال و لا خلاف و إن شاء الجميع قيل و القائل الشيخ في المحكي من المبسوط لم يصح أما في الثاني فظاهر، لأن «من» للتبعيض و أما في الأول فلأن فيه «من» مقدرة، فهي كالموجودة، و إلا لقال: «ضعوا عنه النجوم» و حينئذ فلا بد أن يبقى منه شي ء بقرينة حال اللفظ بل لو قلنا بعدم تعين «من» للتبعيض خصوصا المقدرة لترددها بينه و بين التبيين أمكن أن نقول: إن البعض معلوم على التقديرين، و الجميع مشكوك فيه، لقيام الاحتمال، فيرجع إلى معنى التبعيض و إن لم نحمل عليه بالخصوص، و لو دلت القرينة على إرادة التبيين أو إرادة الجميع من غير اعتبار من عمل بها.

و ربما احتمل وجودها في الصورة الأولى على إرادة ما يتناول الجميع، لكن ظاهر المصنف خلافه، لقوله: «بقرينة حال اللفظ» المحتمل لإرادة الافتقار إلى تقدير «من» التي لا يتيقن من معناها إلا التبعيض، و لإرادة حال التركيب الذي أشرنا إليه من أنه لو أريد الجميع لقال: «ضعوا عنه النجوم» و إن نوقش في الأخير بالفرق بين الإرادتين فإنه في الأولى جعل المشيئة إليه في إرادة البعض الجميع، و هذا الفرض لا يتأدى بقوله: «ضعوا عنه النجوم» الذي مدلوله وضع الجميع خاصة لا جعل المشيئة إليه، و الأغراض تتفاوت في ذلك، و لعله لذا كان خيرة الفاضل في القواعد و شرحها للاصبهاني تناول الجميع فيه دون المذكور فيه لفظ «من».

و يمكن أن يريد بحال اللفظ دعوى الفهم عرفا من أمثاله عدم إرادة الجميع و ان كان هو مقتضاه لغة خصوصا في المجرد من لفظ «من» و لعل هذا هو الأولى،

ج 34، ص: 363

بل هو المدار في كثير من الأمثلة التي لا فائدة في التعرض لها و إن ذكر جملة منها في القواعد و غيرها، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا قال ضعوا عنه أوسط نجومه فان كان فيها أوسط عددا أو قدرا انصرف إليه]

المسألة الرابعة:

إذا قال: «ضعوا عنه أوسط نجومه» فان كان فيها أوسط عددا خاصة كما إذا كانت ثلاثة نجوم مثلا كل نجم دينار في شهر أو قدرا خاصة كما إذا كانت أربعة نجوم مثلا اثنان منها دينار إلى شهر، و الثالث ثلاثة إلى شهر، و الرابع أربعة كذلك، فان الثالث هو الأوسط في المقدار، لأنه فوق ما دونه مطلقا و دون ما فوقه كذلك انصرف إليه بلا خلاف و لا إشكال، بل أو أجلا خاصة، كما إذا كانت أربعة مثلا، اثنان منها دينار كل واحد إلى شهر، و الثالث دينار إلى ثلاثة، و الرابع دينار إلى أربعة مثلا، فان الثالث هو الوسط في الأجل على حسب ما سمعته في القدر، إذ الوسط كما يطلق على المحفوف بمتساويين يطلق على المتوسط بين الناقص و الزائد في المقدار مالا أو أجلا.

لكن ظاهر الشهيد الأول في شرح الإرشاد أنه على كل حال متواطئ قال:

«مقدمة: إذا أوصى بلفظ متواطئ مضاف إلى معين و لم يوجد إلا واحد من أفراد معناه تعين ذلك الواحد، و إن تعدد تخير الوارث عند الشيخ، و قال القاضي بالقرعة إذا عرفت ذلك فالأوسط لفظ موضوع للشي ء بين الشيئين، و البينية قد تكون مكانية أو زمانية و زيادة و نقيصة» إلى آخر ما ذكره من أمثلة المسألة.

و نحوه الكركي في حاشيته، فإنه بعد أن ذكر ما ذكرناه من الأمثلة قال:

«فإذا وجد الأوسط بأحد الاعتبارات تعين، و لو كان بجميعها، فأولى، و إن حصل التعدد كأربعة ثالثها أوسط في القدر و ثانيها في الأجل تخير الوارث في التعيين، لأن متعلق الوصية متواطئ، فالتعيين فيه إلى الوارث على الأصح» لكن في المسالك «الأوسط لفظ متواطئ، و يراد به الشي ء بين الشيئين على السواء، و البينية

ج 34، ص: 364

قد تكون بالزمان، كوسط النهار المتوسط بين طرفيه، و بالمقدار بسبب زيادته و نقصانه كالإثنين المتوسطين بين الواحد و الثلثة، و المقدار هنا قد يكون في مال النجوم و قد يكون في الآجال، و النجم لفظ مشترك في هذا الباب بين أجل مال الكتابة و نفس المال المفروض في الأجل كما بيناه سابقا، و قد تقدم في الوصايا أنه إذا أوصى بلفظ يقع على شيئين فصاعدا سواء كان مشتركا أم متواطئا و وجد في مال الموصى منها أفراد متعددة يتخير الوارث في تعيين أيها شاء، و أن فيها قولا ضعيفا بالقرعة، و هذه المسألة من جزئيات تلك المسألة».

و لا يخفى عليك ما في دعوى تخيير الوارث في اللفظ المشترك الذي لم يرد به عموم الاشتراك الذي هو مجاز لا يصار إليه إلا بقرينة، و ليس منها إطلاقه مجردا عنها كما هو محرر في محله، و دعوى رجوع حق التعيين للوارث قد عرفت فسادها في كتاب الطلاق.

و كذا لا يخفى عليك ما في دعوى كون لفظ الوسط متواطئا بالنسبة إلى الأفراد المزبورة، نعم لا إشكال في تنزيل الوصية على ما كان موجودا من الثلاثة في خصوص تلك الوصية للقرينة، و كذا إذا اجتمعت الثلاثة في واحد منها أو الاثنان منها، فهذه صور خمسة أو سبعة لا إشكال فيها.

إنما الكلام في صورة اجتماعها في متعدد بمعنى فرض الوسط في المقدار بالمال في ثانيها و العدد في ثالثها أو الأجل من غير فرق بين اجتماع الاثنين منها في مقابلة الواحد و بين مقابلة الواحد بالواحد، فان تعدد اعتبارات الوسط في بعضها لا يصلح للترجيح على آخر، و ظاهرهم هنا بل صريح جماعة تخيير الوارث. و إليه أشار المصنف بقوله و إن اجتمع الأمران كان الورثة بالخيار في أيهما شاء بناء على أنه من المتواطئ.

و قيل: تستعمل القرعة، و هو حسن بل متعين بناء على أنه مشترك، ضرورة أنه لا معنى للتخيير مع إجمال المراد، إلا أن يراد منه مصداق على عموم الاشتراك، فيكون حينئذ من المتواطئ، كما هو واضح.

ج 34، ص: 365

ثم إن ظاهر غاية المراد و المسالك كون المراد بالمثال المفروض في المتن و نحوه نجما واحدا متوسطا، و من هنا لو كانت النجوم خمسة مثلا متساوية بالمقدار و الأجل كان الوسط فيها الخامس دون الثلاثة المتوسطة و إن حفت أيضا بمتساويين، لأن الوصية بنجم واحد فلا يصار إلى المتعدد مع إمكان المتحد المطابق للوصية، و لو فرض إرادته ما هو أعم من الواحد بأن يريد ما صدق عليه الوسط مطلقا كان من باب المتعدد، فيتخير الوارث، و كذا الكلام في نظائر المقام.

قلت: قد يقال: إن العمدة في ذلك العرف القاضي بكون الوسط في الخمسة الخامس المحفوف من الطرفين بالأربعة، و كذا السبعة و التسعة و أمثالها، بل لعل صدق الوسط على غيره إضافي نحو ما تسمعه في صورة تعذر الأوسط حقيقة التي ذكر المصنف حكمها، لأن المراد نجم واحد إذ الأوسط يصدق على المتحد و المتعدد، و الله العالم.

و كيف كان ف ان لم يكن أوسط لا قدرا و لا عددا و لا أجلا جمع بين نجمين، لتحقق الأوسط، فيؤخذ من الأربعة الثاني و الثالث، و من الستة الثالث و الرابع لصدق الحف بمتساويين عليهما، و إن كان في انصراف الوسط إلى مثل ذلك نظر بل منع، نعم لا يبعد ذلك بعد تعذر الحقيقة، و هل يؤخذ منهما واحد خاصة بتخير الوارث أو يؤخذ الاثنان، لأن مجموعهما هو الأوسط؟

وجهان، و ظاهر الأصحاب القطع بالثاني، و هو مؤيد لما ذكرناه من عدم فهمهم الواحد من الأوسط.

و من ذلك يعلم ما في مناقشة ثاني الشهيدين، فإنه بعد أن اعترف بأن ظاهر الأصحاب القطع بذلك قال: «و فيه نظر، لأنهم إذا سلموا أن الإطلاق محمول على الواحد، و الانتقال إلى المجاز لتعذر الحقيقة، فالمجاز متعدد بالاعتبارين، لأن أحدهما مجاز في الوسط باعتبار أنه بعض أجزائه حقيقة في الواحد، و الاثنان حقيقة في الأوسط مجاز بعيد في الواحد، فالحمل عليه ليس أولى من الآخر إن لم يكن المرجح في ذلك الجانب، لظهور مجازيته في الاستعمال» إذ قد عرفت أنهم

ج 34، ص: 366

لم يسلموا ذلك في الإطلاق و إنما حملوا اللفظ على الواحد باعتبار الفهم عرفا كون الواحد في الخمسة مثلا هو الوسط، لا أن المراد بالوسط المفروض في المثال الواحد، و لو لم يكن للنجوم وسط أصلا- كما لو كانت اثنين خاصة- بطلت الوصية، لفقد الموصى به حقيقة، و لا انصراف إلى مجاز بخصوصه بعد تعذرها كما في المثال السابق، لكن في المسالك في الفرض قال: «و في بطلان الوصية لفقد الموصى به أو الحمل على واحد التفاتا إلى المجاز و بابه المتسع نظر» و لا يخفى عليك ما فيه، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة فإن بري ء فقد لزم العتق و الإبراء]

المسألة الخامسة:

إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة فإن بري ء فقد لزم العتق و الإبراء بلا خلاف و لا إشكال و إن مات خرج من ثلثه على ما هو الأصح من أن منجزات المريض منه. و فيه قول آخر أنه من أصل التركة قد عرفت الحال فيه في محله.

و حينئذ فإن كان الثلث بقدر الأكثر من قيمته و مال الكتابة مع اختلافهما أو أحدهما مع التساوي عتق بلا إشكال أيضا و إن كان أحدهما أكثر اعتبر الأقل لأن ملك السيد إنما يستقر على الأقل منهما، فان كانت النجوم أقل فالكتابة لازمة من جهته، و قد ضعف ملكه في المكاتب، فليس له إلا المطالبة بالنجوم التي صارت عوضا، و إن كانت القيمة أقل فهي التي تخرج عن ملكه و العبد معرض لإسقاط النجوم بتعجيزه نفسه على قول أو بعجزه على آخر.

و حينئذ فإن كان له سوى المكاتب مأتان مثلا و كانت القيمة مأة و خمسين مثلا و النجوم مأة اعتبرت النجوم، و حكم بنفوذ العتق، و لو انعكس الأمر اعتبرت القيمة، و حكم بنفوذ العتق أيضا، و إن لم يخرج واحد منهما من الثلث بأن كان يملك سوى

ج 34، ص: 367

المكاتب خمسين ضم أقلهما إلى الخمسين و أنفذ العتق في ثلثهما من العبد، فإذا كانت القيمة مأة و خمسين و النجوم مأة ضممنا النجوم إلى الخمسين و نفذنا العتق في ثلثهما، و هو نصف العبد، و ذلك لأن ثلث العبد قد عتق بالتنجيز و بقي ثلثاه للورثة في مقابلة ثلثي مال الكتابة الذي علم ضرر الوارث بها، فإذا وصل منه ثلث الخمسين الذي هو نصف ثلث المأة انعتق من العبد نصف ثلثه، فإذا ضم إلى الثلث كان نصفا، لأنه ثلث و نصف، و حينئذ تبقى الكتابة في نصفه الآخر بنصف النجوم، فإذا أداه إلى الورثة عتق و إن عجز فلهم رد ما بقي بهم في الرق.

و إن كان يملك سوى المكاتب مأة و القيمة و النجوم على الحال السابق عتق ثلثاه، و ذلك لأن ثلثه من المال يقابل ثلث ما للوارث من ثلثي مال الكتابة، فيعتق من العبد ثلثاه و تبقى الكتابة في ثلثه بثلث مال الكتابة و إن كانت القيمة مأة و النجوم مأة و خمسين فكذا يعتق ثلثاه، و تبقى الكتابة في ثلثه بثلث مالها، و هو خمسون.

و إلى ذلك كله أشار المصنف كغيره بقوله فان خرج الأقل من الثلث عتق و الغي الأكثر و إن قصر الثلث عن الأقل عتق منه ما يحتمله الثلث و بطلت الوصية في الزائد و يسعى في باقي الكتابة التي قد فرضنا بقاءها، لا القيمة و إن احتمل، لأنه لا يقصر عن مرتبة القن الذي أعتق و قصر الثلث عن قيمته، إلا أنه كما ترى لا يخرج عن القياس، نعم لو فسخ الكتابة كان حكمه كذلك و إلا فما دام مكاتبا لا ينعتق إلا بأداء مال الكتابة.

و إن عجز كان للورثة أن يسترقوا منه بقدر ما بقي عليه لا جميعه و إن كان مشروطا، لما عرفته سابقا في المكاتب المشروط الذي انتقل إلى ورثة متعددين و قد أدى قسط بعضهم إليه و لو باذن الباقين.

و من ذلك يعلم فساد ما احتمل من الفرق في المسألة بين العتق و الإبراء في المشروط، فيبطل الثاني و لا ينعتق منه شي ء مع قصور الثلث عن مال الكتابة، لأن هذا الإبراء يكون كالإبراء من البعض الذي لا يفيد شيئا من العتق للمشروط، فإنه

ج 34، ص: 368

رق ما بقي عليه درهم، إذ قد عرفت أن ذلك كذلك إذا بقي مال الكتابة لواحد، لا ما إذا صار لمتعددين منهم المنجز الذي قد وصل إليه حقه تماما فيعتق في مقابله كالوارث.

هذا و لكن في المسالك «هو يتم- أي أصل الحكم في المسألة- بلا إشكال على القول بجواز الكتابة من جهة المكاتب، ليكون مال الكتابة غير مستقر، أما على القول بلزومها فلا يخلو اعتباره من إشكال إلا أن يتحقق العجز بالفعل، و أيضا فإنه إذا أدى الخمسين في المثال زاد مال المولى، لأنه ثبت هذا المال بعقده و ورث منه، فينبغي أن يزيد ما يعتقه منه، فيدخلها الدور، و تستخرج حينئذ بالجبر كنظاهرها».

و فيه أن لزومها لا ينافي مراعاته بعدم العجز الذي به يكون المال غير مستقر أيضا، كما أنه لا ينافيه صيرورة المسألة دورية في الفرض المزبور الذي ستعرف صحته في المسألة الأخيرة، نعم قد يقال إن لم يكن إجماع في المسألة إنه يقوم العبد مكاتبا محتملا للعجز و عدمه كالمريض و نحوه، و يخرج حينئذ من الثلث، لأنه لو لم يعتقه أو يبرأه لانتقل إليهم مكاتبا، فيكون ذلك هو الذي فوته عليهم، و الله العالم.

ج 34، ص: 369

[المسألة السادسة إذا أوصى بعتق المكاتب أو أعتقه فمات يعتق ثلثه معجلا]

المسألة السادسة:

إذا أوصى بعتق المكاتب أو أعتقه فمات و ليس له سواه و لم يحل مال الكتابة يعتق ثلثه معجلا عندنا، لوجوب المبادرة إلى تنفيذ الوصية و حينئذ ف لا ينتظر بعتق الثلث حلول الكتابة خلافا لبعض الشافعية، فاعتبر في عتق الثلث وصول الثلثين إلى الوارث، لأن نفوذ الوصية مشروط بكون ضعفها في يد الوارث، و لما لم يرجع هنا إليه ثلثا العبد و لا مقداره من المال لم يحكم بنفوذ العتق في الثلث، و هو واضح الضعف. و ذلك لأنه قد انتقل إليهم ثلثا المكاتب في مقابل الثلث و إن كان انتقاله إليه على وجه إن أدى حصل ل هم أي الورثة ثلثا المال و إن عجز استرقوا ثلثيه استرقاق مكاتبة و حينئذ ف يبقى ثلثاه مكاتبا يتحرر عند أداء ما عليه كما هو واضح و منعه من التصرف فيه قبل استقرار أحد الأمرين مع نفوذ الوصية بغير مانع لا ينافي صدق وصول الضعف إلى الوارث، و الله العالم.

ج 34، ص: 370

[المسألة السابعة إذا كاتب المريض عبده اعتبر من الثلث]

المسألة السابعة:

إذا كاتب المريض عبده اعتبر من الثلث و إن كان عقدها عقد معاوضة مالية لأنها إما بيع العبد من نفسه بثمن أو عتق بعوض، فالعوض حاصل على التقديرين، و هو واصل إلى الورثة في مقابلة العبد، فإذا كان بقدر قيمته أو أزيد انتفى التبرع، لكنها معاملة على ماله بماله فجرت حينئذ أي المكاتبة مجرى الهبة بخلاف المعاوضة مع الغير بثمن المثل التي ليس فيها تفويت مال بل تبديل مال بمال و المعتبر في نظر العقلاء غالبا أصل المالية دون خصوصية العين. نعم فيه قول آخر أنه أي عقد المكاتبة من أصل المال بناء على القول بأن المنجزات من الأصل لا أنه منه و إن قلنا بأن المنجز من الثلث، مع احتماله لأنه لولاه لم يحصل الكسب الذي يمكن حصوله له باحتساب زكاة و نحوها مما لا يحصل للوارث لولا المكاتبة التي لا يلزمها حصول كسب للعبد يحصل للوارث على كل حال، بل الغالب على خلافه، و لا أقل من الخروج بذلك عن اسم التبرع أو الشك فيه، فيبقى على ما يقتضيه القواعد من الخروج عن الأصل، و الله العالم.

و على كل حال فعلى الأول فإن خرج المكاتب من الثلث نفذت الكتابة فيه أجمع، و ينعتق عند أداء المال فان لم يكن سواه و أدى النجوم في حياة المولى و كان قد كاتبه على مثلي قيمته عتق كله أيضا، لأنه يبقى للورثة مثلاه، فان كاتبه على مثل قيمته عتق منه ثلثاه، لأنه إذا أخذ مأة فالجملة مأتان، فينفذ التبرع في ثلث المأتين، و هو ثلثا المأة، و لو كاتبه على مثل قيمته و قبض منه نصف النجوم نفذ الكتابة في نصفه.

و إن لم يؤد شيئا في حياة المولى و لم يجز الوارث صحت في ثلثه و بطلت في الباقي (11) فإن أدى عتق الثلث، و هل يراد حينئذ في الكتابة بقدر نصف ما أدي و هو

ج 34، ص: 371

سدس العبد إذا كانت النجوم مثل القيمة؟ فيه في المسالك وجهان كما في المسألة السابقة، و وجه العدم أن الكتابة قد بطلت في الثلثين فلا تعود، و هذا هو الذي جزم به المصنف و الجماعة.

و فيه (أولا) أن المسألة السابقة قد جزم فيها بالزيادة. و (ثانيا) أن الحكم بالبطلان هنا مراعي بعدم حصول مال للميت و لو بما تصيده شبكته التي نصبها في حياته بناء على ما يحصل فيها بعد موته له، و لا ريب في أن المقام أولى من ذلك، ضرورة انتقال ما قابل الثلث من مال الكتابة منه إلى الوارث، فهو حينئذ من تركته تتعلق به وصاياه و منجزاته كغيره من مال الكتابة، فالمتجه حينئذ في المقام الزيادة كما هو واضح، و تكون المسألة دورية تحتاج إلى الاستخراج بالجبر و المقابلة على حسب ما سمعته في نظائرها من مسائل العتق.

ثم لا يخفى عليك أنه قد بان لك في المباحث السابقة جواز عتق السيد المكاتب، لأنه باق على ملكه، إنما الكلام في عتقه بالعوارض كالجذام و العمى و الإقعاد و التنكيل؟ الظاهر ذلك لإطلاق الأدلة، لكن في الدروس عندي فيه نظر ينشأ من تشبثه بالحرية، فلا يدخل تحت لفظ المملوك، و من بقاء حقيقة الرقية، و من ثم لو أسلم في دار الحرب قبل مولاه عتق، و لا يخفى عليك ما في الوجه الأول، و الله العالم. هذا كله في التدبير و الكتابة.

[كتاب الاستيلاد]

[الأول في كيفية الاستيلاد]

و أما الاستيلاد فيستدعي بيان أمرين:

ج 34، ص: 372

الأول:

في كيفية الاستيلاد الذي هو عنوان لجملة أحكام شرعية مخالفة للأصول و القواعد، كعدم جواز نقلها و انعتاقها من نصيب ولدها و غير ذلك من أحكامها التي ستعرف بعضها و تقدم في الكتب السالفة بعض آخر.

و كيف كان ففي المتن هو يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه و في القواعد «و هو يثبت بوطء أمته و حبلها منه- ثم قال-: و إنما يثبت حكم الاستيلاد بأمور ثلاثة: (الأول) أن تعلق منه بحر، و إنما تعلق بمملوك من مولاها في موضعين: أن يكون الواطي عبدا قد ملكه مولاه الموطوءة و قلنا إنه يملك بالتمليك و أن يكون الواطئ مكاتبا اشترى جارية للتجارة، فإن الجارية مملوكته، و لا يثبت حكم الاستيلاد في الأول، و أما الثاني فإن عجز استرق المولى الجميع، و إن عتق صارت أم ولد، و ليس للمكاتب بيعها قبل عجزه و عتقه، (الثاني) أن تعلق منه في ملكه إما بوطء مباح أو محرم كالوطء في الحيض و النفاس و الصوم و الإحرام و الظهار و الإيلاء، و لو علقت في غير ملكه لم تكن أم ولد، سواء علقت بمملوك كالزنا و العقد مع اشتراط الولد، أو بحر كالمغرور و المشتري إذا ظهر الاستحقاق، (الثالث) أن تضع ما يظهر أنه حمل و لو علقة، أما النطفة فالأقرب عدم الاعتداد بها» و ستسمع في كلام المصنف الإشارة إلى بعض ذلك.

و في الإيضاح «كل مملوكة علقت من مالك حر حين ملكه بحر يلحق به شرعا فهي أم ولد له حقيقة شرعية».

و في الدروس «هي من حملت من مولاها بحر في ملكه» إلى غير ذلك من كلماتهم، إلا أني لم أجد في شي ء مما وصل إلى من النصوص التعرض لبيان تمام

ج 34، ص: 373

موضوعها إلا ما تسمعه من خبر ابن مارد (1)

فالمتجه عدم لحوق حكم الاستيلاد في محال الشك.

و على كل حال ف لو أولد أمة غيره ولدا مملوكا للزنا أو للعقد المشترط فيه عليه ذلك بناء على صحته أو لغير ذلك ثم ملكها لم تصر أم ولد ل- ه و إن ملكها بعد ذلك عندنا و عند جماعة في المبسوط للأصل و غيره سواء ملكها حاملا أو بعد ولادتها.

و لو أولدها ولدا حرا تابعا له لشبهة أو لعدم اشتراط الرقية أو لغير ذلك ثم ملكها قال الشيخ في المبسوط تصير أم ولده على الأقوى للصدق، بل في الخلاف صيرورتها أم ولد في الأول إذا ملكها و ملك ولدها بعد ذلك، بل لعله ظاهر ابن حمزة أيضا للصدق، إلا أن المشهور بينهم شهرة عظيمة خلاف ذلك للأصل بعد انسياق غير الفرض من الإطلاق الذي لا عموم فيه و لم يسق لبيان الموضوع و خصوص ما في رواية ابن مارد (11) (2) عن أبي عبد الله عليه السلام المنجبرة بما سمعت من أنها لا تصير أم ولد (12) ل- ه (13)

قال: «في رجل يتزوج أمة فتلد منه أولادا ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له في بيعها، قال: هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك، و إن شاء أعتق»

بل ظاهرها مع حرية الولد فضلا عن رقيته.

نعم لا فرق في صيرورة أمته التي علقت منه أم ولد بين كونه على وجه محلل أو محرم بحيض أو نفاس أو إحرام أو ظهار أو نحو ذلك، بل في القواعد «لو زوج أمته ثم وطأها فعل محرما، فان علقت منه فالولد حر، و يثبت للام حكم الاستيلاد» بل فيها أيضا «لو ملك امه أو أخته أو بنته من الرضاع انعتق على الأصح، و قيل لا ينعتقن، فلو وطأ إحداهن فعل حراما، و يثبت لهن حكم الاستيلاد» و نحوه عن المبسوط، و لعله لصدق أم الولد و إن كان لا يخلو من نظر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الاستيلاد الحديث 1.

ج 34، ص: 374

أو منع مع العلم بالتحريم، لنفي الولد عنه شرعا و لثبوت الحد عليه، و من هنا مال في الدروس إلى العدم، بل عنه و عن غيره القطع بالعدم. و ربما يشهد له- مضافا إلى ما ذكرنا- ما سمعته من خبر ابن مارد، ضرورة عدم صدق حدوث الحمل عنده على المزوجة.

بل قد يقال: إن المستفاد من الأدلة أن يملك وطءها و إن حرم عليه بالعارض لحيض أو نفاس بخلاف المزوجة و البنت و الأخت، فإنه لا يملك وطءهن و إن ملكهن حتى الأولى التي ملك بضعها غيره بالعقد.

و لو اشترى مزوجة الأمة فأتت بولد يمكن تجدده بعد الشراء و قبله ففي القواعد «قدمت أصالة عدم الحمل على أصالة عدم الاستيلاد أما لو نفاه فإنه ينتفي الاستيلاد قطعا، و في افتقار نفي الولد إلى اللعان إشكال» و لعله من أنه ولد مملوكته المحكوم هنا بتأخر حملها، و من أنه ولد من كانت زوجته، و الأصل بقاء الفراش مع قوة فراش العقد الدائم، و لحوق النسب و عدم الاكتفاء بالاحتمال في نفسه.

قلت: قد تقدم في اللعان ما يستفاد منه تحقيق ذلك، فلاحظ و تأمل، كما أنه تقدم في المباحث السابقة ما يستفاد منه تحقيق ذلك، فلاحظ و تأمل، كما أنه تقدم في المباحث السابقة ما يستفاد منه عدم ثبوت مثل موضوع أم الولد بأصالة عدم تأخر الحمل.

و لو وطأ المرهونة فحملت دخلت في حكم أمهات الأولاد و لو من غير إذن المرتهن بلا خلاف و لا إشكال.

إنما الكلام في جريان حكم الاستيلاد بالنسبة إلى المرتهن، فيجب على الراهن وضع رهن غيره أو الوفاء، و عدمه، لتقدم حقه على الاستيلاد، أو التفصيل بين الموسر و المعسر، فيجب على الأول الإبدال أو الوفاء دون الثاني كما عن الخلاف، و في قواعد الفاضل «هو الأقرب» و عن المبسوط و السرائر «أنه لا يبطل الرهن مطلقا لتأخر الاستيلاد عنه» و عن غيرهما بطلانه لا مطلقا لإطلاق النهي (1)


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الاستيلاد الحديث 1.

ج 34، ص: 375

عن بيع أمهات الأولاد، و عن ثالث التفصيل بين الوطء باذن المرتهن فيبطل و بلا إذنه فلا يبطل، و ربما احتمل عدم الخلاف في عدم بطلان الرهن، لبقاء الملك عليها و جواز موت الولد، و إنما الخلاف في جواز بيعها. هذا و قد تقدم الكلام في المسألة في كتاب الرهن (1).

و لو أولد أمة القراض ففي القواعد «يبطل القراض فيها، و إن كان فيها ربح جعل الربح في مال المضاربة» قلت: مع ظهور الربح و قلنا بملك العامل يتجه حينئذ أن يكون حكمها حكم الأمة المشتركة إذا أولدها أحد الشريكين، و الله العالم.

و كذا في جميع ما ذكرنا لو وطأ الذمي مثلا أمته ف أولدها أو حملت منه، لعدم الفرق في أمهات الأولاد بين المسلم و غيره لإطلاق الأدلة و لكن لو أسلمت بيعت عليه كما عن السرائر و موضع من المبسوط قطعا لسبيله.

و قيل و القائل الشيخ أيضا في المحكي من خلافه و موضع آخر من المبسوط يحال بينه و بينها و تجعل على يد امرأة ثقة و لا يمكن من التصرف فيها و التسلط عليها، عملا بعموم النهي عن بيعها (2)

و عن المختلف تستسعى في قيمتها جمعا بين الحقين.

و الأول أشبه عند المصنف و قد تقدم في كتاب البيع (3) ما يستفاد منه تحقيق ذلك، فلاحظ و تأمل.

و يكفي في إجراء حكم أم الولد علوقها بما هو مبدأ انسان و لو علقة بلا خلاف أجده، بل في الإيضاح الإجماع عليه، و في

صحيح ابن مسلم (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «في جارية لرجل و كان يأتيها فأسقطت سقطا منه بعد ثلاثة أشهر،


1- 1 راجع ج 25 ص 208.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
3- 3 راجع ج 22 ص 334- 338.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الاستيلاد الحديث 1.

ج 34، ص: 376

قال: هي أم ولد»

و منه يعلم حينئذ أن المراد بأم الولد من حملت بما هو مبدأ نشوء ولد، و إلا فالسقط بعد ثلاثة أشهر ليس بولد قطعا، فيبطل حينئذ التصرف بها حينه، و لا ريب في أن المضغة و العلقة كذلك بل و النطفة مع فرض بقائها في الرحم و انعقادها ولدا، و ربما يشهد لذلك معلومية بطلان بيع الأمة إذا واقعها سيدها و باعها بلا فصل ثم بان أنها من تلك المواقعة قد حملت.

نعم لو فرض أنها ألقتها نطفة و كان التصرف بها حال وجودها فيها اتجه حينئذ الحكم بصحة البيع، لعدم العلم بكونها نشوء آدمي، إذ لعلها فاسدة، بخلاف ما لو ألقتها علقة، فإنه يعلم كونها نشوء آدمي، فيبطل التصرف بها المقارن لحال كونها نطفة.

و على ذلك يحمل كلام الأصحاب الذي منه ما في الدروس قال: «و لا بد مع الاشتباه من شهادة أربع من النساء ذوات الخبرة بأن ذلك مبدأ خلق آدمي و لو مضغة أما النطفة فلا، خلافا للشيخ، و الفائدة ليس في استتباع الحرية، لأنها تزول بموت الولد، فكيف بعدم تمامه عندنا، بل في إبطال التصرفات السابقة على الوضع بالبيع و شبهه».

لكن في الرياض بعد أن ذكر تحقق أم الولد بعلوقها بما يكون نشوء آدمي و لو مضغة قال: «و لا عبرة بالنطفة وفاقا للأكثر، للأصل و عدم تسميتها ولدا في العرف، و هو و إن جري في نحو المضغة على تقدير تسليمه لكن تلحق بالولد بالإجماع، خلافا للنهاية فألحقها به أيضا، نظرا منه إلى بناء الاستيلاد على التغليب، و لذا يعتد بالعلقة و المضغة، و النطفة بعد استقرارها للصورة الإنسانية تشبه العلقة في الجملة، و هو كما ترى».

قلت: إن كان مراده ما ذكرناه فذاك و إلا كان محلا للنظر، ضرورة عدم الفرق بين النطفة و غيرها بعد تبين انعقادها و صيرورتها نشوء آدمي، فيبطل البيع حينئذ من حين وقوع النطفة في رحمها:

ج 34، ص: 377

هذا، و في الرياض أيضا أن إطلاق العبارة و غيرها من عبائر الجماعة كالنصوص و به صرح جملة من الأصحاب أنه لا يشترط الوطء، بل يكفي مطلق العلوق منه.

و فيه أن المنساق من إطلاق النص و الفتوى الأول الذي قد عبر به أيضا بعض، و لا أقل من الشك، و قد عرفت أن الأصل بقاء حكم القن.

و بذلك كله ظهر لك الوجه في الأمور الثلاثة التي ذكرها الفاضل فيما حكيناه عنه من عبارة القواعد، كما أنه ظهر لك في بحث المكاتبة الحال في المكاتب إذا وطأ أمته التي اشتراها للتجارة، فلاحظ و تأمل.

[الأمر الثاني في الأحكام المتعلقة بأم الولد]
[المسألة الأولى أم الولد مملوكة ما دام مولاها حيا]

الأمر الثاني في الأحكام المتعلقة بأم الولد، و فيه مسائل:

الأولى:

أم الولد مملوكة ما دام مولاها حيا بلا خلاف و لا إشكال، فيجوز له التصرف بها بغير النقل كالوطء و الإجارة و غيرهما، و في

صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن أم الولد، فقال: أمة»

و في

خبر ابن بزيع (2)

«سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها من غير طيب نفسها من خدم أو متاع أ يجوز ذلك له؟ قال: نعم إذا كانت أم ولده»

إلى غير ذلك.

بل لا تتحرر بموت المولى، بل من نصيب ولدها إن كان له نصيب، و إلا- كما لو كان غير وارث لمانع من الموانع- بقيت على الملك، للأصل و ظهور النصوص في أن عتقها من نصيب ولدها، بل هو صريحها، ففي

الصحيح (3)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاستيلاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد الحديث 1.

ج 34، ص: 378

«إن كان لها ولد و ترك مالا جعلت في نصيب ولدها»

و في المرسل (1) كالصحيح (2)

«إن كان لها ولد قومت على ولدها من نصيبه»

و نحوهما غيرهما (3)

فلا تعتق من أصل التركة و لا من مال ولدها غير نصيبه من التركة.

بل في الدروس «و يجوز بيعها إذا مات مولاها و الدين يستغرق تركته، إذ لا إرث، فلا نصيب لولدها الذي عتقها بعد الوفاة مستند إليه» و إن كان قد يناقش بأن الأصح انتقال التركة إلى الوارث و إن كان الدين مستغرقا، فيتجه انعتاق نصيبه منها بملكه و إن كان الدين مستغرقا، لكن قد يدفع بظهور النص (4)

في انعتاقها من نصيب ولدها الذي لا تعلق حق فيه، و الفرض في المقام تعلق حق الدين بها، و إن قلنا بملك الوارث، اللهم إلا أن يكلف الولد بما يخصها من الدين، أو هي بالسعي، و هما لا دليل عليهما، بل ظاهر الأدلة خلافهما فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في ملك السيد لها لكن هي و إن كانت كذلك لا يجوز ل ه أي المولى بيعها ما دام ولدها حيا إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على المولى و لا وجه لأدائه إلا منها و كذا يجوز للوارث بيعها فيه على الوجه المزبور، و أما في غيره من الديون بل و غير الديون من المواضع المخصوصة فقد أشبعنا الكلام فيها في البيع (5) بل أشبعنا الكلام في جملة من أحكامها فيه و في غيره من الكتب السابقة، فلا وجه لإعادته.

و منها أنه لو مات ولدها في حياة أبيه رجعت طلقا و جاز التصرف فيها بالبيع و في غيره من التصرفات نصا (6)

و فتوى، بل الظاهر ذلك حتى لو خلف ولدها ولدا، لانسياق ولد الصلب من النصوص و إن قلنا: إنه ولد حقيقة، فلا يشملها حينئذ إطلاق أم الولد. و تندرج في النصوص (7)

المتضمنة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الاستيلاد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد الحديث.
5- 5 راجع ج 22 ص 374 و 375.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الاستيلاد.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الاستيلاد.

ج 34، ص: 379

لحكم من مات ولدها، فما عن بعض- من كونها أم ولد بذلك- واضح الضعف و إن قال بعض: إنه متجه لو كان وارثا لجده، لانعتاق نصيبه منها عليه دون ما إذا لم يكن وارثا لانتفاء الملك المقتضي للعتق، بل ربما جعل هذا التفصيل قولا في المسألة، و في الدروس أنه ثالث الأوجه، و فيه أن انعتاق قدر نصيبه منها لا يقتضي كونها أم ولد على وجه تلحقها أحكامها التي منها عدم جواز بيعها، و منها انعتاقها أجمع من نصيب الولد، للنص و الإجماع، لا نصيب الولد منها خاصة، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا مات مولاها و ولدها حي جعلت في نصيب ولدها و عتقت عليه]

المسألة الثانية:

إذا مات مولاها و ولدها حي جعلت في نصيب ولدها و عتقت عليه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه هنا، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (1) التي منها

خبر محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيما رجل ترك سرية لها ولد أو في بطنها ولد أو لا ولد لها فإن أعتقها ربها عتقت، و إن لم يعتقها حتى توفي فقد سبق فيها كتاب الله، و كتاب الله أحق فإن كان لها ولد و ترك مالا جعلت في نصيب ولدها» و زاد في الفقيه «و يمسكها أولياؤها حتى يكبر الولد، فيكون هو الذي يعتقها إنشاء الله، و يكونون هم يرثون ولدها ما دامت أمة، فان أعتقها ولدها عتقت، و إن توفي عنها ولدها و لم يعتقها فان شاؤوا أرقوا، و إن شاؤوا أعتقوا»

و غيره من النصوص التي منها علم الحكم المزبور و إن كان مخالفا للأصل لأن أقصى ما تقتضيه قاعدة انعتاق القريب أن ينعتق عليه منها مقدار ما يخصه منها و لا يسري عليه لأنه عتق قهري لا اختياري إلا أن النصوص المزبورة المعتضدة بعمل الأصحاب دلت على عتقها عليه أجمع و احتسابها من نصيبه.


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد الحديث 1 و 2.

ج 34، ص: 380

نعم لو لم يكن له سواها تركة و كان له ورثة متعددون أعتق نصيب ولدها منها لقاعدة القريب و سعت في الباقي في المشهور. لما سمعته سابقا في كل من تحرر بعضه، و لا تقوم على ولدها إن كان له مال غيرها، لأن انعتاقها عليه قهري، و قد عرفت في كتاب العتق عدم السراية، مضافا إلى ظهور نصوص (1) المقام في انعتاقها عليه من خصوص النصيب لا من غيره، و إلى خصوص

مقطوع يونس (2)

«في أم ولد- إلى أن قال-: فان كان لها ولد و ليس على الميت دين فهي للولد، و إذا ملكها الولد فقد عتقت بملك ولدها لها، و إن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها، و تستسعى في بقية ثمنها»

خلافا للمبسوط و الإسكافي على ما حكي عنهما، فحكما بالسراية عليه،

للنبوي (3)

«من ملك ذا رحم فهو حر»

و هو مع قصوره عن المعارضة لما عرفت من وجوه ظاهر في من ملكه بأجمعه لا بعضه كما في المقام.

و لكن في رواية أبي بصير (4) عن الصادق عليه السلام تقوم على ولدها إن كان موسرا

قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات، قال: إن شاء أن يبيعها باعها، و إن مات مولاها و عليه دين قومت على ابنها فان كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر، ثم يجبر على قيمتها، و إن مات ابنها قبل امه بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة».

و هي و إن كانت موثقة إلا أنها مهجورة لم يحك العمل بها إلا عن الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار، و قد رجع عنها على ما قيل في غيرها، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الاستيلاد الحديث 3.
3- 3 المستدرك الباب- 12- من كتاب العتق الحديث 1.
4- 4 الاستبصار ج 4 ص 14 الرقم 41.

ج 34، ص: 381

الدروس عن الشيخ حمل الدين فيها على ثمنها، و أنه لو مات قبل البلوغ قضى منها الدين، ثم حكى عن ابن حمزة إلحاق غيره من الديون به عملا بإطلاق الرواية.

و على كل حال فالرواية غير نقية الدلالة على المطلوب، ضرورة كونها في الدين نحو

خبره الآخر (1)

«أي رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات إن شاء أن يبيعها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها باعها، و إن كان لها ولد قومت على ابنها من نصيبه، و إن كان ابنها صغيرا انتظر حتى يكبر، ثم يجبر على ثمنها، و إن مات ابنها قبل امه بيعت في ميراثه إن شاء الورثة»

و خبره الثالث (2) عنه عليه السلام أيضا «في رجل اشترى جارية يطأها فولدت له فمات، قال: إن شاؤوا أن يبيعوها باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها، و إن كان لها ولد قومت على ولدها من نصيبه، و إن كان ولدها صغيرا انتظر به حتى يكبر».

اللهم إلا أن يكون وجه الاستدلال بها أنه إذا قومت عليه في الدين تقوم عليه في غيره، ضرورة كون المرجع فيهما إلى الوارث و إن أداه في الدين، لأن التركة على الأصح تنتقل إلى الوارث و إن تعلق بها حق الدين، و لعل ما في هذه النصوص (3)

و ذيل خبر محمد بن قيس (4)

السابق محمول على استحباب انتظار الولد إذا كان على الميت دين و لا تركة سواها حتى يكبر لو كان صغيرا، و استحباب وفاء الدين للولد حتى تعتق حينئذ عليه، و حينئذ لا تكون مما نحن فيه من أنها تقوم عليه مع عدم تركة سواها، فتأمل جيدا.

و كيف كان فظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم السراية مع الإعسار، خلافا للمحكي عن ابن حمزة من السراية عليه، و أنه يستسعى في قيمتها، و لعله قرأ المقطوع


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب بيع الحيوان الحديث 5 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد الحديث 4 و الباب- 24- من أبواب بيع الحيوان الحديث 5 و الاستبصار ج 4 ص 14 الرقم 41.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد الحديث 2.

ج 34، ص: 382

السابق بالياء، و الذي رأيناه بالتاء المثناة من فوق، بل في الرياض هو كذلك في النسخة الصحيحة المضبوطة، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا أوصى لأم ولده قيل تعتق من نصيب ولدها و تعطى الوصية]

المسألة الثالثة:

إذا أوصى لأم ولده صح بلا خلاف و لا إشكال، و لكن قيل و القائل جماعة تعتق من نصيب ولدها و تعطى الوصية، و قيل و القائل جماعة تعتق من الوصية، فإن فضل منها شي ء عتقت من نصيب ولدها و هو أشبه عند المصنف، و قيل كما عن الإسكافي بالتخيير بينهما، و قيل كما عن الصدوق تعتق من ثلث الميت غير ما أوصى به، و قد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الوصايا و قلنا: إن الأقوى الأول، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها]

المسألة الرابعة:

إذا جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها كغيرها من المملوك، لإطلاق الأدلة و شدة الأمر في الجناية و للمولى فكها، و بكم يفكها؟ قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط: يفكها بأقل الأمرين من أرش الجناية و قيمتها، لأن الأقل إن كان هو الأرش فظاهر، و إن كان القيمة فهي بدل العين تقوم مقامها، و الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و المولى لا يعقل مملوكه.

و قيل و القائل الشيخ أيضا بأرش الجناية بالغا ما بلغ، لإطلاق الأدلة. و هو الأشبه عند المصنف نحو ما سمعته في المكاتب إلا أن الأقوى خلافه كما عرفت، و إن شاء دفعها إلى المجني عليه.

ج 34، ص: 383

و في رواية مسمع بن عبد الملك (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «أن أم الولد جنايتها في حقوق الناس على سيدها، و إن كان في حقوق الله تعالى في الحدود فان ذلك على بدنها، يقاص منها للمماليك» و عمل بها الشيخ في المحكي من ديات مبسوطة نافيا الخلاف فيه إلا من أبي ثور، فجعله في ذمتها تتبع به بعد العتق، و ربما مال إليه بعض من تأخر عنه، مؤيدا له ببعض الوجوه الاعتبارية و لا ريب في ضعفه، لإطلاق أو عموم ما دل (2)

على تعلق الجناية برقبة المملوك، بل يمكن حمل خبر مسمع المزبور على أن للسيد الفداء، و الله العالم.

و لو جنت على جماعة دفعة أو متعاقبا و لم يتخلل فداء فالخيار للمولى أيضا بين فديتها بأقل الأمرين من أرش مجموع الجنايات أو القيمة أو أرش كل جناية بالغا ما بلغ و بين تسليمها إلى المجني عليهم أو ورثتهم فيسترقونها على قدر الجنايات نحو ما سمعته في المكاتب، و إن تخلل كان الفداء أو التسليم لغيره.

و في الدروس «لو جنت على جماعة و لما يضمن السيد فعليه أقل الأمرين من قيمتها و الأرش. و إن ضمن للأول فظاهر المبسوط أنه لا ضمان عليه بعد إذا كان قد أدى قيمتها، بل يشاركه من بعده فيما أخذ» قلت: هو غريب، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 من كتاب القصاص.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.

ج 34، ص: 384

[المسألة الخامسة في الكلام في رواية محمد بن قيس]

المسألة الخامسة:

روى محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام

في الموثق بل في نهاية المرام في الصحيح في وليدة نصرانية أسلمت عند رجل و ولدت منه غلاما، فمات فانعتقت و تزوجت نصرانيا و تنصرت و ولدت، فقال: ولدها لابنها من سيدها، و تحبس حتى تضع، فإذا ولدت فاقتلها، و لفظها

«قضى علي عليه السلام في وليدة كانت نصرانية فأسلمت عند رجل فولدت لسيدها غلاما، ثم إن سيدها مات فأصابها عتاق السراية، فنكحت رجلا نصرانيا داريا، و هو العطار، فتنصرت، ثم ولدت ولدين و حملت آخر، فقضى فيها أن يعرض عليها الإسلام فأبت، قال: أما ما ولدت من ولد فإنه لابنها من سيدها الأول، و احبسها حتى تضع ما في بطنها، فإذا ولدت فاقتلها».

إلا أني لم أجد عاملا بها حتى أن الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار شاذة و غيرها قال يفعل بها ما يفعل بالمرتدة عن ملة و ما ذاك إلا لأن الرواية شاذة شذوذا لا يجوز العمل بها معه فيما هو مخالف للعمومات القاضية بكونها كالمرتدة و بقاء ولدها على الحرية، فلا بد من قصر الخبر المزبور على أنه قضية في واقعة رأي أمير المؤمنين عليه السلام المصلحة في قتلها و لو من حيث زناها بنصراني أو غير ذلك، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الاستيلاد الحديث 1. و بهذه- و الحمد لله- أنهينا تعاليقنا على الجزء 34 من كتاب جواهر الكلام بجوار سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه آلاف التحية و الثناء، و أقدم شكري المتواصل إلى العلامة الأخ الشيخ محمد القوچاني لمشاركته في إنجاز العمل، و أسأل عز و جل أن يوفقنا لإتمام هذا العمل الجبار و إلحاق الأواخر بالاوائل انه سميع بصير. محمود القوچاني النجف الأشرف- 16- ج 2- 96.

ج 34، ص: 385

[المسألة السادسة لا يجري حكم الاستيلاد إلى الأولاد]

المسألة السادسة:

لا يجري حكم الاستيلاد إلى الأولاد للأصل و غيره، فلو تزوجت بعبد أو حر شرطت رقية أولاده كان أولادها منه عبيدا يجوز بيعهم في حياة المولى و بعد وفاته.

[المسألة السابعة لو ماتت أم الولد قبل أن يفديها السيد]

المسألة السابعة:

لو ماتت أم الولد قبل أن يفديها السيد لم يجب على المولى شي ء، للأصل بعد تعلق الجناية برقبتها، و لو نقصت قيمتها و أراد الفداء ففي القواعد:

«فداها بقيمتها يوم الفداء، و لو زادت زاد الفداء، و يجب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد».

[المسألة الثامنة لو كسبت بعد جنايتها شيئا فهو لمولاها]

المسألة الثامنة:

لو كسبت بعد جنايتها شيئا فهو لمولاها دون المجني عليه، نعم لو كسبت بعد الدفع فهو للمجني عليه، فلو اختلفا قدم قول المجني عليه، و لو أتلفها سيدها فعليه قيمتها، و كذا لو عيبها فعليه الأرش.

ج 34، ص: 386

[المسألة التاسعة لو باعها مولاها لم يقع موقوفا]

المسألة التاسعة:

لو باعها مولاها لم يقع موقوفا بل باطلا، فلو مات الولد لم ينتقل إلى المشتري و لو كان بعد البيع بلا فصل.

[المسألة العاشرة لا يبطل الاستيلاد بقتلها مولاها عمدا]

المسألة العاشرة:

لا يبطل الاستيلاد بقتلها مولاها عمدا إذا عفي الورثة.

[المسألة الحادية عشر للمولى أرش جناية الأجنبي عليها كغيرها من مماليكه]

الحادية عشر:

للمولى أرش جناية الأجنبي عليها كغيرها من مماليكه، فان كونها أم ولد لا يخرجها عن ذلك، و له ضمان قيمتها على من غصبها.

[المسألة الثانية عشر لو شهد اثنان على إقراره بالاستيلاد]

الثانية عشر:

لو شهد اثنان على إقراره بالاستيلاد و حكم به ثم رجعا غرما له قيمة الولد إن كذبهما في نسبه، و لا يغرمان في الحال قيمة الجارية، لأنهما إنما أزالا سلطنة البيع و لا قيمة له مع احتمال ضمان الأرش للتعيب، بل و لا بعد الموت، لأنها

ج 34، ص: 387

محسوبة على الولد، و هل يرث هذا الولد؟ إشكال فإن قلنا به فالأقرب أن للورثة تغريمهما حصته، و الله العالم.

و تم تصحيحه و تهذيبه في اليوم العشرين من جمادى الثانية يوم ولادة مولاتنا و سيدتنا الزهراء سلام الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها سنة- 1398- و الحمد لله أولا و آخرا و ذلك بيد العبد:

السيد إبراهيم الميانجى عفى عنه و عن والديه

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.